مقدمة التحقيق
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذى أنزل القرآن كلامه فارقا بين الحق والباطل، وحدّا بين الهدى والضلال، واصطفى نفرا من خلقه الكرام البررة حفظته قلوبهم ولهجت به ألسنتهم، وقيض لكلامه منهم من يذود عنه شبه الملحدين وافتراءات المرجفين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مقرّ بوحدانيته، مذعن فؤاده لربوبيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذى آتاه الحق سبحانه وتعالى جوامع الكلم، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة رضى الله عنها: «مثل الماهر بالقرآن مثل السّفرة الكرام البررة، ومثل الّذى يقرؤه، وهو عليه شاقّ له أجران» (1).
فاستنفر بقوله همما عالية وصدورا طاهرة عكفت على كلام الله حفظا وتلاوة وفهما وتدبرا، رضى الله عن صحابته الكرام الذين سنوا لمن بعدهم سنة العناية بكتاب الله الكريم، ورحم الله السادة المشايخ الذين جمعوا فى اختلاف حروفه ورواياته المبسوطة والمختصرة.
وبعد، فهذا مبحث من المباحث القرآنية الشريفة، يدور حول توقيفية القراءات القرآنية، وعرض ما أثير حولها من شبه وافتراءات قديما وحديثا من بعض المفترين العرب ومن بعض المستشرقين الملحدين.
وبداية نقول: إن القراءات القرآنية ليست بالاجتهاد والاختيار، وإن تنوعها واختلافها ليس وليد إغفال الكلمات القرآنية من النقط والشكل إذ لو كان كذلك لكانت كل قراءة يسمح بها الرسم وتسيغها العربية صحيحة، وليس كذلك فإن كثيرا من الكلمات يحتمل رسمها أكثر من قراءة واللغة تجيز هذه القراءات ولكن لم يصح فيها إلا قراءة واحدة. والقراءة لا تعتبر ولا يعتد بها إلا إذا كانت عن التلقين والتوقيف والتلقى والمشافهة والنقل والسماع والرواية. وفيما يلى عرض لهذه القضية ومناقشة جوانبها.
__________
(1) أخرجه البخارى (8/ 691) حديث (4937)، ومسلم (1/ 549) حديث (244).(1/3)
توقيفية القراءات
* اختلاف اللهجات وتعدد القراءات:
لقد نزل القرآن الكريم بلسان عربى مبين، واللسان العربى مثله مثل كل الألسنة انشعبت منه منذ قديم الزمان لهجات متعددة مختلفة فى كثير من المستويات الصوتية والدلالية، وأيضا على مستوى القواعد والمفردات.
وهناك أسباب أدت إلى هذا الاختلاف من أهمها: أن أعضاء النطق تختلف فى بنيتها واستعدادها ومنهج تطورها تبعا لتنوع الخواص الطبيعية المزود بها كل شعب من الشعوب المختلفة، والتى تنتقل عن طريق الوراثة من السلف إلى الخلف.
ومن سنة الله عز وجل أنه لم يرسل رسولا إلا بلسان قومه قال تعالى:
{وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، وأن العرب الذين أنزل إليهم القرآن الكريم، كانوا مختلفى اللهجات، متعددى اللغات، متنوعى الألسن ومن أجل ذلك أنزل الله تعالى كتابه على لهجات العرب ليتمكنوا من قراءته، وينتفعوا بما فيه من أحكام وشرائع إذ لو أنزله تعالى بلهجة واحدة والحال هكذا من أن الذين أنزل إليهم مختلفو اللهجات لحال ذلك دون قراءته، والانتفاع بهدايته لأن الإنسان يتعذر عليه أن يتحول من لهجته التى درج عليها، ومرن لسانه على التخاطب بها منذ نعومة أظفاره، وصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه، وسجية من سجاياه، واختلطت بلحمه ودمه، حتى لا يمكنه التحول عنها، والعدول إلى غيرها. فلو كلف الله العرب مخالفة لهجاتهم التى لا يستقيم لسانهم إلا عليها، ولا يتيسر نطقهم إلا بها لشق ذلك عليهم غاية المشقة ولكان ذلك من قبيل التكليف بما لا يدخل تحت طاقة الإنسان البشرية وقدرته الفطرية، ولكان ذلك منافيا ليسر الإسلام وسماحته، التى تقتضى درء المشقة والحرج عن معتنقيه فاقتضت رحمة الله تعالى بهذه الأمة، وإرادته التخفيف عنها، ووضع الإصر عنها أن ييسر لها حفظ كتابها، وتلاوة دستورها لتتمكن من قراءته، والتعبد بتلاوته، والانتفاع بما فيه على أكمل الوجوه وأحسنها فأنزله على لهجات العرب المتنوعة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤه على العرب، بهذه اللهجات ليسهل على كل قبيلة تلاوته، بما يوافق لهجاتها.
وبالضرورة، وإزاء هذه الأسباب القوية، ليس يسهل على كل أحد أن يستبدل
لهجة جديدة بلهجة جرى عليها لسانه طفلا، وناشئا، وكهلا. وحتى بعد طول المحاولة والمعالجة قد يظل الأمر عسيرا على شيخ يأبى لسانه تغيير ما ألف السنين، وامرأة ليس لها غالبا على ما تعودته من طرائق الكلام سلطان.(1/4)
وبالضرورة، وإزاء هذه الأسباب القوية، ليس يسهل على كل أحد أن يستبدل
لهجة جديدة بلهجة جرى عليها لسانه طفلا، وناشئا، وكهلا. وحتى بعد طول المحاولة والمعالجة قد يظل الأمر عسيرا على شيخ يأبى لسانه تغيير ما ألف السنين، وامرأة ليس لها غالبا على ما تعودته من طرائق الكلام سلطان.
روى الترمذى فى موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«يا جبريل إنّى بعثت إلى أمّة أمّيّين، منهم العجوز، والشّيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرّجل الّذى لم يقرأ كتابا قطّ».
وقد كان بين القبائل العربية اختلاف فى نبرات الأصوات وطريقة الأداء: فكان فيهم من يدغم، ومن يظهر، ومن يخفى، ومن يبين، ومن يميل، ومن يفتح، ومن يفخم، ومن يرقق، ومن يمد، ومن يقصر إلى آخر كيفيات النطق المختلفة، فتلقاء هذه الفروق التى يصعب على الناس التخلص منها، ولأن الدين الذى نزل به القرآن يسر دائما أمر الله نبيه أن يقرئ كل قبيلة بلهجتها وما جرت عليه عادتها، فعلى سبيل المثال:
يقرأ الأسدي: (يعلمون)، و (تعلم)، و (تسودّ وجوه)، و (ألم أعهد إليكم) بكسر حرف المضارعة.
والتميمى يهمز، والقرشى لا يهمز.
ويقرأ أحدهم: (عليهم)، و (فيهم) بضم الهاء، لا بكسرها.
وهذا يقرأ: (قد أفلح)، و (قل أوحى) بالنقل.
وآخر يقرأ: (موسى)، و (عيسى)، و (دنيا) بالإمالة.
وغيره يلطف.
وهذا يقرأ: (خبيرا)، و (بصيرا) بترقيق الراء.
والآخر يقرأ: (الصلاة)، و (الطلاق) بالتفخيم.
إلى غير ذلك.
هذا إلى ما هو معروف من الاختلاف الطبيعى بين القبائل، فى شهرة بعض الألفاظ، فى بعض المدلولات، وإلى ما هو معروف أيضا عند علماء القراءات:
من أن القرآن نفسه اختلفت بعض ألفاظه، فى الحروف أو كيفيتها، من حيث الغيبة والخطاب، والتذكير والتأنيث، والجمع والإفراد، والتخفيف والتشديد، والتحقيق
والتسهيل وغير ذلك، مما هو مقرر، ومحدد، منذ عهد النبوة (1).(1/5)
من أن القرآن نفسه اختلفت بعض ألفاظه، فى الحروف أو كيفيتها، من حيث الغيبة والخطاب، والتذكير والتأنيث، والجمع والإفراد، والتخفيف والتشديد، والتحقيق
والتسهيل وغير ذلك، مما هو مقرر، ومحدد، منذ عهد النبوة (1).
جيل الصحابة والتابعين وتابعيهم:
ثم إن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين قد تلقوا من فىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، بقراءاته ورواياته فلم يضيعوا منه جملة، ولم يغفلوا منه كلمة، ولم يهملوا منه حرفا، أو سكونا، أو حركة أو قراءة أو رواية، ونقله عن الصحابة التابعون، على هذا الوجه من الإحكام، والتحرير، والإتقان، والتجويد.
ثم إن جماعة من التابعين وأتباع التابعين كرسوا حياتهم، وأفنوا أعمارهم فى قراءة القرآن وإقرائه وتعليمه، وتلقينه، وعنوا كل العناية بضبط ألفاظه، وتجويد كلماته، وتحرير قراءاته، وتحقيق رواياته، وكان ذلك شغلهم الشاغل، وغرضهم الهادف، حتى صاروا فى ذلك أئمة يقتدى بهم، وتشد الرحال إليهم، وينقل القرآن عنهم ولتصديهم لذلك نسبت القراءة إليهم فقيل: قراءة فلان كذا، وقراءة فلان كذا، فنسبة القراءة إليهم نسبة ملازمة ودوام، لا نسبة اختراع وابتداع، ومن هؤلاء الذين انقطعوا للتعليم والتلقين: القراء العشرة، وهم: أبو جعفر ونافع المدنيان، وأبو عمرو ويعقوب البصريان، وابن كثير المكى، وابن عامر الدمشقى، وعاصم وحمزة والكسائى الكوفيون، وخلف البغدادى.
وقد أجمع من يعتد بهم من العلماء على تواتر قراءات هؤلاء الأئمة الأعلام، فقد روى قراءاتهم معظم الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقوها من فيه مشافهة، ورواها عن الصحابة التابعون وأتباع التابعين، ومن هؤلاء وهؤلاء القراء العشرة المذكورون، ورواها عن القراء العشرة طوائف لا تحصى كثرة وعددا، فى جميع العصور والأجيال، لم تخل أمة من الأمم، ولا عصر من العصور، ولا مصر من الأمصار، إلا وفيه الكثرة الكاثرة، والجم الغفير، والجمع الوفير، ممن يروى قراءات هؤلاء الأئمة، ويحذقها، وينقلها لغيره، إلى وقتنا هذا، ولن تزال الأمم إن شاء الله على تعاقبها وتلاحقها وتتابعها، أمة بعد أمة، وجيلا إثر جيل تتعاهد هذه القراءات، وترويها، وتنقلها لمن بعدها، وتقرؤها، وتقرئ بها، إلى أن يرث الله
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس للشيخ عبد الفتاح القاضى، والدكتور لبيب السعيد ص (79، 98).(1/6)
الأرض ومن عليها، وكل ذلك مصداقا لقوله تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (1) [الحجر: 9].
اختلاف القراءات القرآنية:
لقد كثرت الأقاويل والآراء فى موضوع نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف إلى حد كاد يطمس أنوار الحقيقة، حتى استعصى فهمه على بعض العلماء، ولاذ بالفرار منه، وقال: إنه مشكل.
ثم إن الخطأ فى هذا الباب قد يتخذ منه أعداء الإسلام سبيلا عوجا، إلى توجيه المطاعن الخبيثة إلى القرآن. وقد كان من تداول هذا الخطأ ونقله: أن كتب بعض أعداء القرآن كتابا، أسموه: «مباحث القرآن»، ومن فصوله: هل من تحريف فى الكتاب الشريف؟
ويجب أن نذكر، أن القراءات التى يجب على المسلمين وجوبا المحافظة عليها، ليست هى الأحرف والمرادفات التى كانت تقام بعضها مكان بعض، قبل العرضة الأخيرة للقرآن، والتى كانت إقامتها لضرورة ماسة انتهى وقتها عند هذه العرضة، فضلا عن عهد عثمان وإنما هى: القراءات التى يحتملها مصحف عثمان، المقتصر على حرف قريش كما قال ناس أو المشتمل على باقى الأحرف كما قال آخرون. وهذه القراءات على أية حال: ثابتة كلها بالنقل المتواتر، عن النبى نفسه صلى الله عليه وسلم.
وواضح جدّا: أن اختلاف القراءات لا يعنى أن فيها تنافيا، أو تضادّا، أو تناقضا، وإنما هو بإطلاق اختلاف تنوع وتغاير فحسب، ففي كل اختلافات القراءات، لم يظهر أن قراءة اتخذت سبيلا استدبرته قراءة، أو أن قراءة أمرت بما نهت عنه أخرى.
ثم إن هذه القراءات جميعها بمنزلة سواء فى الأسلوب والغاية، فهى كلها معجزة، وتلك حقيقة لا نستغربها، ما دامت كل قراءة قد أنزلت من عند الله، أو أذن بها الله، وما دام القراء فى اختلافهم مجرد ناقلين، وليسوا كالفقهاء: يختلفون لأنهم يجتهدون.
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (80).(1/7)
وبين القراءات القرآنية اختلافات توقيفية يسيرة، محصورة كلها، ومضبوطة، ومعلومة، ولا زيادة فيها ولا نقص، ولا تقديم ولا تأخير، وهى كلها لا تجهد عامة الناس فى الفهم والتدبر، فضلا عن أن تجهد الدارس المدقق أو القارئ المتخصص.
والقراءات الثابتة منزلة كلها من عند الله، أو مأذون فى قراءتها من الله، فقد تواترت تواترا مقطوعا به، وشاملا للأصول والفروع، عن نفس الرسول الذى أوتى القرآن، وكلف إبلاغه للعالمين صلوات الله وسلامه عليه وقد قرأ بها المسلمون، منذ كان الوحى، ويستحيل عقلا أن يكونوا قد أمضوا القرون وهم يقرءون غير ما أنزل الله سبحانه.
وإذا كانت القراءات والروايات القرآنية قد أضيفت إلى قراء ورواة بأعيانهم، فهذا لا يعنى إلا أن المضاف إليه اختار قراءة أو رواية، وكان أضبط لها وأدوم وألزم قراءة وإقراء بها، حتى نسبت إليه أو نسب إليها، فهى كما يقرر ابن الجزرى إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأى واجتهاد، ومن هنا كان اختلاف القراء عند المسلمين صوابا بإطلاق، وليس كاختلاف الفقهاء يعتبر حتى عند أصحابه صوابا يحتمل الخطأ.
ورأس الأسباب فى اختلاف القراءات هو: أن القرآن نزل على سبعة أحرف كما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم، فيما أثبت أحد وعشرون صحابيّا روى عنهم البخارى ومسلم وآخرون.
إذن فإن الأمر فى نزول القرآن على سبعة أحرف هو ما بيناه فيما سبق من أسباب دعت إلى ذلك: كاختلاف اللهجات، والاختلاف فى طريقة الأداء ونبرات الصوت، وهناك سبب ثالث يرجع إلى ذات القرآن: هو اختلاف بعض ألفاظه، من حيث الغيبة والخطاب، والتذكير والتأنيث، والجمع والإفراد، والتخفيف والتشديد (1).
أقسام القراءات:
القراءات القرآنية أقسام وهى كالتالى:
أولا: المتواترة: وهو: ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، عن
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس للأزهر ص (100، 139، 140).(1/8)
مثلهم، إلى منتهاه، وغالب القراءات كذلك.
وقد اختيرت سبع قراءات من هذا النوع، عرفت كل منها بأسماء أهم من عرف بالقراءة بها. وأصحاب هذه القراءات هم: نافع المدنى، وابن كثير المكى، وأبو عمرو بن العلاء البصرى، وابن عامر الشامى، وعاصم وحمزة والكسائى:
الكوفيون.
وأول من اقتصر على هؤلاء السبعة هو أبو بكر بن مجاهد، قبيل سنة 300هـ، أو ما حولها، وتابعه بعد ذلك المسلمون إلى الآن.
ولكل من هؤلاء القراء رواة، وأصحاب طرق، وأصحاب أوجه، معروفون جيدا لعلماء القراءات.
والنقل المتواتر هو عنصر أساسى فى إثبات القرآنية حتى يعرّف الكتاب بأنه:
«القرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة». فإن القول بأنه «نقلا متواترا» احتراز عما اختص بمثل مصحف أبىّ، ومصحف ابن مسعود، مما نقل بطريق الآحاد.
ثانيا: المشهورة: وهو ما صح سندها ولم يبلغ درجة التواتر، ووافقت العربية ورسم المصحف، واشتهرت عند القراء فلم يعدوها من الغلط ولا من الشذوذ.
وقد اختير من هذا النوع ثلاث قراءات، وأصحابها هم: أبو جعفر بن قعقاع المدنى، المتوفى سنة 130هـ، ويعقوب الحضرمى، المتوفى سنة 205هـ، وخلف البزار، المتوفى سنة 229هـ.
ولكل من هؤلاء أيضا رواة، وأصحاب طرق، وأصحاب أوجه، وهم جميعا معروفون لعلماء القراءات.
ونظرا لأن هذه القراءات الثلاث لا تخالف رسم السبع، فقد ألحقها المحققون بها، وعدوا القول بعدم تواترها فى غاية السقوط، ولا يصح القول به عمن يعتبر قوله فى الدين.
ومن هؤلاء المحققين:
البغوى الفراء الموصوف بأنه أول من يعتمد عليه فى ذلك المجال لأنه مقرئ فقيه جامع للعلوم.
وابن تيمية الفقيه المعروف.
والقسطلانى فى كتابه «لطائف الإشارات»، حيث يقول: «إننا لو اشترطنا التواتر فى كل فرد من أحرف الخلاف انتفى كثير من القراءات الثابتة عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم».(1/9)
وابن تيمية الفقيه المعروف.
والقسطلانى فى كتابه «لطائف الإشارات»، حيث يقول: «إننا لو اشترطنا التواتر فى كل فرد من أحرف الخلاف انتفى كثير من القراءات الثابتة عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم».
وعبد الوهاب السبكى الذى يقول: «إن هذه القراءات الثلاث بالإضافة إلى القراءات السبع معلومة من الدين بالضرورة، ونزلت على النبى صلى الله عليه وسلم لا يكابر فى شىء من ذلك إلا جاهل».
وزكريا الأنصارى، المتوفى سنة 926هـ، والذى أفتى بأن القراءات العشر متواترة كلها.
ثالثا: الآحاد: وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، ولم يقرأ به.
رابعا: الشاذة: وهو ما لم يصح سندها.
خامسا: الموضوعة: ويمثل لها السيوطى بقراءات الخزاعى.
سادسا: ما زيد فى القراءات على وجه التفسير: كالقراءة المنسوبة إلى سعد ابن أبى وقاص: «وله أخ أو أخت من أم»، وكالقراءة المنسوبة إلى ابن عباس:
«ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فى مواسم الحج» وكالقراءة المنسوبة أيضا إلى ابن الزبير: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم».
وواضح أن الناس اجتمعوا على القراءات المتواترة والمشهورة لسببين، أوضحهما الطبرسى فى تفسيره:
أحدهما: أن أصحابها تجردوا لقراءة القرآن، واشتدت بذلك عنايتهم، مع كثرة علمهم ومن كان قبلهم أو فى أزمنتهم ممن تنسب إليه القراءة من العلماء، وعدت قراءاتهم من الشواذ، لم يتجرد لذلك تجردهم، وكان الغالب على أولئك الفقه أو الحديث، أو غير ذلك من العلوم.
والآخر: أن قراءاتهم وجدت مسندة لفظا أو سماعا حرفا حرفا من أول القرآن إلى آخره، مع ما عرف من فضائلهم وكثرة علمهم بوجوه القرآن» (1).
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (102، 105).(1/10)
* تاريخ التأليف فى القراءات القرآنية:
وقد جمعت القراءات منذ قديم، وأول من جمعها فى كتاب هو أبو عبيد القاسم ابن سلام، المتوفى بمكة سنة 224هـ، والذى جعل القراءات فيما عد ابن الجزرى خمسا وعشرين قراءة مع السبع.
وترادف المؤلفون فى القراءات:
فجمع أحمد بن جبير الكوفى نزيل أنطاكية المتوفى سنة 258هـ كتابا فى قراءات الخمسة، من كل مصر واحد.
وألف إسماعيل بن إسحاق المالكى المتوفى سنة 282هـ كتابا جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم السبعة.
وجمع ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ كتابه «الجامع»، وفيه نيف وعشرون قراءة.
وجمع أبو بكر الداجونى المتوفى سنة 324هـ كتابا فى القراءات أدخل فيه أبا جعفر أحد العشرة.
واقتصر ابن مجاهد المتوفى سنة 324هـ أيضا على قراءات السبعة.
وألف فى القراءات أبو بكر الشذائى، المتوفى سنة 370هـ.
وألف أبو بكر بن مهران المتوفى سنة 381هـ فى قراءات العشرة.
وألف الخزاعى المتوفى سنة 408هـ كتابه: «المنتهى» الذى جمع فيه ما لم يجمع من قبله، والذى يمثل بقراءاته للقراءات الموضوعة كما ذكرنا منذ قليل.
وكان الطلمنكى مؤلف «الروضة»، والمتوفى سنة 429هـ أول من أدخل القراءات إلى الأندلس.
وألف مكى بن أبى طالب المتوفى سنة 437هـ فى القراءات: «التبصرة» و «الكشف» وغير ذلك.
وألف أبو عمرو الدانى المتوفى سنة 444هـ كتابه: «جامع البيان» فى القراءات، وفيه أكثر من خمسمائة رواية وطريق عن القراءات السبع.
وألف الأهوازى المتوفى سنة 446هـ فى هذا الشأن.
وألف الهذلى المتوفى سنة 465هـ كتابه: «الكامل» الذى جمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة، وتسعا وخمسين وأربعمائة وألف رواية وطريق.
وألف أبو معشر الطبرى المتوفى سنة 478هـ كتاب «التلخيص فى القراءات الثمان» و «سوق العروس»، وفيه خمسون وخمسمائة وألف رواية وطريق.(1/11)
وألف الهذلى المتوفى سنة 465هـ كتابه: «الكامل» الذى جمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة، وتسعا وخمسين وأربعمائة وألف رواية وطريق.
وألف أبو معشر الطبرى المتوفى سنة 478هـ كتاب «التلخيص فى القراءات الثمان» و «سوق العروس»، وفيه خمسون وخمسمائة وألف رواية وطريق.
وألف أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمى الإسكندرى المتوفى سنة 629هـ كتابه: «الجامع الأكبر والبحر الأزخر»، ويحتوى على سبعة آلاف رواية وطريق.
وقد اندثر بعض كتب القراءات، وفيها كتب الأهوازى، وابن عطية، والمهدوى، وكتاب «اللوامع» فى القراءات، وكتاب «المحتوى» للدانى.
واختار جمهور المسلمين القراءات منذ قديم، ولكن القراء ظلوا يتداولونها ويروونها إلى أن كتبت العلوم ودونت، فكتبت فيما كتب من العلوم، وصارت القراءات كما يقول ابن خلدون «صناعة مخصوصة، وعلما منفردا، وتناقله الناس بالشرق والأندلس، جيل بعد جيل، إلى أن ملك بشرق الأندلس «مجاهد» من موالى العامريين، وكان معتنيا بهذا الفن من بين فنون القرآن لما أخذه به مولاه المنصور بن أبى عامر، واجتهد فى تعليمه وعرضه على من كان من أئمة القراء بحضرته، فكان سهمه بذلك وافرا» (1).
إضافة القراءات إلى القراء تعنى اختيارها ولا اجتهاد فيها
إن إضافة القراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم كما ألمحنا من قبل لا تعنى أكثر من أنهم اختاروها وداوموا عليها ولزموها حتى اشتهروا بها وقصدوا فيها، وهى كما يعبر ابن الجزرى «إضافة اختيار، ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأى واجتهاد» (2).
وقد تفرق القراء فى البلاد واختلفت قراءاتهم، فكانت جماعات القراء فى مختلف الجهات، يقرءون حسبما تلقوا من أسلافهم، وكانت كل جماعة تستقر على الوجوه التى لقنتها لا تكاد تتعداها فاختلفت قراءات الخلف باختلاف قراءات السلف، وتفرق هؤلاء وأولئك فى البلاد، وكما يقول ابن الجزرى: «قل الضبط، واتسع الخرق، وكاد الباطل يلتبس بالحق فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا فى الاجتهاد، وبينوا الحق المراد، وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (106، 107).
(2) ينظر: النشر (1/ 52).(1/12)
الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ، والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها».
ويبدو أن الاقتصار على قراءات الأئمة المشهورين بالفقه والأمانة فى النقل، وكمال الدين كان أمرا ضروريا، أوجبته بشاعة ما قيل إنه وقع من: «تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف، مما ثبت نقله» كما عبر ذلك مكى ابن أبى طالب بل إنه كثر الاختلاف فيما يحتمله رسم المصحف، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته وفاقا لبدعهم، ومن أمثلة ذلك: ما روى من أن بعض المعتزلة قرأ: {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً} [النساء: 164] بنصب الهاء.
وقد كثرت الاختيارات فى القراءة كثرة، من مظاهرها التى تخفى على كثير من غير المتخصصين: أن الشافعى صاحب المذهب، كانت له رواية قرأ بها ابن الجزرى، من كتاب: «المستنير»، وحدثه بها من هذا الكتاب، ومن كتاب «الكامل» غير واحد.
وكان لأحمد بن حنبل صاحب المذهب أيضا اختيار، ذكره «الهذلى» فى كتابه «الكامل».
وقد نسبت إلى أبى حنيفة قراءة جمعها الخزاعى، ونقلها عنه الهذلى وغيره.
وقد عد ابن حجر العسقلانى وهو يتكلم عن تعيين الأحرف التى اختلف فيها عمر ابن الخطاب، وهشام بن حكيم، حين كان هذا يقرأ بسورة «الفرقان»، على حروف لم يكن يعرفها عمر عد ابن حجر فى هذه السورة وحدها نحوا من مائة وثلاثين موضعا، منها ستة وخمسون ليس فيها من المشهور شىء.
وربما كانت كثرة عدد القراءات هى التى حدت ببعض المفسرين إلى ذكر بعضها غير منسوب لصاحبه (1).
* إذا قرئت آية بقراءتين فهل قال الله بهما؟
أورد الزركشى فى كتابه «البرهان» هذا السؤال، ثم أعقبه بالآراء التى قيلت فيه:
(الأول): أن الله تعالى قال بهما جميعا.
(الثانى): أن الله تعالى قال بقراءة واحدة، إلا أنه أذن أن يقرأ بقراءتين.
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (101، 102).(1/13)
(الثالث): إذا كان لكل قراءة تفسير يغاير الآخر، فقد قال بهما جميعا، وتصير القراءتان بمنزلة آيتين، مثل قوله: {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (الرابع): إذا كان تفسير القراءتين واحدا، كالبيوت والبيوت والمحصنات والمحصنات بالنصب والجر فإنما قال بإحداهما، وأجاز القراءة بهما، لكل قبيلة، على ما تعود لسانها.
(الخامس): إذا صح أنه قال بإحدى القراءتين، فإنه يكون قد قال بلغة قريش (1).
* من قال من العلماء إن مرجع القراءات الاجتهاد:
هناك أقوال لبعض علمائنا القدامى قد يفهم منها أن القراءات القرآنية مرجعها الاجتهاد لا السماع، وأنها اختيارية تدور مع اختيار الفصحاء واجتهاد البلغاء.
* الزمخشرى يعيب قراءة لابن عامر:
قرأ ابن عامر أحد القراء السبعة الآية:
{وَكَذََلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ} [الأنعام: 137].
برفع (قتل) ونصب (أولادهم) وجر (الشركاء)، على إضافة القتل إلى الشركاء، والفصل بينهما بغير الظرف.
فوصف الزمخشرى هذه القراءة بأنها «شىء» لو كان فى مكان الضرورات وهو الشعر، لكان سمجا مردودا إلخ. وقال: «والذى حمله على ذلك أن رأى فى بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء. ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم فى أموالهم لوجد فى ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب».
* رد ابن المنير على الزمخشرى:
ورد ابن المنير الإسكندرى صاحب كتاب: «الانتصاف» بأن الزمخشرى «ركب متن عمياء، وتاه فى تيهاء»، وقال ابن المنير: «وأنا أبرأ إلى الله، وأبرئ حملة كتابه، وحفاظ كلامه، مما رماهم به فإنه تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفا قرأ به اجتهادا، لا نقلا وسماعا فلذلك غلط ابن عامر فى قراءته هذه، وأخذ يبين أن وجهة غلطه رؤيته الياء ثابتة فى «شركائهم» فاستدل بذلك على أنه مجرور، وتعين عنده نصب (أولادهم) بالقياس إلخ».
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (99).(1/14)
ثم قال ابن المنير: «فهذا كله كما ترى ظن من الزمخشرى أن ابن عامر قرأ قراءته هذه رأيا منه، وكان الصواب خلافه، والفصيح سواه، ولم يعلم الزمخشرى أن هذه القراءة بنصب الأولاد، والفصل بين المضاف والمضاف إليه بها يعلم ضرورة أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأها على جبريل، كما أنزلها عليه كذلك، ثم تلاها النبى صلى الله عليه وسلم على عدد التواتر من الأئمة، ولم يزل عدد التواتر يتناقلونها، ويقرءون بها، خلفا عن سلف، إلى أن انتهت إلى ابن عامر فقرأها أيضا كما سمعها. فهذا معتقد أهل الحق فى جميع الوجوه السبعة: أنها متواترة جملة وتفصيلا فلا مبالاة بعدها بقول الزمخشرى، ولا بقول أمثاله ممن لحن ابن عامر، وظن أن القراءة بالرأى غير موقوفة على النقل. والحامل هو التغالى فى اعتقاد اطراد الأقيسة النحوية فظنها قطعية حتى يرد ما يخالفها».
ويقول ابن المنير كذلك: «إن المنكر عليه يعنى: ابن عامر إنما أنكر ما ثبت أنه براء منه قطعا وضرورة. ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين أعنى: علم القراءة، وعلم الأصول، ولا يعد من ذوى الفنين المذكورين لخيف عليه الخروج من ربقة الدين، وإنه على هذا العذر لفى عهدة خطيرة، وزلة منكرة، تزيد على زلة من ظن أن تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواترا فإن هذا القائل لم يثبتها بغير النقل، وغايته أنه ادعى أن نقلها لا يشترط فيه التواتر، وأما الزمخشرى: فظن أنها تثبت بالرأى، غير موقوفة على النقل، وهذا لم يقل به أحد من المسلمين».
* رد أبى حيان الأندلسى على الزمخشرى:
وفى هذا الشأن أيضا يقول أبو حيان الأندلسى:
«وبعض النحويين أجازها، وهو الصحيح لوجودها فى هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربى الصريح المحض: ابن عامر، الآخذ القرآن عن عثمان ابن عفان، قبل أن يظهر اللحن فى لسان العرب، ولوجودها أيضا فى لسان العرب فى عدة أبيات» إلخ.
ثم يتحدث عن الزمخشرى قائلا:
«وأعجب لعجمى ضعيف فى النحو يرد على عربى صريح محض قراءة متواترة موجودا نظيرها فى لسان العرب، فى غير ما بيت. وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة، الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله، شرقا وغربا، وقد اعتمد
المسلمون على نقلهم لضبطهم، ومعرفتهم، وديانتهم».(1/15)
«وأعجب لعجمى ضعيف فى النحو يرد على عربى صريح محض قراءة متواترة موجودا نظيرها فى لسان العرب، فى غير ما بيت. وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة، الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله، شرقا وغربا، وقد اعتمد
المسلمون على نقلهم لضبطهم، ومعرفتهم، وديانتهم».
* رد نظام الدين النيسابورى على الزمخشرى:
ويقول النيسابورى:
«والحق عندى فى هذا المقام أن القرآن حجة على غيره، وليس غيره حجة عليه. والقراءات السبع كلها متواترة، فكيف يمكن تخطئة بعضها؟! فإذا ورد فى القرآن المعجز مثل هذا الترتيب لزم القول بصحته وفصاحته» إلخ.
* رد ابن الجزرى على الزمخشرى:
ويدافع ابن الجزرى عن القراءة المتواترة التى قرأ بها ابن عامر، فيقول:
والحق فى غير ما قاله الزمخشرى، ونعوذ بالله من قراءة القرآن بالرأى والتشهى، وهل يحل لمسلم القراءة بما يجد فى الكتابة من غير نقل؟! بل الصواب جواز مثل هذا الفصل وهو الفصل بين المصدر وفاعله المضاف إليه بالمفعول فى الفصيح والشائع الذائع اختيارا. ولا يختص ذلك بضرورة الشعر.
ويكفى فى ذلك دليلا هذه القراءة الصحيحة المشهورة التى بلغت التواتر.
كيف وقارئها ابن عامر من كبار التابعين الذين أخذوا عن الصحابة: كعثمان ابن عفان، وأبى الدرداء، رضى الله عنهما؟!. وهو مع ذلك عربى صريح من صميم العرب فكلامه حجة، وقوله دليل لأنه كان قبل أن يوجد اللحن ويتكلم به. فكيف، وقد قرأ بما تلقى وروى وسمع ورأى إذ كانت كذلك فى المصحف العثمانى المجمع على اتباعه، وأنا رأيتها فيه كذلك؟ مع أن قارئها: لم يكن خاملا، ولا غير متبع، ولا فى طرف من الأطراف ليس عنده من ينكر عليه إذا خرج عن الصواب، فقد كان فى مثل دمشق التى هى إذ ذاك دار الخلافة وفيها الملك، والمأتى إليها من أقطار الأرض، فى زمن خليفة هو أعدل الخلفاء وأفضلهم بعد الصحابة: الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أحد المجتهدين المتبعين المقتدى بهم من الخلفاء الراشدين.
وهذا الإمام القارئ أعنى: ابن عامر مقلّد فى هذا الزمن الصالح قضاء دمشق، ومشيختها، وإمامة جامعها الأعظم: الجامع الأموى أحد عجائب الدنيا، والوفود به من أقطار الأرض لمحل الخلافة ودار الإمارة.
هذا، ودار الخلافة فى الحقيقة حينئذ بعض هذا الجامع، ليس بينهما سوى باب يخرج منه الخليفة.(1/16)
وهذا الإمام القارئ أعنى: ابن عامر مقلّد فى هذا الزمن الصالح قضاء دمشق، ومشيختها، وإمامة جامعها الأعظم: الجامع الأموى أحد عجائب الدنيا، والوفود به من أقطار الأرض لمحل الخلافة ودار الإمارة.
هذا، ودار الخلافة فى الحقيقة حينئذ بعض هذا الجامع، ليس بينهما سوى باب يخرج منه الخليفة.
ولقد بلغنا عن هذا الإمام أنه كان فى حلقته أربعمائة عريف، يقومون عنه بالقراءة. ولم يبلغنا عن أحد من السلف رضى الله عنهم على اختلاف مذاهبهم، وتباين لغاتهم، وشدة ورعهم، أنه أنكر على ابن عامر شيئا من قراءته، ولا طعن فيها، ولا أشار إليها بضعف.
ولقد كان الناس بدمشق، وسائر بلاد الشام، حتى الجزيرة الفراتية، وأعمالها لا يأخذون إلا بقراءة ابن عامر، ولا زال الأمر كذلك إلى حدود الخمسمائة.
وأول من نعلمه أنكر هذه القراءة وغيرها من القراءة الصحيحة، وركب هذا المحذور ابن جرير الطبرى، بعد الثلاثمائة. وقد عد ذلك من سقطات ابن جرير حتى قال علم الدين السخاوى:
قال لى شيخنا أبو القاسم الشاطبى:
«إياك وطعن ابن جرير على ابن عامر».
ولله در إمام النحاة: أبى عبد الله بن مالك رحمه الله حيث قال فى «الكافية الشافية»:
وحجّتى قراءة ابن عامر ... فكم لها من عاضد وناصر
وهذا الفصل الذى ورد فى هذه القراءة، منقول من كلام العرب من فصيح كلامهم، جيد من جهة المعنى أيضا:
أما وروده فى كلام العرب:
(أ) فقد ورد فى أشعارهم كثيرا: أنشد من ذلك سيبويه، والأخفش، وأبو عبيدة، وثعلب، وغيرهم ما لا ينكر، مما يخرج به كتابنا عن المقصود.
(ب) وقد صح من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهل أنتم تاركو لى صاحبى» ففصل بالجار والمجرور بين اسم الفاعل ومفعوله، مع ما فيه من الضمير المنويّ، ففصل المصدر بخلوه من الضمير أولى بالجواز.
(ج) وقرئ: {فَلََا تَحْسَبَنَّ اللََّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 47] وأما قوته، من جهة المعنى:
فقد ذكر ابن مالك ذلك من ثلاثة أوجه:
(أحدها): كون الفاصل فضلة، فإنه لذلك صالح لعدم الاعتداد به.(1/17)
فقد ذكر ابن مالك ذلك من ثلاثة أوجه:
(أحدها): كون الفاصل فضلة، فإنه لذلك صالح لعدم الاعتداد به.
(الثانى): أنه غير أجنبى معنى لأنه معمول للمضاف وهو المصدر.
(الثالث): أن الفاصل مقدر التأخير لأن المضاف إليه مقدر التقديم لأنه فاعل فى المعنى، حتى إن العرب، لو لم تستعمل مثل هذا الفصل، لاقتضى القياس استعماله لأنهم قد فصلوا فى الشعر بالأجنبى كثيرا، فاستحق الفصل بغير أجنبى أن يكون له مزية فيحكم بجوازه مطلقا.
وإذا كانوا قد فصلوا بين المضافين بالجملة فى قول بعض العرب: «هو غلام إن شاء الله أخيك» فالفصل بالمفرد أسهل.
ثم إن هذه القراءة قد كانوا يحافظون عليها، ولا يرون غيرها: قال ابن ذكوان:
«شركايهم» بياء ثابتة فى الكتاب والقراءة.
قال: وأخبرنى أيوب يعنى: ابن تميم شيخه قال:
قرأت على أبى عبد الملك قاضى الجند:
{زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ}.
قال أيوب:
فقلت له: إن فى مصحفى وكان قديما «شركايهم»، فمحا أبو عبد الملك الياء، وجعل مكان الياء واوا.
ثم قرأت على يحيى بن الحارث: «شركاؤهم»، فرد علىّ يحيى: «شركايهم»، فقلت له: إنه كان فى مصحفى بالياء، فحكت، وجعلت واوا.
فقال يحيى: «أنت رجل محوت الصواب، وكتبت الخطأ، فرددتها فى المصحف على الأمر الأول».(1/18)
فقال يحيى: «أنت رجل محوت الصواب، وكتبت الخطأ، فرددتها فى المصحف على الأمر الأول».
الزمخشرى يعزو إحدى القراءات إلى فصاحة راويها
وكتب الزمخشرى أيضا عند تفسير آية:
{هُنََالِكَ الْوَلََايَةُ لِلََّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوََاباً وَخَيْرٌ عُقْباً} [الكهف: 44]، أن عمرو بن عبيد قرأ كلمة (الحق) بالنصب على التأكيد، كقولك: هذا عبد الله الحق لا الباطل.
وقال الزمخشرى: «وهى قراءة حسنة فصيحة. وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم».
وهذا كما يقول ابن المنير الإسكندرى «يوهم أن القراءات موكولة إلى رأى الفصحاء واجتهاد البلغاء فتفاوتت فى الفصاحة لتفاوتهم فيها».
* رد ابن المنير وغيره على الزمخشرى:
وقد هوجم الزمخشرى فى هذا أيضا: فقيل إن قوله منكر شنيع، وإن الحق «أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ إلا بما سمعه فوعاه بنطق فيه صلى الله عليه وسلم منزلا كذلك من السماء فلا وقع لفصاحة الفصيح، وإنما هو ناقل كغيره».
وقيل فى مهاجمة الزمخشرى: إنه «لا يفوته الثناء على رأس البدعة ومعدن الفتنة فإن عمرو بن عبيد أول مصمم على إنكار القدر، وهلم جرا، إلى سائر البدع الاعتزالية فمن ثم أثنى عليه».
وقال الناقدون: إن الزمخشرى «لم يكن له على ما عنده من العلم لقاء ولا رواية».
وابن عامر الذى عاب الزمخشرى قراءته هو فى الطبقة الأولى من التابعين، وقراءته ليست هينة السند. وقد كان يقرأ بها المقدسى صاحب «أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم»، فسأله أحد القضاة: أنت رجل متفقه لأهل الكوفة، فلم لم تقرأ بحروفهم؟ وما الذى أمالك إلى قراءة ابن عامر؟
قال المقدسى: قلت: خلال أربع:
ثم ذكر المقدسى ما جعله يختارها ومما ذكره: أن ابن مجاهد روى عن ابن عامر ثلاث روايات:
إحداهن: أنه قرأ على عثمان بن عفان.
والثانية: أنه سمع القرآن من عثمان وهو صبى.
والثالثة: أنه قرأ على من قرأ على عثمان.(1/19)
والثانية: أنه سمع القرآن من عثمان وهو صبى.
والثالثة: أنه قرأ على من قرأ على عثمان.
وليس هذا لغيره من أئمة القراء، بل بين كل واحد وبين علىّ، وعبد الله، وأبىّ، وابن عباس، رجلان أو ثلاثة.
فمن بينه وبين عثمان الذى قد أجمع المسلمون على مصحفه، واتفقوا على جمعه، وتداولوه رجل: أحق بأن يقرأ له ممن بينه وبين من لا يستعمل جمعه، ولا وقع الاتفاق على مصحفه، رجلان أو ثلاثة إلخ.
وقد كان مما قيل عن ابن عامر: «إنه لم يتعد فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولا يخالف فيه الخبر».
* بعض النحويين ينكرون على بعض القراء اختياراتهم.
وقد رد آخرون وخاصة من النحويين على بعض القراء فى اختياراتهم منكرين ومخطئين.
ولكن الجمهور على غير رأى النحويين:
يقول الزركشى، فى اعتراضاتهم على أئمة القراءة: «وهذا تحامل، وقد انعقد الإجماع على صحة قراءة هؤلاء الأئمة، وأنها سنة متبعة، ولا مجال للاجتهاد فيها».
ولهذا قال سيبويه فى كتابه، فى قوله تعالى:
{مََا هََذََا بَشَراً} [يوسف: 31] «وبنو تميم يرفعونه إلا من درى كيف هى فى المصحف، وإنما كان كذلك لأن القراءة سنة مروية عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولا تكون القراءة بغير ما روى عنه».
ويقول الدانى فى كتابه «جامع البيان»:
«وأئمة القراءة لا تعمل فى شىء من حروف القرآن على الأفشى فى اللغة، والأقيس فى العربية، بل على الأثبت فى الأثر، والأصح فى النقل. والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها».
وكلام الزمخشرى على ما يبدو فاتن، وقد تورط فى متابعته البيضاوى المفسر فكان لذلك نكير عند على بن سلطان القارى، إذ يقول: «والعجب من البيضاوى، مع أنه من أئمة أهل السنة، تبعه يعنى: الزمخشرى فى هذه القضية، كما بينته فى تخريج قراءاته من تفسيره بالحاشية المستقلة، وأوضحت ما فيه من تقصيره وتغييره، ونقصان
فى تعبيره».(1/20)
وكلام الزمخشرى على ما يبدو فاتن، وقد تورط فى متابعته البيضاوى المفسر فكان لذلك نكير عند على بن سلطان القارى، إذ يقول: «والعجب من البيضاوى، مع أنه من أئمة أهل السنة، تبعه يعنى: الزمخشرى فى هذه القضية، كما بينته فى تخريج قراءاته من تفسيره بالحاشية المستقلة، وأوضحت ما فيه من تقصيره وتغييره، ونقصان
فى تعبيره».
ونشير هنا إلى عبارة لأبى حيان الأندلسي فى شأن من يسترسلون فى طلب الأقيسة يقول: «وما أحوج الناظر فى الدين إلى حسن الظن واليقين، وإلى متن متين فيه، فإنه متى حاول معرفة كل شىء بالرأى والقياس، كلّ وملّ، ومتى استرسل مع كل شىء، زلّ وضلّ».(1/21)
ونشير هنا إلى عبارة لأبى حيان الأندلسي فى شأن من يسترسلون فى طلب الأقيسة يقول: «وما أحوج الناظر فى الدين إلى حسن الظن واليقين، وإلى متن متين فيه، فإنه متى حاول معرفة كل شىء بالرأى والقياس، كلّ وملّ، ومتى استرسل مع كل شىء، زلّ وضلّ».
ردود على من يفاضلون بين القراءات
وورد عن بعض المشتغلين بالقرآن ما يستفاد منه أن القراءات متفاوتة القدر، كأنها ليست نقلا خالصا، وأن إحداها أحبّ إليهم من غيرها، وأن لكل قراءة خصيصة، مرجعها صاحب القراءة:
روى ابن الجزرى عن أبى العباس الطنافسى البغدادى أنه قال: «من أراد أحسن القراءات فعليه بقراءة أبى عمرو، ومن أراد الأصل فعليه بقراءة ابن كثير، ومن أراد أفصح القراءات فعليه بقراءة عاصم، ومن أراد أغرب القراءات فعليه بقراءة ابن عامر، ومن أراد الأثر فعليه بقراءة حمزة، ومن أراد أظرف القراءات فعليه بقراءة الكسائى، ومن أراد السنة فعليه بقراءة نافع».
ويستفاد من هذا القول الخطير أن قراءة أحسن من قراءة، وأن قراءة هى الأصل وغيرها ليس أصلا، وأن قراءة أفصح وأخرى فصيحة، وقراءة غريبة وغيرها أقل غرابة أو ليست غريبة، وقراءة هى الأثر وما عداها ليس أثرا، وقراءة هى أظرف من قراءة، وقراءة هى السنة وغيرها دونها سنية.
وعندنا أنه ما كان يحق للطنافسى أن يقول ما قال فالقراءات لا بد توقيفية، وليست اختيارية، وإلا وجد الشك والوهم سبيلهما إلى آى الكتاب.
والعجيب أن مكى بن أبى طالب ينهج نفس النهج فيقول: «وأصح القراءات سندا: نافع، وعاصم، وأفصحها: أبو عمرو، والكسائى».
وحتى الطبرى المفسر يفاضل أحيانا على نحو ما بين القراءات مفاضلة نسوق أمثلة لها فيما يلى:
1 - فى تفسير قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] يتكلم عن كيف قرئت «وأرجلكم» منصوبة وبالخفض، ثم يقول: «غير أن ذلك وإن كان كذلك، وكانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابا، فأعجب القراءتين إلىّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا».
2 - وفى قوله تعالى: {وَالسََّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهََاجِرِينَ وَالْأَنْصََارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسََانٍ} [التوبة: 100]، يقول بعد الكلام عن خفض «الأنصار» ورفعها:(1/22)
2 - وفى قوله تعالى: {وَالسََّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهََاجِرِينَ وَالْأَنْصََارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسََانٍ} [التوبة: 100]، يقول بعد الكلام عن خفض «الأنصار» ورفعها:
«والقراءة التى لا أستجيز غيرها: الخفض فى «الأنصار».
3 - وفى قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيََانَهُ عَلى ََ تَقْوى ََ مِنَ اللََّهِ وَرِضْوََانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيََانَهُ عَلى ََ شَفََا جُرُفٍ هََارٍ} [التوبة: 109].
ذكر الطبرى أن فعل «أسس» بنى للمجهول فى المرتين كلتيهما فى قراءة، وبنى للمعلوم فى قراءة أخرى، ثم قال: وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن قراءته بتوجيه الفعل إلى «من» إذ كان «من» المؤسس أعجب إلىّ.
4 - وفى قوله تعالى: {قََالَ يََا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى ََ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتََانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهََا وَأَنْتُمْ لَهََا كََارِهُونَ} [هود: 28]، قال الطبرى: إن أولى القراءتين عنده بالصواب قراءة «فعميت» بضم العين وتشديد الميم.
5 - وكذلك وصف الطبرى قراءة من قرأ: «ماذا ترى» بفتح التاء فى قوله تعالى:
{فَلَمََّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قََالَ يََا بُنَيَّ إِنِّي أَرى ََ فِي الْمَنََامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مََا ذََا تَرى ََ}
[الصافات: 102] بأنها أيضا أولى القراءتين بالصواب.
6 - وفى قوله تعالى: {مََا نُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ إِلََّا بِالْحَقِّ وَمََا كََانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ} [الحجر:
8]، ذكر الطبرى أنه يحب قراءتين يجب ألا يعدوهما قارئ.
والظن: أننا لو أطعنا الطبرى فى هذه المفاضلات لكنا ممن يعمل الاجتهاد فى القرآن، وهو ما لا يجوز فيه الاجتهاد.
والقرآن بلا ريب أجل وأخطر من أن يقرأه مسلم برأيه المجرد. والقراءة كما يقرر المسلمون سنة متبعة، وقد كان رؤساء الصحابة ينكرون تفضيل قراءة على قراءة من أى وجه.
وقد حكى أبو عمر الزاهد فى كتاب «اليواقيت» عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف الإعرابان فى القراءات لم أفضل إعرابا على إعراب، فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى.
وقال أبو جعفر النحاس: «السلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان ألا يقال: إحداهما أجود لأنهما جميعا عن النبى صلى الله عليه وسلم فيأثم من قال ذلك».
وقال أيضا، وقد حكى اختلافهم فى ترجيح {فَكُّ رَقَبَةٍ} فى سورة «البلد»
بالمصدرية والفعلية: «والديانة تحظر الطعن على القراءة التى قرأ بها الجماعة، ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم».(1/23)
وقال أيضا، وقد حكى اختلافهم فى ترجيح {فَكُّ رَقَبَةٍ} فى سورة «البلد»
بالمصدرية والفعلية: «والديانة تحظر الطعن على القراءة التى قرأ بها الجماعة، ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم».
وقد روى عن صالح بن أحمد بن حنبل أنه سأل أباه: أى القراءات أحب إليك؟
قال: قراءة نافع. قال صالح: فإن لم توجد؟ قال: قراءة عاصم. بيد أن التعبير الخليق فى ظننا بأحمد بن حنبل هو ما ورد فى رواية أخرى من أنه أجاب فى شأن عاصم: «أهل الكوفة يختارون قراءته وأنا أختارها».
* دعوى بعض المستشرقين:
حاول بعض المستشرقين من أعداء الإسلام أن يزلزلوا عقيدة المسلمين تجاه كتابهم العزيز القرآن الكريم عن طريق التشكيك فى القراءات القرآنية، وإيهام المسلمين أن كتاب الله عز وجل لم يكن موضع تحقيق ودقة وضبط، بل كان موضع تشهّ وهوى ورأى واختيار من القراء!!.
حيث طاف برأس شرذمة من هؤلاء المستشرقين الملحدين: أن القراءات ليست توقيفية، ولم يوح بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولم ينقلها أحد عنه، زاعمين أن سبب اختلاف القراءات، ومنشأ تنوعها وتعددها، إنما هو خاصية الخط العربى، الذى كتبت به المصاحف العثمانية، وهذه الخاصية هى: خلوه من إعجام الحروف ونقطها، الذى يدل على ذواتها، وخلوه من شكل الكلمات الذى يدل على إعرابها.
فالكلمات القرآنية لما كتبت فى المصاحف العثمانية مجردة من النقط الذى يدل على ذلك الحرف، ومن الشكل الذى يدل على موقع الكلمة من الإعراب كانت محتملة لقراءات متعددة، وأوجه متنوعة فكان كل قارئ يختار من هذه القراءات، ومن هذه الأوجه ما يروق فى نظره، وتنقدح علته فى نفسه، وتساعد عليه لغة العرب، ويحتمله رسم المصحف، فالاختلاف فى القراءات فى زعم هؤلاء: إنما كان عن تشهّ وهوى، ورأى واختيار من القراء، لا عن توقيف وسند ورواية فليس لهذه القراءات فى زعم هؤلاء سند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للوحى مدخل فيها.
هكذا زعم هؤلاء، وهذا زعم باطل، ونظر خاسئ، ورأى خاطئ، وفرية منكرة، اجترأ عليها هؤلاء الملاحدة ليقذفوا بها أقدس ما يقدسه المسلمون، وهو كتاب الله عز وجل بما يزلزل عقيدة الناس فيه، ويوهمهم أن كتاب الله تعالى لم يكن
موضع تحقيق ودقة، ولم يكن محل ضبط وتحر وأمانة فى ألفاظه وقراءاته ورواياته وطرق أدائه.(1/24)
هكذا زعم هؤلاء، وهذا زعم باطل، ونظر خاسئ، ورأى خاطئ، وفرية منكرة، اجترأ عليها هؤلاء الملاحدة ليقذفوا بها أقدس ما يقدسه المسلمون، وهو كتاب الله عز وجل بما يزلزل عقيدة الناس فيه، ويوهمهم أن كتاب الله تعالى لم يكن
موضع تحقيق ودقة، ولم يكن محل ضبط وتحر وأمانة فى ألفاظه وقراءاته ورواياته وطرق أدائه.
وأشهر من تولى كبر هذا العدوان من المستشرقين: «تيودور نولدكه»، «واجناتس جولد تسيهر»، «وآرثر جفرى». وواضح أنهم جميعا من غير المسلمين.
والمؤلم والمثير أن آراءهم استخفت بعض الدارسين المسلمين فروجوا لها، بل إن بعضهم انتحلها اعتقادا منه بعظم قدرها.
وأقدم أولئك الثلاثة: تيودور نولدكه الذى يصفه جولد تسيهر بأنه زعيمه، والذى وضع كتابه «تاريخ القرآن»، وهو كتاب فتح به صاحبه للطاعنين على القراءات بابا، ومهد لهم مهادا، حتى قال جفرى إنه أساس كل بحث فى القرآن فى أوربا.
ويصرح نولدكه بارتيابه فى أكثر ما يتعلق بالقرآن من الروايات والأحاديث الصحيحة، وأقوال المفسرين المستقيمة، ويصدف عنها جميعا إلا ما كان ضعيفا، أو شاذّا، أو باطلا، أو منكرا، فهو عندئذ يجعله العمدة والدليل.
ومن أضل ما ذهب إليه هذا المستشرق: إنكار قرآنية بعض ألفاظ القرآن، فمثلا:
أوائل بعض السور ليست فى رأيه إلا حروفا أولى وأخيرة مأخوذة من أسماء بعض الصحابة الذين كانت عندهم نسخ من سور قرآنية معينة، وعلى سبيل المثال:
السين فيما يدعى من سعد بن أبى وقاص، والميم: من المغيرة، والنون: من عثمان بن عفان، والهاء: من أبى هريرة وهكذا.
وهذا من الناحية الواقعية قول لا أساس له، وهو يعنى شيئا باهظا لا يمكن أن يسيغه عقل عاقل: وهو أن الأمة الإسلامية: صحابة نبيها، وتابعيهم، وتابعى تابعيهم، ورواتها، وعلماءها، وكل أبنائها، بأعدادهم التى لا تحصى كذابون، ومجترءون تواطئوا ضد كتابهم، وجاءوا فيه بأشياء من عند أنفسهم!!.
وربما كان شر الثلاثة من وجهة النظر الإسلامية جولد تسيهر، فقد سبق زعيمه فى حلبة الكيد للقرآن.
وقد أخطأ جولد تسيهر فى فهم النصوص القرآنية: فاشتبه عليه المتواتر من القراءات بالفاذ، والمشهور بالشاذ ومن وراء ذلك كان منهجه ملتويا منحازا، فقد
كان مبلغ همه أن يجد شيئا يستطيع به ولو بالتدليس أن يدلل على أن الاختلاف فى القراءات ليس عن توقيف ورواية، وإنما عن هوى من القراء ولذلك فإنه بعكس المسلمين لم يأخذ فى الحكم على روايات القرآن بالسند الصحيح الممحص، والتواتر المتصل الثابت، وابتكر من لدنه ضلالات كثيرة، واعتضد أحيانا بما لا يجوز علما الاعتضاد به، ولم يذعن للقاعدة الإسلامية الموثقة والمتبعة: قاعدة أن القراءة منذ نزول القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول شفاها، فما لفم.(1/25)
وقد أخطأ جولد تسيهر فى فهم النصوص القرآنية: فاشتبه عليه المتواتر من القراءات بالفاذ، والمشهور بالشاذ ومن وراء ذلك كان منهجه ملتويا منحازا، فقد
كان مبلغ همه أن يجد شيئا يستطيع به ولو بالتدليس أن يدلل على أن الاختلاف فى القراءات ليس عن توقيف ورواية، وإنما عن هوى من القراء ولذلك فإنه بعكس المسلمين لم يأخذ فى الحكم على روايات القرآن بالسند الصحيح الممحص، والتواتر المتصل الثابت، وابتكر من لدنه ضلالات كثيرة، واعتضد أحيانا بما لا يجوز علما الاعتضاد به، ولم يذعن للقاعدة الإسلامية الموثقة والمتبعة: قاعدة أن القراءة منذ نزول القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول شفاها، فما لفم.
ومن أخطاء جولد تسيهر: أنه يرجع اختلاف القراءات إلى أسباب أهمها كما ذكر أحد العرب الآخذين عنه والمنتحلين فكرته «مسائل ظهرت بعد نزول الوحى من خاصية القلم الذى دون به القرآن الكريم: فرسم أكثر حروف هذا القلم متشابه، والمميز فيها هو النّقط الذى لم يظهر إلا بعد نزول الوحى بأمد، وكان هذا القلم خاليا فى بادئ أمره من الحركات».
ونبادر، فنرد على هذا الزعم بأن الثابت المعقول: هو أن تلقى المسلمين للقرآن وحفظهم إياه كانا سابقين للتسجيل الكتابى، وحتى بعد الكتابة، ظل المعول عليه فى تبليغ القرآن هو التلقين الشفهى، وعند ما كتب عثمان المصاحف الأئمة، وبعث بها إلى الأمصار جعل مع كل منها قارئا ليقرئ الناس، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ الناس بالمدينة، وأرسل عبد الله بن السائب إلى مكة، وعامر بن عبد قيس إلى البصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى إلى الكوفة، والمغيرة بن شهاب إلى الشام.
وقد ضرب جولد تسيهر أمثلة للاختلاف نتيجة عدم النقط، فجاء هو نفسه بما ينقض دعواه: قال: إن كلمة «تستكبرون» فى قوله تعالى:
{وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْأَعْرََافِ رِجََالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمََاهُمْ قََالُوا مََا أَغْنى ََ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمََا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48].
قرئت: (تستكثرون) بالثاء المثلثة.
ونحن المسلمين نعلم أن القراءات السبع المتواترة، والثلاث المشهورة، بل الأربع الشاذة لا تعرف هذه القراءة المزعومة، مع أنها ممكنة لو كان الأمر أمر النقط بحسب الفهم الخاص. وهكذا يشهد جولد تسيهر من حيث لم يقصد على رأيه بالبطلان.
ومثل ثان ضربه هذا المستشرق ليعزز به دعواه هو: لفظ «بشرا» فى قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].(1/26)
ونحن المسلمين نعلم أن القراءات السبع المتواترة، والثلاث المشهورة، بل الأربع الشاذة لا تعرف هذه القراءة المزعومة، مع أنها ممكنة لو كان الأمر أمر النقط بحسب الفهم الخاص. وهكذا يشهد جولد تسيهر من حيث لم يقصد على رأيه بالبطلان.
ومثل ثان ضربه هذا المستشرق ليعزز به دعواه هو: لفظ «بشرا» فى قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].
قد قرئت أيضا «نشرا» بالنون بدل الباء.
وقد قرأ عاصم بالباء وإسكان الشين، أى بجمع بشير كنذير ونذر. وقرأ ابن عامر بالنون مضمومة وبإسكان الشين.
وقرأ حمزة والكسائى وخلف بالنون المفتوحة وسكون الشين بمعنى ناشرة أو منشورة، أو ذات نشر.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب بضم النون والشين جمع نشر.
فهيئة الرسم إذن ليست هى المرجع فى صحة القراءة، كما يدعى جولد تسيهر ومن تابعه، وإنما المرجع هو تواتر الرواية كما يقرر المسلمون.
ومثل ثالث يسوقه هذا المستشرق هو كلمة «إياه» فى قوله عز وجل: {وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلََّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهََا إِيََّاهُ} [التوبة: 114].
فقد قرئت: «أباه».
ومع أن فى الإمكان النطق بهذا اللفظ بالباء بدل الياء، فيما لو كان المعول على الخط وحده فإن قراء المسلمين جميعا يقرءون بالياء، ويتفقون على أن قراءة الباء منكرة.
ويزعم جولد تسيهر أن بعض القراء كانوا يغيرون القراءات بما ترضاه مقاصدهم وتسيغه أفهامهم وأذواقهم.
ففي قوله تعالى: {يََا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخََاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى ََ بََارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]. يذكر جولد تسيهر أن قتادة رأى أن الأمر بالقتل هنا شديد القسوة، وغير متناسب مع الخطيئة فقرأ: «فأقيلوا»، ويقول جولد تسيهر: إنه يرى فى هذا المثال: «وجهة نظر موضوعية شاركت فى سبب اختلاف القراءة».
ولا نرى علينا من حق لجولد تسيهر فى أن نناقش دعواه هذه فهى مرفوضة أصلا لأن «فأقيلوا» ليست من القراءات المتواترة أو المشهورة أو حتى الأربع الشواذ.
وقد ساق جولد تسيهر طائفة أخرى مماثلة من الدعاوى، وقد تعقبها كلها بالتفنيد مترجم الكتاب المرحوم الدكتور عبد الحليم النجار الذى نبه أحسن الله جزاءه على أهم النزعات الدينية التى «لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب المستشرقين، لا سيما فيما يتصل من الدين بسبب أو نسب يمليها عليهم إلف ملازم، أو هوى متبع، أو قصد جائر» وأشار نضر الله وجهه إلى أن هناك أخطاء يتورط فيها المستشرقون لغرابة المادة العربية والإسلامية على تفكيرهم، أو لقلة بصرهم بالذوق العربى، وعجزهم عن التغلغل فى أسرار اللسان ومسالك البيان.(1/27)
ولا نرى علينا من حق لجولد تسيهر فى أن نناقش دعواه هذه فهى مرفوضة أصلا لأن «فأقيلوا» ليست من القراءات المتواترة أو المشهورة أو حتى الأربع الشواذ.
وقد ساق جولد تسيهر طائفة أخرى مماثلة من الدعاوى، وقد تعقبها كلها بالتفنيد مترجم الكتاب المرحوم الدكتور عبد الحليم النجار الذى نبه أحسن الله جزاءه على أهم النزعات الدينية التى «لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب المستشرقين، لا سيما فيما يتصل من الدين بسبب أو نسب يمليها عليهم إلف ملازم، أو هوى متبع، أو قصد جائر» وأشار نضر الله وجهه إلى أن هناك أخطاء يتورط فيها المستشرقون لغرابة المادة العربية والإسلامية على تفكيرهم، أو لقلة بصرهم بالذوق العربى، وعجزهم عن التغلغل فى أسرار اللسان ومسالك البيان.
أما آرثر جفرى وهو أحدث الثلاثة تاريخا: ففي مقدمته لكتاب «المصاحف لابن أبى داود» يحاول هو الآخر معتضدا بدعاوى نولدكه، وشولى وغيرهما تحريف تاريخ القرآن عن بعض مواضعه، ويريد ليطفئ فى صدور المسلمين أنوار التقديس لكتابهم، وليوهى اعتقادهم بتوقيفيته:
فهو يدعى بغير بينة أن القراءات تطورت على الأيام، ومعنى هذا فيما هو واضح أن الله تعالى لم ينزل القراءات بالشكل المتواتر عند المسلمين، وأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقرأ بها هكذا، وأن صحابته وتابعيهم لم يتلقوها، ولم يقرءوا بها هكذا.
وقد احتمى جفرى ببعض الروايات المنكرة والأحاديث الموضوعة، مثلما فعل زميلاه نولدكه وجولد تسيهر. وممن توارى جفرى خلفهم: ابن أبى داود الذى كذبه أبوه نفسه فى أكثر من حديث.
ويدعو جفرى الباحثين المسلمين إلى شىء عجيب: يدعوهم لينهجوا نهج باحثى اليهود والنصارى الذين شكوا فى صحة كتبهم المقدسة، والذين نجحوا كما يعبر فى كشف ما ورد على هذه الكتب من تغيير وتعديل، وهو فى هذا يقول بقصد خبيث مكشوف:
«فسر فى أيامنا هذه علماء الشرق كثيرا مما يتعلق بتفسير القرآن وإعجازه وأحكامه ولكنهم إلى الآن لم يبينوا لنا ما يستفاد منه التطور فى قراءته، ولا ندرى على التحقيق لماذا كفوا عن البحث، فى عصر له نزعة خاصة فى التنقيب، عن تطور الكتب المقدسة، وعما حصل لها من التغيير والتحرير ونجاح بعض الكتاب فيها».
ويعد جفرى المستجيبين لدعوته: دعوة بحث القرآن لاكتشاف ما سماه:
«التغيير والتحوير» فيه يعدهم مثل ما أحرز الباحثون فى كتب اليهود والنصارى:
ذيوعا لمباحثهم، ونصرا على مخالفيهم.(1/28)
«التغيير والتحوير» فيه يعدهم مثل ما أحرز الباحثون فى كتب اليهود والنصارى:
ذيوعا لمباحثهم، ونصرا على مخالفيهم.
وهو يتكلم عن الباحثين فى كتب اليهود والنصارى فيقول: إن طريقتهم فى البحث أن يجمعوا الآراء والظنون والأوهام والتصورات بأجمعها ليستنتجوا بالفحص والاكتشاف ما كان فيها مطابقا للمكان والزمان وظروف الأحوال، معتبرين المتن دون الإسناد، ويجتهدون فى إقامة نص التوراة والإنجيل إلخ.
ونحن نرد على جفرى بأن القرآن غير الكتب السابقة، فهو بلغنا كلمة كلمة، بل حرفا حرفا بالتلقى الصحيح، وبالرواية المتواترة، التى تعنى: أنه فى كل طبقة من طبقاتها يتوافر جمع من الناس يؤمن تواطؤهم على الكذب أو لا يتصور تواطؤهم عليه.
ويرد جفرى نفس المشرع المسموم الذى ورده جولد تسيهر، فيشير إلى الادعاء بأن المصاحف المكتوبة الأئمة لخلوها من النقط والشكل كانت تدعو القارئ فيما بعد أن يتولى بنفسه نقط النص القرآنى، وضبطه بالشكل، على مقتضى ما يفهمه هو من معانى الآيات. وأورد جفرى مثلا لهذا كلمة «نعلمه» فقد كان الواحد بزعم المستشرقين يقرؤها: «يعلمه»، والآخر: «نعلمه»، والثالث: «تعلمه»، والرابع:
«تعلمه» إلخ.
وقد قدمنا آنفا ونحن نناقش جولد تسيهر أن هذا الرأى فاسد فيما يتعلق بالقرآن لأن المسلمين لم يعتمدوا فى نقل القرآن على خط المصاحف، وإنما اعتمدوا على التلقى الشفهى. ونضيف هنا: أنهم اعتمدوا أيضا على حفظ القلوب والصدور، وقد عد ذلك من أشرف خصائصهم، ثم إن التبديل فى القرآن مهما قل ليس لمخلوق حتى ولو كان نبى الإسلام نفسه.
{وَإِذََا تُتْلى ََ عَلَيْهِمْ آيََاتُنََا بَيِّنََاتٍ قََالَ الَّذِينَ لََا يَرْجُونَ لِقََاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هََذََا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15].
{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعََالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنََا بَعْضَ الْأَقََاوِيلِ لَأَخَذْنََا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنََا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمََا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حََاجِزِينَ} [الحاقة: 4743].
والاستقراء الموضوعى يكشف لنا أنه لم ينقل عبر القرون كتاب سماوى أو غير سماوى، بالتواتر القطعى والإسناد الصحيح، عن العدول الضابطين، طبقة بعد
طبقة مثلما وقع للقرآن، وقد تلقوه عن النبى نفسه صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا لم يهملوا منه حركة ولا سكونا، ولا إثباتا ولا حذفا (1).(1/29)
والاستقراء الموضوعى يكشف لنا أنه لم ينقل عبر القرون كتاب سماوى أو غير سماوى، بالتواتر القطعى والإسناد الصحيح، عن العدول الضابطين، طبقة بعد
طبقة مثلما وقع للقرآن، وقد تلقوه عن النبى نفسه صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا لم يهملوا منه حركة ولا سكونا، ولا إثباتا ولا حذفا (1).
ثم إن هذا الزعم الذى قال به هؤلاء المستشرقون تصادمه الحقائق التاريخية التى لا يرتقى إليها الشك، وتعارضه الأدلة النقلية التى بلغت فى مجموعها مبلغ التواتر، ودلت على أن القراءات منبعها الوحى الإلهى عن الله عز وجل ومصدرها النقل المتواتر والصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلت كذلك على أن القراءات سنة متبعة، ينقلها الآخر عن الأول، ويتلقاها الخلف عن السلف، إلى أن تنتهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، عن جبريل أمين الوحى، عن الله تعالى.
إن هذا الزعم يتنافى مع قضايا العقل، ولا يتلاقى مع قوانين المنطق، ولا يستسيغه الفكر الناضج السليم، وهاكم بعض التفصيل لما أقول:
أولا: إن التاريخ وهو خير شاهد، وأصدق مخبر يدلنا على أن القرآن الكريم بجميع قراءاته ورواياته كان محفوظا فى صدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن تكتب المصاحف فى عهد الخليفة عثمان، بل قبل أن يجمع القرآن فى المصحف، فى عهد الصديق أبى بكر كما يدل على أن قراءاته ورواياته قد ذاع أمرها، وانتشر بين الأنام خبرها، وتداول الناس القراءة بها فى العهد النبوى، وقد نطقت بذلك الأخبار الصحيحة، والآثار الصريحة التى لا مطعن فيها، ولا وهن فى أسانيدها، وأقص عليكم من نبأ هذه الأخبار ما لا يبقى معه أدنى شبهة، ولا أقل ريبة فى أن القراءات مردها التلقى والرواية، ومرجعها التوقيف والسماع، ولا دخل لأحد من البشر فيها كائنا من كان، وليست خاصية الخط العربى الذى كتبت به المصاحف مدعاة من قريب أو من بعيد إلي تنوع القراءات، واختلاف القراء.
ثانيا: عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأنى جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده، ويزيدنى، حتّى انتهى إلى سبعة أحرف».
أخرجه البخارى ومسلم.
ثالثا: وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم ابن حزام يقرأ سورة الفرقان فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (119108).(1/30)
على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره فى الصلاة، حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأ؟ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسله، اقرأ يا هشام»، فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت»، ثم قال: «اقرأ يا عمر» فقرأت القراءة التى أقرأنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسّر منه». رواه البخارى ومسلم.
رابعا: وعن أبى بن كعب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بنى غفار: فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتى لا تطيق ذلك»، ثم أتاه الثانية، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتى لا تطيق ذلك»، ثم جاءه الثالثة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتى لا تطيق ذلك». ثم جاءه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا». رواه مسلم وأبو داود والنسائى.
خامسا: عن أبى بن كعب رضى الله عنه قال: كنت فى المسجد، فدخل رجل يصلى، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة، دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر، فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرءا، فحسن النبى صلى الله عليه وسلم بشأنهما، فسقط فى نفسى من التكذيب ولا إذ كنت فى الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشينى، ضرب فى صدرى، فغصت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله تعالى فرقا، فقال لى: «يا أبىّ أرسل إلىّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه:
أن هوّن على أمّتى فردّ إلىّ الثّانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتى، فردّ إلىّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتى، وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إلىّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم عليه السّلام» رواه مسلم وأحمد وفى بعض طرق هذا الحديث:
واختبأت الثالثة شفاعة لأمتى يوم القيامة.(1/31)
أن هوّن على أمّتى فردّ إلىّ الثّانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتى، فردّ إلىّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتى، وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إلىّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم عليه السّلام» رواه مسلم وأحمد وفى بعض طرق هذا الحديث:
واختبأت الثالثة شفاعة لأمتى يوم القيامة.
سادسا: عن أبى رضى الله عنه قال: «لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال:
يا جبريل إنّى بعثت إلى أمّة أمّيين، فيهم العجوز، والشّيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرّجل الّذى لم يقرأ كتابا قطّ»، قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف» رواه أحمد والترمذى وقال: حديث حسن صحيح.
سابعا: عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص: أن رجلا قرأ آية من القرآن، فقال عمرو: إنما هى كذا وكذا، بغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتياه، فذكرا ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأىّ ذلك قرأتم أصبتم». رواه الإمام أحمد فى مسنده، وسنده جيد.
ثامنا: عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: أقرأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من آل حم فرحت إلى المسجد، فقلت لرجل: اقرأها، فإذا هو يقرأ حروفا ما أقرؤها، فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه، فتغير وجهه، وقال: «إنّما أهلك من كان قبلكم الاختلاف»، ثم أسر إلى علىّ شيئا، فقال على:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل منكم كما علم، قال: فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا لا يقرؤها صاحبه. رواه ابن حبان والحاكم.
تاسعا: روى الحافظ أبو يعلى الموصلى فى مسنده الكبير: أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه قال يوما وهو على المنبر: أذكر أن رجلا سمع النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلّها شاف كاف لما قام، فقاموا، حتى لم يحصوا، فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلّها شاف كاف». فقال عثمان رضى الله عنه: وأنا أشهد معهم. قال العلماء:
قوله: «فقاموا حتى لم يحصوا»: صريح فى تواتر الحديث، وقد نص جمع من الحفاظ على تواتر حديث: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» منهم: الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، والحاكم.
فهذه الأحاديث مع كثرتها وهى قل من كثر وتعدد طرقها ناطقة بأن القراءات منزلة من عند الله تعالى موحى بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ويؤخذ هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف». وقوله عند سماع قراءة كل من هشام
وعمر: «كذلك أنزلت»، وقول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا».(1/32)
فهذه الأحاديث مع كثرتها وهى قل من كثر وتعدد طرقها ناطقة بأن القراءات منزلة من عند الله تعالى موحى بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ويؤخذ هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف». وقوله عند سماع قراءة كل من هشام
وعمر: «كذلك أنزلت»، وقول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا».
وكما دلت هذه الأحاديث على أن القراءات نزل بها أمين الوحى جبريل على قلب النبى صلى الله عليه وسلم، كذلك دلت على أنها مأخوذة بالتلقى والمشافهة والسماع منه صلى الله عليه وسلم.
ويؤخذ هذا من قول عمر: «فإذا هو أى: هشام يقرأ على حروف لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ومن قول هشام لعمر: «أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وقول عمر لهشام: «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت»، فالحديث قد تكرر فيه لفظ الإقراء، كذلك تكررت مادة الإقراء فى الأحاديث: الثالث والسادس والسابع مما يدل على أن القراءات إنما ثبتت بالتوقيف والتلقين والتلقى، والأخذ، والمشافهة، والنقل، والسماع.
ويدل أيضا: على أن صحة القراءة متوقفة على التلقى والسماع: قول على رضى الله عنه للمتخاصمين فى القراءة اللذين ترافعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل منكم كما علم».
إن تنازع الصحابة فى القراءة، ورجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم كما دلت على ذلك الأحاديث المذكورة لأوضح دليل على أن القراءة ليست موكولة إلى أهوائهم، ولا مفوضة إلى آرائهم، فلم يكن أحد منهم يقرأ باختياره، ولا من تلقاء نفسه، إنما كان يقرأ ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا فى الذروة العليا دقة وضبطا لألفاظ القرآن الكريم وإحكاما لحروفه وكلماته، وحرصا على إماطة أدنى تصحيف عن ساحته، وحسبنا برهانا على ذلك: موقف عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم، من تلبيبه له، وأخذه بخناقه، وسوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سمع هشاما يقرأ بغير الرواية التى تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر حينئذ لا يعرف أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاعتقد أن هشاما غير وبدل من تلقاء نفسه، فلما عرف أن ذلك مأخوذ عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن قد نزل على وجوه كثيرة يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة رحمة بهم، وتسهيلا عليهم اطمأنت نفسه، ولم يتعرض بعد ذلك لهشام ولا لغيره لأن الذى كان يخشاه عمر إنما هو التبديل والتغيير فى كتاب الله تعالى، ومعلوم أن سيدنا عمر كان لا يخشى فى الحق لومة لائم.
ولما كتبت المصاحف العثمانية، وأرسلت إلى الأمصار الإسلامية، لم يكتف الخليفة عثمان بإرسالها إلى الأمصار وحدها لتكون الملجأ والمرجع، بل أرسل مع كل مصحف عالما من علماء القراءة يعلم المسلمين القرآن وفق هذا المصحف وعلى مقتضاه، فأمر زيد ابن ثابت أن يقرئ بالمدينة، وبعث عبد الله بن السائب إلى مكة، والمغيرة بن شهاب إلى الشام، وعامر بن عبد قيس إلى البصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى إلى الكوفة، فكان كل واحد من هؤلاء العلماء يقرئ أهل مصره بما تعلمه من القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر التى يحتملها رسم المصحف، دون الثابتة بطريق الآحاد والمنسوخة، وإن كان يحتملها رسم المصحف، فالمقصود من إرسال القارئ مع المصحف تقييد ما يحتمله الرسم من القراءات بالمنقول عنها تواترا، فلو كانت القراءات مأخوذة من رسم المصحف، وساغ لكل إنسان أن يقرأ بكل قراءة يحتملها الرسم، سواء كانت ثابتة بطريق التواتر أم بطريق الآحاد، أم كانت منسوخة لم يكن ثمّ حاجة إلى إرسال عالم مع المصحف، فإيفاد عالم مع المصحف دليل واضح على أن القراءة إنما تعتمد على التلقى والنقل والرواية، لا على مجرد الخط والرسم والكتابة (1).(1/33)
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا فى الذروة العليا دقة وضبطا لألفاظ القرآن الكريم وإحكاما لحروفه وكلماته، وحرصا على إماطة أدنى تصحيف عن ساحته، وحسبنا برهانا على ذلك: موقف عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم، من تلبيبه له، وأخذه بخناقه، وسوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سمع هشاما يقرأ بغير الرواية التى تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر حينئذ لا يعرف أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاعتقد أن هشاما غير وبدل من تلقاء نفسه، فلما عرف أن ذلك مأخوذ عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن قد نزل على وجوه كثيرة يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة رحمة بهم، وتسهيلا عليهم اطمأنت نفسه، ولم يتعرض بعد ذلك لهشام ولا لغيره لأن الذى كان يخشاه عمر إنما هو التبديل والتغيير فى كتاب الله تعالى، ومعلوم أن سيدنا عمر كان لا يخشى فى الحق لومة لائم.
ولما كتبت المصاحف العثمانية، وأرسلت إلى الأمصار الإسلامية، لم يكتف الخليفة عثمان بإرسالها إلى الأمصار وحدها لتكون الملجأ والمرجع، بل أرسل مع كل مصحف عالما من علماء القراءة يعلم المسلمين القرآن وفق هذا المصحف وعلى مقتضاه، فأمر زيد ابن ثابت أن يقرئ بالمدينة، وبعث عبد الله بن السائب إلى مكة، والمغيرة بن شهاب إلى الشام، وعامر بن عبد قيس إلى البصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى إلى الكوفة، فكان كل واحد من هؤلاء العلماء يقرئ أهل مصره بما تعلمه من القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر التى يحتملها رسم المصحف، دون الثابتة بطريق الآحاد والمنسوخة، وإن كان يحتملها رسم المصحف، فالمقصود من إرسال القارئ مع المصحف تقييد ما يحتمله الرسم من القراءات بالمنقول عنها تواترا، فلو كانت القراءات مأخوذة من رسم المصحف، وساغ لكل إنسان أن يقرأ بكل قراءة يحتملها الرسم، سواء كانت ثابتة بطريق التواتر أم بطريق الآحاد، أم كانت منسوخة لم يكن ثمّ حاجة إلى إرسال عالم مع المصحف، فإيفاد عالم مع المصحف دليل واضح على أن القراءة إنما تعتمد على التلقى والنقل والرواية، لا على مجرد الخط والرسم والكتابة (1).
أمثلة توضيحية نرد بها على المستشرقين:
وأزيد هذه المسألة إيضاحا فأقول: فى القرآن الكريم كلمات تكررت فى مواضع كثيرة ورسمت برسم واحد فى جميع المواضع ولكنها فى بعض المواضع، وردت فيها القراءات التى يحتملها رسمها، فاختلف فيها القراء، وتنوعت فيها قراءاتهم، وفى بعض المواضع: اتفق القراء على قراءتها بقراءة واحدة لأن غيرها لم يصح به النقل، ولم تثبت به الرواية، مع أن الرسم يحتمله. وهاك بعض الأمثلة:
أولا: كلمة «مالك» ذكرت فى القرآن وصفا أو فى حكم الوصف فى ثلاثة مواضع:
{مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].
{قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] {مَلِكِ النََّاسِ} [الناس: 2]
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (8180، 145140).(1/34)
أما موضع «آل عمران»: فقد اتفق القراء علي قراءتها فيه بإثبات الألف، مع أنه لو قرئ بحذف الألف فى هذا الموضع لكان ذلك سائغا لغة ومعنى، ولكن لم يقرأ فيه بالحذف لعدم ثبوت الرواية فيه بالحذف.
وأما موضع سورة «الناس»: فقد اتفقوا على قراءتها فيه بحذف الألف، مع أنه لو قرئ بإثبات الألف فى هذا الموضع لكان ذلك سائغا لغة ومعنى، ولكن لم يقرأ فيه بالإثبات لعدم ثبوت النقل فيه بالإثبات فلو كانت القراءات بالرأى أو الاختيار والاجتهاد لا بالتوقيف والتلقى، وكان تنوع القراءات تابعا للرسم لم يكن اختلاف القراء مقصورا على موضع الفاتحة، بل كان يتناول الموضعين الآخرين، ولكنهم اختلفوا فى موضع «الفاتحة»، واتفقوا فى موضعى «آل عمران» و «الناس» فدل هذا على أن القراءات لم تكن بالاجتهاد والاختيار، ولم يكن تنوعها تابعا للخط وللرسم، وإنما هو تابع للسند والرواية والنقل.
ثانيا: ورد لفظ «غشاوة» فى موضعين فى القرآن الكريم: الأول: فى «سورة البقرة»، فى قوله تعالى: {وَعَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌ} [البقرة: 7] والثانى: فى سورة الجاثية: فى قوله تعالى:
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلََهَهُ هَوََاهُ وَأَضَلَّهُ اللََّهُ عَلى ََ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى ََ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى ََ بَصَرِهِ غِشََاوَةً} [الجاثية: 23].
وهو مرسوم فى جميع المصاحف العثمانية بحذف الألف بعد الشين فى الموضعين معا، ومع ذلك اتفق القراء على قراءته فى موضع «البقرة» بكسر الغين وفتح الشين وإثبات ألف بعدها، واختلفوا فى قراءته فى موضع «الجاثية»، فقرأه بعضهم بكسر الغين وفتح الشين وألف بعدها، وقرأه بعضهم بفتح الغين وسكون الشين مع حذف الألف، ولو قرئ موضع «البقرة» بفتح الغين وسكون الشين لكان ذلك صحيحا لغة ومعنى، ولكن لم يقرأ أحد بهذه القراءة فى هذا الموضع لعدم ثبوتها فيه، وهذا يدل، على أن القراءة، إنما تؤخذ بالمشافهة والسماع، ولا تؤخذ من خط المصحف ورسمه.
ثالثا: كلمة «الصاعقة»: ذكرت هذه الكلمة معرفة ومنكرة فى القرآن الكريم فى خمسة مواضع:
الأول: فى سورة البقرة فى قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يََا مُوسى ََ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى
اللََّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصََّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55].(1/35)
الأول: فى سورة البقرة فى قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يََا مُوسى ََ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى
اللََّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصََّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55].
الثانى: فى سورة «النساء» فى قوله تعالى: {فَقََالُوا أَرِنَا اللََّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصََّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153].
الثالث والرابع: فى سورة «فصلت»: فى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صََاعِقَةً مِثْلَ صََاعِقَةِ عََادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13].
الخامس: فى سورة «الذاريات» فى قوله تعالى: {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصََّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات: 44].
وهذه الكلمة مرسومة فى جميع المصاحف العثمانية فى المواضع الخمسة بدون الألف بعد الصاد، ولكن القراء أجمعوا على قراءتها فى المواضع الأربعة الأولى بإثبات الألف بعد الصاد مع كسر العين، واختلفوا فى الموضع الخامس: فقرأه بعضهم بإثبات الألف بعد الصاد مع كسر العين، وقرأه بعضهم بحذف الألف مع سكون العين. ومعنى القراءتين واحد، فلو كان تنوع القراءات تابعا للرسم لاختلف القراء فى المواضع الأربعة، كما اختلفوا فى الموضع الخامس، ولكنهم اتفقوا فى المواضع الأربعة، واختلفوا فى الخامس فكان ذلك دليلا على أن العمدة فى ثبوت القراءات التوقيف والرواية لا الرسم والكتابة.
رابعا: «سخريا» ذكر هذا اللفظ فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع:
الأول: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} [المؤمنون: 110] الثانى: {أَتَّخَذْنََاهُمْ سِخْرِيًّا} [ص: 63] الثالث: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] وقد اختلف القراء فى الموضعين الأول والثانى: فقرأهما بعضهم بضم السين، وقرأهما بعضهم بكسرها، واتفقوا على قراءة الموضع الثالث بضم السين. والضم والكسر لغتان، ومعناهما واحد، والمصاحف العثمانية مجردة من النقط والشكل، فلو كانت القراءات ناشئة من رسم المصاحف لاختلف القراء فى الموضع الثالث، كما اختلفوا فى الأول والثانى، لكنهم اتفقوا فى الموضع الثالث، فكان ذلك دليلا على أن القراءات لم تنشأ عن خط المصاحف ورسمها، وإنما نشأت عن التوقيف والسماع.
خامسا: ورد لفظ: «ضرا» فى القرآن الكريم فى المواضع الآتية:
الأول: {قُلْ لََا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلََا ضَرًّا إِلََّا مََا شََاءَ اللََّهُ} [الأعراف: 188].(1/36)
خامسا: ورد لفظ: «ضرا» فى القرآن الكريم فى المواضع الآتية:
الأول: {قُلْ لََا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلََا ضَرًّا إِلََّا مََا شََاءَ اللََّهُ} [الأعراف: 188].
الثانى: {قُلْ لََا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلََا نَفْعاً إِلََّا مََا شََاءَ اللََّهُ} [يونس: 49].
الثالث: {أَفَلََا يَرَوْنَ أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلََا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلََا نَفْعاً} [طه: 89].
الرابع: {وَلََا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلََا نَفْعاً} [الفرقان: 3] الخامس: {إِنْ أَرََادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرََادَ بِكُمْ نَفْعاً} [الفتح: 11].
وقد اتفق القراء على قراءة هذا اللفظ فى المواضع الأربعة الأولى بفتح الضاد، واختلفوا فى الموضع الخامس: فقرأه بعضهم بفتح الضاد، وبعضهم بضمها. والفتح والضم لغتان بمعنى واحد وهو الضرر مقابل النفع وهذا من جملة الأدلة على أن القراءات ليست بالاختيار والاجتهاد، وإنما هى بالتوقيف واتباع الإسناد.
سادسا: كلمة «نسقى» وردت فى القرآن الكريم فى أربعة مواضع:
الأول: فى «النحل»، فى قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمََّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خََالِصاً سََائِغاً لِلشََّارِبِينَ} [النحل: 66] الثانى: فى سورة «المؤمنين» فى قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمََّا فِي بُطُونِهََا وَلَكُمْ فِيهََا مَنََافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهََا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 21] الثالث: فى سورة «الفرقان» فى قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمََّا خَلَقْنََا أَنْعََاماً وَأَنََاسِيَّ كَثِيراً} [الفرقان: 49].
الرابع: فى سورة «القصص» فى قوله تعالى: {قََالَتََا لََا نَسْقِي حَتََّى يُصْدِرَ الرِّعََاءُ وَأَبُونََا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].
وقد اختلف القراء فى «نسقيكم» فى موضعى «النحل» و «المؤمنين»: فمنهم من قرأهما بالنون المضمومة، ومنهم من قرأهما بالنون المفتوحة، ومنهم من قرأهما بالتاء المثناة الفوقية المفتوحة واتفقوا على قراءة «نسقيه» فى الفرقان بالنون المضمومة، مع أن رسم هذه الكلمة فى المصحف لكونه غير منقوط ولا مشكول يحتمل فيها القراءات الثلاث كما احتملها فى الموضعين المذكورين، ولكن قراءة هذه الكلمة فى هذا الموضع بالتاء المفتوحة لا تلائم نظم الآية، ولا تتفق مع معناها وسياقها فلم يقرأ بها أحد. وقراءتها بالنون المفتوحة وإن كانت اللغة تسيغها ومعنى الآية لا ينبو عنها لم تنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقرأ بها أحد أيضا.
كما اتفقوا على قراءة: {قََالَتََا لََا نَسْقِي} فى سورة القصص بفتح النون وإن كانت
اللغة تجيز ضمها فدل ذلك على أن القراءات بالسماع والاتباع لا بالاجتهاد والابتداع.(1/37)
كما اتفقوا على قراءة: {قََالَتََا لََا نَسْقِي} فى سورة القصص بفتح النون وإن كانت
اللغة تجيز ضمها فدل ذلك على أن القراءات بالسماع والاتباع لا بالاجتهاد والابتداع.
سابعا: «كرها» ذكر هذا اللفظ فى القرآن فى ستة مواضع:
الأول: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} [آل عمران: 83].
الثانى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً} [النساء: 19].
الثالث: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} [التوبة: 53].
الرابع: {وَلِلََّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} [الرعد: 15].
الخامس: {ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ وَهِيَ دُخََانٌ فَقََالَ لَهََا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيََا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً}
[فصلت: 11].
السادس: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً} [الأحقاف: 15].
وقد اختلف القراء فى الموضع الثانى والثالث والسادس: فمنهم من قرأ بضم الكاف، ومنهم من قرأ بفتحها. والضم والفتح لغتان بمعنى واحد. واتفقوا على القراءة بفتح الكاف فى الموضع الأول والرابع والخامس. وتجريد المصاحف من شكل الحروف يجعل هذه المواضع الثلاثة محتملة لقراءتى الضم والفتح أيضا، ولكن لم يقرأ بالضم قارئ فى أى موضع من هذه المواضع الثلاثة. فلو كان اختلاف القراءات نتيجة لخلو المصاحف من الشكل لاختلف القراء فى هذه المواضع كما اختلفوا فى المواضع الثلاثة فى «النساء» و «التوبة» و «الأحقاف»، لكنهم اتفقوا فى هذه المواضع واختلفوا فى تلك فحينئذ لا يكون لخلو المصاحف من الشكل دخل ما فى اختلاف القراءات.
ثامنا: «فعميت» ورد هذا اللفظ فى القرآن فى موضعين:
الأول: {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهََا وَأَنْتُمْ لَهََا كََارِهُونَ} [هود: 28].
الثانى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبََاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لََا يَتَسََاءَلُونَ} [القصص: 66] وقد اختلف القراء فى موضع هود. فقرأه بعضهم بضم العين وتشديد الميم المكسورة، وقرأه بعضهم بفتح العين وتخفيف الميم المكسورة.
أما موضع القصص: فاتفقوا على قراءته بفتح العين وتخفيف الميم. فلو كان منشأ اختلاف القراءات تجريد المصاحف من الحركات لوقع اختلافهم فى الموضعين معا، أما وقد اختلفوا فى موضع واتفقوا فى آخر فلا يكون منشأ
الاختلاف ما ذكر، وإنما منشؤه النقل والرواية والسماع.(1/38)
أما موضع القصص: فاتفقوا على قراءته بفتح العين وتخفيف الميم. فلو كان منشأ اختلاف القراءات تجريد المصاحف من الحركات لوقع اختلافهم فى الموضعين معا، أما وقد اختلفوا فى موضع واتفقوا فى آخر فلا يكون منشأ
الاختلاف ما ذكر، وإنما منشؤه النقل والرواية والسماع.
تاسعا: «حزن» وقع هذا اللفظ منكرا ومعرفا فى القرآن الكريم فى خمسة مواضع:
الأول: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلََّا يَجِدُوا مََا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92].
الثانى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنََاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84].
الثالث: {قََالَ إِنَّمََا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللََّهِ} [يوسف: 86].
الرابع: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص: 8].
الخامس: {وَقََالُوا الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34].
وهذا اللفظ سواء أكان منكرا أم معرفا فيه لغتان بمعنى واحد: ضم الحاء وسكون الزاى، وفتح الحاء والزاى، ولكن القراء اختلفوا فى موضع «القصص» خاصة: فقرأه بعضهم بضم الحاء وسكون الزاى، وقرأه بعضهم بفتح الحاء والزاى، واتفقوا على قراءة الموضع الأول والخامس «التوبة» و «فاطر» بفتح الحرفين، وعلى قراءة موضعى «يوسف» بضم الحاء وسكون الزاى وهذا من أبين الأدلة على أن الاعتماد فى القراءات على الرواية والنقل لا على الخط والرسم.
عاشرا: اختلف القراء فى قراءة لفظ «الرشد»، فى قوله تعالى فى سورة «الأعراف»: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لََا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: 146] وفى قراءة لفظ: (رشدا) فى قوله تعالى فى سورة الكهف: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى ََ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمََّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف: 66].
وخلاف القراء فى هذين اللفظين دائر بين ضم الراء وسكون الشين، وفتح الراء والشين، وهما لغتان فى هذا اللفظ كالبخل بضم الباء وسكون الخاء، وبفتحهما، والحزن بضم الحاء وسكون الزاى، وبفتحهما، والسقم بضم السين وسكون القاف وبفتحهما. واتفق القراء على قراءة لفظ رشدا فى: {وَهَيِّئْ لَنََا مِنْ أَمْرِنََا رَشَداً}
[الكهف: 10] وفى {لِأَقْرَبَ مِنْ هََذََا رَشَداً} [الكهف: 24] وفى {أَمْ أَرََادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} وفى {فَأُولََئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} وفى {قُلْ إِنِّي لََا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلََا رَشَداً} [الجن:
الآيات: 10، 14، 21].
اتفقوا على قراءة هذا اللفظ فى المواضع المذكورة: بفتح الراء والشين.
كما اتفقوا على قراءة: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2] من سورة الجن بضم الراء
وسكون الشين وهذا اللفظ فى جميع المواضع المذكورة المختلف فيها والمتفق عليها معناه واحد وهو الحق والخير والصلاح والصواب.(1/39)
كما اتفقوا على قراءة: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2] من سورة الجن بضم الراء
وسكون الشين وهذا اللفظ فى جميع المواضع المذكورة المختلف فيها والمتفق عليها معناه واحد وهو الحق والخير والصلاح والصواب.
فلو كان اختلاف القراءات وليد خلوّ المصاحف من ضبط الحروف بالحركات والسكنات لقرئ هذا اللفظ فى جميع مواقعه بقراءتين إذ إن اللغة تجيز كلتا القراءتين ومعنى اللفظ لا يختلف عليهما.
أما وقد اتفق القراء على قراءته بوجه واحد فى بعض المواضع، واختلفوا فى قراءته فى بعض المواضع فقرءوه بوجهين: فلا يكون ذلك راجعا إلا إلى اتفاق النقل فى المواضع المتفق عليها واختلافه فى المواضع المختلف فيها، وليس لرسم المصاحف دخل فى هذا البتة.
حادى عشر: اختلف القراء فى قراءة كلمة: «ينفخ» فى قوله تعالى، فى سورة «طه»: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه: 102] فقرأها بعضهم بياء تحتية مضمومة مع فتح الفاء على البناء للمفعول، وقرأها بعضهم: بالنون المفتوحة مع ضم الفاء على البناء للفاعل.
واتفقوا على قراءة هذه الكلمة: «ينفخ» بضم الياء وفتح الفاء فى قوله تعالى فى سورة «النمل»: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلََّا مَنْ شََاءَ اللََّهُ} [النمل: 87].
وفى قوله تعالى فى سورة «النبأ»: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوََاجاً} [النبأ: 18].
مع أن سياق الآيتين المذكورتين لا يأبى القراءة بالنون فيهما.
أما آية «النمل»: فقراءتها بالنون تتسق مع أسلوب الآيات قبلها اقرأ إن شئت من قوله تعالى: {وَإِذََا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنََا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النََّاسَ كََانُوا بِآيََاتِنََا لََا يُوقِنُونَ} إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النمل: من 82: 86] وتدبر هذه الكلمات: أخرجنا، نحشر، بآياتنا، إنا جعلنا.
وأما آية «النبأ»: فقراءتها بالنون تلائم أسلوب الآيات قبلها: {وَخَلَقْنََاكُمْ أَزْوََاجاً وَجَعَلْنََا نَوْمَكُمْ سُبََاتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبََاساً وَجَعَلْنَا النَّهََارَ مَعََاشاً وَبَنَيْنََا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدََاداً وَجَعَلْنََا سِرََاجاً وَهََّاجاً وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ مََاءً ثَجََّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبََاتاً وَجَنََّاتٍ أَلْفََافاً} [النبأ من 8: 16]. ومع هذا لم يقرأ أحد من الأئمة بالنون فى آية من هاتين الآيتين فدل هذا على أن القراءات إنما تثبت بالتلقى والتوقيف لا بالاجتهاد والاختيار.
ثانى عشر: اختلف القراء فى قراءة لفظ «مدخلا» فى قوله تعالى فى سورة النساء:(1/40)
وأما آية «النبأ»: فقراءتها بالنون تلائم أسلوب الآيات قبلها: {وَخَلَقْنََاكُمْ أَزْوََاجاً وَجَعَلْنََا نَوْمَكُمْ سُبََاتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبََاساً وَجَعَلْنَا النَّهََارَ مَعََاشاً وَبَنَيْنََا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدََاداً وَجَعَلْنََا سِرََاجاً وَهََّاجاً وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ مََاءً ثَجََّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبََاتاً وَجَنََّاتٍ أَلْفََافاً} [النبأ من 8: 16]. ومع هذا لم يقرأ أحد من الأئمة بالنون فى آية من هاتين الآيتين فدل هذا على أن القراءات إنما تثبت بالتلقى والتوقيف لا بالاجتهاد والاختيار.
ثانى عشر: اختلف القراء فى قراءة لفظ «مدخلا» فى قوله تعالى فى سورة النساء:
{وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً} [النساء: 31] وفى قوله تعالى فى سورة الحج:
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} [الحج: 59]، فقرأه بعضهم بضم الميم، وقرأه بعضهم بفتحها، واتفقوا على قراءة لفظ «مدخل» فى قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] فى سورة الإسراء بضم الميم، واللغة تجيز فى هذا الموضع فتح الميم، كما تجيزه فى الموضعين المذكورين، ولكن لم يقرأ قارئ فى هذا الموضع بفتح الميم، فلو كان مرجع القراءات رسم المصحف لقرئ هذا اللفظ فى هذا الموضع بقراءتين ضم الميم وفتحها كما قرئ لفظ «مدخلا» فى الموضعين السابقين، ولكن لم يرد فتح الميم عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الموضع فاتفق القراء على ضمها فيه: إذن يكون مرجع القراءات النقل لا الرسم.
ثالث عشر: اختلف القراء فى قراءة لفظ: «تخرجون» فى سورة «الأعراف» فى قوله تعالى: {قََالَ فِيهََا تَحْيَوْنَ وَفِيهََا تَمُوتُونَ وَمِنْهََا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 25]، وفى الموضع الأول من سورة «الروم» وهو: {وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا وَكَذََلِكَ تُخْرَجُونَ}
[الروم: 19] وفى سورة «الزخرف» فى قوله تعالى: {فَأَنْشَرْنََا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذََلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11] وفى سورة «الجاثية» فى قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لََا يُخْرَجُونَ مِنْهََا وَلََا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الجاثية: 35] اختلف القراء فى هذه المواضع: فمنهم من قرأ بضم الحرف الأول منها وفتح الحرف الثالث على البناء للمفعول، ومنهم من قرأ بفتح الأول وضم الثالث على البناء للفاعل واتفقوا على قراءة الموضع الثانى من سورة «الروم» وهو: {ثُمَّ إِذََا دَعََاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذََا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25]، بفتح التاء وضم الراء على البناء للفاعل، ولا شك أن خلو المصاحف من شكل الحروف يجعل هذا الموضع محتملا للقراءتين الثابتتين فى المواضع السابقة، واللغة تجيز قراءته بالبناء للمفعول، ولم تأت بها رواية، ولم يثبت بها سند فلم يقرأ بها أحد وهذا أيضا من البراهين على أن مصدر القراءات وتنوعها إنما هو التوقف والتلقين، والأخذ والسماع، ولا دخل لخلو المصاحف من الشكل فى هذا البتة.
رابع عشر: ثبت أن الإمام نافعا قرأ لفظ «يحزن» فى القرآن الكريم كيف ورد بضم الياء وكسر الزاى نحو: {فَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يس: 76] {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33] {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، إلا قوله تعالى
فى سورة «الأنبياء»: {لََا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] فقرأه بفتح الياء وضم الزاى، وثبت: أن الإمام أبا جعفر قرأ هذا اللفظ فى جميع مواضعه بفتح الياء وضم الزاى إلا موضع «الأنبياء» فقرأه بضم الياء وكسر الزاى، وكلا الإمامين مقتف للأثر متبع للرواية.(1/41)
رابع عشر: ثبت أن الإمام نافعا قرأ لفظ «يحزن» فى القرآن الكريم كيف ورد بضم الياء وكسر الزاى نحو: {فَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يس: 76] {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33] {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، إلا قوله تعالى
فى سورة «الأنبياء»: {لََا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] فقرأه بفتح الياء وضم الزاى، وثبت: أن الإمام أبا جعفر قرأ هذا اللفظ فى جميع مواضعه بفتح الياء وضم الزاى إلا موضع «الأنبياء» فقرأه بضم الياء وكسر الزاى، وكلا الإمامين مقتف للأثر متبع للرواية.
فلو صح أن منشأ القراءات تجريد المصاحف من شكل الحروف وحركاتها لكانت هاتان القراءتان فى كل موضع، واللغة تجيز كلتا القراءتين.
وفى القرآن الكريم كلمات أخرى غير معجمة ولا مشكولة، ورسمها كذلك يجعلها محتملة لقراءات متعددة، واللغة العربية تجيز فيها هذه القراءات، ومع ذلك لم يختلف فيها القراء، بل اتفقوا على قراءتها بقراءة واحدة لأنه لم يرد فيها بالسند القوى، والأثر الثابت والنقل الموثق، إلا هذه القراءة، وأما غيرها من القراءات التى يحتملها الرسم فليس له سند يعتمد عليه، وأصل يرد إليه فلم يقرأ به أحد، ومن أمثلة ذلك:
أولا: «خطف يخطف» جاء فى لغة العرب: أن فيها لغتين، خطف يخطف من باب علم يعلم وخطف يخطف من باب عمد يعمد، ولكن القراء أجمعوا على قراءتها بكسر الطاء فى الماضى، وفتحها فى المضارع.
ثانيا: «مكث» فى قوله تعالى فى سورة «الإسراء»: {وَقُرْآناً فَرَقْنََاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النََّاسِ عَلى ََ مُكْثٍ} [الإسراء: 106]: اللغة تجيز فيها تثليث الميم، ورسمها يحتمل الأوجه الثلاثة، لكن القراء أجمعوا على قراءتها بضم الميم، فلو كانت القراءات بالرأى والاختيار، وكان خلو الكلمات من الشكل سببا فى اختلاف القراءات وتنوعها لاختلف القراء فى قراءة الكلمات السابقة، فكان منهم من يقرأ «خطف يخطف» من باب علم، ومنهم من يقرؤها من باب ضرب، وكان منهم من يقرأ «على مكث» بضم الميم، ومنهم من يقرأ بفتحها، ومنهم من يقرأ بكسرها، ولكن القراء أجمعوا على قراءة خطف بالكسر يخطف بالفتح، وعلى قراءة «على مكث» بالضم فحينئذ لا تكون القراءات بالرأى والاختيار، ولا بالهوى والاجتهاد، ولا يكون تجرد المصاحف من الشكل سببا فى تنوع القراءات واختلافها، إنما سبب التنوع والاختلاف، الروايات الصحيحة، والأسانيد الموصولة والنقول الصريحة، والتوقيف، والتلقى، والسماع.
ثالثا: «بزعمهم» فى سورة «الأنعام» فى قوله تعالى: {وَقََالُوا هََذِهِ أَنْعََامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لََا يَطْعَمُهََا إِلََّا مَنْ نَشََاءُ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 138]: تجيز لغة العرب فى هذه الكلمة تثليث الميم، ولكن لم يقرأ: بفتحها أو ضمها.(1/42)
ثانيا: «مكث» فى قوله تعالى فى سورة «الإسراء»: {وَقُرْآناً فَرَقْنََاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النََّاسِ عَلى ََ مُكْثٍ} [الإسراء: 106]: اللغة تجيز فيها تثليث الميم، ورسمها يحتمل الأوجه الثلاثة، لكن القراء أجمعوا على قراءتها بضم الميم، فلو كانت القراءات بالرأى والاختيار، وكان خلو الكلمات من الشكل سببا فى اختلاف القراءات وتنوعها لاختلف القراء فى قراءة الكلمات السابقة، فكان منهم من يقرأ «خطف يخطف» من باب علم، ومنهم من يقرؤها من باب ضرب، وكان منهم من يقرأ «على مكث» بضم الميم، ومنهم من يقرأ بفتحها، ومنهم من يقرأ بكسرها، ولكن القراء أجمعوا على قراءة خطف بالكسر يخطف بالفتح، وعلى قراءة «على مكث» بالضم فحينئذ لا تكون القراءات بالرأى والاختيار، ولا بالهوى والاجتهاد، ولا يكون تجرد المصاحف من الشكل سببا فى تنوع القراءات واختلافها، إنما سبب التنوع والاختلاف، الروايات الصحيحة، والأسانيد الموصولة والنقول الصريحة، والتوقيف، والتلقى، والسماع.
ثالثا: «بزعمهم» فى سورة «الأنعام» فى قوله تعالى: {وَقََالُوا هََذِهِ أَنْعََامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لََا يَطْعَمُهََا إِلََّا مَنْ نَشََاءُ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 138]: تجيز لغة العرب فى هذه الكلمة تثليث الميم، ولكن لم يقرأ: بفتحها أو ضمها.
رابعا: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} [النساء: 11] فى سورة «النساء»: تجيز اللغة فى «يوصيكم» فتح الواو وتشديد الصاد من التوصية، كما تجيز سكون الواو وتخفيف الصاد من الإيصاء، وقد جاءت اللغتان فى القرآن الكريم فى قوله تعالى:
{وَوَصََّى بِهََا إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] فى سورة «البقرة» قرئ بواوين مفتوحتين مع تشديد الصاد، وقرئ بواوين: الأولى مفتوحة، والثانية ساكنة، وبينهما همزة مفتوحة، مع تخفيف الصاد.
وفى قوله تعالى: {فَمَنْ خََافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ}
[البقرة: 182] فى سورة «البقرة»، قرئ بفتح الواو وتشديد الصاد، من التوصية وقرئ: بسكون الواو وتخفيف الصاد، من الإيصاء، ومع أن التشديد والتخفيف لغتان ذكرتا فى الآيتين المذكورتين لم يقرأ قوله تعالى فى سورة «النساء»: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} [النساء: 11] إلا بسكون الواو وتخفيف الصاد، من الإيصاء، وهذا كله يدل على أن القراءات إنما تثبت بالسند والآثار، لا بالكتابة والاختيار (1).
* دعاوى بعض المفكرين العرب فى هذا المجال:
أولا: طه حسين وعزو القراءات إلى القراء من القبائل:
لقد عزا د / طه حسين فى كتابه «فى الأدب الجاهلى» القراءات القرآنية إلى القراء من القبائل، حيث يقول:
«إن القرآن الذى تلي بلغة واحدة ولهجة واحدة هى لغة قريش ولهجتها لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة، حتى كثرت قراءاته، وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تباينا كثيرا، جدّ القراء والعلماء المتأخرون فى ضبطه، وتحقيقه، فأقاموا له علما، أو علوما خاصة».
فهو يرى: أن القراءات ليس سببها أن القرآن هكذا أنزل، أو هكذا أذن الله فى أن يقرأ، أو هكذا قرأه النبى صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (8581).(1/43)
* الرد على طه حسين:
(أ) وهو رأى يقتضى الشك فى أن تكون قراءتنا هى نفس قراءة النبى صلى الله عليه وسلم، وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم طبقا لهذا الرأى لم يقرأ إلا بقراءة واحدة، ولم يجز القراءة بغيرها، فهل قراءته هذه، هى التى قرأ بها فيما بعد نافع، وراوياه الأشهران؟ أم هل هى قراءة ابن كثير، وراوييه المختارين؟ ومن من القراء العشرة ورواتهم، الذين اعتمدهم المسلمون، قرأ بهذه القراءة الواحدة؟
(ب) وإذا سلمنا جدلا فقط بأن اختلاف الإظهار والإدغام، والروم والإشمام، والتفخيم والترقيق، والمد والقصر، والإمالة والفتح، والتحقيق والتسهيل، والإبدال والنقل، مما يعبر عنه بالأصول. إذا سلمنا جدلا بأن الوحى لم ينزل بهذا، فماذا نقول فى اختلاف ضبط الحركات، سواء أكانت حركات بنية أم حركات إعراب؟ هل نقول: إن اختلاف اللهجات هو سبب اختلاف القراء فى مثل نصب «الطير» فى الآية: {وَلَقَدْ آتَيْنََا دََاوُدَ مِنََّا فَضْلًا يََا جِبََالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}
[سبأ: 10]، ورفعها؟
وماذا نقول فى اختلافات فى القراءة التى تقع في حروف الكلمات، دون إعرابها، مما يغير معناها ولا يغير صورتها نحو قوله: {كَيْفَ نُنْشِزُهََا} [البقرة: 259] و (ننشرها) بالراء، ومثل: {إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] و (فتثبتوا)، و {تَبْلُوا} [يونس: من الآية 30] «وتتلو»، و {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ}
[يونس: 92] وننحيك، وقوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] بالتشديد والتخفيف، وقوله: {وَإِنْ كََانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبََالُ}
[إبراهيم: 46] بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى، وبكسر الأولى وفتح الثانية، وقوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ} [الأنبياء: 65] بضم التاء وفتحها. فهل تنشأ مثل هذه الاختلافات عن تعدد اللهجات وتباينها؟! (ج) والقوانين الطبيعية العامة التى تجعل اللغة تتجه فى تطورها الصوتى عند كل جماعة من الجماعات الناطقة بها وجهة خاصة، والتى كانت على عهد نزول القرآن قد أحدثت اختلاف اللهجات بين القبائل العربية هذه القوانين ما انفكت تعمل عملها فى اللغات الإنسانية، فهى فى اللغة العربية ما برحت تولد اللهجات المتباينة بين الناطقين بها، وهو تباين نلمسه جيدا فى عامية مصر، وعامية نجد
والحجاز، وعامية العراق، وعامية اليمن، وعامية المغرب.(1/44)
وماذا نقول فى اختلافات فى القراءة التى تقع في حروف الكلمات، دون إعرابها، مما يغير معناها ولا يغير صورتها نحو قوله: {كَيْفَ نُنْشِزُهََا} [البقرة: 259] و (ننشرها) بالراء، ومثل: {إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] و (فتثبتوا)، و {تَبْلُوا} [يونس: من الآية 30] «وتتلو»، و {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ}
[يونس: 92] وننحيك، وقوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] بالتشديد والتخفيف، وقوله: {وَإِنْ كََانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبََالُ}
[إبراهيم: 46] بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى، وبكسر الأولى وفتح الثانية، وقوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ} [الأنبياء: 65] بضم التاء وفتحها. فهل تنشأ مثل هذه الاختلافات عن تعدد اللهجات وتباينها؟! (ج) والقوانين الطبيعية العامة التى تجعل اللغة تتجه فى تطورها الصوتى عند كل جماعة من الجماعات الناطقة بها وجهة خاصة، والتى كانت على عهد نزول القرآن قد أحدثت اختلاف اللهجات بين القبائل العربية هذه القوانين ما انفكت تعمل عملها فى اللغات الإنسانية، فهى فى اللغة العربية ما برحت تولد اللهجات المتباينة بين الناطقين بها، وهو تباين نلمسه جيدا فى عامية مصر، وعامية نجد
والحجاز، وعامية العراق، وعامية اليمن، وعامية المغرب.
وإذا كان تعدد اللهجات سوغ قديما لقراء القبائل المختلفة أن يكثروا من قراءات القرآن بما يوافق لهجاتهم، وأن يدعوا هذه اللهجات تتعدد فى القرآن، وهذا كله من تلقاء أنفسهم، وليس بتوجيه من النبى صلى الله عليه وسلم فإنه لا حرج إذن فى ظل المذهب الظاهر الفساد من أن تمضى قراءات القرآن فى الكثرة، ولهجاته فى التعدد، فمثلا: لا حرج فى ظل هذا المذهب وقد تحولت الثاء إلى تاء، وأحيانا إلى سين فى بعض المناطق العربية، وتحولت القاف إلى جيم غير معطشة فى بعض هذه المناطق، وإلى همزة فى مناطق أخرى، وتحولت الذال إلى زاى، وتضاءلت أصوات اللين الطويلة حتى كادت تنقرض لا حرج من أن يقرأ القارئ: إن الله لا يظلم متآل أو مسآل أو مسجال زرة» بدلا من قوله عزّ من قائل: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]، ويقرأ:
«فإن لم يكن له ولد، وورسه أبواه فلأمه السلس»، ويقرأ: «فإن كانوا أكسر من ذلك فهم شركة فى السلس» بدلا من قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوََاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}، وقوله: {فَإِنْ كََانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذََلِكَ فَهُمْ شُرَكََاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 11، 12] ويقرأ: فإن أعرضوا «فجل» أو «فأول» «أنزرتكم صعأة أو «صعجة» مثل صعأة أو صعجة عاد وسمود» بدلا من قوله سبحانه: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صََاعِقَةً مِثْلَ صََاعِقَةِ عََادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13].
ومن أسهل السهل أن نورد من هذا القبيل مئات من الأمثلة أو ألوفها، ولكننا نجتزئ بما ذكرنا لكفايته فى إثبات أن ترك القرآن للناس يقرءونه، بما يشتهون من قراءات، وما يؤثرون من لهجات كما ظن طه حسين هو فى كلمة موجزة إلغاء للقرآن.
(ب) تشككه فى تواتر القراءات السبع:
ولطه حسين فى شأن القراءات رأى ثان، فهو يقول:
«وهنا وقفة لا بد منها، ذلك: أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبى صلى الله عليه وسلم، نزل بها جبريل على قلبه، فمنكرها كافر من غير شك ولا ريبة، ولم يوفقوا إلى دليل يستدلون به على ما يقولون سوى ما روى فى الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف».
ويمضى فيقول:(1/45)
«وهنا وقفة لا بد منها، ذلك: أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبى صلى الله عليه وسلم، نزل بها جبريل على قلبه، فمنكرها كافر من غير شك ولا ريبة، ولم يوفقوا إلى دليل يستدلون به على ما يقولون سوى ما روى فى الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف».
ويمضى فيقول:
«والحق: أن ليست هذه القراءات السبع من الوحى فى قليل ولا كثير، وليس منكرها كافرا ولا فاسقا ولا مغتمزا فى دينه، وإنما هى قراءات مصدرها اللهجات واختلافها للناس أن يجادلوا فيها، وأن ينكروا بعضها، ويقبلوا بعضها وقد جادلوا فيها بالفعل وتماروا، وخطأ فيها بعضهم بعضا، ولم نعرف أن أحدا من المسلمين كفر أحدا لشىء من هذا إلخ».
(ج) متابعته لنولدكه وردنا عليهما:
وطه حسين فى ارتيابه فى الأحاديث الصحيحة إنما يتابع غالبا ولو لم يصرح تيودور نولدكه صاحب كتاب: «تاريخ القرآن» الذى سبق إلى مثل هذا الارتياب فى أكثر ما يتعلق بتاريخ القرآن من الروايات والأحاديث وأقوال المفسرين.
ولسنا مع طه حسين، ولا مع نولدكه، فى عدم الاعتداد بالسنة الصحيحة، فى الاستدلال على قرآنية القراءات، فالحديث النبوى إذا صح هو عند المسلمين حجتهم القاطعة بعد القرآن.
ومع هذا، فنحن نناقش تلك الدعاوى أيضا من غير طريق السنة:
1 - إنه ما دام أمر القراءات بحسب قول طه حسين أمرا تجوز فيه المجادلة والإنكار والقبول والرفض فإن من المنطق: أن تجوز فيه الإضافة والاستحداث، ولماذا لا يقرأ كل مسلم القرآن بلهجته الخاصة، على النمط الذى أشرنا إليه، فى الفقرات السابقة؟. ولماذا لا يقرأ أبناء البلاد الآسيوية والإفريقية القرآن بلهجاتهم؟.
ولماذا لا يقرأ المسلمون الأمريكى، والأوربى، والأسترالى، كل منهم بلهجته هذه نتيجة خاطئة لمقدمة خاطئة. وقد سقنا الشواهد آنفا، على أن البشر إذ يدخلون اللهجات من عندهم، فى القرآن، يلغونه إلغاء، فضلا عن أن يبدلوه تبديلا.
2 - ثم إنه يلزم من قرآنية القراءات: أن يكون رواتها وعلماؤها منذ فجر الإسلام جهلة وحمقى، أو كذابين ومجترئين، لا يرعون لكتابهم الأكبر حرمة، بل يتواطئون ضده، على مدى الأزمان، بأعدادهم التى لا تحصى، ويلزم أيضا: أن تكون الأمة منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، تابعت أناسا فيما جاءوا به من عند أنفسهم، ولم يتابعوا كلام السماء.
3 - فأما قول طه حسين: إنه «لم يعرف أن أحدا من المسلمين كفر أحدا لشىء
من المجادلة فى القراءات، وإنكار بعضها، وقبول بعضها»: فيردّه الكثير مما جاء فى كتب علوم القرآن، وكتب السنة والتاريخ والتراجم والأدب:(1/46)
3 - فأما قول طه حسين: إنه «لم يعرف أن أحدا من المسلمين كفر أحدا لشىء
من المجادلة فى القراءات، وإنكار بعضها، وقبول بعضها»: فيردّه الكثير مما جاء فى كتب علوم القرآن، وكتب السنة والتاريخ والتراجم والأدب:
(أ) فى لفظ لعمرو بن العاص، فى حديث الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها:
«فأىّ ذلك قرأتم فقد أصبتم، ولا تماروا فيه فإنّ المراء فيه كفر»، رواه أو روى مثله أحمد، وأبو عبيد، والطبرى، والطبرانى، وابن حبان، والحاكم.
(ب) ويقول القاضى عياض: «واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما، أو جحده، أو حرفا منه، أو آية أو شكّ فى شىء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع».
(ج) ويروى عياض ما قاله أبو عثمان الحداد من أن جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر.
(د) وكان أبو العالية أحد أئمة القراءات إذا قرأ عنده رجل أى: بقراءة لم يعرفها لم يقل له: ليس كما قرأت، ويقول: «أما أنا فأقرأ كذا» وهذا كما يقول على القارى: «من كمال احتياطه فى تورعه».
ويقول على القارى: «فبلغ ذلك القول من أبى العالية إبراهيم النخعى التيمى فقال أراه بضم الهمزة أى أظنه سمع أن من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله لأن الكفر ببعضه يؤذن بالكفر بكله، بخلاف الإيمان ببعضه فإنه لا يقوم مقام الإيمان بكله».
(هـ) ويقول الطحاوى: «إن من كفر بحرف منه فيما خلا روايات الآحاد كان كافرا حلال الدم إن لم يرجع إلى ما عليه الجماعة».
(و) وقد أصدر شيخ الشافعية: أبو الحسن على بن عبد الكافى فى هذا الشأن فتوى يقول فيها: «القراءات السبع التى اقتصر عليها الشاطبى، والثلاث التى هى قراءة أبى جعفر، وقراءة يعقوب، وقراءة خلف متواترة، معلومة من الدين بالضرورة وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر فى شىء من ذلك إلا جاهل. وليس تواتر شىء منها مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هى متواترة عند كل مسلم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ولو كان مع ذلك عاميّا، جلفا، لا يحفظ من القرآن حرفا. ولهذا تقرير طويل، وبرهان عريض لا يسع هذه الورقة
شرحه.(1/47)
(و) وقد أصدر شيخ الشافعية: أبو الحسن على بن عبد الكافى فى هذا الشأن فتوى يقول فيها: «القراءات السبع التى اقتصر عليها الشاطبى، والثلاث التى هى قراءة أبى جعفر، وقراءة يعقوب، وقراءة خلف متواترة، معلومة من الدين بالضرورة وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر فى شىء من ذلك إلا جاهل. وليس تواتر شىء منها مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هى متواترة عند كل مسلم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ولو كان مع ذلك عاميّا، جلفا، لا يحفظ من القرآن حرفا. ولهذا تقرير طويل، وبرهان عريض لا يسع هذه الورقة
شرحه.
وحظ كل مسلم وحقه: أن يدين لله تعالى، ويجزم نفسه بأن ما ذكرناه متواتر، معلوم باليقين، لا تتطرق الظنون ولا الارتياب إلى شىء منه».
(ز) وعند ما قرأ ابن شنبوذ وابن مقسم العطار وغيرهما بشواذ من القراءات غضب المسلمون، وأزروا بهم على تفاصيل معروفة فى الدراسات القرآنية.
(ح) هذا، والمسلمون لا يزالون ينكرون مثل ما أنكر أولوهم على الممارين فى قرآنية القراءات المتواترة وغير الشاذة. وقد وضع الشيخ خلف الحسينى الحداد كتابا فى هذا أسماه: «السيوف الساحقة فى الرد على منكرى القراءات من الزنادقة».
(ط) والذين رووا القراءات هم الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبى نفسه صلى الله عليه وسلم، فهم بهاتين الصفتين: الصحبة، والتلقى عن النبى صلى الله عليه وسلم من أصحاب الاختصاص فى ذلك الشأن، وقولهم هو منطقيا الأجدر بالقبول يقول عمر بن الخطاب فى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: «إنه سيأتى ناس يجادلونكم شبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله».
(ى) والصحابة نقلوا الإسلام: عقائده وشرائعه، فلم يمار أحد فيما نقلوا، فلم نماريهم فى روايات القرآن الذى تقتضينا البداهة الحكم بأنه ظفر منهم قطعا بأدق دقة؟.
(ك) ولن يقال: إنه لا محل للخوف من مثل أقوال طه حسين، إذا كان الاختلاف الذى يعنيه هو الاختلاف فى الصورة والشكل لا فى المادة واللفظ، كما قال طه حسين نفسه ذلك أن الاختلاف حتى فى الصورة، أو فى الشكل، يفضى إلى تغيير المعانى. وقد ترتب على مثل هذا الاختلاف اختلاف فى الأحكام كما حدث بالنسبة لكلمة (لمستم) [النساء: 43]، من غير ألف بعد اللام مرة، وبألف بعد اللام مرة أخرى، وكلمة {يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] مرة بسكون الطاء المخففة وضم الهاء، ومرة أخرى بفتح الطاء مشدودة وتشديد الهاء مفتوحة، وكلمة: «ألا» بالتخفيف والتشديد فى آية:
{أَلََّا يَسْجُدُوا لِلََّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل: 25].
وكلمة: «أمرنا» فى قوله تعالى:
{وَإِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا فَفَسَقُوا} [الإسراء: 16].
بفتح الميم وتشديدها، ومع الفتح المخفف مرة أخرى، وهى فى الحالة الثانية بمعنى: جعلنا لهم إمرة وسلطانا.(1/48)
{وَإِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا فَفَسَقُوا} [الإسراء: 16].
بفتح الميم وتشديدها، ومع الفتح المخفف مرة أخرى، وهى فى الحالة الثانية بمعنى: جعلنا لهم إمرة وسلطانا.
(ل) ويستوى عندنا فى الرفض أن يكون المقصود بالإنكار والنسبة إلى العباد هو الأحرف السبعة التى أنزل القرآن عليها، والتى كانت ضرورتها قد زالت عند الجمع العثمانى، أو يكون المقصود هو القراءات السبع، أو العشر التى اختيرت فيما بعد عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وعرفت بأسماء مختاريها، والتى تطابق رسم المصحف، فإن أصول الخلاف اليسير فى هذه القراءات الأخيرة ترجع على الأغلب إلى اختلاف الأحرف السبعة. وإن لهذا لتفاصيل عند العلماء.
(د) تأثر طه حسين فى بعض آرائه بالطبرى:
هذا، وطه حسين فى بعض آرائه تلك ولو لم يصرح أيضا متأثر بابن جرير الطبرى الذى يرى: أن المماراة فى رفع حرف من القرآن وجره ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة لا يوجب كفرا (1).
ثانيا: جواد على ودعوى تشابه رسم الكلمات:
وقد أرجع جواد على اختلاف القراءات إلى أسباب أهمها: «مسائل ظهرت بعد نزول الوحى، من خاصية القلم الذى دون به القرآن الكريم: فرسم أكثر حروف هذا القلم متشابه، والمميز فيها هو النقط، وقد ظهر النقط بعد نزول الوحى بأمد، ثم إن هذا القلم كان خاليا فى بادئ أمره من الحركات، وخلو الكلم من الحركات يحدث مشكلات عديدة فى الضبط من حيث إخراج الكلمة أى: كيفية النطق بها ومن حيث مواقع الكلام فى الإعراب».
وأحال جواد على إلى الشواهد التى أوردها جولد تسيهر فى كتابه «المذاهب الإسلامية فى تفسير القرآن»، والتى يعدها الاثنان أمثلة للاختلاف الحادث من الخطأ، ومنها:
(أ) «تستكبرون» بالباء الموحدة، و «تستكثرون» بالثاء المثلثة فى الآية:
{وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْأَعْرََافِ رِجََالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمََاهُمْ قََالُوا مََا أَغْنى ََ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمََا كُنْتُمْ}
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (9686).(1/49)
{تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48].
(ب) «بشرا» أو «نشرا» فى الآية:
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].
(ج) «إياه» فى الآية:
{وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلََّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهََا إِيََّاهُ} [التوبة:
114].
إذ وردت أيضا «أباه» بالباء الموحدة.
ويرد على ذلك فى نقاط محددة كالتالى:
(أ) رأيه هو رأى جولد تسيهر ونولدكه:
ورأى جواد على ولو لم يصرح هو الآخر هو رأى المستشرقين المعروفين جولد تسيهر ونولدكه الوارد ذكرهما آنفا، فهما فيما استفاض عنهما، وفيما أوردا فى كتاباتهما يريان أن القراءات نشأت بعد ظهور الشكل والنقط، أى: بعد انقضاء عهد الصحابة، وأن المرحلة الأولى لتفسير القرآن انقضت فى إقامة النص.
وهذا نص كلام أحد هذين المستشرقين، وهو جولد تسيهر فى هذا الشأن لنرى أنه أصل كلام جواد على:
يقول جولد تسيهر:
«وترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات يقصد فى القراءات إلى خصوصية الخط العربى الذى يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفة، تبعا لاختلاف النقاط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته، وعدد تلك النقاط، بل كذلك فى حالة تساوى المقادير الصوتية يدعو اختلاف الحركات الذى لا يوجد فى الكتابة العربية الأصلية ما يحدده إلى اختلاف مواقع الإعراب للكلمة، وبهذا إلى اختلاف دلالتها.
وإذن فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات فى المحصول الموحد القالب من الحروف الصامتة كانا هما السبب فى نشأة حركة اختلاف القراءات فى نص لم يكن منقوطا أصلا، أو لم تتحر الدقة فى نقطه أو تحريكه».
(ب) علماء المسلمين دفعوا هذا الرأى وحاجوا أصحابه منذ قديم:
وهذا الرأى الذى سننقضه الآن هو على الحقيقة أقدم حتى من ذينكم
المستشرقين: فعلماء المسلمين، منذ قديم، وعلى مدى الأجيال وكما أوردنا قبلا يدفعون هذا الرأى، ويحاجّون أصحابه، ويؤكدون أن ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد، وأن القراءة سنة متبعة إلخ.(1/50)
وهذا الرأى الذى سننقضه الآن هو على الحقيقة أقدم حتى من ذينكم
المستشرقين: فعلماء المسلمين، منذ قديم، وعلى مدى الأجيال وكما أوردنا قبلا يدفعون هذا الرأى، ويحاجّون أصحابه، ويؤكدون أن ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد، وأن القراءة سنة متبعة إلخ.
وقديما رأى ابن مقسم العطار جعل القراءة تابعة للرسم، دون الاعتماد الكامل على السند، فرد المسلمون فى شدة قراءته.
وقيل: إن بعض الرافضة يقرءون: {وَمََا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف: 51] بفتح اللام وبالسكون على الياء (فى المضلين)، يعنون: الشيخين: أبا بكر وعمر، وظاهر أن الرسم قبل استحداث الشكل يحتمل هذه القراءة، ومع ذلك، كفّر أصحابها لسبب أساسى، هو أن قراءتهم مخالفة للرواية الشفوية المتواترة.
وعلماء المسلمين يقولون: إن إباحة القراءات لم تقع بالتشهى، وإنما هى بالسماع من النبى صلى الله عليه وسلم.
وهم أيضا يذكرون أن القراءات التى يقرأ بها منذ الجمع العثمانى إنما اختلف القراء فيها لأن أهل كل ناحية ثبتوا على ما كانوا تلقوه سماعا من الصحابة، بشرط موافقة الخط، وتركوا ما يخالف الخط امتثالا للجمع العثمانى الذى أجمع عليه المسلمون.
(ج) تفنيد هذا الرأى:
ولندع النصوص التى تفند فكرة أن القراءات نشأت بعد ظهور الشكل والنقط، مع تسليمنا بأهمية النصوص، ثم لنلق على هذه الفكرة نظرة موضوعية لنرى إلى أى مدى تستطيع الثبات:
(أ) إنه يبعد منطقيا أن يترك أمر القرآن وهو ما هو بالنسبة للإسلام إلى البشر يقرءونه بالاجتهاد لا بالتلقى فتتعرض نصوصه للاختلاف والتحريف.
وإذا كان أصحاب الأفكار من الناس على مدى الزمن يحرصون على التعبير عن أفكارهم بعباراتهم هم، ولا يدعون لغيرهم التصرف فى هذه العبارات على أى نحو، فكيف يسوغ فى القرآن أن يترك للبشر قراءته بأوجه لم يتلقوها، أوجه هى من اختراعهم البشرى، وهى وليدة فهمهم الذاتى؟! هذا مع فارقين عظيمين جدا.
أولهما: بعد ما بين الأفكار البشرية والقرآن الذى لا بد لأتباعه أن يؤمنوا بإعجازه
وقداسته وخطر شأنه.(1/51)
أولهما: بعد ما بين الأفكار البشرية والقرآن الذى لا بد لأتباعه أن يؤمنوا بإعجازه
وقداسته وخطر شأنه.
وثانيهما ولله المثل الأعلى: تقارب القدرات بين الإنسان صاحب الفكرة، والإنسان الآخر الذى قد يتصرف فى التعبير عنها. والله الذى ليس كمثله شىء غنى عن كل خلقه أن يشاركوه على ما يدركون أو ما يحبون فى تحديد ألفاظ وحيه.
(ب) ولو جاز للناس أن يغيروا شيئا من القرآن عما تلقوا من الرسول صلى الله عليه وسلم، لأصبح بعض القرآن من كلامهم لا من كلام الله، وإذن لبطلت صفته الإعجازية التى يؤمن بها المسلمون، والتى طالما نوه هو بها، والتى لا تزال قائمة.
ويستوى فى إحداث التغيير أن يكون مما لا يتجاوز الصورة وطريقة الأداء وكيفية اللهجة، أو أن يكون ممتدا إلى الحروف، أو الكلمات أو الحركات. وكيف يجتهد مسلم فى هذا القرآن اجتهادا يؤدى إلى تبديل شىء منه، والتبديل لا يرغب فيه إلا كافر يعاديه الإسلام؟ كيف، ونبى الإسلام نفسه لا يملك أن يبدل من القرآن شيئا، بل إن التبديل عنده أمر لو وقع لكان معصية عذابها هائل مخوف فى اليوم الآخر الخطير الشأن، فضلا عن الحياة الدنيا؟
{وَإِذََا تُتْلى ََ عَلَيْهِمْ آيََاتُنََا بَيِّنََاتٍ قََالَ الَّذِينَ لََا يَرْجُونَ لِقََاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هََذََا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شََاءَ اللََّهُ مََا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلََا أَدْرََاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلََا تَعْقِلُونَ} [يونس: 15، 16].
{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعََالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنََا بَعْضَ الْأَقََاوِيلِ. لَأَخَذْنََا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنََا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمََا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حََاجِزِينَ} [الحاقة: 4743] يقول الشافعى: «إنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه جلّ ثناؤه، ولا يكون ذلك لأحد من خلقه».
(ج) والقرآن نفسه ندد بما وقع للكتب الدينية الأخرى من تحريف وتبديل، وعاب المحرفين والمبدلين: {مِنَ الَّذِينَ هََادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوََاضِعِهِ} [النساء: 46]، {وَنَسُوا حَظًّا مِمََّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13]، {وَقَدْ كََانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلََامَ اللََّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مََا عَقَلُوهُ} [البقرة: 75]، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [الأعراف: 162]، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مََا سَمِعَهُ فَإِنَّمََا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}
[البقرة: 181]، فكيف يدع المسلمون الذرائع، ليقع فى القرآن نفس الذى عابه؟!
(د) والمسلمون لسبب عقيدى: هو إيمانهم بالقرآن الذى فيه:(1/52)
(ج) والقرآن نفسه ندد بما وقع للكتب الدينية الأخرى من تحريف وتبديل، وعاب المحرفين والمبدلين: {مِنَ الَّذِينَ هََادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوََاضِعِهِ} [النساء: 46]، {وَنَسُوا حَظًّا مِمََّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13]، {وَقَدْ كََانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلََامَ اللََّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مََا عَقَلُوهُ} [البقرة: 75]، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [الأعراف: 162]، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مََا سَمِعَهُ فَإِنَّمََا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}
[البقرة: 181]، فكيف يدع المسلمون الذرائع، ليقع فى القرآن نفس الذى عابه؟!
(د) والمسلمون لسبب عقيدى: هو إيمانهم بالقرآن الذى فيه:
{إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} [الحجر: 9]، وفيه: {وَإِنَّهُ لَكِتََابٌ عَزِيزٌ. لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 41، 42] لا يمكن عقلا أن يكونوا قد سمحوا بأى تغيير من عندهم فى القرآن صغر هذا التغيير أو كبر.
(هـ) ثم هناك حقيقة هامة أغفلها ذلك الرأى، وهى أن المسلمين لم يعتمدوا فى نقل القرآن على خط المصاحف، وإنما اعتمدوا على حفظ القلوب والصدور، وقد عد ذلك من أشرف خصائصهم، وجاء فى صفتهم: «أناجيلهم فى صدورهم»، بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا فى الكتب، ولا يقرءونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب. وروت السنة أن الله قال لنبيه: «إنّما بعثتك لأبتليك، وأبتلى بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان» إلخ.
والأمثلة التى أوردها جولد تسيهر آنفا بدعوى أنها أمثلة للاختلاف الحادث عن الخط، والتى أوضحنا أن بعضها شاذ ومردود، وبعضها الآخر مبنى على تواتر الرواية على هيئة الرسم هذه الأمثلة نفسها تؤيد عكس ما توهمه جولد تسيهر والآخذون منه، تؤيد أن المعول فى صحة القراءة ليس أبدا على الخط، وإنما على التواتر والتلقى الشفهى.
(و) وخط المصحف حتى بعد الشكل والضبط اللذين يحتج بهما أصحاب ذلك الرأى قد لا يطابق فى بعض المواضع القراءات ومن الأمثلة التى يمكن الاجتزاء بها أيضا فى هذا المقام: المواضع التى يرسم فيها الهمز المتطرف المرفوع واوا بعدها ألف، وهى:
(أبنؤا) [المائدة من الآية: 18] (أبناء) (جزؤا) [المائدة من الآية 33] (جزاء) (شركؤا) [الأنعام من الآية: 94] (شركاء) {نَشََؤُا} [هود من الآية 87] (ما نشاء) (نبؤا) [إبراهيم من الآية: 9] (نبأ) (الضّعفؤا) [إبراهيم من الآية: 21] (الضعفاء) {يَتَفَيَّؤُا} [النحل من الآية: 48] (يتفيأ) {أَتَوَكَّؤُا}
[طه من الآية: 18] (أتوكأ) {تَظْمَؤُا} [طه من الآية: 119] (لا تظمأ) {الْمَلَؤُا} [المؤمنون من الآية: 24] (الملأ) {وَيَدْرَؤُا} [النور من الآية: 8] (ويدرأ) {يَعْبَؤُا} [الفرقان من الآية: 77] (ما يعبأ) {أَنْبََؤُا} [الشعراء من الآية: 6] (أنباء) (علمؤا) [الشعراء من الآية: 197] العلماء {الْمَلَؤُا} [النمل
من الآيات: 29و 32و 38] (الملأ) (شفعؤا) [الروم من الآية: 13] (شفعاء) {يَبْدَؤُا} [الروم من الآية: 27] (يبدأ) (العلمؤا) [فاطر من الآية: 37] (العماء) (البلؤا) [الصافات من الآية: 106] (البلاء) (نبؤا) [ص من الآية:(1/53)
(أبنؤا) [المائدة من الآية: 18] (أبناء) (جزؤا) [المائدة من الآية 33] (جزاء) (شركؤا) [الأنعام من الآية: 94] (شركاء) {نَشََؤُا} [هود من الآية 87] (ما نشاء) (نبؤا) [إبراهيم من الآية: 9] (نبأ) (الضّعفؤا) [إبراهيم من الآية: 21] (الضعفاء) {يَتَفَيَّؤُا} [النحل من الآية: 48] (يتفيأ) {أَتَوَكَّؤُا}
[طه من الآية: 18] (أتوكأ) {تَظْمَؤُا} [طه من الآية: 119] (لا تظمأ) {الْمَلَؤُا} [المؤمنون من الآية: 24] (الملأ) {وَيَدْرَؤُا} [النور من الآية: 8] (ويدرأ) {يَعْبَؤُا} [الفرقان من الآية: 77] (ما يعبأ) {أَنْبََؤُا} [الشعراء من الآية: 6] (أنباء) (علمؤا) [الشعراء من الآية: 197] العلماء {الْمَلَؤُا} [النمل
من الآيات: 29و 32و 38] (الملأ) (شفعؤا) [الروم من الآية: 13] (شفعاء) {يَبْدَؤُا} [الروم من الآية: 27] (يبدأ) (العلمؤا) [فاطر من الآية: 37] (العماء) (البلؤا) [الصافات من الآية: 106] (البلاء) (نبؤا) [ص من الآية:
21] (نبأ) و (جزؤا) [الشورى من الآية: 40] (جزاء)، {يُنَشَّؤُا} [الزخرف من الآية: 18] (ينشأ) (بلؤا) [الدخان من الآية: 33] (بلاء) (جزؤا) [الحشر من الآية: 17] (جزاء) (برءؤا) [الممتحنة من الآية: 4] (برآء) (نبؤا) [التغابن من الآية: 5] (نبأ) {يُنَبَّؤُا} [القيامة من الآية: 13] (ينبأ).
وثمة عشرات أخرى من الكلمات القرآنية المرسومة على خلاف الخط الإملائى، وليس فيها مع ذلك غير قراءة واحدة.
وإذا ما أردنا أن ندلل بمثال على ذلك فنقول: على عجل إن القراء السبعة أجمعوا فى سورة قريش على قراءة «إلفهم» بالياء، مع كتابتها فى المصاحف العثمانية بلا ياء، واختلفوا فى قراءة «لإيلاف» مع كتابتها بالياء.
وكذلك قد لا يدل رسم الكلمة على كل وجوه النطق بها، فكلمة «جبريل» تقرأ بعدة وجوه:
1 - جبريل بكسر الجيم، وجبريل بفتحها.
2 - جبرئيل، بفتح الجيم والراء وبعدها همزة مكسورة ممدودة.
3 - جبرئل، بفتح الجيم والراء، وبعدها همزة مكسورة غير ممدودة.
وكلمة «ميكال»، قرئت:
1 - ميكال، بلا همز.
2 - ميكائيل، بهمزة مكسورة ممدودة.
3 - ميكائل، بهمزة مكسورة غير ممدودة.
(ى) وثمة قراءات كثيرة لا يقرأ بها أبدا، مع أن الرسم يحتملها، واللغة تجيزها.
وقد أشرنا إلى هذا من قبل:
والقراء أيضا لا يقرءون كلمة «الرّضاعة» فى القرآن إلا بالفتح مع أنه يجوز فيها لغة الكسر أيضا.
(ز) ومن ملزوم رأى القائلين بأن اختلاف القراءات هو وليد النقط والشكل: أن يكون القرآن قد ظل طوال عهد النبى صلى الله عليه وسلم ثم طوال عهود الصحابة والتابعين غير
محفوظ ولا مقطوع بكيفيات النطق به، حتى إذا جاء النقط والشكل، بعد زمن الوحى بأمد حسبما قالوا آنفا بدأ الناس يقرءون القرآن على وفق ما يؤديه النقط والشكل إلى أفهامهم.(1/54)
(ز) ومن ملزوم رأى القائلين بأن اختلاف القراءات هو وليد النقط والشكل: أن يكون القرآن قد ظل طوال عهد النبى صلى الله عليه وسلم ثم طوال عهود الصحابة والتابعين غير
محفوظ ولا مقطوع بكيفيات النطق به، حتى إذا جاء النقط والشكل، بعد زمن الوحى بأمد حسبما قالوا آنفا بدأ الناس يقرءون القرآن على وفق ما يؤديه النقط والشكل إلى أفهامهم.
ولعل الرأى وملزومه أن يكونا واضحى البطلان، وأن يكونا أضعف من أن يواجها الفهم المستقيم، والحقيقة الغير القابلة للنقض، فضلا عما تهدى إليه بديهة العقل.
(ح) والمسلمون مجمعون على أن البشر لم يبدلوا فى هذا القرآن البتة، حتى من ناحية قانون أدائه، وإجماع المسلمين حجة تقام لها الموازين، وكما يقول أبو حيان الأندلسى: «والأمة المجتمعة حجة على من شذ عنها».
(ط) والثابت تاريخا أيضا أن القراء المأخوذ برواياتهم كانوا لا يتعدون الأثر، مهما يكن مذهبهم النحوى، أو مذهبهم فى فهم الكلام. وعلى سبيل المثال، نذكر:
أن أبا عمرو البصرى كان يقول: «لولا أنه ليس لى أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا وكذا».
وحمزة لم يقرأ حرفا إلا بأثر.
ويحيى بن سلام المتوفى سنة 200هـ «كان له اختيار فى القراءة من طريق الآثار».
والقاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ «وافق اختياره العربية والأثر» (1).
* حول رسم المصاحف العثمانية (2):
نحاول أن نجيب فيما يلى عن سؤال مهم مفاده: هل كان رسم المصحف توقيفيا أم اجتهاديّا؟
وللإجابة على هذا السؤال نورد مقدمة مهمة حول الكتابة عند العرب وفى الإسلام وكتابة القرآن الكريم، فنقول وبالله التوفيق:
* الكتابة عند العرب:
يكاد يجمع المؤرخون العرب القدامى، على أن الخط دخل إلى مكة بواسطة حرب بن أمية بن عبد شمس، وإن كانوا اختلفوا فى المصدر الذى تعلم منه حرب
__________
(1) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (126120).
(2) ينظر: بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (137126).(1/55)
الكتابة: ففي رواية ابن الكلبى: أن حربا تعلمها من بشر بن عبد الملك: أخى أكيدر ابن عبد الملك، صاحب «دومة الجندل»، وذلك أن حربا تعرف به فى أسفاره إلى العراق، فتعلم منه الكتابة، ثم قدم معه بشر إلى مكة، وتزوج الصهباء بنت حرب، أخت أبى سفيان بن حرب، وبذلك تيسر لجماعة من قريش، أن يتعلموا الكتابة والقراءة.
وفى رواية أبى عمرو الدانى، بسنده، عن ابن عباس: أن حربا تعلم الخط من عبد الله ابن جدعان، وعبد الله تعلمها من أهل الأنبار.
وأما الخط فى المدينة المنورة: فقد ذكر أصحاب السير: أن النبى صلى الله عليه وسلم دخلها، وكان فيها يهودى يعلم الصبيان القراءة والكتابة، وكان فيها بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة، منهم: زيد بن ثابت، الذى تعلم كتابة اليهود بعد الهجرة بأمر النبى صلى الله عليه وسلم، والمنذر بن عمرو، وأبى بن وهب، وعمرو بن سعيد، وغيرهم.
ومن ثم: نرى أن الكتابة وجدت فى العرب قبل الإسلام، وكان الذين يحذقونها قليلين جدا، أما الغالبية العظمى: فكانت أمية لا تقرأ، ولا تكتب ولهذا سميت الأمة العربية بالأمة الأمية.
وقد كان وجود الكتابة فى العرب قبل الإسلام إرهاصا لبعثة خاتم الرسل: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليجتمع للقرآن الكتابة فى الصحف وتقييده فى السطور، إلى الحفظ فى الصدور، ولذلك تهيأ للقرآن من وسائل الحفظ ما لم يتهيأ لغيره.
وأيضا، فقد كانت الكتابة وسيلة تبليغ الرسالة المحمدية إلى الملوك، والرؤساء، والأمراء، بعد صلح الحديبية وبذلك تعدت الرسالة حدود الجزيرة العربية، إلى العالم المعروف كله، وقد عثر على كتاب من هذه الكتب، وهو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، وهو أثر من الآثار النبوية القيمة.
* الإسلام والكتابة:
ولما جاء الإسلام، رفع من شأن الكتابة وتعلمها، وشأن العلم والمعرفة، وليس أدل على ذلك، من أول سورة نزلت منه، أشادت بالقلم لأنه أداة العلم والمعرفة الكسبية، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسََانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 51].
وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم، فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]
وفى القسم به إشادة بذكره، وتنبيه الناس إلى ما فيه من الفوائد، والمنافع.(1/56)
وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم، فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]
وفى القسم به إشادة بذكره، وتنبيه الناس إلى ما فيه من الفوائد، والمنافع.
وفى الحديث الصحيح المروى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل ما خلق الله القلم، ثمّ قال: اكتب، فجرى بما هو كائن، إلى يوم القيامة» رواه أحمد، والترمذى، وصححه.
والنبى صلى الله عليه وسلم ينتهز أول فرصة لنشر الكتابة والقراءة كى يتعلمها أكبر عدد من أبناء المسلمين وناشئتهم: فقد روى جامعو الأحاديث، وكتّاب السير: أن المسلمين أسروا فى بدر سبعين رجلا من المشركين، وأن النبى قبل الفداء ممن يقدر عليه، وكان أربعة آلاف درهم من الموسرين، أما من كان يحسن القراءة والكتابة: فكان فداؤه تعليم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة فقد كان تعليم الولد يقابل أربعمائة درهم، هى شىء كثير فى هذا العهد، وقد فعل صلى الله عليه وسلم هذا فى وقت كان المسلمون فيه أحوج إلى درهم ليزيلوا خصاصتهم، ويتفوقوا على أعدائهم، ولكن صاحب المواهب صلى الله عليه وسلم أدرك أن تعليم الأمة الكتابة خير من المال. وبذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم أول من وضع لبنة فى إزالة الأمية، وأن الإسلام سبق إلى ذلك، منذ أربعة عشر قرنا، وأن المسلمين لم يلبثوا إلا قليلا، حتى زالت منهم الأمية الكتابية والعلمية، وصار العلم والثقافة الأصيلة من أخص خصائص الحضارة الإسلامية.
كتابة القرآن الكريم:
لقد كتب القرآن جميعه، بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم غير أنه كان مفرقا فى العسب، واللخاف، والأكتاف، والرقاع، وقطع الفخار ونحوها، وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه شىء من القرآن، دعا بعض من كان يكتب الوحى، فيأمره بكتابة ما نزل، ويرشده إلى موضعه، من سورته، والكيفية التى تكتب عليها الآية.
ثم كتب فى عهد الصديق فى صحف مجموعة، وقد كتب من عين ما كتب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم، وبجميع حروفه السبعة، ثم كتب فى عهد عثمان رضى الله عنه فى المصاحف على ما هو عليه اليوم، وكانت كتابته من عين ما كتب فى عهد الصديق صلى الله عليه وسلم، إلا أنه اقتصر فى رسمه على ما يوافق حرف قريش.
كتّاب الوحى:
لقد كان لكتابة القرآن الكريم بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كتاب من الصحابة، معروفون بالدين الكامل، والأمانة الفائقة، والعقل الراجح، والتثبت البالغ، كما كانوا معروفين
بالحذق فى الهجاء والكتابة، وقد اشتهر منهم السادة الأجلاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، ومعاوية بن أبى سفيان، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وأبى بن كعب، وزيد ابن ثابت، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن رواحة، وعمرو ابن العاص، وعبد الله بن الأرقم الزهرى، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وآخرون، وكان الواحد من هؤلاء يكتب ما يمليه عليه النبى صلى الله عليه وسلم من غير زيادة، ولا نقصان، ولا تغيير، ولا تبديل، لما أملاه عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وأرشده إلى كتابته.(1/57)
لقد كان لكتابة القرآن الكريم بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كتاب من الصحابة، معروفون بالدين الكامل، والأمانة الفائقة، والعقل الراجح، والتثبت البالغ، كما كانوا معروفين
بالحذق فى الهجاء والكتابة، وقد اشتهر منهم السادة الأجلاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، ومعاوية بن أبى سفيان، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وأبى بن كعب، وزيد ابن ثابت، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن رواحة، وعمرو ابن العاص، وعبد الله بن الأرقم الزهرى، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وآخرون، وكان الواحد من هؤلاء يكتب ما يمليه عليه النبى صلى الله عليه وسلم من غير زيادة، ولا نقصان، ولا تغيير، ولا تبديل، لما أملاه عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وأرشده إلى كتابته.
رسم المصاحف العثمانية
ما هو الرسم؟
رسم المصحف يراد به الوضع الذى ارتضاه سيدنا عثمان رضى الله عنه ومن كان معه من الصحابة فى كتابة القرآن، ورسم حروفه، والذى وجد فى المصاحف التى وجه بها إلى الآفاق والأمصار، والمصحف الإمام الذى احتفظ به لنفسه.
التأليف فى علم الرسم:
وقد كان علم الرسم علما مستقلا، عنى بالتأليف فيه علماء من المتقدمين والمتأخرين، منهم: الشيخ الإمام أبو عمرو الدانى، فى كتابه «المقنع».
والشيخ العلامة: أبو العباس المراكشى، فقد ألف فى توجيه ما خالف قواعد الخط منه كتابا سماه: «عنوان الدليل فى مرسوم خط التنزيل»، بين فيه أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها فى الخط بحسب اختلاف أحوال معانى كلماتها، وأن فيها فوائد بلاغية، ولغوية، ونحوية. والعلامة: الشيخ محمد بن أحمد، الشهير بالمتولى إذ نظم فى ذلك أرجوزة. ومنهم العلامة: الشيخ محمد على خلف الحسينى، شيخ المقارئ المصرية فى عهده، فشرح تلك المنظومة، وذيل الشرح له بكتاب سماه: «مرشد الحيران، إلى معرفة ما يجب اتباعه فى رسم القرآن».
وألف فيه أيضا الأستاذ الشيخ محمد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد الجكنى الشنقيطى كتيبا سماه: «إيقاظ الأعلام إلى اتباع رسم المصحف الإمام».
قواعد رسم المصحف
الأصل فى المكتوب أن يكون موافقا للمنطوق، من غير زيادة ولا نقص، ولا تغيير ولا تبديل، مع مراعاة الابتداء به، والوقوف عليه، والفصل، والوصل، وقد
مهد له العلماء أصولا، وقعدوا له قواعد، وقد خالفها فى بعض الحروف خط المصحف الإمام.(1/58)
الأصل فى المكتوب أن يكون موافقا للمنطوق، من غير زيادة ولا نقص، ولا تغيير ولا تبديل، مع مراعاة الابتداء به، والوقوف عليه، والفصل، والوصل، وقد
مهد له العلماء أصولا، وقعدوا له قواعد، وقد خالفها فى بعض الحروف خط المصحف الإمام.
وينحصر أمر الرسم فى ستة قواعد:
1 - الحذف. 2الزيادة. 3الهمز. 4البدل. 5الفصل والوصل.
6 - ما فيه قراءتان ثابتان متواترتان، وكتب على إحداهما.
وسأذكر لذلك أمثلة على سبيل الإيضاح، من غير استقراء وحصر لجميع ما ورد فإن ذلك يحتاج إلى كتاب برأسه.
القاعدة الأولى: الحذف
وذلك مثل: حذف الألف من ياء النداء فى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ}، ومن هاء التنبيه، مثل: (هأنتم هؤلاء).
ومن كل جمع تصحيح لمذكر أو مؤنث، مثل:
(سمّعون للكذب) [المائدة: 42] (سمّعون لقوم آخرين لم يأتوك) [المائدة: 41] المؤمنات، المسلمات، القانتات.
قال تعالى: (إنّ المسلمين والمسلمت والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقنتت والصادقين والصّدقت والصابرين والصّبرت والخاشعين والخشعت) [الأحزاب: 35] وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعا وجرا، مثل: {غَيْرَ بََاغٍ وَلََا عََادٍ}
[البقرة: 173]. والمضاف إلى الياء، إذا نودى، مثل: {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ}
[الزمر: 16]، إلا {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر: 53] {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وََاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] ومن مثل: «واخشون»، إلا فى سورة «البقرة». وتحذف الواو إذا وقعت مع واو أخرى، نحو: (لّا يستون) [السجدة: 18] و (فأوا إلى الكهف) [الكهف: 16]، وكذلك حذفت من هذه الأفعال الأربعة: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ دُعََاءَهُ بِالْخَيْرِ}
[الإسراء: 11] {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمََاتِهِ} [الشورى: 24]، {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ إِلى ََ شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6]، {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} [العلق: 18] فى اقرأ، وسيأتى توجيه ذلك.(1/59)
قال تعالى: (إنّ المسلمين والمسلمت والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقنتت والصادقين والصّدقت والصابرين والصّبرت والخاشعين والخشعت) [الأحزاب: 35] وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعا وجرا، مثل: {غَيْرَ بََاغٍ وَلََا عََادٍ}
[البقرة: 173]. والمضاف إلى الياء، إذا نودى، مثل: {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ}
[الزمر: 16]، إلا {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر: 53] {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وََاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] ومن مثل: «واخشون»، إلا فى سورة «البقرة». وتحذف الواو إذا وقعت مع واو أخرى، نحو: (لّا يستون) [السجدة: 18] و (فأوا إلى الكهف) [الكهف: 16]، وكذلك حذفت من هذه الأفعال الأربعة: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ دُعََاءَهُ بِالْخَيْرِ}
[الإسراء: 11] {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمََاتِهِ} [الشورى: 24]، {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ إِلى ََ شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6]، {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} [العلق: 18] فى اقرأ، وسيأتى توجيه ذلك.
القاعدة الثانية: الزيادة
وذلك مثل: زيادة الألف بعد آخر اسم مجموع، أو ما فى حكمه، مثل:
{مُلََاقُوا رَبِّهِمْ} {أُولُوا الْأَلْبََابِ} وفى {مِائَةَ} {مِائَتَيْنِ} {الظُّنُونَا}
و {الرَّسُولَا} و {السَّبِيلَا} {لَأَذْبَحَنَّهُ} فى «النحل»، و {لَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ} فى التوبة، وفى نحو (تتفيّئوا) {أَتَوَكَّؤُا} و {تَفْتَؤُا} و (لا تظمؤا)، وبين الجيم والياء فى: (وجيء)، وفى «الزمر»، «والفجر»، وتزداد الياء فى: (نبإى المرسلين) {مَلَائِهِمْ} و (ملائيه) و (إيتائ ذى القربى) فى «النحل»، (بأيّيكم المفتون) و {السَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ}
وتزداد الواو فى نحو: {أُولُوا} {أُولََئِكَ} (سأوريكم) وقد علل ذلك الكرمانى، فقال فى كتاب «العجائب»: كانت صورة الفتحة فى الخطوط، قبل الخط العربى ألفا، وصورة الضمة واوا، وصورة الكسرة ياء، فكتبت «لا أوضعوا»، ونحوه بالألف مكان الفتحة، «وإيتاي ذى القربى» بالياء مكان الكسرة، و «أولئك»، ونحوه بالواو، مكان الضمة لقرب عهدهم بالخط الأول، وهذا التعليل يشعر بأنه يرى الرسم اجتهاديّا وسيأتى تعليل أمثال هذا التغيير.
ولو كان الأمر كما يزعم الكرمانى، فلماذا طبق فى هذه الآيات دون غيرها، وفى القرآن ألوف الفتحات والكسرات والضمات؟! وقال الزمخشرى فى «تفسيره»: فإن قلت: كيف خط فى المصحف «ولا أوضعوا» بزيادة ألف؟ قلت: كانت الفاتحة تكتب ألفا، قبل الخط العربى، والخط العربى اخترع قريبا من نزول القرآن، وقد بقى من ذلك الألف أثر فى الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفا، وفتحتها ألفا أخرى، ونحوه (أو لأاذبحنّه) وهذا يشعر بأنه يرى ما يراه الكرمانى.
القاعدة الثالثة: الهمز
أما الهمزة الساكنة، فالأصل أن تكتب بحرف حركة ما قبلها، أولا، أو وسطا، أو آخرا نحو: {ائْذَنْ لِي}، (اؤتمن)، {الْبَأْسََاءِ}، {اقْرَأْ} إلا ما استثنى، مثل {فَادََّارَأْتُمْ} {وَرِءْياً}، فحذف الحرف فيها. وكتبت الهمزة مفردة.
أما الهمزة المتحركة: فإن كانت فى أول الكلمة، أو اتصل بها حرف زائد، كتبت
بالألف مطلقا، أى سواء كانت فتحا، أو ضما، أو كسرا، نحو {أَيُّوبَ} {إِذََا}
{أُولُوا} {سَأَصْرِفُ}، {فَبِأَيِّ} إلا فى مواضع مثل: (قلّ أئنّكم لتكفرون) [فصلت: 9] (أئنّا لمخرجون) [النمل: 67]، {أَإِنَّ لَنََا}
[الشعراء: 41]، فإنها كتبت فيها بالياء، و (قل أؤنبّئكم) [آل عمران: 15] و {هََؤُلََاءِ} فقد كتبت بالواو.(1/60)
أما الهمزة المتحركة: فإن كانت فى أول الكلمة، أو اتصل بها حرف زائد، كتبت
بالألف مطلقا، أى سواء كانت فتحا، أو ضما، أو كسرا، نحو {أَيُّوبَ} {إِذََا}
{أُولُوا} {سَأَصْرِفُ}، {فَبِأَيِّ} إلا فى مواضع مثل: (قلّ أئنّكم لتكفرون) [فصلت: 9] (أئنّا لمخرجون) [النمل: 67]، {أَإِنَّ لَنََا}
[الشعراء: 41]، فإنها كتبت فيها بالياء، و (قل أؤنبّئكم) [آل عمران: 15] و {هََؤُلََاءِ} فقد كتبت بالواو.
فإن كانت الهمزة وسطا فإنها تكتب بحرف من جنس حركته، نحو {سََائِلٌ}، {سُئِلَ}، (تقرؤه)، إلا ما استثنى.
وإن كانت طرفا، فإنها تكتب بحرف حركة ما قبلها، مثل: (سبأ) أو {شََاطِئِ}، (لؤلؤ)، ولقد وردت فى القرآن مخالفة لهذا الأصل، مثل (تفتؤا) (تتفيّئوا) و {لََا تَظْمَؤُا} {مََا يَعْبَؤُا}، فإنها رسمت فى المصحف بالواو، وزيدت ألف بعدها. فإن سكن ما قبل الهمزة حذف الحرف مثل: ملء الأرض، دفء، الخبء.
القاعدة الرابعة: البدل
كتبت فى الرسم الألف واوا، على لفظ التفخيم، فى مثل: {الصَّلََاةَ}، {الزَّكََاةَ} {الْحَيََاةِ}، {الرِّبَوا} غير مضافة، فأما قوله: {وَمََا كََانَ صَلََاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلََّا مُكََاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35]، وقوله تعالى: {إِنَّ صَلََاتِي وَنُسُكِي}
[الأنعام: 162] فقد كتبت بالألف، وقوله: {إِنْ هِيَ إِلََّا حَيََاتُنَا الدُّنْيََا} [الأنعام:
29]، وقوله تعالى: {وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوََالِ النََّاسِ فَلََا يَرْبُوا عِنْدَ اللََّهِ}
[الروم: 39] فقد كتبت بالألف.
ويمكن أن يعلل ترك التفخيم فى قوله تعالى: {وَمََا كََانَ صَلََاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلََّا مُكََاءً وَتَصْدِيَةً} بأن صلاتهم غير معتد بها، وليست صلاة شرعية، فمن ثم:
كانت لا تستأهل التفخيم، وفى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلََاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيََايَ وَمَمََاتِي لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}، بأن المقام مقام تذليل، واستسلام لله فليس التفخيم بلائق بالمقام، وقوله: {وَقََالُوا إِنْ هِيَ إِلََّا حَيََاتُنَا الدُّنْيََا وَمََا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام: 29] «بأن الدهريين حياتهم ضائعة، فليست جديرة بالتفخيم»، وقوله: {وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} فلأن المراد به: المال الذى هو وسيلة الربا، أو المال الذى يهدى ليأخذ المهدى أكثر مما
أعطى، فلم يكن اللفظ مرادا به الربا، بمعناه فى الشرع، ولا سيما أن الآية مكية، وكانت قبل التحريم، فمن ثم: كتب بالألف، ولم يكتب بالواو: لأنه، لا تهويل فيه ولا تفخيم، و {كَمِشْكََاةٍ}، و {بِالْغَدََاةِ} و (النّجوة)، و {مَنََاةَ}.(1/61)
كانت لا تستأهل التفخيم، وفى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلََاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيََايَ وَمَمََاتِي لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}، بأن المقام مقام تذليل، واستسلام لله فليس التفخيم بلائق بالمقام، وقوله: {وَقََالُوا إِنْ هِيَ إِلََّا حَيََاتُنَا الدُّنْيََا وَمََا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام: 29] «بأن الدهريين حياتهم ضائعة، فليست جديرة بالتفخيم»، وقوله: {وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} فلأن المراد به: المال الذى هو وسيلة الربا، أو المال الذى يهدى ليأخذ المهدى أكثر مما
أعطى، فلم يكن اللفظ مرادا به الربا، بمعناه فى الشرع، ولا سيما أن الآية مكية، وكانت قبل التحريم، فمن ثم: كتب بالألف، ولم يكتب بالواو: لأنه، لا تهويل فيه ولا تفخيم، و {كَمِشْكََاةٍ}، و {بِالْغَدََاةِ} و (النّجوة)، و {مَنََاةَ}.
وكتبت ياء فى كل ألف منقلبة عنها مثل: (يتوفّيكم) {يََا حَسْرَتى ََ} {وَقََالَ يََا أَسَفى ََ عَلى ََ يُوسُفَ} [يوسف: 84] إلا ما استثنى مثل: {هَدََانِي} و {مَنْ عَصََانِي}.
وتكتب ألفا نون التوكيد الخفيفة، ونون إذن، وتكتب بالنون، نحو وكأيّن من نبىّ.
وكتبت تاء التأنيث هاء، وجاءت على خلاف الأصل تاء، فى مواضع من القرآن، وذلك مثل {رَحْمَتَ} فى «البقرة»، و «آل عمران»، وغيرهما، و {نِعْمَتَ} فى «البقرة»، و «آل عمران»، و «المائدة»، وغيرها، و {سُنَّتُ} فى «الأنفال»، و «فاطر»، وشجرت فى {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعََامُ الْأَثِيمِ} [الدخان: 44]، وقرت فى {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: 9] إلى غير ذلك.
القاعدة الخامسة: الفصل والوصل
وردت بعض الألفاظ فى رسم المصحف، تارة موصولة، وتارة مفصولة، وورد بعضها فى الرسم على حالة واحدة، وذلك مثل وصل: «ألا» بفتح الهمزة وتشديد اللام، وفصلها فى عشرة مواضع، منها (أن لا تقولوا)، فى الأعراب و {أَنْ لََا تَعْبُدُوا} فى هود، {أَنْ لََا تَعْلُوا عَلَى اللََّهِ} فى الدخان إلخ.
ووصل (ممن) مطلقا، ووصل (عما)، إلا {عَنْ مََا نُهُوا عَنْهُ} ووصل (عمّن)، إلا قوله: {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشََاءُ} فى النور، و {عَنْ مَنْ تَوَلََّى} فى «النجم»، و (أما) بفتح الهمزة مطلقا إلى غير ذلك، مما جاء فى الرسم تارة موصولا، وتارة مفصولا، مثل (إنما) (وإن لم) بالفتح والكسر، و (أن لن)، و (أينما)، (ولكى لا)، و (فى ما)، ونحوها.
القاعدة السادسة
ما فيه قراءتان، وكتب على إحداهما ومرادنا غير القراءات الشاذة، ومن ذلك:
(ملك يوم الدّين)، (يخدعون) (ووعدنا)، {وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}
[الحج: 40] {سُكََارى ََ وَمََا هُمْ بِسُكََارى ََ} [الحج: 2] إلى غير ذلك، فقد كتبت كلها فى المصاحف العثمانية بلا ألف، وقد قرئت بالألف، وبحذفها، فالقراءة بغير الألف توافق رسم المصحف تحقيقا، والقراءة بالألف توافق تقديرا لحذفها اختصارا، من قوله تعالى: (ملك الملك) [آل عمران: 26]، ومثل (غيبت الجبّ) [يوسف: 10]، و {وَهُمْ فِي الْغُرُفََاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]، فقد كتبت كلها بالتاء المفتوحة، وبلا ألف، وقد قرئت بالجمع والإفراد، ومثل: {الصِّرََاطَ}، فقد كتبت بالصاد لا غير، و {الْمُصَيْطِرُونَ}، و {بِمُصَيْطِرٍ}، وقد قرئت بالصاد والسين، وقد عللوا ذلك:(1/62)
(ملك يوم الدّين)، (يخدعون) (ووعدنا)، {وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}
[الحج: 40] {سُكََارى ََ وَمََا هُمْ بِسُكََارى ََ} [الحج: 2] إلى غير ذلك، فقد كتبت كلها فى المصاحف العثمانية بلا ألف، وقد قرئت بالألف، وبحذفها، فالقراءة بغير الألف توافق رسم المصحف تحقيقا، والقراءة بالألف توافق تقديرا لحذفها اختصارا، من قوله تعالى: (ملك الملك) [آل عمران: 26]، ومثل (غيبت الجبّ) [يوسف: 10]، و {وَهُمْ فِي الْغُرُفََاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]، فقد كتبت كلها بالتاء المفتوحة، وبلا ألف، وقد قرئت بالجمع والإفراد، ومثل: {الصِّرََاطَ}، فقد كتبت بالصاد لا غير، و {الْمُصَيْطِرُونَ}، و {بِمُصَيْطِرٍ}، وقد قرئت بالصاد والسين، وقد عللوا ذلك:
بأن الأصل فى هذه الألفاظ كتابتها بالسين، على ما هى اللغة الغالبة، ولكنها كتبت فى المصاحف العثمانية بالصاد لتتعادل القراءتان: القراءة التى يشهد لها الرسم، والقراءة التى يشهد لها الأصل، ولو كتبت هذه الكلمات بالسين لفات ذلك، ولاعتبرت الصاد مخالفة للأصل والرسم ولذلك اختلف القراء فى {بَصْطَةً} [الأعراف: 69]، فقد قرئ بالصاد والسين، ولم يقع اختلاف فى {بَسْطَةً} [البقرة: 247]، لكونها كتبت بالسين، فانظر أيها القارئ المنصف كيف بلغ الصحابة فى الدقة فى رسم المصحف، وتحقيق العلم!!؟
وهذا من أقوى الأدلة للرد على المستشرقين، الذين يرجعون نشأة القراءات واختلافها إلي خلو المصحف أولا من النقط والشكل فالصراط، والمصيطرون، ومصيطر، كتبت كلها بالصاد، مع أنها قرئت بالصاد والسين، وهى لا ترجع قطعا إلى نقط، ولا إلى شكل، فماذا يقولون فى هذا؟!.
القراءات المتواترة التى لا يحتملها الرسم:
وذلك مثل: (وأوصى) [البقرة: 132]، {وَوَصََّى بِهََا إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ}
[البقرة: 132]، ومثل {تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهََارُ} [التوبة: 100]، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} [التوبة: 72]، ومثل {سَيَقُولُونَ لِلََّهِ} [المؤمنون: 85].
ومثل {وَمََا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35]، و (ما عملت أيديهم) [يس: 35].
فقد كانت تكتب فى بعض المصاحف دون بعض، وقد كان هذا من الأسباب الحاملة لسيدنا عثمان والصحابة على تعدد المصاحف لتكون مشتملة على جميع القراءات المتواترة عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وهذا أيضا من الأدلة التى ترد على المستشرقين فى رأيهم فى نشأة القراءات واختلافها إذ لا يمكن أن يرجع هذا إلى خلو المصحف من النقط والشكل.(1/63)
فقد كانت تكتب فى بعض المصاحف دون بعض، وقد كان هذا من الأسباب الحاملة لسيدنا عثمان والصحابة على تعدد المصاحف لتكون مشتملة على جميع القراءات المتواترة عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وهذا أيضا من الأدلة التى ترد على المستشرقين فى رأيهم فى نشأة القراءات واختلافها إذ لا يمكن أن يرجع هذا إلى خلو المصحف من النقط والشكل.
وبحسبنا هذا القدر، فى هذا المقام، ومن أراد زيادة، فليرجع إلى الكتب التى عنيت بضبط القراءات، وألفت فى رسم المصاحف العثمانية.
ونأتى أخيرا بعد هذه المقدمة المهمة لنجيب على السؤال السابق، هل كان رسم المصحف توقيفيا أم اجتهاديا؟
فنقول: لقد ذهب جمهور علماء المسلمين سلفا وخلفا إلى أن رسم المصحف توقيفى، ولا تجوز مخالفته، واستدلوا على رأيهم ذلك بعدد من الأدلة هى:
أولا: أن القرآن الكريم كتب كله بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم، وكان يملى على كتاب الوحى، ويرشدهم فى كتابته بوحى من جبريل عليه السلام.
ومما يروى فى هذا: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: «ألق الدواة وحرف القلم، وانصب الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسن الله، ومد الرحمن، وجود الرحيم، وضع قلمك فى أذنك اليسرى فإنه أذكر لك»، وهذا الحديث وإن اختلف فيه الحفاظ: فمنهم من يصححه، ومنهم من يضعفه، إلا أن مما لا شك فيه، أن القرآن كتب جميعه بين يديه صلى الله عليه وسلم، وأقرهم عليه، والتقرير أحد وجوه السنن المعروفة، كما هو معلوم فى علم: «أصول الفقه»، وعلم: «أصول الحديث».
ثانيا: إطباق القراء على إثبات الياء فى: {وَاخْشَوْنِي} [150]، فى البقرة، وحذفها فى الموضعين، فى المائدة، وغير ذلك، مما خولف فيه بعض نظائر كثيرة، بالحذف، والإثبات، والزيادة فى الحرف، والنقص على ما ذكرناه آنفا، فلو كان الرسم بالاجتهاد، لما خولف فيه بين هذه النظائر والمتشابهات.
ولعل قائلا يقول: إن هذا نتج من تعدد كتاب الوحى، ولكنا نقول: لو كان الأمر كذلك، لناقش بعضهم بعضا، فى هذا، ولا سيما أن الأمر يتعلق بالأصل الأول للإسلام، وتوفر الدواعى لحرية الرأى فى هذا العصر، ولكن لم ينقل إلينا أنهم تناقشوا فى مثل هذا.
أو أن بعضهم أنكر على بعض شيئا من هذا، على أن هذا الاحتمال يبعد غاية البعد، فى مثل قوله تعالى:
{هََاؤُمُ اقْرَؤُا كِتََابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلََاقٍ حِسََابِيَهْ} [الحاقة: 19، 20].
قد كتبت الأولى (كتبيه) بغير ألف، فى حين كتبت الثانية (حسابيه) بالألف.(1/64)
{هََاؤُمُ اقْرَؤُا كِتََابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلََاقٍ حِسََابِيَهْ} [الحاقة: 19، 20].
قد كتبت الأولى (كتبيه) بغير ألف، فى حين كتبت الثانية (حسابيه) بالألف.
ثالثا: لما جاور الرسول الرفيق الأعلى، وجمع القرآن فى المصحف، ثم فى المصاحف، أجمع الصحابة على رسمه، ولا سيما الخلفاء الراشدون، ولم يخالف فى ذلك أحد، مع ما كان يتسم به هذا العصر من التمتع بالحرية الفائقة فى القول، وإجماعهم حجة، وقد حث الرسول الكريم على الاقتداء بالخليفتين، من بعده، فقال: «اقتدوا باللّذين من بعدى: أبى بكر وعمر» رواه الإمام أحمد، والترمذى، وابن ماجة، وفى حديث العرباض بن سارية: «فعليكم بسنّتى، وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدى، عضّوا عليها بالنّواجذ» رواه أبو داود، والترمذى، وقال حديث حسن صحيح.
وقد أقر هذا الرسم الخلفاء الراشدون، ومعهم الصحابة فكان لزاما على الأمة الإسلامية من بعدهم، أن يقتدوا بهم، ويتمسكوا برسم المصحف، ولا يحيدوا عنه، وقد قال الصحابى الجليل: عبد الله بن مسعود: «من كان منكم متأسيا، فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة الدين، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم فى آثارهم».
وروى الحافظ البيهقى أن الإمام الشافعى وهو من هو دينا وعقلا وألمعية ذكر الصحابة فى رسالته القديمة وأثنى عليهم بما هم أهله، وقال: «وهم فوقنا، فى كل علم واجتهاد، وورع، وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا».
ومما ينبغى أن نعلم أن الصحابة لما كتبوا الصحف ثم المصاحف، بالغوا جدا فى ألا يكتب فيها إلا ما هو قرآن، حتى إنهم جردوه من الشكل والنقط، بل ومن أسماء السور، فكيف يتساهلون فى زيادة ألف أو واو أو ياء مثلا؟!.
وقد يقول قائل: إن مسألة الرسم وهيئة الكتابة لم تكن محل اعتبارهم وتدقيقهم.
ويرد هذا ما ورد فى الصحيح: أن الخليفة الثالث عثمان رضى الله عنه قال للرهط القرشيين، الذين عاونوا زيد بن ثابت فى كتابة المصحف: «إذا اختلفتم أنتم وزيد فى شىء من القرآن أى فى كتابته فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم»، يعنى: اكتبوه بالرسم الذى يوافق لغتهم، لقد روى: أنهم اختلفوا فى
كتابة «التابوت»، من قوله تعالى فى سورة البقرة: {يَأْتِيَكُمُ التََّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248] فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوة، بالهاء، وقال الرهط القرشيون: إنما هو التابوت، بالتاء، فرجعوا إلى سيدنا عثمان، فحسم الخلاف وقال اكتبوه بالتاء.(1/65)
ويرد هذا ما ورد فى الصحيح: أن الخليفة الثالث عثمان رضى الله عنه قال للرهط القرشيين، الذين عاونوا زيد بن ثابت فى كتابة المصحف: «إذا اختلفتم أنتم وزيد فى شىء من القرآن أى فى كتابته فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم»، يعنى: اكتبوه بالرسم الذى يوافق لغتهم، لقد روى: أنهم اختلفوا فى
كتابة «التابوت»، من قوله تعالى فى سورة البقرة: {يَأْتِيَكُمُ التََّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248] فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوة، بالهاء، وقال الرهط القرشيون: إنما هو التابوت، بالتاء، فرجعوا إلى سيدنا عثمان، فحسم الخلاف وقال اكتبوه بالتاء.
أقوال الأئمة فى التزام الرسم العثمانى:
قال أشهب من أصحاب الإمام مالك: «سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ قال: لا، إلا على الكتابة الأولى» رواه الدانى فى «المقنع»، قال: ولا مخالف له من علماء الأمة، وقال فى موضع آخر: سئل مالك عن الحروف فى القرآن مثل: الواو، والألف أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا، قال أبو عمرو الدانى: يعنى: الواو والألف المزيدتين فى الرسم، المعدومتين فى اللفظ نحو: (أولوا) و (أولات).
وقال إمام أهل السنة والجماعة أحمد: يحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى واو، أو ياء، أو ألف، أو نحو ذلك. وفى حواشى «المنهج» فى فقه الشافعية ما نصه: «كلمة «الربا» تكتب بالواو، والألف كما جاء فى الرسم العثمانى، ولا تكتب فى القرآن بالياء أو الألف لأن رسمه سنة متبعة».
وفى كتاب «المحيط البرهانى»، فى فقه الحنفية، ما نصه: «أنه ينبغى ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثمانى».
وقال الإمام فى الحديث والفقه البيهقى فى كتاب «شعب الإيمان»: «من كتب مصحفا ينبغى أن يحافظ على الهجاء الذى كتبوا به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا فلا ينبغى أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم».
ولا يعارض القول بالتوقيف ما هو معروف: من أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أميّا، لا يقرأ، ولا يكتب لأنه إن كان تعلم الكتابة والقراءة بعد أن كان لا يعلمها كما هو رأى بعض العلماء المحققين بعد أن قامت المعجزة بالقرآن، وظهر أمر الإسلام فالأمر ظاهر. وإن قلنا كما هو رأى الأكثر: إنه استمر على أميته، حتى آخر حياته، فقد كان يرشد كتاب الوحى إلى هذا بتعليم وإرشاد من جبريل عليه السلام أو بإلهام له من الله سبحانه وتعالى والإلهام نوع من الوحى.
وفى الحق: أنه فى السنة الصحيحة ما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم تعلم الكتابة فى آخر حياته، بعد أن كان لا يعلمها، وإن كان لا يجيدها، ففي أثناء ذكر صلح الحديبية ما نصه: «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» الحديث، وبحسبنا هذا القدر فى هذا المقام. ومن أراد استيفاء هذه المسألة، فليرجع إلى ما كتبه ونقله الإمام الآلوسي فى تفسير قوله تعالى فى سورة العنكبوت الآية 48:(1/66)
ولا يعارض القول بالتوقيف ما هو معروف: من أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أميّا، لا يقرأ، ولا يكتب لأنه إن كان تعلم الكتابة والقراءة بعد أن كان لا يعلمها كما هو رأى بعض العلماء المحققين بعد أن قامت المعجزة بالقرآن، وظهر أمر الإسلام فالأمر ظاهر. وإن قلنا كما هو رأى الأكثر: إنه استمر على أميته، حتى آخر حياته، فقد كان يرشد كتاب الوحى إلى هذا بتعليم وإرشاد من جبريل عليه السلام أو بإلهام له من الله سبحانه وتعالى والإلهام نوع من الوحى.
وفى الحق: أنه فى السنة الصحيحة ما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم تعلم الكتابة فى آخر حياته، بعد أن كان لا يعلمها، وإن كان لا يجيدها، ففي أثناء ذكر صلح الحديبية ما نصه: «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» الحديث، وبحسبنا هذا القدر فى هذا المقام. ومن أراد استيفاء هذه المسألة، فليرجع إلى ما كتبه ونقله الإمام الآلوسي فى تفسير قوله تعالى فى سورة العنكبوت الآية 48:
{وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتََابٍ وَلََا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتََابَ الْمُبْطِلُونَ}.(1/67)
{وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتََابٍ وَلََا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتََابَ الْمُبْطِلُونَ}.
فوائد الرسم العثمانى
* لاتباع رسم المصحف العثمانى فوائد، ومصالح، منها:
1 - اتصال السند بحفظ القرآن الكريم فلا يجوز لأحد أن يقرأه، أو يقرئه غيره إلا بروايته، عن شيوخه، وهم عن شيوخهم وهكذا، حتى يتصل السند بالنبى صلى الله عليه وسلم فمن علم القواعد العربية، ولكن لا يأخذ القرآن بالتلقى عن أهله الضابطين له، لا يعرف قراءته على وجهها الصحيح فإن بعض ألفاظه كتبت على غير النطق بها كما أسلفنا، وفواتح بعض سورة كتبت برسم الحروف، لا بهيئات النطق بها، وإلا فقل بربك: كيف يتوصل القارئ إلى قراءة {كهيعص} و {حم عسق}
و {طسم} و {المص} وغيرها؟! فالذى يعلم العربية والهجاء، ولكنه لا يتلقى عن غيره كيفية قراءتها، قد يقرؤها على غير وجهها الصحيح إذ النطق بها صحيحة يتوقف على التلقى والسماع من قراء القرآن وحفاظه المجيدين له. واتصال السند من خصائص القرآن الكريم بالنسبة لغيره من الكتب السماوية، وبه ظل محفوظا كما قال تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} [الحجر: 9] وليس من شك، فى أن الرسم المخصوص له أعظم الأثر، فى اتصال السند إذ لو كانت جميع ألفاظه مكتوبة طبق النص بها لتجرأ الكثيرون على قراءته، بغير تلق، عن غيره وحينئذ يفوتهم معرفة ما فيه من طرق الأداء من مد، وتخفيف، وإمالة، وإدغام، وإخفاء إلى غير ذلك من طرق الأداء.
2 - الدلالة على بعض اللغات الفصيحة: ككتابة هاء التأنيث تاء، فى لغة طيئ، ومثل حذف آخر الفعل المضارع المعتل لغير جازم، مثل: {يَوْمَ يَأْتِ}، فى لغة هزيل، و {ذََلِكَ مََا كُنََّا نَبْغِ}.
3 - الدلالة على أصل الحركة: ككتابة الكسرة ياء، والضمة واوا، نحو:
(وإيتاي ذى القربى) [النحل: 90] و (سأوريكم دار الفاسقين) [الأعراف: 145].
أو الدلالة على أصل الحرف: ككتابة الصلاة، والزكاة، والحياة، والربا، بالواو بدل الألف.
4 - الدلالة على معان خفية دقيقة، برسم الكلمة، ولذلك أمثلة نبه عليها العلماء، ولا سيما المراكشى، منها: زيادة الياء، فى قوله تعالى: (والسّماء بنيناها بأيدى وإنّا لموسعون) [الذاريات: 47] بياءين، وذلك للإشارة إلى عظمة قدرة
الخالق جل وعلا التى بنى بها السماء والعالم العلوى كله، وأنها لا تشبهها قوة، على حد القاعدة المشهورة: «زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى»، وهى قاعدة غالبية، ومثل زيادة الألف، فى قوله تعالى: (وجاى بالنّبيّين والشّهداء) [الزمر: 70]، وقوله: (وجاى يومئذ بجهنّم) [الفجر: 23]، للتهويل، والتفخيم، والوعيد، والتهديد، وأنه مجىء ليس على غير ما يعهد البشر فجاء الرسم على غير ما يعهدون.(1/68)
4 - الدلالة على معان خفية دقيقة، برسم الكلمة، ولذلك أمثلة نبه عليها العلماء، ولا سيما المراكشى، منها: زيادة الياء، فى قوله تعالى: (والسّماء بنيناها بأيدى وإنّا لموسعون) [الذاريات: 47] بياءين، وذلك للإشارة إلى عظمة قدرة
الخالق جل وعلا التى بنى بها السماء والعالم العلوى كله، وأنها لا تشبهها قوة، على حد القاعدة المشهورة: «زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى»، وهى قاعدة غالبية، ومثل زيادة الألف، فى قوله تعالى: (وجاى بالنّبيّين والشّهداء) [الزمر: 70]، وقوله: (وجاى يومئذ بجهنّم) [الفجر: 23]، للتهويل، والتفخيم، والوعيد، والتهديد، وأنه مجىء ليس على غير ما يعهد البشر فجاء الرسم على غير ما يعهدون.
