تقديم الدكتور شاكر الفحّام
تشغل الرحلة مكانا مميّزا في الثّقافة العربية. فقد تضافرت دواع وأسباب مختلفة حضّت النّاس على الرّحلة، ويسّرت أمرها، فكثرت الرّحلات وتنوّعت بتنوّع حوافزها ومقاصدها العلميّة والدّينية والسّياسية والاجتماعية والاقتصاديّة وراح أدب الرّحلات الّذي استهوى قراءه وأمتعهم بما كان يعرض من المشاهد والآثار المجهولة، والعجائب المشوّقة يصفها وصف معاينة، وبما كان يصوّر من عادات النّاس وأخلاقهم ومشاعرهم تصويرا يبث الحياة والحركة، وحفلت المكتبة العربية بمختلف أنواع الرّحلات، فرحلة تصف الأقاليم والبلاد وما حوت من الغرائب، ورحلة يهفو صاحبها إلى زيارة البيت العتيق، ورحلة مطلبها الأوّل لقاء العلماء ومذاكرتهم والأخذ عنهم، ورابعة للسّفارة وربط أواصر الصّداقة، وخامسة ترتاد المجهول من البقاع حبا للمعرفة، أو سعيا وراء التّجارة والرّبح، أو تطلّعا إلى نشر الدّين، أو بسط السّلطان، وتمور صفحات هذه الرّحلات، على تعدّد أغراضها، بالجليل من الفوائد الّتي ترسم جوانب هامة من حياة الشّعوب وطباعها وعاداتها، وتقدم وثائق وشواهد حيّة لما كانت عليه الحضارة العربية في مختلف عصورها.
ولما أطلّ العصر الحديث نشرت جملة من هذه الرّحلات النّفيسة، وأكبّ عليها الباحثون الذّين أفاضوا في الحديث عن مكانة أدب الرّحلة، وما ينطوي عليه من ذخائر، فكشفوا بدراساتهم عن هذا الجانب الهامّ من جوانب الثّقافة العربيّة (1). ولم يكن بدّ من متابعة الطّريق بشقّيه: بذل الجهود وتنسيقها في استكمال نشر تراثنا من الرّحلات محقّقا، وتقديم الدراسات الّتي تجلو هذه الصّفحات الرّوائع، لتحتلّ الرّحلة العربيّة مكانها الصّحيح في تاريخ العلم.
ويندرج مسعى الشّاب الجادّ الواعد علي إبراهيم كردي في هذا السّياق، إذ تصدّى لتحقيق كتاب من أجلّ كتب الرّحلات المغربيّة وهو: رحلة العبدري.
كان المستشرقون أوّل من نوّه في العصر الحديث بقيمة رحلة العبدري: عني بها المستشرق الفرنسي فانسان في مقال نشره بالجريدة الآسيوية (سنة 1845م)، ثم تحدّث عنها بإعجاب بالغ المستشرق الفرنسي شربونو في مقال نشره بالجريدة الآسيوية
__________
(1) من المؤلفات الحديثة في هذا الباب: الرّحالة المسلمون في العصور الوسطى للدكتور زكي محمد حسن، الجغرافية والرحلات عند العرب لنقولا زيادة، الرحلات للدكتور شوقي ضيف، الرحلة والرحالة المسلمون للدكتور أحمد رمضان أحمد، أدب الرحلة عند العرب للدكتور حسني محمود حسين، أدب الرحلة للدكتور حسين نصار، أدب الرحلات للدكتور حسين محمد فهيم.(1/1)
(سنة 1854م) وأتبعه بترجمة بعض فصولها، ووالى كبار المستشرقين الإشارة إليها والإشادة بها (1).
وكان أوّل من قام بنشر الرّحلة العبدريّة الأستاذ أحمد بن جدو (ط قسنطينة الجزائر)، وقد شاب هذه الطبعة أمران:
أوّلهما: ضعف التّحقيق وما نجم عنه من كثرة التّصحيف والتّحريف في المطبوع، وإهمال تفسير الغامض من الألفاظ والعبارات، وإغفال تخريج الأشعار والأقوال.
والثّاني: سقط في الكلام يبلغ نحو (138) صفحة من صفحات طبعة رحلة العبدري للأستاذ الفاسي. وقع هذا السقط في ختام الصفحة (88) من الطبعة الجزائرية، وهو يقابل الصفحات (23496) في طبعة الأستاذ محمد الفاسي (2).
وهذه المآخذ جعلت طبعة الأستاذ ابن جدو غير مرضية عند العلماء، وكانت موضع نقد شديد (3). فانتدب الأستاذ محمد الفاسي لتحقيق الرّحلة وأخرجها تامّة (1968الرباط)، وقد اعتمد في تحقيقها على مخطوطات رحلة العبدري الّتي احتفظت بها خزائن
__________
(1) رحلة العبدري، تح. محمد الفاسي (ص / اح)، تاريخ الأدب الجغرافي العربي لكراتشكوفسكي (ط 2. 1987م): 399
(2) أخطأ الأستاذ الفاسي، رحمه الله، إذ ذكر أن بدء النقص في طبعة الجزائر يقع في الصفحة (98) من طبعته (رحلة العبدري، تح. محمد الفاسي، ص 98).
(3) حوليات الجامعة التونسية، العدد الرابع (سنة 1967م) ص: 184177، العدد التاسع (سنة 1982م): ص 282281، رحلة العبدري، تح. محمد الفاسي (ص / أخ أد).(1/2)
المغرب وهي ثماني مخطوطات، واتّكأ منها على اثنتين هما مخطوطتا الخزانة العامة بالرباط، فأكثر من الرجوع اليهما (1). وقدّم للرحلة بمقدمة جليلة مفيدة استغرقت اثنتين وأربعين صفحة (ص أأ ظ)، وذيّلها بفهارس خمسة (ص 345285) لم تكن، على فائدتها وشدّة الحاجة إليها، وافية بجميع متطلبات الباحث في الرحلة، فلا فهرس للأشعار، ولا فهرس للموضوعات.
عني الأستاذ الفاسي بتحقيق النّص فأفرغ في ذلك وسعه، ووفّق في أكثر ما ذهب إليه، ولكنّه أقلّ إقلالا كبيرا من شرح الألفاظ والمعاني الّتي يحسن تفسيرها، وأضرب عن تخريج النّصوص في مظانّها، وهو أمر له شأنه في الموازنة بين النصوص المقتبسة والنّصوص كما جاءت في أصولها، وأغفل تخريج الأشعار، ولم يعرّف بالأعلام التّاريخيّة والجغرافيّة الّتي تحتاج إلى فضل تعريف وبيان (2).
ويبدو أن الأستاذ الفاسي كان في عجلة من أمره حين أخرج نصّ الرّحلة، يتجلّى ذلك بيّنا في حديثه عن الطّريقة الّتي اختارها في نشر الرّحلة بالتّخفف من التّعريف، موضّحا «أنّ التّعرض لذلك يتطلّب دراسة خاصة ينبغي أن يشتغل بها الباحثون نظرا لأهمّيتها» (3).
__________
(1) رحلة العبدري، تح. محمد الفاسي (ص / أد أر).
(2) وانظر كذلك حوليات الجامعة التونسية، العدد التاسع (سنة 1972م) ص: 286281
(3) رحلة العبري، تح. محمد الفاسي (ص / أد أر).(1/3)
وتهيّأت الأسباب لينهض السّيد علي إبراهيم كردي بتحقيق رحلة العبدري وفق منهج التزمه في ضبط النّصوص وتدقيقها، وتخريجها في مصادرها، وشرح الغريب من الكلم والمعاني، والتّعريف بالأعلام والمواضع، والعناية بتخريج الأحاديث والأشعار والأمثال في مظانّها. وختم التّحقيق بأحد عشر فهرسا كانت وافية بمطالب القارىء والباحث.
ويتراءى في تضاعيف الرّحلة المحققة الجهد الجاهد الّذي بذله المحقّق ليبلغ بالكتاب الغاية التي يرضى عنها، وقد وفّق في ذلك، واستكمل أشياء فاتت سابقيه.
لقد تحلّى المحقّق بالصّبر والدّأب في عمله، وأدرك الصّعاب الّتي يواجهها الباحث، وبيّن أنّ عمله يحتاج الى معاودة لاستدراك أشياء لم يهتد إلى وجهها. إنّه حقّا من أولئك الّذين جعلوا شعارهم في الحياة: إنّما العلم بالتّعلّم، ولا يزال المرء عالما ما طلب العلم. وإني لأرجو له مستقبلا مشرقا مفعما بالأمل ليكون في عداد أولئك العلماء الّذين أحبّوا العربيّة وتبتّلوا في محاريبها، وبذلوا وقدموا ليكشفوا عن وجه الحضارة العربيّة الزّاهرة، وليكون اللّسان العربيّ المبين لغة العلم والحياة، ويعود إلى سابق عهده لسانا عالميا.
الدّكتور شاكر الفحّام
هذا الكتاب جزء من رسالة جامعيّة نوقشت بين يدي الجمهور بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بدمشق يوم الثلاثاء الواقع في 20/ ربيع الآخر 1409هـ الموافق في 28/ تشرين الثّاني / 1988م، أمام اللجنة المكوّنة من الأساتذة:
الدّكتور محمّد رضوان الدّاية مشرفا
الدّكتور شاكر الفحّام عضوا
الدّكتورة أحلام الزّعيم عضوا
وبنتيجتها نال صاحبها درجة الماجستير في الآداب بمرتبة امتياز.
تقدير وعرفان
أتقدّم بالشّكر، خالصه وأجزله إلى أستاذي الدكتور محمّد رضوان الدّاية، الذي كان لي خير معين خلال إعداد هذا البحث.
وأقدّم الشكر والامتنان للأستاذ الدّكتور شاكر الفحّام الذي حباني بعطفه وتشجيعه، وكانت له أياد بيض على هذا العمل وصاحبه.
وأشكر الصّديق العزيز الدكتور علي أبو زيد على مواكبته هذا العمل منذ بدايته، وتقديمه الملاحظات القيّمة الّتي أفدت منها كثيرا. فلهم مني جزيل الشكر والعرفان.(1/4)
بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ
المقدّمة
يزخر تراث هذه الأمّة بنفائس الكتب الّتي تحتوي على ضروب من العلم كان لها أثرها في ازدهار الحضارة. وقد آل كثير من هذا التّراث إلى مجلّدات ترصف بها المكتبات، أو يباهى باقتناء بعضها، ولم يخرج إلى النّاس إلّا القليل ممّا كتب علماء العرب وخدمة حضارتها.
ولمّا كان من الوفاء لهذا التّراث أن نخرجه للنّاس مخرجا حسنا، ونخدمه خدمة تليق به، سعيت باحثا في سبيل ذلك، فوجدتني أمام نصّ «رحلة العبدريّ»، وراقني طرافة موضوعه، وتميزّه في بابه، ورأيت أنّه لّما يعط حقّه من العناية والتّحقيق، فرغبت في أن أخرجه إخراجا علميّا أحقّق من خلاله ما أصبو إليه من الإسهام في حركة بعث التّراث.
ولا يخفى ما لأدب الرّحلة في تراثنا من أهميّة بارزة في مختلف المجالات، وذلك لما تحتويه الرّحلات من فوائد علميّة، وأدبيّة جمّة تعتمد في كثير منها على المشاهدة، والرّواية الشّفويّة، إذ كان بعض الرّحالين النّابهين يقومون بتدوين مشاهدتهم، ومواقفهم من أحوال العالم آنذاك، فيصفون
تجوالهم في الأقطار المختلفة التي يمرّون بها، ولقاءهم لمشاهير الأدباء والعلماء الّذين قابلوهم في رحلاتهم، وتقييد ما كان يصدر عنهم من شعر وغيره.(1/5)
ولا يخفى ما لأدب الرّحلة في تراثنا من أهميّة بارزة في مختلف المجالات، وذلك لما تحتويه الرّحلات من فوائد علميّة، وأدبيّة جمّة تعتمد في كثير منها على المشاهدة، والرّواية الشّفويّة، إذ كان بعض الرّحالين النّابهين يقومون بتدوين مشاهدتهم، ومواقفهم من أحوال العالم آنذاك، فيصفون
تجوالهم في الأقطار المختلفة التي يمرّون بها، ولقاءهم لمشاهير الأدباء والعلماء الّذين قابلوهم في رحلاتهم، وتقييد ما كان يصدر عنهم من شعر وغيره.
والمشهور من الرّحلات بين النّاس رحلة ابن بطوطة ت (779هـ / 1377م) ورحلة ابن جبير ت (614هـ / 1217م)، ويبدو أنّ السّبب في شهرتهما لا يعود إلى مضمون هاتين الرّحلتين فحسب، وإنما يعود إلى ظهورهما بين النّاس منذ مدّة طويلة، وعناية الباحثين مستشرقين وعربا بهما، ومن هنا ذاع صيت الرّحلتين بين النّاس.
ورحلة العبدريّ لا تقلّ أهميّة عن الرّحلتين السّابقتين، إن لم تكن تفوقهما في بعض الجوانب، ولا سيما في جانبها الأدبيّ، لأن العبدريّ صاحب الرّحلة كان أديبا عالما من علماء المغرب في القرن السّابع الهجريّ، صرف جلّ اهتمامه في رحلته إلى النّاحية العلميّة في البلاد الّتي قطعها برّا من المغرب الأقصى إلى البلاد الحجازية، والقدس، والخليل، فضمّن رحلته تراجم للعلماء الّذين التقاهم في رحلته، وذكر كثيرا من طبائعهم، وعاداتهم، وأخبارهم، وأشعارهم الّتي لم نقف على كثير منها في غير هذه الرّحلة.(1/6)
1 - ترجمة المؤلّف:
صاحب الرّحلة هو أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن علي بن أحمد ابن سعود العبدريّ (1)، وينتهي نسبه إلى عبد الدّار بن قصيّ بن كلاب وإليه نسبته (2).
لم تسعفنا المصادر حتى الآن بمعرفه تاريخ ولادة العبدريّ، وتاريخ وفاته، وكلّ ما نعرفه أنّه قام برحلته في الخامس والعشرين من ذي القعدة عام ثمانية وثمانين وست مئه، وكان عندها في عنفوان عمره كما قال له شيخه أبو زيد الدّباغ (3).
فإذا افترضنا أنّه كان آنذاك في الخامسة والأربعين. بدليل قوله عن ابن خميس التّلمساني الّذي كان حين لقيه في تلمسان في الثّامنة
__________
(1) ترجمته في: أعلام الزركلي 7/ 3231الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات للمراكشي 4/ 330287تاريخ الأدب الجغرافي لكراتشكوفسكي 1/ 367تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 1/ 482تاريخ الأدب العربي لفرّوح 6/ 401تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس لحسين مؤنس 518تاريخ الفكر الأندلسي لبالنثيا 319318الجغرافية والرحلات عند العرب لنقولا زيادة 180171الجغرافيون العرب لمصطفى الشهابي 8886جذوة الاقتباس لابن القاضي 288286حوليات الجامعة التونسية العدد الرابع سنة 1967مقال للشاذلي بويحيى دائرة المعارف الإسلامية بالإنكليزية 1/ 96دليل مؤرخ المغرب لابن سودة 380الذيل والتكملة 18/ 42مقدمة الدكتور محمد بن شريفة الرحالة العرب لنقولا زيادة 120117الرحلة والرحاله المسلمون لأحمد رمضان أحمد 353347شجرة النور الزكية لمخلوف 1/ 217 فهرس الفهارس للكتاني 2/ 809، إضافة إلى بعض المقالات المتفرقة في المجلّات.
(2) الأنساب للسّمعاني 8/ 4349واللّباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/ 312.
(3) الرّحلة: 164.(1/7)
والثّلاثين من عمره بأنّه «فتيّ السّن» (1) فتكون ولادته حوالي سنة (643هـ / 1245م) وأغلب الظّنّ أنّ وفاته كانت بعد سنة سبع مئة للهجرة، وهذا قريب ممّا قدّره الدّكتور عمر فرّوخ إذ جعل وفاته سنة (720هـ / 1320) (2).
ولا يذكر العبدريّ شيئا عن دراسته الأولى، ولا تنجدنا المصادر في معرفة بدايات تكوينه الثّقافي، ولا يستبعد أنهّ تتلمذ على والده المعلّم ودخل الكتّاب كما كانت العادة في بلدته «حاحة» فحفظ القرآن، وتعلّم على الطّريقة المتّبعة حينئذ من التّدرّج في حفظ المتون، وتعلم العمليّات الحسابيّة، ثم ارتقى إلى أن أصبح من الطّلّاب، عندها انتقل إلى مرّاكش الّتي كانت مركزا علميّا مرموقا آنذاك، فأخذ عن جلّة من علمائها أمثال محمّد بن علي بن يحيى الشّريف الّذي كان شيخه وشيخ صاحبه ابن عبد الملك المراكشي. (3)
وقد أفاد العبدريّ من كثرة مشايخه، وتنوّع ثقافاتهم فأتقن كثيرا من الفنون، ظهرت جليّة في رحلته الّتي بدا فيها المؤلّف حافظا للقرآن والحديث، مطّلعا على الأدب العربي نثره وشعره، وخطبه ورسائله، عارفا بأيّام العرب وغزواتهم، وفصحاء خطبائهم، وله معرفة بالأسماء والألقاب والكنى، وأسماء الأماكن، وبمصطلحات علوم الأدب والبلاغة والعروض.
__________
(1) الرّحلة: 53.
(2) تاريخ الأدب العربي: 6/ 401.
(3) الرّحلة: 302.(1/8)
2 - مؤلفاته:
لا نعرف حتّى الآن للعبدريّ مؤلّفا غير الرّحلة الّتي بين أيدينا غير أنّنا لا نسلّم بهذا، ولا نظنّ أنّ علم الرّجل عقم عن كتاب آخر وهو من هو في علمه ومكانته.
ويبدو أنّ غوائل الدّهر قد أتت على ما أنتجه هذا العالم، ولم يسلم لنا سوى الرّحلة. وممّا يعيننا على ما نذهب إليه ويقويه أن البلويّ أورد في رحلته قصيدة العبدريّ التّائيّة الّتي عارض فيها القاضي عياضا في كتابه «الشّفا» ومطلعها (1): [الكامل]
يا ساكني دار الحبيب عليكم ... منّي سلام طيّب النّفحات
وكذلك فقد أتى العبدريّ ببيت مفرد في رحلته وهو: (2) [الطويل]
شبابي وال جاء شيبي بعزله ... فقام بأعلى الرّأس أيّ خطيب
وقال قبل إيراده: «وقد كان هذا المعنى عرض لي قديما فنظمته في بيت من قصيدة» وهذا يعني أنّ ديوان شعره ما خلا بعض الشّذرات منه الّتي وقفنا عليها قد ضاع.
وكذلك أشار الكتّاني صاحب «فهرس الفهارس» إلى أنّه يروي «فهرسة العبدريّ» من طريقين مختلفين (3)، ولا نظنّ أنّه عنى بالفهرسة الرّحلة، لأنّه ضرب من التّأليف يختلف اختلافا بيّنا عن التّأليف في الرّحلات.
__________
(1) تاج المفرق 2/ 109.
(2) الرّحلة: 137.
(3) فهرس الفهارس 2/ 809.(1/9)
3 - أسباب الرّحلة ومدّتها:
كان وراء رحلة العبدريّ سببان حملاه على المضيّ فيها:
الأول: سبب دينيّ: وهو القيام بفريضة الحج، وزيارة الأماكن المقدّسة، والاتّصال بالمتصوّفة والصّالحين، وقد صرّح العبدريّ مرارا بأنّه كان ينوي الإقامة بمكّة والمجاورة بها، وبأنّه قد اكترى المنزل وجهّز لوازمه، وصرف الرّكب إلى المغرب، لولا حدوث فتنة هناك أرغمته على الرّحيل عن مكّة (1).
الثّاني: هو رغبته في لقاء العلماء والمشايخ والأخذ عنهم، وكان العبدريّ حريصا على البحث عن السّند العالي فيما أخذه عن هؤلاء العلماء والمحدّثين، ورأينا العبدريّ في سؤال دائم عن الأحوال العلميّة والثّقافيّة في البلاد الّتي مرّ بها فإذا صادف مجموعة من العلماء في بلد من البلاد طرب لذلك وانشرحت نفسه فانطلق لسانه ثناء وحمدا كما حدث معه في تونس (2). وإذا لم يجد هذا النّوع من العلماء هجا بلسانه الذّرب هذه البلاد وأهلها كصنيعه في قابس وطرابلس (3).
أمّا مدّة الرّحلة فيبدو أنّها استمرّت أكثر من سنتين، ويذكر البحاثّة حسن حسني عبد الوهاب أنّ العبدريّ زار تونس مرّتين في طريق ذهابه إلى
__________
(1) الرّحلة: 391.
(2) الرّحلة: 108.
(3) الرحلة: 184.(1/10)
الحج سنة (688هـ / 1289م)، وعند رجوعه سنة (691هـ / 1292م) (1). فعلى هذا يكون العبدريّ قد أمضى ثلاث سنوات في رحلته ويؤكّد هذا البلويّ حين أورد أبياتا للعبدريّ في رحلته. فقال: «أنشدها في تونس في رجب الفرد سنة (690هـ / 1291م)» (2). فمن المحتمل إذا أن يكون العبدريّ قد عاد في هذه السّنة من الحجاز وأقام في تونس سنة أخرى كما فعل نظيره ابن رشيد السّبتي ت (721هـ / 1321م) صاحب «ملء العيبة». ويؤكّد هذا الاحتمال ما ذكره العبدريّ عن أهل تونس، وكياستهم، وعلمهم، فقد أعجب بعلمائها ومجالسهم العلميّة، ودليل ذلك قوله عند دخوله تونس بعد عودته من الحجاز: «وقد أقمت بها مدّة حتّى شفيت الحشا العليل، ونقعت بوردها الغليل، وقطعت فيها الغدوّ والأصيل، بمجالسة كلّ فاضل جليل، فما أنفصل عن عالم يوضح الحلك مهما أجاب، إلّا إلى صالح يحتلب به درّ السّحاب، ولا أغدو عن مجلس أدب كقطع الرّياض، إلّا إلى محفل وعظ يسقي الخدود بالدّمع الفيّاض، فقطعتها أيّاما من غفلات الدّهر مختلسات، وانتظم لي شمل أنس طالما مني بالشّتات، فلم يبق بها شيخ مذكور إلا رأيته، ولا علم مشهور إلّا أتيته» (3).
فالرّحلة إذا كانت ذات هدف مزدوج ككثير من الرّحلات الحجازيّة الّتي كان أصحابها يقصدون الدّيار المقدّسة لأداء فريضة الحجّ، ويغتنمون الفرصة ليلتقوا الشّيوخ في المدن الّتي كانوا يمرّون بها، ويأخذون عنهم ما يتيسّر لهم من العلوم المختلفة.
__________
(1) مقدمة رحلة التجاني صفحة: يز.
(2) تاج المفرق: 2/ 109.
(3) الرحلة: 489.(1/11)
4 - منهج العبدريّ في تأليف الرّحلة:
أوضح العبدريّ في مقدّمة الرّحلة منهجه في تأليفها فقال: (1) «وبعد فإنّي قاصد بعد استخارة الله سبحانه إلى تقييد ما أمكن تقييده، ورسم ما تيسّر رسمه وتسويده. ممّا سما إليه النّاظر المطرق، في خبر الرّحلة إلى بلاد المشرق، من ذكر بعض أوصاف البلدان، وأحوال من بها من القطّان، حسبما أدركه الحسّ والعيان، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان، من غير تورية ولا تلويح، ولا تقبيح حسن، ولا تحسين قبيح، بلفظ قاصد لا يحجم معرّدا، ولا يجمح فيتعدّى المدى، مسطّرا لما رأيته بالعيان، ومقرّرا له بأوضح بيان».
وقد كان العبدريّ وفيّا لهذا المنهج الّذي ارتضاه لرحلته، مطبّقا له، فقد وصف البلدان وصفا دقيقا بمبانيها، وآثارها، وكثيرا ما كان يعّرج على أهلها فيصف عاداتهم وتقاليدهم، ولباسهم، ومستواهم العلمي، ولم يكن متساهلا في نقد ما كان يراه غير طبيعّي سواء في أخلاق النّاس أو في عاداتهم، وخصوصا فيما يتعلّق بالنّاحية العلميّة للبلاد الّتي كان يدخلها، كقوله عن طرابلس: (2) «ثم وصلنا مدينة طرابلس، وهي للجهل مأتم، وما للعلم فيها عرس». وقوله عن تلمسان: (3) «وأمّا العلم فقد درس رسمه في أكثر البلاد، وغاضت أنهاره فازدحم على الثّماد، فما ظنّك بها وهي رسم عفا طلله، ومنهل جفّ وشله»
__________
(1) الرّحلة: 28.
(2) الرّحلة: 184.
(3) الرّحلة: 49. وغاض الماء: نقص والثّماد: الحفر يكون فيها الماء القليل. والوشل: الماء القليل يتحلّب من جبل أو صخرة، يقطر منه قليلا قليلا.(1/12)
وهذا ما جعل بعض الباحثين (1) يصف آراءه بالتّطرّف، لأنّ العبدريّ لم يترك بلدا دون أن يوجّه إليه نقده بصراحة، لا مداراة فيها ولا مواربة.
ولجأ العبدريّ إلى ذكر الأخبار الّتي استفادها، والأشعار الّتي كان أنشده إيّاها العلماء. ونقل بعض المعلومات المهمّة الّتي كان يراها تخدم غرضه من الكتب المختلفة لتوضيح ما يذهب إليه، وإن لم يشاهدها عيانا على الشّرط الذّي اشترطه على نفسه في مقدمة الرّحلة.
ولقي العبدريّ مجموعة من المحدّثين الذّين سمع منهم كثيرا من الأحاديث الشّريفة، وأثبت بعضها في رحلته، معتنيا بالسّند العالي عناية كبيرة كما سلف.
أمّا تقسيم الكتاب فلا نكاد نلمح تقسيما واضحا له، ولكنّنا نجد فيه بعض الفصول الّتي كان كثيرا ما يلجأ إلى عقدها عند ما يريد الوقوف على ظاهرة، والتّفصيل فيها تفصيلا يبعد قليلا عن غرض الرّحلة ومنهجها، مستطردا في حديثه عن بلد وما يختصّ به، أو عن تاريخه، كما صنع في الحديث عن عجائب مصر ونيلها (2)، والحديث عن بناء المسجد الحرام (3)، والكعبة وأسمائها (4).
__________
(1) مثل د. حسين مؤنس الذي نعت العبدريّ بالتطرف والتعقيد، انظر «تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس 520».
(2) الرّحلة: 311.
(3) الرّحلة: 384.
(4) الرّحلة: 376.(1/13)
وكثيرا ما كان العبدريّ يستطرد إلى بعض الآراء الّتي تستوجب منه مناقشة وتوضيحا، كما صنع في مشاركاته الفقهيّة، ومناقشاته العلميّة (1).
5 - مصادره في تأليفها:
تحتوي رحلة العبدريّ معلومات جغرافيّة وتاريخيّة وأدبيّة واجتماعيّة إضافة إلى المعلومات الفقهيّة. لذلك نلاحظ أنّ مصادره متنوعة تنوّعا كبيرا، ويأتي في أوّلها المشاهدة، ثم الرّواية الشّفويّة، ثم المصنّفات المختلفة الّتي نقل منها.
أمّا المشاهدة فقد ظهر أثرها واضحا في المعلومات الجغرافيّة عن المناطق والبلاد الّتي مرّ بها، وخصائصها العمرانية، وتضاريسها، وكان وصفه لها وصف شاهد عيان.
وقد حملت هذه الرّحلة طائفة من المعلومات والقضايا العلميّة الّتي أخذها المؤلفّ من صدور العلماء مشافهة، وقيّدها في رحلته، وحوت كثيرا من المعلومات الّتي لا نجدها في غير هذه الرّحلة. ومن هاهنا تزداد قيمة الكتاب العلميّة، ويسمو درجة نحو الجودة والفائدة.
أما المصدر الثّالث فهو المصنّفات الّتي نقل عنها العبدريّ، وقد لجأ إليها مستعينا بها على ما لم يشاهده، أو شاهده ولكنّه يريد التّوكيد والتّوضيح والاستدلال.
ويمكن أن نصنّف مصادره الّتي نقل عنها ضمن الطّوائف التّالية:
__________
(1) الرّحلة: 151.(1/14)
1 - المصادر الجغرافيّة والتّاريخيّة: ومنها كتاب «المسالك والممالك» لأبي عبيد البكري ت (487هـ / 1094م). و «أخبار مكّة» لأبي الوليد الأزرقي ت (250هـ / 865م). و «طبقات الأمم» للقاضي صاعد ت (462هـ / 1070م) و «مروج الذّهب» للمسعودي ت (346هـ / 957م).
2 - كتب الحديث المختلفة: الصّحاح وغيرها، وكتاب «غريب الحديث» لأبي عبيد القاسم بن سلّام ت (224هـ / 838م) و «مشارق الأنوار» للقاضي عياض ت (544هـ / 1149م).
3 - كتب السّيرة النّبويّة: كسيرة ابن إسحاق ت (151هـ / 768م)، و «الرّوض الأنف» لأبي القاسم السّهيلي ت (581هـ / 1185م) و «الاكتفاء» لأبي الرّبيع بن سالم الكلاعي ت (634هـ / 1237م)، و «الشمائل» للتّرمذي ت (279هـ / 892م).
4 - كتب الفقه المالكيّ: مثل «المدوّنة» لعبد الرّحمن بن القاسم ت (191هـ / 807م)، و «العتبيّة» لمحمد بن العتبي القرطبي ت (254هـ / 868م)، و «التّلقين» للقاضي عبد الوهاب ت (422هـ / 1031م).
5 - كتب التّصوّف: ككتاب «التّشوّف» لابن الزّيات ت (627هـ / 1230م)، و «منار العلم» لأبي سعيد الحاحّي المترازيّ.
6 - الدّواوين الشعرية والمجموعات: ك «ديوان المتنبّي» و «ديوان النّابغة» و «الحماسة» و «يتيمة الدّهر» للثعالبي ت «429هـ / 1038م».
7 - كتب أخرى في القراءات والترّاجم ككتاب «التيّسير» و «المقنع» لأبي عمرو الداني ت (444هـ / 1053م) وغيرها.(1/15)
6 - أهميّة الرّحلة:
لم تنل رحلة العبدريّ مكانتها بين الرّحلات، وأوّل من تنبّه إلى شأنها علماء الاستشراق، الّذين انكبّوا عليها دراسة وترجمة، وكان «أول من اشتغل بها المستشرق الفرنسي «مانسان» في مقال نشره بالجريدة الآسيويّة، ثم نشر المستشرق «شربونو» بالجريدة الآسيوية كذلك سنة 1854م مقالا عنها، أتبعه بترجمة بعض فصولها» (1).
وبقيت هذه الرّحلة حبيسة الرّفوف إلى أن جاء الأستاذ أحمد بن جدّو وحاول أن يخرجها للناس، فطبعها منقوصة غير تامّة، وزاد في سوئها كثرة الأخطاء، ثم طبعت في المغرب بعناية الدكتور محمّد الفاسي، إلّا أن هذه الطّبعة أيضا لم تف بحقّ الرّحلة، ولم تقدّمها للنّاس على شكلها الصّحيح، ويبدو أنّ وقت الدّكتور الفاسي لم يتّسع لأكثر من ذلك، فدفعها للطّبع بسرعة تحدوه الرّغبة في أن يطّلع عليها جمهور الباحثين والقرّاء، فخرجت الرّحلة يعتورها بعض النّقص، والتّصحيف والتّحريف، وخلت أو كادت من التّعليقات الضّروريّة لا يضاح ما يستغلق فهمه لدى قراءتها.
وممّا يدلّ على أهميّة هذه الرّحلة انتشار نسخها المخطوطة في كثير من مكتبات العالم (2). واحتفال المؤرخين بها إذ نقل كثير منهم عنها كالتّنبكتي صاحب «نيل الابتهاج» الّذي أفاد منها أيّما إفادة ونقل كثيرا من التّراجم عنها، وعدّها مصدرا من مصادر كتابه (3). ونقل عنها الوزير السّرّاج في
__________
(1) مقدّمة طبعة الرّباط صفحة 1ج.
(2) حاولنا حصر بعض نسخها المخطوطة في منهج التحقيق.
(3) انظر نيل الابتهاج: 22220316416315210368.(1/16)
كتابه «الحلل السّندسيّة في الأخبار التّونسيّة» فقرات طويلة في الأوصاف والتّراجم، وعّدها أيضا من مصادره في تأليف كتابه (1).
وقد اهتدى بها عدد من الرّحالين ونقلوا عنها، واسترشدوا بها، فقد نقل عنها ناسخ رحلة ابن بطوطة فقرات كثيرة (2)، وكذلك شأن الرّحّالة ابن عبد السّلام النّاصري الّذي كان يستحضرها في كلّ مراحل رحلتيه الكبرى والصّغرى، وعبد القادر الجيلاني الإسحاقي (3)، واعتمد العيّاشي عليها في كثير من تدقيقاته إذ نراه يقف كثيرا مع ما ذكره العبدريّ محقّقا ومدقّقا (4)، وصنع الورثلاني صنيعه أيضا في رحلته (5).
ونظرا إلى أهمّيتها فقد قام أبو العبّاس بن قنفذ القسنطيني ت (809هـ / 1406م) باختصارها بعنوان: «المسافة السّنيّة في اختصار الرّحلة العبدريّة»، ومازال هذا المختصر مخطوطا.
وبقي العلماء والباحثون حتّى العصر الحاضر يهتمون برحلة العبدريّ، ويقدّرونها، إذ عمد العلامة عبّاس بن إبراهيم المراكشيّ إلى تلخيصها في كتابه الجليل: «الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام» (6).
__________
(1) انظر الحلل السّندسيّة: 1/ 668667560500499256247246245.
(2) انظر وصف ابن بطوطة والعبدريّ لمنار الإسكندرية، ولعمود السواري، وللنيل، وللأهرام والبرابي، وللمزارات بقرافة مصر، وكذلك وصفها لمدينة الخليل، وتربة لوط، وقبر فاطمة بنت الحسين، وبيت لحم، والمسجد الأقصى وقبّة الصّخرة، ووادي جهنم، ومصعد عيسى عليه السّلام، وقبر رابعة البدوية، ووصف عسقلان.
(3) انظر مقدّمة طبعة الرباط صفحة ط.
(4) رحلة العياشي 1/ 92و 110
(5) الرّحلة الورثلانية: 392339338233222182.
(6) الإعلام 4/ 330287.(1/17)
وممّا يزيد في أهميّة الرّحلة أنهّا تعدّ وثيقة مهمّة عن الحياة الثّقافيّة في أواخر القرن السّابع الهجري في البلاد الّتي مرّ بها العبدريّ، والتقى علماءها فقد أعطانا صاحب الرّحلة فكرة موسّعة عن المستوى الثقافي في هذه البلاد، وعرّفنا بأعلام العلماء، وما كان يهتمّ به من العلوم المختّلفة، كما دلّنا على الكتب التي كانت رائجة آنذاك، وطرائق التّدريس المتّبعة عصرئذ.
وترجم العبدريّ لمجموعة من العلماء الّذين لا نكاد نعثر لهم على صورة واضحة في المصادر المختلفة، فأضاء جوانب من شخصياتهم، وعرّفنا بهم وبطبائعهم، وكانت أوصافه وأحكامه تتّصف بالدّقّة لأنّها صادرة عن شاهد عيان.
كذلك فإنّ هذه الرّحلة تفيد علماء الجغرافية والتّاريخ في دراسة الظّواهر الّتي كانت سائدة آنذاك، كما تفيد مؤرخي الأدب في التأريخ الأدبيّ للأقطار الّتي مرّ بها العبدريّ، فهي تضمّ نصوصا أدبيّة شعريّة ونثريّة ونقديّة مهمّة تتفرّد الرّحلة في بعضها، بما يزيد في أهميّة الرحّلة ويضعها في مكانها الصّحيح بين كتب الرّحلات المختلفة.(1/18)
نسخ الكتاب ومنهج التّحقيق
للرّحلة نسخ متعدّدة في المكتبات العامّة والخاصّة، ذكرها الأستاذ محمّد الفاسي في مقدمة طبعته، وهذه المخطوطات المعروفة هي:
آالمخطوطات الموجودة في المغرب وهي: 1مخطوطة خزانة جامع القرويين بفاس ورقمه ج ل 40/ 567.
2 - مخطوط الخزانة العامّة بالرّباط ورقمه د 1012.
3 - مخطوط ثان بالخزانة نفسها ورقمه ك 356.
4 - مخطوط الخزانة الملكيّة بالرّباط ورقمه 2810.
5 - مخطوطان في الزّاوية الحمزوية بجبال الأطلس المتوسط.
6 - مخطوط في المكتبة الخاصة للأستاذ محمد المختار السّوسي رحمه الله.
7 - مخطوط في المكتبة الخاصة للأستاذ عبد السّلام بن سودة.
ب المخطوطات الموجودة خارج المغرب وهي: 1مخطوط مكتبة الإسكوريال ورقمه فيها 1738.
2 - مخطوط مكتبة جامعة ليدن بهولاندا ورقمه 801.
3 - مخطوط المكتبه الوطنية بتونس ورقمه 15952.
4 - مخطوط المكتبه الوطنية بباريس ورقمه 2283.
5 - مخطوط كان عند المستشرق الفرنسي ألفونس روسو.(1/19)
6 - مخطوط كان عند المستشرق الفرنسي شربونو.
7 - مخطوط عند المستشرق الفرنسي مارتان.
8 - مخطوط كان يوجد في خزانة جامعة الجزائر ورقمه 2017.
وكنت قد وقفت أثناء وجودي في تونس بعد أن دفعت الكتاب للطّبع (1). على ثلاث نسخ خطّية عدا الّتي اعتمدتها في التّحقيق وجميعها آلت إلى المكتبة الوطنيّة، وهذا بيان بأرقامها:
9 - مخطوط المكتبة الوطنية رقم 4835.
10 - مخطوط في مكتبة العلّامة حسن حسني عبد الوهاب ورقمها 18600.
11 - مخطوط المكتبة الأحمدية رقم 4441، وهي نسخة عتيقة عدد أوراقها (142) ورقة، استطعت أن أملأ منها بعض الفراغات الموجودة في بقّية النّسخ، وأشرت إلى ذلك في موضعه.
وقد تيسّر لي الوقوف على ثلاث نسخ خطيّة منها اعتمدتها في التحقيق إضافة إلى الطّبعتين اللّتين طبعتا من قبل، وهذه النّسخ هي:
1 - نسخة باريس: وهي المحفوظة بالمكتبة الوطنيّة بباريس تحت رقم 2283، وعدد أوراقها مئة وإحدى وخمسون ورقة. في كل صفحة بين واحد وعشرين وثلاثة وعشرين سطرا، كتبت بخطّ مغربي واضح جميل، ضبط
__________
(1) كنت قد دفعت الكتاب إلى دار الغرب الإسلامي ببيروت لطباعته، وبقي الكتاب حبيس الرفّ مدّة عامين، دون أن تتيسر طباعته هناك، فآثرت إخراجه في دار سعد الدين بعد أن سحبت الكتاب من الدار المذكورة.(1/20)
بعضه بالشّكل، وبهامش النّسخة بعض التّعليقات والتّصويبات ممّا يدلّ على أنها قوبلت على نسخة أخرى.
ويبتدئ كل فصل منها بحروف أكبر من خطّها العادي، ويلتبس منها حرف الضّاد بالظّاء. والنّسخة كاملة إلّا أن فيها بعض المواضع البيضاء، وهذا البياض نفسه موجود في باقي النّسخ وفي المطبوع أيضا.
أما تاريخ النسخ فهو أوائل ذي قعدة من عام خمسة وأربعين وسبع مئة، نقلها النّاسخ من أصل المؤلّف، واعتمدتها أصلا في التّحقيق ورمزت لها ب «الأصل».
2 - نسخة تونس: وهي من رصيد المكتبة الأحمديّة بتونس التي آلت مخطوطاتها إلى المكتبة الوطنيّة، وحفظت فيها تحت رقم 15952، وعدد أوراقها مئة وإحدى وسبعون ورقة، في كل صفحة بين تسعة عشر واثنين وعشرين سطرا، كتبت بخطّ مغربي جميل واضح، وضبط بعض الحروف بالشّكل، ووضع النّاسخ إطارا لصفحات الكتاب. أما تاريخ النسخ فهو أواخر محرّم عام سبعة وثمانين ومئة وألف، ورمزت لها ب «ت».
3 - نسخة ليدن: وهي المحفوظة بمكتبة جامعتها تحت رقم 727وعدد أوراقها مئة وثماني عشرة ورقة، وعدد أسطر كلّ صفحة بين واحد وعشرين واثنين وعشرين سطرا، وكاتب النّسخة جاهل بأصول الكتابة وقواعدها، إذ كان يسقط الكلمات التي لا يعرف قراءتها، لذا فهي ملأى بالتّحريف، وكثيرة السّقط والاضطراب، إضافة إلى أنها بتراء ينقصها من آخرها قرابة سبعة أسطر من النّثر، وقصيدة العبدريّ المنظومة. لذلك فقد عمدت إلى استبعادها من المقابلة والمقارنة، ولم أعد إليها إلّا نادرا للتّأكد والاستئناس.(1/21)
4 - طبعة الرّباط: «رحلة العبدريّ» قام بنشرها الدّكتور محمد الفاسي عام ثمانية وستين وتسع مئة وألف، وأشار في مقدّمته إلى أنه اعتمد نسخ المغرب كلّها. (1) وتقع هذه الطّبعة في أربع وثمانين ومئتي صفحة، إلّا أنّ هذه الطّبعة لم تف بحقّ الرّحلة، إذ شابها شيء من السّقط، والتّحريف، والتّصحيف، ويبدو أن وقت النّاشر لم يتّسع لأكثر ممّا بذل، وقد ألمح إلى ذلك في مقدّمته وتمنّى أن يقيّض لهذه الرّحلة من يقوم بخدمتها بشكل أفضل إذ قال: «والتعرّض لذلك بالتّفصيل يتطلب دراسة خاصّة ينبغي أن يشتغل بها الباحثون نظرا لأهميّتها» (2) ورمزت لها ب «ط».
5 - طبعة الجزائر: «الرّحلة المغربيّة»، وقد عني بنشرها الأستاذ أحمد ابن جدّو في الجزائر أوائل السّتينات. وهي طبعة ناقصة تكاد تفي بنصف الرّحلة الأساسيّة، فهي تتوقّف عند وصوله إلى الإسكندريّة ثمّ يعود منها إلى بلده، مع العلم أن النّسخ الّتي يقول إنّه اعتمدها في التّحقيق كان في مقدّمتها نسخة باريس وهي تامّة، ولا نعلم السّبب الّذي حمل النّاشر على بتر هذه الرّحلة.
ولمّا كانت هذه الطبّعة غير صحيحة لم أجعلها مع النّسخ المعتمدة في المقارنة والنّظر، وربّما عدت إليها كلّما أشكل الأمر في بقيّة النّسخ لأفيد ممّا ورد فيها، وكان ذلك على ندرة. وقد يسّر لي الوقوف على هذه الطّبعة أستاذنا الدّكتور شاكر الفحّام الذّي اثرني بها، فأفدت منها ومن ملاحظاته القيّمة الّتي دوّنها على حواشي هذه الطّبعة.
__________
(1) مقدمة طبعة الرّباط صفحة أذ
(2) مقدمة طبعة الرباط صفحة ار(1/22)
منهج التحقيق
كان منهجي في تحقيق هذا النّص يتوخّى الدّقّة والسّلامة ما أمكن. فكان أن نسخت النّص، وضبطت مشكله، ثم قارنت النّص في النّسخ المعتمدة جميعا وأثبت الفروق الّتي وقعت فيها. ولم أتخلّ عن الأصل إلّا في مواضع يسيرة جدّا ثبت فيها ضعف رواية الأصل ورجحان رواية النّسخ الأخرى.
ثم ضبطت الآيات الكريمة، والأحاديث الشّريفة، والشّعر، والأمثال ضبطا كاملا مستعينا بما تيسّر لي من المصادر الّتي تعينني على ذلك.
وعمدت إلى تدقيق النّص بالرّجوع إلى المصادر الّتي عاد إليها المؤلف واستطعت الوقوف عليها، ثم بالرّجوع إلى المصادر الّتي كانت تتحدث عمّا أشار إليه العبدريّ.
كذلك فقد شرحت الغريب من الكلمات بالرّجوع إلى لسان العرب والقاموس المحيط، وخرّجت الأحاديث والشّعر والأمثال من مظانّها ما وسعني ذلك.
ووضعت عناوين لفقرات الرّحلة ضمن معقوفين لتسهيل الرّجوع إليها.
وقد ندّ عني شيء ممّا تقدّم لم أهتد إلى تخريجه أو توثيقه، ولعلّني أوفّق قابل الأيّام في استدراك مافرط منّي.(1/23)
وصنعت آخر التّحقيق الفهارس الفنّية اللازمة الّتي تعين على الرّجوع إلى ما في الكتاب من:
آيات قرآنيّة
أحاديث شريفة
أمثال مأثورة
أشعار وأراجيز.
أسماء وأعلام.
قبائل وجماعات.
أماكن
مصطلحات مناسك الحج.
أقوال.
لغة.
موضوعات.
وبعد:
فهذا عملي أقدّمه بعد أن سعيت ما استطعت إلى خدمة هذا النّص، وإخراجه على صورة تحظى بالقبول، غير مدّخر جهدا، ولا محتسب مشقّة، فإن أحسنت فبفضل من الله، ثم بما قدّم اليّ من سديد الرّأي والتّوجيه، وإن كانت الثّانية فعن غير قصد ولا تقصير، وحسبي أنّي أخلصت النّيّة، وبذلت الجهد، والله من وراء القصد.
علي كردي
دمشق في 13/ 6/ 1993
الورقة الأولى من نسخة باريس (الأصل)
الورقة الأخيرة من نسخة تونس (ت)
الورقة الأخيرة من نسخة باريس (الأصل)
الورقة الأولى من نسخة تونس (ت)(1/24)
خط سير العبدري في رحلته(1/25)
النّص المحقّق رحلة العبدريّ(1/26)
بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ
[مقدّمة المصنّف]
(1) اللهمّ صلّ وسلّم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وتابعيه وأمّته (1)
يقول العبد المذنب المستغفر الفقير إلى الله تعالى محمدّ بن محمدّ أيضا بن عليّ بن أحمد بن سعود (2) العبدريّ عفا الله تعالى عنّا وعنه بمنّه:
أحمد الله تعالى حمد معترف بالتّقصير، عائذ بوجهه الأكرم، وجلاله الأعظم من سوء المصير. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، شهادة تتكفّل لي بالسّلامة من كلّ ملامة، وتضيء في ظلمتي (3) القبر والقيامة وتنير. وأصلّي وأسلّم (4) على سيّدنا محمّد نبيّه وخيرته وصفوته (5) البشير النّذير، وعلى آله الأعظمين، وصحبه الأكرمين، صلاة تفوت العدّ والتّقدير وتكون لي أثرة باقية، وجنّة واقية، من عذاب السّعير وتمحو من كبير زللي ومسطور خطلي وما جرى به قلم التّقدير.
__________
(11) في ت: صلّى الله على سيّدنا محمّد، وفي ط: صلّى الله على سيّدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
(2) في ط: مسعود.
(3) في ط: ظلمة.
(4) ليست في ط.
(5) في ت وط: صفيّه.(1/27)
وبعد: فإنّي قاصد بعد استخارة الله سبحانه. إلى تقييد ما أمكن تقييده، ورسم ما تيسّر رسمه وتسويده، (1) ممّا سما إليه النّاظر المطرق، في خبر الرّحلة إلى بلاد المشرق، من ذكر بعض أوصاف البلدان، وأحوال من بها من القطّان، حسبما أدركه الحسّ والعيان، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان، من غير تورية ولا تلويح، ولا تقبيح حسن ولا تحسين قبيح، بلفظ قاصد لا يحجم معرّدا، (2) ولا يجمح فيتعدّى المدى، مسطّرا لما رأيته بالعيان، ومقرّرا له بأوضح بيان، حتّى يكون السّامع لذلك كالمبصر، وتلحق فيه السّبّابة (3)
الخنصر، فتشفى [به] (4) نفس المتطلّع (5) المتشوّف، ويقف منه على بغيته السّائل المتعرّف. وأذكر مع ذلك ما (6) استفدته من خبر، أو أنشدته من درر، ما أنظم في أوراق (7) متبدّده، وأعقل بعقال الخطّ متشرّده، وأثبت في خلال ذلك من نظمي ما يتغلغل إليه الكلام، أو تجنح إلى تحصيله ضوامر (8) الأقلام، وأضيف إلى ذلك ما يضطرّ إليه التّبيان، (9) فيما قصّر فيه العيان، من نبذ مذكورة، ونتف مشهورة، ونكت مرسومة [1/ ب] في الكتب مسطورة، تتميما لغرض التّقييد، وتعميما لأرب المستفيد، حتّى يكون التأليف في بابه مغنيا، وعن الافتقار إلى غيره مستغنيا، مثبتا في كلّ رسم بعض الأحاديث
__________
(1) في ط: تسديده.
(2) في الأصل: مفردا، وهو تحريف. والتعريد: الفرار.
(3) في ت: به بالسبابة.
(4) زيادة من ت وط.
(5) في ت: المتطالع.
(6) في ت وط: مما.
(7) في ت وط: ما أضم في الأوراق.
(8) في ت: ضوار، وهو تحريف.
(9) في ت وط: البيان.(1/28)
التي رويتها، والآثار الّتي وعيتها، تبرّكا بإثباتها، وتيمّنا بذكر الفضلاء (1) من رواتها، وأختم ذلك بقصيدة وعظيّة أسرد فيها الرّحلة سردا، وأبرزها (2) من نسج فكري بردا.
وربّما حمل الامتعاض لحزب الفضائل، على فرط تحزّب وتألّف (3) على فئة الرّذائل، فيقع (4) في اللّفظ إقزاع (5) وإقذاع، (6) ويرسم في باب همزهم تمكين مدّ وإشباع، لا جهلا بموقع الإغضاء من أخلاق ذوي الآداب، ولا ميلا إلى ما عابه الشّرع من مذموم الاغتياب، وإنّما هو لغرض صحيح، لا يرمي بسهم التّقبيح، وهو إعطاء ذي الحقّ حقّه، وألّا تكون الفضائل لغير أهلها مستحقّة، فيكون الفاضل في الوصف مبخوسا، ويرى الناقص في غير منبته مغروسا، وقد يردع المسيء عن إساءته ما يرى ويسمع من مساءته ومن التأديب كلّ ما كفّ المرء عن زلله،
و «نيّة المؤمن أبلغ من عمله»
(7) وعلى أنّي يعلم الله قلّما أمتعض لنفسي، وأزجر في غرضها عنسي (8)، وما أغريت قلمي بالانتصاف، ولا أعملته في ذكر ذميم الأوصاف، إلا لحرمة من الفضل أشلاؤها ممزّعة، (9) أو وظيفة من الشّرع أحكامها مضيّعة.
__________
(1) في ت: الفضل
(2) أبرز الكتاب: نشره وأخرجه.
(3) في ط: تألّب.
(4) في الأصل: فيقبح.
(5) في ت وط: إقذاء. وأقزع له في المنطق: تعدّى في القول القاموس: قزع.
(6) الإقذاع: الرّمي بالفحش.
(7) حديث أخرجه: أبو الشيخ في كتاب الأمثال 1/ 54، وأورده الهنديّ في كنز العّمال 3/ 424.
(8) العنس: الناقة القوية.
(9) ممزّعة: مقطعة.(1/29)
وقد حدّثنا الشّيخ الفقيه المحدّث عالم الدّيار المصريّة تقيّ الدّين، أبو الفتح، محمّد بن عليّ بن وهب القشيريّ (1) إملاء من لفظه بمنزله من دار الحديث الكامليّة (2) بقاعدة مصر مهدها الله تعالى قال: قرأت على الفقيه المفتي أبي محمّد عبد العزيز بن عبد السّلام السّلميّ، وكان من سلاطين العلماء صليبا (3) في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، عن الحافظ أبي محمّد القاسم بن عليّ بن الحسن بن هبة الله الشّافعيّ، قراءة عليه، قال:
أخبرنا عليّ بن مسلم بن محمّد السّلمي، قال: أخبرنا أبو الحسن (4) أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السّلمي، قال: أخبرنا جدّي أبو بكر محمّد بن أحمد ابن عثمان بن أبي الحديد، قال: أخبرنا أحمد هو أبو الفضل بن عبد الله بن نصر بن هلال السّلمي، قال: حدّثنا المؤمّل هو ابن إهاب، قال: حدّثنا عبد [2/ آ] الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ عن قيّس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال: أوّل من قدّم الخطبة مروان، (5) فقام إليه رجل فقال: يا مروان! خالفت
__________
(1) محمد بن علي بن وهب القشيري: ابن دقيق العيد، قاض محدّث، ولد بينبع 625هـ، وولي قضاء مصر سنة 695هـ واستمرّ بها إلى أن توفّي سنة 702هـ بالقاهرة. له تصانيف منها: إحكام الأحكام. ترجمته في الديباج المذهب: 324، شذرات الذهب: 6/ 5، الدّرر الكامنة: 4/ 91.
(2) دار الحديث الكاملية: بناها الملك الكامل في القاهرة. وكملت عمارتها سنة 621هـ، وهي ثاني دار للحديث بعد دار الحديث العادلية بدمشق انظر حسن المحاضرة 2/ 262، خطط المقريزي 2/ 375.
(3) التصلّب: التشدّد.
(4) في ط: الحسين، وهو تحريف.
(5) مروان بن الحكم، أبو عبد الملك، ولد بمكة المكرّمة سنة 2هـ، ونشأ بالطائف، وشهد صفّين مع معاوية، ثمّ ولّاه معاوية المدينة المنوّرة، وتوفي بدمشق سنة 65هـ ترجمته في الإصابة 3/ 455، شذرات الذهب 1/ 73.(1/30)
خالف الله بك، فقال: يا فلان! اترك ما هنالك فقام أبو سعيد الخدريّ، (1)
فقال: أمّا هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
«من رأى منّكم (2) منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
(3)
وليس بمنكر (4) في هذا الزّمان قدح من يقدح، وإنّما المنكر (5) مدح من يمدح لأنّ الصّدق محمود بكلّ لسان، والكذب مذموم من كلّ إنسان، والأمر في ذلك كما أنشدني الشّيخ الأستاذ الفاضل محيي الدّين أبو عبد الله محمّد بن عبد العزيز المازوني (6) بالإسكندريّة لنفسه:
__________
(1) سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، صحابي لازم الرسول صلّى الله عليه وسلم، وله 1170 حديثا، وغزا اثنتي عشرة غزوة. توفي بالمدينة سنة 74هـ ترجمته في الإصابة 2/ 32، غربال الزمان: 67.
(2) ليست في ت وط، وهي من لفظ الحديث.
(3) أخرجه مسلم: رقم 78في الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، والترمذيّ: رقم 2173 في الفتن، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد، وابن ماجة: رقم 4013في الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبو داود: رقم 4340في الملاحم، باب الأمر والنهي، وأحمد بن حنبل: 3/ 20و 49و 54، والنسائي: 8/ 111.
(4) في ت وط: نكرا.
(5) في ت وط: النكير.
(6) محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر، محيي الدين النحوي، المعروف بحافي رأسه، من أئمّة العربية، له نظم، ولد بتلمسان سنة 606هـ وتوفي سنة 691هـ ترجمته في فوات الوفيات 3/ 409، والوافي بالوفيات 3/ 364، وشجرة النور الزكية 201، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 230وجاء في الفوات وشجرة النور أنّ وفاته كانت 680هـ. وهذا غير صحيح بدليل لقاء العبدري له سنة 688هـ.(1/31)
[الخفيف]
قل لأهل الزّمان حاشاك ممّا ... أصبحوا فيه من مساو سواء
ما على شاعر هجاكم ملام ... هل رآكم أحسنتم فأساء
كان من قد مضى يعلّمنا المد ... ح وأنتم تعلّمونا الهجاء
وقد تعطّل في هذا العصر موسم الأفاضل، وتبدّد في كلّ قطر نظام الفضائل، وتفرّق أهلها أيادي سبا، (1) وصاروا حديثا في النّاس مستغربا، فعادوا اسما بلا مسمّى، وحرفا ما دلّ على معنى، فالمحدّث عنهم في مشرق أو مغرب، كالمحدث عن عنقاء مغرب، (2) ولو طاب المورد لحصل الرّيّ، وقديما قال أبو العلاء المعرّي: (3) [الخفيف]
ويقال: «الكرام» قولا وما في ال ... أرض إلّا الشّخوص والأسماء (4)
وكيف لا تكون الدّنيا على ما أصف وأقول، وعلى وفق المشاهد من ذميم أوصافها والمنقول، وقد صار الملك الذي هو نظام الأمور، وصلاح الخاصّة والجمهور، في أكثر الأرض منقوض الدّعائم، مهدوم (5) القوائم، يدّعيه كلّ
__________
(1) أيادي سبا أي: متفرّقين. وفي المثل: تفرّقوا أيدي سبا أي تفرّقوا تفرّقا لا اجتماع بعده انظر:
الميداني 1/ 275.
(2) العنقاء المغرب: طائر خرافي لم يره أحد، قال أبو عبيد: طارت بهم العنقاء المغرب. وفي ثمار القلوب 450يقال: أعزّ من العنقاء المغرب.
(3) في اللزوميات: 1/ 57.
(4) في اللزوميات: وما في العصر
(5) في ت: مهزوم، وفي ط: مصدّع.(1/32)
غويّ، كالمليكشي (1) وعبد القويّ رضوا باسم الملك وإن فاتهم معناه، وادّعوه وما لهم منه إلا أسماؤه وكناه لا يأمن بهم طريق، ولا يستنقذ بهم غريق، ولا يذكر منهم أصيل في المجد عريق لا تندى أكفّهم بنائل، ولا تصون عن الابتذال وجه فاضل، ولا ينصف بهم [2/ ب] مظلوم، ولا يقرع (2) بأسيافهم ظلوم.
أو ليس من الأمر الأمرّ الخارج عن كلّ قياس، أن المسافر عند ما يخرج من أقطار (3) مدينة فاس، (4) لا يزال إلى الإسكندريّة في خوض ظلماء، وخبط عشواء، (5) لا يأمن على ماله ولا على نفسه، ولا يؤمل راحة في غده إذ لم يرها في يومه وأمسه، يروح ويغدو لحما (6) على وضم (7)، يظلم ويجفى ويهتضم، تتعاطاه الأيدي الغاشمة، وتتهادا الأكفّ الظّالمة، لا منجد له ولا معين، ولا ملجأ يعتصم به (8) المسكين يستنجد ويستغيث، وأنى له المنجد والمغيث؟ ينادي وهو في قيد المظالم يرسف: (9) ألا ناصر ينجد؟ ألا راحم يرأف؟ يتذكّر (10) ملك
__________
(1) في ط: الملائكشي، ولعلّه أراد منصور صاحب ملكيش الذّي سيذكره العبدري فيما بعد عند وصوله إلى تلمسان.
(2) في ت: يقدح.
(3) في ت: عن أنظار، وهي ليست في ط.
(4) فاس: مدينة مشهورة بالمغرب الأقصى، كانت منذ القديم مهدا للثقافة الإسلامية، وبمدينة فاس جامع القرويين، وهو معهد للعلوم يقصده الطلّاب من كل جهة. معجم البلدان 4/ 230.
(5) أي على غير هدى.
(6) في الأصل: ولحمه وهو تحريف.
(7) الوضم: كلّ شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو غيره يوقى من الأرض، وفي الحديث: إنّ النساء. لحم على وضم. الميداني 1/ 91وتركهم لحما على وضم: أوقع بهم فذلّلهم وأوجعهم.
(8) في ت: إليه.
(9) الرّسف: مشي المقيّد.
(10) في ت: يذكر.(1/33)
البّرين فيقرأ: {يا أسفا على يوسف:} [1] [الطويل]
فمن مبلغ علياه عنّي من نظمي ... رسالة مستعد شكا ظلمة الظّلم
ضعيف القوى أودت بأنضاء جسمه ... فياف برت أهوالها مصمت العظم (2)
مهامه ينضين الفنيق وإن قضت ... على ابن سبيل والت الجور في الحكم (3)
إذا ضافها ضيف قرته بلحمه ... فلم يعدها إلّا عريّا من اللّحم
5 - وخيّم فيها كلّ فظّ إذا رأى ... بنيّة شخص لم يكفكف عن الهدم (4)
يرى أنّ حكم النّبت والنّاس واحد ... فما ينثني فيهم عن الخضم والقضم (5)
ويرتاح للحجّاج حين يراهم ... كليث طوى منه الطّوى راح للضّغم (6)
فكلّهم السّفّاف وهو بشؤمه ... على قبره كوم عظيم من الرّضم (7)
__________
(1) من الآية: 48من سورة يوسف. وثمّة تورية بين يوسف النبي عليه السلام وملك المغرب يوسف بن يعقوب بن عبد الحقّ المريني من ملوك الدولة المرينية بالمغرب الأقصى تولّى المملكة بعد وفاة أبيه سنة 685هـ، وهو أوّل من هذّب ملك بني مرين وأكسبه رونق الحضارة. توفي في قصره بالمنصورة قرب تلمسان بعد أن طعنه خصيّ من مماليكه سنة 706هـ انظر جذوة الاقتباس 2/ 547، والاستقصا 3/ 9166.
(2) في ت: أبدت بأنضاء جسمه. والفيافي: جمع فيف: المفازة لا ماء فيها، مع الاستواء والسّعة.
والمصمت: الذي لا جوف له.
(3) المهامه: جمع مهمه: المفازة البعيدة لا ماء فيها ولا أنيس. والفنيق: الجمل الفحل المكرم الذي لا يهان ولا يركب.
(4) في ط: بليّة.
(5) الخضم: الأكل بأقصى الأضراس، والقضم: بأدناها.
(6) الطوى: الجوع، والضّغم: العضّ غير النهش.
(7) السّفّاف: رجل من العرب كان يسكن وادي القرّ في الجزيرة العربية، كان يقطع الطريق على الحجّاج. وسيترجم له المؤلّف في الصفحة 341من الرّحلة. والرّضم: الأكوام من الحجارة.(1/34)
وأعجب من هذا ملوك بزعمهم ... وجودهم في الأرض شرّ من العدم
10 - رضوا بأسام لا محصّل عندها ... كطفل يرضّى بالمحال من الزّعم
إذا استصرخ المظلوم منهم معظّما ... فقد طلب الفتوى إلى غير ذي علم
وإن يشك مضطرّا إليهم فقد شكا ... إلى غير ذي فضل فتى غير ذي فهم (1)
[3/ آ] ألا لا تطل شكوى فلست بمشتك ... إلى ملك البرّين واسكت على رغم (2)
فذاك الّذي أفنى الطّغاة بسيفه ... فلم يبق منهم من يشير إلى ظلم
15 - أباد هم حتّى بدا الغرب حضرة ... مطهّرة من كلّ عيب ومن وصم (3)
بذكراه فالهج تعتصم بسعوده ... إذا أنت لم تعصم بسيف له يصمي (4)
هو المرء يغني حين يعطي وإن يصل ... تقل دكّت الدّنيا ولم يبق من رسم (5)
إذا احتال مغتال لسمّ عدوّه ... فصارمه الهنديّ يغني عن السّمّ
وإن دان ذو ضعف بكيد مكتّم ... فبالسّيف يمحو الكيد لكن بلا كلم (6)
__________
(1) في ت وط: مضطرّ.
(2) المقصود بملك البرّين: يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني. والبرّان: المغرب والأندلس.
(3) ت وط غدا الغرب. والوصم: العيب في الحسب.
(4) يصمي: يقتل، و: يهلك.
(5) في ط: هو البحر.
(6) الكلم: الجرح.(1/35)
20 - له صارم يرنو بعيني محدّق ... إلى كلّ من يخطر له الشّرّ في وهم (1)
أراق دماء الظّالمين فقد غدت ... على حلّة العلياء أبهى من الرّقم (2)
ترى سيفه في الحرب يهدي ويهتدي ... إذا ضلّ ما يرمى وضلّ الّذي يرمي (3)
إذا رصّ في أمر بناه عزيمة ... فلا تخش من وهي ولا تخش من ثلم (4)
يوافيك منه وافيا أو معاديا ... غمام يروّي أو حسام له يصمي
25 - لئن عذبت في السّمع أمداح مجده ... فإنّ نداه الجمّ مستعذب الطّعم
وإمّا حوى درّا نظامي فإنّها ... فضائله طرّا ومالي سوى النّظم (5)
لقد لذّ حتّى قلت إن كنت أبتغي ... ثوابا به فهو النّهاية في الظّلم
[3/ ب] ينيل يسارا من غدا الفقر حلفه ... ويولي افتقارا من تموّل بالغشم (6)
ولا غرو في الضّدّين أن جمعا به ... غنى وافتقار هكذا حالة اليمّ
30 - يقيم بطبع الفضل أوزان نظمه ... فقد صين من كفّ لديه ومن خرم (7)
وليس يعدّ الغنم مالا يحوزه ... إذا عدّه ذو البخل من أعظم الغنم
__________
(1) في ط: يخطوله الشرّ. وسكنّ الراء في يخطر ضرورة. انظر (ضرورة الشعر لأبي سعيد السّيرافي 119)
(2) الرّقم: ضرب مخطّط من الوشي.
(3) في ت: وسيفه في الحرب. وبه يختلّ الوزن.
(4) وهي الحائط إذا ضعف وهمّ بالسقوط. والثّلمة: الخلل في الحائط وغيره.
(5) في الأصل ولمّا حوى.
(6) في ت: ينال يسارا. والغشم: الظّلم والغصب.
(7) الكفّ: المنع، والخرم: النقص. وهما من مصطلحات العروضيّين فالكفّ في العروض: حذف السابع الساكن، والخرم: ذهاب الفاء من (فعولن) فيبقى (عولن) فينقطع في التقطيع إلى (فعلن)، ولا يكون الخرم إلّا في أوّل الجزء من البيت انظر: الوافي للتبريزي: 205.(1/36)
ولكن نفوسا قد عتت وتجبّرت ... فحطّمها وطء المقيّد للهرم (1)
وصيرّها مملوكة بعد ملكها ... وحطّ علاها وهي أبعد من نجم (2)
وعوّضها من عزّة الملك ذلّة ... ومن صحّة الأحوال منهكة السّقم
35 - إذا حلّ عزم المرء حزم بدا له ... رأى الحزم كلّ الحزم في صحّة العزم
طغى الكفر حتّى صدّه بجيوشه ... كما صدّ ذو القرنين ياجوج بالردّم (3)
بحمر وشقر كالدّنانير لونها ... وشهب كبيض الصّحف أو لونها ينمي (4)
وقد شرّدت بالخوف منها عداتها ... فلم ترها جمعاء إلّا من الدّهم (5)
فكم بطل حلف الأباطيل أبطلت ... وكم جرمت من قد تجرّم بالجرم (6)
40 - وكم نصبت إذ أنصبت رفع فاعل ... وألقت على أفعاله عامل الجزم
وكم مارد مهما علا انقضّ نحوه ... شهاب من الفرسان أقصد من سهم
وكم صفّ صفّ في السّلاسل منهم ... كما صفّ في الأرباق حاشية البهم (7)
توزّعهم ريب الزّمان توزّعا ... أرى حاسب الأعداد كيفيّة القسم
__________
(1) الهرم: ضرب من الحمض فيه ملوحة، وهو أذلّه وأشدّه انبساطا على الأرض واستبطاحا، وأفاد من قول زهير:
ووطئتنا وطأ على حنق ... وطء المقيّد يابس الهرم
(2) ضمّن العبدري المثل: أبعد من النجم، وهو في الميداني: 1/ 115.
(3) ذو القرنين: هو الإسكندر الرومي، ويأجوج ومأجوج: قبيلتان، جاءت القراءة فيها بهمز وبغير همز.
والرّدم: قيل: السّدّ الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج. انظر اللسان: ردم.
(4) المراد بالحمر والشقر والشهب: الخيول.
(5) الدّهم: العدد الكثير.
(6) في ت وط: حلف الأباطل، وفي ت و: ط: خرمت تحرّم، وهو تصحيف. والجرم: التعدّي.
(7) الأرباق: جمع ربق: عروة حبل تجعل في عنق الدّابة أو يدها تمسكها.(1/37)
فأموالهم للنّهب، والأهل للسبّا ... وأرواحهم للنّار والجسم للحطم (1)
45 - كذا يبتنى المجد الرّفيع وهكذا ... تضمّ خصال المجد في نسق الّنظم
فيا أيّها السّاري المغذّ لأرضه ... ليهنك أمن في ذراه من الظّلم (2)
ويهنك أن تحظى بقرب جنابه ... فتأمن من عرب هناك ومن عجم
حنانيك أبلغ نحوه لي رسالة ... تبلّغ شكوى مسترمّ من الهمّ (3)
وشد بالّذي حبّرته من مدائح ... يفوق بها الياقوت درّ من الكلم
50 - مدائح يختال الزّمان بذكرها ... صحائح ما ترمى بزور ولا إثم (4)
إذا برزت في حلبة الشّعر برّزت ... وحاز سواها نعتي السّكت واللّطم
[4/ آ] كعاب إذا لاحت سبت كلّ ناظر ... فيسلو بها عن ذكر هند وعن نعم (5)
إذا جليت قام العيان بمدحها ... فأظهر تفنيد المشير إلى الذّمّ
ولم ألف في مصر ولا الشّام كفأها ... فأطرقت إطراق الشّجاع من الغمّ (6)
55 - فأبلغ بها نلت الأماني أمانة ... ولا تظلمنها بابتذال ولا كتم
إلى الملك السّامي صعودا على الورى ... وليثهم في الحرب، والغيث في السّلم
إلى من له كفّ إذا المزن أخلفت ... فما إن تزال الدّهر ساجمة تهمي (7)
__________
(1) السّبي والسباء: الأسر.
(2) في ط: المغدّ، بإهمال الدال. وفي الأصل: في داره، وبه يختلّ الوزن. والمغذّ: المسرع.
(3) المسترمّ: بالي العظام.
(4) في ط: صحائف ما ترمى.
(5) الكعاب: المرأة حين يبدو ثديها للنهود.
(6) الشّجاع: الحّية، وفي المثل: أطرق إطراق الشجاع، انظر الميداني: 1/ 431.
(7) أسجمت السّحابة: دام مطرها.(1/38)
إلى فاضل أعيا الأفاضل شأوه ... فمن مثله الدّنيا أصرّت على عقم
إلى يوسف سيف الإله الّذي أتى ... لحسم العدا، إنّ الحسام من الحسم (1)
60 - فدام ودامت في الصّعود سعوده ... منيلا لمن يسمو له كلّ ما يسمي (2)
مرقى موقى مستجارا مؤمّلا ... منيرا مبيرا للظّلام وللظّلم (3)
عليّا كريم السّعي يرجى ويتّقى ... مفيدا مبيدا في رضاه وفي الرّغم (4)
مصون العلا ما ضمّ درّ مديحه ... ورصّع في بدء الحديث وفي الختم
وهذه الرّحلة بدأت بتقييدها في تلمسان (5)، ولم يمكنّي إظهارها هنالك، وأظهرتها بعد خروجنا منها، ووقف عليها شيوخنا بمصر وغيرها، وكان شيخنا زين الدّين بن المنيّر (6) حفظه الله يستحسن ما يقف عليه منها، وقد أكملتها والحمد لله منتظمة (7) على نسقها، ومستنّة في سننها، جاريا معها حسبما جرت مستمليا لها فيما قدّمت وأخّرت، حتّى استوفي الغرض المطلوب، وحصل المراد منه والمرغوب وبالله أعتصم وأستعين، وهو خير عاصم ومعين، وإيّاه أستهدي الصّواب، وأستكفي ما يصم ويسم بالعاب (8) إنه بنجح المطالب كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________
(1) المقصود: يوسف بن يعقوب بن عبد الحقّ المريني، وسلفت ترجمته.
(2) في ت وط: مثيلا.
(3) البوار: الهلاك.
(4) في ت وط: مبيرا في رضاه.
(5) تلمسان: مدينتان متجاوتان مسوّرتان، بينهما وبين وهران مرحلة، كانت مركزا علميا وحضاريّا أيّام ملوكها من بني عبد الوادي انظر: معجم البلدان 2/ 44.
(6) هو علي بن منصور بن المنيّر: فقيه، قاض، محدّث، ولي القضاء بالإسكندرية، له شرح على البخاري في عدّة أسفار، وحواش على شرح ابن البطّال، توفي سنة 695هـ انظر حسن المحاضرة 1/ 317، والديباج المذهب 214.
(7) في ط: منظمة.
(8) في ت: العتاب. والعاب والعيب: الوصمة.(1/39)
[بداية الرحلة]
كان سفرنا تقبّله الله تعالى في: الخامس والعشرين من ذي القعدة، عام ثمانية وثمانين وست مئة، ومبدؤه من: حاحة (1) صانها الله وكان طريقنا على بلاد (2) القبلة، فزرنا (3)، بموضع أنسا من أعلى بلاد السّوس [4/ ب] الأقصى (4)، قبر الشيخ الصّالح أبي حفص عمر بن هارون (5)، وهو من كبار الأولياء، ومن عظماء الصّالحين نفعنا الله بهم ذكره صاحب كتاب «التشوّف» (6) وبالغ في الثّناء عليه، وذكره الشّيخ الفقيه (7) الصّالح أبو سعيد الحاحيّ المترازيّ في كتابه «منار العلم» أنّه كان يدخل عليهم في الدرس فيقول لهم: «تهنّئكم عبادة القلوب والألسن والأيدي والأعين» يعني العلم. وهذا كلام من أيّد بالتوفيق، وأمدّ بالتّحقيق. وحضر معنا زيارة قبره جماعة من الصّالحين ورأينا من حضور القلوب عنده ما قوّى الرّجاء في نيل بركته.
__________
(1) حاحة: هي إقليم يحدّه من الغرب والشمال المحيط الأطلسي، ومن الجنوب جبال الأطلس، ومن الشرق نهر أسيف نوال، ويشتمل على مدن كثيرة انظر وصف إفريقيا 1/ 95.
(2) في ت: بلد.
(3) في ت: فمررنا.
(4) بلاد السوس الأقصى: بلاد واسعة، ومدن كثيرة بالمغرب الأقصى، تقع وراء الأطلس إلى جهة الجنوب، انظر وصف إفريقيا: 1/ 113.
(5) عمر بن هارون الماديدي، عابد من أهل أنسا، اعتزل الناس في الجبل ولم يتزوّج، مات في أعوام التسعين وخمس مئة، انظر التشوّف 343.
(6) هو يوسف بن يحيى بن عبيس بن عبد الرحمن التادلي عرف بابن الزيات، وكتابه (التشوّف إلى رجال التصوّف) كتاب في تراجم المتصوّفة نشره أدولف فور بالرباط 1958، وطبع طبعة ثانية بالرّباط بتحقيق الباحث أحمد التوفيق.
(7) ليست في ت وط.(1/40)
وفي أوّل سفرنا دخلنا مسجدا لصلاة الظّهر، فوجدنا به ألواح صبيان المكتب، فنظرنا فيها تبرّكا بها، فوجدنا في أوّل لوح منها {ومن يتوكّل على الله فهو حسبه} [1] وفي الثّاني {ومن يتّق الله يجعل له من أمره يسرا} [2] وفي الثّالث {فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين} [3] وفي الرّابع {وقالوا الحمد لله الّذي هدانا لهذا} [4] وفي الخامس {يوفون بالنّذر} [5] وفي السّادس {قل: لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا} [6] فسررنا باتّفاقها على الإشارات إلى البشارات، وحمدنا الله على ذلك.
وبعد ليلتين أو ثلاث رأيت في المنام الفقيه القاضي الإمام أبا الوليد الباجيّ (7) رحمه الله فخطر لي أن أقرأ عليه شيئا من كلامه،
__________
(1) سورة الطلاق: 3.
(2) سورة الطلاق: 4. وفي ت وط: يجعل له مخرجا، وهذا الذي في بقية النسخ من الآية 2 من سورة الطلاق.
(3) سورة البقرة: 64.
(4) سورة الأعراف: 43.
(5) سورة الإنسان: 7.
(6) سورة التوبة: 51.
(7) هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي القرطبي: فقيه مالكي، قاض، من حفّاظ الحديث، توفي بألمريّة سنة 474هـ له تصانيف منها: المنتقى في شرح موطّأ مالك، وشرح المدوّنة.
ترجمته في الصلة 1/ 200، قضاة الأندلس: 95، نفح الطيب 2/ 74، وبغية الملتمس 302، وترتيب المدارك: 4/ 802.(1/41)
فما حضرني (1) إلّا قوله: (2) [المتقارب]
إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأنّ جميع حياتي كساعه (3)
فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه؟
فقرأتها عليه.
[ذكر أنسا]
وأمّا بلد أنسا جبره الله فهو بلد منفسح منشرح، في بسيط مليح طيّب التّربة، يغلّ كثيرا، وبه ماء جار كثير، ونخل وبساتين، وهو آخر بلاد السّوس من أعلاه، متّصل بالجبل مشرف على أرض (4) السّوس. وكان فيما مضى مدينة كبيرة، فتوالت عليها الخطوب المجتاحة، ونزول الأقدار المتاحة، حتّى صارت رؤيتها قذى في المقلتين، وعادت بعادة (5) [5/ آ] الزّمان أثرا بعد عين، فليس بها إلّا رسوم حائلة (6)، وطلول ماثلة، خلت من كلّ قارئ ومقروء عليه (7)، وقاصد ومقصود إليه، بيد أنّ بها صبابة (8) من أهل الدّين،
__________
(1) في ت: بدا لي.
(2) البيتان في: الذّخيرة: 2/ 98، وفي الصلة 1/ 201، والخريدة قسم المغرب 3/ 473وبغية الملتمس 303، وألف باء للبلوي 1/ 157، والتشوّف 346، ووفيات الأعيان: 2/ 408، وقلائد العقيان 216، والمغرب 1/ 404، وترتيب المدارك 4/ 807، وقضاة الأندلس: 95، والديباج المذهب:
120، والروّض المعطار: 75، ونفح الطيب 2/ 74.
(3) في القلائد والنفح: علم اليقين.
(4) ليست في ط.
(5) في ط: بعاديات.
(6) أحالت الدّار وأحولت وحالت: أتى عليها أحوال
(7) في ط: قار ومقرو
(8) الصبّابة: الجماعة.(1/42)
وفرقة بأخلاق أهل الخير تدين، على ما يتناولهم من أيدي المعتدين، ويتداولهم من الولاة (1) المفسدين، كشف الله عنهم تلك البلوى، وحسم (2) الدّاء الّذي أذبل نضارتهم وأذوى.
ثمّ سافرنا منها على بلاد القبلة، وهي بلاد مات فيها العلم وذكره، حتّى صارت العادة في أكثرها أنّهم لا يتّخذون لأولادهم مؤدّبا، ولا تسمع في مساجدهم تلاوة، وإذا طرأ عليهم من يحفظ من (3) القرآن آجروه على الإمامة (4)، ويواظبون على الصّلاة في الجماعة، إذ لا يحفظ منهم أحد (5)
ما يصلّي به إلّا النّادر، ولكنّهم في الغاية من حسن الظّنّ بأهل الدّين وقوّة الرّجاء فيهم، وهم أهل ذمام (6) واحترام وحماية للجار وإيواء للغريب على ضدّ ما عليه أكثر أهل الغرب.
وفي أكثر بلادهم حصون مجموعة، وأنهار جارية، وقلّما تخلو من الحروب والفتن، وربّما تحارب أهل الموضع الواحد، فيتقاتلون عامّة النّهار، فإذا آواهم اللّيل أووا إلى بيوتهم، لا يهيج (7) أحد منهم صاحبه، وربّما تقاتلوا على السّقوف، وإذا فرغوا نزلوا عنها إلى بيوتهم، وقد رأيت عندهم في هذا أعجوبة، وهي أنّ أهل حصن منهم تحاربوا، فأجمعوا رأيهم على ألّا يتقاتلوا
__________
(1) في ت: ولايات.
(2) حسم: أزال.
(3) ليست في ت و: ط.
(4) في ت: للإمامة.
(5) في ت و: ط: أحدهم.
(6) الذّمام: العهد والأمان والكفالة.
(7) لا يهيج: لا يثير.(1/43)
في الحصن احتياطا عليه من الفساد زعموا وجعلوا المعترك خارج الحصن إلى مسافة منه، ونصبوا لذلك حدودا وأعلاما فهم يتقاتلون من ورائها، فإذا آوتهم حدود الحصن لم يرم أحد منهم حجرا، و [لو] (1) اجتمع بقاتل حميمه (2) لا يعرض له، فإذا خرجوا من حرم الحصن اشتعلت نار الحرب بينهم. هذا دأبهم لا يغدرون ولا ينقضون، وخافوا فساد حصنهم ولم يخافوا فساد كونهم! واستباحوا ما حرّم الله من قتل النّفس، وامتنعوا من [5/ ب] خرم ما شرّعوه بينهم من قانون السّخف! و «كلّ مستعمل وميسّر لما خلق له» (3). لا جرم أنّ فيهم آحادا لا بأس بهم، وخصوصا من جال منهم ورأى النّاس. وعامّتهم جاهليّة الطّباع، ولكنّ مكارم الأخلاق عامّة لأكثرهم.
وقد سمعت سيّدي الفقيه الجليل الفاضل أبا بكر بن عبد العزيز رحمه الله يحكي عن والده الشّيخ الصّالح القدوة أبي محمّد وكان دخل بلاد القبلة أنّه كان يقول: «الغرب دنيا بلا رجال، والقبلة رجال بلا دنيا» أو كلاما هذا معناه وإنّما يعني مكارم أخلاقهم مع أنّ عيشهم غير متّسع كاتّساعه في الغرب.
وما زلنا في كنف لطف الله تعالى وتحت ذيل عنايته (4) لا يهيجنا أحد إلا ردّه الله عنّا خاسئا (5) حتّى انفصلنا عنها في أزيد من ثلاثين مرحلة.
__________
(1) زيادة من سائر النسخ.
(2) الحميم القريب.
(3) أخرجه البخاري في كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا، رقم 116605/ 494، ومسلم في القدر باب كيفية الخاق رقم 2649والترمذي في القدر باب ما جاء في الشقاء والسعادة باب ما جاء في الشقاء والسعادة رقم 2137وفيها بلفظ: «كلّ ميسر لما خلق له».
(4) في ت: غايته.
(5) الخاسئ: المطرود، ويكون الخاسئ بمعنى الصاغر القميء المبعد.(1/44)
[اجتياز المفازة التي على طريق تلمسان]
ولمّا انتهينا إلى المفازة الّتي في طريق تلمسان وجدنا طريقها منقطعا مخوفا، لا تسلكه الجموع الوافرة إلّا على حال حذر واستعداد. وتلك المفازة (1)
مع قربها من أضرّ بقاع الأرض على المسافر (2) لأنّ المجاورين لها من أوضع خلق الله، وأشدّهم أذاية، لا يسلم منهم صالح ولا طالح، ولا يمكن أن يجوز عليهم إلّا مستعد يتفادون من شرّه (3)، وطلائعهم أبدا على مرقب لا يخلو منها البتّة أطلع الله عليهم من الآفات مايسحتهم (4) جميعا أصلا وفرعا، ويقطع دابرهم إفرادا وتثنية وجمعا، حتّى يكونوا آية للمعتبرين، وعبرة للنّاظرين، بعزّة الله وقدرته، وحوله وقوّته.
وكنت حينئذ لا تمكنني الإقامة حتّى أجد صحبة لغرض كان لي، فأزمعت أن أترك بعض الأصحاب بما كان معنا من النفقة منتظرا للصّحبة، وأنصرف أنا مخاطرا بما تدعو الحاجة إلى استصحابه. فبينما أنا أوصي من أردت إقامته متنغّصا بهذا الحال وأعرّفه بما يصنع، إذ وقف علينا جماعة رجال متسلّحين عارفين بالطّرق (5)، عازمين على اعتساف (6) المجهل (7)، فاستربت بهم، ثمّ قوي في نفسي أنّ ذلك لطف من الله تعالى وغوث أتاحه
__________
(1) المفازة: البرّية القفر المهلكة، وسميت بذلك تفاؤلا من الفوز والنجاة.
(2) في ط: المسافرين.
(3) في ت: شرّهم.
(4) يسحتهم: يستأصلهم.
(5) «عارفين بالطّرق» سقط من ت.
(6) الاعتساف: ركوب الأمر بلا تدبير ولا رويّة.
(7) المجهل: الأرض لا يهتدى بها.(1/45)
لنا [6/ آ] فسرنا معهم، فلمّا وصلنا إلى موضع تحقّق (1) الخوف وهم لا يعرفون سوى الجادّة المخوفة خطر لنا أن نخاطر في ركوب متن الفلاة بلا دليل وذلك حين غروب الشّمس، ولمّا حصحص (2) الياس، وتحقّق في الرّأي الالتباس، وصل من اللّطيف معهود الألطاف، وعاد من عطفه علينا انعطاف، فوقف علينا خمسة أشخاص أثّر فيهم الدّؤوب، وعلا على ألوانهم الشّحوب، عانقوا البراري والقفار، حتّى أخلصتهم خلوص العسجد بالنّار، وتخوّفهم الخوف المطير للوسن: [البسيط]
كما تخوّف عود النّبعة السّفن (3)
فسألونا (4) عن الوجهة فأخبرناهم، واستدعونا للمرافقة فأجبناهم.
وسروا (5) بنا في مجاهل يضلّ بها الدّليل، ويذهل فيها الخليل عن الخليل، وفيهم رجل «أدلّ من سليك المقانب» (6) و «أمضى من المرهف القاضب» (7)
__________
(1) في ط: تحقيق.
(2) الحصحصة: الحركة في شيء حتى يستقرّ فيه ويستمكن منه ويثبت.
(3) هو عجز بيت، وصدره: «تخوّف السّير منها تامكا قردا» وهو في ديوان ابن مقبل 405، وفي السمط: 2/ 738نسبه لقعنب بن أمّ صاحب، وغير منسوب في الأمالي: 2/ 112، والمخصّص 13/ 277، وأمالي الزجاجي 37، وفي الصّحاح، واللسان (خوف سفن) لابن مقبل، وفي الأساس (خوف) لزهير، وفي التاج (خوف) لذي الرّمّة.
والسّفن: المبرد، والتامك: السنام المرتفع، والقرد: الكثير الوبر.
(4) في ط: فسألوا.
(5) في ط: وصاروا.
