مقدمة
المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
«ربّنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا».
هذا كتاب «شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف» لمؤلفه الحسن بن عبد الله، أبى أحمد العسكرى المتوفى سنة 382هـ. وهو فى الأصل مخطوط، يقع فى مجلدين. يشتمل الأول منهما على جزءين: الأول والثانى فى 192ورقة والمجلد الثانى ويحتوى على الجزء الثالث فى 50ورقة من القطع 14* 5ر 20سم وعدد أسطر الصفحة الواحدة بين 15و 16سطرا. وهو مكتوب بقلم نسخ واضح جلىّ، وعنواناته مكتوبة بالقلم السميك، وليس فيه ما يشير إلى تاريخ النسخ ولا إلى ناسخه، ويغلب على الظن أنه كتب فى القرن السادس الهجرى.
والكتاب محفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 194أدب. وطبع الجزء الأول منه بمطبعة السعادة بالظاهر سنة 1908م. ويقع فى 113صفحة.
ولعل هذا المخطوط هو الأصل الوحيد، فلم نعثر على أصل آخر للكتاب يمكن الرجوع إليه، كما لم نجد أية إشارة فى فهارس المخطوطات التى بين أيدينا إلى نسخة أخرى معتمدة تعتبر أصلا ثانيا نرجع إليه.(1/1)
وقد استعنت على تحقيق مادة الكتاب بالمراجع الأصول من كتب اللغة والأدب والتاريخ ودواوين الشعراء والمعاجم اللغوية والجغرافية وغيرها مما أشرت إليه فى هوامش الصفحات أو فى آخر الكتاب، واستأنست بالمطبوع فى طبع الجزء الأول.
وقد حرصت على ضبط النص والعناية بالشكل حتى يرتفع الإشكال، ويتحقق الغرض الذى من أجله ألف الكتاب. كما رأيت والكتاب من أمهات المراجع اللغوية أن أضيف إليه هوامش وتعليقات تكمل نقصا أو تفسر غريبا أو توضح غامضا. كذلك عنيت بالتعريف بكثير ممن وردت أسماؤهم فى الكتاب من اللغويين والنحاة والشعراء وغيرهم.
وربما كان من الخير أن أقدم للكتاب بمقدمة موجزة تعرف بمؤلفه، وبكتابه، وبمنهجه فى تأليف هذا الكتاب، والله الموفق.(1/2)
المؤلف
هو الحسن بن عبد الله بن سعيد بن زيد بن حكيم، أبو أحمد العسكرى، العلامة اللغوى.
كانت ولادته بعسكر مكرم، إحدى مدن خراسان فى شوال سنة 293هـ.
وفيها استهلّ حياته الدراسية، وعلى أيدى أساتذتها تلقى العلم، وتزود من المعرفة، قبل أن يرحل للقاء العلماء ومجالسة الأدباء فى مراكز العلم وحواضره.
والمترجم له هو وتلميذه وابن أخته، فيما يقال، أبو هلال العسكرى. كانا من أنبه من أنجبته هذه المدينة ذكرا وأخلدهم أثرا. وكان كل منهما إماما حجة وعالما ثقة.
اشتهر أبو هلال بالأدب والشعر وعرف بكتابة الصناعتين
وتميز ثانيهما، أبو أحمد، بالتبحر فى اللغة والبراعة فى التحقيق والدقة فى التمحيص، وليس هذا بغريب على أبى أحمد، فشغفه بالعلم، ورحلته فى طلبه، وسعيه للقاء العلماء والاستماع لهم، والتقييد عنهم، ومدارستهم والرواية لأخبارهم.
كل ذلك كان له أثر فى تكوينه العلمى وفى غزارة إنتاجه، وكتابه شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف شاهد على صدق التحرى والدقة فى الضبط، وهو مرآة ينعكس عليها مقدار ثقافته، وسعة اطلاعه، ومدى تأثره بمن لقيهم من أئمة اللغة والعلماء، فى بغداد والبصرة وأصبهان وغيرها فكانوا له شيوخا وأساتذة.
شيوخه:
منهم أبو محمد بن عبد الله الأهوازى وأبو بكر بن دريد، ونفطويه وأبو جعفر بن زهير وأبو القاسم البغوى وابن أبى داود السجستانى وابن الأنبارى
ومحمد بن يحيى وعبد الرحمن بن مندويه الشاعر الأصفهانى. ويبدو أن صلته بابن دريد كانت أقوى منها بغيره من العلماء، فهو كثير النقل عنه والرواية له يسأله آنا، ويقرأ عليه أحيانا ويكتب عنه ما يمليه عليه تارة، ويروى عنه كثيرا.(1/3)
منهم أبو محمد بن عبد الله الأهوازى وأبو بكر بن دريد، ونفطويه وأبو جعفر بن زهير وأبو القاسم البغوى وابن أبى داود السجستانى وابن الأنبارى
ومحمد بن يحيى وعبد الرحمن بن مندويه الشاعر الأصفهانى. ويبدو أن صلته بابن دريد كانت أقوى منها بغيره من العلماء، فهو كثير النقل عنه والرواية له يسأله آنا، ويقرأ عليه أحيانا ويكتب عنه ما يمليه عليه تارة، ويروى عنه كثيرا.
والكتاب حافل بالشواهد الدالة على ذلك. فما أكثر ما يقول: سألت ابن دريد عن كذا وقرأت على أبى بكر وأنشدنى أبو بكر وسمعت أبا بكر يقول وهو فى كل هذا يناقش ويمحص الرأى ويتحرى الصواب. فهو يروى أنه قرأ على ابن دريد شيئا من نوادر ابن الأعرابى فى تفسير شعر امرئ القيس فإذا ابن الأعرابى يفسره تفسيرا عجيبا لا يرتضيه ابن دريد ولا يرتاح إليه أبو أحمد فيسأل: هل قيل فيه غير هذا؟ فيجيبه نعم ثم يملى عليه وحرصه على ظلب المعرفة يدفعه إلى البحث عنها فى مظانها، فإذا لم يجد ما يشفى غلته عند ابن دريد سأل غيره، فقد سأل مرة ابن دريد عن كنية امرئ القيس فتوقف، فسأل أبا الحسين النسابة فأجاب. والأمثلة كثيرة تنبئ عن صحة ما نقول.
وقد جعل منه شغفه بالعلم وحرصه على الدقة فى الرواية والتثبت من الخبر إماما حجة انتهت إليه الرياسة فى التدريس، وصار كعبة الرواد من طلاب العلم، يستمعون إليه ويروون عنه، ومنهم من كانت له الصدارة فى عصره ومجلسه.
فممن أخذ عنه: أبو عتاد الصائغ التسترى، وذو النون بن محمد، والحسن بن أحمد الجرهمى وأبو العباس الشروطى، وأبو بكر أحمد بن يحيى الأصفهانى المعروف باليزدى، وأبو الحسن على بن أحمد المعروف بالنعيمى الفقيه الحافظ.
وأبو على الحسن بن على بن إبراهيم المقرئ الأهوازى، وكان يجتمع إليه بالبصرة فيما يقال أبو رياش وأبو الحسن بن لنكك وغيرهما.
لقاؤه للصاحب بن عباد:
كما أن فضله وشهرته جعلا الوزير الصاحب أبا القاسم إسماعيل بن عباد
يتمنى لقاءه ويكاتبه ويستميل قلبه ليسعى إليه ولكنه كان يعتذر بالشيخوخة والكبر وفى ذلك يقول أبو الحسن على بن المظفر البندنيجى (1):(1/4)
كما أن فضله وشهرته جعلا الوزير الصاحب أبا القاسم إسماعيل بن عباد
يتمنى لقاءه ويكاتبه ويستميل قلبه ليسعى إليه ولكنه كان يعتذر بالشيخوخة والكبر وفى ذلك يقول أبو الحسن على بن المظفر البندنيجى (1):
«كنت أقرأ بالبصرة على الشيوخ، فلما دخلت الأهواز سنة تسع وسبعين وثلثمائة بلغنى حال أبى أحمد، فقصدت إليه، وقرأت عليه، فوصل فخر الدولة والصاحب بن عباد، فبينا نحن جلوس نقرأ عليه وصل ركابى، ومعه رقعة، ففضّها وقرأها وكتب على ظهرها جوابها. فقلت: أيها الشيخ، ما هذه الرقعة؟
قال: رقعة الصاحب كتب إلىّ:
ولمّا أبيتم أن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فما نقوى على الوخدان
أتيناكم من بعد أرض نزوركم ... وكم منزل بكر لنا وعوان
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان
قلت: فما كتبت إليه فى الجواب؟ قال: قلت:
أروم نهوضا ثم يشنى عزيمتى ... تعوّذ أعضائى من الرّجفان
فضمّنت بيت ابن الشريد كأنما ... تعمّد تشبيهى به وعنانى
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان
قال: ثم نهض، وقال: لا بد من الحمل على النفس فان الصاحب لا يقنعه هذا، وركب بغلته وقصده فلم يتمكن من الوصول إليه لاستيلاء الحشم فصعد تلعة ورفع صوته بقول أبى تمام:
مالى أرى القبة الفيحاء مغلقة ... دونى وقد طالما استفتحت مغلقها
كأنها جنة الفردوس معرضة ... وليس لى عمل زاك فأدخلها
قال: فناداه الصاحب ادخلها يا أبا أحمد، فلك السابقة الأولى، فلقيه وأحسن لقاءه وتداولا الحديث».
__________
(1) معجم الأدباء ج 8ص 333.(1/5)
وهكذا كانت حياته حافلة بالنشاط العلمى تعليما ورواية وتأليفا وظل كذلك إلى أن وافته المنية سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة.
مؤلفاته:
وقد ذكر أن له من الكتب: كتاب المختلف والمؤتلف مما يدخل فيه الوهم على المحدثين، وسماه صاحب كشف الظنون المختلف والمؤتلف فى مشتبه أسماء الرجال، وكتاب ما لحن فيه الخواص، وكتاب علم النظم وسماه ياقوت صناعة الشعر، وكتاب الحكم والأمثال، وكتاب راحة الأرواح، وكتاب الزواجر والمواعظ، وكتاب تصحيح الوجوه والنظائر.
وأهم هذه الكتب كتابه هذا (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف).
عرض للكتاب:
يحدثنا المؤلف فى مقدمة كتابه أنه ألف أول الأمر كتابا كبيرا جامعا لما يحتاج إليه أهل الحديث ونقلة الأخبار ولما يحتاج إليه أهل الأدب (1)، ولكنه نزولا على رغبة أبديت جعل الكتاب كتابين
أحدهما لما يحتاج إليه أهل الحديث وهو مخطوط فى دار الكتب باسم تصحيفات المحدثين وطبع على هامش النهاية لابن الأثير سنة 1326.
والثانى لما يحتاج إليه أهل الأدب وهو هذا الكتاب، وقد قسمه المؤلف أقساما ثلاثة القسم الأول خصه بما روى من أوهام البصريين، بعد مقدمة عرض
__________
(1) ص 5(1/6)
فيهم للتصحيف ومعناه وقبحه وذم المصحفين ونوادر تتصل بذلك. القسم الثانى عرض فيه ما روى من أوهام الكوفيين. والقسم الثالث روى فيه تصحيفات لقوم شتى، جمع فيه ألوانا من التصحيف فى أسماء الشعراء وفى أيام العرب وذكر الفرسان إلى غير ذلك وبه ختم الكتاب
إنصافه للعلماء وتبرؤه من التعصب:
حرص المؤلف على أن يبرز أمرين لهما قيمتهما وتقتضيهما الأمانة العلمية، فضلا عما يصورانه من إكباره للعلماء واعترافه بفضلهم وجهدهم.
أولهما: تبرؤه من التعصب لفريق من العلماء أو مذهب من المذاهب كما فعل غيره ممن سبقوه، وضرب مثلا ببعض شيوخ بغداد الذين تعصبوا على الكوفيين، وأضربوا عن ذكر أوهام البصريين، فهو يرى أن (هذا ليس من الإنصاف فى شىء ولا مشا كلا لأخلاق العلماء المنصفين. فاقتعاد النصفة أولى وتحكيم الحق أحرى) ولهذا بدأ وهو (المتحقق بمذهب البصريين بما روى من أوهامهم ولم يتعصب لهم، ثم تبعه بما روى من أوهام الكوفيين وهو غير متحامل على أحد (1)).
ثانيهما: أنه لم يقصد فى حكايته أوهام العلماء إلى الغض من قدرهم أو الطعن عليهم، وتراه يلتمس العذر لزلتهم بالسهو والإغفال.
ولعل خشيته أن يقع فى بعض ما وقعوا فيه جعله يعتذر عن نفسه بمثل ما اعتذر به عنهم فيقول: (إنه أملى الكتاب وهو مقسم الفكر، مضطرب النفس لأعلال متواصلة، وأعراض متواصية، وفى أقلها ما يذهل وينسى معه ما قد حفظ) (2)
__________
(1) ص 6.
(2) ص 7.(1/7)
وسائل إدراك التصحيف:
لما كان المؤلف يرى أن التصحيف والتحريف يقعان من العامة، ويغلط فيهما بعض الخاصة فقد بين أن كمال الادراك لابد له من دعائم يرتكز عليها، أهمها:
الافتنان فى العلوم، ولقاء العلماء، والأخذ من أفواه الرجال، وعدم التعويل على الكتب الصحفية، فضلا عما ينبغى أن يتوافر للباحث من مواهب وصفات أخرى أساسية فلا بد من ذكاء وفطنة، واستعداد لحمل ثقل العلم واستعذاب لمرارته.
فمن اجتمع له كل هذا كان أهلا للنهوض بالعبء.
والناظر فى الكتاب يشعر أن المؤلف كان أمينا لمبادئه، حريصا على السير فى هداها ومراعاتها، ويتجلى حرصه على الدقة فى رواية الأخبار من عزوفه عن النقل من الصحف واعتماده على الرواية من أفواه الرجال ليتم له التثبت والضبط.
ولهذا نراه فى أكثر أبواب الكتاب إلا فى القسم الأخير منه يسوق الخبر أو المسألة مروية على لسان قائلها، ومسندة إلى رواتها. ولا يعتدّ إلا بما أخذه من أفواه الرجال، أو قرأه عليهم فاذا نقل غير هذا من كتاب فهو يبرأ من تبعته (1).
كذلك نراه حريصا على أن يمحص الخبر لينصف قائله، فمثلا نجده يقول بعد أن ذكر ما جاء عن جارى مكاشرى ومكاسرى، وعن مثقل استعان بذقنه، أو بدفيه (أما قول يعقوب فلأن مكاسرى فهو كما قال، وقد وهم اللحيانى، وأما قوله: بدفّيه، فقد ظلمه يعقوب فى رده) ويذكر السبب، أو يقول متشككا فى صحة الخبر المروىّ، ومبررا لروايته (حكى لى أبو عمر محمد بن عبد الواحد خبرا أنا أوجس منه، ولولا أنه ذكر فى إسناده ابن راهويه ومحله من الصدق فيما يحكيه محل جليل لأمسكت عن ذكره (2)) وكقوله: إن كان أبو الحسين
__________
(1) ص 78.
(2) ص 31.(1/8)
النسابة صدق فى هذه الحكاية فلعله ذاكر أبا بكر وهو حدث، لأن هذا وما هو أدق منه لا يذهب على أبى بكر (1) أو يقول فى خبر آخر (وأنا أظن أن أبا زيد الغالط فى هذا الباب لا أبا عمرو لجهات (2))
وقد يستدرك بالزيادة على بعض المروى فيقول (وقد تركا يعنى محمد ابن حبيب وأبا الحسين جماعة لم يذكراها مما كان يجب أن يكون مع هذا الاسم وقد ذكرته).
وأحيانا يستطرد لتمام الفائدة، كما فعل عند ذكر الخلاف على كلمة (الدبر أو الدير) فى بيت من الشعر، فقد روى أبياتا متفرقة جاءت عن الدير (3)، وهو مع ذلك حريص على عدم لإطالة أو الاستطراد إلا لضرورة أو لغرض (فما قدمه إنما قدمه لأنه أكثر ما يستعمله الناس ويدور فى كتبهم وعلى أفواههم، والذى ذكره من كل شاعر ما يجرى مجرى المثل، ويكثر استعماله، ويحتاج إلى التحرز من التصحيف والاحتراس من التحريف (4)، ومن ذلك اهتمامه (بذكر شعر الشعراء الأربعة: امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى، لأن أشعارهم أكثر ما يدور فى أفواه الناس والتنازع فيها كثير بين العلماء (5)).
وإذا كانت صيغة الرواية المسندة إلى أصحابها هى السمة الظاهرة فى الكتاب فانه قد خرج عليها فى القسم الأخير منه كما أشرنا، فقد اعتمد فى بعض ما كتبه من الأبواب على الجمهرة والاشتقاق لابن دريد، وانتخب من الشعر والشعراء لعبد الرحمن بن مندويه ونقل عن ابن الكلبى بعض أيام العرب ووقائعها واعتمد فى علم الأنساب على المختلف والمؤتلف لابن حبيب (مقتصرا فيما نقله عنه على ما يكثر استعماله مع إضافة أشياء لم يذكرها ابن حبيب مما قرأه فى الجمهرة لابن الكلبى (6)).
__________
(1) ص 59.
(2) ص 47.
(3) ص 168.
(4) 314.
(5) ص 210.
(6) ص 470.(1/9)
كما أنه ينقل عن أبى الحسين النسابة بعض ما لم يذكره ابن حبيب وابن الكلبى ولكنه حريص كعادته على أن ينص على المنقول ويحدده فيقول إلى ههنا عن أبى الحسين النسابة أو يستدرك عليه فيقول (ولم يذكر ابن حبيب فى هذا الباب (1))
ويتم ما أهمله ابن حبيب أو يقول (وقد تركا يعنى ابن حبيب وأبا الحسين جماعة لم يذكراها مما يجب أن يكون مع هذا الاسم (2))
مما تقدم ندرك مبلغ دقة المؤلف وأمانته العلمية وإحاطته بموضوعه مع حرصه على أن يعرض للبحث والتحقيق ما هو مشكل من أمور اللغة والشواهد والأعلام.
وليس من شك فى أن الفضل فى ضبط قواعد اللغة وتصحيح متنها وتعديل رواتها يرجع إلى تأثر رجالها ورواتها برجال الحديث فيما وضعوه من قيود وضوابط وشروط تتصل بسند الحديث ومتنه حتى لا يتطرق الشك إلى المتن ولا يوسم بالضعف أو الوضع لما له من القداسة بعد القرآن الكريم. وقد انعكس صدى العناية بالحديث متنا وسندا إلى رواية اللغة والأدب، وتأثرت بما وضع لها من قواعد ومصطلحات هدفها صيانتها من الخطأ والبعد بها عن التحريف، وهذا الحرص قديم والعناية صاحبت الرواية، وكان صدق التحرى هدف الرواة والعلماء من قبل العسكرى وفى عصره، وكان لهذه الدقة صورها المختلفة، بعضها يتمثل فى صورة ملاحظة عابرة لتصويب رواية بيت من الشعر أو لترجيح رواية على أخرى، نلمح ذلك فى ثنايا الحديث وبمناسبة طارئة ثم يتطور إلى ملاحظات وتقييدات يستدرك بها بعض اللغويين على فصول مما ألفه أو أملاه بعض مشهورى علماء اللغة أو يشير إليها بعض أصحاب المعاجم فى معاجمهم وهذه الظاهرة بدت واضحة فى القرن الرابع الهجرى. فمثلا نرى أبا بكر الزبيدى اللغوى مؤلف مختصر كتاب العين يستدرك على الخليل بن أحمد بعض تصحيفاته، وكذلك فعل ابن
__________
(1) ص 499.
(2) ص 476.(1/10)
دريد، ونرى الجوهرى يستدرك على الأصمعى بعض روايته فى الصحاح وفى الجمهرة كما نرى فى أمالى الزجاج وأمالى القالى استدراكات مشابهة، وفى كتاب التهذيب للأزهرى وكتاب المجمل لابن فارس أو فى شرح المعلقات لأبى جعفر النحاس أمثلة لهذه الملاحظات أو التعقيبات، وما أكثر ما نعثر عليه من إشارات أو نصوص مدونة هنا وهناك كلها ينبىء عن تصحيف أو تحريف، وهى على كل حال ملاحظات جزئية أو تعليقات عارضة، ولكن الأهم من كل هذا هو تقصى الموضوع والتفرغ له وإفراد كتاب بالتأليف فيه.
وقد تصدى لذلك عالم من العلماء المعاصرين لأبى أحمد هو أبو القاسم على ابن حمزة الأصفهانى الذى ألف كتابا يتعقب فيه أغلاط جماعة من الرواة قال فى مقدمته:
(هذا كتاب التنبيهات على أغاليط الرواة فى كتب اللغة والمصنفات، لم نعدل فيه عن سبيلهم ولم نجر عن سننهم فى رد بعض الغلط على بعض وأخذ أحدهم على صاحبه السقط، يتراسلون فى ذلك الرسائل، ويتشاهقون به فى المحافل، ويتساءلون فيها عن المسائل) وبعد المقدمة عرض لبيان أغاليط وقعت فى طائفة من الكتب هى:
نوادر أبى زياد الكلبى، ونوادر أبى عمرو الشيبانى، وكتاب النبات لأبى حنيفة الدينورى، والكامل للمبرد، والفصيح لأبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب، والغريب المصنف لأبى عبيد القاسم بن سلام، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والمقصور والممدود لأبى العباس محمد بن ولاد.
كما أفرد الدارقطنى، علىّ بن عمر مجلدا عرض فيه لتصحيفات المحدثين.
أما أبو أحمد العسكرى فقد ألف فى تصحيفات المحدّثين وفى تصحيفات أهل اللغة والأدب على السواء، ولعله صاحب الحظ الأوفر فى هذا النوع من التأليف، لأن كتابه كان شاملا وموضوعاته منوعة متشعبة وتحقيقاته تتصل بالأعلام
والأماكن والشعر ومادة اللغة والحديث، فلم يقتصر على تعقب كتاب بعينه أو علماء مقصودين لذواتهم، وقد رأى أن يفرد للحديث كتابا وللغة آخر كما أشرنا قبلا حتى يكون ذلك أدنى إلى تحقيق الهدف من التأليف، وليرضى كل كتاب حاجة المتطلعين إلى الدقة والصواب فى مادته، فكل كتاب من هذين الكتابين يحقق هدفا واضحا وينتظم عملا متكاملا ومادة علمية غزيرة، ويجعل من هذا الكتاب ذخيرة لغوية هامة ومرجعا أمينا يعتمد عليه فى تصويب بعض الكلمات اللغوية وتصحيح بعض الروايات، وينقذنا من الحيرة، ويفسر لنا الاضطراب الذى نحسه عند ما نرجع إلى المعاجم الكبيرة للبحث عن معنى كلمة غريبة فى بيت من الشعر، فاذا بالبيت مذكور فى أكثر من مادة شاهدا على معنى بعض المفردات اللغوية الواردة فيه. ويدهشنا أن نرى الكلمة المقصودة بالبحث قد رويت برواية أخرى، ولكن عجبنا يزول عندما ندرك ألا تعدد فى الرواية، وإنما هو تصحيف لكلمة أشكل أمرها على الرواة ونقلها أصحاب المعاجم على أنها رواية أخرى مثل بلع الشيب وبلغ، ومثل يتيم وتئيم، وزبير وربيز، والربلات والرتلات، ومناديل ومباذيل، وغيرها كثير. ومن الواضح أن قائلها لم يقلها إلا على نحو واحد. وكتابنا يفسر هذا المشكل ويوضحه.(1/11)
أما أبو أحمد العسكرى فقد ألف فى تصحيفات المحدّثين وفى تصحيفات أهل اللغة والأدب على السواء، ولعله صاحب الحظ الأوفر فى هذا النوع من التأليف، لأن كتابه كان شاملا وموضوعاته منوعة متشعبة وتحقيقاته تتصل بالأعلام
والأماكن والشعر ومادة اللغة والحديث، فلم يقتصر على تعقب كتاب بعينه أو علماء مقصودين لذواتهم، وقد رأى أن يفرد للحديث كتابا وللغة آخر كما أشرنا قبلا حتى يكون ذلك أدنى إلى تحقيق الهدف من التأليف، وليرضى كل كتاب حاجة المتطلعين إلى الدقة والصواب فى مادته، فكل كتاب من هذين الكتابين يحقق هدفا واضحا وينتظم عملا متكاملا ومادة علمية غزيرة، ويجعل من هذا الكتاب ذخيرة لغوية هامة ومرجعا أمينا يعتمد عليه فى تصويب بعض الكلمات اللغوية وتصحيح بعض الروايات، وينقذنا من الحيرة، ويفسر لنا الاضطراب الذى نحسه عند ما نرجع إلى المعاجم الكبيرة للبحث عن معنى كلمة غريبة فى بيت من الشعر، فاذا بالبيت مذكور فى أكثر من مادة شاهدا على معنى بعض المفردات اللغوية الواردة فيه. ويدهشنا أن نرى الكلمة المقصودة بالبحث قد رويت برواية أخرى، ولكن عجبنا يزول عندما ندرك ألا تعدد فى الرواية، وإنما هو تصحيف لكلمة أشكل أمرها على الرواة ونقلها أصحاب المعاجم على أنها رواية أخرى مثل بلع الشيب وبلغ، ومثل يتيم وتئيم، وزبير وربيز، والربلات والرتلات، ومناديل ومباذيل، وغيرها كثير. ومن الواضح أن قائلها لم يقلها إلا على نحو واحد. وكتابنا يفسر هذا المشكل ويوضحه.
وبعد فلسنا بصدد إحصاء من ألف فى هذا الموضوع، ولكن ينبغى أن نشير إلى كتاب آخر ألف فى القرن الثامن لصلاح الدين بن خليل الصفدى المتوفى سنة 764 لما له من وثيق الصلة بكتابنا هذا، فكتاب الصفدى من ناحية عنوانه وموضوعه وتأثره بكتاب العسكرى واعتماده على كثير مما فيه واضح فى الكتاب كله، فقد سماه تحرير التحرير وتصحيح التصحيف. وقدم له بقوله «إن الأوائل صحفوا ما قل وحرفوا ما هو معدود فى الرذاذ والطل، فأما من تأخر فانهم يصحفون أضعاف ما يصححون ويحرفون زيادات على ما يحررون ولقد عمت المصيبة
ونشأ ذلك فى المحدثين والفقهاء والنحاة وفى أهل اللغة وفى رواة الأخبار وفى نقلة الأشعار. ولم يسلم من ذلك غير القراء لأنهم يأخذون القرآن من أفواه الرجال».(1/12)
وبعد فلسنا بصدد إحصاء من ألف فى هذا الموضوع، ولكن ينبغى أن نشير إلى كتاب آخر ألف فى القرن الثامن لصلاح الدين بن خليل الصفدى المتوفى سنة 764 لما له من وثيق الصلة بكتابنا هذا، فكتاب الصفدى من ناحية عنوانه وموضوعه وتأثره بكتاب العسكرى واعتماده على كثير مما فيه واضح فى الكتاب كله، فقد سماه تحرير التحرير وتصحيح التصحيف. وقدم له بقوله «إن الأوائل صحفوا ما قل وحرفوا ما هو معدود فى الرذاذ والطل، فأما من تأخر فانهم يصحفون أضعاف ما يصححون ويحرفون زيادات على ما يحررون ولقد عمت المصيبة
ونشأ ذلك فى المحدثين والفقهاء والنحاة وفى أهل اللغة وفى رواة الأخبار وفى نقلة الأشعار. ولم يسلم من ذلك غير القراء لأنهم يأخذون القرآن من أفواه الرجال».
من كل ما تقدم يبدو الهدف واضحا والغرض جليا، وإن كان الطريق وعرا.
وإذا كنا نعجب من جهود بعض العلماء وما يكابده الرواة من مشقة فى الرحلة من قطر إلى قطر والتنقل فى البوادى بين الأعراب يحققون كلمة أو يتحرون صحة بيت من الشعر أو خبر من الأخبار، ونكبر فيهم هذا الإخلاص للعلم، وهذه الدقة فى البحث والتحقيق، فان أبا أحمد فيما بذله من جهد وتحمله من مشقة واستعان به من وسائل لتحقيق هدفه، حتى جمع لنا هذه المادة محررة مصفاة وعرضها فى كتابه الذى نقدم له، يجعلنا نكبر فيه صبر العلماء وأناتهم وحرصهم على خدمة العلم وإحقاق الحق ونفى الزيغ ويجعل كتابه مرجعا لغويا هاما يقوم الخطأ ويهدى إلى الصواب.(1/13)
شكر
أتقدم بوافر الشكر وعظيم التقدير لإخوانى بدار الكتب المصرية ومجمع اللغة العربية لما يسروا لى من الوسائل المعينة على تحقيق مادة الكتاب، كما أشكر لهم ولكل من تفضل من الأصدقاء برأى أو ملاحظة، كريم مؤازرتهم، وللمطبعة شكرى على ما تكبدته من عناء وبذلته من جهد فى نشر هذا النص اللغوى الدقيق.
ولله جل شأنه الحمد أولا وآخرا؟
عبد العزيز أحمد(1/14)
الجزء الاول
مقدّمة المؤلّف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على جزيل نعمه، وجميل صنعه، حمدا يبلّغ رضاه، ويمترى (1)
مزيده، وصلى الله على محمد نبيّه، وعلى آله وسلّم.
شرحت فى كتابى هذا الألفاظ والأسماء المشكلة، التى تتشابه فى صورة الخطّ، فيقع فيها التصحيف، ويدخلها التحريف، مما يعرض فى ألفاظ اللغة والشعر، وفى أسماء الشعراء وأيّام العرب، وأسماء فرسانها ووقائعها وأماكنها، وما يعرض فى علم الأنساب وغيرها من الأشكال (2)، فيصحّفها عامّة الناس، ويغلط فيها بعض الخاصة، ولا يكمل لها إلا من افتنّ فى العلوم، ولقى العلماء والرواة، والمتقدمين فى صناعتهم، المتقنين لما حفظوه وأخذ من أفواه الرجال، ولم يعوّل على الكتب الصّحفية (3)، واستقبح لذّة الراحة والتقليد على تعب البحث والتنقير، فوضحت له الدّراية والرواية، بكفاء الطلب (4) والعناية واحترس [2ب] من الخطأ احتراسه من أقبح العيوب، وأعين ببعض الذكاء والفطنة.
فالاحتراس من التصحيف لا يدرك إلا بعلم غزير، ورواية كثيرة، وفهم كبير، وبمعرفة مقدمات الكلام، وما يصلح أن يأتى بعدها، مما يشاكلها، وما يستحيل
__________
(1) يمترى: يستدر ويستخرج.
(2) الإشكال (بالكسر): مصدر أشكل الأمر، بمعنى التبس. (وبالفتح): جمع شكل (بالفتح أيضا) وهو الأمر المشكل.
(3) يريد «بالكتب الصحفية» الكتب التى دخلها التصحيف والتحريف. وسيعرض المؤلف لشرح هذه الكلمة بعد قليل.
(4) بكفاء الطلب، أى على قدر الطلب يقال: الحمد لله كفاء الواجب، أى قدر ما يكون مكافئا له.
1 - التصحيف والتحريف أول(1/15)
مضامّته (1) لها، ومقارنته بها، ويمتنع من وقوعه بعدها (1). وتمييز هذا مستصعب عسر، إلا على أهله، الحاملين لثقله، والمستعذ بين لمرارته. وقد قالت الحكماء:
العلم عزيز الجانب، لا يعطيك بعضه أو تعطيه كلّك. وقالوا: لا يدرك العلم براحة الجسم. وقال بعض المتقدّمين:
أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل (2)
وقال بشر بن المعتمر:
سهرت عيونهم وأن ... ت عن الذى قاسوه حالم (3)
وأخبرنى أبو القاسم البغوىّ (4) قال: أخبرنا أبو الرّبيع الزّهرانى (5)، حدثنى جرير بن عبد الحميد الضّبّى (6) عن مغيرة (7) عن إبراهيم النّخعىّ قال:
__________
(1) فى الأصل: «مصامتها». وظاهر أنها محرفة عما أثبتناه، أو عن «مصاحبتها». والمضامة والمصاحبة بمعنى. كما جاءت الضمائر مؤنثة فيما يليها فكان النص هكذا: مصامتها لها، ومقارنتها بها، ويمتنع من وقوعها بعدها. والسياق اقتضى تذكير ما ذكرناه من ضمائر.
(2) هذا البيت لنوار بنت جل بن عدى لقنته زوجها مالك بن زيد مناة ليرد به على أخيه سعد وينعى عليه سوء رعيه للإبل واشتماله ببرده وعدم نهوضه لرعايتها. وقد ساق القالى هذه القصة فى تفصيل (راجع ذيل الأمالى ص 2928طبع دار الكتب المصرية).
(3) هذا البيت من أبيات لبشر وأولها:
إن كنت تعلم ما أقو ... ل وما تقول فأنت عالم
وله أشعار كثيرة يحتج فيها على أصحاب المقالات، ولم ير أحد أقوى منه على المخمس والمزدوج، وكان فى ذلك أقدر من أبان اللاحقى (راجع الفهرست لابن النديم وأمالى المرتضى ج 1ص 132).
(4) هو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوى ويعرف بابن بنت منيع، وكان مولده سنة أربع عشرة ومائتين. وتوفى سنة سبع عشرة وثلثمائة. وله من الكتب: كتاب المعجم الصغير، كتاب المسند، كتاب السنن على مذهب الفقهاء (راجع الفهرست لابن النديم).
(5) هو سليمان بن داود العتكى، أبو الربيع الزهرانى البصرى الحافظ، سكن بغداد، وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين ومائتين (راجع تهذيب التهذيب).
(6) هو جرير بن عبد الحميد بن قرطة (بضم القاف وسكون الراء) الضبى (نسبة إلى ضبة بن أد) أبو عبد الله الرازى القاضى. ولد بقرية من قرى أصبهان ونشأ بالكوفة ونزل الرى، وكانت وفاته سنة 188 (راجع تهذيب التهذيب).
(7) هو مغيرة بن مقسم (بكسر الميم) الضبى، أبو هاشم الكوفى الفقيه، قيل إنه ولد أعمى، وكانت وفاته سنة اثنتين ومائة (راجع تهذيب التهذيب).(1/16)
سئل ابن عبّاس: أنّى أدركت هذا العلم؟ فقال: بلسان سئول، وقلب عقول.
وقد قال بعض المحدثين:
والنّار فى أحجارها مخبوءة ... ليست ترى (1) إن لم تثرها (2) الأزند
وأخبرنى أبو العبّاس بن عمّار: سمعت سليمان بن أبى شيخ (3) يحكى:
أن الأصمعىّ ذكر يوما بنى أمية أو قال بنى مروان، أنا أشك وشغفهم بالعلم فقال:
كانوا ربما اختلفوا، وهم بالشام، فى بيت من الشعر أو خبر أو يوم من أيّام العرب، فيبردون فيه بريدا إلى العراق.
وأخبرنى أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد: أخبرنا أبو عثمان (4) عن التوزّى (5)
عن أبى عبيدة قال (6):
ما كنا نفقد فى كل يوم راكبا من ناحية بنى أمية ينيخ على باب قتادة (7)
يسأله عن خبر أو نسب أو شعر. وكان قتادة أجمع الناس.
__________
(1) ترى: تشتعل وتتقد، ويجوز أن تكون ترى بالبناء للمجهول من الرؤية وعلى هذا تقابل مخبوءة.
(2) فى الأصل «لم تنرها» وقد يكون مصحفا عما أثبتناه لا تساق المعنى والمناسبة.
(3) سليمان بن أبى شيخ ويكنى أبا أيوب، كان أخباريا راوية لقى جلة الناس، وأخذ عنه أصحاب الأخبار، وله من الكتب كتاب «الأخبار المسموعة» وكان معاصرا لابن النديم (راجع الفهرست).
(4) هو أبو عثمان سعيد بن هارون الأشناندانى، من علماء البصرة. وكان من رجال القرن الثالث الهجرى. ومن كتبه كتاب «معانى الشعر» وكتاب «الأبيات» (انظر الفهرست ونزهة الألباء).
(5) هو أبو محمد عبد الله بن محمد هارون التوزى، مولى لقريش. وكان من أكابر أئمة اللغة أخذ عن أبى عبيدة والأصمعى، وكانت وفاته سنة 233 (راجع بغية الوعاة ونزهة الألباء).
(6) هو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوى البصرى مولى بنى تيم، تيم قريش رهط أبى بكر الصديق، وهو أول من صنف فى غريب الحديث، وله مصنفات غيره، وكان مولده سنة 112، ووفاته سنة 209، وقيل غير ذلك (راجع بغية الوعاة).
(7) هو قتادة بن دعامة بن قتادة، أبو الخطاب السدوسى البصرى، ولد أكمه، وكان فقيها حافظا، وكان مولده سنة 61، وتوفى بواسط فى الطاعون سنة 117، وقيل سنة 118.(1/17)
قال أبو بكر: وأخبرنى ابن أخى (1) الأصمعىّ عن محمد بن سلام الجمحى حدثنى عامر بن عبد الملك المسمعى قال:
[13] لقد كان الرجلان من بنى مروان يختلفان فى بيت شعر فيرسلان راكبا إلى قتادة يسأله.
قال:
ولقد قدم عليه رجل من عند بعض أولاد الخلفاء من بنى مروان فقال لقتادة:
من قتل عمرا وعامرا التّغلبيّين يوم قضّة (2)؟ فقال: قتلهما جحدر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، قال: فشخص بها، ثم عاد إليه فقال: أجل قتلهما جحدر، ولكن كيف قتلهما جميعا؟ فقال: اعتوراه (3). فطعن هذا بالسّنان وهذا بالزّج، فعادى (4) بينهما (5).
وأخبرنى الحسين بن إبراهيم بن شعيب قاضى أرّجان (6)، أخبرنا أبو العيناء (7)
حدثنا أبو عاصم (8) عن أبيه قال:
إنه (9) كان الرجلان من بنى أمية يختلفان فى البيت من الشعر فيبردان فيه بريدا إلى العراق.
__________
(1) اسمه عبد الرحمن ويكنى أبا محمد، وقيل يكنى أبا الحسن، وكان من الثقلاء إلأ أنه ثقة فيما يرويه عن عمه وعن غيره من العلماء، وله من الكتب كتاب معانى الشعر (الفهرست ص 83).
(2) قضة (بكسر ففتح، وقد تشدد ضاده): يوم من أيام العرب بين بكر وتغلب.
(3) اعتوراه: تعاونا عليه بالضرب واحدا بعد واحد.
(4) عادى بينهما، أى صرعهما واحدا بعد الآخر يقال: عادى الفارس بين صيدين وبين رجلين، إذا طعنهما طعنتين متواليتين.
(5) روى هذا الخبر فى الأغانى (ج 5ص 4948) بتفصيل واختلاف فى بعض ألفاظه.
(6) (أرجان) بفتح أوله وتشديد ثانيه: كورة صيرت بعد الإسلام من كور فارس (راجع معجم البلدان).
(7) هو محمد بن القاسم: وقيل ابن خلاد بن ياسر بن سليمان أبو عبد الله المعروف بأبى العيناء، نشأ بالبصرة وكان أخباريا أديبا شاعرا. ولد بالأهواز سنة 171هـ، وتوفى ببغداد فى جمادى الآخرة سنة 282هـ، وقيل سنة 283هـ (راجع معجم الأدباء وابن خلكان وشذرات الذهب).
(8) هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن الضحاك الشيبانى، أبو عاصم النبيل البصرى، كانت وفاته سنة 212هـ، وقيل سنة 214هـ (راجع التهذيب ومعجم الأدباء وبغية الوعاة).
(9) فى الأصل (ان).(1/18)
أخبرنا أبو الحسن علىّ بن سليمان الأخفش (1)، حدثنى أبو العباس محمد بن يزيد (2) قال:
لم يزل المأمون منذ (3) دخل إلى العراق يراسل الأصمعىّ فى أن يجيئه، وكان يعد به ويقول: كأنكم بالأصمعىّ قد طلع. وحرص المأمون على أن يصير الأصمعىّ إليه، فلم يفعل، واحتجّ بضعف وكبر وعلل، ولم يجب إلى ذلك.
فكان يجمع المسائل وينفذها إليه إلى البصرة.
قال الشيخ (4) رحمه الله:
هذا وقد كان الناس فيما مضى يغلطون فى اليسير دون الكثير، ويصحّفون فى الدقيق دون الجليل، لكثرة العلماء وعناية المتعلّمين. فذهبت العلماء، وقلّت (5)
العناية، فصار ما يصحّفون أكثر مما يصحّحون، وما يسقطون أكثر مما يضبطون.
وكنت عملت فى شرح ما يشكل ويقع فيه التصحيف كتابا كبيرا، جامعا لما يحتاج إليه أصحاب الحديث ونقلة الأخبار، من شرح ألفاظ الرسول صلى الله عليه (6)، التى لم تضبط، وحملت على التّصحيف، ومن أسماء الرواة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ولما يحتاج إليه أهل الأدب من شرح ما يشكل ويقع فيه التصحيف، من ألفاظ اللغة، والشعر، وأسماء الشعراء، والفرسان،
__________
(1) هو الأخفش الأصغر أحد الثلاثة المشهورين، قرأ على ثعلب والمبرد واليزيدى وأبى العيناء، قدم مصر سنة 287هـ، وخرج إلى حلب سنة 300هـ، ومات ببغداد فى شعبان سنة 315هـ، وقيل سنة 316هـ وقد قارب الثمانين (انظر البغية).
(2) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدى البصرى أبو العباس المبرد، إمام العربية فى بغداد فى زمانه، أخذ عن المازنى والسجستانى. وكان مولده سنة 210هـ، ومات سنة 285هـ (انظر البغية).
(3) فى الأصل (حين).
(4) هو أبو أحمد، مصنف هذا الكتاب، والراوى عنه أحد تلاميذه.
(5) فى الأصل: «وقلة» ولا يستقيم بها الكلام.
(6) يلاحظ أن المؤلف جرى فى الكتاب على أن يذكر الصلاة على النبى من غير ذكر لفظ «وسلم» فى كثير من المواضع.(1/19)
وأخبار العرب وأيامها، ووقائعها وأماكنها [4ا] وأنسابها. ثم إنى سئلت بأصبهان وبالرّىّ إفراد ما يحتاج إليه أصحاب الحديث مما يحتاج إليه أهل الأدب، فجعلته كتابين، ذكرت فى أحدهما ما يحتاج إليه أصحاب الحديث ورواة الأخبار، واقتصرت بهذا الكتاب على ما يحتاج إليه أهل الأدب، وضمّنته ما ذكرته وجعلته أبوابا، ليكون أقرب متناولا، وبدأت بما ذمّ به التصحيف والمصحّفون، وذكرت بعده ما روى، مما وهم فيه علماؤنا، رحمة الله عليهم، وحكى من أوهامهم غير قاصد فى شىء من ذلك إلى الغصّ من أحد منهم، ولا الطّعن عليهم، وحاش لله من ذلك، بل مؤدّيّا لما رويته، ومؤثرا للصدق فيه (1).
ولا يضع من العالم الذى برع فى علمه زلة، إن كانت على سبيل السهو والإغفال، فإنه لم يعر من الخطأ إلا من عصم الله جلّ ذكره. وقد قالت الحكماء: الفاضل من عدّت سقطاته. وليتنا أدركنا بعض صوابهم، أو كنّا ممن يميز (2) خطأهم.
[5ا] وقد كان بعض شيوخ بغداد، ممن يتعصّب على علماء الكوفيّين ويفرط فيه (3)، عمل كتابا جمع فيه تصحيفات علماء الكوفة واستقصاها، وأضرب عما روى من أوهام العلماء البصريّين تعصّبا فلم أر ذلك منه إنصافا ولا مشاكلا لأخلاق العلماء المنصفين فيما لهم وعليهم ورأيت اقتعاد (4) النّصفة أولى، وتحكيم الحقّ أحرى، وأن أبتدى وإن كنت متحقّقا بمذهب البصريين، وكان أستاذى الذى قرأت عليه، وانتسابى فى الأدب إليه، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، بصرىّ المذهب بما روى من أوهام شيوخى وأصحابى من علماء البصريين، وحكى من تصحيفاتهم وأن أتبعه بما روى من أوهام علماء الكوفيين وتصحيفاتهم
__________
(1) فى الأصل (عنه).
(2) فى الأصل «يمير» بالراء المهملة. وظاهر أنها مصحفة عما أثبتناه.
(3) فيه: أى فى التعصب.
(4) يقال: اقتعد الراعى الناقة: إذا اتخذها قعودا يقتعدها فى كل حاجة. والمعنى على هذا ظاهر.(1/20)
غير متحامل على أحد الفريقين، وإن كنت متحققا بأحد المذهبين ومن حكّم الحق فما ظلم، ومن توخّى الصدق لم يلم. وأسأل الله التوفيق للصواب، والسلامة من الزلل فإنى أمليت هذا الكتاب على حين تقسّم من القلب، وتشعّث [5ب] من الفكر، واضطراب من الجسم لأعلال متواصلة، وأعراض (1)
متواصية. وفى أيسر هذه الشواغل، وأقلّ هذه الدواعى، ما يذهل ويشغل، وينسى معه ما قد حفظ. والمعين الله جلّ ذكره. وهو حسبى ونعم الوكيل.
وهذه أبواب الكتاب:
باب ما جاء فى قبح التّصحيف وبشاعته، وذمّ المصحّفين.
باب فى نكد التّصحيف ومن ابتلى به.
باب فى نوادر من التصحيف أضحكت من قائليها.
باب ما روى من أوهام علماء البصريين.
ما وهم فيه الخليل بن أحمد.
ما وهم فيه أبو عمرو بن العلاء.
ما وهم فيه عيسى بن عمر.
ما وهم فيه أبو عبيدة معمر بن المشّنى.
ما وهم فيه أبو الحسن الأخفش.
ما وهم فيه أبو عثمان الجاحظ.
ما وهم فيه الأصمعىّ.
ما وهم فيه أبو زيد الأنصارىّ.
ما وهم فيه أبو عمر الجرمىّ.
__________
(1) كذا فى الأصل. ولعلها: «أمراض». ويجوز أن يكون أراد ما يعرض له من مشاغل الحياة.(1/21)
ما وهم فيه أبو حاتم السّجستانىّ.
[6ا] ما وهم فيه الرّياشىّ.
ما وهم فيه أبو العبّاس محمد بن يزيد.
باب ما روى من أوهام علماء الكوفيين فى تصحيفاتهم
ما وهم فيه علىّ بن حمزة الكسائىّ.
ما وهم فيه يحيى بن زياد الفرّاء.
ما وهم فيه المفضّل بن محمد الضّبى.
ما وهم فيه حمّاد الرواية.
ما وهم فيه خالد بن كلثوم.
ما وهم فيه ابن الأعرابىّ.
ما وهم فيه أبو عمرو الشّيبانى.
ما وهم فيه علىّ الأحمر.
ما وهم فيه محمد بن حبيب.
ما وهم فيه يعقوب بن السّكّيت.
ما وهم فيه أبو عبيد القاسم بن سلّام.
ما وهم فيه علىّ اللحيانىّ.
ما [وهم] (1) فيه أبو سعد الطّوال.
ما وهم فيه أبو الحسن الطّوسىّ.
ما وهم فيه ابن قادم.
ما وهم فيه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب
باب فيه تصحيفات لقوم شتّى.
__________
(1) تكملة يقتضيها السياق.(1/22)
باب ما يصحف من الشعر وأوله ما يشكل من شعر الأربعة: امرئ القيس، والنابغة، وزهير، والأعشى ثم ما يشكل من أشعار غيرهم.
باب ما يصحّف من كتاب الحماسة.
باب ما يشكل ويصحّف من أسماء الشعراء.
باب ما يشكل من أيّام العرب وأسماء الفرسان.
باب ما يصحّف فى الأنساب.
باب أسماء الأماكن.
باب ما يشكل من مفعّل ومفعّل.
باب ألفاظ وأسماء شتّى جمعت فى باب واحد.
فذلك أحد وأربعون بابا.(1/23)
باب [ما جاء فى قبح التّصحيف وبشاعته، وذمّ المصحّفين، والنهى عن الحمل عنهم، وذكر من هجى بالتصحيف]
أخبرنا أبو العباس بن عمّار، أخبرنا عبد الله بن أبى سعد الورّاق، حدّثنا قعنب بن محرز، أخبرنا أبو مسهر (1) عن سعيد بن عبد العزيز (2) عن سليمان (3)
ابن موسى قال:
[7ا] كان يقال: لا تأخذوا القرآن من مصحفىّ، ولا العلم من صحفىّ.
وأخبرنى محمد بن علىّ بن الجارود، أخبرنا أحمد بن الفرات (4)، حدثنا أبو داود (5)، وأخبرنى أبو حذيفة (6)، قالا: حدّثنا شعبة (7) عن قتادة
__________
(1) هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسلم الغسانى، أبو مسهر الدمشقى. وكان ثقة ثبتا.
وكان مولده بالشام سنة أربعين ومائة ومات فى السجن فى محنة خلق القرآن أيام المأمون سنة ثمانى عشرة ومائتين (راجع تهذيب التهذيب).
(2) هو سعيد بن عبد العزيز بن أبى يحيى التنوخى، أبو محمد، ويقال: أبو عبد العزيز الدمشقى وكان مولده سنة 90هـ ووفاته سنة 167، وقيل 168هـ (راجع تهذيب التهذيب).
(3) هو سليمان بن موسى الأموى، أبو أيوب، ويقال أبو الربيع، ويقال أبو هشام، خالد الدمشقى الأشعرى فقيه أهل الشام فى زمانه، وكانت وفاته سنة 115، وقيل سنة 119هـ (راجع تهذيب التهذيب).
(4) هو أحمد بن الفرات بن خالد الضبى أبو مسعود الرازى، نزيل أصبهان، وكان حافظا، صنف المسند والكتب الكثيرة، وكانت وفاته سنة 258هـ (راجع تهذيب التهذيب).
(5) هو سليمان بن داود الجارود، أبو داود الطيالسى، البصرى الحافظ، وكان فارسى الأصل، وتوفى بالبصرة سنة 203هـ، وكانت سنه إذ ذاك اثنتين وسبعين سنة، وقيل غير ذلك (راجع تهذيب التهذيب)
(6) لعله أبو حذيفة النهدى البصرى، موسى بن مسعود، فقد روى هذا عن الثورى وهو من معاصرى شعبة، ذلك إلى أن وفاته كانت سنة 220هـ. وغيره ممن يكنون بأبى حذيفة بعيدون عن هذا العصر.
(7) هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى الأزدى، أبو بسطام الواسطى ثم البصرى، وكان ثبتا حجة، ويحكى أنه كان يخطئ فى أسماء الرجال قليلا. ولد سنة 82هـ وكانت وفاته بالبصرة سنة 160هـ (راجع تهذيب التهذيب).(1/24)
عن أبى السّوار العدوىّ (1) قال: سمعت عمران بن حصين (2)، سمعت النبىّ صلى الله عليه يقول: «الحيا لا يأتى إلا بخير». قال: فقال بشير بن كعب (3)، وكان قد قرأ لكعب: إنّ فى الحكمة: إن منه ضعفا. قال: فغضب عمران بن حصين وقال: أحدّثك بما سمعت من النبىّ صلى الله عليه وسلم وتحدّثنى عن صحفك هذه الخبيثة؟ (4) والحديث لفظ أبى حذيفة.
وأخبرنا ابن عمّار قال:
انصرفت من مجلس عبد الله بن عمر (بن محمد) بن أبان القرشىّ (5)، المحدّث المعروف بمشكدانه (6)، فى سنة ستّ وثلاثين ومئتين، فمررت بمحمد ابن عبّاد بن موسى (7)، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند أبى عبد الرحمن مشكدانه فقال ذاك الذى يصحّف على جبريل. يريد قراءته «ولا يغوث ويعوق وبشرا (8)» وكانت قد حكيت عنه.
__________
(1) هو حسان بن حريث، وفى اسمه خلاف، وكان عريفا زمن الحجاج (تهذيب).
(2) هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف. أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر، واستقضاه عبد الله ابن عامر على البصرة ثم استعفاه، ومات بها سنة 52هـ (استيعاب. تهذيب. طبقات).
(3) بشير بن كعب أبو أيوب العدوى البصرى التابع (أسد الغابة. المشتبه).
(4) ورد الخبر السابق فى صحيح مسلم ج 1ص 26طبع بولاق، والقسطلانى ج 9ص 32طبع بولاق بالسند نفسه فى البخارى ومع بعض اختلاف فى مسلم ومتن الحديث «الحياء (بالهمز) لا يأتى إلا بخير» فقال بشير بن كعب: إنه مكتوب فى الحكمة، إن منه وقارا ومنه سكينة. وفى رواية: إن من الحياء وقارا وإن من الحياء سكينة، فقال له عمران: أحدثك عن رسول الله وتحدثنى عن صحيفتك (أو صحفك)؟.
(5) يكنى عبد الله هذا، أبا عبد الرحمن، ويقال له الجعفى لأن حسين بن على الجعفى خاله، وكانت وفاته سنة ثمان وثلاثين ومئتين، وقيل سنة تسع وثلاثين.
(6) مشكدانه، ضبطه صاحب التقريب بضم الميم والكاف بينهما معجمة ساكنة، وهو فى الخلاصة مسكدانه بالسين المهملة، وذكر فيها أيضا أنه من ولد سعيد بن العاص (تهذيب. خلاصة).
(7) هو محمد بن عباد بن موسى بن راشد العكلى أبو جعفر البغدادى (تهذيب).
(8) الآية الكريمة: «ولا يغوث ويعوق ونسرا».(1/25)
[7ب] وأخبرنا ابن عمّار، حدثنا ابن أبى سعد، أخبرنى محمد بن يوسف، حدثنى إسماعيل بن محمد البشرىّ، سمعت عثمان بن أبى شيبة (1) يقرأ:
«جعل (2) السفينة فى رجل أخيه». فقلت له ما هذا؟ فقال: تحت الجيم واحد.
قال وقرأ: «من الخوارج مكلّبين» (3).
وروى الكوفيون أن حمّادا الراوية كان حفظ القرآن من المصحف، فكان يصحّف نيّفا وثلاثين حرفا، ذكرتها فى الكتاب الآخر، فكرهت إعادتها هاهنا (4).
ولم أذكر من المعاد فى الكتاب الآخر إلا ما لم أجد بدّا من إعادته، لاتّساق الأبواب، واطّراد الكلام، وأكثره فى هذا الباب.
ويروى أعداء حمزة الزيات (5)، أنه كان يتعلم القرآن من المصحف، فقرأ يوما، وأبوه يسمع: الم، ذلك الكتاب لا زيت فيه (6)، فقال له أبوه: دع
__________
(1) هو عثمان بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن بن أبى شيبة الكوفى صاحب المسند والتفسير، كان كثير التصحيف، وقد ذكر له صاحب التهذيب أمثلة لم يذكرها العسكرى، ومات سنة 239هـ (تهذيب).
(2) فى الأصل (وجعل) وظاهر أن الواو مقحمة، ولعلها وهم من الناسخ. والآية الكريمة (جعل السقاية فى رحل أخيه).
وقد روى هذا الخبر فى التهذيب (ج 5ص 351) بالسند الآتى: قال الدارقطنى فى كتاب التصحيف: حدثنا أبو القاسم بن كاس حدثنا إبراهيم الخصاف قال: قرأ علينا عثمان بن أبى شيبة فى التفسير: فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة فى رحل أخيه، فقيل له: إنما هو جعل السقاية فى رحل أخيه، قال: أنا وأخى أبو بكر لا نقرأ لعاصم. وظاهر من السياق أن التصحيف إنما هو فى السقاية، فإذا صح ما نقل أبو أحمد العسكرى من أن التصحيف فى (الرحل) تكون كلمة السفينة فى المتن محرفة من الناسخ عن السقاية.
(3) الآية الكريمة {«مِنَ الْجَوََارِحِ مُكَلِّبِينَ»}.
(4) سيعرض المؤلف عند الكلام على أوهام حماد إلى واحدة من التصحيفات التى أشار إليها هنا.
(5) هو حمزة بن حبيب بن عماره بن إسماعيل الإمام أبو عمارة التيمى المعروف بالزيات، وقيل له الزيات لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان بالعراق. وقد ذكر عن أحمد بن حنبل وآخرين كراهتهم لقراءته لما فيها من المد المفرط والسكت وغير ذلك. قال ياقوت: وقد انعقدا لإجماع على تلقى قراءة حمزة بالقبول والانكار على من تكلم فيه، وتوفى سنة 156هـ وقيل سنة 158هـ (تهذيب. معجم الأدباء).
(6) الآية الكريمة: {«الم ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ»}.(1/26)
المصحف وتلقّن من أفواه الرجال (1).
وحكى عن آخر أنه قرأ من مصحف: «ض والقرآن ذى الذكر».
قال الشيخ:
فلهذا وأشباهه قيل: لا تأخذوا القرآن من مصحفىّ ولا العلم من صحفىّ.
فأما معنى قولهم الصّحفىّ والتّصحيف. فقد قال الخليل: إن الصّحفى الذى يروى الخطأ على قراءة الصّحف، بأشباه الحروف.
وقال غيره: أصل هذا أنّ قوما كانوا أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه التغيير، فيقال عنده: قد صحّفوا، أى ردّدوه عن الصحف وهم مصحّفون. والمصدر: التصحيف.
وقد روى أنّ السبب فى نقط المصاحف أن الناس غبروا يقرءون فى مصاحف عثمان رحمة الله عليه، نيّفا وأربعين سنة، إلى أيام عبد الملك بن مروان. ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق، ففزع الحجّاج إلى كتّابه، وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات. فيقال: إنّ نصر بن عاصم (2) قام بذلك، فوضع النّقط أفرادا وأزواجا. وخالف بين أماكنها بتوقيع بعضها فوق الحروف، وبعضها تحت الحروف. فغبر الناس بذلك زمانا لا يكتبون إلا منقوطا. فكان مع استعمال النقط أيضا يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام، فكانوا يتبعون النّقط بالإعجام.
[9ب] فإذا أغفل الاستقصاء على الكلمة فلم توفّ حقوقها اعترى هذا التصحيف، فالتمسوا حيلة، فلم يقدروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال.
__________
(1) ظاهر من السياق أن حمزة صحف ما صحف وهو صبى يتعلم وليس فى هذا ما يعيبه وهو رجل.
(2) هو نصر بن عاصم الليثى النحوى كان فقيها عالما بالعربية من قدماء التابعين، وكان يستمع إلى أبى الأسود فى القرآن والنحو، ومات سنة 89هـ (تهذيب. بغية).(1/27)
وأخبرنى إبراهيم بن حميد (1)، أخبرنا أبو حاتم السّجستانىّ (2)، أخبرنا محمد ابن عبّاد المهلبىّ عن أبيه قال:
سمع أبو الأسود الدّؤلىّ رجلا يقرأ. إن الله برىء من المشركين ورسوله، بالجر. فقال: لا يسعنى إلا أن أضع شيئا أصلح به نحو هذا. فوضع النحو، وكان أوّل من رسمه.
وأخبرنى أبى، أخبرنا عسل بن ذكوان (3)، أخبرنا الحسن بن يحيى الأزدى قال: قال علىّ بن المدينىّ (4):
مرّ بنا الجمّاز ونحن فى مجلس للحديث، فقال: يا صبيان، أنتم لا تحسنون أن تكتبوا الحديث، كيف تكتبون: أسيدا وأسيدا وأسيّدا؟ قال: فكان ذلك أوّل ما عرفت التقييد وأخذت فيه.
قال: وكان الأوزاعىّ (5) يقول: إعجام الكتاب نوره.
ومما قيل من الشعر فى ذمّ إغفال الشّكل والنّقط، ومدح ما قيّد منه:
أخبرنى محمد بن يحيى بن العبّاس قال:
__________
(1) لعله إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسى أبو إسحاق الكوفى، وكانت وفاته سنة 178.
(طبقات بن سعد، تهذيب).
(2) هو سهل بن محمد بن عثمان النحوى المقرئ البصرى، وهو صاحب القراءات. كانت وفاته سنة 255هـ، وقيل غير ذلك.
(3) هو عسل بن ذكوان العسكرى من أهل عسكر مكرم ويكنى أبا على روى عن المازنى والرياشى وداماذ وكان فى أيام المبرد. وله من الكتب: كتاب الجواب المسكت، كتاب أقسام العربية (معجم. بغية)
(4) هو أبو الحسن على بن عبد الله بن جعفر البصرى، كانت له شهرة واسعة فى العلم. مات سنة 235هـ.
(5) لعله عبد الرحمن بن عمرو بن أبى عمرو الأوزاعى الفقيه، كان أصله من سبأ السند وينزل الأوزاع فغلب عليه، وإليه فتوى أهل الشام لفضله وفهمه نزل ببيروت فى آخر عمره فمات بها مرابطا سنة 156هـ، وقيل غير ذلك (تهذيب ابن خلكان).(1/28)
أهدى أحمد بن إسماعيل الكاتب (1) إلى صديق له دفترا فيه حدود الفرّاء (2)
وكتب على ظهره:
خذه فقد سوّغت منه مشبّها ... بالرّوض أو بالبرد فى تفويفه (3)
نظمت، كما نظم السحاب، سطوره ... وتأنّق الفرّاء فى تأليفه
وشكلته ونقطته فأمنت من ... تصحيفه ونجوت من تحريفه
بستان خطّ غير أن ثماره ... لا تجتنى إلا بشكل حروفه
وقال أبو تمام فأحسن إن كان أراد هذا المعنى:
إذا ما قيّدت رتلت وليست ... إذا ما أطلقت ذات انطلاق (4)
وهذا معنى مليح لمن صرفه إليه، يقول: إذا قيدت بالإعجام والشكل مشت للقارىء وسهلت عليه، وإذا أغفلت وأطلقت لم تستبن ولم تنطلق للقارئ.
وعندى أن أبا تمام أخذ هذا من قول رؤبة، وهو أوّل من اخترع هذا المعنى فى قوله:
إذا تهجّى قارئ بهينمه (5) ... أخرج أسماء البيان معجمه
وحلق الّترقين أو موشمه ... يبدى لعينى غابر تفهّمه (6)
__________
(1) هو أبو على نطاحة، أحمد بن إسماعيل بن الخصيب الأنبارى كاتب عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وكان بليغا مترسلا شاعرا أديبا، وبينه وبين عبد الله بن المعتز مراسلات وجوابات. وله مؤلفات كثيرة منها كتاب طبقات الكتاب، مات مقتولا، قتله عبد الله بن طاهر (الفهرست. معجم الأدباء).
(2) ألف الفراء هذا الكتاب بأمر المأمون، وقد ذكر ابن النديم أبوابه، ومنها: حد الإعراب فى أصول العربية. وحد النصب المتولد من الفعل. وحد المعرفة والنكرة الخ (فهرست ابن النديم).
(3) يقال برد مفوف، أى رقيق، وقيل فيه خطوط بيض على الطول.
(4) رتل من باب علم: تناسق وانتظم حسنا. وفى الديوان: رتكت: عدت متقاربة الخطو.
وهذا البيت من قصيدة يمدح بها الحسن بن وهب ومطلعها:
ذرينى منك سافحة المآقى ... ومن سفحات عبرتك المراق
(5) الهينمة: القراءة الخفية. والأبيات من أرجوزة لرؤبة يمدح بها العباس بن السفاح مطلعها:
قلت لزير لم تصله مريمه ... ضليل أهواء الصبا يندمه
(ديوان رؤبة المخطوط بدار الكتب رقم 519أدب).
(6) رواية الديوان: الترقيش، وهو والترقين بمعنى. والغابر: الناظر.(1/29)
يريد أنّ الإعجام هو الذى بينه وأخرج أسماءه.
الترقين: النقط فى الكتاب، وأن تقرأه على نفسك، وتعتبره وتدبر بعضه ببعض.
وأنشدنى أبو بكر قال: أنشدنى المبرّد لمحمد بن عبد الملك الزيات كتبها إلى الحسن بن وهب يصف كتابا منها:
وإذا وشوم فى كتابك لم تدع ... شكّا لمعتسف ولا لمفكر
تنبيك عن رفع الكلام وخفضه ... والنّصب فيه بحاله والمصدر
وإذا كتاب أخيك من ذا كلّه ... خلو فبئس لبائع أو مشترى
وممّن مدح كثرة الشّكل أحمد بن إسماعيل نطّاحة الكاتب فقال:
مستودع قرطاسه حكما ... كالرّوض ميّز بينه زهره
وكأنّ أحرف خطّه شجر ... والشّكل فى أضعافها ثمره
ومما يستحسن فى هذا المعنى بيت ندر لابن المعتزّ:
بشكل يؤمن الإشكال فيه ... كأنّ سطوره أغصان شوك (1)
يقال: شكلته، فهو مشكول. ولا يقال أشكلته وكذلك شكلت الدابة وأشكل علىّ: إذا التبس عليك، ويقال: أعجمه فهو معجم. ولا يقال عجمته (2) ولا معجوم، ولا عجّمته بالتشديد. وأعجمت الكلام: ذهبت به إلى العجمة.
__________
(1) كذا فى ديوان ابن المعتز، وفى الأصل: شول، وهو تحريف. ورواية الشطر الأول فى الديوان (طبع بيروت): بشكل يأخذ الحرف المخلى
وقبله بيت هو:
ودونكه موشى نممته ... وحاكته الأنامل أى حوك
(2) فى الأصل أعجمت، والسياق يقتضى ما أثبتناه، وهذا على قول. وما ورد فى كتب اللغة يفيد جواز استعمال كل فعل من الثلاثة مكان الآخر كما يجيز استعمال أشكله بمعنى شكله وكأنه أزال عنه الإشكال.(1/30)
رجع الكلام إلى ذم المصحفين
أخبرنا محمد بن مخلد بن حفص ببغداد، حدّثنا علىّ بن عبدة، سمعت يحيى بن معين (1) يقول:
من حدّث وهو لا يفرّق بين الخطأ والصواب فليس بأهل أن يحمل عنه.
وأخبرنى أبو عبيد محمد بن على بن عثمان (2)، سمعت أبا داود السّجستانى (3)
يقول: قال لى أحمد بن صالح المصرىّ (4) قال: سلامة بن روح الأيلى (5) فى حديث السّقيفة (6):
إلا كانا «بعده أن يقتلا»: تصحيف «تغرّة أن يقتلا» (7)
قال أبو داود: وكان أحمد بن صالح قد كتب عنه خمسين ألف حديث، فتركه.
وحكى القاضى أحمد بن كامل. قال:
حضرت بعض مشايخ الحديث من المغفّلين، فقال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله «عن رجل». قال: فنظرت فقلت: من هذا الذى
__________
(1) هو يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام المرى الغطفانى، وقيل فى نسبه غير ذلك. كان إماما للجرح والتعديل. مات بالمدينة سنة 233هـ (تهذيب التهذيب).
(2) هو أبو عبيد محمد بن على بن عثمان الآجرى الحافظ راوى المسائل عن أبى داود هذا.
(3) هو سليمان بن الأشعث بن شداد. كان ورعا مقدما، أحد أئمة الدنيا علما وفقها وحفظا ونسكا.
مات سنة 275هـ (تهذيب).
(4) هو أبو جعفر أحمد بن صالح المصرى الحافظ المعروف بابن الطبرى، كان أبوه من أهل طبرستان. وكان هو ثقة صاحب سنة. ولد بمصر وتوفى سنة 248هـ.
(5) هو سلامة بن روح بن عقيل بن خالد الأيلى، والأيلى نسبة إلى أيلة، مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام، وكانت وفاته سنة 197هـ، وقيل سنة 198هـ (تهذيب التهذيب).
(6) سقيفة بنى ساعدة التى اجتمع عندها المهاجرون والأنصار بعد وفاة الرسول عليه الصلاة السلام للتشاور فيمن يخلفه.
(7) ورد الحديث فى السيرة وكتب الحديث بروايات مختلفة، ففى سيرة ابن هشام: وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذى بايعه تغرة أن يقتلا. وفى رواية أخرى: أيما رجل بايع آخر فإنه لا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا. والتغرة مصدر غررته إذا ألقيته فى الغرر، وهى من التغرير كالتعلة من التعليل، وفى الكلام مضاف محذوف تقديره خوف تغرة أن يقتلا، أى خوف وقوعهما فى القتل (النهاية)
2 - التصحيف والتحريف أول(1/31)
يصلح أن يكون شيخ الله؟ فاذا هو قد صحّف، وإذا هو: «عزّ وجل».
وأخبرنى أبو علىّ الرازى (1) قال: كان عندنا شيخ يروى الحديث من المغفّلين.
فروى يوما: إن النبىّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجّام آجرّة (2).
وأخبرنى ابن أخى أبى زرعة، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الله بن الحارث عن يونس عن شهاب، أخبرنى عبد الله بن ثعلبة:
أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم مسح وجهه «من القبح».
قال أحمد: أخطأ وصحّف، إنما هو «زمن الفتح».
قال الشيخ:
وقد فضح بالتصحيف خلق من أهل الأدب، ومن الأشراف والقضاة والرؤساء وهجوا به، وبقى ذمّهم مخلدا فى بطون الكتب. وقد مدح بالاحتراس من التصحيف والتحفظ منه جماعة كثيرة، منهم: خلف الأحمر فإن الحسن بن هانئ رثاه وهو حىّ، فكان من أفضل ما عدّد من مناقبه أن قال:
لا يهم الحاء فى القراءة بالخا ... ء ولا يأخذ إسناده عن الصّحف (3)
ومما رثاه به أيضا فى هذا المعنى قوله: [11ا]
أودى جماع العلم مذ أودى خلف ... راوية لا يجتنى عن (4) الصّحف
__________
(1) هو أبو على بن مقاتل الرازى كان من علماء العراق، وله من الكتب كتاب المسائل الصغير والكبير وكتاب الجامع (ابن النديم ص 216).
(2) ظاهر أنها محرفة عن الأجر، وهو ما يدفع.
(3) رواية الديوان:
لا يهم الحاء فى القراءة بالخا ... ء ولا لامها مع الألف
ولا يعمى معنى الكلام ولا ... يكون إنشاده عن الصحف
من قصيدة مطلعها:
لا تئل العصم فى الهضاب ولا ... شغواء تغذو فرخين فى لجف
(4) ورد هذا البيت فى الديوان هكذا: رواية لا تجتنى من الصحف وبينه وبين سابقه الأبيات الآتية:
من لا يعد العلم إلا ما عرف ... قليذم من العياليم الخسف
فكلما نشاء منه نغترف
وقد جاء النص كما فى المتن بتغيير يسير فى تصحيفات المحدثين للمؤلف ص 10.(1/32)
وقد هجا بعض الشعراء أبا حاتم السجستانى. وهو واحد عصره فى فنّه بضدّ هذا فقال:
إذا أسند القوم أخبارهم ... فإسناده الصّحف والهاجس
وممن هجا التّصحيف وبالغ فى ذمه خلف الأحمر هجا به بعض الوزراء، فأخبرنى محمد بن يحيى بن العباس، أخبرنى القاسم بن إسماعيل أبو ذكوان عن التّوّجى (1) قال:
صحّف الفيض بن عبد الحميد وقد ولى الوزارة وهو الذى قيل فيه:
كأنّ وفود الفيض حين تحمّلوا ... إلى الفيض وافوا عنده ليلة القدر
فى حلقة يونس، فأنشد بيت ذى الإصبع:
عذير الحىّ من عدوا ... ن كانوا حيّة الأرض
فقال الفيض: «كانوا جنة الأرض»، بالجيم والنون. فقال فيه خلف الأحمر يهجوه:
لنا صاحب مولع بالخلاف ... كثير الخطاء قليل الصّواب
[11ب] أشدّ لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب
إذا ذكروا عنده عالما ... ربا حسدا ورماه (2) بعاب
وليس من العلم فى كفّه ... إذا ذكر العلم غير التّراب
أضاليل جمّعها شوكر ... وأخرى مؤلّفة (3) لابن داب
قال: فزاد أبان اللاحقىّ على هذه الأبيات، وهجا بها العتبىّ (4)، وعدّد تصحيفات له.
__________
(1) التوجى ويقال فيه التوزى أيضا، ويروى مصحح كتاب الأوراق للصولى أن التوجى تصحيف التوزى، وقد سبقت الترجمة له.
(2) فى الأوراق للصولى: «أو رماه».
(3) ومولدة مكان: مؤلفة.
(4) هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمر بن معاوية بن عتبة بن أبى سفيان القرشى(1/33)
فلو كان ما قد روى عنهما ... سماعا ولكنّه من كتاب
رأى أحرفا شبّهت فى الهجاء ... سواء إذا عدّها فى الحساب
فقال «أبى الضيم» يكنى بها ... وليست «أبى» إنما هى آبى (1)
وفى يوم صفّين تصحيفة ... وأخرى له فى حديث الكلاب
كتصحيف فيض بن عبد الحميد ... فى «حيّة الأرض» أو فى الذّباب
وما جنّة الأرض من جنّة ... وما للذباب وصوت الذّباب
وعالى بذلك فى صوته ... كقعقعة الرّعد بين السّحاب
قال الشيخ:
وأبان اللاحقىّ هو الذى هجاه أبو نواس، فتهكّم به، ونسب فى اسمه إلى أمه، فقال:
صحّفت أمّك إذ سممتك فى المهد أبانا
[12ا] قد علمنا ما أرادت لم ترد إلا أتانا (2)
وقد تهكّم أبو نواس بآخر بنحو من هذا، فقال:
رأى الصّيف مكتوبا فظنّ بأنّه ... لتصحيفه ضيف فقام يواثبه
وأما قول أبان اللاحقى:
فقال أبى الضيّم يكنى به
فإنّه حكى قول المصحّف لهذا، حسبها كنية فقال: عن أبى الضّيم، فإنما هو آبى الضيم، من الإباء، كأنه كان يأبى الضيّم.
__________
الأموى. عرف بالأدب والفضل ورواية الشعر وأيام العرب. توفى سنة 228هـ (وفيات الأعيان، وتاريخ بغداد).
(1) سيعرض المؤلف لشرح ما ذكر هنا من أسماء مصحفة وبيان وجه الصواب فيها.
(2) ورد البيتان منسوبين لأبى نواس فى الجهشيارى والأغانى والديوان مع بعض اختلاف فى سياق القصيدة. أما الصولى فى كتابه الأوراق (قسم الشعراء) فقد نسبهما للمعذل بن غيلان.(1/34)
ومثله مما يصحّف، ولا يضبطه إلا أهله، آبى اللحم الغفارى (1)، وهذا أيضا من الإباء، وليست بكنية، وإنما كان يأبى أن يأكل مما أهلّ به لغير الله، فسمى آبى اللحم. وقد وفد إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم. وله شعر جيّد، وله مولى يقال له عمير مولى آبى اللّحم، وقد ذكرته فى الكتاب الآخر، فاختصرت خبره ههنا.
وأما قول أبان:
وأخرى له فى حديث الكلاب
[12ب] فإن المصحّف الذى هجاه حرّف الكلاب، بضم الكاف، إلى الكلاب بكسرها، وما أكثر صرعى هذا الاسم ومن يحرّفه ويقلبه. وقد فضح به جليل من القضاة، فحدثنى شيخ أديب، كان يحضر معنا مجلس أبى الحسن الأخفش. وقد ولى قضاء واسط. قال:
كان حيان بن بشر المحدّث (2)، قاضى الشّرقية (3) ببغداد، وقد ولى قضاء أصبهان، يملى يوما، فقال: إن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب، بكسر الكاف، وكان مستمليه رجلا يقال له كجّة، وكان يفهم، فقال: أيها القاضى، إنما هو يوم الكلاب. قال: فغضب وأمر بحبسه، فدخل إليه الناس وقالوا: مادهاك؟ فقال: قطع أنف عرفجة فى الجاهلية، وامتحنت أنا به فى الإسلام (4). قال الشيخ:
__________
(1) هو عبد الله بن عبد الملك بن غفار صحابى مشهور، وكان شريفا شاعرا، شهد حنينا ومعه مولاه عمير (الإصابة) وقد ذكر هذا الحديث فى صفحة 11من تصحيفات المحدثين.
(2) هو حيان بن بشر بن المخارق، أبو بشر الأسدى. ولى قضاء أصبهان أيام المأمون. ثم عاد إلى بغداد فأقام بها إلى أن ولاه المتوكل على الله قضاء الشرقية. ومات فى سنة 237هـ (انظر تاريخ بغداد ج 8ص 286).
(3) الشرقية: نسبة إلى الشرق، محلة بالجانب الغربى من بغداد، وفيها مسجد الشرقية (انظر معجم البلدان).
(4) ورد هذا الخبر موجزا فى تصحيفات المحدثين للمؤلف ص 9مخطوط بدار الكتب.(1/35)
الكلاب: ماء، وقيل: موضع بالدّهناء، بين اليمامة والبصرة (1)، كان به وقعتان عظيمتان للعرب إحداهما بين ملوك كندة الإخوة، والأخرى بين بنى الحارث وبين بنى تميم، فقيل الكلاب الأول، والكلاب الثانى.
[13ا] فأما الكلاب الأول فكان فى الجاهلية، واليوم لبنى تغلب، ورئيسهم يومئذ سلمة بن الحارث الكندى، وكان معه ناس من بنى تميم قليل، منهم عرفجة هذا الذى قطع أنفه، وكان فيهم سفيان بن مجاشع بن دارم، فلقى سلمة بن الحارث أخاه شرحبيل بن الحارث، ومعه بكر بن وائل، فقتل شرحبيل، وهزم أصحابه، وفى هذا يقول امرؤ القيس:
كما لاقى أبى حجر وجدى ... ولا أنسى قتيلا بالكلاب (2)
يقال: إنه عنى شرحبيل بن الحارث، قتله أبو حنش التغلبى، وقد حضر وعلة الجرمى الشاعر هذا اليوم (3) وكان فرّ، [فلحقه رجل من نهد، فعقر فرسه (4)] ونزل فسعى (5) وقال فى ذلك:
فدى لكما رجلىّ أمى وخالتى ... غداة الكلاب إذ تحز الدوابر (6)
__________
(1) ذكر ياقوت فى معجمه: أن الكلاب: واد يسلك بين ظهرى ثهلان، وثهلان جبل فى ديار بنى نمير لاسم موضعين أحدهما اسم ماء بين الكوفة والبصرة، وقيل ماء بين جبلة وشمام على سبع ليال من اليمامة.
قال أبو عبيدة: الكلاب عن يمين شمام وجبلة وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم وكان أعلاه وأخوفه، لأنه يلى اليمين من اليمن وقال آخر بل الذى يلى العراق أخوفه من أجل ربيعة والملك الذى عمل بهم ما عمل (مادة كلاب)
(2) هذا البيت من قصيدة لامرئ القيس مطلعها:
أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
(3) وعلة الجرمى الشاعر من فرسان قضاعة وأنجادها وأعلامها. والذى فى الأغانى (ج 19ص 139) والنقائض (ص 149طبعة أوربة) أن وعلة شهد الكلاب الثانى، وهذا الشعر الذى سيق هنا فيه.
(4) التكملة من النقائض وبها يتصل الكلام.
(5) كذا فى الأصل، يريد سعى على رجليه ركضا (انظر النقائض والأغانى) ثم للكلام بقية لا يستقيم بغيرها، ولعلها سقطت من الناسخ. وقد روى أبو الفرج أنه نجا وقال هذا الشعر فى ذلك. وفى النقائض أنه أدرك ونشل وقال هذا الشعر حنينا إلى أهله.
(6) الدوابر: جمع دابرة، ودابرة الشىء كدابره آخره ومنه قطع دابر القوم: أى استؤصل آخرهم وقيل الدابر الأصل، يقول: يقتل القوم فتذهب أصولهم ولا يبقى لهم أثر (انظر لسان العرب مادة دبر).
وقال أبو الفرج: وأما قوله: تحز الدوابر (فى الأغانى: تحف) فباق فى أهل اليمن ما انهزموا.
قال قيس بن عاصم لقومه: لا تشتغلوا بأسرهم فيفوتكم أكثرهم، ولكن اتبعوا المنهزمين فجزوا أعصابهم من أعقابهم ودعوهم فى مواضعهم، فإذا لم يبق أحد رجعتم إليهم فأخذتموهم.(1/36)
فهذا الكلاب الأوّل. وأما الكلاب الثانى، فكان لبنى سعد والرباب (والرياسة) (1) من الرباب لتيم. ومن بنى سعد لمقاعس (2)، وكان رئيسهم فى آخر هذا اليوم قيس بن عاصم.
[13ب] وممن فضح من الوزراء بالتصحيف أيضا عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فحدثنى محمد بن يحيى، حدثنا أبو العباس بن الفرات، سمعت عبيد الله بن سليمان ابن وهب يقول: قال لى الحسن بن مخلد:
إنّ الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان، ينشد بيت النابغة مصحّفا:
كليب لعمرى كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّخ بالدّم
بخاء معجمة. فو الله ما صدّقته حتى ركبنا جميعا إلى عبيد الله، فما زلنا نتحدث إلى أن أجرينا ذكر النابغة، وذكر كليب، فاندفع وأنشد «ضرّخ بالدم» مصحّفا، فأردت أن أقول له فى هذا بعد ذلك الوقت، ثم علمت أن قولى لا يقع الموقع الذى أقصده، فسكتّ.
وممن هجى بالتّصحيف أبو خالد النميرىّ، وكان أبو خالد هذا يتبادى (3)
ويتقعّر، ويستعمل الغريب.
وحكى عنه أنه عشق جارية لآل سليمان بن على فتبعها يوما وقال:
[14ا] قد كنت إخالك عروبا، ما بالنا نمقك وتشنئينا (4). فقالت:
يا ماص (5)، ما رأيت أحدا يجمّش (6) بالهمز والغريب غيرك.
وأبو خالد هذا هو الذى خرج إلى البادية، فأقام أياما يسيرة، ثم رجع إلى
__________
(1) التكملة من معجم البلدان عند الكلام على الكلاب.
(2) هو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم (انظر النقائض ص 151).
(3) يتبادى: يتشبه بأهل البادية.
(4) العروب: المرأة المتحببة إلى زوجها. نمقك: نحبك. تشنئينا: تبغضينا.
(5) كذا بالأصل. والمسموع: يا ماص بظر أمك. ولعل المؤلف أسقط التكملة تأدبا، أو للعلم بها، أو لعلها سقطت سهوا من الناسخ.
(6) التجميش: المغازلة والملاعبة.(1/37)
البصرة، فأنكر الميازيب فقال: ما هذه الخراطيم التى لا نعرفها فى بلادنا؟ فقال فيه الحسن بن هانئ يهجوه:
يا راكبا أقبل من ثهمد (1) ... كيف تركت الإبل والشّاء
وهى أبيات خبيثة فى معناها.
فأما تصحيفة أبى خالد النّميرى وما هجى به، فأخبرنا علىّ بن سليمان قال.
سمعت ممن يخبر به عن الرّياشىّ، حدثنى مسلم بن خالد بن أبى سفيان بن العلاء قال:
لمّا شخص أبو عبيدة (2) إلى الرشيد، جاء أبو خالد النّميرىّ ليخلفه، وكان أوّل شعر أنشده قصيدة الأسعر الجعفىّ (3)، فلما بلغ قوله:
أمّا إذا استقبلته فكأنّه ... باز يكفكف أن يطير وقد رأى
أنشده: «فكأنه نار» بالنون والراء. فقال فيه جهم بن خلف (4) المازنىّ:
قلت لمّا غدا علينا النّميرىّ ... وسار (5) المخرّقات بمعمر
[14ب] وأتانا كيسان وابن نجيم ... خلف من أبى عبيدة أعور
بغريب له يصحّف فيه ... ذاك تصحيفه الذى ليس ينكر
جعل «الباز» للجهالة نارا ... وتمادى فى غيّه وتجبّر
__________
(1) ثهمد: أبارق كثيرة فى ديار غنى. وقيل موضع فى ديار بنى ربيعة (انظر معجم البلدان) يريد أنه من ساكنى البادية لا الحضر.
(2) هو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوى البصرى. أول من صنف غريب الحديث. أقدمه الرشيد من البصرة. وكان شعوبيا، وقيل كان يرى رأى الخوارج الإباضية. ولد سنة 112هـ ومات سنة 209هـ.
وقيل عشرة كما قيل إحدى عشرة (انظر بغية الوعاة).
(3) هو مرثد بن أبى حمران، واسم أبى حمران الحارث بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن مالك بن أدد، وسمى الأسعر لقوله:
فلا يدعنى قوم لسعد بن مالك ... إذا أنا لم أسعر عليه وأثقب
(المؤتلف والمختلف للآمدى)
(4) كذا فى الفهرست ومعجم الأدباء وأنباه الرواة وفى البغية يخلف، وهو من مازن تميم. ويتصل نسبه بأبى عمرو بن العلاء، وكان راوية علامة بالغريب والشعر، وعاصر خلفا الأحمر والأصمعى، وكانوا ثلاثتهم متقاربين فى معرفة الشعر.
(5) كذا(1/38)
وأما قوله: وأتانا كيسان وابن نجيم: فكيسان (1) هو صاحب لأبى عبيدة وفيه يقول أبو عبيدة:
طال النهار على من لا نبيذ له ... ولا محدّث إلا مثل كيسان
وأخبرنى ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم، عن أبى زيد قال:
كان كيسان ثقة فيما يرويه، وهو الذى قال فيه أبو عبيدة:
العلم يمسخ على لسان كيسان، يكتب فى ألواحه خلاف ما يسمع، وينقل من ألواحه إلى الدّفتر خلاف ما فى ألواحه. ثم يقرأ من الدّفتر خلاف ما فيه.
قال:
وجاءه صبى فقرأ عليه شعرا، فمر فى بيت ذكر العيس فقال له: ما العيس؟
قال: الإبل البيض، التى يخلط بياضها سمرة، فقال له وما الإبل؟ قال: الجمال.
قال: وما الجمال؟ فقام على أربع ورغى فى المسجد (2).
وأخبرنى أحمد بن جعفر البرمكىّ (3)، أخبرنى ميمون بن هارون قال:
[15ا] قال كيسان يوما لأبى عبيدة: علقمة بن عبدة جاهلى أو من بنى تميم؟
فقال له أبو عبيدة: ويلك صحّح المسألة، حتى يصحّ الجواب.
وابن نجيم الذى ذكره هو يحيى بن نجيم (4).
وممن هجى بالتصحيف أيضا أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، سمعت
__________
(1) هو كيسان بن المعرف النحوى أبو سليمان الهجيمى، وكان مولى لامرأة من بنى الهجيم (انظر أنباه الرواة وبغية الوعاة).
(2) ورد الخبران السابقان على نحو من هذا فى بغية الوعاة وأنباه الرواة.
(3) هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن خالد بن برمك المعروف بجحظة. شاعر مطبوع حسن الأدب. توفى بواسط سنة 326هـ (فهرست).
(4) ذكره ابن النديم فى الفهرست (ص 170) بين أصحاب القصائد التى قيلت فى الغريب.(1/39)
أبا العباس بن عمّار يحكى أنه صحّف فى كتاب الروضة (1) عند ذكر حبيب ابن خدرة (2) فقال: ابن حدرة. فقيل له فى ذلك فقال نحن نقول: ابن حدرة، وأصحاب الحديث يقولون ابن خدرة، وإنه (3) رأى فى كتابه ربعىّ بن خراش (4)
بالخاء المعجمة، وذكر أحرفا غير هذا، نذكرها فى موضعها قال: فقال فيه الحمدونىّ (5):
كملت فى المبرّد الآداب ... واستخفّت فى عقله الألباب
غير أنّ الفتى كما زعم النّا ... س دعىّ مصحّف كذّاب
قال الشيخ:
بل كذب هذا الشاعر وتعدّى. قبحه الله وترّحه.
وأخبرنى يحيى بن محمد، حدثنا الحسن بن يحيى الأزدى، قال: سمعت علىّ [15ب] ابن المدينى يقول: أشدّ التّصحيف التصحيف فى الأسماء.
وممن فضح بالتّصحيف شبيب بن شيبة (6)، أبو معمر المنقرىّ، خطيب البصرة وشريفها.
__________
(1) هو كتاب فى أخبار الرجال ذكره صاحب الكشف ولم يعرف به. وقد وجدنا له ذكرا فى كتاب أنباء الرواة فى ترجمة خلف الأحمر. قال القفطى: وقد أغنانا المبرد فى الروضة عن التطويل فى ذكره.
(2) هو تابعى محدث، وقد ضبطه صاحب القاموس بالضم (خدرة)
(3) وإنه: أى ابن عمار أبو العباس المتقدم، وفى كتابه: أى كتاب المبرد.
(4) هو ربعى بن حراش بالحاء المهملة بن جحش بن عمرو العبسى الكوفى. تابعى ثقة من خيار الناس. توفى سنة 100هـ، فى خلافة عمر بن عبد العزيز وقيل سنة 104هـ (ابن سعد، تهذيب التهذيب).
(5) هو محمد بن بشر، ويكنى أبا الحسن ويعرف بالحمدونى منسوبا إلى آل حمدان من غلمان أبى سهل النوبختى (فهرست ص 177).
(6) كذا فى الأصل، وهو يتفق ورواية التهذيب والبيان والعقد وعيون الأخبار وتاريخ بغداد وإحدى روايتى الأغانى ومعجم الأدباء والأمالى للقالى. وأما رواية الأغانى الثانية فهو شبة (من غير باء).
وهو شبيب بن شيبة بن عبد الله بن عمرو، قدم بغداد أيام المنصور فاتصل به وبالمهدى من بعده، وكان كريما عليهما أثيرا عندهما، وله مواقف وأخبار مشهورة عند الخلفاء (انظر تاريخ بغداد ومعجم الأدباء).(1/40)
أخبرنى أبى، أخبرنى عسل بن ذكوان (1)، أخبرنا الرّياشىّ (2) قال:
توفى (3) ابن لبعض المهالبة، فأتاه شبيب بن شيبة يعزّيه، وعنده بكر بن حبيب السّهمىّ، فقال شبيب:
بلغنا أن الطفل لا يزال. محبنظيا، بظاء معجمة، على باب الجنة يشفع لأبويه، فقال بكر بن حبيب إنما هو محبنطيا بالطاء، فقال شبيب:
أتقول لى هذا وما بين لابتيها أفصح منّى؟ فقال بكر بن حبيب:
وهذا خطأ ثان، ما للبصرة واللّوب؟ لعله غرّك قولهم: بين لابتى المدينة، يريدون الحرّة.
قال الشيخ: الحرّة أرض تركبها حجارة سود، وهى اللابة، وجمعها لابات، وإذا كثرت فهى اللّوب. وللمدينة لابتان من جانبيها، وليس للبصرة لابة ولا حرّة.
وأما قوله محبنظيا. فبعضهم يفرّق بين المهموز وغير المهموز، فيقول:
[16ا] المحبنطى (بغير همز) هو المتغضّب المستبطئ للشّىء، والمحبنطئ (بالهمز): العظيم البطن المنتفخ. ومنه قيل للعظيم البطن: محبنطئ وحبنطأ.
وزعم الكسائىّ أن احبنطيت واحبنطأت لغتان.
__________
(1) هو عسل بن ذكوان العسكرى من أهل عسكر مكرم، يكنى أبا على، روى عن المازنى والرياشى وله من الكتب: الجواب المسكت، وأقسام العربية (انظر البغية ومعجم الأدباء).
(2) هو العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشى اللغوى النحوى، قرأ على المازنى النحو، وقرأ عليه المازنى اللغة. ورياش رجل من جذام، كان أبوه عبدا فنسب إليه، وقتله الزنج بالبصرة، وكان قائما يصلى الضحى بمسجده سنة 207هـ (انظر البغية).
(3) انظر العقد الفريد ج 2طبعة لجنة التأليف، وبغية الوعاة فى ترجمة بكر بن حبيب، فبين النصوص خلاف.(1/41)
قال الشيخ:
قرأت على أبى عبد الله نفطويه (1) لرؤبة:
إنى إذا استنشدت (2) لا أحبنطى ... ولا أحبّ كثرة التّمطّى
وأخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم عن أبى زيد قال:
قلت لأعرابى: ما المتكأكئ؟ قال: المتأزّف. قلت: ما المتأزف؟
قال: المحبنطئ يا أحمق! وتركنى ومضى.
ومما عجبت منه أنه روى أن أبا زيد الأنصارىّ صحّف أيضا محبنطيا.
فقال بالظاء. أخبرنى أبو أحمد الجلودى (3)، أخبرنا محمد بن القاسم (4) قال: حدّث أبو زيد مرّة هذا الحديث فقال:
يظلّ السّقط محبنظيا (بالظاء المعجمة) يراغم ربّه (بغين معجمة).
[16ب] قال: فبلغ ذلك أبا عبيدة، فقال: صحّف فى موضعين إنما هو يزاعم ربه (بزاى وعين غير معجمة) والله أجلّ من أن يراغم (5). وقال محبنظيا، وإنما هو محبنطيا (بطاء تحتها نقطة)، أنشدنى رؤبة:
إنى إذا استنشدت لا أحبنطى ... ولا أحبّ كثرة التّمطّى
__________
(1) نفطويه على وزن سيبويه، وقيل بضم الطاء وتسكين الواو وفتح الياء (فهرست، معجم الأدباء) هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكى الأزدى، أخذ عن ثعلب والمبرد وسمع عن محمد ابن الجهم وغيره. توفى سنة 323هـ.
(2) أنشدت (عقد. لسان. أراجيز. الصحاح) وقد نسب هذا البيت مفردا للعجاج ولم يرد فى ديوان رؤبة.
(3) هو أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودى من أهل البصرة، ومن أكابر الشيعة الإمامية والرواة للآثار والسير. توفى بعد سنة 330هـ (فهرست 115، 116).
(4) هو محمد بن القاسم بن خلاد أبو العيناء. كان فصيحا بليغا حاضر الجواب شاعرا، عمى فى آخر عمره، وكان أهل العسكر يخافون لسانه، توفى سنة 283هـ بالبصرة (فهرست. أدباء. ابن خلكان).
(5) فى النهاية ولسان العرب والفائق (مادة رغم) يراغم بالراء المهملة والغين، ونص الحديث فيهما أن السقط ليراغم ربه «إن أدخل أبويه النار» أى يغاضبه (وزاد الفائق) فيجترهما بسرره حتى يدخلهما الجنة ولم يرد للحديث ذكر فى مادة رغم، وعلى هذا فلا محل لرد أبى عبيدة.(1/42)
والمراغم: الملجأ. قال الجعدىّ: فنعم المراغم والمذهب (1). فان كان اتفق أن صحّف فيه شبيب بن شيبة وأبو زيد فهو اتفاق عجب.
وأخبرنا ابن دريد عن أبى حاتم قال:
كان بكر بن حبيب فصيحا، وكان يقرأ فى ظل قصر أوس (2)، فقال بعضهم:
ما أطيب هذا الفىء، فقال بكر: ليس هذا الفىء، إنما الفىء يكون بالعشىّ.
قال الشيخ: قد قال حميد بن ثور: (3)
فلا الظلّ من برد الضّحى تستطيعه ... ولا الفىء من برد العشىّ تذوق (4)
وأخبرنا الهزّانى (5)، أخبرنا الرّياشىّ (6) عن الأصمعىّ عن روح بن المسيّب عن أبى رجاء الكلبىّ قال:
أرسلنى سليمان التّيمىّ (7) إلى رؤبة أسأله عن المحبنطئ فقال: أما سمعت [17ا] قول القائل: وجدته محبنطيا بين أوطب (8).
قال الأصمعىّ:
__________
(1) بيت الجعدى كما فى لسان العرب (مادة رغم).
كطود يلاذ بأركانه ... عزيز المراغم والمهرب
(2) قصر أوس بالبصرة ينسب إلى أوس بن ثعلبة بن زفر، وكان سيد قومه، وقد ولى خراسان فى الأيام الأموية (معجم البلدان).
(3) هو حميد بن ثور بن عبد الله وقيل، ابن حزن الهلالى. أدرك الجاهلية والإسلام، ويروى له شعر عند إسلامه منه:
أصبح قلبى من سليمى مقصدا ... إن خطأ منها وإن تعمدا
ومات فى خلافة عثمان (معجم الأدباء. أغانى. ابن عساكر).
(4) رواية الديوان ص 40: فلا الظل منها بالضحى تستطيعه ... ولا الفىء منها بالعشى تذوق
وهو من قصيدة مطلعها: نأت ام عمرو فالفؤاد مشوق ... يحن إليها والها ويتوق
(5) لعله أبو روق أحمد بن بكر الهزانى، وكان من أهل البصرة، وروى عن ميمون بن مهران وعبد الله بن شبيب، وكان وفاته سنة 332هـ. (أنساب السمعانى)
(6) هو العباس بن الفرج الرياشى أبو الفضل البصرى النحوى مولى محمد بن سليمان الهاشمى، كان من أهل الأدب والنحو. قتله الزنج بالبصرة سنة 257هـ فى خلافة المعتمد (بغية. نزهة. معجم).
(7) هو سليمان بن طرخان التيمى أبو المعتمر البصرى، ولم يكن، من تميم وإنما نزل فيهم، كان هو وابنه المعتمد من فقهاء البصرة، توفى سنة 97هـ (تهذيب. اشتقاق).
(8) الأوطب جمع وطب، وهو سقاء اللبن.(1/43)
المحبنطئ: الممتلئ من طعام أو غضب.
أخبرنا ابن عمار، أخبرنا ابن أبى سعد، أخبرنا طايع (1) قال:
قال لى ابن عائشة: جاءنى أبو الحسن المدائنى (2) فتحدّث بحديث خالد بن الوليد، حين أراد أن يغير على طرف من أطراف الشام، وقول الشاعر فى دلالة رافع: (3)
لله درّ رافع أنّى اهتدى ... فوّز من قراقر إلى سوى
خمسا إذا ما سارها الجبس بكى (4)
فقال الجيش. فقال: لو كان الجيش لكان بكوا، وعلمت أن علمه من الصّحف.
قال الحسن (5): أما قول ابن عائشة إن الرواية الجبس (بالجيم والباء والسين غير معجمة) فهو كما قال، فالرواية الصحيحة الجبس. وأما قوله: لو كان الجيش لكان بكوا، فهو وهم من ابن عائشة، فقد يجوز أن يقال للجيش بكى فيحمل على اللفظ. وقد قال طفيل الخيل:
وإن يك عارا بالقنان (6) أتيته ... فرارى فإنّ الجيش قد فرّ أجمع (7)
__________
(1) كذا فى الأصل، وهذه الرواية تتفق ورواية بعض أصول كتاب الأغانى، وفى رواية أخرى طائع بالهمز) وهو العباس بن ميمون (حاشية ص 127ج 5أغانى).
(2) هو على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف المدائنى مولى شمس بن عبد مناف، توفى سنة 215هـ، وقيل سنة 225هـ.
(3) هو رافع بن عميرة (بفتح فكسر كما ضبطه ابن الأثير) وقيل ابن عمير كما فى فتوح البلدان اتخذه خالد بن الوليد دليلا له فى طريقه إلى فتح الشام سنة 13هـ.
(4) فوز: قطع بإبله المفازة. قراقر: واد لكلب بالسماوة من ناحية العراق. سوى: ماء لبهراء من ناحية السماوة. الخمس بالكسر: أن ترد الماء لليوم الخامس. الجبس: الردىء الدنىء الجبان.
وقد زيد على هذا الشعر:
ما جاوزها قبلك إنس يرى
باختلاف فى ألفاظه وموقعه فى الأبيات السالفة (راجع ابن الأثير. فتوح البلدان).
(5) هو أبو أحمد العسكرى مؤلف الكتاب.
(6) القنان: جبل لبنى أسد.
(7) وردت الأخبار السابقة فى تصحيفات المحدثين ص 13، 14.(1/44)
[17ب] أخبرنى محمد بن يحيى بن العباس، حدثنا الحسن بن الحسين الأزدى، حدثنى أبو الحسن الطّوسى (1). قال:
كنا فى مجلس علىّ اللّحيانى (2)، وكان عزم على أن يملى نوادره ضعف ما أملى، فقال يوما: «مثقل استعان بذقنه». فقام إليه يعقوب بن السّكيت، وهو حدث، فقال: يا أبا الحسن، إنما تقول العرب: مشقل استعان بدفيّه (3).
يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه، فقطع الإملاء. فلما كان فى المجلس الثانى أملى، فقال: تقول العرب: هو جارى مكاشرى (بشين معجمة) فقام يعقوب فقال: أعزّك الله، ما معنى مكاشرى؟ فقال: يكشر فى وجهى، فقال: إنما هو مكاسرى، كسر بيتى إلى كسر (4) بيته، فقطع اللّحيانى الإملاء بعد ذلك (5).
قال الشيخ: أما قول يعقوب: فلان مكاسرى (بسين غير معجمة) فهو كما قال، وقد وهم فيه اللّحيانى، وأما قوله بدفيّه فقد ظلمه يعقوب فى ردّه عليه، فقد رواه أكثر الكوفيين بذقنه (بالقاف والنون)، ورواه أبو عبيد، [18ا] القاسم بن سلام (6) مثل ذلك أيضا.
وإنما أرادوا أن البعير إذا أراد أن ينهض استعان بعنقه وذقنه، ومن هذا قيل: ناقة ذقون، وهى التى يرجف ذقنها فى سيرها.
__________
(1) هو على بن عبد الله بن سنان أبو الحسن التميمى أحد أعيان علماء الكوفة (معجم أدباء. فهرست).
(2) هو على بن المبارك، وقيل ابن حازم أبو الحسن اللحيانى من بنى لحيان بن هذيل بن مدركة، وقيل سمى بذلك لعظم لحيته، أخذ عن الكسائى وغيره (بغية).
(3) الدف: الجنب من كل شىء.
(4) كسر البيت: بالفتح والكسر: جانب البيت، والناحية.
(5) ورد حديث هذا المجلس فى جمهرة الأمثال للعسكرى على هامش مجمع الأمثال ص 198بتقديم وتأخير فى النص منسوبا إلى أبى الحسين الطوسى ولعلها محرفة عن أبى الحسن هذا.
(6) كان إمام أهل عصره فى كل فن من العلم، وكان أبوه مملوكا روميا، وتوفى بمكة سنة 224هـ وقيل غير ذلك (بغية. تهذيب).(1/45)
وتقول العرب: لألصقنّ حواقنه بذواقنه: أى أعلاه بأسفله.
أخبرنا عبد العزيز بن يحيى، حدثنا أبو ذكوان (1)، عن محمد بن سلّام، عن أبى الغرّاف (2) قال:
أنشدنا بلال بن أبى بردة وذو الرّمّة حاضر، لحاتم طيئ:
لحا الله صعلوكا مناه وهمّه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومطعما
يرى الخمس تعذيبا وإن يلق شبعة (3) ... يبت قلبه من شدّة الهمّ مبهما (4)
فقال له ذو الرّمّة: ما معنى الخمس هاهنا؟ وإنما الخمس: ورود الإبل الماء لخمس، إنما هو الخمص من خماصة البطن. فقال بلال: كذا أنشدنى رواة طيّئ.
ودخل أبو عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو، أتأخذون عن ذى الرّمّة؟
فغبّب (5)، وقال: إنّا وإنّا، (6) ثم أنشده البيت وعرّفه قولى فورّى، فلما خرجوا [18ب] قال له ذو الرّمّة: والله يا أبا عمرو لولا أنى أعلم أنك حطبت فى حبله ولم تجد من ذلك بدّا لهجوتك هجاء لا يجلس إليك معه اثنان.
قال الشيخ:
سمعت ابن دريد يقول: كنا بالبصرة عند ورّاق يعرف برويج، فجلس
__________
(1) هو القاسم بن إسماعيل، كان علامة إخبار يا لقى جماعة من أهل العلم وكان معاصرا للمبرد. (بغية معجم الأدباء).
(2) هو أبو الغراف العينى شيخ محمد بن سلام، وقد أكثر بن سلام الرواية عنه.
(3) رواية الديوان طبع ليبزج قلة.
(4) هذان البيتان من قصيدة مطلعها:
أتعرف أطلالا ونؤيا مهدما ... كخطك فى رق كتابا منمنما
والثانى يسبق الأول فى الترتيب.
(5) هذه الكلمة غير صريحة النقط ولعلها غبب بمعنى تمهل، والسياق يجيزها، فكأنه تمهل فى الرد ثم فخر بنفسه. ويجوز أن يكون عيب، من العيب.
(6) يريد الفخر بقومه وأنه يربأ بهم عن أن يأخذوا عن أمثال ذى الرمة.(1/46)
إلينا رجل بغدادىّ، فجعل يسأل عن أشياء من الغريب، فجاء الرّياشىّ، فقال:
نحن إلى حذفة (1) الأرانب وحرشة (2) الضّباب، لسنا إلى أكلة الشّواريز (3)
والكواميخ (4).
قال:
وقعد إلينا رجل بغدادىّ من أصحاب الكسائىّ فقال: صحّف صاحبكم، يعنى الأصمعىّ، فقلنا: فى أىّ شىء؟ قال: فى بيت عنترة:
وآخر منهم أجررت رمحى ... وفى البجلىّ معبلة وقيع (5)
فقال البجلىّ، وإنما هو البجلىّ، من بنى بجلة، من سليم، ينسبون إلى أمّهم، وبجيلة من اليمن. قال: فجاء الرّياشىّ فأخبرناه، قال: ألا قلتم له إنما حرّك صاحبنا حرفا ساكنا، وتصحيف صاحبكم أشدّ، فانه أزال المعنى، فكان أشدّ من تحريك الساكن. ثم قال: أنشدنا الكسائىّ:
كأنّ تحت ريطها القشيب ... أعيس منها لا من الكثيب (6)
[19ا] وإنما هو «أعيس منهالا من الكثيب» من انهال فهو منهال.
__________
(1) الحذفة جمع حاذف: وهو الذى يرمى الأرنب بعصاه فتصيب قوائمها فيصيدها.
(2) الحرشة جمع حارش: وهو الذى يصيد الضباب.
(3) الشواريز: جمع شيراز: وهو اللبن الرائب المستخرج ماؤه. وقال بعضهم: لبن يغلى حتى يثخن ثم ينشف ويميل طعمه إلى الحموضة.
(4) الكواميخ: جمع كامخ بفتح الميم: إدام يؤتدم به، قيل هو خبز بخل، وخصه بعضهم بالمخللات، وقد نقل هذا الخبر عن الرياشى فى الفهرست: إنما أخذنا اللغة من حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة من أهل السواد، أكلة الكواميخ والشواريز، وكذلك ذكر فى النزهة مع بعض اختلاف فى السياق.
(5) أجررت رمحى: طعنته به فكان يجره. المعبلة: النصل العريض الطويل.
(6) الريط: الملاءة، أو الثوب الرقيق. والقشيب: الجديد (وقد يطلق على القديم أيضا فهو من الأضداد).(1/47)
قال الشيخ:
بجلة: بطن من بنى سليم، يقال إنهم ناقلة (1) [قال الشماخ (2)]
فالحق ببجلة ناسبهم وكن معهم ... حتى يعيروك مجدا غير موطود (3)
ومما يشبه هذا الخبر، ما أخبرنى به محمد بن يحيى قال: حدثنى يحيى بن على المنجّم (4)، حدثنى إبراهيم بن علىّ بن مخلد قال:
كنّا فى مجلس ابن الأعرابىّ، فأنشدنا:
لو قاتل الموت امرؤ عن حميمه ... لقاتلت جهدى سكرة الموت عن معن
فتى لا يقول الموت من وقعه به ... لك ابنك خذه ليس من حاجتى دعنى
فكتبناه على هذا ثم جاءه بعد ذلك إنسان ضرير حسن العلم، كان ابن الأعرابىّ يناشده أبدا، فقال له الضرير: هذا مثل قوله
قتالا يقول الموت من وقعه به ... لك ابنك خذه ليس من حاجتى دعنى
فالتفت إلينا ابن الأعرابىّ، فقال: اجعلوه على ما قال، فان الذى أمليت عليكم خطأ.
قال محمد، فحدثنى الحسين بن عمر الإخبارىّ، حدّثنى علىّ بن الحسين [19ب] الإسكافىّ (5)، قال:
كنّا عند ابن الأعرابىّ فأملى علينا:
فتى لا يقول الموت من وقعه به ... الخ
__________
(1) الناقلة: المتنقلون، ومن ينتقل من العرب من قبيلة إلى قبيلة فينتمى إليها.
(2) بمثل هذه العبارة يتصل الكلام.
(3) غير موطود: غير ثابت.
(4) هو أبو أحمد يحيى بن على بن يحيى بن أبى منصور، شاعر مطبوع، وكان متكلما معتزلى المذهب، نادم الموفق والخلفاء من بعده، ومات سنة 300هـ (معجم أدباء. ابن خلكان).
(5) الذى فى الأنساب هو أبو الحسين على بن أبى الحسين الخياط الإسكافى.(1/48)
قال: وصرت إلى أبى محلّم (1)، فقال: اعرض علىّ ما أورد ابن نبطيّكم (2)، وكان يتتبّعه فيعيبه، فأنشدته، فضحك وصفّق، وقال:
ويحك! لا يدرى الصواب فيعمل الخطأ من عنده، ثم أنشدنى:
فياموت إن لم تبق معنا فإنّنى ... أذكّرك الرّحمن فى مهجتى خذنى
فلو قاتل الموت امرؤ عن حميمه ... لقاتلت جهدى سكرة الموت عن معن
قتالا يقول الموت من وقعه به ... لك ابنك خذه ليس من حاجتى دعنى
فكتبتها، وقلت: لمن هى أعزّك الله؟ قال: سل عالمك، أما أعلمتنى أنه أقرأكم شعر بنى أسد؟ فما مرّ به هذا أعمى الله قلبه. هذا أنشدنيه يونس بن حبيب، لإسماعيل بن عمّار بن عيينة من بنى خلف بن كعب الأسدىّ.
قال الشيخ: وإنما صال أبو محلّم على ابن الأعرابىّ لأنه أخذه من أفواه الرجال فصحّ له.
وأخبرنى أبن الأنبارىّ حدّثنا أبو عبد الله التّيمىّ (3)، حدّثنا محمد بن سلّام (4)، قال: قال الخليل ابن أحمد:
للعلم سلطان من وجده صال به، ومن عدمه صيل عليه.
وأخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعىّ، قال: قال أبو عمرو:
__________
(1) هو محمد بن سعد، ويقال محمد بن هشام بن عوف السعدى. أعرابى، وكان أعلم الناس بالشعر واللغة، وكان يغلظ طبعه ويفخم كلامه، ويعرب منطقه وأصله من الفرس. وتوفى سنة 248هـ (فهرست 69).
(2) يشير إلى أن ابن الأعرابى لم يكن عربيا.
(3) شاعر مقل من مخضرمى الدولتين الأموية والهاشمية. ومعن هذا الذى يرثيه ابنه. وله فيه مراثى ذكرها أبو الفرج ولم يذكر هذه (انظر الأغانى ج 10ص 143135طبعة بولاق)
(4) هو يزيد بن عمرو، وهو من ولد أبى هالة النباش بن زرارة (تهذيب التهذيب).(1/49)
كنا عند أمير، فقال جبلة بن مخرمة: كنا على جدّ النهر (1)، فقلت:
جدّة النهر. قال: فما زلت أعرفهما (2) فيه.
أخبرنى محمد بن يحيى، حدثنا إبراهيم بن عبيد الله، سمعت عبيد الله بن سليمان يقول: كان عبيد الله بن يحيى بن خاقان (3) ينشد بيت النابغة:
كليب لعمرى كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما يوم ضرّخ بالدّم
بالخاء، حتى كان الكتّاب يتعمّدون أن يذكروا هذا ليسمعوا لفظه به، فساءنى ذلك، ولم أصبر عليه لجلالة عبيد الله فى نفسه وسروه (4) وعقله وسياسته، وإن كان ناقصا فى أدبه، حتى غنّاه مغنّ بهذا الشعر وأنا حاضر، فتقدمت إليه أن يبيّن الجيم، إذا بلغ إلى هذا الحرف، ويردده، ففعل، فالتفت إلىّ عبيد الله، فقال: يا أبا القاسم أهو ضرّج أم ضرّخ؟ فقلت: أعزّ الله الوزير ضرّج أصحّ الرّوايتين وأولى، وإن كان قوم قد رووا ضرّخ، واستحييت منه [20ب] وو الله ما سمعت بأنه أنشد هذا أحد قطّ غيره.
وأخبرنا ابن دريد والهزّانى قالا، أخبرنا الرّياشىّ، قال: قال الأصمعى، حدّث يوما شعبة بحديث قال فيه: فذوى المسواك. فقال له رجل حضره:
إنما هو فذوى (5) المسواك، فنظر إلىّ شعبة فقلت له: القول ما قلت، فزجر القائل هذا لفظ ابن دريد وقال الهزّانىّ: فقال للرجل: امش من هاهنا، وهى كلمة للفتيان.
__________
(1) فى اللسان: «وقيل: جدته (أى النهر) وجدته (بالكسر والضم) وجده وجده (بالضم والفتح) ضفته وشاطئه. الأخيرتان عن ابن الأعرابى».
(2) كذا فى لسان العرب (مادة جد): أى اللغتين. وفى الأصل: «أعرفها».
(3) أحد وزراء الدولة العباسية توفى سنة 63والنابغة هو عبد الله بن قيس نابغة بنى جعدة.
(4) السرو: المروءة والشرف.
(5) ورد فى اللغة: ذوى من باب ضرب وفرح، إلا أن الثانية لغة رديئة، وقد جاء فى الجمهرة أن الأصمعى كان يرويه بالفتح (ذوى) فضبطنا أول الفعلين بالفتح اعتمادا على هذا، إذ السياق يقتضيه.(1/50)
وأخبرنا أبو بكر بن الأنبارىّ، أخبرنى أبى، عن أحمد بن عبيد قال:
أنشدنى ابن دأب (1):
وهم إن (2) ولدوا أشبوا ... بسرّ الحسب المحض
أسنوا، بسين غير معجمة ونون. فبلغ ذلك أبا عمرو (3) فقال: أخطأت استه الحفرة، إنما هو أشبوا، بشين معجمة وتحت الباء نقطة، أى كفوا، أما سمع قول الآخر:
وذو الرّمحين أشباك ... من القوّة والحزم (4)
وأشبى الرجل: إذا جاءه بنون كرام، ويقال أشبى فلان عليك: أى [21ا] أشفق.
قال: أشبى علىّ والكريم يشبى، أى يشفق.
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعيد، أخبرنى طائع، سمعت قعنب ابن محرز يسأل الأصمعىّ عن قول الشاعر (5):
رقونى (6) وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
فقال قعنب: رقونى، بالقاف. فقال الأصمعىّ: ما معنى رقونى؟ قال: رقوه
__________
(1) هو أبو الوليد عيسى بن يزيد بن دأب الكنانى الليثى الراوى. (انظر الطبرى).
(2) فى الأصل: من وما أثبتناه من اللسان (مادة شبا) والبيت لذى الإصبع العدوانى.
(3) هو أبو عمرو بن العلاء.
(4) هذا البيت من أبيات أولها: ألا لله قوم و ... لدت أخت بنى سهم
وجاءت فى الأغانى منسوبة إلى ابن الزبعرى، ونسب بعضهم هذا البيت لابن أبى ربيعة فى حديث طويل فارجع إليه فى ج 1ص 3330طبعة بولاق.
وذو الرمحين هو أبو ربيعة حذيفة بن المغيرة جد عمرو، سمى بذلك لطوله وكأنه يمشى على رمحين، أو لأنه قاتل يوم عكاظ برمحين (انظر الأغانى ج 1ص 30طبعة بولاق).
(5) هو أبو خراش بن خويلد بن مرة الهذلى (انظر اللسان مادة رفا).
(6) فى الأصل: رفونى.(1/51)
بالكلام فقال: تصحّف وتفسّر التصحيف، إنما هو رفونى بالفاء. وأصله رفوت، من رفأت، فأزال الهمزة للشعر.
قال الشيخ: الرفء يكون من السكون والهدوء، والرّفاء: الاتفاق والاجتماع، من قولهم رفأت الثّوب: إذا جمعت الجانبين وضممتهما. ومنه قولهم للمملك:
بالرّفاء والبنين. والمرافاة: الموافقة (1). قال الشاعر:
ولمّا أن رأيت أبا رويم ... يرافينى ويكره أن يلاما
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل عن المازنىّ، سمعت أبا زيد الأنصارىّ يقول:
لقيت أبا حنيفة فحدثنى بحديث فيه: يدخل الجنّة قوم حفاة عراة منتنين [21ب] قد أحمشتهم النار، فقلت له: إنما هو منتنون قد محشتهم (2) النار، فقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل البصرة، فقال: أكلّ أصحابك مثلك؟
قلت: بل أنا أخسّهم حظّا فى العلم، فقال: طوبى لقوم يكون مثلك أخسّهم فى العلم:
وأخبرنا أبو بكر بن الأنبارىّ حدّثنا عبد الله بن دينار (3)، أخبرنا الحسن ابن عبد الرحمن الرّبعىّ قال:
كان شعبة بن الحجّاج (4) يحقرنى إذا ذكرت شيئا، فحدّثنا عن ابن
__________
(1) فى اللسان مادة رفا: «الرفاء: الموافقة، وهى المرافاة بلا همز». ثم أنشد البيت شاهدا.
(2) محشته النار وأمحشته: أحرقته.
(3) عبد الله بن دينار، اثنان: أحدهما العدوى أبو عبد الرحمن المدنى مولى ابن عمر، روى عنه جماعة منهم عبد العزيز بن الماجشون، كان محدثا ثقة توفى سنة 127هـ. والثانى البهرانى ويقال الأسدى أبو محمد الحمصى، ليس بالقوى فى حديثه ولا يشبه حديثه حديث الناس (ولم ينص على تاريخ وفاته) (تهذيب). وقد يكون المقصود هو الأول.
(4) هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى الأزدى، مولاهم أبو بسطام الواسطى ثم البصرى.(1/52)
عون (1)، عن ابن سيرين (2)، أنّ كعب بن مالك الأنصارىّ (3) قال:
قضينا من تهامة كلّ نذر ... بخيبر ثمّ أغمدنا السّيوفا (4)
نسائلها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا
فلست لمالك إن لم نزركم ... بساحة داركم منّا ألوفا
وننتزع العروس عروس وجّ (5) ... وتصبح داركم منّا خلوفا
قال: العروس بسين غير معجمة. قال: فقلت لشعبة: وأىّ عروس كانت ثمّ يا أبا بسطام؟ قال: فما هو؟ قلت: وننتزع العروش عروش وجّ.
وهو من قول الله عزّ وجلّ «خاوية على عروشها» قال: فكان بعد ذلك [22ا] يكرمنى ويرفع مجلسى.
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدّثنى أحمد بن كلثوم قال:
رأيت أبا عثمان المازنىّ عند محمد بن أبى رجاء، فقال لهم: ما اسم أبى دلامة؟
فلم يردّ رادّ عليه. فقال جدّى: زند بن الجون (6)، إياكم أن تصحّفوا فتقولوا زيد.
__________
روى الحديث عن كثير وكان ثبتا ثقة عالما بالرجال صاحب نحو وشعر، قال عنه الأصمعى: لم نر أحدا أعلم بالشعر منه، توفى سنة 160هـ.
(1) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزنى أبو عون البصرى أحد الأعلام. كان ورعا عالما كثير الحديث. من سادات أهل زمانه عبادة وفضلا ونسكا، ومات سنة 151هـ (تهذيب وطبقات الحفاظ).
(2) هو محمد بن سيرين الأنصارى مولى أنس بن مالك إمام وقته. ومن أورع أهل البصرة، كان حافظا متقنا فقيها يعبر الرؤيا، ومات سنة 110هـ.
(3) كعب بن مالك الأنصارى من شعراء المدينة له شعر فى الغزوات.
(4) انظر طبقات ابن سلام (ص 54طبعة أوربة) والسيرة لابن هشام (ج 4ص 121طبعة الحلبى) ومعجم البلدان فى (وج) فبين رواية الشعر هنا وهناك اختلاف فى الألفاظ.
(5) وج: واد بالطائف. وخلوف جمع خلف (الحلبى).
(6) هو شاعر له مع الخلفاء والأمراء أخبار كثيرة ونوادر جمة، كان أسود من موالى بنى أسد، أدرك آخر أيام بنى أمية ونبغ فى أيام بنى العباس وانقطع إلى السفاح والمنصور والمهدى، ومات فى خلافة المهدى سنة 261هـ (معجم أدباء. أغانى. ابن خلكان).(1/53)
أخبرنا ابن الأنبارىّ، حدثنا أبى قال: قرأ القطربلىّ المؤدّب على أبى العباس أحمد بن يحيى:
فلو كنت فى حب تمانين قامة ... ورقّيت أسباب السّماء بسلّم (1)
فقال أبو العباس: خرب بيتك، هل رأيت حبّا قطّ ثمانين قامة، إنما هو فى جبّ.
وأخبرنا عبد الله بن شبيب والسّكرى (2)، أخبرنا (3) أبو يعلى المنقرى، عن الأصمعىّ، حدثنى أبى قال: جاء رجل إلى أبى عمرو فقرأ عليه: ثم جسنا فصار كالتمثال، فقال له أبو عمرو: لو كنت أربيت فى الخطأ ما زدت على هذا، إنما هو: تم حسنا فصار كالتمثال.
وحكى أبو الحسن بن الكوفىّ (4) عن محمد بن عبيد عن شيخ له، أن [22ب] رجلا كان يقرأ على الأصمعىّ شعر النابغة فقال:
كلينى لهم يا أميمة باضت
فقال الأصمعىّ: أما علمت، ويلك، أنّ كلّ ناجمة الأذنين نحيض، وكلّ سكّاء الأذنين تبيض (5)، فصار تصحيف الرّجل فائدة لنا. ثم قال ابن الكوفىّ: لا أعلم تصحيفا جرّ فائدة إلا هذا الحرف.
قال الشيخ:
ومن التصحيف الذى انتفع به خبر الفرزدق أيضا.
__________
(1) البيت للأعشى من قصيدة مطلعها:
ألا قل لتبا قبل مرتها اسلمى ... تحية مشتاق إليها متيم
(2) هو الحسن بن الحسين أبو سعيد السكرى النحوى اللغوى الراوية، توفى سنة 275 (ابن خلكان)
(3) فى الأصل أخبرنى والمتحمل للخبر اثنان فحق الضمير أن يعدل به إلى الجمع.
(4) هو صاحب ثعلب والخصيص به، كان جماعا للكتب ثقة، مات سنة 348 (معجم. بغية).
(5) ناجمة الأذنين: ظاهرتهما. وسكاؤهما: قصيرتهما.(1/54)
أخبرنى به ابن دريد والهزّانى، قالا: حدّثنا الرّياشىّ، حدثنا محمد ابن سلّام، حدثنى الحكم بن محمد (1) أو صخر قال:
كان تميم بن زيد رجلا من قضاعة من بلقين (2)، وكان واليا على الهند، وكان فى حبسه رجل يقال له خنيس أو حبيش، فلما طال حبسه أتت أمّه قبر غالب بن صعصعة بكاظمة (3)، فأقامت عنده حتى علم الفرزدق بمكانها، فأتته وذكرت حبس ابنها، فكتب إلى تميم بن زيد (4):
هب لى حبيشا واتخذ فيه منّة ... لغصّة (5) أمّ ما يسوغ شرابها
(23ا) أتتنى فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافى عليه ترابها
تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتى ... بظهر، فلا يخفى (6) عليك جوابها
فلما أتاه الكتاب لم يدر أحبيش أم خنيس، وفى حبسه عدّة حبيش وخنيس، فأطلقهم جميعا (7)
فهذا من التصحيف الذى نفع جماعة.
فأمّا ذكر من بلى بالتصحيف وناله منه مكروه:
قال الشيخ:
سمعت شيخا من أهل أصبهان يقال له النوشجان بن عبد المسيح قال:
__________
(1) لعله الحكم بن محمد أبو مروان الطبرى. وكان وفاته سنة بضع عشرة ومائتين (تهذيب التهذيب).
(2) يريد بنى القين (بطن من قضاعة) كما يقال بلحرث فى بنى الحارث، وبلعنبر فى بنى العنبر.
(3) كاظمة جو على سيف البحر فى طريق البحرين على مرحلتين من البصرة. والجو: ما انخفض من الأرض.
(4) انظر شرح ديوان الفرزدق طبعة الصاوى ص 94والأغانى ج 19ص 36طبع بولاق، ففى القصة اختلاف.
(5) فى شرح الديوان: لحوبة.
(6) فى الأغانى ج 19ص 150: «على»، وهناك غير هذا اختلاف فى الروايات بين الأبيات.
(7) فى الأغانى (ج 19ص 50): «فلما أتاه الكتاب لم يدر أخنيس أم حبيش فأطلقهما جميعا.(1/55)
أخبرنى أبو العبّاس المبرّد قال: كتب صاحب بريد أصبهان، إلى محمد ابن عبد الله بن طاهر (1): أنّ قائدا ممن بها من الموالى يلبس خزلخية ويقعد للنساء فى الطرقات، وأنه قد استهوى بذلك جماعة من المستورات، فكتب محمد إلى عامل المعونة: أشخص إلىّ فلاتا وخزلخيّته فقرأه صاحب المعونة وجزّ لحيته، فأخذ الرجل فجزّ لحيته وأشخصه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر.
[23ب] فأبصره آية وقال (2): ويلك مادهاك؟ فأخبره فخلّى عنه، وقال: كفاه بهذه المثلة عقوبة. وهذا شؤم التصحيف.
وأعظم من هذا أمر المخنثين بالمدينة، فإنه خصى ستة أو سبعة منهم بشؤم تصحيفة.
فأخبرنى محمد بن يحيى بن علىّ، عن حماد بن إسحاق قال: كتب سليمان ابن عبد الملك إلى ابن حزم (3) أمير المدينة أن أحص من قبلك من المخنّثين، فصحّف كاتبه فقرأ: أخص من قبلك من المخنّثين. قال: فدعا بهم فخصاهم، وخصى الدّلال (4) فيمن خصى.
قال حماد بن إسحاق، فحدّثنى أبى قال قدم الماجشون (5) بابن أبى عتيق (6)، فمرّ به ابن حزم، وهو فى المسجد، فصاح به ابن أبى عتيق: أخصيتم الدّلال، أما والله لقد كان يحسن:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا (7)
__________
(1) هو الأمير محد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعى نائب بغداد كان جوادا ممدحا قوى المشاركة جيد الشعر مات بالخوانيق سنة 253هـ (شذرات الذهب 2/ 128).
(2) لعلها: فقال، أو: فدهش وقال.
(3) هو أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى الخزرجى، ولاه عمر بن عبد العزيز المدينة، وتوفى بها سنة 110هـ، وقيل غير ذلك.
(4) اسمه ناقد، وكنيته أبو زيد مولى بنى فهم، وكان من مغنى المدينة. وممن يجيدون النقر على الدف وكان ظريفا جميلا حسن البيان من أحضر الناس جوابا وأحجهم (أغانى ج 4ص 285دار الكتب)
(5) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشون التميمى ولاء، كان ضريرا مولعا بسماع الغناء، مات سنة 212هـ، وقيل سنة 214هـ.
(6) هو محمد بن عبد الله بن أبى عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق.
(7) ورد هذا الخبر فى الأغانى ج 4ص 276دار الكتب منسوبا مرة إلى ابن أبى عتيق، وأخرى إلى الماجشون. ذات الجيش: موضع يقال إنه العقيق بالمدينة (معجم ياقوت).(1/56)
وروى لى غيره قال:
ممّن خصى بالنّقطة طويس (1) ودلال، وبرد الفؤاد ونومة الضّحى ونسيم السّحر وضرّة الشّمس.
قال الشيخ:
وقد روى هذا الخبر على خلاف هذا، فأخبرنى أبى، أخبرنا عسل، أخبرنا [24ا] محمد بن سلّام، حدثنى ابن جعدبة (2) قال:
كان سليمان بن عبد الملك غيورا، فقيل له: إن المخنّثين قد أفسدوا النساء بالمدينة، فكتب إلى أبى بكر بن عمرو بن حزم (3) أن اخص فلانا وفلانا، حتى عدّ أربعة، منهم الدّلال وبرد الفؤاد ونومة الضّحى وطويس. قال ابن جعدبة: فقلت لكاتب ابن حزم: زعموا أنه كتب إليهم أن أحص، فقال: يا ابن أخى عليها نقطة، إن شئت أريتكها؟
قال: وقال الأصمعى فى روايته: عليها نقطة مثل سهيل.
وزادنا غير أبى فى هذا الحديث، قال: فقال واحد من المخنّثين لما اختلفوا فى الحاء والخاء لا أدرى ما حاؤكم وخاؤكم، ذهبت خصانا بين الحاء والخاء.
قال: فقال طويس لما خصى: هذا الختان الأكبر. وقال نومة الضّحى:
__________
(1) طويس: لقب غلب عليه، واسمه طاوس، وفى رواية عيسى بن عبد الله مولى بنى مخزوم أول من غنى الغناء المتقن من المخنثين، وهو أول من صنع الهزج والرمل فى الإسلام، وكان لا يضرب بالعود وإنما ينقر على الدف، وكان ظريفا عالما بأمر المدينة ووهلها، وكان يتقى لسانه (أغانى ج 4ص 219) أما زملاؤه فقد عدهم صاحب الأغانى من الرجال المشورين بالغناء، وقال عنهم. هؤلاء مشايخ وكلهم طيب الغناء (أغانى ج 7ص 128).
(2) هو يزيد بن عياض بن جعدبة الليثى المدنى، قيل كان وضاعا ضعيف الحديث، مات فى البصرة فى خلافة المهدى.
(3) ذكر فى الحيوان ج 1ص 55طبع مصر: إن الذى أمر بخصاء المخنثين هو هشام بن عبد الملك وأن الذى تولى ذلك هو عثمان بن حيان والى المدينة.(1/57)
ما كان أغنانى عن سلاح لا أقاتل به. وقال نسيم السحر: أفّ لكم ما سلبتمونى إلا ميزاب بولى (1).
ومن شؤم التصحيف ما حدثنى به شيخ من أطباء بغداد، أن الحسن بن [24ب] سهل بن أبى نوح أراد أن يتناول شربة، فجمع عليها حذّاق المتطبّبين، فأجمعوا على نسخة كتبها بخطّه، وفيها وزن درهمين «أفتيمون» (2)
فغلط غلامه فقرأها أفيون، فتناولها وكاد يتلف، ونجا بعد معالجة طويلة، وبعد أن أشفى على الهلكة.
ثم قال لى: وزعموا أن حنين (3) بن إسحاق المترجم كان يحترس من مثل هذا، فيما يؤلّفه من الأدوية، ويفزع من الحرف ذى اللّبس إلى آخر يضعه مكانه، فمن ذلك أنه كان يكتب صعتر، بالصّاد، ويقول أخاف أن يقرأ: الشّعير، فيصير به الدّواء داء.
قال الشيخ:
ومن نكد التّصحيف أنه كان السبب فى تلف علىّ بن العباس الرّومىّ الشاعر.
فحدّثنى محمد بن فضلان الوراق قال:
كان جلساء القاسم بن عبيد الله يقصدون أذى ابن الرّومىّ، خاصة المعروف بابن فراس، فكان القاسم يغريهم به، إلى أن سأله أحدهم يوما عن الجرامض (4) على سبيل التّصحيف والتّهكّم، فقال ابن الرومى:
أسالت عن خبر الجرا ... مض طالبا علم الجرامض:
__________
(1) وردت هذه القصة فى الأغانى بشىء من التفصيل وبعض اختلاف فى السياق.
(2) هو زهر لنبات يشبه الصعتر وله رءوس دقاق خفاف، لها أذناب شبيهة بالشعر، يقال إنه يصنع منه شراب مسهل قوته شديدة فى قلع المرة السوداء (عن مفردات ابن البيطار).
(3) هو أبو زيد حنين بن اسحاق العبادى أشهر المترجمين فى عصره ومن الأطباء المشهورين وتوفى سنة 260 (ابن أبى صبيغة).
(4) الجرامض كعلابط: الثقيل الوخم، والأكول الواسع البطن، وهى والجراضم واحد.(1/58)
[25ا] فهو الجرامض حين يق ... لب ضارح فيقال حارض (1)
وهو الجراسم والقمن ... جر والجراسف والجراغض (2)
وهو الحزاكل والغوا ... مض قد تفسر بالغوامض
وهو السّلجكل إن فهم ... ت وإن ركنت إلى المعارض (3)
واصبر وإن حمض الجوا ... ب فربّ صبر جر حامض (4)
الصّقع محتاج إلى ... فرع يكون له مقايض (5)
ومن اللحى ما فيه فع ... ل للمواسى والمقارض
وهجا الجماعة وأكثر من هجائهم، فشكاه الجلساء إلى القاسم بن عبيد الله فتقدم إلى ابن فراس فسمّه فى خشكنانجة كانت نفسه فيها.
قال الشيخ:
وممّا خصّنى من شؤم التصحيف، أنى سمعت بعض الرؤساء ممّن له سلطان ينشد:
فقلت لعبد الله إذ خنّ باكيا ... تعزّ ودمع العين منهمل يجرى
فأنشده حنّ (بالحاء) غير معجمة وهو تصحيف فعرّفته أنّ الرواية الصحيحة التى رواها الأصمعىّ وغيره، ورواها المبرّد عن شيوخه «إذ خنّ» بالخاء
__________
(1) حارض، أى فاسد. والحارض: الرجل الفاسد الرذل المتروك، وهو الفاسد البدن المشفى على الهلاك.
(2) جاءت الكلمة فى الأصل القمجر ولعلها محرفة عن القمنجر بمعنى القواس أو كلمة شبيهة بها ليستقيم الوزن كما جاءت الغرائض ولا معنى لها. ولعلها محرفة عن «الجرائض» أى الأكول. أو «الجرامض» وهو الثقيل الوخم. الجراسف: الضخم الشديد والآكل أكلا شديدا وهذا البيت لم يرد فى الديوان.
(3) روايته فى الديوان
وهو السلجكل شئت ذلك ... أم أبيت بفرض فارض
(4) رواية الديوان.
فاعذر وإن حمض الجواب ... فرب منتفع بحامض
(5) البيتان الأخيران غير موجودين فى الديوان، ومكانهما:
ودع المضامض بالفصول ... فإنها شر المضامض
أولا فانك باعث ... أسد الجواب من المرابض(1/59)
[25ب] المعجمة، وأن الخنين تردّد البكاء فى الأنف، والحنين ما كان فى الصدر، ومنه قول أمير المؤمنين علىّ: اقعد ولا تخنّ خنين الجارية. ومنه قول الفرزدق:
فلن يرجع الموتى خنين المآتم (1)
وكان أبو محمد بن خلّاد الرّامهرمزىّ (2) حاضرا، فسأله عن ذلك فقال:
صدق، هو كما قال. فانكسر لذلك واضطغنها علىّ. ثم تعقّبنى فى معاملة كانت بينى وبينه بمضرّة أجحفت بحالى.
وكنا فى مجلس بعض الرؤساء ولهم معلّم يعجبون به،، فتذاكرنا قولهم العير (3)، وعلى كم وجه يتصرّف، وأوردناه ما قيل فيه، فكان نيّفا على ثلاثين (4) معنى، فطلب المعلّم الإغراب (5) والزيادة فقال ومنها بنات عير فتبسّمت، فقال: لى صاحب المجلس تبسّم منكر، فقلت: نعم، قد صحّف، إنما هو بنات غير بالغين معجمة والراء غير معجمة. ويقال للرجل إذا جاء بالكذب جاء ببنات غير، ثم قلت له: أنشدنا نفطويه، عن ثعلب، عن ابن الأعرابىّ:
إذا ما جئت جاء بنات غير ... وإن ولّيت أسرعن الذّهابا
[26ا] وقلت: وهو فى نوادر ابن الأعرابىّ التى فى أولها الكلام فى الحوّ واللوّ (6)
__________
(1) هذا عجز بيت وصدره:
فما ابناك إلا ابن من الناس فاصبرى
وهو من قصيدة قالها يرثى ابنين له، ومطلعها:
بفى الشامتين الصخر إن كان مسنى ... رزية شبلى مخدر فى الضراغم
(2) هو أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزى، كان قاضيا مكثرا من الحديث، ولى القضاء ببلاد الخوز، ورحل قبل التسعين والمائتين (السمعانى).
(3) فى الأصل (العين) بالنون.
(4) منها الوتد والجبل والسيد والمالك ومآ فى العين والحمار الوحشى والعظم الناتئ وسط الكف وعير النصل: وسطه، وعير الورقة: الخط الناتئ فى وسطها الخ.
(5) فى الأصل الإعراب وما، ولعله يريد بها الإبانة.
(6) يقال فلان ما يعرف الحو من اللو: أى البين من الخفى.(1/60)
فأمر باحضار الكتاب من الخزانة، فكان مضبوطا بخط ابن الكوفىّ (1) كما قلت فزجره، ثم ضرّب (2) ذلك المعلّم بينى وبين أكثر الحاشية.
وأخبرنى الصولى (3) قال: أحرج بعض الكتّاب عبيد الله بن سليمان بن وهب فوقّع فى رقعته هذا هذّا (4)، فقدّر الرجل لبعد ذهنه أنه قد وقّع: هذا هذا: أى هو حجّة ثابتة كما يقال: أنت أنت وأنا أنا، فأخرج التوقيع إلى الكتّاب وقال: قد قبل الوزير حجّتى، فلم يعرفوا ذلك، وجاءوا بالتوقيع إلى صاحب الديوان، فردّه إلى عبيد الله واستأمره، فما زاد عبيد الله على أن شدّد الذّال، ووقّع تحته: الله المستعان.
__________
(1) هو أبو الحسن على بن محمد بن الزبير الأسدى الكوفى، عالم صحيح الخط والرواية، جماعة للكتب، منقر بحاث (الفهرست).
(2) ضرب بين القوم: أغرى.
(3) هو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولى، كان عالما بغنون الأدب، حسن المعرفة بآداب الملوك والخلفاء حاذقا بتصنيف الكتب، وكان نديما لجماعة من الخلفاء، جمع أشعارهم ودون أخبارهم، به توفى سنة 335هـ، وقيل سنة 336هـ (نزهة الأنباء ص 343).
(4) يريد هذاء، وقصره للمشاكلة، أى شديد الهذيان.(1/61)
باب فى نوادر من التصحيف أضحكت من قائلها
أخبرنى ابن عمّار، أخبرنى ابن أبى سعد، حدثنى الحمدونىّ (1) الشاعر، قال: أنشد أبو العلاء المنقرى الخطيب فى مجلس عيسى بن جعفر والى البصرة:
[26ب] كفى حزنا إنّ الكريم مقيّرّ ... عليه ولا معروف عند بخيل
يريد مقتر عليه، فقال المسوّر بن عبد الله، وكان يلقّب بمهرويه، وكان مخنّثا فصيحا: فى أبى العلاء خصلتان من خصال النّبوّة هو أمّىّ ويكسر الشّعر، فقال أبو العلاء: خصلتان من خصال النّبوّة أصلح من خصلتين من خصال النساء الخنث والبغاء.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى المبرّد قال: أنشدنا يوما أبو العلاء المنقرىّ:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوابين الدّخول فحومرى
فقلت: باللام، فقال: كذا قلت باللام فحومرل!!.
وأنشد محمد لأبان اللاحقى، فى رجل كان كلّما أخطأ فقيل له:
هذا لا يجوز، قال: فى هذا لغة:
يكسر الشّعر وإن عاتبته ... فى محال قال فى هذا لغه
[27ا] وممّن صار ضحكة للماضين والغابرين بالتصحيف، الكاتب الذى قرأ: حاضر (2) طيّئ، فقال: جاء ضريطى.
__________
(1) هو أبو الحسن محمد بن بشر من غلمان أبى سهل النوبختى، وينسب إلى آل حمدون، وله من الكتب كتاب الإنقاذ فى الإمامة.
(2) كذا فى لسان العرب مادة حضر، والحاضر: الحى العظيم أو القوم. وفى الأصل بالصاد المهملة.(1/62)
[57ا] وممّن صار ضحكة (1) فى مجلس الخلافة، أحمد بن أبى خالد، وزير المأمون، صحّف فى أحرف [أ] ضحك [ت] (2) منه المأمون ومن حضر.
فحدثنى جماعة من شيوخنا عن المقدّمى (3)، عن الحارث بن محمد التّيمىّ (4)، عن بعض أصحابه أن أحمد بن أبى خالد قرأ القصص يوما على المأمون [فمرّ بقصة فلان البريدىّ] (5)، فقال: «فلان الثّريدىّ»، فضحك المأمون وقال:
يا غلام طعاما لأبى العبّاس، فإنّه أصبح جائعا. فاستحيا وقال: ما أنا بجائع، ولكن صاحب القصة أحمق، نقط الباء بنقطة الثّاء، فقال على ذاك. فجاءوه بالطعام، فأكل حتى انتهى، ثم عاد، فمرّ بقصّة «فلان الحمصىّ (6)»، فقال:
الخبيصىّ (7)، فضحك المأمون، وقال: يا غلام، جاما (8) فيه خبيص، فإن طعام أبى العبّاس كان مبتورا، فقال: إنّ صاحب القصة أحمق، فتح الميم (9)
__________
وفى الحديث: كنا بحاضر يمر بنا الناس، أى نازلين على ماء نقيم به لا نرحل. قال الخطابى: ربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور، يقال: نزلنا حاضر بنى فلان، فهو فاعل بمعنى مفعول. وطيىء كسيد: أبو قبيلة من اليمن، والنسب إليها طائى، على غير قياس، كما قيل فى النسبة إلى الحيرة حارى، والقياس طيئى وحيرى (انظر اللسان مادتى حضر وطيأ).
(1) الفرق بين فعلة ساكن العين وفعلة متحركة، أن الساكن بمعنى المفعول كما هنا: أى يضحك منه وأما المتحرك فهو بمعنى الفاعل، أى يضحك على غيره، ومثله صرعه وصرعة، وهمزة ولمزة. وهذه من القواعد الكلية.
(2) فى الأصل «ضحك»، وقد ألحقنا بهذه الكلمة حرفين، استقام بهما الكلام كما ترى، وقد وضعناهما بين قوسين معقفين.
(3) هو محمد بن أبى بكر بن على بن عطاء بن مقدم المقدمى، أبو عبد الله الثقفى البصرى توفى سنة 234 (التهذيب 9: 79).
(4) هو أبو محمد الحارث بن محمد بن أسامة التيمى، ولد سنة 186هـ، وتوفى سنة 282هـ (تاريخ بغداد 8: 218).
(5) الثريدى: نسبة إلى الثريد. والبريدى: هو صاحب البريد، وهذه زيادة اقتضاها السياق، كما سترى فى الفقرة التالية فى هذا الخبر. وفى محاضرات الراغب (51ثان): أحمد الثريدى، بدلا من فلان.
(6) الحمصى: نسبة إلى حمص، بلد مشهور قديم كبير مسور، فى طرفه القبلى قلعة حصينة على تل عال كبير، وهى بين دمشق وحلب فى نصف الطريق، يذكر ويؤنث.
(7) الخبيصى: نسبة إلى الخبيص، وهو نوع من الحلواء، يعمل من التمر والسمن يخلطان بعضهما ببعض.
(8) والجام: إناء مصنوع من الفضة. نقل صاحب اللسان عن الليث أنه عربى صحيح.
(9) فتح الميم: أى عدم اتصالها فى الخط من أعلى الدائرة.(1/63)
فصارت كأنها حرفان، فضحك وقال: لو جمعهما لبقيت جائعا، ف [لمما] جاءوا بالخبيص (1) قال [المأمون] (2): بحقّى عليك إلا أكلت، فمضى فأكل، ثم غسل يده، وعاد إلى القراءة، فما أسقط حرفا.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى [27ب] يعقوب بن بيان، حدثنى علىّ ابن الحسين الإسكافىّ، قال: لمّا خرج بغا (3) إلى منبج (4) وقلّدها، كان معه كاتب، فقرأ يوما عليه كتاب عامله بسميساط (5): إنّ فلانا سقط عن يزدونه، يريد: عن برذونه (6)، فقال بغا: ما يزدونه؟ ويحك!! فقال: جبل بين سميساط والرّوم، وهو الحدّ بينهما (7)، قال: فلم ندر من أىّ شىء نعجب من تصحيفه، أم من احتجاجه بما احتجّ به؟
وحكى بعض شيوخنا أنّ شجاع بن القاسم كان يناظر فى القصص، فقرأ على أحدها: أبو معشر المنجّم (8)، فقال لغلامه: ناد بأبى معشر المتخم.
__________
(1) فى الأصل: «فجاو الخبيص قال تخفى»، وقد أثبتنا الزيادة ليستقيم الكلام.
(2) زيادة لتوضيح المعنى.
(3) بغا: مولى المعتصم، عمر شمكور سنة 240هـ، وهو والى أرمينية وأذربيجان وشمشاط، وسماها المتوكلية (انظر مادة شمكور فى معجم البلدان) وفى الأصل بعا بالعين المهملة.
(4) منبج: مدينة كبيرة واسعة ذات خيرات كثيرة، وأرزاق واسعة فى فضاء من الأرض، كان عليها سور مبنى بالحجارة محكم، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ. قال ياقوت:
ما أظنه إلا روميا، إلا أن اشتقاقه فى العربية يجوز أن يكون من أشياء: نبج الرجل: إذا قعد فى النبجة، وهى الأكمة، والموضع منبج ويجوز أن يكون من النبج، وهو طعام كانت العرب تتخذه فى المجاعة، يخاض بالوبر فى اللبن، فيجدع ويؤكل.
(5) سميساط: مدينة على الشاطئ الغربى للفرات، فى طرف بلاد الشام.
(6) البرذون: الدابة، والأنثى برذونة، وهى من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب، وبرذن الفرس:
مشى مشى البراذين.
(7) اخترع الكاتب هذا الكلام اختراعا فى تعريفه «يزدونه» بأنها جبل الخ، إذ لم يرد هذا الاسم فى معجم البلدان.
(8) هو أبو معشر جعفر بن محمد البلخى المنجم، كان فى أول أمره من أصحاب الحديث ببغداد، يناوئ أرباب العلوم، ويضاغن أبا يوسف يعقوب بن إسحاق الكندى، ويغرى به العامة، ويشنع عليه(1/64)
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنى أبو الفضل بن أبى طاهر، قال: صحّف رجل فى قول النبىّ صلى الله عليه وسلم عمّ الرّجل صنو أبيه» (1)
فقال: غمّ الرجل ضيق أبيه.
وأخبرنا ابن عمار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنا عبد الله بن عبد الجبّار (2)، قال: صحّف إنسان قول عبيد بن الأبرص (3): حال الحريض دون القريض (4). فقال: حال الحريص، دون القريص (5).
[28ا] وأخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنى زكريا بن مهران، قال: صحّف بعضهم «لا يورّث حميل (6) إلّا ببيّنة»، فقال: لا يرث جميل إلا
__________
بعلوم الفلاسفة، فدس عليه الكندى من حسن له النظر فى الحساب والهندسة، فدخل فى ذلك، ولم يكمل له، فعدل إلى علم أحكام النجوم. وانقطع شره عن الكندى بتعاطيه هذا الفن، لأنه من جنس علوم الكندى، وقد صنف أبو معشر عدة كتب نشرت ذكره منها: المدخل فى النجوم، وكتاب الألوف، وهو تاريخ علمى صناعى للهياكل والأبنية التى تستحدث فى العالم فى كل ألف عام، وله زيج على مذهب الفرس فى أرصادهم، وينسب إليه حكايات غريبة فى الكشف عن المخبآت، والاطلاع على المغيبات، أو صلته إلى الخلفاء ويقال إنه أخبر المستعين بشىء قبل حدوثه، وأصاب فيه، فضربه أسواطا، فكان يقول: «أصبت فعوقبت».
وكان يعتريه صرع عند الامتلاءات القمرية، وكان مدمنا للخمر، ومات سنة 272هـ وقد جاوز المئة.
(1) الصنو: المثل، والأخ الشقيق، والابن، والعم. يقال: فلان صنو فلان، ولا يقال صنو حتى يكون معه آخر. وفسر أبو عبيد الحديث فقال: معناه أن أصلهما واحد. قال: وأصل الصنو إنما هو فى النخل.
(2) هو أبو القاسم عبد الله بن عبد الجبار الخبايرى الحمصى، لقبه زريق، توفى سنة 235 (التهذيب 5: 288).
(3) عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر بن هز بن مالك، شاعر جاهلى، وهو صاحب المعلقة المشهورة التى أولها: أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب
(4) هذا مثل قاله للمنذر حين أراد قتله، فقال له أنشدنى من قولك. وقيل: إن قائله جوشن الكلابى، قاله حين منعه أبوه من قول الشعر، فمرض، فقال: انطق بما أحببت، فقال هذا المثل.
والجريض الغصة، والقريض الجرة، ومثل الجريض الغصص، والقريض: الشعر. وقيل القريض والجريض يحدثان بالإنسان عند الموت فالجريض: تبلع الريق، والقريض: صوت الإنسان (اللسان مادة جرض).
(5) الحريص: البخيل. والقريص: ضرب من الأدم، فذهب وهمه إلى هذا المعنى.
(6) الحميل: الذى يحمل من بلده صغيرا ولم يولد فى بلد الإسلام. وهذه الجملة من قول عمر رضى الله عنه فى كتابه إلى شريح، وقد رواها صاحب اللسان هكذا: «الحميل لا يورث إلا ببينة». وقال: سمى حميلا لأنه يحمل صغيرا من بلاد العدو، ولم يولد فى الإسلام ويقال: بل سمى حميلا لأنه محمول النسب، وذلك أن يقول الرجل لإنسان: هذا أخى أو ابنى، ليزوى ميراثه عن مواليه، فلا يصدق إلا ببينة.
قال ابن سيده: والحميل: الولد فى بطن أمه، إذا أخذت من أرض الشرك إلى بلاد الإسلام، فلا يورث إلا(1/65)
بثينة (1).
وأخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، قال: سمعت القاسم بن جرير ينشد: * بكيت ضبابة وبكيت شوقا (2) *
قال: فقال محمد بن عبد الله اليعقوبىّ: هذا يبكى غيما!!
وقد روى لى هذا الخبر على وجه آخر:
فأخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنى أبو علىّ الخراسانىّ، قال: جلس اليعقوبىّ وابن مكرّم إلى ابن أبى فنن، فمرّ به [م] صعودا (3)، فجلس إليهم فأنشد:
بكيت صيانة وبكيت شوقا ... كذاك الدّهر أضحكنى وأبكى
فقال اليعقوبىّ: يا سلحة الفرّاء (4) لو كانت صيانة ما بكيت، إنما هى صبابة.
فاستحيا وقام.
أخبرنا ابن الأنبارىّ، أخبرنا موسى بن يحيى، عن أبى سعد الورّاق، قال:
__________
ببينة. والحميل: المنبوذ، يحمله قوم فيربونه. والحميل: الدعى. قال الكميت يعاتب قضاعة فى تحولهم إلى اليمن بنسبهم: علام نزلتم من غير فقر ... ولا ضراء منرلة الحميل
والحميل: الغريب (اللسان مادة حمل).
(1) ذهب وهمه إلى جميل الشاعر المشهور وصاحبته بثينة، والبثنة: المرأة الحسناء البضة.
(2) الضبابة: واحدة الضباب، وهو ندى كالغيم، أو سحاب رقيق كالدخان.
(3) صعودا، هو أبو سعيد محمد بن هبيرة الأسدى، أحد العلماء بالنحو واللغة على مذهب الكوفيين، وكان منقطعا إلى عبد الله بن المعتز (معجم الأدباء والبغية).
(4) هو أبو زكريا يحيى بن زياد المعروف بالفراء، فارسى الأصل، من جبال الديلم، ولد بالكوفة، وأخذ عن الكسائى، واتصل بالمأمون، وأملى كتاب الحدود بأمره، فصير إليه الوراقين، وألزمه الأمناء، فكان يملى والوراقون يكتبون، حتى أتمه فى سنتين. قال ابن الأنبارى: لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلا الكسائى والفراء، لكان لهم الافتخار على جميع الناس، إذ انتهت العلوم إليهما، وجعله المأمون مؤدبا لابنيه، وكانا يبتدران نعليه، يقدمانهما إليه، ويتنازعان أيهما يقدمهما، ثم اصطلحا أخيرا على أن يقدم كل واحد منهما فردة. ولما رفع هذا الخبر إلى المأمون استدعاه وقال له: من أعز الناس؟
فقال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين، قال: بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، فقال: لقد أردت منعهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها. فقال له: لو منعتهما لأوجعتك لوما وعتبا، وألزمتك ذنبا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما، وبين عن جوهرهما. ليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه، ووالديه، ومعلمه. وكانت وفاته سنة 207. والسلحة: المرة من سلح عليه يسلح سلحا. والسلاح (بضم السين): النجو.(1/66)
جاء رجل إلى أبى عبيدة، فقال: أريد أن أقرأ عليك شعر الحطيئة (1)، فقال:
اقرأ، فابتدأ فقال:
ظعن الّذين فراقهم أتوقّع (2) ... وخرى ببينهم الغراب الأنفع (3)
[28ب] قال: فوجّه أبو عبيدة إلى يونس: قد وقع طير من البادية (4)، فاحضر. فاجتمعا، فقرأ الرّجل. فقال أبو عبيدة: ويحك، إن عذرت فى تصحيفك الأوّل، لم تعذر فى الثانى أما سمعت بغراب أبقع (5) ولا رأيته قطّ!
وقرأ رجل يوما على [أبى] عبد الله المفجّع (6):
ولما نزلنا منزلا طلّه النّدى ... أنيقا وبستانا من النّور خاليا
بالخاء المعجمة، فحرّك المفجّع رأسه، وقال: يا سيّد أمّه (7)، فعلى أىّ شىء
__________
(1) هو أبو مليكة جرول بن أوس العبسى، كان من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم، متفوقا فى فنون الشعر، وبخاصة الهجاء، وكان سيىء الخلق والدين، جشعا سئولا، مولعا بالوقيعة بين الناس، نهما إلى تمزيق أعراضهم، فهابه الناس لذلك، واشتروا أعراضهم ببذل ما فى طاقتهم. واضطر الخليفة عمر أن يشترى منه أعراض المسلمين جميعا بثلاثة آلاف درهم. وبلغ من حبه للهجاء أنه هجا نفسه، وهجا الزبرقان ابن بدر بقصيدة فيها البيت المشهور:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فانك أنت الطاعم الكاسى
فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب، وأنشده هذا البيت. فقال عمر: ما أسمع هجاء، ولكنها معاتبة، فقال الزبرقان: أما تبلغ مروءتى إلا أن آكل وألبس؟ فقال عمر: على بحسان، فلما جاء سأله، فقال: لم يهجه بل فضحه. فأمر به عمر، فألقى فى بئر، فاسترحمه، فلم يلتفت إليه، فأنشده القصيدة التى أولها:
ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
فأخرجه، وقال له: إياك وهجاء الناس، قال: إذن يموت عيالى جوعا، هذا مكسبى، ومنه معاشى.
وله فى المدائح شعر حسن بليغ، وقد مات فى أواخر خلافة عمر.
(2) فى الأصل ما يفيد أن الكلمة تروى أيضا: يتوقع.
(3) فى البيت تصحيفان: الأول فى قوله: وخرى. وأصلها فى الشعر: وجرى. والثانى: الأنفع، وأصلها: الأبقع، وهذا معنى قوله فيما سيجىء: إن عذرت فى تصحيفك الأول، لم تعذر فى الثانى.
(4) فى الأصل البابة، ومعنى البابة: الخصلة، كما نقله صاحب اللسان عن أبى العمثيل، ومن معانيها الغاية، كالباب فى الحدود والحساب، واسم ثغر وهى غير مناسبة هنا، وقد يظن أنها محرفة عن «البادية»، وقد سقطت الدال من الناسخ.
(5) يقال للغراب أبقع: إذا كان فيه بياض، وهو أخبث ما يكون من الغربان، فصار مثلا لكل خبيث.
(6) أبو عبد الله محمد بن عبيد الله المفجع الكاتب البصرى، لقى ثعلبا وأخذ عنه وعن غيره، وكان شاعرا شيعيا، وله قصيدة يسميها بالأشباح، يمدح فيها عليا عليه السلام، وبينه وبين أبى بكر بن دريد مهاجاة.
وله كتاب الترجمان فى معانى الشعر وغيره (الفهرست لابن النديم 123).
(7) الإضافة فى «سيد أمه» هنا: للذم والتحقير.(1/67)
كنتم تشربون؟ على الخسف (1)؟
وأخبرنا ابن عمّار أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنا عبد الله بن عبد الجبّار، قال: قرأ كاتب الوليد بن عبد الملك فى كتاب: وقد أبعط أمير المومنين إبعاطا، فصحّف، فقال: أنعظ إنعاظا. فقام الدّلال المخنّث (2)، فحرّك كتفيه، ولوى عنقه، وقال: بسم الله علىّ.
قال الشيخ: يقال: أبعط، إذا أبعد فى الذّهاب، والإبعاط من الذّهاب قال الشّاعر:
ناج يعّنيهنّ بالإبعاط ... [إذا استدى نوّهن بالسّياط] (3)
ويقال: أبعط فى السّوم: إذا غلا فيه.