ومن هذا القبيل: كتابة هذه الأفعال بغير واو، مع أن القاعدة النحوية واللغوية على غير هذا، قال تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ دُعََاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: 11] وقال: {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الشورى: 24] وقال: {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ إِلى ََ شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6] وقال: {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} [العلق: 18] فإنها كتبت فى المصاحف العثمانية بغير واو ولذلك سر دقيق، لمن أمعن النظر، وقد قال الشيخ العلامة أبو العباس المراكشى، ما معناه من التوضيح: السر فى ذلك التنبيه على سرعة وقوع الفعل، وسهولته على الفاعل، وشدة قبول المنفعل المتأثر به فى الوجود: أما الحذف فى الأول: فللإشارة إلى أن الإنسان يسارع إلى الدعاء بالشر، كما يسارع بالدعاء إلى الخير، بل إثبات الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير، ولا سيما عند الغضب، وثورة النفس. وأما السر فى حذفها فى الثانية: فالإشارة إلى سرعة ذهاب الباطل، واضمحلاله. وأما السر فى حذفها فى الثالثة: فالإشارة إلى سرعة الدعاء، وسرعة إجابة الداعين، حينما يطلب منهم ذلك.
وأما السر فى حذفها فى الرابعة: فالإشارة إلى سرعة الفعل وإجابة الزبانية.
أقول: وفيه أيضا تطابق فى اللفظ بين المتجاورين فقبلها {فَلْيَدْعُ نََادِيَهُ} [العلق: 17] وإشارة إلى أن استجابة الزبانية أسرع من استجابة ناديه.
وعلل المراكشى أيضا لزيادة الواو فى قوله تعالى: (سأوريكم دار الفاسقين) [الأعراف: 145].
وقوله: (سأوريكم آياتى) [الأنبياء: 37].
للدلالة على معنى ظهور معنى الكلمة فى الوجود، مع أعظم رؤية للعيان، قال:
ويدل على ذلك، أن الآيتين جاءتا للتهديد والوعيد.(1/69)
للدلالة على معنى ظهور معنى الكلمة فى الوجود، مع أعظم رؤية للعيان، قال:
ويدل على ذلك، أن الآيتين جاءتا للتهديد والوعيد.
وعلى هذا الغرار: يمكن القول فى زيادة الألف، فى قوله: (ولا أوضعوا خلالكم) [التوبة: 47].
السر فيه: الإيماء إلى أن هؤلاء المعتذرين المتخلفين من المنافقين لو خرجوا معكم لأكثروا من الإيضاع فى الفتنة، والإيضاع هو الإسراع، ولجاوزوا الحد فى هذا، فتوافق الرسم والمعنى. وفى زيادة الياء فى «بأييكم» أى: المجنون، الإشارة إلى أن جنون المشركين بلغ الغاية وتجاوز الحد، وأنهم المجانين، لا أنت لأن مثلك يا محمد فى رجاحة عقلك، وعظم أخلاقك، وسمو فضائلك، لا يصح أن يرمى بالجنون، فمن رماه به فقد رجع على نفسه بالجنون وبذلك يتوافق الرسم والمعنى.
والكلام فى ظاهره ترديد بين أمرين، وهو فى الحقيقة يراد به ما ذكرت، وهو لون من ألوان الحجاج فى القرآن، يدل على غاية النصفة مع الخصوم، ومثله قوله سبحانه: {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].
مع اليقين أن النبى وأتباعه على الهدى، وهم الذين فى ضلال بين ظاهر.
ويمكننا أن نقول أيضا فى زيادة الألف آخرا، فى قوله تعالى: {تَاللََّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] والدلالة على كثرة ذلك، وأن سيدنا يعقوب عليه السلام ما كان ينفك عن ذكر يوسف عليه السلام.
وفى قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ََ مََا خَلَقَ اللََّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلََالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمََائِلِ سُجَّداً لِلََّهِ وَهُمْ دََاخِرُونَ} [النحل: 48].
الدلالة على كثرة تفيؤ الضلال، وعمومها لكل ذى جرم.
وقوله: {وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ} [طه: 119] الدلالة على دوام عدم الظمأ، واستمرار الرى لمن كان فى الجنة.
وقوله سبحانه: {قُلْ مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلََا دُعََاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
المبالغة فى عدم اعتناء الله بمن لا يعبده، ولا يتضرع إليه، وكذلك زيادة الألف فى لفظ {الرِّبََا} ليتوافق الرسم والمعنى: فالربا زيادة بلا مقابل، وهذه الألف أيضا بلا مقابل فى التلفظ.
وكذلك زيادة فى الألف بعد الفعل المطروح المعتل الآخر، فى قوله تعالى:(1/70)
المبالغة فى عدم اعتناء الله بمن لا يعبده، ولا يتضرع إليه، وكذلك زيادة الألف فى لفظ {الرِّبََا} ليتوافق الرسم والمعنى: فالربا زيادة بلا مقابل، وهذه الألف أيضا بلا مقابل فى التلفظ.
وكذلك زيادة فى الألف بعد الفعل المطروح المعتل الآخر، فى قوله تعالى:
{وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ففيه الإشارة إلى كثرة عفو الله واستمراره، وإلا فلو آخذنا الله بمعاصينا وآثامنا، لما ترك على ظهرها من دابة.
فإن قيل: إن بعد هذه بآيات، قوله:
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمََا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 34] أما على قراءة: «ويعف» عطفا على المجزوم قبله: فحذف الواو ظاهر، وأما قراءة (ويعفو) بالرفع على الاستئناف بغير ألف: فذلك لأنه لما كانت حالة الإهلاك بسبب تسلط الأعاصير على السفن قليلة، كان ما يترتب من العفو ليس كثيرا كالأول فلذلك لم يؤت فيها بالألف بعد الواو.
وكذلك قوله: {وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذََابَ} [النور: 8]، بالألف بعد الواو للإشارة إلى قوة الدرء والدفع، واستمراره ما دامت الزوجة شهدت الشهادات الخمس:
وحذفت الألف من قوله تعالى: (والّذين سعوا فى آياتنا معجزين) [سبأ: 5] للإشارة إلى أنه سعى فى الباطل، لا يصح له ثبات فى الوجود، ولن يحصلوا منه على طائل، ومثل ذلك: {وَجََاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116]، وقوله: {جََاؤُ ظُلْماً وَزُوراً} [الفرقان: 4] {وَجََاؤُ أَبََاهُمْ عِشََاءً يَبْكُونَ} [يوسف: 16] {وَجََاؤُ عَلى ََ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18]، لبيان أن مجيئهم ليس على وجه صحيح، ويغلب عليه التصنع، والزور، وكذلك قوله: (وعتو عتوّا كبيرا) [الفرقان: 21]، للإشارة إلى أنه باطل، ولا أثر له يذكر فى الوجود، وحذفوا الألف من معظم الألفاظ الأعجمية: كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وهارون لأنه حذفت منه الواو، فلم يجحفوا به بحذف ألف أخرى.
كذلك زيدت الألف بعد الهمزة، فى قوله تعالى: (إنّى أريد أن تبوأ بإثمى وإثمك) [المائدة: 29]، وقوله: {وَآتَيْنََاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]، للإشارة فى الأول إلى أنه يبؤ بإثمين من فعل واحد، وللإشارة فى الثانية إلى كثرة المفاتيح كثرة بها ثقلت، وأثقلتهم، فكأنها ثقلان فصار اللفظ موحيا بهذا المعنى.
وكذلك يمكن أن نقول فى زيادة الياء فى قوله تعالى: (وإيتاي ذى القربى)
[النحل: 90]، للإشارة إلى أن إيتاء ذوى القربى ينبغى أن يكون ممدودا موصولا، غير منقطع فيكون فيه تطابق بين اللفظ والمعنى، وفى زيادة الياء فى قوله تعالى:(1/71)
وكذلك يمكن أن نقول فى زيادة الياء فى قوله تعالى: (وإيتاي ذى القربى)
[النحل: 90]، للإشارة إلى أن إيتاء ذوى القربى ينبغى أن يكون ممدودا موصولا، غير منقطع فيكون فيه تطابق بين اللفظ والمعنى، وفى زيادة الياء فى قوله تعالى:
(ولقد جاءك من نبإى المرسلين) [الأنعام: 34] للإشارة إلى كثرة ما جاء من أخبار الأنبياء فى القرآن: من تحمل الأذى البالغ، والصبر الصابر، حتى جاءهم نصر الله.
وفى قوله: (ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النّهار لعلّك ترضى) [طه: 130] للإشارة إلى أنه ينبغى أن يشغل معظم ساعات الليل بالقيام والتسبيح، فصارت صورة رسم اللفظ موحية بهذا المعنى، وفى قوله: (أو من وراى حجاب) [الشورى: 51] للإشارة إلى أنه كلام من وراء. فهو وراء فسيح ممدود لا حد له.
وهكذا لا يعدم المتأمل فى الرسم بعقل واع وقلب مستضىء، من أن يقع على أسرار من أسرار الإعجاز فى الرسم، فلله عظمة هذا القرآن، ما أعظم بركاته!! وما أكثر أسراره!! لفظا، ومعنى، ورسما.
5 - إفادة بعض المعانى المختلفة بطريقة واضحة لا خفاء فيها، وذلك مثل: قطع كلمة: (أم) فى قوله تعالى: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: 109]، ووصلها فى قوله: {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك: 22]: ففصل الأولى فى الرسم للدلالة على أنها (أم) المنقطعة، ووصل الثانية: للدلالة على أنها ليست المنقطعة.
القائلون بأن الرسم اجتهادى:
ويرى بعض العلماء: أن رسم المصحف أمر اصطلاحى واجتهادى، لا توقيفى، وممن ذهب إلى هذا: القاضى أبو بكر الباقلانى، فى كتاب «الانتصار»، والعلامة المؤرخ أبو عبد الرحمن بن خلدون فى مقدمته حيث قال: «إن رسم المصحف كان باصطلاح من الصحابة لأنهم كانوا حديثى عهد بالكتابة».
وسأقتصر على نقل مقالة الإمام أبى بكر فى هذا، قال: «وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره، أوجبه عليهم وترك ما عداه إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيت، وليس فى نصوص الكتاب، ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا فى نص السنة ما
يوجب ذلك ويدل عليه، ولا فى إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية، بل السنة دلت على جواز رسمه بأى وجه سهل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحدا عن كتابته ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح وأن الناس لا يخفى عليهم الحال ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية، والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك».(1/72)
وسأقتصر على نقل مقالة الإمام أبى بكر فى هذا، قال: «وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره، أوجبه عليهم وترك ما عداه إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيت، وليس فى نصوص الكتاب، ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا فى نص السنة ما
يوجب ذلك ويدل عليه، ولا فى إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية، بل السنة دلت على جواز رسمه بأى وجه سهل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحدا عن كتابته ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح وأن الناس لا يخفى عليهم الحال ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية، والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك».
نقد هذا الرأى:
ولا يعدم الباحث فى الرد على هذا الرأى أسسا ذكرناها فى أدلة الرأى الأول، رأى القائلين بالتوقيف، فقد قلنا: إن النبى صلى الله عليه وسلم أقر الكتاب على ما كتبوا والتقرير سنة من السنن كما هو معروف فى الأصول، وعلوم الحديث، فكيف يقول: «لا توجد سنة فى هذا؟!» وكذلك قوله: «ولا فى إجماع الأئمة ما يوجب ذلك» غير مسلم أيضا لقيام الإجماع على الرسم العثمانى، وعدم وجود المخالف، وإلا لنقل هذا وأين هو؟ وقد تتابع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم على ما جاء فى هذه المصاحف، من غير نكير له.
ومن ثم: يتبين لنا، أن قوله: «ولذلك اختلفت خطوط المصاحف» إلخ غير مسلم أيضا لأن المقدمات لم تسلم له، فلا تسلم له النتيجة.
(رأى صاحب الذهب الإبريز)
ولعل مما يستحسن ذكره فى هذا المقام لنفاسته وكفايته فى الرد على القائلين بالاجتهاد فى الرسم ما ذكره العلامة ابن المبارك، عن شيخه العارف بالله: الشيخ عبد العزيز الدباغ، إذ يقول فى كتابه: «الذهب الإبريز»: وذلك بعد أن سأله تلميذه:
ابن المبارك عن الرسم، وذكر له قول من يرى أنه اجتهاد ما نصه:
«ما للصحابة ولا لغيرهم فى رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبى صلى الله عليه وسلم، وهو الذى أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة، بزيادة الألف
ونقصانها لأسرار لا تهتدى إليها العقول، وهو سر من الأسرار، خص بها الله كتابه العزيز، دون سائر الكتب السماوية. وكما أن نظم القرآن معجز، فرسمه أيضا معجز»، إلى أن قال: «أما من قال: إن الصحابة اصطلحوا على أمر الرسم المذكور: فلا يخفى ما فى كلامه من البطلان لأن القرآن كتب فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم، وبين يديه وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة: إما أن يكون هو عين الهيئة، أو غيرها، فإن كان عينها بطل الاصطلاح لأن سبقية النبى صلى الله عليه وسلم تنافى ذلك، وتوجب الاتباع، وإن كان غير ذلك، فكيف يكون النبى صلى الله عليه وسلم كتب على هيئة كهيئة الرسم القياسى مثلا، والصحابة خالفوه، وكتبوا على هيئة أخرى؟ فلا يصح ذلك لوجهين:(1/73)
«ما للصحابة ولا لغيرهم فى رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبى صلى الله عليه وسلم، وهو الذى أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة، بزيادة الألف
ونقصانها لأسرار لا تهتدى إليها العقول، وهو سر من الأسرار، خص بها الله كتابه العزيز، دون سائر الكتب السماوية. وكما أن نظم القرآن معجز، فرسمه أيضا معجز»، إلى أن قال: «أما من قال: إن الصحابة اصطلحوا على أمر الرسم المذكور: فلا يخفى ما فى كلامه من البطلان لأن القرآن كتب فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم، وبين يديه وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة: إما أن يكون هو عين الهيئة، أو غيرها، فإن كان عينها بطل الاصطلاح لأن سبقية النبى صلى الله عليه وسلم تنافى ذلك، وتوجب الاتباع، وإن كان غير ذلك، فكيف يكون النبى صلى الله عليه وسلم كتب على هيئة كهيئة الرسم القياسى مثلا، والصحابة خالفوه، وكتبوا على هيئة أخرى؟ فلا يصح ذلك لوجهين:
أحدهما: نسبة المخالفة للصحابة، وذلك محال.
وثانيهما: أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف فى القرآن، ولا نقصان حرف منه، وما بين الدفتين كلام الله عز وجل فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم أثبت ألف «الرحمن» و «العلمين» مثلا، ولم يزد الألف فى «مائة»، ولا فى «ولا أوضعوا»، ونحو ذلك، والصحابة عاكسوه فى ذلك، وخالفوه لزم أنهم وحاشاهم من ذلك تصرفوا فى القرآن بالزيادة والنقصان، ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحل لأحد فعله، ولزم تطرق الشك إلى جميع ما بين الدفتين لأنه مهما جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة على ما فى علم النبى صلى الله عليه وسلم وعلى ما عنده، وأنها ليست بوحى، ولا من عند الله، ولا نعلمها بعينها شككنا فى الجميع. وإذا جوزنا للصحابى أن يزيد فى كتابته حرفا ليس بوحى، لزمنا أن نجوز لصحابى آخر نقصان حرف من الوحى إذ لا فرق بينهما وحينئذ تنحل عروة الإسلام بالكلية». ومن أراد استيفاء كلام العلامة الشيخ الدباغ، فليرجع إلى كتاب: «المدخل لدراسة القرآن الكريم» وكتاب «مناهل العرفان فى علوم القرآن».
رأى وسط
وهو أنه يجوز كتابة بعض المصاحف لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة لأنه أبعد عن اللبس، والخلط فى القرآن، ولكن يجب فى الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثمانى فى المصاحف الأمهات لأنه أثر من الآثار الإسلامية
النفيسة الموروثة عن السلف الصالح، فلا تهمل مراعاة لحال الجاهلين، بل يجب أن تبقى لأجل العلماء العارفين، الذين لا تخلو منهم الأرض، وإلى هذا الرأى ذهب الإمام عز الدين بن عبد السلام، وتابعه صاحب البرهان، قال صاحب التبيان:(1/74)
وهو أنه يجوز كتابة بعض المصاحف لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة لأنه أبعد عن اللبس، والخلط فى القرآن، ولكن يجب فى الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثمانى فى المصاحف الأمهات لأنه أثر من الآثار الإسلامية
النفيسة الموروثة عن السلف الصالح، فلا تهمل مراعاة لحال الجاهلين، بل يجب أن تبقى لأجل العلماء العارفين، الذين لا تخلو منهم الأرض، وإلى هذا الرأى ذهب الإمام عز الدين بن عبد السلام، وتابعه صاحب البرهان، قال صاحب التبيان:
«وأما كتابته أى: المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء فقد جرى عليها أهل المشرق بناء على كونها أبعد عن اللبس، وتحاشاها أهل المغرب بناء على قول الإمام مالك، وقد سئل: هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: «لا، إلا على الكتابة الأولى»، قال فى البرهان: «قلت: وهذا كان فى الصدر الأول، والعلم حى غض، وأما الآن فقد يخشى الالتباس ولذلك قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف إلا على المرسوم الأول، باصطلاح الأئمة لئلا يوقع فى تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغى إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدى إلى دروس العلم، وشىء أحكمه القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة».
وهذا الرأى وسط بين الرأيين الأولين لأنه يقوم على رعاية الاحتياط للقرآن، وتنزيه ساحته عن التغيير والتبديل، بالإبقاء على الرسم العثمانى، الذى هو الأصل فى المصاحف الأمهات، وعليها يعول المسلمون فى كل قطر من جهة ورعاية حال جمهور المسلمين الذين يتعذر عليهم قراءة القرآن من المصاحف المكتوبة على الرسم العثمانى، والتيسير عليهم من جهة أخرى. والقائل بهذا الرأى الوسيط ليس رجلا مغمورا بين العلماء، أو مطعونا فى دين أو خلق، وإنما هو الضليع، الآمر بالمعروف، والناهى عن المنكر، وصاحب المواقف المشهورة مع الملوك والسلاطين والأمراء، والذى لقب بحق، بسلطان العلماء: العز بن عبد السلام.
وفى الحق: أن طلاب المعاهد والمدارس يجدون حرجا فى هذا لأن معظمهم يتلقى القرآن من المصاحف، لا من أفواه المقرئين، كما هى السنة، بل كثير من المدرسين غير العارفين بالرسم العثمانى قد يتعذر عليه قراءته من المصحف قراءة صحيحة، وكثيرا ما نسمع فى هذا مضحكات مبكيات!!.(1/75)
وفى الحق: أن طلاب المعاهد والمدارس يجدون حرجا فى هذا لأن معظمهم يتلقى القرآن من المصاحف، لا من أفواه المقرئين، كما هى السنة، بل كثير من المدرسين غير العارفين بالرسم العثمانى قد يتعذر عليه قراءته من المصحف قراءة صحيحة، وكثيرا ما نسمع فى هذا مضحكات مبكيات!!.
شبه أثيرت حول كتابة القرآن ورسمه
من دأب القساوسة والمستشرقين أن يتلمسوا المطاعن فى القرآن الكريم، من ناحية جمعه، أو من ناحية كتابته ورسمه المجمع عليه فى المصاحف العثمانية، التى نقل ما فيها بالتواتر المفيد للقطع واليقين. والذى يعنينا فى هذا المقام: ما أوردوه من شبه حول كتابة القرآن ورسمه، وكل ما أوردوه يرجع إلى روايات باطلة مزورة، اختلقها أعداء الإسلام من قديم، ونسبوها إلى السلف الصالح كذبا وزورا كى تحظى بالقبول عند من لا يعلمون وإما إلى اعتراضات أوردها المؤلفون فى علوم القرآن، وأجابوا عنها بما يقنع ويشفى، ويا ليتهم ما فعلوا لأن المبشرين والمستشرقين اتخذوا منها مستندا للطعن فى القرآن، وكان همهم إيراد الشبه، وتعمد السكوت عن الجواب، بل صاروا ينفخون فى هذه الروايات، ويزيدون فيها، ويعيدون لأنها صادفت هوى فى نفوسهم، حتى صيروا من الحبة قبة، وقد تابعهم بعض أبواقهم من المسلمين الذين ليس لهم من الثقافة الدينية والمعارف القرآنية، ما يحصنهم ضد هذه السموم التى نفثوها باسم العلم، والبحث الحر، وما هى من العلم، ولا البحث النزيه فى شىء، وقد قيض الله لهذه الشبه والسموم من علماء المسلمين من زيفها، وبيّن بطلانها، ولن يخلى الله الأرض من علماء يقومون بالحق، ويدافعون عن هذا الدين، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولا يتسع المقام لسرد كل هذه الشبه، والرد عليها، ولكن سنكتفى بالإشارة إلى بعضها:
1 - فمن ذلك: ما زعموا: أن سيدنا عثمان رضى الله عنه حين عرض عليه المصحف، قال: (أحسنتم، وأجملتم، إن فى القرآن لحنا، ستقيمه العرب بألسنتها)، ونسب هذا القول إلى عكرمة، وغرضهم بهذا: التشكيك فى الثقة بهذه المصاحف العثمانية.
والجواب: أن ما روى فى هذا ضعيف الإسناد، وفيه انقطاع فى السند، وغالبا يكون البلاء من المحذوف للتمويه والخداع، وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلا.
ثم إن فيما روى اضطرابا وتناقضا نجلّ الخليفة الثالث عنه، وصدر الكلام يناقض آخره، وكيف يجوز فى العقول أن يمدحهم على وجود اللحن؟ ثم إن سيرة عثمان
فى العناية بالمصحف، وطريقته فى التحوط البالغ عند كتابة المصاحف ترد كل هذه الأباطيل، ولو فرضنا أن عثمان تساهل فى إصلاح اللحن، أفيدعه جمهور المسلمين، دون أن يصححوه، وهم الذين لا يخشون فى الحق لومة لائم؟! ولقد كانوا ينكرون على الخلفاء فيما دون هذا، فكيف يسكتون على مثل هذا؟! الحق أنها روايات متهافتة، لا تعارض الثابت فى المصاحف، المنقول نقل الجماعة عن الجماعة، حتى وصل إلينا.(1/76)
ثم إن فيما روى اضطرابا وتناقضا نجلّ الخليفة الثالث عنه، وصدر الكلام يناقض آخره، وكيف يجوز فى العقول أن يمدحهم على وجود اللحن؟ ثم إن سيرة عثمان
فى العناية بالمصحف، وطريقته فى التحوط البالغ عند كتابة المصاحف ترد كل هذه الأباطيل، ولو فرضنا أن عثمان تساهل فى إصلاح اللحن، أفيدعه جمهور المسلمين، دون أن يصححوه، وهم الذين لا يخشون فى الحق لومة لائم؟! ولقد كانوا ينكرون على الخلفاء فيما دون هذا، فكيف يسكتون على مثل هذا؟! الحق أنها روايات متهافتة، لا تعارض الثابت فى المصاحف، المنقول نقل الجماعة عن الجماعة، حتى وصل إلينا.
2 - ومن ذلك، ما قيل: إن سعيد بن جبير كان يقرأ: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ}
[النساء: 162]، ويقول: هو من لحن الكتاب.
والجواب: أن هذه الرواية إن صحت عن سعيد، فمراده باللحن اللغة، وهو أحد معانى اللحن كما فى القاموس، وغيره: من كتب اللغة، ولو كان يريد باللحن الخطأ، لما قرأ به، وكيف يقرأ بحرف يرى أنه خطأ؟! وقد قرئت هذه الكلمة بقراءتين سبعيتين: قرأ الجمهور بالنصب، وقرأ غير الجمهور بالرفع، أما الرفع فظاهر لأنه معطوف على ما قبله، وأما النصب فعلى الاختصاص للمدح لبيان فضل الصلاة ومنزلتها من شرائع الدين، أى: أخص أو أمدح المقيمين الصلاة، ولهذا الأسلوب فى لغة العرب شواهد، لا يحصيها العد، وقد عقد له سيبويه فى «الكتاب» بابا، ويعجبنى فى هذا المقام، ما قاله إمام من أئمة العربية والتفسير، وهو الإمام الزمخشرى، فى تفسيره قال: (ولا نلتفت إلى ما زعموا: من وقوعه لحنا فى خط المصحف، وربما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم فى النصب على الاختصاص، وخفى عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم فى التوراة والإنجيل، كانوا أبعد همة فى الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا فى كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقا يرفوه من يلحق بهم. ونحو هذا ألفاظ أثير حولها الطعون، وهى مخرجة على لغات فصيحة من لغات العرب، وقد شاء الله أن يكون فى القرآن لغات من غير لغة قريش لأن القرآن للعرب جميعا، لا لقريش فحسب.
3 - قالوا: روى عن ابن عباس فى قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} [النور: 27]، أنه قال: إن الكاتب أخطأ، إنما هو «تستأذنوا»، وقالوا: إن هذا يدل على أن القرآن دخله بعض التحريف والتبديل بسبب الكتابة.
والجواب: أن القول مدسوس على ابن عباس، دسه الملاحدة والزنادقة، ولا يصح هذا عنه قط، وقد تنبه أئمة التفسير إلى هذا، وزيفوه، منهم أبو حيان فى «البحر المحيط»، حيث قال: «إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك، فهو طاعن فى الإسلام، ملحد فى الدين، وابن عباس برىء من هذا القول» والزمخشرى فى تفسيره، حيث قال: «إنه لا يعول على هذه الرواية». وقال القرطبى فى تفسيره:(1/77)
3 - قالوا: روى عن ابن عباس فى قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} [النور: 27]، أنه قال: إن الكاتب أخطأ، إنما هو «تستأذنوا»، وقالوا: إن هذا يدل على أن القرآن دخله بعض التحريف والتبديل بسبب الكتابة.
والجواب: أن القول مدسوس على ابن عباس، دسه الملاحدة والزنادقة، ولا يصح هذا عنه قط، وقد تنبه أئمة التفسير إلى هذا، وزيفوه، منهم أبو حيان فى «البحر المحيط»، حيث قال: «إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك، فهو طاعن فى الإسلام، ملحد فى الدين، وابن عباس برىء من هذا القول» والزمخشرى فى تفسيره، حيث قال: «إنه لا يعول على هذه الرواية». وقال القرطبى فى تفسيره:
«وهذا غير صحيح، عن ابن عباس وغيره فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها:
{حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا}، وصح الإجماع فيها، لدى مدة عثمان فهى التى لا يجوز خلافها، وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب فى لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس» وهذه الرواية الضعيفة رواها ابن جرير، ولا يخلو إسناده من مدلس أو مضعف، ولا يخلو تفسيره من الروايات الضعيفة، والباطلة ورواها الحاكم وصححها، ولكن تصحيح الحاكم غير معتبر عند أئمة من المحدثين، وقد تعقبه الإمام الذهبى فى نحو مائة حديث فى «مستدركه»، وهى موضوعة، فضلا عما فيه من الضعيف والواهى الساقط عن الاحتجاج به.
ويرد هذه الرواية الضعيفة الذى يغلب على ظنى أنها مدسوسة عليه أنه ورد عنه تفسير «تستأنسوا» بقوله: «تستأذنوا ممن يملك الإذن من أصحابها»، فثبوت هذا يرد ما ألصق به، ولعل الراوى عن ابن عباس إن صحت روايته وهم وغلط، حيث فهم من تفسير الاستئناس بالاستئذان أنه الصواب فروى الخبر على ما ظن، وهو غالط.
وقد أجمع القراء السبعة على لفظ: «تستأنسوا»، ومن المستبعد جدا أن يقرأ ابن عباس بقراءة يكون الإجماع على خلافها، ولا سيما أنه أخذ القراءة عن زيد بن ثابت، وهو عمدة الذين جمعوا القرآن فى المصاحف، بأمر سيدنا عثمان رضى الله عنه وأيضا فالقراءة المتواترة: «تستأنسوا» متمكنة فى باب الإعجاز، من القراءة المزعومة.
وأحب أن أنبه هنا: أن بعض الصحابة، كان يقرأ الكلمة على وجه التفسير والبيان فيظن من لا يعرف الحقيقة أنها قراءة، ومن هنا دخل الخلط فى بعض المرويات عنهم.
وكذلك كل ما روى عن ابن عباس، وغيره، فى مخالفة النص القرآنى الثابت
بالتواتر والمكتوب بإجماع من الصحابة فاضرب به عرض الحائط، وألقه دبر أذنيك، فحقيقة هذه المرويات أنها ضعيفة، أو موضوعة، وعلى فرض التسليم بصحة بعضها، فالصحيح الآحادي، مهما بلغ، لا يعارض المتواتر الذى نقله جمع كثير، تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وإفادة التواتر لليقين قاعدة مقررة عند ذوى العقول، لا يختص بملة دون ملة.(1/78)
وكذلك كل ما روى عن ابن عباس، وغيره، فى مخالفة النص القرآنى الثابت
بالتواتر والمكتوب بإجماع من الصحابة فاضرب به عرض الحائط، وألقه دبر أذنيك، فحقيقة هذه المرويات أنها ضعيفة، أو موضوعة، وعلى فرض التسليم بصحة بعضها، فالصحيح الآحادي، مهما بلغ، لا يعارض المتواتر الذى نقله جمع كثير، تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وإفادة التواتر لليقين قاعدة مقررة عند ذوى العقول، لا يختص بملة دون ملة.
وبحسبنا هذا القدر، ومن أراد استيفاء لكل ما روى فى هذا، ورده ردا علميا أصيلا فليرجع إلى كتاب: «المدخل لدراسة القرآن الكريم».
وبعد: فإن هذا القرآن الكريم، كما هو فى المصاحف العثمانية، وكما هو فى مصاحفنا التى هى صورة حقيقية لها هو ما أنزله الله على نبينا، وسيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وأن كل ما يخالف هذا الذى أجمع عليه الصحابة مردود باطل، وسيبقى هذا القرآن العظيم قطب الإسلام التى تدور عليه الثقافة الإسلامية الأصيلة، ما بقى مسلم على وجه الأرض، وسيستمر مشغلة الفكر الإنسانى، وأعظم الأسس فى بناء الثقافة الإنسانية الرفيعة، وقد ضمن له الله سبحانه البقاء والخلود مصداقا لقول الحق تبارك، وتعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} [الحجر: 9] صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الأمين (1).
__________
(1) ينظر بحوث قرآنية المؤتمر السادس ص (157147).(1/79)
الكلام حول المصنف وكتابه
أولا ترجمة المصنف:
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه ونسبه:
هو عبد الواحد بن محمد بن على بن أبى السداد، أبو محمد المالكى الباهلى الأندلسى، الشهير بالمالقى نسبة إلى مدينة «مالقة» بالأندلس (1).
وإذا كانت كتب التراجم المختلفة قد ذكرت نسب مصنفنا فإنها أغفلت تماما تاريخ مولده، وسكتت عن أخبار نشأته الأولى، بيد أن الراجح لدينا أنه ولد فى نهاية القرن السادس الهجرى، يدلنا على ذلك روايته لكتاب «التيسير» لأبى عمرو الدانى والذى قام بشرحه فيما بعد عن أبى الحجاج يوسف بن إبراهيم، وأبو الحجاج هذا توفى سنة 599هـ.
تكوينه العلمى وثناء العلماء عليه:
إن البيئة العلمية الخصبة التى نشأ فيها عبد الواحد المالقى أتاحت له أن ينهل من ينابيع علمية كثيرة، أسهمت فى بناء شخصيته العلمية بناء متميزا كان خليقا أن يحمل المبرّزين من العلماء على الشهادة له والثناء عليه ثناء ينبئ عن مكانته العلمية الممتازة فى الأندلس فقال عنه أبو حيان «صاحبنا الأستاذ المقرئ النحوى» (2)، وقال عنه ابن الجزرى: «أستاذ كبير، شرح كتاب «التيسير» شرحا حسنا أفاد فيه وأجاد» (3).
أخلاقه:
شهد من ترجم للمالقى من العلماء بحسن الخلق ومحاسن الشيم إلى جانب رسوخ قدمه فى العلوم التى اشتغل بها، وبحسبنا أن نذكر قول ابن الخطيب عنه:
«كان رحمه الله بعيد المدى، منقطعا فى الدين المتين والصلاح، وسكون النفس، ولين الجانب والتواضع، وحسن الخلق، إلى وسامة الصورة وملاحة الشيبة
__________
(1) تنظر ترجمته فى: بغية الوعاة (2/ 121، 122)، غاية النهاية فى طبقات القراء (1/ 477)، الإحاطة فى أخبار غرناطة (3/ 553، 554).
(2) ينظر بغية الوعاة (2/ 122).
(3) ينظر غاية النهاية فى طبقات القراء (1/ 477).(1/80)
وطيب القراءة، مولى النعمة على الطلبة من أهل بلده، أستاذا حافلا متفننا، مضطلعا، إماما فى القراءات، حائزا فضل السبق إتقانا، وأداء ومعرفة، ورواية وتحقيقا، ماهرا فى صناعة النحو، فقيها أصوليّا، حسن التعليم، مستمر القراءة» (1)
شيوخه:
تلقى عبد الواحد المالقى العلم على طائفة من شيوخ العصر المبرّزين وعلمائه النابهين، نذكر منهم:
* أبا الحجاج يوسف بن إبراهيم بن يوسف الأنصارى بن أبى ريحانة المالكى الشهير بالميريلى، المتوفّى سنة 599هـ، وعنه روى كتاب «التيسير» لأبى عمرو الدانى.
* محمد بن أحمد بن عبيد الله بن العاصى أبا بكر التجيبى الإشبيلى المتوفى سنة 666هـ، وعنه روى المالقى كتاب «الكافى».
* أبا الوليد إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل الأزدى الغرناطى الشهير بالعطار، المتوفى سنة 668هـ. وعنه روى المالقى كتاب «التبصرة» بالإجازة.
* القاضى الخطيب أبا على الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبى الأحوص، الأستاذ المجود أبا على الجيانى الأندلسى الفهرى المعروف بابن الناظر، قاضى «المرية» و «مالقة»، المتوفى سنة 680هـ، وعنه روى «الشاطبية».
* القاسم بن أحمد بن حسن أبا القاسم الحجرى الشهير بالسكونى المتوفى سنة 690هـ.
تلاميذه:
تلمذ لعبد الواحد المالقى عدد غير قليل من الطلاب النابهين، نذكر منهم:
* أحمد بن الحسن بن على بن الزيات الكلاعى المالقى، ويعرف بالزيات أبى جعفر، وهو مقرئ أديب خطيب متصوف. توفى سنة 728هـ، ومن مؤلفاته «المقام المخزون فى الكلام الموزون»، و «العقيدة» المسماة ب «الشرف الأصفى فى المأرب الأوفى»، و «لذة السمع فى القراءات السبع».
__________
(1) ينظر الإحاطة فى أخبار غرناطة (3/ 553)، بغية الوعاة (2/ 121).(1/81)
* محمد بن عبد الله بن منظور القيسى أبا بكر، أديب ناظم ناثر، من آثاره:
«نفحات الشوك وعيون التبر المسبوك فى أشعار الخلفاء والوزراء والملوك»، «السحب الداكنة»، «إحصاء الأخلاق».
كتبه وآثاره العلمية:
تخبرنا كتب التراجم المختلفة أن للمالقى مصنفات أخرى فى الفقه والقراءات والقرآن، غير كتابه «الدر النثير والعذب النمير» بيد أنها تكتفى بهذه الإشارة العارضة دون أن تذكر لنا أسماءها وعناوينها وما تشتمل عليه، فمن ذلك مثلا ما قاله ابن الخطيب: شرح «التيسير» فى القراءات، وله تواليف غيره فى القراءات والفقه» (1)، وقال السيوطى: شرح «التيسير» فى القراءات، وله غير ذلك فى القراءات والفقه» (2).
نستنبط مما سبق أن كتاب «الدر النثير والعذب النمير» هو الكتاب الوحيد الذى نعرفه للمالقى.
وفاته:
أجمعت كتب التراجم المختلفة التى ترجمت لابن أبى السداد المالقى أنه توفى سنة 705هـ.
__________
(1) ينظر: الإحاطة فى أخبار غرناطة (3/ 554).
(2) ينظر: بغية الوعاة (2/ 121).(1/82)
أبو عمرو الدانى (1)
الإمام الحافظ، المجود المقرئ، الحاذق، عالم الأندلس، أبو عمرو، عثمان ابن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموى، مولاهم الأندلسى، القرطبي ثم الدانى، ويعرف قديما بابن الصيرفى، مصنف «التيسير» و «جامع البيان»، وغير ذلك.
ذكر أن والده أخبره أن مولدى في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وقال عن طلبه للعلم: فابتدأت بطلب العلم فى أول سنة ست وثمانين، ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين، فمكثت بالقيروان أربعة أشهر، ثم توجهت إلى مصر، فدخلتها فى شوال من السنة، فمكثت بها سنة وحججت.
قال: ورجعت إلى الأندلس فى ذى القعدة سنة تسع، وخرجت إلى الثغر فى سنة ثلاث وأربعمائة، فسكنت سرقسطة سبعة أعوام، ثم رجعت إلى قرطبة.
قال: وقدمت دانية سنة سبع عشرة وأربعمائة.
قال الذهبى: فسكنها حتى مات.
سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب، صاحب البغوى، وهو أكبر شيخ له، وأحمد بن فراس المكى، وعبد الرحمن بن عثمان القشيرى الزاهد، وعبد العزيز ابن جعفر بن خواستى الفارسى، نزيل الأندلس، وخلف بن إبراهيم بن خاقان المصرى، وتلا عليهما، وحاتم بن عبد الله البزاز، وأحمد بن فتح بن الرسّان، ومحمد بن خليفة بن عبد الجبار، وأحمد بن عمر بن محفوظ الجيزى، وسلمة ابن سعيد الإمام، وسلمون بن داود القروى، وأبا محمد بن النحاس المصرى، وعلى بن محمد بن بشير الربعى، وعبد الوهاب بن أحمد بن منير، ومحمد ابن عبد الله بن عيسى الأندلسى، وأبا عبد الله بن أبى زمنين، وأبا الحسن على ابن محمد القابسى، وعدة.
وتلا أيضا على أبى الحسن طاهر بن غلبون، وأبى الفتح فارس بن أحمد الضرير، وسمع سبعة ابن مجاهد من أبى مسلم الكاتب بسماعه منه، وصنف التصانيف المتقنة السائرة.
حدث عنه وقرأ عليه عدد كثير، منهم: ولده أبو العباس، وأبو داود سليمان ابن أبى القاسم نجاح، وأبو الحسن على بن عبد الرحمن بن الدّش، وأبو الحسين يحيى ابن أبى زيد بن البياز، وأبو الذواد مفرج الإقبالى، وأبو بكر محمد بن المفرج
__________
(1) عن سير أعلام النبلاء (18/ 77، 83)، وينظر معرفة القراء الكبار (1/ 325)، وغاية النهاية (1/ 503).(1/83)
البطليوسى، وأبو بكر بن الفصيح، وأبو عبد الله محمد بن مزاحم، وأبو على الحسين بن محمد بن مبشر، وأبو القاسم خلف بن إبراهيم الطليطلى، وأبو عبد الله محمد بن فرج المغامى، وأبو إسحاق إبراهيم بن على، نزيل الإسكندرية، وأبو القاسم بن العربى، وأبو عبد الله محمد بن عيسى بن الفرج التجيبى المغامى، وأبو تمام غالب بن عبيد الله القيسى، ومحمد بن أحمد بن سعود الدانى، وخلف ابن محمد المريى بن العريبى، وخلق كثير.
وروى عنه بالإجازة: أحمد بن محمد الخولانى، وأبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبى جمرة المرسى، خاتمة من روى عنه فى الدنيا، وعاش بعده سبعا وثمانين سنة، وهذا نادر ولا سيما فى المغرب.
قال المغامى: كان أبو عمرو مجاب الدعوة، مالكى المذهب.
وقال الحميدى: هو محدث مكثر، ومقرئ متقدم، سمع بالأندلس والمشرق.
قلت: المشرق فى عرف المغاربة مصر وما بعدها من الشام والعراق، وغير ذلك، كما أن المغرب فى عرف العجم وأهل العراق أيضا مصر، وما تغرب عنها.
قال أبو القاسم بن بشكوال: كان أبو عمرو أحد الأئمة فى علم القرآن رواياته وتفسيره ومعانيه، وطرقه وإعرابه، وجمع فى ذلك كله تواليف حسانا مفيدة، وله معرفة بالحديث وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته، وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الذكاء والحفظ، والتفنن فى العلم، دينا فاضلا، ورعا سنيا.
وفي فهرس ابن عبيد الله الحجرى قال: والحافظ أبو عمرو الدانى، قال بعض الشيوخ: لم يكن فى عصره ولا بعد عصره أحد يضاهيه فى حفظه وتحقيقه، وكان يقول: ما رأيت شيئا قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا وحفظته، ولا حفظته فنسيته. وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام السلف، فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها.
قال الذهبى: إلى أبى عمرو المنتهى فى تحرير علم القراءات، وعلم المصاحف، مع البراعة فى علم الحديث والتفسير والنحو، وغير ذلك.
ألف كتاب «جامع البيان فى السبع» ثلاثة أسفار فى مشهورها وغريبها، وكتاب «التيسير»، وكتاب «الاقتصاد» فى السبع، و «إيجاز البيان» فى قراءة ورش، و «التلخيص» فى قراءة ورش أيضا، و «المقنع» فى الرسم، وكتاب «المحتوى فى القراءات الشواذ»، فأدخل فيها قراءة يعقوب وأبى جعفر، وكتاب «طبقات القراء» فى
مجلدات، و «الأرجوزة فى أصول الديانة»، وكتاب «الوقف والابتداء»، وكتاب «العدد» وكتاب «التمهيد فى حرف نافع» مجلدان، وكتاب «اللامات والراءات» لورش، وكتاب «الفتن الكائنة»، مجلد يدل على تبحره فى الحديث، وكتاب «الهمزتين» مجلد، وكتاب «الياءات» مجلد، وكتاب «الإمالة لابن العلاء» مجلد.(1/84)
ألف كتاب «جامع البيان فى السبع» ثلاثة أسفار فى مشهورها وغريبها، وكتاب «التيسير»، وكتاب «الاقتصاد» فى السبع، و «إيجاز البيان» فى قراءة ورش، و «التلخيص» فى قراءة ورش أيضا، و «المقنع» فى الرسم، وكتاب «المحتوى فى القراءات الشواذ»، فأدخل فيها قراءة يعقوب وأبى جعفر، وكتاب «طبقات القراء» فى
مجلدات، و «الأرجوزة فى أصول الديانة»، وكتاب «الوقف والابتداء»، وكتاب «العدد» وكتاب «التمهيد فى حرف نافع» مجلدان، وكتاب «اللامات والراءات» لورش، وكتاب «الفتن الكائنة»، مجلد يدل على تبحره فى الحديث، وكتاب «الهمزتين» مجلد، وكتاب «الياءات» مجلد، وكتاب «الإمالة لابن العلاء» مجلد.
وله تواليف كثيرة صغار فى جزء وجزءين.
وقد كان بين أبى عمرو، وبين أبى محمد بن حزم وحشة ومنافرة شديدة، أفضت بهما إلى التهاجى، وهذا مذموم من الأقران، موفور الوجود. نسأل الله الصفح.
وأبو عمرو أقوم قيلا، وأتبع للسنة، ولكن أبا محمد أوسع دائرة فى العلوم.
بلغت تواليف أبى عمرو مائة وعشرين كتابا.
وهو القائل فى أرجوزته السائرة:
تدرى أخى أين طريق الجنة ... طريقها القرآن ثم السنه
كلاهما ببلد الرسول ... وموطن الأصحاب خير جيل
فاتّبعن جماعة المدينة ... فالعلم عن نبيهم يروونه
وهم فحجة على سواهم ... فى النقل والقول وفى فتواهم
واعتمدن على الإمام مالك ... إذ قد حوى على جميع ذلك
فى الفقه والفتوى إليه المنتهى ... وصحة النقل وعلم من مضى
ومنها:
وحكّ ما تجد للقياس ... داود فى دفتر أو قرطاس
من قوله إذ خرق الإجماعا ... وفارق الأصحاب والأتباعا
واطرح الأهواء والمراء ... وكل قول ولد الآراء
ومنها:
ومن عقود السنة الإيمان ... بكل ما جاء به القرآن
وبالحديث المسند المروى ... عن الأئمة عن النبى
وأن ربنا قديم لم يزل ... وهو دائم إلى غير أجل
ومنها:
كلم موسى عبده تكليما ... ولم يزل مدبرا حكيما
كلامه وقوله قديم ... وهو فوق عرشه العظيم
والقول فى كتابه المفصل ... بأنه كلامه المنزل
على رسوله النبى الصادق ... ليس بمخلوق ولا بخالق
من قال فيه: إنه مخلوق ... أو محدث فقوله مروق
والوقف فيه بدعة مضله ... ومثل ذاك اللفظ عند الجلّه
كلا الفريقين من الجهمية ... الواقفون فيه واللفظية
أهون بقول جهم الخسيس ... وواصل وبشر المريسى
ذى السخف والجهل وذى العناد ... معمر وابن أبى دؤاد
وابن عبيد شيخ الاعتزال ... وشارع البدعة والضلال
والجاحظ القادح فى الإسلام ... وجبت هذى الأمة النظّام
والفاسق المعروف بالجبّائى ... ونجله السفيه ذى الخناء
واللاحقى وأبى هذيل ... مؤيدى الكفر بكل ويل
وذى العمى ضرار المرتاب ... وشبههم من أهل الارتياب
وبعد فالإيمان قول وعمل ... ونية عن ذاك ليس ينفصل
فتارة يزيد بالتشمير ... وتارة ينقص بالتقصير
وحب أصحاب النبى فرض ... ومدحهم تزلف وفرض
وأفضل الصحابة الصدّيق ... وبعده المهذب الفاروق
ومنها:(1/85)
كلم موسى عبده تكليما ... ولم يزل مدبرا حكيما
كلامه وقوله قديم ... وهو فوق عرشه العظيم
والقول فى كتابه المفصل ... بأنه كلامه المنزل
على رسوله النبى الصادق ... ليس بمخلوق ولا بخالق
من قال فيه: إنه مخلوق ... أو محدث فقوله مروق
والوقف فيه بدعة مضله ... ومثل ذاك اللفظ عند الجلّه
كلا الفريقين من الجهمية ... الواقفون فيه واللفظية
أهون بقول جهم الخسيس ... وواصل وبشر المريسى
ذى السخف والجهل وذى العناد ... معمر وابن أبى دؤاد
وابن عبيد شيخ الاعتزال ... وشارع البدعة والضلال
والجاحظ القادح فى الإسلام ... وجبت هذى الأمة النظّام
والفاسق المعروف بالجبّائى ... ونجله السفيه ذى الخناء
واللاحقى وأبى هذيل ... مؤيدى الكفر بكل ويل
وذى العمى ضرار المرتاب ... وشبههم من أهل الارتياب
وبعد فالإيمان قول وعمل ... ونية عن ذاك ليس ينفصل
فتارة يزيد بالتشمير ... وتارة ينقص بالتقصير
وحب أصحاب النبى فرض ... ومدحهم تزلف وفرض
وأفضل الصحابة الصدّيق ... وبعده المهذب الفاروق
ومنها:
ومن صحيح ما أتى به الخبر ... وشاع فى الناس قديما وانتشر
نزول ربنا بلا امتراء ... فى كل ليلة إلى السماء
من غير ما حد ولا تكييف ... سبحانه من قادر لطيف
ورؤية المهيمن الجبار ... وأننا نراه بالأبصار
يوم القيامة بلا ازدحام ... كرؤية البدر بلا غمام
وضغطة القبر على المقبور ... وفتنة المنكر والنكير
فالحمد لله الذى هدانا ... لواضح السنة واجتبانا
وهي أرجوزة طويلة جدا.
مات أبو عمرو منتصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن ليومه بعد العصر بمقبرة دانية، ومشى سلطان البلد أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم، رحمه الله تعالى.(1/86)
مات أبو عمرو منتصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن ليومه بعد العصر بمقبرة دانية، ومشى سلطان البلد أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم، رحمه الله تعالى.
ثانيا مصادر عبد الواحد المالقى فى شرحه «الدر النثير»
اولا المصادر الاولية
إن من يطالع ترجمة عبد الواحد المالقى فى مظانها يره عالما موسوعيا قد ضرب فى كل علم بسهم، وأخذ من كل فن بطرف، جاريا فى ذلك على عادة العلماء الأقدمين من حيث كثافة التكوين العلمى وغزارة المحصول المعرفى، وحسبنا دليلا على تلك الموسوعية ما خلفه من مصنفات فى الفقه والقراءات والقرآن كما تذكر مصادر ترجمته لم يصل إلينا منها سوى كتابه الذى بين أيدينا «الدر النثير والعذب النمير فى شرح كتاب التيسير».
ومن الأمور التى لا تحتاج إلى طويل جدال ومنازعة أن يتأثر العالم بتكوينه الأول، وتظهر فى مؤلفاته آيات ثقافته وأمارات نشأته العلمية إما ثراء واتساعا، وإما فقرا وضيقا، ولم يشذ شيخنا عبد الواحد المالقى فى كتابه عن هذا السنن العلمى الذى غدا بمثابة البديهية التى يعرفها كل مشتغل بالعلوم والآداب، فلا غرو أن تنوعت مصادر ابن أبى السداد، وتعددت موارده التى بنى عليها شرحه واستقى منها مادته العلمية، فهى تارة كتب للقراءات وتارة أخرى كتب للنحو واللغة.
وطبيعى أن تتفاوت قيمة هذه المصادر بالنسبة للمالقى، وتتباين مرتبتها لديه تقديما وتأخيرا، فيكثر اعتماده على مصادر تكون من شرحه بمثابة الأصول أو الموارد الرئيسية، فى حين يقل تعويله على كتب أخرى لأنها تمثل لديه مصادر ثانوية ليس معقولا أن يكثر رجوعه إليها.
ويأتي فى مقدمة مصادره الرئيسية أو الأصول:
1 - القرآن الكريم، وهو أمر تقتضيه طبيعة العلم الذى يصنف فيه وهو علم القراءات.
2 - أما كتب القراءات التى أكثر من الرجوع إليها والأخذ عنها فقد أشار إليها فى مقدمته حيث يقول:
«فدونك زيّا من الدر النثير، وريا من العذب النمير، في شرح مشكلات وقيد مهملات، وحل مغلقات، اشتمل عليها كتاب «التيسير»، متبعا بالموافقة والمخالفة على الأسلوب الوافى بين كتاب «التبصرة» والكتاب «الكافى»».
إذن فثمة مصادر ثلاثة رئيسية أكثر المالقى من الرجوع إليها فى شرحه، وهى:
أكتاب «التيسير» فى القراءات السبع لأبى عمرو عثمان بن سعيد الدانى (المتوفى سنة 444هـ).(1/87)
إذن فثمة مصادر ثلاثة رئيسية أكثر المالقى من الرجوع إليها فى شرحه، وهى:
أكتاب «التيسير» فى القراءات السبع لأبى عمرو عثمان بن سعيد الدانى (المتوفى سنة 444هـ).
ب كتاب «التبصرة» لأبى محمد مكى بن أبى طالب القيسى (المتوفى سنة 437هـ).
ج كتاب «الكافى» لأبى عبد الله محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح الرعينى (المتوفى سنة 476هـ).
ولا عجب أن يمثل كتاب التيسير لأبى عمرو الدانى الأساس الأول لكتاب ابن أبى السداد إذ هو شرح له وتوضيح لمشكله وبيان لغامضه.
وثمة كتب أخرى لأبى عمرو الدانى رجع إليها عبد الواحد المالقى في شرحه وهى:
كتاب «إيجاز البيان فى قراءة ورش».
كتاب «جامع البيان».
كتاب «المقنع فى معرفة رسم مصاحف الأمصار».
كتاب «التحبير».
أما كتاب «التبصرة» الذى استعان به المالقى فى شرحه «التيسير» فهو فقد اعتمد به على توضيح بعض مشكلات كتاب «التيسير».
وأما كتاب «الكافى» فقد عول عليه فى توضيح بعض المسائل التى قد يصعب فهمها واستيعابها من كتاب «التيسير»، مع عقد موازنة بينه وبين ما جاء فى كتابى «التيسير» للدانى و «التبصرة» لمكى بن أبى طالب مع الترجيح والتعليل.
3 - ولم يغفل عبد الواحد المالقى الإفادة من كتب اللغة إذ الرحم موصولة بينها وبين علم القراءات، ويعد كتاب سيبويه فى مقدمة الكتب اللغوية التى اعتمد عليها فى توضيح الظواهر اللغوية التى عالجها فى شرحه.
ومن الكتب اللغوية التى لجأ إليها المالقى أيضا:
كتاب «العين» للخليل بن أحمد، وهو معجم كان يرجع إليه لتفسير الألفاظ وبيان معانيها واشتقاقاتها.
كتاب «معانى القرآن» لأبى زكريا يحيى الفراء.
كتاب «الاقتضاب فى شرح أدب الكتاب» لابن السّيد البطليوسى.(1/88)
كتاب «الاقتضاب فى شرح أدب الكتاب» لابن السّيد البطليوسى.
ثانيا المصادر الثانوية:
ويقصد بها تلك المصادر التى لم يكثر المالقى من الرجوع إليها والإفادة منها، وهى مصادر تنتمى إلى علوم شتى:
فمن المصادر الثانوية التى اعتمدها من كتب القراءات وأكثرها للدانى:
«الإيضاح» لأبى عمرو الدانى.
«التفصيل» لأبى عمرو الدانى.
«التمهيد لاختلاف قراءة نافع» لأبى عمرو الدانى.
«الروضة» لأبى العباس محمد بن يعقوب المعروف بالمعدل (ت 330هـ).
كتاب «شرح الهداية» لأبى العباس أحمد بن عمار المهدوى (ت 430هـ).
وكذلك استعان المالقى ببعض كتب من علم الحديث، منها: صحيح البخارى، سنن أبى داود، سنن الترمذى، المستدرك للحاكم.
ثالثا المنهج المتبع:
سبق أن أشرنا إلى أن ابن أبى السداد قد أفاد فيما يتصل بمادة شرحه ومصادره العلمية من كتب القراءات الأخرى وهى ليست بالقليلة وألمحنا إلى أهم هذه المصنفات التى اعتمد عليها، وأما فيما يتصل بالمنهج الذى احتذاه وبنى كتابه على مثاله فهو ثمرة إدمان النظر فى هذه الكتب والتوسع فى درسها وفهمها.
ونظن أن ابن أبى السداد قد أراد من خلال انتقائه لكتاب «التيسير» للدانى ليقوم بشرحه قد أراد أن ينزل هذا الكتاب منزله اللائق به بين كتب علم القراءات، وأن يتدارك النقص الذى لحقه فى شروح من سبقوه، ولعله أدرك أن علة النقص فى هذه الشروح تكمن فى المنهج الذى سلكه أصحابها، فرام المالقى أن يبتدع فى شرحه منهجا يتحاشى فيه مثالب المناهج السابقة عليه وعيوبها، وفى الوقت نفسه ينتفع بما عسى أن تشتمل عليه من مزايا وجوانب إيجابية.
أتقسيم الكتاب وترتيبه:
قام المالقى بتقسيم كتابه إلى أبواب متبعا فى ذلك أبا عمرو الدانى فى «التيسير» على النحو التالى: باب الاستعاذة، باب البسملة، باب الإدغام الكبير، باب هاء الكناية إلخ.
وقد أوضح المالقى فى فصل عقده لذلك أسماه «تهذيب ترتيب التبويب» قبل باب
«فرش الحروف» السبب فى اتباع أبى عمرو هذا الترتيب.(1/89)
وقد أوضح المالقى فى فصل عقده لذلك أسماه «تهذيب ترتيب التبويب» قبل باب
«فرش الحروف» السبب فى اتباع أبى عمرو هذا الترتيب.
ب أسلوب المالقى فى الشرح والتفسير:
* لا يختلف المالقى كثيرا فى طريقة شرحه عن كتّاب الشروح الآخرين إذ نجده يبدأ بذكر النص المشروح من كتاب «التيسير» ثم يشفعه بالشرح والتعليق والتحليل والغالب ألا يكمل النقل عن «التيسير» مكتفيا بقوله مثلا: إلخ كلامه.
* اتبع المالقى فى شرحه الأسلوب المقارن حيث يذكر من كلام مكى ابن أبى طالب صاحب كتاب «التبصرة» ومن كلام ابن شريح صاحب كتاب «الكافى» ما يبرز أوجه الاختلاف والاتفاق بين هذين الكتابين وبين كتاب «التيسير» للحافظ أبى عمرو الدانى.
* اعتمد المالقى فى نقوله من كتاب «التيسير» على نسخ متعددة منه حتى يضمن لشرحه الضبط والدقة، من خلال تحقيق النص المنقول بمقارنته بالنسخ المختلفة.
* ومما يرتبط بحرصه على تحقيق الدقة والأمانة لشرحه، التزم المالقى فى الأعم الأغلب من شرحه بذكر أسماء اللغويين والنحويين وعلماء القراءات الذين ينقل عنهم.
ميز المالقى استدراكاته على الدانى أحيانا حيث جعلها فى آخر الباب تحت عنوان «تنبيه» أو «تتميم»، فلا غرو أن برزت شخصيته العلمية قوية واضحة، لم تغب قسماتها خلف النقول الكثيرة التى ضمنها كتابه.
* اشتمل كتاب المالقى على شواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، وأشعار العرب وأمثالهم، وذلك رغبة منه فى تأكيد المادة العلمية التى يوردها وتوضيحها بالأمثلة الدالة.
وللمالقى طريقة مخصوصة فى الاستشهاد، فهو يستشهد بالقرآن الكريم لتوضيح أو تأكيد الأحكام النحوية التى يوردها.
وكذلك فقد استشهد بالشعر لتأكيد المسائل اللغوية وتوثيقها، وسلك فى الاستشهاد به مسلك العلماء الأقدمين، فنراه يستشهد بأشعار الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين الأوائل دون المولدين.
أما الأمثال وأقوال العرب المأثورة فيندر جدّا استشهاده بها فى كتابه، وحسبنا دليلا أنه لم يستشهد سوى بمثل واحد فى كتابه كله.(1/90)
أما الأمثال وأقوال العرب المأثورة فيندر جدّا استشهاده بها فى كتابه، وحسبنا دليلا أنه لم يستشهد سوى بمثل واحد فى كتابه كله.
وصف النسخ
النسخة الأولى: محفوظة فى مكتبة الأزهر تحت رقم 22277قراءات، وتقع فى مجلد واحد.
وعدد أوراقها (111) ورقة ومسطرتها (26) سطرا، ورمزنا لها بالرمز (أ).
النسخة الثانية: محفوظة فى مكتبة دار الكتب المصرية، وتقع فى مجلد واحد تحت رقم 235تفسير تيمور، وعدد أوراقها (135) ورقة، ومسطرتها (23) سطرا، ورمزنا لها بالحرف (ب).
ثم قمنا فى التحقيق بعمل الآتى:
1 - نسخ المخطوط.
2 - مقابلة النسخ لضبط النص وإثبات فروق النسخ.
3 - عزو الآيات القرآنية وتخريج القراءات من كتبها ومظانها.
4 - التعليق على بعض القراءات وتوجيهها نحويا وصرفيا وبيان بعض عللها.
5 - تخريج الأحاديث النبوية.
6 - ترجمة للأعلام والقراء الواردين فى الكتاب.
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)(1/91)
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)(1/93)
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)(1/94)
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)(1/95)
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)(1/96)
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)(1/97)
7 - عمل مقدمة وفهارس.
صورة من المخطوط (أ)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
صورة من المخطوط (ب)
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام الفقيه الأجل الخطيب المقرئ المحقق الفاضل الأوحد، أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن على بن أبى السداد الأموى المالقى رحمه الله ورضى عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الحكيم الخبير، العليم القدير، العلى الكبير، المنفرد بجميل التقدير، فى جميع التدبير، غنى بقدرته الغالبة وحكمته البالغة عن معين ومشير، {الَّذِي أَعْطى ََ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ََ} [طه: 50]، وخلق الإنسان فعلمه القرآن، وعلمه بالقلم وعلمه البيان، ولم يخلقه عبثا، ولا تركه سدى، وأمتعه بالسمع والبصر والفؤاد لعله يتذكر ويتبع الهدى، وأفهمه وألهمه ليعمل رشدا بما علمه رشدا فيحظى ويرضى بعيش قرير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مبدع التكوين والتلوين، ومبدئ الآباء والبنين فى رتب التطوير بخلع التصوير فلا مساوى ولا مسامى ولا مساهم ولا مزاحم ولا مضاهى ولا نظير، ولا مظاهر ولا ظهير.
وأشهد أن خاتم النبيين ورحمة [الله] للعالمين هو نبينا محمد البشير النذير، السراج المنير، المؤيد بالنصر العزيز، والرعب الهزيز، القائم بين يدى ربه تبارك وتعالى بالخشوع والأزيز، فى ظلم الدياجى، المفضل بالشفاعة الكبرى فى مجمع الدار الأخرى، فى اليوم العبوس القمطرير، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وذريته ما ائتلف الإيمان والأمان واختلف الظلام والتنوير، وبارك وسلّم وشرّف وكرم.
وبعد هذا الوصف المنصوص، والقائم باليقين والخلوص، الشاهد على العبودية بالعموم وللربوبية بالخصوص، أزهى من الزهر العطير، وأنزه من الروض المطير، فدونك زيّا من الدر النثير، وريّا من العذب النمير، فى شرح مشكلات، وقيد مهملات، وحل معقدات اشتمل عليها كتاب «التيسير»، متبعا بالموافقة والمخالفة على الأسلوب الوافى، فيما بينه وبين كتاب «التبصرة» والكتاب «الكافى»، إلى كلام من غيرهما دعت إليه ضرورة التفسير، وقبل الحلول بهذا الناد، والاعتماد على طرق الإسناد، الموصل إلى هذه الكتب صدعا بالسداد وقطعا للنكير، ولما أنعم المولى به وكمل، وأبلغ العبد منه المرتضى والأمل دفعت به إلى باب من {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] يرفعه صالح العمل، وناديت معترفا بالتقصير:(1/99)
وبعد هذا الوصف المنصوص، والقائم باليقين والخلوص، الشاهد على العبودية بالعموم وللربوبية بالخصوص، أزهى من الزهر العطير، وأنزه من الروض المطير، فدونك زيّا من الدر النثير، وريّا من العذب النمير، فى شرح مشكلات، وقيد مهملات، وحل معقدات اشتمل عليها كتاب «التيسير»، متبعا بالموافقة والمخالفة على الأسلوب الوافى، فيما بينه وبين كتاب «التبصرة» والكتاب «الكافى»، إلى كلام من غيرهما دعت إليه ضرورة التفسير، وقبل الحلول بهذا الناد، والاعتماد على طرق الإسناد، الموصل إلى هذه الكتب صدعا بالسداد وقطعا للنكير، ولما أنعم المولى به وكمل، وأبلغ العبد منه المرتضى والأمل دفعت به إلى باب من {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] يرفعه صالح العمل، وناديت معترفا بالتقصير:
وقفت بباب الله جل جلاله ... لأحظى بتوفيق ينير هلاله
وقلت إلهى نجّنى وأحلّنى ... بمقعد صدق لا يخاف خلاله
بمنزل رضوان به كل مشتهى ... وللعين لذات ظليل ظلاله
وأتمم علىّ الفضل بالنظر الذى ... تخصّ به من تستقيم خلاله
وعمّ جميع المسلمين بمثله ... وذا رحم حقّ عطىّ بلاله
قائلا بلسان ناطق، وإيمان بتوفيق الله تبارك وتعالى صادق، وجنان على ذلك موافق، وبإحسان الرحمن واثق: اللهم منك وإليك، العبد بين يديك، لا أحصى ثناء عليك، {غُفْرََانَكَ رَبَّنََا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]. أستغفر الله العظيم لذنبى، كما أمرنى ربى، وأستغفره للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وجميع من هو آت من كل ذنب صغير أو كبير. اللهم أوزعنا شكر العافية ودوامها، وذكر النعم وتمامها، وقنا عذاب النار وغرامها، واجعلنا لزمر المتقين إمامها، يا نعم المولى ويا نعم النصير، والله سبحانه الموفق المعين للضارع المستعين، إنه بالإحسان جدير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
الإسناد:
أما كتاب «التيسير» فحدثنى به الشيخ أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد الأنصارى البلنسى بن مشليون إجازة، أخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الملك ابن أبى جمرة المرسى عن أبيه عن الحافظ أبى عمرو عثمان بن سعيد الدانى مؤلفه.
وسمعته من لفظ الأستاذ الجليل أبى جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفى، وقال لى: قرأته على أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصارى ابن جوبر قال: قرأته على القاضى أبى بكر بن أبى جمرة المذكور عن أبيه سماعا عن الحافظ أبى عمرو إجازة.
وقرأت جميعه على الخطيب أبى الحجاج يوسف بن إبراهيم بن يوسف الأنصارى ابن أبى ريحانة، وقال لى: قرأت بعضه وسمعت باقيه على الحاج أبى بكر عتيق ابن على بن خلف الأموى المربيطرى، عن أبى الحسن بن النعمة قراءة، وعن أبى الحسن بن هذيل إجازة:
أما ابن النعمة فعن أبى عبد الله محمد بن باسة الزهرى عن أبى القاسم خلف
ابن إبراهيم الطليطلى عن أبى عمرو.(1/100)
أما ابن النعمة فعن أبى عبد الله محمد بن باسة الزهرى عن أبى القاسم خلف
ابن إبراهيم الطليطلى عن أبى عمرو.
وأما ابن هذيل فعن أبى داود عن أبى عمرو.
وسمعت جميعه بقراءة شيخنا أبى جعفر بن الزبير على الشيخ أبى عمر عبد الرحمن ابن الشيخ القاضى الراوية أبى عبد الله محمد بن داود بن سليمان ابن حوط الله الأنصارى الحارثى.
وحدثنى به أبو عمر عن القاضى أبى بكر بن أبى جمرة بسنده إجازة، ثم عن القاضى أبى الخطاب أحمد بن محمد بن واجب قراءة، عن ابن هذيل قراءة، عن أبى داود عن أبى عمرو.
وسمعته على الشيخ القاضى الخطيب أبى على الحسن بن عبد العزيز بن محمد ابن أبى الأحوص الفهرى، وقال لى: قرأته على الخطيب أبى بكر محمد بن محمد ابن وضاح اللخمى، وعلى القاضى أبى عامر نذير بن وهب بن لب بن نذير القمقى، كلاهما عن ابن هذيل عن أبى داود عن أبى عمرو.
وقرأت جميعه على الشيخ القاضى أبى القاسم قاسم بن أحمد بن حسن الحجرى الشهير بالسكوت، وقال لى: قرأته على الشيخ المحدث أبى محمد عبد الله ابن عبد العظيم الزهرى عن العالم أبى القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن الخثعمى السهيلى عن أبى داود سليمان بن يحيى بن سعيد عن أبى داود سليمان ابن نجاح عن أبى عمرو.
وحدثنى به أيضا أبو القاسم السكوت عن الأستاذ أبى بكر عبد الرحمن بن دخمان، سماعا عن عمه الأستاذ الكبير أبى محمد القاسم بن دخمان عن أبى مروان ابن مجير الضرير عن أبى عبد الله بن مزاحم الأنصارى عن أبى عمرو. وأما كتاب «التبصرة»: فحدثنى به الشيخ الراوية: أبو الوليد إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل الأزدى الغرناطى الشهير بالعطار (1) إجازة، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن [عبد الله] (2)
__________
(1) إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو الوليد الأزدى الغرناطى العطار، مقرئ مصدر، قرأ بالروايات على ابن حسنون صاحب شريح، وعلى أبى بكر عبد الله بن عطية المحاربى، قرأ عليه أبو جعفر بن الزبير، وروى عنه كتاب التبصرة وغيره بالإجازة: عبد الواحد بن محمد ابن أبى السداد، مات سنة ثمان وستين وستمائة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 170).
(2) سقط فى ب.(1/101)
ابن عطية المحاربي (1)، أخبرنا ابن عتاب (2) عن مؤلفه الشيخ أبى محمد مكي (3).
__________
(1) عبد الله بن عطية، أبو بكر المحاربى، روى التبصرة، روى عن ابن عتاب، رواها عنه إسماعيل بن عثمان بن إسماعيل الأزدى.
ينظر: غاية النهاية (1/ 433).
(2) الشيخ العلامة، المحدث الصدوق، مسند الأندلس، أبو محمد، عبد الرحمن ابن المحدث محمد بن عتاب بن محسن القرطبى. ولد سنة 433هـ، سمع من أبيه فأكثر، وحاتم ابن محمد الطرابلسى، وطائفة.
وتلا بالسبع على عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرئ، وأجاز له مكى ابن أبى طالب، ومحمد بن عبد الله بن عابد، وعبد الله بن سعيد الشنتجالى، وأبو عمرو السفاقسى، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو حفص بن الزهراوى.
قال خلف بن بشكوال: هو آخر الشيوخ الجلة الأكابر بالأندلس فى علو الإسناد، وسعة الرواية. سمع معظم ما عند أبيه، وكان عارفا بالطرق، واقفا على كثير من التفسير والغريب والمعانى، مع حظ وافر من العربية، وتفقه عند أبيه، وشوور فى الأحكام بقية عمره، وكان صدرا فيمن يستفتى لسنه وتقدمه، وكان من أهل الفضل والحلم والوقار والتواضع، وجمع كتابا حفيلا فى الزهد والرقائق، سماه شفاء الصدور، وكانت الرحلة إليه فى وقته، وكان صابرا للطلبة، مواظبا على الإسماع، يجلس لهم النهار كله، وبين العشاءين، سمع منه الآباء والأبناء. مات فى جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (19/ 515514)، وشذرات الذهب (4/ 161)، وهدية العارفين (1/ 518).
(3) العلامة المقرئ، أبو محمد، مكى بن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار، القيسى القيروانى، ثم القرطبى، صاحب التصانيف. ولد بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
وأخذ عن: ابن أبى زيد، وأبى الحسن القابسى.
وتلا بمصر على أبى عدى ابن الإمام، وأبى الطيب بن غلبون، وولد طاهر، وسمع من محمد بن على الأدفوي، وأحمد بن فراس المكى، وعدة، تلا عليه خلق منهم: عبد الله ابن سهل، ومحمد بن أحمد بن مطرف، وروى عنه بالإجازة: أبو محمد بن عتاب، وكان من أوعية العلم مع الدين والسكينة والفهم، ارتحل مرتين، الأولى فى سنة ست وسبعين.
وقال صاحبه أبو عمر أحمد بن مهدى المقرئ: أخبرنى مكى أنه سافر إلى مصر وله ثلاث عشرة سنة، واشتغل، ثم رحل سنة ست وسبعين، وأنه جاور ثلاثة أعوام، ودخل الأندلس فى سنة ثلاث وتسعين، وأقرأ بجامع قرطبة، وعظم اسمه، وبعد صيته.
قال ابن بشكوال: قلده أبو الحزم جهور خطابة قرطبة بعد يونس بن عبد الله، وقد ناب عن يونس.
قال: وله ثمانون مصنفا، وكان خيرا متدينا، مشهورا بإجابة الدعوة، دعا على رجل كان يؤذيه ويسخر به إذا خطب، فزمن الرجل. وتوفى فى المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (17/ 593591)، ومعرفة القراء الكبار (1/ 317316)، وغاية النهاية (2/ 310309)، وشذرات الذهب (3/ 260).(1/102)
وقرأت جميعه على القاضى أبى على بن أبى الأحوص (1) وقال لى: قرأته على أبى عمران موسى بن عبد الرحمن بن يحيى بن العربى (2) عن ابن بشكوال (3)، عن
__________
(1) الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أبى الأحوص، الأستاذ المجود، أبو على الجيانى الأندلسى الفهرى، المعروف بابن الناظر، قاضى المرية ومالقة، قرأ الروايات على أبى محمد بن الكواب، وأبى الحسن بن الدباج، وقرأ التيسير والشاطبية على أبى بكر محمد بن محمد بن وضاح اللخمى وأبى عامر يزيد بن وهب الفهرى بإجازتهما من ابن هذيل، وروى التبصرة عن موسى بن عبد الرحمن بن يحيى بن العربى، وتصدر للإقراء ب «مالقة»، وألف كتابا كبيرا حسنا فى التجويد سماه «الترشيد»، قال أبو حيان:
رحلت إليه قصدا من غرناطة لأجل الإتقان والتجويد، وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخر سورة الحجر جمعا بالسبعة والإدغام الكبير لأبى عمرو بمضمن التيسير، والتبصرة، والكافى والإقناع، قال: وقرأت عليه الحروف من كتب شتى، قال ابن الجزرى: وقرأ عليه أيضا كتابه «الترشيد» وهو الذى أدخله القاهرة، وقرأ عليه أيضا القراءات أبو الحسن على القيجاطى، وعبد الواحد بن محمد بن على المالقى، وروى عنه الشاطبية قراءة: أبو محمد عبد الله بن على بن محمد الغسانى. توفى فيما أظن سنة ثمانين وستمائة. ينظر غاية النهاية، (1/ 242) (1106).
(2) هو موسى بن عبد الرحمن بن يحيى، أبو عمران الزناتى الغرناطى، يعرف ب «السخان» بالخاء المعجمة إمام متقن علامة، أخذ القراءة عن أبى عبد الله بن الورد صاحب أبى على الأحدب، ولازم السهيلى زمانا، وروى عنه ابن الطباع. مات سنة ثمان وعشرين وستمائة وقد قارب الثمانين.
ينظر غاية النهاية (2/ 320).
(3) هو الإمام العالم الحافظ، الناقد المجود، محدث الأندلس، أبو القاسم خلف بن عبد الملك ابن مسعود بن موسى بن بشكوال بن يوسف بن داحة الأنصارى، الأندلسى القرطبى، صاحب تاريخ الأندلس.
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وسمع أباه، وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب فأكثر عنه، وهو أعلى شيخ له، وأبا بحر سفيان بن العاص، وأبا الوليد بن رشد الكبير، وأجاز له أبو على بن سكرة الصدفى، وأبو القاسم بن منظور، وطائفة.
وقد صنف معجما لنفسه.
قال أبو عبد الله الأبار: كان متسع الرواية، شديد العناية بها، عارفا بوجوهها، حجة، مقدما على أهل وقته، حافظا، حافلا، أخباريا، تاريخيا، ذاكرا لأخبار الأندلس، سمع العالى والنازل، وأسند عن مشايخه أزيد من أربعمائة كتاب، من بين كبير وصغير.
وتوفى إلى رحمة الله فى ثامن شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وله أربع وثمانون سنة، ودفن بمقبرة قرطبة بقرب قبر يحيى بن يحيى الليثى الفقيه.
ينظر: سير أعلام النبلاء (21/ 143139)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1339)، والشذرات (4/ 261)، والعبر (4/ 234).(1/103)
ابن عتاب، عن مكى (1).
وسمعت جميعه على الأستاذ الشيخ: أبى عمر بن حوط الله (2)، وقال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى التادلى (3)، عن ابن عتاب، عن مكى.
وحدثنى أبو عمر أيضا (4) أنه قرأه على الخطيب أبى جعفر أحمد بن محمد ابن يحيى الحميرى (5)، وقال: «سمعته على الوزير أبى عبد الله بن جعفر بن محمد
__________
(1) فى ب: مؤلفه.
(2) عبد الرحمن بن عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن حوط الله، أبو عمر الأنصارى الحارثى، قرأ على أبى الخطاب أحمد بن محمد بن واجب القيسى، وروى عنه التيسير، وعن محمد بن سعيد بن زرقون، قرأ عليه محمد بن أحمد الطنجالى وعلى ابن سليمان الأنصارى وإبراهيم بن وثيق.
ينظر غاية النهاية (1/ 372).
(3) هو عبد الله بن عيسى بن محمد التادلى القاضى الأديب، أصله من تادلا، بفتح المهملة واللام نسبة إلى تادلة، وهى من جبال البربر بالمغرب. روى عن ابن عتاب وأبى بحر الأسدي وأجاز له، وهو آخر من روى عنهما بمغرب العدوة، ودخل الأندلس فلقى ابن العربى وابن بشكوال واعتمد فى الرواية على المذكورين قبل، وبسببهما أخذ عنه الناس كثيرا لانفراده بهما أخيرا، ولى قضاء بسطة وغيرها واستوطن مكناسة، قال أبو الخطاب ابن خليل: كتب لى بالإجازة من مراكش، كان من عدول القضاة، تؤثر عنه غرائب، وكان أديبا شاعرا مفلقا.
ومن شعره يخاطب ابن مضاء:
يا فارسا لى ثمار مجد ... سقيتها العذب من زلالك
أخاف من زهرها سقوطا ... إن لم يكن سقيها ببالك
روى عنه ابن خليل المتقدم وأبو عبد الله الأزدى وأبو الحسن الغافقى وغيرهم، كبر واختل ذهنه أخيرا، توفى بمكناسة قبيل ستمائة.
ينظر: نيل الابتهاج (1/ 214)، لب اللباب (1/ 163).
(4) فى ب: وحدثنى أيضا أبى عمر.
(5) خطيب قرطبة وعالمها، أبو جعفر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن يحيى الحميرى الكتامى القرطبى. ولد فى حدود سنة عشرين.
وروى عن يونس بن مغيث، وجعفر بن محمد بن مكى، وشريح بن محمد، وأبى عبد الله المازرى إجازة، وسمع أبا عبد الله بن مكى، وأبا عبد الله بن نجاح، وحمل السبع عن عياش ابن فرج وغيره، وتفرد، وتصدر للإقراء مدة، وكان إماما فى العربية وغيرها.
روى عنه ابن مسدى بالإجازة، ويعرف بابن الوزغى.
ينظر: سير أعلام النبلاء (22/ 27) (22)، وغاية النهاية (1/ 10099)، وبغية الوعاة (1/ 355).(1/104)
ابن مكى (1) عن أبيه، عن جده مكى.
وسمعته من لفظ الأستاذ أبى جعفر بن الزبير (2) وحدثنى به عن الشيخ المسن الراوية أبى الحسين أحمد بن محمد الأنصارى بن السراج (3) إجازة عن ابن بشكوال،
__________
(1) جعفر بن محمد بن مكى، أبو محمد عبد الله، القرطبى اللغوى النحوى، روى عن أبيه محمد بن مكى، ولازم أبا مروان عبد الملك بن سراج الحافظ، واختص به، وانتفع بصحبته، وأجاز له أبو على الغسانى، وأخذ عن أبى القاسم خلف بن رزق الإمام وكان عالما بالآداب واللغات، ذاكرا لهما، معتنيا بما قيده منهما، ضابطا لذلك، وعنى بهما العناية التامة، وجمع من ذلك كتبا كثيرة. وهو من بيت علم ونباهة، وفضل وجلالة.
وسئل عن مولده فقال: بعد الخمسين والأربعمائة بيسير. وتوفى يوم الخميس لتسع بقين من محرم سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. ذكره ابن بشكوال.
ينظر: بغية الوعاة (1/ 487) والصلة لابن بشكوال (1/ 131)، تلخيص ابن مكتوم (47)، وطبقات ابن قاضى شهبة (1/ 288)، إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 302).
(2) أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير بن الحسن بن الحسين الثقفى العاصمى الجيانى المولد، الغرناطى المنشأ، الأستاذ أبو جعفر. ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، قال تلميذه أبو حيان فى النضار: كان محدثا جليلا، ناقدا، نحويّا، أصوليّا، أديبا، فصيحا، مفوها، حسن الخط، مقرئا مفسرا مؤرخا. أقرأ القرآن والنحو والحديث بمالقة وغرناطة وغيرهما، وكان كثير الإنصاف، ناصحا فى الإقراء، خرج من مالقة ومن طلبته أربعة يقرءون كتاب سيبويه، ثم عرض له أن السلطان تغير عليه، فجعل سجنه داره، وأذن له فى حضور الجمعة، فلما مات شيوخ غرناطة، وشغر البلد عن عالم رضى عليه، وقعد بالجامع يفيد الناس.
وولى الخطابة والإمامة بالجامع الكبير، وقضاء الأنكحة، وتخرج عليه جماعة، وبه أبقى الله ما بأيدى الطلبة من العربية وغيرها.
وكان محدث الأندلس بل المغرب فى زمانه، خيرا، صالحا، كثير الصدقة، معظما عند الخاصة والعامة، متحريا، أمارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا ينقل قدمه إلى أحد، جرت له فى ذلك أمور مع الملوك صبر فيها، ونطق بالحق بحيث أدى إلى التضييق عليه، وحبسه.
روى عن أبى الخطاب بن خليل، وعبد الرحمن بن الفرس، وابن فرتون، وأجاز له من المشرق أبو اليمن بن عساكر وغيره. صنف تعليقا على كتاب سيبويه، والذيل على صلة ابن بشكوال.
ومات يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول سنة ثمان وسبعمائة.
ومن شعره:
ما لى وللتسآل لا أم لي ... إن سلت من يعزل أو من يلي
حسبى ذنوبى أثقلت كاهلي ... ما إن أرى غماءها تنجلي
ينظر بغية الوعاة (1/ 292291).
(3) الشيخ العالم المحدث الثقة المعمر مسند المغرب، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الله بن قاسم بن السراج، الأنصارى الإشبيلى، ولد سنة ستين وخمسمائة.(1/105)
عن ابن عتاب، عن مكى. وقرأته على الشيخ المقرئ الراوية أبى عبد الله محمد ابن عياش (1) بن محمد الخزرجى الشهير بالقرطبى.
وحدثنى به عن القاضى أبى القاسم أحمد بن يزيد بن بقى (2) إجازة، عن الشريف
__________
وسمع من خاله أبى بكر محمد بن خير، والحافظ أبى القاسم بن بشكوال، وعبد الحق ابن بونه، وأبى عبد الله بن زرقون، وحدث عنهم، وعن أبى بكر بن الجد، وأبى محمد ابن عبيد الله، وأبى القاسم الشراط، وأبى زيد السهيلى، وأكثر عن السهيلى، فسمع منه الموطأ وصحيح مسلم والروض الأنف، وروى الكثير، وتفرد، وصارت الرحلة إليه بالمغرب، وحمل عنه الحفاظ.
قال ابن السراج فى برنامجه: لقيت ابن بشكوال بقرطبة، وسمعت منه عدة دواوين منها «تفسير النسائى» بسماعه من أبى محمد بن عتاب، حدثنا حاتم بن محمد، عن القابسى عن حمزة الكنانى، عنه، وكتاب الصلة له، وأشياء.
قال الذهبى: كان موثقا فاضلا. ومن الرواة عنه: أبو الحسين يحيى بن الحاج المعافرى، سمع منه الروض الأنف فسمعه منه فى سنة ثمانى عشرة وسبعمائة ابن جابر الوادياشى.
توفى ابن السراج ببجانة، فى سابع صفر سنة سبع وخمسين وستمائة، وله سبع وتسعون سنة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (23/ 332331)، والعبر (5/ 239)، وشذرات الذهب (5/ 289).
(1) محمد بن عياش بن محمد بن أحمد بن خلف بن عياش، أبو عبد الله الخزرجى القرطبى، قرأ على والده أبى بكر، وقرأ على قاسم بن محمد بن الطيلسان الأوسى، وقرأ عليه عبد الله ابن على بن سلمون، ومحمد بن يحيى الأشعرى قاضى الجماعة.
ينظر: غاية النهاية (2/ 223).
(2) الإمام العلامة المحدث المسند قاضى الجماعة، أبو القاسم أحمد بن أبى الوليد يزيد ابن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن شيخ الأندلس الحافظ بقى بن مخلد الأموى، مولاهم، البقوى القرطبى المالكى.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
قال أبو عبد الله الأبار: هو من رجالات الأندلس جلالا وكمالا، لا نعلم بيتا أعرق من بيته فى العلم والنباهة إلا بيت بنى مغيث بقرطبة، وبنى الباجى بإشبيلية، وله التقدم على هؤلاء، ولى قضاء الجماعة بمراكش مضافا إلى خطتى المظالم والكتابة العليا، فحمدت سيرته، ولم تزده الرفعة إلا تواضعا، ثم عزل، وأقام بطالا إلى أن قلد قضاء بلده، وذهب إليه، ثم عزل قبل موته، فازدحم الطلبة عليه، وكان لذلك أهلا.
ومات يوم الجمعة بعد الصلاة منتصف رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة بقرطبة، وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة رحمه الله.
ينظر: سير أعلام النبلاء (22/ 277274)، وبغية الوعاة (1/ 399)، والعبر (5/ 103)، وشذرات الذهب (5/ 117116).(1/106)
أبى خالد يزيد بن عبد الجبار القرشي (1) قراءة، وعن أبى بكر بن سمحون (2) سماعا، قالا: سمعناه على ابن عتاب عن مكى.
وحدثنى أنه قرأه على صهره أبى القاسم بن محمد بن أحمد الأنصارى، ثم الأوسى الشهير بابن الطيلسان (3)، عن الخطيب أبى جعفر [أحمد] (4) بن محمد ابن يحيى الحميرى قراءة، عن الوزير أبى عبد الله جعفر بن محمد بن مكى، عن أبيه، عن جده مكى كما تقدم.
وأما كتاب «الكافى» فسمعته على الخطيب أبى بكر محمد بن أحمد بن عبيد الله ابن العاصى اللخمى الإشبيلى (5)، وحدثنى به عن الشيخين الجليلين: أبى العباس
__________
(1) يزيد بن عبد الجبار، أبو خالد المروانى القرطبى، من أولاد ملوك الأندلس، أخذ القراءات عن أبى محمد بن عتاب والمقرئ عبد الجليل بن عبد الجبار، وكان بصيرا بالقراءات والعربية وله كتاب فى قراءة نافع، أخذ عنه أبو جعفر بن يحيى وأبو القاسم بن بقاء.
ينظر: غاية النهاية (2/ 382381).
(2) أبو بكر بن سليمان بن سمحون، الأنصارى القرطبى النحوى، قال ابن الزبير: أستاذ نحوى أديب شاعر بليغ، عارف بالحساب، أخذ عن ابن الطراوة وغيره، وروى عنه أبو القاسم ابن بقى وغيره.
مات بقرطبة سنة أربع وستين وخمسمائة. ومن نظمه:
أربعة تزيد فى نور البصر ... إذا رنا فيها وتابع النظر
المصحف المتلو بالآى الكبر ... والماء والوجه الجميل والخضر
ينظر: بغية الوعاة (1/ 468).
(3) الحافظ المفيد محدث الأندلسى، أبو القاسم، القاسم بن محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى. ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة تقريبا.
وروى عن جده لأمه أبى القاسم بن الشراط، وأبى العباس بن مقدام، وعبد الحق الخزرجى، وأبى الحكم بن حجاج، وخلق، وصنف الكتب، وكان بصيرا بالقراءات والعربية أيضا. ولى خطابة مالقة بعد ذهاب قرطبة وأقرأ بها، وحدث.
توفى سنة اثنتين وأربعين وستمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (23/ 115114)، غاية النهاية (2/ 23)، وبغية الوعاة (2/ 261)، وشذرات الذهب (5/ 216215).
(4) سقط فى أ.
(5) محمد بن أحمد بن عبيد الله بن العاصى، أبو بكر التجيبى الإشبيلى، أستاذ مصدر، أخذ السبع عن أبى بكر عتيق، وأبى الحسين بن عظيمة، والكافى على أبى العباس بن مقدام، وأبى الحكم ابن نجاح عن أبى الحسن شريح، قرأ عليه أبو جعفر بن الزبير الحافظ، وأثنى عليه، وجلس دهرا يقرئ الناس بمالقة، وروى عنه الكافى سماعا عبد الواحد بن محمد بن أبى السداد، مات سنة ست وستين وستمائة عن سبع وثمانين سنة. ينظر: غاية النهاية (2/ 70).(1/107)
ابن مقدام (1)، وأبى الحكم بن نجاح (2) قراءة وسماعا، كلاهما عن الخطيب أبى الحسن شريح بن محمد بن شريح (3)، عن أبيه مؤلفه، رحمهما الله.
__________
(1) أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام، أبو العباس الرعينى الإشبيلى، الشيخ الصالح البارع، قرأ على شريح وابن عربى وأبى عمر بن صالح، قرأ عليه أبو الخطاب بن خليل وأبو زكريا ابن أبى الغصن شيخ ابن الزبير وأبو الحكم بن حجاج وإبراهيم بن وثيق، توفى بين العيدين سنة أربع وستمائة عن ثمان وثمانين سنة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 104).
(2) ذكر هذا العلم عرضا فى سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبى (23/ 114) باسم أبى الحكم ابن حجاج، وذكر أيضا فى غاية النهاية (2/ 70) بلفظ «أبى الحكم بن نجاح».
(3) شريح بن محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح بن يوسف بن شريح، الشيخ الإمام الأوحد المعمر الخطيب، شيخ المقرئين والمحدثين، أبو الحسن الرعينى الإشبيلى المالكى، خطيب إشبيلية.
ولد فى ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
تلا على والده العلامة أبى عبد الله كتابه الكافى فى السبع، وحمل عنه علما كثيرا، وأجاز له مروياته أبو محمد بن حزم الظاهرى.
وسمع صحيح البخارى من أبى عبد الله بن منظور صاحب أبى ذر الهروى، وسمع من على بن محمد الباجى، وأبى محمد بن خزرج، وطائفة.
قال أبو الوليد بن الدباغ: له إجازة من ابن حزم، أخبرنى بذلك ثقة نبيل من أصحابنا أنه أخبره بذلك، ولا أعلم فى شيوخنا أحدا عنده عن ابن حزم غيره، وقد سألته: هل أجاز له ابن حزم؟ فسكت، وأحسبه سكت عن ابن حزم لمذهبه.
قال الحافظ خلف بن بشكوال: كان أبو الحسن من جلة المقرئين، معدودا فى الأدباء والمحدثين، خطيبا بليغا، حافظا محسنا فاضلا، مليح الخط، واسع الخلق، سمع منه الناس كثيرا، ورحلوا إليه، واستقضى ببلده، ثم صرف عن القضاء، لقيته فى سنة ست عشرة، فأخذت عنه.
وقال اليسع بن حزم: هو إمام فى التجويد والإتقان، علم من أعلام البيان، بذ فى صناعة الإقراء، وبرّز فى العربية مع علم الحديث وفقه الشريعة، كان إذا صعد المنبر حن إليه جذع الخطابة، وسمع له أنين الاستطابة، مع خشوع ودموع، رحلت إليه عام أربعة وعشرين، فحملت عنه.
وتلا عليه بالسبع عدد كثير، منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن مقدام الرعينى، ومحمد بن على بن حسنون الكتامى، وماتا فى سنة أربع وستمائة، ومحمد بن عبد الله ابن الغاسل، وآخر من روى عنه فى الدنيا بالإجازة: أبو القاسم أحمد بن يزيد ابن عبد الرحمن بن بقى البقوى الباقى إلى سنة خمس وعشرين وستمائة.
مات شريح فى الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وكانت جنازته مشهودة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (20/ 144142)، وغاية النهاية (1/ 325324)،(1/108)
وقرأته على القاضى أبى على بن أبى الأحوص، وحدثنى به عن القاضى أبى القاسم أحمد بن يزيد بن بقى مناولة، عن أبى الحسن شريح، عن أبيه. (1)
وحدثنى أيضا القاضى أبو على أنه قرأه على الأستاذ أبى الحسن على بن جابر (2)
__________
وبغية الوعاة (2/ 3)، وشذرات الذهب (4/ 122).
(1) الإمام شيخ القراء، أبو عبد الله، محمد بن شريح بن أحمد بن شريح بن يوسف الرعينى، الإشبيلى، مصنف كتاب الكافى.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وقيل: سنة ثمان وثمانين. وهذا الذى تحرر فى نسبه. فأما ابن بشكوال، فأدخل فى نسبه «محمدا» بين أبيه وبين أحمد، وله كتاب التذكير.
سمع عثمان بن أحمد أبا عمرو القيجاطى، وأجاز له مكى وأخذ عنه، وحج، فسمع من أبى ذر الصحيح وغير ذلك.
وأخذ القراءات عن أحمد بن محمد القنطرى المجاور، وتاج الأئمة أحمد بن على، وأبى على الحسن بن محمد بن إبراهيم صاحب الروضة فى سنة ثلاث وثلاثين.
وسمع من أبى العباس بن نفيس، ومحمد بن الطيب الكحال، وأحمد بن محمد ابن عبد العزيز اليحصبى.
وكان رأسا فى القراءات، بصيرا بالنحو والصرف، فقيها كبير القدر، حجة، ثقة.
روى عنه الكثير ولده أبو الحسن شريح بن محمد، وأبو العباس بن عيشون، وطائفة.
مات فى رابع شوال سنة ست وسبعين وأربعمائة، عن أربعة وثمانين عاما، وقيل: بل مات فى منتصف الشهر وتأسف الناس عليه رحمه الله وصلى عليه ابنه.
ينظر: سير أعلام النبلاء (18/ 555554)، ومعرفة القراء الكبار (1/ 351)، والعبر (3/ 285)، وغاية النهاية (2/ 153).
(2) هو أبو الحسن على بن جابر اللخمى الدباج، العلامة شيخ القراء والنحاة بالأندلس، أخذ القراءات عن أبى الحسن نجبة بن يحيى، وأبى بكر بن صاف، وأخذ العربية عن أبى ذر ابن أبى ركب الخشنى، وابن خروف، وتصدر للعلمين خمسين عاما.
قال الأبار: أم بجامع العدبّس. وهو أبو الحسن على بن جابر بن على الإشبيلى الدباج، من أهل الفضل والصلاح. ولد سنة ست وستين وخمسمائة، وتوفى بإشبيلية فى شعبان سنة ست وأربعين وستمائة بعد دخول الروم لعنهم الله صلحا بأيام، فإنه تأسف، وهاله نطق النواقيس، وخرس الأذان فاضطرب وارتمض لذلك، إلى أن قضى نحبه، وقيل: بل مات يوم دخولهم.
وكان حجة فى النقل مسددا فى البحث، يقرئ كتاب سيبويه. أخذ عنه أبو الحسن ابن عصفور وغيره، تسلم صاحب قشتالة البلد بعد حصار سبعة عشر شهرا واستقل بها، ومات زمن الحصار الحافظ المحدث الأديب الشاعر أبو محمد عبد الله بن القاسم اللخمى الإشبيلى الحريرى كهلا، سمع صحيح البخارى من عبد الرحمن بن على الزهرى. وله كتاب فى النسب، وآخر فى تاريخ علماء الأندلس، وغير ذلك.
ينظر: سير أعلام النبلاء (23/ 209)، وغاية النهاية (1/ 528)، وبغية الوعاة (2/ 153)، وشذرات الذهب (5/ 235).(1/109)
اللخمى الدّباج (1) الإشبيلى، عن أبى بكر بن صاف (2) عن شريح عن أبيه، وحدثنى به الشيخ أبو الوليد العطار إذنا، أخبرنا أبو بكر بن حسنون البياسى (3)، عن شريح، عن أبيه رحم الله جميعهم ورضى عنهم.
وبهذه الأسانيد التى ذكرت أجمل بالإجازة جميع ما ألفه هؤلاء الأئمة الثلاثة:
أبو عمرو الدانى، وأبو محمد مكى، وأبو عبد الله بن شريح.
ولنشرع الآن فى المقصود بحول الله عز وجل وعونه.
مسألة: يثبت فى كثير من نسخ التيسير بإثر البسملة، والتصلية: «قال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الدانى» والذى رويته ترك ذلك وإثبات الخطبة بإثر البسملة، والتصلية، وهو قوله: «الحمد لله المنفرد بالدوام».
مسألة: قوله فى صدر الكتاب بعد الخطبة: «يسهل عليكم متناوله» بضم الميم وفتح الواو: معناه التناول، وهو مصدر: تناول، والأصل أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف، فإن بناء المصدر منه، وظرف المكان، وظرف الزمان، واسم المفعول سواء
__________
(1) فى ب: الزباج.
(2) محمد بن خلف بن محمد بن عبد الله بن صاف، أبو بكر اللخمى الإشبيلى المقرئ النحوى. قال الصفدى: كان عارفا بالقراءات والعربية، متقدما فيهما، من كبار أصحاب شريح.
وقال ابن الزبير: أخذ القراءات عن شريح، وروى عنه وعن أبى مروان الباجى، وكان له شأن فى منصبه وحسن هديه وانقباضه عن أهل الدنيا، وإقباله على ما يعنيه.
شرح الأشعار الستة، وفصيح ثعلب، وله أجوبة على مسائل قرآنية ونحوية أجاب بها أهل طنجة. روى عنه أبو الحسن بن جابر بن الدباج وأبو الخطاب بن خليل.
مات سنة ست وثمانين وخمسمائة. ينظر: بغية الوعاة (1/ 101100).
(3) محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن زكريا بن حسنون، أبو بكر الكنانى الحميرى الأندلسى البياسى الخطيب، مقرئ ماهر مشهور مجود حاذق ثقة، قرأ على أبيه، وعلى عبد الله بن خلف القيسى، وشريح بن محمد، وسمع منهم ومن أبى بكر بن العربى، وأبى القاسم بن ورد، قرأ عليه عبد الله بن محمد الكواب ويوسف بن يحيى بن بقاء ويوسف ابن عبد العزيز الأبذى وأبو الوليد إسماعيل العطار شيخ ابن الزبير، وروى عنه بالإجازة ابن مسدى، وقال الذهبى: ولى قضاء بياسة وخطابتها، وتصدر للإقراء والحديث وكان حاذقا بالصناعة مجودا ماهرا، وقال الأبار: مات فى رمضان سنة أربع وستمائة عن نحو تسعين سنة وكان مقرئا جليلا ماهرا، عمّر وأسن وضعف، وقال ابن مسدى: مات سنة ثمان وستمائة وقد قارب المائة.
ينظر: غاية النهاية (2/ 241)، ومعرفة القراء الكبار (2/ 467).(1/110)
ف «متناول» صالح لهذه الأربعة، غير أن المعنى هنا يقتضى أنه المصدر لا غير، والله تبارك وتعالى أعلم.
مسألة: قوله: «فذكرت عن كل واحد من القراء روايتين».
اعلم أن الروايات التى ذكر أربع عشرة، والرواة ثلاثة عشر، وسبب ذلك:
أن أبا عمر الدورى (1) الذى يروى عن اليزيدى (2)، عن أبى عمرو
__________
(1) الإمام العالم الكبير، شيخ المقرئين، أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان، ويقال: صهيب الأزدى، مولاهم الدورى الضرير، نزيل سامراء.
ولد سنة بضع وخمسين ومائة فى دولة المنصور.
وتلا على إسماعيل بن جعفر، وسمع منه، وتلا على الكسائى بحرفه، وعلى يحيى اليزيدى بحرف أبى عمرو، وعلى سليم بحرف حمزة، وجمع القراءات وصنفها.
وحدث أيضا عن: أبى إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب، وإبراهيم بن أبى يحيى، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وأبى معاوية وطائفة.
روى عنه: الإمام أحمد، وهو من أقرانه، ونصر بن على الجهضمى، وروى هو عنهما.
قال أبو حاتم: صدوق. توفى سنة ست وأربعين، وزاد بعضهم: فى شوال.
ينظر: سير أعلام النبلاء (11/ 543541)، الجرح والتعديل (3/ 184183)، وتاريخ بغداد (8/ 204203)، والعبر (1/ 446)، وغاية النهاية فى طبقات القراء (1/ 257255)، وتهذيب التهذيب (2/ 408).
(2) هو شيخ القراء، أبو محمد، يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوى البصرى النحوى، وعرف باليزيدى لاتصاله بالأمير يزيد بن منصور خال المهدى، يؤدب ولده.
جود القرآن على أبى عمرو المازنى، وحدث عنه، وعن ابن جريج.
تلا عليه خلق، منهم أبو عمر الدورى، وأبو شعيب السوسى.
وحدث عنه: ابنه محمد، وأبو عبيد، وإسحاق الموصلى.
وروى عنه قراءة أبى عمرو: بنوه محمد، وعبد الله، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وحفيده أحمد بن محمد، وأبو حمدون الطيب، وعامر أوقية، وسليمان بن خلاد، وأحمد ابن جبير، ومحمد بن شجاع، وأبو أيوب الخياط، وجعفر غلام سجادة، ومحمد ابن سعدان، ومحمد بن عمر الرومى.
وله اختيار فى القراءة، لم يخرج فيه عن السبع.
وقد أدب المأمون، وعظم حاله، وكان ثقة، عالما حجة فى القراءة، لا يدرى ما الحديث، لكنه أخبارى، نحوى، علامة، بصير بلسان العرب، أخذ العربية عن أبى عمرو، وعن الخليل.
وألف كتاب النوادر، وكتاب المقصور والممدود، وكتاب الشكل، وكتاب نوادر اللغة، وكتاب النحو.
وكان نظيرا للكسائى، يجلس للناس فى مسجد مع الكسائى للإفادة، فكان يؤدب المأمون، وكان الكسائى يؤدب الأمين.(1/111)
ابن العلاء (1) هو بعينه واسمه الذى يروى عن الكسائي (2)، ويدل على صحة
__________
عاش أربعا وسبعين سنة، وتوفى ببغداد سنة اثنتين ومائتين.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 562) (219)، بغية الوعاة (2/ 340)، وشذرات الذهب (2/ 4)، والنجوم الزاهرة (2/ 173).
(1) أبو عمرو بن العلاء بن عمار، بن العريان التميمى، ثم المازنى البصرى شيخ القراء، والعربية. وأمه من بنى حنيفة. اختلف فى اسمه على أقوال: أشهرها زبان، وقيل: العريان.
ولد آخر سنة سبعين. حدث باليسير عن أنس بن مالك، ويحيى بن يعمر، ومجاهد، وأبى صالح السمان، وأبى رجاء العطاردى، ونافع العمرى، وعطاء بن أبى رباح، وابن شهاب. وقرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، وابن كثير، وطائفة. وورد أنه تلا على أبى العالية الرياحى. وقد كان معه بالبصرة.
برز فى الحروف، وفى النحو، وتصدر للإفادة مدة. واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم.
تلا عليه يحيى اليزيدى، والعباس بن الفضل، وعبد الوارث بن سعيد، وشجاع البلخى، وحسين الجعفى، ومعاذ بن معاذ، ويونس بن حبيب النحوى، وسهل بن يوسف، وأبو زيد الأنصارى سعيد بن أوس، وسلام الطويل وعدة.
وحدث عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وأبو أسامة، والأصمعى، وشبابة بن سوار، ويعلى ابن عبيد، وأبو عبيدة اللغوى، وآخرون. وانتصب للإقراء فى أيام الحسن البصرى.
قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالقراءات، والعربية، والشعر، وأيام العرب، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها.
وكان من أشراف العرب، مدحه الفرزدق وغيره.
قال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس به بأس. وقال أبو عمرو الشيبانى: ما رأيت مثل أبى عمرو.
قال أبو عبيدة: حدثنى عدة: أن أبا عمرو قرأ على مجاهد وزاد بعضهم: وعلى سعيد ابن جبير. وروينا أن أبا عمرو وأباه هربا من الحجاج ومن عسفه، وحديثه قليل. ذكر غير واحد أن وفاته كانت فى سنة أربع وخمسين ومائة.
قال الأصمعى: عاش أبو عمرو ستا وثمانين سنة. وقال خليفة بن خياط وحده: مات أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء سنة سبع وخمسين ومائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (6/ 410407)، ووفيات الأعيان (3/ 466)، وتاريخ الإسلام (6/ 322)، وعبر الذهبى (1/ 223)، وفوات الوفيات (1/ 231)، وتهذيب التهذيب (12/ 178)، بغية الوعاة (367)، وطبقات القراء لابن الجزرى (1/ 288).
(2) الإمام، شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن على بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي، مولاهم الكوفى، الملقب بالكسائى لكساء أحرم فيه.
تلا على ابن أبى ليلى عرضا، وعلى حمزة.
وحدث عن جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وجماعة.
وتلا أيضا على عيسى بن عمر المقرئ. واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع.
وجالس فى النحو الخليل، وسافر فى بادية الحجاز مدة للعربية، فقيل: قدم وقد كتب(1/112)
ما قلته: قوله فى باب أسماء القراء والناقلين عنهم بإثر ذكر أبى عمرو ابن العلاء ما نصه: «وأبو عمر هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان الأزدى الدورى النحوى».
ثم ذكر أبا شعيب (1).
ثم قال: «رويا القراءة عن أبى محمد يحيى بن المبارك العدوى المعروف
__________
بخمس عشرة قنينة حبر. وأخذ عن يونس.
قال الشافعى: من أراد أن يتبحر فى النحو، فهو عيال على الكسائى.
قال ابن الأنبارى: اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم فى الغريب، وأوحدهم فى علم القرآن، كانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم، ويجلس على كرسى، ويتلو وهم يضبطون عنه حتى الوقوف.
قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائى يقرأ القرآن على الناس مرتين.
وله عدة تصانيف منها: معانى القرآن، وكتاب فى القراءات، وكتاب النوادر الكبير، ومختصر فى النحو، وغير ذلك.
كان الكسائى ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين، ونال جاها وأموالا.
سار مع الرشيد، فمات بالرى بقرية أرنبوية سنة تسع وثمانين ومائة عن سبعين سنة، وفى تاريخ موته أقوال، هذا أصحها.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 134131)، ومراتب النحويين (7574)، وطبقات النحويين (142138)، وتاريخ بغداد (11/ 403)، ومعجم الأدباء (13/ 167، 203)، وإنباه الرواة (2/ 274256)، ووفيات الأعيان (3/ 295)، وغاية النهاية (1/ 535)، والنجوم الزاهرة (2/ 130).
(1) الإمام المقرئ المحدث، شيخ الرقة، أبو شعيب، صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الجارود بن مسرح، الرستبى السوسى الرقى.
ولد سنة نيف وسبعين ومائة.
وجود القرآن على يحيى اليزيدى، وأحكم عليه حرف أبى عمرو وسمع سفيان بن عيينة، وعبد الله بن نمير، وأسباط بن محمد، وجماعة.
تلا عليه طائفة، منهم: أبو عمران موسى بن جرير، وعلى بن الحسين، وأبو عثمان النحوى، وأبو الحارث محمد بن أحمد الرقيون.
وأخذ عنه الحروف أبو عبد الرحمن النسائى، وجعفر بن سليمان الخراسانى، وغيرهما.
وحدث عنه: أبو بكر بن أبى عاصم، وأبو عروبة الحرانى، والحافظ أبو على محمد ابن سعيد.
قال أبو حاتم: صدوق.
مات فى أول سنة إحدى وستين ومائتين، وقد قارب التسعين.
ينظر: السير (12/ 381380) (164)، وغاية النهاية (1/ 333332)، ومعرفة القراء ص (159)، وطبقات الحنابلة (1/ 177176)، وشذرات الذهب (2/ 143).(1/113)
باليزيدى ثم قال بعد ما ذكر الكسائى: «وأبو عمر هو حفص بن عمر الدورى النحوى صاحب اليزيدى» فذكره فى الموضعين باسمه، واسم أبيه، واختص فى هذا الموضع (1) الثانى ذكر جده عبد العزيز بن صهبان لأنه (2) قد تقدم.
وذكره فى «جامع البيان» فى رواة الكسائى بمثل ما ذكره فى «التيسير» بعد ذكر أبى عمرو فقال: «فأما الدورى فهو حفص بن [عمر بن] (3) عبد العزيز بن صهبان الضرير الأزدى النحوى صاحب سليم (4)، وصاحب اليزيدى ويكنى أبا عمر».
وكذلك ذكره فى «المفردات» بعد الكسائى بمثل ما ذكره فى «التيسير» بعد أبى عمرو.
وذكر ابن فيرة (5) فى قصيدته أبا عمرو بن العلاء، ثم ذكر اليزيدى ثم قال:
__________
(1) فى أ: الوضع.
(2) فى أ: أنه.
(3) سقط فى أ.
(4) سليم بن عيسى بن سليم بن عامر، شيخ القراء، أبو عيسى، وأبو محمد الحنفى مولاهم الكوفى، تلميذ حمزة، وأحذق أصحابه، وهو خلفه فى الإقراء.
تلا عليه: خلف البزار، وخلاد بن خالد، وأبو عمر الدورى، وأبو حمدون الطيب، وأحمد بن جبير الأنطاكى، وخلق كثير. وروى عن: حمزة، والثورى.
روى عنه: ضرار بن صرد، وأحمد بن حميد.
قال الدورى: قال لى الكسائى: كنت أقرأ على حمزة، فجاء سليم، فتلكأت، فقال حمزة: تهابه ولا تهابنى؟ قلت: أيها الأستاذ، أنت إن أخطأت، قومتنى، وهذا إن أخطأت، عيرنى.
وقيل: إن سليما تلا على حمزة بن حبيب عشر ختم.
قال خلف وهارون بن حاتم: مات سليم سنة ثمان وثمانين ومائة، وقيل: سنة تسع وثمانين.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 376375)، والتاريخ الكبير (4/ 127)، والضعفاء للعقيلى (171)، والجرح والتعديل (4/ 215)، والعبر (1/ 300)، وميزان الاعتدال (2/ 231)، ودول الإسلام (1/ 119)، وغاية النهاية (1/ 318)، وشذرات الذهب (1/ 320).
(5) الشيخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سيد القراء، أبو محمد، وأبو القاسم القاسم بن فيرة ابن خلف بن أحمد الرعينى، الأندلسى، الشاطبى، الضرير، ناظم الشاطبية والرائية.
من كناه أبا القاسم كالسخاوى وغيره، لم يجعل له اسما سواها، والأكثرون على أنه أبو محمد القاسم.
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.(1/114)
أبو عمر الدّورى وصالحهم أبو ... شعيب هو السّوسىّ عنه تقبّلا
يعنى: عن اليزيدى.
ثم لما ذكر الكسائى قال:
روى ليثهم عنه أبو الحارث الرضا ... وحفص هو الدّورى وفى الذّكر قد خلا
يريد: تقدم ذكره بعد ذكر اليزيدى.
وذكر أبو جعفر بن الباذش (1) فى «الإقناع» أبا عمر الدورى بإثر ذكر أبى عمرو
__________
وتلا ببلده بالسبع على أبى عبد الله بن أبى العاص النفرى، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبى الحسن بن هذيل، وعرض عليه التيسير، وسمع منه الكتب، ومن أبى الحسن ابن النعمة، وأبى عبد الله بن سعادة، وأبى محمد بن عاشر، وأبى عبد الله ابن عبد الرحيم، وعليم بن عبد العزيز. وارتحل للحج، فسمع من أبى طاهر السلفى، وغيره.
وكان يتوقد ذكاء. له الباع الأطول فى فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، وله النظم الرائق، مع الورع والتقوى والتأله والوقار.
حدث عنه: أبو الحسن بن خيرة، ومحمد بن يحيى الجنجالى، وأبو بكر بن وضاح، وأبو الحسن على بن الجميزى، وأبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب.
وقرأ عليه بالسبع: أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسى، وعبد الرحمن بن سعيد الشافعى، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبى.
قال الأبار: تصدر بمصر، فعظم شأنه، وبعد صيته، انتهت إليه رئاسة الإقراء، وتوفى بمصر فى الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة.
وله قصيدة دالية نحو خمسمائة بيت، من قرأها، أحاط علما ب «التمهيد» لابن عبد البر.
وكان إذا قرئ عليه الموطأ والصحيحان، يصحح النسخ من حفظه، حتى كان يقال: إنه يحفظ وقر بعير من العلوم.
ينظر: سير أعلام النبلاء (21/ 264261)، والعبر (4/ 273)، ودول الإسلام (2/ 76)، والسبكى فى الطبقات (7/ 270)، والإسنوى فى طبقاته (2/ 113)، وابن كثير فى البداية (13/ 10)، والجزرى فى غاية النهاية (2/ 20)، والسيوطى فى حسن المحاضرة (1/ 236)، وبغية الوعاة (2/ 260)، والمقرى فى نفح الطيب (1/ 339)، وابن العماد فى الشذرات (4/ 301).
(1) أحمد بن على بن أحمد بن خلف الأنصارى الغرناطى، أبو جعفر المعروف بابن الباذش النحوى ابن النحوى.
قال فى البلغة: إمام نحوى مقرئ نقاد.
وقال ابن الزبير: عارف بالآداب والإعراب، إمام نحوى متقدم، راوية مكثر، أخذ عن أبيه وأكثر الرواية عنه، وشاركه فى كثير من شيوخه. وروى أيضا عن أبى على الغسانى، وأبى على الصدفى، وكان عارفا بالأسانيد، نقادا لها، ألف الإقناع فى القراءات، لم يؤلف مثاله.
مولده فى ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، ومات فى جمادى الآخرة سنة(1/115)
ابن العلاء فسماه بنص ما سماه به الحافظ فى «التيسير» ثم ذكره بعد الكسائى فقال:
أبو عمر الدورى، وقد تقدم ذكره، فظهر من هذا كله أن أبا عمر الذى يروى عن الكسائى هو أبو عمر الذى يروى عن اليزيدى، عن أبى عمرو.
مسألة: قوله: «رغبة فى التيسير على المبتدئين» بهذه الكلمة يسمى كتاب «التيسير» تفاؤلا، والله عز جلاله أعلم.
وقد حكى أنه يسمى الكتاب «الميسر»، حدثنى به الشيخ أبو على ابن أبى الأحوص.
مسألة: قوله: «فأول ما أفتتح به كتابى هذا بذكر أسماء القراء» إلى آخره.
«أول» هنا مبتدأ مضاف إلى «ما» بمعنى «الذى» بدليل عودة الضمير المجرور عليها.
وقوله: «بذكر أسماء القراء» هو الخبر، وكان ينبغى أن يسقط الباء ويرفع «ذكر أسماء القراء» فجرى الكلام على معناه، ولم يعتن بتصحيح اللفظ، فكأنه قال:
وأفتتح كتابى «بذكر أسماء القراء» وجعل (1) الباء زائدة على غير قياس.
ولما كانت «أفعل» بعض ما تضاف إليه، لزم من قوله: «أول ما أفتتح به كتابى» أن يكون لافتتاحه أول وآخر، وقد نص على الأول، ولم يذكر ما آخره.
ولو قال: وأفتتح كتابى بكذا، بدل قوله: «أول ما أفتتح به» لاندفع الإشكال، والله سبحانه أعلم.
مسألة: قوله: «لأن «قالون» بلسان الروم: جيد».
ذكر الأستاذ أبو على الزيدى رحمه الله روى أن عليّا (2) رضى الله عنه
__________
أربعين وخمسمائة.
ينظر: بغية الوعاة (1/ 338)، غاية النهاية (1/ 83).
(1) فى أ: أو جعل.
(2) على بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمى، أبو الحسن، ابن عم النبى صلى الله عليه وسلم وختنه على بنته، أمير المؤمنين، يكنى أبا تراب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهى أول هاشمية ولدت هاشميّا. له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا، اتفق البخارى ومسلم على عشرين، وانفرد البخارى بتسعة، ومسلم بخمسة عشر، شهد بدرا والمشاهد كلها. روى عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد وفاطمة وعمر وابن عباس والأحنف وأمم.
قال أبو جعفر: كان شديد الأدمة ربعة إلى القصر، وهو أول من أسلم من الصبيان جمعا بين الأقوال. قال له النبى صلى الله عليه وسلم: «أنت منى بمنزلة هارون من موسى»، وفضائله كثيرة.(1/116)
قال لشريح القاضى وقد تكلم فى مسألة فأصاب الغرض: «قالون قالون» يريد:
أحسنت أحسنت. (1)
ووقع فى كتاب «الروضة» للمعدل (2) قال: «كان رجل من العرب له جارية يحبها وتكرهه، وكانت تكثر أن تقول له: أنت قالون يا سيدى، فخدعته بذلك حتى آنفت
__________
استشهد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت من رمضان سنة أربعين، وهو حينئذ أفضل من على وجه الأرض.
ينظر: الخلاصة (2/ 250) (5001)، وتهذيب التهذيب (7/ 334) (565)، وتاريخ بغداد (1/ 133)، وأسماء الصحابة الرواة ت (10).
(1) ذكره ابن الأثير فى النهاية (4/ 105)، وتمامه: أن على بن أبى طالب سأل شريحا عن امرأة طلقت، فذكرت أنها حاضت ثلاث حيض فى شهر واحد، فقال شريح: إن شهد ثلاث نسوة من بطانة أهلها: إنها كانت تحيض قبل أن طلقت فى كل شهر كذلك، فالقول قولها فقال له على: «قالون»، هى كلمة بالرومية معناها: أصبت.
(2) محمد بن يعقوب بن الحجاج بن معاوية بن الزبرقان بن صخر، أبو العباس التيمى من تيم الله بن ثعلبة البصرى المعروف ب «المعدل» إمام ضابط مشهور، قرأ على المستنير، والمبهج، والكفاية، والكامل أبى بكر محمد بن وهب صاحب روح وهو أكبر أصحابه وأشهرهم وعلى المستنير والكامل زيد ابن أخى يعقوب فيما ذكره ابن سوار وغيره، وعلى الجامع والكامل أبى الزعراء بن عبدوس الدورى، وعلى محمد بن الجهم اللؤلئى، وعلى الكامل أحمد بن على الخزاز، والمبهج والكفاية والكامل عمر ابن محمد بن برزة، والكامل مدين بن شعيب والكامل عبد الوهاب بن القضاعى، وروى عن أبى داود السجستانى، قرأ عليه المستنير، غاية أبى العلاء، المبهج، الكفاية الكبرى للقلانسى، الكامل للهذلى على بن محمد بن خشنام المالكى، والمستنير أبو أحمد بن عبد الله بن الحسين، والمستنير محمد بن محمد بن فيروز والمستنير، جامع البيان أبو بكر محمد بن عبد الله بن أشتة والكامل للهذلى أحمد بن محمد ابن عيسى البصرى والكامل أبو الحسن على بن حبشان وجامع البيان أبو بكر ابن مقسم العطار والكامل ابن مينا وهبة الله بن جعفر والمبهج، الكفاية الكبرى، الكامل المطوعى والكامل ابن الكردى والمستنير أبو العباس الكيال والكامل زيد بن على وأبو المعلى عائذ بن إسحاق بن عواد سمع منه الحروف.
قال الدانى: انفرد بالإمامة فى عصره ببلده فلم ينازعه فى ذلك أحد من أقرانه مع ثقته وضبطه وحسن معرفته، وقال ابن الجزرى: وقد وهم فى تسميته وتسمية أبيه الشيخ أبو طاهر بن سوار فى كتابه المستنير فقال: أحمد بن حرب المعدل، والصواب محمد ابن يعقوب أبو العباس المعدل، وذاك أحمد بن حرب أبو جعفر قديم من أصحاب الدورى توفى سنة إحدى وثلاثمائة، وهذا متأخر يروى عن أصحاب الدورى، وتوفى بعد العشرين وثلاثمائة قال ابن الجزرى نعم الذى بلغنا أنه قرأ عليهما أبو العباس الحسن ابن سعيد المطوعى، وهو محتمل.
ينظر غاية النهاية (2/ 282) (3542)، ومعرفة القراء (1/ 230).(1/117)
منه فقال:
قد كنت أحسبنى قالون فانصرفت ... فاليوم أعلم أنى غير قالون» (1)
مسألة: من باب ذكر الإسناد.
ذكر الحافظ (2) رحمه الله [إسناد] (3) قراءة أبى بكر (4) عن عاصم (5) فقال فى
__________
(1) البيت لعبد الله بن عمر فى لسان العرب (قلن) وتاج العروس (قلن). ويروى (فانطلقت)، بدلا من: (فانصرفت).
(2) المراد: الإمام أبو عمرو الدانى.
(3) سقط فى أ.
(4) أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي، مولاهم الكوفى الحناط بالنون المقرئ، الفقيه، المحدث، شيخ الإسلام، وبقية الأعلام، مولى واصل الأحدب.
وفى اسمه أقوال: أشهرها شعبة فإن أبا هاشم الرفاعى، وحسين بن عبد الأول، سألاه عن اسمه، فقال: شعبة. وسأله يحيى بن آدم وغيره عن اسمه، فقال: اسمى كنيتى. وأما النسائى فقال: اسمه محمد.
قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات على عاصم بن أبى النجود، وعرضه أيضا فيما بلغنا على عطاء بن السائب، وأسلم المنقرى.
وحدث عن عاصم، وأبى إسحاق السبيعى، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل السدى، وتلا عليه جماعة، منهم: أبو الحسن الكسائى، ومات قبله، ويحيى العليمى، وأبو يوسف الأعشى.
ذكره أحمد بن حنبل فقال: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن وخير. وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبى بكر بن عياش.
قال يوسف بن يعقوب الصفار وغيره، ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل: مات أبو بكر فى جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة. قلت: عاش ستّا وتسعين سنة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (8/ 508495)، المعرفة والتاريخ (1/ 150، 182، 183)، (2/ 172)، وحلية الأولياء (7/ 303)، وتذكرة الحفاظ (1/ 265)، وميزان الاعتدال: (4/ 494)، والعبر (1/ 304، 311، 312)، ومعرفة القراء (1/ 115110)، وطبقات القراء (327325)، وتهذيب التهذيب (12/ 34)، وشذرات الذهب (1/ 334)، وتاريخ بغداد (14/ 371).
(5) الإمام الكبير مقرئ العصر، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفى، واسم أبيه بهدلة، وقيل:
بهدلة أمه، وليس بشيء، بل هو أبوه، مولده فى إمرة معاوية بن أبى سفيان.
وقرأ القرآن على أبى عبد الرحمن السلمى، وزر بن حبيش الأسدي، وحدث عنهما، وعن أبى وائل، ومصعب بن سعد، وطائفة من كبار التابعين، وروى فيما قيل عن الحارث ابن حسان البكرى، ورفاعة بن يثربى التميمى أو التيمى، ولهما صحبة. وهو معدود فى صغار التابعين.
حدث عنه عطاء بن أبى رباح، وأبو صالح السمان، وهما من شيوخه، وسليمان التيمى،(1/118)
الرواية: «حدثنى يحيى بن آدم (1)، أخبرنا أبو بكر عن عاصم».
وقال فى القراءة لما ذكر الصريفينى (2): «وقال: قرأت بها على يحيى بن آدم، عن
__________
وأبو عمرو بن العلاء، وشعبة، والثورى، وحماد بن سلمة، وشيبان النحوى، وأبان بن يزيد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وعدد كثير.
وتصدر للإقراء مدة بالكوفة، فتلا عليه أبو بكر، وحفص بن سليمان، والمفضل ابن محمد الضبى، وسليمان الأعمش وخلق كثير.
قال أبو عبيد: كان من قراء أهل الكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبى النجود، وسليمان الأعمش، وهم من موالى بنى أسد.
وقال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: ما رأيت أحدا أقرأ من عاصم.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبى عن عاصم بن بهدلة، فقال: رجل صالح خير ثقة، قلت: أى القراءات أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن، فقراءة عاصم.
وقال أحمد العجلى: عاصم صاحب سنة وقراءة، كان رأسا فى القرآن، قدم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر، وكان عثمانيا. قرأ عليه الأعمش فى حداثته، ثم قرأ بعده على يحيى بن وثاب.
توفى عاصم فى آخر سنة سبع وعشرين ومائة. وقال إسماعيل بن مجالد: توفى فى سنة ثمان وعشرين ومائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (5/ 261256)، وطبقات خليفة (159)، والتاريخ الكبير (6/ 487)، والتاريخ الصغير (2/ 9)، الجرح والتعديل (6/ 340)، وفيات الأعيان (3/ 9)، وتاريخ الإسلام (5/ 89)، وميزان الاعتدال (2/ 357)، والعبر (1/ 167)، وتهذيب التهذيب (5/ 38)، وتهذيب ابن عساكر (7/ 122، 124)، وطبقات القراء (1/ 346).
(1) يحيى بن آدم بن سليمان، العلامة، الحافظ، المجود، أبو زكريا الأموى مولاهم، الكوفى، ولد بعد الثلاثين ومائة، صاحب التصانيف، من موالى خالد بن عقبة ابن أبى معيط ولم يدرك والده، كأنه توفى وهذا حمل. روى عن: عيسى بن طهمان، ومالك ابن مغول، وفطر بن خليفة، ويونس بن أبى إسحاق، ومسعر بن كدام، وسفيان الثورى، وحمزة الزيات، وثقه يحيى بن معين والنسائى، وقال أبو حاتم: ثقة كان يتفقه. توفى غريبا ببلد فم الصلح، فى سنة ثلاث ومائتين فى شهر ربيع الأول فى النصف منه. ينظر: تاريخ ابن معين (936)، طبقات ابن سعد (6/ 402)، تاريخ خليفة (471)، سير أعلام النبلاء (9/ 225) (402)، وطبقات القراء (2/ 863) وتهذيب التهذيب (11/ 175).
(2) شعيب بن أيوب بن رزيق بتقديم الراء أبو بكر، ويقال: أبو أيوب الصريفينى، مقرئ ضابط موثق عالم، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن التيسير، المستنير، المبهج، الكامل يحيى بن آدم، أثبته الدانى، روى القراءة عنه المبهج محمد بن عمرو بن عون والكفاية والكامل أحمد بن يوسف القافلانى والتيسير، المستنير يوسف بن يعقوب(1/119)
أبى بكر عن عاصم».
قال لى الشيخ الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: «لم يقرأ يحيى على أبى بكر [القرآن] (1) وإنما قرأ عليه الحروف».
قال العبد: ولما ذكر الحافظ فى «المفردات» اتصال قراءته بأبى بكر عن عاصم ذكر [عن] (2) كل شيخ بينه وبين أبى بكر أنه قرأ إلا يحيى فلم يقل: إنه قرأ على أبى بكر، وإنما قال: قال يحيى: وسألت أبا بكر عن هذه الحروف يعنى حروف عاصم أربعين سنة، وقرأ أبو بكر على عاصم.
وقال ابن شريح فى «الكافى»: وقرأ يحيى على أبى بكر وهو وهم، والله عز وجل أعلم.
فظهر أن هذا الطريق لم تتصل فيه التلاوة.
وأما قراءة ابن عامر (3) فقال: فى «التيسير»:
__________
الواسطى والكامل أحمد بن سعيد الضرير. وسمع منه الحروف الكامل إبراهيم ابن عرفة نفطويه، مات بواسط سنة إحدى وستين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 327) (1422)
(1) سقط فى أ.
(2) سقط فى أ.
(3) عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم الإمام الكبير مقرئ الشام وأحد الأعلام أبو عمران اليحصبى الدمشقى، يقال ولد عام الفتح، وهذا بعيد، والصحيح ما قال تلميذه يحيى ابن الحارث الذمارى: أن مولده سنة إحدى وعشرين، قرأ على أبى الدرداء، والظاهر أنه قرأ عليه من القرآن.
وروى أنه سمع قراءة عثمان بن عفان، فلعل والده حج به فتهيأ له ذلك، وقيل: قرأ عليه نصف القرآن، ولم يصح.
وجاء أيضا أنه قرأ على قاضى دمشق فضالة بن عبيد الصحابى، والمشهور أنه تلا على المغيرة بن أبى شهاب المخزومى صاحب عثمان.
وحدث عن معاوية، والنعمان بن بشير، وفضالة بن عبيد، وواثلة بن الأسقع، وعدة، حدث عنه ربيعة بن يزيد القصير، والزبيدى، ويحيى الذمارى، وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، وعبد الله بن العلاء وجماعة، وتلا عليه يحيى بن الحارث وغيره. وثقه النسائى وغيره، وهو قليل الحديث.
قال الهيثم بن عمران: كان ابن عامر رئيس أهل المسجد زمن الوليد بن عبد الملك وبعده. خفيت على ابن عامر سنة متواترة، فنقل سعيد بن عبد العزيز قال: ضرب ابن عامر عطية بن قيس حين رفع يديه فى الصلاة، وقيل: إن عمر بن عبد العزيز لما بلغه ذلك، حجبه عن الدخول إليه.
وفى كنية ابن عامر أقوال تسعة، أقواها: أبو عمران، والأصح أنه عربى ثابت النسب من(1/120)
«ورواها الأخفش (1) عن ابن ذكوان». قال أبو جعفر بن الباذش: «قيل: قرأ عليه الحروف، وقيل: تلاوة».
وقال الحافظ فى «المفردات» فى أسانيده إلى الأخفش، عن ابن ذكوان: وفى بعضها قرأ على ابن ذكوان، ولم يقل أحد من أصحاب الأخفش: إن الأخفش قال:
قرأت على ابن ذكوان، وإنما قالوا عنه: حدثنا ابن ذكوان، إلا ابن عبد الرزاق (2)،
__________
حمير، قال يحيى الذمارى: كان ابن عامر قاضى الجند، وكان على بناء مسجد دمشق، وكان رئيس المسجد لا يرى فيه بدعة إلا غيرها. قال: ومات يوم عاشوراء سنة ثمانى عشرة ومائة، وله سبع وتسعون سنة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (5/ 293292)، وطبقات خليفة (235)، والتاريخ الصغير (1/ 100، 164)، وتاريخ الإسلام (3/ 267)، وميزان الاعتدال (2/ 449)، وطبقات القراء (423)، وتهذيب التهذيب (5/ 274)، وغاية النهاية (5/ 292).
(1) هو إمام النحو، أبو الحسن، سعيد بن مسعدة البلخى ثم البصرى مولى بنى مجاشع. أخذ عن الخليل بن أحمد، ولزم سيبويه حتى برع، وكان من أسنان سيبويه، بل أكبر.
قال أبو حاتم السجستانى: كان الأخفش قدريا رجل سوء، كتابه فى المعانى صويلح، وفيه أشياء فى القدر، وقال أبو عثمان المازنى: كان الأخفش أعلم الناس بالكلام، وأحذقهم بالجدل.
قال الذهبى: أخذ عنه المازنى، وأبو حاتم، وسلمة، وطائفة.
وعنه قال: جاءنا الكسائى إلى البصرة، فسألنى أن أقرأ عليه كتاب سيبويه، ففعلت، فوجه إلى بخمسين دينارا.
وكان الأخفش يعلم ولد الكسائى.
وكان ثعلب يفضل الأخفش، ويقول: كان أوسع الناس علما.
وله كتب كثيرة فى النحو والعروض ومعانى القرآن.
وجاء عنه قال: أتيت بغداد، فأتيت مسجد الكسائى، فإذا بين يديه الفراء والأحمر وابن سعدان، فسألته عن مائة مسألة، فأجاب، فخطأته فى جميعها، فهموا بى، فمنعهم، وقال: بالله أنت أبو الحسن؟ قلت: نعم، فقام وعانقنى، وأجلسنى إلى جنبه، وقال: أحب أن يتأدب أولادى بك، فأجبته. مات الأخفش سنة عشر ونيف ومائتين، وقيل: سنة عشرين. ينظر السير (10/ 208206)، ونزهة الألباء (133 135)، ومعجم الأدباء (11/ 230224)، وإنباه الرواة (2/ 4336)، وفيات الأعيان (2/ 380)، وتاريخ أبى الفداء (2/ 29)، ومرآة الجنان (2/ 61)، والوافى بالوفيات (13/ 8886)، والبداية والنهاية (10/ 293)، وروضات الجنات (314313)، والمزهر (2/ 419405)، وبغية الوعاة (1/ 591590)، ومفتاح السعادة (1/ 158 159)، وشذرات الذهب (2/ 36).
(2) الإمام مقرئ الشام، أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الرزاق بن حسن، الأنطاكى، روى عن أبى أمية الطرسوسى، ويزيد بن عبد الصمد وعلى بن عبد العزيز.
وتلا على: هارون الأخفش، وقنبل، وعثمان بن خرزاذ، وإسحاق الخزاعى، وعدة،(1/121)
وابن مرشد (1).
ثم قال: وكل ذلك صحيح ثابت، ولم يذكر فى المفردات قراءة ابن ذكوان، وإنما قال: عن ابن ذكوان قال: «أنا (2) أيوب بن تميم (3) قال: قرأت على يحيى ابن الحارث الذمارى (4)
__________
وتلا شيخه عثمان على قالون، وله مصنف فى القراءات الثمانى.
تلا عليه: محمد بن الحسن، وعلى بن بشر الأنطاكيان، وعبد المنعم بن غلبون، وأبو على بن حبش، وعدة.
وروى عنه: أبو أحمد الدهان، وأبو الحسين بن جميع، وطائفة.
قال أبو عمرو الدانى: هو مقرئ ضابط، ثقة مأمون.
وقال على بن بشر: مات شيخنا فى شعبان سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (15/ 385384)، ومعرفة القراء (1/ 231230)، وغاية النهاية (1/ 1716)، وشذرات الذهب (2/ 346).
(1) محمد بن أحمد بن مرشد بن الزرز، أبو بكر الدمشقى، مقرئ صالح، أخذ القراءة عرضا عن جامع البيان هارون الأخفش، روى القراءة عنه عرضا جامع البيان عبد الباقى ابن الحسن وقال: قرأت عليه ثلاثة ختمات متواليات ب «دمشق» وكان من خيار المسلمين، وصابرا على صيام الدهر ولزوم الجماعة، وأخبرنى أنه قرأ على الأخفش بدمشق قبل سنة تسعين ومائتين.
ينظر: غاية النهاية (2/ 88) (2804).
(2) فى أ: أخبرنا.
(3) أيوب بن تميم بن سليمان بن أيوب، أبو سليمان التميمى الدمشقى، ضابط مشهور، ولد فى أول سنة عشرين ومائة، قرأ عليه يحيى بن الحارث الذمارى، وهو الذى خلفه بالقيام فى القراءة ب «دمشق»، قرأ عليه عبد الله بن ذكوان، وروى القراءة عنه هشام وعرضا أيضا، وعبد الحميد بن بكار والوليد بن عتبة، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغسانى، قال ابن ذكوان: قلت له: أنت تقرأ بقراءة يحيى بن الحارث؟ قال: نعم أقرأ بحروفها كلها إلا قوله: «جبلا» فى «يس» فإنه رفع الجيم وأنا أكسرها، توفى سنة ثمان وتسع ومائة.
وقال القاضى أسد بن الحسين: سنة تسع عشرة ومائتين فى أيام المعتصم، وله تسع وتسعون سنة وشهران.
ينظر: غاية النهاية (1/ 172) (804).
(4) يحيى بن الحارث، الإمام الكبير أبو عمرو الغسانى، الذمارى ثم الدمشقى، إمام جامع دمشق، وشيخ المقرئين، وذمار: قرية باليمن.
ولد فى دولة معاوية، وقرأ على ابن عامر، وبلغنا أيضا أنه قرأ على واثلة بن الأسقع رضى الله عنه وحدث عنه، وعن سعيد بن المسيب، وأبى سلام الأسود، وأبى الأشعث الصنعانى، وسالم بن عبد الله، ومكحول، وعدة. تلا عليه عراك بن خالد، وأيوب ابن تميم، ومدرك بن أبى سعد، والوليد بن مسلم، وروى عنه: هم والأوزاعى،(1/122)
[بفتح الذال وكسرها] (1) وقرأ يحيى على عبد الله بن عامر».
وذكر الإمام أبو عبد الله بن شريح، وابن الباذش، وغيرهما: أن ابن ذكوان قرأ على أيوب، وكذلك ذكر الحافظ فى «المفردات» والإمام فى «الكافى» أن هشاما (2)
__________
وسعيد بن عبد العزيز، وصدقة بن خالد، وصدقة السمين، وسويد بن عبد العزيز، ويحيى ابن حمزة وابن شابور. قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن سعد: ثقة عالم بالقراءة فى دهره. مات سنة خمس وأربعين ومائة. قليل الحديث. وقال ابن معين: ليس به بأس.
قال أيوب بن تميم: كان يقف خلف الأئمة يرد عليهم لا يستطيع أن يؤم من الكبر. قال ابن أبى حاتم: عاش تسعين سنة.
قال سويد بن عبد العزيز: سألت يحيى بن الحارث عن عدد آى القرآن، فعقد بيده:
سبعة آلاف ومائتان وست وعشرون.
ينظر: سير أعلام النبلاء (6/ 190189)، وطبقات ابن سعد (7/ 168)، وتاريخ خليفة (423)، وطبقات خليفة (314)، والتاريخ الكبير (8/ 267)، والجرح والتعديل (9/ 135)، وثقات ابن حبان (3/ 289)، ومشاهير علماء الأمصار (199)، والكامل فى التاريخ (5/ 542)، وتهذيب التهذيب (11/ 194193).
(1) سقط فى ب.
(2) هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان، الإمام الحافظ العلامة المقرئ، عالم أهل الشام، أبو الوليد السلمى، ويقال: الظفرى، خطيب دمشق.
نقل عنه الباغندى، قال: ولدت سنة ثلاث وخمسين ومائة.
وسمع من: مالك، وتمت له معه قصة، ومسلم الزنجى، وعبد الرحمن بن أبى الرجال، ومعاوية بن يحيى الأطرابلسى، ومعروف أبى الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع، ويحيى ابن حمزة، وهقل بن زياد، وخلق كثير.
تلا على هشام طائفة، منهم: أحمد بن يزيد الحلوانى، وأبو عبيد، ومات قبله، وهارون الأخفش، وإسماعيل بن الحويرس، وأحمد بن محمد بن ماوية، وطائفة.
وروى عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، ومات قبله بنيف وعشرين سنة، ومحمد ابن سعد، ومات قبله ببضع عشرة سنة، ومؤمل بن الفضل الحرانى كذلك، ويحيى ابن معين كذلك.
وحدث عنه من كبار شيوخه: الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب بن شابور. وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخارى، وأبو داود، والنسائى، وابن ماجة، وروى الترمذى عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى الشام، ووهم من زعم أنه دخل دمشق.
وثقه يحيى بن معين، قال عبدان الأهوازى: كنا لا نصلى خلف هدبة بن خالد من طول صلاته، يسبح فى الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه خلق الله بهشام ابن عمار لحيته ووجهه، وكل شىء حتى فى صلاته.
قال البخارى وغيره: توفى هشام بن عمار فى آخر المحرم سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان ولده أحمد ممن قرأ عليه القرآن، وعاش إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (11/ 435420)، وطبقات ابن سعد (7/ 473)، والتاريخ الكبير (8/ 199)، والتاريخ الصغير (2/ 382)، والجرح والتعديل (9/ 66، 67)، وتذكرة الحفاظ (2/ 451)، والعبر (1/ 445)، وميزان الاعتدال (4/ 304302)،(1/123)
قرأ على عراك (1). فحصل من هذا كله أن التلاوة متصلة فى جميع الطرق إلا طريق أبى بكر المتقدم، والله عز وجل أعلم.
مسألة: أسند الحافظ رحمه الله كل واحدة من القراءات فى «التيسير» رواية وقراءة، وجعل سند الرواية غير سند القراءة إلا فى قراءة حفص (2) فإنه جعل سند الرواية والقراءة واحدا عن شيخه أبى الحسن بن غلبون (3) عن
__________
ومعرفة القراء الكبار (1/ 163160)، والبداية والنهاية (10/ 345)، وغاية النهاية فى طبقات القراء (2/ 354)، وتهذيب التهذيب (11/ 5451)، والنجوم الزاهرة (2/ 321)، وطبقات الحفاظ (197).
(1) عراك بن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح بن جشم، أبو الضحاك المرى الدمشقى، شيخ أهل دمشق فى عصره، أخذ القراءة عرضا عن يحيى بن الحارث الذمارى، وعن أبيه، وروى عن إبراهيم بن أبى عبلة وعن الكامل نافع فيما ذكره الهذلى، وهو بعيد جدّا، أخذ عنه القراءة عرضا هشام بن عمار، والكامل الربيع بن تغلب، وروى عنه ابن ذكوان، وأحمد ابن عبد العزيز البزار الصورى، قال الدانى: لا بأس به، وهو أحد الذين خلفوا الذمارى فى القراءة ب «الشام». مات قبيل المائتين فيما قاله الذهبى.
ينظر غاية النهاية (1/ 511) (113).
(2) حفص بن سليمان بن المغيرة، أبو عمر بن أبى داود، الأسدي الكوفى الغافرى البزاز، ويعرف بحفيص، أخذ القراءة عرضا وتلقينا عن عاصم، وكان ربيبه ابن زوجته، ولد سنة تسعين، قال الدانى: وهو الذى أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة، ونزل بغداد فأقرأ بها، وجاور بمكة فأقرأ أيضا بها، وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التى رويت عن قراءة عاصم رواية أبى عمر حفص بن سليمان. وقال أبو هشام الرفاعى: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم.
وقال الذهبى: أما القراءة فثقة ثبت ضابط لها، بخلاف حاله فى الحديث. قال ابن الجزرى:
يشير إلى أنه تكلم فيه من جهة الحديث، قال ابن المنادى: قرأ على عاصم مرارا، وكان الأولون يعدونه فى الحفظ فوق أبى بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التى قرأ على عاصم، وأقرأ الناس دهرا، وكانت القراءة التى أخذها عن عاصم ترتفع إلى على، رضى الله عنه. توفى سنة ثمانين ومائة على الصحيح، وقيل: بين الثمانين والتسعين.
ينظر: غاية النهاية (1/ 254، 255) (1158).
(3) طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون بن المبارك، أبو الحسن الحلبى، نزيل مصر، أستاذ عارف وثقة ضابط وحجة محرر، شيخ الدانى، ومؤلف التذكرة فى القراءات الثمانى، أخذ القراءات عرضا عن أبيه وعبد العزيز بن على، ثم رحل إلى العراق، فقرأ بالبصرة على محمد بن يوسف بن نهار الحرتكى والتيسير على بن محمد الهاشمى، وعلى بن محمد ابن خشنام المالكى، وسمع الحروف مع أبيه من جامع البيان إبراهيم بن محمد ابن مروان، وعتيق بن ما شاء الله، وجامع البيان عبد الله بن المبارك وعبد الله ابن محمد بن المفسر، وأبى الفتح بن بدهن، وسمع سبعة ابن مجاهد من أبى الحسن على ابن محمد بن إسحاق الحلبى المعدل عنه، روى القراءات عنه عرضا وسماعا الحافظ(1/124)
الهاشمى (1) عن الأشنانى (2)، عن عبيد الله بن الصباح (3) [عن حفص]
__________
التيسير أبو عمرو عثمان بن سعيد وإبراهيم بن ثابت الأقليسى وأحمد بن بابشاذ الجوهرى، وأبو الفضل عبد الرحمن الرازى، وأبو عبد الله محمد بن أحمد القزوينى، قال الدانى: لم ير فى وقته مثله فى فهمه وعلمه مع فضله وصدق لهجته، كتبنا عنه كثيرا. وتوفى بمصر لعشر مضين من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
ينظر غاية النهاية (1/ 339) (1475).
(1) محمد بن عيسى، أبو موسى، ويقال: أبو على، الهاشمى العباسى البغدادى، يعرف بالبياضى، شيخ مشهور، روى الحروف سماعا من غير عرض عن محمد بن يحيى القطعى والمبهج بشر بن هلال والمبهج نصر بن على، روى عنه الحروف والمبهج أبو بكر بن مجاهد والمبهج أبو بكر بن مقسم وأبو الحسن بن شنبوذ، وعليه مدار قراءة ابن محيصن من طريق الشنبوذى.
ينظر غاية النهاية (2/ 225) (3347).
(2) الإمام، شيخ القراء ببغداد، أبو العباس، أحمد بن سهل بن الفيرزان الأشنانى، صاحب عبيد ابن الصباح.
تلا على عبيد، ثم من بعده على جماعة من تلامذة عمرو بن الصباح، وبرع فى علم الأداء، وعمر دهرا، وحدث عن بشر بن الوليد الكندى، وعبد الأعلى بن حماد النرسى، وطائفة.
تلا عليه خلق، منهم: أبو بكر بن مقسم، وعبد الواحد بن أبى هاشم، وعلى بن محمد ابن صالح الهاشمى، وابن زياد النقاش، والحسن بن سعيد المطوعى، وإبراهيم بن أحمد الخرقى.
وممن زعم أنه تلا على الأشنانى: أبو أحمد السامرى، وعلى بن الحسين الغضائرى، وعبد القدوس بن محمد، وأحمد بن محمد بن سويد المعلم، وثلاثتهم انفرد بذكرهم أبو على الأهوازى، فالله أعلم.
وقد حدث عنه عبد العزيز الخرقى، ومحمد بن على بن سويد. وثقه الدارقطنى.
قال ابن أبى هاشم: قرأت القرآن كله على الأشنانى، وكان خيرا، فاضلا، ضابطا، وقال لى: قرأت على عبيد بن الصباح.
قال أبو على الأهوازى: قطع الأشنانى الإقراء قبل موته بعشر سنين. هكذا قال الأهوازى: فإن صح ذلك فأين قول أبى أحمد والغضائرى: إنهم قرءوا عليه؟ فقبح الله الكذب وذويه.
مات الأشنانى فى المحرم سنة سبع وثلاثمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء وتاريخ بغداد (4/ 185)، والعبر (2/ 134133)، وطبقات القراء للذهبى (1/ 201200)، والوافى بالوفيات (6/ 407)، وطبقات القراء للجزرى (1/ 6059)، وشذرات الذهب (2/ 250).
(3) عبيد بن الصباح بن أبى شريح بن صبيح أبو محمد النهشلى الكوفى ثم البغدادى مقرئ ضابط صالح، أخذ القراءة عرضا عن حفص عن عاصم، قال الحافظ أبو عمرو: وهو من أجل أصحابه وأضبطهم، روى القراءة عنه عرضا أحمد بن سهل الأشنانى والكامل عبد الصمد(1/125)
(1) عن عاصم.
باب الاستعاذة (2)
الاستعاذة: مصدر كالاستجارة والاستعانة، تقول: استعاذ زيد، إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومعنى «أعوذ بالله»: أمتنع بالله (3).
__________
ابن محمد العينونى وجامع البيان الحسن بن المبارك الأنماطى أيضا فيما ذكره الأهوازى عن شيخه الغضائرى عن أبى هاشم الزعفرانى عنه، وكذا فى جامع البيان، وقال ابن شنبوذ: لم يرو عنه غير الأشنانى وما ذكر عنه فمن طريق الأداء لا من طريق الرواية، قال: وقد ذكر الأشنانى أنه لم يجد بين أصحاب عمرو الذين قرأ عليهم وعبيد خلافا، وهذا دليل الاختلال لأنا نجد من طريق غيره عنهما خلافا، قال ابن الجزرى: كلامه هذا آخر ينقض قوله أولا لم يرو عنه غير الأشنانى، قال أبو على الأهوازى: وليس عمرو بن الصباح وعبيد ابن الصباح بأخوين، وقال الحافظ أبو عمرو: هما أخوان وأبعد بعضهم وأغرب فقال: هما واحد، وقال أبو الحسن بن غلبون: حدثنا على بن محمد حدثنا أحمد بن سهل قال قرأت على أبى محمد عبيد بن الصباح فكان ما علمته من الورعين المتقين وقال قرأت القرآن من أوله إلى آخره وأتقنته على أبى عمر حفص ليس بينى وبينه أحد، قال الأهوازى: سمعت أحمد بن عبد الله بن الحسين يقول: سمعت محمد بن عبيد الله بن الحسن يقول: مات عبيد سنة خمس وثلاثين ومائتين، قال ابن الجزرى: وأنبأنى الثقات عن على بن أحمد عن الكندى أنا أبو منصور بن خيرون أنا الحسن بن على بن محمد الجوهرى سنة أربع خمسين وأربعمائة أنا أبو القاسم الخرقى وأبو بكر أحمد بن محمد بن سويد قالا: أنبأنا أبو العباس الأشنانى قال مات عبيد بن الصباح سنة تسع عشرة ومائتين وهذا أصح والله أعلم.
ينظر: غاية النهاية (1/ 495، 496) (2061).
(1) سقط فى أ.
(2) اعلم أن الاستعاذة ليست من القرآن إجماعا وإنما درج العلماء والمفسرون على الابتداء بالحديث عنها لما ورد فى شأنها من قوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] حيث قيل بوجوب الاستعاذة عند القراءة على كل قارئ، وقيل بوجوبها على النبى صلى الله عليه وسلم وحده، وقيل بأنها مندوبة، لا واجبة، وسيأتى تفصيل ذلك فى المسألة الرابعة من هذا الباب. وينظر اللباب (1/ 79).
(3) العوذ له معنيان:
أحدهما: الالتجاء والاستجارة.
والثانى: الالتصاق، ويقال: (أطيب اللحم عوذه) وهو ما التصق بالعظم.
فعلى الأول: أعوذ بالله، أى: ألتجئ إلى رحمة الله، ومنه العوذة: وهى ما يعاذ به من الشر.
وقيل للرقية والتميمة وهى ما يعلق على الصبى: عوذة، وعوذة، بفتح العين وضمها، وكل أنثى وضعت فهى عائذ إلى سبعة أيام.
ويقال: عاذ يعوذ عوذا، وعياذا، ومعاذا، فهو عائذ ومعوذ، ومنه قول الشاعر:(1/126)
واعلم أن الكلام فى الاستعاذة ينحصر فى أربع مسائل:
المسألة الأولى: فى لفظها.
المسألة الثانية (1): فى كيفية اللفظ بها.
المسألة الثالثة (2): فى محل استعمالها.
المسألة الرابعة (3): فى حكمها من حيث الأمر الوارد بها (4).
المسألة الأولى: فى لفظها.
واختلف الناس فيه، فحكى المصريون (5) عن ورش (6): «أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم».
وقد حكى هذا عن قنبل (7) أيضا.
__________
ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا ... وعائذا بك أن يعلوا فيطغونى
قيل: عائذ هنا أصله اسم فاعل، ولكنه وقع موقع المصدر، كأنه قال: وعياذا بك.
(1) فى ب. والثانية.
(2) فى ب: والثالثة.
(3) فى ب: والرابعة.
(4) فى أ. لها.
(5) هم: يونس بن عبد الأعلى، وعبد الله بن مالك، وأبو يعقوب الأزرق، وموسى بن سهل.
(6) شيخ الإقراء بالديار المصرية، أبو سعيد، وأبو عمرو، عثمان بن سعيد بن عبد الله ابن عمرو، وقيل: اسم جده عدى بن غزوان القبطي الإفريقى مولى آل الزبير.
قيل: ولد سنة عشر ومائة.
جود ختمات على نافع، ولقبه نافع بورش لشدة بياضه، والورش يصنع، وقيل: لقبه بطائر اسمه ورشان، ثم خفف، فكان لا يكرهه ويقول: نافع أستاذى سمانى به.
وكان فى شبيبته رواسا، وكان أشقر أزرق، ربعة سمينا، قصير الثياب، ماهرا بالعربية، انتهت إليه رئاسة الإقراء.
تلا عليه: أحمد بن صالح الحافظ، وداود بن أبى طيبة، ويوسف الأزرق، وعبد الصمد ابن عبد الرحمن بن القاسم، ويونس بن عبد الأعلى، وعدد كثير.
وكان ثقة فى الحروف حجة. قال يونس: كان جيد القراءة، حسن الصوت، إذا قرأ يهمز، ويمد، ويشدد، ويبين الإعراب، لا يمله سامعه.
ويقال: إنه تلا على نافع أربع ختمات فى شهر واحد، مات بمصر فى سنة سبع وتسعين ومائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 296295)، ومعجم الأدباء (12/ 116)، والعبر (1/ 324)، ومعرفة القراء (1/ 126، 128)، وطبقات القراء (1/ 502)، والنجوم الزاهرة (2/ 155)، وحسن المحاضرة (1/ 485).
(7) إمام فى القراءة مشهور، وهو أبو عمر، محمد بن عبد الرحمن المخزومى مولاهم المكى(1/127)
وروى عن نافع (1)، وابن عامر والكسائى: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله
__________
عاش ستّا وتسعين سنة. وإنما لقب قنبلا لأنه كان يكثر من استعمال دواء يعرف بالقنبل تلا على أبى الحسن القواس وغيره.
أخذ عنه ابن شنبوذ، وابن مجاهد، وابن عبد الرزاق، وابن شوذب الواسطى. يقال:
هرم وتغير. مات سنة إحدى وتسعين ومائتين. ينظر: سير أعلام النبلاء (14/ 84)، ومعجم الأدباء (17/ 1817)، ووفيات الأعيان (3/ 42)، والعبر (2/ 89)، وطبقات القراء للذهبى (1/ 187186)، ودول الإسلام (1/ 176)، والوافى بالوفيات (3/ 227226)، والبداية والنهاية (11/ 99)، والعقد الثمين (2/ 110109)، وطبقات القراء للجزرى (2/ 166165)، والنشر فى القراءات العشر (1/ 121120)، وشذرات الذهب (2/ 208).
(1) نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم أبو رويم، ويقال: أبو نعيم ويقال: أبو الحسن وقيل:
أبو عبد الله وقيل: أبو عبد الرحمن الليثى مولاهم، وهو مولى جعونة بن شعوب الليثى حليف حمزة بن عبد المطلب المدنى أحد القراء السبعة والأعلام ثقة صالح، أصله من أصبهان، وكان أسود اللون حالكا صبيح الوجه حسن الخلق فيه دعابة، أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعى أهل المدينة، قال أبو قرة موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين. روى القراءة عنه عرضا وسماعا المستنير، والغاية، وجامع البيان، والكامل إسماعيل بن جعفر وعيسى بن وردان، وسليمان بن مسلم بن جماز والكامل مالك بن أنس، وهم من أقرانه. وإسحاق بن محمد والكامل أبو بكر والكامل إسماعيل ابنا أبى أويس والكامل يعقوب بن جعفر أخو إسماعيل، وعبد الرحمن ابن أبى الزناد والكامل الزبير بن عامر وخلف بن وضاح وأبو الذكر محمد بن يحيى وأبو العجلان وأبو غسان محمد بن يحيى بن على وصفوان ومحمد بن عبد الله بن إبراهيم ابن وهب، وهؤلاء من أهل المدينة. والكامل موسى بن طارق أبو قرة اليمانى والكامل عبد الملك بن قريب الأصمعى وخالد بن مخلد القطوانى والكامل أبو عمرو ابن العلاء وأبو الربيع الزهرانى روى عنه حرفين والكامل خارجة بن مصعب الخراسانى وخلف بن نزار الأسلمى. وأقرأ الناس دهرا طويلا نيفا عن سبعين سنة، وانتهت إليه رئاسة القراءة بالمدينة، وصار الناس إليها، وقال أبو عبيد: وإلى نافع صارت قراءة أهل المدينة وبها تمسكوا إلى اليوم، وقال ابن مجاهد: وكان الإمام الذى قام بالقراءة بعد التابعين بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم: نافعا قال: وكان عالما بوجوه القراءات متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده، وقال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال نعم. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبى: أى القراءة أحب إليك؟ قال قراءة أهل المدينة، قلت: فإن لم يكن؟ قال: قراءة عاصم، قرأت القرآن كله على الإمام أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن التحقيق، وقرأه هو على الصائغ التحقيق، وقرأ على الكمال الضرير التحقيق، وقرأ على الشاطبى التحقيق، وقرأ ابن هذيل التحقيق، وقرأ على أبى داود التحقيق، وقرأ على الدانى التحقيق، وقرأ على فارس التحقيق، وقرأ على عمر ابن عراك التحقيق، وقرأ على حمدان بن عون التحقيق، وقرأ على إسماعيل النحاس(1/128)
هو السميع العليم» (1).
وروى عن حفص: «أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم» (2).
وعن حمزة: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».
وعنه أيضا: «أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم».
وعن بعضهم أنه اختار للجماعة: «أعوذ بالله القوى من الشيطان الغوى».
وحكى أن أبا بكر الصديق (3) رضى الله عنه كان يتعوذ بهذا التعوذ الأخير.
__________
التحقيق. وقرأ على الأزرق التحقيق، وقرأ على ورش التحقيق، وقرأ على نافع التحقيق، ح: وأخبرنى أبو محمد بن أبى بكر الحافظ عن عثمان بن محمد المالكى عن أبى إسحاق الإشبيلى عن أبى عبد الله الأندلسى عن أحمد بن محمد بن محمد عن أبى عمرو قال: حدثنا فارس بن أحمد، ثنا عمر بن محمد المقرى، ثنا أبو محمد الحسن ابن أبى الحسن العسكرى، ثنا محمد بن الحسن بن عمير، ثنا عبد الرحمن بن داود ابن أبى طيبة قال قرأت على أبى التحقيق، وأخبرنى أنه قرأ على ورش التحقيق، وأخبره أنه قرأ على نافع التحقيق، قال: وأخبرنى نافع أنه قرأ على الخمسة التحقيق، وأخبرنى الخمسة أنهم قرءوا على عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة التحقيق، وأخبرهم عبد الله أنه قرأ على أبى بن كعب التحقيق، وأخبرنى أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم التحقيق، قال: وقرأ النبى على التحقيق. قال الحافظ أبو عمرو الدانى هذا الحديث غريب، لا أعلمه يحفظ إلا من هذا الوجه، وهو مستقيم الإسناد.
ينظر غاية النهاية (2/ 334330).
(1) وبهذا قال الثورى والأوزاعى، وهو قريب مما قاله أحمد بن حنبل، حيث قال رضى الله عنه: «الأولى: أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه هو السميع العليم» ووجّه ذلك بأن فى هذه الصيغة جمعا بين صيغة الأمر الوارد فى قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] والصيغة الواردة فى قوله عز وجل {وَإِمََّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، كما أن الغرض من الاستعاذة الاحتراز من شر الوسوسة، ومعلوم أن الوسوسة كأنها كلام خفى فى قلب الإنسان، ولا يطلع عليها أحد، فكأن العبد يقول: يا من هو يسمع كل مسموع، ويعلم كل سر خفى أنت تعلم وسوسة الشيطان، وتعلم غرضه منها، وأنت القادر على دفعها عنى، فادفعها عنى بفضلك فلهذا السبب كان ذكر {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أولى بهذا الموضع من سائر الأذكار. ينظر اللباب (1/ 80، 81، 100).
(2) وهذا ما اختاره أيضا بعض الشافعية، موجهين إياه بما سبق عن أحمد بن حنبل من الجمع بين صيغتى الآيتين.
(3) عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد تيم، التيمى، أبو بكر بن أبى قحافة الصديق، أول الرجال إسلاما ورفيق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فى هجرته. شهد المشاهد، وكان من أفضل الصحابة، وروى مائة واثنين وأربعين حديثا، اتفقا على ستة، وانفرد البخارى بأحد عشر، ومسلم بحديث. وعنه ولداه عبد الرحمن وعائشة وعمر وعلى وخلق. وكان(1/129)
وذكر الحافظ فى «جامع البيان» أن الرواية فى الاستعاذة قبل القراءة وردت عن النبى صلى الله عليه وسلم بلفظين:
أحدهما: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
روى ذلك جبير بن مطعم (1).
والثانى: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».
روى ذلك عنه أبو سعيد الخدرى (2).
قال: وروى أبو روق (3)
__________
أبيض أشقر لطيفا مسترق الوركين، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «سدوا كل خوخة إلا خوخة أبى بكر».
وقال عمر: أبو بكر خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. توفى سنة ثلاث عشرة، عن ثلاث وستين سنة، ودفن بالحجرة النبوية.
ينظر: تهذيب التهذيب (5/ 315) (537)، والإصابة (4/ 169)، وتهذيب الكمال (2/ 78).
(1) جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف، النوفلى، أبو محمد أو أبو عدى، المدنى، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح، له ستون حديثا، اتفقا على ستة، وانفرد البخارى بحديث، ومسلم بآخر، روى عنه ابناه محمد ونافع، وسليمان بن صرد وابن المسيب وطائفة. وكان حليما وقورا عارفا بالنسب. وذكر ابن إسحاق أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل وتوفى سنة تسع أو ثمان وخمسين بالمدينة. ينظر: الخلاصة (1/ 16) (1005)، تهذيب التهذيب (2/ 63).
والحديث أخرجه أحمد (4/ 8582)، وأبو داود (764، 765) وابن ماجة (807)، وأبو يعلى (7398)، وابن خزيمة (469468) وابن الجارود (180)، وابن حبان (1779) والطبرانى (1568، 1569)، والحاكم (1/ 235)، والبيهقى (2/ 35)
(2) سعد بن مالك بن سنان بنونين ابن عبد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة الخدرى، أبو سعيد، بايع تحت الشجرة، وشهد ما بعد أحد، وكان من علماء الصحابة، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثا، اتفقا على ثلاثة وأربعين، وانفرد البخارى بستة وعشرين، ومسلم باثنين وخمسين وعنه طارق بن شهاب، وابن المسيب، والشعبى، ونافع وخلق، قال الواقدى: مات سنة أربع وسبعين.
ينظر: الخلاصة (1/ 371) (2397)، تهذيب التهذيب (3/ 479)، الإصابة (3/ 78)، والوافى بالوفيات (15/ 200).
والحديث أخرجه أحمد (3/ 50، 69)، وأبو داود (1/ 265) كتاب الصلاة باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك (775) والترمذى (1/ 282) كتاب الصلاة باب ما يقول عند افتتاح الصلاة (242) وابن ماجة (1/ 102) كتاب إقامة الصلاة باب افتتاح الصلاة (804) والنسائى (2/ 132) كتاب الافتتاح باب نوع آخر من الذكر، وأبو يعلى (1108)، وابن خزيمة (467) من حديث أبى سعيد الخدرى.
(3) عطية بن الحارث الهمدانى، أبو روق الكوفى. عن أنس وإبراهيم التيمى والشعبي.
وعنه ابناه: يحيى وعمارة والثورى. قال أبو حاتم: صدوق.(1/130)
عن الضحاك (1)، عن ابن عباس (2) أنه قال: «أول ما نزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم علمه الاستعاذة قال: «يا محمد قل: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» (3) ثم قال: «قل: بسم الله الرحمن الرحيم».
قال الحافظ: وعلى استعمال هذين اللفظين عامة أهل الأداء من أهل الحرمين (4)، والعراقين، والشام، فأما أهل مصر، وسائر أهل المغرب فاستعمال أكثر أهل الأداء منهم لفظ ثالث وهو: «أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم».
ثم رجح التعوذ الأول، وعليه عول رغبة فى «التيسير» فقال: [اعلم أن المستعمل عند
__________
ينظر: تهذيب التهذيب (7/ 224)، وتقريب التهذيب (2/ 24)، الخلاصة (2/ 233)، (4875)، والثقات (7/ 277).
(1) الضحاك بن مزاحم الهلالى مولاهم، الخراسانى، يكنى أبا القاسم.
عن أبى هريرة، وابن عباس، وأبى سعيد وابن عمر، وزيد بن أرقم، وأنس. وعنه:
عبد الرحمن بن عوسجة وعبد العزيز بن أبى رواد وقرة بن خالد، وخلق.
قال سعيد بن جبير: لم يلق ابن عباس. ووثقه أحمد، وابن معين، وأبو زرعة.
وقال ابن حبان: فى جميع ما روى نظر إنما اشتهر بالتفسير.
قال أبو نعيم: مات سنة خمس ومائة.
ينظر: الخلاصة (2/ 5) (3146)، وتهذيب التهذيب (4/ 453)، وتقريب التهذيب (1/ 373)، والثقات (6/ 480).
(2) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، الهاشمى، أبو العباس المكى ثم المدنى ثم الطائفى، ابن عم النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه وحبر الأمة وفقيهها، وترجمان القرآن روى ألفا وستمائة وستين حديثا.
اتفقا على خمسة وسبعين، وانفرد البخارى بثمانية وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين.
وعنه: أبو الشعثاء، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وابن المسيب وعطاء بن يسار، وأمم.
قال موسى بن عبيدة: كان عمر يستشير ابن عباس، ويقول: غواص.
وقال سعد: ما رأيت أحضر فهما، ولا ألب لبا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات. وقال عكرمة: كان ابن عباس إذا مر فى الطريق قالت النساء: أمر المسك أو ابن عباس؟ وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا نطق قلت: أفصح الناس، وإذا حدث قلت: أعلم الناس. مناقبه جمة.
قال أبو نعيم: مات سنة ثمان وستين. قال ابن بكير: بالطائف، وصلى عليه محمد ابن الحنفية.
ينظر: الخلاصة (2/ 7069) (3589)، وتهذيب التهذيب (5/ 276)، وتقريب التهذيب (1/ 425)، والثقات (33/ 207)، وأسد الغابة (3/ 290).
(3) أخرجه الطبرى فى تفسيره (1/ 77) (137).
(4) هما: مكة، والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.(1/131)
الحذّاق من أهل الأداء فى لفظها] (1): «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» (2) دون غيره.
__________
(1) سقط فى أ.
(2) وهذه الصيغة اختارها أبو حنيفة رضى الله عنه لموافقتها ظاهر الآية الكريمة: {فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
و «أعوذ» فعل مضارع، وأصله: «أعوذ» بضم الواو، مثل: «أقتل، وأخرج أنا» وإنما نقلوا حركة الواو إلى الساكن قبلها لأن الضمة ثقيلة، وهكذا كل مضارع من فعل عينه واو، نحو: «أقوم، ويقوم، وأجول، ويجول» وفاعله ضمير المتكلم.
وهذا الفاعل لا يجوز بروزه بل هو من المواضع السبعة التى يجب فيها استتار الضمير على خلاف فى السابع ولا بد من ذكرها لعموم فائدتها، وكثرة دورها:
الأول: المضارع المسند للمتكلم وحده نحو: «أفعل».
الثانى: المضارع المسند للمتكلم مع غيره، أو المعظم نفسه نحو: «نفعل نحن».
الثالث: المضارع المسند للمخاطب، نحو: تفعل أنت، ويوحد المخاطب بقيد الإفراد، والتذكير لأنه متى كان مثنى، أو مجموعا، أو مؤنثا وجب بروزه نحو، «تقومان يقومون تقومين».
الرابع: فعل الأمر المسند للمخاطب، نحو: «افعل أنت» ويوحد المخاطب أيضا بقيد الإفراد، والتذكير لأنه متى كان مثنى، أو مجموعا، أو مؤنثا وجب بروزه، نحو «افعلا افعلوا افعلى».
الخامس: اسم فعل الأمر مطلقا، سواء كان المأمور مفردا، أو مثنى، أو مجموعا، أو مؤنثا، نحو: «صه يا زيد يا زيدان يا زيدون يا هند يا هندان يا هندات».
بخلاف فعل الأمر فإنه يبرز فيه ضمير غير المفرد المذكر، كما تقدم.
السادس: اسم الفعل المضارع نحو: «أوه» أى: أتوجع، و «أف» أى: أتضجر، و «وى» أى: أعجب.
وهذه الستة لا يبرز فيها الضمير بلا خلاف.
وقولنا «اسم فعل الأمر، واسم الفعل المضارع» احتراز عن اسم الفعل الماضى فإنه لا يجب فيه الاستتار.
السابع: المصدر الواقع موقع الفعل بدلا من لفظه نحو: «ضربا زيدا» وقول الشاعر:
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب
وقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقََابِ} [محمد: 4].
هذا إذا جعلنا فى (ضربا) ضميرا مستترا، وأما من يقول من النحويين: إنه لا يتحمل ضميرا البتة، فلا يكون من المسألة فى شىء.
والضابط فيما يجب استتاره، وإن عرف من تعداد الصور المتقدمة: أن كل ضمير لا يحل محله ظاهر، ولا ضمير متصل، فهو واجب الاستتار كالمواضع المتقدمة، وما جاز أن يحل محله أحدهما، فهو جائز الاستتار، نحو: (زيد قام) فى (قام) ضمير جائز الاستتار، ويحل محله الظاهر، نحو: (زيد قام أبوه) أو الضمير المنفصل، نحو: (زيد ما قام إلا هو)(1/132)
__________
فإن وجد من لسانهم فى أحد المواضع المتقدمة الواجب فيها الاستتار، ضمير منفصل، فليعتقد كونه توكيدا للضمير المستتر، كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
[البقرة: 35] ف (أنت) مؤكد لفاعل (اسكن).
و (بالله) جار ومجرور، وكذلك: (من الشيطان) وهما متعلقان ب (أعوذ).
ومعنى الباء: الاستعانة، و (من): للتعليل، أى: أعوذ مستعينا بالله من أجل الشيطان، ويجوز أن تكون (من) لابتداء الغاية.
والشيطان: المتمرد من الجن، وقيل: الشياطين أقوى من الجن، والمردة أقوى من الشياطين، والعفريت أقوى من المردة، والعفاريت أقواها.
وقال أبو عبيدة رحمه الله: الشيطان اسم لكل عارم من الجن، والإنس، والحيوانات لبعده من الرشاد، قال تبارك وتعالى: {وَكَذََلِكَ جَعَلْنََا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيََاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112]، فجعل من الإنس شياطين.
وركب عمر رضى الله تعالى عنه برذونا، فطفق يتبختر فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه، وقال: (ما حملتمونى إلا على شيطان).
وقد يطلق على كل قوة ذميمة فى الإنسان قال عليه الصلاة والسلام (الحسد شيطان، والغضب شيطان) وذلك لأنهما ينشآن عنه.
واختلف أهل اللغة فى اشتقاقه:
فقال جمهورهم: هو مشتق من: (شطن يشطن) أى: بعد لأنه بعيد من رحمة الله تعالى، وأنشد:
نأت بسعاد عنك نوى شطون ... فبانت والفؤاد بها رهين
وقال آخر:
أيما شاطن عصاه عكاه ... ثم يلقى فى السجن والأكبال
وحكى سيبويه رحمه الله: (تشيطن) أى: فعل فعل الشياطين فهذا كله يدل على أنه من (شطن) لثبوت النون، وسقوط الألف فى تصاريف الكلمة، ووزنه على هذا:
(فيعال).
وقيل: هو مشتق من (شاط يشيط) أى: هاج، واحترق، ولا شك أن هذا المعنى موجود فيه، فأخذوا بذلك أنه مشتق من هذه المادة لكن لم يسمع فى تصاريفه إلا ثابت النون، محذوف الألف كما تقدم، ووزنه على هذا: (فعلان)، ويترتب على القولين: صرفه وعدم صرفه، إذا سمى به، وأما إذا لم يسم به، فإنه منصرف البتة لأن من شرط امتناع (فعلان) الصفة: ألا يؤنث بالتاء، وهذا يؤنث بها قالوا: (شيطانة).
قال ابن الخطيب: و (الشيطان) مبالغة فى الشيطنة كما أن (الرحمن) مبالغة فى الرحمة.
و (الرجيم) فى حق الشيطان (فعيل) بمعنى: مفعول أى مرجوم.
و (الرجيم) نعت له على الذم، وفائدة النعت: إما إزالة اشتراك عارض فى معرفة، نحو:
(رأيت زيدا العاقل)، وإما تخصيص نكرة، نحو: (رأيت رجلا تاجرا)، وإما لمجرد مدح،(1/133)
__________
أو ذم، أو ترحم، نحو: (مررت بزيد المسكين)، وقد يأتى لمجرد التوكيد، نحو قوله:
{نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] ولا بد من ذكر قاعدة فى النعت، تعم فائدتها:
اعلم أن النعت إن كان مشتقّا بقياس، وكان معناه لمتبوعه، لزم أن يوافقه فى أربعة من عشرة، أعنى فى واحد من ألقاب الإعراب: الرفع، والنصب، والجر، وفى واحد من:
الإفراد، والتثنية، والجمع، وفى واحد من: التذكير والتأنيث، وفى واحد من:
التعريف، والتنكير.
وإن كان معناه لغير متبوعه، وافقه فى اثنين من خمسة: فى واحد من ألقاب الإعراب، وفى واحد من التعريف والتنكير، نحو: (مررت برجلين عاقلة أمهما)، فلم يتبعه فى تثنية ولا تذكير.
وإذا اختصرت ذلك كله، فقل: النعت يلزم أن يتبع منعوته فى اثنين من خمسة مطلقا:
فى واحد من ألقاب الإعراب، وفى واحد من التعريف والتنكير، وفى الباقى كالفعل، يعنى:
أنك تضع موضع النعت فعلا، فمهما ظهر فى الفعل، ظهر فى النعت، مثاله ما تقدم فى:
(مررت برجلين عاقلة أمهما) لأنك تقول: (مررت برجلين عقلت أمهما).
و (الرجيم) قد تبع موصوفه فى أربعة من عشرة لما عرفت، وهو مشتق من (الرجم)، والرجم أصله: الرمى بالرجام، وهى الحجارة، ويستعار الرجم للرمى بالظن والتوهم، قال زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم
ويعبر به أيضا عن الشتم قال تعالى: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46] قيل:
أقول فيك قولا سيئا.
والمراجمة: المسابة الشديدة استعارة كالمقاذفة، فالرجيم معناه: المرجوم، فهو (فعيل) بمعنى (مفعول) كقولهم: كف خضيب، أى: مخضوب، ورجل لعين، أى: ملعون، قال الراغب: و «الترجمان»: تفعلان، من ذلك، كأنه يعنى أنه يرمى بكلام من يترجم عنه إلى غيره. والرّجمة: أحجار القبر، ثم عبر بها عنه وفى الحديث: (لا ترجموا قبرى) أى: لا تضعوا عليه الرجمة.
ويجوز أن يكون بمعنى (فاعل) لأنه يرجم غيره بالشر، ولكنه بمعنى (مفعول) أكثر، وإن كان غير مقيس.
ثم فى كونه مرجوما وجهان:
الأول: أن معنى كونه مرجوما كونه ملعونا من قبل الله تعالى قال الله تعالى:
{فَاخْرُجْ مِنْهََا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر: 34] واللعن يسمى رجما.
وحكى الله تعالى عن والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} قيل: عنى بقوله الرجم بالقول.
وحكى الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام أنهم قالوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يََا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116]، وفى سورة يس: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس: 18].
والوجه: أن الشيطان إنما وصف بكونه مرجوما لأنه تعالى أمر الملائكة برمى الشياطين(1/134)
وهذا التعوذ هو المختار أيضا عند الشيخ أبى محمد مكى، وعند الإمام أبى عبد الله بن شريح.
وفى قول الحافظ: «دون غيره» إشعار بالخلاف المتقدم.
[و] (1) قوله: «وذلك لموافقة الكتاب والسنة» تعليل لاختيار هذا اللفظ دون غيره، ثم ذكر الآية، والحديث.
ووجه الموافقة للآية أنك تجعل «أعوذ» بدل «أستعيذ» ويبقى قولك: «بالله من الشيطان الرجيم» فى الاستعاذة كما هو فى الآية من غير تبديل، ولا زيادة، ولا نقص.
وقد جاء التعوذ فى مواضع من القرآن، كقوله تعالى: {وَإِمََّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
وفى الآية الأخرى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].
وفى آية أخرى: {يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزََاتِ الشَّيََاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 9897].
وفى موضع آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} [الناس: 1] إلى آخر السورتين.
وفى موضع آخر: {أَعُوذُ بِاللََّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجََاهِلِينَ} [البقرة: 67]، {قََالَ مَعََاذَ اللََّهِ إِنَّهُ رَبِّي} [يوسف: 23].
وليس فى جميعها ما ورد عند قراءة القرآن إلا قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] فهذا وجه ما ذكر من الموافقة للكتاب.
وأما السنة: فما رواه جبير كما ذكر ولعله إنما رجح رواية جبير على رواية أبى سعيد الخدرى لموافقة الآية كما تقدم، فرأى أن ما (2) يوافق فيه الكتاب والسنة أولى فى الاستعمال مما اختص به أحدهما مع أن الأمر فى ذلك واسع، والله جل
__________
بالشهب والثواقب طردا لهم من السموات، ثم وصف بذلك كل شرير متمرد.
ينظر اللباب (1/ 80، 10095).
(1) سقط فى ب.
(2) فى ب: أيما.(1/135)
وتعالى أعلم.
ولسعة الأمر فيه قال ابن فيرة فى قصيدته لما ذكر التعوذ:
على ما أتى فى النّحل يسرا وإن ترد ... لربّك تنزيها فلست مجهّلا
المسألة الثانية: فى كيفية اللفظ بها.
قال الحافظ رحمه الله: «ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء فى الجهر بها عند افتتاح القرآن، وعند الابتداء برءوس الأجزاء وغيرها فى مذهب الجماعة».
هذا الذى ذكر الحافظ من الجهر بالاستعاذة هو اختيار الشيخ أبى محمد مكى، ولم أجد للإمام أبى عبد الله بن شريح تعرضا للجهر، ولا للإخفاء (1)، لكنى قرأت بالجهر فى طريقه كالذى قرأت من طريق الحافظ والشيخ، ولم يأمرنى أحد ممن قرأت عليه بطريقه بالإخفاء، والله تبارك وتعالى أعلم (2).
قوله: «عند افتتاح القرآن»، يريد الابتداء بسورة الحمد، و «عند الابتداء برءوس الأجزاء» يريد الابتداء بحزب من أى سورة كان، أو بنصف حزب، أو ربعه.
قوله: «وغيرها» يريد الابتداء بأى سورة كانت، أو أى آية كانت سواء وافقت جزءا، أو لم توافقه فحصل من هذا استعمال التعوذ عند كل ابتداء على كل حال.
وهذا حاصل قول الشيخ، والإمام.
قوله: «اتباعا للنص واقتداء بالسنة».
يعنى بالنص: الآية التى ذكر، وبالسنة: الحديث الذى روى جبير، وليس يرجع قوله: «اتباعا للنص واقتداء بالسنة» إلى الجهر، وإنما يرجع إلى استعمال التعوذ عند كل ابتداء حملا للآية والحديث على العموم، والله جل جلاله أعلم.
قوله: «فأما الرواية بذلك فوردت عن أبى عمرو».
يعنى الرواية بالجهر، ثم ذكر الإخفاء رواية عن نافع وعن حمزة، وليس فيما ذكر
__________
(1) فى أ: وللإخفاء.
(2) وأيهما فعل من الجهر أو الإخفاء، فهو جائز فقد روى أن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما لما قرأ أسر بالتعويذ.
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه جهر به، ذكره الشافعى رحمه الله تعالى فى (الأم) ثم قال: فإن جهر به جاز، وإن أسر به جاز. ينظر اللباب (1/ 88).(1/136)
من الإخفاء المروى مناقضة لقوله: «ولا أعلم بين أهل الأداء خلافا فى الجهر بها» إذ لا تعارض بين الرواية والأداء، ونظير هذه المسألة من الفقه يكون فيها قولان عن مالك (1) مثلا، فيستمر العمل بأحدهما كترك رفع اليدين عند الركوع حيث استمر العمل عليه مع وجود الرواية بالرفع. (2)
فإذا قال قائل والحالة هذه: لا أعلم خلافا فى العمل بترك رفع اليدين عند (3)
الركوع، ثم قال: وقد وردت الرواية عن مالك بالرفع لم يتناقض قوله لانصراف الاتفاق إلى العمل دون الرواية، والله سبحانه أعلم.
__________
(1) مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحى، أبو عبد الله المدنى، أحد أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة.
عن نافع والمقبرى ونعيم بن عبد الله وابن المنكدر ومحمد بن يحيى بن حبان وإسحاق ابن عبد الله بن أبى طلحة وأيوب وزيد بن أسلم وخلق. وعنه من شيوخه: الزهرى ويحيى الأنصارى.
وممن مات قبله: ابن جريج وشعبة والثورى وخلق، وابن عيينة والقطان وابن وهب وخلائق آخرهم موتا أبو حذافة السهمى.
قال الشافعى: مالك حجة الله تعالى على خلقه. قال ابن مهدى: ما رأيت أحدا أتم عقلا ولا أشد تقوى من مالك. وقال ابن المدينى: له نحو ألف حديث قال البخارى: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر. ولد مالك سنة ثلاث وتسعين، وحمل به ثلاث سنين. وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع.
ينظر: الخلاصة (3/ 3) (6796)، وتهذيب التهذيب (10/ 5)، وتقريب التهذيب (2/ 223)، والجرح والتعديل (1/ 11)، وسير أعلام النبلاء (8/ 48).
(2) قال فى أسهل المدارك: (وهل يرفعهما عند الركوع والرفع منه؟ خلاف) يعنى أن المصلى هل يرفع يديه عند الركوع وعند رفعه منه أم لا؟ فالجواب أنه لا يرفع يديه فى شىء من ذلك إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، قال مالك فى المدونة: لا أعرف رفع اليدين فى شىء من تكبير الصلاة لا فى خفض ولا فى رفع إلا فى افتتاح الصلاة يرفع يديه شيئا خفيفا، والمرأة فى ذلك بمنزلة الرجل. اهـ. قال: كرفع يديه مع إحرامه فقط، أى لا مع هويّه للركوع، ولا مع رفعه منه، ولا إثر قيامه من اثنتين. اهـ. قاله فى جواهر الإكليل. وكذا فى الدردير. وقال أبو الحسن فى كفاية الطالب: وظاهر كلام الشيخ أن الرفع مختص بتكبيرة الإحرام، وهو كذلك على المشهور، فلا يرفع عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا فى القيام من اثنتين. اهـ.
قال الدسوقى: قوله: لا مع ركوعه ولا رفعه، أى ولا مع رفعه منه، وهذا هو أشهر الروايات عن مالك فى المواق عن الإكمال، وهو الذى عليه عمل أكثر الأصحاب. قال وفى التوضيح:
الظاهر أنه يرفع يديه عند الإحرام والركوع والرفع منه والقيام من اثنتين لورود الأحاديث الصحيحة بذلك. اهـ. ينظر: أسهل المدارك (1/ 133).
(3) فى ب: فى.(1/137)
قال العبد رحمه الله تعالى: وبعد أن قررت هذا التأويل الرافع للمنافرة بين الرواية والتلاوة وجدت الحافظ قد نقل مثله فقال فى كتاب «التمهيد» فى سورة يوسف عليه السلام: «واختلفوا فى سكون الياء وفتحها من قوله: «مثواى» و «بشراى».
ثم نقل أقوال الرواة فى ذلك، ثم قال ما نصه: «وسألت شيخنا أبا الحسن عن هذه الأشياء التى توجد مسطورة فى النصوص كياء «هداى» و «بشراى» و «مثواى» وشبهه، والتلاوة بالنقل عن مسطّريها بخلاف ذلك، فقال لى: ذلك بمنزلة الآثار الواردة فى الكتب فى الأحكام وغيرها بنقل الثقات والعمل بخلافها فكذلك ذلك، ثم قال الحافظ: «وهذا من لطيف التأويل وحسن الاستخراج».
ولما كان المعول على الجهر لم أطول بما ورد فى الإخفاء من التفصيل والخلاف ومن أحب الوقوف على ذلك فلينظره فى كتاب «الإقناع» لأبى جعفر بن الباذش رحمه الله فإنه قد أحكم القول فيه.
المسألة الثالثة: فى محل استعمال الاستعاذة.
والخلاف فى التزام استعمالها قبل القراءة وقبل البسملة غير أنا لو نزلنا الآية، لاقتضى لفظها تقديم القراءة على التعوذ بدليل أنك إذا قلت: إذا رأيت هلال رمضان فصم، وإذا رأيت هلال شوال فأفطر لزم أن الصوم والفطر لا يكونان مطلوبين إلا بعد حصول الرؤية فكذا قوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [] يقتضى أن الاستعاذة لا تكون إلا بعد القراءة (1)، فلما وجدنا الاتفاق على العمل بتقديم التعوذ على القراءة دل ذلك على أن فى الآية إضمارا، وأن المراد: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ.
__________
(1) وبيان ذلك: أن قوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل:
98] يدل على أن قراءة القرآن شرط، وذكر الاستعاذة جزاء، والجزاء متأخر عن الشرط فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة.
وقد قيل فى تأييد ذلك: هذا موافق لما فى العقل لأن من قرأ القرآن فقد استوجب الثواب العظيم، فربما يداخله العجب، فيسقط ذلك الثواب لقوله عليه الصلاة والسلام «ثلاث مهلكات» وذكر منها إعجاب المرء بنفسه فلهذا السبب أمره الله تعالى بأن يستعيذ من الشيطان لئلا يحمله الشيطان بعد القراءة على عمل محبط ثواب تلك الطاعة.(1/138)
وهذا من باب المجاز الذى أقيم فيه المسبّب مقام السبب لأن إرادة القراءة هى السبب فى حصول القراءة (1)، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية [المائدة: 6] إذا تأولنا أنه أراد القيام إلى الصلاة مطلقا فيكون المعنى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا.
وأما إن تأولنا أنه أراد: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة فلا يصح التنظير بين الآيتين، والله جل جلاله أعلم.
المسألة الرابعة: فى حكم الاستعاذة:
من حيث الأمر (2) الوارد بها فى قوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ}
__________
قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد من قوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ} أى:
إذا أردت قراءة القرآن كما فى قوله تعالى: {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6].