(6) لم أجده بهذا اللفظ في كتب الأمثال، والسّليك: هو ابن السلكة، الشاعر الصعلوك، وهو الذي يضرب به المثل فيقال: أعدى من السليك، وأمضى من سليك المقانب. وانظر: الميداني 2/ 47 و 2/ 323والدرّة 1/ 305وجمهرة الأمثال 2/ 68والمستقصى 1/ 238، وثمار القلوب 105، وفي ديوان مجنون ليلى: 76:
لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم ... أدلّ وأمضى من سليك المقانب
(7) لم أجده بهذا اللفظ في كتب الأمثال، ويقال: أمضى من السيف، انظر الميداني 2/ 326.(1/46)
يطبق مفاصل القفار، وينصلت (1) من المجاهل انصلات المجلّي (2) من النّقع المثار، كالسّهم مسدّدا إلى غرض (3) الفلاة، والجارح منقضّا على الموماة، لا يستدلّ بنجم ينظر فيه، ولا يعرف نعشا ولا بنيه (4)، ولا يتّقي أن يسهو مع من سها، فيذكّره سهيل (5) أوالسّها (6). يتبلّد (7) النّجم فيقف وقفة الحيران، وربّما عنّ له المسير فناء كالنّشوان، وهو يشقّ أديم اليهماء (8)، كما شقّ البدر حندس (9) الظّلماء، تحسده النّجوم فتلاحظه بطرف كليل، وتقاربه الرّيح فتتنفّس بنفس عليل حتّى قطع بنا تلك المفاوز، واكتسينا بحمد الله برود الأمن بعد تلك المعاوز (10)، والحمد لله الذّي كلّت الألسن عن مدى حمده، حمدا يستنفد مداده (11) البحر في مدّه.
[ذكر تلمسان]
ثمّ وصلنا إلى مدينة تلمسان، فوجدناها بلدا حلّت به زمانة (12) الزّمان، وأخلّت به حوادث الحدثان (13)، فلم تبق به علالة (14)، ولا تبصر في أرجائه
__________
(1) ينصلت: يسرع في الجري.
(2) المجلّي: الفرس السابق.
(3) الغرض: الهدف الذي ينصب فيرمى به.
(4) بنات نعش: سبعة كواكب، أربعة منها نعش لأنّها مربعة وثلاثة بنات نعش.
(5) سهيل: كوكب يمان.
(6) السّها: كويكب صغير خفيّ الضوء في بنات نعش الكبرى.
(7) في بقية النسخ: يتبدّل.
(8) في ت وط: البهماء، واليهماء: الفلاة
(9) الحندس: الظلمة، وفي الصّحاح: اللّيل الشديد الظلمة.
(10) المعوز: الضيق والشدة والعسر.
(11) في ط: مداه.
(12) الزمانّة: الآفة، والعاهة.
(13) حدثان الدهر: حوادثه ونوبه.
(14) العلالة من الشيء: بقيّته.(1/47)
للظّمان بلالة (1). وقد شاهدت جمعا من الحجّاج ينيفون على الألف وردوها، ووقفوا إلى ملكها (2) فأعطاهم دينارا واحدا! وأغرب من هذا ما شاهدته [6/ ب] من منصور صاحب مليّكش (3)، وهو أنّ جماعة من الحجّاج نحو العشرين، وقفوا إليه في محلّته عند بيته، فكلّموه في عشائهم فرحّب بهم واحتفل في السّلام عليهم، ثمّ أخذ ينادي: يا أهل الدّوّار (4)، هؤلاء ضيفان الله، من يحمل منهم إلى بيته واحدا؟! وجعل يكرّر ذلك كما يصنع المدرون [أهل المدر] (5)، فلمّا لم يجبه أحد ولّى عنهم، ووراءه جمع كثيف من الفرسان، وهو سلطان تلك النّواحي.
وتلمسان مدينة كبيرة، سهليّة جبليّة، جميلة المنظر، مقسومة باثنتين بينهما سور، ولها جامع عجيب (6) مليح متّسع، وبها أسواق قائمة، وأهلها ذوو ليانة ولا بأس بأخلاقهم. وبظاهرها في سند الجبل موضع يعرف بالعبّاد (7)، وهو مدفن الصّالحين وأهل الخير، وبه مزارات كثيرة، ومن أعظمها وأشهرها
__________
(1) البلالة: الماء.
(2) كان أبو سعيد عثمان بن يغمراس بن زيان ملك تلمسان بين سنتي (703681هـ). انظر تاريخ الجزائر العام: 2/ 73.
(3) مليكش: قبيل من صنهاجة كانت له إيالة ببسيط متيجة قضى عليها بنو مرين لما استولوا على المغرب الأوسط (الذيل والتكملة 8/ 271حاشية رقم 350).
(4) الدوّار لفظة تطلق في المغرب عند الرّحل، حيث يضربون خيامهم على صورة مستديرة، ثمّ عمّمت اللفظة فصارت تطلق على القرية. (حاشية الفاسي على المطبوع: 11).
(5) زيادة من ت و: ط وأهل المدر سكّان البيوت المبنية خلاف أهل الوبر وهم سكان الخيام.
(6) ليست في ط.
(7) العبّاد: قرية على نحو ميل جنوب تلمسان، فيها قبور الأولياء التّلمسانيين، وكانت قرية كبيرة ذات مساجد ومدارس وخانات، ثمّ تراجعت عمارتها حتّى اضمحلّت. انظر وصف إفريقيا 2/ 180.(1/48)
قبر الشّيخ الصّالح القدوة فرد زمانه أبي مدين (1) رضي الله عنه، ورزقنا بركته وعليه رباط مليح مخدوم مقصود، والدّائر بالبلد كلّه مغروس بالكرم وأنواع الثّمار، وسوره من (2) أوثق الأسوار وأصحهّا، وبه حمّامات نظيفة، ومن أحسنها، وأوسعها، وأنظفها، حمّام العالية (3)، وهو مشهور، قلّ أن يرى له نظير. وهذه المدينة بالجملة ذات منظر ومخبر، وأنظارها متّسعة، ومبانيها مرتفعة، ولكنّها مساكن بلا ساكن، ومنازل بغير نازل، ومعاهد أقفرت من متعاهد تبكي عليها فتنسكب الغمام الهمّع (4)، وترثي لها فتندب الحمام الوقّع. إن نزل بها مستضيف قرته بوسا، أوحلّ فيها ضيف كسته من رداء الرّدى لبوسا.
وأمّا العلم فقد درس رسمه في أكثر البلاد، وغاضت أنهاره فازدحم على الثّماد (5). فما ظنّك بها وهي رسم عفا طلله، ومنهل جفّ وشله (6)، وقد حضرت بها مدرّسا مذكورا عندهم يقرأ عليه باب التّوكيد من «الجمل» (7)
__________
(1) هو شعيب بن الحسن الأندلسي: من مشاهير الصوفية، وأصله من الأندلس، أقام بفاس، وسكن بجاية، وتوفي بتلمسان سنة 594هـ. له «مفاتيح الغيب لإزالة الرّيب وستر العيب». ترجمته في عنوان الدراية: 55ونيل الابتهاج: 127، وتعريف الخلف 2/ 180.
(2) ليست في ط.
(3) بقي هذا الحمّام قائما إلى أن حوّله الفرنسيون أيام احتلالهم للجزائر إلى مخزن عسكري، ويقع بين ثكنة (المشور) وثكنة (كور مالة) الواقعة أمامها انظر الإعلام بمن حلّ مراكش 4/ 289.
(4) همع الماء: سال.
(5) الثماد: الحفر يكون فيها الماء القليل، وغاض الماء: نقص أو ذهب في الأرض.
(6) الوشل: الماء القليل يتحلّب من جبل أو صخرة، يقطر منه قليلا قليلا، ولا يتّصل قطره.
(7) سقط من ط. وكتاب «الجمل» للزجاجي.(1/49)
فسمعته يقول: «كلا للمذكّرين، وكلتا للمذكّرتين»! وأعربوا قول ابن دريد (1): [الرّجز]
هم الذّين جرّعوا من ما حلوا [7/ آ] بأنّ: هم: مبتدأ، والّذين: مبتدأ ثان، وجرّعوا: خبره، والجملة في موضع خبر الأوّل! وهذا قليل من كثير، وصبابة (2) من غدير!.
وأمّا الفقه عندهم فطويل الاغتراب، يؤوب «إذا ما القارظ العنزيّ آب» (3)، وقد تحاكم إلى قاضيها إذ كنت بها متبايعان في ذهب رديء، فحكم بما قيل في ذلك من يمين المبتاع على علمه، فحلف وبرّئ، ثمّ أتى البائع بعد أيام بمن شهد له أنّ صاحبه إنّما دفع له سكّة فاس وكان الّذي تداعيا فيه من سكّة فاس فأحضر المبتاع ووبّخه بأنّه حلف إثما وأنّه قد ظهر كذبه، وحكم عليه بإبدال (4) الذّهب. وإلى هذا انتهى بالعلم وأهله الحال، وحسبنا الله وعليه الاتّكال!.
__________
(1) ابن دريد محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، من أئمة اللغة والأدب، توفي ببغداد سنة 321هـ، من مؤلّفاته: الاشتقاق، والمقصور والممدود، والجمهرة. انظر: المرزباني 425، بغية الوعاة 1/ 13.
وقوله صدر بيت من مقصورته، عجزه: «أفاوق الضيم ممرّات الحسا» والمماحلة: العداوة، انظر شرح المقصورة للتّبريزي: 59.
(2) الصّبابة: ما بقي في الإناء من ماء ونحوه.
(3) المثل في الميداني: 1/ 75، وفصل المقال: 473، والمستقصى 1/ 127، وأمثال أبي عبيد 344، وجمهرة الأمثال 1/ 123، واللسان (قرظ)، ويضرب في امتداد الغيبة. قال بشر بن أبي خازم لابنته عند موته:
فرجّي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزيّ ابا
(4) في ط: بدال.(1/50)
ومع ذلك، فلو انتهت خطّة القضاء إلى عليّان أوماني (1)، لم تكن في الشّناعة كانتهائها إلى العمراني (2) بحضرة مرّاكش (3)، كلأها الله! ولا كلأ القاضي المذكور حيّا وميّتا! فإنّه منجنيق ظلم ترمى به قواعد الدّين، ونفط (4)
فساد يضرم قلوب المهتدين، وقد وفّق الله لخضد (5) شوكته، وإخماد جمرته أمير المؤمنين (6) أيّده الله فأغمد من جوره سيفا قاطعا، وعوّض المسلمين من ظلامه ضياء ساطعا. ومن بعض غرائبه الّتي شاهدتها أنّ قوما ادّعي عليهم القتل، وأثبت المدّعي دعواه بوثيقة عليها إعلامه بصحتّها، فاحتجّوا بأنّ لهم مدفعا، فطلب المدّعي تثقيفهم (7) كما يجب شرعا فقال له
__________
(1) عليّان وماني: مجنونان، من عقلائهم، ترجم لهما ابن حبيب النيسابوري في كتابه «عقلاء المجانين» وممّا رواه عن عليّان: أنّ القاضي حفص بن غياث مرّ في طاق السرّاجين، فإذا عليّان جالس، فلمّا جازه سمعه يقول: «من أراد سرور الدنيا وحزن الآخرة فليتمنّ ما هذا فيه» قال القاضي:
فو الله لقد تمنّيت لو كنت متّ قبل أن ألي القضاء، وله أخبار لطيفة. أما مان كذا في عقلاء المجانين فله شعر جميل منه هذان البيتان:
فتنفّست ثمّ قلت لطيفي ... ويك! لو زرت طيفها إلماما
حيّها بالسلام سرّا وإلّا ... منعوها لشقوتي أن تناما
زادهما على قول أبي العتاهية المشهور:
حجبوها عن الرياح لأنّي ... قلت يا ريح بلّغيها السلاما
(انظر: عقلاء المجانين: 81، 120).
(2) العمراني: هو أبو فارس الفقيه قاضي مراكش في دولة يعقوب بن عبد الحّق المريني، ذكره ابن أبي زرع في: الذخيرة السنية 86. وفي القرطاس 289، 375، والإعلام للمراكشي: 8/ 403.
(3) مراكش: مدينة عظيمة بالمغرب شمال أغمات وعلى اثني عشر ميلا منها. كانت مركزا للدولة أيام الموحّدين بالمغرب. أوّل من اختطّها يوسف بن تاشفين من الملثمين في حدود 470هـ انظر الروض المعطار: 540.
(4) في بقية النسخ: نفض، والنفّط: سائل أسود مخضّر زيتي القوام يستنبط من بعض أجواف الأرض. قابل للاشتعال.
(5) الخضد: الكسر.
(6) في ط: المسلمين.
(7) التثقيف: الأخذ.(1/51)
القاضي: هؤلاء كبراء النّاس وأعيانهم وممّن لا يتغيّب. وهذه سنّة إسرائيليّة أحياها هذا اللّعين، لا حيّاه الله! ولا صفح عنه! فما أعظم جرأته على الله عزّ وجلّ!
أخبرنا الشّريف الفاضل المحدّث أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي بثغر الإسكندريّة، عن الشّيخ الصّالح المحدّث أبو الحسن عليّ بن أبي بكر القلانسيّ ويعرف بابن روزبة، عن الإمام أبي الوقت عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السّجزي، عن أبي الحسن عبد الرّحمن ابن محمّد الدّاودي البوشنجي، عن أبي [7/ ب] محمّد عبد الله بن أحمد بن حمويه السّرخسيّ، عن أبي عبد الله محمّد بن يوسف الفربريّ، عن البخاريّ قال: حدثّنا عليّ، حدثنا سفيان،
قال: وجدت في كتاب كان كتبه أيّوب بن موسى: عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة أمّ المؤمنين أنّ امرأة من بني مخزوم سرقت، فقالوا: من يكلّم النبيّ صلّى الله عليه وسلم فيها؟ فلم يجترىء أحد أن يكلّمه.
فكلّمه أسامة بن زيد (1)، فقال: «إنّ بني إسرائيل كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف قطعوه، لو كانت فاطمة لقطعت يدها»
(2).
__________
(1) أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي الهاشمي، صحابيّ نشأ على الإسلام، وأمّره الرّسول صلّى الله عليه وسلم قبل بلوغ العشرين. توفّي حوالي عام 54هـ ودفن بالمدينة. ترجمته في: الإصابة: 1/ 46، شذرات الذهب 1/ 59، غربال الزمن 50.
(2) أخرجه البخاري، رقم 6788في الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحدّ 12/ 87ورقم 3733في فضائل الصّحابة، أسامة بن زيد 7/ 78ومسلم: رقم 8في الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره والترمذي رقم 1430في الحدود، باب، كراهية الشفاعة في الحدود وأبو داود رقم 4373في الحدود، باب: الحدّ يشفع فيه وابن ماجة، في الحدود، باب الشفاعة في الحدود رقم 2547وابن حنبل 3/ 386و 5395/ 6409/ 329والنسائي: 8/ 74والدّارمي، 2/ 173.
وفي لفظة بعض اختلاف.(1/52)
[لقاؤه لابن خميس]
وما رأيت بمدينة تلمسان من ينتمي إلى العلم، ولا من يتعلّق منه بسبب، سوى صاحبنا أبي عبد الله محمّد بن عمر بن محمّد بن خميس (1)، وهو فتيّ السنّ مولده عام خمسين، وله عناية بالعلم مع قلّة الرّاغب فيه والمعين عليه، وحظ وافر من الأدب، وطبع فاضل في قرض الشّعر. وكنت ألفيت الشّيخ الفقيه أبا إسحاق إبراهيم بن يخلف التّنسيّ (2)، وأخاه أبا الحسن مسافرين إلى المشرق وهما من سكّان تلمسان، وليسا منها، فقيهان مشاركان في العلم مع مروءة تامّة ودين متين، وأبو إسحاق أسنّهما وأسناهما، وهو ذو صلاح وخير. وكان شيخنا زين الدين أبو الحسن بن المنيّر حفظه الله يثني عليه كثيرا، وسألني عن الغرب، فذكرت له قلّة رغبة أهله في العلم، فقال لي: «أما بلاد يكون فيها مثل أبي إسحاق التّنسيّ فما خلت من العلم». وقد أدركتهما بمصر، وكان أبو الحسن لم يحجّ فحجّ معنا، فلقيت منه خيّرا فاضلا. وقد لازم شيخنا أبا الفتح بمصر مدّة وأخذ
__________
(1) توفي ابن خميس قتيلا في غرناطة سنة 708هـ، وله ديوان شعر سمي «المنتخب النفيس في شعر ابن خميس». ترجمته في الإحاطة: 2/ 562528، وأزهار الرياض 2/ 340301، والدرر الكامنة 4/ 113، وتعريف الخلف: 2/ 380375.
(2) إبراهيم بن يخلف التنسي: فقيه، عالم، إليه انتهت الرئاسة بالمغرب، أخذ عن الناصر المشدالي والإمام القرافي وغيرهما من علماء المشرق والمغرب، له شرح على التلقين للقاضي عبد الوهاب، ذكر صاحب معجم أعلام الجزائر أنّ وفاته كانت سنة (670هـ) ولا يصحّ هذا لأنّ صاحب الرّحلة قابلة في الطريق إلى الحجّ سنة (688هـ) فوفاته بعد هذا التاريخ.
وأخوه أبو الحسين من العلماء الفضلاء لم أقف على وفاته. ترجمته في نيل الابتهاج: 35، والبستان: 6866وتعريف الخلف: 2/ 18، ومعجم أعلام الجزائر 85.(1/53)
عنه كثيرا، ولمّا حجّ رجع مع أخيه إلى تلمسان، وكنت حين وردتها قد أقمت بها مدّة منتظرا للرّكب، فكنت آنس بابن خميس وأكثر مجالسته ومفاوضته، وأعجبني ذهنه وحاله فإنّي وجدته [8/ آ] على حال انزواء وتقلّل من الدّنيا، وفي أوّل ما اجتمعت به رأى في يدي كتابا فسألني عنه، فقلت: هو (1) كتاب «الشّمائل» (2) فاستظرف فعلي في إمساكه، وقال لي: أخبرني الفقيه أبو عبد الله بن حمدون، قال لي: أخبرني الفقيه أبو زيد بن القاضي بتونس أنّ أبا أبا محمّد بن حوط الله (3) ورد على أبيه فأنزله بداره، وكان يبيت في سريره ومعه خريطة لا يفارقها، وكانت تفوح منها رائحة المسك، قال: وكنت أهاب أن أسأله عمّا فيها، فرقد ذات يوم فسقطت عن السّرير ووقع منها كتاب «شمائل النّبيّ» صلّى الله عليه وسلم.
وقد أنشدني ابن خميس كثيرا من شعره، فمن ذلك قوله من قصيدة (4): [الكامل]
ومن العجيبة أن أقيم ببلدة ... يوما وأسلم من أذى جهّالها (5)
__________
(1) ليست في ط.
(2) هو كتاب الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية للترمذي المتوفى سنة 279هـ، وعليه شروح كثيرة.
(3) هو عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري: محدّث، حافظ، مقرئ، خطيب، شاعر، نحوي. أدّب أولاد المنصور الموحّدي بمراكش، وولي قضاء إشبيلية وقرطبة وغرناطة له كتاب في تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي لم يتمة. توفي سنة: 612هـ. ترجمته في برنامج شيوخ الرّعيني 5655، وشذرات الذهب 5/ 50، وشجرة النور 1/ 173.
(4) الأبيات في الإحاطة 2/ 556، وأزهار الرياض 2/ 321.
(5) في الإحاطة والأزهار: ومن العجائب.(1/54)
شغلوا بدنياهم، أما شغلتهم ... عنّي، فكم ضيّعت من أشغالها
حجبوا بجهلهم، فإن لاحت لهم ... شمس الهدى عبثوا بضوء ذبالها (1)
وإن انتسبت فإننّي من دوحة ... تتقيّل الأنساب برد ظلالها
من حمير من ذي رعين من ذوي ... حجر من العظماء من أقيالها (2)
وإذا رجعت لطينتي معنى فما ... سلسالهم بأرقّ من صلصالها (3)
ومن ذلك قوله: (4) [الطويل]
أنبت، ولكن بعد طول عتاب ... وطول لجاج ضاع فيه شبابي (5)
وما زلت والعليا تعنّي غريمها ... أعلّل نفسي دائما بمتاب (6)
وهيهات من بعد الشّباب وشرخه ... يلذّ طعامي أو يسوغ شرابي
خدعت بهذا العيش قبل بلائه ... كما يخدع الصّادي بلمع سراب
5 - تقول: هو الشّهد المشور جهالة ... ولكنّه السّمّ المشوب بصاب (7)
وما صحب الدّنيا كبكر وتغلب ... ولا ككليب ريء فحل ضراب (8)
إذا كعّت الأبطال عنها تقدّموا ... أعاريب غرّا في متون عراب (9)
__________
(1) البيت ساقط من ت، وفي الإحاطة: عشوا بضوء.
(2) في ط: ذرى حجر وذورعين: ملك من ملوك حمير والأقيال: جمع قيل، وهو الملك من ملوك حمير.
(3) في الأزهار: فما سلساله.
(4) القصيدة في: أزهار الرياض 2/ 319317، ونفح الطيب 5/ 366، وتعريف الخلف: 381.
(5) في نفح الطيب والأزهار: وفرط لجاج.
(6) في النفح والأزهار: والعلياء تعني غريمها.
(7) في النفح والأزهار: وما هو إلا السمّ شيب بصاب. والصاب: عصارة شجر مرّ.
(8) يشير إلى ما كان من أمر بكر وتغلب ابني وائل قبل حرب البسوس وبعدها.
(9) كعّت: جبنت. والخيل العراب: الأصيلة.(1/55)
[8/ ب] وإن ناب خطب أو تفاقم معضل ... تلقّاه منهم كلّ أصيد ناب
تراءت لجسّاس مخيلة فرّصة ... تأتّت له في جيئة وذهاب (1)
10 - فجاء بها شوهاء تنذر قومها ... بتشييد أرجام وهدم قباب (2)
وكان رغاء السّقب في قوم صالح ... حديثا فأنساه رغاء سراب (3)
فما تسمع الآذان في عرصاتهم ... سوى نوح ثكلى أو نعيب غراب
وسل عروة الرّحّال عن صدق بأسه ... وعن بيته في جعفر بن كلاب (4)
وكانت على الأملاك منه وفادة ... إذا آب منها آب غير مآب
15 - يجير على الحيّين: قيس وخندف ... بفضل يسار أو بفضل خطاب
زعامة مرجوّ النّوال مؤمّل ... وعزمة مسموع الدّعاء مجاب
فمرّ يزجّيها حواسر ظلّعا ... بما حمّلوها من منى ورغاب (5)
إلى فدك والموت أقرب غاية ... وهذا المنى يأتي بكلّ عجاب (6)
__________
(1) جسّاس بن مرّة: شجاع، شاعر من أمراء العرب في الجاهلية، وهو قاتل كليب وائل، انظر جمهرة الأنساب: 325.
(2) في ت: شهواء والأرجام: الحجارة فوق القبور.
(3) السّقب: ولد الناقة. وسراب قيل، هي الناقة التي رمى ضرعها كليب وبها ضرب المثل فقيل:
أشأم من سراب.
(4) عروة الرّحال: هو عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب، جاهليّ من جلساء الملوك، سمّي بالرّحّال لأنّه كان كثير الوفادة عليهم. وبسببه هاجت حرب الفجار الثانية بين حيّي قيس وخندف وذلك أنّه أجاز قافلة كان يبعث بها النعمان في كلّ عام إلى عكاظ، فقتله البرّاض بن قيس الكناني واستاق القافلة، فثارت الحرب بين الحيّين، توفي حوالي سنة 32ق. هـ انظر سمط اللآلي 2/ 672. والعقد الفريد 5/ 253.
(5) زجّى الشيء وأزجاه: دفعه وساقه، وحسرت الدّابّة: تعبت وكلّت. وظلعت الدابة في مشيها: عرجت.
(6) في النفح: والموت أغرب. وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان انظر معجم البلدان: 4/ 238.(1/56)
تبرّض صفو العيش حتّى استشفّه ... فراق له البرّاض قشب حباب (1)
20 - فأصبح في تلك المواطن نهزة ... لنبش ضباع أو لنهش ذئاب (2)
وما سهمه عند النّضال بأهزع ... وما سيفه عند المصاع بناب (3)
ولكنّها الدّنيا تكرّ على الفتى ... وإن كان منها في أعزّ نصاب
وعادتها ألّا توسّط عندها ... فإمّا سماء أو تخوم تراب
فلا ترج من دنياك ودّا وإن يكن ... فما هو إلّا مثل ظلّ سحاب
25 - وما الحزم، كلّ الحزم إلّا اجتنابها ... وأشقى الورى من تصطفي وتحابي
أبيت لها، مادام شخصي، أن ترى ... تمرّ ببابي أو تطور جنابي (4)
فكم عطّلت من أربع وملاعب ... وكم فرّقت من أسرة وصحاب
وكم عفّرت من حاسر ومدجّج ... وكم أثكلت من معصر وكعاب (5)
مثالب مثل الرّمل لا تقل انّها ... تعدّ فتحصيها ضروب حساب (6)
30 - إليكم بني الدّنيا نصيحة مشفق ... عليكم، بصير بالأمور نقاب (7)
__________
(1) التبرّض: التبلّغ بالقليل من العيش. وقشب حباب: سمّ الحيّة. والإشارة إلى قصة عروة الرّحال الذي قتله البرّاض الكناني وجرّ إلى حرب الفجار.
(2) في أزهار الرياض: في تلك المعاطف. وفي ت: لنهس، بالمهملة، وهي لغة، وفي النفح: لنهب.
(3) في ت: بأهزل. والسهم الأهزع: المضطرب والمهتزّ وفي النفح: عند الصراع. والمصاع: المجالدة والمضاربة.
(4) تطور: تقترب.
(5) المعصر: التي بلغت عصر شبابها، وأدركت وقيل: هي التي ولدت.
(6) في ت: فتحويها ضروب حساب.
(7) النقاب: الخبير الذي يضع الأمور مواضعها، أو لديه قوّة حدس.(1/57)
[9/ آ] طويل مراس الدّهر، جدل، مماحك ... عريض مجال الهمّ، حلس ركاب (1)
تأتّت له الأهواء أدهم سابقا ... وغصّت به الأيّام أشهب كاب (2)
ولا تحسبوا أنّي على الدّهر عاتب ... فأعظم مابي منه أيسر مابي
وما أسفي إلّا شباب خلعته ... وشيب أبى إلا نصول خضاب (3)
35 - وعمر مضى لم أحل منه بطائل ... سوى ما خلا من لوعة وتصاب (4)
ليالي شيطاني على الغيّ قادر ... وأعذب شيء محنتي وعذابي (5)
عكسنا قضايانا على حكم عادنا ... وما عكسها عند النّهى بصواب (6)
على أحمد المختار أزكى تحيّتي ... فتلك الّتي أعتدّ يوم حسابي (7)
قلت: هذه القصيدة مهذّبة الألفاظ والمعاني، وألذّ من نغمات المثالث والمثاني، إلّا أنّ مقطعها قلق ناب، لا يلين ولو مضغ بضرس وناب، ليس يلتئم بما قبله ولا يمتّزج، ولا يزال السّمع به يقلق وينزعج، وقد زاولته أن يلتحم (8)
فأبى، وحاولته كي يلتئم (9) فنبا. وقوله:
__________
(1) في أزهار الرياض: جزل مماحك، والحلس: الحريص الملازم.
(2) في ط والنفح والأزهار: له الأهوال.
(3) في ط والنفح والأزهار: نصاب خضاب.
(4) في الأزهار: ماحلا بالمهملة.
(5) في النفح والأزهار وأعذب ما عندي أليم عذابي.
(6) في ت: قضاياه عند النهي بمعاب.
(7) في النفح والأزهار: على المصطفى وورد في طبعة الجزائر بيت أخير وهو:
فتلك عتادي أو ثناء أصوغه ... كدرّ سحاب أو كدرّ سخاب
والسّخاب قلادة تتّخذ من القرنفل وغيره، ليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء.
(8) في ت: ليلتهم، وفي ط: ليلتهم.
(9) في بقية النسخ: ليلتئم.(1/58)
فإمّا سماء أو تخوم تراب
الوجه فيه: «وإمّا تخوم تراب» بتكرير إمّا بعد حرف العطف، وقلّما يؤتى بها غير مكرّرة إلّا نادرا، كقول الشّاعر (1): [السريع]
إمّا فتى نال العلا فاشتفى ... أو بطل ذاق الرّدى فاستراح
وأنشدني أيضا لنفسه قصيدة منها قوله (2): [الوافر]
ويا برقا أضاء على أوال ... يمانيّا متى جئت الشّآما
أثغر أمامة أنت ابتساما ... أم الدّرّ الأواليّ انتظاما (3)
خفقت ببطن واديها لواء ... ولحت على ثنيّتها حساما
أمشبه قلبي المضنى احتداما ... علا ماذدت عن جفني المناما (4)
5 - ولم أسهرتني وصددت عنّي ... خيالا كان يأتيني لماما (5)
وأبلغ منك تأريقا لجفني ... كلام أثخن الأحشا كلاما (6)
تعرّض لي فأيقظت القوافي ... و «لو ترك القطا ليلا لناما» (7)
__________
(1) الشاعر هو الشريف الرّضي، والبيت قصيدة في ديوانه: 1/ 199.
(2) القصيدة في الإحاطة: 2/ 530.
(3) في الإحاطة: الدّرّ الأوامي.
(4) في الإحاطة: عن عيني، وسيبيّن المصنّف الوجة في كتابة كلمة (علامّ) في الصفحة 61وأثبتّها كما جاءت في جميع النسخ.
(5) في الإحاطة: وطردت عنّي.
(6) في الإحاطة: وأبلغ منه. وكلام، واحدها كلم: الجرح.
(7) في الإحاطة: يوما لناما، وهو مثل كما في الميداني 2/ 174، وأمثال أبي عبيد 271، والفاخر، 145، وجمهرة الأمثال: 2/ 194، والمستقصى 2/ 296، وفصل المقال 284.(1/59)
[9/ ب] أضام وفي يدي قلمي لماذا ... أضام لغير جرم أو علاما (1)
به وبما أذلّق من لساني ... أفلّ الصّارم العضب الهذاما (2)
10 - خليلي إن قدرت فلا تكلني ... لدهر علّم الشّحّ الغماما (3)
وردت فلم أرد إلّا سرابا ... وشمت فلم أشم إلّا جهاما (4)
قلت: أنكر غير واحد أن يقال «الشآم» بالمدّ في غير النّسب، وليس إنكاره بشيء، وهو ممدود في شعر حبيب (5)، وقد ردّوه ولم يروه حجّة، ونسوا قول النّابغة الذّبياني (6): [الوافر]
على إثر الأدلّة والبغايا ... وخفق النّاجيات من الشّآم (7)
ويروى «من السّآم» بالمهملة، جمع سآمة، والحجّة في الرّواية الأولى.
وكذلك أنكروا تشديد الياء من «اليمانيّ» لأنّ الألف كالعوض من التّشديد، كما رأوا المدّ بزعمهم في شآم عوضا من تشديد ياء النّسب.
وإذا جاز مدّه في غير النّسب جاز تشديد الياء مع المدّ. وقد أنشد المبرّد على تشديد ياء اليمانيّ مع زيادة الألف: (8) [الطويل]
__________
(1) في الإحاطة: وفي يدي قلبي أضام أبا سعيد
(2) في الإحاطة: انهزاما، وسيف هذام: قاطع.
(3) في الإحاطة: أعثمان بن عامر لا تكلني
(4) شام السحاب والبرق شيما: نظر إليه أين يقصد وأين يمطر. والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه.
(5) حبيب بن أوس الطائي، أبو تمّام، شاعر، أديب، مشهور، متوفّى سنة 231هـ.
(6) ديوان النابغة الذبياني: 163.
(7) في الديوان: الأدلّة والرّوايا، وفي ت، وخفق الناشئات.
(8) البيت في الكامل: 1237وهو منسوب لشاعر من تميم، ومعه أبيات خمسة أخرى.(1/60)
فأرعد من قبل اللّقاء ابن معمر ... وأبرق والبرق اليمانيّ خوّان
وهذا البيت أيضا شاهد لمن قال: أبرق وأرعد، بالألف، أي: تهدّد، وأصله من الرّعد والبرق، وقد أنكره بعضهم (1) بالألف، وقال: «إنّما هو رعد وبرق بغير ألف، وكذلك رعدت السّماء وبرقت» والصّواب: أنّهما لغتان أشهرهما بغير ألف، وعليها قول الشّاعر: (2) [الكامل]
فإذا حللت ودون بيتي ساوة ... فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد (3)
وقوله: «علامات ذدت» الوجه فيه حذف الألف لأنّ «ما» الاستفهامية إذا دخل عليه حرف جرّ حذف منها الألف لكثرة الاستعمال وفرقا بينها وبين الخبرية، قال تعالى: {فيم أنت من ذكراها} [4] وقال جلّ شأنه:
{فيما هم فيه مختلفون} [5]. ولو حذفت الألف منها لصحّ الوزن، وكان الجزء معقولا (6)، ولكنّه [10/ آ] زحاف قبيح، ولو قال: صددت أو طردت، أو تذود، أو نحو ذلك، لسلم من الوجهين معا، وتخلّص من الضّرورتين (7) جميعا، وبالله التوفيق.
__________
(1) أنكره المبرّد في الكامل 1237، وشرح ديوان المتلمّس 148نقلا عن الأصمعيّ، واللسان (برق).
(2) الشاعر هو المتلمس، والبيت في ديوانه: 147.
(3) في الديوان: غاوة، وكلاهما اسم مكان.
(4) سوة النازعات: الآية: 79.
(5) سورة الزمر: الآية: 39
(6) العقل: هو حذف الخامس المتحرّك في مفاعلتن فتصبح: مفاعلن، ويصيب الوافر. انظر المعيار: 26.
(7) في ط: الصورتين.(1/61)
وأنشدني أيضا للفقيه الأديب الكاتب الأبرع، أبي بكر محمّد بن عبيد الله (1) بن داود بن خطّاب المرسيّ (2) ممّا أنشده إيّاه لنفسه (3):
[الكامل]
أبصرت أبواب الملوك تغصّ بالر ... راجين إدراك الغنى والجاه (4)
مترقّبين لها فمهما فتّحت ... خرّوا لأذقان لهم وجباه
فأنفت من ذاك الزّحام وأشفقت ... نفسي على إنضاء جسمي الواهي
ورأيت باب الله ليس عليه من ... متزاحم فقصدت باب الله
وتخذته من دونهم لي عدّة ... وأفقت من غيّي وطول سفاهي (5)
وأنشدني عنه أيضا، ونقلته من خطّ ابن خطّاب، قال: وممّا نظمته والتزمت فيه حرف الرّاء والتّرصيع: (6) [مجزوء الكامل المرفّل]
اشكر لربّك وانتظر ... في إثر عسر الأمر يسرا
واصبر لكربك وادّخر ... في ستر ضرّ الفقر أجرا (7)
فالدّهر يعثر بالورى ... والصّبر بالأحرار أحرى
والوفر أظهر معشرا ... والفقر بالأخيار يغرى (8)
__________
(1) في ت: عبد الله.
(2) محمد بن داود بن خطّاب الغافقي الأندلسي: كاتب، أديب، عالم بأصول الفقه، له شعر، ولد بمرسية، ورحل إلى تلمسان، وتوفي فيها سنة 636هـ، ترجمته في الذيل والتكملة 6/ 333332، والبستان 227.
(3) الأبيات في نفح الطيب 5/ 222، وتعريف الخلف: 2/ 220.
(4) في النفح وتعريف الخلف: إدراك العلا.
(5) في النفح وتعريف الخلف: وجعلته وأنفت من غيّي.
(6) الأبيات في نفح الطيب: 4/ 339لأبي بكر بن محرز الزّهري.
(7) في ت: واصبر بربّك، وفي النفح: واصبر لربّك.
(8) في ط، وعلى هامش الأصل: والوفر أكرم. وفي ت: والفقر بالأحرار(1/62)
قلت: نظام هذه الأبيات يدلّ على باع في الأدب مديد، وطبع فاضل ومقول مجيد، وناظمها رحمه الله متمكّن الجلالة، معروف الأصالة، لقي جماعة من الأفاضل، وأخذ عنهم فاضلا عن فاضل، وقد وقفت على بطاقة بخطّه، قيّد فيها لصاحبنا أبي عبد الله جملة ممّن لقيه من العلماء والصّلحاء، ونصّها:
[برنامج شيوخ ابن خطاب المرسي]
«يقول محمّد بن عبيد الله بن داود بن خطّاب الغافقي وفّقه الله:
لقيت من الشّيوخ ببلدتي مرسية (1) أعادها الله تعالى للإسلام الفقيه الأستاذ النّحويّ أبا بكر محمّد بن محمّد المعافريّ الشّهير بالقرشيّ، وقرأت العربيّة عليه [10/ ب] والفقيه الأستاذ النّحويّ المسنّ أبا عليّ الحسن بن عبد الرّحمن الكنانيّ الشّهير بالرّفّاء (2) وقرأت عليه «مقامات الحريريّ» ومن شعر المتنبّي، وأكثر «الحماسة» (3) والفقيه العالم المسنّ أبا بكر محمّد بن محرز الزّهريّ (4)، وقرأت عليه أكثر «التّلقين» (5) للقاضي أبي محمّد
__________
(1) مرسية: مدينة بالأندلس من أعمال تدمير، اختطّها عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان. انظر: الروض المعطار 539.
(2) هو حسن بن عبد الرحمن بن محمد الكناني، أستاذ، نحوي، مقرىء، شاعر مطبوع، أخذ القراءات عن أبي محمد الشمني، وتوفي سنة 633هـ، ترجمته في التكملة 1/ 52، بغية الوعاة 1/ 510وفيه وفاته 635هـ.
(3) هناك أكثر من حماسة، وأشهرها حماسة أبي تمام المتوفى سنة 231هـ، وهي المرادة عند الإطلاق.
(4) محمد بن أحمد بن عبد الواحد الزهري: فقيه، محدّث، عالم لغوي، أصله من بلنسية، واستوطن بجاية، ومات فيها سنة 655هـ. له تقييد على التلقين، ترجمته في عنوان الدراية 241، وشجرة النور الزكيّة: 194.
(5) هو كتاب التلقين في الفروع، وهو كتاب في الفقه المالكي، انظر كشف الظنون 481.(1/63)
عبد الوهّاب (1)، وسمعت عليه دولا كثيرة من «الموطّأ»، وقرأت عليه بلفظي «كتاب التّرمذي» كلّه، وسمعت عليه «سنن أبي داود» بقراءة صاحبنا الفقيه أبي بكر بن حبيش (2)، وسمعت عليه «السّير» بقراءة أبي الحسن الرّومي المعروف ببلدنا بسحنون (3)، وأنشدني جملة من نظمه، من ذلك قوله لابنه الأصغر أبي عامر: [الخفيف]
يا بنيّ وليس مثلي يسهو ... عند وعظ يرويه مثلك عنه
أنت ضيف الدّنا فأقلل عيوبا ... من قراها واخش الرّدى من لدنه
ولقيت الفقيه الإمام العالم أبا المطرّف أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزوميّ (4) ولا زمته مدّة إقامته بمرسية، وقرأت عليه «التّنقيحات» (5) للسّهروردي (6) و «مختصر المستصفى» للقاضي أبي
__________
(1) هو عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي: فقيه مالكي، قاض، له نظم ومعرفة بالأدب، توفي بمصر سنة 422هـ. له: التلقين، والإفادة، والتلخيص، ترجمته في تاريخ قضاة الأندلس 240، وفوات الوفيات 2/ 419، ووفيات ابن قنفذ: 233.
(2) هو محمد بن الحسن بن يوسف بن الحسن بن يونس: أديب نحويّ، راوية، برع في النظم والنثر، ولد سنة 615هـ، وكان حيّا سنة 690هـ، انظر ملء العيبة 2/ 83، ونفح الطيب 4/ 310.
(3) لم أقف على ترجمته.
(4) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي: أديب، شاعر، برع في النظم والنثر، دوّن شعره وإنشاءه في مجلّدين سمّيا: «بغية المستطرّف وغنية المتطرّف من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرّف» توفي بتونس سنة 656هـ، ترجمته في الإحاطة: 1/ 60، وعنوان الدراية: 250.
(5) هو كتاب التنقيحات في أصول الفقه. ذكره البغدادي في إيضاح المكنون 330.
(6) يحيى بن حبش بن أميرك: فيلسوف نشأ بمراغة من العراق العجمي، وسافر إلى حلب فنسب إلى انحلال العقيدة فأفتى العلماء بقتله، فخنق في سجنه بقلعة حلب سنة 586هـ، من كتبه: هياكل النور، والتنقيحات، ترجمته في وفيات الأعيان 6/ 268الأعلام: 8/ 140.(1/64)
الوليد بن رشد (1) المسمّى ب «الضّروري»، وقرأت عليه بعض «التّلقين» وكان له عليه كلام حسن وتنبيه على مواضع منه لم أر من تفطّن لها سواه ولقيت الفقيه القاضي المسنّ أبا عيسى محمّد بن أبي السّداد (2)، وقرأت عليه بلفظي «شمائل النّبيّ» صلّى الله عليه وسلم، و «كتاب مسلم بن الحجّاج» من أوّله إلى آخره، و «كتاب التّرمذي»، وسمعت بقراءة غيري عليه كثيرا من الكتب، وكان يروي عن الخطيب أبي القاسم بن حبيش (3) ولقيت الفقيه أبا بكر بن جهور الأزديّ (4)، وسمعت عليه بقراءة أبي القاسم بن نبيل بعض «كتاب مسلم بن الحجّاج» رحمهم الله أجمعين.
وممن لقيته من الرّجال الصّلحاء بمرسية نفع الله [11/ آ] بهم الفقيه أبو العبّاس الطّرسونيّ، (5) كان رحمه الله أحد الزّهّاد والفقيه أبو عبد الله السّمار المؤدّب، وكان أحد الفضلاء الزّهاد والفقيه الخطيب بجامع
__________
(1) محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي: فيلسوف من أهل قرطبة، صنّف نحو خمسين كتابا منها فلسفة ابن رشد، والضروري في المنطق، وتهافت التهافت. توفّي بمراكش سنة 595هـ. بعد أن أحرق المنصور الموحّدي بعض كتبه، ترجمته في: قضاة الأندلس، المعجب 242و 305، شذرات الذهب 2/ 320.
(2) محمد بن محمد بن أبي السّداد المرسيّ: قاض، فقيه من أهل مرسية، سمع أبا القاسم بن حبيش وغيره، وأجاز له ابن الجد وابن زرقون وابن بونة وغيرهم، توفي سنة 642هـ، ترجمته في التكملة 1/ 357.
(3) عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي: مؤرخ، عالم بالقراءات وعلوم العربية، من الحفّاط، ولي القضاء بجزيرة «شقر» ثم بمرسية حيث توفي فيها سنة 584هـ له المغازي. ترجمته في بغية الوعاة 2/ 85، نيل الابتهاج 162.
(4) محمد بن محمد بن يوسف بن أحمد بن جهور الأزدي: أخذ عن الكثيرين من المحدثين، وكان له حظ من النظم والنثر، توفي سنة 629هـ. انظر ترجمته في التكملة 1/ 338.
(5) أحمد بن محمد بن أحمد الطرسوني، عالم فقيه محدث روى عنه ابن سعيد وغيره، أخذ عنه كثيرون. توفي بنبوط سنة 622هـ. ترجمته في الذيل والتكملة 3911.(1/65)
مرسية أبو عبد الله بن فتح والفقيه الورع أبو عبد الله النّجّار، كان شديد الانقباض عن عشرة النّاس، وتؤثر عنه في الورع أخبار حسان، رحم الله جميعهم ورضي عنهم.»
انتهى ما وجدته بخطّ ابن خطّاب رحمه الله.
قلت: لو قال ابن محرز: «أنت ضيف الدّنيا» لقام الوزن وسلم من غرابة هذا الجمع، فإنّ جمع الدّنيا غريب نادر، وقد عابه صاحب اليتيمة (1)
على أبي الطّيّب المتنبّي في قوله (2): [الطويل]
أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح ... وخير جليس في الزّمان كتاب
وأنشدني بيتين للشّيخ الأديب الفاضل أبي الطّيّب صالح بن شريف الرّندي (3) رحمه الله وقال: أنشدنيهما عنه أبو العبّاس اللّبلي (4) الكاتب، وكان لابن خميس فيهما نقد لم أرضه فلم يعلق بخاطري، وذكره لي عن ابن خطّاب وأنّه لم يرضهما، وذلك منهما تعسّف بيّن، وهما قوله: [الكامل]
نزعات رام وهي نزعة ريمة ... شقّت صميم حشاي قبل أديمي (5)
__________
(1) انظر يتيمة الدّهر للثعالبي، باب استكراه التخلّص: 1/ 146.
(2) ديوان المتنبي: 1/ 193.
(3) هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن علي بن شريف الرّندي: شاعر، قاض، من أهل «رندة» بالأندلس تردّد على غرناطة، توفي سنة 684هـ له: الوافي في نظم القوافي، ترجمته في الإحاطة 3/ 376360، والذيل والتكملة 4/ 137.
(4) هو أحمد بن يوسف بن علي الفهري اللبلي: نحوي، لغوي، راوية، ولد ب «لبلة» من أعمال إشبيلية سنة 613هـ، وتوفي بتونس سنة 691هـ، له تآليف منها: تحفة المجد الصريح في شرح الكتاب الفصيح ترجمته في الديباج المذهب: 8180، شجرة النور الزكية: 1/ 198، معجم المؤلفين 2/ 212.
(5) الأديم: الجلد.(1/66)
سلّت ظبا الألحاظ مرهفة على ... قلب أرقّ من الهوى المكتوم (1)
وهذا أعذب (2) ما يكون من الشّعر وأرقّه، وأحسنه لفظا ومعنى.
وأنشدني أيضا لابن الرّوميّ متمثّلا: (3) [الكامل]
لذوي الجدال إذا غدوا لجدالهم ... حجج تضلّ عن الهدى وتجور
وهن كانية الزّجاج تصادمت ... فهوت وكلّ كاسر مكسور
والقاتل المقتول ثمّ لضعفه ... ولوهنه، والآسر المأسور (4)
وأنشدني أيضا من حفظه قصيدة لم أقف عليها تامّة، وأنشد منها أبو عليّ (5) في «نوادره» (6) أبياتا ولم ينسبها، وهي قوله: [11/ ب]
[الكامل]
[11/ ب] يلقى السّيوف بوجهه وبنحره (7)
الأربعة الأبيات.
__________
(1) في ط: البيت الثاني قبل الأول.
(2) في ط: أغرب.
(3) ديوان ابن الرومي: 3/ 1139.
(4) في الديوان: فالقاتل ولوهيه
(5) أبو علي القالي: إسماعيل بن القاسم بن عيذون: من أئمة اللغة والأدب، عاش بين (356288هـ) من تصانيفه: الأمالي والنوادر، والبارع ترجمته في جذوة المقتبس 164، بغية الملتمس: 231، شذرات الذهب: 3/ 18.
(6) هي في الأمالي 1/ 43وكان يعرف عند الأندلسيين باسم النوادر.
(7) صدر بيت لابن المولى، وعجزه: «ويقيم هامته مقام المغفر». وسترد القصيدة كاملة في الصفحة التالية.(1/67)
وكذلك أنشدها أبو عبيد البكريّ (1) في كتاب «التّدريب» غير منسوبة إلّا لإنشاد العتبيّ، ووصلها بأبيات، ونسبها في كتابه «اللآلي» (2) لابن المولى، وهو محمّد بن عبد الله بن مسلم (3) مولى بني عمرو بن عوف. قال: وهو من شعراء الدّولتين (4)، وقد رأيت أن أثبت القصيدة هنا بجملتها لحسنها وإعوازها، وهي (5): [الكامل]
[قصيدة ابن المولى]
أنسيم ريقك أخت آل العنبر ... هذا أم استنشاقة من عنبر (6)
ونظام ثغرك ما نرى أم لمعة ... من بارق أم معدن من جوهر (7)
__________
(1) هو عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي، مؤرخ، جغرافي، ثقة علّامة بالأدب، توفي بقرطبة سنة 487هـ. له كتب جليلة منها: المسالك والممالك، ومعجم ما استعجم، وفصل المقال، وغيرها. ترجمته في: الصلة 287، بغية الوعاة 2/ 49.
(2) هو كتاب: اللآلي في شرح أمالي القالي، لأبي عبيد البكري. طبع بتحقيق عبد العزيز الميمني رحمه الله وسماه سمط اللآلي.
(3) توفي ابن المولى حوالي سنة 170هـ. له ترجمة في الأغاني: 3/ 286، ومعجم الشعراء 342.
(4) سمط الآلي: 1/ 182.
(5) الأبيات 353427252422211918171614111098654321 في أنوار الربيع في أنواع البديع: 4/ 2927. منسوبة لحسان بن ثابت، والأبيات:
25242221191886541 - في نهاية الأرب 3/ 203لحسان، والأبيات:
25242221191817 - في طراز المجالس للخفاجي / 114دون عزو، والأبيات 22211918في أمالي القالي 1/ 43، والأبيات: 201918في وفيات الأعيان 6/ 326325، والأبيات: 25242221191817في زهر الآداب 4/ 915914منسوبة لأعرابي، والأبيات: 22211918في المستطرف 236، والبيت 20في شذرات الذهب 1/ 275.
(6) في أنوار الربيع: هذا أم استنشأته من مجمر، ورواية البيت في نهاية الأرب:
أنسيم ريحك أم خيار العنبر ... يا هذه أم ريح مسك أذفر
(7) في أنوار الربيع: أبديد ثغرك ما أرى.(1/68)
أودعتني، وجمال وجهك حرقة ... ألهبت جمرتها بطرف أحور (1)
قولي لطرفك أن يردّ عن الحشا ... لذعات نيران الهوى ثمّ اهجري (2)
5 - وانهي جمالك أن يصيب مقاتلي ... فتصيب قومك سطوة من معشري (3)
إنّي من القوم الّذين جيادهم ... هبّت على كسرى بريح صرصر (4)
فأثرن نقعا ما انثنت أثناؤه ... حتّى تشتّت فوق هامة قيصر
فسلبن تاج الملك غصبا بالقنا ... وأجزن باب الدّرب آل الأصفر (5)
آباي من كهلان أرباب الورى ... وبنو الملوك عمومتي من حمير (6)
10 - ضربوا بلاد الصّين بالبيض الّتي ... ضربوا بها كسرى صبيحة «تستر» (7)
__________
(1) في أنوار الربيع: أودعتني ببريق ثغرك وبعده:
ونشرت فرعك فوق متن واضح ... وطويت كشحك فوق خصر مضمر
(2) في أنوار الربيع: أن يكفّ عن الحشا سطوات. وفي نهاية الأرب: أن يصدّ عن الحشا سطوات نيران الأسى.
(3) في أنوار الربيع: أن ينال مقاتلي فينال قومك، وفي نهاية الأرب: وانهي رماتك أن يصبن فينال قومك.
(4) في أنوار الربيع: طلعت على كسرى، وفي نهاية الأرب: إنّا من النفر الذين جيادهم طلعت.
والرّيح الصّرصر: الشديدة البرد أو الصوت.
(5) في أنوار الربيع: قسرا بالقنا وأخذت قهرا درب آل الأصفر، وفي نهاية الأرب:
وسلبن تاجي ملك قيصر بالقنا ... واجتزن باب الدرب لابن الأصفر
(6) في أنوار الربيع: أرباب العلا، وفي نهاية الأرب ثمّة بيتان يليان هذا البيت وهما:
قدنا من اليمن الجياد فما انثنت ... حتى حوت بالصين مهجة بعبر
ورمت سمرقندا بكلّ مثقّف ... لهج بأحشاء الفوارس أسمر
(7) تستر: تعريب: «ششتر» المدينة المعروفة بخورستان، ورواية البيت في أنوار الربيع:
صبحت بلاد الهند بالبيض التي ... صبحت بها كسرى صبيحة دستر(1/69)
والأمن ما بين الشّآم وفارس ... بالحارث الجفنيّ وابن المنذر (1)
أولاد جفنة معشري وكأنّهم ... آساد غيل فوق خيل ضمّر (2)
وطئت ببدر من قريش خيلنا ... ساداتها تحت القنا المتكسّر
ونصرن في الأحزاب حزب محمّد ... وكسون مؤتة ثوب موت أحمر (3)
15 - وطوين يوم الفتح شركا ظاهرا ... ونشرن أثواب الهدى في خيبر (4)
وطلعن من أرجا حنين شزّبا ... يحملن كلّ سليل حرب مسعر (5)
[12/ آ] ما إن يريد إذا الرّماح تشاجرت ... درعا سوى سربال طيب العنصر (6)
يلقى السّيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر (7)
ويقول للطّرف: اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر (8)
20 - وإذا الفوارس عدّدت أبطالها ... عدّوه في أبطالهم بالخنصر
__________
(1) رواية البيت في أنوار الربيع:
ووطئن أرض الشام ثمّ وفارسا ... بالحارث اليمنيّ وابن المنذر
(2) جفنة بن عمرو بن مزيقياء أمير غساني جاهلي، والغيل: موضع الأسد.
(3) الأحزاب: جنود الكفّار من قريش وغطفان وبني قريظة من يهود. ومؤتة: قرية من قرى البلقاء على حدود الشام، وفيها استشهد الأمراء: جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة رضي الله عنهم. وفي أنوار الربيع: وكسون مومة.
(4) خيبر: ناحية على ثماني برد من مكة، غزاها النبي صلّى الله عليه وسلم سنة سبع أو ثمان للهجرة، وكان يسكنها اليهود.
(5) في أنوار الربيع: من رجوى حنين شزّبا، وفي ت وط: شرّفا، وخيل شزّب: أي ضوامر. وحنين:
واد قرب مكة.
(6) تشاجرت: تشابكت.
(7) في أنوار الربيع: يلقى الرماح الشاجرات بنحره، وفي نهاية الأرب: بوجهه وبصدره. والمغفر:
بيضة الحديد على الرّأس.
(8) في أنوار الربيع: فهدمت ركن المجد، والطّرف من الخيل: الكريم العتيق.(1/70)
وإذا تأمّل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب محل أغبر (1)
أو ما إلى الكوماء: هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري (2)
فإذا أردت بأن ترى أسد الشّرى ... فدع الرّماح لمذحج والأشعر (3)
كم قد ولدنا من رئيس قسور ... دامي الأظافر أو ربيع ممطر (4)
25 - سدكت أنامله بقائم مرهف ... في يوم ملحمة وذروة منبر (5)
إن مرّ يوم لم يفد أكرومة ... يعلو الأنام ببعضها لم يعذر
نحن الّذين نذلّ أعناق العدا ... ونعزّ بالمعروف ذلّ المعسر (6)
ولنا بيعرب بسطة من مفخر ... لا ينكرون حضورها في محضر
نرعى الجوار ولا نجور على الورى ... ويبيت فينا الوفر غير موفّر (7)
__________
(1) في الأمالي: أثواب عيش أغبر، وفي أنوار الربيع، محل مقتر، وفي طراز المجالس: متسربل سربال محل أغبر.
(2) في ت و: ط: الكرماء، والكوماء: المراد بها الناقة الضّخمة السّنام.
(3) في ت: فدع الذمام، وفي ط: فدع المدام. ومذحج والأشعر: جدّ جاهليّان قديمان من كهلان.
(4) في أنوار الربيع: من نجيب قسور، وفي زهر الآداب، وطراز المجالس: كم قد ولدتم في الخميس المطر، وفي نهاية الآرب: من كريم ماجد. والقسور: الأسد.
(5) في طذ: سركت يوم الجفان، وفي طراز المجالس: وبنشر فائدة وذروة منبر. وفي أنوار الربيع: سلكت انامله وبنثر فائدة وذروة منبر، وفي زهر الأداب: وبنشر فائدة وجذوة منبر.
وسدكت: لزمت. وجاء بعد هذا البيت في أنوار الربيع البيتان التاليان:
كم فوق وجه الأرض من ذي ثروة ... لولا فواضل رفدنا لم يذكر
لولا صوارم يعرب ورماحها ... لم تسمع الأذان صوت مكبّر
(6) في أنوار الربيع: أعناق القنيا قلّ المعسر.
(7) في ت: الوفد. والوفر من المال والمتاع: الكثير الواسع.(1/71)
30 - قشرت قشيرا خيلنا عن دارها ... وتحطّمت أرماحنا في جعفر (1)
دسنا تميما في قرار ديارها ... يوم الجفار بكلّ طرف مجفر (2)
نقري السّديف ضيوفنا، ورماحنا ... في الرّوع حاضرة القرى للأنسر (3)
وإذا المنى وردت على أموالنا ... آبت محمّلة جميل المصدر
لو رامت الجوزاء أن تعلو على ... أعلى ذوائب مجدنا لم تقدر (4)
35 - قحطان والدنا وهود جدّنا ... بهما غنينا عن ولادة قيدر (5)
قال أبو عبيد البكري في قوله:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره البيت:
«مذهب أكثر الشعراء المدح بلبس الدّروع (6)، وكمال السّلاح» وأنشد على ذلك قول النابغة (7): [الكامل]
__________
(1) قشير أبو قبيلة، وهو قشير بن كعب بن ربيعة. وجعفر: أبو قبيلة من عامر.
(2) قرار: واحدها قرارة: المطمئن من الأرض، ويوم الجفار: كان بين بني بكر وتميم، وهو ماء لبني تميم بنجد. والطرف: الكريم من الخيل، ومجفر: عظيم الوسط.
(3) في ط: السريف. والسديف: لحم السنام.
(4) الجوزاء: نجم يقال إنّه يعترض في جوز السماء.
(5) قحطان: أصل العرب القحطانية، وهود عليه السلام: نبيّ عربيّ أرسله الله إلى قوم عاد الأولى، وقيدر جدّ عدنان أبو إسماعيل.
ويلي هذا البيت في أنوار الربيع أبيات أربعة هي:
قحطان قومي ما ذكرت فخارهم ... إلّا علوت على سنام المفخر
السّابقون إلى المكارم والعلا ... والحائزون غدا حياض الكوثر
فإذا أردت أن ترى مسعاتنا ... فصل النواظر بالسماك الأزهر
ثمّ الصلاة على النبيّ وآله ... ما لاح برق في غمام ممطر
(6) في ط: الدرع.
(7) ديوانه: 100.(1/72)
«سهكين من صدإ الحديد كأنّهم ... تحت السّنوّر جنّة البقّار (1)
وقال مسلم بن الوليد يمدح بعض آل المهلّب: (2) [12/ ب]
[البسيط]
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل
وأنشد على المذهب الآخر قول الأعشى: (3) [الكامل]
كنت المقدّم غير لابس جنّة ... بالسّيف تضرب معلما أبطالها» (4)
[لقاؤه لابن عصام]
وممّن لقيته بتلمسان أبو زكرياء يحيى بن عصام (5)، وهو رجل متقلّل حيي متعفّف، له حظ من اللّغة، ويقرض من الشّعر ما لا بأس به، جارا لأبي عبد الله بن خميس فكنت أجتمع به عنده كثيرا، وممّا أنشدني لنفسه قوله: (6)
[الطويل]
ألا اعلم بأنّ الموت كأس مدارة ... على كلّ من قد راح فيها ومن غدا (7)
__________
(1) في ط: الستور. والسّهكة: الرّائحة الكريهة، والسنوّر: السلاح. والبقّار: موضع منقطع صعب برمل عالج قريب من جبلي طيّئ، كانوا يزعمون أنّ فيه جنّا.
(2) ديوانه: 12.
(3) ديوان الأعشى: 33.
(4) انتهت مقالة أبي عبيد: السمط 183182، بتصرّف يسير.
(5) في ت: عاصم.
(6) البيتان في درّة الحجال: 2/ 30.
(7) في ط: مرارة.(1/73)
وعضب رسوم شيم في شيع الورى ... وماريىء يوما بعد ما شيم مغمدا (1)
وأنشدني أيضا لنفسه مناقضا لبعض المعتزلة (2) في قوله: (3) [الكامل]
لجماعة سمّت هواهم سنّة ... وجماعة حمر لعمري موكفه (4)
قد شبّهوا معبودهم وتخوّفوا ... شنع الورى فتستّروا بالبلكفه (5)
وقال ابن عصام: (6) [الكامل]
قل للّذي سمّى الهداة أولي النّهى ... حمرا لأن سلب الهدى والمعرفه
فغدا يرجّح الاعتزال جهالة ... ويروقه زور وشاه وزخرفه
الحقّ أبلج واضح لكنّه ... يعشي عيون أولي الضّلالة والسّفه
اخسأ فقولك طائح كهباءة ... طاحت بها هوج الرّياح المعصفه (7)
سوّغت ذمّ جماعة سنّيّة ... قد أحرزوا من كلّ فضل أشرفه
قطفوا أزاهر كلّ علم نافع ... وأتوا بكلّ بديعة مستظرفه
__________
(1) في ت وط: شيع في شيع الورى، وفي درّة الحجال: شيح.
(2) هو الزمخشري كما في درّة الحجال: 2/ 30.
(3) الأبيات في أزهار الرّياض 3/ 298، وطبقات الشافعية 9/ 9، ودرّة الحجال: 2/ 30و 184، والإعلام للمراكشي 5/ 206.
(4) في الأزهار ودرّة الحجال: سمّوا. وفي ط: هواها. والإكاف والوكاف: برذعة الحمار.
(5) في أزهار الرياض والطبقات والإعلام: قد شبهوه بخلقه. وفي درّة الحجال: قد شبهوه بخلقهم.
والبلكفة: مصدر مولّد منحوت من قول المتكلمين (بلا كيف) لقول أهل السنة في رؤية الباري تعالى: تجوز رؤيته بلا كيف أي لا تعلم حال تلك الرؤية، ولا وسيلتها، فرارا من القول بالتشبيه والتجسيم انظر أزهار الرياض: 3/ 299حاشية 1.
(6) الأبيات في درّة الحجال: 2/ 3230.
(7) في درّة الحجال: الرياح المعطفة.(1/74)
قوم هم قمعوا الضّلال وحزبه ... بمقاول حكت المواضي المرهفه (1)
هم شيعة الحقّ الّذي ما بعده ... إلّا مهاو في الضّلالة متلفه (2)
آراؤهم يجلو البصائر نورها ... ويميط أدواء القلوب المدنفه (3)
أقصر فإنّ شقاقهم كفر فلا ... تدع الرّشاد لعصبة متعسّفه
من شذّ عن سنن الجماعة قد غوى ... جاءت بذا الكتب الصّحاح معرّفه
[13/ آ]
قلت: قد نظم القاضي أبو حفص بن عمر (4) في هذا أيضا فقال: (5)
[الكامل]
أجعلتم العلماء حمرا موكفه ... هذا لأنّكم أولو تلك الصّفه
أجهلتم صفة الإله وفعله ... ونسبتموه لغيره بالزّخرفه
وأردتم تنزيهه فوقعتم ... في الشّرك والإلحاد والأمر السّفه
خالفتم سنن النّبيّ وصحبه ... وتبعتم في الزّيغ أهل الفلسفه
__________
(1) في ط: قطعوا الضلال بمعاول.
(2) في ت: التي ما بعده.
(3) في ت: وتميط أدواء، والمدنفة: المريضة.
(4) عمر بن عبد الله بن عمر السّلمي: شاعر، من القضاة، أصله من جزيرة شقورة بالأندلس، وولد بأغمات سنة 530هـ، سكن مدينة فاس، وولي قضاء تلمسان ثمّ قضاء فاس بعد أبيه، وولي قضاء إشبيلية وغيرها، وبها توفي سنة 603هـ. ترجمته في الغصون اليانعة: 91، والذيل والتكملة 18/ 222، وصلة الصلة 72، وأزهار الرياض 2/ 361، وزاد المسافر 143، ونفح الطيب:
1/ 291و 3/ 209و 241و 4/ 162ونسبه خطأ إلى قرطبة، والعلوم والآداب على عهد الموحّدين 172.
(5) الأبيات في: أزهار الرياض 3/ 324.(1/75)
قلت: خفّف القاضي رحمه الله «الحمر»، والتخفيف في «فعل» مطّرد إلا فيما يلبس، وهو هنا يلبس ملبس بجمع أحمر، فينبغي ألّا يخفّف ولم يقرأ في السّبع {كأنّهم حمر مستنفرة} [1] إلّا بالتثقيل ومن هذه الحجة أنكر المحقّقون (2) إسكان الباء في
قوله صلّى الله عليه وسلم: «الّلهم إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث»
(3) لّما كان إسكانه يلبس بالمفرد، وسيأتي ذكر هذا الحديث إن شاء الله تعالى.
وممّا عرض لي نظمه بمدينة تلمسان جبرها الله قولي: [الطويل]
تغرّبت عن أهلي إليك ومالي ... وأعرضت عن قيل عداك وقال
تماثل في دنياي إذ أنت مطلبي ... محب له شوق إليّ وقال
سموت على قصد إليك بهمّة ... ترى عيش كسرى مثل عيش دلال
ولاحت لي الدّنيا فأبصرت عمرها ... ، ولو زيد أضعافا، كحلّ عقال
5 - وما عيشها إلّا كظلّ غمامة ... وما ملكها إلّا كطيف خيال
وهل بعد أن أسدى إليّ لطائفا ... يقصّر عن تبيانهنّ مقالي
وباشر قلبي باليقين مبرّدا ... حرارة إشكال أخلّ بحالي (4)
__________
(1) سورة المدّثرّ، الآية: 50. وقال: أبو حيّان: «قرأ الجمهور حمر بضمّ الميم، والأعمش بإسكانها» البحر المحيط 8/ 380.
(2) في حاشية الأصل عبارة: بل أجازوا في شرح العمدة.
(3) أخرجه الترمذي عن أنس في كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا ادخل الخلاء (حديث رقم 5).
وموارد الظّمان للهيثمي: 61وسنن البيهقي: 1/ 95والمعجم الصغير للطبراني 2/ 44وفي الضعفاء الكبير للعقيلي 3/ 371. وصحيح ابن حبّان 2/ 342، ومسند أبي يعلي الموصلي 7/ 10، والخبث جماعة الخبيث، والخبائث: جمع الخبيثة يريد ذكر ان الشياطين وإناثهم.
(4) في ت: أحلّ بحالي.(1/76)
أرى رافعا صوتي إلى غير جاهه ... وأبسط للمخلوق كفّ سؤالي؟
أبعد سطوع الشّيب في ليل لمّتي ... ونأي ضلالي بعد فيء ظلالي (1)
5 - أهيم بدنيا. ما تساوي قلامة ... وأخضع مرتادا لنيل نوال؟ (2)
[13/ ب] أبى ذاك لي قصد إلى الله صاعد ... وعلم سما بي فيه نحو كمال (3)
فما أنا نحو النّحو أسمو بهمّتي ... وفي اللّغو أخطار اللّغات ببالي (4)
ولا منطقي بطّلت في علم منطق ... يعدّ حساما في مجال جدال (5)
وليس كلامي في الكلام أقوده ... كما قيد صعب للشّماس موال (6)
15 - ولا عارضت علم العروض عنايتي ... لأجعله قبّان نظم لآل (7)
وأحسب تدقيق الحساب بطالة ... لإبطال وقت لا يردّ بحال
ولكنّني مهما نحوت تفقّها ... خلعت عذاري موضحا لخلالي
ألا لست أعني بالتفقّه ما حوت ... دفاتر تملى من ظنون رجال
ولكنّه فقه علا عن تناقض ... وليس لآراء الورى بمجال
20 - تريك اطّرادا منه كلّ قضيّة ... أنابيب تبدو في متون عوال (8)
__________
(1) اللّمّة: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن.
(2) في ط: لا تساوي.
(3) في ط: أما ذاك.
(4) في الأصل. فها أنا.
(5) في ط: بطلب، وهو تصحيف.
(6) في ت: للشمال، وهو تحريف، وشمست الدابة والفرس: شردت وجمحت ومنعت ظهرها.
(7) في ت: قفاز، وهو تصحيف.
(8) في ت: أنابيب مدّوا.(1/77)
قضايا جلايا مثلما لاح ساطع ... يصول بجند اللّيل ايّ صيال
25 - قضايا إذا وفّقت يشفيك حكمها ... وإلّا فلا تعرض لطبّ عضال
فلست لها في الكتب يوما مطالعا ... ولا سامعا فيها نظام مقال
وفي عقل ذي القلب المتيّم رقمها ... يبين به عن كلّ أنوك سال (1)
فإن أنت لم توصل لحال وصالها ... فدعني وإيّاها حليف وصال (2)
[ذكر مليانة]
وكان رحيلنا بعد المقام المطوّل (3) لخمس خلون من شهر ربيع الأوّل، فنكبّنا عن طريق المدينة (4) يسارا، وسرنا لا نألو جدّا وانشمارا (5). ثمّ وصلنا وقد ألقى جمل الإعياء جرانه، وغنّى بلبل العناء ألوانه، إلى البلدة الخصيبة مليانة (6)، وهي مدينة مجموعة مختصرة، وليست مع ذلك عم أمّهات المدن مقصّرة أشرفت من كثب على وادي شلف، واستشرفت نسيم طرفها من شرف، في روضة جمّة الأزهار والطّرف فرعت في سفح جبل حمى حماها أن يرام، وشرعت في أصل نهر يشفي الهيّم (7) من الهيام، شاق منظرا، وراق
__________
(1) الرّقم: الكتابة، والأنوك: الأحمق.
(2) في ت: بحال وصالها.
(3) في ت وط: الطويل.
(4) في ط: البرية.
(5) في ت: واشتمارا.، والأنشمار والاشتمار: المضيّ والنفوذ.
(6) مليانة: مدينة في آخر إفريقية، بينها وبين تنس أربعة أيام، وهي مدينة رومية قديمة، جدّدها زيري ابن مناد معجم البلدان 5/ 196، ويقول الحسن الوزّان: تقع في قنّة جبل على بعد نحو 40ميلا من البحر وصف إفريقية: 2/ 3534.
(7) في بقية النسخ: المقيم.(1/78)
مخبرا، وشفى الظّماء موردا ومصدرا، يشتهي الناظر [14/ آ] إليه وهو ريّان الشّروع، ويقول: لورشّ (1) به لأفاق المصروع، كأنّ حصباءه (2) جمان (3)
والماء من رقّته دموع وبها جامع مليح عجيب، يدعو الشّوق من رآه فيجيب، ولكنّ الزّمان قد عوّضه من حليّ عطلا، (4) وأدّى له من حكمة خطلا (5)، وأبدل هالته السّها من تلك الأقمار، وكساه بعد الحبر (6) الأظمار، (7) وأحلّ حلاله بعد الأنس بأنسها وحشة العمار فلو صرّحت في الجوى بالجواب، وأفصحت عن (8) وقوع النوى بالنّوائب النّواب، لأنشدت (9) باستعجال، وقالت (10)
بارتجال: [الطويل]
شباب لدى عهد الشّبيبة قد عسا ... أعلّل فيه النّفس علّي أو عسى (11)
لعلّ ربوعا من حلاها عواريا ... تعود لها تلك المفاخر ملبسا
لعلّ نجوما كنت هالة بدرها ... ستجلو ظلاما حلّ أفقي فألبسا
لعلّ انتظام الشّمل يرجع ثانيا ... ويعطف بالإحسان دهر بنا أسا
__________
(1) في ت: رقي.
(2) الحصباء: الحصى.
(3) الجمان: حبّ يتّخذ من الفضة، أمثال اللؤلؤ.
(4) عطلت المرأة: إذا لم يكن عليها حليّ، ولم تلبس الزينة، وخلا جيدها من القلائد.
(5) الخطل: الكلام الفاسد الكثير المضطرب.
(6) الحبر والحبر: الحسن البهاء.
(7) الأطمار: جمع طمر وهو الثوب الخلق.
(8) في ت: على.
(9) في ت: لشدت باستحال.
(10) في ت: وأنشدت.
(11) عسا: كبر.(1/79)
5 - رماني زماني بالنّوى من أحبّة ... لبينهم عاد الأنيس معبّسا (1)
نأى عمر الحبر الإمام بحاضري ... فكيف ألاقي من زماني تأنّسا (2)
وقد حظيت أغمات منه بما جد ... تدرّع من غرّ الفضائل ملبسا (3)
لقد هنت حتّى شطّ عنّي مزاره ... ونالت به أغمات مجدا مؤسّسا
وكنت مقيلا للهداة تؤمّه ... فصرت لأخلاط الغواة معرّسا (4)
10 - وكنت لباغي الجود والعلم ملتقى ... فإن شئت مقراة وإن شئت مدرسا
وكم كنت للضّرغام والظّبي مألفا ... أنسّيك إن أبصرت خيسا ومكنسا (5)
أراغم ريب الدّهر منه بما جد ... إذا ضاق خطب أو تفاقم نفّسا
فجلّلت عن تلك الجلالة حلّة ... وعوّضت من تلك الأهلّة حندسا
فها أنا أشدو إن نطقت تمثّلا ... وليل همومي قد دجا بي وعسعسا (6):
__________
(1) في ت: زماني رماني، وفي ط: لبعدهم عاد الأنيس.
(2) هو أبو علي الملياني: عمر بن عبد الجبار الملياني: أصله من مليانة، ثار على الحفصيين ودعا لنفسه في مليانة سنة 657هـ، ثم فرّ إلى المغرب بعد استيلاء الحفصيين عليها، والتجأ إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني الذي ولّاه على أغمات، توفي سنة 686هـ انظر مقدمة تحقيق السفر الثامن من الذيل والتكملة 6564.
(3) أغمات: مدينة بالمغرب الأقصى، بقرب وادي درعة، بينها وبين نفيس مرحلة وأغمات مدينتان، إحداهما تسمى: أغمات وريكة، والأخرى: أغمات هيلانة، وبينهما ثمانية أميال (ياقوت: 1/ 225) وتقع على نحو 24ميلا من مرّاكش. وصف إفريقيا: 1/ 135.
(4) الغّاوي: الضّال، التّعريس: النزول آخر اللّيل.
(5) في ط: أنيسك. والخيس: موضع الأسد، والمكنس: مدلج الوحش من الظباء والبقر، تستكنّ فيه من الحرّ.
(6) عسعس الليل: أقبل بظلامه.(1/80)
«وبدّلت قرحا داميا بعد صحّة ... لعلّ منايانا تحوّلن أبؤسا» (1)
وما بقي بها من له بالعلم أدنى عناية، ولكنّا قد استفدنا بها حكاية [14/ ب] وهي أنّ بعض الكتّاب كان يكتب كتابا عن أمير، فلمّا قرأه عليه لم يرضه فمزّقه، فكتبه ثانية، فمزّقه، فلمّا رأى تعسّفه أخذ قرطاسا ونظم فيه ارتجالا: (2) [الطويل]
رأيتك تكويني بميسم منّة ... كأنّك أنت اليوم علّة تكويني (3)
وتلويني الحقّ الّذي أنا أهله ... وتمطلني فيه بعذل وتلويني (4)
فأقصر عن العتب الطّويل فبلغة ... من العيش تكفيني إلى حين تكفيني (5)
ولم آخذ هذه الحكاية ممّن أطمئنّ إليه وأحيل بالعهدة فيها عليه، ولكنّني قيّدنها لتنظر، وعرضتها لتخبر، فإن صحّت فهو الغرض، وإلا فكم ظنّت صحّة بذي مرض.
__________
(1) ضمّن بيت امرئ القيس، وهو في ديوانه: 107.
(2) البيتان 1و 3في ديوان الإمام الشافعي 177ووردت الأبيات الثلاثة في ديوان أبي الفتح البستي (323) وفي يتيمة الدّهر منسوبة للبستي.
(3) في ديوان الشافعي: «كأنّك كنت الأصل في علّة تكويني» وفي ديوان البستي «بميسم ذلّة كأنّك قد أصبحت علّة تكويني» ورد الشطر الثاني في اليتيمة كما جاء في ديوان البستي.
(4) البيت الثاني وصدر البيت الثالث ساقطان من ت. وجاءت رواية البيت الثاني في ديوان البستي:
«وتلويني الوعد الذي قد وعدتني ... وتذهب فيه إلى كلّ تلوين»
وفي اليتيمة «وتخرج في أمري إلى كلّ تلوين»
(5) في ط: فأقصر على. وجاءت رواية البيت في ديوان البستي هكذا: «فمهلا ولا تمنن عليّ فبلغة»
وقد ورد كما في ديوان البستي في اليتيمة، وفي ديوان الشافعي: «فدعني من المنّ الوخيم فلقمة»(1/81)
[ذكر الجزائر]
ثمّ وصلنا إلى الجزائر، وهي مدينة تستوقف بحسنها ناظر النّاظر، ويقف على جمالها خاطر الخاطر (1) قد حازت مزيّتي البرّ والبحر، وفضيلتي السّهل والوعر لها منظر معجب أنيق، وسور معجز وثيق، وأبواب محكمة العمل يسرح الطّرف بها حتّى يملّ، ولكنّها قد أقفرت من المعنى المطلوب، كما: [البسيط]
أقفر من أهله ملحوب (2)
فلم يبق بها من هو من أهل العلم محسوب، ولا شخص إلى فنّ من فنون المعارف منسوب. وقد دخلتها سائلا عن عالم يكشف كربة، أو أديب يؤنس غربة، فكأنّي أسأل عن الأبلق العقوق (3)، أو أحاول تحصيل بيض الأنوق.
[ذكر بجاية]
ثمّ وصلنا إلى مدينة بجايه (4)، مبدأ الاتّفاق (5) والنّهاية، وهي مدينة كبيرة، حصينة شهيرة، برّية بحريّة، سنيّة سرية، وثيقة البنيان، عجيبة الإتقان،
__________
(1) خاطر الأولى: ما يخطر بالذهن من رأي أو أمر أو معنى، وخاطر الثانية: المتبختر.
(2) صدر بيت عجزه: «فالقطّبيّات فالذّنوب» وهو مطلع قصيدة عبيد بن الأبرص في ديوانه: 23، وملحوب: اسم ماء لبني أسد، والقطّبيّات: جبل، والذنوب: موضع في ديار أسد.
(3) في المثل: «أعزّ من بيض الأنوق، والأبلق العقوق»، والعقوق: الحامل من النوق، والأبلق: من صفات الذكور فكأنّه قال: طلب الذّكر الحامل انظر الميداني: 2/ 43، والأنوق: طائر تبيض إناثه حيث لا يلحق شيء بيضها. وفي المثل السائر: «كلّفتني بيض الأنوق» يضرب في الرّجل يسأل ما لا يكون وما لا يقدر عليه انظر الميداني 2/ 44، وثمار القلوب 494.
(4) بجاية: مدينة على ساحل البحر بين إفريقية والمغرب، في الجزائر اليوم وأوّل من اختطّها الناصر ابن علناس بن حماد بن زيري بن مناد بن بلكين في حدود 457هـ وتسمى «الناصرية» أيضا باسم مختطّها انظر وصف إفريقيا: 2/ 50وما كتبه محقّق كتاب «عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية» الأستاذ رابح بونار في مقدّمة تحقيقه للكتاب المذكور، صفحة 113.
(5) في ط: الإتقان.(1/82)
رفيعة المباني، غريبة المعاني، موضوعة في سفح جبل وعر، مقطوعة بنهر وبحر، مشرفة عليهما إشراف الطّليعة، متحصّنة بهما منيعة فلا مطمع (1)
فيها لمحارب، ولا متّسع بها لطاعن وضارب ولها جامع عجيب، منفرد في حسنه غريب، من الجوامع المشهورة، الموصوفة المذكورة، وهو مشرف على برّها وبحرها [15/ آ] وموضوع بين سحرها ونحرها (2) فهو غاية في الفرجة والأنس، ينشرح الصّدر لرؤيته وترتاح النّفس وأهلها يواظبون على الصّلاة فيه مواظبة رعاية، ولهم في القيام به تهمّم وعناية، فهو بهم مأهول عامر، يتخلّل أنسه مسلك الأرواح ويخامر.
وهذا البلد بقيّة قواعد الإسلام، ومحلّ جلّة (3) من العلماء أعلام وله مع حسن المنظر طيب المخبر، ومع المرأى الرّائق المعنى الفائق، ومن الحصانة ووثاقة البنيان ما أزرى بإرم وغمدان (4) ولأهله من حسن الخلق والأخلاق، ما أنبأ عن طيب الهواء والماء، والتّربة والأعراق غير أنّه قد اعتراه من الغير، ما شمل في هذا الأوان البدو والحضر وقد غاض بحر العلم الّذي كان به حتّى عاد وشلا (5)، وعفا رسمه حتّى صار طللا وبه آحاد من طلبة العلم قد اقتصروا على مطالعة الصّحف والدّفاتر، وسلكوا في ترك تصحيح الرّواية طريقا لم يرضه الأعلام الأكابر.
__________
(1) في ط: طمع.
(2) سحر كلّ شيء: طرفه، ونحره: أوله.
(3) في ط: حلّه.
(4) غمدان: قصر معروف باليمن.
(5) الوشل: الماء القليل.(1/83)
[لقاؤه للشّاطبيّ]
ولم أر بها من أهل الشّيمة الفضلى، والطّريقة المثلى (1)، أمثل من الشّيخ، الفقيه، الخطيب، الصّالح، المسند، الرّاوية، أبي عبد الله محمّد بن صالح ابن أحمد الكنانيّ الشّاطبي (2) حفظه الله وهو شيخ على سنن أهل الدّين، سالك سبيل المهتدين، مقبل على ما يعنيه، مشتغل بعمر في طاعة الله يفنيه دأبه الاقتصار على تجويد الكتاب، والتّردّد ما بين بيته والمحراب. وقد لقي من الشّيوخ أعلاما، صيّره لقاؤهم والأخذ عنهم إماما وله مع علوّ الرّواية حظّ وافر من الدّراية، إلى خلق لو شاب ماء البحر صار فراتا، ودين ألزمه خشوعا وإخباتا (3). وقد شاهدت له من غزارة العبرة، ما هو من أعظم العبرة.
ولمّا ودّعته قال لي: «إنّك توحشني بفراقك! وقد أقبل عليك قلبي لأوّل ما رأيتك». وما كانت مدّة إقامتنا ببجاية إلّا يومين، قرأت عليه فيهما مع كثرة [15/ ب] الشّواغل وتسلّط الهموم الّتي تخلّ بعقل العاقل بعض كتاب «الموطّأ» رواية يحيى بن يحيى (4)، وناولني سائره، وبعض كتابي «التّيسير» (5)
__________
(1) استفاد من التعبير القرآني في سورة طه، 63: (ويذهبا بطريقتكم المثلى)
(2) توفي محمد بن صالح بن أحمد الكناني الشاطبي سنة 699هـ، انظر عنوان الدراية: 104، وفيات ابن قنفذ 335، درّة الحجال 2/ 1817.
(3) الإخبات: الخشوع والتواضع.
(4) هو يحيى بن كثير بن وسلاس، عالم الأندلس في عصره، رحل إلى المشرق، وسمع الموطّأ على الإمام مالك، وعاد إلى الأندلس ونشر فيها مذهب الإمام مالك، توفيّ بقرطبة سنة 234هـ، له ترجمة في جذوة المقتبس: 382، ترتيب المدارك 2/ 534، الديباج المذهب 350.
(5) هو كتاب التيسير في القراءات السبع، وهو مختصر مشتمل على مذاهب القراء السبعة في الأمصار وما اشتهر من الروايات، وهو مطبوع.(1/84)
و «المقنع» (1) للإمام أبي عمرو الدّاني (2)، وناولنيهما، وقرأت عليه جميع «قصيدة الشّيخ الإمام أبي القاسم، قاسم بن فيّرة الرّعيني الشّاطبي (3) في القراءات»، وحدّثني بها عن الشّيخ الفقيه الخطيب (4) المقرىء (5) أبي بكر محمّد بن وضّاح اللّخمي (6) سماعا عن ناظمها الشّيخ الفقيه الإمام أبي القاسم المذكور. ووجدت على ظهر أصله من هذه القصيدة تنبيها بخطّه على الاختلاف في كنية النّاظم المذكور، هل هي أبو القاسم أو أبو محمّد؟.
قلت: وهما معا صحيحتان وأهل مصر لا يعرفونه إلّا بأبي القاسم، ولهم نظم هذه القصيدة، وعندهم توفي في عقب جمادى الآخرة، عام تسعين وخمس مئة، ومدفنه بمقبرة البيساني، وكان يكنّى في الأندلس بأبي محمّد، وبه كنّاه جميع شيوخه الأندلسيّين الّذين قرأ عليهم، فيما كتبوه له، كأبي
__________
(1) هو كتاب المقنع في رسم المصحف، وهو مختصر في معرفة رسوم المصاحف، مع بيان القول في كيفية نقطه وإحكام ضبطه على وجه الإيجاز والاختصار، وهو مطبوع.
(2) هو عثمان بن سعيد بن عثمان: حافظ عالم بعلوم القرآن وتفسيره، من أهل دانية بالأندلس، توفي سنة 444هـ. ترجمته في الصلة: 405بغية الملتمس:
411 - جذوة المقتبس: 305.
(3) قاسم بن فيّرة بن خلف بن أحمد الرّعيني الشاطبي: إمام القرّاء في عصره، كان عالما بالحديث والتفسير واللغة، توفي بمصر سنة 590هـ ومولده بشاطبة سنة 538هـ. له «حرز الأماني» وهي قصيدة في القراءات. ترجمته في وفيات ابن قنفذ 296، وفيها وفاته سنة 589العبر 3/ 102.
(4) ليست في ت.
(5) ليست في ت وط.
(6) محمد بن ابراهيم بن وضّاح اللخمي، عالم مقرىء أديب، من أهل غرناطة، رحل في طلب العلم والحجّ، نزل جزيرة شقر من أعمال بلنسية، وأقرأ فيها القرآن نحوا من أربعين سنة، توفي سنة 587هـ. ترجمته في نفح الطيب 2/ 160.(1/85)
الحسن بن هذيل (1) وغيره، وعادة النّاس إلى الآن مختلفة في تكنية قاسم على الوجهين المذكورين.
وقرأت عليه أيضا بعض كتاب «الشّمائل» للتّرمذي، وبعض كتاب «رياضة المتعلّمين» للحافظ أبي نعيم (2)، وناولني سائرهما، وناولني «المفردات» لأبي عمرو، وكتاب «فضل قيام اللّيل» وكتاب «فضل تلاوة القرآن» للإمام أبي بكر الآجرّي (3)، وأجازني (4) إجازة عامّة، وكتب بذلك خطّ يده، وقيّد لي جملة من أسماء شيوخه ومرويّاته، وقد جمع ذلك في «برنامج» له، قرأته عليه حين لقيته المرّة الثّانية حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وسألته عن مولده فأخبرني أنّه كان في التّاسع والعشرين من ذي قعدة عام أربعة عشر وستّ مئة. وقرأت عليه حديث كميل بن زياد (5) عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من «رياضة المتعلّمين»، وحدّثني به عن الشّيخ الرّاوية أبي الحسين (6)
__________
(1) علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي: شيخ المقرئين بالأندلس، روى الصحيحين وسنن أبي داود، ولد سنة 471هـ وتوفي سنة 564هـ. ترجمته في بغية الملتمس 414، والمعجم لابن الأبّار 296، والعبر 3/ 44.
(2) هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني: حافظ، محدث فقيه، له: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، توفي بأصبهان سنة 430هـ. ترجمته في ميزان الاعتدال: 1/ 111، ولسان الميزان: 1/ 201.