وأخبرنا ابن عمّار، حدثنى أحمد بن سليمان [29ا] بن أبى شيخ، أن هشام بن الحكم (4) كان مشهورا بقلّة المعرفة، وأنه نظر إلى كتاب فيه شعر كثيّر عزّة (5) مترجما بذلك، فجعل يقول: ما هذا؟ كبير عرّة! ويردّدها.
قال ابن أبى شيخ: وأراد مرّة أن يقول: طبخ لنا رخبينيّة، فقال:
خربينيّة (6)، فأقام يردّدها، لا يقدر أن يقول غير ذلك.
__________
(1) الخسف هنا: الجوع. قال أبو بكر فى قولهم: شربنا على الخسف: أى شربنا على غير أكل.
ويقال: بات القوم على الخسف: إذا باتوا جياعا ليس لهم شىء يتقوتونه (اللسان مادة خسف).
(2) فى القاموس فى مادة دل: «وكسحاب أى دلال مخنث معروف». وفى اللسان: الخنث بكسر النون: المسترخى المتثنى. وفى المثل: أخنث من دلال.
(3) الزيادة عن اللسان، وهذه رواية ابن الأعرابى، قال: ورواه ثعلب يغنيهن بالإبعاط واستدى افتعل من السدو. والإبعاط: أن تكلف الإنسان ما ليس فى قوته.
(4) فى الأصل: هشام بن الحكم بن هشام بن الحكم»، وهو تكرار وقع من الناسخ.
(5) كثير الشاعر، بالتصغير: صاحب عزة، والعزة: بنت الظبية، وبها سميت المرأة، لحسنها وجمالها.
(6) هكذا فى الأصول: «رخبينية» بالخاء ثم الباء. وفى تكملة المعاجم لدوزى: «رخبين»:
مأخوذة من رخفين»، ثم فسر هذه بأنها اللبن الخاثر، فانظره.
وفى اللسان فى مادة رخف: الرخف: المسترخى من العجين الكثير الماء واسم ذلك العجين:
الرخف والوريخة. وقال الفراء: هى الرخيفة والمريخة والوريخة، وثريدة رخفة: مسترخية، وقيل:
خاثرة والرخفة: الزبدة المسترخية الرقيقة.(1/68)
قال: وذكروا يوما لحم الدّواب، فقال: بلغنى أنه «يظعن» فقلنا: وما يظعن؟ فقال: «يظعن» فقلنا: يظعن إلى أين؟ فغضب، وجحد أنه قال ذلك، وكابر، ولم يعرب لسانه عمّا فى قلبه، وإنما أراد: ينعظ.
وهذا يشبه خبر شجاع بن القاسم، أنّه قرأ على قصّة: أبو معشر المنجّم، فأمر غلامه أن يصيح بأبى معشر المتخم (1).
وأخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنى هارون بن إبراهيم، أخبرنا أبو عمر حفص بن عمر المقرى (2): سمعت إنسانا يقرأ على معلّم: «أنّ السّموات والأرض كانتا رتقا (3)»، فقال له المعلّم: ويحك «زيفا» (4).
وأخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنى أبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملىّ (5)، وقد سمعت [29ب] أنا من هذا الشّيخ، حديثا كثيرا، ولم أسمع هذه الحكاية.
حدثنى أبو العيناء، قال: كتبت إلى صديق لى: جعلت فداك من السّوء كلّه. فلقينى بعد ذلك، فقال لى: أنا أستفيد أبدا منك، لا عدمت ذاك، وقد كتبت إلىّ: جعلت فداك «من الشّوكلة»، فما الشّوكلة؟ قال:
فعجبت وضحكت وقلت: نلتقى بعد هذا، وتقع الفائدة.
تقول العرب فى مثل: أساء سمعا، فأساء جابة (6) أساء ممدودا،
__________
(1) مر هذا الخبر فيما سبق كما هوهنا، مع اختلاف يسير فى العبارة، انظر ص 50.
(2) كان ضريرا، سكن سامرا، واشتهر بقراءة الكسائى، توفى سنة 246، وقيل غير ذلك (طبقات الحفاظ).
(3) صدر الآية: {«أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ كََانَتََا رَتْقاً فَفَتَقْنََاهُمََا»}. قال بعض المفسرين كانت السموات رتقا: أى لا ينزل منها رجع، وكانت الأرض رتقا ليس فيها صدع، ففتقهما الله تعالى بالماء والنبات، رزقا للعباد. ووجه الغرابة فى هذا الخبر، أن المعلم هو الذى يصحف.
(4) فى محاضرات الراغب الأصفهانى ج 1ص 50أنها صحفت إلى «ريقا».
(5) هو القاضى أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبى من الثقات لم يكن أسند منه فى عصره مع الصدق والستر والتوثق توفى ببغداد سنة 330 (الفهرست ص 325).
(6) أصل هذا المثل على ما ذكره الزبير بن بكار، أنه كان لسهيل بن عمرو ابن مضعوف، فقال له إنسان: أين أمك؟ أى أين قصدك، فظن أنه يقول له: أين أمك، فقال: ذهبت تشترى دقيقا، فقال أبوه: أساء سمعا فأساء جابة. قال: والجابة، كما فى اللسان، كالإجابة.(1/69)
وليس فى أوّل جابة ألف. هكذا المثل لا يجاوز به ما تكلّمت العرب به.
ولكن يقال فى الكلام: الجواب والإجابة والجيبة والجابة (1) ولو قيل فى الكلام: فأساء إجابة أو جوابا لكان صوابا. ولكنّ الأمثال تحكى.
وأخبرنا محمد بن يحيى، قال: كتب رجل من أغبياء الكتّاب، إلى صاعد بن مخلّد كتابا، فصّير العين غينا فى كتبته، ونقطها من فوق، ونقط الخاء [من مخلد] من تحت، فصيرها جيما.
فوقّع صاعد فى الكتاب، ولم يقف على ذلك، وخرج الكتاب إلى الدّيوان، فقال بعض الكتاب:
رأيت الوزير كثير الشّكوك ... بعيد الإفاقة من غفلته
[30] فما عرف الجدّ من والد ... ولا اسم ابنه الفدم من كنيته (2)
رأيت الكتابة قد عطّلت ... وحسن البلاغة فى دولته
__________
(1) فى اللسان (والاسم من أجاب الجواب، والجابة، والمجوبة، الأخيرة عن ابن جنى. قال:
ولا تكون مصدرا، لأن المفعلة عند سيبويه ليست من أبنية المصادر، ولا تكون من باب المفعول، لأن فعلها مزيد.
(2) الفدم: العى فى الكلام. والفدم من الناس: العيى عن الحجة والكلام، مع ثقل ورخاوة وقلة فهم، البعيد الفطنة وهو أيضا الغليظ السمين الأحمق الجافى. والأنثى: فدمة.(1/70)
باب ما روى من أوهام علماء البصريّين
ما وهم فيه الخليل بن أحمد (1) فى كتاب العين إن كان عمله
فإنى رأيت مشايخنا كالمجمعين على أنّ الخليل إنما عمل بعض الكتاب. وقيل:
بل عمل حرف العين فقط، وإنّ النّضر بن شميل (2) تمّمه بخراسان، واجتمع معه اللّيث بن المظفّر (3)، وعلىّ بن ساسان الواسطىّ، فأضافوا إلى الكتاب ما يجوز، وجملا ممّا لا يجوز، رغبة فى أن يكون الكتاب كاملا تامّا (4).
__________
(1) هو الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم الفراهيدى البصرى أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض.
قال السيرافى: كان الغاية فى استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، وهو أول من استخرج العروض، وحصر أشعار العرب بها، وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور، الذى به يتهيأ ضبط اللغة. وكان من الزهاد فى الدنيا، وكان يقول الشعر، وهو أستاذ سيبويه، وعامة الحكاية فى كتابه عنه، وكلما قال سيبويه: وسألته، أو قال من غير أن يذكر قائلا، فهو يعنى الخليل. وهو أول من صنف فى العروض، وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم. قال النضر بن شميل أقام الخليل فى خص بالبصرة: لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال. وكان يحج سنة ويغزو سنة. ومن كلامه: ثلاثة تنسينى المصائب: مر الليالى، والمرأة الحسناء، ومحادثات الرجال.
(2) النضر بن شميل بن حرشة بن كلثوم البصرى الأصل، أخذ عن الخليل والعرب، أقام بالبادية أربعين سنة، وكان أحد الأعلام فى اللغة، وله من رواية الآثار والأخبار منزلة. وقد رحل من البصرة من ضيق العيش بها إلى خراسان، فاستقضى من جهة المأمون، وولى قضاء مرو الروز، وصنف غريب الحديث، والمدخل إلى كتاب العين وغيرهما، وتوفى سنة 203هـ، وقيل سنة 204هـ (البغية 405).
(3) قال السيوطى: هكذا سماه الأزهرى. وقال فى البلغة: الليث بن سيار الخراسانى. وقال غيره:
الليث بن رافع بن نصر بن يسار. قال الأزهرى: كان رجلا صالحا، نحل كتاب العين للخليل، لينفق كتابه باسمه، ويرغب فيه. وقال أبو الطيب النحوى هو مصنف العين، روى عنه أنه قال: ما تركت شيئا من فنون العلم إلا نظرت فيه إلا النجوم، لأنى رأيت العلماء يكرهونه. قال ابن المعتز: كان من أكتب الناس فى زمانه، بارعا فى الأدب، بصيرا بالشعر والغريب والنحو، وكان كاتبا للبرامكة (البغية 383).
(4) نقل السيوطى عن أبى الطيب اللغوى، أنه قال فى كتاب العين: ليس له، وإنما هو لليث بن نصر ابن سيار. وقيل: عمل الخليل منه قطعة من أوله إلى كتاب العين (هكذا، مع أن المنقول عن العلماء أن أوله حرف العين، وسمى به) وكمله الليث، لأن أو له لا يناسب آخره. وقيل: بل أكمله الخليل، وأنه بدأه(1/71)
وممّا يدلّ على هذا، استشهاد هم بأشعار المولّدين، مما لم يكن الخليل يلتفت إليه، ولا يستشهد بمثله. وقد علّمت فى العين والحاء والرّاء وغيرها، على أكثر من أربعين بيتا للمحدثين. مثل سليمان بن يزيد العدوىّ، وصالح بن عبد القدوس (1)
وسابق، وبشار (2)، ومن فى طبقتهم.
[30ب] بل وجدت فيه شيئا من شعر أبى دلامة (3) والحسن بن هانئ (4).
__________
بسياق مخارج الحروف، ثم بإحصاء أبنية الأشخاص، وأمثلة أحداث الأسماء، فذكر أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل، على مراتبها الأربع، من الثنائى والثلاثى والرباعى والخماسى، من غير تكرير، اثنا عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة عشر ألفا وأربعمائة واثنى عشر. والثنائى: سبعمائة وستة وخمسون. والثلاثى: تسعة عشر ألفا وستمائة وخمسون. والرباعى: أربعمائة ألف وإحدى وتسعون ألفا وأربعمائة. والخماسى: إحدى عشر ألف ألف وسبعمائة وثلاثة وتسعون ألفا وستمائة، ذكر ذلك حمزة الأصفهانى فى كتاب الموازنة، فيما نقله عنه المؤرخون. قال السيوطى: وهذا صريح فى أنه (أى الخليل) أكمله. ولكنه بعد ذلك أورد حكاية تدل على أن نسخة الأصل أحرقتها ابنة عم الليث بن نصر بن سيار، وأنه كان يحفظ نصف الكتاب، فأملى الليث ما حفظه، وجمع علماء عصره، وأمرهم أن يكملوه على نمطه، وقال لهم مثلوا واجتهدوا، فعملوا التصنيف الذى بأيدى الناس (البغية 244).
(1) هو أبو الفضل البصرى مولى الأسد، أحد الشعراء، اتهم فى عصر المهدى بالزندقة، فأمر بحمله إليه، فلما حضر بين يديه وخاطبه وأعجب بغزارة علمه وأدبه، أمر بإخلاء سبيله. وله مع أبى الهذيل العلاف المعتزلى مناظرات. وجاء فى الأغانى (ج 13ص 14) أن الرشيد قتله، واحتج عليه فى أنه لا تقبل له توبة بقوله: والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى فى ثرى رمسه
وقال: إنما زعمت أنك لا تترك الزندقة، ولا تحول عنها أبدا.
(2) بشار بن برد البصرى، فارسى الأصل، كان جده يرجوخ من طخارستان من سبى المهلب بن أبى صفرة، فقيد إلى البصرة، وبيع هناك. ولد بشار مكفوف البصر، ثم أصيب بالجدرى، فكان مخدد الوجه ضخما عظيم الخلق طويلا، جاحظ المقلتين، قد تغشاهما لحم أحمر، فكان أقبح الناس عمى، وأفظعهم منظرا، وشفع ذلك بفساد خلق، فكان زنديقا يظهر الإسلام، ويسر المجوسية، لا يخالط الناس، خبيث الهجاء، بذىء الكلام، افتدى الناس أعراضهم منه بالأعطية الفاحشة.
أما شعره فغاية فى المتانة، مطبوع اللهجة، غريب الإبداع والتفنن. وله أشعار هتك فيها حرمة الآداب، حتى قيل: ما شىء أدعى لأهل البصرة إلى الفساد من أشعار هذا الأعمى الملحد، فإن كلماته من أخدع حبائل الشيطان وأغواها. وهجا الخليفة المهدى هجاء فاحشا، فوشى به الوزير يعقوب بن داود، لموجدة كانت له عليه، ورماه بالزندقة، فأمر به المهدى، فضرب بالسياط حتى مات سنة 168هـ.
(3) هو أبو دلامة زند بن الجون الكوفى الحبشى، نبغ فى أيام بنى العباس، وانقطع إلى العباس والمنصور والمهدى، فكانوا يقدمونه ويستطيبون مجالسته، لنكته ونوادره وسرعة بديهته وقوة عارضته، مع ما كان عليه من فساد الدين، وارتكاب المحارم، وإدمان الخمر، والمجاهرة بالزندقة. ولأبى دلامة نوادر مضحكة، تروى له فى كتب الأخبار والأدب، وتوفى عام 161هـ.
(4) هو أبو نواس الشاعر المعروف، ويقال أيضا أبو على الحسن بن هانئ، ولد بالأهواز، وتخرج(1/72)
وهذا أدلّ دليل على أن الكتاب مفسد مزيد فيه.
وحكى لى أبو عمر (1)، محمد بن عبد الواحد، خبرا أنا أوجس منه ولولا أنه ذكر فى إسناده إسحاق بن راهويه (2) ومحله من الصدق فيما يحكيه محلّ جليل، لأمسكت عن ذكره.
قال: حدثنى أبو الحسين النّيسابورى، عن أبيه، قال: قال إسحاق بن راهويه، قال النّضر بن شميل: كان اللّيث رجلا صالحا، ومات الخليل ولم يفرغ من كتاب العين قال: فأحبّ اللّيث أن يتّسق الكتاب كله، فسمّى لسان نفسه الخليل. فإذا رأيت فى الكتاب «سألت الخليل»، و «أخبرنى الخليل»، فيعنى الخليل نفسه. وإذا قال: «قال الخليل»، فإنما يعنى لسان نفسه.
وإنما وقع الاضطراب فى الكتاب من قبل خليل اللّيث، لا من [قبل ال] خليل (3)
ابن أحمد. والله أعلم كيف [صحّة] هذا الخبر (4).
فمن التّصحيفات الواقعة فى كتاب العين (5) ممّا لا يذهب مثله على الخليل، قوله
__________
بالبصرة على والبة بن الحباب، ثم تربى بالبادية حتى برع فى العربية وحذق الشعر، وتفنن فى المدح، والهجاء والرثاء والطرد والغزل، ووصف الخمر. وكان ماجنا فاق من سبقه وخلفه فى التهتك، وديوانه حافل بكثير من هذا. وقد قيل إنه رجع فى آخر عمره إلى الزهد ولزوم جادة الدين، ومن قوله:
وما أنا إلا هالك وابن هالك ... وذو نسب فى الهالكين عريق
فقل لغريب الدار إنك ظاعن ... إلى منزل نائى المحل سحيق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو فى ثياب صديق
وقد توفى سنة 195هـ.
(1) أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبى هاشم الزاهد المطرز اللغوى المعروف بغلام ثعلب، ولد سنة 261، وتوفى سنة 345هـ (البغية).
(2) الإمام الحافظ أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه الحنظلى المروزى ثم النيسابورى، أحد الأئمة، وصاحب التصانيف، من جلة أصحاب ابن حنبل، توفى سنة 238هـ (التهذيب ج 1 ص 217، والفهرست 321).
(3) فى الأصل «لا من خليل بن أحمد»، وما بين المعقفين زيادة اقتضاها السياق.
(4) يقول السيوطى فى هذا: «وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل، فضلا عنه نفسه» (المزهر ج 2، ص 232).
(5) أفرد السيوطى لهذا بابا خاصا به فى النوع الثالث والأربعين من كتاب المزهر: معرفة التصحيف والتحريف، فقال: ذكر بعض ما أخذ على كتاب العين من التصحيف (المزهر ج 2ص 237)، ونحن نثبت هنا ما فيه من خلاف أو زيادة، ونشير إليه وإلى مواضعه.(1/73)
«القارح» (1) بالقاف وحاء غير معجمة [31ا] القوس التى بان وترها عن مقبضها، واستشهد ببيت مصحّف أيضا:
* وقارحا من قصب تقضّبا *
وإنما هو «الفارج» بالجيم والفاء، يقال: قوس فارج، وفرج، لانفراج وترها عن كبدها (2). وأنشد أبو عمرو:
يغدو وبكلبين وقوس فارج ... ظباتها مثل الضّرام الآجج (3)
وقرأت على ابن دريد «الهميغ» (4): الموت الوحى، بالغين المعجمة، وأنشد:
إذا وردوا مصرهم عوجلوا ... من الموت بالهميغ الذّاعط (5)
ثم قال أبو بكر: وخالف الخليل الناس، فقال: الهميع بالعين غير المعجمة (6)، وذكر أن الهاء والغين المعجمة لم تجتمع فى كلمة. وقال أبو حاتم: الميم زائدة (7).
وممّا وقع فيه التصحيف فى «حرف الخاء» الخضب الحيّة، وقال: هى حية بيضاء تكون فى الجبل، والجمع خضاب.
__________
(1) القارح: بالقاف المثناة من فوق والحاء غير المعجمة: الناقة حين يستبين بها الحمل ولم تلقه.
والقارح من ذى الحافر بمنزلة البازل من الإبل.
(2) فى اللسان: قوس فرج، وفارج، وفريج: منفجة السيين. وقيل: هى الناتئة عن الوتر وقيل: هى التى بان وترها عن كبدها (مادة فرج).
(3) الظبة: حد السنان والنصل وما أشبههما. وظبة السهم: طرفه، والآجج: المتأجج.
(4) هكذا فى الأصل الهميغ، بالميم ثم الياء، وقال صاحب القاموس: الهميغ كغرين: الموت المعجل.
والهميغ كحيدر: شجرة المغد (مادة همغ). وجاء فى موضع آخر منه: والهيمع كصيقل: الموت الوحى كالهميع كحذيم، وذبح هيمع: سريع (مادة همع).
(5) رويت فى قطعة من كتاب العين بتحقيق الكرملى: الهيمع بتقديم الياء على الميم، وهكذا رواها صاحب اللسان، وعزاها إلى الليث فى مادة همع، ثم عقب على ذلك بقوله: وأما الأصمعى فرواها: الهميغ.
وقال أبو منصور: إن هذا هو الصواب. وأما الهيمع فهو تحريف عند البصراء. والذاعط: الموت أو القتل الوحى.
(6) نقل هذا السيوطى فقال: قال أبو بكر الزبيدى فى استدراكه: وذكر فى باب همع الهميع الموت، فصحفه. والصواب: الهميغ بالغين المعجمة (المزهر ج 2ص 237).
(7) جاء فى الجمهرة لابن دريد: قال أبو حاتم: أحسب أن الهميغ الميم فيه مقلوبة عن باء من قولهم:
هبغ الرجل هبوغا: إذا سبت للنوم، فكأنها هبيغ، فقلبت الباء ميما، لقربها منها (ذعط. جمهرة).(1/74)
وإنما هو الحضب، الحاء غير معجمة، والضاد معجمة (1) وأنشدنا ابن دريد لرؤبة:
[30ب] وقد تطّوّيت انطواء الحضب ... بين قتاد ردهة وشقب (2)
وقال الأصمعىّ: الحضب ضرب من الحيّات، لا أدرى ما صفته. وأنشدنى أبو العبّاس المعمرىّ، عن ثعلب، عن ابن الأعرابىّ:
* وانجحرت من خوفها حضابها (3) *
ومنها فى حرف الغين «يوم بغاث» فقرأت على أبى بكر خبر بغاث، والحرب بين الأوس والخزرج، فقال أبو بكر: ذكر الخليل «يوم بغاث» بالغين المعجمة، وهذا لم يسمع من غيره، وإنما هو: «بعاث» بالعين غير المعجمة (4).
__________
(1) نقل هذا السيوطى، وعزاه لأبى حاتم (المزهر ج 2ص 240).
(2) فى اللسان: الحضب: ضرب من الحيات. وقيل: هو الذكر الضخم منها. قال: وكل ذكر من الحيات حضب. قال أبو سعيد: هو بالضاد المعجمة، وهو كالأسود والحيات ونحوها. وقيل: هو حية دقيقة، وقيل: هو الأبيض منها. قال رؤبة:
* جاءت تصدى خوف حضب الأحضاب *
وقول رؤبة:
وقد تطويت انطواء الحضب ... بين قتاد ردهة وشقب
يجوز أن يكون أراد الوتر: أى القوس، وأن يكون أراد الحية (اللسان مادة حضب).
والقتاد: شجر ذو شوك، أمثال الوبر. والردهة: شبه أكمة خشنة. والشقب بفتح الشين وكسرها: مهواة بين جبلين، وقيل: هو صدع يكون فى لهوب الجبال والكهوف، يوكر فيه الطير. وشجر من شجر الجبال، زعموا أنه ينبت فى شقبتها.
(3) انجحرت: دخلت الجحر، وهو كل شىء تحتفره الهوام والسباع لأنفسها.
(4) بعاث: بالضم وآخره ثاء مثلثة: موضع من نواحى المدينة، كانت به وقائع بين الأوس والخزرج فى الجاهلية. قال ياقوت: وحكاه صاحب كتاب العين، بالغين المعجمة، ولم يسمع فى غيره.
وقال أبو أحمد العسكرى: هو تصحيف. وقال صاحب كتاب المطالع والمشارق: بعاث بضم أوله وعين مهملة، وهو المشهور فيه. ورواه صاحب كتاب العين بالغين، وقيده الأصيلى بالوجهين، وهو عند القابسى بغين معجمة، وآخره تاء مثلثة بلا خلاف، وهو موضع من المدينة على ليلتين. وقال قيس بن الخطيم:
ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا ... إلى نسب من جذم غسان ثاقب
وكان الرئيس فى بعض حروب بعاث، حضير الكتائب أبو أسيد بن حضير، فقال خفاف بن ندبة يرثى حضيرا، وكان قد مات من جراحة:
فلو كان حى ناجيا من حمامه ... لكان حضير يوم أغلق واقما
أطاف به حتى إذا الليل جنه ... تبوأ منه منزلا متناعما
(انظر بعاث فى معجم البلدان ج 2ص 223، والمزهر للسيوطى ج 2ص 222فى تصحيف الخليل ليوم بعاث)(1/75)
قال الشيخ: وهذا يوم مذكور مشهور، وكان فى الجاهليّة، وإلى قبيل الإسلام، وكان الرئيس فيه حضير الكتائب، وهو أبو أسيد بن حضير، الذى صحب النبىّ صلى الله عليه، وروى عنه. وكان حضير فارسهم، ويقال: إنه ركز الرمح فى قدمه يوم بعاث، وقال: أترون أنى أفر؟ فقتل يومئذ.
وكان له حصن منيع يقال له «واقم» قال فيه شاعرهم (1):
[32ا] لو أنّ المنايا حدن عن ذى مهابة
لكان حضيرا يوم أغلق واقما (2)
ومنها ما قرأت على ابن دريد «الشّدف» [سواد] (3) الشخص، بالشين المنقوطة، ما رأيت شدفا، أى شخصا. ثم قال أبو بكر: لا تنظر إلى ما فى كتاب الخليل فى باب السين غير المعجمة، فقال: سدف فى معنى شدف، فإن ذلك غلط من اللّيث على الخليل.
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعىّ لساعدة [بن جؤيّة الهذلىّ] (4).
__________
(1) يريد به خفاف بن ندبة، وهو خفاف بن عمرو بن الشريد، وأمه ندبة سوداء، وإليها ينسب، وهو أحد أغربة العرب، وابن عم الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة (الشعر والشعراء ص 122).
(2) الواقم: بالقاف، والموقوم: المحزون، وقد وقمه الأمر: إذا رده عن اربه وحاجته.
وواقم: علم لأطم من آطام المدينة كأنه سمى به لحصانته، ومعناه: أنه يرد عن أهله (انظر معجم البلدان ج 8ص 389).
وقد روى صاحب اللسان البيت فى مادة وقم هكذا:
لو ان الردى يزور عن ذى مهابة ... لهاب حضيرا يوم أغلق واقما
ثم قال: وهو رجل من خزرج يقال له: حضير الكتائب. قال ابن برى: وذكر بعضهم أن حضيرا بالحاء المهملة لا غير. قال: ورأيت هنا حاشية بخط الشيخ رضى الدين الشاطبى النحوى رحمه الله قال: ليس حضير من الخزرج، وإنما هو أوسى أشهلى، وحاؤه فى أوله مهملة، قال: ولا أعلم فيها خلافا.
(3) الزيادة عن المزهر للسيوطى ج 2ص 241.
(4) الزيادة التى بين المعقفين عن اللسان.(1/76)
موكّل بشدوف الصّوم يبصرها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم (1)
الشدوف: الشخوص. والصوم: شجر. والزّرم: الذى لا يثبت فى مكان، يزرم فيذهب. وأصل يزرم: ينقطع. قال النابغة:
[قلت لها وهى تسعى تحت لبتّها ... لا تحطمنّك] إنّ البيع قد زرما (2)
أى انقطع ووجب.
والشّدف أيضا بشين معجمة: الميل فى أحد الشّقين. قال الأعشى:
مضبّرة شدفاء حرف ترى لها ... من السّير وقعا ثابتا متداركا (3)
[32ب] وفرس أشدف: عظيم الشخص، قال [المرّار] (4):
__________
(1) يصف الحمار إذا ورد الماء، فعينه نحو الشجر، لأن الصائد يكمن بين الشجر، فيقول: هذا الحمار من مخافة الشخوص، كأنه موكل بالنظر إلى شخوص هذه الأشجار من خوفه من الرماة، يخاف أن يكون فيه ناس. ومن المغارب: يعنى من الفرق والخوف، ليس من الجوع، وكل ما واراك فهو مغرب. وقد رواها صاحب اللسان فى موضع آخر: «من المناظر»، ورواها أيضا: «من المعازب»، وفسره فقال: من المعازب: من حيث يعزب عنه الشىء: أى يتباعد ومخطوف الحشا: ضامر، وزرم لا يثبت فى مكان. والصوم هنا: شجر، وقد عرفه ابن منظور بأنه شجر كريه المنظر جدا، يقال لثمره رءوس الشياطين: أى الجنان، وله ورق. وقال فى موضع آخر: إنه شجر قيام كالناس. وقد نقل صاحب اللسان فى مادة شدف عن الجوهرى: أنه قال: هذا الحرف فى كتاب العين بالسين غير معجمة، وروى البيت فى مادة غرب بالسين أيضا. قال ابن دريد: وهو تصحيف. وقد رواه صاحب اللسان فى مادة (زرم) هكذا: * موكل بشدوف الصوم يرقبه *
[انظر مادتى صوم وشدف].
(2) التكملة عن ديوان النابغة، وهو من قصيدة مطلعها:
بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما ... واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما
(3) الضبر والتضبير: شدة تأزيز العظام واكتناز اللحم. والمضبر: الفرس المكتنز اللحم، المؤزز العظم. يقال: جمل مضبور ومضبر، وفرس مضبر الخلق: أى موثقه، وناقة مضبرة الخلق. وقد وردت فى الأصل «مصبرة» بالصاد مهملة، وهو خطأ.
(4) البيت غير منسوب فى الأصل إلى قائله، والنسبة عن اللسان، والرواية فيه هكذا:
شندف أشدف ما ورعته ... وإذا طوطئ طيار طمر
قال: والشندف مثل الأشدف، والنون زائدة فيه، والأشدف الذى فى خده صعر، وشدف يشدف مثله، وقد أسلفنا ذكر ما نقله ابن منظور عن الجوهرى (فى مادة شدف) فى الكلام على بيت ابن جؤية المتقدم فى أعلى هذه الصفحة. والطمر: الفرس الجواد، وقيل: المستعد للوثب والعدو.(1/77)
شدف أشدف ما قرّعته ... فإذا طوطئ طيّار طمرّ
ويروى: «طمّار طمرّ»، وفرس شندف: أى مشرف، والنون زائدة.
ويروى: شدف، بفتح الدال وكسرها.
ومنها فى باب الحاء غير المعجمة «الحبير»: الزبد من لغام البعير (1)، وإنما هو «الخبير» بالخاء المعجمة، ورواه الأصمعىّ، فى كتاب الأجناس. وأنشد لأبى ذؤيب [الهذلىّ يصف السّحاب] (2):
تغذّمن فى جانبيه الخبير لمّا ... وهى خرجه واستبيحا
ويروى: «يعذمن»، والخبير: الزّبد، وخرجه: ما خرج من مائه، وهى خرجه: أى انشقّ. واستبيح: خرج ماؤه، فضربه مثلا، يقول: استباحته الأرض: أى أخذت ماءه.
وأصل الخبير: قطع الوبر، وشبّه الزّبد به، ويدل على ذلك قول أبى النجم:
__________
(1) اللغام كغراب: زبد أفواه الإبل. وقد جاء فى اللسان فى مادة حبر، والحبير: اللغام إذا صار على رأس البعير، والخاء أعلى، هذا قول ابن سيده. الجوهرى: الحبير: لغام البعير. وقال الأزهرى عن الليث: الحبير من زبد اللغام إذا صار على رأس البعير. ثم قال الأزهرى: صحف الليث هذا الحرف. قال:
وصوابه الخبير بالخاء، لزبد أفواه الإبل، وقال: هكذا قال أبو عبيد. وروى الأزهرى بسنده عن الرياشى قال الخبير: الزبد بالخاء.
(2) الزيادة عن اللسان (مادة غذم، خبر)، والرواية فى اللسان وفى الديوان هكذا:
تغذمن فى جانبيه الخبير ... لما وهى مزنه واستبيحا
وفى الأصل: «يغذمن»، وتغذم الشىء: مضغه. والغذم: أكل الرطب اللين، والأكل السهل، والأكل بجفاء وشدة نهم، يريد الفحول. والخبير: الزبد (اللسان مادة غذم). والبيت فى صفة حمار الوحش.
والجدد: جمع جدة بضم الجيم، الخطة فى ظهر الحمار تخالف لونه. والغرور: جمع غر بالفتح، وهو التثنى فى الجلد. وكل كسر متثن فى ثوب أو جلد، غر: قال:
قد رجع الملك لمستقره ... ولان جلد الأرض بعد غره
وقد أورد صاحب (اللسان: خبر) البيت شاهدا على أن الخبير يقع على الوبر والزرع والآثار.
وأورده بتمامه فى (مادة غرر)، وقال: الواحد غر بالفتح. ومنه قولهم: طويت الثوب على غره: أى على كسره الأول. قال الأصمعى: حدثنى رجل عن رؤبة أنه عرض عليه ثوب، فنظر إليه وقلبه، ثم قال: اطوه على غره، والغرور فى الفخذين الأخاديد بين الخصائل، وغرور القدم: خطوط ما تثنى منها، وغر الظهر: ثنى المتن، قال:
كأن غر متنه إذ تجنبه ... سير صناع فى خرير تكلبه
قال الليث: الغر: الكسر فى الجلد من السمن.(1/78)
حتى إذا ما طار من خبيرها ... عن جدد صفر وعن غرورها (1)
والخبير فى غير هذا: الإدام الطيبة (2)، والخبرة: الأدم، [33ا] ويقال اختبر القوم خبرة (3)، ويقال: جاءنا بخبزة «بالزاى»، ولم يأتنا بخبرة (4) «بالراء».
حكاه لى أبو عمرو عن ثعلب، عن ابن الأعرابىّ.
قال: وكتب معاوية إلى عامل له استبطأه: ما بعثتك لتأكل خبيرها، وتلبس حبيرها. [الخبير، بالخاء المعجمة: الإدام الطيب] (5). والحبير، بالحاء غير المعجمة: اللين من اللباس.
والخبير، بخاء معجمة: الأكّار (6). والخبير: العالم بالشىء (7). وقال البغداديون:
والخبير: البئر (8).
ومن التصحيفات أيضا فى كتاب العين، فى باب الدال والباء التى تحت كلّ واحد منها (9) نقطة، قال: يقال شىء ربيد تحت الباء نقطة: أى منضود بعضه على
__________
(1) كذا ورد البيت فى الأصل، وفى اللسان: «غرورها». الواحد: غر بالفتح.
(2) الأدام: ما يؤتدم به مع الخبز أى شىء كان. وهو مذكر فى عامة الاستعمالات اللغوية، فحقه أن يوصف «بالطيب» لا بالطيبة.
(3) فى اللسان: والخبر والخبرة: اللحم يشتريه الرجل لأهله والخبرة: الشاة يشتريها القوم بأثمان مختلفة ثم يقتسمونها، فيسهمون كل واحد منهم على قدر مانقد، وتخبروا خبرة: اشتروا شاة فذبحوها واقتسموها، وشاة خبيرة: مقتسمة.
(4) انظر اللسان مادة خبر.
(5) الزيادة اقتضاها سياق الكلام.
(6) هو من الخبر: أى تزرع على النصف أو الثلث من هذا، وهى المخابرة، قالوا: واشتقت من خيبر، لأنها أول ما أقطعت كذلك. والمخابرة: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض.
(7) والخبير: اسم من أسمائه تعالى لعلمه وإحاطته.
(8) ورد فى كتب اللغة أن من معانى الخبير أيضا: النبات والعشب ونسالة الشعر، ولم تذكر البئر، لكن جاء فى معجم البلدان لياقوت ما نصه: «والخبر: موضع على ستة أميال من مسجد سعد بن أبى وقاص، فيها بركة للخلفاء، وبركة لأم جعفر، وبئران رشاؤهما خمسون ذراعا، وهما قليلتا الماء عذبتان، على طريق الحاج».
(9) الضمير فى منها يعود إلى الباء، فإنها هى التى تنقط من تحت. ولو قال التى تحتها نقطة، لم نحتج إلى هذا الإيضاح. وقد يكون أراد بالدال التى تحتها نقطة: الدال المهملة، للتفرقة بينها وبين المعجمة من فوق.(1/79)
بعض. وإنما هو «رثيد» بالثاء فوقها ثلاث نقط، يقال: رثد المتاع بعضه على بعض هكذا رواه الأصمعىّ، وابن الأعرابىّ، ويعقوب بن السكيت * ولم يذكروه بالباء.
ويقال: تركت فلانا مرتثدا ما تحمّل بعد (1)، أى ناضدا متاعه، وأنشد بعضهم:
فصدرت محلفها حديد [33ب] ... وكلّ صلّال لها رثيد (2)
وأنشد آخر (3):
فتذكّرا ثقلا رثيدا بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها فى كافر (4)
وأنشد ابن الأعرابىّ:
__________
(1) فى الأصل: «مرتيدا»، وما ذكرناه موافق لأصل الاشتقاق. وفى اللسان مادة راثد: وتركه مرتثدا ما تحمل بعد: أى ناضدا متاعه. يقال: تركت بنى فلان مرتدين ما تحملوا بعد: أى ناضدين متاعهم.
(2) روى البيت فى اللسان مادة صلل «مخلقها» بالخاء والقاف المعجمتين. «جديد» بالجيم المعجمة كذلك:
وصدرت مخلقها جديد ... وكل صلال لها رثيد
والمعنى: عطشت فصارت كالأسقية البالية، وصدرت رواء جددا. وقوله: «وكل صلال لها رثيد» أى صدقت الأكل بعد الرى فصار كل صلال فى كرشها رثيدا بما أصابت من النبات وأكلت (مادة صلل).
ولكنه رسم فى الأصل كما ترى: «محلفها حديد» بالحاء المهملة فيهما وبالفاء. يقال: ناقة محلفة إذا شك فى سمنها حتى يدعو ذلك إلى الحلف. وناقة محلفة السنام: لا يدرى أفى سنامها شحم أم لا، قال الكميت:
طلال محلفة الرسو ... م بألوتى بر وفاجر
أى يحلف اثنان: أحدهما على الدروس، والآخر على أنه ليس بدارس، فيبر أحدهما فى يمينه، ويحنث الآخر وهو الفاجر. والحديد الماضى: يقال: فلان حديد اللسان: فصيحه. وسنان حليف: أى حديد.
والمعنى: أن من يحلف أنها قد امتلأت وشبعت وسمنت ماض فى يمينه لا يتردد ولا يحنث. (لسان مادة حلف).
(3) هو ثعلبة بن صعير المازنى كما ذكر صاحب اللسان وهو شاعر قديم، والبيت من قصيدة مطلعها:
هل عند عمرة من بنات مسافر ... ذى حاجة متروح أو باكر
والبيت فى صفة ذكر الظليم والنعامة، وأنهما تذكرا بيضهما فى أدحيهما فأسرعا إليه. ورواه صاحب المفضليات: فتذكرت.
(4) الثقل: المتاع، وكل شىء مصون، وأراد بيضها. والرثيد: المنضود بعضه فوق بعض. وذكاء بالضم: اسم للشمس. والكافر: الليل، لأنه يغطى بظلمته كل شىء. وقوله: ألقت ذكاء يمينها فى كافر: أى بدأت فى المغيب وتهيأت له.(1/80)
ومبرك هجمة ورثيد نؤى ... عفته الرّيح بالتّرب الدّعاس (1)
وقال آخر:
ما فيه من رثد إلّا رحالتنا ... على الجنوب وكرز تحته وبر (2)
ومن التصحيفات فيه أيضا، قوله فى باب الزاى مع الباء «كيس زبير» (3):
أى مكتنز مملوء، بتقديم الزاى على الراء، وإنما هو «ربيز» الراء قبل الزاى.
وأنشدنى محمد بن عبدان، أنشدنى الحسن بن أحمد يعرف بشران عن أبى محلّم:
إلّا ارتبازى عنده وسناعتى ... باسمى ولكنّ الكريم سنيع (4)
الراء قبل الزاى.
ويقال: رجل ربيز: أى عظيم وقوله «سنيع»: أى مرتفع، قال الشاعر:
* إذا الكوكب التّالى من النّجم سنّعا *
أى ارتفع.
__________
(1) المبرك: مكان البروك، يقال: فلان ليس له مبرك جمل، وكل شىء ثبت وأقام فقد برك. والهجمة من الإبل: العدد الضخم. وقيل: ما بين الثلاثين أو الأربعين أو الستين أو السبعين إلى المئة. والنؤى:
الحفير حول الخباء أو الخيمة يدفع عنها السيل يمينا وشمالا ويبعده. ورثيد النؤى: ما نضد حوله. والدعاس:
الموطوء من الدعس فيه. يقال: دعست الإبل الطريق تدعسه دعسا: وطئته وطأ شديدا. ويقال: المدعوس من الأرضين: الذى قد كثر به الناس، ورعاه المال حتى أفسده، وكثرت فيه آثاره وأبواله، وهم يكرهونه، إلا أنه يجمعهم أثر سحابة لا يجدون منها بدا.
(2) الرحالة: كالرحل. وهو مركب للبعير والناقة، وجمعه أرحل ورحال.
والكرز: ضرب من الجوالق وهو الصغير منه، أو الخرج الكبير، يحمل فيه الراعى زاده ومتاعه.
والوبر: صوف الإبل والأرانب، والجمع: أو بار، ومنه تصنع الجلال لتصان به ظهور الدواب ومتونها.
(3) هكذا فى الأصل، وفى اللسان فى مادة «زبر» وكبش زبير عظيم الزبرة، وقيل: هو مكتنز، وزبرة الحديدة: القطعة الضخمة منه، والجمع: «زبر». وجاء فى مادة «ربز» فى اللسان: فلان ربيز:
إذا كان كثيرا فى فنه، وهو مرتبز وكبش ربيز: أى مكتنز أعجز مثل ربيس وفى حديث عبد الله بن بشر: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دارى، فوضعنا له قطيفة ربيزة: أى ضخمة، من قولهم: كيس ربيز، وصرة ربيزة.
(4) ورد فى الأصل: «شناعتى» بإعجام الشين. و «الأشنع»، ولم يرد فى المعاجم هذا المعنى ولا ما يقاربه، وقد يكون تصحيف «سنع»، قال صاحب اللسان: السنع: الجمال، والسنيع:
الحسن والجميل، وامرأة سنيعة: جميلة لينة المفاصل لطيفة العظام فى جمال، وقد سنع سناعة، ومنه سمى سنيع الطهوى أحد الرجال المشهورين بالجمال، الذين كانوا إذا وردوا الموسم أمرتهم قريش أن يتلثموا، مخافة فتنة النساء بهم، وناقة سانعة: حسنة».(1/81)
قال أبو محلّم: وقال لى رجل: إنّ اسمك عندنا لأسنع (1) أى [34ا] مرتفع.
وممّا ينسب إلى امرئ القيس، ولم يروه البصريّون، قصيدة زاييّة يقول فيها، أو يقول غيره:
ولقد يعود إلى القتا ... ل بسرجه النّشز المجامز (2)
القارح العتد الّذى ... أثمانه الصرر الربائز (3)
وقال أبو محلّم السعدى: يقال رجل ربيز: أى عظيم وأما الزّبير * الزاى قبل الراء * فالحمأة، ثم تستعار لأشياء: الداهية وغيرها.
وأنشد ابن دريد، قال: أنشدنا الرّياشىّ:
وقد جرّب النّاس آل الزّبير ... فلاقوا من آل الزّبير الزّبيرا (4)
ومن التحريف أيضا فى كتاب العين، فى باب الكاف والتاء والميم: التكمة:
مشى الأعمى بلا قائد، وإنما هو التّكمّه على وزن التّفعّل، من الأكمه الذى يولد أعمى، تكمّه يتكمّه تكمّها: أى مشى مشى الأكمه بلا قائد.
ومنها أيضا قوله فى باب «القاف والياء» فى اللفيف:
تقيّأت المرأة لزوجها: إذا تثنّت عليه متغنّجة، واحتجّ بقول الراجز المظلوم:
تقيّأت ذات الدّلال والخفر (5)
__________
(1) هو فى الأصل: «لأشنع» بالشين المعجمة. والصواب ما أثبتناه.
(2) النشز: محركة المسن القوى، يصف الفرس وهو فاعل يعود. والمجامز: اسم فاعل من جمز، والجمز: عدو دون الحضر وفوق العنق، يوصف به الإنسان والبعير والناقة والخيل. والجمازة: فرس من أكرم خيول العرب.
(3) القارح: من ذى الحافر بمنزلة البازل من الإبل، جمعه: قوارح. والقروح: بلوغ السن الذى صار به قارحا، أو انتهاء سنه، أو وقوع السن التى تلى الرباعية. والعتد محركة: الفرس المعد للجرى، أو الشديد التام الخلق. والصرر: جمع صرة، وهى وعاء الدراهم من شرج أو كيس من قماش. والربائز:
الممتلئة التامة الكاملة.
(4) الزبير: الداهية، والبيت فى اللسان فى مادة «زبر».
(5) فى القاموس: تقيأت المرأة: تعرضت لبعلها وألقت نفسها عليه. والخفر بالتحريك: شدة الحياء. وقد ورد البيت فى اللسان فى مادتى «فيأ» و «قيأ» بالفاء الموحدة وبالقاف المثناة، والرواية عن الليث بالقاف، وقد عدها الأزهرى تصحيفا، وأن الصواب: تفيأت بالفاء، وبعده:
* لعابس جافى الدّلال مقشعرّ *(1/82)
[34ب] وإنما هو تفيّأت بالفاء، وتفيّؤها تميّلها وتغنّجها دلالا.
ومنه يقال، تفيّأ الزرع، وفيأته الريح: إذا تثنى ومنه الحديث المأثور عن النبىّ صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن مثل الخامة من الزّرع، (1) تفيّئها الرّيح مرّة هاهنا ومرّة هاهنا»: أى تميلها.
وقد روى هذا الحرف عن أبى الوازع الأعرابى وعن غيره بالفاء: تفيّأت.
ومن التحريف قوله فى باب «الدال والراء والباء» البرد، وهو الماء البارد حيث يقول:
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردا يصفّق بالرّحيق السّلسل (2)
ثم فسّره فقال: يريد به الماء الصافى البارد، وإنما هو «بردى» ممال، اسم نهر بدمشق معروف. وقد ألحق هذا بالكتاب.
ومنها أيضا فى باب المعتلّ، قال: الملقأة: رأس الجبل على مثال مفعلة، وجمعها ملاق، واحتجّ بقوله:
* إذا سامت على الملقات ساما *
وإنما هى الملقة على مثال علقة، وهى الصخرة الملساء، وجمعها: ملقات، قاله يعقوب بن السّكّيت وغيره.
[35ا] وأنشد يعقوب تمام البيت:
أتيح له أقيدر ذو حشيف ... إذا سامت على الملقات ساما (3)
ومن التصحيف فى حروف الخاء قوله: بنى جخجبى، بعد الجيم خاء معجمة،
__________
(1) الخامة من الزرع: أول ما ينبت على ساق، وقيل: الطاقة الغضة منه.
(2) البريص: اسم غوطة دمشق، وبردى: نهر دمشق، أو أراد ماء بردى. والرحيق: الخمر.
والسلسل: السهلة. والبيت لحسان بن ثابت من قصيدته التى مطلعها:
أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابى فالبضيع فحومل
(انظر ديوان حسان طبع أوربا ص 16).
(3) البيت لصخر الغى الهذلى، يصف صائدا، ويذكر وعولا قد وردت الماء لتشرب، أشار إليها فى بيت قبل هذا هو:
ولا عصما أو ابد فى صخور ... كسين على فراسنها خداما(1/83)
وقد خالف فى هذا أهل اللغة، والنّسابين. فأما أهل اللغة فيقولون: اشتقاقه من الجحجبة، بعد الجيم حاء غير معجمة، وهو التردّد فى الشىء والمجىء والذّهاب، يقال: جحجب يجحجب جحجبة.
وأما أهل النسب فهم مجمعون على جحجبى، بحاء غير معجمة، وهم مشهورون فى الأنصار، من ولد الأوس أخى الخزرج، وهم من بنى كلفة (1).
ومن بنى جحجبى: أحيحة بن الجلاح بن الحريش من بنى جحجبى (2) سيد الأوس فى الجاهليّة، ويعدّ فى فرسانهم وشعرائهم، ومن ولده عبد الرحمن بن أبى ليلى، الفقيه الذى ولى قضاء الكوفة.
وقال قيس بن الخطيم (3) فى قصيدته الفائية:
بين بنى جحجبى وبين بنى ... عمرو فأنّى لجارك التّلف (4)
وفى الكتاب مواضع كثير [ة] غير ما ذكرته فيها تصحيف [35ب] وتحريف أنا ألحقها بهذه الورقة إذا قرب متناول الكتاب، إن شاء الله.
__________
والرواية فى اللسان: أتيح لها بتأنيث الضمير، وعوده إلى العصم: أى قدر لها. والأقيدر: الصائد.
والحشيف: الثوب الخلق. وسامت: مرت ومضت.
(1) فى القاموس فى مادة «جحجب» فصل الجيم باب الباء جحجب العدو: أهلكه. وفى الشىء تردد وجاء وذهب وجحجب اسم. وجحجبى: حى من الأنصار.
(2) وجد بهامش الأصل ما نصه: يقول الحميمى: الحريش بشين غير معجمة. وفيه خلاف. اه.
وفى القاموس فى مادة «حرش». والحريش: دويبة قدر الأصبع بأرجل كثيرة، أو هى دخال الأذن، وابن هلال القريعى الشاعر وابن كعب فى قيس، وابن جذيمة فى الأزد، وابن عبد الله فى كلب، وابن جحجبى بن كلفة فى الأنصار، وليس فيهم بالمعجمة غيره، ومن سواه بالمهملة، وهو جد أنس بن مالك.
وأحيحة بن الجلاح، قال صاحب القاموس: ووهم الذهبى فى تقييده بالإهمال.
(3) قيس بن الخطيم، يكنى أبا زيد، وهو شاعر فحل. ومن الناس من يفضله على حسان بن ثابت شعرا. قدم على النبى بمكة، فعرض عليه الإسلام، فقال له: إنى لأعلم أن الذى تأمرنى به خير مما تأمرنى به نفسى. وفيها بقية من ذاك، فأذهب فأستمتع بالنساء والخمر، وتقدم بلدنا فأتبعك، فقتل قبل أن يتبع النبى (الشعر والشعراء ص 321).
(4) يقول: إنك بنسبتك إلى بنى جحجبى وبنى عمرو هو ابن معد يكرب القبيلتين العظيمتين؟ فى الموضع المنيع والمكان الأمين والعزة فى النسب. فجارك عزيز بعزتك، مخشى الجانب، مصون من النوائب.
ورواه فى الأغانى «بنى عمرو» و «بنى كلفة» مكان «بنى عمرو» فى البيت، و «لجارى» مكان «لجارك».(1/84)
ومما فيه خلاف قوله: البلح (1): فرخ العقاب، تحت الباء نقطة، قال أبو حاتم وأبو ذكوان: إنما هو التّلح (2) بالتاء، والباء تصحيف، وأنشد:
لقد عجبت من سهوم وغرن ... والتّلح الأسحم كالشّيخ الأدنّ (3)
وقال: سمعت ذلك من التوزّى وغيره والسّهوم: أنثى العقاب. والغرن:
الذكر. والتّلح: ولد العقاب، وهو إذا وقف تراه محدودبا كأنه شيخ، والجمع تلحان وتلوح.
وأخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعىّ، أنه قال: كان جرير ألتح أصحابه هجاء، من قولهم: ما رأيت ألتح شعرا من فلان: أى أوقع على المعانى (4).
وممّا نسب إلى الخليل من الوهم والغلط فى غير كتاب العين:
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل، قال: حكى الأصمعىّ أن الخليل كان ينشد:
* ولا تجزعى كلّ النّساء يتيم *
[36ا] تمام البيت:
أفاطم إنّى هالك فتبيّنى ... ولا
قال: ثم قال الأصمعىّ: صحّف الخليل، إنما هو: «كل النساء تئيم»، يقال: آمت المرأة تئيم أيمة، وتأيّمت تأيّما: إذا مات زوجها وهى أيّم.
قال الشيخ: هكذا مذهب الأصمعىّ وأصحابه فى هذا البيت، وهو يذكره على
__________
(1) فى الأصل: البلح بالحاء المهملة، والذى فى كتب اللغة، أن البلح طائر أكبر من الرخم، أو يشبه النسر، وهذا غير ما يريده المؤلف، وإن باءه مصحفة عن تاء.
(2) فى الأصل هنا «التلح» بالحاء المهملة، وكذا ورد فى جميع مواضعه مما يأتى، وقد فرع عليه المؤلف فذكر «التح» مما يدل على أنه رواه بالحاء، وهذا غير ما جاء فى كتب اللغة.
(3) السهوم بالفتح: العقاب الطائر، وقد وردت «غرن» فى الأصل بالعين المهملة، والصواب «غرن» بالغين المعجمة كما أثبتناه. قال صاحب القاموس فى مادة «غرن» والغرن: محركة طائر أو العقاب أو شبهها جمعه أغران. والسحمة: السواد، والأسحم: الأسود. والأدن: من الدنن بالتحريك، وهو:
انحناء فى الظهر، ودنو وتطامن فى الصدر والعنق، يوصف به الذكر، والأنثى منه: دناء.
(4) لتحه كمنعه: ضرب جسده أو وجهه بالحصى فأثر فيه، أو فقأ عينه، وببعره رماه به. ورجل لتحة كهمزة، ولتح كتكف: عاقل داهية. وهو ألتح شعرا منه: أى أوقع على المعانى (انظر القاموس مادة: لتح).(1/85)
المفضل، لأن المفضل وأصحابه يروونه: «يتيم» على ما رواه الخليل، وإنما نسب الأصمعىّ الخليل فيه إلى التصحيف، لئلا يحتجوا به عليه.
فأخبرنى نفطويه عن ثعلب، قال ابن الأعرابىّ: يقال إذا انفرد الشىء من الشىء: قد يتم، قال: وذكر قولهم إن المفضّل صحّف فى قوله:
* ولا تجزعى كلّ النّساء يتيم *
فقال: يريد أنها تبقى وحدها إذا مات زوجها، فهى بمنزلة اليتيم الضائع.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى إبراهيم المارحى والطالقانى، قالا: أخبرنا محمد بن حبيب، قال: أنشدنا ابن الأعرابىّ:
أفاطم إنّى هالك فتبيّنى ... ولا تجزعى كلّ النّساء يتيم
قلت: ما معنى يتيم؟ فقال: ضائع. ومنه سمى اليتيم يتيما لضيعته، [36ب] فقلت اليتم: الضيعة، فقال: اليتم: الغفلة، ومنه سمى يتيما، لأنه مغفول عنه، أما سمعتم قول عدىّ بن زيد:
ما يكفلوا لا يكن له يتم ... فى كلّ صرف تسعى مآربها (1)
فقلت: إنهم ينشدون هذا البيت: «كلّ النساء تئيم» من الأيمة، فغضب، ثم قال:
أنشدنيه مفضل: «يتيم» بالياء (2).
قال الشيخ: وحكى لنا أبو الحسن علىّ بن سليمان الأخفش، قال: قال أبو زيد الأنصارىّ: كل منفرد من أصحابه قد يتم، ولذلك سمّى اليتيم، وكذلك الدرّة اليتيمة فى البيت الحرام، سميت بذلك لأنها منفردة لا شبه لها.
__________
(1) البيت لعله من قصيدة عدى التى يقول فيها:
لم أر مثل الفتيان فى غبن ... الأيام ينسون ما عواقبها
وقد ذكر منها جملة فى شعراء النصرانية ومنتهى الطلب، وعرض أبو الفرج لذكر طائفة منها فى كتابه الأغانى، وكذلك فى الشعر والشعراء لابن قتيبة والموشح للمرزبانى، إلأ أن هذا البيت لم يذكر فى واحد منها.
وقد رسم البيت فى الأصل: «ما يغفلوا»، والمعنى عليها غير ظاهر، ولذا نظن أنها محرفة عما أثبتناه.
(2) ورد البيت المستشهد به فى اللسان فى مادة «يتم»، قال: وقال أبو عبيدة: تدعى يتيمة ما لم(1/86)
ما روى ممّا وهم فيه أبو عمرو بن العلاء (1)
أخبرنا ابن دريد، أخبرنا عبد الرحمن بن أخى الأصمعىّ، عن محمد بن سلام الجمحىّ، قال: قيل لأبى عمرو بن العلاء فى حرف قاله: لا نرى هذا إلا خطأ يا أبا عمرو، فقال لو [37ا] كنت كلّما أخطأت وقعت فى حجرى جوزة لامتلأ حجرى جوزا، ولم يذكر الحرف.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنا عمر بن تركىّ القاضى، حدثنا الفضل بن زياد، عن عبد الله بن محمد التيمىّ، عن أبيه، قال: كنّا عند أبى عمرو ومعنا خلف الأحمر، فقرأ عليه رجل شعرا، فجعل فى مكان مباذيل (2): مناديل، فقال رجل: يا أبا عمرو، لو كان غيرك يقرأ عليه هذا لقلنا: مباذيل، فقال أبو عمرو: مناديل، مناديل لو كنت كلما أخطأت سقطت فى حجرى جوزة، ما قمت من هذا المجلس إلا وحجرى مملوء جوزا.
أخبرنا ابن دريد (3)، أخبرنا أبو حاتم (4)، أنشدنا أبو عبيدة للأعشى، كذا قال:
قالت قتيلة ماله ... قد جلّلت شيبا شواته (5)
__________
تتزوج، فإذا تزوجت زال عنها اسم اليتم. وكان المفضل ينشد:
أفاطم إنى هالك فتثبتى ... ولا تجزعى كل النساء يتيم
(1) أبو عمرو بن العلاء: اسمه زبان بن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحسن بن الحارث بن جلهم بن خزاعى بن مازن بن مالك بن عمرو المازنى، من الأعلام فى القرآن، وعنه أخذ يونس وغيره من مشايخ البصريين، فى الطبقة الرابعة منهم (الفهرست لابن النديم ص 28).
(2) هى الثياب المهملة، وهو من الابتذال.
(3) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدى، صاحب كتاب الجمهرة فى اللغة، توفى سنة 311 (البغية 32).
(4) أبو حاتم: هو سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم السجستانى، أحد أئمة اللغة، توفى سنة 255هـ، كان كثير الرواية عن أبى زيد وأبى عبيدة (البغية 265).
(5) ورد البيت فى ديوان الأعشى على أنه له، إلا أن المؤلف سيذكره بعد قليل منسوبا لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان.(1/87)
فقال أبو عبيدة، أنشد أبو الخطاب أبا عمرو بن العلاء هذا البيت، فقال له أبو عمرو صحّفت، إنما هى سراته، قال: فقال أبو الخطاب: بل هو صحّف إنما هو شواته.
[37ب] قال أبو عبيدة: وسمعت ما قال أبو الخطاب من رجل من أهل البادية، قال: اقشعرّت شواتى.
وأخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا أبو ذكوان (1)، حدثنا محمد بن سلّام، قال:
كنا عند أبى عمرو بن العلاء، ومعنا خلف الأحمر، فقرأ عليه رجل:
قالت أثيلة ماله ... بعدى قد ابيضت شواته
فقال له أبو عمرو: عظمت عليك الراء فظننتها واوا، وإنما هو سراته، أى عاليته فقال لى خلف بالفارسيّة: أصاب الرجل، ووهم أبو عمرو. وشواته:
جلدة رأسه.
قال: والشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وأوّلها:
قالت أثيلة ماله ... قد جلّلت شيبا شواته
فأراه ليس كما عهد ... ت صحا وأقصر عاذلاته
ماذا نكرت من امرئ ... إن شاب قد شابت لداته؟
قال أبو ذكوان، فحدثنى ابن سلّام، قال سمع يونس (2) أعرابيّا، وقد قال له أعرابىّ آخر: كبرت والله، قال: أجل، لقد [38ا] طالت حياتى، وتحنت قناتى، وابيضّت سراتى.
__________
(1) هو أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل فى عصر المبرد، ومن طبقته، وكنيته أشهر من اسمه، كان علامة أخباريا، وكان التوزى زوج أمه، ومن تصنيفه كتاب: معانى الشعر (إنباه الرواه).
(2) هو يونس بن حبيب الضبى بالولاء، البصرى، أبو عبد الرحمن من أصحاب أبى عمرو بن العلاء، سمع من العرب، وروى عنه سيبويه، وله قياس فى النحو، ومذاهب يتفرد بها، ومات سنة 182هـ، وقيل سنة 183هـ.(1/88)
فقال يونس: ما أرى ما كان قاله أبو عمرو إلا صوابا، إذ كانت العرب تقوله.
وأخبرنى أبو بكر بن السرّاج (1) النحوىّ، عن أبى العبّاس أحمد بن يحيى (2)، قال:
قال أبو الخطّاب البهدلىّ (3): أنشدت أبا عمرو بن العلاء:
قالت قتيلة ماله ... قد جلّلت شيبا شواته
فقال: «جلّلت شيبا سراته كبرت عليك الراء، فتوهمتها واوا، فقلت: ما سراته؟
قال: فأومأ (4) إلى بيت كان قدامه، وقال: سراة هذا البيت: أعلاه.
وأخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا أبو العيناء (5) عن الأصمعىّ، قال: قلنا لشعبة ابن الحجّاج (6): أنشدنا أبو عمرو:
فما جبنوا أنّا نشدّ عليهم ... ولكن رأوا نارا تحسّ وتسفع (7)
بسين غير معجمة، فقال لى شعبة، أنشدنى سماك بن حرب:
__________
(1) هو محمد بن السرى البغدادى النحوى أبو بكر بن السراج، كان المبرد يقربه، وكان أحد أصحابه ذكاء وفطنة، فقرأ عليه كتاب سيبويه، ثم اشتغل بالموسيقى، ثم رجع إلى «الكتاب»، ونظر فى دقائق مسائله، وعول على مسائل الأخفش والكوفيين. وخالف أصول البصريين فى مسائل كثيرة، ومات شابا وشرح سيبويه (بغية الوعاة).
(2) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار المعروف بثعلب، إمام الكوفيين فى النحو واللغة، توفى سنة 291 (بغية الوعاة ص 172).
(3) أبو الخطاب البهدلى: هو عمرو بن عامر، كان راجزا فصيحا راوية، أخذ عن الأصمعى، وجعله حجة، وروى شعره (فهرست). وهو المعنى بأبى الخطاب فيما تقدم من هذا الخبر.
(4) بمعنى أشار، وفى الأصل أومى بالألف المقصورة، إذا لم ينظرا لهمزة المسهلة.
(5) هو محمد بن القاسم بن خلاد، كان فصيحا بليغا حاضر الجواب، سريع الإجابة، شاعرا، وكان أهل العسكر يخافون لسانه، وروى عن الأصمعى وغيره من العلماء، وتوفى سنة نيف وثمانين ومائتين (فهرست 125).
(6) هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى الأزدى الواسطى، توفى سنة 160 (تهذيب التهذيب).
(7) تحس: تحرق. وتسفع: تلفح البشرة وتغيرها إلى السواد. والبيت لأوس (اللسان مادة حس).(1/89)
[فما جبنوا أنّا نسدّ عليهم ... ولكن رأوا نارا] (1) تحسّ وتسفع (2)
فقيل للأصمعىّ: ما الصواب؟ فقال: قول سماك.
أخبرنا ابن دريد، أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى: [38ب]
* فما جبنوا أنّا نسدّ عليهم *
بسين غير معجمة، وكان أبو عمرو أنشدنى: «أنا نشدّ عليهم» بشين معجمة، ومعنى نسدّ: أى نقول السّداد، يقال: أسدّ يسدّ: إذا جاء بالسّداد.
رواه لنا غيره، عن أبى حاتم، عن الأصمعىّ، عن شعبة، عن سماك:
«أنّى أسدّ عليهم» بفتح الهمزة: أنى أقول السداد، قال: وكان أصلها: أسد عليهم بضم الهمزة.
أخبرنى أبو العباس المعمرىّ، أخبرنى اليزيدىّ، عن عبد الرحمن، عن الأصمعىّ قال: قال أبو عمرو: أنشدت الفرزدق.
نعاطى الملوك الحقّ ما قصدوا لنا ... وليس علينا قتلهم بمحرّم
قال: فقال لى الفرزدق: ما قصدوا بنا.
وأخبرنا علىّ بن إسماعيل، أخبرنا الحسن بن الحسين الأزدىّ، حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس (3)، عن أبيه، قال: قال أبو عمرو بن العلاء، أنشدت الفرزدق:
نعاطى الملوك القصد ما قصدوا لنا ... وليس علينا قتلهم بمحرّم
فقال الفرزدق: ما قصدوا بنا: أى ما حملونا على القصد. قال [39ا] أبو عمرو:
صدق، هو كما قال.
__________
(1) تكملة يتصل بها الكلام عن لسان العرب.
(2) هذه الرواية توهم أن التصحيف فى «تحس وتسفع» وأنهما بالسين المهملة أو الشين المعجمة، وليس ذلك، فإنه فى «تسد» كما تفيده الرواية الأخرى.
(3) هو أبو عبد الله أحمد بن الهيثم بن فراس السامى، صاحب أخبار وحكايات، عن أبيه وعن غيره، ترجم له الخطيب البغدادى ج 5: 192، ولم يذكر تاريخ وفاته.(1/90)
وأخبرنى محمد بن يحيى، عن السكرىّ، عن أبى حاتم، عن الأصمعى، عن أبى عمرو، قال: أنشدت الفرزدق، ويده فى يدى، لابن أحمر (1):
فإمّا زال سرح عن معدّ ... وأجدر بالحوادث أن تكونا
فلا تصلى بمطروق إذاما ... سرى بالقوم أصبح مستكينا (2)
فقال لى: أرشدك أم أدعك؟ قلت: ترشدنى، قال: إذا كان ممّن يسرى بالحىّ فليس بمطروق، وإنما هو إذا ما سرى فى الحىّ، فعلمت أنى أغفلت ذاك، وأن الأمر كما قال، وهذا من التحريف لا من التصحيف.
وقوله: «فإمّا زال سرح عن معدّ»: يقول: إن هلكت وصرت إلى أن تتزوّجى غيرى، فلا تصلى. يقول: فلا تبلى (3) بمطروق: برجل فيه طرقة وطرّيقة، أى سترخاء. ويقال فى مثل: «إنّ تحت طرّيقته لعندأوة (4)»: أى داهية.
وأخبرنى أبى، أخبرنا عسل، أخبرنا طابع، قال الأصمعىّ، حدثنا سفيان، قال حضرت أبا عمرو بن العلاء عند الأعمش، فحدّث عن عبد الله بن مسعود (5)، قال: كان [39ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة، فقال أبو عمرو: إنما هو يتخوّننا بالنون (6)، فقال الأعمش: وما يدريك؟ فقال أبو عمرو:
__________
(1) ابن أحمر: هو عمرو بن أحمر بن المعمر بن تميم بن ربيعة الباهلى من الطبقة الثالثة من الشعراء الإسلاميين، والخلاف فى نسبه كثير (طبقات الشعراء ص 485ومعجم الشعراء ص 214).
(2) الشعر يخاطب به زوجته، وقد ورد البيت الثانى فى أساس البلاغة بهذا النص، وورد فى اللسان فى مادة «طرق» هكذا: (ولا تحلى ... إذا ما سرى فى القوم)
(3) هكذا فى الأصل، ولعلها مصحفة عن «فلا تبنى»: أى فلا تتزوجى، من البناء، وهو الزواج.
(4) فى القاموس: العندأوة كفنعلوة: العسر والالتواء والخديعة والجفوة والمقدم الجرىء كالعندأو، والمكر وأدهى الدواهى، و «تحت طريقتك لعندأوة»: أى تحت إطراقتك وسكوتك مكر (مادة: عندأ).
(5) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرحمن الهذلى، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد القراء السبعة، توفى سنة 32هـ (تهذيب التهذيب 6: 27).
(6) جاء فى النهاية لابن الأثير رواية عن أبى عمرو تخالف هذه الرواية، فقد روى النص: أنه كان يتخولنا بالموعظة: أى يتعهدنا من قولهم: فلان خائل مال، وهو الذى يصلحه ويقوم به، ثم قال:
وقال أبو عمرو: الصواب «يتحولنا» بالحاء: أى يطلب الحال التى ينشطون فيها للموعظة، فيعظهم فيها ولا يكثر عليهم فيملوا، وكان الأصمعى يرويه يتخوننا بالنون: أى يتعهدنا.(1/91)
والله لئن شئت لأعلمتك أنّ الله لم يعلّمك من هذا كبير شىء، قال: فسأل عنه، فقيل: أبو عمرو بن العلاء، فسكت. قال: ثم قال الأصمعىّ: قد ظلمه أبو عمرو. يقال: يتخوّلنا ويتخوّننا جميعا، فمن قال يتخوّلنا يقول: يستصلحنا، يقال: فلان خائل مال. ومن قال يتخوّننا قال يتعهدنا، وأنشد:
لا ينعش الطّرف إلّا ما تخوّنه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم (1)
قال الشيخ: وسمعت ابن دريد يقول: التخوّل والتخوّن واحد، وهو التعهد، وربما أجروا التخوّن مجرى التنقص، والتخوّف: التنقص.
قال الشيخ: وما كتبته من كتاب لبعض العلماء، ولا أخمّن عهدته، لأنى لا أعتدّ إلا بما أخذته رواية من أفواه الرجال، أو قرأته عليهم، قال: قال روى أبو عمرو بيت ابن مقبل (2):
منحت نصارى تغلب إذ منحتها ... على نأيها جدّا [ء] مانعة الغبر
[40ا] جداء: لا لبن لها، فقال الأصمعىّ: هذا خطأ، لأن الغبر: بقيّة اللبن، وهى جدّا [ء]، فكيف تمنع بقيّة لبنها، وإنما يجب أن تكون حذّا [ء]، وهى الخفيفة، تسرع فيهم.
__________
(1) البيت لذى الرمة، ولا ينعش: لا يرفع، ومبغوم: أى باغم، وضع مفعولا مكان فاعل من بغمت الظبية بغاما وبغوما: إذا صاحت إلى ولدها بأرخم ما يكون من صوتها. وقوله: داع يناديه باسم الماء، حكى صوت الظبية إذا صاحت ماء ماء، وداع هو الصوت. فهو يقول: لا يرفع طرفه إلا إذا سمع بغام أمه، والبيت من قصيدة مطلعها:
أعن توسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم
(2) هو تميم بن أبى بن مقبل من بنى العجلان، وكان جاهليا إسلاميا، ورثى عثمان بن عفان رضى الله عنه.(1/92)
ما وهم فيه عيسى بن عمر الثّقفىّ (1)
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل (2)، عن الرياشىّ، عن أبى معمر، عن عبد الوارث، قال: كنا بباب بكر بن حبيب السّهمىّ (3)، فقال عيسى بن عمر فى عرض كلام له «قحمة العشاء»، فقلنا: لعلها «فحمة» بالفاء، فقال: هى قحمة، لا يختلف فيها، فدخلنا على بكر بن حبيب، فحكيناها له، فقال: هى «فحمة العشاء» بالفاء لا غير، يعنى فورته.
وذكر بعضهم أن الخلاف بينهم كان فى فحمة أو فحمة، بالضم والفتح، والله أعلم.
قال الشيخ: «فحمة العشاء» من لدن المغرب إلى العشاء وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم: «ضمّوا صبيانكم وفواشيكم (4) حتى تذهب فحمة العشاء».
وقال أبو الدهىّ الفزارىّ: الفحمة: من لدن العشاء إلى نصف الليل، وقال
__________
(1) عيسى بن عمر الثقفى جاء فى الفهرست «بن عمر» لا «بن عمرو» كما فى الأصل، وقد ترجم له فقال: من طبقة أبى عمرو بن العلاء، وهو عيسى بن عمر الثقفى، وليس بعيسى بن عمر الهمدانى الذى من أهل الكوفة، ويروى عنه قراءات، وهو بصرى من مقدمى نحويى البصرة، وكان أخذ عن عبد الله بن أبى إسحاق وغيره، وعن عيسى بن عمر أخذ الخليل بن أحمد، وكان ضريرا، أعنى عيسى أحد قراء البصريين، ومات سنة تسع وأربعين ومئة، وله من الكتب: كتاب الجامع وكتاب المكمل.
أنشدنا القاضى أبو سعيد رحمه الله للخليل، يذكر عيسى بن عمر والكتابين:
بطل النحو جميعا كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر
وقد فقد الناس هذين الكتابين، ولم يقع إلى أحد علمناه، ولا خبر أنه رآهما (41، 42الفهرست).
(2) هو أبو على عسل بن ذكوان العسكرى النحوى، روى عن المازنى والرياشى، وكان فى أيام المبرد (البغية 270).
(3) بكر بن حبيب السهمى منسوب إلى سهم بن عمرو بن ثعلبة. وهو بطن من باهلة، كان عالما بالعربية من طبقة أبى عمرو بن العلاء، وهو أكبر من الخليل بن أحمد، ترجم له ياقوت فى معجم الأدباء وغيره، ولم يذكروا تاريخ وفاته.
(4) الفواشى: جمع فاشية، وهى المال المنتشر، كالإبل والبقر والغنم السائمة، لأنها تفشو: أى تنتشر. وقد جاء النص فى النهاية لابن الأثير، فى مادة فشا: ضموا فواشيكم، وفى مادة (فحم) اكفتوا صبيانكم حتى(1/93)
[40ب] العنبرىّ: إنما الفحمة فى القيظ لأوّل الليل، وليست لليل الشتاء فحمة.
وذلك أنه لا حرّ فيه فيحبسهم، وإنما يفحمون إذ اقاموا، ليسكن عنهم الحرّ، ويبرد الليل، فيسيروا ليلتهم.
ويقال: قد أفحم القوم: إذا أناخوا فحمة الليل (1).
وأخبرنا محمد بن القاسم بن بشّار (2)، أخبرنا أحمد بن محمد الأسدىّ، عن الرّياشىّ عن محمد بن سلّام أحسبه عن يونس أن عيسى بن عمر قال يوما: حسّت يده، بسين غير معجمة فقال له أبو عمرو: يا عيسى، كيف (3) قلت؟ فقال:
حشّت.
وقال ابن سلام: حشّت: إذا يبست، يقال: حشّ الصبىّ فى بطن أمّه:
إذا جفّ. وقال الأصمعىّ: أحشّت المرأة ويقال: حشّت يدهّ: إذا يبست أصابعها، وأحشّت يده، كذا قال.
قال: وقد حدثنى غيره بخلاف هذا، فحدثنى محمد بن العباس، عن الجمحىّ (4) عن محمد بن سلّام، عن يونس، قال: سمعت عيسى بن عمر يقول: حشّت يده، بشين معجمة والحاء المضمومة. قال: فقال له أبو عمرو: ما قلت يا عيسى؟
فرجع فقال: حشّت يده، بفتح الحاء.
__________
(1) الفحمة من الليل أوله، أو أشد سواده، أو ما بين غروب الشمس إلى نوم الناس، خاص بالصيف، ويجمع على فحام وفحوم.
(2) هو أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الأنبارى البغدادى اللغوى، كان من أعلم الناس وأفضلهم فى نحو الكوفيين وأكثرهم حفظا للغة، أخذ عن أبى العباس ثعلب وغيره، وألف كتبا كثيرة، وتوفى سنة 328 (ابن خلكان ج 1ص 637)
(3) رسم فوق كلمة «كيف» هذا الحرف «لا»، وهى زيادة من الناسخ، إذ لا معنى لها.
(4) الجمحى نسبة عالمين كبيرين، هما: أبو خليفة الفضل بن الحباب، وأبو عبد الله محمد بن سلام بن عبيد الجمحى، صاحب طبقات الشعراء، توفى ابن سلام سنة 231هـ (البغية ص 90).(1/94)
قال ابن سلّام: هذا الصواب، أى يبست، ومنه: حشّ الطفل فى بطن أمّه: إذا جفّ ويبس، ومنه سمّى الحشيش لجفافه.
قال الشيخ: وهذا أسهل من تصحيفه بحسّت (1)، بالحاء غير معجمة، الذى رواه عنه أبو بكر بن الأنبارىّ.
قال الشيخ: وسمعت بعض مشايخنا يحكى عن أبى عبيد القاسم بن سلّام، قال:
كان عيسى بن عمر ينشد قوله:
كلّ عجوز رأسها كالكفّه ... تحمل جفّا معها هرشفّه (2)
ويروى أن الهرشفّة عجوز أو خرق، حتى قال المنتجع: الهرشفّة خرقة ينشّف بها الماء، إذا لم يجئ مطر كثير. رأسها كالكفّة، شبّه شعرها إذا تساقط وسط الرأس، وبقى حول رأسها مستديرا بالكفّة.
وسمعته يحكى عن أبى عبيد، قال: قال عيسى بن عمر إن ذا الرّمّة أنشده:
«من يابس الشّخت (3)»، ثم أنشدنى: «من بائس الشّخت»، فقال له:
أنشدتنى من باب يابس، فقال: اليبس: هو البؤس.
__________
(1) الذى ورد فى اللسان فى مادة «حش» يفيد أن حش وأحش بمعنى يبس، كما ورد عن يونس:
حشت، على صيغة ما لم يسم فاعله، وأحشها إليه. وروى عن الأزهرى: حشت يده تحش: دقت وصغرت. وبعضهم يقول: حش بضم الحاء، وأحشت المرأة والناقة.
(2) الكفة: بالكسر: كل ما استدار مثل كفة الميزان وكفة الصائد. والجف: شىء من جلود الإبل كالإناء أو الدلو، يؤخذ فيه ماء السماء، يسع نصف قربة أو نحوه. والجفة: ضرب من الدلاء. وقد روى الشطر الثانى من البيت: «تسعى بجف الخ».
(3) لم يذكر فى الأصل سوى «يابس الشخت»، ولعله أراد بيت ذى الرمة الذى يقول فيه:
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن ... عليها الصبا واجعل يديك لها سترا
يذكر نارا، والشخت الضامر: الدقيق (ديوان ذى الرمة ص 176).(1/95)
ما وهم فيه أبو عبيدة معمر بن المثنّى (1)
أنشدنا ابن دريد، أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعىّ للقيط (2):
يا قوم قد أهلكتمونى باللّوم ... ولم أقاتل عامرا قبل اليوم
شتّان هذا والعناق والنّوم ... والمشرب البارد فى الظلّ الدّوم
قال: وأنشده أبو عبيدة «فى ظلّ الدّوم» يعنى: شجرة المقل. فقال الأصمعىّ: كذب ابن الحائك (3)، ليس بنجد دوم، وهذه الواقعة بنجد يوم جبلة. وإنما هو «فى الظّلّ الدّوم» أى الدائم، كما قال: زائر، وزور، ونائم ونوم.
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعيد، حدثنى أحمد بن عيسى الأهوازىّ أبو سعيد، حدثنا ابن السكيت (4)، قال:
__________
(1) أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى، تيم قريش لا تيم الرباب. وهو مولى لهم. ويقال: هو مولى لبنى عبيد الله بن معمر التيمى. ذكر أبو العيناء أن أباه كان يهوديا بباجروان وقال ثعلب: كان أبو عبيدة يرى رأى الخوارج، وإذا قرأ القرآن قرأه نظرا، وكان مع معرفته إذا أنشد بيتا لم يقم بإعرابه ولما مات لم يحضر جنازته أحد، لأنه لم يكن يسلم منه شريف ولا غيره. وعمل كتاب المثالب الذى كان يطعن فيه على بعض أنساب النبى صلى الله عليه وسلم، وقارب المائة، وله علم الإسلام والجاهلية، وكان ديوان العرب فى بيته. ولد سنة 114. وتوفى سنة 211هـ، وله كتب تقرب من المئة، أهمها مجاز القرآن وغريبه ومعانيه وإعرابه، وغريب الحديث، والديباج، والشعر والشعراء، والملاحن.
(2) هو لقيط بن زرارة من أشراف تميم وفرسانها، وهذا الشعر له يوم شعب جبلة. وقد قتل فى هذا اليوم بعد أن تم النصر فيه لعبس وعامر على تميم وغطفان، وقد ورد البيت الثانى منسوبا للأعشى فى ديوانه ص 257، كما نسبت رواية هذا البيت لحاجب بن زرارة فى «التنبيهات، على أغاليط الرواة» لعلى بن حمزة الأصفهانى ص 25، وقد جاء فيها: «وكان الأصمعى يعيب على أبى عبيدة تفسيره قول حاجب بن زرارة ثم قال: وأنى لأهل نجد الدوم، وإنما الدوم بالحجاز، وحاجب نجدى.
(3) يريد بابن الحائك أن يذم أبا عبيدة.
(4) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، عرف بابن السكيت، والسكيت لقب أبيه، لأنه كان كثير السكوت طويل الصمت، وكان يعقوب يؤدب الصبيان مع أبيه فى مدينة السلام حتى احتاج إلى الكسب، فأقبل على تعلم النحو من البصريين والكوفيين، وأخذ عن أئمتهم، وكان عالما بالقرآن، ومن أعلم الناس باللغة والشعر، راوية ثقة، ولم يكن بعد ابن الأعرابى مثله. ومن كتبه: إصلاح المنطق، وكتاب معانى الشعر، وكتاب القلب والإبدال (ابن خلكان ج 2ص 408طبع بولاق، ومعجم الأدباء لياقوت ج 7 ص 300طبع هندية).(1/96)
شهدت أبا عبيدة فى منزل أحمد بن سعيد بن سلم، فسمعته يقول * على ما كان من حشك الصّدور *
بشين معجمة، فقلت يا أبا عبيدة، إنما هو من حسك الصّدور، يقال فى صدره علىّ حسكة [42ا] (1).
قال: وأنشده أبو عبيدة: «مكرّ (2) ممرّ» فقلت: إنما الرواية «مفرّ»، فقال:
أيصفه بالفرار؟ قلت: آخر البيت يدلّ على أوّله، ألا تراه قال: «مقبل مدبر معا».
قال: وقال أبو عبيدة [ضربه] فانعقرا (3)، فقلت: إنما هو فانقعرا، والانقعار:
انقلاع الشىء (4).
قال: وقال أبو عبيدة: فشلّت يده فقلت: إنما هو شلّت يده (5)، وأشلّت بالضمّ، فقال أبو عبيدة: يقال: شلّت: زمنت، وشلّت:
ندرت (6). قال ابن السّكّيت: لم يصنع أبو عبيدة فى هذا شيئا.
وأخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنى محمد بن بشار [قال: حدثنى] عسل [بن ذكوان] (7) حدثنى أبو حفص الأسيدىّ، قال: سمعت كيسان يقول:
كنّا على باب أبى عمرو (8) بن العلاء، فأنشده أبو عبيدة:
__________
(1) حسك الصدر: حقد العداوة، يقال فى قلبه على حسكة: أى ضغن وعداوة. وأما الحشك: فهو امتلاء الدرة باللبن، فهو تركك الناقة لا تحلبها حتى يجتمع لبنها فى ضرعها.
(2) من بيت لامرئ القيس فى معلقته، وهو:
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
(3) التكملة من اللسان مادة: قعر.
(4) فى القاموس: قعره كمنعه: صرعه، والنخلة فانقعرت: قطعها من أصلها، فسقطت وانجعفت.
(5) فى اللسان: شلت يده بالفتح شلا وشللا، وأشلت وشلت مجهولين. وقال ثعلب: شلت يده بالفتح لغة فصيحة، وشلت بالضم: لغة رديئة.
(6) فى القاموس: ندر الشىء ندورا: سقط من جوف شىء، أو من بين أشياء. وهذا المعنى قد لا يستقيم به النص، ولعلها محرفة عن كلمة أخرى.
(7) الزيادة فى الموضعين اقتضاها السياق، لأن عسلا ليس هو محمد بن بشار.
(8) فى الأصل: «على باب أبى سفين بن للعلاء»، ولعل الصواب ما ذكرناه، ويؤيده ما سيجىء فى الخبر الذى يليه.(1/97)
ما زال يضربنى حتى خزيت له ... وحال من دون بعض البغية الشّفق (1)
فقلت له: أخطأت والله يا أبا عبيدة، إنما هو: «حتى خذيت له»، فقال:
صدقت يا أبا سليمان.
وأخبرنى أبى، أخبرنا [42ب] عسل، عن الرّياشىّ: سمعت كيسان يقول:
كنت على باب أبى عمرو، فجاء أبو عبيدة، فجعل ينشد شعرا لأبى شجرة (2):
ضنّ علينا أبو حفص بنائله ... وكلّ مختبط يوما له ورق
ما زال يضربنى حتى خزيت له ... وحال من دون بعض البغية الشفق
فقلت: خزيت له، وضحكت، فقال: فكيف هو؟ فلما أكثر قلت له: إنما هو: «حتى حذيت له» فانخذل وما أحار جوابا.
ومما خولف فيه أبو عبيدة والصواب قوله، ما سمعت مشايخنا يحكونه: أنّ أبا عبيدة ذكر بيت الشاعر:
من السّحّ جوّالا كأنّ غلامه ... يصرّف سبدا فى العنان عمرّدا (3)
__________
(1) الشفق: الشفقة. وخذيت بالذال: استرخت وخضعت وأما خزى: فهى من الخزى، وهو الهوان. وقد جاء فى تصحيح التصحيف وتحرير التحريف ذكر لرواية أبى عبيدة للشعر، وأنه صحف فقال:
حذيت بالحاء المهملة. والصواب بالخاء، فموضع التصحيف على هذا هو الحرف الأول (انظر ص 133).
(2) أبو شجرة: هو عبد الله بن رواحة السلمى الصحابى الشاعر، ممن شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق والحديبية والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الفتح وما بعده، لأنه كان قد قتل قبله.
وكان أول خارج إلى الغزو وآخر قافل. وكان من الشعراء الذين يناضلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل فى غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة (أسد الغابة ج 3ص 107).
(3) البيت للمعذل بن عبد الله فى وصف الفرس، وقد جاء ذكر لهذا الخبر فى الشعر والشعراء لابن قتيبة (ص 21طبع أوربا) فقال: ومن ذا من الناس يأخذ من دفتر شعر المعذل بن عبد الله فى وصف الفرس:
من السح البيت، إلا قرأه سيدا، يذهب إلى الذئب، والشعراء قد تشبه الفرس بالذئب، وليست الرواية المسموعة عنهم إلا سبدا. قال أبو عبيدة: المصححون لهذا الحرف كثير يروونه سيدا: أى ذئبا، وبه جاء شعر جرير:
على سابح نهد يشبه بالضحى ... إذا عاد فيه الركض سيدا عمردا
وإنما هو سبد بالباء معجمة بواحدة، وقوله من السح: يريد من الخيل التى تسح الجرى: أى تصبه، والعمرد: الطويل، وقيل: الشرس الخلق القوى.(1/98)
فقال: المصحّفون لهذا كثير يروونه سيدا (1) بالياء، وإنما هو «سبدا» بباء معجمة بواحدة، يقال فلان سبد أسباد: أى داهية دهاة.
ثم قال أبو عبيدة: وكذلك قوله:
زوجك يا ذات الثّنايا الغرّ ... والرّتلات والجبين الحرّ
وهذا الذى خولف فيه. قال أبو عبيدة: يرويه المصحّفون [43ا] والآخذون من الدفاتر: الرّبلات. وما الرّبلات من الثنايا والجبين، [وهى] (2) من أصول الفخذين، وإنما هو الرّتلات، يقال: ثغر رتل (3): إذا كان مفلّجا. فخالف ابن الأعرابى أبا عبيدة فى هذا، فقال: إنما هو الرّبلات، بباء تحتها نقطة.
وأنشدنى محمد بن يحيى، أنشدنا علىّ بن الصباح، أنشدنا ابن الأعرابى:
بعلك يا ذات الثّنايا الغرّ ... والرّبلات والجبين الحرّ
أعيا فنطناه مناط الجرّ ... بين سفنجى بازل جورّ (4)
قال علىّ بن الصباح، فقال أبو محلّم: ما موضع الرّبلات هاهنا؟ إن كان أرادها فهذا أبعد بعيد، وأقبح كلام، إنما هو فى الوجه، فقال:
* والرّتلات والجبين الحرّ *
__________
(1) سيرد هذا البيت مع بيت آخر صنو له، واختلاف فى بعض ألفاظه فى الخبر التالى، وفى (باب ما وهم فيه أبو عبد الله بن الأعرابى).
(2) زيادة يقتضيها السياق، وبها يستقيم الكلام وهى بدل «من»، فقد جاء النص فى الشعر والشعراء لابن قتيبة: وما الرتلات من الثنايا والجبين، وهى أصول الفخذين.
(3) فى الأصل: أرتل، والصواب عن اللسان مادة رتل، يقال: ثغر رتل (وبالتحريك) ورتل (بفتح فكسر)، وكذلك جاء النص فى الشعر والشعراء، فقال: يقال ثغر رتل: إذا كان مفلجا.
(4) السفنج: الظليم الخفيف، والجور: الصلب الشديد. ورواية اللسان لهذا البيت هى:
* دوين علمى بازل جورّ *
وقد أورد الأبيات الأربعة مستبعدا الثانى، ومستبدلا به فى الآخر:
ثم شددنا فوقه بمر
وقد روى أيضا:
* بين خشاشى بازل جورّ *(1/99)
والرّتل (1): استواء الأسنان، لا يزيد منها شىء على شىء.
قال محمد: وهو فى نوادر ابن الأعرابىّ على الخطأ إلى الساعة. قال الشيخ:
فأما أبو بكر بن دريد، فأملاه قديما بالباء تحتها نقطة، ثم رجع فأملاه ببغداد بتاء فوقها نقطتان، وقرأته عليه فى الجمهرة بالتاء، وأثبته (2).
[43ب] أخبرنا أبو علىّ عن ابن الأعرابىّ ببغداد، حدثنا يحيى بن علىّ، حدثنى محمد بن إدريس بن أبى حفصة، حدثنى إدريس بن إدريس، قال: دخلت البصرة فإذا أبو عبيدة جالس والناس يقرءون عليه، فقرئ عليه لكثيّر (4):
كذاك وقد يشفى الفتى بعد زيغة (3) ... من الأود البادى ثقاف المقوّم
فلم يغيره، فقلت: يرحمك الله، إنما هو القنا، فقال: صدقت أصلحوه.
قال: وقرأ عليه آخر:
فظلّ يرنّح فى غيطل ... كما يستدير الحمار النّعر (5)
فسئل عن النّعر، فقال: الذى تدخل فى أنفه النّعرة، وهى ذبابة؟ فقلت:
يرحمك الله، قد قيل ذاك، ووالله ما هى ذبابة، وإنما هو داء يأخذها فى رءوسها،
__________
(1) فى الأصل: الرتلة، وما أثبتناه عن اللسان.
(2) لم يرد فى الجمهرة المطبوعة فى الهند ذكر للربلات وللرتلات. كما لم يرد فيها هذا البيت موضع الخلاف
(3) الرواية المشهورة: ألا إنما يكفى الفتى بعد زيغه
انظر (الشعر والشعراء طبع أوربا ص 319).
(4) هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعى الشاعر صاحب عزة، ويعرف بابن أبى جمعة، ويكنى أبا صخر، وكان شاعر أهل الحجاز فى الإسلام، لا يقدمون عليه أحدا، وكان يتشيع ويظهر الميل إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجا عبد الله بن الزبير لما كان بينه وبين بنى هاشم، وتوفى بالمدينة سنة 105فى ولاية يزيد ابن عبد الملك. وقيل: توفى فى أول خلافة هشام، وقد جاوز الثمانين، بواحدة أو اثنتين.
(5) ترنح: تمايل من سكر وغيره، والغيطل: جمع غيطلة وهى الأجمة، والمعنى: فظل الكلب لما طعنه الثور بقرنه يستدير لألم الطعنة، كما يستدير الحمار الذى دخلت النعرة فى أنفه. وفى الجمهرة بعد رواية البيت أى الذى عضته النعرة. وقال: النعرة: ذبابة زرقاء تعض، وأكثر ما يكون فى الخيل والحمير، ويقال: حمار نعر: إذا قلق من عض الذباب. والبيت ينسب لامرئ القيس فى رواية أبى عمرو الشيبانى والمفضل وغيرهما، وهو من قصيدة مطلعها:
أحار بن عمرو كأنى خمر ... ويبدو على المرء ما يأتمر
وزعم أبو حاتم أنها لرجل من النمر بن قاسط، يقال له ربيعة بن جشم.(1/100)
فقال: ولعلّ ذاك (يتشكك). فقلت: هو والله داء، وأنا أعالج منه (1).
وأخبرنا نفطويه، أخبرنا عبيد الله بن إسحاق بن سلّام، قال: قال محمد بن حبيب: فى تميم عدس بن [زيد بن] (2) عبد الله بن دارم، مضموم الدال.
وكان [44ا] أبو عبيدة يقول: عدس بن زيد، يصحّف. وكلّ عدس سوى هذا فى العرب فهو مفتوح الدال.
وقال أبو عبيدة: يروى فى شعر امرئ القيس:
رجال حراص لو يسرّون مقتلى (3)
بالسين غير المعجمة. وفسّر قوله تعالى: {«وَأَسَرُّوا النَّدََامَةَ لَمََّا رَأَوُا الْعَذََابَ»}
أى أظهروها (4)، حتى قيل صحف البيت على غير ما ينبغى. ورواية الأصمعىّ:
لو يشرّون مقتلى
أى يظهرون، ويقال: أشررت الثّوب: إذا نشرته، وشررته أيضا.
__________
(1) فى القاموس: النعرة كهمزة: ريح تأخذ فى الأنف فتهزه، وذباب أزرق يلسع الدواب، وربما دخل أنف الحمار، فيركب رأسه ولا يرده شىء، ونغر الحمار كفرح دخل فى أنفه، فهو نغر.
(2) الزيادة عن مختلف القبائل لمحمد بن حبيب هذا، وقد ورد فيه النص مع اختلاف يسير.
(3) الرواية المشهورة كما فى ملعقة امرئ القيس:
على حراصا لو يسرون مقتلى
وصدر البيت: تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا
(4) فى الأصل: أظهروه، والصواب ما أثبتناه. وفيما ذهب إليه أبو عبيدة خلاف بين اللغويين (انظر اللسان مادة: سر).(1/101)
ما وهم فيه أبو الحسن الأخفش (1)
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل، عن أبى عثمان المازنىّ، قال: سأل أبو زيد الأخفش فقال: كيف تقول يوم التّروية (2)؟ أتهمز؟ قال: نعم قال:
ولم؟ قال: لأنى أقول روّأت فى الأمر، قال: أخطأت، إنما هو تروّيت من الماء غير مهموز.
قال الشيخ: وهذا من التّبديل، لا من التّصحيف.
[44ب] أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن يزيد، سمعت المازنىّ قال:
قال لى الأخفش: أتلزم الأصمعىّ؟ قلت: ما أفارقه، قال: أتتعلّم منه النحو؟ قلت: لا.
وحدثنى إبراهيم بن حميد، قال: قال الرياشىّ، قال لى الأخفش يوما:
إنّ فى اختلافك إلى الأصمعىّ ما يضعك عند أهل العقل، فقلت: إنى أجد عنده ما لا أجد عند غيره. فقال: سلنى عن شىء مما يسألكم عنه. فقلت: ما عندك من قول الشاعر (3):
قفا نحىّ الطّلل المحولا ... والرّبع من أسماء والمنزلا
بسابع الموماة لم يعفه ... تقادم العهد، بأن يؤهلا (4)
__________
(1) أبو الحسن الأخفش، هو سعيد بن مسعدة المجاشعى، الملقب بالأخفش الأوسط، كان مولى لبنى مجاشع بن دارم. وهو من أكابر النحويين من البصريين، وكان أعلم من أخذ عن سيبويه، وكان أبو الحسن قد أخذ عمن أخذ عنه سيبويه، فإنه كان أسن منه. وهو الطريق إلى كتاب سيبويه. وقد قرأه الناس عليه بعد موت سيبويه، ولم يقرأ الكتاب على سيبويه أحد فى حياته. (ابن الأنبارى: نزهة الألباص، 184). مات سنة 210أو 215أو 221عن البغية.
(2) يوم التروية: اليوم السابق ليوم عرفة، وهو الثامن من شهر ذى الحجة، سمى به لأن الحجاج يتروون فيه من الماء، وينهضون إلى منى، ولا ماء بها، فيتزودون ريهم: أى يسقون ويستقون (اللسان مادة روى).
(3) الشعر لعمر بن أبى ربيعة، وانظر ديوانه.
(4) فى الديوان: عوجا، مكان: قفا، والمحول: الذى أتى عليه حول. وروى: بجانب مكان (بسابع) ولعلها (بشاسع)، والشاسع: المكان البعيد من شعست داره شسوعا: إذا بعدت [اللسان: شسع.](1/102)
وهذا من أحسن المعانى. إن قيل كيف لم يعفه تقادم العهد بأن يؤهل؟
فالجواب فيه: قفا نحىّ الطّلل بأن يؤهل، أى بأن ندعو له، فنقول:
أهّلك الله يا طلل، فنجعل مكان تحيّتنا إيّاه، الدعاء له.
وأخبرنا الصولىّ، حدثنا ابن المبرّد، حدثنى المازنىّ، قال: قال لى الأخفش: أتلزم الأصمعىّ؟ قلت: ما أفارقه، قال: أتتعلّم منه النحو؟
[45ا] قلت: لا، ولكن أتعلّم منه المعانى واللّغة والشّعر، فقال: سلنى عن شىء من ذلك، فقلت: أعن صعبه أم عن سهله؟ فقال: عن سهله، قلت:
ما يريد الشاعر بقوله:
أمن زينب ذى النّا ... ر قبيل الصّبح ما تخبو (1)
ولم أعرب البيت كلّه، قال الأخفش: أمن زينب صاحبة النّار، فقلت:
ليس هذا كذا، أمن زينب ذى النار، يريد: هذه النار التى لا تخبو. فقال:
هذا حسن.
وحكى الأخفش عن بعض الأعراب، أنه قال: تربىّ ما فعلت كذا، ولم يحك هذا عن غيره، وإجماعهم أنّ التاء لا يقسم بها إلا فى الله (2)
__________
(1) لعمر بن أبى ربيعة من هذا البحر والقافية:
لمن نار قبيل الصبح ... عند البيت ما تخبو
إذا ما أوقدت يلقى ... عليها المندل الرطب
(2) ورد فى شرح الأشمونى، أن التاء تدخل على لفظ الله، ورب مضافا للكعبة أو لياء المتكلم، نحو: «تالله لأكيدن أصنامكم»، وترب الكعبة، وتربى لأفعلن. وإن كان دخول التاء على رب قليل.
وجاء فى مغنى اللبيب ج 1ص 98 (حرف التا): أن التاء المحركة فى أوائل الأسماء حرف جر، معناه القسم، وتختص بالتعجب، وباسم الله تعالى، وربما قالوا: تربى، وترب الكعبة.(1/103)
ما وهم فيه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (1)
سمعت من يحكى عن ابن دريد ولم أسمع هذه الحكاية منه أنه قال:
وجدت للجاحظ فى كتاب «البيان والتبيين» تصحيفا شنيعا، فى الموضع الذى يقول فيه: حدثنى محمد بن سلّام، قال: سمعت يونس يقول: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام، ما جاءنا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر:
[45ب] وإنما هو عن البتّىّ، وكان فصيحا، فأمّا النبىّ صلى الله عليه وسلم، فلا شكّ عند الملّىّ والذّمّىّ أنه كان أفصح الناس.
أخبرنا ابن دريد، حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعىّ، قال: كان عثمان البتّىّ نحويّا (2)، وكان يسمى عثمان العربىّ من فصاحته، فسمعه ابن أبى إسحاق ينشد: كورهاء (3) مسنىّ إليها حليلها
فقال: أخطأ عربيّكم، وإنما هو مشنوء (4).
__________
(1) الجاحظ: هو أبو عثمان عمرو بن بحر الكنانى البصرى، الملقب بالجاحظ لجحوظ عينيه. وكان يقال له الحدقى. ولد بالبصرة، ونشأ بها، وأكب على تحصيل علوم الأدب، فبرع حتى أصبح نادرة زمانه: واستقدمه المتوكل لتأديب بعض ولده، فلما رآه استبشع منظره، فأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه. وعمل فى ديوان الرسائل للخليفة المأمون، ولكن معاملة الكتاب له، وبخاصة سهل بن هارون، لم تتح له البقاء أكثر من ثلاثة أيام. وكان الجاحظ معتزليا، وله فرقة تسمى الجاحظية نسبة إليه.
وللجاحظ مصنفات عدة: منها: البيان والتبيين، والبخلاء، والحيوان. وله رسائل كثيرة. وقد قال أبو الفضل بن العميد فيه: «كتب الجاحظ تعلم العقل أولا، والأدب ثانيا».
وقد عمر طويلا، وفلج فى آخر عمره، فكان يقول: اصطلحت على جسدى الأضداد، إن أكلت باردا أخذ برجلى، وإن أكلت حارا أخذ برأسى، وأشد ما على ست وتسعون سنة، وكان ينشد:
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثياب
وتوفى سنة 252هجرية.
(2) هو أبو عثمان بن هرمز من أهل البصرة، ويقال إن اسم جده جرموز البتى، نسبة إلى البت، لأنه كان يتجر فيها.
(3) الورهاء: الحمقاء.
(4) فى اللسان مادة: شنا، بالتسهيل وحكى اللحيانى: رجل مشنى، ومشنو: مبغض، لغة فى مشنوء وأنشد:(1/104)
قال ابن دريد: وأخطأ فى تفسير قول مالك بن أسماء بن خارجة (1)، حين وصف جارية فقال:
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
فقال: يستظرف من الجارية أن تكون غير فصيحة، وأن يعترى منطقها اللّحن. وهذا خطأ، إنما أراد أنها تورّى عن الشىء من فطنتها وذكائها.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى يحيى بن علىّ المنجّم، حدثنى أبى، قال: قلت للجاحظ: مثلك فى علمك ومقدارك من الأدب ينشد قوله:
وخير الحديث ما كان لحنا
ويفسّره على أنه أراد اللّحن [46ا] فى الإعراب، وإنما وصفها بالظّرف والفطنة، وأنّها تورّى فى لفظها عن أشياء، قال: قد فطنت لذلك بعد، قلت: فغيّره، قال: كيف لى بما سارت به الرّكبان؟
وحكى عن الجاحظ أنه روى: نشطته الشعوب، فعرّفها بالألف واللام (2)،
__________
ألا يا غراب البين مم تصيح ... وصوتك مشنوء إلى قبيح
(1) هو مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزارى، وآباؤه سادة غطفان، وكان شاعرا غزلا ظريفا، والبيت من أبيات قالها فى جارية له:
أمغطى منى على بصرى بالحب ... أم أنت أكمل الناس حسنا
وحديث ألذه هو مما ... يشتهى الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب ويلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا
(2) فى الأصل: نسطته الشعوب، وهى مصحفة عما أثبتنا.
وما أخذ على الجاحظ أنه عرف شعوب بالألف واللام موضع خلاف، فقد جاء فى لسان العرب مادة (شعب) ما نصه:
إن شعوب بمعنى المنية معرفة لا تنصرف، ولا تدخلها الألف واللام، وقيل شعوب والشعوب كلتاهما المنية، لأنها تفرق. أما قولهم فيها: شعوب بغير لام، والشعوب باللام، فقد يمكن أن يكون فى الأصل صفة، لأنه من أمثلة الصفات بمنزلة: قتول وضروب، وإذا كان كذلك فاللام فيه بمنزلتها فى العباس والحسن والحارث، ويؤكد ذلك عندهم أنهم قالوا فى اشتقاقها إنها إنما سميت شعوب لأنها تشعب: أى تفرق، وهذا المعنى يؤكد الوصفية فيها، وهذا أقوى من أن تجعل اللام زائدة.
ومن قال «شعوب» بلا لام، خلصت عنده اسما صريحا، وأعراها فى اللفظ عن مذهب الصفة،(1/105)
وقال: قد يقال ضبعة: للأنثى من الضّباع (1)، وأصحابنا لا يعرفون ذلك، ويضحكون ممّن يقول: الضّبعة العرجاء.
__________
فلذلك لم يلزمها اللام كما فعل ذلك من قال عباس وحارث، إلا أن روح الوصفية فيه على كل حال، وإن لم تكن فيه لام.
ونشطته بمعنى: نزعته، من نشط الدلو من البئر: إذا نزعها وجذبها من البئر صعدا بغير قامة.
وقد فسر الزجاج: «والناشطات نشطا» بأنها الملائكة، تنشط الأرواح نشطا: أى تنزعها نزعا، كما تنزع الدلو من البئر. (لسان، مادة: نشط).
(1) فى كتب اللغة: إن الضبع ضرب من السباع أنثى، والجمع أضبع وضباع، والضبعان: الضبع، والذكر: ضبعان.(1/106)
ما وهم فيه الأصمعىّ عبد الملك بن قريب (1)
أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار الأنبارىّ، أخبرنا ثعلب، حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلىّ، قال: رأيت أبا عمرو بن العلاء والأصمعىّ عند أبى فى هذه النيمخايجة (2)، وأشار إلى نيمخايجة فى داره، فتناظرا وتناشدا، فأنشد الأصمعىّ:
عنتا باطلا وظلما كما تعنز عن حجرة الربيض الظّباء (3)
فقال أبو عمرو: صحّفت، إنما هو تعتر، من العتيرة، فصاح [46ب] الأصمعىّ وجلّب (4) وقال: تعنز: تنحر، تضرب بالعنزة، فقال له أبو عمرو: دع ذا عنك، فو الله لا أنشدته بعد وقتك هذا إلا كما قلت لك.
__________
(1) الأصمعى: هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن على بن أصمع أبو سعيد الأصمعى البصرى اللغوى، أحد أئمة اللغة والغريب والأخبار والملح والنوادر. روى عن أبى عمرو بن العلاء، وقرة بن خالد، ونافع بن أبى نعيم، وشعبة، وحماد بن سلمة، وخلق. قال عمر بن شبة: سمعته يقول: حفظت ستة عشر ألف أرجوزة. وقال الشافعى: ما عبر أحد عن العرب بمثل عبارة الأصمعى. قال ابن معنى: ولم يكن ممن يكذب، وكان من أعلم الناس فى فنه. وقال أبو داود: صدوق: وكان يتقى أن يفسر الحديث، كما يتقى أن يفسر القرآن. وكان بخيلا، ويجمع أحاديث البخلاء، وتناظر هو وسيبويه، فقال يونس: الحق مع سيبويه، وهذا يغلبه بلسانه. وكان من أهل السنة. ولا يفتى إلا فيما أجمع عليه علماء اللغة، ويقف عما ينفردون عنه، ولا يجيز إلا الأفصح. وعنه أنه قال: «حضرت أنا وأبو عبيدة عند الفضل بن الربيع، فقال لى: كم كتابك فى الخيل؟ فقلت: مجلد واحد، فسأل أبو عبيدة عن كتابه، فقال: خمسون مجلدا، فقال له: قم إلى هذا الفرس، وأمسك عضوا عضوا منه وسمه، فقال: لست بيطارا، وإنما هذا شىء أخذته عن العرب فقال: قم يا أصمعى وافعل ذلك، فقمت وأمسكت ناصيته، وجعلت أذكر عضوا عضوا، وأضع يدى عليه، وأنشد ما قالته العرب، إلى أن بلغت حافره، فقال: خذه، فأخذت الفرس.
وكنت إذا أردت أغيظه ركبته وأتيته». وله مصنفات كثيرة. ومات سنة ست عشرة، وقيل خمسة عشرة ومئتين، عن ثمان وثمانين سنة.
(2) لم نجد كلمة «نيمخايجة» فيما بين أيدينا من معاجم اللغة الفارسية، وكلمة «نيم» معناها:
«نصف» بالفارسية.
(3) البيت للحارث بن حلزة اليشكرى من معلقته التى مطلعها:
آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء
وقوله عننا: أى عرضا، وقد رويت فى مادة «عتر، وحجر، وربض» عنتا. والحجرة: الناحية.
(4) جلب: صاح. والجلبة: الصياح، واختلاط الأصوات.(1/107)
وكان روى أحمد بن يحيى هذا الخبر قديما بخلاف هذا، ثم رجع عنه، فخبّرنى محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم، قال: حضر الأصمعىّ وأبو عمرو الشّيبانىّ عند أبى، فأنشد أبو عمرو الشّيبانىّ:
عننا باطلا وظلما كما تعتر عن حجرة الرّبيض الظّباء (1)
فقال الأصمعىّ: تعتر من العتيرة، وهى ذبيحة لهم فقال أبو عمرو: تعنز تذبح بالعنزة، فقال الأصمعىّ: كأنى بك قد غيّرته فى كتابك.
قال محمد بن يحيى: كذا أملى ثعلب أوّلا، ثم تنبّه عليه، وإنما قال أبو عمرو: تعنز، فصحّف الأصمعىّ، فقال: تعتر.
قال الشيخ: العتر: الذّبح، والعتر والعتيرة: الذّبيحة.
وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم: «لا فرعة ولا عتيرة (2)».
والفرعة: ذبيحة [47ا] كانوا يذبحونها فى رجب للأصنام، والعتيرة كانوا يذبحونها عن الغنم إذا كثرت. والعنن: الاعتراض، والرّبيض: الغنم، والحجرة: النّاحية.
ومعنى البيت: إنّكم تأخذوننا بذنب غيرنا كما كانت العرب إذا وجب
__________
(1) هذا الخبر ورد فى مجالس ابن مسلم (خطية بدار الكتب فى ص 10) وفيه هذا البيت:
عننا باطلا وظلما كما تعنز ... عن حجرة الربيض الظباء
فى مجلس الأصمعى مع أبى عمرو الشيبانى.
(2) كذا فى الأصل، ولكن ما جاء فى النهاية لابن الأثير وغيرها من كتب اللغة فى تفسير الفرعة والعتيرة يفيد عكس هذا، فقد جاء فى شرح الأولى:
الفرعة بفتح الراء، والفرع: أول ما تلد الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم، فنهى المسلمون عنه.
وقيل: كان الرجل فى الجاهلية إذا تمت إبله مئة، قدم بكرا فنحره لصنمه، وهو الفرع، وقد كان المسلمون يفعلونه فى صدر الإسلام، ثم نسخ (نهاية مادة: فرع).
والعتيرة بوزن عظيمة: ذبيحة كانوا يذبحونها فى رجب، يتقربون بها لأصنامهم، وهى الرجبية، قال أبو عبيدة وقال غيره: العتيرة: نذر كانوا ينذرونه، من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة فيها رأسا فى رجب.
وفى الصحاح: العتيرة: هى أن الرجل كان يقول فى الجاهلية: إن بلغ إبلى مئة عترت منها عتيرة فى رجب. ونقل أبو داود تقييدها بالعشر الأول من رجب.(1/108)
عليها نذر فى شائها ذبحت الظّباء مكانها، فتظلمها بذلك.
وأخبرنا عبد العزيز بن يحيى أو غيره أخبرنا محمد بن الحسين، عن أبى حاتم، قال: قرأ الأصمعىّ على أبى عمرو بن العلاء شعر الحطيئة، فقال مكان قوله:
وغررتنى وزعمت ... أنّك لابن بالصّيف تامر
يريد كثير اللّبن والتّمر، فقال: «لاتنى بالضّيف تامر»، يريد: لا تتوانى فى ضيفك وتأمر ببرّه، إنما تتولى أنت ذلك، فقال له أبو عمرو: أنت والله فى تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة.
وأخبرنا ابن الأنبارىّ، عن أبيه، بعقب خبر الأصمعىّ، وأبى عمرو والشّيبانىّ، قال: وأنشد الأصمعىّ بيت الحطيئة:
وغررتنى وزعمت ... أنّك لاتنى بالضّيف تامر
[47ب] فقال له أبو عمرو الشّيبانىّ: ما معنى قولك: «لا تنى بالضّيف تامر» قال: لا تنى من الونى: أى لا تقصّر تأمر بإنزال الضّيف وإكرامه، مثل قول الله جل ذكره: «ولا تنيا فى ذكرى»، فقال أبو عمرو: تفسيرك للتّصحيف أغلظ علىّ من تصحيفك، إنما هو:
وغررتنى وزعمت أنّك لابن بالصّيف تامر
وأخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا عيسى بن إسماعيل، حدثنى خلف الحدّانى، قال: كنا عند أبى عمرو، فقرأ عليه الأصمعىّ:
ألا قتتلت مذحج ربّها ... وكانت خزايتها فى مراد
فضحك أبو عمرو وقال: اجعل مكان الزاى راء، والياء باء، إنما هو وكانت خرابتها فى مراد
أى سرقتها.
والخارب: اللّصّ، وجمعه: خرّاب.(1/109)
وسمعت ابن دريد يقول: الخرابة: سرقة الإبل خاصّة، وقد استعير لغير الإبل.
وأخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنا الرّياشىّ، قال: قال الأصمعىّ مرّة: وكانت خزايتها فى مراد
فصحّف، فقال له خلف: «خرابتها». الخارب: اللّص.
أخبرنا أبو الحسين النّسّابة قال: سمعت مشايخنا يحكون أنّ المازنىّ وصاحب الكسائىّ اجتمعا يوما، فقال صاحب الكسائىّ للمازنىّ: صحّف صاحبكم، يعنى الأصمعىّ فى بيت عنترة:
وآخر منهم أجررت رمحى ... وفى البجلىّ معبلة وقيع
فقال: البجلىّ، وبجلة من بنى سليم، وبجيلة من اليمن. فقال المازنىّ:
قد صحّف صاحبكم، فأزال المعنى، فكان أشدّ من تحريك الساكن. فقال:
أعيس منها لا من الكثيب
وإنما هو: أعيس لا منها لا من الكثيب
قال الشيخ: بجلة: ساكنة الجيم: بطن من بنى سليم.
قال أبو اليقظان: خرجت بجلة من بنى سليم، فأتت بنى عقيل، فهم فيهم، وقرأت على أبى بكر بن دريد فى شعر العباس بن مرداس (1).
__________
(1) ترجم له الأغانى (ج 13ص 62، والمرزبانى ص 262) وذكر أنه أسلم قبل فتح مكة، وحضر مع النبى يوم الفتح فى تسعمئة ونيف من سليم بالقنا والدروع على الخيل. ويروى أن النبى أعطى المؤلفة قلوبهم يوم حنين، فأعطى أبا سفيان بن حرب مئة من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مئة، وأعطى العباس بن مرداس دون المئة، فقام بين يدى رسول الله فقال:
أتجعل نهبى ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع
وما كان بدر ولا حبس ... يفوقان مرداس فى مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع
فقال رسول الله: اقطعوا عنا لسانه، فزادوه.(1/110)
يا لهفتا من بعد بجلة أصبحوا ... موالى عزّ ليس فيهم مرغّم (1)
وقال الأصمعىّ: بجلة: حلفاء فى بنى سليم.
وقد ادّعى أبو عبيدة على الأصمعىّ أنه كان يقول: السّدوس: الطّيلسان، وإنّ اسم القبيلة سدوس، بضم السين (2)، وإن ذلك مما غلط فيه الأصمعىّ وقلبه.
وقال أبو عبيدة: إنما السّدوس، بضم السين: الطّيلسان وسدوس، بفتح السين: اسم القبيلة وأنشد أبو عبيدة ليزيد بن خذّاق:
وداويتها حتى شتت حبشيّة ... كأنّ عليها سندسا وسدوسا
فأخبرنى ابن الأنبارىّ، أخبرنى أبى، عن أحمد بن عبيد:
* كأنّ عليها سندسا وسدوسا *
بفتح السين. ثم قال ابن السّكّيت: اسم الطّيلسان سدوس (بالفتح)، واسم الرجل سدوس، ولا أدرى لم ذلك؟
قال: وقال أبو هفّان المهزمىّ، قال الأصمعىّ: السّدوس، بفتح السين:
الطّيلسان. وسدوس بالضم: اسم القبيلة. قال: وخالفه سيبويه فقال فى الطّيلسان بالضمّ، وفى القبيلة بالفتح، فحكيت ذلك لثعلب، فقال: أقول ما قاله الأصمعىّ.
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو ذكوان عن التّوّزىّ، عن الأصمعىّ [49ا] قال:
__________
(1) المرغم: الذليل، يقال: رغم فلان أنفه بالتضعيف: أى خضع.
(2) جاء فى مختلف القبائل ص 4:
فى تميم سدوس بفتح السين بن دارم بن مالك بن حنظلة، وفى ربيعة: سدوس بالفتح أيضا ابن شيبان ابن ثعلبة بن بكر بن وائل. وكل سدوس فى العرب فهو مفتوح إلا سدوس بن أصمع بن أبى بن عبيد
من طيئ، قال امرؤ القيس:
إذا ما كنت مفتخرا ففاخر ... ببيت مثل بيت بنى سدوس
هو سدوس بن الجمع النبهانى كما فى تاج العروس: سدس (وسيأتى ذكر ذلك قريبا).(1/111)
كنت عند شعبة، فأتاه حمّاد بن سلمة، فقال شعبة: هذا الفتى الذى وصفته لك، يعنينى، فقال لى حمّاد: كيف تروى:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا (1)
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
فقال حمّاد لشعبة: ليس كما روى، فقلت: وكيف تنشده يا عمّ؟ قال:
البنا، سمعت أعرابيا يقول: بنا يبنى بناء، من الأبنية وبنا يبنو من الشّرف، فكنت بعد ذلك أتوّقى حمّاد بن سلمة أن أنشده إلا ما أتقنه.
وقرأت على نفطويه، عن عبيد الله بن إسحاق بن سلّام قال: قال محمد ابن حبيب: كلّ سدوس فى العرب فهو مفتوح، إلا سدوس بن أصمع بن أبىّ بن عبيد بن ربيعة بن نصر بن سعد بن نبهان، هؤلاء من طيئ.
قال الشيخ: فى ربيعة سدوس بن ذهل بن ثعلبة، مفتوح السّين، وفى بنى دارم سدوس بن دارم بن مالك بن حنظلة، مفتوح السين. وأما قول امرئ القيس:
إذا ما كنت مفتخرا ففاخر ... ببيت مثل بيت بنى سدوس
فالسين فى هذا مضمومة، وإنما عنى بنى سدوس بن أصمع، الذين فى طيئ.
وقد عرّض الأصمعىّ بأبى عبيدة، وادّعى عليه أنه كان يصحّف فى عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، فيقول: عدس مفتوح الدال.
وذكر محمد بن حبيب أيضا ذلك عن أبى عبيدة فى عدس.
__________
(1) البنا بالضم: جمع بنوة، وبنوة بالضم والفتح (عن ابن سيده)، وهى من بنا يبنو فى الشرف.
وورد أن البنية والبنية، بالفتح والضم ما بنيته، وهو البنى (بالكسر) والبنى (بالضم).
وروى عن ابن الأعرابى: البنى (بالكسر) الأبنية من المدر والصوف، وكذا البنى (بالكسر أيضا) من الكرم، وأنشد بيت الحطيئة بكسر البنى. وقيل: قد تكون البناية فى الشرف والفعل كالفعل (لسان، مادة: بنى) والبيت من شعر الحطيئة. وقد جاء فى تصحيح التصحيف ما يشبه النص رواية عن الأصمعى.(1/112)
وأخبرنا نفطويه، أخبرنا عبيد الله بن إسحاق بن سلّام، عن محمد بن حبيب، قال: كان أبو عبيدة يصحّف، يقول: عدس بن زيد، وقد رواه فى بيت امرئ القيس ففتحه:
لا حميرىّ وفى ولا عدس ... ولا است عير يحكّها الثّفر (1)
حميرىّ بن رياح بن يربوع، وعدس أبو زرارة.
قال الشيخ: وعند أهل النسب أن عدس هذا الذى فى تميم وحده مضموم الدّال، وكلّ عدس، سوى هذا فى العرب، فهو مفتوح. هذا مذهب البصريّين، وخالفهم ابن الأعرابىّ فقال: كلّ عدس فى العرب مفتوح إلا عمرو بن عمرو بن عدس (2).
قال: وقرئ يوما على الأصمعىّ فى شعر أبى ذؤيب (3) [50ا]
بأسفل ذات الدّبر (4) أفرد جحشها ... فقد ولهت يومين فهى خلوج (5)
فقال الأصمعىّ: ذات الدّير: مكان. فقال أعرابىّ حضر المجلس: إنما هو ذات الدّبر، وهى ثنيّة عندنا، فأخذ الأصمعىّ بذلك فيما بعد.
أخبرنا ابن الأنبارىّ، حدثنا أحمد بن يحيى، قال: لقينى أبو محلّم على باب أحمد بن سعيد بن سلم ومعه أعرابىّ، فقال: جئتكم بهذا الأعرابىّ، لتتعرّفوا كذب الأصمعىّ، أليس كان يقول فى قوله (6):
__________
(1) الثفر بالتحريك: السير الذى فى مؤخر السرج.
(2) فى مختلف القبائل ما يشبه هذا النص (ص 4).
(3) هو خويلد بن خالد، جاهلى إسلامى، كان شاعرا فحلا لا غميزة فيه، وكان راوية لساعدة بن جؤية، وخرج مع عبد الله بن الزبير فى مغزى نحو المغرب، فمات، فدلاه عبد الله بن الزبير فى حفرته.
وفى رواية أنه مات بمصر (الأغانى، والشعر والشعراء).
(4) فى معجم ياقوت الدبر: بفتح أوله، وسكون ثانيه، وراء. وذات الدبر: ثنية، قال ابن الأعرابى: وصحفه.
(5) ورد فى الديوان «خشفها» مكان «جحشها». و «طردت» بدل «ولهت». والجحش فى لغة هذيل بمعنى الخشف، وهو ولد الظبية إذا قوى وتحرك. ولهت: ذهب عقلها على ولدها. والخلوج: التى نزع عنها ولدها، فقل لبنها. والبيت من قصيدة مطلعها، كما فى ديوان أبى ذؤيب طبع دار الكتب المصرية ص 50: صبا صبوة بل لج وهو لجوج ... وزالت لها بالأنعمين حدوج
(6) فى معجم البلدان: أليس يقول فى (شعر) عنترة، والخبر بأكمله فى المعجم مع خلاف يسير(1/113)
زوراء تنفر من حياض الدّيلم (1)
إن الدّيلم الأعداء؟ فاسألوا هذا الأعرابىّ. فسألناه فقال: هى حياض بالغور، قد أوردتها إبلى غير مرّة.
أخبرنا ابن دريد، قال: سمعت أبا حاتم السّجستانىّ، قال: أنشدت الأصمعىّ:
* جأبا ترى بليته مسحّجا * (2)
فقال: «ترى تليله (3) مسحّجا، فقال: من أنشدك؟ فقلت: أعلم النّاس، فتغافل عنى، قال أبو بكر: عنى أبا زيد.
أخبرنى أبى عن عسل، عن الرّياشىّ، سمعت الأصمعىّ يقول فى خبر:
«ففرع رأسه بالعصا، بالفاء (4). فقال: الدموه.
قال الشيخ: اللّدم: الشّدّ (5). وقد خالف الأصمعىّ فى هذا ابن الأعرابىّ ويعقوب بن السكّيت، فقالا: إنما هو: الدّم أوه. قال: كأنه حكى خروج الدّم.
وأخبرنا نفطويه، أخبرنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابىّ، قال: وقال
__________
فى بعض الألفاظ، وقد نقله عن كتاب التصحيف والتحريف لحمزة (المعجم ج 4ص 187) وديلم:
اسم ماء لبنى عبس.
(1) هذا عجز بيت لعنترة، وصدره:
شربت بماء الدحرضين فأصبحت
والبيت من معلقته التى مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
(2) البيت للعجاج من قصيدة مطلعها:
ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا ... من طلل كالأتحمى أنهجا
(3) وقد أشار فى الشرح إلى اختلاف الرواية بين تليله وبليته، فقال: قال أبو حاتم: كان الأصمعى ينشد «ترى تليله». والتليل: العنق، وهو الذى كان يختاره، وغير يقول: بليته: أى بعنقه. والليتان:
ناحيتا العنق. قال أبو حاتم: رواه الناس كلهم بليته مسحجا، فقال: هذا تصحيف. قال أبو حاتم:
وغلط الأصمعى، فقلت له: لم؟ قال: كيف يكون: ترى بعنقه مسحجا، لو كان ذاك لكان تسحيجا، قلت له: فى كتاب الله «ومزقناهم كل ممزق» يريد: كل تمزيق، فسكت وعرف الحق. وقوله مسحجا:
أى هو مكدح من قتاله الحمير. والسحج: القشر.
(4) يريد أن (فرع) بالفاء. ومعناه: علاه بالعصا.
(5) الذى فى كتب اللغة: اللد واللدم: ضرب الصدر.(1/114)
فى الخبر: فضربه ضربة، فقال الدّم: أوه: أى سال.
وممّا نسب ابن الأعرابىّ الأصمعىّ فيه إلى التّصحيف، وابن الأعرابىّ أقرب إلى التصحيف فيه منه، ما أخبرنا علىّ بن سليمان الأخفش أنّ ابن الأعرابىّ كان يقول: قد صحّف الأصمعىّ فى بيت الحطيئة من أوّله إلى آخره.
وكان ابن الأعرابىّ يرويه:
كفوا سنتين (1) بالأضياف نقعا ... على تلك الجفان من النّقىّ
وفسّره ابن الأعرابىّ فقال: كفوا قومهم عامين ينحرون لهم.
والنّقع: النحر. قال: والنّقىّ: الحوّارى (2). ورواه الجفان بالنون. ورواه أبو عمرو الشيبانى كذا، إلا أنه قال: بالأسياف، جمع سيف.
إلى هاهنا عن الأخفش.
وكان الأصمعىّ يرويه:
كفوا سنتين بالأصياف بقعا ... على تلك الجفار من النّفىّ
النّون من سنتين مكسورة، والصّاد من الأصياف غير معجمة [51ا] وتحت الباء من قوله «بقعا» نقطة. والجفار: براء غير معجمة. والنّفىّ: بالفاء، لا بالقاف.
ووافقه على هذه الرواية أبو عبيدة. فكأن معنى البيت عند الأصمعىّ: سنتين، من أسنت القوم وسنتوا: إذا أجدبوا والأصياف عنده: جمع صيف.
وقوله: «بقعا»: أراد أنهم بقع الظّهور من النّفىّ، نفىّ الأرشية (3) إذا استقوا. والجفار: جمع جفر، وهى البئر البعيدة الماء.
__________
(1) السنتين: الجياع المجدبون، من أسنت القوم: إذا أجدبوا.
(2) الحوارى: الدقيق الأبيض، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه.
(3) الأرشية: جمع رشاء، وهو الحبل.(1/115)
وقال الأصمعىّ وأبو عبيدة: إن هذه القصيدة مدح بها الحطيئة عيينة ابن حصن الفزارىّ، وإن بنى عدىّ بن فزارة كانوا قد أجدبوا، حتى صاروا يسقون لأصحاب الإبل إذا وردت فى الصّيف، ويأخذون على ذلك أجرا، حتى تبقّعت جلودهم، فلما غزا عيينة بن حصن غزاتين فى سنة، وغنم أصحابه، أفضلوا على قومهم، فذكر الحطيئة قصّة سقيهم، والبقع التى كانت فيهم، وأن ذلك كان بالصّيف.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى الباهلىّ، عن أبى الحسن الطّوسىّ، قال:
كان ابن الأعرابىّ يحلف بالله أنّ الأصمعىّ صحّف فى بيت الحطيئة، من أوّله إلى آخره. فكان الأصمعىّ إذا بلغه هذا تمثّل:
يصيب وما يدرى ويخطى ومادرى ... وكيف يكون النّوك إلا كذلكا
و «يخطئ مادرى»: أجود.
قال الشيخ: ابن الأعرابىّ فى هذا أقرب إلى التّصحيف، لأنّ الأصمعىّ وأبا عبيدة اجتمعا على شرح القصّة، والسّبب الذى قيلت فيه.
ومع هذا فإنّ الحطيئة صانع حاذق، يقوم على شعره، وينقّحه، ولا أحسبه يقول:
* كفوا سنتين بالأضياف نقعا *
يريد: كفوا سنتين الأضياف.
وروى الأصمعىّ بيت ذى الرّمّة:
عين (1) مطحلبة الأرجاء طامبة ... فيها الضّفادع والحيتان تصطخب
فقال بعضهم: أىّ صوت للسّمك؟ إنما هو تصطحب، بحاء غير معجمة، أى تتجاور. (2)
قال: وروى بيت رؤبة:
__________
(1) فى الديوان «عينا» بالنصب، وقبل هذا البيت:
تغلست وعمود الصبح منصدع ... عنها وسائره بالليل محتجب
(2) عبارة شارح الديوان: والضفادع تصطخب: أى تصوت. والحيتان غير مصطخبة.(1/116)
* شمطاء تشوى الغبط حين ترأم (1) *
فقال: إنما هو «تبوى»: أى تجعله بمنزلة البّوّ.
أخبرنا ابن دريد، عن أبى حاتم، قال: قال الأصمعىّ أنشد أبو كعب أبا عمرو بن العلاء:
وأنا المنيّة بعد ما قد نوّموا ... وأنا المعالن صفحة النّوّام
فقلت: «أنا المنبّه» بالباء، فقال أبو عمرو: خذها عنه [52ا]. ومذهب الأصمعىّ أقوى فى صنعة الشّعر.
أخبرنى محمد بن سلم بن هارون، سمعت أحمد بن يحيى أبا العبّاس يملى، قال: حدّث بعضهم، قال: لقى كيسان رجلا، فقال له: من أين جئت؟ فقال:
من عند الأصمعىّ، قال: وما قرأت عليه؟ قال: شعر الجعدىّ. قال: أىّ شىء؟ قال: فى هذا البيت:
إنّك أنت المحزون فى أثر الحىّ فإن تنو نيّهم تقم
فقال: «إن تنو نيتّهم تقم»: أى تقيم صدور الإبل نحوهم، تعدلها إليهم.
فقال: كذب ابن الفاعلة، قد سمعه من أبى عمرو، ولكنّه نسى، إنما قال: «إن تنو بينهم»: أى تنو قطيعتهم، تقم وتتركهم.
وما قاله كيسان أقوى. وفى البيت: «فإن تنو نيّهم»: وأراد أن يقول:
نيّتهم.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى، أنه أملى فيما خطّأ فيه الأصمعىّ، فقال:
وقال فى قول ذى الرّمّة:
حتى انجلى (2) اللّيل عنّا فى ملمّعة ... مثل الأديم لها من هبوة نيم
__________
(1) هذا البيت لم نجده فى ديوانى رؤبة والعجاج المطبوعين ولا فى النسخ المخطوطة بدار الكتب المصرية.
(2) كذا فى الديوان، وفى الأصل: يجلو بها. وفى الديوان (طبعة كيمبردج ص 576): ملمعة:
أرض تلمع بالسراب مثل الأديم فى استوائها، والهبوة والهبية: الغبار. والنيم: الفرو (وهو النصف فى كلام الفارسية). وبهامشه: والنيم الفرو، يعنى به كثرة الغبار. وقبل هذا البيت:
أمرقت من جوزه أعناق ناجية ... والليل مختلط بالأرض ديموم
وهو من قصيدة مطلعها:
أعن توسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم(1/117)
فقال الأصمعىّ: النّيم: الفرو القصير. وقال: إنما هو بالفارسية نيم: أى نصف. قال ثعلب: فقال ابن الأعرابىّ: هذا غلط، إنما أراد بقوله «نيم»:
كسوة من الهبوة ليّنة، وكل ليّن من الثياب وغيرها نيم، وأنشد:
وقد كانت الدّنيا على عهد رابع ... يلين لنا من قرّة العين نيمها
أى عيشها اللّيّن. قال: فأنشدته للعجّاج (1):
* يكسين من لين الثّياب نيما (2) *
فقال: وهذا أيضا مما قلت لك.
قال الشيخ: والنّيم فى غير هذا شجر. قال ساعدة بن جؤيّة:
ثم تنوش إذا العشىّ آد له ... بعد التّرقّب من نيم ومن كتم
قال أبو حنيفة الدّينورىّ: النّيم والكتم: شجرتان. وتنوش: تتناول.
وآد: مال. قال ساعدة أيضا:
* رأيت ظلال آخره تئود (3) *
وأخبرنى الهزانىّ عن الجهمىّ، قال: فى الأنصار تزيد بن جشم بن الخزرج
__________
(1) نسب هذا البيت لرؤبة (فى اللسان مادة: نوم) وقيل فى التعليق على البيت: ونسب ابن برى هذا الرجز لأبى النجم. وقبله: وقد أرى ذاك ولن يدوما.
(2) رواية الشطر الأول فى الديوان:
* ثم ينوش إذا آد النهار له *
وآد النهار: مال للزوال. والترقب: التخوف والنظر. والنيم: شجر له شوك لين وورق صغار، وله حب كثير متفرق يشبه الحمص، حامض، فإذا أينع اسود وحلا، وهو يؤكل ومنابته الجبال.
والكتم: نبات لا يسمو صعدا، ينبت فى أصعب الصخر، فيتدلى تدليا خيطانا لطافا، وهو أخضر، وورقه كورق الآس أو أصغر.
والبيت من قصيدة مطلعها:
يا ليت شعرى ألا منجى من الهرم ... أم هل على العيش بعد الشيب من ندم
(3) هذا عجز بيت، وصدره:
* أقمت بها نهار الصيف حتى *
وبعده هذا البيت:
غداة شواحط فنجوت منه ... وثوبك فى عباقية هريد
يصف أنه لقى رجلا من خصومه، ففر منه، واستتر فى موضع نهاره إلى قريب من آخره، ثم أسرع فى الفرار.(1/118)
ابن حارثة، وليس فى العرب تزيد، بتاء فوقها نقطتان إلا هذا، وتزيد بن حلوان (1)
فى مهرة (2)، وهم الذين ينسب إليهم البرود التّزيديّة (3)،
قال [53ا] علقمة بن عبدة:
* وكلها بالتّزيديّات معكوم (4) *
ثم قال الجهمىّ: وبيت أبى ذؤيب:
كأنما ... كسيت برود بنى يزيد الأذرع (5)
بياء تحتها نقطتان. (6)
قال الشيخ: لست أدرى كيف هذه الحكاية؟ وهل صدق الجهمىّ فيما ادّعاه على الأصمعىّ أم لا؟ فإنى قرأت فى تفسير أشعار هذيل للأصمعىّ: بنى يزيد بياء، ثم أنكر على من قال بالتاء، وقال: هو خطأ، والله أعلم كيف هو؟
أخبرنا محمد بن يحيى، اخبرنا المبرّد، حدثنى التّوّزىّ، قال: قرأت على أبى عبيدة:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ ... كنوافذ العبط التى لا ترقع (7)
فقال: من أقرأك هذا؟ قلت: الأصمعىّ، قال: صحّف العبد أو العلج. إنما هو الغبط، فرواية الأصمعىّ بعين غير معجمة، ورواية أبى عبيدة بغين معجمة.
وفسّره الأصمعىّ فقال: العبط: اللواتى اعتبطن فى صحّة، ومنه ناقة عبيط
__________
(1) فى الأصل: وحيوان، والتصويب من مختلف القبائل ومؤتلفها، لابن حبيب.
(2) هو مهرة بن حيدان بن حلوان بن الحاف بن قضاعة (الاشتقاق وشرح القاموس مادة مد).
(3) ورد النص فى مختلف القبائل وفى قضاعة تزيد بن حلوان، وإليه تنسب الدروع التزيدية، من قضاعة بن الحارث بن قضاعة، بتاء من فوق، وسائر العرب: يزيد، بتاء منقوطة من أسفل.
(4) صدر البيت * رد القيان جمال الحى فاحتملوا *
والعكم: الشد بثوب.
(5) صدر البيت * يعثرن فى حد الظباة كأنما * (لسان مادة زيد)
(6) كذا بالأصل، وهو لا يتفق مع السياق، ولا مع ما أورده الشيخ بعد، ولعل صواب العبارة:
«بتاء فوقها نقطتان».
(7) البيت لأبى ذؤيب الهذلى (ديوانه طبعة دار الكتب المصرية ص 20).(1/119)
قال: وقوله لا ترقع: أى ليس فيها رقع، وإنما يعنى الشباب (1).
أخبرنا محمد، حدثنا أبو ذكوان، حدثنى أبو دفافة بن سعيد الباهلىّ، قال:
قرأت على الأصمعىّ شعر الراعى، فبلغت قوله:
وكأنّ ريّضها إذا باشرتها ... كانت معاودة الرّحيل ذلولا (2)
فقلت له: ما معنى: باشرتها؟ قال: ركبتها، من المباشرة. فسألنا أبا عبيدة عن ذلك، فقال: صحّف والله، إنما هو ياسرتها: إذا لم تعارها وتقتسرها.
قال: ومنه قول عنترة:
إذا يوسرت كانت وقورا أديبة ... وتحسبها إن عوسرت لم تؤدّب
وروى الأصمعىّ بيت أوس بن حجر:
أجون تدارك ناقتى بقرى لها ... وأكبر ظنّى أنّ جونا سيفعل (3)
فقال ابن الأعرابىّ: صحّف الدّعىّ! إنما هو بقرابها: أى ما دمت أطمع فيها وفى المثل: «الفرار بقراب أكيس» (4).
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنا علىّ بن الصّبّاح، حدثنى أبو محلّم،
__________
(1) فى شرح ديوان أبى ذؤيب رواية السكرى: والعبط واحدها: عبيط. والعبط (بالفتح):
شق الجلد الصحيح، ونحر البعير الصحيح من غير مرض. شبه الطعنة بالثوب الجديد الذى قطع قطعة قطعة، فلا يقدر أحد على رقعه. وروى الأصمعى أيضا: كنوافذ العطب. والعطب: القطن.
يقول الرجل للرجل: أعطنى عطبة أنفخ بها نارى، يعنى خرقة من قطن. لا ترقع: يريد أنهم ليسوا قادرين على موضع الجيب والكم. شبه الطعنة بهما.
(2) فى الديوان: ريقها، مكان: ريضها. وفى اللسان: استقبلتها، بدل: باشرتها. والركاب مكان الرحيل. والبيت من قصيدة مطلعها: ما بال دفك بالفراش مذيلا أقذى بعينك أم أردت رحيلا.
(3) لم يرد هذا البيت فى المطبوع من شعر أوس.
(4) قيل: المثل لجابر بن عمرو المزنى، وذلك أنه كان يسير يوما فى طريق، إذ رأى رجلين، وكان عائفا قائفا، فقال: أرى أثر رجلين شديدا كلبهما، عزيزا سلبهما، والفرار بقراب أكيس، ثم مضى.
يريد: أن الذى يفر ومعه قراب سيفه إذا فاته السيف أكيس مما يفيت القراب أيضا. وقيل فى معناه: إن فرارنا ونحن قراب من السلامة أكيس من أن نتورط فى المكروه بثباتنا (مجمع الأمثال، وفرائد الآل).
والقراب (بالكسر): الغمد. وكسحاب: القرب. وقراب الشىء (بالكسر) وقرابه وقرابته (بضمهما): ما قارب قدره. وبهذين المعنيين فسر المثل.(1/120)
حدثنى من سمع شعبة يقول: حدثنا محمد بن المنكدر (1)، قال: أهدى سعيد بن العاص (2) هدايا لأهل المدينة، وقال لرسوله: لا تعذرنى إلا عند علىّ ابن أبى طالب، وقل له: ما فضّلت عليك أحدا فى الهديّة إلا أمير المؤمنين [54ا] عثمان. فقال علىّ لما قال له الرسول ذلك: لشدّ ما نفست علىّ أميّة وصانعتنى، والله لئن وليتها لأنفضنّها نفض القصّاب التّراب الوذمة (3).
فقال له الأصمعىّ: الثّراب، يريد: جمع ثرب، فقال شعبة: ما سمعت إلا التّراب، بالتاء؟ فتحا كما إلى أبى عمرو، فحكم أنه كما قال شعبة.
قال أبو محلّم: الصواب ما قاله شعبة وحكم له أبو عمرو، والتّراب:
الكروش، وهذه كروش تربة.
قال: والوذمة: ذوات زوائد.
وأخبرنا الجلودىّ عن أبى ذكوان عن التّوّزىّ، عن الأصمعىّ بمثله، قال:
قال التّوّزىّ: صحّف الأصمعىّ، وأصاب شعبة.
وسمعت ابن دريد يقول: قولهم: التّراب الوذمة، مقلوب خطأ، وإن أصحاب الحديث قلبوه، وإنما هى الوذام التّربة. قال: وأصله: أن كلّ سير قددته مستطيلا، فهو وذم، وكذلك اللحم والكرش، وهذا أراد.
__________
(1) محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير القرشى التميمى أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر المدنى، توفى سنة 130هـ (تهذيب التهذيب).
(2) هو أبو عثمان سعيد بن العاص بن أبى أحيحة بن أمية القرشى المدنى، والد عمرو بن سعيد بن العاص، ويحيى بن سعيد بن العاص، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان، واستعمله أيضا على الكوفة، وغزا طبرستان وفتحها، واستعمله معاوية على المدينة، توفى سنة 57أو 58هـ.
(3) فى اللسان: الوذام التربة، وهو ما أشار إليه ابن دريد بعد وقيل فى التعليق عليها: الوذام التربة: هى التى قد سقطت فى التراب وقيل: الكروش كلها تسمى تربة، يحصل فيها التراب من المرتع.(1/121)
ما وهم فيه أبو زيد الأنصارىّ (1)
[54ب] أخبرنا أبو أحمد: عبد العزيز بن يحيى الجلودىّ، حدثنا محمد بن القاسم بن خلّاد، قال: حدّث أبو زيد الأنصارىّ مرّة هذا الحديث، فقال: يظلّ السّقط محبنظيا (بالظاء معجمة) يراغم ربه (بغين معجمة). قال: فبلغ ذلك أبا عبيدة، فقال: صحّف فى موضعين، إنما هو يزاعم ربّه، بزاى معجمة وعين غير معجمة، والله أجلّ من أن يراغم. وقال: «محبنظيا، وإنما هو:
محبنطيا، تحت الطاء نقطة، أنشدنى رؤبة بن العجّاج:
إنى إذا استنشدت لا أحبنطى ... ولا أحبّ كثرة التّمطّى (2)
ثم قال الجلودى: حدثنا عباس بن الفضل، حدثنا الحمّانى، حدثنا مندل، عن الحسن بن الحكم، عن أسماء بنت عابس بن ربيعة، عن أبيها، عن علىّ رضوان الله عليه، عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، قال: السّقط يزاعم ربه (3)
__________
(1) هو سعيد بن أوس الأنصارى من صليبة الخزرج. قال أبو العباس المبرد: كان أبو زيد عالما بالنحو، ولم يكن مثل الخليل وسيبويه، وكان يونس من طبقة أبى زيد فى اللغة، وكان أعلم من أبى زيد بالنحو، وكان أبو زيد أعلم من الأصمعى وأبى عبيدة بالنحو، وكان يقال له أبو زيد النحوى. قال أبو سعيد: ولا أعلم أحدا من علماء البصريين فى النحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئا من علم العرب إلا أبا زيد، فإنه روى عن المفضل الضبى. قال أبو زيد فى أول كتاب النوادر: أنشدنى المفضل الضبى لضمرة بن ضمرة النهشلى جاهلى:
بكرت تلومك بعد وهن فى الندى ... بسل عليك ملامتى وعتابى
وقرأت بخط إسحاق، قال لى أبو زيد: أتيت بغداد حين قام المهدى محمد، فوافاها العلماء من كل بلدة بأنواع العلوم، فلم أر رجلا أفرس ببيت شعر من خلف، ولا عالما أبذل لعلمه من يونس، وله من الكتب نيف وثلاثون كتابا، وتوفى سنة خمس عشرة ومائتين (الفهرست لابن النديم 54، 55).
(2) جاء فى اللسان مادة (حبط) فى الحديث: إن السقط ليظل محبنطيا على باب الجنة، فسروه:
متغضبا. وقيل: المحبنطىء: المتغضب المستبطئ للشىء، وبالهمز: العظيم البطن. قال ابن الأثير: المحبنطئ بالهمز وتركه. المتغضب المستبطئ للشئ. وقيل: هو الممتنع امتناع طلب لا امتناع إباء. يقال: احبنطأت واحبنطيت، والنون والهمزة والألف والياء زوائد للإلحاق.
(3) رواية الحديث فى اللسان: «إن السقط ليراغم ربه إن أدخل أبويه النار»: أى يغاضبه. هكذا أورده فى فصل الراء حرف الميم فى مادة «رغم»، والمراغمة: المغاضبة.(1/122)
فيقول الله عزّ وجلّ: أدخلوه الجنة، فيقول: حتى يدخل أبواى، فيمرّهما بسرره (1) إلى الجنّة
قال: وحدثنا الأسقاطىّ، حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا مصعب بن المقدّم، حدثنا مندل، فذكر نحوه، وقال: يزاعم ربّه. فيقال له: أيّها السّقط المزاعم ربّه. روياه جميعا بالزاى المعجمة، والعين غير المعجمة.
وقال الجلودىّ: وقد حدّثنا محمد بن عيسى الواسطىّ، حدثنا الحمّانى، عن مندل بإسناده، فذكر مثل الحديث الأوّل، قال:
إن السّقط ليراغم ربّه فى أبويه، فينادى: أيها السّقط المراغم ربّه.
فذكرهما بالراء غير المعجمة، والغين المعجمة، على ما ذكره أبو زيد.
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنى محمد بن العبّاس اليزيدىّ عن شيخ له، قال:
كنا عند الأصمعىّ، فقال رجل: زعم أبو زيد، أن النّدى: ما كان فى الأرض والسّدى: ما سقط من السماء. فغضب الأصمعىّ، وقال: فما يصنع بقول الشاعر:
ولقد دخلت البيت (2) يخشى أهله ... بعد الهدوّ وبعد ما سقط النّدى
أفتراه سقط من الأرض إلى السماء؟
وهذا من أوهام التغيير، لا من التّصحيف.
قال الشيخ: وسمعت مشايخنا يحكون أن أبا عمرو بن العلاء روى بيت امرئ القيس:
تأوّبنى دائى القديم فغلّسا ... أحاذر أن يرتدّ دائى فأنكسا (3)
__________
(1) السرر: ما يتعلق من سرة المولود، فينقطع.
(2) فى اللسان فى «مادة سدا»: ولقد أتيت البيت.
(3) البيت من قصيدة مطلعها:
ألما على الربع القديم بعسعسا ... كأنى أنادى أو أكلم أخرسا(1/123)
[55ب] قال أبو زيد: هذا تصحيف، لأن المتأوّب لا يكون مغلّسا فى حال واحدة، لأن غلّس، إنما هو أتى فى آخر اللّيل. وتأوّب: جاء فى آخر النهار.
وإنما هو: فعلّسا، أى اشتدّ وبرّح.
قال الشيخ: وأنا أظنّ أن أبا زيد الغالط فى هذا، لا أبا عمرو، لجهات:
إحداها: إجماع رواة الكوفيين والبصريّين على الغين المعجمة، وأخرى أن بكّر وغلّس ليس هو أتى أوّل الغداة، وقد يقال فى كلّ ما تقدّم عن وقته: بكّر، حتى قالوا: بكّر البرد، وبكّر الحرّ. وسمّى ما يتقدم من الفواكه باكورة.
وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم: «من بكّر وابتكر» (1)، ولم يرد من أتى الجمعة بكرة، وإنما أراد من تقدّم الوقت. وقال امرؤ القيس: تأوّبنى دائى، فتقدّم الوقت الذى كان يتأوّبنى فيه.
أخبرنا ابن دريد، أخبرنا عمرو أخو هلال الرّأى (2)، قال: جاء رجل إلى أبى زيد، فسأله عن مسألة من النّحو، فأجابه فقال: إنّ سيبويه لا يرضى بهذا.
فقال: اسكت يا صبىّ، لقد جلست هذا المجلس قبل أن يولد سيبويه بثلاثين سنة.
[56ا] قال الشيخ: وهذا جواب غير مرضىّ، وكان يجب أن يتصرّف مع الحجّة، لا مع كبر السّنّ (3).
__________
(1) نص الحديث فى رواية الترمذى: «من اغتسل يوم الجمعة وغسل وبكر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها». قال محمود، قال وكيع: اغتسل هو وغسل امرأته. وروى من غسل واغتسل: أى غسل رأسه واغتسل.
(2) هلال الرأى: فقيه من أعيان الحنفية أصحاب أبى حنيفة ومن أئمتهم، وأصحاب الرأى، هم أصحاب القياس، لأنهم يقولون بالرأى فيما لم يجدوا فيه حديثا أو أثرا، والحنفية هم القائلون بالقياس، ولذلك نسبوا إليه.
(3) ليس فى هذا الخبر شىء من التصحيف أو التحريف، وإنما هو نقد خلقى وعيب على أبى زيد لطريقته فى الإجابة على المسائل.(1/124)
ما وهم فيه أبو عمر الجرمىّ (1)
أخبرنى محمد بن يحيى، حدثنا المبرّد، قال: قال أبو عمر الجرمىّ فى مجلس الأصمعىّ: ما بقى شىء من العربيّة والغريب والشّعر، إلا وقد أحكمته.
فسمعه الأصمعىّ، فقال: كيف تنشد هذا البيت:
قد كنّ يخبأن الوجوه تستّرا ... فالآن حين بدأن للنّظّار
أو: حين بدون؟ فقال: حين بدين. فقال: خطأ، فقال: حين بدأن، قال: خطأ، إنما هو بدون، من بدا يبدو: إذا ظهر.
قال المبرّد: وكان الجرمىّ أجلّ من أن يخطئ فى هذا، ولكنّ الأصمعى غالطه.
وروى لى غيره هذا الخبر، فزاد فيه، قال: فقال الأصمعىّ: فكيف تروى هذا البيت:
قد كنّ يكننّ الوجوه تستّرا ... فاليوم حين بدون للنّظّار (2)
يكننّ أو يكننّ؟ بدون أو بدين؟ فما زال يقول مرّة: يكننّ، ومرّة:
يكننّ، ومرّة: بدون، ومرّة: بدين، حتى قام. وقد ضحكوا [56ب] منه.
__________
(1) قال ابن النديم: هو أبو عمر صالح بن إسحاق البجلى، مولى بجيلة بن أنمار بن إراش بن الغوث، أخى الأزد بن الغوث. قال: وقال أبو سعيد: وهو مولى لجرم بن ربان، وجرم: قبيلة من قبائل العرب من اليمن، أخذ النحو عن الأخفش وغيره، وقرأ كتاب سيبويه، وأخذ اللغة عن أبى زيد والأصمعى وطبقتهم. وله من الكتب: القوافى، والتثنية والجمع، وكتاب الفرخ، والأبنية والعروض، ومختصر نحو المتعلمين، وتفسير غريب سيبويه، والأبنية والتصريف.
(2) مثل هذا الخبر ورد فى نزهة الالبا فى ترجمة أبى عمر الجرمى، غير أنه ردد الرواية بين «بدون» و «بدأن» فقط. وقد ورد أيضا فى (مجالس ابن مسلم) خطية بدار الكتب فى مجلس أبى عمرو مع الأصمعى، فانظره فى ص 82.(1/125)
ومثل هذه المغالطة، ما حدثنى به أبو الفضل بن الكوّاز، أخبرنا المبرّد، عن الرّياشىّ، عن الأصمعىّ، قال: قال أبو عمر لأبى خيرة العدوىّ:
كيف تقول: حفرت الإران؟ فقال: حفرت إرانا، فقال له أبو عمر: لان جلدك يا أبا خيرة حين تحفّرت. قال الرّياشىّ: إنما قال له أبو عمر هذا لأنه أخطأ، لأن الحفرة يقال لها: إرة (1)، وتجمع على إرين، وهى التى يخبز فيها، وأما الإران فخشب النّعش، قال: الأعشى
أثّرت فى جناجن كإران الميت عولين فوق عوج ثقال (2)
وهذا مثل ما حدثنى به محمد بن يحيى، عن الأزدىّ، عن أحمد بن الهيثم، عن الأصمعىّ: سمعت أبا عمر يقول ارتبت بفصاحة أعرابىّ، فأردت امتحانه، فقلت بيتا وألقيته عليه، وهو:
كم رأينا من (مسحب) مسلحب ... صاد لحم النّسور والعقبان
فأفكر فيه ثم قال: ردّ علىّ ذكر (المسحوب)، حتى قالها مرّات، فعلمت أنّ فصاحته باقية (3).
__________
(1) الإرة كعدة: النار أو موضعها، أو استعارها وشدتها، والقديد والمعتقر والمعالج ولحم يغلى بخل إغلاء، فيحمل فى السفر، وأصله إرى، والهاء عوض عن التاء.
(2) البيت من قصيدة مطلعها:
ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالى فهل ترد سؤالى
والجناجن: عظام الصدر، وقيل: رءوس الأضلاع، يكون ذلك للناس وغيرهم. قال الأسعر الجعفى:
لكن قعيدة بيتنا مجفوة ... باد جناجن صدرها ولها غنا
واحدها جنجن وجنجن بفتح الجيم الأولى وكسرها. قال ابن منظور وحكاه الفارسى بالهاء وغير الهاء جنجن وجنجنة. قال الجوهرى: وقد يفتح، قال رؤبة: * ومن عجاريهن كل جنجن * وقيل: واحدها جنجون، وقيل: الجناجن: أطراف الأضلاع مما يلى قص الصدر وعظم الصلب.
(3) وجه المغالطة فى هذا الخبر فى صوغ مسحب اسم مفعول من سحب، وهو خطأ، فإن اسم المفعول منه مسحوب لا مسحب. والسحب: جرك الشىء على وجه الأرض كالثوب وغيره، سحبه يسحبه سحبا فانسحب وهو مسحوب. وأما المسلحب فهو من لحب إذا مر مرا مستقيما، ولحب الطريق يلحب لحوبا:
وضح كأنه قشر الأرض. وهذا البيت يصلح أن يكون فى صفة كلاب الصيد المعلمة التى يصاد بها، وهو من وضع الأصمعى.(1/126)
أخبرنى أبى، عن عسل، عن المازنىّ، قال: دخلت إلى الأخفش يوما، وعنده أبو عمر الجرمىّ، وقد سأله الأخفش عن قولهم: «كلّم الرّجل» لم كسرت الميم؟ فقال: لالتقاء السّاكنين. فقال له الأخفش: ومتى التقى ساكنان؟
وكيف يلتقيان؟ وهو يضحك والجرمىّ مبهوت ينظر إليه ثم أقبل الأخفش علىّ فقال: يا أبا عثمان، لم كسرت الميم؟ فقلت: لئلا يلتقى ساكنان. قال:
أصبت. قال المازنىّ: وإنما أراد الأخفش أن يعبث بالجرمىّ، وليس هذا من التّصحيف.(1/127)
ما وهم فيه أبو حاتم سهل بن محمد السجستانىّ (1)
أخبرنا ابن دريد، سمعت أبا حاتم السّجستانىّ يقول: أنشدت الأصمعىّ:
* جأبا ترى بليته مسحّجا (2) *
فقال: ترى تليله مسحّجا. قال: ومن أنشدك هذا؟ فقلت: أعلم النّاس فتغافل عنى.
__________
(1) سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستانى، سكن البصرة، وكان إماما فى علوم القرآن واللغة والشعر، قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين، وروى عن أبى عبيدة وأبى زيد والأصمعى وعمر بن كركرة وروح بن عبادة، وعنه ابن دريد وغيره. ودخل بغداد فسئل عن قوله تعالى: {(قُوا أَنْفُسَكُمْ)}
ما يقال منه للواحد؟ فقال: ق، قال: فالاثنين؟ فقال: قيا، قال: فالجمع؟ فقال: قوا، قال:
فاجمع لى الثلاثة، فقال: ق، قيا، قوا. وفى ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد:
احتفظ بثيابى حتى أجىء، ومضى إلى صاحب الشرطة وقال: إنى ظفرت بقوم زنادقة، يقرءون القرآن على صياح الديك، فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشرطة، فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشرطة، فسألنا، فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر، وقد اجتمع خلق من خلق الله ينظرون ما يكون، فعنفنى وعذلنى، وقال: مثلك يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا، وعمد إلى أصحابى، فضربهم عشرة عشرة، وقال: لا تعودوا إلى مثل هذا، فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعا ولم يقم ببغداد، ولم يأخذ عنه أهلها. وكان أعلم الناس بالعروض واستخراج المعمى، وكان يعد من الشعراء المتوسطين، وكان يعنى باللغة، وترك النحو بعد اعتنائه به، حتى كأنه نسيه، ولم يكن حاذقا فيه، وكان إذا اجتمع بالمازنى فى دار عيسى بن جعفر الهاشمى تشاغل وبادر بالخروج، خوف أن يسأله مسألة فى النحو، وكان جماعا للكتب يتجر فيها، وله مصنفات كثيرة.
وتوفى سنة أربع أو خمس أو ثمان وخمسين ومائتين، وقد قارب التسعين (البغية ص 265).
(2) البيت للعجاج وقد مر الكلام عليه فى ص 100من هذا الجزء. والخبر فى اللسان، نورده لما فيه من زيادة، قال أبو حاتم: قرأت على الأصمعى فى جيمية العجاج:
* جأبا ترى بليته مسحّجا *
فقال تليله، فقلت بليته، فقال: هذا لا يكون، فقلت أخبرنى به من سمعه من فلق فى رؤبة أى شق فمه أعنى أبا زيد الأنصارى، قال: هذا لا يكون، قلت: جعله مصدرا، أراد تسحيجا، فقال: هذا لا يكون، قلت: فقد قال جرير:
ألم تعلم مسرّحى القوافى ... فلا عيّا بهنّ ولا اجتلابا
أى تسريحى، فكأنه أراد أن يدفعه، فقلت له: فقد قال تعالى: {(وَمَزَّقْنََاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)} فأمسك، قال الأزهرى: كأنه أراد ترى بليته، فجعل مسحجا مصدرا. (اللسان مادة سحج).(1/128)
أخبرنا ابن عمّار، حدثنا محمد بن يزيد الثمالىّ (1) أنّ السّجستانىّ صحّف فى قوله: «المتن» عقب الظّهر، فقال: المتن عقب الظهر (2).
أخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن الحسن، عن أبى حاتم، قال:
قرأت على الأصمعىّ شعرا للمتلمّس [57ب]، فسبقنى لسانى، فأردت أن أقول:
أغنيت شانى فأغنوا اليوم شأنكم
واستجمعوا فى مراس الحرب أو كيسوا
فقلت: أغنيت شاتى، فقال بالعجلة قبل رجوع لفظى: فأغنوا اليوم تيسكم إذن!!