والمعنى: إذا أردتم القيام فتوضئوا لأنه لم يقل: فإذا صليتم فاغسلوا فيكون نظير قوله: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}، وإن سلمنا كون هذه الآية نظير تلك، فنقول:
نعم، إذا قام يغسل عقيب قيامه إلى الصلاة لأن الأمر إنما ورد بالغسل عقيب قيامه، وأيضا: فالإجماع دل على ترك هذا الظاهر، وإذا ترك الظاهر فى موضع لدليل، لا يوجب تركه فى سائر المواضع لغير دليل.
ينظر: اللباب (1/ 8382).
(1) وهذا ما عليه جمهور الفقهاء فقد قالوا: إن قوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}
يحتمل أن يكون المراد منه: إذا أردت، وإذا ثبت الاحتمال، وجب حمل اللفظ عليه توفيقا بين الآية وبين الخبر المروى عن جبير بن مطعم رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال: «الله أكبر كبيرا: ثلاث مرات، والحمد لله كثيرا: ثلاث مرات، وسبحان الله بكرة وأصيلا: ثلاث مرات» ثم قال: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه».
ومما يقوى ذلك من المناسبات العقلية، أن المقصود من الاستعاذة نفى وساوس الشيطان عند القراءة قال تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] فأمره الله تعالى بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذا السبب.
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: وأقول: هاهنا قول ثالث: وهو أن يقرأ الاستعاذة قبل القراءة بمقتضى الخبر، وبعدها بمقتضى القرآن جمعا بين الدلائل بقدر الإمكان.
ينظر: اللباب (1/ 8684).
(2) الأمر منقسم إلى قسمين:
الأول: نفسى، وهو الطلب القائم بذاته عز وجل الذى هو أحد مدلول الكلام النفسى المتنوع إلى أمر ونهى، وخبر واستخبار، فالأمر النفسى نوع من أنواع هذا المدلول.
القسم الثانى: لفظى، وهو يتضمن اللفظ الوارد فى القرآن الكريم، والسنة النبوية(1/139)
{الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]. وقد ثبت أن صيغة «افعل» تستعمل لمعان كالوجوب (1)،
__________
المطهرة، الذى قام بتبليغه الرسول صلى الله عليه وسلم وأما تعريف الأمر اللفظى اصطلاحا فهو الأمر اللفظى المركب من همزة وميم وراء:
أمر، المسمى بالأمر اللسانى، فمسمى اللفظ المركب من الحروف الثلاثة بهيئتها المتقدمة هو صيغة الأمر، مثل: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} [المزمل: 20]، و {أَتِمُّوا الْحَجَّ} [البقرة: 196]، اذهب، تعلّم، ونحو هذا من صيغ الأمر الدالة على طلب الفعل فإن صيغة {أَقِيمُوا الصَّلََاةَ} وما عطف عليها لم تخرج عن كونها أفعالا طالبة للصلاة، والزكاة والحج، والذهاب والتعلم، هذا هو مسمى الأمر.
أما مسمى الصيغة، فهى دلالتها على الوجوب، أو الندب.
وقد اختلفت الآراء فى مسمى الأمر اللسانى ومعناه، إلى ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب الجمهور، فقد عرفوا الأمر بهيئته المذكورة المتقدمة بأنه القول الطالب للفعل مطلقا، وتفسير الإطلاق سواء أصدر الأمر من الأعلى للأدنى، كأوامر الله تعالى وأوامر الحاكم لشعبه فإن الله سبحانه يعلو عن الخلق لأنه خالق، وكذا الحاكم أعلى من شعبه، وهم المحكومون ولهذا يقولون: الأمر الصادر من الحاكم برقم كذا، أم كان صادرا من الأدنى إلى الأعلى، أم كان صادرا من المساوى لمساويه، فكل هذا يسمى أمرا فى اللغة.
وأما إذا خص العرف الأمر الصادر من الأدنى إلى الأعلى بالسؤال، وخص المساوى بالالتماس فهذا اصطلاح عرفى، وكلامنا فى مسمى الأمر اللغوى فإنه أمر فى جميع الأحوال لأن علماء اللغة لم يفرقوا فى وضع لفظ الأمر على مسماه الذى هو صيغة «افعل» بين صدوره من الأعلى رتبة، أو من الأدنى، أو من المساوى. وإلى هذا مال البيضاوى فى «المنهاج».
الثانى: يرى فريق من المعتزلة، وطائفة كبيرة من الأشاعرة، أن الأمر هو القول الطالب للفعل بشرط صدوره ممن هو أعلى رتبة، لمن هو أدنى منها.
الثالث: يرى الإمام الرازى، وابن الحاجب، والآمدى أنه هو القول الطالب للفعل بشرط الاستعلاء.
الأمر النفسى:
ماهيته: هو الطلب المتعلق بإيجاد الفعل على سبيل الحتم والإلزام ولهذا يكون تعريفه: هو الخطاب الطالب للفعل طلبا جازما، هذا إذا قلنا: إن الأصل فى الأمر الإيجاب. وعرفه ابن الحاجب فى مختصر المنتهى بأنه اقتضاء فعل غير كف. ولما رأى ابن الحاجب القيود المختلفة فى التعريف قال: على سبيل الاستعلاء السعد وصاحب التيسير: هذا تعريف الأمر النفسى. وقد عرفه الغزالى بأنه القول المقتضى طاعة المأمور بفعل المأمور به. وهذا التعريف لإمام الحرمين، والقاضى أبى بكر الباقلانى.
ينظر: البرهان (1/ 203)، والبحر المحيط (342)، والإحكام فى أصول الأحكام (2/ 120)، وسلاسل الذهب ص (120).
(1) هو الفعل الذى طلبه الشارع طلبا جازما: كالصلاة المدلول على طلبها طلبا جازما بقوله(1/140)
والندب (1)، والإرشاد، وغير ذلك مما أحكمه أهل أصول الفقه، وأنهوه إلى خمسة عشر معنى (2)، وليس هذا موضع بسط تلك المعانى، والذى يصح
__________
تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلََاةَ}، وكالحج المدلول على طلبه طلبا جازما بقوله تعالى: {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وكالصيام المدلول على وجوبه بقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ينظر: البحر المحيط للزركشى (1/ 176)، البرهان لإمام الحرمين (1/ 308)، سلاسل الذهب للزركشى (114)، الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى (1/ 91)، التمهيد للإسنوى (58)، نهاية السول له (1/ 37)، زوائد الأصول له 232، منهاج العقول للبدخشى (1/ 54)، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصارى (10)، التحصيل من المحصول للأرموى (1/ 172)، المستصفى للغزالى (1/ 27)، حاشية البنانى (1/ 88)، الإبهاج لابن السبكى (1/ 51)، الآيات البينات لابن قاسم العبادى (1/ 135)، حاشية العطار على جمع الجوامع (1/ 111)، المعتمد لأبى الحسين (1/ 4)، التحرير لابن الهمام (217)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (2/ 185)، حاشية التفتازانى والشريف على مختصر المنتهى (1/ 225)، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازانى (2/ 123)، الموافقات للشاطبى (1/ 113109)، ميزان الأصول للسمرقندى (1/ 128)، الكوكب المنير للفتوحى (105).
(1) هو فى اللغة: المدعو لمهم، مأخوذ من الندب وهو الدعاء لذلك، ومنه قول الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... فى النائبات على ما قال برهانا
وفى الاصطلاح: المطلوب فعله شرعا من غير ذم على تركه مطلقا. فالمطلوب فعله شرعا: احترز به عن: الحرام، والمكروه، والمباح، وغيره من الأحكام الثابتة بخطاب الوضع والإخبار.
ونفى الذم على الترك: احتراز عن الواجب المضيق، ومطلقا: احتراز عن المخير والموسع والكفاية.
وقولهم: هو ما فعله خير من تركه مردود بالأكل قبل ورود الشرع فإنه خير من تركه لما فيه من اللذة واستبقاء المهجة، وليس مندوبا. وما قيل: هو ما يمدح على فعله، ولا يذم على تركه منقوض بأفعاله تعالى فإنها كذلك وليست مندوبة.
ومن أسمائه: (المرغب فيه) أى: بالطاعة، و (المستحب) أى: من الله، و (النفل) أى:
الطاعة غير الواجبة، و (التطوع) أى: الانقياد فى قربة بلا احتم، و (السنة) أى: الطاعة غير الواجبة لأنها تذكر فى مقابلة الواجب.
ينظر: شرح المختصر (1/ 129)، البحر المحيط للزركشى (1/ 284)، البرهان لإمام الحرمين: (1/ 310)، سلاسل الذهب للزركشى ص (111)، الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى (1/ 111)، نهاية السول للإسنوى (1/ 77)، زوائد الأصول له ص (168)، منهاج العقول للبدخشى (1/ 62)، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصارى ص (10).
(2) إن المستقرئ لنصوص القرآن والسنة يدرك أنه لا توجد آية من آيات الأحكام وحديث من أحاديث الأحكام تخلو غالبا من صيغ قول تدل على طلب موجه إلى المكلف بأمر، أو بكف عنه.(1/141)
هنا إن شاء الله الحمل على الندب، وأن فعلها خير من تركها، مع أنه لا حرج
__________
ولطلب الفعل صيغ مختلفة نوردها فيما يلى:
1 - فعل الأمر: وذلك بصيغته المعروفة مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ}
[الحج: 78].
2 - صيغة المضارع المقترن ب (لام الأمر) مثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
ومثل: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
ومثل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7].
3 - صيغة المصدر القائم مقام فعل الأمر، مثل قوله تعالى: {فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ} [المائدة: 89].
ومثل قوله تعالى: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} [محمد: 4].
4 - جملة خبرية يراد بها الطلب، مثل قوله تعالى: {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ لِمَنْ أَرََادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضََاعَةَ} [البقرة: 233].
إذ ليس المراد من هذا النص الإخبار عن حصول الإرضاع من الوالدات لأولادهن وإنما المراد هو أمر الوالدات بإرضاع أولادهن، وطلب إيجاده منهن.
ومثل قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللََّهُ لِلْكََافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:
141].
فإن الظاهر من هذه الآية أنها للخبر، وإنما المراد بها أمر المؤمنين ألا يمكنوا الكافرين من التجبر عليهم، والتكبر بأية صفة كانت.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان: (لا تنكح البكر حتى تستأذن).
وقد اتفق الأصوليون على أن صيغة الأمر تستعمل فى مدلولات كثيرة، لكن لا تدل على واحد من هذه المدلولات بعينه إلا بقرينة، وهذه المدلولات هى:
1 - الإيجاب: نحو قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} [المزمل: 20].
2 - الندب: مثل قوله تعالى: {فَكََاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33].
والعلاقة بين الندب والإيجاب مطلق الطلب فهو الجامع بينهما.
3 - الإرشاد: وهو مدلول من مدلولات صيغة الأمر المستعملة فيها مثل قوله تعالى {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، وذلك فى الدين.
ومثل الأمر بالشهادة فى البيع كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذََا تَبََايَعْتُمْ} [البقرة: 282].
4 - الإباحة: نحو قوله سبحانه: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبََاتِ} [المؤمنون: 51] فإن الأكل، من الطيب مباح.
5 - التعجيز: نحو قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]، فإن الإتيان بمثل آية من القرآن، أو سورة مثل سورة مستحيل، خارج عن قدرة الخلق، فكان الأمر هنا للإعجاز، وأما القرينة، فهى التحدى.
6 - الدعاء: نحو قوله سبحانه: {وَاعْفُ عَنََّا وَاغْفِرْ لَنََا وَارْحَمْنََا أَنْتَ مَوْلََانََا فَانْصُرْنََا عَلَى الْقَوْمِ الْكََافِرِينَ} [البقرة: 286].
7 - الإهانة: نحو قوله عز وجل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49].(1/142)
فى تركها، وكذا قال الشيخ فى كتاب «الكشف»: [إن] (1) معناه الندب، والإرشاد.
ولو قيل: إنها للوجوب، لكان وجها، والأول أظهر، والله عز وجل أعلم (2).
__________
8 - التهديد: مثل قوله تعالى: {اعْمَلُوا مََا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، وقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الإسراء: 64]، ومنه الإنذار، نحو قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النََّارِ} [إبراهيم: 30].
9 - الإكرام: نحو قوله تعالى: {ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]، وذلك فى الجنة فإن المقام مقام إكرام المؤمنين، والذى دل على الإكرام قوله تعالى: {بِسَلََامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] فإنها قرينة على ذلك.
10 - الامتنان: مثل قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اللََّهُ} [المائدة: 88]، فإن الأمر بالأكل وارد للامتنان لأننا محتاجون إليه، وقد تفضل علينا بنعمه، وأباح لنا التمتع بها.
11 - التسوية بين الأمرين والشيئين: نحو قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لََا تَصْبِرُوا}
[الطور: 16].
12 - التمنى: وهو طلب الشيء البعيد المستحيل حصوله، ومنه قول امرئ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
13 - التسخير: كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خََاسِئِينَ} [البقرة: 65]، والتسخير فى اللغة هو: التذليل والامتهان فى الفعل.
14 - التحقير: نحو قوله تعالى: {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ أَلْقُوا مََا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء:
43] وذلك عند ما جمع السحرة، وتحداهم موسى عليه السلام وطلبوا إليه أن يلقى عصاه، فقال لهم: بل ألقوا وذلك لعدم اكتراثه لهم لأن ما يفعله السحرة من سحر أمام المعجزة أمر هين حقير.
15 - التكوين: مثل قوله تعالى: {إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
[يس: 82] فإن فى التكوين سرعة الانتقال من العدم إلى الوجود، وهو سبحانه الذى يقدر على ذلك.
وفى أ: وجها.
(1) سقط فى ب.
(2) وقد وجد لكل من الوجهين من يحتج له فقد قال عطاء رحمه الله تعالى: الاستعاذة واجبة لكل قراءة، سواء كانت فى الصلاة أو غيرها.
وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى إذا تعوذ الرجل مرة واحدة فى عمره، فقد كفى فى إسقاط الوجوب، وقال الباقون: إنها غير واجبة.
حجة الجمهور: أن النبى صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم لم يعلم الأعرابى الاستعاذة فى جملة أعمال الصلاة.
ولقائل أن يقول: إن ذلك الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة فلم يلزم من عدم الاستعاذة فيه، عدم وجوبها.
واحتج عطاء على وجوب الاستعاذة بوجوه:(1/143)
باب التسمية
اعلم أن التسمية مصدر: سمّى يسمى، كالتهنية والتسلية، ثم إن التسمية تقال بمعنيين:
أحدهما: وضع الاسم على المسمّى كقولك: سميت ابني محمدا، تريد جعلت هذه الكلمة اسما له، وعلامة عليه يعرف بها، وحاصل هذا المعنى: إنشاء وضع الاسم على المسمى.
والمعنى الثانى: ذكر الاسم الموضوع على المسمى بعد استقرار الوضع كما يقول الرجل لصاحبه: إن فلانا يفعل كذا فاحذره ولا تسمنى، أى لا تذكر اسمى له، وعلى هذا حديث أبي (1) رضى الله عنه حين قال له النبى صلى الله عليه وسلم:
«إن الله أمرنى أن أقرأ عليك القرآن». فقال: آلله سمانى لك؟ قال: «الله سماك لى». (2)
__________
الأول: أنه عليه الصلاة والسلام واظب عليه فيكون واجبا لقوله تعالى:
{وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: 158].
الثانى: أن قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ} أمر، وهو للوجوب، ثم إنه يجب القول بوجوبه عند كل قراءة لأنه تعالى قال: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل:
98] وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على التعليل، والحكم يتكرر بتكرّر العلة.
الثالث: أنه تعالى أمر بالاستعاذة لدفع شر الشيطان، وهو واجب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
والتعوذ فى الصلاة مستحب قبل القراءة عند الأكثرين.
وقال مالك رضى الله تعالى عنه: لا يتعوذ فى المكتوبة، ويتعوذ فى قيام شهر رمضان للآية والخبر، وكلاهما يفيد الوجوب، فإن لم يثبت الوجوب، فلا أقل من الندب.
ينظر: اللباب (1/ 8886).
(1) أبى بن كعب بن قيس بن عبيدة بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، الأنصارى الخزرجى، أبو المنذر المدنى، سيد القراء، كتب الوحى وشهد بدرا وما بعدها، له مائة وأربعة وستون حديثا.
اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة، وانفرد البخارى بأربعة ومسلم بسبعة. وعنه: ابن عباس وأنس وسهل بن سعد وسويد بن علقمة ومسروق وخلق كثير. كان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية، وقد أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقرأ عليه، رضى الله عنه. وكان ممن جمع القرآن، وله مناقب، رحمه الله تعالى. وتوفى سنة عشرين أو اثنتين وعشرين أو اثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين. وقال بعضهم: صلى عليه عثمان، رضى الله عنه. ينظر: الخلاصة (1/ 62) (329)، وتهذيب التهذيب (1/ 187)، وتقريب التهذيب (1/ 48)، والإصابة (1/ 16)، والثقات (3/ 5).
(2) أخرجه البخارى (7/ 505) كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أبى بن كعب (3809)(1/144)
وعلى هذا المعنى الثانى وقع تبويب الحافظ لأنه يريد أن يبين مذاهب القراء فى المواطن التى يذكرون فيها اسم الله تعالى الذى قد ثبت واستقر أنه سمى به نفسه فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم» وعبر الشيخ، والإمام بالبسملة بدل التسمية كما ورد يقال لمن قال: باسم الله: بسمل، وهى لغة مولدة وقد جاءت فى الشعر، قال عمر بن أبى ربيعة (1):
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فيا حبّذا ذاك الحبيب المبسمل (2)
__________
ومسلم (2/ 550) كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل (245/ 799) وأحمد (3/ 130، 137، 185، 273) وعبد بن حميد (1193) والنسائى فى الكبرى (6/ 520) كتاب التفسير، باب سورة (البينة)، والترمذى (6/ 128) كتاب المناقب، باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبى (3792) وأبو يعلى (2843) و (2995) و (3246) والطحاوى فى شرح مشكل الآثار (5588) وابن حبان (7144) وأبو نعيم فى الحلية (1/ 251) و (9/ 59) والبيهقى فى الشعب (2203) و (2204) من طرق عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى: «إن الله أمرنى أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ}» قال: وسمانى؟ قال: «نعم» فبكى.
وله شاهد من حديث أبى بن كعب:
أخرجه أحمد (5/ 122، 123) والبخارى فى خلق أفعال العباد (ص 67، 68) من طريق عبد الرحمن بن أبزى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى أمرنى أن أعرض القرآن عليك» قال: وسمانى لك ربى تبارك وتعالى؟ قال: (بفضل الله ورحمته فبذلك فلتفرحوا) هكذا قرأها أبى.
وأخرجه أحمد (5/ 131) والترمذى (3793) و (3898) وعبد الله بن أحمد فى زوائده (5/ 132) من طريق زر بن حبيش عن أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إن الله أمرنى أن أقرأ عليك، فقرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ}» فقرأ فيها الحديث.
وأخرجه النسائى فى الكبرى (5/ 8) كتاب فضائل القرآن، باب ذكر قرّاء القرآن من طريق: أبى العالية عن أبى قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقرئك القرآن» قال: قلت: أو ذكرت هناك؟ قال: «نعم» فبكى أبى، قال فلا أدرى أبشوق أو بخوف.
(1) عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى القرشى. أبو الخطاب: أرق شعراء عصره، من طبقة جرير والفرزدق ولم يكن فى قريش أشعر منه. ولد سنة (23هـ) فى الليلة التى توفى بها عمر بن الخطاب، فسمى باسمه، وكان يفد على عبد الملك بن مروان فيكرمه ويقربه. ورفع إلى عمر بن عبد العزيز أنه يتعرض لنساء الحاج ويشبب بهن فنفاه إلى «دهلك»، ثم غزا فى البحر فاحترقت السفينة به وبمن معه، فمات فيها غرقا سنة (93هـ).
ينظر: الأعلام (5/ 52)، ووفيات الأعيان (1/ 353)، والأغانى (1/ 61).
(2) البيت بلا نسبة فى تذكرة النحاة (ص 24)، والدرر (5/ 224)، وسمط اللآلى (ص 909)،(1/145)
والمذكور عن أهل اللغة كما قال يعقوب بن السكيت (1)
والمطرز (2)،
__________
ولسان العرب (بسمل)، وهمع الهوامع (2/ 89).
ويروى: (ألا حبذا) بدلا من (فيا حبذا).
(1) شيخ العربية، أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن السكيت البغدادى النحوى المؤدب، مؤلف كتاب إصلاح المنطق، دين خير، حجة فى العربية.
أخذ عن: أبى عمرو الشيبانى، وطائفة.
روى عنه: أبو عكرمة الضبى، وأحمد بن فرح المفسر، وجماعة، وكان أبوه مؤدبا، فتعلم يعقوب، وبرع فى النحو واللغة، وأدب أولاد الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر، ثم ارتفع محله، وأدب ولد المتوكل. وله من التصانيف نحو من عشرين كتابا. وروى أبو عمر عن ثعلب، قال: ما عرفنا لابن السكيت خربة قط.
وقيل: إنه أدب مع أبيه الصبيان. وروى عن الأصمعى، وأبى عبيدة، والفراء، وكتبه صحيحة نافعة. مات سنة أربع وأربعين ومائتين.
ينظر: سير أعلام النبلاء (12/ 1916)، وطبقات النحويين واللغويين (204202)، والفهرست (79)، وتاريخ بغداد (14/ 274273)، ونزهة الألباء (122)، ومعجم الأدباء (20/ 5250)، ووفيات الأعيان (6/ 402395)، والعبر (1/ 443)، والبداية والنهاية (1/ 346)، والنجوم الزاهرة (2/ 318317)، وبغية الوعاة (2/ 349).
(2) محمد بن عبد الواحد بن أبى هاشم، أبو عمر الزاهد المطرز اللغوى غلام ثعلب، ولد سنة إحدى وستين ومائتين.
قال التنوخى: لم أر قط أحفظ منه، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة، ولسعة حفظه نسب إلى الكذب.
وقال ابن برهان: لم يتكلم فى العربية أحد من الأولين والآخرين أعلم منه.
وقال الخطيب: كان أهل اللغة يطعنون عليه، ويقولون: لو طار طائر فى الجو قال:
حدثنا ثعلب، عن ابن الأعرابى، ويذكر فى ذلك سببا، وأما أهل الحديث فيصدقونه ويوثقونه، قال: وولى معز الدولة شرطة بغداد مملوكا يقال له خواجا، فبلغ أبا عمر وهو على الياقوتة، فقال: اكتبوا: «ياقوتة خواجا، الخواج فى اللغة: الجوع»، ثم فرع عليه بابا فاستعظم الناس من كذبه وتتبعوه، فقال لى أبو على الحاتمى: أخرجنا فى أمالى الحامض، عن ثعلب، عن ابن الأعرابى: الخواج: الجوع.
قال: وكان يؤدب ولد القاضى أبى عمر محمد بن يوسف، فأملى عليه يوما نحو ثلاثين مسألة فى اللغة، وذكر غريبها، وختمها ببيتين من الشعر.
وحضر ابن دريد، وابن الأنبارى، وابن مقسم عند القاضى، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئا، وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضى: ما تقولون فيها؟
فقال ابن الأنبارى: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن، ولا أقول شيئا. وقال ابن مقسم كذلك، وقال: أنا مشغول بالقراءات. وقال ابن دريد: هذه المسائل من مصنوعات(1/146)
والثعالبى (1)، وغيرهم من أهل اللغة: «بسمل الرجل» إذا قال:
باسم الله.
ويقال: «قد أكثر من البسملة» أى: من «باسم الله».
والبسملة: مصدر جمعت حروفه من «باسم الله» كالحوقلة من «لا حول ولا قوة.
إلا بالله»، «والحسبلة» من حسبى الله، تقول فى الفعل: «بسمل» ومعناه قل: «باسم الله»، ويجرى فى تصاريفه مجرى «دحرج»، وكذلك «حوقل» و «حسبل» ونحوهما [مثل: «هلل» إذا قال: لا إله إلا الله، و «حمدل» إذا قال: الحمد لله، و «حيعل» إذا قال: حى على الصلاة، و «جعفل» إذا قال: جعلت فداك، و «طبقل» إذا قال:
أطال الله بقاءك، و «دمعز» إذا قال: أدام الله عزك (2)] (3) واعلم أنه لما كانت التسمية
__________
أبى عمر، ولا أصل لها فى اللغة، فبلغه ذلك، فاجتمع بالقاضى وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء، سماهم، ففتح القاضى خزانته، وأخرج له تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة، ويخرج لها شاهدا من كلام العرب، ويعرضه على القاضى، حتى استوفاها، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضى، وكتبهما القاضى بخطه على ظهر الكتاب الفلانى، فأحضر الكتاب، فوجد البيتين على ظهره بخطه كما قال. فبلغ ابن دريد ذلك فما ذكره بلفظة حتى مات.
وكان الأشراف والكتاب يحضرون عنده ليسمعوا منه، فجمع جزءا فى فضل معاوية، فكان لا يدع أحدا يقرأ عليه شيئا حتى يبتدئ بقراءة ذلك الجزء، وكان إبراهيم بن أيوب ابن ماسى ينفذ إليه كفايته وقتا بعد وقت، فقطع عنه ذلك مدة، ثم أنفذ إليه جملة رسمية، وكتب إليه يعتذر من تأخيره، فرده، وأمر أن يكتب على رقعته: أكرمتنا فملكتنا، وأعرضت عنا فأرحتنا.
وله من التصانيف: اليواقيت، شرح الفصيح، فائت الفصيح، غريب مسند أحمد، المرجان، الموشح، تفسير أسماء الشعراء، فائت الجمهرة، فائت العين، ما أنكره الأعراب على أبى عبيدة، المداخل، وغير ذلك.
مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة ببغداد.
ينظر: بغية الوعاة (1/ 166164).
(1) أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابورى، العلامة شيخ الأدب الشاعر، مصنف كتاب «يتيمة الدهر فى محاسن أهل العصر»، وله كتاب «فقه اللغة»، وكتاب «سحر البلاغة»، وكان رأسا فى النظم والنثر.
مات سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ثمانون سنة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (17/ 438437)، وطبقات النحويين واللغويين (387 389)، ونزهة الألباء (365)، ووفيات الأعيان (3/ 180178)، والمختصر فى أخبار البشر (2/ 162)، والعبر (3/ 172)، ومرآة الجنان (3/ 53، 54).
(2) وهذا شبيه بباب النحت فى النسب، أى أنهم يأخذون اسمين، فينحتون منهما لفظا واحدا، فينسبون إليه كقولهم: (حضرمى، وعبقسى، وعبشمى) نسبة إلى (حضر موت، وعبد قيس، وعبد شمس) قال الشاعر: وتضحك منى شيخة عبشميّة ... كأن لم ترى قبلى أسيرا يمانيا
وهو غير مقيس فلا جرم أن بعضهم قال فى: (بسمل وهلل): إنهما لغة مولدة.
ينظر: اللباب (1/ 117116).
(3) ما بين المعقوفين سقط فى ب.
منقولة فى المصحف بخط المصحف بلفظ «بسم الله الرحمن الرحيم» (1) وهو نص ما فى بطن سورة النمل أيضا لذلك لم يقع فى لفظها اختلاف، ولم يحتج الحافظ ولا غيره أن يقول: المختار فى لفظها كذا بخلاف ما مر فى الاستعاذة.(1/147)
منقولة فى المصحف بخط المصحف بلفظ «بسم الله الرحمن الرحيم» (1) وهو نص ما فى بطن سورة النمل أيضا لذلك لم يقع فى لفظها اختلاف، ولم يحتج الحافظ ولا غيره أن يقول: المختار فى لفظها كذا بخلاف ما مر فى الاستعاذة.
__________
(1) (بسم الله): جار ومجرور، والباء متعلق بمضمر، فنقول: هذا المضمر يحتمل أن يكون اسما، وأن يكون فعلا، وعلى التقديرين، فيجوز أن يكون متقدما ومتأخرا، فهذه أقسام أربعة:
أما إذا كان متقدما، وكان فعلا، فكقولك: أبدأ ببسم الله.
وإن كان متقدما، وكان اسما، فكقولك: ابتدائى بسم الله.
وإن كان متأخرا وكان فعلا فكقولك: بسم الله أبدا.
وإن كان متأخرا، وكان اسما، فكقولك: بسم الله ابتدائى.
وأيهما أولى: التقديم أم التأخير؟
قال ابن الخطيب: كلاهما ورد فى القرآن الكريم، أما التقديم، فكقوله: {بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا وَمُرْسََاهََا} [هود: 41] وأما التأخير، فكقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
[العلق: 1]، وقال ابن عادل الحنبلى: التقديم أولى لأنه تعالى قديم واجب الوجود لذاته، فيكون وجوده سابقا على وجود غيره لأن السبق بالذات يستحق السبق فى الذكر قال تبارك وتعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3] وقال تعالى: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]، وقال تعالى: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
قال أبو بكر الرازى رحمه الله تعالى: إضمار الفعل أولى من إضمار الاسم لأن نسق تلاوة القرآن يدل على أن المضمر هو الفعل، وهو الأمر، لأنه تبارك وتعالى قال:
{إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ}، فكذا قوله تعالى: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}، التقدير:
قولوا: بسم الله.
قال ابن عادل الحنبلى: لقائل أن يقول: بل إضمار الاسم أولى لأنا إذا قلنا: تقدير الكلام: بسم الله ابتداء كل شىء، كان هذا إخبارا عن كونه مبدأ فى ذاته لجميع الحوادث، ومخالفا لجميع الكائنات، سواء قاله قائل، أو لم يقله، ولا شك أن هذا الاحتمال أولى.
وفى الاسم خمس لغات: (اسم) بضم الهمزة وكسرها، و (سم) بكسر السين وضمها، وقال أحمد بن يحيى: من قال: سم، بضم السين، أخذه من: سموت أسمو، ومن قال بالكسر أخذه من: سميت أسمى، وعلى اللغتين قوله:
وعامنا أعجبنا مقدمه ... يدعى أبا السمح وقرضاب سمه
مبتركا لكل عظم يلحمه ينشد بالوجهين.(1/148)
__________
وأنشدوا على الكسر:
باسم الذى فى كل سورة سمه فعلى هذا يكون فى لام (اسم) وجهان:
أحدهما: أنها واو.
والثانى: أنها ياء، وهو غريب، ولكن أحمد بن يحيى رحمه الله تعالى جليل القدر ثقة فيما ينقل.
و [اللغة الخامسة:] (سمى) مثل: هدى واستدلوا على ذلك بقول الشاعر:
والله أسماك سما مباركا ... آثرك الله به إيثاركا
ولا دليل فى ذلك لجواز أن يكون من لغة من يجعله منقوصا مضموم السين، وجاء به منصوبا، وإنما كان ينتهض دليلا لو قيل: (سمى) حالة رفع أو جر.
وهمزته همزة وصل، أى: تثبت ابتداء، وتحذف درجا، وقد تثبت ضرورة كقوله:
وما أنا بالمخسوس فى جذم مالك ... ولا من تسمى ثم يلتزم الاسما
وهو أحد الأسماء العشرة التى ابتدئ فى أوائلها بهمزة الوصل وهى: اسم، واست، وابن، وابنم، وابنة، وامرؤ، وامرأة، واثنان، واثنتان، وايمن فى القسم.
والأصل فى هذه الهمزة أن تثبت ... خطّا، كغيرها من همزات الوصل.
وإنما حذفوها حين يضاف الاسم إلى الجلالة خاصة لكثرة الاستعمال.
وقيل: ليوافق الخط اللفظ.
وقيل: لا حذف أصلا وذلك لأن الأصل: (سم) أو (سم) بكسر السين أو ضمها، فلما دخلت الياء سكنت السين تخفيفا لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمة.
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: إنما حذفوا ألف (اسم) فى قوله تعالى: (بسم الله) وأثبتوها فى قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] لوجهين:
الأول: أن كلمة (بسم الله) مذكورة فى أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال فلأجل التخفيف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع، فإن ذكرها يقل.
الثانى: قال الخليل رحمه الله تعالى: إنما حذفت الألف فى (بسم الله) لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف، فسقطت فى الخط، وإنما لم تسقط فى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} لأن الباء لا تنوب عن الألف فى هذا الموضع، كما فى (بسم الله) لأنه يمكن حذف الباء من {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
مع بقاء المعنى صحيحا فإنك لو قلت: اقرأ اسم ربك، صح المعنى، أما لو حذفت الباء من (بسم الله) لم يصح المعنى فظهر الفرق.
قال بعضهم: فلو أضيفت إلى غير الجلالة ثبتت نحو: (باسم الرحمن)، هذا هو المشهور، وحكى عن الكسائى، والأخفش رحمة الله تعالى عليهما جواز حذفها إذا أضيفت إلى غير الجلالة من أسماء البارى تعالى، نحو: (بسم ربك) و (بسم الخالق).
وقد أطبق جميع الخلق على أن قولنا: (الله)، مخصوص بالله تبارك وتعالى، وكذلك قولنا: (الإله) مخصوص به سبحانه وتعالى.(1/149)
__________
وأما الذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله تعالى فإنما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال: (إله كذا)، أو ينكرونه كما قال تبارك وتعالى عن قوم موسى عليه السلام:
{اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138].
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: اعلم أن هذا الاسم مخصوص بخواص لا توجد فى سائر أسماء الله تعالى.
فالأولى: أنك إذا حذفت الألف من قولك: (الله) بقى الباقى على صورة (لله)، وهو مختص به سبحانه وتعالى، كما فى قوله تعالى: {وَلِلََّهِ مُلْكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 189]، وإن حذفت من هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة (له)، كما فى قوله تبارك وتعالى: {لَهُ مَقََالِيدُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى: 12]، وقوله تعالى: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التغابن: 1]، وإن حذفت اللام الباقية كانت البقية (هو) وهو أيضا يدل عليه سبحانه وتعالى كما فى قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ}
[الإخلاص: 1]، وقوله: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [البقرة: 255] والواو زائدة بدليل:
سقوطها فى التثنية والجمع فإنك تقول: هما، وهم، ولا تبقى الواو فيهما، فهذه الخاصية موجودة فى لفظ (الله) تعالى غير موجودة فى سائر الأسماء، وكما حصلت هذه الخاصية بحسب اللفظ فقد حصلت أيضا بحسب المعنى فإنك إذا دعوت الله تبارك وتعالى بالرحيم فقد وصفته بالرحمة، وما وصفته بالقهر، وإذا دعوته بالعليم، فقد وصفته بالعلم، وما وصفته بالقدرة.
وأما إذا قلت: (يا الله)، فقد وصفته بجميع الصفات لأن الإله لا يكون إلها إلا إذا كان موصوفا بجميع هذه الصفات فثبت أن قولنا: (الله) قد حصلت له هذه الخاصية التى لم تحصل لسائر الأسماء.
الخاصية الثانية: أن كلمة الشهادة: هى الكلمة التى بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإيمان، ولو لم يكن فيها هذا الاسم، لم يحصل الإيمان، فلو قال الكافر: أشهد أن لا إله إلا الرحيم، أو إلا الملك، أو إلا القدوس لم يخرج من الكفر، ولم يدخل الإسلام.
أما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإنه يخرج من الكفر، ويدخل فى الإسلام، وذلك يدل على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشريفة.
قال ابن عادل الحنبلى: وفى هذا نظر لأنا لا نسلم هذا فى الأسماء المختصة بالله سبحانه وتعالى مثل: القدوس والرحمن.
وقد كتبوا لفظة (الله) بلامين، وكتبوا لفظة (الذى) بلام واحدة، مع استوائهما فى اللفظ، وفى أكثر الدوران على الألسنة، وفى لزوم التعريف، والفرق من وجوه:
الأول: أن قولنا: (الله) اسم معرب متصرف تصرف الأسماء، فأبقوا كتابته على الأصل.
أما قولنا: (الذى) فهو مبنى من أجل أنه ناقص، مع أنه لا يفيد إلا مع صلته، فهو كبعض الكلمة، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنيّا فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب، ألا ترى أنهم كتبوا قوله تعالى (اللذان) بلامين لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف لأن(1/150)
__________
الحرف لا يثنى؟! الثانى: أن قولنا: (الله) لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله: (إله)، وهذا الالتباس غير حاصل فى قولنا: (الذى).
الثالث: أن تفخيم ذكر الله تعالى فى اللفظ واجب، هكذا فى الخط، والحذف ينافى التفخيم.
وأما قولنا: (الذى) فلا تفخيم له فى المعنى، فتركوا أيضا تفخيمه فى الخط.
قال ابن الخطيب رحمة الله تعالى عليه: (إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا:
(الله) فى الخط لكراهة اجتماع الحروف المتشابهة فى الصورة، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المقابلة فى اللفظ عند القراءة).
و {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] صفتان مشتقتان من الرحمة.
وقيل: الرحمن ليس مشتقا لأن العرب لم تعرفه فى قولهم: {وَمَا الرَّحْمََنُ} [الفرقان:
60] وأجاب ابن العربى عنه: بأنهم إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ولذلك لم يقولوا:
ومن الرحمن؟
وذهب الأعلم الشنتمرى إلى أن (الرحمن) بدل من اسم (الله) لا نعت له، وذلك مبنى على مذهبه من أن (الرحمن) عنده علم بالغلبة.
واستدل على ذلك بأنه قد جاء غير تابع لموصوف كقوله تعالى: {الرَّحْمََنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ}
[الرحمن: 21] و {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ} [طه: 5].
وقد رد عليه السهيلى بأنه لو كان بدلا لكان مبينا لما قبله، وما قبله وهو الجلالة الكريمة لا تفتقر إلى تبيين لأنها أعرف الأعلام، ألا تراهم قالوا: (وما الرحمن) ولم يقولوا: وما الله؟
وأما قوله: (جاء غير تابع) فذلك لا يمنع كونه صفة لأنه إذا علم الموصوف جاز حذفه، وبقاء صفته كقوله تبارك وتعالى: {وَمِنَ النََّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعََامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوََانُهُ} [فاطر: 28] أى: نوع مختلف ألوانه، وكقول الشاعر فى ذلك المعنى:
كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فما وهاها وأوهى قرنه الوعل
أى: كوعل ناطح. وهو كثير.
والرحمة لغة: الرقة والانعطاف، ومن اشتقاق الرحم، وهى البطن لانعطافها على الجنين، فعلى هذا يكون وصفه تعالى بالرحمة مجازا عن إنعامه على عباده، كالملك إذا عطف على رعيته أصابهم خيره، هذا معنى قول أبى القاسم الزمخشرى رحمه الله تعالى ويكون على هذا التقدير صفة فعل، لا صفة ذات.
وقيل: الرحمة: إرادة الخير لمن أراده الله بذلك، ووصفه بها على هذا القول حقيقة، وهى حينئذ صفة ذات، وهذا القول هو الظاهر.
وقيل: الرحمة: رقة تقتضى الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة فى الرقة المجردة، وتارة فى الإحسان المجرد، وإذا وصف به البارئ تعالى فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روى: (الرحمة من الله تعالى إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف).(1/151)
__________
وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما (هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أى: أكثر رحمة).
قال الخطابى: وهو مشكل لأن الرقة لا مدخل لها فى صفاته.
وقال الحسين بن الفضل: هذا وهم من الراوى لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى فى شىء، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفاته.
قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف» ويؤيده الحديث الآخر. وأما الرحيم فهو الرفيق بالمؤمنين خاصة.
واختلف أهل العلم فى أن (الرحمن الرحيم) بالنسبة إلى كونهما بمعنى واحد، أو مختلفين؟
فذهب بعضهم: إلى أنهما بمعنى واحد ك (ندمان ونديم)، ثم اختلف هؤلاء على قولين:
فمنهم من قال: يجمع بينهما تأكيدا.
ومنهم من قال: لما تسمى مسيلمة لعنه الله ب (الرحمن)، قال الله تعالى لنفسه:
(الرحمن الرحيم)، فالجمع بين هاتين الصفتين لله تعالى فقط، وهذا ضعيف جدّا فإن تسميته بذلك غير معتد بها البتة، وأيضا: فإن (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل ظهور أمر مسيلمة.
ومنهم من قال: لكل واحد فائدة غير فائدة الآخر، وجعل ذلك بالنسبة إلى تغاير متعلقهما إذ يقال: (رحمان الدنيا، ورحيم الآخرة)، ويروى ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم وذلك لأن رحمته فى الدنيا تعم المؤمن والكافر، وفى الآخرة تخص المؤمنين فقط.
ويروى: (رحيم الدنيا ورحمن الآخرة) وفى المغايرة بينهما بهذا القدر وحده نظر لا يخفى.
وذهب بعضهم إلى أنهما مختلفان، ثم اختلف هؤلاء أيضا:
فمنهم من قال: الرحمن أبلغ ولذلك لا يطلق على غير البارئ تعالى واختاره الزمخشرى، وجعله من باب (غضبان) و (سكران) للممتلئ غضبا وسكرا ولذلك يقال: (رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الآخرة فقط).
قال الزمخشرى: (فكان القياس الترقى من الأدنى إلى الأعلى كما يقال: (شجاع باسل)، ولا يقال: (باسل شجاع).
ثم أجاب: بأنه أردف (الرحمن) الذى يتناول جلائل النعم وأصولها ب (الرحيم) ليكون كالتتمة والرديف ليتناول ما دق منها ولطف.
ومنهم من عكس: فجعل (الرحيم) أبلغ، ويؤيده رواية من قال: (رحيم الدنيا، ورحمان الآخرة) لأنه فى الدنيا يرحم المؤمن والكافر، وفى الآخرة لا يرحم إلا المؤمن.
قال ابن عادل الحنبلى: لكن الصحيح أن (الرحمن) أبلغ، وأما هذه الرواية فليس فيها دليل، بل هى دالة على أن (الرحمن) أبلغ وذلك لأن القيامة فيها الرحمة أكثر بأضعاف، وأثرها فيها أظهر على ما يروى (أنه خبأ لعباده تسعا وتسعين رحمة ليوم القيامة).
والظاهر أن جهة المبالغة فيهما مختلفة: فمبالغة (فعلان) من حيث: الامتلاء والغلبة،(1/152)
واعلم أن المواضع باعتبار البسملة فى مذهب الحافظ أربعة: موضع تترك فيه باتفاق: وهو أول براءة سواء ابتدئ بها أو قرئت بعد غيرها.
وموضع تثبت فيه باتفاق: وهو أول كل سورة تبدأ بها إذا لم تقرأ قبلها غيرها سوى براءة.
__________
ومبالغة (فعيل) من حيث التكرار والوقوع بمحال الرحمة.
وقال أبو عبيدة: وبناء (فعلان) ليس كبناء (فعيل) فإن بناء (فعلان) لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو: (رجل غضبان) للممتلئ غضبا، و (فعيل) يكون بمعنى الفاعل، والمفعول، قال الشاعر:
فأما إذا عضت بك الحرب عضة ... فإنك معطوف عليك رحيم
ف (الرحمن) خاص الاسم، عام الفعل، و (الرحيم) عام الاسم، خاص الفعل ولذلك لا يتعدى (فعلان) ويتعدى (فعيل).
حكى ابن سيده: زيد حفيظ علمك وعلم غيرك.
والألف واللام فى (الرحمن) للغلبة كهى فى (الصّعق)، ولا يطلق على غير البارئ تعالى عند أكثر العلماء رحمهم الله تعالى لقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللََّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمََنَ} [الإسراء: 110] فعادل به ما لا شركة فيه، بخلاف (رحيم) فإنه يطلق على غيره تعالى قال فى حقه عليه الصلاة والسلام {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:
128].
وأما قول الشاعر فى حق مسيلمة الكذاب لعنه الله تعالى:
. ... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فلا يلتفت إلى قوله لفرط تعنتهم.
ولا يستعمل إلا معرفا بالألف واللام أو مضافا، ولا يلتفت لقوله: (لا زلت رحمانا) لشذوذه.
ومن غريب ما نقل فيه أنه معرب، ليس بعربى الأصل، وأنه بالخاء المعجمة، قاله ثعلب، والمبرد، وأنشد قول القائل:
لن تتركوا المجد أو تشروا عباءتكم ... بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا
أو تتركون إلى القسّين هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمن قربانا
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: إنما جاز حذف الألف قبل النون من لفظة (الرحمن) فى الخط على سبيل التخفيف، ولو كتب بالألف حسن، ولا يجوز حذف الياء من (الرحيم) لأن حذف الألف من (الرحمن) لا يخل بالكلمة، ولا يحصل فى الكلمة التباس، بخلاف حذف الياء من (الرحيم).
قال ابن الخطيب: أجمعوا على أن إعراب (الرحمن الرحيم) هو الجر لكونهما صفتين للمجرور، إلا أن الرفع والنصب جائزان فيهما بحسب الحال، أما الرفع فعلى تقدير: بسم الله هو الرحمن.
وأما النصب فعلى تقدير: بسم الله أعنى الرحمن الرحيم.
ينظر: اللباب (1/ 119118، 129127، 150143).(1/153)
وموضع يخير فيه باتفاق: وهو الابتداء برءوس الأجزاء التى فى أثناء السور.
وموضع فيه خلاف: وهو ما بين السور، فأثبت البسملة فيه قالون، وابن كثير (1)، وعاصم والكسائى، وتركها الباقون.
وافقه الشيخ والإمام فى الموضع الأول على الترك (2)، وفى الموضع الثانى على الإثبات.
قال الإمام: «إلا لحمزة فإنه لا يبسمل له إلا فى أول فاتحة الكتاب خاصة» وخالفاه فى الموضع الثالث فقالا: «يتعوذ عند الابتداء برءوس الأجزاء لا غير».
وأما الموضع الرابع: فاختار الإمام فيه الفصل بالتسمية للجماعة سوى حمزة، وذكر الشيخ: أنه قرأ على أبى عدى لورش بالفصل، وعلى أبى الطيب (3) بتركه،
__________
(1) عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان، بن هرمز، الإمام العلم مقرئ مكة، وأحد القراء السبعة، أبو معبد الكنانى الدارى المكى، مولى عمرو بن علقمة الكنانى، وقيل: يكنى أبا عباد، وقيل: أبا بكر، فارسى الأصل. وكان داريّا، وهو العطار.
قيل: قرأ على عبد الله بن السائب المخزومى، وذلك محتمل، والمشهور تلاوته على مجاهد ودرباس مولى ابن عباس.
تلا عليه أبو عمرو بن العلاء، ومعروف بن مشكان، وإسماعيل بن قسطنطين وعدة.
وقد حدث عن: ابن الزبير، وأبى المنهال عبد الرحمن بن مطعم، وعكرمة، ومجاهد وغيرهم. وهو قليل الحديث.
روى عنه: أيوب، وابن جريج، وإسماعيل بن أمية، وزمعة بن صالح، وعمر بن حبيب المكى، وليث بن أبى سليم، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وجرير بن حازم، وحسين بن واقد، وعبد الله بن أبى نجيح، وحماد بن سلمة، وآخرون.
وثقه على بن المدينى وغيره، قال ابن سعد: كان ابن كثير المقرئ ثقة، له أحاديث صالحة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.
قال ابن عيينة: لم يكن بمكة أحد أقرأ من حميد بن قيس، وعبد الله بن كثير. وقال جرير بن حازم: رأيت عبد الله بن كثير فصيحا بالقرآن. وذكر الدانى أن ابن كثير أخذ القراءة عن عبد الله بن السائب.
ينظر: سير أعلام النبلاء (5/ 322318)، وطبقات خليفة (282)، والتاريخ الكبير (5/ 181)، والتاريخ الصغير (1/ 305304)، والجرح والتعديل (5/ 144)، وتاريخ الإسلام (4/ 269268)، وتهذيب التهذيب (5/ 367)، وطبقات القراء (1/ 433 444).
(2) فى أ: التبرك.
(3) عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون بن المبارك، أبو الطيب الحلبى، نزيل مصر، أستاذ ماهر كبير كامل محرر ضابط ثقة خير صالح دين، ولد ليلة الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من رجب سنة تسع وثلاثمائة بحلب وانتقل إلى مصر. فسكنها وألف كتابه الإرشاد فى السبع،(1/154)
وأن اختيار الشيوخ (1) «ترك الفصل لأبى عمرو وابن عامر»، وذكر فى كتاب «الكشف» أن الذى اختاره لنفسه الفصل بين كل سورتين بالتسمية وأرجع إلى لفظ الحافظ رحمه الله قوله: «اختلفوا فى التسمية بين السور، فكان ابن كثير وقالون وعاصم والكسائى يبسملون بين كل سورتين فى جميع القرآن».
ووجه هذا المذهب: اتباع الخط، ولا خلاف فى إثبات التسمية فى جميع المصاحف بين السور، ولما روى عن عائشة (2) رضى الله عنها أنها قالت:
__________
روى القراءة عرضا وسماعا عن الكامل إبراهيم بن عبد الرزاق وإبراهيم بن محمد ابن مروان وجامع البيان الكامل أحمد بن محمد بن بلال ومحمد بن أحمد بن إبراهيم البغدادى وأحمد بن الحسين النحوى وأحمد بن موسى وجعفر بن سليمان والحسين ابن خالويه والكامل الحسن بن حبيب الحصائرى والكامل صالح بن إدريس وعبد الله بن أحمد بن الصقر وعلى بن محمد المكى وعمر بن بشران وجامع البيان، الكامل محمد بن جعفر الفريابى ومحمد بن على العطوفى ويحيى بن بذى ونجم بن بدر وصالح بن إدريس وعبد الله بن أحمد بن الصقر وعلى بن محمد المكى والكامل نصر ابن يوسف وجامع البيان، الكامل نظيف بن عبد الله والمستنير محمد بن سنان الشيزرى فيما ذكره ابن سوار، وهو غلط، والصواب: أنه قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق عنه، عرض القراءات عليه ولده جامع البيان أبو الحسن طاهر وأحمد بن على الربعى وأبو جعفر أحمد بن على الأزدى والكامل أحمد بن على تاج الأئمة وأحمد بن نفيس والحسن بن عبد الله الصقلى وخلف بن غصن وأبو عمر الطلمنكى وأبو القاسم عبد الرحمن ابن الحسن الأستاذ وأبو عبد الله محمد بن سفيان وأبو الحسين محمد بن قتيبة الصقلى وأبو عبد الله مسلم شيخ غالب بن عبد الله ومكى القيسى وأحمد بن أبى الربيع، قال أبو عمرو الحافظ: كان حافظا للقراءة ضابطا ذا عفاف ونسك وفضل وحسن تصنيف، ووجد بخطه على بعض مؤلفاته:
صنفت ذا العلم أبغى الفوز مجتهدا ... لكى أكون مع الأبرار والسعدا
فى جنة فى جوار الله خالقنا ... فى ظل عيش مقيم دائم أبدا
توفى رحمه الله بمصر فى جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 471470).
(1) فى أ: الشيخ.
(2) عائشة بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما التيمية، أم عبد الله الفقيهة أم المؤمنين الربانية، حبيبة النبى صلى الله عليه وسلم لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، اتفقا على مائة وأربعة وسبعين، وانفرد البخارى بأربعة وخمسين ومسلم بثمانية وستين. وعنها مسروق والأسود وابن المسيب وعروة، والقاسم وخلق. قال عليه السلام: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»، وقال عروة: ما رأيت أعلم بالشعر من عائشة. وقال القاسم: كانت تصوم الدهر، وقال هشام بن عروة: توفيت سنة سبع وخمسين، ودفعت بالبقيع.
ينظر: الخلاصة (3/ 387) (106)، تهذيب التهذيب (12/ 433)، وتقريب التهذيب(1/155)
«اقرءوا ما فى المصحف».
قوله: «ما خلا الأنفال وبراءة فإنه لا خلاف فى ترك التسمية بينهما».
إنما لم يفصلوا هنا بالتسمية اتباعا للخط إذ لا خلاف فى تركها فى جميع المصاحف بين الأنفال وبراءة. واختلف فى سبب ذلك:
فحكى الحافظ فى «إيجاز البيان» أن ابن عباس سأل عليّا رضى الله عنهما:
«لم لم تكتب التسمية فى أول براءة؟ فقال: لأن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان» (1).
وحكى الشيخ فى كتاب «الكشف» عن مالك: إنما ترك من مضى أن يكتبوا فى أول براءة «بسم الله الرحمن الرحيم» لأنه سقط أولها يعنى نسخ (2)، وحكى مثله
__________
(2/ 606)، وأسماء الصحابة الرواة ت (4)، والثقات (3/ 323).
(1) أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه كما فى الدر المنثور (3/ 377).
(2) النسخ فى الاصطلاح:
قال جماعة منهم القاضى أبو بكر الباقلانى، والصيرفى، والشيخ أبو إسحاق الشيرازى، والغزالى، والآمدى، وابن الأنبارى وغيرهم: هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم، على وجه لولاه لكان ثابتا، مع تراخيه عنه. وإنما آثروا الخطاب على النص ليكون شاملا للفظ، والفحوى والمفهوم فإنه يجوز جميع ذلك.
وقالوا: الدال على ارتفاع الحكم ليتناول الأمر، والنهى، والخبر، وجميع أنواع الحكم.
وقالوا: بالخطاب المتقدم ليخرج إيجاب العبادات ابتداء، فإنه يزيل حكم العقل ببراءة الذمة، ولا يسمى نسخا لأنه لم يزل حكم خطاب.
وقالوا: على وجه لولاه لكان ثابتا لأن حقيقة النسخ: الرفع، وهو إنما يكون رافعا لو كان المتقدم بحيث لولا طريانه لبقى.
وقالوا: مع تراخيه عنه لأنه لو اتصل لكان بيانا لمدة العبادة لا نسخا.
وقد اعترض على هذا الحد بوجوه:
الأول: أن النسخ هو نفس الارتفاع، والخطاب إنما هو دال على الارتفاع، وفرق بين الرافع وبين نفس الارتفاع.
الثانى: أن التقييد بالخطاب خطأ لأن الناسخ قد يكون فعلا، كما يكون قولا.
الثالث: أن الأمة إذا اختلفت على قولين، ثم أجمعت بعد ذلك على أحدهما، فهذا الإجماع خطاب، مع أن الإجماع لا ينسخ به.
الرابع: أن الحكم الأول قد يثبت بفعل النبى صلى الله عليه وسلم، وليس بخطاب.
قال الرازى فى المحصول: والأولى أن يقال: الناسخ طريق شرعى، يدل على أن مثل الحكم الذى كان ثابتا بطريق شرعى لا يوجد بعد ذلك، مع تراخيه عنه، على وجه لولاه لكان ثابتا.(1/156)
عن عثمان (1) رضى الله عنه.
وحكى عن ابن عجلان (2): «بلغنى أن براءة كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا
__________
وفيه أن قوله: مثل الحكم الذى إلخ، يشمل ما كان مماثلا له فى وجه من الوجوه فلا يتم النسخ لحكم إلا برفع جميع المماثلات له فى شىء مما يصح عنده إطلاق المماثلة عليه.
وقال الزركشى: المختار فى حده اصطلاحا: أنه رفع الحكم الشرعى بخطاب.
وفيه: أن الناسخ قد يكون فعلا لا خطابا، وفيه أيضا: أنه أهمل تقييده بالتراخى، ولا يكون نسخ إلا به.
وقال ابن الحاجب فى مختصر المنتهى: إنه فى الاصطلاح: رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر.
واعترض عليه: بأن الحكم راجع إلى كلام الله سبحانه وهو قديم، والقديم لا يرفع ولا يزول.
وأجيب: بأن المرفوع تعلق الحكم بالمكلف لا ذاته، ولا تعلقه الذاتى.
وقال جماعة: هو فى الاصطلاح: الخطاب الدال على انتهاء الحكم الشرعى، مع التأخير عن موارده، ويرد على قيد الخطاب ما تقدم، فالأولى أن يقال: هو رفع حكم شرعى بمثله مع تراخيه عنه.
ينظر البرهان (2/ 1263)، والبحر المحيط (4/ 63)، والإحكام فى أصول الأحكام (3/ 55)، وسلاسل الذهب ص (290)، ونهاية السول (2/ 548)، وحاشية البنانى (2/ 74).
(1) أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وأبو داود والترمذى وحسنه، والنسائى وابن أبى داود فى المصاحف وابن المنذر والنحاس فى ناسخه وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس، قال: قلت لعثمان بن عفان فذكره مطولا بنحوه كما فى الدر المنثور للسيوطى (3/ 375).
وعثمان هو عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس الأموى، أبو عمرو المدنى، ذو النورين، وأمير المؤمنين، ومجهز جيش العسرة، وأحد العشرة، وأحد الستة، هاجر الهجرتين، له مائة وستة وأربعون حديثا، اتفقا على ثلاثة، وانفرد البخارى بثمانية، ومسلم بخمسة، وعنه أبناؤه: أبان وسعيد وعمرو، وأنس ومروان بن الحكم وخلق، غاب عن بدر لتمريض ابنة النبى صلى الله عليه وسلم، فضرب له النبى صلى الله عليه وسلم بسهم، قال ابن عمر: كنا نقول على عهد النبى صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وقال ابن سيرين: كان يحيى الليل كله بركعة، قتل فى سابع ذى الحجة يوم الجمعة سنة خمس وثلاثين، قال عبد الله بن سلام: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا يغلق إلى يوم القيامة، رضى الله عنه.
ينظر: الخلاصة (2/ 219) (4771)، وتهذيب التهذيب (7/ 139)، وتقريب التهذيب (2/ 12)، وتاريخ البخارى الكبير (6/ 208)، وتاريخ الثقات (1109).
(2) الإمام القدوة، الصادق، بقية الأعلام، أبو عبد الله القرشى، المدنى، وكان عجلان مولى لفاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. ولد فى خلافة عبد الملك(1/157)
منها فلذلك لم يكتب فى أولها: «بسم الله الرحمن الرحيم».
يريد ابن عجلان أنه نسخ منها ما نقص منها.
وحكى أيضا عن عثمان رضى الله عنه أنه قال: «لم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى براءة شيئا، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال، وكانت من آخر ما نزل فلذلك لم يكتب بينهما: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وقال أبى رضى الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا فى أول كل سورة ب «بسم الله الرحمن الرحيم»، ولم يأمرنا فى سورة براءة بشيء فلذلك ضمت إلى الأنفال فلم يكتب بينهما «بسم الله الرحمن الرحيم» وكانت أولى بها لشبهها بها».
وحكى عن ابن لهيعة (1) يقولون: إن براءة من الأنفال فلذلك لم يكتب فى أولها «بسم الله الرحمن الرحيم»، ومثله عن الليث.
قوله: «وكان الباقون فيما قرأنا لهم لا يبسملون بين السور».
__________
ابن مروان.
وحدث عن أبيه، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن شعيب، وأبى حازم سلمان الأشجعى، وهو أقدم شيخ له، ورجاء بن حيوة، ونافع، ومحمد بن كعب القرظى، والنعمان بن أبى عياش الزرقى.
حدث عنه: إبراهيم بن أبى عبلة، ومنصور بن المعتمر، وهو أكبر منه، وشعبة، وسفيان، وزيد بن أبى أنيسة، ومات قبله بدهر.
وكان فقيها مفتيا، عابدا صدوقا، كبير الشأن، له حلقة كبيرة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (6/ 322317)، وطبقات خليفة: (270)، وتاريخ البخارى (1/ 196)، والتاريخ الصغير (1/ 219)، والجرح والتعديل (8/ 49)، ومشاهير علماء الأمصار (140)، والكامل فى التاريخ (5/ 589552)، وميزان الاعتدال (3/ 644 647)، والوافى بالوفيات (4/ 92).
(1) عبد الله بن لهيعة بن عقبة، الحضرمى الغافقى، أبو عبد الرحمن المصرى قاضيها وعالمها ومسندها، عن: عطاء والأعرج وعكرمة وخلق، وعنه: شعبة وعمرو بن الحارث والليث وابن وهب وخلق. قال أحمد: احترقت كتبه وهو صحيح الكتاب، ومن كتب عنه قديما فسماعه صحيح، قال يحيى بن معين: ليس بالقوى، وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدى، قال يحيى بن بكير: مات سنة أربع وسبعين ومائة.
ينظر: الخلاصة (2/ 92) (3760)، وتهذيب التهذيب (5/ 373)، وتقريب التهذيب (1/ 444)، وميزان الاعتدال (2/ 475).(1/158)
وجه هذا المذهب: التنبيه على (1) أن «بسم الله الرحمن الرحيم» ليست بآية من أول كل سورة، خلافا لما حكى عن ابن المبارك (2)، وعن الشافعى (3) فى أحد قوليه: إنها آية من أول كل سورة، والجمهور على خلافه أن «بسم الله الرحمن الرحيم» لم يثبت كونها من القرآن إلا فى بطن سورة النمل خاصة (4).
__________
(1) فى أ: إلى.
(2) عبد الله بن المبارك بن واضح، الحنظلى مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزى، أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام، ولد ابن المبارك سنة ثمانى عشرة ومائة، عن: حميد وإسماعيل ابن أبى خالد وحسين المعلم وسليمان التيمى وعاصم الأحول وهشام بن عروة وخلق.
وعنه: السفيانان من شيوخه ومعتمر وبقية وابن مهدى وسعيد بن منصور وخلائق. قال ابن معين: ثقة صحيح الحديث. وقال ابن مهدى: كان نسيج وحده، مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
ينظر: الخلاصة (2/ 93)، وتهذيب التهذيب (5/ 382)، وتقريب التهذيب (1/ 445)، والكاشف (2/ 123)، والثقات (7/ 8).
(3) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد المطلبى، أبو عبد الله، الشافعى الإمام العلم، عن: مالك وإبراهيم بن سعد وابن عيينة ومحمد بن على ابن شافع وخلق، وعنه: أبو بكر الحميدى وأحمد بن حنبل والبويطى وأبو ثور وحرملة وطائفة، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن عشر سنين، قال الربيع: كان الشافعى يختم القرآن ستين مرة فى صلاة رمضان، وقال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكى قلنا بعضنا لبعض:
قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبى يقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس من بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته، وقال ابن مهدى: كان الشافعى شابا ملهما. وقال أحمد: ستة أدعو لهم سحرا أحدهم الشافعى. وقال: إن الشافعى للناس كالشمس للعالم.
وقال أبو عبيد: ما رأيت أعقل من الشافعى.
وقال قتيبة: الشافعى إمام ولد سنة خمسين ومائة وتوفى فى آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، رضى الله عنه.
ينظر: تهذيب التهذيب (9/ 25)، وتاريخ بغداد (2/ 56)، والثقات (9/ 30)، والخلاصة (2/ 378377) (6040)، وسير أعلام النبلاء (10/ 5).
(4) وبيان هذا: أنه قد اختلف العلماء فى البسملة: هل هى آية من كل سورة أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ليست بآية من (الفاتحة)، ولا من غيرها، وهو قول مالك رحمه الله لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، وإنما طريقه التواتر.
قال ابن العربى: (ويكفيك أنها ليست من القرآن الكريم اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يختلف فيه)، والأخبار الصحيحة دالة على أن البسملة ليست بآية من (الفاتحة)، ولا من غيرها، إلا فى (النمل)، واستدل بما روى مسلم رحمه الله عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«يقول الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بين وبين عبدى نصفين» الحديث.(1/159)
__________
الثانى: أنها آية من كل سورة، وهو قول عبد الله بن المبارك.
الثالث: قال الشافعى رضى الله عنه: هى آية فى الفاتحة، وتردد قوله فى غيرها، فمرة قال: هى آية من كل سورة، ومرة قال: ليست بآية إلا من (الفاتحة) وحدها.
ولا خلاف بينهم فى أنها آية من القرآن فى سورة (النمل).
واحتج الشافعى: بما رواه الدارقطنى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثانى، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها».
وحجة ابن المبارك ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت على آنفا سورة» فقرأ:
«بسم الله الرحمن الرحيم» {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1].
قال ابن الخطيب: (والمحققون من أصحابنا اتفقوا على أن «بسم الله» قرآن من سائر السور، وجعلوا القولين فى أنها هل هى آية تامة وحدها من كل سورة، أو هى مع ما بعدها آية).
وقال بعض الحنفية: إن الشافعى خالف الإجماع فى هذه المسألة لأن أحدا ممن قبله لم يقل: إن «بسم الله» آية من أوائل سائر السور.
ودليلنا: أن «بسم الله» مكتوب فى أوائل السور بخط القرآن فوجب كونه قرآنا، واحتج المخالف بما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سورة (الملك):
إنها ثلاثون آية، وفى سورة (الكوثر): إنها ثلاث آيات، ثم أجمعوا على أن هذا العدد حاصل بدون التسمية فوجب ألا تكون التسمية آية من هذه السور.
والجواب: أنا إذا قلنا: «بسم الله الرحمن الرحيم» مع ما بعدها آية واحدة، فالإشكال زائل.
فإن قالوا: لما اعترفتم بأنها آية تامة من أول الفاتحة، فكيف يمكنكم أن تقولوا: إنها بعض آية من سائر السور؟
قلنا: هذا غير بعيد ألا ترى أن قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} آية تامة، ثم صار مجموع قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} [يونس: 10] آية واحدة؟! فكذا هاهنا.
وأيضا فقوله: «سورة الكوثر ثلاث آيات» يعنى ما هو خاصية هذه السورة ثلاث آيات، وأما التسمية فهى كالشيء المشترك فيه بين جميع السور فسقط هذا السؤال، والله أعلم.
وقال الشافعى رضى الله عنه: التسمية آية من الفاتحة، ويجب قراءتها مع الفاتحة.
وقال مالك والأوزاعى رضى الله تعالى عنهما: إنها ليست من القرآن إلا فى سورة (النمل)، ولا يجب قراءتها سرّا ولا جهرا، إلا فى قيام شهر رمضان فإنه يقرؤها.
وأما أبو حنيفة رحمه الله فلم ينص عليها، وإنما قال: يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ويسر بها، ولم يقل: إنها آية من أول السورة أم لا.
وسئل محمد بن الحسن رحمه الله عن (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال: ما بين الدفتين كلام الله عز وجل القرآن.
وقال الكرخى رحمه الله تعالى: لا أعرف هذه المسألة بعينها لمتقدمى أصحابنا، إلا(1/160)
__________
أن أمرهم بإخفائها يدل على أنها ليست من السورة.
وقال بعض الحنفية رحمهم الله: تورع أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله عن الوقوع فى هذه المسألة لأن الخوض فى أن التسمية من القرآن أو ليست من القرآن أمر عظيم، فالأولى السكوت عنه.
وحجة من قال: إن التسمية من الفاتحة، ما روى الشافعى عن مسلم عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن أم سلمة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فعد {«بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ»} آية منها، و {«الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ»} آية، {«الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ»} آية، {«مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ»} آية، {«إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ»} آية، {«اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ»} آية، {«صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ»}
آية. وهذا نص صريح.
وروى الثعلبى فى تفسيره بإسناده عن أبى بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود عليهما السلام غيرى؟!» فقلت: بلى، قال: «بأى شىء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟» قلت: ب «بسم الله الرحمن الرحيم» قال:
«هى هى» وهذا يدل على أن التسمية من القرآن.
وروى الثعلبى بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: «كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة؟» قال: أقول:
الحمد لله رب العالمين، قال: قل: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] قال: فاتحة الكتاب، فقيل للنابغة: أين السابعة؟ فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وبإسناده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد والنبى يحدث أصحابه، إذ دخل رجل يصلى، فافتتح الصلاة وتعوذ، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رجل، قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أن «بسم الله الرحمن الرحيم» من الحمد؟! من تركها فقد ترك آية منها، ومن ترك آية منها فقد قطع عليه صلاته فإنه لا صلاة إلا بها».
وروى بإسناده عن طلحة بن عبيد الله رضى الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك «بسم الله الرحمن الرحيم»، فقد ترك آية من كتاب الله تعالى».
وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بن كعب رضى الله عنهما: «ما أعظم آية فى كتاب الله تعالى؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، فصدقه النبى صلى الله عليه وسلم».
ومعلوم أنها ليست آية تامة فى النمل فتعين أن تكون آية تامة فى أول الفاتحة.
وروى أن معاوية رضى الله عنه لما قدم المدينة، فصلى بالناس صلاة يجهر فيها، فقرأ أم القرآن، ولم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية: أنسيت؟ أين «بسم الله الرحمن الرحيم» حين استفتحت القرآن؟
فأعاد معاوية الصلاة، وقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم».
وهذا يدل على إجماع الصحابة على أنها من القرآن ومن الفاتحة، وعلى أن الأولى(1/161)
فإن قيل: لم أثبتها هؤلاء فى الابتداء بأوائل السور؟
قيل: لقصد التبرك لحديث: «كل أمر ذى بال» كما كتبت فى أوائل السور لذلك.
ولم يعيدوا قراءتها بين السور لحصول التبرك فى أول السورة التى بدأ القارئ بها والله عز جلاله وجل كماله أعلم.
قوله: «وأصحاب حمزة يصلون آخر السورة بأول الأخرى».
ذكر الشيخ مثل هذا ولم أجد للإمام فيه قولا.
وذكر أبو جعفر بن الباذش: أن من يأخذ له بوصل السورة بالسورة لا يلتزم الوصل البتة بل آخر السورة عنده كآخر آية وأول السورة الأخرى كأول آية أخرى فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل رأس آية بأول آية أخرى، كذلك لا يلتزم له وصل السورة بالسورة حتما، قال أبو جعفر: «بين (1) لى هذا أبو الحسن شريح وقد خولف فيه».
قوله: «ويختار فى مذهب ورش، وأبى عمرو، وابن عامر السكت بين السورتين من غير قطع».
يريد بقوله: «من غير قطع»: ألا يطول السكت بينهما بل يكون يسيرا، وقد فسر ذلك ابن فيرة فى قصيدته فقال:
وسكتهم المختار دون تنفّس
البيت، والمراد بهذا السكت: الإشعار بانفصال السورة من السورة.
وذكر الشيخ السكت عن ورش، وأبى عمرو، وابن عامر مطلقا، ولم يصفه بطول ولا قصر، وذكره الإمام فى قراءة أبى عمرو خاصة فقال: «والبغداديون يأخذون فى قراءة أبى عمرو بسكتة خفيفة بين السور».
وقد تقدم اختيار الشيخ والإمام الفصل بالبسملة، ويظهر والله أعلم: أنه لا يلزم أن يكون السكت بين السورتين يسيرا ولا بد، بل (2) يجوز ذلك، ويجوز أيضا أن يكون على حد السكت فى الوقف (3) إذ الكلام فى أواخر السور تام، ولا
__________
الجهر بقراءتها. ينظر: اللباب (1/ 152151، 248243).
(1) فى أ: يبين.
(2) فى أ: ولا بديل.
(3) فى أ: الوقت.(1/162)
تعلق (1) لآخر سورة بأول أخرى فى حكم من أحكام الإعراب، إلا ما قيل فى آخر سورة الفيل وأول سورة قريش: إن لام الجر فى {لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] متعلق بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] وهو بعيد للفصل بينهما بالبسملة، والله أعلم.
قوله: «وابن مجاهد يرى وصل السورة بالسورة وتبيين الإعراب، ويرى السكت أيضا».
حكى الشيخ السكت عن ابن مجاهد وقد تقدمت فائدته، وأما الوصل ففائدته:
تبيين الإعراب فى آخر حرف من السورة.
ويظهر أن هذا السكت المذكور إنما يفعل على إرادة الوصل، لكن من رآه قصد به الإشعار بانفصال سورة من أخرى، وهو نظير سكت حفص فى المواضع الأربعة المذكورة فى أول سورة الكهف، وعلى هذا فمن أراد تمكين السكت بين السور لقصد الوقف فلا حرج كما تقدم فى الأخذ لحمزة، والله تبارك وتعالى أعلم.
قوله: «وكان بعض أشياخى يفصل فى مذهب هؤلاء بالتسمية إلى آخره».
ذكر فى: «إيجاز البيان» أنه قرأ بالتسمية بين هذه السور على ابن خاقان (2) وعلى ابن غلبون، وقرأ على أبى الفتح بترك التسمية.
وذكر أنهم حكوا ما قرأ به عليهم عن أشياخهم.
ووجه من فصل فى هذه المواضع الأربعة: أنه استثقل اتصال «لا» النافية بقوله
__________
(1) فى أ: تعلم.
(2) خلف بن إبراهيم بن محمد بن جعفر بن حمدان بن خاقان، أبو القاسم المصرى الخاقانى، الأستاذ الضابط فى قراءة ورش وغيرها، قرأ على التيسير أحمد بن أسامة التجيبى وجامع البيان أحمد بن محمد بن أبى الرجاء وجامع البيان محمد بن عبد الله المعافرى وجامع البيان محمد بن عبد الله الأنماطى وجامع البيان أحمد بن عبد الله الخياط وجامع البيان أبى سلمة الحمراوى، وروى القراءة عن جامع البيان محمد بن عبد الله بن أشتة وجامع البيان أحمد بن محمد بن أحمد المكى والتيسير الحسن بن رشيق وجامع البيان عبد العزيز بن على، قرأ عليه التيسير الحافظ أبو عمرو الدانى وعليه اعتمد فى قراءة ورش فى التيسير وغيره، وقال عنه: كان ضابطا لقراءة ورش متقنا لها مجودا مشهورا بالفضل والنسك واسع الرواية صادق اللهجة كتبنا عنه الكثير من القراءات والحديث والفقه، مات بمصر سنة اثنتين وأربعمائة وهو فى عشر الثمانين.
ينظر: غاية النهاية (1/ 271) (1228).(1/163)
تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوى ََ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56] وبقوله: {فَادْخُلِي فِي عِبََادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 3029] لما فى ذلك من إبهام النفى ب «لا» لما قبلها، وكذلك استثقلوا اتصال «ويل» بالاسم العظيم فى قوله: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلََّهِ} [الانفطار: 19] وبقوله: {وَتَوََاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] ففصلوا بالتسمية ليندفع هذا الاستثقال.
وهذا النظر ضعيف لوجهين:
أحدهما: أنه كان يلزم أن يفصل بين التسمية وأوائل هذه السور إذ الاستثقال فى قولك: «بسم الله الرحمن الرحيم لا» مثل الاستثقال فى قولك: «هو أهل التقوى وأهل المغفرة لا»، وكذلك اتصال «ويل» بالتسمية مثل ما فى اتصاله بآخر السورة قبله.
والوجه الثانى: أنا نجد فى أثناء السور مثل هذا التركيب، ولا يلزم فيه الفصل، بل وقد لا يجوز فى بعض المواضع، كقوله تعالى: {اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} [البقرة: 255] فوقعت «لا» بعد اسم الله تعالى وبعد «الحى القيوم» وكقوله تعالى: {وَاللََّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}
[الممتحنة: 87] فوقعت «لا» بعد «غفور رحيم». وكقوله تعالى: {أُولََئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللََّهُ فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام: 90] فوقعت «لا» بعد {فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ}. وكقوله تعالى: {إِنََّا كَذََلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 4544] ولا يمنع أحد الوصل فى هذه المواضع ونحوها، ولو امتنع [فيها] (1) الوصل لم يحصل الخلاف فى قوله تعالى: {فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} فى الوصل، وقد استقرئ فى هذا الحرف أربع قراءات فى السبع كما هو مذكور فى موضعه من فرش الحروف، والله تبارك وتعالى أعلم.
قوله: «ويسكت بينهن سكتة فى مذهب حمزة» لما ثبت عن حمزة أنه كان يترك التسمية بين السور فى جميع القرآن وأنه قال: «القرآن كله عندى كسورة واحدة فإذا قرأت «بسم الله الرحمن الرحيم» فى أول فاتحة الكتاب أجزأنى» لذلك لم يفصلوا، له بالتسمية لئلا يخالفوه فيما ثبت عنه، وفصلوا له بالسكت، وكان يلزم على هذا أن يفصلوا بالسكت بدل التسمية فى قراءة ورش، وأبى عمرو، وابن عامر، لا سيما
__________
(1) سقط فى ب.(1/164)
وقد حكى الحافظ فى «المفردات» أن الرواية ثبتت (1) بنقل اللفظ عن أبى عمرو أنه كان يترك التسمية بين السور فى جميع القرآن.
وذكر فى «إيجاز البيان» أن عامة أهل الأداء من مشيخة المصريين رووا عن أسلافهم، عن أبى يعقوب (2)، عن ورش أنه كان يترك التسمية بين كل سورتين فى جميع القرآن.
قوله: «وليس فى ذلك أثر يروى عنهم».
يريد ليس فى الفصل بين هذه السور الثمانى بالسكت لحمزة، وبالتسمية لورش، وأبى عمرو، وابن عامر رواية عن حمزة ولا عن الآخرين.
قوله: «ولا خلاف فى التسمية فى أول فاتحة الكتاب» إلى قوله: «أو من لم يفصل».
قد تقدم أن الإمام استثنى من ذلك قراءة حمزة، وأنه لا يبسمل له إلا فى أول الفاتحة خاصة.
ويريد الحافظ بقوله: «فى مذهب من فصل»: قالون، وابن كثير، وعاصما
__________
(1) فى أ: تثبت.
(2) يوسف بن عمرو بن يسار، ويقال: سيار، قال الدانى: والصواب: يسار، وأخطأ من قال:
بشار، بالموحدة والمعجمة. أبو يعقوب المدنى ثم المصرى المعروف بالأزرق، ثقة محقق ضابط، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن ورش، وهو الذى خلفه فى القراءة والإقراء بمصر، وعرض على سقلاب ومعلى بن دحية، روى القراءة عنه عرضا فى التيسير والمستنير والكامل إسماعيل بن عبد الله النحاس ومحمد بن سعيد الأنماطى وفى جامع البيان والكامل أبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف وهو آخرهم موتا ومواس بن سهل، قال الذهبى: لزم ورشا مدة طويلة وأتقن عنه الأداء وجلس للإقراء، وانفرد عن ورش بتغليظ اللامات وترقيق الراءات، قال ابن الجزرى: لم ينفرد بذلك عن ورش، بل روى ذلك عن ورش: يونس بن عبد الأعلى. وقال أبو الفضل الخزاعى: أدركت أهل مصر والمغرب على رواية أبى يعقوب عن ورش لا يعرفون غيرها، وقال: أبو بكر بن سيف: سمعت الأزرق يقول: إن ورشا لما تعمق فى النحو اتخذ لنفسه مقرئا يسمى مقرئ ورش، فلما جئت لأقرأ عليه قلت له: يا أبا سعيد، إنى أحب أن تقرئني مقرأ نافع خالصا وتدعنى مما استحسنت لنفسك، قال: فقلدته مقرأ نافع، وكنت نازلا مع ورش فى الدار فقرأت عليه عشرين ختمة من حدر وتحقيق، فأما التحقيق فكنت أقرأ عليه فى الدار التى كنا نسكنها فى مسجد عبد الله، وأما الحدر فكنت أقرأ عليه إذا رابطت معه بالإسكندرية. توفى فى حدود الأربعين ومائتين.
ينظر: النهاية (2/ 402).(1/165)
والكسائى لأنهم الذين يفصلون بالتسمية بين السور.
ويريد «بمن لم يفصل» الباقين.
قوله: «فأما الابتداء برءوس الأجزاء» إلى قوله: «فى مذهب الجميع».
قد تقدم أن مذهب الشيخ والإمام عند الابتداء بالأجزاء ترك التسمية، والاكتفاء بالتعوذ خاصة.
قوله: «والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز».
اعلم أن الممكن فى التسمية باعتبار وصلها وفصلها من السورة التى قبلها ومن السورة التى بعدها أربعة أوجه:
أحدها: فصل التسمية من السورة التى قبلها ووصلها بالتى بعدها.
الثانى: وصلها بما قبلها وبما بعدها.
ولا خلاف فى جواز هذين الوجهين.
الثالث: وصلها بالسورة التى قبلها وفصلها من التى بعدها.
ولا خلاف فى منع هذا الوجه.
الرابع: (1) فصلها مما قبلها ومما بعدها (2).
قال الشيخ لما ذكر التكبير فى آخر «التبصرة»: ولا يجوز الوقف على التكبير دون أن تصله بالبسملة ثم بالسورة المؤتنفة (3).
وقال فى كتاب «التذكرة»: «ولا تقف (4) على التكبير ولا على البسملة».
وقال فى كتاب «الكشف» ما نصه: «إنه أتى بالتسمية على إرادة التبرك بذكر الله تعالى وصفاته فى أول الكلام، ولثباتها للاستفتاح فى المصحف فهى للابتداء بالسورة فلا يوقف على التسمية دون أن توصل بأول السورة».
وقال فى التكبير من كتاب «الكشف» ما نصه: «وليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه، ولا لك أن تقف على التسمية دون أول السورة فى كل القرآن».
فحاصل هذه المقالات يقتضى أن مذهبه المنع.
__________
(1) فى ب: والرابع.
(2) فى ب: وما بعدها.
(3) فى أ: المؤتنف.
(4) فى أ: يقف.(1/166)
وأما الحافظ فنص هنا على منع الوجه الثالث، وسكت عمّا عداه، ومفهومه يعطى جواز الوجهين الأولين والرابع.
وقال فى «المفردات» فى رواية قالون خاصة ما نصه: «والاختيار أن يقطع على أواخر السور ويبتدئ بالبسملة موصولة بأوائل السور ولا يقطع على البسملة البتة إلا إذا لم توصل بأواخر السور».
وهذا القول يعطى جواز الوجه الرابع كالوجهين الأولين.
وأما الإمام فنص فى «الكافى» على الوجوه الثلاثة، ولم يتعرض لهذا الرابع، وقال فى «المفردات» فى فصل التكبير عن البزى (1): «ولا سبيل إلى الوقف على البسملة والابتداء بالسورة المبتدأة لأن البسملة إنما وضعت فى أوائل السور ولم توضع فى خواتمها».
__________
(1) مقرئ مكة ومؤذنها، أبو الحسن، أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبى بزة، المخزومى مولاهم، الفارسى الأصل.
ولد سنة سبعين ومائة.
وتلا على: عكرمة بن سليمان، وأبى الإخريط وابن زياد عن تلاوتهم على إسماعيل القسط، صاحب ابن كثير.
وسمع من: ابن عيينة، ومالك بن سعيد، ومؤمل بن إسماعيل والمقرئ، وطائفة.
وروى عنه: البخارى فى التاريخ، ومضر الأسدي، والحسن بن الحباب، ويحيى ابن صاعد.
وتلا عليه خلق، منهم: أبو ربيعة محمد بن إسحاق، وإسحاق الخزاعى، وأحمد ابن فرح، وابن الحباب، واللهبيان، وآخرون. وصحح له الحاكم حديث التكبير وهو منكر.
وقد قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، لا أحدث عنه.
وقال العقيلى: منكر الحديث، يوصل الأحاديث.
مات سنة خمسين ومائتين. وكان دينا عالما، صاحب سنة، رحمه الله.
ينظر: سير أعلام النبلاء (12/ 5150)، والجرح والتعديل (2/ 71)، والأنساب (2/ 202)، واللباب (1/ 149)، وميزان الاعتدال (1/ 145144)، ومعرفة القراء الكبار للذهبى (1/ 143)، والعبر (1/ 455)، وتاريخ ابن كثير (11/ 6)، والعقد الثمين (3/ 143142)، وغاية النهاية فى طبقات القراء (1/ 120119)، ولسان الميزان (1/ 139)، وشذرات الذهب (2/ 121120).(1/167)
سورة أم القرآن
مسألة: انفرد الحافظ عن خلاد (1) بإشمام الصاد الزاى فى قوله تعالى:
{الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] فى هذه السورة خاصة وهى قراءته على أبى الفتح.
ونقل عنه الشيخ والإمام بصاد خالصة فى هذا، وفى جميع القرآن.
وكذلك قرأ الحافظ على أبى الحسن (2).
مسألة: ذكر الحافظ هنا عن قالون ضم ميم الجمع وصلتها كابن كثير، وإسكانها كالجماعة، وذكر عنه الشيخ الوجهين.
__________
(1) خلاد بن خالد، أبو عيسى وقيل: أبو عبد الله الشيبانى مولاهم، الصيرفى الكوفى، إمام فى القراءة، ثقة عارف محقق أستاذ، أخذ القراءة عرضا عن سليم وهو من أضبط أصحابه وأجلهم، وروى القراءة عن حسين بن على الجعفى عن أبى بكر وعن أبى بكر نفسه عن عاصم وعن أبى جعفر محمد بن الحسن الرواسى، روى القراءة عنه عرضا جامع البيان والكامل أحمد بن يزيد الحلوانى وجامع البيان والكامل إبراهيم بن على القصار وإبراهيم بن نصر الرازى والكامل حمدون بن منصور. توفى سنة عشرين ومائتين.
ينظر: غاية النهاية (1/ 274).
(2) إشمام الصاد زاء هو لغة قيس. ينظر: حجة القراءات (80)، إعراب القراءات (1/ 49)، العنوان (67)، البحر المحيط (1/ 113)، إتحاف الفضلاء (1/ 365).
يقول ابن عادل الحنبلى: وقد تشم الصاد فى (الصراط) ونحوه: زاء، وقرأ به خلف، وحمزة حيث ورد، وخلاد: الأول فقط، وقد تقرأ زاء محضة، ولم ترسم فى المصحف إلا بالصاد، مع اختلاف فى قراءتهم فيها.
و (الصراط) يذكر ويؤنث: فالتذكير لغة تميم، والتأنيث لغة الحجاز، فإن استعمل مذكرا، جمع على (أفعلة) فى القلة، وعلى (فعل) فى الكثرة، نحو: (حمار)، و (أحمرة) و (حمر)، وإن استعمل مؤنثا، فقياسه أن يجمع على (أفعل): نحو: (ذراع) و (أذرع).
و (المستقيم) اسم فاعل من استقام، بمعنى المجرد، ومعناه: السوىّ من غير اعوجاج، وأصله (مستقوم) ثم أعل كإعلال (نستعين).
و (الصراط المستقيم) قال ابن عباس، وجابر رضى الله عنهما: هو الإسلام، وهو قول مقاتل، وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه: هو القرآن الكريم، وروى عن على رضى الله تعالى عنه مرفوعا: الصراط المستقيم: كتاب الله تعالى.
وقال سعيد بن جبير رضى الله تعالى عنه: طريق الجنة.
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله تعالى: وهو طريق السنة والجماعة.
وقال بكر بن عبد الله المزنى: هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو العالية، والحسن: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه.
ينظر: اللباب (1/ 208206).(1/168)
وذكر الإمام الإسكان خاصة.
تنبيه: قال (1) الحافظ فى هذه المسألة: «بخلاف عن قالون».
وقال فى «المفردات» فى رواية أبى نشيط (2) عن قالون ما نصه: «اعلم أن قالون كان يخير (3) فى ضم ميم الجمع ووصلها بواو فى إسكانها».
ثم أخبر أنه قرأ على فارس عن قراءته بضم الميم، وعلى أبى الحسن عن قراءته بإسكان الميم، وبين العبارتين بون يعرض منه للناظر إشكال.
ووجه البيان فى ذلك: ما نص عليه الشيخ فى «التبصرة» فقال ما نصه: «وخيّر قالون فى إسكانها وصلتها بواو».
وكذلك روى الحلوانى (4)، وأبو نشيط عنه: أنه خير فلا تبالى فى أى رواية
__________
(1) فى ب: وقال.
(2) محمد بن هارون، الإمام المقرئ المجود الحافظ الثقة، أبو نشيط، وأبو جعفر، الربعى المروزى ثم البغدادى الحربى.
ولد سنة نيف وثمانين ومائة.
تلا على: عيسى بن مينا بحرف نافع، وسمع من روح بن عبادة، ومحمد بن يوسف الفريابى، ويحيى بن أبى بكر، وأبى المغيرة عبد القدوس الحمصى، وعلى بن عياش، وأبى اليمان، وعمرو بن الربيع المصرى، والوليد بن عتبة المقرئ، وطائفة.
قرأ عليه: أبو حسان أحمد بن محمد بن أبى الأشعث العنزى، واعتمد على طريقه أبو عمرو فى تيسيره من طريق أبى الحسين بن بويان.
وحدث عنه: أبو بكر بن أبى الدنيا، وابن ماجة فى التفسير والبغوى، وابن صاعد، والمحاملى، وابن أبى حاتم، وابن مخلد، وقاسم المطرز، وعبد الله بن ناجية.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال ابن مخلد: حدثنا أبو نشيط، وكان حافظا.
وقد وهم أبو عمرو الدانى، وقال: إن أبا نشيط توفى سنة ثلاثة وستين ومائتين، وإنما المتوفى فى نحو هذه السنة: المحدث محمد بن أحمد بن هارون شيطا، وأصاب فى جعل أبى نشيط المروزى هو البغدادى الربعى، وبعض الناس يفرق بين الترجمتين، وهما واحد، هذا الراجح عندى، وأنه توفى سنة ثمان وخمسين، كما قاله تلميذه ابن مخلد، والله أعلم.
ينظر: سير أعلام النبلاء (12/ 327324)، والجرح والتعديل (8/ 117)، وتاريخ بغداد (3/ 353352)، وتهذيب الكمال (1280)، وغاية النهاية فى طبقات القراء (2/ 273272)، وتهذيب التهذيب (9/ 494493)، والمنتظم (5/ 15).
(3) فى أ: يجيز.
(4) أحمد بن يزيد بن أزداذ ويقال: يزداذ الصفار الأستاذ، أبو الحسن الحلوانى، قال الدانى: يعرف بأزداذ، إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط خصوصا فى قالون وهشام، قرأ بمكة على جامع البيان أحمد بن محمد القواس وبالمدينة على المستنير، جامع(1/169)
قرأت بالضم.
واختار ابن مجاهد الإسكان، والاختيار عند القراء ضم الميمات كلها للحلوانى، وإسكانها لأبى نشيط.
قال العبد: فعبارة التخيير يراعى فيها أصل الرواية عن قالون، وعبارة الخلاف يراعى فيها اختيار القراء من حيث خصوا الإسكان بطريق أبى نشيط، وخصوا الضم بطريق الحلوانى، فكأنهما روايتان مختلفتان عن قالون، والله تعالى أعلم.
تنبيه: ذكر عن حمزة «عليهم» و «لديهم» و «إليهم» بضم الهاء فى الحالين أولا ثم ذكر ابن كثير وقالون بخلاف صلة الميم، ثم أتبع بمذهب ورش، ثم رجع إلى مذهب حمزة، والكسائى.
وهذا العمل له وجه من الترتيب حسن، وإن لم يكن باديا من أول وهلة.
وبيانه: أن كلامه فى هذا الفصل فى معنى أن لو قال: ميم الجمع إن كان من هذه الكلم الثلاث، فمذهب حمزة فيه ضم الهاء فى الحالين من غير اعتبار بما بعد الميم من حركة أو سكون ولهذا سوى بين الوقف والوصل وإن كان من غير هذه الكلم الثلاث فحينئذ يعتبر ما بعد الميم، فإن كان متحركا فابن كثير ومن وافقه يضم الميم فى الوصل ويصلها، والباقون يسكنونها، وإن كان بعد الميم ساكن فحمزة، والكسائى، وأبو عمرو يفعلون كذا بشرط أن تكون (1) الميم بعد الهاء، وتكون (2)
قبل الهاء كسرة أو ياء ساكنة، والباقون بخلاف ذلك (3).
__________
البيان، الكفاية الكبرى، الكامل قالون، رحل إليه مرتين، وإسماعيل وأبى بكر ابني أبى أويس فيما ذكره الهذلى، وبالكوفة والعراق على خلف والتيسير، الكامل خلاد وجعفر بن محمد الخشكنى وجامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل أبى شعيب القواس وحسين بن الأسود المبهج، الكامل الدورى.
توفى سنة نيف وخمسين ومائتين.
ينظر: غاية النهاية (1/ 149).
(1) فى ب: يكون.
(2) فى ب: يكون.
(3) اعلم أن يعقوب يضم كل هاء قبلها ياء ساكنة تثنية وجمعا، إلا قوله تعالى: {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12].
والآخرون بكسرها.
فمن ضمها ردها إلى الأصل لأنها مضمومة عند الانفراد.
ومن كسرها، فالأصل الياء الساكنة، والياء أخت الكسرة.(1/170)
وقوله فى آخره: «وحمزة على أصله فى الكلم الثلاث» توكيد لما تقدم، وأن كسر الهاء فى الوقف مختص بما عدا الكلم الثلاث والله عز وجل أعلم.
تنبيه: اعلم أن ميم الجمع لها أربع حالات:
حالة تحرك فيها بالضم وتوصل ضمتها بواو بالاتفاق.
وحالة تحرك فيها من غير صلة.
وحالة تسكن فيها.
وحالة فيها خلاف دائر بين الإسكان والتحريك مع الصلة.
فالحالة الأولى: إذا اتصل بها ضمير، كقوله تعالى: {أُورِثْتُمُوهََا} [الأعراف:
43] و {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} [آل عمران: 183] و {آذَيْتُمُونََا} [إبراهيم: 12].
والحالة الثانية: إذا وقع بعدها فى الوصل حرف ساكن.
والحالة الثالثة: إذا وقفت (1) عليها.
والحالة الرابعة: ما عدا ما تقدم.
__________
وضم ابن كثير، وأبو جعفر كل ميم جمع مشبعا فى الوصل، إذا لم يلقها ساكن، فإن لقيها ساكن فلا يشبع.
ونافع يخير، ويضم ورش عند ألف القطع.
وإذا تلقته ألف الوصل، وقبل الهاء كسر، أو ياء ساكنة، ضم الهاء والميم حمزة والكسائى رحمهما الله وكسرهما أبو عمرو، وكذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله.
والآخرون: بضم الميم، وكسر الهاء لأجل الياء أو لكسر ما قبلها، وضم الميم على الأصل، وقرأ عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه: (صراط من أنعمت عليهم).
إذا ثبت هذا فالأصل فى هاء الكناية: الضم، فإن تقدمها ياء ساكنة، أو كسرة، كسرها غير الحجازيين، نحو: عليهم وفيهم وبهم.
والمشهور فى ميمها السكون قبل متحرك، والكسر قبل ساكن، هذا إذا كسرت الهاء، أما إذا ضممت، فالكسر ممتنع إلا فى ضرورة كقوله: (وفيهم الحكام) بكسر الميم، وفى (عليهم) عشر لغات قرئ ببعضها:
(عليهم) بكسر الهاء وضمها، مع سكون الميم.
(عليهمي) بكسر الهاء، وزيادة الياء، وبكسر الميم فقط.
(عليهمو) بضم الميم، وزيادة واو، أو الضم فقط.
(عليهمو) بكسر الهاء، وضم الميم، بزيادة الواو.
(عليهمي) بضم الهاء وزيادة ياء بعد الميم. أو الكسر فقط (عليهم) بكسر الهاء، وضم الميم، حكى ذلك ابن الأنبارى.
ينظر: اللباب (1/ 217214).
(1) فى ب: وقف.(1/171)
باب بيان مذهب أبى عمرو فى الإدغام الكبير
اعلم أن الغرض من هذا الباب ينحصر فى قسمين:
القسم الأول: يشتمل على سبعة فصول فى تمهيد قواعد وتقرير أصول.
والقسم الثانى: يخص مقصود هذا الباب مرتبا بحسب ألفاظ الكتاب.
القسم الأول
الفصل الأول من القسم الأول فى معنى الإدغام لغة واصطلاحا
أما الإدغام فى اللغة: فهو عبارة عن الإدخال يقال: أدغمت الفرس اللجام (1):
إذا أدخلته فى فيه (2).
وقيل: إنه من الدغم وهو التغطية يقال: أدغمت الشيء إذا غطيته (3).
فإذا استعمل فى اصطلاح القراء وأهل العربية فمعناه: إدخال الحرف فى الحرف ودفنه فيه حتى لا يقع بينهما فصل بوقف ولا بحركة، ولكنك تعمل العضو الناطق بهما إعمالا واحدا فيكون الحاصل منهما فى اللفظ حرفا واحدا مشددا.
ويحصل الفرق بين الحرف المدغم، وغير المدغم، من وجهين:
أحدهما: أن المدغم مشدد وغير المدغم مخفف، فعلى هذا كل حرف مشدد مدغم.
والوجه الثانى: أن زمان النطق بالحرف المدغم أطول من زمان النطق بالحرف غير المدغم بقدر ما فيه من التضعيف، كما أن زمان النطق بالحرفين المفككين أطول من زمان النطق بالحرف المدغم.
__________
(1) فى ب: أدغمت اللجام الفرس.
(2) قال ابن منظور فى لسان العرب (2/ 1391): الإدغام: إدخال حرف فى حرف، يقال:
أدغمت الحرف، وادّغمته، على «افتعلته». والإدغام: إدخال اللجام فى أفواه الدواب.
وأدغم الفرس اللجام: أدخله فى فيه. وأدغم اللجام فى فمه: كذلك، قال ساعدة بن جؤية:
بمقربات بأيديهم أعنّتها ... خوص إذا فزعوا أدغمن باللّجم
قال الأزهرى: وإدغام الحرف فى الحرف مأخوذ من هذا. قال بعضهم: ومنه اشتقاق الإدغام فى الحروف. وقيل: بل اشتقاق هذا من إدغام الحروف.
(3) قال ابن منظور: (دغم الإناء، دغما: غطاه) ينظر: لسان العرب (2/ 1391).(1/172)
وقد نص الحافظ على ما ذكرته فى المدغم فى كتاب «المفصح» فقال: «ويلتزم (1)
اللسان موضعا واحدا» يعنى فى الإدغام.
ثم قال: «إلا أن احتباسه فى موضع الحرف المشدد لما زاد فيه من التضعيف أكثر من احتباسه فيه بالحرف الواحد المخفف» انتهى.
وفائدة الإدغام: تخفيف الكلمة إذ النطق بالحرف مرة واحدة وإن كان مشددا أخف من النطق به مرتين إذا فك ولهذا شبه الخليل (2) تكرار الحرف بمشى المقيد إذا رفع رجله ثم وضعها عادت حيث كانت، فكذلك تكرار النطق بالحرف الواحد لأن العضو الناطق يعتمد فى المرة الثانية على ما اعتمد عليه فى المرة الأولى.
__________
(1) فى ب: ويلزم.
(2) الإمام، صاحب العربية، ومنشئ علم العروض، أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدى، البصرى، أحد الأعلام. ولد سنة مائة.
حدث عن: أيوب السختيانى، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، وغالب القطان.
أخذ عنه سيبويه النحو، والنضر بن شميل، وهارون بن موسى النحوى، ووهب ابن جرير، والأصمعى، وآخرون.
وكان رأسا فى لسان العرب، دينا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن، يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض، وله كتاب: العين، فى اللغة.
وثقه ابن حبان. وقيل: كان متقشفا متعبدا. قال النضر: أقام الخليل فى خص له بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وكان كثيرا ما ينشد:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
مات سنة بضع وستين ومائة، وقيل: بقى إلى سنة سبعين ومائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (7/ 431429)، التاريخ الكبير (3/ 200199)، وطبقات النحويين للزبيدى (5147)، ومعجم الأدباء (11/ 7772)، والكامل لابن الأثير (6/ 50)، وإنباه الرواة (1/ 347341)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 178177)، وفيات الأعيان (2/ 248244)، وعبر الذهبى (1/ 68)، والبداية والنهاية (10/ 162161)، وطبقات القراء لابن الجزرى (1/ 275)، وتهذيب التهذيب (3/ 164163)، وبغية الوعاة (1/ 560557).(1/173)
الفصل الثانى
اعلم أن الحرف لا يدغم فى الحرف إلا إذا كانا مثلين وذلك على وجهين:
أحدهما: أن يكونا مثلين فى الأصل، كقوله تعالى: {وَلََا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ}
[الحجرات: 12].
والثانى: أن يكونا خلافين فى الأصل، فيبدل من الحرف الأول حرف من لفظ الحرف الثانى فيصيرا مثلين نحو {قَدْ تَبَيَّنَ} [البقرة: 256] تبدل من الدال تاء فيصير «قتتبين» فآل إدغام الخلافين إلى إدغام المثلين، وهذا يطرد فى جميع الحروف إلا إذا أدغمت الياء فى الواو، فإنك (1) تبدل الثانى حرفا من جنس الأول نحو: «سيد»، «ميت» والأصل: «سيود»، «ميوت».
وهكذا الحاء إذا أردت: إدغامها فى الهاء أو فى العين أبدلت الثانى حرفا من جنس الأول فقلت:
«امدح حّلالا» و «اصفح حّنى» تريد «امدح هلالا»، «واصفح عنى».
واعلم أن الحرف لا يبدل [بالحرف] (2) لأجل الإدغام إلا إذا كانا متقاربين، والتقارب بين الحرفين يحصل بالاشتراك فى المخرج أو فى الصفات (3).
ثم لا بدّ من سكون الحرف الأول، وإلا لم يصح إدغامه، فعلى هذا إذا التقى المثلان والأول ساكن لزم الإدغام، وإن تحرك لم يدغم إلا بعد أن يسكن فيكون فيه إذ ذاك تغيير واحد قبل الإدغام وهو الإسكان (4).
__________
(1) فى أ: فكأنك.
(2) سقط فى أ.
(3) أو فى مجموع المخرج والصفات، كما نص على ذلك النحاة يقول ابن عصفور فى المقرب (1/ 320): (اعلم أن التقارب بين الحرفين يكون فى المخرج، أو فى الصفة، أو فى مجموعهما).
(4) إذا التقى المثلان فى كلمتين، فإما أن يكون الثانى ساكنا، أو متحركا، فإن كان ساكنا لم يجز الإدغام، بل لا بد من إظهارهما، نحو قولك: (اضرب ابنك).
وقد شذت العرب فى (علماء بنو فلان) والأصل (على الماء)، فحذفوا الألف لالتقاء الساكنين، ثم حذفوا أحد المثلين بعد ذلك تخفيفا، وإن كان متحركا.
فإن كانا صحيحين، فإما أن يكون الأول منهما ساكنا فتدغمه فى الثانى ليس إلا، نحو قولك: (اضرب بكرا)، وإما أن يكون متحركا فلا يخلو إذ ذاك من أن يكون ما قبله ساكنا أو متحركا، فإن كان متحركا، جاز الإظهار وحذف الحركة من المثل الأول، وإدغامه فى الثانى فتقول: (جعل لك)، و (جعلّك). وكلاهما حسن.(1/174)
وإذا التقى المتقاربان وكان الأول ساكنا فلا إدغام إلا بعد إبدال الحرف الأول من جنس الثانى فيكون أيضا فيه تغيير واحد وهو الإبدال، وإن كان الأول متحركا لم يدغم إلا بعد تغييرين وهما: الإبدال والإسكان.
وأما إن تحرك الأول وسكن الثانى فلا إدغام نحو: رددناه (1).
الفصل الثالث فى ذكر الحروف ومخارجها
اعلم أن أصول الحروف (2) فى العربية ثلاثون (3) حرفا، وأذكرها بعد بحول الله
__________
والإظهار لغة أهل الحجاز.
وأقوى ما يكون الإدغام وأحسنه إذا أدى الإظهار إلى اجتماع خمسة أحرف متحركة فصاعدا.
وإن كان ما قبله ساكنا، فإن كان الساكن حرف علة، جاز الإظهار، وأن تحذف الحركة من المثل الأول وتدغمه فى الثانى، نحو: (دار راشد)، و (ثوب بكر)، و (جيب بشر).
والإظهار فيه أحسن من الإظهار فى (جعل لك) وأشباهه.
وإن كان الساكن حرفا صحيحا لم يجز الإدغام نحو: اسم موسى، وابن نوح، وإن كان المثلان حرفى علة، فإن كان الأول ساكنا:
فإما أن يكون حرف لين فيلزم الإدغام نحو: (اخشى ياسرا)، أو حرف مد ولين، فلا يجوز الإدغام نحو: (يغزو واقدا)، و (اضربى ياسرا)، وإن كان الأول متحركا، فإما أن يكون ما قبله متحركا، فيجوز الإظهار والإدغام نحو: (ولى يزيد)، و (لقضو واقد).
وإما أن يكون ساكنا معتلا غير مدغم، فيجوز الإظهار والإدغام، نحو (واو واقد). و (آى يا سين).
وإما أن يكون ساكنا صحيحا، أو معتلّا مدغما، فلا يجوز الإدغام، نحو: (ولى يزيد)، و (عدو واقد)، و (ظبى يزيد)، و (غزو واقد).
ينظر: المقرب (1/ 319318).
(1) الحروف المتقاربة مخارجها إذا أدغمت فإن حالها حال الحرفين اللذين هما سواء فى حسن الإدغام، وفيما يزداد البيان فيه حسنا، وفيما لا يجوز فيه إلا الإخفاء وحده، وفيما يجوز فيه الإخفاء والإسكان.
فالإظهار فى الحروف التى من مخرج واحد وليست بأمثال سواء أحسن لأنها قد اختلفت. وهو فى المختلفة المخارج أحسن لأنها أشد تباعدا، وكذلك الإظهار كلما تباعدت المخارج ازداد حسنا.
ينظر: كتاب سيبويه (4/ 446445).
(2) قال ابن جنى فى سر الصناعة (1/ 15): الحرف حد منقطع الصوت وغايته وطرفه، كحرف الجبل ونحوه، ويجوز أن تكون سميت حروفا أى حروف المعجم لأنها جهات للكلم ونواح كحروف الشيء وجهاته المحدقة به، وكل اشتقاق المادة يدل على هذا المعنى.
(3) ذكر غير واحد من أئمة النحاة: أن أصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا، فها هو ذا(1/175)
عز وجل موزعة على المخارج.
__________
سيبويه إمام النحاة يقول: حروف العربية تسعة وعشرون حرفا: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والكاف، والقاف، والضاد، والجيم، والشين، والياء، واللام، والراء، والنون، والطاء، والدال، والتاء، والصاد، والزاى، والسين، والطاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو.
وتكون خمسة وثلاثين حرفا بحروف هن فروع، وأصلها من التسعة والعشرين، وهى كثيرة يؤخذ بها وتستحسن فى قراءة القرآن الكريم والأشعار، وهى:
النون الخفيفة، والهمزة التى بين بين، والألف التى تمال إمالة شديدة، والشين التى كالجيم، والصاد التى تكون كالزاى، وألف التفخيم، يعنى بلغة أهل الحجاز، فى قولهم: الصلاة والزكاة والحياة.
وتكون اثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة ولا كثيرة فى لغة من ترتضى عربيته، ولا تستحسن فى قراءة القرآن ولا فى الشعر، وهى: الكاف التى بين الجيم والكاف، والجيم التى [كالكاف، والجيم التى] كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التى كالسين، والطاء التى كالتاء، والظاء التى كالثاء، والباء التى كالفاء.
وهذه الحروف التى تممتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة، إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن، وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف لأنها من حافة اللسان مطبقة لأنك جمعت فى الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذى فى اليمين. وهى أخف لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها، فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير فى حافة اللسان فى الأيسر إلى مثل ما كانت فى الأيمن، ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان، كما كانت كذلك فى الأيمن.
ويقول ابن عصفور: فحروف المعجم الأصول: تسعة وعشرون حرفا، أولها الألف وآخرها الياء على المشهور من ترتيب حروف المعجم.
وقد تبلغ خمسة وثلاثين بفروع حسنة تلحقها، يؤخذ بها فى القرآن وفصيح الكلام، وهى:
النون الخفيفة، وأعنى بذلك: الساكنة، إذا وقع بعدها حرف من الحروف التى تخفى معها، والشين التى كالجيم، نحو: «أجدق» فى «أشدق»، والصاد التى كالزاى، نحو: «مزدر» فى مصدر، والهمزة المخففة، وهى المجعولة بينها وبين الحرف الذى منه حركتها، وذلك جائز فى كل همزة متحركة تكون بعد ألف، أو بعد حركة ما لم تكن مفتوحة مكسورا ما قبلها، فتبدل ياء، أو مضموما فتبدل واوا. وألف التفخيم، وألف الإمالة.
وقد تبلغ أيضا الحروف ثلاثة وأربعين حرفا، بفروع غير مستحسنة لا توجد إلا فى لغة ضعيفة، وهى الكاف التى كالجيم، نحو: «جمل»، فى «كمل»، والجيم التى كالكاف، نحو: «ركل» فى «رجل». والجيم التى كالشين نحو: «اشتمعوا»، فى «اجتمعوا»، والطاء التى كالتاء، نحو: «تال»، فى «طال»، والضاد الضعيفة، وهى الثاء المقربة من الضاد، يقولون: (اضر ذلك)، فى: إثر ذلك، والصاد التى كالسين، نحو: (سابر)، فى:
صابر، والباء التى كالفاء، وهى على ضربين: أحدهما: لفظ الباء، أغلب عليه من لفظ الفاء.(1/176)
واعلم أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا:
منها من الحلق.
ومنها من داخل الفم.
ومنها من بين الشفتين.
ومنها من الخيشوم.
أما الحلق فله ثلاثة مخارج (1): أحدها: من أقصاه مما يلى الصدر، وله من الحروف: الهمزة، والهاء، والألف الساكنة.
والثانى: من وسط الحلق، وله من الحروف: الحاء، والعين المهملتان.
والثالث: من أدنى الحلق إلى الفم، وله من الحروف: الخاء، والغين المعجمتان.
وأما المخارج التى من داخل الفم فمتعلقة باللسان:
منها من أصله.
ومنها من حافته.
ومنها من وسطه.
ومنها من طرفه.
فمن أصله مخرجان:
أحدهما: من أقصاه وما فوقه من الحنك، وهو مخرج القاف.
والثانى: أسفل منه قليلا وما (2) يليه من الحنك، وهو مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه (3) وبين وسط الحنك مخرج الجيم، والشين، والياء.
ومن حافة اللسان من بين أولها، وما يليه من الأضراس مخرج الضاد.
__________
والآخر: بالعكس، نحو: (بلج).
والظاء، التى كالثاء، نحو (ثالم)، فى: ظالم.
ينظر: الكتاب (4/ 433431)، المقرب (1/ 320، 326).
(1) قال سيبويه: فأقصاها مخرجا: الهمزة، والهاء، والألف، ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء. وأدناه مخرجا من الفم: الغين والخاء. ينظر الكتاب (4/ 433).
(2) فى أ: مما.
(3) فى أ: وبينه.(1/177)
وأما طرف اللسان: فله ستة مخارج:
فمن حافة اللسان من أدناها إلى طرفه، ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فوق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام.
ومن طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا، مخرج النون.
ومن مخرج النون غير أنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام مخرج الراء.
وما بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مخرج الطاء والدال والتاء.
وما بين طرف اللسان وفوق الثنايا أعنى السفلى مخرج الصاد والسين والزاى.
وما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا: مخرج الظاء، والذال، والثاء، المعجمات.
وأما الشفتان: فمن بين باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء.
ومن بين الشفتين: مخرج الباء، والميم، والواو لأن الشفتين تنطبقان بالباء والميم وتنفتحان متقببتين بالواو.
وأما الخيشوم: فهو مخرج النون الخفيفة (1).
فهذه مخارج الحروف على رأى سيبويه (2) رحمه الله.
__________
(1) فى أ: الخفية.
(2) إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسى، ثم البصرى.
طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذى لا يدرك شأوه فيه.
استملى على حماد بن سلمة، وأخذ النحو عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل، وأبى الخطاب الأخفش الكبير.
وقد جمع يحيى البرمكى ببغداد بينه وبين الكسائى للمناظرة، بحضور سعيد الأخفش، والفراء، وجرت مسألة الزنبور، وهى كذب: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها. فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل: فإذا هو هى. وتشاجرا طويلا، وتعصبوا للكسائى دونه، ثم وصله يحيى بعشرة آلاف، فسار إلى بلاد فارس، فاتفق موته بشيراز فيما قيل.
قال إبراهيم الحربى: سمى سيبويه لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين، بديع الحسن.
قال أبو زيد الأنصارى: كان سيبويه يأتى مجلسى، وله ذؤابتان، فإذا قال: حدثنى من أثق به، فإنما يعنينى.
وقيل: عاش اثنتين وثلاثين سنة، وقيل: نحو الأربعين. قيل: مات سنة ثمانين ومائة،(1/178)
واعلم أن سيبويه لما ذكر مخرج الضاد لم يبين هل هى من الحافة اليمنى، أو من الحافة اليسرى، لكنه ذكر فى باب الإدغام فى حروف طرف اللسان والثنايا إدغام الظاء وأختيها فى الضاد، فقال فى التعليل: «لأنها يعنى الضاد اتصلت بمخرج اللام، وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان» (1).
__________
وهو أصح، وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (8/ 352351)، وطبقات النحويين (7466)، والفهرست لابن النديم (1/ 5251)، وتاريخ بغداد (12/ 195)، ومعجم الأدباء (16/ 127114)، وإنباه الرواة للقفطى (2/ 360346)، ووفيات الأعيان (1/ 488487)، والعبر (1/ 350، 378، 448)، ومرآة الجنان لليافعى (1/ 445)، والبداية والنهاية (1/ 176 177)، وبغية الوعاة (2/ 229)، والنجوم الزاهرة (2/ 88)، ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (1/ 130128).
ونص كلام سيبويه كما فى الكتاب (4/ 434433):
ولحروف العربية ستة عشر مخرجا:
فللحلق منها ثلاثة، فأقصاها مخرجا: الهمزة والهاء والألف. ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء. وأدناها مخرجا من الفم: الغين والخاء.
ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف.
ومن أسفل موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك [الأعلى] مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء.
ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد.
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا مخرج النون.
ومن مخرج النون غير أنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام: مخرج الراء.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء، والدال، والتاء.
ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاى، والسين، والصاد.
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والذال، والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلا مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين مخرج الباء، والميم، والواو.
ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة.
(1) ونص كلام سيبويه:
وقد تدغم الطاء والتاء والدال فى الضاد لأنها اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان، ولم تقع من الثنية موضع الطاء لانحرافها لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين، وهى مع ذا مطبقة، فلما قاربت الطاء فيما ذكرت لك أدغموها كما أدغموها فى الصاد وأختيها، فلما صارت بتلك المنزلة أدغموا فيها التاء والدال، كما أدغموهما فى الصاد لأنهما من موضعها، وذلك قولك: اضبضّرمة، وانعضّرمة.(1/179)
يريد بقوله: «تطأطأت» مالت عن اللام حتى خالطت أصول الضاحك، والناب، والرباعية، والثنية لأن هذه الأضراس الأربعة هى التى ذكر سيبويه أن اللام فويقها.
وهذه الأربعة التى اللام فويقها إنما هى من الجهة اليمنى فظهر من هذا أن الضاد عنده من الجهة اليمنى.
وأما الضاد الضعيفة: فقد نص لما ذكر عدة الحروف على أنها تتكلف من الجهة اليمنى، ومن الجهة اليسرى، والله جل وعلا أعلم.
الفصل الرابع فى صفات الحروف
اعلم أن الحروف إنما تختبر صفاتها بأن ينطق بها سواكن بعد همزة الوصل نحو:
«اب» «اج» «اد»، فيكون الحرف إذ ذاك مجردا من شوائب التركيب فتبرز ذاته وتتميز حقيقته وصفاته.
واعلم أن جملة الصفات التى أقصد الآن ذكرها ست عشرة منها أربع تضاد كل واحدة منها صفة أخرى فتبلغ مع (1) أضدادها ثمانى صفات، والثمانى الباقية لا تضاد بينها.
أما المتضادات:
فمنها: الجهر: ومعناه الظهور، قال الله تعالى: {أَرِنَا اللََّهَ جَهْرَةً} [النساء:
153] أى: عيانا.
[وقال] (2): {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ} [الإسراء: 110] أى: لا ترفع صوتك.
وضد الجهر: الهمس، ومعناه: الخفاء قال تعالى: {فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً} [طه:
108].
__________
وسمعنا من يوثق بعربيته قال:
ثار فضجّضّجّة ركائبه فأدغم التاء فى الضاد.
ينظر: الكتاب (4/ 465).
(1) فى أ: من.
(2) سقط فى أ.(1/180)
قال الهروي (1): «أى صوتا خفيّا من وطء أقدامهم إلى المحشر».
فالحرف الظاهر البين فى النطق: هو المجهور، والحرف الضعيف: هو المهموس (2).
وجملة الحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك: «سكت فحثه شخص» (3).
والحروف المجهورة ما عداها.
واعلم أن بعض المجهورة أقوى من بعض: فالطاء والدال المهملتان أقوى من الظاء والذال المعجمتين، وكذلك بعض الحروف المهموسة أضعف من بعض فالحاء والهاء، والثاء، ونحوها أهمس من الشين والخاء.
ومنها الشدة، وضدها: الرخاوة.
والحروف تنقسم إلى شديدة، ورخوة، ومتوسطة.
وجملة الحروف الشديدة ثمانية يجمعها قولك:
__________
(1) العلامة أبو عبيد، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، الهروى الشافعى اللغوى المؤدب، صاحب الغريبين.
أخذ علم اللسان عن الأزهرى وغيره.
وقد ذكره أبو عمرو بن الصلاح فى طبقات الشافعية، فقال: روى الحديث عن أحمد ابن محمد بن ياسين، وأبى إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزاز الحافظ. حدث عنه:
أبو عثمان الصابونى، وأبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحى بكتاب الغريبين.
قلت: توفى فى سادس رجب، سنة إحدى وأربعمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (17/ 147146)، ومعجم الأدباء (4/ 261260)، وفيات الأعيان (1/ 9690)، والعبر (3/ 75)، والوافى بالوفيات (8/ 115114)، وطبقات السبكى (4/ 84)، وطبقات الإسنوى (2/ 519518)، والبداية والنهاية (11/ 344 345)، والنجوم الزاهرة (4/ 228)، وبغية الوعاة (1/ 371).
(2) وفى بيان الجهر والهمس يذكر سيبويه أن الحرف المجهور هو: حرف أشبع الاعتماد فى موضعه، ومنع النفس أن يجرى معه حتى ينقضى الاعتماد [عليه] ويجرى الصوت. فهذه حال المجهورة فى الحلق والفم، إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما فى الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة. والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيت ذلك قد أخل بهما.
وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد فى موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جرى النفس. ولو أردت ذلك فى المجهورة لم تقدر عليه. ينظر: الكتاب (4/ 434).
(3) وجمعها ابن عصفور فى المقرب (2/ 6) بقوله (ستشحثك خصفه).(1/181)
«أتجد طبقك» (1).
وفسر [سيبويه] (2) الحرف الشديد بأنه الذى يمنع الصوت أن يجرى فيه (3).
ألا ترى أنك لو قلت: «اج» لم يمكن مد الصوت فيه، وكذلك سائرها.
واعلم أنه متى تحرك الحرف لم يمكن فيه مد الصوت سواء كان رخوا، أو شديدا، وإنما يتميز مد الصوت فى الحرف وامتناعه إذا سكن الحرف، وقد تقدم أن الحروف إنما تختبر إذا سكنت وعريت (4) عن التركيب.
وأما الرخوة: فجملتها [ثلاثة] (5) عشر حرفا وهى: الهاء (6)، والحاء، والغين، والخاء، والشين، والصاد، والضاد، والسين، والزاى، والظاء، والذال، والثاء والفاء. وكل واحد منها يمكن مد الصوت فيه إذا سكن (7).
وأما المتوسطة: فثمانية أحرف وهى حروف العلة الثلاثة، وخمسة من حروف الصحة وتسمى المعتدلة يجمعها قولك: «لم يرو عنّا».
ووجه وصف هذه الحروف بأنها متوسطة:
أما العين فقال فيه سيبويه: «إنه بين الرخوة والشديدة تصير إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء (8)». وقال فى اللام: إنه حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، ولم يعترض على الصوت كاعتراض الشديدة، وإن شئت مددت فيه الصوت، وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه، وليس يخرج الصوت من موضع اللام، ولكن من ناحية مستدق اللسان فويق ذلك (9). انتهى.
__________
(1) وجمعها ابن عصفور أيضا فى المقرب (2/ 6) بقوله (أجدت طبقك).
(2) سقط فى أ.
(3) يقول سيبويه: ومن الحروف: الشديد، وهو الذى يمنع الصوت أن يجرى فيه. وهو:
الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والتاء، والدال، والباء. وذلك أنك لو قلت:
الحج، ثم مددت صوتك لم يجر ذلك. ينظر الكتاب (4/ 434).
(4) فى أ: وعربت.
(5) سقط فى أ.
(6) فى أ. الباء.
(7) وذلك إذا قلت: الطّسّ وانقض، وأشباه ذلك أجريت الصوت فيه إن شئت. ينظر: الكتاب (4/ 435).
(8) ينظر: الكتاب (4/ 435) وفيه: (تصل)، بدل (تصير).
(9) ينظر الكتاب (4/ 435). وفيه: (كاعتراض الحروف الشديدة) بدلا من (كاعتراض الشديدة)، وفيه أيضا: (ناحيتى)، بدلا من (ناحية).(1/182)
قوله: «لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه».
تعليل لصحة مد الصوت كما يكون ذلك فى الحروف الرخوة إذ خاصية الحرف الرخو صحة مد الصوت فيه مع أن العضو الناطق به لا يزول عن موضعه الذى اعتمد عليه عند ابتدائه بالنطق بذلك الحرف مع كون الصوت الممتد خارجا من موضع الحرف، ومن خاصية الحرف الشديد: أنه إذا نطق به العضو تجافى على الفور عن موضعه الذى اعتمد عليه وقت النطق، وانقطع الصوت مع أن (1) صوت الحرف إنما يخرج من (2) موضعه.
وأما اللام فلما حصل فيها جواز مد الصوت مع بقاء اللسان فى موضعه من غير تجاف أشبه بذلك الرخوة، والصوت الممتد ليس يخرج من موضع اللام وإنما يخرج من ناحيتى مستدق اللسان، وهو طرفه، ففارق بذلك الحروف الرخوة لأن الصوت الممتد بالحرف الرخو إنما يخرج من موضع الحرف كما تقدم.
وإنما موضع اللام الموضع الذى يلتقى من اللسان مع ما يليه من الأضراس، وإذا لم تمد الصوت باللام الساكنة تجافى اللسان عن موضعه وخرج الحرف من الموضع الذى ذكرنا فحصل من هذا أن نسبة الصوت الممتد خارجا من ناحيتى مستدق اللسان إلى ذات اللام، كنسبة الغنة الخارجة من الأنف إلى حرفى الغنة وهما الميم والنون.
قوله رحمه الله: «وليس كالرخوة».
يريد به نفى المثلية أى: ليس رخوا ولم يرد نفى الشبه (3) لأن الشبه (4)
حاصل بما فيه من مد الصوت مع لزوم اللسان لموضعه كما تقدم.
وأما النون والميم:
فقال سيبويه فى النون: «إنه حرف شديد يجرى مع الصوت غنة من الأنف، فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر
__________
(1) فى أ: أنه.
(2) فى أ: عن.
(3) فى أ: المشبه.
(4) فى أ: المشبه.(1/183)
معه صوت» ثم قال: «وكذلك الميم» (1).
وأما الراء فقال: «إنه حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة، ولو لم يتكرر لم يجر الصوت فيه» (2) انتهى.
وذلك أنك إذا نطقت بالراء تكيف الجزء الناطق بها من اللسان نوعا من التكيف حال النطق ثم انفلت من ذلك التكيف فينقطع الصوت الذى هو ذات الراء ثم يعود الجزء الناطق إلى ذلك التكيف فيعود النطق بذلك الحرف هكذا مرة بعد أخرى فيحصل فى اللسان بحسب سرعة التكيف والانفلات المتكررين صورة ترعيد وتكرير للفظها، وكل قرعة منها راء مستقلة، لكنه قلما يقدر الناطق على الاقتصار على القرعة الواحدة من غير تكرير إلا بعد التدرب (3) والرياضة مع سلامة العضو الناطق، فمن حيث كان سريع التفلت وقطع الصوت كان شديدا ومن حيث عرض فيه التكرار السريع صار الصوت كأنه شىء واحد ممتد لم ينقطع فأشبه بذلك الرخوة، ولهذا قال سيبويه: «جرى فيه الصوت بالتكرير وانحرافه إلى اللام» (4).
وقوله: «فتجافى الصوت».
يريد: تجافى بما فيه من الانحراف.
وأما حروف العلة الثلاثة، فإن مخارجها اتسعت لهواء الصوت أكثر من غيرها، وأوسعها مخرج الألف، ثم الياء، ثم الواو، يعرف ذلك بضم الشفتين فى الواو، وبرفع لسانك فى الياء قبل الحنك، وليس فى الألف شىء من ذلك (5).
__________
(1) ينظر الكتاب (4/ 435) وعبارته: ومنها: حرف شديد يجرى معه الصوت لأن ذلك الصوت [غنة] من الألف، فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه الصوت، وهو النون، وكذلك الميم.
(2) ينظر: الكتاب (4/ 435)، وفيه: (فتجافى للصوت) بدلا من (فتجافى الصوت)، وفيه أيضا: (ولو لم يكرر) بدلا من (ولو لم يتكرر).
(3) فى ب: التدمن.
(4) ينظر: الكتاب (4/ 435)، وفيه: (يجرى) بدلا من (جرى)، وفيه أيضا: (لتكريره) بدلا من (بالتكرير).
(5) قال سيبويه: ومنها اللينة، وهى الواو والياء لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرهما كقولك: وأى، والواو، وإن شئت أجريت الصوت ومددت.
ومنها الهاوى، وهو حرف اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو لأنك قد تضم شفتيك فى الواو وترفع فى الياء لسانك قبل الحنك، وهى الألف.(1/184)
فإن قيل: ادعيت فى هذه الحروف الثمانية أنها متوسطة بين الشديدة والرخوة ولم يقل سيبويه ذلك إلا فى العين، ونص فى اللام، والراء، والنون على الشدة وكذلك الميم.
قيل: قد ذكر سيبويه قبل هذه الحروف الشديدة التى منها الهمزة وجعلها قسما، وذكر الرخوة وهى التى منها الخاء وجعلها قسما ثانيا، ثم ذكر هذه الأحرف الأخر على حدة فدل أن لها حكما ثالثا وهو التوسط.
وقد نص فى العين ووصف الأربعة بعدها بالشدة، وذكر مع ذلك فيها وجها من الشبه بالرخوة وهو ما صحبها من مد الصوت كما تقدم، بخلاف القسم الذى منه الهمزة فبقدر ما فيها من شبه الرخوة سميت متوسطة، وكذلك حروف العلة، لما اتسعت مخارجها حصل فيها من امتداد الصوت، وتعديه مخرجه أكثر مما فى اللام وأخواتها فأشبهت بذلك الرخوة، والله تعالى أعلم.
ومنها الانطباق، وضده: الانفتاح.
فالأحرف المطبقة: الطاء، والظاء، والصاد، والضاد (1) وسميت بذلك لانطباق ظهر اللسان مع الحنك الأعلى عند النطق بها (2) ولهذا كتب كل واحد منها من خطين متوازيين متصلى الطرفين إشعارا بمخرجها، والمنفتحة ما عداها لانفراج ما بين ظهر اللسان، والحنك الأعلى عند النطق بها وقد يوصف الباء والميم بالانطباق لانطباق الشفتين بهما.
ومنها الاستعلاء (3) وضده: الاستفال (4).
فالحروف المستعلية سبعة وهى: الخاء، والغين، من أعلى الحلق، والقاف من
__________
وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها. وأخفاهن وأوسعهن مخرجا: الألف، ثم الياء، ثم الواو.
ينظر: الكتاب (4/ 436435).
(1) وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك فى مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك، فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف. ينظر: الكتاب (4/ 436).
(2) ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا، والصاد سينا، والظاء ذالا، ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شىء من موضعها غيرها. ينظر: الكتاب (4/ 436).
(3) وهو تصعد اللسان إلى الحنك الأعلى، انطبق أو لم ينطبق. ينظر: المقرب (2/ 8).
(4) ويطلق عليه أيضا: الانخفاض. ينظر المقرب (2/ 8).(1/185)
أصل اللسان مستعليا إلى الحنك كما تقدم، والأربعة المطبقة التى من داخل الفم:
الطاء، والظاء، والصاد والضاد، إذ لم يحصل الانطباق فيها إلا بارتفاع ظهر اللسان إلى الحنك، والحروف المستفلة ما عداها.
فهذه الصفات الثمانى التى حصل التضاد بين أربعة منها وأربعة.
وأما الصفات الثمانى الباقية التى لا تضاد بينها فأولها:
الهوائية: وهى صفة الألف الساكنة سميت بذلك لأنها صوت يجرى فى الصدر، ولا يعتمد على شىء من الأعضاء الناطقة ولذلك لا يمكن تحريكها.
وثانيها: الاستطالة وهى صفة الضاد لأن مخرجها يبدأ من أول حافة اللسان من أقصاه، وينتهى إلى مخارج الطرف فيستوعب طول حافته فيسمى بذلك مستطيلا.
وثالثها: التفشى، ومعناه الظهور، وهى صفة الشين، والفاء، وصفا بذلك لما يبدو على ظاهر الفم من التكيف والتأثر عند النطق بهما (1).
ورابعها: الانحراف ومعناه: الميل، وهو صفة اللام، والراء، وانحرافهما إلى الجهة اليمنى، إلا أن انحراف اللام أقوى من انحراف الراء.
وخامسها: التكرار، وهى صفة الراء كما تقدم.
وسادسها: الصفير، وهى صفة الصاد، والسين والزاى.
وسابعها: الغنة، وهى صفة النون، والميم، وهو الصوت الخارج من الأنف، وقد تقدم ذكره.
وثامنها: اللين، وهى صفة الياء والواو الساكنتين بعد الفتحة، فأما إن سكنتا، وكانت حركة ما قبلهما من جنسهما فهما حرفا مد، كما أن الألف حرف مد أبدا لما لزمها السكون (2) وكون حركة ما قبلها من جنسها والله تعالى أعلم.
__________
(1) ذكر البعض أن التفشى صفة للشين فقط، وخطّأ من أضاف إليها غيرها، ومن هؤلاء النويرى، حيث قال فى شرح الطيبة (1/ 297): حرف التفشى الشين فقط باتفاق لأنه تفشى فى مخرجه حتى اتصل بمخرج الظاء وأضاف بعضهم إليها حروفا أخر ولا يصح.
(2) فى ب: للسكون.(1/186)
الفصل الخامس
إذا عرفت ما تقدم فاعلم أن الحرفين إذا اشتركا فى المخرج، وجملة الصفات التى لكل واحد منهما فهما مثلان، وإن اختلفا بتعدد المخرج، أو استبد أحدهما بصفة لا تكون للآخر فهما مختلفان، ثم المختلفان، إن اشتركا فى المخرج، أو فى بعض الصفات فهما متقاربان، وبحسب تعدد وجوه الاشتراك يقوى التقارب وبحسب قلته يضعف، ومهما حصل التماثل لزم الإدغام إذا سكن الأول ومهما قوى التقارب حسن الإدغام، ومهما ضعف التقارب ضعف الإدغام، وإن فقد التقارب امتنع الإدغام، والله جل وعلا أعلم.
الفصل السادس
اعلم أن الحروف تنقسم إلى القوى، والضعيف.
وأعنى هنا بالقوة أن يكون للحرف زيادة على غيره، فيقال: إنه أقوى من ذلك الغير، وتلك الزيادة تكون: الإطباق، والاستعلاء، والصفير، والاستطالة، والتفشى، والتكرار، والغنة. ولا يدغم الأقوى فى الأضعف إلا على ضعف وذلك لما يلزم من إبدال الحرف الأول بحرف من جنس الثانى فإذا كان الحرف الأول أقوى لزم من إبداله [لو أبدل] (1) إذهاب قوته، والعرب تأبى ذلك فى فصيح كلامها.
وإذا كان الأول أضعف لزم من إبداله تقويته وهو القانون المستعمل والقياس الجارى.
ومن أصول الإدغام أنه لا يدغم حرف من حروف الحلق فى حرف من حروف الفم، ولا حرف من حروف الفم فى حرف من حروف الحلق.
ومنها: أنه لا يدغم حرف صحيح فى حرف معتل سوى النون، ولا يدغم حرف معتل فى حرف صحيح أصلا.
ومنها: أن إدغام الحرف الأدخل فى الحرف الأخرج أحسن من العكس، وقد يستعمل من هذا العكس فى حروف الفم ما لا يستعمل فى حروف الحلق، واستعمال الإدغام فى حروف الفم أكثر من استعماله فى حروف الحلق، والإدغام فى حروف طرف اللسان ومقدم الفم أكثر منه فى (2) غيرها، والله عز وجل أعلم.
__________
(1) سقط فى أ.
(2) فى أ: من.(1/187)
الفصل السابع
اعلم أن الحروف على ضربين:
أحدهما: لا يقبل الإدغام بوجه وهو الألف الساكنة (1) امتنع أن يدغم فيها مثلها أو خلافها لما كان يلزم من تحريكها، وهى لا تقبل الحركة، وامتنع إدغامها فى خلافها لما كان يلزم من قلبها، وليس فيما يقاربها ما يصلح لذلك.
الضرب الثانى: يقبل الإدغام وهو نوعان:
أحدهما: قد يوجد فيه إدغام المثلين، ولا يصح فيه إدغام المتقاربين.
والنوع الثانى: يصح فيه إدغام المثلين والمتقاربين.
فالنوع الأول: الهمزة، وجد فيها إدغام المثلين فى قولهم: سوّال، جمع:
سائل، (2) ولا يكون هذا فى الهمزة، إلا إذا كانت عين الكلمة.
وسبب ذلك أن العين إذا ضوعفت لا بدّ أن تكون بلفظ واحد فلزم الإدغام لذلك، أما إذا لم تكن عينا وتكررت فلهم مندوحة عن الإدغام بتسهيل إحدى الهمزتين أو حذفها، وهو أخف من الإدغام، ولم تقع [الهمزة عينا] (3) مضاعفة فى القرآن.
وأما النوع الذى يقبل إدغام المثلين وإدغام المتقاربين فهو باقى الحروف، فإدغام المثلين نحو «استغفر رّبك» و «أكرم مّحمدا» وهو عام فى جملة الحروف الباقية.
وأما إدغام المتقاربين فإن الحروف فيه على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يدغم فى مقاربه ولا يدغم مقاربه فيه، وهو الهاء، والعين، والباء يجمعها قولك: «بعه».
__________
(1) وقال ابن عصفور فى المقرب (2/ 9): (وأما الألف والهمزة فلا يدغمان فى شىء، ولا يدغم فيهما)
(2) قوله: (الهمزة وجد فيها) إلخ، يدل على ندرة ذلك، وأنه لا يكاد يقع، ويتأيد ذلك بما ذكرناه آنفا عن ابن عصفور، وكذلك بما ذكره سيبويه من عدم تجويز إدغام الهمزة فى مقاربها أو مثلها بقوله: ومن الحروف ما لا يدغم فى مقاربه ولا يدغم فيه مقاربه كما لم يدغم فى مثله، وذلك الحرف الهمزة لأنها إنما أمرها فى الاستثقال التغيير والحذف، وذلك لازم لها وحدها كما يلزمها التحقيق لأنها تستثقل وحدها، فإذا جاءت مع مثلها أو مع ما قرب منها أجريت عليه وحدها لأن ذلك موضع استثقال [كما أن هذا موضع استثقال].
ينظر: الكتاب (4/ 446).
(3) فى أ. العين.(1/188)
أما الهاء والعين فيدغمان فى الحاء (1) نحو «وجه حجّتك» ولقد لقيت الهاء الحاء فى القرآن نحو قوله: {إِنَّهُ حَكِيمٌ} [الأنعام: 139] و {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللََّهِ حُكْماً}
[المائدة: 50] و {أَهْلُهُ حََاضِرِي الْمَسْجِدِ} [البقرة: 196] و {أَنَّ اللََّهَ حَرَّمَ هََذََا}
[الأنعام: 150] و {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} [الحج: 78] ونحو ذلك.
ولم يقرأ بإدغام شىء منه.
والعين نحو «اسمع حديثا» ولم تلق العين الحاء فى القرآن إلا فى كقوله تعالى:
{مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً} [التوبة: 92] أو تكون العين منونة كقوله تعالى: {وَكََانَ اللََّهُ وََاسِعاً حَكِيماً} [النساء: 130] وقد تقدم أن الحاء لا تدغم فى العين ولا فى الهاء إلا بعد أن تبدل العين والهاء حاء فتقول: «امدح حّلالا» و «امدح حّليّا تريد: «امدح هلالا، وامدح عليّا».
وقولك: لو أدغمت الهاء فى العين، أو العين فى الهاء، لأبدلت كل واحد منهما حاء، فتقول: نزّح حّملك، وانفح حّلالا، تريد: نزّه عملك وانفع هلالا.
حكى سيبويه عن بنى تميم: محّم، ومحّاؤلاء، تريد: معهم، ومع هؤلاء (2).
__________
(1) أما الهاء فإذا اجتمعت مع الحاء، فإن تقدمت عليها جاز البيان وهو الأحسن، وقلب الهاء حاء وإدغامها فى الحاء، فتقول: اجبه حاتما، واجبه حاتما.
فإن تقدمت عليها الحاء فالبيان، ولا يجوز الإدغام حتى تحول الهاء حاء فتقول: (امدح حلالا)، تريد: امدح هلالا، وهو قليل.
وإن اجتمعت مع العين فالبيان، تقدمت عليها أو تأخرت، ولا يجوز الإدغام إلا أن تقلبهما حاءين وتدغم إحداهما فى الأخرى، فتقول: (اجبحّتبة)، تريد: اجبه عتبة.
وأما العين فإذا اجتمعت مع الحاء، فإذا تقدمت عليها كنت بالخيار إن شئت أدغمت فقلبت العين حاء.
وإن شئت لم تدغم. وإن تقدمت الحاء فالبيان، ولا يجوز الإدغام إلا أن تقلب العين حاء وتدغم الحاء فى الحاء فتقول: امدحتبة، تريد امدح عتبة.
ينظر: المقرب (2/ 109).
(2) ذكره سيبويه فى الكتاب (4/ 449) وإليك نصه كاملا فإنه احتوى فوائد جمة، يقول سيبويه: الهاء مع الحاء كقولك: اجبه حملا، البيان أحسن لاختلاف المخرجين، ولأن حروف الحلق ليست بأصل للإدغام لقلتها. والإدغام فيها عربى حسن لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، فقد اجتمع فيهما قرب المخرجين والهمس. ولا تدغم الحاء فى الهاء كما لم تدغم الفاء فى الباء لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام. ومثل ذلك: امدح هلالا، فلا تدغم.
العين مع الهاء: كقولك اقطع هلالا، البيان أحسن. فإن أدغمت لقرب المخرجين(1/189)
فأما قراءة أبى عمرو {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران: 185] بإدغام الحاء فى العين من غير إبدال العين حاء فشذوذ (1)، والله تعالى جده أعلم.
وأما الباء: فتدغم فى الفاء والميم، كقوله تعالى: {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ} (2)
[الإسراء: 63] {ارْكَبْ مَعَنََا} (3) [هود: 42].
وقرئ بالإدغام فيهما.
فأما قراءة الكسائى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ} [سبأ: 9] بإدغام الفاء فى الباء،
__________
حولت الهاء حاء والعين حاء، ثم أدغمت الحاء فى الحاء لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم فى الذى قبله، فأبدلت مكانها أشبه الحرفين بها، ثم أدغمته فيه كى لا يكون الإدغام فى الذى فوقه، ولكن ليكون فى الذى هو من مخرجه. ولم يدغموها فى العين إذ كانتا من حروف الحلق لأنها خالفتها فى الهمس والرخاوة، فوقع الإدغام لقرب المخرجين، ولم تقو عليها العين إذ خالفتها فيما ذكرت لك. ولم تكن حروف الحلق أصلا للإدغام. ومع هذا فإن التقاء الحاءين أخف فى الكلام من التقاء العينين ألا ترى أن التقاءهما فى باب «رددت» أكثر.
والمهموس أخف من المجهور؟! فكل هذا يباعد العين من الإدغام إذ كانت هى والهاء من حروف الحلق. ومثل ذلك: اجبه عتبة فى الإدغام والبيان، وإذا أردت الإدغام حولت العين حاء، ثم أدغمت الهاء فيها فصارتا حاءين. والبيان أحسن.
ومما قالت العرب تصديقا لهذا فى الإدغام قول بنى تميم: محّم، يريدون: معهم، ومحّاولاء، يريدون: مع هؤلاء.
ومما قالت العرب فى إدغام الهاء فى الحاء قوله:
كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحى مر عقاب كاسر
ينظر: الكتاب (4/ 450449).
(1) أجاب العلامة السمين الحلبى عن هذا الطعن فى قراءة أبى عمرو بقوله: أدغم أبو عمرو الحاء من (زحزح) فى العين هنا خاصة، قالوا: لطول الكلمة وتكرير الحاء، دون قوله:
{ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} و {الْمَسِيحُ عِيسَى}، ونقل عنه الإدغام مطلقا وعدمه مطلقا، والنحويون يمنعون ذلك، ولا يجيزونه إلا بعد أن يقلبوا العين حاء، ويدغمون الحاء فيها، قالوا: (لأن الأقوى لا يدغم فى الأضعف، وهذا عكس الإدغام لأن الإدغام أن تقلب فيه الأول للثانى، إلا فى مسألتين:
إحداهما: هذه.
والثانية: الحاء فى الهاء، نحو: (امدح هذا) لا تقلب الهاء حاء أيضا ولذلك طعن بعضهم على قراءة أبى عمرو ولا يلتفت إليه. ينظر: الدر المصون (2/ 278277).
(2) أدغم الباء فى الفاء هاهنا: أبو عمرو والكسائى وحمزة فى رواية خلاد عنه. ينظر: الدر المصون (5/ 404).
(3) قرأ البزى وقالون وخلاد بإظهار باء {ارْكَبْ} قبل ميم {مَعَنََا} والباقون بالإدغام. ينظر:
الدر المصون (4/ 101).(1/190)
فشذوذ (1)، والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.
القسم الثانى: يدغم مقاربه فيه ولا يدغم هو فى مقاربه، وذلك ستة أحرف:
الحاء، والشين، والضاد، والراء، والفاء، والميم، يجمعها قولك: شرف محض.
أما الحاء: فقد تقدم ما يدغم فيها، وأنها لا تدغم فى غيرها إلا على شرط إبدال ذلك الغير بحاء مثلها، ولا تبدل هى بحرف مثل ذلك الغير، وهذا [ما] عنيت بكونها لا تدغم فى غيرها.
وأما الشين: فيدغم فيه الجيم، والطاء، والدال، والتاء، والذال، والثاء، واللام (2).
فالطاء نحو: «اغبط شّريفا».
وفى القرآن منه كلمة {وَأَغْطَشَ} (3) [النازعات: 29] و {الْبَطْشَةَ} [الدخان: 16] وفى كلمتين: {بِالْقِسْطِ شُهَدََاءَ} [النساء: 135] ولم يقرأ بإدغامه.
والظاء نحو: «الحظ شّرطه» والذال نحو: «اشحذ شّفرتك» ولم يلتقيا مع الشين
__________
(1) أجاب العلامة ابن عادل الحنبلى فى اللباب (16/ 19) عن هذا الطعن، بقوله: وأدغم الكسائى الفاء فى الباء، واستضعفها الناس من حيث أدغم الأقوى فى الأضعف، قال الفارسى: وذلك لا يجوز لأن الباء أضعف فى الصوت من الفاء فلا يدغم فيها، وإن كانت الباء يدغم فيها نحو: اضرب فلانا، كما تدغم الباء فى الميم كقولك: اضرب مالكا، وإن كانت الميم لا تدغم فى الباء نحو: اضمم بكرا لأن الباء انحطت عن الميم بفقد الغنة، وقال الزمخشرى: وليست بالقوية، وهذا لا ينبغى لأنها تواترت. ينظر: اللباب (16/ 19).
(2) قال ابن عصفور: وأما الشين فإنها لا تدغم فى شىء، وتدغم فيها الجيم والطاء والظاء والذال والتاء والدال والثاء واللام. نحو قولك: لم يربط شبثا، وقد شاء، وأنبتت شيا واحفظ شنبا، وانبذ شرابا، وابعث شافعا، واجعل شيئا. والبيان فى جميع ذلك عربى جيد.
ينظر: المقرب (2/ 12).
(3) أى أظلم، بلغة أنمار وأشعر. يقال: غطش الليل، وغطشته أنا، وأغطشته، قال:
عقرت لهم ناقتى موهنا ... فليلهم مدلهم غطش
وليل أغطش، وليلة غطشاء.
قال الراغب: وأصله من الأغطش، وهو الذى فى عينه عمش، ومنه: فلاة غطشى: لا يهتدى فيها.
والتغاطش: التعامى. انتهى.
ويقال: أغطش الليل قاصرا كأظلم. و «أفعل» فيه متعدّ ولازم.
ينظر: الدر المصون (6/ 475).(1/191)
فى القرآن.
واللام نحو: «اقبل شّهادته»، وقد جاءت اللام قبل الشين فى القرآن على خمسة أضرب:
أحدها: لام التعريف ولا خلاف فى إدغامها نحو {الشُّهَدََاءِ} [البقرة: 282].
الثانى: اللام المشددة نحو {كُلِّ شَيْءٍ} [البقرة: 106].
الثالث: اللام المنونة نحو {زِلْزََالًا شَدِيداً} [الأحزاب: 11] و {رَسُولًا شََاهِداً عَلَيْكُمْ} [المزمل: 15].
الرابع: اللام المفتوحة بعد الألف نحو {الرِّجََالَ شَهْوَةً} [الأعراف: 81] {وَقََالَ شُرَكََاؤُهُمْ} [يونس: 28].
الخامس: لام الابتداء، ولام الجر نحو {لَشَيْءٌ عُجََابٌ} [ص: 5] و {لِشََاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36].
ولم يدغم شىء من ذلك، وليس فى القرآن لام بعدها شين فى كلمة واحدة.
وأما الجيم والدال والتاء والثاء فموجودة قبل الشين فى القرآن، وقرئ بإدغامها نحو: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} (1) [الفتح: 29] و {قَدْ شَغَفَهََا} (2) [يوسف: 30] و {بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} [النور: 4] و {ثَلََاثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30].
وأما الضاد: فيدغم فيه سبعة أحرف وهى: الطاء والظاء، والتاء والدال والذال
__________
(1) أخرج شطأه، أى: فراخ الزرع، يقال: شطأ الزرع وأشطأ، أى: أخرج فراخه، وهل يختص ذلك بالحنطة فقط؟ أو بها وبالشعير فقط أو لا يختص؟ خلاف مشهور، قال الشاعر:
أخرج الشطأ على وجه الثرى ... ومن الأشجار أفنان الثمر
ينظر: الدر المصون (6/ 167).
(2) بمعنى: حرق شغاف قلبها، وهو مأخوذ من الشغاف. والشغاف: حجاب القلب، جليدة رقيقة، وقيل: سويداء القلب، وقيل: داء يصل إلى القلب من أجل الحب، وقيل: جليدة رقيقة يقال لها لسان القلب ليست محيطة به. ومعنى «شغف قلبه» أى: خرق حجابه، أو أصابه فأحرقه بحرارة الحب، وهو من شغف البعير بالهناء إذا طلوه بالقطران فأحرقه، والمشغوف: من وصل الحب لقلبه. قال الأعشى:
يعصى الوشاة وكان الحب آونة ... مما يزيّن للمشغوف ما صنعا
وقال النابغة الذبيانى:
وقد حال همّ دون ذلك والج ... مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
ينظر الدر المصون (4/ 173).(1/192)
والثاء واللام، نحو: «أمط ضّيره» و «احفظ ضّأنك» و «انبذ ضّغنك» (1) «والضغن هو الحقد ولم يقع فى القرآن منها شىء ووجدت البواقى نحو {فَقَدْ ضَلَّ} [البقرة:
108] و {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً} (2) [العاديات: 1] و {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ}
__________
(1) قال ابن عصفور: تدغم فى الضاد: الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء واللام، نحو قولك: هل ضّل زيد، وابعث ضرمة، وضجت ضجة. قال:
ثار فضجت ضّجة ركائبه و (اضبط ضرمة)، و (احفظ ضّرمة)، و (خذ ضّرمة)، والبيان فى جميع ذلك عربى جيد.
ينظر: المقرب (2/ 1312).
(2) قوله: {وَالْعََادِيََاتِ} جمع: عادية، وهى الجارية بسرعة من العدو: وهو المشى بسرعة، والياء منقلبة عن واو لكسر ما قبلها، نحو: الغازيات، من: الغزو، ويقال: عدا يعدو عدوا، فهو عاد، وهى عادية، وقوله (ضبحا) فيه أوجه:
أحدها: أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل فإن الضبح نوع من السير، والعدو كالضبح، يقال: ضبح الفرس أو ضبع، إذا عدا بشدة، أخذا من الضبع وهو الذراع لأنه عدّة عند العدو. وكأن الحاء بدل من العين، وإلى هذا ذهب أبو عمدة والمبرد، قالا: الضبح من أضباعها فى السير، وقال عنترة:
والخيل تكدح حين تض ... بح فى حياض الموت ضبحا
الثانى: أنه مصدر فى موضع الحال، أى ضابحات، أى: ذوات ضبح، والضبح:
صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو، وليس بصهيل.
وعن ابن عباس: أنه حكاه، فقال: أح أح. ونقل عنه أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب، وهذا ينبغى ألا يصح عنه فإنه يروى عنه أنه قال: سئلت فيها ففسرتها بالخيل، وكان على رضى الله عنه تحت سقاية زمزم، فسأله وذكر له ما قلت، فدعانى فلما وقفت على رأسه قال: تفتى الناس بغير علم، إنها لأول غزاة فى الإسلام، وهى بدر، ولم يكن معنا إلا فرسان فرس المقداد وفرس الزبير، والعاديات ضبحا: الإبل من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى. إلا أن الزمخشرى قال بعد ذلك: فإن صحت الرواية فقد استعير الضبح للإبل كما استعير المشافر والحافر للإنسان والشفتان للمهر.
ونقل غيره أن الضبح يكون فى الإبل والأسود من الحيات والبوم والصدى والأرنب والثعلب والقوس، وأنشد أبو حنيفة فى صفة القوس:
حنانة من نشم أو تألب ... تضبح فى الكف ضباح الثعلب
وعنه أن هذا من الاستعارة، ونقل أهل اللغة: (أن أصل الضبح فى الثعلب، واستعير للخيل، وهو من «ضبحته النار» أى غيرت لونه ولم تبالغ فيه، وانضبح لونه: تغير إلى سواد قليلا.
الثالث من الأوجه: أن يكون منصوبا بفعل مقدر، أى: تضبح ضبحا، وهذا الفعل حال من (العاديات).
الرابع: أنه منصوب ب (لعاديات) وإن كان المراد به الصوت. قال الزمخشرى: كأنه قيل:
والضابحات لأن الضبح يكون مع العدو.(1/193)
[الذاريات: 24] و {بَلْ ضَلُّوا} [الأحقاف: 28].
وأما الراء: فيدغم فيها اللام والنون (1).
وقرئ به نحو: {قُلْ رَبِّي} [الكهف: 22] و {مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133].
والإدغام لازم إذا كانا ساكنين، فإن تحركا ففي الإدغام الكبير على ما يأتى بحول الله تعالى.
وأما الفاء: فيدغم فيها الباء كما تقدم (2).
وأما الميم: فيدغم فيها الباء وقد تقدم، والنون نحو {وَمَنْ مَعَكَ} [المؤمنون:
28] وإدغامه لازم إذا كان ساكنا.
القسم الثالث: الذى يدغم فى مقاربه ويدغم مقاربه فيه، وهو باقى الحروف وهى ثمانية عشر حرفا يجمعها قولك:
ضن زكوت خلط ... سذج غيث قصد
أما الخاء والغين: فيدغم أحدهما فى الآخر نحو: «فرغ خّاطرك» و «ارسخ غّالبا» ولم يلتقيا فى القرآن (3).
وأما القاف والكاف: فيدغم أحدهما فى الآخر (4) نحو {خَلَقَكُمْ}: [الأعراف:
__________
ينظر: الدر المصون (6/ 558557).
(1) قال سيبويه: والراء لا تدغم فى اللام ولا فى النون لأنها مكررة، وهى تفشّى إذا كان معها غيرها، فكرهوا أن يجحفوا بها فتدغم مع ما ليس يتفشى فى الفم مثلها ولا يكرر. ويقوى هذا أن الطاء وهى مطبقة لا تجعل مع التاء تاء خالصة، لأنها أفضل منها بالإطباق، فهذه أجدر إلا تدغم إذ كانت مكررة. وذلك قولك: اجبر لبطة، واختر نقلا. وقد تدغم هذه اللام والنون مع الراء لأنك لا تخل بهما كما كنت مخلا بها لو أدغمتها فيهما، ولتقاربهن، وذلك: هرّأيت، ومرّأيت.
ينظر: الكتاب (4/ 448).
(2) يقول ابن عصفور، وهو بصدد ذكر حروف اللسان فى الإدغام: ثم الفاء، ولا تدغم فى شىء وتدغم فيها الباء. تقول: (اذهب فى ذلك). ثم الباء، وهى تدغم فى الفاء كما ذكرنا.
ينظر المقرب (2/ 16).
(3) يقول ابن عصفور: الغين مع الخاء يجوز فيهما البيان والإدغام كيفما اجتمعتا فتقول: (اسلخ غنما) و (ادفع خلفا). ولا يجوز إدغام واحد من الحاء والهاء والعين فى الغين والخاء، ولا إدغامهما فيها.
ينظر المقرب (2/ 10).
(4) قال ابن عصفور: الكاف والقاف كل واحد منهما يدغم فى صاحبه، فتقول: (الحق كلدة) و (انهك قطنا).(1/194)
189] و {كَذََلِكَ قََالَ} [مريم: 21] وقرئ به.
وأما الجيم: فتدغم فى الشين كما تقدم، ويدغم فيها فى قول غير سيبويه (1):
الدال، والطاء، والتاء، والظاء، والذال، والثاء نحو {قَدْ جَعَلَ} [مريم: 24] و {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] و {إِذْ جَعَلَ} [المائدة: 20] وقرئ به.
وأما البواقى نحو: «القط جّوهرا» و «احفظ جّارك» و «أثبت جّمالا» فلم يقع فى القرآن.
فأما قوله تعالى: {ثَجََّاجاً} [النبأ: 14] فلا يصح إدغام الثاء فى الجيم إذ الجيم مشددة، وأيضا: فالثاء أول فى الابتداء وبعد ساكن فى الوصل.
وأما الياء: فتدغم فى الواو بشرط: أن تقلب ياء نحو «سيد» كما تقدم.
وتدغم فيها الواو، والنون (2) نحو «طويت طيّا» و «لويت ليّا» و «من يّؤمن» وكله فى القرآن.
وأما الواو فتدغم فى الياء كما تقدم، وتدغم فيها الياء كما تقدم، والنون (3) نحو
__________
وإن شئت بينت إلا أن البيان فى (انهك قطنا) وأمثاله أحسن من الإدغام، ولا يجوز إدغام القاف والكاف فى غيرهما، ولا إدغام غيرهما فيهما.
ينظر: المقرب (2/ 11).
(1) أما الجيم فإنها تدغم فى الشين خاصة فتقول: (أخرج شبثا)، ويجوز البيان، وكلاهما حسن. وتدغم فيها ستة أحرف: الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء. نحو: (لم يربط جملا)، و (قد جعل)، و (وجبت جنوبها)، و (احفظ جابرا) و (انبذ جعفرا)، و (ابعث جامعا).
والبيان فى جميع ذلك أحسن. وإذا أدغمت الطاء والظاء فى الجيم فالأحسن أن تبقى الإطباق ويجوز إذهابه.
ينظر: المقرب (2/ 11).
(2) تدغم النون مع الياء بغنة وبلا غنة لأن الياء أخت الواو، وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد، ولأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياء، وكذلك الألثغ باللام لأن الياء أقرب الحروف من حيث ذكرت لك إليهما.
ينظر الكتاب (4/ 453).
(3) تدغم النون مع الواو بغنة وبلا غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما: أن الواو حرف لين تتجافى عنه الشفتان، والميم كالياء فى الشدة وإلزام الشفتين، فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون، وليس مثلها فى اللين والتجافى والمد فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام، وكرهوا البدل لما ذكرت لك.(1/195)
{مِنْ وََالٍ} [الرعد: 11].
وأما اللام: فتدغم فى ثلاثة عشر حرفا وهى: الطاء، والدال، والصاد، والسين، والراء، معجمات، أو مهملات، والنون، والتاء، والثاء.
فإن كانت اللام للتعريف لزم إدغامها فى هذه الحروف، وإن كانت لغير التعريف جاز الإظهار والإدغام، وكان متفاضلا فى الحسن والقبح على ما هو مستوفى فى
__________
ينظر الكتاب (4/ 453).
واعلم أنه إذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة، فإن واحدة منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها. وذلك قولك: ظلموا واقدا، واظلمى ياسرا، ويغزو واقد، وهذا قاضى ياسر، لا تدغم. وإنما تركوا المد على حاله فى الانفصال كما قالوا: قد قوول، حيث لم تلزم الواو، وأرادوا أن تكون على زنة «قاول» فكذلك هذه إذ لم تكن الواو لازمة لها، أرادوا أن يكون «ظلموا» على زنة: ظلما واقدا، وقضى ياسرا، ولم تقو هذه الواو عليها كما لم يقو المنفصلان على أن تحرك السين فى اسم موسى.
وإذا قلت وأنت تأمر: اخشى ياسرا، واخشوا واقدا أدغمت لأنهما ليسا بحرفى مد كالألف، وإنما هما بمنزلة قولك: احمد داود، واذهب بنا. فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فيه سواء، وليس بينهما حاجز.
ينظر الكتاب (4/ 442).
واعلم أيضا أنه لا تدغم الياء وإن كان قبلها فتحة، ولا الواو وإن كان قبلها فتحة مع شىء من المتقاربة، لأن فيهما لينا ومدا، فلم تقو عليهما الجيم والباء، ولا ما لا يكون فيه مد ولا لين من الحروف، أن تجعلهما مدغمتين لأنهما يخرجان ما فيه لين ومد إلى ما ليس فيه مد ولا لين، وسائر الحروف لا تزيد فيها على أن تذهب الحركة، فلم يقو الإدغام فى هذا كما لم يقو على أن تحرك الراء فى: قرم موسى. ولو كانت مع هذه الياء التى ما قبلها مفتوح والواو التى ما قبلها مفتوح ما هو مثلهما سواء، لأدغمتهما ولم تستطع إلا ذلك لأن الحرفين استويا فى الموضع وفى اللين، فصارت هذه الياء والواو مع الميم والجيم نحوا من الألف مع المقاربة، لأن فيهما لينا وإن لم يبلغا الألف، ولكن فيهما شبه منها ألا ترى أنه إذا كانت واحدة منهما فى القوافى لم يجز فى ذلك الموضع غيرها، إذا كانت قبل حرف الروى، فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرت لك، وذلك قولك: رأيت قاضى جابر، ورأيت دلو مالك، ورأيت غلامى جابر، ولا تدغم فى هذه الياء الجيم وإن كانت لا تحرك لأنك تدخل اللين فى غير ما يكون فيه اللين. وذلك قولك: أخرج ياسرا، فلا تدخل ما لا يكون فيه اللين على ما يكون فيه اللين كما لم تفعل ذلك بالألف.
وإذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام لأنهما حينئذ أشبه بالألف.
وهذا ما يقوى ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح لأنهما يكونان كالألف فى المد والمطل، وذلك قولك: ظلموا مالكا، واظلمى جابرا.
ينظر الكتاب (4/ 447446).(1/196)
كتب العربية (1).
وقد قرئ بإدغامها فى عشرة أحرف من هذه الثلاثة عشر، وهى ما عدا الشين المعجمة، والدال والصاد المهملتين نحو:
{هَلْ تَعْلَمُ} [مريم: 65]، {هَلْ ثُوِّبَ} [المطففين: 36]، {بَلْ ظَنَنْتُمْ}
[الفتح: 12]، {بَلْ زُيِّنَ} [الرعد: 33]، {بَلْ سَوَّلَتْ} [يوسف: 18]، {بَلْ نَحْنُ} [القلم: 27]، و {بَلْ طَبَعَ} [النساء: 155]، و {بَلْ ضَلُّوا}
[الأحقاف: 28]، و {وَقُلْ رَبِّ} [طه: 114]، و {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ} [البقرة: 231].
وهو شاذ، وتقدم حكمها مع الشين.
ومثال اللام مع الدال فى القرآن قوله تعالى: {وَتَقَبَّلْ دُعََاءِ} [إبراهيم: 40].
__________
(1) قال ابن عصفور: (أما اللام فإنها تدغم فى ثلاثة عشر حرفا، وهى: التاء والثاء والدال والذال والسين والشين والراء والزاى والطاء والظاء والصاد والضاد والنون، فإن كانت الام للتعريف التزم الإدغام، وإن كانت لغير تعريف، جاز الإدغام، والبيان.
والإدغام فى بعض هذه الحروف أحسن منه فى بعض، فإدغامها فى الراء نحو: (هل رأيت)، أحسن منه فى سائرها. ويلى ذلك فى الجودة إدغامها فى الطاء نحو: (قل طيبا)، والتاء (هل تعلم)، والدال نحو: (هل دنا زيد)، والصاد نحو (هل صبر)، والسين نحو (هل سمعت)، والزاى نحو: (هل زال الشيء).
ويلى ذلك فى الجودة إدغامها فى الثاء نحو: (هل ثوّب) والذال نحو (هل ذريت الحب) والظاء نحو: (هل ظلم).
ويلى ذلك فى الجودة إدغامها فى الضاد نحو (هل ضل) وفى الشين نحو قول طريف:
تقول إذا استهلكت مالا للذة ... فكيهة: هشّىء بكيفك لائق
يريد: هل شىء.
وإدغامها فى النون دون ذلك كله نحو: (هل نرى زيدا)، والبيان أحسن منه، ولا يدغم فيها إلا النون.
هذا وقد نبه ابن عصفور عند حديثه عن الإدغام إلى أنه لا يدغم أحد المتقاربين فى الآخر فى جميع ما تقدم ذكره إلا بشرط أن يكون الثانى منهما متحركا، فإن كان ساكنا لم يجز إلا الإظهار نحو قولك: (قد اتعظ زيد)، و (من القوم).
وقد شذت العرب، فحذفت النون من (بنى) إذا اجتمعت مع لام التعريف فى أسماء القبائل بشرط أن تكون اللام ظاهرة فى اللفظ نحو: (بلحارث)، و (بلعنبر)، و (بلهجيم)، و (بلقين). والأصل: بنو الحارث، وبنو العنبر، وبنو الهجيم، وبنو القين، فحذفت علامة الجمع لالتقاء الساكنين، ثم حذفت النون تخفيفا لما كثر الاستعمال، فإن لم تكن اللام ظاهرة لم يجز حذف النون تخفيفا نحو: بنى النجار، لا يقال: بنجار.
ينظر: المقرب (2/ 1413، 1716).(1/197)
و {ثَمََانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4].
ومثال اللام مع الصاد: {قُلْ صَدَقَ اللََّهُ} [آل عمران: 95]، و {كَمَثَلِ صَفْوََانٍ}
[البقرة: 264]، و {خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80].
ولم يقرأ بإدغام شىء منه.
وتدغم فيها النون لا غير نحو: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4].
وأما النون: فتدغم فى خمسة أحرف وهى المجموعة فى قولك: لم يرو، نحو:
{وَمَنْ لَمْ} [الفتح: 13]، و {مِنْ مََاءٍ} [المرسلات: 20]، و {مَنْ يُؤْمِنُ}
[يونس: 40]، و {مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 32]، و {مِنْ وََالٍ} [الرعد: 11].
وتدغم فيها لام التعريف لزوما، فإن كانت اللام لغير التعريف ضعف إدغامها فيها وقد قرئ به، وقد تقدم جميع ما ذكرته فى النون.
وأما الطاء، والدال، والثاء، والظاء، والذال، والثاء: فيدغم كل واحد منها فى سائرها، وفى الشين، وفى حروف الصفير، وفى الجيم أيضا فى قول غير سيبويه كما تقدم.
وقد تقدم إدغامها فى الضاد، ويدغم فيها من غيرها اللام على ما تقدم فحصل من هذا أن كل واحد من هذه الحروف الستة التى أولها الطاء تدغم فى أحد عشر حرفا.
واعلم أنه ليس فى القرآن حرف لقى جميع ما ذكر أنه يدغم فيه سوى التاء.
وأما أخواتها، فإنما لقى كل واحد منها فى القرآن بعض ما ذكر أنه يدغم فيه على ما أذكره لك الآن بحول الله تعالى.
أما الطاء: فلقيت حرفين وهما:
التاء نحو: {أَحَطْتُ} [النمل: 22]، و {فَرَّطْتُ} [الزمر: 56].
والشين نحو: {وَأَغْطَشَ} [النازعات: 29]. وقد ذكر.
وقد جاءت منونة قبل الذال فى قوله: {بََاسِطٌ ذِرََاعَيْهِ} [الكهف: 18].
وأما الدال: فلقيت عشرة أحرف وهى جملتها سوى الطاء.
فمنها التاء نحو: {قَدْ تَبَيَّنَ} [البقرة: 256]، {فِي الْمَسََاجِدِ تِلْكَ} [البقرة:
187]، والظاء نحو {فَقَدْ ظَلَمَ} [البقرة: 231]، و {يُرِيدُ ظُلْماً} [آل عمران:
108]، والذال نحو {وَلَقَدْ ذَرَأْنََا} [الأعراف: 179]، و {الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ}
[البروج: 1514]، والثاء نحو {يُرِيدُ ثَوََابَ} [النساء: 134]، والصاد نحو {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ} [الفتح: 27]، و {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 55]، والسين نحو {قَدْ سَمِعَ اللََّهُ} [المجادلة: 1]، و {عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون: 112]، والزاى نحو {لَقَدْ زَيَّنَّا} [الملك: 5]، و {يَكََادُ زَيْتُهََا} [النور: 35]، والشين نحو {قَدْ شَغَفَهََا}
[يوسف: 30]، و {وَشَهِدَ شََاهِدٌ} [يوسف: 26]، والجيم نحو {قَدْ جَعَلَ}
[الطلاق: 3]، و {دََاوُدُ جََالُوتَ} [البقرة: 251]، والضاد نحو: {فَقَدْ ضَلَّ}
[البقرة: 108].(1/198)
108]، والذال نحو {وَلَقَدْ ذَرَأْنََا} [الأعراف: 179]، و {الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ}
[البروج: 1514]، والثاء نحو {يُرِيدُ ثَوََابَ} [النساء: 134]، والصاد نحو {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ} [الفتح: 27]، و {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 55]، والسين نحو {قَدْ سَمِعَ اللََّهُ} [المجادلة: 1]، و {عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون: 112]، والزاى نحو {لَقَدْ زَيَّنَّا} [الملك: 5]، و {يَكََادُ زَيْتُهََا} [النور: 35]، والشين نحو {قَدْ شَغَفَهََا}
[يوسف: 30]، و {وَشَهِدَ شََاهِدٌ} [يوسف: 26]، والجيم نحو {قَدْ جَعَلَ}
[الطلاق: 3]، و {دََاوُدُ جََالُوتَ} [البقرة: 251]، والضاد نحو: {فَقَدْ ضَلَّ}
[البقرة: 108].
وجاءت منونة قبل الطاء فى قوله تعالى: {صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6].
وأما التاء فقد تقدم أنها لقيت أحد عشر حرفا:
فمنها الطاء نحو: {وَقََالَتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: 72]، و {الْمَلََائِكَةُ طَيِّبِينَ}
[النحل: 32].
والدال نحو {فَلَمََّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا} [الأعراف: 189].
والظاء نحو {حُرِّمَتْ ظُهُورُهََا} [الأنعام: 138].
والذال نحو {فَالتََّالِيََاتِ ذِكْراً} [الصافات: 3].
والثاء نحو {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} [الحاقة: 4].
والضاد فى {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً} [العاديات: 1].
والصاد نحو {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} [الحج: 40].
والسين نحو {أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنََابِلَ} [البقرة: 261].
والزاى نحو {فَالزََّاجِرََاتِ زَجْراً} [الصافات: 2].
والشين نحو {بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} [النور: 4].
والجيم نحو {وَجَبَتْ جُنُوبُهََا} [الحج: 36].
وأما الظاء: فلقيت التاء لا غير نحو {أَوَعَظْتَ} [الشعراء: 136]، {مَوْعِظَةٌ}
[البقرة: 275].
وأما الذال فلقيت سبعة أحرف وهى: الدال نحو {إِذْ دَخَلُوا} [ص: 22].
والتاء نحو {إِذْ تَبَرَّأَ} [البقرة: 166].
والظاء نحو {إِذْ ظَلَمُوا} [النساء: 64].
والصاد نحو {وَإِذْ صَرَفْنََا} [الأحقاف: 29]، {مَا اتَّخَذَ صََاحِبَةً} [الجن: 3].
والسين نحو {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [النور: 12]، و {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} [الكهف: 61].(1/199)
والصاد نحو {وَإِذْ صَرَفْنََا} [الأحقاف: 29]، {مَا اتَّخَذَ صََاحِبَةً} [الجن: 3].
والسين نحو {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [النور: 12]، و {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} [الكهف: 61].
والزاى نحو {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ} [الأنفال: 48].
والجيم نحو {إِذْ جََاؤُكُمْ} [الأحزاب: 10]، و {إِذْ جَعَلَ} [المائدة: 20].
وأما الثاء فلقيت خمسة أحرف وهى:
الثاء نحو {أُورِثْتُمُوهََا} [الأعراف: 43].
والذال نحو {يَلْهَثْ ذََلِكَ} [الأعراف: 176]، و {الْحَرْثِ ذََلِكَ} [آل عمران:
14].
والسين نحو {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6].
والشين نحو {حَيْثُ شِئْتُمْ} [البقرة: 58].
والضاد فى نحو قوله تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} [الذاريات: 24].
وأما حروف الصفير: فيدغم كل واحد منها فى أخويه، وتدغم فيها اللام، والطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، كما تقدم.
والذى التقى فى القرآن من حروف الصفير بعضها مع بعض: السين، والزاى فى قوله تعالى {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] لا غير، والله جل وعلا أعلم.
وقد نجز الكلام فى القسم الأول بتمام هذا الفصل السابع والكلام فيه مقرر (1)
حسب فصيح كلام العرب، ولا ينكر من كلام العرب وجود الشواذ فى باب الإدغام وغيره، فلا يهولنك أن تجد فى هذا الباب ما شذ عما قررته لك، لكن عليك بمعرفة ما يشذ، وما يطرد، وردّ كل فرع إلى أصله، والله المستعان.
__________
(1) فى ب: مقدر.(1/200)
القسم الثانى
وأشرع الآن فى القسم الثانى، وهو مقصود الباب، وأرتب الكلام فيه بحسب ترتيب كلام الحافظ رحمه الله.
قوله: «باب ذكر مذهب أبى عمرو فى الإدغام الكبير».
اعلم أنه إنما سمى هذا الإدغام كبيرا لكثرة دورانه فى حروف القرآن فقد بلغت عدة ما يذكر منه فى هذا الباب ما بين متفق عليه ومختلف فيه ألف كلمة وثلاثمائة كلمة واثنتين وتسعين كلمة.
ويمكن أن يسمى: كثيرا لكثرة ما فيه من العمل: وذلك أنه مخصوص بما أصله التحريك فيعرض فيه فى بعض المواضع أربع تغييرات، وذلك فى إدغام المتقاربين إذا كان قبل الأول منهما ساكن:
أحدها: قلب الحرف الأول.
والثانى: إسكانه.
والثالث: إدغامه إن كان مفتوحا فى الأصل، أو إخفاؤه إذا كان أصله الضم أو الكسر، على ما سيأتى تحقيق القول فى تسمية هذا النوع من الإخفاء إدغاما بحول الله تعالى.
والرابع: التقاء الساكنين إذا كان الأول مفتوحا فى الأصل كما تقدم، وكذلك إذا كان الأول متحركا بالضم أو بالكسر فى الأصل عند من لا يقول بالإخفاء ويجعله إدغاما [صحيحا] (1) والله جل جلاله أعلم.
قوله: «اعلم أنى إنما أفرد مذهبه فى هذا الباب فى الحروف المتحركة التى تتماثل فى اللفظ وتتقارب فى المخرج».
ينبغى أن تعلم أولا أن الإدغام الكبير ليس بلازم فى قراءة أبى عمرو وأن الحروف المذكورة فى هذا الباب قرأها أبو عمرو على وجهين:
أحدهما: الإظهار كما قرأها غيره من القراء.
والثانى: الإدغام كما يذكر هنا.
فليس الإدغام الكبير بأمر لا بد منه فى قراءة أبى عمرو، وإنما هو رواية من رواياته، ووجه من وجوه قراءاته، فمن شاء قرأ به ومن شاء قرأ بالإظهار، وعلى هذا
__________
(1) سقط فى أ.(1/201)
جرى كلام الحافظ حيث أسند قراءة أبى شعيب فقال: «وقرأت بها القرآن كله بإظهار الأول من المثلين والمتقاربين وبإدغامه على فارس» والله سبحانه أعلم.
ولما كان لأبى عمرو مذهب فى الإدغام الصغير، ولم يذكره فى هذا الباب وإنما يذكره بعد مع مذاهب القراء فلذلك قال: «إنما أفرد مذهبه فى هذا الباب
كذا».
فإن قيل: لو قال بدل هذه العبارة: اعلم أنى إنما أفرد هذا الباب بمذهبه فى الحروف المتحركة، لكان أبين فى الإشعار من جهة دليل الخطاب بأن له مذهبا فى الإدغام فى الحروف السواكن. فأما هذه العبارة التى عبر بها فقد تشعر بأن لغيره مذهبا فى هذه الحروف وليس لغيره فيها إلا الإظهار؟
فالجواب: أن الاحتمال أيضا فى هذه العبارة قائم كما هو فى عبارته إذ لا يبعد أن يفهم من هذه العبارة أن لغيره فى هذه الحروف مذهبا لم يذكر هنا.
وهذا الاحتمال فى العبارتين مبنى على إعمال دليل الخطاب، ولا يصح إعماله فى كل موضع، والله تعالى أعلم.
وقوله: «فى الحروف المتحركة».
هذا فرق بين الإدغام الكبير والإدغام الصغير إذ لا بد أن يكون الحرف الأول فى هذا الباب متحركا قبل الإدغام وأما الإدغام الصغير فلا يكون إلا فيما الحرف منه ساكن قبل الإدغام.
ومن الفرق بين البابين: أن الإدغام الصغير خاص بالمتقاربين ولا يكون فى المثلين، والإدغام الكبير يكون فى المثلين وفى المتقاربين.
وقوله: «التى تتماثل فى اللفظ وتتقارب فى المخرج».
كلام فيه حذف، وتصحيحه: فى الحروف التى تتماثل فى اللفظ، وفى الحروف التى تتقارب فى المخرج فحذف الموصول الثانى، واستغنى بفهم المعنى، كما حذف فى قولهم: «خذه بما عز وهان» (1) وتقديره: بما عز وبما هان. وهذا التقدير مبنى على أن العزيز غير الهين.
__________
(1) قال سيبويه: وتقول: خذه بما عز أو هان، كأنه قال: خذه بهذا أو بهذا، أى: لا يفوتنك على كل حال، ومن العرب من يقول: خذه بما عز وهان، أى: خذه بالعزيز والهين، وكل واحدة منهما تجزئ عن أختها. ينظر الكتاب (3/ 185184).(1/202)
ويمكن أن يقال مثله فى قوله تعالى: {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}
[الزمر: 33] على تفسير من قال: إن المراد بالذى جاء بالصدق: محمد صلى الله عليه وسلم، وبالذى صدق به: أبو بكر (1) رضى الله عنه فيكون التقدير: والذى جاء بالصدق
__________
(1) وهذا قول أبى العالية والكلبى، وقال ابن عباس: والذى جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق به محمد صلى الله عليه وسلم: تلقاه بالقبول. وقال قتادة: والذى جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق به:
هم المؤمنون لقوله: {أُولََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 4]. وقال عطاء والذى جاء بالصدق: الأنبياء، وصدق به: الأتباع، وحينئذ يكون (الذى) بمعنى (الذين) كقوله:
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً فَلَمََّا أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17].
وقال الحسن: هم المؤمنون صدقوا به فى الدنيا وجاءوا به فى الآخرة.
وقال ابن عادل الحنبلى: والذى جاء بالصدق لفظ مفرد، ومعناه جمع لأنه أريد به الجنس، وقيل: لأنه قصد به الجزاء، وما كان كذلك كثر فيه وقوع: (الذى) موقع (الذين) ولذلك روعى معناه فجمع فى قوله: (أولئك هم المتقون) كما روعى معنى (من) فى قوله: (للكافرين) فإن (الكافرين) ظاهر واقع موقع المضمر إذ الأصل: مثوى لهم، وقيل: بل الأصل: والذين جاء الصدق، فحذفت النون تخفيفا كقوله {كَالَّذِي خََاضُوا} [التوبة: 69]. وهذا وهم إذ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع فكان يقال: والذى جاءوا كقوله: (كالذى خاضوا). ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنى كقوله:
أبني كليب إن عمّىّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا
ولجاء كقوله:
[و] إن الذى حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقرأ عبد الله: (والذى جاءوا بالصدق وصدقوا به) وقيل: (الذى) صفة لموصوف محذوف بمعنى الجمع، تقديره: والفريق أو الفوج ولذلك قال: (أولئك هم المتقون).
وقيل: المراد بالذى واحد بعينه وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لما كان المراد هو وأتباعه اعتبر ذلك فجمع فقال: (أولئك هم) كقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنََا مُوسَى الْكِتََابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}
[المؤمنون: 49] قاله الزمخشرى، وعبارته: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه. وناقشه أبو حيان فى إيقاع الضمير المنفصل موقع المتصل، قال: وإصلاحه أن يقول: وأراده به كما أراده بموسى وقومه، قال شهاب الدين: ولا مناقشة لأنه مع تقديم (به) و (بموسى) لغرض من الأغراض استحال اتصال الضمير، وهذا كالبحث فى قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيََّاكُمْ}
[النساء: 131] وقوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيََّاكُمْ} [الممتحنة: 1] وهو أن بعض الناس زعم أنه يجوز الانفصال مع القدرة على الاتصال. وقول الزمخشرى: إن الضمير فى: (لعلهم يهتدون) لموسى وقومه، فيه نظر، بل الظاهر خصوص الضمير بقومه دونه لأنهم هم المطلوب منهم الهداية، وأما موسى عليه الصلاة والسلام فمهتد ثابت على الهداية، وقال الزمخشرى أيضا: ويجوز أن يريد: والفوج أو الفريق الذى جاء بالصدق وصدق به، وهم الرسول الذى جاء بالصدق وصحابته الذين صدقوا به.(1/203)
والذى صدق به، ومنه قوله تعالى: {يُنَبَّؤُا الْإِنْسََانُ يَوْمَئِذٍ بِمََا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] أى بما قدم وما أخر، والله أعلم.
وقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] ويكون هذا الحذف فى باب الموصولات نظير الحذف فى باب الموصوفات، كقول امرئ القيس (1):
مجرّ جيوش غانمين وخيّب (2)
أراد: جيوش خيب إذ لا يصح أن يكون الغانمون هم الخيب.
__________
قال أبو حيان: وفيه توزيع للصلة، والفوج هو الموصول فهو كقولك: جاء الفريق الذى شرف وشرف، والاظهر عدم التوزيع، بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى.
ينظر: اللباب (16/ 515512).
(1) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندى، من بنى آكل المرار: أشهر شعراء العرب على الإطلاق. يمانى الأصل مولده بنجد، أو بمخلاف السكاسك باليمن، اشتهر بلقبه، واختلف المؤرخون فى اسمه، فقيل: حندج، وقيل: مليكة، وقيل: عدى، وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه المهلهل الشعر، فقاله وهو غلام. وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته فأبعده إلى دمون بحضر موت، موطن آبائه وعشيرته، وهو فى نحو العشرين من عمره، فأقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه فى أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه، فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبى، ضيعنى صغيرا وحملنى دمه كبيرا، لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بنى أسد، وقال فى ذلك شعرا كثيرا، وكانت حكومة فارس ساخطة على بنى آكل المرار آباء امرئ القيس، فأوعزت إلى المنزر ملك العراق بطلب امرئ القيس فطلبه فابتعد، وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره، فمكث عنده مدة، ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس، فقصد الحارث بن أبى شمر الغسانى والى بادية الشام فسيره هذا إلى قيصر الروم جوستينيانس، فوعده ومطله، ثم ولاه إمرة فلسطين البادية ولقبه فيلارق، أى: الوالى، فرحل يريدها، فلما كان بأنقرة ظهرت فى جسمه قروح، فأقام إلى أن مات فى أنقرة. وقد جمع بعض ما ينسب إليه من الشعر فى ديوان صغير، وكثر الاختلاف فيما كان يدين به، ولعل الصحيح أنه كان على المزدكية.
ينظر: الأعلام (2/ 1211)، والأغانى (9/ 17)، وخزانة الأدب (3/ 612609).
(2) عجز بيت، وصدره:
بمحنية قد آزر الضال نبتها
والبيت فى ديوانه ص (45)، ولسان العرب (أزر) و (حنا)، وأساس البلاغة (ضمم)، وتاج العروس (أزر) و (حنا)، وبلا نسبة فى لسان العرب (جرر)، وتهذيب اللغة (10/ 476) و (13/ 247) وتاج العروس (جرر).(1/204)
وإنما حملت كلامه على هذا لأن الحرفين المتماثلين لا بد أن يكونا من مخرج واحد إذ حقيقتهما: أنهما حرف واحد مكرر كالباءين فى «سبب» والصادين فى «القصص».
وأما المتقاربان فى المخرج فهما مختلفان، وليسا بمثلين، ولا يصح إدغام أحدهما فى الآخر إلا بعد قلب المدغم إلى جنس ما يدغم فيه فيصيرا مثلين إذ الحاصل من الإدغام فى ذلك: النطق بحرف واحد مشدد فلا يمكن أن يبقى الأول مخالفا للثانى حال الإدغام لما كان يلزم من وجود صوتين مختلفين فى الحرف الواحد المشدد، ولما كان يلزم من إعمال العضوين الناطقين بالحرفين المختلفين فى زمان واحد، وهذا أمر خارج عن قوى البشر، والله تبارك وتعالى أعلم.
قوله رحمه الله: «وهى تأتى على ضربين: متصلة فى كلمة ومنفصلة فى كلمتين» يريد بقوله: «وهى تأتى»: الحروف المتماثلة والحروف المتقاربة فيكون الحاصل أربعة أقسام:
القسم الأول: المثلان فى كلمة.
[القسم] الثاني: المثلان من كلمتين.
[القسم] الثالث: المتقاربان فى كلمة.
[القسم] الرابع: المتقاربان من كلمتين.
القسم الأول المثلان فى كلمة:
قال الحافظ رحمه الله: «اعلم أن أبا عمرو لم يدغم من المثلين فى كلمة إلا موضعين» إلى آخر كلامه.
اعلم أن قولهم: «المثلان فى كلمة» يكون حقيقة، ويكون مجازا:
أما الحقيقة: فنحو الباءين فى {سَبَباً} [الكهف: 84]، والراءين فى {بَرَرَةٍ}
[عبس: 16]، والقافين فى {يُشََاقِقِ} [الأنفال: 13]، والصادين فى {الْقَصَصَ}
[الأعراف: 176].
ألا ترى أن المثلين فى جميع ذلك فى كلمة واحدة، وأن «سببا» وزنه «فعل» فالباء الأولى عين الكلمة، والثانية لامها، وكذلك سائر ما ذكر معه.
وأما المجاز: فنحو الكافين فى {سَلَكَكُمْ} [المدثر: 42] والنونين فى {يَعْبُدُونَنِي} [النور: 55] والهاءين فى {وَجْهَهُ} [البقرة: 112].
ألا ترى أن الأول من المثلين فى هذه الأمثلة لام الكلمة أو من تمامها، والثانى ضمير متصل به، ولو فصلته منه لم تختل الكلمة نحو «سلك» و «يعبدون» [و] «وجه»، وكذلك {بِبَيِّنَةٍ} [الأعراف: 105] الباء الأولى حرف جر اتصلت بفاء الكلمة فأشبهت المثلين فى كلمة؟! فإذا تقرر هذا فاعلم أن أبا عمرو أدغم من ذلك {مَنََاسِكَكُمْ} فى البقرة [200] و {مََا سَلَكَكُمْ} فى المدثر [42].(1/205)
وأما المجاز: فنحو الكافين فى {سَلَكَكُمْ} [المدثر: 42] والنونين فى {يَعْبُدُونَنِي} [النور: 55] والهاءين فى {وَجْهَهُ} [البقرة: 112].