(3) هو محمد بن الحسين بن عبد الله: فقيه شافعي، محدّث، نسبته إلى آجرّ من قرى بغداد، انتقل إلى مكة المكرمة وتوفي فيها سنة 360هـ، له تصانيف منها: أخبار عمر بن عبد العزيز، وأخلاق العلماء، والأربعون حديثا. ترجمته في وفيات الأعيان 4/ 293292شذرات الذهب 3/ 35.
(4) تكون الإجازة مشافهة وإذنا باللفظ، أو بالكتابة بحضرة المجاز أو مغيبه، انظر أقسام الإجازة في:
الباعث الحثيث لابن كثير 114.
(5) كميل بن زياد بن نهيك النّخعي: تابعي، ثقة، من أصحاب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، شهد صفّين مع عليّ، وسكن الكوفة، وروى الحديث، قتله الحجّاج صبرا سنة 82هـ، ومولده سنة 12هـ.
ترجمته في الإصابة: 3/ 300، وتهذيب التهذيب: 8/ 447، والأعلام: 5/ 234.
(6) في ت: الحسن.(1/86)
أحمد بن محمّد ابن أحمد بن السّرّاج سماعا عليه [16/ آ] بقراءة الشّيخ العالم أبي عبد الله القضاعي، عن أبي القاسم بن بشكوال بسنده فيها إلى
كميل «قال: أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّانة (1)، فلمّا أصحر (2) تنفّس الصّعداء، ثمّ قال: يا كميل! إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير يا كميل! احفظ عنّي ما أقول: النّاس ثلاثة:
عالم ربّاني ومتعلّم على سبيل نجاة وهمج رعاع، لكّل ناعق أتباع يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق يا كميل! العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النّفقة، والعلم يزكو على الإنفاق يا كميل! محبّة العالم (3) دين يدان به، يكسبه الطّاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله، والعلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل! مات خزّان المال، والعلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القّلوب موجودة. ثمّ قال، ها إنّ هاهنا علما وأشار إلى صدره لو أصبت له حملة! بلى، أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدّين في طلب الدّنيا، ويستظهر بحجج الله على أوليائه، وبنعم الله على معاصيه، أو منقادا لحملة العلم لا بصيرة له في أنحائه، يقدح الشّكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة ألا لا ذا ولا ذاك فمن هو منهوم باللّذّات، سلس القياد إلى الشّهوات، مغرم بالجمع والادّخار، وليس من دعاة الدّين أقرب
__________
(1) في بقية النسخ: الجبّان. والجبّان والجبّانة بالتشديد: الصحراء، وتسمى بها المقابر، لأنها تكون في الصحراء، تسمية للشيء بموضعه.
(2) أصحر الرجل: خرج إلى الصحراء.
(3) في ت: العلماء، وفي نهج البلاغة: العلم.(1/87)
شبها به الأنعام. كذلك يموت العلم بموت حامليه (1). ثم قال: اللهمّ! بلى لا تخلو الأرض من قائم [لك] (2) بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا، وإمّا خافيا مغمورا، لئلّا تبطل حجج (3) الله وميثاقه وكم وأين أولئك الأقلّون عددا، والأعظمون قدرا؟
بهم يحفظ الله حججه حتّى يودعها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين فاستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا بما استوحش منه [16/ ب] الجاهلون صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالملكوت الأعلى يا كميل! أولئك خلفاء الله في أرضه والدّعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إليهم وإلى رؤيتهم! واستغفر الله لنا ولهم، انصرف إذا شئت»
(4).
وقرأت عليه فيها بسنده إلى عليّ أيضا،
قال: «إنّ من حقّ العالم ألّا تكثر عليه السّؤال، ولا تعنته (5) في الجواب، ولا تلحّ عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تشير إليه بيدك، ولا تفشينّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا تطلبنّ عثرته، فإن زلّ انتظرت أوبته، وقبلت معذرته (6)، وأن توقّره وتعظّمه لله، ولا تمشي أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته، ولا تتبرّمنّ طول صحبته، فإنّما هو بمنزلة النّخلة تنتظر ما سقط عليك منها منفعة، وإذا جئت فسلّم على القوم وخصّه بالتّحية، واحفظه شاهدا وغائبا.
وليكن ذلك كلّه لله، فإنّ العالم أعظم أجرا من الصّائم القائم المجاهد في
__________
(1) في ت: حامله
(2) ليست في الأصل.
(3) في ت: حجّة الله.
(4) ورد قول عليّ رضي الله عنه في نهج البلاغة 495وفي شرحه لابن أبي الحديد 5/ 434.
(5) أعنته: سأله عن شيء أراد به اللّبس والمشقة عليه.
(6) في ط: معذورته.(1/88)
سبيل الله. وإذا مات العالم انثلمت في الإسلام ثلمة (1) إلى يوم القيامة لا يسدّها إلّا خلف مثله، وطالب العلم تشيّعه الملائكة من السّماء»
. وقرأت عليه فيها بسنده إلى
الحارث الأعور (2) عن عليّ أيضا قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنّ أمّتك ستفتتن من بعدك، فسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما المخرج من ذلك؟ قال: «كتاب الله الّذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [3] من ابتغى العلم في غيره أضلّه الله، ومن ولي هذا الأمر من جبّار فحكم بغيره قصمه الله هو الذّكر الحكيم، والنّور المبين، والصّراط المستقيم فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل وهو الّذي سمعته الجنّ فلم تتناه أن {قالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا. يهدي إلى الرّشد} [4] لا يخلق على طول الرّدّ، ولا تنقضي عبره، ولا تفنى عجائبه» (5) ثمّ قال للحارث: خذها يا أعور.
وأنشدني حفظه الله لنفسه: (6) [الطّويل]
[17/ آ] أرى العمر يفنى والرّجاء طويل ... وليس إلى قرب الحبيب سبيل
حباه إله الخلق أحسن سيرة ... فما الصّبر عن ذاك الجمال جميل (7)
__________
(1) الثلمه: الخلل في الحائط وغيره.
(2) هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن نخلة الهمداني: فقيه كان له قول في الفتيا، وكان صاحب عليّ كرّم الله وجهه انظر ابن أبي الحديد: 5/ 227.
(3) سورة فصّلت: 42.
(4) سورة الجنّ: 1و 2.
(5) أخرجه الترمذي في ثواب القرآن، باب فضل القرآن، رقم 2908، وأبو نعيم في الحلية 5/ 253، والدّارمي: 2/ 435، والشفا لعياض: 1/ 392، والمصنف لابن أبي شيبة: 10/ 482.
(6) الأبيات في درّة الحجال: 2/ 18، ونفح الطيب: 4/ 340، وأنس الساري والسارب: 124.
(7) في درّة الحجال: إله العرش، وقد ضمّن الشاعر أوائل الأبيات اسم أحمد صلّى الله عليه وسلم.(1/89)
متى يشتفي قلبي بلثم ترابه ... ويسمح دهر بالمزار بخيل؟
دللت عليه في أوائل أسطري ... فذاك نبيّ مصطفى ورسول
وأنشدني أيضا قال: أنشدني الشّيخ الفقيه الخطيب أبو محمّد عبد الله ابن عبد الرّحمن بن عبد الله، هو ابن برطله (1)، لنفسه: (2) [مخلّع البسيط]
أسلمني للبلى وحيدا ... من هو في ملكه وحيد (3)
قضى عليّ الفناء حتما ... فلم يكن عنه لي محيد
وكيف يبقى غريق ترب ... بدأته أوّلا صعيد (4)
يعيده آخرا إليه ... من نعته المبدئ المعيد (5)
وأنشدني كذلك له أيضا: (6) [الطويل]
أيا ناظرا نحوي ترحّم لراحل ... أتته المنايا في ثياب مقيم (7)
فلم يلتمس زادا سوى حسن ظنّه ... ومن يبتغي زادا لدار كريم؟ (8)
__________
(1) عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موسى بن سليمان الأزدي: فقيه مالكي، قاض، محدّث، من أهل مرسية، انتقل إلى المغرب الأوسط، فسكن بجاية، وتوفي بتونس سنة 661هـ. ترجمته في: عنوان الدّراية: 109، وفيات ابن قنفذ: 330، شجرة النور: 1/ 196وفيها: عبد الحق بن برطلة.
(2) الأبيات في الإحاطة: 4/ 198، وعنوان الدراية: 109.
(3) في الإحاطة: أسلمني للبلاء، وفي ط: للبلاد.
(4) في العنوان: بذاته، والإحاطة: فذاته، والصّعيد: التّراب.
(5) الشطر الأوّل في الإحاطة: يعيد أحواله إليه، والمبدىء المعيد: من أسمائه تعالى.
(6) البيتان في عنوان الدراية: 109.
(7) في عنوان الدّراية: يا ناظرا.
(8) في عنوان الدّراية: ومن يرتضي لقصد كريم.(1/90)
قلت: (1) وأظنّ هذا الشّعر مأخوذا من قول الآخر (2): [السريع]
قالت لي النّفس: أتاك الرّدى ... وأنت في بحر الخطايا مقيم
وما انتقيت الزّاد، قلت: ارعوي ... هل يحمل الزّاد لدار الكريم؟ (3)
وأنشدني كذلك له أيضا: (4) [مخلّع البسيط]
دنياك مهما اعتبرت فيها ... كجيفة عرضة انتهاب (5)
إن شئتها فاحتمل أذاها ... واصبر على خلطة الكلاب
قلت: وكأنّ هذا أيضا مأخوذ من قول الآخر، أخبرنا به الشّريف أبو الحسن علي بن أحمد إجازة عن الشّيخ أبي الحسن محمّد بن أحمد بن القطيعي المؤرّخ، عن الإمام أبي الفرج بن الجوزيّ (6) ممّا أنشده في صفة الدّنيا (7): [17/ ب] [الطويل]
__________
(1) ليس في ط.
(2) الشاعر هو أبو الحجّاج يوسف المنصفي، وهو زاهد مشهور سكن سبتة، والبيتان في: المغرب:
2/ 354وتحفة القادم 84، ورايات المبرّزين 243، والتشوّف: 426، والنفح: 1/ 181.
(3) في المغرب والنفح والرايات والتحفة: فما ادّخرت الزاد. وفي التّشوّف: وما ذخرت. وفي المغرب والنفح والرايات والتحفة: قلت: اقصري وفي الرايات: هل يحمل الزاد لباب الكريم.
(4) البيتان في عنوان الدراية: 106دون نسبة، وفي الكتيبة الكامنة: 33لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي العاص التنوخي. وفي درّة الحجال: 2/ 18منسوبة خطأ للعبدري صاحب الرحلة.
(5) البيت في عنوان الدراية:
دنياك مهما اعتبرت جيفة ... قد عرضت فرصة انتهاب
وفي درّة الحجال: دنياي مهما اغتررت النهاب. وفي الكتيبة الكامنة: واصبر عليها مع الكلاب.
(6) عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي: مؤرخ محدّث، توفي ببغداد سنة 597هـ، له: الأذكياء وأخبارهم، ومناقب عمر بن عبد العزيز. ترجمته في: غربال الزمان: 484شذرات الذهب:
4/ 329وفيات ابن قنفذ: 301، وفيه وفاته سنة 559هـ.
(7) البيتان للشافعي في ديوانه: 34، ومطلع البيت الأوّل فيه: وما هي إلّا جيفة(1/91)
وهل هي إلّا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همّهنّ اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها
وأمّا ضبط هذا الاسم فقد قيّدته على شيخنا أبي عبد الله: برطلة، بتاء التّأنيث المنقلبة هاء في الوقف، وبضمّ الباء والطاء، وقيّده الفقيه أبو الحسن ابن رزين (1) بضمّ اللّام وهاء ساكنة، وقال هكذا ثبت عنه وهو من أهل مرسية، علم من أعلامها وعالم من علمائها، خطب بها وببجاية بخطب بليغة من إنشائه، وولي القضاء بمواضع من عمل تونس، وبها استقرّ أخيرا، بعد أسر ناله مرّتين، وحجّ ثمّ رجع إلى تونس فتوفي بها عام أحد وستّين وستّ مئة.
وقرأت عليه أيضا أوّل قصيدة أبي عبد الله بن أبي الخصال (2)، الّتي سمّاها: «معراج المناقب (3)» وناولنيها، وحدّثني بها عن ابن السرّاج قراءة عن أبوي القاسم: ابن بشكوال وابن غالب الشرّاط، سماعا عليهما، بقراءة خاله أبي بكر محمّد بن خير، عن ناظمها المذكور، وأوّلها: (4) [الطويل]
إليك! فهمّي والفؤاد بيثرب ... وإن عاقني عن مطلع الوحي مغربي
__________
(1) هو علي بن محمد بن أبي القاسم بن رزين التونسي: فقيه محدّث، له رواية واسعة، له فهرسة جمع بها أسماء شيوخه. توفي بتونس سنة: 692هـ، ترجمته في برنامج الوادي اشي: 65 فهرس الفهارس: 1/ 441.
(2) هو محمد بن مسعود بن طيب بن فرج بن خلصة الغافقي: وزير أندلسي، شاعر أديب، توفي بقرطبة سنة 540هـ. له رسائل وشعر قام بتحقيقها الدكتور محمد رضوان الدايّة. انظر خريدة القصر قسم المغرب 3/ 449.
(3) اسمها كاملا: معراج المناقب ومنهاج الحسب الثاقب في نسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعجزاته ومناقب أصحابه» وتقع في واحد وعشرين ومئة بيت انظر برنامج الوادي آشي 224.
(4) القصيدة كاملة في رسائل أبي الخصال وشعره: 637627.(1/92)
[ذكر بني ورار]
ثمّ وصلنا إلى بني ورار، ثم إلى ميلة (1)، فلم نر إلا رسوما بحوادث الدّهر محيلة يقتصر في وصفهما (2) من أراد أن يعمل بيانه، على ما تقدّم من وصف مليانة، وكلتاهما على شكل مدينة، ليست بثمينة ولا متينة عمل البلى فيهما وفي السكّان، وأدخل الجميع في خبر كان وفي كلتيهما عين تسحّ، وعنصر (3) يجود ولا يشحّ وبنو ورار أعمر المحلّين، وعينها أغزر العينين، تسقي البلد نهلا وعللا (4)، وتفيض عليه غللا يشفي غللا (5) وعين ميلة في داخل البلد، ليست بفيض ولا ثمد (6)، وقد طويت (7) طيّا بديع الإحكام، وبنيت بنيانا يدلّ على فرط اعتناء واهتمام (8)، تقف [18/ آ] عليه النّواظر وقوف استغراب، وتصفه الألسنة على جهة الإغراب (9)، وكفى ببلد خلاء وفناء ألّا يحوي ما يوصف إلّا ماء وبناء.
[ذكر قسنطينة]
ثمّ وصلنا الى البلد الذي نشّفت الخطوب معينه، وأبت الأقدار أن تكون له معينة بلد الوضع العجيب، والموضع الخصيب، مدينة
__________
(1) ميلة: مدينة صغيرة تقع في الجزائر اليوم، وتبعد عن قسنطينة 40كم إلى الشمال الغربي منها الروض المعطار: 568وصف إفريقيا: 2/ 60.
(2) في بقية النسخ: وصفها.
(3) العنصر: الأصل، وفي الحديث:
«يرجع كلّ ماء إلى عنصره»
. (4) في ط: علّا، والعلّ والعلل: الشربة الثانية.
(5) غلل الأولى بمعنى: الماء، وغلل الثانية بمعنى: شدّة العطش.
(6) الثّمد والثّمد: الماء القليل الذي لا مادّ له.
(7) طويت: عرشت بالحجارة والآجرّ.
(8) في ت: الاعتناء والاهتمام.
(9) في ط: الاغتراب.(1/93)
قسنطينة (1)، جبر الله صدعها، وكفاها من نوائب الدّهر ما واصل قرعها وهي مدينة عجيبة حصينة، غير أنّها لخطوب الدّهر مستكينة قد ذبلت ببوارح الغير، وفوادح الضّرر رياضها، ونضبت بسهائم الآفات، وعظائم الملمّات حياضها، حتّى صارت كالحسناء لبست أسمالا، والكريم فقد مالا، والبطل أثخنته الجراحة حتّى لم يطق احتمالا فهي تري الحوادث لمحا باصرا (2)، وتنادي بلسان الحال: «ذلّ لو أجد ناصرا» (3) [الخفيف]
من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا لديه من أن يضام خفير (4)
وبها للأوائل آثار عجيبة، ومبان متقنة الوضع غريبة، وأكثرها من حجر منحوت، يعجز الوصف إتقانه ويفوت وقد دار بها واد شديد الوعر، بعيد القعر، أحاط بها كما يحيط السّوار بالمعصم، ومنعها (5) كما يمنع النّيق (6)
الأعصم (7) ولكن سهام الدّهر لا تقيها الجنن (8)، ولا تمنع منها القنن (9)
وريب المنون وصرف الزّمن، قد أعيت الحيلة فيها من ومن.
__________
(1) قسنطينة، مدينة كبيرة من مشاهير بلاد إفريقية، بناها الرومان على جبل شاهق. انظر وصف إفريقية: 2/ 5655.
(2) إشارة إلى المثل: لأرينك لمحا باصرا. وهو في الميداني 2/ 177.
(3) المثل في: أمثال الضبي: 118، وأمثال أبي عبيد 268، والمستقصى: 2/ 86، والميداني: 1/ 280.
(4) البيت لعديّ بن زيد في ديوانه: 87، وروايته فيه: من ذا عليه.
(5) في ت وط: ومنعاها.
(6) في الأصل وط: النّوق، والنيق أرفع موضع بالجبل.
(7) الأعصم: الوعل.
(8) الجنن: جمع جنّة: الدّرع.
(9) القنن: أعالي الجبال.(1/94)
[لقاؤه لابن باديس]
ولم أر بها من ينتمي إلى طلب، ولا من له في فنّ من فنون العلم (1)
أرب، سوى الشّيخ أبي عليّ حسن بن بلقاسم بن باديس (2)، وهكذا قيّد لي اسم أبيه بخطّه مخلوطا (3)، وقال لي: إنّه اسم وكنية وهو شيخ من أهل العلم يذكر فقها ومسائل، ذو سمت وهيئة ووقار وليس في البلد من يذكر بعلم سواه البتّة وليست (4) له بالرّواية عناية، ولم يرو إلّا «الموطّأ» وحده، فإنّه قد قرأه على الشّيخ الفقيه المحدّث أبي يعقوب [18/ ب] يوسف بن موسى الغماري الحسّاني (5) حين خطر على قسنطينة راجعا من المشرق، فأقام عندهم مدّة لتوالي الأمطار، فقرأه عليه وهو إذ ذاك كبير، وفارقه وهو عنده مجهول، وما عرف من هو حتّى عرّفته به حين رأيت خطّه الّذي كتبه له (6)
على «الموطّأ»، وقد قرأت عليه صدرا منه، وحدّثني به عنه، وسمعته يقول:
سمعت الشّيخ الصّالح الحاجّ المسنّ حسنا الحلفاوي يقول، «عمّرت خمسا وثمانين سنة، ما تمّ لي بها سرور قطّ إلّا ثلاثة أيّام: يوم دخولي مكّة، ويوم وقوفي بعرفة، ويوم دخولي مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم» وسمعته أيضا يقول: وقع
__________
(1) في ت وط: المعارف.
(2) في بقية النسخ: بادس، ولم أقف على وفاته، وكان لقاء العبدري له في أواخر القرن السابع. وقد نقل صاحب: نيل الابتهاج: 104103ترجمته من الرّحلة، وكذلك فعل صاحب: تعريف الخلف:
1/ 126.
(3) في ت وط: مخطوطا.
(4) ليس في ت وط.
(5) يوسف بن موسى الغماري الحسّاني: فقيه محدّث، رحل إلى المشرق وأخذ عن أبي الوقت عبد الأوّل بن عيسى السجزي. صنّف كتابين على رسالة الشيخ أبي زيد، سمّاهما: الإفادة الصغرى، والكبرى. توفي أواخر المئة السّابعة. ترجمته في درّة الحجال: 3/ 345344.
(6) ليست في: ت وط.(1/95)
الكلام بين يدي الفقيه الإمام أبي الحسن اللّخمي (1) في حكم السّفر إلى الحجّ مع فساد الطّريق، وهل الأولى تركه احتياطا على النّفس، أو الاستسلام في التّوجّه إليه؟ وكان اللّخمي مائلا إلى ترجيح التّرك. قال: وكان في المجلس رجل واعظ، فقال له: يا فقيه! تسمع ما أقول؟ قال: نعم، فأنشد: (2) [البسيط]
إن كان سفك دمي أقصى مرادهم ... فما غلت نظرة منهم بسفك دمي (3)
فاستحسن كلّ من حضر منزعه، وانفصل المجلس على أنّ الأولى هو تحمّل الخطر في التّوجّه، والإعراض عن تلك العوائق. وسألته عن الأديب أبي عليّ حسن بن علي بن عمر (4) القسنطيني المعروف بابن الفكون، فذكر لي أنّه أدركه وهو طفل صغير، ولم يحفظ له مولدا ولا وفاة. ورمت أن أجد من أروي عنه قصيدته المشهورة في رحلته من قسنطينة إلى مرّاكش فلم أجده، فقيدّتها هنالك غير مرويّة وكان القسنطينيّ كتب بها إلى أبي البدر بن مردنيش وهو بقسنطينة، وهي هذه: (5) [الوافر]
__________
(1) هو علي بن محمّد الربعيّ المعروف باللخمي. فقيه مالكي، قيرواني الأصل سكن سفاقس، وتوفي بها سنة 478هـ، له مصنّفات منها «التبصرة» وهو تعليق على «المدوّنة» في فقه المالكية، أورد فيه آراء خرج بها عن المذهب. ترجمته في: الديباج: 203وفيه وفاته سنة 498هـ وفيات ابن قنفذ: 258 الرحلة الورثيلانية 430شجرة النور الزكية: 117.
(2) تمثّل بهذا البيت التجيبيّ لبيان أنّ الأجر يكون على قدر المشقّة انظر مستفاد الرحلة والاغتراب: 216، وهو في رحلة القلصادي: 98، والتشوّف: 143و 208، ونفح الطّيب: 5/ 427، ونيل الابتهاج: 296، وأزهار الرياض: 4/ 224وهما فيه منسوبان لأبي الطيّب الواعظ، وكان معاصرا للخميّ.
(3) في رحلة القلصادي والنفح: مرادكم منكم
(4) في ط: ابن محمد وهو خطأ ناتج عن تصحيف، وهو شاعر مجيد، ناثر، من أهل قسنطينة، رحل إلى مراكش، ومدح خليفة بني عبد المؤمن، لم أقف على وفاته وإن كنت أرجّح أنّها كانت في أوائل القرن السابع الهجري. ترجمته في: عنوان الدراية: 286280، ودرة الحجال: 1/ 236، ونفح الطيب: 2/ 483، وجذوة الاقتباس: 184.
(5) القصيدة في: أزهار الرياض: 4/ 307304ما عدا الأبيات من 2إلى 6، ونفح الطيب: 2/ 484483، وتعريف الخلف: 2/ 132131، والإعلام للمراكشي: 3/ 140138، ودرّة الحجال: 1/ 238236عدا الأبيات من 2إلى 6وجذوة الاقتباس 186184.(1/96)
[قصيدة ابن الفكون]
ألا قل للسّريّ ابن السّريّ ... أبي البدر الجواد الأريحيّ
أيا معنى السّيادة والمعالي ... ويا بحر النّدى بدر النّديّ
[19/ أ] أما وبحقّك المبدي جلالا ... وما قد حزت من حسب عليّ
وما بيني وبينك من ذمام ... وما أوتيت من خلق رضيّ
5 - لقد رمت العيون سهام غنج ... وليس سوى فؤادي من رميّ
فحسبك نار قلبي من سعير ... وحسبك دمع عيني من أتيّ (1)
وكنت أظنّ أنّ النّاس طرّا ... سوى زيد وعمرو غير شيّ
فلمّا جئت ميلة خير دار ... أمالتني بكلّ رشا أبيّ (2)
وكم أورت ظباء بني ورار ... أوار الشّوق بالرّيق الشّهيّ (3)
10 - وجئت بجاية فجلت بدورا ... يضيق بوصفها حرف الرّويّ
وفي أرض الجزائر هام قلبي ... بمعسول المراشف كوثريّ
وفي مليانة قد ذبت شوقا ... بلين العطف والقلب القسيّ (4)
وفي تنس نسيت جميل صبري ... وهمت بكلّ ذي وجه وضيّ (5)
__________
(1) في ت: نار وجدي. والأتيّ: السّيل.
(2) رشا: أصله بالهمز، وهو الغزال.
(3) في درّة الحجال: بني فزار.
(4) في درّة الحجال قد همت شوقا.
(5) تنس: مدينة بقرب مليانة، بينها وبين البحر ميلان، وهي مسوّرة حصينة. وبعضها على جبل وقد أحاط به السور، وبعضها في سهل الأرض. انظر الروض المعطار: 138.(1/97)
وفي مازونة ما زلت صبّا ... بوسنان المحاجر لوذعيّ (1)
15 - وفي وهران قد أمسيت رهنا ... لظامي الخصر ذي ردف رويّ (2)
وأبدت لي تلمسان بدورا ... جلبن الشّوق للقلب الخليّ
ولمّا جئت وجدة همت وجدا ... بمنخنث المعاطف معنويّ (3)
وحلّ رشا الرّباط رشا رباطي ... وتيّمني بطرف بابليّ (4)
وأطلع قطر فاس لي شموسا ... مغاربهنّ في قلب الشّجيّ (5)
20 - وما مكناسة إلّا كناس ... لأحوى الطّرف ذي حسن سنيّ (6)
وإن تسلا عن ارض سلا ففيها ... ظباء صائدات للكميّ (7)
وفي مرّاكش يا ويح قلبي ... «أتى الوادي فطمّ على القريّ» (8)
__________
(1) مازونة: مدينة جزائرية بالقرب من مستغانم، وهي على ستة أميال من البحر. انظر الروض المعطار: 521. وقال الوزان: على بعد نحو 40ميلا من البحر انظر وصف إفريقيا: 2/ 36.
(2) في ط لضامر وبها لا يستقيم الوزن. ووهران: مدينة جزائرية على ساحل البحر، بينها وبين تلمسان 140ميلا. انظر وصف إفريقيا 2/ 30.
(3) وجدة: مدينة بالمغرب، بينها وبين تلمسان ثلاث مراحل، وتبعد عن البحر المتوسط 40ميلا جنوبا.
انظر وصف إفريقيا: 2/ 12. والانخناث: التثنّي.
(4) المقصود بها تازة، وتدعى رباط تازة، وهي غير رباط الفتح التي أسسّت بعدها بعدّة قرون، واتخذها الفرنسيون عاصمة لهم بعد احتلالهم المغرب. انظر حاشية الفاسي: 40.
(5) في ت: قلبي الشجيّ.
(6) مكناسة: مدينة بالمغرب في بلاد البربر، وهي مدينتان صغيرتان، اختطّ إحداهما يوسف بن تاشفين ملك المغرب من الملثمين، والأخرى قديمة، وأكثر شجرها الزيتون، وسميت لذلك مكناسة الزيتون. انظر ياقوت: 5/ 181. والأحوى: شديد الخضرة، المائل إلى السواد. والرواية في درّة الحجال: لأحور ذي جمال يوسفيّ.
(7) في ت والنفح والجذوة: تسأل.
(8) القريّ: مسيل الماء من الربوة إلى الروضة، وهو مثل، كما في الميداني: 1/ 159، والرواية فيه جرى الوادي فطمّ على القريّ.(1/98)
بدور بل شموس بل صباح ... بهيّ في بهيّ في بهيّ (1)
أتحن مصارع العشّاق لمّا ... سعين به فكم ميت وحيّ (2)
25 - بقامة كلّ أسمر سمهريّ ... ومقلة كلّ أبيض مشرفيّ (3)
[19/ ب] إذا أنسوني الولدان حسنا ... أنسّيهم هوى غيلان ميّ (4)
فها أنا قد تخذت الغرب دارا ... وأدعى اليوم بالمرّاكشيّ
على أنّ اشتياقي نحو زيد ... كشوقي نحو عمرو بالسّويّ (5)
تقسّمني الهوى شرقا وغربا ... فيا للمشرقيّ المغربيّ (6)
30 - فلي قلب بأرض الشّرق عان ... وجسم حلّ بالغرب القصيّ (7)
فهذا بالغدوّ يهيم غربا ... وذاك يهيم شرقا بالعشيّ
ولولا الله متّ هوى ووجدا ... وكم لله من لطف خفيّ (8)
قلت: قال أهل اللغة (9): الغنج والغنج: الدّلّ وحسن الشّكل فقوله:
لقد رمت العيون سهام غنج
__________
(1) في جذوة الاقتباس: بل ظباء.
(2) في النفح: أبحن.
(3) السمهريّ: الرمح الصّليب العود.
(4) المقصود بغيلان: ذو الرّمة الشاعر المشهور. ولعلّه أراد بالولدان الذين وصفهم الله تعالى في قوله: يطوف عليهم ولدان مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا. الإنسان: 19.
والرواية في درة الحجال: إذا أنسيتني حسنا فإنّي
(5) في الأصل: كشوقك وهو تحريف.
(6) في درّة الحجال: تقاسمني.
(7) العاني: الأسير.
(8) في نفح الطيب: فلولا. وفي النفح والجذوة: هوى وشوقا.
(9) انظر في اللسان: غنج.(1/99)
غير ملائم، وقائله لا يسلم من لائم، ولا يحسن في الأدب خطاب ذوي الرّتب بمثل قوله:
فحسبك نار قلبي من سعير
وإذا نعي على أبي الطّيّب قوله: (1) [الطويل]
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وقوله: (2) [الطويل]
إذا ما لبست الدّهر مستمتعا به ... تخرّقت والملبوس لم يتخرّق
وقد علم أنّ المخاطب بذلك غير الممدوح، فما الظّن بهذا وقبله (3)
أما وبحقّك المبدي جلالا البيتين؟
وقوله:
بوسنان المحاجر لوذعيّ
موضوع في غير موضعه، فإنّ الوسن إنّما يوصف به الجفن والعين والطّرف وما جرى مجراه، كما قال عديّ بن الرّقاع (4): [الكامل]
__________
(1) صدر بيت للمتنبيّ، وعجزه: «وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا» ديوانه: 4/ 281.
(2) ديوان المتنبيّ: 2/ 307.
(3) في بقية النسخ: وقوله.
(4) هو عديّ بن زيد بن مالك بن عديّ بن الرّقاع، من عاملة: شاعر كبير من أهالي دمشق توفي سنة 95هـ، ترجمته في الأغاني 9/ 307. والبيت من قصيدة في ديوانه 122.(1/100)
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم
وأفرطوا حتّى جعلوه مرضا، فقال النّابغة: (1) [الكامل]
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السّقيم إلى وجوه العوّد (2)
وتبعه جرير فقال: (3) [البسيط]
إنّ العيون الّتي في طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
[20/ آ] وأمّا المحاجر فما وصفها أحد بالوسن فيما أعلم.
وترتيب اللّوذعيّ مع وصف المحاجر، كترتيب الدّلّ مع الشّنب (4)، والتّحاكم في ذلك إلى كثير وقوله: «معنوي» بعد: منخنث المعاطف، أبعد من هذا ولقد استربت به حتّى ظننت أنّه مصحّف، ولا أتبرأ فيه من تصحيف.
وذكر الانخناث في المعاطف ليس بدون هذا في القبح، فإنّ اللّفظ وإن كان له أصل في اللّغة في اللّين والتّثنّي، فقد رفعه كثرة (5) الاستعمال في وجه آخر، وإنّما جرت عادة الشّعراء في وصف المعاطف بذكر التّثنّي واللّين والانعطاف لا (6) بالانخناث.
__________
(1) ديوانه: 35.
(2) في الديوان: المريض.
(3) ديوانه: 1/ 163
(4) الشّنب: جمال الثغر وصفاء الأسنان. ويشير العبدريّ هنا إلى قصة الكميت بن زيد عندما أنشد نصيبا فاستمع له فكان فيما أنشده:
وقد رأينا بها حورا منعّمة ... بيضا تكامل فيها الدّلّ والشّنب
فثنى نصيب خنصره فقال له الكميت: ما تصنع؟ قال: أحصي خطأك. تباعدت في قولك: تكامل فيها الدّلّ والشّنب هلّا قلت كما قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوّة لعس ... وفي اللّثاث وفي أنيابها شنب
انظر الأغاني: 1/ 348حاشية 3.
(5) في ط: كثير
(6) قوله: لا، ليس في بقية النسخ.(1/101)
وقوله: «رشا رباطي» لفظ مختلّ (1) جاف، ما جلبه إلّا التّجنيس، وإذا وجد الرّشاء والرّباط فما بقي إلّا الضّرب وأيّ رقّة مع هذه الألفاظ الجافية؟
ولو قال: رشا ارتباطي لكان أقرب مع بعده لأنّه أراد التّماسك والتّثبّت، فالارتباط به أليق.
وقوله: «مغاربهنّ في قلب الشّجيّ» خارج عن اعتدال الكلام فإنّه أراد بما ذكر من غروبهنّ في القلوب اشتمالها على حبّهنّ، وليس إذا غرب حبّهنّ في القلوب فقد غربن فيها ولا يحسن أن يقال: «مطالعهنّ (2)
قطرفاس، ومغرب حبّهن قلب الشجيّ»، وإنّما يحسن أن يذكر في غروبهنّ (3)
ما يغيّبهنّ عن النّواظر كالخدور (4) ونحوها، وبذلك جرت عادة الشّعراء، وهو مستعمل كثير، نحو قوله: [الكامل]
قمر إذا استخجلته بعتابه ... لبس الغروب ولم يعد لطلوع
ونحو منه قول أبي الطّيّب: (5) [الكامل]
بأبي الشّموس الجانحات غواربا
فهذا الرّجل لم يخالف مبدعا، ولم يوالف متبعا.
__________
(1) في الأصل: محتمل، وهو تصحيف.
(2) في ط: مطلعهنّ.
(3) زاد في ت: غروبهنّ في القلوب.
(4) في ط: كالخدود.
(5) صدر بيت، عجزه: «اللّابسات من الحرير جلاببا» وهو مطلع قصيدة للمتنبيّ في مدح علي بن منصور الحاجب: في ديوانه 1/ 122.(1/102)
وقوله: «بدور بل شموس بل صباح» نزول مفرط، وعكس للرّتبة فإنّ الشّمس أشهر من الصّباح وأنور، والانتقال عن التّشبيه بالأعلى إلى الأدنى أشبه بالذّمّ منه [20/ ب] بالمدح، ولا سيّما مع الإضراب.
وقوله: «بهي في بهيّ في بهيّ» غير منطبق على صدر البيت، ولا ملائم له، ولو قال: «بدور في خدور في قصور» لجاء عليه عجز البيت أليق من العقد بجيد الحسناء، وأوفق من الجود (1) للرّوضة الغنّاء.
وقوله: «إذا أنسوني الولدان حسنا» ضعيف ساقط لأنّ التّشبيه والتّمثيل (2) يجب أن يكونا في كلّ صنعة بما تعارفه أهلها واشتهر عندهم، هذا على تقدير التقّييد في الولدان، فكيف واللّفظ بهم مطلق (3)، يدخل تحته كلّ ما يسمّى ولدا.
وقوله: «فهذا بالغدوّ يهيم غربا» كلام غير محصّل فإنّ الجسم العريّ من القلب لا يهيم، وإنّما يهيم القلب وليست الباء هنا ظرفية بمعنى «في» لأنّ الهيمان لا يتخيّر الأوقات، وما أضعف حبّا لا يهيج (4) إلّا مرّة في اليوم، وإنّما هي للإلصاق أي: هذا يشتاق في وقت الغروب إلى الغدوّ، وذلك في وقت الشّروق إلى العشّي، شوقا من هذا إلى الشّرق، ومن ذاك إلى الغرب وهو معنى حسن لو ساعده اللّفظ.
__________
(1) الجود: المطر الغزير.
(2) في ت: التمثيل والتشبيه.
(3) بدا للمصنّف أن لفظ «الولدان» بهم مطلق، غير أنّه يبدو لي أنّ الشاعر أراد الولدان المخلّدين الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة رقم (19) من سورة الإنسان.
(4) في ط: يهيم.(1/103)
[ذكر بونة]
ثمّ وصلنا إلى مدينة بونة (1)، فوجدناها بلدة بطوارق الغير مغبونة، مبسوطة البسيط ولكنّها بزحف النّوائب مطويّة مخبونة (2) تلاحظ من كثب فحوصا (3) ممتدّة، وتراعي من البحر جزره ومدّه تغار لها العيون من جور النّوائب، وتأسى لها النّفوس من الأسهم الصّوائب. وقد أزعج السّفر عن حلولها، فلم أقض وطرا من دخولها. ومن أغرب المسموعات أنّا صادفنا وقت المرور بها زويرقا (4) للنّصارى، لا تبلغ عمارته عشرين شخصا، وقد حصروا البلد حتّى قطعوا عنه الدّخول والخروج، وأسروا من البرّ أشخاصا فأمسكوهم للفداء بمرسى البلد، وتركناهم ناظرين في فدائهم. ومن مولانا اللّطيف الخبير نسأل اللّطف بنا في أحكام [21/ آ] المقادير.
[ذكر خولان]
ثمّ مررنا على قرية خولان، ولم يعرّج عليها من صحبنا إنسان، ولم أر بها ما يتعرّض له ببيان (5)، ولا يعمل فيه قلم ولا لسان، سوى أنّ فناءها رحب المسرح، وبسيطها أبسط من غيره وأشرح، ولكنّ أيدي الخطوب قد زوته (6)
فانزوى، وأظمات أهلها وهم شرّع في الماء الرّوى.
__________
(1) بونة: مدينة جزائرية على ساحل البحر المتوسط، وتعرف اليوم بعنّابة، تبعد 120ميلا شرق قسنطينة. انظر وصف إفريقيا: 2/ 61.
(2) تورية بمصطلحات العروض «البحر البسيط» و «الزحافات» و «الطيّ» و «الخبن». والطيّ في العروض حذف الرابع من مستفعلن ومفعولات. ويكون في البسيط والرجز والمنسرح انظر الوافي للخطيب التبريزي: 206. والخبن: حذف الثاني الساكن انظر الوافي: 206. ومخبونة هنا بمعنى: مقلّصة.
(3) الفحص: ما استوى من الأرض.
(4) في ت وط: زورقا.
(5) في ت: ببنان.
(6) زوى الشيء: جمعه وقبضه.(1/104)
[ذكر باجه]
ثمّ وصلنا إلى مدينة باجة (1)، وهي مدينة جرّعها الدّهر أجاجه (2) قد هتكتها الأيدي العادية وفتكت فيها الخطوب المتمادية، حتّى صارت وهي حاضرة بادية فخشوعها لائح وضراعتها بادية وقد حدّثت بها أنّ أهلها لا يفارقون السّور خوفا من العربان، وأنّهم يستعدّون لدفن الجنائز كما يستعدّ (3) ليوم الضّراب والطّعان. ولم نقم (4) بها إلّا ظلّ نهار، فلم أختبر لذلك حالها حقيقة الاختبار.
[لقاؤه لأبي علي الطّبليّ]
وما رأيت بها من له إلى العلم انتماء، أو لهمّته نحو المعارف ارتماء (5)، سوى الأديب النّحويّ أبي عليّ حسين بن محمّد الطّبلي بالطّاء والباء السّاكنة بواحدة وهو رجل له مقول منقاد، وذهن مشتعل وقّاد، حسن الخلق مقبول الصّورة، ولكنّ همّته فيما رأيت على علم العربيّة مقصورة، وقد جمع أكثر مؤلّفاتها، واحتفل في تحصيل مصنّفاتها، فاجتمع له من (6) ذلك ما دلّ على نبله، وأعانه على تسديد نبله سألته عن نسبته المتقدّمة فقال لي: هو لقب جرى علينا قديما واشتهرنا به. وقد قرأت عليه بعض كتاب «المقرّب» (7) في
__________
(1) باجة: بلد بإفريقية كثيرة القمح، بينها وبين تنس يومان. تبعد 25ميلا عن البحر المتوسط و 65 ميلا عن تونس. انظر وصف إفريقيا: 2/ 66.
(2) الأجاج: الماء الشديد الملوحة.
(3) في ت وط: يستعدّون.
(4) في ط: أقم.
(5) في ت: ارتقاء.
(6) في ت: في ذلك.
(7) طبع الكتاب في بغداد بتحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري.(1/105)
النّحو، وحدّثني بجميعه قراءة على مؤلّفه الشّيخ الأستاذ النّحوي أبي الحسن عليّ بن مؤمن بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن منظور بن عصفور الحضرميّ الإشبيليّ، وقيّد لي هذا النّسب بخطّه، وذكر لي أنّ ابن عصفور أملاه عليه، وأنّ مولده عام السّيل بإشبيلية (1)
[21/ ب] سنة سبع وتسعين وخمس مئة، قال: وتوفي بثغر تونس كلأه الله يوم السّبت، الرّابع والعشرين من ذي قعدة عام تسعة وستّين وستّ مئة.
وحدّثني عنه بكتابه الكبير في «شرح الجمل» إجازة، وحدّثني به وبغيره من تواليفه إجازة عنه شيخنا الفقيه المحصّل الرّاوية أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد الأسيدي (2) بالقيروان (3) وأفادني أبو عليّ المذكور حكاية عن أبي محمّد الحريريّ لم يذكر لها سندا، وهي أنّ رجلا طلب منه إعارة كتاب كان يمسكه كثيرا للمطالعة فأنشده ارتجالا (4): [الطويل]
__________
(1) إشبيلية: مدينة كبيرة بالأندلس، تسمّى حمص أيضا، وبينها وبين قرطبة ثمانون ميلا، وبها كان بنو عباد. انظر الروض المعطار: 58.
(2) عبد الرحمن بن محمد بن علي الأنصاري من ولد أسيد بن حضير: مؤرخ، باحث، فقيه، من أهالي القيروان، له نظم جيّد، ولد سنة 605هـ وتوفي سنة 699هـ، أشهر تصانيفه: معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان. ترجمته في معالم الإيمان: 4/ 89شجرة النور الزكية: 1/ 193، وفيها عبد الرحمن بن عبد السلام الأسيدي.
(3) القيروان: مدينة عظيمة بإفريقية بناها عقبة بن نافع الفهري سنة 51هـ. انظر ذكر بناء القيروان في معالم الإيمان: 1/ 305، والبيان المغرب: 1/ 2019، وانظر كتاب القيروان للدكتور منجي الكعبي
(4) البيتان في محاضرات الأدباء: 1/ 55، وطبقات الشافعية للسبكي: 3/ 31وفيها منسوبان لأبي العباس بن سريج ومعهما بيت ثالث هو:
جموع لأصناف العلوم بأسرها ... فأخلق به ألّا يفارقه كمّي(1/106)
سمير فؤادي منذ عشرين حجّة ... وصيقل ذهني والمفرّج من همّي (1)
قبيح على مثلي إعارة مثله ... وآيته ألّا يفارقه كمّي (2)
وقد ذكرّتني هذه الحكاية حكاية أخرى عن الحريريّ حكاها لي الفقيه القاضي الحاجّ أبو أميّة الدّلائي (3) رحمه الله رأيت تقيدها بهذا الموضع، و «الحديث شجون» (4)، وهي أنّ رجلا رحل إليه ليقرأ عليه، فلمّا جاءه سأله عن قصده، فأخبره، فقال مرتجلا (5): [البسيط]
ما أنت أوّل سار غرّه قمر ... ورائد خدعته خضرة الدّمن (6)
فاركض برجلك مصرا إنّني رجل ... شبه المعيديّ فاسمع بي ولا ترني (7)
__________
(1) في الطبقات والمحاضرات: لصيق فؤادي وصيقل من الصّقال: الجلاء والصقل.
(2) في الطبقات: عزيز على مثلي، وفي المحاضرات: يعز على مثلي، ورواية الشطر الثاني في الطبقات: لما فيه من علم لطيف ومن نظم.
(3) أبو أمية الدلائي: فقيه، قاض، تولّى قضاء فاس ليعقوب بن عبد الحق المريني، له ذكر في روض القرطاس 298، وجذوة الاقتباس: 2/ 557، ونسبته إلى دلاية بالأندلس.
(4) المثل في أمثال الضبيّ: 47، وفيه: إنّ الحديث لذو شجون، وفي فصل المقال: 67والميداني 1/ 133والفاخر: 47، وجمهرة الأمثال: 1/ 377والوسيط: 37.
(5) البيتان في وفيات الأعيان: 4/ 6766غربال الزمان: 409معاهد التنصيص: 3/ 275تاريخ ابن الوردي: 2/ 47مرآة الجنان: 3/ 216البداية والنهاية: 12/ 192وتمثال الأمثال: 1/ 395.
(6) في المصادر السابقة: «ورائد أعجبته». الدّمن: البعر، وكذلك ما اختلط من البعر والطين عند الحوض فتلبّد وفيه إشارة إلى الحديث المعروف.
(7) في المصادر السابقة: «فاختر لنفسك غيري إنّني رجل مثل المعيدي» وهذه إشارة للمثل: أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه، وسيرد في الصفحة التالية مخرجا ومصر الفرس: استخرج جريه.(1/107)
قلت: خفّف (1) الدّال من المعيديّ، وهو الأشهر، والأصل فيه التّثقيل، وإنّما خفّفت لكثرة الاستعمال، قال أبو عبيد: «وكان الكسائيّ (2) يرى التّشديد في الدّال» (3) وقال: إنّما هو تصغير رجل منسوب إلى معدّ، ولم أسمع هذا من غيره، والمثل «أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (4)، قال أبو عبيد:
«العامّة لا تذكر أن» (5) ثمّ ذكر الاختلاف فيمن قاله وفيمن قيل فيه.
[ذكر تونس]
ثمّ وصلنا إلى مدينة تونس (6) مطمح الآمال ومصاب كلّ برق، ومحطّ الرّحال من الغرب والشّرق، ملتقى الرّكاب والفلك، وناظمة فضائل البرّين في سلك، فإن شئت أصحرت في موكب، وإن شئت [22/ آ] أبحرت في مركب، كأنّها ملك والأرباض لها إكليل، وأرجاؤها روضة باكرتها ريح بليل (7) إن وردت مواردها نقعت غليلا، وإن ردت فرائدها شفيت حشا عليلا جليت بها
__________
(1) في ت وط: خفّفت.
(2) هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي: إمام في اللّغة والنحو والقراءة، توفّي بالرّيّ سنة 189هـ له تصانيف، منها: معاني القرآن الحروف النوادر. انظر الأعلام: 4/ 283.
(3) أمثال أبي عبيد: 97.
(4) ورد المثل في: أمثال أبي عبيد: 97، والمستقصى 1/ 370، وفصل المقال: 135. ويروى: تسمع ويستشهد به على حذف (أن) مع بقاء عملها شذوذا، وهذ رواية المفضل الضّبيّ: 55، والفاخر: 65، وجمهرة الأمثال: 1/ 266وفيه: لا أن تراه، وتمثال الأمثال: 1/ 395، والميداني:
1/ 129ويضرب لمن خبره خير من مرآه
(5) أمثال أبي عبيد: 97.
(6) تونس: مدينة كبيرة بإفريقية على ساحل البحر، وهي عاصمة تونس اليوم، انظر وصف إفريقيا 2/ 70.
(7) البليل: ريح باردة مع ندى، ولا تجمع.(1/108)
عروس الغروس، وحليت (1) بها على ممرّ الحروس (2) الطّروس (3) لا تنشد بها ضالّة من العلم إلّا وجدتها، ولا تلتمس بها بغية معوزة إلّا استفدتها وأهلها ما بين عالم كالعلم، رافع بين أهله للعلم ومعطّل حدّ الظّبا بحدّ القلم، ومسلّم على ربع بذي سلم، شاك من وجده فرط الألم فاقت بحسن مغانيها وإتقان مبانيها (4)
غيرها من المدن وطالت، وسطت بنخوتها، وانتخت بسطوتها على قواعد الشّرق والغرب وصالت، وترجم حسنها البهيج وعرفها (5) الأريج عن معناها، ولو نطقت لقالت: [الطويل]
أنا الغادة الحسناء فاق جمالها ... فالت: يمينا لا خطبت على زوج (6)
إذا الغانيات آرتدن وصل بعولة ... فما بي ولا فخر إلى الزّوج من حوج (7)
أغادي إذا ما شئت ظبيا بقفرة ... وأطرق نون اليمّ في ظلم الموج (8)
وفيّ لمكدود الحجيج استراحة ... فهم يردوني الدّهر فوجا على فوج
وإنيّ إلى البيت العتيق كسلّم ... به يرتقي من في الحضيض إلى الأوج (9)
__________
(1) في ط: حلت.
(2) الحرس: الدّهر.
(3) الطّرس: الصّحيفة التي محيت ثمّ كتبت.
(4) في ط: فاقت بحسن معانيها واتقان مغانيها.
(5) العرف: الرائحة الطيبة.
(6) في ط: فقالت يمينا وآلت: أقسمت.
(7) في ت: فما لي.
(8) في ت: نوء. والنون: الحوت.
(9) في ت: على البيت العتيق.(1/109)
وهذه المدينة كلأها الله من المدن العجيبة الغريبة، وهي في غاية الاتّساع ونهاية الإتقان، والرّخام بها كثير (1)، وأكثر أبواب ديارها معمول به عضائد وعتبا، وجلّ مبانيها في حجر منحوت محكم العمل، ولها أبواب عديدة، وعند كلّ باب منها ربض (2) متّسع على قدر البلد المستقلّ، ولو أتّفق أن يكون بها ماء جار لكانت معدومة النّظير شرقا وغربا، ولكن ماؤها قليل وفي ديارها مصانع لماء المطر، وهو المستعمل عندهم.
وأمّا السّاقية المجلوبة من ناحية زغوان (3) [22/ ب] فقد استأثر بها قصر السّلطان (4) وجنانه إلّا رشحا يسيرا سرّب إلى ساقية (5) جامع الزّيتونة، يتسرّب (6) منها في أنابيب من رصاص، ويستقي منها الغرباء ومن ليس في داره ماء، ويكثر عليها الازدحام (7).
[جامع الزّيتونة]
وهذا الجامع من أحسن الجوامع وأتقنها وأكثرها إشراقا، ودائره مسقّف ووسطه فضاء قد نصبت فيه أعمدة من خشب على قدر ارتفاع
__________
(1) في ت وط: كثير بها.
(2) ربض المدينة: ما حولها.
(3) زغوان: جبل بالقرب من تونس في الجانب القبلي منها، ياقوت: 3/ 144وهي اليوم بلدة قرب مدينة تونس.
(4) المقصود بالسّلطان: أبو حفص عمر بن أبي زكريا الحفصي الذي حكم تونس بين سنتي 683و 694هـ.
(5) في ت: سقاية.
(6) في ت وط: يترشف.
(7) في ط: الزّحام.(1/110)
الجدر، وشدّت إليها حبال متينة في حلق من حديد مثبتة فيها وفي السّقوف شدّا محكما، فإذا كان يوم الجمعة نشرت عليها شقق (1) الكتّان المطبّقة الموصولة حتّى تظلّل جميع الفضاء ذلك دأبهم فيها حتّى ينصرم (2)
فصل الصّيف.
وأمّا السّاقية المذكورة فهي من جملة غرائب الدّنيا، وهي قديمة من عمل الرّوم، مجلوبة من جبال بجنوبي (3) تونس، على مسيرة يومين أو نحوها في أوعار وأودية منقطعة وجبال وآكام (4)، فإذا انتهوا بها إلى جبل أو تلّ خرقوه وسربوا الماء فيه، وإذا انتهوا إلى واد أو وهد بنوه قناطر بعضها فوق بعض، حتّى يستوي مع مجرى السّاقية بصخر منحوت أتقن ما يكون من البناء، وأغربه وأوثقه، حتّى ينسرب (5) الماء منها في مستو معتدل، واتّصلت هذه السّاقية بهذا العمل، حتّى دارت من وراء تونس إلى الغرب وانتهت إلى قرطاجنّة (6)، وبينها وبين تونس اثنا عشر ميلا، وهي من أعجب مدن الأرض وأغربها لما (7) يحكى عنها في فرط الاعتناء وغرابة الصّنعة، وحسبك أنّ هذه السّاقية من جملة الاعتناء بها.
وأمّا الرّخام فمنها يجلب إلى كلّ موضع بإفريقية قديما وحديثا، ولا يفنيه ذلك منها، وهي الآن داثرة لا أنيس بها وأهل تونس يخرجون إليها
__________
(1) الشّقّة: قطعة من الثياب مستطيلة أو نصف ثوب.
(2) في ت وط: ينصرف.
(3) في ت وط: بجنوب.
(4) الآكام: جمع أكمة: التلّ من القفّ، وهو حجر واحد.
(5) في ط: يتسرّب.
(6) قرطاجنة: مدينة بإفريقية بينها وبين تونس عشرة أميال أو نحوها. انظر ياقوت: 4/ 323.
(7) في ط: فيما.(1/111)
تفرّجا وتعبّدا، والقناطر من تونس إليها معطّلة، وهذه القنطرة تعرف عندهم بالحنايا (1)، وهو ممّا يقصّر (2) عنها الوصف (2) لفرط إتقانها وغرابتها ويذكر أنّ الرّوم أقاموا في تدبيرها والنّظر في وضعها أربع مئة سنة [23/ آ] وهذا بعيد.
وأمّا أبو عبيد البكريّ فحكى «أنّ عملها فرغ حتّى استوى فيها الماء في أربعين سنة» (3) وهذا يشبه مع الاعتناء التّامّ، والأداة الكاملة، والقوّة الوافرة. وقد كان بعض الأمراء وهو أخو القائم بها الآن احتاج إلى إصلاح بعض الحنايا بها ممّا يلي تونس ليوصل الماء إليها إذ كانت معطّلة قبله فأقام في عملها مجتهدا بأقصى ما يمكنه أعواما عديدة، ولم يمكنه ردّ ذلك على ما كان عليه، ولا ما يقرب منه، بل اقتنع بتسديده كيف ما أمكن مع قلّته وتفاهته بالإضافة إلى غيره.
وما زالت مدينة تونس كلأها الله دار ملك وضخامة، وهي الآن دار مملكة إفريقية على ضعف المملكة بها، وانتهائها إلى حدّ التّلاشي، ومع ذلك فقد أربت على البلاد في كلّ فضيلة، وما رأيت لأهلها نظيرا شرقا وغربا، شيما فاضلة، وخلالا حميدة، (4) ومعاشرة جميلة (4)، وقد كان الأخلق بمن شاهد أخلاقهم أن يطنب في وصفهم، ويضرب عمّن لم يمحضهم الوداد
__________
(1) الحنايا: جمع حنيّة، وهي القوس.
(22) في ط: الوصف عنه.
(3) المغرب في وصف إفريقية والمغرب: 42.
(4) سقط من ت.(1/112)
وينصفهم (1) إذ ذاك من بعض واجبهم، وأقلّ مراتبهم، ولكنّ الزّمان لا يعين على توفية الحقوق، ولا يتعمّد بالفراغ إلّا أهل العقوق، وناهيك من بلد (2)
لا يستوحش به غريب، ولا يعدم فيه كلّ فاضل أديب يبدؤون من طرأ عليهم بالمداخلة، ويخطبون منه لفضل طباعهم المواصلة، فهو منهم بين أهل مشفق، ورفيق مرفق وقد كان بعض أخيار طلبتها وحسبائهم (3) لا زمني مدّة الإقامة بها وترك لأجلي مهمّات أموره، وعرّفني بفضلائها، وكان لا ينفصل عنّي عامّة النّهار، وكثيرا ما كنت أمرّ بمن لا يعرفني من أهلها، فأسأله عن الطّريق إلى ناحية منها، فيقوم من حانوته ماشيا بين يديّ يسأل الناس عن الطّريق، ويدلّ بي، وهذا من أغرب ما يسمع من جميل الأخلاق {وذلك فضل الله يوتيه من يشاء} [4]. ولولا أنّي دخلتها لحكمت بأنّ العلم في أفق الغرب قد [23/ ب] محي رسمه، (5) ونسي اسمه (5)، وضاع حظّه وقسمه، ولكن قضى الله بأنّ الأرض لا تخلو من قائم له بحجّة، يرى سبيل الحقّ ويوضح المحجّه (6)، وما من فنّ من فنون العلم إلّا وجدت بتونس به قائما، ولا مورد من موارد المعارف إلّا رأيت بها حوله واردا وحائما (7).
__________
(1) في ط: يصفهم.
(2) في ت وط: ببلد.
(3) في ت: وحسبانهم.
(4) من الآية 57من سورة الحديد.
(55) سقط من ت وط.
(6) المحجّة: الطريق المستقيم.
(7) في ط: وقائما، وهو تصحيف. وحومان الطائر: دورانه حول الماء.(1/113)
وبها من أهل الرّواية والدّراية عدد وافر، يجلو الفخار بهم عن محيّا سافر، وينير علمهم وقد: [الكامل]
ألقت ذكاء يمينها في كافر (1)
ولكنّه لم يقض لي حين ورودها أن أقضي الوطر من لقاء جميع مذكورها ومعدودها (2)، بسبب وظائف السّفر ولوازمه، واقتصار معربه على أعمال جوازمه.
[لقاؤه لابن هارون]
وكان حكم السّفر حينئذ قد استمرّ وتمادى، فلم ألق بها من أهل العلم إلّا آحادا، منهم الشّيخ الفقيه الأديب (3) الفاضل المسند المسنّ أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن هارون الطّائي القرطبيّ (4)، وهو شيخ وطيء الأكناف، ليّن الجانب لقاصديه، له رواية عالية لكبر سنّه، أدرك جملة من أفاضل العلماء وروى عنهم، منهم الشّيخ الفقيه الخطيب المقرىء جدّه لأمّه (5) أبو
__________
(1) عجز بيت لثعلبة بن صعير المازني يصف الظليم والنعامة ورواحمها إلى بيضهما عند غروب الشمس، وصدره:
«فتذكّرا ثقلا رثيدا بعدما»
. وذكاء: اسم للشمس. و «ألقت يمينها في كافر»: بدأت في المغيب. والبيت في المفضليّات: 130، والأمالي: 2/ 145، ونضرة الإغريض:
136، واللسان «ثقل» و «كفر»، والتاج «رثد».
(2) في ت: ومحدودها.
(3) في ت: الأديب الفقيه.
(4) توفي أبو محمد بن هارون سنة 702هـ، انظر برنامج الوادي آشي: 5251.
(5) في الأصل: الإمام.(1/114)
جعفر أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن خلصة الحميريّ، والقاضي أبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقيّ (1)، وصحب أبا القاسم ابن الطّيلسان (2)، وأخذ عنه كثيرا، وأخذ عن جماعة من أهل الأندلس بها وبالعدوة، وقد جمع أسماءهم في «برنامج» له، قرأته عليه حين لقيته ثانية حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. لقيته حين وردت تونس فقرأت عليه بعض «الموطّأ» رواية يحيى بن يحيى، وناولني سائره، وحدّثني به عن الشّيخ الفقيه القاضي أبي القاسم بن بقيّ قراءة عليه لبعضه، وسماعا عليه (3) لسائره بأسانيده المعروفة. وقرأت عليه بعض كتاب «التّيسير» للإمام أبي عمرو المقرىء، وناولني سائره وسمعت عليه دولا من «صحيح مسلم» وقد سمع جميعه (4) على القاضي أبي القاسم بن بقيّ، وناولني «فهرسته» [24/ آ] وفهرستي جدّه أبي جعفر والقاضي أبي القاسم بن بقيّ تخريج ابن الطّيلسان، وحدّثني بهما وبما تضمنّتاه عنهما، وأجازني في كلّ ما تصحّ روايته عنه إجازة عامّة، وكذلك أجاز ولدي محمّدا وفّقه الله وكتب لي بذلك خطّ يده.
__________
(1) أحمد بن يزيد بن بقي: عالم، قاض، كاتب، شاعر، من أهل قرطبة، جمع شعره في ديوان، توفي بقرطبة سنة 625هـ وله كتاب في الآيات المتشابهات. له ترجمة في قضاة الأندلس: 117، وبرنامج شيوخ الرعيني: 50، وشجرة النور الزكية 1/ 178.
(2) هو القاسم بن محمد بن أحمد الأوسي القرطبي: عالم بالقراءات، باحث من أهل قرطبة، رحل عنها لمّا أخذها الإفرنج وأقام بمالقة خطيبا حتى توفي فيها سنة 462هـ، ومولده سنة 575هـ، من كتبه: الجواهر المفصلات في المسلسلات، وأخبار صلحاء الأندلس، ترجمته في بغية الوعاة 2/ 261برنامج شيوخ الرّعيني: 27شجرة النور الزكية: 1/ 182.
(3) ليست في ت.
(4) في ت: سمعه.(1/115)
ولقيته مرّة ثانية في رجوعي من المشرق فقرأت عليه أشياء يأتي ذكرها في موضعه إن شاء الله من هذه الرّحلة.
[لقاؤه لأبي جعفر اللّبليّ]
ومنهم الشّيخ الأستاذ النّحويّ الأديب الفاضل المحدّث الرّاوية أبو جعفر أحمد بن يوسف الفهريّ اللّبليّ (1)، وهو شيخ مسنّ قويّ الرّجاء، حسن الظنّ بأهل الدّين، سريع العبرة رحل قديما إلى المشرق فحجّ، ولقي جماعة من الأئمّة بالإسكندريّة ومصر والشّام والحجاز وله «برنامجان» كبير وصغير (2)
في أسماء شيوخه، وعدّة تواليف، منها «شرح الفصيح» و «شرح أبيات الجمل» وغير ذلك. لقيته وجالسته أيّاما فقرأت عليه جملة صالحة من أوّل كتاب «الموطّأ» رواية يحيى بن يحيى، وجميع كتاب «الجامع» من آخره، وناولني سائره مرارا، وحدّثني بجميعه بأسانيده المرسومة في برنامجه، وقرأت عليه جملة من قصيدة الشّيخ الإمام أبي القاسم الشّاطبيّ (3) في القراءات، وحدّثني بها عن صهر أبي القاسم المذكور زوج ابنته كمال الدّين
__________
(1) توفي بتونس سنة 691هـ. انظر الديباج المذهب: 8180عنوان الدراية: 300.
(2) في ت: صغير وكبير.
(3) هو القاسم بن فيرّة بن خلف بن أحمد الرّعيني الشّاطبي: إمام القراءة في عصره، كان ضريرا، ولد بشاطبة سنة 538هـ وقرأ ببلده وببلنسية، ثمّ رحل للحجّ فسمع من أبي طاهر السّلفي بالإسكندرية، وزار القدس بعد فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي، ثمّ رجع إلى القاهرة فأقام بالمدرسة الفاضلية إلى أن مات سنة 590هـ. له الشاطبية، ترجمته في نكت الهميان 229228، وشذرات الذهب: 4/ 303301، ووفيات ابن قنفذ: 296وفيها وفاته سنة 589هـ، والديباج المذهب: 224.(1/116)
أبي الحسن عليّ شجاع بن سالم (1) قراءة منه عليه بمصر عن ناظمها المذكور، وسمعت عليه مجالس من كتاب «التّيسير» للإمام أبي عمرو المقرىء، ومن كتاب «الشّمائل» للتّرمذي، وقرأت عليه بعضه، وناولني إيّاهما وأجازني عموما (2) في كلّ مارواه وألّفه وكلّ ما تصحّ لي (3) روايته عنه من منثور ومنظوم إجازة عامّة، وأجاز ولدي محمّدا وفّقه الله وكتب لي بذلك خطّ يده حسبما سطّرته وسمعت عليه أرجوزته المسّماة ب «العقيدة» وما ضمّ إليها من نثر، وكان قد أخذ يحفّظها صبيان المكاتب (4) رغبة في نشرها (5) والانتفاع بها (5)، وحملني حتّى سمعتها منهم [24/ ب] بمحضره، وحرّضني على نشرها رجاء الانتفاع بذلك نفعه الله وإيايّ، وأخلص نيّتنا في طلب العلم لوجهه الكريم بمنّه.
[لقاؤه لابن هريرة]
ومنهم الفقيه الأديب الفاضل ذو العناية والتهمّم صاحبنا ووليّنا في الله أبو عبد الله محمّد بن عبد المعطي بن محمّد النّفزيّ، شهر بابن هريرة حفظه الله لقيت منه خيّرا فاضلا ذا مروءة وأخلاق جميلة، وله عناية
__________
(1) علي بن شجاع بن سالم: مقرئ شافعيّ ضرير، روى بالإجازة العامة عن السلفي، وكان مشاركا في فنون العلم، قرأ عليه جماعة من العلماء كالدمياطي، توفي سنة 661هـ. ترجمته في العبر 5/ 266نكت الهميان: 212، حسن المحاضرة 1/ 501.
(2) ليست في ت وط.
(3) ليست في ت وط.
(4) في ط: المكتب.
(55) في ت وط: رجاء الانتفاع بها.(1/117)
بالتّاريخ وحظّ من الأدب، ومشاركة في غير فنّ، أفادنا وأفدناه، وجالسته كثيرا، وناولني كتابه الّذي جمعه في «وفيات المشاهير من أهل كلّ فنّ وموالدهم ونتف من أخبارهم» وأسمعني مواضع منه، وأجازني سائره، وهو كتاب مفيد لولا أنّه لم يرتّب على ما ينبغي، وقرأت عليه قصيدة الشّيخ الفقيه (1) العالم الصّالح (2) أبي محمّد عبد الله بن الشّيخ الفقيه الصّالح (2). أبي زكرياء يحيى بن عليّ الشّقراطسيّ التّوزريّ، وحدّثني بها عن شيخه الفقيه القاضي (3) أبي عبد الله محمّد بن علي (4) بن محمّد بن علي (4) التّوزريّ الشّهير بالمصريّ، قراءة منه عليه، عن الشّيخ الفقيه أبي عبد الله محمّد بن أبي يحيى الطّولقي (5)، عن الشّيخ الفقيه القاضي أبي عمرو عثمان بن أبي القاسم عبد الرّحمن بن حجّاج، عن الشّيخ أبي محمّد عبد العزيز (6) بن عمر بن حمادي بفتح الحاء وتخفيف الميم وآخره ياء قبلها دال مكسورة، عن الفقيه الخطيب المحدّث أبي القاسم عبد الرّحمن بن محمّد (7) بن أحمد النّفطيّ عرف بابن الإمام وبابن الصّائغ، عن الشّيخ الإمام أبي عبد الله محمّد بن يخلف ابن واطّاس بطاء مشدّدة، عن ناظمها المذكور وذكر لي عن شيخه أبي عبد الله
__________
(1) ليست في ت وط.
(22) سقط من بقية النسخ، وهذا يوقع في اللبس لأنّ ناظم القصيدة الشقراطسية هو أبو محمد عبد الله بن يحيى بن علي الشقراطسي انظر: وفيات ابن قنفذ: 253شجرة النور الزكية: 1/ 117.
(3) في ط: المقرئ.
(44) سقط من ت وط.
(5) نسبة إلى طولقة بالقرب من الزاب.
(6) في ط: عبد الله.
(7) في ط: محمد بن محمد.(1/118)
المصري المذكور أنّ شقراطس قصر قديم من قصور قفصة (1)، وأنّه والى البحث عن وفاة الشّقراطسيّ حتّى أخبره من وثق به (2) أنّها كانت في يوم الثّلاثاء لثمان خلون من ربيع الأوّل سنة ستّ وستّين وأربع مئة. [25/ آ] وقد رأيت أن أثبت القصيدة هنا (3) بجملتها بحول الله تعالى، وهي هذه: (4)
[البسيط]
[القصيدة الشّقراطسيّة]
الحمد لله منّا باعث الرّسل ... هدى بأحمد منّا أحمد السّبل (5)
خير البريّة من بدو ومن حضر ... وأكرم الخلق من حاف ومنتعل (6)
توراة موسى أتت عنه فصدّقها ... إنجيل عيسى بحقّ غير مفتعل
أخبار أحبار أهل الكتب قد وردت ... عمّا رأوا ورووا في الأعصر الأول
__________
(1) قفصة: بلدة في طرف إفريقية من ناحية المغرب، بينها وبين القيوان ثلاثة أيّام انظر ياقوت:
4/ 382.
(2) في ت يثق بخبره.
(3) ليست في ط.
(4) القصيدة بتمامها في نهاية الأرب: 18/ 359347، والمجموعة النبهانية: 3/ 211198، والأبيات:
8765 - في تاريخ الخميس: 1/ 202، والأبيات من 86إلى 114في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية: 2/ 332328، والأبيات من 86إلى 106في المواهب اللدنية: 1/ 156، والبيت 22في 1/ 62ومن 51إلى 55في 1/ 50، والأبيات من 39إلى 46في 1/ 239، والأبيات من 27إلى 33في 1/ 286والبيت الثالث في: 2/ 64، وقد استعنت بحواشي القصيدة في نهاية الأرب.
(5) منّا: تفضّلا وإحسانا، وأحمد السبل: الإسلام.
(6) الحافي والمنتعل: جميع الخلق.(1/119)
5 - ضاءت بمولده الآفاق واتّصلت ... بشرى الهواتف بالإشراق والطّفل (1)
وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقضّ منكسر الأرجاء ذا ميل (2)
ونار فارس لم توقد، وما خمدت ... مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل
ومنطق الذّئب بالتّصديق معجزة ... مع الذّراع ونطق العير والجمل
خرّت لمبعثه الأوثان، وانبعثت ... ثواقب الشّهب ترمي الجنّ بالشّعل
10 - وفي دعائك بالأشجار حين أتت ... تمشي بأمرك في أغصانها الذّلل (3)
وقلت عودي فعادت في منابتها ... تلك العروق بإذن الله لم تمل
والسّرح بالشّام لمّا جئتها سجدت ... شمّ الذّوائب من أفنانها الخضل (4)
والجذع حنّ لأن فارقته أسفا ... حنين ثكلى شجتها لوعة الثّكل (5)
ما صبر من صار من عين على أثر ... وحال من حال عن حال إلى عطل (6)
15 - حيّى فمات سكونا ثمّ مات لدن ... حيّى حنينا فأضحى غاية المثل
والشّاة لمّا مسحت الكفّ منك على ... جهد الهزال بأوصال لها قحل (7)
__________
(1) في نهاية الأرب: لمولده. والطّفل: العشيّ.
(2) في نهاية الأرب: وانقاض.
(3) في نهاية الأرب: تسعى بأمرك في أغصانها الخضل.
(4) السّرح: الشجر العظيم. شمّ الذوائب: مرتفعات الأغصان التي في أطرافها. الخضل: الناعمة.
(5) شجتها: أحزنتها.
(6) في ت: ما ضرّ، وفي ط: إلى أثر عن حلي. في الأصل: إلى حلل.
(7) في ط: نحل، وقحل: يابسة.(1/120)
سحّت بدرّة شكرى الضّرع حافلة ... فروّت الرّكب بعد النّهل بالعلل (1)
وآية الغار إذ وقّيت في حجب ... من كلّ رجس لرجس الكفر منتحل (2)
وقال صاحبك الصّدّيق: كيف بنا ... ونحن منهم بمرأى النّاظر العجل
20 - فقلت: لا تحزن إنّ الله ثالثنا ... وكنت في حجب ستر منه منسدل
[25/ ب] حمّت لديك حمام الوحش جاثمة ... كيدا لكلّ غويّ القلب مختبل (3)
والعنكبوت أجادت نسج حلّتها ... فما يخال خلال النّسج من خلل (4)
قالوا: وجاءت إليه سرحة سترت ... وجه النّبيّ بأغصان لها هدل (5)
وفي سراقة آيات مبيّنة ... إذ ساخت الحجر في وحل بلا وحل (6)
25 - عرجت تخترق السّبع الطّباق إلى ... مقام زلفى كريم قمت فيه عل
عن قاب قوسين أو أدنى هبطت ولم ... تستكمل اللّيل بين المرّ والقفل (7)
دعوت للخلق عام المحل مبتهلا ... أفديك بالخلق من داع ومبتهل
__________
(1) في نهاية الأرب: ودرّت بشكر الضرع. سحّت: صبّت صبّا متتابعا. وشاة شكرى الضرع: ممتلئته.
وحافلة: لم تحلب حتى امتلأ ضرعها. النّهل: الشرب الأوّل والعلل: الثاني.
(2) منتحل: معتقد أي: معتقد لرجس الكفّار.
(3) في ت وط: حامت. جاثمة: ملتزمة للمكان. الكيد: الخداع. مختبل: مخلّ العقل.
(4) في نهاية الأرب: حوك حلتها.
(5) السّرح: شجر كبار يستظلّ به.
(6) في ط: في رجل. وسراقة: هو ابن مالك، وكان دليل المشركين في اقتصاص أثر النبي صلّى الله عليه وسلم حين هاجر، ثمّ أسلم بعد حنين. ساخت: دخلت وغابت قوائمها. الحجر: أنثى الخيل، جرّد من التاء لأنّه من الأوصاف الخاصّة. الوحل: الطين الرقيق.
(7) قاب: قدر. المرّ: الذهاب. القفل: الرجوع.(1/121)
صعّدت كفّيك إذ كفّ الغمام فما ... صوّبت إلّا بصوب الواكف الهطل (1)
أراق بالأرض ثجّا صوب ريقته ... فحلّ بالرّوض نسجا رائق الحلل (2)
30 - زهر من النّور حلّت روض أرضهم ... زهرا من النّور ضافي النّبت مكتهل (3)
من كلّ غصن نضير مورق خضر ... وكلّ نور نضيد مونق خضل
تحيّة أحيت الأحياء من مضر ... بعد المضرّة تروي السّبل بالسّبل (4)
دامت على الأرض سبعا غير مقلعة ... لولا دعاؤك بالإقلاع لم تزل (5)
ويوم زورك بالزّوراء إذ صدروا ... من يمن كفّك عن أعجوبة مثل (6)
35 - والماء ينبع جودا من أناملها ... وسط الإناء بلا نهر ولا وشل (7)
حتّى توضّأ منه القوم واغترفوا ... وهم ثلاث مئين جمع محتفل
أشبعت بالصّاع ألفا مرملين كما ... روّيت ألفا ونصف الألف من سمل (8)
__________
(1) صعّدت: رفعت. كفّ: امتنع. الصوب: النازل. الواكف: القاطر.
(2) في نهاية الأرب: صوب ريّقه. الثجّ: الاندفاق. الريق من كل شيء: أفضله. حلّ: نزل. نسجا:
ناسجا. رائق: معجب الحلل: جمع حلة يريد: النبات مختلف الألوان.
(3) زهر: بيض مضيئة، جمع أزهر. مكتهل: بلغ منتهاه.
(4) السّبل: الطّرق. والسّبل: المطر.
(5) في ت وط: غير مغلفة.
(6) الزور: الزائر، يستعمل في الواحد وغيره أي: يوم جاءك الزائرون بالزوراء، والزوراء:
موضع بالمدينة نبع فيه الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلم فتوضّأ جميع أصحابه وصدروا بعد الورود.
واليمن: البركة.
(7) الضمير في «أناملها» لليد الشريفة. والوشل: القليل من الماء.
(8) السمل: القليل من الماء يبقى في أسفل الإناء، المرملين: الذين نفد زادهم وافتقروا.(1/122)
وعاد ما شبع الألف الجياع به ... كما بدوا فيه لم ينقص ولم يحل (1)
أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في ... عصر البيان فضلّت أوجه الحيل (2)
40 - سألتهم سورة في مثل حكمته ... فتلّهم عنه حين العجز حين تلي (3)
فرام رجس كذوب أن يعارضه ... بسخف إفك لم يحسن ولم يطل (4)
مثبّج بركيك الإفك ملتبس ... ملجلج برديّ الزّور والخطل (5)
يمجّ أوّل حرف سمع سامعه ... ويعتريه كلال العجز والملل (6)
[26/ آ] كأنّه منطق الورهاء شذّبه ... لبس من الخبل أو مسّ من الخبل (7)
45 - أمرّت البئر بل غارت لمجّته ... فيها، وأعمى بصير العين بالثّفل (8)
وأيبس الضّرع منها شؤم راحته ... من بعد إرسال رسل منه منهمل (9)
__________
(1) في ط: ما أشبع.
(2) في نهاية الأرب: أصحاب البلاغة.
(3) تلّهم: صرعهم. والحين: الهلاك.
(4) في نهاية الأرب: ورام بعيّ غيّ. والرّجس: القذر، وهو مسيلمة الكذاب. والعيّ: العجز والانقطاع عن الكلام، وهو ضدّ الفصاحة. والغيّ: الضلال. ويطلّ: من طال، أي: امتدّ أو استظهر على القرآن.
(5) في نهاية الأرب: ملجلج بزريّ. مثبجّ: مضطرب فاسد. ملجلج: متردّد في الكلام غير مفصح.
والزّريّ: الحقير. والزور: الكذب. والخطل: المنطق الفاحش المضطرب.
(6) في نهاية الأرب: منه سامعه. يمجّ: يطرح ويلقي.
(7) الورهاء: المرأة الحمقاء تتكلّم بما لا يفهم. شذّبه: فرّقه وقطّعه. الخبل: الفساد. والخبل: الجنون.
(8) في نهاية الارب: واغورّت لمجتّه. أمرّت البئر: صارت ذات مرارة بعد العذوبة.
(9) في نهاية الارب: من بعد إرساله بالرسل منهمل.(1/123)
برئت من دين قوم لا قوام لهم ... عقولهم من وثاق الغيّ في عقل (1)
يستخبرون خفيّ الغيب من حجر ... صلد، ويرجون غوث النّصر من هبل (2)
نالوا أذى منك لولا حلم خالقهم ... وحجّة الله بالأعذار لم تنل (3)
50 - واستضعفوا أهل دين الله فاصطبروا ... لكلّ معضل خطب فادح جلل (4)
لاقى بلال بلاء من أميّة قد ... أحلّه الصّبر فيه أكرم النّزل (5)
إذ أجهدوه بضنك الأسر وهو على ... شدائد الأزل ثبت الأزر لم يزل (6)
ألقوه بطحا برمضاء البطاح وقد ... عالوا عليه صخورا جمّة الثّقل (7)
يوحّد الله إخلاصا وقد ظهرت ... بظهره كندوب الطّلّ في الطّلل (8)
55 - إن قدّ ظهر وليّ الله من دبر ... قد قدّ قلب عدوّ الله من قبل (9)
__________
(1) في نهاية الأرب: في غلل. قوام الأمر: نظامه وعماده وملاكه. عقل: جمع عقال وهو الحبل الذي يعقل البعير.
(2) هبل: أعظم أصنام قريش في الجاهلية.
(3) في نهاية الأرب: بالإنذار لم تنل.
(4) في ت وط: منه على كلّ خطب. معضل: شديد. فادح: يقال أمر فادح إذا أثقله وبهظه وعجز عنه. الجلل: العظيم.
(5) بلال: هو ابن رباح، مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورضي عن صحبه.
(6) أجهدوه: حمّلوه فوق طاقته من العذاب. والضنّك: الضيق. والأزل: الحبس والتضييق. والأزر:
القوة. والثبت: ثابت القلب.
(7) الرمضاء: الأرض الشديدة الحرارة بالشمس. والبطاح: الأودية. عالوا: أعلوا. جمة: كثيرة.
(8) في نهاية الأرب: فوحّد الله. الندوب: الآثار. الطلّ: المطر الخفيف. الطلل: ما شخص من آثار الديار على وجه الأرض.
(9) قدّ: قطع بالتعذيب،(1/124)
نفرت في نفر لم ترض أنفسهم ... إذ نافروا الرّجس إلّا القدس من نفل (1)
بأنفس بدّلت في الخلد إذ بذلت ... عن صدق بذل ببدر أكرم البدل
من كلّ مهتصر لله منتصر ... بالبيض مختصر بالسّمر معتقل (2)
يمشي إلى الموت عالي الكعب معتقلا ... أظمى الكعوب كمشي الكاعب الفضل (3)
60 - قد قاتلوا دونك الأقيال عن جلد ... وجالدوا بجلاد البيض والجدل (4)
وصلتهم وقطعت الأقربين معا ... في الله لولاه لم تقطع ولم تصل
وجاء جبريل في جند له عدد ... لم تبتذلها أكفّ الخلق بالعمل (5)
بيض من العون لم تستلّ من غمد ... خيل من الكون لم تستنّ في طيل (6)
أحبب بخيل من التّكوين قد جبلت ... بجانب عن جناب الحقّ معتزل (7)
__________
(1) نافروا الرّجس: جانبوا الأوثان والشرك. القدس: الجنّة. النفل: الغنائم.
(2) في نهاية الأرب: بالرمح معتقل. مهتصر: كاسر للأقران. اختصر الشيء: مسكه بيده. السمر:
الرماح. المعتقل: الذي جعل رمحه بين ساقه وركابه.
(3) عالي الكعب: وصف بالشرف والظفر. أظمى الكعوب: أسمر الرماح. والكاعب: الجارية الناهد.
الفضل: المتفضلة في ثوب واحد من غير قناع.
(4) في نهاية الأرب: جالدوا بجلاء. والأقيال: الملوك. الجلاد: المضاربة أي: جمعوا بين حجّة اللسان والمضاربة بالسيوف.
(5) في نهاية الأرب: لهم عدد.
(6) بيض: سيوف. من العون: من عون الله. الكون: قوله تعالى: كن فيكون. لم تستنّ: لم تمرح. في طيل: في حبل، لأنّ الدابة تطول فيه وتمتدّ في المرعى.
(7) في نهاية الأرب: قد جنبت. من التكوين: تكوين الله تعالى.(1/125)
65 - أعميت جيشا بكفّ من حصى فجثوا ... وعقّلوا عن حراك النّقل بالنّقل (1)
ودعوة بفناء البيت صادقة ... غدا أميّة منها شرّ منخزل (2)
[26/ ب] غادرت جهل أبي جهل بمجهلة ... وشاب شيبة قبل الوقت من وجل (3)
وعتبة الشّرّ لم يعتب فتعطفه ... منك العواطف قبل الحين في مهل (4)
وعقبة الغمر عقباه لشقوته ... إن ظلّ من غمرات الخزي في ظلل (5)
70 - وكلّ أشرس عاتي القلب منقلب ... جعلته بقليب البئر كالجعل (6)
وجاثم بمثار النّقع مشتغل ... بجاحم من أوار الثّكل مشتعل (7)
عقدت بالخزي في عطفي مقلّده ... طوق الحمامة باق غير منتقل (8)
__________
(1) في نهاية الأرب: وعطّلوا. جثا: قعد على ركبتيه. النّقل: الحجارة أي: رماهم عليه الصلّاة والسلام بحصى فنزلت عليهم حجارة عطّلت حركتهم.
(2) فناء البيت: السعة التي أمامه، والمراد: البيت الحرام. انخزل: انقطع. أمية: هو ابن خلف الجمحي.
(3) في نهاية الأرب، قبل الموت. مجهلة: أمر حمله على الجهل. وشيبة: هو ابن ربيعة بن عبد شمس، قتل على الوثينة.
(4) في نهاية الأرب: قبل الفوت. وعتبة: هو ابن ربيعة بن عبد شمس.
(5) في نهاية الأرب: قد ظلّ من غمرات الغيّ. والغمر: الجاهل الذي لم يجرّب الأمور. وعقبة: هو ابن أبان بن ذكوان ابن أمية. غمرات: شدائد.
(6) في ط ونهاية الأرب: أشوس. والأشرس: عسر الأخلاق شديد الخلاف. العاتي: الذي بلغ الغاية في القسوة. المنقلب: المنصرف عن الحقّ. القليب: البئر. الجعل: دويبة سوداء تكون في المواضع النديّة.
(7) في نهاية الأرب: أوار النار.
(8) في نهاية الأرب: مقلدّهم.(1/126)
أمسى خليل صغار بعد نخوته ... بالأمس في خيلاء الخيل والخول (1)
دام يديم زفيرا في جوانحه ... جنح من الشّكّ لم يجنح ولم يمل (2)
75 - يقاد في القدّ خنقا مشربا حنقا ... يمشي به الذّعر مشي الشّارب الثّمل (3)
أوصاله من صليل الغلّ في علل ... وقلبه من غليل الغلّ في غلل (4)
يظلّ يحجل ساجي الطّرف خافضه ... لمسكة الحجل لا من مسكة الحجل (5)
أرحت بالسّيف ظهر الأرض من نفر ... أزحت بالصّدق منهم كاذب العلل
تركت بالكفر صدعا غير ملتئم ... وآب عنك بقرح غير مندمل (6)
80 - وأفلت السّيف منهم كلّ ذي أسف ... على الحمام حماه اجل الأجل (7)
قد أعتقته عتاق الخيل وهو يرى ... به إلى رقّ موت رقّة الغزل
__________
(1) الصّغار: الذلّ والهوان. النّخوة: العظمة والتكبّر. الخيلاء: الكبر والإعجاب. الخول: الخدم والحشم.
(2) في ت: جوانبه. دام: يسيل دمه. الزفير: تنفّس الصعداء.
(3) في ت: القيد. والقدّ: السير. مشربا: أدخل به حتى خالطه. الحنق: الغيظ. الذعر: الفزع. الثمل:
السكران أي يتمايل في مشيه خوفا.
(4) الغلّ: القيد. العلل: جمع علّة وهي المرض. الغلّ: الحقد. وغليله: حرارته والتهابه.
(5) في نهاية الأرب: بمسكة الحجل. يحجل: يقفز في الحجل وهو القيد. الحجل: الحجال: وهي قباب العروس تزيّن بالستور، يقول: إنّما سجا طرفه من ذلّة الأسر لا كما تسجو ألحاظ النساء من لزوم الحجاب.
(6) في نهاية الأرب: وآب منك.
(7) أفلت السيف: حملهم السيف على الهرب. والحمام: الموت. الآجل: المتأخّر. الأجل: أمد العمر.(1/127)
فكم ببكّة من باك وباكية ... بفيض سجل من الآماق منسجل (1)
وكاسف البال بالي الصّبر جدت له ... بوابل من وبال الخزي متّصل (2)
فؤاده من سعير الغيظ في غلل ... وعينه من غزير الدّمع في غلل
85 - قد أسعرت منه صدرا غير مصطبر ... وحمّلت منه صبرا غير محتمل (3)
ويوم مكّة إذ أشرفت في أمم ... تضيق عنها فجاج الوعث والسّهل (4)
خوافق ضاق ذرع الخافقين بها ... في قاتم من عجاج الخيل والإبل (5)
وجحفل قذف الأرجاء ذي لجب ... عرمرم كزهاء السّيل منسحل (6)
وأنت صلّى عليك الله تقدمهم ... في بهو إشراق نور منك مكتمل
90 - ينير فوق أغرّ الوجه منتجب ... متوّج بعزيز النّصر مقتبل (7)
__________
(1) في نهاية الأرب: بمكة. السجل: الدّلو العظيمة المملوءة ماء. الآماق: أطراف الأعين التي يخرج منها الدمع. منسجل: منصبّ.
(2) كاسف البال: متغيّر الحال سيّئها. بلي الصبر: فني. وبال الخزي: مضرّته وأذاه وثقله. وقوله «جدت» تهكّم، كقوله تعالى: (فبشّرهم بعذاب أليم).