__________
(1) هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدى الثمالى المعروف. والثمالى بضم الثاء المثلثة وفتح الميم، نسبة إلى ثمالة، وهى بطن نسبت إلى عوف بن أسلم. وقد لقب بها لأنه أطعم قومه وسقاهم لبنا بثمالته. وقال المبرد فى كتاب الاشتقاق: إنما سميت ثمالة لأنهم شهدوا حربا فنى فيها أكثرهم، فقال الناس:
ما بقى منهم إلا ثمالة، وفى ثمالة يقول الشاعر يهجو المبرد:
سألنا عن ثمالة كل حى ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
(2) العقب (بالتحريك): العصب وعبارة اللسان: «متنا الظهر: مكتنفا الصلب عن يمين وشمال، من عصب ولحم».(1/129)
ما وهم فيه الرّياشىّ (1)
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل، عن الرياشىّ:
قرأت على الأصمعىّ: بحدىّ الثرى عمد، فقال: لا: ليس هو «نجدىّ»، ناولنى الكتاب. فناولته، فقال: إنما هو: تخدى والثّرى عمد (2).
وقال أبو عمرو الشّيبانى فى بيت زهير:
هم ولدوا بنىّ وخلت أنّى ... إلى أربيّة عمد ثراها (3)
العمد: الذاهب فى الأرض لا يدرك، يقول شرفهم راسخ فى الأرض.
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعية:
سمعت رجلا يقرأ على الرّياشىّ حديث ابن مسعود: إنّ المؤمن لتجتمع
__________
(1) هو أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشى اللغوى النحوى، قرأ على المازنى النحو، وقرأ عليه المازنى اللغة. قال المبرد: سمعت المازنى يقول: قرأ الرياشى على كتاب سيبويه، فاستفدت منه أكثر مما استفاد منى، يعنى أنه أفاد فى لغته وشعره، وأفاد هو النحو. قال: وكان إذا كان صائما لا يبلع ريقه.
قال السيرافى: وكان عالما باللغة والشعر، كثير الرواية عن الأصمعى. وأخذ عن المبرد وابن دريد ورياش رجل من جذام كان أبوه عبدا له، فنسب إليه، انتهى. وثقه الخطيب، وصنف كتاب الخيل، وكتاب الإبل، وما اختلفت أسماؤه من كلام العرب، وغير ذلك. قتله الزنج بالبصرة بالأسياف، وكان قائما يصلى الضحى فى مسجده، سنة سبع وخمسين ومائتين، ولم يدفن إلا بعد موته بزمان، وله:
أنكرت من بصرى ما كنت أعرفه ... واسترجع الدهر ما قد كان يعطينا
أبعد سبعين قد ولت وسابعة ... أبغى الذى كنت أبغيه ابن عشرينا
(2) هذا جزء من بيت للراعى يصف بقرة وحشية، والبيت بتمامه هو:
حتى غدت فى بياض الصبح طيبة ... ريح المباءة تخدى والثرى عمد
ونصب «ريح المباءة» كما نون «طيبة»، وكان حقها الإضافة ومباءتها: مكنسها. وعمد: أى شديد الابتلال (لسان مادة عمد وخدى).
(3) أربية الرجل: أهل بيته وبنو عمه، لا تكون الأربية من غيرهم، وأصلها من الربوة، وهى ما ارتفع من الأرض. قال الشاعر:
وإنى وسط ثعلبة بن عمرو ... بلا أربية نبتت فروعا
ويقال: جاء فى أربية من قومه: أى فى أهل بيته وبنى عمه ونحوهم والربو: الجماعة هم عشرة آلاف كالربة. أبو سعيد الربوة بضم الراء: عشرة آلاف من الرجال، والجمع: الربا.(1/130)
عليه الذّنوب، فيحارف عند الموت (1). فقرأه الرجل عليه: يجازف، بالجيم والزاى. فانتبه فقال: أتصحّفون وتروونه عنى [58ا] هكذا؟ فإذا قيل عمّن رويتم، قلتم: حدّثنا به الرّياشىّ! أفترون الرّياشىّ يخطئ ويصحّف؟ إنما هو يحارف: أى يقايس (2). ثم أنشد:
فإن تك قسر أعقبت من جنيدب ... فقد علموا فى العدّ كيف نحارف (3)
وأنشدنا أيضا:
إذا ما دخلت الدّار إلّا تحلّة ... ولا حورفت أعمالنا بذنوب
قال الشيخ: ويسمّى الميل الذى تسبر به الجراحات: المحرف والمحراف، ويجمع على محارف. قال الكميت:
كميت يزلّ اللّبد عن دأياتها ... كما زلّ عن رأس الشّجيج المحارف (4)
والشجيج المشجوج، يقال: بلغت الشّجّة العظم، فزلّ عنه المحرف (5).
__________
(1) فى حديث ابن مسعود: موت المؤمن بعرق الجبين تبقى عليه البقية من الذنوب، فيحارف بها عند الموت، فتكون كفارة لذنوبه وقد فسره ابن الأثير فى النهاية فقال: أى يقايس بها والمحارفة:
المقايسة بالمحراف، وهو الميل الذى تختبر به الجراحة، فوضع موضع المحازاة والمكافأة.
والمعنى: أن الشدة التى تعرض له حتى يعرق لها جبينه عند السياق.
(2) وجاء فى اللسان: أن معانى المحارفة أيضا: المفاخرة. قال: وعلى هذا المعنى الأخير جاء بيت ساعدة (اللسان مادة: حرف).
(3) البيت لساعدة بن جؤية الهذلى، وقد أورده ابن منظور شاهدا على أن معنى المحارفة: المفاخرة:
فإن تك قسر أعقبت من جنيدب ... فقد علموا فى الغزو كيف نحارف
وقسر: بطن من بجيلة ينسب إليهم خالد بن عبد الله القسرى من العرب، وهم من رهطه، وجنيدب: قبيلة، ومعنى أعقبت: انتصرت عليها بعد الهزيمة.
(4) الدأية من البعير: الموضع الذى يقع عليه ظلفة الرحل، فيعقره. وفى القاموس: والدأيات:
أضلاع الكتف، ثلاثة من كل جانب.
(5) فى الأصل: «بلغت الشبحة والمحرف العظم فزل عنه» ولعل الصواب ما أثبتناه.(1/131)
ما وهم فيه أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد
أخبرنا ابن عمّار، حدثنا الحمدونىّ الشاعر: أن المبرّد صحّف فى قول الشاعر:
فأخلف وأتلف إنما المال عارة ... فكله مع الدّهر الذى هو آكله (1)
فقال: غارة، بغين معجمة، وإنما هو: عارة، بعين غير معجمة.
قال الشيخ: إن كان الحمدونىّ صدق فى هذه الحكاية، فلعلّه سمعها منه قديما، فى أيّام شبابه، لأنى رأيت هذا البيت فى كتاب اشتريته بخطّ المبرّد:
عارة، مضبوطا بعين غير معجمة.
قال ابن علىّ: وزعم المبرّد أن عمارة بن عقيل أقرأه فى شعر جرير:
تفاخرنى وأنت مقاعسىّ ... ترى فى جنب لحيتك اضطرابا (2)
يريد: فى خنث نخبتك. والنّخبة: الدّبر.
وسمعت ابن عمّار يحكى قال: سمعت المبرّد يقول: قال حبيب بن جدرة، بالجيم مفتوحة. وهو حبيب بن خدرة الشاعر القعدىّ (3).
__________
(1) البيت لتميم بن مقبل. والعارة: العارية (لسان مادة: عور).
(2) البيت لجرير بن عطية الخطفى من قصيدة يهجو بها الراعى النميرى مطلعها:
أقلى اللوم عاذل والعتابا ... وقولى إن أصبت لقد أصابا
ورواية الديوان طبع الصاوى، هكذا:
أتوعدنى وأنت مجاشعى ... ترى فى خنث نخبته اضطرابا
ورواية صاحب اللسان: * أرى فى خنث لحيتك اضطرابا *
وأصل الخنث: اللين، وقوله: فى خنث: يريد: فى عطف نخبتك.
(3) فى القاموس: حبيب بن خدرة (بضم الخاء) تابعى محدث. وقال شارح القاموس عنه: روى عنه أبو بكر بن عياش. وفى اللسان: القعد: الذين لا ديوان لهم، وقيل: القعد: الذين لا يمضون إلى القتال، وهو اسم للجمع، وبه سمى قعد الحرورية. ورجل قعدى: منسوب إلى القعد، كعربى وعرب وعجمى وعجم. قال ابن الأعرابى: القعد: الشراة الذين يحكمون ولا يحاربون، وهو جمع قاعد، كما قالوا: حارس وحرس. والقعدى من الخوارج: الذى يرى رأى القعد الذين يرون التحكيم حقا، غير أنهم قعدوا عن الخروج(1/132)
قال ابن عمّار: فخبّرت بذلك أحمد بن سليمان بن أبى شيخ، فأنكر ذلك، حتى سألته بحضرته، فقال: أمّا نحن فنقول: جدرة. وأما أصحاب الحديث فيقولون: خدرة. ولم يذكر هذا أحد سواه.
وقال ابن عمّار:
وقرأت بخطّه، فيما ذكر أنه سماعه: ربعىّ بن خراش، أعجمه بالخاء ومجمج (1) على علامة الحاء غير المعجمة. والصحيح: ابن حراش (2)، بحاء غير معجمة.
__________
على الناس، وقال بعض مجان المحدثين فيمن يأبى أن يشرب الخمر، وهو يستحسن شربها لغيره، فشبهه بالذى يرى التحكيم وقد قعد عنه فقال:
فكأنى وما أحسّن منها ... قعدى يزين التحكيما
(اللسان مادة قعد).
(1) مجمج فى خبره: إذا لم يبينه.
(2) ربعى بن حراش: من التابعين، ويقال: إنه صحابى أدرك عصر النبوة. وأحد علماء الكوفة وعبادها. قيل: إنه لم يكذب قط، وشهد خطبة عمر بالجابية، وحلف لا يضحك حتى يعلم أفى الجنة هو أم فى النار، وتوفى سنة 100أو 101هـ. (الشذرات 1: 121).(1/133)
باب ما وهم فيه علماء الكوفيين وروى من تصحيفاتهم وتغييراتهم ما وهم فيه على بن حمزة الكسائىّ (1)
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل، أخبرنا المازنىّ، قال: كان الأصمعىّ يقول:
كان الكسائىّ يصحّف فى هذا البيت:
ألا أبلغ أبا الحرّين عنّى ... بأنّ القوم قد قتلوا أبيّا (2)
__________
(1) هو على بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام أبو الحسن الكسائى، من ولد بهمن بن فيروز مولى بنى أسد إمام الكوفيين فى النحو واللغة، وأحد القراء السبعة المشهورين، وسمى الكسائى لأنه أحرم فى كساء.
وقيل لغير ذلك. وهو من أهل الكوفة، واستوطن بغداد، وقرأ على حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة، وسمع من سليمان بن أرقم وأبى بكر بن عياش. قال الخطيب: تعلم النحو على كبر سنه، وسببه أنه جاء إلى قوم وقد أعيا، فقال: قد عييت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن؟ قال: وكيف لحنت؟ قالوا: إن كنت أردت من انقطاع الجبلة، فقل: عييت، وإن أردت من التعب فقل: أعييت. فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره، وسأل عمن يعلم النحو، فأرشد إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة، فلقى الخليل وجلس فى حلقته، فقال له رجل من الأعراب: كيف تركت أسد الكوفة وتميما وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة؟ فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادى الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبر فى الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، فقدم البصرة فوجد الخليل قد مات، وفى موضعه يونس، فجرت بينهما مسائل أقر له فيها يونس، وصدره فى موضعه. وقال ابن الأعرابى: كان الكسائى أعلم الناس، ضابطا عالما بالعربية، قارئا صدوقا.
وعن الفراء قال: قال لى رجل: ما اختلافك إلى الكسائى وأنت مثله فى النحو؟ فأعجبتنى نفسى، فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأنى كنت طائرا يغرف بمنقاره من البحر. صنف معانى القرآن، ومختصرا فى النحو وفى القراءات النوادر وغيرها، ومات بالرى هو ومحمد بن الحسن تلميذ أبى حنيفة فى يوم واحد، وكانا خرجا مع الرشيد، فقال: دفنت الفقه والنحو فى يوم واحد، وذلك سنة اثنتين أو ثلاث. وقيل: تسع وثمانين ومائة. وقيل: ثنتين وتسعين ومائة.
(2) البيت للمنخل اليشكرى، وهو ابن مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمرو اليشكرى، شاعر قديم جاهلى، كان نديما للنعمان بن المنذر، وهو صاحب القصيدة التى أولها:
إن كنت عاذلتى فسيرى ... نحو العراق ولا تجورى(1/134)
وإنما هو: قتلوا أبيا، بضمها، رجل يقال له أبى، وهذا من باب التغيير والتبديل.
وأخبرنا أبو علىّ الكوكبىّ، حدثنى محمد بن سويد، حدثنى محمد بن هبيرة، قال:
قال الأصمعىّ للكسائىّ وهما عند الرشيد، ما معنى قول الرّاعى (1):
قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مقتولا
فقال الكسائىّ: كان محرما بالحجّ. فقال الأصمعىّ: فقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولّى لم يمتّع بكفن (2)
هل كان محرما بالحجّ؟ فقال الرشيد للكسائىّ يا علىّ، إذا جاء الشعر فإياك والأصمعىّ! قال الأصمعىّ: محرم: أى لم يأت ما يستحلّ به عقوبته، ومن ثمّ قيل: مسلم محرم، أى [59ب] لم يحلّ من نفسه شيئا يوجب
__________
وقد نص الآمدى على أن اسمه المنخل، لا المتنخل (المؤتلف والمختلف ص 178).
ورواية البيت فى (اللسان: حرر).
ألا من مبلغ الحرين عنى ... مغلغلة وخص بها أبيا
والحران: الحر، وأخوه أبى. وإذا كان أخوان أو صاحبان، وكان أحدهما أشهر من الآخر سميا جميعا باسم الأشهر. وقد أورد شارح القاموس بيتين بعقب هذا البيت، وهما:
فإن لم تثأرا لى من عكب ... فلا أرويتما أبدا صديا
يطوف بى عكب فى معد ... ويطعن بالصملة فى قفيا
وزعموا أن سبب هذا الشعر: أن المتجردة امرأة النعمان، كانت تهوى المنخل هذا، وكان يأتيها إذا ركب النعمان، فلا عبته يوما بقيد، جعلته فى رجله ورجلها، فدخل عليها النعمان وهما على تلك الحال، فأخذ المنخل ودفعه إلى عكب اللخمى صاحب سجنه، فتسلمه، فجعل يطعن فى قفاه بالصملة، وهى حربة كانت فى يده.
(1) هو راعى الإبل النميرى، وهو عبيد بن حصين بن جندل بن الحارث بن نمير، الذى هجاه جرير.
وهو شاعر مشهور.
(2) رواية البيت فى جمهرة أشعار العرب:
قتلوا ابن عفان إماما محرما ... ودعا فلم أر متله مخذولا
والبيت من قصيدة مطلعها:
ما بال دفك بالفراش مذيلا ... أقذى بعينك أم أردت رحيلا(1/135)
القتل. وقوله: «قتلوا كسرى محرما» يعنى: حرمة العهد الذى كان له فى أعناق أصحابه.
أخبرنا ابن عمّار، حدثنى أبو جعفر النّحوىّ، أخبرنى التّوّزىّ، أنشدنى أصحابنا:
يا قاتل الله صبيانا نجىء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها وارى (1)
قال: فصحّف الفرّاء فقال: «أم الهنيّين»، قال التّوّزى: فقلت له: إنما أنشدنا أصحابنا: أمّ الهنيبر، وهى الضّبع، ويقال لها: أمّ عامر. فقال:
هكذا أنشدنا الكسائىّ، فأحال على الكسائىّ.
وأخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا أبو ذكوان والمهدىّ عن التّوّجىّ بنحوه، وزاد فيه، يعنى الضّبع، وهى أمّ الهنبر، فصغّره، فقال: الهنيبر، فقال:
صدقت، أحسن الله جزاءك عن الإفادة وحسن الأدب، ورحم الله أبا الحسن الكسائىّ، كان ربما أتانا بشىء من الشّعر غير محصّل.
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنى أبو مالك الكندىّ، سمعت خلفا البزّار (2)
يقول:
__________
(1) البيت من قصيدة للقتال الكلابى، سيذكر المؤلف منها أبياتا بعد قليل. واسم القتال: عبد الله بن محبب بن المضرحى بن أبى بكر بن كلاب، شاعر فارس، وله ديوان مفرد (المؤتلف والمختلف للآمدى ص 167). وفى رواية الأمالى (ج 1ص 225) أن اسمه: عبيد بن المضرحى، وكذلك فى اللسان:
(مادة: هنبر).: عبيد بن المضرحى.
وقال: ويروى: يا قبح الله ضبعا، ومن زند لها حارى. والحارى: الناقص، والوارى: السمين.
وقد ورد البيت فى اللسان، وبعده:
من كل أعلم مشقوق وتيرته ... لم يوف خمسة أشبار بشبار
والأعلم: المشقوق الشفة العليا، والوتيرة: إطار الشفة، وسيرد هذا البيت فيما وهم فيه يحيى ابن زياد الفراء ص 128.
(2) فى الأصل: البزاز: بالزاى المعجمة، والصواب ما أثبتناه، وأبو محمد خلف بن هشام البزار شيخ القراء والمحدثين ببغداد، توفى سنة 229هـ (الشذرات: 67).(1/136)
اجتمعت مع الكسائىّ واليزيدىّ (1) فى عرس، [60ا] فقال اليزيدىّ للكسائىّ:
يا أبا الحسن، ما هذا الخلاف الذى يبلغنا عنك؟ وعنّا أخذت، وفى بلدنا تفقّهت فى علمك. فقال الكسائىّ: ما مع النّاس من النّحو إلا فضل ريقى، فقال اليزيدىّ: أخذتموه حفظا، فأجلتموه عطفا، فجرت بينهما ملاحاة، فقال له اليزيدىّ: لعلّ هذا مثل جحمرش. وكان الكسائىّ صحّف فيه، فقال بالسّين، وهو جحمرش بالشين معجمة (2)
ثم قال اليزيدىّ:
كنّا نقيس النّحو فيما مضى ... على لسان العرب الأوّل
حتى أتى قوم يقيسونه ... على لغى أشياخ قطربّل (3)
إنّ الكسائىّ وأصحابه ... يرقون فى النّحو إلى أسفل
أخبرنا محمد: حدثنا عون بن محمد، سمعت الحسن بن رجاء يقول:
__________
(1) اليزيدى: هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوى الإمام أبو محمد اليزيدى النحوى المقرئ اللغوى مولى بنى عدى بن مناة، بصرى سكن بغداد، وحدث عن أبى عمرو والخليل، وعنهما أخذ العربية، وأخذ عن الخليل اللغة والعروض. روى عنه ابنه محمد وأبو عبيد وخلق. وكان أحد القراء الفصحاء العالمين بلغة العرب والنحو. أدب أولاد يزيد بن منصور الحميرى، ونسب إليه. ثم أدب المأمون، وسأله مرة عن شىء، فقال: وجعلنى فداك، فقال المأمون: لله درك ما وضعت الواو فى مكان أحسن من موضعها هذا، ووصله، وهو الذى خلف أبا عمرو بن العلاء فى القراءة، صنف مختصرا فى النحو والمقصور والممدود والنقط والشكل والنوادر. مات بخراسان سنة اثنتين ومائتين عن أربع وسبعين، ونشأ له أولاد وأولاد أولاد علماء (البغية ص 415).
(2) الجحمرش من النساء: الثقيلة السمجة، وقيل: العجوز الكبيرة.
(3) هذه الأبيات أوردها السيوطى فى البغية فى ترجمة الكسائى، وفيها زيادة بيت قبل الأخير، وهو:
فكلهم يعمل فى نقض ما ... به نصاب الحق لا يأتلى
وزاد هذين البيتين أيضا لليزيدى فى هجاء الكسائى وآخرين، وهما:
أفسد النحو الكسائى ... وثنى ابن غزاله
وأرى الأحمر تيسا ... فاعلفوا التيس النخاله
وقطر بل: بالضم ثم السكون ثم فتح الراء وباء موحدة مشددة مضمومة ولام، وقد روى بفتح أوله وطائه، وأما الباء فمشددة مضمومة فى الروايتين، وهى كلمة أعجمية: اسم قرية بين بغداد وعكبرا، ينسب إليها الخمر، وما زالت متنزها للبطالين، وحانة للخمارين، وقد أكثر الشعراء من ذكرها (ياقوت ج 7ص 121).(1/137)
اجتمع الكسائىّ واليزيدىّ عند الرّشيد، فجرت بينهما مسائل كثيرة، فقال له اليزيدىّ أتجيز هذين البيتين:
ما رأينا خربا ... نقر البيضة صقر
لا يكون العير مهرا ... لا يكون المهر مهر (1)
[60ب] فقال له الكسائىّ: يجوز على الإقواء، وحقّه: «لا يكون المهر مهرا».
فقال له اليزيدىّ: فانظر جيّد [ا]، فنظر ثم أعاد القول. فقال اليزيدىّ: لا يكون المهر مهرا محال فى المعنى، مستو فى الإعراب والبيتان جيّدان، كأنه قال:
المهر مهر، مبتدئا: أى لا يبلغه العير، وضرب بقلنسوته الأرض،
__________
(1) فى الأصل: خربا ما رأينا، والخرب: ذكر الحبارى، القاموس مادة (خرب)، وهذا الشعر ورد فى ابن خلكان، فى ترجمة اليزيدى، ونص عبارته:
«وحكى أبو أحمد جعفر البلخى فى كتابه، أن اليزيدى المذكور سأل الكسائى عن قول الشاعر:
ما رأينا خربا ... نقر عنه البيض صقر
لا يكون العير مهرا ... لا يكون المهر مهر
الخرب: بفتح الخاء المعجمة والراء وفى آخرها الباء الموحدة: الذكر من الحبارى، والعير: بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها راء، وهو الذكر من حمر الوحش، فقال الكسائى: يجب أن يكون مهر منصوبا على أنه خبر كان، ففى البيت على هذا التقدير إقواء، فقال اليزيدى: الشعر صواب، لأن الكلام قد تم عند قوله (لا يكون) الثانية، وهى مؤكدة للأولى، ثم استأنف الكلام فقال: المهر مهر وضرب بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، فقال له يحيى بن خالد البرمكى: أتكتنى بحضرة أمير المؤمنين، وإن خطأ الكسائى مع حسن أدبه لأحسن من صوابك مع سوء أدبك. فقال اليزيدى: إن حلاوة الظفر أذهبت عنى التحفظ. قلت أنا: قول الكسائى فى البيت إقواء ليس بجيد، فان الاصطلاح على القوافى أن الإقواء يختص باختلاف الإعراب فى حروف الروى بالرفع والجر لا غير، بأن يكون أحد البيتين مرفوعا، والآخر مجرورا فأما إذا كان الاختلاف بالنصب مع الرفع والجر، فإن ذلك يكون إصرافا لا إقواء، وإلى هذا أشار أبو العلاء المعرى فى قوله من جملة قصيدة طويلة، يرثى بها الشريف الطاهر والد الرضى والمرتضى المقدم ذكرهما، وهو فى صفة نعيب الغراب:
بنيت على الإيطاء سالمة من ال ... إقواء والإكفاء والإصراف
وهذا البيت متعلق بما قبله، ولا يظهر معناه إلا بذكر ما تقدم، ولا حاجة بنا إلى ذكره هنا، بل ذكرنا موضع الاستشهاد لا غير. وقد قيل: إن الإصراف من جملة أنواع الإقواء، فعلى هذا يستقيم ما قاله الكسائى. وهذا الفصل وإن كان دخيلا، لكنه ماخلا عن فائدة (ابن خلكان ترجمة أبى محمد يحيى بن المبارك ابن المغيرة).(1/138)
وقال: أنا أبو محمّد، فقال له يحيى بن خالد: خطأ الكسائىّ مع حسن أدبه أحب إلينا من صوابك مع سوء أدبك، أتتكنّى قدّام أمير المؤمنين وتكشف رأسك! فقال: إنّ حلاوة الظّفر، وعزّ الغلبة، أذهبا عنى التّحفّظ.
أخبرنا محمد، حدثنا المغيرة بن محمد، حدثنا المازنىّ، عن أبى زيد، قال:
قدم الكسائىّ البصرة، فأخذ عن أبى عمرو وعيسى بن عمر، ولزم يونس ابن حبيب، فأخذ منهم علما صحيحا كثيرا، ثم خرج إلى بغداد، فقدم أعراب الحلّات (1) وفيهم غير فصحاء، فأخذ عنهم شيئا فاسدا، فخلط هذا بذاك، فأفسده.
أخبرنا محمد، أخبرنا الجمحى، حدثنا ابن سلّام [161ا] قال:
حدثنا المبرّد، حدثنا الزّيادىّ، قال: قال الكسائىّ فى مسجد البصرة، أوّل ما دخلها: أريد أن أسائل يونس. فقال له ابن أبى عيينة: فأنا من غلمانه، أفأسألك؟ قال: سل قال: أولق، ينصرف أو لا ينصرف؟ فقال أولق (2): أفعل لا ينصرف. فقال ابن عيينة: هو فوعل ينصرف، فقال الكسائىّ: ما الدّليل؟ فقال: قولهم: رجل مألوق، فصحّت الهمزة.
فجلس يأخذ عنه.
__________
(1) الرسم فى الأصل قريب من أن يكون «أعراب الحلمات»، ولعل الصواب ما ذكرناه، و «الحلات»: جمع حلة، وهى كما يقول ياقوت: علم لعدة مواضع، وأشهرها حلة بنى مزيد، بين الكوفة وبغداد، وحلة بنى قيلة بين واسط والبصرة، وحلة بنى دبيس بن عفيف الأسدى بين واسط والأهواز (انظر الحلة ص 327وما بعدها ج 3معجم البلدان).
وهذا الخبر رواه السيوطى فى البغية، قال: عن الأصمعى أخذ الكسائى اللغة عن أعراب من الحطمة ينزلون بقطربل فلما ناظر سيبويه استشهد بلغتهم عليه (البغية ص 366)، والحطمة: الرعاة. قال صاحب القاموس: والحطمة كهمزة: الكثير من الإبل والغنم والراعى الظلوم للماشية يهشم بعضها ببعض كالحطم، وشر الرعاء الحطمة، حديث صحيح (مادة: حطم).
(2) الأولق: الجنون.(1/139)
وأخبرنا محمد، حدثنا محمد بن يحيى، سمعت سلمة بن عاصم يقول:
صحّف الكسائىّ فى بيت النّابغة الجعدىّ:
فباتت (1) ثلاثا بين يوم وليلة ... وكان النّكير أن تضيف وبحأرا
فقال: هو تصيف، بصاد غير معجمة. وتضيف: أى تشفق، والإضافة الشفقة. ويروى أن تضيف، بفتح التاء، أى تعدل هنا، مرّة وهاهنا مرّة.
يقول: كان نكيرها لمّا رأت الشّلو أن تشفق وتجأر، لا شىء عندها غير ذلك.
وأخبرنا محمد، أخبرنا وكيع، أخبرنا إبراهيم بن شاهين، أخبرنى أبو جعفر الأعرج، قال:
قال الشّرادانىّ للكسائىّ: كيف تصغّر حسينا؟ فقال: حسينين. فقال:
أتصغّر مصغّرا؟ هذا ما لا نهاية له (2). فوثب رجل كان معه على الشّرادانىّ وقال:
أتقول هذا لمؤدّب أمير المؤمنين؟ فقال يونس: مغالبة العلم بالحجّة لا بالسّلطنة.
وأخبرنا محمد، أخبرنا محمد بن موسى بن حمّاد، وأحمد بن زيد، قال:
حدّثنا حمّاد بن إسحاق (3)، عن أبيه، قال:
سأل الرشيد عن قول الرّاعى:
قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا (4)
ما معنى محرم؟ فقال الكسائى: أراد أنه أحرم بالحجّ فقال الأصمعىّ: والله ما أحرم ولا عنى الشاعر هذا، ولو قلت: أحرم: دخل فى شهر حرام، كما
__________
(1) رواية اللسان (مادة ضيف): «أقامت».
(2) فى الأصل: «وهذا إلى ما لا نهاية له»، والصواب حذف «إلى» كما ترى، إذ لا حاجة إليها فى العبارة، والمعنى يستقيم بدونها.
(3) إسماعيل بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل الفقيه القاضى، توفى سنة 267هـ (الشذرات 2: 152).
(4) تقدم ذكر هذا الخبر فى أول الكلام على ما وهم فيه على بن حمزة الكسائى، ص 121.(1/140)
يقال أشهر: دخل فى الشهر، كان أشبه. قال الكسائىّ: فما أراد بالإحرام؟
قال: كلّ من لم يأت بشىء تستحلّ به عقوبته، فهو محرم. خبّرنى عن قول عدىّ بن زيد:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولّى لم يمتّع بكفن
أىّ إحرام كان لكسرى؟ فسكت الكسائىّ. فقال الرّشيد: يا أصمعىّ ما تطاق فى الشّعر. وقال أحمد بن يزيد، فقال الرّشيد: [62ا] لا تعرّضوا للأصمعىّ فى الشّعر.(1/141)
ما وهم فيه يحيى بن زياد الفرّاء (1)
أخبرنا احمد بن عبيد الله بن عمار، حدثنى أبو جعفر النّحوىّ، أخبرنى التّوّزىّ، قال: أنشد أصحابنا:
يا قاتل الله صبيانا تجىء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها وارى (2)
قال: فصحّفه الفرّاء فقال: أمّ الهنيّين، قال التّوّزى: فقلت له: إنما أنشد أصحابنا: أمّ الهنيبر، وهى الضّبع، ويقال لها: أمّ عامر. فقال: هكذا أنشدنا الكسائىّ، فأحال على الكسائىّ.
وأخبرنى محمد بن يحيى هذا الخبر أشرح وأكثر فائدة، قال:
حدّثنا أبو ذكوان والحسين بن علىّ المهدى، قالا: حدّثنا التّوجى، قال:
__________
(1) يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمى، إمام العربية أبو زكريا المعروف بالفراء قيل الفراء: لأنه كان يفرى الكلام. روى عن قيس بن الربيع ومندل بن على والكسائى، وعنه سلمة بن عاصم ومحمد بن الجهم السمرى، وحدث بكتبه، كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائى، أخذ عنه وعليه اعتمد، وأخذ عن يونس، وأهل الكوفة يدعون أنه استكثر عنه، وأهل البصرة يدفعون ذلك. وكان يحب الكلام، ويميل إلى الاعتزال، وكان متدينا متورعا، على تيه وعجب وتعظم، وكان زائد العصبية على سيبويه وكتابه تحت رأسه، وكان يتفلسف فى تصانيفه، ويسلك ألفاظ الفلاسفة، وكان أكثر مقامه ببغداد فاذا كان آخر السنة أتى الكوفة فأقام بها أربعين يوما، يفرق فى أهله ما جمعه. وكان شديد المعاش، لا يأكل حتى يمسه الجوع، وجمع مالا خلفه لابن له شاطر صاحب سكاكين. وأبوه زياد هو الأقطع، قطعت يده فى الحرب مع الحسين بن على، وكان مولى لأبى ثروان، وأبو ثروان مولى بنى عبس، صنف معانى القرآن، البهاء، فيما تلحن فيه العامة، اللغات، المصادر فى القرآن، الجمع والتثنية فى القرآن، آلة الكتاب، النوادر، المقصور والممدود، فعل وأفعل، المذكر والمؤنث، الحدود مشتملة على ستة وأربعين حدا فى الإعراب، وله غير ذلك مات بطريق مكة سنة سبع ومائتين، عن سبع وستين سنة، قال سلمة بن عاصم: دخلت عليه فى مرضه، وقد زال عقله، وهو يقول: إن نصبا فنصبا، وإن رفعا فرفعا، روى له هذا الشعر، قيل:
ولم يقل غيره:
لن ترانى لك العيون بباب ... ليس مثلى يطيق ذل الحجاب
يا أميرا على جريب من الأر ... ض له تسعة من الحجاب
جالسا فى الخراب يحجب فيه ... ما رأينا إمارة فى خراب
(2) هذا الخبر تقدمت روايته فى ص 122.(1/142)
دخلت بغداد فأحببت أن أرى الفرّاء، فأتيته وهو فى مجلسه، فذكر بابا فى التصغير، فقال: يقال: هنىّ (1) وهنيّان، ثم أنشد:
يا قبّح الله صبيانا تجىء بهم ... أمّ الهنينين من زند لها وارى
فتركته حتى لم يبق عنده أحد، ثم قلت له: إنه قد مرّ شىء [62ب] أنكرته، أفتأذن لى أن أخبرك به؟ قال: نعم. قلت: أنشدنا أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعىّ، وكلهم يعيش:
يا قبّح الله صبيانا تجىء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها وارى
يعنى: الضبع، وهى أمّ الهنبر فصغّره، فقال: الهنيبر. وبعد هذا البيت:
من كلّ أعلم منشقّ وتيرته ... ومودن ما وفى شبرا لشبّار (2)
فقال: صدقت، أحسن الله جزاءك عن الإفادة وحسن الأدب، وصدق أصحابك، ورحم الله أبا الحسن الكسائىّ، كان ربما أتانا بالشىء من الشّعر غير محصّل.
قال الشيخ: وهذه القصيدة للقتّال الكلابىّ (3)، ومن أحسن أشعاره، وأولها:
يا أخت بهم وذاك العبد صاحية ... وأخت دهماء هل خبّرت أخبارى
أنا ابن أسماء أعمامى لها وأبى ... إذا ترامى بنو الإموان بالعار (4)
أمّا الإماء فلا يدعوننى ولدا ... إذا تحدّث عن نقضى وإمرارى
__________
(1) هذا رأى لبعض النحويين فى تصغير هن وهنة، على اعتيار أن الحرف المحذوف من الكلمة هو الواو، وأن الأصل هنو، ومنهم من يقول أن أصل هن (بالتخفيف) هن وهن (بتشديد النون) وإذا صغرت قلت هنين واستشهد بالبيت (اللسان مادة هنا). وعلى هذا فالسياق يقتضى أن يكون النص: هنين وهنينان، ليتسق مع الاستشهاد بالبيت.
(2) فى الأغانى ج 20ص 162مصر: «مشافره» مكان: «ووتيرته». ومؤذن بمشبار والأعلم: المشقوق الشفة العليا، والوتيرة: إطار الشفة، والمودن: القصير، وقد أودنت المرأة:
إذا أتت بولد قصير ويروى: منشق مشافره، و «شبرا بمشبار».
(3) قالها عند ما نازع رجلا من قومه، فقال له الرجل: أنت كل على قومك، والله إنك لخامل الذكر والحسب، ذليل النفر، خفيف على كاهل خصمك، كل على ابن عمك، فقال القتال (الأمالى 2: 224).
(4) يروى «أنا ابن عمرة» وهى ابنة حرقة (كهمزة) بن عوف بن شداد بن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن أبى بكر بن كلاب، والإموان: (بالضم والكسر): جمع أمة.(1/143)
لا أرضع الدّهر إلّا ثدى واضحة ... لواضح الخدّ يحمى حوزة الجار (1)
من آل سفيان أو ورقاء يعصمهم (2) ... تحت العجاجة طعن غير مغوار (3)
قد يعلم القوم أنى من خيارهم ... إذا تقلّدت عضبا غير مسبار (4)
وأخبرنا محمد بن يحيى، قال: وروى ابن السّكّيت أن الفرّاء ينشد:
فلو كان فى ليلى شذى من خصومة ... للوّيت أعناق الخصوم الملاويا (5)
قال: كذا أنشده: «شذى» بالذال المعجمة، على أنّه الحد، فقيل له:
إنما هو: «سدى» بالدال غير المعجمة: أى بقيّة (6)، فقبل ذلك. وصيّره فى كتاب المقصور والممدود.
__________
(1) فى الأصل: «حوزة الدار»، والذى أثبتناه موافق لما فى الكامل والأمالى، غير أن رواية الأمالى
* بواضح الجد يحمى حوزة الجار *
(2) فى الكامل: «عن آل سفيان أو ورقاء يمنعها»، وكانت فى الأصل «سفين».
(3) الأصل: «مفواز»، وما أثبتناه من الكامل. ورواية الأمالى:
* تحت العجاجة ضرب غير عوار *
(4) المسبار: ما يسبر به الجرح، وغير مسبار: أى لا يطلب الشفاء من طعنته، إذ الحاجة إلى المسبار إنما تكون للتداوى وطلب الشفاء. وفى الأمالى زيادة بعد هذا البيت وهى:
يا ليتنى والمنى ليست بنافعة ... لمالك أو لحصن أو لسيار
طوال أنضية الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأزفار
لا يتركون أخاهم فى مودأة ... يسفى عليه دليل الذل والعار
ولا يفرون والمخزاة تقرعهم ... حتى يصيبوا بأيد ذات أظفار
(انظر الأمالى ج 2ص 226).
(5) الملاوى: جمع الألوى، وهو من الرجال الشديد الخصومة الجدل، والمنفرد المعتزل، والأنثى منه: لياء (القاموس مادة: لوى)، وهذا البيت أورده صاحب اللسان (مادة: شدا)، ثم قال:
أنشده الفراء (شذا) بالذال، وأنشده غيره بالدال، وأكثر الناس على أنه بالذال وهو الحد، ثم ذكر البيت فى مادة (شذا) بالذال على أنه رواية الفراء، ثم أنشده فى مادة (لوى) سدى، بالسين المهملة، هكذا مصحفا، ونسبه لمجنون بنى عامر.
(6) الشدا: بقية القوة وطرفها، وحد كل شىء، والشدو: القليل من كل كثير (القاموس).(1/144)
أخبرنا محمد، أخبرنا محمد بن الرّياشىّ، حدثنى أبى، أنشدنى بعض أصحاب الفرّاء ببغداد، عن الفرّاء:
والعطيات خساس بيننا ... وسواء قبر مثر ومقلّ
فقلت له: ما معنى: «خساس»؟ فقال: قال الفرّاء: قليلة، لأن أمر الدنيا كلّه قليل. فقلت له: أنشدنى الأصمعىّ: «حصاص بيننا»، وفسّره فقال:
الاحتصاص فى العطايا: أن يحرم هذا، ويعطى هذا، ويستوون فى القبور (1):
فقالت الجماعة: هذا الصواب، وغيره خطأ.
ومما وهم فيه من اللغة
أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أحمد بن يحيى، أخبرنا أبو محمد سلمة بن عاصم، عن الفرّاء، أنه قال:
الميناء: جوهر الزّجاج، ممدود [63ب] تكتب بالألف. والمينى: موضع ترفأ إليه السّفن، مقصور، يكتب بالياء.
وهذا مما غلط فيه وقلبه.
المينى: جوهر الزّجاج، مقصور، يكتب بالياء. والميناء: الموضع الذى ترفأ إليه السفن، ممدود (2). قال كثير:
كأنّك لم تسمع ولم تر قبلها ... تفرّق ألّاف لهنّ حنين
تأطّرن بالميناء ثمّ تركنه ... وقد لاح من أثقالهنّ شجون (3)
مأخوذ من قول جميل:
__________
(1) أحصصته: أعطيته نصيبه وتحاصوا وحاصوا: اقتسموا حصصا (القاموس).
(2) بين اللغويين خلاف فى المينى والميناء (انظر اللسان مادة: ونى).
(3) تأطرن: أقمن. وفى اللسان مادة: أطر: جزعنه، مكان: تركنه، ولح مكان: لاح، وأحمالهن مكان: أثقالهن.(1/145)
لعلّك مشتاق ومبد صبابة ... ومظهر شكوى إن أناس تفرّقوا
وأخبرنا علىّ بن سليمان، حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا سلمة بن عاصم، قال:
قال الفراء: الجبى: ما حول البئر. والجبى: ما جمعته من الماء، وأنشد:
* حتى إذا أشرف فى جوف جبا (1) *
أنشده باضافة جوف إلى جبا، وقد عاب عليه باضافة «جوف» إلى «جبا» جماعة من العلماء، منهم المفضّل بن سلمة (2) وغيره، وظنّ الفرّاء أنّ جبا الذى فى البيت هو ما ذكر من حول البئر، وأنه اسم، وإنما هو:
* حتى إذا أشرف فى جوف جبا (3) *
[64ا] هو فعل من جبأ يجبأ، فترك الهمز: أى جبن ورجع، يعنى الحمار، ومنه يقال: رجل جبّأ، أى جبان.
وأخبرنى أحمد بن الحسن التّميمىّ الحبطىّ، حدثنا أبو ذكوان، حدثنا محمد بن سلّام، سمعت يونس يقول: جبأ من خوف الأسد، أى جبن.
وأنشد للعجّاج:
__________
(1) البيت من أرجوزة للعجاج، مطلعها:
* ما هاج دمعا ساكبا مستسكبا *
(2) المفضل بن سلمة بن عاصم أبو طالب النحرى اللغوى الفاضل الكوفى، أخذ عن أبيه، وعن ابن السكيت وثعلب، وخالف طريقة أبيه. قال أبو الطيب: وكان يرد أشياء من كتاب العين، أكثرها غير مردود، واختار فى اللغة والنحو اختيارات غيرها المختار وكان مليح الخط، منقطعا إلى الفتح بن خاقان، صنف معانى القرآن، والبارع فى اللغة، والاشتقاق، وآلة الكتابة، والمدخل إلى علم النحو، والفاخر فى لحن العامة، والمقصور والممدود، والاستدراك على كتاب العين (البغية) 396.
(3) البيت روى فى اللسان، ولم ينسبه إلى قائل، فقال: وجبا: رجع، قال يصف الحمار:
* حتى إذا أشرف فى جوف جبا *
يقول: إذا أشرف فى هذا الوادى رجع، ورواه ثعلب: «فى جوف جبا» بالإضافة، وغلط من رواه: «فى جوف جبا» بالتنوين، قال: وهى تكتب: «أى جبا» بالألف والياء (انظر اللسان مادة:
جبى) والخبر مروى بمثل ما ورد فى الأصل، فى ص 123فى تصحيح التصحيف.(1/146)
* حتى إذا أشرف فى جوف جبا *
وقال: ترك الهمز.
وقال إبراهيم بن حميد: أخطأ الفرّاء فى مكان لا يخطئ فيه أحد، قال فى كتاب الجمع: قال الشاعر:
* بؤسى ببؤسى وبنعمى أنعما *
فرواه الفرّاء وقاس عليه «وبنعمى نعمى».(1/147)
ما وهم فيه المفضّل بن محمد الضّبى (1)
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل، وأخبرنى محمد بن يحيى، عن القاسم بن إسماعيل جميعا، عن المازنىّ، عن الأصمعىّ: أنه سمع المفضّل ينشد بيت أوس بن حجر:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جذعا (2)
فقال: إنما هو جدعا، والجدع: السّيّئ الغذاء، وهو المجدّع، فقال المفضّل، جذعا، جذعا، فقال الأصمعىّ: والله لو نفخت [64ب] فى ألفى شبّور (3)، ما كان إلا جدعا، وو الله لا تنشده بعد «إلّا جدعا»، تكلّم بكلام النّمل وأصب.
__________
(1) قال السيوطى فى البغية: المفضل بن محمد بن معلى الضبى، النحوى الأديب أبو العباس، وقيل:
أبو عبد الرحمن كان عالما بالنحو والشعر والغريب وأيام الناس، وكان يكتب المصاحف ويقفها فى المساجد، تكفيرا لما كتبه بيده من أهاجى الناس (البغية ص 396).
(2) الهدم: أخلاق من الثياب. والنواشر: عروق ظاهر الكف. والتولب: ولد الأتان من الوحش إذا استكمل الحول. وفى الصحاح: التولب: الجحش، قال صاحب اللسان: وحكى عن سيبويه أن تولب مصروف، لأنه فوعل. قال: ويقال للأتان: أم تولب، وقد يستعار للإنسان. ثم استشهد بهذا البيت لأوس بن حجر يصف صبيا.
وقد أورد البيت أيضا فى اللسان (مادة: جدع)، وقال: قد صحف بعض العلماء هذه اللفظة، قال الأزهرى فى أثناء خطبة كتابه: جمع سليمان بن على الهاشمى بالبصرة، بين المفضل الضبى والأصمعى، فأنشد المفضل: «وذات هدم» وقال آخر البيت: «جذعا»، بالذال، ففطن الأصمعى لخطئه، وكان أحدث سنا منه، فقال له: إنما هو «تولبا جذعا»، وأراد تقريره على الخطأ، فلم يفطن المفضل لمراده، وكذلك أنشدته، فقال له الأصمعى حينئذ: أخطأت، إنما هو «تولبا جدعا»، فقال له المفضل: حذعا، حذعا كذا جاء فى اللسان بحاء مهملة فى الأولى ورفع صوته ومده، فقال له الأصمعى: لو نفخت فى الشبور ما نفعك، تكلم كلام النمل وأصب، إنما هو «جدعا»، فقال سليمان بن على: من تختار أن أجعله بينكما؟ فاتفقا على غلام من بنى أسد حافظ للشعر، فأحضره، فعرضا عليه ما اختلفا فيه، فصدق الأصمعى، وصوب قوله، فقال له المفضل: وما الجدع؟ فقال: السىء الغذاء، وأجدعه وجدعه: أساء غذاءه.
(3) الشبور: البوق معرب.(1/148)
وأنشدنى غيره (1):
ثم استفاها فلم تقطع رضاعهما (2) ... عن التّصبّب لا عيل ولا جدع (3)
استفاها: انهمكا فى الرضاع استفاه: أى كثر أكله.
وأنشد الجاحظ لجبيها (4) الأشجعىّ:
وأرسل مهملا جذعا وحقّا ... للأجدع النّبات ولا حديب
وأخبرنا محمد، أخبرنا محمد بن عبد الله الحزنبل، حدثنى يعقوب بن السّكّيت عن عبد الله ياسين، قال: سمعت خلفا الأحمر يقول: أخذت على المفضّل الضبىّ فى يوم واحد ثلاث تصحيفات أنشد للأعشى:
ساعة أكبر النّهار كما شد ... د محيل لبونه اعتاما (5)
فقال: محيل، بالحاء غير المعجمة، وإنما هو «مخيل» بالخاء المعجمة، وقد ذكر هذا يعقوب من عمله شعر الأعشى وقال: هو تصحيف، وإنما هو «مخيل» بالخاء المعجمة، رأى خالا من السّحاب فخشى على بهمه أن تفرّق للمطر أو يضرّ بها، فشدّها. وأكبر [65ا] النهار: ضحى النهار، يقول: كان صبرهم لنا ساعة بهذا المقدار، لأنه يقول بعد هذا البيت:
__________
(1) البيت لأبى زبيد الطائى يصف شبلين.
(2) الأصل فطامهما، وما أثبتناه من اللسان. [مادة: فوه]
(3) التصبب: اكتساء اللحم للسمن بعد الفطام. ورواية اللسان: «لأشعب ولا قدع» والقدع،: أن تدفع الأمر تريده.
(4) جبيهاء، ويقال جبهاء: لقب يزيد بن عبيد بن عقيلة الأشجعى، ورسم (عضيلة) خطأ فى معجم المرزبانى، شاعر بدوى، من مخاليف الحجاز، نشأ وتوفى فى أيام بنى أمية، ولم ينتجع الخلفاء شاعر مثله (مهذب الأغانى ج 4وانظر الأغانى طبعة بولاق ج 16، 148146) وقد ذكر فى المؤتلف والمختلف شاعران اسمهما جبهاء هما ابن ثوب الأسدى أحد بنى برثن، وجبهاء الأشجعى. وقال: هو جبهاء بن حميمة بن يزيد أحد بنى عقيل بن هلال بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع، شاعر خبيث متمكن من لسانه.
(5) يروى (أعتاما) وانظر ديوان الأعشى، والبيت أورده صاحب اللسان فى مادة (كبر) قال بعد إيراد البيت، يقول: قتلناهم أول النهار فى ساعة، قدر ما يشد المحيل أخلاف إبله، لئلا يرضعهما الفصلان.
ونقل عن شمر: يقال: أتانى فلان أكبر النهار، وشباب النهار: أى حين ارتفع النهار.(1/149)
ثم ولّوا عند الحفيظة والصّبر ... كما تطحن الجنوب الجهاما (1)
قال: والبيت الثانى الذى صحّف فيه، قول المخبّل السّعدىّ:
وإذا ألمّ خيالها طرقت ... عينى فماء دموعها سجم
وإنما هو «طرفت» بالفاء قال خلف: فعرّفته، فرجع عنه.
وروى بيت امرئ القيس:
نمسّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب
بالسين غير معجمة، وإنما هو «نمشّ» والمشّ: مسح اليد بشىء خشن يقشر الدّسم. ويقال للمنديل: مشوش.
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا عبد الله بن أبى سعد، حدثنى محمد بن بشار، [حدثنى] عسل، حدثنى الجمّال: قال: أنشدنى المفضّل: «حلىّ وأحمس» (2)
بالحاء غير المعجمة، فقلت: «جلىّ وأحمس» بالجيم، وهما قبيلتان من بنى ضبيعة بن ربيعة.
قال الشيخ: هو جلىّ بن أحمس بن ضبيعة. ومن قبائلهم نذير، [65ب] وجلىّ وبلىّ، كلّهم فى ضبيعة. وأما جلّ فى شعر علقمة بن عبدة:
كأنّ رجال الأوس تحت لبانه ... وما جمعت جلّ معا وعتيب
فجلّ وعتيب: قبائل كانت مع المنذر أبى النّعمان بن المنذر والأوس: قبيلة ليست من الأنصار، وأما جلّان ففى عنزة.
أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن الرّياشىّ، حدثنى أبى، قال: أنشدنى المفضّل والأصمعىّ حاضر:
__________
(1) الجهام: السحاب الفارغ، والرواية فى الديوان: (يصخر).
(2) هذا بيت للمتلمس، والبيت بكماله هو:
يكون نذير من ورائى جنّة ... وينصرنى منهم جلىّ وأحمس
وهذا البيت قد أورده صاحب اللسان، وقال: هما بطنان فى ضبيعة (اللسان مادة: جلا) وفى القاموس فى (مادة حمس): حمس كفرح اشتد وصلب فى الدين والقتال، وبنو أحمس: بطن من ضبيعة.(1/150)
بين الأراك وبين النّخل تشدخهم ... زرق الأسنّة فى أطرافها شبم (1)
فقال الأصمعىّ: يا أبا العباس، فقد صارت الرماح إذا كأفركوبات، لأنها تشدخ، قال: فكيف رويته؟ قال: تسدحهم، ذكروا بسين وحاء غير معجمة.
والسّدح: الصّرع بطحا على الوجه أو الظّهر.
وأخبرنا محمد، أخبرنا الحسين بن يحيى الكاتب، حدثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه قال: أنشد المفضّل فى صفة البرق:
* يموت فواقا ويسرى فواقا (2) *
بسين غير معجمة، فضحك الأصمعىّ، فعلمت أن ضحكه لشىء، فسألته عنه، فقال: إنما هو: «ويشرى فواقا» بشين معجمة، والراء مفتوحة.
قال: [66ا] وحدثنا البلعىّ، عن أبى حاتم: أنّ خلفا الأحمر قال: هذا للمفضّل، وقال أبو حاتم: الرواية:
* يموت فواقا ويحيا فواقا *
لا يسرى، ولا يشرى. وأما بيت الأعشى:
__________
(1) فى اللسان: قال خداش بن زهير:
بين الأراك وبين النّخل تسدحهم ... زرق الأسنّة فى أطرافها شبم
ورواه المفضل: تشدخهم، بالخاء والشين المعجمتين، فقال له الأصمعى: صارت الأسنة كأفر كوبات، تشدخ الرءوس، إنما هو تسدحهم. وكان الأصمعى يعيب من يرويه تشدخهم ويقول: الأسنة لا تشدخ، إنما يكون ذلك بحجر أو دبوس أو عمود أو نحو ذلك، مما لا قطع له، وقبل هذا البيت:
قد قرّت العين إذ يدعون خيلهم ... لكى تكرّ وفى آذانها صمم
أى يطلبون من خيلهم أن تكر فلا تطيعهم «م. سدح: لسان» وقوله: «كأفر كوبات»: ورد النص فى تصحيح التحريف ولم نعثر على هذه الكلمة فى مظانها، لتحريرها وبيان معناها، والشم فى الأصل: البرد، وسمى الموت به لبرده.
(2) هذا عجز بيت وصدره «: أصاح ترى البرق لم يغتمض» وسرى البرق، من باب علم: إذا لمع، أو استطار وتفرق فى وجه الغيم.(1/151)
تشقّ اللّيل والسّبرات عنها ... بأتلع ساطع يشرى الزّماما (1)
فالياء من «يشرى» مضمومة، أى يلهبه ويهيجه.
وأخبرنا محمد، أخبرنا ثعلب: سمعت سلمة بن عاصم، سمعت الفرّاء يقول:
صحّف المفضّل، فقال فى قول الشاعر:
أفاطم إنّى هالك فتبيّنى ... ولا تجزعى كلّ النّساء يئيم
فقال: يتيم.
ولا أنبأن أنّ وجهك شانه ... خموش وإن كان الحميم حميم
وأخبرنا محمد، حدثنا أبو ذكوان، حدثنا المازنىّ عن أبى عبيدة: سمعت رجلا يقرأ على المفضّل شعر الهذلييّن، فجعل يخطئ ولا يردّ عليه، ثم قرأ:
أفاطم إنّى هالك فتبيّنى ... ولا تجزعى كلّ النّساء يتيم
فقال له الرجل: ما معنى يتيم؟ فقال: إذا مات زوج المرأة فقد يتمت. فقلت:
إنما هو «تئيم»: تصير أيّما، فضحك وقال: [66ب] صدقت وبررت يا أخى.
قال الشيخ: وقد تبعه ابن الأعرابىّ فى هذه الرواية ونصره، فأخبرنا نفطويه، عن أحمد بن يحيى، قال: قال ابن الأعرابى:
يقال إذا انفرد الشىء من الشىء: «يتم» قال: وذكر قولهم إن المفضّل صحّف فى قوله:
* فلا بحزعى كلّ النّساء يتيم *
فقال: يريد أنها تبقى وحدها إذا مات زوجها، فهى بمنزلة اليتيم الضائع.
وقد رواه الخليل: «يتيم» أيضا، وأبى الأصمعىّ وأبو عبيدة إلا أنه تصحيف
__________
(1) هذا البيت من قصيدة للأعشى مطلعها:
عرفت اليوم من تيا مقاما ... بجو أو عرفت لها خياما
ومعنى يشرى ينتفض، كأنه شرى فضغب وانتفض. والأتلع: الطويل. يصف عنق البعير بالطول.
والسبرات: جمع سبرة، بسكون الباء، وهى الغداة الباردة، وقيل: هى ما بين السحر إلى الصباح، وقيل:
ما بين غدوة إلى طلوع الشمس.(1/152)
من الخليل وغيره. وسمعت بعض شيوخنا يحكى أن المفضّل روى بيت أوس بن حجر:
ليث عليه من البردىّ هبرية ... كالمزبرانىّ عيّار بأوصال (1)
ويروى: «عيّال» (2)، فقال الأصمعىّ: ما المزبرانىّ؟ فقال: ذو الزّبرة فقال:
يا عجبا يشبّهه بنفسه، إنما هو كالمرزبانىّ، وهو الواحد من المرازبة الفرس، فسكت المفضّل.
وفى عيار أيضا خلاف، وأنا أذكره إذا بلغت إلى ما يشكل من شعر أوس إن شاء الله.
وقد ادّعى الأصمعىّ على المفضّل تصحيف ابيات [67ا] غير هذا، فمنها قول أوس:
تركت الخبيث لم أشارك ولم أذق ... ولكن أعفّ الله كسبى ومطعمى
رواه بالذال المعجمة، وإنما هو بدال غير معجمة مكسورة، من ودق يدق: أى لم أدن منه.
قال: وصحّف فى قول الحطيئة:
لقد سوّست أمر بنيك حتى ... تركتهم أدقّ من الطّحين
قال: فرواه المفضّل: «لقد شوّشت» بشين معجمة مفتوحة، وإنما هو:
«سوّست» بسين غير معجمة: أى ملّكت.
__________
(1) الهبرية هنا: ما يتناثر عليه من القصب والبردى فيبقى فى شعره متلبدا، وعيار بأوصال: أى يذهب ويجىء بأوصال الرجال إلى أجمته.
(2) المشهور فيمن رواه عيال، أن يكون بعده بآصال، لأن العيال: المتبختر، أى يخرج العشيات وهى الأصائل متبخترا، ومن رواه (عيار) بالراء، قال الذى بعده بأوصال (لسان مادة: رزب، بالزاى) قال ابن منظور بعد أن أورد البيت كما هو فى مادة زبر: هذه رواية خالد بن كلثوم، قال ابن سيده: وهى عندى خطأ، وعند بعضهم، لأنه فى صفة أسد، والمزبرانى: الأسد لا يشبه بنفسه، قال: وإنما الرواية: كالمرزبانى، والزبرة: الشعر المجتمع للفحل والأسد وغيرها، وقيل: زبرة الأسد: الشعر على كاهله.(1/153)
قال: وصحّف فى قول الأعشى:
جونة جارية ذات روح (1)
وإنما هو جارنة بالجيم وبالنون، أى جرنت ومزنت، لكثرة ما ينبذ فيها (2).
__________
(1) هذا عجز بيت، صدره:
* من زقاق التجر فى باطية *
وقال أبو العباس ثعلب فى شرح هذا البيت: جارئة: أى مملوءة دائمة لا تنقطع، ويقال: حارية من الحيرة والروح: السعة (ديوان ص 162).
(2) وجاء فى اللسان: جرن الثوب والأديم يجرن جرونا فهو جارن وجرين: لان، وانسحق، والروح بالتحريك: السعة، وقصعة روحاء: قريبة القعر، وإناء أروح، وفى الحديث: أنه أتى بقدح أروح:
أى متسع مبطوح.(1/154)
ما وهم فيه حماد الراوية (1)
وهو حمّاد بن سابور
أخبرنى حمزة المهلّبى، سمعت أبى يحكى، عن أبى حنش الشاعر، قال:
سمعت حمادا الراوية ينشد: أكل الحميم وطاوعته سمحج (2).
فقلت: أعزّك الله، إنما هو الجميم من النبات، فقال: صدقت.
__________
(1) فى تجريد الأغانى لابن واصل، نسخة خطية بدار الكتب برقم 5071أدب. هو حماد بن ميسرة، وقيل ابن سابور، مولى بنى شيبان، وكان أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها. وكانت ملوك بنى أمية تقدمه وتؤثره وتسنى بره، ويقدم عليهم وينادمهم، ويسألونه عن أيام العرب وعلومها، ويجزلون صلته. وذكر أن الوليد بن يزيد قال: له: بم استحققت هذا اللقب؟ فقيل لك حماد الرواية؟
قال: بأنى أروى لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروى لأكثر منهم ممن تعرف بأنك لا تعرفهم ولا تسمع منهم، ولا أنشد شعرا لقديم ولا محدث إلا ميزت القديم من المحدث، فقال: إن هذا العلم وأبيك لكثير، قال: فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال: كثير، ولكنى أنشدك على أى حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة، سوى المقطعات من شعر الجاهلية، دون شعر الإسلام. قال: سأمتحنك فى هذا الأمر، وأمره بالإنشاد حتى ضجر الوليد، ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه، ويستوفى عليه، فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهلية وأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمائة ألف درهم. وقيل: كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمادون: حماد عجرد، وحماد الرواية، وحماد بن الزبرقان، يتنادمون على الشراب، ويتناشدون الأشعار، ويتعاشرون معاشرة جميلة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، وكانوا يرمون بالزندقة جميعا. وأخباره طويلة فانظرها فى المرجع المذكور من ص 305.
(2) هذا صدر بيت لأبى ذؤيب الهذلى، واسمه خويلد بن خالد بن محرث، من قصيدته العينية التى أولها:
* أمن المنون وريبها تتوجع *
والسمحج: الطويلة على وجه الأرض، يصف أتانا، ويقال: السمحج والسمحاج والسمحوج، وهى الأتان الطويلة الظهر، وكذلك الفرس. ولا يقال للذكر، وهى القباء الغليظة النحض، والأمرع: الخصب وسيأتى هذا البيت فيما يلى بعد قليل.(1/155)
وأخبرنى محمد بن يحيى [67ب]، حدثنا جبلة بن محمد بن جبلة، حدثنى محمد بن إبراهيم السّكونّى، قال: نظر حمّاد فى المصحف فقرأ: «حتى يعطوا الخربة (1) عن يد»، فقيل: «الجزية»» فقال: إنما عنى السّرقة، فكان احتجاجه للخطأ، أعجب من خطئه.
وأخبرنا محمد، أخبرنا الحسين بن فهم، حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، حدثنى أبو حنش، قال: سمعت حماد، الراوية ينشد لأبى ذؤيب:
أكل الحميم وطاوعته سمحج ... مثل القناة وأزعلته الأمرع (2)
فقلت له: إنما هو الجميم، فسكت.
والجميم: البهمى أوّل ما تنبت فتصير كأنها جمّة، أوّل نبت: الجميم ثم البسرة ثمّ الصّمعاء. ولكلّ قال الشاعر:
رعى بارض البهمى جميما وبسرة ... وصمعاء حتى آنفتها نصالها (3)
__________
(1) الخربة: جمع خارب، وهم السراق واللصوص، جاء فى اللسان: خرب فلان بإبل فلان يخرب بها خربا وخروبا وخرابة وخرابة، أى سرقها، وخرب فلان صار لصا، والخراب كالخارب.
(2) هذا البيت ورد فى اللسان فى مادتى (زعل) و (سعل) فروى الجميم بالجيم فيهما، والزعل كالعلز من المرض، والزعل: النشاط، والزعل: النشيط الأشر، وزعل زعلا فهو زعل وتزعل كلاهما نشط قال العجاج:
ينتقن بالقوم من التّزعّل ... ميس عمان ورحال الإسحل
وأزعله الرعى والسمن نشطه، ثم أورد بيت أبى ذؤيب.
وقد رواه فى (سعل): «وأسعلته الأمر ع» وقال: أسعله الشىء: أنشطه، ثم قال: والأعرف أزعلته.
(3) فى الأصل (رعى) البيت لذى الرمة يصف حمارا أو أتانا، وقد رواه فى اللسان فى برض، وجمم، وبسر، صمع هكذا:
رعت بارض البهمى جميما وبسرة ... وصمعاء حتى آنفتها نصالها
والبارض: أول ما يظهر من نبت الأرض. وتتناوله النعم، قال الأصمعى البهمى أول ما يبدو منها البارض، فإذا تحرك قليلا فهو جميم، والبسرة من النبت: ما ارتفع عن وجه الأرض ولم يطل، لأنه حينئذ غض، والبسرة الغفى من البهمى، والجميم النبت قد غطى الأرض ولم يتم بعد، والصمعاء: المكتنزة الجوف يقال:(1/156)
وأخبرنى محمد، حدثنا محمد بن موسى، حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، حدثنى أبو حنش، قال:
صحّف حماد الراوية فى موضعين من شعر أبى ذؤيب، فقال:
[168ا] أكل الحميم وطاوعته سمحج ... مثل القناة وأرغلته الأمرع (1)
فقلت: ما أزغلته؟ فقال: أطابت عيشه وأخصبته، وعيش أرغل: واسع.
فقلت: إنما هو أزعلته: نشّطته، فتشكّك، ثم رجع، فقلت: وإنما هو:
أكل الجميم، فقال: أمّا هذا فنعم.
__________
بقلة صمعاء: أى مرتوية مكتنزة، وبهمة صمعاء غضة لم تتشقق. وآنفتها: أوجعتها بسفاها، ويروى حتى أنصلتها: أى جعلتها تشتكى أنوفها.
(1) تقدم الكلام على هذا البيت فيما سبق.(1/157)
ما وهم فيه خالد بن كلثوم (1)
أخبرنى محمد، حدثنى محمد الأسدىّ، وأحمد بن محمد بن إسحاق، والطالقانىّ، قالوا: حدثنا حماد بن إسحاق، قال:
أنشدنا خالد بن كلثوم لرجل من كندة:
فلمّا رآنى قد نزلت أريده ... تنحنح عنى ساعة ثم أقدما
فقلت: ما معنى تنحنح؟ قال: سعل من فرقى، فقلت له: إن الأصمعى أنشدناه: «تنجنج عنى (2)»، قال: وما معنى تنجنج؟ قال: معناه: تهيّب أمرى. قال حمّاد: فحدّثت بهذا الحديث أبى، فقال: ويح خالد، أما سمع قول العجّاج:
* ونجنجت بالخوف من تنجنجا *
معناه: هيّبت بالخوف.
وأخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا علىّ بن الصّباح، قال:
أنشد خالد بن كلثوم لعمران بن عصام العنزى:
[68ب] وكلمة حاسد فى غير جرم ... سمعت فقلت مرّى فانفذينى
رميت بها كأن رميت لغيرى ... ولم يعرق لجانبها جبينى
فقال: صحّف والله، إنما هو «لجابتها»، وأنشد:
أصمّ الصّدى لم يدر ما جابه الرّقى ... ولم يمس إلّا نابه يتفطّر
قال: ومنه قولهم: أساء سمعا فأساء جابة (3)
__________
(1) قال السيوطى فى بغية الوعاة خالد بن كلثوم الكلبى، قال الشيخ مجد الدين فى البلغة: لغوى نحوى راوية نسابة، له تصانيف، منها أشعار القبائل. وذكره الزبيدى فى الطبقة الثانية من اللغويين الكوفيين فى طبقة أبى عمرو الشيئبانى (طبقات النحاة للسيوطى ص 241).
(2) فى اللسان: النجنجة: التحريك، ويقال: نجنج أمرك، فلعلك تجد إلى الخروج سبيلا، ونجنج:
إذا هم بالأمر ولم يعزم عليه، وقال الليث: النجنجة: الجولة عند الفزعة، ثم أورد بيت العجاج الآتى.
(3) الجابة: مصدر كالإجابة، وقيل: اسم يقوم مقام المصدر. وأصل المثل: أنه كان لسهيل ابن عمرو ابن مضعوف، فقيل له: أين أمك؟ أى أين قصدك، فظن أنه يقول له: أين أمك؟ فقال:
ذهبت تشترى دقيقا، فقيل له: هذا المثل.(1/158)
ما وهم فيه أبو عبد الله بن الأعرابىّ (1)
واسمه محمد بن زياد
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا عبد الله بن أبى سعد، حدّثنى محمد بن جرير مسقع، سمعت ابن الأعرابىّ يقول فى بيت جرير، وعنده عبد الله بن يعقوب:
وبكرة شابك الأنياب (2) عات ... من الحيّات مسموم اللّعاب
فقال عبد الله بن يعقوب: إنما هو ونكزة، يقال: نكزته الحيّة (3) فبقى واجما.
قال مسقع: فقلت للأثرم فقال: أخطأ ابن الأعرابىّ: إنما هو نكزة.
قال الشيخ: ومن مشهور ما يستشهد به على هذا قول رؤبة:
* لا توعدنّى حيّة بالنّكز *
__________
(1) ابن الأعرابى: محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابى، من موالى بنى هاشم قال الجاحظ: كان نحويا عالما باللغة والشعر، ناسبا كثير السماع من المفضل بن محمد الضبى، راوية للأشعار، حسن الحفظ لها، ولم يكن أحد من الكوفيين أشبه رواية برواية البصريين منه، وكان يزعم أن الأصمعى وأبا عبيدة لا يحسنان قليلا ولا كثيرا، وكان أحول أعرج. قال ثعلب: شاهدت ابن الأعرابى وكان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، كل يسأله أو يقرأ عليه، ويجيب من غير كتاب. قال: ولزمته بضع عشرة سنة، ما رأيت بيده كتابا قط، وما أشك فى أنه أملى على الناس ما يحمل على أجمال، ولم ير أحد فى علم الشعر واللغة كان أغزر منه، وأدرك الناس، وقرأ على القاسم بن معن، واتسع فى العلم جدا، اشتغل بالتعليم، وكان يأخذ كل شهر ألف درهم، فينفقها على إخوانه وأهله. وكان المفضل الضبى زوج أمه.
له من الكتب: النوادر. الأنواء. صفة النحل. صفة الدرع. الخيل. مدح القبائل. معانى الشعر.
تغيير الأمثال. النبات. الألفاظ. نسب الخيل. نوادر الزبيريين. نوادر بنى فقعس. النبت والبقل.
مات بسر من رأى سنة ثلاثين، وقيل 231، وقيل 233. ومولده ليلة مات أبو حنيفة، لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة، سنة خمسين ومائة. ومن شعره:
لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمونون غيبا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى ... وعقلا وتأديبا ورأيا مسددا
فلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقى منهم لسانا ولا يدا
فإن قلت أموات فما أنت كاذب ... وإن قلت أحياء فلست مفندا
(البغية ص 42، 43).
(2) شابك الأنياب: أى مشتبك الأنياب مختلفها.
(3) النكز من الحية: الطعن بالأنف.(1/159)
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى علىّ بن الصّبّاح، ورّاق أبى محلم، قال:
صحّف ابن الأعرابىّ، فأنشد بيت جرير:
[169ا] وبكرة شابك الأنياب عات ... من الحيّات مسموم اللعاب
فقال: «وبكرة»، فردّ عليه، فقال: إنما أراد أنه يصيح بالحيّة بكرة، فقال:
الاحتجاج فى هذا لا معنى له، فرجع.
وأخبرنا محمد بن يحيى، حدثنى الحزنبل (1)، قال: كنّا عند ابن الأعرابىّ، ومعنا عبد الله بن أحمد بن سعيد، فأنشد ابن الأعرابىّ لذى الرّمّة:
كأننى من هوى خرقاء مطّرف ... دامى الأظلّ بعيد الشّأو مهيوم (2)
فقال له عبد الله: الساو، فقال: الشأو، وهمز، فقال: لم أرد الهمز، أهو بالشين؟ فقال: نعم. فقال: إن أصحابنا أنشدوه بالسين: «بعيد السأو»، فقال ابن الأعرابىّ: يقال: السّأو والشّأو، بمعنى: الطّلق. وليس هذا بمحفوظ.
والصحيح أن الشّأو بشين معجمة: الطّلق، والسّأو بسين غير معجمة: الهمة والمراد. وبيت ذى الرّمّة هو بالسين غير المعجمة، أراد أنه بعيد الهمّة (3).
وحكى يونس بن حبيب قال: تقول العرب: صرفت إلى هذا الأمر سأوى، أى همّتى.
أخبرنا عبيد بن عمّار، حدثنا عبد الله بن أبى سعد، حدثنا محمد بن جرير مسقع، قال:
سمعت [69ب] عبد الله بن يعقوب يقول لابن الأعرابىّ: بلّع فيه الشيب.
__________
(1) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عاصم التميمى، عالم راوية، روى عن ابن السكيت كتاب.
السرقات. (الفهرست لابن النديم: مصر: 108).
(2) يقال: اطرفت الشىء: أى اشتريته حديثا، وهو افتعلت. وبعير مطرف: قد اشترى حديثا.
أراد أنه من هواها كالبعير الذى اشترى حديثا، فلا يزال يحن إلى أمه، وينزع إلى وطنه. والأظل: بطن الإصبع. ومهيوم: به هيام.
(3) أورد ابن منظور بيت ذى الرمة هذا فى مادة: سأى، ثم قال: ويروى هذا البيت بالشين المعجمة، من الشأو، وهو الغاية.(1/160)
فقال: تلع، ذهب إلى العلوّ، من التّلعة. فقال عبد الله: بلّع، بالباء:
إذا طلع.
قال الشيخ: يقال بلع الشّيب وبلّع، بعين غير معجمة: إذا ظهر ومنه: سعد بلع (1). وأما تلع فليس من هذا، إنما يقال: تلع النهار: إذا ارتفع. قال زهير:
باتا وباتت ليلة سمّارة ... حتى إذا تلع النّهار من الغد
اللّيلة السّمّارة: التى لا نوم فيها. وهذا فى رواية أبى عمرو الشّيبانىّ. ولم يروه البصريّون.
وأخبرنا ابن دريد والهزّانى، قالا: حدثنا الرّياشىّ، حدثنا محمد بن سلّام، عن يونس بن حبيب، قال: قال لى رؤبة بن العجّاج: حتى متى تسألنى عن هذه الأباطيل، وأزوّقها لك؟ أما ترى الشّيب بلّع فى لحيتك؟
أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا المازحىّ، وأحمد بن محمد الطّالقانىّ، قالا:
حدثنا محمد بن حبيب، قال: أنشد ابن الأعرابىّ:
أفاطم إنّى هالك فتبيّنى ... ولا تجزعى كلّ النّساء يتيم (2)
فقلت: ما معنى «يتيم»؟ قال: ضائع، ومنه سمّى اليتيم يتيما لضيعته، [70ا] فقلت: اليتم: الضّيعة؟ فقال: اليتم الغفلة، وسمّى «يتيما»،
__________
(1) جاء فى (اللسان: بلع): بلع الشيب تبليعا: بدا وظهر، وقيل: كثر وتبلع فيه الشيب:
كبلع فهما لغتان، ولم يرد ذكر للثلاثى المجرد بمعنى ظهر الشيب. وسعد بلع: منزلة من منازل القمر، وهما كوكبان متقاربان معترضان خفيان، ويقال: إنه سمى بلع، لأنه كأنه لقرب صاحبه منه يكاد يبلعه، يعنى الكوكب الذى معه.
(2) فى اللسان مادة يتم «وقال أبو عبيدة: تدعى يتيمة ما لم تتزوج، فإذا تزوجت زال عنها اسم اليتيم.
وكان المفضل ينشد:
أفاطم إنى هالك فتثبتى ... ولا تجزعى كل النساء يتيم
وفيه فى موضع آخر: «الأصمعى: اليتيم الرملة المنفردة، قال: وكل منفرد ومنفردة عند العرب: يتيم، ويتيمة». وأنشد ابن الأعرابى أيضا البيت الذى أنشده المفضل الضبى: «كل النساء يتيم». وقال: أى كل منفرد يتيم، قال: ويقول الناس: إنى صحفت وإنما يصحف من الصعب إلى الهين، لا من الهين إلى الصعب».(1/161)
لأنه مغفول عنه، أما سمعت قول عدىّ بن زيد (1):
ما يغفلوا لم يكن له يتم ... فى كلّ صرف تسعى مآربها
فقلت: إنهم ينشدونه: «كلّ النّساء تئيم»، من الأيمة، فغضب، ثم قال:
أنشدنيه المفضّل: «يتيم» بالتاء.
أخبرنى محمد بن يحيى، حدثنا عون بن محمد الكندىّ، حدّثنا محمد ابن عمر الجرجانىّ، قال:
صحّف ابن الأعرابىّ فى شعر الكميت (2)، وأنا حاضر، فأنشد:
فبانوا من بنى أسد عليهم ... نجار من خزيمة ذى القبول
فقلت: إنما هو «باتوا» بالتاء، فلوى شدقه، فقلت: إنّ بعد هذا البيت ذكر المبيت:
وقالوا بالأيامن منتماهم ... فيا بعد المبيت من المقيل
فقال: لا تلتفت إلى هذا ثم بلغنى أنه ينشده كما قلت له.
__________
(1) عدى بن زيد العبادى: يكنى أبا عمير، نصرانى عبادى، سكن الجيرة، فلان لسانه، وسهل منطقه، وكان كاتبا لكسرى هو وأخ له يقال له عمير بن زيد، وكان كسرى مكرما له محبا، وكان عدى أنبل أهل الحيرة، وأجودهم منزلة، ولو أراد أن يملكه كسرى على الحيرة ملكه، ولكن كان يحب الصيد واللهو، ولم يكن راغبا فى ملك العرب. فلما مات المنذر بن المنذر بن النعمان اللخمى، خلف اثنى عشر ذكرا، وكان النعمان بن المنذر منقطعا إلى عدى، فاحتال عدى حتى قلده كسرى من بين إخوته. ثم إن النعمان بعد تمليكه غضب على عدى، فحبسه ولج فى أمره، فجعل عدى يرسل إليه الشعر ويرققه، فيأبى إخراجه من حبسه، فلما رأى عمير أخو عدى ذلك كلم كسرى فى عدى، فكتب كسرى إلى النعمان ليرسل به إليه. فبعث النعمان إلى عدى سرا، فغمه وقتله، وبعث إلى كسرى: إنه قد مات، فلم يزل ابن عدى يبغى للنعمان الغوائل، حتى قتله كسرى أبرويز، وانقرض ملك اللخميين.
(2) من يقال له الكميت ثلاثة: من بنى أسد بن خزيمة، منهم الكميت الأكبر ابن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس. والكميت بن معروف بن الكميت الأكبر.
ومنهم الكميت بن زيد بن الأخنس بن مجالد بن ربيعة بن قيس بن الحارث بن عامر بن ذؤيبة بن عمرو ابن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن سعد. فأما الكميت بن ثعلبة الأكبر فهو القائل فى قصيدة ابن دارة وقتله:
فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
وذكره ابن سلام فى الطبقات دون الكميت بن زيد ودون الأكبر، وله ديوان مفرد. وأما الكميت بن زيد فهو مكثر جدا، وكان يتعمل لإدخال الغريب فى شعره، وله فى أهل البيت الأشعار المشهورة، وهى أجود شعره (معجم المرزبانى ص 170).(1/162)
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الباقطاى، عن أحمد بن يحيى البلاذرى، قال:
قرأت على ابن الأعرابىّ شعر الأعشى، فلمّا بلغت:
لا تشكّى إلىّ من ألم النّسع ... ولا من حفى ولا من كلال
[70ب] وقلت: «نقب الخفّ للسّرى» (1) فقال لى: «نقب الخفّ للسّرى»، فقلت: أعزّك الله إن تضمين بيتين عيب عند الحذّاق بالشّعر، أفيضمّن الأعشى مع تقدّمه ثلاثة أبيات؟ فقال لى: أنت شاعر؟ قلت:
شاعر كاتب؟ فقال: ما تنشده بعد هذا إلا كما أنشدت.
سمعت أبا الحسن علىّ بن سليمان يحكى عن ثعلب، قال:
كان ابن الأعرابىّ يذهب من الخلاف على الأصمعىّ كلّ مذهب، فروى الأصمعىّ هذا المثل: «يا عاقد اذكر حلا»، فخالفه ابن الأعرابىّ، ورواه:
«يا حامل اذكر حلّا» قال: وسمعته من أكثر من ألف أعرابىّ، فما رواه واحد منهم: يا عاقد.
وقال معنى المثل، إذا تحمّلت فلا تؤرّب ما عقدت، واذكر أنك تنزل، فتحتاج أن تحلّ ما عقدت.
فأخبرنى نفطويه عن أحمد بن يحيى، قال: ذكر ابن الأعرابىّ الأصمعىّ، فقال: كان حسودا نفوسا كذوبا.
أخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى أبو المنذر النعمان، وقد رأيت أنا أبا المنذر ولم أسمع منه هذا قال:
حدثنى أبو عمرو الطّوسىّ، قال: ما رأيت من أهل العلم أحدا قطّ أشدّ
__________
(1) البيت بتمامه:
نقب الخف للسرى فنرى ... الأنساع من حل ساعة وارتحال
وقبله كما فى الديوان:
وتراها تشكو إلى وقد آ ... لت طليحا تحذى صدور النعال(1/163)
عصبيّة من ابن الأعرابىّ، كان يدع ما يعرف [71ا] ويركب الخطأ، ويقيم فى العصبية عليه.
أملى علينا يوما: يقال: قد بلغ الشّيب فى لحيته: إذا ابتدأ فى جوانبها، فقال له رجل: إن بعض أصحابك رواه بلع، بالعين غير المعجمة، قال: جيد بالع، ومن صاحبى؟
قال: روى يونس بن حبيب النّحوىّ: أن رؤبة قال له:
إلى كم أزخرف لك الكلام وهذا الشيب قد بلع فى لحيتك؟ فقال: ما جعل الله يونس صاحبى، فمن أين جعلته صاحبى؟ قال: العلماء إخوان وأصحاب، ثم قال:
يقال للشّيب حين يبدو فى اللّحية والرأس قد بلغ وبلع: بمعنى.
قال محمد: وصدق ابن الطّوسىّ فى كلّ ما قاله، فقد حدّثنى الحزنبل بمثل هذا، وقال: سألت أحمد بن إبراهيم، وعمرو بن أبى عمرو الشّيبانىّ، والطّوسىّ، عن بلع وبلغ، فقال كلّهم: الصواب بلع، بالعين غير معجمة، أوّل ما يبدو، ولا نعرفه بالغين، إلا أن يكون تكثيرا من المبالغة، فقوله قياسا لا سماعا.
قال محمد: وحضرت أبا العباس يقرأ عليه هذه النوادر، فمرّ هذا الحرف:
«بلغ فى لحيته الشّيب» بالغين المعجمة، فقال لمن قرأ عليه: اكتب تحته: كذا:
قال ابن الأعرابىّ قال: فما قال غيره؟ قال: دع ما قال [71ب] غيره، واكتب تحته: كذا قال.
قال: وحدثنى المنذر عن ابن الطّوسىّ، قال: لم أزل شديد العصبيّة لأبى تمام، وكان ابن الأعرابىّ يضع منه، فجئته يوما ومعى أرجوزته.
* وعاذل عذلته فى عذله *
فقرأتها عليه، على أنها لبعض شعراء هذيل، فقال: لا تبرح والله حتى أكتبها، فأمليتها عليه، فكتبها بخطّه، فلمّا فرغ، قلت: هذا الذى تعيبه، أبو تمّام، فخرّقها وقال: شه شه (1)، ما سمعت بأحسن منها.(1/164)
* وعاذل عذلته فى عذله *
فقرأتها عليه، على أنها لبعض شعراء هذيل، فقال: لا تبرح والله حتى أكتبها، فأمليتها عليه، فكتبها بخطّه، فلمّا فرغ، قلت: هذا الذى تعيبه، أبو تمّام، فخرّقها وقال: شه شه (1)، ما سمعت بأحسن منها.
أخبرنى أبى، أخبرنا عسل، أخبرنا المازنىّ، عن الأصمعىّ، قال: يقال:
التّرس: المجنّ، والجوت، والفرض (2). فإذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عقب (3)، فهى الدّرقة والحجفة.
قال عسل: وصحّف ابن الأعرابىّ فى «الفرض»، فقال: القرص بالقاف، وأنشد من شعر الهذلىّ:
* يقلب بالكفّ قرصا خفيفا (4) *
قاله بالقاف، وبالصاد غير المعجمة.
أخبرنا محمد بن يحيى، أنشدنا علىّ بن الصباح، قال: أنشد ابن الأعرابىّ:
بعلك يا ذات الثّنايا الغرّ ... والرّبلات والجبين الحرّ
أعيا فنطناه مناط الجرّ ... بين سفنجى بازل جورّ
[72ا] فقال أبو محلّم: ما موضع الرّبلات، إن كان أراده فهو أبعد بعيد، وأقبح كلام، إنما هو فى الوجه، فقال: «والرتلات والجبين الحرّ».
والرّتلة: استواء الأسنان، لا يزيد منها شىء على شىء.
__________
(1) يريد التعجب، وهى حكاية كلام شبه الانتهار (لسان).
(2) فى الأصل: الحوز، والظاهر أنها محرفة عن الجوب بمعنى القوس، ودرع المرأة. وأما الحوز:
فهو الإغراق فى نزع القوس، كما فى القاموس (فالأول نص فى المعنى). وفى فقه اللغة: الجوب والفرض:
الترس.
(3) العقب: العصب الذى تعمل منه الأوتار.
(4) هذا عجز بيت:
أرقت له مثل لمع البشير ... قلّب بالكفّ فرضا خفيفا
وقال أبو عبيد: ولا تقل قرصا خفيفا.(1/165)
قال أبو بكر: وهو فى نوادر ابن الأعرابىّ على الخطأ إلى الساعة. وقد شرحته قبل هذا بما لم أحبّ إعادته (1).
وأخبرنى محمد، أخبرنا محمد بن موسى البريدىّ، حدثنا الحسن بن وهب، وكان أحسن الناس علما بالشّعر والبلاغة، قال: حضرنا ابن الأعرابىّ، وكان عالما بغريب الشّعر، لا بتصاريفه وجيّده، فأنشدنا:
هريرة ودّعها وإن لام لائم ... غداة غدت أم أنت للبين واجم
فقلت: غداة غد، فقال: سواء، فقلت: «غداة غدت»: قريب من المحال، كيف يتأهّب لوداعها وقد غدت!
أخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا أبو ذكوان، حدثنا موسى بن سعيد بن سلم، قال:
كان ابن الأعرابىّ يؤدّبنا، فدخل الأصمعىّ ونحن نقرأ شعر ابن أحمر (2):
أغدوا واعد الحىّ الزّيالا ... لوجه لا نريد به بدالا
[72ب] إلى أن بلغنا إلى قوله:
أرى ذا شيبة حمّال ثقل ... وأبيض مثل صدر السّيف نالا
فقال الأصمعىّ: «بالا»، فصاح ابن الأعرابىّ: «نالا، نالا» بالنون، من النوال.
فقال الأصمعىّ لنا: إن الشاعر قد فرّع من هذا، فقال: فيهم شيخ حمّال ثقل، وهو الذى ينيل ويعطى، وفيهم شابّ مثل صدر السّيف بالا: أى حالا، وهو كالسيف فى حاله وبأسه وفسّر هذا فى البيت الثانى، فقال:
بهم يسعى المفاخر حين يسعى ... إذا ما عدّ بأسا أو نوالا
__________
(1) انظر صفحة 985، ويروى: زوجك، بدل: بعلك.
(2) هو عمرو بن أحمر الباهلى، قال ابن حبيب: كان يتقدم شعراء أهل زمانه، وهو القائل:
إذا ضيعت أول كل أمر ... أبت أعجازه إلا التواء
وانظر أيضا صفحة 153.(1/166)
فأراد بالبأس: الحال التى وصف الأبيض الفتى به، وبالنوال وصف به ذا الشّيبة، أنه حمّال ثقل. فقام ابن الأعرابىّ على نالا، وانصرف الأصمعىّ، وجاء أبى، فعرّفناه الخبر، فقال: القول ما قال الأصمعىّ، وابن الأعرابىّ نهاية فى علمه، فأمّا أن تكون النساء ولدت مثل الأصمعىّ، فى حفظه أو ذهنه وروايته، فلا، قال: فأمر للأصمعىّ بأربعمائة دينار، ولابن الأعرابىّ بمئتى دينار (1).
فحدثنى يموت بن المزرّع، عن أبى أمامة الباهلىّ، وحضر المجلس: [73ا]:
أن ابن الأعرابىّ افتضح بهذا، ثم احتال، فأحضر نسخة فيها شعر عمرو بن أحمر، وقد غير البيت الأوّل منها، فجعله:
أغدوا واعد الحىّ الزّيالا ... وشوقا لا يبالى العير بالا (2)
ثم قال: معنى الأصمعىّ صحيح، ولكن كيف يردّد ابن أحمر قافيتين فى قصيدة؟
فزادت فضيحتهم، لضعف المصراع الذى غيّروه، وإحالة معناه.
قال محمد: وعندى بخطّ الغنوىّ، أن البغداديين عملوا هذا، ليعذروا ابن الأعرابىّ، فافتضحوا.
وحكى لنا أبو الحسن علىّ بن سليمان: أن ابن الأعرابىّ كان يقول: صحّف الأصمعىّ فى بيت الحطيئة، من أوّله إلى آخره، وكان ابن الأعرابىّ يرويه:
كفوا سنتين بالأضياف نقعا ... على تلك الجفان من النّقىّ
__________
(1) يقرب من هذا الخبر خبر آخر ذكره السيوطى فى البغية، فى ترجمة ابن الأعرابى. قال: وحدث الصولى قال: غنى فى مجلس الواثق بشعر الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمنى ... لا بالحصور ولا فيها بسوار
فقيل: بسوار، وبسآر. فوجه إلى ابن الأعرابى وهو حينئذ بسر من رأى، فسئل عن ذلك، فقال بسوار: يريد بوثاب، أى لا يثب على ندمائه. وبسآر: أى لا يفضل فى القدح سؤرة، وقد رويا جميعا، فأمر له الواثق بعشرة آلاف دينار (البغية رقم 43).
(2) فى اللسان فى مادة (بال) قال ابن برى: والبال: المبالاة. قال ابن أحمر:
أغدوا واعد الحىّ الزّيالا ... وشوقا لم يبالوا العين بالا(1/167)
وكان الأصمعىّ يرويه:
كفوا سنتين بالأضياف بقعا ... على تلك الجفار من النّفىّ
وقد ذكرته فى أخبار الأصمعىّ مشروحا (1)، فتركت إعادته.
أخبرنا محمد بن يحيى، حدّثنا الطّيّب بن محمد الباهلىّ، حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم، قال:
أنشد الأصمعىّ عندنا قول العجّاج:
[73ب] * من أن تبدّلت بآدى آدا *
* لم يك ينآد فأمسى انآدا *
* [وقصبا حنّى حتّى كادا *
* يعود بعد أعظم أعوادا] * (2)
* فقد أرانى أصل القعّادا *
فقال له ابن الأعرابىّ: ما القعّاد؟ فقال: يصلح أن يكون: من قعد من الرّجال عن طلب الغزل للكبر، أو من النّساء مثل ذلك.
فقال ابن الأعرابىّ: هذا للرجال، فأمّا النّساء فجمعهن قواعد، كما قال الله عزّ وجلّ، فضحك الأصمعىّ، وأنشد للقطامىّ:
أبصارهنّ عن الشّيخان مائلة (3) ... وقد أراهنّ عنى غير صدّاد
فسكت ابن الأعرابىّ، فلم يحر جوابا.
قال: وسمعت العباس بن علىّ يحكى عن الزّنقاظى، قال: قال ابن الأعرابىّ:
__________
(1) مر ذكر خبر هذا الشعر فى صفحة 101فانظره بها.
(2) هذا البيت زيادة عن ملحق ديوان العجاج، ولم يرد به البيت الآخر، وهو قوله:
* فقد أرانى أصل القعّادا *
(3) رواية هذا الشطر فى الديوان:
* أبصارهن إلى الشبان مائلة *(1/168)
لو كان عند الأصمعىّ شىء مما أحتاج إليه ما تركته، لقد أخذت عمّن هو ده نه، ولقد حضرته يوما فى منزل سعيد بن سلم يقرأ عليه شعر العجّاج، فمرّ فيه:
* فقد أرانى أصل القعّادا *
فسئل عن القعّاد، فقال: النّساء، فقلت: القعّاد للرجال، وللنّساء: قواعد، كما قال الله، فنظر إلىّ وسكت. قال: فحدثنى أحمد بن المؤمّل، حدثنا محمد ابن هشام، عن أحمد بن سعيد بن سلم، قال:
تشاجر عندنا الأصمعىّ وابن الأعرابىّ، فقال الأصمعىّ: القعّاد: النّساء، وقال ابن الأعرابىّ [74ا] القعّاد: الرجال، والقواعد: النّساء، كما قال الله فلما خرج ابن الأعرابىّ قال الأصمعىّ: يا بنىّ، استكثروا من علماء بغداد، فإنهم من حزب السّنّة (1)، ثم أنشد للقطامىّ:
أبصارهنّ إلى الشّبان مائلة ... وقد أراهن عنّى غير صدّاد
فما الفرق بين الصّدّاد والقعّاد، فعلمنا أن الصواب معه، وأنه سكت غيظا.
وأخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنى علىّ بن الصّبّاح ورّاق أبى محلّم، قال:
أنشد ابن الأعرابىّ للبيد (2):
لا تسقنى بيديك إن لم ألتمس ... نعم الضّجوع بغارة أسراب (3)
نهدى أوائلهنّ كلّ طمرّة ... جرداء مثل هراوة الأعراب
الأعراب: بالراء غير المعجمة. فقال أبو محلّم: ما هكذا روى الحضريون ولا البدويون، أما الحضريّون فرووا:
* مثل هراوة الأعزاب (4) *
__________
(1) فى الأصل: من ضرب السنة.
(2) روى هذا الشعر لعامر بن الطفيل فى اللسان (مادة ضجع وفى مادة: هرى).
(3) الضجوع: اسم موضع. قال الأصمعى: هو رحبة لبنى أبى بكر بن كلاب.
(4) الهراوة: فرس الريان بن حويص. وروى عن سيبويه أنه قال: كان لعبد القيس فرس يقال لها هراوة الأعزاب، يركبها العزب، ويغزو عليها، فإذا تأهل أعطوها عزبا آخر.(1/169)
بالزاى المعجمة، ويقولون: شبّه الفرس بعصا الرّعاء الذين يعزبون بإبلهم: أى يبعدون، والعصىّ سلاحهم، فهم يصلحونها ويملّسونها.
قال أبو محلّم: وأنشدنيه ربيع الكلابىّ:
* مثل هراءة الأعزاب *
شبّه فرسه بأتان الوحش فى صلابتها [74ب] واندماجها والأعزاب: يريد الوحش العازبة، وهى النّائية عن الناس، فهو أشدّ لها، والأتان يقال لها الهراءة، فى لغة بنى كلاب، كأنّها فعالة، من هرأت الشّىء، فكأنها تهرأ كلّ شىء تمرّ به بحوافرها، وهرأت اللّحم وهرّأته: بالغت فى نضجه.
قال ربيع: كذا قال لبيد. والحضريون ينشدونه.
* مثل هراوة الأعزاب *
قال أبو محلّم:
فأما الذى رواه ابن الأعرابىّ: هراوة الأعزاب، فتصحيف.
وأخبرنا محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق، وإبراهيم بن المعلّى، قالا:
صحّف ابن حبيب فى حرف، فردّ عليه، فرجع، وكان قال فى قصيدة أبى ذؤيب:
* فكأنّ سفّودين لمّا يفترا (1) *
بالفاء، فقال: «لمّا يقترا» بالقاف، فقال: وما يكون إن صحفت؟ فقد صحّف ابن الأعرابىّ فى هذه القصيدة بعينها، فأنشد:
__________
(1) تمام البيت كما فى الجمهرة:
* عجلا له بشواء شرب يترع *
ويليه:
فرمى لينفذ قدّها فأصابه ... سهم فأنفذ طرّتيه المنزع
وفسره: القد: ولد البقرة، والطرتان: جانباه والمنزع السهم. وفى (اللسان: نزع):
فرها، قال ابن برى: وفرها: جمع فاره وهما من مرثيته المشهورة:
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع(1/170)
* فرمى لينفد قرّها *
وإنما هو: «لينقد فرّها».
قال: وحدثنى يحيى بن علىّ، حدثنى إبراهيم بن علىّ بن مخلّد، قال: كنا فى مجلس ابن الأعرابىّ، فأنشدنا:
لو قاتل الموت امرؤ عن حميمه ... لقاتلت جهدى سكرة الموت عن معن
[75ا] فتى لا يقول الموت من وقعه به: ... لك ابنك خذه ليس من حاجتى دعنى
فكتبناه على هذا، ثم جاء بعد ذلك إنسان ضرير حسن العلم، كان ابن الأعرابىّ يناشده أبدا، فتذاكرا، فقال الضرير: هذا مثل قوله:
* قتالا يقول الموت من وقعه به *
فالتفت إلينا ابن الأعرابىّ، فقال: اجعلوه كما قال، فإن الذى كنت أمليته عليكم خطأ.
قال الشيخ: وقد ذكرته قبل هذا بأتمّ من هذا (1).
وأخبرنا محمد، أخبرنا الطّيّب بن محمد الباهلىّ، حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم، قال: أنشدنا ابن الأعرابىّ:
ولا عيب فينا غير أنّا لمعشر ... كرام وأنّا لا نحطّ على النّمل
بحاء غير معجمة، فقال ابن لأبى عمرو (2): وما معنى: «نحطّ على النمل»؟ فقال:
نحن كرام أعزّاء، ننزل بأعلى المنزلة، فلا يجرفنا السّيل، ولا نحطّ على قرى النمل إذا كانت فى البطون، ولذلك قال النّابغة:
* يادار ميّة بالعلياء فالسّند *
__________
(1) لم يسبق لهذا الخبر ذكر فيما مضى من الكتاب، فلعل الأمر التبس على المصنف، أو وقع فى الأصول سقط.
(2) هكذا فى الأصول، ولعل أبا عمرو وابنه عمرا سمعا ما أنشده ابن الأعرابى فى هذا المجلس، فاعترض ابنه على رواية البيت، ثم فسر أبو عمرو نفسه المعنى على حقيقته، كما سيجىء بعد.(1/171)
فقال [أبو عمرو] (1): لم يرد الشاعر هذا النّمل، ولا هو فى هذه الطريقة، إنما يريد أنّ آباءنا ليسوا بمجوس، لأنه يقال: إن المجوسىّ إذا كان من أخته، وخطّ على القرحة المعروفة [75ب] بالنملة، (2) برأت (3). قال: فسكت، فلم يردّ جوابا.
وأخبرنا محمد، حدثنى أبو عبيد الله الحسين بن عمر، قال: سمعت علىّ بن الحسين الإسكافىّ يقول: أنشدنا ابن الأعرابىّ للشّمّاخ:
وقد عرقت مغابنها وجادت ... بدرّتها قرى حجن قتين (4)
فأنشدت البيت أبا محلّم، فقال: سله عن تفسيره، فسألته، فقال: جادت النّاقة بعرقها ظهر هذا القراد. والحجن: الحاء قبل الجيم، قلت: فما الحجن؟
قال: صعر، فعرّفت أبا محلّم، فقال: صحّف والله، إنما هو: قرى، أى عرق الناقة قرى لهذا القراد، وليس هو بحجن، إنما هو «جحن»، الجيم قبل الحاء، وهو السّيّئ الغذاء. وقتين: قليل الطّعم.
وأخبرنا محمد، حدثنى يعقوب ابن بيان، أخبرنى علىّ بن الحسين الإسكافىّ قال: أنشدنى ابن الأعرابىّ:
يشتدّ حين يريد فارسه ... شدّ الجداية عمّها الكرب
فأنشدت البيت أبا محلّم، فقال: أخطأ والله، إنما هو «غمّه الكرب»: غرّته الهاء، فظنّ الجداية من ولد الظّبية، أو ما سمع قول عنترة:
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق، وضعناها بين هاتين الحاصرتين. والبيت لعمرو بن حممة الدوسى. وانظر شرح أبى عمرو بن العلاء له فى كتاب «المعانى الكبير لابن قتيبة، طبع حيدر أباد ص 563، 637).
(2) النمل والنملة: قروح فى الجنب وغيره. وقيل: بثور صغار مع ورم يسير، ثم يتقرح، فيسعى ويتسع، ويسميها الأطباء: الذباب.
(3) برأ: لغة أهل الحجاز، وأما الفعل فهو برئ يبرأ.
(4) ورد البيت فى اللسان فى مادتى: حجن، وجحن. وقد ذهب ابن برى بمفرده إلى أن الكلمة (حجن بالحاء فالجيم) وأما الأزهرى وابن سيده فقد روياه فى مادة: جحن: الجيم قبل الحاء، وعلق على هذا بأنه إما أن يكون ابن برى صحفه، أو وجد له وجها فيما ذكره وأورد بيت الشماخ كما هو هاهنا. وقال:
الجوهرى: يسمى القراد قتينا لقلة دمه. قال ابن برى: شاهد القتين: المرأة القليلة الطعم. والقتين مثل الحجن أيضا، أراد بالحجن قرادا، وجعل عرق الناقة قوتا له، وأورده فى مادة: جحن. وقال: قال ابن سيد: أراد قرادا، جعله جحنا لسوء غذائه، يعنى أنها عرقت، فصار عرقها قرى للقراد.(1/172)
وكأنما التفتت بجيد جداية ... رشأ من الغزلان حرّ أرثم (1)
[76ا] قال: وحدثنى يعقوب أيضا، حدثنا علىّ بن الحسين، قال:
أنشدت أبا محلّم أبياتا أنشدنيها ابن الأعرابىّ (2):
لأنتم بالحبال مدفّنات ... أمام الحىّ للرّخم الوقوع
أحقّ بكم وأجدر أن تصيدوا ... من الفرسان ترفل فى الدّروع
إذا صادوا بغاثا شيّطوه (3) ... فكان وفاء شاتهم القروع
فقال أبو محلّم: صحّف والله ابن الأعرابىّ، إنما هو:
* فكان وفاء شاتهم القروع *
وأخبرنا محمد، حدثنا يعقوب (4) بن بيان، والحسين بن عمرو، قالا:
أخبرنا علىّ بن الحسين الإسكافىّ، قال: قرأنا على ابن الأعرابىّ فى شعر ذى الرّمّة، قصيدته التى أوّلها:
__________
(1) الجداية: الظبية أتى عليها خمسة أشهر أو ستة. والرشأ: الذى قوى من أولاد الظباء. وحر: أى حسن، وأرثم: فى شفته وأنفه بياض. والبيت لعنترة فى معلقته.
(2) الشعر لخداش بن زهير، أورده صاحب اللسان فى مادة (قرع) غير أنه ذكر أن أوله:
لعمر أبيك للخيل الموطى ... أمام القوم للرخم الوقوع
وبعده البيتان.
(3) فسر ابن منظور بيت الشاهد، فقال: فسره ابن الأعرابى فقال: القروع: المقارعة، وإنما وصف لؤمهم، يقول: إنما يتقارعون على البغاث لا على الجزر. قال ابن سيده: ولا أدرى ما هذا الذى قاله ابن الأعرابى فى هذا البيت، وكذلك لا أعرف كيف يكون القروع: المقارعة، إلا أن يكون على حذف الزائد. قال: ويروى شاتهم القروع، وفسره فقال: معناه: كان البغاث وفاء من شاتهم التى يتقارعون عليها، لأنه لا قدرة لهم أن يتقارعوا على جزر، قال: والذى عندى أن هذا أصح لقوة المعنى بذلك. قال: وأيضا فإنه يسلم بذلك من الإقواء، لأن القافية مجرورة. وفى الأصل: فكان وفاء شاتهم بالقدوع.
والبيت ورد أيضا فى مجالس ابن حنزابة «فى ص 11» بعد أن أورد البيت «عننا باطلا وظلما» البيت، ومثله:
إذا اصطادوا بغاثا شيطوه ... فكان وقاء شاتهم القروع
(4) عبارة الأصل «وأخبرنا محمد بن يعقوب بن بيان» ثم كتب فوق كلمة ابن التى قبل يعقوب: حدثنا.
وقد اعتمدنا هنا على السند الذى سبق قبل فى صفحة 158.(1/173)
ألا حىّ المنازل بالسّلام ... على بخل المنازل بالكلام
لمية بالمعاد رخت عليه ... رياح الصّيف عاما بعد عام
فقلت له: ما معنى: بالمعاد؟ فقال: أمكنة يعودون إليها، فقلت: رخت؟
فقال: مرّت ساكنة، من قوله عزّ وجلّ: «رخاء حيث أصاب».
قال: وكان أبو محلّم يسألنى أبدا عما قرأناه عليه، وسمعناه منه، فيقول: أعده علىّ، فأعدت هذا عليه، فضحك ثم قال: أصلحته [76ب] على هذا فى كتابك؟ قلت: نعم، قال: إنا لله! من مضى ومن بقى، ويل للشّيطان! إنما هو:
لميّة بالمعى درجت عليه (1) ... رياح الصّيف عاما بعد عام
قال: وحدثنى الحزنبل، قال:
كنّا عند ابن الأعرابىّ يوما ومعنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى، وكنا نسمع فى مكان واحد، فأنشدنا ابن الأعرابىّ بيت الشّنفرى أو غيره:
* زنوا الصّخر أنّى يمكن الصخر يودن *
وإنما هو دنوا الصخر: أى بلّوه أنّى يمكن الصخر يودن؟ فحدثت بهذا الحديث رجلا من الكتّاب، فجاء إلى أبى العبّاس، فقال له: أنشدنا ابن الأعرابىّ:
«زنوا الصخر» مكان «دنوا»، فقال له أبو العباس: من حكى هذا عليه لعنة الله؟
فقال له الرجل: أصدق أم كذب؟ فقال: على من حكاه لعنة الله، قال:
فقال الرجل: الآن علمت أنه قد صحّفه، قال: فشفانى الرجل منه.
__________
(1) من قصيدة لذى الرمة أولها:
* ألا حى المنازل بالسلام *
والذى فى الديوان 594: * لمى بالمعى درجت عليها *
والمعى بالكسر والقصر. وقال الليث: المعى من مذانب الأرض، كل مذنب بالحضيض يناصى مذنبا بالسند، وقال أبو خيرة: المعى مقصور، الواحدة معاة: سهلة بين صلبين. وقال الحفصى: إذا أخذت من سعد من أرض اليمامة إلى هجر، فأول ماتطأ حمل الدهناء، ثم جبالها ثم العقد، ثم هريرة، وهو آخر الدهناء، ثم واحف، ثم المعى. وهو يرد فى شعر ذى الرمة، وهو مكان، وقيل: جبل قبل الدهناء.(1/174)
حدثنا محمد، حدثنا الحزنبل، أنشدنا ابن الأعرابىّ، لشفاء بن نصر المنافى:
ليت الرّجال قد تلاقوا بالعطن (1) ... بأرزنات (2) ليس فيهنّ أبن (3)
يمتن إذ يحيين أضعان الدّمن (4) ... طار فؤادى طيرة ثم سكن
إنّ لهم بعدا لجراء واللّعن ... سبّا إذا ما ظهر السّبّ بطن (5)
ثم قرأناه على التّوّجىّ فقال: صحّف والله، إنما هو:
* إن لهم بعد الخزاء واللّعن *
الخزاء والخزاية: واحد، قال: فحدّثت به أحمد بن يحيى، فقال: ما ظننت أن أحدا حفظ هذا عليه، بالله عليك لا تحكه، فإن ابن الأعرابىّ ما مات حتى رجع عنه.
أخبرنا محمد، حدثنى أبو عبد الله الأخبارىّ، حدثنى علىّ بن الحسين الإسكافىّ، قال:
سمعت أبا محلّم يحلف بالله لقد صحف ابن الأعرابىّ فى قوله:
كليه وجرّيه ضباع وأبشرى ... بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
ذكر الخارزنجىّ فى كتابه: يجب أن يكون ضباع، فإنه مبنىّ اسم الضّبع، قال: وإنما هو: «وأيسرى»، قال: ما سمعته من فصيح قطّ إلا هكذا.
وأخبرنى محمد، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، قال: اجتمع ابن الأعرابىّ وأبو نصر أحمد بن حاتم فى مجلس عندنا، فحدثت أن ابن الأعرابىّ أخطأ فى مواضع، وأن أبا نصر أنشد لأبى الأسود:
__________
(1) العطن محركة: مواطن الابل ومباركها حول الحياض، ومرابض الغنم حول الماء، وهى أيضا محلات اجتماع الناس ونزولهم، لأنها عادة تكون قريبة من المعاطن.
(2) الأرزن: شجر صلب تتخذ منه العصى. والمعنى يحتمل أنه أراد العصا حقيقة، أو أنه شبه بها الكلام الشديد الذى يقع بين المتلاحيين فى التخاصم أو المعتبة.
(3) الأبن: جمع أبنة، وهى العقدة. فى العود والعيب، وكنى بها عن المصارحة فى الشر والشدة فى التلاحى.
(4) أضعان الدمن: يعنى الأحقاد القديمة الخفية.
(5) السب: الشتم واللعن. ومعنى البيت: أن هذا السباب الذى جرى على ألسنتهم، كان مقذعا وشديدا يستحى من ذكره.(1/175)
[77ب] كساك ولم تستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وياصر (1)
فقال له ابن الأعرابىّ: وناصر. فقال أبو نصر:
ومرسل كلما يبغى النّجاة به ... وكان فى حتفه من أوكد السّبب
دعنى يا هذا وياصرى، وعليك بناصرك. وسئل عنها أبو محلّم (2)، فقال: سمعت يونس ينشدها كما قال أبو نصر.
أخبرنا محمد، قال: ربما صحّف ابن الأعرابىّ فى أوّل قصيدة ابن قيس الرّقيّات (3) التى رثّى بها مصعبا:
أتاك بياسر نبأ جليل (4) ... فليلك إذ أتاك به طويل
فقال: «أتاك بنا سربنا جليل»، فسئل عن السّربنا؟ فقال: دابة من دوابّ البحر.
قال: وحدثنا الحزنبل (5)، قال: كنا عند ابن الأعرابىّ، وحضر أبو هفّان (6)
فقال ابن الأعرابىّ، قال ابن أبى شبّة العبلىّ: (7)
__________
(1) فى القاموس: «الأصر»: الكسر والعطف والحبس، وأن تجعل للبيت إصارا، وفعل الكل كضرب.
والإصر بالكسر العهد والذنب ويضم ويفتح وما عطفك على الشىء. وأن تحلف بطلاق أو عتق أو نذر».
والمعنى المناسب للبيت، أن أخاك هذا يبدؤك بخير، ويعلك بمعروفه من غير طلب، وإجزاله فى إكرامك يمنعك من أن تلتمس حاجة من غيره. وقد رسم فى المخطوطة «وناصر»، فقال له ابن الأعرابى: «وتأصر»، والمناسب للمعنى، أن يكون بياء الغيبة: لاتاء الخطاب.
(2) أبو محلم الراوية التميمى السعدى، اسمه محمد بن هاشم، أعرابى كان أحفظ الناس للعلم وأذكاهم، أورده المرزبانى فى الشعراء فى معجمه (انظر صفحة 428).
(3) عبيد الله بن قيس بن سريج بن مالك من بنى عامر بن لؤى، شاعر قريش فى العصر الأموى.
كان مقيما فى المدينة، وقد ينزل الرقة، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان. ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابنى الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة، وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر ابن أبى طالب، فسأل عبد الملك فى أمره فأمنه، فأقام إلى أن توفى. وأكثر شعره فى الغزل والنسيب وله مدح وفخر، وإنما لقب بابن قيس الرقيات، لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية (انظر أخباره فى الأغانى ج 4ص 166154).
(4) ياسر: جبل فى منازل بنى أبى بكر بن كلاب، يقال له: ياسر الرمل، وإلى جانبه قرية يقال لها ياسرة وفيه يقول السرى بن حاتم:
لقد كنت أهوى ياسر الرمل مرة ... فقد كاد حبى ياسر الرمل يذهب
(5) الخبر مذكور فى معجم البلدان (مادة كثوة) وقال: الحزنبل: هو أبو عبد الله.
(6) أبو هفان: هو عبد الله بن أحمد المهزمى (المعجم).
(7) فى الأصل ابن أبى سبة بإهمال السين، وبباء موحدة، وفى المعجم ابن أبى شبة. والصواب: ابن أبى سنة كما فى الأغانى لأبى الفرح (4: 339).(1/176)
أفاض المدامع قتلى كذا ... وقتلى بكشوه لم ترمس (1)
فغمز (2) أبو هفّان رجلا فقال: قل: ما معنى قتلى كذا؟ قال: يريد كثرتهم فلما قمنا قال لى أبو هفان: سمعت إلى هذا المعجب [78ا] الرّقيع (3)، صحف اسم الرجل، وهو ابن أبى سنّة (4)، والشعر:
أفاض المدامع قتلى كدا ... وقتلى بكثوة لم ترمس
وقتلى بوج وبالّلابتين ... وأخرى بنهر أبى فطرس (5)
أولئك قوم تداعت بهم ... نوائب من زمن متعس
__________
(1) الرواية فى المعجم:
أفاض المدامع قتلى كدا ... وقتلى بكبوة لم ترمس
أى أن التصحيف فى موضعين فى (كدا) وفى (كثوة).
(2) فى المعجم: فعمد أبو هفان إلى رجل وقال: ما معنى كذا.
(3) الرواية فى المعجم: سمعت إلى هذا المعجب الرفيع، وهى مصحفة عن رواية الأصل.
(4) فى الأصل: وهو ابن أبى سنة، وكذلك فى المعجم، غير أن العبارة وردت فى المعجم مزيدة هكذا «قال لى أبو هفان: سمعت إلى هذا للعجب الرفيع؟ هو ابن أبى سنة، فقال ابن أبى شبة وقال «قتلى كذا» وهو «كدا» بالدال المهملة وضم الكاف وقال «قتلى بكبوة» وهو «بكثوة». وأغلط من هذا أنه يفسر تصحيفه بوجه وقاح. فبلغ ذلك ابن الأعرابى. فقال: لمثلى يقال هذا، وما بين لابتيها أعلم بكلام العرب منى؟ فقال أبو هفان: هذه رابعة، ما للكوفة واللوب؟ إنما اللابتان للمدينة، وهما الحرتان (المعجم: مادة كثوة).
(5) اللابتان: تثنية لابة، وهى الحرة وجمعها لاب وفى الحديث «أن النبى صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها» يعنى المدينة، لأنها بين الحرتين. قال الأصمعى: اللابة: الأرض التى ألبستها الحجارة السود، وجمعها لابات: ما بين الثلاث إلى العشر، فإذا كثرت فهى اللاب واللوب.
ووج: هو الطائف، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن آخر وطأة الله يوم وج».
قال ياقوت: أراد بالوطأة: الغزاة هاهنا، وكانت غزاة الطائف آخر غزوات النبى صلى الله عليه وسلم.
قال وقيل: سميت وجا، بوح ابن عبد الحق من العمالقة. وقيل: من خزاعة.
ونهر أبى فطرس كما قال ياقوت: موضع قرب الرملة من أرض فلسطين مخرجه من أعين فى الجبل المتصل بنابلس، ينصب فى البحر بين يدى مدينتى أرسوف ويافا، وبه كانت وقعة عبد الله بن على بن عبد الله ابن العباس مع بنى أمية، فقتلهم فى سنة 132فقال إبراهيم مولى فائد العبلى يرثيهم. ثم أورد الأبيات الستة السينية التى أوردناها من قبل، وزاد بيتا سابقا موضعه بعد الرابع وهو:
إذا ركبوا زينوا المركبين ... وإن جلسوا زينة المجلس(1/177)
إذا ركبوا زيّنوا الرّاكبين ... وإن جلسوا زينة المجلس (1)
أخبرنى أبو محمد القاسم بن محمد الدّيمرتىّ (2) قال: قال أبو سعيد الضرير، روى ابن الأعرابىّ بيت زهير:
كخنساء سفعاء الملاطم حرّة ... مشافرة مزءودة أمّ فرقد (3)
وكان أبو عمرو يرويه «مسافرة» وهى التى تنشط من بلد إلى بلد، فرددته عليه، وقلت: إن أبا عمرو يرويه «مسافرة»، حتى أنشدته بيت عبدة بن الطّبيب (4)
كأنها يوم ورد القوم خامسة ... مسافر أشعث الرّوقين مكحول
__________
(1) ورد الشعر فى معجم البلدان (مادة اللابتان) قال: وقال أبو سعيد إبراهيم مولى فائد، ويعرف بابن أبى سنة، يرثى بنى أمية. وكذلك ورد فى الأغانى لأبى الفرج) 4: 339
أفاض المدامع قتلى كدى ... وقتلى بكثوة لم ترمس
وقتلى بوج وباللابتين ... ومن يثرب خير ما أنفس
وبالزابيين نفوس ثوت ... وأخرى بنهر أبى فطرس
أولئك قوم أناخت بهم ... نوائب من زمن متعس
هم أضرعونى لريب الزمان ... وهم ألصقوا الرغم بالمعطس
فما أنس لا أنس قتلاهم ... ولا عاش من بعدهم من نسى
(2) فى الأصل: الديمرتى، نسبة إلى ديمرت وقد ضبطها ياقوت هكذا: بكسر أوله وفتحه وسكون ثانيه وفتح ميمه وسكون الراء، وآخره تاء مثناة من فوق: من نواحى أصبهان قال الصاحب أبو القاسم إسماعيل ابن عباد:
يا أصبهان سقيت الغيث من بلد ... فأنت مجمع أوطارى وأوطانى
ذكرت ديمرت إذ طال الثواء بها ... وأين ديمرت من أكناف جرجان
قال وينسب إليها أبو محمد القاسم بن محمد الديمرتى الأديب، روى عنه إبراهيم بن متوية (ديمرت) المعجم.
وقال السمعانى: الديميرى بكسر الدال المهملة وسكون الباء والميم المسكورة ثم ياء أخرى ساكنة وفى آخرها الراء والياء آخر الحروف، هذه النسبة إلى ديمير، منها أبو محمد القاسم بن محمد الديميرى الأديب، روى عنه إبراهيم بن متوية من أهل أصبهان (الأنساب للسمعانى ص 8من ليدن، عام 1912).
(3) البيت من قصيدة لزهير مطلعها:
غشيت ديارا بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوين من أم معبد
والسفعة: السواد والشحوب أو مع لون آخر. والملاطم: الخدود من اللطم، وهو الضرب على الخد، والمزءودة المذعورة الفزعة، والفرقد: ولد البقرة أو الوحشية.
(4) هو عبدة (بسكون الباء) ابن يزيد الطبيب بن عمرو بن على من تميم، شاعر مخضرم شهد الفتوح.
وهو صاحب المرثية التى فيها البيت، الذى قيل إنه أرثى بيت قالته العرب:
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما (الأصابة)(1/178)
فقبل:
وأخبرنى أبو عبد الله بن عرفة عن أبى العباس، قال: أنشد ابن الأعرابىّ:
تفاطير الشّباب بوجه سلمى ... حديثا لا تفاطير الشّراب
[78ب] أنشده ابن الأعرابىّ بتاء فوقها نقطتان (1)، وقال: هى آثار الكبر، وقال:
ليس نفاطير بالنون بشىء.
وقال أصحابنا: كلّهم يقولون «نفاطير» بالنون، غير ابن الأعرابىّ، فإنه يقول:
«تفاطير» بالتاء، ومثله «تعاشيب، وتباشير الصبح، وتكاليف الحياة، وتعاجيب» وهو فى الأصل جمع، فصيّر واحدا، قال سلامة:
* أودى الشّباب حميدا ذو التّعاجيب *
وقال غيره:
* نورا تعاشيب (2) وبقلا توءما *
أخبرنى أحمد بن محمد بن الفضل، يعرف بابن الخبّاز، حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابىّ يوم أرونان وهو مأخوذ من الرّنة، قال: وسمعت ابن الأعرابىّ يقول: يوم أرونانىّ ويوم أرونان. قال: وهو من الرّنة، وليس يصحّ هذا وقال سيبويه: إنه «أفعلان» من الرّون، والرّون:
الشّدّة، وهذا القياس. وكان ابن الأعرابىّ يقول: «أفوعال» وليس فى الدنيا «أفوعال».
وحكى عنه: جاءنى بعض الرجلين، ولم يأتنى بعضهما يعنى أنه جاءنى أحدهما، ولم يأت الآخر [79ا]، ولم يحك هذا عن غيره.
__________
(1) فى اللسان، التفاطير والنفاطير: بثر، تخرج فى وجه الغلام والجارية، قال:
نفاطير الجنون بوجه سلمى ... قديما لا تفاطير الشباب
وقال واحدتها نفطور ولعلها التى يسميها العامة فى مصر: حب الشباب.
(2) التعاشيب: العشب. النبذ المتفرق، لا واحد له.(1/179)
ما وهم فيه أبو عمرو إسحاق بن مرار الشّيبانى (1)
أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، حدثنا سلمة بن عاصم، قال:
اجتمع الأصمعىّ وأبو عمرو الشّيبانىّ عند أبى السّمراء، فتناشدا وتناظرا، وكان إلى جانب الأصمعىّ فرو، فوضع يده على الفرو، ثم قال لأبى عمرو: ما معنى قول مالك بن زغبة؟
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها (2)
فقال أبو عمرو: هى هذه الفراء. فقال الأصمعىّ: يا أهل بغداد هذا عالمكم!
قال الشيخ:
ليس هذا من التصحيف، ولكنه من التّغيير، وإنما غالطه الأصمعىّ، فزلّ.
والفراء هاهنا جمع الفرأ، وهو الحمار الوحشى، والفرأ يمدّ ويقصر، قال الشاعر:
إذا اجتمعوا علىّ وأشقذونى ... فصرت كأننى فرأ متار (3)
__________
(1) إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيبانى الكوفى، يعرف بأبى عمرو الأحمر، راوية أهل بغداد، واسع العلم باللغة والشعر، وكان عند الخاصة من أهل العلم والرواية مشهورا، والذى قصر به عند العامة من أهل العلم أنه كان مشتهرا بالنبيذ وشربه، لزمه الامام أحمد بن حنبل، وروى عنه. ومن مصنفاته: كتاب الجيم، وكتاب النوادر، والخيل، والغريب المصنف، وغريب الحديث، والنوادر الكبير، وأشعار القبائل، وخلق الإنسان. مات أبو عمرو سنة ست أو خمس ومائتين، وقيل: ثلاث عشرة وبلغ مائة سنة وعشر سنين، وقيل: وثمانى عشرة. «البغية».
(2) البيت، أورده صاحب اللسان فى مادة (وزغ)، والإيزاغ: إخراج البول دفعة دفعة. وقال:
أوزغت الناقة ببولها وأزغلت به: قطعته دفعا دفعا والحوامل من الإبل: توزغ بأبوالها، والطعنة:
توزغ بالدم. ومعنى تبورها: تختبرها.
(3) يقال: أشقذت فلانا: إذا طردته، وشقذ هو: إذا ذهب. وقد روى: إذا غضبوا مكان: إذا اجتمعوا متار بالتاء، بدل مثار ومعنى متار: مفزع من أترته إذا أفزعته وضررته. وقال ابن حمزة.
هذا تصحيف، وإنما هو منار بالنون، يقال: أنرته بمعنى: أفزعته، ومنه النوار، وهى النفور.
والشاعر، هو عامر بن كثير المحاربى. وقبل هذا البيت:
فإنى لست من غطفان أصلى ... ولا بينى وبينهم اعتشار(1/180)
ورواية البصريين: «كآذان الفراء» على أنه جمع الفرأ ورواية الكوفيين:
«كآذان الفراء» بفتح الفاء، على أنه واحد، يمدّ ويقصر [79ب]، وشبّه ما تعلّق عن الضّربة من اللحم بآذان الحمير.
مثل من الأمثال: «كلّ الصيد فى جوف الفرا». وقد تكلم به النبىّ صلى الله عليه وسلم:
أخبرنا ابن الأنبارىّ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علىّ بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن وائل بن داود، عن نصر بن عاصم، قال: أخّر أبو سفيان فى الإذن، فقال: يا رسول الله، كدت تأذن لحجارة الجلهمتين قبلى! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك وذاك يا أبا سفيان، كما قال القائل، أو كما قال الأوّل: «كلّ الصيد فى جوف الفرا». قال علىّ: سألت أبا عبيدة عن قوله: كلّ الصيد فى جوف الفرا، قال معناه: الصّيد كلّه يسير فى جنب الفرا، كأنه أرضى أبا سفيان بهذا الكلام.
وأصل المثل: أنّ قوما خرجوا يتصيّدون، فصاد أحدهم ثعلبا، وصاد آخر أرنبا، وصاد آخر قنفذا، وصاد أحدهم حمارا، فقال: كلّ الصّيد فى جوف الفرا (1).
وأما قوله: «حجارة الجلهمتين» فذكر أبو عبيدة أنه يقال: جلهتا الوادى، ولم يسمع «جلهمة» إلا فى هذا الحديث. وقال غيره: يقال:
__________
(1) قال ابن السكيت: الفرا: الحمار الوحشى، هذا مثل من أمثالهم وجمعه فراء قالوا: وأصل المثل أن ثلاثة نفر خرجوا متصيدين، فاصطاد أحدهم أرنبا، والآخر ظبيا، والثالث حمارا، فاستبشر صاحب الأرنب وصاحب الظبى بما نالا وتطاولا عليه، فقال الثالث: كل الصيد فى جوف الفرا (انظر مجمع الأمثال ص 8).(1/181)
[80ا] جلهتا الوادى: جلهمتاه، وعدوتاه، وضفّتاه، وحتراه، وشاطئاه، وصدّاه، ولديداه، وحنتاه، وضريراه: كلها ناحيتاه.
أخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا الطيب بن محمد، حدثنا موسى بن سعيد بن سلم، قال: كان الأصمعىّ يجىء إلى أبى، فيقرأ عليه إخوتى الأشعار، ثم جاءنا أبو عمرو الشّيبانىّ، وابن الأعرابىّ بعد، فحضر أبو عمرو الشيبانىّ ونحن نقرأ على الأصمعىّ شعر هذيل، فمرّت قصيدة أبى ذؤيب التى أولها:
سقى أمّ عمرو كلّ آخر ليلة ... حناتم سود ماؤهنّ ثجيج (1)
بأسفل ذات الدّبر أفرد جحشها (2) ... فقد ولهت يومين فهى خلوج
الجحش: الخشف فى لغتهم، وخلوج: اختلج ولدها عنها. فقال أبو عمرو للأصمعىّ: أهكذا ترويه: «بأسفل ذات الدّير؟» قال: نعم، قال: وأىّ دير هناك؟ إنما هو بأسفل ذات الدّبر: أى النحل. فضحك الأصمعىّ، وترك جوابه، وقال: متى صار الدّبر وهو متنقّل، تنسب إليه المواضع، وتضاف إليه؟!
ثم أنشدنا أشعارا كثيرة فى ذكر العرب للديرات، ودخل أبى ونحن فى ذلك فعرّفناه [80ب]، فقال: يا أبا سعيد، ليس فى هؤلاء أحد أخذ عن مثل
__________
(1) ورد البيت فى اللسان (مادة: حنتم) قال:
سقى أم عمرو كل آخر ليلة ... حناتم سحم ماؤهن ثجيج
والحناتم: سحائب سود، الواحدة: حنتمة، وأصل الحنتم: الخضرة، والخضرة قريبة من السواد، لأن السواد عند العرب خضرة.
(2) فى اللسان مادة (دبر) قال:
بأسفل ذات الدبر أفرد خشفها ... وقد طردت يومين فهى خلوج
قال أبو حنيفة: هو الدينورى: الدبر: النحل. بالكسر كالدبر بالفتح، ويروى: ولهت: قال عنى شعبة فيها دبر بالفتح والكسر. والدبر: أولاد الجراد. وروى الأزهرى أن الدبر: الزنابير. قال: ومن قال النحل فقد أخطأ.
وذكر ياقوت فى معجه أن الدبر بفتح أوله وسكون ثانيه، وذات الدبر: ثنية. قال ابن الأعرابى:
وصحفه الأصمعى فقال: ذات الدير بنقطتين.(1/182)
أبى عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل بن أحمد، وسلمة بن عاصم، ويونس بن حبيب، وأبى الخطاب الأخفش، وخلف الأحمر، فسكّن من نفسه وكان نافرا.
قال الشيخ:
ومما ذكرت فيه الشعراء الدّير، قول امرئ القيس:
أقفر الدّير فالرّبابة منها ... فغميز فبارق فأثال (1)
ومنها:
سقى جانب القصرين فالدير فالحمى ... إلى الشجر المحفوف بالطين والمدر (2)
ومنها: * أوحش الجنيدان فالدّير منها *
ومنها قول جرير:
__________
(1) الدير: بيت يتعبد فيه الرهبان، يكون فى الصحارى ورءوس الجبال. والربابة: مؤنث الرباب، وهو كما يقول صاحب القاموس: موضع بمكة وجبل بين المدينة وفيد. زاد ياقوت، أنه على طريق كان يسلك قديما يذكر مع جبل آخر يقال له خولة مقابل له، وهما عن يمين الطريق ويساره. وغميز: تل عنده مويهة فى طرف رمان فى طرف سلمى أحد جبلى طىء (ذكره ياقوت وسماه: غميز الجوع)، (وضبطه بفتح الغين وكسر الميم والزاى)، ولم يذكره صاحب القاموس، ولكنه ذكر الغمير بالراء المهملة وبالتصغير، وقال: هو موضع قرب ذات عرق، وآخر بديار بنى كلاب، وماء بأجأ. أما الغمير تصغير الغمر فموضع قرب مكة يصب منه نخلة الشامية (ياقوت). وبارق: جبل نقل ياقوت عن مؤرج السدوسى أنه نزله سعد ابن عدى بن حارثة بن عمرو مزيقياء ابن عامر بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة، وقال:
هو بتهامة أو اليمن ونقل عن ابن عبد البر أنه بتهامة، واستشهد بشعر لفراس بن غنم. قال ياقوت، وسمى به موضع بالكوفة وآخر باليمامة. أما أثال: فهو موضع على طريق الحاج بين الغمير وبستان بن عامر
أورد فيه ياقوت شعرا لكثير.
(2) ذات الدبر ثنية: قال ابن الأعرابى: وصحفه الأصمعى، فقال: ذات الدير بنقطتين من تحت. وقال ياقوت: ودبر أيضا جبل جاء ذكره فى الحديث قال السكونى: هو بين تيماء وجبلى طئ. والحمى فى الأصل: الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعوه، وقد سمى به عدة مواضع، أشهرها حمى ضرية، وحمى الزبدة، وحمى فيد، وحمى النيد، وحمى ذى الشرى وحمى النقيع، قال: وللعرب فى الحمى أشعار كثيرا ما يعنون بها حمى ضرية.(1/183)
[70ا] لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقنى ... صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس (1)
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، قال: أنشدنى الشيبانى لحميد بن ثور (2):
عريبيّة لا باخص من قدامة ... ولا معصر تجرى عليها القلائد
وقال: بخص لحمها: أى قلّ. قال: قال أبو العباس: وإنما هو ناحض مهزولة، وجسد نحيض: إذا كان هزيلا، وأنشد للراعى:
بنات نحيض الزوريبرق خدّه ... عظام ملاطيه موائر جنّح (3)
[81ا] ورجل نحض، وامرأة نحضة: إذا كانا دقيقين هزيلين، وسنان نحيض ومنحوض.
ومعنى البيت: أنه نسبها إلى بنى عريب (4) بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر.
وامرأة قديمة بيّنة القدامة، فيقول حميد: هى نصف لا قديمة ولا معصر.
أعصرت: حاضت.
وأخبرنا أبو بكر، أخبرنا إبراهيم بن المعلّى، حدثنا محمد بن الحسن الأحول عن ابن السّكّيت، قال: سئل أبو عمرو الشّيبانى عن قول أعرابىّ فى امرأته:
ممهاء قدر عند أوقات الرّهق ... ممذاق أوطاب وليّاء عنق
فقال: هجاها، ووصفها بالحمق لكثرة الالتفات، وممهاء القدر: وصف
__________
(1) البيت من قصيدة لجرير يهجو التيم، ومطلعها:
حى الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس
(2) هو حميد بن ثور بن عبد الله بن عامر بن بكر بن هوازن، من شعراء الإسلام أدرك عمر بن الخطاب وقال الشعر فى أيامه، وقد أدرك الجاهلية أيضا (أغانى ج 4ص 97طبع مصر) والمعصر: المرأة بلغت شبابها وأدركت أو راهقت العشرين، أو ولدت وحبست فى البيت ساعة طمثت كعصرت فى الكل وهى معصر (قاموس).
(3) الملاطان: جانبا السنام مما يلى مقدمه. والملاطان: الجنبان والكتفان (لسان: ملط). ويقال:
ناقة مائرة: إذا كانت نشيطة فى سيرها فتلاء فى عضدها. والاجتناح فى الناقة: كون مؤخرها يسند إلى مقدمها من شدة اندفاعها بحفزها رجليها إلى صدرها. واجتنحت الناقة فى سيرها: أسرعت.
(4) بنو عريب: من قبائل حمد (اشتقاق 306).(1/184)
أنها لا تحسن الطبيخ، لأنها تفسد القدر بالماء وممذاق أوطاب: لا تحسن حفظ اللّبن، فهى تمزجه بالماء وتفسده. فسأل عمرو بن سعيد الأصمعىّ عن البيت، فقال: يمدحها، ومدحه لها مدح لنفسه، قال: وكيف؟ قال: ليّاء عنق، من كثرة ما تلتفت إلى الأضياف، وتراقب مجيئهم، ثم أنشد الأصمعىّ:
ويكثر نحو الطّارقين التفاتنا ... لنرفدهم بعد البشاشة بالقرى
[81ب] وممهاء القدر: تصبّ الماء لكثرة المرق، وممذاق أوطاب: لكثرة الأضياف أيضا، لا يسعهم اللبن، فتمزجه بالماء الكثير، وأنشد:
تمدّهم بالماء لا من هوانهم ... ولكن إذا ما ضاق شىء يوسّع
فقال عمرو للأصمعىّ: إن أبا عمرو الشيبانىّ قال فيه كذا. فقال: مقتّ العلم والحال التى أصارته إلى هذا، لو حضر قائله فحلف أنّه ما أراد إلا المديح، لأقام على أمره.
أخبرنا محمد، أخبرنا محمد بن الفضل بن الأسود، وإبراهيم بن المعلّى، قالا: حدثنا محمد بن الحسن، حدثنى عبد الله بن شيخ الأسدىّ، قال:
كنا عند أبى عمرو الشّيبانىّ، فأنشد للكميت بن زيد (1) الأسدىّ يمدح مخلد بن يزيد بن المهلّب:
وبنىّ منك إلى مواهب جزلة ... رفدا من المعروف غير تفرّق
فقال: وما معنى: «وبنىّ منك»؟ قال: وهب له أمّهات أولاده.
فقلت: يا هذا ما أنت أعلم بالكميت منا، إنه لم يكن له أمّ ولد قطّ، ولم يولد له
__________
(1) الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد، ويكنى أبا المستهل، كوفى، شايع أهل البيت ومدحهم فى أيام بنى أمية، ومن قوله فيهم:
فقل لبنى أمية حيث حلوا ... وإن خفت المهند والقطيعا
أجاع الله من أشبعتموه ... وأشبع من بجوركم أجيعا
المؤتلف والمختلف للآمدى (ص 348).(1/185)
إلا من بنت عمه حبّى بنت عبد الواحد، فقال: فكيف هو: قلت:
* ونبئ منك إلى مواهب جزلة *
[82ا] فقال لى: حسبك فقد وقّفتنى على الطّريق.
وأخبرنا محمد، أخبرنا عون بن محمد، حدثنا محمد بن عمران الضّبىّ، قال:
أنشد أبو عمرو الشّيبانىّ:
وقرّبن للأحداج كلّ ابن تسعة ... يضيق بأعلاه الحويّة والرّحل (1)
فقال رجل: ما ابن تسعة؟ فقال: حتى أفكّر؟ فقال الرجل: إنما هو ابن نسعة، بالنون، أراد أنه ابن سريعة، كأنه نسعة، وهو على هذه الصفة.
فسكت.
وقد روى هذا الخبر على وجه آخر، فحدثنى ابن عمّار، حدثنا ابن أبى سعد، حدثنا محمد بن عمران الكوفىّ الضبىّ، قال كان أبو مهدىّ عند محمد بن أنس، فأنشدنا محمد بيت ذى الرّمّة:
وقرّبن للأحداج كلّ ابن تسعة ... يضيق بأعلاها الحويّة والرّحل
فقال أبو مهدىّ: كلّ ابن نسعة، بالنون، فقال محمد بن أنس: والنّسعة تلد؟
قال: وتبسّم.
__________
(1) البيت لذى الرمة، ورواية الديوان:
وقرّبن للأحداج كلّ ابن تسعة ... تضيق بأعلاه الحويّة والرّحل
وابن تسعة أعوام بازل والحوية: كساء يدار على ظهر البعير، يركب عليه، وهى السوية أيضا.(1/186)
ما وهم فيه علىّ الأحمر وهو علىّ بن الحسن، يكنى أبا الحسن (1)
أخبرنى محمد بن عبد الواحد، قال: ذكر حماد بن إسحاق الموصلىّ، [82ب] عن أبيه، قال:
__________
(1) هو على بن الحسن، وقيل ابن المبارك، وبه جزم الخطيب، المعروف بالأحمر شيخ العربية وصاحب الكسائى. قال الخطيب: أحد من اشتهر بالتقدم فى النحو واتساع الحفظ. وقال ياقوت: كان رجلا من الجند من رجال النوبة على باب الرشيد، وكان يحب العربية، ولا يقدر يجالس الكسائى إلا فى أيام غير نوبته، وكان يرصده فى طريقه إلى الرشيد كل يوم، فإذا أقبل تلقاه وأخذ بركابه وما شاه، وسأله المسألة بعد المسألة إلى أن يبلغ الكسائى إلى الستر، فيرجع الأحمر إلى مكانه، فإذا خرج الكسائى فعل به ذلك حتى قوى وتمكن، وكان فطنا حريصا، فلما أصاب الكسائى الوضح، كره الرشيد ملازمة أولاده، فأمر أن يختار لهم من ينوب عنه ممن يرضاه، وقال إنك كبرت ولسنا نقطع راتبك، فدافعهم خوفا أن يأتيهم برجل يغلب على موضعه، إلى أن ضيق الأمر عليه وشدد، وقيل له: إن لم تأت برجل من أصحابك اخترنا نحن لهم من يصلح.
وكان بلغه أن سيبويه يريد الشخوص إلى بغداد والأخفش، فقلق لذلك، وعزم على أن يدخل عليهم من لا يخشى غائلته، فقال للأحمر: هل فيك خير؟ قال: نعم. قال: قد عزمت على أن أستخلفك على أولاد الرشيد، فقال الأحمر: لعلى لا أفى بما يحتاجون إليه، فقال الكسائى: إنما يحتاجون كل يوم إلى مسألتين فى النحو وبيتين من معانى الشعر وأحرف من اللغة، وأنا ألقنك كل يوم قبل أن تأتيهم فتحفظه وتعلمهم، فقال:
نعم، فقال لهم: قد وجدت من أرضاه، وإنما أخرت ذلك حتى وجدته، وسماه لهم، فقالوا له: إنما اخترت رجلا من رجال النوبة، ولم تأت بأحد متقدم فى العلم، فقال: ما أعرف فى أصحابى أحدا مثله فى الفهم والصيانة، ولست أرضى لكم غيره.
فأدخل الأحمر إلى الدار، وفرش له البيت الذى يعلم فيه بفراش حسن، وكان الخلفاء إذا أدخلوا مؤدبا إلى أولادهم فجلس أول يوم، أمروا بعد قيامه بحمل كل ما فى المجلس إلى منزله، فلما أراد الأحمر الانصراف دعى له بحمالين، فقال الأحمر: والله ما يسع بيتى هذا وما لنا إلا غرفة ضبقة، وإنما يصلح هذا لمن له دار وأهل، فأمر بشراء دار له وجارية وغلام ودابة، وأقيم له راتب، فجعل يختلف إلى الكسائى كل عشية فبتلقن ما يحتاج فيه أولاد الرشيد ويغدو عليهم فيلقنهم، ويأتيهم الكسائى فى الشهر مرة، ومرتين، فيعرضون عليه بحضرة الرشيد ما علمهم الأحمر فيرضاه، فلم يزل الأحمر كذلك حتى صار نحويا، وجلت حاله وعرف بالأدب، حتى قدم على سائر أصحاب الكسائى، فقال ثعلب: كان الأحمر يحفظ أربعين ألف شاهد فى النحو، وكان مقدما على أفراد فى حياة الكسائى، وأملى الأحمر شواهد النحو، فأراد الفراء أن يتمها فلم يجتمع له الناس كما اجتمعوا للأحمر، فقطع وقال محمد بن الجهم: كنا نأتى الأحمر فندخل قصرا من قصور الملوك فيه فرش الشتاء فى وقته، وفرش الصيف فى وقته، ويخرج علينا، وعليه ثياب الملوك ينفح منها رائحة المسك والبخور،(1/187)
حضرت الأحمر فى مجلس الفضل بن الربيع، فأنشد:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ... ومن أبى دهماء إذ يوصينا
* جيرانها كانّنا جافونا *
فقلت: غفر الله لك، إنما هو:
إذ يوصينا خيرا ... بها كأنّنا جافونا
هكذا سمعت العرب تنشد، وتقول العرب: أوصيتك فلانا خيرا، فقال لى:
ممن أنت؟ وممن سمعت؟ ومتى سمعت من العرب؟ فقلت: بسويعة أسد أمس، فسكت ولم يجبنى بشىء. قال حمّاد: عيّره أبى بأمّه وكانت نبطيّة من سويعة بنى أسد، وكان أبوه من أهل خراسان.
قال محمد:
هو كما قال إسحاق، إلا أن قوله: أوصيك فلانا خيرا، قد أتى الشاعر بحرف الصفة فى البيت الآخر مضمّنا، وأتى بالكلام مقدّما ومؤخّرا، وتقديره: إذ يوصينا بها خيرا، وهذا إغفال من إسحاق الموصلىّ.
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يزيد، وأحمد بن يزيد المهلبى، قالا: حدثنا يزيد بن أحمد، عن إسحاق الموصلىّ قال:
قال الأحمر أبو الحسن: قد قالت العرب حمراءة وصفراءة (1)، فجاءت بعلامتين فقلت له: أين ذلك؟ [83ا]، فقال: أما قال الشاعر؟
__________
ويلقانا بوجه طلق وبشر حسن، ثم ننصرف إلى الفراء فيخرج إلينا معبسا، قد اشتمل بكسائه، فيجلس لنا على بابه، ونجلس على التراب بين يديه، فيكون أحلى فى قلوبنا من الأحمر وجميل فعله. صنف الأحمر التصريف، وتفنن البلغاء، ومات بطريق الحج سنة أربع وتسعين ومائة. قال السيوطى: وحيث أطلق فى جمع لجوامع فهو هو (ص 334بغية الوعاة للسيوطى).
(1) رسمت فى الأصل «حمرأة وصفرأة» وضع الكاتب الهمزة على الألف خطأ.(1/188)
* دهماءة فى الخيل عن طفل متم (1) *
يريد: دهماء تنفى الخيل.
وأخبرنا محمد، حدثنا عون بن محمد، حدثنا النضر بن حديد، قال:
كنّا عند الأحمر، فأنشد ليزيد بن خذّاق من عبد القيس (2):
إذا ما قطعنا رملة وعذابها ... فإنّ لنا أمرا أحذّ عموسا (3)
فقال له رجل فى المجلس: أنت أنشدتنا: «وعدابها»، فقال الأحمر: وما العداب؟
قال: مسترقّ الرمل، فقال له: لك عندنا صلة منذ أيام، فرح إلينا لأخذها فلما قمنا قلت للرجل: أهو أنشدك: «وعدابها»؟ قال: لا والله، ما أنشدنى هذا البيت قطّ قبل يومه، ولكنى أحببت أن أقدّم يدا عنده.
وأخبرنا محمد، حدثنا عون بن محمد، حدثنى أبى، قال: حضرت الأحمر وهو يملى بابا فى النحو، ويقول:
تقول العرب: أوصيتك أباك، تريد: بأبيك وأوصيتك جارك، تريد:
بجارك، وأنشد:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ... ومن أبى دهماء إذ يوصينا
* جيرانها كأنّنا جافونا *
فقال له رجل: أنت تقيس [83ب] الباب على باطل، إنما هو:
__________
(1) الدهمة بالضم: السواد، والأدهم: الأسود، وتنعت به الابل والخيل، غير أنه فى الأبل يكون شديد الورقة حتى يذهب البياض، ويقال: فرس دهماء: أى لونها كذلك. والطفل: الصغير من كل شىء، والمتم: التى دنا ولادها.
(2) أورده الآمدى (فى ص 198) فى المؤتلف والمختلف وسماه: يزيد بن خذاق العبدى. وأورده المرزبانى فى معجمه (فى ص 495) كذلك. وقال: إنه شاعر جاهلى، وأورد له شعرا. ذكره صاحب القاموس: فقال: وكشداد: والد يزيد العبدى.
(3) الأمر العموسى والعمس والعماس: الشديد المظلم، الذى لا يدرى من أين يؤتى له. والأحذ: الأمر الشديد المنكر.(1/189)
* خيرا بها كأنّنا جافونا *
فغضب وقام.
وأخبرنا محمد، حدثنا محمد بن موسى، حدثنا محمد بن الجهم، سمعت الفرّاء يقول: ليس كلّ أحد يحسن أن يأخذ عن الأعراب كلامهم، كان الكسائىّ يؤدّب ولد الرّشيد، خاصة محمدا، فناله وضح، فوجهت إليه زبيدة:
تجلس بعض أصحابك مع ابنى مكانك، لئلّا تعديه. فأجلس عليّا الأحمر، فقال يوما: يقال حمراءة وبيضاءة، فقال له الكسائىّ: ما سمعت هذا، فقال الأحمر: بلى والله سمعت أعرابيّا ينشد يقال له مزيد:
كأنّ فى ريقته لمّا ابتسم ... بلقاءة فى الخيل عن طفل متم (1)
يعنى السحاب. فقال له الكسائىّ: ويحك! إنما هو:
* بلقاء تنفى الخيل عن طفل متمّ *
أى تطرد.
أخبرنى أبو عمر محمد بن عبد الواحد، قال:
وروى حمّاد بن إسحاق قال: إنى كنت جالسا، والأحمر معى، فى دار الرّشيد، بين يدى الفضل بن يحيى، فقال: العرب تقول: أتيته سلس الظّلام، فقلت:
ما سلس الظلام؟ فقال: حين رقّ وخفّ، فقلت: والله لتفسيرك أقبح من تصحيفك، فقال: وما أنت واللغة؟ وهل أنت [84ا] إلا ملهينا؟ فقلت:
أنا ألهى بك، وأمّا ألهيك فلا فخجل واستحيا، ثم تشجّع وقال: أصلح الله الأمير، هذه العرب ببابك فاسألها، فأدخل من كان ببابه من الفصحاء،
__________
(1) البلق: بالتحريك: سواد وبياض، وارتفاع التحجيل إلى الفخذين، وهو أبلق، والمؤنثة بلقاء.(1/190)
يعرفوا إلّا ملس الظلام وملثه (1)، فكان بعد ذلك يتجنّب حضور دار الرشيد والفضل وأنا فيها.
__________
(1) ملس الظلام اختلاطه، وقيل: هو بعد الملث، يقال: أتيته ملس الظلام، وملث الظلام، وذلك حين يختلط الليل بالأرض ويختلط الظلام ويستعمل ظرفا وغير ظرف. وروى عن ابن الأعرابى اختلط الملس بالملث. والملث: أول سواد المغرب، فإذا اشتد حتى يأتى وقت العشاء الأخيرة فهو الملس بالملث، ولا يتميز هذا من هذا، لأنه قد دخل الملث فى الملس (اللسان: ملس).(1/191)
ما وهم فيه أبو جعفر محمد ابن حبيب (1)
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا إبراهيم بن المعلّى، وأحمد بن محمد بن إسحاق، قالا: كنا عند محمد ابن حبيب، فأنشد لأبى ذؤيب:
وكأنّ سفودين لمّا يفترا ... عجلا له بشواء شرب ينزع (2)
بالفاء، فقيل له: إنما هو: لما يقترا» بالقاف، فرجّع وقال: قد صحّف ابن الأعرابىّ، فما يكون إن صحّفت؟
وأخبرنا محمد، حدثنا عبد الله بن المعتزّ، حدثنى محمد بن هبيرة صعوداء قال: حضرت أنا وأبو مضر (3) مجلس ابن حبيب وهو يملى:
__________
(1) محمد ابن حبيب قال ياقوت: من علماء بغداد باللغة والشعر والأخبار والأنساب، ثقة مؤدب، ولا يعرف أبوه، وحبيب أمه تروى كتب ابن الكلبى وقطرب، وكانت أمه مولاة لمحمد بن العباس الهاشمى.
وقال ابن النديم: محمد ابن حبيب بن أمية بن عمرو، روى عن ابن الأعرابى وأبى عبيدة وأبى اليقظان، أكثر الأخذ عنه أبو سعيد السكرى، قال المرزبانى: وكان يغير على كتب الناس، فيدعيها ويسقط أسماءهم.
وقال بعضهم: هو ولد ملاعنة. وقال ثعلب: حضرت مجلسه فلم يمل، وكان حافظا صدوقا، وكان يعقوب أعلم منه، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار، وله من التصانيف: النسب، الأمثال على أفعل، ويسمى المنمق، غريب الحديث، والأنواء، الشجر، الموشى، المختلف والمؤتلف فى أسماء القبائل، الخيل، النبات، من استجيبت دعوته، ألقاب القبائل، شعر لبيد، شعر الصمة، شعر الأقيشر، وغير ذلك، مات بسامرا فى ذى الحجة سنة 245.
(2) السفود (كتنور): حديدة ذات شعب معقفة يشوى به اللحم.
(3) هو محمد بن هبيرة الأسدى أبو سعيد النحوى المعروف بصعوداء، من أعيان الكوفة وعلمائها بالنحو واللغة وفنون الأدب، قدم بغداد، واختص بعبد الله بن المعتز، وعمل له رسالة فيما أنكرت العرب على أبى عبيد القاسم بن سلام ووافقته فيه، وأدب أولاد محمد بن يزداد وزير المأمون، وله كتاب فيما يستعمله الكاتب وسماه السيوطى فى مكان آخر (بغية 92) محمد بن القاسم، وقال: وما أظنه إلا هذا (البغية ص 110).
أما أبو مضر فهو محمد بن جرير الضبى الأصبهانى النحوى. قال ياقوت: كان يلقب فريد العصر، وكان وحيد دهره وأوانه فى علم اللغة والنحو والطب، يضرب به المثل فى أنواع الفضائل، أقام بخوارزم مدة، وانتفع الناس بعلمه وخلقه وهو الذى أدخل مذهب المعتزلة إلى خوارزم، وممن تخرج عليه الزمخشرى(1/192)
إنى إذا ما اللّيل كان ليلين (1) ... ولجلج السّارى لسانا اثنين
لم تلفنى الثالث بين العدلين
فقال أبو مضر: غيّره (2) والله، لم يلفنى الثالث، فسئل عن تفسير: «لسانا اثنين» فلم يأت بشىء، فقال أبو مضر: قد قال ذو الرمة:
والنّوم يستلب العصا من ربّها ... ويلوك ثنى لسانه المنطيق (3)
__________
وتابعه فى مذهبه. قال ياقوت: ولست أعرف له، مع نباهة قدره وشياع ذكره، مصنفا مذكورا، ولا تأليفا مأثورا، إلا كتابا يشتمل على نتف وأشعار وحكايات وأخبار، سماه: زاد الراكب مات بمرو بعد سنة سبع وخمسمائة، ورثاه الزمخشرى بقوله:
وقائلة ما هذه الدرر التى ... تساقطها عيناك سمطين سمطين
فقلت هو الدر الذى قد حشا به ... أبو مضر أذنى تساقط من عينى
(1) فى الأصل: «ليلتين».
(2) فى الأصل «عره».
(3) لم يرد هذا البيت فى ديوان ذى الرمة، وإنما ورد فى اللسان فى مادة (نطق)، والمنطيق: البليغ.(1/193)
ما وهم فيه يعقوب بن السّكيت (1)
أخبرنا ابن عمّار أحسبه عن ابن أبى سعد قال: أملى يعقوب بن السّكّيت فى شعر طرفة (2):
... من عائدى اللّيلة أم من يصيح
تضحك عن مثل الأقاحى جرى ... من ديمة سكب سماء دلوح (3)
قال: فاستثبتّه فيه، فقال: من قال جرى، فقد صحف، فأخبرت بذلك الطوسىّ، فقال: حرى، ومن قال جرى فقد صحّف.
__________
(1) هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت، كان عالما بنحو الكوفيين، وعلم القرآن واللغة والشعر، راوية، أخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء وأبى عمرو الشيبانى والأثرم وابن الأعرابى، وله تصانيف كثيرة فى النحو، ومعانى الشعر، وتفسير دواوين العرب، زاد فيها على من تقدمه ولم يكن بعد ابن الأعرابى مثله. وحضر مرة عند ابن الأعرابى فحكى شيئا فعارضه يعقوب وقال: من يحكى هذا أصلحك الله؟
فقال له ابن الأعرابى: ما أشد حاجتك إلى من يعرك أذنيك ثم يصفعك، فأطرق يعقوب حتى سكن ابن الأعرابى ثم قال: ما كان يسرنى أن هذه البادرة بدرت منك ألى غيرى، ثم لم يتحملها. وكان معلما للصبيان ببغداد، ثم أدب أولاد المتوكل. قال عبد الله بن عبد العزيز: ونهيته حين شاورنى فيما دعاه إليه المتوكل من منادمته، فلم يقبل قولى، وحمله على الحسد، وأجاب إلى ما دعى إليه، فبينا هو مع المتوكل فى بعض الأيام إذ مر به ولداه المعتز والمؤيد، فقال له: يا يعقوب من أحب إليك: ابناى هذان، أم الحسن والحسين؟ فغض يعقوب من ابنيه، وقال: قنبر خير منهما، وأثنى على الحسن والحسين بما هما أهله. وقيل: قال: والله إن قنبر خادم على خير منك ومن ابنيك، فأمر الأتراك فداسوا بطنه، فحمل فعاش يوما وبعض الآخر. وقيل حمل مينا فى بساط. وقيل: قال: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا به ذلك فمات، وكان يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين، ووجه المتوكل إلى أمه ديته. ذكر فى جمع الجوامع (41بغية الوعاة).
(2) الأقاحى: جمع أقحوانه وهى نبات أوراق زهره مفجلة صغيرة يشبهون بها الأسنان. والديمة:
مطر يدوم فى سكون بلا رعد وبرق دلوح: يقال سحابة دلوح إذا كانت مثقلة بالماء.
(3) الشعراء المسمون بطرفة أربعة: طرفة بن ألاءة النهشلى، وطرفة الجذمى، وطرفة العامرى، وأشهرهم هو طرفة بن العبد، وهو المعنى فى هذا واسمه عمرو بن عبد بن سفيان. وقال أبو سعيد السكرى: اسمه عبيد، ويقال معبد، ولقب طرفة ببيت قاله، قتله المكعبر بالبحرين بكتاب عمرو بن هند، وله إحدى وعشرون سنة.
وقيل: لم يبلغ العشرين، فكان معه المتلمس الذى خرق كتابه ونجا بنفسه. ومن شعره:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر يتمثل بعجز هذا البيت. (معجم المرزبانى ص 201).(1/194)
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد الله التّميمىّ، قال:
أملى ابن السّكّيت شعر عبد القيس، فأنشد:
إذا عجن السّوالف مصغيات ... ونقّبن الوصاوص للعيون (1)
نقّبن بالنون فقيل: ثقّبن بالثاء، فقال: كلّ واحد قيل: لو كان هذا سمّى المنقّب بالنون لأنه إنما سمّى المثقّب لهذا.
قال محمد: وسمعت أبا ذكوان يقول: إنما أخطأ ابن السّكّيت فى كتابه المثنّى والمبنّى (2) فىّ قوله «الرّقّتان: الرّقّة والرافقة» (3). وقد قال ابن الرّقيات قبل أن تذكر الرافقة:
* أقفرت الرقّتان فالقلس (4) *
يريد: الرقّة البيضاء، والرّقّة السوداء، مما يلى الماء (5).
__________
(1) قائله المثقب العبدى، واسمه عائذ بن محصن. وقيل: اسمه شأس بن عائذ بن محصن بن ثعلبة ابن واثلة بن عدى بن زهر بن منبه بن نكرة، وهى القبيلة. بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى.
وقيل: اسمه نهار بن شأس، ويكنى أبا ماثلة، وهو جاهلى من شعراء البحرين [المعجم المرزبانى ص 303].
والبيت من قصيدة مطلعها:
أفاطم قبل بينك متعينى ... ومنعك ما سألت كأن تبيى
[المفضليات].
(2) ذكر هذا الكتاب صاحب الفهرست فى أخبار ابن السكيت ص 108طبع مصر باسم كتاب المثنى والمبنى والمكنى.
(3) فى ياقوت: الرقتان: تثنية الرقة، أظنهم ثنوا الرقة والمرافقة [كذا] كما قالوا: العراقان للبصرة والكوفة (الرقة) وهكذا ذكرها بالميم والصواب الرافقة كما فى أصلنا، وكما ذكر ياقوت فى موضع آخر (الرافقة) إذ قال: الرافقة بلد متصل البناء بالرقة وهما على ضفة الفرات.
(4) القلس: موضع بالجزيرة، قال عبيد الله بن قيس الرقيات:
أقفرت الرقتان فالقلس ... فهو كأن لم يكن به أنس
فالدير أقوى إلى البليخ كما ... أقوت محاريب أمة درسوا
(5) الرقة: كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء، وجمعها رقاق، وقيل: الرقاق: الأرض اللينة التراب. وقال: الأصمعى: الأرض اللينة من غير رمل. والرقة مدينة مشهورة على الفرات، بينها وبين حران ثلاثة أيام فى بلاد الجزيرة، ويقال: الرقة البيضاء وأما الرقة السوداء: فهى قرية كبيرة ذات بساتين كثيرة، وشربها من البليخ، والجميع متصل (ياقوت: الرقة).(1/195)
وأخبرنا محمد، حدثنا إبراهيم بن المعلّى (1)، قال [85ا] لى أبو العبّاس الأحول: قرئ على ابن السّكّيت وأنا حاضر شعر طرفة. فمرّ هذا البيت:
تضحك عن مثل الأقاحى جرى ... من ديمة سكب سماء دلوح
فقلت له: جرى، فقال: نعم، فحدثت بذلك أبا الحسن الطّوسىّ، فقال:
خرا، والله أحسن من جرى، وإنما هو حرى.