ألا ترى أن الأول من المثلين فى هذه الأمثلة لام الكلمة أو من تمامها، والثانى ضمير متصل به، ولو فصلته منه لم تختل الكلمة نحو «سلك» و «يعبدون» [و] «وجه»، وكذلك {بِبَيِّنَةٍ} [الأعراف: 105] الباء الأولى حرف جر اتصلت بفاء الكلمة فأشبهت المثلين فى كلمة؟! فإذا تقرر هذا فاعلم أن أبا عمرو أدغم من ذلك {مَنََاسِكَكُمْ} فى البقرة [200] و {مََا سَلَكَكُمْ} فى المدثر [42].
ووجه الإدغام فى ذلك: أنه استثقل اجتماع المثلين مع ما فى ذلك من الطول بلحاق ضمير الجمع وتحريك ما قبل الكاف الأولى، مع أنه اتبع فى ذلك الرواية عن أئمته (1).
وزاد الإمام {بِشِرْكِكُمْ} فى فاطر [الآية: 14] وقال «باختلاف عنه، والإظهار أحسن لاجتماع ساكنين ليس الأول منهما حرف مد ولين، والإدغام رواية عباس (2) عنه». وزاد الإمام أيضا ما التقت فيه الهاءان، والثانية من ضمير الجماعة، وقال: «باختلاف عنه، والإظهار أكثر وأحسن، وبهما قرأت، والإدغام رواية محمد
__________
(1) وقد قيل أيضا فى توجيه ذلك: شبه حركة الإعراب بحركة البناء فحذفها للإدغام، وأدغم أيضا (مناسككم) ولم يدغم ما يشبهه من نحو {جِبََاهُهُمْ} [التوبة: 35] و {وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106]. ينظر اللباب (3/ 432).
(2) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن النضل بن حنظلة، أبو الفضل الواقفى الأنصارى البصرى، قاضى الموصل، أستاذ حاذق ثقة، قال الحافظ أبو العلاء: وكان من أكابر أصحاب أبى عمرو فى القراءة، روى القراءة عرضا وسماعا عن أبى عمرو بن العلاء وضبط عنه الإدغام، وروى القراءة أيضا عن خارجة بن مصعب عن نافع وأبى عمرو عن مطرف بن معقل الشقرى عن ابن كثير، وله اختيار فى القراءة رويناه فى الكامل، روى القراءة عنه: حمزة ابن القاسم وعامر بن عمر الموصلى وعبد الرحمن بن واقد وعبد الرحمن البيروتى وعبد الغفار بن عبد الله بن الزبير ومحمد بن عمر الرومى وأبو موسى الهروى ومحمد بن عمر القصبى، وناظر الكسائى فى الإمالة، وجاء عن أبى عمرو أنه قال لو لم يكن فى أصحابى إلا عباس لكفانى. قال الذهبى الحافظ: وإنما لم يشتهر لأنه لم يجلس للإقراء، ولد سنة خمس ومائة، وتوفى سنة ست وثمانين ومائة، قال الحافظ أبو العلاء: وهو الصواب، وقال سبط الخياط تبعا للأهوازى: سنة خمس وتسعين، وقال: كان عظيم القدر جليل المنزلة فى العلم والدين والورع مقدما فى القرآن والحديث، من أجلاء أصحاب أبى عمرو، قدم العراق فلقى أبا عمرو فقرأ عليه، ثم ولى القضاء بالموصل فانتقل إليها وأقام بها قاضيا إلى أن مات.
ينظر: غاية النهاية (1/ 353) (1514).(1/206)
ابن رومِِيّ (1)، عن اليزيدى عنه» انتهى.
واعلم أن جملة ما فى القرآن منه تسعة وعشرون موضعا:
من ذلك {وُجُوهُهُمْ} فى موضعين من آل عمران [الآيتان: 106، 107] وموضعين من سورة يونس عليه السلام [26، 27] وفى الأنفال [50]، و [سورة] (2)
إبراهيم عليه السلام [50] والإسراء [97] وسورة الأنبياء عليهم السلام [79]، والمؤمنون [104]، والفرقان [34]، والنمل [90]، والأحزاب [66]، والزمر [60]، والقتال [محمد: 27]، والفتح [29]، والقمر [48] والمطففين [24]، فى كل واحدة من الثلاث عشرة سورة موضع.
ومنها {أَفْوََاهِهِمْ} فى موضعين من آل عمران [118، 167] وفى ثلاثة مواضع من التوبة [8، 30، 32]، وفى المائدة [41] وسورة إبراهيم عليه السلام [9] والكهف [5]، ويس [65]، والصف [8]، فى كل واحدة من السور الخمس موضع.
ومنها {جِبََاهُهُمْ} فى التوبة [35].
و {إِكْرََاهِهِنَّ} فى النور [33].
وزاد الإمام أيضا {إِنَّ وَلِيِّيَ اللََّهُ} فى الأعراف [196] وقال: «باختلاف عنه، والإظهار أحسن وأكثر للحذف الذى يقع فى الكلمة، وذلك أنه يحذف الياء التى هى لام الفعل ويدغم ياء «فعيل» فى ياء المتكلم».
فأما ما عدا ذلك مما التقى فيه المثلان فى كلمة، فلا إدغام فيه نحو {يَعْبُدُونَنِي}
[النور: 55] و {يَهْدُونَنََا} [التغابن: 6] و {مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253] و {يَقْتَتِلََانِ}
[القصص: 15] لعدم الرواية، ولأن الإظهار هو الأصل فلا يفتقر إلى
__________
(1) هو محمد بن المحدث عمر بن المحدث عبد الله بن عبد الرحمن البصرى، ويعرف عبد الله بالرومى. حدث محمد عن: شعبة، وشريك، وأبيه وغيرهم.
وعنه: إسماعيل بن موسى الفزارى، والبخارى، ويعقوب الفسوى، وأبو حاتم، وآخرون. ضعفه أبو داود.
وقال أبو زرعة: فيه لين. ينظر: سير أعلام النبلاء (10/ 421420)، والتاريخ الكبير (1/ 179178)، والجرح والتعديل (8/ 2221)، وميزان الاعتدال (3/ 668)، والمغنى فى الضعفاء (2/ 620)، والكاشف (3/ 81)، وتهذيب التهذيب (9/ 165)، وخلاصة تهذيب الكمال (336).
(2) سقط فى ب.(1/207)
تعليل، والله جل وعلا أعلم.
القسم الثانى المثلان من (1) كلمتين:
قال الحافظ: «فأما (2) المثلان إذا كانا من (3) كلمتين فإنه كان يدغم الأول فى الثانى منهما سواء سكن ما قبله أو تحرك فى جميع القرآن».
اعلم أن المراد من هذا الفصل أن [يكون] (4) الحرف الواقع آخر الكلمة واقعا فى أول الكلمة التى بعدها وهما متحركان على ما مر من شرط هذا الباب نحو {الرَّحِيمِ مََالِكِ} [الفاتحة: 43] و {يَشْفَعُ عِنْدَهُ} [البقرة: 255]، وإنما أدغم أبو عمرو ما أدغم من هذا الفصل اتباعا لروايته عن أئمته مع الهرب من ثقل التفكيك لأن المثلين إذا التقيا باتصال الكلمتين كان ذلك أطول فى الكلام، وأثقل على اللسان فكان التخفيف بالإدغام أوكد منه فى الكلمة الواحدة (5).
واعلم أن الحروف على ضربين:
أحدهما: لقى مثله فى القرآن.
و [الضرب] (6) الثانى: لم يلق مثله.
فالضرب الذى لم يلق مثله من الحروف من كلمتين فى القرآن عشرة أحرف،
__________
(1) فى أ: فى.
(2) فى ب: وأما.
(3) فى أ: فى.
(4) سقط فى أ.
(5) وجملة ذلك: أن أبا عمرو يدغم كل حرفين من جنس واحد، أو مخرج واحد، أو كانا قريبى المخرج، سواء كان الحرف ساكنا أو متحركا، إلا أن يكون الحرف الأول مشددا، أو منونا، أو منقوصا أو مفتوحا، أو تاء الخطاب قبله ساكنا فى غير المثلين فإنه لا يدغمها، وإدغام المتحرك يكون فى الإدغام الكبير، وافقه حمزة فى إدغام المتحرك فى قوله تعالى: {بَيَّتَ طََائِفَةٌ} [النساء: 81]، {وَالصَّافََّاتِ صَفًّا فَالزََّاجِرََاتِ زَجْراً فَالتََّالِيََاتِ ذِكْراً} [الصافات: 31]، {وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً} [الذاريات: 1].
وأدغم التاء فيما بعدها من الحروف، وافقه حمزة برواية رجاء وخلف والكسائى فى إدغام الساكن وهو إدغام الساكن فى المتحرك إلا فى الراء عند اللام، والدال عند الجيم، وكذلك لا يدغم حمزة الدال عند السين والصاد والزاى، ولا إدغام لسائر القراء إلا فى أحرف معدودة.
ينظر اللباب (1/ 195194).
(6) سقط فى أ.(1/208)
وهى: الطاء، والدال، والصاد المهملات، والخاء، والضاد، والشين، والظاء، والذال المعجمات، والجيم والزاى.
والضرب الذى لقى مثله من كلمتين باقى الحروف وهى ثمانية عشر حرفا يجمعها قولك: «حسن فعلك أثبته غير قوم».
وقد وقع فى تمثيل الحافظ منها ثلاثة عشر حرفا يجمعها قولك: «علم حسن ركبت فيه» وبقيت الهمزة، والغين، والقاف، والثاء، والواو، وأقدم الآن الكلام فى الهمزة، ثم فى الحروف التى ذكر الحافظ على حسب ترتيبها فى كلامه، ثم أتبعها بالأربعة الباقية بحول الله عز وجل.
أما الهمزة فقد التقى المثلان منها فى القرآن فى مواضع كثيرة وتبلغ باعتبار اتفاقها فى الحركات واختلافها ثمانية أضرب نحو {جََاءَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 34] و {هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [البقرة: 31] و {أَوْلِيََاءُ أُولََئِكَ} [الأحقاف: 32] و {شُهَدََاءَ إِذْ حَضَرَ}
[البقرة: 133] و {مِنْ وِعََاءِ أَخِيهِ} [يوسف: 76] و {جََاءَ أُمَّةً} [المؤمنون: 44] و {السُّفَهََاءُ أَلََا} [البقرة: 13] و {يَشََاءُ إِلى ََ} [البقرة: 142] ولم يدغم شىء من ذلك.
ووجه هذا أن من احتمل ثقل اجتماعهما من العرب أثبتهما، وعلى ذلك قراءة الكوفيين (1) ومن استثقلهما عدل إلى تسهيل إحداهما، وعليه قراءة أبى عمرو فاكتفى بتسهيل إحداهما عن الإدغام لما فى إدغامها لو فعل من الثقل الذى ليس فى غيرها من الحروف.
واعلم أن أبا عمرو إذا سهل إحدى الهمزتين حذف الأولى إن كانتا متفقتى الحركة فيندفع بذلك اجتماع المثلين، ويسهل الثانية بين الهمزة والحرف الذى منه حركتها إن كانت الأولى مفتوحة والثانية مخالفة، ويبدلها حرفا خالصا من جنس حركة ما قبلها إن كانت مفتوحة والأولى مخالفة.
فإذا جعلها بين بين، استغنى بذلك عن الإدغام، مع أن لفظ الأولى إذ ذاك مخالف للفظ الثانية فيندفع بذلك ثقل اجتماع المثلين.
فإن قلت: هما متقاربان ومن أصله إدغام المتقاربين؟
__________
(1) فى أ: المكيين.(1/209)
فالجواب: أنه لا بد فى إدغام المتقاربين من إبدال الأول (1) إلى جنس الثانى، ولا بدّ من تسكينه فكان يلزم هنا تسهيل الهمزة الأولى بين بين، وجعلها مثل الثانية وإسكانها، ثم إدغامها.
وهذا ممتنع من وجهين:
أحدهما: أن همزة بين بين لا تسكن عند الحذاق من النحويين والمقرئين.
والثانى: أنك لو سهلت الأولى من {شُهَدََاءَ إِذْ حَضَرَ} [البقرة: 133] فقياسها أن تكون بين الهمزة والألف، وقياس الثانية أن تكون بين الهمزة والياء وذلك يمنع كونهما مثلين، وكذا قياس سائرها.
وأما إذا أبدل الثانية واوا خالصة أو ياء فيمتنع الإدغام أيضا لما تقدم، ولأن أصل الواو والياء ألا يدغم فيهما غيرهما، وأيضا فالإدغام خلاف الأصل، والله عز وجل أعلم.
فقد خرجت الهمزة عن باب الإدغام وبقيت سبعة عشر حرفا يقع فيها الإدغام.
واعلم أنه يشترط فى كل حرف منه ألا يكون منونا، ولا مشددا، ويشترط فى التاء مع ذلك ألا تكون ضميرا لمتكلم، ولا ضميرا لمخاطب.
مطلب إدغام الهاء فى مثلها:
قال الحافظ رحمه الله: «نحو قوله تعالى {فِيهِ هُدىً} [البقرة: 2]».
اعلم أن الهاء يدغمها أبو عمرو فى مثلها إذا كانتا من كلمتين، سواء كانت الأولى ضميرا أو غير ضمير، وسواء كان قبلها حرف متحرك أو ساكن، وإن كانت فى الإضمار موصولة حذف الصلة، ثم أسكنها فى جميع ذلك، وأدغمها نحو:
{فَاللََّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9]، {فَفِي رَحْمَتِ اللََّهِ هُمْ} [آل عمران: 107]، و {أَخََاهُ هََارُونَ} [مريم: 53]، و {فِيهِ هُدىً}، و {فَاعْبُدُوهُ هََذََا} [مريم: 36]، و {جََاوَزَهُ هُوَ} [البقرة: 249]، و {زََادَتْهُ هََذِهِ} [التوبة: 124].
وجملته فى القرآن أربعة وتسعون حرفا:
منها حرف فى ثلاث وعشرين سورة:
ففي النساء: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً} [4]، وفى الأنعام {قُلْ إِنَّ هُدَى اللََّهِ هُوَ الْهُدى ََ}
__________
(1) فى ب: الأولى.(1/210)
[71]، وفى الأعراف {لِأَخِيهِ هََارُونَ} [142]، وفى سورة يونس عليه السلام {سُبْحََانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [68]، وفى سورة هود عليه السلام {غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ}
[61]، وفى المؤمنين {وَأَخََاهُ هََارُونَ} [45]، وفى النمل {كَأَنَّهُ هُوَ} [42]، وفى العنكبوت {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ} [26]، وفى «الم» السجدة {وَجَعَلْنََاهُ هُدىً} [23]، وفى فاطر {وَاللََّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [15]، وفى الصافات {ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبََاقِينَ}
[77]، وفى فصلت {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [36]، وفى «ق» {وَقََالَ قَرِينُهُ هََذََا} [23]، وفى الطور {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ} [28]، وفى الحديد {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} [24]، وفى المجادلة {فَإِنَّ حِزْبَ اللََّهِ هُمُ الْغََالِبُونَ} [22]، وفى الممتحنة {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ}
[6]، وفى التحريم {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ مَوْلََاهُ} [4]، وفى «قل أوحى» {وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً} [12]، وفى المزمل: {عِنْدَ اللََّهِ هُوَ خَيْراً} [20]، وفى المدثر: {اللََّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى ََ} [56]، وفى البروج: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ} [13]، وفى القارعة: {فَأُمُّهُ هََاوِيَةٌ} [9].
ومنها حرفان حرفان فى عشر سور:
ففي الأنفال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [61]، {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللََّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ} [62].
وفى النحل {وَبِنِعْمَتِ اللََّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [72]، {إِنَّمََا عِنْدَ اللََّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
[95].
وفى الإسراء {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [1]، {وَجَعَلْنََاهُ هُدىً} [2].
وفى الشعراء {مِنْ دُونِ اللََّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} [93]، {فِي السََّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [220219].
وفى غافر {بِشَيْءٍ إِنَّ اللََّهَ هُوَ السَّمِيعُ} [20]، {بِاللََّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [56].
وفى الشورى {إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَفُورُ} [5]، {فَاللََّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [9].
وفى الزخرف {إِنَّ اللََّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هََذََا} [64].
وفى الدخان {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [6]، {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ} [42].
وفى الجاثية {إِلََهَهُ هَوََاهُ} [23]، {اتَّخَذْتُمْ آيََاتِ اللََّهِ هُزُواً} [35].
وفى الذاريات {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ} [30]، {إِنَّ اللََّهَ هُوَ الرَّزََّاقُ} [58].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى سبع سور:(1/211)
وفى الذاريات {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ} [30]، {إِنَّ اللََّهَ هُوَ الرَّزََّاقُ} [58].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى سبع سور:
ففي آل عمران: {فَاعْبُدُوهُ هََذََا} [51]، {فَفِي رَحْمَتِ اللََّهِ هُمْ} [107] {مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ} [180].
وفى «كهيعص» {فَاعْبُدُوهُ هََذََا} [36]، {أَخََاهُ هََارُونَ} [53]، {لِعِبََادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ} [65].
وفى النور {عِنْدَ اللََّهِ هُمُ الْكََاذِبُونَ} [13]، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} [15]، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللََّهَ هُوَ الْحَقُّ} [25].
وفى الفرقان {فَجَعَلْنََاهُ هَبََاءً} [23]، {أَخََاهُ هََارُونَ} [35]، {إِلََهَهُ هَوََاهُ}
[43]، وفى القصص {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ} [16]، {مِنْ عِنْدِ اللََّهِ هُوَ أَهْدى ََ} [49]، {مِنْ قَبْلِهِ هُمْ} [52].
وفى لقمان {إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} [26]، {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ هُوَ الْحَقُّ} [30]، {وَأَنَّ اللََّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} [30].
وفى الزمر: {سُبْحََانَهُ هُوَ} [4]، {جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ} [53]، {لَوْ أَنَّ اللََّهَ هَدََانِي} [57].
ومنها أربعة أربعة فى سورتين:
ففي سورة يوسف عليه السلام: {كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [يوسف: 34]، {بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} [يوسف: 83]، {رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ} [يوسف: 98]، {لِمََا يَشََاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} [يوسف: 100].
وفى النجم {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ} [43]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَمََاتَ} [44]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى ََ} [48]، {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ََ} [49].
ومنها خمسة فى التوبة وهى: {وَكَلِمَةُ اللََّهِ هِيَ الْعُلْيََا} [40]، {وَأَنَّ اللََّهَ هُوَ التَّوََّابُ} [104]، {لِيَتُوبُوا إِنَّ اللََّهَ هُوَ التَّوََّابُ} [118]، {زََادَتْهُ هََذِهِ إِيمََاناً}
[124].
ومنها ستة ستة فى ثلاث سور:
ففي البقرة: {فِيهِ هُدىً} [2]، {فَتََابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوََّابُ} [37]، {فَتََابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوََّابُ} [54]، {هُدَى اللََّهِ هُوَ الْهُدى ََ} [120]، {وَلََا تَتَّخِذُوا آيََاتِ اللََّهِ هُزُواً} [231]، {جََاوَزَهُ هُوَ} [249].
وفى العقود {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} [المائدة: 17]، {الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً} [46]، {فَإِنَّ حِزْبَ اللََّهِ هُمُ الْغََالِبُونَ} [56]، {قََالُوا إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} [72]، {وَاللََّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [76]، {قََالَ اللََّهُ هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ} [119].(1/212)
ففي البقرة: {فِيهِ هُدىً} [2]، {فَتََابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوََّابُ} [37]، {فَتََابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوََّابُ} [54]، {هُدَى اللََّهِ هُوَ الْهُدى ََ} [120]، {وَلََا تَتَّخِذُوا آيََاتِ اللََّهِ هُزُواً} [231]، {جََاوَزَهُ هُوَ} [249].
وفى العقود {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} [المائدة: 17]، {الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً} [46]، {فَإِنَّ حِزْبَ اللََّهِ هُمُ الْغََالِبُونَ} [56]، {قََالُوا إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} [72]، {وَاللََّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [76]، {قََالَ اللََّهُ هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ} [119].
وفى الحج {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ََ} [6]، {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مََا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبََاطِلُ وَأَنَّ اللََّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} [62]، {حَقَّ جِهََادِهِ هُوَ اجْتَبََاكُمْ} [78]، {وَاعْتَصِمُوا بِاللََّهِ هُوَ مَوْلََاكُمْ} [78].
وإنما جاز حذف صلة الضمير هنا لأنها زائدة لا تثبت في الوقف، وبهذا القيد الأخير فارقت ألف «أنا»، ولأنها معتلة لا تقبل الحركة في الوصل، وتحذف لالتقاء الساكنين، وبهذه القيود الثلاثة فارقت التنوين مع أن التنوين، جاء لمعنى وهو الفرق بين المنصرف وغيره في الأمر العام فكان أقوى من صلة الهاء، وإنما جيء بصلة الهاء تقوية لحركتها فلا حاجة إليها في الإدغام والله تبارك وتعالى أعلم.
مطلب إدغام الياء في الياء
قال الحافظ رحمه الله:
{أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} [البقرة: 254]، و {مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} [هود: 66].
اعلم أنه يدغم الياء فى مثلها سواء سكن ما قبلها أو تحرك كالمثالين اللذين ذكرهما الحافظ هنا، وجملته فى القرآن ثمانية مواضع:
منها: {أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} فى البقرة [254] وسورة إبراهيم عليه السلام [31] والروم [43] والشورى [47] {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} فى سورة هود عليه السلام [66]، {وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ} فى النحل [90]، و {نُودِيَ يََا مُوسى ََ} فى طه [11]، و {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ} فى الحاقة [16].
فأما قوله تعالى {وَاللََّائِي يَئِسْنَ} فى الطلاق [4] فسيأتى فيه بعد بحول الله تعالى عز وجل.
[مطلب إدغام الحاء فى الحاء]
قال الحافظ رحمه الله: {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [الكهف: 60].
اعلم أنه ليس فى القرآن من هذا إلا موضعان: أحدهما فى البقرة:
{عُقْدَةَ النِّكََاحِ حَتََّى يَبْلُغَ} [235]، والثانى فى الكهف {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [60].(1/213)
{عُقْدَةَ النِّكََاحِ حَتََّى يَبْلُغَ} [235]، والثانى فى الكهف {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [60].
مطلب إدغام العين فى العين
قال الحافظ رحمه الله: «ويشفع عّنده» [البقرة: 255].
اعلم أن جملته فى القرآن ثمانية عشر موضعا منها فى البقرة: {يَشْفَعُ عِنْدَهُ}
[255]، وفى آل عمران {لََا أُضِيعُ عَمَلَ عََامِلٍ} [195]، وفى المائدة {تَطَّلِعُ عَلى ََ خََائِنَةٍ} [13]، وفى الأعراف {يَنْزِعُ عَنْهُمََا} [27]، و {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} [71]، و {نَطْبَعُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [100]، و {لَمََّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ} [134].
وفى التوبة {وَطُبِعَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [87].
وفى سورة يونس عليه السلام {نَطْبَعُ عَلى ََ} [74].
وفى الكهف {تَطْلُعُ عَلى ََ قَوْمٍ} [90].
وفى طه {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} [39].
وفى الحج {يُدََافِعُ عَنِ} [38]، {أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} [65].
وفى سبأ {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [23].
وفى المنافقين {فَطُبِعَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [3].
وفى القيامة {نَجْمَعَ عِظََامَهُ} [3].
وفى الهمزة {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [7].
مطلب إدغام اللام في اللام
قال الحافظ رحمه الله: «و {إِذََا قِيلَ لَهُمْ} [المنافقون: 5]».
اعلم أن اللام يدغمها فى مثلها على كل حال، وجملته فى القرآن مائتا حرف وخمسة عشر حرفا سوى المختلف فيه، وهو:
{يَخْلُ لَكُمْ} في يوسف عليه السلام [9]، و {آلَ لُوطٍ} في موضعين من الحجر [59، 61]، وثالث فى النمل [56]، ورابع فى القمر [34] وسيأتى الكلام فيها.
فمن المتفق عليه حرف حرف في سبع عشرة سورة: ففي سورة إبراهيم عليه السلام {الْأَمْثََالَ لِلنََّاسِ} [25]. وفى الحجر {قََالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ} [33].
وفى الروم {لََا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللََّهِ} [30].
وفى فاطر {فَلََا مُرْسِلَ لَهُ} [2].
وفى الأحقاف {وَالَّذِي قََالَ لِوََالِدَيْهِ} [17].(1/214)
وفى فاطر {فَلََا مُرْسِلَ لَهُ} [2].
وفى الأحقاف {وَالَّذِي قََالَ لِوََالِدَيْهِ} [17].
وفى القتال {سَوَّلَ لَهُمْ} [25].
وفى الذاريات {إِذْ قِيلَ لَهُمْ} [43].
وفى المجادلة {إِذََا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} [11].
وفى الحشر {إِذْ قََالَ لِلْإِنْسََانِ} [16].
وفى الجمعة {مِنْ قَبْلُ لَفِي} [2].
وفى المنافقين {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ} [5].
وفى الحاقة {الْأَقََاوِيلِ لَأَخَذْنََا} [4544].
وفى سورة نوح عليه السلام {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} [19].
وفى «قل أوحى» {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ} [25].
وفى المرسلات {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا} [48].
وفى النبأ {اللَّيْلَ لِبََاساً} [10].
وفى الشمس {فَقََالَ لَهُمْ} [13].
ومنها حرفان حرفان فى اثنتى عشرة سورة:
ففي الأنفال {قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ} [1]، و {قََالَ لََا غََالِبَ لَكُمُ} [48].
وفى التوبة {إِذََا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا} [38]، و {إِذْ يَقُولُ لِصََاحِبِهِ} [40].
وفى الرعد {الْمِحََالِ لَهُ} [1413]، و {الْأَمْثََالَ لِلَّذِينَ} [1817].
وفى العنكبوت {وَإِبْرََاهِيمَ إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [16]، {وَلُوطاً إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [28].
وفى لقمان {وَإِذْ قََالَ لُقْمََانُ} [13]، {قِيلَ لَهُمُ} [21].
وفى السجدة {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} [9]، {وَقِيلَ لَهُمْ} [20].
وفى الأحزاب {مِنْ قَبْلُ لََا يُوَلُّونَ} [15]، {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي} [37].
وفى ص {قََالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ} [24]، {أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ} [8584].
وفى الشورى {جَعَلَ لَكُمْ} [11]، {الْفَصْلِ لَقُضِيَ} [21].
وفى الفتح {سَيَقُولُ لَكَ} [11]، {فَعَجَّلَ لَكُمْ هََذِهِ} [20].
وفى الحجرات {يَأْكُلَ لَحْمَ} [12]، {وَقَبََائِلَ لِتَعََارَفُوا} [13].
وفى الملك {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} [15]، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} [23].(1/215)
وفى الحجرات {يَأْكُلَ لَحْمَ} [12]، {وَقَبََائِلَ لِتَعََارَفُوا} [13].
وفى الملك {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} [15]، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} [23].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى ثمانى سور:
ففي الإسراء: {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا} [99]، {فَقََالَ لَهُ فِرْعَوْنُ} [101]، {قََالَ لَقَدْ عَلِمْتَ} [102].
وفى سورة الأنبياء عليهم السلام {إِذْ قََالَ لِأَبِيهِ} [52]، {قََالَ لَقَدْ كُنْتُمْ} [54]، {يُقََالُ لَهُ إِبْرََاهِيمُ} [60].
وفى النور {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا} [28]، {الْأَمْثََالَ لِلنََّاسِ} [35]، {الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ} [33].
وفى سبأ {وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدََاداً}، {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلََائِكَةِ} [40]، {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ}
[42].
وفى الصافات {إِذََا قِيلَ لَهُمْ} [35]، {إِذْ قََالَ لِأَبِيهِ} [85]، {إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ}
[124].
وفى فصلت {فَقََالَ لَهََا} [11]، {مََا يُقََالُ لَكَ} [43]، {قِيلَ لِلرُّسُلِ} [43].
وفى الزخرف {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} [10]، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهََا} [10]، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ} [12].
وفى ق {قََالَ لََا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [28]، {الْقَوْلُ لَدَيَّ} [29]، {نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} [30].
ومنها أربعة أربعة فى أربع سور:
ففي العقود: {قََالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: 27]، {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ لََا يَحْزُنْكَ}
[41]، {وَضَلُّوا عَنْ سَوََاءِ السَّبِيلِ لُعِنَ} [7877]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا}
[104].
وفي سورة هود عليه السلام {وَلََا أَقُولُ لَكُمْ} [31]، {وَلََا أَقُولُ لِلَّذِينَ}
[31]، {قََالَ لََا عََاصِمَ} [43]، {قََالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [80].
وفى الفرقان {جَعَلَ لَكَ خَيْراً} [10]، {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبََاساً} [47]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا} [60].
وفى يس {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا} [45]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا} [47]، {جَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ} [80]، {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} [82].(1/216)
وفى يس {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا} [45]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا} [47]، {جَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ} [80]، {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} [82].
ومنها خمسة خمسة فى سورتين:
ففي الأعراف: {قََالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} [38]، {وَلُوطاً إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [80]، {قََالَ لَنْ تَرََانِي} [143]، {قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا} [161]، {غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [162].
وفى كهيعص {فَتَمَثَّلَ لَهََا} [17]، {يَقُولُ لَهُ كُنْ} [35]، {إِذْ قََالَ لِأَبِيهِ}
[42]، {وَقََالَ لَأُوتَيَنَّ} [77]، {سَيَجْعَلُ لَهُمُ} [96].
ومنها ستة [ستة] فى خمس سور:
ففي النساء: {الرَّسُولَ لَوْ تُسَوََّى} [42]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا} [61]، {الرَّسُولُ لَوَجَدُوا} [64]، {قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا} [77]، {الْقِتََالَ لَوْلََا أَخَّرْتَنََا} [77]، {وَقََالَ لَأَتَّخِذَنَّ} [118].
وفى سورة يوسف عليه السلام {قََالَ لََا يَأْتِيكُمََا} [37]، {وَقََالَ لِلَّذِي} [42]، {فَلََا كَيْلَ لَكُمْ} [60]، {وَقََالَ لِفِتْيََانِهِ} [62]، {قََالَ لَنْ أُرْسِلَهُ} [66]، {قََالَ لََا تَثْرِيبَ} [92].
وفى طه {فَقََالَ لِأَهْلِهِ} [10]، {قََالَ لََا تَخََافََا} [46]، {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً} [53]، {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ} [61]، {وَلَقَدْ قََالَ لَهُمْ هََارُونُ} [90]، {أَنْ تَقُولَ لََا مِسََاسَ} [97].
وفى النمل {لََا قِبَلَ لَهُمْ} [37]، {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي} [44]، {إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ}
[54]، {وَأَنْزَلَ لَكُمْ} [60]، {وَجَعَلَ لَهََا رَوََاسِيَ} [61]، {اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ}
[86].
وفى الزمر {وَأَنْزَلَ لَكُمْ} [6]، {وَجَعَلَ لِلََّهِ} [8]، {وَقِيلَ لِلظََّالِمِينَ} [24]، {أَوْ تَقُولَ لَوْ} [57]، {وَقََالَ لَهُمْ خَزَنَتُهََا أَلَمْ يَأْتِكُمْ} [71]، {وَقََالَ لَهُمْ خَزَنَتُهََا سَلََامٌ عَلَيْكُمْ} [73].
ومنها سبعة فى القصص، وهى: {قََالَ لَهُ مُوسى ََ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ} [18]، {قََالَ لََا تَخَفْ} [25]، {قََالَ لِأَهْلِهِ}، {وَنَجْعَلُ لَكُمََا} [35]، {الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ} [51]، {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ} [73]، {إِذْ قََالَ لَهُ قَوْمُهُ} [76].
ومنها ثمانية فى سورة يونس عليه السلام، وهى: {مَنََازِلَ لِتَعْلَمُوا} [5]، {ثُمَّ}
{نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا} [28]، {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [52]، {لََا تَبْدِيلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ} [64]، {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [71]، {إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [71]، {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ} [80].(1/217)
ومنها ثمانية فى سورة يونس عليه السلام، وهى: {مَنََازِلَ لِتَعْلَمُوا} [5]، {ثُمَّ}
{نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا} [28]، {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [52]، {لََا تَبْدِيلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ} [64]، {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [71]، {إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [71]، {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ} [80].
ومنها تسعة تسعة فى سورتين:
ففي آل عمران: {فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ} [47]، {ثُمَّ قََالَ لَهُ كُنْ} [59]، {ثُمَّ يَقُولَ لِلنََّاسِ} [79]، {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [124]، {وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ}
[132]، {مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلََالٍ} [164]، {وَقِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا} [167]، {قََالَ لَهُمُ النََّاسُ} [173]، {أَلََّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا} [176].
وفى الأنعام {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا} [22]، {لََا مُبَدِّلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ} [34]، {لََا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي} [50]، {وَلََا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [50]، {قََالَ لََا أُحِبُّ}
[76]، {قََالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي} [77]، {جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} [97]، {لََا مُبَدِّلَ لِكَلِمََاتِهِ} [115]، {فَصَّلَ لَكُمْ} [119].
ومنها عشرة فى غافر، وهى:
{ذِي الطَّوْلِ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [3]، {بِالْبََاطِلِ لِيُدْحِضُوا} [5]، {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ}
[13]، {مََا أَقُولُ لَكُمْ} [44]، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [61]، {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} [64]، {يَقُولُ لَهُ كُنْ} [68]، {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ} [73]، {جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعََامَ} [79].
ومنها أحد عشر فى النحل، وهى:
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ مََا ذََا أَنْزَلَ} [24]، {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} [30]، {أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ} [40]، {وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [72]، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ}
[72]، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} [78]، {وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ} [80]، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعََامِ} [80]، {وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمََّا خَلَقَ} [81]، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبََالِ} [81]، {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرََابِيلَ} [81].
ومنها اثنا عشر فى سورتين:
ففي الكهف: {لََا مُبَدِّلَ لِكَلِمََاتِهِ} [27]، {فَقََالَ لِصََاحِبِهِ} [34]، {قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ} [37]، {نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} [48]، {بِالْبََاطِلِ لِيُدْحِضُوا} [56]، {لَعَجَّلَ لَهُمُ} [58]، {قََالَ لِفَتََاهُ} [62]، {قََالَ لَهُ مُوسى ََ} [66]، {قََالَ لََا تُؤََاخِذْنِي}
[73]، {قََالَ لَوْ شِئْتَ} [77]، {وَسَنَقُولُ لَهُ} [88]، {نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} [94].(1/218)
ففي الكهف: {لََا مُبَدِّلَ لِكَلِمََاتِهِ} [27]، {فَقََالَ لِصََاحِبِهِ} [34]، {قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ} [37]، {نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} [48]، {بِالْبََاطِلِ لِيُدْحِضُوا} [56]، {لَعَجَّلَ لَهُمُ} [58]، {قََالَ لِفَتََاهُ} [62]، {قََالَ لَهُ مُوسى ََ} [66]، {قََالَ لََا تُؤََاخِذْنِي}
[73]، {قََالَ لَوْ شِئْتَ} [77]، {وَسَنَقُولُ لَهُ} [88]، {نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} [94].
وفى الشعراء {قََالَ لِمَنْ حَوْلَهُ} [25]، {قََالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ} [29]، {قََالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ} [34]، {وَقِيلَ لِلنََّاسِ} [39]، {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ} [43]، {إِذْ قََالَ لِأَبِيهِ}
[70]، {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مََا} [92]، {إِذْ قََالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} [106]، {إِذْ قََالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ} [124]، {إِذْ قََالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صََالِحٌ} [142]، {إِذْ قََالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [161]، {إِذْ قََالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [177].
ومنها ستة عشر فى البقرة، وهى:
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا تُفْسِدُوا} [11]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا} [13]، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} [22]، {قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [59]، {بَنِي إِسْرََائِيلَ لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} [83]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} [91]، {فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ}
[117]، {قََالَ لََا يَنََالُ} [124]، {إِذْ قََالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} [131]، {إِذْ قََالَ لِبَنِيهِ}
[133]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا} [170]، {وَإِذََا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللََّهَ} [206]، {فَقََالَ لَهُمُ اللََّهُ مُوتُوا} [243]، {وَقََالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللََّهَ قَدْ بَعَثَ} [247]، {وَقََالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} [248]، {قََالَ لَبِثْتُ يَوْماً} [259].
مطلب إدغام النون فى النون
قال الحافظ رحمه الله: «و {يَسْتَحْيُونَ نِسََاءَكُمْ} [البقرة: 49]».
اعلم أن النون يدغمها فى مثلها تحرّك ما قبلها أو سكن، وجملته في القرآن سبعون موضعا:
منها حرف حرف فى إحدى وعشرين سورة ففي العقود: {يَقُولُونَ نَخْشى ََ}
[المائدة: 52].
وفى الأنفال {الْفِئَتََانِ نَكَصَ} [48].
وفى إبراهيم عليه السلام {وَيَسْتَحْيُونَ نِسََاءَكُمْ} [6].
وفى الإسراء {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ} [31].
وفى طه {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [132].
وفى سورة الأنبياء عليهم السلام {لََا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} [43].
وفى الحج {كََانَ نَكِيرِ} [44].
وفى المؤمنين {وَبَنِينَ نُسََارِعُ} [5655].(1/219)
وفى الحج {كََانَ نَكِيرِ} [44].
وفى المؤمنين {وَبَنِينَ نُسََارِعُ} [5655].
وفى الشعراء {الْعََالَمِينَ نَزَلَ} [193192].
وفى القصص {الْمُبِينِ نَتْلُوا} [32].
وفى الم السجدة {الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا} [12].
وفى سبأ {كََانَ نَكِيرِ} [45].
وفى فاطر {كََانَ نَكِيرِ} [26].
وفى الزخرف {الرَّحْمََنِ نُقَيِّضْ} [36].
وفى ق {نَحْنُ نُحْيِي} [43].
وفى القمر {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ} [44].
وفى سورة الرحمن عز وجل {عَيْنََانِ نَضََّاخَتََانِ} [66].
وفى المجادلة {الَّذِينَ نُهُوا} [8].
وفى الصف {الْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ} [14].
وفى الملك {كََانَ نَكِيرِ} [18].
وفى الإنسان {نَحْنُ نَزَّلْنََا} [23].
ومنها حرفان حرفان فى تسع سور:
ففي آل عمران: {الْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ} [52]، {الَّذِينَ نََافَقُوا} [167].
وفى الأنعام {الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي} [143]، {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ} [151].
وفى سورة يوسف عليه السلام {تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ} [32].
وفى النحل {لِمََا لََا يَعْلَمُونَ نَصِيباً} [56]، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللََّهِ} [83].
وفى النور {لََا يَجِدُونَ نِكََاحاً} [33]، {لََا يَرْجُونَ نِكََاحاً} [60].
وفى الفرقان {لِلْعََالَمِينَ نَذِيراً} [1]، {لََا يَرْجُونَ نُشُوراً} [40].
وفى يس {نَحْنُ نُحْيِ} [12]، {لََا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} [75].
وفى ص {وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [23]، {سُلَيْمََانَ نِعْمَ الْعَبْدُ} [30].
وفى الحشر {الَّذِينَ نََافَقُوا} [11]، {كَالَّذِينَ نَسُوا اللََّهَ} [19].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى ست سور:
ففي البقرة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} [30]، {وَيَسْتَحْيُونَ نِسََاءَكُمْ} [49].
{الْمُتَطَهِّرِينَ نِسََاؤُكُمْ} [223222]، وفى الحجر {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا} [9]،
{لَنَحْنُ نُحْيِي} [23]، {بِمُخْرَجِينَ نَبِّئْ} [4948].(1/220)
{الْمُتَطَهِّرِينَ نِسََاؤُكُمْ} [223222]، وفى الحجر {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا} [9]،
{لَنَحْنُ نُحْيِي} [23]، {بِمُخْرَجِينَ نَبِّئْ} [4948].
وفى الكهف {نَحْنُ نَقُصُّ} [13]، {لِلظََّالِمِينَ نََاراً} [29]، {لِلْكََافِرِينَ نُزُلًا}
[102].
وفى «كهيعص» {نَحْنُ نَرِثُ} [40]، {هََارُونَ نَبِيًّا} [53]، {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}
[73].
وفى «فصلت» {تُوعَدُونَ نَحْنُ} [3130]، {تَدَّعُونَ نُزُلًا} [3231]، {مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ} [36].
وفى الواقعة {يَوْمَ الدِّينِ نَحْنُ خَلَقْنََاكُمْ} [5756]، {الْخََالِقُونَ نَحْنُ} [59 60]، {الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ} [7372].
ومنها أربعة فى التوبة، وهى:
{الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [28]، {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ} [52]، {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [101]، {يُنْفِقُونَ نَفَقَةً} [121].
ومنها خمسة خمسة فى سورتين:
ففي النساء {تَخََافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [34]، {الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ} [115]، {وَلََا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [124]، {لِلْكََافِرِينَ نَصِيبٌ} [141]، {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ} [150].
وفى الأعراف {الَّذِينَ نَسُوهُ} [53]، {أَنْ نَكُونَ نَحْنُ} [115]، {وَيَسْتَحْيُونَ نِسََاءَكُمْ} [141]، {لََا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} [197]، {مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ} [200].
إدغام الكاف فى الكاف
قال الحافظ رحمه الله: «و {نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه: 33]».
اعلم أن الكاف يدغمها فى مثلها سواء تحرك ما قبلها أو سكن، وجملته فى القرآن ستة وثلاثون موضعا:
منها حرف حرف فى تسع سور:
ففي آل عمران {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً} [41]، وفى يونس عليه السلام {كَذََلِكَ كَذَّبَ} [39]، وفى النحل {أَمْرُ رَبِّكَ كَذََلِكَ} [33]، وفى الحج {عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ} [47]، وفى العنكبوت {إِلَّا امْرَأَتَكَ كََانَتْ} [33]، وفى الروم (كذلك كّان) [55]، وفى المجادلة {أُولََئِكَ كَتَبَ} [22]، وفى «قل أوحى» {ذََلِكَ كُنََّا}
[11]، وفى الانفطار {رَكَّبَكَ كَلََّا} [98].(1/221)
ففي آل عمران {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً} [41]، وفى يونس عليه السلام {كَذََلِكَ كَذَّبَ} [39]، وفى النحل {أَمْرُ رَبِّكَ كَذََلِكَ} [33]، وفى الحج {عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ} [47]، وفى العنكبوت {إِلَّا امْرَأَتَكَ كََانَتْ} [33]، وفى الروم (كذلك كّان) [55]، وفى المجادلة {أُولََئِكَ كَتَبَ} [22]، وفى «قل أوحى» {ذََلِكَ كُنََّا}
[11]، وفى الانفطار {رَكَّبَكَ كَلََّا} [98].
ومنها حرفان حرفان فى خمس سور:
ففي النساء {كَذََلِكَ كُنْتُمْ} [94]، {أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ كَمََا} [163].
وفى الأنعام {عَلَيْكَ كِتََاباً} [7]، {كَذََلِكَ كَذَّبَ} [148].
وفى الأعراف {أُولََئِكَ كَالْأَنْعََامِ} [179]، {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ} [187].
وفى الفرقان {بَيْنَ ذََلِكَ كَثِيراً} [38]، {إِلى ََ رَبِّكَ كَيْفَ} [45].
وفى الانشقاق {إِنَّكَ كََادِحٌ إِلى ََ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلََاقِيهِ} [6].
ومنها ثلاثة فى المائدة وهى: {مِنْ أَجْلِ ذََلِكَ كَتَبْنََا} [32]، {ذََلِكَ كَفََّارَةُ أَيْمََانِكُمْ} [89]، {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ} [100].
ومنها أربعة أربعة فى سورتين:
ففي سورة يوسف عليه السلام {لَكَ كَيْداً} [5]، {إِنَّكِ كُنْتِ} [29]، {ذََلِكَ كَيْلٌ} [65]، {كَذََلِكَ كِدْنََا} [76].
وفى طه {نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ} [3533]، وفى طه {أُمِّكَ كَيْ} [40].
ومنها خمسة فى الإسراء، وهى:
{اقْرَأْ كِتََابَكَ كَفى ََ} [14]، {فَأُولََئِكَ كََانَ} [19]، {كُلُّ ذََلِكَ كََانَ} [38]، {إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ كََانَ} [57]، {إِنَّ فَضْلَهُ كََانَ عَلَيْكَ كَبِيراً} [87].
فهذه خمسة وثلاثون موضعا، والموضع السادس والثلاثون فى غافر فى قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً} [28].
وفيه خلاف لأنه من المعتل، وسيأتى الكلام فيه وفى قوله تعالى: {فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23] بحول الله عز وجل.
إدغام السين فى السين
قال الحافظ رحمه الله: «و {النََّاسَ سُكََارى ََ} [الحج: 2]».
اعلم أن السين يدغمها فى مثلها، وجملتها فى القرآن ثلاثة مواضع:
ففي الحج {النََّاسَ سُكََارى ََ} [2]، {لِلنََّاسِ سَوََاءً} [25].
وفى سورة نوح عليه السلام {الشَّمْسَ سِرََاجاً} [16].(1/222)
وفى سورة نوح عليه السلام {الشَّمْسَ سِرََاجاً} [16].
إدغام التاء في التاء
قال الحافظ رحمه الله: «و {الشَّوْكَةِ تَكُونُ} [الأنفال: 7]».
اعلم أن التاء يدغمها في مثلها كيفما كانت حركتها سواء سكن ما قبلها أو تحرك، وسواء كانت متصلة بالاسم للتأنيث وتبدل فى الوقف هاء أو لم تكن كذلك، ما لم تكن ضمير المتكلم أو المخاطب متصلا كان الضمير أو منفصلا، على ما نبين الضمير بعد بحول الله تعالى وجملة ما ورد فى القرآن من التاءات المذكورة أربعة عشر موضعا:
منها فى المائدة {الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمََا} [106]، وفى الأنعام {الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ}
[61]، وفى الأنفال {الشَّوْكَةِ تَكُونُ} [7].
وفى يوسف عليه السلام {وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي} [101]، وفى «كهيعص» {النَّخْلَةِ تُسََاقِطْ} [25]، وفى المؤمنين {يَوْمَ الْقِيََامَةِ تُبْعَثُونَ} [16]، وفى الفرقان {الْمَلََائِكَةُ تَنْزِيلًا} [25]، وفى النمل {الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ} [48]، وفى العنكبوت {إِنَّ الصَّلََاةَ تَنْهى ََ} [45]، وفى الأحزاب {السََّاعَةَ تَكُونُ} [63]، وفى الزمر {وَيَوْمَ الْقِيََامَةِ تَرَى} [60]، وفى النجم {الْمَلََائِكَةَ تَسْمِيَةَ} [27]، وفى النازعات {الرََّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرََّادِفَةُ} [76].
إدغام الراء فى الراء
قال الحافظ رحمه الله تعالى: و «{شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي} [البقرة: 185]».
اعلم أن الراء يدغمها فى مثلها تحرك ما قبلها أو سكن، وجملته فى القرآن خمسة وثلاثون موضعا:
منها حرف حرف فى ثمانى عشرة سورة: ففي البقرة {شَهْرُ رَمَضََانَ} [185]، وفى المائدة {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [89]، وفى النحل {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [33]، وفى الإسراء {أَمْرِ رَبِّي} [85]، وفى الكهف {أَمْرِ رَبِّهِ} [50]، وفى سورة الأنبياء عليهم السلام: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ} [42]، وفى الروم {إِلى ََ آثََارِ رَحْمَتِ اللََّهِ}
[50]، وفى الزمر {بِنُورِ رَبِّهََا} [69]، وفى غافر {لَنَنْصُرُ رُسُلَنََا} [51]، وفى الشورى {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [28]، وفى الدخان {الْبَحْرَ رَهْواً} [24]، وفى الأحقاف {بِأَمْرِ رَبِّهََا} [25]، وفى الفتح {أَشِدََّاءُ عَلَى الْكُفََّارِ رُحَمََاءُ بَيْنَهُمْ} [29]، وفى
الذاريات {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [44]، وفى المجادلة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [3]، وفى الممتحنة {الْمَصِيرُ رَبَّنََا} [54]، وفى الطلاق {عَنْ أَمْرِ رَبِّهََا} [8]، وفى «قل أوحى» {عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} [17] ومنها حرفان حرفان فى أربع سور:(1/223)
منها حرف حرف فى ثمانى عشرة سورة: ففي البقرة {شَهْرُ رَمَضََانَ} [185]، وفى المائدة {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [89]، وفى النحل {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [33]، وفى الإسراء {أَمْرِ رَبِّي} [85]، وفى الكهف {أَمْرِ رَبِّهِ} [50]، وفى سورة الأنبياء عليهم السلام: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ} [42]، وفى الروم {إِلى ََ آثََارِ رَحْمَتِ اللََّهِ}
[50]، وفى الزمر {بِنُورِ رَبِّهََا} [69]، وفى غافر {لَنَنْصُرُ رُسُلَنََا} [51]، وفى الشورى {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [28]، وفى الدخان {الْبَحْرَ رَهْواً} [24]، وفى الأحقاف {بِأَمْرِ رَبِّهََا} [25]، وفى الفتح {أَشِدََّاءُ عَلَى الْكُفََّارِ رُحَمََاءُ بَيْنَهُمْ} [29]، وفى
الذاريات {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [44]، وفى المجادلة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [3]، وفى الممتحنة {الْمَصِيرُ رَبَّنََا} [54]، وفى الطلاق {عَنْ أَمْرِ رَبِّهََا} [8]، وفى «قل أوحى» {عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} [17] ومنها حرفان حرفان فى أربع سور:
ففي آل عمران {فَقِنََا عَذََابَ النََّارِ رَبَّنََا} [192191]، {مَعَ الْأَبْرََارِ رَبَّنََا}
[194193].
وفى سورة هود عليه السلام {قَدْ جََاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [76]، {لَمََّا جََاءَ أَمْرُ رَبِّكَ}
[101].
وفى سورة يوسف عليه السلام {وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ} [4]، {ذِكْرَ رَبِّهِ} [42].
وفى «كهيعص» {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} [2]، {إِلََّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [64].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى ثلاث سور:
ففي النساء {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [92]، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [92]، {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}
[92].
وفى الأعراف {قُلْ أَمَرَ رَبِّي} [29]، {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [77]، {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [150].
وفى ص {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} [24]، {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [32]، {الْقَهََّارُ رَبُّ السَّمََاوََاتِ} [6665].
إدغام الفاء فى الفاء
قال الحافظ رحمه الله: «و {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [البقرة: 213]».
اعلم أن الفاء يدغمها فى مثلها، وجملته فى القرآن ثلاثة وعشرون موضعا:
منها حرف حرف فى أربع عشرة سورة:
ففي البقرة {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [213]، وفى سورة يونس عليه السلام {خَلََائِفَ فِي الْأَرْضِ} [14]، وفى سورة هود عليه السلام {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [110]، وفى سورة إبراهيم عليه السلام {كَيْفَ فَعَلْنََا بِهِمْ} [45]، وفى الإسراء {كَيْفَ فَضَّلْنََا}
[21]، وفى الكهف {إِلَى الْكَهْفِ فَقََالُوا} [10]، وفى الأحزاب {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ} [26]، وفى فاطر {خَلََائِفَ فِي الْأَرْضِ} [39]، وفى «فصلت» {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [45]، وفى الحشر {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ} [2]، وفى المطففين {تَعْرِفُ فِي
وُجُوهِهِمْ} [24]، وفى الفجر {كَيْفَ فَعَلَ} [6]، وفى الفيل {كَيْفَ فَعَلَ} [1]، وفى قريش {وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا} [32].(1/224)
ففي البقرة {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [213]، وفى سورة يونس عليه السلام {خَلََائِفَ فِي الْأَرْضِ} [14]، وفى سورة هود عليه السلام {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [110]، وفى سورة إبراهيم عليه السلام {كَيْفَ فَعَلْنََا بِهِمْ} [45]، وفى الإسراء {كَيْفَ فَضَّلْنََا}
[21]، وفى الكهف {إِلَى الْكَهْفِ فَقََالُوا} [10]، وفى الأحزاب {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ} [26]، وفى فاطر {خَلََائِفَ فِي الْأَرْضِ} [39]، وفى «فصلت» {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [45]، وفى الحشر {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ} [2]، وفى المطففين {تَعْرِفُ فِي
وُجُوهِهِمْ} [24]، وفى الفجر {كَيْفَ فَعَلَ} [6]، وفى الفيل {كَيْفَ فَعَلَ} [1]، وفى قريش {وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا} [32].
ومنها حرفان حرفان فى سورتين:
ففي النساء {بِالْمَعْرُوفِ فَإِذََا} [6]، {بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ} [19].
وفى الحج {الْعََاكِفُ فِيهِ} [25]، {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ} [72].
ومنها خمسة فى سورة يوسف عليه السلام {لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ}
[21]، {لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهََا} [56]، {إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ}
[58]، {يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} [77]، {فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [80].
إدغام الميم فى الميم
قال الحافظ رحمه الله: «و {يَعْلَمُ مََا} [البقرة: 77]».
اعلم أن الميم يدغمها فى مثلها مطلقا، وجملتها فى القرآن مائة وتسعة وثلاثون موضعا:
منها حرف حرف فى إحدى وعشرين سورة ففي أم القرآن {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ مََالِكِ}
[43]، وفى الأنفال {الْيَوْمَ مِنَ النََّاسِ} [48]، وفى يونس عليه السلام {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ} [17]، وفى إبراهيم عليه السلام {تَعْلَمُ مََا نُخْفِي} [38].
وفى الروم {الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ} [43]، وفى لقمان {وَيَعْلَمُ مََا فِي الْأَرْحََامِ} [34]، وفى الأحزاب {يَعْلَمُ مََا فِي قُلُوبِكُمْ} [51]، وفى فاطر {وَالْأَنْعََامِ مُخْتَلِفٌ} [28]، وفى الصافات {الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [26]، وفى «ص» {جَهَنَّمَ مِنْكَ} [85]، وفى غافر {وَيََا قَوْمِ مََا لِي} [41]، وفى الشورى {وَيَعْلَمُ مََا تَفْعَلُونَ} [25]، وفى الجاثية {وَإِذََا عَلِمَ مِنْ آيََاتِنََا} [9]، وفى الحجرات {يَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [16]، وفى «ق» {وَنَعْلَمُ مََا تُوَسْوِسُ} [16]، وفى الذاريات {الْعَقِيمَ مََا تَذَرُ} [4241]، وفى المجادلة {يَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [7]، وفى الصف {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ}
[7]، وفى الجمعة {الْعَظِيمِ مَثَلُ} [54]، وفى التحريم {لِمَ تُحَرِّمُ مََا} [1]، وفى الملك {أَلََا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [14].
ومنها حرفان حرفان فى ثلاث عشرة سورة:
ففي آل عمران {وَيَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [29]، {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ}
[83].
وفى النساء {لََا يَظْلِمُ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} [40]، {الرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} [162].(1/225)
ففي آل عمران {وَيَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [29]، {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ}
[83].
وفى النساء {لََا يَظْلِمُ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} [40]، {الرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} [162].
وفى الإسراء {فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً} [39]، {الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} [107].
وفى الكهف {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [15]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ} [57].
وفى سورة الأنبياء عليهم السلام {يَعْلَمُ مََا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [28]، {وَيَعْلَمُ مََا تَكْتُمُونَ} [110].
وفى «الم» السجدة {جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنََّاسِ} [13]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ}
[22].
وفى سبأ {يَعْلَمُ مََا يَلِجُ} [2]، {إِلََّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ} [21].
وفى يس {أَنُطْعِمُ مَنْ} [47]، {نَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} [76].
وفى الزخرف {وَالْأَنْعََامِ مََا تَرْكَبُونَ} [12]، {ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} [57].
وفى الأحقاف {الْحَكِيمِ مََا خَلَقْنَا} [32]، {الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [35].
وفى القتال {أُوتُوا الْعِلْمَ مََا ذََا قََالَ} [محمد: 16]، {يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} [19].
وفى الحديد {يَعْلَمُ مََا يَلِجُ} [4]، {الْعَظِيمِ مََا أَصََابَ} [2221].
وفى التغابن {يَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [4]، {وَيَعْلَمُ مََا تُسِرُّونَ} [4].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى ثمانى سور:
ففي سورة يوسف عليه السلام {دَرََاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [20]، {وَأَعْلَمُ مِنَ اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [86]، {إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [96].
وفى الرعد {اللََّهُ يَعْلَمُ مََا تَحْمِلُ} [8]، {مِنَ الْعِلْمِ مََا لَكَ} [37]، {يَعْلَمُ مََا تَكْسِبُ} [42].
وفى «كهيعص» {الْعَظْمُ مِنِّي} [4]، {نُكَلِّمُ مَنْ كََانَ} [29]، {مِنَ الْعِلْمِ مََا لَمْ}
[43].
وفى طه {الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى ََ} [64]، {يَعْلَمُ مََا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [110]، {إِلى ََ آدَمَ مِنْ قَبْلُ} [115].
وفى النور {يَعْلَمُ مََا تُبْدُونَ} [29]، {لِيُعْلَمَ مََا يُخْفِينَ} [31]، {الْحُلُمَ مِنْكُمْ}
[58].
وفى القصص {يَعْلَمُ مََا تُكِنُّ} [69]، {مِنْ قَوْمِ مُوسى ََ} [76]، {أَعْلَمُ مَنْ جََاءَ} [85].
وفى الزمر {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ} [32]، {فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [60].(1/226)
وفى القصص {يَعْلَمُ مََا تُكِنُّ} [69]، {مِنْ قَوْمِ مُوسى ََ} [76]، {أَعْلَمُ مَنْ جََاءَ} [85].
وفى الزمر {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ} [32]، {فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [60].
وفى الفتح {مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [2]، {فَعَلِمَ مََا فِي} [18]، {فَعَلِمَ مََا لَمْ تَعْلَمُوا} [27].
ومنها خمسة خمسة فى سورتين:
ففي الحج {فِي الْأَرْحََامِ مََا نَشََاءُ} [5]، {يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ} [5]، {لِإِبْرََاهِيمَ مَكََانَ الْبَيْتِ} [26]، {يَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاءِ} [70]، {يَعْلَمُ مََا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [76].
وفى النمل {وَيَعْلَمُ مََا تُخْفُونَ} [25]، {أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقََامِكَ} [39]، {الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهََا} [42]، {قُلْ لََا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ} [65]، {لَيَعْلَمُ مََا تُكِنُّ} [74].
ومنها ستة ستة فى سورتين:
ففي النحل {وَالنُّجُومُ مُسَخَّرََاتٌ} [12]، {وَاللََّهُ يَعْلَمُ مََا تُسِرُّونَ} [19]، {لََا جَرَمَ أَنَّ اللََّهَ يَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} [23]، {السَّلَمَ مََا كُنََّا} [28]، {مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ}
[59]، {يَعْلَمُ مََا تَفْعَلُونَ} [91].
وفى العنكبوت {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشََاءُ} [21]، {يَعْلَمُ مََا يَدْعُونَ} [42]، {يَعْلَمُ مََا تَصْنَعُونَ} [45]، {يَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [52]، {أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [68]، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً} [68].
ومنها سبعة فى سورة هود عليه السلام، وهى: {يَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} [5]، {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهََا} [6]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ} [18]، {وَيََا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي} [30]، {الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ} [43]، {لَتَعْلَمُ مََا نُرِيدُ} [79]، {جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ} [119].
ومنها ثمانية فى سورة المائدة، وهى: {يَحْكُمُ مََا يُرِيدُ} [1]، {الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ}
[41]، {ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً} [46]، {طَعََامُ مَسََاكِينَ} [95]، {يَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} [97]، {يَعْلَمُ مََا تُبْدُونَ} [99]، {تَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِي وَلََا أَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِكَ} [116].
ومنها تسعة تسعة فى سورتين:
ففي الأنعام {وَيَعْلَمُ مََا تَكْسِبُونَ} [3]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [21]، {وَيَعْلَمُ مََا فِي الْبَرِّ} [59]، {وَيَعْلَمُ مََا جَرَحْتُمْ} [60]، {إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ}
[75]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [93]، {أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ} [117]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [144]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ} [157].
وفى الأعراف {جَهَنَّمَ مِنْكُمْ} [18]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [37]، {مِنْ جَهَنَّمَ مِهََادٌ} [41]، {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرََاتٍ} [54]، {وَأَعْلَمُ مِنَ اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ}
[62]، {تَنْقِمُ مِنََّا} [126]، {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى ََ} [148]، {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى ََ}
[159]، {آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [172].(1/227)
ففي الأنعام {وَيَعْلَمُ مََا تَكْسِبُونَ} [3]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [21]، {وَيَعْلَمُ مََا فِي الْبَرِّ} [59]، {وَيَعْلَمُ مََا جَرَحْتُمْ} [60]، {إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ}
[75]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [93]، {أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ} [117]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [144]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ} [157].
وفى الأعراف {جَهَنَّمَ مِنْكُمْ} [18]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ} [37]، {مِنْ جَهَنَّمَ مِهََادٌ} [41]، {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرََاتٍ} [54]، {وَأَعْلَمُ مِنَ اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ}
[62]، {تَنْقِمُ مِنََّا} [126]، {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى ََ} [148]، {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى ََ}
[159]، {آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [172].
ومنها ثلاثة عشر فى البقرة، وهى: {أَعْلَمُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [30]، {وَأَعْلَمُ مََا تُبْدُونَ} [33]، {آدَمُ مِنْ رَبِّهِ} [37]، {يَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} [77]، {الْعَظِيمِ مََا نَنْسَخْ} [106105]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ} [114]، {مِنَ الْعِلْمِ مََا لَكَ}
[120]، {إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى} [125]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ} [140]، {لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ} [143]، {طَعََامُ مِسْكِينٍ} [184]، {يَعْلَمُ مََا فِي أَنْفُسِكُمْ} [235]، {يَعْلَمُ مََا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [255].
إدغام الباء فى الباء
قال الحافظ رحمه الله: «[و] {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [البقرة: 20]».
اعلم أن الباء يدغمها فى مثلها، وجملته فى القرآن سبعة وخمسون موضعا: منها حرف حرف فى أربع وعشرين سورة:
ففي العقود {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [المائدة: 48]، وفى الأنفال {الْعَذََابَ بِمََا} [35]، وفى يوسف عليه السلام {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا} [56]، وفى الرعد {فَيُصِيبُ بِهََا} [13]، وفى النحل {فَوْقَ الْعَذََابِ بِمََا} [88]، وفى الإسراء {إِلََّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا} [59]، وفى الكهف {الْعَذََابَ بَلْ لَهُمْ} [58]، وفى «كهيعص» {خُذِ الْكِتََابَ بِقُوَّةٍ} [12]، وفى المؤمنين {فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ} [101]، وفى الفرقان {لِمَنْ كَذَّبَ بِالسََّاعَةِ} [11]، وفى النمل {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيََاتِنََا} [83]، وفى العنكبوت {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} [68]، وفى الروم {فَإِذََا أَصََابَ بِهِ} [48]، وفى الشورى {الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [17]، وفى الأحقاف {فَذُوقُوا الْعَذََابَ بِمََا} [34]، وفى الحجرات {بِالْأَلْقََابِ بِئْسَ الِاسْمُ} [11]، وفى سورة الرحمن عز وجل {يُكَذِّبُ بِهَا} [43]، وفى الحديد {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} [13]، وفى «ن» {وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهََذَا الْحَدِيثِ} [44]، وفى المدثر {نُكَذِّبُ بِيَوْمِ} [46]، وفى الإنسان {عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا} [6]، وفى التكوير {الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [24]، وفى «الليل إذا يغشى» {وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنى ََ} [9]، وفى الماعون {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [1].(1/228)
ففي العقود {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [المائدة: 48]، وفى الأنفال {الْعَذََابَ بِمََا} [35]، وفى يوسف عليه السلام {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا} [56]، وفى الرعد {فَيُصِيبُ بِهََا} [13]، وفى النحل {فَوْقَ الْعَذََابِ بِمََا} [88]، وفى الإسراء {إِلََّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا} [59]، وفى الكهف {الْعَذََابَ بَلْ لَهُمْ} [58]، وفى «كهيعص» {خُذِ الْكِتََابَ بِقُوَّةٍ} [12]، وفى المؤمنين {فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ} [101]، وفى الفرقان {لِمَنْ كَذَّبَ بِالسََّاعَةِ} [11]، وفى النمل {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيََاتِنََا} [83]، وفى العنكبوت {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} [68]، وفى الروم {فَإِذََا أَصََابَ بِهِ} [48]، وفى الشورى {الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [17]، وفى الأحقاف {فَذُوقُوا الْعَذََابَ بِمََا} [34]، وفى الحجرات {بِالْأَلْقََابِ بِئْسَ الِاسْمُ} [11]، وفى سورة الرحمن عز وجل {يُكَذِّبُ بِهَا} [43]، وفى الحديد {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} [13]، وفى «ن» {وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهََذَا الْحَدِيثِ} [44]، وفى المدثر {نُكَذِّبُ بِيَوْمِ} [46]، وفى الإنسان {عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا} [6]، وفى التكوير {الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [24]، وفى «الليل إذا يغشى» {وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنى ََ} [9]، وفى الماعون {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [1].
ومنها حرفان حرفان فى أربع سور:
ففي سورة يونس عليه السلام {أَوْ كَذَّبَ بِآيََاتِهِ} [17]، {يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشََاءُ}
[107].
وفى الحج {وَمَنْ عََاقَبَ بِمِثْلِ مََا عُوقِبَ بِهِ} [60].
وفى النور {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشََاءُ} [43]، وفى النور {يَذْهَبُ بِالْأَبْصََارِ} [43].
وفى المطففين {وَمََا يُكَذِّبُ بِهِ إِلََّا} [12]، {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} [28].
ومنها ثلاثة ثلاثة فى أربع سور:
ففي آل عمران {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [3]، {فَذُوقُوا الْعَذََابَ بِمََا}
[106]، {الرُّعْبَ بِمََا أَشْرَكُوا} [151].
وفى النساء {لِلْغَيْبِ بِمََا} [34]، {وَالصََّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [36]، {الْكِتََابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ} [105].
وفى الأعراف {أَوْ كَذَّبَ بِآيََاتِهِ} [37]، {فَذُوقُوا الْعَذََابَ بِمََا} [39]، {أُصِيبُ بِهِ}
[156].
وفى الزمر {الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [2]، {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} [32]، {الْعَذََابُ بَغْتَةً}
[55].
ومنها ستة فى البقرة، وهى:
{لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [20]، {الْكِتََابَ بِأَيْدِيهِمْ} [79]، {أُوتُوا الْكِتََابَ بِكُلِّ آيَةٍ}
[145]، {وَالْعَذََابَ بِالْمَغْفِرَةِ} [175]، {نَزَّلَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [176]، {الْكِتََابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ} [213].
ومنها سبعة فى الأنعام، وهى:
{أَوْ كَذَّبَ بِآيََاتِهِ} [21]، {وَلََا نُكَذِّبَ بِآيََاتِ رَبِّنََا} [27]، {فَذُوقُوا الْعَذََابَ بِمََا كُنْتُمْ} [30]، {يَمَسُّهُمُ الْعَذََابُ بِمََا كََانُوا يَفْسُقُونَ} [49]، {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} [66]، {كَذَّبَ بِآيََاتِ اللََّهِ وَصَدَفَ} [157]، {سُوءَ الْعَذََابِ بِمََا كََانُوا يَصْدِفُونَ} [157].
قال الحافظ رحمه الله: «وما كان مثله من سائر حروف المعجم حيث وقع» يريد وما كان مثل ما ذكر، فأفرد الضمير وذكّره، وإن كان راجعا لجملة الأمثلة التي
تقدمت لأنه فى معنى ما ذكر، و «سائر» معناه: باقي، من قولك: «سؤر الشراب» تريد باقيه، والباقي من حروف المعجم التي التقى منها المثلان من كلمتين فى القرآن: الغين والقاف والثاء والواو، كما تقدم.(1/229)
قال الحافظ رحمه الله: «وما كان مثله من سائر حروف المعجم حيث وقع» يريد وما كان مثل ما ذكر، فأفرد الضمير وذكّره، وإن كان راجعا لجملة الأمثلة التي
تقدمت لأنه فى معنى ما ذكر، و «سائر» معناه: باقي، من قولك: «سؤر الشراب» تريد باقيه، والباقي من حروف المعجم التي التقى منها المثلان من كلمتين فى القرآن: الغين والقاف والثاء والواو، كما تقدم.
إدغام الغين فى الغين
أما الغين فلقيت مثلها فى آل عمران خاصة من قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ} [85].
وهو من المعتل، وسيأتى بحول الله العلى العظيم.
إدغام القاف فى القاف
وأما القاف فيدغمها فى مثلها، وجملته فى القرآن خمسة مواضع:
منها فى الأعراف {وَالطَّيِّبََاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ} [32]، {فَلَمََّا أَفََاقَ قََالَ سُبْحََانَكَ}
[143]، وفى التوبة {يُنْفِقُ قُرُبََاتٍ} [99]، وفى سورة يونس عليه السلام {حَتََّى إِذََا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قََالَ} [90]، وفى «قل أوحى» {طَرََائِقَ قِدَداً} [11].
[إدغام الثاء فى الثاء]
وأما الثاء فيدغمها فى مثلها، وجملته فى القرآن ثلاثة مواضع، وهى:
{حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} فى البقرة [191] والنساء [91]، {ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ}
[المائدة: 73].
إدغام الواو فى الواو
وأما الواو فيدغمها فى مثلها، وجملته فى القرآن ثمانية عشر حرفا، وهي على ضربين:
أحدهما: أن يسكن ما قبلها فلا خلاف فى إدغامه، وذلك خمسة مواضع:
منها فى الأنعام {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [127]، وفى الأعراف {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ} [199]، وفى النحل {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ} [63]، وفى الشورى {وَهُوَ وََاقِعٌ بِهِمْ} [22]، وفى الجمعة {مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجََارَةِ} [11].
والضرب الثانى: أن يضم ما قبلها، وهو باقى العدد:
منها فى البقرة {هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [249]، وفى آل عمران {هُوَ وَالْمَلََائِكَةُ} [18]، وفى الأنعام {إِلََّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ} [17]، {إِلََّا هُوَ وَيَعْلَمُ}
[59]، {إِلََّا هُوَ وَأَعْرِضْ} [106]، وفى الأعراف {هُوَ وَقَبِيلُهُ} [27]، وفى سورة يونس عليه السلام {إِلََّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ} [107]، وفى النحل {هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ}
[76]، وفى طه {إِلََّا هُوَ وَسِعَ} [98]، وفى النمل {هُوَ وَأُوتِينَا} [42]، وفى القصص {هُوَ وَجُنُودُهُ} [39]، وفى التغابن {إِلََّا هُوَ وَعَلَى} [13]، وفى المدثر {إِلََّا هُوَ وَمََا} [31].(1/230)
منها فى البقرة {هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [249]، وفى آل عمران {هُوَ وَالْمَلََائِكَةُ} [18]، وفى الأنعام {إِلََّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ} [17]، {إِلََّا هُوَ وَيَعْلَمُ}
[59]، {إِلََّا هُوَ وَأَعْرِضْ} [106]، وفى الأعراف {هُوَ وَقَبِيلُهُ} [27]، وفى سورة يونس عليه السلام {إِلََّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ} [107]، وفى النحل {هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ}
[76]، وفى طه {إِلََّا هُوَ وَسِعَ} [98]، وفى النمل {هُوَ وَأُوتِينَا} [42]، وفى القصص {هُوَ وَجُنُودُهُ} [39]، وفى التغابن {إِلََّا هُوَ وَعَلَى} [13]، وفى المدثر {إِلََّا هُوَ وَمََا} [31].
فهذه ثلاثة عشر موضعا، وفيها خلاف يأتي بعد بحول الله تعالى.
قال الحافظ رحمه الله: «إلا قوله تبارك وتعالى فى لقمان {فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [23] فإنه لا يدغمه» وذكر الإمام فيه اختلافا عن أبى عمرو وأن الإظهار أحسن، وذكر أن الإدغام رواية أبى زيد الأنصارى (1) عنه.
وذكر الحافظ فى «التفصيل»: أن إدغامه رواية القاسم بن عبد الوارث (2) عن أبي عمرو، واعتمد الحافظ على الإظهار كما ترى هنا وعلل بكون النون ساكنة
__________
(1) الإمام العلامة، حجة العرب، أبو زيد، سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى زيد الأنصارى، البصرى، النحوى، صاحب التصانيف. ولد سنة نيف وعشرين ومائة، وحدث عن: سليمان التيمى، وعوف الأعرابى، وابن عون، ومحمد ابن عمرو ابن علقمة، ورؤبة بن العجاج، وأبى عمرو بن العلاء، وحدث عنه: خلف ابن هشام البزاز، وتلا عليه، وأبو عبيد القاسم.
قال المبرد: الأصمعى، وأبو عبيدة، وأبو زيد، أعلم الثلاثة بالنحو: أبو زيد، وكانت له حلقة بالبصرة.
مات أبو زيد سنة خمس عشرة ومائتين. وقال أبو حاتم: عاش ثلاثا وتسعين سنة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 496494)، وتاريخ خليفة (97)، والجرح والتعديل (4/ 4)، وتاريخ بغداد (9/ 77)، وإنباه الرواة 15). / 30)، ووفيات الأعيان 15). / 378)،
والعبر (1/ 367)، وميزان الاعتدال 15). / 126)، ومرآة الجنان 15). / 58)، والبداية والنهاية (10/ 269)، وطبقات القراء (1/ 305)، وتهذيب التهذيب (4/ 3)، والنجوم الزاهرة 15). / 210)، وبغية الوعاة (1/ 582)، وطبقات المفسرين (1/ 179).
(2) القاسم بن عبد الوارث، أبو نصر البغدادى، أخذ القراءة عن المبهج والجامع والكامل أبى عمر الدورى وهو من قدماء أصحابه، وجامع البيان إسماعيل بن أبى محمد اليزيدى، روى عنه القراءة محمد بن قريش الأعرابى والمبهج والكامل محمد بن أحمد ابن شنبوذ وأبو بكر بن مجاهد والمبهج محمد بن أحمد الحلبى وأحمد الحكيمى والكامل أحمد بن نصر الشذائى فيما ذكره الهذلى، وهو وهم فسقط بينهما ابن شنبوذ، والله أعلم.
ينظر: غاية النهاية (2/ 19).(1/231)
قبل الكاف، فهى تخفى عندها، وحاصل هذا التعليل أن الإدغام هنا إجحاف بالكلمة من جهة أن الحرف المدغم مدفون فيما أدغم فيه، فقد ذهب لفظه وحركته، والنون الخفيفة فى حكم الذاهب أيضا فكأنه قد ذهب من الكلمة حرفان ولهذا قال الإمام: فكأنك أدغمت حرفين وذلك رديء جدّا. ولا يعلل هذا الموضع بكون الإدغام فيه يؤدى إلى التقاء الساكنين لأنه لم يتحاش من الإدغام بعد الساكن، وإن كان الساكن صحيحا نحو {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} و {شَهْرُ رَمَضََانَ} و {مِنْ قَبْلُ لَفِي}
فإن قيل لا يصح الإدغام فى هذه الأمثلة التى ذكرت، ولا فيما أشبهها عند الحذاق من النحويين والمقرئين، وإنما هو إخفاء للحركة وهو الذى يعبر عنه بالروم (1)، وحقيقته: النطق ببعض الحركة، وهو مستعمل فى الضمة والكسرة، ولا فرق بين النطق ببعض الحركة والنطق بجملتها على التمام فى تفكيك الحروف ومنع الإدغام فيندفع بذلك التقاء الساكنين.
فالجواب: أنه قد ثبتت الرواية عنه بإدغام الحرف المفتوح وقبله حرف ساكن صحيح فى عشرة مواضع من القرآن، مع أن الفتحة لا ترام عند القراء:
منها فى آل عمران {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمََا أَشْرَكُوا} [151]،
__________
(1) رام الشيء، يرومه، روما ومراما: طلبه، ومنه روم الحركة فى الوقف على المرفوع والمجرور، قال سيبويه: أما الذين راموا الحركة فإنه دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال، وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال، وذلك أراد الذين أشموا، إلا أن هؤلاء أشد توكيدا.
قال الجوهرى: روم الحركة الذى ذكره سيبويه حركة مختلسة مخفاة لضرب من التخفيف، وهى أكثر من الإشمام لأنها تسمع، وهى بزنة الحركة وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين، كلما قال:
أأن زم أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين
قوله أأن زم: تقطيعه فعولن، ولا يجوز تسكين العين، وكذلك قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضََانَ}، فيمن أخفى، إنما هو بحركة مختلسة، ولا يجوز أن تكون الراء الأولى ساكنة لأن الهاء قبلها ساكن، فيؤدى إلى الجمع بين الساكنين فى الوصل من غير أن يكون قبلها حرف لين، قال: وهذا غير موجود فى شىء من لغات العرب، قال:
وكذلك قوله تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} و {أَمَّنْ لََا يَهِدِّي} و {يَخِصِّمُونَ}، وأشباه ذلك، قال: ولا معتبر بقول القراء: إن هذا ونحوه مدغم لأنهم لا يحصلون هذا الباب، ومن جمع بين الساكنين فى موضع لا يصح فيه اختلاس الحركة فهو مخطئ كقراءة حمزة فى قوله تعالى: {فَمَا اسْطََاعُوا} لأن سين «الاستفعال» لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه. ينظر: اللسان (3/ 1782) (روم).(1/232)
وفى الأنعام {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [127]، وفى الأعراف {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [150]، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [199]، وفى سورة يوسف عليه السلام {فَأَنْسََاهُ الشَّيْطََانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [42]، وفى النحل {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} [63]، {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} [91]، وفى النمل {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهََا} [42]، وفى الشورى {وَهُوَ وََاقِعٌ بِهِمْ} [22]، وفى الدخان {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} [24]، وفى الحاقة {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وََاهِيَةٌ} [16]، وفى سورة نوح عليه السلام {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرََاجاً} [16] ولا فرق بين هذه المواضع وبين قوله تعالى: {فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23]، ولا من حيث إن النون تخفى كما ذكر الحافظ وسائر الحروف السواكن فى هذه المواضع التي ذكرت لا تخفى، والله عز جلاله وجل كماله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله «وإذا كان الأول من المثلين مشددا» إلى قوله: «لم يدغمه أيضا». قد تقدم ذكر هذه الشروط الثلاثة، وإنما لم يجز إدغام المشدد لأنه قد حصل فيه الإدغام إذ كل مشدد فهو من حرفين فى التقدير، والأول مدغم فى الثاني فلو قدر إدغامه فى حرف آخر لكان فى ذلك تقدير للنطق بثلاثة أحرف معا، ولم يظهر لها أثر زائد على ما كان عليه قبل لأنه قد كان مشددا فاقتضى حاله أنه يكون مشددا كما كان، ولا أثر للحرف الثالث فكان حاصل هذا أن نطق بالحرف المشدد على ما كان عليه. وحذف الحرف الآخر، وهذا بخلاف إدغام الحرف الواحد فى الثانى لأنه قبل الإدغام مخفف، فظهر عند الإدغام أثر وهو التشديد.
ولو ساغ تجويز إدغام الحرف المشدد فى حرف آخر حتى يصير الإدغام فى ثلاثة أحرف لساغ تقدير إدغامه فى حرف رابع ثم خامس، وهذا هذيان (1).
__________
(1) وهذا لا ريب فيه إذ ليس كل موضع يحسن فيه الإدغام فمن الإدغام ما هو مستحسن ومنه ما هو مستهجن.
فأحسن ما يكون الإدغام فى الحرفين المتحركين اللذين هما سواء إذا كانا منفصلين، أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعدا. ألا ترى أن بنات الخمسة وما كانت عدته خمسة لا تتوالى حروفها متحركة استثقالا للمتحركات مع هذه العدة، ولا بد من ساكن. وقد تتوالى الأربعة متحركة فى مثل «علبط» ولا يكون ذلك فى غير المحذوف.
ومما يدلك على أن الإدغام فيما ذكرت لك أحسن: أنه لا يتوالى فى تأليف الشعر خمسة أحرف متحركة، وذلك نحو قولك: جعل لك وفعل لبيد. والبيان فى كل هذا عربى جيد حجازى.(1/233)
__________
ولم يكن هذا بمنزلة «قدّ» و «احمرّ» ونحو ذلك لأن الحرف المنفصل لا يلزمه أن يكون بعده الذي هو مثله سواء. فإن كان قبل الحرف المتحرك الذى وقع بعده حرف مثله حرف متحرك ليس إلا، وكان بعد الذى هو مثله [حرف] ساكن حسن الإدغام، وذلك نحو قولك: يد دّاود لأن قصد أن يقع المتحرك بين ساكنين واعتدال منه.
وكلما توالت الحركات أكثر كان الإدغام أحسن، وإن شئت بينت.
وإذا التقى الحرفان المثلان اللذان هما سواء متحركين، وقبل الأول حرف مد، فإن الإدغام حسن لأن حرف المد بمنزلة متحرك فى الإدغام.
ألا تراهم فى غير الانفصال قالوا: رادّ، وتمودّ الثوب. وذلك قولك: إن المال لّك، وهم يظلمونّى، وهما يظلمانّى، وأنت تظلمينى. والبيان هاهنا يزداد حسنا لسكون ما قبله.
ومما يدلك على أن حرف المد بمنزلة متحرك أنهم إذا حذفوا فى بعض القوافى لم يجز أن يكون ما قبل المحذوف [إذا حذف الآخر] إلا حرف مد [ولين]، كأنه يعوض ذلك لأنه حرف ممطول.
وإذا كان قبل الحرف المتحرك الذى بعده حرف مثله سواء، حرف ساكن، لم يجز أن يسكن، ولكنك إن شئت أخفيت، وكان بزنته متحركا من قبل أن التضعيف لا يلزم فى المنفصل كما يلزم فى «مدقّ» ونحوه مما التضعيف فيه غير منفصل، ألا ترى أنه قد جاز ذلك وحسن أن تبين فيما ذكرنا من نحو (جعل لك)، فلما كان التضعيف لا يلزم لم يقو عندهم أن يغير له البناء. وذلك قولك: ابن نوح، واسم موسى، لا تدغم هذا، فلو أنهم كانوا يحركون لحذفوا الألف لأنهم قد استغنوا عنها، كما قالوا: قتّلوا وخطف، فلم يقو هذا على تغيير البناء كما لم يقو على ألا يجوز البيان فيما ذكرت لك.
ومما يدلك على أنه يخفى ويكون بزنة المتحرك، قول الشاعر:
وإنى بما قد كلفتنى عشيرتى ... وقن الذب عن أعراضها لحقيق
وقال غيلان بن حريث:
وامتاح منى حلبات الهاجم ... شأو مدلّ سابق اللهامم
وقال أيضا:
وغير سفع مثّل يحامم فلو أسكن فى هذه الأشياء لانكسر الشعر، ولكنا سمعناهم يخفون.
ولو قال: إنى ما قد كلفتنى، فأسكن الياء وأدغمها فى الميم فى الكلام لجاز لحرف المد. فأما «اللهامم» فإنه لا يجوز فيها الإسكان، ولا فى «القرادد» لأن «قرددا»: فعلل، ولهمما: فعلل، ولا يدغم، فيكره أن يجيء جمعه على جمع ما هو مدغم واحده، وليس ذلك فى «إنى بما». ولكنك إن شئت قلت: قرادد، فأخفيت، كما قالوا: متعفف، فيخفى.
ولا يكون فى هذا إدغام، وقد ذكرنا العلة.
وأما قول بعضهم فى القراءة: (إن الله نعمّا يعظكم به) فحرك العين فليس على لغة من قال: نعم فأسكن العين، ولكنه على لغة من قال: نعم، فحرك العين.
يقول سيبويه: وحدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذيل، وكسروا كما قالوا لعب، وقال طرفة:(1/234)
ولم يجز إدغام النون لأن التنوين حرف فاصل بين الحرفين ولا يكون إلا بعد حركة فيكون الفصل بين الحرفين بالحركة وبالتنوين، وقد مر أن من شرط الإدغام ألا يفصل بين الحرف المدغم والمدغم فيه بحركة ولا بحرف ولا بسكت، وقد تقدم عند ذكر الهاء لتنبيه على الفرق بين التنوين وصلة الهاء من حيث جاز حذف الصلة ولم يجز حذف التنوين، والله تبارك وتعالى أعلم.
ولم يجز إدغام تاء المتكلم والمخاطب لأنها اسم، وهي مع ذلك على حرف واحد فعزموا على إبرازها بالتفكيك وتقويتها بالتحريك احتراما لمزيتها على تاء
__________
ما أقلّت قدم ناعلها ... نعم الساعون فى الحىّ الشّطر
وأما قوله عز وجل: {فَلََا تَتَنََاجَوْا} فإن شئت أسكنت الأول للمد، وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركا. وزعموا أن أهل مكة لا يبينون التاءين.
ونقول: هذا ثوب بكر، البيان فى هذا أحسن منه فى الألف لأن حركة ما قبله ليس منه فيكون بمنزلة الألف.
وكذلك: هذا جيب بكر ألا ترى أنك تقول: اخشو واقدا فتدغم وأخشى ياسرا، وتجريه مجرى غير الواو والياء.
ولا يجوز فى القوافى المحذوفة. وذلك أن كل شعر حذفت من أتم بنائه حرفا متحركا أو زنة حرف متحرك فلا بد فيه من حرف لين للرّدف، نحو:
وما كلّ ذى لبّ بمؤتيك نصحه ... فما كلّ مؤت نصحه بلبيب
فالياء التى بين الياءين ردف.
وإن شئت أخفيت فى «ثوب بكر» وكان بزنته متحركا.
وإن أسكنت جاز لأن فيهما مدا ولينا، وإن لم يبلغا الألف.
كما قالوا ذلك فى غير المنفصل نحو قولهم (أصيم) فياء التحقير لا تحرك لأنها نظيرة الألف فى «مفاعل» و «مفاعيل» لأن التحقير عليهما يجرى إذا جاوز الثلاثة، فلما كانوا يصلون إلى إسكان الحرفين فى الوقف من سواهما، احتمل هذا فى الكلام لما فيهما مما ذكرت لك.
وتقول: هذا دلو واقد، وظبى ياسر، فتجرى الواوين والياءين هاهنا مجرى الميمين فى قولك: اسم موسى، فلا تدغم.
وإذا قلت: مررت بولى يزيد وعدو وليد، فإن شئت أخفيت وإن شئت بينت، ولا تسكن لأنك حيث أدغمت الواو فى «عدو» والياء فى «ولى» فرفعت لسانك رفعة واحدة ذهب المد، وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل. فالواو الأولى فى «عدو) 9 بمنزلة اللام فى «دلو»، والياء الأولى «فى ولى» بمنزلة الياء فى «ظبى». والدليل على ذلك أنه يجوز فى القوافى ليّا مع قولك: ظبييا، و «دوا» مع قولك: غزوا.
ينظر: الكتاب (4/ 442437).(1/235)
التأنيث فى نحو: قامت هند، فلو أدغمت لذهبت قوتها بالإسكان، واستتر وجودها بالإدغام فكان ذلك توهينا لها وتسوية بينها وبين حرف التأنيث (1) فى نحو: {كََانَتْ تَأْتِيهِمْ} [غافر: 22] وقد عزموا على التفرقة بينهما حيث أسكنوا حرف التأنيث وحركوا الضمير فكان من تمام هذا الاحترام إبقاء حركتها عند لقيها مثلها.
فإن قيل: هذا بيّن فى قوله تعالى: {وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا} [العنكبوت: 48] ونحوه مما الضمير فيه التاء وحدها.
فأما إذا كان الضمير أكثر من حرف واحد نحو {أَنْتَ تَحْكُمُ} [الزمر: 46] فإن الضمير هنا الهمزة والنون، وإنما التاء علامة تدل على أن الضمير لمفرد مذكر إذا فتحت التاء كما يدل على أن الضمير المؤنث إذا كسرت، وكما يدل فى «أنتما» على أنه ضمير اثنين وفي «أنتم» و «أنتن» على الجمع فلم امتنع الإدغام فى «أنت» والتاء حرف (2).
فالجواب: أنهم أجروا هذه التاء وإن كانت حرفا مجرى التاء التي هي ضمير إذ لا يتبين معنى الضمير إلا بهذه التاء مع حركتها ألا ترى أنك لو قلت مخاطبا أنت ووقفت بالسكون لم يعلم السامع أنك قصدت مذكرا أو مؤنثا: فصارت التاء فى «أنت»، بمنزلة التاء فى «فعلت» ومع هذا فإن قبل هذه التاء نونا ساكنة، فلو أدغمتها
__________
(1) أى: التاء التى تلحق الفعل دلالة على تأنيث فاعله، لزوما فى مواضع، وجوازا فى مواضع، على تفصيل مذكور فى كتب النحو. ولا تلحق إلا الماضى، وتتصل به متصرفا، وغير متصرف، ما لم يلزم تذكير فاعله، ك (أفعل) فى التعجب، و (خلا، وعدا، وحاشا) فى الاستثناء، وحكم هذه التاء السكون ولذلك لما عرض تحريكها، فى نحو: رمتا، لأجل الضمير، لم ترد الألف التى هى بدل اللام، إلا فى لغة رديئة، يقول أهلها: رماتا.
قال المرادى: قال بعض النحويين: وقد لحقت تاء التأنيث ثلاثة أحرف، وهى: (ربت، وثمت، ولات) وقال المرادى: ولها رابع، وهو (لعلت).
ينظر الجنى الدانى (5857).
(2) اعلم أن فى هذا خلافا بين اللغويين: حيث ذهب البعض إلى هذا الذى ذكره المصنف من أن التاء اللاحقة للضمير المرفوع المنفصل، نحو: أنت وأنت هى حرف خطاب و (أن) هو الضمير. هذا مذهب الجمهور، وعلى هذا لو سميت ب (أنت) حكيته لأنه مركب من حرف واسم.
وذهب الفراء إلى أن المجموع هو الضمير.
وذهب ابن كيسان إلى أن التاء هى الاسم، وهى التى فى (فعلت) لكنها كثرت ب (أن).
والله أعلم.
ينظر: الجنى الدانى (58).(1/236)
للزم فيها ما لزم فى إدغام {فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} كما تقدم.
واعلم أن فى قوله تعالى: {كُنْتُ تُرََاباً} [النبأ: 40] {وَمََا كُنْتَ تَرْجُوا}
[القصص: 86] ونحوهما علة أخرى سوى ما تقدم، وهو أن أصله «كونت» مثل «كرمت»، فنقلت ضمة العين إلى الفاء وحذفت العين، ثم إن النون ساكنة فكثر الإعلال، وفي {كِدْتَ تَرْكَنُ} [الإسراء: 74] من الإعلال مثل ما فى «كنت» إذ أصلها «كيدت» (1) مثل ما علمت، وأيضا فإن التاء مشددة، فامتنع إدغامها لذلك أيضا.
واعلم أن الذي فى القرآن من التاء التي لقيت مثلها من كلمتين، والأولى ضمير المتكلم موضع واحد وهو قوله تعالى: {كُنْتُ تُرََاباً} [النبأ: 40] فى النبأ لا غير، وفيه من ضمير المخاطب ثلاث عشرة تاء منها فى سورة يونس عليه السلام.
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} [42]، {أَفَأَنْتَ تَهْدِي} [43]، {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ} [99].
وفى سورة هود عليه السلام {مََا كُنْتَ تَعْلَمُهََا} [49].
وفى الإسراء {كِدْتَ تَرْكَنُ} [74].
وفى كهيعص {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [18].
وفى الفرقان {أَفَأَنْتَ تَكُونُ} [43].
وفى القصص {وَمََا كُنْتَ تَرْجُوا} [86].
وفى العنكبوت {وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا} [48].
وفى الزمر {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ} [19]، {أَنْتَ تَحْكُمُ} [46].
وفى الشورى {مََا كُنْتَ تَدْرِي} [52].
وفى الزخرف {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} [40]، والله تعالى أعلم.
__________
(1) قال ابن سيده: وحكى سيبويه أن ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل كذا، وقال أبو الخطاب: وما زيل يفعل كذا، يريدون كاد وزال، فنقلوا الكسر إلى الكاف فى «فعل» كما نقلوا فى: فعلت، وقد روى بيت أبى خراش:
وكيد ضباع القفّ يأكلن جثّتى ... وكيد خراش يوم ذلك ييتم
قال سيبويه: وقد قالوا: كدت تكاد، فاعتلت من: فعل يفعل كما اعتلت «متّ تموت» عن «فعل يفعل»، ولم يجئ «تموت» على ما كثر فى «فعل». قال: وقوله عز وجل: (أكاد أخفيها) قال الأخفش: معناه: أخفيها.
ينظر: لسان العرب: (5/ 3965).(1/237)
مطلب المعتل المختلف فى إدغامه
قال الحافظ رحمه الله: «فإن كان معتلا نحو قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ} [آل عمران: 85] و {يَخْلُ لَكُمْ} [يوسف: 9] و {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً}
[غافر: 28] وشبهه، فأهل الأداء مختلفون فيه».
اعلم أنه يريد هنا بالمعتل أن الكلمة الأولى حذف من آخرها حرف، فصار الحرف الذى كان قبل المحذوف آخرا فى اللفظ، ولقى مثله من أول الكلمة الثانية، فقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ} كان أصله: «يبتغى» بياء بعد الغين مثل «يرتضى» فحذفت الياء للجزم، وكذلك {يَخْلُ لَكُمْ} أصله «يخلو» بواو بعد اللام مثل «يبدو» فحذفت الواو للجزم، وكذلك {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً} أصله «يكون» فحذفت الواو والنون للجزم على التدريج المذكور فى النحو (1).
ثم لقيت الغين من «يبتغ» واللام من «يخل» والكاف من «يك» أمثالها، فمن أخذ بالإظهار راعى أن هذا الالتقاء عارض فلم يعتد به، ورأى أن للمثلين فى هذه المواضع حكم المفصول بينهما بالحرف الأصلى الذى حذف للجزم مع ما فى الإدغام من الإجحاف بالكلمة إذ قد ذهب منها حرف الجزم ويذهب الثانى بالإدغام.
ومن أخذ بالإدغام راعى التقاء المثلين فى اللفظ واعتد بالحذف وإن كان عارضا وراعى ثقل الكسرة فى «يبتغ» والضمة فى «يخل» و «يك» ثم له أن يأخذ بالروم فيندفع به الإجحاف إذ لا يكون الروم إلا مع ثبوت الحرف الأول، فترجع المسألة إلى إخفاء الحركة لا إلى الإدغام الصحيح، كما سيأتى بحول الله تبارك وتعالى.
__________
(1) قال الجوهرى: لم «يك» أصله: يكون، فلما دخلت عليها «لم» جزمتها، فالتقى ساكنان فحذفت الواو، فبقى: لم يكن، فلما كثر استعماله حذفوا النون تخفيفا، فإذا تحركت أثبتوها، قالوا: لم يكن الرجل، وأجاز يونس حذفها مع الحركة، وأنشد:
إذا لم تك الحاجات من همة الفتى ... فليس بمغن عنك عقد الرتائم
ومثله ما حكاه قطرب: أن يونس أجاز: لم يك الرجل منطلقا، وأنشد بيت الحسن ابن عرفطة:
لم يك الحق سوى أنه هاج ... رسم دار قد تعفّى بالسّرر
وفيه يقول ابن منظور: إنما أراد: لم يكن الحق، فحذف النون لالتقاء الساكنين، وكان حكمه، إذا وقعت النون موقعا تحرك فيه فتقوى بالحركة، ألا يحذفها، لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللين، إذ كن لا يكن إلا سواكن. ينظر اللسان (5/ 3959).(1/238)
وذكر الإمام الخلاف فى هذه الأحرف الثلاثة، ورجح الإظهار فى {يَخْلُ لَكُمْ}
لسكون الخاء، وفى {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً} لكثرة (1) الحذف إذ قد حذفت منه الواو والنون، والله جل جلاله أعلم.
فإن قيل: اشتمل هذا الكلام على أن حذف أواخر هذه الكلم وجب للجزم، وهذا بين فى {يَبْتَغِ} و {يَخْلُ} لأن المحذوف منهما حرف علة خاصة، وأما «يكون» فما وجه حذف النون منه للجزم وهو حرف صحيح، وحكم الحرف الصحيح فى الجزم السكون دون الحذف؟
فالجواب أن العرب تستعمل فى جزم «يكون» وجهين فصيحين:
أحدهما: إسكان النون كسائر الأفعال التى أواخرها حروف صحاح، وعليه جاء قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] ونحوهما.
والوجه الثانى: حذف النون للجزم تشبيها لها بحروف العلة.
وينبغى أن يعتقد فى هذا الحذف أنه على التدريج الذى تقتضيه صنعة العربية.
وبيانه: أنه لما دخل الجازم سكنت النون، فذهبت الواو لئلا يلتقى ساكنان فصار «لم يكن»، ثم حذفت النون للشبه بحروف العلة كما تقدم.
ووجه الشبه: أن النون لها غنة، كما أن حروف العلة لها لين، وكلتا الصفتين زيادة فى الحرف، وأن مخرج النون قريب من مخرج الياء والواو ولهذا كله جاز إدغام النون فى الياء والواو، وإبدال الألف منها فى الوقف (2)، ولم يفعل [ذلك] (3)
فى غيرها من الحروف الصحاح، وعلى هذا الحذف جاء قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صََادِقاً يُصِبْكُمْ} [غافر: 28] وقوله تعالى:
{قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 4443] وقوله عز وجل:
{وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20] وقوله جل وعلا: {وَلََا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمََّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 137] وهذا فى القرآن كثير، وإنما جاز هذا فى مضارع «كان» لكثرة استعمالها إذ هى أم الأفعال كلها بدليل جواز الجواب بها عن كل فعل تسأل
__________
(1) فى أ: بكثرة.
(2) فى أ: الوقت.
(3) سقط فى أ.(1/239)
عنه، فيقال: هل قام زيد؟ فتقول: كان ذلك، تريد: حصل القيام، أو تقول: لم يكن ذلك، تريد: لم يقم، وإنما صح هذا فى «كان» لأنها عبارة عن أصل الوجود لأن الكون هو الوجود ولهذا لو أجيب (1) بغيرها من الأفعال وإن كان يشبهها فى اللفظ لم يجز نحو: صان، وهان، وخان، ولا يقال فى مضارع هذه الأفعال: لم يص، ولا: لم يه، ولا: لم يخ، بل لا بد من إثبات النون فيها إذ لم يكثر استعمالها لكونها ليست مثل «كان» فى أنها أم الأفعال، وعبارة عن أصل الوجود، والله عز وجل أعلم.
وقول الحافظ رحمه الله: «وشبهه» بإثر قوله: {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً} يقتضى أن فى القرآن من هذا المعتل المختلف فيه زيادة على هذه المواضع الثلاثة التى (2)
ذكرها، التقت فيه المثلان، وليس كذلك.
فأما قوله تعالى: {وَيََا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي} فى سورة هود عليه السلام [30] و {وَيََا قَوْمِ مََا لِي} فى غافر [الآية: 41] فقد نص على أنه لا خلاف فى إدغامها فعلى هذا يبقى قوله: «وشبهه» لا يحرز شيئا.
واعلم أن الحافظ رحمه الله قلما يترك هذه العبارة فى أكثر المسائل، أن يقول بعد ذكر المثال: «وما أشبه ذلك» أو «وشبهه»، سواء كان لما ذكر من الأمثلة نظير أو لم يكن. ومقصوده بذلك الإشعار بإطلاق القياس فيما ذكر، وفى نظائره إن وجدت له نظائر، وقد وجدت فى بعض تآليفه (3) هذه العبارة، يقول: «أو نحوها» أو «ما أشبهه إن وجد» ولكن هذه العبارة تحدث على الطالب حيرة، إذا لم يكن قوى الذكر لألفاظ القرآن، فقد يطلب نظيرا لما ذكر الحافظ إذا وجده يقول: «وما أشبهه» فلا يجده فيرمى نفسه بالتقصير فلهذا مهما أجد عبارة الحافظ فى مثل هذا، وأعرف أنه ليس لما ذكر نظير أنبه عليه [إن] (4) ألهمنى الله تعالى لأزيل تحير الطالب، وقد أبديت عذر الحافظ، ومقصوده فى ذلك رحمه الله ورضى عنه والله جل وعلا أعلم.
__________
(1) فى ب: أجبت.
(2) فى ب: الذى.
(3) فى أ: تواليفه.
(4) سقط فى أ.(1/240)
قال الحافظ رحمه الله: «ولا أعلم خلافا فى الإدغام فى قوله: {وَيََا قَوْمِ مَنْ} و {وَيََا قَوْمِ مََا لِي} وهو من المعتل.
يريد أن الأصل «قومى» (1) بياء بعد الميم، وتلك الياء هى ضمير المتكلم، اتصلت بالمنادى لأجل الإضافة، ثم حذفت واجتزئ عنها بالكسرة فأشبه هذا الحذف الحذف فيما تقدم فسماه معتلّا لذلك.
واعلم أنه يمكن أن يكون الحافظ أورد هذا الفصل إعلاما بنفى الخلاف خاصة، وهو الظاهر، ويمكن أن [يكون] قصد به معارضة ابن مجاهد وأصحابه حيث أظهروا هناك وأدغموا هنا مع أن الكل معتل، فإن كان أراد هذا فلابن مجاهد أن يفرق بين الموضعين بأن المحذوف هناك أصلى فى الكلمة لأنه لام الفعل، والمحذوف هنا غير أصلى لأنه ضمير المتكلم أضيف إليه المنادى، ولا شك أن المضاف غير المضاف إليه فاتصاله عارض فقوى الاعتداد بحذفه، هذا مع أنهم جعلوا الكسرة كأنها عوض من المحذوف.
فإذا تقرر هذا فإن قرئ بالإدغام الخالص لم يلزم النقض لحصول الفرق بين
__________
(1) وبيان ذلك كما يقول سيبويه فى الكتاب:
أن ياء الإضافة لا تثبت مع النداء، كما لم يثبت التنوين فى المفرد لأن ياء الإضافة فى الاسم بمنزلة التنوين لأنها بدل من التنوين، ولأنه لا يكون كلاما حتى يكون فى الاسم، كما أن التنوين إذا لم يكن فيه لا يكون كلاما، فحذف وترك آخر الاسم جرا ليفصل بين الإضافة وغيرها، وصار حذفها هنا لكثرة النداء فى كلامهم، حيث استغنوا بالكسرة عن الياء. ولم يكونوا ليثبتوا حذفها إلا فى النداء، ولم يكن لبس فى كلامهم لحذفها وكانت الياء حقيقة بذلك لما ذكرت لك إذ حذفوا ما هو أقل اعتلالا فى النداء، وذلك قولك:
يا قوم لا بأس عليكم، وقال الله جل ثناؤه: {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [].
وبعض العرب يقول: يا رب اغفر لى، ويا قوم لا تفعلوا. وثبات الياء فيما زعم يونس فى الأسماء.
واعلم أن بقيان الياء لغة فى النداء فى الوقف والوصل، تقول: يا غلامى أقبل. وكذلك إذا وقفوا.
وكان أبو عمرو يقول: (يا عبادى فاتقون)، وقال الراجز وهو عبد الله بن عبد الأعلى القرشى:
وكنت إذ كنت إلهى وحدكا ... لم يك شىء يا إلهى قبلكا
وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخف، وذلك قولك: يا ربا تجاوز عنا، ويا غلاما لا تفعل. فإذا وقفت قلت: يا غلاماه. وإنما ألحقت الهاء ليكون أوضح للألف لأنها خفية. وعلى هذا النحو يجوز: يا أباه، ويا أماه.
ينظر: الكتاب (2/ 210209).(1/241)
الحذفين كما تقدم، وإن قرئ بالروم، فالأمر سهل فإن الحركة التى أقيمت مقام المحذوف لم تذهب رأسا، ولكن ضعف الصوت بها، كما يأتى فى حقيقة معنى الروم بحول الله عز وجل وقوته.
ومذهب الإمام فى هذين الحرفين الإدغام كمذهب الحافظ، والله تبارك وتعالى أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فأما {آلَ لُوطٍ} حيث وقع» إلى آخره.
اعلم أن هذا اللفظ ورد فى القرآن فى أربعة مواضع: منها موضعان فى الحجر [59، 61]، وثالث فى النمل [56]، ورابع فى القمر [34].
وذكر الحافظ هنا إظهاره عن عامة البغداديين وعن ابن مجاهد، وقال فى «المفصح»: «ولا أعلمه جاء من طريق اليزيدى، وإنما رواه معاذ بن معاذ العنبرى» (1).
__________
(1) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحر بن مالك بن الخشخاش، التميمى القاضى، الإمام الحافظ، أبو المثنى العنبرى البصرى.
حدث عن: سليمان التيمى، وأشعث بن عبد الملك، وعوف الأعرابى، ومحمد ابن عمرو، وأبى كعب صاحب الحرير.
وعنه: أحمد، وإسحاق، ويحيى، وعلى، وبندار، ومحمد بن مثنى، وإسحاق ابن موسى الخطمى، وأبو بكر بن أبى شيبة، ومحمد بن حاتم السمين، وعبد الوهاب ابن الحكم الوراق، وأبو خيثمة، وعمرو الفلاس، ومحمد بن يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن سنان القطان، وعبد الله بن هاشم الطوسى، وابناه المثنى وعبيد الله، وسعدان بن نصر، وخلق كثير.
وقد روى أيضا عنه عبد الرحمن بن أبى الزناد، وهو أكبر منه. قال أحمد بن حنبل: معاذ ابن معاذ إليه المنتهى فى التثبت بالبصرة، وقال: هو قرة عين فى الحديث، وقال النسائى:
معاذ ثقة ثبت.
قال الفلاس: سمعت يحيى القطان يقول: ولدت سنة عشرين ومائة فى أولها، وولد معاذ بن معاذ فى سنة تسع عشرة ومائة فى آخرها، كان أكبر منى بشهرين. وتوفى بالبصرة فى ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 5754)، وتاريخ ابن معين (572)، وطبقات ابن سعد (7/ 293)، وطبقات خليفة ت (1917)، وتاريخ خليفة (466)، والتاريخ الكبير (7/ 365)، والتاريخ الصغير (2/ 278)، والمعارف (512)، والجرح والتعديل (8/ 248)، ومشاهير علماء الأمصار ت (1270)، وتاريخ بغداد (13/ 131)، والعبر (1/ 320)، وتذكرة الحفاظ (1/ 324)، والكاشف (3/ 154)، ودول الإسلام (1/ 124)، وتهذيب التهذيب (10/ 194)، وطبقات الحفاظ (136).(1/242)
ثم قال هنا: «وكان غيره يأخذ بالإدغام وبه قرأت».
وذكر فى «المفصح»: أن عصمة بن عروة الفقيمى (1) روى إدغامه عن أبى عمرو، وأنه اختيار ابن شاذان وعامة أهل الأداء من أصحاب عبد الرحمن وأبى شعيب وابن سعدان (2) عن اليزيدى.
وذكر الإمام الخلاف، وقال: «والإظهار أكثر».
وذكر الحافظ هنا ترجيح ابن مجاهد الإظهار بقلة حروف «آل»، ثم نقض عليه بإجماعهم على إدغام {لَكَ كَيْداً} [يوسف: 5] إذ هو أقل حروفا منه، ثم وجه الإظهار بوجه آخر وهو اعتلال عين الكلمة، وهذا التوجيه فى تصريف «آل» هو قول أكثر النحويين.
__________
(1) عصمة بن عروة، أبو نجيح الفقيمى البصرى، روى القراءة عن أبى عمرو بن العلاء وعاصم ابن أبى النجود، وروى أيضا حروفا عن أبى بكر بن عياش والأعمش ومعرور بن موسى، وروى عنه الحروف: يعقوب بن إسحاق الحضرمى والعباس بن الفضل ومحمد بن يحيى القطعى وإسماعيل بن عمارة، وهو المنفرد عن أبى بكر برواية «مستطر» بتشديد الراء، لم يروه غيره، سئل عنه أبو حاتم فقال: مجهول.
ينظر: غاية النهاية (1/ 512) (2119).
(2) محمد بن سعدان، أبو جعفر الضرير الكوفى النحوى إمام كامل، مؤلف الجامع والمجرد وغيرهما، وله اختيار لم يخالف فيه المشهور، ثقة عدل، قال أبو عبد الله الحافظ: صنف فى العربية والقراءات، وثقه الخطيب وغيره، أخذ القراءة عرضا عن المستنير، جامع البيان سليم عن حمزة وعن المستنير، جامع البيان، الكفاية الكبرى يحيى بن المبارك اليزيدى وعن المستنير، جامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل إسحاق بن محمد المسيبى، وروى الحروف سماعا عن عبيد بن عقيل عن شبل وعن جامع البيان محمد بن المنذر عن يحيى بن آدم وعن معلى بن منصور عن أبى بكر، قال الدانى: وكان ربما دلس باسم الكسائى فقال: حدثنا أبو هارون الكوفى، روى القراءة عنه عرضا وسماعا المستنير، جامع البيان، الكامل محمد بن أحمد بن واصل، كذا قالوا وإنما هو أحمد بن محمد ابن واصل، وهو أجل أصحابه وأثبتهم فيه، والمستنير، جامع البيان، الكامل جعفر ابن محمد الأدمى وعبد الله بن محمد بن هاشم الزعفرانى والمستنير، الكفاية الكبرى محمد بن جعفر بن الهيثم والكامل سعيد بن عمران بن موسى وسليمان بن يحيى الضبى وجامع البيان محمد بن يحيى المروزى وجامع البيان عبيد بن محمد المكتب والمستنير أبو عمرو الضرير، وحدث عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل، مات يوم الأحد من سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
ينظر: غاية النهاية (2/ 143) (3019).(1/243)
قالوا: «أصل هذه الكلمة «أهل»، وعينها هاء بدليل قولك فى التصغير:
«أهيل»، وفى الفعل «تأهلت» فأبدلت الهاء همزة لقرب المخرج أو لاتحاده فصار:
«أأل»، فالتقى فى الكلمة همزتان الأولى متحركة والثانية ساكنة، فأبدلت الثانية حرفا من جنس ما قبلها، كما هو القياس فى «آمن» ونحوه، فصار: «آل».
وذهب الكسائى إلى أن أصله: «أول»، من قولك: «آل يئول»، إذا رجع، فتحركت الواو بعد فتحة فانقلبت ألفا على قياس «باب» و «دار».
وحكى فى التصغير: «أويل»، حكاه [عنه] (1) ابن السيد فى «الاقتضاب»، وعلى تقدير ذلك لا يكون «تأهلت» ولا «أهيل» من «آل» فى اللفظ ولا فى المعنى (2)، والله جل وعلا أعلم.
__________
(1) سقط فى أ.
(2) ويقول ابن منظور فى بيان أصل كلمة «آل»: أصلها «أهل»، ثم أبدلت الهاء همزة فصارت فى التقدير: أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا، كما قالوا: آدم وآخر، وفى الفعل:
آمن وآزر.
فإن قيل: ولم زعمت أنهم قلبوا الهاء همزة ثم قلبوها فيما بعد، وما أنكرت من أن يكون قلبوا الهاء ألفا فى أول الحال؟
فالجواب: أن الهاء لم تقلب ألفا فى غير هذا الموضع فيقاس هذا عليه فعلى هذا أبدلت الهاء همزة، ثم أبدلت الهمزة ألفا.
وأيضا: فإن الألف لو كانت منقلبة عن غير الهمزة المنقلبة عن الهاء كما قدمناه لجاز أن يستعمل «آل» فى كل موضع يستعمل فيه «أهل»، ولو كانت ألف «آل» بدلا من «أهل»، لقيل: انصرف إلى «آلك»، كما يقال: انصرف إلى أهلك، وآلك والليل، كما يقال: أهلك والليل، فلما كانوا يخصون ب «الآل»: الأشرف الأخص دون الشائع الأعم حتى لا يقال إلا فى نحو قولهم: القراء آل الله، وقولهم: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، {وَقََالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}، وكذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق:
نجوت ولم يمنن عليك طلاقة ... سوى ربّة التقريب من آل أعوجا
لأن أعوج فيهم فرس مشهور عند العرب فلذلك قال: (آل أعوجا) كما يقال: أهل الإسكاف دل على أن الألف ليست فيه بدلا من الأصل، وإنما هى بدل من بدل الأصل فجرت فى ذلك مجرى التاء فى القسم لأنها بدل من الواو فيه، والواو فيه بدل من الباء، فلما كانت التاء فيه بدلا من بدل وكانت فرع الفرع اختصت بأشرف الأسماء وأشهرها، وهو اسم الله فلذلك لم يقل: تزيد، ولا: تالبيت، كما لم يقل: آل الإسكاف، ولا: آل الخياط.
فإن قلت: فقد قال بشر:
لعمرك: ما يطلبن من آل نعمة ... ولكنما يطلبن قيسا ويشكرا
فقد أضافه إلى «نعمة» وهى نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة.(1/244)
__________
فإن هذا بيت شاذ، قال ابن سيده: هذا كله قول ابن جنى، قال: والذى العمل عليه ما قدمناه وهو رأى الأخفش.
قال: فإن قال: ألست تزعم أن الواو فى «والله» بدل من الباء فى «بالله»، وأنت لو أضمرت لم تقل: وهـ، كما تقول به لأفعلن، فقد تجد أيضا بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه فى كل موضع، فما ننكر أيضا أن تكون الألف فى «آل» بدلا من الهاء وإن كان لا يقع جميع مواقع «أهل»؟
فالجواب: أن الفرق بينهما أن الواو لم يمتنع من وقوعها فى جميع مواقع الباء من حيث امتنع من وقوع «آل» فى جميع مواقع «أهل» وذلك أن الإضمار يرد الأسماء إلى أصولها فى كثير من المواضع ألا ترى أن من قال: أعطيتكم درهما، قد حذف الواو التى كانت بعد الميم وأسكن الميم، فإنه إذا أضمر للدرهم قال: أعطيتكموه، فرد الواو لأجل اتصال الكلمة بالمضمر؟! فأما ما حكاه يونس من قول بعضهم: أعطيتكمه، فشاذ لا يقاس عليه عند عامة أصحابنا فلذلك جاز أن تقول: بهم لأقعدن وبك لأنطلقن، ولم يجز أن تقول: «وك» ولا «وه»، بل كان هذا فى الواو أحرى لأنها حرف منفرد فضعفت عن القوة وعن تصرف الباء التى هى أصل، أنشدنا أبو على قال: أنشدنا أبو زيد:
رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما
قال: وأنشدنا أيضا عنه:
ألا نادت أمامة باحتمال ... ليحزننى فلا بك ما أبالى
قال: وأنت ممتنع من استعمال «الآل» فى غير الأشهر الأخص، وسواء فى ذلك أضفته إلى مظهر أو أضفته إلى مضمر.
قال ابن سيده: فإن قيل: ألست تزعم أن التاء فى «تولج» بدل من واو، وأن أصله:
وولج لأنه «فوعل» من الولوج، ثم إنك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدال من هذه التاء فقالوا: دولج، وأنت مع ذلك قد تقول: دولج، فى جميع هذه المواضع التى تقول فيها: تولج، وإن كانت الدال مع ذلك بدلا من التاء التى هى بدل من الواو؟
فالجواب عن ذلك: أن هذه مغالطة من السائل وذلك أنه إنما كان يطرد هذا له لو كانوا يقولون: وولج ودولج، ويستعملون «دولجا» فى جميع أماكن «وولج»، فهذا لو كان كذا لكان له به تعلق، وكانت تحتسب زيادة، فأما وهم لا يقولون وولج، البتة كراهية اجتماع الواوين فى أول الكلمة، وإنما قالوا: تولج، ثم أبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو فقالوا: دولج، فإنما استعملوا الدال مكان التاء التى هى فى المرتبة قبلها تليها، ولم يستعملوا الدال موضع الواو التى هى الأصل فصار إبدال الدال من التاء فى هذا الموضع كإبدال الهمزة من الواو فى نحو: أقتت، وأجوه لقربها منها، ولأنه لا منزلة بينهما واسطة، وكذلك لو عارض معارض ب «هنيهة» تصغير «هنة» فقال: ألست تزعم أن أصلها: هنيوة، ثم صارت: هنيّة، ثم صارت هنيهة، وأنت قد تقول: هنيهة، فى كل موضع قد تقول فيه هنية؟
كان الجواب واحدا كالذى قبله ألا ترى أن «هينوة» الذى هو أصل لا ينطق به ولا يستعمل البتة، فجرى ذلك مجرى «وولج» فى رفضه وترك استعماله؟! فهذا كله يؤكد(1/245)
قال الحافظ رحمه الله: «واختلف أهل الأداء أيضا فى الواو من «هو» إذا انضمت الهاء قبلها» إلى آخر كلامه.
قد تقدم فى حرف (1) الواو أن جملة ما فى القرآن من الواو التى قبلها ضمة، ولقيت مثلها ثلاثة عشر موضعا، أولها فى البقرة {جََاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}
[الآية: 249] وآخرها فى المدثر {إِلََّا هُوَ وَمََا هِيَ إِلََّا} [المدثر: 31] فذكر عن بن مجاهد وأصحابه أنهم لا يرون الإدغام لأن الواو إذا سكنت بعد ضمة صارت حرف مد فأشبهت (2) واو {آمَنُوا} ونحوه، وأنه لا خلاف أن واو {آمَنُوا} لا تدغم.
وحكى عن ابن شنبود (3) وأصحاب أبى عبد الرحمن، وابن سعدان وأبى شعيب
__________
عندك أن امتناعه من استعمال «آل» فى جميع مواقع «أهل» إنما هو لأن فيه بدلا من بدل، كما كانت التاء فى القسم بدلا من بدل.
ينظر: لسان العرب (1/ 165164).
(1) فى ب: حذف.
(2) فى ب: وأشبهت.
(3) شيخ المقرئين، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ، المقرئ، أكثر الترحال فى الطلب.
وتلا على: هارون بن موسى الأخفش، وقنبل المكى، وإسحاق الخزاعى، وإدريس الحداد، والحسن بن العباس الرازى، وإسماعيل النحاس، ومحمد بن شاذان الجوهرى، وعدد كثير.
وسمع الحديث من: عبد الرحمن كربزان، ومحمد بن الحسين الحنينى، وإسحاق ابن إبراهيم الدبرى، وطائفة.
وكان إماما صدوقا أمينا متصونا، كبير القدر.
تلا عليه: أحمد بن نصر الشذائى، وأبو الفرج الشنبوذى تلميذه، وأبو أحمد السامرى، والمعافى الجريرى، وابن فورك القباب، وإدريس بن على المؤدب، وأبو العباس المطوعى، وغزوان بن القاسم، وخلق.
وحدث عنه: أبو طاهر بن أبى هاشم، وأبو الشيخ، وأبو بكر بن شاذان، واعتمده أبو عمرو الدانى، والكبار وثوقا بنقله وإتقانه، لكنه كان به رأى فى القراءة بالشواذ التى تخالف رسم الإمام، فنقموا عليه لذلك. وبالغوا وعزروه. والمسألة مختلف فيها فى الجملة. وما عارضوه أصلا فيما أقرأ به ليعقوب، ولا لأبى جعفر، بل فيما خرج عن المصحف العثمانى.
قال أبو شامة: كان الرفق بابن شنبوذ أولى، وكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا.
وليس كان بمصيب فيما ذهب إليه، لكن أخطاؤه فى واقعة لا تسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم.
مات فى صفر سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وهو فى عشر الثمانين أو جاوزه.(1/246)
أنهم يرون الإدغام قياسا على الياء المكسور ما قبلها، نحو: {يَأْتِيَ يَوْمٌ}
[البقرة: 254] إذ لا فرق بين البابين.
وقد تقدم أن أصل الياء فى {يَأْتِيَ يَوْمٌ} التحريك، وأن السكون عارض لأجل الإدغام فكذلك الواو هنا، بخلاف واو {آمَنُوا} فإن سكونه أصل كسكون ياء {الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 2] قال: على بن محمد بن سعدان، ومحمد ابن عمر الرومى، وأبو عبد الرحمن، وابن جبر (1)، رووا عن اليزيدى عن أبى عمرو
__________
ينظر: سير أعلام النبلاء (15/ 266264)، والفهرست (4847)، وتاريخ بغداد (1/ 281280)، ووفيات الأعيان (4/ 301299)، والعبر (2/ 196195)، والوافى بالوفيات (2/ 3837)، ومرآة الجنان (2/ 290286)، والبداية والنهاية (11/ 194 195)، وغاية النهاية (2/ 5652)، والنجوم الزاهرة (2/ 267)، وشذرات الذهب (2/ 314313).
(1) هو مجاهد بن جبر، الإمام، شيخ القراء والمفسرين، أبو الحجاج المكى، الأسود، مولى السائب بن أبى السائب المخزومى، ويقال: مولى عبد الله بن السائب القارئ، ويقال:
مولى قيس بن الحارث المخزومى.
روى عن ابن عباس، فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه، وعن أبى هريرة، وعائشة، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر وخلق.
وتلا عليه جماعة: منهم ابن كثير الدارى، وأبو عمرو بن العلاء، وابن محيصن.
وحدث عنه: عكرمة، وطاوس، وعطاء، وهم من أقرانه، وخلق.
قال سفيان الثورى: خذوا التفسير من أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك.
وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير. وقال قتادة: أعلم من بقى بالتفسير مجاهد.
وقال أبو نعيم: مات مجاهد وهو ساجد سنة اثنتين ومائة، وكذا أرخه الهيثم بن عدى، والمدائنى، وجماعة.
وقال حماد الخياط، وأبو عبيد، وجماعة: مات سنة ثلاثة ومائة، وقال ابن المدينى وغيره: سنة أربع ومائة، وجاء عن ابن المدينى: سنة ثمان ومائة، رواه عنه ابنه عبد الله، وعنه سنة سبع ومائة.
وروى محمد بن عمر الواقدى، عن ابن جريج، قال: بلغ مجاهد ثلاثا وثمانين سنة، وقال يحيى القطان وغيره: مات سنة أربع ومائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (4/ 457449)، وطبقات ابن سعد (5/ 466)، طبقات خليفة ت (2535)، وتاريخ البخارى (7/ 411)، والمعارف (444)، والمعرفة والتاريخ (1/ 711)، والحلية (3/ 279)، وطبقات الفقهاء للشيرازى (69)، وتاريخ الإسلام (4/ 190)، وتذكرة الحفاظ (1/ 86)، والعبر (1/ 125)، والبداية والنهاية (9/ 224)، والعقد الثمين (7/ 132)، وغاية النهاية ت (2659)، وتهذيب التهذيب (10/ 42)،(1/247)
الإدغام فى ذلك نصّا، قال: «وبه قرأت وبه آخذ».
هذا كله كلامه فى «المفصح» وهو موافق لما ذكر فى «التيسير».
وذكر الإمام الخلاف عند ذكر الحرف الذى فى البقرة، ثم قال: «والإظهار أحسن وأكثر».
وقول الحافظ: «ولا فرق بين البابين» يريد باب الياء المكسور ما قبلها، وباب الواو المضموم ما قبلها فى أن كل واحد منهما إذا سكن صار حرف مد، فكما وافق على إدغام الياء بعد الكسرة، فينبغى أن يوافق على إدغام الواو بعد الضمة.
وقد يقع فى بعض النسخ: «ولا فرق بين الياءين» تثنية «ياء» التى باثنتين من أسفل، وهو تصحيف (1)، والله جل جلاله أعلم.
__________
وطبقات الحفاظ للسيوطى ص (35).
(1) التصحيف: هو تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد، وأصله: الخطأ، يقال: صحفه فتصحف، أى: غيّره فتغير حتى التبس.
والتصحيف فى الاصطلاح اختلف فيه على قولين:
قيل هو: كل تغيير فى الكلمة، سواء بسبب اختلاف النقط أو الشكل أو بتبديل حرف بحرف أو كلمة بكلمة، وهذا الذى جرى عليه اصطلاح أغلب المحدثين قبل ابن حجر، منهم: الخطيب فى الكفاية، والحاكم فى معرفة علوم الحديث، والنووى فى التقريب، وابن الصلاح وغيرهم. وهو بهذا المعنى قريب من التحريف، إلا أن التحريف أشمل إذ يدخل فيه تغيير المعنى مع بقاء اللفظ على حاله.
فيكون التصحيف هو التحريف فى نقط الكلمة أو شكلها أو حروفها. وما سوى ذلك فهو التحريف فى المعنى.
أما ابن حجر ومن تابعه فقد ذهبوا إلى أن التصحيف خاص بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها فى الخط وتخالفها فى النقط، وهو اصطلاح العسكرى فى كتابه (شرح التصحيف والتحريف)، وذلك كتبديل الغدر بالعذر، والخطب بالحطب.
وإنما سمى هذا النوع من التحريف تصحيفا لأن الآخذ عن الصحيفة قد لا يمكنه التفريق بين الكلمة المرادة والكلمة التى تلتبس بها لمشابهتها فى الصورة، بخلاف الآخذ من أفواه أهل العلم. وكان هذا الالتباس كثيرا قبل اختراع النقط فى القرن الثانى الهجرى، وقل بعده، إلا أنه لم ينعدم حتى عند من يلتزم به لأن النقط قد تسقط، وقد تنتقل عن مكانها، فيحصل الالتباس.
ينظر: المصباح المنير (صحف)، وتصحيفات المحدثين للعسكرى (ص 40)، ولقط الدرر على شرح نخبة الفكر (83)، والتقييد والإيضاح (282)، والكفاية فى أصول الرواية (146)، وترتيب الراوى (384).(1/248)
وقد تقدم تعديد مواضع الياء فى القرآن.
فأما الذى وقع منها بعد كسرة فلفظان:
أحدهما: {يَأْتِيَ يَوْمٌ} فى البقرة [الآية: 254] وفى سورة إبراهيم عليه السلام [31] والروم [43] والشورى [47].
والثانى: {نُودِيَ يََا مُوسى ََ} فى طه [الآية: 11] لا غير.
واعلم أن هذه المعارضة التى أوردها الحافظ حسنة، وينبغى أن يقال لابن مجاهد: إن العرب لا تدغم حرف المد الذى استقر بنفسه حرف مد، واستعمل فى الكلام كذلك كالواو فى قوله تعالى: {اصْبِرُوا وَصََابِرُوا وَرََابِطُوا وَاتَّقُوا اللََّهَ}
[آل عمران: 200]، وكذلك قوله تعالى: {آمَنُوا وَالَّذِينَ هََاجَرُوا وَجََاهَدُوا}
[البقرة: 218]، وكالياء فى قوله تعالى: {الَّذِي يَدُعُّ} [الماعون: 2] و {الَّذِي يُؤْمِنُ} [الأعراف: 158] و {الَّذِي يَرََاكَ} [الشعراء: 218] و {فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203].
فأما ما نحن فيه فليس كذلك إذ ليست الواو فى «هو» ولا الياء فى «نودى يا موسى» ونحوهما حرفى مد فى أنفسهما، ولا يستعملان مدّا إلا لعارض الوقف خاصة.
فقولنا فى الإدغام: إنهما أسكنا فصارا حرفى مد ثم أدغما، حكم تقديرى غير منطوق به، وإنما ينطق بهما فى الكلام على أحد وجهين: إما حرفين مفككين مما (1)
بعدهما متحركين، وإما مدغمين فيما بعدهما.
فيكون الحاصل فى اللفظ إذ ذاك حرفا واحدا مشددا، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فإن سكنت الهاء» إلى آخره، ثم قال: «وما كان مثله».
اعلم أنه ليس فى القرآن غير هذه الألفاظ الأربعة، إلا أن قوله تعالى: {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} وقع فى الأنعام [127]، وفى النحل [63] فيبقى قوله: «وما كان مثله» لا يحرز شيئا، وقد تقدم الاعتذار عنه، والله تعالى مجده أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وأما (2) قوله تعالى: {وَاللََّائِي يَئِسْنَ} فى الطلاق
__________
(1) فى ب: فما.
(2) فى ب: فأما.(1/249)
[الآية: 4]» إلى آخره.
عزم الحافظ فى هذا الحرف على منع الإدغام، واعتل بأن أصله «الآئى» بياء بعد الهمزة، كما فى قراءة الكوفيين، ثم حذفت الياء تخفيفا، فبقيت الهمزة طرفا، كما فى قراءة قالون، ثم أسكنت الهمزة وأبدل منها ياء ساكنة على غير قياس إذ قياسها أن تكون بين بين، فإذا ثبت هذا امتنع الإدغام لوجهين:
أحدهما: كثرة التغيير والإجحاف بالكلمة.
والوجه الثانى: أن هذه الياء لما كانت بدلا من الهمزة روعى أصلها فلم تدغم إذ لا تدغم الهمزة فى غيرها.
قال الحافظ رحمه الله: «ومن قال: إن الهمزة حذفت، وإن الياء باقية من الأصل فهو دعوى بلا دليل».
واعلم أن هذا الذى قاله الحافظ من منع الإدغام فى هذا الحرف قد نوزع فيه لأنه قد حصل فى اللفظ التقاء المثلين، والأول منهما ساكن فلزم الإدغام، ولا يحتج لترك الإدغام بعد النص عليه إذ لا يحتاج إلى التنصيص على ما جرى على مقتضى الأصول، ولا مدخل لهذه الكلمة فى الإدغام الكبير إذ الأول فى قراءة أبى عمرو (1)
ساكن فى أخذه بالإدغام كما هو فى أخذه بالإظهار كقراءة البزى، وباب الإدغام الكبير مخصوص بما الأول فيه متحرك فى قراءة الإظهار، فقد خرج هذا الحرف فى قراءته عن باب الإدغام الكبير ولحق بباب {وَلََا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}
[الحجرات: 12] و {فَمََا زََالَتْ تِلْكَ دَعْوََاهُمْ} [الأنبياء: 15] و {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ}
[النور: 33] حيث الإدغام الصغير و {إِذْ ذَهَبَ} [الأنبياء: 87] مما التقى فيه المثلان وأولهما ساكن.
فأما ما ذكر الإمام فى آخر الزخرف من قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ}
[الآية: 89] فزائد على مقتضى باب الإدغام الكبير لأن الحاء ساكنة، وكان ينبغى للحافظ أن يبين كيف يصنع القارئ بهذا الحرف على قراءة أبى عمرو والبزى، هل
__________
(1) أبو عمرو يقول هنا: {وَاللََّائِي يَئِسْنَ} بالإظهار، وقاعدته فى مثله الإدغام، إلا أن الياء لما كانت عنده عارضة لكونها بدلا من همزة فكأنه لم يجتمع مثلان، وأيضا فإن سكونها عارض فكأن ياء «اللائى» متحركة، والحرف ما دام متحركا لا يدغم فى غيره.
ينظر: الدر المصون (6/ 330).(1/250)
يفصل بسكت خفيف، أو يشبع مد الصوت؟ أو كيف يكون وجه العمل مع ما فيه من التقاء الساكنين فى الوصل إذ قبل الياء ألف؟ وقد ذكر أبو جعفر بن الباذش هذه المسألة فى صدر باب الإدغام فى (1) كتاب «الإقناع» وذكر عن أبيه أنها مما يلزم فيه الإدغام، بخلاف قول الحافظ، والله عز وجل أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «ذكر الحرفين المتقاربين فى كلمة وفى كلمتين».
اعلم أنه لم يدغم أيضا من المتقاربين فى كلمة إلا القاف فى الكاف (2) إلى
__________
(1) فى أ: من.
(2) اعلم أن إدغام أحد المتقاربين فى الآخر إذا اجتمعا فى كلمة واحدة، إنما هو أمر شديد الندرة، وفى ذلك يقول ابن عصفور فى 15). / 152150): فإذا اجتمع المتقاربان فى كلمة واحدة لم يجز إدغام أحدهما فى الآخر لما فى ذلك من الالتباس بإدغام المثلين ألا ترى أنك لو قلت فى: أنملة: أمّلة، لم يدر هل الأصل أنملة أو أمملة، إلا أن يكون المتقاربان الياء والواو، وقد سبقت إحداهما بالسكون فإنك تدغم إحداهما فى الأخرى، إلا أن الواو هى التى تقلب ياء تقدمت أو تأخرت، نحو: ميّت، أصله: ميوت، وشقى، أصله: شقيو، ما لم يمنع من ذلك مانع، أو يكون بناء الكلمة مبينا أن الإدغام لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين، وذلك نحو: «انفعل» من «المحو»، تقول فيه (امّحى) لأنه قد علم أنه «انمحى» فى الأصل إذ ليس فى كلامهم: افّعل، أو يكون أحد المتقاربين تاء «افّعل» أو «تفاعل» أو «تفعل»، وذلك نحو: تطير، وتدارأ، واختصم.
فأما «تفعل» و «تفاعل» فتقلب فيهما التاء حرفا من جنس ما بعدها وتسكنه بسبب الإدغام، وتجتلب همزة الوصل إذ لا يمكن الابتداء بساكن فتقول: اطّير، وادّارأ، وفى المضارع: يطير، ويدارأ، وفى اسم الفاعل: مطّير، ومدّارئ، وفى المصدر: اطير، وادارأ.
وأما «افتعل» فتقلب فيه التاء من جنس ما بعدها وتسكنها بنقل حركتها إلى ما قبلها، ثم تدغم فتقول: خصم، وإن شئت حذفت الحركة ولم تنقلها، ثم تكسر فاء «افتعل» لالتقاء الساكنين، فتقول: خصم، بكسر الخاء، وإن شئت كسرت عين «افتعل» اتباعا لفائها، فتقول: خصم، بكسر الخاء والصاد. وتذهب ألف الوصل فى جميع ذلك لتحرك الفاء، وتقول على اللغة الأولى فى المضارع: يخصم، وفى اسم الفاعل: مخصم، بكسر الصاد فيهما، وفى اسم المصدر: مخصم، بفتح الخاء والصاد.
وتقول على اللغة الثانية فى المضارع: يخصم، وفى اسم الفاعل: مخصم، بكسر الخاء والصاد فيهما. وفى المصدر: مخصم، بكسر الخاء وفتح الصاد. ومنهم من يكسر حرف المضارعة فى هذا الوجه اتباعا للخاء، وتضم الخاء فى اسم الفاعل، واسم المصدر فتقول:
يخصم، ومخصم، ومخصم، وتفعل فى الفعل المضارع واسم الفاعل على اللغة الثالثة مثل ما فعلت فيهما على اللغة الثانية. وأما اسم المصدر فتقول فيه: مخصّم، ومخصّم، كما فعلت فى اسم الفاعل على اللغة الثانية، واسم المفعول إن كان الفعل متعديا بمنزلة المصدر فى جميع ما ذكر، والمسموع فى مصدره «فعّل» خاصة تقول: خطّف خطّفا،(1/251)
آخر كلامه، هذا هو القسم الثالث المتقدم الذكر.
ذكر الحافظ هنا إدغام القاف فى الكاف بشرطين:
أحدهما: تحريك ما قبل الكاف.
والثانى: أن يقع [بعد] (1) الكاف ميم الجمع.
وإنما شرط هذين الشرطين لأن الكلمة تطول بالميم وتثقل بالحركة فيحسن التخفيف بالإدغام.
واعلم أن الذى أوجب التقارب بين القاف والكاف، اشتراكهما [فى] (2) الشدة، واتصال مخرجيهما (3).
مطلب «خلقكم» ومثله
واعلم أن جملة ما ورد فى القرآن من هذا النوع، تسع كلمات، تكرر بعضها فبلغت سبعة وثلاثين موضعا:
إحداها (4) {خَلَقَكُمْ} فى البقرة [21]، والنساء [1]، والأنعام [2]، والأعراف [189]، والنحل [70]، والشعراء [184].
وفى ثلاثة مواضع من الروم [20، 40، 54]، وفاطر [11]، والصافات [96]،
__________
وخصّم خصّما، وقرأ الحسن: (إلا من خطّف الخطفة) فزاد فى المصدر هاء، والقياس يقتضى أن تقول فى المصدر: خصّاما، بكسر الخاء وفتح الصاد على اللغة الأولى والثانية، وقياسه على اللغة الثالثة: خصم، بكسر الخاء والصاد.
وما عدا ما ذكر لا يجوز فيه إدغام المتقاربين، إلا ألفاظا شذت تحفظ ولا يقاس عليها، وهى: ستّ وودّ، وعدّان، والأصل: سدس، ووتد، وعتدان ينظر: 15). / 152150).
(1) سقط فى ب.
(2) سقط فى ب.
(3) جاء فى لسان العرب: القاف والكاف لهويتان، وقال أبو عبد الرحمن: تأليفهما معقوم فى بناء العربية لقرب مخرجيهما، إلا أن تجىء كلمة من كلام العجم معربة، والقاف أحد الحروف المجهورة، ومخرج الجيم والقاف والكاف بين عكدة اللسان وبين اللهاة فى أقصى الفم، والقاف والجيم كيف قلبتا لم يحسن تأليفهما إلا بفصل لازم، وقد جاءت كلمات معربات فى العربية ليست منها، والعين والقاف لا تدخلان على بناء إلا حسنتاه لأنهما أطلق الحروف، أما العين فأنصع الحروف جرسا وألذها سماعا، وأم القاف فأمتن الحروف وأصحها جرسا، فإذا كانتا أو إحداهما فى بناء حسن لنصاعتهما، فإن كان البناء اسما لزمته السين والدال مع لزوم العين والقاف.
ينظر: لسان العرب (5/ 3506).
(4) فى ب: أحدها.(1/252)
والزمر [6]، وغافر [67]، وفصلت [21]، والتغابن [2]، وسورة نوح عليه السلام [14].
الثانية {رَزَقَكُمُ} فى العقود [المائدة: 88]، والأنعام [142]، والأعراف [160]، والأنفال [26].
وفى موضعين من النحل [72، 114]، وفى الروم [40]، ويس [47]، وغافر [64].
والثالثة {يَرْزُقُكُمْ} فى سورة يونس عليه السلام [31]، وفى النمل [64]، وسبأ [24]، وفاطر [3]، والملك [21].
والرابعة {سَبَقَكُمْ} فى الأعراف [80]، والعنكبوت [28].
والخامسة {صَدَقَكُمُ} فى آل عمران [152].
والسادسة {وََاثَقَكُمْ} فى العقود [المائدة: 7].
السابعة {نَرْزُقُكُمْ} فى الأنعام [151].
الثامنة {فَيُغْرِقَكُمْ} فى الإسراء [69].
التاسعة {يَخْلُقُكُمْ} الزمر [6].
واعلم أن قولنا فى هذا: متقاربان فى كلمة، من باب المجاز كما تقدم فى قولنا:
مثلان فى كلمة.
وافق الإمام الحافظ على الإدغام فى جميع ما تقدم، وزاد أربعة مواضع مما قبل الكاف ساكن:
أحدهما {بِوَرِقِكُمْ} فى الكهف [19].
الثانى {مََا خَلْقُكُمْ} فى لقمان [28].
الثالث {وَفِي خَلْقِكُمْ} فى الجاثية [4].
الرابع {رِزْقُكُمْ} فى الذاريات [22].
فذكر الإدغام فيها باختلاف، وإدغامها رواية أحمد بن موسى، وعباس ابن الفضل، ويسوغه فى {بِوَرِقِكُمْ} و {فِي خَلْقِكُمْ} صحة روح الحركة فى القاف، وفى الموضعين الباقيين جواز الروم والإشمام، والإظهار أحسن فى أربعتها من أجل الساكن قبل القاف.
ونص الحافظ على أنه يظهر ما قبل القاف فيه ساكن، يقتضى الإظهار فى هذه
الأربعة التى زاد الإمام، وفى {مِيثََاقَكُمْ} [البقرة: 63]، و {بِخَلََاقِكُمْ} [التوبة: 69]، و {أَوْ صَدِيقِكُمْ}
[النور: 61]، و {فَوْقَكُمُ} [البقرة: 63]، وكذلك إذا لم يكن بعد الكاف ميم، وهو قوله تعالى: {إِلى ََ عُنُقِكَ} فى الإسراء [29]، و {خَلَقَكَ} فى الكهف [37]، والانفطار [7]. و {نَرْزُقُكَ} فى طه [132] وليس فى القرآن غيرها.(1/253)
ونص الحافظ على أنه يظهر ما قبل القاف فيه ساكن، يقتضى الإظهار فى هذه
الأربعة التى زاد الإمام، وفى {مِيثََاقَكُمْ} [البقرة: 63]، و {بِخَلََاقِكُمْ} [التوبة: 69]، و {أَوْ صَدِيقِكُمْ}
[النور: 61]، و {فَوْقَكُمُ} [البقرة: 63]، وكذلك إذا لم يكن بعد الكاف ميم، وهو قوله تعالى: {إِلى ََ عُنُقِكَ} فى الإسراء [29]، و {خَلَقَكَ} فى الكهف [37]، والانفطار [7]. و {نَرْزُقُكَ} فى طه [132] وليس فى القرآن غيرها.
وقوله: «وشبهه» يحرز بعض الأمثلة التى قبل القاف فيها ساكن، أو ليس بعد الكاف فيها ميم مما تقدم، فتأمله، والله تعالى جده أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «واختلف أهل الأداء فى قوله تعالى: {إِنْ طَلَّقَكُنَّ}» إلى آخر كلامه.
وذكر الإمام أن اليزيدى روى فيه الإظهار، وروى عباس الإدغام، وهو أكثر.
قال الحافظ هنا عن ابن مجاهد، وأصحابه بالإظهار، وقال: «وقرأته أنا بالإدغام وهو القياس لثقل الجمع والتأنيث».
وقال فى «التفصيل»: «وبالوجهين قرأته أنا». واختار فيه الإدغام، وعلله بالثقل كما تقدم.
ثم قال: «وكان من أثر الإظهار [أنه] إنما كره أن تجتمع فى الكلمة ثلاثة أحرف مضاعفة لما فيه من الكلفة والثقل».
قال الحافظ: «وألزم اليزيدى أبا عمرو بإدغامه».
وفى بعض النسخ: «أبا عمر» بضم العين وبفتح الميم وهو اسم الدورى وهو تصحيف، والصحيح: أبا عمرو، بفتح العين وإسكان الميم، وهو اسم الإمام ابن العلاء.
ويدل على صحة ذلك قوله: «فدل على أنه يرويه عنه بالإظهار» يريد: فدل هذا الإلزام على أن اليزيدى يرويه عن أبى عمرو بالإظهار، وتصحيح (1) هذا الاستدلال يتوقف على بيان وجه الإلزام.
وبيانه أن اليزيدى يقول لشيخه ابن العلاء: «قد اجتمع فى هذا الحرف الشروط التى تعتبر فى إدغام القاف فى الكاف إذا كانا فى كلمة، وذلك: تحريك ما قبل القاف، ووقوع حرف الجمع بعد الكاف، فالنون هنا بعد الكاف تدل على جماعة
__________
(1) فى أ: يصحح.(1/254)
المؤنث، كما أن الميم فى «رزقكم» وأخواته تدل على جماعة المذكرين، مع أن التأنيث أثقل من التذكير، فليكن الإدغام هنا أوكد، فهذا وجه الإلزام (1).
وأما تصحيح الاستدلال على ما قلته فهو أنك إنما تقول: ألزمت فلانا كذا، إذا كان قائلا بخلاف ما ألزمته، ويكون مع ذلك من أصول مذهبه ما يقتضى القول بما ألزمته، وهذه الشروط موجودة فى مسألتنا على ما تقرر فى وجه الإلزام ولهذا قال الحافظ: «فدل على أنه كان يرويه عنه بالإظهار» يريد: لو كان اليزيدى يرويه عن ابن العلاء بالإدغام لم يكن لإطلاق لفظ الإلزام معنى، فهذا وجه صحة ثبوت «أبا عمرو» اسم الشيخ، فأما «أبا عمر» اسم الدورى فلا وجه لثبوته هنا لأنه إذا ألزم اليزيدى أبا عمر الدورى إدغام هذا الحرف فمعناه أنه قال له: اقرأه بالإدغام واروه عنى بالإدغام، وإذا كان كذلك بطل أن يرويه الدورى عن اليزيدى بالإظهار، ولم يعقل أن يستدل بهذا على أن اليزيدى يرويه عن ابن العلاء بالإظهار، فتأمل هذا كله، والله جل وعلا أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فأما ما كان من المتقاربين من كلمتين»، هذا هو القسم الرابع المتقدم الذكر.
قال الحافظ: «أدغم من ذلك ستة عشر حرفا لا غير، وهى» كذا، وذكر أنه جمعها فى قوله: «سنشد حجتك بذل رض قثم».
وقد جمعتها أنا فى قولك:
لذ ضحك بشر ... قنت ثم سجد
واعلم أن الإمام وافقه على إدغام هذه الحروف، وزاد العين فى قوله تعالى:
{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} فى النساء [46]، وقال: «باختلاف عنه، والإدغام رديء جدّا، [و] (2) هو رواية محمد بن رومِِيّ، عن خالد (3) بن جبلة (4)، عن أبى عمرو فى هذا الحرف وحده، وقياسه: {يَبْتَغِ غَيْرَ} [آل عمران: 85]» انتهى.
__________
(1) يقول السمين الحلبى فى الدر المصون (6/ 337): (أدغم أبو عمرو القاف فى الكاف على رأى بعضهم، وهو أولى من {يَرْزُقُكُمْ} ونحوه لثقل التأنيث).
(2) سقط فى أ.
(3) خالد بن جبلة، أبو الوليد اليشكرى المدنى، روى القراءة عن أبى عمرو بن العلاء، روى القراءة عنه حماد بن شعيب البزاز.
ينظر: غاية النهاية (1/ 269) (1214).
(4) فى ب: جفلة.(1/255)
قال الحافظ فى «التفصيل»، «إن اليزيدى قرأهما بالإظهار» قال: «وبذلك قرأتهما». واعلم أنه قد تقرر أن الأصل فى هذا الباب أن يكون الحرف الأول متحركا قبل الإدغام بخلاف هذين الحرفين، فلو كان أبو عمرو يختار إدغامهما لما خصهما بالإدغام الكبير، والله عز وجل أعلم.
قال الحافظ رحمه الله «ما لم يكن الأول منونا أو مشددا أو تاء الخطاب أو معتلّا»، وذكر مثالا من كل واحد من هذه الأصناف الأربعة، وجملة ما فى القرآن من تاء الخطاب فى هذا الفصل اثنا عشر موضعا، وهى:
{لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61]، و {وَمََا كُنْتَ ثََاوِياً} [القصص: 45]، و {وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَّ} [الإنسان: 20]، و {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ} [الأعراف: 106]، و {فَأَكْثَرْتَ جِدََالَنََا} [هود: 32]، و {وَلَوْلََا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} [الكهف: 39]، و {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} [طه: 36]، و {أَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ سُبْحََانَكَ} [الأنبياء: 87]، و {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} [طه: 40]، و {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف: 74]، و {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف: 71]، و {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا} [مريم: 27] وسيأتى الخلاف فى هذا الأخير.
وأما المعتل فجاء منه فى القرآن ثلاثة ألفاظ:
أحدها: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} فى البقرة [247] ولا خلاف فى إظهاره.
والثانى: {وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} فى النساء [102].
والثالث: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ حَقَّهُ} فى الإسراء [26]، والروم [38]، وفيهما خلاف نذكره بعد. وقد تقدم فى القسم الثانى وجه منع هذه الأصناف فأغنى عن إعادته هنا، والله عز وجل أعلم.
إدغام الحاء فى العين (1)
قال الحافظ رحمه الله: «فأما الحاء فأدغمها فى العين فى قوله: {فَمَنْ}
__________
(1) ذهب النحاة إلى أنه إذا اجتمعت العين مع الحاء، لم يخل الأمر عن حالين:
أحدهما: أن تتقدم العين.
والثانى: أن تتأخر.
فإن تقدمت العين على الحاء، كنت بالخيار: إن شئت أدغمت، فقلبت العين حاء، وإن شئت لم تدغم. وإن تأخرت العين وتقدمت الحاء، فالبيان، ولا يجوز الإدغام، إلا أن(1/256)
{زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران: 85] لا غير»، ثم قال: «وأظهرها فيما عدا هذا الموضع» إلى آخر كلامه.
اعلم أن جملة ما فى القرآن من الحاء عند العين ثمانية ألفاظ، تكرر بعضها فبلغ الجميع خمسة وعشرين موضعا:
فأحد هذه الألفاظ {جُنََاحَ عَلَيْهِ} فى ستة مواضع من البقرة [158، 198، 229، 230، 233، 234]، وفي أربعة مواضع من النساء [23، 24، 51، 128]، وفي موضعين من الأحزاب [5، 51] وفي موضع من الممتحنة [10].
الثاني: {الْمَسِيحُ عِيسَى} فى موضع من آل عمران [45]، وموضعين من النساء [157، 170].
والثالث: {زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} فى آل عمران [85].
الرابع: {ذُبِحَ عَلَى} فى المائدة [3].
الخامس: {لََا يُصْلِحُ عَمَلَ} فى سورة يونس عليه السلام [81].
السادس: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ} فى طه [91].
السابع: {الرِّيحَ عََاصِفَةً} فى الأنبياء عليهم السلام [81].
الثامن: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} فى الزخرف [89] غير أن هذا الحرف الأخير ساكن الحاء وهو خلاف أصل هذا الباب كما تقدم.
فمذهب الحافظ الإدغام فى قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ}
[آل عمران: 185] خاصة.
وذكر الإمام فيه اختلافا، وأنه قرأه بالوجهين وقال: «وكان أبو عمرو يكره إدغام
__________
تقلب العين حاء، وتدغم الحاء فى الحاء.
ذكره ابن عصفور فى 15). / 9، 10).
وقال سيبويه: والعين مع الحاء كقولك: اقطع حملا، الإدغام حسن والبيان حسن لأنهما من مخرج واحد.
ولم تدغم الحاء فى العين فى قولك: امدح عرفة لأن الحاء قد يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين، وهى مثلها فى الهمس والرخاوة مع قرب المخرجين، فأجريت مجرى الميم مع الباء فجعلتها بمنزلة الهاء، كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء. ولم تقو العين على الحاء إذ كانت هذه قصتها، وهما من المخرج الثانى من الحلق، وليست حروف الحلق بأصل للإدغام. ولكنك لو قلبت العين حاء فقلت فى «امدح عرفة»: امد حرفة، جاز ينظر الكتاب (4/ 451).(1/257)
الحاء فى العين، وقوم من العرب يدغمونها فيها والإدغام رواية أبى عبد الرحمن ابن اليزيدى (1)، عن أبيه عنه (2).
وذكر الإمام أيضا فى سائر الألفاظ الباقية الوجهين، وأن الإظهار أحسن، وأن الإدغام فى {وَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 102] و {الْمَسِيحَ عِيسَى} [النساء: 157] رواية القاسم بن عبد الوارث، عن الدورى، عن اليزيدى، عن أبى عمرو وأن إدغام {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [الزخرف: 89] رواية شجاع (3).
فأما قوله تعالى: {الرِّيحَ عََاصِفَةً} فى سورة الأنبياء عليهم السلام [81] فلم يذكره فى الإدغام، وقياس من أدغم {الْمَسِيحَ عِيسَى} [النساء: 157] الأول من سورة النساء أن يدغم {الرِّيحَ عََاصِفَةً} [الأنبياء: 81] إذ الحاء فيهما منصوبة بعد ياء المد،
__________
(1) عبد الله بن يحيى بن المبارك، أبو عبد الرحمن بن أبى محمد اليزيدى البغدادى، مشهور ثقة، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الغاية، جامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل أبيه عن أبى عمرو، وله عنه نسخة، قال الحافظ الدانى: وهو من أجل الناقلين عنه، وله كتاب حسن فى غريب القرآن، روى عنه القراءة ابنا أخيه العباس وعبد الله ابنا محمد ابن أبى محمد، وأحمد بن إبراهيم وراق خلف، والغاية الجامع، الكفاية، الكامل جعفر بن محمد الأدمى والكفاية الكبرى بكران بن أحمد.
ينظر: غاية النهاية (1/ 463) (1929).
(2) جاء فى اللباب فى علوم الكتاب: قوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} أدغم أبو عمرو الحاء فى العين، قالوا: لطول الكلمة، وتكرير الحاء، دون قوله: {ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] وقوله: {الْمَسِيحُ عِيسَى} [آل عمران: 45]، ونقل عنه الإدغام مطلقا، وعدمه مطلقا، والنحويون يمنعون ذلك، ولا يجيزونه إلا بعد أن يقلبوا العين حاء ويدغموا الحاء فيها، قالوا: لأن الأقوى لا يدغم فى الأضعف، وهذا عكس الإدغام: أن تقلب فيه الأول للثانى إلا فى مسألتين: إحداهما: هذه، والثانية: الحاء فى الهاء، نحو: امدح حلالا بقلب الهاء حاء أيضا ولذلك طعن بعضهم على قراءة أبى عمرو، ولا يلتفت إليه. ومعنى الكلام {فَمَنْ زُحْزِحَ} أى: نحى وأزيل عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.
ينظر اللباب: (6/ 99).
(3) شجاع بن أبى نصر، أبو نعيم البلخى ثم البغدادى الزاهد، ثقة كبير، سئل عنه الإمام أحمد فقال: بخ بخ، وأين مثله اليوم؟! ولد سنة عشرين ومائة ببلخ، وعرض على جامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل أبى عمرو بن العلاء وهو من جلة أصحابه، وسمع من عيسى ابن عمرو صالح المرى، روى القراءة عنه جامع البيان، الكامل أبو عبيد القاسم ابن سلام وجامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل محمد بن غالب جامع البيان أبو نصر القاسم بن على وأبو عمر الدورى، مات ببغداد سنة تسعين ومائة وله سبعون سنة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 324) (1416).(1/258)
والله جل وعلا أعلم.
ووجه التقارب بين الحاء والعين: اتحاد المخرج، ولم يفترقا إلا فى وجه واحد وهو البحاح الذى فى الحاء، فلو زال صارت عينا مجهورة، كما أنه لو زال الجهر عن العين صارت حاء ببحة (1)، والله سبحانه أعلم.
وقد تقدم أن هذا الإدغام شذوذ فإنه يقلب الحاء عينا، وتقدم أن المستعمل فى مثل هذا قلب العين حاء، والله سبحانه أعلم.
إدغام القاف فى الكاف (2)
قال الحافظ: «وأما القاف فكان يدغمها فى الكاف إذا تحرك ما قبلها».
اعلم أن جملة ما فى القرآن من هذا النوع ستة ألفاظ، تكرر بعضها فبلغ الجميع أحد عشر موضعا:
__________
(1) قال الخليل: الحاء: حرف مخرجه من الحلق، ولولا بحة فيه لأشبه العين. قال: وبعد الحاء الهاء ولم يأتلفا فى كلمة واحدة أصلية الحروف. وقبح ذلك على ألسنة العرب لقرب مخرجيهما لأن الحاء فى الحلق بلزق العين. وكذلك الحاء والهاء، ولكنهما يجتمعان فى كلمتين، لكل واحدة معنى على حدة، كقول لبيد:
يتمادى فى الذى قلت له ... ولقد يسمع قولى: حى هل!
ينظر لسان العرب (2/ 741).
وحكى الأزهرى عن الليث بن المظفر قال: لما أراد الخليل بن أحمد الابتداء فى كتاب العين أعمل فكره فيه، فلم يمكنه أن يبتدى من أول: اب ت ث لأن الألف حرف معتل، فلما فاته أول الحروف كره أن يجعل الثانى أولا، وهو الباء، إلا بحجة، وبعد استقصاء تدبر ونظر إلى الحروف كلها، وذاقها، فوجد مخرج الكلام كله من الحلق، فصيّر أولاها بالابتداء به أدخلها فى الحلق. وكان إذا أراد أن يذوق الحرف فتح فاه بألف، ثم أظهر الحرف، نحو:
أب، أت، أح، أع، فوجد العين أقصاها فى الحلق وادخلها، فجعل أول الكتاب: العين، ثم ما قرب مخرجه منها بعد العين، الأرفع فالأرفع، حتى أتى على آخر الحروف، وأقصى الحروف كلها: العين، وأرفع منها الحاء، ولولا بحة فى الحاء لأشبهت العين لقرب مخرج الحاء من العين، ثم الهاء، ولولا هتّة فى الهاء وقال مرة: ههة فى الهاء لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من الحاء، فهذه الثلاثة فى حيز واحد، فالعين والحاء والهاء والخاء والغين حلقية، فاعلم ذلك.
قال الخليل: العين والحاء لا يأتلفان فى كلمة واحدة أصلية الحروف لقرب مخرجيهما إلا أن يؤلف فعل من جمع بين كلمتين، مثل حىّ على، فيقال منه: حيعل، والله أعلم.
ينظر لسان العرب (4/ 2772).
(2) قال سيبويه: القاف مع الكاف كقولك: الحق كلدة، الإدغام حسن والبيان حسن. وإنما أدغمت لقرب المخرجين، وأنهما من حروف اللسان، وهما متفقان فى الشدة.
ينظر الكتاب (4/ 252).(1/259)
أحد الألفاظ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فى الأنعام [101]، والنور [45]، والفرقان [2].
الثانى {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فى الأنعام [102]، والرعد [16]، والزمر [62]، وغافر [62].
الثالث: {يَخْلُقُ كَمَنْ} فى النحل [17].
الرابع: {يُنْفِقُ كَيْفَ} فى العقود [المائدة: 64].
الخامس: {أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فى فصلت: [21].
السادس: {فِيهََا يُفْرَقُ كُلُّ} فى الدخان [4].
قال الحافظ رحمه الله: «فإن سكن ما قبلها لم يدغمها نحو: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] وشبهه».
اعلم أنه ليس فى القرآن من هذا غير هذه الكلمة، والله تبارك وتعالى أعلم.
وافقه الإمام على ما تقدم فى القاف.
وقد تقدم وجه التقارب بين القاف والكاف، فأغنى عن إعادته.
إدغام الكاف فى القاف (1)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الكاف فأدغمها أيضا فى القاف، إذا تحرك ما قبلها».
اعلم أن جملة الوارد من هذا فى القرآن اثنان وثلاثون موضعا:
منها فى البقرة: {وَنُقَدِّسُ لَكَ قََالَ} [30]، {كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ}
[113]، {كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [118]، {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً} [144]، {مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [204].
وفى النساء: {مِنْ عِنْدِكَ قُلْ} [78]، {عَلى ََ ذََلِكَ قَدِيراً} [133]، {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ} [176].
وفى الأعراف: {إِذْ أَمَرْتُكَ قََالَ} [12]، {وَآلِهَتَكَ قََالَ} [127].
وفى الأنفال: {فِي مَنََامِكَ قَلِيلًا} [43].
وفى التوبة: {ذََلِكَ قَوْلُهُمْ} [30].
__________
(1) قال سيبويه: والكاف مع القاف: انهك قطنا، البيان أحسن والإدغام حسن، وإنما كان البيان أحسن لأن مخرجهما أقرب مخارج اللسان إلى الحلق، فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام.
ينظر: الكتاب (4/ 452).(1/260)
وفى سورة يوسف عليه السلام: {هَيْتَ لَكَ قََالَ} [23].
وفى الإسراء: {أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [16].
وفى الكهف: {جَنَّتَكَ قُلْتَ} [39].
وفى كهيعص: {كَذََلِكَ قََالَ رَبُّكَ} [9]، {كَذََلِكِ قََالَ} [21].
وفى طه: {بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ} [130].
وفى الفرقان: {لَكَ قُصُوراً} [10]، {وَكََانَ رَبُّكَ قَدِيراً} [54]، {وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً} [67].
وفى النمل: {عَرْشُكِ قََالَتْ} [42]، {وَبِمَنْ مَعَكَ قََالَ} [47].
وفى الزمر: {بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} [8].
وفى غافر: {هَلَكَ قُلْتُمْ} [34].
وفى الزخرف: {رَبُّكَ قََالَ إِنَّكُمْ} [77].
وفى القتال: {مِنْ عِنْدِكَ قََالُوا} [محمد: 16].
وفى ق: {بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ} [39].
وفى الذاريات: {مَنْ أُفِكَ قُتِلَ} [109]، {كَذََلِكَ قََالَ رَبُّكِ} [30].
وفى الفجر: {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ} [5].
قال الحافظ رحمه الله: «فإن سكن ما قبل الكاف لم يدغمها».
اعلم أن من جملة ما ورد من هذا فى القرآن ستة مواضع:
منها:
{أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قََالَ} [143]، {إِنََّا هُدْنََا إِلَيْكَ قََالَ} [156] فى الأعراف.
{وَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} فى سورة يونس عليه السلام [65]، ويس [76].
و {وَتَرَكُوكَ قََائِماً} فى الجمعة [11].
و {عَلَيْكَ قَوْلًا} فى المزمل [5].
وافقه الإمام على كل ما تقدم فى الكاف إلا فى قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قََائِماً}
[الجمعة: 11] فإنه ذكر فيه الإدغام بخلاف، وإنما لم يدغم إذا سكن ما قبل الكاف استغناء بخفة الساكن عن تخفيف الإدغام، والله جل جلاله أعلم.(1/261)
وافقه الإمام على كل ما تقدم فى الكاف إلا فى قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قََائِماً}
[الجمعة: 11] فإنه ذكر فيه الإدغام بخلاف، وإنما لم يدغم إذا سكن ما قبل الكاف استغناء بخفة الساكن عن تخفيف الإدغام، والله جل جلاله أعلم.
إدغام الجيم فى الشين
(1)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الجيم فإدغامها فى الشين فى قوله تعالى:
{أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29] وفى التاء فى (2) قوله تعالى: {ذِي الْمَعََارِجِ تَعْرُجُ}
[المعارج: 43] لا غير».
اعلم أن الجيم لم تلق الشين والتاء من كلمتين فى غير هذين الموضعين.
وذكر الإمام خلافا فى {ذِي الْمَعََارِجِ تَعْرُجُ}، وأن الإدغام رواية أبى عبد الرحمن عن أبيه، عن أبى عمرو (3)، ولم يذكر فى إدغام الحرف الأول خلافا، والتقارب الذى بين الجيم والشين هو باتحاد (4) المخرج، وأما مقاربة الجيم للتاء، فإنهما مشتركان فى الشدة.
وعلل الحافظ جواز إدغام الجيم فى التاء، وإن لم تكن من مخرجها، بأن الشين من مخرج الجيم والشين تتصل بما فيها من التفشى بمخرج التاء.
وهذا التعليل يقتضى أن يكون إدغام الشين فى التاء أولى، لكن منع من ذلك ما كان يؤدى إليه الإدغام من إذهاب التفشى، وهو زيادة فى الشين من غير أن يخلفه شىء، وقد مر فى مقدمة الباب أن الشين يدغم فيه مقاربه، ولا يدغم هو فى
__________
(1) قال سيبويه: الجيم مع الشين، كقولك: ابعج شبثا، الإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وهما من حروف وسط اللسان.
ينظر: الكتاب (4/ 452).
(2) فى ب: من.
(3) قال السمين الحلبى: أدغم أبو عمرو الجيم فى التاء، واستضعفها بعضهم من حيث إن مخرج الجيم بعيد من مخرج التاء، وأجيب عن ذلك بأنها قريبة من الشين لأن النفس الذى فى الشين يقربها من مخرج التاء، والجيم تدغم فى الشين لما بينهما من التقارب فى المخرج والصفة، فحمل الإدغام فى التاء على الإدغام فى الشين لما بين الشين والتاء من التقارب.
وأجيب أيضا بأن الإدغام أيضا يكون لمجرد الصفات، وإن لم يتقاربا فى المخرج، والجيم تشارك التاء فى الاستفال والانفتاح والشدة.
ينظر: الدر المصون (6/ 374).
(4) قال ابن منظور: والجيم والشين والضاد ثلاثة فى حيز واحد، وهى من الحروف الشجرية، والشجر: مفرج الفم، ومخرج الجيم والقاف والكاف بين عكدة اللسان، وبين اللهاة فى أقصى الفم.
ينظر: اللسان (1/ 527).(1/262)
مقاربه (1)، وقد لقيت الشين التاء فى مواضع من القرآن فى كلمة واحدة، وذلك فى بناء «افتعل» وما تصرف منه نحو {اشْتَرى ََ} [التوبة: 111] و {اشْتَدَّتْ}
[إبراهيم: 18] و {اشْتَمَلَتْ} [الأنعام: 143] {وَاشْتَعَلَ} [مريم: 4] و {يَشْتَهُونَ}
[سبأ: 54] و {مُشْتَرِكُونَ} [الصافات: 33] ولم يدغم شىء من ذلك، والله جل وعلا أعلم.
وقوله: «لا غير» يعطى حصر الإدغام فى هذين المثالين خاصة، وليس فيه دلالة على أنه ليس فى القرآن غيرهما.
ويمكن أن يكون قوله: «لا غير» حصرا لإدغام (2) الجيم فى الشين والتاء دون غيرهما من الحروف، والمفهوم الأول أظهر، والله سبحانه أعلم.
إدغام الشين فى السين
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الشين فأدغمها فى السين فى قوله تعالى:
{إِلى ََ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 43] لا غير».
اعلم أن الحافظ ذكر فى «التفصيل» خلافا فى هذا الحرف، وكذلك ذكر الإمام أن الإظهار أرجح لما فى الإدغام من إذهاب التفشى والتقاء الساكنين، والأول حرف صحيح.
ووجه جواز الإدغام: أن إذهاب التفشى يخلفه الصفير، وتخف الكلمة بزوال الكسرة.
وهذان التعليلان إنما يصحان إذا حمل الإدغام على ظاهره، فأما إن أخذ بمعنى الإخفاء وروم الحركة فلا يصح التعليل بما تقدم.
__________
(1) قال سيبويه: ومن الحروف حروف لا تدغم فى المقاربة وتدغم المقاربة فيها. وتلك الحروف: الميم، والراء، والفاء، والشين
والشين لا تدغم فى الجيم لأن الشين استطال مخرجها لرخاوتها حتى اتصل بمخرج الطاء، فصارت منزلتها منها نحوا من منزلة الفاء مع الباء، فاجتمع هذا فيها والتفشى فكرهوا أن يدغموها فى الجيم كما كرهوا أن يدغموا الراء فيما ذكرت لك، وذلك قولك: افرش جبلة. وقد تدغم الجيم فيها كما أدغمت ما ذكرت لك فى الراء، وذلك:
أخر شّبثا.
ينظر الكتاب (4/ 449448447).
(2) فى ب: إدغام.(1/263)
ولا شك أن الإخفاء أولى هربا من التقاء الساكنين، ولما تقدم من أن الشين لا تدغم فى مقاربها، ويحمل الإدغام إن ثبت على أنه شاذ إذ القوانين التى (1) تقدم تقريرها إنما هى مبنية على فصيح الكلام، وقد تقدم ذكر هذا.
واعلم أنه لم تلق الشين المعجمة السين المهملة من كلمتين فى غير هذا الموضع من القرآن إلا فى {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ} فى طه [الآية: 5]، ومنع إدغامه سكون الثانى منهما.
ووجه التقارب بين الشين والسين: اتفاقهما فى الهمس والرخاوة والاستفال، وأن فى الشين التفشى وفى السين الصفير، وكلاهما زيادة فى الحرف، وأن مخرج الشين من وسط اللسان ومخرج السين من طرفه فلحقه (2) الشين بما فيه من التفشى، والله [تبارك] (3) وتعالى أعلم.
إدغام الضاد فى الشين
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الضاد فأدغمها فى الشين فى قوله تعالى:
{لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور: 62] لا غير».
اعلم أن الضاد لقيت الشين فى القرآن من كلمتين فى ثلاثة مواضع:
أحدها: {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} فى النور [62]، نص الحافظ على إدغامه، وذكر الإمام فيه خلافا (4).
__________
(1) فى ب: الذى.
(2) فى ب: فيلحقه.
(3) سقط فى ب.
(4) أظهر العامة الضاد عند الشين. وأدغمها أبو عمرو فيها لما بينهما من التقارب: لأن الضاد من أقصى حافة اللسان، والشين من وسطه. وقد استضعفت جماعة من النحويين هذه الرواية، واستبعدوها عن أبى عمرو رأس الصناعة من حيث إن الضاد أقوى من الشين، ولا يدغم الأقوى فى الأضعف، وأساء الزمخشرى على راويها السوسى. وقد أجاب الناس عنه، فقيل: وجه الإدغام: أن الشين أشد استطالة من الضاد، وفيها تفشى ليس فى الضاد، وفقد صارت الضاد أنقص منها، وإدغام الأنقص فى الأزيد جائز، قال: ويؤيد هذا أن سيبويه حكى عن بعض العرب: (اطجع) فى (اضطجع)، وإذا جاز إدغامها فى الطاء فإدغامها فى الشين أولى.
والخصم لا يسلم جميع ما ذكر، ومستند المنع واضح.
ينظر اللباب (14/ 465464).(1/264)
الثانى: {وَالْأَرْضِ شَيْئاً} فى النحل [الآية: 73]، قال الحافظ فى «التفصيل» لما ذكر الحرف الذى فى النور: «وقياسه قوله تعالى فى النحل: {وَالْأَرْضِ شَيْئاً}» ثم قال: «ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء فى إظهاره».
ولا فرق بينهما إلا إرادة الجمع بين اللغتين، وذكر الإمام فيه أيضا الخلاف كالحرف الذى فى النور، وأن الإدغام فيهما رواية أبى شعيب عن اليزيدى.
الثالث: {الْأَرْضَ شَقًّا} فى عبس [26]، ولا خلاف فى إظهاره لخفة فتحة الضاد.
واعلم أن الإدغام فيما ذكر رديء لما فيه من التقاء الساكنين والأول حرف صحيح، مع أن الضاد من الحروف التى لا تدغم فى مقاربها كما تقدم إلا فيما شذ لما فى إدغامها من إذهاب الجهر والإطباق.
ولا مقاربة بين الضاد والشين، غير أنها لاستطالتها تتصل بمخرج الشين، والله [سبحانه] (1) أعلم.
فإن قيل: نص الحافظ على أنه لا يعلم خلافا فى حرف النحل أنه مظهر، ونص الإمام على أن الإدغام فيه رواية أبى شعيب فكيف هذا؟
فالجواب: أنه يمكن الجمع بينهما، بأن الرواية خلاف التلاوة، كما تقرر فى باب البسملة. أو بلغ أحدهما ما لم يبلغ الآخر، وهذا التوجيه الثانى أظهر لقول الحافظ: «ولا فرق بينهما إلا إرادة الجمع بين اللغتين» فظهر أن الحافظ لم يبلغه ما بلغ الإمام، والله [عز وجل] (2) أعلم.
[إدغام الضاد فى الذال]
وذكر الإمام إدغام الضاد فى الذال، وجملته فى القرآن خمسة مواضع:
منها فى آل عمران: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً} [الآية: 91].
وفى المائدة: {مِنَ الْأَرْضِ ذََلِكَ} [الآية: 33] و {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [الآية: 49].
وفى الملك: {الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الآية: 15].
وفى الطارق: {وَالْأَرْضِ ذََاتِ الصَّدْعِ} [الآية: 12].
__________
(1) سقط فى ب.
(2) سقط فى ب.(1/265)
وذكر الإمام الخلاف فى حرف آل عمران، وحرف الملك، والمفهوم عنه أنه أراد الخلاف فى جملتها، ونص على أن الإظهار أكثر، وأن الإدغام رواية قاسم ابن عبد الوارث عن الدورى، عن اليزيدى، ومذهب الحافظ الإظهار فى جميعها إذ فى الإدغام إذهاب الاستعلاء والاستطالة والتقاء الساكنين مع أن الأول حرف صحيح.
قال الحافظ: «وإنما سوغ إدغام الضاد فى الشين أن التفشى قام مقام الاستطالة».
واعلم أنه لا تقارب بين الضاد والذال، غير أن الضاد لاستطالتها تلحق بطرف اللسان، والذال من الطرف، كما تقدم فى المخارج، الله [تبارك وتعالى] (1) أعلم.
إدغام السين فى الزاى والشين (2)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما السين فأدغمها فى الزاى فى قوله تعالى {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] لا غير، وفى الشين بخلاف عنه فى قوله تعالى:
{الرَّأْسُ شَيْباً} (3) [مريم: 4]».
__________
(1) سقط فى ب.
(2) قال ابن عصفور: والسين والزاى، كل واحدة تدغم فى الأخرى، وسواء كان الأول متحركا أو ساكنا، والإدغام أحسن من البيان، إلا أن الإدغام إذا كان الأول ساكنا أحسن منه إذا كان متحركا، نحو قولك: و (لم يحبس زيد)، و (حبس زيد)، و (لم يوجز سّلمة)، و (أوجز سلمة).
ثم الفاء، ولا تدغم فى شىء، وتدغم فيها الباء، بقول: اذهب فى ذلك ثم الباء، وهى تدغم فى الفاء، كما ذكرنا.
ينظر: المقرب (1615).
(3) وقد نص على إدغام أبى عمرو السين فى الشين هاهنا ابن عادل الحنبلى، حيث قال: قوله:
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} أى: ابيض شعر الرأس شيبا.
وفى نصب (شيبا) ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو المشهور أنه تمييز منقول من الفاعلية إذ الأصل: اشتعل شيب الرأس، قال الزمخشرى: (شبه الشيب بشواظ النار فى بياضه، وانتشاره فى الشعر، وفشوّه فيه، وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته، وهو الرأس، وأخرج الشيب مميزا، ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب: أنه رأس زكريا، فمن ثمّ، فصحت هذه الجملة، وشهد لها بالبلاغة).
انتهى، وهذا من استعارة محسوس لمحسوس، ووجه الجمع: الانبساط والانتشار.
والثانى: أنه مصدر على غير الصدر، فإن (اشتعل الرأس) معناه: (شاب).
الثالث: أنه مصدر واقع موقع الحال، أى: شائبا، أو ذا شيب.
وأدغم السين فى الشين أبو عمرو.
ينظر اللباب (13/ 87).(1/266)
اعلم أنه لم تلق السين الزاى فى القرآن على وجه يقبل الإدغام إلا فى هذا الموضع خاصة ولا عبرة بسكون الواو لأنه حرف مد فلا يمنع الإدغام، فأما قوله تعالى فى الكهف {نَفْساً زَكِيَّةً} [الكهف: 74] فالسين منونة، وقد تقدم أن التنوين يمنع الإدغام.
ووجه مقاربة السين الزاى (1): اشتراكهما فى المخرج، والرخاوة، والصفير.
وأما {الرَّأْسُ شَيْباً} ففيه خلاف.
وقال الإمام: «خير فيه أبو عمرو، والإدغام أحسن لثقل الضمة والضم ثقيل، وأيضا فالإشمام ممكن فيه»، كذا قال الإمام.
واعلم أن ما استحسن الإمام هنا من الإدغام لا يستثبت له إلا إذا سهل الهمزة فأبدلها ألفا، وهو الذى عليه جمهور الناس فى الإدغام الكبير، فأما إن أجاز تحقيق الهمزة كما حكى أبو جعفر بن الباذش عن شريح فيقبح الإدغام لما فيه إذ ذاك من التقاء الساكنين والله [جل ذكره] (2) أعلم.
فأما إن أخذ فيه بالروم فيندفع الإدغام الصحيح وترجع المسألة إلى باب الإخفاء كما تقرر ويأتى بحول الله عز وجل.
وحيث يؤخذ فيه بالإدغام الصحيح، فيقوم التفشى عوض الصفير.
ووجه المقاربة بين الشين والسين قد تقدم فأغنى عن إعادته، والله [جل جلاله] أعلم.
فأما قوله تعالى فى سورة يونس عليه السلام: {لََا يَظْلِمُ النََّاسَ شَيْئاً} [الآية:
44] فلا خلاف فى الإظهار لخفة الفتحة وكذلك {بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25] لا خلاف فى إظهاره حيث ورد لأجل التنوين، والله [تعالى جده] (3) أعلم.
__________
(1) قال ابن منظور: الصاد والسين والزاى أسلية لأن مبدأها من أسلة اللسان، وهى مستدق طرف اللسان، وهذه الثلاثة فى حيز واحد، والسين من الحروف المهموسة، ومخرج السين بين مخرجى الصاد والزاى، قال الأزهرى: لا تأتلف الصاد مع السين ولا مع الزاى فى شىء من كلام العرب.
ينظر: اللسان (3/ 1904).
(2) فى ب: تعالى.
(3) سقط فى ب.(1/267)
إدغام الدال فى خمسة أحرف (1)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الدال فأدغمها إذا تحرك ما قبلها فى خمسة أحرف».
اعلم أن مجموع الحروف التى تدغم فيها الدال من هذا الباب عشرة، وهى أوائل كلمات (2) البيت:
شطّت سعاد زمانا ثمّ تيّمها ... ذكرى صديق جزته ظلمها ضررا
وهذه الحروف تنقسم قسمين: قسم لقيته الدال بعد سكون خاصة، وقسم لقيته تارة بعد الحركة، وتارة بعد السكون.
القسم الأول: خمسة أحرف وهى: الضاد، والجيم، والزاى، والظاء، والثاء، فيدغم الدال فى هذه الأحرف الخمسة بشرط أن تكون حركة الدال ضمة أو كسرة.
أما الضاد: فلقيتها الدال على الشرط المذكور فى ثلاثة مواضع لا غير، منها {مِنْ بَعْدِ ضَرََّاءَ} فى سورة يونس عليه السلام [الآية: 21] وفصلت [50] و {مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ} فى الروم [الآية: 54] اتفق الحافظ والإمام على الإدغام.
وأما الجيم فلقيتها الدال على ما تقدم من الشرط فى موضعين:
أحدهما: فى البقرة {دََاوُدُ جََالُوتَ} [الآية: 251].
والثانى: فى فصلت {دََارُ الْخُلْدِ جَزََاءً} [الآية: 28].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام.
وأما الزاى فلقيتها الدال على الشرط المتقدم فى موضعين:
أحدهما: فى الكهف: {تُرِيدُ زِينَةَ} [الآية: 28].
والثانى: فى النور: {يَكََادُ زَيْتُهََا} [الآية: 35].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام.
__________
(1) قال ابن عصفور: الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء، كل واحد منها يدغم فى الخمسة الباقية، وتدغم الخمسة فيه، وتدغم أيضا الستة فى الصاد والجيم والشين والضاد والزاى والسين، إلا أن الإدغام فى جميع ذلك إذا كان الأول ساكنا، أحسن منه إذا كان متحركا.
والإدغام على كل حال أحسن من البيان.
ينظر: 15). / 15).
(2) فى ب: كلم.(1/268)
وأما قوله تعالى: {دََاوُدَ زَبُوراً} فى النساء [163]، وفى الإسراء [55].
فمذهب الحافظ الإظهار فيهما لأن الدال مفتوحة.
وذكر الإمام فيهما الوجهين وأن الإدغام رواية قاسم عن الدورى، عن اليزيدى، عن أبى عمرو، وأن الإظهار [أحسن وأكثر] (1).
وأما الظاء فلقيتها الدال على ما تقدم فى ثلاثة مواضع، منها {يُرِيدُ ظُلْماً} فى آل عمران [الآية: 108]، وغافر [الآية: 31] و {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} فى المائدة [الآية: 39].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام.
وأما الثاء [فلقيتها] (2) الدال على الشرط فى موضعين:
أحدهما: {يُرِيدُ ثَوََابَ} فى النساء [134].
والثانى: {لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ} فى الإسراء [18].
اتفق (3) الحافظ والإمام على الإدغام فيهما.
القسم الثانى: الذى لقيته الدال بعد حركة وبعد سكون الخمسة الباقية، وهى:
الشين، والتاء، والصاد، والسين، والذال، ويشترط إذا سكن ما قبل الدال ولقيت واحدا من هذه الأحرف أن تكون حركة الدال ضمة أو كسرة على ما تقدم، إلا إذا لقيت التاء فإنه يدغمها فيها، سواء كانت محركة بالفتح، أو بالكسر (4) أو بالضم، وكذلك يصنع (5) إذا تحرك ما قبل الدال.
فأما الشين فلقيتها الدال بعد حركة فى موضعين وهما: {وَشَهِدَ شََاهِدٌ} فى سورة يوسف عليه السلام [الآية: 26] والأحقاف [الآية: 10].
اتفق الحافظ والإمام [على الإدغام] (6) فيهما لتحرك ما قبل الدال.
ولقيتها بعد سكون فى موضعين أيضا:
أحدهما: {أَوْ أَرََادَ شُكُوراً} فى الفرقان [الآية: 62].
__________
(1) فى ب: أكثر وأحسن.
(2) سقط فى أ.
(3) فى أ: واتفق.
(4) فى أ: وبالكسر.
(5) فى أ: يضع.
(6) سقط فى أ.(1/269)
والثانى: {دََاوُدَ شُكْراً} فى سبأ [الآية: 13].
مذهب الحافظ الإظهار فيهما لخفة الفتحة وسكون ما قبلها، وذكر الإمام الوجهين، وأن الإظهار أحسن وأكثر.
وأما التاء: فلقيتها الدال بعد الحركة فى قوله تعالى: {فِي الْمَسََاجِدِ تِلْكَ}
فى البقرة خاصة [187]، ولقيتها بعد السكون فى أربعة مواضع:
أحدها: فى المائدة: {مِنَ الصَّيْدِ تَنََالُهُ} [الآية: 94].
الثانى (1): فى التوبة: (كاد تّزيغ) (2) [الآية: 117].
__________
(1) فى أ: والثانى.
(2) هى قراءة غير حمزة وحفص عن عاصم، قال السمين الحلبى فى الدر المصون:
قوله: {(كََادَ يَزِيغُ)} قرأ حمزة، وحفص عن عاصم (يزيغ) بالياء من تحت، والباقون بالتاء من فوق. فالقراءة الأولى يحتمل أن يكون اسم (كاد) ضمير شأن، و (قلوب) مرفوع ب (يزيغ)، والجملة فى محل نصب خبرا لها، وأن يكون اسمها ضمير (القوم)، أو (الجمع) الذى دل عليه ذكر (المهاجرين والأنصار) ولذلك قدره أبو البقاء، وابن عطية: (من بعد ما كاد القوم).
وقال الشيخ أى أبو حيان فى هذه القراءة: (فتعين أن يكون فى (كاد) ضمير الشأن، وارتفاع (قلوب) ب (يزيغ) لامتناع أن يكون (قلوب) اسم (كاد)، و (يزيغ) فى موضع الخبر لأن النية به التأخير، ولا يجوز: من بعد ما كاد قلوب يزيغ، بالياء).
قلت: لا يتعين ما ذكر فى هذه القراءة لأنه يجوز أن يكون اسم (كاد) ضميرا عائدا على (الجمع)، و (القوم)، والجملة الفعلية خبرها، ولا محذور يمنع ذلك من ذلك. وقوله:
لامتناع أن يكون (قلوب) اسم (كاد)، يعنى أنا لو جعلنا (قلوب) اسم (كاد) لزم أن يكون (يزيغ) خبرا مقدما فيلزم أن يرفع ضميرا عائدا على (قلوب)، ولو كان كذلك للزم تأنيث الفعل لأنه حينئذ مسند إلى ضمير مؤنث مجازى لأن جمع التكسير يجرى مجرى المؤنث مجازا.
وأما قراءة التاء من فوق فيحتمل أن يكون فى (كاد) ضمير الشأن، كما تقدم، و (قلوب) مرفوع ب (تزيغ)، وأنث لتأنيث الجمع، وأن يكون (قلوب) اسمها، و (تزيغ) خبر مقدم، ولا محذور فى ذلك لأن الفعل قد أنث.
قال الشيخ: وعلى كل واحد من هذه الاعاريب الثلاثة إشكال، على ما تقرر فى علم النحو من أن خبر أفعال المقاربة لا يكون إلا مضارعا رافعا ضمير اسمها، فبعضهم أطلق، وبعضهم قيد بغير (عسى) من أفعال المقاربة، وألا يكون سببا، وذلك بخلاف (كان) فإن خبرها يرفع الضمير والسببى لاسم (كان)، فإذا قدرنا فيها ضمير الشأن كانت الجملة فى موضع نصب على الخبر، والمرفوع ليس ضميرا يعود على اسم (كاد)، بل ولا سببا له.
وهذا يلزم فى قراءة الياء أيضا. وأما توسط الخبر فهو مبنى على جواز مثل هذا التركيب فى مثل: كان يقوم زيد، وفيه خلاف، والصحيح: المنع وأما الوجه الأخير فضعيف(1/270)
الثالث: فى النحل {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} [الآية: 94].
الرابع (1): فى الملك: {تَكََادُ تَمَيَّزُ} [الآية: 8].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى المواضع الخمسة، وذكر الإمام الإدغام فى {كََادَ يَزِيغُ} و {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} من رواية أبى عبد الرحمن، عن أبيه عن أبى عمرو، ومن رواية عبد الوارث عنه.