(3) في نهاية الأرب: قلبا غير محتمل.
(4) في نهاية الأرب: فجاج الوعر. الفجاج: الطرق الواسعة بين الجبال. الوعث: المكان الذي تغوص فيه الأقدام.
(5) خوافق: ألوية وبنود. الخافقان: أفقا المشرق والمغرب أي: ضاق وسعهما بها. القاتم: المغبرّ الأسود.
(6) في ط نهاية الأرب: كزهاء اللّيل منسدل. الجحفل: الجيش العظيم. قذف: متباعد الأرجاء والنواحي. اللّجب: اشتباك الأصوات. عرمرم: كثير. زهاء: قدر. منسحل: منصبّ.
(7) الأغرّ: الأبيض المنير. المنتجب: المتخيّر.(1/128)
[27/ آ] تسمو أمام جنود الله مرتديا ... ثوب الوقار لأمر الله ممتثل
خشعت تحت بهاء العزّ حين سمت ... بك المهابة فعل الخاضع الوجل (1)
وقد تباشر أملاك السّماء بما ... ملّكت إذ نلت منه غاية الأمل
والأرض ترجف من زهو ومن فرق ... والجوّ يزهر إشراقا من الجذل (2)
95 - والخيل تختال زهوا في أعنّتها ... والعيس تنثال رهوا في ثنى الجدل (3)
لولا الّذي خطّت الأقلام من قدر ... وسابق من قضاء غير ذي حول
أهلّ ثهلان بالتّهليل من طرب ... وذاب يذبل تهليلا من الذّبل (4)
الملك لله! هذا عزّ من عقدت ... له النّبوّة فوق العرش في الأزل
شعبت صدع قريش بعدما قذفت ... بهم شعوب شعاب السّهل والقلل (5)
100 - قالوا: محمّد قد زارت كتائبه ... كالأسد تزأر في أنيابها العصل (6)
فويل مكّة من آثار وطأته ... وويل أمّ قريش من جوى الهبل (7)
__________
(1) في نهاية الأرب: لواء العزّ.
(2) في ت: ومن فرح وفيها: والحقّ يزهر.
(3) في نهاية الأرب: تختال ميلا. تختال: تتبختر. العيس: الإبل. تنثال: تنصبّ من كلّ جهة. الرّهو:
ضرب من السير. الجدل: جمع جديل، وهو الزمام.
(4) في ط: لهلّ ثهلان. وفي نهاية الأرب: تكبيرا من الذبل. ثهلان ويذبل: جبلان. والذبل: الرماح الذوابل. التهليل: الأوّل يعني قوله: لا إله إلّا الله، والثاني يعني: الجبن والفزع.
(5) في ت: بعدها صدعت. شعبت: جمعت، وهو من الأضداد. الصدع: الشقّ. شعوب: من أسماء الموت. القلل: أعالي الجبال.
(6) في نهاية الأرب: قد حلّت كتائبه. الكتائب: جمع كتيبة: الطائفة من الجند. تزأر: تصيح في غضب. العصل في الناب: اعوجاجه وشدّته.
(7) الجوى: الحزن. الهبل: الثكل.(1/129)
فجدت عفوا بفضل العفو منك ولم ... تلمم ولا بأليم اللّوم والعذل (1)
أضربت بالصّفح صفحا عن طوائلهم ... طولا أطال مقيل النّوم في المقل (2)
رحمت واشج أرحام أتيح لها ... تحت الوشيج نشيج الرّوع والوجل (3)
105 - عاذوا بظلّ كريم العفو ذي لطف ... مبارك الوجه بالتّوفيق مشتمل (4)
أزكى الخليفة أخلاقا وأطهرها ... وأكرم النّاس صفحا عن ذوي الزّلل (5)
زان الخشوع وقار منه في خفر ... أرقّ من خفر العذراء في الكلل (6)
وطفت بالبيت محبورا وطاف به ... من كان عنه قبيل الفتح في شغل
والكفر في ظلمات الخزي مرتكس ... ثاو بمنزلة البهموت من زحل (7)
110 - حجزت بالأمن أقطار الحجاز معا ... وملت بالخوف عن خيف وعن ملل (8)
__________
(1) في ط: تلم.
(2) في الأصل: في النقل، وهو تصحيف. طوائل: جمع طائلة: العداوة. طولا: منّا وتفضّلا. المقيل:
النوم وقت الهاجرة والمعنى: إنّ صفحك منحهم راحة النّوم.
(3) واشج أرحام: الرحم المشتبكة. الوشيج: اشتباك القرابة. النشيج: الفصّة بالبكاء في الحلق من غير انتخاب. الوجل: الخوف.
(4) في ت: عاذوا بفضل. مبارك الوجه: أي ثبت فيه الخير الإلهي وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(5) في نهاية الأرب: أزكى البرية وأكثر الناس.
(6) خفر: حياء. الكل: جمع كلّة، وهي الستر الرّقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البعوض.
(7) في ت: المبهوت من وجل. الركس: قلب الشيء على رأسه وردّ أوّله على آخره. البهموت: الحوت الذي يزعمون أنّه يحمل الثور الحامل الأرض وزحل: أعلى النجوم السيارة يريد: أنّ الكفر في غاية السفل.
(8) في ت: وملت بالخيف. الخيف: منى، وخيف بني كنانة الذي نزل فيه النبي عليه السلام عام حجّه.
ملل: موضع بين مكة والمدينة، وتنكير الخيف مع علميته للضرورة.(1/130)
وحلّ أمن ويمن منك في يمن ... لمّا أجابت إلى الإيمان عن عجل
وأصبح الدّين قد حفّت جوانبه ... بعزّة النّصر واستولى على الملل (1)
قد طاع منحرف منهم لمعترف ... وانقاد منعدل منهم لمعتدل
[27/ ب] أحبب بخلّة أهل الحقّ في الخلل ... وعزّ دولته الغرّاء في الدّول
115 - أمّ اليمامة يوم منه مصطلم ... وحلّ بالشّام شؤم غير مرتحل (2)
تعرّقت منه أعراق العراق ولم ... يترك من التّرك عظم غير منتثل (3)
لم يبق للفرس ليث غير مفترس ... ولا من الحبش جيش غير منجفل (4)
ولا من الصّين صوت غير مبتذل ... ولا من الرّوم مرمى غير منتضل (5)
ولا من النّوب جذم غير منجذم ... ولا من الزّنج جذل غير منجذل (6)
120 - وسلّ بالغرب غرب السّيف إذ شرقت ... بالشّرق قبل صدور البيض والأسل (7)
__________
(1) في نهاية الأرب: واستعلى على الملل.
(2) في الأصل: بمصطلم، وبها لا يستقيم الوزن مصطلم: مستأصل بالهلاك يشير إلى القضاء على الكذّاب مسيلمة وقومه أي: لازمها الشؤم حتى قضى على ممالكها وعمّها الإسلام.
(3) في نهاية الأرب: عظما. تعرّقت: أخذ ما عليها من اللحم. الأعراق: جمع عرق: العظم، وهذا مثل، إشارة إلى استباحة الإسلام لكنوزها وممالكها. منتثل: مستخرج.
(4) انجفل: انهزم.
(5) منتضل: مرتمى، يقال: تناضلوا إذا تراموا بالنبال.
(6) الجذم: الأصل. منجذم: منقطع. الجذل: الأصل أيضا. منجذل: منقطع.
(7) الغرب: المغرب. غرب السيف: حدّه. شرقت: غصّت يريد أنّ المسلمين لمّا فرغوا من فتح بلاد الشرق ورويت منها سيوفهم ورماحهم حتى شرقت بدماء أهل الشرك قصدوا نحو المغرب ففتحوا بلاده.(1/131)
ونيل بالسّيف سيف النّيل واتّصلت ... دعوى الجنود فكلّ بالجلاد صلي (1)
وعاد كلّ عدوّ عزّ جانبه ... قد عاذ منك ببذل منه مبتذل
بذمّة الله والإيمان متّصل ... أو من شبا النّصل بالأموال منتصل (2)
يا صفوة الله قد أصفيت فيك صفا ... صفو الوداد بلا شوب ولا دخل (3)
125 - ألست أكرم من يمشي على قدم ... من البريّة فوق السّهل والجبل
وأزلف الخلق عند الله منزلة ... إذ قيل في مشهد الأشهاد والرّسل
قم يا محمّد واشفع في العباد وقل ... تسمع، وسل تعط واشفع عائدا وسل (4)
والكوثر الحوض يروي النّاس من ظمإ ... برح وينقع منه لاعج الغلل (5)
أصفى من الثّلج إشراقا، مذاقته ... أحلى من اللّبن المضروب بالعسل
130 - نحلتك الودّ علّي إذ نحلتكه ... أجني بحبّك منه أفضل النّحل (6)
فما بجلدي لنضج النّار من جلد ... ولا لقلبي بهول الحشر من قبل (7)
__________
(1) سيف: شاطئ. النيل: نهر مصر. الجلاد: المضاربة.
(2) الذمّة: الأمان أي ما بذله لنجاته من القتل، إمّا إيمانا بالله عن طواعية وإمّا جزية.
(3) في نهاية الأرب: قد صافيت فيك صفا. وصفاء بالمدّ، قصره للضرورة. الشوب: الخلط. الدّخل:
الدغل والفساد.
(4) في ت وط: فاشفع.
(5) في ت وط: فيه لاعج. برح: شديد. ينقع: يسكن. لاعج: شديد الحرارة. الغلل: جمع غلّة: شدة العطش.
(6) في نهاية الأرب: أحبي بفضلك منك. نحل: أعطى، والنحلة: العطية.
(7) في ط ونهاية الأرب: فما لجلدي بنضج.(1/132)
يا خالق الخلق لا تخلق بما اجترمت ... يداي وجهي من حوب ومن زلل (1)
واصحب وصلّ وواصل كلّ صالحة ... على صفيّك في الإصباح والأصل
قلت: قد أبدع هذا النّاظم رحمه الله فيما نظم، وشرّف هذه القصيدة بقصده الجميل وعظّم، فراقت معنى ومنظرا، وشاقت حسّا (2)
ومخبرا، فهي كما وصفها أبو عبد الله المصريّ حين (3) قال: يئست من [28/ آ] معارضتها الأطماع، وانعقد على تفضيلها الإجماع، فطبقت أرجاء الأرض، وأشرقت منها في الطّول والعرض. على أنّه رحمه الله قد أكثر فيها لأجل الصّناعة التّصنّع، وتكلّف منها ما هو بعيد (4) المرام شديد التمنّع.
واعترض في كلّ معنى عرض، وربّما أغرق (5) النّزع فخالف الغرض، كقوله:
فويل مكّة من اثار وطأته البيت وقولّه:
وحلّ بالشّام شؤم غير مرتحل
وما جرى هذا المجرى من كلامه رحمه الله ولكنّ قصيدته بالجملة قد حلّت من البلاغة في حصن (6) ممنع، وجلت «وجها زهاه (7)
__________
(1) في ت: اجترحت يداي. خلق: بلي. الحوب: الذنب والإثم.
(2) في الأصل: حسنا، وهو تصحيف.
(3) في ت: حيث.
(4) في ت: بديع.
(5) في الأصل: أخرق. وأغرق النازع في القوس: أي استوفى مدّها. ويضرب مثلا للغلّو والإفراط.
(6) في ت: يفاع.
(7) في ت: جلاه.(1/133)
الحسن أن يتقنّع» (1) فإن أنكرت من وصفها قولا، أو سمعت في مدحها تخصيص لولا، أخردت (2) متأمّلة، وأنشدت متمثّلة (3): [السريع]
ما سلم البدر على حسنه ... كلّا ولا الظّبي الّذي يوصف (4)
البدر فيه كلف ظاهر ... والظّبي فيه خنس يعرف (5)
[تخميسات الشّقراطسيّة]
وقد أولع النّاس بها كلّ الولوع، واستحسنوا من محاسنها كلّ مفرّق ومجموع، وعنوا بها شرحا وتخميسا، وغنوا بها معهدا أنيسا، فخمّسها وشرحها أبو عبد الله المصريّ، وقد قرأت تخميسه على صاحبنا الفقيه أبي عبد الله بن هريرة، وحدّثني به عنه قراءة وأوّله: [البسيط]
ابدأ بحمد الّذي أعطى ولم تسل ... وذد به ريب رين الأين والكسل (6)
فالحمد أحلى جنى من طيّب العسل ... الحمد لله منّا باعث الرّسل
هدى بأحمد منّا أحمد السّبل
__________
(1) مأخوذ من قول عمر بن أبي ربيعة في ديوانه 228:
فلمّا تواقفنا وسلّمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
(2) أخردت: أطالت السكوت.
(3) البيتان في تحفة العروس للتّجاني: 119، والمستطرف: 80، وتهذيب ابن عساكر: 4/ 252.
(4) في المستطرف: ما سلم الظبي على حسنه ... كلّا ولا الظبي الذي يوصف
(5) في المستطرف والتهذيب: الظّبي فيه خنس بيّن.
وفي المستطرف: فيه كلف يعرف. وفي التهذيب: نكتة تعرف.
(6) الرّين: الغلبة، والأين: الإعياء والتّعب.(1/134)
وهو تخميس لا بأس به، ووسمه ب «سمط الهدي في الفخر المحمّدي».
وخمّسها الفقيه الأديب الأفضل القاضي أبو عمرو عثمان بن عتيق (1)
المعروف بابن عريهة، وقيدّه صاحبنا أبو عبد الله: عريهة بالتّاء، وهو من المشاهير بإفريقية، وشعره مجموع، ووقفت عليه بخطّه، وأكثره قعقعة ما ترسل بغيث مزنا، وكما قيل: «جعجعة ولا أرى طحنا» (2) وقد قرأت تخميسه على شيخ [28/ ب] من أصحابه يعرف بأبي إسحاق التّلمساني (3)، وحدّثّني به عنه قراءة، وأوّله: [البسيط]
اربع من العلم الأسنى على طلل ... فكم ضحيت ولم تفزع إلى طلل
وإن عشوت إلى نار الهدى فقل ... الحمد لله منّا باعث الرّسل
هدى بأحمد منّا أحمد السّبل
__________
(1) هو عثمان بن عتيق بن عثمان القيسي المهدوي المعروف بابن عربية (كما في شجرة النور) كان حافظا للحديث مقدّما في علوم الأدب، فحلا من فحول الشعراء، ولد بالمهدية سنة 600هـ وتوفي سنة 659هـ. له ديوان شعر وتصانيف مفيدة منها: «فوائد الكلم النبوية على صاحبها أزكى التحيّة» وكتاب «الزهرة في مسند العشرة»: ترجمته في رحلة التّجاني: 380375، وشجرة النور: 189.
(2) المثل: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا. وهو في أمثال أبي عبيد 321فصل المقال 448جمهرة الأمثال: 1/ 154المستقصى: 1/ 172اللسان جعع طحن.
(3) هو إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني المالكي: فقيه، أديب، شاعر، له منظومات في السّير وأمداح النبي عليه السلام، وله مقالات في العروض وأرجوزة في الفرائض. ولد سنة 609هـ بتلمسان وتوفي بسبتة سنة 690هـ. ترجمة في: الإحاطة 1/ 329326، ودرّة الحجال: 1/ 177وفيه وفاته سنة 697ببسطة، والديباج المذهب 9190.(1/135)
وخمّسها أيضا الفقيه الأديب الفاضل (1) الأوحد أبو بكر محمّد بن الحسن بن يوسف بن حبيش رحمه الله وهو من المتقنين المجوّدين وذوي الفضائل المبرّزين، واعتنى بها اعتناء تاما، وتصرّف فيها على أوجه كثيرة من تخميس وغيره، وكرّر تخميسها ثلاث مرات، وسمّاها «القرب الثّلاث» حدّثني بها كلّها عنه صاحبنا الفقيه أبو عبد الله بن هريرة إجازة ومناولة في أصله بخطّه الّذي قرأه عليه وقد علق بحفظي مطلع أوّل تخميس منها، وهو قوله: [البسيط]
عزل الشّباب قضى أنّ المشيب ولي ... فما التّغزّل من قولي ولا عملي
حمد الإله ومدح المصطفى أملي ... الحمد لله منّا باعث الرّسل
ومن تأمّل هذه البداية وتمكّنها ومناسبة هذه الأقسام [للبيت] (2)
رأى قدر التّفاوت فيما بين هذا النّظم والّذي قبله.
أمّا تمكّنها: فلأنّه لمّا جرت عادة الشّعراء بالافتتاح بالتغزّل، وطّأ بالافتتاح بغيره، بما ذكر من [أنّ] (3) الوقت الّلائق به التّغزّل هو عصر الشّباب، وأنّ اللّائق بعصر الشّيب هو ذكر الله والإقبال على الحمد له، وأحسن الاستعارة في ذكر الولاية والعزل ولمّا رأى أنّ البيت متضمن لمعنيين: حمد الله تعالى، ومدح رسوله صلّى الله عليه وسلم، وطّأ لهما معا في القسم الّذي
__________
(1) ليست في ط.
(2) زيادة من ت وط.
(3) زيادة من ت وط.(1/136)
قبله، حتّى جاءت الأقسام والبيت في غاية التّناسب كأنّها نظم رجل واحد.
وما ذكر من الولاية والعزل في الشّباب والشّيب استعارة حسنة واقعة موقعها.
وقد كان هذا المعنى عرض لي قديما فنظمته في بيت من قصيدة، وزدت فيه معنى آخر وهو أنّ الشّيب لما ولي قام بأعلى الرّأس خطيبا لما كان من شأن الوالي الخطبة والصعود لها على المنبر، وحسن أن يستعار ذلك للشّيب لمّا كان نذيرا زاجرا، فقلت في ذلك: [الطويل]
[29/ آ] شبابي وال جاء شيبي بعزله ... فقام بأعلى الرّأس أيّ خطيب
وقرأت أيضا على صاحبنا أبي عبد الله (1) تخميس أبي عبد الله المصريّ لقصيدة الشّيخ الفقيه العالم الصّالح الأوحد أبي الفضل يوسف بن محمّد المعروف بابن النّحويّ (2)، وقد وسمه ب «عجالة الرّويّة في تسميط القصيدة النّحويّة»، وهي قصيدة مشهورة تسمى، «أمّ الفرج».
__________
(1) المقصود به: أبو عبد الله بن هريرة.
(2) هو يوسف بن محمد بن يوسف التّوزري الأصل، التّلمساني، أبو الفضل، ناظم المنفرجة التي مطلعها:
اشتدي أزمة تنفرجي ... قد اذن ليلك بالبلج
كان فقيها يميل إلى الاجتهاد من أهل تلمسان، أصله من توزر، وسكن سجلماسة وتوفي بقلعة بني حمّاد قرب بجاية عام 513هـ. ومولده سنة 433هـ. ترجمته في البستان: 299، جذوة الاقتباس 346، نيل الابتهاج: 349، عنوان الدراية: 272. شجرة النور الزكية: 1/ 126.(1/137)
قال أبو عبد الله المصري: كان منشئها رحمه الله أنشأها عند شدّة هالت، فأقشعت (1) بفضل الله للحين وزالت، وعادت الحال إلى أحسن ما كانت عليه وآلت، لرؤيا رآها الباغي عليه، قطع بها وروّع بسببها، فكفّت يده العادية، وردّت غائلته (2) البادية، فهي لهذه المزيّة من أوثق العدّة، وأوفق أسباب الفرج بعد الشّدّة، وكان بعض الشّيوخ يحضّ على حفظها، وأخذ النّفس منها بحظّها.
قلت: فرأيت أن أثبت القصيدة بتخميسها، لما وصف من بسطها لمقبوض الوحشة وتأنيسها، نظرا إلى الأمر المقصود والمعنى المعتبر، وإغضاء عن اللّفظ فعيبه في مثل هذا مغتفر، وقد قرأتها بتخميسها على صاحبنا أبي عبد الله، وحدّثني بها عن مخمّسها المذكور قراءة عن الأديب أبي عبد الله محمّد بن يونس بن عبد الرّحمن الهنتاني التّونسيّ قراءة بها عليه عن الفقيه أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أبي بكر الحميريّ القلعيّ يعرف بالبلّاطي عن الفقيه الإمام أبي محمّد عبد الله بن ميمون بن محمّد الغنّام القلعيّ، عن الفقيه الإمام الصّالح أبي عبد الله محمّد بن عبد (3) المعطي بن عبد الله (3)
الأذنيّ بالذال المعجمة والنون ويعرف بابن الرّمّاح عن أبي الفضل ابن النّحويّ رحمه الله، ونقلت هذا السّند من خطّ أبي عبد الله المصري مخمّسها، فقال: [المتدارك]
__________
(1) في ت: فأقشعها.
(2) الغائلة: الداهية.
(33) سقط من ت.(1/138)
[تخميس المنفرجة لأبي عبد الله المصري]
[29/ ب] يا من يشكو ألم الحرج ... ويرى عسرا قرب الفرج (1)
أبشر بشذا فرج أرج ... اشتدّي أزمة تنفرجي
قد آذن ليلك بالبلج (2)
وارتح للرّوح فلا حرج ... فمراقي الّلطف لها درج
ومعاني الضّيق لها فرج ... وظلام اللّيل له سرج
حتّى يغشاه أبو السّرج (3)
اليأس لذي البلوى خطر ... والبأس مع النّعمى بطر (4)
والقلب له أبدا وطر ... وسحاب الخير لها مطر (5)
فإذا جاء الإبّان تجي (6)
والغافل عن هذا همل ... والنّفس تملّكها الأمل (7)
وملاك الخير هو العمل ... وفوائد مولانا جمل (8)
لشروح الأنفس والمهج (9)
__________
(1) في ت: ويرى عسري.
(2) أبلجت الشمس: أضاءت. والبلوج: الإشراق.
(3) أبو السّرج: الشمس.
(4) في ط: واليأس مع النعمى
(5) الوطر: الحاجة.
(6) الإبّان: الوقت والحين. وحذفت همزة تجيء للروي. وهو ممّا يجوز عند الضرورة في الشعر.
(7) الهمل: الضالّ.
(8) في ط: «ملاك». دون واو، وبها لا يستقيم الوزن. جمل: كثيرة.
(9) المهج: جمع مهجة، وهي الروح. لشروح الأنفس: لشرح الصدور.(1/139)
عمّ الأكوان ندى وجدا ... فعلا الآفاق شموس هدى (1)
ورياض الجود تصدّ صدى ... ولها أرج محي أبدا (2)
فاقصد محيا ذاك الأرج (3)
لله نسيم حيا أحيا ... ومسير طريق ما أعيا (4)
فالزمه، فربّتما أغيا ... ولربّتما فاض المحيا (5)
ببحور الموج من اللّجج (6)
ذو العقل يقوم بسيّده ... ومسدّده ومؤيّده (7)
ومصرّفه ومردّده ... والخلق جميعا في يده
فذوو سعة وذوو حرج (8)
ونزاعهم ونزوعهم ... وقناعتهم وقنوعهم
وسلوّهم وولوعهم ... ونزولهم وطلوعهم
فإلى درك وعلى درج (9)
__________
(1) الجدا: العطاء.
(2) الأرج: الرائحة الطيبة.
(3) المحيا: المكان الذي يحيا فيه.
(4) الحيا: المطر والخصب.
(5) فاض المحيا: كثر ماؤه. والمراد خيره.
(6) اللّجج: جمع لجّة وهي معظم الماء.
(7) في ت: يقوم لسيّده.
(8) ذوو حرج: ذوو ضيق، من قولهم: حرج عليه أي ضيق عليه.
(9) في ت: وإلى حرج. الدرك: أسفل كل شيء. درج: درجات للصعود.(1/140)
ومطالعهم ومراقبهم ... وطوالعهم وثواقبهم
[30/ آ] ومثالبهم ومناقبهم ... ومعائشهم وعواقبهم (1)
ليست في المشي على عوج
نفس عدلت نفس ظلمت ... نفس سلمت نفس ألمت
نفس جهلت نفس علمت ... حكم نسجت بيد حكمت (2)
ثمّ آنتسجت بالمنتسج (3)
هذي دخلت هذي خرجت ... هذي بقيت هذي درجت
هذي سلفت هذي عرجت ... فإذا اقتصدت ثمّ انعرجت (4)
فبمقتصد وبمنعرج (5)
خاضت بحرا فيه لجج ... صدّت قوما لمّا انتهجوا (6)
وهدت قوما فيها ابتهجوا ... شهدت بعجائبها حجج (7)
قامت بالأمر على الحجج (8)
__________
(1) المثالب: العيوب. والمناقب: الخصال الجّيدة.
(2) حكم جمع حكمة. نسجت هنا بمعنى قدرت.
(3) انتسجت: بمعنى نفذت بالكاف والنون: كن فيكون. المنتسج: استعارة تصريحية لقدرته تعالى.
(4) اقتصدت: اعتدلت. انعرجت: مالت.
(5) المراد بقوله: فبمقتصد وبمنعرج: أي بمدبّر يدبّر أمرها.
(6) في ط: لها انتهجوا. وانتهج الطريق: استبانه وسلكه.
(7) في ط: فيها انتهجوا. حجج، بضمّ الحاء: جمع حجّة أي البرهان أو الدليل.
(8) الحجج، بكسر الحاء: جمع حجة أي السنة.(1/141)
اقرع بابي أمل ورجا ... واسلك هولا واركب لججا
فرجاء الله هدى ونجا ... ورضا بقضاء الله حجى (1)
فعلى مركوزته فعج (2)
احفظ أنفاسك كالسّعدا ... واحذر أن تذهب عنك سدى (3)
وانعم بالّلائح حين بدا ... وإذا انفتحت أبواب هدى
فاعجل لخزائنها ولج (4)
وتوخّ بقصدك ايتها ... وارفع بالهمّة رايتها
وانهض كي تدرك غايتها ... وإذا حاولت نهايتها
فاحذر إذ ذاك من العرج (5)
اترك أمرا يجنيك أذى ... والزم ذكرا يجزيك غذا (6)
واهجر هجرا وهوى وبذا ... لتكون من السّبّاق إذا (7)
ما جئت إلى تلك الفرج (8)
__________
(1) الحجى: العقل.
(2) عاج على الشيء: عرّج عليه ومال إليه.
(3) في ط: كالصعدا.
(4) لج: فعل أمر من ولج: أي دخل.
(5) العرج: الميل عن الطريق المستقيم.
(6) في ط: يجديك غدا.
(7) البذاء: الفحش.
(8) الفرج: المتّسع.(1/142)
[30/ ب] برهان الحقّ وحجّته ... ولسان الصّدق ولهجته (1)
وطريق الرّشد ونهجته ... فهناك العيش وبهجته (2)
فلمبتهج ولمنتهج (3)
نفس رضيت بالله جدت ... شكرت نعما مهما شكدت (4)
وكذلك إن بخلت جحدت ... فهج الأعمال إذا ركدت (5)
فإذا ما هجت إذا تهج
نفس كثفت فزجاجتها ... خبثت بالهجر مجاجتها (6)
وبدت في الذّنب لجاجتها ... ومعاصي الله سماجتها (7)
تزدان لذي الخلق السّمج (8)
عرّج عن ساح مساحتها ... واقبض راحا عن راحتها (9)
فلتقوى الله وراحتها ... ولطاعته وصباحتها (10)
أنوار صباح منبلج (11)
__________
(1) في ت: وبهجته.
(2) في ط: فهناء العيش.
(3) رواية الشطر في ت: فلمنتهج وبمنتهج. والمنتهج: الذي استبان طريقه وسلكه.
(4) في ت: بالله حدت، وفي ط: شكرت، جدت: بلغت الغاية، وشكدت: أعطيت من الشكد: الإعطاء.
(5) هج: فعل أمر من هاج الشّيء بمعنى تحرّك وثار.
(6) المجاجة: العصارة.
(7) السماجة: القبح.
(8) في ت: تزداد. وفي الأصل رسمت باء إلى جانب (لذي) فتقرأ أيضا: (بذي).
(9) كذا في ت وط، وفي الأصل: ولطاعته وصباحتها، كررّها في البيتين، وهو سهو.
(10) صباحتها: إشراقها وجمالها.
(11) منبلج: مشرق ومنير.(1/143)
فادخل في منسب منصبها ... واسلك في مسلك مكسبها
واسمك في مطلع مطلبها ... من يخطب حور الخلد بها
يظفر بالحور وبالغنج (1)
يا من بالحسن هوى علقا ... جرّد عزما وانف العلقا (2)
حورا عينا تهوى علقا ... فكن المرضيّ لها بتقى (3)
ترضاه هوى وتكون نجي (4)
بمعاصي الله القلب أذي ... وبطاعته عوفي وغذي (5)
فيها في كلّ حلاك خذ ... واتل القرآن بقلب ذي
حزن وبصوت فيه شج (6)
فحجاب النّفس وآفتها ... عجب توليه سلافتها (7)
وأمان الطّرق مخافتها ... وصلاة اللّيل مسافتها
[31/ آ] فاذهب فيها بالفهم وجي (8)
__________
(1) الغنج: الدلال.
(2) في ط: المعلقا. والعلق: المشاغل.
(3) علق: أحبّ.
(4) كذا في المنفرجة. يريد: نجيّا، لكنّه خفّف وسكّن ضرورة.
(5) غذي: أطعم.
(6) شج: حزين.
(7) السّلافة من كل شيء: خالصه.
(8) أصلها وجيء: من الجيئة، وحذفت الهمزة للضرورة الشعرية.(1/144)
واعمر بالذّكر محانيها ... واقطف بالفكر مجانيها (1)
والزم ما عشت مغانيها ... وتأمّلها ومعانيها
تأت الفردوس وتفترج
والهج بلطائف محجرها ... وابهج بطرائف متجرها (2)
وبمبرّدها ومهجّرها ... واشرب تسنيم مفجّرها (3)
لا ممتزجا وبممتزج (4)
ما من خلق أنشاه سدى ... كلّ بالأمر بدا وغدا
أعمى من شا أزلا وهدى ... مدح العقل الآتيه هدى
وهوى متولّ عنه هجي (5)
هذا بحر وإفاضته ... ما غضّت منه إغاضته (6)
والصّعب تقدّم راضته ... وكتاب الله رياضته (7)
لعقول الخلق بمندرج
__________
(1) في حاشية الأصل: «لعلّه: معانيها».
(2) المحجر: ما حول القرية.
(3) تسنيم: ماء في الجنّة.
(4) أفاد من قوله تعالى في سورة المطففين 27: ومزاجه من تسنيم. عينا يشرب بها المقربون.
(5) متولّ عنه: منصرف والضمير يعود على العقل. هجي: من الهجاء.
(6) في ط: عنه.
(7) الصّعب: نقيض الذلول.(1/145)
أسباب الخوف حداتهم ... وأولو التّثبيط عداتهم
وله لا تكمل ذاتهم ... وخيار الخلق هداتهم
وسواهم من همج الهمج (1)
جنّب عبدا جهلا غفلا ... واترك بدرا إمّا أفلا (2)
وحز الإقدام تحز نفلا ... فإذا كنت المقدام فلا (3)
تجزع في الحرب من الرّهج (4)
وارقب برقا للسّرّ بدا ... وامدد لكريم الوعد يدا
واعمر أوقاتك مجتهدا ... وإذا أبصرت منار هدى
فاظهر فردا فوق الثّبج (5)
لله جباه قد سجدت ... في جنح اللّيل وما هجدت (6)
أضناها الشّوق وما وجدت ... وإذا اشتاقت نفس وجدت (7)
[31/ ب] ألما بالشّوق المعتلج (8)
__________
(1) الهمج: الرعاع من الناس.
(2) أفل: غاب.
(3) في ط: المقدم، والنّفل: الغنيمة والهبة.
(4) في ت وط: الهرج. والرّهج: غبار الحرب.
(5) ثبج الرمل: معظمة، وما غلظ من وسطه، وقال الشيخ الأنصاري «الثبج: أي الوسط أو المعظم من منار الهدى» انظر طبقات الشافعيّة الكبرى 8/ 58حاشية 9.
(6) هجد: نام.
(7) وجد: شكا.
(8) المعتلج: المتكاثر.(1/146)
أهواء النّفس مماحكة ... ورياض الأنس ملاحكة (1)
وشموس الفضل مضاحكة ... وثنايا الحسنا ضاحكة (2)
وتمام الضّحك على الفلج (3)
وبروق الرّحمة قد لمعت ... وغيوث النّعمة قد همعت (4)
ومعاني الحكمة قد جمعت ... وعياب الأسرار اجتمعت (5)
بأمانتها تحت الشّرج (6)
شمّر بطريقك لا حبه ... واسلك قصدا بمصاعبه (7)
فالقصد هدى لمصاحبه ... والرّفق يدوم لصاحبه
والخرق يصير إلى الهرج (8)
واقمع شهواتك بالزّهد ... واكحل أجفانك بالسّهد
وصل الصّلوات لمن يهدي ... صلوات الله على المهدي ال (9)
هادي النّاس إلى النّهج (10)
__________
(1) المماحكة: الملاجّة في الكلام، والملاحكة: شدة التئام الشيء بالشيء.
(2) ثنايا الإنسان: هي أربعة أسنان في مقدّم فيه، ثنتان من فوق وثنتان من أسفل.
(3) فلج الأسنان: تباعد ما بينها. وهو حسن فيها.
(4) في ت: بروج الرحمة. وهمعت: نزلت.
(5) عياب: جمع عيبة، وهي وعاء من جلد تصان فيه الأمتعة كالثياب.
(6) الشّرج: العرى.
(7) اللحب والّلاحب: الطريق الواضح.
(8) الخرق: الحمق. والهرج في الحديث: التخليط فيه.
(9) في ط: المهتدي، وبها لا يستقيم الوزن.
(10) النّهج: الطريق المستقيم الواضح.(1/147)
وإمام الخلق وخيرته ... ووسيلته وذخيرته
وعلى خلصان عشيرته ... وأبي بكر في سيرته
ولسان مقالته اللهج (1)
الشّاهر سيف صرامته ... ومجهّز جيش عرامته (2)
لمسيلمة ويمامته ... وأبي حفص وكرامته (3)
في قصّة سارية الخلج (4)
قالي الدّنيا ذي الطّمرين ... ومزيل الرّيب مع الرّين (5)
ومذيق الكفر المرّين ... وأبي عمرو ذي النّورين ال (6)
مستهدي المستحيي البهج
[32/ آ] قال الشّيخ أبو عبد الله رحمه الله: هذا النّظم على أنّ الشّطر النّون، وهو الّذي تسبق إليه الظّنون وأمّا على أنّ الشّطر اللّام وهو الّذي يرتضيه الأعلام فيكون الرّصف والنّظام، والوصف الّذي يقتضيه الإعظام: [المتدارك]
__________
(1) اللهجة واللهجة: جرس الكلام.
(2) العرام: الشدة والقوّة.
(3) مسيلمة الكذاب، كان في اليمامة. وأبو حفص: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(4) هو سارية بن زنيم بن عبد الله بن جابر الكناني: صحابّي من الشعراء القادة الفاتحين، جعله عمر أميرا على جيش وسيّره إلى بلاد فارس سنة 23هـ ففتح بلادا، وهو المعنيّ بقول عمر:
يا سارية الجبل الجبل. توفي سنة 30هـ انظر الإصابة: 2/ 32وأضاف سارية إلى الخلج، بضم الخاء واللام: قوم من العرب من عدوان. طبقات الشافعية الكبرى 8/ 59، حاشية 5.
(5) الرّين: الصدأ.
(6) أبو عمرو: عثمان بن عفان رضي الله عنه.(1/148)
المنعم في اللأوا المجمل ... والمعمل للشّورى المكمل (1)
والقامع للشّرك المحمل ... وأبي عمرو ذي النّورين ال
مستهدي المستحيي البهج
جلّى عن جيش العسر أذى ... وحمى عن عين الحقّ قذى
وأضا عينا رمقت وقذى ... وأبي حسن في العلم إذا (2)
وافى بسحائبه الخلج (3)
بدر يلتاح بهالته ... ويدلّ بنور دلالته
وغيوم علوم مقالته ... تزهو الدّنيا بجلالته
ومحبّ فيه بذاك حجي
وعلى باقي تلك العشره ... وذوي الرّضوان لدى الشّجره
وليوث صحابته الخيره ... ونجوم هدايته البرره (4)
أهل الإخلاص مع الثّلج (5)
زاد المصريّ رحمه الله:
ربّي هب لي علما يعلي ... يشفي ظمئي ويقي عملي (6)
ويحقّق في الزّلفى أملي ... واحم النّحويّ مع ابن علي
بجلال علاك من الوهج
__________
(1) في ط: الّلأواء، وبه لا يستقيم الوزن. والّلأواء: ضيق العيش وشدّته.
(2) كذا في ت، وفي الأصل وط: وأخاعين، ولا وجه له. وقوله: وأبي عطف على ما تقدّم في الأبيات السابقة.
(3) السحابة الخلوج: الكثيرة الماء شديدة البرق.
(4) في ت وط: هوايته.
(5) الثّلج: الفرحون بالأخبار.
(6) في ت: عملا يعلي.(1/149)
قلت: وفي كثير من هذا التّخميس مقال، وليس لبعض أقسامه بالبيت اتّصال، وأمّا ما خمّس به أوّلا قوله:
وأبي عمر وذي النّورين ال
فغلط لا شكّ فيه لأنّه يؤدّي إلى قطع همزة «المستهدي»، وبقطعها ينكسر [32/ ب] البيت لزيادة حرفين على وزن الخبب، وأظن أنّه نبّه على هذا ولم يفته علما، فلذلك بقي على اعتقاد صحّة الوجه الأوّل.
وأما قوله:
صلوات الله على المهدي ال
وأظنّه خفّف فيه الياء وقطع الهمزة بعدها ليتأتّى له التّخميس لأنّ الأقسام تبنى على التّرنّم كحرف الرّويّ، وذلك موجب للمدّ والإدغام يمنعه، ولو بنى الأقسام على الياء المشدّدة كما هي في عروض البيت لزاد حرفا في أوّل القسم الرّابع ضرورة لأنّ حركة الياء تكون إذا في كلّ قسم معدودة من الّذي بعده لإدماج البيت فإذا عدّت من (1) القسم الرّابع وقد قام وزنه كانت زائدة وانكسر الوزن ضرورة، وبالله التّوفيق.
وقرأت أيضا على صاحبنا أبي عبد الله بعض كتاب «المذهبة في الحلي والشّيات» (2) ثم قرأت عليه جميعها في المرّة الثّانية حسبما يأتي ذكره إن شاء الله وحدّثني بها عن الشّيخ الفقيه العالم أبي الجيش محمّد بن إبراهيم بن أحمد الأنصاري قراءة، وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الأزديني بياء ونون بعد الدّال كلاهما عن ناظمها الشّيخ الفقيه القاضي أبي عبد الله محمّد بن عيسى بن أصبغ بن المناصف (3) رحمه الله.
__________
(1) في ط: في.
(2) هي أرجوزة تحتوي على ألف بيت مزدوجة، قرأها الوادي آشي على أبي عبد الله اللبيدي. انظر برنامج الوادي آشي 304، كما قرأها التّجيبي على أبي عبد الله بن صالح، انظر برنامج التّجيبي 283.
(3) هو محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي: أديب، عالم من أهل قرطبة، استوطن إفريقية، وانتفع به كثيرون. ولد سنة 563هـ وتوفي سنة 620هـ، له مؤلفات منها: «الإنجاد في أحكام الجهاد» و «المذهبة» و «المعقبة» و «الدرّة» في الفقه وأصوله، انظر ترجمته في: برنامج شيوخ الرّعيني 129128، المغرب 1/ 105.(1/150)
[مشاركات فقهيّة]
وقد رأيت أن أقيّد هنا شيئا ممّا وقع كلامي فيه بمدينة تونس كلأها الله تعالى، مستعينا بالله ومستهديا له. فمن ذلك أنّ بعض أصحابنا من طلبتها حفظهم الله حكى لي عن الفقيه الزّاهد المتصوّف (1) أبي محمّد المرجانيّ (2) أنه سئل في مجلسه عن سبب فرار الشّيطان من الأذان دون الصّلاة، وشأنها أعظم. ثم أجاب عن هذا بأجوبة منها أنّه يفرّ من الأذان لئلّا يشهد به للمؤذّن، إذ لا يسمعه (3) شيء إلا شهد له يوم القيامة. قلت: كأنّه من فرط حسده يروغ عن الشّهادة له، وإن علم أنّه مستغن عنها، كما ترى الحسود يتلكّأ في الشّهادة لمن حسده [33/ آ] بفضيلة أو حقّ، وإن كان في غنى عن شهادته لقيام غيره بها. ولكنّ هذا الجواب يردّ [عليه] (4) مثل السّؤال الأوّل، وهو لم خصّ الأذان بشهادة كلّ شيء سمعه دون الصّلاة؟.
فكأنّه سئل: لم خصّ (5) الأذان بفرار الشّيطان منه؟ فقال: لأنّه خصّ بشهادة الأشياء له، ومنها أنّ الأذان بمثابة دعاء الملك لخاصّته لحضور سرّ، وإذا دعا الدّاعي تميّزت خاصّة الملك من غيرهم. قلت: وهذا جواب غير محصّل، فإنّ التّمييز إنّما يكون عند حضور السّرّ، فكأنّ فرار الشّيطان من الصّلاة أنسب
__________
(1) ليست في ت.
(2) هو عبد الله بن محمد العرشي المرجاني، فقيه، واعظ، صوفي، قدم مصر ووعظ بها واشتهر في البلاد. ومات بتونس سنة 669هـ وامتحن وأفتى العلماء بتكفيره ولم يؤثر فيه فعملوا عليه الحيلة وقتلوه. ترجمته في وفيات ابن قنفذ 335طبقات الشعراني 1/ 203شذرات الذهب 5/ 451.
(3) في ط: لا يسميه.
(4) من ت وط.
(5) في ت وط: يخصّ.(1/151)
لهذا المعنى إذ هي السّرّ الّذي دعي إلى حضوره، وقد سمّاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلم مناجاة فقال:
«إنّ المصلّي يناجي ربّه فلينظر بما يناجيه به»
(1).
ومنها أنّه يفرّ من الأذان ويرسل على المصلّي ليقع اختبار المخلص من غيره. قلت: وهذا قاصر جدا فإنّه لم يزد على ما في الحديث من تسلّطه في الصّلاة، وعدم تسلّطه في الأذان، ولم يجب عن السّؤال بشيء. وهذه الأجوبة على وهيها أمثل ما حكي لي عنه.
وقد كنت أجبت النّاقل عنه حين أورد السّؤال عليّ، قبل أن يذكر أجوبته، بأنّه يمكن أن يقال: إنّ طاعة الله بالجملة محاربة للشّيطان، وجهاد له، والعدوّ إنّما يفرّ عند كشف الغطاء وبلوغ الغاية في المجاهرة بالعداوة، وليس في العبارات (2) أبلغ في هذا المعنى من الأذان وقد عرضت هذا الوجه على الشّيخ الفقيه الصّالح أبي محمّد عبد الله بن عبد السّيّد بمدينة أطرابلس (3) فاستحسنه وقال لي: إنّ هذا يؤكّده
قوله صلّى الله عليه وسلم: «ساعتان تفتح لهما أبواب السّماء، وقلّ داع تردّ عليه دعوته حضرة النّداء للصّلاة، والصّفّ في سبيل الله
(4)» يعني أنّهما ساعتا جهاد.
__________
(1) أخرجه ابن حنبل في مسنده 4/ 344ومالك في الموطأ 63والبيهقي في سننه 3/ 12وكنز العمال 7/ 529.
(2) في ط: العبادات.
(3) أطرابلس: مدينة ليبية على شاطئ البحر. انظر ياقوت 1/ 217.
(4) الحديث في الطبراني الكبير 6/ 40و 159البيهقي 1/ 411الجامع الصغير 2/ 30كنز العمال 2/ 101فيض القدير 4/ 81.(1/152)
وأجاب عن هذا بعض أصحابنا بأنّ المؤذّن داع للخير، والشّيطان داع إلى الشّرّ، والضّدّان لا يجتمعان، وهذا مليح رشيق، وفي مثل هذا [33/ ب] المجال متّسع للكلام وبالله التّوفيق.
وأمّا تخصيص الأذان بالشّهادة له (1) فيمكن أن يقال: إنّ ذلك لأنّه دعاء إلى الله، وإقامة حجّة على عباده، فاحتيج إلى الشّهادة على التّبليغ (2) كما احتيج (2) إليها للفصل بين المتحاكمين، فهذه الشّهادة كشهادة الأمّة يوم القيامة بتبليغ الأنبياء إلى الأمم على ما جاء في الحديث، والله أعلم.
ومن ذلك أن سائلا سأل عن قوله تعالى {أن تضلّ إحداهما} [3] فتذكّر إحداهما الأخرى (4) وقال: لم كرّر لفظ إحداهما (3)؟ والأليق بالإيجاز أن يضمر فيكون الّلفظ: فتذكّرها الأخرى. وأجبت إذ ذاك بجواب غير مخلص حسبما حضرني، ولم يكن لمن حضر فيه جواب، ثمّ منّ الله جلّ وعلا بفهم المعنى في ذلك وهو بديع فيما أرى والله أعلم، وهو أنّ إعادة لفظ «إحداهما» لتعادل الكلام، وتوازن الألفاظ في التّركيب، وتماثل أقسام الكلام فيما اشتملت عليه من المفردات وهو المعنى، في التّرصيع، ولكنّ هذا أبلغ وأبدع لأنّ التّرصيع توازن الألفاظ من حيث صيغتها، وهذا من حيث تركيبها
__________
(1) ليست في ت.
(22) سقط من ت وط.
(33) سقط من ت.
(4) البقرة: 282.(1/153)
وكأنّه ترصيع معنويّ وقلّما يوجد إلّا في نادر من الكلام، وقد استغرب أبو الفتح بن جنّي (1) ما حكي عن المتنبّي في قوله: (2) [الطويل]
وقد عادت الأجفان قرحا من البكا ... وعادت بهارا في الخدود الشّقائق (3)
قال: سألته هل هو قرحى ممال أو قرحا منّون؟ فقال لي: قرحا منّون، ألا ترى أنّ بعده: وعادت بهارا. قال: يعني أن بهارا جمع بهارة (4)، وقرحا جمع قرحة. ثم أطنب في الثّناء على المتنبّي واستغراب (5) فطنته لأجل هذا.
وبيان ما ذكرت في الآية أنّها متضمّنة لقسمين: قسم الضّلال وقسم التّذكير، فأسند الفعل الثّاني إلى ظاهر حسب إسناد الأوّل ولم يوصل بضمير مفعول، لكون الأوّل لازما، فأتى بالثّاني على صورته من التّجرّد [34/ آ] عن المفعول، ثمّ أتى به أخيرا بعد اعتدال الكلام، وحصول التّماثل في تركيبه، ولو قيل: إنّ المفعول حذف لكان أبلغ في المعنى المذكور، وتكون الأخرى بدلا أو نعتا على جهة البيان، كأنّه قال: «إن كان ضلال من إحداهما، كان تذكير من الأخرى»، وقدّم على الأخرى لفظ إحداهما ليسند الفعل الثّاني إلى مثل (6) ما أسند إليه الأوّل لفظا ومعنى والله أعلم.
__________
(1) هو عثمان بن جنّي الموصلي من أئمة الأدب والنحو، ولد في الموصل، وقرأ على أبي علي الفارسي وصحبه أربعين عاما. توفي سنة 392هـ في بغداد. له ترجمة في بغية الوعاة 2/ 132 إنباه الرواة 2/ 335البلغة 137.
(2) ديوانه 2/ 342.
(3) في الديوان: وقد صات، وصار.
(4) أنظر كلام ابن جني فيما نقله عنه العكبري في شرح الديوان 2/ 342.
(5) في ط: واستغرب.
(6) ليست في ط.(1/154)
ولمّا وقع السّؤال في هذا عرض لي سؤال في قوله تعالى في هذه الآية:
{فإن لم يكونا رجلين} [1] وهو أنّ الضّمير في: «يكونا» للرّجلين لأنّ الشّهيدين قيّدا بأنّهما من الرّجال، فكأنّ الكلام: فإن لم يكن الرّجلان رجلين وهذا محال. ولما سألت عن هذا لم يجب عنه أحد، ثم أجابوا بعد ذلك بأجوبة غير مرضية، منها ما قال الفارسيّ (2) في قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين} [3]
أنّ الخبر هنا أفاد العدد المجرّد من الصّفة، وهذا ضعيف إذ وضع فيه لفظ الرّجلين موضع لفظ الاثنين، وهو تجوّز بعيد.
والصّفة الّتي ذكر الفارسيّ التّجرّد منها هي الرّجوليّة أو الأنوثيّة أو غيرهما من الصّفات، فكيف يكون لفظ موضوع لصفتها دالا على نفيها؟
وأيضا فإنّ جواب الفارسيّ فيه نظر، وذلك أنّه لم يزد على أنّ جعل نفس السّؤال جوابا، كأنّه قيل له: لم ذكر العدد وهو متضمّن الضّمير فقال: لأنّه يفيد العدد المجرّد فلم يزد إلا لفظ التّجرّد.
وممّا أجابوا به أنّ «رجلين» منصوب على الحال المبيّنة، و «كان» تامّة وهذا أظرف من الأوّل فإنّه سئل عن وجه النّظم، وأسلوب البلاغة، ونفي ما لا يليق بها من الحشو، فأجاب بالإعراب، ولم يجب عن السّؤال بشيء،
__________
(1) سورة البقرة: 282.
(2) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل، أحد أئمة العربية. دخل بغداد سنة 307هـ وقدم حلب سنة 341هـ، وأقام مدة عند سيف الدولة، ثم عاد إلى فارس وتوفي سنة 377هـ.
ترجمته في إنباه الرواة 1/ 273، بغية الوعاة 1/ 496، البلغة 53وفيها وفاته سنة 376هـ، شذرات الذهب 3/ 88.
(3) سورة النساء: 176.(1/155)
والّذي يردّ عليه وهو حال، ومازدنا (1) إلّا التّكليف (2) في جعله حالا. والّذي يظهر لي من الجواب في هذا هو أن «شهيدين» لمّا صحّ أن يطلق على المرأتين بمعنى شخصين شهيدين قيّده تعالى بقوله: {من رجالكم} [3]، ثم أعاد الضّمير في قوله: {فإن لم يكونا [34/ ب] على الشّهيدين المطلقين، وكان عوده عليهما أبلغ ليكون نفي الصّفة عنهما كما كان إثباتها لهما، فيكون الشّرط موجبا ومنفيّا عن الشّهيدين المطلقين لأنّ قوله} {من رجالكم
كالشّرط، كأنّه قال: إن كانا رجلين، وفي النّظم على هذا الأسلوب من الارتباط وتعانق الكلام، وجريه على نمط واحد ما لا خفاء به، كما أنّ في ضدّه من الاختلاف والتّزايل} [4]، والتّدابر والتّخاذل ما يذهب رونق الكلام، ويبلي جدّة (5) الفصاحة وبالله التّوفيق.
والّذي يظهر لي أيضا من الجواب في قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين} [6]. هو أنّ الضّمير (7) هنا وضع موضع الظّاهر اختصارا (8) لبيان المعنى، بدليل أنّه لم يتقدّمه ما يعود عليه لفظا، فكأنّه قال: فإن كان الوارث اثنتين، ثم وضع ضمير الاثنتين موضع الوارث الّذي هو جنس لمّا كان المراد به الاثنين وأيضا فإنّ الإخبار عن الوارث وإن كان جنسا باثنتين فيه تفاوت ما، لكونه مفرد اللّفظ فكان الأليق بحسن النّظم والأجرى (9) على
__________
(1) في ت: زادنا.
(2) في ت: التكلّف.
(3) البقرة: 282.
(4) ليست في ت.
(5) في ت: جودة.
(6) سورة النساء: 176.
(7) في ت وط: المضمر.
(8) في ت: انتصارا وهو تصحيف.
(9) في ت: والجري.(1/156)
منهج الإيجاز أن يوضع المضمر (1) موضع الظّاهر، ثم يجري الخبر على من حدّث عنه، وهو الوارث، فيجري الكلام في طريقه، مع الإيجاز في وضع المضمر موضع الظّاهر، والسّلامة من تفاوت اللّفظ في الإخبار عن لفظ مفرد بمثنّى وهذا لعمر الله ممّا لا ينال إلّا بالتّأييد الإلهيّ، والعصمة الرّبانيّة.
ونظير هذا ممّا وضع (2) فيه اسم موضع غيره إيجازا، ثم جرى الكلام مجراه في الحديث عمّن هوله، وإن لم يذكر قوله تعالى {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} [3]. فعاد هذا الضّمير والخبر على أهل القرية الّذين أقيمت القرية في الذّكر (4) مقامهم، فجرى (5) الكلام مجراه مع حصول الإيجاز في وضع القرية موضع أهلها، وفهم المعنى من غير كلفة، وهذه الغاية في البيان يقصر عن مداها شأو الإنسان وبالله التّوفيق. [35/ آ]
[ذكر القيروان]
ثم وصلنا إلى مدينة القيروان، فدخلتها مجدّا في البحث غيروان (6)، فلم أر إلّا رسوما محتها يد الزّمان، وآثارا يقال عنها: كان وكان، والأحياء من أهلها جفاة الطّباع، مالهم في رقّة الحضارة باع، ولا في معنى من
__________
(1) في ت: الضمير.
(2) في ت: وقع.
(3) سورة الأعراف: 4.
(4) «في الذكر»: سقط من ت.
(5) في ت: لجري.
(6) الونى: التّعب والفترة.(1/157)
المعاني الإنسانيّة انطباع، خفت نفس العلم بينهم فلم يبق به رمق (1)، وكسدت سوق المعارف بينهم فياسخنة (2) عين من رمق (3).
والمدينة نفسها ليس لها برّ ولا بحر، ولا سحر ولا نحر، وضعت في سبخة (4) قرعا، لا ماء بها ولا مرعى، ولا تنبت أصلا ولا تقلّ فرعا، وما كان حالها في القديم إلا آي من آيات هذا الدّين القويم إذ أسّسها المخلصون من أهله، المتمسّكون بحبله، السّالكون لحزنه (5) وسهله، أهل الصّرائم (6)
النّافذة الماضية، والصّوارم القاضبة القاضية، والهمم الغالبة العالية، فرسان (7)
الحراب والمحراب (8)، وليوث الطّعان والضّراب، رضي الله عنهم ما ساح في الدّوّ (9) فدفد (10)، ولاح في الجو فرقد، وقد كان شأن القيروان في غابر الأزمان بحيث لا يجهله إنسان، ولا يحصّله لسان. حسبك ببلد وضعت الأوضاع في فضله، وملئت الأسماع من وصف (11) وابله وطلّه، مأوى العلماء
__________
(1) الرّمق: بقية الحياة.
(2) سخنت العين: ضد قرّت.
(3) الرّمق: إدامة النظر.
(4) السّبخة: أرض ذات ملح ونزّ.
(5) الحزن: ما غلظ من الأرض.
(6) في ت وط: الغرائم، والصريمة: العزيمة على الشيء وقطع الأمر.
(7) في ت: فلسان، وهو تصحيف.
(8) ليست في ت.
(9) الدّو: الفلاة الواسعة.
(10) فدفد الرجل: إذا عدا هاربا من سبع أو عدو. التاج: فدّ.
(11) ليست في ت.(1/158)
والصّلحاء في حياتهم، وكفاتهم (1) بعد وفاتهم. بلد يناظر به إقليم، ومتى ذكر علماؤه فليس إلّا التّسليم، ولكنّها الأيّام إذا أعطت أخذت، وكلما عطت (2)
نبذت، لا تلوي على متعذّر (3)، ولا تعرف فضل المعذر على المعذر، إن سالمت مالست (4)، وإن هادنت (5) داهنت. وإن رافقت فارقت، ومهما حلت ما حلت، {لا تبقي ولا تذر} [6] فليكن العاقل منها على حذر (7): [البسيط]
لا تطمئنّ إلى حظّ حظيت به ... ولا تقل باغترار: صحّ لي وثبت
فما اللّيالي وإن أعطت مقادتها ... إلّا عدا المرء مهما استمكنت وثبت (8)
ولم أر بالقيروان ما يؤرّخ ولا ما (9) يتهمّم بذكره سوى جامعها ومقبرتها.
__________
(1) الكفات: الموضع الذي يضمّ فيه الشيء ويقبض. وكفات الأرض: ظهرها للأحياء، وبطنها للأموات وهو المقصود هنا وقد استفاد من الآية 25من سورة المرسلات ألم نجعل الأرض كفاتا. أحياء وأمواتا.
(2) في الأصل: أعطت، وفي ت: عضت، وأثبتّ ما جاء في ط وهو الصواب وعطا الشيء: تناوله.
(3) في ت: معذر.
(4) في ت: سلمت، وفي ط: سالمت.
(5) في ط: هادت، وفي ت: هدنت.
(6) سورة المدثر، من الآية: 28.
(7) البيتان في الحلل السندسية 1/ 246دون نسبة.
(8) في ت: أعطت صداقتها
(9) ما: ليست في ت.(1/159)
[جامع القيروان]
أما جامعها: فهو من الجوامع الكبار، المتقنة الرّائقة المشرقة الأنيسة، ووسطه [35/ ب] فضاء متّسع، وكان المؤسّس له، والمقيم لقبلته الرّجل الصّالح عقبة بن نافع الفهريّ (1)، المعروف بالمستجاب، مع جماعة من الصّحابة والتّابعين، وهم المؤسّسون لمدينة القيروان.
ويحكى أنّه لمّا أمرهم ببنائها قالوا له: إنّك أمرتنا أن نبني في شعب (2)
وغياض، ونحن نخاف من السّباع والهوام، فمضى معهم حتّى وقف عليها وقال: أيّتها السّباع والهوام إنّا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أردنا أن ننزل ههنا، فارحلن عنّا. فرأى النّاس عجبا رأوا الأسود تحمل أشبالها، والذّئاب تحمل أجراءها، والحيّات تحمل أولادها حتّى ارتحلن جميعا.
ويقال: إنّه قد مرّ عليها أربعون سنة لم ير (3) فيها حيّة لدعوته رضي الله عنه، فلمّا بنوها طاف حولها عقبة وأصحابه ودعوا الله لها (4) وأسّسوا مسجدها، وأقام عقبة قبلتها (5) برؤيا رآها (6)، وقد سألت إمام جامعها ومن حضر معه عن سمت قبلته (5) فلم أجد أحدا منهم يعرفه، ولم أبت به فأتعرّف
__________
(1) عقبة بن نافع الفهري: قائد، فاتح، ولاه عمرو بن العاص إفريقية ففتح كثيرا من البلدان حتى وصل إلى البحر المحيط، قتله الفرنجة في تهودة مع مجموعة من جنوده سنة 63هـ. انظر ترجمته في رياض النفوس 1/ 62البيان المغرب 1/ 3219الاستقصا 1/ 3836.
(2) في ت: شعاب، وفي ط: شعراء.
(3) في ت مما: ترى.
(4) ليست في ت وط.
(55) سقطت من ت.
(6) ذكر أبو زيد الدباغ تفصيل ذلك فقال: «اختلف الناس في قبلة هذا المسجد، فاغتمّ عقبة لذلك ودعا الله عز وجل فأتاه ات في منامه وقال له: إذا أصبحت فاحمل لواءك على عاتقك،(1/160)
ذلك بالنّجوم إلّا أنّه قوي عندي (1) بالحدس (2) أنّها كما قيل إلى المنقلب الشّتويّ أو بميل يسير إلى الجنوب، ودخلنا به بيت الكتب فأخرجت لنا مصاحف كثيرة بخطّ مشرقيّ، ومنها ما كتب كلّه بالذّهب. وفيها كتب محبّسة قديمة التّاريخ من عهد سحنون (3) وقبله، منها: موطّأ ابن القاسم (4) وغيره.
ورأيت بها مصحفا كاملا مضموما (5) بين لوحين مجلّدين غير منقوط
__________
فإنك تسمع بين يديك تكبيرا لا يسمعه أحد من المؤمنين غيرك، فالموضع الذي يقطع عنك التكبير فيه فهو مصلّاك وهو محراب مسجدك، فاستيقظ من نومه وهو في المسجد ومعه أشراف قريش فتوضأ، فلما طلع الفجر صلى ركعتين فإذا بالتكبير بين يديه فقال لمن حوله: أتسمعون شيئا؟ قالوا: لا، فعلم أن الأمر من عند الله، فأخذ اللواء وجعله على عاتقه وأقبل يتبع التكبير حتى وصل إلى موضع المحراب، فانقطع التكبير، فركز لواء وقال هذا محرابكم. فاقتدى به جميع مساجد المغرب». معالم الإيمان 1/ 9وانظر: البيان المغرب 1/ 2120.
(1) ليس في ط.
(2) الحدس: الظنّ والتخمين.
(3) هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي: قاض، فقيه، انتهت إليه رياسة العلم بالمغرب. ولد سنة 160هـ بالقيروان، وتتلمذ على خير علمائها. كان زاهدا لا يهاب سلطانا في حق يقوله. ولي القضاء بالقيروان سنة 234هـ واستمر إلى أن مات سنة 240هـ. ترجمته في قضاة الأندلس 28وفيات ابن قنفذ 174الديباج المذهب 160معالم الإيمان 2/ 49.
(4) عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري: فقيه جمع بين الزهد والعلم. تفقه بالإمام مالك ونظرائه، ولد بمصر سنة 132هـ، وتوفي بها سنة 191هـ. له «المدوّنة» في الفقه المالكي. ترجمته في: وفيات الأعيان 3/ 129الديباج المذهب 146شجرة النور الزكية 1/ 58 وفيات ابن قنفذ 150.
(5) ط: مضمونا.(1/161)
ولا مشكول، وخطّه مشرقيّ بيّن جدّا، مليح، وطوله شبران ونصف في عرض شبر ونصف، وذكروا أنّه الّذي بعثه عثمان رضي الله عنه إلى المغرب وأنّه بخطّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والله أعلم.
[مقبرة القيروان]
وأما مقبرتها فهي من المزارات العظيمة الشّريفة، وفيها من الأفاضل وأخيار الأمّة ما يقصر عنه الوصف، وبها قبر أبي زمعة البلويّ (1) صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقبره مشهور بها، وكذلك قبر الشّيخ [الوليّ] (2) الفقيه العالم أبي الحسن عليّ بن محمّد القابسيّ (3) رحمه الله. [36/ آ]
وأمّا قبر الشّيخ [الفقيه العالم] (4) أبي محمّد عبد الله بن أبي زيد رحمه الله فهو بداره داخل البلد (5)، وفي بيت منه على يسار الدّاخل،
__________
(1) أبو زمعة البلوي: صحابي ممن بايع النبي صلّى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة. نزل بمصر وغزا إفريقية مع معاوية بن حديج، ومات هناك بعد سنة 34هـ، ودفن بأرض القيروان قبل بنائها. ترجمته في: الإصابة 4/ 77الاستيعاب 4/ 81رياض النفوس 1/ 5554معالم الإيمان 1/ 10.
(2) زيادة من ت.
(3) هو علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني: فقيه مالكي، كان حافظا للحديث وعلله ورجاله، من أهل القيروان، رحل إلى المشرق سنة 352هـ وعاد إلى القيروان 357هـ، تولى الفتيا مكرها، توفي سنة 403هـ بها بعد أن عمي في كبره. ترجمته في: معالم الإيمان 3/ 168نكت الهميان 217الديباج المذهب 199وفيات ابن قنفذ 227.
(4) زيادة من ط.
(5) هو عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد النّفزاوي: فقيه مالكي، نسبته إلى نعزة مدينة جنوب تونس، ولد في القيروان سنة 310هـ، كان يلقب بقطب المذهب وبمالك الأصغر. توفي سنة 386هـ، له تصانيف أشهرها. «الرسالة» وهي خلاصة الفقه المالكي. ترجمته في: الديباج المذهب 136 معالم الإيمان 3/ 135وفيات ابن قنفذ 221.(1/162)
وقد زرته ودخلت البيت فوجدت فيه عدّة قبور، وسألت العجوز القيّمة على الدّار عن قبره فأخبرتني أنّه الّذي في وسط البيت المقابل للباب، فنظرت تاريخه فوجدته لغيره، ثم أتيت الّذي على يسار الباب، وعليه دكّان مبني، فقرأت في حجر من رخام عند رجليه أنّه قبر الشّيخ أبي محمّد وأنّ وفاته كانت ليلة الجمعة الثّامن والعشرين أو الثّامن عشر من شعبان (1) الشّك منّي سنة ستّ وثمانين وثلاث مئة، فعرّفت الشّيخ الفقيه المحصّل أبا زيد عبد الرّحمن بن محمّد بما قالت العجوز، وبما وجدت من التّاريخ فقال لي:
طرأ في ذلك مشكل، وذلك أنّه كان فيما مضى قد احتيج إلى تجديد السّقف، واستقبحوا الهدم عليهم فأخرجت توابيتهم إلى بيت آخر، فلما أصلح السّقف، وأرادوا ردّ التّوابيت أشكلت عليهم، وكان الشّيخ أبو محمّد مدفونا قبالة الباب كما ذكرت العجوز، فلما أعيد دفنهم غلب على ظنون أكثر النّاس أنّه دفن على اليسار حيث الدّكان والتّاريخ.
[لقاؤه للدّبّاغ]
وقد بذلت وسعي إذ دخلت القيروان في البحث عمّن بها من أهل العلم، فلم أجد بها من يعتبر وجوده، ولا يسع جهله، سوى هذا الشّيخ الفقيه المحدّث، الرّاوية المتفنّن، أبي زيد عبد الرّحمن بن محمّد بن عليّ بن عبد الله الأنصاريّ الأسيدي من ولد أسيد بن حضير (2) رضي الله عنه، ويعرف
__________
(1) يبدو أنّ التاريخ الثاني هو الأقرب للصّواب، ولكن يوم الجمعة يوافق السابع عشر من شعبان وليس الثامن عشر من سنة ست وثمانين وثلاث مئة.
(2) أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك الأوسي: صحابي، كان شريفا في الجاهلية والإسلام، شهد العقبة الثانية، وكان أحد النقباء الاثني عشر، شهد أحدا والخندق. وفي الحديث: «نعم الرجل أسيد بن حضير» توفي في المدينة سنة 20هـ. ترجمته في: الإصابة 1/ 64صفة الصفوة 3/ 502طبقات ابن سعد 3/ 607603.(1/163)
بالدبّاغ. لقيته يوم وردنا (1) القيروان فرأيت شيخا ذكيّا حصيفا ذا سمت (2)
وهيئة وسكون ظاهر، محبّا لأهل العلم، حسن الرّجاء برّ اللّقاء، لم يؤثّر الكبر في جسمه على علوّ سنّه ولا تغيّر شيء من ذهنه وحواسه، سألته عن مولده فقال لي: سنة خمس وستّ مئة. وهو حفظه الله من أهل التّهمّم والعناية بالعلم، مع عدم (3) المعتني به والطّالب له، موطّأ الأكناف، ليّن الجانب، جميل العشرة، على سنن [36/ ب] المشايخ من أهل العلم والفضل، أوحد وقته رواية ودراية، لقيت من برّه وحسن خلقه، ورقّة شمائله مالم إخل مثله باقيا، وما وجوده بالقيروان في هذا الأوان إلّا من جملة بركات سلف أهله، وقد نيّف شيوخه على الثّمانين، وله «برنامج» ضمّ فيه أسماء هم وما روى عنهم، وقد قرأت عليه بعضه، وأجازني في كلّ ما تضمّنه، وما شذّ عنه من رواياته إجازة عامة، وكذلك أجاز ولدي محمّدا وفّقه الله وكتب لي بذلك خطّ يده، وقال لي مرارا: إذا قضى الله حاجتك وحججت، فلا تقم في البلاد فإنّي كثير الشّفقة على ولدك، وقد أوقع الله حبّه في قلبي منذ ذكرته لي.
ومن عجيب أخلاقه أنّي قلّما طلبت جزءا لأنقل منه إلّا وهبه لي، وقد أعطاني أكثر من عشرة أجزاء من فوائده وفوائد شيوخه وفهارسهم، وقال لي: أنت أولى بها منّي، فإنّي شيخ على الوداع، وأنت في عنفوان عمرك، ومن حين (4) رأيتك انعرز حبّك في قلبي.
__________
(1) في ت: ورودنا.
(2) الحصيف: الكامل ذو الرأي الجيد. والسّمت: حسن النحو في مذهب الدين، والسّمت: هيئة أهل الخير.
(3) في ط: قلّة.
(4) ليست في ت.(1/164)
وله مجموعات وتواليف، ونظم جيّد كثير، ومشاركة في العلوم: نقليّها وعقليّها وألفّ كتابا حسنا مفيدا في طبقات من دخل القيروان من الفضلاء منذ دخلها الإسلام إلى زمانه، وهو كبير في مجلّدين وسمّاه: «معالم الإيمان وروضات الرّضوان في مناقب المشهورين من صلحاء القيروان» (1). وقد ذكر لي شيخنا (2) الفقيه العالم إمام ديار مصر أبو الفتح محمّد بن عليّ بن وهب القشيريّ أنّه كان (3) كلّف الفقيه الأوحد الفاضل (4) أبا العبّاس الغماريّ التّونسيّ (5) رحمه الله استنساخ هذا الكتاب له حين صدر من المشرق، وأنّه لمّا وصل إلى تونس اعتنى باستنساخه له حتّى كمل، ثم اعتنى بتصحيحه ومقابلته، فلمّا فرغ منه توفي فبيع في تركته، وأثنى على مؤلّفه المذكور كما ينبغي وقد (6) حدّثني به مناولة. وسألته لم لم يذكر فيه أبا الحسن اللّخميّ فقال لي: (7) لم يثبت عندي أنّه دخل القيروان، وسألته عن تاريخ وفاته فقال لي (7): [37/ آ] توفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، وذكر لي أنّه
__________
(1) طبع غير مرة مع زيادات عليه لابن ناجي، وسمي «بمعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان» ونسبه البغدادي لابن ناجي القيرواني. انظر إيضاح المكنون 4/ 504.
(2) في ت: شيخي.
(3) ليست في ت.
(4) في ت: الأفضل.
(5) هو أحمد بن عيسى بن عبد الرحمن الغماري: قاض، أديب، فقيه، مشارك في عدّة علوم من أهل بجاية، تعلم بها وبمصر، وعاد فسكن تونس وتولى القضاء، توفي بتونس سنة 682هـ.
ترجمته في: عنوان الدراية 113112، نيل الابتهاج 63، تعريف الخلف 2/ 74، معجم أعلام الجزائر 251وفيه وفاته سنة 862وهو خطأ.
(6) ليست في ت وط.
(77) سقط من ت.(1/165)
قرأ ذلك في حجر عند رأسه بمدينة سفاقس (1) حرسها الله وناولني «صحيحي البخاريّ ومسلم» في أصله منهما، وقرأت عليه بعض الأحاديث الثّنائيّة الإسناد من حديث مالك رضي الله عنه من تخريجه وبعض أحاديثه التّساعيّة (2) من تأليفه وانتقائه وناولني سائرهما، وناولني أجزاء من عوالي حديثه، وحديث شيوخه، وناولني «الأحاديث الأربعين في عموم رحمة الله لسائر المؤمنين» من تأليفه.
وحدّثني حفظه الله بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء
(3)». وهو أوّل حديث سمعته منه عن الفقيه أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن عثمان الحنفيّ سمع منه بالمهديّة (4) عام ثمانية وعشرين بسنده مسلسلا، وبحديث
أنس بن مالك (5) رضي الله عنه قال: «صافحت بكفّي هذه كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فما مسست خزّا ولا حريرا ألين من كفّ
__________
(1) سفاقس: مدينة بتونس على ساحل البحر بينها وبين قابس ثلاثة أيام. انظر ياقوت 3/ 223.
(2) الأحاديث التساعية التي يكون في سندها تسعة رجال. من الراوي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم.
(3) أخرجه الترمذي برقم 1925في البر والصلة باب في رحمة الناس، وأبو داود رقم 4941في الأدب باب الرحمة، وهو في جامع الأصول 4/ 515، والأسماء والصفات للبيهقي 423.
(4) المهدية: مدينة بساحل إفريقية بناها عبيد الله العبيدي الخارج على بني الأغلب وسماها المهدية نسبة إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها سنة 300هـ وبينها وبين القيروان ستون ميلا، ويحيطها البحر من جهاتها.
(5) أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي: صاحب رسول الله وخادمه، توفي سنة 93هـ. له 2286 حديثا، ترجمته في الإصابة 1/ 84، والاستيعاب 1/ 44.(1/166)
رسول الله صلّى الله عليه وسلم
(1)» بسنده مسلسلا بالمصافحة. وبحديث عبد الله بن مسعود (2)
في التّشهّد مسلسلا بأخذ اليد إليه
قال: «أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدي فعلّمني التّشهّد: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله
(3)».
وفيه عن إبراهيم بن سعيد الجوهريّ (4)، رواية عن الحسين بن عليّ الجعفيّ (5) أنّ هارون الرّشيد قدم مكّة، فجلس عند الأسطوانة الحمراء، ثم قال للفضل بن الرّبيع (6): بلغني أنّ الحسين بن علي الجعفيّ حاجّ فانظر أين
__________
(1) الكامل لابن عدي 7/ 2738.
(2) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، صحابي من أهل مكة، توفي في خلافة عثمان بالمدينة سنة 32هـ، له 848حديثا. ترجمته في الإصابة 2/ 360.
(3) أخرجه البخاري في الأذان، باب التشهد رقم 2835/ 320، وفي العمل في الصلاة، باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة رقم 31202/ 76، وفي الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء الله رقم 116320/ 13، وباب الأخذ باليد رقم 116265/ 56، وفي الدعوات باب الدعاء في الصلاة رقم 116328/ 131، ومسلم في الصلاة باب التشهد في الصلاة رقم 55و 60و 62، وأبو داود في الصلاة، باب التشهد رقم 968، والترمذي في الصلاة باب 215رقم 290، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما جاء في التشهّد رقم 899، والنكاح باب خطبة النكاح / 1892، وابن حنبل 1/ 423422414413408382376292.
(4) إبراهيم بن سعيد الجوهري: من أعلام رجال الحديث من أهل بغداد، له المسند في الحديث، توفي سنة 247هـ ترجمته في شذرات الذهب 2/ 113غربال الزمان 230.
(5) الحسين بن علي الجعفي: مولاهم، حافظ للحديث، مقرئ من أفاضلهم، كان زاهدا عابدا، توفي سنة 203هـ ترجمته في شذرات الذهب 2/ 25غربال الزمان 188.
(6) الفضل بن الربيع: وزير، أديب، حازم، كان من خصوم البرامكة. توفي بطوس سنة 208هـ.
ترجمته في البداية والنهاية 10/ 263شذرات الذهب 2/ 20غربال الزمان 198.(1/167)
هو حتّى آتيه، فقال له رجل: هو ذاك يصلّي عند المقام. فقال الفضل: أنا آتيك به يا أمير المؤمنين فإنّه أحقّ أن يأتيك. فجاء الفضل فوقف عليه فقال له: إنّ أمير المؤمنين [37/ ب] عزم على إتيانك. فسلّم الحسين ثمّ قال له: أنا أحقّ أن آتيه. قال: فانهض بنا. فجاء معه فاعتنقه هارون وسلّم عليه وأجلسه إلى جنبه على مقعده ثم أقبل عليه هارون وسأله عن حاله وسفره، قال: ثم تنحّى عنه حتّى صار بين يديه وضرب بيده إلى قلم وقرطاس، ثم قال له: تملي عليّ حديث عبد الله بن مسعود في التّشهّد. فقال: أخبرنا (1) الحسن بن الحرّ، قال:
أخذ القاسم بن مخيمرة (2) بيدي وقال: أخذ علقمة بن قيس بيدي وقال: أخذ عبد الله بيدي وذكر الحديث، فقال له هارون: أخذ بيدك الحسن بن الحرّ؟
قال: نعم. قال: فتأخذ بيدي كما أخذ بيدك؟ قال: فأخذ يده في يده، قال: فترك هارون يده وجعل يقبّل يد نفسه، وقال: بأبي يد صافحت كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وحدّثني أيضا وهو آخذ بيدي بسنده مسلسلا إلى أبي الرّبيع الزّهراني قال: حدّثنا مالك وهو آخذ بيدي: (3) حدّثنا نافع وهو آخذ بيدي (3)
قال (4): حدّثني ابن عبّاس وهو آخذ بيدي، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي (4):
«من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده
(5)».
__________
(1) في ت وط: أخبرني.
(2) في ت وط: عميرة. والصحيح المذكور، وهو من رجال الحديث الكوفيين توفي سنة 100هـ.
انظر طبقات الحفّاظ للسيوطي: 54.
(33) سقط من ت وط.
(44) سقط من ت.
(5) لم أقف له تخريج.(1/168)
وهذه الأحاديث كلّها من مسلسلات الإمام أبي الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ (1) رحمه الله، وشيخنا الفقيه أبو زيد يرويها عن الفقيه المحدّث الرّاوية أبي عمرو عثمان بن سفيان بن عثمان التّميميّ التّونسيّ (2) عرف بابن شقر، ويقال ابن الشّقر، معرّفا، عن الإمام أبي الحسن المقدسيّ المذكور، وقد ذكر في هذا أيضا نحو ما تقدّم، عن الرّشيد، وهذه المسلسلات قرأتها كلّها على الفقيه الصّالح أبي العبّاس أحمد بن موسى البطرنيّ (3)، وسلسلتها معه، وحدّثني بها عن ابن (4) شقر المذكور قراءة وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأنشدني شيخنا أبو زيد وأعطانيه في ورقة بخطّه، قال: أنشدنا (5)
الفقيه المحدّث أبو المكارم وأبو بكر محمّد بن أبي أحمد يوسف بن موسى، هو ابن مسدي بسين ودال مهملتين المهلّبي، وكتبه لي بخطّه قال: أنشدني القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن يوسف الأنصاري، هو
__________
(1) علي بن المفضل بن مفرج بن حاتم اللّخمي المقدسي الاسكندراني: فقيه مالكي، من حفاظ الحديث، له تصانيف وشعر، توفي بالقاهرة. سنة 611هـ. ترجمته في: شذرات الذهب 5/ 47 طبقات السيوطي 492غربال الزمان 494وفيات الأعيان 3/ 290.
(2) عثمان بن سفيان بن عثمان التميمي التونسي: إمام، فقيه، محدث، راوية، أخذ عن ابن جبير وأبي الحسن المقدسي وأخذ عنه جماعة منهم ابن الدباغ، وأبو العباس البطرني. لم أقف على وفاته. ترجمته في شجرة النور 1/ 168.
(3) أحمد بن موسى الأنصاري الشهير بالبطرني: مقرئ، راوية، مسند، عالم من أهل تونس توفي سنة 710هـ. انظر برنامج الوادي آشي 6766، درة الحجال 1/ 39.
(4) في الأصل: أبي شقر، وهو تصحيف.
(5) في ت وط: أنشدني.(1/169)
ابن قطرال بثغر شاطبة (1)، وكتبه لي بخطّه قال: (2) أنشدنا أبو الحجّاج يوسف ابن محمّد [38/ آ] هو ابن الشّيخ البلويّ، وكتبه لي بخطّه، قال (2) ابن مسدي:
وقرأت على أبي عبد الله محمّد بن أحمد التّميمي قال: أنشدنا أبو محمّد عبد الله بن أبي الفضل القاضي بثغر الإسكندريّة، وكتبه لنا بخطّه (3) قال:
أنشدنا أبو عبد الله محمّد بن صدقة بن سليمان، وكتبه لي بخطّه قال:
أنشدنا (4) محمد بن إبراهيم البكريّ، وكتبه لي بخطّ يده، قال: أنشدنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن قاسم (5) الطّليطليّ وكتبه لي بخطه، قال:
أنشدنا محمّد بن شدّاد بن الحدّاد وكتبه لي بخطّه، قال: أنشدنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن موسى (6) بطلبيرة (7) لنفسه، وكتبه لي بخطّه (8): [الوافر]
__________
(1) شاطبة: مدينة كبيرة قديمة شرقي الأندلس وقرطبة. انظر الروض لا معطار 337.
(22) سقط من ت.
(3) ليس في ت.
(44) سقط من ت.
(5) «ابن قاسم» ليس في ت وط.
(6) محمد بن إبراهيم بن موسى بن عبد السلام بن شق الليل: فقيه، عالم، حافظ للحديث والفقه، من أهل الرواية والدراية والمشاركة بالعلوم، أديب شاعر، كثير التصنيف في الحديث، توفي بطلبيرة سنة 455هـ. ترجمته في نفح الطيب 2/ 5453بغية الملتمس 57.
(7) طلبيرة: مدينة كبيرة بالأندلس، فيها قلعة حصينة، بينها وبين طليطلة سبعون ميلا، وتقع على نهر تاجة. انظر الروض المعطار: 395.
(8) الأبيات في برنامج الرعيني 18التكملة لابن الأبار 1/ 137، والذيل والتكملة 4/ 169، وهي في التشوف 131ونيل الابتهاج 79والنفح 4/ 342والحلل السندسية 1/ 253وتعريف الخلف 1/ 47 و 153دون عزو.(1/170)
رأيت الانقباض أجلّ شيء ... وأدعى في الأمور إلى السّلامه
فهذا الخلق سالمهم ودعهم ... فخلطتهم تقود إلى النّدامه
ولا تعن بشي غير شيء ... يقود إلى خلاصك في القيامه (1)
وأنشدني أيضا قال: أنشدني أبو عمرو بن الشّقر عن أبي الحسن المقدسيّ عن الإمام أبي الطّاهر أحمد بن محمّد بن أحمد السّلفي، عن الخطيب أبي زكريا يحيى بن عليّ التّبريزيّ، عن أبي الحسن علي بن محمّد الفالّيّ (2) لنفسه وهو بالفاء أخت القاف واللّام المشدّدة، كذا وجدته بخط ابن شقر، ومنه نقلت السّند والشّعر (3): [الطويل]
تصدّر للتّدريس كلّ مهوّس ... بليد تسمّى بالفقيه المدرّس
فحقّ لأهل العلم أن يتمثّلوا ... ببيت قديم شاع في كلّ مجلس (4)
«لقد هزلت حتّى أبان هزالها ... كلاها وحتّى استامها كلّ مفلس» (5)
__________
(1) في التشوف: ولا تعبأ.
(2) علي بن محمد الفالّي كان مؤدبا أصله من فالّة، انتقل إلى البصرة، واستوطن بغداد، وكان له معرفة بالأدب والشعر، توفي سنة 448هـ. ترجمته في معجم الأدباء 12/ 226.
(3) الأبيات في معجم الأدباء 9/ 269268، 12/ 227266منسوبة للفالي المنتظم 8/ 174 بغية الوعاة 1/ 533منسوبة للحسين بن سعد الآمدي وخطط المقريزي 2/ 380دون نسبة والحلل السندسية 1/ 253.
(4) في ت والحلل: بشعر قديم. وفي معجم الأدباء: يسّمى.
(5) في معجم الأدباء: بدا من هزالها سامها.(1/171)
وانشدني أيضا قال: أنشدني أبو عمرو بن الشّقر، قال: أنشدني الفقيه الزّاهد المنقطع إلى الله سبحانه أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جبير (1)
الكنانيّ بالإسكندريّة لنفسه (2): [المنسرح]
تأنّ في الأمر لا تكن عجلا ... فمن تأنّى أصاب أو كادا
وكن بحبل الإله معتصما ... تأمن به بغي كلّ من كادا
فكم رجاه فنال بغيته ... عبد مسيء بنفسه كادا
[38/ ب] ومن تطل صحبة الزّمان له ... يلق خطوبا به وأنكادا
(3) وبنحوه له (3): (4) [المتقارب]
صن العقل عن لحظة في هوى ... فإنّ البصيرة طوع البصر
وغضّ الجفون على عفّة ... فإنّ زناء العيون النّظر
وبنحوه له (5): (6) [الطويل]
__________
(1) محمد بن أحمد بن جبير الكناني: رحالة أديب ولد في بلنسية، ونزل بشاطبة وبرع في الأدب ونظم الشعر الرقيق، رحل إلى المشرق ثلاث مرات. مات في الإسكندرية في رحلته الثالثة سنة 614هـ. له رحلة معروفة، وديوان شعر. ترجمته في جذوة الاقتباس 172الإحاطة 2/ 230 شذرات الذهب 5/ 60نفح الطيب 2/ 381الذيل والتكملة 5/ 595زاد المسافر 114.
(2) الأبيات في: شجرة النور 168الحلل السندسية 1/ 254.
(33) سقط من ت.
(4) الحلل السندسية 1/ 254.
(5) سقط من ت.
(6) البيتان في الذيل والتكملة 5/ 613نفح الطيب 2/ 491نيل الابتهاج 23567الحلل السندسية 1/ 254.(1/172)
من الله فاسأل كلّ أمر تريده ... فما يملك الإنسان نفعا ولا ضرّا (1)
ولا تتواضع للولاة فإنّهم ... من الكبر في حال تموج بهم سكرا
وإيّاك أن ترضى بتقبيل راحة ... فقد قيل فيها: إنّها السّجدة الصّغرى (2)
قلت: قوله: «ولا تتواضع للولاة البيت» ينظر إلى قول الأوّل: (3) [الخفيف]
قل لنصر والمرء في دولة السّل ... طان أعمى مادام يدعى أميرا (4)
فإذا زالت الولاية عنه ... واستوى والرّجال عاد بصيرا (5)
وفي نحو منه قول منصور الفقيه (6): [المتقارب]
إذا عزل المرء واليته ... وعند الولاية أستكبر (7)
لأنّ الولاة لهم نبوة ... ونفسي على الذّلّ لا تصبر (8)
__________
(1) في الذيل والتكملة: كل شيء تريده.
(2) النفح: فقد قيل عنها.
(3) البيتان في نهاية الأرب للفزردق 3/ 75ولم أجدهما في المطبوع من ديوانه سمط اللآلي 1/ 452ابن أبي الحديد 5/ 448الجليس الصالح 2/ 62بهجة المجالس 1/ 343الحلل السندسية 1/ 254، التمثيل والمحاضرة 70.
(4) في ابن أبي الحديد: يا أبي وهب والمرء
(5) ت: وإذ زالت.
(6) هو منصور بن إسماعيل التميمي: فقيه شافعي ضرير، شاعر هجاء مات بمصر سنة 306هـ.
ترجمته في معجم الشعراء 280معجم الأدباء 19/ 185شذرات الذهب 2/ 349، والبيتان في الذيل على الروضتين 234لأبي طاهر السلفي زهر الآداب 3/ 883الحلل السندسية 1/ 255 حماسة الظرفاء 1/ 154التمثيل والمحاضرة 150.
(7) في ت وحماسة الظرفاء وزهر الآداب: واصلته. وفي الذيل على الروضتين: يوافيته.
(8) في الزهر والذيل والحماسة: لأن المولّى. وفي الحماسة والزهر: لهم نخوة. وفي الذيل: له صولة.(1/173)
ونهيه عن التّواضع للولاة حكم شرعيّ
قال صلّى الله عليه وسلم: «من تواضع لغنيّ ذهب ثلثا دينه»
(1). وأرى هذا الحديث مبنيّا على الحديث الآخر وهو
قوله صلّى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله احبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النّار»
(2).