وأخبرنى ابن عمّار، قال: روى يعقوب فيما حكى عنه بيت طفيل:
ترى جلّ ما أبقى السّوارى كأنّه ... بعيد السّوافى أثر سيف مفلّل (2)
قال ثعلب: إنما هو مقلّل بالقاف، وهو الذى قلّته فضّة، يعنى قبيعته
قال: وروى ابن السّكّيت أيضا:
هرق لنا من قرقرى ذنوبا ... إنّ الذّنوب تنفع المغلوبا
فقال ثعلب: إنما هو: «تنقع» بالقاف: أى تروى.
__________
(1) فى الأصل: «وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن المعلى» ثم كتبت كلمة حدثنا بأعلى كلمة ابن بين محمد وإبراهيم، والصواب ما أثبتناه كما سيأتى فى باب ما وهم فيه أبو الحسن الطوسى.
(2) المسمون بطفيل خمسة ذكرهم الآمدى: وهم طفيل بن راشد العبسى، وطفيل بن عامر الكنانى، وطفيل بن على الحنفى، وطفيل بن عوف الغنوى، وطفيل بن قرة القشيرى. والرابع هو المراد هنا، ويقال له طفيل الخيل، وهو أشهرهم (147مختلف ومؤتلف). والبيت من قصيدة مطلعها:
غشيت بقرّى فرط حول مكمّل ... مغانى دار من سعاد ومنزل
والسوارى: الأمطار تأتى بالليل، والسوافى: الرياح، وإثر السيف: فرنده، والمقلل: القديم.(1/196)
ما وهم فيه أبو عبيد: القاسم بن سلّام (1)
سمعت من يحكى عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، قال:
قال أبو عبيد فى كتاب الأمثال: فلان يحرق الأرّم (2)، لو كانت الأضراس لكانت الأزّم بالزاى. ذهب إلى الأزم وهو العضّ، وأغفل [85ب] الأرم.
وإنما سمّيت الأضراس أرّما لأن الأرم الأكل، يقال أرم البعير يأرم أرما، فهو آرم، والجمع الأرّم. وأنشد:
حبسنا وكان الحبس منا سجيّة ... عصائب أبقتها السنون الأوارم
يعنى: التى أكلت المال.
وأخبرنى محمد بن يحيى، حدثنا عبد الله بن عبد الملك الهرادى، سمعت
__________
(1) القاسم بن سلام بتشديد اللام أبو عبيد، كان أبوه مملوكا روميا، وكان أبو عبيد إمام أهل عصره فى كل فن من العلم، أخذ عن أبى زيد وأبى عبيدة والأصمعى واليزيدى وابن الأعرابى والكسائى والفراء. قال أبو الطيب: مصنف حسن التأليف، إلا أنه قليل الرواية، يقتطع من اللغة علوما افتن بها، وكتابه الغريب المصنف اعتمد فيه على كتاب رجل من بنى هاشم جمعه لنفسه، فأخذ كتب الأصمعى فبوب ما فيها، وأضاف إليها شيئا من علم أبى زيد وروايات عن الكوفيين وكذا كتابه فى غريب الحديث وغريب القرآن انتزعهما من غريب أبى عبيدة، وكان مع هذا ورعا لا بأس به، ولا نعلمه سمع من أبى زيد شيئا، وكان ناقص العلم بالإعراب. وقال غيره: كان أبو عبيد فاضلا فى دينه وعلمه، ربانيا مفتيا فى القرآن والفقه والأخبار والعربية، حسن الرواية، صحيح النقل، سمع منه يحيى بن معين وغيره، وله من التصانيف: الغريب، المصنف غريب القرآن، غريب الحديث ومعانى القرآن، المقصور والممدود: القراءات، المذكر والمؤنث، الأمثال السائرة، ومات بمكة سته ثلاث أو أربع وعشرين ومائتين عن سبع وستين سنة، وقيل: سنة ثلاثين.
وفى طبقات النحاة للزبيدى: قيل لأبى عبيد: إن فلانا يقول: أخطأ أبو عبيد فى مائتى حرف من الغريب المصنف، فحلم أبو عبيد ولم يقع فى الرجل بشىء وقال: فى المصنف كذا وكذا ألف حرف فلو لم أخطىء إلا فى هذا القدر اليسير ما هذا بكثير، ولعل صاحبنا هذا لو بدا لنا فناظرنا فى هذه المئتين بزعمه، لوجدنا لها مخرجا (البغية ص 376).
(2) يقال: فلان يحرق الأرم، إذا تغيظ فحك أضراسه بعضها ببعض. وقال الجوهرى: حرق نابه يحرقه: إذا سحقه حتى يسمع له صريف.(1/197)
أبا هفان يقول: صحّف أبو عبيد فى الغريب المصنّف، فقال: وأضرّ يعدو، وإنما هو: أصرّ يعدو.
وصحّف فى غريب الحديث بمثل المشى، وإنما هو المشىّ والمشوّ: الدواء، والمشى مخفف: الغائط.
وأخبرنا محمد، حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل، سمعت الطوسىّ يقول:
سمعت أبا عبيد يقول: ما بالدار عريب (1) ولا دبّيخ بخاء معجمة فقلت: إن العلماء يقولون: دبّيج بالجيم، فأنكر، ثم قال: اضربوا عليه.
أخبرنى محمد، حدثنى أبو سعيد السّكرىّ، سمعت الطّوسىّ يقول: صحّف أبو عبيد فى عشرة أحرف من كتابه.
__________
(1) عريب: أحد وكذلك دبيج.(1/198)
ما وهم فيه على اللّحيانىّ (1)
أخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا الحسن بن الحسين الأزدىّ، حدثنا [86ا] أبو الحسن الطّوسىّ، قال: كنّا عند اللّحيانىّ فأملى: «مثقّل استعان بذقنه»، فقال له ابن السّكّيت: «بدفّيه»، فوجم لذلك ثم أملى يوما آخر:
«فلان جارى مكاشرى» بشين معجمة فقال له ابن السّكّيت: مكاسرى، كسر بيتى إلى كسر بيته، فقطع المجلس، ولم يمل من نوادره شيئا بعد ذلك، وكان سببه هذا.
قال الشيخ: وقد شرحت هذا قبل هذا الموضع فلم أعده (2).
وأخبرنى محمد، حدثنا إبراهيم بن المعلّى، حدثنى محمد بن الحسن الأحول، قال: أملى اللّحيانىّ أراجيز العرب، فمرّ فيها:
* مجمرة الخفّ رثيم المنسم (3) *
* عوّامة وسط المطى العوّم *
* وكلّ نضّاح القفا عثمثم (4) *
فقال أعرابىّ كان حاضرا: إنما هو: «رتيم المنسم»، فقال اللّحيانىّ: بل «رثيم»، فما الرتيم؟ قال: ترتم الأرض: تدقّها وتؤثّر فيها، مثل قوله:
* يرمى الجلاميد بجلمود مدقّ *
__________
(1) ترجمة له فى ص 31.
(2) ارجع إلى ص 31.
(3) خف مجمر: صلب شديد مجتمع، وقيل: هو الذى نكبته الحجارة وصلب.
(4) العثمثم: الجمل القوى الشديد.(1/199)
وارتم هذا شديدا: أى دقّه دقّا ورثيم بالدم غير هذا، فقال اللّحيانىّ:
فما يكون أراد به رثيم بالدم؟ فقال الأعرابىّ: لم يصفها بجهد ولا ضرّ، وإنما وصفها بعوم ونشاط، فما يصنع الرّثيم هاهنا؟ فغيّرناه فى كتبنا كما قال الأعرابىّ، وكان إذا حضر بعدها صعب عليه حضوره.
قال محمد: والذى قاله اللّحيانىّ توصف به النّوق إذا جهدت، يقال:
رثمه: أدماه، وأنف رثيم، قال الشاعر:
إن بشرا والله يرحم بشرا ... ويقى وجهه عذاب السّموم
حاد عنه عبيدة بن هلال ... ثم عمرو القنا بأنف رثيم (1)
__________
(1) ذكر عمرو القنا فى الكلام على الخوارج سنة 65ص 589طبرى ج 2.(1/200)
ما وهم فيه أبو سعيد الطوال (1)
أخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا ابن الأسود، حدثنا عمرو بن شبّة، حدثنا أبو عبيدة، قال: جلست ببغداد، فكثر علىّ الناس، وسألنى، أوّل من سألنى، رجل يعرف بالطّوال، عن حرف فصحّفه، فقال: ما معنى الحرف السانح؟
فقلت أردت السابح؟ ثم أنشدت للعبّاس بن مرداس (2):
جاء كلمع البرق جاش ماطره ... يسبح أولاه ويطفو آخره
فما يمسّ الأرض منه حافره (3)
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوى من أهل الكوفة احد أصحاب الكسائى، حدث عن الأصمعى، وقدم بغداد وسمع منه أبو عمرو الدورى المقرئ. قال ثعلب: وكان حاذقا بإلقاء العربية، مات سنة 243هـ (البغية ص 20).
(2) العباس بن مرداس بن أبى عامر بن رفاعة بن عبد بن عنبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، ويكنى أبا الهيثم. ويقال: أبو الفضل أحد فرسان الجاهلية وشعرائهم المذكورين، ووفد على النبى صلى الله عليه وسلم ومدحه، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم وهو القائل:
أشد على الكتيبة لا أبالى ... أحتفى كان فيها أم سواها
(3) فى الأصل: «فما يمس الأرض منه إلا» ويحتمل أن تكون «إلا» زائدة والمعنى على هذا أفضل من جعل منه زائدة وإلا هى الأصل.(1/201)
ما وهم فيه أبو الحسن الطوسىّ (1)
وأخبرنى محمد، حدثنى إبراهيم بن المعلّى الباهلىّ، قال: كنّا عند الطوسى [87ا] وما سمعته صحّف إلا فى قوله:
* ما يوم حليمة بشرّ *
وإنما هو: بسرّ (2).
قال: وحدثنى السكرىّ، والباهلىّ قالا: صحّف أبو الحسن الطّوسىّ فى بيت حاتم، فأنشد:
* إذا كان بعض الخير مسحا بخرقة *
وإنما هو: «إذا كان نفض الخبز» (3).
__________
(1) سماه فى البغية على بن عبد الله الطوسى، وذكره الزبيدى فى الطبقة الرابعة من اللغويين الكوفيين، وقال:: كان من أعلم أصحاب أبى عبيد (ص 234).
(2) يوم حليمة يوم معروف من أيام العرب المشهورة، وهو يوم التقى المنذر الأكبر والحارث لأكبر الغسانى، والعرب تضرب به المثل فى كل أمر متعالم مشهور، فتقول: ما يوم حليمة بشر، وقد يضرب مثلا للرجل النابه الذكر. قال ابن منظور: ورواه ابن الأعرابى وحده: ما يوم حليمة بسر. وعزاه هذا النقل عن أبى منصور الأزهرى فى كتابه التهذيب، ونقل عنه أنه قال: والأول هو المشهور قال النابغة يصف السيوف:
تؤرّثن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب
وقال الكلبى: هى حليمة بنت الحارث بن أبى شمر، وجه أبوها جيشا إلى لمنذر ابن ماء السماء، فأخرجت حليمة لهم مركنا فطيبتهم (اللسان مادة: حلم).
(3) النفض: التحريك، وأن تأخذ بيدك شيئا فتنفضه: تزعزعه وتترتره، وتنفض التراب عنه، وأنفض القوم: نفض طعامهم وزادهم، مثل أرملوا.(1/202)
ما وهم فيه ابن قادم (1)
أخبرنى محمد، أخبرنا المبرّد، قال:
قال لى أبو عكرمة الضّبّىّ: ما يساوى نحوك عند ابن قادم شيئا، قلت:
كيف؟ قال: لأن له لغة بخلاف هذه، وشواهد من الشّعر عجيبة، فجعل ينشدنى ويحدثنى ويضحك، فكان من ذلك أن قال لى: سمعته يقول: أرز ورنز، ثم أنشد:
__________
(1) هو محمد بن عبد الله بن قادم النحوى أبو جعفر، وقيل: اسمه أحمد. قال ياقوت: كان حسن النظر فى علل النحو، وكان يؤدب ولد سعيد بن قتيبة الباهلى، وكان من أعيان أصحاب الفراء، وأخذ عنه ثعلب. حكى عنه قال: وجه إلى إسحاق بن إبراهيم المصعبى يوما فأحضرنى، ولم أدر ما السبب، فلما قربت من مجلسه تلقانى ميمون بن إبراهيم كاتبه على الرسائل، وهو على غاية الهلع والجزع، فقال لى بصوت خفى: إن إسحاق مر غير متلبث حتى رجع إلى مجلس إسحاق، فراعنى ذلك، فلما مثلت بين يديه قال لى كيف يقال: وهذا المال مال أو وهذا المال مالا، قال: فعلمت ما أراد ميمون، فقلت الوجه مال، ويجوز مالا، فأقبل إسحاق على ميمون يغلطه فقال: الزم الوجه فى كتبك ودعنا من يجوز ويجوز ورمى بكتاب كان فى يده. فسألت عن الخبر، فإذا ميمون قد كتب إلى المأمون وهو ببلاد الروم عن إسحاق، وذكر مالا حمله إليه وهذا المال مالا، فخط المأمون على الموضع من الكتاب ووقع بخطه على الحاشية، تخاطبنى بلحن، فقامت القيامة على إسحاق، فكان ميمون بعد ذلك يقول: لا أدرى كيف أشكر ابن قادم، أبقى على روحى ونعمتى.
وحكى عن أحمد بن إسحاق بن بهلول أنه دخل هو وأخوه بغداد فدار على الحلق يوم الجمعة فوقف على رجل يتلهب ذكاء ويجيب عن كل ما يسأل عنه من مسائل الأدب والقرآن، فقلنا من هذا؟ قالوا ثعلب. فبينا نحن كذلك إذ ورد شيخ يتوكأ على عصا، فقال لأهل الحلقة: افرجوا للشيخ فأفرجوا له حتى جلس إلى جانبه.
ثم إن سائلا سأل ثعلبا عن مسألة، فقال: قال الرؤاسى فيها كذا، وقال الكسائى كذا، وقال الفراء كذا، وقال هشام كذا، وقلت أنا كذا. فقال له الشيخ: لا ترانى أعتقد فيها إلا جوابك، فالحمد لله الذى بلغنى فيك هذه المنزلة، فقلنا من هذا الشيخ؟ فقيل: أستاذه ابن قادم، وكان ابن قادم يعلم المعتز قبل الخلافة، فلما ولى بعث إليه، فقيل: أجب أمير المؤمنين، فقال: أليس هو ببغداد؟ يعنى المستعين، فقالوا لا، وقد ولى المعتز، وكان قد حقد عليه بطريق تأديبه له، فخشى من بادرته فقال لعياله: عليكم السلام فخرج ولم يرجع إليهم، وذلك فى سنة 251، وله من الكتب: الكافى فى النحو والمختصر فيه، وغرائب الحديث.
(البغية ص 58).(1/203)
قرّبا يا صاح رنزه ... واجعل الأصل إوزّه (1)
واصفف القينات صفّا ... ليس فى القينات عزه
قال: فقلت له من يقول هذا؟ فقال: بعض العرب المتحضّرة، فقلت:
بعض النّبط المتقذّرة.
__________
(1) فى القاموس، الرنز بالضم الأرز، وفى اللسان: إنه لغة فيه. قال: وقد يكون من باب إنجاص وإجاص، وهى لعبد القيس، والأصل فيها: رز. فكرهوا التشديد، فأبدلوا من الزاى الأولى نونا، كما قالوا: إنجاص فى إجاص.(1/204)
ما وهم فيه أبو العبّاس ثعلب (1)
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنى العبّاس بن عبد الرحمن الألوسى، حدثنى [87ب] ابن أبى قرّة، قال:
حضرت مجلس ثعلب، فقرأ عليه رجل:
* فى جبل يأوى إليه الشّارق *
فقال له رجل: هكذا ترويه؟ قال: نعم، فكيف ترويه؟ قال: السارق، فقال:
الصواب معك.
قال: وحدثنى الحزنبل، قال: كنت عند ثعلب، فأنشد للمسيّب بن علس:
جزى الله عنّا والجزاء بكفّه ... عمارة عبس نضرة وسلاما
__________
(1) هو أحمد بن يحى بن يسار الشيبانى مولاهم البغدادى الإمام ثعلب، إمام الكوفيين فى النحو واللغة، ولد سنة مائتين، وابتدأ النظر فى العربية والشعر سنة ست عشرة، وحفظ كتب الفراء فلم يشذ منها حرف، وعنى بالنحو أكثر من غيره، فلما أتقنه أكب على الشعر والمعانى والغريب، ولازم ابن الأعرابى بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن سلام الجمحى وعلى بن المغيرة الأثرم وسلمة بن عاصم وعبيد الله بن عمر القواريرى وخلف. وروى عنه محمد بن العباس اليزيدى والأخفش الأصغر، ونفطويه وأبو عمر الزاهد وحمع. قال بعضهم: إنما فضل أبو العباس أهل عصره بالحفظ للعلوم التى تضيق عنها الصدور.
قال أبو الطيب اللغوى: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابى فى اللغة وعلى سلمة بن عاصم فى النحو، ويروى عن ابن نجدة كتب أبى زيد، وعن الأثرم كتب أبى عبيدة، وعن أبى نصر كتب الأصمعى، وعن عمرو بن أبى عمرو كتب أبيه وكان ثقة متقنا يستغنى بشهرته عن نعته، وكان ضيق النفقة مقترا على نفسه، وكان بينه وبين المبرد منافرات.
صنف: المصون فى النحو. اختلاف النحويين. معانى القرآن. معانى الشعر، القراءات. التصغير.
الوقف والابتداء. الهجاء. الأمالى. غريب القرآن. الفصيح، وقيل: هو الحسن بن داود الرقى، وقيل:
ليعقوب بن السكيت.
وثقل سمعه بأخرة، فانصرف يوم الجمعة من الجامع بعد العصر. وإذا بدواب من ورائه، فلم يسمع صوت حافرها، فصدمته فسقط على رأسه فى هوة من الطريق، فلم يقدر على القيام، فحمل إلى منزله ومات سنة إحدى وتسعين ومائتين (البغية ص 173).(1/205)
هو المشترى من طيّئ بخميسه ... خميس ابن بدر رجعة وتماما
فلما خلا قلت له: خميس بن بدر، فقال: خميس: يعنى جيشا، فعرّفته أن التوّزى حدثنا عن أبى عبيدة أن عمارة بن زياد العبسىّ أسرته طيّئ، ومعه خميس بن بدر، فقامر عمارة بعض طيّئ عن نفسه وإبله، فقمر عمارة، فانطلق وقامر عن خميس، فتخلصه، فجعل القداح بمنزلة الجيش، لمّا كان فكاكهما به، فقال لى: ويحك هذا الحقّ! ولكن كذا أنشدنيه ابن أبى عمرو الشّيبانىّ، عن أبيه.
أخبرنى محمد بن يحيى، حدثنى أحمد بن إبراهيم الغنوىّ، قال:
أنشدنا أبو العبّاس ثعلب:
نحن المقيمون لم تبرح ظعائننا ... لا نستجير ومن يحلل بنا يجر
[88ا] فقلت لمن قال له إنما هو «نجر»، فقال: «نجر ويجر» بمعنى فقلت هذا مثل قوله:
نجير فيقوى بالجوار مجارنا ... فيؤمن فينا سرح كلّ مجاور
فقال: كذا أنشدنا ثعلب.(1/206)
باب فيه تصحيفات لقوم شتى
أخبرنى محمد، حدثنا يموت بن المزرّع قال:
صلّيت فى المسجد الجامع، فإذا برجل عنده جميّعة (1)، وهو يقول: صحّف الأصمعىّ، وأخطأ سيبويه، وكذب قطرب فأصغيت إليه، فإذا هو قد قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
أكلّفتنى أدواء قوم تركتهم ... متى يغضبوا مستحقبى الحرب أغرق
فقلت: يا خزيان، أنت تسبع العلماء منذ جلست، وهذا مقدارك أن تصحّف هذا البيت؟ فقال: كذا أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب. فقلت: لعلك قد غلطت عليه؟ قال: فأنشدنا، فأنشدته:
* متى ثعمنوا مستحقبى الحرب أعرق (2) *
أى متى تأتوا عمان للحرب آت العراق، فشغب ولوى شدقه، فقلت: كما أنت، فأنشدته [88ب] هذه القصيدة، وهى لبعض عبد القيس، وقلت:
هذا رجل من أهلى.
__________
(1) مصغر جماعة، يعنى جماعة قليلة من الناس يستمعون إليه.
(2) الشعر للممزق العبدى، واسمه شأس بن نهار العبدى، وهو من قصيدة يقولها فى عمرو بن المنذر ابن عمرو بن النعمان، وكان هم بغزو عبد القيس، فلما بلغته القصيدة انصرف عن عزمه، وقد أورد منها ياقوت خمسة أبيات هى:
أتانى أبيت اللعن أن ابن فرتنى ... على غير إجرام بريقى مشرقى
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركنى ولما أمزق
أكلفتنى أدواء قوم تركتهم ... فإن لا تداركنى من البحر أغرق
فإن يتهموا أنجد خلافا عليهم ... وإن يعمنوا مستحقبى الحرب أغرق
فلا أنا مولاهم ولا فى صحيفة ... كفلت عليهم والكفالة تعتق(1/207)
(وأنشدنى غيره لرؤبة:
* نوى شآم بان أو معمّن (1) *
معمّن: أتى عمان، ويقال: أشأم وأعمن) أنا (2) أنشدك شعره كله.
فسكت. ثم قال بعد ساعة: ليس فى كلام العرب اسم على «اليفعل». فقلت:
ويحك! أما يقولون: اليحمد: قبيلة من اليمن، واليرمع: حجارة، واليعمل (3)؟ فكاد يواثبنى، فقمت متعجّبا. وقيل لى: هذا يعرف بالحامض (4).
قال أبو بكر: وإنما حكيت عنه، لأنه أسند الحرف الذى أخطأ فيه إلى علم فى العلماء، ولقد كذب عليه، فأمّا هو فلا يحكى خطؤه، لأنه يصحّف فى كل مجلس.
أنشدنى لأبى نواس، بحضرتنا فى منزل أبى سهل:
* كأنّ شدقيه إذا تصوّرا *
فقلت: إذا تضوّرا، فقال يحيى بن علىّ: وأبو موسى قد ذهب مذهبا (يسخر منه). ثم أنشد لبشار:
تبرأ بالهجر وآذى به ... فلست بالحىّ ولا بالرّدى (5)
__________
(1) قال الأزهرى: يقال: أعمن، وعمن: إذا أتى عمان، واستشهد ببيت رؤبة هذا، وأعمن يعمن إذا أتى عمان. والذى بين القوسين: كلام معترض، وما بعده من تتمة ما قبله.
(2) قوله «أنا أنشدك الخ»: تكملة لقوله آنفا: هذا رجل من أهلى.
(3) اليرمع: حجارة بيض رخوة تلمع، إذا فتت انفتت واليعمل: الجمل النجيب المطبوع على العمل.
(4) هو سليمان بن أحمد البغدادى النحوى، قال الخطيب: كان أوحد المذكورين من العلماء بنحو الكوفيين، وأخذ النحو عن ثعلب، وخلفه بعد موته، وروى عنه أبو عمر الزاهد غلام نفطويه، وكان دينا صالحا، أوحد الناس فى البيان والمعرفة بالعربية واللغة والشعر. وكان قد أخذ عن البصريين أيضا وخلط النحوين، وكان يصعب على البصريين، وإنما قيل له الحامض: لشراسة أخلاقه. صنف: خلق الإنسان.
الوحوش. النبات. السبق والنضال. المختصر فى النحو. مات لست بقين من ذى الحجة سنة خمس وثلاثمائة، وأوصى بكتبه لأبى فاتك المقتدرى، بخلا بها أن تصير إلى أحد من أهل العلم (البغية 263).
(5) رواية البيت فى ديوان بشار (2: 172مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1954) * تبرو لدى الهجر وأدوى به * وأصل تبرو: تبرؤ، مضارع برؤ من باب كرم. وأدوى: مضارع دوى، من الداء، بوزن مرض، أى أصابه الداء.(1/208)
فقلت أنا: ليس من شأن بشّار أن يجعل الأذى مع البرء، أنشد الناس:
«أدوى (1) به» من الداء، فلم يفرّق بينهما.
فقلنا: ما معنى عيهما؟ (2) قال: نار [189ا] طويلة، كما يقال: ناقة عيهم، فقال له ابن الكوفىّ: ويقال: نار عجلزة (3) عنتريس: إذا كانت أيضا متكاثفة.
وأخبرنى محمد قال:
كنّا فى مجلس ثعلب، فسأل رجل أبا موسى عن قوله:
كدريّتان بإنجيجين فوقهما ... لحم ركام كلحم الآدم الشّبب (4)
يصف حماتى الفرس، شبههما بقطاتين فى فجين، ترنفع واحدة وتنحطّ أخرى، فوقهما لحم متراكب. فأنكر [أبو] موسى الشّعر، وصاح وشتم الرّجل، ففسّر الرجل البيت، وخرج أبو العباس من البيت، ففسره كما فسّر الرجل، فخجل أبو موسى.
وسمعت محمد بن يحيى يحكى، قال: جاءنى ابن الكوفىّ يوما بجزء مكتوب عليه بخطه (5): صححته حرفا حرفا، فتتبّعناه، فإذا فيه سبعون موضعا أخطأ فيها، والكتاب عندى.
وحكى لى بعض شيوخنا عن بزرج (6)، قال:
__________
(1) فى الأصل: وآدى، ولا يستقيم مع قوله بعد: «من الداء». وانظر رواية البيت فى الديوان.
(2) كذا بالأصل. ولعلها مروية على الحكاية فى شعر أو نحوه. والعيهم: السرعة، وناقة عيهم:
سريعة، والعيهم: الشديد، والعيهمى: الضخم الطويل.
(3) ناقة عجلزة: قوية شديدة، ورملة عجلزة: ضخمة صلبة، وتوصف به الفرس، وهذا النعت فى الخيل أعرف.
(4) الكدرة: من الألوان: ما نحا نحو السواد والغبرة، وقيل: الكدرة فى اللون خاصة، والكدورة فى الماء والعيش. والكدرى منسوب إلى طير كدر كالدبسى، منسوب إلى طير دبس. قال الجوهرى:
القطا: ثلاثة أضرب: كدرى، وجونى، وغطاط. والكدرى ألطف من الجونى. والإنجيجان: بالياء:
كذا بالأصل، ولعلها محرفة عن أنجوجين، أى عودين من شجرة، والركام المتجمع، والآدم الأسمر إلى السواد. والشبب: الثور المسن. يشبه عضلتى الفرس بأنها كفطاتين كدرتيين على عود فى شجرة، ويشبه كثرة لحمها بما تراكم على ثور مسن أسمر من اللحم.
(5) فى الأصل: بجزء فيه بخطه، مكتوب عليه بخطه، ولعل الزيادة من الناسخ.
وأشببته: إذا هيجته.
(6) بزرج: بضم أوله وثانيه، ويفتح أوله: علم معرب بزرك، أى الكبير.(1/209)
كنت عند السّندىّ فى جماعة منهم ابنا نميلة، فأنشد فى صفة الحمّام:
فإذا دخلت سمعت فيها رنّة ... لغط المعاول فى بيوت هداد
[89ب] فسئل عن المعاول، فقال: هى التى ينقر بها الصّخر، فتركته فى عمياء ولم أنبّهه عليه، وإنما المعاول وهداد: حيّان من الأزد.
قال الشيخ: هم بنو معولة بن شمس (1).
__________
(1) فى الاستقامة لابن دريد (300): ومنهم [الأزد] بنو معولة بن شمس، ولد دهمان بن نصر.
وضبط معولة: بفتح الميم. وجوز فيه صاحب التاج فتح الميم وكسرها.
وفى (ص 284من الاشتقاق): ومن قبائلهم [الأزد] هداد بن زيد مناة، وضبط بفتح الهاء.(1/210)
ما وهم فيه ابن دأب
وهو عيسى بن يزيد بن دأب، وكان ينادم الخلفاء.
أخبرنى أبو الفضل بن الكوّاز، ومحمد بن يحيى، قال: أخبرنا المبرّد عن التّوّزىّ عن أبى عبيدة، قال: سمعت ابن دأب يقول فى حديث: فخرج حمزة يوم أحد كأنه مجحوم (1)، (الجيم قبل الحاء). فقيل له: ما المجحوم؟ قال: الذى به كلب على الشىء. فقلت له: صحّفت الحكاية، وأحلت التفسير.
وفى رواية أخرى أنه قال: للمجحوم ثلاثة مواضع، اخترت لحمزة شرّها، إنما الخبر محجوم (الحاء قبل الجيم). فقال: وما المحجوم؟ فقلت:
رجل محجوم: إذا كان جسيما، كأنه أخذ من قولهم له حجم، وبعير محجوم: قد سدّ فمه لئلا يعضّ، والرّجل محجوم، لأن المحاجم تجعل فى رقبته.
وأخبرنى إبراهيم بن حميد، أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعىّ، قال: قال لى خلف [90ا] الأحمر (2): قم بنا إلى ابن دأب، وكان قدم البصرة، فصرنا إليه، وأنشد:
* بين الأراك وبين الأثل تشدخهم (3) *
__________
(1) رواية الحديث «أنه خرج يوم أحد كأنه بعير محجوم» قال ابن الأثير: وفى رواية: مجحوم.
(2) خلف الأحمر البصرى أبو محرز بن حيان مولى بلال بن أبى بردة، كان راوية ثقة علامة، يسلك مسلك الأصمعى وطريقه، حتى قيل هو معلم الأصمعى، وهو والأصمعى فتقا المعانى، وأوضحا المذاهب، وبينا المعالم، وكان الأخفش يقول: لم ندرك أحدا أعلم بالشعر من خلف الأحمر والأصمعى. وقال أبو الطيب: كان خلف يصنع الشعر وينسبه إلى العرب فلا يعرف، ثم نسك، وكان يختم القرآن كل ليلة وبذل له بعض الملوك مالا عظيما على أن يتكلم فى بيت شعر شكوا فيه، فأبى ذلك، وصنف: جبال العرب وما قيل فيها من الشعر، وله ديوان شعر حمله عنه أبو نواس، ومات فى حدود الثمانين ومائة (بغية الوعاة ص 242).
(3) تقدم الكلام على هذا البيت فى ص 137وقد نسب التصحيف فيه إلى المفضل الضبى. (انظر اللسان: سدح).(1/211)
فقال له خلف الأحمر: ما الذى تصفه؟ قال: الرّماح. فقال خلف: هذه كأفركوبات (1)، ليست هذه رماح، وإنما هى تسدحهم (بالسين): أى تبطحهم.
أخبرنى أحمد بن الحسن الحبطىّ (2)، عن أبى حاتم عن الأصمعىّ، قال:
خرجت إلى بغداد وما فيها أحد يحسن شيئا من العلم، لقد جاءنى قوم يسألونى عن الجعظرىّ»، فأخبرتهم أنه المكتّل، قالوا: وما المكتّل؟ قلت:
هو المعضّل. قالوا: وما المعضّل؟ وكان بقربى بقّال ضخم، فقلت: هو مثل ذلك البقّال، فرووا عنى.
قال الأصمعىّ: الجعظرىّ (3): البقّال.
سمعت ابن دريد يقول: سمعت أبا حاتم يقول: روى.
* والشّوق شاج للعيون الخذّل *
بالخاء المعجمة، وهو تصحيف، وإنما هو للعيون، الحذّل، وهو حمرة وانسلاق فى جفن العين، يقال: حذلت عينه، وعين حذلاء، قال أبو حاتم: لا أدرى أىّ شيطان فسّر لهم هذا البيت؟ فقال: الخذّل: إذا بكى [90ب] أصحابها خذلتهم، فلم تبك معهم.
وسمعت أبا بكر، سمعت أبا حاتم يقول: روى البغداديون فى شعر الأعشى:
* بناه قصىّ وحده وابن جرهم *
ثم قال له أبو حاتم: هذا هو الجهل، أيقول أحد رأيت زيدا وحده وعمرا؟
وإنما الرواية:
* بناه قصىّ والمضاض بن جرهم *
أخبرنا ابن عمّار، أخبرنا ابن أبى سعد، حدثنى روح بن الفرج الحرمازىّ، قال
__________
(1) عبارة (اللسان: سدح): ورواه المفضل «تشدخهم» بالخاء والشين المعجمتين، فقال الأصمعى:
صارت الأسنة «كأفركوبات» تشدخ الرموس إنما هو تسدحهم. وكان الأصمعى يعيب من يرويه «تشدخهم»، ويقول: الأسنة لا تشدخ، إنما ذلك يكون بحجر أو دبوس أو عمود أو نحو ذلك مما لا قطع له.
(2) الحبطى، نسبة إلى الحبطات: بطن من تميم.
(3) الجعظرى: الفظ الغييظ، او الأكول الغليظ، أو القصير المتنفخ بما ليس عنده (قاموس).(1/212)
قدم أعرابىّ على نصر بن سيّار خراسان، وكان له صديقا، فأقام ببابه حينا لا يصل إليه، فكتب إليه:
قل لنصر والمرء فى رتبة السلطان ... أعمى مادام يدعى أميرا
فإذا ولّت الإمارة عنه ... واستوى والرّجال عاد بصيرا
قال: فحدثت به عبد الله بن طاهر بن أحمد الزّبيرىّ، فقال: أرويه «فى زينة (1) السلطان» فصحف فيه.
أخبرنا ابن عمّار، حدثنا ابن أبى سعد، سمعت محمد بن جرير، ويعرف بمسقع، صحّف قوله:
إذا شئت غنّانى دهاقين قرية ... وصنّاجة تحدو على كلّ منسم
[91ا] فقالوا: تحنو.
وأخبرنا ابن عمّار، قال: سمعت أبا حسّان الفزارىّ، ونحن نتناشد بحضرة سليمان ابن أبى شيخ، أنشد:
وكنا كريمى معشر حمّ بيننا ... تصاف فصنّاه بحسن صيان
أنشد بالجيم، يريد: جمّ بيننا، فرددته عليه، وأحمد بن سليمان، فرجع إلى ما قلنا.
وأخبرنا ابن عمار، سمعت محمد بن يونس بن الوليد الكاتب، قال بحضرة سليمان بن أبى شيخ: يوم العميصاء، (العين غير معجمة)، فقلت: الغميصاء، بالغين المعجمة، فما قبل منى حتى سأل أحمد بن سليمان.
وقال الشيخ: يوم الغميصاء لا يروى إلا بالغين المعجمة، وهو اليوم الذى أوقع فيه خالد بن الوليد ببنى جذيمة. والغميصاء أيضا: من النجوم، وهى إحدى الشّعريين: العبور والغميصاء، والعرب تزعم فى أضحوكة لهم، أنها بكت على سهيل حتى غمصت عينها، فسمّيت بذلك.
ومن مليح كذب الأعراب ما أخبرنى به محمد بن عبدان الجواليقى، عن
__________
(1) فى الأصل «رتبة» فى الموضعين. وقد صححناها فى الثانى «زينة»، استئناسا بقوله تعالى فى قارون:
«فخرج على قومه فى زينته» وانظر الجزء الأول المطبوع بمطبعة الظاهر سنة 1908ص 110.(1/213)
سيران (1) بن أحمد، عن أبى محلّم: أن عبد الله بن رؤبة حدّثه عن أبيه، أنه سأل العجّاج عن الشّعريين لم سمّيت [91ب] العبور والغميصاء؟ فقال: إنهما أختا سهيل، وإن سهيلا تزوّج الجوزاء فوق ظهرها، ألا ترى أقفرتها مختلفة؟
ثم هرب، فسهيل طريد يطلب، فهو معارض لا يتوسّط السماء، والشّعرى العبور تراه وتستعبر إليه، والغميصاء بكت عليه، حتى غمصت عينها وهى لا تراه.
أخبرنى محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أحمد بن يحيى، قال:
قال لى يعقوب بن السّكيت: عندى عن قطرب قمطر لا أروى منه حرفا، قال ثعلب: وفسّر قطرب قوله:
يا فقعسىّ لم أكلته لمه؟ ... لو خافك الله عليه حرّمه
فقال: الله رفع بخافك، قال ثعلب: كفر لأن الله عزّ وجلّ لا يخاف شيئا، وإنما رفع بالنداء، كأنه قال: لو خافك يا ألله لحرّمه.
وهذا كما قال الآخر:
* يا لعنة الله على وجه الكبر *
أراد: يا هؤلاء، لعنة الله
وقال ثعلب عن أبى نصر عن الأصمعىّ، عن أبى عمرو، قال: مما يعاب به بنو أسد، أن رجلا من بنى فقعس جاع، فأكل كلبه، فقال سالم بن دارة (2)
[92ا] يا فقعسىّ لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه
فما أكلت لحمه ولا دمه
قال: وروى قطرب:
وذكرت أهلى بالعرا ... ق وحاجة الشّعث التّوالب
وإنما الرّواية: «وذكرت أهلى بالعراء»
__________
(1) كذا فى الأصل ولم نجد فى الأعلام من تسمى بهذا الإسم، ولكنا وجدنا من المحدثين من اسمه سيدان، فلعل الاسم مصحف عنه.
(2) هو سالم بن مسافع بن يربوع، من بنى عبد الله بن غطفان (معجم الشعراء 116).(1/214)
أخبرنى أبو عمرو محمد بن عبد الواحد، قال: قال لى أبو العبّاس أحمد ابن يحيى، قال الأصمعىّ: أحسن ما قيل فى وصف البرق والغيث قول عدىّ ابن الرّقاع:
فقمت أخبره بالغيث لم يره ... والبرق إذ أنا محزون له أرق
مزن يسبّح فى ريح شآمية ... مكلّل بعماء الماء منتطق
أى يسبح بالرعد، ويروى تسيّح: أى تعرّض.
ألقى على ذات أحفار كلاكله ... وشبّ نيرانه وانجاب يأتلق
نار يعاود منها العود جدّته ... والنّار تسفع عيدانا فتحترق
قال ثعلب: كذا رواه أبو نصر عن الأصمعىّ «إذ أنا محزون» بالنون، وهذا مما يعدّ من تصحيف الأصمعىّ. ورواه أبو عمرو الشّيبانىّ وابن الأعرابىّ وأبو عبيدة إذ أنا محزوز له أرق أى مشرف مراقب.
قال أبو عمر: هذا سهو من أبى العبّاس ثعلب، فى تخطئته الأصمعىّ [92ب] لأن العرب قد تأرق للبرق، وتحزن عند رؤيته، لتذكّرها أوطانها وأحبابها، وطلوعها (1) من نحو بلادها، وليس إذا كان المعنى موافقا للصواب وإن لم تسمعه، وجب معه الحكم على الرّجل بالتصحيف، إذا كان لما رواه وجه فى اللغة.
أخبرنا أبو بكر السّرّاج النحوىّ، أخبرنا المبرّد عن الزّيادىّ، قال: قرأت مرّة على الأصمعىّ فى صفات الإبل، فأردف منها مكرّى بتشديد الراء، فقلت:
المكرّى بتشديد الكاف، فقال: هذا بالمولتانية (أى بالسندية)، وهى فى شعر القطامىّ:
وكلّ ذلك منها كلّما رفعت (2) ... منها المكرّى (3) ومنها اللّيّن السّادى
وأخبرنى محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن زكريا بن دينار، قال:
لما قدم شريك بن عبد الله النّخعىّ القاضى البصرة، قام إليه يوما رجل،
__________
(1) فى الأصل: ولموعها، ولعل الصواب ما ذكرنا.
(2) فى (المطبوعة ص 112): رفقت.
(3) المكرى من الإبل التى تعدو، وقيل هو السير البطىء (اللسان: كرا).(1/215)
فقال: حدّثنا بحديث ثابت البنّانىّ، يريد البنانىّ، فقال له شريك: «لكوارى، لكوارى»: أى ليس هو سمك (1).
وحدثنى محمد، حدثنا أبو الحسن الأنصارىّ مانى، قال: قلت لبعض الكتّاب ما فعل أبوك بحماره؟ قال: باعه، فقلت: فلم تقول باعه؟ فقال: أنت [93ا] لم قلت بحماره؟ فقلت: أنا جررته بالباء الزائدة، قال: فمن جعل باءك أنت تجرّ، وبائى أنا لا تجر؟
وأخبرنى أبى، عن عسل، عن شيخ له، قال: قلت لقيراط ابن عمّ سيبويه، أليس لم تجزم؟ فقال: نعم، فقلت: يقول الله عزّ وجلّ «لم يكن الّذين كفروا»، فقال: لم ههنا تجرّ.
أخبرنا محمد بن يحيى، عن السّكّرىّ عن أبى حاتم ورواه العلماء على الوجه:
سيكفيك ألّا يرحل الضّيف ساخطا ... عصا العبد والبئر التى لا تميهها
عصا العبد: المفأد الذى يستخرج به اللحم من الارة، والبئر هنا: الحفرة التى تحتفر، فيشتوى فيها اللحم، وليس يحفرها ليخرج ماءها، إنما يحفرها ليشتوى فيها اللحم. وروى هذا البيت بعض العلماء الجلّة، فقال: «عصا العبد والنبر»، ثم قال:
النبر: دويبة تلسع، والجمع: أنبار، ولا معنى للبئر هاهنا. فأفسد بهذه الرواية البيت.
وأخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم: أن الحجّاج قال يوما لصاحب له: ناد فى المسجد [93ب]: ليلزم كلّ إنسان مسجده (بفتح الجيم)، فنادى الرجل:
ليلزم كل واحد مسجده، بكسر الجيم، فقال له الحجّاج: أهكذا قلت لك ناد يا أحمق؟
قال الشيخ: المسجد بفتح الجيم: موضع السجود من الأرض والحصير وغير ذلك، والمسجد أيضا: الأعضاء والآراب التى تسجد مع الإنسان، والإنسان يسجد على سبعة أشياء: يديه، وركبتيه، وقدميه، وجبهته، وهى المساجد، واحدها:
__________
(1) يشير بهذا إلى البنى بضم الباء، وتشديد النون، وهو ضرب من السمك.(1/216)
مسجد، وقالوا ذلك فى تفسير قوله عزّ وجلّ «وأنّ المساجد لله». وأما المسجد (بكسر الجيم) فهو مفعل من سجد يسجد، والأصل فى فعل يفعل أن يكون مفعل منه مفتوحا، وقد شذّ من الباب أشياء، منها المسجد والمطلع على مذهب من قرأ:
«مطلع الفجر» فإن أصله فى النحو: طلع يطلع، وسجد يسجد. وكان من حقه فى مفعل أن يكون مطلعا ومسجدا، ولكنه فيما شذّ عن الباب (1). والمسجد، (بكسر الجيم): المسجد المعروف، والمسجد (الميم مكسورة): خمرة، وهى الحصير الصغير.
الحمد لله وصلواته على نبيه محمد وآله الطاهرين كثيرا
__________
(1) جاء عن العرب أحد عشر اسما على مفعل (بكسر العين) فى المكان، مما فعله على يفعل بالضم وذلك:
المنسك والمجزر والمنبت والمطلع والمشرق والمغرب والمفرق والمسقط والمسكن والمرفق والمسجد كسروا هذه الألفاظ، والباب فيها الفتح، فأدخلوا الكسر فيها لأنه أحد البناءين، كما أدخلوا الفتح فيها. (شرح المفصل لابن يعيش ج 6ص 107) وقد ذكر صاحب القاموس الأسماء السابقة، ثم قال: إنهم ألزموها كسر العين، والفتح جائز وإن لم نسمعه (القاموس: سجد).(1/217)
الجزء الثّانى
من كتاب ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبى أحمد العسكرى
بسم الله الرحمن الرحيم [95ا] ومما غلط فيه النحويون من الشّعر، ورووه موافقا لما أرادوه، روى عن سيبويه، عند ما احتجّ به فى سبق الاسم المنصوب على المخفوض، قول الشاعر:(1/219)
من كتاب ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبى أحمد العسكرى
بسم الله الرحمن الرحيم [95ا] ومما غلط فيه النحويون من الشّعر، ورووه موافقا لما أرادوه، روى عن سيبويه، عند ما احتجّ به فى سبق الاسم المنصوب على المخفوض، قول الشاعر:
معاوى إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا (1)
وغلط على الشاعر، لأنّ هذه القصيدة مشهورة، وهى مخفوضة كلّها. وأوّلها:
معاوى إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد (2)
فهبها أمّة هلكت ضياعا ... يزيد يسوسها وأبو يزيد (3)
ومنها بيت للهذلىّ احتجّ به فى ترك الشاعر صرف «معارى» وهو:
__________
(1) الإسجاح: حسن العفو، والأسجح: الحسن المعتدل.
(2) جردتموها: جعلتموها فضاء لا نبات فيها، تشبيها لها بالمكان الأجرد والأرض الجرداء. والمراد «بالقائم»، والحصيدهنا: الزرع، أى ليس فيها شىء مطلقا من زرع قائم مستو على عوده، أو زرع حصده الزراع.
(3) السوس: الأمر والنهى والتأديب، ومنه سياسة الرعية، يقال فلان مجرب قدساس وسيس عليه:
أدب وأدب. وسوس فلان أمر الناس (على ما لم يسم فاعله): صير ملكا. والضياع: الهلاك والإهمال وتلف الشىء، والضياع: العيال أيضا ويقال: مات ضياعا كسحاب، وضيعا كعنب، وضيعة: أى غير مفتقد.(1/221)
يبيت على مغارى فاخرات ... بهنّ ملوّب كدم العباط (1)
وليس فى هذا البيت دليل على ما قال، لأنه لو قال «يبيت على معار فاخرات» كان الشّعر موزونا، والإعراب صحيحا.
ومما قلبوه، وخالفهم الرواة، قول الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطّوائح (2)
[95ب] وقد رواه خالد والأصمعىّ وغيره:
ليبك يزيد [ضارع لخصومة] ... البيت
وقول الآخر:
فلئن قوم أصابوا عزّة ... وأصبنا من زمان رنقا
للقد كانوا لدى أزماننا ... لصنيعين لبأس وتقى (3)
__________
(1) البيت فى اللسان برواية قال سيبويه: * أبيت على معارى واضحات * وهو للمتخل الهذلى.
والملوب: كمعظم من الحديد الملوب، أو الملطخ. والعباط: جمع عبيطة، وهى الذبيحة تنحر من غير داء ولا كسر، وهى سمينة فتية.
وقد ورد البيت أيضا فى ابن قتيبة ص 33فقال ويحتج أيضا بقول الهذلى فى كتابه، وهو قوله فقال: * يبيت على معارى فاخرات * البيت. وليست هاهنا ضرورة، فيحتاج الشاعر إلى أن يترك صرف معار، ولو قال «يبيت على معار فاخرات» كان الشعر موزونا والإعراب صحيحا قال أبو محمد:
وهكذا قرأته على أصحاب الأصمعى.
(2) قال ابن جنى: أول البيت مبنى على اطراح ذكر الفاعل، فإن آخره قد عوود فيه الحديث على الفاعل لأن تقديره فيما بعد: ليبكه مختبط مما تطيح الطوائح، فدل قوله «ليبك» على ما أراد من قوله «ليبك» وفى ابن قتيبة: وكقوله: «ليبك» البيت. وكان الأصمعى ينكر هذا ويقول ما اضطره إليه، وإنما الرواية: «ليبك يزيد ضارع» (ابن قتيبة ص 33).
وأهل البلاغة يقولون فى تخريج رواية النحويين: إن الشاعر نعى يزيد، ودعا إلى البكاء عليه، ولم يبين الفاعل الذى يبكيه. فكأن سائلا قال له: فمن يبكيه؟ فقال: ضارع ومختبط. وهو من الشواهد فى كتب البلاغة.
والطائح: المشرف على الهلاك: وطوحتهم طيحات: أهلكتهم خطوب.
(3) البيتان فى ابن قتيبة، قال: وكذلك قول الفراء:
فلئن قوم أصابوا عزة ... وأصبنا من زمان رنقا
للقد كانوا لدى أزمانه ... لصنيعين لبأس وتقى
هو «فلقد كانوا» وهذا باطل. ابن قتيبة ص 33) والرنق: التكدير وضيق العيش.(1/222)
ورواية الرّواة: فلقد كانوا.
وكذلك قول الآخر:
من كان لا يزعم أنى شاعر ... فيدن منّى تنهه المزاجر
إنما هو: «فليدن منى (1)»، وبه أيضا يصحّ الشعر.
__________
(1) ورد البيت فى اللسان فى مادة (زجر) أيضا كذلك:
من كان لا يزعم أنى شاعر ... فليدن منى تنهه المزاجر
عنى الأسباب التى من شأنها أن تزجر، ويروى: «من كان لا يزعم أنى شاعر فيدن منى» أراد: فليدن، فحذف اللام، وذلك أن الخبن فى مثل هذا أخف على ألسنتهم، والإتمام عربى.
وقد أورد ابن قتيبة البيت هكذا:
من كان لا يزعم أنى شاعر ... فليدن منى تنهه المزاجر
إنما هو: «فليدن منى»، وبه يصح أيضا وزن الشعر.(1/223)
باب ما يشكل من ألفاظ الشعر فيقع فيها التصحيف والتغيير
وبدأت منها بأشعار الأربعة: امرئ القيس، والنّابغة، وزهير، والأعشى (1)
لأن أشعارهم أكثر ما يدور فى أفواه النّاس، والتنازع كثير فيها بين العلماء، فأما من يضرب عنها صفحا، ويأخذ منها عفوا، فقد أراح نفسه من تعب التمييز، وكدّ التّحصيل.
قال أبو أحمد:
سألت أبا بكر بن دريد عن كنية امرئ القيس، واسمه، فتوقّف [96ا] ثم قال: يقال: عدىّ، فسألت عنهما أبا الحسين النّسابة، فقال: اسمه مليكة، وكان يكنى أبا كبشة، وكان مئناثا، له بنات درجن (2)، وليس له عقب.
وكنت أقرأ على أبى بكر بن دريد شعر امرئ القيس، فى أوّل ما وردت عليه مدينة السّلام، فبلغت إلى قوله:
عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا ... نبكى الدّيار كما بكى ابن خذام (3)
__________
(1) المسمون بامرئ القيس كثيرون، عد منهم الآمدى فى كتابه المؤتلف والمختلف عشرة. والمعنى هنا:
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار، أشهر شعراء العرب، واشتهر بلقبه، واختلف المؤرخون فى اسمه، فقيل: حندج، وقيل مليكة، وقيل عدى.
وكذلك المسمون بالنابغة كثيرون، عد منهم الآمدى ثمانية، والمقصود: هو النابغة الذبيانى، واسمه زياد بن معاوية.
وقد سمى بزهير ثلاثة، وإنما قصد هنا إلى زهير بن أبى سلمى أما الآعشى فقد أورد الآمدى ممن تسمى به من الشعراء تسعة عشر شاعرا، والمراد هاهنا: أعشى بنى قيس بن ثعلبة، وهو ميمون بن قيس بن جندل ابن شراحيل.
(2) درجن: أى انقرضن، ويقال: درج فلان إذا لم يعقب نسلا.
(3) البيت من قصيدة مطلعها:
لمن الدّيار غشيتها بسحام ... فعمايتين فهضب ذى أقدام(1/224)
فسالته عن ابن خذام هذا، وهل هو بالدّال أو بالذّال؟ وفى أىّ شعر بكى الدّيار، فتمثّله امرؤ القيس؟ فقال: رواه لنا أبو حاتم بالذّال المعجمة، ثم أملى علىّ فقال: أخبرنى أبو حاتم، عن الأصمعىّ، قال: حدثنى أبو كعب، قال:
قلت لأبى الوثيق: من يقول؟
عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا ... نبكى الديار كما بكى ابن خذام
بمعنى: لعلّنا، وهى لغة، فقال: الذى يقول:
* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *
قال أبو حاتم: وكان هشام بن محمد بن السائب الكلبىّ يقول: سمعت رواة أعاريب كلب والعلماء منهم، يذكرون أنّ أبياتا من أوّل:
* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *
لابن خذام، [96ب] فكان أوّل من بكى الدّيار.
وقال محمد بن سلّام الجمحىّ: ابن حذام رجل من طيّئ، ولم نسمع شعره، ولا شعر له غير هذا الذى ذكره امرؤ القيس، فلم أجد ما رواه أبو بكر بن دريد لى عن أبى حاتم شافيا ولا مقنعا، فسألت أبا الحسين محمد ابن القاسم التميمىّ النّسّابة، بعد ذلك بعشرين سنة، عن ابن حذام هذا، وما تحقّق عنده من أمره، فقال: قد قال أهل البصرة منهم أبو عبيدة والأصمعىّ، فقال الأصمعىّ: خدام بدال غير معجمة. وقال أبو عبيدة: بذال معجمة.
__________
وقد روى ابن قتيبة عجز البيت هكذا: * نبكى الديار كما بكى ابن حمام * وقال هو امرؤ القيس ابن حارثة بن الحمام الكلبى، وقد سماه الآمدى بامرئ القيس بن حمام بن مالك، وأورد هذا البيت، ثم قال: يعنى امرأ القيس هذا. ويروى خذام (هكذا بالخاء والذال المعجمتين) ص 10، 11المؤتلف والمختلف. طبعة المقدسى، وأما صاحب القاموس فقد ذكر أنه ابن خدام، بإهمال الدال، ثم قال: أو هو بالذال (خذم).(1/225)
قال أبو عبيدة: ورد علينا وفد لبنى جعفر بن كلاب، فيهم أبو الوثيق، أحد بنى سلمى بن مالك بن جعفر بن كلاب، فسألناه فقال: قدّرنا أنّ علم ذلك بالحضر، ما نعرفه إلا ابن خذام. قلنا: فمن هو؟ قال: لا أدرى! قلنا: فمتى بكى الدّيار؟ قال: لا أدرى! وما يعلم منه إلا كلمة امرئ القيس. فهذا ما عند البصريين. ثم قال لى أبو الحسين النّسابة: والوجه عندى أنه امرؤ القيس [ابن حمام] بن عبيدة بن هبل بن أخى زهير بن جناب بن هبل، وكان يقال له عدل الأصرّة. وتروى أعراب كلب له أبياتا يبكى فيها الديار، وكان يغزو [197ا] مع مهلهل، فهو الذى أراد مع مهلهل بقوله:
لمّا توعّر فى الكلاب هجينهم ... هلهلت أثار مالكا أو صنبلا (1)
وكأنّه نار علته كبرة ... يهدى بسكّته الرّعيل الأوّلا
وجابر وصنبل: رجلان من تغلب والهجين هو امرؤ القيس بن الحمام، وكان يصحب امرأ القيس فى انتقاله فى أحياء العرب، فذكره امرؤ القيس بن حجر فى شعره، وجعله أوّل من بكى الدّيار.
وهذا الذى أراد القوم فأخطئوه، ولم يكن عندهم علم هذا بالبصرة، ولا بباديتها. وعلم هذا بالسّماوة من أرض كلب، وعنهم أخذ جلية هذا الأمر.
وأخبرنى الجوهرىّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة (2)، عن أبى عبيدة، قال:
وأنشدنا الوثيق لابن خذام هذا بيتا واحدا:
__________
(1) فى اللسان: والمختلف والمؤتلف وابن برى عن ديوانه:
لما توعر فى الكراع هجينهم ... هلهلت أثار جابرا أو صنبلا
وفى موضع آخر من اللسان «لما توقل أثأر مالكا»، ويروى «توغل» أيضا. والصنبل بالباء الموحدة كقنفد وخندف: الداهى المنكر، وكخندف علم رجل من تغلب.
(2) هو عمر بن شبة بن عبيدة بن ريطة أبو زيد البصرى النميرى مولاهم النحوى، واسم أبيه زيد، وإنما قيل له شبة، لأن أمه كانت ترقصه وتقول: يا بأبياشبا * وعاش حتى دبا * شيخا كبيرا حبا *(1/226)
كأنّى غداة البين يوم تحمّلوا ... لدى سمرات الحىّ ناقف حنظل
وهذا البيت يروى فى قصيدة امرئ القيس.
قال أبو زيد بن شبّة: وابن حذام: امرؤ القيس بن حذام بن مالك بن هبل. وقد قال أبو الحسين النّسابة ما عنده، وكان أعلم أهل زمانه بالنّسب وأيام العرب، وفيه نظر.
وأما قول امرئ القيس:
[97ب] بلّغا عنّى الشّويعر أنى ... عمد عين حللتهنّ حريما (1)
فأراد بقوله الشّويعر: محمد بن حمران الجعفىّ الشاعر، كان فى عصر امرئ القيس، وحريم: بطن من جعفىّ، سمّى فى الجاهلية محمدا (2)، وكان يقول الشّعر، فسماه شويعرا.
* * * ولعلّ قائلا يقول: وما الفائدة فى تحصيل ابن حذام أو خذام؟
والجواب: أن من أعظم الفائدة، ما هو دون هذا، ويرحلون فيه، ويديمون البحث عنه، حتى يظفروا بصوابه، ويصلوا إلى حقيقته، فقد روى عن أبى عمرو ابن العلاء، أنه قال: بقيت سنتين أسأل عن فرجة وفرجة، حتى سمعت رجلا ينشد، ونحن فى الطّواف، وكنت هاربا من الحجّاج:
ربّما تجزع النّفوس من الأمر ... له فرجة كحلّ العقال
__________
وكان أبو زيد راوية للأخبار، عالما بالآثار، أديبا فقيها صدوقا وله مصنفات فى النحو واللغة والشعر والشعراء وطبقاتهم. مات سنة 262عن تسعين سنة (البغية للسيوطى).
(1) البيت فى معجم الآمدى: وروايته هى: أبلغا عنى الشويعر أنى * عمد عين نكبتهن حزيما ورواية الديوان: «قلدتهن حريما» (ص 141). وفى (اللسان: شعر): الشويعر: لقب محمد بن حمران بن أبى حمران الجعفى ثم أورد البيت. وقال: حريم: هو جد الشويعر، فإن أبا حمران جده هو الحارث بن معاوية ابن عوف بن حريم بن جعفى.
(2) (فى القاموس: حرم): حريم كأمير ابن جعفى بن سعد العشيرة، ومالك بن حريم الهمدانى جد مسروق، وكزبير أو كأمير بطن من حضر موت، منهم عبد الله بن نجى الحريمى التابعى.(1/227)
فقلت: ما الخبر؟ فقال: مات الحجاج، فكنت بقوله: «فرجة كحلّ العقال» أفرح منى بموت الحجّاج (1).
وأخبرنى محمد بن يحيى، قال: حدثنا ثعلب، قال: حدثنى أصحابنا أنّ أبا عمرو كان يقول: ربما [لا] أعرف حقيقة الحرف، أو حقيقة بيت شعر، وأودّ أنى ضربت مقرعة وعرفته، ثم كثر هذا منى حتى هان علىّ.
وقد رووا [98ا] بيتا من شعر الأعشى على عشرة أوجه:
إنى لعمر الذى حطّت مناسمها ... تخدى وسيق إليه الباقر الغيل (2)
وذكرت الأوجه، ليعلم قدر عنايتهم بالعلم، وصرف اهتمامهم إليه.
رواه الأصمعىّ: «إنى لعمرو الذى خطّت»، بالخاء المعجمة.
ورواية عسل عنه: بالحاء غير معجمة.
وقال الأصمعىّ: «خطّت»: يعنى أنها تشقّ التراب.
قال: ومثله قول النّابغة:
أعلمت يوم عكاظ (3) حين لقيتنى ... تحت العجاج فما خططت غبارى
__________
(1) انظر القصة بتمامها فى ثمرات الأوراق للحموى. وفى اللسان: روى عن أمية بن أبى الصلت:
لا تضيقنّ فى الأمور فقد تك ... شف غمّاوها بغير احتيال
ربما تكره النّفوس من الأمر ... له فرجة كحلّ العقال
ابن الأعرابى: فرجة (بضم الفاء) اسم، وفرجة بفتح الفاء (مصدر). وقيل: الفرجة: الراحة من حزن أو مرض. وقيل: الفرجة فى الأمر، والفرجة (بالضم) فى الجدار والباب، والمعنيان متقاربان.
(2) البيت من قصيدته المطولة المشهورة التى أولها:
ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل
وقد جاء فى الشرح عن الأصمعى: حط: اعتمد على أحد شقيه وأسرع، وقال: خطت (بالخاء) أى تشق التراب.
(3) عكاظ: اسم سوق من أسواق العرب فى الجاهلية وهو أعظمها، كانت قبائل العرب تجتمع فيه كل سنة، ويتفاخرون ويتناشد شعراؤهم ما أحد ثوه من الشعر، ثم يتفرقون. وسمى عكاظا لأن العرب كانت تجتمع فيه، فيعكظ بعضهم بعضا بالفخار. والعكظ: الدعك، فيقال: عكظ فلان خصمه باللدد(1/228)
أى قصّرت عنه أن تدركه، قال: ولا يكون «حطّت» لأن الحطاط:
الاعتماد فى الزّمام. وقال * سلجمة تحطّ فى السّفار *
ورواها أبو عمرو: حطّت بالحاء، وقال: هو أن يعتمد فى أحد شقّيه، ورواه: «تخدى» بخاء معجمة، وقال: النّاقر العيل: بعين غير معجمة، وبعدها ياء تحتها نقطتان.
وفى رواية الزّيادىّ عن الأصمعىّ: النّاقر العثل، بعين وثاء فوقها ثلاث، وفسّره فقال: العثل والعثج واحد، وهو الجماعة.
وفى رواية عسل: «حطّت» بالحاء غير المعجمة، وقال: معناه: أسرعت قال: والعثل: الكثير الثّقيل، يقال: انكسرت [98ب] يده ثم عثلت تعثل: أى ثقلت عليه. هذه رواية الأصمعىّ.
ورواه أبو عبيدة: «حطّت» بالحاء. وقال ابن أحمر:
حطّت ولو علمت علمى لقد عرفت ... حتى يلين وآة مالها يسر (1)
فهذه بالحاء، وهو الاعتماد فى أحد شقّيها إذا سارت، وعرفت واعترفت وذلّت.
__________
والحجج عكظا، أو لأن الناس كانوا يحبسون أنفسهم فيه للمفاخرة. من قولهم: عكظ الرجل دابته: إذا حبسها، وبه كانت أيام الفجار، ويقال إنه كان فيه صخور يطوف العرب بها ويحجون إليها، وكانت العرب به تقيم بعكاظ شهر شوال، ثم تنتقل إلى سوق مجنة، فتقيم فيه عشرين يوما من ذى القعدة، ثم تنتقل إلى سوق ذى المجاز، فتقيم فيه إلى أيام الحج (باختصار عن معجم ياقوت).
(1) فى اللسان: الوأى من الدواب السريع المشدد الخلق، وفى التهذيب: الفرس السريع المقتدر الخلق.
والنجيبة من إبل يقال لها الوآة، وأنشد أبو عبيد فى الوأى للأسعر الجعفى:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتى يعدو بها عتد وأى
وأنشد فى الوآة، وهى الأنثى:
ويقول ناعتها إذا أعرضتها ... هذى الوآة كصخرة الوعل
وأنشد الجوهرى لشاعر:
كل وآة ووأى ضافى الحصل ... معتدلات فى الرقاق والجرل
واليسر: اللين والانقياد، يكون ذلك للإنسان والفرس، قال:
إنى على تحفظى ونزرى
أعسر إن ما رستنى بعسر
ويسر لمن أراد يسرى(1/229)
ومن روى هذا «عرقت» بالقاف، فقد صحّف. وروى «العثل» وقال: هى القطع والجماعات، يقال ذلك فى النّاس والإبل، وكذلك العثج، ولم يعرف الغيل (1)
ورواه أبو عمرو الشّيبانىّ: «الغيل» بغين معجمة، وتحت الياء نقطتان، وفسّره أنه الكثير وقال: يقال: ماء غيل،: إذا كان كثيرا. والغيل أيضا: السّمان، يقال: ساعد غيل: إذا كان ممتلئا ريّان، فقال: وسمعت أبا عمرو الشّيبانىّ يقول:
روى أبو عبيدة «العثل» بالثاء منقوطة بثلاث، فأرسلت إليه أن قد صحّفت إنما هو الغيل.
وروى بعضهم عن الأصمعىّ أنه قال: الرّواية:
* وجدّ عليها النّافر العجل (2) *
بالجيم، والنّافر بالنون والفاء: أى حطّت مناسمها تحدى ذاهبة، ثم جدّت عليها النّفار من منى حيث نفروا.
قال أبو الحباب: قلت له: إنما قال «النّافر» وهو واحد [199]، ثم قال «العجل» فقال: كقولك: يا أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل. وكثيرا ما يجىء النّفار الواحد فى معنى الجميع.
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلّام عن أصحابه «خطّت» بالخاء المعجمة، وقال يعنى أنها تشقّ التراب. قال: وكذلك قول النّابغة:
__________
والبيت فى الأصل: «حتى يلين وآة مالها يسر» الحرف الذى قبل «لها» مهمل، يحتمل أن يكون نالها، ولعل الصواب ما ذكرناه. والمعنى عليه: حتى تنقاد فرس ما لها انقياد.
(1) العثج والعثج: الجماعة من الناس، والعثل والعثل: الكثير من كل شىء.
(2) النفار: التفرق الشرود، يقال نفرت الدابة فهى نافر ونفور، أى جزعت وتباعدت ومنه نفر الحاج من منى. وأما الناقر بالقاف: فهو السهم يصيب الهدف.(1/230)
«فما حططت عبارى (1)» يعنى: ما شققته: أى قصرت عنه، ولم تدركه.
قال: وأما قول ابن أحمر:
حطّت ولو علمت علمى لقد عرفت ... حتى يلين وآة درّها يسر
فهذا بالحاء، يعنى: حطاطها فى المشى.
وروى بعضهم: «حطّت مناسمها تحدى»: بحاءين غير معجمتين (2)، بدلا من «تخدى»، فانظر إلى هذا البيت، وكم أتعب من الرّواة والعلماء، واحتملوه بطلب الفائدة.
__________
(1) تقدم البيت بتمامه فى ص 12.
(2) أى فى حطت وفى تحدى.(1/231)
باب ما يشكل من شعر امرئ القيس، ولا يحتمل إلا وجها واحدا، وما يحتمل منه وجهين، وذكرت الوجهين لتعرفهما، فلا تنكرهما إذا سمعتهما
تكلّم الناس فى قوله: «بين الدّخول فحومل (1)» ودخول الفاء فى حومل.
فقال أبو إسحاق الزّيادى: هو الدّخول وحومل، ولا تكون فحومل [99ب].
لأنك لا تقول: رأيتك بين زيد فعمرو. وهذا سمعه الزّيادى من الأصمعىّ، فسألت ابن دريد عن الرّواية، فحكى ما قال الأصمعىّ، لم يزد عليه.
فسألت أبا بكر محمد بن علىّ بن إسماعيل، فقلت: قال الأصمعىّ: لا يجوز أن تقول: رأيته بين زيد فعمرو، وكان ينكر بين الدّخول فحومل. فأملى علىّ الجواب، فقال: إنّ لكلّ حرف من حروف العطف معنى، فالوا «و» للجمع بين الشّبيهين، ولها ثلاثة معان، وذلك أنك إذا قلت: قام زيد وعمرو، فجائز أن يكونا كلاهما قاما فى حال واحدة، وجائز أن يكون قام الثانى بعد الأوّل، وجائز أن يكون قام الأوّل بعد الثانى، لأن الواو إنما هى لتجمع بين الشّيئين حسب، فكيف جمعت فقد أدّت ما فيها، والفاء إنما هى دالّة على أن الثانى بعد الأوّل بلا مهلة، فمن هذا أن النحويين يقولون: قام زيد وعمرو الظّريفان، ويمتنعون من قام زيد فعمرو الظريفان، وذاك أنهم إذا لم ينعقد الاسمان لم ينعقد
__________
(1) حومل، على زنة فوعل من الحمل، لما كثر التحميل من هذا الموضع، وهو مثل النوفل من النفل، وهو العطية لما كثر التنفيل. والدخول بفتح الدال: اسم واد من أودية العلية بأرض اليمامة. ونقل ياقوت عن الخارزنجى أنه بئر نميرة كثيرة المياه. ونقل عن أبى سعيد العسكرى أنه قال: الدخول وحومل والمقراة وتوضح: مواضع ما بين إمرة وأسود العين، وقال الدخول: من مياه عمرو بن كلاب.(1/232)
عندهم النّعتان. وكشف هذا: أنك متى جعلت بعد حرف العطف اسما لفظه [100ا] من لفظ الاسم الذى قبله، عقدت ولم تأت بالواو، وذلك لو قلت:
قام زيد وزيد، كنت قائلا: قام الزّيدان، فينعقد، لأن الواو إنما هى جامعة فقط. ولو قلت: قام زيد فزيد، لم يجز أن يعقد، فتقول: قام الزّيدان، لأنك تريد هاهنا، مع أنهما قد اجتمعا فى الفعل، أن الثانى بعد الأوّل، فلا بدّ من الدّالّ على ذلك، فلا بدّ من الفاء، وإذا جئت بالفاء امتنع العقد، فلا ينعقد المعنيان، لأن سبيل النّعت سبيل المنعوت، فقال الأصمعىّ، وكان ضعيفا فى النحو، غير أنه كان ذا فطنة، وأطبقت الرّواة على أن بين الدّخول فحومل:
لا يجب أن يكون هذا إلا هكذا، لأنه ليس يقصد ببين أن يكون الشّيئان أحدهما بعد الآخر، ثم يكون الشّىء بينهما، إنما يريد أنهما لا يجتمعان وهو بينهما، كما تقول: زيد بين الكوفة والبصرة، ولا تقول بين الكوفة فالبصرة، قد أجاد فطنة.
وأما قولى: لا مهلة بينهما، الدّليل على ذلك أنك تقول: ضربته فبكى، ولا تقول ضربته ثم بكى، لأن البكاء فى العادة إنما يكون عند الضّرب، ثانيا له، لا مهلة بينهما، وثم للمهلة [100ب] قال بعض البغداديين، أراد:
قفا نبك بين الدّخول فحومل، إلى توضح، إلى المقراة.
فالفاء فى موضع إلى، فأضمر (ما) مع بين، كقولك: هو أحسن الناس قرنا فقدما، ولم يضمر بين، فأراد: فابكيا هذا إلى ذا.
* * * وروى أكثر الناس فى هذه القصيدة:
[فأضحى يسحّ الماء حول كتيفة] ... يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل (1)
__________
(1) ما بين الأقواس المربعة تكملة للبيت من الديوان، وكتيفة: جبل بأعلى مبهل، ومبهل: واد لعبد الله بن غطفان. ونقل ياقوت عن أبى زياد: أنه قال: كتيفة من مياه عمرو بن كلاب. وأورد شعرا لأبى جابر الكلابى هو:(1/233)
بفتح الباء، ووزنه: «فنعلل»، وهو الشّجر العظيم، أعظم من العضاه.
ورواه الأصمعى «الكنهبل» بضم الباء، وتقديره «فنعلل»، ولا نظير له. وكذلك «قرنفل» لا نظير له، وتقديره «فعنلل» العين قبل النون.
* * * ومما روى فى هذه القصيدة على وجهين:
[فان تك قد ساءتك منى خليقة] ... فسلّى ثيابى من ثيابك تنسلى (1)
تنسلى: تبينى، وإذا بانت السّنّ وسقطت قيل: قد نسلت. وقد نسل النّصل، ونسل الرّيش: إذا سقط، وكذلك الشّعر من الحمار والفرس ينسل. ويروى تنسل فيجعلها للثّياب، فمن رواه تنسل، السين مضمومة أو مكسورة، يقال: نسل (2) الوبر والرّيش والشّعر ينسل نسولا ونسالا، وقد يقال: أنسل إنسالا: إذا سقط، فضرب هذا أيضا مثلا، وأراد بالثياب القلب هنا [101ا] يريد: اقطعى أمرى وأمرك، إن كان فىّ خلق لا ترضينه فانصرفى قال الأعشى فى النّسال:
[ذو أذاة على الخليط خبيث النّ ... فس] يرمى مراغه بالنّسال
وأما قوله فى هذه القصيدة أيضا:
* وليس فؤادى عن هواها بمنسلى *
__________
أيا نخلتى وادى كتيفة حبذا ... ظلالكما لو كنت يوما أنالها
وماؤكما العذب الذى لو شربته ... شفاء لنفس كان طال اعتلالها
معنى على طول الهيام غليله ... بذكر مياه ما ينال زلالها
(1) ما بين المربعين تكملة عن الديوان.
(2) نسل الصوف والشعر والريش ينسل نسولا، وأنسل: سقط وتقطع، وقيل: سقط ثم نبت.
ونسله هو نسلا، وأنسله الطائر وأنسل البعير وبره. ونقل ابن منظور عن أبى زيد أنسل ريش الطائر: إذا سقط، قال: ونسلته أنا نسلا.
والنسيل والنسال: اسم ما سقط منه، وقد ضبط النسال فى اللسان: بضم النون، وواحدة النسيل والنسال نسيلة ونسالة، ويقال: أنسلت الناقة وبرها: إذا ألقته، تنسله، وقد نسلت بولد كثير تنسل، ونسال الطير: ما سقط من ريشها، وهو النسالة.(1/234)
فهو «منفعل» من السّلوة (1)
* * * وممّا يروى على وجهين قوله:
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر ... علىّ حراصا لو يشرّون مقتلى (2)
رواية الأصمعىّ: «يشرّون» بالشين المعجمة، معناه: يظهرون (3)، يقال:
أشررت الشىء: إذا بسطته، وقال الشاعر:
[فما برحوا حتى رأى الله جدّهم] ... وحتى أشرّت بالأكفّ المصاحف (4)
أى [نشرت و] أظهرت، ومعناه: ليس يقتل مثلى حقّا، فيكون قتلهم إيّاه هو الإظهار.
ورواه غيره: «لو يسرّون مقتلى» من غيظهم علىّ، وهذا مثل قول القائل: هو حريص علىّ لو يقتلنى. قال: ويقال أسررت الشىء: إذا أظهرته، وهو من الأضداد، ومعنى يسرّون، أى هم حراص على إسرار
* * * قتلى، وذلك غير كائن، لنباهتى وذكرى.
ومنها قوله:
وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش ... إذا هى نصّته ولا بمعطّل
رواه الأصمعىّ: «نصّته» بالصاد غير المعجمة مشدّدة، أى نصّته [101ب] ورفعته، وبه سمّيت المنصّة.
__________
(1) السلوة بفتح السين وبضم: وهو اسم من السلو، بمعنى النسيان.
(2) رواية البيت فى اللسان تخالف الرواية هنا بعض المخالفة فى اللفظ الأول، ونصها:
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا ... على حراصا لو يشرّون مقتلى
ونقل عن الجوهرى أن هذه رواية الأصمعى لبيت امرئ القيس. وقال ابن منظور: على هذا قال، وهو بالسين أجود.
(3) الشر: السوء، والفعل للرجل الشرير، والمصدر الشرارة، والفعل: شر يشر، بفتح الشين وكسرها، وجمعه شرور، وروى عن كراع أن الشر بضم الشين لغة فيه.
(4) ما بين الأقواس المربعة هو صدر البيت، رواه صاحب اللسان، ونسبه لكعب بن جعيل، ثم قال:
وقيل إنه للحصين بن الحمام المرى، يذكر يوم صفين.(1/235)
ورواية غيره: «إذا هى نضته»: بالضاد المعجمة مخفّفة، ومعناه: أبرزته وكشفته.
وفى بيته الآخر:
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ... لدى السّتر إلا لبسة المتفضّل (1)
نضت: خلعت ونزعت. ونضا سيفه: إذا سلّه من غمده، ونضا خضابه وقال زهير:
فرحنا به ينضو الجياد عشيّة ... مخضّبة أرساغه وعوامله (2)
ينضو: ينسلخ منها ويتقدّمها، يقال: نضا خضابه ينضو، وانتضى سيفه.
* * * ومما خالف فيه ابن الأعرابىّ الأصمعىّ فى المعنى لا فى اللّفظ، قوله:
كأنّ الثّريّا علّقت بمصامها ... بأمراس كتّان إلى صمّ جندل (3)
قال: (4) فى مصامها عند الأصمعىّ: ترجع إلى الثريا، ومعنى مصامها:
موضعها ومقامها، فهو يصف اللّيل، وأن نجومه لا تسير من طوله، فكأنّ لها أواخىّ فى الأرض تحبسها، هذا مذهب الأصمعىّ.
قال أبو أحمد:
ورأيت هذا البيت فى نوادر ابن الأعرابىّ، وفسّره بتفسير عجب، فقال ورواه:
كأنّ نجوما علّقت فى مصامه ... بأمراس كتّان إلى صمّ جندل
[102ا] ثم فسّر فقال: شبّه ما بين الحوافر وجثمانه بالأمراس، و «صمّ
__________
(1) نضا الخضاب نضوا ونضوا: ذهب لونه، ونصل. يكون ذلك فى اليد والرجل والرأس واللحية.
(2) الرسغ: بضم الراء، وإسكان السين وبضمها: الموضع المستدق بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل، ومفصل ما بين الساعد والكف، أما العوامل فهى جمع عاملة، وهى الأرجل نفسها.
(3) المصام من الفرس كالمصامة، وهى الموقف، الواحد فيه كالجمع. والأمراس: الحبال، جمع الجمع، والواحد منه المرسة، وجمعها مرس. والمراد بصم الجندل: الحجارة الكبار التى لا يقلها إلا أقوياء الرجال.
(4) فى الأصل «قالها»، والصواب ما ذكرنا، فهو يريد أن الضمير فى مصامها يرجع إلى الثريا.(1/236)
جندل» يعنى: جثمانه، فأخذ هذا البيت وصيّره فى وصف الفرس، وحمله على أنه بعد قوله:
وقد أغتدى والطّير فى وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل (1)
* * * ومما يروى على وجهين:
[كأنّ سراته لدى البيت قائما] ... مداك عروس أو صراية حنظل (2)
رواية الأصمعىّ «صراية» بالصّاد مفتوحة، غير معجمة، وتحت الياء نقطتان، والصّراية: الحنظلة الخضراء. وقيل: هى التى اصفرّت، لأنها إذا اصفرّت برقت، وهى قبل أن تصفرّ مغبرّة. قال: ومثله إذا أعرضت قلت
إذا أعرضت قلت: دبّاءة ... من الخضر مغموسة فى الغدر (3)
أى من يرا [ها يظنها] (4) كأنها قرعة قال الشاعر:
كأنّ مفارق الهامات منهم ... صرايات تهاداها الجوارى
ورواه أبو عبيدة: «صراية» بكسر الصاد. وقال: هو الماء الذى ينقع فيه الحنظل، ويقال: صرى يصرى صريا وصراة (5)، وهو أخضر صاف.
__________
(1) الوكنات: جمع الوكنة، مثلتة الواو، وهى عش الطائر والمنجرد: الفرس القصير الشعر الرقيقه.
وقيد الأوابد: يلحقها فيقيدها، والأوابد هنا: الوحوش، وسميت بذلك لأنها لم تمت حتف أنفها، وإنما قيل للفرس: قيد الأوابد، لأنه يلحق الوحوش بسرعته والهيكل: الفرس الطويل، والضخم من كل شىء.
(2) المداك والمدوك كمنبر: الصلاءة، وهى حجر يسحق عليه الطيب ونحوه، قال سلامة بن جندل يرقى الدسيع إلى هاد له تلع ... فى جؤجؤ كمداك الطيب محضوب
وسراة الفرس: متنه، وسراة البعير سنامه، وسراة كل شىء: أعلاه وظهره ووسطه. والصراية: نقيع ماء الحنظل وقال الأصمعى: إذا اصفر الحنظل فهو الصراء ممدود، وقال أيضا: الصراية: الحنظلة إذا اصفرت، وجمعها صراء وصرايا.
(3) فى الأصل: «دناءة»، والصواب «دباءة» والدباء: هو القرع، ويدل لصحة هذا التصويب تفسيره الآتى بعد. والبيت فى الصحاح منسوب لامرئ القيس وهو: وإن أدبرت الخ.
(4) ما بين الأقواس المربعة زيادة اقتضاها معنى الكلام، وقد كان الأصل هكذا (من يرفقها) وهو تصحيف.
(5) فى الأصل: وصرابة، وهو تصحيف أيضا.(1/237)
ورواه بعضهم: «صرابة حنظل» بباء تحتها نقطة واحدة، فمن قال هذا أراد الملوسة والصّفاء، يقال: اصرأبّ (1) الشىء [102ب]: إذا املاسّ.
* * * وقوله:
[فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه] (2) ... عذارى دوار فى الملاء المذيّل
ويروى: «دوار» بالدال مضمومة، و «دوار» الدال مفتوحة والواو مخفّفة، وهو نسك كان لهم فى الجاهليّة، يدار حوله. و «دوّار» فى غير هذا بفتحة الدال وتشديد الواو: سجن باليمامة. و «دوّار» مضموم الدال مثقّل: موضع قال الشّاعر (3):
[لا أعرفن ربربا جورا مدامعها] ... كأنهنّ نعاج حول دوّار (4)
وهذه كلّها تشكل ويقع فيها التّغيير.
وأما قول عنترة:
تركت بنى الهجيم لهم دوار ... إذا تمضى جماعتهم تعود (4)
فانما أراد الصّنم وقوله:
__________
(1) فى الأصل اصرات وهو تصحيف، والصواب ما ذكرناه، فقد جاء فى القاموس فى (مادة: صرب) اصرأب الشىء: إملاس. واصرأب على زنة افعلل.
(2) التكملة عن ديوان امرئ القيس، والسرب: القطيع من البقر والظباء وغيرها، وأراد به هاهنا:
البقر، ونعاجه: إناثه، شبهها فى مشيها وطول أذنابها بجوار يدرن حول صنم وعليهن الملاء، والمذيل والمذيل: الطويل المهدب، قال صاحب اللسان: والأشهر فى اسم الصنم دوار بالفتح، وأما الدوار بالضم فهو من دوار الرأس، ويقال فى اسم الصنم دوار، قال: وقد تشدد فيقال دوار. ودوار بالضم صنم، وقد يفتح الصنم فى التهذيب للأزهرى: الدوار صنم كانت العرب تنصبه يجعلون موضعا حوله يدورون به. واسم ذلك الصنم والموضع: الدوار، ثم استشهد بالبيت، ورواه فى ملاء مذيل بغير أداة التعريف فى الملاء كما هو هنا.
(3) الشاعر كما فى معجم ياقوت: هو النابغة الذبيانى، وقد أورد البيت ثم قال: وقال أبو عبيدة فى شرح هذا البيت: دوار: موضع فى الرمل بالضم، ودوار بالفتح: سجن، واستشهد ببيت جرير:
أزمان أهلك فى الجميع تربّعوا ... ذا البيض ثم تصيفوا دوّارا
مضبوطا بالفتح عن ابن أخى الشافعى، وقال: وكذا هو بخط الأزدى فى شعر ابن مقبل:
أإحدى بنى عبس ذكرت ودونها ... سنيح ومن رمل البعوضة منكب
وكتمى ودوّار كان ذراهما ... وقد خفيا إلا الغوارب ربرب
وهذا يدل على أنه جبل.
(4) رواية البيت فى ديوان عنترة:
جعلت بنى الهجيم له دوارا ... إذا يمضى جماعتهم يعود(1/238)
فعدت له وصحبتى بين خامر ... وبين إكام بعد ما متأمّل (1)
الخلاف فى بعد وبعد، رواه أبو إسحاق الزّيادى عن الأصمعىّ «بعد»، مضموم الباء، ومعناه: يا بعد ما تأمّلت، على التّعجّب. أى تثبّت فى النّظر أين تسقى؟
ورواه أبو حاتم «بعد»، بفتح الباء، وقال خفّف «بعد»، فأسكن العين، وبقيت الباء مفتوحة، كما قال: «قرب طباقى»، يريد: قرب، فخفّف، مثل: كرم وكرم.
ويروى فى هذا البيت: «وبين إكام»، فإكام: جمع أكمة، وإكام:
جبل بالشّام.
وقوله:
[كدأبك من أمّ الحويرث قبلها (2)] ... [103ا] وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
لابدّ فى قوله: «بمأسل» من الهمز، لأنه إن لم يهمز صار الألف ألف تأسيس.
ومما يشكل فى قصيدته التى أوّلها:
لاعم صباحا أيّها الطّلل البالى ... [وهل يعمن من كان فى العصر الخالى]
معنى قوله:
وهل يعمن إلا سعيد مخلّد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
اختلفوا فى معناه، لا فى لفظه، فقال الأصمعىّ: اللّفظ على مذهب: أنت يا طلل، فقد تفرّق أهلك وذهبوا، فكيف تنعم؟ والمعنى: كيف أنعم أنا؟ كأنه
__________
وقيل البيت:
تركت جريّة العمرىّ فيه ... سديد العير معتدل شديد
(1) رواية البيت فى ديوان امرئ القيس:
قعدت له وصحبتى بين ضارج ... وبين العذيب بعد ما متأمل
وضارج من النقى: ماء ونخل لبنى سعد بن زيد مناة.
(2) الزيادة فى الموضعين عن ديوان امرئ القيس.(1/239)
يعنى: أهل الطّلل. قال: والمخلّد: الطّويل العمر، الرّضىّ البال ومخلّد: إذا لم يشبّ.
وقال غيره: المخلّد: المقرّط، والقرط: الخلدة، من قوله جلّ ذكره:
«ولدان مخلّدون»، يعنى: مقرّطون، ولو كان يصفهم بالخلود لما ذكر الولدان دون أهل الجنّة، وأنشد:
ومخلّدات باللّجين [كأنما ... أعجازهنّ أقاوز الكثبان] (1)
وزعم بعضهم أن من روى: «ومخلّدات باللّجين» فقد صحّف، قال:
وإنما هو: «ومحلّيات باللّجين».
وأما قوله: «أخلد إلى الأرض» فمعناه: اطمأنّ إليها. يقال: أخلد فهو مخلد.
ورواه بعضهم:
* وهل ينعمن إلا خلىّ مخلّد *
وقال: يعنى: غلاما حدثا خليّا من العشق.
وأما قوله:
وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا فى ثلاثة أحوال؟
فقال الأصمعىّ وابن السكّيت: يقول: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالرفاهية ثلاثين شهرا، من ثلاثة أحوال، فاتّفقا على أنّ «فى» هاهنا بمعنى «من»، ثم قالا: وقد يكون فى معنى «مع»، واستشهد ببيت الجعدىّ:
ولوح ذراعين فى بركة ... إلى جؤجؤ رهل المنكب (2)
__________
(1) جئنا بتتمة البيت من اللسان، وهو فيه غير منسوب لقائل، والخلدة جماعة: الحلى، ومنه قوله تعالى: {«يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ»}. قال الزجاجى: محلون، وقال أبو عبيدة: مسورون، يمانية، ثم روى البيت. والأقاوز: جمع قوز، وهو المستدير من الرمل، والكثيب: المشرف. ويجمع على أقواز، وقيزان، وأقاويز، وأقاوز.
(2) البيت فى الأصل مصحف، وقد رسم هكذا:
* دلوح دراعين فى بركة *
والتصويب عن اللسان.(1/240)
فقال: «فى بركة»، وأراد: «مع بركة».
ومثله [قول أبى النّجم:
يدفع عنها الجوع كلّ مدفع] ... خمسون بسطا فى خلايا أربع (1)
والخمسون لا تكون فى أربع، والمعنى: مع خلايا أربع.
وقوله: «بميثاء محلال»، والإشكال فى كسر الميم وفتحها، فالميثاء بفتح الميم: طريق للماء عظيم، مرتفع من الوادى، فإذا كان صغيرا فهى شعبة، وهى نحو ثلث الوادى أو أقلّ، فإذا كان أكثر من ذلك فهو تلعة. قال طرفة:
ولست بحلّال التّلاع مخافة ... [ولكن متى يسترفد القوم أرفد] (2)
والحرف من الأضداد، فإذا كان مثل نصف الوادى أو ثلثيه (3) فهو ميثاء، وميثاء: من أسماء النّساء قال الأعشى:
لميثاء دار قد تعفّت طلولها ... [عفتها نضيضات الصّبا فمسيلها]
والميث: ما لان وسهل من الأرض. [104ا] ويروى لامرئ القيس:
بميث أنيث فى رياض دميثة ... تحيل سواقيها بماء فضيض
وأما الميثاء، بكسر الميم: فالأرض اللّيّنة، وجمعها ميث، قال زهير:
فذو هاش فميث عريتنات ... عفتها الرّيح بعدك والسّماء (4)
__________
(1) ما بين الأقواس المربعة زيادة جئنا بها من اللسان، ولم يكن البيت فى الأصل معجما.
(2) التكملة من الديوان، والبيت من معلقته المشهورة:
لخولة أطلال ببرقه ثهمد ... تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد
(3) فى الأصل: ثلثه، والتصويب عن اللسان.
(4) ذوهاش: موضع لم يعينه ياقوت، ورد فى شعر الشماخ، وفى شعر زهير، وقبل هذا البيت:
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
وعريتنات: موضع وواد، ولم يعين ياقوت مكانه، وهو تصغير العرتن، وهو شجر خشن، يشبه العوسج، إلأ أنه أضخم، وهو أثيث الفرع، وليس له سوق طوال، يدق ثم يطبخ، فيجئ أديمه أحمر.
وعرتن الأديم: دبغه به. فلعل المكان قد نسب إلى هذا الشجر، لأنه ينبت فيه.(1/241)
وأما الميتاء بالتّاء فوقها نقطتان: فهو الطريق المأتىّ، وهو المسلوك، ومنه حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم فى اللّقطة: «ما كان منها فى طريق ميتاء، فإنّه يعرّفه سنة». وقال عند موت إبراهيم: «لولا أنّه وعد حقّ، وقيل صدق، وطريق ميتاء، لحزنّا عليك».
وبعضهم يقول: طريق مأتىّ، ومعناهما: قريب.
* * * ومما يروى على وجهين قوله:
ليالى سلمى إذ تريك منصّبا ... [وجيدا كجيدا الرّئم ليس بمعطال]
ويروى مقصّبا، ومعناهما مختلف.
فمن رواه منصّبا: أراد ثغرها (1)، والمنصّب: المستوى من الأرض المتّسق.
ومن رواه مقصّبا، أراد شعرها قصّبته، جعلته ذوائب، وشعر مقصّب:
أى قصّابة قصّابة. وقال الأصمعىّ: قصبة قصبة، وقال غيره: قصيبة وقصائب (2).
وقال فى البائية (3):
وولّى كشؤبوب العشىّ بوابل ... ويخرجن من جعد ثراه منصّب (4)
بالنّون، فقال: ثراه داخل بعضه فى بعض، فهو المنصّب.
* * * __________
(1) فى الأصل أراد بعرها، والصواب ما أثبتناه فقد جاء فى الأساس: ثغر منصب ومتنصب.
(2) فى اللسان: القصابة، والقصبة، والقصيبة، والتقصيبة، والتقصبة: الخصلة الملتوية من الشعر
والقصائب: الذوائب المقصبة، تلوى ليا حتى تترجل، ولا تضفر ضفرا. وهى الأنبوبة أيضا وشعر مقصب: أى مجعد وقصب شعره: أى جعده (اللسان: قصب).
(3) أى القصيدة التى مطلعها: * خليلى مرابى على أم جندب *
(4) الشؤبوب: المطر يصيب المكان ويخطئ الآخر. والجعد من الشعر: خلاف السبط، وقيل:
هو القصير. ورواية البيت هكذا فى العقد الثمين: وفى رواية:
تراهن من تحت الغبار فواصلا ... ويخرجن من جعد الثرى متنصب(1/242)
وروى الأصمعىّ:
وهبّت له ريح بمختلف الصّبا ... [صبا وشمالا فى منارل قفّال] (1)
بحيث اختلفت الصّبا.
وروى أبو حاتم وأبو إسحاق الزّيادىّ وغيرهما: «بمختلف الصّوى»، والصّوى: الأكم الصّغار، الواحدة: صوّة. وهذا ما ارتفع من الأرض وحوله غلظ، وقوله:
* فلمّا أجنّ الشّمس منّى عوارها *
رواه الأصمعىّ: «غيابها»، وروى: غيارها، وغيورها. كذا رواه ابن السّكّيت، وخالفه ابن الأعرابىّ، فرواه: «عوارها» بعين غير معجمة مفتوحة.
وقال: عورتا الشّمس المشرق والمغرب، وأنشد ابن الأعرابىّ:
[تجاوب] بومها فى عورتيها ... [إذا الحرباء أوفى للتّناجى] (2)
ومما يشكل فى هذه القصيدة عن من لا يعلم علم القوافى:
[وصمّ صلاب ما يقين عن الوجى] ... كأنّ مكان الرّدف منه على رال (3)
فيهمز رأل، ولا يجوز همزها هاهنا، لأنه يذهب ألف الرّدف، ومما يدلك على هذا، أن قولك «رأس» إذا همزته يجوز معها فلس وهمس، قال:
يا عمر قوّال السّداد ومع ... طاء القياد وفارس البأس (4)
[105ا] عمرو الفوارس والمجالس والقينات والأيسار والكأس (5)
__________
(1) الزيادة عن الديوان، وفى رواية «بمختلف الصوا * صبا وشمال».
(2) الزيادة عن اللسان، وعن ابن الأعرابى فى تفسيره: أراد عورتى الشمس، وهما مشرقها ومغربها وكتب بهامش اللسان قوله: «تجاوب بولها الخ» ما نصه: هكذا أنشده الجوهرى فى الصحاح وقال الصاغانى: والصواب: غورتيها، بالغين معجمة، وهما جانباها، وفى البيت تحريف. والرواية: أوفى للبراح، والقصيدة حائية. والبيت لبشر بن أبى خازم.
(3) الزيادة عن الديوان، فانظره.
(4) فى الأصل (قول) بإسقاط الألف بين الواو واللام، وهو خطأ يذهب بالمعنى، ويخل بالوزن.
(5) فى الأصل (عمر) وهو أيضا خطأ، يخالف ما تقدم فى البيت السابق.(1/243)
وفتى منادمة ومكرمة ... * كسيت ثيابك غير مستكس (1)
ومما يشكل من قصيدته:
* خليلىّ مرّابى على أمّ جندب *
عقيلة أتراب لها لا ذميمة ... ولا ذات خلق إن تأمّلت جأنب (2)
الإشكال فى قوله: جأنب، فانّ من لا يعرف علم القوافى يترك همزة «جأنب»، فيقول: «جانب» ويظنّ أنه ليس فيه إلا تخفيف الهمزة، وإذا لم يهمز «جأنب» صار الألف ألف تأسيس، ولا يجوز هذا عند أكثر أصحاب القوافى: أن يكون بعض الأبيات مؤسّسا، وبعضها غير مؤسّس، ولا بدّ من الهمزة فى «جأنب»، وكذلك أيضا فى قصيدة علقمة بن عبدة التى أوّلها:
ذهبت من الهجران فى غير مذهب ... [ولم يك حقّا كلّ هذا التّجنّب] (3)
وفيها: جأنب (4)، والجأنب بالهمز والفتح: القصير القمىء، والجانب، الغريب:
غير مهموز.
وفى شعر زهير بيت من هذا الفنّ، وهو قوله فى قصيدته التى أوّلها:
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم ... [بحومانة الدّرّاج فالمتثلّم] (5)
__________
(1) فى الأصل لسيت (باللام)، والمعنى لا يفهم إلا على الكاف. يقول إن ثيابك تكسو العارى من الناس، فى حال أنك لم تطلب من أحد أن يكسوه، يصفه بالكرم. وفى كسيت ثيابك قلب معنوى، لأن الثياب تكسو الناس، ولا تكسى هى.
(2) رواية الديوان: عقيلة أخدان.
(3) الزيادة من الديوان.
(4) وردت الكلمة فى آخر البيت:
ممرّ كعقد الأندرىّ يزينه ... مع العتق خلق مفعم غير جأنب
(5) الزيادة عن الديوان أيضا.(1/244)
ثم قال:
[فأصبحتما منها على خير موطن] ... بعيدين فيها من عقوق ومأثم
ومثله:
[ويوما على صلت الجبين مسحّج ... ويوما] على بيدانة أمّ تألب (1)
لا بدّ من همزة، فان لم يهمز المأثم لم يصلح، وصار الألف ألف تأسيس.
[105ب] ومثله قول الآخر:
* فخندف هامة هذا العألم (2) *
وقال:
كأنّ ربا سائلا ودبسا ... بحيث يختاف المعيد الرّأسا (3)
وقوله:
[بمنجرد قيد الأوابد لاحه] ... طراد الهوادى كلّ شأو مغرّب (4)
ويروى لعلقمة، رواية الأصمعىّ، بعين معجمة، وراء غير معجمة، والرّاء مكسورة، ومعناه: شأو بعيد. والغرب: البعد، والغريب مشتقّ منه، والشّأو: الطّلق.
أخبرنا ابن دريد، عن أبى حاتم قال: ورواه أبو عبيدة: «شأو معزّب»
__________
(1) الزيادة عن الديوان، وقد روى فى بيت آخر من القصيدة نفسها «على بيدانة أم تولب». والبيدانة:
الحمارة الوحشية: والتولب: وليدها.
(2) الشاهد فى همز الألف من العالم أو تخفيفها.
(3) لم نقف على هذا البيت فى المراجع التى بين أيدينا، والرب: ما يطبخ من التمر، ويقال له الدبس أيضا وقال صاحب اللسان الرب: الطلاء (أى الخمر) الخاثر، وقيل هو دبس كل تمرة، وهو سلافة خثارتها بعد الاعتصار والطبخ. وقد كان عجز البيت فى الأصل * بحيث يختاف المعد الرأسا * بإهمال يختاف.
(4) البيت من قصيدته التى أولها * ذهبت من الهجران فى غير مذهب * وما بين الأقواس هو صدر البيت، زيادة عن الديوان.
وقد كان البيت فى الأصل: طراد الهوى، والتصحيح عن الديوان.(1/245)
بعين غير معجمة، وزاى معجمة. ومعناه: البعد أيضا فى الشىء العازب، وأما بيت الجعدىّ:
ويصهل فى مثل جوف الطّوى ... ى صهيلا تبيّن للمعرب (1)
وبيت [أوس بن حجر]:
ومثل ابن عثم إن ذحول تذوكرت ... وقتلى تناس عن صلاح تعرّب (2)
فالراء والعين فيهما غير معجمتين، تعرّب، أى ترد عليهم، وهو مثل قول عمر رضى الله عنه: «لا تسمع أحدا ينال من أعراض الناس إلا عرّبت عليه»:
أى رددت. وقول [امرئ القيس:
وأوتاده ماذيّة وعماده] ... ردينيّة فيها أسنّة قعضب (3)
لم أسمع أحدا يرويه إلا «قعضب» بالضاد المعجمة، وهو اسم رجل كان يعمل الأسنّة فى الجاهلية، وذكر أبو حاتم أنه يروى [106ا] بالصّاد غير معجمة، وليس بشىء.
وقوله:
فكاب على حرّ الجبين ومتّق ... بمدربة كأنّها ذلق مشعب (4)
__________
(1) يقول إذا سمع صهيله من له خيل عراب عرف، أنه عربى، والمعرب من أعرب الرجل: ملك خيلا عرابا.
(2) ورد البيت فى اللسان: عرب) هكذا:
ومثل ابن عثم إن ذحول تذوكرت ... وقتلى تياس عن صلاح تقرب
قال: ويروى يعرب يعنى أن هؤلاء الذين قتلوا منا ولم نتئربهم، ولم نقتل الثأر، إذا ذكرت دماؤهم أفسدت المصالحة، ومنعتنا عنها. والصلاح: المصالحة وعن ابن الأعرابى: التعريب المنع والإنكار، وأورد عجزه فى (مادة تيس) وقال: تياس موضع بالبادية، كان به حرب حين قطعت رجل الحارث بن كعب، فسمى الأعرج وأما ياقوت فقد أورد صدره هكذا: ومثل ابن غنم إن ذحول تذكرت. وقد صحف طابعها كلمة ذحول فجعلها دخول.
(3) فى الأصل (وقوله) والتكملة عن ديوان امرئ القيس: والماذية: الدروع البيض. والردينية:
الرماح.
(4) الشعر لامرئ القيس (وقد ورد البيت فى شعر علقمة أيضا، لكن بخلاف يسير، وهو:
فهاو على حرّ الجبين ومتّق ... بمدراته كأنّها ذلق مشعب
الكابى: العاثر. المدرية: القرن. الذلق: الحد. المشعب: مخراز يشعب به النعال.(1/246)
مدرية: الدال غير معجمة، والعين من «مشعب» غير معجمة
وقوله:
[بمجفرة حرف كأنّ قتودها] ... على أبلق الكشحين ليس بمغرب (1)
الراء مفتوحة، والغين معجمة. وقال: المغرب: الأبيض الوجه والأشفار، قال:
والمغرب يتطيرون منه، وأنشدنى المعمرىّ، عن أحمد بن يحيى:
يشقى بى الغيران حتى احسبا ... سدّا مغيرا أو لياحا مغربا
وأما قولهم: «عنقاء مغرب» فبعضهم يذكر أنه لا أصل له، وأنه اسم جعل لما لا يدرك ولا يرى (2)، ويقال: دابّة مغرب إذا اشتدّ بياضه حتى تبيضّ محاجره وأرفاغه ويقال: أصابه سهم غرب بفتحتين مضاف. وقال الرّياشى:
سهم غرب، وسهم غرب. وقال ابن الأعرابىّ: سهم غرب وغرب ساكنة الراء، إذا جاء من حيث لا يدرى.
وقوله:
[فلأيا بلأى ما حملنا غلامنا] ... على ظهر محبوك السّراة محنّب (3)
الرّواية بالحاء غير المعجمة.
وقوله:
نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... [إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب] (4)
__________
(1) البيت لأمرئ القيس من القصيدة ومطلعها «خليلى»، وما بين الأقواس صدر البيت عن ديوانه.
وفى رواية:
* بأدماء حرجوج كأنّ قتودها *
المغرب من الخيل: الذى تتسع غرته فى وجهه، حتى تجاوز عينيه. وقد أغرب الفرس، على ما لم يسمه فاعله:
إذا أخذت غرته عينيه، وابيضت أشفاره (اللسان: غرب).
(2) (فى اللسان: غرب) وفى الحديث: «طارت به عنقاء مغرب»: أى ذهبت به الداهية.
(3) صدر البيت عن ديوان امرئ القيس: لأيا بلأى: أى جهدا بعد جهد. المحنب: المتقوس اليدين، وهو مدح للفرس.
(4) عجز البيت عن الديوان: والمضهب الذى قد شوى على جمر محمى. وقال أبو عمرو: إذا أدخلت اللحم النار ولم تبالغ فى نضجه، قلت: ضهبته، فهو مهضب.(1/247)
صحّف فيه المفضل، فقال: نمسّ [106ب]، وإنما هو: نمشّ، مضمومة، والشين معجمة والمشّ: مسح اليد بشىء خشن يقشر الدّسم، والمشوش:
المنديل.
ومثله قول عبدة بن الطّبيب:
[ثمّت قمنا إلى جرد مسوّمة] ... أعرافهنّ لأيدينا مناديل (1)
وهكذا أيضا بيته الآخر (2):
إذا مشّت حوالبها أرنّت ... كأنّ الحىّ صبّحهم نعىّ (3)
مشّت: مسحت، لينزل اللبن.
وقد روى:
[نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا] عن شواء مصهّب
ومصهّب: بصاد غير معجمة، والمضهّب: الذى لم يدرك حسنا.
وأخبرنا ابن دريد، عن أبى حاتم، قال: قال الزّيادىّ: كان أبو عبيدة يقول: المشوش: المنديل، فقال الأصمعىّ: ليس كما قال، وإنما المشوش:
الشىء الخشن الذى يقشر الدّسم.
ومن القصيدة التى أوّلها:
سما لك شوق بعد ما كان أقصرا ... [وحلّت سليمى بطن نجد فعرعرا] (4)
__________
(1) صدر البيت عن المفضليات: وهو من قصيدة مطلها:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول
(2) يفهم من قوله: وهكذا بيته الآخر، أن البيت لعبدة بن الطبيب، وليس الأمر كذلك، فإن البيت من أبيات لامرئ القيس، وقبل البيت:
ألا إن لا تكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلنها العصى
وبعده:
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع ورى
(3) الحوالب: جمع حالب ارنت: صاتت.
(4) عجز البيت من ديوان امرئ القيس، والقصيدة له.(1/248)
وقوله:
[بسير يضجّ العود منه يمنّه] ... أخو الجهد لا يلوى على من تعذرّا
يلوى، الياء مفتوحة، من لوى يلوى: إذا احتبس لما يعذر به.
وقوله «على من تعذّرا»: العين غير معجمة، والذال منقوطة: أى من تخلّف لم يلووا ولم يعطفوا عليه.
وقوله:
[يزلّ الغلام الخفّ عن صهواته (1)] ... ويلوى بأثواب العنيف المثقّل
[107ا] يريد: يذهب به ويسقطه.
ورواه بعضهم: «على من تغدّرا» الغين معجمة، والدال غير معجمة، وقال: يعنى لم يحتبسوا على من بقى.
وأنشد أبو بكر، عن أبى حاتم:
[يا ليل أسقاك البريق الوامض] ... هل لك والعارض منك عائض
فى هجمة يغدر منها القابض (2)
أى يبقى. ويقال: بقى غدرات أى: بقية، والغدير: منه، لأنه شىء يبقى من السيل.
وقوله:
إذا زعته من جانبيه كليهما ... مشى الهيدبى فى دفّه ثم فرفرا (3)
زعته، بالزاى المعجمة: أى حرّكته بلجامه للمشى، وأنشد لذى الرّمّة:
__________
(1) التكملة عن الديوان، وهو من مطولته التى مطلعها: * قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل *
(2) قاله أبو محمد الفقعسى، يخاطب امرأة خطبها لنفسه. وقد روى بدل يغدر: يسئر: أى يبقى:
(اللسان: عوض).
(3) البيت أورده صاحب اللسان يرويه عن ابن برى وروى فى الديوان أيضا:
إذا زعته من جانبيه كليهما ... مشى الهيذبى فى دفّه ثم فرفرا
بإعجام الزاى فى زعته، والذال فى الهيذبى. وقد رسمه فى الأصل المخطوط: رعته بالراء وفى رواية إذا زعه. والدف: الجنب وفرفر: نقض جسده، أو أسرع وقارب الخطو.(1/249)
[وخافق الرأس مثل السّيف قلت له] ... زع بالزّمام وجوز اللّيل مركوم (1)
وقال لبيد:
فإن لم تجد من دون عدنان والدّا ... ودون معدّ فلتزعك العواذل
رواه أبو حاتم: «فلتزعك» مضمومة الزاى، وهو خطأ عندهم، لأنه يصير من زعت البعير: إذا حرّكته بلجامه ليزيد فى السّير، ولا معنى له فى العواذل، والرواية: «فلتزعك العواذل» مفتوح الزّاى: لتكفّك عما أنت فيه، فقال:
وزعته أزعه وزعا: إذا كففته.
وأما بيت ذى الرّمّة، فالرواية:
[وخافق الرأس مثل السّيف قلت له] ... زع بالزّمام وجون اللّيل مركوم
[107ب] أى حرّكه باللّجام، ليزيد فى السّير.
ومن رواه: «زع» فهو خطأ، لأنه أمره أن يحرّك بعيره، ولم يأمره أن يكفّه، والفعل من هذا: «زاعه يزوعه زوعا»، فإذا أمرت منه فلتزع، وإذا أمرت فى وزعت قلت: زع.
وقوله فى رواية أبى عبيدة: «الهيذبى» بالذال المعجمة، وقال: هو «فيعلى»، من الإهذاب، وهو الإسراع وقال: هو ضرب من المشى فيه جدّ، قال الأصمعىّ: الهربذى: ضرب من المشى وقال أبو عمرو: الهربذى:
التّبختر وقال: أراد مشى الملوك والهرابذة.
ويروى: «فى دفّه ثم فرفرا»، و «ثمّ قرقرا»، بالقاف.
__________
(1) استشهد صاحب اللسان بالبيت، وكان فى الأصل المخطوط: «وجون الليل». ورواه فى الصحاح:
وخافق الرأس فوق الرحل»، وفسر قوله: «زع بالزمام». أى ادفعه إلى قدام يقال زع راحلتك، أى «استحثها، وزاع الناقة بالزمام يزوعها زوعها: أى هيجها وحركها بزمامها إلى قدام، لتزداد فى سيرها.
قال: ومن رواه: زع بالفتح فقد غلط، لأنه ليس يأمره بأن يكف بعيره. وجوز الليل: وسطه، وجوز الشىء: أوسطه أو معظمه.(1/250)
يقال: قرقر: إذا نفض جسده وتحرّك وفرفر اللجام بفيه، وأما قرقر بالقاف: فهدر والفرفرة بالفاء أولى هاهنا وأقوى. ويقال: فرفر: موضع لجامه. قال ابو عقيل:
* يفرفر الفأس بالنّاس يجعلها *
وقوله:
[لقد أنكرتنى بعلبكّ وأهلها (1)] ... ولابن جريج فى قرى حمص أنكرا
وأبو عبيدة يرويه: «ابن جرىّ» تنازعوا فىّ أنكرا، وقالوا بأىّ شىء انتصب، فقال أبو حاتم: سهونا أن نسأل الأصمعىّ عن قوله: «أنكرا»، بأىّ شىء انتصب؟ قال: وهى عندى فعل ماض، وأضمر [فى] «أنكرا» واللام فى لابن [108ا] جريج، زائدة (2).
قال: ويجوز أن تحذف اللام، فيكون الكلام مخروما، فقد يجىء فى أنصاف البيوت الخرم أيضا فى ابتداء النّصف الثانى.
والخرم فى العروض: حذف حرف متحرّك من أوّل كلّ شعر ابتداؤه حرفان متحرّكان والثالث ساكن، وذلك فى «فعولن» و «مفاعيلن» ومفاعلتن.
وقد قال غيره من أهل بغداد فى نصب «أنكرا» أن لام ابن جريج لام خبر وتمييز، وهو إعلام، كما يقال: لعبد الله كان أنكرا: يعنى أشدّ إنكارا.
وقالوا فى قوله:
وعمرو بن درماء الهمام إذا غدا ... بذى شطب عضب كمشية قسورا
أراد: قسورة، فرخّم، وإنما أكثر الترخيم فى النداء.
ومثل هذا قول المخبّل:
__________
(1) الشعر لامرئ القيس، والتكملة عن ديوانه.
(2) فى الأصل: وأضمر أنكرا فى كلام ابن جريح زائدة، وهو غير مستقيم ولا واضح، ولعله محرف عما أثبتناه.(1/251)
مددت برحم عند حنظل أبتغى ... بها الودّ والقربى فضلّ ضلالها
أراد: حنظلة.
وقوله:
* بشيم يرون المزن أنّ مصابه *
يجب أن تكون الميم مفتوحة. وقال الأصمعىّ: المصاب: المصبّ والقصد، يقول: إذا رأينا برقا قلنا: هذا من بحر فلانة، وهذا يصيب أرض فلانة.
وأما قول الآخر:
أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام إليكم ظلم (1)
فالميم من هذا مضمومة، ومصابكم: مفعول، والمصدر مصابكم، [108ب] يعنى إصابتكم رجلا. وكان هذا البيت سبب إشخاص أبى عثمان المازنىّ إلى الواثق، لأنهم اختلفوا فى مجلسه، فقال بعضهم: إن مصابكم رجل. وقال بعضهم: رجلا فقال أبو عثمان: أما يرى أمير المؤمنين أنّ الكلام معلّق، حتى يقول ظلم، فقال:
صدقت. ثم أحضر التّوّزىّ، وكان فى دار الواثق، وكان ممّن يقول: إنّ مصابكم رجل، ويظنّ أن مصابكم مفعول به، ورجل خبره، فقال له المازنىّ:
كيف تقول: إن ضربك زيدا ظلم، فقال التّوّزىّ: حسبى، وفهم.
وقوله:
أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا ... بكاء على عمرو وما كان أصبرا!
__________
(1) البيت للحارث بن خالد المخزومى، وهو من شواهد اللسان، وفى روايته اختلاف، وهو:
أسليم إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلم
وبعده:
أقصدته وأراد سلمكم ... إذ جاءكم فلينفع السلم
قال ابن برى: هذا البيت ليس للعرجى، كما ظنه الحريرى، فقال فى درة الغواص: هو للعرجى، وصوابه «أظليم: وظليم: ترخيم ظليمة، وظليمة: تصغير ظلوم، تصغير الترخيم ويروى: «أظلوم إن مصابكم رجلا». وظليم هى أم عمران، زوجة عبد الله بن مطيع، وكان الحارث ينسب بها، ولما مات زوجها تزوجها.
ورجلا: منصوب بمصاب، يعنى: إن إصابتكم رجلا، وظلم خبر إن».(1/252)
تنازعوا فى نصب «أصبرا»، فقال الأصمعىّ: نصبه على التعجب، وقال أبو عبيدة: «ما» نفى، أراد: وما كان بشر أصبر منها حين بكى، وقال: البيت ليس له، وإنما هو لشقيق بن حرىّ الباهلىّ، قاله لابنه بشر.
قال: ويقال: رجل أصبر فى معنى صبور، وأكرم فى معنى كريم، فكأنه قال: ما كان صبورا، قال: وكيف يتعجّب من صبرها، وقد تحدّر دمعها؟
وقوله:
[ويا ربّ يوم صالح قد شهدته] ... بتاذف ذات الثّلّ من فوق طرطرا (1)
تاذف: موضع. الأصمعىّ يقول: تاذف، فيكسر الذال، وأبو عبيدة:
تاذف، فيفتح.
ومن [109ا] القصيدة التى أوّلها:
أعنّى على برق أراه وميض ... [يضىء حبيّا فى شماريخ بيض] (2)
قوله:
يبارى شباة الرّمح خدّ مذلّق ... كصفح السّنان الصّلّبىّ النّحيض (3)
__________
(1) البيت لامرئ القيس فى الديوان: ألا رب يوم، وهذه رواية ياقوت فى المعجم، قال: وتاذف (بتسهيل الألف بين المعجمتين): قرية بين حلب وبينها أربعة فراسخ، من وادى بطنان، من ناحية بزاعة
وطرطر بالفتح ثم السكون وتكرير الطاء والراء: علم مرتجل. وهى قرية بوادى بطنان، وهو وادى بزاعة قرب حلب، يسمونها طلطل باللام (معجم البلدان لياقوت: تاذف وطرطر).
(2) ما بين المعقفين زيادة عن الديوان، والحبى: السحاب الذى يشرف من الأفق على الأرض، فعيل، وقيل: هو السحاب الذى بعضه فوق بعض. قيل له: حبى، من حبا، كما يقال: سحاب من سحب أهدابه. الجوهرى: والحبى من السحاب: الذى يعترض اعتراض الجبل، قبل أن يطبق السماء.
(3) البيت فى الديوان، وفى اللسان، وهو لامرئ القيس، قال يصف الخد وقال ابن برى: إن الجوهرى قال يصف الجنب، والصواب يصف الخد. ورواية اللسان: (كحد السنان) بدل (كصفح السنان) والنحيض: فعيل بمعنى مفعول: أى الرقيق الحاد، نحضت السنان والنصل، فهو منحوض، ونحيض:
إذا رققته وأحددته، واستشهد بالبيت.(1/253)
رواه الأصمعى: «حدّ مذلّق» الحاء غير معجمة، قال: شباة كلّ شىء: حدّه.
ورواه أهل بغداد: «خدّ» بالخاء المعجمة، وقالوا: يبارى خدّ هذا الفرس:
يعارض السّنان من طول عنقه، «ومذلّق»: طويل.
وأما قول الأعشى:
فذلك بعد الجهد شبّهت ناقتى ... إذا ما ونى حذّ المطىّ المخرّم
الحاء غير معجمة، وحذّ المطىّ: نشاطه.
وقال:
وكأس كعين الدّيك باكرت حدّها ... بفتيان صدق والنّواقيس تضرب
أراد: سورتها وحدّتها.
وأما بيته الآخر (1):
فبات على خدّ أحمّ ومنكب ... وضجعته مثل الأسير المكردس
فهو هاهنا بالخاء المعجمة: أى بات مضطجعا على خدّه، ولم يبت منتصبا، والأحمّ: الأسود ومثله بيت الأعشى:
بين مغلوب تليل خدّه ... وخدول الرّجل من غير كسح (2)
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها: لامرئ القيس مطلعها:
أماوىّ هل لى عندكم من معرّس ... أم الصّرم تختارين بالوصل نيأس
والمكردس: الموثق المقيد.
(2) الزيادة عن الديوان، والبيت من قصيدة أولها:
لمن طلل أبصرته فشجانى ... كخط الزبور فى عسيب يمان
وفى الديوان:
* كتيس ظباء الحلّب العدوان *
والحلب: بقلة تأكلها الوحش، تضمر عليها بطونها، والعدوان: الشديد الجرى.
فى رواية عن اللسان والديوان: * كل وضاح كريم جده ... وخذول الرجل من غير كسح *
وروى: بين مغلوب «نكيل: حده»
فترى القوم نشاوى كلّهم ... مثل ما مدّت نصاحات الرّبح
(اللسان: خذل).(1/254)
كسح، بسين غير معجمة، مصدر الأكسح: وهو المقعد. وكشح عن الماء، بشين معجمة: إذا أدبر. قال:
* شلو حمار كشحت عنه الحمر *
[109ب] أى أدبرت.
وقوله فى قصيدة أخرى:
[مخشّ مجشّ مقبل مدبر معا] ... كتيس ظباء الحلّب العدوان
رواه الأصمعىّ وأبو حاتم: «العدوان»: الشّديد العدو، ورواه غيرهما:
«الغذوان» الغين والذال معجمتان، وقال: الغذوان: الغذو. وقال الأصمعىّ قال أبو عمرو بن العلاء: لو كنت قارئا هذا الحرف لقرأته: «العدوان» من العدو.
وفى قصيدة أخرى:
وواد كجوف العير قفر قطعته ... قطعت بسام ساهم الوجه حسّان (1)
التّنازع فى قوله: «كجوف العير».
قال الأصمعىّ وأبو حاتم: إنما قال: «كجوف العير» لأن جوف العير ليس فيه شىء ينتفع به. وكذلك الخرق [الّذى] (2) ليس فيه نبات لا ينتفع به.
ولما قرأت على ابن دريد هذا الموضع من شعر امرئ القيس، رأيته كأنه ليس يرتضى هذا التّفسير، فقلت له هل قيل فيه غير هذا؟ فقال: نعم. ثم أملى علىّ، فقال:
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... ورسم عفت آياته منذ أزمان
وروايته فى الديوان:
وخرق كجوف العير قفر مضلّة ... قطعت بسام ساهم الوجه حسّان
وجوف العير: سيأتى شرحه. والسامى: الفرس المشرق المرتفع. والساهم: قليل لحم الوجه. والحسان: الحسن.
(2) ما بين القوسين زيادة لإيضاح المعنى.(1/255)
أخبرنى عمى الحسين بن دريد بن عتاهية (1) عن أبيه، عن ابن الكلبىّ فى قوله:
* وواد كجوف العير قفر قطعته *
قال: الجوف: موضع باليمن، كان يسكنه حمار بن مالك بن نصر بن الأزد. وكان جبّارا عاتيا، وهو الذى جرى به المثل: «أكفر من حمار» فبعث الله عليه [110ا] سيلا، فاجتاح الجوف وأهله، فقالت العرب: «أخرب من جوف حمار»، فلم يمكن امرأ القيس أن يقول: «كجوف حمار»، فقال: كجوف العير».
وأنشدنى أبو بكر المبرمان (2) بعير امرئ القيس:
وواد كجوف العير قفر قطعته ... به الذّئب يعوى كالخليع المعيّل
قال أبو بكر: قيل فيه: «وواد كجوف العير»: هو واد بعينه، يسمّى:
جوف العير وقيل: العير: اسم رجل كان يتلصّص فى هذا الوادى، فهو موحش.
وأما التّنازع الكثير والاختلاف الطّويل ففى بيت الحارث بن حلّزة:
زعموا أنّ كلّ من ضرب العير ... موال لنا وأنّا الولاء
فقال الخليل فى كتاب العين: إنه أراد أن كلّ من ضرب بجفن على عين (3)،
__________
(1) فى الأصل ابن العتاهية. والصواب ما ذكرنا، وهو عن ترجمة الإمام محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية. أما العتاهية بالألف واللام، فلقب الشاعر المعروف بأبى العتاهية.
(2) هو محمد بن على بن إسماعيل: أبو بكر العسكرى، يعرف بمبرمان، ولد بطريق رامهرمز، وأخذ عن المبرد والزجاج، وكان لا يقرئ كتاب سيبويه إلا بمائة دينار، ولأبى هاشم الجبائى معه حكاية ظريفة، وخدعة لطيفة، بسبب ذلك، فراجعها فى بغية الوعاة إن شئت (البغية 74).
(3) البيت من شواهد اللسان وقد أورد فيه: (الولاء) مكان (أنا) وفسره بقوله: قيل: معناه كل من ضرب بجفن على عير كذا جاء فى اللسان المطبوع: بحفن بالحاء المهملة، وكذلك جاء فى أصل كتابنا(1/256)
وهذا يوجب روايته بالنّون، ورواية سائر الناس براء غير معجمة.
وحكى أبو حاتم عن الأصمعىّ وأبى عبيدة، عن أبى عمرو، أنه قال: ذهب من كان يحسن تفسير هذا البيت.
وقال قوم العير: السّيّد. وعنى به هاهنا: كليب بن وائل، وإنما سمّاه عيرا، لأن كلّ ما أشرف من عظم الرّحل سمّى عيرا، فلمّا كان كليب أشرف [110ب] قومه، سمّاه عيرا.
وقال آخرون ممّن عندهم العير السّيّد، إنما سمّى السّيّد عيرا على التّشبيه، لأن العير: قيّم الأتن وقريعها.
وقال آخرون ممّن العير عندهم السّيّد: إن العرب ضربت العير فى أمثالها من وجوه كثيرة، فقالوا: «أقبل عير وما جرى (1). وكذب العير وإن كان برح، ويضرط العير والمكواة فى النّار (2) يقول: فكان ضرب العير مثلا عادة لهم.
وقال قوم: عنى بالعير: الوتد، سمّاه عيرا لنتوّه، مثل عير نصل السّهم وغيره، وذلك أن العرب كلّها تضرب لبيوتها أوتادا، فيقول كلّ من ضرب وتدا ألزمتمونا ذنبه. وقيل: عير: جبل بعينه معروف، فيقال: كلّ من سكن عيرا، أو ضرب فيه وتدا، ألزمتمونا ما يجنيه عليكم. وقالوا فى حديث
__________
المخطوط، وهو تصحيف، والصواب: بجفن بالجيم المعجمة، والجفن غطاء العين. وكذلك أثبتت نسخة اللسان المطبوع كلمة (عير) التى هى عن الخليل بالراء والتى شرح بها اللسان المعنى، والصواب (عين) بالنون.
وهذا معنى قوله: وهذا يوجب روايته بالنون.
(1) كذا فى الأصل، وفى اللسان (عن المثل): «جاء قبل عير وما جرى» أى قبل لحظة عين، والعير: المثال الذى فى الحدقة يسمى اللعبة، والذى جرى الطرف، وجريه، يعنى حركته. والمعنى: قبل أن يطرف الإنسان، وقيل: عير العين: خفتها. وقال الجوهرى: يقال: فعلت ذلك قبل عير وما جرى.
وقيل إن معنى أتيتك قبل عير وما جرى أى: قبل أن ينتبه نائم.
(2) المثل المعروف: كالعير يضرط والمكواة فى النار.(1/257)
النبى صلى الله عليه وسلم، إنه حرّم ما بين عير وثور، وهما جبلان بالمدينة.
وقال آخرون: العير: الحمار نفسه، وأراد: أن كلّ من ضرب حمارا، وقالوا: بل عنى به إياد، لأنهم أصحاب حمير.
وقال آخرون: العرب تضرب الأخبية لنفسها، والمضارب لملوكها، والمضارب تربط بالأوتاد، فيقول: إنّ كلّ من تضرب له المضارب، لنا خول وعبيد.
ثم قال [11ا] أبو حاتم: فقد أكثر النّاس فى هذا البيت، وليس شىء منه بمقنع، فإنما أصل العير: العيّر والعاير، فاضطرّه الشّعر إلى أن قال: العير.
قال: والعيّر والعاير: كلّ ما ظهر على الحوض من قذى، فإذا أرادوا أن ينفوا ما عارضه من القذى، نضحوه بالماء، فانتفت الأقذاء عنه إلى حدب الحوض، وصفا الماء لشاربه.
فالعرب أصحاب حياض، وهذا فعلهم لها. قال: فأراد: كلّ من ترى فى الحياض، ونفى الأقذاء عن مائها، موال لنا، وأنا الولاء.
قال أبو أحمد: فتأمّل هذا البيت، وكم أتعب من العلماء والفضلاء، حرصا على طلب الفائدة منه.
وقوله:
تأوّبنى دائى القديم فغلّسا ... [أحاذر أن يرتدّ دائى فأنكسا] (1)
لا أعرف من خالف فيه غير أبى زيد، فإنه يرويه «فعلّسا» بعين غير معجمة.
وقوله:
فلو أنها نفس تموت سويّة ... ولكنّها نفس تساقط أنفسا (2)
__________
(1) زيادة عجز البيت: عن الديوان.
(2) رواية الديوان: فلو أنها نفس تجىء جميعة.(1/258)
ويروى: «تجىء سريجة» ويروى: «تساقط» بفتح التاء. ويروى:
«تساقط» بضم التاء.
فمن قال: «تساقط» بالفتح قال: لو أنى أموت بدفعة واحدة، ولكنّ نفسى تخرج شيئا بعد شىء متقطّعة، ومن ضمّ التّاء قال أبو عمرو: يعنى بقوله: «تساقط أنفسا»: أى تموت بموته عدّة.
وقوله:
[11ب] فلمّا استطابوا صبّ فى الصّحن نصفه
[وشجّت بماء غير طرق ولا كدر] (1)
بفتح الفاء، يجعله ظرفا.
وقوله:
وأنا المنيّة بعدما قد نوّموا ... [وأنا المعالن صفحة النّوّام] (2)
يروى الأصمعىّ: «وأنا المنبّه» من نبّهت، ومن رواه قال: أنبههم من رقدتهم. وقيل: إذا سمعوا بذكرى انتبهوا.
قال أبو أحمر:
قرأت على ابن دريد، عن أبى حاتم، قال الأصمعىّ: أنشد أبو كعب أبا عمرو بن العلاء:
__________
(1) عجز البيت وضعناه بين القوسين، لأنه لم يكن بالأصل، وقد نقل صاحب اللسان فى تفسيره عن ابن سيده، فقال: يجوز أن يكون معناه: ذاقوا الخمر فاستطابوها. ويجوز أن يكون من قولهم من استطبناهم:
أى سألناهم ماء عذبا، قال: وبذلك فسره ابن الأعرابى. وهذا البيت من قصيدة أولها:
لعمرك ما قلبى إلى أهله بحر ... ولا مقصر يوما فيأتينى بقر
(2) من القصيدة التى مطلعها:
لمن الدّيار غشيتها بسحام ... فعمايتين فهضب ذى أقدام
والزيادة التى بين القوسين أكملناها من الديوان، وقد كانت كلمة (نوموا) فى الأصل الخطى (توموا).(1/259)
* وأنا المنيّة بعدما قد نوّموا *
فقلت أنا: وأنا المنبّه، فقال لى أبو عمرو: خذها عنه.
وأما بيت عنترة:
وأنا المنيّة فى المواطن كلّها ... والطّعن منّى سابق الآجال
فلا يجوز هاهنا إلا «المنيّة»، بياء تحتها نقطتان.
وقوله:
ربّ رام من بنى ثعل ... متلج كفّيه فى ستره (1)
قال الأصمعىّ: المتلج: المدخل.
ومن رواه «مخرج» فليس له علم بالصّيد، وإنما يدخل يده، لئلّا تراه الوحش فتهرب.
ويقال: إن الأصمعىّ غيّره فصيّره متلج.
ورواية أبى عبيدة: ملج كفّيه، بدل مخرج زنديه.
وأخبرنى محمد بن يحيى، قال: أخبرنا المبرّد عن المازنىّ، قال: قال الأصمعىّ: كان امرؤ [القيس] (2) ينوح على أبيه حين قال [112ا]:
ربّ رام من بنى ثعل ... مخرج زنديه من ستره
قال: أما علم أنّ الصّائد أشدّ ختلا من أن يظهر منه شىء، ثم قال: ولو قال: «مخرج» كفّيه، كان أصلح، وكان النّاس ينشدونه: «زنديه»، فأصلحه الأصمعىّ كفّيه.
وقوله:
__________
(1) فى الأصل مثلج بالثاء، ولكن الذى فى كتب اللغة بالتاء، من أتلج: بمعنى أدخل: المدخل.
(2) زيادة اقتضاها السياق.(1/260)
دع عنك نهبا صيح فى حجراته ... [ولكن حديثا ما حديث الرّواحل] (1)
الحاء والجيم مفتوحتان، والحجرات: النّواحى.
وقال آخر:
بحيس يصلّ البلق فى حجراته ... ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر
أى فى نواحيه، والأحجار أيضا: النواحى.
قال ابن مقبل (2):
لا يحرز المرء أحجاء البلاد ولا ... تبنى له فى السّموات السّلاليم
ومن لا يدرى يرويه «أحجار»: بزيادة راء.
وقوله:
عارض زوراء من نشم ... غير باناة على وتره
فمن رواه: «غير باناة» قال: هى كلمة واحدة، أو أراد: غير بائنة، كما
__________
(1) البيت من شواهد اللسان، وهو مطلع قصيدة لامرئ القيس، نقل عن ابن الأثير فى حديث على رضى الله عنه: الحكم لله، ودع عنك نهبا صيح فى حجراته، قال: هو مثل للعرب، يضرب لمن ذهب من ماله شىء، ثم ذهب بعده ما هو أجل منه. وهو صدر بيت لامرئ القيس. ثم روى البيت وقال: أى دع النهب الذى نهب من نواحيك، وحدثنى حديث الرواحل، وهى الإبل التى ذهبت ما فعلت؟. وهذا المثل قاله لما نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهانى، فأغار عليه باعث بن حويص وذهب بإبله، فقال له جاره خالد: أعطنى صنائعك ورواحلك حتى أطلب عليها مالك، ففعل، فانطوى عليها، ويقال بل لحق القوم، فقال لهم: أغرتم على جارى يا بنى جديلة، فقالوا: والله ما هو لك بجار، قال بلى والله ما هذه الإبل التى معكم إلا كالتى تحتى، وهى له، فأنزلوه عنها، وذهبوا بها، فقال امرؤ القيس فيما هجاه به «فدع عنك» البيت الخ، ثم قال:
وأعجبنى مشى الحزقة خالد ... كمشى أتان حلئت عن مناهل
(2) هو تميم بن أبى بن مقبل، وهو من بنى العجلان الذين هجاهم النجاشى. وكان جاهليا إسلاميا، وكان خرج فى بعض أسفاره، فمر بمنزل عصر العقيلى وقد جهده العطش، فاستسقى فخرج إليه ابنتاه بعس فيه لبن. فرأتا شيخا أعور كبيرا، فأبدتا له بعض الجفوة، فغضب وجاز ولم يشرب، وبلغ ذلك أباهما، فخرج فى طلبه ليرده، فلم يرجع، فقال: ارجع ولك أعجبهما إليك، فرجع وقال قصيدة منها:
كان الشباب لحاجات وكن له ... فقد فزعت إلى حاجاتى الأخر
يا حار أمست بنيات الصبا ذهبت ... فليس منها على عين ولا أثر
(الشعر والشعراء).(1/261)
قالوا: ناصاة فى النّاصية، والباداة فى البادية، وهى لغة طيّىء.
قال الأصمعىّ: سمعت امرأة من أهل الباداة.
قال: وإنما قال: غير بائنة، لأنه إذا كان الوتر لازقا بالقوس [112ب] فهو أشدّ لذهاب السّهم.
وأنشدنا أبو بكر عن أبى حاتم:
لقد آذنت أهل اليمامه طيّىء ... بحرب كناصاة الأغرّ المشهّر (1)
وقال أبو عمرو: غير بانات، كأنه قال: على وترها سهام غير بانات: جماعة، الواحدة بانة، كأنها أغصان شجر البان فى استوائها.
وقال أبو الخطّاب الأخفش: رجل باناة: وهو الذى انحنى صلبه، فيذهب سهمه على وجه الأرض، وذلك عيب، فنفاه عنه.
وقال ابن الكلبىّ: أنشدنى خراش بن إسماعيل العجلىّ:
* وما كنت باناة عن القوس أخضعا *
وأنشدنا ابن دريد عن عمّه، عن ابن الكلبىّ:
إمّا ترينى لا أجيب إلى النّدى ... ولا أحضر المولى الذّليل وأمنع (2)
فما كنت باناة على القوس نأنأ ... ولكنّ رأسى مصمح غير أنزع
ومن جرّ غير باناة، جعلها من صفة الرّامى، أى وربّ رام غير باناة، ومن نصب «غير» جعله من صفة القوس، كأنه قال: وعارض زوراء غير باناة
وقوله:
__________
(1) قائله: حريث بن عتاب الطائى: كناصاة الحصان وقد ذكر اللسان أن ليس لها نظير إلا حرفين:
باديه وباداه، وقارية وقاراة. وهى الحاضرة.
(2) فى الأصل (الدليل) بالدال المهملة.(1/262)
وحديث الرّكب يوم هنا ... وحديث مّا على قصره
«هنا» غير منوّن قال الأصمعىّ: أراد موضعا، وقال: مرّة «بلد».
[113ا] وقال غيره: «يوم هنا»: يوم معروف، قال: وبلغنى أيضا أنه يقول اليوم الأوّل. قال الأعشى:
بل ليت شعرى هل أعودن ماشيا ... مثلى زمين هنا ببرقة أنقدا (1)
فسّره الرّياشىّ قال: «زمين (2) هنا» بما يقوله يوم الأوّل، ومما يغلط به، وهو يشبه قول الرّاجز:
لمّا رأيت محمليها هنّا
محدّرين كدت أن أجنّا
قرّبت مثل العلم المبّنى (3)
قوله: «هنّا»: أى هاهنا، وهذا يغلط به فى هذا الموضع، وفى البيت الآخر أيضا:
لمّا رأى الدّار خلاء هنّا ... [وكاد أن يظهر ما أجنّا] (4)
__________
(1) ورد البيت فى معجم البلدان لياقوت هكذا:
يا ليت شعرى هل أعودن ثانيا ... مثلى زمين هنا ببرقة أنقدا
وقبله:
إن الغوانى لا يواصلن امرأ ... فقد الشباب وقد يصلن الأمردا
قال: وأنقد: جبل باليمامة، وهنا: بمعنى أنا قال: وزعم أبو عبيدة أنه أراد برقة القنفذ الذى يدرج، فكنى عنه للقافية، إذ كان معناهما واحدا، والقنفذ لا ينام الليل بل يرعى.
(2) فى الأصل: زمير.
(3) البيت للأعور الشنى فى صفة بعير أكراه، والرواية فى اللسان تختلف عما هنا، وهى:
لمّا رأيت محمليه أنّا ... مخدّرين كدت أن أجنّا
قرّبت مثل العلم المبنّى
وفسره فقال: شبه البعير بالعلم لعظمه وضخمه، وعنى بالعلم: القصر، يعنى أنه شبهه بالقصر المبنى المشيد، كما قال الراجز:
* كرأس الفدن المؤيد *
والجمع أبنية، وأبنيات: جمع الجمع.
(4) الزيادة عن اللسان.(1/263)
معنى «هنّا»: بكى. يقال: هنّ يهنّ: إذا بكى، ومثل قول الراجز:
«هنّا» بمعنى: هاهنا، قول ذى الرّمّة:
هنّا وهنّا ومن هنّا لهنّ بها ... ذات الشّمائل والأيمان هينوم (1)
أى هاهنا وهاهنا نسمع زجل الجنّ، وهينوم: أى هينمة وأمّا بيت حميد ابن ثور:
ألا هىّ من لم يدر ما هنّ هيّما ... وويل امّ من لم يدر ما هنّ ويلما (2)
فقوله: «هىّ وهيّما وويلما»: معناه كلّه التّعجّب.
ومن شعره الذى ألزموه فيه الإقواء، قوله وقد احتال له الأخفش:
[113ب] أحنظل لو حاميتم وصبرتم ... لأيقنت قولا صالحا ولأرضانى (3)
ثياب بنى عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم عند المشاهد غرّان
ألزمه الخليل الإقواء فى قوله:
[عوير وما مثل العوير ورهطه ... وأسعد] فى ليل البلابل صفوان (4)
__________
(1) فى الأصل هنى فى كلها، وقد رسمناها بالألف كما ترى. والبيت من قصيدته التى مطلعها:
أعن ترسّمت من خرقاء منزلة ... ماء الصّبابة من عينيك مسجوم
يريد: من هنا ومن هنا، من أيمانها وشمائلها. والهينمة: صوت تسمعه ولا تفهمه.
(2) البيت من شواهد اللسان، والرواية فيه هى:
ألا هيّما ممّا لقيت وهيّما ... وويحا لمن لم يدر ما هنّ ويح ما
(3) هذا البيت غير مذكور فى شعر امرئ القيس الذى فيه:
ثياب بنى عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم عند المشاهد غرّان
وأولها:
ألا إنّ قوما كنتم أمس دونهم ... هم منعوا جاراتكم آل غدران
(4) تمام البيت من الشعراء الستة الجاهليين. وقد نبه العلامة الشنقيطى على أن هذين البيتين ليسا من قصيدة امرئ القيس، وإنما هما من قصيدة أخرى، لاختلاف الروى، وليس فى الديوان من تلك القصيدة غيرهما.(1/264)
* وأوجهم عند المشاهد غرّان *
وقد أقوى فى القصيدة الميميّة المكسورة فى قوله:
[جالت لتصرعنى فقلت لها اقصرى]
إنّى امرؤ صرعى عليك حرام (1)
إلا فى مذهب من يقول: أخرجه مخرج حذام وحذار، وأطلق القافية فى غرّان، على أنه «مفاعيلن».
وقال الأخفش: هذا «مفاعيل» فأجعله مقيّدا، ولا أجعل امرأ القيس مقويا، وإن لم يكن مقيّدا فقد أقوى. وذكر أنّه استدلّ على أنه مقيّد باختلاف الحركات على حرف الرّوىّ، فأجازه الأخفش على هذا، ولم يجزه الخليل.
وقول الأخفش فى هذا أحسن. ولهذا قال الأخفش: إنه كان يجب أن يكون بين الضّرب الأوّل من الطّويل، وهذا يكون على «مفاعيلن»، وبين الضرب الثانى وهو ما يكون على «مفاعلن» ضرب آخر على مفاعيل. فقال بعضهم فى قوله: صرعى عليك حرام» لا يلزمه الإقواء، لأنه أخرجه مخرج:
حذار من رماحنا حذار.
[114ا] واحتجّ بقوله:
* يا ليت حظّى من جداك الصّافى *
* والفضل أن تتركنى كفاف * (2)
ومما يجرى من شعره هذا المجرى، ويختلّ فى العروض، قوله:
__________
(1) البيت من قصيدته التى أولها:
لمن الديار غشيتها بسحام ... فعمايتين فهضب ذى أقدام
وما بين القوسين صدر البيت عن الديوان.
(2) الرجز لرؤبة، وقد روى:
فليت حظى من نداك الصافى ... والنفع(1/265)
ولقد رحلت العيس ثم زجرتها ... وهنا فقلت عليك خير معدّ
وعليك سعد بن الضّباب فسمّحى ... سيرا إلى سعد، عليك بسعد
وهذا من الثانى من الكامل، فقد أتى بفعلاتن بعد حرف اللّين، وهو عيب عند بعضهم.
واعلم أن كلّ ضرب حذف منه حرف متحرّك، أو أسكن فيه الحرف المتحرّك، فإن حرف اللّين له لازم، نحو «فعولن» فى ثالث الطّويل وأخواتها ومثلها «فعلاتن فى ثانى الكامل وتاسعه، فالأجود والأكثر أن يلزمها حرف اللّين، فأتى بها امرؤ القيس فى البيتين بعد حرف اللّين.
وممن أتى بحرف اللّين الأخطل فى قوله:
وإذا افتقرت إلى الذّخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
وألزموه التّوجيه، وهو اختلاف حركة ما قبل حرف الرّوىّ.
من المقيّد قوله:
[فلا وأبيك ابنة العامرى ... ى] لا يدّعى القوم أنّى أفر (1)
ثم قال بعدها:
[وهرّ تصيد قلوب الرّجال ... وأفلت] منها ابن عمرو حجر
ثم قال:
[وقد رابنى قولها يا هنا ... هـ ويحك] ألحقت شرّا بشر (2)
[114ب] والعيب فى المضموم والمكسور أسهل، وإذا ابتدأه بالمفتوح، ثم كسر أو ضمّ، أقبح.
__________
(1) هذا البيت من قصيدة مطلعها:
أحار بن عمرو كأنى خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
والزيادة التى بين الأقواس: من الديوان.
(2) الزيادة: عن الديوان.(1/266)
وقوله:
أحار ابن عمرو كأنى خمر ... [ويعدو على المرء ما يأتمر] (1)
يروى بالخاء والحاء، أى خامرنى داء وجع: أى خالطنى
وسالفة كسحوق اللّبا ... [ن أضرم فيها الغوىّ السّعر] (2)
بباء تحتها نقطة، وهى شجرة، وأبو عبيدة: اللّيان، بياء تحتها نقطتان، وهى النّخلة، الواحدة: لينة.
ومما يشكل ويغير من شعر [النابغة] (3)
وقوله:
خلّت سبيل أتىّ كان يحفره ... ورفّعته إلى السّجفين فالنّضد (4)
«يحفره»: الراء غير معجمة، هكذا رواية الجماعة. ويروى كان يحبسه، ولا أعلمه روى: «يحفزه» بالزاى.
وأما قوله: «من ال؟؟؟ عار يحفره» (5)، فيروى بالزاى والرّاء. خلّت: يعنى الوليدة، أى خلّت سبيل الماء فى الأتىّ، وهو الجدول، يحفر ما كان فيه من التراب، كأنه قد انكبس بالتراب، وقوله: «رفّعته إلى السّجفين» يغلط هاهنا، فيظنّ أنها حفرته إلى معلّق السّتر، وهذا لا يكون، وإنما أراد أنها بالغت بالحفر، وقدّمته إلى موضع السّجفين، وهو من قولك: ارتفع إلىّ، وارفعه إلى القاضى [115ا] والأمير، أى قدّمه، وليس هو من الارتفاع فى العلوّ.
ومن رواه «يحفزه» بالزاى، أراد يدفعه. ويحفزه: يعينه فى غير هذا، قال الشاعر:
__________
(1) الزيادة التى بين القوسين المربعين عن الديوان.
(2) الزيادة عن الديوان. والسالفة: العنق، أو صفحتاه، والسحوق: النخلة الطويلة.
(3) ما بين القوسين زيادة ليست فى الأصل.
(4) خلت سبيل أتى كان يحبسه. والبيت من قصيدته التى أولها:
يادار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
(5) كذا رسم فى الأصل (من ال؟؟؟ عار)، الحروف كلها مهملة بدون إعجام. ولعله: البقار. أى جماعة البقر.(1/267)
* أحفزها عنّى بذى رونق *
يعنى أنه يعلق الدّرع فى الكلّاب الذى فى حمائل السّيف، ليجفّ.
وقال أبو عبيدة: أحفزها بالسّيف: أى أعينها به وأجعلها معى، قال:
مثله لكعب بن زهير:
خدباء يحفزها نجاد مهنّد ... [صافى الحديدة صارم ذى رونق] (1)
الخدبا [ء]: الواسعة.
وقوله:
فارتاع من صوت كلّاب فبات له ... طوع الشّوامت من خوف ومن صرد (2)
يروى: طوع، وطوع، بالنصب والرفع، فمن روى طوع الشّوامت، أراد بالشّوامت: القوائم، يقول: فبات طوع قوائمه: أى بات قائما، وقال أبو عبيدة:
الشّوامت: القوائم، الواحدة: شامتة. وكان الأصمعىّ يردّ هذا. وأنشد أبو بكر، عن أبى حاتم، عن أبى عبيدة، فى أن الشّوامت: القوائم:
اضرب شوامت كلّ ذات أثارة ... للنّازلين وغادهم بطعام
ومن روى طوع الشّوامت بالرفع، أراد: بات له ما يسرّ الشّوامت اللاتى شمتن به.
قال: وحكى فى الحديث: لا تطع فىّ شامتا: أى لا تسرّ بى شامتا [115ب] أخبرنا ابن دريد، سمعت أبا حاتم ينشد:
__________
(1) البيت من شواهد اللسان، وقد نسبه لكعب بن مالك الأنصارى، وتصحيح البيت وتمامه عن اللسان، وقد كان فى الأصل الخطى مشوها مصحفا، على هذه الصورة:
هذبا بحفزها شحاد مهند
قال ابن منظور: والخدباء: الدرع اللينة، ودرع خدباء: واسعة، وقيل: لينة ثم أنشد البيت وقال قال ابن برى: صواب إنشاده «خدباء» بالنصب، لأن قبله:
فى كلّ سابغة يخطّ فضولها ... كالنّهى هبّت ريحه المترقرق
(2) فى الأصل: فارتاع من صوت الكلاب، وهو غير مستقيم فى الوزن.(1/268)
[وقفت فيها أصيلانا أسائلها] ... عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد (1)
وقال: لا تنشد «أعيت»، إنما هو على لغة من قال: عىّ وحىّ، وقوله:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
يروى: إذا استوى، وإذا استولى، وهما سواء، معناه: غلب عليه. يقول:
لا تقعد على صمد إلا لمثلك، فى حالك، أو من أنت سابقه، أو من هو مصليّك من فضل عليك، كفضل السابق على المصلّى، أى ليس بينه وبينه فى الفضل إلا اليسير.
وأما بيت الأعشى:
له يومان يوم لعاب خود ... ويوم يستمى القحم العظاما
فمعنى يستمى هاهنا: يكاد يركب ويعلو.
وقوله:
الواهب المائة المعكاء زيّنها ... سعدان توضح [فى أوبارها اللّبد] (2)
أكثر الرواة على أن «توضح» موضع، وسعدان: مضاف إليه، وفتحوا الحاء من «توضح». وقال ابن السّكّيت: «سعدان توضح»، فضم الحاء ولم يضفه، ثم فسّره فقال: توضح: أى تبين ذلك أوبارها إذا رعت. ثم حكى بعد هذا، فقال:
وتوضح من الحمى: حمى ضريّة، وكانت إبل الملوك ترعى هناك، فأراد أنها كانت [116ا] ترعى الحمى.
وقوله:
تحيد عن أستن سود أسافله ... مشى الإماء الغوادى تحمل الحزما (3)
__________
(1) شطر بيت للنابغة، أورده ابن منظور، ثم قال: ولا ينشد «أعيت جوابا». وصدر البيت عن الديوان * وقفت فيها أصيلانا أسائلها *
(2) ما بين الأقواس: زيادة عن الديوان، وفى الأصل المخطوط: كتب (توضع)، بدل توضح.
(3) فى الأصل: تحيد من، والتصحيح عن الديوان.(1/269)
الأستن على وزن أفعل: شجرة (1)، وقد عابوا هذا البيت على النابغة، وخطّئوه فى قوله: «الإماء الغوادى تحمل الحزما»، لأن الإماء كما قال الأصمعىّ توصف فى مثل هذا الموضع بالرّواح، لا بالغدوّ، لأنهنّ يجئن بالحطب إذا رحن، وكذلك قول الأخنس التّغلبىّ:
تظلّ بها ربد النعام كأنّها ... إماء تزجّى بالعشىّ حواطب
فقال بعض من طلب المخرج: إنما أراد الإماء تغدو لتحمل الحزم رواحا.
وقوله:
موّلى الرّيح روقيه وجبهته ... كالهبرقىّ تنحّى ينفخ الفحما (2)
الإشكال فى قوله «تنحّى» ومن لا يعلم يظنّ أنه اعتزل وتباعد، وإنما هو تنحّى: تفعّل من انتحى عليه: أى اعتمد، وتنحّى عليه: مثله.
ومثله قول امرئ القيس:
قد أتته الوحش واردة ... فتنحّى النّزع من يسره (3)
تنحّى النّزع: أى اعتمده، وقوله: «من يسره» أى حيال وجهه [116ب] وطعنه شزرا: أى من إحدى ناحيتيه.
قال العجّاج فى الحبل:
أمرّه يسرا فإن أعيا اليسر ... والتاث إلّا مرّة الشّزر شزر (4)
__________
(1) فى الأصل: سجرة بالسين، وفى القاموس الأستن: أصول الشجرة البالية، واحدتها: أستنة، أو الأستن: شجر يفشو فى منابته، فإذا نظر الناظر إليه شبهه بشخوص الناس.
وفى شرح الديوان: الأستن: شجر منكر الصورة يقال لثمره: رءوس الشياطين. شبه سواد أسفل هذا الشجر، وفوقه فروعه اليابسة، بإماء سود، على رءوسهن الحطب.
(2) الهبرقى: الحداد الصائغ. والبيت من قصيدته التى مطلعها:
بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما ... واحتلّت الشّرع فالأجراع من إضما
(3) فى الأصل فتأتا: وما ذكرناه عن الديوان، وفى الصحاح فأتته، وفى الصحاح واللسان:
«فتمثى النزع من يسره» وفى رواية فتمتى» وقد رسمت فى اللسان «فتمتى» غير مرة.
(4) استشهد بهذين البيتين صاحب اللسان، ولم ينسبهما لقائل، وذكر قبلهما هذا البيت:(1/270)
وكان الأصمعىّ يغالط ببيت النّابغة من يمتحنه.
قال: كان الأصمعىّ ينشد:
[مولّى الرّيح روقيه، وجبهته] ... كالهبرقىّ تنحّى ينفخ الفحما (1)
ويومئ بيديه، أن تنحّى اعتزل. وإنما تنحّى عليه من انتحى أى اعتمد
وقال: وكان الأصمعىّ يقول فيما يغالط أيضا به:
وخير العلم ما حاضرت به. ويومئ بيده كأنه يريد العدو.
والمعنى ما حفظته فحاضرت به من الحضور.
قال: وكان إذا أنشدهم واحدة [قال] (2): أعضلكم شأنها فكيف لو قمت على أربع، يومئ بيده يوهم أنه القيام على أربع، وإنما أراد: فكيف لو قمت على أربع نسوة.
وقوله:
مجلّتهم ذات الإله ودينهم ... قويم [فما يرجون غير العواقب] (3)
ويروى: «محلّتهم ذات الإله» الحاء غير معجمة. وقرأته على ابن دريد فى شعره: مجلّتهم» بالجيم، وهكذا كانت روايته. وقال لى: سمعت أبا حاتم [117ا] يقول: رواية الأصمعىّ «مجلّتهم» بالجيم. قال: وهو الكتاب، كتاب النّصارى. قال أبو أحمد:
وكلّ كتاب جمع حكمة وأمثالا فهو عند العرب مجلّة، ومن هذا سمّى
__________
وقال: أمره: أى فتله فتلا شديدا يسرا: أى قتله على الجهة اليسراء فإن أعيا اليسر والتاث أى أبطا أمره شزرا: أى على العسراء وأغاره (هكذا رسم فى اللسان وأغاره) وهو من تصحيفات اللسان، والصواب (وأعاده) لأنه تقدم له قال ابن سيده والشزر من الفتل: ما كان عن اليسار وقيل: هو أن يبدأ الفاتل من خارج، ويرده إلى بطنه. فالمقصود هنا الإعادة، ولا معنى للإغارة.
(1) البيت للنابغة يصف ثورا، ومعناه: أنه أكب فى كناسه يحفر أصل الشجرة، كالصائغ إذا تحرف ينفخ الفحم.
(2) ما بين القوسين زيد لإيضاح المعنى.
(3) كذا فى الأصل، والزيادة بين القوسين فى العجز عن اللسان، والبيت للنابغة، استشهد به صاحب اللسان فى مادة (جلل). قال: والمجلة صحيفة يكتب فيها. ابن سيده، والمجلة: الصحيفة فيها الحكمة،(1/271)
أبو عبيدة كتابه الذى جمع أمثال العرب المجلّة. ومن روى «محلّتهم ذات الإله» (1) قال: يعنى يخافون ما أمر الله، ولم يكشف الأصمعىّ معنى قوله:
فما يرجون غير العواقب
وإنما قال: دينهم قويم فليس يرجون شيئا من أمر الدّنيا وإنما يرجون ما بعد الموت.
وقوله:
لحمّلتنى ذنب امرى وتركته ... كذى العرّ يكوى غيره وهو راتع (2)
قرأته على أبى بكر بن دريد: «كذى العرّ» فصاح بى فقال: العرّ لا يكوى منه، وإنما العرّ قرح يخرج فى مشافر الإبل، فإذا أصابها ذلك أحمى صاحبها الميسم ثم اعترض أدناها بعيرا فكواه.
وقال الأصمعىّ:
العرّ: الجرب، والعرّ: القروح تخرج فى مشافر الإبل يسيل منها الماء الأصفر، فكان أهل الجاهليّة لجهلهم يعترضون بعيرا من الإبل التى يقع [117ب] ذلك فيها، أدناها إليه، فيكوى مشفره يرون أنهم إذا فعلوا ذلك ذهب القرح من إبلهم فجعل النّابغة هذا مثلا، يقول: ترك صاحب الذّنب وأخذت أنا.
وأخبرنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو شعيب، عن يعقوب بن السّكّيت، قال:
قال الصّقيل: العرّ لا يكوى منه، وإنما يكوى من العرّ، وهو داء يأخذ الإبل شبيه بالقرع، فاذا أصاب العرّ بعيرا كوى أدنى بعير يرتع معه، فكان ذلك دواه، ويلوى عضده وفخذه صليبين.
__________
كذلك روى بيت النابغة بالجيم، وفسره فقال: يريد الصحيفة، لأنهم كانوا نصارى، فعنى الإنجيل. ومن روى محلتهم، أراد: الأرض المقدسة وناحية الشام. والبيت المقدس، وهناك كان بنو جفنة. وقال الجوهرى: معناه: إنهم يحجون مواضع مقدسة. قال أبو عبيدة: كل كتاب عند العرب مجلة.
(1) فى الأصل: «وقال» وظاهر أن الواو مزيدة من الناسخ، وبها يفسد المعنى المراد.
(2) «فحملتنى» ويروى «لكلمتنى» بدلا من «لحملتنى».(1/272)
وأنشد يعقوب:
ولا أكوى الصّحاح براتعات ... بهنّ العرّ قبلى ما كوينا
وقوله:
[أتوعد عبدا لم يخنك أمانة] ... وتترك عبدا ظالما وهو ضالع (1)
الرواية بالضاد المعجمة، وهو المائل ولا أحبّ غيره.
وفى بيته الآخر:
[لك الخير إن وارت الأرض واحدا] ... وأصبح جدّ النّاس يظلع عاثرا (2)
بالظاء المعجمة هاهنا. وقوله:
[والبطن ذو عكن لطيف طيّه] ... والنّحر تنفجه بثدى مقعد (3)
القاف قبل العين وليس معقد بشىء. وقوله مقعد: أراد أنه لطيف الأصل لم يسترخ.
وقوله:
ألا من مبلغ عنّى خزيما ... وزبّان الّذى لم يرع صهرى
كان عند زبان بن سيّار بنت هاشم بن حرملة المرّىّ، وهى أمّ منظور ابن زبان، فهذا الصّهر الذى بينهم.
__________
(1) البيت للنابغة، وقد استشهد به صاحب اللسان: ورواية الديوان:
أتوعد عبدا لم يخنك أمانة ... وتترك عبدا ظالما وهو ظالع
هكذا بالظاء لا بالضاد، وقد أصلحنا البيت على رواية الديوان واللسان، إلا كلمة «ضالع» فقد نص المؤلف على روايتها بالضاد، وقد كان البيت فى الأصل المخطوط هكذا:
* ويترك عبد ظالم وهو ضالع *
ببناء «يترك» للمجهول، ورفع عبد على أنه نائب الفاعل.
(2) البيت من قصيدة مطلعها:
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا ... وهمّين همّا مستكّنا وظاهرا
(3) البيت من قصيدة أولها:
أمن آل مية رائح أو مغتدى ... عجلان ذا زاد وغير مزود
وما بين القوسين زيادة.(1/273)
وقوله:
قعودا لدى انباثهم يشمدونها ... رمى الله فى تلك الأكفّ الكوانع (1)
يروى من لا يضبط: «لدى أبياتهم» يريد: بيوتهم.
والأنباث: جمع نبيثة، وهو التراب الذى يستخرج من البئر.
قال امرؤ القيس:
يهيل ويذرى تربها ويثيره ... إثارة نبّاث الهواجر مخمس (2)
والنّبّاث: الذى ينبث التّراب فى الهاجرة ليباشر برد الثّرى. وأما بيت المتلمس:
هلمّ إليها قد أبيثت زروعها ... وعادت عليه المنجنون تكدّس
فهذا من الإباثة، وهى الإثارة، أباثه يبيثه إباثة.