وقال: «وكان يجب ألا يدغم لأن الدال مفتوحة، وقد شرط ألا يدغم الحرف المفتوح بعد الساكن فى مقاربه إلا {قََالَ رَبِّ} [مريم: 10] حيث وقع» ثم قال:
«والإدغام فى {كََادَ يَزِيغُ} أحسن منه فى {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} إذ الساكن فى (كاد) حرف مد فجاز لقيه للساكن، والساكن فى (بعد) حرف صحيح.
ثم اتفق الحافظ والإمام على أن الذى سوغ الإدغام فيهما اتحاد المخرج، والله أعلم.
وأما الصاد: فلقيتها الدال بعد الحركة فى موضعين:
أحدهما: {نَفْقِدُ صُوََاعَ} فى سورة يوسف عليه السلام [الآية: 72].
__________
جدا، من حيث أضمر فى (كاد) ضميرا، ليس له على من يعود إلا بتوهم، ومن حيث يكون خبر (كاد) رافعا سببيا.
قلت: كيف يقول: والصحيح المنع؟! وهذا التركيب موجود فى القرآن، كقوله تعالى:
{مََا كََانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ}، و {كََانَ يَقُولُ سَفِيهُنََا}، وفى قول امرئ القيس:
وإن تك قد ساءتك منى خليقة
فهذا التركيب واقع لا محالة. وإنما اختلفوا فى تقديره: هل من باب تقديم الخبر، أم لا؟ فمن منع لأنه كباب المبتدأ والخبر الصريح، والخبر الصريح متى كان كذلك امتنع تقديمه على المبتدأ لئلا يلتبس بباب الفاعل، فكذلك بعد نسخه، ومن أجاز فلأمن اللبس.
ثم قال الشيخ: ويخلص من هذه الإشكالات اعتقاد كون (كاد) زائدة، ومعناها مراد، ولا عمل لها إذ ذاك فى اسم ولا خبر، فتكون مثل (كان) إذا زيدت، يراد معناها، (ولا عمل لها)، ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن مسعود (من بعد ما زاغت) بإسقاط (كاد)، وقد ذهب الكوفيون إلى زيادتها فى قوله تعالى: (لم يكد يراها) مع تأثرها بالعامل، وعملها فيما بعدها، فأحرى أن يدعى زيادتها، وهى ليست عاملة ولا معمولة.
قلت: زيادتها أباه الجمهور، وقال به من البصريين الأخفش، وجعل منه (أكاد أخفيها).
وقرأ الأعمش، والجحدرى: (تزيغ) بضم التاء، وكأنه جعل (أزاغ)، (وزاغ)، بمعنى.
وقرأ أبى: (كادت) بتاء التأنيث.
ينظر الدر المصون (3/ 510509).
(1) فى أ: والرابع.(1/271)
والثانى: فى {مَقْعَدِ صِدْقٍ} فى القمر [الآية: 55].
ولقيتها بعد السكون فى موضعين:
أحدهما: {فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} فى كهيعص [مريم: 29].
والثانى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلََاةِ الْعِشََاءِ} فى النور [الآية: 58].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى الأربعة.
وأما السين: فلقيتها بعد الحركة فى موضع واحد وهو {عَدَدَ سِنِينَ} فى المؤمنين [الآية: 112]، ولقيتها بعد السكون فى ثلاثة مواضع وهى: {فِي الْأَصْفََادِ سَرََابِيلُهُمْ} فى سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم [الآيتان: 5049] و {كَيْدُ سََاحِرٍ} فى طه [الآية: 69] و {يَكََادُ سَنََا بَرْقِهِ} [النور: 43].
وأغفل الحافظ فى «التيسير» الحرف الذى فى طه، وذكره فى «التفصيل».
اتفق الحافظ والإمام فى المواضع الأربعة، وزاد الإمام موضعا خامسا وهو قوله تعالى: {لِدََاوُدَ سُلَيْمََانَ} فى ص [الآية: 30] فأخذ فيه بالإدغام ومذهب الحافظ الإظهار لأن الدال مفتوحة.
وأما الذال: فلقيتها الدال بعد الحركة فى موضع واحد وهو قوله تعالى:
{وَالْقَلََائِدَ ذََلِكَ} فى المائدة [الآية: 97]، ولقيتها بعد السكون فى خمسة عشر موضعا منها: {مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ} فى ثلاثة مواضع من البقرة: [الآيات: 52، 64، 74] وفى موضعين من آل عمران [94، 95] وسورة يوسف عليه السلام [47، 48] والنور [5، 55] وفى موضع [واحد] (1) من المائدة [43]، والتوبة [27] والنحل [119].
ومنها {الْمَرْفُودُ ذََلِكَ} فى سورة هود صلى الله عليه وسلم [99، 100].
و {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذََلِكَ} فى الفتح [الآية: 29] و {الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ} فى البروج [الآيتان: 14، 15].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى هذه المواضع الخمسة عشر، وزاد الإمام موضعا آخر وهو قوله تعالى: {دََاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} فى ص [الآية: 17] فذكر فيه الخلاف، وأن الإدغام رواية أبى عبد الرحمن، عن أبيه عن أبى عمرو، ورواية قاسم ابن عبد الوارث، عن أبى عمرو، والله أعلم.
__________
(1) سقط فى ب.(1/272)
وقول الحافظ فى هذا الفصل بإثر الأمثلة: «لا غير» يقتضى حصر الإدغام فيما ذكر من الأمثلة، وليس يقتضى نفى نظائر تلك الأمثلة من القرآن مع أنه ليس فى القرآن غير ما ذكر، والله تعالى أعلم.
ولو قال بإثر تلك الأمثلة: «وليس فى القرآن غيرها» بدل قوله: «لا غير»، لكان أتم فى إفادة الحصر.
وقوله فى الثانى: «قوله: {مِنَ الصَّيْدِ تَنََالُهُ} [المائدة: 94] و {تَكََادُ تَمَيَّزُ}
[الملك: 8] لا غير»، لا ينتقض بقوله فى آخر الفصل {كََادَ يَزِيغُ} [التوبة: 117] و {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} [النحل: 91] لأنه تكلم أولا فيما إذا كان الدال مضموما أو مكسورا فصح قوله: «لا غير» بعد المثالين.
وقوله فى السين: {فِي الْأَصْفََادِ سَرََابِيلُهُمْ} [إبراهيم: 49، 50] و {يَكََادُ سَنََا بَرْقِهِ} [النور: 43]، ثم قال: «لا غير».
قد تقدم أنه أغفل موضعا ثالثا وهو: {كَيْدُ سََاحِرٍ} [طه: 69] وأثبته فى «التفصيل». وقوله: «وكان ابن مجاهد لا يرى الإدغام فى الحرف الثانى» يعنى به {دََارُ الْخُلْدِ جَزََاءً} [فصلت: 28]، وسماه ثانيا لأن قبله {دََاوُدُ جََالُوتَ}
[البقرة: 251] وظاهر هذا القول تخصيص هذا الحكم بهذا الحرف، ولا معنى له وإنما مراده والله أعلم أنه لا يرى الإدغام فى هذا الحرف، وما كان مثله مما قبل الدال فيه حرف ساكن صحيح فينسحب الحكم على قوله تعالى بعد: {مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ} [آل عمران: 89] و {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} [المائدة: 39] و {فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}
[مريم: 29] و {وَمِنْ بَعْدِ صَلََاةِ الْعِشََاءِ} [النور: 58] و {مِنْ بَعْدِ ضَرََّاءَ}
[فصلت: 50] و {مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ} [الروم: 54] إذ الساكن فى جميعها قبل الدال حرف صحيح، وهذا المعنى من العموم لهذه الأمثلة قصده الحافظ بقوله: «وهذا وما أشبهه عند النحويين والحذاق من المقرئين إخفاء».
يريد بالإخفاء: تضعيف الصوت بالحركة حتى ينتقل عن التحقيق إلى الروم فلا يكون الإدغام صحيحا لأن بقاء بعض الحركة فى منع الإدغام، كتحقيق الحركة، ويندفع بذلك التقاء الساكنين فيكون تسميته إدغاما على وجه المسامحة لشبهه (1)
__________
(1) فى ب: لتشبهه.(1/273)
بالإدغام، والله تعالى أعلم.
ويبقى (1) على الحافظ ما إذا كان الحرف محركا بالفتح وقبله حرف ساكن صحيح فإنه لا يصح فيه الروم عند القراء، فلا بد أن يكون الإدغام صحيحا، فيلزم التقاء الساكنين، والله تبارك وتعالى أعلم.
إدغام التاء فى عشرة أحرف (2)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما التاء فأدغمها ما لم تكن اسم المخاطب فى عشرة أحرف».
__________
(1) فى أ: ينبغى.
(2) تعرض سيبويه لإدغام التاء عند حديثه فى باب الإدغام فى حروف طرف اللسان والثنايا، فقال: هذا باب الإدغام فى حروف طرف اللسان والثنايا:
الطاء مع الدال كقولك: اضبدّ لما لأنهما مع موضع واحد، وهى مثلها فى الشدة إلا أنك قد تدع الإطباق على حاله فلا تذهبه لأن الدال ليس فيها إطباق، فإنما تغلب على الطاء لأنها من موضعها، ولأنها حصرت الصوت من موضعها كما حصرته الدال. فأما الإطباق فليست منه فى شىء، والمطبق أفشى فى السمع، ورأوا إجحافا أن تغلب الدال على الإطباق وليست كالطاء فى السمع. ومثل ذلك إدغامهم النون فيما تدغم فيه بغنة.
وبعض العرب يذهب الإطباق حتى يجعلها كالدال سواء، أرادوا ألا تخالفها إذ آثروا أن يقلبوها دالا، كما أنهم أدغموا النون بلا غنة.
وكذلك الطاء مع التاء. إلا أن إذهاب الإطباق مع الدال أمثل قليلا لأن الدال كالطاء فى الجهر والتاء مهموسة. وكلّ عربى. وذلك انقتّوءما، تدغم.
وتصير الدال مع الطاء طاء، وذلك: انقطّالبا. وكذلك التاء، وهو قولك: انعطّالبا لأنك لا تجحف بهما فى الإطباق ولا فى غيره.
وكذلك التاء مع الدال، والدال مع التاء لأنه ليس بينهما إلا الهمس والجهر، ليس فى واحد منهما إطباق ولا استطالة ولا تكرير.
ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعا من العرب، قولهم: حتّهم، يريدون: حطتهم.
والتاء والدال سواء كل واحدة منهما تدغم فى صاحبتها حتى تصير التاء دالا والدال تاء لأنهما من موضع واحد، وهما شديدتان ليس بينهما شىء إلا الجهر والهمس، وذلك قولك: انعدّلاما، وانقتلك، فتدغم.
ولو بينت، فقلت: اضبط دلاما، واضبط تلك، وانقد تلك، وانعت دلاما لجاز. وهو يثقل التكلم به لشدتهن، وللزوم اللسان موضعهن لا يتجافى عنه.
فإن قلت: أقول: اصحب مطرا، وهما شديدتان، والبيان فيهما أحسن؟ فإنما ذلك لاستعانة الميم بصوت الخياشيم، فضارعت النون. ولو أمسكت بأنفك لرأيتها بمنزلة ما قبلها.
ينظر الكتاب (4/ 461460).(1/274)
قد تقدم أن التاء لقيت فى القرآن أحد عشر حرفا، وذكر منها [هنا] (1) عشرة، وترك الدال لأنها لم تلقها الدال من كلمتين إلا والتاء ساكنة نحو {فَلَمََّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا}
[الأعراف: 189] على ما أذكره فى باب الإدغام الصغير بحول الله عز وجل.
واعلم أن الحروف التى تدغم فيها التاء فى هذا الباب عشرة وهى: الظاء، وجملة الحروف التى تدغم فيها الدال سوى التاء، وقد ذكرت المواضع التى لقيت التاء فيها شيئا من هذه الحروف، وهى ضمير المتكلم فأغنى عن إعادته.
ثم إن التاء التى تدغم فى هذا الباب إنما هى أبدا تاء التأنيث، إما فى المفرد نحو {وَالْآخِرَةُ} [الأعلى: 17] وإما فى الجمع المؤنث السالم نحو {الصََّالِحََاتِ}
[البقرة: 25] إلا فى موضعين، فإن التاء فيهما لام الكلمة:
أحدهما: {الْمَمََاتِ} فى الإسراء [الآية: 75].
والثانى: {الْمَوْتِ} فى العنكبوت [الآية: 57].
وإلا ثلاثة مواضع فإن التاء فيها عين الكلمة وهى: {وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} فى النساء [الآية: 102]، و {وَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ} فى الإسراء [الآية: 26]، والروم [الآية: 38].
وهذه المواضع الثلاثة من المعتل لأنه حذفت لام الكلمة من {وَآتِ} لبناء الأمر، وحذفت من {وَلْتَأْتِ} للجزم، والله تبارك اسمه أعلم.
قال الحافظ رحمه الله «فى الطاء».
اعلم أن التاء لقيت الطاء فى القرآن فى أربعة مواضع وهى {الصَّلََاةَ طَرَفَيِ} فى سورة هود عليه السلام [114] و {الصََّالِحََاتِ طُوبى ََ} فى الرعد [29] و {الْمَلََائِكَةُ طَيِّبِينَ} فى النحل [32].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى هذه الثلاثة.
والرابع {وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} فى النساء [الآية: 102] ذكره الإمام بالإدغام، وذكره الحافظ بالوجهين.
وذكر فى «التفصيل» أن ابن مجاهد كان يدغم، ثم رجع إلى الإظهار فى آخر عمره.
ووجه الإدغام الهرب من ثقل الكسر، مع أن أبا عمرو لم يستثنه، كذا قال الحافظ.
ووجه الإظهار: الاستغناء بحذف لامها عن تخفيف الإدغام، والله جل
__________
(1) سقط فى أ.(1/275)
وعلا أعلم.
قال الحافظ رحمه الله «وفى الذال».
اعلم أن التاء لقيت الذال فى أحد عشر موضعا، منها فى آل عمران {الْمَسْكَنَةُ ذََلِكَ} [الآية: 112]، وفى سورة هود عليه السلام {الْآخِرَةِ ذََلِكَ}
[الآية: 103]، و {السَّيِّئََاتِ ذََلِكَ} [114]، وفى الحج {وَالْآخِرَةَ ذََلِكَ} [11]، وفى الصافات {فَالتََّالِيََاتِ ذِكْراً} [الآية: 3]، وفى غافر {رَفِيعُ الدَّرَجََاتِ ذُو الْعَرْشِ} [الآية: 15]، و {مِنَ الطَّيِّبََاتِ ذََلِكُمُ} [الآية: 64]، وفى الذاريات {وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً} [الآية: 1] وفى المرسلات {فَالْمُلْقِيََاتِ ذِكْراً} [الآية: 5] اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى جميع ما تقدم.
فأما قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ} فى الإسراء [الآية: 26] والروم [الآية: 38] ففيه الوجهان.
قال الإمام: «والإظهار أحسن لقلة حروف الكلمة، ووجه الإدغام كسر التاء، وذكر الحافظ أنه قرأه بالوجهين.
قال الحافظ رحمه الله: «وفى الثاء».
اعلم أن التاء لقيت الثاء فى ستة عشر موضعا:
منها فى البقرة: {بِالْبَيِّنََاتِ ثُمَّ} [92].
وفى آل عمران: {الْقِيََامَةِ ثُمَّ} فى موضعين [55، 161] و {النُّبُوَّةَ ثُمَّ} [79]، و {الْآخِرَةَ ثُمَّ} [152].
وفى المائدة: {بِالْبَيِّنََاتِ ثُمَّ} [32]، و {الْآيََاتِ ثُمَّ} [75]، و {الصََّالِحََاتِ ثُمَّ}
[93].
وفى الأنعام: {الْآيََاتِ ثُمَّ} [46]، وفى الأعراف: {السَّيِّئََاتِ ثُمَّ} [153]، وفى الإسراء: {الْمَمََاتِ ثُمَّ} [75]، وفى النور: {الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ} [4]، وفى العنكبوت: {الْمَوْتِ ثُمَّ} [57]، وفى الأحزاب [49]، وفى البروج [1]: {الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ}.
قال الحافظ: «وفى الضاد فى قوله: {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً} [العاديات: 1] لا غير».
وهذا كالذى قبله ليس فى القرآن غيره.
قال الحافظ: «وفى الشين».
اعلم أن التاء لقيت الشين فى قوله تعالى:(1/276)
قال الحافظ: «وفى الشين».
اعلم أن التاء لقيت الشين فى قوله تعالى:
فى الحج: {السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [1] وفى النور {بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} فى موضعين [4، 13].
واتفق الحافظ والإمام على الإدغام.
فأما قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف: 71] ففيه الوجهان من طريق الحافظ والإمام، والإظهار أكثر لذهاب عين الكلمة، ووجه الإدغام: ثقل الكسر، ولا يصح إلا مع تسهيل الهمزة، أو روم الحركة على قول من أجاز تحقيق الهمزة، ولم يثبت إدغام التاء التى هى ضمير إلا فى هذا الموضع الواحد، فأما فى الموضعين من الكهف [الآيتان: 71، 74] فلا خلاف فى الإظهار فيهما لخفة فتحة التاء، والله عز وجل أعلم.
قال الحافظ: «وفى الجيم».
اعلم أن التاء لقيت الجيم فى سبعة عشر موضعا منها فى المائدة: {الصََّالِحََاتِ جُنََاحٌ} [الآية: 93]، وفى التوبة [72]، والفتح [5] {وَالْمُؤْمِنََاتِ جَنََّاتٍ}.
وفى سورة يونس عليه السلام {السَّيِّئََاتِ جَزََاءُ} [27]، وفى الرعد {الثَّمَرََاتِ جَعَلَ} [3]، وفى سورة إبراهيم عليه السلام [23]، والقتال [12]، وموضعين من الحج [14، 23] {الصََّالِحََاتِ جَنََّاتٍ}، وفى الإسراء {الْآخِرَةِ جِئْنََا} [104]، وفى النور {مِائَةَ جَلْدَةٍ} [2]، وفى الشعراء {مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [85]، وفى فاطر {الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [10]، وفى الزمر {الشَّفََاعَةُ جَمِيعاً} [44]، وفى غافر {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} [49]، وفى الواقعة {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [94]، وفى «لم يكن» {الْبَرِيَّةِ جَزََاؤُهُمْ} [البينة: 7، 8].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى جميعها.
قال الحافظ: «وفى السين»:
اعلم أن التاء لقيت السين فى أربعة عشر موضعا:
منها فى النساء {الصََّالِحََاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} فى موضعين [57، 122].
وفى الأعراف [12]، والشعراء [46] {السَّحَرَةُ سََاجِدِينَ}، وفى التوبة {أَلََا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [49]، وفى النحل {الْبَنََاتِ سُبْحََانَهُ} [57]، وفى «كهيعص» {الصََّالِحََاتِ سَيَجْعَلُ} [مريم: 96]، وفى طه {السَّحَرَةُ سُجَّداً} [70]، وفى
الفرقان: {بِالسََّاعَةِ سَعِيراً} [11]، وفى القصص {الْخِيَرَةُ سُبْحََانَ اللََّهِ} [68]، وفى الجاثية {الصََّالِحََاتِ سَوََاءً} [21]، وفى النازعات {وَالسََّابِحََاتِ سَبْحاً فَالسََّابِقََاتِ سَبْقاً} [3، 4].(1/277)
وفى الأعراف [12]، والشعراء [46] {السَّحَرَةُ سََاجِدِينَ}، وفى التوبة {أَلََا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [49]، وفى النحل {الْبَنََاتِ سُبْحََانَهُ} [57]، وفى «كهيعص» {الصََّالِحََاتِ سَيَجْعَلُ} [مريم: 96]، وفى طه {السَّحَرَةُ سُجَّداً} [70]، وفى
الفرقان: {بِالسََّاعَةِ سَعِيراً} [11]، وفى القصص {الْخِيَرَةُ سُبْحََانَ اللََّهِ} [68]، وفى الجاثية {الصََّالِحََاتِ سَوََاءً} [21]، وفى النازعات {وَالسََّابِحََاتِ سَبْحاً فَالسََّابِقََاتِ سَبْقاً} [3، 4].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى جميع ما ذكر.
والخامس عشر: {الزَّكََاةَ ثُمَّ} فى البقرة [83].
والسادس عشر: {التَّوْرََاةَ ثُمَّ} فى الجمعة [5].
قال الحافظ: «فابن مجاهد لا يرى إدغامه لخفة الفتحة، وقرأته بالوجهين» فأفرد الضمير وهو يعنى الحرفين، وكأنه أعاد الضمير على ما ذكر، ولو ثناه فى الموضعين لكان أحسن.
وذكر الإمام الخلاف فى حرف البقرة وأن الإظهار أحسن لأن التاء مفتوحة ولا تقدر على الإشمام (1) فيها، ثم قال: والإدغام فيها جائز لأن الساكن الأول فيها حرف مد ولين، ثم ذكر أن الإدغام رواية ابن جبير، ومحمد بن عمرو بن رومِِيّ، عن اليزيدى، عن أبى عمرو، ورواية قاسم بن عبد الوارث، عن أبى عمر، عن اليزيدى، عن أبى عمرو.
__________
(1) الإشمام: روم الحرف الساكن بحركة خفيّة لا يعتد بها ولا تكسر وزنا ألا ترى أن سيبويه حين أنشد:
متى أنام لا يؤرّقنى الكرى مجزوم القاف، قال بعد ذلك: وسمعت بعض العرب يشمها الرفع، كأنه قال: متى أنام غير مؤرّق؟.
التهذيب: والإشمام أن يشم الحرف الساكن حرفا كقولك فى الضمة: هذا العمل، وتسكت، فتجد فى فيك إشماما للام لم يبلغ أن يكون واوا، ولا تحريكا يعتد به، ولكن شمة من ضمة خفيفة، ويجوز ذلك فى الكسر والفتح أيضا.
الجوهرى: وإشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة، وهو أقل من روم الحركة لأنه لا يسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة قال: ولا يعتد بها حركة لضعفها، والحرف الذى فيه الإشمام ساكن أو كالساكن مثل قول الشاعر:
متى أنام لا يؤرقنى الكرى ... ليلا ولا أسمع أجراس المطى
قال سيبويه: العرب تشم القاف شيئا من الضمة، ولو اعتددت بحركة الإشمام لانكسر البيت، وصار تقطيع: رقنى الكرى، متفاعلن، ولا يكون ذلك إلا فى الكامل، وهذا البيت من الرجز.
ينظر اللسان (4/ 23342333).(1/278)
قال الحافظ رحمه الله: «وفى الظاء فى قوله تعالى {الْمَلََائِكَةُ ظََالِمِي} فى النساء [97]، والنحل [28] لا غير».
اعلم أن التاء إنما لقيت الظاء فى هذين الموضعين خاصة، وقوله: «لا غير» ظاهر فى حصر الإدغام فى هذين الموضعين دون نفى النظائر على ما تقدم، والله جل علاه أعلم.
وفى التكوير {الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ} [8].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى جميعها، فأما قوله تعالى {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} [البقرة: 247] فلا خلاف فى إظهاره لنقص الكلمة، وخفة الفتحة، وقد تقدم ذكره والله [لا إله غيره] (1) أعلم.
قال الحافظ: «وفى الصاد»، وذكر ثلاثة مواضع:
الأول: فى الصافات (2) [1].
والثانى: فى النساء [90].
والثالث: فى العاديات [3] (3)، وليس فى القرآن غيرها.
قال الحافظ: «وفى الزاى»، وذكر ثلاثة مواضع:
الأول: فى النمل [4].
والثانى: فى الصافات [2] (4).
والثالث: فى الزمر [73]، وليس فى القرآن غيرها، والله [جل وعلا] (5) أعلم.
واتفق الحافظ والإمام على إدغامها.
قال الحافظ: «وأما الذال فأدغمها فى السين فى قوله: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} فى موضعين» يعنى فى الكهف [الآيتان: 61، 63]، «وفى الصاد: فى قوله: {مَا اتَّخَذَ صََاحِبَةً}» يعنى فى «قل أوحى» [الجن: 3].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى الثلاثة، وليس فى القرآن غيرها.
__________
(1) سقط فى ب.
(2) فى ب: والصافات.
(3) فى ب: والعاديات.
(4) فى ب: والصافات.
(5) فى ب: تعالى.(1/279)
قال الحافظ: «وأما الثاء فأدغمها فى خمسة أحرف».
[هذه الخمسة] (1) هى الأوائل من قولك: «ذهب ضر تائب سجد شكرا».
قال: «فى الذال (2) من قوله تعالى: {وَالْحَرْثِ ذََلِكَ}» هو فى آل عمران [الآية: 14]، وليس فى القرآن غيره.
قال: «وفى التاء من قوله تعالى: {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}» هو فى الحجر [الآية: 65] «و {الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} فى و «النجم» [الآية: 59] وليس فى القرآن غيرهما».
قال: «وفى الشين».
اعلم أن الثاء (3) لقيت الشين (4) فى خمسة مواضع منها: {حَيْثُ شِئْتُمََا} و {حَيْثُ شِئْتُمْ} البقرة [35، 58] والأعراف [19، 161] والخامس: {ثَلََاثِ شُعَبٍ} فى المرسلات [الآية: 30].
قال: «وفى السين».
اعلم أن التاء لقيت السين فى أربعة مواضع منها فى النمل {وَوَرِثَ سُلَيْمََانُ}
[الآية: 16]، وفى الطلاق {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الآية: 6] وفى «ن» {الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} [الآية: 44]، وفى المعارج {مِنَ الْأَجْدََاثِ سِرََاعاً} [الآية: 43].
قال: «وفى الضاد فى قوله تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} فى الذاريات [الآية: 24]، وليس فى القرآن غيره».
اتفق الحافظ والإمام على إدغام الثاء فى جميع ما تقدم، والله جل وعلا أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الراء فأدغمها فى اللام».
__________
(1) سقط فى أ.
(2) قال سيبويه فى بيان إدغام الثاء فى الذال: والذال والثاء كل واحدة منهما من صاحبتها منزلة الدال والتاء، وذلك قولك: خثّابتا وابعذّلك، أى: خذ ثابتا، وابعث ذلك والبيان فيهن أمثل منه فى الصاد والسين والزاى. لأن رخاوتهن أشد من رخاوتهن لانحراف طرف اللسان إلى طرف الثنايا ولم يكن له رد. والإدغام فيهن أكثر وأجود لأن أصل الإدغام لحروف اللسان والفم، وأكثر حروف اللسان من طرف اللسان وما يخالط طرف اللسان، وهى أكثر من حروف الثنايا.
ينظر الكتاب (4/ 462).
(3) فى أ: التاء.
(4) فى أ: السين.(1/280)
اعلم أنه إنما يدغم الراء فى اللام على تفصيل (1)، وهو أنها إن تحرك ما قبلها فيدغمها فى اللام سواء كانت هى متحركة بالفتح أو بالكسر أو بالضم، فأما إن سكن ما قبلها فلا يدغمها إلا أن تكون هى متحركة بالضم أو بالكسر خاصة.
أما القسم الأول: فجملته فى القرآن سبعة وخمسون موضعا:
منها: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ} فى آل عمران [129]، و {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران:
159]، و {لِيَغْفِرَ لَهُمْ} فى موضعين من النساء [37، 168]، و {يَغْفِرُ لِمَنْ} فى موضعين من المائدة [18، 40]، و {سَيُغْفَرُ لَنََا} فى الأعراف [169]، و {أَطْهَرُ لَكُمْ} فى سورة هود عليه السلام [78]، و {أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ} فى سورة يوسف عليه السلام [98]، و {الْكُفََّارُ لِمَنْ} فى الرعد [42]، و {لِيَغْفِرَ لَكُمْ}.
و {سَخَّرَ لَكُمُ} فى أربعة مواضع من سورة إبراهيم عليه السلام [32، 33]، و {سَخَّرَ لَكُمُ}، و {أَكْبَرُ لَوْ}، و {الْعُمُرِ لِكَيْ} فى النحل [12، 41، 70]، و {تَفْجُرَ لَنََا} فى الإسراء [90]، و {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ} فى كهيعص [47]، و {لِيَغْفِرَ لَنََا} فى طه [73]، و {الْعُمُرِ لِكَيْلََا}، و {سَخَّرَ لَكُمْ} فى الحج [5، 65]، و {آخَرَ لََا بُرْهََانَ لَهُ} فى المؤمنين [117].
و {أَنْ يَغْفِرَ لَنََا}، و {أَنْ يَغْفِرَ لِي} فى الشعراء [51، 82].
و {يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، و {وَحُشِرَ لِسُلَيْمََانَ} فى النمل [40، 17].
و {فَغَفَرَ لَهُ}، و {بَصََائِرَ لِلنََّاسِ}، و {وَيَقْدِرُ لَوْلََا}، و {آخَرَ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} فى القصص [16، 43، 82، 88].
و {وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ}، و {يَقْدِرُ لَهُ} فى العنكبوت [61، 62].
و {يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، و {سَخَّرَ لَكُمْ} فى لقمان [12، 20].
و {الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ} فى «الم» السجدة [21].
و {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} فى الأحزاب [53].
و {وَيَقْدِرُ لَهُ} فى سبأ [39].
__________
(1) قال ابن عصفور: وأما الراء فلا تدغم فى شىء، وقد حكى إدغامها فى اللام نحو: (يغفر لّكم) إلا أن ذلك شاذ، ولا يدغم فيها إلا اللام والنون.
ينظر: 15). / 1514).(1/281)
و {مَوََاخِرَ لِتَبْتَغُوا} فى فاطر [12].
و {غَفَرَ لِي} فى يس [27].
و {أَكْبَرُ لَوْ} فى الزمر [26].
و {وَالْقَمَرُ لََا تَسْجُدُوا} فى فصلت [37].
و {سَخَّرَ لَنََا} فى الزخرف [13].
و {سَخَّرَ لَكُمُ} فى موضعين، و {بَصََائِرُ لِلنََّاسِ} فى الجاثية [12، 13، 20].
و {فَلََا نََاصِرَ لَهُمْ} فى القتال [محمد: 13].
و {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ}، و {يَغْفِرُ لِمَنْ} فى الفتح [2، 14].
و {الْمُصَوِّرُ لَهُ} فى الحشر [24].
و {أَكْبَرُ لَوْ} فى «ن» [33].
و {لََا يُؤَخَّرُ لَوْ}، و {لِتَغْفِرَ لَهُمْ} فى سورة نوح عليه السلام [4، 7].
و {مََا سَقَرُ لََا تُبْقِي وَلََا تَذَرُ لَوََّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} {[لِلْبَشَرِ] لِمَنْ} فى المدثر [27 29، 3736].
أما القسم الثانى: فجملته فى القرآن ثمانية وعشرون موضعا:
منها: فى البقرة: {الْأَنْهََارُ لَهُ} [266]، {الْمَصِيرُ لََا يُكَلِّفُ} [286285].
وفى آل عمران {الْغُرُورِ لَتُبْلَوُنَّ} [186185]، و {النَّهََارِ لَآيََاتٍ} [190].
وفى سورة يونس عليه السلام {بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ} [11].
وفى سورة هود عليه السلام {النََّارِ لَهُمْ} [106].
وفى الرعد {بِالنَّهََارِ لَهُ} [1110].
وفى سورة إبراهيم عليه السلام {النََّارُ لِيَجْزِيَ} [5150].
وفى النحل {الْأَنْهََارُ لَهُمْ} [31].
وفى الإسراء {فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا} [66].
وفى طه {النَّهََارِ لَعَلَّكَ} [130].
وفى النور {وَالْأَبْصََارُ لِيَجْزِيَهُمُ} [3837].
وفى القصص {مِنَ النََّارِ لَعَلَّكُمْ} [29].
وفى الزمر {مَنْ فِي النََّارِ لََكِنِ} [2019].
وفى غافر {الْغَفََّارِ لََا جَرَمَ} [4342]، و {فِي النََّارِ لِخَزَنَةِ} [49]، و {الْبَصِيرُ لَخَلْقُ} [5756].(1/282)
وفى الزمر {مَنْ فِي النََّارِ لََكِنِ} [2019].
وفى غافر {الْغَفََّارِ لََا جَرَمَ} [4342]، و {فِي النََّارِ لِخَزَنَةِ} [49]، و {الْبَصِيرُ لَخَلْقُ} [5756].
وفى فصلت {النََّارُ لَهُمْ} [28]، و {بِالذِّكْرِ لَمََّا} [41].
وفى الشورى {الْبَصِيرُ لَهُ} [1211].
وفى الحجرات {مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [7].
وفى الممتحنة {إِلَى الْكُفََّارِ لََا هُنَّ} [10].
وفى الإنسان {مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ} [1].
وفى المطففين {الفُجََّارِ لَفِي} [7]، و {الْأَبْرََارِ لَفِي} [18].
وفى القدر {الْقَدْرِ لَيْلَةُ} [32].
و {الْفَجْرِ} {لَمْ يَكُنِ} [القدر: 5البينة: 1].
وفى العاديات {الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [8].
اتفق الحافظ والإمام على إدغام الراء فى كل ما تقدم.
وقوله: «والإمالة باقية مع الإدغام».
يريد إمالة الألف والفتحة قبل الراء المخفوضة مع إدغامها فى اللام كما قال مع الإظهار.
وقوله: «لكونه عارضا».
يريد: لكون الإدغام عارضا، وتمام هذا التعليل، هو أن العارض فى هذا الباب لا يعتد به فكأن الكسرة باقية فى الراء، وهى سبب الإمالة للألف والفتحة التى قبل الراء، كما يأتى فى بابه بحول الله عز وجل ولم أر للإمام فى هذا شيئا.
واعلم أن هذا التعليل إنما يحتاج إليه إذا حقق الإدغام، فأما إن قرئ بالروم فلا يكون الإدغام صحيحا، ولا تكون الكسرة زائلة بل يضعف الصوت بها ولا تذهب رأسا.
واعلم أن ما ذكر هنا من إبقاء (1) الإمالة حال الإدغام لا يختص بهذا الفصل بل يطرد أيضا فى إدغام الراء فى مثلها إذا كانت الأولى مكسورة وقبلها ألف نحو
__________
(1) فى أ: بقاء.(1/283)
{وَتَوَفَّنََا مَعَ الْأَبْرََارِ رَبَّنََا} [آل عمران: 194193] و {فَقِنََا عَذََابَ النََّارِ رَبَّنََا}
[آل عمران: 192191].
وكذلك السين على رواية الإمالة فى قوله تعالى {لِلنََّاسِ سَوََاءً}
[الحج: 25] والله تعالى جده أعلم.
إدغام اللام فى الراء (1)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما اللام فأدغمها فى الراء».
اعلم أنه يدغم اللام فى الراء على تفصيل أيضا، وبيانه أنه إما أن يتحرك ما قبلها أو يسكن، فإن تحرك ما قبلها أدغمها كيفما كانت حركتها.
وإن سكن ما قبلها نظر إلى حركتها: فإن كانت ضمة أو كسرة أدغمها، وإن كانت فتحة لم يدغمها إلا فى أصل واحد وهو أن تكون اللام من «قال» والراء من «رب» مضافا كان أو غير مضافا فحصل من هذا أن اللام المدغمة فى الراء ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اللام المتحرك ما قبلها، وجملته فى القرآن ستة عشر موضعا:
منها فى آل عمران: {كَمَثَلِ رِيحٍ} [117]، وفى الأنعام {يَجْعَلُ رِسََالَتَهُ}
[124]، وفى الأعراف {رُسُلُ رَبِّنََا}، فى موضعين [43، 53]، وفى التوبة {أَرْسَلَ رَسُولَهُ} [33]، وفى سورة هود عليه السلام {رُسُلُ رَبِّكَ} [81]، وفى النحل {أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} فى موضعين [24، 30]، و {سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [69]، وفى كهيعص {جَعَلَ رَبُّكِ} [24]، وفى العنكبوت {لََا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [60]، وفى الشورى {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [51]، وفى الفتح [28] والصف [9] {أَرْسَلَ رَسُولَهُ}، وفى الفجر [6] والفيل [1] {فَعَلَ رَبُّكَ}.
القسم الثانى: اللام المتحركة بالضم أو الكسر بعد الساكن، وجملته فى القرآن عشرون موضعا:
منها فى البقرة: {وَإِسْمََاعِيلُ رَبَّنََا} [127]، و {مَنْ يَقُولُ رَبَّنََا} فى موضعين
__________
(1) وقد علل سيبويه إدغام اللام فى الراء بقرب المخرجين، ولأن فيهما انحرافا نحو اللام قليلا، وقاربتها فى طرف اللسان. وهما فى الشدة وجرى الصوت سواء، وليس بين مخرجيهما مخرج. والإدغام أحسن.
ينظر: الكتاب (4/ 452).(1/284)
[200، 201]، وفى النساء {وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ} [61]، وفى الأنعام {اللَّيْلُ رَأى ََ} [76]، وفى سورة يوسف عليه السلام {تَأْوِيلُ رُءْيََايَ} [100]، وفى النحل {إِلى ََ سَبِيلِ رَبِّكَ} [125]، وفى كهيعص {رَسُولُ رَبِّكِ} [19]، وفى النور {وَالْآصََالِ رِجََالٌ} [3736]، وفى الشعراء {رَسُولُ رَبِّ الْعََالَمِينَ} [16]، و {لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعََالَمِينَ} [192]، وفى النمل {مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [40]، وفى القصص {الْقَوْلُ رَبَّنََا}
[63]، وفى الصافات {قَوْلُ رَبِّنََا} [31]، وفى الزخرف {رَسُولُ رَبِّ} [46]، وفى القتال {الْقِتََالُ رَأَيْتَ} [محمد: 20]، وفى الحاقة [40] والتكوير [19]: {لَقَوْلُ رَسُولٍ}، وفى الفجر {فَيَقُولُ رَبِّي} فى موضعين [15، 16].
القسم الثالث:
لام «قال»، وجملته فى القرآن ثمانية وأربعون موضعا:
منها: {قََالَ رَبُّكَ} في البقرة [30] والحجر [28] وص [71] والذاريات [30]، وفي موضعين فى كهيعص [9، 21].
و {قََالَ رَبُّكُمْ} فى الشعراء [26] وسبأ [23] وغافر [59].
و {قََالَ رَبُّنَا} فى طه [50].
و {قََالَ رَبِّ} فى المائدة [25] وسورة يوسف عليه السلام [33] والنمل [19] والعنكبوت [30] والأحقاف [15] وسورة نوح عليه السلام [5].
ومنها موضعان موضعان فى سورة هود عليه السلام [45، 47] والحجر [36، 39] وطه [25، 125] و «ص» [35، 79].
وثلاثة ثلاثة فى آل عمران [40، 41، 47] والأعراف [43، 150، 155] وكهيعص [4، 8، 10] والمؤمنين [26، 39، 99].
وخمسة خمسة فى الشعراء [22، 24، 28، 117، 188] والقصص [16، 17، 21، 24، 44].
ومنها: {قََالَ رَجُلََانِ} فى المائدة [23]، و {قََالَ رَجُلٌ} فى غافر [28].
إلا أن كلام الحافظ فى «التفصيل» يقتضى أن النص إنما جاء عن اليزيدي فى إدغام {قََالَ رَبِّ} مضافا أو غير مضاف، قال: «وقياس ذلك {قََالَ رَجُلََانِ} و {قََالَ رَجُلٌ} ولا فرق».
قال: «وبالإدغام قرأته طردا للقياس» وهذا حاصل قوله أيضا فى «التيسير»، وذكر
الإمام جميع ذلك فى الإدغام، ولم يتعرض لنص ولا قياس، والله تبارك اسمه أعلم.(1/285)
قال: «وبالإدغام قرأته طردا للقياس» وهذا حاصل قوله أيضا فى «التيسير»، وذكر
الإمام جميع ذلك فى الإدغام، ولم يتعرض لنص ولا قياس، والله تبارك اسمه أعلم.
إدغام النون فى اللام والراء (1)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما النون فأدغمها إذا تحرك ما قبلها فى اللام والراء».
اعلم أن جملة المواضع التي أدغم فيها النون فى الراء خمسة، منها {تَأَذَّنَ رَبُّكَ}
فى الأعراف [167] و {تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} فى سورة إبراهيم عليه السلام [7] و {خَزََائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} فى الإسراء [100] و «ص» [9] و {خَزََائِنُ رَبِّكَ} فى الطور [37].
وأما إدغام النون فى اللام فلا يخلو أن يسكن ما قبل النون أو يتحرك: فإن سكن ما قبلها لم يدغم منها إلا ما كان من لفظ: «نحن» خاصة، وجملته فى القرآن عشرة مواضع:
منها {نَحْنُ لَهُ} فى أربعة مواضع من البقرة [133، 136، 138، 139].
وموضع موضع فى آل عمران [84] والمؤمنين [38] والعنكبوت [46].
و {نَحْنُ لَكَ} فى الأعراف [132] وسورة هود عليه السلام [53].
و {نَحْنُ لَكُمََا} فى سورة يونس عليه السلام [78].
فأما إذا تحرك ما قبلها فإنه يدغمها وجملته فى القرآن إحدى وستون موضعا:
منها فى البقرة {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} [55] {نُبَيِّنُ لَهُمُ} [109] {يُبَيِّنُ اللََّهُ} [187] {زُيِّنَ لِلَّذِينَ} [212] {فَلَمََّا تَبَيَّنَ لَهُ} [259].
وفي آل عمران {زُيِّنَ لِلنََّاسِ} [14] {نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ} [183].
وفي النساء {لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [26] {تَبَيَّنَ لَهُ} [115].
وفي المائدة {يُبَيِّنُ لَكُمْ} فى موضعين [19، 89] {نُبَيِّنُ لَهُمُ} [75].
وفي الأنعام {وَزَيَّنَ لَهُمُ} [43] {زُيِّنَ لِلْكََافِرِينَ} [122] {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [137].
وفي الأعراف {آذَنَ لَكُمْ} [23].
__________
(1) علل سيبويه إدغام النون فى اللام بأنها قريبة منها على طرف اللسان، وذلك قولك: من لك.
فإن شئت كان إدغاما بلا غنة فتكون بمنزلة حروف اللسان، وإن شئت أدغمت بغنة لأن لها صوتا من الخياشيم فترك على حاله لأن الصوت الذى بعده ليس له فى الخياشيم نصيب، فيغلب عليه الاتفاق. ينظر: الكتاب (4/ 452).(1/286)
وفي الأنفال {زَيَّنَ لَهُمُ} [48].
وفي التوبة {زُيِّنَ لَهُمْ} [37] {يَتَبَيَّنَ لَكَ} [43] {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [61] {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} [90] {لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} [94] {تَبَيَّنَ لَهُمْ} [113] {تَبَيَّنَ لَهُ}
[114] {يُبَيِّنَ لَهُمْ} [115].
وفي سورة يونس عليه السلام {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} [12] {أَذِنَ لَكُمْ} [59] {آمَنَ لِمُوسى ََ} [83] وفي سورة يوسف عليه السلام {يَأْذَنَ لِي} [80].
وفى الرعد {زُيِّنَ لِلَّذِينَ} [33].
وفى سورة إبراهيم عليه السلام {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [4] و {تَبَيَّنَ لَكُمْ} [45].
وفى النحل {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} [39]، و {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ} [44] {فَزَيَّنَ لَهُمُ} [63] {لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} [64]، {لََا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ} [84].
وفى الإسراء {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} [90] {لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} [93].
وفى طه {آذَنَ لَكُمْ} [71] {أَذِنَ لَهُ} [109].
وفى الحج {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [5] {أُذِنَ لِلَّذِينَ} [39].
وفى المؤمنين {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ} [47].
وفى النور {يُؤْذَنَ لَكُمْ} [28].
وفى الشعراء {آذَنَ لَكُمْ} [49] {أَنُؤْمِنُ لَكَ} [111].
وفى النمل {وَزَيَّنَ لَهُمُ} [24].
وفى القصص {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ} [6].
وفى العنكبوت {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [26] {تَبَيَّنَ لَكُمْ} [38] {وَزَيَّنَ لَهُمُ} [38].
وفى الأحزاب {يُؤْذَنَ لَكُمْ} [53].
وفى سبأ {أَذِنَ لَهُ} [23].
وفى فاطر {زُيِّنَ لَهُ} [8].
وفى غافر {زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ} [37].
وفى فصلت {يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} [53].
وفى الزخرف {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ} [63].
وفى القتال {زُيِّنَ لَهُ} [14]، وفى القتال {تَبَيَّنَ لَهُمُ} [25].
وفى المرسلات {يُؤْذَنُ لَهُمْ} [36].
وفى النبأ {أَذِنَ لَهُ} [38].(1/287)
وفى المرسلات {يُؤْذَنُ لَهُمْ} [36].
وفى النبأ {أَذِنَ لَهُ} [38].
اتفق الحافظ والإمام على الإدغام فى جميع ما تقدم.
إخفاء الميم فى الباء
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الميم فأخفاها عند الباء إذا تحرك ما قبلها».
اعلم أن جملة هذا النوع فى القرآن تسعة وسبعون موضعا:
منها فى البقرة: {فَاللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [113] و {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النََّاسِ} [213].
وفى آل عمران {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [23] و {أَعْلَمُ بِمََا وَضَعَتْ} [36] {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [55] {أَعْلَمُ بِمََا يَكْتُمُونَ} [167].
وفى النساء {أَعْلَمُ بِإِيمََانِكُمْ} [25] {أَعْلَمُ بِأَعْدََائِكُمْ} [45] {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النََّاسِ} [105] {فَاللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [141]، {عَلى ََ مَرْيَمَ بُهْتََاناً} [156].
وفى المائدة {آدَمَ بِالْحَقِّ} [27] {يَحْكُمُ بِهَا} [44] {أَعْلَمُ بِمََا كََانُوا يَكْتُمُونَ}
[61] {يَحْكُمُ بِهِ ذَوََا عَدْلٍ} [95].
وفى الأنعام {بِأَعْلَمَ بِالشََّاكِرِينَ} [53] {أَعْلَمُ بِالظََّالِمِينَ} [58] {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [117] {أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [119].
وفى سورة يونس عليه السلام {أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} [40].
وفى سورة هود عليه السلام {أَعْلَمُ بِمََا فِي أَنْفُسِهِمْ} [31].
وفى سورة يوسف عليه السلام {أَعْلَمُ بِمََا تَصِفُونَ} [77].
وفى الرعد {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ََ} [31].
وفى النحل {أَعْلَمُ بِمََا يُنَزِّلُ} [101] {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [124] {أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ} [125] {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [125].
وفى الإسراء {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمََا فِي نُفُوسِكُمْ} [25] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمََا يَسْتَمِعُونَ}
[47]، {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [54] {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمََاوََاتِ} [55] {أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى ََ} [84].
وفى الكهف {أَعْلَمُ بِمََا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} [21] {رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} [22] {أَعْلَمُ بِمََا لَبِثُوا} [26] {جَهَنَّمُ بِمََا كَفَرُوا} [106].
وفى كهيعص {أَعْلَمُ بِالَّذِينَ} [70].
وفى طه {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمََا يَقُولُونَ} [104] وفى الحج {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلََّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [56] {فَقُلِ اللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا تَعْمَلُونَ}
[68] {اللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [69].(1/288)
وفى كهيعص {أَعْلَمُ بِالَّذِينَ} [70].
وفى طه {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمََا يَقُولُونَ} [104] وفى الحج {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلََّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [56] {فَقُلِ اللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا تَعْمَلُونَ}
[68] {اللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [69].
وفى المؤمنين {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمََا يَصِفُونَ} [96].
وفى النور {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذََا فَرِيقٌ} [48] {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا} [51].
وفى الشعراء {قََالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمََا تَعْمَلُونَ} [188].
وفى القصص {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جََاءَ بِالْهُدى ََ} [37] {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [56].
وفى العنكبوت {بِأَعْلَمَ بِمََا فِي صُدُورِ الْعََالَمِينَ} [10] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهََا}
[32].
وفى الروم {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمََا} [35].
وفى الزمر {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [3] {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبََادِكَ} [46] {هُوَ أَعْلَمُ بِمََا يَفْعَلُونَ} [70].
وفى غافر {قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبََادِ} [48].
وفى الأحقاف {هُوَ أَعْلَمُ بِمََا تُفِيضُونَ فِيهِ} [8].
وفى ق {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمََا يَقُولُونَ} [45].
وفى النجم {أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ} [30] {أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى ََ} [30] {أَعْلَمُ بِكُمْ}
[32] {أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ََ} [32].
وفى الواقعة {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ} [75].
وفى الممتحنة {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمََا أَخْفَيْتُمْ} [1] {أَعْلَمُ بِإِيمََانِهِنَّ} [10] {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [10].
وفى «ن» {أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ} [7] {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [7].
وفى الحاقة {فَلََا أُقْسِمُ بِمََا تُبْصِرُونَ} [38].
وفى المعارج {فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ} [40].
وفى القيامة {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ وَلََا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ} [21].
وفى التكوير {فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [15].
وفى الانشقاق {فَلََا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الآية: 16] و {أَعْلَمُ بِمََا يُوعُونَ} [الآية:
23].
وفى البلد: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} [الآية: 1].(1/289)
23].
وفى البلد: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} [الآية: 1].
وفى العلق: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [الآية: 4].
اتفق الحافظ والإمام على إخفاء الميم فى جميع ذلك، وعلى أن تسميته إدغاما تجوّز من القراء.
وقوله: «لامتناع (1) القلب فيه».
يريد: لا تقلب الميم فى هذه المواضع باء لما فى ذلك من الثقل، ولما كان يلزم من إذهاب الغنة، فعبر عن هذا بالامتناع، فيريد أنهم امتنعوا منه لثقله، والله جل وعلا أعلم.
إدغام الباء فى الميم (2)
قال الحافظ رحمه الله: «وأما الباء فأدغمها فى الميم فى قوله تعالى:
{وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [البقرة: 284] حيث وقع لا غير».
اعلم أن جملته (3) فى القرآن خمسة مواضع، وذلك فى آل عمران [129] وفى المائدة [18، 40] موضعان وفى العنكبوت موضع [21]، وفى الفتح موضع [6].
فأما [الحرف] (4) الذى فى آخر البقرة فليس من هذا الباب، ولكنه من الإدغام الصغير لأن الباء فيه (5) ساكنة.
__________
(1) فى أ: الامتناع.
(2) ذكر ابن عصفور أن الباء تدغم فى الفاء كما فى قولك (اذهب فّى ذلك) وتدغم فى الميم نحو (اصحب مّطرا)، ولا يدغم فيها شىء.
ينظر: 15). / 16).
(3) فى ب: جملة ما.
(4) سقط فى ب.
(5) الذى عليه النحاة فى الكلام أن جميع ما أدغمته من المتقاربين وهو ساكن: يجوز لك فيه الإدغام إذا كان متحركا، كما تفعل ذلك فى المثلين. وحاله فيما يحسن ويقبح فيه الإدغام وما يكون فيه أحسن، وما يكون خفيا وهو بزنته متحركا قبل أن يخفى كحال المثلين.
ينظر الكتاب (4/ 466).
ثم اعلم أن قول المصنف: (فأما الحرف الذى فى آخر البقرة) إلى قوله: (لأن الباء فيه ساكنة) يريد به قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [البقرة: 284]، وقد جزم المصنف بسكون الباء فيه، والحق أنه قرئ بالرفع والنصب والسكون، فقد قرأ ابن عامر(1/290)
وعلل الحافظ إدغام المواضع الخمسة بالحمل على حرف البقرة لأنه من لفظه وهو مجمع عليه عند أكثر القراء لم يظهره إلا ورش، وفيه خلاف عن ابن كثير (1)، فأجرى أبو عمرو الكل على طريقة واحدة، ولأنه لما ولى هذه الكلمة واتصل بها ما هو مدغم عن أبى عمرو باتفاق وهو قوله تعالى (2): {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ وَيُعَذِّبُ}
__________
وعاصم برفع (يغفر) و (يعذب)، والباقون من السبعة بالجزم، وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو حيوة: (فيغفر) بالنصب، وهى قراءة شاذة غير متواترة وإن صحت لغة.
فأما الرفع: فيجوز أن يكون رفعه على الاستئناف، وفيه احتمالان:
أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أى: فهو يغفر.
والثانى: أن هذه جملة فعلية من فعل وفاعل، عطفت على ما قبلها.
وأما الجزم فللعطف على الجزاء المجزوم.
وأما النصب: فبإضمار (أن)، وتكون هى وما فى حيزها بتأويل مصدر معطوف على المصدر المتوهم من الفعل قبل ذلك، تقديره: تكن محاسبة، فغفران، وعذاب. وقد روى قول النابغة بالأوجه الثلاثة، وهو:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والبلد الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجبّ الظهر ليس له سنام
بجزم: (نأخذ) عطفا على (يهلك ربيع) ونصبه ورفعه، على ما ذكر فى (فيغفر)، وهذه قاعدة مطردة، وهى أنه إذا وقع بعد جزاء الشرط فعل بعد فاء أو واو جاز فيه هذه الأوجه الثلاثة، وإن توسط بين الشرط والجزاء، جاز جزمه ونصبه وامتنع رفعه، نحو: إن تأتنى فتزرنى أو فتزورنى، أو تزرنى أو تزورنى.
ينظر اللباب (4/ 519/ 520).
(1) أظهر الباء قبل الميم فى قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [البقرة: 284]، ابن كثير بخلاف عنه وورش عن نافع والباقون بالإدغام.
ينظر: اللباب فى علوم الكتاب (4/ 521)، إتحاف فضلاء البشر (1/ 461)، الدر المصون (1/ 691).
(2) قرأ أبو عمرو بإدغام الراء فى اللام، والباقون بإظهارها، وقد طعن قوم على قراءة أبى عمرو لأن إدغام الراء فى اللام عندهم ضعيف.
قال الزمخشرى: (فإن قلت: كيف يقرأ الجازم؟ قلت: يظهر الراء، ويدغم الباء، ومدغم الراء فى اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا، وراويه عن أبى عمرو مخطئ مرتين لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم، والسبب فى هذه الروايات قلة ضبط الرواة، وسبب قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو).
قال شهاب الدين: وهذا من أبى القاسم غير مرض إذ القراء معتنون بهذا الشأن لأنهم تلقوا عن شيوخهم الحرف [بعد الحرف]، فكيف يقل ضبطهم؟ وهو أمر يدرك بالحس السمعى، والمانع من إدغام الراء فى اللام والنون هو تكرير الراء وقوتها، والأقوى لا يدغم فى الأضعف، وهذا مذهب البصريين: الخليل وسيبويه ومن تبعهما، وأجاز ذلك(1/291)
{مَنْ يَشََاءُ} أتبعه {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} كما فعل فى الأنعام حيث ثقّل قوله تعالى:
{عَلى ََ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} [الأنعام: 37] اتباعا لما تقدم من قوله تعالى: {لَوْلََا نُزِّلَ}
[الأنعام: 37] ليأتى ذلك على لفظ واحد وطريقة واحدة.
قال الحافظ رحمه الله: «فأما قول اليزيدى: إنما أدغم من أجل كسرة الذال» فلا يصح إذ كان قد أظهر {ضُرِبَ مَثَلٌ} [الحج: 73] و {وَكُذِّبَ مُوسى ََ}
[الحج: 44] و {إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24] و {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ}
[البقرة: 249].
وافق الإمام الحافظ على الإدغام فيما ذكر وزاد إدغام الباء فى الفاء وذلك فيما جاء من لفظ {لََا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] و {لََا رَيْبَ فِيهََا} [الكهف: 21] [الحج: 7] خاصة، فذكر فيه الإدغام بخلاف وأن الإظهار أكثر وأحسن، والإدغام رواية عباس بن الفضل، وعبد الوارث، وجملته فى القرآن أربعة عشر موضعا:
منها {لََا رَيْبَ فِيهََا} أربعة مواضع وهى فى الكهف [21] والحج [7] وغافر [59]، والجاثية [32]، وباقيها {لََا رَيْبَ فِيهِ} وذلك موضعان فى آل عمران [9، 25] وموضع موضع فى البقرة [2] [و] (1) النساء [87] والأنعام [12]، وسورة يونس عليه السلام [37] والإسراء [99]، «والم» السجدة [2]، والشورى [7]، والجاثية [26].
ومذهب الحافظ الإظهار فى جميعها.
وقول الحافظ: «لا غير» ظاهره حصر المثال، وهو {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ}، ويمكن أن يصرف إلى حصر الحرف المدغم فيه وهو الميم، والأول أظهر، والله جل وعلا أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فهذه أصول الإدغام ملخصة يقاس عليها ما يرد من
__________
الفراء والكسائى والرؤاسى ويعقوب الحضرمى ورأس البصريين أبو عمرو، وليس قوله: (إن هذه الرواية غلط عليه) بمسلّم، ثم ذكر أبو حيان نقولا عن القراء كثيرة، وهى منصوصة فى كتبهم، فلم أر لذكرها هنا فائدة فإن مجموعها ملخص فيما ذكرته، [وكيف] يقال: إن الراوى ذلك عن أبى عمرو مخطئ مرتين، ومن جملة رواته اليزيدى إمام النحو اللغة، وكان ينازع الكسائى رئاسته، ومحله مشهور بين أهل هذا الشأن.
ينظر اللباب (4/ 521).
(1) زاد فى أ: موضع فى.(1/292)
أمثالها وأشكالها، قد ذكرت فى كل حرف جميع ما ورد منه حتى لم يشذ منها شىء فيما أرى بحول الله تعالى جده (1)».
قال الحافظ رحمه الله: «وقد حصلنا جميع ما أدغمه أبو عمرو من الحروف المتحركة فوجدناه كذا».
إنما قيد بالمتحركة ليخص الحصر بهذا الباب دون ما أدغم من الحروف السواكن، وهو باب الإدغام الصغير، وما ذكر من العدد يحققه الاستقراء مما ذكرته فى كل حرف منها، وتزيد رواية الإمام على رواية الحافظ، على ما مر من الاتفاق والاختلاف بسبعة وثمانين حرفا، فجملة الحروف على ما ذكره الإمام ألف وثلاثمائة واثنان وتسعون حرفا، والله عز وعلا أعلم.
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «اعلم (2) أن اليزيدى روى عن أبى عمرو أنه كان إذا أدغم الحرف الأول من الحرفين فى مثله أو مقاربه، وسواء سكن ما قبله أو تحرك إلى آخر كلامه».
اعلم أنك إذا أدغمت الحرف فى مثله، فإن كان مرفوعا أشير إلى حركته بالروم أو بالإشمام، وإن كان مخفوضا أشير إلى حركته بالروم، ويمتنع الإشمام فى المخفوض كما يمتنع عند القراء الروم فى المنصوب، وسواء فى ذلك أن يكون قبل الحرف المدغم متحرك أو ساكن.
والروم عبارة عن النطق ببعض الحركة.
والإشمام عبارة عن الإشارة بالشفتين إلى الحركة من غير أن يكون فى النطق شىء من أثرها، فلما كانت الضمة من الشفتين، أمكن فى المرفوع الإشارة إلى الحركة بالروم وهو مسموع وبالإشمام وهو مبصر، ولما كانت الكسرة من وسط اللسان أمكن فى المجرور الإشارة بالروم لأنه مسموع ولم يمكن (3) الإشارة بالإشمام لأن العضو الذى منه الحركة غائب فى داخل الفم لأنه وسط اللسان كما تقدم.
ولما كانت الفتحة خفيفة امتنع فيها الروم عند القراء لأنك لو رمت النطق
__________
(1) فى ب: بحول الله تعالى، والله أعلم.
(2) فى أ: واعلم.
(3) فى ب: ولم تمكن.(1/293)
ببعضها لحصل النطق بجميعها لخفتها وامتنع الإشمام لأن الفتحة من مخرج الألف، ومنتهاه أسفل الحلق، فلا أثر له فى البصر كما لا أثر له فى السمع.
واعلم أنك إذا أشرت بالإشمام كان الإدغام صحيحا لأنك تنطق إذ ذاك بالحرف مشددا، وتشير بالشفتين حال التشديد من غير أن تبقى فى ذات الحرف شيئا من لفظ الحركة، فيكون الحرف الأول إذ ذاك مدفونا فى الثانى وهو الإدغام الصحيح.
فأما إذا أشرت بالروم فلا يكون الإدغام صحيحا لأنك تبقى من لفظ الحركة بقية، ولا تكون الحركة إلا فى ذات الحرف الأول.
فبقدر ما فيه من الحركة يبرز فى اللفظ، وإذا كان كذلك لم تحصل حقيقة الإدغام ولكنه يكون إخفاء.
قال الحافظ رحمه الله: «لأن الحرف إذا أشير إلى حركته لم تذهب حركته رأسا، بل يضعف الصوت تضعيفا، وهى مع ذلك فى زنة المتحرك التام الصوت الممطط اللفظ».
قال: «وإلى هذا ذهب عامة أهل الأداء: ابن مجاهد وسائر أصحابه وأبو الطاهر ابن أبى هاشم (1)،
__________
(1) إمام المقرئين، أبو طاهر، عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم البغدادى، صاحب جامع البيان.
روى عن: محمد بن جعفر القتات، وأحمد بن فرح، وإسحاق بن أحمد الخزاعى، وعبد الله بن الصقر السكرى، والحسن بن الحباب، وأحمد بن سهل الأشنانى، وتلا عليه وعلى سعيد بن عبد الرحيم الضرير، وأبى بكر بن مجاهد.
قرأ عليه: أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر الفارسى، وعلى بن أحمد بن الحمامى، وعلى بن محمد الجوهرى، وأبو الحسن على بن العلاف الكبير، وعبيد الله المصاحفى، وأبو الحسين أحمد بن عبد الله السوسنجردى، وآخرون.
وقد طول أبو عمرو الدانى ترجمته، وعظمه، وقال: لم يكن بعد ابن مجاهد مثل ابن أبى هاشم فى علمه وفهمه، مع صدق لهجته، واستقامة طريقته. وكان ينتحل مذهب الكوفيين، ولما توفى ابن مجاهد أجمعوا على تقديم أبى طاهر، وأن يقرئ موضعه، فقصده الأكابر، وتحلقوا عنده، وكان قد خالف جميع أصحابه فى إمالة الناس لأبى عمرو، وكان القراء ينكرون ذلك عليه.
مولده سنة ثمانين ومائتين، ومات فى شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (16/ 2221)، تاريخ بغداد (11/ 87)، وإنباه الرواة (2/ 215)، وطبقات القراء للذهبى (1/ 252251)، والعبر (2/ 282)، والبداية والنهاية (11/ 237)، وغاية النهاية فى طبقات القراء (1/ 477475)، والنشر فى القراءات(1/294)
وأبو بكر الشذائى (1)، وأبو القاسم بن أبى بلال (2)، وأبو الفرج الشنبوذى (3) وغيرهم، وهو اختيار شيخينا أبى الفتح وأبى الحسن.
__________
العشر (1/ 123)، والنجوم الزاهرة (3/ 325)، وبغية الوعاة (2/ 121)، وشذرات الذهب (2/ 380).
(1) أحمد بن نصر بن منصور بن عبد المجيد بن عبد المنعم، أبو بكر الشذائى البصرى، إمام مشهور، قرأ على المبهج عمر بن محمد بن نصر الكاغدى والمبهج الحسن ابن بشار بن العلاف صاحبى الدورى وابن مجاهد والكامل ابن الأخرم والكامل محمد بن جعفر الحربى والمستنير، والغاية، والمبهج، والكفاية الكبرى، والكامل ابن شنبوذ والمبهج والكامل نفطويه، وغيرهم، وقرأ عليه الكامل أبو الفضل الخزاعى والكامل أحمد بن عثمان بن جعفر المؤدب والكامل أبو عمرو بن سعيد البصرى والكامل الحسن بن على الشاموخى والكامل محمد بن أبى شيخ ومحمد عمر بن زلال والكفاية محمد بن القاسم التكريتى والكامل على بن محمد البرزندى والكامل أبو عاصم عبد الواحد بن إبراهيم ومحمد بن الحسين الكارزينى وعلى بن جعفر السعيدى والكامل على بن أحمد الجوردكى. وغيرهم قال الدانى:
توفى بالبصرة سنة سبعين وثلاثمائة، وقال الذهبى: سنة ثلاث وسبعين، وهو الصحيح فى ذى القعدة وقيل: سنة ست.
ينظر: غاية النهاية (1/ 145144) (673).
(2) زيد بن على بن أحمد بن محمد بن عمران بن أبى بلال، أبو القاسم العجلى الكوفى شيخ العراق، إمام حاذق ثقة، قرأ على المستنير، والغاية، وجامع البيان، والكفاية الكبرى، والكامل أحمد بن فرح والمستنير والكامل عبد الله بن عبد الجبار والكامل الحسن بن العباس والمستنير، والكفاية، وجامع البيان، والغاية عبد الله بن جعفر السواق والمستنير، والغاية، والكفاية محمد بن أحمد الداجونى والمستنير أبى بكر بن مجاهد وجامع البيان والكامل أبى على الحسن النقار وجامع البيان أحمد بن إبراهيم القصبانى والتيسير أحمد بن الحسن بن البطى وجامع البيان والكامل محمد بن الحسن بن يونس النحوى والكامل أحمد بن محمد بن الهيثم الشعرانى والمستنير والكامل أبى مزاحم الخاقانى وعلى بن الحسين الرازى والكامل عبد الله بن القاسم الخياط والكامل حماد بن أحمد والكامل أحمد ابن محمد بن سعيد والكامل محمد بن الحسن بن يوسف، فيما ذكره الهذلى، والكامل على بن أحمد بن قربة والكامل عبد الله بن زيدان والكامل الحسين ابن جعفر اللحيانى والكامل محمد بن إسماعيل بن فورك والكامل القاسم ابن أحمد الخياط، قرأ عليه المستنير والكفاية بكر بن شاذان والمستنير والغاية، والكفاية أبو الحسن الحمامى وغيرهم. توفى زيد ببغداد سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 299298) (1308).
(3) محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن العباس بن ميمون، أبو الفرج الشنبوذى الشطوى البغدادى، أستاذ من أئمة هذا الشأن، رحل ولقى الشيوخ وأكثر وتبحر فى التفسير، ولد سنة ثلاثمائة، أخذ القراءة عرضا عن المستنير، والمبهج، والكفاية ابن مجاهد والمبهج أبى بكر النقاش والمبهج والكامل أبى بكر أحمد بن حماد المنقى والمبهج(1/295)
قال الحافظ رحمه الله: «ولقد كنت فى حين قراءتى بالإدغام على شيخنا أبى الفتح نضر الله وجهه أشير بالعضو إلى حركة الحرف المدغم فلا يقرع سمعه، وكان ضريرا فيرده على حتى أسمعه صوت الحركة فيستحسن ذلك ويرضاه، وكان ربما لفظ ذلك كذلك ووقفنى عليه».
واعلم أن ما ذكرته من الروم والإشمام جار فى جملة الحروف إلا الباء والميم إذا وقع بعد حركة كل واحد منهما باء أو ميم نحو {آدَمُ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 37] و {مِنَ الْعِلْمِ مََا لَكَ} [البقرة: 120] و {أَعْلَمُ بِمََا} [الإسراء: 25] و {يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
[الماعون: 1] و {الصََّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] و {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ}.
وليس فى القرآن ميم مخفوضة قبل الباء ولا باء مخفوضة قبل الميم أعنى مما يقع فيه الإدغام، وإنما امتنع الروم والإشمام فيما ذكر هنا لانطباق الشفتين، نص الحافظ على جميع ذلك، وكذلك قال الإمام وقال: «إن ترك الروم والإشمام فى الميم والباء رواية شجاع، وعبد الوارث، واليزيدى عنه قال: «وروى عباس عنه أنه كان يشم الباء عند الباء، والميم عند الميم كسائر الحروف».
قال: «والإشمام هنا إشارة إلى حركة الحرف المرفوع والمخفوض، وذلك يتعذر
__________
أبى الحسن بن الأخرم والمبهج إبراهيم بن محمد الماوردى والمبهج محمد ابن جعفر الحربى والكفاية أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمى ومحمد بن هارون التمار والمستنير، والمبهج، والكفاية، والكامل أبى الحسن بن شنبوذ وإليه نسب لكثرة ملازمته له والغاية محمد بن موسى الزينبى والمستنير والمبهج موسى ابن عبيد الله الخاقانى والغاية، والكامل الحسن بن على بن بشار وأحمد بن عبد الله، كذا وقع فى المبهج وقال: لم ينسبه الكارزينى. قلت: والصواب أنه المبهج أحمد ابن محمد بن عثمان بن شبيب والمبهج أبى بكر محمد بن الحسن بن مقسم ومحمد ابن أحمد بن هارون الرازى والمبهج أبى بكر محمد بن الحسن الأنصارى، قرأ عليه أبو على الأهوازى وأبو طاهر محمد بن ياسين الحلبى والهيثم بن أحمد الصباغ وأبو العلاء محمد بن على الواسطى ومحمد بن الحسين الكارزينى وعبد الله بن محمد بن مكى السواق وعلى بن القاسم الخياط وأبو على الرهاوى وعبد الملك بن عبدويه ومنصور بن أحمد العراقى وعثمان بن على الدلال وعلى بن محمد الجوزدانى وأحمد بن محمد بن محمد ابن سيار وأحمد بن عبد الله بن الفضل السلمى. واشتهر اسمه وطال عمره مع علمه بالتفسير وعلل القراءات، وثقه الحافظ أبو العلاء الهمذانى وأثنى عليه، ولا نعلمه ادعى القراءة على الأشنانى، وقال التنوخى: مات أبو الفرج الشنبوذى فى صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
ينظر: غاية النهاية (2/ 5150) (2701).(1/296)
فى الميم عند الميم، والباء عند الباء لانطباق الشفتين معهما».
قال: «وأما الميم عند الباء فإنها (1) تسكن عندها ولا تدغم، وإن كان بعض القراء يسمونه إدغاما، وهو خطأ، والشفتان تنطبقان معهما أيضا».
وقول الإمام: «والإشمام هنا إشارة إلى حركة الحرف المرفوع والمخفوض»، أراد بالإشمام الروم والله تعالى [جده] (2) أعلم ولذلك جعله فى المرفوع والمخفوض، ولو أراد مجرد الإشارة بالشفتين دون حقيقة الروم، لم يذكر المخفوض على ما تقدم.
قال الإمام: واختار قوم لأبى عمرو فى هذه الرواية ألا يشم المرفوع إذا كان قبله واو أو ضمة نحو {يَقُولُ لَهُ} [البقرة: 117]، ولا يرام المدغم المكسور إذا كان قبله ياء أو كسرة نحو {الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النجم: 59] وذلك أنه إنما أدغم ليخف، فلو أشم هذين الجنسين لكان قد جمع بين ضمتين وواو، وبين كسرتين وياء وذلك ثقيل.
قال الإمام: «ونعم الاختيار هذا».
قال الحافظ رحمه الله: «والروم آكد لما فيه من البيان».
يريد: أنه آكد من الإشمام.
قال: «غير أن الإدغام الصحيح يمتنع معه». قد تقدم هذا ويلزم على الأخذ بالروم ألا يبقى إدغام إلا فى المنصوب خاصة، وما عداه فإنما يكون إخفاء لا غير.
قال: «ويصح مع الإشمام»، يريد أن الإشمام لا يكون فيه شىء من صوت الحركة فيصح الإدغام لعدم الفاصل بين الحرفين، وباقى كلامه بين.
وقد أتيت على جميع ما ظهر لى فى الباب، والحمد لله الذى وحده أحاط بكل شىء علما، ولا نعلم إلا ما علمنا، وكان فضل الله علينا عظيما.
__________
(1) فى أ: فإنهما.
(2) سقط فى ب.(1/297)
باب [ذكر] (1) هاء الكناية
يريد الهاء التى هى علامة إضمار الواحد المذكر نحو «رأيته» و «منه» و «عنه» و «له» وما أشبه ذلك.
واعلم أن هذه الهاء إن وقف عليها فلها مثل ما لسائر الحروف من الإسكان، والروم، والإشمام، كما سيأتى (2) فى بابه بحول الله عز وجل.
فإن وصلت هذه الهاء فهى ثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء على صلة حركته.
وقسم اتفقوا على ترك صلة حركته.
وقسم اختلفوا فيه.
وضابط ذلك أن ينظر إلى الحرف الواقع بعدها، فإن كان ساكنا فهى من المتفق على ترك صلته سواء تحرك ما قبلها أو سكن، وإن كان الحرف الواقع بعدها متحركا فهنا: يعتبر ما قبلها، فإن كان متحركا فهى من المتفق على صلته، وإن كان ساكنا فهى من المختلف فيه: يصلها ابن كثير، ويختلس حركتها الباقون، وبهذا القسم بدأ الحافظ، فقال: «كان ابن كثير يصل هاء الكناية عن الواحد المذكر»
إلى آخر كلامه.
وقوله: «عن الواحد» متعلق بالكناية.
وقوله: «بواو» متعلق ب «يصل».
وقوله: «فإذا وقف حذف تلك الصلة».
يريد: والحركة التى فى الهاء، وكذلك يفعل غيره، أعنى يحذفون الحركة فى الوقف إلا من يروم فلا بد أن يبقى بعض الحركة فى الوقف.
وقوله: «لأنها زيادة» تعليل للحذف، ويدلك على أنها زيادة: اتصال الضمير إذ كل ضمير متصل فهو حرف واحد، فإن كان كناية عن مفرد، بقى على حاله، وإن كنى به عن مثنى أو مجموع لحقته علامات تدل على أن المكنى عنه مثنى أو مجموع نحو «إنهما» و «إنهم» و «إنهن» الألف، فالميم والألف والنون زوائد على
__________
(1) سقط فى ب.
(2) فى ب: يأتى.(1/298)
الهاء، كما أنها زوائد على التاء فى «فعلتما» و «فعلتم» و «فعلتن»، وأصل علامة الإضمار التاء والهاء، ولكون هذه الصلة زائدة على الضمير، جاز حذفها فى الإدغام الكبير إذا لقيت مثلها، على ما تقدم.
ولو كانت من نفس الضمير لكان حذفها نقصا من الكلمة، ولكان ذلك يلحقها بباب (1) المعتل المختلف فى إدغامه، ولا خلاف فى إدغام الهاء فى مثلها كما تقدم.
وإنما زيدت هذه الصلة لبيان الحركة، واحتيج (2) لذلك لما كانت الهاء حرفا ضعيفا مهموسا مهتوتا حتى صار عند بعض العرب لا يعتد به فاصلا، كما يبين بعد بحول الله تعالى.
واعلم أن هذه الصلة إنما تكون من جنس حركة الهاء، والأصل أن تحرك بالضم بدليل أنك لا تكسرها إلا لسبب وهو: أن تقع بعد كسرة أو ياء ساكنة [كما] (3) فى قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصََاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 3634] و «عليه» و [«إليه» و «لديه»] (4)، وإنما كسرت مع الكسرة والياء، ولم تضم على الأصل لئلا يخرج من الكسرة إلى الضمة والياء الساكنة بمنزلة الكسرة إذ الهاء لضعفها كأنها غير موجودة فكأنك لم تفصل بين الكسرة والضمة.
ويدل أيضا على أن الأصل فى تحريكها الضم قراءة حمزة (5) {لِأَهْلِهِ امْكُثُوا}
بضم الهاء فى طه [الآية: 10]، والقصص [الآية: 29] وقراءة حفص {وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ} [الكهف: 63] {وَمَنْ أَوْفى ََ بِمََا عََاهَدَ عَلَيْهُ اللََّهَ} فى الفتح [الآية: 10] بضم
__________
(1) فى أ: بيان.
(2) فى أ: احتج.
(3) سقط فى أ.
(4) فى ب: لديه وإليه.
(5) قرأ حمزة وهى قراءة ابن سعدان: (لأهله امكثوا) بضم الهاء، والباقون يكسرون الهاء فيهما.
انظر السبعة: (417)، وحجة من ضم الهاء: أنه أتى بالهاء على أصلها موصولة بالواو للتقوية، فلقيت الواو وهى ساكنة الميم من (امكثوا) وهى ساكنة: فحذفت الواو لالتقاء السّاكنين، وبقيت الضمة تدل عليها. وحجة من كسر الهاء أنه أبدل من ضمة الهاء كسرة:
للكسرة التى قبلها، فانقلبت الواو ياء ثم حذفت الياء لسكونها وسكون الميم بعدها، وبقيت الكسرة تدل عليها. انظر الكشف (2/ 95).
ينظر اللباب (13/ 183).(1/299)
الهاء (1) فيهما حيث لم يبال بثقل الضمة بعد الكسرة والياء، وأبقى الهاء على أصلها من التحريك بالضم، فلولا أن الضم هو الأصل فيها عند العرب (2) لم يكن لهذه القراءات وجه، والله [عز وجهه] (3) أعلم.
وإنما اختاروا أن يكون الأصل فى تحريك هذه الهاء الضم تنويها بضمير المذكر إذ الضم فى الإعراب علامة إعراب المذكر، فله مزية على غيره فجعل لضمير المذكر الذى له مزية على ضمير المؤنث، وجعلت الفتحة للمؤنث طلبا للتخفيف، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وهذا إذا لم تلق الهاء ساكنا».
قد تقدم أن الهاء إذا سكن ما بعدها، فابن كثير يوافق الجماعة على ترك الصلة إلا فى قوله تعالى: {عَنْهُ تَلَهََّى} [عبس: 10] فى قراءة البزى حيث شدد التاء وأبقى صلة الهاء (4).
__________
(1) قوله: {وَمََا أَنْسََانِيهُ} قرأ حفص بضم الهاء، وكذا قوله: {عَلَيْهُ اللََّهَ} فى سورة الفتح، قيل: لأن الياء هنا أصلها الفتح، والهاء بعد الفتحة مضمومة، فنظر هنا إلى الأصل، وأما فى سورة الفتح فلأن الياء عارضة إذ أصلها الألف والهاء بعد الألف مضمومة، فنظر إلى الأصل أيضا، والباقون بالكسرة نظرا إلى اللفظ فإنها بعد ياء ساكنة، وقد جمع حفص فى قراءته بين اللغات فى هاء الكناية فإنه ضم الهاء فى (أنسانيه) من غير صلة، ووصلها بياء فى قوله: (فيه).
ينظر الدر المصون (4/ 471).
(2) الأصل فى هاء الكناية: الضم، فإن تقدمها ياء ساكنة، أو كسرة، كسرها غير الحجازيين، نحو: عليهم وفيهم وبهم.
والمشهور فى ميمها السكون قبل متحرك، والكسر قبل ساكن، هذا إذا كسرت الهاء، أما إذا ضمت، فالكسر ممتنع إلا فى ضرورة كقوله: (وفيهم الحكام) بكسر الميم.
ينظر اللباب (1/ 214).
(3) سقط فى ب.
(4) قال السمين الحلبى: قرأ ابن كثير فى رواية البزى عنه: (عنهو تلهى) بواو وهى صلة لهاء الكناية، وتشديد التاء، والأصل: تتلهى، فأدغم، وجاز الجمع بين ساكنين لوجود حرف علة وإدغام، وليس لهذه الآية نظير. وهو أنه إذا لقى صلة هاء الكناية ساكن آخر ثبتت الصلة بل يجب الحذف.
وقرأ أبو جعفر: شاذا فى غير المتواتر عنه (تلهى) بضم التاء مبنيا للمفعول. أى: يلهيك شأن الصناديد. وقرأ طلحة (تتلهى) بتاءين وهى الأصل، وعنه بتاء واحدة وسكون اللام.
ينظر الدر المصون (6/ 479).(1/300)
وقد تقدم فى صدر باب الإدغام: أن الحرف المشدد [يتكون] من حرفين أولهما ساكن، لكن لما كان هذا التشديد عارضا كما قال الحافظ لم يعتد به فلم تحذف الصلة لذلك، بل يجب أن يزاد فى مدها على ما يأتى بعد، بحول الله عز وجل.
فإن قيل: وكيف يكون التشديد عارضا والأصل «تتلهى» بتاءين (1)، بل التخفيف هو العارض لما فيه من حذف إحدى التاءين هربا من توالى المثلين. فأما التشديد ففيه إثبات التاءين وهو الأصل، غير أنه لما (2) استثقل ذلك أسكنت الأولى، وأدغمت فى الثانية طلبا للتخفيف، فكيف يكون التشديد عارضا وفيه إبقاء الأصل؟
فالجواب: أن الأصل كما قلت: أن يكون بتاءين، ثم إن العرب منهم من يتكلم بالأصل ولا يبالى بالثقل، ومنهم من يستثقل فيخفف بالحذف (3)، ويطرد ذلك فى الوصل والابتداء، ويلتزم هذا حتى يصير كأنه الأصل ولا يعرج على ما كان قبل ذلك، وهذا المعنى ملحوظ عندهم وإليه أشار قائلهم: [من الطويل].
إذا انصرفت نفسى عن الأمر لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر ترجع (4)
فلما صار هذا الحذف كأنه أصل فى الكلام، حكم للتشديد المنبه على الأصل بحكم العارض (5) كما قالوا: اجتمعت أهل اليمامة (6)، بإثبات التاء فى الفعل، لما
__________
(1) قال السمين الحلبى قوله: {تَلَهََّى}، أصله: تتلهى، من: لهى يلهى بكذا، أى: اشتغل، وليس هو من اللهو فى شىء.
ويمكن أن يكون منه لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو تنقلب واوه لانكسار ما قبلها. نحو شقى يشقى. فإن كان مصدره جاء بالياء فيكون من مادة غير مادة اللهو.
قال السمين: الناس إنما لم يجعلوه من اللهو لأجل أنه مسند إلى ضمير النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يليق بمنصبه الكريم أن ينسب الله إليه «التفعّل» من اللهو. بخلاف الاشتغال فإنه يجوز أن يصدر منه فى بعض الأحيان، ولا ينبغى أن يعتقد غير هذا.
ينظر: الدر المصون (6/ 479).
(2) فى أ: كما.
(3) فى ب: بالحرف.
(4) البيت بلا نسبة فى شرح التصريح على التوضيح (1/ 214).
(5) فى أ: عارض.
(6) واحدة: اليمام، وهو طائر. وهو بلد كبير، فيه قرى وحصون وعيون ونخل، وكان اسمها أولا: جوّا.
واليمامة: هى الزرقاء التى يضرب بها المثل فى النظر البعيد، قلع تبع عينيها وصلبها على(1/301)
كان الذى كثر فى كلامهم واشتهر أن يقولوا: اجتمعت اليمامة ويحذفون «الأهل» حتى صار كالمتروك فى الأصل، وإن كان إثباته هو الأصل، فإذا لفظ به يوما ما فقيل: اجتمعت أهل اليمامة، أبقوا التاء، وحكموا [على] «الأهل» بحكم المقحم (1)
الزائد حتى صار «اجتمع أهل اليمامة»، بحذف التاء قليلا فى كلامهم.
ويقوى كون هذا التشديد فى حكم العارض: اختصاصه بالوصل دون الابتداء إذ لا يجوز الابتداء بهذه التاء فى هذه الكلمة وسائر أخواتها إلا بالتخفيف كما هو مذكور فى موضعه من فرش الحروف، ولا يجوز إدخال همزة الوصل ولا النطق بتاءين مفككتين.
وإن شئت قلت: إن الذى ذهب من العرب إلى التشديد، لم يرتكبه بعد استقرار الحذف لينبه على الأصل، ولكنه لما استثقل اجتماع المثلين متحركين، سكّن الأول وأدغمه فى الثانى واكتفى بهذا القدر من التخفيف.
وعلى هذا أيضا لا يخرج التشديد عن كونه عارضا إذ الأصل التفكيك والتحريك.
واعلم أن السؤال [وارد] (2) على كل واحد من المذهبين:
أما المذهب الثانى فيرد عليه عدم الاطراد لأنه يسكن ويدغم فى الوصل ويحذف الحرف بحركته فى الابتداء.
وأما المذهب الأول فيرد عليه أنه لما شدد لينبه على الأصل عرض فيه الرجوع إلى ما قد كان رفض.
فإن قيل: لا ينكر الرجوع إلى الأصل فى كلام العرب كما قال الشاعر [من الرجز]:
فإنه أهل لأن يؤكرما (3)
__________
باب جو فسميت بها.
ينظر: مراصد الاطلاع (3/ 1483).
(1) فى أ: المفخم.
(2) سقط فى أ.
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (رنب، كرم) والإنصاف ص (11)، وأوضح المسالك (4/ 406)، وخزانة الأدب (2/ 316)، والخصائص (1/ 144)، والدرر (6/ 319) وشرح الأشمونى (3/ 887)، وشرح شافية ابن الحاجب (1/ 139)، وشرح شواهد الشافية ص (58)، والمقاصد النحوية (4/ 578)، والمقتضب (2/ 98)، والمنصف (1/ 37، 192)(1/302)
فأثبت الهمزة.
وقال الآخر [من البسيط]:
. ... أنى أجود لأقوام وإن ضننوا (1)
بتفكيك النونين.
ومنه صرف ما لا ينصرف.
قيل: هذا كله صحيح ولكن بابه الشعر، ويقل وجوده فى الكلام (2)، والله لا
__________
وتاج العروس (رنب، كرم).
(1) عجز بيت، وصدره:
فهلا أعاذل قد جربت من خلقى
وهو لقعنب بن أم صاحب فى الخصائص (1/ 160، 257)، وسمط اللآلى ص (576)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 318)، والكتاب (1/ 29)، (3/ 535)، واللسان (ظلل، وضفن)، والمنصف (1/ 339، 2/ 303)، ونوادر أبى زيد ص (44)، وبلا نسبة فى خزانة الأدب (1/ 150، 245)، وشرح شافية ابن الحاجب (3/ 241)، وشرح المفصل (3/ 12)، واللسان (حمم).
(2) اعلم أنه يجوز فى الشعر وما أشبهه من الكلام المسجوع ما لا يجوز فى الكلام غير المسجوع، من رد فرع إلى أصل، أو تشبيه غير جائز بجائز، اضطر إلى ذلك أو لم يضطر إليه لأنه موضع قد ألفت فيه الضرائر.
وأنواعها منحصرة فى: الزيادة، والنقص، والتقديم، والتأخير، والبدل، فالزيادة تنحصر فى زيادة حرف، نحو تنوين الاسم غير المنصرف، إذا لم يكن آخره ألفا، رد إلى أصله من الانصراف، نحو قوله تعالى: {قَوََارِيرَا قَوََارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهََا تَقْدِيراً}، فى قراءة من صرف الأول منهما، ونحو قول أمية بن أبى الصلت:
فأتاها أحيمر كأخى السه ... م بعضب فقال كونى عقيرا
فإن كان آخره ألفا نحو: حبلى، لم يصرف.
وزيادة حركة، نحو تحريك العين الساكنة اتباعا لما قبلها وتشبيها بتحريكها، إذا نقلت إليها الحركة مما بعدها، فى الوقف نحو قولك: (قام عمرو)، ومن ذلك قوله:
إذا تحرك نوح قامتا معه ... ضربا أليما يلعج الجلدا
يريد: الجلد.
وزيادة كلمة نحو زيادة «أن» بعد كاف التشبيه تشبيها لها بزيادتها بعد «لما»، نحو قوله:
ويوما توافينا بوجه مقسّم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
أى: كظبية.
والنقص منحصر فى نقص حرف، نحو حذف صلة هاء الضمير فى الوصل إجراء له مجرى الوقف، ومن ذلك قوله:
أو معبر الظهر [ينبى] عن وليته ... ما حج ربّه فى الدنيا ولا اعتمرا
والأحسن إذا حذفت الصلة، أن تسكن الهاء حتى تكون قد أجريت الوصل مجرى(1/303)
إله غيره أعلم.
ومراد الحافظ بقوله: «وهذا إذا لم تلق الهاء ساكنا نحو» كذا.
يريد أن ابن كثير يترك الصلة إذا لقيت الساكن، ولم يحتج إلى التنصيص على هذا لأنه مفهوم من قوة كلامه.
قال الحافظ رحمه الله: «والباقون يختلسون الضمة والكسرة فى حال الوصل فيما (1) تقدم».
يريد بالاختلاس: النطق بالحركة مجردة من الصلة، والاختلاس: سرعة
__________
الوقف، إجراء كاملا نحو قوله:
وأشرب الماء ما بى نحوه عطش ... إلا لأن عيونه سيل واديها
ونقص حركة نحو حذف حركة الباء من: (أشرب)، فى قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
تشبيها للمنفصل بالمتصل ألا ترى أن (ربغ) بمنزلة «عضد»، فكما تسكن الضاد من:
عضد، فكذلك سكنت الباء؟! ونقص كلمة نحو حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وليس فى الكلام ما يدل عليه نحو قوله:
عشية فر الحارثيون، بعد ما ... قضى نحبه فى ملتقى القوم هوبر
يريد: ابن هوبر.
والتقديم والتأخير منحصر فى تقديم حرف على حرف نحو: شواعى، فى: شوائع.
وفى تقديم بعض الكلام على بعض، وإن كان لا يجوز ذلك فى الكلام تشبيها بما يجوز ذلك فيه، نحو قوله:
لها مقلتا أدماء طلّ خميلة ... من الوحش ما تنفك ترعى عرارها
التقدير: لها مقلتا أدماء من الوحش ما تنفك ترعى خميلة طلّ عرارها.
والبدل منحصر فى إبدال حرف من حرف، نحو إبدال الياء من الباء فى: أرانب جمع، أرنب تشبيها لها بالحروف التى يجوز ذلك فيها.
وفى إبدال حركة من حركة، نحو إبدال الكسرة التى قبل يا المتكلم فى غير النداء تشبيها بالنداء، نحو قوله:
أطوف ما أطوف ثم آوى ... إلى أمّا ويروينى النقيع
يريد: إلى أمى.
وإبدال كلمة من كلمة، نحو قوله:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
فأوقع «التولب» وهو ولد الحمار على الطفل تشبيها له به.
ينظر 15). / 206202).
(1) فى ب: كما.(1/304)
الحركة (1)، وبهذا المعنى يستعمله القراء، والله تبارك وتعالى أعلم.
ويريد «بما تقدم» حيث يثبت ابن كثير الصلة، إلا أن حفصا وافق ابن كثير على إثبات الصلة للهاء فى قوله تعالى: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً} [الفرقان: 69].
كما نص عليه الحافظ فى سورة الفرقان، ولو ذكره هنا، لكان حسنا، كما ذكر {عَنْهُ تَلَهََّى} [عبس: 10] فى قراءة البزى.
وجه قراءة الجماعة بترك الصلة إذا سكن ما قبل الهاء: أن الهاء عندهم لضعفها ووهنها فى حكم العدم، فلو وصلوها لكانوا كأنهم قد جمعوا بين ساكنين فتركوا الصلة لذلك.
ولا ينكر كون الحرف الضعيف قد يحكم له بحكم المعدوم.
ألا ترى أن سيبويه قال فى «اسطاع»: إنما هى «أطاع»، زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين (2).
يريد: من أجل ذهاب حركة العين من العين إذ الحركة لم تذهب من الكلمة رأسا، وإنما هى فى الطاء، فإن أصل الكلمة: «أطوع» مثل «أكرم»، فلما نقلت الحركة، وقلبت الواو ألفا، صارت الألف عرضة للحذف عند سكون ما بعدها،
__________
(1) مأخوذ من الخلس: وهو الأخذ فى نهزة ومخاتلة خلسه يخلسه خلسا، وخلسه إياه، فهو خالس وخلّاس قال الهذلى:
يا مى إن تفقدى قوما ولدتهم ... أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس
الجوهرى: خلست الشيء، واختلسته، وتخلسته: إذا استلبته. والتخالس: التسالب.
والاختلاس كالخلس، وقيل: الاختلاس أوحى من الخلس وأخص.
ينظر لسان العرب (2/ 1226).
(2) ونص كلام سيبويه: وأما «هرقت» و «هرحت» فأبدلوا مكان الهمزة الهاء، كما تحذف استثقالا لها، فلما جاء حرف أخف من الهمزة لم يحذف فى شىء ولزم لزوم الألف فى «ضارب»، وأجرى مجرى ما ينبغى لألف «أفعل» أن تكون عليه فى الأصل. وأما الذين قالوا: أهرقت، فإنما جعلوها عوضا من حذفهم العين وإسكانهم إياها، كما جعلوا ياء «أينق» وألف «يمان» عوضا.
وجعلوا الهاء العوض لأن الهاء تزاد.
ونظير هذا قولهم: اسطاع يسطيع، جعلوا العوض السين لأنه فعل، فلما كانت السين تزاد فى الفعل زيدت فى العوض لأنها من حروف الزوائد التى تزاد فى الفعل، وجعلوا الهاء بمنزلتها لأنها تلحق الفعل فى قولهم: ارمه، وعه، ونحوهما.
ينظر الكتاب (4/ 285).(1/305)
نحو: «أطعت»، فلما توهنت الواو بالإسكان والقلب عوض منها السين، وإن كانت الألف تحرز مكانها، ولم يكن ذلك من الجمع بين العوض والمعوض منه لكون الألف فى حكم المعدوم لضعفها وتعرضها للحذف كما تقدم.
ووجه قراءة ابن كثير اعتبار الأصل إذ الهاء حرف متحرك، فقد فصل بحركته بين الساكنين، مع أن الهاء وإن كانت ضعيفة فإنها تحرز فى حكم اللفظ ما يحرزه الضاد باستطالته والشين بتفشيه والقاف بقلقلته، وتصحيح ذلك يظهر فى أوزان الشعر إذ هو معيار لتحقيق ذلك، ولا فرق بين الهاء وغيرها من الحروف فى حكم الوزن، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وكلهم يصل» إلى أخره، هذا هو القسم المتفق على صلته كما تقدم.
واعلم أنما ذكرته فى هذا الباب فى جميع القرآن إلا أحرفا خرجت عن ذلك فلم يجر بعض القراء فيها على أصل واحد، وهى ستة عشر موضعا:
منها فى آل عمران: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [75]، و {لََا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [75]، و {نُؤْتِهِ مِنْهََا} فى موضعين [145].
وفى النساء {نُوَلِّهِ مََا تَوَلََّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [115]، وفى الأعراف {أَرْجِهْ وَأَخََاهُ}
[111]، وفى طه {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً} [75]، وفى النور {وَيَتَّقْهِ فَأُولََئِكَ} [52]، وفى الشعراء {أَرْجِهْ وَأَخََاهُ} [36]، وفى النمل {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} [28]، وفى الزمر {يَرْضَهُ لَكُمْ}
[7]، وفى الشورى {نُؤْتِهِ مِنْهََا} [20]، وفى البلد {أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [7]، وفى «إذا زلزلت» {خَيْراً يَرَهُ} [7]، و {شَرًّا يَرَهُ} [8].
اعلم أن الحرف الذى يلى الهاء من قبلها فى جميع هذه المواضع حرف متحرك.
فى اللفظ وحرف ساكن فى التقدير لكن حذف ذلك الساكن، إما علامة على بناء الفعل، وذلك فى {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111] على قراءة من لم يهمز (1)،
__________
(1) فى قوله تعالى (أرجه) فى سورتى الأعراف والشعراء ست قراءات فى المشهور المتواتر، قال السمين الحلبى: ولا التفات إلى ما أنكر بعضها، ولا لمن أنكر على راويها. وضبط ذلك أن يقال: ثلاث مع الهمز، وثلاث مع عدمه.
فأما الثلاث التى مع الهمز فأولها:
قراءة ابن كثير وهشام عن ابن عامر: (أرجئهو) بهمزة ساكنة وهاء متصلة بواو.(1/306)
__________
والثانية: قراءة أبى عمرو (أرجئه) كما تقدم، إلا أنه لم يصلها بواو.
والثالثة: قراءة ابن ذكوان عن ابن عامر: (أرجئه) بهمزة ساكنة وهاء مكسورة من غير صلة.
وأما الثلاث التى مع غير الهمزة فأولها:
قراءة حمزة والكسائى (أرجه) بكسر الجيم وسكون الهاء وصلا ووقفا.
الثانية: قراءة الكسائى وورش عن نافع: (أرجهى) بهاء متصلة بياء.
الثالثة: قراءة قالون بهاء مكسورة دون ياء.
فأما ضم الهاء وكسرها فقد عرف مما تقدم.
وأما الهمز وعدمه فلغتان مشهورتان، يقال: أرجأته وأرجيته، أى: أخرته، وقد قرئ قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ} بالهمز وعدمه، وهذا كقولهم: توضأت، وتوضيت.
وهل هما مادتان أصليتان أم المبدل فرع الهمز؟ احتمالان.
وقد طعن قوم على قراءة ابن ذكوان، فقال الفارسى: (ضم الهاء مع الهمز لا يجوز غيره، ورواية ابن ذكوان عن ابن عامر غلط).
وقال ابن مجاهد: (وهذا لا يجوز لأن الهاء لا تكسر إلا بعد كسرة أو ياء ساكنة).
وقال الحوفى: (ومن القراء من يكسر مع الهمز، وليس بجيد).
وقال أبو البقاء: (ويقرأ بكسر الهاء مع الهمز، وهو ضعيف لأن الهمزة حرف صحيح ساكن، فليس قبل الهاء ما يقتضى الكسر).
قال السمين الحلبى: وقد اعتذر الناس عن هذه القراءة على سبيل التنازل بوجهين:
أحدهما: أن الهمزة ساكنة، والساكن حاجز غير حصين، وله شواهد مذكورة فى موضعها، فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة فلذلك كسرت.
الثانى: أن الهمزة كثيرا ما يطرأ عليها التغيير، وهى هنا فى معرض أن تبدل ياء ساكنة لسكونها بعد كسرة، فكأنها وليت ياء ساكنة فلذلك كسرت.
وقد اعترض أبو شامة على هذين الجوابين بثلاثة أوجه:
الأول: أن الهمز معتد به حاجزا بإجماع فى (أنبئهم)، والحكم واحد فى ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم.
الثانى: أنه كان يلزمه صلة الهاء إذ هى فى حكمه، كأنها قد وليت الجيم.
الثالث: أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء نظرا إلى أن أصلها همزة، فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة؟! فضم الهاء مع الهمز هو الوجه.
وقد استضعف أبو البقاء قراءة ابن كثير وهشام فإنه قال: (وأرجئه) يقرأ بالهمز وضم الهاء من غير إشباع وهو الجيد، وبالإشباع وهو ضعيف لأن الهاء خفية، فكأن الواو التى بعدها تتلو الهمزة، وهو قريب من الجمع بين الساكنين، ومن هاهنا ضعف قولهم: عليهي مال، بالإشباع.
قال السمين الحلبى: وهذا التضعيف ليس بشيء لأنها لغة ثابتة عن العرب، أعنى:
إشباع حركة الهاء بعد ساكن مطلقا، وقد تقدم أن هذا أصل لابن كثير، ليس مختصا(1/307)
وفى {فَأَلْقِهْ} [النمل: 28] (1) لأنها من صيغ الأمر.
وإما علامة على الجزم وذلك فى البواقى.
ثم إن القراء اتفقوا على ضم الهاء وصلتها بواو فى حرف البلد واختلفوا فيما عداه فإن ابن كثير، والكسائى، وورشا، وابن ذكوان متفقون على التحريك والصلة فى جميعها إلا {يَرْضَهُ} (2) فى الزمر [الآية: 7] لورش، وإلا {أَرْجِهْ} فى الموضعين لابن ذكوان فإنهما تركا الصلة.
والباقون مختلفون فى إسكان الهاء وتحريكها موصولة، أو مختلسة فى بعض المواضع دون بعض، حسبما هو مذكور فى فرش الحروف والله عز جلاله أعلم.
وافق الشيخ، والإمام، الحافظ على جميع ما تقدم فى الباب.
__________
بهذه اللفظة، بل قاعدته: كل هاء كناية بعد ساكن أن تشبع حركتها حتى يتولد منها حرف مد، نحو: منهو، وعنهو، وأرجيهو، إلا قبل ساكن فإن المد يحذف لالتقاء الساكنين، إلا فى موضع واحد رواه عنه البزى، وهو: (عنهو تّلهى) بتشديد التاء ولذلك استضعف الزجاج قراءة الأخوين، قال بعد ما أنشد قوله:
لما رأى أن لا دعه ولا شبع ... مال إلى أرطأة حقف فاضطجع
(هذا شعر لا يعرف قائله، ولا هو بشيء، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له: أخطأت لأن الشاعر يجوز أن يخطئ، وهذا مذهب لا يعرج عليه).
ينظر الدر المصون (3/ 319317).
(1) قوله: (فألقه)، قرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم بإسكان الهاء، وقالون بكسرها فقط من غير صلة بلا خلاف عنه، وهشام عنه وجهان: القصر والصلة، والباقون بالصلة بلا خلاف، وقرأ شاذا مسلم بن جندب بضم الهاء موصولة بواو (فألقهو إليهم)، وقد تقدم أن الضم الأصل.
ينظر اللباب (15/ 150).
(2) قرأ ابن كثير والكسائى وابن ذكوان يرضهو بالصلة. وهى الأصل من غير خلاف، وهى قراءة واضحة. قال الواحدى: من أشبع الهاء حتى ألحق فيها واو لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة: ضربه.
وقرأ: (يرضه) بضم الهاء من غير صلة بلا خلاف، نافع وعاصم وحمزة.
وقرأ (يرضه) بإسكانها وصلا من غير خلاف، السوسى عن أبى عمرو.
وقرأ بالوجهين أعنى الإسكان والصلة الدورى عن أبى عمرو.
وقرأ بالإسكان والتحريك من غير صلة هشام عن ابن عامر.
ينظر اللباب (16/ 479478).(1/308)
باب ذكر المد والقصر
اعلم أن المد مخصوص بأحرف المد، وهي ثلاثة: الألف، والواو الساكنة بعد الضمة، والياء الساكنة بعد الكسرة، نحو دار، ونور، وطيب، وقد اجتمعت فى الكلمة الأولى من قوله: {آتُونِي أُفْرِغْ} [الكهف: 96]، وفى قوله تعالى: {أُوذِينََا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنََا} [الأعراف: 129] ونحو ذلك.
واعلم أن الأصل فى المد الألف إذ لا تتحرك أبدا، ولا تكون حركة ما قبلها إلا من جنسها، بخلاف الواو، والياء فإنهما قد يتحركان، ويكونان بعد الفتحة، فإذا سكنا بعد حركة مجانسة، أشبها الألف، فحينئذ يكونان حرفى مد، والله [تبارك اسمه] (1) أعلم.
فأما الواو والياء الساكنتان بعد الفتحة، فهما حرفا اللين نحن: «قوم» و «بيت» وقد اجتمعا فى آخر كلمة من قوله تعالى: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] ويدخلهما من المد بحسب ما فيهما من اللين حملا على أحرف المد.
واعلم أن أحرف المد فى أنفسهن مدات تابعات للحركات المجانسة لهن، فإذا قلت: «قال» مكنت الصوت بين فتحة القاف واللام بقدر ما لو نطقت بينهما بحرف متحرك ممكن الحركة مثل «قفل» (2) و «قتل»، وهكذا الواو والياء.
ثم اعلم أنه قد يعرض لهذه الأحرف ما يوجب الزيادة فى مدّهنّ، والتمكين لصوتهن أكثر مما كان يجب لهن عند انفرادهن عن ذلك العارض، والذى يوجب ذلك شيئان:
أحدهما: الهمزة.
والثانى: الحرف الساكن.
إذا وقع كل واحد منهما بعد حرف من أحرف المد.
وتكلم الحافظ فى هذا الباب على الهمزة دون الساكن، وذكر الساكن والهمزة فى غير هذا الكتاب من سائر تآليفه، «كجامع البيان» وغيره.
وأقدم الآن الكلام على الهمزة مرتّبا على كلام الحافظ، ثم أتبعه بالكلام
__________
(1) سقط فى ب.
(2) فى أ: فعل.(1/309)
على الساكن بحول من لا حول ولا قوة إلا به وهو العلى العظيم.
قال الحافظ رحمه الله: «واعلم أن الهمزة إذا كانت مع حرف المد واللين فى كلمة الفصل».
اعلم أن الهمزة إذا وقعت بعد حرف المد، فإما أن تكون مع حرف المد فى كلمة واحدة: ويسمى [المد] (1) المتصل، وإما أن تكون الهمزة أول كلمة وحرف المد آخر الكلمة التى قبلها: ويسمى المد المنفصل.
وقدم الحافظ الكلام على المتصل لأنه ألزم لحرف المد من المنفصل.
ثم اعلم أن الهمزة إذا اتصلت بحرف المد فى كلمة فإنها تأتى على وجهين:
متطرفة، ومتوسطة.
وأعنى بالمتطرفة ما لا يثبت بعدها فى الوقف شىء من الحروف.
وأعنى بالمتوسطة ما يثبت بعدها فى الوقف، ولو حرف واحد.
فمثال الهمزة المتطرفة بعد الألف «السماء» و «الماء» و «الأنبياء» و «جاء» و «شاء» وهو كثير فى القرآن.
ومثالها بعد الواو: {ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] و {وَمََا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران: 30] و {لَتَنُوأُ} [القصص: 76] و (تبوأ) [المائدة: 29] و {لَيْسُوا}
على خلاف فى هذا الأخير وهو فى الإسراء [الآية: 7] وليس فى القرآن غير هذه الألفاظ.
ومثالها بعد الياء: (برى) [الأنعام: 19] و {الْمُسِيءُ} [غافر: 58] و {النَّسِيءُ}
[التوبة: 37] على قراءة غير ورش و (النبيء) [الأحزاب: 28] على قراءة نافع، و {يُضِيءُ} [النور: 35] و (وجاى) [الزمر: 69] و {سِيءَ} [هود: 77] و {حَتََّى تَفِيءَ} [الحجرات: 9] وليس فى القرآن غيرها.
ومثال الهمزة المتوسطة بعد الألف:
{أُولََئِكَ} [الحجرات: 7] و {الْمَلََائِكَةَ} [آل عمران: 80] و {وَرَبََائِبُكُمُ} [النساء:
23] و {طََائِفٌ} [القلم: 19] و {لِلطََّائِفِينَ} [الحج: 26] و {سََائِلٌ} [المعارج: 1]
__________
(1) سقط فى أ.(1/310)
و {وَالسََّائِلِينَ} [البقرة: 177] و {قََائِلٌ} [الصافات: 51] و {قََائِلُونَ} [الأعراف: 4] وهو كثير.
ومثالها بعد الواو:
{السُّواى ََ} [10] فى الروم و {لِيَسُوؤُا} فى الإسراء [7] على خلاف كما تقدم لا غير.
ومثالها بعد الياء:
{بَرِيئُونَ} [يونس: 41] و (النبيئون) [البقرة: 136] على قراءة نافع و {هَنِيئاً مَرِيئاً} فى النساء [4] و {سِيئَتْ} فى الملك [27] لا غير.
فأما المنفصل:
فمثال الهمزة بعد الألف {بِمََا أُنْزِلَ} [البقرة: 4] {وَمََا أَعْجَلَكَ} [طه: 83] {وَإِذََا أَظْلَمَ} [البقرة: 20] {وَالْأُنْثى ََ إِنَّ سَعْيَكُمْ} [الليل: 43].
ومثالها بعد الواو {قُولُوا آمَنََّا} [البقرة: 136] و {قُوا أَنْفُسَكُمْ} [التحريم: 6] و {وَجََاؤُ أَبََاهُمْ} [يوسف: 16] و {قََالُوا أُوذِينََا} [الأعراف: 129] و {رُدُّوا إِلَى اللََّهِ}
[الأنعام: 62].
ومثالها بعد الياء: {فِي آيََاتِنََا} [الحج: 51] و {وَلََا تَفْتِنِّي أَلََا} [التوبة: 49] و {آتُونِي أُفْرِغْ} [الكهف: 96] و {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] وما أشبه ذلك. وارجع إلى لفظ الباب.
قال الحافظ رحمه الله: «اعلم أن الهمزة إذا كانت مع حرف المد واللين فى كلمة».
قد بينت حروف المد، والقراء يسمونها حروف المد واللين.
وقوله: «سواء توسطت أو تطرفت بعد الهمزة» قد ذكرت أمثلتها متوسطة ومتطرفة.
وقوله: «فلا خلاف بينهم فى تمكين حرف المد زيادة» إنما اتفق القراء على الزيادة فى المد المنفصل بالهمزة فى كلمة للزوم الهمزة لحرف المد، إلا أنهم اختلفوا فى مقدار الزيادة على خمس مراتب تذكر بعد بحول الله عز وجل.
قال: «فإذا كانت الهمزة أول كلمة وحرف المد آخر كلمة أخرى فإنهم يختلفون»
وإنما اختلفوا هنا لكون اتصال الهمزة بحرف المد عارضا إذ يجوز الفصل بينهما بالوقف، ولوقوع تلك الكلمة غير مجاورة للهمزة فى غير ذلك الموضع: فمن راعى اتصالها فى اللفظ، أجراها مجرى المتصلة فى الكلمة، فزاد فى تمكين حرف المد كما يزيد فى المتصل، ومن راعى كونها عارضة ولم يعتد بالعارض، لم يزد فى حرف المد على القدر الذى يستحقه بنفسه، والحافظ وغيره من القراء قد يعبرون عمن يمد المنفصل، بأنه يمد حرفا لحرف، ومعناه أنه يمد حرف المد فى آخر الكلمة الأولى من أجل الهمزة فى أول الكلمة الثانية، والحرف هنا عبارة عن الكلمة فكأنه قال:(1/311)
قال: «فإذا كانت الهمزة أول كلمة وحرف المد آخر كلمة أخرى فإنهم يختلفون»
وإنما اختلفوا هنا لكون اتصال الهمزة بحرف المد عارضا إذ يجوز الفصل بينهما بالوقف، ولوقوع تلك الكلمة غير مجاورة للهمزة فى غير ذلك الموضع: فمن راعى اتصالها فى اللفظ، أجراها مجرى المتصلة فى الكلمة، فزاد فى تمكين حرف المد كما يزيد فى المتصل، ومن راعى كونها عارضة ولم يعتد بالعارض، لم يزد فى حرف المد على القدر الذى يستحقه بنفسه، والحافظ وغيره من القراء قد يعبرون عمن يمد المنفصل، بأنه يمد حرفا لحرف، ومعناه أنه يمد حرف المد فى آخر الكلمة الأولى من أجل الهمزة فى أول الكلمة الثانية، والحرف هنا عبارة عن الكلمة فكأنه قال:
يمد كلمة لكلمة، فينسب المد إلى الكلمة وإن كان فى حرف منها.
وإنما أولت هذا التأويل ولم أحمله على أنه يريد بالحرف حرف المد والهمزة لأنهم يقولون عمن لا يمد المنفصل: إنه لا يمد حرفا لحرف مع أنه لا خلاف فى مد المتصل (1)، فكان يلزم أن يكون السوسى، وابن كثير لا يمدان الألف فى «جاء» من أجل الهمزة فتأمله، والله جل جلاله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فابن كثير وقالون بخلاف عنه، وأبو شعيب وغيره عن اليزيدى يقصرون حرف المد» إلى آخره.
لا خلاف عن ابن كثير وأبى شعيب فى ترك الزيادة فى المد المنفصل، ولا خلاف عن ورش، وابن عامر، والكوفيين فى إثبات الزيادة.
واختلف عن قالون، وعن الدورى عن اليزيدى، فذكر الحافظ فى «المفردات» أنه قرأ لقالون من طريق أبى نشيط عن أبى الفتح بترك الزيادة وعلى أبى الحسن بالزيادة، ولعله إلى هذا أشار بقوله فى «التيسير»: «وقالون بخلاف عنه».
وذكر عن الدورى: أنه قرأ على أبى القاسم، وعلى أبى الحسن بالزيادة، وعلى أبى الفتح بتركها، ويظهر أن مذهبه فى «التيسير» اختيار زيادة المد للدورى إذ لو اختار له القصر، لذكر أبا عمرو مع ابن كثير بدل ذكره أبا شعيب، ولو أراد الوجهين عن الدورى، لقال: «وأبو عمرو بخلاف من طريق أهل العراق» على عادته، وسترى بعد هذا الباب ما يدل على أن تعويله إنما هو على الأخذ بالزيادة، هذا مع أنه أسند قراءته فى «التيسير» من طريق أبى القاسم المذكور، والله جل وعلا أعلم.
__________
(1) فى أ: المنفصل.(1/312)
وأما الإمام فذكر الوجهين عن قالون والدورى.
وأما الشيخ فذكر ترك الزيادة عن قالون من طريق الحلوانى، وذكر عنه من طريق أبى نشيط وعن الدورى الزيادة لا غير.
وقوله: «فلا يزيدونه تمكينا على ما فيه من المد الذى لا يوصل إليه إلا به».
يريد: لا يزيدونه على القدر الذى يستحقه إذا انفرد بنفسه، ولم يكن هناك سبب يوجب له الزيادة، واحتاج إلى هذا الكلام ليبين به أن قوله: «يقصرون حرف المد»، إنما أراد به ترك الزيادة على ما يستحق بنفسه ولم يرد إذهاب المد رأسا إذ كان قوله: «يقصرون حرف المد»، قد يفهم منه ذلك، فأزال هذا التوهم، وإن كان ضعيفا، والله عز وجل أعلم.
وقوله: «وهؤلاء أقصر مدا فى الضرب الأول المتفق عليه».
يعنى: أن ابن كثير ومن ذكر معه [أقل] (1) زيادة فى المد المتصل من غيرهم.
وقوله: «والباقون يطولون فى ذلك زيادة».
يريد بالباقين: ورشا، والدورى عن اليزيدى، وابن عامر والكوفيين كما تقدم.
وأشار بذلك إلى المد المنفصل.
وقوله: «وأطولهم مدّا فى الضربين» إلى آخره.
يريد بالضربين: المتصل، والمنفصل.
واعلم أنه يتعلق بهذا الكلام خمسة أمور:
أحدها: أن طبقات الزيادة فى المد المتصل خمس، وفى المنفصل أربع.
الثانى: أن كل من زاد فى المنفصل، فإنه يسوى بينه وبين المتصل، وكل من لم يزد فيه فإنه يفرق بينهما، ويتبين ذلك بالمثال، وهو أن قوله تعالى: {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ} [البقرة: 20] ألف {كُلَّمََا} منفصلة من الهمزة التى بعدها وألف {أَضََاءَ}
متصلة بالهمزة التى بعدها، فيكون مد ورش وحمزة للألفين على حد واحد، وكذلك مد عاصم فيهما سواء، إلا أنه دون مد ورش وحمزة، وكذلك مد ابن عامر، والكسائى فى الألفين سواء، إلا أنه دون مد عاصم، وكذلك مد قالون والدورى، إلا أنه دون مد من ذكر.
__________
(1) سقط فى أ.(1/313)
فأما أبو شعيب، وابن كثير فيلفظون بألف {كُلَّمََا} دون زيادة كما يلفظون بها فى قوله تعالى: {أَوَكُلَّمََا عََاهَدُوا} [البقرة: 100] وغيره من الألفات التى لا همزة بعدها، ويلفظون بألف {أَضََاءَ} بزيادة فى المد على ألف {كُلَّمََا} إلا أنها دون زيادة قالون والدورى، وكذلك {هََؤُلََاءِ} وكذلك {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ} [البقرة: 40] يلفظون بالياء من «بنى» مثل الياء من {قِيلَ} و {فِيهِ} ومثل الألف من {كُلَّمََا} كما تقدم، ويلفظون بالألف التى بعد الراء مثل ألف {أَضََاءَ} وهكذا سائر ما يأتى من هذا الباب.
الثالث: أن قوله: «ودونهما أبو عمرو من طريق أهل العراق» دليل على ما قدمته من أن اعتماده فى هذا الكتاب على الأخذ للدورى عن اليزيدى بالزيادة فى المنفصل، وإلى هذا الموضع أشرت قبل.
الرابع: أنه لم يذكر هنا ابن كثير، وأبا شعيب لأنهما أقل القراء مدّا حيث يمدان، وهذا الفصل ذكر فيه من يزيد مده على مد غيره ولهذا قال: «وأطولهم مدّا فلان» إلى آخره وليس فى القراء من يكون مده دون مد ابن كثير، وأبى شعيب.
الخامس: أن قوله: «وأطولهم مدا فى الضربين» ظاهر فى المفاضلة فى نفس الزيادة على المقدار الذى يستحقه حرف المد بنفسه لا فى أصل المد.
وإذا كان الأمر كذلك فكان ينبغى ألا يذكر أبا عمرو، وقالون، وأن يقطع التفضيل عند (1) ذكر ابن عامر، والكسائى إذ زيادة ابن عامر والكسائى تفضل زيادة قالون وأبى عمرو من طريق أهل العراق فى الضربين، وليس تفضل زيادة قالون وأبى عمرو فى الضربين زيادة غيرهما.
فأما ابن كثير، وأبو شعيب، فإنما يزيدان فى الضرب المتصل خاصة لا فى الضربين، ومبنى كلامه فى التفضيل إنما وقع على الزيادة فى الضربين، فلو قال:
فأما أبو عمرو من طريق أهل العراق وقالون فأطول مدا من ابن كثير وأبى شعيب فى المتصل خاصة إذ لا يزيدان فى المد المنفصل، أو يكتفى عن ذلك بقوله قبل هذا:
«وهؤلاء أقصر مدّا فى الضرب الأول» لاندفع الإشكال، لكن يتوجه ذكر أبى
__________
(1) فى ب: عن.(1/314)
عمرو وقالون هنا على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يريد أطولهم مدّا فى الضربين على الإطلاق كيفما وجد متفقا فيهما، أو فى أحدهما.
الثانى: أن [يريد] (1) «بأطول» مجموع المد الذى يستوعبه القدر المشترك بين ما يستحقه حرف المد بنفسه، وبين الزيادة الحاصلة عن السبب، وإن كان الطول الذى ينبغى أن ينبه على التفاضل فيه خاصّا بالزيادة دون القدر المستحق لحرف المد بانفراده.
الثالث: أن يريد بالطول مجرد الزيادة، لكن لما اشترك المتصل والمنفصل فى الزيادة فى مذاهب أكثر القراء كما تقدم أدرج (2) موضع اختصاص أحدهما مع ذكر مواضع اتفاقهما على ما جاء فى قوله تعالى: {نَسِيََا حُوتَهُمََا} [الكهف: 61]، وإنما الناسى الفتى دون موسى (3) عليه السلام وكما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ} [الرحمن: 22] وإن كان الإخراج من أحد البحرين، والله عز وجل أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وهذا كله على التقريب من غير إفراط».
يريد بهذا كله ما ذكر من كون بعضهم يزيد على بعض فى تطويل المد، يقول:
ليس بين مد حمزة وورش، ومد عاصم إلا مقدار يسير، وكذلك زيادة مد عاصم
__________
(1) سقط فى أ.
(2) درج الشيء فى الشيء، يدرجه درجا، وأدرجه: طواه وأدخله. ويقال لما طويته: أدرجته لأنه يطوى على وجهه. وأدرجت الكتاب: طويته.
ورجل مدراج: كثير الإدراج للثياب.
والدّرج: الذى يكتب فيه، وكذلك الدرج بالتحريك. يقال: أنفذته فى درج الكتاب، أى: فى طيه. وأدرج الكتاب فى الكتاب: أدخله وجعله فى درجه، أى: فى طيه.
ودرج الكتاب: طيه وداخله، وفى درج الكتاب كذا وكذا. وأدرج الميت فى الكفن والقبر: أدخله.
ينظر: اللسان (2/ 1353).
(3) قوله: (نسيا)، الظاهر نسبة النسيان إلى موسى وفتاه، يعنى: نسيا تفقد أمره، فإنه كان علامة لهما على ما يطلبانه.
وقيل: نسى موسى أن يأمره بالإتيان به، ونسى يوشع أن يفكره بأمره.
وقيل: الناسى يوشع فقط، وهو على حذف مضاف، أى: نسى أحدهما، كقوله تعالى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ}.
ينظر: الدر المصون (4/ 470).(1/315)
على مد الكسائى وابن عامر بمقدار يسير، وهكذا سائرها.
والمعتبر فى ذلك أن القرآن إنما أنزل بلسان عربى مبين فإذا كان كذلك فالمحصّل يميز بعقله المقدار الذى يمكن استعماله فى المخاطبات عند قصد البيان، والتثبيت فى الخطاب من الصبر والتبيين لآحاد الكلمات بحيث لا يخرج الكلام معه عن المعتاد إلى ما تنفر عنه الطباع، وما يستعمل أيضا من الحدر (1) والإسراع الذى لا يخل بالحروف، ولا يميتها.
فتعلم أن التلاوة ينبغى أن تكون دائرة بين هذين الطرفين (2)، وهذا معنى قوله:
«وإنما ذلك على مقدار مذاهبهم فى التحقيق والحدر» يريد بالتحقيق: تمكين الحروف والصبر على حركاتها والتثبيت فى بيانها، ويريد بالحدر: الإسراع والهذّ.
ومذاهب القراء فى ذلك لا بد أن تكون موافقة لما عليه كلام العرب الذى نزل
__________
(1) الحدر: هو الإسراع فى القراءة، قال ابن سيده: حدر الشيء، يحدره ويحدره، حدرا وحدورا، فانحدر: حطه من علو إلى سفل.
الأزهرى: وكل شىء أرسلته إلى أسفل، فقد حدرته حدرا وحدورا، قال: ولم أسمعه بالألف: أحدرت، قال: ومنه سميت القراءة السريعة: الحدر لأن صاحبها يحدرها حدرا.
وحدرت السفينة: أرسلتها إلى أسفل، ولا يقال: أحدرتها، وحدر السفينة فى الماء، والمتاع، يحدرهما حدرا، وكذلك حدر القرآن والقراءة.
الجوهرى: وحدر فى قراءته وفى أذانه، حدرا، أى: أسرع. وفى حديث الأذان: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر»، أى: أسرع. وهو من الحدور ضد الصعود، يتعدى ولا يتعدى.
ينظر: اللسان (2/ 802).
وفى ب: الهمز.
(2) السنة أن يقرأ القرآن مرتلا لقوله تبارك وتعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].
والترتيل: هو أن يذكر الحروف مبينة ظاهرة، والفائدة فيه: أنه إذا وقعت القراءة على هذا الوجه، فهم من نفسه معانى تلك الألفاظ، وأفهم غيره تلك المعانى، وإذا قرأها سردا، لم يفهم ولم يفهم فكان الترتيل أولى.
روى أبو داود رحمه الله تعالى بإسناده عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقال للقارئ: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها».
قال أبو سليمان الخطابى رحمه الله: جاء فى الأثر أن عدد آى القرآن على عدد درج الجنة، يقال للقارئ: اقرأ وارق فى الدرج على عدد ما كنت تقرأ من القرآن، فمن استوفى، فقرأ جميع آى القرآن استولى على أقصى الجنة ينظر: اللباب (1/ 9190).(1/316)
القرآن به: فمن مذهبه من القراء الأخذ بالصبر والتمكين فإنه يزيد فى المد من تلك النسبة، ومن مذهبه الحدر والإسراع، فإنه يمد بتلك النسبة، ومن توسط فعلى حسب ذلك.
وحينئذ يتناسب المد والتحريك، ولو أن المسرع بالحركات أطال المد والممكن للحركات قصر المد، لأدى ذلك إلى تشتت اللفظ، وتنافر الحروف، والله أعلم.
السبب الثانى الموجب للزيادة فى حرف المد: وهو الحرف الساكن إذا وقع بعد حرف المد.
وكان ينبغى للحافظ أن يذكره فى هذا الباب كما ذكره فى غير هذا الكتاب.
واعلم أن الأصل فى كلام العرب ألا يلتقى ساكنان (1) إلا فى الوقف.
__________
(1) وقد تعددت الطرق التى لجأ إليها العرب لمنع التقاء الساكنين، فمنها:
أولا: حذف التنوين أو تحريكه إذا جاء بعده حرف ساكن، ومن أمثلته ما جاء فى قول سيبويه: هذا باب ما يذهب التنوين فيه من الأسماء لغير إضافة ولا دخول الألف واللام، ولا لأنه لا ينصرف، وكان القياس أن يثبت التنوين فيه، وذلك كل اسم غالب وصف ب «ابن»، ثم أضيف إلى اسم غالب، أو كنية، أو أم. وذلك قولك: هذا زيد بن عمرو.
وإنما حذفوا التنوين من هذا النحو حيث كثر فى كلامهم لأن التنوين حرف ساكن وقع بعده حرف ساكن، ومن كلامهم أن يحذفوا الأول إذا التقى ساكنان، وذلك قولك: اضرب ابن زيد، وأنت تريد الخفيفة. وقولهم: لد الصلاة، فى «لدن» حيث كثر كلامهم.
وما يذهب منه الأول أكثر من ذلك، نحو: قل، وخف.
وسائر تنوين الأسماء يحرك إذا كانت بعده ألف موصولة لأنهما ساكنان يلتقيان فيحرك الأول كما يحرك المسكن فى الأمر والنهى، وذلك قولك: هذه هند امرأة زيد، وهذا زيد امرؤ عمرو، وهذا عمرو الطويل، إلا أن الأول حذف منه التنوين لما ذكرت لك، وهم مما يحذفون الأكثر فى كلامهم.
وإذا اضطر الشاعر فى الأول أيضا أجراه على القياس. سمعنا فصحاء العرب أنشدوا هذا البيت:
هى ابنتكم وأختكم زعمتم ... لثعلبة بن نوفل بن جسر
وقال الأغلب:
جارية من قيس ابن ثعلبه وتقول: هذا أبو عمرو بن العلاء لأن الكنية كالاسم الغالب. ألا ترى أنك تقول: هذا زيد بن أبى عمرو، فتذهب التنوين كما تذهبه فى قولك: هذا زيد بن عمرو لأنه اسم غالب. وتصديق ذلك قول العرب: هذا رجل من بنى أبى بكر بن كلاب.
ثانيا: تحريك آخر الكلمة، ومن أمثلته ما جاء فى قول سيبويه: هذا باب اختلاف العرب(1/317)
__________
فى تحريك الآخر لأنه لا يستقيم أن يسكن هو والأول من غير أهل الحجاز:
اعلم أن منهم من يحرك الآخر كتحريك ما قبله، فإن كان مفتوحا فتحوه، وإن كان مضموما ضموه، وإن كان مكسورا كسروه، وذلك قولك: ردّ وعضّ وفرّ يا فتى، واقشعر واطمئنّ واستعد، واجترّ واحمرّ وضارّ لأن قبلها فتحة وألفا فهى أجدر أن تفتح، وردّنا ولا يشلّكم الله، وعضّنا ومدّنى إليك ولا يشلّك الله، وليعضّكم. فإن جاءت الهاء والألف فتحوا أبدا.
وسألت الخليل: لم ذاك؟ فقال: لأن الهاء خفية، فكأنهم قالوا: ردا وأمدا وغلّا، إذا قالوا: ردها وغلها [وأمدها]. فإذا كانت الهاء مضمومة ضموا، كأنهم قالوا: مدوا وعضوا، إذا قالوا: مدّه وعضّه. فإن جئت بالألف واللام وبالألف الخفيفة كسرت الأول كله لأنه كان فى الأصل مجزوما لأن الفعل إذا كان مجزوما فحرك لالتقاء الساكنين كسر. وذلك قولك: اضرب الرجل واضرب ابنك، فلما جاءت الألف واللام والألف الخفيفة رددته إلى أصله لأن أصله أن يكون مسكنا على لغة أهل الحجاز، كما أن نظائره من غير المضاعف على ذلك جرى.
ومثل ذلك: مذ وذهبتم، فيمن أسكن، تقول: مذ اليوم، وذهبتم اليوم لأنك لم تبن الميم على أن أصله السكون، ولكنه حذف كياء «قاض» ونحوها.
ومنهم من يفتح إذا التقى ساكنان على كل حال، إلا فى الألف واللام والألف الخفيفة.
فزعم الخليل أنهم شبهوه ب «أين وكيف وسوف» وأشباه ذلك، وفعلوا به إذ جاءوا بالألف واللام والألف الخفيفة ما فعل الأولون، وهم بنو أسد وغيرهم من بنى تميم. وسمعناه ممن ترضى عربيته. ولم يتبعوا الآخر الأول كما قالوا: امرؤ وامرئ وامرأ، فأتبعوا الآخر الأول، وكما قالوا: بنم، وابنم، وابنما.
ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام على حاله مفتوحا، يجعله فى جميع الأشياء ك «أين». وزعم يونس أنه سمعهم يقولون:
غض الطرف إنك من نمير ولا يكسر «هلم» البتة من قال: هلما وهلمى، ولكن يجعلها فى الفعل تجرى مجراها فى لغة أهل الحجاز بمنزلة «رويد».
ومن العرب من يكسر ذا أجمع على كل حال، فيجعله بمنزلة: اضرب الرجل، واضرب ابنك، وإن لم تجئ بالألف واللام لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين، وكذلك اضرب ابنك، واضرب الرجل، ولا يقولها فى «هلم»، لا يقول: هلمّ يا فتى، من يقول: هلموا، فيجعلها بمنزلة «رويد». ولا يكسر «هلم» أحد لأنها لم تصرف تصرف الفعل ولم تقو قوته.
ومن يكسر «كعب» و «غنىّ».
وأهل الحجاز وغيرهم، مجتمعون على أنهم يقولون للنساء: ازددن وذلك لأن الدال لم تسكن هاهنا لأمر ولا نهى. وكذلك كل حرف قبل نون النساء لا يسكن لأمر ولا لحرف يجزم ألا ترى أن السكون لازم له فى حال النصب والرفع، وذلك قولك: رددن، وهن يرددن، وعلىّ أن يرددن. وكذلك يجرى غير المضاعف قبل نون النساء، لا يحرك فى حال. وذلك قولك: ضربن ويضربن ويذهبن. فلما كان هذا الحرف يلزمه السكون فى(1/318)
__________
كل موضع، وكان السكون حاجزا عنه ما سواه من الإعراب، وتمكن فيه ما لم يتمكن فى غيره من الفعل كرهوا أن يجعلوه بمنزلة ما يجزم لأمر أو لحرف الجزم فلم يلزمه السكون كلزوم هذا الذى هو غير مضاعف. ومثل ذلك قولهم: رددت ومددت لأن الحرف بنى على هذه التاء كما بنى على النون وصار السكون فيه بمنزلته فيما فيه نون النساء. يدلك على ذلك أنه فى موضع فتح.
وزعم الخليل أن ناسا من بكر بن وائل يقولون: ردّن ومدّن وردّت، جعلوه بمنزلة: رد ومد. وكذلك جميع المضاعف يجرى كما ذكرت لك فى لغة أهل الحجاز وغيرهم والبكريين. وأما ردّد ويردّد، فلم يدغموه لأنه لا يجوز أن يسكن حرفان فيلتقيا، ولم يكونوا ليحركوا العين الأولى: لأنهم لو فعلوا ذلك لم ينجوا من أن يرفعوا ألسنتهم مرتين، فلما كان ذلك لا ينجيهم أجروه على الأصل ولم يجز غيره.
واعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أجروه على الأصل، قال الشاعر، وهو قعنب بن أم صاحب:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقى ... أنى أجود لأقوام وإن ضننوا
وقال:
تشكو الوجى من أظلل وأظلل وهذا النحو فى الشعر كثير.
ينظر: الكتاب (3/ 535532).
ثالثا: ويقول سيبويه أيضا: هذا باب يحرك فيه الحرف الذى يليه المحذوف لأنه لا يلتقى ساكنان:
وهو قولك فى رجل اسمه رادّ: يا راد أقبل. وإنما كانت الكسرة أولى الحركات به لأنه لو لم يدغم كان مكسورا، فلما احتجت إلى تحريكه كان أولى الأشياء به ما كان لازما له لو لم يدغم. وأما «مفرّ» فإذا حذفت منه وهو اسم رجل، لم تحرك الراء لأن ما قبلها متحرك.
وإن حذفت من اسم «محمارّ» أو «مضارّ»، قلت: يا محمار ويا مضار، تجىء بالحركة التى هى له فى الأصل، كأنك حذفت من محمارر، حيث لم يجز لك أن تسكن الراء الأولى ألا ترى أنك إذا احتجت إلى تحريكها والراء الآخرة ثابتة لم تحرك إلا على الأصلى، وذلك قولك: لم يحمارر؟! فقد احتجت إلى تحريكها فى الترخيم كما احتجت إليه هنا حين جزمت الراء الآخرة.
وإن سميته ب «مضارّ» وأنت تريد المفعول قلت: يا مضار أقبل، كأنك حذفت من مضارر.
وأما «محمرّ» إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخمته تركت الراء الأولى مجزومة لأن ما قبلها متحرك فلا تحتاج إلى حركتها. ومن زعم أن الراء الأولى زائدة كزيادة الواو والياء والألف، فهو لا ينبغى له أن يحذفها مع الراء الآخرة، من قبل أن هذا الحرف ليس من حروف الزيادة، وإنما يزاد فى التضعيف فأشبه عندهم المضاعف الذى لا زيادة فيه، نحو مرتد وممتد، حين جرى مجراه، ولم يجئ زائدا غير مضاعف لأنه ليس عندهم من حروف الزيادة، وإنما جاء زائدا فى التضعيف لأنه إذا ضوعف جرى مجرى(1/319)
__________
المضاعف الذى ليس فيه زيادة.
ولو جعلت هذا الحرف بمنزلة الياء والألف والواو لثبت فى التحقير والجمع الذى يكون ثالثه ألفا ألا ترى أنه صار بمنزلة اسم على خمسة أحرف ليس فيه زيادة، نحو: جردحل، وما أشبه ذلك.
وأما [رجل اسمه] أسحارّ، فإنك إذا حذفت الراء الآخرة لم يكن لك بد من أن تحرك الراء الساكنة لأنه لا يلتقى حرفان ساكنان وحركته الفتحة لأنه يلى الحرف الذى منه الفتحة، وهو الألف ألا ترى أن المضاعف إذا أدغم فى موضع الجزم حرك آخر الحرفين لأنه لا يلتقى ساكنان، وجعل حركته كحركة أقرب المتحركات منه، وذلك قولك: لم يردّ ولم يرتدّ ولم يفرّ [ولم يعضّ]. فإذا كان أقرب من المتحرك إليه الحرف الذى منه الحركة المفتوحة ولا يكون ما قبله إلا مفتوحا، كان أجدر أن تكون حركته مفتوحة لأنه حيث قرب من الحرف الذى منه الفتحة وإن كان بينهما حرف كان مفتوحا، فإذا قرب منه هو كان أجدر أن تفتحه، وذلك: لم يضارّ.
وكذلك تقول: يا أسحارّ، أقبل، فعلت بهذه الراء ما كنت فاعلا بالراء الآخرة لو ثبت الراءان ولم تكن الآخرة حرف الإعراب، فجرى عليها ما كان جاريا على تلك كما جرى على ميم «مدّ» ما كان بعد الدال الساكنة، وامدد هو الأصل. وإن شئت فتحت اللام إذا أسكنت [على فتحة] «انطلق»، و «لم يلد» إذا جزموا اللام. وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع العرب يقولون، وهو قول رجل من أزد السّراة:
ألا رب مولود وليس له أب ... وذى ولد لم يلده أبوان
جعلوا حركته كحركة أقرب المتحركات منه. فهذا ك «أين وكيف». وإنما منع «أسحارا» أن يكون بمنزلة «محمار» أن أصل محمار: محمارر، يدلك على ذلك فعله إذا قلت: لم يحمارر. وأما «إسحار» فإنما هو اسم وقع مدغما آخره، وليس لرائه الأولى فى كلامهم نصيب فى الحركة، ولا تقع إلا ساكنة، كما أن الميم الأولى من الحمر، والراء الأولى من شراب لا يقعان إلا ساكنين، ليستا عندهم إلا على الإسكان فى الكلام وفى الأصل.
ينظر الكتاب (2/ 267263).
رابعا: وقال سيبويه: هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة، إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين:
وإنما حذفوا ألف الوصل هاهنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن، فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها هاهنا، وجعلوا التحرك للساكنة الأولى حيث لم يكن ليلتقى ساكنان. وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة. فجملة هذا الباب فى التحرك أن يكون الساكن الأول مكسورا، وذلك قولك: اضرب ابنك، وأكرم الرجل، واذهب اذهب، و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ اللََّهُ} [الإخلاص: 21] لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن، فصار بمنزلة باء «اضرب» ونحو ذلك.
ومن ذلك: إن الله عافانى فعلت، وعن الرجل، وقط الرجل، ولو استطعنا.
ونظير الكسر هاهنا قولهم: حذار، وبداد، ونظار، ألزموها الكسر فى كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر فى كلامهم، فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسما نحو: حذام(1/320)
__________
لئلا يلتقى ساكنان. ونحوه: جير يا فتى، وغاق غاق، كسروا هذا إذا كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان.
وقال الله تبارك وتعالى: {قُلِ انْظُرُوا مََا ذََا فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]، فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف فى الابتداء. وكرهوا الكسر هاهنا كما كرهوه فى الألف، فخالفت سائر السواكن كما خالفت [الألف] سائر الألفات، يعنى ألفات الوصل.
وقد كسر قوم فقالوا: (قل انظروا) وأجروه على الباب الأول، ولم يجعلوا كالألف، ولكنهم جعلوها كآخر «جير».
وأما الذين يضمون فإنهم يضمون فى كل ساكن يكسر فى غير الألف المضمومة، فمن ذلك قوله عز وجل: {وَقََالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} [يوسف: 31] {وَعَذََابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ}
[ص: 42]. ومنه: {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [المزمل: 3]، وهذا كله عربى قد قرئ.
ومن قال: {قُلِ انْظُرُوا} [يونس: 101]، كسر جميع هذا.
والفتح فى حرفين:
أحدهما قوله عز وجل: {الم. اللََّهُ}، لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا، وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء.
ونظير ذلك قولهم: من الله، ومن الرسول، ومن المؤمنين، لما كثرت فى كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا، وشبهوها ب «أين وكيف».
وزعموا أن ناسا من العرب يقولون: من الله، فيكسرونه ويجرونه على القياس.
فأما (الم) فلا يكسر لأنهم لم يجعلوه فى ألف الوصل بمنزلة غيره، ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين. ونحو ذلك: لم يلده. واعلمن ذلك لأن للهجاء حالا قد تبين.
وقد اختلفت العرب فى «من» إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف اللام، فكسره قوم على القياس، وهى أكثر فى كلامهم، وهى الجيدة. ولم يكسروا فى ألف اللام لأنها مع ألف اللام أكثر لأن الألف واللام كثيرة فى الكلام تدخل فى كل اسم، ففتحوا استخفافا، فصار «من الله» بمنزلة الشاذ.
وذلك قولك: من ابنك، ومن امرئ. وقد فتح قوم فصحاء فقالوا: من ابنك، فأجروها مجرى «من المسلمين».
ينظر: الكتاب (155152).
خامسا قال سيبويه: هذا باب ما يضم من السواكن إذا حذفت بعد ألف الوصل:
وذلك الحرف: الواو التى هى علامة الإضمار، إذا كان ما قبلها مفتوحا، وذلك قوله عز وجل: {وَلََا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، ورموا ابنك، واخشوا الله.
فزعم الخليل أنهم جعلوا حركة الواو منها ليفصل بينها وبين الواو التى من نفس الحرف، نحو واو «لو» و «أو».
وقد قال قوم: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، جعلوها بمنزلة ما كسروا من السواكن، وهى قليلة. وقد قال قوم: (لو استطعنا) شبهوها بواو: اخشوا الرجل، ونحوها، حيث كانت(1/321)
__________
ساكنة مفتوحا ما قبلها. وهى فى القلة بمنزلة: (ولا تنسوا الفضل بينكم).
وأما الياء التى هى علامة الإضمار وقبلها حرف مفتوح، فهى مكسورة فى ألف الوصل.
وذلك: اخشى الرجل، للمرأة لأنهم لما جعلوا حركة الواو من الواو جعلوا حركة الياء من الياء، فصارت تجرى هاهنا كما تجرى الواو ثمّ. وإن أجريتها مجرى (ولا تنسوا الفضل بينكم) كسرت، فهى على كل حال مكسورة.
ومثل هذه الواو واو «مصطفون» لأنها واو زائدة لحقت للجمع كما لحقت واو «اخشوا» لعلامة الجمع، وحذفت من الاسم ما حذفت واو «اخشوا»، فهذه فى الاسم كتلك فى الفعل. والياء فى «مصطفين» مثلها فى «اخشى»، وذلك مصطفو الله، ومن مصطفى الله. ينظر الكتاب (4/ 156155).
سادسا: قال سيبويه: هذا باب ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها ساكن:
وذلك ثلاثة أحرف: الألف، والياء التى قبلها حرف مكسور، والواو التى قبلها حرف مضموم.
فأما حذف الألف فقولك: رمى الرجل، وأنت تريد: رمى، ولم يخف. وإنما كرهوا تحريكها لأنها إذا حركت صارت ياء أو واوا، فكرهوا أن تصير إلى ما يستثقلون فحذفوا الألف حيث لم يخافوا التباسا.
ومثل ذلك: هذه حبلى الرجل، ومعزى القوم، وأنت تريد: المعزى والحبلى، كرهوا أن يصيروا إلى ما هو أثقل من الألف، فحذفوا حيث لم يخافوا التباسا.
ومثل ذلك قولهم: رمت. وقالوا: رميا، فجاءوا بالياء، وقالوا: غزوا، فجاءوا بالواو لئلا يلتبس الاثنان بالواحد. ذفريان لأنهم لو حذفوا لالتبس بما ليس فى آخره ألف التأنيث من الأسماء. وأنت إذا قلت: هذه حبلى الرجل، ومن حبلى الرجل، علم أن فى آخرها ألفا.
فإن قلت: قد تقول: رأيت حبلى الرجل، فيوافق اللفظ لفظ ما ليست فى آخره ألف التأنيث؟ فإن هذا لا يلزمه فى كل موضع. وأنت لو قلت: حبلان، لم تجد موضعا إلا والألف منه ساقطة، ولفظ الاسم حينئذ ولفظ ما ليست فيه الألف سواء.
وأما حذف الياء التى قبلها كسرة فقولك: هو يرمى الرجل، ويقضى الحق، وأنت تريد:
يقضى ويرمى، كرهوا الكسر كما كرهوا الجر فى «قاض»، والضم فيه كما كرهوا الرفع فيه، ولم يكونوا ليفتحوا فيلتبس بالنصب لأن سبيل هذا أن يكسر، فحذفوا حيث لم يخافوا التباسا.
وأما حذف الواو التى قبلها حرف مضموم فقولك: يغزو القوم، ويدعو الناس. وكرهوا الكسر كما كرهوا الضم هناك، وكرهوا الضم هنا كما كرهوا الكسر فى «يرمى». وأما «اخشوا القوم» و «رموا الرجل» و «اخشى الرجل»، فإنهم لو حذفوا لالتبس الواحد بالجميع، والأنثى بالذكر. وليس هنا موضع التباس. ومع هذا أن قبل هذه الواو أخف الحركات. وكذلك ياء «اخشى»، وما قبل الياء منها فى «يقضى» ونحوه، وما قبل الواو منها فى «يدعو» ونحوه. فاجتمع أنه أثقل وأنه لا يخاف الالتباس فحذف. فأجريت هذه السواكن التى حركوا ما قبلها منها مجرى واحدا.(1/322)
فأما الوصل فلا يجوز فيه ذلك فى فصيح الكلام إلا أن يكون الأول حرف مد (1)، والثانى مدغما، فمثاله فى الوقف قوله تعالى:
{مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] و {مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] و {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] و {دََارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28] و {بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] لا خلاف فى جواز إسكان هذه الكلمات وما أشبهها فى الوقف.
ومثالها فى الوصل بالشرطين المتقدمين:
{دَابَّةٍ} [البقرة: 164] و {الصَّاخَّةُ} [عبس: 33] و {الطَّامَّةُ} [النازعات: 34] و {وَمََا هُمْ بِضََارِّينَ} [البقرة: 102] و {وَلَا الضََّالِّينَ} [الفاتحة: 7] و {أَتُحََاجُّونِّي}
[الأنعام: 80] وما أشبهه.
فإن تخلف أحد الشرطين قبح التقاء الساكنين إذا ذاك ولهذا استضعفوا قراءة ورش فى:
{أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] و {أَأَسْجُدُ} راء: 61] و {أَأَشْفَقْتُمْ} [المجادلة: 13] ونحوه بإبدال الهمزة الثانية ألفا لأنه ليس فيه إذ ذاك إلا شرط واحد وهو كون الساكن الأول حرف مد، وكذلك قراءة نافع {وَمَحْيََايَ} [الأنعام: 162] بسكون الياء فى الوصل، وقراءة البزى، وأبى عمرو {اللََّائِي} فى الأحزاب [الآية: 4] [والمجادلة] (2) [2] والطلاق [الآية: 4] بسكون الياء، وكذلك استقبحوا الإدغام الصحيح فى نحو {الْخُلْدِ جَزََاءً} [فصلت: 28] و {مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ} [البقرة: 52] و {مِنْ قَبْلُ لَفِي} [آل عمران: 164] على ما تقدم فى الإدغام الكبير، وجعلوه من باب الإخفاء، وراموا الحركة لأنه إن أدغم لم يكن فيه إلا شرط واحد وهو كون الساكن الثانى مدغما خاصة (3).
__________
ومثل ذلك: لم يبع ولم يقل، ولو لم يكن ذلك فيها من الاستثقال لأجريت مجرى «لم يخف» لأنه ليس لاستثقال لما بعدها حذفت، وذلك ياء «يهاب» وواو «يخاف».
ينظر الكتاب (4/ 157156).
(1) ومن أمثلة ذلك ما جاء فى قول سيبويه: وليس حرف ساكن فى هذه الصفة إلا بعد ألف أو حرف لين كالألف، وذلك نحو: تمودّ الثوب وتضربينّى، تريد المرأة. وتكون فى ياء أصيمّ، وليس مثل هذه الواو والياء لأن حركة ما قبلهن منهن، كما أن ما قبل الألف مفتوح. وقد أجازوه فى مثل ياء «أصيمّ» لأنه حرف لين. ينظر الكتاب (3/ 525).
(2) سقط فى أ.
(3) فى أ: خاصّا.(1/323)
فأما ما حكى من قول بعض العرب «التقت حلقتا البطان» (1) بالمد بعد التاء، فشاذ.
فإذا تقرر هذا فاعلم أنه إذا كان الساكن الأول حرف مد، والثانى مدغما على ما تقدم أنه المختار من الكلام نحو «الدابة» أو غير مدغم على الوجه الضعيف كما تقدم فإنه لا بد من الزيادة فى تمكين حرف المد إذ ذاك.
وسبب ذلك أن تمكين حرف المد عندهم يجرى مجرى الحركة فيكون كأنه لم يلتق ساكنان، وكأنك إنما أوقعت الساكن الثانى بعد حركة، فعلى هذا يكون تطويل المد من أجل لقى الساكن أوكد وألزم من التطويل من أجل لقى الهمزة، وإنما يطول المد عند لقى الهمزة لأن الهمزة حرف ثقيل بعيد المخرج فيحتاج النطق بها إلى تكلف، فإذا وقع حرف المد قبلها مكنوا مده حتى ينتهى الصوت إلى موضع الهمزة فيكون الناطق بها إذ ذاك متمكنا منها ومعانا على تحقيقها، والله سبحانه أعلم.
واعلم أن القراء فى تمكين حرف المد عند لقيه الساكن على طبقاتهم الخمس التى تقدمت فى المد المتصل: فأطولهم مدا ورش، وحمزة، ثم عاصم، ثم من ذكر بعده على ذلك الترتيب، وأقلهم زيادة ابن كثير، وأبو شعيب، مع أنهما يزيدان فى تمكينه على ما يستحقه إذا لم يقع بعده ساكن، فعلى هذا من قرأ {أَتُحََاجُّونِّي} [الأنعام: 80] بتشديد النون، فإنه يزيد فى هذا الواو مثل ما يزيد فى مد الألف.
ومن قرأ بتخفيفها، فإنه يزيد فى مد الألف، ولا يزيد فى مد الواو، وعلى هذا فقس.
ومما جرت به عادة القراء فى هذا الباب أن يذكروا حروف التهجى التى فى أوائل السور ومجموعها أربعة عشر شكلا، وهى (2):
__________
(1) يضرب مثلا للأمر يبلغ الغاية فى الشدة والصعوبة، وأصله: أن يحوج الفارس إلى النجاء مخافة العدو فينجو، فيضطرب حزام دابته، حتى يمس الحقب، ولا يمكنه أن ينزل فيصلحه. والبطان: حزام الرحل، وأكثر ما يستعمل للقتب. والحقب: النسعة التى تشد فى حقو البعير، ويشد على حقيبته، والحقيبة: الرفادة تشد فى مؤخر القنب. وكل شىء شددته فى مؤخر قتبك أو رحلك فقد احتقبته، ثم كثر ذلك حتى قيل لمن اكتسب خيرا أو شرا: قد احتقبه.
ينظر جمهرة الأمثال (1/ 153).
(2) روى ابن عباس رضى الله عنهما فى الحروف المقطعة، مثل: الم، المص، المر،(1/324)
__________
وغيرها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن قول الله عز وجل: {الم}: أقسم بهذه الحروف إن هذا الكتاب الذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الذى من عند الله عز وجل لا شك فيه، قال هذا فى قوله تعالى: {الم ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 21].
والقول الثانى عنه: أن (الر، حم، ن)، اسم الرحمن مقطع فى اللفظ، موصول فى المعنى.
والقول الثالث عنه: أنه قال: {الم ذََلِكَ الْكِتََابُ}، قال: (الم) معناه: أنا الله أعلم وأرى.
وروى عكرمة فى قوله: {الم ذََلِكَ الْكِتََابُ} قال: {الم} قسم.
وروى عن السدى قال: بلغنى عن ابن عباس أنه قال: {الم} اسم من أسماء الله، وهو الاسم الأعظم.
وروى عكرمة عن ابن عباس: الر، والم، وحم، حروف معرّفة، أى: بنيت معرفة. قال أبى: فحدثت به الأعمش، فقال: عند مثل هذا ولا تحدثنا به؟
وروى عن قتادة قال: {الم} اسم من أسماء القرآن، وكذلك {حم} و {يس}، وجميع ما فى القرآن من حروف الهجاء فى أوائل السور.
وسئل عامر عن فواتح القرآن، نحو {حم} ونحو {ص} و {الم} و {الر}، قال:
هى اسم من أسماء الله مقطعة بالهجاء، إذا وصلتها كانت اسما من أسماء الله.
ثم قال عامر، (الرحمن) قال: هذه فاتحة ثلاث سور، إذا جمعتهن كانت اسما من أسماء الله تعالى.
وروى أبو بكر بن أبى مريم عن ضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير، وراشد بن سعد قالوا:
{المر} و {المص} و {الم} وأشباه ذلك، وهى ثلاثة عشر حرفا، إن فيها اسم الله الأعظم.
وروى عن أبى العالية فى قوله: {الم} قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا ليس فيها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسماء الله، وليس فيها حرف إلا وهو فى آلائه وبلائه، وليس فيها حرف إلا وهو فى مدة قوم وآجالهم.
قال: وقال عيسى بن عمر: أعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون فى رزقه كيف يكفرون به! فالألف مفتاح اسمه: الله، ولام مفتاح اسمه: لطيف، وميم مفتاح اسمه:
مجيد. فالألف آلاء الله، واللام لطف الله، والميم مجد الله، والألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون.
وروى عن أبى عبد الرحمن السلمى قال: {الم} آية، و {حم} آية.
وروى عن أبى عبيدة أنه قال: هذه الحروف المقطعة حروف الهجاء، وهى افتتاح كلام ونحو ذلك.
قال الأخفش: ودليل ذلك أن الكلام الذى ذكر قبل السورة قد تم.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال فى {كهيعص}: هو كاف، هاد، يمين، عزيز، صادق، جعل اسم اليمين مشتقا من اليمن.(1/325)
__________
وزعم قطرب أن {الر} و {المص} و {الم} و {كهيعص} و {ص} و {ق}
و {يس} و {ن}، حروف المعجم لتدل أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التى هى: حروف: اب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، وجاء تمامها مؤلفا ليدل القوم الذين نزل عليهم القرآن، أنه بحروفهم التى يعقلونها لا ريب فيه.
قال: ولقطرب وجه آخر فى {الم} زعم أنه يجوز أن يكون لما لغا القوم فى القرآن فلم يتفهموه حين قالوا: {لََا تَسْمَعُوا لِهََذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26]، أنزل عليهم ذكر هذه الحروف لأنهم لم يعتادوا الخطاب بتقطيع الحروف، فسكتوا لما سمعوا الحروف طمعا فى الظفر بما يحبون، ليفهموا بعد الحروف القرآن وما فيه، فتكون الحجة عليهم أثبت، إذا جحدوا بعد تفهم وتعلم.
وقال أبو إسحاق الزجاج: المختار من هذه الأقاويل ما روى عن ابن عباس، وهو: أن معنى {الم} أنا الله أعلم، وأن كل حرف منها له تفسير.
قال: والدليل على ذلك أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة التى هو منها، وأنشد:
قلت لها قفى فقالت ق فنطق بقاف فقط، تريد: أقف. وأنشد أيضا:
ناديتهم أن ألجموا ألا تا ... قالوا جميعا كلهم: ألا فا
قال تفسيره: نادوهم أن ألجموا ألا تركبون؟ قالوا جميعا: ألا فاركبوا، فإنما نطق بتاء وفاء كما نطق الأول بقاف.
وقال: وهذا الذى اختاروه فى معنى هذه الحروف، والله أعلم بحقيقتها.
وروى عن الشعبى أنه قال: لله عز وجل فى كل كتاب سر، وسره فى القرآن حروف الهجاء المذكورة فى أوائل السور.
وأجمع النحويون أن حروف التهجى، وهى الألف والباء والتاء والثاء وسائر ما فى القرآن منها، أنها مبنية على الوقف، وأنها لا تعرب. ومعنى الوقف أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها فالنطق بها: {الم}.
والدليل على أن حروف الهجاء مبنية على السكت، كما بنى العدد على السكت، أنك تقول فيها بالوقوف، مع الجمع بين ساكنين، كما تقول إذا عددت: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، فتقطع ألف «اثنين»، وألف «اثنين» ألف وصل، وتذكر الهاء فى ثلاثة وأربعة، ولولا أنك تقدر السكت لقلت: ثلاثة، كما تقول: ثلاثة يا هذا، وحقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر.
وشرح هذه الحروف وتفسيرها: أن هذه الحروف ليست تجرى مجرى الأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة التى يجب لها الإعراب، فإنما هى تقطيع الاسم المؤلف الذى لا يجب الإعراب إلا مع كماله. فقولك: (جعفر) لا يجب أن تعرب منه الجيم ولا العين ولا الفاء ولا الراء دون تكميل الاسم، وإنما هى حكايات وضعت على هذه الحروف، فإن أجريتها مجرى الأسماء وحدثت عنها قلت: هذه كاف حسنة، وهذا كاف حسن، وكذلك سائر حروف المعجم. فمن قال: هذه كاف، أنث بمعنى الكلمة، ومن ذكر فلمعنى الحرف،(1/326)
{الم} [البقرة: 1] و {المص} [الأعراف: 1] و {الر} [يونس: 1] و {المر}
[الرعد: 1] و {كهيعص} [مريم: 1] و {طه} [طه: 1] و {طسم} [الشعراء: 1] و {طس} [النمل: 1] و {يس} [يس: 1] و {حم} [غافر: 1] و {عسق} [الشورى:
__________
والإعراب وقع فيها لأنك تخرجها من باب الحكاية قال الشاعر:
كافا وميمين وسينا طاسما وقال آخر:
كما بيّنت كاف تلوح وميمها فذكر طاسما لأنه جعله صفة للسين، وجعل السين فى معنى الحرف، وقال: (كاف تلوح) فأنث الكاف لأنه ذهب بها إلى الكلمة. وإذا عطفت هذه الحروف بعضها على بعض أعربتها فقلت: ألف وباء وتاء وثاء إلى آخرها، والله أعلم.
وقال أبو حاتم: قالت العامة فى جمع {حم} و {طس}: طواسين وحواسم. قال:
والصواب: ذوات طس، وذوات حم، وذوات الم. وقوله تعالى {يس} كقوله عز وجل:
{الم} و {حم}، وأوائل السور.
وقال عكرمة: معناه: يا إنسان لأنه قال: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [البقرة: 252].
وقال ابن سيده: الألف والأليف حرف هجاء. وقال الأخفش: هى من حروف المعجم، مؤنثة، وكذلك سائر الحروف. وقال: وهذا كلام العرب، وإذا ذكرت جاز.
وقال سيبويه: حروف المعجم كلها تذكر وتؤنث، كما أن الإنسان يذكر ويؤنث.
قال: وقوله عز وجل: {الم} و {المص} و {المر}، قال الزجاج: الذى اخترنا فى تفسيرها قول ابن عباس: إن {الم}: أنا الله أعلم، و {المص}: أنا الله أعلم وأفصل، و {المر}: أنا الله أعلم وأرى.
قال بعض النحويين: موضع هذه الحروف رفع بما بعدها، قال: {المص كِتََابٌ}
[الأعراف: 1، 2]، و «كتاب» مرتفع ب «المص»، وكأن معناه (المص): حروف كتاب أنزل إليك. قال: وهذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب، فقوله: {الم اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1، 2] يدل على أن {الم}
مرافع لها على قوله، وقوله: {حم، وَالْكِتََابِ الْمُبِينِ إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ} [الدخان: 1، 3]، فهذه الأشياء تدل على أن الأمر على غير ما ذكر. قال: ولو كان كذلك أيضا لما كان {الم} و {حم} مكررين.
قال: وقد أجمع النحويون على أن قوله عز وجل: {كِتََابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف: 2] مرفوع بغير هذه الحروف فالمعنى: هذا كتاب أنزل إليك.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: (طسم) عجزت العلماء عن علم تفسيرها. وروى على بن أبى طلحة الوالبى عن ابن عباس أنه قسم، وهو من أسماء الله تعالى. وقال قتادة: اسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد اسم للسورة. وقال محمد بن كعب القرظى: قسم بطوله وسناه وملكه.
ينظر: لسان العرب (1/ 1614)، اللباب (15/ 3).(1/327)
2] و {ص} [ص: 1] و {ق} [ق: 1] و {ن} [القلم: 1].
أصولها من غير تكرار أربعة عشر حرفا، وهى التى انتظم منها النصف الثانى من هذا البيت:
يأيها المثبت ما سطره ... إن عليك مقسطا حصبه
وهذه الحروف تنقسم قسمين:
القسم الأول: مركب من حرفين وهو خمسة يجمعها قولك: «يطرحه».
فإذا قلت: {طه} [طه: 1]، فإنما نطقت بطاء وألف [وهاء وألف] (1)، وكذلك الهاء والياء من {كهيعص} [مريم: 1]، والراء والحاء من {الر} [هود: 1] و {حم} [الأحقاف: 1].
فالثانى أبدا من جميع هذه الأحرف الخمسة حرف مد وهو الألف، وليس بعده ساكن فيعطى من النطق قدر ما يستحقه الحرف وحده من غير زيادة.
والقسم الثانى: التسعة الباقية، وكل واحد منها مركب من ثلاثة أحرف.
وتنقسم إلى:
متحرك الوسط، وهو ألف فلا يدخله المد.
وإلى ساكن الوسط وهو البواقى، وتنقسم إلى:
ما وسطه حرف لين وهو: «عين» فى السورتين.
وإلى ما وسطه حرف مد وهو السبعة البواقى.
وتنقسم إلى ما وسطه واو وهو: «نون».
وإلى ما وسطه ياء وهو: «ميم».
وإلى ما وسطه ألف وهو: «لام» و «كاف» و «صاد» و «قاف»، ولا خلاف بين القراء فى زيادة مد كل حرف من هذه السبعة التى وسطها حرف مد لأنه قد وقع بعده ساكن [وهم] (2) فى مده على الطبقات الخمس.
وإنما [جاز] (3) فى هذه الحروف التقاء الساكنين، والثانى غير مدغم لأنها فى
__________
(1) سقط فى أ.
(2) سقط فى أ.
(3) سقط فى: ب.(1/328)
حكم الموقوف عليه، وقد تقدم أنه يجوز اجتماع الساكنين فى الوقف، ويترتب على هذه الأحرف السبعة فرعان (1):
أحدهما: أن ما أدغم آخره منها، هل يكون تمكين المد فيه مثل ما لم يدغم آخره أو يزاد فى تمكين مده؟
وقد ذكروا فيه الوجهين.
ورجح الشيخ والإمام الزيادة، وسوى الحافظ بينهما، ومثاله {الم ذََلِكَ الْكِتََابُ} [البقرة: 21]:
من قال بالتسوية بين المدغم وغيره يمد ألف «لام» بمقدار مد ياء «ميم».
ومن رجح الزيادة فى المدغم يمد ألف «لام» أزيد من ياء «ميم».
وكذلك {طسم} [الشعراء: 1] فى قراءة غير حمزة (2):
من سوى بين المدغم وغيره يمد ياء «ميم» مثل مد ياء «سين».
ومن رجح الزيادة فى المدغم يمد ياء «سين» أكثر من «ميم»، وكذلك ما جرى مجراه.
الفرع الثانى: أن ما تحرك من أواخر هذه الحروف فى الوصل بحركة عارضة هل يبقى عليه من المد مثل ما يستحقه إذا لم يتحرك آخره لأن حركته عارضة فلا يعتد بها أو ينقص من مده لأنه قد زال بتلك الحركة وقوع الساكن بعد حرف المد؟
وفيه أيضا الوجهان، والأرجح عندهم الزيادة فى المد بناء على ترك الاعتداد بالعارض، وذلك فى {الم اللََّهُ} [آل عمران: 21] فى قراءة الجميع، و {الم أَحَسِبَ النََّاسُ} [العنكبوت: 1، 2] فى قراءة ورش وحده، فأما «عين» فى السورتين فقال الإمام: «لا يمكنه أحد إلا ورش باختلاف عنه، والباقون يلفظون به ك «بين» فى الوقف».
__________
(1) فى أ: نوعان.
(2) أظهر حمزة نون (سين) قبل الميم، كأنه ناو الوقف، وإلا فإدغام مثله واجب والباقون يدغمون وفى مصحف عبد الله (ط س م) مقطوعة من بعضها. قيل: وهى قراءة أبى جعفر، يعنون أنه يقف على كل حرف وقفة يميز بها كل حرف، وإلا لم يتصور أن يلفظ بها على صورتها فى هذا الرسم.
وقرأ عيسى وتروى عن نافع فى غير المتواتر عنه بكسر الميم هنا وفى القصص على البناء. وأمال الطاء الأخوان وأبو بكر. ينظر: الباب (15/ 3)(1/329)
وقال الشيخ: «من القراء من يمدها أقل من مد غيرها لأن الأوسط حرف لين، ومنهم من يمده كغيره، ومنهم من يمده لورش وحده، ومده عندى لجميعهم أشبه وأقيس لأن المد إنما وجب لالتقاء الساكنين فحرف اللين فيه كحرف المد.
وإنما يتمكن المد فى حروف المد واللين أكثر من حروف اللين مع الهمزات، فأما مع التقاء الساكنين فالحكم سواء».
ثم ذكر أنه يأخذ بترك إشباع المد من أجل الرواية ويختار التمكين لقوته فى القياس.
وذكر الحافظ المذهبين وصححهما.
واعلم أن الحافظ قد نبه على الزيادة فى حرف المد لأجل الساكن فى ثلاثة مواضع من فرش الحروف فى «التيسير»:
منها قوله فى البقرة لما ذكر تاءات البزى ثم قال: «وإن كان قبلهن حرف مد زيد فى تمكينه».
وقوله فى النساء حين ذكر مذهب ابن كثير فى: {الَّذََانِ} [النساء: 16]، ونحوه فقال: «بتشديد النون وتمكين الألف».
ومنها قوله فى الأحزاب حين ذكر الاختلاف فى {اللََّائِي} (1) [الأحزاب: 4] فقال: «ومن همز ومن لم يهمز يشبع التمكين للألف فى الحالين إلى آخر كلامه».
وهذا الإطلاق يشمل قراءة أبى عمرو والبزى، وهما يسكنان الياء بعد الألف، والله [عز وجهه الكريم] (2) أعلم.
وجميع ما ذكرته من أحكام المد عند الساكن قد ذكره الحافظ فى جامع البيان وغيره.
فصل: قال الحافظ: «وإذا أتت الهمزة قبل حرف المد» إلى آخره.
اعلم أن الهمزة إذا وقع بعدها حرف مد، فإنها تأتى فى قراءة ورش على وجهين:
محققة ومغيرة، مثال المحققة قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26]
__________
(1) فى أ: النبى.
(2) سقط فى ب.(1/330)
و {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هََذَا الْقُرْآنُ} [الأنعام: 19] و {وَإِيتََاءِ الزَّكََاةِ} [النور: 37].
وأما المغيرة فثلاثة أقسام:
أحدها: التغيير بالتسهيل بين بين، والذى ورد منه فى القرآن {آمَنْتُمْ} فى الأعراف [الآية: 76] وطه [الآية: 71] والشعراء [الآية: 49]، و {أَآلِهَتُنََا} فى الزخرف [الآية: 58]، و {جََاءَ آلَ لُوطٍ} فى الحجر [الآية: 61] و {جََاءَ آلَ فِرْعَوْنَ} فى القمر [الآية: 41] فى الوصل لا غير أعنى مما بعد الهمزة المغيرة فيه حرف مد.
الثانى: التغيير بالبدل، والذى ورد منه فى القرآن {لَوْ كََانَ هََؤُلََاءِ آلِهَةً} فى الأنبياء [الآية: 99] و {مِنَ السَّمََاءِ آيَةً} فى الشعراء [الآية: 4] إذا وصل أبدل الهمزة الثانية ياء فيهما، وليس فى القرآن غيرهما.
الثالث: التغيير بالنقل إلى الساكن، نحو {مَنْ آمَنَ} [آل عمران: 99] و {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53] وهو كثير، وسيأتى القول فى باب النقل (1) بحول الله [العلى] (2) العظيم.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن ورشا يزيد فى تمكين حرف المد بعد الهمزة المحققة، وبعد الهمزة المغيرة بالبدل أو بالنقل.
فأما إذا كان حرف المد بعد الهمزة الملينة فلم أر لهم فيه شيئا، والله عز وجهه وجل ذكره أعلم، وسيأتى بعد ما يستثنى من ذلك، وارجع إلى لفظه.
قال الحافظ رحمه الله: «سواء كانت محققة أو ألقى حركتها على الساكن قبلها أو أبدلت»، فذكر هنا نوعين من التغيير.
فإن قيل: لعله إنما لم يذكر الوجه الثالث لأنه لا يرى تمكين المد فيه إذ لو جاز فيه تمكين المد، لكان كأنه قد جمع بين أربع ألفات وهى: الهمزة المحققة، والهمزة الملينة، والألف، فلو مكن مدها (3) لكانت كأنها ألفان، فكان ذلك يشبه اجتماع أربع ألفات، وبهذا علل تركهم إدخال الألف بين الهمزة المحققة والملينة، كما سيأتى فى موضعه.
__________
(1) فى أ: الفعل.
(2) سقط فى ب.
(3) فى ب: بعدها.(1/331)
فهذا وجه من النظر إلا أنه يعارضه نظر آخر وهو أن يقال: لو كان كما تزعم لذكره مع المستثنيات بعد.
ويمكن أن يجاب عن هذه المعارضة بأن يقال: إنها غير لازمة لأنه إنما استثنى ما هو من جنس ما قرر.
وبيان ذلك: أنه إنما نص على التمكين بعد الهمزة المحققة، والمغيرة بالنقل، أو بالبدل خاصة، ثم استثنى ما بعد الهمزة المحققة فهو استثناء من الجنس.
أما لو نص على استثناء ما بعد الهمزة الملينة، لكان استثناء من غير الجنس فلم يلزمه ذلك.
فإن قيل: فقد نص فى الاستثناء على ما بعد الهمزة المجتلبة [للابتداء] (1)؟.
فالجواب: أنك إذا قلت مبتدئا {ائْتِ بِقُرْآنٍ} [يونس: 15] {اؤْتُمِنَ}
[البقرة: 283] فقد حصل فى اللفظ حرف مد بعد همزة محققة فكان استثناؤه من الجنس فلزم لذلك.
وبالجملة فالأمر محتمل، ولو بين لنا حكمه لكان أحسن، ثم ذكر الأمثلة وهى بينة، وهمزة {لِإِيلََافِ} [قريش: 1] من المحققة، وهمزة {إِيلََافِهِمْ} [قريش: 2] فى الوصل من المغير بالنقل، و {هََؤُلََاءِ آلِهَةً} [الأنبياء: 99] من المغير بالبدل فى الوصل، وقد تقدم.
ثم ذكر عن المصريين أنهم يزيدون فى حرف المد زيادة متوسطة.
اعلم أن الناس اختلفوا هنا.
فمنهم من يشبع المد، كما لو تقدم حرف المد على الهمزة، فيسوى بين المد قبل الهمزة وبعدها نحو {جََاؤُ} [آل عمران: 184] و {جََاءَنََا} [المائدة: 19] و (النبيئين) [البقرة: 213] و {بَرِيئُونَ} [يونس: 41].
وهو ظاهر قول الإمام، وأنكره الحافظ وأطال فى الرد على أصحاب هذا المذهب فى «إيجاز البيان» و «التمهيد» وغيرهما (2).
ومنهم من لم يزد على القدر الذى يستحقه حرف المد بنفسه، كما رواه
__________
(1) سقط فى أ.
(2) فى أ: غيرها.(1/332)
البغداديون عن ورش، وبه قرأ الحافظ على أبى الحسن.
ومنهم من أخذ فيه بتمكين وسط، وهو دون المد الذى قبل الهمزة وهو مذهبه فى «التيسير» وغيره، وقرأته على أبى القاسم، وأبى الفتح.
وأما الشيخ فقال فى «التبصرة»: قرأ ورش بتمكين المد فيما روى المصريون عنه، وقرأ الباقون بمد وسط كما يخرج من اللفظ. انتهى.
فسمى المد الذى يستحقه الحرف بنفسه مدّا وسطا.
وقال فى مد ورش: بالتمكين، وليس فيه بيان عن مقدار الزيادة.
وقال فى كتاب «التنبيه» لما ذكر {لِيَسُوؤُا} [الإسراء: 7] و {وَبََاؤُ} [البقرة:
61] و {إِسْرََائِيلَ} [البقرة: 40] وشبهه ما نصه: «والمدة الأولى فى هذا هى أشبع مدّا من الثانية».
وقال فى الكشف: «والمد فى حرف المد واللين إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مده إذا كانت قبله لتمكن خفاء حرف المد واللين إذا كانت الهمزة بعده» فظهر من هذا موافقته للحافظ، والله عز وجهه الكريم أعلم.
وقوله: «على مقدار التحقيق» يريد: على نسبة تحقيقه للحروف والصبر على الحركات وإن لم يبلغ أن يكون بمنزلة المد الذى قبل الهمزة.
فإن قيل: ولعله لا يريد هنا الزيادة فى المد، وإنما يريد أنه يصبر على حروف المد بقدر ما يناسب الصبر على الحركات ليحصل التناسب، ويزول التشتت، والتنافر فيكون موافقا لمذهب شيخه أبى الحسن على ما تقدم؟
قيل: لو أراد هذا لما اقتصر على ما بعد الهمزة، ولا خص ورشا دون حمزة، ويعضد ما ذكرته استثناؤه لما يذكر بعد إذ لا بد من إبقاء حروف المد فى اللفظ فى كل ما يستثنى على وجه يناسب النطق بالحركات.
ألا ترى إلى قوله: «واستثنوا من ذلك {إِسْرََائِيلَ} [البقرة: 40] فلم يزيدوا فى تمكين الياء فيه»؟! وأنت تعلم أنه لا يريد إسقاط الياء رأسا إذ لو أراد ذلك لقال: فلم يثبتوا الياء فيه، وإنما قال: «فلم يزيدوا فى تمكين الياء» فحصل أنه أراد فلم (1) يزيدوا على
__________
(1) فى: لم.(1/333)
المقدار الذى يستحقه الحرف بنفسه، وإذا كان كذلك دل على أن مراده فى أصل الفصل الزيادة على ذلك المقدار.
واعلم أن استثناء {إِسْرََائِيلَ} [البقرة: 40] مما اختص به الحافظ دون الشيخ، والإمام.
قوله: «وأجمعوا على ترك الزيادة إذا سكن ما قبل الهمزة، وكان الساكن غير حرف مد ولين».
اعلم أن الحرف الساكن إذا تقدم على الهمزة، وكان بعدها حرف مد فإن ذلك الساكن يأتى على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون حرفا صحيحا.
الثاني: أن يكون حرف مد ولين.
الثالث: أن يكون حرف لين.
أما الأول: فليس فى القرآن منه إلا: {مَسْؤُلًا} [الإسراء: 34] و {مَذْؤُماً}
[الأعراف: 18] و {الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] و {الظَّمْآنُ} [النور: 39]، و {مَسْؤُلُونَ} [الصافات: 24].
وهذا الأخير يحرز قول الحافظ: «وشبهه»، واتفق الإمام، والشيخ، والحافظ على ترك التمكين فى حروف المد فى هذا القسم.
القسم الثانى: أن يكون الساكن قبل الهمزة حرف مد نحو {جََاؤُ} [آل عمران: 184] و {السُّواى ََ} [الروم: 10] و {بَرِيئُونَ} [يونس: 41] فلا خلاف بينهم فى تمكين المد بعد الهمزة على ما تقدم إلا {إِسْرََائِيلَ} فى قول الحافظ.
القسم الثالث: أن يكون الساكن قبل الهمزة حرف لين، والذى فى القرآن منه (الموءودة) [التكوير: 8]، و (سوءتكم) [الأعراف: 26] و (سوءتهما) [الأعراف:
20] لا غير.
نص الحافظ فى «إيجاز البيان» على أن التمكين فيه مطرد (1)، وسوّى بينه وبين ما إذا كان قبل الهمزة حرف مد وكذلك مذهب الشيخ، فأما الإمام فكلامه مثل كلام
__________
(1) فى أ: مطرود.(1/334)
الحافظ فى التيسير، وذلك أنه قال: «إن كان الساكن قبل الهمزة غير حرف مد ولين فليس أحد من القراء يمده».
وهذا يقتضى التسوية بين حرف اللين والحرف الصحيح.
ثم لم يذكر فى التمثيل إلا {الْقُرْآنُ} و {الظَّمْآنُ} و {مَسْؤُلًا} و {مَذْؤُماً}
كما فعل الحافظ، لكن لا يلزم أن يكون التمثيل محيطا بجميع ما فى الباب فمقتضى ذلك أن الواو الثانية فى (الموءودة) والألف فى «سوآت» لا يزاد فى مدهما على ما يستحقان بأنفسهما، إلا أن الحافظ نص فى «إيجاز البيان» على التمكين الزائد فى (الموءودة) [التكوير: 8]، و «سوآت» وكذلك نص الإمام على الزيادة فى ألف «سوآت» فبقى (الموءودة) غير مستثنى فالظاهر أنه بغير زيادة عنده مثل {مَذْؤُماً} [الأعراف: 18] و {مَسْؤُلًا} [الإسراء: 34] والله أعلم بما أراد.
قال الحافظ رحمه الله: «وكذلك إن كانت الهمزة مجتلبة للابتداء».
اعلم أن الذى ورد من هذا فى القرآن ثلاثة ألفاظ وهى: {اؤْتُمِنَ} فى البقرة [283] و {ائْذَنْ لِي} فى التوبة [49] و {ائْتِ} حيث ورد، نحو {ائْتِ بِقُرْآنٍ}
[يونس: 15]، {ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64] {فَأْتُوا بِكِتََابٍ} [القصص: 49]، مذهب الحافظ فى هذا كله ترك الزيادة، وذكر الشيخ، والإمام الوجهين وقال الشيخ: «وكلا الوجهين حسن وترك المد أقيس»
«مسألة»
قال الحافظ فى المفردات ما نصه: «وكلهم لم يزد فى تمكين الألف فى قوله تعالى: {لََا يُؤََاخِذُكُمُ} [البقرة: 225] و {لََا تُؤََاخِذْنََا} [البقرة: 286] وبابه.
وزاد بعضهم (آلئن) فى موضعين من يونس [الآيتان: 91، 51]، {عََاداً الْأُولى ََ}، فى «والنجم» [الآية: 50] فلم يزيدوا فى تمكين الألف والواو فيهن».
وافق الإمام [الحافظ على] ترك الزيادة فى هذه الألفاظ.
وكذلك الشيخ إلا فى (آلئن) فى الموضعين، فلم أر للشيخ فيه شيئا.
واعلم أن الألف التى تقصر من (آلئن) [يونس: 51] هى التى بعد اللام دون التى بعد الهمزة، نص عليه الإمام فى الكافى.
ومن ذلك الألف المبدلة من التنوين فى الوقف (1) نحو {مََاءً} [العنكبوت: 63] و {غُثََاءً} [المؤمنون: 41] و (سوآ) [النساء: 110]، ذكر الحافظ فى جامع البيان وغيره ترك الزيادة، ووافقه الشيخ، والإمام.(1/335)
واعلم أن الألف التى تقصر من (آلئن) [يونس: 51] هى التى بعد اللام دون التى بعد الهمزة، نص عليه الإمام فى الكافى.
ومن ذلك الألف المبدلة من التنوين فى الوقف (1) نحو {مََاءً} [العنكبوت: 63] و {غُثََاءً} [المؤمنون: 41] و (سوآ) [النساء: 110]، ذكر الحافظ فى جامع البيان وغيره ترك الزيادة، ووافقه الشيخ، والإمام.
__________
(1) وتسمى هذه الألف: ألف العوض. ينظر اللسان (1/ 1) باب الهمزة، وفيه أن للنحويين ألقابا لألفات غيرها تعرف بها، فمنها الألف الفاصلة، وهى فى موضعين:
أحدهما: الألف التى تثبتها الكتبة بعد واو الجمع ليفصل بها بين واو الجمع وبين ما بعدها، مثل: كفروا وشكروا، وكذلك الألف التى فى مثل: يغزوا ويدعوا، وإذا استغنى عنها لاتصال المكنى بالفعل لم تثبت هذه الألف الفاصلة.
والأخرى: الألف التى فصلت بين النون التى هى علامة الإناث وبين النون الثقيلة كراهة اجتماع ثلاث نونات فى مثل قولك للنساء فى الأمر: افعلنانّ، بكسر النون وزيادة الألف بين النونين.
ومنها: ألف العبارة لأنها تعبر عن المتكلم، مثل قولك: أنا أفعل كذا، وأنا أستغفر الله، وتسمى: العاملة.
ومنها: الألف المجهولة، مثل ألف «فاعل» و «فاعول» وما أشبهها، وهى ألف تدخل فى الأفعال والأسماء مما لا أصل لها إنما تأتى لإشباع الفتحة فى الفعل والاسم، وهى إذا لزمتها الحركة كقولك: خاتم وخواتم، صارت واوا لما لزمتها الحركة بسكون الألف بعدها، والألف التى بعدها هى ألف الجمع، وهى مجهولة أيضا.
ومنها: ألف الصلة، وهى ألف توصل بها فتحة القافية، فمثله قوله:
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا وتسمى ألف الفاصلة، فوصل ألف العين بألف بعدها، ومنه قوله عز وجل: {وَتَظُنُّونَ بِاللََّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] الألف التى بعد النون الأخيرة هى صلة لفتحة النون، ولها أخوات فى فواصل الآيات كقوله عز وجل: {قَوََارِيرَا} [الإنسان: 15] {سَلْسَبِيلًا}
[الإنسان: 18]، وأما فتحة «ها» المؤنث فقولك ضربتها ومررت بها.
والفرق بين ألف الوصل وألف الصلة: أن ألف الوصل إنما اجتلبت فى أوائل الأسماء والأفعال، وألف الصلة فى أواخر الأسماء كما ترى.
ومنها: ألف النون الخفيفة كقوله عز وجل {لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} [العلق: 15]، وكقوله عز وجل: {وَلَيَكُوناً مِنَ الصََّاغِرِينَ} [يوسف: 32]، الوقوف على {لَنَسْفَعاً} وعلى {وَلَيَكُوناً} بالألف، وهذه الألف خلف من النون، والنون الخفيفة أصلها الثقيلة إلا أنها خففت، من ذلك قول الأعشى:
ولا تحمد المثرين والله فاحمدا أراد: فاحمدن، بالنون الخفيفة، فوقف على الألف.
وقال آخر:
وقمير بدا ابن خمس وعشري ... ن فقالت له الفتاتان: قوما
أراد: قومن، فوقف بالألف.(1/336)
__________
ومثله قوله:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما فنصب (يعلم) لأنه أراد: ما لم يعلمن، بالنون الخفيفة، فوقف بالألف.
وقال أبو عكرمة الضبى فى قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل قال: أراد: قفن، فأبدل الألف من النون الخفيفة، كقوله: قوما، أراد: قومن.
قال أبو بكر: وكذلك قوله عز وجل: {أَلْقِيََا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24]، أكثر الرواية أن الخطاب لمالك خازن جهنم وحده، فبناه على ما وصفناه، وقيل: هو خطاب لمالك وملك معه، والله أعلم.
ومنها: ألف الجمع، مثل: مساجد وجبال وفرسان وفواعل.
ومنها: التفضيل والتصغير، كقوله: فلان أكرم منك وألأم منك، وفلان أجهل الناس.
ومنها: ألف النداء، كقولك: أزيد، تريد: يا زيد.
ومنها: ألف الندبة، كقولك: وا زيداه! أعنى الألف التى بعد الدال، ويشاكلها ألف الاستنكار إذا قال رجل: جاء أبو عمرو، فيجيب المجيب: أبو عمراه؟! زيدت الهاء على المدة فى الاستنكار، كما زيدت فى: وا فلاناه، فى الندبة.
ومنها: ألف التأنيث، نحو مدة: حمراء وبيضاء ونفساء.
ومنها: ألف سكرى وحبلى.
ومنها: ألف التعايى، وهو أن يقول الرجل: إن عمر، ثم يرتج عليه كلامه فيقف على «عمر» ويقول: إن عمرا، فيمدها مستمدا لما يفتح له من الكلام، فيقول: منطلق، المعنى:
أن عمر منطلق، إذا لم يتعاى، ويفعلون ذلك فى الترخيم كما يقول: يا عما، وهو يريد:
يا عمر، فيمد فتحة الميم بالألف ليمتد الصوت.
ومنها: ألفات المدات، كقول العرب للكلكل: الكلكال، ويقولون للخاتم: خاتام، وللدانق: داناق.
قال أبو بكر: العرب تصل الفتحة بالألف، والضمة بالواو، والكسرة بالياء. فمن وصلهم الفتحة بالألف قول الراجز:
قلت وقد خرت على الكلكال:
يا ناقتى ما جلت عن مجالى أراد: على الكلكل، فوصل فتحة الكاف بالألف، وقال آخر:
لها متنتان خظاتا كما أراد: خظتا.
ومن وصلهم الضمة بالواو ما أنشده الفراء:
لو أن عمرا هم أن يرقودا فانهض فشد المئزر المعقودا أراد: أن يرقد، فوصل ضمة القاف بالواو، وأنشد أيضا:(1/337)
__________
الله يعلم أنا فى تلفتنا * يوم الفراق إلى إخواننا صور وأننى حيثما يثنى الهوى بصرى ... من حيثما سلكوا أدنو فأنظور
أراد: فأنظر.
وأنشد فى وصل الكسرة بالياء:
لا عهد لى بنيضال أصبحت كالشن البالى أراد: بنضال، وقال:
على عجل منى أطأطئ شيمالى أرا: شمالى، فوصل الكسرة بالياء، وقال عنترة:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة أراد: ينبع.
قال: وهذا قول أكثر أهل اللغة، وقال بعضهم: ينباع: ينفعل، من: باع يبوع، والأول:
يفعل، من: نبع ينبع.
ومنها: الألف المحوّلة، وهى كل ألف أصلها الياء والواو المتحركتان، كقولك: قال وباع وقضى وغزا، وما أشبهها.
ومنها: ألف التثنية، كقولك: يجلسان ويذهبان.
ومنها: ألف التثنية فى الأسماء، كقولك: الزيدان والعمران.
وقال أبو زيد: سمعتهم يقولون: أيا أباه أقبل، وزنه: عيا عياه.
وقال أبو بكر ابن الأنبارى: ألف القطع فى أوائل الأسماء على وجهين:
أحدهما: أن تكون فى أوائل الأسماء المنفردة.
والوجه الآخر: أن تكون فى أوائل الجمع.
فالتى فى أوائل الأسماء تعرفها بثباتها فى التصغير، بأن تمتحن الألف فلا تجدها فاء ولا عينا ولا لاما، وكذلك {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهََا} [النساء: 86].