فكان (3) من تواضع لغنيّ لأجل غناه، قد سقطت عنه الخصلتان الأوليان، إذ صار الغنى أحبّ الأشياء إليه، وأحبّ المرء لغير الله، وإذا سقطت الخصلتان من الثّلاث فقد ذهب الثّلثان، فهذا وجه تخصيصهما والله أعلم.
وأنشدني لابن جبير بمثل السّند (4): [39/ آ] [الخفيف]
أيّها المستطيل بالبغي أقصر ... ربّما طأطأ الزّمان الرّؤوسا
وتذكّر قول الإله تعالى ... {إنّ قارون كان من قوم موسى} [5]
__________
(1) هو خبر موقوف على ابن مسعود من قوله، انظر أسنى المطالب 289، وكشف الخفاء 2/ 316 وتمييز الطيّب من الخبيث 182، والموضوعات لابن الجوزي 3/ 139.
(2) أخرجه البخاري: في الإيمان، حلاوة الإيمان 116/ 60من كره أن يعود في الكفر 121/ 72:
الإكراه، من اختار الضرب والقتل على الكفر 126941/ 315. ومسلم: في الإيمان، بيان خصال الإيمان 67. والترمذي: في الإيمان، ثلاث من كن فيه 2626. والنسائي: 8/ 979694. وابن ماجه: الفتن، الصبر على البلاء 4033. الجامع لشعب الإيمان: 2/ 3340/ 535.
(3) في ت وط: فصار.
(4) البيتان في نفح الطيب 2/ 492الحلل السندسية 1/ 255.
(5) اقتباس للآية 76من سورة القصص.(1/174)
وأنشدني (1) له أيضا (1) بمثله وقد أظلّه عيد الأضحى بطندة (2) قرية بمقربة من مصر (3): [الطويل]
شهدنا صلاة العيد في أرض غربة ... بأحواز مصر والأحبّة قد بانوا (4)
فقلت لخلّي في النّوى: جد بدمعة ... فليس لنا إلّا المدامع قربان (5)
وأنشدني أيضا قال: أنشدني بعض أصحاب أبي عمرو عثمان بن حسن (6) وهو ابن دحية المعروف بابن الجميّل عنه، قال: ولا أدري هل هو له أو تمثّل به (7): [الطويل]
ألا إنّ هذا الدّهر يوم وليلة ... يكرّان من سبت عليك إلى سبت (8)
فقل لجديد العيش لا بدّ بلى ... وقل لا جتماع الشّمل لا بدّ من شتّ (9)
__________
(11) سقط من ط.
(2) طندة: مدينة كبيرة فيها الحمامات والفنادق الكبيرة والأسواق، هي غير مسوّرة، وبينها وبين ساحل محلة المحروم ثلاثة أميال، وبينها وبين النيل من ناحية المشرق ميلان. انظر جغرافية مصر للبكري 86.
(3) المقصود بها القاهرة.
(4) البيتان في نفح الطيب 2/ 492، والحلل السندسية 1/ 455.
(5) النفح: جد بمديع.
(6) عثمان بن الحسن بن علي بن دحية الكلبي: حافظ، مؤرخ تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بعد أخيه أبي الخطاب بن دحية، توفي سنة 634هـ بالقاهرة. انظر بغية الوعاة 2/ 133.
(7) البيتان في ديوان علي بن أبي طالب 26، ونسبهما التجيبي في مستفاد الرحلة والاغتراب 404 لابن المعتز ولم أجدهما في المطبوع من ديوانه، وفي النفح 5/ 118دون نسبة، وفي الكشكول 3/ 19دون نسبة، وفي الحلل السندسية 1/ 256.
(8) في الديوان والنفح: ألم تر أن الدهر وفي الديوان والكشكول: من سبت جديد إلى سبت.
(9) في الديوان والكشكول: لجديد الثوب.(1/175)
وأنشدني حفظه الله عند الموادعة: (1) [الخفيف]
إن نعش نجتمع وإلّا فما أش ... غل من مات عن جميع الأنام (2)
وهذا البيت يأتي ذكره ومن أنشده عند الموادعة في موضعه إن شاء الله.
وقد نظمت بالقيروان قصيدة بعثت بها إلى ولدي محمّد وفّقه الله وكان شيخي زين الدّين بن المنيّر حفظه الله يستحسنها كثيرا، وسمعها منّي شيخنا الشّريف الحسيب الفقيه الفاضل أبو الحسن عليّ بن أحمد الغرّافي (3) وقيّدها بخطّه، وكتب عليها سماعه، فرأيت إثباتها في هذا الرّسم، إذ هو أليق المواضع بها بحول الله تعالى وهي هذه: [الوافر]
[قصيدة العبدري لابنه]
أصخ سمعا أوصّك يا بنيّ ... وصيّة والد برّ حفيّ
جرى القدر المتاح لنا ببين ... قضاء جاء من ملك عليّ (4)
وقد فتّت نواكم في فؤادي ... وأشجت بالأسى قلب الخليّ
وأبدلت الماقي عن كراها ... دموعا فيضها مثل الأتيّ (5)
__________
(1) البيت في الحلل السندسية 1/ 256تاريخ بغداد 2/ 384دون.
(2) في تاريخ بغدا: نلتقي.
(3) علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغّرافي: عالم محدث، مسند، عابد، ولد سنة 628هـ وتوفي بالإسكندرية سنة 704هـ. أخذ عنه مجموعة من المغاربة والرّحالة. انظر ملء العيبة 3/ 53، شذرات الذهب 6/ 10.
(4) في ت وط: المتيح.
(5) ط: الأماقي، والأتيّ: السّيل.(1/176)
5 - ولولا أنّ حكم البين حتم ... يمرّ على المطاوع والأبيّ
[39/ ب] لعاجلني الأسى بقضاء نحبي ... ووافتني النّوى بردى وحيّ (1)
ولكن كلّ جمع لافتراق ... ونشر العيش آخره لطيّ
فمرّ على المقابر باعتبار ... وسل تنبئك عن حيّ فحيّ
وقد شاهدت في الدّنيا أمورا ... محرّضة على نهج التّقيّ (2)
10 - أمالك في تقلّبها اعتبار ... يبيّن قبحها من غير عيّ
ألم تر ما حبتك وأنت طفل ... فنون أذى همى مثل الحبيّ (3)
وذي جدّ أحلّك من حشاه ... محلّ بشارة بعد النّعيّ
وترك منازل وثقاف عمّ ... بكم برّ ونائي أب حفيّ
وذاك وإن أذابك غير بدع ... فهذا دأبها مع كلّ حيّ
15 - فكن بالله منها مستعيضا ... كفى عوضا به من كلّ شيّ (4)
وكن متعفّفا عنها عيوفا ... وإن أعطتك قصدك دون ليّ (5)
ولا تأسف لفرقتها ففيها ... وصال تواصل العيش الهنيّ
هي الطّلل المحيل وما بكاها ... سوى غاو يهيم بوصل غيّ (6)
__________
(1) ط: لعالجني، ت: لعالجني القضاء.
(2) ت: نهي التقي.
(3) الحبيّ: سحاب فوق سحاب، وهمى: سال.
(4) ت: مستعينا.
(5) الليّ: المطل.
(6) رجل غاو وغو وغيّان: ضال، والغيّ الضلال.(1/177)
يبكّي في منازل مقفرات ... ضلال سنّه غيّلان ميّ (1)
20 - ومازالت تردّ الرّفع خفضا ... وترمي بالسّناد إلى رويّ
سراب إن نظرت تقل شراب ... ولم يظفر فتى منه بريّ
فلاتك يا بنيّ بها ولوعا ... وإن أبدت مطاوعة الأبيّ (2)
هي العصيان شيمتها ولكن ... تغرّ الغرّ نادرة العصيّ (3)
وكن بالله ذاثقة تقيّا ... ولا تغبط بنيّ سوى تقيّ
25 - ونل بالزّهد مرتبة المعالي ... فلم يزهد سوى عال سريّ (4)
وليس سواه للأرواح روح ... يتيه به الفقير على الغنيّ
فشدّ به يديك وكن ضنينا ... بوجهك أن تعرّضه لكيّ (5)
ولا تبذله للأطماع يوما ... فتخدشه بذا الخلق الدّنيّ (6)
[40/ آ] وباعد ما استطعت حليف دنيا ... تعلّق حبلها من فرط غيّ
30 - ولا يغررك أن أبدى خيالا ... إلى قرب يصير غير شيّ (7)
فحظّكما من الدّنيا بلاغ ... إلى لحد يسوّي كلّ حيّ (8)
__________
(1) غيلان هو ذو الرمة الشاعر المعروف، صاحب ميّ.
(2) الولوع: المتعلّق. والأبي: مصدر أبي: امتنع.
(3) الغرّ: الغافل. وندر الرّجل إذا مات، يريد: قاتلة العصيّ.
(4) السّرو: المروءة والشرف، والسريّ: السيد الشريف.
(5) الكي: حرق الجلد بحديدة أو نحوها.
(6) الدّنّي: الخسيس.
(7) ت: اختيالا.
(8) اللّحد: الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه.(1/178)
بنيّ يسؤوني أن اراك عبدا ... لغير الواحد الصّمد العليّ
فكن عبدا له من غير شرك ... وإلّا تأت بالأمر الفريّ (1)
بنيّ تسؤوني منك المعاصي ... فلا عمرت حلالك يا بنيّ (2)
35 - قبيح أن أكون عصيت ربّي ... وتقفو إثر والدك العصيّ
يمرّ المشتهى كالبرق خطفا ... ويترك حسرة الأمد القصيّ
تزيّن بالحياء فليس وصف ... يزان به الفتى مثل الحييّ
وجانب ما يقود إليه طبع ... يرى طبعا على الثّوب النّقيّ (3)
وكن بالعلم ذا لهج فإنّي ... أجزتك واستجزت بكّل حيّ (4)
40 - لكي تروي الحديث حديث سنّ ... لأشياخ ذوي فهم سنيّ (5)
مصابيح الدّجنّة لو تراهم ... رأيت بدور كلّ دجا دجيّ (6)
لقيتهم وأنت هناك ثاو ... فيا للشّكر للسّعد القويّ
محضتك يا بنيّ النّصح منّي ... وحقّ النّصح للولد الرّضيّ
وإن مدّ البقاء إلى لقاء ... كسوتك ما يزينك في النّديّ (7)
45 - فترفل في حلى حلل تسامى ... إليها كلّ حبر ألمعيّ (8)
__________
(1) الفرية: الكذب.
(2) الحلال: البيوت مجتمعة.
(3) الطّبع: الدّنس.
(4) لهج بالأمر: أولع به واعتاده. وفي ت: كل حيّ.
(5) السّنيّ: الرفيع.
(6) الدّجنّة: الظلمة، والدّجا: سواد الليل مع غيم.
(7) النّديّ: المجلس ما داموا مجتمعين فيه.
(8) الحبر: العالم، الألمعي: الداهي الذي يتظنن الأمور فلا يخطئ.(1/179)
وأرجو ذاك من إنعام ربّي ... إلهي مالكي ثقتي ولييّ
وأقرأ من سلامي كلّ زاد ... عليك يفوح بالمسك الذّكيّ
وأقرأ ضعفه في كلّ حين ... بلا أمر على خلّ وفيّ (1)
يروح صبا جرت ويفوح روضا ... بكى الوسميّ فيه مع الوليّ (2)
50 - وباكره النّسيم غداة صحو ... فنشّر نشره من بعد طيّ
ومن ذي العرش أسأل أن يوالي ... لكم صون الغدوّ مع العشيّ
[ذكر قابس]
[40/ ب] ثم وصلنا إلى مدينة قابس (3)، ذات المخبر (4) الخبيث، والمحيّا العابس. هواء وخيم، ولؤم طبع وخيم (5) وتضييع المصلّيات والمساجد، وقلة اعتناء بكل راكع وساجد، مغانيهم (6) إلى النّجوم عالية، ومعانيهم (7) أسفل التّخوم هاوية، إلى عفونات تخبو لقربها المصابيح، وتنحو بالنّحول كلّ وجه صبيح (8)، تفسد الأذهان (9) والألوان، وتضرم للمزاج (10) المعتدل نار الحرب
__________
(1) في ت وط: أمد.
(2) في ت: الوسيم، والوسميّ: مطر أول الربيع، والوليّ: مطر يأتي بعد الوسميّ.
(3) قابس: مدينة تونسيّة على ساحل البحر بين طرابلس وسفاقس بناها الرومان في داخل الخليج.
انظر ياقوت 4/ 289وصف إفريقية 2/ 91رحلة التجاني 86.
(4) في ت وط: المنظر.
(5) الخيم: الأصل أو الشيمة والطبيعة والخلق والسّجيّة، يريد وسوء خيم.
(6) في ت: معانيهم، والمغاني: المنازل التي كان بها أهلوها.
(7) في ت: معاليهم.
(8) الوجه الصبيح: الوضيء.
(9) في ط: الألوان والأذهان.
(10) في ت: للمجاز.(1/180)
العوان (1). تنصب عليه مجانيق الطّوى (2)، فتقذفه بجلاميد الخوى (3)، وترميه بسهام الرّوائح المنكرة، عن قسيّ الأهوية المغيّرة، بأكفّ الأبخرة المكدرّة، فما تلبث أن تحطّ علاه، وتبيح (4) للأسقام (5) حماه، تنصبّ حواليه أنهار تشتعل بها في حشا الظمان نار، ودارت بها غابة من نخيل، وقد طلسمت (6) ثمرتها بكفّ كلّ بخيل، فلو أتاها جبلة بن الأيهم (7)، أو حلّ حماها إبراهيم بن أدهم (8)
لم تنل إلا برقية الدّينار والدّرهم، على أنّ الهواء العفن قد منعها الجفوف، فليس لها على الخزيز (9) والغثاء (10) شفوف، لأنّه إذا أفردت عن أشجارها القطوف، بدت العفونة بها تطوف.
__________
(1) حرب عوان: كان قبلها حرب، أي الحرب المترددة.
(2) الطوى: الجوع.
(3) الخوى خلو البطن من الطعام.
(4) في ط: تهيج.
(5) في ط: للأسهام.
(6) في ط: طلمست، وطلسمت: نقش عليها نقوش بكيفيّات خاصّة لردّ الأذى.
(7) جبلة بن الأيهم بن جبلة الغساني: آخر ملوك الغساسنة ببلاد الشام، أسلم وارتد وخرج إلى بلاد الروم، ولم يزل بالقسطنطينية عند هرقل حت مات حوالي 20هـ. ترجمته في العقد الفريد 2/ 6256، نشوة الطرب 1/ 205، نهاية الأرب 15/ 311.
(8) إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر التميمي البلخي: زاهد مشهور، كان من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم، تفقه ورحل إلى بغداد، وجال في العراق والشام والحجاز، وأخذ عن كثير من العلماء، وأرجح الروايات في وفاته أنها كانت في سوفنق «حصن من بلاد الروم» سنة 161هـ. ترجمته في سير أعلام النبلاء 7/ 387فوات الوفيات 1/ 13.
(9) الخزيز: العوسج الجاف جدا.
(10) الغثّاء: الزبد والقذر.(1/181)
وأما العلم عندهم فقد ركدت ريحه، والجهل لديهم (1) لا يؤسى جريحه، عامّ لا يتطرّق إليه الخصوص، وظاهر جاء على وفق النّصوص. وهذا حكم استفدته من العيان، ونتيجة الاختبار لهم والامتحان، نعم بها آحاد الفضلاء الصّلحاء. كالشّعرة البيضاء في اللّمّة (2) السّوداء، يستمطر بهم المزن إذا لم يسبل سبله (3)، والنّادر لا حكم له.
وقد حضرت بجامعها شيخا يشار إليه، ويعوّل في نوازل المسائل عليه، وحواليه جماعة من أعيانها، وأهل الخطط من سكّانها، فقرئ عليه في المرابحة من «التّلقين» باب استبهم عليه فيه وجه الصّواب، فخبطوا فيه خبط عشواء، وأتوا أثناءه بكلّ شوهاء (4) وشنعاء. فممّا جرى لهم في مسألة الغلط في الثّمن بالزّيادة أو النّقص أنّ اعتبار القيمة فيها لتختبر صحّة قول البائع أو المشتري [41/ آ]، وهذا كلام لا يتحصّل في الذّهن فضلا عن صحّته وفساده، وقالوا: إنّ القيمة لمّا اعتبرت بالثّمن كان المعتبر إذا هو الثّمن، ثمّ نقضوا هذا الهراء (5) بأنّ القيمة يضرب عليها الرّبح وقالوا: إنّ الثّمن يعتبر دون ربح، وهذا هراء (6) أشدّ من الأوّل، وما كفاهم ذلك حتّى أخذوا في تحقيق ذلك من ألفاظ الكتاب، بتنزيلها على وجوه الإعراب، وبعد مجاراة (7) طويلة، ومماراة (8) ليست بقليلة، وقفتهم على ما أملوا من تلك القبائح، الّتي لم يغد
__________
(1) ت: عندهم.
(2) اللّمّة: شعر الرأس.
(3) السّبل: المطر.
(4) الشوهاء: القبيحة.
(5) الهراء: المنطق الفاسد الذي لا نظام له.
(6) في ط: هذيان.
(7) في ت: محاورة.
(8) المماراة: المعارضة.(1/182)
بمثلها غاد ولا راح رائح، واستبان لهم لمّا لاح في ليل خبطهم نهار، أنّ بنيانهم كان على {شفا جرف هار} [1]، ولولا ما أتوقّع من جدال المماحك (2) لم أشن وجوه الأوراق بهذه المضاحك، ولم أخلّد لها ذكرا في كتاب، بل أطويها (3) {كطيّ السّجلّ للكتاب} [4].
ثم قطعنا برّية المراحل الحمر، وهي بيداء تغري بالرّواحل الضّمر. على أنّها أقلّ البراري غررا (5)، وأخفّها مؤونة وضررا، ماؤها مورود، قلّما يغبّ (6)
الورود، ولكن معالمها دوارس، ومسالكها طوامس (7)، للرّمال المنهالة والرّياح الرّوامس (8).
ومنها إلى قريتي زوارة (9) وزواغة (10)، ذوي الأنفس الخبيثة والقلوب الزّواغة (11)، معتقدات شنيعة، وأعمال {كسراب بقيعة} [12] ومذاهب سوء رديّة، وضمائر شرّ عمر منهم كل طويّة، إن استنام إليهم حاجّ لم
__________
(1) سورة التوبة / 109.
(2) رجل مماحك: لجوج.
(3) في ط: طويتها.
(4) سورة الأنبياء، من الآية: 104.
(5) الغرر: الخطر.
(6) الغبّ: أن تشرب يوما، ويوما لا، أي ورد يوم، وظمأ آخر.
(7) الطوامس: جمع طامس، وهو البعيد الذي لا يتبين من بعد. وطمس الطريق: درس وامّحى أثره.
(8) الرياح الروامس: التي تنتقل التراب من بلد إلى آخر، وبينها أيام. والروامس: الرياح التي تثير التراب وتدفن الآثار.
(9) زوارة: بلدة ذات نخل وأشجار، أهلها من الخوارج، تقع على ساحل البحر، بينها وبين زواغة ستة أميال. رحلة التجاني 210، وقال الوزان: تبعد عن جربة شرقا مسافة 50ميلا. وصف إفريقيا 2/ 96.
(10) زواغة: من بلاد إفريقية، وسميت بزواغة قبيلة من البربر، فيها نخل. انظر رحلة التجاني 211.
(11) في ط: الرّواغة.
(12) سورة النور: 39.(1/183)
يوقظه إلّا برد ماء التّقديس، ودويّ أصوات النّواقيس، أو استأمن إليهم داج لم يرعه إلا تلفيق المعاذير عن إساءة رعي الخنازير لأنّهم يبيعونهم (1) من النّصارى بأبخس الثّمن، ويعتقدون ذلك حقّا [لازما] (2) تنتقي عنه الظّنن، قطع الله دابرهم، وخضد (3) أصاغرهم وأكابرهم، ولا أخلاهم من قارعة تجتاحهم قرعا، وتسحتهم (4) أصلا وفرعا.
ثم خطرنا على قرية زنزور (5)، ولم أخبرها فلا أحدّث عنها بزور، إلا أنّ (6) مظهرها (7) معجب مونق، وشجرها مخصب مورق، ولا أدري [41/ ب] هل مخبرها موافق، أو هي ذات وجهين كالمنافق.
[ذكر طرابلس]
ثم وصلنا إلى مدينة أطرابلس، وهي للجهل مأتم وما للعلم بها عرس، أقفرت ظاهرا وباطنا، وذمّها الخبير بها سائرا وقاطنا، تلمع لقاصدها لمعان البرق الخلّب (8)، وتريه ظاهرا مشرقا والباطن قد قطبّ، اكتنفها البحر والقفر، واستولى عليها من عربان البرّ ونصارى البحر النّفاق والكفر، وتفرقّت عنها الفضائل تفرّق الحجيج يوم النّفر (9)، لا ترى بها شجرا ولا ثمرا، ولا تخوض في
__________
(1) في ط: يبيعونها.
(2) زيادة من ط.
(3) في ط: حصد، وخضد البدن: تكسّره وتوجّعه.
(4) سحت: استأصل.
(5) زنزور: قرية قريبة من البحر على بعد نحو 12ميلا من طرابلس. انظر وصف إفريقيا 2/ 110.
(6) في ط: لأن.
(7) في ت: منظرها.
(8) برق خلّب: لا غيث فيه، وفي المثل: إنما هو كبرق الخلب. انظر الميداني 1/ 18.
(9) النّفر: التّفرّق.(1/184)
أرجائها حوضا ولا نهرا، ولا تجتلي روضا يحوي نورا ولا زهرا، بل هي «أقفر من جوف حمار»، (1) وأهلها «سواسية كأسنان الحمار (2)»، ليس على ناشئ منهم فضل لذي شيبة (3)، ولا لذي الفضل منهم (4) هيبة، ترى أجساما حاضرة والعقول في عقل غيابات الغيبة، ملابس يلبسها ليلبس بها من ملابس العيوب العيبة، إلى بخل لو مازج ماء البحر جمد، أو خالط الهواء سكن في آذار وركد. وخلق يضيق به متّسع الفضاء، ونزق يحقّ له في ذمّهم كشف الغطاء. وأذهان أربت في الضّيق على الخاتم، سواء لديها (5) من حارب ومن سالم: [السريع]
كأنّهم من ضيق أفهامهم ... لم يخرجوا بعد إلى العالم
فسبحان من خلقهم (6) وأهل تونس في طرفي نقيض، أولئك في الأوج وأولاء في الحضيض.
__________
(1) في المثل: أخلى من جوف حمار، وهو رجل من عاد يقال له حمار بن مويلع. وجوفه واد خصيب، وفيه من كل الثمرات، فخرج بنوه يتصيدون، فأصابتهم صاعقة فهلكوا، فكفر وقال: لا أعبد من فعل هذا ببنيّ، ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله، فأهلكه الله تعالى وأخرب واديه، انظر ثمار القلوب 84والميداني 1/ 257.
(2) المثل في أمثال أبي عبيد 132، وجمهرة الأمثال 1/ 522، ومجمع الأمثال للميداني 1/ 329، والمستقصى 2/ 123وفصل المقال 196، واللسان سوا.
(3) إشارة إلى قول كثير في ديوانه 384:
سواء كأسنان الحمار فلا ترى ... لذي شيبة منهم على ناشيء فضلا.
(4) في ط: بينهم.
(5) في ت: لديهم.
(6) في ت وط: جعلهم.(1/185)
ولم أر بها ما يروق العيون (1)، وسماعن أن يقوم بالدّون، سوى جامعها ومدرستها، فإنّ لهما من حسن الصّورة نصيبا، ومن إتقان الصّنعة سهما مصيبا. وما رأيت في الغرب مثل مدرستها المذكورة، لولا أنّ محاسنها مقصورة على الصّورة، فما يشبّ (2) بها للعلم طفل، ولا يحجّ صرورة (3): [الطويل]
وما الحسن في وجه الفتى شرفا له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق (4)
[لقاؤه لا بن عبد السّيّد]
وقد حضرت بها تدريس الشّيخ المسن القاضي الخطيب أبي محمّد عبد الله بن عبد السّيّد، وهو بيت قصيدتهم، وكبش (5) كتيبتهم [42/ آ] وواسطة قلادتهم، وأنف سيادتهم، ذو سمت ووقار، وقد أثّر الكبر في جسمه، كثير المواظبة للمسجد والذّكر، خيّر في دينه، وما كنت آتيه بعدما رأيته إلا بقصد الدّعاء لأنّه ضيّق الخلق، ليّن النظر، وفي لسانه حبسة لا يكاد يفهم معها، وقد استفرغت جهدي وقت إقرائه في تفهّم ما يقول، فما فهمته إلا بعد مدّة، وأظنّه لا رواية له فإنّي سألته عن ذلك فأبهم جوابه وتنمّر (6)، وحاولت مداخلته فصدّني عن ذلك بشكاسته (7) وجهامة لقائه. وما أبعد جميع (8) أحواله من
__________
(1) في ت: للعيون.
(2) في ت: يشيب.
(3) رجل صرورة: لم يحج قط.
(4) للمتنبي في مدح سيف الدولة. الديوان 2/ 320.
(5) كبش الكتبة: قائدها.
(6) تنمرّ: غضب.
(7) الشّكس: العسر الخلق.
(8) ليست في ت وط.(1/186)
أحوال شيخنا الفقيه القاضي الأوحد الإمام، قاضي الجماعة بحضرة مرّاكش كلأها الله أبي عبد الله محمّد بن عليّ بن يحيى الشّريف (1)
قدس الله تربته، وآنس في قبره غربته فإنّه كان والله زين الدّنيا والدّين، وهو كما قال القائل: [الطويل]
أقاموا بظهر الأرض فاخضرّ عودها ... وصاروا ببطن الأرض فاستوحش الظّهر
وتالله إنّ فقد مثله ليهوّن الرّزايا، وإنّه لحقيق بما قال أحمد بن المعدّل (2) في ابن الماجشون: (3) «ما ذكرت أنّ الأرض تأكل لسان عبد الملك إلاهانت الدّنيا في عيني» (4).
وقد سألت الشّيخ أبا محمّد بن عبد السّيّد عن أشياء ما قام فيها ولا قعد، وما استفدت منه في العلم فائدة سوى ما تقدّم تسيطره في
قوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا نودي للصّلاة أدبر الشّيطان»
(5).
__________
(1) محمد بن علي بن يحيى الشريف: قاضي الجماعة بمراكش: فقيه، محدّث، كان يميل إلى الاجتهاد، وله مشاركة في الأصول والكلام والمنطق والحساب. توفي بمراكش سنة 682هـ.
ترجمته في الإعلام للمراكشي 4/ 281، الذيل والتكملة مقدمة السّفر الثامن 1716.
(2) أحمد بن المعدل بن غيلان العبدي البصري: فقيه مالكي صحب عبد الملك بن الماجشون، كان له عدّة مصنفات، وتفقه عليه جماعة من كبار المالكية توفي سنة 240هـ. ترجمته قي: ترتيب المدارك 2/ 550الديباج المذهب 30شذرات الذهب 2/ 95شجرة النور 64.
(3) عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله التيمي بالولاء: فقيه مالكي من الفصحاء، انتفع به كثيرون، دارت الفتيا عليه في زمانه. وفي وفيات الأعيان ثلاثة أقوال في وفاته: 212هـ و 213هـ و 214هـ ترجمته في: نكت الهميان 197ابن قنفذ 162وفيات الأعيان 3/ 166.
(4) القول في: ترتيب المدارك 2/ 361نكت الهميان 197وفيات الأعيان 3/ 166سير أعلام النبلاء 10/ 360.
(5) أخرجه البخاري في الأذان، فضل التأذين رقم 2608/ 84العمل في الصلاة، يذكر الرجل الشيء في الصلاة رقم 31232/ 89: السهو، إذا لم يدركم صلى رقم 31231/ 103: بدء الخلق، صفة إبليس وجنوده رقم 63285/ 337. ومسلم في الصلاة، فضل الأذان وهرب(1/187)
ولمّا حضرت تدريسه مرّ لهم في دولة التّفسير قوله تعالى: {وإن يكذّبوك فقد كذّب الّذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبيّنات وبالزّبر وبالكتاب المنير} [1]، فسألته: ما الكتاب المنير الّذي أراد هنا؟
فأجاب: بأنّه جنس، وهو بمعنى الزّبر قبله بإجماع من المفسّرين. فقلت له: لم كرّر؟ فقال: للتّأكيد. وجمد على ذلك، ولا يفهم هنا للتّأكيد معنى. ولو قال: كرّر لما تضمّنه من المدح كما تعطف النّعوت بعضها على بعض لكان أشبه، ولكنّ تكرار الباء يشعر بالفصل لأنّ فائدة تكرار العامل بعد حرف العطف إشعار بقوّة [42/ ب] الفصل بين الأوّل والثّاني، وعدم التّجوّز في عطف الشّيء على نفسه، (2) والله أعلم (2).
ثمّ مرّ لهم بعدها قوله تعالى: {وغرابيب سود} [3] وهي من الآيات الّتي صدئت فيها الأذهان الصّقيلة، وعادت بها أسنّة الألسنة (4) مفلولة الشّبا كليلة وذلك أنّ المنهج في كلامهم تقديم المتبوع على التّابع فيقولون: أبيض ناصع، وأصفر فاقع، وأحمر قان، وأسود حالك، وغربيب. ولا يقولون: ناصع أبيض، ولا فاقع أصفر، ولا قان أحمر لأنّ التّابع (5) فيه معنى زيادة الوصف فلو قدّم كان ذكر المتبوع بعده عيّا، إلّا أن يكون المعنى (6) أوجب تقديمه. فلمّا
__________
الشيطان رقم 19. وأبو داود في الصلاة، رفع الصوت بالأذان رقم 516. وابن حنبل:
2/ 313، 522460. والنسائي: 2/ 21و 3/ 31. والدارمي: 1/ 273والموطأ: 57.
(1) سورة فاطر: 25.
(22) سقط من ت.
(3) سورة فاطر: 27.
(4) في ت: ألسنة الأسنة.
(5) في ت: التبع.
(6) في ت وط: بمعنى.(1/188)
قرعت أسماعهم بهذا سكتوا ولم يجد أحد منهم جوابا. وكان الشّيخ قد ذكر ما قال بعضهم، وأظنّه القاضي أبا محمّد بن عطيّة (1) أنّه من فصيح الكلام فلم أقنع بذلك، وقررّته على ما تقدّم فسكت.
ومن جملة العجائب أنّ شيخا ممّن حضر إقراءه أراد أن يحتجّ عنه لما كلّمته، فقال لي: إنّما ذكر السّود لأنّه قد يكون في الغربان ما فيه بياض، وقد رأيته في بلاد المشرق، فلم يفهم من الآية وقد حضر تفسيرها شيئا إلّا أنّ الغربيب هو الغراب!.
وقد ظهر لي في الآية الأولى وجهان أردت أن أثبتهما مستخيرا لله عزّ وجلّ:
أحدهما: إنّ قوله تعالى: {جاءتهم يعود فيه الضّمير على المكذّبين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم، وعلى الّذين من قبلهم فيكون النّبيّ صلّى الله عليه وسلم داخلا في الرّسل المذكورين} [2]، والكتاب المنير: القرآن، وقوله: {ثمّ أخذت الّذين كفروا} [3]
معطوف على قوله: {فقد كذّب الّذين من قبلهم} [4] أي: كذّبوا، ثم أخذتهم لقيام الحجّة عليهم بالبيّنات وبالزّبر، وبالكتاب المنير، وجاء تقديم قيام
__________
(1) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي، مفسّر، فقيه، قاض، عارف بالحديث، له مشاركة في علوم اللغة والأدب والشعر. ولد سنة 481هـ، وتوفي سنة 542هـ. له تصانيف منها: «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» طبعته وزارة الأوقاف في فاس، وفهرس بأسماء شيوخه. ترجمته في: الصلة 2/ 386قضاة الأندلس 109معجم ابن الأبار 269بغية الملتمس 389.
(2) في ت: المكذبين.
(3) سورة فاطر: 26.
(4) سورة فاطر: 25.(1/189)
الحجّة قبل العطف اعتراضا للتّهمّم به، وهو من أرقّ وجوه البلاغة كما قال (1): [الوافر]
فإنّك إن أفتك يفتك منّي ... فلا تسبق به علق نفيس (2)
[43/ آ] وكما قال حسّان رضي الله عنه (3): [البسيط]
فإنّ في حربهم فاترك عداوتهم ... شرّا يخاض عليه الصّاب والسّلع (4)
وأرى مثل هذا في آية آل عمران، وهي قوله تعالى: {فإن كذّبوك فقد كذّب رسل من قبلك} [5] الآية. وقوله: {جاؤوا انصراف من المخاطبة إلى الغيبة، كأنّه قال: جاء هؤلاء المذكورون} [6]، فيكون النّبيّ صلّى الله عليه وسلم داخلا في الضّمير، وهو في موضع جاءتهم بالبيّنات وبالزّبر وبالكتاب المنير، فأقام الإخبار عن الغائب مقام الخطاب كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيّبة} [7]، وفيها (8) وجه من التّفخيم والتّعجّب، كما أنّ المخاطب إذا استعظم الأمر رجع إلى الغيبة ليعمّ الإخبار به جميع النّاس، وهذا موجود في الآيتين، ومن ذلك قول النّابغة الذّبيانيّ (9): [البسيط]
__________
(1) البيت في حلية المحاضرة 57، معاهدة التّنصيص 1/ 364دون عزو.
(2) العلق: النفيس من كل شيء يتعلّق به القلب.
(3) ديوانه 250.
(4) الصاب والسلع: شجرمر.
(5) سورة آل عمران: 184.
(6) في ط: المذكورين وفيها خطأ نحوي.
(7) سورة يونس: 22.
(8) بقية النسخ: وفيه.
(9) ديوانه: 2وهو مطلع اعتذارية له.(1/190)
يا دارميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد
والوجه الاخر: أن يكون المعنى على حذف مضاف كأنّه قال: وبخبر الكتاب المنير يعني: القرآن، فيكون مثل قوله: {ومبشّرا لرسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [1] وهذا وجه حسن قريب، وكان شيخنا زين الدين أبو الحسن المالكيّ الإسكندريّ قد استحسنه حين عرضته عليه والحمد لله.
وأما الآية الأخرى وهي قوله تعالى: {وغرابيب سود فحسبك به} [2]
إشكالا أنّ فحول المفسّرين (3) أحجموا عن (3) القول فيه، وقصّروا عمّا يتمّ الغرض ويوفّيه، والّذي ظهر لي في ذلك بعد طول تأمّل، وفرط قلق فيه وتململ، أنّ الموجب لتقديم الغرابيب هو تناسب الكلم، وتماثل نسق الألفاظ، وجريانها على نمط متساوي التّركيب، وهو معنى قلّما يوجد في غير الكتاب العزيز حسبما تقدّم في قوله تعالى: {فتذكّر إحداهما الأخرى. وذلك أنّه لمّا تقدّم ذكر البيض والحمر دون إتباع كان الأليق بحسن النّسق، وترتيب النّظام أن تكون السّود كذلك، ولكنّه لما كان في السّود هنا زيادة [43/ ب] الوصف كان الأليق بالمعنى أن تتبع بما يقتضي ذلك وهو الغرابيب فتقابل حظّ اللفظ وحظّ المعنى، فوفّي الحظّان معا، وكمل الغرضان} [4] جميعا، ولم يطّرح أحدهما للآخر، فيقع النّقص من جهة المطّرح، وذلك بتقديم الغرابيب
__________
(1) سورة الصف: 6.
(2) في ت وط: منها.
(33) في ت: أجدّوا علي.
(4) في الأصل: الغرض.(1/191)
على السّود، فوفّى لفظ الغرابيب حظّ المعنى في زيادة الوصف، ووفى ذكر السّود مفردا من الإتباع حظّ اللّفظ إذ جاء مجرّدا على صورة البيض والحمر فاتّسقت الألفاظ كما ينبغي، وتمّ المعنى كما يجب، ولم يخلّ بواحد من الوجهين، ولم يقتصر على الغرابيب، وإن كانت متضمّنة لمعنى السّود لئلّا تتنافر الألفاظ، فإن ضمّ الغرابيب إلى البيض والحمر، ولزّهما في قرن واحد: [البسيط]
كابن اللّبون إذا مالزّ في قرن (1)
وذلك غير مناسب لتلاؤم الألفاظ وتشاكلها وجريها في سنن الاتّفاق، وبذكر السّود وقع (2) الالتئام، واتّسق نسق النّظام وجاء اللّفظ والمعنى في درجة التّمام، وهذا لعمر الله من العجائب الّتي تكلّ دونها العقول، ويعيا بها اللّسن (3) فلا يدري ما يقول، والحمد لله على حسن عونه.
ومرّ لهم في دولة «الموطّأ» حديث ابن عمر رضي الله عنه في «من نسي صلاة (4) فلم يذكرها إلّا وهو وراء الإمام (5)» فقال في الكلام عليه: سمعت
__________
(1) صدر بيت لجرير، وعجزه: لم يستطع صولة البزل القناعيس. ديوانه: 1/ 128. ورواية الديوان:
وابن اللبون. وهو ما أوفى على ثلاث سنين، لزّ: ربط القرن: الحبل الذي يشدّبه البعيران ونحوهما فيقرنان معا.
(2) في بقية النسخ: يقع.
(3) اللّسن: الفصيح.
(4) في ت: الصلاة.
(5) أخرجه شيرويه في فردوس الأخبار 4/ 95وهو في مجمع الزوائد 1/ 324بخلاف في اللفظ والبيهقي 20/ 221وكنز العمال 7/ 541.(1/192)
الإمام فخر الدّين أبا عليّ بن رشيق (1) بمصر يقول في تعليل قطع الصّلاة إذا ذكرت فيها صلاة أخرى، إنّما ذلك
لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها، فإنّ ذلك وقت لها»
(2).
قال: فعيّن (3) النّبي صلّى الله عليه وسلم وقت الذّكر للفائتة فوجب أن يقطع الّتي هو (4)
فيها. فقلت له: هذا عامّ محتمل للتّخصيص بمن ذكرها في غير صلاة، فأمّا من ذكرها في الصّلاة فخارج عن هذا العموم بدليل قوله تعالى:
{ولا تبطلوا أعمالكم} [5]. كما خرج عنه من ذكرها في أوقات النّهي عند من يرى ذلك من العلماء.
ثم إنّ هذا التّعليل لا يأتي على مذهب مالك رحمه الله لأنّه لا يرى القطع واجبا بدليل أنّ من صلّى صلوات وهو [44/ آ] ذاكر لصلاة فإنّه لا يعيد منها إلّا ما بقي وقته، وبدليل أنّ الإمام إذا ذكر صلاة ثم قطع فقد أبطل على من خلفه، ولو كان القطع واجبا لصحّت صلاة من خلفه لأنّه مغلوب على القطع، كما إذا ذكر أنّه جنب، ولكنّ القطع في ذلك استحباب، فكأنّ الإمام متعمّد له (6)، فلذلك أبطل على من خلفه، وكنت أذكر هذا المعنى
__________
(1) هو الحسين بن عتيق بن رشيق: فقيه مالكي، عالم، كانت عليه مدار الفتيا بالديار المصرية عاش بين سنتي 632547هـ ترجمته في: حسن المحاضرة 1/ 455الديباج المذهب 105شجرة النور الزكية 1/ 166وفيها الحسين بن رشيق.
(2) هو في ابن ماجه: الصلاة، من نام عن الصلاة أو نسيها رقم 696ابن حنبل: 3/ 100و 282 عن أنس مجمع الزوائد 1/ 322بخلاف في اللفظ ابن عدي في الكامل 3/ 258فردوس الأخبار 4/ 95.
(3) في ت: يعني.
(4) ليست في ط.
(5) سورة محمد: 33.
(6) ليست في ت.(1/193)
من كلام الشّيخ الإمام أبي الحسن اللّخميّ على المسألة، فلمّا فرغت من كلامي هذا سكتوا، ولم يجدوا جوابا. وهذا وما أشبهه إنّما أثبتّه تنبيها على ضعف العلم في هذا الأوان، وقلّة الرّاغب فيه، لا أنّي معجب فيه بنفسي ويعلم الله أنّ معتقدي أنّ أدلّ دليل على فناء العلم، وامّحاء رسومه (1)، هو كلامي وكلام أمثالي فيه، فإنّه ما أوجبه إلا عدم علماء التّحقيق، وحسبنا الله وبه التّوفيق.
والّذي أرى في الحديث الّذي استدلّ به ابن رشيق أنّه يقصر على مثل الصّورة التي ورد فيها، وهي صلاة النّبي صلّى الله عليه وسلم الصّبح يوم الوادي بعد طلوع الشّمس، لا من حيث أنّه وارد في صورة، فإنّ معتقدي أنّ اللّفظ إذا كان مستقلّا بنفسه اعتبر بما يجب له، ولم يقصر على الصّورة الّتي ورد فيها، ولكن من حيث قام الدّليل، إنّ ذلك هو المراد، وذلك أنّ حمله على العموم يؤدّي إلى باطل متّفق على بطلانه، وهو أنّ من ذكر صلاتين فأكثر لا يؤدّيهما أبدا، لأنّه كلّما وقف في صلاة ذكر فيها أخرى فتبطل عليه، فالتّخصيص في مثل هذا ضربة لازم (2)، والله أعلم.
[قبّة باب البحر]
ولم أر بأطر ابلس أثر عناية، سوى ما تقدّم ذكره، إلّا قبّة بباب البحر من بناء الأوائل، في غاية الإتقان، ونهاية الأحكام، مبنيّة من صخور (3) منحوتة في
__________
(1) في ت وط: رسمه.
(2) في ط: لازب. وكلاهما صحيح.
(3) في ت: صخر.(1/194)
نهاية العظم، منقوشة بأحسن النّقش، مرصوفة بأعجب الرّصف، متماثلة المقدار علويّها وسفليّها، ولا ملاط (1) بين الصّخور من طين ولا غيره، ومن العجب ترتيب تلك الصّخور [44/ ب] ورصفها في الأساس فضلا عن رفعها إلى السّقف ورصفها هناك مع إفراط عظمها، وفي مقعد القبّة صخرة مستديرة منقوشة، يحار النّاظر في حسن وضعها، وعلى القبّة قبّة أخرى عالية، ومبان مرتفعة، ورأيت للقبّة السّفلى بابا مسدودا، وعليه من خارجه صورة أسدين قد اكتنفاه مصوّرين من تلك الصّخور بأبدع صنعة، وأغربها، وهما متقابلان على الباب، وفي كلّ واحد منهما صورة لجام قد أمسك بعنانه شخص واقف وراءه، وقد منعه به أشدّ المنع، ولعلّ ذلك كان لمعنى تعطّل وجهل سرّه، والله أعلم.
[قصر الجمّ]
والّذي في بلاد إفريقية من عجائب البناء، وآثار الاعتناء أمر يضيق عنه الوصف، منها قصر الجمّ (2)، وسيأتي ذكره إن شاء الله، ومنها قصر يعرف بالمنارة غربي القيروان، على مرحلة منه، مبنيّ من صخور منحوتة، موضوع على الاستدارة (3) كأنّه مخروط من عود، وهو من فرط إتقانه كأنّه حجر واحد، وفي أعلاه طوق ناتىء من تلك الصّخور على هيئة طنف (4) قد نحت ورقّقت أطرافه حتّى تجردّت (5)، وعرّض من الأصل فأتت لذلك جميلة المنظر.
__________
(1) الملاط: الطين الذي يجعل بين ساقي البناء، ويملط بين الحائط.
(2) قصر الجم: هو أعظم قصور إفريقية وأشهرها، شكله مستدير، وارتفاعه في الهواء مائة ذراع، وذكر البكري أن تكسير دائرته في الأرض ميل. ويقال: إن الكاهنة حصرها عدوّها في هذا الحصن فحفرت منه سربا نفذت به إلى سلقطة. انظر: رحلة التجاني: 57، الحلل السندسية 1/ 306.
(3) ليست في ت.
(4) الطّنف: هو ما أشرف خارجا من البناء.
(5) في ط: حدّدت.(1/195)
وفي أعلى القصر من كل جهة صخور بارزة من البنيان عظيمة، قد نحتت مستديرة، وحفرت فيها مجار للماء من السّطح فصارت ميازيب متّسعة المجاري في غاية الإحكام وجمال المنظر.
وقد دلّت آثار تلك البلدان على ضخامة مملكتها في غابر الزّمان، على ضدّ ماهي عليه الآن، فإنّها شديدة الإهمال، غير سديدة الأحوال، طامسة المسالك، دامسة كاللّيل الحالك، عمرانها خراب، وغدرانها سراب، وعنوانها يباب (1)، يكلّ عن وصف فنائها لسان المنطيق (2)، ويضيق في ميدان تبيان خلائها عنان التّلفيق، حلت بها الآفات والمحن، وشفى منها الدّهر على عقد لها من حقود وإحن (3)، لا يسلكها إلا مخاطر، ولا يعدم من عربانها إيلام خاطر [45/ آ] قد استوى لديهم الصّالح والطّالح، واتّفق في مذاقهم لكفرهم ونفاقهم كل عذب ومالح. اتخذوا أخذ الحاج خلقا ودينا واعتقدوا إهلاكه ملّة ودينا، فماله عندهم طعمة (4) أحلى من مال اليتيم في في (5) الوليّ الفاجر اللّئيم، ومن حديث إخوان الصّفاء (6)، ومن الوعد على ثقة الوفاء، لبسوا أسمال (7) المعاوز،
__________
(1) اليباب: المكان الخالي، القفر.
(2) في ط: النطيق.
(3) الإحن: جمع إحنة: الحقد في الصدر.
(4) في ت: طلعة.
(5) ليست في ط وت، وفي الثانية بمعنى فم.
(6) إخوان الصفا: جماعة من فلاسفة المسلمين من أهل القرن الثالث ببغداد، اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في ذلك العهد فكتبوا في ذلك خمسين مقالة سمّوها «تحفة أخوان الصفا». انظر دائرة معارف القرن العشرين 1/ 106.
(7) في ت: أشمال.(1/196)
وألفوا خلال المفاوز (1)، فهم بها أغنى عن الماء من ضبّ (2)، وأصبّ إلى صبّ الفواقر على فقر المسافر (3) من صبّ، على كل مرقب منهم عقاب يرقب الضيّفان ليقريهم أمرّ عقاب، فما يمرّ بتلك المسالك سالك، ولا يخطر على تلك المعابر عابر، ولا يرد في تلك المناهل ناهل، إلا انقضّوا عليه انقضاض الصّقور على البغاث (4)، وانكدروا (5) عليه بحيث لا يغاث من استغاث، فمزقوا أشلاءه تمزيق الدّهر للأحرار، وعاثوا فيه عيث أويس (6) في ثلّة (7) وأسامة (8) في صوار (9)، لا أمن لهم من عوادي الدّهر ربرب (10)، ولا عذب لهم من موارد الآمال مشرب، ولا رحل عنهم يوم حتّى يستخلف عليهم نكبة، ولا وردت عليهم ساعة إلا بتحفة عطبة (11)، حتّى يصيروا عبرة للبادي والحاضر، وأحدوثة المقيم والمسافر، بحول الإله (12) الّذي يسبّحه (13) الضّب والنّون (14)، وأمره بين الكاف والنّون.
__________
(1) المفاوز: واحدها مفازة: الصحراء الواسعة التي لا ماء فيها.
(2) في المثل: لا أفعله حتّى يرد الضبّ الماء، ولا يكون كذا حتى يحنّ الضبّ في إثر الإبل الصادرة، وهذا لا يكون لأن الضبّ لا يرد. انظر مجمع الأمثال 2/ 226واللسان: ضبب.
(3) في ت وط: المسافرين.
(4) البغاث: ما لا يصيد من الطير.
(5) في ط: انكدوا، وانكدروا: انقضّوا.
(6) في ت: أوس، والأوس: الذئب وتصغيره أويس: قال أسماء بن خارجة:
في كل يوم من ذؤاله ... ضغث يزيد على إباله
فلأحشأنّك مشقصا ... أوسا، أويس من الهباله
والهبالة اسم ناقته، وأويس: تصغير أوس وهو الذئب. وقيل: افترس له شاة فقال: لأضعنّ في حشاك مشقصا يا أويس من غنيمتك التي غنمتها من غنمي.
(7) الثلة: جماعة الغنم. وفي المثل: عاث فيهم عيث الذئاب يلتبسن بالغنم. انظر مجمع الأمثال 2/ 39.
(8) أسامة: من أسماء الأسد.
(9) الصّوار والصّوار: القطيع من البقر.
(10) الرّبرب: القطيع من بقر الوحش.
(11) العطبة: الهلاك.
(12) في ت وط: الله.
(13) في ط: يسبح له.
(14) النون: الحوت.(1/197)
فصل [حكم السفر]
وقد رأيت أن أثبت في هذا الفصل ما أعتقد أنّه الفصل في حكم السّفر بهذه البلاد، لقضاء فريضة الله على العباد، فأقول: (1) إنّ المرء إن كان (1) عريّ الفؤاد من أوار (2) الهوى، خليّ الأحشاء من نار الجوى، (3) ساكن البال والبلبال (4)، منفسح المجال عن الأوجال (5)، صاحي اللّبّ سليم الحشا، ثابت (6)
الذّهن قعد أومشى. فمهما أجرى السّؤال في هذا المجال، وسأل عن حكم اشتغال باشتعال، وغرام باضطرام، والتدام (7) في احتدام، وتطرّق إلى تحرّق، وتألّق (8) من تملّق [45/ ب]، واضطراب لاقتراب، وافتراق لاجتماع، وإغراق في انخلاع، شرب من كأس الحبّ حتّى ارتوى، وذوى بدنه من خوف النّوى، وهام بذكر حاجر (9) واللّوى (10)، نقل عن نسيم الصّبا حديث نجد (11) وروى،
__________
(11) في ط: إن كان المرء.
(2) الأوار: شدة لفح النار ووهجها.
(3) الجوى: الحرقة، وشدة الوجد من عشق أو حزن.
(4) البلبال: شدّة الهمّ والوسواس.
(5) الأوجال: المخاوف.
(6) في ط: ثبت.
(7) الالتدام: الاضطراب.
(8) في ت وط: في تملّق. والتملّق: التودّد والتّلطّف.
(9) حاجر: منزل من منازل الحاج في البادية، وهو موضع في ديار تميم. انظر معجم ما استعجم 416.
(10) اللّوى: هو في الأصل منقطع الرملة، وهو موضع بعينه قد أكثر الشعراء من ذكره. وهو واد من أودية بني سليم. انظر ياقوت 5/ 23.
(11) النجد: ما غلظ من الأرض وأشرف. وكل ما ارتفع من تهامة في الجزيرة العربية فهو نجد.(1/198)
فحوى من علم الصّبابة ما حوى، واشتمل على أسرار عليها انطوى، وأخذها مشافهة عن معلّم الطّوى، سرت في جسمه حميّا (1) راح الرّاح (2)، وغنّت على أفنان قلبه أطيار الارتياح، وهبّ له نسيم وصل اهتزّ له وارتاح، كما يهتزّ الغصن اللّدن في كفاح الرّياح. فهو مع الأوجال والجوى بمنزل، وعن حكم السّؤال والجواب بمعزل، لا يصغي أذنا إلى نصيح، ولا يلقي أذنا إلى لاح (3)
يصيح. يخاطب وغير المخاطب عنى، وينظر وإلى غير المنظور رنا. يشدو مترنّما، ويترنّم مدندنا (4): [البسيط]
لم يحبب القلب حبّا مثل حبّكم ... ولم تر العين شيئا دونكم حسنا
فهذا حكمه حكمه، وأمره أمره (5)، وإلزامه التزامه (6). لا يمتثل إلّا ما به الحبّ أمر، ولا يسكن إلّا ما سكن الهوى وعمر، فإن صحا مرّة فخوطب قال:
أنا ضيف عمرو (7). وإن حذّر بأمر أو خوّف بزيد أو عمرو، قال وهو مشتعل الأحشاء (8) بالجمر: دعوني فلا خوف، و «لا حرّ بوادي عوف» (9): (10) [الكامل]
__________
(1) الحميّا: بلوغ الخمر من شاربها. ودبيب الشراب.
(2) الراح: الخمر.
(3) اللاحي: العاذل.
(4) الدندنة: الغناء بصوت خافت.
(5) ليست في ط.
(6) ليست في ط.
(7) أراد عمرو بن العاص.
(8) في ت: الحشا.
(9) المثل في أمثال أبي فيد 73، والجمهرة 2/ 406والميداني 2/ 236، وأمثال أبي عبيد 94، والمستقصى 1/ 437و، 2/ 262، وفصل المقال 130129، والفاخر 236. ويقال ذلك لرجل يسود قومه فلا ينازعه أحد منهم سيادته وهو عوف بن محلّم بن ذهل بن شيبان.
(10) البيتان للمتنبي وهما في ديوانه 1/ 43. وفي الديوان البيت الثاني قبل الأول.(1/199)
فومن أحبّ لأعصيّنك في الهوى ... قسما به وبحسنه وبهائه (1)
القلب أعلم يا عذول بدائه ... وأحقّ منك بجفنه وبمائه (2)
[ذكر مصراتة]
ثم مررنا على بلد مصراتة (3)، وهو بلد لم يحو إلا جفاته، وشأنه أحقر من أن يعمل فيه الواصف مقوله أو أداته. على أنّه ذو قرى ظاهرة، ومناظر عند ظهورها باهرة، تخيل الحسن إذا نظرت، وتحيله إذا اعتبرت: [المتقارب]
مساكن غصّت بسكّانها ... ولكن تراهنّ كالغامر (4)
يظنّ بها الحسن ذو غرّة ... وما حسن دار بلا عامر (5)
[46/ آ] ثم جبنا (6) البرّيّة الرّديّة، زدّيك معدن كل أذيّة، سباخ (7) تدهش النّواظر، وتذهل (8) بفرط ما تهول (9) الخواطر (10)، ومياه تحلّ قوى الأجسام
__________
(1) في ط: د ع من أحب.
(2) في ت: برأيه.
(3) مصراته: مدينة من مدن طرابلس الكبيرة، وهي ذات أهمية تجارية منذ القديم تقع شرقي مدينة طرابلس على نحو 190كم. تاريخ طرابلس الغرب 129حاشية رقم 2. وقال الوزان: تقع على شاطئ المتوسط وتبعد 100ميل عن طرابلس. وصف افريقيا 2/ 111.
(4) الغامر من الأرض: الخراب. وهو خلاف العامر.
(5) غرّ الرجل: جهل الأمور وغفل عنها.
(6) في ت: جئنا. وجبت الشيء: إذا قطعته، وجاب البرية: قطعها سيرا واجتازها.
(7) السّباخ: الأراضي ذات نزّ وملح، لا تكاد تنبت.
(8) تذهل: تنسي.
(9) تهول: تفزع.
(10) الخواطر: واحدها خاطر. وهو ما يخطر بالذهن من رأي أو أمر.(1/200)
وتثير كامن الأسقام، وتنفذ كما تنفذ السّهام. ما يعدوها من أفلتها إلّا نضوا (1)، لا يقلّ (2) من شدّة النّحول عضوا. وبعد طول التّعنّي بهذا المهمه المرت (3)، لاح لنا في البيداء قصيرات سرت (4)، ولسان حالها يقول لنزيلها: أقويت وأقفرت، فإن عدلت عدلت، وإن كنت ما جرت فقد جرت: [الطويل]
لي اسم ولكن لا مسمّى وراءه ... فلا تغترر إن كنت ذا فطنة باسمي
فكم طار في الآفاق صيت مشهّر ... لمن ماله في صالح الفعل من قسم
[ذكر سرت]
وهذا الاسم يطلق على عدّة قصور بينها مسافة، أولها يسمّى الشّبيكة، وهي أعمرها في هذا الوقت، وآخرها يسمّى المديّة (5). وأكثر ما يطلق اسم سرت عليها، وحكمها كلّها حكم القفار، قلّما يعمرها إلّا الأعراب، ومن ليس به عبرة. وقد ذكر البكري في مسالكه: «أنّ سرت مدينة كبيرة على ساحل البحر لها نخل وبساتين» (6). وذكر نحو ذلك في أجدابية (7) وبينهما نحو من عشر مراحل (8)، ولا وجود لشيء ممّا ذكر إلّا أن يكون ممّا غبر ودثر، وأظنّه سمع
__________
(1) النّضو: المهزول.
(2) لا يقلّ: لا يحمل.
(3) المهمه: المفازة البعيدة، والمرت: الذي لا نبت فيه.
(4) سرت: مدينة ليبية على ساحل البحر المتوسط بين برقة وطرابلس الغرب بينها وبين طرابلس مئتا ميل وثلاثون ميلا. انظر ياقوت 3/ 206.
(5) تبعد 80ميلا عن البحر المتوسط. انظر وصف إفريقيا 2/ 41.
(6) المغرب في ذكر إفريقية والمغرب 6.
(7) أجدابية: مدينة كبيرة قديمة في حيّز برقة تبعد أربعة أميال عن البحر. انظر الروض المعطار 1211.
(8) المغرب: في ذكر إفريقية والمغرب 12.(1/201)
بوجود التّمر بها، فظنّ أنّ بها نخلا، والتّمر إليها (1) مجلوب من بلاد أوجلة (2)، وهو جلّ عيشهم بها، وممّا أنشده البكريّ في سرت: (3)
[السريع]
يا سرت لا سرّت بك الأنفس ... لسان مدحي فيكم أخرس
ألبستم القبح فلا منظر ... يروق منكم، لا، ولا ملبس
بخستم في كلّ أكرومة ... وفي فعال القبح لم تبخسوا (4)
ثم سرنا من سرت سير من خاف يدا (5) عادية، أو أسدا ضارية أن تنوشه، مقتحمين لقحم (6) الخطر، ومرتكبين لمركب الغرر (7)، في برّيتي سنانة ومنهوشة، وهما من القفار المعنّية، وكل راحة فيهما [46/ ب] عن المسافر مولّية، لا معهد بهما ولا أنيس، ولا محطّ للرّحال عن ظهر (8) العيس. مجرّ جيوش وغارات، ومقرّ نوائب وملمّات. ماؤهما وشل زعاق (9)، ولصّهما بطل لا يطاق.
__________
(1) ليست في ط.
(2) قال البكري: أوجلة مدينة عامرة كثيرة النخل، وأوجلة اسم الناحية، واسم المدينة أرزاقية، وأوجلة قرى كثيرة فيها نخل وشجر كثير وفواكه. وبمدينتها مساجد وأسواق، المغرب 12. وقال الوزان:
ناحية مسكونة في صحراء ليبيا على بعد 450ميلا من النيل. انظر وصف افريقيا 2/ 109.
(3) الأبيات في المغرب في ذكر إفريقية والمغرب 6، ومعجم البلدان 3/ 207.
(4) عجز البيت في المغرب: وفي الخنا واللؤم لم تبخسوا. والبخس: النقص.
(5) ليست في ط.
(6) القحم: الأمور العظام التي لا يركبها كل أحد.
(7) الغرر: التعريض للهلكة.
(8) في ط: ظهور.
(9) وشل زعاق: أي قليل مرّ. لا يطاق شربه من أجوجته.(1/202)
[ذكر برقة]
وبعد مكابدة الأين (1)، ومعاينة الحين، ومقاساة غصّة وحرقة، والسّلو عن ألم وداع وفرقة، وصلنا إلى القفر القواء أرض برقة (2). فوجدنا برّيّة هي أمّ البراري والقفار، (3) والموماة المومئة بالإقلال (4) من وصال الأسفار (3)، يستعذب عذابها المنفضّ (5) من الحجّاج، كما استعذب الظّمان المورد الأجاج، امتدّت وطالت، واشتدت وهالت، واربدّت (6) وحالت، ولو أنشدت لقالت:
[الطويل]
أنا الغول غالت من يطور فناءها ... وتخدع بالألطاف طورا وبالبرّ (7)
فإن أكلوا برّي شربت نفوسهم ... وكم بين نفس المرء في الغدر والبرّ (8)
سكنها (9) من الأعراب كلّ فظّ غليظ، يحرج بجفائه الأحنف (10) ويغيظ، حتّى تكاد منه النّفس تغيظ (11)، لا جرم (12) إنّهم يقرون النّزيل، ويوالون
__________
(1) الأين: الإعياء والتعب.
(2) برقة: مدينة ليبيّة قديمة بين الاسكندرية وإفريقية بينها وبين البحر ستة أميال. انظر ياقوت 1/ 388.
(33) على هامش الأصل: والمهامه التي يحار فيها أرباب الأسفار.
(4) في ط: بالإحلال.
(5) المنفضّ: المتفرّق.
(6) اربدّت: تغيرّت.
(7) في ت وط: إذا الغول، وغالت: أهلكت. يطور: يقرب.
(8) البرّ: حبّ القمح، والبرّ: الخير والإحسان.
(9) في ط: سكانها.
(10) الأحنف بن قيس سيد تميم وأحد العظماء الفاتحين، يضرب به المثل في الحلم، توفي سنة 72هـ.
له ترجمة في طبقات ابن سعد 7، وفيات الأعيان 2/ 499.
(11) في ت: تفيض، وكلاهما بالمعنى نفسه.
(12) لا جرم: أتت هنا بمعنى حقّا.(1/203)
المنفضّ بالجميل، ولا معترض (1) للحاجّ عندهم، وإن كان فهو قليل، والشّأن عندهم في التّبايع المعاوضة بالمبيعات (2)، والتّبادل في المثمونات، لا يجري بينهم فيها (3) دينار ولا درهم، وباب التّعامل بهما عندهم مبهم. وقد ساوم أحد الحجّاج بعضهم بجمل يعطيه به بكرا (4) وزيادة دينارين. فقال له: لا أدخل خيمتي ما لم يدخل قطّ خيمة أبي ولا جدّي. وهذا حالهم في العينين يجهلون بهما أثمان الأشياء، ويستعملون نساءهم في البيع والشّراء، فلا يتوصّل الحاج إلى شراء القوت إلّا بعرض مبتذل، وحال ممقوت.
ومن العجب عندهم أنّ كلّ امرأة لا بدّ لها من خرقة تسدلها على وجهها ويسمّونها البرقع، وهي تتخلّل النّاس مكشوفة الرأس والأطراف، حافية القدمين، لا تهتمّ بستر ماسوى وجهها، كأنّ ليس لها عورة سواه، فلاتزال تلك الخرقة عرضة [47/ آ] للاتّساخ، ومرصدا لعارض الأوساخ. لا تصان فتماط (5)
عن ذقن، ولا تنزع فتماص (6) من درن (7)، حتّى تصير أوسخ من عرض اللّئيم وأقبح من وجه الشّيطان الرّجيم. فتفاجىء العيون من ذلك أشوه (8) منظر يرى، وتسمع الآذان من وصفها أقبح حديث جرى.
__________
(1) في ت: متعرّض.
(2) في ط: في المبيعات والمعاوضة: المبادلة.
(3) ليست في ط.
(4) البكر: ولد الناقة.
(5) تماط: تزال، تنحّى.
(6) ماص الثوب يموصه: غسله.
(7) الدرن: الوسخ.
(8) في ط: بأشوه.(1/204)
وما رأيت في أرض برقة مع اتّساعها ما يحلى بعين الرّامق، وتعلق به مقة الوامق (1)، سوى مسكن رأيته في خلاء من الأرض بين الرّجل المشقوق وقصر الصّفاقنة (2) منقور (3) في حجر صلد (4) بأصل جبل، على صورة دار رائقة، وعلى بابها صفة، ولها بناء مليح نقر فيه عن يمين وشمال صور بيوت لم يتمّ عملها. وإذا دخلت من باب الدّار ألفيت قبّة مليحة متّسعة مرتفعة السّمك، مربّعة منقوشة بأبدع النّقش. وفيها مصاطب قد دارت بها حتّى اتّصلت بالباب، وقبالة الباب باب آخر يطلع منه على درج إلى بيت آخر كبير، وجميع ذلك منحوت في حجر صلد يفوت الوصف إتقانه، فسبحان من يرث الأرض ومن عليها وإليه المرجع والمصير (5). وقد رأيت نحو هذا في موضع آخر من أرض برقة حال الرّجوع، وسيأتى ذكره إن شاء الله تعالى
فصل [لمحة تاريخية]
وبرقة مدينة قديمة من بناء الرّوم، وكان اسمها عندهم أنطابلس. قال البكريّ «ومعناها بلغة الرّوم الإغريقية خمس مدن (6)، ومعنى أطرابلس ثلاث مدن» (7). وليس الآن هناك مدينة تسمّى برقة، ولا مدينة مذكورة إلّا طلميثة،
__________
(1) الوامق: المحبّ.
(2) في ت وط: الصعاقبة.
(3) ليست في ط.
(4) الصّلد: الصّلب الأملس.
(5) افاد من قوله تعالى في سورة مريم 40 إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون
(6) في ت وط مدائن والقول في المغرب في ذكر إفريقية والمغرب 4
(7) المغرب في ذكر إفريقية والمغرب 76.(1/205)
وهي قديمة، ولست أدري أهي برقة فغيّر اسمها ثانيا إلى طلميثة كما غيّر أولا إلى برقة، أم هي غيرها.
وبرقة الآن عند النّاس اسم أرض لا اسم مدينة، والمغاربة يسمّون بها ما ردّت عين أقيان (1) من غربي أجدابية إلى الإسكندريّة، وذلك نحو من أربعين مرحلة. وأما عرب (2) تلك الأرض فإنّي رأيتهم لا يسمّون بها إلّا ماردّ الحصوي شرقا إلى أرض برنيق غربا، وهو حدّ (3) الغابة، وما حاذاها من السّاحل ومن القبلة، ويسمون ماردّ الحصوي إلى العقبة [47/ ب] الكبيرة البطنان، ومنها إلى الإسكندريّة لا يذكرون إلّا العقبتين، وذلك مسيرة عشرة أيام.
فصل [فصاحة عرب برقة]
وعرب برقة اليوم من أفصح عرب رأيناه (4)، وعرب الحجاز أيضا فصحاء، ولكنّ عرب برقة لم يكثر ورود النّاس عليهم، فلم يختلط كلامهم بغيره (5)، وهم إلى الآن على عربيّتهم (6)، لم يفسد من كلامهم إلّا القليل، ولا يخلّون من الإعراب إلّا بما لا قدر له بالإضافة إلى ما يعربون.
__________
(1) في ت: أقيار.
(2) ليست في ت.
(3) ليست في ط.
(4) في ط: رأيناهم.
(5) في ت: بغيرهم.
(6) في ط: عروبتهم.(1/206)
وقد سألت بدويّا وجدته (1) يسقي إبله في الحصوي عن ماء يقال له:
أبو شمال، هل نمرّ (2) عليه؟ وذكرته بالواو في موضع الخفض على عادة أهل الغرب. فقال لي: نعم تطؤون أبا شمال. وأثبت النّون في الفعل، ونصب المفعول، وليس في الغرب عربيّ ولا حضريّ يفعل ذلك.
ومررنا (3) بأطفال منهم يلعبون، فقال لنا واحد منهم: يا حجّاج أمعكم (4)
شيء تبيعونه؟ وأثبت النّون، وسكّن الهاء للوقف.
ورأيت أعرابيّا منهم قد ألحّت عليه امرأة (5) تسأله من طعام معه (6)
فقال لها: والله ما تذوقينه. فأتى بضمير المخاطبة على وجهه، وأثبت النّون، وسكّن الهاء.
وسمعت (7) شخصا ينشد في الرّكب مكتري (8) راحلة ويقول: من يكري زاملة (9)؟ فسمعه بدويّ فقال له (10): أعندك الزّاملة؟ فقال: نعم. قال: فلا تقل من يكري؟ وقل: من يستكري؟.
__________
(1) في ت: لقيته.
(2) في ت: مرّ.
(3) في ت: ومررت.
(4) في ت وط: معكم.
(5) في ت: امرأته.
(6) ليست في ت.
(7) في ط: ورأيت.
(8) المكتري: المستأجر.
(9) الزاملة: الدابة التي يحمل عليها من الإبل وغيرها.
(10) ليست في ط.(1/207)
وذكر لي بعض أصحابنا ممّن حجّ معنا، أنّ شخصا شرب من زمزم فقال: في هذا الماء رائحة الحبل، وحرّك الباء على عادة (1) أهل الغرب، يعني الرّشاء المستقى (2) به، فسمعه أعرابيّ، فقال له: ومن أين جاءت رائحة الحبل إلى الماء؟ فأشار له إلى الرّشاء. فقال له: قل الحبل، ولا تقل: الحبل.
وأمّا نادر ألفاظ اللّغة وما جرت عادة أهل الغريب بتفسيره، فهم حتّى الآن يتحاورون به على سجيّتهم. فمن ذلك أنّ شخصا منهم وقف عليّ بموضع نزولي من محلّة الركب، وكانت التّرعة (3) منه بعيدة، فقال لي:
يا سيّدي! تدعني أظهر يعني أخرج. [48/ آ].
وسألت شخصا منهم عن (4) الطّريق، فقال لي: إذا ظهرتم من الغابة فخذوا (5) صوب كذا يعني إذا خرجتم منها. وهذا اللّفظ قد أكثر فيه أهل الغريب في تفسير قول عروة بن الزّبير (6) رضي الله عنه:
«ولقد حدّثتني عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يصلّي العصر والشّمس في حجرتها قبل أن تظهر
(7)». وأتوا عليه بشواهد وأمثال.
__________
(1) في ت: لغة.
(2) في ت: المستسقى.
(3) التّرعة: مقام الشاربة من الحوض، والتّرعة: فم الجدول ينفجر من النهر.
(4) في ت وط: على.
(5) في ط: فخذ.
(6) عروة بن الزبير بن العوام أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يشارك في الفتن، توفي بالمدينة سنة 94هـ له ترجمة في غربال الزمان 83وشذرات الذهب 1/ 103.
(7) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب مواقيت الصلاة وفضلها رقم 522، 2/ 6.(1/208)
وسمعت صبيّا منهم ينادي في الرّكب: يا حجّاج (1) من يشتري الصّفيف؟ فلم يفهم عنه أكثر النّاس. فقلت له: اللّحم معك؟ فقال: نعم. وأبرز لحم ظبي مقّدد. وهذا اللّفظ قد ذكره مالك رضي الله عنه في الموطّأ وتهمّم بتفسيره، فقال بإثر الحديث: قال مالك (2) رحمه الله (2) والصّفيف: القديد» (3).
وسألت شخصا عن ماء هل هو معين (4)؟ فقال لي: هو ماء غرّ (5). وهذا اللّفظ فسّره أبو عبيد في غريبه (6)،
وسمعت آخر وقد ازدحم النّاس في مضيق وهو يقول: تنحّوا (7)
عن الدّرب. وما يتكلمون به من الغريب أكثر من أن يحصر (8) وبالله التّوفيق.
فصل [من برقة إلى الإسكندريّة]
وممّا يلي الإسكندريّة من هذه الأرض العقبة الكبيرة، وبينها وبين الإسكندريّة عشرة أيّام، ثم العقبة الصغيرة، وبينها وبين الكبيرة ستّة أيّام، ومنها إلى الإسكندريّة أربعة، وكلتاهما خلاء لا ساكن بها ولا مسكن. وأكثر
__________
(1) في ط: أحجاج.
(22) ليست في ط.
(3) جاء في الموطأ 240عن هشام بن عروة عن أبيه: أنّ الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم. قال مالك: والصفيف: القديد.
(4) الماء المعين: العذب الغزير، الجاري على وجه الأرض.
(5) غرّ الماء: نضب وقلّ.
(6) انظر غريب الحديث 2/ 128، و 3/ 175وفيه الغرار: النقصان.
(7) في ت: انتحوا.
(8) في ت: يحصى.(1/209)
مواضع هذه الأرض هكذا أسام بلا مسمّيات. وهي برّيّة واحدة ممتدّة إلى الإسكندريّة، وفي آخرها الموماة المضنية (1) المؤذية، أوحش المراحل على الرّاحل قفر لوبية، أرض تستوحش منها لنكارتها القلوب، وينسى مع رؤيتها كلّ خطب ينوب، فقربها (2) كرب من أعظم الكروب، ونوبتها على المسافر من نوائب الدّهر وهي ضروب: [الطويل]
ولولا حبيب حبّه أضرم الحشا ... يصرّفني شوقي إليه كما يشا
[48/ ب] أهيم به حيّا وميتا وإنّني ... لأضمر من حبّيه أضعاف مافشا (3)
ترنّحني في ذكره أريحيّة ... كما اهتزّ غصن للنّسيم إذا نشا (4)
تركت إليه دون منّ أحبّة ... تصدّع إذ فارقتهم منّي الحشا
لما بتّ في أكنافها ليلة ولا ... خشيت هجيرا لافحا أن يعطّشا (5)
[ذكر الإسكندريّة]
وبعد حفظ ما دلّ عليه هذا العنوان، واتصال التّخمة (6) بتلك الألوان، منّ الله سبحانه بمفارقة تلك البرّيّة، والوصول إلى مواصلة ثغر الإسكندريّة (7).
مدينة الحصانة والوثاقة، وبلد (8) الإشراق اللّامع والطّلاقة، وطلاوة المنظر
__________
(1) الضنا: المرض والهزل.
(2) في ط: قفرّ بها.
(3) فشا: ظهر.
(4) الأريحيّة: الارتياح للكرم والمعروف. نشا: انتشرت رائحته.
(5) الهجير: هو نصف النّهار عند اشتداد الحرّ.
(6) التّخم: المعالم يهتدى بها في الطريق.
(7) انظر ما جاء في بناء الإسكندرية في مروج الذهب: 1/ 370وجغرافية مصر للبكري 99، وخطط المقريزي 1/ 144.
(8) في ت: وبلاد.(1/210)
وحلاوة المذاقة. كلّ عنها ظفر الزّمان ونابه، وملّ منها جيش الحدثان وأحزابه.
فلم تبد عليها للزّمان ضراعة. ولا وكست (1) لها في معاملاته سلعة ولا بضاعة.
ولا وقفت له موقف ذلّ يوما ولا ساعة. بل ثبتت لحزبه (2) ثبوت البطل، وصابرت كيده حتّى اضمحلّ سحره وبطل، ولم تصغ أذنا إلى ما يوعد به من الخنا والخطل (3). فهي واقفة وقوف الأطواد (4)، سامية بطرف غير كليل، وجيد غير مناد (5). آخذة (6) من الكفر وأهله بالمخنّق (7)، حتّى أبدلتهم من الصّافي المروّق الكدر المرنّق (8)، فسامروا الأسف مسامرة النّدى للمحلّق (9). ودجا عليهم ليل [همّ] (10) ادلهمّ بعد نهار سرور تألّق، واضطرم عليهم الأسى واحتدم فحالفوا النّدم، وقالوا: عوض لا يتفرّق (11). مدينة فسيحة الميدان، صحيحة الأركان، مليحة البنيان، تسفر عن محيّا جميل المنظر، وترنو بطرف ساج (12) أحور. وتبسم عن ثغر كالأقحوان إذا نوّر، كأنّه لم يغب عنها
__________
(1) الوكس: اتضّاع الثمن في البيع.
(2) في ت: لحربه. وينظر المصنّف إلى موقف موسى من حزب فرعون حين قال: {ما جئتم به السّحر إن الله سيبطله سورة يونس 81.
(3) الخنا: الفحش في الكلام والخطل: الكلام الفاسد.
(4) الأطواد: جمع طود وهو الجبل.
(5) منآد: معوج.
(6) في ت: وأخذت.
(7) في ط: بالخنق، والمخنّق: موضع الخنق من العنق.
(8) الرنق: تراب في الماء من القذى ونحوه، والمرنّق: المعكّر.
(9) هو المحلّق الكلبي ممدوح الأعشى الذي قال فيه:
} تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النّار النّدى والمحلّق
وكان الأعشى سببا في تزويج بناته انظر الأغاني 9/ 114113.
(10) من ت وط.
(11) أفاد من قول الأعشى في ديوانه 225 رضيعي لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرّق
أي لا نتفّرق أبدا.
(12) طرف ساج: فاتر.(1/211)
شخص الإسكندر (1)، بما ساس فيها من عجائب مبانيها ودبّر، ناهيك بمدينة كلّها عجب، قد ستر حسنها حسن [49/ آ] غيرها وحجب، ووفّي فيها الإتقان حقّه كما وجب، وقد أغنى عن [49/ آ] تسطير وصفها ما سطره الأعلام، (2) وضرب به الأمثال على المهارق بالأقلام (2).
ومن جملة إبداعها وإغرابها ما رأيت من إتقان أبوابها. وذلك أنّ عضائدها وعتبها مع إفراط طول الأبواب كلّها من حجارة منحوتة، يتعجّب من حسنها وإتقانها، وكلّ عضادة منها حجر واحد، وكذلك كلّ عتبة وأسكفّة (3)، ولا أعجب من وضعها هنالك مع إفراط عظمها، ولم يغيّر طول الزّمان شيئا من ذلك، ولا أثّر فيه، بل بقي بجدّته ورونقه. وأمّا مصاريعها (4)
فهي غاية في الإحكام، ملبّسة بالحديد ظهرا وبطنا بأدقّ ما يكون من الصّنعة وأحسنه وأتقنه.
[عمود السّواري]
ومن أغرب ما رأيت (5) بها عمود من رخام بظاهرها يعرف بعمود السّواري (6). وهو حجر واحد مستدير عال جدّا على قدر الصّومعة المرتفعة، وهو يبدو من بعيد بارزا في غابة من النّخيل مرتفعا عنها، وقد أقيم على حجارة منحوتة مربّعة (7) على قدر الدّكاكين العظام، علوّها أزيد من قامتين،
__________
(1) هو الإسكندر الأول ذو القرنين الرّومي باني الإسكندرية.
(22) في ت وط: وصرّت به على المهارق الأقلام.
(3) الأسكفة والأسكوفة: عتبة الباب التي يوطأ عليها.
(4) المصاريع: الأبواب.
(5) في ط: ما رأيته.
(6) انظر ما قيل في عمود السواري في خطط المقريزي 1/ 159.
(7) في ط: مرتفعة.(1/212)
ولا يعلم كيف أقيم عليها، ولا كيف ثبت (1) هناك مع الرّياح والعواصف، وهو ممّا لا يمكن تحريكه البتّة فضلا عن إقامته هنالك (1).
[منار الإسكندريّة]
وأمّا المنار (2) فقد كتب النّاس فيه وسطّروا ما فيه الكفاية، وقد دخلته وتأملّته وما وصلت إلى أعلاه إلّا بعد جهد، ولا يظهر له من خارج فرط علّو.
وهو خارج المدينة على أزيد من ثلاثة أميال وعلى تلّ (3) مرتفع بشمال البلد، وقد أحاط به البحر شرقا وغربا حتّى تاكل حجره من النّاحيتين، فدعّم منها ببناء وثيق اتّصل إلى أعلاه وزيد دعما بدكاكين (4) متّسعة وثيقة، وضع أساسها في البحر، ورفعت عنه نحو ثلاث قامات.
وباب المنار مرتفع عن الأرض نحو أربع قامات، وبني إليه بنيان حتّى حاذاه، ولم يتّصل به، ووضعت عليه ألواح يمشى عليها إلى الباب، فإن أزيلت لم يوصل إليه [49/ ب] وفوق الباب من داخل موضع متّسع لحراسة الباب، يقعد فيه الحارس وينام فيه، وفي داخل المنار عدّة بيوت رأيتها مغلقة. وسعة الممرّ فيه ستة أشبار وفي غلظ الحائط عشرة أشبار (5)، ذرعته من أعلاه.
__________
(11) سقط من ت.
(2) انظر ما قيل في بناء منار الإسكندرية في مروج الذهب 1/ 375، وجغرافية مصر للبكري 104 وخطط المقريزي 1/ 155.
(3) ليست في ط.
(4) الدّكان: المصطبة.
(5) في جغرافية مصر للبكري 110: غلظ الحائط ثمانية أشبار.(1/213)
وسعة المنار من ركن إلى ركن مئة وأربعون شبرا، وفي أعلاه جامور (1)
كبير عليه آخر دونه، وفوق الأعلى قبّة مليحة يطلع إليها في درج مشرعة إلى النّواحي، ولها محراب للصّلاة.
ومن الإسكندريّة إلى المنار برّ متّصل أحاط به البحر حتّى اتّصل بسور البلد، فلا يمكن الوصول إلى المنار في البرّ (2) إلّا من البلد وفي هذا البرّ مقابر الإسكندريّة، وفيها من المزارات وقبور العلماء والصّالحين ما لا يعدّ كثرة.
وفي ما سطّر النّاس من وصف الإسكندريّة ومنارها، وما ذكروا من عجائب آثارها ما هو الغاية في إتقان الوصف وإجادته، وما يغني عن تكلّف إعادته، بيد أنّها الآن بلد زادت صورته على معناه، واستأثر بالفضائل مغناه، فهو كجسم حسن لا روح فيه، أو برد مفوّف (3) خلا من ملتحفيه، أو غمد مرقّش (4) اندقّ الصّارم الّذي كان يخفيه. أكثر أهلها رعاع (5)، ضرر بلا انتفاع، مع سوء أخلاق، ومرارة مذاق، وقلوب ربّاها الضّغن (6) تربية الأولاد، وجفاها الخير والصّلاح لما عمرها من الشّرّ والفساد، الخيّر فيهم فعل لا يتصرّف، والغريب بينهم نكرة لا تتعرّف، إن رأوه زادوا الوجوه جهامة،
__________
(1) الجامور: كلمة مولدة تطلق على كرة من النّحاس وتجعل في أعلى المآذن وعلى رأس الخيام الرفيعة، حاشية طبعة الرباط صفحة 92.
(2) في ط: البحر وهذا خطأ واضح.
(3) بردّ مفوّف: أي رقيق موشّى.
(4) مرقّش: منقط.
(5) رعاع الناس: سقّاطهم وسفلتهم.
(6) الضّغن: الحقد.(1/214)
ونكروا (1) منها ما قد نكّرته الدّمامة والذّمامة (2)، وجمجموا (3) قولا رماه اللّكن (4)
عن قوس العجمة سهامه، الحسد فيهم مضطرم النيران، قد أفسد أمزجتهم فحالت الألوان. فإن سمعوا بفاضل فهو يوم بحران (5)، أخرسهم العيّ فعاذوا بالصمّات، فإن سئلوا سكتوا لا عن كبر ولا عن إخبات (6)، ومنهم من أضناه الحسد فالسّكوت منه [50/ آ] سبات. تمالؤوا على كلّ وصف شان ومازان، وتواطؤوا (7) على تطفيف المكيال والميزان. فإن عاملهم غريب، لم يلق منهم إلّا ما يريب، يتّخذونه هدفا ولكلّ منّهم فيه سهم مصيب، حتّى يخرج من ماله بغير نصيب. لا ترجى منهم فيئة (8) إنابة (9)، ولا تلفى فيهم فئة رأفة ولا عصابة، ولا ينفع الغريب في معاملتهم أن يقول: لا خلابة (10). حسبك ببلد أربى في الحسن على البلاد، وله من الفضيلة كلّ طارف وتلاد (11)، وليس به من أهل الفضل إلّا آحاد، قلّوا عددا واتّحدوا كلّ الاتّحاد. فهم فيهم أقلّ من التّوفيق، غرباء بينهم في كل معنّى وطريق.
__________
(1) نكّروا: غيرّوا.
(2) الدّمامة: القبح، والذّمامة: سوء الأخلاق.
(3) الجمجمة: أن لا يبين كلامه من غير عيّ.
(4) اللّكن: عجمة في اللسان وعيّ.
(5) في الأصل: بوم بحران، وفي اللسان «بحر»: والأطبّاء يسّمون التغيّر الذي يحدث للعليل دفعة في الأمراض الحادّة: بحرانا، يقولون: هذا يوم بحران بالإضافة.
(6) الإخبات: التواضع.
(7) في ت وط: تواصوا.
(8) الفيء على ذي الرحم: العطف عليه والرجوع إليه بالبر.
(9) الإنابة: الرجوع إلى الله بالتوبة.
(10) لا خلابة: لا خداع.
(11) الطارف: المستحدث، والتّلاد: القديم.(1/215)
[اعتراض الحجّاج]
ومن الأمر المستغرب، والحال الّذي أفصح عن قلّة دينهم وأعرب، أنّهم يعترضون الحجّاج، ويجرعونهم من بحر الإهانة الملح الأجاج، ويأخذون على وفدهم الطّرق والفجاج (1)، يبحثون عمّا بأيديهم من مال، ويأمرون بتفتيش النّساء والرّجال. وقد رأيت من ذلك يوم وردنا عليهم ما اشتدّ له عجبي، وجعل الانفصال عنهم غاية أربي، وذلك أنّه لمّا وصل إليها (2) الرّكب جاءت شرذمة (3)
من الحرس لا حرس الله مهجتهم الخسيسة، ولا أعدم منهم لأسد الآفات فريسة فمدّوا في الحجّاج أيديهم، وفتّشوا الرّجال والنّساء وألزموهم أنواعا من المظالم، وأذاقوهم ألوانا من الهوان، ثم استحلفوهم وراء ذلك كلّه.
وما رأيت هذه العادة الذّميمة، والشّيمة اللّئيمة، في بلد من البلاد، ولا رأيت في النّاس أقسى قلوبا، ولا أقلّ مروءة وحياء، ولا أكثر إعراضا عن الله سبحانه، وجفاء لأهل دينه من أهل هذا البلد (4)، نعوذ بالله من الخذلان، فلو شاء لاعتدل المائل وانتبه الوسنان. وكنت إذ (5) رأيت فعل المذكورين ظننت أنّ ذلك أمر أحدثوه، حتّى حدّثني نور الدّين، أبو عبد الله بن [زين] (6) الدّين أبي الحسن يحيى بن الشّيخ وجيه الدّين أبي علي منصور بن عبد [50/ ب] العزيز
__________
(1) الفجاج: جمع فجّ: الطريق الواسع بين جبلين.
(2) في ت: لها.
(3) الشّرذمة: الجماعة من الناس القليلة.
(4) في ت: هذه البلدة.
(5) في ت: إذا.
(6) من ت وط.(1/216)
ابن حباسة الإسكندريّ بمدرسة جدّه المذكور (1) حكاية اقتضت أنّ لهم في هذه الفضائح سلفا غير صالح. وذلك أنّه حدّثني إملاء من كتابه قال:
حدّثني الشّيخ (2) الصّالح أبو العبّاس أحمد بن عمر بن محمّد السّبتيّ الحميري بثغر الإسكندريّة سنة اثنتين وستّين وستّ مئة، قال: حدّثني الشّيخ (2) الإمام المحدّث أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جبير الكنانيّ بثغر (3)
الإسكندريّة سنة إحدى عشرة وستّ مئة أنّه ورد الإسكندريّة في ركب عظيم من المغاربة برسم الحجّ، فأمر النّاظر على البلد بمدّ اليد فيهم للتّفتيش، والبحث عمّا بأيديهم، ففتّش الرّجال والنّساء، وهتكت حرمة الحرم، ولم يكن فيهم إبقاء على أحد. قال: «فلما جاءتني النّوبة وكانت معي حرم ذكرّتهم بالله، ووعظتهم فلم يعرجوا على قولي، ولا التفتوا إلى كلامي، وفتّشوني كما فتّشوا غيري» (4). فاستخرت الله تعالى، ونظمت هذه القصيدة ناصحا لأمير المسلمين صلاح الدّين يوسف بن أيّوب (5) ومذكّرا له بالله في حقوق المسلمين ومادحا له فقلت: (6) [المتقارب]
__________
(1) ليست في ط.