وقوله:
فإن يك عامر قد قال جهلا ... فإنّ مظنّة الجهل الشّباب
يروى هذا البيت على وجوه، فبعضهم يروى «مظنّة» الظاء معجمة بعدها نون وبعضهم يرويه: «فإن مطيّة الجهل» تحت الطاء نقطة، وتحت الياء نقطتان.
ويروى: «مطيّة الجهل السّباب» السين غير [118ب] معجمة مكسورة.
ورواه بعضهم: «الشّباب» الشين معجمة مفتوحة. وقال ابن الأعرابىّ: «مطيّة الجهل الشّباب» ثم قال: يعنى أن الشباب راكب الجهل أبدا حتى يأخذ الشّيب بعنانه.
__________
(1) الرواية فى الديوان:
قعودا لدى أبياتهم يثمدونها ... رمى الله فى تلك الأنوف الكوانع
والكوانع: جمع كانع، وهو السائل الخاضع، والمعنى هنا الدوانى للسؤال والطمع. وقيل: هى اللازقة بالوجه، والبيت من مقطوعة للنابغة الذبيانى:
ليهنئ بنى ذبيان أنّ بلادهم ... خلت لهم من كلّ مولى وتابع
(2) البيت من قصيدة مطلعها:
أماوىّ هل لى عندكم من معرّس ... أم الصرم تختارين بالوصل نيأس(1/274)
فمن رواه مظنّة بالنون، والشّباب بشين معجمة وهو الأصمعىّ، قال:
معناه: إنما تجد الجهل عند الشّباب، قال: وهو مثل قولهم: اطلب الخير فى مظانّه. والمظنّة: المعلم (1).
ومن رواه: «فإن مطيّة» بطاء تحتها نقطة، و «السّباب» بسين غير معجمة قال: معناه: إنّا نستعمل السّباب وهو المسابّة من يركب مطيّة الجهل، قال: هو مثل قولهم: الشّباب شعبة من الجنون.
وقوله:
أثرت الغىّ ثم نزعت عنه ... كما حاد الأزبّ عن الظّعان (2)
الظاء معجمة. ومن رواه بالطاء غير معجمة فقد صحّف وأحال المعنى. والأزبّ:
الكثير شعر الأذنين والحاجبين والأشفار. والظّعان حبل الهودج. والأزبّ ينفر عن الحمل: أى إذا رأى الهودج يشدّ عليه.
وقوله:
[119ا] وربّ بنى البرشاء ذهل وقيسها ... وشيبان حيث استبهلتها المناهل (3)
استبهلتها بباء تحتها نقطة، قال: أهملتها. وناقة باهل: إذا خلّيت وولدها.
وقوله:
وكانت له ربعيّة يحذرونها ... إذا خضخضت ماء السّماء القبائل (4)
__________
(1) فى حديث صعلة بن أشيم:
* طلبت الدّنيا من مظانّ حلالها *
المظان جمع مظنة بكسر الظاء، وهى موضع الشىء ومعدنه، مفعلة من الظن بمعنى العلم.
(2) البيت من قصيدة مطلعها:
لعمرك ما خشيت على يزيد ... من الفخر المضلّل ما أتانى
(3) البيت من قصيدة مطلعها:
رعاك الهوى واستجهلتك المنازل ... وكيف تصابى المرء والشيب شامل
(4) يروى: «وكانت لهم ربعية».(1/275)
رواه ابن السّكّيت القبائل، بعد القاف باء تحتها نقطة، ثم قال: ويروى القنابل بالنون، ولا يجوز هاهنا القنابل بالنون، لأنه قال بعد هذا ببيت:
يحثّ الجميع عاصبا بردائه ... يقى حاجبيه ما تثير القنابل (1)
ومثله لا يوطئ، والقنابل جماعات الخيل واحدتها قنبلة.
وقوله:
[إنّى كأنى لدى النّعمان خبّره] (2) ... بعض الأودّ حديثا غير مكذوب
ورواه أبو عبيدة عن أصحابه «بعض الأودّ» بفتح الواو، يريد الذين هم أشدّ ودّا.
وأراد الأودّين جماعة (3). وقالوا: ودّ وأودّ، كما قالوا: شدّ وأشدّ. وزعم الفرّاء أن قوله: بلغ أشدّه، هو واحد، وليس كما قال، ويدلّ على أنه جمع قول عنترة:
عهدى به شدّ النّهار كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم (4)
وبعضهم يقول: شدّ وأشد.
وقوله: [119ب]
فآب مصلّوه بعين جليّة ... وغودر بالجولان حزم ونائل (5)
رواه الأصمعىّ «مصلّوه» بصاد غير معجمة. وقال: المصلّون: الذين يجيئون
__________
(1) الرواية فى الديوان:
يحثّ الحداة جالزا بردائه ... يقى حاجبيه ما تثير القنابل
(2) البيت مطلع قصيدة للنابغة وقد جئنا بصدره.
(3) البيت من قصيدته المشهورة التى مطلعها
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
(4) فى اللسان: أراد الأودين: الجماعة. والظلم: عصارة شجر لونه كالنيل أخضر إلى الكدرة.
وقيل: العظلم: صبغ أحمر.
(5) البيت من شواهد مادة (جلا) فى اللسان، وهو للنابغة، والرواية فيه (مضلوه) هكذا بالضاد المعجمة، وفسره فقال: كذبوا بخبر موته أول ما جاء، فجاء دافنوه بخبر ما عاينوه. وقد جاء فى اللسان أيضا فى (مادة ضل) وقال: هو للنابغة فى رثاء النعمان بن الحارث الغسانى من أضل الميت أى دفن، وقال: يريد بمضليه: دافنيه حين مات، وقوله: «بعين جلية» أى بخبر صادق أنه مات والجولان موضع بالشام.(1/276)
بعد السّابق، فكأنهم نعموا (1) بموته أوّل مرّة فكذّبوه (2)، فجاء المصلّون بعدهم بخبر جلىّ واضح. ورواه البغداديون: «مضلّوه» بضاد معجمة، وقالوا:
معناه: دافنوه.
وكان أبو عمرو الشّيبانىّ يدّعى على أبى عبيدة أنه قد صحّف فى قوله «مصلّوه» بصاد غير معجمة.
وقوله:
رهط ابن كوز محقبى أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار (3)
ولرهط حرّاب وقدّ سورة ... فى المجد ليس غرابها بمطار
ابن كوز من بنى والبة، ثم من بنى أسد. وفى ضبّة أيضا بنو كوز بكاف مضمومة وزاى، وربيعة بن حذار (4) من بنى أسد وكان يتحاكم إليه. وحرّاب وقدّ بقاف مشدّدة تحتها نقطة: رجلان من بنى أسد.
وقوله:
فأصبن أبكارا وهنّ بآمة ... [أعجلنهنّ مظنّة الأعذار] (5)
مثاله عامة: أى وهن بعيب، يروى على وجهين: بإمّة، أى بحال حسنة، وعلى هذا يروى بيت زهير:
__________
(1) هكذا الأصل الخطى، ولعل الصواب (علموا).
(2) فى الأصل الخطى: (أمره فكدبت). وقد صححناه إلى ما ترى ليلائم المعنى.
(3) البيتان من قصيدة مطلعها:
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدى إلى غرائب الأشعار
وكوز: من بنى مالك بن ثعلبة وربيعة بن حذار من بنى سعد. ومحقبى أدراعهم: أى جعلوها كالحقائب لوقت الحاجة إليها. وحراب وقد: رجلان من بنى أسد بن السدرة. المجدد: الفضيلة، وليس غرابهم بمطار:
كناية عن خصب عيشهم وكثرة خيرهم، لأن الغراب إذا وقع فى مكان يجد فيه ما يشبعه فلا يحتاج أن يتحول عنه، وهذه رواية الديوان: وفى الأصل: عرابها، كما رأيت.
(4) فى القاموس مادة حذر: ربيعة بن حذار كغراب جواد.
(5) تتمة البيت وضعناها بين قوسين.(1/277)
ينزع إمّة أقوام ذوى كرم ... بحر يفيض على العافين إن عدموا (1)
بأمة: أى بحال حسنة. وقال أيضا فى هذه القصيدة:
ينزع إمّة أقوام ذوى حسب ... ممّا تيسّر أحيانا له الطّعم
وقال أيضا:
ألا لا أرى ذا إمّة أصبحت به ... فتتركه الأيّام وهى كما هيا
ويروى بآمة: أى عيب، يعنى أنهنّ أخذن قبل أن يخفضن، فجعل ذلك [أمة] عيبا. وأما بيته الآخر:
[حلفت فلم أترك لنفسك ريبة] (2) ... وهل يأثمن ذو إمّة وهو طائع
مكسور، فالإمّة هاهنا: القصد والدين، يقال: وهو على إمّة حسنة، يقول:
على طريقة حسنة. والإمة: النعمة.
وقد روى الأصمعىّ بيت الأعشى:
ولقد جررت إلى الغنى ذا فاقة ... وأصاب غزوك أمّة فأزالها (3)
أمّة بضمّ الهمزة، ثم قال: الأمّة: حسن الحال. وروى بعضهم: ذا إمّة، وفسّره: طريقة من طرائق الدين.
وأما البيت الآخر:
__________
(1) الرواية فى الديوان هى:
ينزعن أمّة أقوام لذى كرم ... بحر يفيض على العافين إذ عدموا
وهو من القصيدة:
قف بالدّيار التى لم يعفها القدم ... بلى وغيّرها الأرواح والديم
(2) صدر البيت زيادة عن الديوان.
(3) رواه صاحب اللسان بضم الهمزة. والأمة الطريقة والدين. وأنشد للنابغة: «وهل يأثمن» ثم قال والإمة (بالكسر) لغة فى الأمة، وهى الطريقة والدين، والإمة: النعمة، والإمة الهبة عن اللحيانى.
وقال ابن الأعرابى: الإمة غضارة العيش والنعمة.(1/278)
* كسبت اليمانى قدّه لم يحرّد (1) *
بالحاء المعجمة: أى لم يعوج فإنه يروى قدّه لم يحرّد، وقدّه بالكسر، والقدّ:
الجلد، والقدّ: المصدر. وفى مثل ما جعل قدّك إلى أديمك، مفتوح (2).
ومما يشكل من شعر زهير بن أبى سلمى
فأوّله أنّه ليس فى العرب سلمى، مضموم السّين، ممال، والياء غير مشدّدة إلا فى كنية أبيه. ولأبى سلمى شعر، ومما يروى له:
ويل لأجمال العجوز منّى ... إذا دنون أو دنوت منّى (3)
كأنّنى سمعمع من جنّ (4)
والباقون: سلمى مفتوح السّين فى أسماء الرّجال والنّساء. وفيهم سلمىّ السين مضمومة والياء [120ب] مشدّدة قال بعضهم:
دانيت سلميّا فعذت بعبرة ... وأخو الزّمانة عائذ بالأمنع (5)
واسم أبى سلمى ربيعة بن رياح، مكسور الرّاء، وتحت الياء نقطتان، ويصحفونه برباح.
__________
(1) البيت أورده صاحب اللسان قال: وروى ابن الأعرابى:
كسبت اليمانى قده لم يجرد
بالجيم، وقده بالقاف، وقال: القد: النعل لم تجرد من الشعر فتكون ألين له ومن روى «قد لم يحرد» بالحاء، أراد: مثاله لم يعوج والتحريد: أن تجعل بعض السير عريضا. وبعضه دقيقا. والسبت: كل جلد مدبوغ، وقيل: هو المدبوغ بالقرظ خاصة والنعال: السبتية لا شعر عليها. وهو بكسر السين، ويلاحظ أنه مفتوح السين فى (مادة قدد).
(2) فى اللسان: ما يجعل قدك إلى أديمك: أى يجعل الشىء الصغير إلى الكبير. ومعنى المثل: أى شىء يحتملك على أن يجعل أمرك الصغير عظيما يضرب للرجل يتعدى طوره.
(3) فى المخطوطة «الإجمال العجول» وهذه رواية الديوان.
(4) فى المخطوطة: (من حتى) والسمعمع: الصغير الرأس والجثة الداهية ومن حديث على:
سممعمع كأننى من جن، وقد أورد فى اللسان: هذه الأبيات.
(5) فى المخطوطة: وانيت.(1/279)
قوله:
[بها العين والآرام يمشين خلفة] ... وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم (1)
يروى: مجثم، ومجثم يقال: جثم يجثم: إذا لزق بالأرض. قال الزيادىّ، قال الأصمعىّ: فيما يغلب علىّ جثم يجثم بالضمّ، وأنشدنى:
* وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم *
قال: قوم يروونه مجثم. وقوله:
ولا شاركوا فى القوم فى دم نوفل ... ولا وهب منهم ولا ابن المخزّم (2)
وفى شعراء طىّ: المخرّم بن حزن، الخاء معجمة والراء مشدودة مكسورة غير معجمة، وابن المخزم، فالمخزّم، مفتوحة الزّاى، ابن سلمة الجعفى، قتل عبد الله بن معديكرب، أخا عمرو، براعى [121ا] إبله، الخاء والزاى معجمتان، والزاى مفتوحة.
وأما فى شعر أوس، قال أبو عبيدة، يقال: «أنبت البقل»، وقوله:
«حتى إذا أنبت البقل»، أخبرنا ابن دريد.
قال أبو حاتم فى شعر زهير:
[رأيت ذوى الحاجات حول بيوتهم ... قطينا بها] حتى إذا أنبت البقل (3)
قال الأصمعىّ: هو خطأ، إلا أن يقول: أنبته الله. وإنما يقال: نبت البقل. ويقال: أنبتت الأرض، وقوله:
ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه ... [ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّم] (4)
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
(2) فى الأصل: المخرم بالراء المهملة والتصويب عن الديوان.
(3) البيت من قصيدته التى مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التعنيق فالثقل
وقد أكملنا البيت عن الديوان ووضعنا الزيادة بين قوسين.
(4) ما بين الأقواس المربعة عجز البيت عن العقد النفيس.(1/280)
أكثر النّاس على «يحسب»، مكسور السين، من الحسبان. وروى بعضهم، أن أبا نصر، أحمد بن حاتم، صاحب الأصمعىّ، كان يرويه «يحسب»، مضموم السين، وقال الراوى لهذا: هو أحسن عندى من «يحسب»، لأن «يحسب» فى معنى يعدّ صديقه العدوّ، ويحسب: يظنه صديقه.
وقال ابن الأعرابىّ: من يغترب فيلقى عدوّه من قومه يظنّه قد ذهب ما فى صدره عليه، ويتقرّب منه من أجل غربتهما، حكاه فى الفوائد.
ومما يشكل وكان يجب أن يقدّم قوله:
[جعلن القنان عن يمين وحزنه] ... وكم بالقنان من محلّ ومحرم (1)
يظنه من لا يعلم من الإحلال فى الحجّ والإحرام، وإنما أراد من له عهد أو ذمّة أو جوار له [121ب] حرمة من أن يعاب عليه، فهذا محرم: أى لم يحلّ من نفسه شيئا يوقع له به. يقول: كلّ من يحلّ غزوه ولا يحلّ، قال الشاعر:
قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا (2)
ومثله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولّى لم يمتّع بكفن (3)
وقوله:
فأقسمت بالبيت الذى طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم
«بنوه» بالنون المفتوحة من البناء، ومن رواه «بنوه» بضم النون فقد أخطأ.
وقوله:
__________
(1) ما بين الأقواس المربعة صدر البيت عن العقد النفيس، والرواية فيه (ومن بالقنان).
(2) البيت لعبيد الراعى من قصيدة مطلعها:
ما بال دفك بالفراش مذيلا ... أقذى بعينك أم أردت رحيلا
ورواية البيت كما فى الجمهرة: * قتلوا ابن عفان إماما محرما * وروى ابن برى أنه يريد أن عثمان فى حرمة الإسلام وذمته لم يحل من نفسه شيئا يوقع به.
(3) فى اللسان: بعد أن ذكر البيت، يريد قتل شرويه أباه أبروبز بن هرمز.(1/281)
[وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا] ... على صير أمر ما يمرّ وما يحلو (1)
على صير أمر: على منتهاه، ويقال: صيره وصيرورته.
قال أبو عمرو: أى على شرف أمر والياء من يمر مضمومة، لأن اللغة العليا: أمرّ الشىء يمرّ إمرارا وهو مذهب البصريين، وابن الأعرابىّ وأهل بغداد إذ يقولون: أمرّ الشىء (2). قال: ومن العرب من يقول: مرّ الشىء يمرّ مرارة، وفلان لا يحلى ولا يمرّ: أى لا يأتى بحلو ولا مرّ، وهذا من أحلى وقول زهير من حلا يحلو.
وقوله:
وكنت إذا ما جئت يوما لحاجة ... مضت وأجمّت حاجة الغد ما تحلو
أجمّت بالجيم مفتوحة. وقال الأصمعىّ: أجمّت الحاجة إذا حانت [122ا] وقدّرت، بالجيم. وحمّت الحاجة: إذا قربت. وحمّ: إذا قدّر. والحمام منه، وهو القدر. قال:
* فاصبر النّفس إنّ ما حمّ حقّ *
ونحتاج أن نفرّق فى هذا الموضع بين أجمّ وأحمّ، فإنه يشكل كثيرا.
قال الأصمعىّ: يقال: أحمّ الأمر: إذا حان وقوعه (3). وقال الرّياشى: أجمّ:
إذا حان، وأحمّ بالحاء: إذا قدّر (4). وقال لبيد:
__________
(1) صدر البيت عن الديوان، وقبله البيت:
صحا لقلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل
وهو مطلع القصيدة.
(2) عن اللسان: قال ابن الأعرابى «ما أمر وما أحلى»: أى ما آتى بكلمة ولا فعلة مرة ولا حلوة فإن أردت أن تكون مرة مرا ومرة حلوا قلت أمر وأحلو وأمر وأحلو.
(3) رواية اللسان: قال الأصمعى: ما كان معناه قد حان وقوعه فهو أجم بالجيم وإذا قلت أحم فهو قدر.
(4) روى اللسان عن الأصمعى: أحمت الحاجة بالجيم تجم إجماما: إذا دنت وحانت، وأنشد بيت زهير «وأجمت» بالجيم، ولم يعرف أحمت بالحاء. وقال الفراء: أحمت فى بيت زهير تروى بالحاء والحيم جميعا وقال ابن السكيت: أحمت الحاجة وأجمت إذا دنت.(1/282)
[لتذودهنّ وأيقنت إن لم تذد] ... أن قد أحمّ من الحتوف حمامها (1)
وقال آخر:
حيّيا ذاك (2) الغزال الأحمّا ... إن يكن ذلك الفراق أجمّا
بالجيم. وقال:
وإنّ قريشا مهلك من أطاعها ... تنافس دنيا قد أجمّ انصرامها (3)
وأما أحمّ، بالحاء غير المعجمة، فيقال: حمّ الله له كذا: إذا قضاه، وأحمّ أيضا.
قال أبو أحمد: وقرأت على ابن دريد:
أحمّ الله ذلك من لقاء ... أحاد أحاد فى الشّهر الحلال (4)
ولا يقال: حمّ من قدر. ويقال: لا حمّ ولا رمّ (5). ويقال: حاجة محمّة:
وهى التى يأخذ منها حديث النفس قال جرير:
ألا تجزيننى وحديث نفسى ... أحاديث بذكرك واحتمام (6)
[122ب] وأخبرنا عن عسل، عن الرياشى، عن الأصمعىّ، عن منتجع، قال:
إذا قيل: حاجة مهمّة: أخذت بالهمّة، ومحمّة: أخذت بحديث النّفس.
ومن غير هذا، أحمّ نفسه: إذا غسلها بالحميم (7)، ومن هذا اشتقاق الحمّام والأحمّ أيضا بالحاء الأقرب.
__________
(1) صدر البيت عن اللسان: وقد رواه الكسائى شاهدا على أن: أحم الأمر وأجم: إذا حان وقته، واستشهد بيت لبيد هذا.
(2) رواية اللسان عن ابن السكيت: ذلك.
(3) القائل هو عدى بن الغدير الغنوى.
(4) قاله عمرو ذو الكلب الهذلى (لسان حم).
(5) يقال ماله حم ولا رم (بضم الحاء والراء): أى بد وماله حم ولا رم (بفتح الحاء والراء):
أى قليل ولا كثير.
(6) فى الديوان ص 513
أما تجزيننى ونجى نفسى ... أحاديث بذكرك واحتمام
من قصيدة مطلعها:
متى كان الخيام بذى طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام
(7) الحميم: هو الماء الحار.(1/283)
وأنشدنى أبو بكر، عن الرياشى:
وكفيت مولاى الأحم جريرتى ... وكفيت جانيها اللّتيا واللّتى
اللتيا: بالفتح والضمّ. وأما قول أوس بن حجر:
جمّا عليه بماء الشّأن واحتفلا ... ليس الفقود ولا الهلكى بأمثال
فمعنى جمّا هاهنا: كثرا، من قولهم: جمّ الشىء إذا كثر. وعلم أجم:
كثير. ويقال: هذا جمّ لك: أى ميعاد لك وقصد لك. قال الأعشى:
تؤمّ سلامة ذا فائش ... هو اليوم حمّ لميعادها (1)
قال: حمّ: منتهى. وقال غيره يريد: الذى يريده ويقصده. قال الجعدى:
* جاعلين الشّام حمّا لهم *
وقال طرفة:
جعلته حمّ كلكلها ... بالعشىّ ديمة تثمه (2)
وأخبرنا ابن عمّار، سمعت أبا حسان الفزارىّ، ونحن نتناشد [123ا] بحضرة سليمان بن أبى شيخ، فأنشد بيت المخبّل:
وكنّا كريمى معشر جمّ بيننا ... تصاف فصنّاه بحسن صيان
فقال: جمّ بالجيم، فرددته عليه، فقال له أحمد بن سليمان فرجع إلى ما قلنا.
ومما يشكل ويسأل عنه فى القصيدة، قوله:
* صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو *
__________
(1) ويروى: «هو اليوم حم لميعادها» بضم الحاء من حم: أى قدر له.
(2) فى رواية الديوان: «الربيع» مكان «بالعشى» والبيت من قصيدته التى مطلعها:
أشجاك الربع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه
وحم بمعنى قصد كلكلها: صدرها ديمة: مطر دائم تثمة: تكسره وتدقه، والهاء عائدة على الربع.(1/284)
ثم قال بعد ذلك.
وكلّ محبّ أحدث النّأى عنده ... سلوّ فؤاد غير حبّك ما يسلو
ويروى: غير قلبى، فقال صحا، ثم قال: غير قلبى ما يسلو، ففيه قولان قال بعضهم: رجع فأكذب نفسه، كما قال أيضا:
قف بالديار التى لم يعفها القدم ... بلى وغيّرها الأرواح والدّيم
وكما قال غيره:
فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندب ... بلى، إنّ من زار القبور بعيد
وقال بعضهم: ليس هذا برجوع، ولكنه متعلّق بقوله:
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على خير أمر ما يمرّ وما يحلو (1)
وقوله:
إذا لقحت حرب عوان مصرّة ... [ضروس تهرّ النّاس أنيابها عصل] (2)
ورواه الأصمعىّ وأبو عمرو «مضرّة» [123ب] بالضاد المعجمة، ورواه بعضهم «مصرّة»، بالصاد غير معجمة.
وأخبرنى ابن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعىّ، سمعت أبا عمرو ابن العلاء يقولون: «عوان مضرّة»، ولو كان إلىّ لقلت: «مصرّة»، أى تعتزم وتمضى. والصرّة: الغدوة فى الشتاء. قال الأعشى:
[ثم] وصّلت حرّة بربيع ... صيّب من طول غزوك (3)
__________
(1) وهذا البيت سبق الكلام عليه ص 268.
(2) رواية الديوان «مضرة» (بالضاد) مكان «مصرة» وتمامه من الديوان كذلك. ولقحت:
حملت، والمراد اشتدت. والعوان: الحرب، ليست بأولى، أو التى قوتل فيها مرة بعد مرة. الضروس:
العضوض. تهر الناس: تصيرهم يكرهونها. والعصل: الكالحة المعوجة.
(3) ما بين القوسين المربعين زيادة عن اللسان، ولم يرد فيه غير صدر البيت. وقد رسمت كلمة «صيب» فى الأصل المخطوط مثل كلمة «حين»، وكلمة «غزوك: عروك مهملة.(1/285)
وأما البيت الآخر:
غداة المليح يوم نحن كأنّنا ... عواشى مضرّ تحت ريح ووابل (1)
فهذا بالضاد المعجمة، وأراد أنه قد أضرّ بالأرض: أى دنا منها وأما قول الآخر:
بحسبك فى القوم أن يعلموا ... بأنّك فيهم غنىّ مصرّ (2)
فإنه أراد: لك صرّة من المال: أى نوعان. وقوله:
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
[وإن يسألوا يعطوا، وإن ييسروا يغلوا] (3)
ويروى:
* هنالك إن يستخولوا المال يخولوا *
وأخبرنا أبو بكر ابن دريد، عن أبى حاتم، قال: قال الأصمعىّ، عن أبى عمرو
__________
(1) فى الأصل عداه. والمليح: واد بالطائف. والشعر لأبى ذؤيب الهذلى. وقبله:
كأن ارتجاز الخثعميات وسطهم ... نوائح يشفعن البكا بالأرامل
(معجم البلدان، مادة مليح).
(2) البيت للأشعر الرقبان (كذا سماه اللسان، فى مادة صرر) وإنما هو الزفيان، شاعر جاهلى، يهجو فيه ابن عمه رضوان، وقبله:
تجانف رضوان عن ضيفه ... ألم يأت رضوان عنى النذر
وقد علم المعشر الطارحون ... بأنك للضيف جوع وقر
وأنت مسيخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر
والمسيخ: الذى لا طعم له. وفى الأصل المخطوط: «غبى» بالباء، ورواية اللسان «غنى» بالنون.
ومضر بالضاد المعجمة. قال: والضرة من المال والإبل والغنم وقيل: هو الكثير من الماشية خاصة دون العير. ورجل مضر له ضرة من مال.
(3) التكملة عن اللسان (مادة خبل) يقال استخبل الرجل إبلا وغنما فأخبله: استعار منه ناقة لينتفع بألبانها وأوبارها، أو فرسا يغزو عليه فأعاره، وهو مثل الإكفاء. وجاء فى مادة (خول).
* هنالك إن يستخولوا المال يخولوا *
والاستخوال مثل الاستخبال، من أخبلته المال: إذا أعرته ناقة لينتفع بها. والإكفاء من قولهم: أكفأت إبلى فلانا: إذا جعلت له أوبارها وألبانها.(1/286)
لا أعرف الاستخبال، وأراه قال: «أن يستخولوا»، والاستخوال: أن يملّكوهم إياه ثم قال أبو عمرو: أعرفه، وكأنّ الاستخبال: الاستعطاء، كأنه قال: إذا طلب منهم عطيّة [124ا] أو قرض، أعطوا. وقال أبو عبيدة:
الاستخبال: الاستعطاء. والخبيلة: العطيّة. قال: وأنشدها أبو عمرو: يستخولوا وقال: لم أسمع «يستخبلوا»، فقال لى يونس: قد سمعها، ولكنه نسى.
وقال ابن السّكّيت: الاستخبال: أن يستعير الرّجل من الرّجل إبلا فيشرب ألبانها، وينتفع بأوبارها، فإذا أخصب ردّها.
قال أبو أحمد: هذا هو الكلام، وقد بنت العرب لكلّ شىء يستعار ثم يردّ اسما، فقالوا: المنيحة للشاة التى تعار فيشرب لبنها ثم تردّ. وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم: «والمنيحة مردودة» (1) قال الشاعر:
[أعبد بنى سهم ألست براجع] ... منيحتنا فيما ترد المنائح (2)
فإذا كانت العاريّة نخلة قيل لها: العريّة، وهو أن يجعل له ثمرتها، فإذا فنيت الثمرة رجعت إلى صاحبها، وجمعها عرايا. ويقال: أعريت الرجل أعريه إعراء. قال الشّاعر (3):
ليست بسنهاء ولا رجّبيّة ... ولكن عرايا فى السّنين الجوائح
فإذا كانت العاريّة ناقة، يشرب لبنها سنته، وينتفع بوبرها، فإذا أخصب ردّها، قيل لها الخبيلة. ومنه قوله [124ب] وإن يستخبلوا،
__________
(1) فى رواية: «المنحة مردودة، والعارية مؤداة». ويراد بالمنحة: أن يمنح الرجل أخاه ناقة أو شاة يحلبها زمانا وأياما ثم يردها.
(2) صدر البيت عن المخصص ج 12ص 334.
(3) القائل: هو سويد بن الصامت الأنصارى. يقول: إنا نعريها الناس. والعرية أيضا: التى تعزل عن المساومة عند بيع النخل، وقيل العرية النخلة التى قد أكل ما عليها. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خففوا فى الخرص فإن فى المال العرية والوصية». قال أبو عبيدة: العرايا: واحدتها عرية، وهى النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا.(1/287)
وربما جاء اسم العاريّة على غير فعله، فقد قالوا: العمرى، وهو أن يجعل له سكنى دار عمره، فإذا مات رجعت إليه، وأما الرّقبى فإن أسكنه دارا على أنه إن مات الذى أرقبه صارت الدار له، وإن مات المسكن قبله، رجعت الدار إلى صاحبها (1). وكأنّ اللفظة مبنيّة على أن كلّ واحد منهما يرقب موت صاحبه. والإنعاء فى الخيل زعموا أن تستعير فرسا تراهن عليه، وذكره لصاحبه (2)، والإكفاء: أن يعطيه ألبان إبله وأوبارها سنة، وهى كفأتها، يقال: أكفأت الرجل إبلى إكفاء. وأما قول لبيد:
ولقد أغدو وما يعد منى ... صاحب غير طويل المختبل
فإنه يروى: «المحتبل» بحاء غير معجمة (3)، وبالخاء المعجمة، فمن رواد بالحاء غير المعجمة، أراد: ليس بطويل الأرساغ، وإذا قصرت أرساغه، كان أشدّ لحافره، وهذا مثل، وهو مستعار من الظّبى، لأن الأرساغ منه تنتشب فى الحبالة، ومن رواه بالخاء المعجمة، أراد غير طويل العاريّة أى أن صاحبها إذا أعارها أسرع استرجاعها من كرامتها عليه، وهو من الخبيلة التى فسّرناها.
وقال أبو أحمد [125ا]: ولا أعلم أحدا فسّر بيت زهير بأكثر من هذا.
وقوله:
وهل ينبت الخطّىّ إلا وشيجه ... [وتغرس إلا فى منابتها النّخل] (4)
__________
(1) العمرى والرقبى: مصدران كالرجعى. وفى الحديث: «لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر دارا أو أرقبها فهى له ولورثته من بعده». وأصل العمرى مأخوذة من العمر، والرقبى من المراقبة (لسان: عمر).
(2) جاء النص فى اللسان منسوبا لابن سيده، حكاه عن ابن دريد وقال لا أحقه (مادة: نعى).
(3) هذه رواية الأصمعى (مخصص ج 12ص 234). وهى فى الديوان: المحتبل بالحاء المهملة، والبيت هو الثالث والثلاثون من قصيدة مطلعها:
إن تقوى ربنا خير نفل ... وبإذن الله ريثى وعجل
(4) تمام البيت زيادة عن الديوان وهو من القصيدة التى مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... واقفر من سلمى التعانبق فالثقل(1/288)
وقد أولعت العامّة بأن يقولوا: الخطّى، فيكسروا الخاء. والخطّ بفتح الخاء موضع بالبحرين كان مرفأ لسفن القنا فى الجاهلية، فنسبت الرّماح إليه (1).
قال الأعشى:
فان تمنعوا منّا المشقّر والصّفا ... فانّا وجدنا الخطّ جمّا نخيلها (2)
وفسّره بعضهم فى شعر الأعشى، فقال الخطّ قرية باليمن، وهذا غلط. الخطّ (3)
والزّارة (4) والقطن (5) ودرنا: قرى بالبحرين وهجر وقال المتلمّس:
يعطون ما سئلوا والخطّ منزلهم ... كما أكبّ على ذى بطنه العهد
وقوله:
وليس لحاقه كلحاق إلف ... ولا كنجائها منه نجاء (6)
«إلف» ألف مكسورة وقال الأصمعىّ: يلحق لحاقا لا يلحقه إلف فى السّرعة. وقال الأعشى:
به ترعف الألف إذ أرسلت ... غداة الصّباح إذا النّقع ثارا (7)
__________
(1) يقال رماح خطية وخطية (بفتح الخاء وكسرها) على القياس وعلى غير القياس (لسان: خط).
(2) من قصيدة مطلعها:
لميثاء دار قد تعفّت طلولها ... عفتها نضيضات الصّبا فمسيلها
(3) الخط: خط عبد القيس بالبحرين، وهو كثير النخل.
(4) والزارة: عين وقرية كبيرة بالبحرين.
(5) فى الأصل المخطوط: القطف، وهو خطأ، والصواب: القطن (بالتحريك)، وهو جبل لبنى أسد. ذكر فى شعر امرئ القيس، قال:
على قطن بالشيم أيمن صوبه ... وأيسره على الستار فيذبل
أما درنا، فقد جاء فى ياقوت: إنها من نواحى اليمامة، وروى قول الأعشى:
حل أهلى ما بين درنا فبادو ... لى وحلت علوية بالسخال
قال: هكذا حكاه الجوهرى، والصواب: درتا. ثم ذكر أن الصحيح أن «درتا» بالتاء فى أرض بابل، و «درنا» بالنون باليمامة (ياقوت).
(6) فى الديوان: «فليس». وفى الأصل: «ولا كجناحها»، والتصويب عن الديوان. والبيت من قصيدته التى مطلعها:
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
(7) البيت من قصيدة مطلعها:(1/289)
أنشد الرياشى «الألف» بالرفع، وأنشده المازنىّ «الألف» بالنصب وقال الرياشى: الألف يرعف ويرعف به: أى يتقدّم به يرعف الألف من الخيل التى يسبقها ويتقدّمها.
وقوله:
وإن مالا لوعث خازمته ... بألواح مفاصلها ظماء
فخازمته: الخاء والزاى معجمتان: أى عارضته.
فإنّ الحقّ مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
الجيم مكسورة أراد بالجلاء: المكاشفة، وأن ينكشف الأمر وينجلى. ورواه بعضهم: الجلاء، بفتح الجيم، فقال: أو حدث يقع معه الجلاء، والصحيح كسر الجيم، فانه قال الحقّ مقطعه ثلاث.
وقوله:
وبتنا عراة عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله (1)
التنازع فى قوله «عراة»، قال الأصمعىّ: «عراة علينا أزرنا».
وقوله:
لمن الديّار بقنّة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر (2)
ومن روى: «من حجج ومن شهر» قال: معناه من مرّ حجج ومن مرّ
__________
أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطّت على ذى هوى أن تزارا
والوعث من الرمل: ما غابت فيه الأرساغ. خازمته: عارضته بألواحها. الألواح: عظامها. ظماء صلاب:
قليلة اللحم لارهل فيها.
(1) من قصيدته التى مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله
وعراة: فى الأرض العارية من الشجر لا يسترها شىء. يزاولنا: يدافعنا وندافعه.
(2) رواية الديوان: * أقوين من حجج ومن شهر *(1/290)
شهر. قال أبو إسحاق الزّجاج: قوله عزّ وجلّ «من أوّل يوم» (1)»، ودخلت من فى الزّمان، والأصل منذ ومذ، هذا أكثر الاستعمال فى الزمان، ومن جائز دخولها، لأنها الأصل فى ابتداء العاريّة، والتبعيض، وأنشدنا أبو بكر بن دريد:
وغيث من الوسمىّ حوّ تلاعه ... أجابت روابيه النّجا وهواطله (2)
[126ا] ثم قال أبو بكر: النّجاء بفتح النون والمدّ: تتابع المطر وشدّته فقصر فعيب عليه وكان الأصمعىّ يضعف هذه القصيدة، لموضع هذا البيت. ومن قال:
النّجا بكسر النون جعله جمع نجو، وهو السحاب، والجمع نجاء ممدودا، وأنشدنا:
[كالسّحل البيض جلا لونها] (3) ... سحّ نجاء الحمل الأسول
والمعنى: أجابت الرّوابى بالنّبت، وأجابت الهواطل بالمطر.
قال أبو بكر: أراد أن المطر أصاب هذه الروابى، فأجابته بالنّبت، وهو مثل، هذه رواية الأصمعىّ وخلف، ورواه ابن السّكّيت وأصحابه: أجابت روابيه النّجا وهواطله». فمن رواه هكذا، فموضع روايته نصب فسكن الياء، كما يقال:
* كأنّ أيديهنّ بالقاع الفرق *
والنجاء جمع نجو: المكان المرتفع. قال الزّيادىّ: رفع الروابى بفعلها، ونصب النّجا، وعطف الهواطل على النجاء، ولكنه رفع الهواطل على القلب، فقلبه فجعل الهواطل هى الفاعلة، وإنما هى مفعولة، كما قال:
__________
والقنة: أعلى الجبل. والمراد هنا: ما أشرف من الأرض. والحجر: موضع بعينه، وهو حجر اليمامة. وأقوين: خلون.
(1) يشير إلى الآية الكريمة: «لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه».
(2) الرواية فى الديوان: «حر تلاعه». ومعنى غيث من الوسمى: نبات من غيث الوسمى. والوسمى:
أول المطر. والحو: الشديد الخضرة. والتلاع: مجارى المياه من أعلى الأرض. والنجا: جمع نجوة، وهى المرتفع من الأرض، وقصره للشعر.
(3) هذا الشعر للمتنخل الهذلى.
أراد بالحمل: السحاب الأسود. وسحاب أسود: أى مسترخ بين السول.(1/291)
[حتى لحقنا بها تعدى فوارسنا] ... كأننا رعن قف يرفع الآلا (1)
والآل: هو الذى يرفع القفّ، فقلبه لعلم المخاطب بما يعنى.
وقوله: [121ب]
دار لأسماء بالغمرين ماثلة ... كالوحى ليس بها من أهلها أرم (2)
وقال فى بيت آخر:
وآخرين ترى الماذىّ عدّتهم ... من نسج داود أو ما أورثت إرم
البيت الأوّل «أرم» على وزن «فعل»، والألف مفتوحة. يقال: ليس بالدار أرم، أى ليس بها أحد. وأرم: جبل قريب من شابة.
قال المرقش:.
فاذهب فدى لك ابن عمّك لا ... يخلد الإشابة وإرم (3)
وهما جبلان. الهمزة فى موضع إرم مكسورة، وأيضا «إرم» الهمزة مكسورة والراء مفتوحة، وهو اسم، فهو أبو عاد بن إرم، الذى نسب إليه ذات العماد. والأرم:
العلم ينصب ليهتدى به. قال الراجز:
* وإرم أخرس فوق عتر * (4)
أخرس: أى أتى عليه الخرس، وهو الدّهر. والعبر أكيمة سوداء، وقد ردّد الجذم فى هذه القصيدة مرّتين، وليس يلزمه الإيطاء، لأن المعنى مختلف، فقال فى بيت:
__________
(1) صدر البيت عن اللسان، وهو للجعدى.
(2) إرم: جبل من جبال حسمى من ديار جذام بين أيلة وتيه بنى إسرائيل. والبيت من قصيدته التى مطلعها:
قف بالديار التى لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم
(3) كذا فى المفضليات وفى اللسان فى مادة (أرم)
فاذهب فدى لك ابن عمك لائحا ... إلا شيبة وارم
وعلق عليه مصححه بأن هناك بياضا فى الأصل.
(4) العتر: جبل بالمدينة من جهة القبلة يقال له المستنذر الأقصى (معجم ياقوت).
والعتر فى اللغة: الذبيحة التى كانوا يذبحونها فى الجاهلية فى رجب. ورواية الديوان:
* وارم احرس فوق عنز * والبيت لرؤبة من قصيدة يمدح بها أبان بن الوليد العجلى وهى زائية ومطلعها:
* يا أيها الجاهل ذو التنزى * وقبل الشاهد بيت هو:
* ونكّبت من جوءة وضمز * (الأراجيز)(1/292)
صدّت صدودا عن الأشوال وأشترفت
قبلا تقلقل فى أعناقها الجذم (1)
فالجذم هاهنا: قطع الحبال، ثم قال فى بيت آخر:
شدّوا جميعا وكانت كلّها نهزا ... تحشك درّاتها الأرسان والجذم (2)
[127ا] هكذا رواه الأصمعىّ وقال: الجذم: السّياط، والواحدة: جزمة، ومن أهل القوافى من يلزمه (3) الإيطاء فى هذا ويقول: الجذم: القطع من السّياط ومن الحبل فالمعنى واحد، وقد أوطأ (4) زهير وأقوى فى القصيدة النونية، فقال:
ألا أبلغ لديك بنى تميم ... وقد يأتيك بالخبر الظّنون (5)
ثم قال:
إلى قلهى تكون الدّار منّا ... إلى أكناف دومة فالحجون
دومة مضموم الدال، وقوله فى رواية البغداديّين إلى عمرو الغسانىّ وغيره:
كخنساء سفعاء الملاطم حرّة ... مسافرة مزءودة أمّ فرقد (6)
مسافرة، السين غير معجمة، وهى التى تنشط من بلد إلى بلد.
وأخبرنى أبو عبد الله نفطويه قال: قال أبو سعيد الضّرير: كان ابن الأعرابىّ يروى ببيت زهير:
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
قف بالديار التى لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم
والأشوال: بقايا الماء فى القرب والأسقية.
(2) النهز: جمع نهزة، أى الشىء الذى يؤخذ. وتحشك دراتها: أى تستخرجها وتستوفها والدارات: دفعات الجرى. والأرسان هنا: قطع من جلود يضرب بها. والجذم: السياط.
(3) فى الأصل الخطى: من يلومه.
(4) فى الأصل أيضا: أقطأ، وتصحيفه ظاهر.
(5) هذا مطلع قصيدة وبينه وبين تاليه بيت هو:
بأن بيوتنا بمحل حجر ... بكل قرارة منها تكون
(6) الخنساء: البقرة القصيرة الأنف فى نشاطها وحدتها. والسعفاء: السوداء فى حمرة. والملاطم:
الخدان. والمزءودة: المذعورة. والفرقد: ولد البقرة.(1/293)
كخنساء سفعاء الملاطم حرّة ... مسافرة [مزءودة أمّ فرقد] (1)
بسين غير معجمة، وهى التى تنشط من بلد إلى بلد، فرددت عليه وقلت له:
إن أبا عمرو يرويه: «مشافره» (2)، فلم يقبل حتى أنشدته بيت عبدة بن الطبيب:
كأنها يوم ورد القوم خامسة ... مسافر أشعب الرّوقين مكحول (3)
وقوله:
ومدره حرب حميها يتّقى به ... شديد الرّجام باللّسان وباليد (4)
الرّجام بالجيم: هى المناضلة هاهنا، راجم فلان فلانا: إذا قاوله.
وقال آخر:
ما زال وقع سيوفنا ورماحنا ... فى كلّ يوم تخابل ورجام
وقوله:
كأنها من قطا مرّان حانية ... فالحد منها أمام السرّب والشّرع (5)
ورواه أبو عمرو الشيبانى «جافية» بالجيم، وقال هى الحافظة برأسها، ورواه «غير حانية» (6) وقال: هى التى تحنو (7). وأما البيت الآخر لكثّير:
__________
(1) الرواية فى اللسان: «سفعاء الملاطين». والبيت من قصيدة مطلعها:
غشيت ديارا بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوين من أم معبد
(2) هكذا فى الأصل: «مشافره»: جمع مشفر.
(3) البيت من القصيدة التى مطلعها:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول
والمسافر: الخارج من أرض إلى أخرى، يصف ثورا. والروقان: القرنان، والسفر: الأثر يبقى على جلد الإنسان وغيره.
ورواية البيت فى اللسان:
كأنها بعد ما خفت تميلتها ... مسافر أشعث الروقين مكحول
وروايته فى المفضليات:
كأنها يوم ورد القوم خامسة ... مسافر أشعب الروقين مكحول
(4) البيت من قصيدة زهير الدالية السابقة. والمدره: الذى يدفع عن قومه. وحمى الحرب: شدتها.
والرجام: المراجمة والمراماة بالخصومة والقتال.
(5) فى الأصل هكذا: «كأنها من قطا مران»، ويظن أن الصواب «قنا»، والقنا: جمع قناة، وهى الرمح، والمران كذلك الرمح، وإنما سمى بذلك للينه.
(6) فى الأصل: «غير جانية»، وحينئذ فيكون مكررا لا معنى له، لأنها عين الرواية الأولى.
(7) فى الأصل بدون إعجام هكذا «؟؟؟ حتوا».(1/294)
* جثوّ العائدات على وسادى (1) *
فليس إلا الجيم. وقول زهير:
ومن لا يصن قبل النّوافذ عرضه ... فيحرزه يعرن به ويخرّق
قال أبو عمرو الشّيبانىّ: يعرن بالنون، وقال: يلزم، يقال: أعرنته (2)
وعرنته فيما أحسب كذا وكذا: أى ألزمته إياه. ويقال للبعير الذى جعل فى أنفه العران: بعير معرون (3)، والعران: الأرض البعيدة. قال ذو الرّمّة:
[ألا أيّها القلب الّذى برّحت به ... منازل مىّ و] العران الشّواسع (4)
ورواه خالد بن كلثوم: «يعرر به» براء غير معجمة من العرّ: أى من الجرب.
وقوله:
أخبرت أنّ أبا الحويرث قد ... خطّ الصّحيفة أيت للحلم (5)
ويروى: «أيت الحلم. أيّت: تعجّب، يقال: أيت لهذا الأمر، وويت [128ا] أيضا.
وقوله:
تضمّر بالأصائل كلّ يوم ... تسنّ على سنابكها القرون (6)
تسنّ: تصبّ، الرواية بالسين غير معجمة. ويحتاج أن نذكر عند هذا فضلا
__________
(1) فى الأصل «العابدات» بدون إعجام.
(2) فى الأصل: «أعرفته».
(3) فى الأصل: «بعير معروف».
(4) ما بين الأقواس المربعة تتمة البيت من اللسان يقال: ديار عران: أى بعيدة، وصفت بالمصدر قال ابن سيده: وليست عندى بجمع، كما ذهب إليه أهل اللغة، ثم استشهد بالبيت ثم قال: وقيل العران فى بيت ذى الرمة هذا الطرق لا واحد لها.
(5) فى الأصل: الحكم والتصويب عن الديوان.
(6) الرواية فى الديوان: «تشن» بالشين المعجمة مكان «تسن». ومطلع القصيدة:
ألا أبلغ لديك بنى تميم ... وقد يأتيك بالخبر الظنون
ومعنى تضمر: تهيأ للجرى. والسنابك: جمع سنبك وهو مقدم الحافر. والقرون: جمع قرن، وهو الدفعة من المطر. وتسن: تصب، من سننت الماء: إذا صببته.(1/295)
بين تسنّ وتشنّ، فقال الأصمعىّ: تسنّ، وقال ابن الأعرابىّ: سنّ وشنّ واحد.
وكان ابن السّكّيت يفرّق بينهما فيقول: شنّ الماء على وجهه، خطأ إنما هو بالسين غير معجمة: أى صبّه صبا سهلا، وسنّ عليه درعه: أى صبّها وإنما يقال: شنّ عليهم الغارة: أى فرّقها، هذا بالشين المعجمة، والسّنّ بالسين غير المعجمة أن يصقل الخيل بالرّعى وغيره. قال النّابغة:
ضلّت حلومهم عنهم وغرّهم ... سنّ المعيدىّ فى رعى وتعزيب (1)
والسّنّ: تحديد. وأنشدنا المبرمان لهميان بن قحافة (2):
يسنّ أنيابا له لوامجا ... أوسعن من أشداقه المصارجا
أراد: أنه يحكّ أنيابه بعضها ببعض ويحدّدها.
ومما يشكل ويقع فيه التحريف من شعر الأعشى
قوله:
وخان النّعيم أبا مالك ... وأىّ امرئ لم يخنه الزّمن (3)
__________
(1) هذا ثالث بيت فى قصيدة للنابغة مطلعها:
إنى كأنى لدى النّعمان خبره ... بعض الأودّ حديثا غير مكذوب
بأنّ حصنا وحيّا من بنى أسد ... قاموا فقالوا حمانا غير مقروب
والحلوم: العقول. والسن: حسن القيام على المال والمواشى. والمعيدى: تصغير المعدى.
والتعزيب: أن يبيت الرجل بماشيته فى المرعى لا يريحها إلى أهلها.
(2) فى الأصل: الهمات، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. وهميان راجز محسن إسلامى، وكان فى الدولة لأموية وله أرجوزة طويلة فى وصف الإبل منها هذا البيت (معجم الشعراء: ص 19).
(3) البيت من قصيدة مطلعها:
لعمرك ما طول هذا الزّمن ... على المرء إلا عناء معنّ
ورواية الديوان:
وخان النّعيم أبا مالك ... وأىّ امرئ صالح لم يخن(1/296)
[128ب] الأصمعىّ وأبو عبيدة رفعا «النعيم»، ورواه الرياشىّ: «وخان النعيم أبا مالك» بالنصب. وهو وجه حسن أن تجعله مفعولا ثانيا.
ومما يشكل فى هذه القصيدة قوله:
ويقبل ذو البثّ والرّاغبو ... ن فى ليلة هى إحدى الأزن (1)
رواه أبو عبيدة والأصمعىّ «أزن» بالزاى المعجمة، وقال: واحدتها: أزنة، وهى الشّدائد، وقالوا: الأزن: هو الأزم، فأبدل الميم نونا من أزم الزّمان: إذا اشتدّ. وقال الأصمعىّ: سمعت أبا مهدية:
* [هذا] طريق يأزم المآزما (2) *
ورواه غيرهما: «الأرن» براء غير معجمة، وقالوا: واحدتها: أرنه، وهى السواد قال الرياشى: قال أعرابىّ: الأرنة: الدّاهية. وقال آخر: الأرنة: الحفرة جعل فيها النّار. وقال الآخر من الأعراب: الأرنة: الخط على رأس الحرباء.
ويزعم أهل بغداد أن الأرنة: الجبن الرطب، ويستشهدون:
* هجان كشحم الأرنة المترجرج (3) *
قال أبو أحمد: سمعت أبا عمر يحكيه، قال: والأرانىّ بالضمّ أيضا.
__________
(1) الأزن: رواية أبى عبيدة، وقال: هى الشدائد، واحدتها أزنة، ورواية الديوان «اللزن».
قال أبو عمرو: اللزن: الازدحام والشدة، والواحدة: لزنة.
(2) فى اللسان «مادة أزم»، والرسم فى الأصل المخطوط: «المآزنا»، وهو تصحيف، وما بين القوسين المربعين عن اللسان. أنشد الأصمعى عن أبى مهدية:
هذا طريق يأزم المآزما ... وعضوات تمشق اللهازما
ويروى: وعصوات.
(3) فى اللسان: «هدان كشحم»، وفى الأصل المخطوط: «هجار»، وهو تصحيف، والبيت من شواهد اللسان، قال: والأرنة: الجبن الرطب، وجمعها: أرن. وقيل: حب يلقى فى اللبن فينتفخ، ويسمى ذلك البياض الأرنة. وأنشد البيت.(1/297)
وقوله:
يشقّ الأمور ويجتابها ... كشّقّ الفزارىّ ثوب الرّدن (1)
أبو عثمان المازنىّ: أهل القرى: هم القرّار، ثم قال الأصمعىّ: القرّىّ والفزارىّ [129ا] أهل الأمصار، والقرار: المصر وما أشبهه، وكلّ من لم ينزل البادية فهو قرارىّ، ومن رواه الفرارىّ بالفاء فقد صحّف. وقال أوس بن حجر:
كبنيانة القرّىّ موضع رجلها ... وآثار سعيها من الدّوّ أبلق
وقوله:
عليه سلاح امرئ حازم ... تمهّل فى الحرب حتى امتخن (2)
امتخن بالخاء المعجمة. قال المازنىّ والرياشىّ: امتخن: حذق. وقال الرياشىّ:
لم يعرفه الأصمعىّ وكان ينشده: «حتى اثّخن»: صار ذريبا، وهى افتعل من الثّخانة، ويجوز «اتّخن»، قال المازنىّ: ولا أنكر «امتخن» بالخاء المعجمة أن يكون رواية، ومعناه: خلص، ومنه قوله تعالى: {«أُولََئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ََ»}. وقال آخر: بل اختبر من قوله عزّ وجلّ {«فَامْتَحِنُوهُنَّ»}
وقوله:
__________
(1) فى الديوان: الفزارى، وشرحها فقال الفزارى الخياط. وفى اللسان: القرارى (بالقاف).
والقرارى: الحضرى الذى لا ينتجع يكون من أهل الأمصار. وقيل: إن كل صانع عند العرب قرارى.
وعن ابن الأعرابى أن القرارى: الخياط.
(2) رواية الديوان:
عليه سلاح امرئ ماجد ... تمهّل للحرب حتى اتّخن
وفى اللسان: عليه سلاح امرئ حازم ... تمهل فى الحرب حتى اثخن
أصله اثتخن، فأدغم. قال ابن برى: اثخن فى البيت «افتعل» من الثخانة: أى بالغ فى أخذ العدة، وليس هو من الإثخان فى القتل.(1/298)
نصف النّهار الماء غامره ... وشريكه بالغيب ما يدرى (1)
فيروى: «نصف النّهار». قال الرياشى، للذى يروى نصف النهار، الماء غامره» يريد معنى الواو: أى انتصف النهار والماء غامره، وهو تحت الماء.
يعنى الغوّاص وشريكه بالغيب، أى بحيث يغيب عنه [129ب] لا يدرى ما حاله، وإنما يغوص بحبل معه طرفه وطرفه الآخر مع صاحبه. قال الرياشى:
الحال إذا لم يرجع إلى الأوّل منها شىء فهو قبيح فى العربية، قال: وإذا صيّرته ظرفا (2) جيّد فى العربية. وقال المازنىّ الجيّد (3) «نصف النهار الماء غامره» نصف النهار على الظّرف.
وقوله فى القصيدة التى أوّلها:
أتهجر غانية أم تلمّ ... [أم الحبل واه بها منجذم]
ومبسمها عن شتيت النّبات ... غير أكسّ ولا منقصم (4)
رووه «منقصم، ومنفصم» بالقاف والفاء، ويفرّقون بينهما، فالفصم: فكّ الحلق وغيرها، قال:
تعدوبه حوصاء يفصم جريها ... حلق الرّحالة فهى رخو تمزع (5)
__________
(1) البيت للمسيب بن علس خال الأعشى، وقد ضبط:
نصف النّهار، الماء غامره ... ورفيقه بالغيب لا يدرى
وهو من قصيدة مطلعها:
أصرمت حبل الوصل من فتر ... وهجرتها ولججت فى الهجر
(2) فى الأصل: «طرقا».
(3) فى الأصل أيضا: «الخيد».
(4) ما بين القوسين المربعين عجز البيت الأول عن الديوان. والشتيت: المتفرق المفلج. والكسس قصر الأضراس.
(5) البيت من شواهد اللسان (مادة: رحل) وهو لأبى ذؤيب، والرواية فيه هى:
تعدو به ضوضاء يفصم جريها ... حلق الرّحالة وهى رخو تمزع
وفسر الرحالة: بأنها سرج من جلود ليس فيها خشب، كانوا يتخذونه للركض الشديد، والجمع:
الرحائل. يقول: تعدو فتزفر فتفصم حلق الحزام.(1/299)
والقصم بالقاف: أن تكسره وتهينه (1).
وقوله:
معى مشرفىّ فى مضاربه فعم،
بالفاء، سيف به فلول، وبه قصم (2)
والمرقاة تسمى قصمة. وفى هذه القصيدة توجيه فاحش (3)، والتّوجيه فى المقيّد أن يكون ما قبل حرف الرّوىّ مختلف الحركات. ومن أهل القوافى من يجيزه على قبح وهو الأخفش ويقول: قد كثر من فصحاء العرب. والخليل يجيز الضّمة مع الكسرة، ثم قالوا: ألا يكون مع [130ا] الفتحة غيرها، فإن كان مع الفتحة ضمة أو كسرة فهو سناد، وقد ابتدأ هذه القصيدة بالمكسور فقال:
أتهجر غانية أم تلم (4)، ثم قال بصحراء زم (5).
* وأدنى مزارا لها ذو حسم (6) *
* فأبرزها وعليها ختم (7) *
ومن رواه «عليها ختم» فقد جاء بالفتح معهما على أنه قد جاء بأبيات ففتحها أيضا فى قوله:
__________
(1) قال أبو عبيدة: القصم بالقاف: أن ينكسر الشىء فيبين. يقال من قصمت الشىء: أى كسرته حتى يبين. وأما الفصم بالفاء: فهو أن يتصدع الشىء من غير أن يبين.
(2) فى الأصل المخطوط: «معى مشربى». والمشرفى: السيف المنسوب إلى المشارف، وهى قرى من أرض اليمن، وقيل من أرض العرب تدنو من الريف.
وفى الأصل: «فعم» بالفاء والعين المهملة. ومن معانى الفعم: الفائض الممتلئ. يقال: ساعد فعم.
ولم نقف على عجز هذا البيت.
(3) فى الأصل المخطوط: وحش، وهى تصحيف.
(4) هذا صدر بيت، وهو مطلع القصيدة، وقد ذكرنا عجزه فى الصفحة السابقة.
(5) هذه ختام البيت السادس من هذه القصيدة فى ترتيب الديوان، والبيت بتمامه هو:
ونظرة عين على غرة ... محل الخليط بصحراء زم
(6) وهذا عجز البيت التاسع فى ترتيب الديوان وهو بتمامه:
فكيف طلابكها إذ نأت ... وأدنى مزارا لها ذو حسم
(7) وهذا عجز البيت العاشر، وهو:
وصهباء طاف يهوديها ... وأبرزها وعليها ختم(1/300)
* على دنّها وارتسم (1)، والعجم (2)، والرّحم (3) *
ولم يفطن للاحتراس من هذا أحد من الشعراء كما فطن له العجّاج فى قصيدته.
* قد جبر الدّين الإله فجبر *
فلم يخلّ بيت واحد، ولم يلتزم التوجيه فيها، وكذلك لبيد فى قوله:
[تمنّى ابنتاى أن يعيش أباهما ... وهل أنا] إلا من ربيعة أو مضر (4)
وقد خلط رؤبة فى قصيدته:
* وقاتم الأعماق خاوى المخترق *
فقال «العنق» (5) فضمّ وقال «الحمق» (6) فكسر، وقول طرفة أحسن من قول الأعشى، فإنه جاء بالضّمة مع الكسرة فى قوله:
أرّق العين خيال لم يقرّ ... طاف والرّكب بصحراء يسر
على أنه قد خلط فى الأخرى الميميّة، فقال: [130ب]
نزع الجاهل فى مجلسنا ... فترى المجلس فينا كالحرم (7)
ثم قال:
فهى تنضى قبل الدّاعى إذا ... خلّل الدّاعى مزارا ويعم
__________
(1) وهذه الفقرة من البيت الحادى عشر، وهو بتمامه:
وقابلها الريح فى دنها ... وصلى على دنها وارتسم
(2) هذه الكلمة هى آخر البيت الخامس والعشرين من هذه القصيدة، والبيت هو:
معادك بالخيل أرض العدو ... وجذعاتها كلقيط العجم
(3) وهذه الكلمة أيضا آخر البيت الرابع والخمسين، وهو:
أرانا إذا أضمرتك البلا ... د تجفى وتقطع منا الرحم
(4) زيد ما بين الأقواس عن ديوان لبيد.
(5) البيت السابع من القصيدة: * مائرة العضدين مصلات العنق *
(6) البيت الحادى والثلاثون: * ألّف شتّى ليس بالرّاعى الحمق *
(7) البيت من قصيدة مطلعها:
سائلوا عنّا الّذى يعرفنا ... بقوانا يوم تحلاق اللّمم
وقوله: «نزع الجهل» هو هكذا، ولعل الصواب: «نزع الجاهل».(1/301)
وقوله:
وقد يعتلى بالفتى همّه ... ويعيا عليه الفؤاد السّقم (1)
رواه أبو عبيدة بعين غير معجمة، فقال: يعتلى شخص ورواه الأصمعىّ:
تعتلى: أى كأنه يرتفع به. وقد قال الأعشى فى بيت آخر:
جماليّة تغتلى بالرّدي ... ف إذا كذّب الآثمات الهجيرا (2)
قرأته بالغين المعجمة. وأما بيت ذى الرّمّة:
فما زال يغلو حبّ ميّة عندنا ... ويزداد حتى لم نجد ما نزيدها (3)
فالغين معجمة. غلا: إذا ارتفع وزاد.
وقوله:
غزاتك بالخيل أرض العدوّ ... وجذعانها كلقيط العجم
رواه أبو عبيدة بالقاف، وقال: العجم: النّوى الذى قد عجم عجما: أى أكل وليس سوى خلّ ولا نبيذ. ورواه لنا أبو بكر بن دريد [ك] لمفيظ (4)
أيضا بالفاء وفوق الظاء نقطة. ومعناه: ملفوظ من الفم. وحكى لى عن أبى حاتم قال: قال بعضهم: كلفيظ العجم بالفاء: أى ما لفظته من فيك من النّوى فهو ملفوظ ولفيظ.
__________
(1) الرواية فى الديوان:
تفرّج للمرء من همّه ... ويشفى عليها الفؤاد السّقم
ورواية أبى عبيدة:
وقد يعتلى بالفتى همه ... ويغنى عنه الفؤاد السّقم
(2) هذا البيت من قصيدة مطلعها:
غشيت لليلى بليل حدورا ... وطالبتها ونذرت النذورا
وروى صاحب اللسان عن أبى عبيدة: «جمالية تعتلى» بالعين أيضا: أى تجرى خفيفا. وروى بالرديف، وروى كذب، قال: الآثمات الكواذب: لم تصدق. وفى الديوان: «تغتلى بالرداف».
(3) فى اللسان مادة «غلا»، رواية البيت، وأن آخره: ما تزيدها.
(4) فى الأصل المخطوط: «يلغيط» هكذا مهملة.(1/302)
وقوله:
[131ا] ولم يود من كنت تسعى له ... كما قيل فى الحرب (1) أودى درم
أجمع الرّواة رواة البصرة وبغداد على «درم»، مفتوح الدال مكسور الراء إلا ابن الرومى الشاعر، فإنه ذكر أن روايته «درم» بكسر الدال وفتح الرّاء، وكان يعزوه إلى محمد بن حبيب، وإنما احتاج إلى أن يجعله هكذا فى شعر له، هربا من التّوجيه الذى ذكرته، فقد كان ابتدأ قصيدته:
أفيضا دما إنّ الرّزايا لها قيم ... [فليس كثيرا أن تجود لها بدم] (2)
فبناها على فتح ما قبل الرّوىّ، ثم قال:
* فطاحت جبارا مثل صاحبها درم *
وأنشدها على هذا، فأنكر عليه ذلك أبو العبّاس ثعلب، وأقام ابن الرّومىّ على أنه درم بكسر الدّال. ودرم هذا مشهور عند النسّابين، وهو درم بن دبّ بن مرّة بن ذهل بن شيبان، وإنما قالوا أودى درم، لأنه قتل ولم يود ولم يثأربه، فقال قائل: أودى درم، فضرب مثلا. وقوله:
أأرمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطّت على ذى هوى أن تزارا
هذا مما يسأل عنه، فيقال: كيف أرمع من عندهم الابتكار وقد شطّ المزار وبعد، وإنما فارقهم أو يفارقهم ابتكارا؟ ولم [131ب] يفسّره الأصمعىّ.
وقال المازنىّ: سألت الأصمعىّ عن هذا البيت فقال: لا أعرف معناه. وقال غيره:
* أأرمعت من أجل ليلى ابتكارا *
فأزمع الابتكار إليهم ومن أجلهم كما قال زهير:
__________
(1) يود: يهلك، وهو من أودى الشىء: إذا هلك، ويروى «فى الحى» بدل «فى الحرب».
ودرم: هو درم بن دب بن مرة بن ذهل بن شيبان قتل ولم يثأر به: أى لم يقتص من قاتله، وقال قائل:
أودى درم» فصار مثلا.
(2) الزيادة بين القوسين عن الديوان المخطوط.(1/303)
* أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم *
أراد: من دمن أم أوفى. ومثل قوله:
إذا استنزلوا عنهنّ للطّعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب (1)
أى من أجل الطّعن، وهذا الحذف كثير فى كلام العرب. وقال أبو عبيدة:
قد يجوز أن يكون بعيدا منها، وهو فى ذاك ينوى أن يأتيها فيقيم عندها ثم يزمع الظّعن، وهذا كله بالقلب. وقوله:
فقد أطّبى الكاعب المسترا ... ة فى خدرها وأشيع القمارا (2)
المستراة السين غير معجمة، معناه: المختارة.
وأنشدنا أبو بكر:
ولكنّكم غنم تسترى ... وتترك سائرها للذّهاب
استريت الشىء: اخترت سراته. قال: «سديف السّنام تستريه أصابعه».
قرأت على أبى بكر بن دريد:
فلم أر عاما عوض أكثر هالكا ... ووجه غلام يسترى (3) وغلامه
«عوض»: اسم معرفة، وهو اسم الدهر يضم ويفتح. البصريون [132ا] يقولون بالضّم، ومثله قول الأعشى:
رضيعى لبان ثدى أمّ تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرّق (4)
__________
(1) البيت من قصيدة للنابغة مطلعها:
كلينى لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطىء الكواكب
(2) رواية الديوان: «فقد أخرج الكاعب البيت» أما فقد أطبى فهى رواية أبى عبيدة.
(3) رواية اللسان «يشترى».
(4) رواه أبو عبيدة: بأسحم عوض الدهر لا نتفرق
وعوض عنه بالرفع، يريد: أبد الدهر، والبيت من قصيدة مطلعها:
أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق ... وما بى من سقم وما بى معشق(1/304)
ويروى: «عوض الدهر». وقوله: «عوض الدهر»: أى أبدا. وفى رواية:
«عوض لا يتفرّق».
وأخبرنا أبو بكر، قال: حدثنا الرياشىّ، قال: حدثنا محمد بن سلام، عن يونس، قال: كان أبو عمرو بن العلاء يقول: «عوض»، وروايته: «عوض»، وقرأت على أبى بكر:
لا أعرفنّك إن جدّت عداوتنا ... والتمس النّصر منكم عوض تحتمل (1)
قرأته بالضم، يقول: يلفيهم فى شرّ وتحمل أنت. ثم قال لنا أبو بكر: تقول العرب:
«عوض لأفعلنّ كذا» يحتّم على نفسه، مثل ما قال:
(رضيعى لبان ثدى أمّ تحالفا) ... باسحم داج عوض لا نتفرّق
وقوله:
ودأيا يلاحقن مثل الفؤو ... س لاءم منه الشّليل الفقارا
الشّليل: الشين معجمة (2). قال أبو عبيدة: «لاءم منه الشّليل»: أى ألبسها
__________
(1) الرواية فى الديوان:
لأعرفنك إن جدّ النّفير بنا ... وشنّت الحرب بالطّواف واحتملوا
وروى أبو عبيدة: عوض (بالضم) تحتمل. وعوض (بالفتح) تحتمل. قال أبو عمرو: احتمل (بضم التاء وكسر الميم) الرجل: أغضب. ومن روى «تحتمل» أراد: تذهب تخلى قومك.
(2) الرواية فى الديوان:
ودأيا لواحك مثل الفؤو ... س لاءم منها الشّليل الفقارا
وروى أبو عبيدة: «ودأيا تلاحكن». وقد استشهد به صاحب اللسان، وروايته فيه هى:
وداء تلاحك مثل الفؤو ... س لاءم منها الشّليل الفقارا
اللحك: مداخلة الشىء فى الشىء والتزاقه به يقال: لوحك فقار ظهره: إذا دخل بعضها فى بعض، وملاحكة البنيان ونحوه وتلاحكه: تلاؤمه، والبيت للأعشى. وقد ورد البيت أيضا فى اللسان فى (مادة سلل)، وهو:
ودأيا لواحك مثل الفؤو ... س لاءم منها السّليل الفقارا
وقال: السليل: النخاع، وقيل: لحمة المتنين.(1/305)
[الدرع] (1) فوارى الهزال. والشّليل (2): مسح يكون على ظهر البعير ويسبل على عجزه. وقال آخر: إذا كان وفقا لها لم ينصب من الشّليل على عجزها شىء من طول ظهرها. وقال آخر: الشّليل: أى النّخاع العرق الأبيض.
[132ب] ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام: «السليل» بسين غير معجمة، وأنكر الشين، وقال: «السّليل»: طرائق اللّحم الطّوال تكون ممتدّة مع الصّلب، واحدته: سليلة. والسّليل فى غير هذا: واد: قال:
كأنّ عينى وقد سال السّليل بهم ... وعبرة ما هم لو أنّهم أممّ (3)
فهو موضع. وأما قول الأحوص:
شننت العقر عقر بنى شليل ... إذا هبّت لقاريها الرّياح (4)
فالشين معجمة مضمومة. يقال: هذا قارّىّ الرياح لوقت هبوبها. وفى فرسان ربيلة عمير بن السّليل، السين مفتوحة غير معجمة، وهذا ابن أخى بسطام ابن قيس، كان شريفا جوادا، واسمه مشتقّ من الولد. سليل الرّجل: ولده.
وقوله (5):
__________
(1) ما بين القوسين زيادة توضح المعنى. والشليل: الغلالة التى تلبس فوق الدرع. وقيل: الدرع الصغيرة تكون تحت الكبيرة. وقيل: ما تحت الدرع من ثوب أو غيره. وقيل: هى الدرع ما كانت.
(2) فى اللسان: الشليل: مسح من صوف أو شعر يجعل على عجز البعير وراء الرحل. قال جميل:
تئجّ أجيج الرّحل لمّا تحسّرت ... مناكبها وابترّ عنها شليلها
(اللسان شلل).
(3) البيت من قصيدة لزهير مطلعها:
قف بالديار التى لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم
وفى اللسان: «وجيرة ما هم» بدل: «وعبرة ما هم». قال ابن برى: قوله: «سال السليل بهم» أى ساروا سيرا سريعا، يقول: انحدروا به فقد سال بهم. والسليل والسلان: أودية.
(4) فى اللسان: أكرهت العقر. وقال: وسليل هو جد جرير بن عبد الله البجلى. وروى فى (مادة شلل) بفتح الشين، وفى (مادة عقر) بضمها، ونبه المصحح فى هامش شلل أن الضم خطأ.
(5) الشعر للأعشى.(1/306)
ما أيبلىّ على هيكل ... بناه وصلّب فيه وصارا (1)
قال المازنىّ: هو منسوب إلى أبيل، ولم يجئ به على الصحة، يعنى:
صاحب أيبل، وهو عصا النّاقوس، والأيبل أيضا: الذى يضرب بالنّاقوس.
قال الأعشى:
[فإنّى وربّ السّاجدين عشيّة] ... وماصكّ ناقوس النّصارى أبيلها (2)
قال الشّيخ رحمه الله: والذى [133ا] قرأته على أبى بكر بن دريد: ما أيبلى به». وقال: قيل منسوب إلى أيبل.
وقوله:
رأت رجلا غائب الوافدين ... منشّل اللّحم أعشى ضريرا (3)
يروى: عابر الواقدين، بالقاف، يعنى الواقد بن عيينة. ويروى غائب الوافدين بالفاء. وقوله:
فكلّنا هائم فى إثر صاحبه ... ناء ودان ومحبول ومحتبل (4)
رواية البصريين بالحاء غير المعجمة، وفسّره محبول من الحبالة، أى يصطاد بها، وقرأته على أبى بكر مخبول ومختبل جميعا بالخاء المعجمة، وقوله:
__________
(1) يروى: «وما أسبلى»، ويروى: «وما أبلى». قال أبو عبيدة: صاحب أيبل وهى عصا الناقوس. وصلب: صور فيها الصليب، وصار: مال وسكن.
(2) صدر البيت عن الديوان، وهو من قصيدة مطلعها:
لميثاء دار قد تعفّت طلولها ... عفتها نضيضات الصّبا فمسيلها
(3) رواية الديوان: * مختلف الخلق أعشى ضريرا *
قال أبو عبيدة: وقد روى عانز الوافدين: يريد البصر. وقال أبو عمرو: الوافدين الذين دخلوا عليه من قومه. والبيت من القصيدة السابقة التى مطلعها:
غشيت لليلى بليل خدورا ... وطالبتها ونذرت النذورا
(4) رواية الديوان: * فكلنا مغرم يهذى لصاحبه *
ورواية أبى عبيدة: * وكلنا هائم فى إثر صاحبه *
وروى: مختبل، وهو أجود. قال: مغرم بالشىء: مولع به، ويروى: مخبول ومختبل كأنه موثق عندمن يحبه.(1/307)
يسقى ديارا لنا قد أصبحت عربا ... فما تجانف عنها القود والرّسل (1)
رواه أبو عبيدة «غربا» بالغين المعجمة: غوارب لا أدم بها»: أى لا أحد.
وقال أبو الزّبير: «قد أصبحت عربا»: أى بعيدة. وحكى أيضا عن أبى الزّبير أنه قال: «عزبا» (2): أى زورا. وقال الرّياشى: عزبا (2): الذى أحفظ، بعيدا، فقلت: عربا بالعين غير المعجمة، فقال: جائز، وحفظى الأوّل. وقال: الرّسل:
الإبل، والجمع (3) أرسال، ورواه بعضهم: القوط والرّسل. والقوط: الألف أو أكثر من ذلك من الشاء. وقوله:
لقد كان فى حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم (4)
[133ب] قال أبو العبّاس محمد بن يزيد: النّحويون ينشدون: «تقضّى لبانات ويسأم سائم» فرفع يسأم، لأنه عطفه على فعل، وهى «تقضى»، فلا يكون إلا رفعا ومن قال: «تقصى لبانات ويسأم سائم»، لأن تقصّى اسم، فلم يجز أن يعطف عليه فعل، فأضمر أن ليجرى المصدر على المصدر، فصار تقصّى لبانات ويسأم سائم أى وأن يسأم (5) سائم، وعلى هذا ينشد:
للبس عباءة وتقرّ عينى ... أحبّ إلىّ من لبس الشفوف
أى وأن تقرّ عينى، وقوله:
__________
(1) رواية الديون: «غرضا»: أى غرضا للناس يأتونها. ورواية أبى عبيدة فى الديوان: «عزبا تجانف»: أى عوازب لا أدم بها. تجانف: عدل. القود: الحبل. الرسل: الإبل.
(2) رسم فى الأصل المخطوط «عربا» فى الموضعين بالعين والراء المعجمتين وهو تصحيف. والصواب فيهما: «عزبا»، وهى رواية أبى عبيدة التى أشرنا إليها فى الديوان.
(3) فى الأصل: «والجماع»، ولعل ما ذكرناه هو الصواب.
(4) البيت ثانى أبيات قصيدة للأعشى مطلعها:
هريرة ودعها وإن لام لائم ... غداة غد أم أنت للبين واجم
وقد روى «ثواء» بالرفع والنصب، وأبو عبيدة يخفضه، والنصب أجود. ومن روى: «تقضى لبانات» فإنه ينبغى رفع سواء (شرح الديوان).
(5) فى الأصل المخطوط: «وما سيمة»، ولما لم يكن للعبارة معنى على هذه الصورة فقد أثبتناها تبعا للمعنى الذى أراده واقتضاه الاستشهاد بالبيت الذى بعده.(1/308)
فما فضّنا من صانع بعد عهدكم ... فيطمع فينا صارم والأزاهر
ويروى «صانع» بالنون والعين غير المعجمة، وكذا قرأته على أبى بكر، وهى رواية الرّياشىّ. وقال: يقال للحاذق بالشّىء: صنع وصانع، قال: وصانعّ أشبه بالبيت من صائغ.
وقال أبو عثمان المازنىّ: هو صايغ بغين معجمة، وقال: معناه: لا يغيرنا عن أخلاقنا. وقوله:
نبىّ يرى مالا يرون وذكره ... لعمرى غار فى البلاد وأنجدا (1)
الخلاف فى «غار»، وهو مذهب البصريين، وأغار وهو مذهب البغداديين.
وسمعت أبا بكر بن دريد يقول: من رواه أغار فقد أخطأ. وأخبرنى [134ا] أبى رحمه الله عن عسل بن ذكوان، عن الرّياشىّ، عن الأصمعىّ: «وذكره لعمرك غار». قال: ويروى: «وذكره غار لعمرى» فإذا كان كذا فإنّه خرم فى النصف الثانى، وهو صالح (2)، كما قال:
[فموتوا كراما بأسيافكم] ... للموت يجشمه من جشم (3)
وقوله:
__________
(1) البيت من قصيدة للأعشى مطلعها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهدا
ويروى: «وبت كما بات السليم»، وقد روى الشطر الثانى من البيت:
* أغار لعمرى فى البلاد وأنجدا *
وأما هذه الرواية فهى رواية أبى بكر.
(2) الأخرم من الشعر: ما كان فى صدره وتد مجموع الحركتين، فخرم أحدهما وطرح كقوله:
إن امرأ قد عاش عشرين حجة ... إلى مثلها يرجو الخلود لجاهل
كان تمامه «وإن امرأ» قال الزجاج: من علل الطويل الخرم وهو حذف فاء فعولن وهو يسمى الثلم.
وخرم فعولن بيته أثلم، وخرم مفاعيلن بيته أعضب وقال ابن سيده: الخرم فى العروض: ذهاب الفاء من فعولن، فيبقى عولن فينقل فى التقطيع إلى فعلن، ولا يكون الخرم إلا فى أول الجزء فى البيت.
(3) ما بين القوسين صدر البيت تكملة عن اللسان.(1/309)
شريح لا تتركنّى بعدما علقت ... حبالك [اليوم] بعد القدّ أظفارى (1)
الشين منقوطة والحاء غير معجمة. ومن رواه بالجيم فقد صحّف. وهو شريح بن عمران بن السّموأل بن عاديا، هكذا يروى محمد بن حبيب، عن أبى عبيدة. وغيره يقول: هو شريح بن الأحوص الكلبىّ، والأوّل أصحّ، لأنه يقول فى أوّل القصيدة:
جار ابن حيّا لما نالته ذمّته ... [أو فى وأمنع من جار ابن عمّار] (2)
وابن حيّا: هو جدّ السّموأل بن عاديا بن حيّا، وقد اختلفوا فى مدّ «عاديا» وقصره، والمدّ أكثر. قال النّمر [بن تولب]:
[هلّا] سألت بعاديا [ء] وبيته ... والخلّ والخمر التى لم تمنع (3)
وقصره الأعشى فقال:
ولا عاديا لم يدفع الموت ماله ... وورد بتيماء اليهودىّ أبلق (4)
ويجوز أن يقصره الأعشى فى الشّعر، وكذلك السّموأل فى قوله:
* بنى لى عاديا حصنا حصينا *
وقوله:
[أثوى وقصر ليلة ليزوّدا ... ومضى فأخلف من قتية موعدا
أثوى: أقام. يقال: ثوى وأثوى. وقرأته على أبى بكر بن دريد: أتوى، وهى رواية أبى عبيدة عن أبى الخطّاب للأخفش. ورواية الأصمعىّ: أترى، محرك الثاء على الاستفهام، وهذا بيت تنازع فيه أصحاب المعانى، وقالوا: كيف أخلف من قتيلة موعدا، والعاشق لا يخلف، وكيف يخلفها وهو عاشق، وإنما
__________
(1) ما بين القوسين زيادة يتم بها وزن الشعر عن الديوان.
(2) عجز البيت زيادة من الديوان، والرواية فيه «لمن نالته» بدل «لما نالته».
(3) ما بين الأقواس المربعة زيادة عن اللسان فى المواضع الثلاثة. وفى الأمالى ج 1ص 194.
(4) من قصيدته التى مطلعها:
أرقت وما هذا السّهاد المؤرق ... وما بى من سقم وما بى معشق
وقد روى صدر البيت: «أرى عاديا» بدل: «ولا عاديا» ورفع أبو عبيدة «اليهودى» وخفضه غيره.(1/310)
ثوى وقصر ليزوّد، فقال الأصمعىّ: فأخلف فصادف موعدها خلفا، كما يقال أنحلته وأحببته. وقال قطرب وأبو عبيدة: فأخلف: أى واستخلف من قتيلة موعدا: أى لما ثوى عندها فأقام وعدته موعدا آخر، فأخلف منها موعدا غير الأوّل. وقال غيرهما: يجوز أن يكون أخلف من أجل موعد لغيرها كما قال:
* أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم *
وقوله:
وجرّبوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا الحزم والفنعا (1)
الفنعا بالفاء، وهو الإعطاء، والذّكر. وقد روى بالقاف القنع. قال لبيد:
* أنت جعلت الباهلى مقنّعا * (2)
بالقاف، هذا البيت الأوّل [135ا] وبعده:
أمسى يحوز خصلات أربعا ... حزما وجودا وتقى ومقنعا
من يمدد الله عليه إصبعا ... فى الخير أو فى الشّر تلقاه معا
أنشدنيه الهزّانى عن الرياشىّ، وقال: مفنعا: مفضلا، يقال: ماله مفنع فى مال ولا عقل. وقولهم: مسك ذو فنع، أى ذو رائحة ساطعة. وقوله:
تجانف عن خل اليمامة ناقتى ... وما قصدت من أهلها لسوائكا (3)
يكون سواء ممدودا فى معنى غير، كما كان سوى مقصورا فى معنى غير، وسواء
__________
(1) رواه أبو عبيدة: «إلا الخرم فارتفعا». والفنع: الفضل، وقد أورد اللسان البيت على ما قدمناه. وقال: الفنع: الكرم والعطاء والجود الواسع والفضل الكثير، وأسند البيت للأعشى. والبيت من قصيدته التى أولها:
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... واحتلّت الغمر فالجدّين فالفرعا
(2) البيت من مقطوعة مطلعها:
من يبسط الله عليه إصبعا ... بالخير والشّر بأىّ أولعا
(ديوان لبيد المخطوط 547أدب).
(3) مطلع القصيدة:
أتشفيك تيّا أم تركت بدائكا ... وكانت قتولا للرجال كذلكا
وقد جاء فى ياقوت عجز البيت: «وما عدلت عن أهلها» بدل: «وما قصدت»، والرواية فى ياقوت، واللسان: «تجانف عن جو اليمامة».(1/311)
ممدودة لها مواضع فسواء الشىء وسطه من قوله «فى سواء الجحيم». والسّواء من المساواة، بنو فلان سواء فى الشّرّ: أى متساوون فى خير أو شرّ، فإذا قلت سواسية لم يكن إلا فى الشّر، قال:
سواسية كأسنان الحمار [فما ترى ... لذى شيبة فيهم على ناشئ فضلا] (1)
والسّواء: موضع. قال [أبو ذؤيب يصف الحمار والأتن]:
فأقنتهنّ من السّواء [وماؤه ... بثر وعانده طريق مهيع] (2)
وقال أبو عبيدة: لا يكون سواء وسوى اسما، إنما هو صفة. وقال فى قوله:
* وما قصدت من أهلها لسوائكا *
قال الزّجّاج: سواء زيد وعمرو فى معنى ذوا سواء، وسواء عنده مصدر، إنما هو لمكان سوائكا. قال لبيد:
[135ب] فابدل سوام القدر ان ... ن سواءها دهما وجونا (3)
قال أبو عبيدة: لا يكون سواء، وسوى اسما، إنما هو صفة، فيقول لك غير ما فى قدرك أيضا إبل، فأطعم الناس من هذه. قال أبو بكر: والسّوى: الرجل بعينه. يقال: هذا سوى فلان، أى فلان بعينه. وأنشد بيت حسّان:
أتانا فلم نعدل سواه بغيره ... نبىّ بدا فى ظلمة اللّيل هاديا
وأنشد أيضا بيت الحطيئة:
أبى لك قوم أبى لك مجدهم ... سوى المجد فانظر صاعدا من تفاخر
سوى المجد: أى المجد بعينه. وسوى بفتح السين، يعنى غير. والسّوى:
العدل من قوله تعالى: «مكانا سوى»، وأنشد:
__________
(1) تتمة البيت عن اللسان مادة «سوا» إن جعلناه لكثير، غير أنه رواه «سواس» بدل سواسية.
وفى اللسان بيت آخر جعل هذا القول فيه عجزا ولم ينسبه لأحد وهو:
شبابهم وشيبهم سواء ... سواسية كأسنان الحمار
(2) تتمة البيت ونسبته عن اللسان والمعجم. والسواء: حصن فى جبل صبر من أعمال تعز.
وقال صاحب اللسان: السواء هاهنا موضع بعينه، وقيل: السواء: الأكمة أية كانت وقيل: الحرة وقيل: رأس الحرة. والبثر: الماء القليل، وهو من الأضداد.
(3) فى الديوان المخطوط:
وابذل سنام القدر إن ... ن سواءها دهما وجونا(1/312)
* سوى بين قيس قيس عيلان والفزر *
وقد جاء فى اللّغة «سواء» ممدود فى هذا المعنى.
ومما يشكل فى هذا الباب قول الآخر:
وكنت إذا مولاك خاف ظلامة ... أتاك فلم يعدل سواك بناصر
يسأل، فيقال: كيف قال «أتاك» ثم قال «لم يعدل سواك بناصر».
وسواه: غيره، فالجواب: لم يعدل سواك بك، لأنك ناصره [136ا]، كما تقول: ما أعدل سواك بأخ كريم، وأنت تخاطب رجلا: أى أنت الأخ الكريم. وقال بعضهم فى قول حسّان:
أتانا فلم نعدل سواه بغيره ... نبىّ بدا فى ظلمة اللّيل هاديا
فيقال: كيف لم يعدل سواه بغيره، وسواه غيره، فكأنه قال: لم يعدل غيره بغيره، فما فى هذا من مدح النبىّ صلى الله عليه وسلم والإخبار بطاعته؟
فالجواب: أنه أراد: لم يعدل سواه بغير سواه، لأن الهاء التى فى غيره مردودة على سواه، فكأنه قال: لم نعدل سواه بغيره السّوى، وغير السّوى: هو النّبىّ صلى الله عليه وسلم. فالمعنى: لم يعدل سواه به. ويقال للعدل سواء وسوى وسوى قال زهير:
أرونى خطّة لا ضيم فيها ... يسوّى بيننا فيها السّواء (1)
فإن ترك السّواء فليس بينى ... وبينكم بنى حصن بقاء
يريد بالسّواء: العدل، كذلك يقول أهل اللّغة وهو الحقّ، وهو من استواء الشىء.
__________
(1) رواية الديوان:
أرونا سنة لا عيب فيها ... يسوّى بيننا فيها السواء
وبعده: فإن تدعوا السواء فليس بينى ... وبينكم بنى حصن بقاء
وهما من قصيدته التى أولها:
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء(1/313)
وقوله: ساعة أكبر النّهار كما ... شدّ مخبل لبونه (1) إعتاما
مخيل بالخاء المعجمة، وقد ذكرنا هذا البيت ممّا حفظ من تصحيفات المفضّل، وأنه كان يرويه محيل بالحاء غير المعجمة وإنكار من أنكره عليه. وقوله:
فمرّ نضىّ السّهم تحت لبانه ... وجال على وحشيّه لم يثمثم
نضىّ بضاد معجمة، والنّضىّ: السهم بغير ريش. والنّصىّ بالصاد غير المعجمة:
ضرب من النّبات. وقوله:
فذلك بعد الجهد شبّهت ناقتى ... إذا ما ونى حدّ المطىّ المخزّم (2)
الخاء والزّاى معجمتان. المخزّم: الذى عليه خزامة، وهى حلقة فى الأنف.
وأما البيت الآخر: النّعام المخرّم، فالطّير كلّها مخرومة لأن آنافها ينفذ بعضها إلى بعض. قال حسّان بن شبّة:
تركنا لهم شقّ الشّمال فأصبحوا ... جميعا يزحّون المطىّ المخرّما
وأما المحرمّ، الحاء والراء غير معجمتين، فهو من السّوط الذى [لم] (3)
يليّن ولم يمرّن. قال الأعشى:
ترى عينها صغواء فى لحج موقها ... تراقب كفّى والقطيع المحرّما (4)
[137ا] أراد سوطا لم يليّن، وإذا قالوا: أعرابىّ محرّم، فإنهم يريدون أنه لم يطأ الأمصار. وقوله:
__________
(1) رواية الديوان: «مخيل لنوئه أغناما»، ويروى «مخيل لنوئه إغناما»
والبيت من قصيدة مطلعها:
يا لقيس لما لقينا العاما ... ألعبد إعراضنا أم على ما
مخيل خالا من السحاب فخشى على بهمه أن يفرق للمطر، واعتماما: إبطاء، ويقال أعتاما.
(2) رواية الديوان: المخزم، وقال فى شرحه: الخزامة سرة فى أنف البعير يشد فيها الزمام.
(3) ما بين القوسين زيادة اقتضاها السياق.
(4) البيت من شواهد (مادة صغا) من اللسان، والرواية فيه هى:
ترى عينها صغواء فى جنب موقها ... تراقب كفى والقطيع المحرما
وفى رواية «فى جنب غرزها» مكان فى جنب موقها «تحاذر» مكان «تراقب واللحج»: غار العين الذى نبت عليه الحاجب.(1/314)
عجبت لآل الحرقتين كأنما ... رأونى نفيا من أياد وترخم (1)
أبو عبيدة ترخم بضم الخاء. وقال الأصمعىّ: ترخم بفتح الخاء، وهو حىّ من بلقين، والحرقتان: بنو سعد وبنو تيم ابنى قيس بن ثعلبة تحالفا على أخيهما صبيعة. وقوله:
على كلّ أحوال الفتى قد شربتها ... غنيّا وصعلوكا وما إن أقاتها (2)
أقاتها بالقاف من القوت. الأصمعىّ، ما إن أقاتها: أى ليس عندى بقدر القوت بل كثير. ويروى أفاتها بالفاء، أى لا يفوتنى. وأقاتها بالقاف أولى، فقد أتى بعدها بأبيات يقول [فيها]:
أهنّا لها أموالنا عند حقّها ... وعزّت لنا أعراضها لا نقاتها (3)
وقوله:
هم ضربوا بالحنو حنو قراقر ... مقدّمة الهامرز حتى تولّت (4)
فلله عينا من رأى من عصابة ... أشدّ على أيدى السّقاة من التى
أتتهم من البطحاء يبرق بيضها ... [وقد رفعت راياتها فاستقلّت] (5)
يروى البصريون: «على أيدى السّعاة من التى»، يريدون من يسعى للحرب ويهيجها، ورواه [137ب] غيرهم على أيدى السّقاة. وقال: هم الذين
__________
(1) ترخم من اليمن.
(2) من قصيدة:
أجدّ بتيّا هجرها وشتاتها ... وحبّ بها لو تستطاع طياتها
والمعنى يقول: إننى شربتها فى حال فقرى وغناى من غير قوت، وأفأتها منها النطفة.
(3) يروى فى الديوان وفى اللسان: * وعزت بها أعراضنا لا نفاتها *
وأهنا بها: أى السنة. ولا نفاتها: أى لا نفات بأعراضنا لأنا نطعم ونعطى، أفته ماله وعرضه من الفوت.
(4) هذا البيت ثانى أبيات القصيدة التى أولها:
فدى لبنى ذهل بن شيبان ناقتى ... وراكبها يوم اللقاء وقلت
وثالثها: فلله عينا.
(5) ما بين القوسين المربعين زيادة عن الديوان.(1/315)
يتساقون المنيّة بينهم، وقد التزم الأعشى فى هذه القصيدة ما لم يلزمه فى القافية ووفى به وأحسن، وذلك أن حرف الرّوىّ التاء، فالتزم اللام قبلها ولا يلزمه، فلم يخلّ بها فى شىء من الأبيات. وقد فعل مثل هذا كثيّر فى قصيدته التى أوّلها:
خليلىّ هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلو صيكما ثم ابكيا حيث حلّت
فالتزم اللام، وأتى بها فى أبيات القصيدة، إلا فى بيت واحد، أخلّ به، ويقبح أن يلتزم فى أكثر القصيدة، ثم يخلّ بالبيت أو البيتين منها، وهو قوله:
أصاب الرّدى من كان يهوى لك الرّدى
وجنّ اللّواتى قلن عزة جنّت
إلا أن أصحاب القوافى قد احتالوا له ورووه: «اللّواتى قلن عزّة جلّت»:
أى كبرت وأسنّت. وهذا من الأعشى أحسن، لأنه غير مخالط لأهل الحضر ولا يذاكر بعيوب القوافى على أنه قد أفسد هذا الإحسان بقبح (1) التّضمين الذى فعله فى هذه القصيدة بقوله:
فلله عينا من رأى من عصابة ... أشدّ على أيدى السّقاة من التى (2)
أتتهم من البطحاء [يبرق بيضها ... وقد رفعت راياتها فاستقلّت] (3)
ومثله فى قبح (4) التّضمين قول النّابغة:
[وهم وردوا الجفار على تميم] ... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّى
شهدت لهم [مواطن صادقات ... أتيتهم بود الصّدر منّى] (5)
__________
(1) فى الأصل (بفتح)، والصواب ما ذكرناه، والتضمين هو أن يدخل الشاعر فى شعر بيتا أو شطرا لشاعر آخر.
(2) البيت هو الثالث من قصيدة مطلعها:
فدى لبنى ذهل بن شيبان ناقتى ... وراكبها يوم اللّقاء وقلّت
(3) فى الأصل: «أتتنا» وهذه رواية الديوان، وما بين القوسين تكملة البيت عنه.
(4) فى الأصل المخطوط «فى فتح» وهو تصحيف.
(5) ما بين الأقواس فى البيتين عن الديوان.(1/316)
وقول الآخر:
وسعدا فسائلهم والرّباب ... وسائل هوازن عنّا إذا ما
لقيناهم كيف نعلوهم ... بواتر يفرين بيضا وهاما
ثم لم يقنع بهذين فقال بعده:
بنا كيف نقتصّ آثارهم ... كما تستحثّ الجنوب الجهاما (1)
فردّ قوله بنا إلى سائل [أى سائل] (2) بنا، فجعل التضمين فى ثلاثة أبيات.
وقد ذكرت قبل هذا ما تسامح فيه الأعشى من التوجيه (3) فى قصيدته الميمية.
وربما تهاون أيضا بالإيطاء (4)، فمن ذلك قوله فى قصيدته التى أوّلها:
(يا جارتى ما كنت جاره) (5) ... بانت لتحزننا عفاره
ترضيك من دلّ ومن ... حسن مخالطه غراره (6)
وفسّره الأصمعىّ وأبو عبيدة: أنه مصدر غرّه: أى لا تشعر، ثم قال بعد هذا بأبيات:
وتثيب أحيانا فتط ... مع ثم تدركها الغراره (7)
أى أنها غرّة، وهذا عند أكثر أصحاب القوافى إيطاء، ولا يلتفتون إلى الألف واللام إلا الأخفش فإنه لا يراه إيطاء ويقول بالرّحل وبرحل ليس بايطاء لافتراق المعرفة والنّكرة، ويروى فى ذلك بيتين:
يا ربّ سلّم شدوهن اللّيله ... وليلة أخرى وكلّ ليلة
__________
(1) فى الأصل «تستخف» وهو تصحيف.
(2) ما بين القوسين زيادة اقتضاها السياق.
(3) التوجيه: هو الحرف الذى بين ألف التأسيس وبين القافية، ولك أن تغيره بأى حرف شئت وذلك كقول امرئ القيس: «إنى أفر»، فالفاء حرف التوجيه، والألف التى قبلها تأسيس والراء القافية، ولذلك قال فيها: «جميعا صبر.» وقال: «واليوم قر». وللعلماء فى تفسيره أقوال لا محل لذكرها هنا.
(4) الإيطاء: اتفاق قافيتين على كلمة واحدة معناهما واحد، فإن اتفق اللفظ واختلف المعنى لم يكن إيطاء.
(5) صدر البيت عن الديوان، وهو مطلع القصيدة.
(6) رواية الديوان: «أرضتك» وينصب مخالطة.
(7) فى الأصل: «ونبيث أحيا» والتصحيح عن الديوان.(1/317)
وأما برجل وكرجل فايطاء. لأن رجلا على حاله، وإنما اختلفت عليه العوامل ثم قال الأعشى ما أوطأ فيها فلم يفرّق بينهما بالألف واللام أيضا.
ومها ترفّ غروبه ... يشفى المتيّم ذا الحرارة (1)
ثم قال بعدها فى صفة السّيوف:
قضم المضارب باتر يش ... فى النفوس من الحرارة (2)
وفى الحديث فى وصف علىّ رضى الله عنه: «وكان قصما لا يطاق».
ومما يعدّه أهل القوافى فى العيوب، وهو دون ما ذكرناه، أن تجعل القافية التى فيها ألف الرّدف من كلمتين، والأحسن أن تكون من كلمة واحدة، ألا ترى أن عنترة حين قال:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابنى ضمضم
الشّاتمى عرضى ولم أشتمهما ... والنّاذرين إذا لم ألقهما دمى
[138ا] فلم يجعل الألف تأسيسا لمّا كانت فى كلمة ليس الرّوىّ فيها، وقد ركب الأعشى هذا ولم يفكّر فيه، فقال:
رحلت سميّة غدوة أجمالها ... غضبى عليك فما تقول بدالها (3)
وهذا يحتمل فيما كان فيه حرف إضمار مثل كلاهما ومثل بدا لنا وما أشبهه، وقد أكثر منه فى قصيدته التى أوّلها:
__________
(1) هذا البيت مروى فى الديوان قبل الذى سبقه، ورواية الديوان «يرف»، وفى الأصل المخطوط «والحرارة» بدل «ذا الحرارة» والتصويب عن الديوان.
والمها: البلور شبه شفرها فى بياضه به، والغروب: حد الأسنان وما أسترها. ومعنى «يرف» يبرق قد ظهر نوره.
(2) رسم بعض الكلمات فى هذا البيت فى الأصل المخطوط مصحفا وقد صححت عن الديوان والكلمات هى «قضم» و «باتر» و «يشفى» رسمت هكذا «فضم» و «باير» و «يشقى».
(3) فى الأصل المخطوط «غضبى عليه»، والصواب عن الديوان.(1/318)
فالقافية هى قوله: جنابها، وألف الردف من أصل الكلمة. ثم قال:
قالت قضيت قضيّة ... عدة لنا نرضى بها (1)
فجعل القافية من كلمتين، وقوله: نرضى، الألف فيه زائدة. ثم قال:
[عضب اللسّان متقّن] ... فطن لما يعنى بها (2)
[فأرادها كيف الدّخول] (3) ... وكيف ما يؤتى بها
[إنّ الفتاة صغيرة ... غرّ] (4) ولا يسرى بها
وهذا الذى قلت إنهم يستقبحونه وإن كان كثيرا فى أشعارهم.
وقد كرّر فى هذه القصيدة قوله بها يريد «ها» الضمير فى مواضع كثيرة، وليس ذلك بإيطاء لأن المضمر مع ما قبله كالشىء فقال:
[فمشى ولم يخش الأني ... س] فزارها (5) وخلابها
وبعده: ترضى بها، فنزابها (6)، لما يغتابها (7)، ما تؤتى بها، فلا يسرى بها، يعنى بها، كلمة نادى بها، موجة بحرابها، ومقوّم يسعى بها، ولما بها، وزرابها.
وهذه كلها واحدة [139ب] وهى هاءات الضمير، ولا يلزمه الإيطاء للعلّة التى
__________
(1) الرواية فى الديوان: * عدلا لنا يرضى بها * وترتيب هذا البيت فى القصيدة هو العشرون. وفى الأصل نرضا بالألف.
(2) صدر البيت عن الديوان، وترتيب هذا البيت فى القصيدة هو (الثامن عشر).
(3) صدر البيت عن الديوان، وترتيبه فى القصيدة الحادى والعشرون.
(4) صدر البيت وأول كلمة من عجزه بين المربعين عن الديوان، وترتيبه فى القصيدة (الرابع والعشرون) والرواية: يسدى مكان يسرى.
(5) صدر البيت وأول عجزه عن الديوان وضعناه بين قوسين مربعين، وترتيب البيت فى القصيدة (السادس عشر).
(6) البيت بتمامه [فتنازعا سر الحدي ... ث فأنكرت فنزابها]
(7) لم نجد بيتا فى القصيدة ختامه: «يغتابها» ولعلها «يعنى بها» السابق ذكرها، وكذلك: موجة بحرابها، ومقوم يسعى بها، ولعلها: مقدم يسقى بها، والبيت بتمامه:
وتظل تجرى بيننا ... ومقدم يسعى بها(1/319)
ذكرناها، ولأنها أسماء لا تقوم بأنفسها، فاذا التزقت بأفعال أو أسماء فأعيدت فليست بايطاء، مثل نبا بهم مع سبابهم، وضربهم مع سلبهم. وأما أغرى بك وسعى بك ورمى بك فبعضهم يراه إيطاء، لأنّ بك (1) منفصل من سعى ورمى.
ولو كان لازما لم يكن إيطاء.
ومما يشكل من شعر الأعشى قوله:
وإنّ امرأ أهداك بينى وبينه ... فياف تنوفات ويهماء خيفق (2)
وتروى أهدى إليك ودونه [وبعده] (3):
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته ... وأن تعلمى أنّ المعان موفّق
الإشكال فى تأنيث لمحقوقة، فأخبرنى أبى رحمه الله، قال: أخبرنا عسل ابن ذكوان قال: قال أبو عثمان المازنىّ: سألنى الأصمعىّ عنها لم أنّث لمحقوقة؟ قلت لأنّه موضع مصدر مؤنث، لأنّه معناه استجابتك لصوته، وأن تستجيبى هو استجابتك، فلم يردّ علىّ شيئا.
وقد أحسن غاية الإحسان فى قوله:
وإنّ عتاق العيس سوف يرونكم ... ثناء على أعجازهنّ معلّق (4)
__________
(1) فى الأصل المخطوط: «لأنك بك» وتصحيفه ظاهر.
(2) البيت من قصيدة مطلعها:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بى من سقم ومابى معشق
وروايته فى الديوان:
وإنّ امرأ أسرى إليك ودونه ... فياف تنوفات وبيداء خيفق
وترتيب البيت فى قصيدة الأعشى الثامن والأربعون. وروى أبو عبيدة:
وإن امرأ أهداك بينى وبينه ... سهوب وموماة ويهماء سملق
(3) هذا البيت التالى هو التاسع والأربعون من القصيدة.
(4) هذه رواية الأصل ورواية الديوان (سوف يزوركم).(1/320)
[140ا] يرونكم الياء للثناء (1) وعتاقها كرامها.
ومنه استقى هذا المعنى كل من بعده، فقال القطامى:
لأعلّقنّ على المطىّ قصائدا ... أذر الرواة بها طويلى المنطق (2)
وقال نصيب:
فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
ومن هنا أخذ أبو العتاهية قوله:
فاذا وردن بنا وردن خفائفا ... وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا
ومما يستحسن له فى هذه القصيدة قوله:
تشبّ لمقرورين يصطليانها ... وبات على النّار النّدى والمحلّق
وقوله:
[ويقسم أمر الناس يوما وليلة ... وهم] ساكتون والمنيّة تنطق (3)
وهذا أشرف كلام وأعلاه قيمة. ووجدته مع هذا الإحسان الكثير قد أوطأ فى هذه القصيدة، فقال فى بيت:
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته ... وأن تعلمى أنّ المعان موفّق
ثم قال:
خليلان فيما بيننا من مودّة (4) ... صفيان جنّىّ وإنسى موفّق
__________
(1) هذا الكلام لا معنى له، فالياء للعتاق لا للثناء وإنما الثناء هنا المفعول الثانى من (يرونكم) والمفعول الأول هو الكاف من يرونكم والإشكال فيه فى موضعين الأول فى (يرونكم) وحقها (تريكم) لأنه جمع غير العاقل، الثانى فى قوله (معلق) بالرفع، وهو نعت لقوله (ثناء) المنصوب.
(2) معنى قوله (أذر الرواة) أى أتركهم وأخليهم يطيلون الكلام بها. أى يرددونها.
(3) ما بين الأقواس المربعة زيادة عن الديوان، والبيت هو الخامس عشر من القصيدة.
(4) الرواية فى الديوان هى: * شريكان فيما بيننا من هوادة * والهوادة الليونة ورواية أبى عبيدة: * صفيان إنسى وجنى موفق * والبيت هو الثالث والثلاثون.(1/321)
إلّا أنّه بعد من البيت الأوّل، فخفّ العيب فيه، وكلما قرب كان أقبح.
[140ب] ومن أقبح الإيطاء قول ابن مقبل:
أو كاهتزاز ردينى تناوله ... أيدى الرّجال فزادوا متنه لينا
نازعت ألبابها لبىّ بمقتصد ... من الأحاديث حتى زدتنى لينا
فهذا قبيح، لأنهما متلاصقان، ليس بينهما شىء.
وقوله:
وبهماء بالليل غطشى الفلا ... ة يؤنّسنى صوت فيّادها (1)
الفيّاد ذكر البوم. من رواه عطشى الفلاة بالعين غير المعجمة فهو تصحيف، وإنما هو غطشى بغين معجمة! أى عمياء مظلمة لا يهتدى بها، من قوله جلّ ذكره: [وأغطش ليلها]، ويقال رجل أغطش، أى ضعيف البصر. وقوله:
ينضح بالبول والغبار على ... حاذيه نضح العيديّة الجللا (2)
هكذا قرأته على أبى بكر، فى ديوان الأعشى، فى الجمهرة العبديّة تحت الباء نقطة، منسوبة إلى عبد القيس.
وأما قوله:
عيديّة أرهنت فيها الدنانير
فمنسوب إلى العيد بن مهرة، قبيلة من مهرة، حدّثنا ابن دريد عن أبى حاتم قال: قال: الأصمعىّ لا يقال أرهنت، فقلت له فقول الشاعر:
__________
(1) رواه أبو عبيدة:
ويهماء بالقيظ غطشى الفلا ... ة يسكننى صوت فيادها
والفياد: ذكر البوم بفتح الفاء وضمها عن أبى عبيدة. والرواية فى اللسان: «وبهماء» قال: والفياد ذكر البوم، ويقال الصدى، وفيد الرجل. إذا تطير من صوت الفياد، واستشهد بالبيت.
(2) الحاذان: ما استقبلك من فخذى الدابة إذا استدبرتها. ورواية اللسان:
ينضح بالبول والغبار على ... فخذيه نضح العيدية الجللا
والنضح: الرش بالماء.(1/322)
[141ا] يطوى ابن سلمى بها من راكب بعدا
عيديّة أرهنت فيها الدّنانير (1)
فقال الأصمعى: معنى أرهنت: وضعت الدنانير لتؤخذ بها، قال وأنشدنا الأصمعىّ:
فلما خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنهم مالكا (2)
ولا يقال أرهنتهم، قال: ويقال أرهن فلان له الشرّ حتى كفّ عنه: أى أثبته وهذا راهن لك أى دائم ثابت.
وقوله:
آليتم حلّفا جهارا ... ونحن ما عندنا غرار (3)
بالغين المعجمة ويروى حلفة ثم قال:
بالله يعطوننا ... إلا غرارا فذا غرار [كذا]
فمنهم من يروى البيت الثانى إلا غرارا فذا غرار بغين معجمة ولا يلزمه
__________
(1) هذه الرواية: موافقة للتى فى اللسان: وقد ورد رواية أخرى وهى:
* ظلت تجوب بها البلدان ناجية *
(2) ينسب هذا البيت لهمام بن مرة، وقيل لعبد الله بن همام السلولى، والأخيرة وردت فى الصحاح.
ويروى: فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنتهم مالكا
وأنكر بعضهم أرهنته وروى «وأرهنهم مالكا» كما تقول: قمت وأحبك عينه. قال ثعلب: الرواة كلهم على أرهنتهم على أنه يجوز رهنته وأرهنته، إلا الأصمعى فإنه رواه: «وأرهنهم مالكا» على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض وشبهه بقولهم: قمت وأصك وجهه.
(3) الذى روى فى هذه القصيدة:
أقسمتم لا نعطّينكم ... إلا عرارا فذا عرار
* * * وقد فررتم وما صبرتم ... وذاك شين لكم وعار
فليتنا لم نحلّ نجدا ... وليتهم قبل تلك غاروا
ولم نقف فى هذه القصيدة على هذا البيت كما لم نقف على الرواية الصحيحة له.(1/323)
الإيطاء، لأنه يجوز أن يجعل البيت الأوّل من الغرّة أو الغرور، ويجعل البيت الثانى من غرار الناقة، يقال غارت الناقة: إذا قلّ لبنها، ويكون معناه: لا تغار إذا عصبا كما تغار الناقة، فاذا اختلف المعنيان فى اللفظتين لم يكن إيطاء. وهذا رواية أبى بكر، ورواه أبى رحمه الله، عن عسل بن ذكوان، إلّا عرارا فذا عرار، العين غير معجمة مكسورة ومفتوحة، قال: وفسّروه: أنه أراد المثل المضروب [141ب] باءت عرار بكحل (1). وقال أبو عبيدة: كل شىء باءلشىء فهو عرار. والعرار بكسر العين صوت الظليم، وعرار بن عمرو بن شأس هو الذى يقول فيه أبوه:
وإنّ عرارا إن يكن غير واضح ... فانى أحبّ الجون ذا المنكب العمم (2)
وقوله:
كحلفة من أبى رياح ... سمعتها الواحد الكبار (3)
هكذا رواية الأصمعىّ، ويرويه غيره لاهه الكبار (4) وزعم بعض المصحّفين أنّ الإنسان إذا صحّف فى مثل هذا من رياح ورباح لم يكن ملوما، وليس اللوم والعيب إلّا على تصحيف الأسماء.
وقد روينا قبل هذا عن على بن المدينى أنه قال: أشدّ التّصحيف التصحيف فى الأسماء.
هذا وليس يعرف فى أسماء العرب فى الجاهليّة رباح، بباء تحتها نقطة، إلا
__________
(1) غرار وكحل يقال: أنهما ثور وبقرة كانا فى سبطين من بنى إسرائيل، فعقر كحل وعقرت به عرار، فوقعت حرب بينهما حتى تفانوا فضربا مثلا فى التساوى (نسان: كحل).
(2) البيت فى اللسان، قال «وعرار: اسم رجل، وهو عرار بن عمرو بن شأس الأسدى، قال فيه أبوه» ثم أنشد البيت (اللسان مادة: عرر): وشأس هو أخو علقمة الفحل الشاعر، قال فيه يخاطب الملك
وفى كلّ حىّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشأس من نداك ذنوب
فقال نعم، وأذنبة، فأطلقه وكان قد حبسه. (اللسان: مادة: شأس).
(3) هذه رواية أبى عبيدة وروى عن الفراء: لاهه الكبار، يريد إلاهه ورويت: يسمعها اللهم الكبار، ويروى: يسمعها الواحد الكبار.
(4) فى الأصل المخطوط «لا هو».(1/324)
أسماء عبيدها إلا فى اسم رجلين أحدهما رباح بن المغترف، بغين معجمة وآخر.
وأما قول الأعشى:
كحلفة من أبى رياح.
فهذا هو أبو رياح، بياء تحتها نقطتين، من بنى تميم بن ضبيعة (1). قوله:
وأعرض عن أعراضكم وأعيركم ... لسانا كمفراص الخفاجىّ ملحبا (2)
صحفّه بعض من لا أحبّ ذكره بمقراض، وإنما هو كمفراص [142ب] بالفاء والصاد، غير المعجمة، وهو الذى يقطع الحديد والفضّة، ويسميه أهل الحضر السكين (3)، وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لامرأة مستحاضة: «خذى فرصة من مسك» (4) فصحفه بعض المحدّثين فقال: خذى قرصة من مسك بالقاف، وقال من مسك، وبعضهم يرويه فرصة بالماء، بصاد غير معجمة: ويقال: فرصت العجين إذا قطعته لتبسطه. قال الشيخ رحمه الله، وقد ذكرته مشروحا فى الكتاب الآخر الذى هو رسيل هذا الكتاب فلم أعده هاهنا، وقوله:
__________
(1) فى الأصل المخطوط ابن صبيعة.
(2) مطلع القصيدة:
كفى بالذى تولينه لو تجنّبا ... شفاء لسقم بعد ما كان أشيبا
والرواية فى اللسان: * وأدفع عن أعراضكم وأعيركم * قال: والمفراص والمفرص:
الحديدة التى يقطع بها، وقيل التى يقطع بها الفضة، ثم أورد بيت الأعشى.
(3) فى الأصل المخطوط (السكان) ولعل الكاف قد انفصلت عن السكين تصحيفا أو بسبب آخر من الأرضة والعث.
(4) فى الأصل (من سك) وقد جاء فى اللسان: الفرصة مثلثة الفاء، هى قطعة من صوف أو قطن أو خرقة تتمسح بها المرأة من الحيض، وفى الحديث: «أنه قال للأنصارية يصف لها الاغتسال من الحيض:
خذى فرصة ممسكة فتطهرى بها» أى تتبعى أثر الدم، وفى رواية: «خذى فرصة من مسك» (اللسان مادة فرص). وفيه أيضا: السك: ضرب من الطيب، يركب من مسك ورامك عربى، وفى حديث عائشة كنا نضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإجرام، وهو طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل.(1/325)
هل سرّ حنقط أن القوم صالحهم ... أبو شريح ولم يوجد له خلف
حنقط الحاء مكسورة غير معجمة، وبعد النون قاف مكسورة، وإنما لم يصرفه لأنه اسم امرأة، وأبو شريح بالشين معجمة، والحاء غير معجمة، ورواه بعضهم حنفط بالفاء وليس بشىء.
وقوله:
حكّمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الباهر (1)
الإشكال يقع ما بين أبلج بالجيم، وأبلخ بالخاء، وهاهنا يجب أن يكون بالجيم لأن الأبلج الظاهر الوضاءة، كما قال بشر بن أبى خازم:
وأبلج مشرق الخدّين فخم ... تسنّ على مراعمه القسام (2)
[142ب] والأبلخ بالخاء المتكبّر قال:
فما شعر الرّمح الأصمّ كعوبه ... بثروة رهط الأبلخ المتظلم
بالخاء المعجمة، وقوله:
لعمرى لئن أمسى من الحىّ شاخصا
لقد نال خيصا من عفيرة خائصا (3)
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
شاقك من قتلة أطلالها ... بالشطّ فالوتر إلى حاجر
ويروى حكمتمونى فقضى بينكم.
(2) فى الأصل (تسن على مراعمه القسام) ولم يستشهد اللسان بغير هذا العجز، وقد فسر القسام بالجمال والحسن، واستشهد بهذا الشطر لبشر بن أبى خازم، وضبط القسام بفتح القاف المثناة، والرواية فيه (يسن). بالياء لا بالتاء كما هنا، و (مراغمها) بالغين المعجمة وضمير المؤنثة لا (مراعمه) كما هنا.
(3) قال الأصمعى: سألت المفضل عن قول الأعشى:
لعمرى لمن أمسى من القوم شاخصا ... لقد نال خيصا من عفيرة خائصا
هكذا أورد البيت «لمن أمسى من القوم» و «عفيره». ما معنى خيصا؟ فقال العرب تقول فلان يخوص العطية فى بنى فلان: أى يقللها. قال: فقلت: ما كان ينبغى أن يقول خوصا. فقال: هى معاقبة يستعملها أهل الحجاز يسمون الصواع: الصياع، ونلت منه خصيصا خائصا أى شيئا يسيرا.(1/326)
تنازعوا فى قوله خيصا خائصا، فى الخاء المعجمة والحاء، فقال أبو عبيدة: لا أدرى خيصا أو خيصا ولم يشكّ فى الخاء، وإنما شك فى كسرها وفتحها. وقال الأصمعى:
لا أدرى خيصا أو حيصا إلا أنه يقال: فلان يخوص فى بنى فلان العطايا بالخاء المعجمة.
وأخبرنى محمد بن على بن إسماعيل المبرمان، قال: أخبرنى وكيع عن القتبى قال: أخبرنى أبو حيان النّحوى، قال أخبرنى المازنىّ أنه سأل أبا عبيدة والأصمعىّ عن قول الأعشى قال: فقلت: خيصا أو حيصا فقالا ما ندرى، قال الأصمعى:
فلان يخوص فينا العطايا: إذا كان يعطى شيئا يسيرا، فقال أبو بكر المازنىّ: فقلت له:
فينبغى أن يكون المصدر خوصا، قال ربما اشتقّ المصدر من غير لفظ الفعل، يقال أتيته أتية وأتوة، ولا نعلم أحدا يوثق بعربيّته يقول أتوته إلا النحويين، لمّا سمعوا أتوة قاسوه فقالوا أتوته. وقوله:
[143ا] هم الطّرف الناكى العدوّ وأنتم ... بقصوى ثلاث تأكلون الوقائصا (1)
يروى الطّرف بفتح الطاء، وروى الطّرف فمن، قال الطرف بفتح الطاء قال: أراد الناحية، وأما الطّرف بضم الطاء فواحدة طريف وهو المنحدر فى النّسب.
وهو عندهم أشرف من ذى القعدد إذا كان كثير الآباء إلى الجدّ الأكبر وأنشد:
* طرفون لا يرثون سهم القعدد (2) *
قال ابن السكّيت: وسمعت هم الطّرف الناعو أى الأول المتقدمون، ورواه ابن السكيت الناعو العدو، بعين غير معجمة، بقصوى ثلاث، على مسيرة ثلاث وقيل هى اسم موضع بعينه. والوقائص، يقال لما بين الفريضتين من الشاء
__________
(1) هذا البيت من قصيدة للأعشى أولها:
لعمرى لئن أمسى من الحى خائصا ... لقد نال خيصا من عفيرة خائصا
وهذا البيت قد مر فيما سبق، وقد كانت «تأكلون» فى الأصل الخطى «يأكلون» بالياء.
(2) هذا شطر بيت للأعشى ورد فى اللسان وشرح القاموس (مادة قعد) وروايته:
طرفون ولّادون كلّ مبارك ... أمرون لا يرثون سهم القعدد
وأنشده ابن برى: أمرون ولادون كل مبارك * طرفون
وقد جاء شطر البيت فى الأصل محرفا هكذا: * طرفون لا يرثونهم بالقعدد(1/327)
أوقاص، الواحد وقص، ويقال لما بين الفريضتين من الإبل شنق وشناق.
* * * قال الشيخ رحمه الله قد ذكرت فى الجزء الذى قبل هذا ما أشكل (1) من أشعار الأربعة امرئ القيس، والنابغة، وزهير، والأعشى، وشرحته بمقدار ما احتمله الكتاب وقدّمته لأنه أكثر ما يستعمله الناس، ويدور فى كتبهم، وعلى أفواههم، ولو ذهبت أعمل فى أشعار سائر الشعراء مثل ذلك لطال الكتاب، [143ب] وخرج عن المقصد الذى أردته، والمنهج الذى سلكته، ولزاد أضعافا على القدر الذى قدّرته والحدّ الذى قرّرته، ولعاد إلى الناظر فيه السآمة، وأورثه الملالة [و] الذى ذكرت من كلّ شاعر ما يجرى مجرى الشاهد والمثل، ويظهر ويكثر استعماله ويحتاج إلى التّحرّز فيه من التّصحيف، والاحتراس من التّحريف، والله جل وعز الموفق للسدّاد وهو حسبى ونعم الوكيل:
قال طرفة:
لا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتى
ولا أختتى من صولة المتهدّد
وإنى وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعدى
اختتى: إذا تقبّض وجمع نفسه.
وقال فى قصيدته التى أولها:
أشجاك الرّبع أم قدمه ... [أم رماد دارس حممه] (2)
كسطور الرّقّ رقّشه ... بالضّحى مرقّش يشمه
يشمه، قرأتة بالشين المعجمة من الوشم، وقد رواه بعضهم يسمه بسين غير معجمة والأول أصحّ. وفى كلام أعرابى مالنا فى الديوان من وشم. وقال:
__________
(1) فى الأصل المخطوط: «ما شكل».
(2) الشجا: الحزن، والحمم: الفحم. والرق: الصحيفة من الجلد، ورقشه: زينة وكتبه، ومعنى يشمه: يكتبه ويزينه، وهو من الوشم المعروف.(1/328)
[وخدّ كقرطاس الشّآمى ومشفر] ... كسبت اليمانى قدّه لم يجرّد (1)
يروى بالجيم وبالحاء، فمن رواه بالجيم يقول: دبغ بالقرظ [144ا] فلم يسقط شعره، ومن رواه بالحاء يقول: لم يعوجّ وقال:
[لها مرفقان أفتلان كأنّما] ... أمرّا بسلمى دالج متشدّد (2)
يروى بالجيم والحاء، فالدالج المستقى دلج يدلج دلوجا، والدالح النّاهض بحمله، دلح يدلح، ومما يشكل قوله:
تضحك عن مثل الأقاحىّ جرى ... من ديمة سكب سماء (3) دلوح
مقيّد الكلام فى جرى بالجيم، وحرى بالحاء، فأخبرنى ابن عمّار عن ابن سعد، وأخبرنى محمد بن يحيى، واللفظ له، قال: أخبرنى الباهلىّ عن محمد بن الحسن الأحول، قال: قرئ على ابن السّكّيت وأنا حاضر شعر طرفة فمر هذا:
تضحك عن مثل الأقاحى جرى
بالجيم، فقلت له: حرى فقال: نعم فحدّثت بذلك أبا الحسن الطّوسىّ فقال حرى والله أحسن من جرى، ثم قال إنما هو حرى. وقوله:
[وطىّ محال كالحنىّ خلوفه ... وأجرنة لزّت بدأى منضّد] (4)
ورواه أبو عبيدة عن أهل الكوفة وأخراته بالخاء، قال: هى أضلاع صغار عند الصّدر واحدها خرت. وقوله:
__________
(1) صدر البيت عن الديوان والبيت من مطولته.
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد
(2) ما بين القوسين عن الديوان. والأفتل: القوى الشديد، والسلم: الدلو، والدالج: الذى يأخذ الدلو من البئر فيفرغها فى الحوض.
(3) فى الأصل المخطوط: «سما» مقصورا بدون الهمز.
(4) صدر البيت عن الديوان. والمحال: فقار الظهر، والحنى: القسى، والخلوف الأضلاع والأجرنة جمع جران: وهو باطن العنق. ولزت: ضمت، والدأى: خرز الظهر والعنق، الواحدة دأية.(1/329)
فسعى العلّاق بينهم ... سعى خبّ كاذب شيمه (1)
العلّاق بعين غير معجمة، ومن رواه بالغين المعجمة فقد صحّف، وهو [144ب] العلّاق بن شهاب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهو مشهور، وكان بعثه النعمان ابن المنذر، أو عمرو بن هند ليصلح بين بكر بن وائل وتغلب، وهو من قولهم علق الشىء علوقا، والعلوق من النوق التى ترأم بأنفها وتزبن حالبها قال:
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به
ريحان أنف إذا ما ضنّ باللبن (2)
ومما يشكل بين العين والغين بيت مهلهل:
إنّ بين الأحجار عزما وحزما ... وخصما ألدّ ذا معلاق (3)
يروى بالعين والغين، وجميعا صحيح، فمن روى بالغين المعجمة قال أخذه من قولهم هو يغلق الحجّة على خصمه. ومن رواه بغير المعجمة قال يتعلّق بكل حجّة. ويقال رجل معلاق إذا كان خصيما.
وأما قول طرفة:
وتصدّ عنك مخيلة الرّجل العري ... ض موضحة عن العظم (4)
فالصواب مخيلة، بفتح الميم، وهو مفعلة من الخيلاء، وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم إياكم والمخيلة فانه لا يحبّها الله.
__________
(1) يروى «فسعى الغلاق» بالغين المعجمة، والخب: بالفتح والكسر المخادع.
(2) البيت من شواهد اللسان، فى «مادة: علق» وهو لأفنون التغلبى: ونص رواية اللسان هو:
أم كيف ينفع ما تأتى العلوق به ... رثمان أنف إذا ما ضنّ باللبن
وقد فسر العلوق من النوق بأنها التى ترأم بأنفها ولا تدر، وقيل العلوق التى عطفت على ولد غيرها فلم تدر عليه. وقال اللحيانى: هى التى ترأم بأنفها وتمنع درتها.
(3) المعلاق: اللسان البليغ قال مهلهل:
إن تحت الأحجار حزما وجودا ... وخصيما ألد ذا معلاق
ومعلاق الرجل لسانه، إذا كان جدلا (اللسان مادة علق).
(4) البيت فى اللسان مادة (خيل) والمخيلة: المتكبر العريض الذى يتعرض للناس بالشر. والموضحة شجة تبدى عن العظم.(1/330)
قال امرؤ القيس:
لعمرك ما إن هزّنى وسط حمير ... وأقوالها غير المخيلة والفجر (1)
[145ا] رجل ذو فجر إذا كان واسع المعروف، وأما مخيلة ومخيلة من السّحاب، فالفرق بين مخيلة بالضم ومخيلة بالفتح أن المخيلة بالفتح السّحابة وجمعها مخايل فاذا أرادوا أن السماء قد تغيّمت قالوا: قد أخالت فهى مخيلة، بضم الميم، وإذا أرادوا السحابة قالوا: مخيلة بفتح الميم، حتى ترعد وتبرق، والمخيلة بالضمّ التى تتغّيم وليس فيها شىء من ذلك. وقال طرفة:
يرضن صعاب الدّرّ فى كل حجة ... ولو لم تكن أعناقهن عواطلا (2)
وقال أوس بن حجر:
ولم يلهها تلك التكاليف أنّها ... كما شئت من أكرومة وتخدد
قرأته على أبى بكر تخدد، بالخاء المعجمة ولم أسمع من يرويه بالجيم، وإنما قال أوس هذا يمدح حليمة بنت فضالة بن كلدة الأسدىّ، الحاء من حكيمة مفتوحة. وقرأت على أبى بكر بن دريد، عن أبى حاتم، عن أبى عبيدة قال: كان أوس بن حجر مشبوبا بالنساء، وكان فى بنى أسد حديث أو غزل فى نسائهم، فخرج حتى إذا كان بين شرج وناظرة، حالت به ناقته فصرعته ظلاما، فاندقّت فخذه، وشردت [145ب] الناقة فبات مكانه فلما أصبح غدا جوارى الحىّ، فلما رأينه، فزعن عنه، غير حليمة، وكانت صغراهن، فقال من أنت؟ قالت: بنت فضالة بن كلدة فأعطاها حجرا، وقال اذهبى فقولى لأبيك: يقول لك ابن هذا ايتنى، فأتت أباها، فقال: لقد أتيت أباك بمدح طويل، أو بهجاء طويل، واحتمل بنته
__________
(1) فى الديوان البيت «إلا المخيلة والسكر» والأقوال والأقيال: الملوك.
(2) هذا البيت فى الشعر المنسوب إلى طرفة.(1/331)
فأقام عليه حتى برأ، وكانت حليمة تقوم عليه فمدحها بهذه الدالية، ومدح أباها ورثاه، وفى ليلته هذه يقول:
حدلت على ليلة ساهرة ... بصحراء شرج إلى ناظره
وقوله:
والحافظ النّاس فى تحوط إذا ... لم يرسلوا تحت عائذ ربعا (1)
رواية أكثر الناس تحوط، بالتاء، وقد رواه بعضهم بالقاف، وتحوط هى السنة الجدبة. وقد ذكرنا قوله توليا جدعا فى تصحيفات المفضّل ولم أعده. وقوله:
لأصبح رتما دقاق الحصا ... مكان النبىّ من الكاثب (2)
ويروى كمتن النبى فوق التاء نقطتان أى مدقوقا يقال رتم أنفه أى دقّ أنفه فاذا أردت أنّك جعلت على أنفه طينا جعلته بالثاء المنقوطة بثلاث كما قال:
[تثنى النّقاب على عرنين أرنبة ... شمّاء] مارنها بالمسك مرثوم (3)
ويقال فى هذا رثيم [146ا] أيضا. أما قوله:
روعاء منسمها رثيم دامى
فالرثيم، بالثاء فوقها ثلاث نقطات، فهو الذى رثمه الحصى فدمى، وقوله النبى غير مهموز هو رمل بعينه. وقال القطامى:
__________
(1) البيت من مرثية لأوس أولها:
أيتها النفس أجملى جزعا ... أن الذى تكرهين قد وقعا
وقد جاءت كلمة (خلف) مكان (تحت) فى البيت وهو فى اللسان الحافظ الناس «بدون واو»، وشرحه فقال: كأن التاء فى تحوط تاء فعل مضارع ثم جعل اسما معرفة للسنة، ولا يجرى ذكرها فى باب الحاء والطاء والتاء.
(2) يروى بيت أوس هذا بالتاء والثاء، ومعناهما واحد. وهذا البيت ورد فى اللسان (فى مادة: رتم رتما بالتاء المثناة. وأورده أيضا فى مادة «رثم»).
(3) البيت لذى الرمة يصف امرأة. وما بين القوسين المربعين زيادة عن اللسان «مادة: رتم».(1/332)
لما وردن نبيّا واستتبّ بنا ... مسحنفر كخطوط السّيل منسحل (1)
والكاثب فوق الثاء ثلاث، جبل معروف. والنبى فى اللغة ما نبأ من الأرض وارتفع، وقال أبو عبيدة: يريد بالنبىّ الحصى إذا دقّ فندر، والكاثب الجامع لما ندر منه. ثم قال، وقد قيل إنهما موضعان. والنّبىّ الرفيع الشّأن العالى الأمر، أخذ من النّباوة، ويجوز إن يكون سمّى نبيّا لبيان أمره، ووضوح خبره، أخذ من النبىّ الذى هو الطّريق الواضح كما قال:
[لما وردن نبيا واستتبّ بنا] (2)
ويجوز أن يكون سمى [به] لأنه ينبىء عن الله، أخذ من النّبأ وهو الخبر، فترك الهمز، وهو مذهب قريش وأهل الحجاز. وفى الخبر أن رجلا قال: يا نبىء الله، فقال: لست بنبىء الله، ولكنى نبىّ الله، فأنكر الهمز، إذ لم يكن من لغته.
وكان نافع يهمز النّبىء فى جميع القرآن، لأنه كان عدّه من النبأ، وإلا جاز قوله:
لدى كلّ جبّار يغادرن فارسا ... يجر كما جرّ الفصيل المقرّع (3)
[146ب] المقرّع بالقاف، والراء غير معجمة، والمقرّع الفصيل الذى يجز وبره، ثم يبلّ ويجرّ فى التراب حتى يتوسّف جلده ثم يداوى فيصل إليه الهنأ، والمقزّع، بالزاى المعجمة فى قصيدة أبى ذؤيب:
__________
(1) رواية الديوان:
لما وردن نبيا واستتب بنا ... مسحنفر كخطوط الستح منسحل
ويروى كخطوط السحل. والبيت من قصيدة مطلعها:
أنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) البيت من شواهد اللسان (مادة قرع) ونسبه إلى أوس فى ذكر الخيل، ورواية اللسان هى:
لدى كلّ أخدود يغادرن دارعا ... يجرّ كما جرّ الفصيل المقرّع(1/333)
فبدا له ربّ الكلاب بكفّه ... بيض رهاف ريشهن مقزّع (1)
مقزّع أى مخفّف قد خفّف ريشهنّ. وقال آخر:
ترى المهرة البيضاء تنفض رأسها ... كلالا وأينا والكميت المقرّعا
المقرّع القليل الشّعر. وقوله:
مخلّفون ويقضى النّاس أمرهم ... غسّ الأمانة صنبور فصنبور (2)
الغس بالسين غير المعجمة، الضعيف. وأنشدنى أبو بكر بن دريد:
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنه لا غسّ ولا بمعمّر (3)
ومن رواه غش بالشين المعجمة حمله على الغشّ وقد روى ابن الأعرابىّ فى بيت غير هذا غشّى الملامة وفسّره أن الملامة تغشاهم من وجوه.
وقال لبيد بن ربيعة:
يثبّى ثناء من كريم [وقوله ... ألا انعم على حسن التحية واشرب] (4)
ثبّيت على الأمر: دمت عليه. يقول: يدوم على ما كان عليه من قبله. وإنما
__________
(1) فى الأصل المخطوط: وبدا الكلام رهاة، مكان: (فبدا، الكلاب، ورهاف)، والتصويب عن الديوان. والرهاف: الشفرات، يعنى نصالا رقاقا. والبيت من قصيدة مطلعها:
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يفزع
(2) الشعر لأوس بن حجر، ورواه المفضل «غش» بالشين المعجمة مضمومة، كأنه جمع غاش، مثل بازل وبزل. ويروى «غش» بالنصب على الذم بإضمار أعنى. ويروى «غسو الأمانة» أيضا بالسين، أى «غسون» فحذفت النون للإضافة. ويجوز «غسى» بإضمار أعنى وتحذف النون للإضافة. والغس بالضم:
الضعيف اللئيم [لسان: غس].
(3) البيت لزهير بن مسعود.
(4) فى الأصل يثنى، والتصويب وتكملة البيت عن اللسان [مادة ثبا]، والتثبية: الدوام.(1/334)
اشتقّت ثبة، للجماعة، من ثبيت على الرجل (1): إذا أثنيت عليه فى حياته 147ا، وتأويله أنك جمعت ذكر محاسنه، وإنما الثّبة الجماعة من هذا.
وقوله:
حسبت التّقى والحمد خير تجارة ... رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
يرويه الأصمعى ثاقلا، وابن الأعرابى يرويه ناقلا بالنون (2) وقال:
[ولقد يعلم صحبى كلّهم] ... بعدان السّيف صبرى ونقل (3)
السيف مكسور السين، بعدان الباء زائدة، وعدان موضع زعموا بتهامة، قال قوم: العدان كل ما قرب من الساحل من الأرض، وقوله (4):
* المطعمون الجفنة المدعدعه *
المدعدعة: المملوءة، يقال: دعدعت الإناء إذا ملأته، ومن رواه المذعذعة بالذال المعجمة فالذعذعة التّحريك، ولا معنى له هاهنا.
قول حسان:
ربّ حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطّى عليه النّعيم
__________
(1) فى اللسان: ثبيت الرجل: مدحته وأثنيت عليه فى حياته، من غير تعدية بعلى، إلا فى معنى الدوام فإنها تعدى بالحرف.
(2) ثاقلا: أى ثقيلا من المرض قد أدنفه وأشرف على الموت، وناقلا: أى منقولا من الدنيا إلى الأخرى (لسان: ثقل).
(3) الشعر للبيد أورده صاحب اللسان فى مادة (نقل) وقال: النقل هو مراجعة الكلام فى صحب، وما بين القوسين صدر البيت من اللسان.
(4) البيت من أرجوزة للبيد أولها:
يا رب هيجا هى خير من دعه ... أكل يوم هامتى مقذعه
نحن بنو أم البنين الأربعه ... ونحن خير عامر بن صعصعه
المطعمون الجفنة المدعدعه ... والضاربون الهام تحت الخيضعه(1/335)
أنشدناه ابن دريد، عن أبى حاتم، وقال غطّى: ألبسه، ولا يقال عطى، وأنشد:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... ينشقّ منها ملاحىّ وغربيب (1)
قال النميرىّ (2) الثقفىّ أنشدناه ابن دريد:
أهاجتك الظّعائن يوم بانوا ... بذى الرّئى الجميل من الأثاث
أنشدناه بالراء غير المعجمة وهو من قوله جلّ وعزّ: أثاثا ورئيا [147ب] وأنشده أبو إسحاق الزّجاج بذى الزّىّ بالزاى المعجمة، واستشهد بقوله على قراءة من قرأ أثاثا وزيّا، بالزاى، فأما الراء غير المعجمة فيقرأ على وجهين: رئيا بالهمز، وريا بياء مشدّدة، فالرّئى بالهمز المنظر من رأيت، ومن قرأ ريّا قال معناه أن منظرهم مرتو من النّعمة، كأنّ النعيم بيّن فيهم، ويجوز أن يكون على المعنى الأول وطرح الهمزة. ومن قرأ زيّا بالزاى فمعناه زيّهم حسن أى هيئتهم وقوله:
تسلب الكانس لم يوأربها ... شعبة السّاق إذا الظّلّ عقل (3)
قال ابن الأعرابى لم يوأر لم يصبه الحر ذهب إلى الأوار. ويروى لم يؤربها. ومن روى هذا قال معناه لم يشعر. ورواه بعضهم:
__________
(1) يقال للكرمة الكثيرة الأغصان: غاطية. وقد روى: «يعصر» مكان «ينشق».
(2) هو محمد بن نمير الثقفى، وقد همزت الرئى، ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمز، أو ن يكون من رويت ألوانهم وجلودهم ريا: أى امتلأت وحسنت.
ويروى:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا ... بذى الرئى الجميل من الأثاث
(لسان: رأى).
(3) البيت من شواهد مادتى: (أور وأر) فى اللسان، وهو فى وصف الناقة، والرواية فيه فى أور: يسلب الكانس لم يور بها البيت
قال: وروى «لم يوأر بها»، ومن رواه كذلك فهو من أوار الشمس، وهو شدة حرها فقلبه، وهو من التنفير، ويقال: أوأرته فاستوأر: إذا نضرته.(1/336)
لم يؤز بها بالزاى: أى لم تزعر، وقول طرفة:
أنا الرّجل الضّرب الّذى تعرفونه ... خشاش كرأس الحيّة المتوقّد (1)
الخشاش: بكسر الخاء الصغير الرّأس، والخشاش أيضا: ما فى أنف البعير، والخشاش: الثعبان. وأما الخلاف فى البغاث وهى لئام الطّير التى لا تصطاد.
فيقال بغاثة.
وقال الأصمعى مرة:
إن البغاث بأرضنا تستنسر
ذهب إلى أنه جمع مؤنّث على هذا البناء، والخشاش الشجاع من كل شىء [148ا] وأما الخشاش بالفتح النزر من كلّ شىء مثل الرّخم من الطّير أو كل ما لا يصيد وأنشد:
خشاش الطّير أكثرها فراخا ... وأم الباز مقلات نزور (2)
قال بشر بن أبى خازم:
على أنيابها بغريض مزن ... أحالته السّحابة فى الرّصاف
أحالته الحاء غير معجمة معناه صبّته، قال الراجز:
[كأنّ دموعه غربا سناة] ... يحيلون السّجال على السّجال (3)
جمع سجل، ومثله قول زهير:
يحيل فى جدول تحبو ضفادعه ... حبو الجوارى ترى فى مائه نطقا (4)
__________
(1) الخشاش: بفتح الخاء، وقد يضم الخفيف الروح الذكى والخشاش بالكسر: الثعبان العظيم المنكر.
وفى فتح خشاش وكسرها ومعانيها كلام كثير فارجع إليه فى اللسان (مادة: خش).
(2) يروى (بغاث الطير) وهى الرواية المحفوظة.
(3) عزاه ابن منظور إلى لبيد، وفى ديوانه، هو عجز بيت وصدره ما أثبتناه بين قوسين. وهو من قصيدة مطلعها.:
ألم تلمم على الدمن الخوالى ... لسلمى بالمذانب فالقفال
وعلى هذا فليس رجزا كما يقول المؤلف وإنما هو من مجزوء الكامل.
(4) البيت من قصيدة مطلعها:
إن الخليط أجد البين فانفرقا ... وعلق القلب من أسماء ما علقا(1/337)
وقال بشر:
تزلّ اللقوة الشّغواء عنها ... مخالبها كأطراف الأشافى
الشغواء بالغين معجمة:
ومما يشكل قول الشّماخ يصف حمارا وأتنه:
إذا ما استافهنّ ضربن منه ... مكان الرّمح من أنف القروع (1)
قال الأصمعى استافهن يشمّهن، يضربنه على خيشومه وقرع مكان الرّمح إذا قرعت به أنف الفرس وهو إن كان يقرع فهو مقروع، كما يقال لما يحلب حلوبة، والقروع الذى لا يزال يقرع ويردّ. ومن الأمثال المستحسنة قولهم:
ذاك الفحل لا يقرع أنفه.
وقد تمثل به ورقة بن نوفل فى النبىّ [148ب] صلى الله عليه وسلم حين خطب خديجة بنت خويلد، ويقال: بل تمثّل به أبو سفيان بن حرب حين خطب النبىّ صلى الله عليه وسلم ابنته أمّ حبيبة. وأصحاب الحديث يروونه لا يقرع أنفه بالراء (2).
وقوله:
[يباكرن العضاه بمقنعات ... نواجذهنّ] كالحدأ الوقيع (3)
__________
وقد فسر يحيل، بيصب، وحبو الجوارى بوثوبهن إذا لعبن، والنطق الطرائق التى تعلو الماء، وكانت فى الأصل (نطفا) بالفاء.
(1) البيت من شواهد اللسان فى مادة سوف وقدع، والرواية فيهما القدوع بالدال أما الأصل فقد روى (القروع) بالراء مكان الدال، وقد فسر ابن منظور الاستياف بالاشتمام.
(2) ظاهر النص يشعر أن المثل روى فيه (يقدع) بالدال بخلاف رواية أصحاب الحديث فإنها بالراء كما فى النص.
(3) ما بين القوسين زيادة عن اللسان مادة حدأ والبيت للشماخ وقد فسر البيت. فقال: شبه أسنانها بفؤوس قد حددت، قال وروى أبو عبيد عن الأصمعى وأبى عبيدة أنهما قالا يقال لها الحدأة بكسر الحاء على مثال عنبة وجمعها حدأ وأنشد بيت الشماخ بكسر الحاء ويروى ابن السكيت عن الفراء وابن الأعرابى أنهما قالا الحدأة بفتح الحاء والجمع الحدأ، وأنشد بيت الشماخ بفتح الحاء قال البصريون: الحدأة بالكسر الفأس والكوفيون على حدأة بالفتح.(1/338)
يجب أن تكون الحاء هاهنا مفتوحة لأنه أراد الفؤوس، فاذا كان لها رأسان فهى الحدأ والوقيع المحدّد ولا يجوز كسر الحاء هاهنا، والحدأ رؤوس الفؤوس والواحدة حدأة، وأما الطائر فيقال لواحده الحدأة بكسر الحاء وفتح الهمزة والدال والجمع الحدأ بكسر الحاء قال:
كما تدانى الحدأ الأوىّ (1)
وقوله:
يا عمرو إن لا تدع شتمى ومنقصتى ... أضربك حتى تقول الهامة اسقونى (2)
الرواية الصحيحة اسقونى بالقاف والسين غير معجمة. وقد ذكر أبو عبيدة أن بعضهم أنشده بالشين والفاء وأنكره، قال: والعطش يكون فى الهامة، وأنشد (3):
قد علمت أنى مروّى هامها ... ومذهب الغليل من أوامها
وقول عروة:
فما تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا وقد سقيانى
هو بالقاف أيضا، وقال آخر (4):
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدّما
اختلفوا فى نصب الدم، ورواه أبو عبيدة على أقدامنا نقطر الدّما، بالنون أى:
نقطر دما من جراحنا.
__________
(1) الشعر للعجاج يصف الأثافى.
(2) البيت لذى الأصبع العدوانى. والهامة: الرأس وقيل ما بين حرفى الرأس وقيل هى وسط الرأس، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذى لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره تقول اسقونى اسقونى فإن أدرك ثأره طارت.
(3) البيت لأبى محمد الفقعسى، وقد أورده صاحب اللسان وضبطه مصحح الأميرية بفتح الميم من هامها على المفعول والصواب أن يكسر على الإضافة والأوام العطش وقيل حره وقيل أشده.
(4) البيت للحصين بن الحمام المرى.(1/339)
قال عنترة:
هل غادر الشّعراء من متردّم
ويروى: مترنم، ومترممّ، فقوله متردّم، أى: مرقّع مستصلح يقال: ثوب مردّم: مرقّع، وملدّم مثله، والرّدم: ما جعل بعضه فوق بعض، ومترنم يؤوّل إلى هذا المعنى يرمّ ويصلح. ومن رواه مترنّم قال:
يعنى الترنم بالشّعر. وفى بيت أبى ذؤيب:
[فتنازلا وتوافقت خيلاهما] ... وكلاهما بطل اللقاء مخدّع (1)
يروى مخدّع بخاء معجمة ودال غير معجمة، ومعناه أنه مجرّب قد خادع.
ومن روى مخذّع بذال معجمة مضروب بالسيف مرارا، خذعه بالسيف إذا ضربه فقطعه، وفى همدان بطن يقال لهم بنو الخندع، النون فيه زائدة، وسمعت أبا بكر يقول كان الخليل ينشد:
[تأبى بدرّتها إذا ما استغضبت] ... إلّا الحميم فانّه يتبضّع (2)
بضاد معجمة وهو أن يخرج ويسيل قليلا قليلا، وغيره يرويه يتبصّع، بصاد غير معجمة. يقال تبصّع العرق إذا رشح، والبصيع العرق بعينه إذا رشح. ومن رواه بضاد معجمة، قال: تبضّع جلده [149ب] إذا تفطّر، وكل حديدة
__________
(1) ما بين المربعين صدر البيت عن اللسان، وقد ورد (مخدع) فى اللسان برواية أخرى هى (مخذع) والرجل المخدع: الذى خدع فى الحرب مرة بعد مرة حتى حذق وصار مجربا، والمخدع المجرب للأمور أيضا.
(2) ما بين المربعين صدر البيت عن اللسان وقد ورد (يتبضع) فيه (يتبصع) بالصاد المهملة وعزا الرواية فيه لابن دريد أى يسيل قليلا قليلا، قال الأزهرى وروى الثقات هذا الحرف بالضاد المعجمة من تبضع الشىء أى سال وهكذا رواه الرواة فى شعر أبى ذؤيب، وابن دريد أخذه من كتاب ابن المظفر فمر على التصحيف الذى فيه، وهو من بصع العرق من الجسد يبصع بفتح الصاد وضمها نبع من أصول الشعر قليلا قليلا والبصيع العرق إذا رشح (اللسان مادة بصع).(1/340)
شرطت بها فهى مبضع، والبضعة السياط (1) والخضعة السّيوف، وقال:
أقامت ثلاثا بين يوم وليلة ... وكان النكير أن تضيف وتجأرا (2)
يروى تضيف» مضموم التاء، والضاد معجمة. ويروى تضيف مفتوح التاء، فمن رواه تضيف مفتوح التاء، وهو الجيّد، أراد تشفق. ومنه قوله:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفة ... أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى (3)
وفى الحديث حتى إذا تضيفت الشمس للغروب (4) بضاد معجمة أى مالت للغروب ويقال ضافت تضيف ضيفا إذا مالت، وأخبرنى ابن الأنبارى عن ثعلب قال: سئل ابن الأعرابى عن قوله: حين تضيّفت الشمس للغروب، فقال لا أعرفه، ولكن إن كان تصيّفت بصاد غير معجمة، فهو حين تميل، كما قال: «أوصاف غير بعيد». وأما قوله:
كلّ يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصاف غير بعيد
فهو بالصّاد غير المعجمة، ويقال ضاف السّهم عن الهدف، وصاف حكيا جميعا:
أى مال. وحكى أبو بكر الخباز، عن ثعلب عن ابن الأعرابىّ، يقال: صاف السهم بصاد غير معجمة إذا أخطأ، لم يقل عربىّ قط ضاف [150ا] منقوطة وأنشدنى غيره:
__________
(1) فى الأصل البساط، والتصويب عن اللسان. وفى الخضعة والبضعة أقوال منها أن الخضعة: السياط، لانصبابها على من تقع عليه، وقيل الخضعة: السيوف وقيل: سمعت للسياط خضعة، وللسيوف بضعة.
وقيل الخضعة: أصوات السيوف والبضعة أصوات السياط (مادة خضع).
(2) هذا البيت للنابغة الجعدى، وقد كان فى الأصل (أقامت ثلاثين). وهو تصحيف، وأضاف من الأمر أشفق وحذر، وإنما غلب التأنيث لأنه لم يذكر الأيام.
(3) البيت لأبى جندب الهذلى، وقد كان فى الأصل المخطوط (حتى ينصف السلق منورى) وهو تصحيف.
ومعنى قوله (دعا لمضوفه) أى لأمر يشفق منه الرجل. قال أبو سعيد: وهذا البيت يروى على ثلاثة أوجه على المضوفة والمضيفة، والمضافة. والمضوفة: الهم والحاجة.
(4) نص الحديث: نهى رسول الله عن الصلاة إذا تضيفت الشمس للغروب.(1/341)
فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كلّ قينى حديد مقسّب (1)
وضفت فلانا إذا ملت إليه، وأضفته إذا أملته إليك، ومنه قيل للدّعىّ مضاف، لأنه مسند إلى قوم ليس منهم، وقوله:
كلّ يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصاف غير بعيد
هذا بالصاد لا غير. قول أبى ذؤيب:
فأبدّهن حتوفهنّ مطالع ... بذمائه [أوبارك يتجعجع] (2)
الرواية الصحيحة بذمائه بالذال معجمة، وليس رواية من روى بدمائه بشىء والذّماء (3): بقية النّفس بعد الجرح أو بعد الذبح ويقال: ما أبقى ذماء الضّبّ:
أى لا تكاد نفسه تخرج إذا ذبح سريعا، وقوله هارب بذمائه أى هارب بحشاشة نفسه، وقوله (4):
يعثرن فى حدّ الظّباة كأنما ... كسيت برود بنى يزيد الأذرع
التنازع فى يزيد وتزيد، بالياء والتاء، قرأته على أبى بكر بن دريد بياء تحتها نقتطان، وقال بنى يزيد قوم نسبت إليهم هذه البرود، وهم تجّار بمكة، وهى برود حمر فشبهها بالدّم لحمرتها قال: ومن قال بنو تزيد فقد أخطأ، لأن بنى تزيد قوم من قضاعة، كانوا بناحية اليمن [150ب] يعملون الهوادج، والدليل على ذلك قول علقمة بن عبدة:
__________
(1) ينسب هذا البيت لامرئ القيس، ويروى شطره الثانى فى الديوان:
* إلى كل حارى فشيب مشطب * ... أى أسندنا ظهورنا إليه وأملناها
(2) هذا البيت لأبى ذؤيب فى وصف الكلاب والثور، وما بين القوسين تمامه، عن الديوان: والذماء:
الحركة، وقد ذمىء، والذماء ممدود بقية النفس، وبقية الروح فى المذبوح. ورواية اللسان: فابدهن حتوفهن فهارب.
(3) وفعله ذمى يذمى ذما، ويقال: الضب أطول شىء ذماء (لسان ذمى).
(4) البيت لأبى ذؤيب الهذلى.(1/342)
[ردّ القيان جمال الحىّ فاحتملوا] (1) ... فكلها بالتزيديّات معكوم
يعنى هوادجّ نسبها إلى بنى تزيد. وأما بنو يزيد فهم التّجّار الذين بمكّة ينسب إليهم البرود وسمعت أبا الأغرّ العقيلى، أعرابيا من أهل البحرين، لقيته بالبصرة ينشد:
لكل أناس من معد عمارة ... عروض إليها يلجئون وجائب (2)
فأنشده عمارة بفتح العين، ووجدته فى رواية الأصمعى عمارة بالكسر، وقال هى حىّ عظيم يطيق أن ينفرد.
وقال أبو إسحاق الزّيادىّ: كان الناس ينشدونه عمارة بالفتح فأنشد الأصمعىّ عمارة بالكسر ومعناه لكل أناس من معدّ قبيلة، والعمارة بفتح العين الإكليل وفى شعر الأعشى:
[فلمّا أتانا بعيد الكرى] ... سجدنا له ورفعنا العمارا (3)
أنشدنا أبو بكر بن دريد عن أبى حاتم لعمرو بن ملقط يحرّض عمرو بن هند على بنى تميم لما قتلوا أخاه سعدا:
من مبلغ عمرا بأنّ ... المرء لم يخلق صباره (4)
__________
(1) صدر البيت عن الديوان وهو من قصيدة مطلعها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
(2) روى: عمارة بالخفض على أنه بدل من الناس، والعمارة: القبيلة والعشيرة ولرواية فى الأصل المخطوط يلحقون بدل يلجئون وجانب بدل جائب.
(3) صدر البيت عن الديوان.
(4) الشعر للأعشى والرواية فى اللسان.
من مبلغ شيبان أن ال ... مرء لم يخلق صباره
قال ابن سيده ويروى صيارة، قال وهو نحوها فى المعنى، واورد الجوهرى فى هذا المكان:
من مبلغ عمرا بأن ال ... مرء لم يخلق صباره
واستشهد به الأزهرى أيضا، ويروى صباره بفتح الصاد وهو جمع صبار والهاء داخلة على جمع الجمع لأن الصبار جمع صبرة، قال ابن برى وصوابه صبارة بكسر الصاد، وأما صباره وصبارة فليس بجمع لصبره.
وقال ابن برى البيت لعروة بن ملقط الطائى يخاطب بهذا الشعر عمرو بن هند.(1/343)
وحوادث الأيّام لا ... يبقى لها إلا الحجاره
أنشدنا صبارة بباء تحتها نقطة، والصّبارة قطعة من حديد أو حجر وأنشد:
كأنّ ترنّم الهاجات فيها ... قبيل الصّبح أصوات الصّبار
[151ا] قال: الهاجات الضّفادع، شبّه أصوات الضفادع بوقع الحجارة.
والصّبرة من الحجارة ما اشتدّ والجمع صبار: والكوفيّون يروون هذا البيت لم يخلق صيارة بياء تحتها نقطتان والصّيارة حظيرة، تتّخذ للبهم من حجارة.
ومما يشكل بيت ابن مقبل قوله:
[قد عرّيت حقبة حتى استضاف ... لها] كتر كحافة كير القين ملموم (1)
الأول كتر بالتاء فوقها نقطتان والكتر السّنام. وقال الأصمعى لم أسمع بكتر إلّا فى هذا البيت، والثانى كير بياء تحتها نقتطان، وهو كير القين. أنشدنا أبو بكر:
أرض عن الجور والسّلطان نائية ... والأطيبان بها الطّرثوث والصّرب (2)
الرواية المشهورة الصّرب بالصاد غير المعجمة يعنى الصمغ. وقال أبو بكر ربما أنشدوها الضّرب بضاد معجمة وهو اللبن الغليظ الخاثر فلا تنكرهما.
ومما يصحّفه كثير من الناس قول الشاعر:
إذا ما التقينا ظلّ كاسر عينه ... ولاجنّ بالبغضاء والنظر الشّزر (3)
قوله ولاجن بالجيم، ومن قال لاجنّ قال لاستر ومن رواه بالحاء غير
__________
(1) نسب البيت لعلقمة بن عبدة يصف ناقة، وصدره عن الديوان، وكتر الليث وسطه، وأصل السنام كتر وقيل السنام العظيم، وأكترت الناقة عظم كترها والملموم: المجتمع. ورواية اللسان: استظف مكان استضاف.
(2) البيت من شواهد مادة صرب فى اللسان فى وصف البادية والرواية فى الأصل (أرض عن الحور) والصواب (الجور) بالجيم و (فالأطيبان) بالفاء لا بالواو، والواحدة صربة والجمع صرب وصرب.
(3) البيت من شواهد مادة جن فى اللسان ويروى (ولاجن) بفتح الجيم وكسرها بمعنى ولا ستر، وقد نقل مصحح اللسان فى الهامش عن التكملة للصاغانى صدر آخر للبيت: تحدثنى عيناك ما القلب كاتم.(1/344)
المعجمة فقد صحّف، والجنّ سمّوا جنّا لاستتارهم عن العيون، وأنشدنى أبو العباس المعمرى عن أبى العباس أحمد بن يحيى [151ب] قال وهو فى أماليه للأسود بن يعفر:
كأنّ عليه من جن قبولا ... إذا حى الدوا جنّ قتان
فيقول كأن الجن استهوته أى ذهبت بعقله فأما قول الآخر:
ولكنى خشيت على أبىّ ... رماح الجن أو إياك حار (1)
فكانت العرب تقول رماح الجنّ الطاعون والجنن القبر والجنون والمجنّ والجنّة والجنّة كلها مأخوذ من السّتر والجنّة مأخوذة مما يسترها من الشجر ويقال جنّ عليه الليل جنونا وجنانا وينشد بيت دريد:
وولا جنون الليل أدراك ركضنا ... بذى الرّمث والأرطى عياض بن ناشب (2)
والجنن الجنون، وأنشدنى المعمرى عن ثعلب وقال أنشد الفراء.
مثل النعامة، كانت وهى سالمة ... أذناء حتى زهاها الحين والجنن
ويروى. وهى سائمة: ويقال وقع فى مجنّة (3) أى هلكة، وقال جرير:
أجنّ الصّبا أم طائر البين ... شفنى بذات الغضا تنعابه وجحافله
لا يعنى أن للصّبا جنا ولكن يقال فعل ذلك فى حرّ صباه أى فى قرب عهده بالصّبا والناقة فى حرّ نتاجها أى فى قرب عهدها به، ويقال سقاه الله بحرّ عهده وإن كان قريب العهد بنا، فيقول جرير، لقرب عهدى بما فيه من الصّبا شفّنى
__________
(1) ورد فى الأساس للزمخشرى قبل هذا البيت بيت رواه عن الجاحظ، وهو:
لعمرك ما خشيت على أبىّ ... رماح بنى مقيدة الحمار
(2) البيت من شواهد اللسان مادة (جن) قال: وقال دريد بن الصمة، وقيل هو لخفاف بن ندبة والرواية فيه:
ولولا جنان اللّيل أدرك خيلنا ... بذى الرّمث والأرطى عياض بن ناشب
قال ويروى ولولا جنون الليل أى ما ستر من ظلمته. وعياض هو ابن جبل من بنى ثعلبة بن سعد. وقال المبرد عياض بن ناشب فزارى، ويروى: أدرك ركضنا.