والفرق بين ألف القطع وألف الوصل: أن ألف الوصل فاء من الفعل، وألف القطع ليست فاء ولا عينا ولا لاما، وأما ألف القطع فى الجمع فمثل ألف: ألوان وأزواج، وكذلك ألف الجمع فى الستة، وأما ألفات الوصل فى أوائل الأسماء فهى تسعة: ألف ابن، وابنة، وابنين، وابنتين، وامرئ، وامرأة، واسم، واست. فهذه ثمانية تكسر الألف فى الابتداء وتحذف فى الوصل، والتاسعة: الألف التى تدخل مع اللام للتعريف، وهى مفتوحة فى الابتداء ساقطة فى الوصل، كقولك الرحمن، القارعة، الحاقة، تسقط هذه الألفات فى الوصل وتنفتح فى الابتداء.
ينظر لسان العرب (1/ 31).
وروى الأزهرى عن أبى العباس أحمد بن يحيى ومحمد بن يزيد أنهما قالا: أصول الألفات ثلاثة ويتبعها الباقيات: ألف أصلية، وهى فى الثلاثى من الأسماء، وألف قطعية، وهى فى الرباعى، وألف وصلية، وهى فيما جاوز الرباعى. قالا: فالأصلية مثل(1/338)
فأما الوقف على «رأى» من قوله تعالى: {رَأَى الْقَمَرَ} [الأنعام: 77]، ونحوه و {تَرََاءَا الْجَمْعََانِ} [الشعراء: 61] فبالزيادة فى المد، ذكره الحافظ فى «إيجاز البيان» وفى «التمهيد» وغيرهما والشيخ فى كتاب «الكشف».
وأما الوقوف على نحو {الْكِتََابُ} [البقرة: 2] و {الْغَفُورُ} [يونس: 107]، و {الْعَلِيمُ} [البقرة: 32] فإن كان بالروم لم يزد فى المد، وإن كان بالسكون أو بالإشمام فحكى الحافظ ثلاثة أوجه:
أحدها: ترك الزيادة إذ السكون عارض فى الوقف فلا يعتد به، قال الإمام:
«وهو القياس».
الثانى: التمكين الطويل اعتدادا بالتقاء الساكنين (1)، واعتدادا بالعارض.
الثالث: التوسط فى الزيادة، وبه قرأ الحافظ على أبى الفتح وأبى الحسن، وهو مقتضى قول الشيخ والله أعلم.
قال الحافظ: «والباقون لا يزيدون» إلى آخره.
يريد: من عدا ورشا لا يزيدون فى حرف المد بعد الهمزة مطلقا على القدر الذى يستحقه بنفسه.
واعلم أن العلة فى زيادة التمكين فى مذهب ورش كون حرف المد خفيا، فإذا وقع بعد الهمزة خيف عليه أن يزيد خفاء، فبين بتمكين المد.
__________
ألف ألف وإلف وألف، وما أشبهه، والقطعية مثل: ألف أحمد وأحمر وما أشبهه، والوصلية مثل ألف: استنباط واستخراج، وهى فى الأفعال إذا كانت أصلية مثل ألف: أكل، وفى الرباعى إذا كانت قطعية مثل ألف: أحسن، وفيما زاد عليه مثل ألف: استكبر واستدرج، إذا كانت وصلية.
قالا: ومعنى ألف الاستفهام ثلاثة: تكون بين الآدميين يقولها بعضهم لبعض استفهاما، وتكون من الجبار لوليه تقريرا، ولعدوه توبيخا، فالتقرير كقوله عز وجل للمسيح: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} [المائدة: 116] قال أحمد بن يحيى: وإنما وقع التقرير لعيسى عليه السلام لأن خصومه كانوا حضورا، فأراد الله عز وجل من عيسى أن يكذبهم بما ادعوا عليه، وأما التوبيخ لعدوه فكقوله عز وجل: {أَصْطَفَى الْبَنََاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153] وقوله:
{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللََّهُ} [البقرة: 140]، {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهََا} [الواقعة: 72]، وقال أبو منصور: فهذه أصول الألفات.
ينظر: لسان العرب (1/ 1).
(1) سبق لنا الحديث بالتفصيل عن التقاء الساكنين، كما سبق بيان معانى كل من الروم والإشمام قبل ذلك.(1/339)
والعلة لمذهب الجماعة فى ترك الزيادة أن خفاء حرف المد إنما يعرض إذا تأخرت الهمزة فلذلك مكنوا الزيادة هناك.
فأما إذا تقدمت الهمزة فقلما يخفى إذ ذاك فلا يحتاج عندهم إلى الزيادة.
ومعنى كون حرف المد يخفى إذا تأخرت الهمزة: أن حرف المد لما كان مجرد صوت يهوى فى الصدر، ولا يعتمد على شىء من الأعضاء الناطقة بالحروف حتى لم يمكن تعلق شىء من الحركات به ما دام حرف مد، وكانت الهمزة حرفا جلدا ثقيلا ممكنا فى المخرج إلى الصدر، وكان الناطق بها لا يكاد يخلو من تكلف وتعمل فإذا التقيا خيف أن يتأهب المتكلم للنطق بالهمزة قبل توفية حرف المد حقه فيكون ذلك سببا إلى الإجحاف به، حتى ربما ذهب معظمه أو كاد فعزموا على بيانه وتقويته بالصبر عليه، والزيادة فى مده، وحصل عند ذلك انتهاء الصوت إلى موضع الهمزة فكان ذلك أعون على النطق بها كما تقدم، والله سبحانه أعلم.
فأما ما استثناه ورش، فمنه ما يرجع إلى ترك الاعتداد بالعارض، وذلك فى الألف المبدلة من التنوين فى الوقف، وفى حرف المد بعد همزة الوصل، ومنه ما يرجع إلى باب الجمع بين اللغتين، وقصد التنبيه على رعى الوجهين، وذلك فى {مَسْؤُلًا}
[الإسراء: 34] وأخواته، و {إِسْرََائِيلَ} [البقرة: 40] عند من يقصر (1) ياءه.
فأما {يُؤََاخِذُ} [النحل: 61] وبابه، فإن قدرت واوه مبدلة من همزة فهو من هذا القبيل وهو قول الإمام، وإن قدرت أصلية على لغة من قال: «واخذ»، فلا مدخل له فى التمكين، كالألف فى قوله تعالى: {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا}
[البقرة: 235].
وهذا الوجه الثانى قاله الحافظ فى «إيجاز البيان» والشيخ فى كتاب «الكشف»، والله أعلم.
باب الهمزتين المتلاصقتين فى كلمة
اعلم أن الهمزة فى القرآن على ضربين:
همزة مفردة، وستأتى بعد بحول الله جل وعلا.
__________
(1) فى ب: قصر.(1/340)
وهمزتان متلاصقتان وهما:
إما فى كلمة واحدة، كما يذكر فى هذا الباب.
وإما فى كلمتين كما يذكر فى الباب بعده.
واعلم أن كل ما ذكر فى هذا الباب من الهمزتين فى كلمة، فإنه فى الحقيقة من كلمتين وبيان ذلك:
أن الهمزة الأولى من كل ما ذكر فى هذا الباب همزة استفهام، وهى حرف من حروف المعانى (1) دخلت على كلمة أولها همزة فالتقت همزتان، وليس فى القرآن همزتان ملتقيتان فى كلمة إلا فى لفظة واحدة وهى (أئمة)، وقعت فى القرآن فى خمسة مواضع:
الأول: فى براءة [12].
والثانى: فى سورة الأنبياء عليهم السلام [73].
والثالث: والرابع: فى سورة القصص [5، 41].
والخامس: فى {الم} السجدة [24].
وأصلها: أأممة، «جمع إمام، مثل: لسان وألسنة، وسلاح وأسلحة، فلما التقت همزتان والثانية ساكنة وجب إبدال الثانية حرفا من جنس حركة ما قبلها على القياس فصار «ءاممة» بهمزة وألف بعدها، ثم استثقلوا تحريك الميمين، فسكنت الأولى وأدغمت فى الثانية بعد سلب حركة ما قبلها فصادفت الألف، وهى لا تقبل الحركة فقلبت ياء بسبب الكسرة، وعلى هذا قراءة الحرميّين، وأبى عمرو.
ومنهم من همزها لما تحركت إذ أصلها الهمز، وإنما قلبت ألفا لما سكنت،
__________
(1) يقصد بحروف المعانى: تلك الحروف التى تدل على معنى فى الكلام، لولاها لما وجد تفريقا بينها وبين حروف المبانى التى هى مجرد جزء من الكلمة لا يدل على جزء معناها كالذال فى (ذهب) ونحوه، وقد ذكر بعض النحويين للحرف نحوا من خمسين معنى. وهذه المعانى، المشار إليها، يرجع غالبها إلى خمسة أقسام: معنى فى الاسم خاصة، كالتعريف.
ومعنى فى الفعل خاصة، كالتنفيس. ومعنى فى الجملة، كالنفى والتوكيد. وربط بين مفردين، كالعطف فى نحو: جاء زيد وعمرو وربط بين جملتين كالعطف فى نحو: جاء زيد وذهب عمرو. وإنما قلت (يرجع غالبها) لأن منها ما هو خارج عن هذه الأقسام، كالكف، والتهيئة، والإنكار، والتذكار، وغير ذلك. ينظر: الجنى الدانى (25) ينظر: الجنى الدانى (ص 25).(1/341)
وعلى هذا قراءة الكوفيين، وابن عامر (1).
فأما التعبير عن الهمزتين فى هذا الباب بأنهما من كلمة فمجاز.
والذى سوغ ذلك التحام إحدى الهمزتين بالأخرى فى حكم الخط واللفظ والمعنى.
فأما الخط فإنه قد اطرد فى كل حرف من حروف المعانى إذا كان من حرف واحد من حروف التهجى أن يكتب موصولا بما بعده إذا كان مما يقبل الوصل: كباء الجر، وفاء العطف، ولام الابتداء ونحو ذلك، فحكم همزة الاستفهام وصلها بما بعدها فى الخط إذ كانت مما يقبل ذلك.
وأما حكم اللفظ فمن حيث إن همزة الاستفهام حرف واحد من حروف التهجى لم يكن لها حكم الكلمة المستقلة إذ الكلمة المستقلة لا بد لها من مطلع ومقطع، فمطلعها أولها، ولا بد من تحريكه ليصح الابتداء به، ومقطعها آخرها، والأصل تسكينه فى الوقف، وأقل ما تحصل هذه الحقيقة بحرفين من حروف التهجى نحو «قد» و «هل».
فأما الحرف الواحد فلا فلزم لذلك أن تتصل فى اللفظ بما بعدها.
__________
(1) قال الأزهرى: أكثر القراء قرءوا: {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]، بهمزة واحدة، وقرأ بعضهم {أَئِمَّةً}، بهمزتين، قال: وكل ذلك جائز.
قال ابن سيده: وكذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنََاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النََّارِ}
[القصص: 41]، أى: من تبعهم فهو فى النار يوم القيامة، قلبت الهمزة ياء لثقلها لأنها حرف سفل فى الحلق وبعد عن الحروف وحصل طرفا فكان النطق به تكلفا، فإذا كرهت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتين ورفضهما لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفرّقتين فاء وعينا أو عينا ولاما أحرى فلهذا لم يأت فى الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلا البتة، فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم: دريئة ودرائى، وخطيئة وخطائى، فشاذ لا يقاس عليه، وليست الهمزتان أصلين، بل الأولى منهما زائدة، وكذلك قراءة أهل الكوفة: {أَئِمَّةً}، بهمزتين.
قال الجوهرى: الإمام الذى يقتدى به، وجمعه: أيمة، وأصله: أأممة، على أفعلة، مثل: إناء وآنية، وإله وآلهة، فأدغمت الميم، فنقلت حركتها إلى ما قبلها، فلما حركوها بالكسر جعلوها ياء، وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو.
قال الأخفش: جعلت الهمزة ياء لأنها فى موضع كسر وما قبلها مفتوح فلم يهمزوا لاجتماع الهمزتين، قال: ومن كان من رأيه جمع الهمزتين همز، قال: وتصغيرها:
أويمة، لما تحركت الهمزة بالفتحة قلبها واوا، وقال المازنى: أييمة، ولم يقلب.
ينظر اللسان (1/ 133).(1/342)
وهذا هو السبب فى الاتصال فى اللفظ.
وأما حكم المعنى فهو أن الحرف إنما جىء به ليدل على معنى فى غيره (1)،
__________
(1) ذكر النحاة عدة تعريفات للحرف، ومن أحسنها قول بعضهم: الحرف: كلمة تدل على معنى، فى غيرها، فقط.
فقوله (كلمة) جنس يشمل الاسم والفعل والحرف، وعلم من تصدير الحد به أن ما ليس بكلمة فليس بحرف: كهمزتى النقل والوصل، وياء التصغير. فهذه من حروف الهجاء لا من حروف المعانى فإنها ليست بكلمات بل هى أبعاض كلمات. وهذا أولى من تصدير الحد ب (ما) لإبهامها.
واعترض بأن تصدير حد الحرف بالكلمة لا يصح، من جهة أنه يخرج عنه، من الحروف، ما هو أكثر من كلمة واحدة، نحو: إنما وكأنما.
والجواب: أنه ليس فى الحروف ما هو أكثر من كلمة واحدة. وأما نحو: إنما وكأنما، مما هو كلمتان، فهو حرفان، لا حرف واحد، بخلاف نحو (كأن) مما صيره التركيب كلمة واحدة، فهو حرف واحد.
وقوله: (تدل على معنى فى غيرها) فصل، يخرج به الفعل، وأكثر الأسماء لأن الفعل لا يدل على معنى فى غيره. وكذلك أكثر الأسماء.
وقوله: (فقط) فصل ثان، يخرج به من الأسماء، ما يدل على معنى فى غيره، ومعنى فى نفسه فإن الأسماء قسمان:
قسم يدل على معنى فى نفسه، ولا يدل على معنى فى غيره، وهو الأكثر.
وقسم يدل على معنيين: معنى فى نفسه، ومعنى فى غيره: كأسماء الاستفهام، والشرط، فإن كل واحد منها يدل، بسبب تضمنه معنى الحرف، على معنى فى غيره، مع دلالته على المعنى الذى وضع له. فإذا قلت مثلا: من يقم أقم معه، فقد دلت (من) على شخص عاقل بالوضع، ودلت مع ذلك على ارتباط جملة الجزاء بجملة الشرط لتضمنها معنى (إن) الشرطية فلذلك زيد فى الحد (فقط) ليخرج به هذا القسم.
واعترض الفارسى قول من حد الحرف (بأنه ما دل على معنى فى غيره) بالحروف الزائدة، نحو (ما) فى قولهم: إنك ما وخيرا لأنها لا تدل على معنى فى غيرها.
وأجيب بأن الحروف الزائدة تفيد فضل تأكيد وبيان، للكثرة بسبب تكثير اللفظ بها، وقوة اللفظ مؤذنة بقوة المعنى، وهذا معنى لا يتحصل إلا مع كلام.
فإن قيل: ما معنى قولهم: (الحرف يدل على معنى فى غيره).
فالجواب: معنى ذلك أن دلالة الحرف على معناه الإفرادى متوقفة على ذكر متعلّقه، بخلاف الاسم والفعل فإن دلالة كل منهما على معناه الإفرادى، غير متوقفة على ذكر متعلق ألا ترى أنك إذا قلت: (الغلام) فهم منه التعريف. ولو قلت: أل مفردة لم يفهم منه معنى، فإذا قرن بالاسم أفاد التعريف.
وكذلك باء الجر فإنها لا تدل على الإلصاق، حتى تضاف إلى الاسم الذى بعدها، لا أنه يتحصل منها مفردة. وكذلك القول فى سائر الحروف.
وقال السيرافى: المراد من قولنا فى الاسم والفعل: (إنه يدل على معنى فى نفسه) أن(1/343)
وهمزة الاستفهام إنما تدل على معنى الاستفهام فيما بعدها، فلما كان معناها لا يظهر إلا فيما بعدها صارت كأنها جزء منه لأن معناها إنما يحصل بحصول اللفظ بمجموعهما، كما أن معنى الكلمة التى تدل على معنى فى نفسها إنما يحصل بمجموع أجزائها، والله تبارك وتعالى أعلم.
__________
تصور معناه فى الذهن غير متوقف على خارج عنه ألا ترى أنك إذا قلت: ما الإنسان؟ فقيل لك: حتى ناطق، وإذا قلت: ما معنى (ضرب)؟ فقيل لك: ضرب فى زمان ماض، أدركت المعنيين باللفظ المذكور فى التفسير؟! وقولنا فى الحرف: (يدل على معنى فى غيره)، نعنى به أن تصور معناه متوقف على خارج عنه ألا ترى أنك إذا قلت: ما معنى (من)؟ فقيل لك: التبعيض، وخليت وهذا، لم تفهم معنى (من) إلا بعد تقدم معرفتك بالجزء والكل لأن التبعيض أخذ جزء من كل.
وقد قيل غير ذلك.
وقد اختلف النحويون فى علة تسميته حرفا:
فقيل: سمى بذلك لأنه طرف فى الكلام، وفضلة، والحرف، فى اللغة، هو الطرف، ومنه قولهم: (حرف الجبل) أى: طرفه، وهو أعلاه المحدد.
فإن قيل: فإن الحرف قد يقع حشوا، نحو: مررت بزيد فليست الباء فى هذا بطرف.
فالجواب أن الحرف طرف فى المعنى لأنه لا يكون عمدة، وإن كان متوسطا.
وقيل: لأنه يأتى على وجه واحد، والحرف فى اللغة: هو الوجه الواحد، ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ} [الحج: 11] أى: على وجه واحد، وهو أن يعبده على السراء دون الضراء، أى: يؤمن بالله، ما دامت حاله حسنة، فإن غيرها الله وامتحنه كفر به وذلك لشكه وعدم طمأنينته.
فإن قيل: فإن الحرف الواحد قد يرد لمعان كثيرة.
فالجواب: أن الأصل فى الحرف أن يوضع لمعنى واحد، وقد يتوسع فيه، فيستعمل فى غيره، قاله بعضهم.
وأجاب غيره بأن الاسم قد يدل، فى حالة واحدة، على معنيين، مثل أن يكون فاعلا ومفعولا، فى وقت واحد: كقولك: رأيت ضارب زيد، ف (ضارب زيد) فى هذه الحالة فاعل ومفعول.
والفعل أيضا يدل على معنيين: الحدث والزمان.
والحرف إنما يدل، فى حالة واحدة، على معنى واحد.
والظاهر أنه إنما سمى حرفا لأنه طرف فى الكلام، كما تقدم. وأما قوله تعالى: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ} [الحج: 11] فهو راجع إلى هذا المعنى لأن الشاك كأنه على طرف من الاعتقاد، وناحية منه. وإلى ذلك ترجع معانى الحروف كلها، كقولهم للناقة الضامرة الصلبة: حرف تشبيها لها بحرف السيف.
وقيل: هى الضخمة تشبيها لها بحرف الجبل. وكان الأصمعى يقول: الحرف: الناقة المهزولة. ينظر: الجنى الدانى (2520).(1/344)
قال الحافظ رحمه الله: «اعلم أنهما إذا اتفقتا بالفتح» (1).
لما كانت الهمزة الأولى فى هذا الباب حرف استفهام، وهى لا تكون أبدا إلا مفتوحة، واتفق دخولها على كلمة مهموزة الأول متحركة، وكانت (2) الحركات ثلاثا حصل من ذلك أن أضرب الهمزتين فى هذا الباب ثلاثة: مفتوحتان، ومفتوحة ومكسورة، ومفتوحة ومضمومة.
قال الحافظ رحمه الله: نحو {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6].
اعلم أن مجموع الوارد فى القرآن من هذا النوع على ضربين: ضرب متفق عليه، وضرب مختلف فيه.
الضرب الأول: المتفق عليه ثمانية عشر موضعا:
منها فى البقرة {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [الآية: 6]، [و] {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} [الآية: 140] وفى آل عمران {أَأَسْلَمْتُمْ} [الآية: 20]. و {أَأَقْرَرْتُمْ} [الآية: 81]. وفى المائدة {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} [الآية: 116]. وفى سورة هود عليه السلام {أَأَلِدُ} [الآية: 72]. وفى
__________
(1) إذا دخلت ألف الاستفهام على ألف مفتوحة، ففيها ثلاث لغات: منهم من يهمزهما همزتين مقصورتين، ومنهم من يدخل ألفا بين الهمزتين استثقالا للجمع بينهما، ومنهم [من] يهمز همزة واحدة مطولة، وتقدير ذلك: أن تدخل بين الهمزتين ألفا، فتصير الهمزة الأولى مع الألف همزة بمد، تلين الهمزة الثانية، وتترك نبرتها وتشم حركتها بلا نبرة، ومنه قوله تعالى (آنذرتهم) [يس: 10]، (آسلمتم) [آل عمران: 20]، (آرباب متفرقون) [يوسف:
39] ونحوه وقد قرئ على هذه الوجوه كلها.
قال الأعشى:
أأن رأت رجلا أعشى أضربه ... ريب المنون ودهر متبل خبل
وقال ذو الرمة:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم
وقال مزرد أخو الشماخ:
تضاللت فاستشرفته فعرفته ... فقلت له آأنت زيد الأراقم
فإن كان بعد همزة القطع ألف همزت همزة واحدة مطولة، ولم تدخل بين الهمزتين ألفا، ولم تشم الفتحة، وذلك كقولك: آمنت بفلان، وآثرت فلانا، ومنه قوله سبحانه:
{قََالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123]، {وَقََالُوا أَآلِهَتُنََا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف:
58]، والفرق بين هذا وبين ما قبله: أن ألف القطع فى «آمن» ونحوه ألف أبدلت من فاء الفعل، فلو أدخلوا بين ألف الاستفهام وبين ألف «افعل» ألفا كما فعلوا فى «آنذرتهم» ونحوه لاجتمع أربع ألفات، وذلك خروج عن كلام العرب.
ينظر مصابيح المغانى ص (6967).
(2) فى أ: فكانت.(1/345)
سورة يوسف عليه السلام {أَأَرْبََابٌ} [39]. وفى الإسراء {أَأَسْجُدُ} [61]. وفى سورة الأنبياء عليهم السلام {أَأَنْتَ فَعَلْتَ} [62]. وفى الفرقان {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ}
[17]. وفى النمل {أَأَشْكُرُ} [40]. وفى يس {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [10] و {أَأَتَّخِذُ} [23].
وفى الواقعة {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} [59]، و {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} [64]، و {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ}
[69]، و {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ} [72]. وفى المجادلة {أَأَشْفَقْتُمْ} [13]. وفى الملك {أَأَمِنْتُمْ} [16]. وفى النازعات {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} [27].
قال الحافظ: «فإن الحرميين وأبا عمرو وهشاما يسهلون الثانية منهما».
اعلم أن التسهيل يستعمل مطلقا ومقيدا، فإذا أطلق فالمراد به جعل الهمزة بين بين أي: بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها:
فإن كانت محركة بالفتح جعلت بين الهمزة والألف، ومعناه: أن يلفظ بها نوعا من اللفظ يكون فيه شبه من لفظ الهمزة ولا يكون همزة خالصة، وشبه من لفظ الألف ولا يكون ألفا خالصة.
وكذلك إن كانت محركة بالكسر جعلت بين الهمزة والياء على التفسير المتقدم (1).
وإن كانت مضمومة جعلت بين الهمزة والواو على ما تقدم.
وهذا كله تحكمه المشافهة.
ويقال فى ذلك كله: تسهيل وتليين.
ويقال: تسهيل على مذاق الهمز.
ويقال: همزة بين بين، والمراد ما تقدم.
فإن قيد التسهيل فالمراد به إذ ذاك المعنى الذى يقتضيه التقييد.
__________
(1) إذا دخلت ألف الاستفهام على همزة مكسورة ففيها أربع لغات:
منهم من يهمزهما جميعا همزتين مقصورتين، كقولك: (أإنك ذاهب).
ومنهم من يقول: (آئنك) بهمزتين ومدة بينهما.
ومنهم من يقلب ألف القطع ياء مكسورة بترك نبرتها وتليينها، ويشمها مع قصر الهمزة ومدها، ومنه قوله تعالى: {أَإِذََا مِتْنََا} [ق: 3] {أَإِنََّا لَمَبْعُوثُونَ} [الواقعة: 47] وقد قرئ ذلك بالوجوه كلها.
وأنشد أبو زيد:
حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة ... تفكر آئياه يعنون أم قردا
ينظر مصابيح المغانى ص (70)(1/346)
فيقال: تسهيل بالبدل.
وتسهيل بالنقل.
وتسهيل بالحذف.
والتسهيل الذى بالبدل قد يكون معه الإدغام، وقد لا يكون، فهذه جميع ألقاب (1) التسهيل، وهذا كله فى المتحركة.
فأما الساكنة فتسهيلها أبدا بالبدل نحو «آمن» و «بير» و «مومن» تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها، وسيأتى ذلك كله مفصلا فى مواضعه بحول الله العلى العظيم.
فإذا تقرر هذا فقول الحافظ: «يسهلون»، يريد التسهيل المطلق، وهو جعل الهمزة بين الألف والهمزة لأنها مفتوحة، واستثنى ورشا، فبين أن روايته البدل:
هذه رواية المصريين عن ورش.
فأما [عامة] (2) البغداديين والشاميين فرووا عن ورش جعلها بين بين، ذكره الحافظ فى «إيجاز البيان» وغيره.
وقوله: «والقياس أن تكون (3) بين بين».
يريد بخلاف ما فعل ورش حيث أبدلها ألفا خالصة، وإنما كان القياس ما ذكر لأن البدل فى الهمزة غير المتطرفة إنما يكون فى الهمزة الساكنة وفى المفتوحة بعد (4)
الكسرة أو بعد (5) الضمة، وهذه بخلاف ذلك.
ثم إنه يلزم قراءة ورش التقاء الساكنين من غير أن يكون الثانى مدغما إلا فى موضعين:
أحدهما: {أَأَلِدُ} فى سورة هود عليه السلام.
والثانى: {أَأَمِنْتُمْ} فى الملك [16]، فليس فيهما التقاء ساكنين.
وذكر عن ابن كثير أنه لا يدخل قبلهما ألفا، فعلى هذا تتلاصق الهمزة الملينة مع المخففة.
__________
(1) فى أ: ألفات.
(2) سقط فى أ.
(3) فى أ: يكون.
(4) فى ب: بعده.
(5) فى ب: بعده.(1/347)
قال: «وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها» فعلى هذا يلزم المد بين المخففة والملينة إلا أن مد هشام أطول، ومد السوسى أقصر، ومد قالون والدورى أوسط، وكله من قبيل المد المتصل، والله عز وجل أعلم (1).
قال الحافظ: «والباقون يحققون الهمزتين» يريد من غير فصل بينهما.
واعلم أن الخلاف الذى وقع بينهم فى هذا الباب إنما هو فى الهمزة الثانية، فأما الهمزة الأولى فلا خلاف بينهم فى تحقيقها فى الابتداء، والوصل إلا إذا وقع قبلها ساكن غير حرف مد، فإن ورشا وحده ينقل حركتها فى الوصل إلى ذلك الساكن على أصله، والذى ورد منه فى القرآن فى هذا الفصل موضعان:
أحدهما: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} فى البقرة [الآية: 140].
والثانى: {رَحِيمٌ أَأَشْفَقْتُمْ} فى المجادلة [1312]، وقد حصل فى هذا الفصل أربع قراءات، وتقدم ضعف قراءة البدل، وكذلك تحقيق الهمزتين ضعيف.
قال سيبويه رحمه الله فى باب الهمزة: «فليس فى كلام العرب أن تلتقى همزتان فتحققا» (2).
يريد ليس فى كلامها الفصيح، ولم يرد النفى مطلقا إذ لو كان كذلك لم يجز أن يقرأ بالتحقيق، وإنما كان تحقيق الهمزتين ضعيفا لثقلهما، ويدل على أن سيبويه لم يرد نفى التقاء الهمزتين فى كلام العرب على الإطلاق، وإنما أراد أن ذلك لا يكون فى فصيح الكلام قوله فى باب الإدغام: وزعموا أن ابن أبى إسحاق (3) كان يحقق
__________
(1) إن الإدخال بين الهمزتين لكل ما ذكر لا يزيد فيما قرأنا به عن مقدار الحركتين.
(2) ونص كلام سيبويه: واعلم أن الهمزتين إذا التقتا، وكانت كل واحدة منهما من كلمة من كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك، كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة. فليس من كلام العرب أن تلتقى همزتان فتحقّقا، ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة، وهو قول أبى عمرو. وذلك قولك: {فَقَدْ جََاءَ أَشْرََاطُهََا} [محمد: 18]، و {يََا زَكَرِيََّا إِنََّا نُبَشِّرُكَ} [مريم: 7]. ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، وهو قولك: {فَقَدْ جََاءَ أَشْرََاطُهََا}، و {يََا زَكَرِيََّا إِنََّا} [مريم: 7]. وقال:
كل غراء اذا ما برزت ... ترهب العين عليها والحسد
سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا.
ينظر: الكتاب (3/ 549548).
(3) عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن الواثق بالله هارون، أبو على الهاشمى بن أبى إسحاق(1/348)
الهمزتين وناسا معه، وقد تكلم ببعضه العرب، وهو رديء فيجوز الإدغام فى قول هؤلاء وهو رديء (1). انتهى.
قوله رحمه الله: «وقد أغلظ المهدوى (2) فى القول على سيبويه فى هذه المسألة حتى تكلم فى {أَئِمَّةَ} فى سورة التوبة [الآية: 12] فى «شرح الهداية» فقال ما نصه: «وقد عاب سيبويه والخليل تحقيق الهمزتين، وجعلا ذلك من الشذوذ الذى لا يعول عليه، والقراء أحذق بنقل هذه الأشياء من النحويين، وأعلم بالآثار ولا يلتفت إلى قول من قال: إن تحقيق الهمزتين فى لغة العرب شاذ قليل لأن لغة العرب أوسع من أن يحيط بها قائل هذا القول، وقد أجمع على تحقيق الهمزتين أكثر القراء، وهم أهل الكوفة، وأهل الشام، وجماعة من أهل البصرة، وببعضهم تقوم
__________
المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن محمد المهدى بن عبد الله المنصور بن محمد بن على ابن عبد الله بن العباس، أبو على الهاشمى البغدادى، شيخ مقرئ مشهور، أخذ القراءة عرضا عن المستنير، والغاية، والكفاية أبى أيوب الضبى بقراءة حمزة، روى عنه القراءة عرضا المستنير، والغاية، والكفاية على بن عمر بن الحمامى والمستنير إبراهيم بن أحمد الطبرى والمستنير أبو الحسن بن العلاف، قال الحافظ أبو عمرو: توفى ببغداد قبل سنة خمسين وثلاثمائة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 396395) (1683).
(1) ونص كلام سيبويه: وأما الهمزتان فليس فيهما إدغام فى مثل قولك: قرأ أبوك، وأقرئ أباك لأنك لا يجوز لك أن تقول: قرأ أبوك، فتحققهما فتصير كأنك إنما أدغمت ما يجوز فيه البيان لأن المنفصلين يجوز فيهما البيان أبدا، فلا يجريان مجرى ذلك، وكذلك قالته العرب وهو قول الخليل ويونس.
وزعموا أن ابن أبى إسحاق كان يحقق الهمزتين وأناس معه، وقد تكلم ببعضه العرب وهو رديء فيجوز الإدغام فى قول هؤلاء، وهو رديء.
ينظر الكتاب (4/ 443).
(2) أحمد بن عمار بن أبى العباس، الإمام أبو العباس المهدوى نسبه إلى المهدية بالمغرب، أستاذ مشهور، رحل وقرأ على محمد بن سفيان وعلى جده لأمه مهدى بن إبراهيم وأبى الحسن أحمد بن محمد القنطرى بمكة، وذكر الحافظ أبو عبد الله الذهبى أنه قرأ على أبى بكر أحمد بن محمد البراثى، وألف التواليف منها التفسير المشهور والهداية فى القراءات السبع، وقد قرأت بها وشرحها فى شرح لطيف وهو الذى ذكره الشاطبى فى باب الاستعاذة، قرأ عليه غانم بن الوليد وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مطرف الطرفى وموسى بن سليمان اللخمى ويحيى بن إبراهيم البياز ومحمد بن إبراهيم بن إلياس ومحمد بن عيسى بن فرج المغامى، قال الذهبى: توفى بعد الثلاثين وأربعمائة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 92).(1/349)
الحجة». انتهى.
وهذه النهضة التى قام بها المهدوى فيها نظر فإن سيبويه اعتمد على ما استقر عنده من أحكام اللغة، والمهدوى يعتمد على ما نقل إليه من القراءات، ولا يستثبت له ما قال إلا إذا لزم أن كل ما اشتهر من القراءات فهو الجارى على فصيح اللغة، وأنه لا يجوز اشتهار القراءة الجارية على لغة ضعيفة أو شاذة، والظاهر أن الأمر ليس كذلك بدليل أن القراءات السبع على الجملة قد طبقت الأرض، وهى مع ذلك تشتمل على الفصيح وغيره، والله جل ذكره أعلم.
فأما قراءة ابن كثير فحسنت لما زال لفظ الهمزة الثانية عن نبرتها من التحقيق فاندفع بذلك اجتماع همزتين محققتين.
وأما قالون وصاحباه، فإنهم رأوا أن الثانية، وإن كانت ملينة فإنها بما فيها من مذاق الهمز لم تتجرد من الثقل بالجملة ففصلوا بينهما بالألف ليندفع ثقل اجتماعهما إذ الملينة تشبه المحققة.
وافق الشيخ، والإمام الحافظ على ما ذكر من القراءات، وزاد الإمام عن ورش بين بين مثل ابن كثير، والله جل ذكره أعلم.
الضرب الثانى: المختلف فيه:
اعلم أن الوارد منه فى القرآن خمسة مواضع:
أحدها: {أَنْ يُؤْتى ََ أَحَدٌ} فى آل عمران [الآية: 73]، قراءة ابن كثير وحده بالاستفهام بهمزة محققة، وأخرى ملينة بين الهمزة والألف على أصله المتقدم (1)،
__________
(1) جاء فى الدر المصون: قرأ ابن كثير: (أأن يؤتى) بهمزة استفهام، وهو على قاعدته فى كونه يسهل الثانية بين بين من غير مد بينهما. وخرجت هذه القراءة على أوجه:
أحدها: أن يكون (أن يؤتى) على حذف حرف الجر وهو لام العلة والمعلل محذوف، تقديره لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه.
الثانى: أن (أن يؤتى) فى محل رفع بالابتداء والخبر محذوف، تقديره: أأن يؤتى أحد يا معشر اليهود مثل ما أوتيتم من الكتاب والعلم تصدقون به أو تعترفون به أو تذكرونه لغيركم أو تشيعونه فى الناس، ونحو ذلك مما يحسن تقديره، وهذا على قول من يقول: (أزيد ضربته) وهو وجه مرجوح، كذا قدره الواحدى تبعا للفارسى، وأحسن من هذا التقدير لأنه الأصل: إتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدّق به.
الثالث: أن يكون منصوبا بفعل مقدر يفسره هذا الفعل المضمر، وتكون المسألة من باب الاشتغال، والتقدير: أتذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه، ف «تذكرونه» مفسر ل «تذكرون» الأول(1/350)
وهو قول الحافظ فى «الإيضاح» وغيره، وقول الإمام فى «الكافى».
وعبر الحافظ فى «التيسير» بالمد ومراده ما تقدم، وكذلك عبر الشيخ فى «التبصرة» وغيرها.
وإنما يعبرون بالمد عن همزة بين بين لما فيها من شبه المد، ويدلك على صحة هذا من قول الشيخ أنه لما ذكر {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] فى «التبصرة» قال: «فقرأ الحرميان، وأبو عمرو، وهشام فى ذلك بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، فيمدون حينئذ غير أن مد ابن كثير أنقص قليلا» (1)، ثم فسر فقال: «أما أبو عمرو وقالون وهشام فإنهم يحققون الأولى ويجعلون الثانية بين الهمزة والألف ويدخلون بينهما ألفا، ثم قال: «وكذلك يفعل ابن كثير غير أنه لا يدخل بين الهمزتين ألفا». انتهى فحصل منه أنه سمى همزة بين بين مدّا، وسيأتى أيضا من كلام الحافظ فى «التيسير» التعبير بالمد [عن همزة بين بين، بحول الله تبارك وتعالى.
وقرأ الباقون بهمزة] (2) واحدة على الخبر.
والثانى: {آمَنْتُمْ} فى الأعراف [76]، وطه [71]، والشعراء [49] قرأها حفص بهمزة واحدة على الخبر، وافقه قنبل فى طه.
وقرأ الباقون بالاستفهام: فحقق الهمزتين أبو بكر، وحمزة، والكسائى، وحقق الباقون الأولى وسهلوا الثانية.
__________
على حد: (أزيدا ضربته)، ثم حذف الفعل الأخير المفسر لدلالة الكلام عليه، وكأنه منطوق به، ولكونه فى قوة المنطوق به صح له أن يفسر مضمرا، وهذه المسألة منصوص عليها. وهذا أرجح من الوجه قبله لأنه مثل: أزيدا ضربته، وهو راجح لأجل الطالب للفعل، ومثل حذف هذا الفعل المقدر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل فى قوله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس: 91] قيل: تقديره: آلآن آمنت ورجعت وتبت، ونحو ذلك.
قال الواحدى: (فإن قيل: كيف وجد دخول (أحد) فى هذه القراءة وقد انقطع من النفى والاستفهام، وإذا انقطع الكلام إيجابا وتقريرا فلا يجوز دخول (أحد)؟
قيل: يجوز أن يكون (أحد) فى هذا الموضع (أحدا) الذى فى نحو: أحد وعشرين، وهذا يقع فى الإيجاب ألا ترى أنه بمعنى: واحد؟! وقال أبو العباس: (إن «أحدا» و «واحدا»: بمعنى).
ينظر الدر المصون (2/ 139138).
(1) تسهيل ابن كثير تسهيل الهمزتين بين بين فقط وهو المراد بقوله أنقص قليلا.
(2) سقط فى أ.(1/351)
ووافقهم قنبل فى الأعراف والشعراء، وأبدل الأولى فى الأعراف واوا فى الوصل.
الثالث: {أَعْجَمِيٌّ} فى فصلت [44]:
قرأ هشام وحده على الخبر بهمزة واحدة.
وقرأ الباقون بالاستفهام: فحقق الهمزتين أبو بكر، وحمزة، والكسائى على أصولهم، والباقون يحققون الأولى ويسهلون الثانية بين بين كما تقدم.
نص عليه الحافظ فى «الإيضاح» وعبر فى «التيسير» فقال: «والباقون بهمزة ومدة».
ثم قال: وقالون، وأبو عمرو يشبعانها لأن من قولهما: «إدخال ألف بين الهمزة المحققة والملينة» ثم ذكر عن ورش: أنه على أصله فى البدل.
وذكر عن ابن كثير أنه يجعلها بين بين من غير فصل، وكذلك حفص وابن ذكوان فهذا الموضع نص فى أن الحافظ يطلق المد وهو يريد به الهمزة الملينة بين بين كما تقدم من قول الشيخ، وكذلك قال الشيخ هنا: «والباقون بهمزة ومدة، على ما تقدم من أصولهم فى التسهيل».
واعلم أن الشيخ، والإمام وافقا الحافظ فى جميع ما ذكر من القراءات فى هذا الحرف إلا فى قراءة ابن ذكوان فإنهما جعلاه كقالون وأبى عمرو يفصلان بالألف بين المحققة والملينة، والحافظ جعله كابن كثير لا يفصل بينهما.
الرابع: {أَذْهَبْتُمْ} فى الأحقاف [20] قراءة ابن كثير وابن عامر بالاستفهام فابن ذكوان يحقق الهمزتين على أصله، وابن كثير يلين (1) الثانية من غير فصل على أصله، وهشام يلينها ويفصلها على أصله أيضا، وقراءة الباقين على الخبر.
وافق الشيخ والإمام الحافظ فى هذا الحرف.
وفى لفظ الإمام هنا فى «الكافى» نحو مما تقدم لأنه أطلق المد وهو يريد التسهيل بين بين، وكذلك الشيخ وكلامه صريح فى هذا المعنى فانظره فى «التبصرة».
الخامس: {أَنْ كََانَ ذََا مََالٍ} فى «ن والقلم» [14]:
قرأه (2) حمزة، وأبو بكر، وابن عامر بالاستفهام، فحقق الهمزتين أبو بكر،
__________
(1) فى أ: يبين.
(2) فى أ: قراءة.(1/352)
وحمزة، وسهل ابن عامر الثانية، وفصل هشام بينهما بألف، وكذلك قال الشيخ، والإمام عن ابن ذكوان، وقال الحافظ عنه بغير فصل، على ما تقدم فى «فصلت».
وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر، ويأتى القول فى همزة الاستفهام الداخلة على ألف الوصل فى الأنعام، وكذلك (هأنتم) فى آل عمران [104]، و {آمَنْتُمْ}
فى الأعراف [16] بحول الله تعالى [وقوته وحده لا شريك له] (1).
قال الحافظ رحمه الله: «فإذا اختلفتا بالفتح والكسر».
اعلم أن الهمزتين المختلفتين بالفتح والكسر فى القرآن أربعة أضرب:
أحدها: ألا تكون الهمزة الأولى للاستفهام ولكنها لبناء (2) الجمع وذلك ما جاء من لفظ {أَئِمَّةَ} [التوبة: 12].
وقد تقدم أنه فى خمسة مواضع، وهو مذكور فى براءة [12].
الثانى: ما اجتمع فيه استفهامان، وذلك أحد عشر موضعا تذكر فى الرعد.
الثالث: لم يجتمع فيه استفهامان، واتفق على الاستفهام، وهو المقصود هنا، وجملته فى القرآن أربعة عشر موضعا:
منها {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ} فى الأنعام [19]، و {أَإِنَّ لَنََا لَأَجْراً} فى الشعراء [41]، و {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} [النمل: 55]، و {أَإِلََهٌ مَعَ اللََّهِ} فى خمس مواضع فى النمل [6460]، و {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} فى يس [19]، و {أَإِنََّا لَتََارِكُوا آلِهَتِنََا}، و {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ}، و {أَإِفْكاً} فى الصافات [36، 52، 86]، و {قُلْ أَإِنَّكُمْ} فى فصلت [9]، و {أَإِذََا مِتْنََا} فى «ق» [3].
قال الحافظ: «فالحرميان وأبو عمرو يسهلون الثانية».
يريد: يجعلونها بين الهمزة والياء، وهو قياس تسهيل الهمزة المكسورة، وورش هنا يوافق على هذا التسهيل، ولا خلاف فى تحقيق الأولى إلا إذا وقع قبلها ساكن فإن ورشا ينقل حركتها فى الوصل كما تقدم.
قال: «والباقون يحققون الهمزتين».
وافق هنا هشام على تحقيق الهمزتين فى جميع القرآن، وذكر عن هشام الفصل بالألف فى جميع القرآن وهى قراءته على أبى الفتح عن قراءته على عبد الباقى
__________
(1) سقط فى ب.
(2) فى أ: البناء.(1/353)
ابن الحسن (1)، ثم ذكر عنه الفصل فى المواضع السبعة مع تسهيل الهمزة الثانية فى «فصلت» خاصة، وهى قراءة الحافظ على أبى الحسن، وعلى أبى الفتح أيضا عن قراءته على عبد الله بن الحسين البغدادى (2) كذا قال فى «المفردات».
__________
(1) عبد الباقى بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن السقا، أبو الحسن الخراسانى الأصل، الدمشقى المولد، الأستاذ الحاذق الضابط الثقة، رحل الأمصار، ولد بدمشق وأخذ القرآن عرضا عن جامع البيان إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم وجامع البيان إبراهيم ابن الحسن والتيسير إبراهيم بن عمر وإبراهيم بن عبد العزيز وجامع البيان إبراهيم ابن عبد الله بن محمد والجامع أحمد بن عبد الله بن الخشف والجامع أحمد ابن صالح والجامع أحمد بن عبد الرحمن والحسين بن عبد الله والتيسير زيد ابن أبى بلال وصالح بن أحمد والجامع عبد الرحمن بن عمر البغدادى وعبد الله ابن على والجامع عبيد الله بن إبراهيم والجامع على بن عبد الله بن محمد وعلى ابن محمد بن جعفر القلانسى والجامع نظيف بن عبد الله والجامع محمد ابن إبراهيم البلخى ومحمد بن أحمد بن هارون ومحمد بن زريق والجامع محمد ابن الحسين الديبلى والجامع محمد بن سليمان ومحمد بن شعبون ومحمد بن صالح والجامع محمد بن عبد الرحمن بن عبيد بن إبراهيم والجامع محمد بن أحمد ابن مرشد والتيسير محمد بن على بن الجلندا ومحمد بن النضر بن الأخرم والجامع أحمد بن عبيد الله بن حمدان والجامع مسلم بن عبد العزيز والجامع موسى ابن عبد الرحمن، أخذ القراءة عنه عرضا التيسير فارس بن أحمد وأكثر عنه، وقال:
قال لنا: أدركت أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الرزاق بأنطاكية، وجلست معه فى مجلسه وهو يقرئ فى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ولم أقرأ عليه، ولما حصل الروايات ورجع إلى دمشق يقرئ بها حصل بينه وبين شيوخها اختلاف، فتعصب له قوم وتعصب آخرون عليه حتى تطاول بعضهم إلى بعض فخرج منها إلى الديار المصرية، قال الدانى: كان خيرا فاضلا ثقة مأمونا إماما فى القراءات عالما بالعربية بصيرا بالمعانى، سمعت عبد الرحمن بن عبد الله يقول: كان عبد الباقى سمع معنا ببغداد على أبى بكر الأبهرى وكتب عنه كتبه فى الشرح، ثم قدم مصر فقامت له بها رئاسة عظيمة، وكنا لا نظنه هناك إذ كان ببغداد، توفى بعد سنة ثمانين وثلاثمائة بالإسكندرية أو بمصر.
ينظر: غاية النهاية (1/ 357356).
وفى أ: الحسين.
(2) شيخ القراء، أبو أحمد، عبد الله بن الحسين بن حسنون السامرى البغدادى.
زعم أنه قرأ لحفص على الأشنانى، وقرأ للسوسى على موسى بن جرير، وأبى عثمان النحوى، وقرأ لقالون على ابن شنبوذ، وللدورى على ابن مجاهد، فأما تلاوته على هذين فمعروفة.
وزعم أنه سمع من أبى العلاء محمد بن أحمد الوكيعى، والقدماء، فافتضح. ولكن كان نافق السوق بين القراء.
ولد سنة خمس وتسعين ومائتين.
تلا عليه: أبو الفضل الخزاعى، وأبو الفتح فارس، وعبد الساتر بن الذرب اللاذقى،(1/354)
وهذا هو مذهب الشيخ والإمام، أعنى اختصاص الفصل بالمواضع السبعة مع التسهيل فى «فصلت» دون غيرها.
وذكر الحافظ فى المواضع السبعة حرفى الأعراف [81، 113]، والحرف الذى فى «كهيعص» [66] وهى من الضرب الرابع.
وجملته فى القرآن خمسة مواضع: وهى الثلاثة المذكورة، وفى سورة يوسف عليه السلام: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} [الآية: 90]، وفى الواقعة: {إِنََّا لَمُغْرَمُونَ}
[الآية: 66] اختلف القراء فيها:
فقرأ نافع وحفص حرفى الأعراف على الخبر بهمزة واحدة مكسورة، ووافقهما ابن كثير فى الثانى منهما، وقرأها الباقون بالاستفهام، [و] وافقهم ابن كثير فى الأول منهما.
وقرأ ابن كثير فى سورة يوسف عليه السلام على الخبر والباقون على الاستفهام.
وقرأ ابن ذكوان فى «كهيعص» على الخبر والباقون على الاستفهام.
وذكر عنه الحافظ الوجهين.
وقرأ أبو بكر فى الواقعة [على الاستفهام] (1).
__________
وعبد الجبار الطرسوسى، وأبو العباس بن نفيس، وآخرون.
قال الذهبى: استوعبت ترجمته فى طبقات القراء وودى لو أنه ثقة، فإنى قرأت من طريقه عاليا.
قال الصورى: قال لى أبو القاسم العنابى: كنت عند أبى أحمد المقرئ، فحدثنا عن الوكيعى، فاجتمعت بعبد الغنى فأخبرته، فاستعظم ذلك، وقال: سله متى سمع منه؟
فقال: بمكة سنة ثلاثمائة، فأخبرت عبد الغنى، فقال: مات أبو العلاء عندنا فى أول سنة ثلاثمائة، وترك السلام عليه، وقال: لا أسلم على من يكذب فى الحديث.
وفى كتاب العنوان أن أبا أحمد قرأ على محمد بن يحيى الكسائى، وهذا وهم قد سقط من بينهما ابن شنبوذ أو ابن مجاهد.
وقال يحيى بن الطحان: ذكر أبو أحمد أنه يروى عن ابن المعتز. قلت: بدون هذا يهدر الراوى. مات فى المحرم سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
ينظر: سير أعلام النبلاء (16/ 516515)، وتاريخ بغداد (9/ 443442)، والإكمال لابن ماكولا (2/ 376)، والعبر (3/ 3332)، وطبقات القراء للذهبى (1/ 267264)، وميزان الاعتدال (2/ 409408)، وغاية النهاية (1/ 417415)، ولسان الميزان (3/ 274273)، والنجوم الزاهرة (4/ 175)، وحسن المحاضرة (1/ 489)، وشذرات الذهب (3/ 120119).
(1) فى أ: بالاستفهام.(1/355)
والباقون على الخبر، والله جل جلاله وعز كماله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وإذا اختلفتا بالفتح والضم».
اعلم أن هذا النوع ضرب واحد وهو من المواضع الثلاثة التى ذكر الحافظ، وحاصل كلامه أن أبا عمرو يسهل الثانية، ولا يدخل بينهما ألفا كورش، وابن كثير وهى قراءة الشيخ على أبى الطيب.
وزاد أيضا أنه قرأ على غير أبى الطيب فى رواية أبى شعيب بالفصل.
وكذلك حصل من قول الإمام الوجهان فى قراءة أبى شعيب.
وأما هشام فقرأ فى آل عمران مثل الكوفيين بتحقيق الهمزتين من غير فصل.
وزاد عنه الحافظ وجها آخر: وهو الفصل بالألف مع التحقيق.
وقرأ فى «ص» والقمر بتسهيل الثانية والفصل بينهما بالألف.
وزاد عنه الإمام وجها ثانيا: وهو تحقيق الهمزتين من غير فصل.
وزاد عنه الحافظ وجها ثالثا: وهو تحقيق الهمزتين مع الفصل.
ووافق الشيخ والإمام الحافظ فى سائر القراءات التى ذكرها.
وأما (1) قوله تعالى فى الزخرف: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الآية: 19] فلا خلاف أنه قرأ بالاستفهام إلا أن نافعا أدخل الاستفهام على فعل أوله همزة مضمومة، والباقون أدخلوا الاستفهام على فعل ليس فى أوله همزة فعلى قراءة نافع وحده تلحق بهذا النوع الذى تقدم.
وذكر الحافظ عن قالون فى هذا الحرف إدخال الألف وترك إدخالها، وعن الشيخ والإمام ترك إدخالها لا غير، [والله تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره أعلم وأحكم] (2).
باب ذكر الهمزتين من كلمتين
قال الحافظ رحمه الله: «اعلم أنهما إذا اتفقتا (3) بالكسر».
اعلم أن الهمزتين فى هذا الباب تنقسمان إلى: متفقتى الحركة، ومختلفتى الحركة.
__________
(1) فى ب: فأما.
(2) بدل ما بين المعقوفين فى ب: والله تعالى أعلم.
(3) فى أ: اتفقا.(1/356)
فالأول ثلاثة أقسام:
مفتوحتان.
ومكسورتان.
ومضمومتان.
والثانى: خمسة أقسام: وذلك أن تكون الأولى مفتوحة وبعدها مكسورة أو مضمومة فهذان قسمان، أو تكون الثانية مفتوحة وقبلها مكسورة أو مضمومة فهذان قسمان أيضا، والخامس: أن تكون الأولى مضمومة والثانية مكسورة، وليس فى القرآن عكسه.
فذكر الحافظ أولا المكسورتين، والذى فى القرآن من هذا القسم ثمانية عشر موضعا منها ثلاثة بخلاف، والباقى بغير خلاف.
أما الذى لا خلاف فيه، فمنها فى البقرة: {هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [الآية: 31] وفى النساء {مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} [الآية: 22] {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا مَلَكَتْ} [الآية: 24] وفى هود عليه السلام {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]. وفى يوسف عليه السلام {بِالسُّوءِ إِلََّا مََا رَحِمَ رَبِّي} [53]. وفى الإسراء {مََا أَنْزَلَ هََؤُلََاءِ إِلََّا رَبُّ السَّمََاوََاتِ} [102]. وفى النور {عَلَى الْبِغََاءِ إِنْ أَرَدْنَ} [33]. وفى الشعراء {كِسَفاً مِنَ السَّمََاءِ إِنْ كُنْتَ} [187]. وفى «الم» السجدة {مِنَ السَّمََاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [5]. وفى الأحزاب {مِنَ النِّسََاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [32]. و {وَلََا أَبْنََاءِ إِخْوََانِهِنَّ} [55].
وفى سبأ {مِنَ السَّمََاءِ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً} [9]، و {أَهََؤُلََاءِ إِيََّاكُمْ} [40].
وفى ص {وَمََا يَنْظُرُ هََؤُلََاءِ إِلََّا صَيْحَةً} [15]. وفى الزخرف {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمََاءِ إِلََهٌ} [84].
وأما الثلاثة المختلف فيهن:
فأولها فى البقرة {مِنَ الشُّهَدََاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا} [282] قراءة حمزة بكسر الهمزتين، والباقون بكسر الأولى وفتح الثانية (1).
__________
(1) قوله: (أن تضل) قرأ حمزة بكسر (إن) على أنها شرطية، والباقون بفتحها، على أنها المصدرية الناصبة، فأما القراءة الأولى، فجواب الشرط فيها قوله: (فتذكر)، وذلك أن حمزة رحمه الله يقرأ: (فتذكر) بتشديد الكاف ورفع الراء فصح أن تكون الفاء وما فى(1/357)
__________
حيزها جوابا للشرط، ورفع الفعل لأنه على إضمار مبتدأ، أى: فهى تذكر، وعلى هذه القراءة فجملة الشرط والجزاء: هل لها محل من الإعراب أم لا؟
قال ابن عطية: إن محلها الرفع صفة (لامرأتين)، وقوله: (ممن ترضون) صفة لقوله:
(فرجل وامرأتان).
قال أبو حيان رحمه الله: (فصار نظير: جاءنى رجل وامرأتان عقلاء حبليان)، وفى جواز مثل هذا التركيب نظر، بل الذى تقتضيه الأقيسة تقديم (حبليان) على (عقلاء)، وأما إذا قيل بأن (ممن ترضون) بدل من «رجالكم»، أو متعلق ب «استشهدوا»، فيتعذر جعله صفة لامرأتين للزوم الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبى.
قال شهاب الدين رحمه الله: وابن عطية لم يبتدع هذا الإعراب، بل سبقه إليه الواحدى فإنه قال: وموضع الشرط وجوابه رفع بكونهما وصفا للمذكورين وهما (امرأتان) فى قوله: (فرجل وامرأتان) لأن الشرط والجزاء يوصف بهما، كما يوصف بهما فى قوله {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقََامُوا الصَّلََاةَ} [الحج: 41].
والظاهر: أن هذه الجملة الشرطية مستأنفة للإخبار بهذا الحكم، وهى جواب لسؤال مقدر، كأن قائلا قال: ما بال امرأتين جعلتا بمنزلة رجل؟ فأجيب بهذه الجملة.
وأما القراءة الثانية: ف (أن) فيها مصدرية ناصبة للفعل بعدها، والفتحة فيه حركة إعراب، بخلافها فى قراءة حمزة فإنها فتحة التقاء ساكنين إذ اللام الأولى ساكنة للإدغام فى الثانية، مسكنة للجزم، ولا يمكن إدغام فى ساكن فحركنا الثانية بالفتحة هربا من التقائهما، وكانت الحركة فتحة لأنها أخف الحركات، و «أن» وما فى حيزها فى محل نصب، أو جر بعد حذف حرف الجر، وهى لام العلة، والتقدير: لأن تضل، أو إرادة أن تضل.
وفى متعلّق هذا الجار ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه فعل مضمر دل عليه الكلام السابق إذ التقدير: فاستشهدوا رجلا وامرأتين لئلا تضل إحداهما، ودل على هذا الفعل قوله: (فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان) قاله الواحدى ولا حاجة إليه لأن الرافع ل «رجل» و «امرأتين» مغن عن تقدير شىء آخر، وكذلك الخبر المقدر لقولك: (فرجل وامرأتان) إذ تقدير الأول: فليشهد رجل، وتقدير الثانى: فرجل وامرأتان يشهدون لأن تضل. وهذان التقديران هما الوجه الثانى والثالث من الثلاثة المذكورة.
فإن قيل: هل جعل ضلال إحداهما علة لتطلب الإشهاد، أو مراد الله تعالى على حسب التقديرين المذكورين أولا؟
وقد أجاب سيبويه رحمه الله وغيره بأن الضلال لما كان سببا للإذكار، والإذكار مسبّبا عنه، وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما، واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار: إرادة للإذكار. فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، ونظيره قولهم: أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، وأعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه، فليس إعدادك الخشبة لأن يميل الحائط، ولا إعدادك السلاح لأن يجيء العدو، وإنما للإدغام إذا مال، وللدفع إذا جاء العدو، وهذا(1/358)
__________
مما يعود إليه المعنى ويهجر فيه جانب اللفظ.
وقد ذهب الجرجانى فى هذه الآية الكريمة إلى أن التقدير: مخافة أن تضل، وأنشد قول عمرو:
. ... فعجلنا القرى أن تشتمونا
أى: (مخافة أن تشتمونا)، وهذا صحيح لو اقتصر عليه من غير أن يعطف عليه قوله:
(فتذكر) لأنه كان التقدير: فاستشهدوا رجلا وامرأتين، مخافة أن تضل إحداهما، ولكن عطف قوله: (فتذكر) يفسده إذ يصير التقدير: مخافة أن تذكر إحداهما الأخرى، وإذكار إحداهما الأخرى ليس مخوفا منه، بل هو المقصود.
وقال أبو جعفر: (سمعت على بن سليمان يحكى عن أبى العباس أن التقدير: كراهة أن تضل).
قال أبو جعفر رحمه الله تعالى: (وهو غلط إذ يصير المعنى: كراهة أن تذكر احداها الأخرى).
وذهب الفراء إلى أن تقدير الآية الكريمة: (كى تذكر إحداها الأخرى إن ضلت)، فلما قدم الجزاء اتصل بما قبله ففتحت (أن).
قال: ومثله من الكلام: (إنه ليعجبنى أن يسأل السائل فيعطى) معناه: إنه ليعجبنى أن يعطى السائل إن سأل لأنه إنما يعجب الإعطاء لا السؤال، فلما قدموا السؤال على العطية أصحبوه «أن» المفتوحة لينكشف المعنى، فعنده (أن) فى (أن تضل) للجزاء، إلا أنه قدم وفتح، وأصله التأخير.
ورد البصريون هذا القول أبلغ رد:
قال الزجاج: (لست أدرى لم صار الجزاء إذا تقدم وهو فى مكانه وغير مكانه يوجب فتح (أن).
وقال الفارسى: ما ذكره الفراء دعوى لا دلالة عليها، والقياس يفسدها ألا ترى أنا نجد الحرف العامل إذا تغيرت حركته، لم يوجب ذلك تغيرا فى عمله ولا معناه، كما روى أبو الحسن من فتح اللام الجارة مع المظهر عن يونس، وأبى عبيدة، وخلف الأحمر؟! فكما أن هذه اللام لما فتحت لم يتغير من عملها ومعناها شىء، كذلك: (إن) الجزائية ينبغى إذا فتحت ألا يتغير عملها ولا معناها، ومما يبعده أيضا أنا نجد الحرف العامل لا يتغير عمله بالتقديم ولا بالتأخير، تقول (مررت بزيد)، وتقول: (بزيد مررت)، فلم يتغير عمل الباء بتقديمها من تأخير.
وأجاب ابن الخطيب فقال: هاهنا غرضان:
أحدهما: حصول الإشهاد، وهذا لا يتأتى إلا بتذكير إحدى المرأتين.
والثانى: بيان تفضيل الرجل على المرأة حتى يبين أن إقامة المرأتين مقام الرجل الواحد هو العدل فى القضية، وذلك لا يتأتى إلا بضلال إحدى المرأتين، وإذا كان كل واحد من هذين أعنى الإشهاد، وبيان فضل الرجل على المرأة مقصودا فلا سبيل إلى ذلك إلا بإضلال إحداهما وتذكّر الأخرى، لا جرم صار هذان الأمران مطلوبين.
اللباب (4/ 492489).(1/359)
والثانى والثالث فى الأحزاب:
{لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرََادَ} [50] و {بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلََّا} [53].
قرأهما ورش بهمز «النبى» فتلتقى همزتان مكسورتان، والباقون بياء مشددة.
قال الحافظ: «فقنبل وورش يجعلان الثانية كالياء الساكنة» إلى آخر كلامه.
ومراده أنهما يجعلانها بين الهمزة والياء، وكذا قوله عن قالون والبزى: «يجعلان الأولى كالياء المكسورة».
يريد بين الهمزة والياء، وكذا نص فى كتاب «الإيضاح» فقال ما نصه: «فقرأ ابن كثير فى رواية قنبل، ونافع فى رواية ورش بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية فتكون فى اللفظ كأنها ياء ساكنة وهى فى الحقيقة بين الهمزة والياء الساكنة».
ويدل على أنه أراد هذا قوله فى «التيسير»: «كالياء» فجاء بكاف التشبيه لأن الهمزة المسهلة إذا كانت مكسورة ففيها شبه من الياء، وليست ياء خالصة، ويدل عليه أيضا قوله آخر الباب: «وحكم تسهيل الهمزة فى البابين أن تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذى منه حركتها» إلى آخر كلامه.
يعنى بالبابين: هذا الباب والباب الذى قبله.
وقوله فى الهمزة الثانية: «كالياء الساكنة». لا ينبغى أن يفهم منه أن همزة بين بين تكون ساكنة بل لا بد من تحريكها، وإنما أراد أنها تجعل بين الهمزة والياء التى هى حرف مد، كما أن المضمومة إذا سهلت تجعل بين الهمزة والواو التى هى حرف مد، فالساكنة هنا وصف للياء المشبهة بها لا للهمزة الملينة، ويدل على صحة ذلك أن أصل هذه الهمزة الكسر، فإذا سهلت بين بين فقد غيرت تغييرا يخصها فى ذاتها، فلو سكنت لكان إسكانها تغييرا ثانيا يلحقها فى صفتها العارضة لها وهو غير التغيير الأول، ولا تلازم بين هذين التغييرين، وإذا كان كذلك لم يلزم من حصول أحدهما حصول الآخر، فلو أرادهما معا لنص عليهما، وهو لم يرد إلا التغيير الأول خاصة، ويدل على صحة هذا أيضا أن همزة بين بين لا تسكن عند الحذاق من النحويين وجلة المقرئين، وهذا موجود فى كلام الحافظ وغيره ولهذا لم تسهل قط الهمزة التى أصلها السكون بين بين، وإنما تسهل بالبدل الخالص، وأيضا فلو سكنت مع التسهيل لأدى ذلك إلى التقاء الساكنين فى كل موضع يكون بعد الهمزة الثانية حرف
ساكن نحو {هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [البقرة: 31] و {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ} [هود: 71] و {وَلََا أَبْنََاءِ إِخْوََانِهِنَّ} [الأحزاب: 55] وهو قبيح إذا لم يكن الأول حرف مد والثانى مدغما كما تقدم فى باب الإدغام الكبير.(1/360)
وقوله فى الهمزة الثانية: «كالياء الساكنة». لا ينبغى أن يفهم منه أن همزة بين بين تكون ساكنة بل لا بد من تحريكها، وإنما أراد أنها تجعل بين الهمزة والياء التى هى حرف مد، كما أن المضمومة إذا سهلت تجعل بين الهمزة والواو التى هى حرف مد، فالساكنة هنا وصف للياء المشبهة بها لا للهمزة الملينة، ويدل على صحة ذلك أن أصل هذه الهمزة الكسر، فإذا سهلت بين بين فقد غيرت تغييرا يخصها فى ذاتها، فلو سكنت لكان إسكانها تغييرا ثانيا يلحقها فى صفتها العارضة لها وهو غير التغيير الأول، ولا تلازم بين هذين التغييرين، وإذا كان كذلك لم يلزم من حصول أحدهما حصول الآخر، فلو أرادهما معا لنص عليهما، وهو لم يرد إلا التغيير الأول خاصة، ويدل على صحة هذا أيضا أن همزة بين بين لا تسكن عند الحذاق من النحويين وجلة المقرئين، وهذا موجود فى كلام الحافظ وغيره ولهذا لم تسهل قط الهمزة التى أصلها السكون بين بين، وإنما تسهل بالبدل الخالص، وأيضا فلو سكنت مع التسهيل لأدى ذلك إلى التقاء الساكنين فى كل موضع يكون بعد الهمزة الثانية حرف
ساكن نحو {هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [البقرة: 31] و {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ} [هود: 71] و {وَلََا أَبْنََاءِ إِخْوََانِهِنَّ} [الأحزاب: 55] وهو قبيح إذا لم يكن الأول حرف مد والثانى مدغما كما تقدم فى باب الإدغام الكبير.
فإن قيل: فقد ذكر عن ورش وقنبل إبدال هذه الهمزة ياء خالصة ساكنة وفيه التقاء الساكنين؟
فالجواب: أنه أيضا ضعيف، وهو مع ذلك أشبه إذا كان الساكن الأول حرف مد.
فأما إذا كان الساكن الأول همزة مسهلة لو جوزنا إسكانها فليست بحرف مد، وكذلك إذا وقعت الهمزة طرفا، فإنه لا يوقف عليها إذا سهلت بين بين إلا بالروم، نحو {يَشََاءُ} [البقرة: 90] و {مِنَ الْمََاءِ} [الأنبياء: 30] ولا يجوز ذلك فى حروف المد، ولا يصح الاحتجاج على أنها حرف مد بامتناع العرب من الابتداء بها، وبامتناع وقوعها مفتوحة بعد كسرة أو ضمة نحو {إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: 3] و {يُؤَلِّفُ} [النور: 43] ولكن العرب حكمت لها فى هذه المواضع بحكم حرف المد لما فيها من شبه حرف المد.
وأيضا فقد نص الحافظ وغيره على أن الهمزة المسهلة بزنة المحققة وهو قول سيبويه، ولو كانت مدّا لكان زمان النطق بها أطول من زمان النطق بالمحققة. قال سيبويه: «والمخففة فيما ذكر بمنزلتها محققة فى الزنة، يدلك على ذلك قول الأعشى: [من البسيط] أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به ... ريب المنون ودهر متبل خبل (1)
فلو لم تكن بزنتها محققة لانكسر البيت». ثم قال بعد كلام: «والمخففة بزنتها محققة، ولولا ذلك لكان هذا البيت منكسرا إذا خففت الأولى أو الآخرة: [من الرمل] كل غراء إذا ما برزت ... .
انتهى كلامه.
وتمام هذا البيت:
... ترهب العين عليها والحسد
__________
(1) البيت فى ديوانه ص (107) ومقاييس اللغة (1/ 363) ومجمل اللغة (1/ 344) وبلا نسبة فى كتاب العين (8/ 124).(1/361)
فإن قيل: هذا كله بين إلا أمرا واحدا وهو سبب الإشكال فى كلام الحافظ، وهو تفريقه فى العبارة بين الهمزة الأولى والثانية، فقال فى تسهيل الأولى: «كالياء المكسورة»، وقال فى الثانية: «كالياء الساكنة»؟.
فالجواب: أن عبارته وقعت كما ترى ليشعر بحال كل واحدة منهما فى مقدار حركتها، وذلك أن الأولى إذا سهلت مكنت حركتها لأنها بعد حرف مد وإلا أشبه التقاء الساكنين. وأما الثانية فإذا سهلت اختلست حركتها أو أخفيت هربا من الثقل لأن قبلها همزة محركة، فلو مكنت حركتها مع أنها (1) كانت مسهلة تشبه المحققة، لكان فيه شبه من اجتماع محققتين محركتين والله أعلم.
وقول الحافظ: «فقنبل، وورش [يجعلان] (2) الثانية كالياء الساكنة» يقتضى أن ورشا يفعل ذلك فى جميع ما ورد منه فى القرآن.
وقوله: «وأخذ على ابن خاقان» يقتضى فى هذين الموضعين خاصة أحد أمرين:
إما أن يقرأ لورش بالياء المكسورة قولا واحدا فيكون فى حكم الاستثناء المطلق من جميع الفصل.
وإما أن يقرأ لورش بالوجهين، أعنى يسهل بين بين كسائر الفصل وبالبدل أيضا فيكون فى حكم الاستثناء المخصوص برواية ابن خاقان، فينبغى أن يبحث عن تحقيق مذهبه فى كتاب «التيسير»: فاعلم أنه إنما أسند قراءته برواية ورش فى «التيسير» عن ابن خاقان لا غير، وابن خاقان هو الذى استثنى له هذين الموضعين، فعلى هذا ليس فى «التيسير» فى هذين الموضعين فى قراءة ورش إلا البدل.
وذكر فى «المفردات» أنه قرأ هكذا على ابن غلبون، وابن خاقان، وأبى الفتح بجعل الثانية ياء مكسورة بدلا من الهمزة فى هذين الموضعين، وحاصل قوله فى «التمهيد» أنه قرأ على هؤلاء الأشياخ الثلاثة بالوجهين، أعنى بجعل الهمزة الثانية كالياء المكسورة فى الموضعين، وبجعلها بين بين.
وقال: «وبهما آخذ» إلا أن فى عبارته فى «التمهيد» مسامحة فإنه قال فيه: «كالياء المكسورة» وهو يعنى ياء مكسورة فكان ينبغى ألا يأتى بكاف التشبيه لأن الكاف لا تعطى تحقيق البدل وإنما تعطى تسهيل الهمزة بين بين، فتأمله.
__________
(1) زاد فى ب: وإن.
(2) سقط فى أ.(1/362)
وظاهر مذهبه فى «التيسير» الأخذ بجعلها ياء مكسورة فى الموضعين، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فإذا اتفقتا بالفتح».
اعلم أن الذى ورد فى هذا النوع فى القرآن تسعة وعشرون موضعا: منها فى النساء {وَلََا تُؤْتُوا السُّفَهََاءَ أَمْوََالَكُمُ} [5] {أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ} [43]، وفى المائدة {أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ} [6] وفى الأنعام {حَتََّى إِذََا جََاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [61] وفى الأعراف {فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ} [34] و {تِلْقََاءَ أَصْحََابِ النََّارِ} [47] وفى سورة يونس صلى الله عليه وسلم {إِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ} [49] وفى سورة هود صلى الله عليه وسلم {حَتََّى إِذََا جََاءَ أَمْرُنََا} [40] و {وَلَمََّا جََاءَ أَمْرُنََا نَجَّيْنََا هُوداً} [58] و {فَلَمََّا جََاءَ أَمْرُنََا نَجَّيْنََا صََالِحاً} [66] و {قَدْ جََاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [76] {فَلَمََّا جََاءَ أَمْرُنََا جَعَلْنََا}
[82] و {وَلَمََّا جََاءَ أَمْرُنََا نَجَّيْنََا شُعَيْباً} [94] و {لَمََّا جََاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [101] وفى الحجر {فَلَمََّا جََاءَ آلَ لُوطٍ} [61] و {وَجََاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ} [67] وفى النحل {فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ} [61] وفى الحج {وَيُمْسِكُ السَّمََاءَ أَنْ تَقَعَ} [65] وفى «قد أفلح» {فَإِذََا جََاءَ أَمْرُنََا} [المؤمنون: 27] [و] {حَتََّى إِذََا جََاءَ أَحَدَهُمُ} [99] وفى الفرقان {إِلََّا مَنْ شََاءَ أَنْ يَتَّخِذَ} [57] وفى الأحزاب {إِنْ شََاءَ أَوْ يَتُوبَ} [24] وفى فاطر {فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ} [45] وفى غافر {فَإِذََا جََاءَ أَمْرُ اللََّهِ} [78] وفى القتال {فَقَدْ جََاءَ أَشْرََاطُهََا}
[محمد: 18] وفى القمر {وَلَقَدْ جََاءَ آلَ فِرْعَوْنَ} [41] وفى الحديد {حَتََّى جََاءَ أَمْرُ اللََّهِ}
[14] وفى المنافقين {إِذََا جََاءَ أَجَلُهََا} [11] وفى «عبس» {إِذََا شََاءَ أَنْشَرَهُ} [22].
وذكر الحافظ المتفقتين بالضم وهو موضع واحد كما ذكر، وذكر القراءات، وحاصلها فى جميع ما تقدم أن الكوفيين وابن عامر يحققون الهمزتين فى جميع الأنواع الثلاثة، وورشا وقنبلا يسهلان الثانية بجعلها بين الهمزة والحرف الذى منه حركتها فتكون المكسورة بين الهمزة والياء، والمفتوحة بين الهمزة والألف، والمضمومة بين الهمزة والواو.
وقد تقدم القول فى حرفى البقرة والنور، وهما قوله تعالى فى سورة البقرة {هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [الآية: 31]، وفى سورة النور قوله تعالى: {وَلََا تُكْرِهُوا فَتَيََاتِكُمْ عَلَى الْبِغََاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} (1) [الآية: 33] يعنى: أن ورشا روى عنه أنه كان يبدل
__________
(1) قال ابن منظور فى لسان العرب: (وأما الهمزتان إذا كانتا مكسورتين نحو قوله: {عَلَى الْبِغََاءِ}(1/363)
الهمزة الثانية فى هذين اللفظين ياء مكسورة.
وأبو عمرو يسقط الهمزة الأولى فى الأنواع الثلاثة، وقالون والبزى يسقطان الأولى فى المفتوحتين خاصة ويسهلان الأولى من المكسورتين بين الهمزة والياء، والأولى من المضمومتين بين الهمزة والواو.
وافق الشيخ، والإمام على كل ما تقدم فى الباب، إلا ما رواه عن ابن خاقان فى الحرفين من جعل الثانية ياء مكسورة.
وزاد عن ورش وقنبل إبدال الثانية حرفا ساكنا من جنس حركة الأولى، ورجح الإمام التسهيل.
ورجح الشيخ البدل لورش والتسهيل لقنبل.
وقد ذكر الحافظ فى «التمهيد» وغيره البدل عن ورش فى الباب كله، غير أنه لم يعول عليه فى «التيسير» والله تعالى أعلم.
واعلم أنك إذا وقفت على الكلمة الأولى فلا خلاف بين الحرميّين وأبى عمرو فى إثبات همزتها محققة، كما أنك إذا بدأت بالثانية فلا خلاف أيضا بين الجماعة فى تحقيق همزتها، وإنما يكون التسهيل الذى ذكر أو الحذف فى الوصل.
وليس فى القرآن عن أحد من القراء همزة تسقط أو تسهل فى الوصل وتثبت محققة فى الوقف إلا ما ذكر فى هذا الباب عن أبى عمرو، وعن قالون، والبزى، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «ومتى سهلت الهمزة الأولى» إلى آخره.
يريد أن ما وجب [لحرف] (1) المد من الزيادة من أجل الهمزة لا يزول بزوال
__________
{إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النور: 33]، وإذا كانتا مضمومتين نحو قوله: (أولياء أولئك) فإن أبا عمرو يخفف الهمزة الأولى منهما، فيقول: «على البغا إن»، و «أوليا أولئك»، فيجعل الهمزة الأولى فى «البغاء» بين الهمزة والياء ويكسرها، ويجعل الهمزة فى قوله: «أولياء أولئك»، الأولى بين الواو والهمزة ويضمها.
قال: وجملة ما قاله فى مثل هذه ثلاثة أقوال: أحدها وهو مذهب الخليل أن يجعل مكان الهمزة الثانية همزة بين بين، فإذا كان مضموما جعل الهمزة بين الواو والهمزة. قال:
«أولياء أولئك»، «على البغاء إن».
وأما أبو عمرو فيقرأ على ما ذكرنا، وأما ابن أبى إسحاق وجماعة من القراء فإنهم يجمعون بين الهمزتين.
لسان العرب (1/ 2322).
(1) سقط فى أ.(1/364)
الهمزة فى مذهب من أسقطها، ولا بتسهيلها فى مذهب من سهلها لأن زوالها فى الوصل بالحذف، أو بالتسهيل عارض فلا يعتد به.
وقوله: «ويجوز أن تقصر الألف لعدم الهمزة لفظا».
يريد على رأى من يعتد بالعارض.
وقوله: «والأول أوجه».
يريد إبقاء التمكين وترك الاعتداد بالعارض.
قال الحافظ رحمه الله: «فإذا اختلفتا على أى حال كان».
قد تقدم أن الذى وجد فى القرآن من الهمزتين المختلفتى الحركة من هذا الباب خمسة أقسام، وأذكرها لك الآن بحول الله على التفصيل:
القسم الأول: مفتوحة ومضمومة، وهو موضع واحد فى القرآن، وهو (1) {جََاءَ أُمَّةً} فى «قد أفلح» [المؤمنون: 44].
القسم الثانى: مفتوحة ومكسورة وجملته فى القرآن تسعة عشر موضعا:
منها موضعان بخلاف وهما: {زَكَرِيََّا إِذْ نََادى ََ} فى «كهيعص» [21] وفى سورة الأنبياء عليهم السلام [89]: قرأ حفص وحمزة والكسائى {زَكَرِيََّا} بغير همز والباقون بالهمز.
وباقى المواضع متفق عليها:
منها فى البقرة: {شُهَدََاءَ إِذْ حَضَرَ} [133]. وفى المائدة {وَالْبَغْضََاءَ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ} [14]، و {وَالْبَغْضََاءَ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ كُلَّمََا أَوْقَدُوا} [64]، و {عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ} [101]. وفى الأنعام {شُهَدََاءَ إِذْ وَصََّاكُمُ} [144]. وفى التوبة {أَوْلِيََاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا} [23]، و {مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شََاءَ إِنَّ اللََّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[28]. وفى سورة يونس عليه السلام {شُرَكََاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ} [66]. وفى سورة يوسف عليه السلام {وَالْفَحْشََاءَ إِنَّهُ} [24]، و {وَجََاءَ إِخْوَةُ} [58]. وفى الكهف {أَوْلِيََاءَ إِنََّا أَعْتَدْنََا} [102]. وفى سورة الأنبياء عليهم السلام {الدُّعََاءَ إِذََا مََا يُنْذَرُونَ}
[45]. وفى الشعراء {نَبَأَ إِبْرََاهِيمَ} [69]. وفى النمل {الدُّعََاءَ إِذََا وَلَّوْا} [80]. وفى الروم {الدُّعََاءَ إِذََا وَلَّوْا} [52]. وفى «الم» السجدة {الْمََاءَ إِلَى الْأَرْضِ} [27]. وفى
__________
(1) زاد فى ب: موضع.(1/365)
الحجرات {حَتََّى تَفِيءَ إِلى ََ أَمْرِ اللََّهِ} [9].
القسم الثالث: مضمومة ومفتوحة، وجملته فى القرآن ثلاثة عشر موضعا.
منها موضعان فى قراءة نافع وحده وهما فى الأحزاب:
{النَّبِيُّ أَوْلى ََ بِالْمُؤْمِنِينَ} [6]، و {إِنْ أَرََادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهََا} [50].
وباقى المواضع متفق عليها:
منها فى البقرة:
{السُّفَهََاءُ أَلََا إِنَّهُمْ} [13]، وفى الأعراف {لَوْ نَشََاءُ أَصَبْنََاهُمْ} [100]، و {وَتَهْدِي مَنْ تَشََاءُ أَنْتَ وَلِيُّنََا} [155]، وفى التوبة {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمََالِهِمْ} [37]، وفى سورة هود عليه السلام {وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي} [44]، وفى سورة يوسف عليه السلام {يََا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي} [43]، وفى سورة إبراهيم عليه السلام {وَيَفْعَلُ اللََّهُ مََا يَشََاءُ أَلَمْ تَرَ} [2827]، وفى النمل {يََا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي} [32] و {يََا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي} [38]، وفى «فصلت» {جَزََاءُ أَعْدََاءِ اللََّهِ النََّارُ} [28]، وفى الممتحنة {وَالْبَغْضََاءُ أَبَداً} [4].
القسم الرابع: مكسورة ومفتوحة، وجملته فى القرآن ستة عشر موضعا منها موضع واحد بخلاف وهو فى البقرة {مِنَ الشُّهَدََاءِ أَنْ تَضِلَّ} [282]، قرأه حمزة بكسر الهمزة الثانية وقد تقدم، وقرأه الباقون بفتحها.
والبواقى متفق عليها:
منها فى البقرة: {مِنْ خِطْبَةِ النِّسََاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [235]، وفى النساء {هََؤُلََاءِ أَهْدى ََ} [51]، وفى الأعراف {لََا يَأْمُرُ بِالْفَحْشََاءِ أَتَقُولُونَ} [28]، و {هََؤُلََاءِ أَضَلُّونََا}
[38]. و {مِنَ الْمََاءِ أَوْ مِمََّا} [50]. وفى الأنفال {مِنَ السَّمََاءِ أَوِ ائْتِنََا} [32]، وفى سورة يوسف عليه السلام {قَبْلَ وِعََاءِ أَخِيهِ} [76] و {مِنْ وِعََاءِ أَخِيهِ} [76]، وفى سورة الأنبياء عليهم السلام {لَوْ كََانَ هََؤُلََاءِ آلِهَةً} [99]، وفى الفرقان {هََؤُلََاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا} [17] و {مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ} [40]، وفى الشعراء {مِنَ السَّمََاءِ آيَةً}
[4]، وفى الأحزاب {وَلََا أَبْنََاءِ أَخَوََاتِهِنَّ} [55]، وفى الملك {فِي السَّمََاءِ أَنْ يَخْسِفَ}
[16]. و {مَنْ فِي السَّمََاءِ أَنْ يُرْسِلَ} [17].
القسم الخامس: مضمومة ومكسورة، وجملته فى القرآن سبعة وعشرون موضعا:
منها خمسة بخلاف:
أولها: {يََا زَكَرِيََّا إِنََّا نُبَشِّرُكَ} فى «كهيعص» [مريم: 7]، قرأ حفص وحمزة
والكسائى {يََا زَكَرِيََّا} بغير همز، والباقون بالهمز.(1/366)
أولها: {يََا زَكَرِيََّا إِنََّا نُبَشِّرُكَ} فى «كهيعص» [مريم: 7]، قرأ حفص وحمزة
والكسائى {يََا زَكَرِيََّا} بغير همز، والباقون بالهمز.
والثانى: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَرْسَلْنََاكَ}، والثالث: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ} فى الأحزاب [45، 50].
والرابع {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا جََاءَكَ الْمُؤْمِنََاتُ} فى الممتحنة [12].
والخامس {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ} فى الطلاق [1] قرأ نافع (النبيء) بالهمز، والباقون بغير همز.
والبواقى متفق عليها:
منها فى البقرة: {مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [142] وكذلك {مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَمْ حَسِبْتُمْ} [214213]. و {وَلََا يَأْبَ الشُّهَدََاءُ إِذََا مََا دُعُوا} [282].
وفى آل عمران {مَنْ يَشََاءُ إِنَّ فِي ذََلِكَ} [13] و {يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ إِذََا قَضى ََ أَمْراً}
[47].
وفى الأنعام {مَنْ نَشََاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [83]، وفى الأعراف {وَمََا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلََّا نَذِيرٌ} [188]، وفى سورة يونس عليه السلام {وَيَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [25]، وفى سورة هود عليه السلام {مََا نَشََؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ}
[87]، وفى سورة يوسف عليه السلام {لِمََا يَشََاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} [100]، وفى الحج {مََا نَشََاءُ إِلى ََ أَجَلٍ} [5]، وفى النور {شُهَدََاءُ إِلََّا أَنْفُسُهُمْ} [6] و {مََا يَشََاءُ إِنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [45] و {مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [46]، وفى النمل {يََا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ} [29]، وفى فاطر {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مََا يَشََاءُ إِنَّ اللََّهَ} [1] و {أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ} [15] و {الْعُلَمََاءُ إِنَّ اللََّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [28] و {السَّيِّئُ إِلََّا بِأَهْلِهِ}
[43]، وفى الشورى {بِقَدَرٍ مََا يَشََاءُ إِنَّهُ بِعِبََادِهِ خَبِيرٌ} [الآية: 27]، {لِمَنْ يَشََاءُ إِنََاثاً} [الآية: 49]، {مََا يَشََاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الآية: 51].
وليس فى القرآن همزة مكسورة بعدها مضمومة.
واتفق الكوفيون وابن عامر على تحقيق الهمزتين فى هذه الأقسام الخمسة (1).
__________
(1) أجمل ابن منظور القول فى هذه الأقسام الخمسة، فقال: وأما اختلاف الهمزتين نحو قوله تعالى: {كَمََا آمَنَ السُّفَهََاءُ أَلََا} [البقرة: 13]، فأكثر القراء على تحقيق الهمزتين، وأما أبو عمرو فإنه يحقق الهمزة الثانية فى رواية سيبويه، ويخفف الأولى فيجعلها بين الواو والهمزة، فيقول: «السفهاء ألا»، ويقرأ {مَنْ فِي السَّمََاءِ أَنْ} [الملك: 16]، فيحقق الثانية،(1/367)
واتفق الحرميان، وأبو عمرو على تحقيق الأولى، وتسهيل الثانية فتجعل فى القسم الأول بين الهمزة والواو، وفى الثانى بين الهمزة والياء، وتبدل فى الثالث واوا خالصة، وتبدل فى الرابع ياء خالصة، ومنعوا فى هذين القسمين أن تكون بين الهمزة والألف على حركتها لأنها إذا كانت بين الهمزة والألف تجرى فى هذا الحكم مجرى الألف الخالصة فكما أن الألف الخالصة، لا تقع بعد كسرة ولا بعد ضمة، فكذلك التزموا فيما أشبه الألف فلذلك عدلوا إلى البدل الخالص إذ لا يمتنع وقوع الياء الخالصة بعد الكسرة، ولا وقوع الواو الخالصة بعد الضمة.
وأما القسم الخامس: فيسهل بين الهمزة والياء.
قال الحافظ: «وهو مذهب النحويين وهو أقيس».
وزاد الإمام والحافظ «أنها تبدل واوا على حركة ما قبلها».
قال الحافظ: «وهو مذهب القراء وهو آثر».
يعنى: أنه أكثر استعمالا عند القراء، وذكر الإمام أن بعضهم يجعلها بين الهمزة والواو.
وقال «والأول أحسن» يعنى: جعلها بين الهمزة والياء.
ولم يذكر الشيخ إلا جعلها بين الهمزة والياء خاصة، والله [سبحانه أعلى] (1)
وأعلم.
وقول الحافظ: «والتسهيل لإحدى الهمزتين فى هذا الباب إنما يكون فى حال الوصل».
يريد: إذا وقفت على الكلمة الأولى، وبدأت بالثانية حققت الأولى لكل من سهلها فى الوصل أو حققها، إلا لحمزة وهشام فإنهما يسهلانها فى الوقف.
وأما الهمزة الثانية فلا خلاف فى تحقيقها فى الابتداء.
وقوله: «لكون التلاصق فيه».
«الكون» هنا بمعنى الوجود والحصول، وعند حصول الهمزتين المتلاصقتين فى
__________
وأما سيبويه والخليل فيقولان: السفهاء، ولا يجعلان الهمزة الثانية واوا خالصة، وفى قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمََاءِ} [الملك: 16]، ياء خالصة، والله أعلم.
ينظر لسان العرب (1/ 23).
(1) سقط فى ب.(1/368)
اللفظ يتضاعف الثقل فاحتيج إلى التسهيل طلبا للتخفيف.
وقوله: «وحكم تسهيل الهمزة فى البابين».
يريد فى هذا الباب، والباب الذى قبله أن تجعل بين الهمزة، وبين الحرف الذى منه حركتها».
هذا القول يقتضى أن يكون فى {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] وبابه، فى قراءة ورش بين الهمزة والألف لأنها مفتوحة بعد فتحة، وقد تقدم القول فيه.
وقوله: «ما لم ينفتح أو ينكسر ما قبلها».
يريد نحو {مِنَ الْمََاءِ أَوْ} [الأعراف: 50] وهو القسم الرابع.
قال: «أو ينضم».
يريد نحو {السُّفَهََاءُ أَلََا} [البقرة: 13] وهو القسم الثالث.
وكلامه إلى آخر الباب بين، وقد مر بيان مقتضاه، والله تعالى أعلم.
باب ذكر الهمزة المفردة
اعلم أن مذاهب القراء فى الهمزة المفردة على الجملة أربعة:
الأول: تحقيق الهمزات كلها فى الوصل وتسهيلها فى الوقف، وهو مذهب حمزة، ويوافقه هشام فى الهمزة المتطرفة، على ما يأتى بحول الله تعالى.
الثانى: تحقيق بعض الهمزات فى الحالين وتسهيل بعضها فى الحالين، وهو مذهب ورش، وأبى عمرو فى بعض الهمزات السواكن.
الثالث: تحقيق بعض الهمزات المتحركات فى الابتداء، وتسهيلها فى الوصل، وهو مذهب اختص به ورش.
الرابع: تحقيق جميع الهمزات فى الحالين، وهو مذهب الباقين من القراء، إلا مواضع قليلة يسهلها بعضهم، حسبما هو مذكور فى فرش الحروف.
قال الحافظ رحمه الله «اعلم أن ورشا كان يسهل الهمزة المفردة سواء سكنت أو تحركت إذا كانت فى موضع الفاء من الفعل».
اعلم أن الهمزة المفردة تنقسم إلى متحركة وساكنة.
أما الساكنة فتكون فاء وعينا ولاما.
فإذا كانت فاء فورش يسهلها فى جميع القرآن إلا فى أصل واحد وهو ما تصرف
من لفظ «المأوى» نحو {مَأْوََاكُمُ} و {مَأْوََاهُمُ} و {فَأْوُوا} و {وَتُؤْوِي} و {تُؤْوِيهِ}
حيث وقع، فإنه يحقق همزه وما عدا هذا الأصل فإنه يبدله بعد الفتحة ألفا نحو {تَأْلَمُونَ} و {يَأْلَمُونَ} و {مَأْمَنَهُ} و {اسْتَأْذَنَكَ} و {يَسْتَأْخِرُونَ}
و {الْمُسْتَأْخِرِينَ} و {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلََاةِ}، وياء بعد الكسرة نحو (الذى ايتمن) و {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} وواوا بعد الضمة نحو {يُؤْمِنَّ} و {يُؤْثِرُونَ}
و {الْمُؤْتُونَ} وكذلك {اؤْتُمِنَ} إذا ابتدأ به.(1/369)
فإذا كانت فاء فورش يسهلها فى جميع القرآن إلا فى أصل واحد وهو ما تصرف
من لفظ «المأوى» نحو {مَأْوََاكُمُ} و {مَأْوََاهُمُ} و {فَأْوُوا} و {وَتُؤْوِي} و {تُؤْوِيهِ}
حيث وقع، فإنه يحقق همزه وما عدا هذا الأصل فإنه يبدله بعد الفتحة ألفا نحو {تَأْلَمُونَ} و {يَأْلَمُونَ} و {مَأْمَنَهُ} و {اسْتَأْذَنَكَ} و {يَسْتَأْخِرُونَ}
و {الْمُسْتَأْخِرِينَ} و {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلََاةِ}، وياء بعد الكسرة نحو (الذى ايتمن) و {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} وواوا بعد الضمة نحو {يُؤْمِنَّ} و {يُؤْثِرُونَ}
و {الْمُؤْتُونَ} وكذلك {اؤْتُمِنَ} إذا ابتدأ به.
فإذا كانت الهمزة الساكنة عينا فإنه يحققها أبدا إلا فى «بير» و «الذيب» {وَبِئْسَ}
و {بِعَذََابٍ بَئِيسٍ} حيث وقع.
وكذلك إن كانت لاما حققها أبدا.
وأما الهمزة المتحركة فإنه لا يسهلها إلا بأربعة شروط:
الأول: أن تكون فاء الكلمة.
الثانى: أن تكون مفتوحة.
الثالث: أن يكون قبلها ضمة.
الرابع: أن تكون الضمة فى حرف زائد حاصل فى بنية الكلمة.
وجملته فى القرآن ثلاثة أسماء، ومضارع أفعال، فالأسماء: {مُؤَذِّنٌ}
[الأعراف: 44] و {مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] و {الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:
60]، والأفعال: {يُؤَيِّدُ} [آل عمران: 13] و {يُؤَلِّفُ} [النور: 43] و {يَؤُدُهُ} [آل عمران: 75] كيفما جاء، و {يُؤَخِّرَ} [المنافقون: 11] كيفما جاء أيضا لا غير.
فإن كانت الهمزة المتحركة عينا لم يسهلها نحو {وَالْفُؤََادَ} [الإسراء: 36] إلا ما كان من لفظة {أَرَأَيْتَ} [الكهف: 63] فإنه يجعلها بين الهمزة والألف، وكذلك إن كانت لاما لم يسهلها إلا فى موضعين:
أحدهما: (النسيّ) فإنه يبدل من الهمزة ياء، ويدغم ما قبلها فيها.
والثانى: (ردا)، فإنه ينقل الحركة إلى الدال كما هو مذكور فى سورة القصص.
وافقه قالون فى هذا الحرف الأخير وفى {أَرَأَيْتَ} على التسهيل.
فإذا عرفت هذا: فاعلم أن إطلاق الحافظ التسهيل على الهمزة الساكنة الواقعة فى موضع الفاء حسن لأنها تسهل كما قال فى باب الإيواء كما تقدم.
وأما إطلاقه فى المتحركة فكان ينبغى له ألا يفعل لأن الذى يسهل منها يسير،
وهو ما ذكرته لك.(1/370)
وأما إطلاقه فى المتحركة فكان ينبغى له ألا يفعل لأن الذى يسهل منها يسير،
وهو ما ذكرته لك.
ألا ترى أنه دخل عليه كل همزة هى فاء الكلمة سواء كانت مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة، وسواء كانت بعد ضمة من نفس الكلمة كما ذكرت لك أو لم تكن نحو {آمَنَ} [البقرة: 13] و {فَأَخَذَهُمْ} [الحاقة: 10] و {أَجَلٌ} [الأنعام: 60] و {بِأَمْرِنََا}
[الأنبياء: 73] و {مَآرِبُ} [طه: 18] و {لَبِإِمََامٍ} [الحجر: 79] و {أُخِذُوا}
[الأحزاب: 61] و {أُمِرُوا} [البينة: 5] و {أُحِلَّتْ} [النساء: 160] إلى غير ذلك، وإخراج القليل بالاستثناء وإبقاء الكثير أولى من العكس، والله تعالى أعلم.
وذكر الحافظ فى المتحركة {لََا تُؤََاخِذْنََا} [البقرة: 286]، وقد ذكر فى «إيجاز البيان» أنه من «واخذ»، وقد تقدم هذا فى باب المد إذا كانت الهمزة قبل حرف المد، فعلى هذا لا يكون «يواخذ» من هذا الباب فلا يحتاج أن يذكره فيما يسهّل ورش، بل كان ينبغى أن ينبه على أن أصله فى قراءة ورش الواو، والله عز وجل أعلم.
وقوله: «واستثنى من الساكنة كذا».
قد تقدم، وهو استثناء الأقل وإبقاء الأكثر، وهو حسن.
وقوله: «ومن المتحركة كذا».
فيه من استثناء الأكثر وإبقاء الأقل كما تقدم.
وامتنع تسهيل هذه الحركة بين الهمزة والألف وإن كانت مفتوحة لأجل الضمة التى قبلها على ما تقدم فى الباب قبل هذا ولزم إبدالها واوا خالصة لذلك، وكتبت بالواو رعيا للتسهيل.
وقوله: «والباقون يحققون الهمزة فى ذلك كله».
ليس هذا على إطلاقه لأن أبا عمرو يسهل كل ما ذكر من الهمزات السواكن، وحمزة إذا وقف يسهل كل ما ذكر من الساكنة والمتحركة.
وقوله: «ولأبى عمرو وحمزة وهشام مذاهب أذكرها بعد».
ليس فيه بيان ولا إشعار بأنهما يسهلان شيئا من هذا الباب بل الذى يسبق إلى الفهم أن مذاهبهما منصرفة إلى غير ما ذكره فى هذا الباب بدليل قوله قبل: «والباقون يحققون الهمزة فى ذلك كله» فكان الوجه أن يقول بإثر قوله: «فى ذلك كله»: إلا ما نذكره من مذهب أبى عمرو وحمزة، والله تعالى أعلم وأحكم.(1/371)
ليس فيه بيان ولا إشعار بأنهما يسهلان شيئا من هذا الباب بل الذى يسبق إلى الفهم أن مذاهبهما منصرفة إلى غير ما ذكره فى هذا الباب بدليل قوله قبل: «والباقون يحققون الهمزة فى ذلك كله» فكان الوجه أن يقول بإثر قوله: «فى ذلك كله»: إلا ما نذكره من مذهب أبى عمرو وحمزة، والله تعالى أعلم وأحكم.
فصل
قال الحافظ: «وسهل ورش الهمزة فى (بيس)، و (بيسما) و (البير) و (الذيب) و (ليلّا) فى جميع القرآن».
إنما فصل هذه الكلمات لأنه تكلم أولا فى الهمزة التى هى فاء الكلمة، والهمزة فى هذه الألفاظ «عين» إلا فى (ليلّا) فإنها همزة «أن» الخفيفة وهى حرف من حروف المعانى، والحروف لا توزن، والتسهيل فى هذه الكلمات بإبدال الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، كما أبدلت فيما تقدم بحسب حركات ما قبلها.
وجميع ما فى القرآن من (ليلّا) ثلاثة مواضع:
أحدها: فى البقرة (ليلّا يكون للنّاس عليكم حجّة) [الآية: 150].
والثانى: فى النساء (ليلّا يكون للنّاس على الله حجّة) [الآية: 165].
والثالث: فى الحديد (ليلّا يعلم أهل الكتاب) [الآية: 29].
ولم يذكر فى هذا الموضع (بعذاب بييس) الذى فى آخر الأعراف [الآية: 165]، وسيذكره فى فرش الحروف بما فيه من الخلاف، ولو نبه عليه أنه سيذكره فى موضعه لكان حسنا كما فعل فى الباب بعد هذا لما ذكر (آلئن) و {عََاداً الْأُولى ََ}. اتفق ورش وقالون على تسهيله بالبدل.
فأما قوله تعالى (ليهب لك) فى سورة «كهيعص» [19] فى قراءة ورش ومن وافقه فليس من باب التسهيل، وإنما الياء حرف مضارعة على قصد الإخبار عن الغائب.
كما أن من قرأ بالهمز قصد الإخبار عن المتكلم، وذكر الحافظ موافقة الكسائى على التسهيل [فى] {الذِّئْبُ} ولم يسهل من الساكنة غيره.
وأما المتحركات فيسهل منها همزتين:
إحداهما: الهمزة فى الأمر من «سأل» بعد الفاء والواو، نحو (وسلوا الله من فضله) [النساء: 32] و (فسلوا أهل الذكر) [النحل: 43] و (وسل من أرسلنا من قبلك) [الزخرف: 45] أسقط الهمزة، وجعل حركتها على السين مثل ما فعل ابن كثير كما يأتى فى النساء.
والثانية: الهمزة فى «رأيت»، إذا دخلت على الكلمة ألف الاستفهام أسقطها كما هو مذكور فى سورة الأنعام.
قال الحافظ رحمه الله: «والباقون يحققون الهمزة فى ذلك كله حيث وقع».(1/372)
والثانية: الهمزة فى «رأيت»، إذا دخلت على الكلمة ألف الاستفهام أسقطها كما هو مذكور فى سورة الأنعام.
قال الحافظ رحمه الله: «والباقون يحققون الهمزة فى ذلك كله حيث وقع».
يريد فى هذه الألفاظ الخمسة التى ذكر فى هذا الفصل، وكان ينبغى أن يقول: إلا ما يذكر عن أبى عمرو وحمزة، والله تعالى جلاله أعلم.
والشيخ والإمام يوافقان الحافظ على كل ما فى هذا الباب، والحمد لله وحده.(1/373)
والشيخ والإمام يوافقان الحافظ على كل ما فى هذا الباب، والحمد لله وحده.
باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها
اعلم أن هذا الباب أصل من أصول قراءة ورش، ومن شرطه: أن تكون الهمزة همزة قطع، وأن تكون أول الكلمة، سواء كانت الكلمة اسما، أو فعلا، أو حرفا، وأن يكون الساكن آخر الكلمة التى قبل الهمزة غير حرف مد، وغير ميم الجمع، وغير هاء السكت.
أما حروف المد، فقد تقدم أنها إذا لقيت الهمزات يزاد فى مدها نحو {يََا إِبْرََاهِيمُ}
[هود: 76] و {فِي آيََاتِنََا} و {قُوا أَنْفُسَكُمْ}.
وأما ميم الجمع، فقد تقدم أن ورشا يضمها ويصلها بواو إذا وقع بعدها همزة القطع، وكان ينبغى أن ينبه الحافظ عليه فى هذا الباب كما نبه على حروف المد، لكنه ترك ذلك اتكالا على أنه مفهوم مما تقدم.
وأما هاء السكت (1) فلم تلق الهمزة فى القرآن إلا فى قوله تعالى: {كِتََابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ}
__________
(1) هى هاء تأتى فى حال الوقف لبيان الحركة، أو الحرف الذى قبلها، نحو دخولها بعد ألف الندبة لبيان الألف فى قولك: وا زيداه، ونحو: {سُلْطََانِيَهْ} [الحاقة: 29]، و {كِتََابِيَهْ}
[الحاقة: 19]، و {حِسََابِيَهْ} [الحاقة: 20]، و {مََالِيَهْ} [الحاقة: 28] لبيان الياء. ولبيان الحركة كقوله تعالى: {فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، وقوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:
259]، ونحو قول الشاعر:
إذا ما ترعرع فينا الغلام ... فما إن يقال له من هوه
إذا لم يسد قبل شدّ الإزار ... فذلك فينا الذى لا هوه
ولى صاحب من بنى الشيصبان ... فطورا أقول وطورا هوه
وتسمى أيضا هاء الاستراحة، وقد تثبت فى الوصل على نية الوقف، كقراءة غير حمزة والكسائى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} [البقرة: 259]، {فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] قيل بإثبات هاء السكت فى الدرج.
ينظر مصابيح المغانى (500، 501).
وجاء فى الجنى الدانى: هاء السكت هى هاء تلحق وقفا، لبيان الحركة. وإنما تلحق بعد حركة بناء لا تشبه حركة الإعراب، نحو: هوه، وهيه، وماليه، وله.
وتلحق أيضا بعد ألف الندبة، ونحوها كقولك: وا زيداه. ولا تثبت وصلا، إلا فى ضرورة شعر، وإنما أثبتها القراء وصلا، فى بعض المواضع اتباعا لرسم المصحف.
ولحاق هذه الهاء ليس بواجب إلا فى موضعين:
أحدهما: ما بقى من الأفعال المعتلة على أصل واحد، نحو: عه، ولم يعه.
والثانى: (ما) الاستفهامية، إذا جرت بإضافة اسم، نحو: قراءة مه؟
ينظر: الجنى الدانى (152).(1/374)
فى الحاقة [2019].
والمختار فيه تحقيق الهمزة، وقد حكى فيها النقل، وقسم الحافظ الحرف الساكن الذى تنقل إليه حركة الهمزة ثلاثة أقسام:
أحدها: التنوين.
والثانى: لام التعريف.
والثالث: سائر الحروف.
وإنما فعل هذا لأنه رأى أن التنوين زائد على الكلمة يسقط فى الوقف وعند الإضافة، ومع الألف واللام فنبه على أنه فى هذا الباب بمنزلة الساكن غير الزائد فتنقل إليه الحركة، كما تنقل إلى غيره، ولا يحذف مع الهمزة كما يحذف فيما ذكره.
وجعل التعريف أيضا قسما على حدته لأن لام التعريف تكتب موصولة بما دخلت عليه، فهى مع ما دخلت عليه بمنزلة كلمة واحدة.
ألا ترى إلى كونها تقع بين العامل والمعمول فتقول: مررت بالرجل وكتبت بالقلم، فتفصل بين حرف الجر والاسم المجرور مع شدة اتصال حرف الجر بما دخل عليه؟! وأصل النقل فى هذا الباب: ألا يكون فى كلمة واحدة، فنبه على أن لام التعريف وإن اشتد اتصاله بما دخل عليه ولكنه مع ذلك فى حكم المنفصل الذى ينقل إليه، ولم يستوجب له اتصاله فى الخط أن يصير بمنزلة ما هو من نفس البنية بدليل أنك إذا أسقطته لم يختل معنى الكلمة، وإنما يزول بزواله المعنى الذى دخل بسببه خاصة وهو التعريف.
ونظير النقل إلى لام التعريف إبقاء لحكم الانفصال عليه، وإن كان متصلا فى الخط: ما روى من سكت حمزة على هذا اللام إذا وقعت بعده همزة كما يسكت على سائر السواكن المنفصلة نحو {مَنْ آمَنَ} [البقرة: 253] و {قَدْ أَفْلَحَ}
[المؤمنون: 1]، كما يأتى فى موضعه، بحول الله تعالى.
واعلم أن الأصل فى حروف المعانى: أن تكون مفصولة فى الخط مما دخلت عليه.
وهذا مطرد فيها إذا كانت الكلمة مركبة من حرفين فصاعدا لأنها إذ ذاك يكون
لها مبدأ ومقطع، فيمكن النطق بها متحركة الأول ساكنة الآخر.(1/375)
وهذا مطرد فيها إذا كانت الكلمة مركبة من حرفين فصاعدا لأنها إذ ذاك يكون
لها مبدأ ومقطع، فيمكن النطق بها متحركة الأول ساكنة الآخر.
فأما إذا كان الحرف الذى للمعنى حرفا واحدا من حروف التهجى، فإنه يكتب موصولا بما بعده فى الخط إذا كان مما يقبل الاتصال بما بعده ك «باء الجر» و «كاف التشبيه» و «فاء العطف» وكذلك «لام التعريف».
أما إذا كان مما لا يقبل الاتصال ك «ألف الاستفهام» و «واو العطف» فلا يكتب إلا مفصولا فى الخط، وإن كان فى حكم المتصل، كما إذا وقع شىء من ذلك فى أثناء الكلمة الواحدة نحو «دروع» و «ورود».
وإنما كتب ما ذكرته من الحروف موصولا فى الخط لأن الخط تابع للفظ، فإذا كانت الكلمة حرفا واحدا من حروف التهجى لم يمكن أن تبدأ بها وتقف عليها لأنه يلزم من الابتداء بها تحريكها، ومن الوقف عليها إسكانها، ولا يمكن اجتماع الحركة والسكون فى الحرف الواحد ولهذا كان الوقف على الأمر من «وقى» و «وعى»:
«قه» و «عه»، بإثبات هاء السكت ليكون الحرف الموقوف عليه غير المبتدأ به ولهذا إذا قيل لك: الفظ بالباء من «ضرب» قلت: «به»، فتبدأ بالباء بحركتها وتلحقها هاء السكت، كما أنك إذا قيل لك: الفظ بالباء من «اضرب» قلت: «اب»، فتبدأ بهمزة الوصل وتقف على الباء بالسكون كما كانت فى «اضرب» ليكون المقطع فى جميع ذلك غير المطلع.
فإذا تقرر هذا فأقول: إذا كان حرف المعنى حرفا واحدا من حروف التهجى فليس بمستقل كما تقدم، فلزم اتصاله بما سبق من أجله وهو ما وقع بعده لأن الحرف إنما يدل فى الأكثر على معنى فيما بعده فصار حرف المعنى لذلك مع ما بعده كالكلمة الواحدة.
ألا ترى أنه لا يستقل فى الدلالة على معناه على انفراده، وإنما يفهم معناه إذا ذكرته مع ما دخل عليه فصار بمنزلة زاى «زيد» وراء «رجل» إذ لا يدل واحد منهما على معنى حتى يلتحم بما بعده وتكمل الكلمة وحينئذ يفهم المعنى ويعرف المسمى، فلما لزم هذا الالتحام بالنظر إلى المعنى مع ما تقدم من حكم اللفظ كتب موصولا بما بعده فى الخط إشعارا بذلك، ولأن الخط تابع للفظ كما تقدم.
فإذا كان الحرف مما يستقل وهو المركب من حرفين فصاعدا كتب مفصولا نحو «من» و «عن» و «فى» و «لن».
فأما «يا» فى النداء فإنما كتبت بألف واحدة نحو: «يآدم» و «يأيها» لأنهم استثقلوا تكرار الألف فحذفوا ألف «يا» تخفيفا، ولكثرة الاستعمال، وبسبب كثرة الاستعمال كتبوا «يبنى»، و «يدود» ونحوهما بغير ألف.(1/376)
فإذا كان الحرف مما يستقل وهو المركب من حرفين فصاعدا كتب مفصولا نحو «من» و «عن» و «فى» و «لن».
فأما «يا» فى النداء فإنما كتبت بألف واحدة نحو: «يآدم» و «يأيها» لأنهم استثقلوا تكرار الألف فحذفوا ألف «يا» تخفيفا، ولكثرة الاستعمال، وبسبب كثرة الاستعمال كتبوا «يبنى»، و «يدود» ونحوهما بغير ألف.
فإذا تقرر هذا: فأرجع إلى لام التعريف، فأقول: هى عند سيبويه حرف واحد من حروف التهجى، وهى اللام خاصة، وبها يحصل التعريف، وإنما الألف قبلها ألف وصل ولهذا تسقط فى الدرج فهى إذن بمنزلة باء الجر وكاف التشبيه مما هو على حرف واحد ولهذا كتبت موصولة فى الخط بما بعدها.
ويظهر من «الكتاب» أن مذهب الخليل مخالف لمذهب سيبويه رحمهما الله لأن الخليل شبهها ب «قد»، وحمل كثير من الناس كلامه على أنها عنده همزة قطع، وعضدوا هذا الظاهر بأشياء منها أنها تثبت مع تحريك اللام بحركة النقل نحو «الحمر» و «الرض»، وأنها تبدل أو تسهل بين بين مع همزة الاستفهام، كقوله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} [الأنعام: 143] و {قُلْ آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس:
59]، وأنها مقطوعة فى الاسم الأعظم فى النداء فى قولنا: يا الله.
وهذه كلها لا دليل فيها على أنها همزة قطع، ولا أيضا قول الخليل يظن منه أنها عنده همزة قطع، ولاستيفاء الرد والقبول فى هذه المسألة موضع غير هذا، ولكن نبهت هنا على بعض ما قيل فى المسألة.
وأما جعل الحافظ سائر الحروف قسما واحدا فلا إشكال فيه.
وقوله: «على مراد القطع».
يريد أنهم نووا بذلك الوقف على الهاء من {كِتََابِيَهْ} ثم الابتداء بما بعده وإن كان الكلام موصولا، وإنما احتاج إلى هذا التقدير لأن الهاء فى {كِتََابِيَهْ} هاء السكت وحقها أن تثبت فى الوقف دون الوصل، فمن وقف هنا عليها فقد أعطاها ما تستحقه من الحكم، ومن وصلها فكأنه قدر أنه وقف عليها، وهذا التقدير يشبه ما يسميه النحويون الحمل على التوهم، كقول الشاعر: [من الطويل] مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلّا ببين غرابها (1)
__________
(1) البيت للأخوص (أو الأحوص) الرياحى فى الإنصاف ص 193، والحيوان (3/ 431)، وخزانة الأدب (4/ 158، 160، 164)، وشرح شواهد الإيضاح ص (589)، وشرح شواهد المغنى ص (871)، وشرح المفصل (2/ 52)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 74)،(1/377)
بخفض: «ناعب» على توهم أنه زاد الباء بعد «ليس» فقال: ليسوا بمصلحين، ثم عطف عليه بالخفض.
ومن هذا النوع قراءة الجماعة غير أبى عمرو: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصََّالِحِينَ}
[المنافقون: 10] بجزم «أكن» حملا على موضع الفاء (1) لأنه لو لم تثبت الفاء
__________
(2/ 105)، والكتاب (1/ 165، 306)، ولسان العرب (شأم)، والمؤتلف والمختلف ص (49)، وهو للفرزدق فى الكتاب (3/ 29)، وبلا نسبة فى أسرار اللغة ص (155)، والأشباه والنظائر (2/ 347)، (4/ 313)، والخزانة (8/ 295، 554)، والخصائص (2/ 354)، وشرح الأشمونى (2/ 302)، وشرح المفصل (5/ 68)، (7/ 57)، ومغنى اللبيب ص (478)، والممتع فى التصريف ص (50).
(1) قال السمين الحلبى فى الدر المصون: {وَأَكُنْ}، قرأ أبو عمرو: (وأكون) بنصب الفعل عطفا على {فَأَصَّدَّقَ} [المنافقون: 10]، و {فَأَصَّدَّقَ} منصوب على جواب التمنى فى قوله: {لَوْلََا أَخَّرْتَنِي} [المنافقون: 10] والباقون: {وَأَكُنْ} مجزوما، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
واختلفت عبارات الناس فى ذلك:
فقال الزمخشرى: عطفا على محل {فَأَصَّدَّقَ} كأنه قيل: إن أخرتنى أصدق وأكن.
وقال ابن عطية: عطفا على الموضع لأن التقدير: إن أخرتنى أصدق وأكن، هذا مذهب أبى على الفارسى.
فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غير هذا، وهو: أنه جزم على توهم الشرط الذى دل عليه التمنى، ولا موضع هنا لأن الشرط ليس بظاهر. وإنما يعطف على الموضع حيث يظهر الشرط كقوله: {مَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَلََا هََادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [الأعراف: 186] فمن جزم عطفه على موضع {فَلََا هََادِيَ لَهُ} لأنه لو وقع موقعة فعل لانجزم. انتهى.
وهذا الذى نقله عن سيبويه هو المشهور عند النحويين.
ونظّر سيبويه ذلك بقول زهير:
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فخفض (ولا سابق) عطفا على (مدرك) الذى هو خبر (ليس) على توهم زيادة الباء فيه لأنه تذكر جر خبرها بالباء المزيدة، وهو عكس الآية الكريمة لأنه فى الآية جزم على توهم سقوط الفاء، وهنا خفض على توهم وجود الباء. ولكن الجامع توهم ما يقتضى جواز ذلك، ولكنى لا أحب هذا النمط مستعملا فى القرآن فلا يقال: جزم على التوهم لقبحه لفظا.
وقال أبو عبد الله: له فى مصحف عثمان (وأكن) بغير واو. فقد فرق الشيخ بين العطف على الموضع والعطف على التوهم بشيء، فقال: الفرق بينهما أن العامل فى العطف على الموضع موجود وأثره مفقود. والعامل فى العطف على التوهم مفقود وأثره موجود. انتهى.
قلت: مثال الأول: هذا ضارب زيد وعمرا، فهذا من العطف على الموضع، فالعامل وهو «ضارب» موجود، وأثره وهو النصب مفقود.
ومثال الثانى: ما نحن فيه فإن العامل للجزم مفقود وأثره موجود.(1/378)
لجزم «أصدق».
وعلى هذا تتخرج قراءة نافع رحمه الله: {وَمَحْيََايَ} بسكون الياء كأنه نوى الوقف عليها وإن لم يقف، وكذلك قراءة قنبل {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ} (1) [النمل: 22] بسكون الهمزة فى الوصل، ولا يجوز الوقف على هذين الموضعين لأن يبتدأ بما بعدهما لأن ما بعدهما من تمامهما إلا أن يكون الوقف لانقطاع النفس والنسيان ثم يوصل بما بعده، والله أعلم.
وقوله: «مع تخليص الساكن قبلها».
يريد مع إثباته فى اللفظ ساكنا محضا غير مشوب بشيء من الحركة ولا بإشارة بروم ولا إشمام، وذكر أنهم اختلفوا فى (آلئن) فى موضعين من سورة يونس عليه السلام [الآيتان: 51، 91]، وفى {عََاداً الْأُولى ََ} من «والنجم» [50].
وقد ورد النقل فى ثلاثة ألفاظ سوى ما ذكر هنا:
أحدها: {الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] قرأه ابن كثير بنقل حركة الهمزة إلى الراء فى الوصل والوقف.
الثانى: صيغة الأمر من «سأل» إذا كان قبله واو العطف أو فاؤه نحو
__________
وأصرح منه بيت زهير فإن الباء مفقودة وأثرها موجود، ولكن أثرها إنما ظهر فى المعطوف لا فى المعطوف عليه، وكذلك فى الآية الكريمة.
ومن ذلك أيضا بيت امرئ القيس:
فظل طهاة اللحم من بين منضج * صفيف شواء أو قدير معجّل فإنه جعلوه من العطف على التوهم، وذلك أنه توهم أنه أضاف منضج إلى صفيف، وهو لو أضافه إليه لجره فعطف «قدير» على «صفيف» بالجر توهما لجره بالإضافة.
وقرأ عبيد بن عمير: و (أكون)، برفع الفعل على الاستئناف، أى: وأنا أكون، وهذا عدة منه بالصلاح.
ينظر: الدر المصون (6/ 324323).
(1) قوله: (من سبأ)، قرأ البزى، وأبو عمرو بفتح الهمزة، جعلاه اسما للقبيلة أو البقعة، فمنعاه من الصرف للعلمية والتأنيث، وعليه قوله:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما وقرأ قنبل بسكون الهمزة، كأنه نوى الوقف وأجرى الوصل مجراه، والباقون بالجر والتنوين، جعلوه اسما للحى أو المكان، وعليه قوله:
الواردون وتيم فى ذرى سبأ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس
وهذا الخلاف جار بعينه فى «سورة سبأ».
ينظر: اللباب (15/ 138137).(1/379)
(وسل القرية) [يوسف: 82] (فسلوا أهل الذكر) [النحل: 43] حيث وقع، نقل ابن كثير والكسائى حركة الهمزة إلى السين فى الحالين.
والثالث: (ردا يصدقنى) فى القصص [34] نقل نافع حركة الهمزة إلى الدال فى الحالين، وحمزة يوافق على النقل فى هذه المواضع فى الوقف على ما يأتى فى أصله فى الوقف.
وقد استوفى الحافظ جميع ذلك فى فرش الحروف، وإنما لم يذكر هنا هذه الألفاظ الثلاثة لأن الهمزة فيها والحرف الساكن فى كلمة واحدة، بخلاف ما انعقد عليه هذا الباب، والله عز وعلا أعلم.
ومذهب الشيخ والإمام كمذهب الحافظ فى جميع ما ذكر فى الباب، والحمد الله رب العالمين.
باب مذهب أبى عمرو فى ترك الهمز
أطلق الحافظ القول بترك الهمز فى هذا الباب عن أبى عمرو وخصه فى «المفردات» برواية السوسى.
وحاصل قوله فى «جامع البيان» الإطلاق كما هو فى «التيسير».
وأنا أذكر الآن نص قوله فى «جامع البيان» لتقف عليه، ولتحصل منه أمور تقف عليها بحول الله عز وجل فقال الحافظ فى «جامع البيان» ما نصه: «اعلم أن أبا عمرو كان يترك الهمزة الساكنة سواء كانت فاء، أو عينا، أو لاما ويخلفها بالحرف الذى منه حركة ما قبلها، واختلف أصحاب اليزيدى عنه فى الحال التى يستعمل تركها فيه: فحكى أبو عمر، وعامر الموصلى (1)،
__________
(1) عامر بن عمر بن صالح، أبو الفتوح المعروف بأوقية الموصلى، مقرئ حاذق، أخذ القراءة عن اليزيدى وله عنه نسخة وعن المستنير، والمبهج، والكفاية الكبرى، والكامل العباس بن الفضل الأنصارى قاضى الموصل، قال عنه أحمد بن سمعويه: إنه قرأ على اليزيدى ختمتين باختيار أبى عمرو، روى القراءة عنه المبهج، جامع البيان، الكامل أحمد بن سمعويه والكامل أبو الحسن محمد بن السراج والمبهج، وجامع البيان، الكامل أبو العباس أحمد بن مسعود السراج وإسحاق بن حاتم الموصلى شيخ ابن مقسم، كذا قال الأهوازى، وصوابه: المبهج جامع البيان الكفاية الكبرى الكامل حاتم ابن إسحاق، ويقال: ابن إسماعيل، والله أعلم. والمبهج، جامع البيان، الكامل عيسى ابن رصاص وجامع البيان الكامل على العينزربى والمبهج، الكامل موسى(1/380)
وإسماعيل (1)، وإبراهيم (2) من رواية عبيد الله، وابن جعفر اليزيدى (3) عنه أن أبا عمرو كان إذا قرأ فأدرج القراءة لم يهمز كل ما كانت الهمزة فيه مجزومة مثل {يُؤْمِنُونَ} (4) [البقرة: 3] و {يَأْكُلُونَ}
[البقرة: 174] فدل هذا على أنه إذا لم يسرع فى قراءته واستعمل التحقيق همز.
__________
ابن حاتم بن جمهور والمبهج، الكامل محمد بن الحسين الموصلى وجامع البيان الحسن بن سعد الموصلى والكامل إبراهيم بن كعب. توفى سنة خمسين ومائتين.
ينظر: غاية النهاية (1/ 351350).
(1) إسماعيل بن أبى أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبى عامر، الإمام الحافظ الصدوق، أبو عبد الله الأصبحى المدنى، أخو أبى بكر عبد الحميد بن أبى أويس.
قرأ القرآن وجوده على نافع، فكان آخر تلامذته وفاة.
تلا عليه أحمد بن صالح المصرى وغيره.
وحدث عن: أبيه عبد الله وأخيه أبى بكر، وخاله مالك بن أنس، وعبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، وسلمة بن وردان صاحب أنس، وسليمان بن بلال، وإبراهيم ابن إسماعيل بن أبى حبيبة، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وعبد الرحمن ابن أبى الزناد، وعدة.
حدث عنه: البخارى ومسلم، ثم مسلم وأبو داود والترمذى والقزوينى بواسطة، وأحمد ابن صالح، وأحمد بن يوسف السلمى، وأبو محمد الدارمى.
وكان عالم أهل المدينة ومحدثهم فى زمانه على نقص فى حفظه وإتقانه، ولولا أن الشيخين احتجا به، لزحزح حديثه عن درجة الصحيح إلى درجة الحسن.
مولده فى سنة تسع وثلاثين ومائة.
ومات فى سنة ست وعشرين ومائتين، وقيل: سنة سبع فى رجب، رحمه الله بمنّه.
ينظر: سير أعلام النبلاء (10/ 395319)، والتاريخ الكبير (1/ 364)، والتاريخ الصغير (2/ 354).
(2) إبراهيم بن على بن إبراهيم، سيبخت، أبو الفتح البغدادى، نزيل مصر، ماهر مكثر، قرأ على بكار بن محمد بن بكار وابن مجاهد وعبيد الله بن أحمد بن بكير التميمى، مات بمصر سنة سبعين وثلاثمائة.
ينظر: غاية النهاية (1/ 19).
(3) أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك، اليزيدى العدوى، أبو جعفر النحوى هو وأبوه وجده.
قال الزبيدى: هو أمثل أهل بيته فى العلم، كان راوية شاعرا متفننا فى العلوم.
وقال ابن عساكر: كان من ندماء المأمون، وقدم دمشق، وتوجه غازيا للروم.
سمع جده أبا زيد الأنصارى.
وكان مقرئا روى عنه أخواه عبيد الله والفضل. ومات قبيل سنة ستين ومائتين.
وله بيت يجمع حروف المعجم، وهو:
ولقد شجتنى طفلة برزت ضحى ... كالشمس خثماء العظام بذى الغضى
ينظر: بغية الوعاة (1/ 386).
(4) أى أن أبا عمرو يبدل كل همز ساكن إلا ما كان الهمز فيه للجزم أو للأمر.(1/381)
انتهى.
قال العبد: قد حصل من هذا أن أبا عمر نقل التسهيل، وحصل من قول الحافظ:
«فدل هذا على أنه إذا لم يسرع فى قراءته، واستعمل التحقيق همز» أن قوله:
«فأدرج» معناه: فأسرع، خلافا لمن غاب عنه ذلك، فظن أن «أدرج» لا يقال بمعنى «أسرع»، وإنما يقال بمعنى «وصل»، وبنى على هذا المفهوم أن أبا عمرو إنما يسهل الهمزة الساكنة فى الوصل خاصة، فإذا وقف حققها بناء منه على أن الدرج لا يقال إلا بمعنى الوصل الذى يقابله الوقف.
قال العبد: ولست أذكر أن الدرج يقال بمعنى «الوصل»، لكن فى غير هذا الموضع.
وأما فى هذا الموضع فلو فسر الدرج بمعنى الوصل لكان ذلك خلاف الحكمة إذ الوقف موضع استراحة وتخفيف عن المتكلم، والوصل موضع عمل واجتهاد، فكيف يتناسب أن يحقق فى الوقف ويسهل فى الوصل مع ما فى تحقيق الهمزة من الثقل؟! بل مذاهب القراء فى ذلك ثلاثة:
أحدها: التحقيق فى الحالين.
والثانى: التسهيل فى الحالين كما تقدم.
والثالث: التحقيق فى الوصل والتسهيل فى الوقف، وهو مذهب حمزة وهشام.
ولم ينقل أحد عن أبى عمرو ولا غيره من أهل السبع حسب ما اشتملت عليه هذه الكتب التى نعتمد عليها التحقيق فى الوقف، والتسهيل فى الوصل، ولا يعترض هذا الكلام بما تقدم عن قالون، والبزى، وأبى عمرو فى باب الهمزتين المتفقتى الحركة من كلمتين، حيث سهلوا الهمزة الأولى فى الوصل وحققوها فى الوقف لأن ذلك باب آخر استثقلوا فيه اجتماع الهمزتين، وذلك لا يكون إلا فى الوصل، وإنما كلامنا هنا فى الهمزة المفردة، فتأمل هذا كله تجد الحق بحول الله، عز وجل.
ثم قال الحافظ فى «جامع البيان» ما نصه: «وحكى أبو شعيب عنه أنه كان إذا قرأ فى الصلاة لم يهمز كل ما كانت الهمزة فيه مجزومة» فدل ذلك على أنه كان إذا قرأ فى غير الصلاة سواء استعمل الحدر أو التحقيق همز.
وذكر أبو عبد الرحمن، وإبراهيم من رواية العباس، وأبو حمدون (1)، وأبو خلاد (2)، ومحمد بن شجاع (3)(1/382)
ثم قال الحافظ فى «جامع البيان» ما نصه: «وحكى أبو شعيب عنه أنه كان إذا قرأ فى الصلاة لم يهمز كل ما كانت الهمزة فيه مجزومة» فدل ذلك على أنه كان إذا قرأ فى غير الصلاة سواء استعمل الحدر أو التحقيق همز.
وذكر أبو عبد الرحمن، وإبراهيم من رواية العباس، وأبو حمدون (1)، وأبو خلاد (2)، ومحمد بن شجاع (3)
__________
(1) الطيب بن إسماعيل بن أبى تراب، أبو حمدون الذاهلى البغدادى، النقاش للخواتم، ويقال له أيضا حمدويه اللؤلئى الثقاب الفصاص، مقرئ ضابط حاذق ثقة صالح، قرأ على المستنير، الغاية، الكفاية الكبرى، الكامل إسحاق المسيبى والمستنير، الكفاية الكبرى عبد الله بن صالح العجلى وإسحاق الأزرق ويعقوب الحضرمى والمستنير، الغاية، الكفاية الكبرى يحيى بن آدم والمستنير محمد بن مسلم بن صالح العجلى فيما قاله أبو الحسن الخياط والمستنير المبهج، جامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل اليزيدى، وكان من أجل أصحابهما وأضبطهم، وروى الحروف عن المستنير، الكفاية الكبرى، الكامل سليمان بن داود الهاشمى، وحجاج بن منهال الأعور وحسين الجعفى وسليمان بن عيسى، ويقال: عرض عليه أيضا وشعيب بن حرب، وسمع المستنير، الكامل الكسائى يقرأ فضبط قراءته، قال: وسمعت الكسائى وقد قرأ علينا ختمتين ما من حرف إلا سألناه عنه، ويقال: قرأ عليه، روى القراءة عنه عرضا وسماعا المستنير، الغاية الكفاية الكبرى، الكامل الحسن بن الحسين الصواف والكامل إبراهيم بن خالد وأحمد بن الخطاب الخزاعى وإسحاق بن مخلد والمبهج، جامع البيان، الكفاية الكبرى، الكامل الحسين بن شريك والمبهج، الكامل عبد الله بن أحمد بن الهيثم البلخى المستنير، الكفاية الكبرى الفضل بن مخلد والخضر بن الهيثم بن جابر الطوسى والكامل القاسم بن أحمد الصائغ وقاسم بن زكريا والمستنير، الكفاية الكبرى الكامل على ابن الهيثم، وفى تجريد ابن الفحام أسند رواية أبى حمدون عن الفارسى عن الحسين الفحام عن بكار عن أبى حمدون فوهم، وصوابه: بكار عن الحسن بن الحسين الصواف عن أبى حمدون، أنبأنا الحسن بن أحمد عن إبراهيم بن الفضل، أنا عبد الوهاب بن على، أنا الحافظ أبو العلاء، أنا أحمد بن على الأصبهانى، أنا أحمد بن الفضل، أنا عبد العزيز بن محمد الكسائى، أنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن يوسف البغدادى، حدثنى أبو عبد الله بن شريك، ثنا أبو حمدون الطيب بن إسماعيل قال: كنت ليلة من الليالى فى روزنتى فحملتنى عينى، فرأيت نورا قد تلبب بى وهو يقول: حسيبك الله، بينى وبينك الله، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الذى أدغمتنى، قال: فانتبهت وقلت: ما عدت أدغم حرفا يجوز إظهاره. وأخبر أيضا أنه قرأ على حسين القرآن كل يوم آية، قال: وختمته عليه فى خمس عشرة سنة. مات فى حدود سنة أربعين ومائتين فيما أظن، والله أعلم. ينظر غاية النهاية (1/ 344343).
(2) سليمان بن خلاد، وقال أبو الفضل الرازى سليم بن خلاد، وقيل سليمان بن خالد، والأول هو الصحيح. أبو خلاد النحوى السامرى المؤدب، صدوق مصدر، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن اليزيدى، وله عنه نسخة وإسماعيل بن جعفر، روى القراءة عنه القاسم بن محمد بن بشار والتيسير، المستنير، الكفاية الكبرى، الكامل محمد بن أحمد بن قطن والمستنير، الكفاية الكبرى على بن أحمد بن مروان وبكر بن أحمد السراويلى وأحمد ابن حمدان الفرائضى ومحمد بن أحمد بن شنبوذ، مات سنة إحدى وستين ومائتين.
تنظر ترجمته فى غاية النهاية (1/ 313).
(3) محمد بن شجاع أبو عبد الله، الثلجى البغدادى، الفقيه الحنفى، عالم صالح مشهور متكلم(1/383)
وأحمد بن حرب (1) عن الدورى، عنه أن أبا عمرو كان إذا قرأ لم يهمز ما كانت الهمزة فيه مجزومة فدل قولهم على أنه كان لا يهمز على كل حال فى صلاة أو غيرها، وفى حدر أو تحقيق.
ودل أيضا قول جميعهم على أنه كان يترك كل همزة ساكنة حيث حلت، وأى حرف كانت من حروف الاسم والفعل، وبذلك قرأت على شيخنا أبى الفتح عن قراءته على أبى الحسن بن عبد الباقى بن الحسن، عن أصحابه، عن اليزيدى، وعن شجاع، عن أبى عمرو، ولم يستثن لى من ذلك شيئا فى رواية اليزيدى، واستثنى لى فى رواية شجاع:
من الأسماء {الْبَأْسِ} [البقرة: 177] و {الْبَأْسََاءِ} [البقرة: 177]، و {الرَّأْسُ}
[مريم: 4] و {رَأْسِهِ} [يوسف: 41] و {وَكَأْسٍ} [الواقعة: 18] و {كَأْساً}
__________
فيه من جهة اعتقاده، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن جامع البيان أبى محمد اليزيدى عن أبى عمرو وله عنه نسخة، وروى الحروف عن يحيى بن آدم عن حسين الجعفى عن أبى بكر عن عاصم، وتفقه على الحسن بن زياد اللؤلئى، روى عنه القراءة عرضا أبو جعفر محمد ابن على بن إسحاق القرشى، وروى الحروف عنه أبو أيوب سليمان بن داود الرقى وجامع البيان عبد الوهاب بن أبى حية وعبيد الله بن إبراهيم العمرى، قال ابن عدى: كان يضع أحاديث فى التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك، وكان ينال من أحمد وأصحابه وينتقص الشافعى، وكتب فى وصيته: لا يعطى من ثلثى إلا من قال: القرآن مخلوق. قال ابن الجزرى: لما حضرته الوفاة رجع عن ذلك كله، وذكر مناقبهم، ومات يوم عرفة وهو ساجد فى آخر سجدة من صلاة العصر سنة أربع وستين ومائتين، وقيل: سنة ست وستين فى عاشر الحجة، فلعل ذلك كان دليل قبول توبته، عفا الله عنا وعنه ورحمنا.
ينظر: غاية النهاية (2/ 153152) وأخبار أبى حنيفة وأصحابه (157) تاريخ بغداد (5/ 350) طبقات الفقهاء للشيرازى (140)، تهذيب التهذيب (9/ 220) شذرات الذهب (2/ 151) الفوائد البهية (1/ 171) هدية العارفين (2/ 17).
(1) أحمد بن حرب بن غيلان، أبو جعفر المعدل البصرى، مقرئ معروف، روى القراءة عرضا عن المستنير، المبهج، الكامل الدورى وأبى أيوب الخياط وأبى حاتم، روى القراءة عنه عرضا المستنير، الكامل مدين بن شعيب والمبهج، الكامل أبو العباس المطوعى والكامل ابن خليع، قال الخزاعى: إن المطوعى قرأ عليه سنة ثلاثمائة، وقال الحافظ بن زبر فى وفياته: توفى أحمد بن حرب سنة إحدى وثلاثمائة قال ابن الجزرى: وليس هذا بالمعدل الذى هو أحمد بن حرب بن مسمع، ذاك بغدادى يكنى أبا جعفر أيضا، توفى سنة أربع وسبعين ومائتين، وقيل: سنة خمس روى عن عفان بن مسلم وغيره، وروى عنه المحاملى وغيره، وكان ثقة يعد من القراء أيضا، وليس أيضا بالمعدل الذى قرأ على محمد بن وهب وأبى الزعراء كما توهمه ابن سوار فإن ذاك محمد بن يعقوب.
ينظر: غاية النهاية (1/ 45) وشذرات الذهب (2/ 95).(1/384)
[الإنسان: 17] و {الضَّأْنِ} [الأنعام: 143] و {شَأْنٌ} [عبس: 37] قال:
واختلف عنه فى {الذِّئْبُ} [يوسف: 14] ومن الفعل قوله: (لا يألتكم) فى الحجرات [الآية: 14] لا غير، فأخذ ذلك علىّ بالهمز، وعلى ذلك أهل الأداء، عن شجاع. انتهى ما حكيته عن الحافظ فى «جامع البيان».
وأرجع الآن إلى كلامه فى «التيسير» فأقول: أطلق الحافظ رحمه الله القول فى «التيسير» عن أبى عمرو، وقد حصل مما تقدم أنه مروى من الطريقين.
وافقه الشيخ فى «التبصرة» على ذلك، وخصه الإمام برواية السوسى، وعول الحافظ فى «التيسير» على استعمال ذلك إذا قرأ فى الصلاة أو أدرج القراءة أو قرأ بالإدغام الكبير.
وقيد الشيخ والإمام بما إذا أدرج القراءة، أو قرأ فى الصلاة خاصة، ولم أقف لهما على بيان فى ذلك إذا قرأ بالإدغام الكبير، غير أن أبا جعفر بن الباذش رحمه الله ذكر فى باب الإدغام من كتاب «الإقناع» أن شريحا يجيز الهمز مع الإدغام.
ونص كلامه: «قال أبو على الأهوازى (1): ما رأيت أحدا ممن قرأت عليه يأخذ
__________
(1) هو أبو على، الحسن بن على بن إبراهيم بن يزداد بن هرمز الأهوازى، نزيل دمشق.
ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وزعم أنه على على بن الحسين الغضائرى مجهول لا يوثق به، ادعى أنه قرأ على الأشنانى، والقاسم المطرز وذكر أنه تلا لقالون فى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة بالأهواز على محمد بن محمد بن فيروز، عن الحسن ابن الحباب، وأنه قرأ على شيخ، عن أبى بكر بن سيف، وعلى الشنبوذى، وأبى حفص الكتانى، وجماعة، قبل التسعين وثلاثمائة.
وسمع من نصر بن أحمد المرجى، صاحب أبى يعلى، ومن المعافى الجريرى، والكتانى، وعدة.
ولحق بدمشق عبد الوهاب الكلابى، وأنه سمع بمصر من أبى مسلم الكاتب، ويروى العالى والنازل، وخطه ردئ الوضع، جمع سيرة لمعاوية، و (مسندا) فى بضعة عشر جزءا، حشاه بالأباطيل السمجة.
تلا عليه: الهذلى، وغلام الهراس، وأحمد بن أبى الأشعث السمرقندى، وأبو الحسن المصينى، وعتيق الردائى، وأبو الوحش سبيع بن قيراط، وخلق.
وحدث عنه: الخطيب، والكتانى، والفقيه نصر المقدسى، وأبو طاهر الحنائى، وأبو القاسم النسيب ووثقه، وبالإجازة أبو سعد بن الطيورى.
توفى أبو علي سامحه الله فى رابع ذى الحجة سنة ست وأربعين وأربعمائة. ينظر:
سير أعلام النبلاء (18/ 1813)، وشذرات الذهب (3/ 274)، ومعرفة القراء (1/ 322)، واللباب (1/ 95) غاية النهاية (1/ 220).(1/385)
عنه بالهمز مع الإدغام. والناس على ما ذكر الأهوازى إلا أن شريح بن محمد أجاز لى الإدغام مع الهمز، وما سمعت ذلك من غيره». انتهى كلام ابن الباذش.
قال العبد: إن كان هذا الذى أجاز شريح مما نقله عن أبيه (1)، أمكن أن يقال:
إنما لم يقيد ترك الهمز بالإدغام الكبير لجواز الهمز فيه عنده، والله جل وعلا أعلم.
وذكر الحافظ من الأمثلة: {يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 3]، و {يُؤْلُونَ} [البقرة: 226]، و {وَالْمُؤْتَفِكََاتِ} [التوبة: 70] والهمزة فى هذه الثلاثة فاء الكلمة.
وذكر {بِئْسَ} [هود: 99] و {بِئْسَمَا} [البقرة: 90] و {الذِّئْبُ} [يوسف: 14] و «البئر» و {الرُّؤْيَا} [الإسراء: 60] و {رُؤْيََاكَ} [يوسف: 5] و {كَدَأْبِ} والهمزة فى هذه الأمثلة عين الكلمة، وذكر {جِئْتَ} [البقرة: 71] و {جِئْتُمْ} [يونس: 81] و {شِئْتُمْ} [البقرة: 58] و {شِئْنََا} [الأعراف: 176] و {فَادََّارَأْتُمْ} [البقرة: 72] و {اطْمَأْنَنْتُمْ} والهمزة فى هذه الأمثلة لام الكلمة.
ثم قال: «إلا أن يكون سكون الهمزة للجزم نحو كذا، وجملته تسعة عشر موضعا».
اعلم أن هذه المواضع التسعة عشر منها عشرة {يَشَأْ} بالياء المعجمة من أسفل:
الأول: فى النساء {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النََّاسُ} [الآية: 133].
والثانى، والثالث، والرابع: فى الأنعام: {مَنْ يَشَأِ اللََّهُ يُضْلِلْهُ} [الآية: 39] و {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ} [الآية: 39] و {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ} [الآية: 133].
والخامس: فى سورة إبراهيم عليه السلام {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} [الآية: 19].
والسادس، والسابع: فى الإسراء {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الآية: 54].
والثامن: فى فاطر {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} [الآية: 16].
والتاسع، والعاشر فى الشورى {فَإِنْ يَشَإِ اللََّهُ يَخْتِمْ} [الآية: 24] و {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [الآية: 33].
ومنها ثلاثة {نَشَأْ} بالنون:
الأول: فى الشعراء {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ} [الآية: 4].
__________
(1) فى ب: ابنه.(1/386)
والثانى: فى سبأ {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ} [الآية: 9].
والثالث: فى «يس» {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} [الآية: 43].
ومنها ثلاثة «تسؤ»:
الأول: فى آل عمران {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [الآية: 120].
والثانى: فى المائدة {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [الآية: 101].
الثالث: فى التوبة {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [الآية: 50].
فهذه ستة عشر موضعا.
والموضع السابع عشر: (أو ننسئها) فى البقرة [الآية: 106].
والثامن عشر: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ} فى الكهف [الآية: 16].
والتاسع عشر: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} فى النجم [الآية: 36].
واعلم أن هذه المواضع قد اشتملت على قوله تعالى {مَنْ يَشَأِ اللََّهُ يُضْلِلْهُ} فى الأنعام [الآية: 39]، و {فَإِنْ يَشَإِ اللََّهُ يَخْتِمْ} فى الشورى [الآية: 24]، وهذان الموضعان من أبين الدلائل على صحة ما تقدم، من كون أبى عمرو يسهل الهمزة فى هذا الباب فى الوصل والوقف، وأن قول من زعم أنه يسهلها فى الوصل دون الوقف غلط.
ووجه الاستدلال: أن الهمزة فى هذين الموضعين محركة فى الوصل لالتقاء الساكنين، وإنما تسكن فى الوقف، فلو كان أبو عمرو يخص تسهيل الهمزة الساكنة بالوصل لم يكن لذكر هذين الموضعين فيما يستثنى له من ذلك وجه إذ لا وجه لاستثنائهما بالنظر إلى الوصل لكونهما فيه متحركتين، وهو لا يسهل المتحركة، ولا وجه أيضا لاستثنائهما بالنظر إلى الوقف، إذ التسهيل على زعم هذا القائل مخصوص بالوصل، وقد نص ابن شريح رحمه الله تعالى على هذه المواضع حرفا حرفا، وذكر فيها هذين الموضعين فليس لقائل أن يقول: ولعل هذين الموضعين غير داخلين فى العدد المذكور، ومع هذا فلا يتم العدد المذكور إلا بهذين الموضعين إذ ليس فى القرآن فعل مجزوم وآخره همزة سوى ما تقدم، وإنما ذكرت هنا ذكر ابن شريح لهذين الموضعين فى عدد المستثنيات لأن صاحب هذه المقالة المردودة يعتصم بمذهب ابن شريح، ويزعم أن كلام ابن شريح يدل على أن أبا عمرو لا يسهل الهمزة الساكنة فى الوقف، وإنما يسهلها فى الوصل، ويستدل على ذلك بمفهومات له فى كتاب «الكافى» تنزه ابن شريح رحمه الله أن تكون
خطرت بباله قط، فضلا عن أن يكون قصدها، وأضربت عن ذكرها هنا صونا للمداد والقرطاس عن استعمالهما فى الهذيان، وفيما ذكرته كفاية لأهل الهداية، والله جل جلاله المعين لمن يعتصم به ويستعين.(1/387)
ووجه الاستدلال: أن الهمزة فى هذين الموضعين محركة فى الوصل لالتقاء الساكنين، وإنما تسكن فى الوقف، فلو كان أبو عمرو يخص تسهيل الهمزة الساكنة بالوصل لم يكن لذكر هذين الموضعين فيما يستثنى له من ذلك وجه إذ لا وجه لاستثنائهما بالنظر إلى الوصل لكونهما فيه متحركتين، وهو لا يسهل المتحركة، ولا وجه أيضا لاستثنائهما بالنظر إلى الوقف، إذ التسهيل على زعم هذا القائل مخصوص بالوصل، وقد نص ابن شريح رحمه الله تعالى على هذه المواضع حرفا حرفا، وذكر فيها هذين الموضعين فليس لقائل أن يقول: ولعل هذين الموضعين غير داخلين فى العدد المذكور، ومع هذا فلا يتم العدد المذكور إلا بهذين الموضعين إذ ليس فى القرآن فعل مجزوم وآخره همزة سوى ما تقدم، وإنما ذكرت هنا ذكر ابن شريح لهذين الموضعين فى عدد المستثنيات لأن صاحب هذه المقالة المردودة يعتصم بمذهب ابن شريح، ويزعم أن كلام ابن شريح يدل على أن أبا عمرو لا يسهل الهمزة الساكنة فى الوقف، وإنما يسهلها فى الوصل، ويستدل على ذلك بمفهومات له فى كتاب «الكافى» تنزه ابن شريح رحمه الله أن تكون
خطرت بباله قط، فضلا عن أن يكون قصدها، وأضربت عن ذكرها هنا صونا للمداد والقرطاس عن استعمالهما فى الهذيان، وفيما ذكرته كفاية لأهل الهداية، والله جل جلاله المعين لمن يعتصم به ويستعين.
وأرجع إلى كلام الحافظ فى «التيسير»، قال: «أو يكون للبناء نحو كذا، وجملته أحد عشر موضعا».
اعلم أن جملة هذه المواضع الأحد عشر:
أولها فى البقرة {أَنْبِئْهُمْ} [الآية: 33].
والثانى: {نَبِّئْنََا بِتَأْوِيلِهِ} فى سورة يوسف عليه السلام [الآية: 36].
والثالث، والرابع: {نَبِّئْ عِبََادِي} و {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} فى الحجر [الآيتان: 49، 51].
والخامس: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمََاءَ} فى القمر [الآية: 28].
والسادس: {اقْرَأْ كِتََابَكَ} فى الإسراء [الآية: 14].
والسابع والثامن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} و {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} فى العلق [الآيتان: 1، 3].
والتاسع والعاشر: (أرجئه) فى الأعراف [الآية: 111] والشعراء [الآية: 36].
والحادى عشر: {وَهَيِّئْ لَنََا} فى الكهف [الآية: 10].
ثم ذكر الحافظ بعد هذا خمسة مواضع:
أحدها (تؤى) فى الأحزاب [الآية: 51].
الثانى: (تؤيه) فى المعارج [الآية: 13]، وعللهما بأن ترك الهمز فيهما أثقل من الهمز.
والثالث: {رِءْياً} فى «كهيعص» [الآية: 74]، وعلله بوقوع الالتباس بما لا يهمز.
والرابع، والخامس: {مُؤْصَدَةٌ} فى البلد [20] والهمزة [8] وعلله بأن ترك الهمز يخرج من لغة إلى لغة.
فكمل من جميع هذه المستثنيات خمسة وثلاثون موضعا، ونسب استثناءها من التسهيل، واختيار التحقيق فيها لابن مجاهد، ثم قال: «وبذلك قرأت».
يريد على بعض شيوخه لأنه قد تقدم أنه قرأ على أبى الفتح من غير استثناء.
قال: «وبه آخذ».
يريد باستثناء هذه المواضع فحصل من هذا أنه وافق ابن مجاهد فى اختياره التحقيق فى هذه المواضع.(1/388)
قال: «وبه آخذ».
يريد باستثناء هذه المواضع فحصل من هذا أنه وافق ابن مجاهد فى اختياره التحقيق فى هذه المواضع.
وقياس هذا الاستثناء فى قراءة أبى عمرو يقتضى أن يستثنيها أيضا لحمزة فى الوقف.
وأوكدها فى ذلك: المواضع الخمسة الأخيرة، ولم يستثن لحمزة شيئا من ذلك، بل نص الحافظ على أن أصحابه اختلفوا فى إدغام الحرف المبدل من الهمزة فى {رِءْياً} [مريم: 74] {تُؤْوِي} [الأحزاب: 51] و {تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] اتباعا للخط، وفى إظهاره لكون البدل عارضا.
ثم قال: «والوجهان جائزان».
وافق الشيخ والإمام الحافظ على ما تقدم من الاستثناء لأبى عمرو وتسهيل ما عداها.
وذكر الشيخ والإمام اختلاف القراءة فى رواية أبى شعيب هل تبدل الهمزة ياء فى قوله تعالى: {بََارِئِكُمْ} فى الحرفين فى البقرة [54] أم لا؟
والمختار عندهما: الهمز.
ولم يذكر الحافظ هذه المسألة فى «التيسير»، وذكرها فى «المفردات» بمثل ما ذكرها الشيخ والإمام.
تنبيه: الهمزة المتطرفة المتحركة فى الوصل نحو {إِنْ شََاءَ} [الأحزاب: 24] و {يَسْتَهْزِئُ} [البقرة: 15] و {لِكُلِّ امْرِئٍ} [عبس: 37] إذا سكنت فى الوقف فهى محققة فى قراءة أبى عمرو سواء قرأت برواية التحقيق، أو برواية التسهيل.
وفى كلام الحافظ فى آخر باب التسهيل من رواية أبى شعيب فى «المفردات» ما يدل على صحة هذا.
ولو نبه عليه فى «التيسير» لكان حسنا، والله جلت قدرته [وعلت كلمته] (1)
أعلم.
باب مذهب حمزة وهشام فى الوقف على الهمزة
دونك قانون التسهيل مجملا، ثم بحسب مسائل الباب مفصلا.
__________
(1) سقط فى ب.(1/389)
اعلم أن الهمزة تأتى فى الكلمة أولا، ووسطا، وطرفا، والتسهيل يستعمل فى المتطرفة والمتوسطة.
فأما التى فى أول الكلمة، فإن بدأت بها لم يجز تسهيلها، وإن وصلتها بما قبلها جاز فيها من التسهيل ما يجوز فى المتوسطة على ما يأتى، واعلم أن التسهيل فى هذا الباب ثلاثة أنواع:
أحدها: جعل الهمزة بين بين، أعنى بين الهمزة والحرف الذى منه حركتها.
الثانى: إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها.
الثالث: حذفها ونقل حركتها إلى ما قبلها.
فأما جعلها بين بين، فبابه أن يكون فى الهمزة المتحركة وسطا إذا كان قبلها ألف متحركة بشرط ألا تكون الهمزة مفتوحة بعد كسرة أو ضمة.
وأما إبدالها، فبابه أن يكون فى كل همزة ساكنة، وفى الهمزة المفتوحة وسطا بعد كسرة أو ضمة، وفى الهمزة المتحركة مطلقا بعد واو أو ياء زائدتين للمد، وفى الهمزة المتحركة طرفا بعد حركة.
وأما الحذف ونقل الحركة، فبابه أن يكون فى كل همزة مطلقا إذا كان قبلها حرف ساكن صحيح، أو ياء أو واو ساكنان غير زائدين، سواء كانا حرفى لين أو حرفى مد، ولم يبق من أصناف الهمز فى هذا الباب إلا المتحركة طرفا بعد الألف، وسيأتى حكمها بحول الله، تبارك وتعالى.
وأرجع إلى تفصيل هذه الأصناف بحسب ترتيب الحافظ لها فى الباب فأقول:
بدأ الحافظ رحمه الله ببيان الهمزة المتطرفة لأنها أقعد فى حكم التسهيل من جهة أن التسهيل نوع من التغيير، والتغيير بالأطراف أحق منه بالأوساط، ومع ذلك فلنقدم ما اتفق عليه حمزة وهشام.
ونعنى بالمتطرفة: ما ينقطع الصوت عليها ولا يثبت بعدها شىء من الحروف، والاحتراز بهذا من الهمزة المنصوبة المنونة نحو {سَيِّئاً} [التوبة: 102] و {مَلْجَأً}
[التوبة: 57] و {غُثََاءً} [المؤمنون: 41] فإنه يثبت بعد الهمزة فى الوقف ألف بدل من التنوين فهى بذلك متوسطة، وكذلك الهمزة التى تكون طرف كلمة ويتصل بها ضمير نحو {وَأَبْنََاؤُكُمْ} [النساء: 11] و {أَنْشَأَكُمْ} [الأنعام: 98]، و {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهََا} [الحديد: 22]، فجميع هذا وما كان مثله الهمزة فيه متوسطة بمنزلتها فى
{سَأَلَ} [المعارج: 1]، و {اشْمَأَزَّتْ} [الزمر: 45] فافهم.(1/390)
ونعنى بالمتطرفة: ما ينقطع الصوت عليها ولا يثبت بعدها شىء من الحروف، والاحتراز بهذا من الهمزة المنصوبة المنونة نحو {سَيِّئاً} [التوبة: 102] و {مَلْجَأً}
[التوبة: 57] و {غُثََاءً} [المؤمنون: 41] فإنه يثبت بعد الهمزة فى الوقف ألف بدل من التنوين فهى بذلك متوسطة، وكذلك الهمزة التى تكون طرف كلمة ويتصل بها ضمير نحو {وَأَبْنََاؤُكُمْ} [النساء: 11] و {أَنْشَأَكُمْ} [الأنعام: 98]، و {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهََا} [الحديد: 22]، فجميع هذا وما كان مثله الهمزة فيه متوسطة بمنزلتها فى
{سَأَلَ} [المعارج: 1]، و {اشْمَأَزَّتْ} [الزمر: 45] فافهم.
قال الحافظ رحمه الله: «فإذا سهلا المضموم ما قبلها أبدلاها واوا فى حال تحريكها وسكونها».
إنما خصت الهمزة الساكنة المتطرفة بعد الضمة بإبدالها واوا فى الوقف ولم تحذف لأنه لا موجب لحذفها، ولم تجعل بين بين لأن همزة بين بين لا تكون إلا متحركة، وكلامنا هنا إنما هو فى الساكنة.
واعلم أن الهمزة الموقوف عليها إن كانت ساكنة فى الوصل فلا إشكال فى كونها ساكنة فى الوقف، مثاله قولك: (لم يسؤ)، و (لم تنو) ولم يقع فى القرآن ساكن بعد ضمة.
فأما إن كانت متحركة فى الوصل، فإنك إذا وقفت عليها تسكنها فتصير مساوية إذ ذاك لما كان ساكنا فى الوصل، ثم تبدلها واوا إيثارا للتخفيف.
و [فى] هذا النوع يمكن أن تكون فى الأصل متحركة بالضم، كقوله تعالى:
{إِنِ امْرُؤٌ} [النساء: 176] و {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ} [الرحمن: 22].
ويمكن أن تكون متحركة بالكسر، كقوله تعالى: {كَأَمْثََالِ اللُّؤْلُؤِ} [الواقعة:
23] ويمكن أن تكون متحركة بالفتح، كقولك: «رأيت اللؤلؤ». غير أنه لم تقع فى القرآن.
تنقير
قوله رحمه الله فى هذا الفصل: «أبدلاها واوا فى حال تحريكها وسكونها».
كلام خرج غير معتنى بتصحيحه إذ ليس فى القرآن همزة متطرفة ساكنة بعد ضمة، وكذا نص عليه بإثر هذا الكلام، فظهر فى كلامه تنافر، لكن يتخرج كلامه على أنه أطلق بحسب ما يقتضيه القياس فى الساكنة لو وجدت بعد الضمة، ولو أسقط التقييد بقوله: «فى حال تحريكها وسكونها»، وأتى بالمثل متصلة بقوله:
«أبدلاها واوا» ثم أتبعه بقوله: «ولم تأت فى القرآن ساكنة» لكان حسنا صحيحا، والله عز وجل أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وإذا سهلا المكسور ما قبلها أبدلاها فى الحالين».
يعنى فى حال تحريكها وسكونها، وهذا صحيح، وتعليل هذا الإبدال كتعليله بعد الضمة، فلم تحذف لعدم موجب الحذف، ولم تجعل بين بين لكونها ساكنة، وقد
وجدت الساكنة والمتحركة بعد الكسرة فى القرآن، فمن الساكنة قوله تعالى {هَيِّئْ لَنََا} [الكهف: 10] و {يُهَيِّئْ لَكُمْ} [الكهف: 16] و {نَبِّئْ عِبََادِي} [الحجر: 49]، وكذلك {مَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: 43] على قراءة حمزة فإنه يسكنها فى الوصل (1).(1/391)
يعنى فى حال تحريكها وسكونها، وهذا صحيح، وتعليل هذا الإبدال كتعليله بعد الضمة، فلم تحذف لعدم موجب الحذف، ولم تجعل بين بين لكونها ساكنة، وقد
وجدت الساكنة والمتحركة بعد الكسرة فى القرآن، فمن الساكنة قوله تعالى {هَيِّئْ لَنََا} [الكهف: 10] و {يُهَيِّئْ لَكُمْ} [الكهف: 16] و {نَبِّئْ عِبََادِي} [الحجر: 49]، وكذلك {مَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: 43] على قراءة حمزة فإنه يسكنها فى الوصل (1).
وأما المتحركة فجاءت فى القرآن مكسورة كقوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ}
[النور: 11]، و {مِنْ شََاطِئِ} [القصص: 30] ومفتوحة، كقوله تعالى: {وَإِذََا قُرِئَ} [الأعراف: 204]، و {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} [الأنعام: 10] ومضمومة، كقوله تعالى: {يُبْدِئُ} [العنكبوت: 19] و {تُبْرِئُ} [المائدة: 110] فتقف على جميع هذه الأمثلة وما أشبهها بالياء بدلا من الهمزة كما تقف فيما تقدم بالواو، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وإذا سهلا المفتوح ما قبلها أبدلاها فى الحالين ألفا».
يعنى فى حال حركتها وسكونها، وهذا أيضا صحيح على ما تقدم، والتعليل كالتعليل.
فمثالها ساكنة قوله تعالى: {اقْرَأْ} [الإسراء: 14] و {إِنْ يَشَأْ}
[النساء: 133] و {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} [النجم: 36].
وأما المتحركة فجاءت فى القرآن مفتوحة، كقوله تعالى: {أَنْشَأَ} [الأنعام:
141] و {بَدَأَ} [العنكبوت: 20] و {أَنْ لََا مَلْجَأَ} [التوبة: 118]، ومكسورة كقوله
__________
(1) قرأ الجمهور بخفض همزة (السيئ) وحمزة ووافقه الأعمش بسكونها وصلا. وقد تجرأت النحاة وغيرهم على هذه القراءة ونسبوها للحن، ونزهوا الأعمش من أن يكون قرأ بها، قالوا: وإنما وقف مسكنا فظن أنه وصل فغلط عليه.
وقد احتج لها قوم بأنه إجراء الوصل مجرى الوقف، أو أجرى المنفصل مجرى المتصل، وحسّنه كون الكسرة على حرف ثقيل بعد ياء مشددة مكسورة.
وأبو عمرو يقرأ: {إِلى ََ بََارِئِكُمْ}، {عِنْدَ بََارِئِكُمْ} [البقرة: 54] بسكون الهمزة فهذا أولى لزيادة الثقل هنا.
وروى عن ابن كثير فى غير المتواتر عنه (ومكر السأى) بهمزة ساكنة بعد السين ثم ياء مكسورة. وخرجت على أنها مقلوبة من «السيئ»، والسيئ مخفف «من السيئ» كالميت من الميّت، قال الحماسى:
ولا يجزون من حسن بسيئ ... ولا يجزون من غلظ بلين
وقد كثر فى قراءته القلب نحو: وتأيسوا، ولا يأيس.
وقرأ عبد الله شاذّا: (ومكرا سيئا)، بالتنكير وهو موافق لما قبله. وقرئ: {وَلََا يَحِيقُ}
[فاطر: 43] بضم الياء {الْمَكْرُ السَّيِّئُ} [فاطر: 43] بالنصب على أن الفاعل ضمير الله تعالى، أى: لا يحيط الله المكر السيئ إلا بأهله.
ينظر: اللباب (16/ 157155).(1/392)
تعالى: {مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ} [النمل: 22] و {مِنْ مَلْجَإٍ} [الشورى: 47] و {مِنْ حَمَإٍ} [الحجر: 26]، ومضمومة كقوله تعالى: {وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذََابَ} [النور:
8] و {وَيُسْتَهْزَأُ بِهََا} [النساء: 140] و {يَتَفَيَّؤُا ظِلََالُهُ} [النحل: 48] و {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ} [الزمر: 74] و {يُنَبَّؤُا الْإِنْسََانُ} [القيامة: 13].
قال الحافظ رحمه الله: «والرّوم والإشمام ممتنعان فى الحرف المبدل من الهمزة لكونه ساكنا محضا».
يريد فى جميع ما تقدم.
وهذا الحكم بين فيما أصله السكون فى الوصل.
فأما الهمزة التى أصلها التحريك فقد يتوهم أنه يمكن استعمال الرّوم والإشمام فيما أصله الرفع، والروم خاصة فيما أصله الكسر.
والجواب: أن الوقف بالتسهيل على هذا النحو من الهمزات ذكر فيه وجهان:
أحدهما: الإبدال كما ذكر الحافظ هنا، وكأنه مبنى على أن تكون قد سكنت فى الوقف، فلما سهلتها أبدلتها على حركة ما قبلها، فإذا كان كذلك لم يكن روم ولا إشمام لأنك إنما أبدلت من همزة ساكنة أعنى باعتبار الوقف فلم يتصور فى هذه الحروف روم ولا إشمام إذ لا أصل لها فى الحركة إذ قد عزم على أن تكون مبدلة مما حكم له فى الوقف، ومع هذا فإن هذه الحروف المبدلة لما لم تثبت فى الوصل أشبهت الهاء التى يوقف عليها بدلا من تاء التأنيث المتصلة نحو:
«الجنة» (1)، فإنهم منعوا الروم والإشمام فيها، وإن كانت مبدلة من التاء المتحركة فى
__________
(1) ذهب الكوفيون إلى أن الهاء فى (الجنة) ونحوها هى الأصل، والتاء فى الوصل بدل منها، وعكس ذلك البصريون، وعلى كلّ فالهاء دالة على التأنيث وليس لها مذكر، ثم إن الهاء تأتى للدلالة على وجوه أخر ذكرها ابن نور الدين فى مصابيح المغانى قائلا:
الهاء تكون فى أول الكلام وآخره، أما أوله: فقد تبدل الهاء عوضا من الهمزة مثل:
هراق وأراق، وأما فى آخره فتأتى على أربعة عشر وجها:
الأول: ضميرا للغائب: وتستعمل فى موضع الجر والنصب، قال الله تعالى: {قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ وَهُوَ يُحََاوِرُهُ} [الكهف: 34].
الثانى: تكون حرفا للغيبة، وهى الهاء فى (إياه) فقيل: إن التحقيق أن الضمير (إيا) وحدها، والهاء حرف لمجرد معنى الغيبة.
الثالث: تكون دالة على التأنيث وليس لها مذكر (وهو ما صدرنا به كلامنا).
الرابع: تكون فارقة بين المذكر والمؤنث، فتقع فى المؤنث نحو: قائم وقائمة، وفتى(1/393)
الوصل بالرفع أو الخفض لكون الهاء لم تثبت فى الوصل قط فلا حظ لها فى
__________
وفتاة، وقد تقع فى المذكر وذلك فى العدد من الثلاثة إلى العشرة.
الخامس: تكون فارقة بين الواحد والجمع نحو: تمرة وتمر، وحمامة وحمام. وقد تقع فى المذكر كقولك: هذا حمار، وهؤلاء حمارة، وقد تقع فى الجمع دون الواحد فى اسمين خاصة كقولك: حمأ وحمأة، ومثله: كمء: للواحد، وكمأة: للجمع.
السادس: تدخل للمبالغة فى المدح والذم، كقولهم فى المدح: رجل علامة ونسابة وراوية وخليفة، وفى الذم: لحانة وهلباجة، وقد قيل: إن الهاء فى قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسََانُ عَلى ََ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14]. وقوله تعالى: {وَذََلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:
5] من ذلك.
السابع: تأتى لتأكيد التأنيث فى الجمع الذى على (فعالة) و (فعولة)، وليست بلازمة فى كل موضع، كقولهم فى مثل: جمل: جمالة، وفى حجر: حجارة، وفى فحل: فحالة وفحولة، وفى عم: عمومة، وفى خال: خئولة، وكذلك فى ملائكة، قال الله تعالى:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228].
الثامن: تأتى للنسب فى الجمع الذى على زنة (مفاعل) نحو: المهالبة والأشاعثة، والأشاعرة.
التاسع: تأتى عوضا من حرف محذوف لزوما، وذلك فى أربعة مواضع:
أحدها: الجمع الذى على زنة (مفاعيل) نحو: زناديق وزنادقة، وجحاجيح وجحاجحة، ومتى لم تأت بها أتيت بالياء لأنهما يتعاقبان.
ثانيها: المصدر الذى حذفت عينه كقولهم: أقام إقامة، والأصل أقام إقواما، واستقوم استقواما.
ثالثها: الفعل المعتل اللام عوضا من حذف اللام، وذلك فى لغة بعض العرب، يقولون: ارمه، ولا ترمه.
رابعها: تكون عوضا من الياء، كقولهم: هذه، والأصل: هذى.
العاشر: تأتى لبيان المرات، كقولك: جلست جلسة، وجلستين.
الحادى عشر: تأتى فى حال الوقف لبيان الحركة (وهى هاء السكت، وقد سبق الحديث عنها).
الثانى عشر: تدخل لإمكان النطق بالكلمة، وذلك فى فعل الأمر إذا صار إلى حرف واحد كقوله: عه، وشه، وقه.
الثالث عشر: تأتى لبيان الحركة وكراهية اجتماع الساكنين، كقولهم فى الوقف على «ثم»: ثمه، وعلى «هلم»: هلمه، وعلى «إن» بمعنى نعم: إنه، قال الشاعر:
يأيها الناس ألا هلمه الرابع عشر: تدخل للمحاذاة والازدواج كقولهم: لكل ساقطة لاقطة، أى: لكل كلمة ساقطة أى يسقط بها الإنسان لا قط يلقطها، كذا فسره أبو بكر بن الأنبارى، فدخلت الهاء لتزدوج الأولى مع الثانية، كما قالوا: يأتينا بالغدايا والعشايا، فجمعوا «غداة» على «غدايا» لتزدوج مع «العشايا».
ينظر: مصابيح المغانى (502498).(1/394)
الحركة التى للتاء فى الوصل.
والوجه الثانى من التسهيل لهذا النحو من الهمزات: جعلها بين بين، فإذا كان كذلك لزم الروم من جهة (1) أن همزة بين بين لا تسكن.
نص على هذا الشيخ فى «التبصرة» والإمام فى «الكافى». والحافظ فى غير «التيسير».
ورجح الشيخ والإمام الوقف بالبدل، كما عول عليه الحافظ هنا.
قال الحافظ رحمه الله: «فإذا سكن ما قبل الهمزة وسهلاها ألقيا حركتها على ذلك الساكن وأسقطاها إن كان ذلك الساكن أصليا غير ألف».
اعلم أن الساكن قبل الهمزة المتطرفة جاء فى القرآن على وجهين: صحيحا، ومعتلا.
أما الصحيح: فجاءت الهمزة بعده مفتوحة فى قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْخَبْءَ}
[النمل: 25] لا غير، ومكسورة فى قوله تعالى: {بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:
102] و {بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] لا غير، ومضمومة فى قوله:
{دِفْءٌ} [النحل: 5] و {مِلْءُ الْأَرْضِ} [آل عمران: 91] و {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ}
[النبأ: 40] و {لِكُلِّ بََابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ} [الحجر: 44] لا غير.
وأما الساكن المعتل، فإما أن يكون ألفا وسيأتى الكلام فيه، وإما أن يكون واوا [أو ياء] وهما قسمان:
الأول: أن يكونا زائدين للمد، وسيأتى أيضا.
أو يكونا أصليين سواء كانا حرفى مد، أو حرفى لين.
فمثال الياء الأصلية حرف مد قبل الهمزة المتطرفة: (وجاى) [الزمر: 69]، و {سِيءَ} [هود: 77]، و {حَتََّى تَفِيءَ} [الحجرات: 9]، و {يُضِيءُ} [النور: 35] و {بَرِيءٌ} [الأنعام: 19]، و {الْمُسِيءُ} [غافر: 58].
ومثالها حرف لين {شَيْءٍ} لا غير، كقوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، و {إِنَّ هََذََا لَشَيْءٌ عُجََابٌ} [ص: 5] و {عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[البقرة: 20].
__________
(1) فى أ: وجهة.(1/395)
ومثال الواو الأصلية حرف مد قبل الهمزة المتطرفة، قوله تعالى: {لَتَنُوأُ}
[القصص: 76]، و {أَنْ تَبُوءَ} [المائدة: 29] و {لِيَسُوؤُا} فى أول سورة الإسراء [الآية: 7] على قراءة حمزة ومن وافقه، و {وَمََا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران: 30].
ومثالها حرف لين: «سوء»، كقوله تعالى {عَلَيْهِمْ دََائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة: 98] و {لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} [النحل: 60]، و {إِنَّهُمْ كََانُوا قَوْمَ سَوْءٍ}
[الأنبياء: 74] فهذه جملة الأمثلة الواردة فى القرآن مما قبل الهمزة فيه ساكن صحيح، أو واو، أو ياء ساكنان أصليان وهو الذى قصد الحافظ رحمه الله فى هذا الموضع.
وحكم تسهيل الهمزة فى جميعها أن تسقط ويحرك الساكن قبلها بحركتها ثم يكون اللفظ فى الوقف على ما يجوز فى الوقف على المتحرك، فما نقلت إليه الفتحة فالوقف عليه بالسكون لا غير إذ لا ترام الفتحة عند القراء فتقف على {الْخَبْءَ}
[النمل: 25] و (وجاى) [الزمر: 69] و {لِيَسُوؤُا} [الإسراء: 7] بسكون الباء والياء والواو، وما نقلت إليه الكسرة تقف عليه بالسكون أو بالروم نحو {بَيْنَ الْمَرْءِ}
[البقرة: 102] و {مِنْ شَيْءٍ} و {وَمََا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران: 30] و {دََائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة: 98]، وما نقلت إليه الضمة تقف عليه بالسكون وبالروم، وبالإشمام نحو (دف)، و (يضى) و (المسى).
وبصحة الروم والإشمام فى هذه الأشياء يستدل قطعا على أنك نقلت الحركة من الهمزة، ولم تحذفها بحركتها إذ لو حذفتها بحركتها لم يمكن فيما قبلها روم ولا إشمام إذ لا أصل له فى الحركة.
ودليل ثان: وهو وجود النقل إذا توسطت بعد الساكن على ما يأتى بعد بحول الله العلى العظيم، وإنما امتنع فى هذا النوع من الهمزات البدل من أجل الحرف الساكن الذى قبلها، فلو أبدلتها لالتقى ساكنان.
وامتنع أيضا جعلها بين بين لأن الهمزة الملينة بين بين قريبة من الساكن فامتنع وقوعها حيث يمتنع وقوع الساكن ولهذا امتنعوا من الابتداء بهمزة بين بين إذ لا يبتدأ بساكن فكذلك ما قرب منه.(1/396)
وامتنع أيضا جعلها بين بين لأن الهمزة الملينة بين بين قريبة من الساكن فامتنع وقوعها حيث يمتنع وقوع الساكن ولهذا امتنعوا من الابتداء بهمزة بين بين إذ لا يبتدأ بساكن فكذلك ما قرب منه.
تنقير
قال الحافظ فى هذا الفصل: «إذا كان الساكن أصليا غير ألف».
ومفهوم هذا الخطاب يقتضى أن الألف قد تكون أصلا فاعلم أن الألف لا تكون أصلا بنفسها لا فى الأسماء، ولا فى الأفعال، وإنما تكون أبدا إما زائدة، وإما بدلا من حرف أصلى.
أما الزائدة فخروجها بهذا التقييد بيّن.
وأما التى هى بدل من الحرف الأصلى، فيمكن أن يعبر عنها بأنها زائدة وكذا سماها سيبويه لأنها لما لم تكن هى نفس الحرف الأصلى، كانت بلا شك غيره، وغير الشيء زائد (1) على الشيء، وإن كان قد حل محله.
قال سيبويه فى باب الهمز (2): وإذا جمعت آدم قلت: أوادم، كما أنك إذا صغرت قلت: أويدم، وهذه الألف لما كانت ثانية ساكنة، وكانت زائدة لأن البدل لا يكون من أنفس (3) الحروف، فأرادوا أن يكسّروا هذا الاسم الذى قد ثبت فيه هذه الألف صيروا ألفه بمنزلة ألف خالد» (4). انتهى.
فهذا نص من سيبويه على تسمية الألف المبدلة من الحرف الأصلى زائدة، وأراد بالحروف الكلم على عادته فى التعبير بالحروف عن الاسم والفعل.
فإذا تقرر ذلك، فاعلم أنه يمكن تخريج كلام الحافظ على أن الألف المبدلة من الحرف الأصلى يجوز أن تسمى: أصلا مجازا من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان بينهما نوع من التعلق بوجه ما.
ويعتضد هذا بأنك تقابل الألف المبدلة من الأصل فى الوزن بحرف من حروف الأصول، فتقول: وزن «قال» و «باع»: فعل، فتجعل عين الفعل فى مقابلة الألف، ولا تفعل هذا بالزائد الذى ليس مبدلا من حرف أصلى، فيحصل من قوله: «إذا كان
__________
(1) فى أ: زائدة.
(2) فى أ: الهمزة.
(3) فى ب: نفس.
(4) الكتاب (3/ 552)، وفيه: (كما أنك إذا حقرت قلت: أويدم لأن هذه الألف) بدلا من (كما أنك إذا صغرت قلت: أويدم، وهذه الألف).
وفيه أيضا (ثبتت) بدلا من (ثبت).(1/397)
الساكن أصليا» خروج الألف الزائدة التى هى غير مبدلة من حرف أصلى، نحو الألف فى {السَّمََاءِ} و {أَوْلِيََاءَ}.
ويحصل من قوله: «غير ألف» إخراج الألف المبدلة من الحرف الأصلى نحو {شََاءَ} و {جََاءَ} و (ماء) على ما تقدم من التوجيه، والله جل جلاله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فإذا كان الساكن زائدا للمد وكان ياء أو واوا، أبدلا الهمزة مع الياء ياء، ومع الواو واوا، وأدغما ما قبلهما فيهما».
هذا هو القسم الأول من التقسيم الثانى، والذى جاء منه فى القرآن (برىّ)، و (السىّ) وزنهما «فعيل»، و {ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} من ذوات الواو، وزنه «فعول»، لا غير.
وامتنع هنا نقل الحركة إلى الياء والواو، لكونهما زائدين لمجرد المد فقوى شبههما (1) بالألف التى هى الأصل فى حروف المد.
ألا ترى أن الياء والواو هنا إنما وضعا لمجرد قصد المد، وإذا كان كذلك فلا سبيل لهما إلى الحركة، كما أن الألف لا تقبل الحركة أبدا ولهذا أظهروهما إذا وقع بعدهما مماثل لهما، كقوله تعالى: {الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 2] و {آمَنُوا وَعَمِلُوا} [البقرة: 25].
فإن قيل: فكان يلزم ألا يدغم فى باب (النسيّ)، و (قروّ) لكون الياء والواو فيه حرفى مد، كما لم يدغموا {الَّذِي يَدُعُّ} و {آمَنُوا وَعَمِلُوا}.
فالجواب: أن الضرورة فرقت بين البابين إذ لو لم يدغموا فى باب النسيّ وقروّ للزم أحد أمرين:
إما حذف الهمزة بحركتها، وهم لا يحذفون إلا إذا نقلوا الحركة.
وإما أن يمدوا مدة مطولة فى تقدير ياءين، أو واوين على ما يراه الحافظ إذا كان قبل الهمزة ألف كما يأتى بعد بحول الله تعالى، ولا شك أن الإدغام أخف من هذا التكلف، ولم تعرض هذه الضرورة فى باب {الَّذِي يَدُعُّ}، و {آمَنُوا وَعَمِلُوا}
لا سيما والياء والواو فيه منفصلتان مما بعدهما بخلاف باب (النسيّ) و (قروّ) والإدغام فى المتصل أقرب منه فى المنفصل.
ثم إن الإدغام فى باب (قروّ) و (النسيّ) إنما عرض فى الوقف وهو عارض
__________
(1) فى أ: شبهها.(1/398)
فلم يحفل به، بخلاف باب {الَّذِي يَدُعُّ} و {آمَنُوا وَعَمِلُوا} لأنه لو أدغم لكان ذلك الإدغام حاصلا فى الوصل، وهو الأصل فكرهوا أن يبطلوا فيه حقيقة حرف المد بالإدغام، والله سبحانه أعلم.
وقوله رحمه الله فى هذا الفصل: «وكان ياء أو واوا».
يعنى الزائد، وتحرّز بهذا القيد من الألف الزائدة، لمجرد المد لأن حكمها حكم المنقلبة عن الأصل كما يأتى بعد بحول الله تبارك وتعالى.
قال الحافظ رحمه الله: «والرّوم والإشمام جائزان فى الحرف المحرك بحركة الهمزة».
يريد: حيث نقلت الحركة إلى الساكن قبلها على ما تقدم.
وقوله: «فى المبدل منهما غير الألف».
يعنى: فى هذا الفصل الذى قبل الهمزة فيه ياء أو واو زائدة للمد.
وقوله: «غير الألف»، لأن قوله: «فى المبدل منهما» يستوعب بعمومه ما ذكر هنا، وما بعد مما تبدل فيه الهمزة ألفا، ولو ترك هذا الاستثناء لم يضر لأنّا كنا نحمل كلامه فى جواز الروم والإشمام على ما ذكر، كما لم يضر ترك الاستثناء فى الفصل الأول حيث قال والرّوم والإشمام ممتنعان فى الحرف المبدل من الهمزة لكونه ساكنا محضا، ولم يحتج هناك بإثر قوله: «فى الحرف المبدل من الهمزة» أن يقول: «غير الواقعة بعد ياء أو واو زائدة للمد».
وقوله: «إن انضما» فألحق ضمير الاثنين لأنه يعنى الحرف المحرك [بالحركة] (1) المنقولة من الهمزة والحرف المبدل بعد حرف المد، وكذا قوله:
«والروم إن انكسرا أو الإسكان إن انفتحا».
تنقير
ما ذكر من جواز الروم والإشمام مع الضم، والروم مع الكسر صحيح لأن الجواز إنما يطلق حيث يصح حكمان فصاعدا على البدل، ولا شك أنه يجوز فى المضموم الروم والإشمام، ويجوز السكون، ويجوز فى المكسور الروم والسكون.
فأما قوله: «والسكون إن انفتحا» ففيه مسامحة لأنه لا يجوز عند القراء فى
__________
(1) سقط فى أ.(1/399)
المفتوح روم، ولا يمكن فيه الإشمام، فالسكون (1) إذن لازم له فكان حقه أن يقول: «ويلزم السكون إن انفتحا».
واعلم أن الشيخ والإمام موافقان للحافظ على كل ما تقدم فى الباب وذكرا مع ذلك أنه يجوز فى (سىء) و (سوء) ونحوهما إبدال الهمزة حرفا من جنس ما قبلها، وإدغام ما قبلها فى المبدل منها إجراء للياء والواو الأصليتين مجرى الزائدتين لمجرد المد، إلا أن الأول أرجح عندهما.
قال الحافظ رحمه الله: «وإن كان الساكن ألفا» الفصل.
هذا هو القسم الأول من التقسيم الأول الوارد على الحرف المعتل.
اعلم أن الهمزة المتطرفة جاءت فى القرآن بعد الألف مفتوحة نحو {جََاءَ} [هود:
40] و {شََاءَ} [هود: 33] و {فَلَمََّا أَضََاءَتْ} [البقرة: 17] و {فَأَنْزَلْنََا بِهِ الْمََاءَ}
[الأعراف: 57]. والألف فى هذه الأمثلة مبدلة من حرف أصلى.
وكذلك {وَالسَّمََاءَ رَفَعَهََا} [الرحمن: 7] و {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدََاءَ} [البقرة: 133] و {جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيََاءَ} [المائدة: 20]، والألف فى هذه الأمثلة زائدة غير مبدلة من حرف أصلى.
وجاءت مكسورة نحو {مِنَ الْمََاءِ} [الأعراف: 50]، ومضمومة نحو {يَشََاءُ}
وألفهما منقلبة عن أصل و {سَوََاءٌ عَلَيْكُمْ} [الأعراف: 193] وألفه زائدة غير مبدلة من أصل، واعتمد الحافظ فى هذا الفصل على إبدال الهمزة ألفا، وكذلك فعل فى «المفردات».
وقال فى «المفردات»: «وبعض القراء يجعل الهمزة فى ذلك كله بين بين».
وقد روى خلف (2) عن سليم، عن حمزة ذلك فيه منصوصا، والأول أقيس.
__________
(1) فى أ: بالسكون.
(2) خلف بن هشام بن ثعلب، وقيل: طالب بن غراب، الإمام الحافظ الحجة، شيخ الإسلام، أبو محمد البغدادى البزار، المقرئ.
مولده سنة خمسين ومائة.
وسمع مالك بن أنس، وحماد بن زيد وأبا عوانة، وأبا شهاب الحناط عبد ربه وشريكا القاضى وحماد بن يحيى الأبح، وأبا الأحوص، وعدة.
وتلا على سليم، وعلى أبى يوسف الأعشى، وغيرهما، وحمل الحروف عن يحيى ابن آدم، وإسحاق المسيبى، وطائفة، وتصدر للإقراء والرواية.(1/400)
وحكى الإمام فيما همزته محركة بالضم أو بالكسر نحو {يَشََاءُ} و {مِنَ الْمََاءِ}
الوجهين أعنى إبدالها ألفا، وأن تجعل بين الهمزة [و] الحرف الذى منه حركتها مع روم الحركة، فأما المفتوحة فلم يجز فيها إلا البدل لامتناع الروم فيها مع كون همزة بين بين لا تسكن.
وحكى أبو جعفر بن الباذش عن أبيه رحمهما الله: أنه لا يجوز غير البدل بأى حركة تحركت.
قال: «لأن سكون الهمزة فى الوقف يوجب فيها الإبدال على الفتحة التى قبل الألف الزائدة، أو المنقلبة فهى تخفف تخفيف الساكن لا تخفيف المتحرك».
واعلم أنه ليس فى كلام سيبويه فيما علمت بيان فى هذه المسألة لأنه لما ذكر الهمزة بعد الألف فى باب الهمز ذكرها إما متوسطة نحو {مِنْسَأَتَهُ} و {سََائِلٌ} وإما متطرفة موصولة بكلمة أخرى نحو {جََاءَ أُمَّةً} وذكر فى ذلك كله: جعلها بين بين، وأطلق القول فى موضع آخر من هذا الباب بأنها تجعل بعد الألف بين بين ولم يبين هل ذلك فى الوقف والوصل أو مخصوص بالوصل، ولم يتعرض فى هذا الباب للوقف على شىء من الهمز فلذلك يقوى الظن أنه حيث أطلق، فإنه أراد به الوصل والله تعالى جده أعلم وأحكم (1).
__________
روى عنه القراءة عرضا: أحمد بن يزيد الحلوانى وسلمة بن عاصم ومحمد بن الجهم السمرى وأحمد بن أبى خيثمة، ومحمد بن يحيى الكسائى، وأحمد بن إبراهيم الوراق، وإدريس الحداد، وآخرون.
وحدث عنه: مسلم فى (صحيحه)، وأبو داود فى (سننه) وأبو زرعة وأبو حاتم، وله اختيار فى الحروف صحيح ثابت ليس بشاذ أصلا، ولا يكاد يخرج فيه عن القراءات السبع، وأخذ عنه خلق لا يحصون.
توفى خلف فى سابع شهر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ومائتين وقد شارف الثمانين. ينظر: سير أعلام النبلاء (10/ 580576)، والجرح والتعديل (3/ 372)، تاريخ بغداد (8/ 328322)، الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 125)، معرفة القراء الكبار (1/ 172171)، العبر (1/ 404)، دول الإسلام (1/ 138)، الكاشف (1/ 282)، غاية النهاية (1/ 275273)، تهذيب التهذيب (3/ 156)، خلاصة تهذيب الكمال: (106)، شذرات الذهب (2/ 67).
(1) لكى يكون القارئ على بينة مما جاء فى الكتاب عن سيبويه فى هذا الشأن، نسوق نص كلامه فى هذا الباب، قال سيبويه: هذا باب الهمز:
اعلم أن الهمزة تكون فيها ثلاثة أشياء: التحقيق، والتخفيف، والبدل.
فالتحقيق قولك: قرأت، ورأس، وسأل، ولؤم، وبئس، وأشباه ذلك.(1/401)
__________
وأما التخفيف فتصير الهمزة فيه بين بين وتبدل، وتحذف. وسأبين ذلك، إن شاء الله.