(22) سقط من ت.
(3) ليست في ت.
(4) رحلة ابن جبير 13.
(5) صلاح الدين يوسف بن أيوب: من أشهر ملوك الإسلام، قائد صد الفرنج حين هاجموا مصر واستقل بملكها، وكان أعظم انتصار له يوم حطين. وافتتاح القدس سنه 583هـ، توفي بدمشق سنة 589هـ انظر النجوم الزاهرة 6/ 633.
(6) القصيدة في الذيل والتكملة 5/ 601598. وفي نفح الطيب 2/ 383أبيات خمسة متفرقة منها.(1/217)
[قصيدة ابن جبير في مدح صلاح الدّين]
أطلّت على أفقك الزّاهر ... سعود من الفلك الدّائر
فأبشر فإنّ رقاب العدا ... تمدّ إلى سيفك الباتر
وعمّا قليل يحلّ الرّدى ... بكندهم النّاكث الغادر (1)
وخصب الورى يوم تسقي الثّرى ... سحائب من دمها الهامر
5 - فكم لك من فتكة فيهم ... حكت فتكة الأسد الخادر (2)
كسرت صليبهم عنوة ... فلّله درّك من كاسر
وغيّرت آثارهم كلّها ... فليس لها الدّهر من جابر
وأمضيت جدّك في غزوهم ... فتعسا لجدّهم العاثر (3)
فأدبر ملكهم بالشّآم ... وولّى كأمسهم الدّابر
10 - جنودك بالرّعب منصورة ... فناجز متى شئت أو صابر (4)
[51/ آ] فكلّهم غارق هالك ... بتيّار عسكرك الزّاخر (5)
__________
(1) في ت: بكيدهم، والكند: هو ما يسمى الكونت وهو من ألقاب الشرف عند النصارى.
(2) في ت: الحاذر، والأسد الخادر: المقيم في عرينه، الداخل في الخدر.
(3) الجدّ الأولى بكسر الجيم: الاجتهاد في العمل، بينما الجدّ الثانية بفتح الجيم: الحظ والرزق.
(4) الرعب: الفزع والخوف، وفي الحديث «نصرت بالرّعب مسيرة شهر». ناجز: قاتل. صابره: غلبه في الصبر.
(5) في الذيل والتكملة: غرق.(1/218)
ثأرت لدين الهدى في العدا ... فآثرك الله من ثائر
وقمت بنصر إله الورى ... فسمّاك بالملك النّاصر (1)
وجاهدت مجتهدا صابرا ... فلله درّك من صابر
15 - تبيت الملوك على فرشها ... وترفل في الزّرد السّابري (2)
وتؤثر جاهد عيش الجهاد ... على طيب عيشهم النّاضر (3)
وتسهر جفنك في حقّ من ... سيرضيك في جفنك السّاهر
فتحت المقدّس من أرضه ... فعادت إلى وصفها الطّاهر (4)
وجئت إلى قدسه المرتضى ... فخلّصته من يد الكافر
20 - وأعليت فيه منار الهدى ... وأحييت من رسمه الدّاثر
لكم ذخر الله هذي الفتوح ... من الزّمن الأوّل الغابر (5)
وخصّك من بعد مازرته ... بها لا صطناعك في الآخر
محبّتكم ألقيت في النّفوس ... بذكر لكم في الورى طائر
فكم لهم عند ذكر الملوك ... بمثلك من مثل سائر
__________
(1) الملك الناصر: صلاح الدين الأيوبي.
(2) منسوب إلى سابور. والأصل فيها: الدّروع السابرية.
(3) في الأصل: جاهد جيش وهو تصحيف.
(4) المقدّس: المراد بها مدينة بيت المقدس.
(5) في ت: لكم ذكر الله هذا الفتوح.(1/219)
25 - رفعت مغارم أرض الحجاز ... بإنعامك الشّامل الهامر (1)
فكم لك بالشّرق من حامد ... وكم لك بالغرب من شاكر
وكم بالدّعاء لكم كلّ عام ... بمكّة من معلن جاهر
وقد بقيت حسبة في الظّلوم ... وتلك الذّخيرة للذّاخر (2)
يعنّف حجّاج بيت الإله ... ويسطو بهم سطوة الجائر (3)
30 - ويكشف عمّا بأيديهم ... وناهيك من موقف صاغر
وقد أوقفوا بعد ما كوشفوا ... كأنّهم في يد الآسر (4)
ويلزمهم حلفا باطلا ... وعقبى اليمين على الفاجر
وإن عرضت بينهم حرمة ... فليس لها عنه من ساتر
أليس يخاف غدا عرضه ... على الملك القادر القاهر ... [51/ ب] 35وليس على حرم المسلمين ... بتلك المشاهد من غائر (5)
ولا حاضر نافع زجره ... فيا ذلّة الحاضر الزّاجر
ألا ناصح مبلغ نصحه ... إلى الملك النّاصر الظّافر (6)
__________
(1) في نفح الطيب: مكس الحجاز، الشامل العامر.
وورد في طبعة الجزائر ونفح الطيب 2/ 383البيتان التاليان بعد هذا البيت.
وأمّنت أكناف تلك البلاد ... فهان السّبيل على العابر
وسحب أياديك فيّاضة ... على وارد وعلى صادر
(2) في الذيل والتكملة: وكم بقيت.
(3) التعنيف: الأخذ بالشدّة.
(4) في الذيل والتكملة: وقفوا في ت: كشفوا.
(5) الغائر: الغيور.
(6) يريد صلاح الدين الأيوبي.(1/220)
ظلوم تضمّن مال الزّكاة ... لقد تعست صفقة الخاسر
يسرّ الخيانة في باطن ... ويبدي النّصيحة في الظّاهر (1)
40 - فأوقع به حادثا إنّه ... يقبّح أحدوثة الذّاكر
فما للمناكر من زاجر ... سواك وبالعرف من آمر
وحاشاك إن لم تزل رسمها ... فمالك في النّاس من عاذر
ورفعك أمثالها موسع ... رداء فخارك للنّاشر
وآثارك الغرّ تبقى بها ... وتلك المآثر للآثر
45 - نذرت النّصيحة في حقّكم ... وحقّ الوفاء على النّاذر
وحبّك أنطقني بالقريض ... وما أبتغي صلة الشّاعر
ولا كان فيما مضى مكسبي ... وبئس البضاعة للتّاجر
إذا الشّعر صار شعار الفتى ... فناهيك من لقب شاهر
وإن كان نظمي له نادرا ... فقد قيل: لا حكم للنّادر
50 - ولكنّها خطرات الهوى ... تعنّ فتغلب بالخاطر (2)
وأمّا وقد زار تلك العلا ... فقد فاز بالشّرف الباهر
وإن كان منك قبول له ... فتلك الكرامة للزّائر
ويكفيه سمعك من سامع ... ويكفيه لحظك من ناظر (3)
ويزهى على الرّوض غبّ الحيا ... بما حاز من ذكرك العاطر (4)
__________
(1) في الذيل والتكملة: ظاهر.
(2) في ت وط: فتلعب بالخاطر وفي الذيل والتكملة: فتغلب للخاطر.
(3) سمعك: ليست في ط.
(4) الحيا: المطر. وغبّ الحيا: بعد نزوله.(1/221)
قلت: هكذا حدّثني أبو عبد الله بهذه الحكاية، وكذا وقعت في كتابه منشورة، لم يذكر فيه إلّا ما أثبتّه، وبالله [52/ آ] تعالى التّوفيق.
وأنشدني أبو عبد الله أيضا عن أبي العبّاس المذكور عن ابن جبير قصيدة نظمها ارتجالا، حين تراءت له مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم (1). وهي هذه: (2)
[المتقارب]
أقول وآنست باللّيل نارا ... لعلّ سراج الهدى قد أنارا
وإلّا فما بال أفق الدّجا ... كأنّ سنا البرق فيه استطارا
ونحن من اللّيل في حندس ... فما باله قد تجلّى نهارا
وهذا النّسيم شذا المسك قد ... أعير أم المسك منه استعارا
وكانت رواحلنا تشتكي ... وجا فلقد سابقتنا ابتدارا (3)
5 - وكنّا شكونا عناء السّرى ... فعدنا نباري سراع المهارى (4)
__________
(1) هنا بدأ النقص في طبعة الجزائر ويستمر حتى نهاية الصفحة
(2) القصيدة في الإحاطة 2/ 236235، وفي الذيل والتكملة 5/ 602وفي جذوة الاقتباس 1/ 279278، وفي نفح الطيب 2/ 487الأبيات الثلاثة الأولى.
(3) في الجذوة: وجاها فقد سبقتنا ابتدارا.
في الإحاطة والذيل: فقد سابقتنا والوجا: الحفا، أو أن يشتكي البعير باطن خفه، والفرس باطن حافره.
(4) السّرى: السّير بالليل. المهارى: كرام الإبل.(1/222)
أظنّ النّفوس قد استشعرت ... بلوغ هوى تخذته شعارا
تباشير صبح السّرى آذنت ... بأنّ الحبيب تدانى مزارا (1)
جرى ذكر طيبة ما بيننا ... فلا قلب في الرّكب إلّا وطارا (2)
10 - حنينا إلى أحمد المصطفى ... وشوقا يهيج الضّلوع استعارا
ولاح لنا أحد مشرقا ... بنور من الشّهداء استنارا (3)
فمن أجل ذلك ظلّ الدّجا ... يحلّ عقود النّجوم انتثارا
ومن ذلك الشّرف طاب النّسيم ... نشرا وعمّ الجناب انتشارا (4)
ومن طرب الرّكب حثّ الخطا ... إليها ونادى البدار البدارا
15 - ولمّا حللنا فناء الرّسول ... نزلنا بأكرم خلق جوارا (5)
وحين دنونا لفرض السّلام ... قصرنا الخطا ولزمنا الوقارا
فما نرسل اللّحظ إلّا اختلاسا ... ولا نرفع الطّرف إلّا انكسارا (6)
ولا نظهر الوجد إلّا اكتتاما ... ولا نلفظ القول إلّا سرارا
سوى أنّنا لم نطق أعينا ... بأدمعها غلبتنا انفجارا
__________
(1) في الإحاطة والذيل: بشائر.
(2) طيبة: هي مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(3) في الإحاطه: استعارا، وأحد: جبل شمال المدينة، وعنده كانت غزوة أحد.
(4) في ت وط: الشرب وفي الذيل والتكملة: الترب وفي جذوة الاقتباس انتثارا. والبيت بكامله غير موجود في الإحاطة.
(5) في الإحاطة: مجد جوارا.
(6) في الإحاطة: نرجع الطرف.(1/223)
20 - وقفنا بروضته للسّلام ... نعيد السّلام عليه مرارا (1)
[52/ ب] ولولا مهابته في النّفوس ... لثمنا الثّرى ولزمنا الجدارا (2)
قضينا بعمرتنا حجّنا ... وبالعمرتين ختمنا اعتمارا (3)
إليك إليك نبيّ الهدى ... ركبنا البحار وجبنا القفارا (4)
وفارقت أهلي ولا منّة ... وربّ كلام يجرّ اعتذارا
25 - وكيف يمنّ على من به ... نؤمّل للسيّئات اغتفارا (5)
دعاني إليك هوى كامن ... أثار من الشّوق ما قد أثارا
فناديت لبيّك داعي الهدى ... وهل كنت عنك أطيق اصطبارا (6)
فرضّيت نفسي بحكم الهوى ... عليّ، وقلت: رضيت اختيارا (7)
أخوض الدّجا وأروض السّرى ... ولا نطعم النّوم إلّا غرارا (8)
30 - ولو كنت لا أستطيع السّبيل ... لطرت ولمّا أصادف مطارا (9)
وأجدر من نال منك الرّضا ... محبّ ثراك على البعد زارا (10)
__________
(1) في الإحاطة: بروضة دار السلام عليها مرارا.
(2) في الإحاطة: والتزمنا الجدارا.
(3) في الإحاطة والجذوة: بزورته، والذيل والتكملة: بزورتنا وفي الذيل والتكملة: وبالعمرين. والعمران:
أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(4) في الإحاطة والجذوة: ركبت البحار وجبت القفارا.
(5) في ت وط: نمنّ.
(6) في الإحاطة: فناديتك. وفي ت وط: داعي الهوى في الإحاطة: وما كنت.
(7) في ت وط وجذوة الاقتباس: ووطنت نفسي. في الذيل والتكملة: لحكم الهوى.
(8) في الإحاطة والذيل والتكملة والجذوة: أطعم.
(9) في الإحاطة والذيل والتكملة: ولو لم أصادف.
(10) في ط وجذوة الاقتباس: ثواك.
عسى لحظة منك لي في غد ... تمهّد لي في الجنان القرارا
فما ضلّ من بهداك اهتدى ... ولا ذلّ من بذراك استجارا (1)
[عليك سلام كزهر الرّبا ... يفيح عشيّا بها وابتكارا] (2)
وأنشدني أيضا بمثله: [مجزوء الوافر](1/224)
__________
(10) في ط وجذوة الاقتباس: ثواك.
عسى لحظة منك لي في غد ... تمهّد لي في الجنان القرارا
فما ضلّ من بهداك اهتدى ... ولا ذلّ من بذراك استجارا (1)
[عليك سلام كزهر الرّبا ... يفيح عشيّا بها وابتكارا] (2)
وأنشدني أيضا بمثله: [مجزوء الوافر]
أما في الدّهر معتبر ... ففيه الصّفو والكدر
فسلني عن تقلّبه ... «فعند جهينة الخبر» (3)
صحبناه إلى أجل ... نراقبه ونحتذر
فيا عجبا لمرتحل ... ولا يدري متى السّفر
وأنشدني إملاء من كتابه أيضا، عن أبي العبّاس المذكور عن الشّيخ أبي عبد الله بن شيبة الأندلسيّ، ولم يسمّ قائله: (4) [متقارب]
وإنّي لأكره من شيمتي ... زيارة حيّ بلا منفعه (5)
ولا أحمد القول من قائل ... إذا لم يكن فعله متبعه (6)
ومن ضاق ذرعا بإكرامنا ... فلسنا نضيق بأن نقطعه
(1) في الإحاطة: بمسراك اهتدى، وجذوة الاقتباس: ولا ضلّ من بذراك.
(2) البيت ليس في الأصل وط، وأضفناه من ت.
(3) إشارة إلى المثل: «عند جهينة الخبر اليقين». انظر: الميداني 2/ 3وفصل المقال 295، وأمثال أبي عبيد 201المستقصى 2/ 169والجمهرة 2/ 44، والفاخر 126وتمثال الأمثال 474، والوسيط 120ويروى: عند جفينة.
(4) الأبيات لأبي بشر الفارسي الحافظ في يتيمة الدهر 3/ 160.
(5) في ط: أكره. وفي اليتيمة: وإني لا أكره.
(6) في اليتيمة: فعله معه.(1/225)
وأخبرني أيضا إنشادا عن الشّيخ الفقيه العالم أبي السّرايا عامر بن الوتّار المالكي، إجازة عن ابن جبير المذكور إجازة لنفسه: [الطويل]
إلى الله أشكو ما تكنّ الجوانح ... تقاطعت الأرحام حتّى الجوارح
فلست ترى إلّا قلوبا وألسنا ... مخالفة هذي لهذي كواشح (1)
فللقلب عقد واللّسان بنطقه ... يخالفه والفعل للكلّ فاضح
قال الفقيه أبو السّرايا: أخذه والله أعلم من قول الحسن رضي الله عنه: [53/ آ] «ألسن تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف».
وأخبرني عنه أيضا إملاء من كتابه، قال: أخبرني الشّيخ الصّالح عبد الله الحرموليّ (2) الفريابيّ، قال: سئل فقهاء الثّغر (3)، هل لضرب صبيان المكتب حدّ؟ فاختلفوا في تحديده وأجاب الفقيه أبو الطّاهر إسماعيل بن عوف الزّهريّ (4) قال: «الضّرب للصّبيان كالغيث للنّبات».
__________
(1) الكاشح: العدوّ المبغض.
(2) في ت: الحرملي.
(3) في ت: الشرع.
(4) هو إسماعيل بن مكي بن عيسى بن عوف الزهري: فقيه، مالكي، متكلّم، من أهل الإسكندريّة ولد سنة 485هـ وتوفي في سنة 581هـ. من آثاره: التذكرة في أصول الدين وشرح على التهذيب لأبي سعيد البرادعي. له ترجمة في الديباج 9695وحسن المحاضرة 1/ 453452.
وأنشدني أيضا، قال: أنشدني الشّيخ الصّالح أبو عبد الله بن النّعمان لبعض شيوخه: [الطويل](1/226)
وأنشدني أيضا، قال: أنشدني الشّيخ الصّالح أبو عبد الله بن النّعمان لبعض شيوخه: [الطويل]
تواضع إذا نلت العلاء تزد علا ... وتكتسب الشّكر الجزيل من الورى
فلن يشكر الغيث الرّفيع (1) محلّه ... قرين الثّريّا أو يصير إلى الثّرى
قلت: قد جمح (2) القلم في هذا الفصل بحسب استطراد القول، فقطع عمّا كنت فيه من ذكر (3) أهل الإسكندريّة، ووصف بعض أحوالهم الرّديّة، وهي أكثر من أن يحصرها بيان، أو يحيط بها خبر ولا عيان، لكنّها نفثة مصدور، ولفظة جرى بها المقدور. وبودّي لو لم أر إلّا حسنا فأذكره، ولم ألق إلّا مشكورا فأشكره. ولو كان القبيح يجمل بغير أوصافه، والنّاقص يكمل بذكر أسلافه. لكان أهل الإسكندريّة أجمل النّاس حسنا، وأكملهم في كلّ معنى، بوجود بعض الأفراد فيهم، وسكنى الآحاد (4) المبرّزين في العلم والدّين بمغانيهم. ولكن الموتى إذا جاورهم الأحياء (5)، لم يحصل لهم بمجاورتهم الإحياء (5)، بل: [الكامل]
بضدّها تتبيّن الأشياء (6)
__________
(1) في ت: الشكر الجميل.
(2) في ت وط: جمع.
(3) ليست في ت.
(4) في ت: آحاد.
(5) في ط: الأحيا.
(6) عجز بيت للمتنبّي وصدره: ونذيمهم وبهم عرفنا فضله
وهو في ديوانه 1/ 22. والرواية فيه وبضدّها.(1/227)
وقد رأيت بها أفرادا من أهل الفضل علما ودينا، وددت لو منحت في ذكر فضلهم قلبا حافظا، ولسانا مبينا، فمنهم من استكتمني اسمه، وعاهدني (1) على ألّا أذكر رسمه عملا على منهج زهده، ومحجّة تقواه، وصونا للأخوّة أن يشوبها حظّ لغير الله، على أنّي لو سمّيته وحليّته، لقصّر بي كلّ ما رويته وروّيته (2)، وكيف يوفي اللّسان وإن أطنب في شكره حقّ من يستنزل القطر بذكره. نفعه الله وإيّاي [53/ ب] بجميل قصده، وتغمّد كلّا منّا برحمة تولّيه الصّفح عن سهوه وعمده، وأوزعني شكر ما منحني من إقباله عليّ بحبّه، وأفاض عليّ من بركاته وأنوار قلبه.
[لقاؤه لابن المنيّر]
ومنهم الشّيخ الجليل الفاضل، الفقيه العالم الكامل، الرّئيس الأوحد، القاضي العادل (3)، شرف الفقهاء والمفتين، واسطة قلادة المدرّسين. صدر البلغاء ورأس الكّتاب والنّاظمين. وحيد العلماء وفخر (4) المصنّفين، ذو المآثر السّنية، والمفاخر العليّة، زين الدّين أبو الحسن عليّ بن محمّد بن منصور المالكيّ (5)، يعرف بابن المنيّر، حفظ الله مجادته، ومكّن سعادته. لقيت منه بحر علم تفيض أمواجه، وغيث سماح لا يغيض ثجّاجه (6). له تصرّف في
__________
(1) في ت وط: وعاقدني.
(2) ليست في ط.
(3) في ت: العدل.
(4) في ت وط: وبحر.
(5) توفي زين الدين بن المنير في ذي الحجة سنة 695هـ، انظر شجرة النور الزكية 1/ 188.
(6) مطر ثجّاج: مصبوب سائل.(1/228)
صنوف العلم وفنونه، وتحقّق بتمييز أبكاره وعونه (1). وتسلّط بثاقب ذهنه على استنباط عيونه، وما رأيت أحدا اجتمع له من حسن الحفظ، وجودة اللّفظ، وذكاء الفهم ما اجتمع له. ولا رئيسا جعل العلم قيد همّته كما جعله. وقد استظهر دواوين من العلم في صغره، ولم يتغير حفظه لها في زمان كبره، وقد منح من حسن الخلق وجميل العشرة وكمال الإنصاف، ما يعيا ببعض أوصافه اللّسن الوصّاف، وما يكلّ دون شأوه طرف (2) البيان، مع (3) ما خصّ به من طلاقة الوجه واليد واللّسان.
وله على التّأليف حسن اقتدار، وفي إجادة التّصنيف مكنة (4) تدلّ على أنّه لراية المجد ذو ابتدار. بدأ على «البخاريّ» شرحا مؤسّس المباني، محقّق المعاني. زانه حسن العبارة في التّصريح والإشارة. إن قضى الله له بالتّمام كان مفتاحا يعّول في حلّ (5) مشكلات المشروح عليه. ومصباحا يلجأ في إزاحة ظلام الشّكوك إليه. قرأت عليه بعضه، وسمعت منه مواضع قصد قراءتها عليّ، وأجازني ما نجز منه، وما سينجز إن شاء الله تعالى.
__________
(1) الأبكار: ج بكر وهي الجارية لم تفتضّ، واستخدم المصنف اللفظة على المجاز والمراد بالمعنى:
العلوم التي لم تطرق.
العون: ج: عوان وهي التي لها زوج، والمعنى المجاز لها أن هذا الشيخ له معرفة. بمختلف صنوف العلم.
(2) في ت: صرف. وفي ط: طرفان.
(3) ليست في ط.
(4) المكنة: التمكّن.
(5) في ت وط: كل.(1/229)
وقد كان حفظه الله استصحب سفرا من هذا [54/ آ] التّأليف في سفره إلى الحجّ فوقف عليه الشّيخ الصّالح رئيس العلماء بمكّة شرّفها الله محبّ الدّين الطّبريّ (1). فاستحسنه وكتب على ظهره ما نصّه: «نظر فيه العبد الفقير إلى رأفة (2) مولاه. في سرّه ونجواه، المحبّ أحمد بن عبد الله بن محمّد الطّبريّ المكيّ (3) مستضيئا بفرائده، مستفيدا من فوائده، متيمّنا بنظره مستسعدا بأثره (4)، متبرّكا برؤياه، حرس الله مجد مؤلّفه وتولّاه، فألفاه رياضا أريضة (5) ودررا منيرة، وشمسا بازغة، وبراهين لحجج أهل الزّيغ (6)
دامغة، ومعاني لطيفة، وأحكاما منيفة، وموردا لكلّ ظمان لهفان، ومصدرا للبيان والتّبيان، وصادرا عن ضبط وإتقان، وواردا من التّحقيق مورد الإيقان، نفع الله به مفيده والمستفيد، وعمّر بإفادته أقطار الوجود، وعطّر بذكاء شهرته الآفاق، ونوّر بذكاء أنواره مواطن الإشراق، ما تناسقت الظلم والأنوار، وفي الوقت عن استيفاء مدحه شغل شاغل، وما عسى أن (7) يقول القائل، ومحاسنه أظهر من أن تشهر، وأبين من أن تنشر، والحمد لله على نواله، وصلواته على سيّدنا (8) محمّد وآله».
__________
(1) أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري: حافظ للحديث، فقيه شافعي من أهل مكة ولد فيها سنة 615هـ وكان شيخ الحرم بمكة توفي سنة 694هـ له تصانيف منها: السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين. والرياض النضرة في مناقب العشرة. والأحكام في ستة مجلدات. ترجمته في العقد الثمين 3/ 7261، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 18وفيها مولده 610. غربال الزمان 571، شذرات الذهب 5/ 425.
(2) في ط: رحمة.
(3) في الأصل: المالكي وهو تصحيف.
(4) في ت: بنظره.
(5) رياضا أريضة: زكيّة كثيرة العشب.
(6) الزّيغ: الميل عن الحق.
(7) ليست في ط.
(8) ليست في ت.(1/230)
قلت: كلام مثل هذا الرّجل يطوى على غرّه، ويحوى لما يجب من برّه، وقد راجعت شيخنا زين الدّين في مواضع منه، فقال لي: مثل هذا ينقل تبّركا بقائله، ولقد أجاد مالك بن أنس رضي الله عنه في قوله: «من النّاس من لا تذكر عيوبه». وما أراد بذلك والله أعلم إلّا قادة أهل الدّين، وفضلاء المسلمين، والفاضل من عدّت سقطاته وبالله التّوفيق.
ووقف عليه أيضا (1) الشّيخ الفقيه العالم (2) قدوة المدرّسين بديار مصر، علم الدّين، سبط الإمام أبي إسحاق العراقيّ (3) فكتب عليه ما نصّه: «وقف على كثير من هذا التّصنيف المنيف (4)، والتّأليف الشّريف، الفقير إلى الله عبد الكريم بن عليّ الأنصاريّ (5)، فوجده قد اتّقد في مشكاة النّبوّة [54/ ب] مصباحه، وأسفر في دجا المشكلات صباحه، وكشف ظلمات الشّبهات بيانه وإيضاحه، وتأمّل (6) فيه من الفوائد (7) المستجادة، والمباحث المستفادة، ما لا يطمع (8) بعده في الزّيادة، وجلا عن القلوب عمايتها (9)، وبلغ في تحقيق المعاني غايتها: [الطويل]
__________
(1) ليست في ط.
(2) ليست في ت.
(3) في ت: الغرافي وهو تحريف.
(4) ليست في ط. والمنيف: الشريف.
(5) هو عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري: مفسّر، فقية، أصله من وادي آش بالأندلس، ومولده بمصر سنة ج 623هـ. ووفاته فيها سنة 704هـ عمي في أواخر حياته، له مختصر في أصول الفقه، ومختصر قي تفسير القرآن. ترجمته في نكت الهميان 195الدرر الكامنة 2/ 399ملء العيبة 5/ 335.
(6) في ط: تأصل.
(7) في ط: فوائده.
(8) في ت وط: مطمع.
(9) العماية: الجهل.(1/231)
وكان ابن بطّال تصدّى لمثل ما
تصّدّى له قاضي القضاة من الشّرح (1)
فأجهد في شرح البخاريّ نفسه
وأظهر تحقيقا وبالغ في النّصح
فلمّا سما زين الأنام لنيل ما
تقاصر عنه الشّارحون مع الكدح (2)
فأوضح أسرار الشّريعة ظافرا
على إثر هذا السّعي بالأجر والنّجح
وفاز بتحقيق وحسن تصرّف
وشقّ ظلام الجهل عن فلق الصّبح
تعيّن أن يعنى الأنام به وأن
يكافوه بالتّعظيم والشّكر والمدح
وأن يجعلوه رأس مال علومهم
ليظفر من يبغي التّجارة بالرّبح
كتب سابع ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين وستّ مئة.»
قلت: لو عوّض من حرف في، حرف من في قوله: قد اتّقد في مشكاة النّبوة مصباحه. لكان أليق بالأدب (3)، وأبعد عن الاشتراك والله الموفّق.
__________
(1) علي بن عبد الملك بن بطال: عالم بالحديث من أهل قرطبة. له شرح على البخاري توفي سنة 449هـ. ترجمته في شذرات الذهب 3/ 283.
(2) في ت: زين الإمام.
(3) في ط: بالآداب.(1/232)
وقد كان الفقيه الأوحد ناصر الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمّد (1)، أخو شيخنا المذكور، جرّد من جامع البخاريّ أربع مئة ترجمة مشكلة، فتكلّم عليها وحلّ إشكالها. ووضع شيخنا هذا الكتاب عليه شرحا موعبا شافيا، وسمعته يذكر تأليف أخيه المذكور، وقال: إنّه تكلّم على أربع مئة ترجمة مشكلة، ولا يعدم فيما (2) تخلص من تأليفنا هذا (3) أربعة آلاف ترجمة كلّها مشكل.
وقرأت عليه «الأربعين حديثا البلدانيّة» (4) للإمام الحافظ أبي طاهر أحمد ابن محمّد السّلفي (5) رضي الله عنه في مجلس واحد. وحدّثني بها عن الشّيخ جمال الدّين أبي الفضل يوسف بن عبد المعطي بن نجا المخيليّ قراءة منه عليه عن مؤلّفها المذكور [55/ آ] وقرأت عليه صدرا من «الموطّأ» (6) رواية يحيى بن يحيى وناولني سائره في أصلي، وحدّثني بجميعه عن الشّيخ الرّاوية العلّامة أبي عبد الله محمّد بن أبي الفضل السّلميّ المرسيّ، شرف الدّين، سماعا عليه بأسانيده.
__________
(1) أحمد بن محمد بن منصور بن أبي القاسم الجذامي الإسكندري: فقيه مالكي، إمام، قاض، مقرئ، مفسّر، أخذ عن مجموعة من العلماء منهم جمال الدين بن الحاجب، وأخذ عنه جماعة. له مصنفات منها تفسير سّماه: البحر الكبير في نخب التفسير، والانتصاف من الكشّاف، له شعر لطيف، مولده سنة 620هـ ووفاته سنة 683هـ ترجمته في الوافي بالوفيات 8/ 128فوات الوفيات 1/ 149الديباج المذهب 71، شذرات الذهب 5/ 381، شجرة النور الزكية 1/ 188.
(2) في ت: ما تخلص.
(3) ليست في ت.
(4) جمع فيه أربعين حديثا من أربعين شيخا في أربعين مدينة أبان بها عن رحلة واسعة وأظهر فيها رتبة عالية. انظر كشف الظنون 54.
(5) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة الأصبهاني: حافظ، فقيه ولد بأصبهان سنة 478هـ ورحل في طلب الحديث، واستقر بالقاهرة وبها توفي سنة 576هـ له معجم السفر ومعجم مشيخة أصبهان وغيره. ترجمته في وفيات الأعيان 1/ 105أزهار الرياض 3/ 167 شذرات الذهب 4/ 255غاية النهاية 1/ 102.
(6) في ط: صدر الموطأ.(1/233)
وقرأت عليه بعض الجزء الثّاني من «مختصر الفقيه الإمام العالم أبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب (1)» رضي الله عنه في الفقه على مذهب مالك، وأجازني سائره عن مؤلّفه المذكور، وهو ممّا استظهره حفظا وإتقانا.
وسمعت من لفظه قصيدته النّبويّة التي نظمها في سفره إلى الحجاز، ثم كتبها، وقرأتها عليه، وهي من حرّ القصائد، ومن جملة إنصافه حفظه الله أنّي راجعته منها في ألفاظ قليلة رأيت غيرها أقعد بالمعنى منها (2)، فاستحسن ما ذكرته، وأذن لي في إصلاحها على ما رأيت، وأنا إن شاء الله أثبت القصيدة هنا بجملتها وهي هذه: [الطويل]
[القصيدة النّبويّة لابن المنيّر]
أجب دعوة الرّحمن يا صاح تسعد ... وبادر لفرض الحجّ غير مفنّد (3)
ولذ بالمتاب الآن وازدد من التّقى ... فإنّ اتّقاء الله خير التّزوّد
ودع خاطر التّسويف والخوف جانبا ... وسلّم لأمر الله أمرك في غد
__________
(1) هو مختصر في فروع المالكية استخرجه من ستين كتابا في فقه المالكية. انظر كشف الظنون 1625، وصاحبه هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب: فقيه مالكي، من كبار العلماء بالعربية. ولد في إسنا من صعيد مصر سنه: 570هـ ومات بالإسكندرية سنة 646هـ. من تصانيفه الكافية في النحو والشافية في الصرف. ترجمته في وفيات الأعيان 3/ 248. والديباج المذهب 189شجرة النور الزكية 1/ 167.
(2) ليست في ط.
(3) التّفنيد: اللوم وتضعيف الرأي.(1/234)
فكم ذي صدى ما بين أهل ومنهل ... وريّان ماء بين قفر وفدفد (1)
5 - وكم قاطن في موطن غير آمن ... وراكب أخطار يفوز بمقصد
وكم ذي سرى سرّى سراه همومه ... وأعقبه مرآه قبر محمّد (2)
أياد لأيدي العيس إن تبد يثرب ... وكم منّة فيها عليّ وكم يد
تبلّغنا مثواك يا سيّد الورى ... وتشهدنا منه مقرّ التعبّد
فنمحوا خطايانا بدمع إنابة ... ونظفر بالغفران والعفو في غد (3)
10 - وننشد والآفاق تبكي مسّرة ... وخاطرنا بالشّوق كالمتوقّد (4)
عليك سلام الله يا خير مرسل ... عليك سلام الله يا خير مرشد
عليك سلام الله يا خير من هدى ... عليك سلام الله من كلّ مهتد
[55/ ب] عليك سلام الله من كلّ عالم ... عليك سلام الله من كلّ مقتد (5)
عليك سلام الله من كلّ عابد ... عليك سلام الله في كلّ معبد
15 - عليك سلام الله في كلّ مجلس ... عليك سلام الله في كلّ مسجد
عليك سلام الله من كلّ قارن ... عليك سلام الله من كلّ مفرد (6)
عليك سلام الله من كلّ وافد ... تجرّد للإحرام حقّ التّجرّد (7)
__________
(1) الصّدى: العطش، والفدفد: الفلاة الواسعة لا نبت فيها.
(2) السّرى: السير ليلا، وسرّى: كشف وأزال.
(3) الإنابة: التوبة ولزوم الطاعة.
(4) في الأصل: وتنشد والآماق.
(5) في الأصل: من كل مهتد.
(6) القران: الجمع بين الحج والعمرة في الإحرام.
(7) الوافد: الحاجّ، الإحرام: نية الدخول في الحج والعمرة. انظر القاموس الفقهي 85.(1/235)
عليك سلام الله من كلّ شيّق ... وشيّقة في خدرها كالمصفّد (1)
عليك سلام الله عن سلف لنا ... وعن ولد يتلو كطير مغرّد
عليك سلام الله في كلّ مصدر ... عليك سلام الله في كلّ مورد
وصلّى عليك الحقّ جلّ جلاله ... مع الملإ الأعلى صلاة ممجّد
وصلّى عليك الرّسل في الخلد كلّهم ... وصلّى عليك الآن كلّ موحّد
وأولى ضجيعيك الرّضا عنهما معا ... وأتبعه أزكى سلام مجدّد (2)
وحيّاك يا مثوى الرّسالة والهدى ... وحيّاك يا مثوى لأصحاب أحمد
25 - منازل كان الوحي ينزل بينها ... ويعهد فيها الخير في كلّ معهد
منازل فيها أظهر الله دينه ... وأخمد دين الكفر حدّ المهنّد
أو اهل من آل النّبيّ وصحبه ... أئمّة دين الله فاقتد تهتد (3)
هم ورثوا علم النّبيّ وعاينوا ... له معجزات فتن حصر المعّدد (4)
وهم نصروا حزب الإله وأرعدوا ... فرائص أسد بالسّنان المحدّد (5)
30 - فكم بطل قد أسكنوا الرّعب قلبه ... وكم أسد أذروه عن ظهر أجرد (6)
فإمّا لقتل أو صغار مؤبّد ... وإمّا لإسلام وعزّ وسؤدد (7)
__________
(1) شيق: مشتاق للزيارة.
(2) ضجيعا رسول الله هما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
(3) في ط: وأهّل.
(4) في ت: دين النبي حصر التعدّد.
(5) في ت: فرائس. والفرائض: جمع فريصة: لحمة بين الجنب والكتف ترتعد من الخوف.
(6) أذرى: ألقى. فرس أجرد: سابق.
(7) في ط: لصغار وبها لا يستقيم الوزن.(1/236)
وقد أسدل البدر المنير حجابه ... وأظهر فينا فرقدا بعد فرقد (1)
وما غيّب البدر المنير حجابه ... لأنّ له نورا به الدّهر نهتدي
قصدناه نستشفي بطيب ترابه ... ونحظى بمرآنا مقام التّهجّد (2)
35 - فنطرق إجلالا ونخضع هيبة ... وندرك أنوارا بأعظم مشهد
[56/ آ] ونسجد فيه بين قبر ومنبر ... فنرتاح في روض الجنان المخلّد (3)
فأجر صلاة فيه كالألف في سوا ... هـ فاغنم وأكثر من ركوعك واسجد (4)
وحافظ على الوقت الّذي قد منحته ... ولا تخله من طاعة الله واجهد
وقم خاضعا لله واسأله عفوه ... سؤال ملحّ في الدّعاء مردّد
40 - وقل يا رسول الله جئتك تائبا ... ومن توبتي قصد لبابك سيّدي (5)
وحبّك ديني، ثمّ حبّك مذهبي ... وحبّك أحلى من قران بمولد (6)
ولولاك ما سرنا بتيهاء مجهل ... ولولاك مابتنا بطرف مسهّد (7)
ولولاك ما جبنا بقفر ومهمه ... ولولاك ما جئنا كجيش مجرّد (8)
ولولاك ما استحلى الأجاج منعّم ... ولولاك عاف المرء من لم يعوّد (9)
__________
(1) الفرقد: النجم.
(2) التهجّد: صلاة الليل.
(3) في ط: أرض الجنان.
(4) إشارة إلى الحديث الشريف:
«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام»
سنن ابن ماجة 1/ 450.
(5) في ت: قصدي لبابك.
(6) في ت: قراري بمولد.
(7) التيهاء: المفازة لا علامة فيها يهتدى بها، والمجهل: الأرض لا يهتدى فيها.
(8) في ت: ولولاك ما جئنا بقفر. والمهمه: المفازة البعيدة.
(9) في ط: مالم، والأجاج: الشديد المرارة أو الملوحة.(1/237)
45 - وقد أدّني قيد الذّنوب وأسرها ... فكن منقذي من أسر ذنب مقيّد (1)
وإنّي من وفد أتاك محبّة ... وهاجر يرجو الأمن يوم التوّعد
أحنّ حنين الجذع شوقا لقبلة ... بأخمصك الأعلى وموطئك النّدي (2)
وأسأل من قبل الممات شفاعة ... فأسعف وكن في ما سألتك مسعدي
ومن يسأل المولى بجاه محمّد ... يقينا تكن منه الإجابة في اليد
50 - كذا جاء في الأخبار عنه محرّرا ... فكن واثقا بالنّقل فيه وأسند
فأعظم بآيات له وخوارق ... وباهر إعجاز وفخر مخلّد
وعزّ اصطفاء واقتراب محبّة ... ورفع لواء الحمد في خير مشهد
إذا قيل: قل تسمع، وسل تعط ما تشا ... ء واشفع تشفّع، فاشكر الله واحمد
وزوّد بمدحي كلّ من جاء زائرا ... وردّده في سمع البطيء المقيّد
وكرّر سؤال الله عفوا بجاهه ... وصلّ عليه آخرا ثمّ مجّد
وأنشدني حفظه الله لأخيه الفقيه العالم أبي العبّاس أحمد (3)
رحمه الله ممّا كتب إليه ملغزا: (4) [المتقارب]
__________
(1) في ط: وقد آذاني وبها لا يستقيم وزن وأدّه الأمر: أثقله وعظم عليه.
(2) إشارة إلى حنين الجذع الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطب بجواره فلما صنع المنبر وتحول إليه الرسول صلّى الله عليه وسلم حن إليه، فلما التزمه النبي سكن وهدا.
(3) ليست في ت وط.
(4) ألغز بلفظة: آء وهو ضرب من الشجر واحدته: آءة، انظر الصحاح: آء.(1/238)
أبن مسرعا لفظة سطّرت ... مقطّعة من جميع النّواحي
[56/ ب] وأشكال أحرفها بالسّواء ... وألقابها حسب الاصطلاح
تشاكل آحادها الألفين ... وتذكرهم بالقدود الملاح
ثلاثيّة ذات حرف فأصغ ... فإنّ الملاحي قليل الفلاح
ومعتلّة الوسط ليست تصحّ ... وأوّل قائمة في الصّحاح (1)
ولو طلب الأصمعيّ نظيرا ... لها لم يفز قدحه في القداح (2)
قال: فقلت مجيبا له: [المتقارب]
أيا من تفرّد في عصره ... وجلّت مجاراته عن تلاح
عنيت نباتا له مغرس ... بأوّل ترجمة في الصّحاح
وأهديت درّا ليشهد أنّ ... بصدرك بحر النّدى والسّماح
وبالغت في صونه غيرة ... بلفظ يهاب كحدّ السّلاح
5 - وقد أذهب العبد إشكاله ... كما أذهب اللّيل ضوء الصّباح
فإن فاز قدحي فأنت الإمام ... وحيعلت قدما لنا بالفلاح (3)
وقد سطّرت نحوها لفظة ... مقطّعة من جميع النّواحي
ترى شكل أحرفها واحدا ... إذا أنت جرّدتها بالتماح
وتزداد في النّطق حرفا خفيّا ... وقدما بدت في صدور الصّباح
__________
(1) في ت وط: وفعتلّة اللفظ.
(2) عجز البيت ساقط من ت، والأصمعي: عبد الملك بن قريب العالم باللّغة المتوفّى بالبصرة سنة 216هـ.
(3) في ط: فاز مدحي.(1/239)
10 - وإن خفيت عن غبيّ فكم ... يمكنّها من نحور الملاح
فيا أيّها الحبر زدنا فقد ... تميّز صدرك بالانشراح (1)
ومن رام شأوك يوما كمن ... نوى أن يطير بغير جناح
ولما تأمّلت اللّغزين استبان لي المراد منهما، ثم انزعجت للسّفر فلمّا استقرّبي القرار بقاعدة مصر، كتبت إليه في ذلك قصيدة وبعثت بها إليه، وقد (2) زدت فيها بعد ذلك أبياتا وهي هذه: [المتقارب]
أيا فاضلا قد سما للسّماح ... فلم يصغ أذنا إلى قول لاح
هنيئا لك المجد من فاضل ... هدى من نحاه طريق الفلاح
[57/ آ] سما صنوك الفذّ في علمه ... إلى غاية واثقا بالنّجاح
فأدركها ساميا عاليا ... وخصّص فيها بفوز القداح (3)
5 - وأجريت من خلفه ثانيا ... عنان جواد عظيم المراح
فأدركته فائزا حائزا ... بما قد منحت كريم امتداح
فأوضحت لغزا دجا ليله ... ومذ لاح أزرى بضوء الصّباح
وذلك لفظ له أحرف ... غرائب في خفية واتّضاح
فأوّلها لا يرى شكله ... وثالثها، وهما في الصّحاح (4)
__________
(1) في ت وط: تمكن صدرك.
(2) ليست في ط.
(3) في ط: بفوز الفلاح.
(4) أراد أن الحرفين صحيحان ليسا من أحرف العلة.(1/240)
10 - هما يذكران ولا يبصران ... كعنقاء مغربة في النّواح (1)
وأعجب بشيء له صحّة ... عديم الوجود لعين التماح
وثاني الحروف يرى ظاهرا ... وعلّته مالها من براح
وكيف بذي صحّة قد خفي ... ضنى وعليل بدا كالصّحاح
ومن شاء إبرازها لفظة ... بغير ارتياء وغير انتزاح
15 - فشعر زهير لها مسرح ... أناخت ببعض القوافي الملاح (2)
ومن عجب إنّها إن تزد ... بحرف عدت عن طريق انشراح (3)
وأولتك في الحين تعبيسة ... تريك محيّا بغير سماح
وساء المذاق وناء الشّقاق ... وحقّ الفراق بغير انفساح
ومهما حذفت أخير الحروف ... فقد فهت حقّا بلفظ افتتاح
20 - وإن زدته الحذف من أوّل ... فحرف قبيح سليل القباح
وإن زدت محذوفها آخرا ... فحذف يزين نحور الملاح (4)
وإن شئت تبيانه فأتين ... بقلب افتتاح تفز باقتراح (5)
وفي نسخة أخرى زيادة هذه الأبيات:
وأخفيتم اللّغز في لفظة ... تكلّ الشّبا من رؤوس الرّماح
أشرتم إليها بأوصافها ... لمن هو من سكرة الجهل صاح
__________
(1) عنقاء مغرب: طائر خرافي انظر: ثمار القلوب 450.
(2) المقصود قول زهير بن أبي سلمى في ديوانه يصف الظليم:
أصكّ مصلّم الأذنين، أجنى ... له بالسّيّ تنّوم وآء
(3) في ت: من طريق انشراح.
(4) في ت وط: فشيء يزين.
(5) البيت ساقط من ت.(1/241)
[57/ ب] وقد سطّرت لفظة مثلها ... سواء فزدها بفرط ارتياح
وقل: هي مقلوب ما سطّرت ... أناملنا ما به من تلاح
وفي غربنا لفظة صرّفت ... مشهّرة كاشتهار الصّباح
ولكنّها فظّة جهمة ... إذا أقبلت قوبلت بالصّياح (1)
وتألف أشكالها في القباح ... وما عرّجت بالوجوه الصّباح
وإن صحّف اللّفظ من لغزكم ... بدت سمجة حقّها في اطّراح
وأخرى على شرطكم قد أتت ... تزاد إليهنّ وفق اقتراح
انتهت الزيادة.
فخذ من مقرّ بفرط القصور ... يفرّ إلى العجز خوف النّطاح
صفيّ لعلياكم ذي وداد ... كما قد علمت كليم النّواح
فسامح محبّا صفا ودّه ... وصنه بصفحك عن لحو لاح (2)
وأقرأ منّي عليكم سلاما ... كريم الغدوّ كريم الرّواح
وأنشدني أيضا قال: أنشدني أخي المرحوم ناصر الدّين المذكور لنفسه:
[الرّجز]
يا سائل الخبرة من منجّم ... من الورى لا تسأل الغيوب
إن قلت: صادف الصّواب مرّة ... قلت: نعم، قد يصدق الكذوب (3)
__________
(1) في ط: قلبت.
(2) عن قول لاح.
(3) في ط: إذا قلت: وبها لا يستقيم الوزن.(1/242)
وسمعت منه حفظه الله فصلا من كلام أخيه الفقيه (1) الأوحد، الأكمل، وحيد عصره ناصر الدّين المذكور رحمه الله في ذكر [بعض] (2) مناهل الحجّ، رأيت إثباته في هذا الموضع، إذ هو ممّا يليق بالمقصود، ونقلته من خطّ أخيه ناصر الدّين المذكور قدّس الله روحه، وبرّد ضريحه وهذه نسخته:
[بعض رسالة ناصر الدّين بن المنيّر في مناهل الحجّ]
«ولقد تجد النّفوس إلى تلك القفار أنسا كأنّها أوطان، وكأنّ لأشواقها (3) على القلوب سلطان، وإنّ لتلك الثّنيّات صباحة، وإنّ لمياهها (4)
وإن كانت ملحة في القلوب ملاحة: [58/ آ] [الطويل]
يقولون: ملح، ماء فلجة آجن ... نعم هو مملوح إلى القلب طيّب
وحيّا الله الوجه وإن كانت عليه تلك الواقعة، فما أحسنه إذا لمحه الفكر (5) وإن كانت عليه السّيوف لامعة. ولله منزلة الحوراء وإن كانت عينها مالحة، فإنّها لأحسن من العين الحوراء، وكذلك العرجاء تسبق إلى القلوب بالشّوق على (6) عرجها، وعلى ضيق مدخلها ومخرجها. ولعمري إنّها تضاهي
__________
(1) ليست في ط.
(2) من ت.
(3) في ت: لإشراقها.
(4) في ت: لمياه هذه الثنيات.
(5) في ت: النظر.
(6) في ت: إلى عرجها.(1/243)
المسك بأرجها، وتباهي المنابر بدرجها، ومن أثنى على الدّهناء (1) فما داهن، ولا ذكر إلّا الحقّ من محاسنها وما حاسن. وكم من حنين إلى حنين، وما كان البلد في الأمن إلا بدر فإنّها قرّة العين، ولله رملتها البيضاء مقترنة بالصّفراء، فإنّهما لأزهى من البيضاء والصّفراء، ومن وصل إلى الجحفة (2)، فقد حصل على التّحفة، ويعجبني التّشويق إلى عقبة السّويق، ويحضر في خليص الإخلاص (3)، ويتدرّج من المدرج إلى فرجة الخلاص، ويشتدّ الظّهر عند مرّ الظّهران (4)، ويتمتّع عنده بنغمات أهل التّمتّع والقران، وتعيش النّفس عند مساجد عائشة (5) وتطير هناك القلوب الطّائرة الطّائشة، ولله حسن الثّنيّة إذا ابتسمت، وجلالة مفرق الطّرق إذا انقسمت، والعدول إلى طريق باب بني شيبة، بالفوز الّذي ليس بعده خيبة. وهنالك تنثلّ الجعبة، عند الإشراف على الكعبة، فلا يبقى كامن إلّا ظهر، ولا سرّ إلا اشتهر وانتشر، ولا طرف إلّا انبهت، ولا قلب إلّا انبهر (6)، ولا شمل إلّا انتظم، ولا دمع إلّا انتثر: (7) [الخفيف]
__________
(1) الدهناء: رمال في طريق اليمامة إلى مكة، لا يعرف طولها، وأما عرضها فثلاث ليال، ويقال في المثل: أوسع من الدهناء. انظر ياقوت 2/ 492.
(2) الجحفة: كانت قرية على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة، ويقول حمد الجاسر: درست الجحفة ولم يبق سوى أطلالها ومسجد حديث بني فيها وتقع بقرب بلدة رابغ شرقها بميل نحو الجنوب بما يقارب ال 15كم، انظر المناسك 415.
(3) خليص: حصن بين مكة والمدينة. انظر ياقوت 2/ 387.
(4) مر الظّهران: موضع على الطريق بين مكة والمدينة، قال ياقوت على مرحلة من مكة. انظر ياقوت: 5/ 104.
(5) مسجد عائشة وهو بعد الشجرة بميلين وهو دون مكة بأربعة أميال، وبينه وبين أنصاب الحرم غلوة.
انظر رحلة القلصادي حاشية رقم 218، والغلوة قدر رمية بسهم.
(6) في ت وط: انبهم.
(7) البيت في المستطرف 160، وفي أنس الساري والسارب 97دون عزو.(1/244)
هذه دارهم وأنت محبّ ... ما بقاء الدّموع في الآماق (1)
قلت: والفقيه الإمام أبو الحسن زين الدّين ممّا يسرّ العاقل بمعرفته، ويطنب القائل في صفته. ولولا اتّقاء فيما يتطرّق إلى الكلام من الهوى، لبالغت فأبلغت بريد القلب ما نوى، على أنّه قد ترجم [58/ ب] عن كماله عدم أضرابه في القطر وأشكاله، لا أخلى الله الأرض من مثله (2)، ولا أعدمه من إحسانه ثجّاج وبله، بمنّه وجوده وفضله.
[لقاؤه للغرّافي]
ولقيت بالإسكندريّة سيدي الشّيخ الأجلّ، الرّاوية، المحدّث، الشّريف، الأوحد، ذا الحسب الباهر، والشّرف الظّاهر، والأخلاق المعربة عن الكمال، والعزّة الفاضلة الّتي تدلّ عليه من غير سؤال، سليل بيت النّبوّة، وحليف الفضل الظّاهر والمروّة، تاج الدّين، أبا الحسن، عليّ بن الشّيخ الفقيه العالم المحدّث أبي العبّاس أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي (3)، حفظ الله عليه ما منحه من الفضائل وما أقام له على صحّة كماله من الدّلائل لقيته فرأيت منه فضلا لو تجسّد لملأ الفضاء وعقلا سلب النّيق (4) الرّكانة (5) والمرهف المضاء، وبشرا لو كان في وجه الدّهر لم تخش (6) نوائبه وأريحيّة علويّة (7)
__________
(1) في أنس الساري: ما احتباس الدموع.
(2) في ت: أمثاله.
(3) توفي تاج الدين الغرّا في سنة 704هـ انظر شذرات الذهب 6/ 11.
(4) النّيق: الجبل الطويل.
(5) في ط: الدكانة، والركانة: السكون والوقار.
(6) في ت وط: لم يخش.
(7) في ط: نبوية.(1/245)
لو حلّت في هرم لا هتزّت من الشّباب ذوائبه وتواضعا أسكنه مهج القلوب، وأحلّه منها محلّ الغرض المطلوب. له رواية عالية متّسعة ببغداد والعراق ومصر، وله رحلة إلى الحجاز حجّ فيها. وقد جمع أسماء شيوخه في «برنامج» له، وهو شيخ مفيد ممتع المجالسة، كثير (1) التّواضع، متفنّن في العلم، متين الدّين، قويّ الرّجاء في أهله، حسن الظّن بهم، سنّي المعتقد، شافعيّ المذهب، خير كلّه، نفعه الله ونفع به، سألته عن معنى نسبته: الغرّافي، فقال لي: غرّاف موضع بالعراق وكان موضعنا فنسبنا إليه.
قرأت عليه «ثلاثيّات البخاريّ» (2) وكتبتها من أصله، وحدّثني بها عن الشّيخ الصّالح أبي الحسن عليّ بن أبي بكر بن عبد الله بن روزبة القلانسيّ سماعا لجميع «البخاريّ» عليه، عن أبي الوقت عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السّجزيّ سماعا عليه عن أبي الحسن بن عبد الرّحمن بن محمّد بن المظفّر الدّاوديّ البوشنجيّ عن أبي [59/ آ] محمّد عبد الله بن أحمد بن حمويه السّرخسيّ عن أبي عبد الله محمّد بن يوسف بن مطر الفربريّ عن البخاريّ.
وقرأت عليه أحاديث إسماعيل بن جعفر من جزء أبي صالح محمّد بن أبي الأزهر المكيّ، عرف بابن زنبور (3)، وكتبتها من أصله، وسمعت من لفظه حديث عبد الله بن عمرو: «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن» (4)، وهو أوّل حديث
__________
(1) في ط: كبير.
(2) والمراد به ما اتصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الحديث بثلاثة رواة، وتنحصر الثلاثيات في صحيح البخاري في اثنين وعشرين حديثا الغالب عن مكي بن إبراهيم وهو ممن حدثه عن التابعين وهم في الطبقة الأولى من شيوخه. انظر كشف الظنون 522.
(3) في ت: زيتون.
(4) هو أول حديث أخرجه الترمذي، رقم 1924في البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين، وأبو داود رقم 4941، في الأدب، باب في الرحمة. وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».(1/246)
سمعته منه بسنده مسلسلا، (1) وحديث القلم واللّوح، حدّثني به ويده على كتفي بسنده مسلسلا (1)، وحديث الإيمان بالقدر، حدّثني به مسلسلا وأخذ بلحيته وقال: «آمنت بالقدر خيره وشرّه، حلوه ومرّه» (2). وكتبت هذه الأحاديث من أصله وأسانيد الأجزاء مقّيدة فيها والحمد لله.
وحدّثني رضي الله عنه إملاء بلفظه من كتابه، قال: أخبرني أبي رحمه الله قال: أنا أبو المظفّر عبد الرّحيم بن أبي سعد (3) السّمعانيّ قال:
أنا (4) تاج الإسلام السّمعانيّ، قال: أنا أبو نصر واضح بن عبد الله الأصبهانيّ قال: أنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد الحافظ، سمعت أبا القاسم الفضل ابن محمد شير مردان سمعت أبا بكر محمّد بن محمّد بن سليمان يقول: سمعت أبا العبّاس بن سعيد يقول: سمعت أبا خليفة يقول: كان السّبب في أن لم يسمع القعنبيّ (5) من شعبة (6) غير هذا الحديث، أنّه وافى البصرة (7) نحو شعبة ليسمع منه، وبكّر فصادف المجلس قد انقضى، وقد انصرف شعبة إلى منزله، فحمله الشّره على أن سأل عن منزل شعبة، فأرشد إليه، فوجد الباب مفتوحا، فدخل من غير استئذان، فصادف شعبة جالسا على البالوعة يبول، فقال:
__________
(11) سقط من ت.
(2) أورده علاء الدين الهندي في كنز العمال 1/ 352و 16/ 22.
(3) في ت وط: سعيد.
(4) أنا تعني: أخبرنا.
(5) القعنبي: عبد الله بن سلمة بن قعنب الحارثي: راوية، محدّث، روى عنه البخاري ومسلم وأهل السنن الأربعة توفي سنة 221هـ. ترجمته في شذرات الذهب 2/ 49، غربال الزمان 210.
(6) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي: شيخ البصرة، من أئمة رجال الحديث. كان عالما بالأدب والشعر. له «الغرائب» في الحديث. توفي سنة 160هـ. ترجمته في غربال الزمان 149شذرات الذهب 1/ 247.
(7) البصرة: مدينة بالعراق بنيت في خلافة عمر سنة 14هـ. انظر ياقوت 1/ 430الروض المعطار 105.(1/247)
السّلام عليكم، رجل غريب قدمت من بلد بعيد لتحدّثني بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فاستعظم شعبة ذلك فقال: يا هذا دخلت منزلي بغير إذن، وتكلّمني على مثل هذا الحال، تأخّر عنّي حتّى أصلح من شأني، فقال: إنّي أخشى الفوت، فقال: تخشى الفوت بقدر (1) ما أصلح من شأني؟، فأكثر عليه الإلحاح، قال:
وشعبة يخاطبه وذكره في يده يستبرىء [59/ ب] فلمّا أكثر قال: اكتب:
حدّثنا (2) منصور بن المعتمر عن ربعيّ بن حراش (3) عن أبي مسعود البدريّ رضي الله عنه
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت»
(4). ثم قال: والله لا أحدّثك بغير هذا الحديث، ولا حدّثت قوما تكون فيهم.
قلت: وقد جمع الإمام أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ جزءا صغيرا في هذا الحديث، وذكر فيه أنّ شعبة عتب على القعنبيّ أن تركه بالبصرة، ورحل إلى مالك، فلمّا ألحّ عليه القعنبيّ حدّثه بهذا الحديث وحلف لا يحدّثه بغيره، قال: وقيل إنّ القعنبيّ حلف عليه لتحدّثني، فحدّثّه بهذا الحديث ثم حلف لاحدّثتك (5) بغيره. وقرأت هذا بخطّ ابن المفضّل المذكور وأخبرني به جماعة عن ابن (6) الشّقر عنه.
__________
(1) في ت وط: بمقدار.
(2) في ط: حديث.
(3) ليست في ط.
(4) أخرجه البخاري في الأدب باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت رقم 106120/ 523وفي الأدب باب الحياء رقم 4797وابن ماجة 2/ 1400وابن حنبل 5/ 273والبيهقي 10/ 192.
(5) في ت ثم قال: لا أحّدثك بغيره.
(6) أبي ليست في ت، وفي ط: أبي الشقر وهو تصحيف.(1/248)
وأنشدني حفظه الله تعالى قال: أنشدنا شيخنا الفقيه أبو عبد الله محمّد بن سعيد بن الدّبيثي (1) ببغداد ولم يسمّ قائله: (2) [الكامل]
علم الحديث فضيلة تحصيلها ... بالسّعي والتّطواف في الأمصار
فإذا أردت حصولها بإجازة ... فقد استعضت الصّفر بالدّينار
وأنشدني عنه أيضا قال: أنشدنا أبو العبّاس أحمد بن منصور الكازروني قال: أنشدنا شيخ الشّيوخ أبو البركات إسماعيل بن أبي سعد النّيسابوريّ قال: أنشدنا أبو القاسم عليّ بن محمّد الكوفيّ، قال: أنشدنا أبو زكرياء يحيى بن إبراهيم قال: أنشدني والدي، (3) قال: أنشدني (3) أبو الحسن عبد العزيز بن الحسين البغداديّ، أنشدني أبو بكر بن بشّار لنفسه: [الطويل]
سيعلم من لا يتّقي الله ربّه ... إذا برزت يوم الحساب الفضائح
ومن لم يقدّم صالحا لم يكن له ... مكان لعمري في القيامة صالح
فقل لخليع صائح في نشاطة ... تذكّر إذا صاحت عليك الصّوائح (4)
فكم ملك قد بات بالملك قائما ... فأصبح قد قامت عليه النّوائح
__________
(1) محمد بن سعيد بن الدبيثي: مؤرخ من حفاظ الحديث، من أهل واسط نسبته إلى دبيثا من نواحي واسط، ولد سنة 558هـ وتوفي ببغداد سنة 637هـ. له ذيل على تاريخ السمعاني الذي جعله ذيلا لتاريخ بغداد للخطيب في أربعة مجلدات وله تاريخ واسط. ترجمته في وفيات الأعيان 4/ 394 395الوافي بالوفيات 3/ 102غربال الزمان 515.
(2) البيتان في ملء العيبة: 3/ 55و 4/ 31ب، ودرّة الحجال 2/ 215، والإعلام للمراكشي 5/ 194 دون عزو.
(33): سقط من ت.
(4) في ت وط: لخليع صالح.(1/249)
وأنشدني أيضا قال: أنشدني الشّريف علاء الدّين أبو الحسن [60/ آ] عليّ بن محمّد الحسينيّ الموسويّ الطّوسيّ، المعروف بدفتر خوان العادلي (1)
نفسه من قصيدة: [السريع]
لعلّها يا صاح أن تنجلي ... إذا بدا ضوء الصّباح الجلي
كلّ حظوظ النّاس في مستوى ... وحظّنا يعلو إلى أسفل
من أمّنا نرجو ودادا وقد ... طلّقها قدما أبونا علي
وأنشدني له أيضا: [الطويل]
جنان إذا لاح الصّباح تنسّمت ... بطيب شذا يثني عليها بآلاء (2)
وأشبهت الأسحار طيبا ظلالها ... فجال خيال الغصن في مقلة الماء
وأنشدني له (3) أيضا ملغزا في الطّير: [الطويل]
وخرس إذا ما الشّمس ولّت فإن تعد ... فساجعة في أيكها تترنّم
وإن قيّد اللّيل البهيم لحونها ... فلا تتعجّب إنّما اللّيل أدهم (4)
__________
(1) علي بن محمد الحسيني الموسوي الطوسي: أديب، شاعر، كان حيّا سنة 654هـ. له مؤلفات منها ألف جارية وجارية. انظر أعيان الشيعة 8/ 308.
(2) في ت: بلألاء، والآلاء: النّعم.
(3) ليست في ت وط.
(4) الدّهمة: السواد.(1/250)
وأنشدني له أيضا: [الطويل]
بعشر ينال العلم: قوت وصحّة ... وحفظ، وفهم ثاقب في التّعلّم
ودرس، وحرص، واغتراب، وهمّة ... وشرخ شباب، واجتهاد معلّم
وأنشدني له أيضا: [المتقارب]
متى يجمع المرء كلّ العلوم ... فيدري بها كلّ ما يجهل
وإن أنفق العمر في بعضها ... ففي أيّ حين به يعمل
(1) وأنشدني أيضا قال: أنشدني أبو الحسن عليّ بن موسى بن سعيد العنسيّ (2) الأندلسيّ المؤرّخ لنفسه (1): (3) [الطويل]
إذا ما غراب البين صاح فقل له ... برفق: رماك الله يا طير بالبعد (4)
لأنت على العشّاق أقبح منظرا ... وأكره في الأبصار من ظلمة اللّحد
تصيح بنوح ثمّ تعثر ما شيا ... وتبرز في ثوب من الحزن مسودّ
__________
(11) في ط: وأنشدني لنفسه. وهذا يعني أن البيتين لتاج الدين الغرّافي وهذا غير صحيح.
(2) علي بن موسى بن سعيد العنسي: ابن سعيد، مؤرخ أندلسي من الشعراء العلماء بالأدب نشأ واشتهر بغرناطة وقام برحلة طويلة إلى المشرق. توفي بتونس سنة 685هـ ومولده سنة 610هـ. له تأليف كثيرة منها: المغرب في حلى المغرب، المرقصات والمطربات، والغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة، والقدح المعلّى. له ترجمة في النفح 2/ 262بغية الوعاة 2/ 209فوات الوفيات 3/ 103.
(3) الأبيات في رايات المبرزين 18ونفح الطيب 2/ 267والمستطرف 2/ 329.
(4) في الرايات والنفح والمستطرف: ترّفق.(1/251)
وأنشدني له أيضا: (1) [60/ ب] [المنسرح]
كأنّما النّهر صفحة كتبت ... أسطرها والنّسيم منشئها
لمّا أبانت عن حسن منظره ... مالت عليه الغصون تقرؤها
وأنشدني أيضا قال: أنشدني نجيب الدّين أبو (2) الفتح نصر الله بن أبي (2)
العزّ الشّيبانيّ قال: أنشدنا الشّريف أبو هاشم أحمد بن محمّد الهاشميّ الحلبيّ لنفسه بحلب: [الكامل]
من ودّ أنّ عدوّه أعمى فلي ... ودّ بأنّ له عيونا أربعا
ليرى كمالي باثنتين ونقصه ... بالأخريين فلا يزال مروّعا (3)
وأنشدني أيضا قال: أنشدنا الإمام أبو سالم محمّد بن طلحة النّصّيبينيّ (4) في كتابه إليّ لنفسه: (5) [الكامل]
لا تركننّ إلى مقال منجّم ... وكل الأمور إلى الإله وسلّم
واعلم بأنّك إن نسبت لكوكب ... تدبير حادثة فلست بمسلم
__________
(1) البيتان في نفح الطيب 2/ 271المغرب في حلى المغرب 2/ 102و 173تعريف الخلف 1/ 15 حسن المحاضرة 2/ 393المقتطف من أزاهر الطرف 108اختصار القدح المعلّى 2رايات المبرزين 174مطالع البدور 1/ 126125بغية الوعاة 2/ 210طراز المجالس 212 الإعلام للمراكشي 9/ 159.
(22) سقط من ط.
(3) في ط: موزّعا.
(4) محمد بن طلحة النّصيبيني: من الأدباء الكتّاب. ولد بالعمرية من قرى نصيبين سنة 582هـ. وليّ الوزارة بدمشق. ثم تركها وزهد. توفي بحلب 692هـ. له: «العقد الفريد للملك السعيد» و «مطالب السّول في مناقب آل الرسول». ترجمته في شذرات الذهب 5/ 259غربال الزمان 527.
(5) البيتان في ملء العيبة 3/ 55، وشذرات الذهب 5/ 260دون عزو.(1/252)
وأنشدني أيضا، قال: أنشدني بعض المصريّين لنفسه يصف فوّارة: (1)
[السّريع]
فوّارة تشبه في لونها ... سبيكة من فضّة خالصه (2)
تلهيك بالحسن فقد أصبحت ... جارية ملهية راقصه
قال: وأنشدني بعضهم أيضا لنفسه: [السريع]
يا مادحا أمرا ولم يأته ... ولم ينل منه ولا جرّبه (3)
لا تغبط الكاتب في عيشه ... فإنّه المسكين ذو المتربه (4)
وله أيضا في القلم: [مخلّع البسيط]
وفارس بالظّلام سار ... ودمعه في سراه جار
تراه في السّير مشمعلّا ... يسير باللّيل في النّهار (5)
وأنشدني أيضا قال: أنشدني الإمام ناصر الدّين أبو العبّاس أحمد بن منصور الإسكندريّ الجذاميّ من نظمه: (6) [61/ آ] [البسيط]
الشّعر قسمان: مغسول ومعسول ... تداولا السّمع والثّاني هو السّول
أردّه أبدا إلّا إذا شفعت ... فيه المحاسن عندي فهو مقبول
__________
(1) الشاعر هو وجيه الدين المناوي، والبيتان في حسن المحاضرة 2/ 397ومطالع البدور 1/ 38.
(2) في حسن المحاضرة: فوّارة تحسب من حسنها.
(3) كذا في سائر النسخ «يا مادحا أمرا» وأظن فيه تصحيفا عن: يا مادحا مرءا إلخ.
(4) في ط: ذو المرتبة. والمتربة: المسكنة والفاقة.
(5) مشمعلّا: مسرعا.
(6) البيتان في ملء العيبة 3/ 55.(1/253)
وأنشدني أيضا لناصر الدّين المذكور رحمه الله: (1) [الكامل]
لا تحسبنّ الشّعر فضلا بارعا ... ما الشّعر إلّا محنة وخبال
الهجو قذف، والرّثاء نياحة ... والعتب ضغن، والمديح سؤال
وأنشدني له أيضا يرثي الفقيه الجليل الورع الصّالح أبا عمرو عثمان ابن عمر بن أبي بكر بن يونس المعروف بابن الحاجب رحمه الله، وكانت وفاته بالإسكندريّة سنة ستّ وأربعين وستّ مئة، ومولده بإسنا (2) من صعيد مصر سنة سبعين وخمس مئة، وأمر بكتب هذه الأبيات على قبره: (3)
[الطويل]
ألا أيّها المختال في مطرف العمر ... هلمّ إلى قبر الفقيه أبي عمرو
تر العلم، والآداب، والفضل، والتّقى ... ونيل المنى، والعزّ جمّعن في قبر (4)
وتدعو له الرّحمن دعوة صالح ... تكافى بها في مثل منزله القفر (5)
__________
(1) البيتان في ملء العيبة 3/ 55لابن المنيّر، وهما في رفع الأصر 120وشذرات الذهب 7/ 16 منسوبان للقاضي إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى البلبيسي المتوفى سنة 802هـ، وهذا غير صحيح.
(2) إسنا: بلدة على الضفة الإفريقية للنيل على بعد 496ميلا من القاهر على طريق النهر. انظر وصف إفريقيا 2/ 240.
(3) الأبيات في الديباج المذهب 191الطالع السعيد 356.
(4) في الديباج والطالع السعيد: غيّبن في قبر.
(5) في الديباج: دعوة رحمة يكافى. والبيت الثالث غير موجود في الطالع السعيد وهناك بيت آخر هو:
وتوقن أن لا بدّ ترجع مرّة ... إلى صدف الأجداث مكنونة الدّرّ(1/254)
وأخبرني حفظه الله عن أبي عبد الله بن الدّبيثيّ، أنّ أصل سلفة (1) يعني جدّ السّلفي (1)، أنّه كانت إحدى شفتيه عريضة مفروقة، فكأنّ له ثلاث شفاه، فقيل له بالفارسيّة: سي لبه، أي: ذو ثلاث شفاه. ثم عرّب فقيل: سلفة، ثم نسب الحافظ بعد قدومه إلى مصر فقيل: السّلفي. قال: ومولد الحافظ السّلفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة. وتوفي ليلة الجمعة الخامس من ربيع الآخر سنة ستّ وسبعين وخمس مئة.
وقرأت عليه بعض كتاب «فتح الوصيد في شرح القصيد» للشّيخ الإمام علم الدّين أبي الحسن عليّ بن محمّد (2) بن عبد الصّمد السّخاويّ، وجميع القصيد المشروح، وحدّثني بهما جميعا عن السّخاويّ المذكور سماعا عليه (3)
عن ناظمه أبي القاسم وأبي محمّد قاسم بن فيّرة الرّعينيّ الشّاطبيّ رضي الله عنه، وأخبرني أنّ وفاة [61/ ب] السّخاوي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستّ مئة (4) ومولده تقديرا سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمس مئة. وسألته عن نسبه فقال: هو منسوب إلى بلدة سخا (5) من ريف مصر وأنشدني له ممّا يحمله عنه (6) إجازة قال: وهي ممّا (7) أمر أن يكتب في أواخر قصائده النّبويّة الّتي نظمها معارضا للمعلّقات السّبع: [الكامل]
__________
(11) ليس في ط.
(2) ليس في ت وط.
(3) ليس في ت وط.
(4) في ط: «أن وفاة السخاوي بدمشق في جمادى الأخرة سنة تسع وخمسين وخمس مئة».
وهذا خطأ لأن التاريخ السالف هو تاريخ مولد السخاوي.
(5) في ت وط: سخاوة، وسخاكورة بمصر انظر ياقوت 3/ 196.
(6) في ت: منه.
(7) في ت: فيما.(1/255)
العفو شأنكم وعادتكم ... يا مورد الإحسان والفضل
دوموا على كرم يليق بكم ... ودعوا مجازاتي على فعلي
أنا واقف بالباب معتذرا ... أرجو مقالة سيّد الرّسل:
متشفّع بي كان يمدحني ... ويحبّني فآرعوه من أجلي (1)
وأخبرني أن الخليفة المستنصر (2) آخر ملوك بني العبّاس ببغداد، استدعى منه إجازة، فكتب له هذه القصيدة وهي: [الطويل]
[قصيدة السّخاوي في خلفاء بني العبّاس]
سلام على معنى الخلافة والهدى ... وحيث أقام الدّين والفضل والعلم
على سادة الإسلام شرقا ومغربا ... قضاء من الله الّذي حكمه الحكم
قضى لبني العبّاس أن تعلو الورى ... فطاعتهم فرض على خلقه حتم
بني عمّ خير العالمين ومن به ... مناقبهم تعلو، وجدّهم يسمو
5 - دعا فسقى الله الورى بإجابة ... ليعلم ما أعطاه من عنده فهم (3)
ولا يرزق الإيمان من لا يحبّه ... كذا جاءنا، والمصطفى قوله جزم
وقل قد أذاني من أذاه وإنّما ... أبو المرء في القربى يماثله العمّ (4)
__________
(1) البيت ساقط من ط.
(2) المستنصر: هو عبد الله بن الظاهر بن الناصر توفي سنة 639هـ.
(3) في ط: من عندهم.
(4) في ت وط: وقال قد.(1/256)
وأعطي في النّسل الشّريف خلافة الن ... نبوّة إن قرم مضى حازها قرم (1)
فهم كنجوم الأخذ إن مال غاربا ... لمدّته إكليلها طلع النّجم (2)
10 - أنار بها السّفّاح كلّ دجنّة ... وقام بها المنصور فابيضّت الدّهم (3)
فمهديّهم فالهاد ثمّ الرّشيد فال ... أمين فمأمون له العفو والحلم
ومعتصم مع واثق متوكّل ... ومنتصر والمستعين الذّرى الشّمّ
[62/ آ] ومعتزّهم والمهتدي ثمّ بعده ... بمعتضد تسطو ومعتمد تسمو (4)
وبالمكتفي يتلوه مقتدر كما ... إلى القاهر الرّاضي كذا العدّ ينضمّ
15 - كذلك مستكف أتى بعد متّق ... وبعد مطيع طائع للعدا الرّغم (5)
وقادرها مع قائم ثمّ مقتد ... ومستظهر يتلوه مسترشد شهم
وراشدهم والمقتفي ثمّ أنجدت ... بمستنجد والمستضيء وقد تمّوا
بناصرهم والظّاهر العفّ وابنه ... فعمّ البرايا عدله وانتفى الظّلم
إمام الورى المستنصر، الأيد الّذي ... بنصرة دين الله يعنى ويهتمّ
20 - فمن يده نار تجيش لدى الوغى ... وأيديه جنّات تجيء بها السّلم
ومنه لإدواء العفاة دواؤها ... ومنه لمرّاد العتاة الدّنى السّمّ (6)
__________
(1) رواية الشطر الثاني في ت: إن قوم مضوا حازها قوم.
(2) في ت: نجوم الأفق، ونجوم الأخذ: منازل القمر، ويقال: هي نجوم الأنوار.
(3) يعّدد الشاعر خلفاء بني العباس بدءا من السّفاح وحتى المستنصر، انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي 464256.
(4) أورد الشاعر في قصيدته المعتضد قبل المعتمد، مع أن المعتمد ولي الخلافة قبل المعتضد.
(5) في ط: طالع وهو تصحيف.
(6) العفاة جمع العافي وهو الضيف والعتاة جمع عاتي وهو الجبار المتمرّد.(1/257)
وكم فضّ من ختم عن المال باذلا ... وكم في الدّياجي حين يتلو له ختم
أجزت له دامت قواعد مجده ... مشيّدة لا نقض يخشى ولا هدم
جميع الّذي ألّفته ونقلته ... وما قلته ممّا تضمّنه نظم
25 - وللسّيّدين الماجدين تساميا ... ولا زال في كسب العلا لهما الغنم
لهم ذاك إن شاؤوه والرّأي رأيهم ... ولي شرف فيه إذا ما هم همّوا
وأنشدني له أيضا قصيدته الّتي سمّاها «ذات الشّفافي في مدح المصطفى» صلّى الله عليه وسلم، وحدّثني بها عنه سماعا وهي هذه: (1) [الكامل]
[القصيدة النّبويّة للسّخاوي]
قف بالمدينة زائرا ومسلّما ... واشكر صنيع الدّمع فيها أن همى (2)
فهي المنازل لم تزل تشتاقها ... أبدا وكنت بها المعنّى المغرما (3)
ألصق بتربتها الفؤاد فكم شفت ... داء دفينا قد أذاب المسقما (4)
عجبا لصبّ عاينتها عينه ... فوعى الجواب أو استطاع تكلّما (5)
5 - هذا هو الحرم الشّريف فقف به ... واقر السّلام على الرّسول متمّما
__________
(1) الأبيات 141211109854321في مرآة الزمان 8/ 503.
(2) همى الدمع: سال.
(3) المعنىّ: المتعب.
(4) في مرآة الزمان: والزق، وأسقما، والمسقم: المريض.
(5) في مرآة الزمان: فوعى الحوادث واستطاع تكلّما.(1/258)
وقل السّلام عليك يا من أنقذ الض ... ضلّال من ظلم الجهالة والعمى
يا سيّد الهادين يا خير الورى ... حسبا وأوسعهم ندّى وتكرّما
[62/ ب] يا خاتم الرّسل الكرام ومن له ال ... آيات تحكي في السّماء الأنجما
وله انشقاق البدر والجذع الّذي ... أبدى حنينا، والجماد تكلّما (1)
10 - والماء ينبع في الإناء ومن دعا ... زمرا إلى النّزر اليسير فأطعما (2)
ودعا بأشجار الفلاة فأقبلت ... وغدا على الحجر الأصّم فسلّما (3)
وعلا على متن البراق مشرّفا ... وسرا إلى أعلى السّماء معظّما (4)
يا صاحب الوجه البهيّ كأنّما ال ... قمر المنير إليه في النّور انتمى
يا صاحب الخلق الرّضيّ فما يرى ... إلّا رحيما مغضيا أو منعما
15 - يا صاحب القدّ الرّشيق فإن مشى ... بين الرّجال علا على من قد سما
يا مطلع الإيمان نورا مشرقا ... يمحو من الكفران ليلا مظلما
صلّى عليك الله ما انهلّ الحيا ... فكسا الرّياض مفوّفا ومنمنما (5)
وعليك من ربّي السّلام مضاعفا ... ما ردّدت ورق الحمام ترنّما
وأتت إليك اليعملات مشوقة ... تطوي المهامه والقفار على الظّما (6)
20 - وعلى أبي بكر خليفتك الّذي ... للحقّ قام مثقّفا ومقوّما (7)
__________
(1) يعدّد الشاعر بعض معجزات النبي صلّى الله عليه وسلم.
(2) في مرآة الزمان: إلى الزاد اليسير.
(3) في مرآة الزمان: وأتى على حجر أصّم فسلّما.
(4) في ط: وسما.
(5) في مرآة الزمان: مقوّيا ومقيما، والمفوّف: المزركش، والمنمنم: المرقوم الموشى.
(6) اليعملات: جمع اليعملة: وهي الناقة السريعة.
(7) التثقيف: تقويم الاعوجاج، والتقويم: التعديل.(1/259)
وغدا بأعباء الخلافة ناهضا ... لا عاجزا فيها ولا متلوّما
وعلى سبيل الله أنفق ماله ... حتّى تخلّل بالعباءة معدما (1)
سمّاه بالصّدّيق صدق يقينه ... سبق الرّجال إلى النّجاة فأسلما
وغدا بديل المصطفى متمسّكا ... وعلى أوامره يشدّ مصمّما
25 - وأنيسه في الغار حيث يقول: لا ... تحزن فإنّ الله أمنع من حمى (2)
وضجيعه في قبره ورفيقه ... يوم القيامة في الجنان منعّما
وعلى أمير المؤمنين منكّس ال ... أصنام حين غدا عليها مسلّما (3)
عمر الّذي للدّين كان مؤيّدا ... ولمن يعانده مذلّا، مرغما
في الحقّ فظّ ليّن متعاظم ... يجفو القويّ له ويدني الأيّما (4)
30 - سلس القياد لما يرى فيه رضا الر ... رحمن، صعب حين يخشى المأثما (5) ... [63/ آ] فتح الفتّوح وشاد للدّين العلا ... وغدا به ربع الضّلال مهدّما (6)
وعلى ابن عفّان الّذي استحيت لأج ... ل وقاره منه ملائكة السّما (7)
القانت، العفّ الصّبور أحاطت ال ... بلوى فأذعن للقضاء مسلّما (8)
__________
(1) العدم: الفقر.
(2) في ت: أكرم من حمى، واستفاد من قوله تعالى في سورة التوبة 40:
إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا
(3) منكس الأصنام: هو عمر بن الخطاب.
(4) في ط: فضّ والأيّم: التي لا زوج لها.
(5) في ت وط: لمن يرى يخشى المأتما.
(6) في ط: رفع الضلال.
(7) منه ليست في ت وط، ودونها لا يستقيم الوزن.
(8) في ط: العفو، وقنت: أطاع.(1/260)
عثمان ذي النّورين صهر المصطفى ... زوج ابنتيه غدا بذاك مكرّما
35 - الجامع القرآن والحبر الّذي ... في كفّه نطق الجماد فأفهما
جعل النّبيّ المصطفى يده له ... عن كفّه بدلا إلى أن يقدما (1)
وعليّ أبي الحسن الإمام المرتضى ... ذي الفخر والنّسب الكريم المنتمى
زوج البتول، أخي الرّسول، فتى الوغى ... ما فرّ قطّ ولا تأخرّ محجما (2)
حقّا وقال المصطفى: من كنت مو ... لاه فمولاه عليّ معلما (3)
40 - يا ربّ وال وليّه ونصيره ... أبدا وعاد عدوّه أنّى ارتمى
من كان في الأحكام أقضاهم وبال ... علم المصون عن البّرية أعلما (4)
وبنوه والصّحب الكرام جميعهم ... والتاّبعون لمن خلا وتقدّما
وعلى ابنة الصّدّيق عائشة الّتي ... في شأنها نزل الكتاب معظّما
وجميع أزواج النّبيّ وآله ... صلّى عليهم ربّنا وترحّما
45 - يا سيّد الأبرار جئتك أشتكي ... ألما ألمّ وحادثا قد أظلما
رانت على قلبي الذّنوب فلم يع الذ ... ذكرى وقد بلغ الزّبا سيل طما (5)
وبذا الجناب أعوذ يا خير الورى ... إذ زرته من أن أزور جهنّما
ولقد وقفت بساحة المولى الّذي ... وسع الأنام ندّى وجاد فعمّما (6)
__________
(1) في ط: عن فكّه. وهو تصحيف.
(2) أحجم عن الأمر: نكص وجبن.
(3) في ط: وبجم، وموضع هذا البيت بياض في ت.
(4) في ت: من البرية.
(5) هذا البيت والأبيات الثلاثة التي تليه ساقطة من ط، ران الذنب على القلب: غلب. والمثل بلغ السيل الزبا في مجمع الأمثال للميداني 1/ 91.
(6) في ط: وجاء فعمّما، وفي ت: معمّما. وعمّ: شمل.(1/261)
يا سيّدي والوفد منقلب غدا ... بم يرجع المسكين منقلبا بم؟ (1)
50 - إنّي أتيتك تائبا متنصّلا ... مستغفرا من زلّتي متندّما
يا ذا الجلال ارحم بحقّ المصطفى ال ... عبد الفقير المستجير المجرما
وامنن عليه بتوبة تمحو بها ... ما كان منه وما جناه وقدّما
واغفر لمنشدها عليّ ذنبه ... واغفر لمنشئها عليّ وارحما ... [63/ ب] فبمدح أحمد يرتجون شفاعة ... ذا منشدا فرحا، وذاك منظّما (2)
55 - واغفر لمستمع دعا لهما فما ... أجدى دعاء المؤمنين وأكرما
وأنشدني لبعضهم ولم يسّمه: [الكامل]
اقرأ هديت كتاب ربّك تهتد ... فالحقّ فيه وفي حديث محمّد
حازا علوما جمّة فالزمهما ... واقنع بحفظهما حياتك ترشد
الله يعلم أنّني لك ناصح ... فاقبل مقالة ناصح متودّد
وأنشدني أيضا في معناه لبعضهم: [البسيط]
ما العلم إلّا كتاب الله أو أثر ... تجلو بنور هداه كلّ ملتبس (3)
نور لمقتبس، خير لملتبس ... حمى لمحترس، نعمى لمبتئس
فاعكف ببابهما على طلابهما ... تحو الغنى بهما عن كلّ ملتمس
__________
(1) في ت: يا سيّدا، وفي ط: والوفد منفلت.
(2) في ت وط: يرجوان.
(3) في ط: تخلق بنور.(1/262)
ورد بقلبك عذبا من حياضهما ... تغسل بماء الهدى ما فيه من دنس (1)
واقف النّبيّ وأتباع النّبيّ وكن ... من هديهم أبدا ترنو إلى قبس (2)
واقصد مجالسهم واحفظ مجالسهم ... واندب مدارسهم بالأربع الدّرس
واسلك طريقهم، واصحب فريقهم ... تكن رفيقهم في حضرة القدس
تلك السّعادة إن تلمم بساحتها ... فحطّ رحلك قد عوفيت من تعس
وأنشدني أيضا قال: أنشدني بعض أشياخي ولم يسمّه: [البسيط]
سواد شعرك ملبوس تدلّ به ... أنّ السّواد يغطّي كلّ ملتبس
فوقّر الشّيب عن عيب يدنّسه ... إنّ البياض قليل الحمل للدّنس (3)
وأنشدني أيضا قال: أنشدنا (4) الإمام المؤرّخ أبو الحسن محمّد بن القطيعيّ ببغداد، قال: أنشدنا فارس المنبر أبو الفرج عبد الرّحمن بن الجوزيّ قال: أنشدنا محمّد بن عبد الباقي الأنصاريّ: (5) [الخفيف]
__________
(1) في ت وط: ما فيك من دنس.
(2) في ط: ترقى إلى قبس. اقف: اتبع.
(3) ينظر إلى بيت الشافعي في ديوانه 108:
احفظ لشيبك من عيب يدنّسه ... إن البياض قليل الحمل للدنس
(4) في ت وط: أنشدني.