(3) فى الأصل وقع فى مجبة، وهو تصحيف.(1/345)
نعيب الغراب وتحجاله فى الدّار، وهى خالية من الحىّ، أنشدنا أبو بكر بن دريد (1):
إنى وأتيى ابن غلّاق ليقرينى ... كغابط الكلب يبغى الطّرق فى الذنب
وتروى كالغابط الكلب، جميعا بغين معجمة، وغابط الكلب: الذى يجسّه، فينظر أسمين هو أم مهزول، والطّرق: الشحم.
ورواه لنا أبو عمرو فى شرح الفصيح، بالغين، ثم قال ويروى بالعين غير المعجمة وقال معناه كذابح الكلب.
وأما بيت الأسعر الجعفىّ:
أحذيت رمحى عايطا ممكورة ... كوماء أطراف العضاه لها حلا (2)
فالعايط، العين غير معجمة، وتحت الياء نقطتان، التى لا تحمل: وأنشدنى ابن الأنبارىّ، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
وأما التى خيرها يرتجى ... فأسخى وأكرم من لافظه
وأما التى تتقى شرها ... فنفس العدو بها غائظه (3)
__________
(1) الشعر لرجل من بنى عمرو بن عامر يهجو قوما من سليم، وقبله:
إذا تحلّيت غلّاقا لتعرفها ... لا حت من اللّؤم فى أعناقه الكتب
وقد كانت فى الأصل (أنى واتى) بدل (إنى وإتيى) و (لفايط) بدل (كغابط).
(2) الأصمعيات ص 159.
(3) جاء هذان البيتان ضمن أبيات أربعة فى المقاصد النحوية للعينى على هامش الخزانة ج 1ص 572 بتغير فى بعض الألفاظ وروايتها:
يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظه
فأما التى خيرها يرتجى ... فأجود جودا من اللافظه
وأما التى شرها يتقى ... فسم مقاتله لافظه
إذا لدغت جرى سمها ... فنفس اللديغ بها فايظه
وأنشده الصاغانى:
يداك يد سيبها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظه
فأما التى سيبها يرتجى ... قديما فأجود من لافظه(1/346)
فقلت عن ابن الأعرابى بالنون والغين معجمة، قال ثعلب غانظة ضيّقة.
وأنشدنى المعمرى قال أنشدنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابىّ:
ودوّيّة إقفر يكاد يهابها ... من القوم مصلات الرّحيل دليل
يعاف بها المعبوط من بعد ما بها ... وإن جاع مقدام السّباع تسول
يريد أن الماء بعيد من الذئب، فيهاب أن يأكل المعبوط، فيقتله العطش، ومثله
وبلدة لا يستطيع سيدها ... حرس الأراكيب ولا يهيدها
[152ب] يقول لها هيد من خوف العطش. وأنشدنا عن أبى العباس:
كلفت بمن تشبّه قدّ (1) ظبى ... وعيناه استعارهما غزالا
وهنّ أحبّ من خضن اللواتى ... خواضنهنّ يفتنّ الرجالا
خضن وخواضنهن جميعا بالخاء والضاد المنقوطتين والمخاضنة: المغازلة، وأخذ أصل الغزل والمغازلة من قولهم: غازل الكلب الصّيد: لاعبه ولم يصبه.
أخبرنا أبو عبد الله بن عرفة، عن أبى العباس، قال: روى ابن الأعرابى فى شعر عدىّ بن زيد يرعى محنّته الحاء غير معجمة، قال وروى أبو عمرو الشيبانى: مخنّته، بالنون والخاء المعجمة، وقال: مخنّة الرجل: انفه.
قال المخبّل:
[و] ردّوا صدور الخيل حتى تنهنهت (2) ... إلى ذى النهى واستيقهوا للمحلّم
استيقهوا، القاف قبل الهاء، معناه: أطاعوا الذى يأمرهم بالحلم، وهو استفعلوا من القاه، وهى الطاعة. أنشدنى أبى رحمه الله:
__________
(1) فى الأصل: قرن ولعلها محرفة عن قد.
(2) الزيادة عن اللسان ويروى (تنهنهوا) وقد كانت (للمحلم) فى الأصل المخطوط (للحلم).(1/347)
تالله لولا النار أن نصلاها ... أو يدعو الناس علينا الله
لما سمعنا لأمير قاها (1)
يعنى الطاعة والاستماع، ويقول: أيقه يا فتى، وهو مقلوب، مثل جذب وجبذ، وقوله:
[163ا] تمنى حصين أن يسود جذاعة ... فأمسى حصين قد أذلّ وأقهرا (2)
وتروى أذل وأقهرا، فمن قال أذلّ وأقهرا قال: وجد مقهورا. ومن روى أذلّ أقهرا: أى دخل فيهما. والجذاع قبائل معروفة.
قال حسان:
دعوا فلجات الشّأم، قد حال دونها ... ضراب كأفواه اللّقاح الأوارك (3)
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ينشد بالحاء والجيم، فالفلحة من الأرض ما اشتققت منها للزّرع، والفلجة، بالجيم، ما اشتققت منها للديار.
وقال عدىّ بن زيد:
أجل أن الله قد فضّلكم ... فوق من أحكى بصلب وإزار
يروى: فوق من أحكى، ويروى: أحكأ صلبا بازار، فأحكى: أقول (4)،
__________
(1) الأبيات للزفيان، وقبلها:
ما بال عين شوقها استبكاها ... فى رسم دار لبست بلاها
(لسان: قيه).
(2) الشعر للمخبل السعدى يهجو الزبرقان وقومه، وهم المعروفون بالجذاع. وفى الأصل: خذاعة، والتصويب عن اللسان. والأصمعى يروى: أذل وأقهر بالبناء للمعلوم، أى صار أمره إلى الذل والقهر (لسان: قهر).
(3) الرواية فى اللسان: طعان كأفواه المخاض. وفى اللسان فلحات بالحاء. قال ومن رواه فلجات الشام بالجيم فمعناه ما شقق من الأرض للديار كل ذلك قول أبى حنيفة.
(4) وفى رواية: فوق ما أحكى بصلب وإزار: أى بحسب وعفة أى فضلكم بحسب وعفة فوق ما أحكى أى ما أقول وقد روى عن الأزهرى كلمة إجل بكسر الهمزة وقال إنها أحب إلى والبيت من قصيدة مطلعها:
أبلغ النّعمان عنّى مالكا ... إنّنى قد طال حبسى وانتظارى
(شعراء النصرانية).(1/348)
والصلب: الحسب، والإزار: العفاف. ومن رواه أحكأ أراد كلّ من شدّ على ظهره الإزار، يقال أحكأت العقدة: إذا أربيتها ويروى بيت سحيم (1):
أقول لأهل الشّعب إذ يأسروننى ... ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم
ويروى إذ ييسروننى، فمن رواه: يأسروننى، فهو من الأسر، ومن روى ييسروننى فهو من يسرت الجزور، وقوله ألم تيأسوا: أى ألم تعلموا، من قوله جلّ ذكره {«أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا»} وقال عدىّ بن زيد:
شاده مرمرا وخلّله كلسا ... فللطّير فى ذراه وكور
[153ب] ترويه العامة جلّله بالجيم، فقرأته بالجيم على أبى بكر بن دريد فقال:
خلّله، بالخاء المعجمة، أى جعل الكلس فى خلل الحجر، وقال جلّله ليس بشىء. قرأت على أبى بكر:
[لا أعرفنّك عارضا لرماحنا] (2) ... فى جفّ ثعلب واردى الأمرار
فقال: هو ثعلبة بن عوف بن سعد بن ذبيان ثم قال ورواه الكوفيون فى جفّ تغلب، بالغين المعجمة، وهو خطأ وتصحيف. ورأيته فى رواية أبى عبيد القاسم ابن سلام بالغين المعجمة. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى (3):
__________
(1) هو سحيم بن وثيل اليربوعى. وذكر بعض العلماء أنه لولده جابر بن سحيم بدليل قوله:
إنى ابن فارس زهدم، وزهدم فرس سحيم. ويروى ييسروننى، والرواية المشهورة (ألم تعلموا أنى الخ)، ويروى هذا البيت فى قصيدة أخرى على هذا الروى وهو:
أقول لأهل الشعب إذ يأسروننى ... ألم تيأسوا أنى ابن فارس لازم
(2) صدر البيت عن اللسان وهو للنابغة يخاطب عمرو بن هند الملك وقبله:
من مبلغ عمرو بن هند آية ... ومن النصيحة كثرة الإنذار
قال: وكان أبو عبيدة يرويه فى جف ثعلب، قال يريد ثعلبة بن عوف بن سعد بن ذبيان. قال: ورواه الكوفيون فى جوف تغلب، قال: وقال ابن دريد هذا خطأ (اللسان: جف).
(3) القائل هو عطية بن زيد (جاهلى) وقال ابن برى هو لعبد القيس بن خفاف البرجمى. وروى:
(إذا رأيت) مكان إذا لقيت (لسان: بشر).(1/349)
وإذا لقيت الباهشين إلى العلى ... غبرا أكفّم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل (1)
بشر يبشر: إذا فرح، فابشر بما بشروا به، جميعا بالشين المعجمة، ويروى بعضهم فايسر بما يسروا به، بسين غير معجمة. وقال علقمة:
لو ييسرون بخيل قد يسرت بها ... وكلّ ما يسر الأقوام مغروم (2)
يقول لو فعلوا لفعلت، فمن رواه بالشين المعجمة قال: يقول فاستبشر بما بشروا به، ويقال: بشرت الرّجل: إذا سررته وفرّحته، وأنشدنا ابن الأنبارى:
بشرت عيالى إذ رأيت صحيفة ... أتتك من الحجّاج يتلى كتابها
أى سررتهم. وقال ابن الجهم عن الفراء بشرت الرّجل فأبشر [154ا] مثل فطرته فأفطر، وقال غيره: بشرته مخفّف فبشر يبشر، وبشّر يبشّر إذا استبشر. وفى حديث ابن مسعود من قرأ (3) القرآن فليبشر. وقال ابن الزبير فى كلام له بل: ابشر بالذى قاله لى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أى افرح واستبشر.
ابن الأعرابىّ: بشرنى فلانا وأبشرته وبشّرته واحد (4)، وقد أبشرته، وبشر حين بشرته، وبشر حين بشّرته، وقد بشرت الأديم وأبشرته وبشّرته
__________
(1) فى الأصل المخطوط (بصغك) بدل (بضنك) والتصحيح عن اللسان. ويروى وأيسر بما يسروا قال وبشرت بكذا أبشر واستبشرت به.
(2) البيت من قصيدة مطلعها، كما فى الديوان:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
(3) فى رواية: من أحب القرآن.
(4) رواية اللسان عن ابن الأعرابى: يقال:
بشرته وبشّرته وأبشرنه وبشرت بكذا وكذا وبشرت وابشرت:
إذا فرحت به (مادة بشر).(1/350)
واحد. وقد بشر وجهه: إذا حسن. وأصل هذا أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور. ولقينى ببشر: أى بوجه منبسط.
وأنشدنا ابن الأنبارىّ:
يا قلّ خير الغوانى كيف رغن به ... فشربه وشل منهن تصريد
أعرضن عن شمط فى الرأس لاح به ... فهن عنى إذا أبصرننى حيد
قال أبو بكر: كيف رغن به، بالغين المعجمة، والراء غير المعجمة. ويروى:
كيف رعن به، بعين غير معجمة. فمعنى رغن: أى أعرضن عنه واستترن، من قوله جل وعز: {«فَرََاغَ إِلى ََ أَهْلِهِ»} أى رجع ساترا لرجوعه. ومن رواه بالعين غير المعجمة، قال: كيف أفزعن به من راعنى الشىء: إذا أفزعنى، والخير مرفوع بقلّ، والمعنى: يا هؤلاء قلّ خير الغوانى. وأجاز بعض النّحويين [154ب]: يا قلّ خير الغوانى، بمعنى يا قلّة خير الغوانى، وتقول: نعوذ بالله من القلّ، ونسأله الكثر، بمعنى القلّة والكثرة. قال أبو بكر: ورواه بعضهم يا قلّ خير الغوانى، بنصب الخير، قال: معناه: يا أقلّ الله خير الغوانى. وهذا عندنا غير صحيح، لأن قلّ لا يتعدّى إلى منصوب حتى يزاد عليه الألف.
أخبرنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: كان أبو عبيدة ينشد:
لقد وعدتك موعدا لو وفت به ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب (1)
__________
(1) الشطر الثانى من البيت مقتبس من قول الأشجعى:
وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب
وقد رسم فى الأصل المخطوط (لكان بيثرب) وهو تصحيف عن (أخاه بيترب). ويترب بالتاء: بلد باليمامة، ويروى بيثرب، وهى المدينة نفسها، والأول أصح، وبه فسر قول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل(1/351)
بتاء فوقها نقطتان، وكان يقول: يترب: موضع قريب من اليمامة، وكان يخطّئ من يقول بيثرب.
قال الشيخ رحمه الله وهذا مذهب ابن الكلبى، لأن عرقوبا عنده من العمالقة وغير ابن الكلبى يزعم أنه من الأوس. وقال بعضهم هو عرقوب بن معبد.
وقرأت على أبى بكر بن دريد فى شعر مهلهل:
ما أرجّى العيش بعد ندامى ... قد أراهم (1) سقوا بكأس حلاق
بالحاء غير المعجمة. وسمعت أبا بكر بن الأنبارى يرويه عن أبى العباس بالحاء والخاء.
فمن قال بحاء غير معجمة قال: حلاق من أسماء المنيّة، وهى مبنيّة، مثل حذام وقطام. ومن روى بخاء معجمة قال: الخلاق: النّصيب. قال [155ا] قوله عز وجلّ: {(مََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ)}، وقوله: {(فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلََاقِهِمْ)}، أى بنصيبهم، وقالوا أيضا: الخلاق: الدّين، وقيل الجنّة.
وقرأت عليه فى شعر ابن أحمر:
حتى إذا ذرّ قرن الشمس صبّحها ... أضرى ابن قرّان بات الوحش والغربا (2)
هكذا يرويه أبو عبيدة. وقال غيره: بات الوحش والعزبا، من قولهم بات عزوبا.
وقوله: أضرى ابن قرّان، هو جمع ضرو، وهو الكلب الضّارى.
ومما يغلط فيه من لا يضبطه قول ابن مقبل:
لا يحرز المرء أحجاء البلاد ولا ... يبنى له فى السموات السلّاليم (3)
يرويه أحجار البلاد، ويذهب إلى أنه المدر الذى يبنى به، والصحيح: أحجاء، بلا راء، وهى نواحيها وأطرافها.
__________
(1) رواية اللسان فى مادة حلق (قد أراهم) وفى المخطوط أتاهم.
(2) أراد وحشا عزبا كما فى اللسان: مادة ضرو.
(3) البيت من شواهد اللسان، والرواية فيه:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا ... تبنى له فى السموات السلاليم
ويروى: أعناء، والأحجاء جمع الحجا، وهو الناحية. وأحجاء البلاد: نواحيها وأطرافها. (لسان: حجا).(1/352)
ومما يشكل ما أنشدنيه المعمرىّ عن أبى العباس أحمد بن يحيى، لأبى زبيد الطائى:
فلست وإن كنت اغتربت بقائل ... طفانين قول فى مكان مخنق
طفانين، بعد الألف نون مكسورة، ومخنّق، النون مكسورة. وقال أبو العباس:
الطفانين: الحبس، ويقال: اطفأننت: بمنزلة اطمأننت. وقال أبو الأخزر.
يطلبن من رمل الغناء الأعين ... شهرين ما فى السّير من طفائن (1)
[155ب] أى من حبس:
ومما يشكل جدا قول تأبط شرا:
يا عيد مالك من شوق وإيراق ... [ومرّ طيف على الأهوال طرّاق]
[ليلة صاحوا وأغروابى سراعهم] ... بالعيكتين لدى معدى ابن براق (2)
المعدى: الموضع الذى تعدى فيه، ومعدى مضاف إلى ابن براق، أراد موضع عدوه، ومن لا يعلم يرويه لدى معد بن براق فيجعل «معدا» اسم ابن براق، وهذا غلط، واسم ابن براق عمرو فيما أحسب. والمعد بتسكين العين: كل نبت غض، ويقال رطب ثعد معد، ومعد هنا إتباع. والمعدّ بتشديد الدال: الموضع الذى تعدّ فيه الإبل إذا صرفت (3) وأنشدنى أبو عبد الله نفطويه عن أحمد بن يحيى لأبى الحويرث الحنفى يمدح خالدا القسرىّ:
فرغ المعدّ وقلّت الأعواد ... ومضى الجواد فما يحسّ جواد
قوله فرغ المعدّ: أى الموضع الذى تعدّ فيه الإبل، فلم يبق به بعير، والأعواد: يعنى
__________
(1) كلمه طفائن فى البيت وطفانين واطفأننت السابقة كانت فى الأصل محرفة تحريفا شديدا، وكذلك البيت فحاولنا تصويبه كما ترى.
(2) ما بين الأقواس المربعة فى الموضعين: زيادة عن المفضليات للضبى. وقد كان جاء فى الأصل المخطوط صدر البيت الأول وعجز البيت الثانى بيتا واحدا.
(3) فى الأصل المخطوط صدفت ولعلها مصحفة عن (إذا صرفت) أى صرفها عن الرعى إلى المكان الذى تحبس فيه.(1/353)
العوّاد الذين كانوا يأتونه يسترفدونه، أى ذهبوا حين قلّت إبله. والمعدّ أيضا: موضع رجل العادّين، والمعدّ اللّحم فى مرجع كتف الفرس، قال عمرو بن أحمر:
فإما زال سرج عن معدّ ... [وأجدر بالحوادث أن تكونا] (1)
ويقال معد فى الأرض: إذا ذهب فيها.
أنشدنا أبو بكر بن دريد:
سحيرا وأعناق المطىّ كأنها ... مدافع ثغبان أضرّ بها الوبل
[156ا] ثغبان، بالغين المنقوطة: جمع الثّغب، وهو الغدير. ويقال: ثغب ساكنة الغين.
وأنشدنا محمد بن على بن إسماعيل لبعض الهذليّين:
فجاءت كخاصى العير لم تحل عاجة ... ولا جاجة (2) منها تلوح على وشم
يريد جاءت مستحيية منكسرة، كمن خصى حمارا، وهذا مثل. والعاجة:
الذّبلة. وقال الأصمعى: الجاجة: خرزة لا تساوى فلسا. وأما الإتباع الذى يقال فى حاجة فهو بالدال، يقال: ما ترك حاجة ولا داجة إلا قضاها.
وأنشد أبو عبد الله نفطويه، عن أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابى:
وكأس كمستدمى الغزال قرعتها ... لأبيض عصّاء العواذل مفصال
قرعتها بالقاف. وقال ابن الأعرابى كانت العرب تمدح الكأس ثم تنقره، فذاك القرع، ثم يناوله أحدهم صاحبه، وأنشد:
وصهباء تستوشى بذى اللّب ميلها ... قرعت بها نقسى إذا الليل أظلما
وحكى أبو نصر عن الأصمعى، قرعتها: مزجتها.
__________
(1) عجز البيت عن اللسان، وهو لابن أحمر يخاطب امرأته، وبعده:
فلا تصلى بمطروق إذا ما ... سرى فى القوم أصبح مستكينا
يقول: إن زال عنك سرجى فبنت بطلاق أو بموت فلا تتزوجى هذا المطروق وقد روى: سرجى، مكان سرج. وقال ابن الأعرابى: معناه إن عرى فرسى من سرجى ومت (لسان: معد).
(2) رواية اللسان: جاجة، بالجيم، وقد كانت (على وشم) فى الأصل (على رسم) بالواو والسين.(1/354)
وأنشد ابن عرفة قال: أنشدنا أحمد، قال أنشدنا ابن الأعرابى:
إذا أخذت إبلا من تغلب ... فلا تشرّق بى ولكن غرّب
وبع بقرحى أو بحوض الثعلب (1) ... وإن نسبت فانتسب ثم اكذب
ولا ألومنّك فى التّنقّب
يقول: لئلا تعرف فى حوض الثعلب [156ب] قال ابن الأعرابى: حوض، بالحاء غير معجمة. وقال الأصمعى: بخوض، بخاء معجمة، وقال ابن الأعرابى: ما سمعت إلا بحوض الثعلب، بحاء غير معجمة، وقال: هو خلف عمان. قال: وسمعت القنانى، عند الكسائى، يقول: ليته بحوض الثّعلب: أى أبعد الأرض، ولم أسمع من الفصحاء إلا هكذا.
ومثل هذا، مما يشكل ويصحّف، قولهم: أوردته حياض غتيم:
أى قتلته، الغين معجمة مضمومة، وفوق التاء نقطتان. وأنشدنا ابن عرفة قال أنشدنا أحمد عن ابن الأعرابى:
وكنت امرأ من يتّبعنى أرد به ... حياض غتيم (2) حين حان منونها
يقال: ورد حياض طسيم وحياض غتيم: أى مات.
وقول كعب الغنوىّ:
أسباد سيف مفلّل
رواه الأصمعى بالفاء، ورواه ابن الأعرابى، أسباد سيف مقلل، بباء تحتها نقطة، وقال: يقال: سبدريش الفرخ: إذا طلع، ورواه مقلّل بالقاف. وقال أنشدنيه أبو يحيى الغنوى بالقاف، وكان فصيحا لا يعرف غير الفصاحة، أى قد قل.
__________
(1) فى معجم ياقوت: حوض الثعلب مكان خلف عمان. وقال ابن الأعرابى وكان الأصمعى يقول:
خوص الثعلب، بالخاء المعجمة، وما سمعت قط إلا حوض، وأنشد بعض اللصوص (الأبيات).
(2) تروى: غتيم بالتاء، وغثيم بالثاء، كما فى اللسان.(1/355)
وقرأت على أبى عبد الله بن عرفة فى شعر الفرزدق:
قرّبت محلفة الأفخاذ أسمنها ... وهنّ من نعم ابنى داعر سرر (1)
مثل النعائم يدنينا تنقّلها ... إلى ابن ليلى بنا التّهجير والبكر
[157ا] فقرأته أقحاد بالقاف. فقال: قال ابن الأعرابىّ: أقحاد وأفخاذ، بالفاء والخاء، فمن رواه بالخاء قال: يحلف على أفخاذها أنه ليس بها نقى، فكيف مهزولها، وإنما يصف جهدها وهزالها: ومن رواه بالقاف أقحاد. والقحدة أصل السّنام، والقمعة: أعلاه، وأراد بالأقحاد الأسنمة، وداعر فحل، وسرر: كرام، ورفع التهجير والبكر بالتنقل، فأراد أن التهجير والبكر ينقلانها، وتأويل الهاء فى تنقّلها نصب، ومثله: أن ذكرتك الدار منزلها جمل:
أى نزول جمل إيّاها
[قال الشماح] (2):
ولمّا رأيت الأمر عرش هويّة ... [تسلّيت حاجات الفؤاد بشمّرا] (3)
بياء تحتها نقطتان: أى عرش بئر شديد المهوى. والعرش: خشبات توضع وثمام (4) يستظل بها الساقى. يقول: لما رأيت أنى مشرف على الهلكة مضيت ولم أقم. ووجدت هذا البيت فى كتاب الخارزنجى صاحب التكملة وقد رواه عرّش هونه، فشدّد الراء على وزن فعّل، وهونه بالنون مضمومة، ثم فسّره فقال: يقول لمّا رأيت الأمر أبطأ عنى ماهان، وحان الشّديد منه، ثم قال: ورواية أبى عبيدة عرّش هونه.
__________
(1) فى ديوان الفرزدق (1: 221).
قرّبت محلفة أقحاد أسمنها ... وهنّ من نعم ابنى داعر سرر
وقال فى شرحه: المحلفة: الصافية الألوان تشوبها كدورة. والأقحاد: جمع قحدة، وهى بالتحريك:
أصل السنام، ولعل الصواب أقحاد أسنمها. وداعر: فحل نجيب. والسرر: الأمحاض فى النسب.
(2) زيادة على الأصل للبيان.
(3) ما بين القوسين عن الديوان أو هى البئر البعيدة القعر. والهوية: المهواة، وعرشها سقفها المغمى عليها بالتراب، فيغتر به واطئه، فيقع فيها فيهلك (لسان: هوى).
(4) فى الأصل: توضع تمام، ولعل الصواب إضافة واو العطف. ففى اللسان العريش: خيمة من خشب وثمام (لسان: عرش).(1/356)
ومما يصحّف ويشكل قول الآخر:
وروحة دنيا بين حيّين رحتها ... أسير عسيرا أو قصيبا أروضها (1)
[157ب] قد سمعتهم يصحّفونه ويحرّفونه، وإنما يقول: كم من روحة دنيا قد رحتها أسير ذلولا من الإبل، وأروض أخرى صعبة، وإنما أراد أنه كان يسير بين حيّين له فيهما هوى، على كلّ صعب وذلول. وقوله أسير بمعنى أسيّر. وقال بعضهم أخبّ عروضا، أى أنشد قصيدتين، إحداهما قد ذلّلتها، والأخرى فيها اعتراض.
وبيت مشكل لحاتم طىّ:
وإن صغيرى [ذا] الرجيل مسجّر ... صبور على الضّبع الذى ليس يصبر
قالوا: الصّغير اللسان، والرّجيل الكلام، وهو من ارتجلت الكلام والخطبة، وقوله على الضّبع قال بعضهم: الضّبع: الجوع.
أنشدنا أبو بكر:
ألم تر أنّ الدّهر يوم وليلة ... وأنّ الفتى يسعى لغاريه دائبا (2)
هكذا رواية الأكثر بالغين. المعجمة والغاران: البطن والفرج. وروى لنا ابن الأنبارىّ عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابىّ، قال: يقال فلان عبد غاريه، يعنون بطنه وفرجه. والغاران فى غير هذا: الجيشان، وفى كلام الأحنف، يحرّض على الزّبير بن العوّام يوم الجمل: «جاء حتى ضرب بين هذين الغارين، ثم انصرف» (3)
__________
(1) البيت من أبيات لابن أحمر، وقبله.
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... صحيح السرى والعيس تجرى عروضها
بتيهاء قفر والمطى كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
وقد روى الشطر الثانى: أسير عسيرا أو عروضا أروضها. وفى رواية: أخب ذلولا أو عروضا أروضها.
(2) البيت من شواهد اللسان مادة غار. والغاران: العظمان اللذان فيهما العينان، والغاران: فم الإنسان وفرجه. وقيل هما البطن والفرج ومنه قيل: المرء يسعى لغاريه. وقال ابن سيده: والغار الجماعة من الناس، وقيل الجيش الكثير، يقال التقى الغاران أى الجيشان.
(3) نص العبارة فى اللسان مادة غار عن النهاية. ومنه قول الأحنف فى انصراف الزبير عن وقعة الجمل:
وما أصنع به إن كان جمع بين غارين من الناس، ثم تركهم وذهب.(1/357)
أنشدنى أحمد بن محمد، للفضل التّسترى يعرف بابن الخبّاز، قال: أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابى:
وفناة تبغى بحربة عهدا ... من صبيح قفّى عليه الخبال (1)
الفناة، بالفاء والنون، البقرة من الوحش خاصة، وجمعها فنا مثل قناة وقنا. وحربة، بالحاء غير معجمة: موضع، وصبيح رواه بالصّاد والحاء غير معجمتين.
قال وأنشدنا العجّاج:
يزمّون حدّ اليوم ذا التأهّم ... ولجّة الظّلماء بالتّحسّم
قال التّحسّم، بسين غير معجمة: ركوبك الشّىء على غير معرفة. هذا حجّة فى كلام أكثم بن صيفى: إن الله لا يحسب فيتوهّم، ولا ينظر فيتحسّم، أى يعرف ذلك، ولا يأتيه على ظنّ كفعل الآدميين.
أخبرنى أبو بكر بن محمد بن عبدان الجواليقى، قال الحسن بن أحمد الأهوازىّ، يعرف بشيران، قال أبو محلّم: سمعت أهل البصرة يعيبون أباحية النميرى، ويخطّئونه فى قوله:
أجارتنا إنّ ريب الزما ... ن ألبسنى من رداء خمارا
وأصبح موضعه بايضا ... محيطا قناعا محيطا عذارا
فى قوله بايضا وهم أقرب إلى التّصحيف، لأنهم ظنّوا أنه أراد بايضا أى أبيض من البياض، ولم يقولوا شيئا، وإنما يقال: باض العود بأرضنا، وأرض بايضة، أى يابسة الثرى، قد باض عودها واشهابّت، وليس فيها [158ب] خضرة، ويقولون نحن بأرض قد نسّ ترابها، وباض عودها.
وأما بيت الراعى:
__________
(1) الرواية فى اللسان:
وفناة تبغى بحربة طفلا ... من ذبيح قفّى عليه الخيال
والفناة: البقرة، وجمعها فنوات، وقد جاء فى مادة قنا هذا البيت منسوبا إلى لبيد وروايته:
وقناة تبغى بحربة عهدا ... من ضبوح قفّى عليه الخبال
وقد كان الجمع (فنا وقنا) بالياء فى المخطوط، ولكن أصل المادتين واوى، فاقتضى التصحيح.(1/358)
حتى وردن لتمّ خمس بائص ... جدّا تعاوره الرّياح وبيلا
فهذا بالصّاد غير المعجمة، والبائص هاهنا السّابق، باص يبوص بوصا، قال (1):
[على رعلة صهب الذفارى] كأنها ... قطا باص أسراب القطا للتواتر
وقوله لتمّ خمس: أى بعد تمام خمس.
أنشدنى محمد بن عبد الرحمن، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابى عن المفضّل:
عمّى الذى منع الدينار ضاحية ... دينار نخّة كلب وهو مشهود (2)
مشهود بالدال، وضاحية: بالضاد المعجمة وتحت الياء نقطتان، قال ثعلب ومن رواه مشهور بالراء فقد صحّف، ومن رواه صاحبه فقد صحّف أيضا. قال فقلت لثعلب: ما معنى قوله وهو مشهود؟ قال هذا قيل لمصدّق فى منع الدينار الذى كان يأخذ، فيقول: كان فعل عمى بهذا المصدّق مشهودا، لم يكن غائبا.
قال المرقش:
بأطيب من فيها إذا جئت طارقا ... من الليل بل فوها ألذّ وأنصح
الناصح، الصاد والحاء غير معجمتين: الخالص، يقال: فوها أخلص طيبا.
ومما يشكل فى الشعر من الكلام إمرّ وإمّر فأما الإمرّ، التّشديد على الراء [159ا] فهو معى دقيق يتّصل بالأمعاء، وأنشدنا أبو بكر بن دريد:
فلا تهدى الإمرّ وما يليه ... ولا تهدنّ معروق الطعام (3)
ورجل إمّر، التشديد على الميم، إذا كان ضعيفا.
__________
(1) البيت لذى الرمة، وصدره عن الديوان. والبوص: الفوت والتقدم، باصه يبوصه، فاستباص:
سبقه وفاته.
(2) البيت من شواهد اللسان فى مادة ضحا: قال ويقال: فعل ذلك الأمر ضاحية: أى علانية.
(3) فى اللسان: مادة عرق، أنشد أبو عبيد لبعض الشعراء يخاطب امرأته:
ولا تهدى الإمر وما يليه ... ولا تهديه معروق العظام
والعظم المعروق: الذى ألقى عنه لحمه، والإمر: الصغير من أخلاف أولاد الضأن.(1/359)
وقال الشاعر:
ولست بذى ريثة إمّر ... إذا قيد مستكرها أصحبا (1)
وهذه ثلاثة أحرف جاءت على فعّل: رجل إمّع وامرأة إمّعة، وهو الذى يتبع الناس ولا رأى له، وفى حديث ابن مسعود «لا يكوننّ أحدكم إمّعة». ورجل إمّر: ضعيف، وقد مضى. وإيّل: ضرب من الوحش، والإمّر: ولد الضأن، وإمّرة موضع: والإمّرات: مواضع مرتفعات مثل الدّكاكين.
قال:
فغول فحلّيت فنفء فمنعج ... إلى عاقل فالجبّ ذى الأمرات
وقرأت على أبى بكر فى شعر ابن مقبل:
يهززن للمشى أوصالا منعمّة ... هزّ الجنوب ضحى عيدان يبرينا
عيدان: اللعين مفتوحة. وفى حمير بطن يقال لهم بنو غيدان، الغين مفتوحة منقوطة. قول متمم بن نويرة:
سمالك شوق من قطام يزيع ... ولوع ومن حاجاتهنّ ولوع
الواو مضمومة، قال الأصمعى: يقال كان ذلك منه ولوعا مصدر [159ب] يقال أولع بكذا، وأوزع به، وأكثر الناس ينشدونه ولوع، على أنه اسم.
ورأيت فى كتاب أبى عمر محمد بن عبد الواحد:
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر ... كرام وأنّا لا نحطّ على النّمل
فقلت له فى ذلك؟ فقال: يقال: نحطّ ونخطّ، وكتب فوقه: «جميعا».
وقرأت على أبى بكر بن دريد (2):
__________
(1) البيت لامرئ القيس: يقال رجل إمر: إذا كان لا رأى له. ورواية الديوان: وليس بذى ريثة إمر.
(2) البيت لقيس بن الخطيم، والرواية فى أصل المخطوط: تنام على كبر شأنها (وقد أثبتنا رواية اللسان).
ومعنى تكاد تنغرف: تكتفى وقيل معناه تنقصف من دقة خصرها وانغرف العظم: انكسر.(1/360)
تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنغرف
بكسر الكاف، وقال: كبر شأنها: معظمه، من قوله عز وجل {«وَالَّذِي تَوَلََّى كِبْرَهُ»}.
والكبر: من التّكبّر، ويقال: الولاء للكبر، مضموم الكاف، وهو أقعد القوم إلى الأب، وقد قرئ {«وَالَّذِي تَوَلََّى كِبْرَهُ} [1]» وكبره، فمن قرأ كبره فمعناه:
من تولى الإثم، ومن قرأ كبره: أراد معظمه. هذا عن الزجاج.
ومما يغلط فى تشديده وتخفيفه قول حسّان:
أنشدنا أبو بكر بن مجاهد، قال أنشدنا ابن الجهم عن الفراء قال: أنشدنا يونس النحوى:
ربّ حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطا (2) عليه النعيم
غطا مخفّف يغطو: إذا ستر، ومنه قول الشاعر:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... ينشقّ منها ملاحىّ وغربيب (3)
[160ا] عمرو بن معدى كرب:
وسيف لابن ذى قيفان عندى ... تخيّره الفتى من قوم عاد
القاف قبل الفاء، وهو ذوقيفان بن علس بن جدن، مشتقّ من القفن، والقفن:
دخول الرأس فى العنق والصّدر، ورجل أقفن وامرأة قفنة، وقال آخر:
[أدنى تقاذفه التقريب أو خبب] ... كما تدهدى من العرض الجلاميد (4)
العرض بالفتح عند الأصمعى: الجبل، ويرويه ابن الأعرابىّ:
من العرض بالكسر، ويروى «إنّا إذ أفدنا لقوم عرضا» بالكسر أيضا الجبل والعرض عندهما: واد باليمامة، والعرض: الوادى أيضا، وأنشد الأصمعى:
ألا ترى فى كل عرض معرض ... [كل رداح دوحة المحوّض] (5)
__________
(1) تمام الآية {«وَالَّذِي تَوَلََّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذََابٌ عَظِيمٌ»}.
(2) فى رواية غطى: بتشديد الطاء.
(3) الرواية فى اللسان (يعصر منها ملاحى وغربيب) قال إنما عنى بها الدالية لسموها وبسوقها وانتشارها وإلباسها. وغطت: الشجرة وأغطت: طالت أغصانها وانبسطت على الأرض، فألبست ما حولها، وصارت له كالغطاء.
(4) البيت لذى الرمة وصدره عن الديوان.
(5) ما بين القوسين عن الجمهرة لابن دريد (مادة عرض) وقد جاء «أما ترى» مكان «ألا».(1/361)
باب ما يشكل ويصحف من كتاب الحماسة
ومما يحتمل وجهين، ذكرتهما لئلا تنكره إذا سمعته، قول الفند الزّمّانىّ:
وطعن كفم الزّقّ ... غذا والزّقّ ملآن (1)
غذا: سال يقال غذا يغذو فهو غاذ، وغذّى البعير ببوله: أرسله قطعة قطعة.
وقول جعفر (2):
ولم ندر إن جضنامن الموت جيضة ... [كم العمر باق والمدى متطاول]
يروى بالجيم والضاد معجمة، وبحاء وصاد غير معجمتين، فمن رواه بالجيم والضاد قال: يقال: جاض يجيض جيضا: إذا مال وعدل عن الحرب. ومنه [160ب] قول أبى موسى الأشعرى: إنّ هذه لجيضة من جيضات الفتن.
فى حديث المغازى: فجاض المؤمنون جيضة. ويروى «حاص» بحاء وصاد غير معجمتين. وقال القطامىّ فى الجيض بالجيم، وقد رواه بالحاء.
وترى لجيضتهنّ عند رحيلنا ... وهلا كأنّ بهنّ جنّة أولق
ومن رواه حاص، بحاء وصاد غير معجمتين، احتج بحديث ابن عمر: «فحاص المسلمون حيصة»، ويروى: فجاض. وقال الأصمعىّ: المعنى فيهما واحد، وإنما
__________
(1) من أبيات وردت فى حماسة أبى تمام (1: 6) أولها:
صفحنا عن بنى ذهل ... وقلنا القوم إخوان
(2) هو جعفر بن علبة الحارثى من مخضرمى الدولتين. وعجز البيت عن الحماسة. (1: 9)
وهو من أبيات مطلعها:
ألهفا بقرّى سحبل حين أجلبت ... علينا الولايا والعدّوّ المباسل
ويقال: جاض وحاص: إذا عدل وانحرف.(1/362)
هو الرّوغان والعدول، ومنه قوله عز وجل {(مََا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)} يقول: محيد يحيدون إليه. يقال: حصت أحيص، والحوص فى العين: ضيق مؤخرها، والحوص بالحاء: عورها.
وقول أبى كبير:
ومبرّإ من كلّ غبّر حيضة ... وفساد مرضعة وداء معضل (1)
والرواية الجيدة: حيضة، على أنه اسم، ومن رواه بالفتح فهو مصدر مرة واحدة.
ما إن يمسّ الأرّض إلا جانب ... منه وحرف الساق طىّ المحمل (2)
بنصب طىّ، أراد قد طوى طىّ المحمل.
وبيت تأبّط شرا:
[إنى لمهد من ثنائى فقاصد ... به] (3) لابن عمّ الصّدق شمس بن مالك
شمس، مضموم الشين: بطن من الأزد، من مالك بن فهم، ومنهم بنو نحو ابن شمس، ونحو اسم، والنسب إليه (161ا) نحوىّ، ومنهم شيبان بن عبد الرحمن النحوىّ، ولم يكن نحويّا معربا، وفى جرم بن ريّان من قضاعة بنو شميس، الشين مفتوحة، على وزن فعيل، من الشّماس، أو من الشّمس، وكل ما جاء فى قريش فهم شمس، وكل ما جاء من أنساب اليمن فهم شمس.
وقول الآخر:
يديت على ابن حسحاس بن وهب ... بأسفل ذى الجذاة يد الكريم
قصرت له من الحمّاء لمّا ... شهدت وغاب عن دار الحميم (4)
الحمّاء، بالحاء غير المعجمة: فرسه.
__________
(1) البيت لأبى كبير الهذلى من قصيدة مطلعها:
ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مثقل
والرواية فى أشعار الهذليين: * وفساد مرضعة وداء مغيل *
وقوله: «مبرأ» معطوف على «ولقد سريت على الظلام بمغشم». (ص 19).
(2) الرواية المشهورة فى الديوان: * ما أن يمس الأرض إلا منكب *
(3) صدر البيت عن الحماسة (1: 22).
(4) الشعر لمعقل بن عامر الأسدى، وقد قاله يوم شعب جبلة «يوم من أيام الجاهلية» (1: 58) والحماء:(1/363)
وقول الطائى:
أظنّك موعدى ببنى جفيف ... وهالة إنّنى أنهاك هالا (1)
ببنى جفيف بالجيم مضمومة. وقوله: (هالا) أراد: يا هالة، فرخّم. وهذا أحد ما جاء من الترخيم بلا نداء.
وقول الآخر:
فإن كنت سيّدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل (2)
فخل مفتوح الخاء. وقد روى فخل، بضمّ الخاء، يقال: خال الرّجل يخال ويخول، إذا صلف وتكبّر. قال الشاعر:
آدم معروف بأوّلاته ... خال أبيه فى بنى بناته
وقول عويف القوافى:
نخلت له نفسى النصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد (3)
[161ب] يقال: نخلت له النصيحة إذا أخلصتها. وقال آخر (4):
أياراكبا إما عرضت فبلّغا ... بنى فقعس قول امرئ ناخل الصّدر
وقال عمارة:
__________
فرسه، ويجوز أن يكون ذلك اسمها، ويجوز أن يكون وصفا لها، فتكون مؤنث الأصم، وهو الأسود من كل شىء. وقد روى من الجماء (بالجيم)، فيحتمل أن يكون من جم الجرى إذا كثر، ولا يمتنع أن يكون للواحدة من الخيل الجم، وهى التى لارماح مع أصحابها، لأنهم يجعلون الرماح قرون الخيل.
(1) فى الحماسة ص 85هو لبعض بنى جرم من طيىء، والرواية فيه: «إخالك موعدى» «.
(2) البيت رابع أبيات وردت فى الحماسة (1: 86) أولها:
ألا أبلغا خلتى راشدا ... وصنوى قديما إذا ما اتصل
(3) البيت لعويف القوافى الفزارى (1: 90)، وهو من قصيدة مطلعها:
ذهب الرقاد فما يحس رقاد ... مما شجاك ونامت العواد
(4) قائله طرفة الخريمى، شاعر جاهلى (1: 156).(1/364)
تبحّثتم سخطى فغيّر بحثكم ... نخيلة نفس كان نصحا ضميرها
وقول الآخر:
لا تعذلى فى حندج إن حندجا (1)
أول الاسم حاء غير معجمة، وليس رواية من رواه جندح بالجيم بشىء.
وقول الراعى:
كفانى عرفّان الكرى وكفيته ... كلوء النّجوم والنّعاس معانقه
ويروى: كفانى عرفان الكرى، فمن روى هكذا قال: عرفان: مصدر.
وفى كفانى ضمير، يقول: كفانى هذا الرجل عرفان الكرى. ومن روى عرفّان الكرى قال: عرفّان اسم رجل،، فمعناه كفانى الكرى. وتركنى أرقب النّجم.
وقول حسان بن نشبة:
تركنا لهم شقّ الشّمال فأصبحوا ... جميعا يزجّون المطىّ المخذّما (2)
يشكل شقّ الشّمال، ويرويه شقّ الشّمال بفتح الشين، ولا وجه له هاهنا، وإنما هو الشّمال، بكسر الشين، وكانوا يتشاءمون به، فيقول ولّيناهم شق الشمال، أى ناحية الشؤم وقوله:
سبقت يداك له بعاجل طعنة ... شهقت لمنفذها أصول جوانحى
__________
(1) هذا الشعر لامرئ القيس.
(2) جاء فى الحماسة (ج 1ص 123): أن حسان بن نشبة العدوى هو أخو بنى عدى بن عبد مناف.
وقال محمد بن الأعرابى: هذا الاسم تصحيف والصواب جساس بن خشبة التيمى.
وقبل البيت المروى بيت هو:
نحن أجرنا الحى كلبا وقد أتت ... لها حمير تزجى الوشيج المقوما(1/365)
[162ا] ويروى سفهت، وقالوا شبّه خروج الدم بالسّفه، لأن السّفه الحدّة، وأراد حدّة الإسراع.
وقول الأعرج المعنىّ (1)
وقمت إليه باللّجام ميسّرا ... هنا لك يجزينى الّذى كنت أصنع
ميسّرا: بالسين غير المعجمة، من ياسرته، من المساهلة والمداناة، ضد عاسرته.
وقال عنترة:
إذا يوسرت كانت رفورا أريبة ... وتحسبها إن عوسرت لم تؤدّب
والميسّر فى هذا ضد المجنّب، وهو الذى لا تنتج إبله وغنمه، والميسّر الذى ينتجها.
وقول الحصين بن الحمام:
وقلت تبيّن إنّ ما بين ضارج ... ونهى الأكفّ صارخ غير أخزما (2)
الأول: ضارج بالجيم، والثانى: صارخ بالخاء المعجمة.
ذو الرمّة:
[كأنها أم ساجى الطرف أخدرها] ... مستودع خمر الوعساء مرخوم (3)
__________
(1) هو عدى بن عمرو بن سويد الأعرج الطائى المعنى. وقيل: اسمه سويد بن عدى شاعر إسلامى، كان أحد الخوارج زمن بنى أمية وبنى العباس. (1: 130) والبيت الشاهد رابع أبيات أولها:
أرى أم سهل ما تزال تفجع ... تلوم وما أدرى علام توجع
ورواية الشطر الثانى فى الحماسة: * هنالك يجزينى بما كنت أصنع *
(2) رواية الحماسة: (1: 146).
وقلت تبين هل ترى بين ضارج ... ونهى الأكف صارخا غير أعجما
والبيت من مقطوعة أولها:
فقلت لهم يا آل ذبيان مالكم ... تفاقدتم لا تقدمون مقدما
(3) صدر البيت عن الديوان، وهو قصيدة مطلعها:
أعن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم(1/366)
يقال ألقى عليه رخمته: أى محبّته، وكلام رخيم: ليّن. وفى كندة بطن يقال لهم بنو رخمان (الخاء مفتوحة معجمة).
ومما يروى على وجهين قول الأزدىّ (1):
لا أدفع ابن العمّ يمشى على شفا ... وإن بلغتنى من أذاه الجنادع
ويروى الخناذع، الخاء والذال معجمتان، ويروى الجنادع بجيم ودال تحتها نقطة.
والخناذع بالخاء: الكلام القبيح، ومثله القناذع بالقاف، قال الشاعر (2):
[162ب] بنى خيبرىّ نهنهوا عن قناذع ... أتت من لديكم وانظروا ما شئونها
والنون فيها زائدة، وأصل القناذع من القذع، والخناذع من الخذع، خذعته بالسيف: إذا ضربته فقطعته. وفى همدان بطن يقال لهم بنو الخنذع، هو من هذا، النون زائدة. والجنادع بالجيم: حشرات الأرض، وهى الخفش.
وقول شريح (3) بن قرواش فى شريح بن مسهر (الاسمان جميعا بشين معجمة.
وحاء غير معجمة):
عشيّة نازلت الفوارس عنوة ... وزلّ سنانى عن شريح بن مسهر
وقول العباس بن مرداس:
وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففى السّيف مولى نصره لا يحارد (4)
قد أولعوا بأن يرووه وحارد فإن مولاك حارد نصره والصواب أن يكون الأول بالباء والثانى بالدّال.
__________
(1) هو محمد بن عبد الله الأزدى، وقد روى له فى الحماسة ثلاثة أبيات، البيت الشاهد أولها (الحماسة ج 1ص 153واللسان: جدع).
(2) هو أدهم بن أبى الزعراء [لبسان: قذع]
(3) هو شريح بن قرواش العبسى، وقد جاء البيت التالى فى الحماسة وفيه كلمة «عنده» مكانه «عنوة»، وقبل هذا البيت:
لما رأيت النفس جاشت عكرتها ... على مسحل وأى ساعة معكر
(4) ورد فى الحماسة ج 1: 168: فحارب مكان وحارب. والبيت من مقطوعة أولها:
أتشحذ أرماحا بأيدى عدونا ... وتترك أرماحا بهن تكابد(1/367)
وقول عبد الشارق (الشين معجمة) (1):
ردينة لو شهدت غداة جئنا ... على أضماتنا وقد اختوينا
قرأته على أبى بكر بن دريد اختوينا بالخاء المعجمة.
وقوله (2)
بأسرع منها ولا منزع ... يقمّصه ركضه بالوتر
المنزع: السّهم لنزعه، يقمّصه: يزعجه، يعنى: رفع الوتر إياه عند النّزع.
وقوله (3):
فإنّك لو رأيت ولا تريه ... أكفّ القوم تخرق بالقنينا
[163] يروى تخرق بالخاء والراء غير معجمة، والقنينا: جمع قنى، ويروى تحزق بحاء غير معجمة وبعدها زاى.
وقول معبد بن علقمة (4):
غيّبت عن قتل الحتات وليتنى ... شهدت حتاتا يوم ضرّج بالدّم
فيعلم حيّا مالك ولفيفها ... بأن لست عن قتل الحتات بمحرم (5)
الحتات بتاءين فوق كل واحدة نقطتان. وليس هذا الحتات بن يزيد المجاشعىّ الذى قال فيه جرير:
__________
(1) هو عبد الشارق بن عبد العزى الجهنى، كما فى شرح الحماسة للتبريزى (1: 292) ويسبق البيت الشاهد بيت هو أول المقطوعة:
ألا حيّيت عفانّا ردينا ... نحييها وإن كرمت علينا
(2) القائل هو أبى بن سلمى بن ربيعة بن زبان الضبى (كما فى الحماسة 2: 58) والبيت هو الأخير من أبيات ثمانية أولها:
وخيل تلافيت ريعانها ... بعجلزة جمزى المدّخر
(3) القائل هو عامر بن شقيق من بنى كوز بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك، والشاهد ثانى أبيات أربعة، وأولها:
ألا حلّت هنيدة بطن قوّ ... بأقواع المصامة فالعيونا
(حماسة 2: 66).
(4) هو شاعر مخضرم صحابى شهد فتح مكة (شرح الحماسة للتبريزى 2: 91).
(5) بين هذين البيتين بيت هو:
وفى الكف منى صارم ذو حقيقة ... متى ما يقدّم فى الضريبة يقدم
وقد روى فى البيت الأول «حين» مكان «يوم» (حماسة 2: 91).(1/368)
قال النّوائح من قريش غدوة ... غدر الحتات وليّن والأقرع (1)
وهذا مات على فراشه ولم يقتل.
وقول جريبه (2):
هم كشفوا عيبة العائبين ... من العار أوجههم كالحمم
يروى عيبة العائبين جميعا: بعين غير معجمة، ويروى غيبة، بغين معجمة بعدها باء تحتها نقطة، ويروى غيبة الغائبين جميعا، بغين معجمة، وبعد الغين ياء تحتها نقتطان.
وقول دريد (3):
وهل أنا إلّا من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزيّة أرشد
قد أولعت العامّة أن يرووه غويت، ويجب أن يكون غوبت، بفتح الواو.
وهذا الأجود والأصحّ والأفصح.
وروى البغداديون:
[163ب] وقرّبن للأحمال كلّ ابن تسعة ... يضيق بأعلاه الحوية والرحل
تسعة: فوق التاء نقطتان، ويفسرونه ابن تسع سنين. ورواه البصريون: ابن نسعة بالنون.
وقول أبى الحجناء:
وكنت إذا ما خفت أمرا جنيته ... يخفّض جأشى ضبثه المتراعب (4)
__________
(1) فى الديوان 345: (إنما) فى موضع: (غدوة).
(2) هو جريبة بن الأشيم الفقعسى: شاعر إسلامى مقل. وقبل البيت الشاهد بيت هو:
فدى لفوارسى المعلمي ... ن تحت العجاجة خالى وعم
(3) القائل هو دريد بن الصمة. والبيت من قصيدة مطلعها:
نصحت لعارض وأصحاب عارض ... ورهط بنى السوداء والقوم شهدى
(حماسة 2: 156).
(4) أبو الحجناء: مولى لبنى أسد، وقد جاء فى الحماسة 2: 194 «الحجناء» من غير كنية. ولكن أول المقطوعة يؤيد أنه أبو الحجناء، وذلك قوله فى ابنه:
أعاذل من يرزأ كحجناء لا يزل ... كئيبا ويزهد بعده فى العواقب
حبيب إلى الفتيان صحبة مثله ... إذا شان أصحاب الرجال الحقائب
وقد روى «ضبثك» والمتراغب: بالغين المعجمة والراء، ويروى بالعين غير معجمة وبالزاى. والمتراغب من الرغابة، يقال واد رغيب وحوض رغيب: أى واسع.
وأما زعيب: فهو من سيل زاعب يملأ الوادى، وقد جاء راعب بمعنى زاعب.(1/369)
ضبثه الضاد معجمة، وبعد الباء ثاء فوقها ثلاث، والضبثة: القبضة الشّديدة على الشىء.
قال ابن ميادة (1):
كأن فؤادى فى يد ضبثت به ... محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه
ويروى: صيته، بصاد غير معجمة، وهو ذكره وصوته.
قال الهذيل بن هبيرة (2)
ألكنى وفر لابن الغريزة عرضه ... [إلى خالد من آل سلمى بن جندل]
وقوله وفر أمر من وفرت عرضه أفره. ابن الغريزة هو كثير الشّاعر (الغين معجمة، وبعدها راء غير معجمة، وبعد الياء زاى).
وقول الخنساء:
سأحمل نفسى على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها
هكذا قرأته على أبى بكر بن دريد: على آلة أى حالة، وهو أجود لأنها تقول:
فإما أن أموت وإما أن تنجو، ولو قالت على ألّة لم تنج لأن الألّة الحربة، ومن رواه على آلة قال كأنها أرادت أن تقتل نفسها. قال ويدلّ على هذا قولها:
[146ا] بنفسى [بنفسى] بعض الهموم ... فأولى لنفسى أولى لها (3)
وقول الآخر:
وأنت التى حببت شغبا إلى بدا ... إلىّ وأوطانى بلاد سواهما (4)
__________
(1) اسمه الرماح بن يزيد أو ابن أبرد شاعر إسلامى عريض للشر، طالب مهاجاة الشعراء ومسابة الناس.
وقد كانت كلمة «يقضب» فى الأصل «يقبض»، «وقاضبه»، «وقاصبه» بالصاد، والتصويب عن الحماسة 3: 159.
(2) أحد بنى حرقة بن ثعلبة بطن من ثعلب وهو شاعر مقل. وعجز البيت عن الحماسة: (حماسة 3: 37).
(3) ما بين القوسين زيادة يصح بها الوزن.
(4) ذكر البيت فى مراصد الاطلاع منسوبا إلى كثير، وكانت «التى» فى الأصل «الذى» والتصويب منه فى حرف الباء والدال، وهذه الرواية مشابهة لما فى النص. وقد جاء البيت كذلك فى حرف الشين والغين، ولكن وردت كلمة «شغبى» مكان «شغبا».(1/370)
شغب: بالغين المعجمة، وبدا، من بلاد عذرة، ولا يجوز بالعين غير المعجمة.
وكذلك البيت الآخر لأبى الشغب العينى، فى ابنه شغب، كذا فى الحماسة، وهو من بنى فزارة، واسمه عكرشة بن أزيد:
قد كان شغب لو انّ الله عمره ... عزّا يزاد به فى عزها مضر (1)
والذى بالعين غير المعجمة هو شعبى (2) على وزن فعلى. وشعبعب موضع.
وأما الشّعبى فهو منسوب إلى شعبان بن عمرو القيل. وأما عبيد الله بن عباس الشّاعر فإنه يقال له الشّعبى (مضموم الشين، محرك العين) وفيه يقول جرير:
أعبدا حلّ فى شعبى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
وقول امرأة:
فما جيفة الخنزير عند ابن مغرب ... قتادة إلا ريح مسك وغاليه
وما أكثر المصحفّين لهذا البيت. والصحيح أنه قتادة بن معرب اليشكرىّ (العين غير معجمة وساكنة، على وزن مفعل) وسنذكره فى أسماء الشّعراء إن شاء الله.
* * *ومن غير الحماسة
(164 ب) قال ابن مقبل (3):
يا حرّ أمست تليّات الصّبا ذهبت ... فلست منها على عين ولا أثر
يروى: تليّات الصّبا: ما يتلوها، وبليّات أيضا. وذكر عن أبى العباس ثعلب تلنات الصبا، بالنون، وقال التّلنّة (بضم التاء واللّام) والتّلنة (بفتح التاء وضم
__________
(1) فى الأصل «لو أن الله أمره» مكان «عمره» وهذه رواية الحماسة (ج 1ص 430).
(2) كانت فى الأصل: شعبا بالألف، والتصويب من مراصد الإطلاع.
(3) هو تميم بن أبى مقبل من بنى العجلان، وله قصيدة من أجود الشعر مطلعها:
كان الشباب لحاجات وكن له ... فقد فزعت إلى حاجاتى الأخر
وهذا البيت هو الثانى من هذه القصيدة.
ورواية الشعر والشعراء «بليات» بالياء لا بالتاء.(1/371)
اللام: الحاجة، وقال: إن لنا فى القوم تلاتة، أى حاجة. وقد قالوا تلوته.
وأنشد أبو عبد الله نفطويه: قال، أنشدنا أحمد بن يحيى:
حملت بليّة وولدت تمّا ... فأمّ لقوة وأب قبيس (1)
بلية (تحت الباء نقطة). الأم اللّقوة: التى تحمل من قرعة واحدة والأب القبيس الذى يلقح من قرعة واحدة. وفى أمثالهم: كانت لقوة لاقت قبيسا.
وقال لى أبو بكر بن دريد اللّقوة إذا وصفت بها الفرس فهى سريعة الالتقاف لماء الفحل، واللّقوة بالفتح: العقاب السّريعة الخطف.
قول العباس بن مرداس:
أبا خراشة إما كنت ذا نفر ... فإنّ قومى لم تأكلهم الضّبع (2)
خراشة: بالخاء المعجمة مضمومة، ويصحفونه كثيرا من الجيم. وأبو خراشة كنية خفاف بن ندبة.
ومن غير الحماسة
قال القطران العبشمى، أنشدناه أبو بكر
ابن دريد، عن أبى حاتم:
[165ا] فإن تك قرحة خبثت ونجّت ... فان الله يفعل ما يشاء (3)
يرويه من لا يعلم وبحت، بالباء، والصواب ونجّت بالنون. يقال: نجت القرحة تنجّ نجيجا: أى سالت بما فيها: وفى كلام بعض الأعراب: أتى بأدبر ينجّ ظهره (4)، وأنشد ابن دريد، وقد قرأته فى كتاب الاشتقاق:
__________
(1) الأم اللقوة: السريعة اللقاح، وأنشد أبو عبيدة البيت بفتح اللام، وروى البيت هكذا:
* حملت ثلاثة فولدت تما * بدلا من «حملت بلية».
(2) يروى «إما أنت» بدلا من «إما كنت».
(3) هذا البيت أورده الجوهرى منسوبا لجرير، ونبه عليه ابن برى فى أماليه: أنه للقطران.
(4) فى الأصل: «أتانا دبر»، والصواب ما ذكرنا، فقد ورد فى اللسان: يقال: جاء بأدبر ينج ظهره، (وجاء) مثل (أتى) الواردة فى النص.(1/372)
أبوك شقيق ذو صياص مذرّب ... وإنك عجل فى المواطن أبلق
قال بعض أهل اللغة: شقيق: يعنى ثورا فتىّ السّنّ إذا تم شبابه، قال: ومن هذا سمىّ الرّجل شقيقا. وقوله: مذرّب، بالذال المعجمة. وأنشد أبو بكر أيضا:
العفو عند لبيب القوم موعظة ... وبعضه لسفيه الرأى تذريب
وأنشدنا غيره:
ويغفرها كأن لم يفعلوها ... وبعض الحلم أذرب للظّلوم
قال علقمة بن عبدة:
رغا فوقهم سقب السماء فداحض ... بشكّته لم يستلب وسليب (1)
سقب السماء: أراد سقب ناقة ثمود، يقال: دحص البعير برجله إذا ضرب بها عند الموت، الصاد غير معجمة، وروى ابن الأعرابىّ فداحض (بضاد معجمة).
والدّاحض: الذى يزلق فى الدّحض، وأنشد لطرفة:
[رديت ونجىّ اليشكرىّ حذاره] ... وحدت كما حاد البعير عن الدّحض (2)
قوله:
إذا كنت فى قوم عدى لست منهم ... فكل ما علفت، من خبيث وطيّب (3)
[165ب] عدى: بالكسر لا غير، لأن العدى هاهنا الغرباء ويقال فى الأعداء عدى وإذا ضممت قلت عداة.
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
طحا بك قلب بالحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
(2) صدر البيت عن اللسان، وقد ورد شاهدا على الدحض بتسكين الحاء.
(3) قال ابن برى: هذا البيت يروى لزرارة بن سبيع الأسدى، وقيل: هو لنضلة بن خالد الأسدى.
وقال ابن السيرافى: هو لدودان بن سعد الأسدى. قال: ولم يأت فعل «بكسر الفاء» صفة إلا قوم عدى، ومكان سوى، وماء روى، وماء صرى، وملاءة ثنى، وواد طوى. وقد جاء الضم فى سوى وثنى وطوى. قال: وجاء على فعل من غير المعتل: لحم زيم وسبى طيبة (لسان: عدا).(1/373)
قال الأخطل:
[ألا يا اسلمى يا هند هند بنى بدر (1)] ... وإن كان حيّانا عدى آخر الدّهر
أنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابى:
تظلّ بنات أعنق مسرجات ... لرؤيتها يرحن ويغتدينا (2)
يصف درة قال: تظل بنات الأعناق وهى كل دابّة أعنقت: فرس أو بعير، فإنّها مسرجة للناس ليذهبوا للنّظر إليها. قال فقالوا لابن الأعرابى إن الأصمعىّ قال مسرجات، وإنهن النساء يذهبن لينظرن إليها، فقال أخطأ ليس هذا بشئ.
فى شعر ذى الرمة:
[ونشوان من طول النّعاس] ... كأنّه بحبلين فى مشطونة يتنوع (3)
رواه ابن الأعرابى بالنون، وقال: يتنوّع: يترجح أو نحوه، وتابع من ذلك، ورواه يتبوّع بالباء.
وأنشدنا نفطويه، قال أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابى:
وفناة تبغى بحربة عهدا ... من صبيح قفىّ عليه الخبال
وفناة بالنون. والفناة: البقرة من الوحش خاصة، ويقال للجمع: هنّ فنا كثيرة. وحربة موضع والفنا فى غير هذا الموضع عنب [166ا] الثّعلب.
كأنّ فتات العهن فى كلّ منزل ... نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم (4)
__________
(1) صدر البيت عن الديوان، وهو مطلع القصيدة.
(2) قد ورد البيت فى اللسان بفتح الراء فى مسرجات، ثم قال: ويروى مسرجات «بكسرها» قال أبو العباس: اختلفوا فى أعنق، فقال قائل: هو اسم فرس، وقال آخرون: هو دهقان كثير المال من الدهاقين، فمن جعله رجلا، رواه مسرجات «بالكسر» ومن جعله فرسا رواه مسرجات «بالفتح وقد جاء كلمة «لرؤيتها» فى الأصل المخطوط «لرونقها» (لسان: عنق).
(3) ما بين القوسين من البيت عن ديوان ذى الرمة.
(4) تمام البيت عن الديوان،، وهو من معلقة زهير التى مطلعها.
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
والفنا فى البيت مقصور، والواحدة فناة: عنب الثعلب، وحبه شديد الحمرة.(1/374)
وقال امرؤ القيس:
وغيث كألوان الفنا قد هبطته ... يعاون فيه كلّ أوطف حنّان (1)
شجر له نور أحمر، فأما قوله:
إذا راح للأدحىّ أوبا يفنّها ... فترمد من إدراكه وتحيض (2)
يفنّها: يطردها، والفانّ: الطارد، والحمار يفن العانة.
بيت لكثير:
فلا تعجلى يا عزّ أن تتفهّمى ... بنصح أنى الواشون أم بحبول (3)
يروى بالحاء والخاء، فمن رواه بالحاء قال الخبل: الداهية، والجميع: الحبول.
ويروى بخبول، بالخاء المعجمة: وهو الفساد، مأخوذ من الخبل.
روى البصريون هذا البيت:
إلّا سلام وحرمل
ورواه أبو إسحاق الزّجّاج، فى شىء استشهد به، إلّا سلام، بفتح السين، وقال: سمعت محمد بن يزيد يذكر أن السّلام فى اللغة أربعة أشياء: فمنها سلّمت سلاما: مصدر سلّمت، ومنها السّلام: جمع سلامة، ومنها السّلام: اسم من أسماء الله عزّ وجلّ، ومنها السّلام شجر. اه. قال: ومنه قوله «إلا سلام وحرمل» بفتح السين، قال: ومعنى السّلام الذى هو مصدر سلّمت: أنه دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات فى دينه [166ب] ونفسه، وتأويله التّخلّص. والسلام: اسم الله عز وجل،
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
قفانبك من ذكرى حببب وعرفان ... ورسم عفت آياته منذ أزمان
(2) البيت من قصيدة لامرئ القيس مطلعها:
أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص ... فتقصر عنها خطوة أو تبوص
وقد جاءت كلمة «تحاذر» مكان «فترمد» بالديوان. وفى الأصل جاءت «تحيض» بالضاد، والتصويب عنه.
(3) البيت فى شواهد اللسان، رواه فى مادة حبل والحبل: الداهية والجمع، حبول.(1/375)
تأويله: ذو السّلام، الذى يملك السّلام، الذى هو تخليص من المكروه. وأما السّلام الشّجر: فهو شجر عظام، أحسبه سمّى بهذا لسلامتها من الأفات. وأما السّلام بكسر السين: فالحجارة الصّلبة، سمّيت بهذا لسلامتها من الرّخاوة، واحدتها سلمة. وأما الصّلح فسمى السّلم والسّلم والسّلم، وسمّى من هذا، لأنّ معناه السّلامة من الشّرّ. والسّلم: دلو لها عروة واحدة كدلو السقّائين، سميت سلما لأنها أقلّ عرا من سائر الدّلاء، فهى أسلم من الآفات. والسّلّم الذى يرتقى عليه، سمّى بذلك لأنه يسلمك إلى حيث تريد. والسلّم: السبب إلى الشّىء، سمّى بهذا لأنه يؤدّى إلى غيره، كما يؤدّى السلّم الذى ترتقى عليه.
والسّلم: أن يسلفك فى حنطة أو شعير أو غيرهما.
وقول الشاعر:
فان تكتموا الدّاء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (1)
لا نخفه: النون مفتوحة، هكذا الرواية، معناه: لا نظهره. ومن هذا قراءة من قرأ:
أكاد أخفيها (2) وقال:
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهنّ ودق من عشى بمحلب (3)
[167ا] وروى قطرب:
__________
(1) يروى هذا البيت لامرئ القيس بن عابس الكندى. وأنشده اللحيانى: والرواية كما فى اللسان مادة خفا.
فإنّ تكتموا السرّ لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
(2) قرئ قوله تعالى: {«إِنَّ السََّاعَةَ آتِيَةٌ أَكََادُ أُخْفِيهََا»} أى أظهرها، حكاه اللحيانى، عن الكسائى، عن محمد بن سهل، عن سعد بن جبير (لسان: خفا).
(3) رواية اللسان:
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من سحاب مركب
قال ابن برى: والذى وقع فى شعر امرئ القيس: من عشى مجلب.
ويقال: خفا المطر الفئار إذا أخرجهن من أنفاقهن، وخفا البرق خفوا وخفوا لمع، وخفا الشئ خفوا: ظهر، وخفى الشئ خفيا وخفيا: أظهره واستخرجه.(1/376)
يا دار أقوت بعد أصرامها ... عاما وما يعنيك من عامها (1)
نصب دار، فقال بعضهم: أراد بنصب دار التنوين، كأنه قال: يا دارا أقوت، ثم حذف التنوين استخفافا، لأن النداء باب حذف فقال أبو إسحاق الزّجّاج: هذا لا يجوز، لأنه يلزمه على قوله أن يقول: يا رجل أقبل، يريد يا رجلا، ثم حذف التّنوين، وهذا ليس بشىء. ثم قال: ولم يروه [أحد] من أصحابنا ولا أعرف له وجها. أنشد سيبويه والخليل وجميع البصريين: يا دار أقوت (بضم الراء).
قال الخليل فى قوله: لا تخبزا خبزا ونسّانسّا، قال نسّا: سوق لطيف. قال: ومن روى بسا فهو غلط، لأن البسيس: إنما هو دقيق يلتّ بالسّمن أو الزيت، ثم يستفّ.
وقال آخر:
أبنى لبينى لستما بيد ... إلا يدا مخبولة العضد (2)
بالخاء المعجمة على نيّة (3) الاثنين. وأصل الخبال فى اللغة، ذهاب الشّىء: أى قد ذهب عضدها، هكذا أنشده الزّجاج. وأنشدنا الهزّانى، (4) قال: أنشدنا الرياشىّ، قال: حدثنا ابن أبى رجاء، قال: حدثنا أبو ثوبان، قال يونس: أرسلنى أبى إلى رؤبة أسأله: كيف ينشد هذا البيت:
أبنى لبينى لستم بيد ... إلا يد ليست لها عضد
[167ب] أم يدا؟ فقال: كيف شئت.
مما يروى على الترخيم فيغلط فى إعرابه، قوله:
__________
(1) البيت للطرماح، وهو من شواهد اللسان (مادة صرم). والصرم بالكسرة: الأبيات المجتمعة المنقطعة من الناس، والصرم: الفرقة من الناس ليسوا بالكثير.
(2) البيت من شواهد اللسان (مادة خبل) وهو منسوب لأوس. وقد ورد «لستم» مكان «لستما»
(3) فى الأصل: «تثنية»، وهو خطأ محرف عما أثبتناه.
(4) فى الأصل المخطوط: الهمزانى، والصواب ما أثبتناه.(1/377)
أجبيل إن أباك كارب يومه ... فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل (1)
رخّم جبيلة، والرواية بفتح اللام. يروى: كارب يومه: أى دنا وقرب.
ويروى كارب يومه على الإضافة، والمعنى واحد، يقال: كرب فهو كارب إذا قرب. وقال:
إذا تردّ وقيد العير مكروب
ومثله قول الراعى:
أخليد إن أباك ضاف وساده ... همّان باتا جنبه ودخيلا
رخّم خليدة. ومثله قول الآخر:
رونق إنّى وما حجّ الحجيج له ... وما أهلّ بجنبى نخلة الحرم
وفى أربع قصائد لأبى كبير (2):
أزهير هل عن شيبة من مصرف ... أزهير هل عن شيبة من معدل
وقال أيضا:
أزهير إن يشب القذال فإننى ... رب هيضل مرس لففت بهيضل (3)
ورب خفيف. ورواه بعضهم: فرب هيضل (بتسكين الباء) وأنشد:
ألا رب ناصر لك من لؤىّ ... كريم لو تناديه أجابا
__________
(1) البيت لعبد القيس بن خفاف البرجمى، وقد روى فى اللسان:
أبنى إن أباك كارب يومه ... فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
وفى الأصل: «قومه» فى مكان «يومه»، وهو خطأ، كما يوخذ من شرحه بعد.
(2) قال ابن قتيبة: أبو كبير الهذلى هو عامر بن الحليس، وهو جاهلى، وله أربع قصائد، أولها كلها شئ واحد، ولا نعرف أحدا من الشعراء فعل ذلك، إحداهن:
أزهير هل عن شيبة من معدل ... أم لا سبيل إلى الشباب الأول
والثانية: أزهير هل عن شبيبة من مقصر ... أم لا سبيل إلى الشباب المدبر
والثالثة: أزهير هل عن شيبة من مصرف ... أم لا خلود لباذل متكلف
والرابعة: أزهير هل عن شيبة من معكم ... أم لا خلود لباذل متكرم
(3) فى الأصل المخطوط (إن يستب) وهو مصحف عما ذكرناه (عن الشعر والشعراء 420).(1/378)
وتقول العرب: ربّ (بالتشديد)، ورب (بالتخفيف) ورب رجل، فيسكنون الباء، ثمّ يقولون: ربّت رجل، ربّت رجل (فيفتحون الراء ويشددون)، وربّما رجل.
(مشدّد (و) مخفف، وربّتما [168ا] فيفتحون). حكى ذلك قطرب. ومعنى ربّ: أنها كلمة تفرد واحدا من جمع يقع على واحد، ويعنى به الجمع، كقولك: ربّ خير قد لقيت:
وقال آخر:
أحكم الجنثىّ من عوراتها ... كلّ حرباء إذا أكره صل (1)
قال الأصمعىّ: سمعت خلفا يقول: سمعت أفصح العرب ينشد: أحكم الجنثىّ بكسر الجيم، قال: الجنثىّ والجنثىّ: السيف بعينه. والجنثىّ: منصوب أحكم، أى ردّ عن عوراتها السيف. قال: ومن هذا سمّيت حكمة الدابة. قال: وأنت تجد فى كتاب السلاطين القديمة: فأحكم بنى فلان عن كذا. قال الشيخ: ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: إنّ من الشعر حكمة: أى ما يردّ عن القبيح. وأنشد فى أنّ الجنثىّ السيف:
[ولكنها سوق يكون بياعها] ... بجنثيّة قد أحكمتها الصّياقل (2)
قال: ومن روى أحكم الجنثىّ من عوراتها كل حرباء. قال: الجنثىّ: الحداد بالضّم، أحكم عوارت الدّرع، لم يدع فيها عيبا. وقال أبو عبيدة: الجنثىّ بالضم والكسر: من أجود الحديد، وقال: هذا الذى سمعناه من بنى جعفر بن كلاب. وقال آخرون: بل الجنثى: القين، ورفعوا الجنثى، ونصبوا كل.
وقال آخر:
إذا تبصّرها الراءون مقبلة ... لاحت لهم غرّة منها وتجبيب
[168ب] ما أكثر ما يغلط بهذا، فيقال: وتحنيب بالنون، يذهبون إلى تحنيب الرّجلين، وإنما هو تجبيب، بعد الجيم باء تحتها نقطة، يقال: فرس مجبّب إذا بلغ
__________
(1) البيت من شواهد اللسان (مادة جنث) منسوب إلى لبيد.
(2) صدر البيت عن اللسان وقبله:
وليست بسوق يكون بياعها ... بجنثية قد أحكمتها الصهاقل(1/379)
البياض إلى أنصاف الأوظفة، من اليدين والرّجلين. يقال: ما أحسن جبّة فرس فلان، وقد جبّبت تجبيبا حسنا.
وقال عدىّ:
له عنق مثل جذع السّحوق ... والأذن مصعنّة كالقلم
يرويه من لا تحصيل له:
والأذن مصغية كالقلم
يجعله من الإصغاء. وإنما هى مصعنّه، العين غير معجمة، والنون مشددة.
مصعنّة: مؤلّلة محدّدة. يقال: اصعنّ إذا دقّ (1)
وقال آخر:
خذاميّة آدت لها عجوة القرى ... فتأكل بالمأقوط حيسا مجعّدا (2)
خذاميّة: بالخاء والذال المعجمتين، نسبها إلى بنى خذام. ولا يجوز هاهنا خدامية، آدت: مالت، والمأقوط: سويق يخلط بالأقط.
أنشدنا أبو بكر بن الأنبارىّ قال: أنشدنى أبى، عن أبى محمد الرّستمى:
كأنّ على كبدى قرعة ... حذارا من البين ما تبرد
قرعة: بالقاف والراء والعين غير معجمتين، وقال أبى: قرعة ميسم (3).
قال الفرزدق:
إن الطّرمّاح يهجونى لأرفعه ... أيهات أيهات عيلت دونه القضب
[169ا] رأيته فى كتاب بعض المغفّلين: دونه القصب بصاد غير معجمة. يريد القصائد المقصّبه، واحدها: قصيب، وهو من قولهم: ناقة قضيب (4):
__________
(1) والصعون: الدقيق العنق الصغير الرأس من أى شئ، وقد غلب على النعام، وأنشد البيت السابق (لسان مادة صعن).
(2) يقال حيس جعد ومجعد: غليظ غير سبط. وقد أنشد ابن الأعرابى (رواية اللسان) البيت واستبدل بكلمة فتأكل: وتخلط. ثم قال: رماها بالقبيح يقول هى مخلطة لا تختار من يواصلها.
(3) جاء فى اللسان: يقال فى المثل: هو أحر من القرع [بالتحريك] وربما قالوا، من القرع بالتسكين، يعنون به قرع الميسم، وهو المكواة، ثم روى البيت.
(4) لا يوجد هذا المعنى فى «قصب» بل هو فى قضب، كما فى اللسان. فتأمله.(1/380)
أى صعبة لم تركب ولم ترض. وعيلت، ارتفعت، كما يقول فى الفريضة:
عالت وعيلت (1)، فقلت. وللفرزدق فى هذا مذهب. قال [يفخر على] جرير (2):
غلبتك بالمفقّئ والمعنىّ ... وبيت المحتبى والخافقات
المفقّئ: الفاء قبل القاف، ومن قدّم القاف وذهب إلى القافية فهو غالط وإنما أراد الفرزدق ببيت فى الشعر:
فلست وإن فقأت عينك واجدا ... أبا لك إن عدّ المساعى كدارم
وأراد بالمعنّى قوله:
وإنّك إذ تسعى لتدرك دارما ... لأنت المعنىّ يا جرير المكلّف
وأراد بالمحتبى قوله:
بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
وأراد بالخاففات قوله:
وأين تقضّى المالكان أمورها ... عليك، وأين الخافقات اللوامع (3)؟
وقول الفرزدق:
وهب القصائد لى النوابغ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول
أبو يزيد: المخبّل.
أنشدنا أبو عبد الله نفطويه:
رأيت الفتية الأغرا ... ل مثل الأينق الرّعل (4)
__________
(1) العول فى الفريضة أن تزيد سهامها، فيدخل النقص على أهل الفرائض بسببه. وانظر كتب الميراث فى هذا.
(2) ما بين المعقفين زيادة يستقيم بها الكلام، لأن البيت للفرزدق، وهو فى (ديوانه: 131) وإن كان لجرير يجيب بها الفرزدق (انظر ديوانه: 83).
(3) فى (الديوان: 158): «بحق» فى مكان «عليك». وفى شرحه: المالكان: مالك بن زيد بن تميم، ومالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن تميم.
(4) البيت من شواهد اللسان (مادة رعل) جاء فيها. قال الجوهرى: الرعل والرعلة ما يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا لا تبين كأنه زنمة. والأعزال جمع عزل بضمتين: الذى لاسلاح معه مثل سدم وأسدام. ورواه ابن دريد الأغرال جمع أغرل، وهو الأغلف، وهو منسوب للفند الزمانى واسمه سهل بن شيبان.(1/381)
[169ب] وأنشدنا ابن الأنبارىّ، قال: أنشدنى أبى، قال: أنشدنا أحمد بن عبيد لمزرد:
صقعت ابن ثوب صقعة لا حجى لها ... يولول منها كل آس وعائد
صقعت: بالقاف، والصّقع: الضرب على الرأس. ويقال للعمامة الصّوقعة. وقوله لا حجى لها: أى، كأنها ليس لها عقل، مثل قوله:
منتخب اللّبّ له ضربة ... خدباء كالعطّ من الخذعل (1)
أى هذا السيف كالأهوج، المنتزع القلب. خدباء: هو جاء. معناه لا يتمالك.
والخذعل: الحمقاء. يقول فضربته كالخرق من ثوب الحمقاء.
وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنى أبى، عن أحمد عن يعقوب:
أذكرت عصرك أم شأتك ربوع ... أم أنت مبتل الفؤاد نضوع
أم لا تعوج بمنزل نزلت به ... أسماء إلا فاض منك دموع
الأشكال يقع فى قولهم شآنى، والألف هى الهمزة، وفى شاءنى الهمزة بعد الألف، ويقال شآنى على مثال شعانى، إذا أعجبك وشاقك، وشاءنى يشوءنى، على مثال شاعنى يشوعنى إذا أعجبك. وقد جمع شاعر بينهما فقال:
مرّ الحمول فما شأونك نقرة ... ولقد أراك تشاء بالأظعان (2)
وقوله فى هذا البيت: شأتك ربوع: أى شاقتك وأعجبتك (170ا) ابن معدى كرب:
وصله بالزّماع وكلّ أمر ... سما لك أو سموت له ولوع
ولوع، الواو مفتوحة:
__________
(1) البيت للمشتمل، وقد جاء كلمة خدباء فى الأصل حربا، والتصويب عن اللسان مادة خذل
(2) البيت للحارث بن خالد المخزومى، وبعده:
تحت الخدور وما لهن بشاشة ... أصلا خوارج من قفا نعمان
(لسان: شأى)(1/382)
روى أبو إسحاق الزجاج فى قصيدة العجاج:
مغزى بعيدا من بعيد وضبر ... [من مخّة الناس التى كان امتخر] (1)
أنشدنى المعمرىّ قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابى:
أنشد الناس ولا أنشدهم ... إنما ينشد من كان أضلّ (2)
أنشد الأول، مفتوح الهمزة مضموم الشين، ولا أنشدهم. الهمزة مضمومة، والشين مفتوحة، والثالث إنما ينشد، الياء مفتوحة، والشين مضمومة. ومعنى البيت أنه ذكر قوما ماتوا، فقال: أنشد الناس: أى أسأل عنهم، وأطلبهم.
من قولك: أنشدت الضالّة أى طلبتها. وقوله لا أنشدهم أى لا أدلّ عليهم.
وقوله: إنما ينشد من كان أضل أى إنما يطلب من كان أضل بعيره، فيدل عليه (3)، فأما هؤلاء فموتى، فمن يدلّنى عليهم إذا ماتوا؟
من ضعيف ما يروى، وأكثر النحويين لا يجيزونه:
لما رأى أن لا دعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فاضطجع
زعم الفرّاء أن الهاء التى فى قوله دعه. يجوز إسكانها، واستشهد [170ب] به على قراءة من قرأ «أرجه» (4) قال البصريون إن هاء الإضمار اسم، ولا يجوز إسكانها، واستشهد الفراء ببيت آخر ضعيف، من الأول، أنشدنيه أبو عمر عن أحمد بن يحيى:
لست إذا لزعبله ... إن لم أغيّر بكلتى ... أن لم أساو بالطّول (5)
فجزم الهاء فى زعبله، وجعلها هاء، وإنما هى تاء فى الوصل.
__________
(1) ما بين القوسين عن الديوان وهو من أرجوزة مطلعها:
قد جبر الدين الاله فجبر ... وعور الرحمن من ولى العور (الديوان ص 15)
(2) البيت للنابغة الجعدى.
(3) فى الأصل المخطوط عليهم، والسياق يقتضى إفراد الضمير.
(4) تمام الآية الكريمة «قالوا أرجه وأخاه وأرسل فى المدائن حاشرين» (الأعراف آية 111).
(5) رواه ابن الأعرابى عن امرأة كانت تحمق تقول إن لم أغير ما أخلط من كلام ولم أطلب الخصال الشريفة فلست لزعبلة، وزعبلة أبوها (معجم مقاييس اللغة لابن فارس).(1/383)
باب ما يشكل ويصحف من أسماء الشعراء
وهو باب صعب، لا يضبطه إلا كثير الرواية، غزير الدّراية. وقال أبو الحسن علىّ بن عبدوس الأرّجانى، وكان فاضلا متقدما، وقد نظر فى كتابى هذا، فلما بلغ هذا الباب، قال لى: كم عدة أسماء الشعراء الذين ذكرتهم؟ فقلت:
مائة ونيّف، فقال لى: إنى لأعجب كيف استتبّ لك هذا!! فقد كنّا ببغداد، والعلماء متوافرون وذكر أبا إسحاق الزجّاج، وأبا موسى الحامض، وأبا محمد الأنبارىّ والبريدىّ، وغيرهم، فاختلفوا فى اسم شاعر واحد، وهو حريث بن محفض، وكتبنا أربع رقاع إلى أربعة من العلماء، فأجاب كلّ منهم بما يخالف الآخر. فقال بعضهم: مخفّض بالخاء والضاد معجمتين. وقال آخر ابن محفض فقلنا ليس لهذا إلا أبو بكر بن دريد، فقصدناه فى منزله، فعرّفناه ما جرى، فقال ابن دريد: أين يذهب بكم؟ هذا مشهور، هو حريث بن محفّض، الحاء غير معجمة، ومفتوحة، والفاء مشدودة والضاد منقوطة، وهو من بنى تميم ثم من بنى مازن بن عمرو بن تميم، وهو القائل:
ألم تر قومى إن دعوا لملّمة ... أجابوا وإن أغضب على القوم يغضبوا
هم أحفظوا غيبى كما كنت حافظا ... لقومى أخرى مثلها أن يغيّبوا
بنو (1) الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم أباء صدق فأنجبوا
__________
(1) رواية الشعر والشعراء (ص 244) بنى وقد جاءت الأبيات بنقص بيت وزيادة آخر فيها:(1/384)
وتمثّل الحجاج بهذه الأبيات على المنبر فقال أنتم يا أهل الشام كما قال حريث ابن محفّض (1). فقال أنا والله حريث بن محفّض. فقال: ما حملك على أن سابقتنى؟ قال: لم أتمالك إذ تمثّل الأمير بشعرى، فأعلمته مكانى: ثم قال أبو الحسن بن عبدوس: فلم يفرّج عنا غيره.
قال الشيخ: واجتمع يوما فى منزلى بالبصرة أبو رياش، وأبو الحسين بن لنكك، فتقاولا، فكان مما قال أبو رياش: أنت كيف تحكم على الشعر والشعراء [171ب] وليس تفرّق بين الزّفيان والرّقبان فأجاب أبو الحسين، ولم يقنع بذلك أبو رياش، وقاما على جدال وشغب. قال الشيخ: فأما الرّقبان، الراء غير معجمة وبعدها قاف وتحت الباء نقطة، فجاهلىّ قديم، ويقال له أشعر الرّقبان (2)، وربما قيل له الأشعر الشين منقوطة. وأما الأسعر الجعفىّ فهو بالسين غير المعجمة سمى الأسعر لقوله:
فلا يدعنى قومى لكعب بن مالك (3) ... لئن أنا لم أسعر عليهم وأثقب
وأما الأشعر، والد الأشعرييّن، فالشين معجمة. واسمه نبت بن كرز ابن كهلان، والأسعر بن حمران (4) صاحب المقصورة التى يقول فيها:
ولقد علمت على توقّىّ الرّدى ... أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى
والأشعر الرّقبان هو القائل:
تجانف رضوان عن قومه ... ألم يأت رضوان عنّى النّذر
__________
(1) هو من بنى تميم من خزاعى بن مازن رهط أبى عمرو بن العلاء رواها الحجاج مثلا لأهل الشام فى طاعتهم وبأسهم.
(2) جاء فى معجم الشعراء ص 47الأشعر الرقبان الأسدى، واسمه عمرو بن حارثة بن ناشب
ابن دودان بن أسد.
(3) روى صدر البيت * فلا تدعنى الأقوام من آل مالك *
(4) الأسعر الجعفى هو مرثد بن أبى حمران، والبيت من مقصورته التى مطلعها:
أبلغ أبا حمران أن عشيرتى ... ناجوا وللقوم المناجين التوا
وقد جاءت فى الديوان كلمة (تجشمى) مكان توقى.(1/385)
بحسبك فى القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غبىّ مضر
وفى اليمن الأشعر، بشين منقوطة، هو الأشعر بن عدى بن وائل بن الجماهر بن الأشعر (1).
وأما الزّفيان، الزّاى منقوطة، وبعدها فاء وتحت الياء نقطتان، فهو من بنى تميم، من نمير من بنى [172ا] سعد بن زيد بن مناة، ويعرف بالزّفيان السّعدى، وهو الراجز، أكثر شعره الرّجز، وكان على عهد جعفر بن سليمان، وهو الزّفيان (2) بن مالك، من بنى عوانة، وهو القائل:
وصاحبى ذات هباب دمشق ... كأنها بعد الكلال زورق
فأخبرنى أحمد بن محمد بن بكر، قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبى عبيدة، قال قدم الزّفيان البصرة، وكان فى دار واسعة، وإلى جنبه بناء عال، تشرف عليه منه فتاة، وكان قصيرا أزعر الرأس، وكانت تمازحه وتشير إليه، فلما شخص أصحابه، بعث معهم إلى أهله بميرة وأقام، وباع إبله فاكتسى بثمنها، وجعل فى رأسه مسكا، فأشارت يوما بأصبعها إلى قصره فعلم أنها كانت تهزأ به وكان اسمها عبهر فأنشأ يقول:
عبهر يا عبهر يا عبهر ... لا تسخرى منّى ومنك المسخر
غرّك سربال عليك أحمر ... ومقنع من الحرير أصفر
__________
(1) جاء فى الأصل (علد) مكان (عدى) والجماهير مكان الجماهر، والتصويب عن جمهرة أنساب العرب ص 374.
(2) الزفيان: هو عطاء بن أسيد أحد بنى عوانة ابن تميم ويكنى أبا المرقال، وقيل له الزفيان لقوله: والخيل تزفى النعم المعقودا
وقد جاء النص فى القطعة المطبوعة من ديوانه هكذا:
وصاحبى ذات هباب دمشق ... خطباء ورقاء السراة عوهق
كأنها بعد الكلال زورق ... ناج ملح فى الخبار يعلق(1/386)
وتحت ذاك سوءة لو تظهر ... وإن كنت أسننت فأنت أكبر
واحذر الرأس فرأسى أزعر ... بادية أصلاؤه شفنتر
أو أك مربوعا فأنت أقصر
[179ب] فقالت إنما كنا نمزح، فأما إذا صار إلى هذا فالسلام عليك، فلم يرها بعد ذلك. وذكر أبو حاتم آخر يقال له الزّفيان، وأنه كان مع خالد بن الوليد حين أقبل من البحرين فقال:
يهدى إذا خوت النّجوم صدورها ... ببنات نعش أو بضوء الفرقد
وفيهم شاعر يقال له ريعان وهو القائل:
إذا كنت فى عميا فكن فقع قرقر ... وإلا فكن إن شئت ابن حمار
ومما تستوى حروفه، وتتّفق فى العدد من أسمائهم فيصحّف، البعيث والنّعيت. فأما البعيث، تحت الباء نقطة والثاء منقوطة بثلاث، فهو من شعراء بنى تميم وكان خطيبا شاعرا، واسمه خداش بن بشر، وهو من بنى بيبة بن سفيان، ابن مجاشع، بن دارم، وإنما سمى البعيث لقوله:
تبعّث منى ما تبعّث بعد ما ... هاجى البعيث جريرا
حتى قام الفرزدق، فلما قام الفرزدق أسقطه.
وأما النعيت (2) فكان فى أيام المهلّب. وذكر فى الحماسة البعيث بن حريث (1)
__________
(1) هو النعيت بن عمرو بن مرة بن ود ابن كعب بن يشكر، شاعر محسن، وهو القائل حين قدم المهلب خراسان واليا:
تيدل للمنابر من قريش ... مر دنيا بقفحته الصليب
فأصبح قافلا كرم ومجد ... وأصبح قادما كذب وحوب
فلا تعجب لكل زمان سوء ... رجال والنوائب قد تنوب
وله أشعار جياد فى أشعار بنى يشكر (المؤتلف 57).
(2) هو البعيث بن حريث بن جابر بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم، وهو القائل:
وإن مسيرى فى البلاد ومنزلى ... لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب
ولست وإن قربت يوما ببائع ... خلاقى ولا قومى ابتغاء التحبب
ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعنى من ذاك دينى ومنصبى
(المؤتلف ص 56)(1/387)
وذكر بعضهم أنه البغيت (1).
وباعث بن صريم العين غير معجمة والصاد مضمومة وهو القائل:
[173ا] وخمار غانية عقدت برأسها ... أصلا وكان منشّرا بشمالها
ومما يشكل الخنّوت والجنوب، فأما الخنّوت، الخاء معجمة والنون مشددة مفتوحة وفوق التاء نقطتان، فهو من بنى تميم، ثم من بنى سعد بن زيد مناة، وقيل إن اسمه توبة بن مضرس (2) والخنّوت لقب، وهو القائل:
تعدّى المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب الدهر بالحازم الجلد (3)
وله أيضا:
وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا فى عاجل أنا آجله
وأقبلت فى الساعين أسأل مالهم ... سؤالك بالشىء الذى أنت جاهله
وأما الجنوب (4)، بالجيم والباء، فهى امرأة من هذيل وهى أخت عمرو ذى الكلب وقد رثته بمراث جياد، فمنها قوله:
فأقسم يا عمرو لو نّبهاك ... إذا نبّها منك داء عضالا
وكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا
وثغر سددت وقرن قتلت ... وعلج سددت عليه الجبالا
__________
(1) البغيت بباء معجمة من أسفل وغين معجمة وتاء بنقطتين من فوق كان فاتكا كثير الغارات، وسمى البغيت لأنه كان يأتى الناس باغتا وهو القائل:
ونحن وقعنا فى مزينة موقعا ... غداة التقينا بين غيق فعيهما
ونحن جلبنا يوم قدس أوارة ... قنابل خيل تترك الجو أقتما
(المؤتلف ص 59)
(2) فى الأصل المخطوط «مضربين» وهو خطأ من الناسخ، والتصويب عن المؤتلف والمختلف.
(3) هذا البيت واحد من أربعة جاءت فى ترجمة الشاعر فى المؤتلف رويت عن الأخفش وهى:
ولما رأت ما قد تقرع لمتى ... من الشيب قالت يالرأس أبى الجعد
برأسى خطوب لو علمت كبيرة ... يجىء بها غيرى وأطلبها وحدى
تعدى المصيبات ... ...
وإنى امرؤ لا ينقض القوم مرتى ... إذا ما انطوى منى الفؤاد على حقد
(ص 69مؤتلف)
والخنوت بكسر الخاء وتشديد التاء المفتوحة بإسكان الواو عن القاموس.
(4) جاءت الجنوب فى أشعار الهذليين من غير أداة تعريف.(1/388)
وقالت فيه:
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان تعوى عنده الذّيب (1)
تمشى النّسور إليه وهى لاهية ... مشى العذارى عليهن الجلابيب
[173ب] وأبو الجنوب بن خنساء شاعر فارس جعفىّ.
وفى الشعراء خوّات بن جبير هو القائل:
وكنت إذا ما القوم همّوا بغدرة ... نادوا على اسمى يا أخا الغدارت
وفى شعراء بنى تميم عمرو بن الأهتم المنقرى (2). وفى شعراء بنى تغلب عمرو ابن الأيهم، فأما عمرو بن الأهتم المنقرىّ، فوق التاء نقطتان، فقد وفد إلى النبى صلى الله عليه وسلم. وكان يقال له المكحّل، ويقال لشعره حلل الملوك قال الفرزدق:
حلل الملوك كلامه يتمثل (3)
وأما جبلة بن الأيهم فانه من ملوك غسان، وليس له شعر، وقد مدحه حسّان، وهو الذى ارتدّ وتنصّر. وأما عمرو بن الأيهم التّغلبىّ (4). والأيهم الذى يركب
__________
(1) الأبيات من قصيدة مطلعها:
كل امرئ لطوال العيش مكذوب ... وكل من عاتب الأيام مغلوب
(2) كان سيدا من سادات قومه وفد على رسول الله فى وفد بنى تميم فأسلم ومدح قيس بن عاصم وذمه، فقال النبى: إن من الشعر حكما، ومن البيان سحرا وهو القائل:
ذرينى فان البخل يا أم هيثم ... لصالح أخلاق الرجال سروق
وكل كريم يتقى الذم بالقرى ... وللخير بين الصالحين طريق
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
(معجم الشعراء 212)
(3) هذا شطر بيت للفرزدق من قصيدة مطلعها:
إن الذى سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
ومنها:
وهب القصائد لى النوابغ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول
والفحل علقمة الذى كانت له ... حلل الملوك كلامه لا ينحل
وأخو بنى قيس وهن قتلنه ... وأخو قضاعة قوله يتمثل
وقد روى «لا ينحل» مكان «يتمثل».
(4) عمرو بن الأيهم التغلبى نصرانى جزرى كثير الشعر، وقيل هو أعشى بنى تغلب، وله قصيدة طويلة يهجو فيها قيسا، ومنها:
قاتل الله قيس عيلان طرا ... مالهم دون غارة من حجاب
(معجم الشعراء ص 342)(1/389)
رأسه، ولا يرجع عن الشىء. يقال أرض يهماء لا يهتدى فيها، وهو من قولهم الأيهمهين يعنون السّيل والبعير الهائج، فهو (1) القائل:
قاتل الله قيس عيلان قوما ... ما لهم دون غدرة من حجاب
يستشهد بقوله هذا (2) على قول الله عزّ وجل {«إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ»}
وعلى قوله {«قََاتَلَهُمُ اللََّهُ»} (3) بمعنى قتلهم».
علقة التّيمىّ الشاعر، من بنى تيم بن عبد مناة، وله أخوان السّرندى وجحدب شعراء اجتمعوا على [174ا] هجاء جرير، فقال جرير يهجوهم:
عضّ السّرندى على تقليل ناجذه ... من أمّ علقة بظرا غمّه الشّعر
وعض علقة لا يألو بعرعرة ... من بظر أمّ السّرندى وهو منتصر (4)
وله ابن شاعر، يقال له محمد بن علقة، ذكر الأصمعىّ أنه أدركه، وحمل عنه، وما أكثر من يغلط بهذا ويصحّفه وهو فى كتاب خلق الإنسان للأصمعى فترى فى أكثر النسخ محمد بن علقة أو محمد بن علّفة والصحيح علقه (5).
وفى بجيلة علقه بن عبقر (6) بن أنمار. وفى قيس علقة بن جداعه.
وفى الأزد علقه كلّها بفتحتين، وفى أسماء الفرسان علقة بن كرشا بن المزدلف، فارس رببعة الذى يقول فيه الشاعر:
__________
(1) كانت فى الأصل (وهو) وقد صححناها (فهو) لتكون جوابا لأما السابقة، إذ أن الجواب غير مذكور فى السياق فلعل التصحيف هنا، أو أن فى الكلام سقطا لم يتنبه إليه الناسخ.
(2) فى الأصل المخطوط: (يقول هذا).
(3) تمام الآية الكريمة (قاتلهم الله أنى يؤفكون).
(4) جاءت كلمة السرندى محرفة فى البيتين، وفيهما أكثر من تحريف، والتصويب عن ديوان جرير طبع الصاوى وقد جاء كلمة (تثليم) مكان (تقليل) فى البيت. والشعر من قصيدة من مطلعها:
هاج الهوى وضمير الحاجة الذكر ... واستعجم اليوم من سلومة الخبر
هذا، وقد ورد الخبر والشعر فى الاشتقاق ص 115.
(5) ضبط العين بالكسر عن القاموس فقد جاء فيه: أما من محمد بن علقة التميمى الأديب فبالكسر.
(6) فى الأصل (عنقر) (واثمار) والتصويب والضبط عن القاموس.
(مادة: علق)(1/390)
يا عين بكّى علقة بن كرشا ... أودت به يوم الجليس العنقا (1)
وعقيل بن علّفة، بالفاء، وهو الذى يقول:
إنّ بنىّ ضرّجونى بالدّم ... من يلق أبطال الرّجال يكلم (2)
وله ابن يقال له علّفه بن عقيل، هو الذى يقول:
فبتنا تشتكين ونشتكى إليها ... لم تمسس لها الأرض مرفق
وأضحى العبورا إن ما ببيانه ... بحيث التقينا قائما يتمطق
فظل ترامى بالحجارة حوله ... وقد كاد أعلى جلده يتمزّق (3) (174ب) والمستورد وهلال ابنا علّفة مشهوران.
وأوس بن غلفاء الهجيمى، بالغين المعجمة (4)، هو القائل:
ذربنى إنما خطئى وصوبى ... علىّ وإنما أتلفت مال (5)
مالك بن حريم، الحاء غير معجمة مفتوحة، وبعدها راء مكسورة غير معجمة، هكذا قرأته على أبى بكر بن دريد، فى كتاب الاشتقاق (6)، وقال هو القائل:
متى تجمع القلب الذكىّ وصارما ... وأنفا حميّا نجتنبك المظالم
قال: وغطفان تروى هذا البيت للحارث بن ظالم، لأنّه اجتلبه فى هجائه
__________
(1) كذا فى الأصل.
(2) رواية تاج العروس (مادة خزم) وفى مجمع الأمثال ورد النص كالآتى:
إن بنى رملونى بالدم ... من يلق آساد الرجال يكلم
ومن يكن درء به يقوم ... شنشنة أعرفها من أخزم
والشعر منسوب لأبى أخزم الطائى (مجمع الأمثال ص 319).
(3) كذا فى الأصل، ولم نهتدا إلى صحة الشعر ولا تحريره فيما بين أيدينا من مراجع.
(4) هو من بنى الهجيم بن عمرو بن تميم، وهو باهلى.
(5) روى قبل هذا البيت بيت هو:
ألا قالت أمامة يوم غول ... تقطع يا ابن غلفاء الحبال
(6) الاشتقاق ص 254وجمهرة أنساب العرب ص 371.(1/391)
الأسود بن المنذر (1) وسألت عنه أبا الحسين النّسابة، فقال: هو مالك بن حريم الهمدنى جاهلى. ومالك بن حريم يقول:
بذلك أوصانى حريم بن مالك ... بأن قليل الذّم غير قليل (2)
وهكذا أيضا فى بيت امرئ القيس:
أبلغا عنى الشّويعر أننى ... عمد عين حللتهن حريما
وحريم هناك بطن من جعفىّ، بل هو حريم ومرّان ابنا جعفىّ بن سعد العشيرة وهما الأرقمان، ولهما يقول لبيد:
* ومرّان من أيامنا وحريم *
ولحريم ابن يقال له مالك بن حريم الجعفى.
وأما خزيمة بالزّاى فخزيمة بن طارق، فى ربيعة. وخزيمة بن نهد (3)، فى قضاعة، وفى أم خزيمة هذا وقعت الحرب والفرقة فى بنى معدّ.
وفى قيس عيلان حزيمة ابن رزام بن مارن بن ثعلبة بن سعد بن ذببان.
وقد أولعت العامّة بأن يقولوا عبدة بن الطّبيب، وعلقمة بن عبدة، فيقلبون الاسمين. وإنما هو: عبدة بن الطبيب، الباء ساكنة، وعلقمة بن عبدة الباء مفتوحة وعبدة بن الطبيب من بنى تميم، ثم من بنى عبشمس بن سعد. وعلقمة بن عبدة أيضا من بنى تميم، ثمّ من بنى ربيعة بن حنظلة بن زبد مناة بن تميم، وعبدة،
__________
(1) راجع الاشتقاق ص 11وص 258أنساب.
(2) ورد قبل هذا البيت فى معجم الشعراء بيتان هما:
تدارك فضلى الألمعى ولم يكن ... بذى نعمة عندى ولا بخليل
فقلت له قولا فألفيت عنده ... وكنت جريما أن أصدق قيلى
(3) جمهرة الأنساب ص 418.(1/392)
بفتحتين، قليل فى العرب منهم عبدة بن مشمّت بن معتّب بن الجد بن عجلان (1) شهد أحدا مع النبى صلى الله عليه وسلم، وابنه شريك الذى يقال له ابن السحماء (2) وأصله من بلىّ، حكاه أحمد بن الحباب، عن ابن الكلبىّ، وذكر الجهمىّ عبدة بن مطهر بن قيس بن معاوية الأنصارى، بفتحتين. قال: ومن ولده الحارث بن مسعود بن عبده، شهد أحدا والمشاهد. وقيس بن عبدة تابعىّ، روى عن أبى ذرّ الغفارى. وعلقمة بن عبدة الشاعرّ، يقال له الفحل.
وقيل: إنما سمّى الفحل لأن فى بنى حنظلة آخر يقال له علقمة الخصىّ، وهو علقمة بن سهل، وكان خصى. وعلقمة الخصىّ هذا هو أحد من شهد على قدامة بن مظعون شرب الخمر عند عمر بن الخطاب رحمه الله، وقال له:
تقبل شهادة خصىّ؟ فقال: أمّا شهادتك فنعم.
عارق الطائىّ الشاعر، العين والراى غير معجمتين، واسمه قيس بن جروة، وله:
ألا حىّ قبل البين من أنت عاشقه ... ومن أنت مشتاق إليه وشائقه
ومنها يقول:
لئن لم تغيّر بعض ما قد صنعتم ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه (3)
وبهذا البيت سمى عارقا.
وأما عريق الكلبى، العين مضمومة غير معجمة، وهو القائل:
__________
(1) الذى جاء فى الأنساب (ص 414) أنه عبدة بن معتب بن الجد بن العجلان وقد جاءت (معتب) فى الأصل (مغيث).
(2) فى الأصل: سحماء، والتصويب عن الأنساب.
(3) فى الأصل المخطوط (يعير) بدل (تغير)، و (العطر) بدل (للعظم) والتصويب عن اللسان (مادة عرق).(1/393)
وسقاك من نوء الثريّا مزنة ... غرّاء تحلب وابلا مدرارا (1)
فقد ذكر الأصمعى أنه أدركه، وحمل عنه.
وعويف القوافى تصغير عوف، ونسب إلى القوافى، وهو عويف بن معاوية الفزارىّ، من بنى بدر (2). وهو فى أيام عبد الملك بن مروان، وهو القائل
ذهب الرقاد فما يحسّ رقاد ... مما شجاك (3) ونامت العوّاد
ومن شعراء تغلب.
أفنون التغلبىّ، الهمزة مضمومة [176ا] والفاء ساكنة. واسمه صريم (4)
ابن معشر، الصاد مضمومة، وسمى أفنونا لقوله:
[فبينما الودّ يا مضمون مضمونا ... أيامنا] إنّ للشّباب أفنونا (5)
ومن قوله:
أنى جزوا عامرا سوءى بحسنهم ... أم كيف يجزوننى السّوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن (6)
وفى شعراء عدىّ ابن الرعلاء الغسانى، الراء والعين غير معجمتين، وعلى وزن فعلاء وهو القائل:
ربما ضربة بسيف صقيل ... دون بصرى وطعنة نجلاء
وهو القائل أيضا:
__________
(1) فى الأصل المخطوط (مرنوء) وهو تصحيف لما أثبتناه.
(2) شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية، من ساكنى الكوفة، وبيته أحد البيوتات المقدمة الفاخرة فى العرب (أغانى 17: 105).
(3) جاء فى الأغانى (خبر أتاك) مكان (مما شجاك)، والبيت أول أبيات عشرة وقالها فى عيينة ابن أسماء لما حبسه الحجاج، (أغانى 17: 117).
(4) فى المؤتلف والمختلف هو ظالم بن معشر، أما فى الشعر والشعراء وفى الأغانى فهو صريم (ص 151).
(5) ما بين القوسين عن المؤتلف والمختلف ص 151.
(6) الرواية فى اللسان فى مادة علق: (أم كيف ينفع ما تأتى).(1/394)
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء (1)
ومن الشعراء ابن أبى الزّغباء، الزّاى والغين معجمتان، وتحت الباء نقطة.
وفى الشعراء الرّعبل بن كليب، الراء مفتوحة غير معجمة، وكذلك العين وتحت الباء نقطة (2) وفيهم الزعبل بن ابى المسترق، أحد بنى قريع بن عوف، أنشد له أبو محلم:
لعمرى لقد مارست نفسا ضعيفة ... قليلا لأيام المنون احتيالها
تهاع وتستعوى إذا الضّرّ مستها ... وتقسو قسوّا حين ينعم بالها
وفى الشعراء الخربق، الخاء معجمة مفتوحة، والباء مفتوحة [176ب] تحتها نقطة، وفيهم الجرنفس الطائى (3)، بجيم وفاء وسين غير معجمة، واشتقاق الجرنفس من الصلابة والشّدّة من قولهم أسد جرفاس، والنون زائدة.
ومن الشعراء الجرندق أول الاسم جيم مفتوحة وراء غير معجمة وبعدها نون، وهو من شعراء همدان، واسمه معقل. والجرندق أحسب النون فيه زائدة. وقلّ ما يجىء فى كلام العرب كلمة فيها جيم وقاف إلا فى كلمات سبع أو ثمان منها [أيضا] معرب. فكأنّ الجرندق فى هذا الجردق، والنون زائدة (4).
__________
(1) بعد هذا البيت بيتان ذكرهما اللسان هما:
إنما الميت من يعيش شقيا ... كاسفا باله قليل الرجاء
فأناس يمصصون ثمادا ... وأناس حلوقهم فى الماء
(2) جاء فى القاموس رعبل بن عضيم وعمرو بن رعبل أو هو بزاى شاعران.
(3) الاشتقاق ص 233.
(4) ورد النص فى الاشتقاق لابن دريد ص 255وما بين القوسين عنه، وقد روى ابن الكلبى أنه (أبو الجرندق) وقال: هو معقل بن عبد خير بن يحمد بن خولى الشاعر، وكان أبو الجرندق بن أخى أعشى همدان.(1/395)
وفى شعراء النساء الخرنق بنت هقّان الخاء معجمة مكسورة، والراء غير معجمة، بعدها نون. وهى التى تقول وقد تزوّجها بشر بن عمرو بن مرثد، فولدت له علقمة بن بشر:
لا يبعدن قومى الذين هم ... سمّ العداة وافة الجزر
النازلين بكلّ معترك ... والطيبون معاقد الأزر
وفى ولد النعمان بن المنذر حريق وحرقة، الحاء والراء فيهما (1) غير معجمتين.
ولحرقة بنت النعمان شعر، ولها خبر مع سعد بن أبى وقاص، فأنشدنى ابن دريد، أنشدنى أبو حاتم:
أقسم بالله نسلم الحلقه ... ولا حربقا وأخته حرقه
حتى يظل الرئيس منجدلا ... ويقرع السهم طرّة الدرقه
ومما يروى [177ا] لحرقة بنت النعمان:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن منهم سوقة نتنصّف
فأفّ لدنيا ما يدوم نعيمها ... تقلّب تارات بنا وتصرّف
فى شعراء عبد القيس يزيد وسويد ابنا خذّاق، الخاء والذال معجمتان، وخزق الطائر رمى بذرقه (2) وبزيد جاهلىّ قديم وهو القائل:
هوّن عليك ولا تولع باشفاق ... وإنما مالنا للوارث الباقى
__________
(1) فى الأصل فيها والسياق يقتضى ضمير المثنى. قال ابن الكلبى: حرقة بنت النعمان وهى هند والحرقة لقب (أغانى ج 21/ 135)، وقال عنها صاحب المؤتلف والمختلف إنها شاعرة شريفة وأورد لها البيتين المذكورين بعد فى النص (6ص 103).
(2) جاء فى الاشتقاق (ص 200) وخذاق فعال: من قولهم خذق الطائر: وخزق: إذا رمى بزرقه.(1/396)
وكان يريد هجاء النّعمان بن المنذر، فبعث النعمان كتيبته التى يقال لها دوسر فاجتاحتهم (1).
وفى الشّعراء البريق الهذلىّ (2) الباء مضمومة وتحتها نقطة، والراء مفتوحة غير معجمة، وهو القائل:
رزئنا أبا زيد فلا حىّ مثله ... وكان أبو زيد أخى ونديمى
وفيهم القحيف العقيلى أول (3) الاسم قاف، والحاء غير معجمة، وآخر الاسم فاء. وهو من شعراء قيس، وهو القائل:
جعلت عمامتى صلة لحبل ... عليه حين لم ترد النّسوع (4)
وهو القائل:
بنات بنات أعوج ملجمات ... مدى الأبصار عليتها الفحال
وفيهم سالم بن قحفان.
__________
(1) ذكر فى الاشتقاق العبارة السابقة مع استبدال كلمة (استباحتهم) (باجتاحهم) ثم قال: فقال أخوه سويد:
ضربت دوسر فينا ... ضربة أثبتت أوتاد ملك فاستقر
فجزاك الله من ذى نعمة ... وجزاه الله من عبد كفر
(2) هو عياض بن خويلد الهذلى يلقب البريق حجازى مخضرم وله مع عمر بن الخطاب حديث (المعجم ص 268).
(3) هو القحيف بن حمير أحد بنى قشير بن مالك بن عامر بن صعصعة شاعر مقل من شعراء الإسلام وكان يشبب بخرقاء التى كان ذو الرمة يشبب بها (أغانى ج 21ص 140) وفى معجم الشعراء: شاعر مفلق كوفى لحق الدولة العياسية (ص 330).
(4) رواية الأغانى (ج 20/ 142).
جعلت عمامتى صلة لبردى ... إليه حين لم ترد النسوع
لأسقى فتية ومنقبات ... أضر بنقبها سفر وجيع(1/397)
وفى الشعراء مدرج الريح، على وزن مفعل، واسمه عامر بن المجنون، ابن عبد الله بن نهار الجرمى. وسمى مدرج الريح (1) ببيت قاله:
أعرفت رسما من سميّة باللّوى ... درجت عليه الرّيح بعدك فاستوى
[177ب] وفيهم الخلج الشّاعر، الخاء مضمومة، واللام مضمومة، غير مشدودة، ويعرف بالخلج الأودى. واسمه عبد الله وسمى بذلك لبيت قاله:
كأنّ بخالج الأوطان فيها ... سبائب قد تجود من العوادى
ومنهم من يشدّد اللّام، وقرأته على ابن دريد بالتخفيف.
وفى شعراء غطفان جليح بن سويد، الجيم مضمومة والحاء غير معجمة.
ومما يغلط فيه أكثر الناس قتادة بن معرب اليشكرى، العين والراء غير معجمتين، على وزن مفعل، وما أكثر ما تصحّف. بمغرب وبمغرّب بالتّشديد والصواب معرب. وكان يهاجى زيادا الأعجم (2)، وقد جاء فى الشعر، فدلّ ذلك على أنّه غير مشدّد قالت امرأته تهجوه:
فما جيفة الخنزير عند ابن معرب
وكان تزوّج هذه المرأة بقرية يقال لها حشك فتركته وتحاكما فقال فيهما:
بتّ بحشك بشر منزلة ... لا أنا فى لذّة ولا فرسى
لليلة البين إذ هممت به ... ألذّ عندى من ليلة العرس
ويروى: لليلتى حين بتّ طالقة.
وفيها يقول:
وشفا ما لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق
__________
(1) روى الأغانى أنه إنما سمى مدرج الريح بشعر قاله فى امرأة كان يزعم أنه يهواها من الجن، وأنها تسكن الهواء وتتراءى له، وكان محمقا وشعره هذا:
لابنة الجنى فى الجو طلل ... دارس الآيات عاف كالخلل
درسته الريح من بين صبا ... وجنوب درجت حينا وطل
(ج 3/ 18)
(2) ورد فى الاشتقاق ص 206أنه هجا زيادا فقال:
إذا تعشوا بصلا وخلا ... وكنعدا وجوفيا قد صلا
باتوا يسلون الفساء سلا ... سل النبيط القصب المبتلا
وقد جاء ذكره فى الأغانى ج 10ص 112وج 14ص 99.(1/398)
وفى الشعراء عوف بن الخرع، الخاء [معجمة] والراء مكسورة غير معجمة وهو عوف بن عطيّة.
[178ا] والخريع: العصفر، وثوب مخرّع مصبوغ بالخريع، وفى المخضرمين سالم بن الفرخ بخاء معجمة، ثم (1) أدرك ابن زياد فجلده فى الخمر، فقال أبو الأسود:
ما سالم بن الفرخ فى غلوائه ... بأخبث من نسر الحوانيت مطعما
نسر رجل من هذيل.
وفى الشعراء عديل بن فرخ العجلى (2)، الفاء مفتوحة والراء ساكنة غير معجمة، وآخره خاء معجمة، وتصحّف كثيرا بفرج بالجيم، وهو من بنى ربيعة، من عجل. ويقال له العبّاب، العين غير معجمة، وتحت الباء نقطة. وسمّى العباب باسم كلب كان له، وهو القائل:
ألا يا سلمى ذات الدّماليج والعقد ... وذات الثنايا الغرّ والفاحم الجعد
وفيها:
كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت ... بنى بطنها، هذا الضلال عن القصد
قال المتلمس (3):
وأتانى يقين ما عدل العبّاب ... فى قومه فهاجت همومى
__________
(1) فى هذا الموضع انقطاع، يحتمل أن يكون سقط شىء من ترجمة سالم هذا.
(2) هو شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية (أغانى ج 20: 11وفى الاشتقاق (ص 208) العديل بن الفرخ الشاعر، والعديل تصغير عدل وعدل (بفتح العين وكسرها) ضد الجور.
(3) فى الأصل المخطوط: قال الملتمس. ويظهر أنها مصحفة.(1/399)
وفى شعراء طيّئ البرج (1) بن مسهر، الباء تحتها نقطة، وبعد الراء جيم، وهو أحد المعمرين، وفد إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو الذى يقول:
وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت إذا تغوّرت النّجوم
وفى بنى سعد بن عجل بطن يقال لهم بنو العيّار، براء غير معجمة وياء تحتها نقطتان.
وفى الشّعراء العتّاب من بنى عجل، وقد مرّ ذكره قبيل.
وفى بلحرث بن كعب [178ب] آخر يقال له العباب، له خبر مع عمرو ابن معدى كرب.
وفيهم الغباب (2)، الغين معجمة مضمومة والباء مخفّفة تحتها نقطة. وهو من شعراء ربيعة أنشدنى له أبو الحسين النّسابة:
[أعدو إلى الحرب بقلب امرئ] ... يضرب ضربا غير تغبيب (2)
يقوله فى البسوس.
وفى الشعراء حريث بن عنّاب، العين غير معجمة بعدها نون مشددة (3).
__________
(1) اشتقاق من بروج القصد أو بروج السماء، وهو بالقصد أشبه، لأنه كان عظيم الخلق فشبه بذلك (الاشتقاق 229).
(2) ما بين القوسين عن التاج (غبب) والغباب لقب ثعلبة بن الحارث.
(3) يلقب بالأعور النبهانى، وهو شاعر مكثر، وكان يهاجى جريرا، (الاشتقاق 236وفى المؤتلف أنه محسن يكثر ص 154) وقد أورد له صاحب الحماسة ثلاث مقطوعات الأولى مطلعها:
تعالوا أفاخركم أأعيا وفقعس ... إلى المجد أدنى أم عشيرة حاتم
والثانية:
فلما رأيت العبد نبهان تاركى ... بلماعة فيها الحوادث تخطر
والثالثة:
بنى ثعل أهل الخنا ما حديثكم ... لكم منطق غاو وللناس منطق(1/400)
وفى شعراء هذيل العيّار، العين غير معجمة وتحت الياء نقطتان، والراء غير معجمة.
وفى شعراء هذيل ساعدة بن جؤيّة الهذلىّ (1) الجيم مضمومة وتحت الياء نقطتان، وهو القائل:
فقالا عهدنا القوم قد حصروا به ... فلا ريب أن قد كان ثمّ لجيم
وأما الذى قتل رستم رئيس الأعاجم يوم القادسيّة وقال أبو اليقظان، قتل الجالينوس عظيما من عظماء الأعاجم فهو زهرة بن الحويّة، الحاء مفتوحة غير معجمة. وقال أبو اليقظان: إنما سمى الحويّة لأنه أغار عليهم قوم، فخبّئوه فى حويّة وهو صبىّ، واسم حويّة عبد الله، وهو من بنى الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ومن لا يعرفه يصحفه بجؤيّة بالجيم.
ومن رجال بنى تميم حوىّ (2) بن سفيان بن مجاشع [179ا]، الحاء غير معجمة، مضمومة، من ولده الحتات المجاشعى.
من الشعراء جويّة بن النّضر وهو القائل:
إنا إذا كثرت يوما دراهمنا ... ظلّت إلى سبل الخرّاب تستبق (3)
وفى الشعراء جريبة الأسدى، الجيم مضمومة والراء مفتوحة غير معجمة، وهو جريبة (4) بن عمرو بن الأشيم من بنى فقعس الذى يقول:
__________
(1) هو أحد بنى كعب بن كاهل بن الحارث شاعر محسن جاهلى، وشعره محشو بالغريب. والجؤية:
مركب من مراكب النساء وكساء ملفوف يطرح على سنام البعير تركبه المرأة (المؤتلف).
(2) تصغير أحوى وهو الأسود أو تصغير حواء (اشتقاق 148).
(3) روى هذا البيت فى الحماسة:
إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ... ظلت إلى طرق المعروف تستبق
وقبله بيت هو أول الأبيات:
قالت طريفة ما تبقى دراهمنا ... وما بنا سرف فيها ولا خرق
(4) هو جد مطير بن الأشيم أحد شياطين بنى أسد وشعرائها. (المؤتلف).(1/401)
وأقلّ ما لى مما جمعت نجيبة ... فى الحشر أركبها إذا قيل اركبوا
وأما قول عنترة:
تركت جريّة العمرىّ فيه ... شديد العير معتدل سديد
فهذا بالجيم، وبعد الراء ياء وتحتها نقطتان، ولا باء فيها. وأما ابن أبى (1) [حزن] العامرى فالحاء مفتوحة والزاى ساكنة وهو القائل:
إنّ عريبا وإن ساءنى (2) ... أحبّ حبيب وأدنى قريب
وأهلك مهر أبيك الدواء ... ليس له من طعام نصيب
وفيهم عامر بن جوين الطائىّ.
وفيهم القلاخ بن حزن [السعدى] (3) الراجز، الخاء معجمة مضمومة والقاف مضمومة واشتقاق اسمه من قولهم قلخ البعير: إذا ردّد هديره فى غلصمته. قال الراجز (4): * صيد تسامى وقروم قلّخّ *
والقلاخ أحد رجاز العرب، وهو القائل:
أنا القلاخ بن جناب بن جلا ... أخو خناثير أقود الجملا (5)
جناب [179ب] جده انتسب إليه، وابن جلاليس بجد له، وإنما أراد أنا ابن الأمر المكشوف مثل قول سحيم:
أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا
وكان عنترة يلقب الفلحاء لأنه كان مشقوق الشّفة. واسم أمة زبيبة، الزاى مفتوحة
__________
(1) فى هذا بياض ويفهم من ضبطه أنه حزن والله أعلم.
(2) فى الأصل: سقابى وهو تصحيف.
(3) ما بين القوسين زيادة عن اللسان، وقد نقل عن ابن برى أنه قال: إن الذى ذكره الجوهرى ليس هو القلاخ بن حزن، وإنما هو القلاح العنبرى وذكر فى المؤتلف أنه راحزوله ديواد مفرد.
(4) هو العجاج، ورواية الديوان: منافحول وزئير قلخ: صيد تسامى وشروخ شرخ.
(5) رواية اللسان (أبو خناثير مكان (أخو خناثير) وكانت فى الأصل (خنايسير).(1/402)
معجمة وتحت الباء نقطة، على واحد الزّبيب المأكول. وفى بنى تميم بطن يقال لهم بنو زبينة، بعد الباء نون (1)، قال الشاعر:
وبنو زبينة حاضرو الأجباب
وأما القلح، بالقاف والحاء غير معجمة، فصفرة تركب الأسنان من ترك السواك، وفى الحديث (ما لكم تدخلون علىّ قلحا تسوّكوا). قال:
[قد بنى اللؤم عليهم بيته] ... وفشا فيهم مع اللؤم القلح (2)
وجدّ الأحوص الشاعر هو عاصم بن ثابت بن [أبى] (3) الأقلح، وعاصم هو حمىّ الدّبر استشهد يوم الرجيع فأرادوا أن يمثّلوا به فحمته الدّبر (4).
وفى شعراء بنى تغلب الحارث بن الغذوان، بالغين المعجمة والذال منقوطة مفتوحة، وهو القائل:
إذا ما الخيل ضيّعها أناس ... حبسناها فقاسمت العيالا
وأما بيت صخر فيروى بالعين والغين، رواه الأصمعىّ بالغين المعجمة:
فلو أنّ حيّا فائت الموت فاته ... أخو الحرب فوق القارح الغذوان
__________
(1) فعيلة من قولهم زبنت الناقة حالبها إذا ضربته برجلها فألقته عن نفسها:
(2) ما بين القوسين صدر البيت وهو للأعشى.
(3) ما بين القوسين عن السيرة.
(4) روى ابن هشام فى السيرة أنه: لما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشر بن فى قحفه الخمر، فمنعته الدبر (الزنابير والنحل)، فلما حالت بينه وبينهم، قالوا: دعوه حتى يمسى فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله الوادى، فاحتمل عاصما فذهب به وكان عاصم نذر ألا يمسه مشرك، ولا يمس مشركا أبدا فى حياته، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه فى حياته (سيرة 3: 180).
أما رواية اللسان فتختم القصة بأن المشركين ارتدوا عنه حتى أخذه المسلمون فدفنوه (لسان: دبر)(1/403)
والعدوان الشديد العدو (1). واسم أبى دؤاد (2) جارية وله أخوان مارية وأرية كانا يقولان الشعر، وفى مارية أخيه يقول أبو دؤاد: منع النوم سارى التهمام.
وأبو حنبل صاحب امرئ القيس (3) هو جارية بن مرّ، وجارية بن قدامة السّعدىّ من سادات تميم، يقال له محرّق؟.
النمر بن تولب، بكسر الميم وتسكينها ولا يقال النمر بفتح النون قال أبو حاتم إنما هو النّمر بفتح النون وتسكين الميم ويقال له الكيّس لحسن شعره (4).
وفى شعراء اليمن الكبس بن هانى، الكاف مفتوحة والباء ساكنة تحتها نقطة ويغلط بالمنخّل والمتنخّل فاما المنخّل بن الحارث (5) فهو ربعىّ من بنى يشكر وهو القائل:
إن كنت عاذلتى فسيرى ... نحو العراق ولا تحورى
__________
(1) رواه اللسان (مادة عدا): العدوان والعداء كلاهما الشديد العدو. قال: ولو أن حيا (البيت) وجاءت (العدوان) بالعين والدال المهملتين. ثم قال: وانشد ابن برى شاهدا عليه قول الشاعر:
وصخر بن عمرو بن الشريد فانه ... أخو الحرب فوق القارح العدوان
وفى مادة (غذا) روى هذا البيت وجعل الغذوان مكان العدوان وقال إنها رواية الكوفيين
(2) أبو دؤاد الأيادى قال بعضهم: هو جارية بن الحجاج، وقال الأصمعى: هو حنظلة الشرقى وكان فى عصر كعب بن أمامة الإيادى. وهو أحد نعات الخيل المجيدين وقد عده الحطيئة أشعر الناس لقوله:
لا أعد الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
وفى رواية الأغانى (ج 15. / 91) عن يعقوب بن السكيت أنه حارثة بن الحجاج (ولعل حارثة تصحيف جارية)، هذا ولم نجد فى ترجمته بالأغانى أو الشعر والشعراء ذكرا لأخويه أرية ومارية، ولا البيت المستشهد بعجزه.
(3) فى الأصل المخطوط (حنبك) مكان (حنبل) و (هى) جارية مكان (هو) والتصويب عن المؤتلف والمختلف (ص 99) وذكر أنه شاعر فارس وروى له أبياتا يذكر منعه امرأ القيس بن حجر:
منها: فلا وأبيك ما أسلمت جارى ... علانية ولا ما لأت سرا
(4) كان أحد أجواد العرب المذكورين وفرسانهم، وكان أبو عمرو بن العلاء يسميه الكيس لجودة شعره وحسنه. انظر أخباره فى الأغانى ج 19: 157وجاء فى الاشتقاق أنه بفتح النون وسكون الميم ولا يقال النمر (بكسر الميم) (ص 113).
(5) هو ابن مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمرو اليشكرى شاعر جاهلى قديم، كان ينادم النعمان ابن المنذر وهو صاحب القصيدة:
إن كنت عاذلتى (المؤتلف ص 178)(1/404)
وأما المتنخّل (1) فهو من شعراء هذيل والمنخّل بن سبيع هو الذى يقول:
فان أنا يوما غيّبتنى غيابتى ... فسيرا بسيرى فى العشيرة والأصل (2)
الهيثم بن المنخّل الأزدىّ، كان فارس الناس فى دهره.
والمخبّل القريعى من بنى تميم وهو ربيعة بن عوف من بنى أنف الناقة (3).
والمخبل أيضا بن حوسا من قضاعة.
وفى شعراء بنى تميم التّلبّ العنبرى، التاء مكسورة فوقها نقطتان والباء تحتها نقطة. وما أكثر ما يصحف هذا الاسم ويغلط فيه، فبعضهم يجعله الثلب، فوقها ثلاث نقطات واللام ساكنة، وبعضهم يقول الثلّب، فيشدد اللام، وينقط الثاء بثلاث، وشاهد اسمه قريب من قول بعض الشعراء:
يا ربّ إن كانت بنو عميره ... رهط التّلبّ هؤلا مقصوره (4)
__________
(1) المتنخل الهذلى اسمه مالك بن عويمر، شاعر محسن من شعراء هذيل، وهو صاحب القصيدة الطائية. قال الأصمعى أجود قصيدة قالتها العرب التى يقول فيها:
وماء قد وردت أميم طام ... عليه موهنا زجل القطاط
كأن مزاحف الحيات فيه ... قبيل الصبح آثار السناط
والقصيدة بتمامها مروية فى جمهرة أشعار العرب ص 118.
(2) المنخل بن سبيع العنبرى روى له فى معجم الشعراء أبيات ثلاثة ثالثها البيت المدون فى النص، وهى:
ألا قد أرى والله أن لست منكم ... وأن لستم منى وإن كنتم أهلى
وأنى ثوى قد أحم انطلاقه ... يحييه من محياه وهو على رحل
فان أنا يوما غيبتنى غيابتى ... فسيروا كسيرى فى العشيرة أو فعلى
(3) يكنى، ابا يزيد الشاعر المشهور (المؤتلف ص 177).
(4) الرواية فى اللسان عن ابن الأعرابى:
لا هم إن كان بنو عميره ... رهط التلب هؤلا مقصوره
قد جمعوا لغدرة مشهوره ... فابعث عليهم سنة قاشوره
تحتلق المال احتلاق الغوره(1/405)
وكان يهاجى رجلا من قومه، فاستعدى الرجل عليه عمر بن الخطاب رحمه الله، فقال له عمر: لم هجوته؟ قال: إنه هجانى، فقيل له: ما قال؟ فقال:
وافتعل شعرا فى وقته.
إنّ التّلبّ له أمّ يمانية ... كأن فسوتها فى البيت إعصار
قال فخلىّ عنه.
وأخبرنى محمد بن يحيى قال: كنت عند القاضى وكيع يوما، فقال: إن أبا الحسن الإسكافى أخبرنى قال: أنشدت أبا محلّم أبيات أبى خراش.
* ولكنّ بعض الشّرّ أهون من بعض (1) *
فقال أبو محلّم إنه أخذه، فقلت: ومن هذا الذى يأخذ منه أبو خراش؟ فقال:
أخذه من التّلبّ. فقال وكيع [181ا] الثلب بالثاء حيث يقول:
بتنا لدى عنز نريّضها ... من أن يكون فراقها جهزا
حادث ما أمر يهمّك والأوّل ... تنساه وإن عزّا
قال وكيع فى شعر أبى خراش: بجانب موسى. فقلت له أعزّك الله، إن الذى رويته موسى هو قوسى، والذى رويته الثّلبّ إنما هو التّلبّ. فقال: كذا يقول أصحاب الحديث. فقلت له: خطأ ما قال ابن الكلبىّ وأبو اليقظان فى نسبة التّلبّ. وأنشدته شعرا، لابد من أن نشدّد اسمه فيه للوزن:
يا ربّ إن كانت بنو عميره ... رهط التّلبّ هؤلا مقصوره
فقال لى: أحسن الله جزاءك، ولا بد من إجازتك بحديث تستفيده.
__________
(1) رواية البيت بتمامه عن اللسان:
حمدت إلا هى بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض
وبعده:
فو الله لا انسى فتيلا رزئه ... بجانب قوسى ما مشيت على الأرض(1/406)
حدثنى محمد بن الوليد القرشىّ، قال: حدّثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء عن أبى بشر، عن ابن التّلبّ العنبرىّ، عن أبيه: أن رجلا أعتق شقصا له فى عبد، فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يقوّم عليه، قال أبو بكر: ثم اجتمعت بعقب هذا، وابن مقراض يلقّن وكيعا، ويقرأ عليه، وكان ابن الكوفىّ قريبا منى، فمرّ فى حديث الثريد ألّا يتجافى، بالجيم، فنظر إلىّ ابن الكوفىّ، فأومأت إليه أن يمسك، فسأل حدث إلى جانبه عما تغامزنا، فقال له: قد صحّف إنما هو ألا يتخانى بالخاء فبادر الغلام [181ب] فقال: ألا يتخانى رحمك الله، فالتفت وكيع، فعلم أنه من عمل ابن الكوفىّ، فلما انصرفنا وقف فى الطريق، فتسايرنا، فقال لى رأيت إلى ما فعله ابن الكوفى، هجّننى على رءوس الناس، هلّا فعل كما فعلت فى قوسى والتّلبّ، وأمسك حتى يقوله بينى وبينه فاعتذرت إليه، فما قبل.
وكان ابن الكوفىّ يسمع منه، فركبت معه إليه، فو الله ما انتفع به حتى مات.
وكيع القطامىّ (1): اسمه عامر بن شتيم، الشين. منقوطة مضمومة، والتاء فوقها نقطتان، من بنى ثعلبة بن عبد الله بن جمح البكرى، الجيم مكسورة والحاء غير معجمة من قدماء شعراء عبد القيس وهو القائل:
زعم الغوانى إذ أردن حريمتى ... أن قد كبرت وأدبرت حاجاتى
وضحكن منى ساعة وسألننى ... مذكم كذا سنة أخذت قناتى
ما شبت من كبر ولكنى امرؤ ... أغشى الحروب وما تشيب لداتى
__________
(1) القطامى: بالفتح ويضم اسم من أسماء الصغر وأصل القطم: القض وقطع الشئ بالأسنانى.
والقطامة: كل ما قطعته فطرحته من شئ، وقد جاء فى الشعر والشعراء وفى المؤتلف ص 166أن اسمه عمير وفى جمهرة العرب ص 288عمرو بن شييم.(1/407)
وفى الشعراء ابن الذّئبة الثّقفى (1)، الذال منقوطة تأنيث ذئب، وهو جاهلى، وهو القائل:
لعمرك ما للفتى من وزر ... من الموت يلحقه والكبر
[182ا] وفى الصحابة زيد بن الدّثنة، تحت الدال نقطة والثاء منقوطة بثلاث مكسورة وبعدها نون.
وفى الشعراء ابن الدّمينة وهى أمّه وهو القائل:
أميم أمنك الدار غيّرها البلى ... وهيف بجولان الرياح لعوب
وفيهم حيّان بن مساور، الحاء غير معجمة وتحت الياء نقطتان. وهو القائل:
أيرجو بنو مروان سمعى وطاعتى ... وقومى تميم والفلاة ورائيا
أنشدناه ابن دريد، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن أبى عبيدة فيهم جبّار الطائى (2):
بعد الجيم باء تحتها نقطة والراء غير معجمة، ويقال: جبار بن ربيعة.
__________
(1) هو ربيعة بن الذئبة، والذئبة أمه، وأبوه عبد ياليل، وهو القائل:
إن المنية بالفتيان ذاهبة ... ولو ثقفوها بأسياف وأدراع
بينا الفتى يبتغى من عيشه سددا ... إذ حان يوما فنادى باسمه الداعى
لا تجعل الهم غلا لا انفراج له ... ولا تكونن لؤوما ضيق الباع
(المؤتلف 120)
(2) هو جبار بن عمرو بن عميرة بن ثعلبة الطائى، ويعرف بالأسد الرهيص، وهو المكفف بن عمرو بن ثعلبة بن رومان شاعر فارس، وهو القائل:
قتلت مجاشعا وقتلت عمرا ... وعنترة الفوارس قد قتلت
فان تجزع بنو عبس عليه ... فانى لا وجدك ما جزعت
ضربت قذاله بالسيف صلتا ... وكانت عادتى ذات استعدت
(مؤتلف 99)(1/408)
وفيهم حرّاز بن عمرو الضّبىّ من بنى عبد مناف الحاء غير معجمة بعدها راء غير معجمة، وآخر الاسم زاى، وهو القائل يرثى زيد الخيل:
تبكى على بكر شربت به ... سفها تبكّيها على بكر
هلّا على زيد الفوارس زيد ... اللاث أو هلّا على عمرو
وفيهم خزز بن لوذان (1)، من شعراء ربيعة، من بنى ضبارىّ، ثم من بنى شيبان، أول الاسم خاء معجمة يتبعها زايان معجمتان. والخزز: الأرنب الذكر.
وفيهم: خنزر (2) بن أرقم، الخاء معجمة بعدها نون والزاى قبل الراء.
وفيهم: زخرب، الزاى مفتوحة معجمة والخاء معجمة (182ب) ساكنة والراء غير معجمة، ابن سمعان أسدى (3). والزّخارب الأجوف الضعيف.
وأما نهشل بن حرّىّ بن ضمرة النّهشلىّ الشاعر، وابنه حرّىّ بن نهشل شاعر أيضا، فالحاء غير معجمة والراء والياء مشددتان، وهو منسوب إلى الحرّة، وهو القائل:
ويوم كأنّ المصطلين بحرّة ... وإن لم يكن جمرة، قعود على جمر
صبرنا لها حتى تبوخ وإنّما ... تفرّج أيام المكاره بالصّبر (4)
وأبو حرّى بن ضمرة شاعر أيضا، هو الذى يقول:
يا نفس صبرا على ما كان من مضض ... إن لم أجد لفضول القوم أقرانا
وابنه حرّىّ بن نهشل بن حرّىّ شاعر أيضا وله يقول الفرزدق:
__________
(1) الاشتقاق ص 212.
(2) ماخوذ من قولهم خنزر، وهو الفاس الغليظة، وإن كان اسما من غير ذلك فاشتقاقه من الخزر، النون زائدة، وهو صغر العينين (الاشتقاق ص 213).
(3) هو أحد شعرائهم، وفى الأصل الزخاير، والتصويب عن الاشتقاق.
(4) كانت كلمة (لها) فى الأصل المخطوط (له) والتصويب عن الشعر والشعراء كما جاء كلمة (وقوف) مكان قعود فيه (ص).(1/409)
أحرىّ قد فاتتك أخت مجاشع ... فصيلة فانكح بعدها أو تأيم
وممن ذكر الأصمعىّ أنه لحقهم من الشعراء مسرّد بن اللعين (1) السين غير معجمة وأبو نايل تحت الياء نقطتان، اسمه إهاب بن عمير، وخطام المجاشعىّ، (2) ومكين العذرىّ (3)، وأبو الزّحف و، مقاتل بن داود، وأبو برسيس (4) وبفصاحته يضرب المثل، وأبو القرين الفزارىّ، وقطينة الهجنى القاف مضمومة وبعد الياء نون.
وفى الشعراء ثابت قطنه يعرف بهذا وهو شاعر المهلب وولده وكانت عينه أصيبت فى بعض الحروب فكان يضع على موضع عينه قطنة وقيل فيه:
ما يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأسباب مجهول
وأصله من الأزد وكان من فرسانهم بخراسان.
والباقى قطبة (5) بباء تحتها نقطة.
الأخطل: اسمه غياث بن غوث وسمى الأخطل لسفهه واضطراب شعره.
وللفرزدق أخ يقال له الأخطل، وكان غالب يكنى ابنه الأخطل وكان أكبر من الفرزدق، وابنه محمد بن الأخطل، وفيه يقول يرثيه:
وما من فتى كنا نبيع محمّدا ... به حين تبتزّ الأمور حسامها
وفى الشعراء عتّاب بن ورقاء الشّيبانىّ وهو متأخر فى دولة بنى العباس،
__________
(1) مسرد بن اللعين الشاعر لقيه الأصمعى وأخذ عنه (معجم الشعراء 478) وفى الهامش: اسم اللعين منازل بن ربيعة، وقيل اسمه حسان.
(2) خطام الريح المجاشعى الراجز، وهو خطام بن نصر بن رباح بن مجاشع بن دارم وله أراجيز (المؤتلف 112).
(3) مكين العذرى (فى الأصل العددى) أدرك المهدى شيخا كبيرا، قال الأصمعى: رأيته فى موكب المهدى على بغل له رجمته كأنها قبطية قد صبغها وصفرها قال: وقال مكين والخضرى وطفيل الكنانى على ساقة الشعر (معجم 481).
(4) ابو برسيس التميمى (معجم 511).
(5) منهم قطبة بن سيار (اشتقاق 172) وقطبة بن السعدى وكان شريفا من قواد أهل الشام 477 وقطبة بن عبد عمرو قتل يوم بئر معونة (269).(1/410)
فى زمان طاهر بن الحسين وكان من أصحابه وفى جملته وأقام بالرّىّ وإليه تنسب المقصورة،
* إمّا صحى، إمّا انتهى إمّا ارعوى *
وربيعة تنسبها إلى يزيد بن أبى عتّاب الشيبانى ويغلط الناس فيه.
وفى عتّاب بن ورقاء الرياحى وكان هذا أميرا ولى أصبهان وغيره وكان فى زمن بنى أمية ولم يقل شعرا قط، وكان جوادا وفيه يقول جرير:
وقائلة هل كان بالمصر حادث ... نعم قتل عتّاب من الحدثان
وشبيل بن ورقاء التميمى وليس بأخ له وقد أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم إسلام سوء، وذلك أنه كان لا يصوم رمضان فقالت له ابنته تبّا له ألا تصوم؟ فقال:
أتأمرنى بالصّوم لا درّ درّها ... وفى القبر صوم يا تبال طويل
وروى ابن الأعرابىّ عن أعرابىّ فصيح يكنى أبا شنبل الشين مفتوحة وبعدها نون وتحت الباء نقطتة، ومما يغلط به فى الحماسة.
الفند الزّمّانى اسمه شهل بن شيبان، شهل بالشين المعجمة، فارس شجاع جاهلىّ شهد حرب البسوس وقال فيها:
صفحنا عن بنى ذهل ... وقلنا القوم إخوان
وأبو شهلة فى التابعين روى عن عائشة، بشين معجمة.
وفى مثل: أفقر من عربان شهلة، بشين معجمة.
ومما يغلط فيه بين الشين والسين أيضا عبد الشّارق بن قمير بن عبد العزّى الجهنىّ بالشين المعجمة. والشارق: الشمس شرقت إذا طلعت، فهى شارق، [183ب] وكأنهم أرادوا عبد شمس، وعبد الشارق من فرسان جهينة وهو صاحب المنصفة التى أولها:(1/411)
ألا حيّيت عنّا يا ردينا ... نحيّبها وإن كرمت علينا (1)
وجعفر بن علبة الحارثىّ (2)، العين غير معجمة واللام ساكنة وتحت الباء نقطة، وهو القائل:
لهم صدار (3) سيفى يوم بطحاء سحبل ... ولى منه ما ضمّت عليه الأنامل
ومسعود بن عبد الله بن علبة من بنى جديلة جاهلىّ، ومن قوله:
أمن طلل عاف تبسمت ضاحكا ... لريّا كخطّ بالصحيفة أعجما
وفى شعراء الأنصار علبة بن عمرو بن واهب، وفيهم علبة بن زيد، وليس بشاعر (4)، وعلباء بن أرقم صاحب الكبش الذى حماه النعمان بن المنذر (5). وفيه يقول (6):
وفى بنى نهشل أبو الغول علباء بن جوشن وكان شاعرا عالما، وفى بنى طهيّة أبو الغول الطّهوى الذى يقول:
فدت نفسى وما ملكت يمينى ... فوارس صدّقوا فيهم ظنونى (7)
__________
(1) الحماسة ص 169طبع مصر.
(2) شاعر مقل غزل فارس مذكور فى قومه، وكان من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية، وقتل فى قصاص. له مقطوعات فى الحماسة، منها مقطوعة آخرها الشاهد، وأولها:
ألهفا بقرى سحبل حين أجلبت ... علينا الولايا والعدو المباسل
(ص 9طبع مصر)
(3) فى الأصل المخطوط: صدرى، وهى مصحفة، والتصويب عن الحماسة.
(4) هو صحابى.
(5) كان النعمان قد حمى كبشا: أى جعله فى حمى له فوثب عليه علباء فذبحه، فحمل إلى النعمان، فلما وقف بين يديه أنشده قصيدة يقول فى آخرها:
أخون بالجبار حتى كأنما ... قتلت له خالا كريما أو ابن عم
فان يد الجبار ليست بصقعة ... ولكن سماء تمطر الوبل والديم
(المعجم 304)
(6) لم يرد فى الأصل المخطوط شعر لعلباء، ولعل الناسخ سها عن نقله. ويجوز أن يكون البيتان المرويان فى المعجم هما المسهو عن نقلهما.
(7) هذا البيت أول مقطوعة من ثمانية أبيات ذكرت فى الحماسة وقد جاءت فيها كلمه (صدقت) مكان (صدقوا).(1/412)
والشّميذر الحارثى، (1) الشين منقوطة والذال منقوطة، وهو القائل:
بنى عمّنا لا تذكروا الشعر بعدما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا
وودّاك تحت الدال نقطة وبعد الألف كاف.
وفاطمة بنت الأجحم، الجيم قبل الحاء، والأجحم بن دندنة أمّه خالدة بنت هاشم بن عبد مناف، ومن ولده فى خزاعة بن عبد مناف، ومن أسيد بن عمرو بن الأجحم، كلّه الجيم قبل الحاء.
وابن زيّابة أول الاسم زاى وتحت الياء المشدّدة نقطتان، وتحت الباء نقطة ويقال لعنترة ابن زبيبة.
وقيس بن الخطيم الخاء مفتوحة معجمة مخضرم من شعراء الأنصار (2) وهو القائل:
أتعرف رسما كاطّراد المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب
والخطيم الباهلىّ بالخاء أحد رؤساء الخوارج خرج على عبد الله بن زياد فقتل:
وفى الشعراء خطام المجاشعى (3) الخاء معجمة وبعد الطاء ألف وهو أحد شعراء بنى تميم، والحطيم موضع بمكّة بحاء لا خلاف فيه.
والفرّار السّلمىّ واسمه حيّان بن الحكم وبعض من لا يعلم يستشنع الفرّار فيعدل به إلى التصحيف، ولقبه الفرّار.
وحصين بن الحمام المرّىّ الحاء غير معجمة ومضمومة، من قدماء
__________
(1) من بنى الحارث بن كعب شاعر فارس، ورد له فى المؤتلف أبيات خمسة، البيت الشاهد أولها.
وقد ورد فى البيت (الغميم) مكان (الغمير) (المؤتلف: 140).
(2) هو من شعراء الأوس (مؤتلف 112).
(3) هو خطام الريح المجاشعى الراجز، وهو خطام بن نصر بن رباح من بنى الأبيض بن مجاشع ابن دارم.(1/413)
الشعراء، ومن قوله:
نفلّق (1) هاما من أناس أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
وأبىّ بن حمام العبسىّ (2) القائل:
تمنّى لى الموت المعجّل خالد ... ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده
وفى الشعراء الخمخام بن حملة، الاسم الأول بخاءين معجمتين، وحملة بحاء غير معجمة، بفتحتين، واسمه الحارث وهو شاعر فارس من بنى سدوس وسمى الخمخام لأنه كان يتخمخم على الناس يحنن نفسه على كل أسير حتى يفكّه وكان ظلوما ويقول أنا جار كلّ من طلعت عليه الشمس.
وفى ربيعة الخشام (3)، الخاء معجمة مضمومة والشين معجمة، واسمه عمرو ابن مالك، سمّى بذلك لعظم أنفه وهو الذى أسر مهلهلا التغلبىّ. وتزعم ربيعة أن الخشام هو الذى قيل فيه:
لذى الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... [وما علم الإنسان إلا ليعلما] (4)
وفيهم بقيلة (5) الأشجعىّ الباء مضمومة تحتها نقطة وهو القائل:
__________
(1) فى المؤتلف ص 91 (يلفقن) وقبل هذا البيت بيتان هما:
ولما رأيت الود ليس بنافع ... وإن كان يوما ذا كواكب مظلما
صبرنا وكان الصبر منا سجية ... بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
وقد ذكر عن الشاعر أنه مشهور وفارس مقدم، وله ديوان مفرد.
(2) شاعر فارس رويت له مقطوعة من ستة أبيات، البيت الشاهد أولها (المؤتلف ص 91).
(3) الاشتقاق ص 212.
(4) ما بين القوسين عجز البيت عن الاشتقاق ص 114.
(5) كان بقيلة شاعرا سيدا كريما، رويت له الأبيات المذكورة فى النص ببعض الزيادة والحذف وتقديم وتأخير فيها كذلك (المؤتلف 62).(1/414)
وإنما الشّعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس إن كيسا وإن حمقا
ليس امرؤ فليكن من كان والده ... وإن تخلّق، إلا مثل ما خلقا
لبست قومى على ما كان من خلق ... ولا جديد لمن لا يلبس الخلقا
وإنّ أشعر بيت أنت قائله ... يقال فيه إذا أنشدته صدقا (1)
وليس هذا من آل بقيلة الغسّانيين فى شىء، هؤلاء ملوك، منهم عبد المسيح ابن عمرو بن بقيلة له أخبار مع خالد بن الوليد المخزومىّ:
وفيهم ابن الأخرس الطائىّ ثم المعنىّ، الخاء معجمة والراء والسين غير معجمتين، جاهلى. واشتق الأخرس من قولهم: سقاه شربة خرساء إذا لم يسمع لها صوتا من خثورتها أو من خرس الطعام.
ومعدان بن جوّاس (2) بالجيم والسين غير معجمة. وجوّاس بن القعطل (3) مثله.
وحريث بن عنّاب بالنون والعين غير معجمة أنشدنى المعمرى قال: أنشدنا ثعلب، عن ابن الأعرابى لحريث بن عناب الطائى يذكر رجلا طرقه فقراه لبنا:
إذا قال قدنى قلت والله حلفة ... لتغننّ (4) عنى ذا إنائك أجمعا
ذا إنائك: اللبن الذى فى إنائه.
ويقال حريث للأعور (5) [الذى] هاجى جريرا.
وشريح بن قرواش العبسىّ، الشين معجمة والحاء غير معجمة.
__________
(1) روى (أوله) مكان (والده) فى البيت الثانى (وبيت يقال إذا أنشدته) مكان (يقال فيه)
فى البيت الأخير «المؤتلف 63».
(2) هو معدان بن جواس الكندى السكونى له خلف فى ربيعة، مخضرم نزل الكوفة، وكان نصرانيا فأسلم فى أيام عمر بن الخطاب (المعجم: 407).
(3) فى الأصل (المعطل) والتصويب عن المؤتلف: 74وكان بينه وبين زفر بن الحارث الكلابى مناقضات، وروى له فى ترجمته أبيات.
(4) انظر خزانة البغدادى ففيها تخريج لحذف لام الفعل (4: 580) ورواية أخرى هى لتغنى (3: 361).
(5) هو الأعور النبهانى الذى هجا جريرا، وقد ذكرت له أبيات يخاطب ناقته أولها:
فقلت لها أمى سليطا بأرضها ... فبئس مناخ النازلين جرير
(المؤتلف 1ص 161)(1/415)
وعلّاق بن مروان بن الحكم بن زنباع بعين معجمة.
[581ا] وحسيل وهو تصغير حسل بن نحيح الذى فى بنى مجاشع، هو نحيح ابن عبد الله بن مجاشع (1). أنشدنى نفطويه أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابى:
أبنى نحيح إن أمكم ... أمة وإنّ أباكم وقب
وأنشدنا قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابى:
أدع نحيحا باسمه لا تنسه ... إنّ نحيحا مثل صئبان السّه
كل لئيم عفر المجسّه ... يعفر فيه يده من مسّه
يعفر أى أنّك إذا مسسته فقد عفرتها فى قذر، والسه: تقف عليه بالهاء فاذا وصلتها قلت الست.
وفيهم سيّار بن قصير الطائىّ بعد الألف راء غير معجمة. وفى طيئ أيضا سنان بن الفحل بنونين فى سنان.
عبد الله بن عنمة الضبى، العين غير معجمة، هذا بنون مفتوحة.
وفى شعراء بنى الحارث بن كعب المخرّم، الخاء معجمة والراء مكسورة مشدّدة غير معجمة، وهو مفعّل من الخرم، وهو خرمك الشىء. والمخرم:
النّقب الذى فى الجبل.
الأخزم السّنبسى (2)، الخاء والزاى معجمتان، وبنو سنبس من طيئ. وفى طيئ أيضا أخزم الذى قيل فيه. شنشنة أعرفها من أخزم. وهو أخزم بن أبى أخزم، وهو جدّ حاتم طيئ.
وفى خثعم بطن يقال لهم بنو أجرم (3) بالجيم والراء غير معجمة.
__________
(1) جاهلى من بنى دارم (قاموس)
(2) سنبس (بالكسر): بن معاوية بن جرول أبو حى من طئ قاموس (سبس).
(3) بنو أجرم وفدوا على النبى صلى الله عليه وسلم فقال لهم أنتم بنو رشد فهم إلى اليوم يسمون بنى رشد (اشتقاق 305).(1/416)
وفى همدان بطن يقال لهم بنو أحرم، الحاء والراء غير معجمتين
ومقّاس الشاعر (1) القاف مشدّدة والسين غير معجمة من شعراء قريش من بنى عائذة جاهلىّ واسمه مسهر، وهو مشتقّ من قولهم تمقّست نفسه إذا غثت.
وفى طيئ شاعر يقال له عبد الرحمن المعنى ولقبه مرقس (2) الميم مفتوحة والراء ساكنة وبعد القاف سين غير معجمة. وليس هذا من المرقّشين (3) فى شىء.
وفى غير هذا كل ما نسب إلى امرئ القيس فهو مرئى إلا فى كندة فانهم ينسبون إليه مرقسى. حكاه لى أبو الحسين النّسابة فى كتاب المعاقل والعصم.
ومحمد بن بشير الخارجىّ (4) تحت الباء نقطة والشين منقوطة. وهو كوفىّ من خارجة عدوان، وليس من الخوارج، فما جاءك فى شعراء الكوفة فهو ابن بشير هذا، وما جاءك من شعراء البصرة فهو محمد بن يسير أول الاسم ياء تحتها نقتطتان وبعدها سين غير معجمة. وله أخ يقال له علىّ بن يسير شاعر أيضا.
__________
(1) مقاس العائذى ويقال الغامدى، واسمه مسهر بن النعمان بن عمر وقيل مسهر بن عمرو بن عثمان وسمى مقاسا ببيت قاله وهو مخضرم. يقول:
ونحن بنو حرب غذتنا بثديها ... وقد شمطت أصداغها وقرونها
فيا ويلها منا ويا ويلنا بها ... لها الويل منا كيف كنا ندينها
إذا الحرب شابتها شهادة معشر ... ففينا فتو بالرماح يزينها
(المعجم ص 404)
(2) هو أحد بنى معن شاعر إسلامى وله أرجوزة يقول فيها:
قد قارعت معن قراعا صلبا ... قراع قوم يحسنون الضربا
ترى مع الروع الغلام الشطبا ... إذا أحس وجعا أو كربا
دنا فما يزداد إلا قربا ... تمرس الجرباء لاقت جربا
(الحماسة 235)
(3) المرقشان: المرقش الأكبر، وهو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة، والمرقش الأصغر، ربيعة بن حرملة بن سفيان بن سعد بن مالك، القيسيان ثم الضبعيان المشهوران (المؤتلف 184).
(4) له حلف فى أشجع ويكنى أبا سليمان وكان ينزل الروحاء (المعجم 412).(1/417)
وفيهم ابن الحجناء الشاعر مولى [187ا] بنى أسد الحاء قبل الجيم.
وللمنصور مولى يقال له نصيب (1) كان شاعرا ويكنى أبا الحجناء.
وفى العرب بنو جحوان، الجيم قبل الحاء، وفيهم بنو حجوان الحاء قبل الجيم. وجحن بن المرقّع الجيم قبل الحاء.
فأما الأجحم، فالجيم قبل الحاء، والأجحم الجاحظ العينين، نصيب الأكبر الشاعر فهو مولى عبد العزيز بن مروان.
وفى الأشراف الجحن بن المرقّع الجيم قبل الحاء.
ومن الشعراء الذين يغلطون فيهم (2)، فى الحماسة وغيرها، حفص بن الأخيف الكنانى (3) يصحفونه بالأحنف، وإنما هو الأخيف بخاء معجمة وبعدها ياء تحتها نقطتان، وكل ما كان من لونين فهو أخيف ومنه خيف منى، ويقال فرس أخيف إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء، ومنه قولهم الناس أخياف (4). ومكرز بن حفص بن الأخيف (5) هو الذى قتل عامر بن الملوّح وقال فيه:
ولمّا رأيت إنما هو عامر ... تذكّرت أشلاء الحبيب الملحّب (6)
ومكرز كان السبب فى الحرب بين كنانة وقريش.
__________
(1) هو نصيب الأصغر مولى المهدى كان عبدا نشأ باليمامة واشترى للمهدى فى حياة المنصور فلما سمع شعره قال والله ما هو بدون نصيب مولى بنى مروان فأعتقه وزوجه وكناه أبا الحجناء (شرح الحماسة)
(2) فى الأصل: فيه.