اعلم أن كل همزة مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنك تجعلها إذا أردت تخفيفها بين الهمزة والألف الساكنة، وتكون بزنتها محققة، غير أنك تضعف الصوت ولا تتمه وتخفى لأنك تقربها من هذه الألف. وذلك قولك: سأل، فى لغة أهل الحجاز إذا لم تحقق كما يحقق بنو تميم، وقد قرأ قنبل، [بين بين].
وإذا كانت الهمزة منكسرة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والياء الساكنة، كما كانت المفتوحة بين الهمزة والألف الساكنة ألا ترى أنك لا تتم الصوت هاهنا وتضعفه لأنك تقربها من الساكن، ولولا ذلك لم يدخل الحرف وهن، وذلك قولك: بئس وسئم، {وَإِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ} [البقرة: 126] وكذلك أشباه هذا؟! وإذا كانت الهمزة مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو الساكنة. والمضمومة قصتها وقصة الواو قصة المكسورة والياء، فكل همزة تقرب من الحرف الذى حركتها منه فإنما جعلت هذه الحروف بين بين ولم تجعل ألفات ولا ياءات ولا واوات لأن أصلها الهمز، فكرهوا أن يخففوا على غير ذلك فتحول عن بابها، فجعلوها بين بين ليعلموا أن أصلها عندهم الهمز.
وإذا كانت الهمزة مكسورة وقبلها كسرة أو ضمة فهذا أمرها أيضا، وذلك قولك: من عند إبلك، ومرتع إبلك.
وإذا كانت الهمزة مضمومة وقبلها ضمة أو كسرة فإنك تصيرها بين بين، وذلك قولك:
هذا درهم أختك، ومن عند أمك. وهو قول العرب وقول الخليل.
واعلم أن كل همزة كانت مفتوحة وكان قبلها حرف مكسور فإنك تبدل مكانها ياء فى التخفيف، وذلك قولك فى المئر: مير، وفى يريد أن يقرئك: يقريك. ومن ذلك: من غلام يبيك، إذا أردت: من غلام أبيك.
وإن كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة وأردت أن تخفف أبدلت مكانها واوا كما أبدلت مكانها ياء حيث كان ما قبلها مكسورا، وذلك قولك فى «التؤدة» تودة، وفى الجؤن: جون، وتقول: غلام وبيك، إذا أردت: غلام أبيك.
وإنما منعك أن تجعل الهمزة هاهنا بين بين من قبل أنها مفتوحة، فلم تستطع أن تنحو بها نحو الألف وقبلها كسرة أو ضمة، كما أن الألف لا يكون ما قبلها مكسورا ولا مضموما فكذلك لم يجئ ما يقرب منها فى هذه الحال. ولم يحذفوا الهمزة إذ كانت لا تحذف وما قبلها متحرك، فلما لم تحذف وما قبلها مفتوح لم تحذف وما قبلها مضموم أو مكسور لأنه متحرك يمنع الحذف كما منعه المفتوح.
وإذا كانت الهمزة ساكنة وقبلها فتحة، فأردت أن تخفف أبدلت مكانها ألفا، وذلك قولك فى «رأس وبأس وقرأت»: راس وباس وقرات.
وإن كان ما قبلها مضموما، فأردت أن تخفف أبدلت مكانها واوا، وذلك قولك فى «الجؤنة والبؤس والمؤمن»: الجونة والبوس والمؤمن.
وإن كان ما قبلها مكسورا أبدلت مكانها ياء، كما أبدلت مكانها واوا إذا كان ما قبلها مضموما، وألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا. وذلك «الذئب والمئرة»: ذيب وميرة، فإنما(1/402)
__________
تبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذى منه الحركة التى قبلها لأنه ليس شىء أقرب منه ولا أولى به منها.
وإنما يمنعك أن تجعل هذه السواكن بين بين أنها حروف ميتة، وقد بلغت غاية ليس بعدها تضعيف، ولا يوصل إلى ذلك، ولا تحذف لأنه لم يجئ أمر تحذف له السواكن، فألزموه البدل كما ألزموا المفتوح الذى قبله كسرة أو ضمة البدل. وقال الراجز:
عجبت من ليلاك وانتيابها ... من حيث زارتنى ولم أورا بها
خفف: ولم أورأ بها، فأبدلوا هذه الحروف التى منها الحركات لأنها أخوات، وهى أمهات البدل والزوائد، وليس حرف يخلو منها أو من بعضها، وبعضها حركاتها. وليس حرف أقرب إلى الهمزة من الألف، وهى إحدى الثلاث، والواو والياء شبيهة بها أيضا مع شركتهما أقرب الحروف منها. وسنرى ذلك، إن شاء الله.
واعلم أن كل همزة متحركة كان قبلها حرف ساكن، فأردت أن تخفف حذفتها، وألقيت حركتها على الساكن الذى قبلها. وذلك قولك: من بوك ومن ومك وكم بلك، إذا أردت أن تخفف الهمزة فى: الأب والأم والإبل.
ومثل ذلك قولك: الحمر، إذا أردت أن تخفف ألف «الأحمر». ومثله قولك فى المرأة:
المرة، والكمأة: الكمة. وقد قالوا: الكماة والمراة. ومثله قليل.
وقد قال الذين يخففون: {أَلََّا يَسْجُدُوا لِلََّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمََاوََاتِ} [النمل:
26]، حدثنا بذلك عيسى، وإنما حذفت الهمزة هاهنا لأنك لم ترد أن تتم وأردت إخفاء الصوت، فلم يكن ليلتقى ساكن وحرف هذه قصته، كما لم يكن ليلتقى ساكنان ألا ترى أن الهمزة إذا كانت مبتدأة محققة فى كل لغة فلا تبتدئ بحرف قد أوهنته لأنه بمنزلة الساكن، كما لا تبتدئ بساكن، وذلك قولك: أمر؟! فكما لم يجز أن تبتدأ فكذلك لم يجز أن تكون بعد ساكن، ولم يبدلوا لأنهم كرهوا أن يدخلوها فى بنات الياء والواو اللتين هما لامان.
فإنما تحتمل الهمزة أن تكون بين بين فى موضع لو كان مكانها ساكن جاز، إلا الألف وحدها فإنه يجوز ذلك بعدها، فجاز ذلك فيها، ولا تبالى إن كانت الهمزة فى موضع الفاء أو العين أو اللام، فهو بهذه المنزلة إلا فى موضع لو كان فيه ساكن جاز.
ومما حذف فى التخفيف لأن ما قبله ساكن قوله: أرى وترى ويرى ونرى، غير أن كل شىء كان [فى] أوله زائدة سوى ألف الوصل من «رأيت» فقد اجتمعت العرب على تخفيفه لكثرة استعمالهم إياه، جعلوا الهمزة تعاقب.
وحدثنى أبو الخطاب أنه سمع من يقول: قد أرآهم، يجيء بالفعل من «رأيت» على الأصل، من العرب الموثوق بهم.
وإذا أردت أن تخفف همزة «ارأوه» قلت: روه، تلقى حركة الهمزة على الساكن وتلقى ألف الوصل لأنك استغنيت حين حركت الذى بعدها لأنك إنما ألحقت ألف الوصل للسكون. ويدلك على ذلك: ر ذاك، وسل، خففوا: ارأ، واسأل.
وإن كانت الهمزة المتحركة بعد ألف لم تحذف لأنك لو حذفتها ثم فعلت بالألف ما فعلت بالسواكن التى ذكرت لك لتحولت حرفا غيرها فكرهوا أن يبدلوا مكان الألف حرفا ويغيروها لأنه ليس من كلامهم أن يغيروا السواكن فيبدلوا مكانها إذا كان بعدها همزة(1/403)
__________
فخففوا، ولو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حد كلامهم لأنه ليس من كلامهم أن تثبت الياء والواو ثانية فصاعدا وقبلها فتحة، إلا أن تكون الياء أصلها السكون. وسنبين ذلك فى بابه، إن شاء الله.
والألف تحتمل أن يكون الحرف المهموز بعدها بين بين لأنها مد، كما تحتمل أن يكون بعدها ساكن، وذلك قولك فى «هباءة»: هبااة، وفى «مسائل»: مسايل، وفى «جزاء أمه»: جزاؤ امه.
وإذا كانت الهمزة المتحركة بعد واو أو ياء زائدة ساكنة لم تلحق لتلحق بناء ببناء، وكانت مدة فى الاسم والحركة التى قبلها منها بمنزلة الألف، أبدل مكانها واو إن كانت بعد واو، وياء إن كانت بعد ياء، ولا تحذف فتحرك هذه الواو والياء فتصير بمنزلة ما هو من نفس الحرف، أو بمنزلة الزوائد التى مثل ما هو من نفس الحرف من الياءات والواوات.
وكرهوا أن يجعلوا الهمزة بين بين بعد هذه الياءات والواوات إذ كانت الياء والواو الساكنة قد تحذف بعدها الهمزة المتحركة وتحرك، فلم يكن بد من الحذف أو البدل، وكرهوا الحذف لئلا تصير هذه الواوات والياءات بمنزلة ما ذكرنا. وذلك قولك فى «خطيئة»: خطيّة، وفى النسيء: النسيّ يا فتى، وفى «مقروء»، و «مقروءة»: هذا مقروّ، وهذه مقروّة، وفى «أفيئس» وهو تحقير «أفؤس»: أفيّس، وفى «بريئة» بريّة، وفى «سويئل»: وهو تحقير سائل سويّل، فياء التحقير بمنزلة ياء «خطيّة» وواو «الهدوّ»، فى أنها لم تجئ لتلحق بناء ببناء، ولا تحرك أبدا بمنزلة الألف. وتقول فى «أبى إسحاق» و «أبو إسحاق»: أبيسحاق وأبو سحاق. وفى «أبى أيوب» و «ذو أمرهم»: ذومرهم وأبى يّوب، وفى «قاضى أبيك»: قاضى بيك، وفى «يغزو أمه»: يغزومّه لأن هذه من نفس الحرف.
وتقول فى «حوأبة»: حوبة لأن هذه الواو ألحقت بنات الثلاثة ببنات الأربعة، وإنما هى كواو «جدول» ألا تراها لا تغير إذا كسرت للجمع تقول: حوائب؟! فإنما هى بمنزلة عين «جعفر».
وكذلك سمعنا العرب الذين يخففون يقولون: اتبعوا مره لأن هذه الواو ليست بمدة زائدة فى حرف الهمزة منه، فصارت بمنزلة واو يدعو. وتقول: اتبعى مره، صارت كياء «يرمى» حيث انفصلت، ولم تكن مدة فى كلمة واحدة مع الهمزة لأنها إذا كانت متصلة ولم تكن من نفس الحرف أو بمنزلة ما هو من نفس الحرف، أو تجئ لمعنى، فإنما تجىء لمدة لا لمعنى. وواو «اضربوا» و «اتبعوا»، هى لمعنى الأسماء، وليس بمنزلة الياء فى «خطيئة» تكون فى الكلمة لغير معنى. ولا تجىء الياء مع المنفصلة لتلحق بناء ببناء فيفصل بينها وبين ما لا يكون ملحقا بناء ببناء.
فأما الألف فلا تغير على كل حال لأنها إن حركت صارت غير ألف. والواو والياء تحركان ولا تغيران.
واعلم أن الهمزة إنما فعل بها هذا من لم يخففها لأنه بعد مخرجها، ولأنها نبرة فى الصدر تخرج باجتهاد، وهى أبعد الحروف مخرجا، فثقل عليهم ذلك لأنه كالتهوّع.(1/404)
__________
واعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة، فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك، كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة. فليس من كلام العرب: أن تلتقى همزتان فتحققا، ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة، وهو قول أبى عمرو. وذلك قولك: {فَقَدْ جََاءَ أَشْرََاطُهََا}
[محمد: 18]، و {يََا زَكَرِيََّا إِنََّا نُبَشِّرُكَ} [مريم: 7]. ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، وهو قولك: {فَقَدْ جََاءَ أَشْرََاطُهََا}، و {يََا زَكَرِيََّا إِنََّا}. وقال:
كل غراء اذا ما برزت ... ترهب العين عليها والحسد
سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا.
وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له: لمه؟ فقال: إنى رأيتهم حين أرادوا أن يبدلوا إحدى الهمزتين اللتين تلتقيان فى كلمة واحدة أبدلوا الآخرة، وذلك: جائى وآدم. ورأيت أبا عمرو أخذ بهن فى قوله عز وجل: {يََا وَيْلَتى ََ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود: 72] وحقق الأولى. وكلّ عربى، وقياس من خفف الأولى أن يقول: يا وليتا أألد.
والمخففة فيما ذكرنا بمنزلتها محققة فى الزّنة، يدلك على ذلك قول الأعشى:
أأن رأت رجلا أعشى أضر به ... ريب المنون ودهر متبل خبل
فلو لم تكن بزنتها محققة لانكسر البيت.
وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين لأنه لو لم تكن إلا واحدة لخففت.
ونقول: اقرا آية، فى قول من خفف الأولى لأن الهمزة الساكنة أبدا إذا خففت أبدل مكانها الحرف الذى منه حركة ما قبلها. ومن حقق الأولى، قال: اقر آية لأنك خففت همزة متحركة قبلها حرف ساكن، فحذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذى قبلها.
وأما أهل الحجاز فيقولون: اقرا آية لأن أهل الحجاز يخففونهما جميعا، يجعلون همزة «اقرأ» ألفا ساكنة، ويخففون همزة «آية». ألا ترى أن لو لم تكن إلا همزة واحدة خففوها؟! فكأنه قال: اقرا، ثم جاء ب «آية» ونحوها.
وتقول: أقرئ باك السلام، بلغة أهل الحجاز لأنهم يخففونهما. فإنما قلت: أقرئ، ثم جئت بالأب، فحذفت الهمزة وألقيت الحركة على الياء.
وتقول فيهما إذا خففت الأولى فى «فعل أبوك»، من «قرأت»: قرا أبوك، وإن خففت الثانية قلت: قرأ ابوك. والمخففة بزنتها محققة، ولولا ذلك لكان هذا البيت منكسرا إن خففت الأولى أو الآخرة:
كل غراء اذا ما برزت ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفا إذا التقتا، وذلك أنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا، كما قالوا: اخشينان، ففصلوا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة، قال ذو الرمة:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم
فهؤلاء أهل التحقيق. وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول: آئنك وآأنت، وهى التى يختار(1/405)
__________
أبو عمرو وذلك لأنهم يخففون الهمزة كما يخفف بنو تميم فى اجتماع الهمزتين، فكرهوا التقاء الهمزة والذى هو بين بين فأدخلوا الألف كما أدخلته بنو تميم فى التحقيق.
ومنهم من يقول: إن بنى تميم هم الذين يدخلون بين الهمزة وألف الاستفهام ألفا، وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعا ولا يدخلون بينهما ألفا. وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شىء لم يكن من تحقيقها بد، وخففوا الثانية على لغتهم.
واعلم أن الهمزتين إذا التقتا فى كلمة واحدة لم يكن بد من بدل الآخرة، ولا تخفف لأنهما إذا كانتا فى حرف واحد لزم التقاء الهمزتين الحرف.
وإذا كانت الهمزتان فى كلمتين فإن كل واحدة منهما قد تجرى فى الكلام ولا تلزق بهمزتها همزة، فلما كانتا لا تفارقان الكلمة كانتا أثقل فأبدلوا من إحداهما ولم يجعلوهما فى الاسم الواحد والكلمة الواحدة بمنزلتهما فى كلمتين. فمن ذلك قولك فى «فاعل» من «جئت»: جائى، أبدلت مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور، فأبدلت مكانها الحرف الذى منه الحركة التى قبلها، كما فعلت ذلك بالهمزة الساكنة حين خففت.
ومن ذلك أيضا: آدم، أبدلوا مكانها الألف لأن ما قبلها مفتوح. وكذلك لو كانت متحركة لصيرتها ألفا كما صيرت همزة جائى، ياء، وهى متحركة للكسرة التى قبلها.
وسألت الخليل عن «فعلل» من «جئت» فقال: جيأى، وتقديرها: جيعا، كما ترى.
وإذا جمعت «آدم» قلت: أوادم، كما أنك إذا حقرت قلت: أويدم لأن هذه الألف لما كانت ثانية ساكنة وكانت زائدة لأن البدل لا يكون من أنفس الحروف، فأرادوا أن يكسروا هذا الاسم الذى قد ثبتت فيه هذه الألف صيروا ألفه بمنزلة ألف «خالد».
وأما «خطايا» فكأنهم قلبوا ياء أبدلت من آخر «خطايا» ألفا لأن ما قبل آخرها مكسور، كما أبدلوا ياء «مطايا» ونحوها ألفا، وأبدلوا مكان الهمزة التى قبل الآخر ياء، وفتحت للألف، كما فتحوا راء «مدارى»، فرقوا بينها وبين الهمزة التى تكون من نفس الحرف، أو بدلا مما هو من نفس الحرف، نحو «فعال» من «برئت» إذا قلت: رأيت براء، وما يكون بدلا من نفس الحرف قضاء، إذا قلت: رأيت قضاء، وهو «فعال» من «قضيت»، فلما أبدلوا من الحرف الآخر ألفا استثقلوا همزة بين ألفين لقرب الألفين من الهمزة. ألا ترى أن ناسا يحققون الهمزة، فإذا صارت بين ألفين خففوا، وذلك قولك: كساءان، ورأيت كساء، وأصبت هناء، فيخففون كما يخففون إذا التقت الهمزتان لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون لأن الاسم قد يجرى فى الكلام ولا تلزق الألف الآخرة بهمزتها فصارت كالهمزة التى تكون فى الكلمة على حدة، فلما كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التى قبل الآخرة ياء، ولم يجعلوها بين بين لأنها والألفين فى كلمة واحدة، ففعلوا هذا إذ كان من كلامهم ليفرقوا بين ما فيه همزتان إحداهما بدل من زائدة لأنها أضعف يعنى همزة «خطايا» وبين ما فيه همزتان إحداهما بدل مما هو من نفس الحرف، إنما تقع إذا ضاعفت.
واعلم أن الهمزة التى يحقق أمثالها أهل التحقيق من بنى تميم وأهل الحجاز، وتجعل فى(1/406)
__________
لغة أهل التخفيف بين بين تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحا، والياء إذا كان ما قبلها مكسورا، والواو إذا كان ما قبلها مضموما. وليس ذا بقياس متلئبّ، نحو ما ذكرنا، وإنما يحفظ عن العرب كما يحفظ الشيء الذى تبدل التاء من واوه، نحو: أتلجت، فلا يجعل قياسا فى كل شىء من هذا الباب، وإنما هى بدل من واو «أولجت».
فمن ذلك قولهم: منساة، وإنما أصلها: منسأة. وقد يجوز فى ذا كله البدل حتى يكون قياسا متلئبّا، إذا اضطر الشاعر.
قال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعى فزارة لا هناك المرتع
فأبدل الألف مكانها. ولو جعلها بين بين لانكسر البيت.
وقال حسان:
سالت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما جاءت ولم تصب
وقال القرشى، زيد بن عمرو بن نفيل:
سالتانى الطلاق أن رأتانى ... قل ما لى، قد جئتمانى بنكر
فهؤلاء ليس [من] لغتهم: سلت، ولا: يسال.
وبلغنا أن «سلت، تسال» لغة.
وقال عبد الرحمن بن حسان:
وكنت أذل من وتد بقاع ... يشجج رأسه بالفهر واجى
يريد: الواجئ.
وقالوا: نبى وبرية، فألزمهما أهل التحقيق البدل. وليس كل شىء نحوهما يفعل به ذا، إنما يؤخذ بالسمع، وقد بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون «نبىء» و «بريئة»، وذلك قليل رديء.
فالبدل هاهنا كالبدل فى «منساة»، وليس بدل التخفيف، وإن كان اللفظ واحدا.
واعلم أن العرب منها من يقول فى أو أنت: أؤنت، يبدل. ويقول: [أنا] أرميّ باك، وأبوّيّوب، يريد: أبا أيوب، وغلامىّ بيك. وكذلك المنفصلة كلها إذا كانت الهمزة مفتوحة.
وإن كانت فى كلمة واحدة نحو سوأة وموألة، حذفوا فقالوا: سوة ومولة. وقالوا فى حوأب: حوب لأنه بمنزلة ما هو من نفس الحرف. وقد قال بعض هؤلاء: سوّة وضوّ، شبهوه ب «أوّنت».
فإن خففت «أحلبنى إبلك» فى قولهم، وأبو أمك، لم تثقل الواو كراهية لاجتماع الواوات والياءات والكسرات. تقول: أحلبنى بلك وأبومّك. وكذلك أرمى مك، وادعوا بلكم. يخففون هذا حيث كان الكسر، والياءات مع الضم، والواوات مع الكسر.
والفتح أخف عليهم فى الياءات والواوات. فمن ثم فعلوا ذلك.
ومن قال: سوّة، قال: مسوّ وسىّ. وهؤلاء يقولون: أنا ذونسه، حذفوا الهمزة ولم يجعلوها همزة تحذف وهى مما تثبت.
وبعض هؤلاء يقولون: يريد أن يجيئك ويسوك، وهو يجيك ويسوك، يحذف الهمزة.(1/407)
وحيث تكلم فى الوقف على الهمز من أبواب الوقف، لم يتعرض للهمزة الواقعة طرفا بعد الألف، فلم يمكن أن أنسب إليه فى ذلك مذهبا، والله تبارك وتعالى أعلم (1).
__________
ويكره الضم مع الواو والياء، وعلى هذا تقول: هو يرم خوانه، تحذف الهمزة ولا تطرح الكسرة على الياء لما ذكرت لك، ولكن تحذف الياء لالتقاء الساكنين. ينظر: الكتاب (3/ 556541).
(1) ونص كلام سيبويه فى الوقف على الهمز: هذا باب الوقف فى الهمز:
أما كل همزة قبلها حرف ساكن فإنه يلزمها فى الرفع والجر والنصب ما يلزم الفرع من هذه المواضع التى ذكرت لك: من الإشمام، وروم الحركة، ومن إجراء الساكن. وذلك قولهم: هو الخبء، والخبء، والخبء.
واعلم أن ناسا من العرب كثيرا يلقون على الساكن الذى قبل الهمزة حركة الهمزة، سمعنا ذلك من تميم وأسد، يريدون بذلك بيان الهمزة، وهو أبين لها إذا وليت صوتا، والساكن لا ترفع لسانك عنه بصوت لو رفعت بصوت حرّكته، فلما كانت الهمزة أبعد الحروف وأخفاها فى الوقف حركوا ما قبلها ليكون أبين لها. وذلك قولهم: هو الوثؤ، ومن الوثئ، ورأيت الوثأ. وهو البطؤ، ومن البطئ، ورأيت البطأ. وهو الرّدؤ، وتقديرها: الرّدع، ومن الرّدء، ورأيت الرّدأ. يعنى بالردء: الصاحب.
وأما ناس من بنى تميم فيقولون: هو الردئ، كرهوا الضمة بعد الكسرة لأنه ليس فى الكلام «فعل»، فتنكبوا هذا اللفظ، لاستنكار هذا فى كلامهم. وقالوا: رأيت الردئ، ففعلوا هذا فى النصب كما فعلوا فى الرفع، أرادوا أن يسووا بينهما. وقالوا: من البطؤ لأنه ليس فى الأسماء «فعل». وقالوا: رأيت البطؤ، أرادوا أن يسووا بينهما. ولا أراهم إذ قالوا: من الردئ، وهو البطؤ، إلا يتبعونه الأول، وأرادوا أن يسووا بينهن إذ أجرين مجرى واحدا، وأتبعوه الأول كما قالوا: ردّ وفرّ.
ومن العرب من يقول: هو الوثو، فيجعلها واوا حرصا على البيان. ويقول: من الوثى، فيجعلها ياء، ورأيت الوثا. يسكن الثاء فى الرفع والجر، وهو فى النصب مثل «القفا».
وأما من لم يقل: من البطئ، ولا: هو الرّدؤ، فإنه ينبغى لمن اتقى ما اتقوا أن يلزم الواو والياء.
وإذا كان الحرف قبل الهمزة متحركا لزم الهمزة ما يلزم «النّطع» من الإشمام، وإجراء المجزوم، وروم الحركة. وكذلك تلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها الذى ذكرت لك وذلك قولك: هو الخطأ، وهو الخطأ، وهو الخطأ. ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة فى آخر الحروف فى الكلام فكأنهم تنكبوا التضعيف فى الهمز لكراهية ذلك. فالهمزة بمنزلة ما ذكرنا من غير المعتل، إلا فى القلب والتضعيف.
ومن العرب من يقول: هذا هو الكلو حرصا على البيان، كما قالوا: الوثو. ويقول:
من الكلى، يجعلها ياء كما قالوا من الوثى، ويقول: رأيت الكلا، ورأيت الحبا، يجعلها ألفا كما جعلها فى الرفع واوا وفى الجر ياء. وكما قالوا: الوثا، وحركت الثاء لأن الألف لا بد(1/408)
قال الحافظ رحمه الله: «ثم حذفت إحدى الألفين الساكنتين، وإن شئت زدت فى المد والتمكين لتفصل بذلك بينهما ولم تحذف».
اعلم أنه لا خلاف بين الحافظ، والشيخ، والإمام رحمهم الله أنك إذا أبدلت من الهمزة المتطرفة بعد الألف ألفا أنه يجوز أن تزيد فى المد، ويجوز ألا تزيد فيه، وأن الزيادة أرجح.
ثم اختلفوا فى التعليل:
فمذهب الحافظ: أنك إذا زدت لم تحذف شيئا ولكنك نطقت بمدة هى فى التقدير ألف بعد ألف، وإذا لم تزد فى المد، فإنك حذفت إحدى الألفين، ولم يعين هنا أى الألفين هى المحذوفة.
وأما الشيخ فمذهبه: أنه لا بد من حذف [حرف] (1) على كل حال فإذا مددت قدرت أن المحذوفة هى الألف المبدلة من الهمزة، وأبقيت على الألف الأولى ما كانت تستحقه من المد حال ثبوت الهمزة إذ الحذف عارض فلا يعتد به، وإن قصرت قدرت المحذوفة هى الألف الأولى والمبقاة هى الألف المبدلة من الهمزة ولا موجب للزيادة فى مدها.
وأما الإمام فمذهبه: أن الثانية هى المحذوفة على كل حال إلا أنك إذا مددت قدرت كأن الهمزة ثابتة، ولم تعتد بالعارض، وإذا قصرت راعيت اللفظ فاعتددت بالعارض، والله جل جلاله أعلم.
وتعذر هنا الإدغام الذى جاز حيث كان قبل الهمزة ياء أو واو زائدة للمد لأن
__________
لها من حرف قبلها مفتوح.
وهذا وقف الذين يحققون الهمزة. فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فقولهم: هذا الخبا، فى كل حال لأنها همزة ساكنة قبلها فتحة فإنما هى كألف «راس» إذا خففت. ولا تشم لأنها ألف كألف «مثنى». ولو كان ما قبلها مضموما لزمها الواو، نحو: أكمو. ولو كان مكسورا لزمت الياء [نحو]: أهنى، وتقديرها:
أهنع، فإنما هذا بمنزلة: جونة وذيب. ولا إشمام فى هذه الواو لأنها كواو «يغزو».
وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فخففت فالحذف لازم، ويلزم الذى ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف غير المعتلة من الإشمام، وإجراء الجزم، وروم الحركة، والتضعيف.
وذلك قولهم: هذا الوث، [ومن الوث]، ورأيت [الوث] والخب [ورأيت الخب، وهو الخب]، ونحو ذلك ينظر: الكتاب (4/ 179177).
(1) سقط فى ب.(1/409)
الألف لا تقبل الإدغام.
وذكر الحافظ فى أمثلة هذا الفصل {أَنْبََاءِ}.
فإن كان بتقديم الباء على النون جمع «ابن»، فمثاله فى القرآن قوله تعالى فى المائدة: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصََارى ََ نَحْنُ أَبْنََاءُ اللََّهِ} [الآية: 18]، وفى النور: {أَوْ أَبْنََاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [الآية: 31]، وفى الأحزاب: {وَلََا أَبْنََاءِ إِخْوََانِهِنَّ وَلََا أَبْنََاءِ أَخَوََاتِهِنَّ}
[الآية: 55]، وفى المؤمن: {أَبْنََاءَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 25].
وإن كان بتقديم النون على الباء جمع «نبأ» فمثاله قوله تعالى فى سورة هود عليه السلام {تِلْكَ مِنْ أَنْبََاءِ الْغَيْبِ} [الآية: 49].
وفى سورة يوسف عليه السلام: {ذََلِكَ مِنْ أَنْبََاءِ الْغَيْبِ} [الآية: 102]، وفى سورة طه: {مِنْ أَنْبََاءِ مََا قَدْ سَبَقَ} [الآية: 99]، وفى القصص: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبََاءُ يَوْمَئِذٍ} [الآية: 66]، وفى القمر: {مِنَ الْأَنْبََاءِ مََا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [الآية: 4].
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وتفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة»
الفصل.
اعلم أن الهمزة المتوسطة تكون متوسطة حقيقة نحو {سَأَلَ} و {بِئْرٍ} وتكون متوسطة مجازا، وذلك بما يعرض من اللواحق نحو {أَنْشَأَكُمْ} و {يَسْتَهْزِؤُنَ} وقد تقدم هذا.
وذكر الحافظ أمثلة من الهمزة الساكنة المتوسطة، ثم قال: وكذلك {الَّذِي اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283] و {لِقََاءَنَا ائْتِ} و {فِرْعَوْنُ ائْتُونِي} [يونس: 79] ثم قال:
«وشبهه»، والذى فى القرآن من شبهه قوله تعالى: {يََا صََالِحُ ائْتِنََا} [الأعراف:
77] و {مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} [التوبة: 49] و {إِلََّا أَنْ قََالُوا ائْتِنََا} [العنكبوت: 29] {وَلِلْأَرْضِ ائْتِيََا طَوْعاً} [فصلت: 11].
واعلم أن هذه الأمثلة التى أولها {الَّذِي اؤْتُمِنَ} ليست الهمزات فيها متوسطات، وإنما هى فى أوائل الكلمات، لكن لا يمكن ثبوتهن سواكن إلا متصلات بما قبلهن فأشبهت المتوسطات ولهذا فصلهن مما قبلهن بقوله: «وكذلك» فإن وقفت على شىء من هذه الكلمات لحمزة حكمت فى هذه الهمزات بحركات ما قبلهن،
فأبدلتهن أحرفا من جنس تلك الحركات، فإن فصلتهن مما قبلهن وبدأت بهن فلا بد من اجتلاب همزة الوصل وتكسرها فيما انكسر فيه ما بعد هذه الهمزات، أو انفتح نحو {ائْتِ بِقُرْآنٍ} {ائْذَنْ لِي} وتضمها إن انضم نحو {اؤْتُمِنَ}، وتبدل من هذه الهمزات السواكن أحرفا من جنس حركة همزة الوصل، فعلى هذا تقول: (الذى ايتمن) فتبدل من الهمزة ياء فى الوقف لحمزة لوقوعها بعد كسرة الذال من {الَّذِي} وقد حذفت من {الَّذِي} لالتقائها ساكنة مع الهمزة الساكنة، أو الحرف المبدل منها، فإذا بدأت قلت: «اوتمن» فتبدلها واوا لأجل الضمة فى همزة الوصل المعتبرة بضم عين الكلمة وهى التاء، وتقول فى الوقف: (لقاءنا ات) فتبدل الهمزة ألفا لوقوعها بعد فتحة النون، وقد حذفت ألف {لِقََاءَنََا} لالتقائها ساكنة مع الهمزة، على ما تقدم.(1/410)
واعلم أن هذه الأمثلة التى أولها {الَّذِي اؤْتُمِنَ} ليست الهمزات فيها متوسطات، وإنما هى فى أوائل الكلمات، لكن لا يمكن ثبوتهن سواكن إلا متصلات بما قبلهن فأشبهت المتوسطات ولهذا فصلهن مما قبلهن بقوله: «وكذلك» فإن وقفت على شىء من هذه الكلمات لحمزة حكمت فى هذه الهمزات بحركات ما قبلهن،
فأبدلتهن أحرفا من جنس تلك الحركات، فإن فصلتهن مما قبلهن وبدأت بهن فلا بد من اجتلاب همزة الوصل وتكسرها فيما انكسر فيه ما بعد هذه الهمزات، أو انفتح نحو {ائْتِ بِقُرْآنٍ} {ائْذَنْ لِي} وتضمها إن انضم نحو {اؤْتُمِنَ}، وتبدل من هذه الهمزات السواكن أحرفا من جنس حركة همزة الوصل، فعلى هذا تقول: (الذى ايتمن) فتبدل من الهمزة ياء فى الوقف لحمزة لوقوعها بعد كسرة الذال من {الَّذِي} وقد حذفت من {الَّذِي} لالتقائها ساكنة مع الهمزة الساكنة، أو الحرف المبدل منها، فإذا بدأت قلت: «اوتمن» فتبدلها واوا لأجل الضمة فى همزة الوصل المعتبرة بضم عين الكلمة وهى التاء، وتقول فى الوقف: (لقاءنا ات) فتبدل الهمزة ألفا لوقوعها بعد فتحة النون، وقد حذفت ألف {لِقََاءَنََا} لالتقائها ساكنة مع الهمزة، على ما تقدم.
فإذا بدأت قلت: (ايت) فتبدل الهمزة ياء لأجل الكسرة فى همزة الوصل، وتقول فى الوقف: (ومنهم من يقول اوذن لى) فتبدل الهمزة واوا لأجل ضمة اللام.
فإذا بدأت قلت: (ايذن لى)، فتبدلها ياء لأجل كسرة همزة الوصل، وهكذا كل ما يرد عليك من أمثلة هذا الفصل.
وذكر الحافظ الاختلاف فى (رئيا) و (تؤى) و (تؤيه)، وقال: والوجهان جيدان.
ورجح الشيخ، والإمام الإظهار.
وقد تقدم ذكره فى آخر الباب قبل هذا، وكذا ذكر فى الوقف على {نَبِّئْهُمْ}
[الحجر: 51] و {أَنْبِئْهُمْ} [البقرة: 33] مذهبين. وقال: «وهما صحيحان».
ورجح الشيخ، والإمام البقاء على الضم.
وذكر الشيخ مع ذلك أن الكسر مذهب أبى الطيب.
وقال الحافظ رحمه الله: «وإذا تحركت الهمزة وهى متوسطة» إلى قوله: «فإن كان ساكنا».
اعلم أن الساكن قبل الهمزة المتوسطة يتصور فيه من التقسيم مثل ما تقدم فى الساكن قبل الهمزة المتطرفة فيكون ذلك الساكن صحيحا ومعتلا، ثم المعتل يكون
ألفا، وياء، وواوا، ثم الياء والواو يكونان أصليين وزائدين للمد غير أنه لم تقع فى القرآن واو زائدة للمد قبل همزة متوسطة.(1/411)
اعلم أن الساكن قبل الهمزة المتوسطة يتصور فيه من التقسيم مثل ما تقدم فى الساكن قبل الهمزة المتطرفة فيكون ذلك الساكن صحيحا ومعتلا، ثم المعتل يكون
ألفا، وياء، وواوا، ثم الياء والواو يكونان أصليين وزائدين للمد غير أنه لم تقع فى القرآن واو زائدة للمد قبل همزة متوسطة.
أما الأمثلة:
فجاءت الهمزة بعد الساكن الصحيح فى القرآن مفتوحة نحو {الْقُرْآنُ} [البقرة:
185] و (الظّمئان) [النور: 39]. و {الْمَشْئَمَةِ} [البلد: 19]. و {يَسْئَلُونَ}
[البقرة: 273]. و {تَجْئَرُونَ} [النحل: 53]. و {وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: 26].
و {خِطْأً} [الإسراء: 31] بكسر الخاء. و {جَزََاءُ} [البقرة: 260]. و (كفأ) [الإخلاص: 4]. و (هزا) [البقرة: 67] على قراءة حمزة فى هذين الأخيرين.
ومكسورة فى قوله تعالى: {الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 7].
ومضمومة فى قوله تعالى: {مَسْؤُلًا} [الفرقان: 16]، و {مَسْؤُلُونَ}
[الصافات: 24]، و {مَذْؤُماً} [الأعراف: 18].
وجاءت بعد الياء الأصلية مفتوحة نحو:
{كَهَيْئَةِ} [آل عمران: 49]، و {اسْتَيْأَسَ} [يوسف: 110].
وأخواته:
و {شَيْئاً} [البقرة: 48] و {بَئِيسٍ} فى الأعراف [165]. و {سِيئَتْ} [الملك:
27]. وبعد الواو الأصلية مفتوحة:
{سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31]. و {سَوْآتِهِمََا} [الأعراف: 20]. و {سَوْآتِكُمْ}
[الأعراف: 26]. و {السَّوْءِ} [التوبة: 98].
ومكسورة فى:
{مَوْئِلًا} [الكهف: 58].
ومضمومة فى (الموءودة) [التكوير: 8]، وجاءت مفتوحة بعد الياء الزائدة فى {بَرِيئاً} [النساء: 112]، و {هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء: 4]، و {خَطِيئََاتِكُمْ} [الأعراف:
161]. و {خَطِيئَةً} [النساء: 112].
ومضمومة فى {بَرِيئُونَ} [يونس: 41].
وحكم التسهيل فى هذا الفصل كحكمه فى المتطرفة بعد الساكن، فتنقل الحركة إلى الساكن الصحيح، وإلى الياء والواو الأصليين وتسقط الهمزة من اللفظ.
وهذا هو مقصود الحافظ بقوله: «فإن كان ساكنا وكان أصليا إلا أنه يستثنى من
ذلك {هُزُواً} (1) حيث وقع، و {كُفُواً} (2) [الإخلاص: 4] فتبقى الزاى والفاء على سكونهما، وتبدل الهمزة واوا وتحرك بحركة الهمزة».(1/412)
وهذا هو مقصود الحافظ بقوله: «فإن كان ساكنا وكان أصليا إلا أنه يستثنى من
ذلك {هُزُواً} (1) حيث وقع، و {كُفُواً} (2) [الإخلاص: 4] فتبقى الزاى والفاء على سكونهما، وتبدل الهمزة واوا وتحرك بحركة الهمزة».
وسبب ذلك: أن هاتين الكلمتين كتبتا بالواو فكره حمزة مخالفة خط المصحف.
وذكر الحافظ هاتين الكلمتين فى فرش الحروف فى سورة البقرة، وفى سورة
__________
(1) قال ابن عادل الحنبلى: وفى (هزوا) ست قراءات، المشهور منها ثلاث:
(هزؤا) بضمتين مع الهمز.
و (هزءا) بسكون الزاى مع الهمز وصلا، وهى قراءة حمزة رحمه الله فإذا وقف أبدلها واوا، وليس قياسه تخفيفها، وإنما قياسه إلقاء حركتها على الساكن قبلها، وإنما اتبع رسم المصحف، فإنها رسمت فيه (واوا) ولذلك لم يبدلها فى (جزءا) واوا وقفا لأنها لم ترسم فيه واوا، وقراءته أصلها الضم كقراءة الجماعة، إلا أنه خفف كقولهم فى عنق: عنق.
وقيل: بل هى أصل بنفسها ليست مخففة من ضم.
حكى مكى عن الأخفش عن عيسى بن عمر: (كل اسم ثلاثى أوله مضموم يجوز فيه لغتان: التخفيف والتثقيل).
و (هزوا) بضمتين مع الواو وصلا ووقفا، وهى قراءة حفص عن عاصم، كأنه أبدل الهمزة واوا تخفيفا، وهو قياس مطرد فى كل همزة مفتوحة مضموم ما قبلها نحو: جون فى جؤن، وحكم «كفوا» فى قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] حكم (هزوا) فى جميع ما تقدم قراءة وتوجيها.
و (هزوا) بإلقاء حركة الهمزة على الزاى وحذفها، وهو أيضا قياس مطرد.
و (هزوا) بسكون العين مع الواو.
و (هزا) بتشديد الزاى من غير همزة، ويروى عن أبى جعفر ينظر اللباب (2/ 155 156).
(2) وقال السمين الحلبى فى قوله تعالى: {كُفُواً}: وقرأ الجمهور بضم الكاف والفاء، وسهل الهمزة، الأعرج وشيبة ونافع فى رواية من طريق غير طرقه المقروء بها، وأسكن الفاء حمزة، وأبدل الهمزة واوا وقفا خاصة، وأبدلها حفص واوا مطلقا، والباقون بالهمز مطلقا.
وقرأ سليمان بن على بن عبد الله بن عباس: (كفاء) بالكسر والمد، أى: لا مثل له، وأنشد للنابغة:
لا تقذفنى بركن لا كفاء له ونافع فى رواية: (كفا) بالكسر وفتح الفاء من غير همز، كأنه نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذفها، والكفاء: النظير، هذا كفء لك: أى نظيرك، والاسم والكفاءة، بالفتح.
ينظر الدر المصون (6/ 590).
وقال الثعلبى فى تفسيره: قرئ: (هزؤا) و (كفؤا) مثقلات ومهموزات، وهى قراءة أبى عمرو وأهل (الشام) و (الحجاز)، واختار الكسائى، وأبو عبيد، وأبو حاتم: (هزوا) و (كفوا) مثقلات بغير همز، قال: وكلها لغات صحيحة فصيحة.
ينظر اللباب (2/ 156).(1/413)
الإخلاص، ولو نبه عليهما هنا لكان حسنا، وكذلك ذكر فى سورة العنكبوت فى الوقف على {النَّشْأَةَ} [الآية: 20] النقل، وحذف الهمزة على القياس وذكر أيضا جواز إبدال الهمزة ألفا مع نقل الحركة اتباعا للرسم.
وقد حكى سيبويه (المراة) و (الكماة) بالنقل وبالبدل.
وقوله فى هذا الفصل: «ما لم يكن ألفا» على حد قوله فيما تقدم: «إذا كان الساكن أصليّا غير ألف»، وقد مر توجيه هناك.
قال الحافظ رحمه الله: «وإن كان زائدا أبدلت، وأدغمت إن كان ياء أو واوا».
يريد: تبدل من الهمزة حرفا من جنس ما قبلها، ثم تدغم ما قبلها فى المبدل منها، وقد ذكرت أمثلة هذا الفصل.
وتقدم أنه ليس فى القرآن همزة متوسطة بعد واو زائدة، ولكنه جرى كلامه على إطلاق حكم القياس فيها لو وجدت، وهذا مثل ما تقدم فى أول الباب حيث قال:
«وإذا سهّلا المضموم ما قبلها» إلى آخر كلامه هناك مع أنه ليس فى القرآن همزة ساكنة متطرفة بعد ضمة. وإنما أنبه على هذا لئلا يتحير الطالب فيطلب ما ليس بموجود، كما ذكرت فى باب الإدغام الكبير.
قال الحافظ رحمه الله: «وإن كان الساكن ألفا» الفصل.
اعلم أن الهمزة فى هذا الموضع تكون مفتوحة، فتجعلها بين الهمزة والألف كقوله تعالى: {يَتَسََاءَلُونَ} [النبأ: 1] و {حَتََّى إِذََا جََاءَنََا} [الزخرف: 38] و {نَدْعُ أَبْنََاءَنََا وَأَبْنََاءَكُمْ} [آل عمران: 61] و {فَجَعَلْنََاهُمْ غُثََاءً} [المؤمنون: 41] و {فَتَكُونُونَ سَوََاءً} [النساء: 89].
وتكون مكسورة فتجعلها بين الهمزة والياء، نحو {الْمَلََائِكَةِ} و {أُولََئِكَ}
و {الْخََائِنِينَ} [الأنفال: 58] و {وَرَبََائِبُكُمُ} [النساء: 23].
وتكون مضمومة، فتجعلها بين الهمزة والواو نحو {جََاؤُ} و {وَبََاؤُ}
[البقرة: 61] و {أَسََاؤُا} [الروم: 10] و {مََا يَشََاؤُنَ} [النحل: 31] و {هََاؤُمُ}
[الحافة: 19].
فإن قيل: تقدم أن همزة بين بين قريبة من الساكن ولذلك منع الابتداء بها ولم تقع بعد شىء من الحروف السواكن فى كل ما تقدم لئلا يكون فى ذلك شبه من
التقاء الساكنين فكيف وقعت هنا بعد الألف؟(1/414)
فإن قيل: تقدم أن همزة بين بين قريبة من الساكن ولذلك منع الابتداء بها ولم تقع بعد شىء من الحروف السواكن فى كل ما تقدم لئلا يكون فى ذلك شبه من
التقاء الساكنين فكيف وقعت هنا بعد الألف؟
قيل: لا يمتنع وقوع الساكن بعد الألف إذا كان ذلك الساكن متثبتا بالحركة كالساكن المدغم «كالدابة» و «الطامة» فجاز وقوع هذه الهمزة الملينة بعد الألف لأنها وإن أشبهت الساكن بما دخلها من التسهيل فليست ساكنة بل متحركة بزنة المحققة كما نص عليه سيبويه حيث أنشد: [من البسيط] أان رأت رجلا أعمى أضرّ به (1)
ولا يلزم التزام هذا فى المتطرفة لأن الوقف موضع إسكان، والروم تحريك ضعيف غير ممكن، على أنه من حكم للروم بحكم الحركة الممكنة جعلها هناك بين بين أيضا كما تقدم.
فإن قيل: فهلا جعلت بين بين بعد الياء والواو الزائدتين للمد، كما فعل ذلك بعد الألف إذ الكل حروف مد؟
فالجواب: أنهم جعلوا للهمزة مع الألف حالا لا تكون لها مع الياء والواو لأن الألف أقعد فى باب المد والسكون.
ألا ترى أنك لو أردت تحريكها لم تقدر عليه ما دامت ألفا إلا أن تقلبها ياء أو واوا أو همزة بخلاف الياء والواو فإنهما يقبلان التحريك، وإن كان يصح وقوع الساكن المدغم بعدهما، كقراءة من شدد النون من {أَتُحََاجُّونِّي} [الأنعام: 180] و {أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64] و {أَرِنَا الَّذَيْنِ} [فصلت: 29] فى قراءة ابن كثير، والله عز جلاله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وإن شئت مكنت الألف قبلها، وإن شئت قصرتها».
وجه تمكين الألف: أنك أبقيت عليها من المد ما كانت تستحقه مع التحقيق، ولم تعتد بما عرض من زوال نبرتها بالتسهيل.
ووجه القصر: أنك راعيت اللفظ، ولا همز فيه فاعتددت بالعارض، والله جلت قدرته أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «وإذا كان ما قبل الهمزة متحركا».
__________
(1) تقدم.(1/415)
اعلم أن الهمزة إذا تحركت وتحرك ما قبلها، فإنها تكون مفتوحة، ومكسورة، ومضمومة، وما قبلها يكون كذلك فيتفقان مرة ويختلفان أخرى فيحصل من ذلك تسع صور:
الصورة الأولى: أن تكون الهمزة مفتوحة بعد فتح، نحو {سَأَلَ} و {ذَرَأَكُمْ}
[المؤمنون: 79] و {مُتَّكَأً} [يوسف: 31].
الصورة الثانية: أن تكون الهمزة مفتوحة بعد كسرة نحو {إِنَّ شََانِئَكَ}
[الكوثر: 3] و {مُلِئَتْ} [الجن: 8] و {فِئَةً} [الأنفال: 45] و {مِائَتَيْنِ}
[الأنفال: 66].
الثالثة: أن تكون مفتوحة بعد ضمة، نحو {الْفُؤََادَ} [الإسراء: 36] و {مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] و {يُؤَيِّدُ} [آل عمران: 13].
الرابعة: مكسورة بعد كسرة، نحو {الْخََاطِئِينَ} [يوسف: 29] و {وَالصََّابِئِينَ}
[البقرة: 62] و {الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95] وكذلك {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} [هود:
66] و {مِنْ عَذََابِ يَوْمِئِذٍ} [المعارج: 11] على قراءة حمزة، ومن وافقه.
[الخامسة: مكسورة بعد فتحة، نحو {بَئِيسٍ} و {حِينَئِذٍ} وكذلك (جبرئيل) [البقرة: 97] على قراءة حمزة، ومن وافقه] (1).
السادسة: مكسورة بعد ضمة، نحو {سُئِلَتْ} [التكوير: 8].
السابعة: مضمومة بعد ضمة، نحو {بِرُؤُسِكُمْ} [المائدة: 6].
الثامنة: مضمومة بعد فتحة، نحو {رَؤُفٌ} [البقرة: 207] و {يَؤُساً}
[الإسراء: 83] و {لََا يُؤَدِّهِ} [آل عمران: 75].
التاسعة: مضمومة بعد كسرة نحو {يَسْتَهْزِؤُنَ} [الأنعام: 5] و {سَنُقْرِئُكَ}
[الأعلى: 6] وكذلك {كََانَ سَيِّئُهُ} [الإسراء: 38] على قراءة حمزة ومن وافقه.
واعلم أن الهمزة فى هذه الصور التسع تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم لا خلاف بين سيبويه، وأبى الحسن الأخفش رحمهما الله أنه يسهل بالبدل.
وقسم لا خلاف بينهما أنه يسهل بين بين.
__________
(1) سقط فى ب.(1/416)
وقسم اختلفا فيه: فسيبويه يجعله بين بين على حركته، وأبو الحسن يبدله حرفا من جنس حركة ما قبله.
والأصل فى جميع التسهيل للهمزة المتحركة أن تجعل بين الهمزة والحرف الذى منه حركتها، وإنما يعدل عنه إلى البدل لعارض.
فالقسم الأول: الهمزة المفتوحة بعد الكسرة أو الضمة، تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها، فيبدلها فى {شََانِئَكَ}، ونحوه ياء، وفى {الْفُؤََادَ} ونحوه واوا، وسببه أنك لو جعلتها بين الهمزة والألف لكانت تشبه الألف فلا تقع بعد كسرة ولا بعد ضمة، كما لا تقع الألف الخالصة بعدهما، فلما تعذر تسهيلها على حركتها أبدلت حرفا من جنس حركة ما قبلها إذ هى أقرب إليها من حركة ما بعدها، كما أن حركتها فى نفسها أقرب إليها من حركة ما قبلها، ويدل على أن حركة ما قبل الحرف أحق به من حركة ما بعده تعذر النطق بالساكن ابتداء، وإن كان بعده حركة، وصحة النطق به إذا كان قبله حركة، فإذا تحرك صح النطق به ولم يفتقر إلى أن تكون قبله حركة.
والقسم الثانى: المتفق على تسهيله بين بين: كل همزة تتفق حركتها مع حركة ما قبلها، أو تكون مكسورة أو مضمومة بعد فتحة، لا خلاف أنها تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذى منه حركتها.
وهذا القسم يشتمل على أن الهمزة المفتوحة بعد الفتحة تسهل بين الهمزة والألف.
وزاد الشيخ، والإمام جواز إبدالها ألفا، ورجحا الوجه الأول.
والقسم الثالث: المختلف فيه: هو الهمزة المكسورة بعد الضمة، والمضمومة بعد الكسرة:
فسيبويه يسهلها بين الهمزة والحرف الذى منه حركتها.
وأبو الحسن يبدلها حرفا من جنس حركة ما قبلها، وحجته أنه لما لزم إبدالها، إذا كانت مفتوحة بعد الكسرة والضمة ولم يجز جعلها بين الهمزة والألف لكون الألف لا تثبت بعد الكسرة ولا بعد الضمة، فلتكن كذلك فيما انضم بعد الكسرة، أو انكسر بعد الضمة لأن المكسورة بعد الضمة لو سهلت بين الهمزة والياء على حركتها لكان فيها شبه بالياء الساكنة والياء الساكنة لا تثبت بعد الضمة، بل تنقلب واوا فلتكن هذه
[الهمزة] (1) كذلك، وكذلك المضمومة بعد الكسرة لو سهلت بين الهمزة والواو لدخلها شبه من الواو فينبغى أن تقلب ياء، كما أن الواو الساكنة تنقلب بعد الكسرة ياء.(1/417)
وأبو الحسن يبدلها حرفا من جنس حركة ما قبلها، وحجته أنه لما لزم إبدالها، إذا كانت مفتوحة بعد الكسرة والضمة ولم يجز جعلها بين الهمزة والألف لكون الألف لا تثبت بعد الكسرة ولا بعد الضمة، فلتكن كذلك فيما انضم بعد الكسرة، أو انكسر بعد الضمة لأن المكسورة بعد الضمة لو سهلت بين الهمزة والياء على حركتها لكان فيها شبه بالياء الساكنة والياء الساكنة لا تثبت بعد الضمة، بل تنقلب واوا فلتكن هذه
[الهمزة] (1) كذلك، وكذلك المضمومة بعد الكسرة لو سهلت بين الهمزة والواو لدخلها شبه من الواو فينبغى أن تقلب ياء، كما أن الواو الساكنة تنقلب بعد الكسرة ياء.
وهذا الذى قال أبو الحسن قياس ظاهر، غير أن سيبويه قال: «إن جعلها بين بين هو قول العرب، والخليل».
يريد: أنه كلام الفصحاء المعتمد، فإذا ثبت السماع (2) فلا عبرة بالقياس المخالف له إذ القياس إنما يستعمل فيما لم يرد فيه سماع ليتوصل إلى وجه كلام العرب لو تكلمت كيف كان ينبغى أن يكون كلامها، وغايته أن يثمر غلبة الظن، فإذا ورد السماع فقد حصل العلم بكلام العرب فلا حاجة إذ ذاك إلى القياس، ومع هذا فما قاله أبو الحسن لا ينكر أن يتكلم به بعض العرب قليلا ولا يطرد.
على أن ما حكاه سيبويه من كلام العرب له أيضا وجه وقياس معتبر يفرق به بين الألف وبين الياء والواو، بيانه: أن الألف لا يمكن وقوعها بعد كسرة، ولا ضمة البتة.
وأما الياء الساكنة فلا يمتنع أن ينطق بها بعد الضمة وإن كان ذلك بكلفة وثقل، وكذلك الواو الساكنة يمكن النطق بها بعد الكسرة على ثقل وتكلف أيضا فتقول:
«بيع» بضم الباء وسكون الياء، و «قول» بكسر القاف، وسكون الواو، لكن العرب رفضت التكلم بهذه الثقلة (3)، ولم تجر الهمزة الملينة بين الياء والهمزة مجرى الياء الخالصة فى ذلك، ولا جرت الهمزة الملينة بين الهمزة والواو مجرى الواو الخالصة، والله عز جلاله أعلم.
وذكر الحافظ رحمه الله فى أمثلة الهمزة المفتوحة بعد الكسرة (لئلا).
وكان ينبغى ألا يفعل لأن الهمزة فى (لئلا) إنما توسطت بدخول الزائد عليها فحقها أن تذكر فى الفصل بعد هذا.
وقوله ثمّ بعد هذا «تجعلها بين بين فى جميع أحوالها، وحركاتها، وحركات ما قبلها».
هذا الإطلاق جار على قول سيبويه لأنه يستوعب المكسورة بعد الضمة،
__________
(1) سقط فى أ.
(2) فى أ: للسماع.
(3) فى أ: المثقلة.(1/418)
والمضمومة بعد الكسرة، وذكر فى الأمثلة (يبنؤمّ) [طه: 94] وهو فى الأصل ثلاث كلمات:
إحداها: حرف النداء.
والثانية: «ابن».
والثالثة: «أم».
لكنه جعل «ابن» مع «أم» كلمة واحدة، فصارت الهمزة فيه بمنزلة المتوسطة فى أصل البنية ويلزم على قوله ألا يختلف فى تسهيلها فى الوقف، وكذا حكم (حينيذ) و (يوميذ)، وكذا يلزم فى (الذى ايتمن) [البقرة: 283] وأخواته لأنه إنما يذكر فى هذا الفصل ما لا يختلف فى تسهيله فى الوقف.
وقوله: «ما لم تكن صورتها ياء» إلى آخره.
حكم الوقف على (أنبيكم) وبابه مما كتب بالياء فى كونه يوقف عليه بالياء كحكم {هُزُواً} و {كُفُواً} فى الوقف عليه بالواو اتباعا للخط.
وقوله: «وهو قول الأخفش».
يريد فى جميع الهمزات إذا انضمت بعد كسرة، فحصل من هذا أنه يوافق أبا الحسن الأخفش تارة، ويوافق سيبويه أخرى، وذلك بحسب الخط فيقف على {سَنُقْرِئُكَ}
بالياء لأنه كتب بالياء، ويقف على {يَسْتَهْزِؤُنَ} بالهمزة المسهلة بين الهمزة والواو لأنه كتب بالواو، وقد حصل فيما ذكر الحافظ من أمثلة الهمزة الصور الثلاث.
قال الحافظ رحمه الله: «وإن انفتحت».
يعنى: بعد الفتحة لأنه قد تقدم حكمها إذا انفتحت بعد الكسرة أو الضمة فحصل من هذا الموضع ومما تقدم الصور الثلاث التى فيها الهمزة مفتوحة.
وذكر فى أمثلتها {وَيْكَأَنَّ} [القصص: 82] و {وَيْكَأَنَّهُ} [القصص: 82].
وهذه الكلمة مركبة من «أن» وما قبلها.
وفيه خلاف: قيل: إن «ويك» أصله «ويلك» كما قال عنترة: [من الكامل] ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم (1)
__________
(1) البيت لعنترة فى ديوانه ص 219، والجنى الدانى ص (353)، وخزانة الأدب (6/ 406، 408، 421)، وشرح الأشمونى (2/ 486)، وشرح شواهد المغنى ص (481، 787)، وشرح المفصل (4/ 77)، والصاحبى فى فقه اللغة ص (177)، ولسان العرب (ويا)،(1/419)
يريد: ويلك، وعلى هذا تكون «أن» محمولة على فعل مضمر كأنه قال:
اعلم أن الله يبسط الرزق واعلم أنه لا يفلح الكافرون.
وقيل: إن «وى» حرف تنبيه، وفيه معنى التعجب، كما تقول: وى لم فعلت كذا؟! والكاف حرف خطاب فتكون «أن» [محمولة] على فعل مضمر كما تقدم.
ويبعد عندى جعل الكاف للتشبيه لفساد المعنى إلا على قول من زعم أنها قد تخرج عن التشبيه إلى التحقيق، واستدل بقول الشاعر: [من الوافر] فأصبح بطن مكة مقشعرا ... كأن الأرض ليس بها هشام (1)
وهو يريد: لأن الأرض ليس بها هشام.
ولا حجة فى هذا البيت على إخراج «كأن» عن معنى التشبيه لما هو مذكور فى كتب النحو (2).
__________
والمحتسب (1/ 16)، (2/ 56)، والمقاصد النحوية (4/ 318)، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب ص (369).
والشاهد فيه: مجىء (وى) اسم فعل مضارع، بمعنى: أعجب، وقد لحقتها كاف الخطاب. وقال الكسائى: إن (ويك) محذوفة من (ويلك)، فالكاف، على قوله، ضمير مجرور.
ويروى: (قول)، بدلا من (قيل).
(1) البيت للحارث بن خالد فى ديوانه ص (93)، والاشتقاق ص (101، 147)، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص (571)، وجواهر الأدب ص (93)، والدرر (2/ 163)، وشرح التصريح (1/ 212)، وشرح شواهد المغنى (2/ 515)، ولسان العرب (قثم) ومغنى اللبيب (1/ 192)، وهمع الهوامع (1/ 133).
والشاهد فيه: أن (كأن) أفادت التحقيق عند الكوفيين. وقال ابن مالك: الكاف، هنا للتعليل. وقيل: البيت محمول على التشبيه فإن الأرض ليس بها هشام حقيقة، بل هو فيها مدفون.
(2) جاء فى اللباب فى علوم الكتاب:
قوله: {وَيْكَأَنَّ اللََّهَ} {وَيْكَأَنَّهُ}، فيه مذاهب منها:
أن (وى) كلمة برأسها، وهى اسم فعل معناها: أعجب، أى: أنا، والكاف للتعليل، و (أن) وما فى حيزها مجرورة بها، أى: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون، وسمع كما أنه لا يعلم غفر الله له، وقياس هذا القول أن يوقف على (وى) وحدها، وقد فعل ذلك الكسائى، إلا أنه ينقل عنه أنه يعتقد فى الكلمة أن أصلها (ويلك)، وهذا ينافى وقفه، وأنشد سيبويه:
وى كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ
الثانى: قال بعضهم (كأن) هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه، وصارت للخبر والتيقن،(1/420)
فحصل من هذا أن الهمزة فى {وَيْكَأَنَّ} مبتدأة فى الأصل، وإنما صارت متوسطة بالتركيب كالهمزة فى (يبنؤمّ) مما حكم له بحكم المتوسط الأصلى، ويؤكد أنها عند حمزة كذلك كونه لا يقف على الياء ولا على الكاف، كما يأتى فى باب الوقف على مرسوم الخط بحول الله تعالى.
قال الحافظ رحمه الله: «وإن انكسرت» إلى آخره.
ذكر فى الأمثلة {سُئِلَ} وهو فى البقرة فى قوله تعالى: {كَمََا سُئِلَ مُوسى ََ مِنْ قَبْلُ} [الآية: 108].
__________
وأنشد:
كأننى حين أمسى لا يكلمنى ... متيم يشتهى ما ليس موجودا
وهذه أيضا يناسبها الوقف على (وى).
الثالث: أن (ويك) كلمة برأسها والكاف حرف خطاب، و (أن) معمولة لمحذوف، أى:
اعلم أنه لا يفلح، قاله الأخفش، وعليه قوله:
ألا ويك المسرة لا تدوم ... ولا يبقى على البؤس النعيم
وقول عنترة:
ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
وحقه أن نقف على (ويك) وقد فعله أبو عمرو بن العلاء.
الرابع: أن أصلها (ويلك) فحذف، وإليه ذهب الكسائى ويونس وأبو حاتم، وحقهم أن يقفوا على الكاف كما فعل أبو عمرو، ومن قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين فإنه يحتمل أن يكون الأصل فيهما (ويلك) فحذف، ولم يرسم فى القرآن إلا (ويكأن) (ويكأنه) متصلة فى الموضعين. فعامة القراء اتبعوا الرسم، والكسائى وقف على (وى) وأبو عمرو على (ويك).
الخامس: أن (ويكأن) كلها كلمة مستقلة بسيطة، ومعناها: (ألم تر)، وربما نقل ذلك عن ابن عباس، ونقل الكسائى والفراء أنها بمعنى: أما ترى إلى صنع الله، قال الفراء: هى كلمة تقرير، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك؟ قال: وى كأنه وراء البيت؟! يعنى: أما ترينه وراء البيت، وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى: رحمة لك فى لغة حمير.
ينظر: اللباب (15/ 299297).
وجاء فى الكتاب لسيبويه: وسألت الخليل رحمه الله تعالى عن قوله: (ويكأنه لا يفلح) و [عن] قوله تعالى جده: (ويكأن الله) فزعم أنها «وى» مفصولة من «كأن»، والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم، أو نبهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون هذا عندكم هكذا. والله تعالى أعلم.
وأما المفسرون فقالوا: ألم تر أن الله.
وقال القرشى، وهو زيد بن عمرو بن نفيل:
سالتانى الطلاق أن رأتانى ... قل ما لى، قد جئتمانى بنكر
وى كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
ينظر الكتاب (2/ 155154).(1/421)
وفى التكوير: {سُئِلَتْ} [الآية: 8].
وحصل فى هذه الأمثلة الهمزة المكسورة بعد الفتحة وبعد الضمة، ولم يذكر [التى] (1) بعد الكسرة، إلا أن يحمل قوله: {يَوْمَئِذٍ} على الحرف الذى فى سورة هود عليه السلام [66]، والمعارج [11] لأنه يقرؤهما بكسر الميم كما تقدم، والله جل وعلا أعلم.
وقد تقدم أن {يَوْمَئِذٍ} و {حِينَئِذٍ} من قبيل المركب من كلمتين.
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «واعلم أن جميع ما يسهله حمزة من الهمزات، فإنما يراعى فيه خط المصحف دون القياس كما قدمناه».
يريد ما تقدم حين ذكر {أُنَبِّئُكُمْ} وأخواته.
قال: «وقد اختلف أصحابنا فى تسهيل ما يتوسط من الهمزات بدخول الزوائد عليهن».
وقد تقدم فى باب نقل الحركة ذكر السبب الذى لأجله وصل حرف المعنى بما بعده فى الخط إذا كان على حرف واحد من حروف التهجى فأغنى عن إعادته هنا.
وذكر الحافظ فى هذا الفصل اختلافا فى التسهيل والتحقيق فى الوقف:
فوجه التحقيق: رعى الأصل، ورفض الاعتداد بالعارض.
ووجه التسهيل: رعى الخط، وتحكيم الاعتداد بالعارض.
وقال فى آخر الفصل: «والمذهبان جيدان وبهما ورد نص الرواة».
واعلم أن حاصل قول الإمام والحافظ فى هذا الفصل واحد، وهو أن الكلمة التى فى أولها همزة إذا دخل عليها حرف من حروف المعانى مما هو على حرف واحد من حروف التهجى، فإنه يجوز فى الوقف عليها تحقيق الهمزة وتسهيلها، وكذلك إن اتصل بها ياء النداء وهاء التنبيه مما هو على حرفين من حروف التهجى، إلا أن الإمام رجح فى هذا الذى هو على حرفين التحقيق لأنه منفصل مما بعده.
ومذهب الشيخ التحقيق فى الجميع، والله أعلم وأحكم.
__________
(1) سقط فى أ.(1/422)
واعلم أن هذا القول مستغرب من الحافظ، كيف يطلق القول بتجويد المذهبين، وقد قال فى أول الفصل: «إن حمزة يراعى فى التسهيل خط المصحف»، أليس أكثر أمثلة هذا الفصل لا يمكن موافقتها لخط المصحف إلا إذا حققت الهمزة، وأنها إن سهلت خالفت الخط؟! بيان ذلك: أن قوله تعالى: {فَبِأَيِّ} و {بِأَهْلِكُمْ} [يوسف: 93] الهمزة فيهما مفتوحة بعد كسرة وقد كتبت بالألف.
فإن سهلت بالبدل على حركة ما قبلها، خالفت الخط ولا يمكن جعلها بين الهمزة والألف لوقوعها بعد الكسرة.
وقوله تعالى: {لَأُقَطِّعَنَّ} [الأعراف: 124] و {يََا أُخْتَ} [مريم: 28] همزتهما مضمومة بعد فتحة فقياسها أن تسهل بين الهمزة والواو، ولكن إن فعلت ذلك خالفت الخط لأنها كتبت بالألف.
وكذلك قوله تعالى: {لَبِإِمََامٍ} [الحجر: 79] و {لِإِبْرََاهِيمَ} الهمزة مكسورة بعد كسرة فقياسها فى التسهيل أن تكون بين الهمزة والياء، لكن إن فعلت ذلك خالفت الخط لأنها مكتوبة بالألف.
فأما حيث يكون الخط موافقا لمقتضى القياس فهناك يحسن أن يقول:
والمذهبان جيدان، نحو: (لئلّا) فإنه كتب بالياء، وكذلك (بأييد)، فإنه كتب بياءين بعد الألف، فالألف صورة الهمزة لمن حقق، والياء صورتها لمن سهل، وكذا (بأيّيكم المفتون) [القلم: 6] وعلى هذا يجرى مما ذكر فى المتوسطة قبل هذا بتسهيل (يوميذ)، و (حينيذ) و (يبنؤمّ)، والله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه أعلم وأحكم.
باب الإظهار والإدغام للحروف السواكن
قد تقدم فى أول الكتاب أن الإدغام صغير، وكبير، وتقدم أن الإدغام الكبير مخصوص بما هو متحرك فى قراءة من قرأه بالإظهار، وأن الإدغام الصغير وهو الخاص بهذا الباب مخصوص بما يكون الحرف الأول منه ساكنا فى قراءة من أدغمه أو أظهره ولهذا عبر الحافظ رحمه الله بقوله: «للحروف السواكن».
واعلم أن الحروف التى يتكلم فيها فى هذا الباب تنقسم قسمين:
أحدهما: أن يكون الحرف ساكنا فى أصل وضعه.(1/423)
واعلم أن الحروف التى يتكلم فيها فى هذا الباب تنقسم قسمين:
أحدهما: أن يكون الحرف ساكنا فى أصل وضعه.
والثانى: أن يكون له أصل فى التحريك، لكنه استعمل الكلام الذى هو فيه ساكنا لسبب، وأسمى سكون القسم الأول: سكونا أصليا، والثانى: سكونا عارضا.
فإذا تقرر هذا الاصطلاح فاعلم أنّ ما سكونه أصلى ينحصر فى خمسة أحرف:
وهى ذال إذ، ودال قد، وتاء التأنيث المتصلة بالفعل، واللام من «هل» و «بل»، والنون الساكنة والتنوين، ويلحق بهذا القسم من حيث إنه ساكن فى الأصل دال الصاد من {كهيعص} [مريم: 1] ونون السين من {طسم} فى السورتين [الشعراء:
1]، و [القصص: 1] ومن {يس} [الآية: 1] و {ن وَالْقَلَمِ} [الآية: 1].
وقد ذكر الحافظ الخلاف فيها فى مواضعها من فواتح السور فأغنى عن ذكره هنا، فأتكلم الآن على الحروف الخمسة بحول الله تعالى وقوته.
ذكر ذال «إذ»
(1)
اعلم أن الحروف الثمانية والعشرين المجموعة فى رسم «أبجد» على ضربين:
__________
(1) إذ: لفظ مشترك، يكون اسما، وحرفا، وجملة أقسامه ستة:
الأول: أن يكون ظرفا لما مضى من الزمان، نحو: قمت إذ قام زيد، ولا خلاف فى اسمية هذا القسم، والدليل على اسمية (إذ) هذه من أوجه:
أحدها: الإخبار بها، مع مباشرة الفعل، نحو: مجيئك إذ جاء زيد.
وثانيها: إبدالها من الاسم، نحو: رأيتك أمس إذ جئت.
وثالثها: تنوينها، فى غير ترنم، نحو: يومئذ.
ورابعها: الإضافة إليها، بلا تأويل، نحو: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنََا} [آل عمران: 8].
وهى مبنية لافتقارها إلى ما بعدها من الجمل، أو لما عوّض منها، وهو التنوين فى:
يومئذ، وحينئذ، ونحوهما. وإنما كسرت الذال، فى ذلك لالتقاء الساكنين.
وذهب الأخفش إلى أنها كسرة إعراب.
قال: لأن (إذ) إنما بنيت لإضافتها إلى الجملة، فلما حذفت الجملة عاد إليها الإعراب فجرت بالإضافة.
ورد بأوجه:
أحدها: أن سبب بنائها ليس هو الإضافة إلى الجملة، وإنما هو افتقارها إلى الجملة، والافتقار عند حذف الجملة أبلغ فالبناء حينئذ أولى.
وثانيها: أن بعض العرب يفتح الذال تخفيفا، فيقول: حينئذا.
وثالثها: أن الكسر يوجد، دون إضافة، كقول الشاعر:
نهيتك عن طلابك أم عرو ... بعافية، وأنت، إذ، صحيح
قال المرادى: أجاب الأخفش عن هذا بأنه أراد: حينئذ، فحذف (حينا) وأبقى الجر،(1/424)
__________
وفيه بعد.
واعلم أن (إذ) تضاف إلى الجملتين: الاسمية، والفعلية، ولا تضاف إلى جملة شرطية، إلا فى ضرورة، ويقبح أن يليها اسم، بعده فعل ماض، نحو: كان ذلك إذ زيد قام لما فيه من الفصل بين المتناسبين ولذلك حسن: إذ زيد يقوم.
تنبيه: (إذ) المذكورة لازمة للظرفية، إلا أن يضاف إليها زمان، نحو: يومئذ، وحينئذ، ولا تتصرف، بغير ذلك فلا تكون فاعلة، ولا مبتدأ.
وأجاز الأخفش والزجاج، وتبعهما كثير من المعربين، أن تقع مفعولا به، وذكروا ذلك فى آيات كثيرة، كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الأنفال: 26]، ف (إذ) فى هذه الآية ونحوها مفعول به.
ومن لم ير ذلك جعل المفعول محذوفا، و (إذ) ظرف عامله ذلك المحذوف. والتقدير:
واذكروا نعمة الله عليكم إذ، أو: واذكروا حالكم إذ، ونحو ذلك.
الثانى: أن تكون ظرفا لما يستقبل من الزمان، بمعنى (إذا)، ذهب إلى ذلك قوم من المتأخرين، منهم ابن مالك، واستدلوا بقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلََالُ فِي أَعْنََاقِهِمْ} [الرعد: 5] وبآيات أخر.
وذهب أكثر المحققين إلى أن (إذ) لا تقع موقع (إذا) ولا (إذا) موقع (إذ)، وهو الذى صححه المغاربة، وأجابوا عن هذه الآية ونحوها، بأن الأمور المستقبلة لما كانت فى إخبار الله تعالى، متيقنة مقطوعا بها عبر عنها بلفظ الماضى، وبهذا أجاب الزمخشرى، وابن عطية، وغيرهما.
الثالث: أن تكون للتعليل، نحو قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف:
39]، {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ} [الأحقاف: 11]، ومنه قول الفرزدق:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر
واختلف فى (إذ) هذه:
فذهب بعض المتأخرين إلى أنها تجردت عن الظرفية، وتمحضت للتعليل، ونسب إلى سيبويه، وصرح ابن مالك، فى بعض نسخ (التسهيل)، بحرفيتها.
وذهب قوم، منهم الشلوبين، إلى أنها لا تخرج عن الظرفية، قال بعضهم: وهو الصحيح.
الرابع: أن تكون للمفاجأة، ولا تكون للمفاجأة إلا بعد (بينا) و (بينما).
قال سيبويه: بينا أنا كذا إذ جاء زيد، فهذا لما توافقه وتهجم عليه.
واختلف فى (إذ) هذه:
فقيل: هى باقية على ظرفيتها الزمانية.
وقيل: هى ظرف مكان، كما قال بعضهم ذلك فى (إذا) الفجائية.
وقال ابن مالك: المختار عندى الحكم بحرفيتها.
وذهب بعضهم إلى أنها زائدة.
قال المرادى: فإن قلت: إذا جعلت ظرفا فما العامل فيها؟ قلت: قال ابن جنى:
الناصب لها هو الفعل الذى بعدها، وليست مضافة إليه، والناصب ل (بينا) و (بينما)(1/425)
أحدهما: لم يقع فى القرآن بعد ذال إذ، وذلك ستة أحرف: الطاء، والميم، والثاء، والشين المثلثتان، والضاد، والخاء المعجمتان، ويجمعها قولك: طمث شضخ.
والضرب الثانى: وقع بعدها وهو باقى الحروف، وهو على نوعين:
أحدهما: أن يكون ساكنا، فيلزم كسر الذال هربا من التقاء الساكنين، والذى ورد من ذلك فى القرآن {وَإِذِ اسْتَسْقى ََ} [البقرة: 60] و {وَإِذِ ابْتَلى ََ} [البقرة: 124]
__________
فعل يقدر مما بعد (إذ).
وقال الشلوبين: العامل فى (بينا) ما يفهم من سياق الكلام، و (إذ) بدل من (بينا)، أى:
حين أنا كذلك، إذ جاء زيد، وافقت مجىء زيد.
والفصيح: ألا يؤتى ب (إذ) بعد (بينا) و (بينما)، والإتيان بها بعدهما عربى، خلافا لمن أنكره.
الخامس: أن تكون شرطية، فيجزم بها، ولا تكون كذلك إلا مقرونة ب (ما) لأنها إذا تجردت لزمتها الإضافة إلى ما يليها. والإضافة من خصائص الأسماء فكانت منافية للجزم، فلما قصد جعلها جازمة ركبت مع (ما) لتكفها عن الإضافة، وتهيئها لما لم يكن لها من معنى وعمل، ولكونها تركبت مع (ما) عدها بعضهم فى الحروف الرباعية، واختلف النحويون فيها:
فذهب سيبويه إلى أنها حرف شرط ك (إن) الشرطية.
وذهب المبرد، وابن السراج، وأبو على، ومن وافقهم، إلى أنها باقية على اسميتها، وأن مدلولها من الزمان صار مستقبلا، بعد أن كان ماضيا.
قال ابن مالك: والصحيح: ما ذهب إليه سيبويه لأنها قبل التركيب حكم باسميتها لدلالتها على وقت ماض، دون شىء آخر يدعى أنها دالة عليه، ولمساواتها الأسماء، فى قبول بعض علامات الاسمية: كالتنوين، والإضافة إليها، والوقوع موقع مفعول فيه، ومفعول به.
وأما بعد التركيب فمدلولها المجتمع عليه: المجازاة، وهو من معانى الحروف، ومن ادعى أن لها مدلولا آخر زائدا على ذلك، فلا حجة له، وهى مع ذلك غير قابلة لشىء من العلامات التى كانت قابلة لها قبل التركيب فوجب انتفاء اسميتها، وثبوت حرفيتها.
تنبيه: خص بعضهم الجزم ب (إذ ما) بالشعر، وجعلها ك (إذا). والصحيح: أن الجزم بها جائز فى الاختيار.
السادس: أن تكون زائدة ذهب إلى ذلك أبو عبيدة، وابن قتيبة، وجعلا من ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قََالَ رَبُّكَ لِلْمَلََائِكَةِ} [البقرة: 30]، ومواضع آخر فى القرآن. ومذهبهما فى ذلك ضعيف، وكانا يضعفان فى علم النحو.
وزاد بعضهم ل (إذ) قسما سابعا، وهو أن تكون بمعنى (قد). وجعل (إذ) فى قوله تعالى: {وَإِذْ قََالَ رَبُّكَ} بمعنى (قد) وليس هذا القول بشيء. والله أعلم.
ينظر الجنى الدانى (192185).(1/426)
و {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ} [سبأ: 31] و {إِذِ الْتَقَيْتُمْ}، و {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ}
[الكهف: 16] و {إِذِ انْتَبَذَتْ} [مريم: 16] و {إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12] و {إِذِ الْأَغْلََالُ} [غافر: 71].
والنوع الثانى: وهو المقصود: أن يكون الحرف الواقع بعد إذ متحركا.
وينقسم ثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء على إدغام إذ فيه.
وقسم اتفقوا على إظهاره عنده.
وقسم فيه خلاف.
القسم الأول: حرفان:
الذال فى قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ} [الأنبياء: 87] وليس فى القرآن غيره.
والظاء فى قوله تعالى:
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف: 39]، وفى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 64] وليس فى القرآن غيرهما.
القسم الثانى: أربعة عشر حرفا يجمعها قولك: ربك أحق غنى له عفو: فالراء:
{إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17]، {إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا} [طه: 92]، والباء: {وَإِذْ بَوَّأْنََا}
[الحج: 26]، و {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ} [آل عمران: 164]، والكاف: {وَإِذْ كَفَفْتُ}
[المائدة: 110]، و {إِذْ كُنْتُمْ} [آل عمران: 103]، والهمزة: {إِذْ أَوْحَيْنََا} [طه:
38]، و {إِذْ أَيَّدْتُكَ} [المائدة: 110]، والحاء: {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}
[البقرة: 133]، والقاف: {وَإِذْ قُلْنََا} [البقرة: 34]، و {إِذْ قَرَّبََا} [المائدة: 27]، والغين: {وَإِذْ غَدَوْتَ} [آل عمران: 121]، والنون: {إِذْ نَفَشَتْ} [الأنبياء: 78]، و {إِذْ نََادَيْنََا وَلََكِنْ} [القصص: 46]، و {وَإِذْ نَتَقْنَا} [الأعراف: 171]، والياء: {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذََابَ} [البقرة: 165]، و {إِذْ يَقُولُ} [التوبة: 40]، و {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163]، واللام: {إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً} [النساء: 72]، {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدََاءِ} [النور: 13]، و {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} [الأحقاف: 11]، و {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتََابَ اللََّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: 13]، والهاء: {إِذْ هَمَّتْ طََائِفَتََانِ} [آل عمران:
122]، و {وَإِذْ هُمْ نَجْوى ََ} [الإسراء: 47]، والعين: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} [ص:
31]، والفاء: {إِذْ فَزِعُوا} [سبأ: 51]، و {وَإِذْ فَرَقْنََا} [البقرة: 50]، والواو: {وَإِذْ وََاعَدْنََا} [البقرة: 51].(1/427)
122]، و {وَإِذْ هُمْ نَجْوى ََ} [الإسراء: 47]، والعين: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} [ص:
31]، والفاء: {إِذْ فَزِعُوا} [سبأ: 51]، و {وَإِذْ فَرَقْنََا} [البقرة: 50]، والواو: {وَإِذْ وََاعَدْنََا} [البقرة: 51].
القسم الثالث: المختلف فيه ستة أحرف، وهى التى ذكر الحافظ، ويجمعها قولك: «سجز تصدّ».
فالسين: {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [النور: 12]، والجيم: {إِذْ جَعَلَ} [المائدة: 20]، {إِذْ جََاءَ} [الصافات: 84]، و [الزاى] {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ} [الأنفال: 48]، والتاء: {إِذْ تَبَرَّأَ} [البقرة: 166]، و {وَإِذْ تَأَذَّنَ} [الأعراف: 167]، و {إِذْ تَأْتِيهِمْ}
[الأعراف: 163]، و {إِذْ تُفِيضُونَ} [يونس: 61]، والصاد {وَإِذْ صَرَفْنََا}
[الأحقاف: 29]، والدال {إِذْ دَخَلُوا عَلى ََ دََاوُدَ} [ص: 22].
فمن القراء من أظهر الذال عند جميعها، وهم الحرميان، وعاصم.
ومنهم من أدغم فى الجميع، وهما أبو عمرو وهشام.
ومنهم من فصل، وهم الباقون:
فأدغم ابن ذكوان فى الدال خاصة، وأظهر عند البواقى.
وأظهر الكسائى عند الجيم خاصة، وأدغم فى البواقى.
وأما حمزة فأدغم فى الدال والتاء، وأظهر عند الجيم، واختلف راوياه عند البواقى، وهى حروف الصفير: فأظهر خلف، وأدغم خلاد.
وقد بين الحافظ هذا القسم المختلف فيه، وكان ينبغى له أن ينبه على القسمين الأولين فيقول: واتفقوا على الإدغام فى الذال والظاء، وعلى الإظهار عند البواقى إذ قد يتحير الناظر فى كتابه حيث لم ينبه على ما ذكرته، والله عز وعلا أعلم.
ذكر دال «قد»
(1)
اعلم أن من الحروف ما لم يقع فى القرآن بعد دال «قد» وذلك: الطاء المهملة،
__________
(1) قد تأتى على وجهين:
أحدهما: تكون اسما، وهو على ضربين:
الأول: تكون اسم فعل بمعنى (يكفى)، فيقال: قد زيدا درهم، وقدنى درهم، كما يقال: يكفى زيدا درهم، ويكفينى درهم.
الضرب الثانى: تكون اسما مرادفا ل «حسب»، وفيه لغتان:
إحداهما: أن يستعمل مبنيا، وهو الغالب لشبهه ب «قد» الحرفية الآتية بعد، إن شاء الله تعالى فيقال: قد زيد درهم بالسكون، وقدنى درهم، بالنون على غير قياس لأن نون(1/428)
والثاء المثلثة، والغين المعجمة، وما عدا ذلك فقد وقع بعدها على النوعين المذكورين، فما كان منه ساكنا كسرت الدال قبله لئلا يلتقى ساكنان نحو {فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137] و {لَقَدِ ابْتَغَوُا} [التوبة: 48] و {وَلَقَدِ اخْتَرْنََاهُمْ}
[الدخان: 32] و {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنََاهُ} [البقرة: 130] و {فَقَدِ افْتَرى ََ} [النساء: 48] و {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ} [البقرة: 256] و {فَقَدِ احْتَمَلَ} [النساء: 112] و {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا} [الفرقان: 21].
__________
الوقاية مختصة بالأفعال، ولكنهم جاءوا بها حرصا على بقاء السكون لأنه الأصل فى البناء.
الثانية: أن يستعمل معربا، وهو قليل، يقال: قد زيد درهم، بالرفع، كما يقال: حسبه درهم، بالرفع، وقدى درهم، بغير نون، كما يقال: حسبى.
قال طرفة يصف سيفه:
أخى ثقة لا ينثنى عن ضريبة ... إذا قيل مهلا قال حاجزه قدى
وأما قول حميد الأرقط:
قدنى من نصر الخبيبين قدى فتحتمل (قد) الأولى أن تكون مرادفة ل «حسب» على لغة البناء. وأن تكون اسم فعل، وأما الثانية: فتحتمل أن تكون بمعنى «حسب» على لغة الإعراب وهو واضح، ويحتمل أن تكون بمعنى «حسب» على لغة البناء، وحذفت النون للضرورة كقول الشاعر:
عددت قومى كعديد الطيس ... إذ ذهب القوم الكرام ليسى
ويحتمل أن تكون اسم فعل لم يذكر مفعوله والياء للإطلاق والكسر لالتقاء الساكنين.
الوجه الثانى: أن تكون حرفا وتختص بالدخول على الأفعال، وربما حذف الفعل بعد (قد) إذا دل عليه الكلام كقول النابغة:
أزف الترحّل غير أن ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأن قد
أى: وكأن قد زالت، وله خمسة معان:
الأول: التوقع: فتكون جوابا لمتوقع، وهى نقيض (ما) التى للنفى، ولا يبتدأ بها إلا أن تكون جوابا لمتوقع قبل، وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] على هذا المعنى لأن القوم توقعوا علم حالهم عند الله تبارك وتعالى فقيل لهم: قد أفلح المؤمنون.
والتوقع مع المضارع واضح كقولك: قد يقدم الحاج إلى شهر، وأما مع الماضى فأثبته الأكثرون.
وقال الخليل: يقال: (قد فعل) لقوم ينتظرون الخبر، فأما إذا أخبرهم وهم لا ينتظرون الخبر لم يأت ب (قد)، ومنه قول المؤذن: (قد قامت الصلاة)، لأن الجماعة منتظرون لذلك، ومنه قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجََادِلُكَ} [المجادلة: 1] لأنها كانت تتوقع إجابة الله سبحانه لدعائها.(1/429)
و {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} [الأنعام: 10].
وما كان متحركا فينقسم ثلاثة أقسام:
قسم اتفقوا على إدغام دال «قد» فيه.
وقسم اتفقوا على إظهاره عنده.
وقسم فيه خلاف.
فالقسم الأول: حرفان:
الدال فى قوله تعالى:
{وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} [المائدة: 61].
والتاء فى قوله تعالى: {لَقَدْ تََابَ اللََّهُ} [التوبة: 117]. و {قَدْ تَبَيَّنَ} فى البقرة [256]. {وَلَقَدْ تَرَكْنََا} فى العنكبوت [35]، والقمر [15].
__________
ومنعه بعضهم مع الماضى بأنه قد وقع، والتوقع لا يجامع الوقوع، وهذا لا يلزم المثبتين لأنهم لا يقولون بتوقعه حال وقوعه، وإنما يقولون: إن الإخبار بالماضى كان متوقعا قبل وقوعه.
الثانى: تقريب الماضى من الحال تقول: قام زيد، فيحتمل الماضى القريب والماضى البعيد، فإذا قلت: قد قام زيد، اختص بالقريب.
الثالث: التقليل لوقوع الفعل كقولك: قد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل، وزعم بعضهم أنها فى هذه الأفعال ونحوها للتحقيق كقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مََا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:
64]، وأن التقليل مستفاد فى المثالين من قولك: البخيل يجود والكذوب يصدق، لا من (قد) فإنه إذا لم يحمل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسدا إذ آخر الكلام يناقض أوله.
الرابع: التكثير، قاله سيبويه فى قول الهذلى:
قد أترك القرن مصفرا أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد
وقال الزمخشرى فى قوله تعالى: {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} [البقرة: 144] أى: ربما نرى، ومعناه تكثير الرؤية.
واستشهد جماعة على هذا المعنى بقول الشاعر:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملنى ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب
الخامس: التحقيق بمعنى: إن ذلك كان، وأنشد بعضهم على ذلك قول الهذلى:
قد أترك القرن مصفرا أنامله أى: أن ذلك من عادتى فى الحرب.
ومنه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} [الشمس: 9] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ} [البقرة: 65] وقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مََا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64].
ينظر مصابيح المغانى (325320).(1/430)
والقسم الثانى: خمسة عشر حرفا يجمعها قولك: العفو خير بحقك نمه.
فالهمزة {وَلَقَدْ أَنْزَلْنََا} [البقرة: 99]، واللام {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ} [يونس:
16]. و {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتََابِ اللََّهِ} [الروم: 56]، والعين {وَلَقَدْ عَهِدْنََا} [طه:
115].
{وَلَقَدْ عَلِمُوا} [البقرة: 102]. والفاء {قَدْ فَرَضَ اللََّهُ لَكُمْ} [التحريم: 2].
و {فَقَدْ فََازَ} [آل عمران: 185]. و {قَدْ فَصَّلْنَا} [الأنعام: 97] الآيات، والواو {أَنْ قَدْ وَجَدْنََا} [الأعراف: 44]. {وَلَقَدْ وَصَّلْنََا} [القصص: 51]. و {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ} [النساء: 100].
والخاء {قَدْ خَرَجُوا} [المائدة: 61]، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا} [المؤمنون: 12]. {وَقَدْ خََابَ} [طه: 61]، و {قَدْ خَسِرُوا} [الأعراف: 53]، والياء {قَدْ يَعْلَمُ اللََّهُ} [النور:
63]، و {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا} [القمر: 32]، و {قَدْ يَئِسُوا} [الممتحنة: 13]، والراء {وَلَقَدْ رََاوَدُوهُ} [القمر: 37]، و {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} [آل عمران: 143]، و {فَقَدْ رَحِمَهُ}
[الأنعام: 16]، والباء {قَدْ بَيَّنَّا} [البقرة: 118]، و {وَلَقَدْ بَوَّأْنََا بَنِي إِسْرََائِيلَ}
[يونس: 93]، والحاء {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ} [يس: 7]، و {فَقَدْ حَرَّمَ اللََّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}
[المائدة: 72]، و {قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبََادِ} [غافر: 48]، والقاف {قَدْ قََالَهَا الَّذِينَ}
[الزمر: 50]، والكاف {وَلَقَدْ كَرَّمْنََا} [الإسراء: 70]، و {وَقَدْ كُنْتُمْ} [يونس:
51]، {وَلَقَدْ كَتَبْنََا فِي الزَّبُورِ} [الأنبياء: 105]، {فَقَدْ كَذَّبُوا} [الأنعام: 5]، والنون {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} [البقرة: 144]، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ} [الحجر: 97]، {وَلَقَدْ نََادََانََا نُوحٌ} [الصافات: 75]، والميم {وَلَقَدْ مَنَنََّا عَلى ََ مُوسى ََ} [الصافات: 114]، و {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38]، والهاء {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف:
24].
والقسم الثالث: المختلف فيه: ثمانية أحرف، وهى التى ذكر الحافظ فى هذا الفصل، ويجمعها أوائل كلمات هذا البيت: [من الوافر] شهدت ضحى ظباء سابحات ... ذكرت زمان جرد صافنات (1)
فالشين {قَدْ شَغَفَهََا} [يوسف: 30] لا غير، والضاد {قَدْ ضَلُّوا} [النساء:
__________
(1) البيت بلا نسبة فى اللسان (جرد) والعنوان فى القراءات السبع ص 56.(1/431)
167] والظاء {فَقَدْ ظَلَمَ} [الطلاق: 1] والسين {قَدْ سَأَلَهََا} [المائدة: 102] و {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: 1] و {مََا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] والذال {وَلَقَدْ ذَرَأْنََا}
[الأعراف: 179] والزاى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمََاءَ} [الملك: 5] والجيم {وَلَقَدْ جََاءَكُمْ} [البقرة: 92] والصاد {وَلَقَدْ صَرَّفْنََا} [الإسراء: 89] و {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ} [الفتح: 27].
فمن القراء من أظهر دال «قد» عند الجميع وهم قالون، وابن كثير، وعاصم.
ومنهم من أدغم فى الجميع، وهم أبو عمرو، وحمزة، والكسائى، وهشام، غير أن هشاما استثنى {لَقَدْ ظَلَمَكَ} فى «ص» فأظهره.
ومنهم من فصل:
فأدغم ورش فى الظاء، والضاد، وأظهر عند البواقى.
وأدغم ابن ذكوان فى الضاد والظاء والذال، واختلف عنه عند الزاى، وكان ينبغى للحافظ أن ينبه على القسمين الأولين كما تقدم.
وافق الشيخ، والإمام على كل ما تقدم، إلا فى مذهب ابن ذكوان عند (1) الزاى، فطريقهما عنه الإدغام لا غير.
وزاد الإمام عن هشام الإدغام فى {لَقَدْ ظَلَمَكَ} فى «ص»، والله تبارك اسمه وتعالى جده أعلم.
ذكر تاء التأنيث المتصلة بالفعل
اعلم أنه لم يقع بعدها فى القرآن الضاد، ولا الشين المعجمتان.
فأما الخاء والذال المعجمتان فوقعا بعدها فى قوله تعالى:
{وَقََالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} [يوسف: 31]، وفى قوله تبارك وتعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ََ} [الأعلى: 9].
وهذان ملحقان بما وقع بعدها ساكنا.
فأما البواقى فوقعت كلها بعدها متحركة، وقد وقع بعضها أيضا ساكنا، ولا بد من الكسر مع الساكن كما تقدم.
والذى ورد من ذلك قوله تعالى: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ} [البقرة: 113]، [و]
__________
(1) فى أ: من.(1/432)
{وَقََالَتِ النَّصََارى ََ} [البقرة: 113]، و {لَيْسَتِ الْيَهُودُ} [البقرة: 113]، و {يَتْلُونَ الْكِتََابَ}
[البقرة: 113]، و {لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251]، و {قََالَتِ الْمَلََائِكَةُ} [آل عمران: 42]، و {أُنْزِلَتِ التَّوْرََاةُ} [آل عمران: 65]، و {بَدَتِ الْبَغْضََاءُ} [آل عمران:
118]، و {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ} [النساء: 18]، و {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ} [النساء: 128]، و {تَرََاءَتِ الْفِئَتََانِ} [الأنفال: 48]، و {أَخَذَتِ الْأَرْضُ} [يونس: 24]، و {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ} [هود: 94]، و {مََا دََامَتِ السَّمََاوََاتُ} [هود: 107]، {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوََابَ}
[يوسف: 23]، و {فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يوسف: 94]، و {وَكََانَتِ امْرَأَتِي} [مريم:
5]، و {وَخَشَعَتِ الْأَصْوََاتُ} [طه: 108]، و {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} [طه: 111]، و {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} [الشعراء: 90]، و {بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} [الشعراء: 91]، و {وَقََالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9]، و {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ} [الزمر: 69]، و {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ}
[الأحقاف: 21]، و {قََالَتِ الْأَعْرََابُ} [الحجرات: 14]، و {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ}
[الذاريات: 29]، و {وَقَعَتِ الْوََاقِعَةُ} [الواقعة: 1]، و {رُجَّتِ الْأَرْضُ} [الواقعة:
4]، و {وَبُسَّتِ الْجِبََالُ} [الواقعة: 5]، و {قُضِيَتِ الصَّلََاةُ} [الجمعة: 10]، و {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ} [الحاقة: 14]، و {وَكََانَتِ الْجِبََالُ} [المزمل: 14]، و {جََاءَتِ الطَّامَّةُ}
[النازعات: 34]، و {جََاءَتِ الصَّاخَّةُ} [عبس: 33]، و {زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} [الزلزلة: 1]، و {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ} [الزلزلة: 2].
فأما الحروف المتحركة بعدها فثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء على إدغام التاء فيه.
وقسم اتفقوا على إظهاره عنده.
وقسم اختلفوا فيه.
فالقسم الأول: ثلاثة أحرف:
التاء فى قوله تعالى: {فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} [البقرة: 16]، و {إِذََا طَلَعَتْ تَتَزََاوَرُ}
[الكهف: 17]، {وَإِذََا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} [الكهف: 17]، و {فَمََا زََالَتْ تِلْكَ دَعْوََاهُمْ}
[الأنبياء: 15]، و {كََانَتْ تَعْمَلُ} [الأنبياء: 74]، و {كََانَتْ تَأْتِيهِمْ} [غافر: 22]، والطاء فى قوله تعالى: {وَدَّتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: 69]، و {لَهَمَّتْ طََائِفَةٌ}
[النساء: 113]، و {وَقََالَتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: 72]، و {فَآمَنَتْ طََائِفَةٌ} [الصف:
14]، و {وَكَفَرَتْ طََائِفَةٌ} [الصف: 14]، و {إِذْ هَمَّتْ طََائِفَتََانِ} [آل عمران: 122].
والدال فى قوله تعالى: {فَلَمََّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا} [الأعراف: 189]. {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمََا} [يونس: 89].(1/433)
14]، و {وَكَفَرَتْ طََائِفَةٌ} [الصف: 14]، و {إِذْ هَمَّتْ طََائِفَتََانِ} [آل عمران: 122].
والدال فى قوله تعالى: {فَلَمََّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا} [الأعراف: 189]. {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمََا} [يونس: 89].
والقسم الثانى: خمسة عشر حرفا يجمعها قولك:
«العفو غنو حقه كبير» فالهمزة نحو: {قََالَتْ أُولََاهُمْ} [الأعراف: 39]، و {كََانَتْ آمِنَةً} [النحل:
112]. واللام نحو {أُحِلَّتْ لَكُمْ} [المائدة: 1]، و {كََانَتْ لَهُمْ جَزََاءً} [الفرقان:
15]. والعين {كَذَّبَتْ عََادٌ} [القمر: 18]، و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23].
و {عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهََا} [الطلاق: 8]، والفاء فى قوله تعالى: {قََالَتْ فَذََلِكُنَّ} [يوسف:
32]. و {نَفَشَتْ فِيهِ} [الأنبياء: 78].
والواو نحو {فَصَكَّتْ وَجْهَهََا} [الذاريات: 29]، و {ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 107]. و {كُوِّرَتْ وَإِذَا} [التكوير: 21]، والغين فى قوله تعالى:
{نَقَضَتْ غَزْلَهََا} [النحل: 92]، والنون نحو {قََالَتْ نَمْلَةٌ} [النمل: 18]. و {لَمََّا جََاءَتْنََا} [الأعراف: 126]، والميم نحو {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهََا} [القصص: 58].
و {قََالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هََذََا} [التحريم: 3]، والحاء نحو قوله تعالى: {كََانَتْ حََاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] و {حَمَلَتْ حَمْلًا} [الأعراف: 189] و {مُلِئَتْ حَرَساً} [الجن: 8] والقاف {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ} [يوسف: 25] و {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}
[الحديد: 16].
والهاء {وَقََالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] و {قََالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} [آل عمران:
37] و {وَجََاءَتْهُمْ} [الروم: 9].
والكاف {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] و {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} [الأنعام: 115] و {جََاءَتْكَ آيََاتِي} [الزمر: 59] و {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [ق: 21].
والباء {فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف: 189] و {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللََّهِ} [النحل: 112]، والياء {قََالَتْ يََا وَيْلَتى ََ} [هود: 72]، والراء {قََالَتْ رَبِّ} [آل عمران: 36] و {قََالَتْ رُسُلُهُمْ} [إبراهيم: 10].
القسم الثالث: المختلف فيه ستة أحرف، وهى التى ذكر الحافظ فى هذا الفصل ويجمعها أوائل كلمات هذا البيت:
صدّ جابر ظهرا ... ثم زارنى سحرا
فالصاد قوله تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] و {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ}
[الحج: 40].(1/434)
صدّ جابر ظهرا ... ثم زارنى سحرا
فالصاد قوله تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] و {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ}
[الحج: 40].
والجيم {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] و {وَجَبَتْ جُنُوبُهََا} [الحج: 36].
والظاء {حَمَلَتْ ظُهُورُهُمََا} [الأنعام: 146] و {حُرِّمَتْ ظُهُورُهََا} [الأنعام: 138].
والثاء {بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود: 95] و {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} [القمر: 23] و {رَحُبَتْ ثُمَّ}
[التوبة: 25].
والزاى {كُلَّمََا خَبَتْ زِدْنََاهُمْ} [الإسراء: 97].
والسين {أَقَلَّتْ سَحََاباً} [الأعراف: 57] و {وَجََاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق: 19] و {أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنََابِلَ} [البقرة: 261] و {أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} [التوبة: 86] و {وَجََاءَتْ سَيََّارَةٌ} [يوسف: 19].
واختلف القراء عند هذه الأحرف: فمنهم من أظهر التاء عند جميعها، وهم قالون، وابن كثير، وعاصم.
ومنهم من أدغمها فى الجميع، وهم أبو عمرو، وحمزة، والكسائى.
ومنهم من فصل:
فأدغم ورش فى الظاء وأظهر فيما عداها.
وأظهر ابن عامر عند السين، والزاى، وزاد هشام {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} وأدغم فى البواقى.
وكان ينبغى للحافظ أن ينبه على القسمين المتقدمين.
وافق الشيخ، والإمام على ما ذكر فى هذا الفصل، وزاد الإمام عن هشام {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ}.
ذكر لام «هل» و «بل»
(1)
اعلم أن الحاء، والخاء، والدال، والذال، والغين والشين المعجمتين، والصاد المهملة لم تقع فى القرآن بعد هذه اللام، فأما باقى الحروف فعلى ثلاثة أقسام:
__________
(1) هل: حرف استفهام تدخل على الأسماء والأفعال، لطلب التصديق الموجب، لا غير، نحو: هل قام زيد؟ وهل زيد قائم؟ فتساوى الهمزة فى ذلك.
وتنفرد الهمزة بأنها ترد لطلب التصور، نحو: أزيد فى الدار أم عمرو؟ ولذلك انفردت(1/435)
__________
بمعادلة (أم) المتصلة لأنها يطلب بها تعيين أحد الأمرين، و (هل) لا يطلب بها ذلك.
وانفردت الهمزة أيضا بأنها تدخل على المنفى، نحو {أَلَيْسَ اللََّهُ بِكََافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:
36]، {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، ولا تدخل (هل) على منفى. وتفارق الهمزة (هل) فى أمور أخر:
الأول: أن الهمزة ترد للإنكار، والتوبيخ، والتعجب، بخلاف (هل).
والثانى: أن (هل) قد يراد بالاستفهام بها النفى، نحو قولك: هل يقدر على هذا غيرى، أى: ما يقدر. ويعين ذلك دخول (إلا)، نحو (وهل نجازى إلا الكفور) [سبأ: 17].
والثالث: أن الهمزة تتقدم على فاء العطف وواوه و «ثم»، بخلاف «هل».
والرابع: أن الهمزة لا تعاد بعد (أم)، و (هل) يجوز أن تعاد وألا تعاد. وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى ََ وَالْبَصِيرُ، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمََاتُ وَالنُّورُ، أَمْ جَعَلُوا} [الرعد: 16].
والخامس: أن الهمزة تدخل على (إن)، كقوله تعالى {قََالُوا: أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}
[يوسف: 90]، بخلاف (هل).
والسادس: أن الهمزة قد يليها اسم بعده فعل فى الاختيار، نحو: أزيد قام؟ وأ زيدا ضربت؟ وإن كان الأولى أن يليها الفعل، بخلاف (هل) فإنها لا يتقدم الاسم بعدها على الفعل، إلا فى الشعر ولذلك وجب النصب، فى نحو: هل زيدا ضربته؟ فى باب الاشتغال، وترجح بعد الهمزة ولم يجب.
والسابع: زعم بعضهم أن الفرق بين الهمزة و (هل) أن الهمزة لا يستفهم بها إلا وقد هجس فى النفس إثبات ما يستفهم بها عنه، بخلاف (هل) فإنه لا يترجح عنده لا النفى ولا الإثبات.
تنبيه: الأصل فى (هل) أن تكون للاستفهام، كما ذكر. وقد ترد لمعان أخر:
الأول: النفى، وقد تقدم.
الثانى: أن تكون بمعنى (قد)، ذكر هذا قوم من النحويين، منهم ابن مالك، وقال به الكسائى، والفراء، وبعض المفسرين، فى قوله تعالى: {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] واستدل بعضهم، على ذلك، بقول الشاعر:
سائل فوارس يربوع بشدتنا: ... هل رأونا، بسفح القفّ، ذى الأكم
فالمعنى: أقد رأونا. ويدل على ذلك دخول الهمزة عليها، وأنكر بعضهم مرادفة (هل) ل (قد)، وقال: يحتمل أن يكون (أهل رأونا) من الجمع بين أداتين لمعنى واحد، على سبيل التوكيد، كقوله:
ولا للما بهم أبدا دواء بل الجمع بين الهمزة و (هل) أسهل لاختلاف لفظهما، ولأن أحدهما ثنائى.
وقال بعضهم: إن أصل (هل) أن تكون بمعنى (قد)، ولكنه لما كثر استعمالها فى الاستفهام استغنى بها عن الهمزة، وفى كلام سيبويه ما يوهم ذلك، وهو بعيد.
الثالث: أن تكون بمعنى (إن)، زعم بعضهم أن (هل) فى قوله تعالى: {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] بمعنى (إن) ولذلك يتلقى بها القسم كما يتلقى ب (إن).(1/436)
قسم وقع بعد «هل» خاصة وهو الثاء فى قوله تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفََّارُ}
[المطففين: 36].
وقسم وقع بعد «بل» خاصة، وهو أحد عشر حرفا يجمعها قولك: «ظفر بقسطك ضجز»:
__________
وهو قول ضعيف.
الرابع: أن تكون للتقرير والإثبات، ذكره بعضهم فى قوله تعالى: {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}، وفى قوله تعالى: {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ}.
وذكر بعض النحويين أن (هل) لم تستعمل للتقرير، وأن ذلك مما انفردت به الهمزة.
الخامس: أن تكون للأمر، كقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] فهذه صورته صورة الاستفهام، ومعناه الأمر، أى: انتهوا. والله أعلم.
ينظر الجنى الدانى (346341).
أما (بل) فهى حرف إضراب، وله حالان:
الأول: أن يقع بعده جملة.
والثانى: أن يقع بعده مفرد.
فإن وقع بعده جملة كان إضرابا عما قبلها، إما على جهة الإبطال، نحو: {أَمْ يَقُولُونَ: بِهِ جِنَّةٌ. بَلْ جََاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70].
وإما على جهة الترك للانتقال من غير إبطال، نحو: {وَلَدَيْنََا كِتََابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ، وَهُمْ لََا يُظْلَمُونَ. بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} [المؤمنون: 62، 63] فظهر بهذا أن قول ابن مالك فى (شرح الكافية): فإن كان الواقع بعدها جملة فهى للتنبيه على انتهاء غرض، واستئناف غيره، ولا يكون فى القرآن إلا على هذا الوجه ليس على إطلاقه.
قال المرادى: فإن قلت: هل هى قبل الجملة عاطفة أو لا؟ قلت: ظاهر كلام ابن مالك أنها عاطفة، وصرح به ولده فى (شرح الألفية)، وصاحب (رصف المبانى)، وغيرهم يقول:
إنها (قبل الجملة) حرف ابتداء، وليست بعاطفة.
وإذا وقع بعد (بل) مفرد فهى حرف عطف، ومعناها الإضراب، ولكن حالها فيه مختلف:
فإن كانت بعد نفى نحو: ما قام زيد بل عمرو، أو نهى نحو: لا تضرب زيدا بل عمرا، فهى لتقرير حكم الأول، وجعل ضده لما بعدها:
ففي المثال الأول قررت نفى القيام لزيد، وأثبتته لعمرو.
وفى المثال الثانى قررت النهى عن ضرب زيد، وأثبتت الأمر بضرب عمرو.
ووافق المبرد على هذا الحكم، وأجاز مع ذلك أن تكون ناقلة حكم النفى والنهى، لما بعدها، ووافقه على ذلك أبو الحسن عبد الوارث.
قال ابن مالك: وما جوزه مخالف لاستعمال العرب.
وإن كانت بعد إيجاب نحو: قام زيد بل عمرو، أو أمر نحو: اضرب زيدا بل عمرا، فهى لإزالة الحكم عما قبلها، حتى كأنه مسكوت عنه، وجعله لما بعدها.
ينظر الجنى الدانى (237235).(1/437)
فالظاء قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} [الفتح: 12]، والفاء {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63]، والراء {بَلْ رَفَعَهُ اللََّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] و {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمََاوََاتِ} [الأنبياء: 56] و {بَلْ رََانَ} [المطففين: 14]، والباء {بَلْ بَدََا لَهُمْ}
[الأنعام: 28]، والقاف {بَلْ قََالُوا} [الأنبياء: 5]، والسين {بَلْ سَوَّلَتْ} [يوسف:
18]، والطاء {بَلْ طَبَعَ اللََّهُ عَلَيْهََا} [النساء: 155] لا غير، والكاف {بَلْ كَذَّبُوا}
[ق: 5] {بَلْ كُنْتُمْ} [سبأ: 32]، والضاد {بَلْ ضَلُّوا} [الأحقاف: 28] والجيم {بَلْ جََاءَ بِالْحَقِّ} [الصافات: 37]، والزاى {بَلْ زُيِّنَ} [الرعد: 33].
وقسم وقع بعدهما وهو تسعة أحرف يجمعها قولك: «أيتعلمونه»:
فالهمزة قوله تعالى:
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ} [غافر: 47]، {هَلْ أَتََاكَ} [البروج: 17]. و {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ} [يوسف: 64]. و {بَلْ أَنْتُمْ لََا مَرْحَباً بِكُمْ} [ص: 60]، والياء {هَلْ يَنْظُرُونَ}
[البقرة: 210]. و {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. و {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسََانُ لِيَفْجُرَ أَمََامَهُ} [القيامة: 5]، والتاء {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]. و {هَلْ تَرى ََ مِنْ فُطُورٍ}
[الملك: 3]. و {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنََا} [التوبة: 52]. و {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً}
[الأنبياء: 40]، والعين {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ} [الأنعام: 148]. و {هَلْ عَلِمْتُمْ مََا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ} [يوسف: 89]. و {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12].
واللام {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ} [الأعراف: 53]، و {هَلْ لَكَ إِلى ََ أَنْ تَزَكََّى} [النازعات:
18]. و {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ} [الكهف: 58]. و {بَلْ لََا يُؤْمِنُونَ} [الطور: 33]، والميم {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]. و {هَلْ مِنْ شُرَكََائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ} [الروم: 40]. [و] {بَلْ مَتَّعْنََا} [الأنبياء: 44]، والواو {فَهَلْ وَجَدْتُمْ} [الأعراف: 44]. و {بَلْ وَجَدْنََا آبََاءَنََا}
[الشعراء: 74]، والنون {هَلْ نَدُلُّكُمْ} [سبأ: 7]. و {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} [المائدة: 60].
و {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 18]، والهاء {هَلْ هََذََا إِلََّا بَشَرٌ} [الأنبياء: 3]. و {بَلْ هُوَ آيََاتٌ} [العنكبوت: 49]. و {بَلْ هُمْ بِلِقََاءِ رَبِّهِمْ كََافِرُونَ} [السجدة: 10].
واعلم أن مجموع الحروف الواقعة بعد «هل» و «بل» أو بعد أحدهما تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء على إدغام اللام فيه.
وقسم اتفقوا على الإظهار عنده.
وقسم اختلفوا فيه.(1/438)
وقسم اتفقوا على الإظهار عنده.
وقسم اختلفوا فيه.
فالقسم الأول: اللام، والراء، إلا {بَلْ رََانَ} [المطففين: 14] فى قراءة حفص، فإنه يسكت بين اللام والراء فيمتنع الإدغام لذلك.
والقسم الثانى: أحد عشر حرفا يجمعها قولك: «قم به عوجا فيه».
والقسم الثالث: ثمانية أحرف، وهى التى ذكر الحافظ فى هذا الفصل ويجمعها أوائل كلمات هذا البيت: [من الرجز] تقول سلمى ضاع طالبوك ... ناءيت ظلما ثم زايلوك
فمنهم من أظهر عند الجميع، وهم الحرميان، وعاصم، وابن ذكوان، وكذلك أبو عمرو، إلا فى قوله تعالى: {هَلْ تَرى ََ مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3] و {فَهَلْ تَرى ََ لَهُمْ مِنْ بََاقِيَةٍ} [الحاقة: 8].
ومنهم من أدغم فى الجميع، وهو الكسائى.
ومنهم من فصل:
فأظهر هشام عند النون والضاد، وفى التاء فى قوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي}
فى الرعد [الآية: 16] وأدغم فى البواقى.
وأدغم حمزة فى السين، والتاء، والثاء.
واختلف عن خلاد فى قوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ} فى آخر النساء [الآية: 155].
وذكر الحافظ أنه يأخذ فيه بالإدغام.
وأما الشيخ، والإمام فلم يذكرا فيه إلا الإظهار، واتفقا مع الحافظ على سائر الفصل، وكان ينبغى للحافظ أن ينبه على القسمين الأولين كما تقدم.
فصل
وذكر الحافظ رحمه الله بإثر لام «هل» و «بل» الفصل المشتمل على ما يدغم مما سكونه عارض، وأخر الكلام فى النون الساكنة والتنوين، ولو عكس فأخر (1)
هذا الفصل لكان ظاهر التناسب من جهة أصالة السكون فى النون الساكنة والتنوين، كما هو كذلك فيما تقدم، لكن الترتيب الذى فعل الحافظ أكمل وأنبل.
وبيانه: أن الحكم الذى ثبت لذال «إذ» ودال «قد» وتاء التأنيث، ولام «هل»
__________
(1) فى أ: وأخر.(1/439)
و «بل» منحصر فى الإظهار والإدغام، على ما تقدم من التفصيل.
وهذا الفصل الذى ذكر الحافظ هنا حكمه أيضا منحصر فى الإظهار والإدغام فكان ذكره بإثر هذه الحروف المتقدمة متناسبا من هذه الجهة.
فأما النون الساكنة والتنوين فلهما أربعة أحكام: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء، وليس فى شىء منها خلاف، بل أجمع القراء على كل واحد من هذه الأحكام الأربعة فى موضعه حسب ما ذكره الحافظ، فخرجت النون الساكنة والتنوين عن حكم الخلاف، والله عز جلاله أعلم.
وأرجع إلى هذا الفصل فأقول بحول الله تعالى وقوته: جملة الحروف التى تدغم فى هذا الفصل سبعة يجمعها قولك: ثرد فبذل، وتكرر بعضها بتكرر كلماتها لكنها تنحصر فى ضربين:
الضرب الأول: أن يكون الحرف المدغم والحرف المدغم فيه فى كلمة واحدة.
والضرب الثانى: أن يكونا من كلمتين.
وأعنى بقولى: فى كلمة واحدة، مثل ما مر فى باب الإدغام الكبير حيث بينت معنى المثلين، والمتقاربين فى كلمة.
أما الضرب الأول فنوعان:
الأول: الثاء قبل التاء، وذلك فى قوله تعالى: {أُورِثْتُمُوهََا} فى الأعراف [43] والزخرف [الآية: 72]، و {لَبِثْتَ} [الشعراء: 18] {لَبِثْتَ} [البقرة: 259] و {لَبِثْتُمْ} [الإسراء: 52] حيث وقع، أظهر ذلك كله الحرميان، وعاصم، [و] وافقهم ابن ذكوان على الإظهار فى {أُورِثْتُمُوهََا} خاصة، وأدغم الباقون.
الثانى: الذال قبل التاء وهو أصل مطرد وكلمتان، فالأصل ما جاء من لفظ {أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68] و {أَتَّخَذْتُمْ} [البقرة: 80] و {لَاتَّخَذْتَ} [الكهف: 77] حيث وقع، أظهره كله ابن كثير، وحفص، والكلمتان {فَنَبَذْتُهََا} فى طه [الآية: 96] و {عُذْتُ} فى المؤمن [غافر: 27] والدخان [الآية: 20] أدغمها أبو عمرو وحمزة الكسائى، وأظهر الباقون.
وأما الضرب الثانى فسبعة أنواع:
الأول: الباء قبل الفاء، وجملته فى القرآن خمسة مواضع:
منها فى النساء: {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} [الآية: 74].
وفى الرعد: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الآية: 5]، وفى الإسراء: {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} [الآية: 63]، وفى طه: {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيََاةِ} [الآية: 97]، وفى الحجرات: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ} [الآية: 11].(1/440)
منها فى النساء: {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} [الآية: 74].
وفى الرعد: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الآية: 5]، وفى الإسراء: {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} [الآية: 63]، وفى طه: {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيََاةِ} [الآية: 97]، وفى الحجرات: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ} [الآية: 11].
أدغم الجميع أبو عمرو والكسائى، وخلاد بخلاف عن خلاد فى {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ}. وذكر الشيخ، والإمام الإدغام عن خلاد خاصة.
وأظهر الباقون.
الثانى: الباء قبل الميم وهو موضعان:
الأول {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} فى البقرة [الآية: 284]، قرأه عاصم وابن عامر برفع الباء فلزم الإظهار على قراءتهما، وجزم الباقون فأظهر ورش، وأدغم الباقون.
وزاد الحافظ عن ابن كثير الإظهار.
والثانى {ارْكَبْ مَعَنََا} فى سورة هود عليه السلام [الآية: 42] أظهره ورش وابن عامر وخلف، وأدغمه الباقون.
قال الحافظ: بخلاف عن قالون والبزى وخلاد.
وذكر الشيخ، والإمام عن قالون، والبزى الإدغام خاصة.
وعن خلاد الإظهار خاصة.
والثالث: الفاء قبل الباء فى قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ} فى سبأ [الآية: 9] أدغمه الكسائى وأظهره الباقون.
الرابع: اللام قبل الذال وجملته فى القرآن ستة مواضع:
منها فى البقرة: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الآية: 231].
وفى آل عمران: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللََّهِ فِي شَيْءٍ} [الآية: 28].
وفى النساء: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ عُدْوََاناً} [الآية: 30] و {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ ابْتِغََاءَ مَرْضََاتِ اللََّهِ} [الآية: 114].
وفى الفرقان: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً} [الآية: 68].
وفى المنافقين: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ} [الآية: 9].
أدغم الجميع أبو الحارث، وأظهر الباقون.
الخامس: الثاء قبل الذال قوله تعالى فى الأعراف {يَلْهَثْ ذََلِكَ} [الآية:
176] أظهره الحرميان وهشام بخلاف عن قالون وأدغم الباقون، وبالإدغام أخذ
الشيخ والإمام لقالون.(1/441)
176] أظهره الحرميان وهشام بخلاف عن قالون وأدغم الباقون، وبالإدغام أخذ
الشيخ والإمام لقالون.
السادس: الدال قبل الثاء قوله تعالى: فى آل عمران: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ} فى الموضعين [145] أظهره الحرميان، وعاصم، وأدغمه الباقون.
السابع: الراء قبل اللام، وهو كثير فى القرآن كقوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [القلم: 48] و {فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] و {وَيَسِّرْ لِي} [طه: 26] و {وَإِلََّا تَغْفِرْ لِي} [هود: 47] و {يَنْشُرْ لَكُمْ} [الكهف: 16] و {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأحزاب:
71] أدغمه أبو عمرو باتفاق من طريق السوسى وبخلاف من طريق الدورى، فمذهب الشيخ الإظهار للدورى، ومذهب الإمام الإدغام، ومذهب الحافظ الوجهان.
تتميم
قد تقدم أن سكون الحرف المدغم فى هذا الفصل عارض، وبيانه: أن هذه الأحرف السبعة لامات الأفعال، وهى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما جاء بصيغة الماضى، وهو جميع ما فى الضرب الأول ولا شك أن أصله البناء على الفتح، وإنما سكن لاتصال ضمير الرفع به.
الثانى: ما جاء بصيغة المضارع وهو جميع ما فى الضرب الثانى سوى {فَاذْهَبْ}
و {ارْكَبْ} وسوى بعض ذوات الراء نحو {وَيَسِّرْ لِي}، ولا شك أن أصله التحريك بالرفع، وإنما سكن للجزم (1) نحو {وَيَغْفِرْ لَكُمْ}.
الثالث: ما جاء بصيغة الأمر، وهو {فَاذْهَبْ}، و {ارْكَبْ} ونحو {اشْكُرْ لِي}، فهذا النوع وإن كان مبنيا على السكون، ولكنه فى حكم المغير من لفظ المضارع الذى أصله الرفع فهو إذن فى حكم ما كان متحركا، ثم غير فلزمه السكون ولهذا نجده أبدا يوافق المضارع فى حركة العين حتى قالت طائفة من النحويين: إنما هو المضارع للمخاطب يسقط منه حرف المضارعة، ويسكن آخره إن كان صحيحا، أو يحذف إن كان معتلا، ثم إن كان الحرف الذى بعد حرف المضارعة متحركا، بدأت به فى الأمر بتلك الحركة، وإن كان ساكنا جلبت همزة الوصل، وليست ذال «إذ» ودال «قد» وتاء التأنيث، ولام «هل» و «بل» مما أصله
__________
(1) فى أ: الجزم.(1/442)
الحركة، ولا فى حكم ما أصله الحركة، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
باب احكام النون الساكنة والتنوين
فصل فى ذكر النون الساكنة والتنوين
اعلم أن النون الساكنة تكون فى آخر الكلمة وفى وسطها كسائر الحروف السواكن فتكون فى الاسم نحو من الشرطية، والموصولة، و «منطلق»، و «إنسان» وفى الفعل نحو «أن يحسن، وأعلن، وانطلق، واسلنقى» وفى الحروف نحو «إن، ولن، ومنذ».
وأما التنوين: فلا يكون إلا فى آخر الاسم خاصة، بشرط أن يكون منصرفا موصولا فى اللفظ غير مضاف عريّا من الألف واللام، ولا يوجد فى غير ما ذكرته إلا فى الشعر عند الترنم، أو فى التنكير، أو فى الضرائر الشعرية، وثبوته بعد حصول هذه الشروط خاص باللفظ دون الخط إلا فى قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ} [آل عمران: 146] حيث وقع، فإنهم كتبوه بالنون، وكذلك فى تقطيع الشعر عند استخراج أوزانه بصنعة العروض.
ثم اعلم أن التنوين فى الأصل مصدر من قولك: نونت الاسم، إذا جعلت فيه النون، كما أنك لو جعلت فيه السين لقلت: سيّنته، فالاسم المنون هو الذى جعل فى آخره النون ساكنة زائدة على ما بينه النحويون، والتنوين هو الجعل، ثم إنهم يسمون النون المجعولة تنوينا تسمية بالمصدر، فإذا قلت مثلا: لا يجتمع التنوين مع الإضافة، أمكن أن تريد لا يجتمع جعل النون والإضافة، وأمكن أن تريد: لا تجتمع النون والإضافة، أما إذا قلت: يبدل التنوين فى الوقف ألفا ويدغم التنوين فى الواو والياء فلا يحمل هذا إلا على أنك أردت النون، والله جلت قدرته أعلم.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن النون الساكنة والتنوين لهما أربعة أحكام:
الإظهار.
والإدغام.
والقلب.
والإخفاء.
وأن الحروف الواقعة بعد النون الساكنة والتنوين بحسب هذه الأحكام تنقسم أربعة أقسام:
قسم اتفق القراء على إدغام النون الساكنة والتنوين فيه.(1/443)
وأن الحروف الواقعة بعد النون الساكنة والتنوين بحسب هذه الأحكام تنقسم أربعة أقسام:
قسم اتفق القراء على إدغام النون الساكنة والتنوين فيه.
وقسم اتفقوا على إظهارهما عنده.
[وقسم اتفقوا على قلبهما عنده] (1).
وقسم اتفقوا على إخفائهما عنده.
القسم الأول: المتفق على الإدغام فيه ستة أحرف، وهى النون، والميم، واللام، والراء، والواو، والياء، يجمعها على هذا الترتيب قولك: نمل روى (2).
فمثال النون متصلة: {الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] و {الْمَنَّ} [البقرة: 57] وذلك أن النون المشددة فى التقدير حرفان أولهما ساكن، كما تقدم فى الإدغام الكبير.
ومثالها منفصلة: {إِنْ نَشَأْ} [الشعراء: 4] و {مِنْ نِسََائِكُمْ} [الطلاق: 4] و {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ} [يس: 68].
ومثالها بعد التنوين: {كِتََاباً نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] و {بِسَحَرٍ نِعْمَةً} [القمر:
__________
(1) سقط فى أ.
(2) قد علل سيبويه لإدغام النون فى هذه الأحرف، فقال:
النون تدغم مع الراء لقرب المخرجين على طرف اللسان، وهى مثلها فى الشدة، وذلك قولك: من راشد، ومن رأيت. وتدغم بغنة وبلا غنة. وتدغم فى اللام لأنها قريبة منها على طرف اللسان، وذلك قولك: من لك، فإن شئت كان إدغاما بلا غنة فتكون بمنزلة حروف اللسان، وإن شئت أدغمت بغنة لأن لها صوتا من الخياشيم فترك على حاله لأن الصوت الذى بعده ليس له فى الخياشيم نصيب فيغلب عليه الاتفاق.
وتدغم النون مع الميم لأن صوتهما واحد، وهما مجهوران قد خالفا سائر الحروف التى فى الصوت، حتى إنك تسمع النون كالميم، والميم كالنون، حتى تتبين فصارتا بمنزلة اللام والراء فى القرب، وإن كان المخرجان متباعدين، إلا أنهما اشتبها لخروجهما جميعا فى الخياشيم.
وتدغم النون مع الواو بغنة وبلا غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما: أن الواو حرف لين تتجافى عنه الشفتان، والميم كالياء فى الشدة وإلزام الشفتين فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون، وليس مثلها فى اللين والتجافى والمد، فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام، وكرهوا البدل لما ذكرت لك.
وتدغم النون مع الياء بغنة وبلا غنة لأن الياء أخت الواو، وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد، ولأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياء، وكذلك الألثغ باللام لأن الياء أقرب الحروف من حيث ذكرت لك إليهما.
ينظر الكتاب (453452).(1/444)
34، 35] و {كُلًّا نُمِدُّ} [الإسراء: 20].
ولا خلاف فى الإدغام فى هذه الأمثلة وما أشبهها وهى من باب إدغام المثلين.
وأما الميم: فلم تقع فى القرآن متصلة بالنون فى كلمة واحدة، وإذا جاءت فى الكلام فلا بد أن تكون النون زائدة، مثاله بناء «انفعل» من المحو فتقول: امّحى، والأصل: انمحى.
فأما وقوعها منفصلة فنحو {عَمََّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] و {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ} [النبأ:
1] و {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ} [الإسراء: 44] و {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 40] ومثالها بعد التنوين {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} [الدخان: 57] و {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] و {أَزْوََاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] ولا خلاف [أيضا] (1) فى إدغام هذه الأمثلة وما أشبهها وإبقاء الغنة لأن الغنة تصحب الميم كما تصحب النون.
وأما اللام والراء فلم تأت واحدة منهما بعد النون الساكنة فى كلمة واحدة، وأتتا منفصلتين.
فمثال اللام منفصلة: {مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] و {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا} [المائدة:
73] و {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} [الحجرات: 11] و {مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] ومثالها بعد التنوين {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} و {رَصَداً لِيَعْلَمَ} [الجن: 2827] و {هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1].
ومثال الراء بعد النون والتنوين {مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58].
ولا خلاف فى إدغام هذه الأمثلة وما أشبهها إدغاما صحيحا يذهب (2) الغنة ويخلص إبدال الحرف الأول من جنس الثانى.
وأما الياء والواو فجاءتا متصلتين بالنون فى كلمة ومنفصلتين، فمثال الياء متصلة {الدُّنْيََا} [البقرة: 85] و {بُنْيََانٌ} [الصف: 4] وليس فى القرآن غيرهما.
ومثالها منفصلة: {وَمَنْ يَعْمَلْ} [طه: 112] و {مَنْ يُؤْمِنُ} [يونس: 40].
ومثالها بعد التنوين {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ} [المزمل: 17] و {جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}
[الكهف: 77].
ومثال الواو متصلة {قِنْوََانٌ} [الأنعام: 99] و {صِنْوََانٌ} [الرعد: 4] وليس فى
__________
(1) سقط فى ب.
(2) فى ب: تذهب.(1/445)
القرآن غيرهما.
ومثالها منفصلة {مِنْ وََالٍ} [الرعد: 11] و {وَمِنْ وَرََائِهِمْ} [المؤمنون: 100].
ومثالها بعد التنوين {سِرََاجاً وَهََّاجاً} [النبأ: 13] [و] (1) {وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ}
[الإسراء: 15].
واعلم أنه لا خلاف فى إظهار النون المتصلة بالياء والواو فى كلمة، وكان ينبغى للحافظ أن يذكره فى «التيسير» كما ذكره فى غيره.
ولا خلاف فى إدغام ما عداها من سائر الأمثلة المذكورة، وما أشبهها مما بعد النون المنفصلة والتنوين ثم إن خلفا رحمه الله يذهب الغنة فيتخلص الإبدال ويكمل الإدغام، والباقون يثبتون الغنة فينقص من التشديد وتمام الإبدال بقدر ما بقى من الغنة، وهذا معنى قول الحافظ رحمه الله «فيمتنع القلب الصحيح»، والله تعالى جده وعز وجهه أعلم وأحكم.
القسم الثانى: المتفق على الإظهار عند حروف الحلق الستة، وهى الهاء والهمزة والحاء والعين والخاء والغين.
فمثال الهمزة والنون فى كلمة قوله تعالى {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26]، وليس فى القرآن غيره إلا {شَنَآنُ} فى موضعين من العقود [2، 8] على قراءة ابن عامر، وأبى بكر فإنهما يسكنان النون [فيهما].
ومثالها منفصلة {مَنْ آمَنَ} [البقرة: 62]، و {مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]، و {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26].
ومثالها بعد التنوين {كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، {مِنْ شَيْءٍ إِذْ كََانُوا}
[الأحقاف: 26]، و {مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
ومثال الهاء متصلة {الْأَنْهََارُ} [البقرة: 25]، و {مُنْهَمِرٍ} [القمر: 11]، و {يَنْهَوْنَ} [الأنعام: 26].
ومثالها منفصلة {مِنْ هََادٍ} [الزمر: 36].
و {إِنْ هََذََا} [ص: 7]، و {مَنْ هََاجَرَ} [الحشر: 9].
ومثالها بعد التنوين {فَرِيقاً هَدى ََ} [الأعراف: 30]، و {سَلََامٌ هِيَ} [القدر: 5]،
__________
(1) سقط فى ب.(1/446)
و {أَحَقٌّ هُوَ} [يونس: 53].
ومثال الحاء متصلة {وَانْحَرْ} فى الكوثر [2]، {وَتَنْحِتُونَ} فى الأعراف [74]، والحجر [82]، والشعراء [149]، والصافات [95] لا غير.
ومثالها منفصلة {وَإِنْ حَكَمْتَ} [المائدة: 42]، و {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [البقرة:
149]، و {مِنْ حِسََابِكَ} [الأنعام: 52]، و {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [الأعراف: 148].
ومثالها بعد التنوين {مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، و {عَطََاءً حِسََاباً} [النبأ:
36]، {أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].
ومثال العين موصولة بالنون {أَنْعَمْتَ} [الفاتحة: 7]، و {وَالْأَنْعََامِ} [آل عمران: 14]، و {يَنْعِقُ} [البقرة: 171]، و {بِأَنْعُمِ اللََّهِ} [النحل: 112].
ومثالها منفصلة {مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2]، و {مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} [آل عمران: 37]، و {وَإِنْ عُدْتُمْ} [الإسراء: 8].
ومثالها بعد التنوين {وَلَيََالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2]، و {لَشَيْءٌ عُجََابٌ} [ص: 5].
ومثال الخاء موصولة بالنون {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] لا غير، ومثالها منفصلة {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 4] و {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ} [الروم: 21].
ومثالها بعد التنوين {عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] و {مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً} [الأنفال:
58] و {ثِيََابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} [الإنسان: 21].
ومثال الغين متصلة بالنون {فَسَيُنْغِضُونَ} [الإسراء: 51] لا غير، ومثالها منفصلة {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] و {مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] و {مِنْ غِلٍّ} [الأعراف:
43].
ومثالها بعد التنوين {أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 8] و {مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:
64] و {مَرَضٌ غَرَّ} [الأنفال: 49] و {مَلََائِكَةٌ غِلََاظٌ} [التحريم: 6].
فلا خلاف فى إظهار النون والتنوين فى جميع هذه الأمثلة، وما أشبهها وتبيين الحروف الستة بعدها، غير أن ورشا رحمه الله ينقل حركة الهمزة إلى النون المنفصلة والتنوين فيسقط الهمزة فى قراءته من اللفظ، وحقيقة الإظهار إنما تحصل بأن يلصق طرف اللسان فى مقدّم الفم، ولا بد معها من جريان صوت الغنة فى الأنف، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
القسم الثالث: المتفق على قلب النون الساكنة والتنوين عند الباء خاصة، وجاءت فى القرآن متصلة بالنون فى كلمة ومنفصلة.(1/447)
فلا خلاف فى إظهار النون والتنوين فى جميع هذه الأمثلة، وما أشبهها وتبيين الحروف الستة بعدها، غير أن ورشا رحمه الله ينقل حركة الهمزة إلى النون المنفصلة والتنوين فيسقط الهمزة فى قراءته من اللفظ، وحقيقة الإظهار إنما تحصل بأن يلصق طرف اللسان فى مقدّم الفم، ولا بد معها من جريان صوت الغنة فى الأنف، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
القسم الثالث: المتفق على قلب النون الساكنة والتنوين عند الباء خاصة، وجاءت فى القرآن متصلة بالنون فى كلمة ومنفصلة.
فمثالها متصلة {فَانْبِذْ} [الأنفال: 58]، و {سُنْبُلَةٍ} [البقرة: 261]، و {أَنْبَتَتْ}
[البقرة: 261]، و {تُنْبِتُ} [المؤمنون: 20]، و {يُنْبِتُ} [النحل: 11]، و {مَنْ أَنْبَأَكَ هََذََا} [التحريم: 3]، و {أَنْبِئْهُمْ} [البقرة: 33، و {الْأَنْبِيََاءَ} [آل عمران:
112]، و {الْأَنْبََاءِ} [القمر: 4]، و {لَيُنْبَذَنَّ} [الهمزة: 4]، و {يَنْبَغِي} [مريم:
92]، و {فَانْبَجَسَتْ} [الأعراف: 160]، و {إِذِ انْبَعَثَ} [الشمس: 12]، و {انْبِعََاثَهُمْ} [التوبة: 46]، و {مُنْبَثًّا} [الواقعة: 6]، و {يَنْبُوعاً} [الإسراء:
90]، ومثالها منفصلة {مِنْ بَعْدِ} [النساء: 12]، و {أَنْ بُورِكَ} [النمل: 8]، {مِنْ بَيْنِ} [الرعد: 11]، {وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، {وَلََكِنْ بَعُدَتْ} [التوبة: 42]، ومثالها بعد التنوين {هَدْياً بََالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، و {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: 18]، و {بِعَذََابٍ بَئِيسٍ بِمََا} [الأعراف: 165]، و {مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} [الأعراف: 44]، [و] {وََاقِعٌ بِهِمْ} [الأعراف: 171]، و {حَدِيثٍ بَعْدَهُ} [الأعراف: 185]، و {عَلِيمٌ بِالظََّالِمِينَ} [التوبة: 47]، و {لَمُحِيطَةٌ بِالْكََافِرِينَ} [التوبة: 49]، {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ}
[التوبة: 107]، و {تََارِكٌ بَعْضَ} [هود: 12]، و {وَضََائِقٌ بِهِ} [هود: 12]، و {عَذََابٌ غَيْرُ} [هود: 76]، و {نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: 32].
لا خلاف فى لزوم القلب فى جميع هذه الأمثلة وما أشبهها.
وحقيقة القلب هنا: أن تلفظ بميم ساكنة بدلا من النون الساكنة والتنوين، ويتحفظ من سريان التحريك السريع.
ومعيار ذلك: أن تنظر كيف تلفظ بالميم فى قولك: الخمر والشمس، فتجد الشفتين تنطبقان حال النطق بالميم، ولا تنفتحان إلا بالحرف الذى بعدها، وكذا ينبغى أن يكون العمل فيها قبل الباء، فإن شرعت فى فتح الشفتين قبل تمام لفظ الميم، سرى التحريك إلى الميم وهو من اللحن الخفى الذى ينبغى التحرز منه، ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم ومعها تنفتح الشفتان بالحركة، وليحرز عليها ما تستحقه من الشدة، والقلقلة [بحول الله تبارك وتعالى وهو الهادى والمعين] (1).
__________
(1) وقد علل سيبويه لقلب النون مع الباء ميما، بقوله: وتقلب النون مع الباء ميما لأنها من(1/448)
القسم الرابع: المتفق على الإخفاء عنده خمسة عشر حرفا (1)، يجمعها أوائل كلمات هذا البيت:
قل كم ضحى جاء شىء طب دا تو ... فى ظل ذى ثمر صحت سنات.
فمثال القاف متصلة بالنون {انْقَلَبُوا} [المطففين: 31]، و {وَلََا يُنْقِذُونِ} [يس:
23]، و {غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود: 109]، و {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 3].
ومثالها منفصلة {مِنْ قَوََارِيرَ} [النمل: 44]، و {عَنْ قِبْلَتِهِمُ} [البقرة: 142]، و {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23].
ومثالها بعد التنوين {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50]، و {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى ََ}
[النجم: 22]، و {لََاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 3].
ومثال الكاف متصلة {الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، {وَلََا تَنْكِحُوا} [البقرة:
221]، و {يَنْكُثُونَ} [الأعراف: 135].
ومثالها منفصلة {مِنْ كُتُبٍ} [العنكبوت: 48]، و {وَإِنْ كُنْتُمْ} [البقرة:
23]، و {وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران: 97].
ومثالها بعد التنوين {مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31]، و {كِتََابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29]، و {جِبِلًّا كَثِيراً} [يس: 62]، و {كِرََاماً كََاتِبِينَ} [الانفطار: 11].
ومثال الضاد متصلة {مَنْضُودٍ} [هود: 82].
ومثالها منفصلة {مَنْ ضَلَّ} [المائدة: 105].
__________
موضع تعتل فيه النون، فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع الميم، كما أدغموها فيما قرب من الراء فى الموضع، فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها فى الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها فى الموضع، ولم يجعلوا النون باء لبعدها فى المخرج، وأنها ليست فيها غنة. ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهى الميم، وذلك قولهم:
ممبك، يريدون: من بك. وشمباء وعمبر، يريدون شنباء وعنبرا.
ينظر: الكتاب (4/ 453).
(1) وعلل سيبويه لذلك أيضا، بقوله:
وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفا خفيّا مخرجه من الخياشيم وذلك أنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم كان أخف عليهم ألا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، وكان العلم بها أنها نون من ذلك الموضع كالعلم بها وهى من الفم لأنه ليس حرف يخرج من ذلك الموضع غيرها، فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبس، وكان أصل الإدغام وكثرة الحروف للفم. وذلك قولك: من كان، ومن قال، ومن جاء.
ينظر الكتاب (4/ 454).(1/449)
ومثالها بعد بعد التنوين {مَسْجِداً ضِرََاراً} [التوبة: 107]، و {وَكُلًّا ضَرَبْنََا لَهُ الْأَمْثََالَ} [الفرقان: 39]، و {مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه: 124].
ومثال الجيم متصلة {أَنْجَيْنَا} [الأعراف: 165]، {نُنْجِي} [الأنبياء: 88].
و {مُنَجُّوكَ} [العنكبوت: 33] على خلاف فى هذا الحرف الأخير.
ومثالها منفصلة {إِنْ جَعَلَ} [القصص: 72]، و {مِنْ جِبََالٍ} [النور: 43]، و {مِنْ جُوعٍ} [قريش: 4].
ومثالها بعد التنوين {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، و {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:
15]، و {صَعِيداً جُرُزاً} [الكهف: 8].
ومثال الشين متصلة {فَأَنْشَرْنََا} [الزخرف: 11]، و {الْمُنْشِؤُنَ} [الواقعة: 72]، و {وَيُنْشِئُ} [الرعد: 12].
ومثالها منفصلة {إِنْ شََاءَ} [الأحزاب: 24]، و {مِنْ شَيْءٍ} [الإسراء: 44]، و {مِنْ شِرْكٍ} [سبأ: 22].
ومثالها بعد التنوين {عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: 9]، و {غَفُورٌ شَكُورٌ}
[فاطر: 30]، و {رَسُولًا شََاهِداً عَلَيْكُمْ} [المزمل: 15].
ومثال الطاء متصلة {الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران: 14]، و {قِنْطََاراً} [النساء: 20]، و {وَانْطَلَقَ} [ص: 6]، و {لََا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85].
ومثالها منفصلة {مِنْ طِينٍ} [ص: 76]، و {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: 4]، و {عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19]، و {مِنْ طُورِ سَيْنََاءَ} [المؤمنون: 20].
ومثالها بعد التنوين {مََاءً طَهُوراً} [الفرقان: 48]، و {سَمََاوََاتٍ طِبََاقاً} [نوح: 15]، و {صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6].
ومثال الدال متصلة {أَنْدََاداً} [البقرة: 22]، و {عِنْدَهُ} [البقرة: 255]، و {سُندُسٍ} [الإنسان: 21]، و {جُنْدٌ مََا هُنََالِكَ} [ص: 11].
ومثالها منفصلة {مِنْ دُونِهِ} [النساء: 117]، و {مِنْ دَابَّةٍ} [هود: 6]، و {أَنْ دَعَوْا} [مريم: 91]، و {عَنْ دِينِكُمْ} [البقرة: 217].
ومثالها بعد التنوين {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35]، و {وَكَأْساً دِهََاقاً} [النبأ: 34]، و {بَخْسٍ دَرََاهِمَ} [يوسف: 20].
ومثال التاء متصلة {انْتَهَوْا} [البقرة: 192]، و {فَانْتَظِرُوا} [يونس: 20].
ومثالها منفصلة {وَمَنْ تََابَ} [الفرقان: 71].(1/450)
ومثال التاء متصلة {انْتَهَوْا} [البقرة: 192]، و {فَانْتَظِرُوا} [يونس: 20].
ومثالها منفصلة {وَمَنْ تََابَ} [الفرقان: 71].
و {مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي} [يونس: 15]، و {مِنْ تُرََابٍ} [الكهف: 37]، و {وَلَنْ تَجِدَ}
[الكهف: 27].
ومثالها بعد التنوين {وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ} [مريم: 6362]، و {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ}
[الزلزلة: 4]، و {جَنََّاتٍ تَجْرِي} [البقرة: 25].
ومثال الظاء متصلة {يَنْظُرُونَ} [البقرة: 210]، و {أَنْظِرْنِي} [الأعراف: 14]، و {مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 15].
ومثالها منفصلة {مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: 22]، و {مَنْ ظَلَمَ} [الكهف: 87].
ومثالها بعد التنوين {ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء: 57]، و {لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88]، و {سَحََابٌ ظُلُمََاتٌ} [النور: 40].
ومثال الذال متصلة {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6]، {مُنْذِرُ} [النازعات: 45] ومثالها منفصلة {مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31]، و {عَنْ ذِكْرِنََا} [الكهف: 28]، و {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19].
ومثالها بعد التنوين {إِلى ََ ظِلٍّ ذِي ثَلََاثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30]، و {أَنْدََاداً ذََلِكَ}
[فصلت: 9]، و {عَبْداً شَكُوراً} [الإسراء: 3].
ومثال الثاء متصلة {عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 46]، و {الْأُنْثى ََ} [النجم: 27]، {مَنْثُوراً} [الفرقان: 23].
ومثالها منفصلة {وَمِنْ ثَمَرََاتِ} [النحل: 67]، و {مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20].
ومثالها بعد التنوين {قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]، و {شِهََابٌ ثََاقِبٌ} [الصافات: 10]، و {سَحََاباً ثِقََالًا} [الأعراف: 57].
ومثال الصاد متصلة {وَالْأَنْصََارِ} [التوبة: 100]، و {مَنْصُوراً} [الإسراء: 33]، و {وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
ومثالها منفصلة {وَلَمَنْ صَبَرَ} [الشورى: 43]، و {عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8]، و {أَنْ صَدُّوكُمْ} [المائدة: 2].
ومثالها بعد التنوين {رِجََالٌ صَدَقُوا} [الأحزاب: 23]، و {مُسْتَقِيمٍ صِرََاطِ اللََّهِ}
[الشورى: 5352]، و {جِمََالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33].
ومثال السين متصلة {مِنْسَأَتَهُ} [سبأ: 14]، و {الْإِنْسََانَ} [الرحمن: 3]،
و {نَسْتَنْسِخُ} [الجاثية: 29]، و {يَنْسِلُونَ} [يس: 51].(1/451)
ومثال السين متصلة {مِنْسَأَتَهُ} [سبأ: 14]، و {الْإِنْسََانَ} [الرحمن: 3]،
و {نَسْتَنْسِخُ} [الجاثية: 29]، و {يَنْسِلُونَ} [يس: 51].
ومثالها منفصلة {مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16]، و {مِنْ سُوءٍ} [آل عمران: 30].
ومثالها بعد التنوين {وَرَجُلًا سَلَماً} [الزمر: 29]، و {وَرِضْوََاناً سِيمََاهُمْ} [الفتح:
29]، و {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللََّهِ} [الأحزاب: 6261].
ومثال الزاى متصلة {يَنْزَغُ} [الإسراء: 53]، و {يَنْزِعُ} [الأعراف: 27]، و {تَنْزِيلُ} [الزمر: 1]، و {أَوْ يُلْقى ََ إِلَيْهِ كَنْزٌ} [الفرقان: 8].
ومثالها منفصلة {مِنْ زَوََالٍ} [إبراهيم: 44]، و {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} [طه: 87]، و {فَإِنْ زَلَلْتُمْ} [البقرة: 209]، و {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ} [فاطر: 8].
ومثالها بعد التنوين {صَعِيداً زَلَقاً} [الكهف: 40] و {نَفْساً زَكِيَّةً} [الكهف: 74] و {مُبََارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35].
ومثال الفاء متصلة: {فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63] و {انْفِرُوا} [النساء: 71] و {انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] و {الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5].
ومثالها منفصلة: {مِنْ فَضْلِهِ} [البقرة: 90] و {مَنْ فِي السَّمََاءِ} [الملك: 16] و {مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3] و {وَإِنْ فََاتَكُمْ} [الممتحنة: 11].
ومثالها بعد التنوين: {قَوْماً فََاسِقِينَ} [التوبة: 53] و {خََالِداً فِيهََا} [النساء:
14] و {عَذْبٌ فُرََاتٌ} [فاطر: 12].
لا خلاف فى إخفاء النون الساكنة والتنوين فى جميع هذه الأمثلة وما أشبهها.
وقد فسر الحافظ رحمه الله: الإخفاء بأنه حال بين الإظهار والإدغام، وهو عار من التشديد.
وحقيقة ما أراد الحافظ: ألا تلصق طرف لسانك بما يقابله من مقدم الفم، وتبقى الغنة فى الأنف فبقدر ما زال من عمل اللسان أشبه الإدغام، وبما بقى من الغنة أشبه الإظهار.
وقوله: «وهو عار من التشديد» يتحرز من صورة الإدغام فى الياء والواو فى مذهب من يثبت الغنة، والله جل جلاله وتقدست أسماؤه أعلم وأحكم.
واعلم أن عبارة الإمام موافقة لعبارة الحافظ فإنه قال: «والإخفاء حال بين حالين».
فأما الشيخ فقال: «والإخفاء عند أهل اللغة كالإظهار لأن الحرف الأول فيه غير منقلب إلى جنس الثانى ولا تشديد فيه فصار مثل الإظهار، وفارق باب الإدغام فى
قلب الأول إلى جنس الثانى وإدغامه فى الثانى بتشديد ظاهر» انتهى.(1/452)
فأما الشيخ فقال: «والإخفاء عند أهل اللغة كالإظهار لأن الحرف الأول فيه غير منقلب إلى جنس الثانى ولا تشديد فيه فصار مثل الإظهار، وفارق باب الإدغام فى
قلب الأول إلى جنس الثانى وإدغامه فى الثانى بتشديد ظاهر» انتهى.
واعلم أن هذا القول الذى ذكر الشيخ من عدم القلب والتشديد إنما تحصل به مفارقة الإخفاء للإدغام لأنه لم يزد على أن سلب عن الإخفاء الخاصية الثابتة للإدغام، وهو القلب والتشديد، ولا يلزم من سلب خاصية الإدغام ثبوت الإظهار، ولكن حقيقة الإظهار أيضا مسلوبة عن الإخفاء لأن الحرف الظاهر لا يمكن حصوله إلا بإعمال العضو المخصوص به فيه، كالنون عند حروف الحلق على ما تقدم.
وأما إخفاء النون فقد تبين أن حقيقته إنما تحصل عند ترك إعمال العضو وهو طرف اللسان، وإبقاء الغنة، وليست الغنة جزءا من النون وإنما هى من توابعها [إذا ظهرت، ونائبة عنها] (1) إذا ذهبت.
وإذا ثبت هذا، صح أن الإخفاء حال بين الإظهار والإدغام، وظهر أن عبارة الحافظ والإمام أرجح من عبارة الشيخ، والله أعلم وأحكم.
مسألة: فى توجيه هذه الأحكام الأربعة
أما إدغام النون الساكنة والتنوين فى النون فراجع إلى باب إدغام أحد المثلين فى الآخر إذا سكن أولهما مثل: {فَلََا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] و {وَلََا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ} [الحجرات: 12].
فلو ترك الحافظ ذكر إدغام النون الساكنة والتنوين فى النون فى هذا الفصل لكونه من باب إدغام المثلين لكان له وجه من النظر، ولم يلحقه اعتراض، لكنه قصد تحصيل حصر أحكام النون الساكنة والتنوين عند لقى جميع الحروف، سواء كان الحرف مثلا، أو خلافا، ولو نبه على أنه من إدغام المثلين لكان حسنا، لكنه اكتفى عن ذلك ببيانه.
وأما إدغامهما فى الميم وإن بعد مخرج أحدهما من الآخر إذ الميم من بين الشفتين، والنون من طرف اللسان فى داخل الفم فلاشتراكهما فى الغنة، فأشبها ما هو من مخرج واحد لاتحاد مخرج الغنة، مع أن النون من حروف مقدم الفم فلها بذلك بعض قرب من الميم.
قال سيبويه: «لأن صوتهما واحد وهما مجهوران قد خالفا سائر الحروف فى
__________
(1) سقط فى أ.(1/453)
الصوت حتى إنك تسمع النون كالميم، والميم كالنون، حتى تتبين» (1).
ولاشتراكهما أيضا فى الإخفاء بلزوم الغنة حال الإدغام إذ كل واحد منهما حرف غنة.
وأما إدغامهما فى اللام والراء فلقرب المخرج إذ مجموعهما من طرف اللسان، وتركت الغنة تكميلا لحقيقة الإدغام إذ لا غنة فى اللام ولا فى الراء (2).
واعلم أن التزام ترك الغنة هنا هو مذهب القراء، وقد نص سيبويه: أنه يجوز فى كلام العرب إثباتها وتركها فى اللام والراء.
وأما إدغامهما فى الياء والواو إذا كانا من كلمتين فلما حصل من الشبه من جهة الغنة التى فى النون واللين الذى فى الياء والواو، وكلاهما فضل صوت مع أن الياء من وسط اللسان فقربت من مخرج النون، والواو أيضا من مخرج الميم، وقد أدغمت النون فى الميم فحصل بذلك أنس استسهلوا به إدغام النون فى الواو، وبكون الواو من مخرج الميم، [و] علل سيبويه إدغام النون فى الواو فقال: «لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون».
وقال فى تعليل إدغام النون فى الياء: «لأن الياء أخت الواو وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد».
فأما مذهب خلف فى ترك الغنة: فإنه آثر استحكام حقيقة الإدغام بإذهاب الحرف الأول رأسا، كما ثبت فى إدغام سائر الحروف المختلفات.
وأما مذهب سائر القراء حيث أثبتوا الغنة: فإنهم آثروا إبقاء شاهد على صحة ما فعلوا من إدغام النون وهو حرف صحيح فى الحرف المعتل، ولم يثبت قط إدغام حرف صحيح فى حرف معتل غير النون لبعد ما بين حروف الصحة وحروف العلة، فأبقوا الغنة التى هى سبب الشبه بين النون وحروف العلة بما قبلها من اللين ليحصل بذلك العذر فى أنهم ما أدغموا إلا حيث وجدوا الشبه، ولما كانت الغنة إنما
__________
(1) فى ب: يتبين.
(2) قال سيبويه: وهى أى النون مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم، ولكن صوت الفم أشرب غنة، ولو كان مخرجها من الخياشيم لما جاز أن تدغمها فى الواو والياء والراء واللام، حتى تصير مثلهن فى كل شىء.
ينظر الكتاب (4/ 454).(1/454)
تخرج من الأنف، والنون من طرف اللسان حصل بذلك تعدد المخرج ضرورة فسهل ترك إعمال اللسان فى لفظ النون، وتعويض التشديد فى الياء والواو مع إبقاء الغنة خارجة من الأنف، ولم يكن فى ذلك تبعيض حرف متحد المخرج.
وكلا المذهبين صحيح، نص سيبويه على جواز إثبات الغنة وتركها فى ذلك.
وأما إظهار النون عند الياء والواو إذا كانا فى كلمة واحدة قليلا يقع ليس فى أوزان الألفاظ.
ألا ترى أن وزن {صِنْوََانٌ} [الرعد: 4] «فعلان» مثل «سرحان»، فلو أدغمت لالتبس ب «فعّال» المضعف العين، وكذلك (بنين) وزنه: «فعلان» مثل «سلطان» فلو أدغمت لالتبس «بفعّال» المضعف العين ولهذا منعوا الإدغام فى «صيوان» وقد اجتمعت فيه الياء والواو وسكن أولهما لأنه لو أدغم لالتبس ب «فعّال».
وأما الإظهار عند حروف الحلق فلبعد المخرج.
وقد تقدم فى الإدغام الكبير أنه لا يدغم حروف الحلق فى حروف الفم، ولا حروف الفم فى حروف الحلق، ومع هذا فحروف الحلق داخلة والنون خارجة إلى مقدم الفم.
واعلم أن الإظهار عند الهاء، والهمزة، والحاء، والعين ألزم فى كلام العرب.
فأما الإظهار عند الخاء والغين المعجمتين، فهو الأفصح.
وقد حكى سيبويه: أن من العرب من يخفى النون عندهما، وإنما فعلوا ذلك مع هذين الحرفين لقربهما من حروف الفم، إلا أن مذاهب القراء على التزام الإظهار، كما تقدم (1).
__________
(1) قال سيبويه: وتكون أى النون مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء بينة، موضعها من الفم وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون، وليست من قبيلها فلم تخف هاهنا كما لم تدغم فى هذا الموضع، وكما أن حروف اللسان لا تدغم فى حروف الحلق. وإنما أخفيت النون فى حروف الفم كما أدغمت فى اللام وأخواتها.
وهو قولك: من أجل زيد، ومن هنا، ومن خلف، ومن حاتم، ومن عليك، ومن غلبك، ومنخل بينة، هذا الأجود الأكثر.
وبعض العرب يجرى الغين والخاء مجرى القاف. وقد بينا لم ذلك، ولم نسمعهم قالوا فى التحرك: حين سليمان، فأسكنوا النون مع هذه الحروف التى مخرجها معها من الخياشيم لأنها لا تحول حتى تصير من مخرج [موضع] الذى بعدها. وإن قيل: لم يستنكر ذلك لأنهم قد يطلبون هاهنا من الاستخفاف كما يطلبون إذا حولوها.(1/455)
وأما القلب عند الباء فلأنه لما ثقل إظهار النون هناك لما تقتضيه النون من استحكام انفتاح الشفتين، واتصال طرف اللسان بمقدم الفم وإثبات الغنة، وكل ذلك منافر لما تقتضيه الباء من انطباق الشفتين وانفصال طرف اللسان من موضع النون، وإبطال الغنة أبدلوا من النون حرفا متوسطا بين النون والباء لأنه يشارك النون بالغنة ويشارك الباء فى المخرج وانطباق الشفتين، كما أبدلوا الطاء من التاء فى تصاريف «افتعل» من «اصطلى» و «اصطفى» و «اصطلح» وما أشبهه لما بعدت التاء من الصاد عوضوا منها الطاء التى تشارك التاء فى المخرج والشدة، وتشارك الصاد فى الاستعلاء والانطباق.
وأما الإخفاء عند باقى الحروف فلأنها لم تبعد من النون بعد حروف الحلق فيجب الإظهار، ولا قربت (1) قرب اللام والراء فيجب الإدغام فجعلوا لذلك حالا بين الحالين.
واعلم أنه كان الأصل أن تظهر النون الساكنة عند هذه الحروف الخمسة عشر بدل الإخفاء، لكن لما كثر دوران النون فى الكلام حتى قاربت فى ذلك حروف العلة أرادوا أن يخففوا على اللسان فجعلوها كلغة النطق بالنون حين أمكنهم الاكتفاء عنها بالغنة التى لا كلفة على اللسان فى النطق بها، وخصوا هذا الحكم بهذه الحروف دون حروف الحلق لأن هذه الحروف لم تبعد مخارجها من النون بعد حروف الحلق، فلو أظهروها عند هذه الحروف لأتعبوا اللسان لكثرة دورانها فى الكلام، ولو أخفوها عند حروف الحلق كما يخفونها عند هذه الحروف للزم إسقاط النون من الكلام البتة، والله العلى العظيم فوق كل ذى علم عليم.
باب الفتح والإمالة بين اللفظين
اعلم أن الإمالة لا تكون إلا فى فتحة، أو ألف، وحقيقتها: تقريب الفتحة من الكسرة، وتقريب الألف من الياء (2).
__________
ولا تدغم فى حروف الحلق البتة، ولم تقو هذه الحروف على أن تقلبها لأنها تراخت عنها، ولم تقرب قرب هذه الستة فلم يحتمل عندهم حرف ليس مخرجه غيره للمقاربة أكثر من هذه الستة.
ينظر الكتاب (4/ 455454).
(1) فى أ: قريب.
(2) جاء فى لسان العرب (6/ 4311): وألف الإمالة هى التى تجدها بين الألف والياء.(1/456)
وإن شئت قلت: الإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء، وكلتا العبارتين قائمة من لفظ سيبويه.
واعلم أنه متى أميلت الألف فلا بد من إمالة الفتحة التى قبلها فيكون ذلك مبدأ الإمالة فى الفتحة، وتتبعها الألف على النحو الذى نشأت عليه فتحصل الإمالة فى الألف بحكم الانجرار والتبع للفتحة.
والأصل فى هذا: أن أحرف العلة الثلاثة فروع عن الحركات الثلاث، وناشئة عنهن، والحركات هى أمهات الأحرف الثلاثة وأصولهن.
فإذا قلت: «يدعو» وأطلقت الصوت متصلا بضمة العين، وأقررت العضو الناطق مع مد الصوت على الهيئة التى كان عليها حين النطق بالضمة، كان الصوت واوا ساكنة ومدة خالصة.
وإذا قلت: «يرمى» وأطلقت الصوت متصلا بكسرة الميم مع إقرار العضو الناطق على ما كان عليه حين النطق بالكسرة، كان الصوت ياء ساكنة ومدة خالصة.
وإذا قلت: «يرضى» وأطلقت الصوت متصلا بفتحة الضاد على ما تقدم، كان الصوت ألفا ساكنة ومدة خالصة.
وبعد كل واحد من هذه الأحرف الثلاثة من صاحبيه مساو لبعد كل واحدة من الحركات الثلاث من أختيها.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن الياء والواو فيما أريده الآن طرفا نقيض وذلك لتصعد الصوت بالضمة والواو، وانجراره بالكسرة والياء فتبقى الفتحة والألف واسطة بينهما، ثم إن الفتحة يعرض لها أن ينطق بها نوعا من النطق فيشبه لفظها لفظ الكسرة فيسمى ذلك إمالة فى الفتحة، فإن كان بعدها ألف تبع لفظها لفظ الفتحة فى ذلك النحو من التكيف إذ الألف ناشئة عن الفتحة كما تقدم فتصير الألف مشبهة للياء، ثم هذا الشبه الحاصل بين الفتحة والكسرة، وبين الألف والياء إن كان قويّا سمى إمالة محضة، وإن كان ضعيفا سمى إمالة بين بين، وإمالة بين اللفظين، أعنى بين لفظ الفتح الخالص، وبين لفظ الإمالة المحضة، وليس المعنى أنه بين الفتح الخالص والكسر الخالص لأن هذا المعنى حاصل فى الإمالة المحضة، وقد يسمون الإمالة: الكسر، والبطح، والإضجاع، كما يسمون الفتح: النصب، وهذا كله من غير أن ينتهى إلى قلب الفتحة كسرة، والألف ياء، كما أن الإشمام فى نحو
«قيل» و «غيض» لا ينتهى إلى قلب الكسرة ضمة، والياء واوا.(1/457)
فإذا تقرر هذا فاعلم أن الياء والواو فيما أريده الآن طرفا نقيض وذلك لتصعد الصوت بالضمة والواو، وانجراره بالكسرة والياء فتبقى الفتحة والألف واسطة بينهما، ثم إن الفتحة يعرض لها أن ينطق بها نوعا من النطق فيشبه لفظها لفظ الكسرة فيسمى ذلك إمالة فى الفتحة، فإن كان بعدها ألف تبع لفظها لفظ الفتحة فى ذلك النحو من التكيف إذ الألف ناشئة عن الفتحة كما تقدم فتصير الألف مشبهة للياء، ثم هذا الشبه الحاصل بين الفتحة والكسرة، وبين الألف والياء إن كان قويّا سمى إمالة محضة، وإن كان ضعيفا سمى إمالة بين بين، وإمالة بين اللفظين، أعنى بين لفظ الفتح الخالص، وبين لفظ الإمالة المحضة، وليس المعنى أنه بين الفتح الخالص والكسر الخالص لأن هذا المعنى حاصل فى الإمالة المحضة، وقد يسمون الإمالة: الكسر، والبطح، والإضجاع، كما يسمون الفتح: النصب، وهذا كله من غير أن ينتهى إلى قلب الفتحة كسرة، والألف ياء، كما أن الإشمام فى نحو
«قيل» و «غيض» لا ينتهى إلى قلب الكسرة ضمة، والياء واوا.
واعلم أن الغالب على لغة الحجازيين الفتح، والغالب على لغة بنى تميم وغيرهم الإمالة، وكلاهما فصيح مستعمل.
واعلم أن الفتح هو الأصل وأن الإمالة فرع، بدليل أن الإمالة لا تكون إلا عند وجود سبب من الأسباب التى تذكر بعد بحول الله تعالى. فإن فقدت تلك الأسباب، لزم الفتح، وإن وجد شىء منها، جاز الفتح والإمالة فعلى هذا فما من كلمة تمال إلا وفى العرب من يفتحها، ولا يصح أن يقال: كل كلمة تفتح ففي العرب من يميلها فاستدللنا باطراد الفتح وتوقف الإمالة على أصالة الفتح وفرعية الإمالة.
وأيضا: فإن الإمالة تصيّر الحرف بين حرفين، بمعنى أن الألف الممالة بين الألف الخالصة والياء، وكذلك الفتحة الممالة بين الفتحة الخالصة والكسرة، والفتح يبقى الألف والفتحة على أصلها فلزم أن الفتح هو الأصل والإمالة فرع والله عز وجل أعلم.
فإذا تقرر هذا، فأذكر الآن أسباب الإمالة، ووجوهها، وفائدتها، ثم مذاهب القراء فيها، وما أمالوا من ألفاظ القرآن العظيم أو فتحوه، بحول الله تعالى.
فاعلم أن الأصل فى أسباب الإمالة شيئان:
أحدهما: الكسرة.
والثانى: الياء.
وكل واحد منهما يكون متقدما على محل الإمالة من الكلمة، ويكون متأخرا ويكون أيضا مقدرا فى محل الإمالة، وقد تكون الكسرة والياء غير موجودتين فى اللفظ، ولا مقدرتين فى محل الإمالة، ولكنهما مما يعرض فى بعض تصاريف الكلمة، وقد تمال الألف أو الفتحة لأجل ألف أخرى أو فتحة أخرى ممالة، وتسمى هذه: الإمالة لأجل الإمالة، وقد تمال الألف تشبيها بالألف الممالة.
فعلى هذا، تبلغ أسباب الإمالة عشرة.
بيان ذلك بحول الرب الكريم البر الرحيم:
أما الإمالة لأجل كسرة متقدمة، فاعلم أنه لا يمكن أن تكون الكسرة إذ ذاك ملاصقة للألف إذ لا تثبت الألف إلا بعد فتحة، فلا بد أن يحصل بين الكسرة
المتقدمة والألف الممالة فاصل، وأقله حرف واحد مفتوح نحو «عباد» و «سلاح» وهذا الفاصل إنما حصل باعتبار الألف، فأما الفتحة الممالة فلا فاصل بينها وبين الكسرة، والفتحة مبدأ الألف، ومبدأ الشيء جزء من الشيء فكأنه ليس بين الألف والكسرة حائل، وقد يكون الفاصل بين الألف والكسرة حرفان بشرط أن يكون أولهما ساكنا أو يكونا مفتوحين، والثانى «هاء» نحو «سربال» و «يضربها» لما كانت الهاء خفية، والساكن حاجزا غير حصين، كانا فى حكم المعدوم فكأنه لم يفصل بين الكسرة والألف إلا حرف واحد، وهذا التعليل يقتضى أن من أمال «مررت بها»، فكأن الكسرة عنده تلى الألف فى الحكم، وإن فصلت الهاء فى اللفظ، وقد أمالوا مع أن الفاصل أكثر من ذلك نحو «درهمان».(1/458)
أما الإمالة لأجل كسرة متقدمة، فاعلم أنه لا يمكن أن تكون الكسرة إذ ذاك ملاصقة للألف إذ لا تثبت الألف إلا بعد فتحة، فلا بد أن يحصل بين الكسرة
المتقدمة والألف الممالة فاصل، وأقله حرف واحد مفتوح نحو «عباد» و «سلاح» وهذا الفاصل إنما حصل باعتبار الألف، فأما الفتحة الممالة فلا فاصل بينها وبين الكسرة، والفتحة مبدأ الألف، ومبدأ الشيء جزء من الشيء فكأنه ليس بين الألف والكسرة حائل، وقد يكون الفاصل بين الألف والكسرة حرفان بشرط أن يكون أولهما ساكنا أو يكونا مفتوحين، والثانى «هاء» نحو «سربال» و «يضربها» لما كانت الهاء خفية، والساكن حاجزا غير حصين، كانا فى حكم المعدوم فكأنه لم يفصل بين الكسرة والألف إلا حرف واحد، وهذا التعليل يقتضى أن من أمال «مررت بها»، فكأن الكسرة عنده تلى الألف فى الحكم، وإن فصلت الهاء فى اللفظ، وقد أمالوا مع أن الفاصل أكثر من ذلك نحو «درهمان».
وأما الياء المتقدمة فقد تكون ملاصقة للألف الممالة، نحو «السيال» وهو شجر [ذو] أشواك.
وقد يفصل بينهما بحرف نحو «شيبان».
وقد يفصل بحرفين أحدهما الهاء نحو «رأيت يدها»، وقد يكون الفاصل غير ذلك نحو «رأيت يدنا».
وأما الإمالة لأجل الياء بعد الألف فنحو «مبايع».
وأما الإمالة لأجل الكسرة بعد الألف الممالة فنحو: «عالم».
وقد تكون الكسرة عارضة نحو «فى الدار» و «من الناس» لأن حركة الإعراب غير لازمة.
وأما الإمالة لأجل الكسرة المقدرة فى المحل الممال، فنحو «خاف» أصله «خوف» بكسر عين الكلمة هى الواو، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وأما الإمالة لأجل الياء المقدرة فى المحل الممال، فنحو «يخشى» و «الهدى» تحركت الياء فيهما وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا.
وأما الإمالة لأجل كسرة تعرض فى بعض أحوال الكلمة فنحو «طاب».
ألا ترى أنك تكسر الطاء إذا اتصل بها ضمير المتكلم المرفوع أو ضمير المخاطب المنصوب، أو نون جماعة المؤنث نحو «طبت وطبت، والهندات طبن»، ويعلل أيضا «خاف بأنك تقول: خفت، وخفت، والهندات خفن، إلا أن الكسرة فى «خفت» منقولة من عين الكلمة، وفى «طبت» مبدلة من فتحة الياء، ثم نقلت من العين إلى
الفاء لأن أصل العين فى «طاب» الفتح بدليل قولك فى المضارع: «يطيب»، وإنما أبدلوا من الفتحة كسرة ليدل على أن الأصل فى عين الكلمة الياء مثل «باع».(1/459)
ألا ترى أنك تكسر الطاء إذا اتصل بها ضمير المتكلم المرفوع أو ضمير المخاطب المنصوب، أو نون جماعة المؤنث نحو «طبت وطبت، والهندات طبن»، ويعلل أيضا «خاف بأنك تقول: خفت، وخفت، والهندات خفن، إلا أن الكسرة فى «خفت» منقولة من عين الكلمة، وفى «طبت» مبدلة من فتحة الياء، ثم نقلت من العين إلى
الفاء لأن أصل العين فى «طاب» الفتح بدليل قولك فى المضارع: «يطيب»، وإنما أبدلوا من الفتحة كسرة ليدل على أن الأصل فى عين الكلمة الياء مثل «باع».
ويمكن أيضا تعليل إمالة «طاب» بكون الألف منقلبة عن الياء.
وأما الإمالة لأجل ما يعرض فى بعض الأحوال، فنحو «تلا» و «غزا»، وذلك أن الألف منقلبة فيهما عن واو التلاوة، والغزو، وإنما أميلت فى لغة من أمالها لأنك تقول إذا بنيت الفعل للمفعول: تلى، وغزى، مع بقاء عدة الحروف كما كانت حين بنيت الفعل للفاعل.
وأما الإمالة لأجل الإمالة فنحو «تراءى» أمالوا الألف الأولى من أجل إمالة الألف الثانية المنقلبة عن الياء، وقالوا: رأيت عمادا، فأمالوا الألف المبدلة من التنوين من أجل إمالة الألف الأولى الممالة لأجل الكسرة قبلها.
وأما الإمالة لأجل الشبه، فإمالة ألف التأنيث فى نحو «الحسنى» وألف الإلحاق نحو «أرطى» فى قول من قال: مأروط لشبه ألفيهما بألف الهدى.
ويمكن أن يعلل هذا: بأن الألف تنقلب ياء فى بعض الأحوال، وذلك إذا ثنيت فقلت: الحسنيان، والأرطيان.
واعلم أنه متى كان سبب الإمالة موجودا فى اللفظ، فإن الإمالة أقوى مما إذا كان السبب مقدرا، والإمالة لسبب مقدم أقوى منها لسبب متأخر، ومتى كان الفصل بين السبب ومحل الإمالة أقل، كانت الإمالة أقوى والإمالة للكسرة اللازمة أقوى من الإمالة للكسرة العارضة، والله جلت قدرته أعلم.
فأما وجوه الإمالة فأربعة، والأصل منها اثنان:
أحدهما: المناسبة.
والثانى: الإشعار.
فأما المناسبة فقسم واحد، وذلك فيما أميل لسبب موجود فى اللفظ، وفيما أميل لإمالة غيره، فأرادوا أن يكون عمل اللسان، ومحاولة النطق بالحرف الممال بسبب الإمالة من وجه واحد، وعلى نسبة واحدة.
وأما الإشعار فثلاثة أقسام:
أحدها: الإشعار بالأصل، وذلك إذا كانت الألف الممالة منقلبة عن ياء، أو عن واو مكسورة.
الثانى: الإشعار بما يعرض فى الكلمة فى بعض المواضع من ظهور كسرة أو ياء حسب ما تقتضيه التصاريف دون الأصل، كما تقدم فى غزا، وطاب.(1/460)
أحدها: الإشعار بالأصل، وذلك إذا كانت الألف الممالة منقلبة عن ياء، أو عن واو مكسورة.
الثانى: الإشعار بما يعرض فى الكلمة فى بعض المواضع من ظهور كسرة أو ياء حسب ما تقتضيه التصاريف دون الأصل، كما تقدم فى غزا، وطاب.
الثالث: الإشعار بالمشبه المشعر بالأصل، وذلك كإمالة ألف التأنيث والألف الملحقة.
وأما فائدة الإمالة: فهى سهولة اللفظ وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح، وينحدر بالإمالة، والانحدار أخف على اللسان من الارتفاع فلهذا أمال من أمال من العرب.
وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح هو الأصل فلم يعدل عنه وإن كان غيره أخف منه.
ويزاد فى تعليل الفتح فيما إمالته الإشعار بالأصل، أن يقال: إذا كان اللازم فى الكلام ترك لفظ الياء التى هى الأصل والعدول عنها إلى أن تقلب ألفا فى نحو «الهدى»، و «قضى» إذ الألف أخف من الياء المتحركة، فلا يعاد إلى التنبيه على أمر قد ترك، وأصل قد رفض كما قال الشاعر: [من الطويل] إذا انصرفت نفسى عن الشيء لم تكن ... إليه بوجه آخر الدهر ترجع
ويزاد فى تعليل الفتح فيما إمالته الوجهين الأخيرين من أوجه الإشعار أن يقال:
إذا صح فى فصيح الكلام ترك الإمالة حيث يكون سببها قائما، وهو ما أميل للمناسبة وحيث يكون سببها مقدرا، وهو الوجه الأول من أوجه الإشعار فالأحرى أن تترك حيث لا سبب فى اللفظ، ولا فى التقدير، والله جل ذكره أعلم.
فإذا تقرر ما تقدم، فأرجع إلى مذاهب القراء فى الفتح والإمالة فأقول:
اختلف القراء فى أصل الإمالة:
فمنهم من تركها رأسا، ولم يمل شيئا من ألفاظ القرآن البتة، وهو ابن كثير وحده.
ومنهم من أمال وهم الباقون، لكن منهم من استعملها قليلا وهم قالون، وابن عامر، وعاصم.
ومنهم من استعملها كثيرا، وهم حمزة، والكسائى، وأبو عمرو، وورش.
وأقلّ الكلّ إمالة: قالون وحفص.
وأكثرهم إمالة: حمزة، والكسائى، على ما تراه مبسوطا بعد هذا الإجمال بحول الله تعالى.
فأرجع إلى كلام الحافظ رحمه الله قال الحافظ: «باب الفتح والإمالة، وبين اللفظين».(1/461)
وأكثرهم إمالة: حمزة، والكسائى، على ما تراه مبسوطا بعد هذا الإجمال بحول الله تعالى.
فأرجع إلى كلام الحافظ رحمه الله قال الحافظ: «باب الفتح والإمالة، وبين اللفظين».
قدم الفتح لأنه الأصل على ما قررته، وقدم الإمالة على ما بين اللفظين لأنها أكثر استعمالا فى القراءات، ولأنه أراد باللفظين الفتح والإمالة المحضة، وأراد ب «بين اللفظين» الإمالة التى هى دون ذلك فلزم تقديم الإمالة فى الذكر على «بين اللفظين» من حيث جعل تعريف هذه الإمالة التى هى بين اللفظين بالإضافة إلى لفظى الفتح والإمالة المحضة فتنزلت لذلك منزلة النسبة الحاصلة بين المتضايفين، فحكمها:
أن تكون تابعة لهما.
والألف واللام فى «اللفظين» للعهد المفهوم من «الفتح»، و «الإمالة» بمنزلة قولك: أتيت زيدا وعمرا فجلست بين الرجلين، تريد زيدا وعمرا، وعلى هذا النحو جاء قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحََابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كََانُوا مِنْ آيََاتِنََا عَجَباً}
[الكهف: 9] ثم قال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10] فأدخل الألف واللام فى «الفتية» وهو يريد أصحاب الكهف.
قال الحافظ رحمه الله: «اعلم أن حمزة، والكسائى كانا يميلان كل ما كان من الأسماء، والأفعال من ذوات الياء».
قدم حمزة والكسائى فى هذا الباب لأنهما أكثر القراء إمالة كما تقدم، وإمالتهما أشد الإمالتين إيضاحا لأنها محضة.
وجمعهما لاشتراكهما فى أكثر الألفاظ الممالة فى القرآن.
وقدم حمزة لمكانه إذ هو شيخ الكسائى.
وذكر الأسماء والأفعال دون الحروف لأن الحروف لا يميلها أحد من القراء إلا حرفا واحدا وهو: «بلى» خاصة، وما عداه مثل «ما» و «لا» و «أما» و «إلا» و «لولا» و «لو ما» و «حتى» و «على» و «كأنما» ونحوه لا يميله أحد من القراء السبعة.
وأذكر الآن جميع ما يشتمل عليه هذا الفصل من ألفاظ القرآن مما ذكره الحافظ أو لم يذكره فأقول:
اعلم أن مجموع ما يشتمل عليه هذا الفصل ينحصر فى قسمين:
القسم الأول: كل كلمة آخرها ألف بعد راء، وهو على ضربين: أسماء، وأفعال.
الأسماء عشرون كلمة يجمعها أحد عشر مثالا:(1/462)
القسم الأول: كل كلمة آخرها ألف بعد راء، وهو على ضربين: أسماء، وأفعال.
الأسماء عشرون كلمة يجمعها أحد عشر مثالا:
الأول: «فعل» وهو {الثَّرى ََ} فى طه [الآية: 6] لا غير.
والثانى: «فعل» وهو {الْقُرى ََ} [القصص: 59].
والثالث: «فعلى» وهو (أسرى) فى البقرة [85] على قراءة حمزة (1)، وفى الثانى من الأنفال (2) [70] على قراءة غير أبى عمرو، وكذلك الأول منها [67] على قراءة
__________
(1) قرأ الجماعة غير حمزة (أسارى)، وقرأ هو: (أسرى)، وقرئ: (أسارى) بفتح الهمزة.
فقراءة الجماعة تحتمل أربعة أوجه:
أحدها: أنه جمع جمع (كسلان) لما جمعهما من عدم النشاط والتصرف، فقالوا:
(أسير وأسارى) بضم الهمزة ك (كسلان وكسالى) و (سكران وسكارى)، كما أنه قد شبه «كسلان» و «سكران» به فجمعا جمعه الأصلى الذى هو على (فعلى) فقالوا: كسلان وكسلى، وسكران وسكرى لقولهم: أسير وأسرى.
قال سيبويه: فقالوا فى جمع «كسلان»: كسلى، شبهوه ب (أسرى)، كما قالوا: أسارى شبهوه ب (كسالى)، ووجه الشبه: أن الأسر يدخل على المرء كرها كما يدخل الكسل.
قال بعضهم: والدليل على اعتبار هذا المعنى أنهم جمعوا (مريضا وميتا وهالكا) على (فعلى) فقالوا: (مرضى وموتى وهلكى) لما جمعها المعنى الذى فى (قتلى وجرحى).
الثانى: أن (أسارى) جمع (أسير)، وقد وجدنا (فعيلا) يجمع على (فعالى) قالوا: شيخ قديم، وشيوخ قدامى. وفيه نظر فإن هذا شاذ لا يقاس عليه.
الثالث: أنه جمع (أسير) أيضا، وإنما ضموا الهمزة من (أسارى) وكان أصلها الفتح ك (نديم وندامى) كما ضمت الكاف والسين من (كسالى) و (سكارى) وكان الأصل فيهما الفتح نحو: (عطشان وعطاشى).
الرابع: أنه جمع (أسرى) الذى هو جمع (أسير) فيكون جمع الجمع.
وأما قراءة حمزة فواضحة لأن (فعلى) ينقاس فى (فعيل) نحو: (جريح وجرحى) و (قتيل وقتلى) و (مريض ومرضى).
وأما (أسارى) بالفتح فهى أصل «أسارى» بالضم عند بعضهم، ولم يعرف أهل اللغة فرقا بين (أسارى) و (أسرى) إلا ما حكاه أبو عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء، فإنه قال: (ما كان فى الوثاق فهم الأسارى، وما كان فى اليد فهم الأسرى).
ونقل بعضهم عنه الفرق بمعنى آخر، فقال: (ما جاء مستأسرا فهم الأسرى، وما صار فى أيديهم، فهم الأسارى).
وحكى النقاش عن ثعلب، أنه لما سمع هذا الفرق قال: (هذا كلام المجانين)، وهى جرأة منه على أبى عمرو.
وحكى عن المبرد أنه يقال: (أسير وأسراء) ك (شهيد وشهداء) و (الأسير): مشتق من (الإسار) وهو القيد الذى يربط به من المحمل، فسمى الأسير أسيرا، وإن لم يربط.
ينظر: اللباب (2/ 251250).
(2) فى أ: الأفعال.(1/463)
الجماعة، و {سُكََارى ََ} [الحج: 2] فى الحج على قراءة حمزة والكسائى (1) و {تَتْرََا}
فى «قد أفلح» [المؤمنون: 44] على قراءة غير ابن كثير وأبى عمرو.
الرابع: «فعلى» وهو {الذِّكْرى ََ} [عبس: 4] و {الشِّعْرى ََ} [النجم: 49].
الخامس: «فعلى» وهو {الْبُشْرى ََ} [هود: 74] و {لِلْيُسْرى ََ} [الأعلى: 8] و {الْأُخْرى ََ} [البقرة: 282] و {الْكُبْرى ََ} [النجم: 18] و {شُورى ََ} [الشورى: 38] و {لِلْعُسْرى ََ} [الليل: 10].
السادس: «فعالى» وهو {وَالنَّصََارى ََ} [البقرة: 62].
__________
(1) وقرأ الأخوان حمزة والكسائى (سكرى وما هم بسكرى) على وزن وصفة المؤنثة بذلك، واختلف فى ذلك: هل هذه صيغة جمع على «فعلى» كمرضى وقتلى، أو صفة مفردة استغنى بها فى وصف الجماعة، وظاهر كلام سيبويه أنه جمع تكسير فإنه قال: وقوم يقولون:
(سكرى) جعلوه مثل: مرضى لأنهما شيئان يدخلان على الإنسان، ثم جعلوا «روبى» مثل سكرى، وهم المستثقلون نوما لا من شرب الرائب.
وقال الفارسى: ويجوز أن يكون جمع سكر، كزمن وزمنى، وقد حكى: رجل سكر، بمعنى! سكران، فيجىء «سكرى» حينئذ لتأنيث الجمع.
قال شهاب الدين: ومن ورود «سكر» بمعنى «سكران» قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلنى ... ثوبى فأنهض نهض الشارب السكر
وكنت أمشى على رجلين معتدلا ... فصرت أمشى على أخرى من الشجر
ويروى البيت الأول: الشارب الثمل، وبالراء أصح لدلالة البيت الثانى عليه.
وقرأ الباقون: (سكارى) بضم السين، وقرأ أبو هريرة وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما، وهو جمع تكسير واحده «سكران».
قال أبو حاتم: وهى لغة تميم.
وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة والأعمش: (سكرى وما هم بسكرى) بضم السين فيهما، فقال ابن جنى: هى اسم مفرد كالبشرى، بهذا أفتانى أبو على. وقال أبو الفضل: فعلى بضم الفاء صفة الواحدة من الإناث، لكنها لما جعلت من صفات الناس وهم جماعة أجريت الجماعة بمنزلة المؤنث الموحد.
وقال الزمخشرى: وهو غريب.
قال شهاب الدين: ولا غرابة فإن «فعلى» بضم الفاء كثير مجيئها فى أوصاف المؤنثة نحو: الربّى والحبلى.
وجوز أبو البقاء فيه أن يكون محذوفا من سكارى، وكان من حق هذا القارئ أن يحرك الكاف بالفتح إبقاء لها على ما كانت عليه، وقد رواها بعضهم كذلك عن الحسن.
وقرأ أبو زرعة فى رواية (سكارى) بالفتح: {وَمََا هُمْ بِسُكََارى ََ} بالضم.
وعن أبى جبير كذلك إلا أنه حذف الألف من الأول دون الثانى.
ينظر اللباب (14/ 108).(1/464)
السابع: «فعالى» وهو (أسرى) فى البقرة [85] على قراءة غير حمزة، وفى الثانى من الأنفال [70] على قراءة أبى عمرو، و {سُكََارى ََ} فى الحج [الآية: 2] على قراءة غير حمزة، والكسائى، وفى النساء [43] على قراءة الجميع.
الثامن: «مفعل» بفتح الميم وهو {مَجْرََاهََا} من سورة هود عليه السلام [الآية: 41] على قراءة حفص، وحمزة، والكسائى.
التاسع: «مفعل» بضم الميم، وهو: (مجرى) على قراءة الباقين.
العاشر: «مفتعل» وهو {مُفْتَرىً} [سبأ: 43].
الحادى عشر: {التَّوْرََاةَ} [آل عمران: 3].