(5) البيتان منسوبان في وفيات الأعيان 4/ 451. والوافي بالوفيات 4/ 143ومعجم الأدباء 18/ 259 ومراة الزمان 8/ 10. للشاعر محمد بن علي بن الحسن بن أبي الصقر، وهو فقيه شافعي توفي سنة 498هـ. له ترجمة في طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 40إضافة إلى المصادر السابقة.(1/263)
علّة سمّيت ثمانين عاما ... منعتني للأصدقاء القياما
فإذا عمّروا تمهّد عذري ... عندهم في الّذي ذكرت وقاما (1) [64/ آ]
قال: وأنشدنا ابن القطيعيّ أيضا، قال: أنشدنا عمر (2) بن عليّ الدّمشقيّ في كتابه، قال: أنشدنا أبو حامد (3) محمّد بن عبد الرّحيم الأندلسيّ لنفسه: [الرمل]
تكتب العلم وتلقي في سفط ... ثمّ لا تحفظ، لا تفلح قطّ
إنّما يفلح من يحفظ من ... بعد فهم وتوقّ من غلط
قلت: لم يسمع في (4) كلام العرب إدخال قطّ على الفعل المضارع، وإنّما يدخلونه على الفعل الماضي، فيقولون (5): لم أفعل هذا قطّ. وذلك أن «لم» تصيّر الفعل في المعنى ماضيا، ولا يقولون: لا أفعله قطّ، لأن «قطّ» مشتقّة من قطّ يقطّ، أي: يقطع، فمعناه: لم أفعله في كلّ ما مضى من الزّمان وانقطع، وهذا الّلفظ تغلط فيه الخاصّة والعامّة من أهل المشرق، وقد رأيت إنكاره لبعضهم وأظنّه أبا محمّد الحريريّ في كتابه «درّة الغوّاص» (6) وذكر في معناه ما ذكرته سواء، والله الموفق.
__________
(1) في بقية المصادر: بالذي.
(2) في ط: عمرو.
(3) ليست في ط.
(4) في ت: من.
(5) في ط: فيقول.
(6) هو كما ظن المؤلف، والكلام على «قط» في درة الغواص 1413.(1/264)
وأنشدني أيضا قال: أنشدنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد المجيد الصّفراويّ في كتابه، قال: أنشدنا أبو الفداء الموصليّ في مجلس وعظه: (1)
[الخفيف]
كلّ أمر إذا تفكّرت فيه ... وتأمّلته رأيت طريفا (2)
كنت أمشي على اثنتين قويّا ... صرت أمشي على ثلاث ضعيفا
وأنشدني أيضا قال: أنشدني بعض المغاربة ولم يسمّه: (3) [مخلع البسيط]
خانت عهودي يدي ورجلي ... فليس خطو وليس خطّ
كلّ على كلّ من يراني ... أشال كالثّقل أو أحطّ (4)
وأنشدني أيضا قال: أنشدنا الشّيخ الأديب الفقيه أبو عمرو بن الحاجب لنفسه: (5) [الخفيف]
إن تغيبوا عن العيون فأنتم ... في قلوب حضوركم مستمرّ (6)
مثلما تثبت الحقائق في الذّه ... ن وفي خارج لها مستقرّ (7) [64/ ب]
__________
(1) البيتان لمحمد بن علي بن الحسن الواسطي المعروف بابن أبي الصقر قالهما عندما طعن في السّنّ وكبر. وهما في طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 241وطبقات السبكي 4/ 192ووفيات الأعيان 4/ 450والوافي 4/ 143ومعجم الأدباء 18/ 258.
(2) في وفيات الأعيان والوافي: كل أمري، وفي طبقات السبكي كل مرء، وفي المصادر السابقة: رأيت ظريفا.
(3) البيتان في ألف باء للبلوي 2/ 430دون عزو.
(4) في ألف باء: من يليني. والكلّ: الذي يعتمد على غيره في المشي.
(5) البيتان في البلغة 140والطالع السعيد 356.
(6) في البلغة: في فؤادي.
(7) في البلغة: مثلما قامت وفي الخارج.(1/265)
وأنشدني للبحتريّ: (1) [الطويل]
ظعنت فلم أصبح لظعنك نادما ... رضيت بأن تنأى وترجع سالما
وما ذاك إلّا لاعتناقك ظاعنا ... وأخرى انتظارا لاعتناقك قادما
رضيت بتسليم وغيبة أشهر ... إذا لم تكن لي في مقامك راحما (2)
ولمّا عزمت على السّفر، قال لي: أتعلم (3) أنيّ بتّ البارحة مهموما؟ قلت:
لماذا؟ قال: لأجل فراقك. وقيّد اسمي ونسبي في برنامج شيوخه، وقيّد عني أبياتا من شعري وكتب بخطّه جميع القصيدة الّتي كتبت بها إلى ولدي محمّد وفّقه الله من القيروان، وبالغ في استحسانها، وسمع مني القصيد الحجازيّ الّذي قلته في طريق الحجّ.
ولمّا ودّعني في منصرفي إلى الحجاز أخذ بيدي وقال لي: استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتم عملك ثلاث مرّات. ثم قال لي: ردّ عليّ مثلها ففعلت، وأنشدني مودّعا باكيا في انصرافي عنه إلى الغرب: (4)
[الوافر]
أودّعكم وأودعكم جناني ... وأنثر عبرتي نثر الجمان (5)
وقلبي لا يريد لكم فراقا ... ولكن هكذا فعل الزّمان (6)
__________
(1) عبارة وأنشدني البحتري ساقطة من ط، والأبيات لم أقف عليها في المطبوع من ديوان البحتري.
(2) في ط: رغبة أشهرا. وهو تصحيف واضح.
(3) ليست في ط.
(4) البيتان لابن دقيق العيد في ديوانه 185، وهما في النجوم الزاهرة 5/ 228والوافي بالوفيات 5/ 112منسوبان لمحمد بن نصر بن منصور بن سعد القاضي المتوفى سنة 518هـ.
(5) في الديوان أودعكم حياتي، وانثر دمعتي.
(6) في الديوان وت وط: ولكن هكذا حكم الزمان.(1/266)
ولقيت بالإسكندريّة أشخاصا عرّفني بهم سيدي الشّريف المذكور، وذكر أنّ لهم إسنادا، واستجازهم لي فأجازوني، وكتبوا لي خطّهم بذلك، ولم أسمع منهم شيئا لا نحفازي للسّفر، وإجازتهم كلّها عامّة، وكان الشّيخ أبو الحسن المذكور هو الّذي دار بي عليهم، وقيّد لي بعض مسموعاتهم، شكر الله اهتباله (1)، وأنعم باله بمنّه وكرمه.
[لقاؤه لمحيي الدّين المازونيّ]
وممّن لقيت بها الشّيخ الأديب المسنّ أستاذ العربيّة في وقته أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن عبد العزيز الزّناتي، ويعرف بمحيي الدّين المازونيّ فأنشدني لنفسه (2) [الطويل]
ومعتقد أنّ الرّياسة في الكبر ... فأصبح ممقوتا به وهو لا يدري ... [65/ آ] يجرّ ذيول العجب طالب رفعة ... ألا فاعجبوا من طالب الرّفع بالجرّ (3)
وأنشدني أيضا لنفسه: (4) [الطويل]
عتبت على الدّنيا لتقديم ناقص ... وتأخير ذي فضل، فقالت: خذ العذرا (5)
بنو النّقص أبنائي، وكلّ فضيلة ... فأربابها أبناء ضرّتي الأخرى (6)
__________
(1) الاهتبال: العناية والتوفر وفرط الاهتمام وهي من ألفاظ المغاربة والأندلسيين.
(2) البيتان في البلغة 231فوات الوفيات 3/ 410الوافي بالوفيات 3/ 365بغية الوعاة 1/ 138غرر الخصائص الواضحة 68.
(3) في ت: ذيول العز، وفي الوافي والفوات: ذيول الكبر وفي الغرر: ذيول الفخر.
(4) البيتان في: الديباج المذهب 67ونيل الابتهاج على هامش الديباج 235.
(5) في ط وت والديباج والنيل لتقديم جاهل، وفي الديباج: وتأخير ذي علم.
(6) نيل الابتهاج والديباج: ذوو الجهل.(1/267)
وأنشدني لنفسه أيضا: [البسيط]
مالي أذكّر بالأوراق في نسق ... فما انتفعت بتذكيري ولا ملقي (1)
وصرت من سوء حفظي إذ أذكّركم ... كأنّني أبعث النّسيان في الورق (2)
وأيضا: (3) [الطويل]
إذا ما الّليالي جاورتك بساقط ... وقدرك مرفوع فعنه ترحّل (4)
ألم تر ما لاقاه في جنب جاره ... «كبير أناس في بجاد مزمّل» (5)
يعني الخفض على الجوار، (6) وهذا المعنى الّذي ابتكره (6) حسن جدّا.
وقد سألته: هل رآه لغيره؟ فقال لي: لم أره لأحد.
وأنشدني لنفسه أيضا: (7) [الخفيف]
قل لأهل الزّمان حاشاك ممّا ... أصبحوا فيه من مساو سواء
ما على شاعر هجاكم ملام ... هل رآكم أحسنتم فأساء؟
كان من قد مضى يعلّمنا المد ... ح وأنتم تعلّمونا الهجاء
__________
(1) الملق: التودّد والتلطّف.
(2) في ت وط: سوء خطّي.
(3) البيتان في البلغة 231، وفي النفح 5/ 190دون نسبة.
(4) في ت والبلغة: جاورتك بناقص.
(5) في البلغة: كثير التأسي في بجاد مزّمل. والبجاد: كساء مخطط من أكسية العرب. وقد ضمن الشاعر شطر بيت امرئ القيس وصدره: «كأن أبانا في أفانين ودقه» وهو من معلقته.
(66) في ت وط: وهذا معنى ابتكره.
(7) سلفت الأبيات في الصفحة 32من الرحلة.(1/268)
وأيضا: (1) [الكامل]
أمعلّمي حسن التصبّر بالجفا ... فثنى فؤادا منك لم يك ينثني (2)
لا بدّ من أجر لكلّ معلّم ... ولك السّلوّ ثواب ما علّمتني
وأيضا في أهل الإسكندريّة: (3) [الكامل]
يا منكرا من بخل أهل الثّغر ما ... عرف الورى أنكرت ما لا ينكر (4)
إن كان قد صحّت نتانة أهله ... فمن الثّغور كما علمت الأبخر (5)
وأيضا: [الخفيف]
أهل ذا الثّغر خير شيء يزين ... فيه أن تفقدوا وألّا تكونوا
جئتم للزّمان عونا عليّنا ... ومضى من على الزّمان يعين [65/ ب]
وأنشدني أيضا لنفسه في منار الإسكندريّة: [البسيط]
إن كنت تحسن تشبيه المنار فقل ... كما أقول وصفها مثلما أصف
طالت فطاولت الأرض السّماء بها ... لو لم تقف جازت الجوزاء لا تقف (6)
كأنّها غادة قامت على شرف ... تأتي الجواري إليها ثمّ تنصرف
__________
(1) البيتان في الوافي بالوفيات 3/ 365وفوات الوفيات 3/ 410.
(2) في الوافي والفوات: ومعلمي الصبر الجميل بهجره منه لم يك ينثني.
(3) البيتان في البلغة 231والوافي 3/ 365والفوات 3/ 410.
(4) في البلغة: علم الورى.
(5) في البلغة والوافي والفوات: أقصر فقد صحّت نتانة أهله. والبخر: الرائحة المتغيره من الفم.
(6) في ت: ولم تقف حاجة الجوزاء.(1/269)
وأنشدني أيضا لنفسه في المنار بيتا مفردا وهو: [الطويل]
كأنّ الجواري والمنارة غادة ... جوار وقوف عندها وجواري
وأنشدني أيضا لنفسه: [البسيط]
لامت على سرفي في الجود، قلت لها: ... يا هذه! سرفي في الجود من شيمي
وحسن ظنّي بالرّحمن يحملني ... على الّذي أتعاطاه من الكرم
فلا وجدت سوى مال أجود به ... ولا عدمت يدا تصبو إلى عدم
وأنشدني أيضا لغيره في أهل الإسكندرية: (1) [الكامل]
يا ساكني الإسكندريّة فيكم ... بات النّزيل بليلة الملسوع (2)
تقرونه بالإسطقسّات الّتي ... هي أصل كلّ مؤلّف مجموع
بهوائها، وبمائها، وترابها ... والنّار في أحشائه بالجوع (3)
__________
(1) الأبيات في النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة 332منسوبة للشاعر جلال الدين مكرم بن أبي الحسن بن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة الخزرجي.
(2) في النجوم الزاهرة: عندكم.
(3) في النجوم الزاهرة: بترابها وهوائها وبمائها.(1/270)
وأنشدني أيضا لغيره في البحر: (1) [مخلع البسيط]
البحر مرّ المذاق صعب ... لا رجعت حاجتي إليه (2)
أليس ماء، ونحن طين ... فما عسى صبرنا عليه (3)؟
وأخبرني أنّ مولده سنة ستّ وستّ مئة.
[البيع بالإشارة]
ومما قضى كلامي فيه بالإسكندرية مسألة البيع بالإشارة. كنت في أوّل يوم اجتمعت فيه بالفقيه زين الدّين حفظه الله ألفيت شيخا من طلبة الشّافعية يقرأ عليه كتابا من كتبهم، فقرأ هذه المسألة، وأنّه لا ينعقد بها إلّا ممّن يتعذّر عليه الكلام كالأخرس، فقلت له: إن كان هذا لأنّ الإشارة عندكم محتملة، فقولوا: لا ينعقد إلّا بالنّصّ الّذي لا يتطرّق إليه احتمال البتّة [66/ آ] وهو يعزّ وجوده، مع أنّكم لا تقولون به، فرام الجواب ولم يأت بشيء. وزيّف الفقيه جوابه. ثم أجاب أيضا بأنّه إنّما انعقد في حقّ الأخرس للضّرورة إلى بيعه وشرائه، ولا يمكن إلّا بالإشارة، فقلت له: إن كانت الإشارة لا تدلّ، فمن أين عرفنا قبوله أو ردّه؟. وإن كانت تدلّ فلم منعتم البيع بها في غير الأخرس؟ وقد دلّت كما دلّ النّطق، فإن دلّت، دلّت في الأخرس وغيره، وإن لم تدلّ لم يلزم حكما بها (4)، وكيف يلزم إخراج مال عن ملكه بغير دلالة على التزامه لذلك؟ هذا ما لا معنى له.
__________
(1) الشاعر هو ابن رشيق القيرواني، والبيتان في ديوانه 226ومعاهد التنصيص 3/ 90.
(2) رواية الديوان هي:
البحر صعب المرام مرّ ... لا جعلت حاجتي إليه
(3) عسى: ليست في ت. ودونها لا يستقيم الوزن.
(4) في ت: حكم بها.(1/271)
وقولهم: لا يمكن البيع من الأخرس إلّا بالإشارة إقرار منهم بأنّ لها دلالة، ونقض لقولهم في غير الأخرس، ثم أجاب الفقيه زين الدّين عن (1) الوجه الأوّل، وهو النّقض بإيجاب البيع باللّفظ الظّاهر بأنّ الأحكام تبنى على الظّاهر، وليست الإشارة في الظّهور كاللّفظ. هذا معنى كلامه، وهو غير مقنع، فإنّ الكلام إنّما هو في الإشارة الظّاهرة الدّلالة، وقد تكون أظهر في الدّلالة من اللّفظ، فلا فرق بينهما كما ذهب إليه مالك رحمه الله والله أعلم.
(2) والأليق بالصّواب على مذهب الشّافعيّ (3) في كون الإشارة لا تدلّ عنده في غير الأخرس أن يلحق الأخرس بالسّفيه فيولّى عليه من يتولّى النّظر في مصالحه، فيبيع عليه ويشتري لتعذّر توصلّه إلى مصالحه، وهو المعنى الموجب للولاية على السّفيه، ولكنّهم لم يقولوا ذلك، وتناقضوا فيما ذهبوا إليه والله أعلم. (2)
وسألت الفقيه زين الدّين عن معنى قول ابن الحاجب: وفي تقدير موافق صفة الماء مخالفا نظر. فقال: معناه أنّ المائع الّذي يضيف الماء وهو على صفة الماء بحيث لا يغّيره، هل يعتبر عدم تغييره للماء؟ فيقال: إنّ الماء باق على أصله، أو يقدّر مخالفا للصّفة بحيث يغيّر الماء، فتؤثّر (4) في سلب (5)
__________
(1) في ت: على.
(22) سقط من ت.
(3) أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع الهاشمي. أحد الأئمة الأربعة. ولد في غزة سنة 150هـ وتوفي سنة 204هـ. ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 1/ 293وما بعد، المحمدّون من الشعراء 192.
(4) في ط: فيؤثر.
(5) في ت: سبب.(1/272)
التّطهير إضافة الماء بالمقدار الّذي يغيّره لو كان مخالفا، فيه نظر. قلت: وهذا تفسير جيد مناسب لما تقدّم [66/ ب] من كلام المؤلّف على الماء المضاف، ويحتمل وجها آخر وهو التّشكّك في الماء، هل هو ماء مطلق أو غيره ممّا [هو] (1) على صفته فإذا وجدنا مائعا هو على صفة الماء المطلق ولم نقطع بأنّه ماء مطلق، وجوّزنا أن يكون مائعا آخر، فهل يحمل على الماء أو على غيره فيه نظر؟ وقد عرضنا (2) عليه هذا الوجه، فقال: يحتمل، قلت: وهذا الوجه لم أقف فيه على نصّ والأظهر في الوجه الأوّل أنّ التّقدير المذكور لا بدّ منه، فإن حصل في الماء من المائع الّذي على صفته ما يغيّره لو كان مخالفا سلبه التّطهير، ولو كان ذلك لا يؤثّر لبقاء الماء على صفته، لصحّ الوضوء بنقطة ماء صبّ عليه قنطار من مائع آخر على صفته. وقد روى أشهب عن مالك في «العتبيّة» (3) المنع في أخذ المتوضىء الماء بفيه لغسل يديه. وأشار الباجيّ في تعليله إلى ما ذكرنا. وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم جوازه، واعتبر بعدم ظهور الإضافة مع أنّ الغالب أنّ الرّيق يضيفه، والأظهر في الوجه الثّاني حمله على الماء المطلق حملا على الغالب، واعتبارا بالأكثر لأنّ الغالب أنّ المائع الّذي على صفة الماء هو ماء مطلق، وتجويز غير ذلك تشكّك (4) ووسوسة لم تبن على أمارة، فلا تؤثر كما لو تحقّق أنّه ماء مطلق
__________
(1) زيادة من ت.
(2) في ت: عرضت.
(3) منسوبة إلى مصنّفها فقيه الأندلس محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي القرطبي المتوفى سنة 245هـ واسمها كاملا: «المستخرجة العتبية على الموطأ» وهي مسائل في مذهب الإمام مالك. انظر كشف الظنون 1124.
(4) في ط: تشكيك.(1/273)
وشكّ هل وقعت فيه نجاسة، وإن كانت هناك أمارة وجب اعتبارها، مثل (1) أن يوجد المائع في إناء لم تجر العادة باستعماله في الماء المطلق، أو يوجد مطيّنا عليه أو نحو ذلك، والله أعلم.
وسألته عن ظروف الماء إذا حالت رائحتها، وكنت سئلت عنها في الطّريق، وكثيرا ما يتّفق فيها ذلك، فقال: إنّ ذلك من باب تغيير الماء لطول المكث فينبغي ألّا يؤثر ولا سيما مع الضّرورة في الأسفار إليها. قلت: وينبغي أن ينظر فإن كان التّغيّر لمجرّد (2) طول المكث، أو (3) لأجل المياه المتغيّرة التي لها حكم التّطهير وجب ألّا يؤثر، وإن كان لنقص في عمل الظّرف [67/ آ] ودباغه، فالتّغيّر (4) إذا من عفونة الجلد فوجب أن يؤثّر، وقلّما يخفى التّمييز بينهما، فإن خفي وأشكل فمحلّ نظر، وينبغي أن يلحق بالماء الّذي يسميه أصحابنا المشكوك، فيجمع بينه وبين التّيمّم على رأي من يرى ذلك منهم، والله أعلم.
[ذكر القاهرة]
ثمّ وصلنا إلى قاعدة الدّيار المصرية، ومدينة المملكة بالبلاد المشرقيّة، فوجدناها معيديّة (5) المعنى ببعض ما رأينا بها وسمعنا. وهي مدينة كبيرة
__________
(1) في ت: حدّ.
(2) في ط: بمجردّ.
(3) في ت: إلى أجل.
(4) في ت وط: فالتغيير.
(5) في ت وط: معدية. وهي إشارة للمثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. انظر أمثال أبي عبيد 97والمستقصى 1/ 370، والميداني 1/ 129.(1/274)
القطر، وساكنها يحاكي عدد (1) الرّمل والقطر، وهي مع ذلك تصغر عن أن يسطّر ذكرها في سطر. تريك صورة ليلى (2) في عين ابن الحميّر (3)، وتسفر لك خيرتها عن وجه كثيّر (4)، وتبلّد الذّكيّ النّحرير (5) [وتحيّر]. (6) وتكدّر الذّهن الصّقيل وتغيّر، وتنفي بأذاها وقذاها كلّ فاضل خيّر. فإن (7) نظرت إلى صورتها ذكرت قول القائل: (8) [الوافر]
بغاث الطّير أطولها رقابا ... ولم تطل البزاة ولا الصّقور (9)
وإن تأولت إلى مغناها ذكرت قوله:
وقد عظم البعير بغير لبّ ... فلم يستغن بالعظم البعير
وإن تأمّلت إفراط عمارتها ذكرت قوله:
خشاش الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصّقر مقلاة نزور (10)
__________
(1) في ت وط: عديد.
(2) هي ليلى الأخيليّة الشاعرة محبوبة توبة بن الحمير.
(3) توبة بن الحمير عاشق الأخيليّة، وقصّتهما معروفة ومذكورة في كتب الأدب.
(4) هو كثيرّ عزّة. وكان دميم الوجه.
(5) النحرير: الحاذق، الماهر العاقل المجرّب.
(6) زيادة من ت وط.
(7) في ت وط: فإذا.
(8) الأبيات الثلاثة من قصيدة في ديوان كثّير عزّة 530529، وهي من القصائد التي اختلف العلماء في عزوها، انظر تخريجها ثّمة.
(9) بغاث الطير: ما لا يصيد، ولا يرغب في صيده.
(10) خشاش الطير: شرار الطير وما لا يصيد، النزور من الإناث: القليلة الأولاد.(1/275)
[هجاء أهل القاهرة]
وحسبها شرّا أنها جرين لحثالة (1) العباد، ووعاء لنفاية البلاد، ومستقرّ لكلّ من يسعى في الأرض بالفساد، من أصناف أهل الشّقاق والنّفاق (2)، والعناد والإلحاد. استولى الحسد على قلوبهم، واستوى الغشّ في جيوبهم فنار الحسد مضطرمة في الجوانح، وسمّ (3) الغشّ ممزوج في عسل النّصائح. خرجت عمارتها عن الحدّ المعروف، وزادت كثيرا على القدر المألوف: [الوافر]
وما الّلجج الملاح بمرويات ... ويلفى الرّيّ في النّطف العذاب (4) [67/ ب] فهي سوق ينصب بها الشّيطان رايته، ويجري إليها غايته، ويري فيها لأتباعه وهم أهلها آيته. أطبقوا (5) على سوء الأخلاق، وتوافقوا على رفض الوفاق، وتراضعوا لبان اللّؤم، وتحالفوا لا وجد منا افتراق (6) فجوادهم «أبخل من الحباحب» (7) وشجاعهم: «أجبن من صافر الجنادب» (8) وعالمهم: «أجهل من
__________
(1) جرين: تصغير جرن. والحثالة: الرديء من كل شيء، وحثالة الناس: رذالهم وشرارهم.
(2) ليست في ط.
(3) في ت وط: سهم.
(4) النّطفة: الماء الصافي قلّ أو كثر.
(5) في ت: طبعوا.
(6) أفاد من قول الأعشى في ديوانه 225:
رضيعي لبان ثدي أمّ تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرّق
(7) في ت: نار الحباحب، ويقال أبخل من أبي حباحب، وهو رجل من العرب كان لا يوقد إلّا نارا صغيرة لئلا يراها ضيف. انظر الدّرّة الفاخرة 1/ 90جمهرة الأمثال 1/ 246والمستقصى 1/ 11واللسان والتاج حبحب.
(8) هو في الدّره 1/ 111، أمثال أبي عبيد 371الجمهرة 1/ 225، الميداني 1/ 184، المستقصى 1/ 44، تمثال الأمثال 1/ 120. فصل المقال 499، اللسان والتاج صفر. وفيها أجبن من صافر.
ويقال: إنه لأجبن من صافر. قال أبو عبيد: هو ما صفر من الطير، ولا يكون الصّفير في سباع الطير إنما يكون في خشاشها وما يصاد منها.(1/276)
فراش» (1)، ورفيعهم: «أوضع من خشاش» (2)، ورصينهم «أحير من خداش» (3)، وجميلهم «أقبح من غول» (4) وصحيحهم: «أسقم من مذبول» (5)، وفصيحهم: «أعيا من باقل» (6)، وعزيزهم: «أذلّ من سائل» (7) يمشي الكرم بينهم مطرقا ومقنّعا، وينفق اللّؤم لديهم مفرّقا ومجمّعا. من أظهر منهم نسكا فأحبولة نصبها للصّيد. ومن تعلّم علما فحيلة أدارها (8) للكيد. يسهر اللّيالي فلا ينام ولا ينيم، ويرتكب من مشاقّ الاجتهاد كلّ عظيم. ويمشي الهوينى مشي الوجي (9) أو السّقيم، حتّى يصيب وديعة ليتيم. على السّلطان وقفت آمال العالم منهم والمتعلّم. وعلى اقتناص دراهمه يحوم الزّاهد، والفقيه، والمحدّث، والمتكلّم. فمهما لاح له برق طمع وقف شائما له لم يرم (10)، على ذلك نشأ
__________
(1) هو في الدرّة 1/ 121والجمهرة 1/ 334والميداني 1/ 188والمستقصى 1/ 58وفيها جميعا أجهل من فراشة. قيل: لأنها تطلب النار فتلقي نفسها فيها. وانظر ثمار القلوب 506.
(2) لم أقف عليه في كتب الأمثال، وفي اللسان: الخشاش: الحشرات.
(3) لم أقف عليه في كتب الأمثال ولعله يريد الإشارة إلى البيت:
تكاثرت الظباء على خداش ... فما يدري خداش ما يصيد
(4) هو في الدرة الفاخرة 1/ 351.
(5) لم أقف عليه في كتب الأمثال، والمذبول: الإنسان الذي ذوى بعد صحة من مرض.
(6) هو في الدّرة 1/ 311والجمهرة 2/ 72والمستقصى 1/ 256والميداني 2/ 43وفي أمثال أبي عبيد 368وفصل المقال 496، وفيها: إنه لأعيا من باقل. وانظر اللسان: بقل، وثمار القلوب 127.
(7) لم أجده مثلا فيما رجعت إليه من كتب الأمثال. وفي ثمار القلوب 674 «ذلّ السؤال» ومن أحسن ما سمعت فيه قول القائل:
يقول الناس كسب فيه عار ... فقلت: العار في ذلّ السّؤال
لنقل الصخر من قلل الجبال ... أخفّ عليّ من منن الرجال
(8) في ت وط: أرادها.
(9) الوجا: الحفا. وقد استفاد من قول الأعشى في ديوانه 55:
غرّاء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
(10) لم يرم: لم يفارق.(1/277)
النّاشيء منهم، وعليه درج الهرم. الدّنيا عندهم جوهر، والآخرة عرض، وآمالهم صحيحة، ودينهم به مرض، وسهم الرّياء بينهم يرشق كلّ غرض (1).
وقد رأيت فيهم من قلّة الحياء، وعدم التّنزّه عن الخنا والفحش. ومن قلّة التّستّر عند قضاء الحاجة والأكل ما تقضّيت منه العجب. وأمّا بغضهم للغريب، وتمالؤهم على ذلك، فأمر لا يحيط به علما إلّا من عاينه، وقد رأيتهم في طريق الحجاز إذا سمعوا مهارشة شخص منهم لغريب (2) يتجارون إليه (3) من كلّ ناحية كما تصنع الكلاب إذا رأت كلبا غريبا بينها. وما رأيت بالمغرب الأقصى والأندلس على شكاسة أخلاقهم، ولا بإفريقية وأرض برقة والحجاز والشّام فريقا من النّاس أرذل أخلاقا [68/ آ]، وأكثر لؤما وحسدا، ومهانة نفوس، وأضغن قلوبا، وأوسخ أعراضا، وأشد دمامة (4) وخيانة، وسرقة وقساوة، وأجفى للغريب من أهل هذه المدينة المؤسّسة على غير التّقوى. وحقّ لمدينة وضع أساسها عبد الزنادقة (5) غلام بني عبيد (6) لعنهم الله أن تجمع أخلاق العبيد، وأحوال الزّنادقة (7)، ناهيك من قوم جعلوا الخنا شعارهم، والحسد المؤرّث للضّنا (8) دثارهم. فترى الشّيوخ منهم يتهارشون في الطّرقات، ويقطعون بلعنة
__________
(1) الغرض: الهدف الذي ينصب فيرمى إليه.
(2) في ت: بغريب.
(3) ليست في ط.
(4) الدمامة: قبح المنظر.
(5) يقصد به جوهرا الصقلّي.
(6) بنو عبيد: الفاطميون.
(7) في ط: الزندقة.
(8) الضّنا: المرض والهزال.(1/278)
أسلافهم فسيح الأوقات. وقلّما يصدر من صبيانهم ما يصدر منهم. ولا يؤثر عن أطفالهم ما يؤثر عنهم، وقد قيل فيهم: إنّهم أعقل النّاس صغارا، وأحمقهم كبارا. حكاه أبو عبيد البكريّ في كتابه المسالك. وحكى فيه أيضا أنّ أبا دلامة (1) جاء إلى مصر ثم رجع فسئل عنها فقال: «ثلثها كلاب، وثلثها تراب، وثلثها دواب، فقيل له (2): فأين النّاس؟ فقال: في الثّلث الأوّل».
وقلّما ترى (3) من أهلها (3) رجلا صافي اللّون إلّا (4) إن كان من غيرها.
ولا رجلا طلق اللسان. والّلكنة فيهم فاشية، وجمهورهم يجعل القاف والكاف همزة. وقد سمعت شخصا منهم في التّلبية يقول: لبّيك اللهم لبّيك، ويجعل كافاتها كلّها همزات، فلو سمعته سمعت كلاما مضحكا.
وأمّا العقوق بينهم فمتعارف، كان معنا في طريق الحجاز شخص منهم حجّ بأمّه، فكان إذا اغتاظ عليها يقول لها: لعنك الله، ولعن الّذي اواك يعني أباه وذلك بعد ما حجّ بها. وسمعت شخصا منهم ينادي رفيقه في الرّكب، فلمّا أتاه لعنه ولعن أباه، وقابله الآخر بمثل ذلك، وتهارشا (5) زمانا ثمّ قعدا يأكلان.
__________
(1) أبو دلامة: زند بن الجون الأسدي بالولاء. شاعر مطبوع. نشأ بالكوفة، واتصل بالخلفاء العباسيين، وكان يتّهم بالزندقة لتهتكه. توفي سنة 161هـ. ترجمته في وفيات الأعيان 2/ 320 الأغاني 10/ 273235معاهد التنصيص 2/ 211غربال الزمان 150.
(2) ليست في ط.
(33) سقط من ط.
(4) سقط من ت.
(5) تهارشا: تخاصما وتقاتلا.(1/279)
[تضييع المساجد]
ومن الغرائب عندهم تضييع المساجد والجوامع وإهمالها، وقلّة التّحفّظ فيها، حتّى تصير مثل المزابل، وتسودّ حصرها وحيطانها من الأوساخ. وقد صلّيت الجمعة في بعض جوامعها، فرأيت فيه (1) أكواما من أنواع الكناسات.
وهم يعتقدون [68/ ب] نجاسة مساجدهم وجوامعهم وهي كذلك فلا يأتي من مصلّيهم شخص إلّا بحصير أو ثوب يصلّي عليه، وقد رأيتهم يفرشون في المحراب ما يصلّي عليه الإمام، فما أكثر جفاءهم، وما أقلّ من الله حياءهم، ولولا لطف الله في تملّك الأتراك لهم ما أمكن المقام بها مسلما.
ولكنّ ملوكهم أهل دين، وعقائد سليمة، وشفقة وحنان على المسلمين، وتفضّل على الفقراء، وحسن ظنّ بأهل الدّين، وهم ركن الإسلام نفعهم الله وأحسن عونهم وقد رأيت من خدمتهم للرّكب، واحتياطهم وصبرهم، وحسن محاولتهم، ما تعجّبت منه، فالحمد لله على تيسير العون على طاعته.
وكان وصولنا إلى هذه المدينة في أخريات رمضان، فأتممنا الشّهر بها، وصلّينا معهم صلاة العيد، وهم يصلّونها (2) في المساجد، وبعضهم في ساحة تحت القلعة وسط البلد، ولا يبرزون لها كما وردت به السّنّة، ولم نر منهم يومئذ من صدر منه التّأنيس بكلمة. وممّا قلت في ذلك: [الطويل]
ذكرت بيوم الفطر في مصر إذ أتى ... وقوس النّوى ترمي الحشا أسهم الكرب (3)
__________
(1) في ت: فيها.
(2) في ط: يصلّون.
(3) النوى البعد. الكرب: الحزن والغّم الشديد.(1/280)
فراخا نأى أنسي بنأي محلّهم ... وصحبا كراما ضمّهم أفق الغرب
فأفطرت من قبل الغّدو بعبرة ... غنيت بها يومي عن الأكل والشّرب
وكنت نزلت بالمدرسة الكامليّة (1) منها في علّو مشرف على السّوق، فكنت قلّما أرقد إلّا منغصّا لصياح الباعة وهم يبيعون طول اللّيل، وقلّما يكون طعام الشّريف منهم والوضيع إلّا من السّوق، والضّغط على ذلك، والزّحام متّصل، والطّرق غاصّة بالخلق، حتّى ترى الماشي فيها ماله همّ سوى التّحفّظ من دوس الدّواب إيّاه، ولا يمكنه تأمّل شيء في السّوق لأن الخلق يندفعون فيها مثل اندفاع السّيل. وقد ضاعت لي بها دابّة بسبب الزّحام، كان عليها شخص راكبا، فتكاثر عليه الزّحام حتّى أسقط عنها، واندفعت في غمار الخلق ولم يمكنه التوصّل إليها وهو [69/ آ] يبصرها حتّى غابت عنه، وكان آخر العهد بها.
وحدّثت أنّ رسولا من قبل ملك الرّوم أخزاهم الله وصل إليها في مدّة الملك الظّاهر (2)، فأمرهم الملك أن يدوروا به بعد العصر في البلد قصدا لأن يرى إفراط (3) عمارة البلد، فداروا به، فقال لهم: إنّ بلدكم هذا ضعيف.
فقالوا: وكيف ذلك؟ أو ماترى المخلوق الذّي به؟ فقال لهم: إنّ هؤلاء جميعا
__________
(1) بناها الملك الكامل وتمّ الانتهاء من عمارتها سنة 621هـ. انظر خطط المقريزي 2/ 375.
(2) الملك الظاهر بيبرس العلائي: فاتح، قائد شهير، تولى سلطنة مصر والشام سنة 658. له وقائع مع التتار والإفرنج. توفي بدمشق 676هـ ودفن فيها. ترجمته في فوات الوفيات 1/ 235النجوم الزاهرة 7/ 94بدائع الزهور 1/ 342308حسن المحاضرة 2/ 95.
(3) ليست في ط.(1/281)
ما خرجوا إلّا لشراء عشائهم من السّوق، ولو كان في ديارهم طعام لاستغنوا عنه، ولو تعذّر السّوق عليهم لماتوا جميعا من الجوع.
ومن المألوف عندهم الأكل في الأسواق، والطّرقات، والمحافل. والعرض عندهم ساقط، وقد شاهدت من بعض أكابرهم، والمشار إليه عندهم في هذا المعنى ما لا منتهى وراءه في القبح، ونعوذ بالله من وضاعة الأخلاق.
وقد حدّثنا الشّيخ [الإمام] (1) المعمّر شهاب الدّين أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدّمشقيّ، قراءة عليه وأنا أسمع، أخبركم الشّيخ أبو حفص عمر بن محمّد بن طبرزد البغداديّ الدارقزّي (2) المؤدّب بدمشق في سنة ثلاث وستّ مئة، قال: أخبرنا الشّيخ الرّئيس أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد بن الحصين الشّيباني في سنة خمس وعشرين وخمس مئة، قال: أخبرنا الشّيخ أبو طالب محمّد بن محمّد بن إبراهيم بن غيلان البزّار، قال: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشّافعي، قال: نا عبد الله بن إسحاق الخطيب، قال: نا لوين، نا بقية، حدّثني عمر بن موسى، حدّثني القاسم مولى ابن يزيد عن أبي أمامة قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «الأكل في السّوق دناءة»
(3).
وحدّثنا الفقيه المقرىء تقيّ الدّين أبو محمّد إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبريّ بحرم الخليل (4) عليه السّلام قراءة منّي عليه، قال: أنا
__________
(1) زيادة من ت.
(2) نسبة إلى محلّة دار القزّ في بغداد.
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 512والبغدادي في تاريخ بغداد 3/ 163و 10/ 125وهو في فيض القدير 3/ 181وكنز العمال 15/ 260.
(4) الخليل: مدينة شهيرة في فلسطين، تقع إلى جنوب القدس إلى المغرب، وتبعد عنها نحو 59كم.
وفيها قبر الخليل عليه السلام في مغارة تحت الأرض، انظر ياقوت 2/ 387.(1/282)
الشّيخ العالم الصّالح تقيّ الدّين أبو عبد الله محمّد بن شبل بن عبد الله المقريء الضّرير، قال: أنا [الشّيخ] (1) الشّريف أبو المكارم محمّد بن عبد الواحد ابن أحمد بن المتوكّل على الله، والشّيخ أبو محمّد [69/ ب] عبد الرّحمن بن أبي العزّ محمّد بن أبي البركات البزّار المعروف بابن الخبّازة، قراءة عليهما وأنا أسمع، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأوّل بن عيسى السّجزيّ، قال: أنا الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمّد بن عليّ بن متّى (2) الأنصاريّ قراءة عليه، قال: أنبأنا بشر بن محمّد بن عبد الله الأبوورديّ الصّوفي، حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عليّ السّوسيّ (3) بالسّوس، قال: أنا أبو جعفر محمّد بن محمّد المقريء (4) بالبصرة، نا سهل بن عليّ بن عفير الأنصاريّ، نا إسماعيل بن توبة الثّقفيّ، نا إسماعيل بن جعفر، قال حدّثني حميد الطّويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «سمعت جبريل يقول: سمعت ميكائيل يقول: سمعت إسرافيل يقول: قال الله عزّ وجلّ: إنّ هذا الدّين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلّا السّخاء والخلق الحسن»
(5) ورواه عليّ بن سلّام متابعا لإسماعيل بن توبة وزاد فيه «فأكرموه بهما ما صحبتموه».
__________
(1) زيادة من ت.
(2) في ت وط: مت.
(3) في الأصل: التونسي وهو تحريف.
(4) في ت: المصري.
(5) حديث قدسي أخرجه ابن حبّان في المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين 2/ 134والهندي في كنز العمال 3/ 20، وهو في الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية 55.(1/283)
[عناية أهل القاهرة بالمنطق]
ومن الأمر المنكر عليهم، والنّكر المألوف لديهم، تدارسهم لعلم الفضول، وتشاغلهم بالمعقول عن المنقول، في إكبابهم على علم المنطق، واعتقادهم أنّ من لا يحسنه، لا يحسن أن ينطق، فليت شعري هل قرأه الشّافعيّ ومالك، أو هو أضاء لأبي حنيفة (1) المسالك. وهل عاركه أحمد بن حنبل (2)، أو كان الثّوريّ (3) على تعلّمه قد أقبل، وهل استعان به إياس (4) في ذكائه، أو بلغ به عمرو (5) ما بلغ من دهائه. أو تمرّس به قسّ وسحبان (6)، ولولاه ما أفصح أحد منهما (7) ولا أبان. أترى عقول القوم كليلة. إذ لم تشحذ على مسنّه، أترى فطنهم عليلة لمّا لم تكرع (8) في أجنه (9) عجبا كيف رويت قرائحهم ولم تمطر بعارض دجنه (10)، كلّا هي أشرف من أن تقيّد في سجنه. وأشفّ من أن يستحوذ (11) عليها طارق جنّه. تالله لقد أغرق القوم فيما لا يعنيهم، وأظهروا
__________
(1) النعمان بن ثابت التّميميّ بالولاء فقيه، صاحب المذهب الحنفي توفي سنة 150هـ.
(2) أحمد بن حنبل: إمام المذهب الحنبلي، توفي سنة 241هـ.
(3) هو سفيان بن سعيد بن مسروق: مفسّر محدّث، كان عالم هذه الأمة. وعابدها وزاهدها ولد ونشأ بالكوفة وتنقّل بين المدن إلى أن توفي بالبصرة سنة 161هـ. له تفسير القرآن الكريم، ترجمته في سير أعلام النبلاء: 7/ 229، ومصادرها ثمة.
(4) هو إياس بن معاوية: قاضي البصرة ضرب به المثل في الذكاء والفطنة توفي سنة 122هـ ترجمته في وفيات الأعيان 1/ 247ثمار القلوب 72.
(5) عمرو بن العاص: أحد عظماء العرب ودهاتهم فاتح مصر توفي سنة 43هـ. ترجمته في الإصابة 3/ 2الاستيعاب 2/ 502.
(6) قس بن ساعدة الإيادي وسحبان وائل فصيحان من فصحاء العرب يضرب بهم المثل في البلاغة.
(7) في ط: أحدهما.
(8) كرع في الماء: تناوله بفيه من موضعه.
(9) أجن الماء: تغيّر لونه وطعمه ورائحته.
(10) العارض: ما اعترض في الأفق فسدّه من سحاب وغيره. الدّجن: ظلمة الغيم في اليوم المطير.
(11) يستحوذ: يستولي ويغلب.(1/284)
الافتقار إلى ما لا يغنيهم، بل يعنتهم مع (1) السّاعات ويعنيّهم. والشّيطان {يعدهم ويمنّيهم} [2] أما إنّه قد كان الآحاد من أهل العلم ينظرون فيه غير مجاهرين، ويطالعونه لا متظاهرين، لأنّ أقلّ آفاته أن يكون شغلا بما لا يعني الإنسان، وإظهار حوجه (3) إلى ما أغنى عنه الرّبّ المنّان، والّذي دعا بعض الفضلاء إلى مطالعته [70/ آ] هو اتّقاء شرّه، والحذار من غائلته (4)
ومكره، وقد قال عمر رضي الله عنه: «من لم يعرف الشّرّ أجدر (5) أن يقع فيه» ونظم هذا بعضهم فقال (6): [الهزج]
عرفت الشّرّ لا للشّر ... ر لكن لتوقّيه
ومن لم يعرف الشّرّ ... من النّاس يقع فيه
وأما هؤلاء، فقد جعلوه من أكبر المهمّات واتّخذوه عدّة لللنّوائب والملمّات فهم يكثرون فيه الأوضاع وينفق كلّ منهم في تحصيله العمر المضاع. ويحهم! أما سمعوا قول داعي الهدى لمن أمّه، حين رأى عمر كتب التّوراة في لوح فضمّه (7)، فغضب وقال مفهما للحافظ الواعي: «لو كان موسى وعيسى حيّين ما وسعهما إلّا اتّباعي» (8) وإذا لم يوسعه عذرا في الكتاب الّذي
__________
(1) في ط: على.
(2) سورة النساء الآية 120.
(3) في ط: حوج.
(4) في ط: غوائله.
(5) في ت وط: كان أجدر.
(6) الشاعر هو أبو فراس الحمداني، والبيتان في ديوانه 3/ 431.
(7) في ط: من فضّة.
(8) أخرجه أحمد في مسنده: 3/ 338، وهو في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة 292.(1/285)
جاء به موسى نورا، فما ظنّك بما وضعه المتخبطّون في ظلام الشّرك، وافتروا فيه كذبا وزورا، فيا لله (1) للعقول المنحرفة، غرقت في بحور ضلال الفلسفة. ولله درّ شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ (2) فإنّه مباين لهم في ذلك، منزّه لنفسه عن تلك المسالك، وقد أنشدني في هذا المعنى لنفسه: (3) [الطويل]
وما العلم إلّا في كتاب وسنّة ... وما الجهل إلّا في كلام ومنطق
وما الخير إلّا في سكوت بحسبة ... وما الشّرّ إلّا من كلام ومنطق (4)
ومن قول الفقيه القاضي الأوحد فريد عصره أبي حفص عمر بن عبد الله بن عمر السّلمي رحمه الله في بعض كلامه: (5)
[خطبة أبي حفص بن عمر]
«عباد الله! الدّين النّصيحة (6)، فخذوها محضة صريحة، هدي الله هو الهدى، ومن اتّبع رسل (7) الله اهتدى، فإيّاكم والقدماء وما أحدثوا، فإنّهم عن
__________
(1) ليست في ت.
(2) عبد المؤمن بن خلف الدمياطي: حافظ للحديث من أكابر فقهاء الشافعية، ولد بدمياط سنة 613هـ وتنقّل في البلاد وتوفي في القاهرة سنة 705هـ. له «معجم» ضمنّه أسماء شيوخه و «كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى». ترجمته في طبقات لشافعية للسبكي 4/ 10، فوات الوفيات 2/ 409شذرات الذهب 6/ 12.
(3) البيتان في مستفاد الرحلة والاغتراب 77.
(4) في ت: سكوت بخشية وما الشر إلا في كلام ومنطق.
(5) الخطبة بتمامها في الذيل والتكملة 8/ 228227.
(6) في الحديث الشريف:
إن الدين النصيحة
. الشفا 2/ 582وابن عدي 2/ 818ومسند أبي يعلى 3/ 259.
(7) في ت وط: رسول.(1/286)
عقولهم حدّثوا أتوا من الافتراء بكلّ أعجوبة، وقلوبهم عن الأسرار محجوبة.
الأنبياء ونورهم، لا الأغبياء (1) وغرورهم، عنهم يتلقّى، وبهم يدرك السّول، {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلّا من ارتضى من رسول} [2]
{الّدين عند الله الإسلام} [3] [70/ ب] والعلم كتاب الله وسنّة محمّد عليه السّلام. ما ضرّ من وقف عندهما ما جهل بعدهما، خير نبيّ في خير أمّة {يزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة} [4] دلّهم من قرب عليه، واختصر لهم الطّريق إليه فما ضرّ تلك النّفوس الكريمة، والقلوب السّليمة، والألباب العظيمة، ما روي عنها من العلوم القديمة، نقّاهم من الأوضار والأدناس، وقال: {كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس} [5]. كتابهم أعظم كتاب أنزل، ونبيّهم أكرم نبيّ أرسل. السّيّد الإمام، لبنة التّمام، خير البريّة على الإطلاق، بعث ليتممّ مكارم الأخلاق (6)، أنزل الكتاب إليه {مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه،} [7] هو الشّفاء والرّحمة، وفيه العلم كلّه والحكمة. معجز في رصفه، عزيز في وصفه {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [8]. آياته باهرة قائمة، ومعجزاته باقية دائمة. إذ هي للنّبوّة والرّسالة خاتمة. لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه. ماذا أقول وقد بهر
__________
(1) في الأصل: الأغنياء.
(2) سورة الجن 2726.
(3) سورة آل عمران 19.
(4) سورة الجمعة 2.
(5) سورة آل عمران 110.
(6) اقتباس من الحديث الشريف:
«إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»
. (7) سورة المائدة 48.
(8) سورة فصلت 42.(1/287)
العقول حسبي. حسبي {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي} [1]:
[السريع]
هذا كلام للهدى جامع ... فآصغ إليه أيّها السّامع (2)
الشّرع للعقل هدى من يصل ... بينهما برهانه قاطع
الشّرع للعقل بلا مرية ... كالشّمس للعين سنا طالع (3)
الشّرع متبوع به يهتدي ... من ضلّ والعقل هو التّابع (4)
لا يهتدي العاقل في قصده ... إلّا بما سنّ له الشّارع
هذا كتاب الله يهدي الورى ... لكلّ علم نوره ساطع (5)
معرفة الله وآياته ... ومنهج الرّسل وما الرّابع (6)
والعلم والحكمة في طيّه ... أجمع وهو المعجز الصّادع
وهو من الله فما فوقه ... هاد إلى الله ولا شافع
ومن غيرها:
تحت لواء الشّرع يمضي الحجا ... والشّرع وال ماله خالع [71/ آ]
__________
(1) سورة الكهف 109.
(2) الأبيات في الذيل والتكملة 8/ 228.
(3) في الذيل والتكملة: سنا ساطع.
(4) في الذيل والتكملة: له تابع.
(5) في الذيل والتكمله: الساطع.
(6) في الذيل والتكملة: وما نهج.(1/288)
[لقاؤه لشرف الدّين الدّمياطيّ]
ولم أر بهذه المدينة على كثرة الخلق بها أمثل وأقرب إلى الإنسانيّة، وأجمل معاملة، من الشّيخ الفقيه، المحدّث، الرّاوية، المسند، المفتي، الثّقة، الضّابط، شرف الدّين، ذي الكنيتين أبي محمّد وأبي أحمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدّمياطيّ (1)، المحدّث بالمدرسة الظّاهريّة (2) حفظه الله وهو شيخ وسيم أبيض، ذو صورة مقبولة، وهيئة حسنة، وركانة، وحسن خلق، وسراوة همّة (3)، راوية جمّاعة، مقيّد، ضابط، حافظ، رحل في طلب العلم، ولقي من أهله أعدادا، وجمع، وألّف، وروى حتّى صار أوحد وقته في ذلك، وله «معجم» في أسماء شيوخه، ومن لقيه وأخذ عنه في أيّ فنّ كان كبير في أربعة أسفار. وسمعته يقول: إنّهم ينيفون على ألف ومئتين وسبعين.
فقال له بعض الحاضرين: وهل كانوا كلّهم أئمّة؟ فقال لهم: لو لم أكتب إلّا عن العلماء الأئمّة ما كتبت عن خمسة. ونشأته بدمياط، مدينة هي قاعدة ريف مصر، وعندها يصبّ بحر النّيل في البحر الرّومي (4)، وتقييدها: بدال مكسورة وبعدها ميم ساكنة وياء باثنتين تحتها بعدها ألف وطاء، والدّال والطّاء مهملتان. وأكثر النّاس يعجم الدّال منها، وقد سألته عن ذلك فقال: إعجامها
__________
(1) توفي شرف الدين الدمياطي سنة 705هـ. انظر شذرات الذهب 6/ 12.
(2) أمر ببنائها بيبرس سنة 660هـ وانتهت عمارتها 662هـ، وجعل بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم. انظر خطط المقريزي 2/ 379387.
(3) في ط: سمت.
(4) هو البحر الأبيض المتوسط.(1/289)
خطأ، وقد غلط في ذلك أبو محمّد الرّشاطيّ (1) فوضعها في باب الدّال المعجمة، وإنّما هي بالمهملة.
وقد كتبت عنه أحاديث، وسمعت منه حديث عبد الله بن عمرو «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن» (2)، وهو أوّل حديث سمعته منه، وحدّثني به بسنده (3) مسلسلا، وسمعت عليه جملة من سنن الشّافعيّ رحمه الله وسمعته يقول وهو يقرأ عليه: العجب من حديث هذا الرّجل أكثر ألفاظه مخالف لما في الصّحيح، وكان إذا ذكر مالكا رحمه الله وفّاه حقّه كما يجب حتّى ظننت أنّه مالكيّ، فسألته عن مذهبه فقال: شافعيّ، وإذا ذكره قال: ذهب الإمام مالك إلى كذا. وهكذا يعرف إنصاف أهل العلم.
وقد سألته عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإنّي سألت شيخنا بهاء الدّين [71/ ب] أبا الحسن عليّ بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة (4) بن المسلم بن أحمد بن عليّ الشّافعيّ عن سنّه، فقال [لي] (5): أقبل على شأنك، فإنّي سألت الإمام شرف الدّين مفتي العراقين شيخ المذاهب أبا سعيد عبد الله بن محمّد بن هبة الله بن عليّ بن المطهّر بن أبي عصرون (6) عن سنّه
__________
(1) عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي: عالم بالأنساب والحديث من أهل أوريولة بالأندلس وسكن ألمرية وتعلم بها. له تصانيف منها: «اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار». استشهد بألمرية عند تغلّب الروم عليها سنة 542هـ. ترجمته في الصلة 297المعجم لابن الأبار 227وفيات الأعيان 3/ 106.
(2) تقدم صفحة 166.
(3) ليست في ط.
(4) ليست في ط.
(5) زيادة من ت.
(6) في ت: عمرون.(1/290)
فقال: أقبل على شأنك فإنّي سألت القاضي الإمام أبا عبد الله الحسين بن نصر بن محمّد بن خميس عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فقد حدّثنا الشّيخ أبو بكر أحمد بن عليّ الطّريثيثي وسألته عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، حدّثنا (1) القاضي هنّاد بن إبراهيم وسألته عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإنّي سألت أبا الفضل محمّد بن أحمد الجاروديّ عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإنّي سألت أبا بكر محمّد بن عديّ بن جزء (2) المنقريّ البصريّ عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإنّي سألت أبا أيّوب الهاشميّ عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإنّي سألت أبا إسماعيل التّرمذيّ عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك فإنّي سألت الشّافعيّ عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإنّي سألت مالك بن أنس عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك ثم قال [لي] (3): «ليس من المروءة أن يخبر الرّجل بسنّه» (4) قلت: وفي بعض الروايات: «فإنّه إن كان صغيرا احتقر، وإن كان كبيرا استهرم» وقد يقال:
إنّما ذلك لئلّا يكذّب، لأنّ كثيرا من النّاس لا توافق صورته سنّه، فربّما يظنّ به الكبر وهو صغير أو بالعكس.
وحدّثني بالحديث المعروف بحديث الفقهاء، لأنّ رواته كلّهم فقهاء وأئمّة، وهو حديث ابن عمر المشهور:
«المتبايعان كلّ واحد منهما على صاحبه
(5)
__________
(1) في ط: أخبرنا
(2) في ت وط: جزي.
(3) زيادة من ت.
(4) مرآة الزمان 8/ 109.
(5) في ت: يفترق.(1/291)
بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار»
(1) وذكر الإمام السّلفي أنّ أبا الحسن عليّ بن محمّد الكياء (2)، شيخه، قال عقيب هذا الحديث: «إذا بدت رايات النّصوص في ميادين (3) الكفاح، طاحت أعلام المقاييس في مدارج الرّياح».
وسند الحديث مقيدّ في الجزء الّذي كتبت عنه.
وحدّثني حفظه الله سماعا من لفظه، قال: أخبرنا الشّيخ الصّالح أبو الحسن بن أبي عبد الله [72/ آ] بن أبي الحسن البغداديّ الأزجيّ بقراءة الحافظ أبي بكر محمّد بن شيخنا الحافظ أبي محمّد عبد العظيم المنذريّ قال:
أنا أبو بكر محمّد بن عبيد الله بن نصر بن الزّاغونيّ (4) إجازة، قال: أنا (5) أبو القاسم عليّ بن أحمد بن محمّد البسريّ البندار (6) قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنا (5) أبو طاهر محمّد بن عبد الرّحمن الذّهبيّ المخلص، قال: نا عبد الله ابن محمّد بن عبد العزيز، نا داود بن رشيد، نا الفضل بن زياد، قال: نا شيبان عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحرّ، قال: شهد رجل عند عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بشهادة فقال له: لست أعرفك،
__________
(1) أخرجه البخاري في البيوع باب البيّعان بالخيار رقم 42111/ 328ومسلم في البيوع باب خيار المجلس للمتبايعين رقم 1531وأبو داود في البيوع باب في خيار المتبايعين رقم 3454، والترمذي في أبواب البيوع باب ما جاء في البيعين بالخيار رقم 1245بخلاف في اللفظ، والنسائي 7/ 248والموطأ 466.
(2) علي بن محمد بن علي الطبري: فقيه شافعي مفسّر، درّس ببغداد. توفي سنة 504هـ ترجمته في وفيات الأعيان 3/ 286.
(3) في ت وط: ميدان.
(4) في ت: الزغاوي.
(55) سقط من ت بنقلة عين.
(6) في ط: البنداري.(1/292)
ولا يضرّك ألّا أعرفك، ايت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه. قال:
بأيّ شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل. قال: هو جارك الأدنى الّذي تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: فمعاملك بالدّينار والدّرهم اللّذين (1) بهما يستدلّ على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: فلست تعرفه. ثمّ قال للرّجل:
ايت بمن يعرفك.
وأنشدني حفظه الله قال: أنشدني لنفسه شيخنا العلامّة حجّة العرب أبو الفضائل الحسن بن محمّد بن الحسن العدويّ العمريّ من ولد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ويعرف بالصّغانيّ، بصاد مهملة وغين معجمة، وآخره نون بعدها ياء النّسبة، قال: ومولده بلوهور (2) من بلاد الهند، عاشر صفر سنة سبع وسبعين وخمس مئة، ووفاته ببغداد في ليلة الجمعة التّاسع عشر من شعبان من سنة خمسين وستّ مئة، ودفن بداره ببغداد. ثمّ نقل بوصيّة منه إلى مكّة، ودفن مع الفضيل بن عياض (3) رحمهما الله تعالى، وكان شرف الدّين الدّمياطيّ، يثني عليه كثيرا، ويذكر أنّه كان إماما مقدّما في الأدب (4) واللّغة، وأنّ له شعرا كثيرا، وتآليف في اللّغة عديدة مفيدة،
__________
(1) في ت وط: الذي.
(2) لوهور: قال ياقوت: المشهور من اسم هذا البلد لهاور: وهي مدينة عظيمة مشهورة في بلاد الهند.
وتقع اليوم في باكستان. واسمها لاهور. انظر معجم البلدان 5/ 2726.
(3) الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي: شيخ الحرم المكّي، من أكابر العبّاد والصلحاء. كان ثقة في الحديث. ولد بسمر قند سنة 105هـ وتوفي بمكة سنة 187هـ. ترجمته في شذرات الذهب 1/ 316غربال الزمان 173طبقات الحفاظ للسيوطي 110تذكرة الحفاظ 1/ 245.
(4) في ت وط: الآداب.(1/293)
وخمّس «مقصورة ابن دريد (1)» ثمّ شرحها بتخميسها شرحا جيّدا مفيدا: (2)
[البسيط]
يوم بمكّة خير من مضيّ سنه ... بغيرها تنقضي باللهو أو بسنه
فلا القلوب إلى الأهواء مائلة ... ولا النّفوس بكسب الإثم مرتهنه ... [72/ ب] ولا الفقير مع الإملاق ذو جزع ... ولا الغنيّ تحامى النّاس ما احتجنه (3)
ولا يمرّ على من لا طباخ له ... أقلّ من لحظة لا يقتني حسنه
ولا يذمّهم أو من يساكنهم ... إلّا القويّ الّذي جدّ العلا رسنه
وأنشدني أيضا قال: أنشدني الصّغانيّ المذكور لنفسه: (4) [البسيط]
إذا اختبيت تجاه الرّكن يحدق بي ... أفاضل النّاس من شام ومن يمن
ذوو محابر أعداد النّجوم ومن ... قد آثر السّفر المضني على الوطن
أظلّ أنشدهم شعري وأخبرهم ... بما سمعت من الآثار والسّنن
__________
(1) هي قصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزري إمام اللغة والأدب في عصره، المتوفى ببغداد سنة 321هـ ويمدح فيها ابن ميكال الشاه وأخاه ويصف سيره إلى فارس ويتشوق إلى البصره وإخوانه بها ومطلعها:
أما ترى رأسي حاكى لونه ... طرّة صبح تحت أذيال الدّجا
وعدد أبياتها 229. وطبعت غير طبعة مع شروحهما.
(2) الأبيات في مستفاد الرحلة والاغتراب 240.
(3) في ت وط: مع الأماق ذو جزع.
(4) الشعر في مستفاد الرحلة والاغتراب 79.(1/294)
موثّقا عدل أهليها، وأجرح من ... تكلّموا فيه في ماض من الزّمن
أروي الأحاديث عن ثبت أخي ثقة ... أقول: حدّثني شيخي وأخبرني
وأشبع القول في إيضاح معضلها ... وحلّ معظمها جريا على السّنن
خطّت على جبهة الأيّام خالدة ... «تلك المكارم لا قعبان من لبن» (1)
قلت: وقد تقدّم إلى هذا الفقيه أبو مروان الطّبنيّ (2) في قوله: (3)
[البسيط]
إنّي إذا حضرتني ألف محبرة ... يكتبن حدّثني طورا وأخبرني (4)
نادت بعقوتها الأقلام معلنة ... «هذي المفاخر لا قعبان من لبن» (5)
وأنشدني له أيضا: (6) [الطويل]
__________
(1) تضمين صدر بيت أمية بن أبي الصلت في ديوانه 459، وعجزه:
«شيبا بماء فعادا بعد أبوالا»
(2) عبد الملك بن زيادة الله الطّبني: أصله من طبنة بإفريقية وهي قاعدة اقليم الزاب: عالم باللغة والحديث، شاعر، توفي سنة 457هـ انظر جذوة المقتبس 284المغرب 1/ 92، الصلة 1/ 361.
(3) الأبيات في جذوة المقتبس 285، بغية الملتمس 379، الصلة 361، المغرب 1/ 93، النفح 7/ 49، الذخيرة 1/ 542.
(4) في الصلة والبغية والجذوة: إذا احتوشتني، وفي المغرب: تقول أخبرني هذا وحدثني، وفي الذخيرة: تقول أنشدني طورا وأخبرني.
(5) في الصلة والبغية والجذوة والمطمح: بعقوتي، وفي النفح: نادت بمفخري، وفي المغرب: صاحت بعقوتي الأقلام زاهية وفي الذخيرة: يا حبذا ألسن الأقلام ناطقة.
(6) البيتان 1و 2في مستفاد الرحلة والاغتراب 78والعقد الثمين 4/ 178.(1/295)
تسربلت سربال القناعة والرّضا ... صبيّا فكانا في الكهولة ديدني (1)
وقد كان ينهاني أبي حفّ بالرّضا ... وبالعفو أن أولي يدا من يدي دني
[فمذ كنت لم أقبل يدا من يدي فتى ... سنيّ فهل أرضى بها من يدي دني] (2)
وأنشدني أيضا، قال: أنشدنا الشّيخ الأجلّ، العدل، الفاضل، عزّ الدّين أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن رواحة الأنصاريّ الحمويّ، قال:
أنشدتنا الشّيخة الأديبة أمّ عليّ تقيّة بنت الإمام أبي الفرج غيث بن عليّ بن عبد السّلام الأرمنازيّ الصّوريّ (3) لنفسها بالإسكندريّة: [الطّويل]
[73/ آ] سلام على هند، وإن بعدت عنّا ... فقد خلّفت قلبا كئيبا بها مضنى
يظلّ مدى الأيّام يقرع سنّه ... ولا غرو للمشتاق أن يقرع السّنا
ويمشي على جمر الغضى متقلّبا ... ويبكي على أوطانه أبدا حزنا (4)
ويرقب نجما لا يغور، ويرتجي ... خيالا من الأحباب يلتبس الجفنا
5 - ترى تجمع الأيّام شملي بجلّق ... على روضة غنّاء طيّبة المغنى
وأنهار ثورا، والبساتين حولها ... وأطيارها يبكين شجوا ويندبنا
تمنّيتها دارا أحلّ بقربها ... رضيت ولو كانت منازلها سجنا (5)
__________
(1) في ط: تسرّبت.
(2) البيت غير موجود في الأصل. وهو في ت وط.
(3) تقية بنت غيث بن علي بن عبد السلام الأرمنازي: فاضلة، متأدبة، لها شعر جيد جمع في ديوان صغير أصلها من بلدة صور. وولدت بدمشق سنة 505هـ. وسكنت الإسكندرية وتوفيت بها سنة 579هـ، ترجمتها في أعلام النساء 1/ 114النجوم الزاهرة 6/ 96وفيات الأعيان 1/ 297 خريدة القصر: قسم مصر 2/ 221.
(4) في ت وط: يمسي.
(5) في ط: تمنّيتمو دارا.(1/296)
بلاد رباها المسك والرّاح ماؤها ... فلو سيّرونا في الهوى نحوها سرنا (1)
لأنّ بها أختا عليّ عزيزة ... وقد أخذت قلبي لدى قربها رهنا
10 - وأضحيت في دار غريبا بأرضها ... وحيدا بلا قلب، وما طاب لي سكنى (2)
ولولا نسيم جاءنا بنسيمها ... وقرب الإمام الحافظ الحبر ما عشنا
تعني الحافظ السّلفيّ رحمه الله.
وأنشدني شيخنا المذكور لنفسه: [البسيط]
سروا بقلبي الّذي قدما له أسروا ... وخلّفوني بنار الشّوق أستعر
أهوى نسيم الصّبا هبّت لنا سحرا ... في طيّها خبر من نشرهم عطر
يا عاذلي لورأت عيناك حسنهم ... علمت أنّي مالي عنه مصطبر
يقيمني نحوهم وجدي، ويقعدني ... إذا نهضت إلى مغناهم القدر
5 - أليّة برّة بالخيف خيف منى ... وبالحجيج، وما حجّوه واعتمروا (3)
ما زلت بعدهم صبّا لرؤيتهم ... ليلي بهم، ونهاري كلّه فكر
قرّت عيونهم بالنّوم في دعة ... ومقلتي سخنت قد شفّها السّهر
وأحسد العيس إذ فازت بقربهم ... دوني وقربهم المأمول والوطر (4)
يا صاح إن جزت بالجرعاء عج بهم ... واحذر ومن قدر لا ينفع الحذر (5)
__________
(1) في ط: تربها الملك.
(2) في ط: في داري، وفي ت: ولا طاب.
(3) الأليّة: اليمين.
(4) في ت: وأحسد العين. وفي ط: وأحسد العيش.
(5) اقتباس من الحديث الشريف:
«لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء عباد الله»
. وقد أخرجه أحمد في مسنده: 5/ 134من حديث معاذ رضي الله عنه.(1/297)
10 - فإن رموك بسهم اللّحظ متّ جوى ... ولم يداووك إذ قتلاهم هدر (1)
وأنشدني أيضا لنفسه مشيرا إلى أنّ ما روي عن رسول الله [73/ ب] صلّى الله عليه وسلم من التّرجيع في القراءة إنّما أوجبه ركوب البعير (2): [الطويل]
روينا بإسناد عن ابن مغفّل ... حديثا شهيرا صحّ من علّة القدح (3)
فإنّ رسول الله حين مسيره ... لثامنة وافته في غزوة الفتح
تلا خير مسموع بمتن بعيره ... فرجّع في الآيات من سورة الفتح (4)
وأنشدني أيضا لنفسه: (5) [البسيط]
علم الحديث له فضل ومنقبة ... نال العلاء به من كان معتنيا
ما جازه كامل إلّا ونقّصه ... أو حازه عاطل إلّا به حليا (6)
وأنشدني أيضا لنفسه:
وما العلم إلّا في كتاب وسنّة البيتين. وقد مضى تقييدهما (7)
والحمد لله.
__________
(1) في ط: ولم يدروا ودما قتلاهم هدر.
(2) الأبيات في طبقات الشافعية 10/ 12، والأول والثاني في النجوم الزاهرة 8/ 219ومستفاد الرحلة والاغتراب 76.
(3) هو عبد الله بن مغفل المزني: صحابي من أصحاب الشجرة، سكن المدينة، ثم أرسل إلى البصرة لتفقيه الناس حيث توفي فيها سنة 59أو 60هـ. له ترجمة في الإصابة 2/ 463، الجمع بين رجال الصحيحين 242.
(4) رواية الشطر الأول في طبقات الشافعية: تلا خير مقروء على خير مرسل.
(5) البيتان في مستفاد الرحلة والاغتراب 76وفهرس الفهارس 1/ 409.
(6) رواية الشطر الأول في ت: ما حازه ناقص إلّا وكّمله، وفي ط: إلّا به عليا.
(7) سلف البيتان في الصفحة 286.(1/298)
ولمّا استجزته لي ولولدي محمّد هداه الله ووقف على الاستدعاء لذلك قال لي: ألك ولد غيره؟ فقلت: نعم، ثلاثة. فقال لي: ولم لم تستجز لهم جميعا؟ فقلت: لأنّهم صغار. وهذا الّذي استجزت له قد حفظ القرآن، فقال لي: أنا أكتب لك ولهم جميعا، (1) حتّى يكون من يكتب في هذا الاستدعاء بعد خطّي يجيزكم جميعا (1). فكتب الإجازة بكلّ ما يحمل، وكلّ ماله من تأليف وتخريج لي ولجميع الأولاد وفّقهم الله وكنّى أحد المحمّدين الآخرين (2)
أبا عليّ، والآخر أبا بكر، وقيّد خطّه بذلك في الاستدعاء. وهو مليح الخطّ.
ما رأيت بديار مصر أملح منه خطّا، وكان يسائلني عن أشياء ويباسطني. ولمّا وردت مصر راجعا من الحجاز، وكنت مريضا، أنزلني عنده في المدرسة وكان عنده بها طبيب ماهر يحضر مواعيده، فأمره أن يتفقّدني بالغداة (3)
والعشيّ (4) فكان يفعل ذلك، ولم يقصّر في العلاج حتّى استقللت، ومنّ الله بالرّاحة له الحمد والشّكر كثيرا.
[لقاؤه لابن دقيق العيد]
وممّن لقيته بها الشّيخ، الفقيه المحدّث، الأصوليّ، المتفنّن، عالم الدّيار المصريّة، تقيّ الدّين أبو الفتح محمّد [74/ آ] بن عليّ بن وهب بن مطيع بن أبي الطّاعة القشيريّ (5)، ويعرف بابن دقيق العيد، صاحب المدرسة الكامليّة.
لقيت منه حبرا [كاملا عالما] (6) يحقّ له اللّقاء، وبحرا من علم لا تكدّره
__________
(1) سقط من ط.
(2) ليست في ت وط.
(3) في ط: بالغدوة.
(4) ليست في ط.
(5) توفي ابن دقيق العيد سنة 702هـ. انظر شذرات الذهب 6/ 5.
(6) زيادة من ت.(1/299)
الدّلاء (1)، وطبّا آسيا يشفي بقوله الدّاء العياء، له تفنّن في فنون العلوم، وتسلّط عليها بذهن يردّ المجهول إلى المعلوم، وقلّما يلفى له في سعة المعارف نظير، أو يوجد من يماثله في صحّة البحث والتّنقير (2)، وله في البلاد ذكر شهير، وصيت مستطير، وخطر خطير، يضرب في كلّ فنّ بسهم مصيب، ويحظى منه بأوفر نصيب، ولقي جماعة من الأعلام فأخذ عنهم وحصّل وما زال يؤصّل نفسه في المعارف حتّى تأصّل. فهو الآن قطب مصر وعلمها، لولا وسوسة تصحبه، وأخلاق يجلّ عنها منصبه، لو كانت لها صورة كانت أشنع الصّور أو تليت له سورة كانت أبدع السّور، وكان في أوّل أمره مالكيّا على رأى أبيه، ثم انتقل بعد شافعيّا لصورة تسمج، وقضيّة عن أحكام المروءة تخرج. وقد ذكر لي عنه بعض من أثق به ممّن له به اختصاص، كلاما في حقّ الإمام مالك رضي الله عنه جاريا على سنن أخلاقه، ودالا على إنهاج (3) ثوب المروءة وإخلاقه، ومن جملة ما يصحبه من الوسواس أنّه لا يمسّ منه عضو ولا لباس، بل يقتصر الوارد عليه على الإشارة بالسّلام إليه، وحطّ الرّأس على العادة الذّميمة بين يديه. (4)
وقد حدّثني عنه [بعض] (5) من أثق به أنّه يأتي إلى جابية الماء في شدّة البرد، فينغمس فيها بثيابه لأقلّ وسوسة تعتريه، حتّى أثّر ذلك في ضعف قوّته، ولاح أثره في اختلال صحّته. ورأيته وهو يملي عليّ من حديثه يمسك
__________
(1) أفاد من قول حسان في ديوانه 10:
لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدّره الدلاء
(2) التنقير: التفتيش.
(3) نهج الثوب: إذا بلي.
(4) ذكر التجيبي في مستفاد الرحلة والاغتراب 17أمثلة كثيرة على وسواس ابن دقيق العيد.
(5) زيادة من ت وط.(1/300)
الكتاب بعودين، ولا يمسّه بيده، ويعاني تصفيحه (1) كذلك، فيكابد منه شدّة لهبها يضرم، وحبل الرّاحة لأجلها يصرم، ويحلّ بالكتب (2) منه العذاب المهين والبلاء المبرم.
وقد أجازني جميع ما حدّث به من [74/ ب] مسموعاته، وجميع ما صدر عنه من نظم ونثر، وكذلك أجاز ولدي محمّدا وفقّه الله وقيّد لي بذلك خطّ يده، وقيّد لي بخطّه مولده، وذكر أنّه كان بينبع (3) من البلاد الحجازيّة في يوم السّبت الخامس والعشرين من شعبان من عام خمسة وعشرين وستّ مئة.
ووقف على ما تقيّد من هذه الرّحلة واستحسنه، وأفادني فيها أشياء، وقيّد منها وفاة الشّقراطسيّ صاحب القصيدة المشهورة، حسبما تقيّدت في موضعها فيما (4) تقدّم، وذكر لي أنّه طالما بحث عنها فلم يجدها. وفي أوّل ما رأيته قال لي: كان عندكم بمرّاكش رجل فاضل، فقلت له: من هو؟ فقال: هو أبو الحسن بن القطّان (5)، وذكر كتابه «الوهم والإيهام» (6) وأثنى عليه، وذكرت له
__________
(1) في ط: تصفّحه.
(2) في ت وط: بالكتاب.
(3) ينبع: ميناء بين مكة والمدينة، على سبع مراحل من المدينة، وعلى ليلة من جبل رضوى. انظر ياقوت 5/ 449.
(4) في ت وط: ممّا. وتقدّمت وفاة الشقراطسي في الصفحة 119من الرحلة.
(5) علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي: من حفاظ الحديث ونقدته، ولي قضاء سجلماسة. له تصانيف منها: «بيان الوهم والإيهام» توفي سنة 628هـ. ترجمته في سير أعلام النبلاء 22/ 306الإعلام للمراكشي 9/ 75.
(6) هو كتاب: «بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام» انتقدبه الأحكام الشرعية الكبرى لأبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الإشبيلي المعروف بابن الخراط المتوفى سنة 581هـ.(1/301)
تعقّب ابن الموّاق (1) عليه، وأنّه تركه في مسوّدته. فعانى إخراجه صاحبنا الفقيه الأديب الأوحد أبو عبد الله بن عبد الملك (2) حفظه الله تعالى فقال لي:
ومن هذا الرّجل؟ فعرّفته به وبما حضرني من تحليته، وما أذكر من تقاييده، ومن جملتها تذييله (3) على كتاب «الصّلة» (4) لابن بشكوال، وأنّه كتاب متقن مفيد، فعجب من ذلك وكتب ما أمليت (5) عليه منه. (6) وسألني عن موضعي فذكرت له مرّاكش، فقال لي: بلادكم بعيدة وبين يومكم ويومنا في الطّلوع والغروب مقدار ساعتين، لأنّ بلادكم موغلة في الغرب (6).
وجرى معه ذكر أبي القاسم الشّاطبيّ رحمه الله صاحب القصيدة المشهورة، فوصفه بالحفظ العظيم، وذكر أنّه جرت مسألة بمحضره فذكر فيها نصّا واستحضر كتابا، فقال لهم: اطلبوها منه في مقدار كذا، وما يزال يعيّن لهم موضعها (7) حتّى وجدوها على ما ذكر، فقالوا له: أتحفظ
__________
(1) في ت وط: الموّاز، وهو خطأ. وابن الموّاق هو عبد الله محمد بن يحيى بن خلف بن فرج بن صاف: فقيه، حافظ. محدّث، ناقد. له تعقّب على كتاب شيخه أبي الحسن بن القطان الموسوم ببيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام. له مؤلفات منها: شيوخ الدارقطني وشرح مقدمة صحيح مسلم. توفي بمراكش سنة 642هـ. له ترجمة في الذيل والتكملة 8/ 274272 الإعلام للمرّاكشي 4/ 234231.
(2) هو محمد بن محمد بن سعيد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي: مؤرخ، أديب، قاض، ولي قضاء مراكش مدة، توفي بتلمسان سنة 703هـ. من كتبه الذيل والتكملة لكتاب الصلة، وهو يتضمن تراجم أندلسية ومغربية طبع منه أجزاء في بيروت والرّباط. ترجمته في الديباج 332331والإعلام للمراكشي 4/ 231معجم المؤلفين 11/ 219.
(3) هو كتاب الذيل والتكملة لكتابي الوصول والصلة. طبعت أجزاء منه.
(4) كتاب تراجم أندلسية طبع غير مرّه.
(5) في ت وط: أمليته.
(66) سقط من ت.
(7) في ت: موضعا.(1/302)
الفقه؟ فقال لهم: إني أحفظ وقر (1) جمل من كتب، فقيل له: هلّا درّستها؟
فقال: ليس للعميان إلّا القرآن. قال: وقال لي صهره أبو الحسن عليّ بن شجاع بن سالم (2) وكان أيضا ضريرا، وأخذ القراءة (3) عنه: أردت مرّة أن أقرأ شيئا من الأصول على ابن الورّاق. فسمع بذلك [75/ آ] فاستدعاني فحضرت بين يديه فأخذ بأذني ثم قال لي: أتقرأ الأصول؟ فقلت: نعم. فمدّ بأذني ثم قال لي: من الفضول أعمى يقرأ الأصول (4).
وسمعته يقول: دخل القاضي الفاضل (5) على السّلطان (6)، وفي يده كتاب زوّر عليه، وأراد قتل الّذي زوّره أو قطع يده، [فاستشار القاضي الفاضل عمّا يجب عليه في ذلك من العقوبة]، (7) فقال له: عسى أن تكتب تحت خطّه مثلما كتب لأرى هل يشبه خطّه خطّك؟ فكتب فلمّا فرغ منه قال له: إن كان الأوّل مزوّرا عليكم فهذا غير مزوّر، يعني خطّه، فاستحسن السّلطان لطف احتياله، وعفا عنه وأمضى كتابه.
وقال لي: كان بمصر شاعر هجّاء، فصنع (8) قصيدا هجا فيه جميع أهل الخطط في مصر، وبدأ بالسّلطان، فبلغ ذلك إليه، فاستحضر القاضي
__________
(1) الوقر: الثقل يحمل على ظهر أو على رأس.
(2) في الأصل: علي بن سلام بن شجاع.
(3) في ت وط: القراءات.
(4) الخبر في الذيل والتكملة 25/ 550549
(5) القاضي الفاضل: هو عبد الرحيم بن علي بن محمد بن الحسن اللخمي: قاض حظي عند السلطان صلاح الدين الأيوبي بمنزلة عظيمة، له رسائل متقنة، مات سنة 596هـ. ترجمته في خريدة القصر قسم مصر 1/ 35حسن المحاضرة 1/ 564شذرات الذهب 4/ 324.
(6) المقصود صلاح الدين الأيوبي.
(7) زيادة من ت.
(8) في ط: فنظم.(1/303)
الفاضل فسأله عمّا ينبغي من عقوبته، وكان الشّعر في يده، فقال له: انظر إلى هذا الّذي صنع، فقال له: وما صنع؟ إنّما قال: أنا جائع فأطعموني، فعفا عنه السّلطان وأمر له بعطاء جزيل (1).
وأملى عليّ حديثا عن شيخه الفقيه القاضي أبي عمران موسى بن زكرياء بن إبراهيم بن محمّد بن صاعد الحصكفيّ (2) قال: وكان فقيها حنفيّا قاضيا (3) [بآمد] (4)، مدرّسا بالمدرسة الدّيلميّة (5) من المعزّية، فقلت له:
ما المعزّية؟ فقال لي: هي مدينة القاهرة، بناها المعزّ العبيديّ (6) لعنه الله وسمّاها بذلك فكان العلماء يتحرّجون من ذكر هذا الاسم، فينسبونها إليه، المعزّية. قلت: والتّحرّج في ذكر المعّز أحقّ، وأرى أن يقال عنها: قاعدة ديار مصر أو مدينتها، أو قصبتها، أو نحو ذلك، ممّا تعرف به وبالله التّوفيق.
وحدّثني إملاء من كتابه قال: قرأت على والدي الفقيه مجد الدّين أبي الحسن، وكان مفتيا متفنّنا، نفع الله به في العلم أمّة من النّاس، وقرأ عليه أيضا فيما قرأه هو على الإمام الحافظ أبي الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ قال: أنا الإمامان (7) أبو الطّاهر إسماعيل بن مكيّ بن اسماعيل
__________
(1) في ط: بجائزة عظيمة.
(2) نسبة إلى حصن كيفا وهي مدينة من ديار بكر انظر الأنساب 4/ 154.
(3) ليست في ت.
(4) ليست في الأصل. وآمد: أعظم مدن ديار بكر، وهو بلد قديم حصين، ركين مبني من الحجارة السود على نشز دجلة.
(5) تقع في حي الدّيلم. انظر خطط المقريزي 2/ 378.
(6) هو معدّ بن إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله الفاطمي العبيدي صاحب مصر وإفريقية تولى الحكم سنة 341هـ. دخل الإسكندرية سنة 362هـ. ودخل القاهرة فأصبحت مقرّ ملك الفاطميين إلى آخر أيامهم. توفي سنة 365هـ. انظر اتعاظ الحنفا 134.
(7) في الأصل: الإمامين وفيها غلط نحوي.(1/304)
الزّهري، وأبو طالب صالح بن إسماعيل بن سند الزّنّاري والمشايخ [75/ ب] أبو الحجاج يوسف بن محمّد بن عليّ القرويّ، وأبو منصور ظافر بن عطيّة ابن قائد اللّخميّ وابو المفضّل عبد المجيد بن المحسن بن دليل الكنديّ، قالوا:
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الوليد بن محمّد الفهريّ، قال: أنا أبو عليّ عليّ (1)
ابن أحمد بن عليّ بن محمّد (2) التّستريّ بالبصرة، قال: أنا أبو عمر القاسم ابن جعفر بن عبد الواحد العبّاسي قال: أنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤيّ، قال: أنا أبو داود سليمان بن الأشعث (3) السّجستانيّ، قال: أنا مسدّد، قال: أنا حمّاد بن زيد وعبد الوارث بن عبد العزيز عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال عن حمّاد:
«اللهمّ إنّي أعوذ بك»، وقال: عن عبد الوارث «إنيّ أعوذ بالله من الخبث والخبائث» (4). قال الشّيخ: هكذا في الأصل الّذي بخطّ والدي من الخبث، بإسكان الباء. وقد عدّ ذلك من غلط المحدّثين، وله وجه يصحّ به فسألته عنه:
فقال لي هو إسكان العين في كلّ ما جاء على «فعل» في لسان العرب. قلت:
المنكر للإسكان هو الإمام أبو سليمان الخطّابي (5) رحمه الله وليس ممن يقعقع له بالشّنان (6)، ولا يقابل تحقيقه بزخرفة لسان، وذلك أنّه إن أريد
__________
(1) ليست في ط.
(2) في ت وط: بحر.
(3) في ط: الأشعب.
(4) سلف تخريج الحديث في الصفحة، وهو في غريب الحديث لابن سلام 2/ 192.
(5) هو حمد بن محمد بن إبراهيم الخطّابي البستي: فقيه محدّث من أهل بست. له شعر وتصانيف منها: «معالم السنن» في شرح سنن أبي داوود «بيان إعجاز القرآن» توفي في بست سنة 388هـ.
له ترجمة في إنباه الرواة 1/ 125وفيات ابن قنفذ 222وفي شذرات الذهب 3/ 127.
(6) في الأصل وت بالسّنان، وهو مثل كما في المستقصى 2/ 274، واللسان: شنّ.(1/305)
بالخبث هنا المصدر من خبث، تفاوت نسق الكلام، واضطرب منه نظام الانتظام، كما لو قيل: أعوذ بالله من أن أكون خبيثا، ومن إناث الشّياطين، وسماجة (1) هذا الوصف ممّا لا يخفى، وإن أريد بالخبث جمع خبيث، وخفّف الخبث بالضمّ كما زعم الشّيخ هنا وجب أن يمنع لأنّ التّخفيف إنّما يطرّد فيما لا يلتبس مثل: عنق وأذن من المفرد، ورسل وسبل ونذر من الجمع، ولا يطرّد فيما يلتبس مثل: حمر وحصر فإنّ التّخفيف في حمر يلتبس بجمع أحمر وحمراء، وفي الحصر بالمفرد. والحصر: احتباس النّجو، (2) ولذلك قريء في السّبع: رسلنا، وسبلنا، ونذرا، و {الأذن بالأذن} [3]، كلّ ذلك بالتّخفيف، ولم يقرأ في السّبع {كانّهم حمر مستنفرة} [4] إلّا بضمّ الميم. فكذلك ينبغي ألّا يخفّف الخبث إلّا مسموعا من العرب [76/ آ] لئلّا يلتبس بالمصدر ومن هذا امتناعهم من إدغام ما يلتبس إدغامه نحو: وتد، وعتد، وشاة زنماء وادغموا في همّرش وامّحى لمّا (5) أمنوا اللّبس. والإدغام وجه من التّخفيف، فهم كما ترى لا يخفّفون إلّا حيث يأمنون اللّبس وهو هنا غير مأمون. ألا ترى أنّ أبا عبيد القاسم بن سلّام، على إمامته، قد فسّر الخبث هنا بالشّرّ لمّا رواه بإسكان الباء (6)، والصّواب ضمّها كما قال أبو سليمان رحمه الله.
وحدّثني إملاء بلفظه من كتابه، قال: أنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد (7) النّابلسيّ بدمشق، عن الحافظ ابن الحافظ أبي محمّد
__________
(1) السّماجة: القبح.
(2) النّجو: العذرة.
(3) سورة المائدة 45.
(4) سورة المدثّر 50.
(5) في الأصل كما وهو تصحيف.
(6) غريب الحديث 2/ 192.
(7) في ت وط: سعيد. والصواب ما أثبتناه، انظر طبقات الحافظ للسيوطي 507.(1/306)
القاسم بن عليّ بن الحسن قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو الدّر ياقوت بن عبد الله أيضا، قال: أنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد الخطيب، قال: أنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العبّاس الذّهبيّ المخلص، قال: أنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد، قال: أنا طالوت بن عبّاد أبو عثمان الصّير فيّ، قال: أنا فضّال بن جبير، قال سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «اكفلوا لي بستّ أكفل لكم بالجنّة: إذا حدّث أحدكم فلا يكذب، وإذا اؤتمن فلا يخن. وإذا وعد فلا يخلف. غضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم، واحفظوا فروجكم»
. (1)
قال الشّيخ: هذا من العوالي الّتي تسمو همم أهل الحديث إليها، وتتهافت رغبة الطّلبة عليها، وهو تساعيّ الإسناد. وقال الحافظ أبو محمّد القاسم: فضّال بن جبير يكنى أبا المهنّى ويروي عن أبي أمامة صدي بن عجلان نحوا من عشرة أحاديث كلّها غير محفوظة والله أعلم.