(3) تنسب إليه أبيات فى الحماسة أولها:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادى قبره بذنوب
(4) هذا جزء بيت:
الناس أخياف وشتى فى الشيم ... وكلهم يجمعه بيت الأدم
يقال: هم اخياف أى مختلفون، وإخوة أخياف أى أمهم واحدة والآباء شتى (تاج العروس: خيف)
(5) معجم الشعراء ص 470.
(6) كذا فى الأصل وفى معجم الشعراء وفى سيرة ابن هشام (أنه هو) مكان (إنما هو).(1/418)
ويغلط بعبد الله بن الزّبير (1) الأسدىّ، الزاى مفتوحة والباء مكسورة.
ولعبد الله بن الزبير هذا أخبار مع عبد الله بن الزّبير بن العوّام.
[187ب] وفى غير الشعراء عبد الرحمن بن الزّبير بن باطى من قريظة والنضير.
وفيهم معروف بن وذفة، الذال والفاء مفتوحتان. والوذفة: القطرة من الماء أو الودك أو الخمر.
وفى شعراء طيئ رقيبة الجرمى (2)، الراء مضمومة والقاف مفتوحة.
وفى شعراء بنى عجل كبد الحصاة، واسمه قيس بن عمرو (3). وهو القائل:
ألا هلك المكسّر يال بكر ... وأودى الباع والحسب التّليد
وفى شعراء بنى سعد سؤر الذّئب. وفيهم هميان الشاعر، وهو هميان بن قحافة (4). وفيهم ابن هنّام بالنون وهو القائل:
وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفع وموتك فاجع
واسمه الضحّاك.
وفى الشعراء جران العود، وإنما سمى جران العود ببيت قاله فى امرأتيه:
خذا حذرا يا كنّتىّ فإنّنى ... رأيت جران العود قد كاد يصلح
__________
(1) يكنى بأبى كثير وله ترجمة فى الأغانى ج 13ص 31.
(2) رويت له أبيات فى الحماسة: أولها:
أقول وفى الأكفان أبيض ماجد ... كغصن الأراك وجهه حين وسما
(3) فى معجم الشعراء (224) عمرو بن قيس جاهلى وبعد البيت الشاهد:
ألا هلك المكسر فاستراحت ... حوافى الخيل والحى الحريد
والمكسر هو يزيد بن حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلى.
(4) أحد بنى عوافة بن سعد مناة بن تميم، راجز محسن إسلامى كان فى الدولة الأموية.
(المؤتلف 197)(1/419)
وفيهم دعيميص الرّمل (1)، ومليص بن مقلّد تميمى، وعكمص الغدانىّ من شعراء بنى تميم، والعكمص العجب.
وفيهم القطران العبشمىّ وهو الذى يقول:
[188ا] أنا القطران والشّعراء جربى ... وفى القطران للجربى شفاء
وفيهم الكلحبة لصّ. وبشر بن أبى خازم الأسدىّ الجاهلىّ، بالخاء المعجمة لا شك فيه. ومحمد بن حازم الباهلىّ من المحدّثين، بحاء غير معجمة، وأكثر قوله فى القناعة واليأس. وفى شعراء بنى تميم أبو دهلب (2) شاعر راجز، وهو الذى يقول:
حنّت قلوصى أمس بالأردنّ ... [حنّى فما ظلمت أن تحنّى]
والدّهلب: الرجل الثقيل.
أبو دهبل الجمحى تحت الدال نقطة والباء مفتوحة تحتها نقطة واسمه وهب ابن زمعة من شعراء قريش (3).
وأما غسان بن ذهيل فالذال معجمة مضمومة. ودوسر بن ذهيل القريعىّ وهو القائل:
فان تك أثوابى تمزّقن للبلى ... فانى كنصل السّيف فى خلق الغمد
__________
(1) دعيميص الرمل عبد أسود داهية خريت ما كان يدخل بلاد وبار غيره فقام فى الموسم وجعل يقول:
فمن يعطنى تسعا وتسعين بكرة ... هجانا وأدما أهدها لوبار
فقام مهرى وأعطاه وتحمل معه بأهله وولده فلما توسطوا الرمل طمست الجن عين دعيميص فتحير وهلك فى تلك الرمال. (كذا، قاموس: دعص).
(2) هو أحد بنى ربيعة بن قريع بن كعب بن تميم وعجز البيت وما بين القوسين عن المؤتلف.
(ص 117)
(3) شاعر محسن مداح وهو القائل من أبيات:
يا ليت من يمنع المعروف يمنعه ... حتى يذوق رجال غب ما صنعوا
(المؤتلف 117)(1/420)
وفى أنساب كلب أم زيد بن حارثة، هى سعدى بنت جدعاء بن ذهل، كذا يقول ابن الكلبىّ. وقال أبو عبيدة: ابن ذهل بن رومان من بنى فطرة من طيىّ (1). وفى شعراء بلعدويّة زياد بن حمل [الحاء] مفتوحة غير معجمة والميم مفتوحة، ابن منقذ وهو أخو المران بن منقذ وله القصيدة التى أوّلها:
لا حبّذا أنت يا صنعاء من بلد ... ولا شعوب هوى منا ولا نقم
وفى مذحج بنو جمل بالجيم ينسب إليهم هند الجملى. وهو جمل بن كنانة بن ناجية بن مراد، وفى بنى الحارث بن لؤى جمل، أيضا، ابن عبيدة، ابن وهب بن الحارث بن لؤىّ.
وفى كنانة بنو خمل، بالخاء المعجمة مضمومة والميم ساكنة، بن شق بن الحارث بن كنانة، وقول امرئ القيس:
[تذكرت أهلى الصالحين وقد أتت] ... على خملى خوص الرّكاب وأوجرا (2)
وقال: خملى موضع بالشام. وقال ابن الكلبى: جملى بالجيم.
خليد عينين شاعر يعرف بعينين، وهو من بنى تميم ثم من بنى يربوع، وسمى عينين لأنه كان ينزل أرضا بهجر تسمّى عينين، وهو القائل:
أيها الموقدان شبّا سناها ... إنّ للضّيف طارفى وتلادى
وفى شعراء الأنصار الرّمّق (3) الراء غير معجمة والميم مشدّدة. قال ابن دريد:
هو الرّمق بن ورد بن غنم جاهلى. والجهمىّ النسابة، يقول الدّمق تحت الدال نقطه، واسمه عبيد بن سالم بن مالك بن سالم. وحكاه الجهمىّ عن سعيد بن سالم بن القدّاح بالدال.
وفى شعراء الأنصار برذع الذال منقوطة، وهو برذع بن زيد بن عامر من [189ا] بنى ظفر وهو الذى قتل أبا صعصعة المازنىّ بقيس بن الخطيم، وبرذع الذى يقول:
__________
(1) فى الاصل: ذهيل مكان ذهل، ونطرة بدل فطرة والتصويب عن جمهرة أنساب العرب ص 376.
(2) صدر البيت عن الديوان وهو من قصيدة مطلعها:
سمالك شوق بعد ما كان أقصرا ... وحلت سليمى بطن فو فعرعزا
وقد جاء فى معجم ياقوت: خمل (مكان خملى) فى شعر امرئ القيس ورواه السكرى بالجيم (جمل).
(3) الاشتقاق (ص 270).(1/421)
لعمر أبيها لا يقول محاورى ... ألا إننى قد خاننى اليوم برذع
فانى بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من غدرة أتقنّع
وثقيف تروى هذا البيت لغيلان بن سلمة.
وفيهم أيضا ابن الغريراء، الغين مضمومة معجمة والراء غير معجمة، وتحت الياء نقطتان. والغريراء أمه، وهو جاهلىّ.
وفى غيرهم كثير بن الغريزة الشاعر: مفتوحة الغين والراء غير معجمة وبعد الياء زاى، وفيه يقول الهذيل بن هبيرة:
ألكنى وفر لابن الغريزة عرضه ... [إلى خالد من آل سلمى بن جندل (1)]
وعلىّ بن الغدير (2) غنوىّ هو القائل:
فاعمد لما يعلو فما لك بالّذى ... لا تستطيع من الأمور يدان
وبشامة بن الغدير (3) وليس بأخيه، ذاك غنوىّ وهذا من بنى ذبيان. ومن الشعراء أبو سعلى وهو القائل:
وأظعنهم بادئا عائدا
وفيهم أبو جلدة اليشكرى وهو القائل:
فلست بلاح لى نديما بزلّة ... ولا هفوة كانت ونحن على الخمر
__________
(1) عجز البيت عن الحماسة.
(2) روى عن أبى اليقظان انه قال: على بن الغدير من أشعر الناس، دخل على عبد الملك بن مروان فقال لأكذبن اليوم امير المؤمنين وأنشد:
أصارمة أم لا حبالك زينب ... وهل بين صرم الحبل والوصل مذهب
فقال عبد الملك لا، فقال على:
نعم إن أسبابا هى ارتثت القوى ... يغر بها المرء الغوى ويكذب
فقال عبد الملك كذبتنى يابن الغدير فبحك الله (المؤتلف 164). والبيت فى اللسان والتاج منسوب لكعب بن سعد الغنونى وقد كتبت (يعلو) فى المخطوط (يقلوا) وفى التاج (فعلوا) وفى غيره (تعلو وتعنو) (اللسان والأساس: علو، والأمالى 2: 312).
(3) بشامة بن الغدير ينتهى إلى دبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس عيلان، وكان شاعرا متقدما وهو خال زهير بن أبى سلمى.(1/422)
عركت بجنبى قول خدنى وصاحبى ... ونحن على صهباء طيّبة النّشر
وأيقنت أن السّكر طار بلبّه ... فأغرق فى شتمى وقال وما يدرى
[189ب] فأما أبو الجلد، بلا هاء، والجيم مفتوحة، واسمه جيلان بن فروة، فهو صاحب كتب وكان جمّاعة لأخبار الملاحم.
وفى أنساب سعد العشيرة علة بن جلد بن سعد. وفيهم أبو خلادة بخاء معجمة مضمومة، وهو من شعراء كندة جاهلىّ من بنى حوت بن الحرث، اسمه عمرو بن عبد شمس بن حوت مدح حجر بن نهد فى قوله:
ألم يشجك الأنس المسبكر
وخولىّ بن شهلة الشاعر، الخاء معجمة والياء مشدّدة من شعراء طيئ، وفيهم دجاجة بن عتر وقيل عتر بن دجاجة، العين مكسورة والتاء فوقها نقطتان. وقال محمد بن حبيب دجاجة إذا [كان] اسما فهو مكسور وهو القائل:
من كان أسرع فى تفرّق فالج ... فلبونه جربت معا وأغدّت
إلا كناشرة الّذى ضيّعتم ... كالغصن فى غلوائه المتنبّت
وفى بنى رؤاس عتر أيضا قال:
فو الله ما أدرى وإنى لسائل ... أعتر رؤاس أم رؤاس بنو عتر
وفى ربيعة عنز، بالنون والزاى، وفى شعر النابغة:
[190ا] تجنّب بنى حنّ فان لقاءهم ... كريه وإن لم تلق إلا بصابر (1)
وفى الشعراء خلد بن حقّ الشاعر، وهو الذى يقول:
وكسرى إذ تقسّمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللّحام (2)
__________
(1) فى الأصل (فالح) فى البيت الأول و (كالعض فى علوائه المتثبت) فى الثانى والتصويب عن اللسان وشرح القاموس (نبت).
(2) البيت الثانى من قصيدة أولها:
لقد قلت للنعمان يوم لقيته ... يريد بنى حن ببرقة صادر(1/423)
تمخّضت المنون له بيوم ... أتى ولكلّ حاملة تمام
ومرّة بن محكان السّعدى، الميم مكسورة والحاء غير معجمة وبعدها كاف، ورأيته فى نوادر ابن الأعرابى مرّة بن حطان، بطاء تحتها نقطة، فلست أدرى أوهم هو أم غلط عليه.
وفيهم عركز بن الجميح الأسدىّ، العين غير معجمة مضمومة وآخر الاسم زاى، أدركه الرّياشىّ وهو مشتق من قولهم تعركز: إذا تقبّض.
وفى شعراء بنى ذبيان المزعفر واسمه معن بن حذيفة.
وفى شعراء سليم ابن قرقرة، بقافين، واسمه زرعة بن السّكّيت، السين مضمومة غير معجمة، وآخر الاسم تاء فوقها نقطتان، وهو من بنى زعل.
وفى شعراء محارب ابن جمانة، بالجيم والنون، واسمه عبد الرحمن بن عصيم، وفيهم ابن صفّار، الصاد غير معجمة والفاء مشدّدة.
وفى بنى كلاب سراج بن قوّة [190ب] السين غير معجمة واسمه عتبة ابن مرداس.
لسان الحمّرة من بنى تيم الله، اسمه عبيد الله بن حصين (1).
وفى شعراء بنى عجل ابن خرقاء، الخاء معجمة وبالقاف، واسمه جهر بن خرقاء وفيهم خبّاب بن أفعى، الخاء معجمة والباءان منقوط تحتهما.
وفيهم أيضا الذّهّاب بن جندل، الذال منقوطة مفتوحة (2).
وفى بنى الغوث بن أنمار عمرو بن الخثارم (3)، الخاء معجمة والثاء منقوطة بثلاث، وربما صحّفوه بالحثارم، بالحاء غير المعجمة.
__________
(1) ابن لسان الحمرة كسكرة: خطيب بليغ نسابة اسمه عبيد الله بن حصين، وفى الأصل المخطوط حصن، والتصويب عن القاموس (مادة حمر).
(2) الذهاب كشداد: لقب عمرو أو مالك بن جندل (قاموس: ذهب).
(3) الخثارم والد عمرو البجلى عم الكميت (قاموس: خثم).(1/424)
ابن غزالة من شعراء كندة، اسمه ربيعة بن عبد الله، وأمه غزالة، كندى من بنى تجيب، جاهلى أدرك الإسلام فأسلم (1).
وفى شعراء كندة سلمة بن صبح (2)، الصاد مضمومة غير معجمة والباء ساكنة تحتها نقطة.
وفى شعراء طيئ ابن صبيح، بزيادة ياء (3)، واسمه الحر بن عمرو بن تغلب ابن صبيح، وإيّاه عنى عمرو بن معدى كرب بقوله:
وابن صبح سادرا يوعدنى ... ماله ما عشت فى الناس مجير
وفى شعراء تغلب عمرو بن حنىّ التغلبى (4)، الحاء مضمومة والنون مفتوحة، وهو القائل:
[191ا] ولقد دعوت طريف دعوة جاهل
سفها وأنت بمنظر لو تعلم
ولقيت حيّا، فى الحروب محلهم، ... والجيش باسم أبيهم يستهزم
وفى شعراء طيئ شاعر يقال له حنى (5) أيضا، ولقبه ذرب، وهو سويد بن مسعود بن جعفر بن عبد الله بن طريف بن حنىّ الشاعر. وكان ذرب حكم بحكم فى الجاهليّة وافق حكم الإسلام.
__________
(1) الاشتقاق ص 221. وكانت تجيب فى الأصل نجيب.
(2) اشتقاق ص 223.
(3) فى الاشتقاق «صبح» مكان «صبيح» (ص 240).
(4) عمرو بن حنى التغلبى: فارس جاهلى مذكور يقول فى قتلهم عمرو بن هند فى رواية محمد بن داود:
نعاطى الملوك الحق ما قصدوا بنا ... وليس علينا قتلهم بمحرم
ونسب هذا البيت لجابر بن حنى فى نقائض جرير والفرزدق ص 887.
(معجم الشعراء 206)
(5) فى الاشتقاق ص 232جبى بالباء.(1/425)
ذو الخرق الطّهوىّ، سمى ذا الخرق لقوله:
لما رأت إبلى جاءت حمولتها ... هزلى عجافا عليها الرّيش والخرق (1)
وفى شعراء قريش مقّاس العائذى (2)، السين غير معجمة، وكان حليفا لبنى أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، وفيهم يقول:
ألا أبلغ بنى شيبان عنّى ... فلا يك من لقائكم الوداعا
وفى الشعراء آبى اللحم الغفارىّ، وليست بكنية، إنما هو من الإباء، وكان يأبى أن يأكل مما أهلّ به لغير الله، فسمى آبى اللّحم. ومن شعره ما أنشدنا الهزانى قال:
أنشدنا الرياشىّ (3):
وفى بنى تغلب شاعر آخر يقال له أبو اللحّام التّغلبىّ، الحاء مشددة غير معجمة، وهذا كنية.
وفى الشعراء الأزرق وهو اسم [191ب] وليس من زرق العين.
وفيهم الأحول، وهو أيضا اسم.
وفى شعراء بنى تميم الأبيرد بن المعذّر (4) الرياحىّ، الراء مكسورة وهو تصغير الأبرد. والأبرد من الثيران الذى فى طرف ذنبه بياض.
وفى الشعراء حاجز، بالزاى.
__________
(1) ذو الخرق النعمان بن راشد: لقب بذلك لإعلامه نفسه بخرق حمر وصفر فى الحرب. وقد جاءت كلمة (غرثى) مكان (هزلى) فى البيت (قاموس: خرق).
(2) سبق ذكره فيما تقدم.
(3) يظهر أن فى الكلام سقطا فالشعر غير مذكور.
(4) هو المعذر بن قيس، يصل نسبه إلى يربوع بن حنظلة، شاعر مقل بدوى فصيح من شعراء الإسلام.
فى أول دولة بنى أمية، ولم يكن ممن يمدح الخلفاء، له أبيات فى رثاء أخيه بريد أولها:
لما نعى الناعى بريدا تغولت ... بى الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر
(حماسة 1: 447)(1/426)
وفيهم حاضر بن حطاطى الشاعر الذى يقول:
ألم تنبّئك عن سكّانها الدّار ... كأنهم فى جناحى طائر طاروا (1)
القرثع الشاعر، القاف مفتوحة، والراء ساكنة غير معجمة والثاء منقوطة بثلاث، هو من شعراء تغلب واشتقاق اسمه من قولهم: تقرثعت الضائنة: إذا تنفّشت، وتقرثع الشّىء: إذا اجتمع (2).
وفى بنى ضبّة رجل يقال [له] القرثع أيضا، يضرب به المثل فيقال:
أسأل من قرثع.
عرار بن عمرو بن شأس الشاعر، العين من عرار مكسورة غير معجمة والراء غير معجمة، وهو الذى يقول فيه عمرو بن شأس:
وإن عرارا إن يكن غير واضح ... فانى أحبّ الجون (3) ذا المنكب العمم
وعهده خلافة عبد الملك بن مروان.
وعرّام، العين مفتوحة غير معجمة والراء مشددة غير معجمة، أحد المعمّرين من الشعراء، وهو الذى يقول:
[192ا] ووالله ما أدرى أأدركت أمّة ... على عهد ذى القرنين أو كنت أقدما
وفى شعراء خزاعة ابن الضّريبة على وزن فعيلة، واسمه مسروح بن قيس ابن الضريبة.
وعرادة، مخفّف، هو أبو حنظلة بن عرادة.
__________
(1) الاشتقاق ص 284.
(2) الاشتقاق ص 204.
(3) فى الأصل المخطوط الحوق، والتصويب عن معجم الشعراء ص 212. وقبل هذا البيت أرادت عرارا بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمرى بالهوان فقد ظلم
من أبيات قالها فى ابنه عرار، وكانت أمه سوداء وكانت امرأة عمرو تؤذيه.(1/427)
وفى شعراء قريش شديد بن عامر بن لقيط عامرىّ عهده صدر الإسلام.
وفى شعراء قريظة والنّضير سعنة، بالنون، بن الغريض، ويقال ابن الغريض، بضم الغين أخو السّموءل بن غريض.
ومن شعراء قريش عبيد الله بن قيس بن شريح، بشين معجمة، الرّقيّات.
يضاف إلى الرّقيّات لجدّات سمّين بهذا الاسم، وقيل لأنه شبّب بعدّة تسمّى كلّ واحدة رقيّة. وقال بعضهم: سمى لقوله:
رقية لا رقية أيها الرجل (1)
كثيّر بن عبد الرحمن، يقال له: كثير عزّة، مضموم الكاف، هذا وحده، والباقى كله كثير، مفتوح الكاف، وكان فى أيامه كثير بن كثير السّهمىّ، وهو القائل، وكان يتشيّع، وكان كثيّر عزّة أيضا يتشيّع:
لعن الله من يسبّ عليّا ... وحسينا من سوقة وإمام (2)
فمن لا يعلم يروى هذه الأبيات لكثيّر عزّة.
وفى شعراء همدان شاعر يقال له المذبوب، الذال منقوطة وتحت كلّ [192ب] باء نقطة واسمه كثير بن أبى حيّة.
وأما أبو كبير الهذلىّ، فهو بالباء تحتها نقطة.
وفى أنساب قريش كبير بالباء.
وفى عذرة أيضا بالباء.
وفى شعراء جعفىّ بن سعد العشيرة (3) دينار بن بادية الشاعر الجعفى، تحت الباء من بادية نقطة.
وفى شعراء الأنصار درهم بن زيد من بنى النجّار.
__________
(1) جاء «لا رقية» مكررة فى المخطوط مرتين، والتصويب عن الديوان ولم يرد فيه إلا هذا الشطر من البيت (ص 188).
(2) معجم الشعراء 348.
(3) فى الأصل المخطوط سعد العيرة.(1/428)
وفى شعراء بنى عامر بن صعصعة زرارة بن فروان، الفاء مفتوحة، وهو الذى يقول:
فانك ما يضرك بعد حول ... أظبى كان أمك أم حمار (1)
* * * وفى الشعراء ثلاثة يسمّون المفضّل، وليسوا من المفضّل بن محمد الضبى.
فى الجزء الثالث
[192ب] الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على النبىّ محمد وآله أجمعين.
__________
(1) هذا البيت من مقطوعة أولها:
وكائن قد رأيت من اهل دار ... دعاهم رائد لهم فساروا
رواها صاحب الخزانة وقال: ونسبها أبو تمام فى مختار شعر القبائل لثروان بن فزارة بن عبد يغوث العامرى. والشطر الثانى حوله كلام طويل فارجع إليه فى الخزانة (3: 231).(1/429)
الجزء الثّالث
من كتاب ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبى أحمد العسكرى
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله كثيرا كما هو أهله(1/431)
من كتاب ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبى أحمد العسكرى
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله كثيرا كما هو أهله
وفى الشعراء ثلاثة يسمّون المفضّل، وليسوا من المفضّل بن محمد الضّبىّ فى شىء (1).
منهم المفضّل بن عامر، وقيل المفضّل بن معشر العبدىّ، من عبد القيس، صاحب القصيدة المنصفة التى أوّلها:
أحقّا أن جيرتنا استقلّوا ... فنيّتنا ونيّتهم فريق
بكلّ قرارة منّا ومنهم ... بنان فتى وجمجمة فليق
وفى طيىء المفضّل الشاعر أيضا، وهو المفضّل بن قيس بن الغوث من طيىء، أوّل من قال الشعر بعد طيىء، ومن شعره:
أعيا الذى بى علم كلّ طبيب
__________
(1) عد الآمدى فى المؤتلف والمختلف المسمين بالمفضل من الشعراء وهم: المفضل بن قدامة الكوفى.
والمفضل بن دلهم بن المجشر أحد بنى قيس، يعرف بابن أمامة وهى أمه، وهى بنت وبرة بن عبادة بن زيد.
والمفضل بن المهلب بن أبى صفرة الأزدى. والمفضل المازنى من شعراء خراسان، ذكره المدائنى. والمفضل ابن خالد السلمى من شعراء خراسان، ذكره المدائنى أيضا. والمفضل بن سلمة بن عاصم النحوى صاحب الفراء (384383).(1/433)
وفى شعراء تميم اللعين المنقرىّ، واسمه منازل، بالزاى (1)، وهو الذى هجا جريرا والفرزدق جميعا، وهو القائل لهما:
فما بقيا علىّ تركتمانى ... ولكن خفتما صرد النّبال
وفى شعراء بنى تميم فرعان (2) المنقرىّ، بالفاء لا بالقاف، والفاء مضمومة، والعين غير معجمة. وأبو عبيدة يقول: فرغان، بالغين المعجمة، وابنه منازل بن فرعان، وكان فاتكا جريئا.
وأخبرنى أبى، أخبرنا عسل، عن المازنىّ، عن الأصمعىّ، قال: لما حضر فرعان قال:
قد وردت نفسى وما كادت ترد [2]
وكنت أحيانا شديد المعتمد
أشوس ذا شغب على القرن الألد
ثم قال: اخرجى لكاع.
وأخبرنا ابن دريد عن أبى حاتم، عن أبى عبيدة، قال: كان فرعان بن
__________
(1) هو منازل بن زمعة من بنى منقر، ويكنى أبا أكيدر، قيل له: اقض بين جرير والفرزدق، فقال: سأقضى بين كلب بنى كليب ... وبين القين قين بنى عقال
فإن الكلب مطعمه خبيث ... وإن القين يعمل فى سفال
فما بقيا ... (الشعر والشعراء) 196
(2) هو فرعان بن الأعرف من بنى مرة بن عبيد، رهط الأحنف بن قيس، كان شاعرا لصا يغير على إبل الناس، وهو القائل:
يقول رجالى إن فرعان فاجر ... ولله أعطانى بنى وماليا
فأربعة مثل الصقور وأربعا ... مراضيع قد وفين شعثا ثمانيا
إذا اصطنعوا لا يخبئون لغائب ... طعاما ولا يرعون من كان نائيا
وقد جاء فى الآمدى أيضا فى فرعان المنقرى: شاعر معروف، وأنشد له المازنى وقد احتضر:
قد وردت نفسى وما كادت ترد ... وكنت ذا شغب على القرن الألد
فقد أتانى اليوم قرن لا يرد
ويفهم من هذا أنهما اثنان.(1/434)
الأعرف (1) أحد بنى نزّال بن سعد، وابنه منازل بن فرعان، يعقّه منازل، فقال:
جزت رحم بينى وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدّين طالبه (2)
وما كنت أخشى أن يكون منازل ... عدوّى وأدنى شانئ أنا راهبه (3)
حملت على ظهرى وقرّبت مهده ... صغيرا إلى أن أمكن الطّرّ شاربه (4)
وأطعمته حتى إذا آض شيظما ... طوالا يوازى غارب الفحل غاربه (5)
فلما رآنى أحسب الشخص أشخصا ... قريبا وذا الشخص البعيد أقاربه (6)
تظلّمنى مالى كذا ولوى يدى ... لوى يده الله الذى لا يغالبه (7)
فلما شبّ منازل سلّط عليه ابن له فعقّه، فرفعه إلى إبراهيم بن عربىّ والى اليمامة، وقال:
تظلّمنى مالى خليج وعقّنى ... على حين كانت كالحنىّ عظامى
وكنت أرجّى العطف منه وأمّه ... حراميّة ما غرّنى بحرام؟ (8)
تخيرتها وازددتها لتزيدنى ... وما بعض ما يزداد غير غرام (9)
وجاءت بغول من حرام كأنما ... يسعّر فى بيتى حريق ضرام
__________
(1) أبناء الأعرف فى المؤتلف والمختلف ثلاثة هم: فرعان بن الأعرف أحد بنى مرة، شاعر لص.
والمنازل بن الأعرف أخوه الذى قيلت فيه الأبيات فى رواية الآمدى، وسحيم بن الأعرف الهجيمى.
(2) رواية المؤتلف والمختلف: «جرت رحم سواء كما يستنجز». وفى الحماسة: يستنزل.
(3) رواية الآمدى: أنى راهبه.
(4) رواية الآمدى: وقربت صاحبى.
(5) رواية الآمدى: «حتى إذا صار شيظما يكاد يساوى» وفى الحماسة «لربيته» مكان و «أطعمته».
(6) وفى الأصل و «ذو الرأى البعيد يقاربه»، والتصويب عن الحماسة، وفيها أبصر مكان أحسب.
(7) رواية الآمدى «تخون مالى ظالما الذى هو غالبه» وفى الحماسة «تغمد حقى».
(8) رواية الآمدى: أرجى الخير، وحرامية: نسبة إلى بنى حرام.
(9) رواية الآمدى: تزوجتها.(1/435)
[3] لعمرى لقد ربيّته فرحا به ... فلا يفرحن بعدى امرؤ بغلام (1)
فأمر به والى اليمامة، فقال الغلام: لا تعجل أيها الأمير، أتعرف هذا؟ هذا منازل الذى يقول فيه أبوه ثم أنشد الأبيات، فقال له الوالى: يا شيخ، عققت فعققت. ولم يضرب ابنه.
__________
(1) رواية الآمدى: «وربيته من بعد ذا بعدى أب بغلام».(1/436)
من يسمى امرأ القيس (1) فى عهد امرئ القيس وبعده
امرؤ القيس بن حجر: سمعت أبا الحسين النسّابة يذكر أن اسمه مليكة، وأنه كان يكنى أبا كبشة، وكان مئناثا، له بنات درجن، وليست له عقب.
ويقال إن أباه حجرا كان ينهاه عن قول الشّعر، ويرفع نفسه وولده عن ذلك.
وأخبرنى عبد الرّحمن بن مندويه الشاعر الأصبهانىّ، وكان قد صنّف كتابا سمّاه كتاب الشّعر والشعراء، فانتخبت منه، قال:
بينا حجر أبو امرئ القيس يشرب مع ندمائه، إذ مرّ به الساقى بالكأس، فقال امرؤ القيس:
اسقيا حجرا على علّاته ... من كميت لونها لون العلق
فسمعه أبوه، فقال للساقى: الطم وجهه، وأخرجه عنى، ثم قال: [إياك] (2) أن أسمعك تقول شعرا فأقتلك، وكان حجر يرفع نفسه وولده عن الشّعر. فغبر امرؤ القيس برهة لا يقول شعرا (3)، مخافة أبيه، فبينما [4] أبوه نائم ذات يوم وقد شرب حتى طابت نفسه، إذ انتبه [و] امرؤ القيس يشرب (4) من فضلته ويقول:
أفيمن أقام من الحىّ هر؟ ... أم الظّاعنون بها فى الشّطر؟
__________
(1) ذكر الآمدى فى المؤتلف عشرة يسمون بهذا الاسم (ص 9وما يليها) وعد صاجب المزهر منهم (ستة عشر 2: 284مطبعة صبيح).
(2) ما بين القوسين زيادة عن الديوان ص 194 (تحقيق أبى الفضل).
(3) زمانا لا يقول الشعر إلا سرا (الديوان).
(4) كانت فى الأصل: فشرب، والتصويب وزيادة الواو عن الديوان.(1/437)
وهرّ تصيد قلوب الرّجال ... وأفلت منها ابن عمرو حجر (1)
فوثب إليه حجر، فطفق يلطمه ويقول: ألم أنهك عن قول الشّعر، وعن أن تذكرنى فى قولك؟ ثم دعا مولى يقال له ربيع (2) كان على خيله، فقال: انطلق بهذا فاقتله، وائتنى بعينيه، فلا أراه إلا سيشأمنا. فانطلق به ربيع، فاستودعه جبلا منيفا، وعلم أن أباه سيندم على قتله إذا صحا، وعمد إلى جؤذر كان عنده فنحره، وامتلخ عينيه، فأتى بهما إلى حجر، فقال حجر: أقتلته؟ قال: نعم، قال:
فأين عيناه؟ قال: هما هاتان. فندم حجر، حتى همّ بقتل ربيع فلما رأى ربيع ذلك قال: أبيت اللّعن، إنى لم أقتله. قال: فأين هو؟ قال: استودعته جبل كذا. قال: فأتنى به. فانطلق ربيع، فوجد امرأ القيس قد قال بعده حين تركه ورجع:
لا تسلمنّى يا ربيع لهذه ... فكنت أرانى قبلها بك واثقا
فقال له ربيع: ويحك. دع الشّعر فإنه يرديك. فيزعمون أنه لم يقل [5] شعرا فى حياة أبيه، فلما قتل أبوه جاش بحر شعره (3).
ويزعم بعضهم أنه كان سبب تلفه بالحلة المسمومة قوله:
إنى حلفت يمينا غير كاذبة ... أنّك أقلف إلا ما جلا القمر (4)
* * *
__________
(1) فى الديوان: (وفيمن) مكان (أفيمن) فى البيت الأول والبيتان من قصيدة مطلعها:
أحار بن عمرو كأنى خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
(2) فى الديوان: ربيعة وكان حاجبه، مكان وكان على خيله (ص 194) وقد تكرر الاسم بهذه الصيغة فى الخبر.
(3) رويت القصة السابقة باختلاف يسير فى بعض عباراتها فى الشعر والشعراء لابن قتيبة.
(4) فى الأصل ولسان العرب «جنى» والتصويب عن الديوان، وبعده بيت:
إذا طعنت به مالت عمامته ... كما تجمع تحت الفلكة الوبر
ويقال إنه هجا بهما قيصر، وكان دخل معه الحمام، فرآه أقلف (ص 280).(1/438)
ومهلهل الشاعر، اسمه امرؤ القيس بن ربيعة، من بنى تغلب، وتزعم ربيعة قاطبة، وبنو تغلب خاصّة: أن مهلهلا قبل امرئ القيس بدهر، ويحتجّون بقول لبيد:
والشاعرون الأوّلون أراهم ... سلكوا سبيل مرقّش ومهلهل
وتزعم بنو أسد أن عبيد بن الأبرص قبل امرئ القيس ومعه. وإياد تدّعى أن أبا دواد قبل امرئ القيس بدهر، ويحتجون بقوله، وهو فى أيام سابور ذى الأكتاف:
على رغم سابور بن سابور أصبحت ... قباب إياد حولها الخيل والنّعم (1)
قالوا: وامرؤ القيس إنما هو (بإزاء) الحارث بن أبى شمر الغسانى.
وكان لأبى دواد أخوان يقولان الشعر، اسمهما مارية، وآرية واسم أبى دواد جارية بن الحجّاج.
وفى هذا إشكال، فيحتاج أن نذكر فيه بعض ما قاله العلماء به،
فإن أبا الحسن الأخفش حكى لى عن أبى العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابىّ، قال فى خبر:
إن مهلهلا قبل امرئ القيس بمائة سنة أو أكثر، [6] وإن بين مهلهل والإسلام أربعمائة أو ثلثمائة سنة.
قال الأصمعى: المرقّش الأكبر قبل الإسلام بلثلثمائة سنة، وهذا أحسبه حكاه عن ابن الأعرابىّ عن شرقىّ بن القطامى (1) أو ابن الكلبىّ. وعلماء البصرة أضبط لمثل هذا، وأصحّ أخبارا، وأكثر تحصيلا.
__________
(1) فى الأصل الشرقى بن قطامى.(1/439)
وأخبرنى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز، قال:
قرأت على أبى زيد عمر بن شبّة النّميرى، فى كتاب طبقات الشعراء، قال أبو زيد: للشّعر والشعراء أول لا يوقف عليه.
وقد اختلف فى ذلك العلماء، وادّعت القبائل كلّ قبيلة لشاعرها أنه السابق، ولم يدّعوا ذلك لقائل البيتين والثلاثة، لأن أولئك لا يسمّون شعراء حتى يقول أحدهم الشعر بعد الشّعر. فادّعت بنو أسد لعبيد بن الأبرص، وتغلب لمهلهل، وبكر لعمرو بن قميئة والمرقّش الأكبر، وإياد لأبى دواد، واليمانية لامرئ القيس. واحتجّوا فى تقدّم بعض هؤلاء بعضا بأشعار للبيد، ولحارثة بن بدر، وللفرزدق. فأما لبيد فقال فى قصيدة طويلة.:
غلب الليالى خلف آل محرّق ... وكما فعلن بتبّع وبهرقل
والشّاعرون الأوّلون أراهم سلكوا سبيل مرقّش ومهلهل أراد أنهم ماتوا كما ماتوا، لأنهم سلكوا سبيلهم فى الشعر [7].
ورووا لحارثة بن بدر قولا لا يشبه شعره:
قبح الإله الإلف إلّا ما مضى ... والشعر بعد مرقّش ومهلهل
وأبى دواد أو عبيد كلّما ... نطقوا أصابوا فيه فصّ المفصل
فإن كان هذان البيتان لحارثة، فهما من أحسن شعره، وهما بالمصنوع أشبه.
وأما الفرزدق فإنه فخر على جرير بأن شعراء أسماهم أورثوه أشعارهم، قال:
وهب القصائد لى النوابغ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول
قال أبو زيد: وليس فى هذه الأشعار ما يدل على الأقدم فالأقدم منهم، وقد قال الشعر مع مهلهل فى حرب البسوس غير واحد منهم جسّاس بن مرّة بن ذهل بن شيبان، قال لأبيه:(1/440)
وهب القصائد لى النوابغ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول
قال أبو زيد: وليس فى هذه الأشعار ما يدل على الأقدم فالأقدم منهم، وقد قال الشعر مع مهلهل فى حرب البسوس غير واحد منهم جسّاس بن مرّة بن ذهل بن شيبان، قال لأبيه:
تأهّب عنك أهبة ذى امتياح ... فإنّ الأمر جلّ عن التّلاح
وإنى قد جنيت عليك حربا ... تغصّ الشيخ بالماء القراح
فيقال إن أباه قال يجيبه:
إن تك قد جنيت علىّ حربا ... فلا وكل ولا رثّ السّلاح
سألبس ثوبها وأذبّ عنى ... بها ثوب المذلّة والوقاح
ويقال: إن هذين (1) مصنوعان.
قال أبو زيد: ومما لا يشك فيه أنّ زهير [8] بن جناب الكلبى أقدم من مهلهل، وله أشعار كثيرة جيدة، منها:
الموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيّه
من أن يرى الشيخ البجا ... ل وقد تهادى بالعشيّة (2)
وتزعم بكر بن وائل أنّ عمرو بن قميئة كان فى عصر مهلهل يقول الشعر، وأنّه عمّر حتى تجاوز تسعين سنة، وهو صاحب امرئ القيس فى قوله:
__________
(1) فى الأصل: إن هذان.
(2) رواية الشعر والشعراء ص 142:
من أن يرى الشيخ الكبي ... ر إذا تهادى فى العشيه
وزاد بعده:
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه(1/441)
بكى صاحبى لمّا رأى الدّرب دونه ... [وأيقنّ أنا لاحقان بقيصرا (1)]
والأفوه الأودىّ (2) يزعم بعضهم أنه أقدمهم، وأنه أول من قصّد القصيد.
ومما يحتجّ به بنو أسد لعبيد بن الأبرص وقدمه، أنه عارض امرأ القيس فقال:
يا ذا المخوّفنا بقت ... ل أبيه إذلالا وحينا
هلّا على حجر بن أمّ ... قطام تبكى لا علينا (3)
ثم قال أبو زيد عمر بن شبّه: وهؤلاء النفر المدّعى لهم التقدم فى الشعر متقاربون، لعل أقدمهم لا يسبق الهجرة بمائة سنة أو نحوها.
قال الشيخ:
وقد قال قبل هؤلاء الشعراء جماعة، ولا يسمّون شعراء، لأنهم قالوا الأبيات اليسيرة، فمنهم دويد بن زيد بن نهد (4). ومن شعره:
اليوم يبنى لدويد بيته ... لو كان للدهر بلى أبليته [9]
أو كان قرنى واحدا كفيته ... [يا ربّ نهب صالح حويته
وربّ غيل حسن لويته] (5)
ومنهم حزيمة (6) بن نهد، ومنهم أعصر بن سعد، ومن قوله:
__________
(1) ما بين القوسين تمام البيت عن الديوان.
(2) اسمه صلاءة بن عمرو، من مذحج، ويكنى أبا ربيعة، وهو القائل:
لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
(الشعر والشعراء ص 59)
(3) بين هذين البيتين بيت هو:
أزعمت أنك قد قتل ... ت سراتنا كذبا ومينا
(الشعر والشعراء ص 84)
(4) فى الأصل نهد بن زيد والتصويب عن طبقات ابن سلام ص 11ومعجم ما استعجم ص 32. وقد ورد فى ص 34أنه الذويد النهدى، واسمه جذيمة بن صبح بن نهد بن زيد.
(5) ما بين القوسين عن الطبقات وقد ورد الشعر فى معجم ما استعجم بزيادة، وتقديم بعض الأبيات على بعض.
(6) فى الأصل جريبة، والتصويب عن معجم ما استعجم 34.(1/442)
أعمير إن أباك غير لونه ... كرّ الليالى واختلاف الأعصر
رجع الكلام إلى من يسمّى امرأ القيس:
ومنهم امرؤ القيس بن حمام بن عبيدة ابن هبل، ابن أخى زهير بن حمام بن هبل، وكان يقال له: عدل الأصرّة.
ويزعم بعضهم أنه هو الذى عنى امرؤ القيس بقوله:
[يا صاحبىّ قفا النّوائح ساعة (1)] ... نبكى الديار كما بكى ابن خذام
وكان يغزو (2) مع مهلهل، وإياه أراد مهلهل بقوله:
لما توعّر فى الكلاب هجينهم ... هلهلت أثار جابرا أو صنبلا (3)
وكأنّه باز علته كبرة ... يهدى بشكّته الرعيل الأوّلا
فالهجين: هو امرؤ القيس بن حمام، وجابر وصنبل: رجلان من تغلب.
وفى كندة عدّة يسمّون امرأ القيس، غير امرئ القيس بن حجر. منهم:
امرؤ القيس بن عابس الكندىّ الشاعر، وينسب بعض قصائد امرئ القيس بن حجر إليه، وهو القائل:
فإن تكتموا الدّاء لا نخفه ... وأن تبعثوا الحرب لا نقعد
ومن قوله:
قف بالديار وقوف حابس ... وتأىّ (4) إنّك غير آيس
__________
(1) صدر البيت زيادة عن الديوان ص 10. وفى رواية أخرى عنه منسوبة لأبى عبيدة:
عوجا على الطلل المحيل لعلنا ... البيت
(2) كانت فى الأصل «يعروا» ولا يستقيم المعنى بهذا.
(3) رواية المعجم للمرزبانى: فى الكراع.
(4) رواية الاستيعاب «وتأن».(1/443)
[10] ماذا عليك من الوقو ... ف بهامد الطللين دارس (1)
لعبت عليها (2) العاصفا ... ت الرائحات من الرّوامس
فقلب الكميت بن زيد قوافى هذه الأبيات، وأدخلها فى قصيدة له، فقال:
قف بالديار وقوف زائر ... وتأىّ إنّك غير صاغر (3)
ماذا عليك من الوقو ... ف بهامد الطللين داثر
درجت عليه الغاديا ... ت الرائحات من الأعاصر
وأدرك امرؤ القيس بن عابس [الكندىّ] (4) الإسلام، فأسلم وحسن إسلامه، ولم يرتدّ يوم الهجير مع من ارتد من كندة، وهو الذى يقول للأشعث ابن قيس:
دعوت عشيرتى للسّلم لما ... رأيتهم تولّوا مدبرينا (5)
وفى كندة شاعر آخر يقال له امرؤ القيس الذائد (6)، سمى الذائد بقوله:
__________
(1) جاء البيت فى الأصل محرفا ومحذوفا منه «عليك من» والتصويب عن المؤتلف ص 9.
(2) رواية الاستيعاب «بهن» وترتيب البيت فيه الثانى، ويليه «ماذا عليك»، وبعدها أبيات ثلاثة أخرى ص 105.
(3) المصدر السابق ص 9: * وتأى إنك غير صابر *
(4) زيادة عن المعجم (ص 9) وقد نسبه فقال: امرؤ القيس بن عابس بن المنذر بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية جاهلى أدرك الإسلام، ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرتد فى أيام أبى بكر: وأقام على الإسلام، وهو القائل فى حرب الردة:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وخص بها جميع المسلمينا
فلست مجاورا أبدا قبيلا ... بما قال الرسول مكذبينا
دعوت عشيرتى للسلم حتى ... رأيتهم أغاروا مفسدينا
فلست مبدلا بالله ربا ... ولا متبدلأ بالسلم دينا
(5) رواية المؤتلف كما تقدم:
حتى ... رأيتهم أغاروا مفسدينا
(6) هو امرؤ القيس بن بكر بن امرئ القيس بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندى جاهلى (المؤتلف ص 10).(1/444)
أذود القوافى عنى ذيادا ... ذياد غلام غوىّ جوادا
فلمّا كثرن وأعيينى ... تنقيّت منهن عشرا جيادا
فأعزل مرجانها جانبا ... وآخذ من درّها المستجادا
وامرؤ القيس بن عدىّ من بنى عليم بن جناب بن نفيل الكلبى (1) [11] وقد رأس هو وأبوه وفدا إلى عمر بن الخطاب، وهو فى جبل قضاعة، وهو نصرانىّ، فأسلم وعقد له عمر على قومه. وخطب إليه علىّ بن أبى طالب والحسن والحسين، فزوّج عليا ابنته المحياة، وزوّج أختها الرباب الحسين بن علىّ، وزوّج الحسن أخرى، ذهب عنى اسمها، فصار علىّ والحسن والحسين أسلافا من هذه الجهة، فولدت المحياة لعلى بن أبى طالب ليلى بنت على، وكان إذا قيل لليلى: من أخوالك؟ تقول: بح بح، تحكى نباح الكلب لصغرها (2)، وولدت الرّباب للحسين بن على، سكينة بنت الحسين، ففيها يقول الحسين:
لعمرك إنّنى لأحبّ أرضا ... تضّمّنها سكينة والرّباب
وفى كندة آخر يقال له امرؤ القيس، يلقّب بالجفشيش (3) بالجيم، والشينان منقوطان:
وامرؤ القيس بن اليعمر بن الشقيقة.
وفى قول امرئ القيس:
ألا هل أتاها والحوادث جمّة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
__________
(1) ذكر فى المؤتلف أنه: امرؤ القيس بن عدى الكلبى، ثم قال: ولا أعرف نسبه إلى كلب ابن وبرة، وأظنه أحد بنى كعب بن عليم بن جناب، وكان أسيرا فى بنى شيبان (ص 11).
(2) روى الطبرى أنها هلكت صغيرة، ونقل عن الواقدى أنها كانت تخرج إلى المسجد وهى جارية، فيقال لها من أخوالك؟ فتقول: وه وه، تعنى كلبا (الطبرى 1: 3473).
(3) فى القاموس: والجفشيش: لقب أبى الخير معدان بن الأسود بن معد يكرب الصحابى.(1/445)
هو امرؤ القيس بن عمرو بن معاوية بن السمط بن ثور بن تملك، وهى أم السمط ابن امرئ القيس، وهى تملك بنت عمرو بن زبيد بن مذحج [ص 12] رهط عمرو ابن معدى كرب. وبيقر (1): أتى العراق والحضر. وقال آخر:
ألم ترنى يمّمت للشام ناقتى ... وحالفنى نفر بن قيس فبيقرا
وأما النوابغ فأكبرهم النابغة الجعدىّ (2)، هو أكبر من النابغة الذبيانى.
أخبرنى الهزّانى، أخبرنا الرياشىّ عن الأصمعى، قال: النابغة الجعدىّ أكبر من النابغة الذبيانى، إلا أن الجعدىّ عمّر حتى أدرك إمارة ابن الزّبير.
قال: الشيخ: ومات النابغة بقومس (3) فى أيام الحجاج، وبعضهم يقول:
مات بأصبهان، وليس يصح.
النابغة الذبيانى اسمه زياد (4)، ونابغة بنى شيبان (5) ونابغة بنى الحارث بن كعب، وهو يزيد بن أبان الحارثىّ، يعرف بنابغة بنى الحارث (6). وفيهم النابغ بن بشير.
__________
(1) فى معجم البلدان: بيقر الرجل: إذا أتى العراق، ويقال: بيقر إذا ترك البدو وسكن الحضر.
وقيل غير ذلك. وأورد بيت امرئ القيس السابق. وقد جاء بيقر فى المخطوط بألف بعد الراء (بيقرا) ولعله أثبتها حكاية لصورتها فى الشعر، فالألف فيه زائدة للإطلاق. والصواب حذفها فى هذا الموضع.
(2) النابغة الجعدى: هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن عامر بن صعصعة الشاعر المشهور، عاش فى الجاهلية والإسلام دهرا (المؤتلف: 191).
(3) قومس: كورة كبيرة واسعة، بها مدن وقرى ومزارع، فى ذيل جبل طبرستان، قصبتها دامغان بين الرى ونيسابور، وبسطام من مدنها (مراصد الاطلاع) وهى بضم القاف وفتح الميم.
(4) ذكر الآمدى اثنين يسميان النابغة الذبيانى: أولهما هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن ذبيان بن بغيض. وثانيهما قال فيه: ومنهم النابغة الذبيانى أيضا وهو نابغة بنى قبال بن يربوع بن لقيط بن عوف إلى آخر نسب الأول، واسمه الحارث بن بكر (المؤتلف 193).
(5) النابغة الشيبانى اسمه عبد الله بن المخارق بن سليمان بن حضير بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة، شاعر محسن، مدح يزيد بن عبد الملك (المؤتلف: 192).
(6) ذكر صاحب المؤتلف ثلاثة آخرين هم: النابغة الغنوى، والنابغة العدوانى، والنابغة التغلبى (192).(1/446)
وأما الأعشون فهم كثير، وقد ذكرت ما حفظ منهم، وسمعت أبا الحسين النسابة يقول: هم اثنا عشر (1).
فأكبرهم أعشى بنى تميم، وهو الأسود بن يعفر النّهشلىّ، جاهلىّ عهده عصر المنذر بن ماء السماء فمن دونه. يعفر الياء مفتوحة، على هذا أكثر الناس.
وأخبرنى أبو الحسين النّسّابة، عن الجمحىّ (2)، عن محمد بن سلّام، قال:
كان رؤبة يقول: [13] يعفر بضم الياء، وبكسر الفاء، وتميم تقول: يعفر بفتح الياء، وبضم الفاء. وله أخ يقال له حطائط بن يعفر، هو الذى يقول:
أرينى جوادا مات هزلا لعلنى ... رى ما ترين أو بخيلا مخلّدا (3)
وطيّىء ترويه لحاتم. ومن أجود شعر الأسود قوله:
ماذا أرجّى بعد آل محرّق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
جرت الرياح على محلّ ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد (4)
__________
(1) هم سبعة عشر فى المؤتلف والمختلف للآمدى (ص 12وما يليها).
(2) لعله أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى، فهو الذى يروى عنه محمد بن سلام فى طبقات الشعراء.
(3) هذا البيت آخر مقطوعة من أربعة أبيات قالها الشاعر لأمه رهم بنت العباب، وقد لامته على جوده وعاتبته. والأبيات الثلاثة هى:
تقول ابنة العباب رهم حربتنا ... حطائط لم تترك لنفسك مقعدا
إذا ما أفدنا صرمة بعد هجمة ... تكون عليها كابن أمك أسودا
فقلت ولم أعى الجواب تبينى ... أكان الهزال حتف زيد وأربدا
(حماسة 2: 342).
(4) هذان البيتان من قصيدة مطلعها:
نام الخلى وما أحس رقادى ... والهم محتضر لدى وسادى
وقد جاء بين البيت الأول وتاليه بيتان، هما:
أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذى الشرفات من سنداد
أرضا تخيرها لدار أبيهم ... كعب ابن مامة وابن أم دواد(1/447)
ويدل على أنه كان أعشى قوله:
[إمّا ترينى قد بكيت وغاضنى] ... ما غيض من بصرى ومن أجلادى (1)
وأعشى بنى قيس بن ثعلبة، جاهلىّ مخضرم. وآخر مداه أن مدح النبىّ صلى الله عليه وسلم، ولم يسلم، رمت به ناقته بالحيرة (2)، فمات.
وأعشى بنى شيبان بن مضر (3)، يعرفون ببنى أمامة، وهى أمامة بنت كسر (4)
ابن كعب بن زهير التغلبى، كانت عند عمرو المزدلف بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، فولدت له حارثة ذا التاج وقيسا، يعرفان بأمهما أمامة. وكان قيس سيّد بكر يوم أوارة وكاظمة، وليست بأوارة زرارة، لأن أوارة بكر فى أيام امرئ القيس بن النعمان بن الشقيقة، وأوارة زرارة أيام عمرو بن هند.
ولحق أعشى بنى شيبان عبد الملك بن مروان، فسأله عبد الملك يوما: من كان على الناس يوم كاظمة؟ قال: حارثة ذو التاج، [14] فطعنه بمخصرة فى يده، وقال: كاد ولمّا، إياك والكذب.
وأعشى بنى الحرماز، واسمه عبد الله بن الأعور، وله شعر كثير، وفد إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو أيوب الهاشمىّ، أخبرنا الرياشىّ، أخبرنا عبيد الله بن الأعور بن عبد الرّحمن الحرقىّ، حدثنا الجنيد بن أمين بن ذروة بن نضلة، عن أبيه، عن جده، قال: حدثنى طريف بن بهصل أن الأعشى، وهو عبد الله بن الأعور الحرمازى، حدّث أنه خرج يمير أهله من هجر، فانطلقت امرأته فعاذت بمطرّف
__________
(1) صدر البيت عن الديوان وهو من القصيدة السابقة، وقد جاءت (مائيل من بصرى) مكان (ما غيض) 297.
(2) هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل.
(عن المؤتلف والمختلف) والمشهور أنه مات بمنفوحة من قرى اليمامة.
(3) المعروف فى كتب الأنساب، أن بنى شيبان قبيلة من ربيعة، لامن مضر.
(4) فى الأصل كسرى والتصويب عن تاج العروس واللسان، فقد جاء فيها: وبنو كسر بطن من تغلب(1/448)
ابن بهصل، فلما قدم أخبر بذلك، فأتاه فقال: يا بن عم ادفع إلىّ امرأتى.
قال: ما هى عندى، ولو كانت عندى ما دفعتها إليك، وكان أعزّ منه، فخرج حتى أتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا سيّد الناس وديّان العرب (1) ... إليك أشكو ذربة من الذّرب
كالذّئبة الغبشاء فى ظل السّرب ... خرجت أبغيها الطّعام فى رجب
فخلّفتنى بنزاع وهرب (2) ... وقذفتنى بين عيص مؤتشب
أخلفت الوعد ولطّت بالذّنب ... وهنّ شرّ غالب لمن غلب (3)
فكتب إليه إلى مطرّف بن بهصل أن يردّ عليه امرأته، فأتاه بكتاب النبى صلى الله عليه عليه وسلم، فقال [15] مطرّف:
إنه قد جاءنى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم، وإنى أردّك إليه. فقالت: خذ لى ذمّة نبيّه ألّا يعاقبنى. قال: فدفعها إليه. فقال:
لعمرك ما حبّى معاذة (4) بالذى ... يغيره الواشى ولا قدم العهد
ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها ... غواة الرجال إذ يناجونهاه (5) بعدى
وأعشى طرود، وطرود (6) فى عدوان. وأعشى باهلة (7). وأعشى عدوان.
__________
(1) رواية الديوان بعد هذا:
تنمى إلى ذروة عبد المطلب ... تلك قروم سادة قدما نجب
(2) فى الأبيات بعد هذا تقديم وتأخير.
(3) قبل هذا البيت: أكمه لا أبصر عقدة الكرب ... تكد رجلى مسامير الخشب
(4) رواية الديوان: معادة بالدال.
(5) فى الديوان: إذ ينادونها.
(6) بنو طرود من فهم بن عمرو بن قيس عيلان، وهم حلفاء بنى سليم (المؤتلف: 17).
(7) ويكنى أبا قحفان واسمه عامر بن الحارث أحد بنى عامر بن عوف بن وائل بن معن، ومعن أبو باهلة، وباهلة امرأة من همدان (ص 14).(1/449)
وأعشى سليم. وأعشى تغلب (1). وأعشى همدان، واسمه عبد الرحمن [بن عبد الله] ابن الحارث بن نظام بن جشم بن عمرو بن مالك بن عبد الجن بن زيد من بنى جشم ابن حاشد.
وفى شعراء طيّئ شاعر يعرف بابن الأغشم، الغين والشين معجمتان. وهو عبيد ابن الأغشم، ومن لا يعلم يقول الأعشى وهو غلط. وهذا من الغشم الذى هو الظّلم والبغى.
الطّرمّاح اثنان:
الطرّماح بن عدىّ الطائى من الغوث من طيئ، وهو الذى وفد إلى الحسن، وله أخبار مع معاوية (2).
والطّرمّاح (3) بن نفر الطائى، وهذا من سنبس، وهو بعد الأول، وكان هذا فى أيام الفرزدق. وبقى بعد الفرزدق.
__________
(1) أعشى تغلب واسمه نعمان بن نجوان، ويقال ربيعة بن نجوان بن أسود، أحد بنى معاوية بن جشم ابن بكر (المؤتلف 20).
(2) أورد له صاحب اللسان (فى مادة هزم) رجزا:
أنا الطرماح وعمى حاتم ... وسمى شكى ولسانى عارم
كالبحر حين تنكد الهزائم
(3) ذكر فى المؤتلف أنه: الطرماح بن حكيم بن حكم بن نفر بن جرول بن ثعل الشاعر المشهور، وذكر آخر اسمه الطرماح بن الجهم الطائى ثم العقدى (ص 148).(1/450)
باب [16] ما يشكل من أيام العرب ووقائعها
أعظم أيام العرب وأطولها حربا حرب البسوس، وحرب داحس والغبراء بين عبس وفزارة، وكانت بين قيس بن زهير العبسىّ، وحذيفة بن بدر الفزارى، فى مراهنة داحس والغبراء. وكان حذيفة أجرى الخطّار والحنفاء (1) وأجرى قيس داحس والغبراء، فسبق فرسا زهير، فظلمه بنو فزارة، فمنعوه الخطر. وقتل فيه عوف بن بدر أخو حذيفة، وقتل مالك ابن زهير، أخو قيس بن زهير. وقتل مالك بن بدر والحارث بن بدر، ثم قتل حذيفة ابن بدر، قتله قرواش بن هنىّ العبسى، وقتل حمل بن بدر، قتله الحارث بن زهير، أخو قيس بن زهير. وهذا يوم الهباءة، وفيه يقول قيس بن زهير:
تعلّم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة لا يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكىّ ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكنّ الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغى مصرعه وخيم (2)
ثم قتل فيه قراوش بن هنّى قاتل حذيفة، وبلغنا أن الحرب [17] قامت بينهم أربعين سنة، ثم صارت داحس مثلا.
__________
(1) فى الأصل الخطارة، والتصويب عن سيرة ابن هشام، وقد جاء فى العقد الفريد أن (صارف فرس حذيفة) (ج 5: 156).
(2) بعد هذه الأبيات:
أظن الحلم دل على قومى ... وقد يستضعف الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسونى ... فمعوج على ومستقيم
(العقدة 5: 157).(1/451)
وأيام الفجار (1)، وهى أربعة أفجرة.
فالفجار الأوّل: بين كنانة وعجز هوازن، فى قتل بدر بن معشر الغفارىّ، قتله الأحمر بن بدر (2) النصرى.
والفجار الثانى: كان بين كنانة وقريش وبين بنى عامر بن صعصعة، فحمل الديات حرب بن أميّة.
والفجار الثالث: كان بين بنى كنانة وبين بنى نصر بن معاوية، ولم يكن فيه كثير قتال.
والفجار الرابع: وهو الأكبر بين قريش وهوازن، وكان سببه قتل البرّاض بن قيس الكنانى عروة الرّحّال. وحضر هذا اليوم عبد الله بن جدعان، وهشام بن المغيرة، وحرب بن أمية، والزبير بن عبد المطلب، والذى حاربهم عامر بن مالك ملاعب الأسنّة، فكانت الدبرة أول النهار لكنانة، فلما كان آخر النهار صبرت هوازن، فهزمت كنانة وقريش، ثم ثابوا وصبروا، فولت هوازن وقتلوا.
يوم خوّ: الخاء معجمة، والواو مشدّدة، وخوّ وخوىّ موضعان، وفى يوم خوّ قتل عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعىّ، الذى يقال له صيّاد الفوارس، قتله ذؤاب [18] بن ربيعة الأسدى، وفيه يقول شاعرهم:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب
بأشدّهم كلبا على أعدائه ... وأعزّهم فقدا على الأصحاب (3)
__________
(1) الفجار (بالكسر) بمعنى المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وذلك أنه كان قتالا فى الشهر الحرام، ففجروا فيه جميعا، فسمى الفجار بما استحل فيه من المحارم بينهم (السيرة والعقد الفريد).
(2) فى العقد الفريد ج 5: 251 (الأحيمر بن مازن أحد بنى دهمان بن نصر بن معاوية).
(3) قبل هذين البيتين أبيات ذكرها العقد الفريد، وهى:
أبلغ قبائل جعفر مخصوصة ... ما إن أحاول جعفر بن كلاب(1/452)
قأما جوّ سويقة (1) بالجيم فموضع، قال الفرزدق:
ألم تر أنى يوم جو سويقة ... بكيت فنادتنى هنيدة ماليا
جوّ واد باليمامة: قال:
* فاستنزلوا أهل جوّ من منازلهم *
ويوم خوىّ، الخاء معجمة مضمومة، يوم بين تميم وبكر بن وائل، وهو اليوم الذى قتل فيه يزيد بن القحارية، فارس بنى تميم، قتله شيبان بن شهاب المسمعىّ، وفى ذلك يقول شاعرهم:
ويزيد قد تركوه تحت عجاجة ... ملقى عليه لذيلها إعصار
ويوم الكلاب الأول والثانى.
فأما الأول، فكان فى الجاهلية لبنى تغلب، وعليهم سلمة بن الحارث الكندىّ، ومعهم أناس من بنى تميم قليل وفيهم سفيان بن مجاشع، وكانت تميم يومئذ فرقتين: فرقة مع تغلب، وفرقة مع بكر بن وائل، فلقى سلمة ابن الحارث الكندى بن عمرو، أخاه شرحبيل بن الحارث، ومع شرحبيل [19] بكر بن وائل، وبعض بنى تميم، فهزم أصحاب شرحبيل، وقتل شرحبيل.
قال ابن الكلبىّ: شرحبيل بن الحارث الكندىّ من ولد حجر آكل المرار، ملك بنى تميم، وسلمة بن الحارث ملك بنى تغلب، وفى هذا اليوم يقول:
وأخوهما السّفاح ظمّأ خيله ... حتى وردن جبا الكلاب نهالا (2)
__________
إن المودة والهوادة بيننا ... خلق كسحق الريطة المنجاب
ولقد علمت على التجلد والأسى ... أن الرزيئة كان يوم ذؤاب
(1) جو سويقة من أجوية الصمان، وبه ركية واحدة (مراصد الاطلاع).
(2) البيت وسابقه من قصيدة للأخطل يهجو بها جريرا، ويفتخر على قيس، ومطلعها:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالا(1/453)
وزعموا أنه قتله عصم بن النعمان التغلبى أبو حنش، وأن الأخطل إياه عنى بقوله:
أبنى كليب إن عمّىّ اللذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا
والسّفاح هذا: اسمه سلمة بن خالد بن كعب، من بنى حبيب بن عمرو بن غنم ابن تغلب. وسمّى السفاح لأنه سفح ما فى أسقية أصحابه، وقال: لا ماء لكم دون الكلاب، فإن شئتم فقاتلوا عنه، وإلا فموتوا أحرارا، فسادهم وظفر، فقال الشّماخ:
هلا سألت وريب الدهر ذو غير ... عن كيف صفعتنا ذهلا وشيبانا
صدّوا عن الماء ما يسقين (1) ذارمق ... ونحن نسقى على الأمواه كلمانا
أما تميم فولّتنا ظهورهم ... وأجزرونا أبا سلمى وسفيانا
أبو سلمى، ويقال سلمى هو صبير بن يربوع، وسفيان بن حارثة بن سليط.
كان أبو حسين النّسابة يقول: أبو سلمى صبير بن يربوع، بضم السين [20] وكان أبو بكر بن دريد يقول: ليس فى العرب بضم السين غير أبى سلمى والد زهير.
وأما الكلاب الثانى فكان لبنى سعد والرباب [وكان الغناء (2)] من بنى سعد لمقاعس، ومن الرباب لتيم، [حتى إذا (3)] كان اخر ذلك اليوم، رأس الناس فيه قيس بن عاصم.
يوم غبيط (4) المدرة، الغين معجمة مفتوحة، وهو يوم لبنى يربوع دون مجاشع، قال جرير:
ولا شهدت يوم الغبيط مجاشع ... ولا ثقلان الخيل من قلتى يسر (5)
__________
(1) كذا فى الأصل ولعلها من أسقى أو تكون محرفة عن يسقون فالأبيات غير موجودة فى المطبوع أو المخطوط من شعر الشماخ.
(2) كذا وردت هذه العبارة فى العقد الفريد وفى العمدة لابن رشيق وفى معجم ياقوت [والرياسة من بنى سعد].
(3) ما بين المعقوفين هنا زيادة يتضح بها السياق.
(4) سميت الغبيط لأن وسطها منخفض، وطرفها مرتفع كهيئة الغبيط، وهو الرحل اللطيف (معجم البلدان).
(5) البيت من قصيدة مطلعها:
أدار الجميع الصالحين بذى السدر ... أبينى لنا إن التحية عن عفر (الديوان طبعة الصاوى)(1/454)
وهو اليوم الذى أسر فيه عتيبة بن الحارث بن شهاب، بسطام بن قيس، ففدى نفسه بأربعمائة ناقة، فأطلقه وجزّ ناصيته. وفى ذلك يقول الشاعر:
رجعن بهانئ وأصبن بشرا ... وبسطام تغصّ به القيود
ولهم أيضا يوم الغبيطين وهو اليوم الذى أسر فيه هانئ بن قبيصة الشيبانى، أسره وديعة بن أوس بن مرثد التميمى، وفيه يقول شاعرهم:
حوت هانئا يوم الغبيطين خيلنا ... وأدركن بسطاما وهنّ شوازب
يوم بعاث (1)، الباء مضمومة، والعين غير معجمة، والثاء منقوطة بثلاث، من أيام الأوس والخزرج، كان فى الجاهلية. كان الرئيس فى بعضه حضير الكتائب، أبو أسيد بن حضير، وقتل. فقال [21] الشاعر (2):
فلو كان حىّ ناجيا من حمامه ... لكان حضير يوم أغلق واقما
وفى هذا اليوم يقول قيس بن الخطيم:
ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا ... إلى حسب فى جذم غسّان ثاقب
وأولها:
أتعرف رسما كاطّراد المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب
ويوم الدّرك، الراء ساكنة (3)، يوم كان بين الأوس والخزرج فى الجاهلية.
ويوم ذى أحثال، الحاء غير معجمة، والثاء منقوطة بثلاث، بين تميم وبكر
__________
(1) بعاث: موضع من نواحى المدينة، على ليلتين منها. حكاه صاحب العين بالغين المعجمة، ولم يسمع من غيره. وقيده الآصيلى بالوجهين. وهو عند القابسى بغين معجمة، وآخره ثاء مثلثة، بلا خلاف.
(معجم ياقوت).
(2) القائل هو خفاف بن ندبة يرثى حضيرا، وكان مات من جراحة، وبعد البيت الشاهد:
أطاف به حتى إذا الليل جنه ... تبوأ منه منزلا متناعما
(3) ضبطها ياقوت فى المعجم بالتحريك، ثم ذكر ضبط العسكرى (بالسكون) بعد ذلك.(1/455)
ابن وائل. وهو اليوم الذى أسر فيه الحوفزان بن شريك قاتل الملوك، وسالبها أنفسها، أسره حنظلة بن بشر بن عمرو بن عدس، قال الشاعر:
ونحن حفزنا الحوفزان مكبّلا ... يساق كما ساق الأجير الركائبا
ويوم ثبرة (1)، الثاء مفتوحة منقوطة بثلاث، والباء تحتها نقطة، والراء غير معجمة، وهو اليوم الذى فرّ فيه عتيبة بن الحارث بن شهاب، وأسلم ولده حزرة، فقتله جعل بن مسعود من بكر بن وائل، وقتل أيضا وديعة بن عتيبة، وأسر ربيع بن عتيبة. وفى هذا اليوم يقول عتيبة بن الحارث بن شهاب.
[22] نجّيت نفسى وتركت حزره ... لن يترك المرء الكريم بكره
نعم الفتى غادرته بثبره (2)
ويوم (3) الثّنيّة، الثاء منقوطة بثلاث مفتوحة بعدها نون مكسورة، وبعدها ياء. هذا اليوم الذى قتل فيه مفروق بن عمرو سيد بنى شيبان، قتله قعنب بن عصمة. وفى ذلك يقول شاعرهم:
وفاظ أسيرا هانئ وكأنّما ... مفارق مفروق تغشّين عندما
ويوم العظالى، العين مضمومة غير معجمة، والطاء منقوطة، سمى بذلك لتعاظلهم على الرّياسة (4)، والتعاظل الاشتباك والاجتماع: يوم بين تميم وربيعة، وفرّ بسطام بن قيس الشّيبانى فى هذا اليوم، فقال فيه العوّام بن حوشب:
__________
(1) ثبرة: اسم ماء فى وسط واد فى ديار ضبة، يقال لذلك الوادى الشواجن.
(2) رواية الأبيات فى معجم ما استعجم:
نجيت نفسى وتركت حزره ... نعم الفتى غادرته بثبره
لن يسلم الحر الكريم بكره ... وهل يفر الشيخ إلا مرة
فصبحت بين الملا وثبره
(3) الثنية فى الأصل: كل عقبة فى الجبل مسلوكة.
(4) وقيل سمى بذلك لأن الناس ركب بعضهم بعضا، وقيل بل لأنه ركب الاثنان والثلاثة فيه الدابة الواحدة (معجم ياقوت).(1/456)
فإن تك [فى] يوم الغبيط ملامة ... فيوم العظالى كان أخزى وألوما
وفرّ أبو الصّهباء إذ حمس الوغى ... وألقى بأبدان السّلاح وسلّما (1)
ولو أنّها عصفورة لحسبتها ... مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما
يوم غول (2)، الغين معجمة مفتوحة والواو ساكنة، وهو اليوم الذى يقول فيه أوس ابن غلفاء:
[23] وقد قالت أمامة يوم غول ... تقطّع يابن غلفاء الحيال
وهو اليوم الذى قتل فيه جثّامة بن أبى عمرو بن محلّم الشيبانى، قتله أبو شملة، طريف بن تميم، من بنى تميم. وفى ذلك يقول شاعرهم:
أجثّام ما ألفيتنى إذ لقيتنى ... هجينا ولا غمرا من القوم أعزلا
تذكرت ما أين النّجاء فلم تجد ... لنفسك عن ورد المنيّة مزحلا (3)
يوم النّباح، يوم كان لتميم على بنى شيبان.
يوم الوقيط، الواو مفتوحة، والقاف مكسورة، والياء ساكنة، وتحت الطاء نقطة، وهو اليوم الذى قتل فيه الحكم بن خيثمة بن الحارث بن نهيك النّهشلىّ، قتله أراز أحد بنى تيم الله بن ثعلبة، فقال الشاعر يرثى الحكم.
ما شاء فلتفعل الوابدا ... ت والدهر بعد فتانا حكم (4)
يجوب الفلاة ويهدى الخميس ... ويصبح كالصّقر فوق العلم
__________
(1) وبعده:
وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ... تئم عرسه أو تملأ البيت مأتما
(معجم ياقوت)
(2) غول: قيل جبل، وقيل ماء معروف للضباب بجوف طخفة، به نخل (معجم ياقوت).
(3) فى معجم ياقوت (ما بين) مكان (ما أين) و (مدخلا) بدل (مزحلا).
(4) الوابدات: الشدائد. وقد روى البيت فى معجم ياقوت:
ما شئن فلتنفعنك الوابدا ... ت والدهر بعد فتانا حكم(1/457)
تعلّمت خير فعال الكرا ... (1) م بذل الطعام وطعن البهم
فنفسى فداؤك يوم الوقيط ... إذا أفند الرّوع خالى وعم
وأسر أيضا فى هذا اليوم من فرسان بنى تميم عثجل بن المأموم، العين مفتوحة غير معجمة والثاء ساكنة منقوطة بثلاث، وأسر أيضا [24] المأموم بن شيبان، أسرهما بشر بن مسعود، وطيسلة (2) بن شزيب، الشين معجمة مضمومة بعدها زاى، وفى ذلك يقول شاعرهم:
وعثجل بالوقيط قد اقتسرنا ... ومأموم العلا أىّ اقتسار
ويوم حليمة، الحاء مفتوحة غير معجمة، واللام مكسورة، وهو اسم امرأة، يوم كان بين ملوك الشام الغسانيين وملوك العراق، قتل فيه المنذر إما جدّ النعمان أو أبوه، وقيل فى هذا اليوم: ما يوم حليمة بسرّ.
يوم الوتدة (3)، أو ليلة الوتدة، لبنى تميم على عامر بن صعصعة.
يوم ثيتل (4)، الثاء منقوطة بثلاث وبعدها ياء ساكنة تحتها نقطتان، وفوق التاء نقطتان.
ويوم سفار (5)، السين مفتوحة غير معجمة، بعدها فاء، والراء غير معجمة، وهو يوم بين بكر بن وائل وبنى تميم. فرّجبير (8) بن رافع فارس بكر بن وائل، فسلبه سلمة بن فزارة التميمىّ بزّه، وفى ذلك يقول شاعرهم:
__________
(1) وبذل بالواو (معجم)
(2) وطيسلة بن شريب (معجم ياقوت)
(3) الوتدة: واحدة، موضع بنجد وقيل بالدهناء. وليلة الوتدة لبنى تميم على بنى عامر بن صعصعة، قتلوا ثمانين رجلا من بنى هلال (ويرجح ياقوت أنها والوتدات واحد، ولكنها جمعت).
(4) ثيتل منقول عن الثيتل، وهو اسم جنس الوعل، وهو ماء قرب النباج، كانت به وقعة مشهورة.
(5) سفار بوزن قطام: منهل قبل ذى قار، بين البصرة والمدينة، وهو لبنى مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم.(1/458)
ولما رأى أهل الطّوىّ تبادروا النّ ... جاء وألقى درعه شيخ رافع
ويوم أفاق (1)، الهمزة مضمومة، وبعدها فاء، وآخر الكلمة قاف. وهو اليوم الذى قتل فيه عمير بن الجزور، فارس بكر [25]، قتله معدان بن قعنب التميمى، وذاك قول الشاعر:
وعمّى يابن حقّة جاء قسرا ... إليكم عنوة بابن الجزور
ومن أيامهم يوم رأس العين (2)، بين تميم وبكر بن وائل، وقتل فيه فارس بكر ابن وائل، معاوية بن فراس، قتله أبو كابة (3) جزء بن سعد، وفى ذلك يقول شاعرهم:
هم قتلوا عميد بنى فراس ... برأس العين فى الحجج الخوالى
ويوم قلّة (4) الحزن: يوم قتل فيه المجبّة، الميم والجيم والباء مفتوحات، وتحت الباء نقطة، من بنى أبى ربيعة، قتله المنهال بن عصمة التميمى (5)، وذلك قول الشاعر:
[هم] قتلوا المجبّة وابن تيم ... فقمن نساؤه سود المآلى (6)
يوم صيقاة، الصاد غير معجمة، وتحت الياء نقطتان، وبعده قاف.
يوم النجير (7): النون مضمومة، والجيم مفتوحة.
__________
(1) أفاق وأفيق: موضعان فى بلاد بنى يربوع قرب الخصى (معجم ياقوت).
(2) رأس عين، ويقال رأس العين (معجم ياقوت).
(3) أبو كابة (عن ياقوت) وفى الأصل كآبة.
(4) قلة الحزن، وقيل قله الجبل (ياقوت).
(5) عصيمة (ياقوت).
(6) بعد هذا البيت:
وذادوا يوم طخفة عن حماهم ... ذياد غرائب النعم النهال
والبيتان لسحيم بن وثيل الرياحى (معجم ما استعجم).
(7) النجير: تصغير النجر، حصن باليمن قرب حضرموت.(1/459)
يوم الخليل (1)، الخاء معجمة مضمومة. قال:
ألست بفارس يوم الخليل ... غداه فقدناك من فارس
يوم قحقح، القافان مضمومتان، والحاء الأولى [26] ساكنة، وهو أرض. وهو اليوم الذى قتل فيه مسعود بن القريم (2) فارس بكر بن وائل، قتله حشيش ابن نجران التميمى، الحاء مضمومة غير معجمة والشّينان منقوطتان، وفى ذلك يقول شاعرهم:
ونحن قتلنا ابن القريم يقحقح ... صريعا ومولاه المجبّة للفم
ويوم خزازى (3)، وهو جبل، وفيهم من يقول: خزاز، بلاياء، قال لبيد:
ومصعدهم كى يقطعوا بطن منعج ... فضاق بهم ذرعا خزاز وعاقل (4)
ويوم القاع: يوم بكر بن وائل وبنى تميم، وفى هذا اليوم أسر أوس بن حجر، أسره بسطام بن قيس الشيبانىّ، فذلك قول أوس بن حجر:
فلم أر يوما كان أكثر باكيا ... ووجها ترى فيه العتاقة تجنب
كأنّ أبا الصهباء فى حومة الوغى ... إذا زأر الآساد ليث مجرّب
ويوم المرير، كانت فيه وقعة بين بكر بن وائل وبنى تميم، قتل فيه الحارث ابن بيبة المجاشعىّ، تحت الباءين نقطتان، وبينهما ياء ساكنة، تحتها نقطتان، وكان الحارث من سادات تميم، قتله قيس بن سباع من فرسان بكر بن وائل، وفى ذلك يقول شاعرهم:
__________
(1) الخليل (بضم الخاء): تصغير الخل.
(2) فى الأصل (القرم) والتصويب عن معجم ياقوت، ويؤيده البيت الشاهد، وقد جاء مكان كلمة (قتلنا) فى البيت (تركنا). وقائله سحيم بن وثيل الرياحى، كما فى «معجم ما استعجم».
(3) خزازى: بفتح أوله وتكرير الزاى مقصور لغة فى خزاز. اختلف فى موضعه، فقيل هو جبل بين منعج وعاقل بازاء طبرية (معجم ياقوت).
(4) البيت من قصيدة لبيد التى مطلعها:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل(1/460)
وعمرا وابن بيبة كان منهم ... وحاجب فاستكان على صغار
[27] ويوم هراميت (1)، الهاء مفتوحة، والراء غير معجمة، قال: وهى ثلاثة أيّام يقال لها هراميت يوم بين الضّباب وبين بنى جعفر بن كلاب، كان القتال بسبب بئر أراد بعضهم أن يحتفرها.
ويوم بئر السّلّان، السين مضمومة غير معجمة، واللام مشددة: يوم بين ضبّة وبين عامر بن صعصعة، طعن فيه ضرار بن عمرو الضّبى، فأسر فيه حبيش ابن دلف، فعل ذلك بهم عامر بن مالك. وفى هذا اليوم أسر عامر ملاعب الأسنة.
ويوم السّلّان، هذا بين معدّ ومذحج، وكلب يومئذ معدّيّون، وشهدها زهير بن جناب الكلبىّ، وقال فيه:
شهدت الموفدين (2) على خزاز ... وبالسّلّان جمعا ذا زهاء (3)
ويوم مسلّحة (4) الميم مضمومة، والسين غير معجمة، واللام مشددة مكسورة.
ويوم برقة: يوم أسر فيه شهاب فارس هبّود من بنى تميم، أسره يزيد بن (5) حارثة أو برد اليشكرىّ، فمن عليه، وفى ذلك يقول شاعرهم:
وفارس طرفه هبّودنلنا ... ببرقة بعد عز واقتدار
ويوم الأليل، الهمزة مفتوحة، واللام مكسورة، وقعة [28] كانت بصلعاء
__________
(1) هراميت: مما قيل فى معناها أنها آبار مجتمعة بالدهناء.
(2) الوافدين (معجم ياقوت).
(3) ذا زهاء (معجم ياقوت) ذا ثواء (معجم ما استعجم) وفى الأصل (إزارها).
(4) يوم غزا فيه قيس بن عاصم وبنو تميم بنى عجل وغيرة بالنباج وثيتل، إلى جنب مسلحة، قال جرير:
لهم يوم الكلاب ويوم قيس ... هراق على مسلحة المزادا
(5) يزيد بن حرثة (ياقوت). (معجم ياقوت)(1/461)
النّعام، أسر فيه حنظلة بن الطّفيل الرّبعىّ، أسره همّام بن بشامة التميمى، قال فى ذلك الشاعر:
لحقنا بصلعاء النّعام وقد بدا ... لنا منهم حامى الذّمار وخاذله
أخذت خيارا بنى طفيل وأجهضت ... أخاه وقد كادت تنال مقاتله
ويوم الأميل (1) الميم مكسورة، هو يوم الحسن الذى قتل فيه بسطام بن قيس قال الشاعر:
وهم على هدف (2) الأميل تداركوا ... نعما تشلّ إلى الرئيس وتعكل
ويوم الحاير (3)، الحاء غير معجمة، وتحت الياء نقطتان، والراء غير معجمة، وهو اليوم الذى قتل فيه أشيم مأوى الصعاليك، من سادات بكر بن وائل وفرسانهم، قتله حاجب بن زرارة وفى ذلك يقول الشاعر:
فإن تقتلوا منا كريما فإننا ... قتلنا به مأوى الصعاليك أشيما
ويوم الخوع (4): الخاء معجمة، والواو ساكنة، والعين غير معجمة. وفى هذا اليوم أسر شيبان بن شهاب، وهو فارس مردون، اسم فرسه، وهو سيّدهم فى زمانه، وسمّاه ذو الرمة شيخ وائل، وافتخر به فقال:
أنا ابن الذين استنزلوا شيخ وائل ... وعمرو بن هند والقنايتكسر
[29] أسره ربعىّ بن ثعلبة التميمىّ، وفى ذلك يقول الشاعر:
__________
(1) الأميل: جبل من رمل، طوله ثلاثة أميال، وعرضه ميل أو نحوه (ياقوت).
(2) صدف (ياقوت).
(3) نقل ياقوت عن أبى أخمد العسكرى: يوم حائر ملهم (بإضافة ملهم) والحائر فى الأصل:
حوض ينصب إليه مسيل الماء من الأمطار، سمى بذلك لأن الماء يتحير فيه (ياقوت).
(4) الخوع: جبل أو موضع قريب من خيبر معروف. والخوع فى لغتهم جبل. والخوع: منعرج الوادى (ياقوت).(1/462)
ونحن غداة بطن الخوع أبنا ... بمودون وفارسه جهار (1)
ويوم الصحراء، الصاد والحاء والراء غير معجمات.
ويوم رحرحان (1)، الراءان والحاءان غير معجمات.
كان سببه أن الحارث بن ظالم قتل خالد بن جعفر، تم أنى بنى زرارة بن عدس فاستجارهم، فأجاره معبد بن زرارة، فخرج الأحوص بن جعفر يريد بنى تميم، ثائرا بأخيه خالد، فالتقوا برحرحان، فهزم بنو تميم، وأسر معبد بن زرارة، فمات بعد ذلك فى أيديهم.
ويوم العرض (2)، العين مكسورة غير معجمة، والراء ساكنة، والضاد منقوطة.
وهو اليوم الذى قتل فيه عمرو بن ضابر (3) فارس ربيعة، قتله جزء بن علقمة التميمى، وذلك قول الشاعر (4):
قتلنا بجنب العرض عمرو بن ضابر ... وحمران أقصدناهما والمثلّما
ويوم الصّعاب (5)، الصاد والعين غير منقوطتين، وتحت الباء نقطة. قتل فيه فارس من فرسان بكر بن وائل: كنانة بن دهر قتله خليفة بن مخبط، الميم مكسورة، والخاء معجمة ساكنة، وتحت الباء نقطة، وتحت الطاء نقطة، وفى ذلك يقول شاعرهم:
تركنا ابن دهر بالصّعاب كأنّما ... سقته السّرى كأس الكرى فهو ناعس
ويوم العقار، العين مضمومة غير معجمة، وبعدها قاف. يوم على بنى تميم، قتل فيه فارسهم شهاب بن عبد القيس، قتله سيّار بن عبيد الحنفىّ، وفى ذلك يقول شاعرهم:
وأوسعنا بنى يربوع طعنا ... وأجلوا عن شهاب بالعقار
__________
(1) رحرحان: اسم جبل قريب من عكاظ، خلف عرفات (ياقوت).
(2) العرض: علم على وادى بنى حنيفة باليمامة.
(3) عمرو بن ضبارة: فارس ربيعة (قاموس).
(4) هو مالك بن نويرة، كما فى العقد الفريد فى يوم الحائر.
(5) الصعاب: اسم جبل بين اليمامة والبحرين. وقيل الصعاب: رمال بين البصرة واليمامة، صعبة المسالك (ياقوت).(1/463)
ويوم الصّمد (1)، الصاد غير معجمة، والميم ساكنة. أسر فيه أبجر بن جابر العجلىّ، أسره ابن أخته عميرة بن طارق، ثم أطلقه منعما عليه، وفى ذلك يقول شاعرهم:
رجعن (2) بأبجر والحوفزان ... وقد مدّت الخيل أعصارها
وكنّا إذا حومة (3) أعرضت ... ضربنا على الهام جبّارها
ويوم ذى طلوح (4).
ويوم النّسار (5)، والنّسار جبال صغار، وعندها كانت الوقعة، فنسبت إليها، وفيها يقول الشاعر:
هم درعى التى استلأمت فيها ... إلى أهل النّسار وهم مجنّى
وكانت بعد يوم جبلة بحول، وشهدها عبيد بن الأبرص [31]، وفيه يقول بشر بن أبى خازم:
ويوم النّسار، ويوم الجفا ... ر كانا عذابا وكانا غراما
ويوم الجفار (6)، بعد الجيم فاء، بين بكر وتميم، أسر فيه عقال بن محمد بن مجاشع، أسره قتادة بن مسلمة الحنفىّ. وقال شاعرهم:
أسر المجشّر وابنه وحويرثا ... والنهشلىّ ومالكا وعقالا
ويوم الستار، يوم ببن بكر بن وائل وبنى تميم، قتل فيه قتادة بن مسلمة الحنفىّ، فارس بكر بن وائل، قتله قيس بن عاصم ففى ذلك يقول الشاعر:
__________
(1) الصمد «بفتح الصاد»: الصلب من الأرض الغليظة، كذلك الصمد بالضم. والصمد: ماء للضباب. ويوم الصمد ويوم جوف طويلع، ويوم ذى طلوح ويوم بلقاء، ويوم أود، كلها واحد.
وقال أبو أحمد العسكرى: يوم الصمد هو يوم صمد طلح (ياقوت).
(2) رجعنا (ياقوت).
(3) حومة (ياقوت).
(4) اسم موضع للضباب فى مشاكلة حمى ضرية، وقيل فى حزن بنى يربوع، بين الكوفة وفيد.
(5) النسار، بالكسر كانت عندها وقعة بين الرباب وبين هوازن وسعد بن عمرو بن تميم، هزمت فيها هوازن، فسألوهم أن يشاطروهم أموالهم وسلاحهم ويجلوا عنهم، ففعلوا.
(6) الجفار: ماء لبنى تميم بنجد، وتدعيه ضبة.(1/464)
قتلنا قتادة يوم الستار ... وزيدا أسرنا لدى معنق
ويوم كنفى (1) عروش، الشين معجمة والعين مضمومة غير معجمة، أسر فيه حاجب ابن زرارة، أسره الخمخام بن جبلة، وقال فيه الشاعر:
وعمرا وابن بيبة كان منهم ... وحاجب واستكان على صغار
ويوم شعب جبلة (2)، وهو يوم بين تميم وعامر بن صعصعة، وهو اليوم الذى قتل فيه لقيط بن حاجب بن زرارة، قتله جعدة بن مرداس، وجعدة هو فارس جنبذ (3)، وفيه يقول معقّر البارقىّ:
تقدّم جنبذا بأفلّ عضب ... له ظبة لما لاقى قطوف
وزعم بعضهم أن شريح بن الأحوص قتله، ويستشهد (4) بقول بنت لقيط:
ألا يا لها الويلات ويلة من هوى ... بضرب بنى عبس لقيطا وقد قضى
لقد عفّروا وجها عليه مهابة ... ولا تحفل الصّمّ الجنادل من ثوى
وما ثأره فيكم ولكنّ ثأره ... شريح أن (5) اردته الأسنة والقنا
ويوم قشاوة (6)، القاف مضمومة، والشين معجمة. أسر من فرسان تميم أبو مليل عبد الله بن الحارث، أسره بسطام بن قيس، وقتل ابناه بجير وحريث الأحيمر، وقتل جماعة من فرسان بنى تميم، وفى ذلك يقول الشاعر:
__________
(1) كنفى بوزن جمزى، يجوز أن يكون من الكنف: وهو الجانب والناحية. والكنف الرحمة.
والكنف الحاجز. يقال: كنفى عروش كأنه جمع عرش، موضع كانت فيه وقعة.
(2) جبلة: هضبة حمراء بنجد بين الشريف والشرف، والشريف ماء لبنى نمير، والشرف ماء لبنى كلاب. وجبلة: جبل طويل له شعب عظيم لا يرقى الجبل إلا من قبل الشعب، والشعب متقارب، وداخله متسع. ويوم جبلة من أعظم أيام العرب وأذكرها وأشدها، وكان قبل الإسلام بسبع وخمسين سنة، وقبل مولد النبى صلى الله عليه وسلم بسبع عشرة سنة (ياقوت).
(3) جنبذ: فرس جعدة بن مرداس. عن المخصص لابن سيدة (6: 196).
(4) أى استشهد بقول دختنوس بنت لقيط (ياقوت).
(5) إرادته (ياقوت).
(6) القشاوة: ضفيرة فى أعالى نجد، والضفيرة: المسناة المستطيلة فى الأرض.(1/465)
أسرنا مالكا وأبا مليل ... وحرّقنا الأحيمر بالعوالى
ويوم مبايض، الميم مضمومة، وتحت الباء نقطة، والياء مكسورة، والضاد معجمة. وهو اليوم الذى قتل فيه طريف بن تميم، فارس بنى تميم، قتله حمصيصة (1) بن جندل، وذلك حيث يقول الشاعر:
خاض العداة إلى طريف فى الوغى ... حمصيصة المغوار فى الهيجاء
وقتل أيضا فى هذا اليوم من فرسان بنى تميم أبو الجدعاء الطّهوىّ، [33] فقال فيه الشاعر يرثيه:
ليبك أبا الجدعاء ضيف محوّل ... وأرملة تغشى الدواجن عيهل
ويوم ترج، التاء مفتوحة، فوقها نقطتان، والراء ساكنة بعدها جيم، أسر فيه لقيط بن زرارة، أسره المكسّر يزيد بن حنظلة، وقيل فى ذلك:
وأمكننى سنانى من لقيط ... فراح القرم فى حلق الحديد
ويوم الحسن، وهو اسم رملة فى بلاد بنى ضبة. ويقال له أيضا يوم الحسنين.
ويوم شقيقة الحسنين (2)، يوم بين بنى شيبان وبنى ضبة بن أدّ، وهو اليوم الذى قتل فيه بسطام بن قيس، قتله عاصم بن خليفة الضبى، فقال فيه شاعرهم (3):
ويوم شقيقة الحسنين لاقت ... بنو شيبان آجالا قصارا
وقال عبد الله بن عنمة الضبى يرثى بسطام بن قيس:
[لأمّ الأرض ويل ما أجنت] (4) ... بحيث أضرّ بالحسن السبيل
__________
(1) خصيصة (العقد الفريد 5: 208) وفى معجم ما استعجم: حمصيصة بن شراحيل، وقيل حميصة بن جندل، وفى مجمع الأمثال للميدانى: حميضة.
(2) الحسنان: كثيبان معروفان فى بلاد بنى ضبة، يقال لأحدهما الحسن، والآخر الحسين (ياقوت).
(3) هو شملة بن الأخضر الضبى. ويلى البيت الشاهد:
شككنا بالأسنة وهى زور ... صماخى كبشهم حتى استدارا
(ياقوت)
(4) صدر البيت عن ياقوت.(1/466)
ويوم فيف (1) الرّيح، وفيه فقئت عين عامر بن الطفيل، فقأها مسهر الحارثى بالرمح، وفيه يقول عامر:
لعمرى وما عمرى علىّ بهيّن ... لقد شان حرّ الوجه طعنة مسهر
[34] ويوم تياس (2)، التاء مكسورة وقد تفتح، وفوقها نقطتان، وتحت الياء نقطتان، والسين غير معجمة.
ويوم الجبابات (3)، بجيم، وبعدها باءان، تحت كلّ واحدة نقطة. وهو أيضا يوم الجبابة.
ويوم غمرة، بالغين المعجمة، قال الحارث بن ظالم:
وإنى يوم غمرة غير فخر ... تركت النّهب والأسرى الرّغابا
__________
(1) فيف الريح: موضع معروف بأعالى نجد.
(2) قيل هو ماء للعرب بين الحجاز والبصرة، وله ذكر فى أيام العرب وأشعارها. قال أوس ابن حجر:
ومثل ابن غنم إن ذحول تذكرت ... وقتلى تياس عن صلاح تعرب
وقيل تياس جبل قريب من أجأ وسلمى جبلى طيىء، وقيل غير ذلك (ياقوت).
(3) الجبابات: موضع قريب من ذى قار، كانت به إحدى الوقائع بين بكر بن وائل والفرس (ياقوت)(1/467)
ومما وجب ذكره من أسماء الفرسان مما يشكل وأسماء أفراسهم
الحارث بن عباد بن ربيعة، من بنى عايش بن تيم الله وهو الذى قتل من قتل بابن أخيه، بجير بن عمرو بن عباد، العين مضمومة والباء خفيفة، يقال له فارس «النعامة»، وفى فرسه يقول:
قربا مربط النعّامة منى ... لقحت حرب وائل عن حيال
وفى قبائل بكر بن وائل، عباد مخفف أيضا، فارس «خصاف» (1).
المجبّة بن ربيعة، فارس من فرسان بنى ذهل، الميم والجيم مفتوحتان.
فارس «الضّبيب». الصاد منقوطة مضمومة، والباء مفتوحة (2)، وهو حسان بن حنظلة، ويقال: جبّار الطائى (3)، [35] وهو الذى حمل كسرى أبرويز على فرسه، يوم انهزم من بهرام جوبين، ويقال فى ذلك:
تلافيت كسرى أن ينال ولم أكن ... لأتركه فى الخيل يعثر راجلا
تركت له متن الضّبيب وقد بدت ... مسوّمة من خيل ترك وكابلا
فارس «أزاهيق»، بالزّاى، على وزن أفاعيل، يعرف بابن هندابة (4)، من أشراف كندة، هو الذى أسر الحصين الحارثى، الذى يقال له ذو القصة، أسره مرّتين.
قعنب بن عتاب، العين غير معجمة، وفوق التاء نقطتان، فارس بنى تميم، وهو الذى قتل بحير بن عبد الله القشيرى فارسهم.
__________
(1) فى القاموس مادة خضف: وفارس خضاف وهم للجوهرى، والصواب بالصاد، واستدرك عليه فى الهامش بقوله: خضاف وهم للجوهرى صوابه لابن دريد فإن الجوهرى ذكره فى الصاد المهملة.
(2) الضبيب، بالضاد المعجمة، كذا فى المخصص (6/ 198). وفى التاج: الصبيب، بصاد مهملة:
فرس من خيل العرب، عن ابن دريد، وبالضاد المعجمة فرسان لحسان بن حنظلة.
(3) فى تاج العروس (جبر): وجبار بن عمرو الطائى الملقب بالأسد الرهيص، وجبار فارس الضبيب.
(4) اسمه زياد بن حارثة، وأمه هندابة كانت سوداء.(1/468)
الباء من بحير مفتوحة، والحاء مكسورة، غير معجمة.
ومن فرسان بنى تميم سلمى بن جندل، السين مفتوحة، على وزن فعلى جاهلىّ، وفيه يقول شاعرهم:
مات أبى والمنذران كلاهما ... وفارس يوم العين سلمى بن جندل
ومن فرسان بنى تميم محرز بن حمران. الحاء فى محرز غير معجمة، وبعدها راء (1):
ومنهم سنان بن خالد الأشدّ، الشين معجمة، والدال مشددة. سمّى الأشدّ لشجاعته.
[36] ومن رجالهم جيهان بن محرز،، فارس «مذكور» (2):
وفى فرسان عبد القيس مرجوم بن عبد القيس، بعد الراء جيم، قال الشاعر:
[وقبيل من لكيز شاهد] (3) ... رهط مرجوم ورهط بن المعلّ
وإنما سمى مرجوما لأنه نافر رجلا إلى النعمان، فقال النعمان: قد رجمك بالشرف، فسمّى مرجوما.
وإنما ذكرته لأن من لا يعرفه يصحّفه بمرحوم، بحاء غير معجمة، وأما مرحوم ابن عبد العزيز، بالحاء غير معجمة، فرجل من محدّثى البصرة.
وفى فرسان ربيعة المسلبان: عمرو وأبو عمرو ابنا عبد العزّى، ويقال لهما المسلبان، بكسر الميم. وهما اللذان قتلا زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضّبى.
__________
(1) من بنى احمس من بنى سعد بن زيد بن مناة بن تميم.
(2) كان شجاعا شريفا (الاشتقاق).
(3) صدر البيت عن اللسان (مادة رجم) وهو للبيد.(1/469)
وفى فرسان ربيعة أيضا الصّلب، الصاد غير معجمة مضمومة، وتحت الباء نقطة، واسمه عمرو بن قيس، والصّلب لقب، وله حديث.
وفى رواة الحديث رجل يقال له: الصّلب أيضا ابن حكيم.
أبو لغافة، أحد فرسان بكر بن وائل، العين معجمة، واللام مضمومة، والفاء منقوطة، ويصحفونه بأبى لفافة بفاءين، والصواب بعين معجمة، قال الشاعر:
أبو لغافة والدّعّاء إذ هلكا ... وابن الأغرّ فهلا ذاك يكفينا
[37] ولغافة مشتقّ من قولهم: لغف الأسد بعينه لغفا شديدا: إذا لحظ.(1/470)
باب ما يشكل من مفعّل ومفعّل
مما يشكل:
الممزّق العبدىّ (1)، مفتوح الزاى، اسمه شأس بن نهار، سمى الممزّق بقوله:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركنى ولمّا أمزّق
قال أبو اليقظان: الممزّق من بنى منبّه بن نكرة بن لكيز، وكان من عبدة الأوثان، قتل كافرا.
المثقّب الشاعر: عبدىّ أيضا من عبد القيس، مكسور القاف، وسمى المثقّب بقوله:
كننّ محاسنا وابنّ أخرى (2) ... وثقّبن الوصاوص للعيون
واسمه عائذ بن محصن، ومدح عمرا أخا النعمان بن المنذر.
وقرأت على أبى بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى، وكان ضابطا صحيح العلم، ذكر سلمة بن المحبّق الهذلى، فأنكره، وقال: ما سمعت من ابن شبة وغيره إلا المحبّق، بكسر الباء، فقلت: إن أصحاب الحديث كلّهم يفتحون الباء. وقد قرأته على أبى بكر ابن دريد فى كتاب الاشتقاق المحبّق بالفتح، فقال الجوهرى: أى شىء الحبق فى اللغة؟ قلت: الضّرط، فقال [ص 38] هل يستحسن أحد أن يسمى ابنه
__________
(1) الممزق ابن أخت المثقب العبدى.
(2) صدر البيت فى المفضليات: * ظهرن بكلة وسدلن أخرى *
وهو من قصيدة مطلعها:
أفاطم قبل بينك متعينى ... ومنعك ما سألث كأن تبينى(1/471)
المضرّط، وإنما سماه المحبّق تفاؤلا له بالشجاعة، وإنه يضرّط أعداءه، كما سمّوا عمرو بن هند مضرّط الحجارة.
واسم المحبّق صخر بن عبيد، وهو من هذيل، من بنى لحيان، اللام مكسورة وله ابن (1) يقال له سنان بن سلمة، كان غزا مكران (2)، وظفر بأهلها، وأخذ على جنده الأيمان بالطّلاق، فقال فيه بعضهم:
لهان علىّ حلفة ابن محبّق ... إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا
المقوّم بن عبد المطلب بن هاشم، الواو مفتوحة، هكذا قرأته على ابن دريد.
وقال فى كتاب الاشتقاق: هو مفعّل، من قولهم: قوّمت الرّمح أقوّمه تقويما. وقرأت على أبى الحسين النسابة المقوّم، بالفتح.
فأما معوّد الحكماء، فهو على وزن مفعّل، الواو مكسورة وتحت الدال نقطة (3)، وهو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب، وسمى معوّد الحكماء بقوله:
سأحملها وتعقلها غنىّ ... وأورث مجدها أبدا كلابا
أعوّد مثلها الحكماء بعدى ... إذا ما الأمر فى الحدثان نابا (4)
فسمّى معوّد الحكماء، تحت الدال نقطة.
وأما معوّذ [39] بن عفراء فهو بالذال المنقوطة، والواو مكسورة،
__________
(1) وابناه سنان وسلمة روى عنهما الحديث (جمهرة أنساب العرب: 184).
وجاء فى خلاصة الخزرجى: سنان بن المحبق، وسلمة بن المحبق، فهما اثنان.
(2) فى القاموس: مكران بفتح الميم، وفى معجم ياقوت بضمها.
(3) وهو عم لبيد بن ربيعة الشاعر (معجم الشعراء: 390).
(4) البيتان من قصيدة مطلعها:
أجد القلب من سلمى اجتنابا ... وأقصر بعد ما شابت وشابا
وترتيب البيتين فى القصيدة يخالف رواية النص، فالأول ترتيبه التاسع عشر، والثانى الخامس عشر (المفضليات قصيدة: 105)(1/472)
وأخواه معاذ وعوف من سادات الأنصار. ومعاذ ومعوّذ قتلا أبا جهل بن هشام (1)، وقتلهما أبو جهل.
والرّبيّع، مضموم الراء، بنت معوّذ بن عفراء، روت عن النّبىّ صلى الله عليه وسلّم.
وفى الأنصار ربيع، غير مشدد، بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد. منهم حنظلة بن عرادة الرّبيعى، يقول:
فأمى عن يمين بنات نعش ... وأمىّ مطلع الشّعرى العبور
ربيعة بن مكدّم، الدال مفتوحة، فارس كنانه كلّها، قتله نبيشة بن حبيب السّلمىّ، وفيه يقول الشاعر:
لا يبعدنّ ربيعة بن مكدّم ... وسقى الغوادى قبره بذنوب
والمحلّق الذى مدحه الأعشى، مفتوح اللام، هو اسمه، وهو المحلّق بن جزء (2)
من بنى أبى بكر بن كلاب، وكان جوادا، وفيه يقول الأعشى:
تشبّ لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار النّدى والمحلّق (3)
والمحلّق الضّبىّ ولاه الحكم بن أيوب الثقفىّ سفوان، قال فيه بعض الشعراء:
أبا يوسف لو كنت تعلم طاعتى ... ونصحى إذا ما بعتنى بالمحلّق
وذكر أحمد بن حباب الحميرىّ أن فى جعفىّ فى مرّان منهم المخلّق. الخاء معجمة، واللام مكسورة.
المكحّل بفتح الحاء، هو عمرو بن الأهتم (4) الشاعر، سمّى المكحّل لجماله، وكان يقال لشعره حلل الملوك، قال شاعرهم:
__________
(1) كذا فى الأصل (وفى الاشتقاق 267) ومعاذ الذى ضرب أبا جهل يوم بدر، فقطع رجله، فوقع فى القتلى، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه. وفى السيرة لابن هشام حديث طويل حول هذا:، فارجع إليه (ج 2: 288).
(2) هو المحلق بن حنتم بن شداد بن ربيعة، وقيل إنه لقب بذلك لبعير عضه، فترك فى وجهه أثرا كالحلقة، أو لكدنة كانت فى خده كالحلقة (أغانى 9: 113).
(3) البيت من قصيدة مطلعها.:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بى من سقم وما بى معشق
(4) هو عمرو بن سنان بن سمى السعدى المنقرى. والمكحل: لقب أطلق عليه فى الجاهلية.(1/473)
عمرو بن الاهتم شعره ... حلل الملوك منشّره (1)
المضرّب، مفتوح الراء، ابن كعب، واسمه عقبة، سمى المضرّب (2) لأنه شبّب بامرأة، فقال فيها:
ولا عيب فيها غير أنك واجد ... ملاقيها قد ديّثت بركوب
فحلف أخوها ليضربنّه مائة ضربة بالسّيف، فضربه أخوها مائة ضربة بالسيف، فأفاق وأنشأ يقول:
أفقت وقد أنى لك أن تفيقا ... فذاك أوان أبصرت الطّريقا
وكان الجهل ممّا يزدهينى ... إلى غلوائه حتى أذوقا
وحارثة بن مضرّب (3) روى عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. وحجيّة بن ابن المضرّب أيضا شاعر من بنى كندة، أدرك الإسلام.
المرقّش الأكبر، مكسور القاف، هو عمرو، ويقال عوف بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن سعد ابن قيس بن ثعلبة. [41] سمى المرقّش بقوله:
الدّار قفر والرّسوم كما ... رقّش فى ظهر الأديم قلم (4)
المرقّش الأصغر: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن مالك، وزعم بعضهم أن اسمه ربيعة بن سفيان، ويقال إنه ابن (5) خال المرقش الأكبر، ومن مشهور قوله:
__________
(1) الشطر الثانى فى الأصل: * حلل منشرة بين أيدى الملوك * وليس موزونا:
ونظن أنه محرف عما أثبتناه. وهو من مجزوء الكامل.
(2) المضرب المزنى واسمه عقبة بن كعب بن زهير بن أبى سلمى (المؤتلف والمختلف: 182).
(3) حارثة بن مضرب العبدى الكوفى، بتشديد الراء المكسورة فى مضرب، وقبلها معجمة، كما فى التقريب.
(4) البيت هو الثانى من قصيدة رثى بها ابن عمه، ومطلعها:
هل بالديار أن تجيب صمم ... لو كان رسم ناطقا كلم
(قصيدة: 54مفضليات)
(5) فى الشعر والشعراء: يقال إنه أخو الأكبر، ويقال أنه ابن أخيه.(1/474)
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغىّ لائما (1)
مخيّس بن أرطاة الأعرجى، الياء مكسورة.
الأبيرد بن المعذر الرّياحىّ الشاعر (2)، الذال مكسورة منقوطة.
المخبّل الشاعر، واسمه ربيعة (3) مفتوح الباء، مفعّل من الخبل. والخبل استرخاء المفاصل من ضعف أو جنون.
وفى ربيعة أضجم بنو المخيّل، الخاء معجمة، والياء مفتوحة، تحتها نقطتان، وهو مفعّل من التخيل.
يقال: تخيّل لى الشىء: إذا رأيته ولم تستيقنه. والخيال من هذا.
ومنهم سعد بن مشمّت، الميم مكسورة، هكذا قرأته على أبى بكر بن دريد وكان من رجالهم، وكان ألى لا يرى أسيرا إلا افتكّه.
صفوان بن المعطّل السّلمىّ، الطاء مفتوحة، وهو الذى رمى بالإفك، وكان حلف ليضربنّ حسان بن ثابت ضربة [42] بسيفه لما كذب عليه فى الإفك، فضربه صفوان، فأشواه. ومعطّل مفعّل من التعطيل. عطّلت المنزل أعطّلة تعطيلا. ويجوز أن يكون من التعطل، وهو تمام الجسم وطوله:
ويقال رجل حسن العطل.
المكدّد، الدال الأولى مفتوحة، من سادات كندة، اسمه شريح، وكان جوادا، وسمّى المكدّد لقوله:
سلونى فكدّونى فإنى لباذل ... لكم ما حوت كفاى فى العسر واليسر
__________
(1) هذا البيت الثانى والعشرون من المفضلية السادسة والخمسين، ومطلعها:
ألا يا اسلمى لا صرم لى اليوم فاطما ... ولا أبدا ما دام وصلك دائما
(2) شاعر مشهور مقل محسن (المؤتلف 24).
(3) ربيعة بن مالك، وهو من بنى شماس بن لأى بن أنف الناقة. عن الشعر والشعراء. وفى جمهرة أنساب العرب 208: ربيعة بن عوف بن لأى بن أنف الناقة.(1/475)
وفى شعر زهير، «لابن المخزّم (1)» الزاى مفتوحة والخاء معجمة. وفى شعراء طيىء المخرّم بن حزن، الخاء معجمة، والراء مكسورة غير معجمة، مشددة.
وفى جعفىّ بن سعد العشيرة، المغمض، الغين معجمة ساكنة والميم مكسورة. واسمه قيس بن المثلّم، مفتوح اللام، واشتقاقه من أغمضت عن كذا، وغمّضت عنه.
والمحرّق، هما اثنان، محرّق الأول، ومحرّق الثانى، والراء فيهما مكسورة.
فأما محرّق (2) الأول فهو الحارث بن عمرو، وعمرو هو مزيقيا بن عامر بن ثعلبة العنقاء. وسمى الحارث المحرّق، لأنه أول من عذّب بالنّار. وآل جفنة الغسانيون من ولده، وهم، من الأزد (3).
[ص 43] وفى خزاعة المحترش (4)، هو أبو غبشان، الذى يزعمون أنه باع البيت من قصىّ. وغبشان بن عبد عمرو كان قد حجب البيت.
ومن ولده ذو الشّمالين صحب النّبىّ صلى الله عليه وسلم وشهد بدرا وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم. وهذا غير ذى اليدين الذى يذكر فى حديث السّهو فى الصلاة.
وفى شعراء الأزد معقّر بن حمار البارقىّ (5)، عين الفعل مكسورة، وهى القاف.
وهو الذى يقول:
__________
(1) كذا فى الأصل، وهو إشارة إلى بيت زهير:
ولا شاركت فى الحرب فى دم نوفل ... ولا وهب منها ولا ابن المخزم
وإن كانت هناك رواية عن ثعلب (المحرم) بالحاء المهملة، وقيل إنه من بنى مرة.
(2) جاهلى يعرف بأمه فكهة من بكر بن وائل وقد رأس وكان شاعرا (معجم الشعراء، الاشتقاق).
(3) يلاحظ أنه لم يذكر المحرق الثانى. وقد جاء فى المؤتلف والمختلف (ص 785) المحرق المزنى واسمه عمارة بن عبد، أحد بنى وائل بن خلاوة بن كعب بن عبد بن ثور، وهو شاعر.
(4) فى تاج العروس (حرش): أبو غبشان: خزاعى: وهو المحترش بن حليل بن حبشية. وفى الأصل المحترس، بالسين.
(5) قيل اسمه عمرو بن سفيان بن حمار بن الحارث بن أوس، وبارق من الأزد. وقيل اسمه سفيان بن أوس بن، حمار، وهو جاهلى وسمى معقرا بقوله:
لها ناهض فى الوكر قد مهدت له ... كما مهدت للبعل حسناء عاقر
(معجم الشعراء: 204)(1/476)
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
وفى شعراء الأزد ربيعة بن مهرب، الميم مضمومة، والهاء ساكنة، والراء مكسورة، وهو جاهلىّ.
المحبّر (1)، بفتح الباء، والحاء غير معجمة، ابن إياس بن مرهوب، من أشراف الأزد وفرسانهم، كان بخراسان فى أول الإسلام.
وفى أولاد عمر بن الخطاب المجبّر بالجيم والباء مفتوحة، من ولده محمد بن عبد الرّحمن بن مجبر المحدّث، روى عن نافع مولى ابن عمر.
المجذّر: الذال مفتوحة منقوطة، ابن ذياد البلوىّ، الذال من ذياد منقوطة مكسورة، قاتل أبى البخترىّ (2) يوم بدر، وكان حليفا للأنصار، وقتله رجل من الأنصار، [44] فقتله النبىّ صلى الله عليه وسلم به.
والمجذّر مفعّل، مفتوح العين، من قولهم: رجل مجذّر: قصير متقارب الخلق.
والجذر: الأصل.
__________
(1) المحبر: مفعل من قولهم ثوب محبر:: حسن الصنعة وكلام: محبر حسن التأليف.
(2) هو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد وقصته مدونة فى السيرة (ج 2: 283).(1/477)
باب أسماء المواضع التى يقع فيها الإشكال فيعدل بها إلى التصحيف
يقال: كلاب الحوءب (1)، وهو موضع، ويقال ماء.
ولا يقال الحوّب بالتشديد. وقد أولعت العامّة به. وأخبرنا ابن دريد قال:
أنشدنا أبو حاتم:
ما هى إلا شربة بالحوءب ... فصعّدى من بعدها أو صوّبى
فإن خفّفت الهمزة قلت: حوب.
ويقال فى غير هذا: دلو حوءبة: أى واسعة. قال الراجز:
حوءبة تنقض بالضّلوع
أى تسمع لها نقيضا من ثقلها.
يقال لجبل فى مكة أسنمة (2)، الهمزة مضمومة والنون مضمومة، ولا يقال أسنمة.
ناعط (3): جبل، تحت الطاء نقطة قال امرؤ القيس:
__________
(1) الحوءب ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها (مشتق من قولهم: دار حوءب:
واسعة) وهو الذى جاء فيه الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «لعلك صاحبة الجمل الأزيب، تنبحها كلاب الحوءب». وسمى هذا الموضع بالحوءب بنت وبرة (معجم ما استعجم).
(2) أسنمة، قيل هى على أسفل الدهناء، على طريق فلج وأنت مصعد إلى مكةء وهو نقامحدد طويل، كأنه سنام. وفى ضبط الاسم ووزنه كلام طويل، فارجع إليه فى معجم ياقوت، ومعجم ما استعجم.
(3) ناعط: حصن فى رأس جبل بناحية اليمن، قديم، كان قرب عدن.(1/478)
هو المنزل الألّاف من جوّ ناعط ... بنى أسد حزنا من الأرض أوعرا (1)
تثليث (2): موضع مشهور.
ويثلث أيضا: موضع، بنقصان [45] ياء مفتوحة اللام، قال:
قعدت له وصحبتى بين ضارج ... وبين تلاع يثلث فالعريض (3)
وسعد: موضع بنجد. قال جرير:
ألا حىّ الديار بسعد إنى ... أحبّ من اجل فاطمة الديارا
ماويّة: منزل (4) بين مكة والبصرة، كانت ملوك الحيرة تتبّدى إليه فتنزله، وقد ذكرته الشعراء.
عينب: اسم موضع، مفتوحة العين غير معجمة، والياء ساكنة تحتها نقطتان، والنون مفتوحة وتحت الباء نقطة. وتصحّف بعتيب على وزن فعيل، وإنما بنو عتيب: قبيلة من بنى شيبان لهم جفرة بالبصرة، ويقال إن أصلهم ناقلة من جذام، والله أعلم.
برك الغماد، الغين معجمة مكسورة (5): موضع دفن فيه عبد الله بن جدعان، قال الشاعر:
سقى الأمطار قبر أبى زهير ... إلى سقف إلى برك الغماد
__________
(1) البيت من قصيدة مطلعها:
سمالك شوق بعد ما كان أقصرا ... وحلت سليمى بطن قو فعرعرا
(2) تثليث: موضع بالحجاز قرب مكة، فيه يوم للعرب بين بنى سليم ومراد (مراصد الاطلاع).
(3) البيت من قصيدة لامرئ القيس مطلعها:
أعنى على برق أراه وميض ... يضىء حبيا فى شماريخ بيض
(4) نسب هذا المنزل إلى ماوية بنت مر أخت تميم بن مر. وقال ابن حبيب: ما شربت ماء أعذب من ماء ماوية. قال: وكان ينقل منه الماء لمحمد بن سليمان إلى البصرة.
(5) برك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال، مما يلى البحر وقيل بلد باليمن، دفن عنده عبد الله ابن جدعان التيمى القرشى. وابن دريد يضم الغين، والكسر هو الأشهر.(1/479)
والعامة تقول: بالبصرة مسجد الأحامرة، وهو خطأ، وإنما هو مسجد الحامرة. سمّى بذلك لأن الحتات المجاشعىّ مرّ فرأى ثمّ حميرا وأربابها، فقال:
ما هذه الحامرة؟ وهذا مثل قولهم: الجنّة تحت البارقة، يريد السيوف، وإنما أراد التّحضيض [46] على الغزو. ومن يخطئ يقول: الأبارقة.(1/480)
باب ما يشكل فى علم الأنساب
وقد عمل فيه محمد بن حبيب الراوية كتابا سمّاه: المختلف والمؤتلف، فلم استقص جميع ما يشكل منه، وإنما ذكرت منها ما يكثر استعماله، ويدور فى الكتب، وعلى أفواه الناس، وذكرت بعض ما لم يذكر ابن حبيب:
فمما يكثر ذكره ولا يستغنى عن معرفته أحد أمر قيس عيلان، فقد أولعت العامّة بأن يقولوا: قيس غيلان، بالغين المعجمة، وهو خطأ وتصحيف. وإنما هو عيلان، العين غير معجمة وهو جبل أو أكمة، ولد عنده قيس، فنسب إليه.
وقد قال بعضهم: إنه ظئرله (1) والله أعلم.
تقول: قيس عيلان، وقيس بن عيلان، وكلاهما جائز، واسم قيس النّاس بن مضر (2) بالنون.
وفى بنى تميم بطن من الحشّان (3): قال أبو اليقظان: حشان مخففة، ومحمد ابن حبيب يشدّده، يقال لهم: غيلان بن مالك بن عمرو بن تميم، الغين معجمة.
[ص 47] وفى ثقيف، غيلان (4) معجمة أيضا.
وفى إياد غيلان أيضا بغين معجمة.
__________
(1) وقيل: إن عيلان عبد حضنه (جمهرة أنساب العرب).
(2) رواية ابن حبيب: الناس بنون هو عيلان بن مضر (الموتلف 32).
(3) رواية ابن حبيب فى المختلف والمؤتلف: وفى تميم حشان، بكسر الحاء المهملة، وتشديد الشين المعجمة، وهو زبينة بن مازن بن مالك، وعبد الله بن مالك، وغسان والحرماز بنو مالك بن عمرو بن تميم، وكعب بن عمرو بن تميم، هؤلاء القبائل يقال لها الحشان (ص 30).
(4) هو غيلان بن سلمة بن معتب، كانت له وفادة على كسرى ورياسة فى قومه (جمهرة أنساب العرب 256).(1/481)
وقال أبو اليقظان: هم بالبصرة فى ثقيف. قال: ومنهم الهذيل بن عبد الرحمن، أمّه حفصة بنت سيرين، وكان من عداد الناس وخيارهم.
وفى أجداد قريش عدنان بن أدد، أبو معدّ بن عدنان، وفى الأزد عدثان ابن عبد الله بن زهران (1)، الثاء منقوطة. ومنهم جذيمة الأبرش والدّوسيّون (2).
وفى الأزد أيضا، عدنان بن عبد الله بالنون.
وعدثان، فعلان من العدث، والعدث: الوطء السريع، عدث: إذا وطئ وطئا خفيفا سريعا.
وقد ذكرنا قبل هذا (3) ما يشكل من سدوس فى العرب. فهو مفتوح السين إلّا سدوس بن أصمع فى طيئ، فإنّه مضموم السين، وهم الذين قال فيهم امرؤ القيس:
إذا ما كنت مفتخرا ففاخر ... ببيت مثل بيت بنى سدوس
ويقال إنهم من ربيعة، وإنهم ناقلة (4).
وكذلك ما يشكل من عدس وعدس، وقد مضى قبل هذا (5) وجملته أن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم مضموم الدال. وكل عدس فى العرب فهو مفتوح الدال.
الهون بن مدركة، وهم إخوة القارة (6) التى قيل فيها:
__________
(1) ابن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، ويقال الأسد وهو جذيمة الأبرش (ابن ماكولا 2: 130).
(2) الدوسيون: قبيلة من الأزد، منهم الصحابى أبو هريرة الدوسى.
(3) انظر صفحة 98من الكتاب.
(4) الناقلة: قبيلة تنقل إلى أخرى.
(5) انظر صفحة 99من الكتاب.
(6) القارة قبيلة، وهم عضل والديش ابنا الهون بن خزيمة بن كنانة سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم لما أراد الشداخ أن يفرقهم فى بنى كنانة، وهم رماة. وزعموا أن رجلين التقيا، أحدهما قارى، والآخر أسدى فقال القارى إن شئت صارعتك وإن شئت سابقتك وإن شئت راميتك، فقال اخترت المراماة. فقال القارى قد أنصفتنى. وأنشد: قد أنصف القارة من راماها ... إنا إذا ما فئة نلقاها
* نرد أولاها على أخراها *
ثم انتزع له سهما فشك فؤاده (لسان: قود).(1/482)
[48] * قد أنصف القارة من راماها *
الهاء مفتوحة، ومن لا يعلم يضمّه. وإنما اشتقّ الهون من الشىء السهل، من قولهم: مرّ على هونه وهينته أى على سكونه. والهون بالضم الهوان.
وفى أنساب اليمن ألهان، اللام ساكنة، مثل علهان، ابن مالك، إخوة همدان، من ولده بكيل (1) بن ألهان بن مالك.
ومما يشكل جدّا الشّعبىّ، والشّعبىّ، والأشعوبىّ، والشّعبانى.
وسألت أبا الحسين النسابة عن هذا فقال:
أما الشّعبىّ فهو عامر بن شراحيل بن عبد، لم يزدنى أحد على عبد، غير أنهم يقولون:
هم من شعبان بن عمرو بن قيس بن جشم بن معاوية بن عبد شمس ابن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير:
فمن كان منهم بالكوفة فهو شعبىّ، ومن أقام منهم باليمن فهو شعبانىّ، ومن كان منهم بالشام ومصر فهو الأشعوبىّ، والأصل واحد، وكلهم ينسبون إلى شعبان بن عمرو (2) وقال ابن الكلبى:
اسم شعبان: حسان بن عمرو، وكان شعبان من أقيال حمير، وسمّى بهذا الاسم لبناء
__________
(1) بكيل بن جشم بن حيوان بن نوفل بن همدان (جمهرة أنساب العرب: 369).
(2) شعبان بطن من همدان، تشعب من اليمن (إليهم ينسب عامر الشعبى) على طرح الزائد (وقيل شعب جبل باليمن، وهو ذو شعبين، نزله حسان بن عمرو الحميرى وولده، فنسبوا إليه، فمن كان بالكوفة يقال لهم الشعبيون، منهم عامر بن شراحيل الشعبى، وعداده فى همدان. ومن كان منهم بالشام يقال لهم الشعبانيون.
ومن منهم كان باليمن يقال لهم آل ذى شعبين، ومن كان بمصر والمغرب يقال لهم الأشعوب (اللسان شعب).(1/483)
بناه، وسماه ذا شعبين، حذارا من الموت، فلما حلّ به [49] لم ينجه من حذاره، فيقال: إنه كتب على لوح قبره:
(أيا شعبان بن عمرو القيل إذ لا قيل إلا الله، متّ أيام وخزهيد، وما هيد؟ مات فيها ثمانون قيلا، وأتيت ذا شعبين ليجيرنى من الموت، فأخفرنى).
وأما شعبىّ فمنسوب إلى شعبى، وهو موضع، وليس بأب (1). منهم عبيد الله ابن العباس الشّعبى الشاعر وغيره.
ومما يشكل جدا ويحتاج أن نشرحه هاهنا، أمر الشّعوب والقبائل والعمائر وما بعدها، والفرق بين كلّ واحد منها، ليتميز به ذلك.
فأولّ ما أذكره من ذلك ما قرأته فى كتاب الجمهرة فى النّسب لابن الكلبىّ قال:
العرب على طبقات، فأعلاها شعب ثم قبيلة، ثم عمارة ثم بطن، ثم فخذ ثم فصيلة، ثم حىّ، ثم عشيرة. وذلك مثل قولك: حمير، وقضاعة، والأزد ومضر، وربيعة، ومذحج، هذه شعوب.
وسمّيت العرب شعوبا، لأن العرب تتشعّب منها، وسميت قبائل، لأنها تقابلت على العمارة.
فأسد بن خزيمة قبيلة، ودودان بن أسد عمارة، فالشّعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطون تجمع الأفخاذ والأفخاذ تجمع الفصائل. فبنو العباس بن عبد المطلب [50] فصيلة، وهاشم
__________
(1) جاء فى الإكمال لابن ماكولا (2: 282) أن (الشعبى بضم الشين: هو معاوية بن حفص الشعبى من ولد شعبة(1/484)
فخذ، وقصى بطن، وقريش عمارة، وكنانة قبيلة، ومضر شعب، فأنساب العرب على هذه الطبقات.
وقرأت على أبى الحسين النّسّابة فى كتاب المعاقل والعصم قال:
قد شبّهت العرب هذه التقاسيم بخلق الإنسان قالوا: الجسد من الرأس إلى القدم هو شعب لأن سائر القبائل تتشعّب منه، ويتشعّب من قبائل الرأس الصّدر وفيه القلب ملك البدن لعمره، فسمّى عمارة، ودون ذلك البطن، وبطن الإنسان دون صدره، ودون ذلك منه الفخذ، وفخذ الإنسان دون بطنه، ودون ذلك منه الفصيلة، وهى السّاق والرّكبتان، وفصيلتاه دون فخذه، ودون ذلك منه العشيرة وهما القدمان، أقلّتا ما فوقهما. فالشّعب أعلاها والعشيرة أقربها وأمسّها.
ونحتاج أن نذكر على كلّ واحد من هذه الأقسام شاهدا، فقد ذكرت الشعراء ذلك فى أشعارها، فقال قائلهم فى الشّعب:
فبادوا بعد إمّتهم (1) وكانوا ... شعوبا أشعبت من بعد عاد
وقال فى العمارة:
لكلّ أناس من معدّ عمارة (2) ... عروض إليها يلجئون وجانب
وقال آخر فيه أيضا:
عمائر من دون القبيل أبوهم ... [نعاهم] إلينا عامر ومساجم (3)
[51] رجلان من بنى محارب.
__________
(1) الإمة، بكسر الهمزة: النعيم والمالك.
(2) البيت للأخنس بن شهاب التغلبى. وعمارة خفض على أنه بدل من أناس، وقد رويت بفتح العين وكسرها، فمن فتح فلالتفاف بعضهم على بعض، كالعمارة: العمامة، ومن كسر فلأن بهم عمار الأرض.
(عمر: لسان وجمهرة ابن دريد):
(3) ما بين القوسين زيادة يصح بها شطر البيت وهى عن أنساب العرب للصحارى: 24.
وبعد هذا البيت: ضممناهم ضم الكريم بناته ... فنحن لهم سلم وإن لم يسالموا(1/485)
وقال آخر فى البطن:
بطون صدق من ذرى العمائر ... م الأزد فانضمّت إلى يحابر (1)
وقال قائلهم فى الفخذ:
مقرى بنى أرحب للضيف مترعة ... وكلّ مقرى لهم يأتهم أفخاذ (2)
وقال فى الفصيلة:
فصيلة بانت من الأفخاذ ... فخالفوا (3) جهلا بنى معاذ
قوم من القافة من بنى مدلج. وقال الله عزّ وجل: {«وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ»}
وقال آخر فى العشيرة:
فكنت لكم عشيرا من أبيكم ... بلا صفد ولا قول جميل
رجع القول إلى ما يشكل فى الأسماء.
تكلّموا فى عبشمس، فكان ابن الكلبى يقول: عبشمس بن سعد ابن زيد مناة بن تميم، ساكنة الباء وفى طيىء مثلها: عبشمس بن أحرم بن أبى حزم (4) وقال بعضهم: عبّ الشمس. لعاب الشّمس.
وسمعت ابن دريد يحكى قال:
من العرب من يقول: مررت بعبشمس، وهذا عبشمس، ورأيت عبشمس، فيجرى الإعراب على الباء.
وفى أنساب قريش: مجمّع، الميم مكسورة، وهو لقب قصىّ سمّى بذلك لأنه جمع بنى فهر فقالوا: مجمّع.
__________
(1) نجاير (أتساب العرب)
(2) كذا فى الأصل وعند الصحارى ولم نعئر على البيت فيما بين أيدينا من المراجع غيره
(3) فخالفت (أنساب العرب).
(4) رواية المؤتلف: وفى طيىء عبشمس مفتوحة العين مكسورة الباء ابن أخزم بن أبى أخزم وهو خرومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء. وكل شىء فى العرب فهو عبد شمس (ص 5)(1/486)
قال الشاعر:
[ص 52] أبوكم قصىّ كان يدعى مجمّعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وفى جعفىّ المجمّع، بفتح الميم، بن مالك بن كعب بن سعد العشيرة ابن عوف بن حريم بن جعفىّ.
وفى كندة المجمّع، أيضا، ابن وهب بن الحارث بن معاوية بن ثور (1)
وفى قريش، خزيمة بن لؤىّ بن غالب، وخزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر.
وفى قضاعة حزيمة، الحاء مفتوحة غير معجمة، وبعدها زاى مكسورة ابن نهد بن زيد (2) بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة.
وفى أمر حزيمة هذا وقعت الحرب فى بنى معدّ، وفى ربيعة حزيمة بن طارق، مثل ما قبله.
وفى بجيلة أيضا حزيمة بن حرب بن على بن مالك بن سعد بن نذير ابن قيس بن عبقر:
وفى قيس عيلان أيضا حزيمة بن رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان.
وفى قريش بنو عايذ، تحت الياء نقطتان، والذال منقوطة، وفيهم بنو عابد تحت الباء نقطة، والدال غير منقوطة وعايد وعابد جميعا فى بنى مخزوم.
فما كان من ولد عمر بن مخزوم، فهو عايد بن عبد الله (3) بن عمر بن مخزوم، والدال غير منقوطة [53].
__________
(1) ابن شراحيل بن خراش بن عتبان بن سعد بن زهير (المختلف 20).
(2) ابن زيد من ليث بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة.
(3) فى الأصل (عبد الله بن عبد الله بن عمر) والتصويب عن (المختلف: 44).(1/487)
وما كان فى ولد عمران بن مخزوم، فهم بنو عايذ بن عمران بن مخزوم.
الذال منقوطة، وتحت الياء نقطتان.
وفى بنى ضبّة عايذة (1): قبيلة كبيرة، ويقال: هو من بنى عيّذ الله، الياء مشددة، ولا يقال: عايذ، والنسبة إلى بنى عيذ الله: عيذىّ، مخفّف الياء التى بعد العين، كما يقال فى أسيّد أسيدىّ، وفى طيّب طيبىّ.
ما يشكل من جديلة بالجيم مفتوحة ومن حديلة، الحاء مضمومة غير معجمة
فى قيس عيلان جديلة بالجيم، وهم فهم (2) وعدوان ابنا عمرو بن قيس وجديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار.
وفى طيئ جديلة بنت سبيع بن عمرو بن حمير، هى أمّ بنى (3) خارجة ابن سعد بن فطرة بن طيئ.
وفى الأزد جديلة بن معاوية بن عمرو بن عدىّ بن مازن بن الأزد (4) وأما الذى فى الأنصار فهم بنو حديلة، الحاء مضمومة غير معجمة، والدال مفتوحة غير منقوطة، وهم بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجار من الخزرج (5)، وحديلة أمهم وهى بنت مالك بن [54] زرارة بن زيد
__________
(1) عايذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وعايذة قريش هم بنو خزيمة بن لؤى سموا بذلك لأن عبيد بن خزيمة تزوج عايذة بنت الحمس بن محافر من خثعم فولدت له مالكا وتيما (ابن ماكولا 105ب)
(2) فى الأصل: وفيهم عدوان والتصويب عن المختلف: 14وابن ماكولا 1: 126؟ وقال أبو عبيدة: جسر بن محارب وغنى وبأهله وفهم وعدوان وجديلة يد واحدة كلهم من مضر (ابن ماكولا 1: 126).
(3) هى أم جندب وحور ابنى خارجة بن سعد بن فطرة بن طيىء (مختلف 14وابن ماكولا 1: 126).
(4) رواية ابن ماكولا فأما حديلة بضم الحاء المهملة وفتح الدال فقال ابن جبيب: فى الأزد حديلة ابن معاوية (1: 126ب).
(5) وهم رهط أبى بن كعب (المختلف).(1/488)
مناة، من بنى جشم بن الخزرج. ومن بنى حديلة أبىّ بن كعب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وسمعت أبا الحسين النّسّابة يحكى، قال:
ذاكرتى أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بمن اسمه جديلة فى العرب كلّها، فقال: وفى الأنصار جديلة، بالجيم. فعلمت أنه وهم. فقلت له: لا عيب على من لم يدخل المدينة ونواحيها فى أن يصحّف هذا، وقصر بنى حديلة هناك مشهور معروف، فسكت.
قال الشيخ:
إن كان أبو الحسين النّسابة صدق فى هذه الحكاية، فلعله ذاكر أبا بكر وهو حدث، لأنّ هذا وما هو أدقّ منه لا يذهب على أبى بكر. وقد ذكر فى كتاب الاشتقاق بنى حديلة، بالحاء غير المعجمة المضمومة، وذكر فى رجال حديلة أبىّ بن كعب، والله أعلم بما حكاه عنه.
ومما لم يذكره ابن حبيب:
وفى لخم بنو جزيلة، بعد الجيم زاى معجمة، وهو جزيلة بن لخم أبو أراش (1) من جزيلة.
__________
(1) وفى كندة، جزيلة بن لخم بن عدى بن أشرس بن شبب بن السكون (ابن ماكولا 1: 126).(1/489)
باب ما يشكل من الدّئل، والدّيل، والدّول
وهذا مما سألت عنه أبا الحسين النسابة التميمىّ، فقال: أخبرنى الجمحىّ، [55] أخبرنا محمد بن سلّام، قال:
سألت يونس بن حبيب النّحوىّ، مولى بنى ضبّة فقال: الدّئل من بكر بن عبد مناة بن كنانة.
والدّيل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى. والدّول بن لجيم فى حنيفة.
قال أبو الحسين: فقلت له: والدّيل (1) بن حذافة بن زهير بن إياد، جدأبى دواد الشاعر:.
قال الشيخ: وقد تركا جماعة لم يذكراها، ممن كان يحبب أن يكون مع هذا الاسم فذكرته
أما الدّيل، الدال مكسورة والياء ساكنة ففى الأزد، الدّيل بن هداد بن زيد مناة بن الحجر (2).
وفى تغلب الدّيل أيضا، ابن زيد بن عمرو بن غنم بن تغلب، وفى عبد القيس الدّيل (3).
وفى إياد الدّيل، وقد ذكرناهما.
__________
(1) الديل بن أمية بن حذافة بن زهر بن إياد (جمهرة الأنساب 174).
(2) فى الأصل الحجن التصويب عن المختلف 17وابن ماكولا 1: 281.
(3) هو الديل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس (ابن ماكولا 1: 281ب).(1/490)
وأما الدّول (الدال مضمومة والواو ساكنة): ففى ربيعة بن نزار الدّول ابن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علىّ بن بكر بن وائل.
وفى عنزة الدّول بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة. أيضا.
وفى الأزد الدّول أيضا ابن سعد مناة بن عامر.
وفى ضبة بن أدّ الدّول أيضا، ابن ثعلبة بن سعد بن ضبّة. (1)
وفى الرّباب [56] أيضا الدول بن جن بن عدىّ بن عبد مناة بن أد (2).
وأما الدّئل، مضموم الدّال، مكسور الهمزة، على وزان فعل، فقال أهل البصرة:
يونس بن حبيب ومحمد بن سلام وغيرهم: هو الدّئل على مثال وعل، وهم من بنى كنانة: الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، رهط أبى الأسود (3)
الدّؤلىّ. وقال الجهمىّ مثل ذلك. وأنشد:
جاءوا بجيش لو قيس معرسه ... ما كان إلّا كمعرس الدّئل
وقال أبو الأسود الدّؤلى: فتحت الهمزة كما قيل النمرىّ. وقال يونس وغيره:
من العرب من يقول الدئلى، فيدعونة على كسرته، وهو شاذّ.
وفرّق محمد بن حبيب فرقا، فقال: الذى فى بنى كنانة هم الدئل، مكسور الدال، بكر بن عبد مناة، رهط أبى الأسود، ثم قال:
وفى الهون بن خزيمة بن مدركة الدئل على مثال وعل، ابن محلّم بن غالب ابن ييثع (4) بن الهون بن خزيمة بن جذام.
تديل بن جشم بن جذام، وفى جهينة بذيل (5) بباء تحتها نقطة، والذال منقوطة.
__________
(1) فى الأصل عبيد والتصويب عن المختلف: 17وابن ماكولا، 1: 1282.
(2) ابن طابخة (مختلف 17وابن ماكولا 1: 282).
(3) هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندب بن يعمر بن حابس بن نفاثة بن عدى بن الدئل.
(4) ييثع، وفى الأصل (يثيع) ماكولا 1: 282ب.
(5) بذيل بن سعد بن عدى بن كاهل بن نصر بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة، شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماكولا 1: 48امختلف 44).(1/491)
باب
ما يشكل من زبان وريان
ما يشكل من زبان بالزاى، مخفف ومثقّل، وريان بالراء غير المعجمة [57] وتحت الياء نقطتان، وربّان، الراء غير معجمة، وتحت الباء نقطة.
فأمّا زبّان، الزاى معجمة، والباء مشدّدة، تحتها نقطة واحدة، ففى كلب زبّان ابن الأصبغ (1) بن عمرو بن ثعلبة من بنى عدىّ بن جناب بن هبل.
وليلى بنت زبّان بن الأصبغ [الكلبى] (2) هى أم عبد العزيز بن مروان، وفى فزارة زبان (3) بن سيار أبو منظور بن زبّان:
جئنى بمئل بنى بدر لقومهم ... أو مثل أسرة منظور بن سيّار
وهو منظور بن زبّان بن سيار.
وفى بنى ذهل بن ثعلبة بن عكابة: الزبان بن الحارث بن مالك بن شيبان ابن سدوس بن ذهل. وقال أبو الحسين النّسّابة:
هو الزّبّان بن يثربى، جدّ الحضين بن المنذر، قاد الجيوش فى الجاهلية وهو سيّد بنى رقاش.
وزبّان بن أنيف الكلبىّ، وكان صايم عبد الله بن يزيد بن معاوية الأسوار.
وأبو عمرو بن العلاء اسمه زبّان، على هذا أكثر البصريّين، وفيه خلاف.
__________
(1) فى الأصل: الأصبع. والتصويب عن المختلف 7. وابن ماكولا 1: 334ب.
(2) ابن ماكولا 1: 315ا.
(3) مفتوح مشدد قال الفرزدق:
رد الرجال فلم تقبل شفاعتهم ... وشفعت بنت منظور بن زبانا(1/492)
وزبّان بن فايد بالفاء، يقال له، الحمراوىّ، من ساكنى الشام، وقد روى عنه الحديث (1).
وأما زبان، بالزاى أيضا مكسورة والباء مخففة: ففى غنىّ بن يعصر (2)
[58] زبان، مكسور، الزّاى خفيف الباء، بن كعب بن جلان ابن غنم بن غنىّ.
وفى بلقين (3) بن جسر زبان أيضا، ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مالك ابن كنانة بن القين بن جسر.
وفى الأزد، أيضا، زبان بن مرّة (4) بن قيس بن ثوبان بن سمهيل بن الأزد.
وقال أبو الحسين النسّابة:
وزبان، على مثال عنان، بن هبيرة أخو الهذيل بن هبيرة، وهم بالجزيرة يدعون آل زبان.
حدّثنى بذلك أبو الدّوس أحد بنيه، وهو شيخ مذكور له صيت بالبادية.
فأما ربّان (، الراء غير معجمة، والياء مشدّدة تحتها نقطة): ففى قضاعة ربّان ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وهو أبو جرم بن ربّان، واسم ربّان علاف، وهو أول من اتخذ الرّحال العلافية، قال المتلمس:
إن علافا ومن باللّوذ من حضن ... لما راوا أنّه دين خلابيس
__________
(1) جاء فى ابن ماكولا (1: 314ا) أنه مصرى يروى عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنى عداده فى المصريين يكنى أبا جوين كان على المظالم بمصر فى أيام عبد الملك بن مروان. روى عنه ليث بن سعد ويحيى بن أيوب وغيرهما.
(2) فى الأصل أعصر والتصويب عن المختلف: 7وابن ماكولا 1: 136؟]
(3) وفى القين (مختلف 7).
(4) فى الاصل مر (والتصويب عن المختلف: 7).(1/493)
وأما زيّار (الزاى مفتوحة، والياء مشدّدة، وآخر الاسم راء غير معجمة): ففى كلب زيّار، من ولده محمد بن زياد بن زيّار الكلبىّ (1)، نسّابة عالم بأيام الناس، روى عنه الجهمىّ.:
[59] وأما الرّيان (2) (الراء غير معجمة وبعدها ياء مشدّدة، تحتها نقطتان):
ففى عكّ.
وقال لى أبو الحسين النسابة:
والرّيّان بن حويص (3) العبدى، فارس هراة، الذى يقال له هراوة الأعزاب بالزاى.
والرّيّان بن سلمة البلوىّ من بنى أقيش، كان شريفا فيهم. وطعيمة بن عدىّ بن نوفل بن عبد مناف (4) يكنى أبا الرّيان، قتله علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يوم بدر.
__________
(1) أبو عبد الله بغدادى يروى عن شرقى بن قطامى حدث عنه زهير بن محمد بن قمير وجماعة من الثقات (ابن ماكولا 2: 5ب).
(2) هو ريان بن أكرم بن لعسان بن غافق بن الشاهد بن عك (ابن ماكولا 2: 313ا) وقد ذكر ابن حبيب ربان فى المختلف بالراء والباء. مفتوح مشدد (ص 8).
(3) ابن عوف بن عائذ ابن عبد القيس بن أفصى صاحب الهراوة التى تضرب بها العرب المثل (جمهرة الأنساب)
(4) عم جبير بن مطعم (ابن ماكولا 1: 313ا).(1/494)
باب ما يشكل فى خدرة، وخدرة، وجذرة بالجيم، وجدارة
فأما خدرة (الخاء معجمة مضمومة، والدّال ساكنة تحتها نقطة) ففى الأنصار خدرة بن عوف (1) بن الخزرج بن حارثة، رهط أبى سعيد الخدرىّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخدرة هذا يقال له الأبجر.
وفى الأنصار، أيضا، بنو جدارة، بالجيم المكسورة، وهم فى بنى عوف ابن الخزرج بن حارثة.
وفى بلىّ خدرة أيضا، مثلها، ابن كاهل بن رشد بن أفرك (2) بن هرزم ابن هنى بن بلىّ
فأما حبيب بن خدرة (3) الشاعر، (الخاء مكسورة [60] والدال ساكنة)، من شعراء الخوارج، وهو القائل:
قتلوا الحسين وأصبحوا ينعونه ... إنّ الزمان بأهله أطوار
ما شيعة الّدجّال تحت لوائه ... بأضلّ ممّن قاده المختار
وهذا الذى حكى أنّ أبا العبّاس المبرّد صحّف فيه فى كتاب الرّوضة، فقال:
حبيب بن خدرة، فلما استثبتوه قال: نحن نقول خدرة، وأصحاب الحديث يقولون خدرة.
وأما جذرة (بالجيم مكسورة والذال منقوطة ساكنة)، ففى ربيعة بن نزار جذرة (4) (5)، وهو عمرو بن ذهل بن شيبان.
__________
(1) ابن الحارث (المختلف 43، وابن ماكولا 1: 246ب).
(2) ابن أفرك بن هزم بن هنى بن بلى (مختلف: 43، وابن ماكولا 2461ب).
(3) الحرورى (ابن ماكولا 1: 246ب) وضبطه فى القاموس وشرحه، بضم الخاء.
(4) رواية المبرد فى كتاب الكامل (ص 709طبع ليبزج) حبيب بن جدرة (بجيم ودال مفتوحتين) ويقال جدره (بضم فسكون) وهى السلعة: قال الأخفش: ابن خدرة (بالخاء وكسرها.
وقال المبرد لم أسمعه إلا جدرة (بالفتح) ويقال: جدره (بالضم) وهو من الخوارج.
(5) فى القاموس المحيط: «جدرة» بجيم مكسورة، بعدها دال ساكنة.(1/495)
وفى بلقين بن جسر جذرة أيضا، ابن لخوة بن جشم بن مالك ابن كعب بن القين.
وأما الجدرة، (الجيم والدال والراء مفتوحات (1)) فهم ولد الحادر الأزدىّ، ويعرف الحادر بسيل، تحت الياء نقطتان. وفى أمّهات النّبىّ صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت سعيد بن سيل (2)، بياء تحتها نقطتان، لا أعلم من خالف فيه إلّا محمّد بن فضالة، نسّابة مدنىّ، زعم أنه سبل بنقطة واحدة.
ما يشكل من يزيد، وتزيد
[61] وأما تزيد (فوق التاء نقطتان) ففى الأنصار تزيد بن جشم بن الخزرج ابن حارثة (3)، منهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، معاذ بن جبل ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدىّ بن كعب بن عمرو بن قيس ابن علىّ بن أسد بن سادرة بن تزيد بن جشم بن الخزرج.
وتزيد، بالتاء أيضا، فى قضاعة تزيد بن حلوان (4) بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وإليهم تنسب الهوادج التزيدية. قال علقمة بن عبدة:
ردّ الإماء جمال الحىّ فاحتملوا ... فكلّها بالّتزيديّات معكوم
هذان فى العرب بالتّاء، والباقى يزيد (بياء تحتها نقطتان) قال ابن الكلبى:
وفى تنوخ تزيد أيضا، وكان الترك أغارت على تزيد فأفنتهم. فقال عمرو ابن مالك التزيدىّ:
__________
(1) مختلف (ص 43) وابن ماكولا (1: 246ب).
(2) أم قصى بن كلاب فاطمة بنت عوف بن سعد بن سيل من الجدرة، وهم حلفاء بنى الديل بن بكر ابن عبد مناة بن كنانة. وإنما سموا الجدرة لأنهم بنوا الحجر وهو من البيت (ابن ماكولا 1: 246).
(3) منهم سلمة بن سعد بن على بن أسد بن شارده بن تزيد (ابن ماكولا: 2: 50ب).
(4) فى الأصل حيوان، والتصويب عن المختلف وابن ماكولا.(1/496)
وليلتنا بآمد لم ننمها ... كليلتنا بميّا فارقينا
فأما قول أبى ذؤيب:
يعثرن فى حدّ الظّباة كأنّما ... كسيت برود بنى يزيد الأذرع
فليس إلا يزيد بالياء تحتها نقطتان.
وبنو يزيد تجّار كانوا بمكّة، تنسب إليهم البرود اليزيديّة، وهى برود حمر، فشبّهها بالدّم لحمرتها. ومن قال فى هذا البيت بنى تزيد بالتاء فقد أخطأ.
[62] وقد ادّعى الجهمىّ النّسّابة على الأصمعىّ أنّه صحّف فيه فقال:
* برود بنى تزيد *
بتاء منقوطة فوقها، ولا أدرى صدق الجهمىّ أم كذب، لأن الأصمعىّ ينكر فى تفسير أشعار هذيل على من يقول تزيد (بتاء منقوطة فوقها)، والله أعلم.
ما يشكل من أسلم، وأسلم مضموم اللام
فالعرب كلها أسلم بالفتح، إلا أسلم بن الحاف بن قضاعة، وأسلم بن القياتة (1)
ابن غافق بن الشاهد بن عكّ، وأسلم بن تدول بن تيم اللّات بن رفيدة، كلها مضموم اللّام. وفى عاملة السّلم بن وبره بن تغلب بن عمران بن حلوان ابن الحاف بن قضاعة.
__________
(1) القياتة (بالتاء) (ابن ماكولا 19ب ومختلف الأنساب) والقيانة بالنون (جمهرة الأنساب 309).(1/497)
ما يشكل من حرفة بالفاء، وحرقة بالقاف
فى أولاد النّعمان بن المنذر، الحرقة (1) بالقاف، وقد مرّ ذكره، والحرقتان.
وفى بنى تغلب حرفة (الحاء غير معجمة مضمومة، والراء ساكنة، بعدها فاء) ابن ثعلبة بن بكر بن حبيب (2).
وفى يشكر بن بكر حرفة أيضا، ابن مالك بن ثعلبة بن غنم بن حبيّب (3) بن كعب بن يشكر.
وفى تميم حرفة بن زيد بن مالك بن حنظلة، (بالفاء أيضا).
ما يشكل [63] من جسّاس، وجساس
فى بنى الرّباب جساس (الجيم مكسورة والسين خفيفة) وجسّاس بن مرّة صاحب (4) كليب (السين مشدّدة، والجيم مفتوحة) وذكر ابن دريد أن النعمان ابن جساس مكسور السين (5)، وهو سيد الرّباب وفارسهم، قتل يوم الكلاب.
وفى طيّئ الحسحاس. واسمه خنّاس بن أبى كعب بن عبد الله بن فرير، وهو الذى كان فى بدء حرب الفساد.
__________
(1) الحرقة بالقاف: قبيلة من جهينة، وحرقة بنت النعمان بن المنذر، هاتان بالقاف، وكل ما عداهما مما تقدم بالفاء (مختلف 20)
(2) بضم الحاء مخفف (المؤتلف: 2، وابن ماكولا).
(3) بضم الحاء وتشديد الياء (المختلف وابن ماكولا).
(4) كل شىء فى العرب جساس مشدد، وفى تيم الرباب جساس (خفيف مكسور) بن نشبة ابن ربيع بن عمرو بن عبد الله بن لؤى بن عمرو بن الحارث بن تيم الله بن عبد مناة بن أد (مختلف 21وابن ماكولا 1351ب)
(5) كذا بالأصل ولعله أراد مكسور الجيم.(1/498)
وفى عذرة سعد (1) هذيم، بالهاء مضمومة والذال منقوطة.
وسمعت رجلا من كبار القضاة يقرأ على أبى روق الهزّانى كتاب المعمّرين، فقرأ فيه: سعد هديم (بالدال غير المنقوطة) فردّ عليه أبو روق وأخجله.
هذيم عبد حضن سعدا، فنسب إليه.
وفى مزينة هذمة، (الذال منقوطة ساكنة)، ابن لاطم بن عثمان بن عمرو، وهو مزينة بن أدّ بن طابخة.
وكلثوم بن الهدم فى الأنصار، نزل عليه النّبىّ صلى الله عليه وسلم (الهاء مكسورة وتحت الدال نقطة).
وفى طيىء هذمة بن عتّاب بن أبى حارثة، (2) من بنى بحتر بن عتود بن عنين ابن سلامان.
* * * [64] سمعت أبا بكر بن دريد يقول: فى العرب ضنّتان: ضنّة بن عبد بن كبير بن عذرة، وضنّة بن عبد الله بن نمير، جميعا مكسور الضاد، بعدها نون.
وفى العرب ضنّتان آخران، لم يذكرهما أبو بكر بن دريد: صنّة بن سعد (3)
هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد.
قال محمد بن حبيب:
وفى الأزد ضنّة بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأزد.
* * * وأما ضبّة بالباء فضبّة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر.
وفى قريش ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك.
وفى هذيل ضبّة بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.
__________
(1) هو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، حضنه عبد أسود اسمه هذيم، فغلب عليه. (ابن ماكولا 2: 319ب).
(2) ابن حتدى بن تدول بن بحتر بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة، وهى طيىء بن أدد.
(3) (فى ابن ماكولا. 302ا) فى قضاعة ضنة بن سعد بن أسلم بن الحاف.(1/499)
باب آخر
فى عرين وغيرها
فى بنى تميم عرين بن ثعلبة بن يربوع (1).
وفى بجيلة عرين بن سعد بن نذير (2)، وعرينة بجيلة ابن نذير ابن قسر بن عبقر، عم عرين هذا.
وفى قضاعة عرينة (3) بن كلب بن وبرة.
وفى القين بن جسر عرانية، (خفيف (4))، ابن جشم بن مالك بن كعب ابن جشم بن مالك بن كعب بن القين.
ونفى جرير رجلا من بنى عرين بن ثعلبة، فقال:
[65] عرين من عرينة ليس منا ... برئت إلى عرينة من عرين
ما يشكل من حرام، وحزام
فى جذام حرام بن جذام. (الحاء من حرام مفتوحة غير معجمة، والراء غير معجمة).
وفى تميم (5) حرام أيضا، ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وفى خزاعة حرام أيضا، ابن حبشيّة بن كعب بن سلول بن كعب.
وفى عذرة حرام بن ضنّة بن عبد كبير بن عذرة.
وفى بلىّ حرام بن جعل بن عمرو بن جشم (6)
وفى قريش آل حرام.
__________
(1) ابن حنظلة (المختلف 40).
(2) أبى عرينة.
(3) ابن ثور بن كلب (ص 12) 4مختلف (ص 12).
(4) مخفف (ص 12).
(5) ابن مر (ابن ماكولا 1: 195ب).
(6) ابن ودم (المختلف، وابن ماكولا 1: 195)(1/500)
وفى قيس حزام (الحاء مكسورة، وبعدها زاى) ابن هلال بن خلاوة (1)
ابن بكر بن أشجع.
ما يشكل فى قريع، وقزيع، وفريع، وقرثع
فى بنى تميم قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم (2).
(القاف مضمومة، والراء غير معجمة)، منهم المخبّل الشاعر.
وفى قيس قريع أيضا، ابن الحارث بن نميرة (3) بن عامر.
وفى بجيلة قزيع (بعد القاف المضمومة زاى)، ابن فتيان (4) بن ثعلبة بن معاوية ابن زيد [66] بن الغوث بن أنمار بن أراش.
وفى عبد القيس فريع (بالفاء) وهو ابن (5) لكيز بن عبد القيس، وحسان ابن ثابت يقال له ابن الفريعة.
وأما قرثع، (القاف مفتوحة، والثاء منقوطه بثلاث)، فقرثع الضّبىّ، رجل يضرب به المثل، فيقال: أسأل من قرثع (6).
__________
(1) ابن خلاوة (مختلف 12) وفى الأصل الخاء غير منقوطة.
(2) قال ابن الكلبى: وابنه جعفر المعروف بأنف الناقة، ومن ولده المخبل الشاعر، وهو ربيع بن ربيعة ابن عوف بن قتال بن أنف الناقة. ومنهم أوس بن مغراء الشاعر، من بنى حدان بن قريع (ابن ماكولا 2:
203 - ا).
(3) ابن نمير (مختلف 15وابن ماكولا 2: 203ا).
(4) فتيان (ابن ماكولا) وقينان (مختلف).
(5) اسمه ثعلبة بن معاوية بن ثعلبة بن خزيمة بن عوف بن بكر بن أنمار بن عمر بن وديعة بن لكيز (المختلف 15وابن ماكولا).
(6) روى عن سلمان الفارسى حديثا، وعن أبى موسى الأشعرى حديثا، وعن أبى أيوب الأنصارى حديثا، وعن غيرهم (ابن ماكولا 2: 203ب).(1/501)
ما يشكل من حشم، وحيشم
فى جذام حشم بن جذام، (حاء غير معجمة).
وفى كلب حيشم بن عبد مناة بن هبل، (بعد الحاء ياء) (1).
ما يشكل من عنس، وعبس
فى غطفان عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان.
وفى الأزد عبس أيضا (بالباء)، بن هوازن بن أسلم بن أفصى بن حارثة، أخوة خزاعة. هذا جميعا بالباء.
وفى عكّ أيضا عبس بن الشاهد بن عكّ.
وفى مذحج عنس (2) (بالنون)، ابن مالك بن أدد، منهم عمّار بن ياسر.
أنشدنى ابن دريد عن أبى حاتم عن أبى زيد:
لا مهل حتى تلحقى بعنس ... أهل الرّياط البيض والقلنس
وفى بلىّ عيش بن حرام بن جعل (3) (العين مكسورة، بعدها ياء تحتها نقطتان).
[67] ويقال: عبش (بالباء والشين).
وفى الأنصار بنو عنبس بن زيد بزيادة نون، منهم بشير بن عنبس (4)، شهد أحدا والخندق، وقتل يوم قسّ النّاطف. (5)
__________
(1) وكل شىء فى العرب جشم بالجيم (المختلف 19). وأما جشم (بضم الجيم وفتح الشين المعجمة) فهو كثير (ابن ماكولا 1: 136ا).
(2) اسمه زيد (ابن ماكولا 2: 118ب).
(3) ابن عمرو بن جشم بن ودم (مختلف 22وابن ماكولا 2: 118ب).
(4) بفتح العين وبكسرها أيضا، وبالشين المعجمة (المختلف 22) وفى ابن ماكولا بالكسر فقط.
(5) موضع قرب الكوفة: (قاموس). وفى الأصل: (الطائف). تحريف.(1/502)
والعنابس فى قريش، فى أمية.
وفى مزينة عيش أيضا (1)، ابن عبد ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان.
وفى أشجع عيش (2) أيضا، ابن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع.
ما يشكل من عنز، وغبر، وعنزة (بعين غير معجمة) وغيره (بغين معجمة)
فى ربيعة عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، (بعد العين نون).
وفى خزاعة عنزة بن أفصى بن حارثة (3).
وفى الأزد عنزة أيضا، وهو عوف بن منهب بن دوس (4).
وفى الأزد أيضا عبرة، (العين مضمومة غير معجمة، والباء ساكنة، تحتها نقطة، والراء غير معجمة).
وقال ابن دريد:
عبرة (مفتوح العين)، وقال: هو إمّا عبرة البكاء، وإما من قولهم كبش معبّر: كثير الصّوف، وناقة عبر أسفار وغبر أسفار. وهو عبرة (5) بن زهران بن كعب ابن الحارث بن كعب (6) بن مالك بن نصر بن الأزد.
__________
(1) بكسر العين فى ابن ماكولا، وبفتحها فى المختلف 22.
(2) ابن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر، قتل يوم جسر أبى عبيد. قاله الطبرى (ابن ماكولا 2: 117ا).