وأما الأفعال: فأربع عشرة كلمة:
منها واحدة مشتركة تكون للماضى والمضارع بلفظ واحد، وتفصيل ذلك: أن هذه الأفعال تنقسم إلى الماضى، والمضارع:
فللماضى منها مثالان:
أحدهما: «أفعل» والوارد منه فى القرآن ثلاثة ألفاظ: {أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ} [الإسراء:
1] و «أدرى» و «أرى» المنقولة من «رأى»، كقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ مََا أَرََاكُمْ مََا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] و {بِمََا أَرََاكَ اللََّهُ} [النساء: 105] و {وَلَوْ أَرََاكَهُمْ كَثِيراً} [الأنفال: 43] و {فَأَرََاهُ الْآيَةَ الْكُبْرى ََ} [النازعات: 20].
والثانى: «افتعل» والوارد منه ثلاثة ألفاظ: {اشْتَرى ََ} [التوبة: 111] و {افْتَرى ََ}
[آل عمران: 94] و {اعْتَرََاكَ} [هود: 54].
وأما (1) المضارع فعلى ضربين:
الضرب الأول: مبنى للفاعل، وله ستة أمثلة.
الأول: «أفعل»، والوارد منه: «أرى» خاصة كقوله تعالى {إِنِّي أَرََاكَ وَقَوْمَكَ} [الأنعام: 74] و {وَلََكِنِّي أَرََاكُمْ قَوْماً} [هود: 29] و {إِنِّي أَرََاكُمْ بِخَيْرٍ} [هود: 84] و {إِنِّي أَرى ََ مََا لََا تَرَوْنَ} [الأنفال: 48].
والثانى: «نفعل» بالنون، والوارد منه: {نَرَى} [البقرة: 55] خاصة.
والثالث: «تفعل» بتاء الخطاب، والوارد منه لفظان: {تَرى ََ} [المائدة: 83] و {وَلََا تَعْرى ََ} [طه: 118].
__________
(1) فى ب: فأما.(1/465)
والرابع: «يفعل» على الغيبة، والوارد منه: {يَرَى} [البقرة: 165] خاصة.
والخامس: «تتفاعل»، والوارد منه فى القرآن: {تَتَمََارى ََ} [النجم: 55].
والسادس: «يتفاعل»، والوارد منه {يَتَوََارى ََ} [النحل: 59].
الضرب الثانى: مبنى للمفعول، وله مثالان:
أحدهما: «يفعل» بالياء المعجمة من أسفل، والوارد منه {يُرى ََ} فى الأحقاف [الآية: 25] على قراءة حمزة، وعاصم و {يُرى ََ} فى النجم [الآية: 40] على قراءة الجماعة.
والثانى «يفتعل» والوارد منه {يُفْتَرى ََ} [يونس: 37] خاصة.
فقرأه حمزة، والكسائى، وأبو عمرو جميع ذلك بإمالة فتحة الراء والألف بعدها فى الوصل والوقف.
واستثنى أبو عمرو {يََا بُشْرى ََ} فى سورة يوسف عليه السلام و {تَتْرََا}
ففتحهما، ونوّن (تترّى) فى الوصل.
واستثنى حمزة من ذلك (التوراة) فقرأه بين اللفظين.
وافقهم حفص على الإمالة فى {مَجْرََاهََا} [هود: 41] خاصة.
ووافقهم أبو بكر على إمالة «أدرى» حيث وقع.
ووافقهم ابن ذكوان على إمالة (التوراة) و «أدرى».
وزاد الحافظ عن ابن ذكوان فتح «أدرى» أيضا من طريق النقاش (1)، عن الأخفش.
__________
(1) محمد بن عبد الله بن محمد بن مرة، ويقال: ابن أبى مرة، أبو الحسن الطوسى ثم البغدادى، يعرف بابن أبى عمر النقاش، مقرئ جليل مصدر خير صالح، أخذ القراءة عرضا عن المستنير أبى على الصواف، والمستنير والغاية والكفاية أبى بكر بن مجاهد، والكفاية إبراهيم بن زياد القنطرى، وروى اختيار خلف عرضا عن المستنير والكفاية إسحاق بن إبراهيم المروزى، والكامل على بن محمد بن الحسين بن نازك ومحمد ابن إبراهيم وإبراهيم بن إسحاق وأبى بكر بن أسد المؤدب الطوسيين، وروى رواية إسماعيل عن نافع وقراءة ابن كثير عن الكامل إدريس بن عبد الكريم فيما ذكره الهذلى، ولا يصح ذلك، روى القراءة عنه عرضا: ابنه الكامل الحسن والمستنير والغاية والكفاية أحمد بن عبد الله السوسنجردى والكفاية أبو الفرج النهروانى والكفاية أبو الحسن الحمامى والمستنير والكامل بكر بن شاذان والمستنير على بن محمد ابن يوسف بن العلاف وأبو بكر بن مهران، مات سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.
ينظر غاية النهاية (2/ 186).(1/466)
وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين فى الحالين أيضا، وتابعه قالون على (التوراة) خاصة فقرأها بين اللفظين، وزاد عنه الحافظ الفتح.
وهذا كله ما لم يلحق الألف فى الوصل تنوين، أو يقع بعدها حرف ساكن، فإنه لا خلاف فى الفتح فى الوصل لسقوط الألف، إلا ما ذكر الحافظ من مذهب السوسى أنه يميل فى الوصل فتحة الراء فيما لحقه ساكن منفصل، نحو {نَرَى اللََّهَ}
[البقرة: 55] و {الْقُرَى الَّتِي} [سبأ: 18] و {النَّصََارى ََ الْمَسِيحُ} [التوبة: 30] و {ذِكْرَى الدََّارِ} [ص: 46].
ومذهب الشيخ، والإمام الفتح فى الوصل لأبى شعيب كالجماعة.
واختلف عن ورش فى (أريكهم) فى الأنفال (1) [الآية: 43].
فقال الشيخ: «روى ورش عن نافع الفتح، وكان يختار بين اللفظين، وبالوجهين قرأت».
وأما الإمام فأطلق القول فى جميع الفصل ببين (2) اللفظين، ثم قال: «وقد قرأت له: (ولو أريكهم) فى الأنفال بالفتح أيضا، وبين اللفظين أشهر عنه».
ونص فى غيره [أنه] قرأه بالوجهين.
وذكر فى «التمهيد»: أن ترقيق الراء فى (أريكهم) هى قراءته على ابن خاقان، وأبى الحسن.
قال: وهو الصواب، وقراءته على ابن خاقان هى التى أسند فى «التيسير» فحصل من هذا كله أنهم يختارون له بين اللفظين، وهو خلاف روايته عن نافع.
واعلم أن الراء فى «أرى»، و «نرى» و «ترى» و «يرى» هى فاء الكلمة، وأصلها السكون، وعين الكلمة فى الأصل همزة مفتوحة ولامها ياء، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم نقلت الفتحة من الهمزة إلى الراء لشبه الهمزة بالحرف المعتل فى الثقل، ثم حذفت الهمزة لسكونها وسكون ما بعدها فوليت الألف الراء فصار آخر الكلمة ألفا بعد راء فلحق بهذا الفصل الذى نحن فيه، ولولا ذلك لكان من الفصل الثانى مثل: «رأى»، والله تقدس اسمه وتعالى جده أعلم.
__________
(1) فى أ: الأفعال.
(2) فى أ: بين.(1/467)
القسم الثانى: من القسم الأول: كل كلمة آخرها ألف وليس قبل الألف راء وهو نوعان.
النوع الأول: أن تكون الكلمة ثلاثية وألفها منقلبة عن واو، وجملته فى القرآن ثمانية ألفاظ، منها أربعة أسماء، وهى «الربا» و «الضحى» و «العلا» و «القوى».
اتفق حمزة والكسائى على إمالتها فى الحالين، سواء كانت بالألف واللام، أو مضافة، فإن كانت منونة أمالاها فى الوقف وفتحاها فى الوصل، وذلك {ضُحًى} فى طه [الآية: 59]، و {رِباً} فى الروم [الآية: 39] لا غير، وفتح ورش «الربا» كيفما كان.
وقرأ البواقى بين اللفظين من طريق الحافظ ما لم تكن منونة فيفتح فى الوصل ويقف بين اللفظين، وذلك قوله تعالى: {وَأَنْ يُحْشَرَ النََّاسُ ضُحًى} فى طه [الآية:
59]، فأما قوله تعالى: {ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: 98] فلا أذكر فيه شيئا، والسابق إلى فهمى أنه فى الوقف مفتوح للجميع، والله سبحانه أعلم.
ومذهب الشيخ والإمام فتح الأسماء الأربعة لورش على كل حال.
وقرأ أبو عمرو ما كان منها رأس آية فى السور الإحدى عشرة التى تذكر بعد: بين اللفظين من طريق الحافظ والإمام، وبالفتح من طريق الشيخ.
ومنها أربعة أفعال وهى: {دَحََاهََا} [النازعات: 30] و {طَحََاهََا} [الشمس: 6] و {تَلََاهََا} [الشمس: 2] و {سَجى ََ} [الضحى: 2].
أمالها الكسائى. وقرأها أبو عمرو بين اللفظين، ووافقه ورش على {سَجى ََ}
خاصة من طريق الحافظ وحده، وفتح البواقى كالباقين.
النوع الثانى: ما عرى من القيدين أو من أحدهما وأعنى بالقيدين: كون الكلمة ثلاثية، وكون ألفها مع ذلك منقلبة عن واو فهذا النوع ينقسم قسمين: منصرف، وغير منصرف.
فغير المنصرف أربعة ألفاظ:
منها اسمان وهما: {مَتى ََ} [البقرة: 214]، {أَنََّى} [البقرة: 223].
ومنها فعل وهو: {عَسَى} [النساء: 84].
ومنها حرف وهو: {بَلى ََ} [البقرة: 81]، ويلحق بها: {يََا وَيْلَتى ََ} [المائدة: 31] و {يََا حَسْرَتى ََ} [الزمر: 56] و {يََا أَسَفى ََ} [يوسف: 84].
والألف فى هذه الأسماء الثلاثة بدل من ياء المتكلم.
فأمال الألف والفتحة قبلها فى هذه الألفاظ السبعة: حمزة، والكسائى، وقرأها ورش من طريق الحافظ بين اللفظين ومن طريق الشيخ والإمام بالفتح.(1/468)
والألف فى هذه الأسماء الثلاثة بدل من ياء المتكلم.
فأمال الألف والفتحة قبلها فى هذه الألفاظ السبعة: حمزة، والكسائى، وقرأها ورش من طريق الحافظ بين اللفظين ومن طريق الشيخ والإمام بالفتح.
وقرأ الدورى عن اليزيدى عن أبى عمرو {يََا وَيْلَتى ََ} [المائدة: 31]، و {يََا حَسْرَتى ََ}
[الزمر: 56]، و {أَنََّى} [البقرة: 223] بين اللفظين من الطرق الثلاثة.
وزاد الإمام {بَلى ََ} [البقرة: 81] و {مَتى ََ} [البقرة: 214] عن أبى عمرو من طريقيه و {يََا أَسَفى ََ} [يوسف: 84] من طريق الدورى خاصة، وفتح ما بقى.
والمنصرف ينقسم إلى أسماء وأفعال، فالأسماء تسعون، وتنحصر فى خمسة عشر مثالا:
المثال الأول: «فعل» بفتح الفاء، والوارد منه ثمانية أسماء وهى: {وَالنَّوى ََ}
[الأنعام: 95].
و {الْهَوى ََ} [النساء: 135]، و {لِلشَّوى ََ} [المعارج: 16]، و {وَالْأَذى ََ} [البقرة:
264]، و {الْعَمى ََ} [فصلت: 17]، و {لَظى ََ} [المعارج: 15]، و {فَتًى} [الأنبياء:
60]، و {وَجَنَى} [الرحمن: 54].
المثال الثانى: «فعل» بكسر الفاء، والوارد منه أربعة أسماء:
{الزِّنى ََ} [الإسراء: 32]، و (إنيه) [الأحزاب: 53]، و {كِلََاهُمََا} [الإسراء:
23]، و {مَكََاناً سُوىً} [طه: 58] على خلاف فى كسر أول هذه الكلمة الأخيرة.
المثال الثالث: «فعل» بضم الفاء، والوارد منه ستة أسماء وهى:
{الْهُدى ََ} [البقرة: 120]، و {النُّهى ََ} [طه: 54]، و {طُوىً} [طه: 12]، و {سُدىً} [القيامة: 36]، و {مَكََاناً سُوىً} [طه: 58] على الخلاف المذكور، ويلحق به {تُقََاةً} [آل عمران: 28]. و {حَقَّ تُقََاتِهِ} [آل عمران: 102] وزنه «فعلة».
المثال الرابع: «فعلى» بفتح الفاء، والوارد منه عشرة أسماء وهى:
{الْمَوْتى ََ} [البقرة: 73]، و {لِلتَّقْوى ََ} [البقرة: 237]، و {الْمَرْضى ََ} [التوبة:
91]، و {النَّجْوى ََ} [طه: 62]، و {وَالسَّلْوى ََ} [البقرة: 57]، و {الْقَتْلى ََ} [البقرة:
178]، و {دَعْوَةَ} (1) [البقرة: 186]، و {صَرْعى ََ} [الحاقة: 7]، و (طغوى)، و {مَثْنى ََ} [النساء: 3].
المثال الخامس: «فعلى» بكسر الفاء، والوارد منه أربعة أسماء وهى:
__________
(1) هكذا فى المخطوط فليحرر.(1/469)
{إِحْدَى} [القصص: 27]، و (سيما)، و {ضِيزى ََ} [النجم: 22]، و {عِيسَى}
[الصف: 14].
المثال السادس: «فعلى» بضم الفاء، [و] الوارد منه تسعة عشر اسما وهى:
{الْقُرْبى ََ} [البقرة: 83]، و {الدُّنْيََا} [البقرة: 86]، و {الْوُسْطى ََ} [البقرة:
238]، و {الْوُثْقى ََ} [البقرة: 256]، و {الْأُنْثى ََ} [النجم: 27]، و {الْحُسْنى ََ}
[الكهف: 88]، و {وَالْأُولى ََ} [النجم: 25]، و {الْقُصْوى ََ} [الأنفال: 42]، و {الْمُثْلى ََ} [طه: 63]، و {السُّفْلى ََ} [التوبة: 40]، و {الْعُلْيََا} [التوبة: 40]، و {الرُّؤْيََا} [الفتح: 27]، و {طُوبى ََ} [الرعد: 29]، و {شُورى ََ} [الشورى: 38]، و {زُلْفى ََ} [الزمر: 3]، و {الرُّجْعى ََ} [العلق: 8]، و {وَالْعُزََّى} [النجم: 19]، و {عُقْبَى} [الرعد: 22]، و {وَسُقْيََاهََا} [الشمس: 13].
المثال السابع: «أفعل»، والوارد منه ثمانية عشر اسما، وهى:
{الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، و {أَوْلى ََ} [القيامة: 34]، و {الْأَوْفى ََ} [النجم: 41]، و {الْأَتْقَى} [الليل: 17]، و {الْأَشْقَى} [الليل: 15]، و {الْأَدْنى ََ} [الأعراف:
169]، و {الْأَعْمى ََ} [الأنعام: 50]، و {الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]، و {أَزْكى ََ}
[البقرة: 232]، و {أَرْبى ََ} [النحل: 92]، و {وَأَخْفى ََ} [طه: 7]، و {وَأَبْقى ََ}
[الأعلى: 17]، و {أَهْدى ََ} [الإسراء: 84]، و {أَدْهى ََ} [القمر: 46]، و {أَحْوى ََ}
[الأعلى: 5]، و {أَحْصى ََ} [الكهف: 12]، و {أَخْزى ََ} [فصلت: 16]، و {وَأَطْغى ََ}
[النجم: 52].
المثال الثامن: «فعالى» بفتح الفاء، والوارد منه أربعة أسماء وهى:
{الْيَتََامى ََ} [النساء: 2]، و {الْأَيََامى ََ} [النور: 32]، و {الْحَوََايََا} [الأنعام:
146]، و (خطايا).
المثال التاسع: «فعالى» بضم الفاء، والوارد منه اسمان وهما:
{كُسََالى ََ} [النساء: 142]، و {وَفُرََادى ََ} [سبأ: 46].
المثال العاشر: «مفعل» بفتح الميم، والوارد منه سبعة أسماء وهى:
{الْمَوْلى ََ} [الأنفال: 40]، و {الْمَأْوى ََ} [النجم: 15]، و {الْمَرْعى ََ} [الأعلى: 4]، و {مَثْوَى} [آل عمران: 151].
و {مَثْنى ََ} [النساء: 3]، و {وَمَحْيََايَ} [الأنعام: 162]، ويلحق به {مَرْضََاتَ}
[التحريم: 1].(1/470)
و {مَثْنى ََ} [النساء: 3]، و {وَمَحْيََايَ} [الأنعام: 162]، ويلحق به {مَرْضََاتَ}
[التحريم: 1].
المثال الحادى عشر: «مفعل» بضم الميم، والوارد منه ثلاثة أسماء وهى:
{مُوسى ََ} [طه: 9]، و {وَمُرْسََاهََا} [هود: 41]، ويلحق به {مُزْجََاةٍ} [يوسف:
88].
المثال الثانى عشر: «مفعّل» بضم الميم وتشديد العين، والوارد منه ثلاثة أسماء وهى:
{مُصَلًّى} [البقرة: 125]، و {مُسَمًّى} [البقرة: 282]، و {مُصَفًّى} [محمد:
15].
المثال الثالث عشر: «مفتعل»، والوارد منه {الْمُنْتَهى ََ} [النجم: 14] خاصة.
المثال الرابع عشر: «يفعل»، والوارد منه {يَحْيى ََ} [مريم: 7] اسم النبى عليه السلام.
المثال الخامس عشر: «فعّل» بضم الفاء وتشديد العين، والوارد منه {غُزًّى} [آل عمران: 156] خاصة.
وأما الأفعال: فجملتها مائة وسبعة وسبعون لفظة، وتنقسم إلى الماضى، والمضارع، ثم إلى المبنى للفاعل، والمبنى للمفعول، فهذه ثلاثة أقسام:
القسم الأول الماضى: وجملة ما ورد فى القرآن اثنان وتسعون فعلا، وتنحصر فى ثمانية أمثلة.
المثال الأول: «فعل» خفيف العين، والوارد منه اثنتان وعشرون لفظة وهى:
{هَدَى} [الأنعام: 90]، و {وَكَفى ََ} [الفتح: 28]، و {فَسَقى ََ} [القصص:
24].
و {وَفََّى} [النجم: 37]، و {أَتى ََ} [طه: 69]، و {أَبى ََ} [البقرة: 34]، و {أَتى ََ}
[النحل: 1]، و {وَنَهَى} [النازعات: 40]، و {قَضى ََ} [البقرة: 117]، و {وَمَضى ََ}
[الزخرف: 8]، (جزى)، و {رَأى ََ} [الأنعام: 76]، و {رَمى ََ} [الأنفال: 17]، و {وَعَصى ََ} [طه: 121]، و {طَغى ََ} [النازعات: 37]، و {فَبَغى ََ} [القصص: 76]، و {غَوى ََ} [النجم: 2]، و {هَوى ََ} [طه: 81]، و {قَلى ََ} [الضحى: 3]، و {أَوَى}
[الكهف: 10]، و {وَنَأى ََ} [الإسراء: 83].
المثال الثانى: «أفعل»، والوارد منه ست وعشرون لفظة وهى:
{أَعْطى ََ} [طه: 50]، و {أَوْفى ََ} [آل عمران: 76]، و {أَغْنى ََ} [النجم: 48]، و {وَأَقْنى ََ} [النجم: 48]، و {وَآتَى} [البقرة: 177]، و {آوى ََ} [يوسف: 69].(1/471)
المثال الثانى: «أفعل»، والوارد منه ست وعشرون لفظة وهى:
{أَعْطى ََ} [طه: 50]، و {أَوْفى ََ} [آل عمران: 76]، و {أَغْنى ََ} [النجم: 48]، و {وَأَقْنى ََ} [النجم: 48]، و {وَآتَى} [البقرة: 177]، و {آوى ََ} [يوسف: 69].
و {يََا أَسَفى ََ} [يوسف: 84]، و {أَقْصَا} [القصص: 20]، {أَوْحى ََ}
[الإسراء: 39]، و {أَحْيَا} [المائدة: 32]، و {وَأَوْصََانِي} [مريم: 31]، و {أَنْجَيْنَا}
[الأنعام: 63].
و {فَأَوْعى ََ} [المعارج: 18]، و (أرسى)، و {وَأَلْقى ََ} [النحل: 15]، و {أَبْقى ََ}
[النجم: 51]، و {فَأَدْلى ََ} [يوسف: 19]، و {وَأَمْلى ََ} [محمد: 25]، و {فَأَنْسََاهُ}
[يوسف: 42]، و {أَحْصى ََ} [الكهف: 12]، و {وَأَكْدى ََ} [النجم: 34]، و {أَهْوى ََ}
[النجم: 53]، و {وَأَعْمى ََ} [محمد: 23]، و {وَأَبْكى ََ} [النجم: 43]، و {أَلْهََاكُمُ}
[التكاثر: 1].
المثال الثالث: «فعّل» بتشديد العين، والوارد منه ثلاث عشرة لفظة هى:
(زكّى)، و {وَفََّى} [النجم: 37]، و {أَنْجَيْنَا} [الأعراف: 89]، و {وَلََّى} [النمل:
10]، و (جلّى)، و {صَلََّى} [العلق: 10]، و {وَوَصََّى} [البقرة: 132]، و {وَلَقََّاهُمْ}
[الإنسان: 11]، و {غَشََّى} [النجم: 54]، و {دَسََّاهََا} [الشمس: 10]، و {سَمََّاكُمُ} [الحج: 78]، و {فَسَوََّى} [القيامة: 38].
المثال الرابع: «تفعّل» بتشديد العين، والوارد منه تسعة ألفاظ وهى:
{تَجَلََّى} [الأعراف: 143]، و {فَتَدَلََّى} [النجم: 8]، و {تَوَلََّى} [النجم: 33]، و {تَرَدََّى} [الليل: 11]، و {تَزَكََّى} [طه: 76]، و {تَمَنََّى} [النجم: 24]، و {فَتَلَقََّى}
[البقرة: 37]، و {تَغَشََّاهََا} [الأعراف: 189]، و (توفّاه) فى الأنعام [61] على قراءة حمزة.
المثال الخامس: «افتعل»، والوارد منه اثنتا عشرة لفظة وهى:
{ارْتَضى ََ} [الأنبياء: 28]، و {اهْتَدى ََ} [يونس: 108]، و {اسْتَوى ََ} [البقرة:
29]، و (اجتبى)، و {ابْتَغى ََ} [المؤمنون: 7]، و {فَانْتَهى ََ} [البقرة: 275]، و {ابْتَلى ََ} [البقرة: 124]، و {اعْتَدى ََ} [البقرة: 194]، و {افْتَدى ََ} [آل عمران:
91]، و {اصْطَفى ََ} [آل عمران: 33]، و {اتَّقى ََ} [النساء: 77]، و {فَالْتَقَى}
[القمر: 12].
والمثال السادس: «استفعل»، والوارد منه أربعة ألفاظ وهى:
{اسْتَعْلى ََ} [طه: 64]، و {وَاسْتَغْنَى} [التغابن: 6]، و {اسْتَسْقى ََ} [البقرة: 60]، و (استهواه) فى الأنعام [71] على قراءة حمزة.(1/472)
والمثال السادس: «استفعل»، والوارد منه أربعة ألفاظ وهى:
{اسْتَعْلى ََ} [طه: 64]، و {وَاسْتَغْنَى} [التغابن: 6]، و {اسْتَسْقى ََ} [البقرة: 60]، و (استهواه) فى الأنعام [71] على قراءة حمزة.
المثال السابع: «فاعل»، والوارد منه {نََادى ََ} [الأنبياء: 83]. {سََاوى ََ} [الكهف:
96] خاصة.
المثال الثامن: «تفاعل»، والوارد منه ثلاثة ألفاظ وهى:
{وَتَعََالى ََ} [الأنعام: 100]، و {تَرََاءَا} [الشعراء: 61]، و {فَتَعََاطى ََ} [القمر: 29].
القسم الثانى الفعل المضارع: المبنى للفاعل، وجملة ما ورد منه فى القرآن أربعة وخمسون موضعا، وتنحصر فى ثمانية أمثلة:
المثال الأول: «أفعل»، والوارد منه لفظان وهما:
{أَنْهََاكُمْ} [هود: 88]، و {أَنْسََانِيهُ} [الكهف: 63].
المثال الثانى: «نفعل» بالنون، والوارد منه أربعة ألفاظ وهى:
{نَخْشى ََ} [المائدة: 52]، (ننسى)، و {نَخْزى ََ} [طه: 134]، و {وَنَحْيََا}
[المؤمنون: 37].
المثال الثالث: «تفعل» بالتاء المعجمة من فوق، والوارد منه ست عشرة لفظة وهى:
{تَرْضى ََ} [البقرة: 120]، و {تَهْوى ََ} [البقرة: 87]، و {وَلِتَصْغى ََ} [الأنعام:
113]، و {تَنْهى ََ} [العنكبوت: 45]، و {وَتَغْشى ََ} [إبراهيم: 50]، و {تَعْمَى}
[الحج: 46]، و {تَرْقى ََ} [الإسراء: 93]، و {لِتَشْقى ََ} [طه: 2]، و {فَتَرْدى ََ}
[طه: 16]، و {وَتَخْشَى} [الأحزاب: 37]، و {تَضْحى ََ} [طه: 119]، و {تَخْفى ََ}
[الحاقة: 18]، و {تَأْبى ََ} [التوبة: 8]، و {تَنْسى ََ} [الأعلى: 6]، و {تَسْعى ََ} [طه:
15]، و {تَصْلى ََ} [الغاشية: 4].
المثال الرابع: «يفعل» على الغيبة، والوارد منه خمس عشرة لفظة وهى:
{يَخْفى ََ} [آل عمران: 5]، و {يَغْشى ََ} [آل عمران: 154]، و {يَخْشى ََ} [طه: 3]، و {يَرْضى ََ} [النساء: 108]، و {يَنْهى ََ} [العلق: 9]، و {يَلْقَ} [الفرقان: 68]، و {يَطْغى ََ} [طه: 45]، و {يَنْسى ََ} [طه: 52]، و {يَبْلى ََ} [طه: 120]، و {يَسْعى ََ}
[القصص: 20]، و {وَيَبْقى ََ} [الرحمن: 27]، و {وَيَصْلى ََ} [الانشقاق: 12]، و {يَحْيى ََ} [الأعلى: 13]، و {يَشْقى ََ} [طه: 123]، و {وَيَأْبَى} [التوبة: 32].
المثال الخامس: «يتفعّل» بالياء والتاء، والوارد منه خمسة ألفاظ، وهى {يَتَوَلََّى}
[آل عمران: 23] و {يَتَوَفَّى} [الأنفال: 50] و {يَتَلَقَّى} [ق: 17] و {يَتَمَطََّى}
[القيامة: 33] و {يَتَزَكََّى} [فاطر: 18] ومنه {يَزَّكََّى} [عبس: 3].(1/473)
المثال الخامس: «يتفعّل» بالياء والتاء، والوارد منه خمسة ألفاظ، وهى {يَتَوَلََّى}
[آل عمران: 23] و {يَتَوَفَّى} [الأنفال: 50] و {يَتَلَقَّى} [ق: 17] و {يَتَمَطََّى}
[القيامة: 33] و {يَتَزَكََّى} [فاطر: 18] ومنه {يَزَّكََّى} [عبس: 3].
المثال السادس: «تتفعّل» بتاءين، والوارد منه خمسة ألفاظ وهى: (تتوفّى) و (تتلقى) و {تُسَوََّى} [النساء: 42] على قراءة نافع، وابن عامر و {تَزَكََّى} فى النازعات [الآية: 18]، و {تَصَدََّى} فى عبس [الآية: 6]، كلاهما على قراءة الحرميين، فأدغمت التاء الأولى فيما بعدها فى هذه المواضع الثلاثة.
المثال السابع: «تفعّل» وأصله «تتفعّل» فحذفت إحدى التاءين.
والوارد منه خمسة ألفاظ، وهى {تَوَفََّاهُمُ} فى النساء [الآية: 97]، و {تَلَهََّى} فى «عبس» [10] و {تَلَظََّى} فى «والليل» [الآية: 14]، على قراءة غير البزى فى الوصل، و {تَزَكََّى} و {تَصَدََّى} على قراءة غير الحرميين، وقد تقدم {تَزَكََّى} الذى هو فعل ماض كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى} فى سورة الأعلى، وقوله تعالى:
{وَمَنْ تَزَكََّى فَإِنَّمََا يَتَزَكََّى لِنَفْسِهِ} فى سورة فاطر [الآية: 18].
المثال الثامن: «تتفاعل» والوارد منه {تَتَجََافى ََ} [السجدة: 16] لا غير.
القسم الثالث: الفعل المضارع المبنى للمفعول، وجملته فى القرآن إحدى وثلاثون لفظة، وتنحصر فى سبعة أمثلة:
المثال الأول: «نفعل» بالنون، والوارد منه {نُؤْتى ََ} [الأنعام: 124] لا غير.
والمثال الثانى: «تفعل» بالتاء المعجمة من فوق، والوارد منه إحدى عشرة لفظة وهى:
{تُتْلى ََ} [القلم: 15]، و {تُبْلَى} [الطارق: 9]، و {تُسْقى ََ} [الغاشية: 5]، و {تُجْزى ََ} [غافر: 17]، و {فَتُكْوى ََ} [التوبة: 35]، و {تُنْسى ََ} [طه: 126]، و {تُمْلى ََ} [الفرقان: 5]، و {تُدْعى ََ} [الجاثية: 28]، و {فَتُلْقى ََ} [الإسراء: 39]، و (تجبى) [القصص: 57] على قراءة نافع، و (تمنى) [القيامة: 37] على قراءة غير حفص، و {تَرْضى ََ} فى طه [130] على قراءة غير حفص، و {تَرْضى ََ} (1)
[طه: 130] على قراءة أبى بكر والكسائى.
المثال الثالث: «يفعل» على الغيبة، والوارد منه اثنتا عشرة لفظة وهى:
{يُجْبى ََ} [القصص: 57] على قراءة غير نافع، و {يُؤْتِي} [البقرة: 269]، و {يُتْلى ََ} [النساء: 127]، و {يُوحى ََ} [النجم: 4]، و {يُقْضى ََ} [طه: 114]،
__________
(1) هكذا بالمخطوط فليحرر.(1/474)
و {يُجْزى ََ} [الأنعام: 160]، و {يُحْمى ََ} [التوبة: 35]، و {يَهْدِي} [يونس: 35]، و {يُسْقى ََ} [الرعد: 4]، و {يُلْقى ََ} [الفرقان: 8]، و {يُغْشى ََ} [الأحزاب: 19]، و {يُدْعى ََ} [الصف: 7].
المثال الرابع: «تفعّل» بالتاء المعجمة من فوق، وتشديد العين، والوارد منه ثلاثة ألفاظ وهى:
{تُوَفََّى} [البقرة: 281]، و {لَتُلَقَّى} [النمل: 6]، و {تُسَمََّى} [الإنسان: 18].
المثال الخامس «يفعّل» على الغيبة وتشديد العين، والوارد منه ثلاثة ألفاظ، وهى:
{وَيُلَقَّوْنَ} [الفرقان: 75]، و {يُوَفَّى} [الزمر: 10]، و {يَصْلى ََ}
[الانشقاق: 12] على قراءة الحرميين، وابن عامر والكسائى.
المثال السادس: «يتفعّل» بالياء والتاء، والوارد منه {يُتَوَفََّى} [الحج: 5] لا غير.
المثال السابع: «يفاعل» والوارد منه (يجازى) فى سبأ [17] على خلاف فيه لا غير.
اتفق حمزة، والكسائى، على إمالة جميع ما اشتمل عليه هذا القسم المتصرف من الأسماء والأفعال المذكورة.
وافقهما أبو بكر على إمالة {رَمى ََ} فى الأنفال [الآية: 17]، وعلى إمالة فتحة الهمزة والألف بعدها من {وَنَأى ََ} فى سورة الإسراء خاصة [الآية: 83]، وعلى إمالة {أَعْمى ََ} فى الموضعين فيها [73] كل ذلك فى الحالين، وعلى إمالة {سُوىً} فى طه [الآية: 58]، و {سُدىً} فى القيامة [الآية: 36] فى الوقف.
ووافقهما أبو عمرو على إمالة {أَعْمى ََ} الأول من سورة الإسراء، ووافقهما هشام على إمالة (إنيه) [الأحزاب: 53].
واستثنى حمزة، وأبو الحارث من ذلك {هُدََايَ} فى البقرة [الآية: 38]، وطه [الآية: 123] و {وَمَحْيََايَ} فى الأنعام [الآية: 162] و {مَثْوََايَ} و {رُؤْيََاكَ} فى سورة يوسف عليه السلام [الآية: 5]، و {كَمِشْكََاةٍ} فى النور [الآية: 35]، ففتحا هذه الستة.
واستثنى أيضا حمزة وحده خمسة أسماء، وسبعة أفعال:
فالأسماء: (خطايا) كيفما كان، و {الرُّؤْيَا} مضافا وغير مضاف، و {مَرْضََاتِ}
حيث وقع، و {حَقَّ تُقََاتِهِ} خاصة فى آل عمران [الآية: 102] و {مَحْيََاهُمْ} فى الجاثية [الآية: 21] والأفعال {وَقَدْ هَدََانِ} وهو الأول من الأنعام خاصة [الآية:
80] و {عَصََانِي} فى سورة إبراهيم عليه السلام [الآية: 36]، و {وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ} فى الكهف [الآية: 63] و {آتََانِيَ الْكِتََابَ} و {وَأَوْصََانِي} فى «كهيعص» [الآيتان: 30، 31]، و {فَمََا آتََانِيَ} فى النمل [الآية: 36]، و {وَأَحْيََا} إذا لم يكن معطوفا بالواو خاصة حيث وقع.(1/475)
فالأسماء: (خطايا) كيفما كان، و {الرُّؤْيَا} مضافا وغير مضاف، و {مَرْضََاتِ}
حيث وقع، و {حَقَّ تُقََاتِهِ} خاصة فى آل عمران [الآية: 102] و {مَحْيََاهُمْ} فى الجاثية [الآية: 21] والأفعال {وَقَدْ هَدََانِ} وهو الأول من الأنعام خاصة [الآية:
80] و {عَصََانِي} فى سورة إبراهيم عليه السلام [الآية: 36]، و {وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ} فى الكهف [الآية: 63] و {آتََانِيَ الْكِتََابَ} و {وَأَوْصََانِي} فى «كهيعص» [الآيتان: 30، 31]، و {فَمََا آتََانِيَ} فى النمل [الآية: 36]، و {وَأَحْيََا} إذا لم يكن معطوفا بالواو خاصة حيث وقع.
ولم أذكر هنا سائر ما ذكر الحافظ مع هذه الألفاظ لأنه غير داخل فى هذا القسم.
وقرأ ورش جميع ما فى هذا القسم من طريق الحافظ بين اللفظين، واستثنى منه {هُدََايَ} فى البقرة، و {وَمَحْيََايَ} فى الأنعام و {مَثْوََايَ} فى سورة يوسف عليه السلام وكلاهما فى الإسراء، وكل ما اتصل به ضمير المؤنث من رءوس الآى التى فى سورة والشمس وفى سورة النازعات إلا قوله تعالى: {ذِكْرََاهََا} فلا خلاف أنه قرأها بين اللفظين من أجل الراء.
وقرأ جميع الفصل من طريق الشيخ والإمام بالفتح، إلا ما وقع رأس آية فى السور العشر، وهى: طه، والنجم، والمعارج فى قوله تعالى: {لَظى ََ} [المعارج:
15] و {لِلشَّوى ََ} [المعارج: 16] و {تَوَلََّى} [النجم: 29] و {فَأَوْعى ََ} [المعارج: 18] وآخر القيامة من قوله تعالى: {وَلََا صَلََّى} إلى آخرها، والنازعات من قوله تعالى: {حَدِيثُ مُوسى ََ} إلى قوله تعالى: {لِمَنْ يَخْشى ََ} [الآيات: 2615] ومن قوله تعالى: {مََا سَعى ََ} إلى {الْمَأْوى ََ} [الآيات: 4135] وأول {عَبَسَ} إلى {تَلَهََّى}
[الآيات: 101]، وسبح، والليل، والضحى من قوله تعالى {قَلى ََ} إلى {فَأَغْنى ََ} [الآيات: 83] والعلق من قوله تعالى: {لَيَطْغى ََ} إلى {وَتَوَلََّى}
[الآيات: 136] فإنه [قرأها] بين اللفظين بشرط ألا تكون ألفه للتأنيث، ولا منقلبة عن واو فى الثلاثى فإنهما أخذا فيه بالفتح.
والذى وقع فى هذه الصورة مما ألفه للتأنيث: {الْحُسْنى ََ} [الكهف: 88] و {وَالْأُولى ََ} [الليل: 13] و {النَّجْوى ََ} [المجادلة: 8] و {الْمُثْلى ََ} [طه: 63] و {وَالسَّلْوى ََ} [البقرة: 57] و {وَالتَّقْوى ََ} و {وَالْأُنْثى ََ} و {ضِيزى ََ} [النجم: 22] و {الْمَوْتى ََ} والذى ألفه منقلبة عن واو فى الثلاثى: {الْعَلِيُّ} و {وَالضُّحى ََ} و {الْقَوِيُّ}
و {سَجى ََ}، وقد تقدم القول فى ذوات الواو، وتقدم أيضا أنه لم يختلف عن ورش فيما قبل ألفه راء، حيث وقع أنه يقرؤه بين اللفظين.
وقرأ أبو عمرو كل ما كان على وزن «فعلى» أو «فعلى» أو «فعلى» حيث وقع، وجميع رءوس الآى التى فى السور العشر المذكورة، وسورة الشمس كيفما كان و «يحيى» اسم النبى، و «موسى»، و «عيسى» صلوات الرحمن عليهم أجمعين بين اللفظين.(1/476)
والذى وقع فى هذه الصورة مما ألفه للتأنيث: {الْحُسْنى ََ} [الكهف: 88] و {وَالْأُولى ََ} [الليل: 13] و {النَّجْوى ََ} [المجادلة: 8] و {الْمُثْلى ََ} [طه: 63] و {وَالسَّلْوى ََ} [البقرة: 57] و {وَالتَّقْوى ََ} و {وَالْأُنْثى ََ} و {ضِيزى ََ} [النجم: 22] و {الْمَوْتى ََ} والذى ألفه منقلبة عن واو فى الثلاثى: {الْعَلِيُّ} و {وَالضُّحى ََ} و {الْقَوِيُّ}
و {سَجى ََ}، وقد تقدم القول فى ذوات الواو، وتقدم أيضا أنه لم يختلف عن ورش فيما قبل ألفه راء، حيث وقع أنه يقرؤه بين اللفظين.
وقرأ أبو عمرو كل ما كان على وزن «فعلى» أو «فعلى» أو «فعلى» حيث وقع، وجميع رءوس الآى التى فى السور العشر المذكورة، وسورة الشمس كيفما كان و «يحيى» اسم النبى، و «موسى»، و «عيسى» صلوات الرحمن عليهم أجمعين بين اللفظين.
واستثنى الشيخ، وحده: {الضُّحى ََ} و {الْعَلِيُّ} و {الْقَوِيُّ} خاصة، سواء كانت هذه الأسماء الثلاثة منونة أو بالألف واللام، أو مضافة ففتحها.
واستثنى الإمام «يحيى» اسم النبى عليه السلام ففتحه من طريق السوسى خاصة.
وأرى أن أختم هذا الفصل بتعيين رءوس الآى المذكورة حتى لا يقع فيها التباس.
اعلم أن جملتها ما بين متفق عليه، ومختلف فيه مائتان وإحدى وسبعون آية.
واعلم أن الأعداد المشهورة فى ذلك ستة، وهى المدنى الأول، والمدنى الأخير، والمكى، والبصرى، والشامى، والكوفى، وأوكد هذه الأعداد فى مقصود هذا الفصل، عدد المدنى الأخير، وعدد البصرى ليعرف به ما يقرؤه ورش وأبو عمرو من رءوس هذه الآى بين اللفظين:
فمن ذلك فى سورة طه: تسع وثمانون آية وهى قوله تعالى:
{لِتَشْقى ََ} [2]، {يَخْشى ََ} [3]، {الْعُلى ََ} [4]، {اسْتَوى ََ} [5]، {الثَّرى ََ} [6]، {وَأَخْفى ََ} [7]، {الْحُسْنى ََ} [8]، {حَدِيثُ مُوسى ََ} [9]، {هُدىً} [10]، {يََا مُوسى ََ}
[11]، {طُوىً} [12]، {يُوحى ََ} [13]، {بِمََا تَسْعى ََ} [15]، {فَتَرْدى ََ} [16]، {بِيَمِينِكَ يََا مُوسى ََ} [17]، {أُخْرى ََ} [18]، {أَلْقِهََا يََا مُوسى ََ} [19]، {حَيَّةٌ تَسْعى ََ}
[20]، {الْأُولى ََ} [21]، {آيَةً أُخْرى ََ} [22]، {الْكُبْرى ََ} [23]، {طَغى ََ} [24]، {سُؤْلَكَ يََا مُوسى ََ} [36]، {مَرَّةً أُخْرى ََ} [37]، {مََا يُوحى ََ} [38]، {عَلى ََ قَدَرٍ يََا مُوسى ََ}
[40]، {إِنَّهُ طَغى ََ} [43]، {أَوْ يَخْشى ََ} [44]، {يَطْغى ََ} [45]، {وَأَرى ََ} [46]، {الْهُدى ََ} [47]، {وَتَوَلََّى} [48]، {يََا مُوسى ََ} [49]، {ثُمَّ هَدى ََ} [50]، {الْقُرُونِ الْأُولى ََ} [51]، {وَلََا يَنْسى ََ} [52]، {شَتََّى} [53]، {النُّهى ََ} [54]، {تََارَةً أُخْرى ََ}
[55]، {وَأَبى ََ} [56]، {بِسِحْرِكَ يََا مُوسى ََ} [57]، {سُوىً} [58]، {ضُحًى} [59]، {ثُمَّ أَتى ََ} [60]، {افْتَرى ََ} [61]، {النَّجْوى ََ} [62]، {الْمُثْلى ََ} [63]، {اسْتَعْلى ََ}
[64]، {أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ََ} [65]، {أَنَّهََا تَسْعى ََ} [66]، {خِيفَةً مُوسى ََ} [67]، {أَنْتَ الْأَعْلى ََ}
[68]، {حَيْثُ أَتى ََ} [69]، {هََارُونَ وَمُوسى ََ} [70]، {عَذََاباً وَأَبْقى ََ} [71]، {الْحَيََاةَ
الدُّنْيََا} [72]، {خَيْرٌ وَأَبْقى ََ} [73]، {وَلََا يَحْيى ََ} [74]، {الْعُلى ََ} [75]، {تَزَكََّى}
[76]، {وَلََا تَخْشى ََ} [77]، {وَمََا هَدى ََ} [79]، {وَالسَّلْوى ََ} [80]، {فَقَدْ هَوى ََ}
[81]، {اهْتَدى ََ} [82]، {عَنْ قَوْمِكَ يََا مُوسى ََ} [83]، {لِتَرْضى ََ} [84]، {إِلَيْنََا مُوسى ََ}
[91]، {إِلََّا إِبْلِيسَ أَبى ََ} [116]، {فَتَشْقى ََ} [117]، {وَلََا تَعْرى ََ} [118]، {وَلََا تَضْحى ََ} [119]، {لََا يَبْلى ََ} [120]، {فَغَوى ََ} [121]، {وَهَدى ََ} [122]، {مِنِّي هُدىً} [123]، {وَلََا يَشْقى ََ} [123]، {أَعْمى ََ} [125]، {تُنْسى ََ} [126]، {أَشَدُّ وَأَبْقى ََ} [127]، {لِأُولِي النُّهى ََ} [128]، {مُسَمًّى} [129]، {تَرْضى ََ} [130]، {الدُّنْيََا} [131]، {خَيْرٌ وَأَبْقى ََ} [131]، {لِلتَّقْوى ََ} [132]، {فِي الصُّحُفِ الْأُولى ََ}
[133]، {وَنَخْزى ََ} [134]، {وَمَنِ اهْتَدى ََ} [135].(1/477)
{لِتَشْقى ََ} [2]، {يَخْشى ََ} [3]، {الْعُلى ََ} [4]، {اسْتَوى ََ} [5]، {الثَّرى ََ} [6]، {وَأَخْفى ََ} [7]، {الْحُسْنى ََ} [8]، {حَدِيثُ مُوسى ََ} [9]، {هُدىً} [10]، {يََا مُوسى ََ}
[11]، {طُوىً} [12]، {يُوحى ََ} [13]، {بِمََا تَسْعى ََ} [15]، {فَتَرْدى ََ} [16]، {بِيَمِينِكَ يََا مُوسى ََ} [17]، {أُخْرى ََ} [18]، {أَلْقِهََا يََا مُوسى ََ} [19]، {حَيَّةٌ تَسْعى ََ}
[20]، {الْأُولى ََ} [21]، {آيَةً أُخْرى ََ} [22]، {الْكُبْرى ََ} [23]، {طَغى ََ} [24]، {سُؤْلَكَ يََا مُوسى ََ} [36]، {مَرَّةً أُخْرى ََ} [37]، {مََا يُوحى ََ} [38]، {عَلى ََ قَدَرٍ يََا مُوسى ََ}
[40]، {إِنَّهُ طَغى ََ} [43]، {أَوْ يَخْشى ََ} [44]، {يَطْغى ََ} [45]، {وَأَرى ََ} [46]، {الْهُدى ََ} [47]، {وَتَوَلََّى} [48]، {يََا مُوسى ََ} [49]، {ثُمَّ هَدى ََ} [50]، {الْقُرُونِ الْأُولى ََ} [51]، {وَلََا يَنْسى ََ} [52]، {شَتََّى} [53]، {النُّهى ََ} [54]، {تََارَةً أُخْرى ََ}
[55]، {وَأَبى ََ} [56]، {بِسِحْرِكَ يََا مُوسى ََ} [57]، {سُوىً} [58]، {ضُحًى} [59]، {ثُمَّ أَتى ََ} [60]، {افْتَرى ََ} [61]، {النَّجْوى ََ} [62]، {الْمُثْلى ََ} [63]، {اسْتَعْلى ََ}
[64]، {أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ََ} [65]، {أَنَّهََا تَسْعى ََ} [66]، {خِيفَةً مُوسى ََ} [67]، {أَنْتَ الْأَعْلى ََ}
[68]، {حَيْثُ أَتى ََ} [69]، {هََارُونَ وَمُوسى ََ} [70]، {عَذََاباً وَأَبْقى ََ} [71]، {الْحَيََاةَ
الدُّنْيََا} [72]، {خَيْرٌ وَأَبْقى ََ} [73]، {وَلََا يَحْيى ََ} [74]، {الْعُلى ََ} [75]، {تَزَكََّى}
[76]، {وَلََا تَخْشى ََ} [77]، {وَمََا هَدى ََ} [79]، {وَالسَّلْوى ََ} [80]، {فَقَدْ هَوى ََ}
[81]، {اهْتَدى ََ} [82]، {عَنْ قَوْمِكَ يََا مُوسى ََ} [83]، {لِتَرْضى ََ} [84]، {إِلَيْنََا مُوسى ََ}
[91]، {إِلََّا إِبْلِيسَ أَبى ََ} [116]، {فَتَشْقى ََ} [117]، {وَلََا تَعْرى ََ} [118]، {وَلََا تَضْحى ََ} [119]، {لََا يَبْلى ََ} [120]، {فَغَوى ََ} [121]، {وَهَدى ََ} [122]، {مِنِّي هُدىً} [123]، {وَلََا يَشْقى ََ} [123]، {أَعْمى ََ} [125]، {تُنْسى ََ} [126]، {أَشَدُّ وَأَبْقى ََ} [127]، {لِأُولِي النُّهى ََ} [128]، {مُسَمًّى} [129]، {تَرْضى ََ} [130]، {الدُّنْيََا} [131]، {خَيْرٌ وَأَبْقى ََ} [131]، {لِلتَّقْوى ََ} [132]، {فِي الصُّحُفِ الْأُولى ََ}
[133]، {وَنَخْزى ََ} [134]، {وَمَنِ اهْتَدى ََ} [135].
ومنها فى سورة النجم خمس وخمسون آية وهى قوله تعالى: {هَوى ََ} [1]، {وَمََا غَوى ََ} [2]، {الْهَوى ََ} [3]، {يُوحى ََ} [4]، {الْقُوى ََ} [5]، {فَاسْتَوى ََ} [6]، {الْأَعْلى ََ}
[7]، {فَتَدَلََّى} [8]، {أَوْ أَدْنى ََ} [9]، {مََا أَوْحى ََ} [10]، {مََا رَأى ََ} [11]، {مََا يَرى ََ} [12]، {أُخْرى ََ} [13]، {الْمُنْتَهى ََ} [14]، {الْمَأْوى ََ} [15]، {مََا يَغْشى ََ} [16]، {وَمََا طَغى ََ} [17]، {الْكُبْرى ََ} [18]، {وَالْعُزََّى} [19]، {الْأُخْرى ََ} [20]، {الْأُنْثى ََ}
[21]، {ضِيزى ََ} [22]، {الْهُدى ََ} [23]، {مََا تَمَنََّى} [24]، {وَالْأُولى ََ} [25]، {وَيَرْضى ََ} [26]، {الْأُنْثى ََ} [27]، {الدُّنْيََا} [29]، {بِمَنِ اهْتَدى ََ} [30]، {بِالْحُسْنَى}
[31]، {بِمَنِ اتَّقى ََ} [32]، {الَّذِي تَوَلََّى} [33]، {وَأَكْدى ََ} [34]، {فَهُوَ يَرى ََ}
[35]، {مُوسى ََ} [36]، {وَفََّى} [37]، {أُخْرى ََ} [38]، {سَعى ََ} [39]، {يُرى ََ}
[40]، {الْأَوْفى ََ} [41]، {الْمُنْتَهى ََ} [42]، {وَأَبْكى ََ} [43]، {وَأَحْيََا} [44]، {وَالْأُنْثى ََ} [45]، {تُمْنى ََ} [46]، {الْأُخْرى ََ} [47]، {وَأَقْنى ََ} [48]، {الشِّعْرى ََ}
[49]، {الْأُولى ََ} [50]، {أَبْقى ََ} [51]، {وَأَطْغى ََ} [52]، {أَهْوى ََ} [53]، {مََا غَشََّى} [54]، {تَتَمََارى ََ} [55]، {الْأُولى ََ} [56].
ومنها فى سورة المعارج أربع آيات، وهى قوله تعالى {لَظى ََ} [15]، {لِلشَّوى ََ}
[16]، {وَتَوَلََّى} [17]، {فَأَوْعى ََ} [18].
ومنها فى سورة القيامة عشر آيات، وهى: {وَلََا صَلََّى} [31]، {وَتَوَلََّى} [32]، {يَتَمَطََّى} [33]، {أَوْلى ََ} [34]، {فَأَوْلى ََ} [34]، {سُدىً} [36]، {يُمْنى ََ} [37]، {فَسَوََّى} [38]، {وَالْأُنْثى ََ} [39]، {الْمَوْتى ََ} [40].
ومنها فى سورة «والنازعات» إحدى وثلاثون آية، وهى قوله تعالى: {حَدِيثُ مُوسى ََ} [15]، {طُوىً} [16]، {إِنَّهُ طَغى ََ} [17]، {تَزَكََّى} [18]، {فَتَخْشى ََ} [19]، {الْكُبْرى ََ} [20]، {وَعَصى ََ} [21]، {يَسْعى ََ} [22]، {فَنََادى ََ} [23]، {الْأَعْلى ََ}
[24]، {وَالْأُولى ََ} [25]، {يَخْشى ََ} [26]، {بَنََاهََا} [27]، {فَسَوََّاهََا} [28]، {ضُحََاهََا}
[29]، {دَحََاهََا} [30]، {وَمَرْعََاهََا} [31]، {أَرْسََاهََا} [32]، {الْكُبْرى ََ} [34]، {مََا سَعى ََ} [35]، {يَرى ََ} [36]، {مَنْ طَغى ََ} [37]، {الدُّنْيََا} [38]، {الْمَأْوى ََ} [39]، {الْهَوى ََ} [40]، {الْمَأْوى ََ} [41]، {مُرْسََاهََا} [42]، {ذِكْرََاهََا} [43]، {مُنْتَهََاهََا}
[44]، {يَخْشََاهََا} [45]، {ضُحََاهََا} [46].(1/478)
ومنها فى سورة القيامة عشر آيات، وهى: {وَلََا صَلََّى} [31]، {وَتَوَلََّى} [32]، {يَتَمَطََّى} [33]، {أَوْلى ََ} [34]، {فَأَوْلى ََ} [34]، {سُدىً} [36]، {يُمْنى ََ} [37]، {فَسَوََّى} [38]، {وَالْأُنْثى ََ} [39]، {الْمَوْتى ََ} [40].
ومنها فى سورة «والنازعات» إحدى وثلاثون آية، وهى قوله تعالى: {حَدِيثُ مُوسى ََ} [15]، {طُوىً} [16]، {إِنَّهُ طَغى ََ} [17]، {تَزَكََّى} [18]، {فَتَخْشى ََ} [19]، {الْكُبْرى ََ} [20]، {وَعَصى ََ} [21]، {يَسْعى ََ} [22]، {فَنََادى ََ} [23]، {الْأَعْلى ََ}
[24]، {وَالْأُولى ََ} [25]، {يَخْشى ََ} [26]، {بَنََاهََا} [27]، {فَسَوََّاهََا} [28]، {ضُحََاهََا}
[29]، {دَحََاهََا} [30]، {وَمَرْعََاهََا} [31]، {أَرْسََاهََا} [32]، {الْكُبْرى ََ} [34]، {مََا سَعى ََ} [35]، {يَرى ََ} [36]، {مَنْ طَغى ََ} [37]، {الدُّنْيََا} [38]، {الْمَأْوى ََ} [39]، {الْهَوى ََ} [40]، {الْمَأْوى ََ} [41]، {مُرْسََاهََا} [42]، {ذِكْرََاهََا} [43]، {مُنْتَهََاهََا}
[44]، {يَخْشََاهََا} [45]، {ضُحََاهََا} [46].
ومنها فى سورة «عبس» عشر آيات، وهى قوله تعالى: {وَتَوَلََّى} [1]، {الْأَعْمى ََ}
[2]، {يَزَّكََّى} [3]، {الذِّكْرى ََ} [4]، {اسْتَغْنى ََ} [5]، {تَصَدََّى} [6]، {يَزَّكََّى} [7]، {يَسْعى ََ} [8]، {يَخْشى ََ} [9]، {تَلَهََّى} [10].
ومنها فى سورة الأعلى تسع عشرة آية، وهى قوله تعالى: {الْأَعْلَى} [1]، {فَسَوََّى} [2]، {فَهَدى ََ} [3]، {الْمَرْعى ََ} [4]، {أَحْوى ََ} [5]، {فَلََا تَنْسى ََ} [6]، {وَمََا يَخْفى ََ} [7]، {لِلْيُسْرى ََ} [8]، {الذِّكْرى ََ} [9]، {مَنْ يَخْشى ََ} [10]، {الْأَشْقَى} [11]، {الْكُبْرى ََ} [12]، {وَلََا يَحْيى ََ} [13]، {مَنْ تَزَكََّى} [14]، {فَصَلََّى} [15]، {الدُّنْيََا}
[16]، {وَأَبْقى ََ} [17]، {الْأُولى ََ} [18]، {وَمُوسى ََ} [19].
ومنها فى سورة «والشمس» خمس عشرة آية، وهى قوله تعالى: {وَضُحََاهََا} [1]، {تَلََاهََا} [2]، {جَلََّاهََا} [3]، {يَغْشََاهََا} [4]، {بَنََاهََا} [5]، {طَحََاهََا} [6]، {سَوََّاهََا}
[7]، {وَتَقْوََاهََا} [8]، {زَكََّاهََا} [9]، {دَسََّاهََا} [10]، {بِطَغْوََاهََا} [11]، {أَشْقََاهََا} [12]، {وَسُقْيََاهََا} [13]، {فَسَوََّاهََا} [14]، {عُقْبََاهََا} [15].
ومنها فى سورة «والليل» إحدى وعشرون آية، وهى قوله تعالى: {يَغْشى ََ} [1]، {تَجَلََّى} [2]، {وَالْأُنْثى ََ} [3]، {لَشَتََّى} [4]، {وَاتَّقى ََ} [5]، {بِالْحُسْنى ََ} [6]، {لِلْيُسْرى ََ}
[7]، {وَاسْتَغْنى ََ} [8]، {بِالْحُسْنى ََ} [9]، {لِلْعُسْرى ََ} [10]، {تَرَدََّى} [11]، {لَلْهُدى ََ}
[12]، {وَالْأُولى ََ} [13]، {تَلَظََّى} [14]، {الْأَشْقَى} [15]، {وَتَوَلََّى} [16]، {الْأَتْقَى} [17]، {يَتَزَكََّى} [18]، {تُجْزى ََ} [19]، {الْأَعْلى ََ} [20]، {يَرْضى ََ} [21].
ومنها فى سورة «والضحى» ثمانى آيات، وهى قوله تعالى: {وَالضُّحى ََ} [1]، {سَجى ََ} [2]، {قَلى ََ} [3]، {الْأُولى ََ} [4]، {فَتَرْضى ََ} [5]، {فَآوى ََ} [6]،
{فَهَدى ََ} [7]، {فَأَغْنى ََ} [8].(1/479)
ومنها فى سورة «والضحى» ثمانى آيات، وهى قوله تعالى: {وَالضُّحى ََ} [1]، {سَجى ََ} [2]، {قَلى ََ} [3]، {الْأُولى ََ} [4]، {فَتَرْضى ََ} [5]، {فَآوى ََ} [6]،
{فَهَدى ََ} [7]، {فَأَغْنى ََ} [8].
ومنها فى سورة العلق تسع آيات، وهى قوله تعالى: {لَيَطْغى ََ} [6]، {اسْتَغْنى ََ}
[7]، {الرُّجْعى ََ} [8]، {يَنْهى ََ} [9]، {صَلََّى} [10]، {الْهُدى ََ} [11]، {بِالتَّقْوى ََ}
[12]، {وَتَوَلََّى} [13]، {يَرى ََ} [14].
فهذه جملة الآى المذكورة والمختلف فيه منها خمس، وهى قوله تعالى فى طه:
{مِنِّي هُدىً} [123]، و {زَهْرَةَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [131] يعدهما المدنيان، والمكى، والبصرى، والشامى، ولم يعدهما الكوفى.
وقوله تعالى فى «والنجم»: {إِلَّا الْحَيََاةَ الدُّنْيََا} [29] عدها الكل إلا الشامى.
وقوله تعالى فى «والنازعات»: {فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ} [37] فعدها البصرى، والشامى، والكوفى، ولم يعدها المدنيان ولا المكى.
وقوله تعالى فى العلق: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ََ} [9] عدها كلهم إلا الشامى.
فأما قوله تعالى فى طه: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ} [77] فلم يعدها أحد إلا الشامى.
وقوله تعالى: {وَإِلََهُ مُوسى ََ} [طه: 88] لم يعدها أحد إلا المدنى الأول، والمكى، وقوله تعالى فى النجم {عَنْ مَنْ تَوَلََّى} [29] لم يعدها أحد إلا الشامى فلذلك لم أذكرها إذ ليست معدودة فى المدنى الأخير، ولا فى البصرى.
فإذا تقرر هذا: فاعلم أن قوله تعالى فى طه {لِتُجْزى ََ كُلُّ نَفْسٍ} [15]، و {فَأَلْقََاهََا}
[20]، و {أَعْطى ََ كُلَّ شَيْءٍ} [50]، و {فَتَوَلََّى فِرْعَوْنُ} [60]، {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ} [61]، و {قََالُوا يََا مُوسى ََ} [65]، و {فَرَجَعَ مُوسى ََ} [86]، و {وَإِلََهُ مُوسى ََ} [88]، و {وَعَصى ََ آدَمُ}
[121]، و {ثُمَّ اجْتَبََاهُ رَبُّهُ} [122]، و {حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ} [125].
وقوله تعالى فى والنجم {إِذْ يَغْشَى} [16]. و {عَنْ مَنْ تَوَلََّى} [29]، و {وَأَعْطى ََ قَلِيلًا} [34]، و {ثُمَّ يُجْزََاهُ} [41]، و {أَغْنى ََ} [48]، و {فَغَشََّاهََا} [54].
وقوله تعالى فى القيامة {أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ} [34]، و {ثُمَّ أَوْلى ََ لَكَ}.
وقوله تعالى فى «والليل» {مَنْ أَعْطى ََ} [5]، و {لََا يَصْلََاهََا} [15] فإن أبا عمرو يفتح جميع ذلك لأنه ليس برأس آية ما عدا «موسى» فإنه يقرؤه على أصله بين اللفظين، وورش يفتح جميعه أيضا من طريق الشيخ والإمام، وكذلك يفتح {فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ} [37] فى «النازعات» إذ ليس برأس آية عند المدنى، ويقرأ جميعه بين اللفظين من طريق الحافظ على أصله فى ذوات الياء، وكذلك {فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ} فى
«والنازعات» [الآية: 37] لأنه مكتوب بالياء، ويترجح له الفتح فى قوله تعالى:(1/480)
وقوله تعالى فى «والليل» {مَنْ أَعْطى ََ} [5]، و {لََا يَصْلََاهََا} [15] فإن أبا عمرو يفتح جميع ذلك لأنه ليس برأس آية ما عدا «موسى» فإنه يقرؤه على أصله بين اللفظين، وورش يفتح جميعه أيضا من طريق الشيخ والإمام، وكذلك يفتح {فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ} [37] فى «النازعات» إذ ليس برأس آية عند المدنى، ويقرأ جميعه بين اللفظين من طريق الحافظ على أصله فى ذوات الياء، وكذلك {فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ} فى
«والنازعات» [الآية: 37] لأنه مكتوب بالياء، ويترجح له الفتح فى قوله تعالى:
{لََا يَصْلََاهََا} فى و «الليل» [الآية: 15]، على ما يأتى فى باب اللامات بحول الله تعالى.
وحمزة والكسائى فى جميع ذلك على أصلهما فى الإمالة، والله أعلم.
وأرجع الآن إلى لفظ الحافظ، قال رحمه الله: «فالأسماء نحو» كذا إلى قوله: «مما ألفه للتأنيث».
[لا شك أن قوله: «مما ألفه للتأنيث»] (1) يستوعب الأمثلة التى ذكر من قوله:
«الموتى» إلى «ضيزى»، ويحتمل مع ذلك أن يستوعب عنده «موسى» و «عيسى» و «يحيى» لأنه نص فى «الموضح» على أن القراء يقولون: إن «يحيى»: «فعلى» و «موسى»: «فعلى»، و «عيسى»: «فعلى» وذكر هناك اختلاف النحويين فيها.
واعلم أن سيبويه رحمه الله نص على أن موسى: «مفعل»، وأنه ينصرف فى النكرة، وأن «عيسى» «فعلى» إلا أن الياء ملحقة ببنات الأربعة بمنزلة «معزى».
قال الحافظ رحمه الله: «وكذلك «الهدى» إلى قوله: «من الفصول».
اعلم أن الألف فى جميع هذه الأمثلة فى موضع اللام من الكلمة، وهى منقلبة عن ياء إلا فى «الضحى» فإنها منقلبة عن واو.
قال: «وكذلك «الأدنى» إلى قوله: من الصفات».
اعلم أن أصل اللام فى «الأدنى» و «أزكى» و «الأعلى»: واو لأنه من «دنوت» و «زكوت» و «علوت»، فلما زيدت الهمزة فى أوله [و] صار أربعة أحرف قلبت واوه ياء، بدليل قولهم فى التثنية: «الأدنيان»، و «الأزكيان»، و «الأعليان». وأما «أولى» فلامه ياء، بدليل كون فائه واوا فلو كانت لامه واوا: لكان من باب سلس، وهو قليل.
فأما قولهم: الأولوية، فلا حجة فيه على أن أصله الواو، بل هى منقلبة عن الياء، كما قلبت فى رحوىّ هربا من ثقل اجتماع ثلاث ياءات وكسرة، [والله عز جلاله أعلم وأحكم] (2).
قال الحافظ رحمه الله: «والأفعال نحو كذا»، وذكر فيها «زكّى».
__________
(1) سقط فى أ.
(2) فى ب: والله أعلم.(1/481)
يريد المشدد فى قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} [الشمس: 9] وليس فى القرآن غيره.
فأما «ما زكا» الخفيفة، فلا يميله أحد كما يأتى بعد بحول الله تبارك وتعالى لأنه ثلاثى من ذوات الواو.
وذكر «نجّى» يريد المشدد، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي نَجََّانََا} [المؤمنون:
28]، و {فَلَمََّا نَجََّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} [العنكبوت: 65].
فأما «نجا» الخفيف فلا يميله أحد لأنه ثلاثى من ذوات الواو، وهو قوله تعالى: {وَقََالَ الَّذِي نَجََا مِنْهُمََا} [يوسف: 45] فى سورة يوسف عليه السلام.
وقوله رحمه الله: «مما ألفه منقلبة عن ياء» إنما صارت اللام فى «زكى» و «نجّى» ياء بعد التشديد لأنها انتقلت بذلك إلى بنات الأربعة، فأما قبل ذلك فأصله الواو، بدليل قولك: نجوت، وزكوت، كما تقدم فى «الأدنى» و «الأعلى»، وكذلك «ترضى» أصله الواو لأنه من «الرضوان»، فلما لحقه حرف المضارعة زاد بذلك على الثلاثة، وإنما قيل فى الماضى «رضى» بالياء لأجل الكسرة كما تقول: ثياب، فى جمع ثوب.
وذكر «أنى» و «متى» و «بلى» و «عسى».
أما «عسى»: فألفها منقلبة عن ياء، بدليل «عسيتم».
وأما أخواتها، فلا يدخلها تصريف ولا اشتقاق لأن «بلى» حرف، و «متى» و «أنّى» اسمان غير متمكنين لتضمنهما معنى حرف الاستفهام أو حرف الشرط فتعذر الحكم على ألفهما بالانقلاب عن الياء لذلك، لكن أميلت ألفاتها لشبهها بألفات الأسماء الممالة فكأن «متى» يشبه «فتى»، و «أنّى» يشبه «شتّى».
وأما «بلى» فلأنها كافية فى الجواب بانفرادها، يقول القائل: ألم يقم زيد؟
فتقول: بلى، كما يقول: من قام؟ فتقول: زيد، وهى مع هذا ثلاثية على عدد أقل أبنية الأسماء المتمكنة فلها بذلك مزية على سائر الحروف.
وقال الكوفيون: إن ألفها للتأنيث، وأصلها: «بل» فأميلت لذلك.
قال الحافظ رحمه الله: «وكذلك ما أشبهه مما هو مرسوم فى المصاحف بالياء».
الهاء فى «أشبهه» راجعة إلى جميع ما ذكر، ولا وجه لتخصيصه ب «عقبى»، ولا بما ذكر معها، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «ما خلا خمس كلم وهى «حتى» و «لدى» و «على» و «إلى» و «ما زكى» فإنهن مفتوحات بإجماع».(1/482)
الهاء فى «أشبهه» راجعة إلى جميع ما ذكر، ولا وجه لتخصيصه ب «عقبى»، ولا بما ذكر معها، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «ما خلا خمس كلم وهى «حتى» و «لدى» و «على» و «إلى» و «ما زكى» فإنهن مفتوحات بإجماع».
أما «حتى» فكتبت بالياء فى أكثر المصاحف.
وحكى الحافظ فى «الموضح»: أنها فى بعضها بالألف، وعلل كتبها بالياء بوقوع الألف فيها رابعة وهو موضع تختص به الياء، وبأنها أشبهت ألف «شتّى».
وذكر المهدوى رحمه الله أنها كتبت بالياء إذا دخلت على الظاهر نحو «حتى زيد» وبالألف إذا دخلت على المضمر نحو «حتاك» فرقا بين الحالين.
وذكر أنها لم يملها أحد إلا الكسائى فى رواية نصير (1)، وأنكر سيبويه إمالتها، ويمكن أن يحمل إنكاره على فصيح الكلام وكثيره، وتحمل رواية الكسائى على القليل (2)، [والله تبارك وتعالى أعلم] (3).
وعلل الحافظ إمالتها بما علل به كتبها بالياء.
وأما «لدى» فوقعت فى القرآن فى موضعين.
أحدهما: فى قوله تعالى (وألفيا سيّدها لدا الباب) فى يوسف عليه السلام [الآية: 25] وهذه كتبت بالألف.
__________
(1) نصير بن يوسف بن أبى نصر، أبو المنذر الرازى ثم البغدادى النحوى، أستاذ كامل ثقة، أخذ القراءة عرضا عن المستنير والغاية، والمبهج، وجامع البيان، والكفاية، والكامل الكسائى وهو من جلة أصحابه وعلمائهم وله عنه نسخة وأبى محمد اليزيدى، روى عنه القراءة المبهج، جامع البيان، الكامل محمد بن عيسى الأصبهانى وجامع البيان والكامل وداود بن سليمان وعبد الله بن محمد بن الحسين المقانعى والمستنير والغاية، والمبهج، وجامع البيان، والكفاية والكامل على بن أبى نصر النحوى والغاية، المبهج، جامع البيان، الكامل محمد بن إدريس الأشعرى والمبهج محمد بن نصير وجامع البيان الحسين بن شعيب والمبهج، الكفاية، الكامل أحمد بن محمد بن رستم شيخ عبد الواحد بن عمر وهو آخر من بقى من أصحابه.
قال أبو عبد الله الحافظ: كان من الأئمة الحذاق لا سيما فى رسم المصحف وله فيه تصنيف.
قلت ابن الجزرى: مصنفه هذا رواه، وقال الأستاذ أبو محمد سبط الخياط: وكان ضابطا عالما بمعنى القراءات ونحوها ولغتها انتهى. مات فى حدود الأربعين ومائتين.
ينظر غاية النهاية (2/ 341340).
(2) فى أ: التعليل.
(3) فى ب: والله أعلم.(1/483)
والثانى: فى قوله تعالى: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنََاجِرِ} فى غافر [الآية: 18]، وهذه كتبت بالياء، ويمكن تعليل ذلك بأن العرب تقلب ألفها مع المضمر ياء نحو (لديه)، لا سيما والمضمرات فى أكثر أبواب العربية ترد الأشياء إلى أصولها فكأن أصل ألفها الياء لانقلابها مع المضمر.
وهذا التعليل يطرد فى: «على» و «إلى».
ويمكن أن يعلل كتب هذه الكلم الأربع بالياء بأنهم قصدوا الإشعار بعملها وهو الخفض، والياء من جنس الكسرة، كما قيل فى بناء التاء على الكسر: إنه إشعار بعملها.
وقال الحافظ: كتبوا «لدى» بالياء للفرق بينها وبين اسم الإشارة الذى دخلت عليه لام التوكيد فى قولك: لذا زيد.
قال: وكتبوا «على» التى تخفض (1) بالياء للفرق بينها وبين «علا» التى هى فعل فى قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلََا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 4] و {وَلَعَلََا بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ} [المؤمنون: 91]، وكتبوا «إلى» بالياء للفرق بينها وبين «إلّا» المشددة اللام.
قال: «وقد قرئ» {إِلََّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} و (إلى أن تقطّع قلوبهم) [التوبة:
110] والفرق بينهما فى صورة الياء والألف.
وأما {مََا زَكى ََ} مخففا فى النور خاصة [الآية: 21]، فذكر الحافظ: أنه رسم فى كل المصاحف بالياء وذكر أنه أماله الكسائى، وأنها قراءته القديمة، وحكاها من أربعة طرق.
فإذا ثبت هذا أمكن أن يعلل كتبها بالياء لأجل الإمالة، والله سبحانه أعلم وأحكم.
وقوله: «فإنهن مفتوحات بإجماع».
يريد: بإجماع من الطرق المشهورة التى استقر عليها النقل المستعمل فى السبع.
وإنما قلت هذا لما ذكر من الإمالة فى «حتى» و «ما زكى».
وقوله: «وكذلك جميع ذوات الواو».
يريد: مفتوحات بإجماع.
__________
(1) فى أ: تختص.(1/484)
وقوله: «ما لم يقع شىء من ذلك بين ذوات الياء فى سورة أواخر آيها على ياء».
يريد السور الإحدى عشر التى أولها طه، وآخرها العلق كما تقدم، والذى وقع من ذوات الواو فى ذلك مما هو ثلاثى سبعة ألفاظ، وهى: «والضحى»، و «العلى» و «القوى» و «دحاها» و «تلاها» و «طحاها» و «سجى» كما تقدم، أميلت هذه الألفاظ فى مذهب من أمالها لتناسب ما قبلها وما بعدها من رءوس الآى، كما تقدم ما فيها من الخلاف من طريق الشيخ، والإمام.
وقوله: «أو تلحقه زيادة».
يريد: فتصير حروفه أكثر من ثلاثة، وذكر الأمثلة نحو: «تدعى» و «تتلى» وذكر فيها «نجّى» و «زكّى» بتشديد الجيم والكاف لأنهما صارا بالتشديد رباعيين.
قال: «فإن الإمالة فيه سائغة».
يريد فى هذا الصنف الذى أصله الواو، ثم صار بالزيادة أكثر من ثلاثة أحرف.
قال: «لانتقاله بالزيادة إلى ذوات الياء».
هذا تعليل لجواز إمالته.
قال: «وتعرف كذا» إلى آخره.
فذكر أن الذى تعرف به أصل الألف فى الأسماء التثنية، وتعرف ذلك أيضا بالفعل إن كان الاسم مصدرا نحو {بِالْهُدى ََ}، لأنك تقول فى الفعل: هديت، وبالمرة الواحدة نحو: الهداية، وكذلك العصا تقول فى الفعل: عصوت بالعصا، أى ضربت بها، وكذلك «الأبوة» تدل على أن ألف {أَبََانََا} [يوسف: 8] و {أَبََا أَحَدٍ}
[الأحزاب: 40] بدل من الواو.
وذكر فى تعريف الفعل أن ترده إلى نفسك، وكذلك إذا رددته إلى ضمير المخاطب، أو ضمير الغائب، أو نون جماعة المؤنث، نحو: «غزوت، ورميت، والزيدان رميا، وغزوا، والهندات رمين وغزون»، وكذلك يعرف بالمضارع، وبالمصدر نحو «يرمى رميا، ويغزو غزوا، [والله جل جلاله المستعان أعلم] (1).
قال رحمه الله: «وقرأ أبو عمرو ما كان فيه راء بعدها ياء بالإمالة».
__________
(1) فى ب: والله أعلم.(1/485)
يريد نحو: {الثَّرى ََ} و {تَرَى}، وقد تقدم حصر تلك الألفاظ، وأنه استثنى منها {يََا بُشْرى ََ} [يوسف: 19] و {تَتْرََا} [المؤمنون: 44]، وسيذكرها الحافظ فى فرش الحروف.
وقال رحمه الله: «وما كان رأس آية» إلى آخره.
وقد تقدم ذكر هذا وحصره، وأن مقتضى قول الشيخ أن يقرأ لأبى عمرو:
{الْعُلى ََ} [طه: 40]، و {الْقُوى ََ} [النجم: 5]، و {الضُّحى ََ} [الضحى: 1] و {وَضُحََاهََا}
[الشمس: 1] بالفتح.
قال: «وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين».
يريد [جميع] (1) ما تضمنه الفصل من أول الباب، كانت فيه راء أو لم تكن.
وقد تقدم أن الشيخ والإمام يوافقان على ذوات الراء على رءوس الآى فى السور العشر، ما (2) لم تكن الألف للتأنيث، أو منقلبة عن الواو فى الثلاثى خاصة، وتقدم ذكر ما يستثنى لورش من طريق الحافظ، وسيأتى بعد فى كلامه.
قال: «إلا ما كان من ذلك فى سورة أواخر آيها على «هاء ألف» فإنه أخلص الفتح فيه». يريد رءوس الآى فى سورة الشمس، والآيات التى فى «والنازعات» سوى {ذِكْرََاهََا} [النازعات: 43]، وسيذكرها الحافظ فى مواضعها.
قال: «على خلاف بين أهل الأداء فى ذلك».
ذكر فى «إيجاز البيان» فى باب ما قرأه ورش بإخلاص الفتح أنه قرأ لورش هذه الآيات التى فى سورة والشمس، والتى فى سورة والنازعات بالفتح على أبى الحسن، وبين اللفظين على الخاقانى وأبى الفتح، وذكر بين بين هو قياس قول أبى يعقوب وغيره، ومع هذا فاعتمادى فى كتاب «التيسير» على الفتح كما هو مذكور فى السورتين فى فرش الحروف.
وذكر فى باب ما يقرؤه ورش بين اللفظين من ذوات الياء مما ليس فيه راء قبل الألف سواء اتصل به ضمير أو لم يتصل، مثل ذلك أنه قرأه على أبى الحسن بإخلاص الفتح، وعلى أبى القاسم وأبى الفتح وغيرهما بين اللفظين، ورجح فى هذا الفصل بين اللفظين، وقال: «وبه آخذ» فهذا هو الاختلاف الذى ذكر فى «التيسير»
__________
(1) سقط فى أ.
(2) فى أ: وما.(1/486)
عن أهل الأداء، والله سبحانه أعلم.
قال: «هذا ما لم يكن فى ذلك راء».
أحرز بهذا القيد قوله تعالى: {ذِكْرََاهََا} فى والنازعات [الآية: 43]، ولا خلاف عن ورش أنه يقرؤه بين اللفظين من أجل الراء، كما تقدم.
قال: «وهذا الذى لا يوجد نص بخلاف عنه».
يريد أنه لم يرو أحد عن ورش فى ذوات الراء إلا بين اللفظين.
واعلم أن حاصل كلامه فى هذا الكتاب أن مجموع الألفاظ التى اشتمل عليها هذا الفصل على قسمين فى مذهب ورش:
قسم لا خلاف أنه بين اللفظين وهو ذوات الراء.
وقسم فيه خلاف، نقل فيه الفتح وبين اللفظين، وهو ما عدا ذوات الراء، ثم هذا القسم عنده، على قسمين:
قسم عول فيه على الأخذ بالفتح وهو ما اتصل به ضمير فى «والنازعات» والشمس، وكذلك {هُدََايَ} فى البقرة [الآية: 38] وطه [الآية: 123]، و {وَمَحْيََايَ}
فى آخر الأنعام [الآية: 162]، و {مَثْوََايَ} فى سورة يوسف عليه السلام [الآية: 23].
وقسم عول فيه على الأخذ ببين اللفظين وهو ما عدا ذلك من سائر رءوس الآى وغيرها سواء اتصل به ضمير المؤنث أو لم يتصل، والذى اتصل به ضمير المؤنث من ذلك مثل قوله تعالى فى البقرة: {قِبْلَةً تَرْضََاهََا} [الآية: 144].
وفى النساء: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقََاهََا} [الآية: 171].
وفى العقود {وَمَنْ أَحْيََاهََا} [المائدة: 32].
وفى الأعراف {أَيََّانَ مُرْسََاهََا} [الآية: 187] و {فَلَمََّا تَغَشََّاهََا} [الآية: 189].
وفى سورة يونس عليه السلام: {أَتََاهََا أَمْرُنََا} [الآية: 24].
وفى سورة هود عليه السلام: {وَمُرْسََاهََا} [الآية: 41].
وفى سورة يوسف عليه السلام: {تُرََاوِدُ فَتََاهََا} [الآية: 30] و {قَضََاهََا}
[الآية: 68].
وفى الكهف: {أَحْصََاهََا} [الآية: 49].
وفى سورة «كهيعص»: {فَنََادََاهََا} [الآية: 24].
وفى سورة طه: {فَلَمََّا أَتََاهََا} [الآية: 11] و {فَأَلْقََاهََا} [الآية: 20].(1/487)
وفى سورة «كهيعص»: {فَنََادََاهََا} [الآية: 24].
وفى سورة طه: {فَلَمََّا أَتََاهََا} [الآية: 11] و {فَأَلْقََاهََا} [الآية: 20].
وفى القصص: {فَلَمََّا أَتََاهََا} [الآية: 30]، و {وَلََا يُلَقََّاهََا} [الآية: 80].
وفى «الم» السجدة: {هُدََاهََا} [الآية: 13].
وفى «فصلت»: {يُلَقََّاهََا} [الآية: 35] و {يُلَقََّاهََا} [الآية: 35] و {أَحْيََاهََا}
[الآية: 39].
وفى النجم: {فَغَشََّاهََا} [الآية: 54]، وليس برأس آية.
وفى الطلاق: {إِلََّا مََا آتََاهََا} [الآية: 7].
هذه الحروف كلها ظاهر كلام الحافظ أنه يأخذ فيها ببين اللفظين لورش، فأما {يَصْلََاهََا} فى الإسراء [الآية: 18] وفى «والليل إذا يغشى» [الآية: 15]، فمقتضى قوله فى باب اللامات اختيار الفتح من أجل تغليظ اللام.
وأما {رَآهََا} فى النمل [الآية: 10] والقصص [الآية: 31]، فخارج عن هذه الأمثلة، وملحق بباب ذوات الراء، وإن لم تكن الراء قبل آخره فى التقدير، وله حكم اختص به من إمالة الفتحتين، وموافقة أبى بكر وابن ذكوان على الإمالة، كما هو مذكور فى سورة الأنعام.
وذكر الحافظ عن أبى عمرو إمالة {أَعْمى ََ} الأول فى الإسراء [الآية: 72] دون الثانى (1)، وعلته أنه أراد التفرقة بينهما لافتراقهما فى التقدير إذ التقدير: ومن كان فى الدنيا أعمى فهو فى الآخرة أشد عمى، ويقوى هذا المفهوم قوله تعالى:
{وَأَضَلُّ سَبِيلًا}، ف «أعمى» الثانى على هذا فى حكم الموصول بحرف الجر إذ
__________
(1) وأمال الأخوان وأبو بكر (أعمى) فى الموضعين من هذه السورة، والباقون فتحوها، فالإمالة لكونهما من ذوات الياء، والتفخيم لأنه الأصل. وأما أبو عمرو فإنه أمال الأول لأنه ليس «أفعل» تفضيل، فألفه متطرفة لفظا وتقديرا، والأطراف محل التغيير غالبا، وأما الثانى: فإنه للتفضيل ولذلك عطف عليه. (وأضل) فألفه فى حكم المتوسطة لأن «من» الجارة للمفضول كالملفوظ بها. وهى شديدة الاتصال بأفعل التفضيل، فكأن الألف وقعت حشوا، فتحصنت عن التغيير، قلت: كذا قدرة الفارسى، والزمخشرى. وقد رد هذا بأنهم أمالوا {وَلََا أَدْنى ََ مِنْ ذََلِكَ} [المجادلة: 7] مع التصريح ب (من) فلأن يميلوا (أعمى) مقدرا معه (من) أولى وأحرى، وهو مقيد باتباع الأثر، وقد فرق بعضهم بأن (أعمى) فى (طه) من عمى البصر، وفى الإسراء من عمى البصيرة ولذلك فسروه هنا بالجهل، فأميل هنا، ولم يمل هناك للفرق بين المعنيين.
ينظر: الدر المصون (4/ 410).(1/488)
المعنى فهو فى الآخرة أعمى منه فى الدنيا فهو من باب المفاضلة و «أعمى» الأول من باب «أفعل» الذى مؤنثه «فعلاء»، فخص الأول بالإمالة لأن ألفه طرف فى اللفظ والتقدير، وفتح الثانى لأن ألفه فى تقدير المتوسط لما يقتضيه من تعلق المجرور به بسبب ما فيه من معنى المفاضلة، وخص هذا الموضع دون غيره مما فى القرآن من لفظ (أعمى) لما عرض له هنا من قصد التفرقة ليشعر باختلاف التقدير فيهما حيث تكرر اللفظ، واختلف التقدير، ولم يعرض مثل هذا فى غير هذا الموضع من القرآن، [والله تبارك اسمه وتعالى جده أعلم وأحكم] (1).
هذا تعليل الحافظ فى «الموضح»، وعلل الشيخ إمالة الأول دون الثانى، بأن الثانى اسم فى موضع المصدر، يريد أنه فى تقدير: أشد عمى، والألف فى «عمى» إنما هى بدل من التنوين فى قول جماعة من النحويين فلا أصل لها فى الإمالة إذ ليست منقلبة عن ياء، بخلاف ألف (أعمى) الأولى.
وتعليل الحافظ أظهر، والله سبحانه أعلم.
وذكر الحافظ: {يََا وَيْلَتى ََ}، وقد تقدم القول فيه.
وطريق أهل العراق، هو طريق أبى عمر الدورى وطريق الرقى هو طريق السوسى.
وقوله: («وأنّى» إذا كانت استفهاما).
تحرز من «أنّا» الذى أصله «أننا» كقوله عز وجل: {أَفَلََا يَرَوْنَ أَنََّا نَأْتِي الْأَرْضَ} [الأنبياء: 44] {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنََّا لََا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} [الزخرف: 80].
وجميع ما قال من قوله: («أنّى» وأمال أبو بكر) إلى آخر الفصل، فالشيخ، والإمام يوافقانه إلا فى {يََا أَسَفى ََ} فإن الإمام يأخذ فيه ببين اللفظين من طريق الدورى عن أبى عمرو، [والله تبارك اسمه وتعالى جده أعلم] (2).
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وتفرد الكسائى دون حمزة بكذا».
ذكر فيه: «أحيا» إذا نسق بالفاء، أو لم ينسق، وكان ينبغى أن يزيد فيه: أو نسق
__________
(1) فى ب: والله أعلم.
(2) فى ب: والله أعلم.(1/489)
ب «ثم»، أو يقول: إذا لم ينسق بالواو. فهذه العبارة أخصر، وأضبط.
فأما عبارته التى اختارها، فإنه يبقى عليه قوله تعالى فى آخر البقرة: {ثُمَّ أَحْيََاهُمْ} [الآية: 243] مسكوتا عنه لأنه نص هنا على انفراد الكسائى دون حمزة بإمالة «أحيا» إذا نسق بالفاء، أو لم ينسق، ونص فى آخر الفصل على اتفاقهما على إمالة ما نسق بالواو ولم يتعرض لما نسق ب «ثم»، ومثل هذا وقع له فى «المفردات».
فإن قلت: فما مذهبه فيما نسق ب «ثم»؟
فالجواب: أنه قد نص فى «الموضح» على أن ما نسق ب «ثم»، وما نسق بالفاء، أو لم ينسق لم يميله حمزة، وإنما يميل ما نسق بالواو خاصة.
وذكر فى هذا الباب {الْحَوََايََا}، وقد ذكره فى صدر الباب، ولا يحتاج إليه هنا، وذكر {وَالضُّحى ََ} [الضحى: 1] وقد ذكر فى أول الباب، فإن كان قصد هنا بالتكرير أن ينبه على أنه بالألف واللام والإضافة متفق عليه فى قراءتهما، فكان ينبغى أن يذكر {ضُحًى} [الأعراف: 98] المنون، وقد وقع فى الأعراف وسط الآية [الآية: 98]، وفى طه رأس آية [59] والمفهوم أنه يقف لهما فى طه بالإمالة وفى الأعراف بالفتح، والله تعالى أعلم.
وذكر «الربا» بالراء المهملة والباء، وتوجد فى بعض النسخ: «الزنا» بالزاى المعجمة والنون، وهو تصحيف.
وذكر {إِنََاهُ وَلََكِنْ} [الأحزاب: 53] ولا يحتاج إلى ذكره «ولكن» إلا على وجه التوكيد فى البيان إذ لم يقع (إنيه) فى القرآن إلا فى موضع واحد إلا أن يتوهم المناسبة بما يشبهه فى الصورة نحو «أباه» و «أتاه» و «إياه».
وقوله: «وقد تقدم مذهب أبى عمرو فى «فعلى»، فى قوة الاستثناء من قوله:
«وفتح الباقون جميع ذلك» فكأنه قال: إلا أبا عمرو، فإنه قرأ {الرُّؤْيَا} و {الدُّنْيََا}
و {الْعُلْيََا} بين اللفظين لأنها «فعلى».
وقوله: «ومذهب ورش فى ذوات الياء».
هذا أيضا فى قوة الاستثناء، والذى يتحصل من قراءة ورش فى ألفاظ هذا الفصل على مذهب الحافظ أنه يقرأ بين اللفظين {وَأَحْيََا} و {نُحْيِ} و {يُحْيِ} بالألف والنون والياء حيث وقعت لأن ألفها منقلبة عن ياء وإن كانت فى الأصل واوا فى الثلاثى بدليل قولهم: {الْحَيَوََانُ}، لكن لما صارت الكلمة على أربعة أحرف
انتقلت (1) إلى الياء كما تقدم، قال عز جلاله: {فَأَحْيَيْنََا بِهِ الْأَرْضَ} [فاطر: 9] فظهرت الياء فى موضع اللام. وكذلك: (خطايا) كيفما كان لأن ألفه منقلبة عن ياء، وهو جمع «خطيئة»، والأصل فى هذا الجمع على مذهب الخليل: «خطايئ» بالألف بعد الطاء، وبعد الألف الياء الزائدة فى: «خطيئة»، وبعد الياء الهمزة التى هى لام الكلمة فهمزت الياء لوقوعها بعد ألف زائدة فصار «خطائئ» على وزن مساجد، ثم قلبت كل واحدة من الهمزتين فجعلت مكان الأخرى، فقدمت الهمزة التى هى لام الكلمة، وأخرت الهمزة التى هى منقلبة عن الياء الزائدة، فعادت إلى أصلها من الياء إذ ليست الآن بعد ألف، فصار اللفظ: «خطائى» مثل «فعالى»، ثم فتحت الهمزة لتخف، فانقلبت الياء ألفا لتحركها بعد فتحة، فصار اللفظ «خطاءا»، فاستثقلوا همزة بين ألفين لقرب الألف من الهمزة، فقلبوا الهمزة ياء فصار:(1/490)
هذا أيضا فى قوة الاستثناء، والذى يتحصل من قراءة ورش فى ألفاظ هذا الفصل على مذهب الحافظ أنه يقرأ بين اللفظين {وَأَحْيََا} و {نُحْيِ} و {يُحْيِ} بالألف والنون والياء حيث وقعت لأن ألفها منقلبة عن ياء وإن كانت فى الأصل واوا فى الثلاثى بدليل قولهم: {الْحَيَوََانُ}، لكن لما صارت الكلمة على أربعة أحرف
انتقلت (1) إلى الياء كما تقدم، قال عز جلاله: {فَأَحْيَيْنََا بِهِ الْأَرْضَ} [فاطر: 9] فظهرت الياء فى موضع اللام. وكذلك: (خطايا) كيفما كان لأن ألفه منقلبة عن ياء، وهو جمع «خطيئة»، والأصل فى هذا الجمع على مذهب الخليل: «خطايئ» بالألف بعد الطاء، وبعد الألف الياء الزائدة فى: «خطيئة»، وبعد الياء الهمزة التى هى لام الكلمة فهمزت الياء لوقوعها بعد ألف زائدة فصار «خطائئ» على وزن مساجد، ثم قلبت كل واحدة من الهمزتين فجعلت مكان الأخرى، فقدمت الهمزة التى هى لام الكلمة، وأخرت الهمزة التى هى منقلبة عن الياء الزائدة، فعادت إلى أصلها من الياء إذ ليست الآن بعد ألف، فصار اللفظ: «خطائى» مثل «فعالى»، ثم فتحت الهمزة لتخف، فانقلبت الياء ألفا لتحركها بعد فتحة، فصار اللفظ «خطاءا»، فاستثقلوا همزة بين ألفين لقرب الألف من الهمزة، فقلبوا الهمزة ياء فصار:
«خطايا» كما ترى.
وعلى مذهب سيبويه الأصل: خطائى، كما تقدم، ثم همزت الياء كما تقدم فاستثقلت همزتان فى كلمة فسهلت الثانية ياء، ثم أعلت كما أعلت فى القول الأول.
وحكى عن الفراء: أن خطايا جمع خطيّة، غير مهموز، مثل هديّة.
قال: ولو جمعت «خطيئة» المهموز لقيل: خطاء، وحكى عن الكسائى: أنك لو جمعت المهموز، لأدغمت الهمزة فى الهمزة، كما قلت: دوابّ، فالألف على جميع ما تقدم بدل من ياء منقلبة عن همزة على مذهب الخليل وسيبويه، وغير منقلبة على قول الكوفيين، وكذلك «الرؤيا» مضافا، وغير مضاف لأن ألفها للتأنيث.
وحكم ألف التأنيث فى مذهب ورش حكم ذوات الياء.
و {تُقََاتِهِ}، و {تُقََاةً}، ألفهما منقلبة عن ياء لأن الأصل «وقيت» وأبدلت الواو تاء، كما أبدلت فى «تراث» ونحوه.
و {هَدََانِي} و {عَصََانِي} و {أَنْسََانِيهُ} و {آتََانِي} و {وَأَوْصََانِي} الألف فيها كلها منقلبة عن ياء.
وحكم {مَحْيََاهُمْ} حكم {أَحْيَا} [المائدة: 32].
و {الْعُلْيََا} و {الدُّنْيََا} مثل {الرُّؤْيَا} ألفها للتأنيث، ولو ثنيت ما ألفه للتأنيث،
__________
(1) فى أ: انقلبت.(1/491)
لقلبت ألفه ياء.
و {مُزْجََاةٍ} ألفه منقلبة عن ياء تقول: أزجيت.
وألف {إِنََاهُ} منقلبة عن ياء لأنه مصدر: أنى الطعام يأنى إنى، إذا بلغ النضج.
فجميع هذه الكلم يجب أن تقرأ لورش بين اللفظين، وكذلك {وَالضُّحى ََ} و {سَجى ََ}
فى سورة «والضحى» [الآيتان: 1، 2]، و {ضُحًى} المنون فى طه [الآية: 59] خاصة، إذا وقف، وإن كان من ذوات الواو، هذا هو مذهب الحافظ كما تقدم.
فأما {ضُحًى} فى الأعراف [98]، وهو قوله تعالى: {ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ}
فقياسه فى الوقف الفتح لأنه ثلاثى من ذوات الواو خارج عن رءوس الآى فى تلك السور.
وأما {دَحََاهََا} [النازعات: 30] و {تَلََاهََا} [الشمس: 2] و {طَحََاهََا} [الشمس: 6] فيقرأ لورش بالفتح لاتصال ضمير المؤنث بها على ما تقدم، وكذلك يفتح {الرِّبَوا}
[البقرة: 276] لأنه ثلاثى من ذوات الواو غير واقع فى رءوس الآى.
وكذلك {كِلََاهُمََا} [الإسراء: 23] إن قدرت ألفها للتثنية على قول الكوفيين، فلا أصل لها فى الياء، وإن قدرت ألفها منقلبة عن واو لأن الأصل «كلو» مثل «ربو» فلا وجه لإمالتها أيضا فى مذهب ورش.
فهذه خمس كلم يجب أن تقرأ لورش بالفتح، ولم يبق من ألفاظ هذا الفصل إلا {مَرْضََاتِ} [البقرة: 207]، والقياس على مذهب الحافظ جواز إمالتها لورش بين اللفظين لأنه زائد على ثلاثة أحرف، وإن كان أصله من الواو بدليل «الرضوان» إلا أن الحافظ نص فى «التلخيص» و «إيجاز البيان» و «الموضح» على أنه لورش بالفتح، وهذا يقتضى أنه نقض فيه أصله الذى يقتضيه قياسه.
وكل ما ذكر فى هذا الفصل، فالشيخ والإمام يوافقانه عليه إلا فى مذهب ورش فإنهما يأخذان له بالفتح كما تقدم، [والله جل جلاله وتقدست أسماؤه أعلم] (1).
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وتفرد الكسائى أيضا فى رواية الدورى بكذا».
اعلم أن كل ما ذكر فى هذا الفصل فإن الشيخ والإمام يوافقانه عليه، إلا ما أذكره
__________
(1) فى ب: والله أعلم.(1/492)
لك الآن، فمن ذلك: {وَالْجََارِ} [النساء: 36] و {جَبََّارِينَ} [المائدة: 22] و {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [الصف: 14].
الاختيار فتحها لورش من طريق الشيخ، وبين اللفظين من طريق الإمام، والتفصيل من طريق الحافظ، فيوافق الشيخ فى {أَنْصََارِي} [الصف: 14] ويوافق الإمام فى {جَبََّارِينَ} [المائدة: 22] و {وَالْجََارِ} [النساء: 36].
ومن ذلك {رُؤْيََاكَ} [يوسف: 5] مذهب الشيخ والإمام فتحها لورش.
ومن ذلك {يُوََارِي} و {فَأُوََارِيَ} فى العقود [المائدة: 31] مذهب الشيخ والإمام فتحهما للجماعة، وللحافظ فيهما الوجهان، فى رواية الدورى عن الكسائى كما ترى.
ولا خلاف فى فتح {يُوََارِي} فى الأعراف [الآية: 26] والله جلت قدرته أعلم] (1).
وقد حصل من كلامه فى ثلاثة مواضع من هذا الفصل: أن ورشا يفتح {هُدََايَ}
فى البقرة [الآية: 38] وطه [الآية: 123]، و {وَمَحْيََايَ} فى الأنعام [الآية: 162]، و {مَثْوََايَ} فى سورة يوسف عليه السلام [الآية: 23].
الموضع الأول: قوله فى أول الفصل: «وتفرد الكسائى فى رواية الدورى بكذا».
فأطلق القول بالتفرد فلزم أن أبا الحارث، وحمزة، وورشا، وأبا عمرو وغيرهم يقرءون جميع ما فى هذا الفصل بالفتح إلا حيث يستثنى، وهذا بخلاف قوله فى الفصل قبل هذا: «وتفرد الكسائى دون حمزة».
فقيد التفرد بدون حمزة خاصة، وذلك يقتضى أن حمزة يفتح كل ما أمال الكسائى هناك، إلا حيث يستثنى، وأن غير حمزة مسكوت عنه فيجرى مذهب كل واحد من باقى القراء فى ذلك الفصل على ما يقتضيه أصله ولذلك قال فى آخره: «وقد تقدم مذهب أبى عمرو فى «فعلى» ومذهب ورش فى ذوات الياء».
الموضع الثانى: قوله: «وفتح الباقون ذلك كله»، فهذا نص يقتضى أن ورشا وأبا عمرو، وغيرهما يفتحون جميع ما اشتمل عليه الفصل.
الموضع الثالث: قوله: «إلا قوله: {رُؤْيََاكَ} فإن أبا عمرو وورشا يقرءانه بين بين
__________
(1) فى ب: والله أعلم.(1/493)
على أصلهما» إلى آخر الفصل، فنص على القدر المستثنى، وبقى {هُدََايَ}
و {وَمَحْيََايَ} و {مَثْوََايَ} غير مستثنى فلزم أن ورشا لا يميلها، وليس فى كلامه فى «إيجاز البيان» ولا فى «التمهيد» ولا فى «التلخيص» ولا فى «الموضح» فتح هذه الألفاظ لورش، وإنما حاصل قوله فيها: إمالة بين اللفظين لورش.
فظهر من جميع ما تقدم أنه اختلف قوله فى هذه الكلمات، وأن مذهبه فى «التيسير» فتحها لورش كما تفتح لحمزة، والله سبحانه أعلم.
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وتفرد حمزة بإمالة عشرة أفعال».
هذه العبارة كما ترى، وإنما تفرد حمزة بإمالة ستة أفعال، وهى (1): طاب، وخاب، وحاق، وخاف، وضاق، وزاغ، لا غير.
فأما الأربعة الباقية، فقد نص على موافقة غير حمزة فى إمالتها كحمزة.
ويشترط فى هذه الأفعال الماضية أن تكون ثلاثية كما مثل، فإن زادت على (2)
الثلاثى، فلا خلاف فى فتحها.
والذى ورد من ذلك زائدا على الثلاثة قوله عز وجل: {فَأَجََاءَهَا الْمَخََاضُ}
فى سورة مريم عليها السلام [الآية: 23]، و {أَزََاغَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ} فى سورة الصف [الآية: 5]، ويشترط فى «زاغ» وحده ألا تلحقه تاء التأنيث، وليس فى القرآن منه إلا الموضعان اللذان ذكرا، والذى ورد منه بالتاء موضعان آخران:
أحدهما: {وَإِذْ زََاغَتِ الْأَبْصََارُ} فى الأحزاب [الآية: 10].
والثانى: {أَمْ زََاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصََارُ} فى ص [الآية: 63]، ولم يختلف فى فتح هذين الموضعين.
وأما باقى هذه الأفعال العشرة فسواء اتصل بها تاء التأنيث، أو ضمير أو لم يتصل فإنه ممال لمن ذكر فى هذا الفصل.
وينبغى أن يتنبه الطالب فيميل {خََافُوا عَلَيْهِمْ} فى النساء [الآية: 9] لأنه فعل ماض، ويفتح {وَخََافُونِ} فى آل عمران [الآية: 175] لأنه فعل أمر.
__________
(1) فى ب: وهو.
(2) فى ب: عن.(1/494)
وجميع ما ذكر فى هذا الفصل فالشيخ والإمام يوافقانه عليه إلا ما كان من لفظ (زاد) فى غير أول البقرة، فإنهما يأخذان فيه لابن ذكوان بالفتح لا غير.
وأما {آتِينَ} فى النمل [الآية: 36]، و {ضِعْفاً} فى النساء [الآية: 9]، فالحاصل أن الإمام يوافق الحافظ على اختيار الفتح فيهما لخلاد، ووافقهما الشيخ على اختيار الفتح فى: {ضِعْفاً} [والله جل جلاله أعلم وأحكم] (1).
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وأمال أبو عمرو والكسائى فى رواية الدورى كل ألف بعدها راء مجرورة» الفصل.
اعلم أن مجموع ما يشتمل عليه هذا الفصل تسعة وثلاثون كلمة وتنحصر فى عشرة أمثلة:
المثال الأول: «فعل»، والوارد منه فى القرآن أربعة ألفاظ وهى: {الدََّارِ}
[الرعد: 22] و {الْغََارِ} [التوبة: 40] و {النََّارَ} [البقرة: 24] و {وَالْجََارِ}
[النساء: 36] ويلحق بها فى صورة اللفظ {هََارٍ} [التوبة: 109].
المثال الثانى: فعال: خفيف العين، والوارد منه ثلاثة ألفاظ، وهى: {وَالنَّهََارِ}
[البقرة: 274]. و {الْبَوََارِ} [إبراهيم: 28]. و {الْقَرََارُ} [إبراهيم: 29].
المثال الثالث: «فعّال» بتشديد العين، والوارد منه ثمانية ألفاظ، وهى: {الْغَفََّارِ}
[غافر: 42].
و {الْجَبََّارُ} [الحشر: 23]، و {الْقَهََّارُ} [يوسف: 39]، و {كَالْفَخََّارِ}
[الرحمن: 14]، و {صَبََّارٍ} [إبراهيم: 5]، و {كَفََّارٍ} [البقرة: 276]، و {خَتََّارٍ} [لقمان: 32]، و {سَحََّارٍ} [الشعراء: 37].
المثال الرابع: «أفعال»، والوارد منه خمسة عشر لفظا، وهى {وَالْأَنْصََارِ}
[التوبة: 100]، و {الْأَبْصََارِ} [آل عمران: 13]، و {بِالْأَسْحََارِ} [آل عمران: 17]، و {الْأَدْبََارَ} [آل عمران: 111]، و {وَالْأَحْبََارُ} [المائدة: 44]، و {الْأَخْيََارِ} [ص:
47]، {أَخْبََارَهََا} [الزلزلة: 4]، و {الْأَبْرََارَ} [الإنسان: 5]، و {الْأَشْرََارِ} [ص:
62]، و {آثَرَ} [الروم: 50]، {أَقْطََارِ} [الرحمن: 33]، و {وَأَوْبََارِهََا} [النحل:
__________
(1) فى ب: والله أعلم.(1/495)
80]، و {وَأَشْعََارِهََا} [النحل: 80]، و {أَوْزََارِ} [النحل: 25]، و {أَسْفََارِنََا} [سبأ:
19].
المثال الخامس: «فعال» بكسر الفاء، والوارد منه ثلاثة ألفاظ، وهى: {الدِّيََارِ}
[الإسراء: 5]، و {الْحِمََارِ} [الجمعة: 5]، و (جدار) [14] فى الحشر على قراءة أبى عمرو، وابن كثير.
المثال السادس: «فعّال» بضم الفاء وشد العين، والوارد منه لفظتان وهما:
{الْكُفََّارَ} [الحديد: 20]، و {الفُجََّارِ} [المطففين: 7].
المثال السابع: «إفعال» بكسر الهمزة، والوارد منه {وَالْإِبْكََارِ} [آل عمران: 41] لا غير.
المثال الثامن: «مفعال»، والوارد منه: {بِمِقْدََارٍ} [الرعد: 8] لا غير.
المثال التاسع: «فنعال» والوارد منه: {بِقِنْطََارٍ} (1) [آل عمران: 75] لا غير.
__________
(1) القنطار: قال بعضهم: ليس له وزن عند العرب، وقيل: هو أربعة آلاف دينار.
وقيل: هو المال الكثير بعضه على بعض.
وقد وردت كلمة القنطار فى القرآن الكريم فى آيات ثلاث، وهى:
قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنََّاسِ حُبُّ الشَّهَوََاتِ مِنَ النِّسََاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنََاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعََامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].
وقال: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطََارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75].
وقال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدََالَ زَوْجٍ مَكََانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدََاهُنَّ قِنْطََاراً فَلََا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتََاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [النساء: 20].
وقد ذكرت كتب اللغة أوزانا مختلفة للقنطار حيث قالوا: إن وزنه أربعون أوقية من ذهب (40) أو مائتان وألف دينار (1200) أو مائتان وألف أوقية (1200) أو سبعون أوقية (70)، أو سبعون ألف دينار (70000) أو ثمانون ألف درهم (80000) أو مائة رطل من ذهب أو فضة (100)، أو ألف دينار (1000) أو ملء مسك ثور ذهبا أو فضة. وأيضا قالوا فى بعض المصادر: القنطار: المال الكثير.
ولكن على مبارك قد رجح وزن القنطار بأنه ثمانون ألف درهم، على اعتبار أن الدينار عند العرب المثقال الفارسى الذى كان وزنه ضعف المثقال الإسلامى، فأربعة آلاف (4000) تساوى إذن ثمانية آلف دينار (8000)، وهذه تساوى الثمانين ألف درهم (80000) التى رجحها، والتى ذكرت فى لسان العرب عن ابن عباس أنه رجح وزن القنطار على أساس أنه ثمانون ألف درهم (80000).
وأيضا فإنه أرجع هذا الاختلاف فى وزن القنطار على أساس أن علماء العرب يعنون الوزن تارة والقيمة تارة أخرى. وعلى هذا فإن جميع المقادير الواردة فى شأن القنطار صحيحة عند على مبارك على اعتبار الأوزان القديمة، وهى الرومانية والعبرية(1/496)
المثال العاشر: «فعّال»، والوارد منه: {بِدِينََارٍ} (1) [آل عمران: 75] لا غير، أصله: دنّار، بتشديد النون بدليل قولهم: دنانير، إلا أنهم استثقلوا فأبدلوا من إحدى النونين ياء كما فعلوا فى: (قيراط) (2) و (ديماس)، فإذا صغرت أو كسرت، رجع
__________
البطليموسية، مع الأخذ فى الاعتبار الفرق بين الوزن والقيمة.
ولكن د. ضياء الريس: قد رجح أن القنطار مقداره مائتان وألف أوقية (1200) واستدل له بثلاثة أدلة:
أولا: ما يفيده سبب نزول الآية فى قوله {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطََارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] عن ابن عباس: المقصود بالآية: عبد الله بن سلام، استودعه رجل من قريش مائتين وألف أوقية ذهبا فأداه إليه.
ثانيا: لأننا إذا فسرنا الأوقية كما جاء فى القاموس والمصباح واللسان بأنها سبعة مثاقيل، فإن مائتين وألف أوقية (1200) تساوى إذن أربعمائة وثمانية آلاف (8400) دينار، وهذه قريبة من القول الذى نسب إلى ابن عباس بأن القنطار ثمانون ألف درهم.
ثالثا: ما جاء فى هامش البلاذرى من أن القنطار (أربعمائة وثمانية آلاف دينار) (8400) استنتاجا مما رواه الواقدى من أن أهل إفريقية صالحوا عبد الله بن سعد، فذكر مرة ما صالحوا عليه على أنه ثلاثمائة قنطار من ذهب، وذكره مرة أخرى على أنه بلغ (ألفى ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألفا) من الدنانير ذلك لأننا إذا قسمنا العدد الأخير 2520000دينار على 300، تنتج 8400، فهذا القنطار من الدنانير.
وقد ذكر فالترهنتس أن القنطار إذا أطلق كان على كمية كبيرة من الذهب فيكون حينئذ عشرة آلاف دينار (10000) أى: ثلاثة وثلاثون من المائة واثنتين وأربعين جراما (42 33جرام).
وبالرغم مما استند إليه د. الريس فى ترجيحه من أن القنطار مائتا وألف أوقية (1200)، وأن الأوقية سبعة مثاقيل (7مثاقيل) هذا القول مبنى على القيمة، أى أن المثقال يساوى عشرة دراهم (10) وليس على الوزن، وفى هذا سار على نهج على مبارك، إلا أن الأخير جعل كل التقديرات للقنطار صحيحة، فأرجعها إلى القيمة ومرة إلى الوزن.
ولكنا نرجح أن القنطار يساوى مائتين وألف أوقية (1200) كما ذهب لذلك د. الريس، ولكن الأوقية تساوى أربعين درهما (40) باتفاق جميع الباحثين واللغويين والمؤرخين، وعلى ذلك فالأوقية تساوى أربعين درهما لا سبعة مثاقيل كما اعتمد على ذلك د.
الريس لأن هذا قول ضعيف، وكذلك فإن الفرق كبير بين تقدير الأوقية بسبعة مثاقيل (7) وبأنها أربعون درهما (40) حيث لا يمكن التوفيق بين هذين التقديرين.
ينظر المقادير الشرعية (ص 5957).
(1) الدينار: لغة: أصله دنّار بالتضعيف فأبدل حرف علة للتخفيف، ويستخدم للتعامل كعملة.
واصطلاحا: اسم لوحدة ذهبية من وحدات النقد التى كان العرب يتعاملون بها، مضروبة كانت أم غير مضروبة. ينظر المقادير الشرعية (ص 46).
(2) القيراط: فى اللغة: يقال أصله: قرّاط، لكنه أبدل من أحد المضعفين ياء للتخفيف كما فى(1/497)
التضعيف فتقول: دنانير، ودنينير، وقراريط، وقريريط، ودماميس، ودميميس.
فأمال جميع هذه الكلمات إذا كانت مجرورة: أبو عمرو، والدورى عن الكسائى، ويستثنى من جميعها لأبى عمرو {وَالْجََارِ} فى الموضعين [36] فيفتحه ولم يستثنه الحافظ فى هذا الفصل لأنه قد تقدم فى فصل ما تفرد به الكسائى فى رواية الدورى، وليس قوله تعالى: {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} فى آل عمران [الآية: 52] والصف [الآية: 14] داخلا فى هذا الفصل لأن الكسرة فيه ليس علامة إعراب، وإنما جىء بها لأجل ياء المتكلم.
وهذا الفصل مقيد بما إذا كانت الراء مجرورة، والمجرورة لقب للمعرب دون غيره اصطلاحا.
وقوله: «نحو {قَرََارٍ} [إبراهيم: 26] و {الْأَشْرََارِ} [ص: 62] و {الْأَبْرََارِ} [آل عمران: 193]» قد يفهم منه أن فى القرآن لفظا زائدا على هذه الثلاثة، وليس فى القرآن مما تكررت فيه الراء مجرورة بعد الألف غير هذه الألفاظ الثلاثة.
وقوله: «ويأتى الاختلاف فى {هََارٍ} [التوبة: 109] فى موضعه».
يعنى فى فرش الحروف، والذى فيه من الخلاف أنه أماله أبو عمرو والكسائى من طريقيه، وقالون وأبو بكر، واختلف فيه عن ابن ذكوان من طريق الحافظ، وليس فيه عن ابن ذكوان من طريق الشيخ والإمام إلا الإمالة خاصة، ولم يمل قالون فى القرآن إمالة محضة غير هذه الكلمة خاصة، وقرأه ورش بين اللفظين.
__________
«دينار» ولهذا يرد فى الجمع إلى أصله فيقال: قراريط.
وفى الاصطلاح: قال بعض الحسّاب: القيراط فى لغة اليونان: حبتا خرنوب، وهو نصف دانق، والدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة. ولا يتخذ القيراط فى عصرنا إلا لوزن الماس والحجارة الكريمة.
والقيراط وزن دانق، جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشر فى أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين 24/ 1من الدينار.
والقيراط الشرعى وزنه ثلاث حبات من حب الشعير المتوسط وثلاثة أسباع حبة 7، 3/ 3كما فى بعض الكتب الفقهية، وهو أيضا نصف عشر المثقال إذ المثقال الشرعى عشرون قيراطا. والمراد بالقيراط: الحمصة التى هى الحبة فى كلمات العراق.
قال أبو الوليد بن رشد فى كتابة الكبير: (والقيراط ثلاث حبات شعير).
وقال المقريزى: والقيراط جزء من أربعة وعشرين جزءا من الدينار، وهو ثلاث حبات من الشعير وهو أيضا معرب. ينظر المقادير الشرعية (4241).(1/498)
وقد تقدم القول فى {وَالْجََارِ} و {أَنْصََارِي} لورش.
وذكر الحافظ رحمه الله إمالة: {الْحِمََارِ} لابن ذكوان من قراءته على فارس، وعلى الفارسى (1)، وذكر فى غير «التيسير» أنه قرأه على غيرهما بالفتح.
وكل ما ذكر فى هذا الفصل فالشيخ والإمام يوافقانه عليه، إلا {الْحِمََارِ} فى الموضعين [الجمعة: 5، والبقرة: 259] لابن ذكوان فمذهبهما فيه الفتح، وقد ذكرت مذهبهما فى {هََارٍ} [والله جل وعلا أعلم وأحكم] (2).
فصل
ذكر فيه إمالة {الْكََافِرِينَ} [البقرة: 34] لأبى عمرو والكسائى من طريق الدورى، وقرأه ورش بين اللفظين، والشيخ والإمام يوافقانه.
وذكر إمالة {النََّاسِ} [الناس: 1] المجرور، وذكر فى «الموضح» أنه قرأه بالفتح على أبى الفتح، وأبى الحسن، فإنه يأخذ فيه بالوجهين ويختار الإمالة، ومذهب الشيخ والإمام فيه الفتح.
__________
(1) إمام النحو، أبو على، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسى الفسوى، صاحب التصانيف.
حدث بجزء من حديث إسحاق بن راهويه، سمعه من على بن الحسين بن معدان، تفرد به.
وعنه: عبيد الله الأزهرى، وأبو القاسم التنوخى، وأبو محمد الجوهرى، وجماعة.
قدم بغداد شابّا، وتخرج بالزجاج وبمبرمان، وأبى بكر السراج، وسكن طرابلس، مدة ثم حلب، واتصل بسيف الدولة.
وتخرج به أئمة.
وكان الملك عضد الدولة يقول: أنا غلام أبى على فى النحو، وغلام الرازى فى النجوم.
ومن تلامذته: أبو الفتح بن جنى، وعلى بن عيسى الربعى.
ومصنفاته كثيرة نافعة. وكان فيه اعتزال.
عاش تسعا وثمانين سنة.
مات ببغداد فى ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
وله كتاب (الحجة) فى علل القراءات، وكتابا (الإيضاح) و (التكملة)، وأشياء.
ينظر سير أعلام النبلاء (16/ 379، 380)، وتاريخ بغداد (7/ 276275)، بغية الوعاة (1/ 498496)، وإنباه الرواة (1/ 273)، وغاية النهاية (1/ 207206)، والوافى بالوفيات (11/ 379376).
(2) فى ب: والله أعلم.(1/499)
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وتفرد هشام بكذا» فذكر {وَمَشََارِبُ} فى يس [الآية: 73]، فذكر السورة على قصد التوكيد إذ ليس فى القرآن غيره.
فأما الذى فى الإنسان وهو قوله تعالى: {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15] فليس صفة لعين وإنما هو اسم للوعاء.
وذكر {عََابِدٌ} و {عََابِدُونَ} فى «الكافرين» [الآيات: 3، 4، 5] فهذا قيد ضرورى إذ قد ورد فى غير هذه السورة {عََابِدُونَ} كقوله عز وجل: {وَنَحْنُ لَهُ عََابِدُونَ} فى البقرة [الآية: 138]، و {وَكََانُوا لَنََا عََابِدِينَ} فى الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين [الآية: 73]، {فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} فى الزخرف [الآية: 81]، ولو تركنا والقياس لكانت إمالة ما فيه الياء أقوى، لكن الرواية فى باب القراءات مقدمة على القياس، والشيخ والإمام يوافقانه فى هذا.
وذكر ما تفرد به ابن ذكوان، والشيخ والإمام يوافقانه على إمالة (1) {الْمِحْرََابَ}
المخفوض خاصة ويفتحان ما عداه.
والمخفوض موضعان: قوله تعالى: {يُصَلِّي فِي الْمِحْرََابِ} [آل عمران: 39] و {فَخَرَجَ عَلى ََ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرََابِ} [مريم: 11].
والمنصوب موضعان قوله تعالى: {كُلَّمََا دَخَلَ عَلَيْهََا زَكَرِيَّا الْمِحْرََابَ} [آل عمران: 37] و {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرََابَ} [ص: 21].
وقوله: «إلا ما كان من مذهب ورش فى الراءات» استثناء من قوله: «والباقون بإخلاص الفتحة فى جميع ذلك».
واحتاج إلى هذا الاستثناء لأن ورشا يرقق راء {الْمِحْرََابَ} [آل عمران: 37] و {إِكْرََاهِهِنَّ} [النور: 33] و {وَالْإِكْرََامِ} [الرحمن: 27]، وترقيق الراء نوع من الإمالة [والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم] (2).
قال الحافظ رحمه الله: «فأما ما بقى من ذلك مفرقا فى السور فنذكره فى مواضعه إن شاء الله».
وقد استوفى رحمه الله فى فرش الحروف ما وعد به، وربما نبه على أحرف
__________
(1) فى أ: الإمالة.
(2) فى ب: والله أعلم.(1/500)
قد وقعت فى هذا الباب، وجملة ما ذكر فى فرش الحروف ثلاثة أصناف:
أحدها: ما أميل من حروف الهجاء فى أوائل السور، وذلك الراء من: {الر}
[يونس: 1] و {المر} [الرعد: 1] ذكره فى أول سورة يونس عليه السلام والهاء والياء من {كهيعص} ذكرهما فى [أول] السورة، وكذلك الطاء والهاء من {طه}
فى أول السورة والطاء من {طسم} و {طس} [النمل: 1] ذكره فى أول الشعراء، والياء من {يس}، ذكره فى أول السورة، والحاء من {حم}، ذكره فى أول سورة غافر.
الصنف الثانى: رءوس الآى التى فى السور الإحدى عشر، التى أولها [سورة] «طه»، ذكر فى كل سورة ما فيها من الخلاف.
الصنف الثالث: حروف متفرقة منها: {التَّوْرََاةَ} [آل عمران: 3] ذكره فى آل عمران، و (توفّاه) و (استهواه) و {رَأى ََ كَوْكَباً} و {رَأَى الْقَمَرَ} وبابهما، ذكر ذلك كله فى الأنعام [61، 71، 76، 77]، و {هََارٍ} فى التوبة [109]، و {أَدْرََاكُمْ}
[يونس: 16] فى سورة يونس عليه السلام و {يََا بُشْرى ََ} [يوسف: 19] و {نُوحِي} [يوسف: 109] فى سورة يوسف عليه السلام و {أَعْمى ََ} و {وَنَأى ََ}
فى الإسراء [72، 83]، و (سوى) و {سُدىً} [القيامة: 36] فى طه [58]، و {تَرََاءَا}
فى الشعراء [61]، و {نُرِيَ فِرْعَوْنَ} فى القصص [6] و {مََا ذََا تَرى ََ} فى الصافات [102]، و (جدار) فى الحشر [14]، و {رََانَ} فى المطففين [14]، و {عََابِدٌ} و {عََابِدُونَ} [3، 4، 5] فى «الكافرين».
وأما إمالة السين من {نَحِسََاتٍ} فى فصلت [الآية: 16] عن أبى الحارث فرآه وهما، ولم يعول عليه.
فصل
قال الحافظ رحمه الله: «وكل ما أميل فى الوصل لعلة تقدم فى الوقف» إلى آخره.
اعلم أن الألفاظ التى تدخلها الإمالة من جميع ما ذكر فى هذا الباب تنقسم قسمين:
أحدهما: يكون فيه محل الإمالة وسببها فى الوصل والوقف على حد واحد لا
يختلف فهذا لا إشكال فى أنه ممال فى الحالين، ومثاله: الحروف التى تمال فى الفواتح، وكذلك أكثر رءوس الآى فى السور الإحدى عشرة، وكذلك ما كان مثل قوله تعالى: {تَرى ََ أَعْيُنَهُمْ} [المائدة: 83]، {فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} [البقرة:(1/501)
أحدهما: يكون فيه محل الإمالة وسببها فى الوصل والوقف على حد واحد لا
يختلف فهذا لا إشكال فى أنه ممال فى الحالين، ومثاله: الحروف التى تمال فى الفواتح، وكذلك أكثر رءوس الآى فى السور الإحدى عشرة، وكذلك ما كان مثل قوله تعالى: {تَرى ََ أَعْيُنَهُمْ} [المائدة: 83]، {فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} [البقرة:
217] {فَاسْتَوى ََ عَلى ََ سُوقِهِ} [الفتح: 29]، {وَإِذِ اسْتَسْقى ََ مُوسى ََ لِقَوْمِهِ}
[البقرة: 60]، {وَعَلى ََ أَبْصََارِهِمْ} [البقرة: 7]، و {فِي دِيََارِهِمْ} [هود: 67] وما أشبهه.
ولم يتعرض الحافظ فى هذا الفصل لهذا القسم اكتفاء منه ببيانه فى نفسه، واتكالا على فهم الطالب.
القسم الثانى: ما يكون فى الوصل على خلاف ما هو فى الوقف، وهذا القسم هو الذى قصد الحافظ أن يبينه فى هذا الفصل خيفة من إشكاله لما عرض فيه من اختلاف حاليه، وهذا القسم على ضربين:
أحدهما: عرض له التغيير بزوال موجب الإمالة فى الوقف، وذلك كل ألف أميلت لأجل كسرة بعدها نحو: {الدََّارُ} وبابه، و {النََّاسِ} المجرور، فمذهب الحافظ فيه إجراء الوقف مجرى الوصل فى الإمالة وبين اللفظين.
وافقه الإمام فى قراءة ورش وحمزة والكسائى، وأما قراءة أبى عمرو فقال: «إن البغداديين (1) يرومون الحركة، ويميلون إمالة دون إمالة الوصل، والبصريون (2)
يسكنون ويفتحون».
وأما الشيخ فاختار الإمالة لأبى عمرو سواء رمت أو سكنت.
ورد على من قرأ بالفتح فى الإسكان بأن الوقف غير لازم، والسكون عارض.
وقال فى الوقف لورش: «إن كان بالروم رققت، وإن كان بالإسكان غلظت لأنها يعنى الراء تصير ساكنة بعد فتحة».
ثم قال: «ويجوز الترقيق لأن الوقف عارض والكسر منوى».
وهذا الذى قال الشيخ رحمه الله حكم يخص الراء، وليس فيه بيان حكم الألف هل تمال أو تفتح؟ وقد قال الحافظ فى باب الراءات: «إن الراء التى بعد فتحة
__________
(1) فى ب: البغداديون.
(2) فى ب: البصريين.(1/502)
ممالة إذا وقفت عليها بالسكون فإنها ترقق نحو: {بِشَرَرٍ} [المرسلات: 32] وهذا الذى قال الحافظ يقتضى ترقيق الراء فى {الدََّارُ} وبابه لمن أمال وقرأ بين اللفظين، وهو أبين من قول الشيخ فى قراءة ورش، [والله جلت قدرته وجلت رحمته أعلم وأحكم] (1).
الضرب الثانى: عرض له التغيير فى الوصل بزوال محل الإمالة لأجل ساكن لقيه، ثم ذلك الساكن نوعان:
أحدهما: التنوين نحو: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
والثانى: ساكن من كلمة أخرى نحو {الْأَقْصَى الَّذِي} [الإسراء: 1].
وقد ذكر الحافظ رحمه الله أمثلة من النوعين.
أما الذى لحقه التنوين فإنه يكون منصوبا، ومجرورا، ومرفوعا:
فمثال المنصوب: {غُزًّى} [آل عمران: 156] و {قُرىً ظََاهِرَةً} [سبأ: 18]، ومثال المجرور: {فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: 14]، و {إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة:
282]، ومثال المرفوع: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: 2] وقوله تعالى {يَوْمَ لََا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً} [الدخان: 41] {مَوْلًى} الأول مرفوع، والثانى مجرور.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن النحويين اختلفوا فى الألف اللاحقة لهذه الأسماء وما أشبهها فى الوقف:
فحكى عن المازنى، أنها بدل من التنوين سواء كان الاسم مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا، وسبب هذا عنده أن التنوين متى كان بعد فتحة، أبدل فى الوقف ألفا ولم يراع كون الفتحة علامة للنصب، إذ ليست كذلك.
وحكى الكسائى أن هذه الألف ليست بدلا من التنوين، وإنما هى بدل من لام الكلمة لزم سقوطها فى الوصل لسكونها وسكون التنوين بعدها، فلما زال التنوين بالوقف، عادت الألف.
قال: وهذا أولى من أن يقدر حرف الألف التى هى مبدلة من حرف أصلى، وإثبات الألف التى هى مبدلة من حرف زائد وهو التنوين.
ومذهب الفارسى: أن الألف فيما كان من هذه الأسماء منصوبا بدل من التنوين
__________
(1) فى ب: والله أعلم.(1/503)
وفيما كان منها مرفوعا أو مجرورا بدل من الحرف الأصلى اعتبارا بالأسماء الصحيحة الأواخر إذ لا تبدل فيها الألف من التنوين إلا فى النصب خاصة.
ومن النحويين من ينسب هذا المذهب إلى سيبويه، ومنهم من يرى أن مذهب سيبويه موافق لمذهب الكسائى.
فإذا تقرر هذا، لزم أن يوقف على هذه الأسماء بالإمالة على مذهب الكسائى مطلقا، وعلى مذهب الفارسى إن كان مرفوعا أو مجرورا، وأن يوقف عليها بالفتح على مذهب المازنى مطلقا، وعلى مذهب الفارسى إن كان الاسم منصوبا لأن الأصل فى الألف المبدلة من التنوين الفتح، ولا تمال إلا على لغة من أجاز الإمالة لأهل الإمالة، كمن أمال الألف فى مثل (رأيت عبادا)، بخلاف الألف المبدلة من الياء فإنها محل الإمالة.
ومذهب الحافظ هنا جار على مذهب الكسائى لأنه أطلق القول فى الجميع ولم يفصل، والشيخ والإمام يوافقانه فى قراءة حمزة والكسائى مطلقا، وكذلك {سُوىً}
[طه: 58] و {سُدىً} [القيامة: 36] فى قراءة أبى بكر.
فأما قراءة ورش، وأبى عمرو فحاصل كلام الإمام أنه يوقف لأبى عمرو على ذوات الراء بالإمالة، ولورش بين اللفظين، إذا كان المنون فى موضع رفع أو خفض، فإن كان فى موضع نصب، فقد اختلف عنهما فيه، والأشهر عنهما الفتح، ولما ذكر أنه الأشهر عن ورش، قال: وبه آخذ.
واعلم أنه ليس فى القرآن اسم منصوب منون وآخره ألف منقلبة عن ياء بعد راء إلا {قُرىً ظََاهِرَةً} [سبأ: 18] خاصة، فأما {تَتْرََا} فى قراءة أبى عمرو، فالألف فيه مبدلة من التنوين.
وحاصل قول الشيخ: أنه قرأ على أبى الطيب بالإمالة فى الوقف على المنصوب لأبى عمرو، وبين بين لورش، وذكر مع هذا أن القياس فى الوقف على المنون مطلقا هو الفتح، ثم قال: لكن يمنع من ذلك ثقل القراءة وعدم الرواية، وثبات الياء فى السواد.
وقال الحافظ فى «المفردات» فى رواية أبى عمرو: و «أما قوله تعالى فى سبأ: {قُرىً ظََاهِرَةً} [سبأ: 18]، فإن الراء تحتمل وجهين: إخلاص الفتح، وذلك إذا وقفت على الألف المبدلة من التنوين دون المبدلة من الياء، والإمالة وذلك إذا
وقفت على المبدلة من الياء دون المبدلة من التنوين، وهذا الأوجه وعليه العمل، وبه آخذ».(1/504)
وقال الحافظ فى «المفردات» فى رواية أبى عمرو: و «أما قوله تعالى فى سبأ: {قُرىً ظََاهِرَةً} [سبأ: 18]، فإن الراء تحتمل وجهين: إخلاص الفتح، وذلك إذا وقفت على الألف المبدلة من التنوين دون المبدلة من الياء، والإمالة وذلك إذا
وقفت على المبدلة من الياء دون المبدلة من التنوين، وهذا الأوجه وعليه العمل، وبه آخذ».
وكذلك ظاهر مذهبه أن يوقف لورش بين اللفظين فحصل من هذا اختيار الأخذ من طريق الحافظ، والشيخ بالإمالة لأبى عمرو، وبين اللفظين لورش، والأخذ لهما بالفتح من طريق الإمام، [والله عز وجهه وتعالى جده أعلم وأحكم] (1).
وأما الذى عرض له ساكن من كلمة أخرى فيكون اسما، وفعلا، وأمثلتها موجودة فى كلام الحافظ، فإذا وقفت عليه، رجعت الألف، ثم إن الكلمة التى ترجع إليها الألف فى الوقف إن كانت فعلا، فلا خلاف أن ألفها ليست بدلا من تنوين بل هى بدل من لام الكلمة نحو {نَرَى اللََّهَ} [البقرة: 55] و {طَغَى الْمََاءُ} [الحاقة: 11]، و {وَاسْتَغْنَى اللََّهُ} [التغابن: 6]، و {هَدَى اللََّهُ} [الأنعام: 90]، و {أَلْقَى السَّمْعَ}
[ق: 37]، و {وَمََا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23]، و {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ} [النساء:
9]، و {فَالْتَقَى الْمََاءُ} [القمر: 12]، وما أشبهه.
وأما إن كانت الكلمة الموقوف عليها اسما، فإنها تنقسم ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون (2) من الأسماء المتصرفة وليس فيه الألف واللام ولكنه مضاف إلى اسم أوله حرف ساكن نحو {هُدَى اللََّهِ} [البقرة: 120] و {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}
[محمد: 11]، و {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} [الرحمن: 54] فهذا القسم يحتمل أن تكون ألفه بدلا من التنوين، ويحتمل أن تكون بدلا من لام الكلمة على ما تقدم من الخلاف.
القسم الثانى: أن يكون من الأسماء المتصرفة، ويكون معرفا بالألف واللام، نحو: {الْقُرَى الَّتِي} [سبأ: 18] و {إِلَى الْهُدَى ائْتِنََا} [الأنعام: 71].
القسم الثالث: أن يكون من الأسماء التى لا تنصرف، سواء كان معرفا بالألف واللام، أو لم يكن نحو: {الْأَتْقَى الَّذِي} [الليل: 1817] و {الْأَشْقَى الَّذِي}
[الليل: 1615]، و {الْأَقْصَى الَّذِي} [الإسراء: 1] و {عُقْبَى الدََّارِ} [الرعد:
42]، و {الْقَتْلى ََ الْحُرُّ} [البقرة: 178]، و {ذِكْرَى الدََّارِ} [ص: 46]، و {لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر: 35]، فلا خلاف فى أن الألف فى هذين القسمين غير مبدلة من
__________
(1) فى ب: والله أعلم.
(2) فى ب: تكون.(1/505)
التنوين فلا يكون فيها خلاف أنها تمال فى الوقف لأهل الإمالة، [والله جلا جلاله وتقدست أسماؤه أعلم وأحكم] (1).
ويتعلق بهذا الفصل الوقف على {كِلْتَا} من قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ}
[الكهف: 33]، قال الشيخ «يوقف لحمزة والكسائى بالفتح لأنها ألف تثنية عند الكوفيين، ولأبى عمرو بين اللفظين لأنها ألف تأنيث عند البصريين».
وقال الإمام: الوقف بالفتح إجماع، وهو ظاهر قول الحافظ فى «الموضح» [والله سبحانه وبحمده أعلم وأحكم] (2).
قال الحافظ رحمه الله: «على أن أبا شعيب قد روى عن اليزيدى إمالة الراء مع الساكن» إلى آخره.
هذا الكلام فى قوة الاستثناء من قوله: «وكل ما امتنعت الإمالة فيه فى الوصل من أجل ساكن»، فكأنه قال: إذا لقيت الألف الممالة فى الوصل ساكنا حذفت الألف، وزالت إمالة الفتحة باتفاق من القراء إلا إذا كانت الألف بعد راء، فإن أبا شعيب يبقى إمالة فتحة الراء.
قال: «وبذلك قرأت فى مذهبه وبه آخذ»، وهذا الذى ذكر الحافظ هنا انفرد به دون الشيخ والإمام فإنهما يأخذان لأبى شعيب فى الوصل بترك الإمالة كالجماعة ولا خلاف فى الإمالة، فى الوقف كما تقدم، وليس فى القراءات السبع كلمة تمال فى الوصل مع سقوط ألفها للساكن إلا هذا الفصل الذى أخذ به الحافظ لأبى شعيب، وإلا {رَأْيَ} حيث وقع نحو {رَأَى الْقَمَرَ} [الأنعام: 77] و {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النََّارَ} [الكهف: 53]، و {رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [النحل: 86] كما يأتى فى سورة الأنعام، والله تعالى أعلم.
__________
(1) فى ب: والله أعلم.
(2) فى ب: والله أعلم.(1/506)
باب ذكر مذهب الكسائى فى الوقف على هاء التأنيث
اعلم أن العرب تلفظ ب «امرأة» و «قائمة» ونحوهما بتاء فى الوصل وهاء فى الوقف وكلاهما زائد على حروف الكلمة، دال على معنى التأنيث، واختلف النحويون فى أيهما هو الأصل فى الدلالة على التأنيث؟
فقال البصريون، وبعض الكوفيين: التاء هى الأصل بدليل ثبوتها فى الوصل الذى هو الأصل، والهاء عوض من التاء لاختصاصها بالوقف الذى هو عارض.
ويدل أيضا على أن الأصل التاء أنها قد تثبت علامة للتأنيث فى الأفعال نحو «قامت هند»، وتثبت فى الجمع نحو «الهندات»، وتثبت (1) فى الوقف على الاسم المفرد عند بعض العرب، وهى لغة طيئ (2) فيقولون فى الوقف: هذه امرأت، وطلحت، وقائمت.
وحكى أنهم تنادوا يوم اليمامة (3): «يا أهل البقرت»، فقال رجل من طيئ: «ما
__________
(1) فى ب: ثبتت.
(2) طيئ بن أدد: قبيلة عظيمة من كهلان، من القحطانية، تنتسب إلى طيئ بن أدد بن زيد ابن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان.
بطونهم: تتفرع من بنى طيئ بطون وأفخاذ عديدة، منها: بنو جديلة، وهى أمهم، وهم جندب، وحور يعرفون بأمهم، بنو رومان، بنو جدعاء بن رومان، الثعالب، بنو قيم الذين يقال لهم: مصابيح الظلام، بنو علوة، بنو زنمة بن عمرو، بنو لام بن عمرو بن ظريف، بنو اشنع بن عمرو، بنو مصاد، بنو حجية، بنو قرواش، ثعل، سلامان، جرول، بنو بحتر، بنو عنين، بنو عتود، بنو فرير، بنو سلسلة، بنو دغش، بنو هذمة بن عناب، بنو شمر (الذين ذكرهم امرؤ القيس)، بنو سنبس، بنو شمجى، بنو نبهان بن عمرو، بنو نابل، بنو المشر، بنو الصامت، بنو بولان، وبنو صيفى.
منازلهم: كانت منازلهم باليمن، فخرجوا منه على أثر خروج الأزد منه ونزلوا سميراء، وفيد، فى جوار بنى أسد، ثم غلبوهم على أجأ وسلمى، وهما جبلان من بلادهم، فاستقروا بهما، ثم ورثت من بلاد أسد بلادهم، فيما وراء الكرخ، من أرض غفر، ثم ورثوا منازل تميم بأرض نجد فيما بين البصرة، والكوفة، واليمامة، وورثوا غطفان ببطن مما يلى وادى القرى، وبعبارة أخرى فقد ملئوا السهل والجبل حجازا وشاما وعراقا، ثم اضطرت إلى الجلاء عن جنوبى فلسطين، فهبطت مصر، ونزلت مديرية البحيرة مع بنى قرة الجذاميين. ينظر: معجم قبائل العرب (2/ 689، 690).
(3) كان فتحها وقتل مسيلمة الكذاب فى أيام أبى بكر الصديق رضى الله عنه سنة (12) للهجرة، وفتحها أمير المسلمين خالد بن الوليد عنوة، ثم صولحوا. ينظر معجم البلدان (5/ 505).(1/507)
معنا منها آيت»، وعلى هذا جاء قول الشاعر: [من الرجز] بل جوز تيهاء بظهر الحجفت (1)
أراد: الحجفة، وكذلك قول الشاعر: [من الرجز] الله نجاك بكفّى مسلمت ... من بعد ما وبعد ما وبعد مت (2)
صارت نفوس القوم عند الغلصمت ... وكادت الحرة أن تدعى أمت
أراد: مسلمة، وغلصمة، وأمة، فى رواية من وقف بالتاء، وعلى هذا جاء الوقف فى القرآن على ما كتب من ذلك بالتاء، حسب ما يأتى بعد [بحول الله عز جلاله وجل كماله] (3).
وحكى عن بعض الكوفيين أنه قال: الهاء هى الأصل والتاء فى الوصل بدل منها، قال: ووجه ذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين علامة التأنيث اللاحقة للفعل، واللاحقة للاسم.
__________
(1) الرجز لسؤر الذئب فى لسان العرب (9/ 39) (حجف) ولبعض الطائيين فى شرح شواهد الإيضاح ص (386)، وبلا نسبة فى الإنصاف (1/ 379)، وجمهرة اللغة ص (1135)، والخصائص (1/ 304، 2/ 98)، ورصف المبانى ص (156، 162، 217)، وسر صناعة الإعراب (1/ 159، 2/ 563، 673)، وشرح شافية ابن الحاجب (2/ 277) وشرح شواهد الشافية ص (198)، وشرح المفصل (2/ 118، 4/ 67، 5/ 89، 8/ 105، 9/ 81، 10/ 45)، ولسان العرب (11/ 70) (بلل)، والمحتسب (2/ 92).
وفى البيت شاهدان: أولهما قوله: (الحجفت) على لغة بعض العرب الذين يجرون الوقف مجرى الوصل، فيقولون (هذا طلحت)، و (عليه السلام والرحمت)، فيقلبون الهاء تاء. وثانيهما أنه يجوز الروم والإشمام عند من يقف بالتاء.
(2) الرجز لأبى النجم الراجز فى الدر (6/ 230)، وشرح التصريح (2/ 344)، ولسان العرب (15/ 472) (ما) ومجالس ثعلب (1/ 326)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر (1/ 113)، وأوضح المسالك (4/ 348)، وخزانة الأدب (4/ 177)، (7/ 333)، والخصائص (1/ 304)، والدرر (6/ 305)، ورصف المبانى ص (162)، وسر صناعة الإعراب (1/ 160، 163، 2/ 563) وشرح الأشمونى (3/ 756)، وشرح شافية ابن الحاجب (2/ 289)، وشرح قطر الندى ص (325)، وشرح المفصل (5/ 89، 9/ 81)، والمقاصد النحوية (4/ 559) وهمع الهوامع (2/ 157، 209).
والشاهد فيه قوله: (الغلصمت)، و (مسلمت)، و (أمت) حيث لم يبدل تاء التأنيث فى الوقف هاء، بل أبقاها على حالها. أما قوله: (بعد مت) فالأصل: (بعد ما)، فأبدل ألف (ما) هاء، ثم أبدل الهاء تاء ليوافق، بذلك، قوافى بقية الأبيات.
(3) فى ب: بحول الله تعالى.(1/508)
وهذا القول ضعيف لأنه لو كان كذلك، لم يكن لاختصاص التفرقة بالوقف دون الوصل وجه، وقد تقدم أن الوقف عارض، فكيف نخص التفرقة به مع أن التاء اللاحقة للفعل لا تدل على تأنيث الفعل، وإنما تدل على تأنيث الاسم المرفوع بذلك الفعل؟! فظهر أن القول الأول أظهر، ثم إن الهاء لم تثبت علامة للتأنيث فى غير هذا الموضع، وقد تثبت التاء كما تقدم فى الفعل وصلا ووقفا، وفى الجمع مثل:
المسلمات.
ثم إنّ جعل الهاء بدلا من التاء له وجه صحيح يطرد فى كلام العرب، وهو أن الوقف موضع تغيير ألا تراهم يبدلون فيه التنوين ألفا وكذلك النون الخفيفة اللاحقة للفعل تبدل (1) فى الوقف ألفا، ويسكن فيه ما كان فى الوصل متحركا، ويضعف ما كان مخففا، وتلحق هاء السكت، وتنقل الحركة إلى الساكن (2) قبلها، وتسهل الهمزة كما هو مذهب حمزة، وهشام إلى غير ذلك مما هو محكم فى كتب النحو، وليس لجعل التاء فى الوصل عوضا من الهاء، وادعاء كون الهاء هى الأصل فى التأنيث وجه، [والله تبارك اسمه وتعالى جده أعلم وأحكم] (3).
فإن قيل: إن كانت التاء هى الأصل، فما الحامل على كتب الهاء فى «امرأة» و «قائمة» ونحوهما؟ وهلا كتبوها (4) بالتاء؟ ولأى شىء يطرد فى عبارة سيبويه، وغيره من النحويين أن يقولوا: هاء التأنيث، ولا يقولون: تاء التأنيث إلا قليلا؟
فالجواب: أن عادة الكتاب أن يثبتوا فى أول الكلمة من الحروف ما يلفظ به فى الابتداء، سواء وافق اللفظ فى الوصل أو خالف، ويثبتون فى آخرها ما يلفظ به فى الوقف، سواء وافق اللفظ فى الوصل أو خالف فكتبوا الهاء رعيا لثبوتها فى اللفظ فى الوقف.
وأما التعبير بالهاء دون التاء فى الأكثر، فإنما روعى فى ذلك كونها موجودة فى الخط، ولا يقدح هذا فى أصالة التاء وفرعية الهاء، والله عز وجل أعلم وأحكم.
واعلم أنه لا خلاف أن التاء اللاحقة فى الوصل لا تمال، فأما الهاء المخصوصة
__________
(1) فى ب: يبدل.
(2) فى أ: مساكن.
(3) فى ب: والله أعلم.
(4) فى أ: كتبوهما.(1/509)
بالوقف فقد وردت فيها الإمالة عن العرب، حكى سيبويه: «ضربت ضربه، وأخذت أخذه».
ثم قال: «شبه الهاء بالألف، فأمال ما قبلها، كما يميل ما قبل الألف».
واعلم أن هذا التشبيه ينبغى أن يكون بألف التأنيث خاصة لا بالألف المنقلبة عن الياء طردا لمذهب سيبويه فى تشبيه الشيء بما هو أقرب إليه شبها، كما شبه الفعل المضارع باسم الفاعل، ولم يشبهه بالاسم المنكر مطلقا على ما هو محكم فى كتابه، ومفسر فى موضعه.
وكذا قال الحافظ فى «المفردات» حين ذكر أن الكسائى يميل هذه الهاء فى الوقف فقال تشبيها منه لها بإمالة ألف التأنيث.
ووجه الشبه بين هذه الهاء، وألف التأنيث أنهما زائدتان، وأنهما للتأنيث، وأنهما من مخرج واحد، وأنهما ساكنتان، وأنهما مفتوح ما قبلهما، وأنهما حرفان خفيان قد يحتاج كل واحد منهما أن يتبين بغيره، كما بينوا ألف الندبة فى الوقف بالهاء بعده فى نحو:
وا زيداه، وبينوا هاء الإضمار بالواو، والياء نحو: ضربهو زيد، ومر بهى زيد، على ما هو محكم فى موضعه. ومع هذا: فإن الألف قد تبدل تاء كما قال الشاعر: [من الرجز] الله نجاك بكفّى مسلمت ... من بعد ما وبعد ما وبعد مت
أراد: وبعد ما، وعلى هذا قال بعض النحويين: إن الهاء فى «مهما» بدل من ألف إذ الأصل عند هذا القائل «ماما» فاستثقل اجتماع الأمثال، فأبدلوا من الألف الأولى «هاء»، وقد اشتمل هذا الكلام على أوجه من الشبه الخاص بالألف والهاء اللتين للتأنيث، وعلى أوجه من الشبه العام بين الهاء والألف مطلقا وإن كانتا لغير التأنيث.
فإذا تقرر اتفاق الألف والهاء على الجملة، وزادت هذه الهاء التى للتأنيث على الخصوص اتفاقها مع ألف التأنيث على الخصوص فى الدلالة على معنى التأنيث، وكانت ألف التأنيث تمال لشبهها بالألف المنقلبة عن الياء أمالوا هذه الهاء حملا على ألف التأنيث المشبهة فى الإمالة بالألف المنقلبة عن الياء، ولا يستبعد هذا الحمل فإنهم قد أمالوا ما هو أبعد منه:
حكى سيبويه: أنهم أمالوا «طلبنا زيد»، و «رأيت عبدا» فأمالوا هذه الألفات وليس معها شىء من الأشياء التى توجب الإمالة مما تقدم ذكره فى الباب المتقدم، غير أنها لما وقعت طرفا أشبهت ألف «حبلى» لأنها أيضا طرف وليست واحدة منهما منقلبة
عن ياء، وبهذين القيدين علل سيبويه شبه هذه الألفات بألف «حبلى» وأعنى بالقيدين: وقوع هذه الألفات طرفا، وأنها غير منقلبات عن ياء.(1/510)
حكى سيبويه: أنهم أمالوا «طلبنا زيد»، و «رأيت عبدا» فأمالوا هذه الألفات وليس معها شىء من الأشياء التى توجب الإمالة مما تقدم ذكره فى الباب المتقدم، غير أنها لما وقعت طرفا أشبهت ألف «حبلى» لأنها أيضا طرف وليست واحدة منهما منقلبة
عن ياء، وبهذين القيدين علل سيبويه شبه هذه الألفات بألف «حبلى» وأعنى بالقيدين: وقوع هذه الألفات طرفا، وأنها غير منقلبات عن ياء.
واعلم أن ما تقدم من كون هاء التأنيث غير بدل من ياء، وكونها مخصوصة بالوقف، وكونها تستلزم فتح ما قبلها مطرد إلا فى كلمة واحد، وهى «هذه»، إذا أشرت إلى مؤنث فإن الهاء فيها بدل من ياء (1)، وهى ثابتة فى الوصل والوقف، ومستلزمة كسر ما قبلها وذلك لأنهم فرقوا بين تأنيث اسم الإشارة، وتأنيث غيره لأن اسم الإشارة مبنى، كما فرقوا فى التصغير فقالوا: هاذيّا، وهاتيّا، وهاؤليّا، فى تصغير: هذا، وهاتان، وهؤلاء، وكذلك فعلوا فى «الذى»، و «التى» فقالوا فى تصغيرهما: اللذيّا واللتيّا.
فأما مجىء حرف التأنيث فى «الصلاة» ونحوها بعد ساكن وهو الألف فلا يكسر ما تقدم من لزوم الفتح لأن هذه الألف منقلبة عن حرف مفتوح، ولزم قلبه لتحركه وانفتاح ما قبله.
ولما ألحقت (2) هذه التاء فى «ضاربة» ونحوه، جعلت محل الإعراب بعد أن كان محله الحرف الذى قبلها، نحو «ضارب» فصارت فى حكم ما هو من بنية الكلمة، وإن كانت باعتبار آخر بمنزلة كلمة ضمت [إلى] أخرى مثل «بعلبك» [و] كما جعلوا الإعراب فى آخر «بعلبك» بعد التركيب كقول امرئ القيس: [من الطويل] لقد أنكرتنى بعلبكّ وأهلها (3)
فى رواية من رفع الكاف.
ولزم تحريك ما قبل هذه التاء فى «قائمة» ونحوها لأنه قد يكون قبله ساكن، نحو «ضربة»، و «غرفة» فلو سكن ما قبل التاء، لزم التقاء ساكنين، ومع هذا فإنه حرف عود (4) الحركة، وأنس بها قبل لحاق هذه العلامة فكرهوا إسكانه فألزموه الحركة كما ألزموها فى: «أخيك» وأخواته عند من يجعل إعرابه بحركات مقدرات،
__________
(1) فى ب: ثاء.
(2) فى أ: لحقت.
(3) صدر بيت، وعجزه:
... ولابن جريج فى قرى حمص أنكرا
والبيت فى ديوانه ص (68)، ومعجم البلدان (1/ 539)، ومعجم ما استعجم (1/ 260).
(4) فى ب: عدد.(1/511)
وأتبع ما قبل الآخر الآخر، وكما حركوا الدال من «يد»، حين ثنوا فى الضرورة كقوله: [من الكامل] يديان بيضاوان عند محلم (1) * (2)
البيت.
وخص بالفتح دون غيره من الحركات لأنه قد يكون ما قبله مكسورا، أو مضموما نحو «مسلمة» و «سنبلة»، فلو التزموا التحريك بالضم أو بالكسر، للزم توالى الثقل فحركوه بأخف الحركات لا سيما وقد ثقلت الكلمة بزيادة حرف التأنيث، ومع هذا فأرادوا توكيد شبهها بالألف إذ لا تثبت الألف إلا بعد فتحة.
وقد قيل: فتح ما قبل هذه التاء بالحمل على فتح اللام من «بعلبك» والعين فى «أربع عشرة»، ونحوهما من المركبات اعتبارا بكون هذه التاء مع ما اتصلت به بمنزلة كلمة ضمت إلى أخرى، والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.
وأرجع إلى لفظ الحافظ رحمه الله قال: «اعلم أن الكسائى كان يقف على هاء التأنيث وما ضارعها فى اللفظ بالإمالة».
اعلم أن هذه التاء التى تلحق الأسماء فى الوصل وتقلب هاء فى الوقف تنقسم اثنى عشر قسما:
الأول: اللاحقة لتأنيث الاسم الذى يكون دونها مذكرا، نحو: رجل، وشيخ، وغلام، فهذه عبارات عن المذكرين، فإذا لحقت التاء فقلت: رجلة، وشيخة، وغلامة، صار واقعا على المؤنث، وعليه جاء قول الشاعر: [من المديد] خرقوا جيب فتاتهم ... لم يبالوا حرمة الرجله (3)
__________
(1) فى ب: محكم.
(2) صدر بيت، وعجزه:
. ... قد يمنعانك أن تضام وتضهدا
وهو بلا نسبة فى خزانة الأدب (7/ 476، 485)، وشرح الأشمونى (3/ 668)، وشرح شواهد الشافية ص (113)، وشرح المفصل (5/ 83) (6/ 5) (10/ 56)، ولسان العرب (يدى)، والمقرب (2/ 42)، والمنصف (1/ 64)، (2/ 148).
والشاهد فيه تثنية (يد) على (يديان) وهذا شاذ والقياس: (يدان)، بدون رد اللام المحذوفة لأن هذه اللام لا ترد عند الإضافة.
(3) البيت بلا نسبة فى شرح شواهد الإيضاح ص (416)، وشرح المفصل (5/ 98)، ولسان العرب (رجل)، وتاج العروس (رجل)، وكتاب العين (6/ 101).(1/512)
وقول الآخر: [من الطويل] وتضحك منى شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلى أسيرا يمانيا (1)
وقول الآخر: [من الوافر] ومركضة صريحى أبوها ... يهان لها الغلامة والغلام (2)
إلا أن هذا النوع قليل فى كلام العرب، ومنه فى القرآن: {أُمِرُوا} و {امْرَأَتُ}.
والثانى: اللاحقة لتأنيث الصفة نحو: {مُسَلَّمَةٌ}، و {مُؤْمِنَةٌ} و {صََاحِبَةٌ}
و {وََالِدَةٌ} و {صِدِّيقَةٌ} وكلها فى القرآن.
الثالث: اللاحقة للإفراد نحو «بقرة» و «شجرة» و «نخلة» و «شيبة» و «نملة» ألا ترى أن كل هذه الأمثلة عبارة عن المفرد، فإذا أزلت التاء فقلت: بقر، وشجر، ونخل، وشيب، ونمل، دل على الجمع، وهذا هو الذى يسميه النحويون اسم الجنس، أعنى الاسم الذى يفهم منه الجمع، فإذا ألحقته التاء صار للمفرد، ومنه المصدر نحو: التوب والتوبة، والجهر والجهرة، والبطش والبطشة، يكون بالتاء عبارة عن المرة الواحدة، ودون التاء مطلقا صالحا للمرة، وللمرتين، والأكثر.
الرابع: عكس الثالث، وهى التاء اللاحقة للدلالة على الجمع، فإذا زالت بقى الاسم دالّا على الواحد، نحو «جمالة» و «بغالة» ألا ترى أن هذا عبارة عن الجمع، فإذا قلت: جمال، وبغال، فهم الواحد، ومنه فى القرآن: {سَيََّارَةٌ} [يوسف: 19].
__________
(1) البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثى فى الأغانى (16/ 258)، وسر صناعة الإعراب (1/ 76)، وشرح اختيارات المفضل ص (768)، وشرح شواهد الإيضاح ص (414)، وشرح شواهد المغنى (2/ 675)، ولسان العرب (هذذ)، (قدر)، (شمس)، ومغنى اللبيب (1/ 277)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر (2/ 15)، وشرح الأشمونى (1/ 46)، وشرح المفصل (5/ 97)، (10/ 107)، والمحتسب (1/ 69).
وفى البيت شاهدان: أولهما قوله: (شيخة): فقد دخلته التاء، وهو مؤنث حقيقى له ذكر هو (الشيخ). وثانيهما قوله: (لم ترى) حيث أثبت الألف فى (ترى) رغم جزمها، وقد خرج على وجهين: أولهما أن الأصل: (ترين) فجزم بحذف النون. والثانى أن أصله: (ترأى)، فحذف الألف للجزم، وخفف الهمزة، وجعلها ألفا، ونقل حركتها إلى الساكن قبلها.
(2) البيت لأوس بن غلفاء الهجيمى فى شرح المفصل (5/ 97)، ولسان العرب (صرح)، (ركض)، (غلم)، وللأسدى فى شرح شواهد الإيضاح ص (415)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص (960)، ولسان العرب (ركض).
والشاهد فيه قوله: (الغلامة)، وهو اسم غير وصف دخلته التاء فى التأنيث الحقيقى.(1/513)
الخامس: اللاحقة لمعنى المبالغة فى الوصف نحو: علامة، ونسابة، ومنه فى القرآن {هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] و {خَلِيفَةً} [ص: 26]، و {بَصِيرَةٌ} [القيامة:
14].
السادس: اللاحقة لتوكيد معنى التأنيث، وذلك حيث يكون للمذكر لفظ يخالف لفظ المؤنث، فلو تركت التاء، لكان اللفظ كافيا فى الدلالة على المؤنث، نحو «جدى»، و «عناق» ألا ترى أن «الجدى» خاص بالمذكر، و «العناق» خاص بالمؤنث؟! فهو كاف فى الدلالة، فإذا وجدنا من كلامهم «ثور» و «نعجة» و «جمل» و «ناقة»، قلنا: التاء فى «نعجة» و «ناقة» لتوكيد معنى التأنيث إذ لفظ «الجمل» و «الثور» مخالف للفظ «النعجة» و «الناقة» فلو تركت العرب التاء من «النعجة»، و «الناقة»، لكان كافيا فى الدلالة على المؤنث غير متلبس بالمذكر، كما كان ذلك فى «الجدى»، و «العناق».
السابع: اللاحقة لتأنيث اللفظ، وذلك إما فى المفرد نحو: مدينة، وبقعة، وبلدة، وإما فى الجمع نحو: ملائكة، وحفدة، وألسنة، وقردة، وحجارة، وزبانية، وأفئدة.
الثامن: اللاحقة عوضا من ياء المتكلم فى قولك: يا أبة، ويا أمة، والأصل:
يا أبى، ويا أمى (1)، وفى القرآن منه: {يََا أَبَتِ} [الصافات: 102].
التاسع: اللاحقة عوضا من ياء قبل الآخر فى الجمع الذى على مثال «مفاعيل» نحو «فرازنة»، وزنادقة، التاء عوض من الياء فى: فرازين، وزناديق.
العاشر: اللاحقة لهذا الجمع يصحبها معنى النسب نحو «المهالبة» (2)
و «المناذرة».
الحادى عشر: اللاحقة لهذا الجمع يصحبها معنى العجمة نحو «موازجة».
الثانى عشر: اللاحقة لهذا الجمع يصحبها معنى العجمة، ومعنى النسب معا نحو «السيابجة» الواحد «سيبجى».
وليس فى القرآن من هذه الأقسام الأربعة الأخيرة شىء فيما علمت، والله جل
__________
(1) فى أ: ويا أمتى.
(2) نسبة إلى أبى سعيد المهلب بن أبى صفرة الأزدى، أمير خرسان، وينسب إليه كثير من العلماء نسبة وولاء.
ينظر اللباب لابن الأثير (3/ 276).(1/514)
جلاله أعلم وأحكم.
فإذا تقرر هذا: يخرج كلام الحافظ رحمه الله على أنه أراد بهاء التأنيث القسمين الأولين، وأراد بما ضارعها سائر الأقسام التى أولها الثالث وآخرها الثامن، ويمكن أن يكون القسم السادس والقسم السابع مع القسمين الأولين، والله تبارك وتعالى أعلم.
ثم إن التاء فى جميع هذه الأقسام قد تسمى تاء التأنيث وذلك بسبب شبهها بتاء التأنيث فى اتحاد اللفظ، وإبدال الهاء منها فى الوقف ولزوم تحريك ما قبلها بالفتح.
قال الحافظ رحمه الله: «إن الكسائى كان يقف على هاء التأنيث وما ضارعها فى اللفظ بالإمالة».
يريد إمالة الهاء وإمالة الفتحة التى قبلها، وكذا نص عليه فى «الموضح»: «أنه كان يقف على هاء التأنيث، وما ضارعها فى اللفظ بالإمالة الخالصة فيميل الفتحة التى قبلها لإمالتها إذ كان لا يوصل إلى إمالتها إلا بذلك، إذ هى ساكنة كالألف». انتهى.
وهكذا مذهب الإمام لأنه قال: «فكان الكسائى وحده يميلها وينحو بالفتحة قبلها نحو الكسرة» ثم قال فى آخر الباب ما نصه: «وأما {مَرْضََاتِ} و {التَّوْرََاةَ}
و {مُزْجََاةٍ} و {تُقََاةً} و {كَمِشْكََاةٍ} ونحوها فليست من هذا الباب لأن الممال فيهن الألف وما قبلها لا الهاء، والممال فى هذا الباب للكسائى هاء التأنيث وما قبلها فالبابان متباينان ومثل هذا قال الحافظ فى «المفردات».
وأما الشيخ فحاصل قوله: أن الإمالة فى هذا الباب مخصوصة بالفتحة التى قبل الهاء، والإمالة فى الهاء قال فى «التبصرة»: «ذكر اختلافهم فى الوقف على ما قبل هاء التأنيث: «أجمع القراء على فتح ما قبل هاء التأنيث فى الوصل، واختلفوا فى الوقف: فوقف الكسائى بالإمالة، وفتح الباقون». انتهى.
فخص الكلام بما قبل الهاء.
ثم قال بعد كلام: «وقد أدخل قوم فى هذا الباب إمالة ما قبل هاء السكت نحو {كِتََابِيَهْ} [الحاقة: 19] ونحوه، وليس منه ولا يؤخذ به». انتهى.
وهذا أيضا جار على ما تقدم لأنه خص الكلام بما قبل الهاء.
ثم قال بعد كلام: «وأجمعوا على فتح ما قبل هاء التأنيث إذا كان قبلها ألف منقلبة عن واو»، وهذا أيضا جار على ما تقدم.
وقال فى كتاب «التذكرة» ما نصه: «ذكر إمالة ما قبل هاء التأنيث: تفرد الكسائى بإمالة ما قبل هاء التأنيث».(1/515)
ثم قال بعد كلام: «وأجمعوا على فتح ما قبل هاء التأنيث إذا كان قبلها ألف منقلبة عن واو»، وهذا أيضا جار على ما تقدم.
وقال فى كتاب «التذكرة» ما نصه: «ذكر إمالة ما قبل هاء التأنيث: تفرد الكسائى بإمالة ما قبل هاء التأنيث».
وقال فى كتاب «الكشف»: «باب علل إمالة ما قبل هاء التأنيث».
ثم قال بعد كلام: «فلما تمكن الشبه فى الوقف بالسكون أجراها الكسائى مجرى الألف فى الوقف فأمال ما قبلها من الفتح فقربه من الكسرة، كما يفعل بألف التأنيث».
وقال متصلا بهذا: «إلا أن ألف التأنيث تقرب فى الإمالة نحو الياء، وليست كذلك الهاء».
ثم قال فى آخر الباب ما نصه: «فأما الإمالة فى {تُقََاةً} [آل عمران: 28] و {تُقََاتِهِ} [آل عمران: 102] فإنما وجبت لأن أصل ألفه الياء فلا مزية للوقف على الوصل، ولا سبيل لهاء التأنيث فى هذه الإمالة لأن الممال فى هذا هو الألف وما قبلها [ينحى بالألف نحو أصلها] (1)، وينحى بالفتحة نحو الكسرة لتتمكن الإمالة فى الألف، وهاء التأنيث إنما تمال الفتحة التى قبلها نحو الكسرة لا غير، فاعرف الفرق بينهما» انتهى.
واعلم أن هذا الحاصل من كلام الشيخ هو الجارى على ما تقدم فى تفسير الإمالة فى الباب المتقدم، وهو أن الإمالة هى تقريب الفتحة من الكسرة، وتقريب الألف من الياء، وهذه الهاء لا يمكن أن يدعى تقريبها من الياء، ولا فتحة فيها فتقرب من الكسرة، وعلى هذا أيضا يجرى قول سيبويه: «إنه سمع العرب يقولون: ضربت ضربه، وأخذت أخذه»، ثم قال: «شبه الهاء بالألف فأمال ما قبلها كما يميل ما قبل الألف» انتهى.
ولا ينبغى أن يفهم عن الحافظ والإمام أنهما يخالفان فى هذا، فأما تنصيصهما على أن الهاء ممالة فيمكن حمله على أن الهاء إذا أميل ما قبلها فلا بد أن يصحبها فى صوتها حال ما من الضعف خفى، يخالف حالها إذا لم [يكن ما قبلها ياء] (2)، وإن لم يكن الحال من جنس التقريب إلى الياء فسميا ذلك المقدار إمالة، والله العلى العظيم أعلم وأحكم.
قال الحافظ رحمه الله: «نحو قوله: جنة» إلى قوله: «إلا أن يقع قبل
__________
(1) سقط فى أ.
(2) فى أ: يمل ما قبلها.(1/516)
الهاء أحد عشر حرفا».
اعلم أن هذه الهاء التى تبدل فى الوقف من تاء التأنيث وردت فى القرآن بعد جميع حروف الهجاء التسعة والعشرين، والاختيار فى مذهب الحافظ والشيخ والإمام اعتبار ما قبلها فقسموه ثلاثة أقسام:
قسم اتفقوا على إمالته فى الوقف للكسائى.
وقسم اتفقوا على اختيار فتحه فى الوقف، كالوصل.
وقسم فصلوه على ما يأتى بعد بحول الله الولى الحميد.
وأصل هذا التقسيم والتفصيل لابن مجاهد رحمه الله وتبعه هؤلاء الأئمة على اختياره واستحسنوه، والرواية عن الكسائى مطلقة بالإمالة فى الجميع، نص على ذلك الإمام والشيخ، وأذكر لك [بحول الله الرب الكريم البر الرحيم] (1) ما جاء فى القرآن العظيم من كل واحد من الأقسام الثلاثة مستوفى على قراءة الكسائى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
القسم الأول: المتفق على إمالته فى الوقف هو ما كان قبل الهاء فيه حرف من هذه الخمسة عشر حرفا التى يجمعها قولك: بذى زوج سد مثلت نفس:
الباء وردت فى القرآن فى ثمانية وعشرين اسما، وهى:
{حَبَّةٍ} [الأنبياء: 47]، {التَّوْبَةُ} [النساء: 18]، {الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، {رَهْبَةً} [الحشر: 13]، {شَيْبَةً} [الروم: 54]، {خِطْبَةِ} [البقرة: 235]، {رِيبَةً} [التوبة: 110]، {الْإِرْبَةِ} [النور: 31]، {قُرْبَةٌ} [التوبة: 99]، {عُصْبَةٌ}
[يوسف: 8]، {رَقَبَةٍ} [النساء: 92]، {الْعَقَبَةَ} [البلد: 11]، {دَابَّةٍ} [البقرة:
164]، {صََاحِبَةً} [الجن: 3]، {سََائِبَةٍ} [المائدة: 103]، {عََاقِبَةُ} [آل عمران:
137]، {غََائِبَةٍ} [النمل: 75]، {كََاذِبَةٍ} [العلق: 16]، {نََاصِبَةٌ} [الغاشية: 3]، {مَثََابَةً} [البقرة: 125]، {مَثُوبَةً} [المائدة: 60]، {مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156]، {طَيِّبَةً} [آل عمران: 38]، {غَيََابَتِ} [يوسف: 10]، {مَحَبَّةً} [طه: 39]، {مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14]، {مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15]، {مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16].
الذال: ورد فى اسمين وهما:
__________
(1) فى ب: بحول الله تعالى.(1/517)
{لَذَّةٍ} [الصافات: 46]، {الْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3].
الياء: وردت فى أربعة وستين اسما وهى:
{شِيَةَ} [البقرة: 71]، {فِدْيَةٌ} [البقرة: 184]، {خَشْيَةَ} [الإسراء: 31]، {حَيَّةٌ} [طه: 20]، {الْقَرْيَةِ} [النساء: 75]، {آيَةً} [مريم: 10]، {الْجِزْيَةَ}
[التوبة: 29]، {مِرْيَةٍ} [هود: 17]، {حِلْيَةً} [فاطر: 12]، {فِتْيَةٌ} [الكهف:
13]، {خُفْيَةً} [الأنعام: 63]، {خََاوِيَةٌ} [البقرة: 259]، {عََاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]، {جََاثِيَةً} [الجاثية: 28]، {قََاسِيَةً} [المائدة: 13]، {دََانِيَةٌ} [الحاقة: 23]، {غََاشِيَةٌ} [يوسف: 107]، {آنِيَةٍ} [الغاشية: 5]، {زَكِيَّةً} [الكهف: 74]، {لََاهِيَةً} [الأنبياء: 3]، {الزََّانِيَةُ} [النور: 2]، {بََاقِيَةٍ} [الحاقة: 8]، {بِالنََّاصِيَةِ}
[العلق: 15]، {رََاضِيَةً} [الفجر: 28]، {بِالطََّاغِيَةِ} [الحاقة: 5]، {رََابِيَةً}
[الحاقة: 10]، {الْجََارِيَةِ} [الحاقة: 11]، {وََاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]، {وََاهِيَةٌ}
[الحاقة: 16]، {هََاوِيَةٌ} [القارعة: 9]، {خََافِيَةٌ} [الحاقة: 18]، {عََالِيَةٍ}
[الحاقة: 22]، {الْخََالِيَةِ} [الحاقة: 24]، {الْقََاضِيَةَ} [الحاقة: 27]، {حََامِيَةً}
[الغاشية: 4]، {لََاغِيَةً} [الغاشية: 11]، {الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]، {بَقِيَّةٌ}
[البقرة: 248]، {تَحِيَّةً} [الفرقان: 75]، {حَمِيَّةَ} [الفتح: 26]، {بِهَدِيَّةٍ}
[النمل: 35]، {عَشِيَّةً} [النازعات: 46]، {قََاسِيَةً} [المائدة: 13]، {ذُرِّيَّةَ}
[الإسراء: 3]، {شَرْقِيَّةٍ} [النور: 35]، {غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35]، {مَرْضِيَّةً}
[الفجر: 28]، {مَبْنِيَّةٌ} [الزمر: 20]، {عَلََانِيَةً} [البقرة: 274]، {ثَمََانِيَةٌ}
[الحاقة: 17]، {الزَّبََانِيَةَ} [العلق: 18]، {الْجََاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، {تَصْدِيَةً}
[الأنفال: 35]، {تَصْلِيَةُ} [الواقعة: 94]، {تَوْصِيَةً} [يس: 50]، {تَسْمِيَةَ}
[النجم: 27]، {الْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3]، {سِقََايَةَ} [التوبة: 19]، {الْوَلََايَةُ}
[الكهف: 44]، {أَوْدِيَةٌ} [الرعد: 17]، {رَهْبََانِيَّةً} [الحديد: 27]، {الْبَرِيَّةِ}
[البينة: 6].
الزاى: وردت فى ستة أسماء، وهى:
{الْعِزَّةُ} [البقرة: 206]، {أَعِزَّةٍ} [المائدة: 54]، {بََارِزَةً} [الكهف: 47]، {هُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، {لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، {بِمَفََازَةٍ} [آل عمران: 188].
الواو: وردت فى سبعة عشر اسما وهى:
{قَسْوَةً} [البقرة: 74]، {الْمَرْوَةَ} [البقرة: 158]، {فَجْوَةٍ} [الكهف: 17]، {شَهْوَةً} [الأعراف: 81]، {دَعْوَةٌ} [غافر: 43]، {غِشََاوَةٌ} [البقرة: 7]، {أُسْوَةٌ} [الأحزاب: 21]، {نِسْوَةٌ} [يوسف: 30]، {إِخْوَةُ} [يوسف: 58]، {جَذْوَةٍ} [القصص: 29]، {بِالْعُدْوَةِ} [الأنفال: 42]، {بِالْعُرْوَةِ} [البقرة:(1/518)
الواو: وردت فى سبعة عشر اسما وهى:
{قَسْوَةً} [البقرة: 74]، {الْمَرْوَةَ} [البقرة: 158]، {فَجْوَةٍ} [الكهف: 17]، {شَهْوَةً} [الأعراف: 81]، {دَعْوَةٌ} [غافر: 43]، {غِشََاوَةٌ} [البقرة: 7]، {أُسْوَةٌ} [الأحزاب: 21]، {نِسْوَةٌ} [يوسف: 30]، {إِخْوَةُ} [يوسف: 58]، {جَذْوَةٍ} [القصص: 29]، {بِالْعُدْوَةِ} [الأنفال: 42]، {بِالْعُرْوَةِ} [البقرة:
256]، {رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50]، {الْقُوَّةِ} [القصص: 76]، {الْعَدََاوَةَ}
[المائدة: 14]، {غِشََاوَةٌ} [البقرة: 7]، {النُّبُوَّةَ} [آل عمران: 79].
الجيم: وردت فى ثمانية أسماء، وهى:
{حََاجَةً} [يوسف: 68]، {بَهْجَةٍ} [النمل: 60]، {نَعْجَةً} [ص: 23]، {لُجَّةً} [النمل: 44]، {حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، {دَرَجَةً} [النساء: 95]، {زُجََاجَةٍ} [النور: 35]، {وَلِيجَةً} [التوبة: 16].
الشين: وردت فى أربعة أسماء، [و] هى:
{الْبَطْشَةَ} [الدخان: 16]، {الْفََاحِشَةَ} [النساء: 15]، {عِيشَةٍ} [الحاقة:
21]، {مَعِيشَةً} [طه: 124].
الدال: وردت فى ثمانية وعشرين اسما وهى:
{بَلْدَةً} [الفرقان: 49]، {جَلْدَةٍ} [النور: 4]، {وَرْدَةً} [الرحمن: 37]، {عِدَّةٍ} [الأحزاب: 49]، {عُقْدَةَ} [البقرة: 235]، {عُدَّةً} [التوبة: 46]، {وَحَفَدَةً} [النحل: 72]، {قِرَدَةً} [البقرة: 65]، {وََاحِدَةٌ} [القمر: 50]، {وََالِدَةٌ} [البقرة: 233]، {مََائِدَةً} [المائدة: 114]، {جََامِدَةً} [النمل: 88]، {هََامِدَةً} [الحج: 5]، {شَهََادَةً} [البقرة: 140]، {الْمَوْؤُدَةُ} [التكوير: 8]، {مَعْدُودَةً} [البقرة: 80]، {مُقْتَصِدَةٌ} [المائدة: 66]، {مَوَدَّةً} [المائدة: 82]، {أَفْئِدَةُ} [الأنعام: 113]، {مَوْعِدَةٍ} [التوبة: 114]، {عِبََادِهِ} (1) [الروم: 48]، {زِيََادَةٌ} [التوبة: 37]، {مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4]، {مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]، {مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9]، {مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة: 8]، {الْمُوقَدَةُ} [الهمزة: 6]، {مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60].
الميم: وردت فى اثنين وثلاثين اسما وهى:
{أُمَّةً} [الأنبياء: 92]، {رَحْمَةٌ} [الإسراء: 82]، {نَعْمَةٍ} [الدخان: 27]، {لَوْمَةَ} [المائدة: 54]، {نِعْمَةَ} [البقرة: 211]، {حِكْمَةٌ} [القمر: 5]، {ذِمَّةً}
__________
(1) هكذا بالمخطوط فليحرر.(1/519)
[التوبة: 8]، {قِسْمَةٌ} [النجم: 22]، {غُمَّةً} [يونس: 71]، {مُسْلِمَةً} [البقرة:
128]، {الْحُطَمَةِ} [الهمزة: 4]، {مُحَرَّمَةٌ} [المائدة: 26]، {مُسَلَّمَةٌ} [النساء:
92]، {الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: 14]، {مُكَرَّمَةٍ} [عبس: 13]، {قََائِمَةٌ} [آل عمران: 113]، {ظََالِمَةٌ} [هود: 102]، {نََاعِمَةٌ} [الغاشية: 8]، {الطَّامَّةُ}
[النازعات: 34]، {الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، {الْمُقََامَةِ} [فاطر: 35]، {بِالْمَرْحَمَةِ}
[البلد: 17]، {الْمَشْأَمَةِ} [البلد: 19]، {مُحْكَمَةٌ} [محمد: 20]، {كَلِمَةً}
[الكهف: 5]، {بَهِيمَةِ} [الحج: 34]، {لَشِرْذِمَةٌ} [الشعراء: 54]، {الْقِيََامَةِ}
[القيامة: 1]، {اللَّوََّامَةِ} [القيامة: 2]، {النَّدََامَةَ} [يونس: 54].
الثاء: وردت فى أربعة أسماء، وهى:
{وَرَثَةِ} [الشعراء: 85]، {ثَلََاثَةً} [الواقعة: 7]، {خَبِيثَةٍ} [إبراهيم: 26]، {مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16].
اللام: وردت فى خمسة وأربعين اسما وهى:
{لَيْلَةُ} [القدر: 3]، {عَيْلَةً} [التوبة: 28]، {مَيْلَةً} [النساء: 102]، {غَفْلَةٍ}
[مريم: 39]، {النَّخْلَةِ} [مريم: 25]، {نَمْلَةٌ} [النمل: 18]، {نَزْلَةً} [النجم:
13]، {قِبْلَةً} [البقرة: 144]، {نِحْلَةً} [النساء: 4]، {رِحْلَةَ} [قريش: 2]، {حِيلَةً} [النساء: 98]، {الذِّلَّةُ} [البقرة: 61]، {مِلَّةِ} [البقرة: 130]، {جُمْلَةً}
[الفرقان: 32]، {ثُلَّةٌ} [الواقعة: 13]، {ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171]، {خُلَّةٌ}
[البقرة: 254]، {دُولَةً} [الحشر: 7]، {كََامِلَةٌ} [البقرة: 196]، {الْعََاجِلَةَ}
[الإسراء: 18]، {نََافِلَةً} [الإسراء: 79]، {عََامِلَةٌ} [الغاشية: 3]، {الضَّلََالَةَ}
[البقرة: 175]، {الْكَلََالَةِ} [النساء: 176]، {بِجَهََالَةٍ} [النساء: 17]، {وَالْجِبِلَّةَ} [الشعراء: 184]، {حَمُولَةً} [الأنعام: 142]، {وَصِيلَةٍ} [المائدة:
103]، {قَلِيلَةٍ} [البقرة: 249]، {الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، {تَحِلَّةَ} [التحريم:
2]، {سُلََالَةٍ} [المؤمنون: 12]، {مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، {زَلْزَلَةَ} [الحج:
1]، {مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45]، {حَمََّالَةَ} [المسد: 4]، {وَجِلَةٌ} [المؤمنون:
60]، {أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، {الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]، {سِلْسِلَةٍ} [الحاقة:
32]، {مُرْسِلَةٌ} [النمل: 35]، {سُنْبُلَةٍ} [البقرة: 261]، {مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18]،
{جِمََالَتٌ} [المرسلات: 33]، {رِسََالَةَ} [الأعراف: 79].(1/520)
32]، {مُرْسِلَةٌ} [النمل: 35]، {سُنْبُلَةٍ} [البقرة: 261]، {مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18]،
{جِمََالَتٌ} [المرسلات: 33]، {رِسََالَةَ} [الأعراف: 79].
التاء: وردت فى أربعة أسماء وهى:
{الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، {بَغْتَةً} [الزمر: 55]، {الْمَوْتَةَ} [الدخان: 56]، {سِتَّةِ} [يونس: 3].
النون: وردت فى سبعة وثلاثين اسما وهى:
{سَنَةٍ} [المعارج: 4]، {سِنَةٌ} [البقرة: 255]، {لَعْنَةُ} [البقرة: 161]، {الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، {الْجِنَّةِ} [الصافات: 158]، {فِتْنَةٌ} [البقرة: 102]، {زِينَةِ} [طه: 87]، {لِينَةٍ} [الحشر: 5]، {جُنَّةً} [المجادلة: 16]، {حَسَنَةً}
[البقرة: 201]، {أَمَنَةً} [آل عمران: 154]، {لِخَزَنَةِ} [غافر: 49]، {خََائِنَةٍ}
[المائدة: 13]، {آمِنَةً} [النحل: 112]، {بََاطِنَةً} [لقمان: 20]، {سَكِينَةٌ}
[البقرة: 248]، {الْمَدِينَةِ} [الأعراف: 123]، {السَّفِينَةِ} [الكهف: 71]، {رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، {الْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61]، {مَسْكُونَةٍ} [النور: 29]، {زَيْتُونَةٍ} [النور: 35]، {الْمَلْعُونَةَ} [الإسراء: 60]، {مَوْضُونَةٍ} [الواقعة: 15]، {مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: 14]، {مُؤْمِنَةٌ} [البقرة: 221]، {بَيِّنَةٍ} [البقرة: 211]، {بِطََانَةً} [آل عمران: 118]، {خِيََانَةً} [الأنفال: 58]، {الْأَمََانَةَ} [الأحزاب:
72]، {الْمَيْمَنَةِ} [البلد: 18]، {مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19]، {أَجِنَّةٌ} [النجم: 32]، {أَكِنَّةً} [الأنعام: 25]، {بِأَلْسِنَةٍ} [الأحزاب: 19]، {مُطْمَئِنَّةً} [النحل: 112].
الفاء: وردت فى أحد وعشرين اسما، وهى:
{رَأْفَةٌ} [النور: 2]، {الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10]، {الرَّجْفَةُ} [الأعراف:
78]، {خِلْفَةً} [الفرقان: 62]، {وَخِيفَةً} [الأعراف: 205]، {غُرْفَةً} [البقرة:
249]، {زُلْفَةً} [الملك: 27]، {نُطْفَةً} [المؤمنون: 13]، {طََائِفَةٌ} [المزمل:
20]، {عََاصِفَةً} [الأنبياء: 81]، {الْآزِفَةُ} [النجم: 57]، {كََاشِفَةٌ} [النجم:
58]، {الرََّاجِفَةُ} [النازعات: 6]، {الرََّادِفَةُ} [النازعات: 7]، {وََاجِفَةٌ}
[النازعات: 8]، {كَافَّةً} [البقرة: 208]، {مَصْفُوفَةٌ} [الغاشية: 15]، {مَعْرُوفَةٌ}
[النور: 53]، {الْمُؤَلَّفَةِ} [التوبة: 60]، {مُضََاعَفَةً} [آل عمران: 130]، {خَلِيفَةً} [ص: 26].
السين: وردت فى ثلاثة أسماء، وهى:(1/521)
58]، {الرََّاجِفَةُ} [النازعات: 6]، {الرََّادِفَةُ} [النازعات: 7]، {وََاجِفَةٌ}
[النازعات: 8]، {كَافَّةً} [البقرة: 208]، {مَصْفُوفَةٌ} [الغاشية: 15]، {مَعْرُوفَةٌ}
[النور: 53]، {الْمُؤَلَّفَةِ} [التوبة: 60]، {مُضََاعَفَةً} [آل عمران: 130]، {خَلِيفَةً} [ص: 26].
السين: وردت فى ثلاثة أسماء، وهى:
{خَمْسَةٌ} [الكهف: 22]، {الْخََامِسَةُ} [النور: 7]، {الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة:
21].
القسم الثانى: الذى يوقف عليه بالفتح هو إذا كان قبل الهاء واحد من عشرة أحرف، وهى أحرف الاستعلاء السبعة والحاء، والعين، والألف الساكنة، ويجمعها قولك: «غاض حظ صعق خط» فالغين: وردت فى أربعة أسماء وهى:
{صِبْغَةَ} [البقرة: 138]، {مُضْغَةً} [المؤمنون: 14]، {بََازِغَةً} [الأنعام:
78]، {بََالِغَةٌ} [القمر: 5].
الألف الساكنة: وردت فى أحد عشر اسما [وهى]:
{الصَّلََاةَ} [البقرة: 3]، {الزَّكََاةَ} [البقرة: 43]، {الْحَيََاةِ} [البقرة: 85]، {النَّجََاةِ} [غافر: 41]، {بِالْغَدََاةِ} [الأنعام: 52]، {وَمَنََاةَ} [النجم: 20]، {تُقََاةً} [آل عمران: 28]، {التَّوْرََاةَ} [آل عمران: 3]، {مَرْضََاتِ} [البقرة:
207]، {كَمِشْكََاةٍ} [النور: 35]، {مُزْجََاةٍ} [يوسف: 88].
ويلحق بهذه الأسماء «ذات» من قوله تعالى: {ذََاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: 60] ونحو على ما يأتى فى باب الوقف على مرسوم الخط، و {هَيْهََاتَ} [المؤمنون:
36].
و {اللََّاتَ} فى النجم [19]، و {وَلََاتَ} فى ص [3].
والضاد: وردت فى تسعة أسماء، وهى: {رَوْضَةٍ} [الروم: 15]، {قَبْضَةً}
[طه: 96]، {فِضَّةٍ} [الزخرف: 33]، {عُرْضَةً} [البقرة: 224]، {فَرِيضَةً}
[البقرة: 236]، {بَعُوضَةً} [البقرة: 26]، {خََافِضَةٌ} [الواقعة: 3]، {دََاحِضَةٌ}
[الشورى: 16]، {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].
الحاء: وردت فى سبعة أسماء، وهى: {نَفْحَةٌ} [الأنبياء: 46]، {صَيْحَةً}
[يس: 49]، {لَوََّاحَةٌ} [المدثر: 29]، {وَالنَّطِيحَةُ} [المائدة: 3]، {أَشِحَّةً}
[الأحزاب: 19]، {أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1]، {مُفَتَّحَةً} [ص: 50].
الظاء: وردت فى ثلاثة أسماء، وهى: {غِلْظَةً} [التوبة: 123]، {وَمَوْعِظَةً}
[البقرة: 66]، {حَفَظَةً} [الأنعام: 61].
الصاد: وردت فى ستة أسماء، وهى: {خََالِصَةً} [البقرة: 94]، {شََاخِصَةٌ}
[الأنبياء: 97]، {خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، {خَصََاصَةٌ} [الحشر: 9]، {مَخْمَصَةٍ}
[المائدة: 3]، {غُصَّةٍ} [المزمل: 13].(1/522)