(3) رواية ابن حبيب وفى خزاعة عيرة (بفتح، العين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة: وراء مهملة) ويقال عنزة (بنون محركة وزاى) ابن عمرو بن أفصى بن حارثة (ص 22).
(4) رواية ابن حبيب فى المختلف هى: وفى الأزد عنزة بن عمر بن عون بن عدى بن عمرو بن مازن ابن الأزد، وفيها أيضا عبرة وهو عون بن منهب بن دوس (ص 22).
(5) غبرة بالضم (مختلف)
(6) ابن عبد الله 33.(1/503)
[68] وفيهم أيضا عبرة بن هداد بن زيد مناة بن الحجر (1) بن عمران ابن مزيقياء.
وأما غيرة، (العين معجمة، والياء مفتوحة، تحتها نقطتان) ففى ثقيف (2).
وفى بلىّ غيرة أيضا (3)، ابن سعد بن ليث بن بكر.
وأما عترة (4) (العين غير معجمة مكسورة) ففى هذيل.
وفى عجل بن لجيم عترة (مضموم العين، والتاء بعدها مضمومة) ابن عامر ابن كعب بن جعل.
وأما غبر (العين معجمة منقوطة، وتحت الباء نقطة).
ففى ربيعة غبر، (العين معجمة) ابن غنم بن حبيب بن بكر (5) بن يشكر ابن بكر بن وائل.
وفى كلب غبر أيضا، ابن بكر بن تيم اللات بن رفيدة (6).
وفى ربيعة عنز (العين مفتوحة غير معجمة، بعدها نون ساكنة، والزاى معجمة) ابن وائل بن قاسط.
وفى ربيعة عتر (العين مكسورة غير معجمة، وفوق التاء نقطتان، والراء غير
__________
(1) فى الأصل: الحجن. والتصويب عن (المختلف 230وابن ماكولا 2: 152).
(2) غيرة بن عوف بن ثقيف (المختلف 23وابن ماكولا).
(3) غيرة بن ذهل بن هنى بن بلى (مختلف 23وابن ماكولا 2: 153ب).
(4) عترة (بكسر العين، وتاء مثناة من فوق)، ابن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. وفيها أيضا غيرة بن غاربة بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل (ص 23).
(5) ابن كعب بن يشكر (المختلف وابن ماكولا).
(6) ابن كلب. ذكره ابن الحلبى فى نسب قضاعة (ابن ماكولا).(1/504)
معجمة، ابن عوف بن إياس بن ثعلبة (1)، من بنى أنمار بن مبشّر بن عميرة ابن أسد بن ربيعة.
وفى هوازن عتر أيضا ابن معاذ بن عمرو بن الحارث بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وفيهم عتر أيضا (مضموم) (2).
[69] أخبرنا نفطويه عن ابن المكارى، عن محمد بن حبيب، عن العباس ابن هشام عن أبيه، قال: ولده يقولون هو عتر، (مضموم العين، مفتوح التاء).
وفى عك عتر (مكسور العين) (3).
وفى بلىّ عتر أيضا (4).
وفى بنى عجل عترة بن عامر بن كعب بن كعب بن عجل بن لجيم
ما يشكل من سلمة، وسلمة، وسليم، وسليمة
فى عبد القيس سليمة (السين مضمومة)، ابن مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة (5).
وفى الأزد سليمة بن مالك بن فهم (6)، (السين مفتوحة، واللام مكسورة).
وفى الأنصار سلمة بن علىّ بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ابن الخزرج
__________
(1) ابن حارثة بن فهم بن بكر بن عبلة بن أنمار (المختلف 23وابن ماكولا 2: 151ب).
(2) ابن حبيب بن وائلة بن دهمان بن نصر بن معاوية ص 4.
(3) ابن السمناة بن صحار بن عك (المختلف 23وابن ماكولا 2: 151ب).
(4) ابن جشم بن ودم بن ذبيان بن هميم بن ذهل بن هنى بن بلى (المختلف وابن ماكولا)
(5) قال وفيهم عقر جمل عائشة (ابن ماكولا 2: 33ا).
(6) ابن فهم بن غانم بن دوس بن عدثان من الأزد (المختلف. وابن ماكولا).(1/505)
وفى جعفىّ سلمة بن عمرو بن ذهل بن مرّان بن جعفىّ (1).
وفى الأنصار وجعفىّ وجهينة، كلّها مكسورات اللام.
وأبو عبيدة يقول فى سلمة بن الحارث الكندىّ صاحب الكلاب: سلمة بالكسر.
وفى التابعين عبد الله بن سلمة، روى عن علىّ بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود.
ما يشكل من جشيش بالجيم، وحشيش بالحاء
[70] فى تميم جشيش بن مالك بن حنظلة (بالجيم).
وفى تميم أيضا حشيش (بالحاء غير المعجمة). ابن هزان (2) بن سيف ابن حميرىّ بن رياح بن يربوع.
وفى بجيلة حشيش بن هلال بن الحارث بن رزاح.
وفى مذحج حشيش (3) بن مرّ بن صداء.
وفى كنانة بن خزيمة حشيش بن عدىّ بن جندع بن ليث بن بكر.
وفيها أيضا حشيش (4) بن عدس (بحاء غير معجمة). وليس فى العرب خشيش، ولا يسمى به.
وفى شعراء همدان جشيش بن عبيد الله بن مرّ (بالجيم) ولقبه: شرقىّ.
__________
(1) وفى جهينة سلمة بن نصر بن غطفان بن قيس بن جهينة (المختلف 13وابن ماكولا 322) وبهذا النص يتسق الكلام مع ما بعده.
(2) ابن نمران (مختلف 29).
(3) جشيش بالجيم (ص 29).
(4) حشيش، بالحاء المهملة، ابن عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة (ص 29).(1/506)
ما يشكل من أمية وأمة، والاموى والاموى (بضم الهمزة وفتحها)
ففى قريش أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف (1)، وأمية الأصغر بن عبد شمس أخوان.
وفى الأنصار بنو أميّة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس بن حارثة.
وفى طيىء بنو أمية بن عدىّ بن كنانة (2).
وفى قضاعة أميّة بن عصية (3) فى بلقين بن جسر.
وفى قيس بنو أمة بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وإياها عنى الشماخ فى قوله:
ألا تلك ابنة الأموىّ قالت ... أراك اليوم جسمك كالرّجيع
[71] فإذا نسبت إلى أميّة قلت: أموىّ، وإذا نسبت إلى أمة قلت: أموىّ * * * وفى بنى عامر بن صعصعة الضّباب (بالكسر)، وهو معاوية بن كلاب ابن ربيعة بن عامر، سمّى بولده، وهم ضبّ ومضبّ (4) وحسل وحسيل.
وفى قريش الضّباب (مفتوح)، ابن حجير (5) بن عبد بن معيص (6) بن لؤىّ ابن غالب، والضّباب بن الحارث بن فهر (7).
__________
(1) الأكبر ص 32.
(2) ابن مالك ص 32.
(3) عصبة بن هصيص بن حيى بن وائل بن جشم بن مالك بن كعب بن القين بن جسر (ص 33).
(4) فى الأصل المخطوط: صب ومصب بالصاد، والتصويب عن المختلف وابن ماكولا.
(5) حجين فى المختلف، وحجير فى ابن ماكولا.
(6) ابن عامر (مختلف وابن ماكولا).
(7) فى الأصل بن غالب بن الضباب، والتصويب عن ابن ماكولا. وقد جاء فى المختلف بعد ابن غالب:
وفيها أيضا الضباب بالفتح بن حارث بن فهر (ص 34).(1/507)
فى كنانة بنو بوىّ بن ملكان (بباء مضمومة).
وفى الأزد بنو نوى بن مالك، (النون والواو مفتوحتان، والياء ساكنة)، من قولهم: نوى ينوى نيّة، والنّوى: البين. والنّوى: الدار بعينها، قال:
«شطّت نواهم»: أى دارهم.
ما يشكل من جمرة (بالجيم) وحمرة (الحاء غير معجمة)، وحمرة (مفتوح الحاء) والراء فيها كلها غير معجمة
أما جمرة (الجيم مفتوحة) ففى بنى تميم جمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة.
وفى تميم أيضا حمرة (الحاء غير معجمة، مضمومة، والميم ساكنة)، ابن جعفر ابن ثعلبة بن يربوع.
وفى الأزد حمرة (1) (الحاء مفتوحة غير معجمة) ابن عبيد [ص 72] بن عبرة ابن زهران.
وفى همدان حمرة بن مالك بن منبّه بن سلمة.
وفى رواة الحديث الضّحاك بن حمرة. وما بعدها فهو حمزة (بالزاى المعجمة) (2).
* * * كل شىء فى العرب شيبان، (بشين معجمة)، إلا فى حمير سيبان (بسين غير معجمة)، ابن الغوث بن سعد بن عوف (3) بن حمير، أنشدنى أبو بكر المبرمان:
لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا ... شعيث ابن سهم أم شعيب ابن منقر
__________
(1) جمرة بالجيم (ابن ماكولا 1: 216).
(2) وغير ذلك حمزة بالزاى المعجمة (ص 35).
(3) ابن عدى بن مالك بن زيد بن سهل ابن حمير (مختلف وابن ماكولا 2: 45ب).(1/508)
شعيث فيهما جميعا بثاء منقوطة. وقال: أنشد سيبويه البيت على أن أم تدلّ على الاستفهام.
* * * كل شىء فى العرب «علىّ» إلا بطنا فى النخع، ثم فى جنب (الغلىّ (1)). وسنحان وشمران وهفّان، ويقال لهم جنب، لأنهم جانبوا قومهم، وليس بأب.
* * * كل شىء فى العرب معاوية، إلا معوية مفعله، (العين غير معجمة) ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن القين بن جسر (2) فى قضاعة.
وفى خثعم مغوية (العين معجمة، والميم مفتوحة) وهو أجرم بن ناهس ابن عفرس (3) ابن أقتل بن أنمار.
وأما بئر معونة [73] (بالميم مفتوحة، والعين مضمومة غير معجمة، وبعد الواو نون) فموضع قتل فيه جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، منهم حبيب بن عدىّ وغيره.
* * * وفى الأنصار بنو زريق (الزاى قبل الراء) ابن عبد بن حارثة بن مالك بن غصب (4)
ابن جشم بن الخزرج (4).
وفى طيىء زريق أيضا ابن عبد بن جذيمة (5) بن زهير بن ثعلبة بن سلامان.
__________
(1) بغين معجمة مكسورة، فقال ابن الحلبى وابن الحباب إنما سمى منبه والحارث وغلى وسنحان وشمران وهفان بنو يزيد بن حرب بن علة بن أدد جنبا، لأنهم جانبوا أخاهم صداء وحالفوا سعد العشيرة.
(ابن ماكولا 2: 145ب).
(2) جشر (مختلف 37وابن ماكولا 2: 264ب).
(3) ابن حلف ابن أفتل (مختلف وابن ماكولا 2: 5264).
(4) ابن غصب بن جشم بن الخزرح (وكل شىء فى الأنصار فهو زريق. بالزاى مقدمة على الراء ص 41).
وكانت غصب فى الأصل عصب. والتصويب عن (المختلف 41وابن ماكولا 1: 302ا).
(5) فى الأصل خزيمة. والتصويب عن (المختلف وابن ماكولا).(1/509)
كل غنم من قبائل العرب فهو غنم، (بالغين والنون) (1) إلا عثم بن الرّبعة ابن رشدان بن قيس بن جهينة (2)، فإنه بالعين، والثاء فوقها ثلاث.
ما يشكل من حربش وأشباهه
فى بنى أسد بن خزيمة حربش (الحاء مكسورة غير معجمة، والراء ساكنة، وتحت الباء نقطة) ابن نمير بن والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد (3).
وفى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم رجل يقال له الحربش من بنى تميم، ثم بنى العنبر.
وفى قيس الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أخو عقيل ابن كعب.
وفى الأزد الحريش بن جذيمة (4) [74] ابن زهران بن الحجر بن عمران.
وفى الأنصار الحريس (بسين غير معجمة).
وفيهم أيضا فى بنى جشم بن الحارث بن الخزرج حريش (الشين من حريش منقوطة).
وفيهم أيضا حريش بن عبد الأشهل منقوطة الشّين.
والحريش بن جحجبى مثله (5).
__________
(1) منهم: فى الأزد غنم بن دوس، وفى طيئ غنم بن ثوب بن معن بن ثعل وغنم بن ملكان ابن كنانة. بن مضر، وغنم بن دودان بطن من بنى أسد بن خزيمه وأخرون (ابن حبيب وابن ماكولا 2: 176ا).
(2) من قضاعة، وعثم بن معاوية من كلاب (ابن ماكولا).
(3) ابن خزيمه (ابن حبيب).
(4) فى الأصل خذيمة والحجن والتصويب عن (المختلف وابن ماكولا).
(5) ليس فى نسب الأنصار حريش غير الحريش بن جحجبى. وما سوى ذلك فهو الحريس بالسين (ابن ماكولا 1: 197ا).(1/510)
ما يشكل من حسين، وخشين (بالخاء والشين المعجمة)
سألت أبا الحسين النسّابة عن حسن وحسين اللّذين يذكران فى أنساب اليمن فقال:
حدثنا ابن البرقىّ، حدثنى محمد بن خالد البرقى، عن ابن الأعرابىّ، عن المفضّل، قال:
إن الله جلّ وعزّ حجب اسم الحسن والحسين عليهما السلام، حتى سمّى النبى صلى الله عليه وسلم بهما ابنيه الحسن والحسين.
فقلت: فالذين هم من بنى حسن من هم؟ قال: ذاك حسن وحسين أخوا ثعل ونبهان وجرم وبولان، وهم بنو عمرو بن الغوث بن طيّىء. حسن (ساكنة) وحسين (مكسورة السين).
وقال محمد بن حبيب: فى طيئ حسين (1) بن عمرو بن الغوث بن طيّىء.
وقال لى أبو بكر بن دريد.
[ص 75] لا نعرف فى الجاهلية أحد يسّمى حسنا وحسينا، إلا أن ابن الكلبىّ زعم أن فى طيّئ بطنين، يقال لهما الحسن والحسين.
قال الشيخ:
الذى يعرف فى الجاهلية بالحسن: رملة فى بلاد بنى ضبّة، قال ابن عنمة الضّبّىّ:
لأمّ الأرض ويل ما أجنّت ... غداة أضرّ بالحسن السبيل
وفى أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم من الأنصار رجل يكنى أبا حسن، واسمه تميم بن عدىّ، وهو من بنى هوازن بن النّجار، فلست أدرى كنى به فى الجاهلية أو الإسلام؟ من ولده يحيى بن عمارة بن أبى حسن، يروى عنه الحديث.
__________
(1) بفتح الحاء المهملة، وكسر السين المهمله (43).(1/511)
وأما خشين، (الخاء معجمة مضمومة، والشين منقوطة).
وفى فزارة خشين بن عصيم بن لأى بن شمخ بن فزارة.
وفى قضاعة خشين أيضا ابن النمر بن وبرة (1).
وفى بعض أمثالهم: العصا من العصيّة. وخشين من أخشن.
* * * كل شىء فى العرب كنانة بالنون، إلا فى امرئ القيس بن زيد مناة ابن تميم بن كثابة (تحت الباء نقطة، والثاء منقوطة بثلاث) وفى عايذ الله بن سعد العشيرة ايضا [76] كثابة (2).
* * * كلّ شىء فى العرب حرب فالراء ساكنة والحاء مفتوحة، إلا اسمين، أحدهما:
فى مذحج: حرب بن مظّة بن سلهم (3) بن الحكم بن سعد العشيرة (الحاء مضمومة، والراء مفتوحة).
وفى قضاعة حرب، أيضا، ابن قاسط بن بهراء.
* * * كل ما فى العرب صخر، إلا فى الأنصار ضجر (بالجيم) ابن الخزرج. وفى العرب ضجير، إلا أبا بكر بن صحير بن الجهم (بحاء غير معجمة).
قال محمد بن حبيب:
كل شىء فى العرب حارثة إلا جارية (بالجيم) ابن سليط بن يربوع.
وفى بنى سليم جارية (بالجيم) بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث ابن بهثة بن سليم.
__________
(1) ابن تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة. وإليه ينسب أبو ثعلبة الخشنى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (ابن ماكولا 1: 208ب).
(2) كثابة بفتح الكاف فى ابن ماكولا، وبالكسر فى المختلف.
(3) فى الأصل سليم والتصويب (عن المختلف 48وابن ماكولا 1: 200ب).(1/512)
وفى الأنصار جارية بن عامر بن مجمّع بن العطاف من بنى عوف بن مالك ابن الأوس بن حارثة.
قال الشيخ:
وممن تسمّى بجارية، أبو حنبل، جارية بن مرّ، الذى يقول فيه امرؤ القيس:
فوجدت خير الناس كلّهم ... نفسا وأوفاهم أبا حنبل
أبو دواد الإيادىّ الشاعر اسمه جارية بن الحجّاج بن حمران [77] جميعا بالجيم، وجارية بن قدامة السّعدىّ: من سادات بنى تميم، ويقال له محرّق.
ولم يذكر ابن حبيب فى هذا الباب جازية (بعد الألف زاى منقوطة).
ما يشكل من منية، ومنبّه
فى قريش منبّه ونبيه ابنا الحجاج السّهمى، وكان من المطعمين يوم بدر.
فأما منبّه فقتله أبو اليسر البدرىّ، وقتل نبيه أيضا يوم بدر.
وفى باهلة منبّه بن أعصر.
وفى النّخع منبّه بن حرب بن يزيد، يقال لهم جنب. وثقيف بن منبّه ابن بكر بن هوازن.
وفى عبد القيس منبّه بن نكرة بن لكيز، منهم المثقب العبدىّ، وآل وهب بن منبّه علماء مذكورون.
وقال ابن الكلبىّ ذو يزن الحميرىّ، اسمه منبه. كل هذا بباء تحتها نقطة، والباء مشدّدة.
وأما منية (الميم مضمومة، والنون ساكنة، وتحت الياء نقطتان)، فيعلى بن منية،
يكنى أبا خالد، تميمىّ حنظلى، فإذا قيل له يعلى بن أميّة، فليس بخطأ، لأن أمّه منية بنت غزوان، أخت عتبة بن غزوان، الذى مصّر البصرة، وأبوه أمية ابن عبيد، من بنى تميم، من بنى حنظلة.(1/513)
وأما منية (الميم مضمومة، والنون ساكنة، وتحت الياء نقطتان)، فيعلى بن منية،
يكنى أبا خالد، تميمىّ حنظلى، فإذا قيل له يعلى بن أميّة، فليس بخطأ، لأن أمّه منية بنت غزوان، أخت عتبة بن غزوان، الذى مصّر البصرة، وأبوه أمية ابن عبيد، من بنى تميم، من بنى حنظلة.
وقد لحق يعلى بن منية النّبىّ صلى الله عليه وسلم [78]، وروى عنه، وكان مع عائشة يوم الجمل، وهو الذى قال فيه علىّ رضى الله عنه: منيت بأنضّ الناس (1): يعلى بن منية. وقال فيه شاعر علىّ رضى الله عنه:
ويعلى بن منية عند اللّقاء ... كثير التثاؤب والنّحنحه
__________
(1) أنص الناس: أكثرهم مالا. عن المعارف لابن قتيبة فى ترجمة يعلى بن منية.(1/514)
باب من الأسماء المستشنعة، التى يسبق إلى السّمع إنكارها، فيعدل بها إلى التصحيف،
مثل ابن فسوة، وابن مرخية، وبنى الكلبة، وبنى خنزير، وبنى قرد، ودبّ، وحمار، وأشباهها
منهم ابن فسوة الشاعر، (الفاء مفتوحة، والسين ساكنة، غير معجمة) سمعت غير واحد يعدلون به عن فسوة، فيقولون ابن قسوة. وإنما الصحيح بالفاء، لقب له، وبهذا كان يعرف واسمه عتيبة بن مرداس، من بنى تميم. وإنما كان ابن فسوة رجلا آخر من قومه، فأتاه عتيبة، فاشتراه منه، فقال يعنى نفسه:
حوّل مولانا علينا غرامة ... ألا ربّ مولى ناقص غير زائد
ولابن فسوة عقب بالبادية.
وهذا مثل خبر بيذرة [79] الذى فى عبد القيس، فى شرائه الفسوة من إياد، فقال فيه شاعرهم:
يا بيذره يا بيذره يا بيذره ... يا مشترى الفسو ببرّدى حبره
ضلّ به ضلاله ما أخسره
وأما ابن مرخية فهو جامع بن مرخية.
وبنو الكلبة بطن من تميم، قال فيهم شاعر:
بنو الكلبة الشّمّ الطّوال الأشاجع
وفى العنبر بنو الكلبة، قال نهشل بن عروة يهجوهم:(1/515)
بنو كلبة هرّارة وأبوهم ... حزيمة عبد خامل الأصل أولس
وفى الشعراء أبو كلبة الشاعر الذّهلى، كانت ابنته كلبة تهاجى الأغلب العجلىّ.
وأما بنو خنزير ففى الأزد.
بنو خنزير بن أسلم بن هنأة، من ولده عقبة بن سلم الهنئى، ولىّ إمارة.
وبقيلة وبنو بقيلة، الباء مضمومة على وزن فعيلة.
ومنهم بقيلة صاحب القصر بالحيرة، الذى يقال له قصر بقيلة، منهم عبد المسيح (1) بن حيّان بن بقيلة صاحب خالد بن الوليد، صالحه خالد عن الحيرة، وهو الذى بعثه كسرى إلى سطيح، بسبب رؤيا الموبذان. [80].
وفى الشّعراء بقيلة الأشجعىّ، وليس من هؤلاء فى شىء.
وأما بنو قرد بن سعد بن هذيل، قال أبو ذؤيب:
وقائلة ما كان حذوة نعلها ... غداتئذ من شاء قرد وكاهل (2)
وفى طيّىء بنو قرد بن فرير بن عنين بن سلامان.
وقيل: أزنى من قرد، وهو رجل من هذيل.
وأما حمار فكثير فى أسمائهم وكناهم، منهم عياض بن حمار بن أبى حمار ابن ناجية المجاشعىّ، وفد على النبى صلى الله عليه وسلم، وهو من سادات بنى تميم.
__________
(1) ابن عمرو.
(2) هذا البيت مطلع قصيدة للشاعر يقول: رب امرأة تسأل عن نصيب زوجها من الشاء التى غنمها هذا الجيش المغير على هاتين القبيلتين من هذيل، ولم تعلم أن الجيش قد هزم، وأن زوجها قتل. يريد الشاعر بهذا الهزء لهؤلاء المغيرين، والإشارة إلى هزيمتهم، والافتخار بشجاعه قومه (الديوان).(1/516)
وممن هو أقدم منه حمار بن مالك بن نصر بن الأزد، وكان جبّارا.
وهو الذى قيل فيه: أخرب من جوف حمار قد حماه، فبعث الله عليه نارا، فأحرقت الوادى بما فيه، فصار مثلا (1).
ومنهم مالك بن حمار الشّمخىّ من بنى فزارة، كان شريفا، قتله خفاف ابن ندبة، وقال فيه:
أقول له والرّمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا إننى أنا ذالكا
وفيه يقول النابغة:
زيد بن عمرو واقفا بعراعر ... وعلى كتيب مالك بن حمار (2)
[81] وأبو حمار الحوفزان بن شريك الشّيبانىّ (3).
وأخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم، قال:
قيل للعتبىّ: ما بال العرب سمّت أبناءها بالأسماء المستشنعة، وسمّت عبيدها بالأسماء المستحسنة؟ فقال: إنّها سمّت أبناءها لأعدائها، وسمّت عبيدها لأنفسها.
قال أبو بكر:
هذا قول مجمل، ويحتاج إلى شرح، ولهم فيه مذاهب، فمنها ما كانوا يسمّون أبناءهم به تفاؤلا على أعدائهم، مثل غالب وغلاب، وظالم ومنازل ومقاتل ومعارك ونحوه، ومنها ما تفاءلوا به للأبناء، نحو نابل ووائل وناج ومدرك وسالم وسليم وسعد وما أشبهه.
__________
(1) لهذا المثل قصة، فارجع إليها فى مجمع الأمثال، وهى منسوبة إلى هشام بن الكلبى. وقال غيره: ليس حمار هنا اسم رجل، بل هو الحمار بعينه قال: ومعناه أن الحمار إذا صيد لم ينتفع بشى مما فى جوفه، بل يرمى ولا يؤكل (ص 226).
(2) فى الأصل كثيب. والتصويب عن الديوان وفيه (زيد بن زيد). والبيت من قصيدة مطلعها:
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدى إلى غرائب الأشعار
(3) الحوفزان لقب الحارث بن شريك (قاموس: حفز).(1/517)
ومنها ما سمّى بالسباع ترهيبا لأعدائهم، نحو أسد وليث وذئب وسيد وعملّس وضرغام.
ومنها ما سمّى بما خشن من الأرض، وما غلظ موضعه، مثل: حجر وصخر وفهر (1) وجندل وحزن وحزم.
ومنها أن الرجل كان يخرج من بيته وامرأته تمخض، فيسمى ابنه بأوّل ما يلقاه، نحو ضبّة وخزز وضبيعة وكلب وكليب وحمار وقرد وخنزير وجحش، وكذلك بأوّل ما يسنح من الطّير مثل: غراب وصرد.
__________
(1) الفهر: حجر يملأ الكف، وهو مؤنث (اشتقاق: 330).(1/518)
[82]
باب ألفاظ وأسماء شتّى قصرت عن التّبويب،
فجعلتها بابا واحدا.
سمعت أبا الحسين النسّابة التميمى يقول:
بعث إلىّ أبو الحسن، علىّ بن عيسى بن الجرّاح، فى وزارته الأولى، وأنا مقيم بمدينة السّلام، يسألنى عن «بنى إنسان»، فقلت للرسول إن كانت المسألة معاياة فأنا أجيب عنها وأسأل، فمن «بنو فلان»؟ وفلان هذا اسم رجل، ومن القبائليون؟
ثم شرحت ذلك فى رقعة، وأنفذتها إليه.
قال أبو الحسين:
الذين النّسب إليهم قبائلىّ بطن من بنى سدوس، وفيهم العلّات، والسّبطون والعكارش. وفى العلّات يقول الأخطل:
تواكلنى بنو العلّات منهم ... وغالت مالكا ويزيد غول
وبنو فلان: بطن من الأسد (1).
وبنو إنسان: من قيس عيلان، وهو إنسان بن عتوارة بن عريّة بن جشم الأعجاز.
إلى هاهنا عن أبى الحسين النسابة.
قال الشيخ: وأنشدنى غيره، والبيت مشهور:
وكان «بنو إنسان» قومى وناصرى ... فأضحى «بنو إنسان» قوما أعاديا
[ص 83] وبنو إنسان هؤلاء فى بنى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، رهط مالك بن عوف النّصرى بن معاوية، وهم حلفاء ثقيف.
__________
(1) الأسد: الأزد (قاموس).(1/519)
وبنو الإخوة، وهو اسم رجل فى حزيمة بن نهد.
بنو الإخوة منهم عبد الله بن كيسبة بن عمرو بن الإخوة، صاحب عمر ابن الخطاب رضى الله عنه. وهو الذى يقول:
أفى بطّيخة ركبوا إلينا ... فظلّ لجمعهم يوم عصيب
وبنو الواحد: بطن فى مهرة، وهو الواحد بن الدّثن بن مهرة.
وبنو سبعة، وهو سبعة بن عوف بن ثعلبة بن سلامان بن طيّئ، قال شرقىّ بن قطامىّ.
قول النّاس: لأعملنّ بك عمل سبعة، يعنى سبعة بن عوف، هذا رجل بعينه، وليس من سبعة العدد.
فقال لى أبو بكر بن دريد.
كان سبعة هذا ما ردا، فأخذه بعض ملوكهم، فنكّل به، فصار مثلا، فقيل: عمل به عمل سبعة.
وبنو فتيان، وفتيان اسم رجل، وهم بطن من بجيلة، ينسب إليهم رفاعة ابن سدّاد الفتيانى، وما أكثر ما يصحفه الرّواة بالقتبانى (بالقاف وتحت الباء نقطة).
[84] ومن مذكوريهم رفاعة بن شداد بن عبد الله بن قيس ابن جعال بن بدر بن فتيان، كان أحد الرّؤساء يوم عين وردة. وقد روى الحديث عن عمرو بن الحمق الخزاعىّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا يعلم يصحفه بالقتبانى (بالقاف والباء التى تحتها نقطة).
وسمعت أبا الحسين النسابة يقول:
سألنى أبو عبد الله النّاقطاى بمدينة السلام. وهو يتولى ديوان المغرب، بمحضر
من الزّجّاج ونفطويه عن قبيلة ليس فيها من اسمه الحارث إلّا ملقّب، فقلت:(1/520)
سألنى أبو عبد الله النّاقطاى بمدينة السلام. وهو يتولى ديوان المغرب، بمحضر
من الزّجّاج ونفطويه عن قبيلة ليس فيها من اسمه الحارث إلّا ملقّب، فقلت:
هذه تميم، منها الحارث بن تميم، وهم الشقرات. ومنهم الحارث بن عمرو بن تميم، وهم الحبطات. ومنهم الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهم بنو الأعرج. ومنهم الحارث بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهم عوافة. ومنهم الحارث ابن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهو سليط.
مما يشكل خماعة (بالخاء)، وجماعة (بالجيم)
ففى حلىّ بن أحمس (1) بنو جماعة (بالجيم) وجماعة: فعالة من الشىء تجمعه.
[85] وخماعة بنت عوف بن محلّم الشّيبانى (الخاء معجمة) هى التى أجارت مروان، وبها ضرب المثل، قال الكميت:
فلو كان فيكم مثل عوف وبنته ... خماعة لم أوقف بوعث ولا هزل
وبنو خناعة، أنشد أبو ذكوان:
لو أن إخوانى بنو خناعه ... أهل النّدى والمجد والبراعه
لنهنهوا من هذه اليراعه
عمرو بن ودّ وودّ (بفتح الواو وكسرها) واسم الصّنم الذى نسبوا إليه، وهو قوله تعالى: {«وَلََا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلََا سُوََاعاً»}.
عبد الله بن سلام صاحب النبىّ: مخفّف، وسلام بن أبى الحقيق وسلام (2).
__________
(1) ابن ضبيعة بن ربيعة بن نزار، منهم المسيب بن علس الشاعر (ابن ماكولا 1: 259ب).
(2) كذا. وفى القاموس: وكسحاب عبد الله بن سلام الحبر، وأخوه سلمة ابن سلام، وابن أخيه سلام، وسلام بن عمرو صحابيون واختلف فى سلام (بتشديد اللام) ابن أبى الحقيق (مادة سلم).(1/521)
كان التنازع فى المثل المضروب: «وعند حفينة الخبر اليقين» فأبو عبيدة يقول: حفينة (بالحاء غير المعجمة)، والأصمعى يقول: جفينة.
وقرأت على ابن دريد، قال:
هو حفينة (بالفاء) ويخطئ العامّة فتقول: جهينة، وابن الأعرابىّ يقول.
جفينة (بالجيم)، وغيره يقول: حفينة.
أخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم، قال:
[86] العرب تقول: وعند جفينة اليقين. وهو اسم رجل، ولا يقال جهينة، ولا حفينة (1).
وتكلموا فى السّرب والسّرب.
وأخبرنا ابن دريد، أخبرنا أبو حاتم، قال:
قال الأصمعىّ: يقال هو آمن فى سربه، (بالكسر) أى فى الجماعة التى هو فيها.
وأما حلّ سربه، فمفتوح السّين، أى طريقه ومذهبه، وهو واسع السّرب، أى رخىّ البال، والسّرب، أيضا، الإبل.
وقال أبو عمرو: هو آمن فى سربه، وحلّ سربه.
قرأت على ابن الأنبارىّ، قال أبو العبّاس أحمد بن يحيى:
يقال: هو آمن فى سربه: أى فى أهله وماله. وحلّ سربه: أى طريقه.
ويقال: سرب قطا وظباء ونساء، وجاء سرب بنى فلان: أى جاءت إبلهم.
وطلاق «اذهبى فلا أنده سربك»: أى لا أردّ إبلك، قال الشاعر:
__________
(1) حول مضرب المثل وصحة الاسم كلام كثير، فارجع إلى جمهرة الأمثال لأبى هلال العسكرى، ومجمع الأمثال للميدانى.(1/522)
يا ثكلها قد ثكلته أروعا ... أبيض يحمى السّرب أن يفزّعا
بنو حجوان (الحاء قبل الجيم) وهو مشتق من قولهم: حجا بالمكان يحجو إذا أقام به، والنون زائدة قال الراجز:
[87] * فهنّ يعكفن به إذا حجا *
وفيهم أيضا بنو جحوان، (الجيم قبل الحاء)، وهو مشتق من الجحو، كما أن غزوان من الغزو. ويجوز أن يكون من جحّ الشىء يجحّه جحا: إذا سحبه.
والجحّ: البطيخ الذى يسترخى ويصفرّ. وفى بنى جحوان قال الشاعر:
وقبلى مات الخالدان كلاهما ... عميد بنى جحوان وابن المضلّل
كذا رواه:
وقيس بن مسعود وقيس بن خالد ... وفارس يوم الرّوع سلمى بن جندل
كعب بن سور (السين مضمومة، غير معجمة، والواو ساكنة) من أشراف الأزد، ولى قضاء البصرة لعمر بن الخطّاب، ولعثمان رضى الله عنه.
وقتل يوم الجمل، خرج والمصحف فى عنقه ليصلح بين النّاس، فجاءه سهم غرب (1) فقتله.
والقعقاع بن شور. (الشين معجمة مفتوحة)، من سادات ربيعة، وفيه يقول الشاعر، وضرب به المثل.
وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس (2)
وأما وكيع بن أبى سود فمن سادات بنى تميم، وهو فيمن قتل قتيبة بن مسلم الباهلىّ، (السين مضمومة، غير معجمة، وبعد الواو دال).
__________
(1) فى (اللسان: غرب): أصابه سهم غرب وغرب: إذا كان لا يدرى من رماه. وقيل: إذا أتاه من حيث لا يدرى. وهو بسكون الراء وفتحها.
(2) بعد هذا البيت:
ضحوك السن إن أمروا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
(تاج: قعع.)(1/523)
[88] وفى الأزد بنو شريك بن مالك، (الشين مضمومة، والراء مفتوحة) والنّسب إليهم: شريكىّ.
منهم مسدّد المحدّث بالبصرة بن مسرهد بن مسربل بن مأسل بن جرو ابن يزيد بن شبيب بن الصّلت بن أسد بن شريك بن مالك بن عمرو بن فهم.
يقال لبطن فى قريش العبلات.
ويقال: هم الحبطات، (الباء مكسورة، لأنهم ولد الحارث الحبط). فإذا نسبت إلى الحبط، فتحت الباء فقلت حبطىّ، كما قالوا فى النسب إلى النمر نمرىّ، وسلمة سلمىّ.
قال: بخاتى وبخاتى، وذفارى وذفارى، وعذارى وعذارى، وصحارى وصحارى، أربعة أحرف تفخّم وتمال.
وأنشدنا نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابى، للعجّاج:
يرمون حدّ اليوم ذا التّأجّم ... ولجّة الظلماء بالتّحسّم
التّحسّم (بالسين غير المعجمة)، وهو ركوبك الشىء على غير معرفة. وهذا حجّة على ما أخبرنا به ابن دريد، فى خبر أكثم بن صيفىّ وكلامه: إنّ الله لا يحسب ليتوهّم، ولا ينظر فيتحسّم. [89] أى أنه يعرف ذلك، ولا يأتيه على ظنّ كفعل الآدميين.
تنازعوا فى العدل والعدل، فقال بعضهم:
عدل الشّىء (بالكسر) مثله من جنسه، وعدله بفتح العين: مثله من غير جنسه. قال: إلا أنّ بعض العرب يغلط، فيجعل العدل والعدل فى معنى المثل، وإن كان من غير جنس الأوّل.(1/524)
وقال البصريون (1):
العدل والعدل فى معنى المثل، والمعنى واحد، كان المثل من الجنس، أو من غير الجنس. كما أن المثل لما كان من جنس الشىء ومن غير جنسه مئل، ولم يقولوا إن العرب غلطت، وقالوا: ليس إذا أخطأ مخطىء وجب أن يقال إنّ بعض العرب غلطت.
العوّا من النّجم: مقصور، وإنّما الممدود الكلب الكثير العواء، قال عدىّ بن زيد.
هنأناهم حتى أعان عليهم ... نجوم من العوّا يئوب غيومها
وقال الحطيئة:
ولو بلغت عوّا السّماك قبيلة ... لزادت عليها نهشل وتعلّت (2)
ويقال للملكة الرّوميّة صاحبة قيصر زبّا مقصور. قال عدى:
فأضحت من مدائنها كأن لم ... نكن زبّا لحاملة جنينا
[60] ويقال لبلدة من بلاد فارس: فسا، مقصور، قال: وأنشدنى الأصمعى:
* من أهل فسا (3) ودرا بجرد *
والنسب إليها: فسوىّ.
وقد أولعت العامّة بأن يقولوا فى ذفافة (بالذال) دفافة (بالدّال غير المعجمة).
وفى ذوّاد (دوّاد) بدال غير معجمة: وفى داعر ذاعر (بذال معجمة). وفى زمرذ: زمرد (بدال غير معجمة).
__________
(1) النص التالى رواه صاحب اللسان عن الزجاج وهناك كلام غير هذا فى معنى العدل (بالفتح والكسر) فارجع إليه (مادة: عدل).
(2) نسبة البيت للحطيئة عن ابن برى. وقد نسبه اللسان للفرزدق أيضا، وهو فى ديوانة بيت مفرد.
(3) فسا: كلمة أعجميه، وعندهم بسا (بالباء) كذا يتلفظون بها وبينها وبين شيراز أربع مراحل.
وهى أكبر مدن كورة درا بجرد (ياقوت). وهى مضبوطة فى الأصل فسا، بتشديد السين.(1/525)
ما يشكل من عقب، وعقب، وعقب
أخبرنى الهزّانىّ أخبرنى الرّياشى، قال أبو زيد * عقب رمضان عشر بقين منه.
وعقب رمضان (بالضم وتسكين القاف) شوّال، وعقبة رمضان، بالهاء: أول ليلة من شوال، وهى ليلة الفطر.
ويقال:
جئت فى عقب رمضان: إذا جئت فى آخره، وجئت فى عقبته: إذا جئت بعده، ويقال: صلّينا فى أعقاب الفريضة: إذا صلّيت بعدها (1).
آخر الكتاب لحمد لله على جميع نعمه، حمدا كثيرا دائما، وصلواته على النبى وآله الطاهرين سرمدا دائبا.
__________
(1) جئتك فى عقب الشهر (بكسر القاف) وعقبه (بالسكون) وعلى عقبه (بالكسر): أى لأيام بقيت منه: عشرة أو أقل. وجئت فى عقب (بضم فسكون) الشهر، وعلى عقبه، وعقبه (بضم العين والقاف) وعقبانه: أى بعد مضيه كله. وروى غير هذا، فارجع إليه فى (اللسان: عقب).(1/526)
1 - فهرس الموضوعات
الجزء الأول صحيفة
1 - مقدمة المؤلف
10 - باب ما جاء فى قبح التصحيف وبشاعته وذم المصحفين، والنهى عن الحمل عنهم وذكر من هجى بالتصحيف.
17 - رجع الكلام إلى ذم المصحفين
48 - باب فى نوادر من التصحيف أضحكت من قائلها:
57 - باب ما روى من أوهام علماء البصريين ما وهم فيه الخليل بن أحمد فى كتاب العين
73 - ما روى مما وهم فيه أبو عمرو بن العلاء
79 - ما وهم فيه عيسى بن عمر الثقفى
88 - ما وهم فيه أبو الحسن الأخفش
90 - ما وهم فيه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
93 - ما وهم فيه الأصمعى عبد الملك بن قريب
108 - ما وهم فيه أبو زيد الأنصارى
111 - ما وهم فيه أبو عمر الجرمى
114 - ما وهم فيه أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى
116 - ما وهم فيه الرياشى
118 - ما وهم فيه أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد
120 - باب ما وهم فيه علماء الكوفيين وروى من تصحيفاتهم وتغييراتهم ما وهم فيه علىّ بن حمزة الكسائى
128 - ما وهم فيه يحيى بن زياد الفرّاء(1/527)
صحيفة
134 - ما وهم فيه المفضل بن محمد الضبى
141 - ما وهم فيه حماد الراوية
145 - ما وهم فيه أبو عبد الله بن الأعرابى
166 - ما وهم فيه أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيبانى
173 - ما وهم فيه علىّ الأحمر
178 - ما وهم فيه أبو جعفر محمد بن حبيب
180 - ما وهم فيه يعقوب بن السكيت
183 - ما وهم فيه أبو عبيد القاسم بن سلام
185 - ما وهم فيه علىّ اللحيانى
187 - ما وهم فيه أبو سعيد الطوال
188 - ما وهم فيه أبو الحسن الطوسى
189 - ما وهم فيه ابن قادم
191 - ما وهم فيه أبو العباس ثعلب
193 - باب فيه تصحيفات لقوم شتى
197 - ما وهم فيه ابن دأب
الجزء الثانى 207مما غلط فيه النحويون من الشعر ورووه موافقا لما أرادوه
210 - باب ما يشكل من ألفاظ الشعر فيقع فيها التصحيف والتغيير
218 - باب ما يشكل من شعر امرئ القيس
253 - مما يشكل ويغير من شعر النابغة
265 - مما يشكل من شعر زهير بن أبى سلمى
282 - مما يشكل ويقع فيه التحريف من شعر الأعشى
314 - ما يشكل من أشعار غيرهم
348 - باب ما يشكل ويصحف من كتاب الحماسة(1/528)
صحيفة
357 - ومن غير الحماسة
370 - باب ما يشكل ويصحف من أسماء الشعراء
الجزء الثالث 419فى الشعراء ثلاثة يسمون المفضل
423 - من يسمى امرأ القيس فى عهد امرئ القيس وبعده
432 - النوابغ
433 - الأعشون
437 - باب ما يشكل من أيام العرب ووقائعها
454 - مما وجب ذكره من أسماء الفرسان مما يشكل وأسماء أفراسهم
457 - باب ما يشكل من مفعّل ومفعّل
464 - باب أسماء المواضع التى يقع فيها الإشكال فيعدل بها إلى التصحيف
467 - باب ما يشكل فى علم الأنساب
474 - ما يشكل من جديلة ومن حديلة
476 - ما يشكل من الدئل والديل والدول
478 - باب ما يشكل من زبان وريان
481 - باب ما يشكل فى خدرة وجذرة
482 - باب ما يشكل من يزيد وتزيد
483 - باب ما يشكل من أسلم مفتوح اللام ومضمومها
484 - ما يشكل من حرفة وحرقة بالقاف
486 - باب آخر فى عرين وغيرها
باب ما يشكل من حرام وحزام
487 - ما يشكل من قريع وقزيع وقرثع
488 - ما يشكل من حشم وجشم
ما يشكل من عنس وعبس(1/529)
صحيفة
489 - ما يشكل من عنز وغبر وعنزه
291 - ما يشكل من سلمة وسليم وسليمة
492 - ما يشكل من جشيش وحشيش
493 - ما يشكل من أمية وأمة والأموى
494 - باب ما يشكل من جمرة وحمرة
946 - ما يشكل من حريش وأشباهه
497 - ما يشكل من حسين وخشين
499 - ما يشكل من منية ومنبه
501 - باب من الأسماء المستشنعة التى يسبق إلى السمع إنكارها فيعدل بها إلى التصحيف
505 - باب ألفاظ وأسماء شتى قصرت عن التبويب
507 - ما يشكل من خماعة (بالخاء) وجماعة (بالجيم) وغيرهما
512 - ما يشكل من عقب بكسر العين وضمها(1/530)
2 - الفهرس المفصل للموضوعات
صحيفة
1 - مقدمة المؤلف
1 - موضوع الكتاب: ما يعرض فيه التصحيف، وممن يكون ما يجب توافره فى المطلع لتجنب التصحيف.
2 - العلم ووسائل إدراكه.
3 - شغف بنى أمية به مراسلة المأمون للأصمعى.
6 - كتب المؤلف وموضوعها
7 - أبواب الكتاب.
10 - باب ما جاء فى قبح التصحيف وبشاعته وذم المصحفين، والنهى عن الحمل عنهم وذكر من هجى بالتصحيف.
النهى عن أخذ القرآن من مصحفى والعلم من صحفى.
11 - بعض المصحفين وشىء من تصحيفاتهم: أبو عبد الرحمن مشكدانه.
12 - عثمان بن أبى شبة حمزة الزيات.
13 - معنى الصحفى والتصحيف سبب النقط والإعجام فى المصاحف.
14 - ما قيل فى مدح الإعجام والشكل.
17 - رجع الكلام إلى ذم المصحفين تصحيف فى حديث الثقيفة وغيره.
18 - من فضح بالتصحيف، ومن مدح بالاحتراس منه.
22 - الكلاب الأول والكلاب الثانى.
23 - من فضح بالتصحيف من الوزراء وغيرهم: تصحيف أبى خالد النمرى وما هجى به.
26 - تصحيف شبيب بن شيبة.
27 - بعض التصحيفات: محبنظيا محبنطيا.
28 - يراغم ربه يزاعم.
30 - الجيش بكى الجبس.
31 - استعان بذقنه بدفيه جارى مكاشرى مكاسرى.
32 - يرى الخمس الخمص.
33 - أعيس منها لا منهالا.(1/531)
صحيفة
34 - تصحيف لابن الأعرابى: فتى لا يقول قتالا يقول. لعبد الله بن يحيى: ضرخ بالدم ضرج.
37 - لابن دأب: إن ولدوا أشبوا أسنوا. لقعنب: رقونى وقالوا رفونى. وتفسير معنى الرفء.
38 - أبو حنيفة: قد أحمشتهم النار محشتهم.
39 - كعب بن مالك الأنصارى: تنتزع العروس عروس وج العروش عروش.
40 - القطربلى: فلو كنت فى جب فى حب.
41 - تصحيف: خنيس وحبيش، نفع جماعة ذكر من بلى بالتصحيف وناله منه مكروه.
42 - ما جرى للمخنسين بالمدينة بسبب تصحيفة: أخص وأحص.
44 - التصحيف كان سبب تلف ابن الرومى ومضرة لمؤلف الكتاب.
45 - حن باكيا وخن، والفرق بين الحنين والخنين.
48 - باب فى نوادر من التصحيف أضحكت من قائليها:
مقير عليه مقتر فحومرل، فحومر فحومل.
49 - فلان الثريدى البريدى يزدونه برذونه أبو معشر المتخم المنجم.
51 - غم الرجل ضيق أبيه عم صنو حال الحريص دون القريص الجريض
القريض لا يورث جميل إلا بثينة حميل إلا ببينة.
52 - بكيت ضبابة، وصيانة صبابة.
53 - الغراب الأنفع الأبقع.
54 - أنعظ الأمير أبعط.
55 - زيفا رتقا الشوكلة السوء كله.
57 - باب ما روى من أوهام علماء البصريين ما وهم فيه الخليل بن أحمد فى كتاب العين
57 - الخليل وكتاب العين.
60 - من تصحيفات كتاب العين: القارح الفارج الهميغ الهميع الخضب الحضب.
61 - يوم بغاث بعاث.
62 - سدف والسدف شدف والشدف، تفسير مادة شدف.
64 - الحبير الخبير، تفسير المادة.
66 - ربيد رثيد.
67 - ربيز زبير، وكلام عن المادة.
68 - التكمة بفتح الميم (التكمه) بضم الميم المشددة تقيأت تفيأت.
69 - بردا بردى الملقأة الملقة بنو جخجبى جحجبى.
71 - البلح التلح يتيم وتئيم والفرق بينهما.
73 - ما روى مما وهم فيه أبو عمرو بن العلاء
مناديل مباذيل.(1/532)
صحيفة
74 - سراته شواته.
75 - نشد نسد.
76 - ما قصدوا لنا ما قصدوا بنا.
77 - يتخولنا ويتخوننا ومعناهما.
78 - جداء وحذاء.
79 - ما وهم فيه عيسى بن عمر الثقفى قحمة العشاء فحمة.
80 - حشت يده وحست والفرق بينهما.
81 - يابس الشخب وبائس.
82 - ما وهم فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى.
ظل الدوم الظل الدوم.
83 - حشك الصدور حسك فانعقرا فانقعرا.
84 - خزيت وخذيت حذيت، سيدا سبدا.
85 - الربلات الرتلات.
86 - الفتى القنا.
87 - عدس شررت سررت.
88 - ما روى مما وهم فيه أبو الحسن الأخفش
روأت وترويت ويوم التروية معنى أبيات لعمر بن أبى ربيعة.
89 - القسم بالتاء.
90 - ما وهم فيه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
مسنى مشنوء.
91 - اللحن ومعناه نشطته الشعوب شعوب.
92 - ضبعة وضبع.
93 - ما وهم فيه الأصمعى عبد الملك بن قريب
تعنز تعتر، معنى العتر والعتيرة.
95 - لا تنى بالضيف لابن بالصيف خرايتها خرابتها البجلى (بسكون الجيم وفتحها).
96 - أعيس منها لا منهالا.
97 - سدوس، عدس وضبطهما.
99 - الدبر الدير.
100 - ترى تليله بليته ألدموه الدم أوه.
بيت الحطيئة: كفوا سنتين بالأضياف نقعا * ورواياته ومعناه ومناسبة القصيدة.
102 - الضفادع تصطخب تصطحب.
103 - شمطاء تشوى تبوى أنا المنية المنبه أن تنو نيهم بينهم. معنى (نيم) فى بيت لذى الرمة.(1/533)
صحيفة
104 - تزيد ويزيد.
105 - العبط والغبط.
106 - باشرتها ياسرتها بقرى لها بقرابها الثراب التراب.
محبنظيا يراغم ربه محبنطيا يزاعم ربه، رواية الحديث.
109 - السدى والندى.
110 - فغلسا فعلسا بكر وابتكر.
ما وهم فيه أبو عمر الجرمى بدأن وبدون.
112 - إره وإرين وإران.
113 - التقاء الساكنين.
114 - ما وهم فيه أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى
تليله بليته.
115 - شاتى شأنى.
116 - ما وهم فيه الرياشى
نجدى الثرى عمد تخدى والثرى.
117 - يجازف يحارف المحرف والمحراف.
118 - ما وهم فيه أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد
المال غارة عارة فى جنب لحيتك فى خنث نخبتك جدرة وخدرة.
119 - ربعى بن خراش حراش.
120 - ما وهم فيه علماء الكوفيين وروى من تصحيفاتهم وتغييراتهم
ما وهم فيه علىّ بن حمزة الكسائى
قتلوا أبيا أبيا (بضم ففتح) معنى محرم فى شعر الراعى.
122 - أم الهنيين أم الهنيبر.
123 - بين الكسائى واليزيدى فى عرس.
124 - اجتماعهما عند الرشيد
125 - الكسائى فى مسجد البصرة وزن أولق.
126 - تضيف عود إلى محرم فى شعر الراعى.
128 - ما وهم فيه يحيى بن زياد الفرّاء
عود لأم الهنيين.
130 - شذى سدى.(1/534)
صحيفة
131 - حساس خصاص.
131 - الميناء والمينى ومعناهما.
132 - فى جوف جبا بإضافة جوف وتنوينها، ومعنى فعل جبا.
134 - ما وهم فيه المفضل بن محمد الضبى
جذعا وجدعا والأجدع محيل مخيل طرقت عينى طرفت نمسى نمشى حلى جلى.
137 - تشدخهم تسدحهم يسرى فواقا يشرى ويحيا.
138 - عود إلى يتيم وتئيم.
139 - المزبرانى المرزبانى لم أذق لم أدق من ودق لقد شوست سوست.
140 - جونة جارية جارنة.
ما وهم فيه حماد الراوية
141 - أكل الحميم الجميم ومعناها.
142 - يعطوا الخربة الجزية.
143 - أزغلته أزعلته.
144 - ما وهم فيه خالد بن كلثوم
تنحنح تنجنج لجانبها لجابتها.
145 - ما وهم فيه ابن الأعرابى
وبكرة ونكزة.
146 - بعيد الشأو والسأو.
147 - بلع وتلع ومعناهما يتيم وتئيم مرة أخرى.
148 - فبانوا فباتوا.
149 - يا عاقد يا حامل.
150 - بلغ الشيب وبلع.
151 - القرص الفرض الربلات الرتلات.
152 - غداة غدت غداة غد بالا ونالا.
153 - عود لبيت الحطيئة: كفوا سنتين.
154 - القعاد والقواعد والفرق بينهما.
156 - هراوة الأعزاب والأعراب وهراءه لما يقترا يفترا.
157 - لينفد قرها لينقد فرها عود إلى (فتى لا يقول قتالا يقول) نحط على النمل نخط، وتفسيرها.
158 - حجن جحن عمها الكرب غمه.
160 - لمية بالمعاد رخت بالمعى درجت زنوا الصخر دنوا.
161 - بعد الجراء الخزاء أبشرى أيسرى.
162 - باصر ناصر بنا سربنا بياسرنبأ.
163 - قتلى كذا كدا.(1/535)
صحيفة
164 - مشافرة مسافرة.
165 - تفاطير الشباب نفاطير أرونان وزنها واشتقاقها.
167 - ما وهم فيه أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيبانى
فرو وفرأ وفراء مثل: كل الصيد جلهمتا الوادى وجلهتاه.
168 - ذات الدبر والدير وأشعار فى الدير.
170 - باخص ناحض.
170 - معنى ممهاء قدر.
171 - وبنى منك ونبىء ابن تسعة نسعة.
173 - ما وهم فيه علىّ الأحمر
174 - جيرانها خيرا بها حمراءة وصفراءة ودهماءة.
176 - بلقاءة فى الخيل بلقاء تنفى.
178 - ما وهم فيه أبو جعفر محمد بن حبيب
لما يفترا يقترا لم تلفنى لم يلفنى.
180 - ما وهم فيه يعقوب بن السكيت
جرى حرى.
181 - نقبن ثقبن.
182 - تنفع تنقع.
183 - ما وهم فيه أبو عبيد القاسم بن سلام
الأرم والأزم.
184 - وأضر يعدو المشى والمشو.
185 - ما وهم فيه أبو علىّ اللحيانى
عود إلى (استعان بذقنه وبدفيه) مكاشرى ومكاسرى الرثيم والرتيم.
187 - ما وهم فيه أبو سعيد الطوال
الحرف السانح السابح.
188 - ما وهم فيه أبو الحسن الطوسى
بشر بسر بعض الخير نفض الخبز.
189 - ما وهم فيه ابن قادم
أرز ورنز.(1/536)
صحيفة
191 - ما وهم فيه أبو العباس ثعلب
خميس بفتح الخاء وضمها نجر ويجر.
193 - باب فيه تصحيفات لقوم شتى
متى يغضبوا أغرق متى تعمنوا أعرق.
194 - أسماء على وزن اليفعل تصورا تضورا.
195 - وآذى به وأدوى به.
195 - صحف ابن الكوفى فى سبعين موضعا.
196 - المعاول ومعناها.
197 - ما وهم فيه ابن دأب
المجحوم المحجوم ومعناها.
198 - تشدخهم تسدحهم الخذل والحذل ومعناهما قصى وحده قصى والمضاض.
199 - فى رتبة السلطان فى زينة تحنو تحذو جم بيننا حم يوم العميصاء الغميصاء من مليح كذب ابن الأعرابى.
200 - بالعراق بالعراء.
201 - يسبح تسيح أنا محزون محزوز.
202 - عصا العبد والبئر والنبر المسجد بفتح الجيم وكسرها ما جاء بكسر العين فى المكان وفعله على يفعل بالضم.
الجزء الثانى 207مما غلط فيه النحويون من الشعر ورووه موافقا لما أرادوه
فلسنا بالجبال ولا الحديدا يبيت على معارى ليبك يزيد للقد كانوا.
209 - فيدن منى، فليدن منى.
210 - باب ما يشكل من ألفاظ الشعر فيقع فيها التصحيف والتغيير
ابن حذام وخذام وخدام وابن حمام فى بيت امرئ القيس وما ورد فيه امرؤ القيس ونسبه.
213 - ما الفائدة فى تحصيل ابن حذام أو خذام؟
214 - رواية بيت للأعشى على عشرة أوجه وشواهد على الرواية.
218 - باب ما يشكل فى شعر امرئ القيس ولا يحتمل إلا وجها واحدا وما يحتمل منه وجهين
فى قصيدة: قفا نبك.
فحومل، وحومل رأى النحاه فى العطف بالواو والفاء.(1/537)
صحيفة
220 - الكنهبل ووزنها تنسلى وتنسل.
221 - لو يشرون ويسرون اذا هى نصته ونضته.
222 - بمصامها وفى مصامها.
223 - أو صراية بفتح الصاد وكسرها وصرابة عذارى دوار بفتح الدال وضمها بعد، بفتح الباء وضمها مأسل مهموزة.
225 - ما يشكل فى قصيدة امرئ القيس: ألا عم صباحا والاختلاف فى معنى: وهل يعمن من كان فى العصر الخالى. والاستشهاد للمعنى.
227 - ضبط ميثاء ومعناها الميتاء والمأتى
228 - مما يروى على وجهين: منصبا ومقصبا بمختلف الصبا والصوى.
229 - عوارها وغيابها وغياربها وغيرها على رال من غير همز وكلام عن القافية وألف التأسيس.
230 - ما يشكل من قصيدة مرابى على أم جندب.
جأنب وجانب ومعناهما.
231 - أم تألب، ألف التأسبس فيها.
232 - شأو مغرب ومعزب مادة غرب ومشتقاتها.
234 - نمس نمش عود لمصهب ومضهب.
235 - على من تعذرا تغدرا.
236 - الهيبذى والهربذى ثم فرفرا وقرقرا.
237 - ابن جريج وابن جرى الخرم فى العروض.
238 - إن مصابكم رجلا وإعرابها الخلاف فى نصب أصبرا فى (ما كان أصبرا).
239 - خد مذلق وحد مذلق وحذ المطى.
241 - العدوان والغذوان.
242 - جوف العير والخلاف فى تفسير الجوف والعير وأمثال على العير.
244 - فغلسا فعلسا.
245 - تموت سوية وتجىء سريجة وأنا المنية وأنا المنبه.
246 - متلج كفيه ومخرج زنديه اجحار البلاد أجحاء.
248 - باناة وناصاة ومعناهما.
249 - هنا بضم الهاء وفتحها واشتقاقها.
251 - الإطلاق والتقييد فى القافية وشواهد عليهما.
253 - مما يشكل من شعر النابغة
يحفره ويحفزه ويحبسه.
254 - طوع الشوامت وما قيل فيها.
255 - أعيت عيت.
256 - تنحى ومعناها.
257 - مجلتهم ومحلتهم.(1/538)
صحيفة
258 - العر بفتح العين وضمها معناها وشواهد على عاره.
260 - لدى أبياتهم لدى أنباثهم، معنى النباث.
260 - مظنة الجهل الشباب ومطية الجهل السباب الطعان الظعان.
262 - القبائل والقنابل.
263 - مصلوه ومضلوه بآمة وبإمة وأمة.
265 - مما يشكل فى شعر زهير بن أبى سلمى
المخزم والمخرم أنبت البقل ونبت محل ومحرم ومعناهما.
268 - مر وأمر أجم واحم ومشتقاتهما.
271 - ما يشكل فى قصيدة صحا القلب مصرة ومضرة.
272 - إن يستخبلوا ويستخولوا المنيحة والعرية والخبيلة. والعمرى والرقبى والإكفاء.
274 - المحتبل والمختبل.
275 - ترعف الالف، بنصب الالف ورفعها.
277 - رأى الأصمعى وابن السكيت فى (أجابت روابيه النجا وهو اطله) وتفسيره.
279 - ايطاء زهير وإقواؤه فى القصيدة النونية (بالخبر الظنون).
مشافره ومسافره حانية وجافية.
281 - يعرن به ويعرر.
282 - تسن وتشن والفرق بينهما الأزن والأزم والأرن ومشتقاتها.
284 - الفرارى والفزارى والقرارى اتخن وامتخن وامتحن.
285 - نصف النهار الماء غامره وإعرابها منفصم ومنقصم قصيدة (أتهجر غانية).
286 - ما فيها من توجيه والرأى فيه.
288 - تعتلى وتغتلى كلقيط العجم وكلفيظ.
290 - عوض وإعرابها.
291 - الشليل والسليل.
293 - الأبيل والأيبل.
293 - غائب الوافدين وعابر الواقدين محبول ومحتبل، ومخبول ومختبل.
294 - عربا وغربا تقضى لبانات، وتقصى لبانات.
295 - صانع وصايغ غار وأغار.
296 - ثوى وأثوى.
297 - الفنع والقنع.
297 - سواء وسوى وسواسية.
300 - مخيل ومحيل المخزم والمخرم والمحرم.
301 - أقاتها وأفاتها أيدى السعاة والسقاة لزوم مالا يلزم فى قصيدة كثير التائية (حيث حلت) قبح التضمن فيها وفى غيرها.
303 - شواهد على الإيطاء.(1/539)
صحيفة
306 - مما يشكل ويقع فيه التحريف فى شعر الأعشى (وإن امرأ أهداك)
308 - إيطاء ابن مقبل غطشى الفلاة وعطشى العيدية والعبدية.
309 - حلفا وحلفة غرار وعرار وتفسيرهما.
310 - رياح ورباح.
311 - مقراض ومفراص.
312 - حنقط وحنفط أبلج وأبلخ.
313 - خيص وحيص هم الطرف بفتح الطاء والراء وبضمهما.
314 - فى شعر طرفة: يشمه ويسمه.
315 - لم يجرد ولم يحرد دالج ودالح جرى وحرى أجرنة وأخراته
316 - الغلاق والعلاق ومعلاق ومغلاق.
317 - مخيلة بفتح الميم وضمها أوس بن حجر وحليمة بنت فضالة.
318 - رتيم ورثيم مكان النبى وكمتن النبى النبى فى اللغة.
319 - المقرع والمقزع.
320 - غس الأمانة وغش.
321 - ثاقلا وناقلا المذعذة والمدعدة.
322 - غطى وعطى الرئى والزى لم يوأر ولم يؤر ولم يؤز.
323 - الخشاش (بفتح الخاء وكسرها) ومعناها.
324 - لا يقدع أنفه ولا يقرع.
325 - الحدأ بفتح الحاء وكسرها اسقونى واشفونى.
326 - متردم ومترنم ومترمم مخدع ومخزع يتبصع ويتبضع.
327 - تضيف بفتح التاء وضمها أضاف السهم وضاف.
328 - بذمائه وبدمائه بنو يزيد وتزيد.
329 - عمارة بفتح العين وكسرها.
330 - صيارة وصبارة كتر وكير الصرب والضرب.
331 - الحن والجن والجنن والجنون ومعناها.
332 - كغابط الكلب وكعابط والعايط.
333 - مخنته ومحنته.
334 - أحكى بصلب وأحكأ صلبا.
335 - يأسروننى وييسروننى خلله كلسا وجلله.
336 - فابشر بما بشروا به، فايسر بما يسروا به، معنى مادة بشر.
337 - ياقل خير الغوانى، إعرابها يترب ويثرب كأس حلاق وخلاق العزبا والعذبا أجحاء البلاد وأحجار.
339 - طفانين وطفائن معد بفتح فسكون وبفتحتين ومعدى.
340 - حاجة وعاجة.(1/540)
صحيفة
341 - حوض الثعلب وحياض غتيم وطسيم سيف مفلل ومقلل.
342 - الأقحاذ والأفخاذ عرش هوية وعرش هونه.
343 - يسعى لغاريه ومعناها.
344 - باض وبائض وباص وبائص ومعناهما.
346 - ما جاء على فعل (بكسر الفاء والعين مفتوحة مشددة).
346 - عيدان وغيدان نحط على النمل ونخط.
347 - الكبر بكسر الكاف وضمها ومعناهما.
348 - باب ما يشكل ويصحف من كتاب الحماسة
غذا وغذى جاض رحاص
349 - شمس بضم الشين وفتحها فى الأنساب.
351 - جندح وحندج شهقت وسفهت.
352 - صارخ وضارج.
353 - الجنادع والخناذع والقناذع حارب وحارد.
354 - تخرق بالقنينا وتحزق.
355 - غيبة الغائبين وعيبة العائبين ابن تسعة وابن نسعه.
356 - آلة وألة.
357 - ابن مغرب ومعرب.
357 - ما يشكل ويصحف من غير الحماسة تليات الصبا وبليات وتلنات.
358 - نجت وبحت.
359 - داحص وداحض مذرب وأذرب.
360 - يتنوع ويتبوع الفناة ويفن ومعناهما.
361 - بخبول وبحبول السلام والسلم ومعانيهما.
363 - يادار أقوت وإعرابها البس والنس مما يروى على الترخيم فيغلط فى إعرابه.
364 - أجبيل أخليد أزهير.
365 - رب وأوجهها الجنثى بضم الجيم وكسرها تجبيب وتحنيب.
366 - مصغية ومصعنة خدامية وخذامية القضب والقصب.
367 - بيت الفرزدق: غلبتك بالمفقىء وما يشير إليه.
368 - شآنى وشاءنى.
369 - نشد وأنشد هاء الاضمار وإسكانها.
370 - باب ما يشكل ويصحف من أسماء الشعراء
مخفض ومحفض.
371 - الزفيان والرقبان الأشعر والأسعر قصة الزفيان الراجز وعبهر.
373 - البعيث والنعيث والبغيث الخنوت والجنوب.
375 - الأهتم والأيهم.(1/541)
صحيفة
376 - علفة وعلقة وغلفاء.
378 - حريم وخريم وحزيمة وجزيمة.
379 - عبدة بفتح الباء وإسكانها عارق وعريق.
380 - عويف القرافى أفنون التغلبى.
381 - ابن الرعلاء ابن أبى الزغباء الرعبل والزعبل الخربق والجر نفس والجرندق.
382 - الخرنق حريق وحرقه.
383 - البريق الهذلى القحيف الهذلى القحيف وسالم بن قحمان.
384 - الخلج وجليح قتادة بن معرب.
385 - ابن الخرع والخريع سالم بن الفرخ وعديل بن فرخ العباب.
386 - البرج بن مسهر العتاب العباب عناب.
387 - العيار ساعدة بن جؤية جدية جريبة.
388 - جرية القلاخ بن حزن زبيبة بنو زبينة.
389 - القلح.
390 - جارية بن مر جارية بن قدامة النمر بن تولب الكبس بن هانى المنخل والمتنخل المخبل.
392 - التلب وأخبار عنه.
393 - وكيع القطامى.
394 - ابن الذئبة ابن الدثنة ابن مساور جبار (بتشديد الباء) وجبار (بضم ففتح).
395 - حراز خزز خنزر زخرب.
396 - مسرد بن اللعين وأبو نايل وخطام المجاشعى ومكين، وأبو الزحف، ومقاتل، وأبو برسيس وأبو القرين وقطينة، وثابت قطنة، وقطبة الأخطل عتاب الفند الزمانى عبد الشارق.
398 - جعفر بن علبة علباء بن جوش.
399 - الشميذر الأجحم والأحجم ابن زيابة، ابن زبيبة الخطيم الباهلى خطام المجاشعى.
الحطيم الفرار السلمى.
400 - الحمام والخمخام والخشام
401 - بقيلة ابن الأخرس ابن جواس حريث بن عناب شريح بن قرواش.
402 - غلاق بن مروان حسيل بن نجيح سيار وسنان المخرم الأخزم أخزم بن أبى أخزم.
403 - بنو أجرم مقاس مرقس ابن بشير ابن يسير.
404 - ابن الحجناء بنو جحوان بنو حجوان حجن بن المرقع الأجحم ابن الأخيف الأحنف.
405 - ابن الزبير (بفتح الزاى وكسر الباء، وبضم ففتح) رقيبة الجرمى ابن وذفة كبد الحصاة هميان سؤر الذئب جران العود.
406 - دعيميص ومليص وعكمص الكحلبة أبو دهبل وأبو دهلب غسان بن ذهيل.
407 - ابن حمل بنو جمل بنو خمل خليد الرمق الدمق برذع.
408 - ابن الغريراء ابن الغريزة ابن الغدير أبو جلدة.
409 - أبو خلادة خولى بن شهلة دجاجة عنز وعنز خلد بن حق.(1/542)
صحيفة
410 - محكان السعدى عركز ابن قرقرة ابن جمانة سراج بن قرة لسان الحمرة ابن خرقاء الذهاب عمرو بن الخثارم.
411 - ابن غزالة ابن صبح وابن صبيح حنى.
412 - ذو الخرق الطهوى مقاس العائذى آبى اللحم أبو اللحام الأزرق الأحول الأبرد حاجز.
413 - حاضر بن حطاطى القرثع عرار وعرام ابن الضريبة عرادة.
414 - شديد بن عامر سعنة ابن الرقيات كثير بضم وفتح وبفتح فكسر وكبير المذبوب أبو كبير الهذلى دينار بن بادية ودرهم بن زيد.
415 - زرارة بن قروان.
الجزء الثالث 419من اسمه المفضل من الشعراء.
420 - اللعين المنقرى قرعان المنقرى وابنه منازل.
423 - من يسمى امرأ القيس فى عهد امرئ القيس وبعده
امرؤ القيس بن حجر وقصته مع أبيه.
425 - تاريخ الشعراء وأسبقية الشعر قبل الاسلام.
426 - أول الشعراء والخلاف فيه.
429 - رجع الكلام إلى من يسمى امرأ القيس.
432 - النوابغ.
433 - الأعشون.
437 - باب ما يشكل من أيام العرب ووقائعها
حرب البسوس وداحس والغبراء.
438 - أيام الفجار يوم خو.
439 - يوم خوى يوم الكلاب الأول والثانى.
440 - يوم الغبيط.
441 - يوم الغبيطين يوم بعاث يوم الدرك يوم ذى أحثال.
442 - يوم ثبرة يوم الثنية يوم العطالى.
443 - يوم غول يوم النباح يوم الوقيط.
444 - يوم حليمة يوم ثيتل يوم سفار.
445 - يوم أفاق يوم رأس عين يوم النجير.(1/543)
صحيفة
446 - يوم الخليل يوم فحقح يوم خزازى يوم القاع يوم المرير.
447 - يوم هراميت يوم بئر السلان يوم السلان يوم مسلحة يوم برقة يوم الأليل.
448 - يوم الأميل يوم الحاير يوم الخوع
449 - يوم الصحراء يوم رحرحان يوم العرض يوم الصعاب يوم الغفار.
450 - يوم الصمد يوم ذى طلوح يوم النسار يوم الجفار يوم الستار.
451 - يوم شعب جبلة يوم قشاوة.
452 - يوم مبايض يوم ترج يوم الحسن يوم شقيقة الحسنين.
453 - يوم فيف الريح يوم تياس يوم الجبابات يوم غمرة.
454 - ومما وجب ذكره من أسماء الفرسان مما يشكل وأسماء أفراسهم
فارس النعامة فارس الضبيب.
455 - من فرسان بنى تميم من فرسان عبد القيس من فرسان ربيعة.
457 - باب ما يشكل من مفعل (بفتح العين وتشديدها) ومفعل (بالكسر والتشديد)
الممزق العبدى المثقب العبدى.
458 - المحبق معوذ الحكماء معوذ بن عفراء.
459 - المحلق المكحل.
460 - المضرب المرقش الأكبر المرقش الأصغر.
461 - الأبيرد بن المعذر المخبل بنو المخبل سعد بن مشمت صفوان بن المعطل المكدد.
462 - المخرم المغمض المحرق المحترش معقر البارقى.
463 - مهرب المحبر المجبر المجذر.
464 - باب أسماء المواضع التى يقع فيها الإشكال فيعدل بها إلى التصحيف
كلاب الحوءب اسنمه ناعط.
465 - يثلث عينب برك الغماد مسجد الحامرة.
467 - باب ما يشكل فى علم الأنساب
عيلان وغيلان.
468 - عدنان وعدثان سدوس عدس الهون.
469 - مما يشكل جدا الشعبى (مفتوح الشين ومضمومها) والأشعوبى والشعبانى.
470 - الشعوب والقبائل والعمائر وما بعدها والفرق بين كل واحد منها.
472 - رجع الكلام الى ما يشكل من الأسماء مجمع.
473 - خزيمة وخريمة بنو عايذ، وبنو عابد، وعايد.(1/544)
صحيفة
474 - ما يشكل من جديلة (بالجيم المفتوحة) ومن حديلة (الحاء مضمونة غير معجمة)
476 - باب ما يشكل من الدئل والدّيل والدول
478 - باب ما يشكل من زبان وريان وربان
481 - باب ما يشكل فى خدرة (بضم الخاء وكسرها) وجذرة (بجيم وذال) وجدارة
482 - ما يشكل فى يزيد وتزيد.
483 - ما يشكل من أسلم (مفتوح اللام ومضمومها).
484 - ما يشكل من حرفة (بالفاء) وحرقة (بالقاف).
ما يشكل من جساس (مفتوح الجيم مشدد السين مفتوحها) وجساس بكسر ففتح.
485 - هذيم وهديم وهذمة ضنة وضبة.
486 - عرين وعرينة وعرانية.
ما يشكل من حرام وحزام.
487 - ما يشكل من قريع وقزيع وفريع وقرثع.
488 - ما يشكل من حشم وحيشم.
ما يشكل من عنس وعبس.
489 - ما يشكل من عنز وغبر وعنزه وغيره.
491 - ما يشكل من سلمة وسليم وسليمة.
492 - ما يشكل من جشيش وحشيش.
493 - ما يشكل من أمية وأمة والأموى.
494 - باب ما يشكل من جمرة وحمرة.
495 - معاوية ومعوية ومغوية ومعونة.
496 - غنم وغثم.
ما يشكل من حربش وأشباهه حربش حريش الحريس.
497 - ما يشكل من حسين وخشين.
498 - كنانة وكثابة صخر وضجر وضجير.
499 - ما يشكل من منية ومنبه.
501 - باب من الأسماء المستشنعة التى يسبق إلى السمع إنكارها فيعدل بها إلى التصحيف
ابن فسوة ابن مرخية بنى الكلبة بنى خنزير بنى قرد دب حمار وأشباهها.
503 - سبب تسمية العرب أبناءها بالأسماء المستشنعة وعبيدها بالأسماء المستحسنة.
505 - باب ألفاظ وأسماء شتى قصرت عن التبويب
بنو إنسان بنو فلان القبائليون.
506 - بنو الاخوة بنو الواحد بنو سبعة بنو فتيان.(1/545)
صحيفة
507 - ما يشكل من خماعه وجماعة.
508 - وعند جفينة الخبر اليقين وما قيل فيه من روايات وتفسيره.
الكلام فى السرب (بفتح السين وكسرها).
509 - بنو جحوان وبنو حجوان ابن سور وابن شور وابن أبى سود.
510 - العبلات والحبطات.
بخاتى وذفارى وعذارى وصحارى. تفخم وتمال.
العدل بفتح العين وكسرها ومعناهما.
511 - العوى (مقصور) اوالعواء (ممدود) ذفافة وذواء وذاعر وزمرد.
512 - ما يشكل من عقب (لفتح العين وكسر الباء) وعقب (بضم العين وسكون الباء) وعقبة.(1/546)
3 - فهرس الشعر
صدر البيت: قافيته: صفحة
ء آذنتنا: الثواء: 93هـ
عنتا: الظباء: 93
إذا: الثواء: 152هـ
فذو: والسماء: 227
زعموا: الولاء: 242
وليس: نجاء: 275
عفا: فالحساء: 227، 275هـ 299هـ
وإن: ظماء: 276
فإن: جلاء: 299
أرونى: السواء: 299هـ
فإن: ما يشاء: 358
ربما: نجلاء: 380
أنا: شفاء: 461
* * * يا راكبا: والشاء: 24
* * * إنما: الرجاء: 381هـ
وفارس: زهاء: 447
خاض: الهيجاء: 452
ب كملت: الألباب: 26
أمن: ما تخبو: 89، 89هـ
عين: تصطخب: 102
صدر البيت: قافيته: صفحة
تغلست: محتجب: 102هـ
كأن: وعتيب: 136
يشتد: الكرب: 158
لقد: يذهب: 162
أإحدى: منكب: 224هـ
ومثل: تعرب: 232
وكأس: تضرب: 240
تظل: حواطب: 256
فإن: الشباب: 260
وفى: ذنوب: 310
ومن: غربيب: 322، 347
لكل: وجانب: 329، 471
وكنت: المتراعب: 355
العفو: تدريب: 359
رعا: وسليب: 359
طحا: مشيب: 359هـ
إذا: وتجبيب: 365
إن: القضب: 366
ألم: يغضبوا: 370
تبدل: الصليب: 373هـ
بان: الذنب: 375
كل: مغلوب: 375هـ
أميم: لعوب: 394
أبنى: وقب: 402
ولما: الملحب: 404
أصارمة: مذهب: 408هـ
نعم: ويكذب: 408هـ
لعمرك: والرباب: 431
حوت: شواذب: 441(1/547)
صدر البيت: قافيته: صفحة
فلم: تجنب: 446
ومثل: تعرب: 453هـ
أفى: عصيب: 506
* * * وقارحا: تقضبا: 60
تفاخرنى: اضطرابا: 118
أقلى: أصابا: 118هـ
يشقى: مغربا: 233
وأعرض: ملحبا: 311
كفى: أشيبا: 311هـ
وعدت: بيثرب: 337هـ
حتى: والغربا: 338
ألم: دائبا: 343
ولست: أصحبا: 346
أعبدا: اغترابا: 357
إلا: أجابا: 364
قد: الضربا: 403هـ
ونحن: الركائبا: 442
وإنى: الرغائبا: 453
سأجملها: وكلابا: 458
أحد: وشابا: 458هـ
* * * لنا: الصواب: 19
كما: بالكلاب: 22
أرانا: بالشراب: 22هـ
فلا: وأثقب: 24هـ
كأن: الكثيب: 33
وقد: شقب: 61
ويوم: ثاقب: 61
أترجو: الشباب: 90هـ
إذا: تؤدب: 106
إذا: بذنوب: 117
لن: الحجاب: 108
صدر البيت: قافيته: صفحة
نمش: مضهب: 136، 233 234
وبكرة: اللعاب: 145، 146
لا تسقنى: أسراب: 155
ومرسل: السبب: 162
نفاطير: الشباب: 165
تؤرثن: التجارب: 188
كدريتان: الشبب: 195
يرقى: مخضوب: 223
دلوح: المنكب: 226
وولى: منصب: 228
ترى: متنصب: 228هـ
عقيلة: جانب: 230هـ
ذهبت: التجنب: 230
يوما: تألب: 231
بمنجرد: مغرب: 231
ويصهل: للمعرب: 232
وأوتاده: قعضب: 232
فكاب: مشعب: 232
بمجفرة: بمعرب: 233
فلأيا: محنب: 233
محلتهم: العواقب: 257
إنى: مكذوب: 262، 282هـ
إذا: المصاعب: 290
ولكنكم: للذهاب: 290
كلينى: الكواكب: 290هـ
فعاجوا: الحقائب: 307
ولولا: ناشب: 331هـ
إنى: الذنب: 232
إذا: غرب: 341
إذا: تؤدب: 352
أعاذل: العواقب: 355هـ
إذا: رطيب: 359
خفاهن: بمحلب: 362
خفاهن: بمركب: 362هـ(1/548)
صدر البيت: قافيته: صفحة
فلا: وأثقب: 371
وإن: أقرب: 373هـ
قاتل: حجاب: 375هـ، 376
أتعرف: راكب: 399، 441
لا يبعدن: بذنوب: 404هـ، 459
أبلغ: كلاب: 438
إن: المنجاب: 439هـ
ويوم: ثاقب: 441
ولا عيب: بركوب: 460
ماهى: بالحوءب: 464
* * * وذكرت: التوالب: 200
إن: قريب: 388
ت قتلت: قتلت: 394
وكفيت: التى: 270
هم: تولت: 301
فد: وقلت: 301هـ
خليلى: حلت: 302
أصاب: جنت: 302
فلله: التى: 302
فغول: الأمرات: 346
غلبتك: الخافقات: 367
وكنت: الغدرات: 375
من: وأغدت: 409
ولو: وتعلت: 511
ث أهاجك: الأثاث
ج صبا: الحدوج: 99
سقى: نجيج: 168
* * * صدر البيت: قافيته: صفحة
جأبا: مسحجا: 100، 114
ونجنجت: تنجنجا: 144
يسن: المصارجا: 282
* * * يغدو: الآجج
تجاوب: للتناجى
ح بنات: جنح: 170
ليبك: الطوائح: 208
أعبد: المنائح: 273
شننت: الرياح: 292
بأطيب: وأنصح: 345
* * * تغذمن: واستبيحا: 64
* * * سبقت: جوانحى: 351
تأهب: التلاح: 427
إن: السلاح: 427
* * * من: روح
كل: وكسح: 240هـ
قد: القلح: 389
ط صيد: قلخ: 388
د والنار: الأزند: 3
فالحق: موطود: 34
فصدرت: رصيد: 66
أولئك: شدوا: 98
غداه: هريد: 104
حتى: عمد: 116
عريبة: القلائد: 170(1/549)
صدر البيت: قافيته: صفحة
تركت: تعود: 224
جعلت: يعود: 224هـ
الواهب: اللبد: 255
فلا: بعيد: 271
يعطون: العهد: 275
قرع: جواد: 339
عمى: مشهود: 345
أدنى: الجلاميد: 347
تخلت: الأحقاد: 350
ذهب: العواد: 350، 380
وحارب: لا يحارد: 353
أتشحذ: تكابد: 353هـ
أبنى: عضد: 363
تركت: سديد: 388
ألا: التليد: 404
ألا: الحريد: 404هـ
رحض: القيود: 441
* * * من: عمردا: 84
من: آدا: 154
بل: أنقدا: 249
نبى: وأنجدا: 295
ألم: المسهدا: 295هـ
أثوى: موعدا: 296
خذامية: مجعدا: 366
أذود: جوادا: 431
لهم: المزادا: 447هـ
* * * ألا قتلت: مراد: 95، 96
بات: الغد: 147
أبصارهن: صداد: 154، 155
كخنساء: فرقد: 164، 280
غشيت: معيد: 164، 280هـ
صدر البيت: قافيته: صفحة
تبرأ: بالردى: 194
فاذا: هداد: 196
وكل: السادى: 201
معاوى: الحديد: 207
لخولة: اليد: 227
ولقد: معد: 252
خلت: فالنضد: 253
قارع: صرد: 255
وقفت: أحد: 255
إلا: الأمد: 255
والبطن: مقعد: 259
أمن: مزود: 259
ومدره: وباليد: 280
طرفون: القعدد: 313
لا يرهب: المتهدد: 314
لها: المتشدد: 315
وطى: منضد: 315
انا: المتوقد: 323
كل: بعيد: 327، 328
وسيف: عاد: 343
وهل: أرشد: 355
نصحت: شهدى: 355هـ
فان: لا نقعد: 362هـ، 429
صقعت: وعائد: 368
يهدى: الفرقد: 373
تعدى: الجلد: 374
ولما: الجعد: 374هـ
ألا: الجعد: 374هـ، 375
كأن: العوادى: 384
كمرضعة: القصد: 385
أيها: تلادى: 407
ماذا: إياد: 483
نام: وسادى: 433هـ
إما: اجلادى: 434(1/550)
صدر البيت: قافيته: صفحة
لعمرك: العهد: 435، 517
وأمكننى: الحديد: 452
سقى: الغماد: 465
فبادوا: عاد: 471
ذ مقرى: أفخاذ: 472
فصيلة: معاذ: 472
ر فدى: الدوابر: 20
فصدرت: رثيد: 66
مافيه: وبر: 67
لا حميرى: الثفر: 99
ما رأينا: صقر: 124
أصم: ينفطر: 144
إذا: منار: 166
فإنى: اعتشار: 166هـ
من: المزاجر: 209هـ
حطت: يسر: 215، 217
فما: الأزاهر: 295
أبى: تفاخر: 298
آليتم: غرار: 309
اقسمتم: عرار: 309هـ
كحلفة: الكبار: 310
مخلفون: فصنبور: 320
خشاش: نزور: 322
ياقل: تصريد: 337
قربت: سرر: 343هـ
وإن: يصبر: 343
شاده: وكور: 335
قد: مضرر: 357
عبهر: يا عبهر: 372
صدر البيت: قافيته: صفحة
عض: الشقر: 376
هاج: الخبر: 376هـ
إن: إعصار: 392
ألم: طاروا: 415
فلتك: حمار: 415
إنى: القمر: 424
إذا: الوبر: 424هـ
ويريد: إعصار: 439
لها: عاقر: 462
بطون: يحابر: 472
قتلوا: اطوار
* * * وقد: الزبيرا: 68
قل: اميرا: 199
ازمان: دوارا: 224هـ
سما: فعرعرا: 234، 465هـ
يسير: تعذرا: 235
إذا: قرقرا: 235
لقد: أنكرا: 237
وعمرو: قسورا: 237
أرى: اصبرا: 238
ويا رب: طرطرا: 239
لك: عائرا: 259
به: تارا: 275
أأزمعت: تزارا: 276هـ، 289
غشيت: النذورا: 288هـ، 293
فقد: القمارا: 290
ودأيا: الفقارا: 291، هـ
ما أيبلى: وصارا: 293
رأت: ضريرا: 291
أقامت: تجأرا: 327
فلما: العمارا: 329
ولما: بشمرا: 342
أجارتنا: خمارا: 344، 518(1/551)
صدر البيت: قافيته: صفحة
تبعث: جريرا: 373
وسقاك: مدرارا: 380
بكى: بقيصرا: 428
ألا: بيقرا: 428
ألم: فبيقرا: 432
ونحن: جهارا: 449
ويوم: فصارا: 452
لهان: صفرا: 458
هو: أوعرا: 465
ألا: الديارا: 465
* * * إذا: لمفكر: 16
كأن: القدر: 19
عذير: الأرض: 19
قلت: بمعمر: 24
فقلت: يجرى: 45
قفا: فحومرى: 48
طلال: وفاجر: 66
هل: باكر: 66هـ
وجهك: الحر: 86
فكن: للنظار: 111
أن: لا تحورى: 121
يا قاتل: وارى: 128
جن: بشبار: 122هـ، 129
يا أخت: أخبارى
يا ليتنى: لسيار: 130هـ
بعلك: الحر: 151
نحن: يجر: 192
نجير: مجاور: 192
أعلمت: غبارى: 214
كأن: الجوارى: 223
لا أعرفن: دوار: 224
بحيس: للحوافر: 247
لقد: المشهر: 248
صدر البيت: قافيته: صفحة
ألا: صهرى: 259
رهط: حذار: 263
فاصبن: الأعذار: 263
نبئت: الأشعار: 263هـ
وإرم: عتر: 278
تصف: يدرى: 285، هـ
أصرمت: الهجر: 285هـ
تريح: أظفارى: 296
جار: عمار: 196
شبابهم: الحمار: 298هـ
حكمتموه: الباهر: 312
شاقك: حاجر: 312هـ
فلم: ولا بمعمر: 320
يثبى: واشرب: 320
وكنت: ومئزرى: 327
كأن: الصبار: 330
إذا: الشزر: 330
ولكنى: حار: 331
لعمرك: الحمار: 331هـ
أبلغ: وانتظارى: 334هـ
لا أعرفنك: الإمرار: 335
من: الأنذار: 335
على: للتواتر: 345
أيا راكبا: الصدر: 350
عشية: مسهر: 353
لما: معكر: 353هـ
ياحر: أثر: 357
إن: حمار: 373
لا يبعدن: الجزر: 382
ان: تحورى: 390
تبكى: بكر: 295
ويوم: جمر: 295
إلا: الدهر: 360
قلست: الخمر: 408(1/552)
صدر البيت: قافيته: صفحة
فو الله: عتر: 409
تجنب: بصابر: 409
لقد: صادر: 409هـ
أعمير: الأعصر: 429
ولا شهدت: يسر: 440
أدار: عفر: 440هـ
وعثجل: اقتسار: 442
وعمى: الجزور: 445
وعمرا: صغار: 447، 451
وفارس: إقتدار: 447
وأوسعنا: بالعقار: 449
لعمرى: مسهر: 453
سلونى: واليسر: 461
لعمرك: منقر: 494
زيد: حمار: 503
* * * شندف: طمر: 64هـ
تقيأت: الخفر: 68
لعابس: مقسعر: 68هـ
فظل: النعر: 86
أجار: ما يأتمر: 86، 252هـ 253
وغررتنى: تامر: 95
يا لعنة: الكبر: 200
إذا: الغدر: 223
فلما: كدر: 245
لعمرك: بقر: 245هـ
كأن: الأخر: 247
فلا: أخر: 252
دهر: حجر: 252
وقد: بشر: 252
وسالفة: السعر: 253
قد: يسر: 256
أمره: شزر: 256
يجانف: النذر: 272هـ، 371
صدر البيت: قافيته: صفحة
سوى: الغزر: 299
أجل: وإزار: 334
بأسرع: بالوتر: 354
مغزى: وضبر: 369
بحسبك: مضر: 372
ضربت: فاستقر: 383
وابن: مجير: 411
أفيمن: الشطر: 423
قف: صاغر: 430
ز بتنا: جهزا: 392
لا توعدنى: بالنكز: 145
ولقد: المجامز: 68
س إذا: الهاجس: 19
أغنيت: كيسوا: 115
يكون: وأحمس: 136هـ
أقفرت: أنس: 181هـ
حملت: قبيس: 358
* * * وداويتها: وسدوسا: 97
تأوبنى: فغلسا: 109
ألما: بعسعسا: 109هـ
إذا: عموسا: 175
كأن: الرأسا: 231
فلو: أنفسا: 244
* * * دع: الكاسى: 53
ومبرك: الدعاسى: 67
إذا: سدوس: 97، 98
أفاض: ترمس: 163، 164
إذا: المجلس: 163، 164(1/553)
صدر البيت: قافيته: صفحة
لما: بالنواقيس: 170
يا عمرو: البأس: 229
وفتى: مستنكس: 230
يهيل: مخمس: 260
بت: فرسى: 384
قف: آيس: 429
ألست: فارس: 446
وكنت: جليس: 509
ضحوك: عبوس: 589هـ
ص أمن: تبوص: 361
* * * لعمرى: خائصا: 312هـ
نعم: الوقائصا: 313
ض يا ليل: الوامض: 235
إذا: وتحيض: 361
* * * وهم: المحض: 27
بميث: فضيض: 227
أعنى: بيض: 239، 465
يبارى: النحيض: 239
الا: المحوض: 347
رديت: الدحض: 359
حمدت: بعض: 392هـ
فو الله: الأرض: 392هـ
قعدت: فالعريض: 465
* * * أسألت: الجرامض: 44
صدر البيت: قافيته: صفحة
ط ناج: بالابعاط: 54
ع وإن: اجمع: 30
وآخر: وقيع: 33، 96
ظعن: الأنفع: 53
ألا: سنيع: 67
فما: وتسفع: 75، 76
أتجعل: والأقرع: 96
فتحالسا: لا ترقع: 105
يعثرن: الأذرع: 105
ثم: ولا جدع: 135
أكل: الأمرع: 142
فرمى: المنزع: 156هـ
أمن: يجزع: 156هـ
تمدهم: يوسع: 171
وكأن: ينزع: 178
إما: وامنع: 248
لحملتنى: راتع: 258
أتوعد: ضالع: 259
كأنها: والشرع: 280
تعدو: تمزع: 285
فاقنتهن: مهيع: 298
فبدا: مقزع: 320
أمن: يفزع: 320هـ
فتنازلا: مخدع: 326
تأبى: يتبضع: 326
فايدهن: يتجعجع: 328
يعثرن: الأذرع: 328، 483
سما: ولوع: 346
وقمت: أصنع: 252(1/554)
صدر البيت: قافيته: صفحة
لا أدفع: الجنادع: 353
قال: والأقرع: 355
أبا: الضبع: 358
ونشوان: يتنوع: 360
وأين: اللوامع: 367
أذكرت: نضوع: 368
وصله: ولوع: 368
جعلت: النسوع: 382هـ
وأنت: فاجع: 405
لعمر: برذع: 408
ولما: رافع: 445
* * * وإنى: فروعا: 116هـ
وذات: جذعا: 134
فلا: إجماعا: 148
نقل: والقطيعا: 171
وجربوه: الفنعا: 297
أمسى: ومقنعا: 297
من: أدلعا: 297هـ
ترى: المقرعا: 320
إذا: أجمعا: 404
ألا: الوداعا: 412
* * * لأنتم: الوقوع: 159
قعودا: الكوانع: 60هـ
ليهنئ: وتابع: 260
دانيت: بالأمنع: 265
إذا: القروع: 324
لا أدفع: الجنادع: 353
إن: وأدراع: 394هـ
ولما: رافع: 445
ألا: كالرجيع: 493
* * * صدر البيت: قافيته: صفحة
لما: فاضطجع: 369
ف بين: التلف: 70
فان: نحارف: 117
كميت: المحارف: 117
فما برحوا: المصاحف: 221
تنام: تنغرف: 347
فبينا: تنتصف
تقدم: تطوف: 451
قضينا: السيوفا: 39
أرقت: خفيفا: 151هـ
* * * يا ليت: الصافى: 251
للبس: الشفوف: 294
على: الرصاف: 323
أزهير: متكلف: 364
* * * أودى: الصحف: 18
لابهم: الألف: 18
لا تئل: لجف: 18
من: الخسف: 18
ق فلا: تذوق: 29
نأت: ويتوق: 29هـ
وما: عريق: 59
ما زال: الشفق: 84
ضن: ورق: 84
والنوم: المنطق: 179
كأن: الفرق: 257
ومن: ويحرق: 281
رضيعى: لا نتفرق: 290، 291
أرقت: معشق: 290هـ، 459(1/555)
صدر البيت: قافيته: صفحة
ولا عاديا: أبلق: 296
وإن: خيفق: 306، هـ
لمحقوقة: موفق: 306
وإن: معلق: 306
وإن: سملق: 306هـ
لأعلقن: المنطق: 307
تشب: المحلق: 307، 459
ويقسم: تنطق: 307
أبوك: أبلق: 359
وصاحبى: دمشق: 372، هـ
ذرينى: سروق: 377
فبتنا: مرفق: 377
بنى: منطق: 386
إما: نستبق: 387
قالت: خرق: 387هـ
لما: والخرق: 412
أحقا: فريق: 419
* * * أصاح: فواقا: 137
فلئن: رمقا: 208
إن: علقا: 323هـ
يا عين: العنقا: 377
وإنما: حمقا: 401
لا تسلمنى: واثقا: 424
أفقت: الطريقا: 460
* * * إذا: انطلاق: 15
ذرينى: المراق: 15
أكلفتنى: أغرق: 193
أتانى: مشرقى: 193هـ
حدباء: رونق: 254
فى كل: المترقرق: 254
إن: معلاق: 316
صدر البيت: قافيته: صفحة
ما أرجى: بحلاق: 327
فلست: مخنق: 339
يا عيد: طراق: 339
وترى: أولق: 348
وشفا: الفراق: 384
غلب: وبهرقل: 426
فقلنا: معنق: 451
فان: أمزق: 457
أبا: بالمحلق: 459
* * * ممهاء: عنق: 170
يرمى: مدق: 185
اسقيا: العلق: 423
ك تجانف: لسوائكا: 297
أتشفيك: كذلكا: 297هـ
فلما: مالكا: 309
أقول: ذلكا: 503
* * * بشكل: شوك: 16
ودونكه: حوك: 16هـ
دعوا: الأوارك: 334
إنى: مالك: 349
ل أجون: سيفعل: 106
أتاك: طويل: 162
كأنها: مكحول: 162
أتفر: فأثال: 169
وقربن: الرحل: 172
إنى: الغيل: 214(1/556)
صدر البيت: قافيته: صفحة
ودع: الرجل: 214هـ
ثمت: مناديل: 234
وأعجبنى: مناهل: 247هـ
وكانت: القبائل: 261
يحث: القنابل: 262
رأيت: البقل: 266
صحا: فالثقل: 266هـ، 268 274هـ
وقد: ما يحلو: 268، 271
وكنت: ما تحلو: 268
وكل: يسلو: 271
إذا: عصل: 271
غداة: وابل: 272
هنالك: يغلوا: 272
وهل: النخل: 274
كأنها: مكحول: 280هـ
هل: مشغول: 280هـ
لا أعرفنك: تحتمل: 291
لأعرفنك: واحتملوا: 291هـ
فكلنا: ومحتبل: 293
إن: الجاهل: 295
ودوية: دليل: 333
سحيرا: الوتل: 340
وفناة: الخبال: 344
وفتاة: الخيال: 344هـ
ولم: متطاول: 348
ألهفا: المباسل: 348، 398
ولكنها: الصياقل: 365
بيت: نهشل: 367
ذهب: جرول: 367
رأيت: الرعل: 367
إن: أطول: 375هـ
ذرينى: مال: 377
ألا: الحيال: 377هـ
صدر البيت: قافيته: صفحة
بنات: الفحال: 383
فإن: الأصل: 391
لهم: الأنامل: 398
وقد: الحيال: 443
ألا: وباطل: 446هـ
وهم: وتعكل: 448
ليبك: عيهل: 452
شككنا: السييل: 452
لأم: السييل: 452، 497
تواكلنى: غول: 505
* * * قفا: والمنزلا: 88
وكأن: ذلولا: 106
قتلوا: مقتولا: 121
قتلوا: مخذولا: 121هـ
ما بال: رحيلا: 121هـ
أغدوا: بدالا: 152، 153
أرى: نالا: 152
بهم: توالا: 152
لما: صنبلا: 212، 429
ما بال: رحيلا: 267هـ
حتى: الآلا: 278
سواسية: فضلا: 298
فإذا: ثقالا: 307
ينضح: الجللا: 308هـ
حسبت: ثاقلا: 321
أحذيت: حلا: 332
كلفت: غزالا: 333
حتى: وبيلا: 345
أخليد: دخيلا: 364
أنا: الجملا: 388
إذا: العيالا: 389
واخوهما: نهالا: 439
أبنى: الأغلالا: 440
أجشام: أعزلا: 443(1/557)
صدر البيت: قافيته: صفحة
أسر: وعقالا: 450
تلافيت: راجلا: 454
* * * يسقون: السلسل: 69
أسألت: فحومل: 69
مكر: من عل: 83
أثرت: ثقال: 112
ما بكاء: سؤالى: 112هـ
كنا: الأول: 123
فكلهم: يأتلى: 123هـ
ليث: بأوصال: 139
ينفقن: الأسحل: 142
فبانوا: القبول: 148
وقالوا: المقيل: 148
لا تشتكى: كلال: 149
نقب: وارتحال: 149هـ
ولا عيب: النمل: 157
غشيت: الخذل: 198
كأنى: حنظل: 213، 223
ريما: العقال: 213، 214
لا تضيقن: احتيال: 214
ويقول: الوعل: 215
فأضحى: الكنهبل: 219
فإن: تنسلى: 220
ذو: بالنسال: 220
تجاوزت: مقتلى: 221
وجيد: بمعطل: 221
فجئت: المتفضل: 222
كأن: جندل: 222
كدأبك: مأسل: 225
ألا: الخالى: 225
وهل: بأوجال: 225
وهل: أحوال: 226
ليالى: بمعطال: 228
صدر البيت: قافيته: صفحة
وهبت: قفال: 229
يزل: المثقل: 235
وواد: المعيل: 242
وإنا: الآجال: 246
وإذا: الأعمال: 252
ورب: المناهل: 261
أحم: الحلال: 269
جما: بأمثال: 270
حل: بالسخال: 275هـ
كالسحل: الأسول: 277
ألم: فالقفال: 323هـ
كأن: السجال: 323
وإذا: ممحل: 336
وكأس: منصال: 340
ومبرأ: معضل: 349
ولقد: مثقل: 349
ما: المحمل: 349
وقرين: والرحل: 355
ألكنى: جندل: 356، 408
وفناة: الخبال: 360
فلا: بحبول: 361
أجبيل: فأعجل: 364
أزهير: معدل: 364
أزهير: بهيضل: 364
أزهير: الأول: 364
فما: النبال: 420
سأقضى: عقال: 420هـ
والشاعرون: ومهلهل: 425
غلب: وبهرقل: 426
أسرنا: بالعوالى: 452
قربا: حيال: 454
هم: الخوالى: 455
مات: جندل: 455
جاءوا: الدئل: 477
وقبلى: والمضلل: 509
وقيس: جندل: 509(1/558)
صدر البيت: قافيته: صفحة
أوردها: مشتمل: 2
والعطيات: ومقل: 131
إن: وعجل: 274هـ
تسلب: عقل: 322
فان: فخل: 350
ألا: اتصل: 350
أحكم: صل: 365
أنشد: أضل: 366
ذرينى: مال: 377
ألا: الحبال: 377هـ
وقبيل: المقل: 455
م رقونى: هم: 37
إلا: متيم: 40
أفاطم: يتيم: 72، 138
أعن: مسجوم: 78هـ، 147 103هـ، 352هـ
يالهفتا: مرغم: 97
انك: تقيم: 103
حتى: نيم: 103
رد: معكوم: 105، 329
واذا: سجم: 136
بين: شبم: 137
قد: صمم: 137هـ
ولا: حميم: 138
كأنى: مهيوم: 146
حيسنا: الأوارم: 183
أظليم: ظلم: 238
أسليم: ظلم: 238هـ
أقصدته: السلم: 238هـ
لا يحرز: السلاليم: 247، 338هـ
ينزع: الطعم: 264
ينزع: عدموا: 264هـ
صدر البيت: قافيته: صفحة
قف: الديم: 264هـ، 271 278هـ، 279هـ 292هـ
ألا: واحتمام: 269هـ
دار: ارم: 278
صدت: الجذم: 279
وأبلج: القسام: 312
رب: النعيم: 321، 347
قد: ملموم: 330
لو: مغروم: 336
هل: مصروم: 336هـ
كأنها: مرخوم: 352
رونق: الحرم: 364
متى: المظالم: 377
وندمان: النجوم: 386
فقالا: لجيم: 387
لا أعد: الاعدام: 390
لا حبذا: نقم: 407
تمخضت: تمام: 410
ولقد: تعلم: 411
على: والنعم: 425
تعلم: لا يريم: 437
أظن: الحليم: 437هـ
عمائر: مساجم: 471
ضمناهم: يسالموا: 471هـ
* * * لحا: مطعما: 302
أتعرف: منمنما: 32هـ
لما: يلاما: 38
فلو: واقما: 61
لوان: واقما: 62
قلت: زرما: 63
بانت: اضما: 63هـ
أتيح: ساما: 69(1/559)
صدر البيت: قافيته: صفحة
ولا: خداما: 69هـ
يكسين: نيما: 104
فكأنى: التحكيما: 119
ساعة: واعتماما: 130، 300
ثم: الجهاما: 136
بؤسى: أنعما: 133
تشق: الزماما: 138
عرفت: خياما: 138
وما كان: تهدما: 164
نورا: توءما: 165
جرمى: وسلاما: 191
هو: وتماما: 192
ألا: هيلما: 250
له: العظاما: 255
تحيد: الحزما: 255
مولى: القحما: 256، 257
بانت: الأضما: 256هـ
حييا: أجما: 269
هذا: المازما: 283هـ
تركنا: المخرما: 300
ترى: المحرما: 300هـ
يا لقيس: على ما: 300
وسعدا: اذاما: 302
بنا: الجهاما: 303
وصهباء: أظلما: 340
تركنا: المخدما: 350
نحن: المقوما: 350
وقلت: أخزما: 352
وقلت: أعجما: 352هـ
فقلت: مقدما: 352هـ
أبلغا: وحريما: 378
ما سالم: مطعما: 385
أمن: أعجما: 398
تغلق: وأظلما: 400
ولما: مظلما: 400هـ
صدر البيت: قافيته: صفحة
لذى: ليعلما: 400
أقول: وسما: 405هـ
ووالله: واقدما: 412
فلو: راقما: 441
وفاظ: عندما: 442
فان: وألوما: 443
وأيقن: مأثما: 443
فان: أشيما: 448
قتلنا: المثلما: 449
ويوم: غراما: 450
فمن: لائما: 461
الا: دائما: 461
* * * كليب: بالدم: 23
وذو: والحزم: 37
الا: سهم: 37هـ
فلو: يسلم: 40
ألا: متيم: 40هـ
أفاطم: تئيمى: 71
نعاطى: بمحرم: 76، 421هـ
زوراء: الديلم: 100
هل: توهم: 100هـ
وأنا: النوام
يا ليت: ندم: 104
تركت: ومطعمى: 139
ألا: بالكلام: 160
لمية: عام: 160
مجمرة: المنسم: 185
ان: السموم: 186
اذا: منسم: 199
عوجا: خذام: 210، 211
لمن: اقدام: 210هـ
أمن: فالمتثلم: 230، 266هـ 360هـ(1/560)
صدر البيت: قافيته: صفحة
فاصبحتما: ومأثم: 231
فذلك: المخرم: 240
وأنا: النوام: 245
لمن: اقدام: 245
حالت: حرام: 251
اضرب: بطعام: 254
عهدى: بالعظم: 262
بها: مجثم: 266
ومن: لا يكرم: 266
فأقسمت: وجرهم: 267
متى: الخيام: 269هـ
أخبرت: للحلم: 281
فموتوا: جثم: 295
فمر: يثمثم: 300
فذلك: المخزم: 300
عجبت: ترخم: 300
ولقد: ضمضم: 304
وقصد: العظم: 330
وردوا: للمحلم: 333
أقول: زهدم: 335
أقول: لازم: 335
فجاءت: وشم: 340
يرمون: بالتحسم: 344
فلا: الطعام: 345
ولا: العظام: 345هـ
يديث: الكريم: 349
غيبت: بالدم: 354
ومن: يندم: 354هـ
ويغفرها: للظلوم: 359
أزهير: متكرم: 364هـ
فلست: كدارم: 367
ان: بالدم: 377هـ
ورثنا: ونديمى: 383
وأتانى: همومى: 385
تعالوا: حاثم: 386
صدر البيت: قافيته: صفحة
أحرى: تأيم: 396
وكسرى: اللحام: 409
تظلمنى: عظامى: 421
لعمرى: بغلام: 422
يا صاحبى: خذام: 429
ونحن: للمم: 445
ولا شاركت المخزم
يرمون: بالتحسم: 510
* * * إن: عالم: 2
كأن: ابتسم: 176
بلقاء: متم: 176
فاذهب: وأرم: 278هـ
أتهجر: منجذم: 285
هم: كالحمم: 355
له: كالقلم: 366
أخون: وعم: 398
وإن: والعمم: 413
أرادت: ظلم: 413
ما شاء: حكم: 443
تعلمت: البهم: 444
الدار: قلم: 460
هل: كلم: 460هـ
ن كأنك: حنين: 131
وقد: قتين: 158
زنوا: يودن: 160
نوى: معمن: 194
بأن: تكون: 279
ألا: الظنون: 279هـ
تضمر: القرون: 281
كأن: قتان: 331
مثل: والجن: 331
وطعن: ملآن: 348(1/561)
صدر البيت: قافيته: صفحة
صفحنا: أخوان: 348هـ
* * * صحفت: أبانا: 20
فإما: تكونا: 77، 340
منطق: لحنا: 91
امغطى: حسنا: 91
لكن: غنا: 112
أنكرت: يعطينا: 116هـ
عجبت: تشكونا: 174، 175
لما: هنا: 249
ولا أكوى: كوينا: 259
فابدل: وجونا: 298
أو كاهتزاز: لينا: 308
فلا: مستكينا: 340هـ
يهززن: يبرينا: 346
ردينة: احتوينا: 354
فانك: بالقنينا: 354
ألا: علينا: 354
ألا: فالعيونا: 354
تظل: ويفتدينا: 360
فبينا: أفنونا: 380
يا نفس: أقرانا: 395
ألا: علينا: 398
ياذا: وحينا: 428
أزعمت: رمينا: 428
دعوت: مدبرينا: 430
ألا: المسلمينا: 430هـ
هلا: وشيبانا: 440
أبو: يكفينا: 456
ليلتنا: فارقينا: 483
وأضحت: حنينا: 511
* * * لو: معن: 34، 157
قتالا: دعنى: 34
فياموت: خذنى: 35
صدر البيت: قافيته: صفحة
كم: والعقبان: 112
لقد: الطحين: 139
وكلمة: فانقذينى: 144
يا أصبهان: وأوطانى: 164
اذا: العيون: 181
أفاطم: تبينى: 181هـ، 457هـ
وكنا: صيان: 199
ومخلدات: الكثبان: 226
لمن: يمان: 240هـ
مخش: العدوان: 231
وواد: حسان: 231
قفا: أزمان: 231هـ، 361هـ
أحنظل: ولأرضانى: 250
ألا: غدران: 250هـ
أثرت: الظعان: 261
لعمرك: ما أتانى: 263
ويل: منى: 265
إلى: فالحجون: 279
أم: باللين: 316
يطلبن: طفائن: 339
وغيث: حنان: 361
مر: بالأظعان: 368
تحت: نعمان: 368هـ
إنى: بالحسن: 380
فلو: الغذوان: 389، 390هـ
فاعمد: يدان: 408
هم: مجنى: 450
كنن: العيون: 457
* * * قتلوا: بكفن: 121، 127 267
ليت: أبن: 161
إنى: ليلين: 179
وخان: الزمن: 282هـ(1/562)
صدر البيت: قافيته: صفحة
لعمرك: معن: 282هـ
ويقبل: الأزن: 283
يشق: الردن: 284
عليه: امتخن: 284هـ
وقد: السقم: 288
غزاتك: العجم: 288
تفرج: السقم: 288هـ
ولم: درم: 289
أفيضا: بدم: 289
هـ هب: شرابها: 41
ما يكفلوا: مآربها: 72
لم: عواقبها: 72
وقد: نيمها: 105
هم: تراها: 116
بضرب: تبورها: 166
أشد: سواها: 187هـ
أنا: أفالها: 220
لميثاء: فمسيلها: 227
ولقد: فأزالها: 264
لتذودهن: حمامها: 269
وإن: انصرامها: 269
تؤم: لميعادها: 270
فان: نخيلها: 275
لميساء: فمسيلها: 275هـ، 293هـ
تئج: شليلها: 292
فانى: أبيلها: 293
على: آفاتها: 301
أهنا: لا تقاتها: 301
أجد: طيانها: 301هـ
رحلت: بدالها: 304
عضب: بها: 305
وبهماء: فيادها: 308
صدر البيت: قافيته: صفحة
قد: اوامها: 325
وكنت: منونها: 341
وروحة: أروضها: 343
الا: عروضها: 343هـ
تالله: فصلاها: 334
ما بال: بلاها: 334
تبحثتم: ضميرها: 351
ابنى: شئونها: 353
بنفس: لها: 356
سأحمل: لها: 356
يادار: عامها: 363
وخمار: بشمالها: 374
لعمرى: احتيالها: 381
وما: حسامها: 396
ونحن: وقرونها: 403
رجعن: إعصارها: 450
قد: راماها: 468
* * * إذا: معجمه: 15
قلت: يندمه: 15هـ
مستودع: زهره: 16
رأى: يواثبه: 20
رأيته: غفلته: 56
قد: غره: 64
قالت: شواته: 73، 74 75
سألنا: ثماله: 115هـ
أفسد: غزاله: 123هـ
كليه: ناصره: 161
جاء: ماطره: 187
قربا: رنزه: 190
فرحنا: وعوامله: 222
رب: ستره: 246
وحديث: قصره: 249(1/563)
صدر البيت: قافيته: صفحة
جعلته: تثمه: 270
وبتنا: نزاوله: 276
صحا: ورواحله: 276هـ
وغيث: وهواطله: 277
يا جارتى: عفاره: 303
وتثيب: الغراره: 303
يا رب: الليله: 303
رمها: الحراره: 304
قضم: الحراره: 304
أشجاك: حممه: 314
فسعى: شيمه: 316
المطعمون: المدعده: 321هـ
من: صباره: 329هـ
أجن: وجحافله: 330
وأما: لافظه: 331
يداك: غائظه: 331هـ
آدم: بناته: 350
كفانى: معانقه: 351
كأن: قاضيه: 356
فما: غالية: 357
وأهل: آجاله: 374
ألا: شائقة: 379
لئن: عارقه: 379
أقسم: الحلقه: 382
يا رب: عميره: 392هـ
أبنى: السه: 402
جزت: طالبه: 421
الموت: بقيه: 427
من: العشيه: 427
من: التحيه: 427
اليوم: بيته: 428
نجيت: جزره: 442هـ
لحقنا: وخاذله: 448
صدر البيت: قافيته: صفحة
ويعلى: والنحنحه: 500
يابيدره: صره: 501
لو: خناعه: 507
الألف اللينة لله: اهتدى: 30
بكيت: وأبكى: 52
حتى: جبا: 132، 133هـ
ولقد: القرا: 371
أبلغ: التوا: 371هـ
أعرفت: فاستوى: 384
إما: ارعوى: 397
ألا: قضى: 451
ى اذا: نعىّ: 234
ألا: العصى: 234هـ
* * * ولما: خاليا: 53
ألا: أبيا: 120
فإن: صديا: 121هـ
ألا: هيا: 264
أتانا: هاديا: 298، 299
أيرجو: ورائيا: 394
بنى: القوافيا: 399
يقول: وماليا: 420هـ
ألم: ماليا: 439
* * * إنى: لا احبنطى: 28، 108
كفرا: النقى: 101، 153
كفوا: النفى: 101، 154
هو: الباقى
ألا: أهلى(1/564)
4 - فهرس الأمثال
صفحة
51 - أساء سمعا فاساء جابة
242 - أخرب من جوف حمار أكفر من حمار
397 - أفقر من عربان شهلة
243 - أقبل عير وما جرى
310 - باءت عرار بكحل
51 - حال الجريض دون القريض
324 - ذاك الفحل لا يقرع أنفه
402 - شنشنة أعرفها من أخزم
498 - العصا من العصية وخشين من أخشن
508 - عند جفينة الخبر اليقين قد أنصف القارة من راماها
243 - كذب العير وإن كان برح
167 - كل الصيد فى جوف الفرا
265 - ما جعل قدك إلى أديمك
404 - ما يوم حليمة بسر
149 - يا حامل اذكر حلا يا عاقد اذكر حلا
243 - يضرط العير والمكواة فى النار(1/565)
5 - فهرس الشعراء
اأبان اللاحقى: 19، 20، 21.
ابن أبى ربيعة: 30هـ.
ابن أبى الزغباء: 311.
ابن أبى سلمى بن ربيعة: 354.
ابن أبى شبة: 163، 164هـ.
ابن أبى شبة العسلى: 162.
ابن أحمر (عمرو بن أحمر): 217، 238 343هـ 77هـ 152هـ 153
ابن الأعشم (عبيد بن الأعشم): 436.
ابن الجريبة (عنترة): 398.
ابن جمانة (عبد الرحمن بن عصيم): 410.
ابن حذام: 211.
ابن الحجناء: 404.
ابن خرقاء (جهر بن خرقاء): 410.
ابن الذئبة الثقفى (ربيعة): 394.
ابن الرعلاء: 380.
ابن الرومى: 44، 220.
ابن الزبعرى: 37هـ.
ابن صبيح (الحر بن عمرو بن مهلب): 411.
ابن الضريبة (مسروح بن قيس): 413.
ابن عنمة الضبى: 497.
ابن الفريراء: 408.
ابن غزالة (ربيعة بن عبد الله): 411.
ابن فوة: 508.
ابن قرقرة (زرعة بن السكيت): 410.
ابن قيس الرقيات: 112، 162.
ابن مقبل (تميم): 78، 308، 330، 338، 346، 357.
ابن ميادة (الرماح بن زيد): 356.
ابن هنام: 405.
أبو الأخزر 339.
أبو أخزم الطائى: 377.
أبو برسيس: 396.
أبو تمام: 15.
أبو جابر الكلابى: 219هـ.
أبو جلدة اليشكرى: 408.
أبو جندب الهذلى: 327هـ.
أبو الحجناء: 355.
أبو حنبل (جارية بن مر): 390.
أبو حنش: 141.
أبو حنظلة بن عرار: 423.
أبو الحويرث الحنفى: 339.
أبو خراش بن خويلد: 37هـ، 392.
أبو الخطاب الهذلى: 75.
أبو حلاوة (عمرو بن عبد شمس): 409.
أبو دلامة: 58.
أبو دهبل الجمحى: 406
أبو دهلب: 406.
أبو دواد الإيادى (جارية بن الحجاج): 390.
أبو ذؤيب الهذلى: 64، 99، 105، 141 142، 143، 156، 168، 178، 272، 284، 285هـ 298، 326، 328، 483، 502.
أبو زبيد الطائى: 135، 339.
أبو الزحف: 396.
أبو شجرة (عبد الله رواحة السلمى): 84.
أبو العتاهية: 307.(1/566)
أبو العلاء المعرى: 124هـ.
أبو عقيل: 237.
أبو الغول الطهوى: 398.
أبو القرين الفزارى: 396.
أبو كبير الهذلى: 348، 349هـ 364، 414.
أبو نايل (إهاب بن عمير): 396.
أبو اللحام الثعلبى: 412.
أبو النجم: 64، 104هـ 227.
أبو نواس: 20، 194.
أبى بن حمام العبسى: 399.
الأبيرد بن المعذر الرياحى: 414.
الأجحم (نصيب الأكبر): 404.
الأحوص (عاصم بن ثابت): 292، 389.
الأخزم السنبسى: 402.
الأخطل (غياث بن غوث): 153، 252، 360، 396، 439، 445، 505.
الأخنس (شهاب التغلبى): 256، 472.
أدهم بن أبى الزعراء: 353هـ.
الأزدى (محمد بن عبد الله): 353.
الأسعر الجعفى (مرثد بن حمران): 24هـ، 112هـ، 214، 332، 371.
الأسود بن يعفر: 331.
الأشجعى: 337.
الأشعر الرقبان: 272، 371.
الأعرج المعنى (عدى بن عمرو بن سويد): 352
الأعشى: 40هـ، 63، 73، 112، 135، 136، 138، 140، 149، 198، 210، 214، 227، 240، 249، 254، 264، 270، 271، 288، 290، 294هـ 295هـ 296، 297هـ 300، 306، 311، 312، 313هـ، 329.
أعشى باهلة: 435.
أعشى بنى تميم: 433.
أعشى بنى شيبان: 434.
أعشى بنى الحرماز: 434.
أعشى بنى قيس: 434.
أعشى تغلب: 436.
أعشى سليم: 436.
أعشى طرود: 435.
أعشى عدوان: 435.
أعشى همدان: 459.
أعصر بن سعد: 248.
الأعور الشنى: 249هـ.
أفنون التغلبى: 316هـ، 380.
الأفوه الأزدى: 228.
امرؤ القيس: 22هـ، 68، 83، 87هـ، 97، 98، 99، 109، 136، 169، 210، 213، 219، 225، 232، 233هـ، 239هـ، 240، 242، 247، 256، 260، 317، 328هـ 346هـ، 361، 362، 378، 407، 432، 465، 468.
امرؤ القيس بن حذام: 213.
امرؤ القيس بن الخفشيش: 431.
امرؤ القيس بن حمام: 429.
امرؤ القيس بن الذائد: 430.
امرؤ القيس بن ربيعة: 425.
امرؤ القيس بن عابس: 362، 429، 430.
امرؤ القيس بن عامر: 432.
امرؤ القيس بن عدى: 431.
امرؤ القيس بن اليعمر: 431.
أمية بن أبى الصلت: 215.
أوس بن حجر: 106، 139، 232، 266، 270، 284، 317، 318هـ، 319، 320، 441.
أوس بن غلفاء: 377، 443.(1/567)
ب البرج بن مسهر: 386.
برذع بن زيد بن عامر: 407.
بشار: 58، 194.
بشامة بن الغدير: 408.
بشر: 324.
بشر بن أبى خازم: 323، 406، 451.
بشر بن المعتمر: 2.
البريق الهذلى (عياض بن خويلد): 383.
البغيث:
بقيلة الأشجعى: 400.
ت تأبط شرا: 339، 349.
التلب العنبرى: 391، 392.
تميم بن أبى بن مقبل: 247.
ث ثعلبة بن صعير المازنى: 66هـ.
ج جبار بن ربيعة: 398.
جبار الطائى: 394.
جبهاء الأشجعى (يزيد بن عبد الله بن عقيلة):
135.
جحدب: 376.
الجرندق: 381.
جريبة بن الأشيم الأسدى: 355، 387.
الجرنفس: 381.
جرير: 104، 118هـ، 145، 146، 169، 170هـ 357، 367، 376، 397، 440، 447، 465.
جساس بن خشبة التيمى: 351هـ.
الجعدى (النابغة): 226، 232، 270، 271.
جعفر بن علبة الحارثى: 348، 398.
جليخ بن سويد: 384.
الجنوب (أخت عمرو ذى الكلب): 374.
جهم بن خلف المازنى: 24.
جواس بن القعطل: 401.
جؤية بن النضر: 387.
ح حاتم طيىء: 32.
حاجز: 412.
حارثة بن بدر: 426.
الحارث بن حلزة: 93، 262.
الحارث بن خالد المخزومى: 239، 368.
الحارث بن الغذوان: 389.
الحارث بن ظالم: 377.
حاضر بن حطاطى: 413.
حبان بن مساور: 394.
الحبيب بن خدرة: 481.
حجية بن المضرب: 460.
حراز بن عمرو الضبى: 395.
حريث بن عناب (الأعور النبهانى): 386، 401.
حريث بن محفض: 370.
حرقة بن النعمان (هند): 282
حريق: 382.
حرى بن نهشل: 395.
حزيمة بن نهد: 428.
حسان بن ثابت: 69، 298، 299، 231، 234، 347.(1/568)
حسان بن نشبة العدوى: 300.
الحسن بن هانئ: 18، 24، 58.
حسيل بن مجاشع (نجيح بن عبد الله): 402
حصين بن الحمام المرى: 399، 325، 352
الحطيئة: 53، 95، 98، 102، 139، 298
حطائط بن بدر: 433.
الحمدونى (محمد بن بشر): 26.
حميد بن ثور: 29، 170.
حنى (سويد بن سعود): 411.
خ خباب بن أفعى: 410.
خداش بن بشر (البعيث): 373.
خداش بن زهير: 159.
خراش بن إسماعيل العجلى: 248.
خزز بن لوزان: 395.
الخربق: 381.
الخرنق بنت هفان: 382.
خفاف بن ندبة: 61، 62هـ، 331هـ، 441هـ.
خطام المجاشعى: 396.
الخلج الأودى: 384.
خلد بن حق: 409.
خليد عينين: 407.
الخمخام بن حملة: 400.
خنزر بن الأرقم: 395.
الخنساء: 356.
الخنوت (توبة بن مضرس): 374.
خوات بن جبير: 375.
خويلد بن خالد: 99هـ.
د درهم بن زيد: 414.
دريد بن الصمة: 355.
دعميص الرمل: 406.
دودان بن سعد الأسدى: 359هـ.
دو سر بن ذهيل القريعى: 406.
دويد بن زيد: 428.
دينار بن بادية: 414.
ذ ذو الأصبع العدوانى: 19، 325هـ.
ذو الرمة: 81هـ، 102، 103، 146، 159هـ 160، 172، 179، 194، 250، 288، 345، 347هـ، 352، 860، 448هـ.
الذهاب بن جندل: 410.
ر الراعى: 106، 121، 126، 170، 344، 351، 364.
رؤبة: 15هـ، 28، 61، 103، 104، 108، 145، 251.
ربيعة بن جشم: 86هـ.
ربيعة الخشام (عمر بن مالك): 400.
ربيعة بن مهرب: 463.
الرعبل بن كليب: 381.
الرقبان (عمرو بن حارثة): 371.
رقيبة الجرمى: 405.
الرمق بن ورد: 407.
ريعان: 373.
ر زخرب بن سمعان: 395.
زرارة بن سبيع الأسدى: 359.
زرارة بن قروان 415:.(1/569)
الزعبل بن أبى المسترق: 391.
الزفيان السعدى: 272، 334هـ، 371، 372.
زهير: 116، 147، 164، 210، 222، 227، 265، 266، 278، 280، 281، 289، 292هـ، 299، 323، 360هـ.
زهير بن جناب الكلبى: 427، 447.
زهير بن مسعود: 320هـ.
زياد بن حمل: 407.
س سابق: 59.
ساعدة بن جؤية: 104، 117، 387.
سالم بن المفرخ: 385.
سالم بن قفان: 383.
سحيم بن وثيل اليربوعى: 235، 388.
سراج بن قوة (عتبة بن مرداس): 410.
السرندى: 376.
السرى بن حاتم: 162.
سعنة (ابن الغريض): 414.
سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: 74.
سلامة: 165.
سلمة بن صبح: 471.
سلمة بن المحبق: 457.
سليمان بن يزيد العدوى: 58.
سماك بن حرب: 75.
السموءل: 296.
السموءل بن غريض: 414.
سنان الفحل: 402.
سؤر الذئب (هميان بن قحافة): 405.
سويد بن خزاق: 382.
سيار بن قصير الطائى: 402.
ش شديد بن عامر بن لقيط العامرى: 414.
شريح بن قرواش: 303.
الشماخ: 34، 158، 324، 342، 493.
شملة بن الأخضر الضبى: 452.
الشميذر الحارثى: 399.
الشنفرى: 165.
ص صالح بن عبد القدوس: 58.
صخر الغى الهذلى: 69هـ.
ط الطائى: 350
طرفة: 180، 227، 287، 314، 15، 17، 23، 39، 359.
طرفة الخريمى: 350هـ.
الطرماح بن الجهم: 436.
الطرماح بن حكيم: 363هـ.
الطرماح بن عدى الطائى: 436.
الطرماح بن نفر الطائى: 436.
ع عارق الطائى (قيس بن جروة): 379.
عامر بن جوين الطائى: 388.
عامر بن شقيق: 354هـ.
عامر بن الطفيل: 155هـ.(1/570)
عامر بن كثير المحاربى: 166هـ.
العباس بن مرداس: 96هـ، 197.
العباب: 385.
عبد الرحمن المعنى: 403.
عبد الشارق بن عبد العزى: 354، 397.
عبد القيس: 181، 364.
عبد الله بن الزبير: 405.
عبد الله بن عنمة الضبى: 402.
عبد الله بن قيس الرقيات: 181هـ، 414.
عبد الله بن كيسبه: 506.
عبد الله بن همام السلولى: 309هـ.
عبدة بن الطيب: 235، 378.
عبيد الأبرص: 425، 426، 428.
عبيد الراعى: 267هـ.
العتاب من بنى عجل: 386.
عتاب بن ورقاء الشيبانى: 396.
عتبة بن الحارث بن شهاب: 443.
العجاج: 100هـ، 103هـ، 104، 114، 132، 142هـ، 144، 154، 155، 256، 287، 325، 344، 358هـ، 366.
عدى بن الرقاع: 201.
عديل بن فرخ العقيلى: 385هـ.
عدى بن الغدير الغنوى: 269هـ.
عدى بن زيد: 72هـ 127، 148، 334، 335، 366، 511.
عرار بن عمرو بن شأس: 413.
عركز بن الجميع الأسدى: 410.
عريق الكلبى: 378.
عطية زيد: 235هـ.
عقيل بن علفة: 377.
عكرشة بن زيد: 357.
عكمص الغدانى: 406.
علاق بن مروان: 402.
علباء بن جوش (أبو الغول): 398.
علبة: 398.
علبة بن عمرو: 398.
علقمة التيمى: 376.
علقمة بن جداعة: 376.
علقمة بن عبدة: 105، 231، 330هـ، 335، 378.
علقمة بن عبقر: 376.
علقمة الفحل: 310، 336.
على بن الغدير: 408.
على بن يسير: 403.
عمارة: 350.
عمر بن أبى ربيعة:
عمرو بن أحمر: 341.
عمرو بن الخثارم: 410.
عمرو بن الأهتم: 375.
عمرو بن الأيهم: 375.
عمرو بن حنى: 411.
عمرو بن قيئة: 425، 426.
عمرو بن عصام العنزى: 144.
عمرو بن معدى كرب: 347.
عنترة: 33، 96، 100هـ، 106، 224، 246، 304، 326، 352، 389.
عوف بن الخرع: 385.
عويف القوافى: 350، 380.
العيار: 387.
غ الغباب (ثعلبة ابن الحارث): 386.
غسان بن ذهيل: 406.
غيلان بن سلمة: 408.
ق قتادة بن معرب اليشكرى: 384.(1/571)
القتال الكلابى: 122، 129.
القحيف العقيلى: 383.
القرثع: 413.
القطامى: 155، 201، 307، 348.
القطران العبشمى: 358، 406.
قطنة:
قطينة الهجنى: 396.
القلاخ بن حزن: 388.
قيس بن الخطيم: 61هـ، 70، 346هـ، 441.
قيس بن زهير: 437.
ك كبد الحصاة (قيس بن عمرو): 405.
كثير: 86، 131، 289، 361، 414.
كثير بن الغريزة: 408.
كعب بن زهير: 254.
كعب الغنوى: 341.
كعب بن مالك الأنصارى: 39.
الكميت: 117.
الكميت الأكبر: 148.
الكميت بن زيد: 148، 180، 430، 507.
الكميت بن معروف: 148.
ل لبيد: 237، 268، 287، 297، 298، 320، 321هـ، 323هـ، 365هـ، 426، 446هـ.
لسان الحمرة (عبد الرحمن بن حصين): 410
اللعين المنقرى (منازل): 421.
لقيط بن زرارة: 82، هـ.
م مالك بن أسماء: 91هـ.
مالك بن حريم: 377، 378.
مالك بن زغبة: 166.
مالك بن نويرة: 449.
المتلمس: 115، 136، 260، 479.
متمم بن نويرة: 346.
المتنخل الهذلى (عامر بن عويمر): 384، 390.
المثقب العبدى: 181، 457.
المحرق المزنى (عمارة بن عبد): 462.
محمد بن الأخطل: 396.
محمد بن بشير: 403.
محمد بن حمران الجعفى: 213.
محمد بن علفة: 376.
محمد بن علقة: 376.
محمد بن يسير: 413.
اخبل السعدى: 136، 237، 270، 334هـ.
المخبل (ربيعة بن مالك): 457.
المخزم بن حرن: 266، 462.
المخرم (مسهر بن عمرو): 402، 403، 413، 461.
المذنوب (كثير بن حية): 414.
مدرج الريح (عامر بن المجنون): 384.
المرار: 63.
المران بن منقذ: 407.
مرقس: 403.
المرقش: 278، 345.
المرقش الأصغر: 403، 460.
المرقش الأكبر: 403، 425، 461.
مرة بن محكان: 419.
مزرد: 368.(1/572)
لمزاعفر (معن بن حذيفة): 410.
المسيب بن علس: 191، 285.
مسرد بن اللعين: 396.
المضرب (عقبة): 460.
معبد بن علقمة: 354.
معدن بن جواس: 401.
المعذل بن عبد الله: 84هـ.
معقر البارقى: 451، 462.
معقل بن عامر الأسدى: 349هـ.
معوذ الحكماء: 457.
المفضل بن خالد السلمى: 419.
المفضل بن دلهم: 499.
المفضل بن عامر: 419.
المفضل بن قدامة: 419.
المفضل بن قيس: 419.
المفضل المازنى: 419.
المفضل بن المهلب: 419.
مقاس (مسهر بن عمرو): 403.
مقاتل بن داود: 396.
المكدد (شريح): 461.
المكحل: 459.
مكرز بن حفص: 404.
مكين العذرى: 396.
ملقى بن مقلد: 406.
الممزق العبدى (ساس بن نهار): 193، 457
المنخل بن سبيع: 391.
المنخل اليشكرى: 120هـ، 121، 390.
مهلهل: 317، 338.
ن النابعة بن بشر: 432.
النابعة الجعدى: 126، 327هـ، 319هـ، 432.
النابغة بن الحارث: 432.
النابغة الذبيانى: 36، 40، 63، 157، 188هـ 210، 224، 253، 255، 257هـ 259، 260، 335، 432.
نصيب: 357.
النعيب بن عمرو: 373.
نضلة بن خالد الأسدى: 359.
النمر بن تولب: 296، 390.
النمر بن قاسط: 86هـ.
النميرى الثقفى (محمد بن نمر): 322هـ.
نهشل بن حرى: 395.
هـ الهذيل بن هبيرة: 356، 408.
همام بن مرة: 309هـ.
الهميان بن قحاقة: 282.
ووالية بن الحباب: 59هـ.
وعلة الجرمى: 22.
وكيع القطامى (عامر بن ستيم): 393.
ى يزيد بن أبى عتاب الشيبانى: 397.
يزيد بن خذاق: 97، 175، 382.(1/573)
6 - فهرس الأعلام
أأبان اللاحقى: 19.
ابراهيم بن حميد: 133.
إبراهيم بن على بن مخلد: 157، 197.
إبراهيم بن المعلى: 170.
ابن أبى سعد: 172.
ابن أبى فرجاء: 363.
ابن أبى سعية: 116.
ابن أبى شبة العبلى: 162.
ابن أبى عتيق: 42.
ابن أبى عيينة: 125.
ابن أبى فننن: 52.
ابن أبى قرة: 191.
ابن الأعرابى: 34، 46، 66، 72، 101، 106، 138، 145، 151، 157، 161، 164، 168، 222، 232، 267، 279، 322، 327، 333، 340، 341، 343، 344، 345، 360، 497، 510.
ابن الأنبارى: 327، 343، 366.
ابن الجهم: 336، 347.
ابن حزم: 42.
ابن الخباز (أحمد بن محمد بن الفضل):
ابن دأب: 197.
ابن دريد: 32، 82، 990، 1، 322، 107 178، 190، 245، 269، 271، 202، 208، 231، 6، 86، 210، 258، 288، 293، 294، 309، 329، 332، 337، 340، 339، 356، 358، 377، 420، 427، 464، 375، 485، 508.
ابن الزبير: 336.
ابن السحماء (شريك): 379.
ابن السكيت: 20، 31، 66، 180، 200، 82، 130، 170، 180، 181، 226، 258، 273، 277، 313.
ابن عرفة: 341.
ابن عمار: 116، 119.
ابن عمر: 348.
ابن فراس: 45.
ابن فسوة: 501.
ابن الكلبى: 242، 248، 338، 407، 439، 497.
ابن الكوفى: 195.
ابن الكلبى: 242، 248، 338، 407.
ابن الكوفى: 195.
ابن قادم: 198.
ابن المخرم: 462.
ابن المخزم: 462.
ابن مكرم: 52.
ابن زياد: 385.
ابن الطوسى: 150.
ابن عائشة: 30.(1/574)
ابن عباس: 3.
ابن هندابة: 454.
أبو أخمد: 257، 269، 273.
أبو إسحاق الزيادى: 255، 329.
أبو إسحاق الزجاج: 277، 361، 377، 363، 369، 370.
أبو الأسود الدؤلى: 12، 14.
أبو أمامة الباهلى: 153.
أبو بشر: 393.
أبو بكر بن الأنبارى: 37، 60، 234، 248، 277، 291، 293، 366.
أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى: 457.
أبو بكر (محمد بن إسماعيل): 218، 219.
أبو بكر بن دريد (ابن دريد):
أبو بكر بن السراج: 202
أبو بكر بن عمرو بن حزم:
أبو بكر بن المبرمان: 242.
أبو بكر بن مجاهد: 347.
أبو بكر بن محمد الجواليقى: 344.
أبو جعفر محمد بن حبيب: 147، 178، 289، 296، 498، 499.
أبو حاتم السجستانى: 19، 114، 231، 235، 241، 243، 244، 245، 254، 257، 308، 322، 372، 508.
أبو حسان الفزارى: 199.
أبو الحسن الطوسى: 84، 102، 185، 315.
أبو الحسن الكسائى: 129.
أبو حسين (تيم بن عدى): 497.
أبو الحسين النسابة: 210، 211، 213، 378، 505، 506.
أبو الحسين بن لنكك: 371.
أبو حماد (الحوفزان بن شريك): 503.
أبو حفش التغلبى: 22.
أبو حنيفة الدينورى: 104.
أبو حيان النحوى: 303.
أبو خالد النمرى: 23، 24.
أبو الخطاب البهدلى: 75.
أبو خيرة العدوى: 112.
أبو دفاقة بن سعد الباهلى: 106.
أبو ذر الغفارى: 379.
أبو ذكوان: 138، 181.
أبو الريان (طعيمة بن عدى بن نوفل): 480.
أبو رياش: 371.
أبو زيد الأنصارى: 28، 108، 110، 125.
أبو زيد بن شبة: 213.
أبو سعيد السكرى: 184.
أبو سعيد الضرير: 164، 279.
أبو سعيد الطوال: 187.
أبو سفيان بن حرب: 324.
أبو شعيب: 258.
أبو شنبل: 397.
أبو شهلة: 397.
أبو العباس (أحمد بن يحيى ثعلب): 40، 160، 191، 201، 289، 331، 339، 357، 425، 508.
أبو العباس المبرد (محمد بن يزيد): 42، 118.
أبو عبد الرحمن مشكدانة: 11.
أبو عبد الله بن الأعرابى (ابن الأعرابى):
أبو عبد الله بن عرفة: 342.
أبو عبد الله نفطويه: 279، 339، 340، 360، 367.
أبو عبد الله بن المفجع: 53.
أبو عبيد القاسم بن سلام: 216، 292.
أبو عبيدة: 28، 102، 105، 186، 196، 211، 215، 223، 231، 234، 236، 246، 254، 258،
262، 263، 266، 273، 290، 291، 296، 298، 315، 319، 321، 420.(1/575)
أبو عبيدة: 28، 102، 105، 186، 196، 211، 215، 223، 231، 234، 236، 246، 254، 258،
262، 263، 266، 273، 290، 291، 296، 298، 315، 319، 321، 420.
أبو عثمان المازنى: 39، 295.
أبو عمر (محمد بن عبد الواحد): 176، 201
أبو عمر الجرمى: 111، 112.
أبو عمرو بن العلاء: 32، 73، 74، 76، 77، 103، 109، 110، 169، 213، 214، 236، 248، 268، 271، 272، 291، 478.
أبو عمر الشيبانى: 16، 94، 95، 168، 171، 192، 216، 263، 281.
أبو عكرمة الطيبى: 159.
أبو على الكواكبى: 121.
أبو على اللحيانى: 185.
أبو لغافة: 456.
أبو مالك الكندى: 122.
أبو محلم السعدى: 35، 68، 85، 107، 146، 151، 155، 200.
أبو محمد الأنبارى: 370.
أبو محمد بن خلاد الرامهرمزى: 46.
أبو مطر: 178، 179.
أبو معشر المنجم: 50، 55.
أبو معمر المنقرى: 26.
أبو المنذر النعمان: 149.
أبو مهدى: 172.
أبو موسى: 194.
أبو موسى الحامض: 370.
أبو نصر (أحمد بن حاتم): 161، 200، 267.
أبو هفان: 162، 163.
أبو اليقظان: 96.
أحمد بن إسماعيل الكاتب: 15.
أحمد بن جعفر البرمكى: 25.
أحمد بن الحباب: 379.
أحمد بن الحسن. الحبطى: 198
أحمد بن سعيد بن سلم: 83.
أحمد بن سليمان بن أبى شيح: 119.
أحمد بن صالح المصرى: 17.
أحمد بن عبيد: 368.
أحمد بن محمد: 344.
أحمد بن يحيى (ثعلب): 41، 45، 60، 161، 193، 339، 161، 931، 339، 343، 358، 369، 510
أحمد بن يحيى البلاذرى: 149.
أحمد بن محمد بن أبى بكر: 372.
أحمد بن محمد الطالقانى: 147.
أحمد بن يعقوب: 368.
الأحمر: 174.
أحمس: 136.
أحيحة بن الجلاح: 70.
أخزم بن أبى أخزم: 402.
الأخفش: 88، 89، 113، 169، 248، 251، 425.
الأسقاطى: 109.
الأصمعى: 2، 5، 6، 14، 15، 16، 19، 22، 23، 26، 28، 29، 31، 33، 37، 39، 40، 46، 49، 52، 55، 57، 64، 66، 69، 76، 78، 94، 95، 100، 101، 171، 218، 277، 279، 284، 288، 295، 311، 313، 329، 341، 425، 432، 483، 508.
الأعمش: 77.
أكثم بن صيفى: 344.
الهان بن مالك: 469.
أمية الأصغر: 493.
أمية بن عبد شمس: 493.(1/576)
أميه بن عصية: 493.
إنسان بن عتوارة: 505.
الأوزاعى: 14، 71.
ب بحيرة بن عبد الله القشيرى: 454.
برد الفؤاد: 43.
البريدى: 370.
برزج: 195.
بشر بن عمرو بن مرثد: 382.
بشير بن كعب: 11.
بغا: 50.
بكر بن حبيب السهمى: 29، 79.
بكيل بن الهان بن مالك: 469.
بنو الإخوة (رجل من خزيمة بن نهد (: 506)
بنو إنسان: 505.
بنو أمية بن زيد: 493.
ج جمرة بن جعفر: 494.
ح الحمدونى: 118.
حمزة الزيات: 12.
حنين بن إسحاق: 44.
حرى بن سفيان بن مجاشع: 317.
حبان بن بشر:
خ خالد: 208.
خالد بن الحذاء: 393.
خالد القسرى: 339.
خالد بن كلثوم: 144.
خالد بن الوليد: 30، 373.
الخطيم الباهلى: 399.
خلف الأحمر: 18، 73، 74، 135، 137، 169، 197، 198.
خلف البزاز: 122.
الخليل بن أحمد: 35، 57، 169.
خميس بن بدر: 192.
د دلال: 43.
ذ ذو الشمالين: 462.
ذو اليدين: 462.
ر رافع بن عميرة: 30.
الرباب: 33.
ربعى بن حراش: 109.
ربعى بن خراش: 26.
الرشيد: 126، 176، 198.
رفاعة بن سداد الفتيانى: 506.
الرياشى: 88، 116، 263، 269، 270، 283، 284، 291، 295، 432، 434.
الريان بن حويص العبدى: 480.
الريان بن سلمة البلوى: 480.(1/577)
ز زبان بن سيار: 259.
زبيبة: 388.
زبيدة: 186.
الزجاج: 298، 347، 361، 363.
الزعبل بن أبى المشرق: 381.
زند بن الجون: 39.
الزنقاطى: 154.
زهرة بن الحوية: 387.
الزيادى: 215.
زيد بن الدثنة: 394.
زيد الفوارس بن حصين الضبى: 455.
س سبعة بن عوف بن ثعلبة: 506.
سعد بن أبى وقاص: 382.
سعدى بنت جدعاء: 407.
سعد بن مشمت: 461.
سعيد بن العاص: 107.
سفيان بن مجاشع: 22.
السكرى: 202.
سلمة بن الحارث الكندى: 492.
سلمة بن عاصم: 126، 169.
سلمة بن على بن أسد: 491.
سلمة بن عمرو بن ذهل: 492.
سليمان بن أبى شيخ: 3، 199.
سليمان التيمى: 29.
سليمان بن عبد الملك: 42، 43.
سليمان بن على: 23.
سليمان بن يزيد العدوى: 58.
سليمة بن مالك: 491.
سنان بن خالد الأشد: 455.
السندى: 196.
سيران بن أحمد: 200.
ش شبيب بن شيبة: 26، 27.
شجاع بن قاسم: 50، 55.
الشرادانى: 126.
شريح بن الأحوص: 296.
شريح بن عمران بن السموءل: 296.
شريح بن مسهر: 353.
شريك بن عبد الله النخعى: 210.
شعبة بن الحجاج: 36، 75، 78، 107.
شيبان بن عبد الرحمن النحوى: 349.
الشيخ (المؤلف): 371، 338، 393، 314.
ص صالح بن مخلد: 56.
صالح بن عبد القدوس: 58.
صفوان بن المعطل السلمى: 461.
الصلب (عمرو بن قيس): 456.
الصولى: 89.
ض الضباب بن الحارث: 493.
الضباب بن حجير: 493.
ضييعة: 136.
الضحاك بن حمزة: 494.
ضرة الشمس: 43.(1/578)
ط الطالقانى: 144.
طاهر بن الحسين: 397.
الطوسى: 150، 184.
ع عاصم بن ثابت بن أبى الأفلح: 389.
عامر بن عبد الملك المسمعى: 4.
العباس بن عبد الرحمن الألوسى: 191.
عبد الله بن أحمد بن سعيد: 146.
عبد الله بن زياد: 399.
عبد الله بن طاهر بن أحمد الزبيرى: 199.
عبد الله بن سلمة: 492.
عبد الله بن عمر (مشكدانة): 11.
عبد الله بن كيسبة: 506.
عبد الله بن مسعود: 77.
عبد الله بن مسلم بن قتيبة: 183.
عبد الله بن يعقوب: 145، 146.
عبد الرحمن بن أبى ليلى: 70.
عبد الملك بن الزبير بن باطى: 405.
عبد المسيح بن حبان بن بقيلة: 502.
عبد الله بن مروان: 13، 380، 113.
عبده بن مشمت: 379.
عبده بن مطهر: 379.
عبرة: 489.
عبرة بن زهران: 489.
عبرة بن هداد: 490.
عبشمس بن أحرم: 472.
عبشمس بن أسعد: 472.
عبيد الله بن سليمان بن وهب: 47.
عبيد الله بن يحيى بن خاقان: 23، 36.
عتاب بن ورقاء الرياحى: 397.
العتبى: 19، 503.
عتر بن عامر: 490.
عتر بن عوف: 491.
عتر بن معاذ: 491.
عثمان البتى: 90.
عثمان بن أبى شيبة:
عدس بن زيد: 87، 99.
عدنان بن عبد الله: 468.
عدنان بن عبد الله بن زهران: 468.
عرفجة بن أسعد: 21.
عرقوب بن معبد: 338.
عسل بن ذكوان: 151، 195، 202، 215، 269.
عقبة بن سلم الهنئى: 502.
العلاق بن شهاب: 316.
علاق بن مروان: 402.
على بن أبى طالب: 107، 108.
على بن الحسين الإسكافى: 158، 159.
على بن ساسان: 57.
على بن الصباح: 106، 146، 155.
على اللحيانى: 31.
عمارة بن زياد العبسى: 192.
عمارة بن عقيل: 118.
عمران بن حصين: 11.
عمران بن مخزوم: 474.
عمرو أخو هلال الرأى: 110.
عمرو بن الحمق الخزاعى: 506.
عمرو بن شبة: 187، 212.
عمرو بن ود: 507.
عمر بن الخطاب: 379، 392.
عنزة بن أسد: 489.
عنزة بن أفعى: 489.
عوف بن منهب بن دوس: 489.
عون بن محمد: 175.(1/579)
عياض بن حمار: 502.
عيسى بن جعفر: 48.
عيش بن ثور: 489.
عيش بن خلادة: 489.
عيينة بن حصن: 102.
غبر بن بكر: 490.
غبر بن غنم: 490.
غبرة سعد: 490.
غندر: 393.
الغنوى: 153.
ف الغراء: 128، 130، 131، 138، 336، 347.
الفيض بن عبد الحميد: 19.
ق القاسم بن جرير: 52.
القاسم بن عبيد الله: 44، 45.
القاضى وكيع: 392.
قتادة بن معرب اليشكرى: 3، 357.
قدامة بن مظعون: 379.
قطرب: 193، 362، 365.
القطربلى: 40.
القعقاع بن شور: 59.
قعنب بن شور: 59.
قيراط بن عم سيبويه: 202.
ك كثابة: 404.
الكسائى: 24، 25، 26، 27، 33، 120، 121، 123.
كعب بن مسور: 509.
كلثوم بن الهدم: 485.
كيسان: 25، 83، 84، 103.
ل اللحيانى: 186.
الليث بن المظفر: 57، 59.
م المأمون: 49.
الماجشون: 42.
المازنى: 56، 85، 89، 284، 285، 313.
مالك بن حمار السمخى: 503.
مالك بن فهم: 349.
المبرد: 111، 189، 481.
المبرمان (محمد بن على بن إسماعيل): 189، 410.
المجبه بن ربيعة: 454.
المجذر بن زياد البلوى: 463.
المجمع بن مالك: 473.
المجمع بن وهب: 473.
المحبر بن إياس: 463.
المحترش (أبو غبشان): 462.
محرز بن حمران: 455.
المحرق (الحارث بن عمرو): 462.
المحرق المزنى: 462.
المحلق بن جزء: 459.
المحلق الضبى: 459.
محمد بن إبراهيم السكونى: 142.
محمد بن أبى رجاء: 39.
محمد بن أنس: 172.
محمد بن بشير الخارجى: 403.
محمد بن جرير (مسقع): 145.
محمد بن الجهم: 176.
محمد بن حبيب (أبو جعفر):
محمد بن زكريا بن دينار:
محمد بن سلام: 80، 211، 291.
محمد بن عباد بن موسى: 11.(1/580)
محمد بن عبد الرحمن بن مجير: 463.
محمد بن عبد الله التيمى: 181.
محمد بن عبد الله الحزنبل: 184.
محمد بن عبد الله بن طاهر: 42.
محمد بن عبد الله اليعقوبى: 52.
محمد بن عبد الله الجواليقى: 199.
محمد بن عبد الواحد: 193.
محمد بن عبد الملك الزيات: 16.
محمد بن عبد الرحمن: 345.
محمد بن علقة: 376.
محمد بن على بن إسماعيل: 340.
محمد بن عمر الجرجانى: 148.
محمد بن المنكدر: 107.
محمد بن هبيرة (صعوداء): 178.
محمد بن الوليد: 393.
محمد بن يحيى: 214، 392.
مخلد بن يزيد بن المهلب: 171.
المخلق: 459.
مخيس بن أرطاة: 461.
مرجوم بن عبد القيس: 455.
المسلبان: 455.
المسور بن عبد الله (مهرويه): 48.
المضاض بن جرهم: 198.
معاوية: 65.
معاوية بن كلاب: 493.
المعمرى: 339، 369.
المغمض (قيس بن المثلم): 462.
المفضل بن محمد الضبى: 72، 134، 138، 345.
مقاعس: 23.
المكدد (شريح): 461.
المهلب: 373.
منبه بن أعصر: 499.
منبه بن الحجاج السهمى: 499.
منبه بن حرب: 499.
منبه بن نكرة: 499.
منبه (ذو يزن الحميدى): 499.
ن نبيه بن الحجاج السهمى: 499.
نسيم السحر: 23.
نصر بن سيار: 199.
نصر بن عاصم: 13.
النضر بن حديد: 175.
النضر بن شميل: 57، 59.
النضير: 405.
النعمان بن المنذر: 316، 383.
نومة الضحى: 43.
النوشجان بن عبد المسيح:
هـ هاشم بن حرملة المرى: 259.
هذمة بن عتاب بن أبى حارثة: 485.
الهزيل بن عبد الرحمن: 468.
الهزانى: 36، 63، 104.
هشام بن الحكم: 54.
والوثيق: 213.
ورقة بن نوفل: 324.
وكيع بن أبى سود: 509.(1/581)
ى يحيى بن زياد الفراء (الفراء):
يحيى بن على: 194.
يحيى بن معين: 17.
يحيى بن نجيم: 25.
يزيد: 328.
يزيد بن أحمد: 174.
اليزيدى: 123، 124.
يعقوب بن بيان: 158، 159.
يعقوب بن السكيت (ابن السكيت):
يعلى بن أمية: 500.
يعلى بن منبه: 499.
يموت بن المزرع: 153.
يونس بن حبيب: 75، 125، 132، 150، 169، 291، 363.(1/582)
7 - فهرس القبائل وما تفرع منها
االأزد: 196، 349، 474، 488، 479، 491، 494، 510.
أسد بن خزيمة: 470.
أشجع: 289.
الأنصار: 481، 488، 496، 498.
إياد: 476.
ب بجلة: 96، 97.
بجيلة: 473، 487، 492.
بكر بن عبد مناة: 476.
بكر بن وائل: 22، 316.
بلقين: 41، 479.
بلى: 136، 379، 480، 486، 488، 490.
بنو أسد: 200، 404، 499.
بنو برى بن ملكان: 494.
بنو يزيد: 328، 329، 328.
بنو تغلب: 389، 316، 476.
بنو تميم: 87، 373، 376، 412، 487، 486، 494، 509.
بنو جحجبى: 70.
بنو جمل: 407.
بنو حديلة: 474.
بنو حمل: 407.
بنو خيبرى: 353.
بنو الخندع: 353.
بنو ذهل: 478.
بنو رؤاس: 409.
بنو زبينة: 389.
بنو سعد: 23.
بنو سليم: 96، 97، 498.
بنو شميس: 349.
بنو ضبة: 413، 474.
بنو عابد: 473.
بنو عامر بن صعصعة: 415، 493.
بنو عايذ: 473.
بنو العباس بن عبد المطلب: 470.
بنو عجل: 491.
بنو غريب: 170.
بنو عقيل: 96.
بنو فتيان: 506.
بنو فزارة: 357.
بنو فقعس: 200، 387.
بنو قرد بن سعد بن هذيل: 502.
بنو كلبة: 502.
بنو كنانة: 477.
بنو معولة بن عبد شمس: 349.
ت تزيد (بنو تزيد)
تغلب (بنو تغلب)
تميم (بنو تميم)
تنوخ: 482(1/583)
ج جديلة: 474.
جذام: 486.
جعفى: 473، 492.
جلى: 136.
ح الحبطات: 507.
الحشان: 467.
حنيفة: 476.
خ خزاعة: 413، 486.
الخزرج: 482.
د دودان بن أسد: 470.
ر ربيعة: 397، 400، 409، 477، 490.
س سدوس: 97، 468.
سعد العشيرة: 409.
ش الشقرات: 507.
شمس (بطن): 349.
ض ضبة: 477.
ضبيعة: 136.
ط طيئ: 192، 387، 402، 403، 411، 474، 495.
ع عاملة: 483.
عبد القيس: 193، 491، 499.
عدس بن زيد: 97، 99، 468.
عدى: 380.
عدنان بن أود: 468.
عذرة: 485، 486.
عك: 480، 488.
عنزة: 477، 489.
غ غطفان: 488.
غيلان: 467.(1/584)
ف قزارة: 478، 498.
ق قريش: 404، 412، 414، 473، 486، 489، 493.
قريظة: 405.
قيس عيلان: 467، 473، 487، 493، 493، 496.
قصى: 198.
قضاعة: 41، 328، 473، 479، 493، 498.
ك كلب: 407، 478، 480، 490.
كنانة: 407، 492، 494.
كندة: 411، 473.
م مذحج: 488.
مزينة: 485، 489.
المعاول: 196.
ن النخع: 499.
هـ هداد: 196.
هذيل: 151، 387.
همدان: 353، 403، 414، 492.
هوازن: 491.
الهون بن خزيمة: 477.
الهون بن مدركة: 469.(1/585)
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع كتاب:
«شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف»
لأبى أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكرى
بشركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده محمود نصار الحلبى وشركاه خلفاء 1382هـ 1963م(1/586)
المراجع
اأراجيز العرب
الاستيعاب فى معرفة الأصحاب
أسد الغابة
الاشتقاق
الإصابة
الأغانى
الإكمال لابن ماكولا
الأمالى للقالى
أنباء الرواة
الأنساب للسمعانى
الأوراق للصولى
ب بغية الوعاة
البيان والتبيين
ت تاج العروس
تاريخ بغداد
تاريخ الطبرى
تجريد الأغانى
تصحيح التصحيف
تصحيفات المحدثين
التنبيه على أغاليط الرواة
ج جمهرة ابن دريد
جمهرة أشعار العرب
جمهرة الأمثال
جمهرة أنساب العرب
ح الحيوان للجاحظ
خ خزانة الأدب
الخلاصة
د ديوان ابن الرومى
ديوان ابن المعتز
ديوان أبى ذؤيب الهذلى(1/587)
ديوان أبى نواس
ديوان الأعشى
ديوان امرئ القيس
ديوان أوس بن حجر
ديوان بشار
ديوان حاتم الطائى
ديوان حسان بن ثابت
ديوان الحماسة لأبى تمام
ديوان ذى الرمة
ديوان رؤبة
ديوان زهير
ديوان عمر بن أبى ربيعة
ديوان العجاج
ديوان لبيد
ذ ذيل الأمالى
س السيرة لابن هشام
ش شذرات الذهب
شرح ديوان الفرزدق
الشعر والشعراء
ص الصحاح للجوهرى
ط الطبرى
طبقات الأطباء
طبقات الحفاظ
طبقات الحنابلة
طبقات الشعراء
الطبقات الكبير
طبقات النحاة
ع العقد الفريد
العقد النفس
العمدة لابن رشيق
ف الفائق للزمخشرى
فتوح البلدان
الفهرست لابن النديم
ق القاموس المحيط
ل لسان العرب
م مجالس ابن مسلم
مجالس ثعلب(1/588)
مجمع الأمثال
مختلف القبائل
المخصص
مراصد الاطلاع
المزهر فى علوم اللغة
المشتبه فى أسماء الرجال
المعانى الكبير لابن قتيبة
معجم الأدباء
معجم الشعراء
معجم ما استعجم
مفردات ابن البيطار
المفضليات للضبى
المؤتلف والمختلف
ن نزهة الألباء فى طبقات الأدباء
نقائض جرير والفرزدق
نقائض جرير والأخطل
النهاية فى شرح غريب الحديث
ووفيات الأعيان
الوزراء والكتاب(1/589)