قلت: ليس العلوّ بكونه تساعيّ الإسناد مستغربا لمثله من الشّيوخ، وقد رأينا من يروي الثّمانيّات (2)، وأمّا التّساعيّات (3) فهي الغالب من علوّ السّند في زماننا هذا، وقد جمع شيخنا الفقيه الحافظ الحافل أبو زيد عبد الرحمن ابن محمّد بن محمّد القيروانيّ جزءا من تساعيّاته وكان حفظه الله قد وهب لي منها نسخة فضاعت بآفة طرأت في الطّريق [76/ ب] والحمد لله على كلّ حال.
__________
(1) حديث أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2047، والطبراني في المعجم الكبير 8/ 314والجامع الكبير للسيوطي 2/ 13وكنز العمال 15/ 94.
(2) الثمانيات: وهي التي يكون في سندها ثمانية رجال من الراوي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم.
(3) التساعيات: وهي التي يكون في سندها تسعة رجال من الراوي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم.(1/307)
(1) وقد وقع لنا هذا الحديث تساعيّا: أنا الشّريف أبو الحسن الغّرافي وأبو الحسن عليّ بن محمّد بن المنيّر عن ابن المبارك ابن الشّهرزوريّ عن أبي الحسين أحمد بن محمّد بن (2) عن أبي القاسم عبد الله بن محمّد بن إسحاق بن حبابة عن أبي القاسم عبد الله بن محمّد بن بنت منيع وهو الرّاوي عن طالوت (1).
وأنشدني شيخنا أبو الفتح المذكور إملاء من كتابه، قال: أنشدني الفقيه المفتي هارون بن عبد الله بن هارون بن الحسين بن أحمد المهرانيّ قديما، قال: أنشدنا الفقيه الإمام العالم أبو الحسن عليّ بن المفضّل بن عليّ المقدسيّ لنفسه (3): [الكامل]
خسر الّذي ترك الصّلاة وخابا ... وأبى معادا صالحا ومآبا (4)
إن كان يجحدها فحسبك أنّه ... أمسى بربّك كافرا مرتابا (5)
أو كان يتركها لنوع تكاسل ... غشّى على وجه الصّواب حجابا (6)
فالشّافعيّ ومالك رأيا له ... إن لم يتب حدّ الحسام عقابا
__________
(11) سقط من ت.
(2) بياض في جميع النسخ بمقدار كلمة. وأظنه ابن السّراج.
(3) القصيدة بتمامها في الذيل والتكملة 28/ 436. والأبيات 94321في المستطرف 3635والأبيات 1211109874321في درّة الحجال 2/ 186185والأبيات 74321في الإعلام للمراكشي 5/ 207206.
(4) في ت: وإيابا.
(5) في المستطرف ودرة الحجال: أضحى بربّك.
(6) في درة الحجال والإعلام: لفرط تكاسل غطى على وجه.(1/308)
5 - ومن الأئمّة من يقول بأنّه ... لا ينتهي عنه وإن هو تابا (1)
إيه ومنهم من يقول بقتله ... كفرا ويقطع دونه الأسبابا
وأبو حنيفة قال: يترك مرّة ... هملا ويحبس مرّة إيجابا (2)
والظّاهر المشهور من أقواله ... تعزيره زجرا له وعذابا (3)
والرّأي عندي أن يؤدّبه الإما ... م بكلّ تأديب يراه صوابا
10 - ويكفّ عنه القتل طول حياته ... حتّى يلاقي في المآب حسابا
فالأصل عصمته إلى أن يمتطي ... إحدى الثّلاث إلى الهلاك ركابا (4)
الكفر أو قتل المكافيء عامدا ... أو محصن طلب الزّنا فأصابا (5)
وأنشدني أيضا قال: أنشدني شهاب الدّين أبو عبد الله محمّد بن الشّيخ أبي محمّد عبد المنعم بن محمّد الأنصاريّ (6) لنفسه: (7) [الكامل]
__________
(1) البيت ساقط من ط.
(2) في درّة الحجال: ويسجن.
(3) رواية البيت في درة الحجال والإعلام:
والشائع المشروح من أقواله ... تأديبه زجرا له وعقابا
والتعزيز: العقوبة ما لم تبلغ الحدّ الشرعيّ.
(4) في درة الحجال: إلى المآل ركابا.
(5) في درة الحجال: فأجابا.
(6) هو محمد بن عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد اليمني الأنصاري: أديب عالم، شاعر، أخذ عنه ابن رشيد توفي سنة 685هـ له ترجمة في ملء العيبة 3/ 191ودرّة الحجال 2/ 6.
(7) البيتان في ملء العيبة 3/ 202ودرّة الحجال: 2/ 7.(1/309)
يا طالبا للعزّ هاك نصيحتي ... لفظا على المعنى البسيط وجيزا [77/ آ]
ما الذّلّ إلّا في مطاوعة الهوى ... فإذا عصيت هواك كنت عزيزا (1)
وأنشدني أيضا: [الكامل]
أعرضت عن شيب ألمّ بعارضي ... بغضا فكيف أراه بعد شباب
وهجرت مرآة أرى شيبي بها ... فرأيته بالرّغم في أترابي
وأيضا له: (2) [الوافر]
ألام على الخلاعة إذ شبابي ... ورونق جدّتي ذهبا جميعا
ومن ذهبت بجدّته اللّيالي ... فلا عجب إذا أضحى خليعا
[ومن شعره أيضا: (3) [البسيط]
قال العواذل: كم هذا الضّلال بمن ... تهوى يغرّك منه المنظر النّضر
فقلت: إن كنت مغرورا بطلعته ... فلست أوّل من قد غرّه القمر] (4)
وأنشدني أيضا قال: أنشدني أبو الحسن بن عبد الكريم الأنصاريّ لنفسه:
بعثت لي روضة بالنّور باسمة ... برقعة قد غدت من طيبها عبقه
وكان عهدي بالبستان ذا ورق ... حتّى رأيت بها البستان في ورقه
__________
(1) «في» ليست في ط ولا يستقيم الوزن دونها.
(2) البيتان في ملء العيبة 3/ 202و 4/ 58آ. ودرّة الحجال 2/ 7.
(3) البيتان في ملء العيبة 3/ 202ودرّة الحجال 2/ 7.
(4) زيادة من ط.(1/310)
وأنشدني أيضا حفظه الله لنفسه: (1) [الطويل]
تمنّيت أنّ الشّيب باشر لمّتي ... وقرّب منّي في شبابي مزاره (2)
لآخذ من عصر الشّباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره
وأيضا في إصلاح معنى: (3) [الخفيف]
أنكرتني لمّا ادّعيت هواها ... وأصرّت على العناد جحودا
قلت: إنّ الدّموع تشهد لي قا ... لت صحيح لكن قذفت الشّهودا
فصل [عجائب مصر]
وأمّا أرض مصر، ونيلها، وعجائبها، واتّساعها، فأكثر من أن يحصرها كتاب، أو يحيط بها حساب. وقد سطّرّ المؤرّخون من ذلك ما أغنى عن ترداده، وشغل القلم بإيراده، وما ظنّك بأرض هي مسيرة شهر للمجدّ، وطيئة، سهلة، مغلّة، (4) ما بها قرية (4) إلّا وهي تناظر أخرى [77/ ب] ولا بستان إلّا وهو يسامي آخر، ولا مدينة إلّا وهي تشير إلى أختها، ما تسافر بها إلّا في عمارة متّصلة، وطمأنينة من الأرض متأصّلة، والطّرق في الصحراء غاصّة بالخلق،
__________
(1) البيتان في ديوان ابن دقيق العيد 199. ومستفاد الرحلة والاغتراب 35، وطبقات السبكي 9/ 214، وملء العيبة 5/ 326والوافي بالوفيات 4/ 201. والطالع السعيد 593. وطبقات الشافعية للإسنوي 2/ 231. وشذرات الذهب 6/ 6.
(2) في بقية المواضع: عاجل لمّتي، في صباي.
(3) ديوان ابن دقيق العيد 172.
(44) سقط من ت.(1/311)
فكأنّ المسافر بها لم يزل في مدينة. (1) وهذا لمن يجوبها عرضا «(2) لأنّ عرضها من بلد أسوان الّتي بأعلى نيل مصر وما سامتها من أرض الصّعيد إلى مدينة رشيد [و] (3) ماداناها من مساقط النّيل في البحر الرّوميّ وهو نحو ثلاثين مرحلة، وطولها من أيلة [من ساحل الخليج الخارج] (4) من بحر الحبشة، والزّاب، والعين (5) إلى برقة الّتي هي جنوب البحر الرومي (2)».
قال هذا كلّه القاضي أبو القاسم صاعد (6) في طبقات الأقاليم (7)، وذلك أربعون مرحلة (1).
[نيل مصر]
ونيلها من عجائب الدّنيا عذوبة، واتّساعا، وغلّة، وانتفاعا. وقد وضعت عليه المدائن والقرى، فصار كسلك انتظم دررا.
وقد روينا في الصّحيح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء وصل إلى سدرة المنتهى، فإذا في أصلها أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فسأل عنها جبريل عليه السّلام، فقال له: أمّا الباطنان ففي الجنّة،
__________
(11) الفقرة بكاملها ساقطة من ت وط.
(22) الفقرة منقولة من طبقات الأمم 106105بخلاف يسير.
(3) من طبقات الأمم.
(4) بياض في سائر النسخ والتكملة من طبقات الأمم 105.
(5) في طبقات الأمم: الزنج والهند والصين.
(6) هو صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن بن صاعد الأندلسي: مؤرخ، قاض، ولي قضاء طليطلة إلى أن توفي سنة 462هـ له: طبقات الأمم ومقالات أهل الملل والنحل. ترجمته في الصله 237236.
(7) هو كتاب في تاريخ الأمم القديمة طبع غير مرّة.(1/312)
وأما الظّاهران فالنّيل والفرات»
(1) قال البكريّ: «وليس في الأرض نهر يسمّى بحرا ويمّا غيره. قال الله تعالى: {فألقيه في اليمّ،} [2] واليّم: البحر.
فسمّاه بحرا وحقّ له ذلك، قال: وليس في الدّنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النّيل، ولا نهر يجبى منه إلّا جزء ممّا يجبى من النّيل. (3) «وابتداؤه بالتّنفّس في حزيران، وهو شهر يونيه، فإذا انتهت الزّيادة ستّة عشر ذراعا تمّ خراج السّلطان وخصب النّاس الكافي، (4) وكان المرعى ناقصا فأضرّ بالبهائم، فإذا بلغ سبعة عشر، فذلك الخصب العام، والصّلاح التّام، فإذا بلغ ثمانية عشر أضرّ بالضّياع، وأعقب الوباء بمصر. وقد بلغ في خلافة عمر بن عبد العزيز (5) رضي الله عنه تسعة عشر ذراعا (6)» قال ابن حبيب (7): «وإن نقص إلى خمسة عشر ذراعا، نقص من خراج السّلطان ولا يستسقى لذلك، وإن حطّ إلى أربعة عشر [78/ آ] ذراعا استسقوا، وكان الضّرر الشّديد» (8) قال: وذكر «أنّ أرض مصر مصوّرة في كتب الأوائل وسائر المدن مادّة أيديها إليها (9) تستطعمها». (10)
__________
(1) أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة رقم 63207/ 302والمعراج رقم 73887/ 201ومسلم في كتاب الإيمان باب الإسراء رقم 264وابن حنبل 4/ 208 والنسائي 1/ 220والمعجم الصغير للطبراني 2/ 131.
(2) سورة القصص من الأية 7.
(3) الفقرة منقولة من الجزء الضائع من المسالك والممالك.
(4) في الأصل: الكفاية.
(5) عمر بن عبد العزيز: «10161هـ» خليفة أموي اشتهر بصلاحه وعدله. انظر ترجمته في الأغاني 9/ 254. فوات الوفيات 3/ 133وسيرته لابن كثير.
(6) مروج الذهب 1/ 342، وجغرافية مصر للبكري 11.
(7) عبد الملك بن حبيب: يعدّ عالم الأندلس وفقيهها في عصره كان عالما بالتاريخ والأدب، له مصنّفات منها: حروب الإسلام، وطبقات الفقهاء توفي سنة 238هـ ترجمته في علماء الأندلس 269 الديباج 154، بغية الملتمس 378377مطمح الأنفس 233.
(8) مروج الذهب 1/ 343342، وجغرافية مصر للبكري 11.
(9) ليست في ط.
(10) جغرافية مصر للبكري 12.(1/313)
قلت: والنّيل (1) نهر عظيم (2) متّسع جدّا، آخذ من الجنوب إلى الشّمال، ويفترق بعد مسافة من فسطاط مصر على ثلاثة أنهار، ولا يدخل واحد منها إلّا في القوارب شتاء وصيفا وقد دخلته من مجمع نهرين فقرأت حزبا (3) من القرآن قبل أن يقطع القارب إلى الجزيرة (4) الأخرى، وصورة السّقي به أنّ أهل كلّ بلد لهم خلج (5) تخرج منه، فإذا جاء مدّ أترعها (6) ففاضت على المزارع وسقتها كما تسقي سائر الأنهار وقد علموا أين ينتهي سقي كلّ مقياس، ومن غرائب صنع الله، أن مدّه يبتدىء في معمعان الحرّ وشدّته. في الوقت الّذي تفيض (7) فيه الأنهار، وينتهى في الوقت الّذي تمدّ فيه الأنهار ويفيض فيحسر الماء عن الأرض في مبدأ زمان الحرث. وقد حكى البكريّ عن ابن حبيب «أنّ الله تعالى جعل النّيل معادلا لأنهار الدّنيا، فحين يبتدى بالزّيادة تنقص كلّها، وذلك لخمس بقين من شهر يونية وحين يبتدى بالنّقصان تزيد كلّها». (8)
__________
(1) انظر ما كتب في النيل وفضائله في خطط المقريزي 1/ 6850.
(2) ليست في ط.
(3) الحزب من القرآن: ربع الجزء.
(4) في ط: الجيزة، والجزيرة هي التي تفصل بين الجيزة والمدينة القديمة. انظر وصف إفريقية 2/ 240رحلة ابن جبير 29.
(5) الخلج: واحدها خليج: وهو نهر يشتقّ من نهر كبير لينتفع به.
(6) أترعها: ملأها.
(7) في ط: تفيض.
(8) في جغرافية مصر للبكري 10بخلاف يسير في اللفظ.(1/314)
[الأهرام والبرابي]
أمّا أهرامها وبرابيها (1)، فمبان عجيبة في غاية الغرابة مضمّنة (2) من الحكمة وغرائب العلوم ما صار أعجوبة على وجه الدّهر. وبين النّاس تنازع في أوّل من بناها، وفي أيّ شيء قصد بها، ولهم فيه خوض كثير لا حاجة بنا إليه، وقد ذكر القاضي صاعد صاحب الطّبقات: «أنّ جماعة من العلماء زعموا أنّ جميع العلوم الّتي ظهرت قبل الطّوفان إنّما صارت عن هرمس الأوّل السّاكن بصعيد مصر الأعلى، وهو الّذي يسمّيه العبرانيون خنوخ وهو إدريس [النّبي] (3) عليه الصّلاة والسّلام، وأنّه أوّل من تكلّم في الجواهر العلوية، والحركات (4) النّجوميّة، وأوّل من بنى الهياكل، ومجّد الله تعالى فيها، وقالوا: إنّه أوّل من أنذر بالطّوفان، ورأى أنّ آفة سماوية تلحق الأرض من الماء أو النّار [78/ ب] فخاف ذهاب العلم ودروس الصّنائع فبنى الأهرام والبرابي الّتي في الصّعيد، وصوّر فيها جميع الصّناعات والآلات، ورسم فيها العلوم حرصا منه على تخليدها.» (5).
قال القاضي صاعد المذكور: «وكانت دار الملك والعلم بمصر في قديم الدّهور (6) مدينة منف، (7) وهي على اثني (8) عشر ميلا من الفسطاط. فلمّا
__________
(1) البرابي: المعابد. انظر ما كتب عن الأهرام والبرابي في مروج الذهب 1/ 263359. وبدائع الزهور 1/ 13وما بعد وخطط المقريزي 1/ 122111.
(2) في ت وط: متضمنة.
(3) زيادة من ت.
(4) في ت: الحركة.
(5) طبقات الأمم 107106بخلاف يسير
(6) في ت وط: الدهر.
(7) في الأصل: منوف. ومنف هي منفيس القديمة، وهي قرية ميت رهينة الحالية وقد نسبت الكورة إليها رغم أنا كانت مدينة مندرسة عند الفتح العربي، انظر جغرافية مصر للبكري في حاشية الصفحة 62.
(8) في ط: اثنا وفيها غلط نحوي واضح.(1/315)
بنى الإسكندر مدينة الإسكندريّة، رغب النّاس في عمارتها، فكانت دار العلم (1) والحكمة بمصر إلى أن تغلّب عليها المسلمون واختطّ عمرو بن العاص على نيل مصر مدينته المعروفة بفسطاط عمرو فانسرب (2) أهل مصر وغيرهم إليها، فصارت قاعدة مصر إلى يومنا هذا» (3).
قلت: وقد صارت اليوم المدينة الّتي بناها العبيديون قاعدة الدّيار المصريّة بأسرها، ودار ملكها على الإطلاق، فسبحان من له الملك على الحقيقة، وإليه المرجع والمصير، لا ربّ غيره.
والأهرام (4) مبان من حجارة، صارت لإحكامها كالحجر الواحد، في غاية العلوّ، متّسعة الأسفل، مستديرة الشّكل، فكلّما طلعت انخرطت حتّى صار أعلاها حادّا على شكل المخروط. وليس لها باب ولا مدخل ولا يعلم كيف بنيت.
وقد ذكر البكريّ في المسالك، وذكره المسعوديّ (5)، ومن كتابه نقله البكريّ: «أنّ أحمد بن طولون (6) صاحب مصر، استحضر من أرض الصّعيد
__________
(1) في ت وط: العلوم.
(2) في ت: فانسرر.
(3) طبقات الأمم: 108بخلاف يسير.
(4) انظر ما قيل في الأهرام في خطط المقريزي 1/ 111.
(5) هو علي بن الحسين بن علي: مؤرخ، من أهل بغداد أقام بمصر وتوفي فيها سنة 346هـ. له مروج الذهب، والتنبيه والإشراف. ترجمته في النجوم الزاهرة 3/ 315طبقات الشافعية للسبكي 3/ 456، فوات الوفيات 3/ 12.
(6) أحمد بن طولون: صاحب الديار المصرية، تركي، بنى الجامع المنسوب إليه في القاهرة، ومن آثاره قلعة يافا بفلسطين، ولي إمرة الثغور وإمرة دمشق ثم إمرة مصر 254هـ للخليفة المتوكل، توفي بمصر سنة 270هـ. له ترجمة في بدائع الزهور 1/ 174161المنتظم 5/ 71ووفيات الأعيان 1/ 173.(1/316)
شيخا له مئة وثلاثون سنة، موصوفا بالعلم والحكمة، فسأله عنها، فقال: إنّها بنيت لحفظ جثث (1) الملوك. فقال له: كيف بنيت بتلك الحجارة العظيمة؟
فقال: إنّهم كانوا يبنونها على مراق أبرزوها من البنيان، فإذا فرغوا نحتوها» (2).
وذكر البكريّ أيضا «أن شونيد بن سهلوق ملك مصر قبل الطّوفان رأى رؤيا هالته، وحملته على بناء الأهرام بالصّخور، وأعمدة الحديد، والرّصاص، بأمر المنجّمين لتكون حفظا لجثّته، وجثث أهله، ومستودعا للعلوم من آفة الطّوفان، واختير لها موضع بقرب النّيل في الجانب الغربيّ [79/ آ]
فلمّا فرغ منها قال لهم: انظروا هل يفتح منها (3) موضع؟ قالوا: تفتح (4) من الجانب الشّماليّ، وحقّقوا له الموضع، وأنّ ذلك يكون لأربع (5) آلاف دورة للشّمس، وأنّه ينفق في هدمه كذا وكذا، فأمر أن يجعل في [ذلك] (6) الموضع ذهب يزن ما ذكروا، وحثّ على الفراغ من الأهرام ففرغ منها في ستّين سنة، وكتب عليها: «بنينا هذه الأهرام في ستّين سنة فليهدمها من يريد ذلك في ستّ مئة سنة، فإنّ الهدم أهون من البناء» (7).
__________
(1) في ط: جثّة.
(2) مروج الذهب: 1/ 350.
(3) في ت: منه.
(4) في ت وط: يفتح.
(5) في ت وط: لأربعة.
(6) زيادة من ت.
(7) خطط المقريزي 1/ 113.(1/317)
فلمّا كان المأمون أراد أن يهدمها، فقال له بعض شيوخ مصر: قبيح بمثلك أن يطلب شيئا لا يناله، فقال: لا بدّ أن أعلم علم (1) ذلك، ثم أمر بفتحها (2)
من الجانب الشّمالي لقلّة دوام الشّمس على العمّال. فكانوا يوقدون النّار عند الحجر فإذا احمرّ رشّ عليه الخلّ، ورمي بالمنجنيقات، حتّى فتحت الثّلمة الّتي يدخل منها اليوم. ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا، وبإزاء النّقب مالا، فأمرهم بوزنه، وبإحصاء ما أنفق على نقبه فوجدوهما سواء. فعجب المأمون من ذلك (3). قال: ووجدوا طول كلّ هرم (4) من الهرمين الكبيرين أربع مئة ذراع بالمالكيّ، وهو ذراع ونصف بذراع اليد (5). ويقال: ليس على وجه الأرض أرفع بناء منهما، ويذكر أنّ عمقهما في الأرض مثل ارتفاعهما.
والّذي سطّر من غرائب مصر في أهرامها، وبرابيها، وغيرها أمر يضيق عنه الوصف. وما كدّر معينها، وبخس ثمينها، ونغّص نعيمها، وأعلّ سليمها، إلّا أهلها الّذين ينكل (6) الخير عن وجوههم وينكص. وينمو الشّرّ بهم ولا ينقص، وبجيرانها (7) تغلو الدّيار وترخص، وخصوصا أهل تلك المدينة المظلمة، التي هي من كلّ الفضائل معدمة. أخطأهم النّوء المحمود (8)، وبعدا لهم كما بعدت ثمود. (9) وليس في أرض مصر من ينتهي في كلّ وصف
__________
(1) ليست في ت.
(2) في الأصل: يفتح.
(3) خطط المقريزي 1/ 113.
(4) في ط: واحد.
(5) خطط المقريزي 1/ 114، مستفاد الرحلة والاغتراب 166.
(6) نكل: نكص.
(7) في سائر النسخ: وبخيراتها.
(8) النّوء: النجم.
(9) استفاد من قوله تعالى: ألا بعدا لثمود هود 68.(1/318)
مذموم منتهاهم، ولا من يحلّ في القبائح محلّهم ومثواهم. وقد سمعت ممّن جال في صعيد مصر وريفها أنّ أهلها لا بأس بهم، وأنّهم أشبه من المذكورين بكثير. ومع ما ذكرت فقد كاد المغاربة ينيفون [79/ ب] على أهل البلاد بكثير (1) لطيب الأرض وسعتها، وكثرة أرزاقها، وربّما تقاتلوا مع أهل الموضع فغلبوهم، وقد (2) فشا على لسان الصّغير منهم والكبير أنّ مغربيّا يملكهم لا محالة ويتحدّث بهذا عامّتهم وخاصّتهم، ويأثرون (3) ذلك عن علماء حدثانهم، وقديما كانوا في انتظار ذلك وقد حكاه عنهم ابن جبير في رحلته (4)، وذكر عنهم أمارات نصبت بزعمهم علامة لذلك، والله بغيبه أعلم، وهو الملك الأعظم، لا ربّ غيره، ولا يرجى إلّا خيره.
[مزارات مصر]
وفي مصر من المزارات الشّريفة عدّة وافرة ومن أعظمها تربة رأس الحسين رضي الله عنه، عليها رباط في غاية الإبداع (5) والتّنويه، والأبواب عليها حلق الفضّة وصفائحها، وإلى الآن يوفّى واجب القيام بها والإشادة بذكرها، حفظ الله أمراء التّرك (6) بمصر، فما أحماهم للدّين وأحنّهم (7) على المسلمين، وأحبّهم في الغريب، وأفظّهم في ذات الله تعالى على المريب. ولم
__________
(1) في ت وط: كثرة.
(2) ليست في ت.
(3) أثر الحديث يأثره: رواه.
(4) رحلة ابن جبير: 5756.
(5) في ت: الابتداع.
(6) يريد المماليك.
(7) في ت: وأحسنهم، في ط: وأحصنهم.(1/319)
يتحقّق الآن عندي كيف نقل إلى أرض (1) مصر. وكان الدّعيّ (2) ابن الدّعيّ (2)
عبيد الله بن زياد (3) بعث به إلى معهد (4) العناد والإلحاد طاغيتهم يزيد بن معاوية (5). لا أخلى الله منه الهاوية، وهو حينئذ بدمشق، وأظنّ بعض العبيديين (6) أمر بنقله إلى عسقلان (7) فإنّي رأيت بها رباطا ليس بعسقلان عمارة سواه، وفوق الباب منقوشا في حجر: إنّ فلانا لشخص من العبيديين ولقبّه بأمير المؤمنين نسيت اسمه، أمر ببناء هذه التّربة على رأس الحسين بن عليّ رضي الله عنه، وفرغ من بنائها في تاريخ كذا، وكان حدود الستّين وثلاث مئة، ثم أمروا بنقله أيضا إلى مدينتهم بمصر فهو الآن بها.
وكان الذي حملهم على التّنويه (8) بأهل البيت رضي الله عنهم، تحقيق دعواهم الباطلة أنّهم منهم. فإنّه ما تأتّى لهم ماراموا في بدايتهم، قبل استحكام أمرهم، إلّا بانتمائهم إلى البيت الشّريف زاده الله جلالة فلمّا تمكّنوا جاهروا بكلّ كفر، وظاهروا [80/ آ] بكل إلحاد، وبقوا مع ذلك
__________
(1) ليست في بقية النسخ.
(22) ليست في ط.
(3) في ت وط: عبد الله وهو خطأ. وهو عبيد الله بن زياد أبيه: قائد فاتح، ولي إمارة البصرة، وكانت فاجعة الحسين في أيامه. قتل سنة 67هـ. انظر الأعلام 4/ 193، ومصادره ثمّة.
(4) في ت وط: معدن.
(5) يزيد بن معاوية: ثاني خلفاء الدولة الأموية في الشام تولى بين 6460هـ. وفي زمنه كانت فاجعة المسلمين بالسبط الشهيد الحسين بن علي. سنة 61هـ. ترجمته في الطبري حوادث 64.
(6) يريد الفاطميين.
(7) عسقلان: مدينة على ساحل فلسطين بين غزة وبيت جبرين. انظر ياقوت 4/ 122.
(8) نوّه به: شهره وعرّفه.(1/320)
متمسّكين بأصل دعواهم في انتسابهم إلى أهل البيت، حتّى أباد الله غضراءهم (1)، ودهم بالفناء دهماءهم، وقد دلّ مانالوه (2) من جسيم الملك كلّ ذي فطرة سليمة، على حقارة الدّنيا وخساستها
و «لو وزنت عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا جرعة ماء»
(3).
«إن الله يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ [ولا يعطي الآخرة إلّا لمن يحّب]»
(4) وناهيك بمملكة وصلت ما بين الشّرق والغرب، واستولت على الحجاز واليمن، والشّام، وديار ربيعة (5)، ومصر وأرض برقة، وإفريقيّة، وانتهت إلى سجلماسة (6) وإلى فاس بأقصى المغرب، ودامت نحو مئتي سنة. وآثارهم إلى الآن موجودة، وأسماؤهم مذكورة، وقد رأيتها في جامع القيروان، والشّام (7) وغيرهما، حكمة من الله بالغة (8)، وحجّة لتوهم الخيال دامغة. وما أظنّ مؤمنا تبقى له شبهة مع هذا في حقارة الدّنيا، ودناءة خطرها، وسقوط قدرها عند خالقها، ما نظر إليها منذ خلقها. دار يستطيل بها العدوّ على الوليّ ويظفّر (9) فيها الأعوج على
__________
(1) العرب تقول: أباد الله خضراءهم، وقال الأصمعي: «أباد الله غضراءهم»، أي خصبهم وخيرهم، تهذيب اللغة 8/ 8 «غفر».
(2) في ت وط: مانالوا.
(3) في ت وط: ما سقي منها كافر، وهو حديث أخرجه الترمذي في أبواب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجلّ رقم 2321من طريق سهل بن سعد وتفرّد به بقول المحقق.
(4) ما بين حاصرتين زيادة من ت، والحديث أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 1/ 387.
(5) ديار ربيعة: تضمّ عدّة كور بين الموصل ورأس العين ونصيبين ودنيسر والخابور، بين الحيرة والشام انظر مراصد الاطلاع 568وياقوت 2/ 494.
(6) سجلماسة: مدينة في المغرب في منقطع جبل درن، تقع جنوب فاس وبينهما عشرة أيام. انظر مراصد الإطلاع 694.
(7) ليست في ت.
(8) استفاد من الآية الكريمة: حكمة بالغة فما تغن النذر سورة القمر 5.
(9) ت وط: يطفو، وظفر عليه: غلبه انظر تهذيب اللغة 14/ 375ظفر.(1/321)
السّويّ. طالما أخّرت كاملا، وقدّمت ناقصا، وأكبت (1) جوادا فرجع على عقبيه ناكصا. خنق فيها النبيّ عقبة بن أبي معيط (2)، وكسته كساء نجرانيّا (3)، والعاصي (4) العاصي يرفل في الرّيط (5). أقعدت عليّا وأقامت معاوية، وأنهشت حسينا (6) الكلاب العاوية. آذت ابن عمر (7) بلا ريبة ولا ريب، وأعدّت لعين ثقيف (8) مع كلّ عيب. سالمت الحكم (9) وليس بأهل أن يسالم، وحاربت أبا ذرّ (10) ولا أرب له في العالم. روّعت مع توحشّه سفيان (11)، ورفعت مع تفحّشه مروان (12). أقعدت مع أشراف الإنس (13) أبا قيس، وأقعدت أخسّ
__________
(1) في ت وط: كبحت.
(2) عقبة بن أبي معيط بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس: من مقدمي قريش في الجاهلية، كان شديد الأذى بالمسلمين، أسر يوم بدر وقتل ثم صلب. انظر السيرة لابن هشام 1/ 301300.
(3) إشارة إلى تكفين الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية، انظر اللسان نمر.
(4) هو ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس من أشدّاء قريش في الجاهلية قتل مشركا في بدر، انظر الأعلام 3/ 249.
(5) الريط: هي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، هو كل ثوب لين رفيق.
(6) المقصود به الحسين بن علي بن أبي طالب. رضي الله عنهما.
(7) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. وفي الاستيعاب 2/ 333أنّ الحجّاج أرسل رجلا معه حربة مسمومة فأمرّها على قدم ابن عمر فمرض أياما ثمّ مات وذلك لأنه قال للحجاج عندما هدده بالقتل: إنّك سفيه مسلّط
(8) لعين ثقيف هو الحجاج بن يوسف الثقفي.
(9) هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد الشمس القرشي الأموي: صحابي أسلم يوم الفتح، وكان فيما قيل يفشي أسرار الرسول فنفاه إلى الطائف وأعيد إلى المدينة في خلافة عثمان وهو والد مروان رأس الدولة المروانية. ترجمته في الإصابة 1/ 344، نكت الهميان 146.
(10) هو أبو ذرّ الغفاري: جندب بن جنادة صحابي يضرب به المثل في الصدق، كان يحرض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم توفي سنة 32هـ. له ترجمة في الإصابة 4/ 63. وحلية الأولياء 1/ 170156.
(11) هو سفيان الثوري: تقدمت ترجمته.
(12) هو مروان بن الحكم الخليفة الأموي أب عبد الملك شهد صفين مع معاوية توفي سنة 65هـ. له ترجمة في الإصابة 3/ 455وأسد الغابة 4/ 348.
(13) في ط: الأندلس. ولعله قصد أبا قيس بن رفاعة اليهودي.(1/322)
البهائم مع القرنيّ أويس (1)، وقديما أحوجت الكليم والخضر حتّى استطعما (2)، وأغنت قارون وأراحت عليه نعما: [البسيط]
وطالما فتكت بالدّارعين ولم ... تحفل بجيشهم أن كان جرّارا ... [80/ ب] وكم حليف اغترار خالها ثقة ... لم يمس إلّا وغيم الغدر قد دارا
ومن غرائب العبر، وطرائف الصّور. وطرف الأعاجيب، وتحف اللّبيب ما اتّفق في قتل الحسين رضي الله عنه. قتله دعيّ آل حرب (3)، وأخذ بثأره كذّاب ثقيف (4)، ونوّه باسمه أعداء ملّة جدّه صلى الله عليه وسلم بنو عبيد، فقاموا بدعوته، وبالغوا في إكرام تربته ليقتصّ من قضية (5) بمثلها، ويقابل فاسد بمثله، فيقرأ الفهم الفهم (6) سورة الصّورة، ويتهجّى اللبيب الأريب حروف تلك الحروب، فيعلم أنّ الكلّ آلات مستعملة حسبما اقتضاه العلم القديم، ونبّأ (7) عن دقائقه العلم القديم، ويرى ظاهر الأسباب تعطّل أحكامها في هذه القضيّة الجّليّة (8) فيا عجبا حصل إجماعهم على إملاء أساطير الأباطيل في ملاء
__________
(1) هو أويس القرني: ناسك أصله من اليمن شهد صفين مع علي ويرجح الكثيرون أنه قتل فيها. له ترجمة في حلية الأولياء 2/ 79وفيه أنه مات في غزوة أذربيجان أيام عمر وطبقات ابن سعد 6/ 161.
(2) إشارة إلى قصة موسى عليه السلام والرجل الصالح في سورة الكهف.
(3) اشترك في قتله جماعة، انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 5/ 400وما بعدها.
(4) كذّاب ثقيف هو المختار الثقفي الذي ثار على بني أمية توفي سنة 67هـ. له ترجمة في الإصابة 3/ 491.
(5) في ت وط: قضيته.
(6) ليست في ت وط.
(7) في ط: أنباء.
(8) في ت وط: الجليلة.(1/323)
الملّة (1)، واختلفوا في العمل بها فانخرق إجماعهم سريعا، لأنّه كان مهلهل النّسج. وعصمة الإجماع شرعيّة لا عقليّة. عمل آل حرب بما ظنّوه من رشادهم ولم يعلموا أنّهم استعملوا في فسادهم، ثم استعمل مثلهم في ضدّ صنعهم ليتضّح الأمر. ولو صحّ الحكم للأسباب، لولجوا كلّهم من باب. كان قصدهم واحدا، فجرت ريح القدر ففرّقت السّفن، فرمت بعضا (2) إلى بلاد العدوّ، وبعضا إلى ساحل من سواحل الإسلام احتاج أهله (3) الميرة (4) فأمدّوا بها على رغم الملّاح (5): [الخفيف]
ربّ أمر أتاك لا تحمد الفع ... عال فيه وتحمد الأفعالا
«قال الحائط للوتد: لم تشقنّي؟ قال: سل من يدقّني» (6) ظفر دعيّ آل حرب بالحسين في يوم (7) عاشوراء، وفيه أنجى الله موسى من فرعون، والقضيّتان سواء ليبيّن أنّ كرامة الدّنيا لا يطّرد لها قياس فلذلك عمّت العدوّ والوليّ، ليس لها قدر فلم يعط لها حكم. لمّا لم يكن للماء عند وجوده خطر، سقط عنه حكم الرّبا، ولمّا جرت الفلوس مجرى العين (8)، منع فيها التّفاضل.
__________
(1) الملّة: الشريعة والدين.
(2) في ت وط: بعضها.
(3) في ت وط: أهلها.
(4) الميرة: الطعام من حبّ وقوت.
(5) البيت للمتنبي في ديوانه 3/ 138.
(6) المثل في نفح الطيب 5/ 295.
(7) ليست في ت وط.
(8) العين: الذهب.(1/324)
لم تزل ضمائر آل حرب ترشح سمّا، ما ذكر هاشميّ إلّا نضنضوا (1)
ليلسعوه. [81/ ب] كانت عداواتهم علّة السّرطان كلّما مسّت بحديد الحدود تقرّحت. ظهرت يوم بدر، واستحكمت يوم أحد، وانتشرت يوم الأحزاب، وقهرت يوم الفتح. فما تحرّك منها إلّا عرق. لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما (2)، ومالي ولبني فلان. كما قمعها خوف هرقل فلم يظهر منها إلّا تألمّ، ونحن منه في مدّة وأنين. لقد «أمر أمر ابن أبي كبشة» (3) ثمّ أماتها حرّ الخوف، ومرهم (4) الطّمع. فلمّا برد الخوف وسقط المرهم، وتحرّك برد التّرف، هاجت فعادت جذعة (5) قطعت بالإياس الأمل فطغت في صفّين (6) والجمل (7)، وأعادت الكرب والبلاء فأجهزت على يزيد بكربلاء (8) عجبا لها (9)، ما محّت حتّى محت رسومهم، ولا اندرست حتّى درست (10) جسومهم، لم يحي ملكهم
__________
(1) النضنضة: تحريك الحيّة لسانها.
(2) قول أبي سفيان للعبّاس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في السيرة النبوية لابن هشام 2/ 402.
(3) المثل في اللسان كبش «وقد جاء في حديث أبي سفيان وهرقل»، وابن أبي كبشة هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهي كنية أبيه من الرضاعة. انظر الروض الأنف 2/ 228.
(4) في ت وط: ومدّهم.
(5) أي جديدة كما بدأت.
(6) صفّين: موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات كانت فيه وقعة صفين بين علي رضي الله عنه ومعاوية سنة 37هـ. انظر وقعة صفين للمنقري.
(7) وقعة الجمل: وهي التي جرت بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعائشة أم المؤمنين ومن قام معها. وكانت سنة 36هـ وانتهت بانتصار علي وجيشه.
(8) كربلاء: موضع في طرف البرية عند الكوفة وفيه قتل الحسين بن علي رضي الله عنه. انظر ياقوت 4/ 445.
(9) في ت وط: منها.
(10) في ت: أدرست.(1/325)
بعدها إلّا أيّاما قلائل. وأيّ حياة لمنفوذ المقاتل. تهالكوا على خرزة ظنّوها درّة، فبذلوا لها نفائس نفوسهم، فما فطنوا لسّوء صنيع الغمر (1) إلّا بعد ضياع العمر: [الكامل]
بذلوا غنى الدّارين في محض العدم ... ندموا ولكن حين لا يغني النّدم
فلقد تباغضت الجوارح منهم ... فترى الأكفّ يقوم فيها الملتدم (2)
والظّفر يقرع سنّه لكنّه ... إن أمكنت ضرسا أنامله كدم (3)
ومن المزارات بربضها الغربيّ روضة السّيدة الشّريفة الطّاهرة، ذات الفضائل الظّاهرة، والكرامات المتظاهرة: نفيسة بنت عليّ بن أبي طالب (4)
رضي الله عنهما وتربتها هنالك مشهورة، وهي على (5) أوفى ما يكون بناء مونقا، وضياء مشرقا، وعناية كاملة، وحفاية حافلة، ومن رآها لم يشكّ في فضل ملوكهم، وأنّهم جعلوا تعظيم أهل البيت مبدأ سلوكهم، اتّخذوه في عقود عمود الدّين واسطة سلوكهم. عليها رباط مقصود، ومعلم مشهود ومحلّ
__________
(1) الغمر: الحقد.
(2) اللّدم: اللطم.
(3) الكدم: العضّ.
(4) كذا في جميع النسخ وهو سهو وقع فيه المصنّف. وهي نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب: عالمة بالتفسير والحديث، ولدت بمكة سنة 145، ونشأت بالمدينة وانتقلت إلى القاهرة فتوفيت بها سنة 208هـ. ترجمتها في وفيات الأعيان 5/ 423غربال الزمان 198أعلام النساء 5/ 187.
(5) ليست في ت.(1/326)
محفود (1) محشود (2)، تصوب (3) بها ديم العناية الرّبانية وتجود، و: [الوافر]
لأمر ما يسوّد من يسود (4)
ومن المزارات بقرافة مصر: تربة الإمام الشّافعيّ رحمه الله وهي أشهر من أن تخفى [81/ ب] وأظهر من أن تغفل أو تنسى، عليها رباط كبير ومحلّ أثير، وفيها جراية تزيدها اشتهارا، وعناية تلحفها مبرّة وإيثارا، وعليها قبّة عجيبة مشهورة، معدودة في المباني المتقنة مذكورة، مفرطة (5) الارتفاع والاتّساع (5)، غريبة في الإحكام والإبداع. ذرعتها من داخلها فوجدت سعتها أزيد من ثلاثين ذراعا، وفيها من العدد والأسباب والآلات ما يعجز عنه الوصف، وفي القرافة وغيرها من أرض مصر من قبور العلماء والصّلحاء ما لا يحصره عدّ منها قبر الرّجل العالم الصّالح، عبد الرّحمن بن القاسم (6)
صاحب الإمام مالك (7) رحمه الله، وأشهب بن عبد العزيز (8)، وأصبغ بن
__________
(1) في ط: محفوظ.
(2) في ط: مشحود.
(3) في ت: تصوبها وفي ط: تصوب فيها.
(4) هو عجز بيت لأنس بن نهيك وصدره:
«عزمت على إقامة ذي صباح»
وهو في الصحاح للجوهري صبح واللسان صبح والتاج صبح وانظره في مجمع الأمثال للميداني 2/ 196.
(55) في ط: الاتساع والارتفاع.
(6) عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري: فقيه مالكي تفقه بالإمام مالك. جمع بين الزهد والعلم، ولد بمصر سنة 132هـ وتوفي فيها سنة 191هـ. له المدونة في فقه المالكية ترجمته في حسن المحاضرة 1/ 121الديباج المذهب 146شجرة النور الزكية 1/ 58.
(7) زاد في ت «ابن أنس».
(8) أشهب بن عبد العزيز القيسي: فقيه الديار المصرية في عصره، كان صاحب الإمام مالك توفي بمصر سنة 204هـ له ترجمة في حسن المحاضرة 1/ 305الديباج المذهب 98.(1/327)
الفرج (1)، وابن عبد الحكم (2)، وأبي إسحاق بن شعبان، والقاضي أبي محمّد عبد الوهاب، وغيرهم. وليس لها هنالك اشتهار، ولا يوقف عليها إلّا بتعريف من له بها عناية. وقد (3) أخبرني بعض أصحابنا أنّه ما أوجب تنويههم بتربة الشّافعي، إلّا دفن أمّ الملك الكامل (4) معه في الرّوضة، وما أقرب أن يكون ذلك (5) كذلك. فإنّ الّذي ضمّته مصر من أفاضل الصّدر الأوّل لا يحصى كثرة، وفيهم من الصّحابة رضي الله عنهم أعداد. ومع ذلك فما عرفت قبور أكثرهم، فضلا عمّا سوى ذلك.
والشّافعيّ رحمه الله رجل مجدود في حياته، وبعد موته، وطار (6)
له من الصّيت مالم يطر (7) بعضه لمن هو أعلم منه، وخدمه الجدّ حتّى في الأصحاب، فما صحبه إلّا من له فيه فرط تشيّع، وغلوّ معتقد، ومن رأى كلامهم فيه، وذكرهم له عجب من ذلك، وما أحقّهم باسم الشّيعة من المتعصّبين لمن حقّ لهم التّعصّب، ووجبت لهم الحميّة، أهل بيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، ولقد صدق الشّافعيّ رحمه الله في قوله: (8) [الكامل]
__________
(1) أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع المالكي: مفتي مصر فقيه مالكي، توفي سنة 225هـ له: كتاب الأصول، غريب الموطأ. آداب الصيام. ترجمته في ترتيب المدارك 2/ 561الديباج 97.
(2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم: مؤرخ، محدّث، فقيه من أهل مصر توفي سنة 257هـ له: فتوح مصر والمغرب والأندلس. ترجمته في حسن المحاضرة 1/ 446، الأعلام 3/ 313.
(3) ليست في ط.
(4) الملك الكامل: هو محمد بن محمد بن أيوب من سلاطين الدولة الأيوبية، تولى مصر سنة 615هـ.
وامتلك البلاد الشامية توفي بدمشق سنة 635هـ. من آثاره المدرسية الكامليه بمصر. له ترجمه في بدائع الزهور 1/ 268258وحسن المحاضرة 2/ 3423.
(5) ليست في ت وط.
(6) في ط: صار.
(7) في ط: يظهر.
(8) ديوان الإمام الشافعي: 133132.(1/328)
الجدّ يدني كلّ شيء شاسع ... والجدّ يفتح كلّ باب مغلق (1)
فإذا سمعت بأنّ مجدودا حوى ... عودا فأورق في يديه فحقّق (2)
وصدق القائل أيضا: (3) [82/ آ] [الكامل]
والجدّ أنهض بالفتى من عقله ... فانهض بجدّ في الحوادث أوذر
قلت: قد امتّد نفس الكلام في ذكر هذه المدينة المهينة، وحقّ له أن يقصر، وقد كفى ذمّها أنّها مذمومة على مرّ (4) الأعصر، وبنو الزّمان فطن أكياس، يبصرون أقلّ الأود (5) في الغصن الميّاس.
والآن حان أن نعطف عنان الكلام، إلى إجراء الرّحلة على نسق الانتظام، فنقول وبالله نستعين وهو خير معين:
[البرية بين الحجاز ومصر]
البركة
ثمّ سافرنا من المدينة المذكورة، وتركناها غير محمودة ولا مشكورة، وبرز (6) الرّكب للرّحيل، ورفضناها كما رفض الطّلل المحيل، فنزلنا بموضع
__________
(1) في الديوان: كل أمر، والجدّ: الحظّ والحظوة.
(2) البيت ساقط من ت، وفي الديوان: عودا فأثمر.
(3) البيت لعبد الله بن يزيد الهلالي كما في حماسة البحتري 246وروايته ثمة:
الجدّ أملك بالفتى من نفسه ... فانهض بجدّ في الحوائج أوذر
وهو في محاضرات الأدباء 1/ 214:
الجدّ أنهض بالفتى من سعيه ... فانهض بجدّ في الحوادث أودع
(4) في ط: مدّ.
(5) الأود: الاعوجاج.
(6) برز الرجل: خرج إلى الفضاء.(1/329)
على نحو عشرة أميال منها ويعرف بالبركة. صحراء لا أنيس بها، وعادة الرّكب النزول بها ليتلاحق (1) النّاس وربّما أقاموا بها يومين أو ثلاثة، وفيها آبار طيّبة، وتقوم بها سوق عظيمة يستتمّ بها (2) الحجّاج جهازهم. فلمّا تلاحق الرّكب واستتبّ السّفر، رحلنا في الضّحى الأعلى من يوم الثّلاثاء الثّامن عشر من شهر شوّال مستقبلين للبريّة الكبيرة: بريّة ما بين الحجاز ومصر، وهي مسيرة أربعين يوما، وما بها مستعتب إلّا في ينبع وفي بدر، فإنّ بهما عمارة هي أشبه شيء بالخلاء والورود في جميعها ربعا (3) وغبّا (4)، والرّبع هو الغالب، وليس في البراري أطول منها ولا أقفر (5). أرضها في نهاية الحروشة (6)
لا يمكن أحدا فيها المشي بغير مداس البتّة. وفيها قوم من العرب، صعاليك ينتقلون فيها من موضع إلى موضع مالهم قوت إلّا ما يمتارونه (7) من بعيد، فهم الدّهر كلّه في جهد وفرط شظف (8). وقلّما يظهرون للرّكب لخبث أفعالهم، وعدم ما يعاملون به، وإنّما يتطرّفون (9) الرّكب (10) ويطالعونه من كلّ مرقب، فإذا رأوا متخلّفا عنه لغفلة، أو نوم، أو انقطاع عجز، انقضّوا عليه فمزّقوا أشلاءه، ولو لم يجدوا عليه إلّا خرقة واحدة لم يتركوها له. ولولا صاحب
__________
(1) في ط: ليلاحق.
(2) في ت وط: منها.
(3) الرّبع: ورد الماء يوما وتركه يومين ثم الورود في اليوم الرابع. انظر تهذيب اللغة ربع 2/ 370.
(4) الغبّ: ورد يوم وظمء آخر.
(5) في ط: أفقر.
(6) الحروشة: الخشونة.
(7) الامتياز: هو طلب الميرة، وهي الطعام.
(8) الشّظف: شدّة العيش وضيقه.
(9) في ت وط: يتطرقون.
(10) في ت: للركب.(1/330)
مصر وما ألهمه الله من الاعتناء [82/ ب] بالرّكب، وإخراج الحصّة معه بأمير على أكمل ما يكون من الاستعداد والتّأهّب، ماسلك أحد تلك البريّة لطولها وخلائها إلّا من القطّاع. ولكنّ لطف الجليل جلّ جلاله يصحب عباده بحسب الحاجة، وعونه يأتيهم على قدر نزول الشّدّة، وغوثه يسرع إليهم على مراتبهم في الاضطرار.
لمّا كان الرّوح يتقوّت الهواء، ولا يصبر عنه ساعة، كان الهواء أكثر الموجودات إمكانا، ولمّا كانت الحاجة إلى الماء شديدة، والصّبر عنه قليلا، كان قريبا منه في الإمكان. فتأمّل لو كانا لا يؤخذان إلا بثمن كالطّعام، ما الحيلة؟ ولمّا كانت الحاجة إلى النّار (1) دون ذلك، والقليل منها يكفي، والكثير منها يضرّ، كانت أقلّ إمكانا، حتّى إنّها قلّما (2) تكون إلّا بمعالجة.
ومن تصفّح دواوين الموجودات، وجد هذا الفنّ من علومها كثيرا، الفواكه قليلة بالنّسبة إلى القوت للاستضرار بعدم القوت. وأقلّ الجواهر وجودا ما لا تمسّ الحاجة إليه، ثم عظم في النّفوس تعظيما مجرّدا من سبب، ليبيّن أثر القدرة، وليعمّ نفع ما فيه النّفع، ولا يقع الاستئثار به. فيا عجبا من حبّ ما لا ينفع حتى يعوّض به أعظم الأشياء نفعا.
لما كان المشي على الأقدام، كانت بشرتها أغلظ، والكفّ تحتاج إلى مباشرة الخشن فغلظت بشرتها بحسب الحاجة ثم تدّرّج (3) الغلظ في جميع البشرة على نحو ذلك، حتّى صارت بشرة الشّفة أرقّها إذ لا يباشر بها إلّا اللّيّن.
__________
(1) في ت: النور، وفي ط: النادر.
(2) في ت وط: أقلّ ما تكون.
(3) في الأصل: درج(1/331)
ولمّا احتيج في الكفّ إلى اللّمس جعلت أذكى الأعضاء حسّا مع كثافة البشرة ليتنبّه الكثيف الطّبع إلى جمع الضدّين. ولمّا احتيج إلى كشف الوجه للمواجهة، أعين على ألم الحرّ والبرد أكثر من سائر البدن، ومن عجب أنّه يتألّم بأقل الخجل حتّى يتصبّب عرقا، ثم يحتمل شدّة البرد (1).
لمّا كان المظلوم إلى النّصر أحوج، كانت الإجابة إلى دعائه أسرع [83/ آ]
«اتّقوا دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب»
(2).
لمّا كان الصّغير من الحيوان غير مستقلّ بنفسه، استخدمت له الأمّ بقهر الشّفقة. ولمّا كان الكبير [مستقلا بنفسه استغنى عن أمّه] (3). فسبحان من عجزت العقول عن إدراك بعض لطائفه وقصّرت الألسن عن شكر أقلّ عوارفه [] (4). ومن نظام حكمة الحكيم أنّهم لا يرحلون ولا ينزلون إلّا بأمر، وعلامة الأمر دقّ الطبّل. ولا يتقدّم منهم أحد الدّليل، والدّليل أمامهم ليلا ونهارا، والخيل قدّام الرّكب ووراءه [] (5)
بالمشاعل تنفض المسالك وتتفقّد من تأخّر [من ضعف أو نوم] أو تكاسل، ومعهم جمال السّبيل يحملون عليها المنقطعين بعد امتحان لهم واستبراء لشأنهم، [لأن منهم من] (6) يتعاجز رغبة في الرّكوب، وهو قويّ على المشي،
__________
(1) في ط: الحر.
(2) أخرجه البخاري في الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء رقم 31496/ 357عن ابن عباس، وفي المظالم باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم رقم 52448/ 101وفي الموضعين بلفظ: اتقّ ومسلم في الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام رقم 29.
(3) بياض في الاصل وط والتكملة من ت.
(4) بياض في جميع النسخ بمقدار خمس كلمات.
(5) بياض في جميع النسخ بمقدار كلمتين: لعلهما (فرسان يمشون).
(6) بياض في جميع النسخ بمقدار ثلاث كلمات، والاستدراك من نسخة الأحمدية.(1/332)
فإذا أخذته السّياط طار. وما رأيت [أحدا يريد] (1) التّباعد منهم والتّستّر عنهم، فلا بدّ لهم أن يقفوا عليه فيضربوه بالمقارع، وليس في الأرض [من يفعل فعلهم، لا يكلّون ولا يملّون ولا يضجرون] (2) بل يدأبون الّليل والنّهار حتّى يرجعوا إلى مصر بعد ثلاثة أشهر. والّذي جبلهم الله عليه من الحذر والاحتياط أمر يضيق عنه الوصف. لا يخرج أحد منهم من منزله (3)
إلى المسجد أو السّوق، أو متنزّها (4) في داخل البلد، إلّا وهو محتزم كامل الآلة على صورته في وصف الحرب لا يفارقه ذلك على حال، كما قال مسلم بن الوليد: (5) [البسيط]
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل
والّذي يتحمّلونه من النّصب (6)، والعنا في خدمة الرّكب، والاحتياط عليه ومداراة الضّعفاء منه، ومواساتهم، والتّرجّل لحملهم، لا يقدر عليه إلّا من أهلّه الله للخير، وأعانه عليه، فجزاهم الله عن المسلمين [83/ ب] خيرا، وحالهم في [سير] (7) هذه البرّيّة أنّهم يرحلون في نصف اللّيل، أو قبله بيسير، وربّما رحلوا في الثلث الأخير [من اللّيل] (8) والمشاعل تردّ اللّيل نهارا، فيسرون حتى يصبح، ويصلّون ثم يستديمون السّير حتّى ترتفع الشّمس فينزلون إلى
__________
(1) بياض بمقدار ثلاث كلمات والاستدراك من نسخة الأحمدية.
(2) بياض بمقدار سطر واحد والاستدراك من نسخة الأحمدية.
(3) ليست في ت.
(4) ليست في ط.
(5) ديوان صريع الغواني 12.
(6) النّصب: التّعب.
(7) زيادة من ت وط.
(8) زيادة من ط.(1/333)
الظّهر، ويصلّون ثم يرحلون، وربّما رحلوا قبل الصّلاة، ثمّ ينزلون آخر النّهار عند الغروب إلى نصف اللّيل هكذا إلى مكّة، وإلى مصر.
وهذا السّير على هذه الصّورة من أروح ما يكون للمسافر المجدّ، لانقسام السّير والرّاحة بين اللّيل والنّهار، مع الإرواد (1) في المشي والجدّ فيه، فصاروا يقطعون بالدوّام مع المهل ما لا يقطعه الجادّ في يوم تامّ وحصلت الرّاحة مع قضاء ما لا بدّ منه بالنّهار من أكل وسقي في المناهل، ونزول للرّاحة (2)، وغير ذلك. ولو كان سيرهم بالنّهار خاصّة، لقطعهم عنف السّير، وتعطّل عليهم أكثره لتلك الضّروريات فيكثر عناؤهم ولم يقطعوا مسافة.
وهذه البريّة مع طولها من أروح المواضع للحاجّ بسبب الأمن، فإنّ أصحاب الأموال يتّسعون بها على اختيارهم، ولا يتّقون عليها، والضّعفاء يعيشون بينهم بأنواع من الاحتراف، وأضرّ ما على الفقير فيها المرض لعدم المستعتب وطول الطّريق. وأمّا القوت فيتسبّب فيه إذا كان صحيحا. وقلّما يعوزه التّسبّب لكثرة (3) الخلق، فإنّهم بحيث لو غاب عن أحد (4) رفيقه لم يجده عن أيّام، وأكثرهم بعلامات يتعارفون بها وأعرف بعض المصامدة (5) ضاع عن أصحابه في الرّكب عند انفصاله (6) من مصر فما زال ينشدهم وينادي بهم ولم يجدهم حتّى وصل إلى عقبة أيلة (7) مسيرة عشرة أيّام، وكان الرّكب
__________
(1) الإرواد في المشي: الإمهال.
(2) في ت وط المراحل
(3) في ت وط: بكثرة
(4) في ت واحد.
(5) المصامدة: نسبة إلى قبائل مصمودة.
(6) في ت: انتقاله.
(7) أيلة: مدينة على شاطىء البحر في منتصف ما بين مصر ومكة. انظر ياقوت 1/ 292.(1/334)
في هذا العام قليلا يتعجّب (1) النّاس من قلّته بسبب خروج السّلطان إلى جهاد عكّة (2). وذكر لي بعض من حجّ قبل هذا العام أنّه أحصى في بعض الأعوام ما في الرّكب من الجمال فوجدت ثمانين ألف راحلة دون [84/ آ] الدّواب.
[مناهل البرّيّة]
[السّويس]
وأمّا مناهل هذه البرّيّة فمن البركة إلى السّويس ثلاثة أيّام، وهي بئر غزيرة واسعة، وهنالك ينقطع بحر الشّرق (3)، فيدور السّالك من ورائه ويتركه يمينا ولا يزال محاذيا له إلى مكّة، وثمّة كانت مدينة القلزم (4)، وبينها وبين الفرما كورة من مصر على ساحل البحر الرّومي مسيرة يوم، وما بين هذين الموضعين أقرب مسافة بين البحرين بحر الشّرق وبحر الغرب.
قالوا: (5) وهذا الحاجز بينهما هو الّذي ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله: {وجعل بين البحرين حاجزا} [6].
[مغبوق]
وماء السّويس ملح لا يكاد يساغ لملوحته، وخباثة مطعمه ولكن بالقرب منه على نحو عشرة أميال، أو أزيد قليلا ماء يقال له مغبوق (7)، وهو ماء عذب
__________
(1) في ط: يعجب.
(2) عكّة: مدينة على ساحل بحر الشام من عمل الأردن وهي مدينة حصينة لها سور. انظر ياقوت 4/ 143.
(3) بحر الشرق: يعني البحر الأحمر.
(4) القلزم: بلدة على ساحل البحر الأحمر قرب أيلة. انظر ياقوت 4/ 387.
(5) انظر البكري في جغرافية مصر من كتاب المسالك والممالك 93.
(6) سورة النمل من الآية 61.
(7) في الأصل مبعوق وهو سهو.(1/335)
طيّب في أحساء برملة بيضاء، غزير لا كلفة فيه. وكان كثير من النّاس قد استقى من السّويس، فلمّا وصلوا [إلى مغبوق] (1) [أراقوا ما معهم] (2)، وسقوا دوابهم، واستقوا منه ثانية.
[بئر النخل]
ومن مغبوق إلى بئر النّخل ثلاثة أيّام، وهي بئر واحدة بكيّة، ماؤها شريب [لايروي] (3) عطشا، ويتقاتلون على مائها حتّى لقد قتل بينهم مرّة بما ذكر لي نحو مئتين، ومازال الحال [كذلك، حتّى حفر أمير] (4) مصر، ويقال له طرطقى، هنالك بئرا أخرى متقنة العمل ينزل إليها في درج له باب إلى جانبها، وهي عجيبة الإحكام، ولكنّها بكيّة أيضا إذا كثر السّقاة نزفتا (5) معا ومنذ أحدثها الأمير المذكور [كان] (6) الماء قليلا، والزحام مع ذلك كثير، وهذه البئر تعرف بالأمير المذكور وقد أدركنا حياته (7) وقد توفي بطريق (8)
الحجاز رحمه الله.
__________
(1) زيادة من ت وط.
(2) بياض في الأصل وت وط استدركته من نسخة الأحمديّة.
(3) بياض في سائر النسخ. استدركته من نسخة الأحمديّة.
(4) بياض في سائر النسخ استدركته من نسخة الأحمديّة.
(5) في الأصل: تردها معا.
(6) بياض بمقدار كلمة. استدركته من نسخة الأحمدية.
(7) في ط: أدركناه حيّا
(8) جملة «وقد توفي بطريق» ساقطة من ط.(1/336)
ومن بئر (1) النّخل إلى عقبة أيلة ثلاثة أيّام، والغالب في ورودها الرّبع، وهناك قصير وأثر بناء قديم، وهو موضع مدينة أيلة، وماؤها أحساء في الرّمل، [وهناك] (2) يقطع الخليج الدّاخل من بحر القلزم المذكور، [84/ ب] وهو بحر موسى عليه السّلام، إلى صوب الشّام، [ومن هناك] (3) طريق إلى الشّام، والأحساء المذكورة في ساحل البحر، وإذا طمت الموجة كستها ومع ذلك ما أثّر فيها ماء البحر، فسبحان من لا غاية لغرائب صنعه، ولا حيلة في إعطائه ومنعه.
[أيلة]
وأيلة معدودة من كور مصر، وفيها عدّها البكريّ، وجعلها القاضي صاعد حدّ طول مصر حسبما تقدم (4) وقد ذكرها القاضي عياض (5) في «مشارقه» (6) وغلط فيها فحكى عن أبي عبيدة: «أنّها مدينة على شاطىء البحر من بلاد الشّام، وهي نصف الطّريق من فسطاط مصر إلى مكّة (7)
وذكرها المتيجيّ صاحب «الرّسالة في القبلة» في رسالته فقال: «إنّ منها إلى مكّة نصف شهر». فغلط فيها أيضا كما رأيت، وذلك غير مستنكر، فإنّ من لم يشاهد الشّيء يصعب عليه وصفه، وقلّما يسلم فيه من الغلط.
__________
(1) ليست في ت.
(2) بياض في سائر النسخ استدركته من نسخة الأحمدية.
(3) بياض في سائر النسخ استدركته من نسخة الأحمدية.
(4) طبقات الأمم: 105.
(5) هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي: قاض، حافظ، فقيه محدث. توفي بمراكش سنة 544هـ له: ترتيب المدارك وتقريب المسالك في معرفة أعلام مذهب مالك. والشفا بتعريف حقوق المصطفى، ومشارق الأنوار. ترجمته في قضاة الأندلس 101 الصلة 453، وفيات ابن قنفذ 280.
(6) هو مشارق الأنوار على صحاح الآثار في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلاثة وهي الموطأ، والبخاري ومسلم طبع غير مرّة.
(7) مشارق الأنوار 1/ 59.(1/337)
[نقد المسالك والممالك للبكريّ]
ومازال أهل الإتقان يقعون في مثل هذا. ألا ترى إلى أبي عبيد البكريّ مع تحقيقه (1) وفرط اعتنائه، ونبل تواليفه، قد أودع في مسالكه من الغلط في صفات البلدان، وتحديدها وترجمتها ما لا غاية وراءه. فمن ذلك قوله في إيلياء مدينة بيت المقدس: «إنّ الجبال محيطة بها» وإنّما (2) هي في نشز من الأرض كما ذكر، وليس بالقرب منها جبل إلّا رواب وتلال. وأظنّه سمع بما دار بها من الوعر، وما حازها من جهات الأودية المنقطعة، فظنّها جبالا. ومنه قوله في وصف قصر الجمّ بإفريقيّة وهو قصر الكاهنة: «إن في دوره نحوا من ميل» (3) وقد طلعت (4) إلى أعلاه، وتأمّلته ولو رمى الرّامي حجرا لخلّفه به.
ومن ذلك قوله في سرت: «إنّها مدينة كبيرة على ساحل البحر بها حمّام وأسواق، ولها بساتين ونخل» (5)، وهذا كلّه لا وجود له، وإنّما هي قصير صغير يعرف بالمدينة، وهو أوّل قصور سرت من جهة الشّرق. وبينه وبين البحر مسافة، وما للنّخل بسرت كلّها وجود، وأظنّه [85/ آ] سمع بأنّ التّمر عندهم كثير، فحكم بوجود النّخل عندهم، وغلط في عكس القضيّة. والتّمر عندهم مجلوب من بلاد أوجلة (6). ومن ذلك قوله في نفيس (7) بالمغرب الأقصى «إنّها مدينة
__________
(1) في ت وط: تحققّه.
(2) في ط: وإنّها وهو تحريف.
(3) المغرب في ذكر إفريقية والمغرب: 6.
(4) في ت وط: طلعته.
(5) المغرب: 31
(6) أوجلة: مدينة بينها وبين برقة في البحر عشر مراحل. وهي مدينة صغيرة متحضرة، وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها. انظر الروض المعطار 64.
(7) نفيس: مدينة من بلاد المغرب عند أغمات تعرف بالبلد النفيس. وهو مدينة قديمة صغيرة حولها عمارات وطوائف من قبائل البربر. انظر المغرب 160، الروض المعطار 578.(1/338)
بينها وبين البحر مسيرة يوم» (1). وإنّما هو اسم نهر كبير عليه قرى كثيرة وعمارة متّصلة، وبينه وبين البحر ثلاثة أيّام. ومن ذلك أنّه ذكر (2) في طريق تامدولت إلى بلاد السّودان جبلا يقل له: آزور وقال: «وأظنّه جبل درن، وجبل درن قد حازه السّوس الأقصى. فليس شيء منه وراءه» (3) وتامدولت من وراء السّوس على مسيرة أيّام. ومن ذلك أنّه ذكر من بلاد الصحراء بلدة يقال لها: تاد مكّة وترجمها فقال: «معنى تاد: الهيئة أي أنّها على هيئة مكّة.» (4) وليس معنى تاد: الهيئة كما ذكر، ولا للهيئة (5) اسم في لسانهم البتّة، وإنّما معنى تاد: هذه، وهي من أسماء الإشارة عندهم. يقولون: لهذا: واد، ولهذين وهؤلاء، ويد، ولهذه: تاد، وهؤلاء تيد، وليس للمثنّى عندهم عبارة سوى عبارة الجمع، إلّا في ألفاظ العدد فمعنى تاد مكّة، هذه مكّة أي مشبهتها.
[عقبة أيلة]
وعقبة أيلة المذكورة عقبة كؤود (6)، شاقة طويلة، مسافتها نحو من خمسة أميال، تضرّ بالنّاس، وتقتل الجمال وخصوصا في الرّجوع. وهي في الذّهاب حدور. وأيلة من أسواق الرّكب الكبار، وربّما أقام بها يومين وثلاثة لأنّها مجمع المصريّين والشّاميّين يتجمّعونها (7) في طلوع الرّكب ورجوعه
__________
(1) المغرب في ذكر إفريقية والمغرب 160.
(2) أنه ذكر: سقط من ط
(3) المغرب 157156.
(4) المغرب 181.
(5) في ط: لهيئة.
(6) عقبة كؤود: أي شاقة المصعد صعبة المرتقى.
(7) في ت وط: يتحينونها.(1/339)
بأنواع المبيعات، ولا سيما الطّعام، وربّما كثر بها حتّى يزيد سعره على سعر الشّام ومصر، لأنّ الجالب إليها لا بدّ له من البيع لبعد المسافة وعدم (1)
المستعتب. وكثير من الحجّاج من يتجهّز منها ولكنّ الأمل ربّما غرّ فضرّ، وقديما قالوا: «عشّ ولا تغترّ» (2). وقد كان كثير من النّاس رجوا رخصها (3)
لرخص الشّام، فلم يكملوا جهازهم من مصر فلمّا أتيناها بلغت بها ويبة (4)
الدّقيق ستة عشر درهما، ثم انتهت إلى أكثر وإلى العدم. والويبة [85/ ب] المصريّة ستة عشر قدحا وقدحهم أقلّ من المدّ الحفصيّ، والصّرف اثنان وعشرون درهما بدينار يوسفيّ، فكان حساب الويبة قريبا من ثلاثة أرباع الدّينار. فلما صدر الحجّاج كثر الجلب إليها لما رأوا من غلائها، فلم تزد الويبة على ثلاثة دراهم، وانتهى إلى أن لم يوجد له مشتر فرجعوا به إلى الشّام.
[وادي القرّ]
والمنهلة من هذا الموضع قريبة على نصف يوم، رحلنا في وقت الظّهر أو قبله بيسير، فوردناها في وقت المغرب، وهي أحساء على البحر غزيرة عذبة مثل الأولى سواء (5)، ومن هنالك يدخل في وادي القرّ، وهو واد متطاول لا ماء به، وهو متّصل إلى مغارة شعيب، شديد البرد، ولذلك سمّي وادي القرّ.
__________
(1) في ت: وبعد.
(2) المثل في: أمثال أبي عبيد 212، والوسيط 124، وجمهرة الأمثال 2/ 46، والمستقصى 2/ 162 والميداني 2/ 16، واللسان: عشا
(3) في ت وط: رخصا
(4) الويبة: مكيال للحبوب يستعمل بمصر ويزن 25كيلو غراما والقدح هنا يزن 562. 1كغ تقريبا.
«حاشية طبعة الرباط 159».
(5) ليست في ط.(1/340)
وفيه قبر السّفاف على الطّريق، وهو رجل من العرب ذكروا أنّه كان فيما مضى يسكن هنالك، ويقطع على الحجّاج، ولا يكاد يسلم منه أحد، حتّى مرض مرضه الّذي مات منه (1). فسمع بأنّ بعض الحجّاج على الطّريق، فاستدعى بنيه، وهم يظنّون أنّه يأمرهم بإكرامهم وأنّه قد تاب، فوجدوه وقد اعتقل لسانه، فقالوا له: نجير الحجّاج؟ فأشار إليهم: أن لا. فما زالوا يراودونه ويذكّرونه بما حلّ به حتّى أضجروه (2)، فرفع يده وأشار إلى فيه أي سفّوهم سفّا، فسميّ السّفّاف. ثم مات فرجم قبره من ذلك العهد إلى الآن، وقد صار جبلا من الحجارة، والله المسؤول في العصمة.
[مغارة شعيب]
ومن هذه المنهلة إلى مغارة شعيب يومان وبعض يوم، وهي مغارة كبيرة مرتفعة السّمك جدّا، معجبة الصّفة، متّسعة (3) من بابها إلى داخلها، مضيئة لأجل اتّساعها، معجبة الصّفة، وهي في حجر أصّمّ بأصل حدب (4)
غليظ وفي بابها يسير ارتفاع فإذا دخلتها انحدرت في درج من حجارة جعل لأجل الزّلق. والمغارة نفسها من صنع الله الّذي أتقن كلّ شيء، ولا قدرة على مثلها لآدميّ، والماء في قعرها كثير ظاهر من الباب راكد كأنّه بركة مطر (5)
[86/ آ] وهو ماء معين بلا ريب. ولولا ذلك لنزف في سقية واحدة، وهو عذب
__________
(1) في ت: فيه.
(2) في ط: أضجر.
(3) في ت: متسقة.
(4) الحدب من الأرض: الغليظ المرتفع.
(5) في ط: مصر وهو تحريف.(1/341)
لولا ما يخالطه مما ينصبّ إليه من مسيطة (1) السّقاة، وبين باب المغارة وقعرها بالتّقدير (2) ستون أو سبعون ذراعا وهي آخر وادي القرّ. (3)
[عيون القصب]
ومنها إلى عيون القصب يومان، وهو ماء جار عذب ولكنّه ليس بالكثير، ومنبعه من لهب (4) بين جبلين على يسار المتوجّه إلى الشّرق وفيه الطّرفاء (5)
والبرديّ (6) كثير، وتخالطه رائحة البرديّ [كثيرا] (7)، وهو من أقرب مياه البرّيّة متناولا وأقلّها كلفة.
[كفافة]
ومنها إلى كفافة يومان وبعض يوم، وكفافة جبل على يسار الطّريق قد ندرت (8) منه شماريخ (9) مصطفّة كأنّها أضراس. ويقولون: إنّها نصف الطّريق من مصر إلى مكّة، وفي سفح الجبل أحساء يحفر عنها في واد يقال له: سلمى، وماؤها غزير عذب ما يكاد يرى في البرّية مثله (10) عذوبة وصفاء.
__________
(1) المسيطة: الماء الآجن يسيل إلى البئر العذبة فيفسده.
(2) في ت: بالتدبّر.
(3) في ت وط: القرى.
(4) في ت وط: شعب، واللهب: الشّعب الصغير في الجبل.
(5) الطرفاء: شجر لا خشب له تتحمّض به الإبل إذا لم تجد حمضا غيره.
(6) البرديّ: نبت معروف واحدته برديّه. وهو نبات مائي كالقصب.
(7) زيادة في ت وط.
(8) في ط: برزت، وكلاهما بالمعنى نفسه.
(9) الشماريخ: رؤوس الجبال. واستخدمت هنا للنتوءات البارزة كأنها رؤوس الجبال.
(10) في ت: مثلها.(1/342)
[الوجه]
ومن كفافة إلى الوجه ثلاثة أيّام، وهو ماء عذب طيّب في أصل جبل (1)
مثل الأوّل ولكنّه ليس في الغزارة والإمكان مثله. ووقعت به في بعض الأعوام في الحجّاج مقتلة عظيمة. قتلهم العرب وانتهبوهم، وقد تقدّم ذكر ذلك في رسالة ناصر الدّين بن المنيّر، وكان الحجّاج مغاربة والرّكب المصريّ قد تخلّف في ذلك العام، فتجاسر المغاربة على النّفوذ فاتّفق لهم ما اتّفق. والوجه هو منتصف الطّريق على التّحقيق.
وهنالك ماء اخر رائغ (2) عن الطّريق في جهة اليسار كثيرا يعرف بالشّعبين، وهو دون الوجه أحساء في نشز من الأرض يتكلّف العناء في حفرها، وربّما نضبت فلم يوجد فيها ماء. وقد وردناها في الطّلوع فكان بها (3) زحام عظيم، ولم تعم النّاس، وبيع بها ملء (4) القربة بجملة دراهم.
[أكرا]
ومن الوجه إلى أكرا ثلاثة أيّام (5) وهو واد كبير، وماؤه أحساء يحفر عنه نحو القامة، وهو غزير عذب، وعن يمينه في [86/ ب] ناحية البحر على مسافة جيّدة أحساء أخرى غزيرة مثل الأولى (6) في واد يقال له اليعبوب، وقد
__________
(1) في ط: الجبل.
(2) رائغ عن الطريق: أي خارج عنه.
(3) في ت: فيها.
(4) في ت: مثل.
(5) في ت: مراحل.
(6) في ط: الأول.(1/343)
ذكر لي بعض الطّلبة من أهل دميرة (1) من ريف مصر حججنا معه، وقد حج مرارا أن اليعبوب هو وادي أكرا من أسفله.
[الحوراء]
ومن أكرا إلى الحوراء ثلاثة أيّام، والحوراء أحساء على شاطئ البحر غزيرة، وماؤها ملح خبيث، منكر الرّائحة لا يكاد يجرع، وهو أخو المحمودة مطعما وفعلا. وهنالك جزيرة في البحر منقطعة يسكنها بعض العرب، والحوت (2) غالب عيشهم، وإذا نزل الرّكب (3) جلبوه إليهم، وبالحوراء يتلقّى أهل ينبع الرّكب بالتّمر.
[المغيرة]
ومنها إلى المغيرة يومان، والمغيرة تصغير مغارة، وهي واد بين جبلين محفورة في بطن الوادي، ومدخلها ضيّق يهبط منه في درج وماؤها قليل. ولم يزل الحجّاج يتضايقون عندها (4)، ويتقاتلون (5) ويموتون (6) عطشا، حتّى ألهمهم الله منذ أعوام للحفر عندها فحفروا، فإذا الوادي أحساء ولكنّها غائرة يحفر عنها نحو القامتين فاتّسع النّاس في الماء بعض الاتّساع منذ ذلك العهد، والمغيرة هي العرجاء الّتي ذكرها ناصر الدّين في رسالته.
__________
(1) دميرة: مرية كبيرة بمصر قرب دمياط، وهما دميرتان، إحداهما تقابل الأخرى على شاطئ النيل في طريق من يريد دمياط. انظر جغرافية مصر للبكري 61، ياقوت 2/ 472.
(2) الحوت: لفظة تطلق على السمك الكبير والصغير.
(3) في ت وط: الرّكب بها.
(4) في ط: عليها.
(5) ليست في ط.
(6) ليست في ط.(1/344)
[ينبع]
ومنها إلى ينبع يومان جادّان، وينبع من بلاد الحجاز المعروفة وهي بليدة في أصل جبل، ضعيفة البناء قليلة السّاكن، والخراب بها كثير، وغربيّها بسيط متّسع، وهو محطّ الرّكب، ولكنّه سبخة لا تنبت، وفيه نخيل وماء معين طيّب. وصاحب ينبع مستبّد بها كاستبداد صاحب مليانة إذ لا أحد يرغب فيهما ولو كان كلّ (1) بلد مثلهما لوقع الأمان و «لم ينتطح فيها عنزان» (2). ومن ذا الّذي يرغب في عين العناء، وينافس في نفس الفناء، فهم طلقاء الجوع، وعتقاء الشّظف، أمّنهم الخوف، ونجّاهم التّلف. ولكنّ ينبع على ما هي عليه ترتاح لها النّفوس [87/ آ] وينضى لرؤيتها لبوس البوس، لأنّها مراقبة (3) لدار حلّها الحبيب، وربع يدعى فيها الشّوق فيجيب، ويخطر به الخاطر فيعرف ولا يستريب، لو نطقت بقعه (4) لأفصحت بكلّ عجيب. منزل غدا للعقول عقالا، ينفر إليه جند الوجد {خفافا وثقالا} [5] تودّ الخدود به لو كانت يغالا، ذا المعالي (6) فليعل من يتعالى.
وللّركب في ينبع سوق كبير، والتّمر فيه كثير، ومنه يتجهّز من نقصه شيء من زاده إلى مكّة، وبه يحطّ أهل مصر أثقالهم وما لا يحتاجون إليه من
__________
(1) ليست في ط.
(2) في المثل: لا ينتطح فيه عنزان. انظره في الوسيط 198، والفاخر 312، والميداني 2/ 225، والمستقصى 2/ 277. واللسان نطح. وهو حديث شريف.
(3) في ت وط: مصاقبة: والصّقب: القرب.
(4) ليست في ط.
(5) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة 41: انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله.
(6) في ت التعالي.(1/345)
زادهم حتّى يرجعوا. وأهله في خدمة صاحب مصر، وهو يميرهم (1)
بالزّرع، ويمدّهم بالتّحف ليجدهم الحجّاج ركنا، ويأمن المنقطع لديهم، ولا يعترض في ماله.
وبخارج ينبع من ناحية الجبل مسجد محكم مليح، يقولون: إنّه مسجد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ولعلّه كان بنى هنالك مسجدا حين تنحّى إلى ينبع في أيام عثمان رضي الله عنهما.
[الدّهناء]
ومن ينبع إلى الدّهناء مسيرة نصف يوم، وهي من عمل ينبع، وبها ماء معين، ونخل (2) كثير، وأرضها سبخة (2)، وماؤها طيّب.
[بدر]
(3) ومنها إلى بدر مسيرة يومين وهو واد به ماء معين، ونخل وعمارة ليست بالكثيرة (3)، وماؤه طيّب، وبه مسجد مختصر مليح، ذكروا أنّه بني في موضع العريش الّذي كان فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم بدر. وأكثر سكان بدر ضعفاء، وهم رفضة، وكذلك أكثر أهل المدينة على ساكنها أفضل الصّلاة والسّلام. وفي غربي المسجد مقبرة كبيرة، وفيها (4) قبور شهداء بدر رضي الله عنهم، ويقوم في بدر سوق كبير أيضا، لأنّ أهلها ومن جاورهم إلى
__________
(1) الميرة: جلب الطعام، يميرهم: يجلب لهم الزّرع.
(22) في ت: وعمارة ليست بالكثير.
(33) سقط من ت.
(4) ليست في ت.(1/346)
المدينة يتحيّنون وصول الرّكب فيستعدّون لذلك، ويحضرّون ما يبايعونهم به من تمر وعلف وجمال وغير ذلك.
وفي غربيّ المقبرة المذكورة هضبة فيها نصب، والحجّاج يتمسّحون به، ويتطارحون عليه، ويكثر زحامهم عنده (1)، ويتكلّفون الصّعود منه إلى أعلى الهضبة، فيقاسون فيه شدّة لضيقه، [87/ ب] وقلّما يتخلّص منه الصّاعد فيه حتّى يأخذ بيده شخص آخر (2) على الهضبة، ويذكرون في ذلك أشياء مالها أصل، وكذلك يصنعون في موضع آخر قريب من بدر، على يمين الطّريق فى هضبة بحرف الوادي، وهنالك شبه غار ويذكرون تخرّصا (3) أنّه الغار الّذي دخله رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه حين هاجرا (4) من مكّة، وذلك باطل فإنّ الغار المذكور بجبل ثور (5) قريبا من مكّة وفي ناحية الجنوب منها، وهو أشهر وأعرف من أن يعرّف به.
ومن جملة غرائبهم تسميتهم بدرا ببدر وحنين، فلا ينطقون بهما إلّا مقرونين على أنّهما اسم واحد، واشتهر ذلك عندهم حتّى صار في حيّز المقطوع بصحتّه، وفشا ذلك على ألسنة الخاصّة والعامّة حتّى لقد أوهم اشتهاره الفقيه ناصر الدّين رحمه الله على جلالة قدره، فذكر حنينا مع بدر في رسالة له وقد مضى ذكر فصل منها، وليست غزوة بدر من غزوة
__________
(1) ليست في ط.
(2) ليست في ط.
(3) تخرّص الشيء: افتعله.
(4) في ط: هاجر.
(5) جبل ثور: يقع بأسفل مكة وهذا الغار مشهور عند الناس يدخلونه من بابه المتّسع وبابه الضيق الذي وسع لا نحباس بعض الناس فيه حوالي سنة 800هـ. انظر العقد الثمين 1/ 101.(1/347)
حنين، ولا موضعهما واحدا ولا زمانهما متقاربا. كانت غزوة بدر في السّنة الثّانية من الهجرة، وبدر هو الوادي المذكور على أربعة أيّام أو نحوها من المدينة، وكانت غزوة حنين عام ثمانية من الهجرة بعد فتح مكّة. وحنين في جهة الطّائف (1) على تسعة (2) عشر ميلا من مكّة، ومن بدر طريق مشرفة إلى المدينة على وادي الصّفراء (3) يسرة الطّريق وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
[البزواء]
ومن بدر تشير إليك البزواء (4) وهي دويّة (5) ممتدّة ملساء، مجهل من أعظم المجاهل، نكراء، يضلّ بها لنكارتها الدّليل، ويذهل فيها الخليل عن الخليل، وهي مسيرة ثلاثة أيام، ليس بها على التّرفّق إلمام، ولا نصبت بها على المسالك أعلام. اشتبهت فما يتميّز وراء من قدّام. يسرح الطّرف بها فلا يقف على مدى (6)، وتظمأ الأفواه فلا تجد بلّة تنقع صدى (7)، وفي منتهاها (8)
واد يقال له: رابغ (9) وبعضهم يقوله بالخاء، وإذا كثر المطر كانت به غدران
__________
(1) الطائف: مدينة صغيرة كثيرة الشجر والثمر طيبة الهواء وهي على جبل غزوان إلى جنوب من مكة.
(2) في ت وط: بضعة عشر، وكذا في معجم البلدان.
(3) يقول حمد الجاسر: هو واد قرب المدينة يبعد عنها 180كم للمتوجه إلى مكة بطريق السيارات وكانت الصفراء كثيرة العيون وقد نضب ماء كثير منها. انظر المناسك 414.
(4) البزواء: موضع في طريق مكة قريب من الجحفة. انظر ياقوت 1/ 411.
(5) الدّويّة: الفلاة الواسعة.
(6) في ط: مداه.
(7) في ط: صداه.
(8) في ت وط: متنها.
(9) رابغ: واد يقطعة الحاج بين البزواء والجحفة.(1/348)
عظيمة فيبقى فيها الماء زمانا وإن قلّ المطر نضبت وغار الماء، فيحفر عنه ويتعنّى فيه. وفي تلك الجهة عربان كثيرة تقيم مع الرّكب سوقا عظيمة، ويجلبون إليها الغنم والتّمر فيتّسع العيش ويرخص.
[الجحفة]
وفي رابغ يغتسل [88/ آ] الحجّاج للإحرام ومنه يحرمون وهو دون الجحفة بمسافة. والجحفة على يسار طريق الرّكب على أميال وهي الميقات، وما أظن الآن بها عمارة، وإنّما لم يكن الإحرام منها إلّا لأنّها رائغة عن الطّريق. وفي البخاريّ عن ابن (1) عمر رضي الله عنهما «لما فتح هذان المصران يعني الكوفة (2) والبصرة أتوا عمر فقالوا له: يا أمير المؤمنين، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرن (3)، وهو جور (4) عن طريقنا وإنّا إذا أردنا قرن شقّ علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق (5)، وإنّما لم يتركوا الإحرام إلى موضع يحاذي الجحفة إذ لا ماء هنالك. ومن سنّة الإحرام أن يكون بعقب الغسل، على أنّه ليس بين الموضعين من تفاوت المسافة ما يتّقى فيه تقديم الإحرام قبل الميقات. وللقرب تأثير، وإن كان ابن الموّاز روى عكس هذا من جواز تقديمه من موضع بعيد، وكراهته من
__________
(1) ابن ليست في ط.
(2) الكوفة: مدينة بأرض بابل من سواد العراق وسميت الكوفة لا ستدارتها انظر ياقوت 4/ 490.
(3) قرن: ميقات أهل نجد ومنه أويس القرني وهو موضع على مرحلتين من مكة. انظر مسالك الأبصار 122.
(4) ليست في ط.
(5) ذات عرق: ميقات أهل العراق وبينها وبين وجرة سبعة وعشرون ميلا، بينه وبين مكة خمس مراحل انظر مسالك الأبصار 122والحديث في البخاري كتاب الحج باب ذات عرق لأهل العراق رقم 31531/ 389.(1/349)
موضع قريب، ويدلّ على صحّة ما قدّمت أنّه قد حدّ الميقات بالجحفة، ومرّة بمهيعة، وقال صاحب الدّلائل: (1) إنّها قريبة من الحجفة وإن كان أكثر النّاس على خلاف ما حكى، وإنّ الجحفة هي مهيعة، وكذلك في إحرام النّبيّ صلّى الله عليه وسلم تارة تذكر البيداء (2) والأكثر ذو الحليفة (3)، وما أوجب ذلك إلّا تقارب الموضعين.
وقد خرجنا عمّا كنّا بسبيله، فلنرجع إلى المقصود فنقول: ذكر أهل الأخبار أن الجحفة كان اسمها قديما مهيعة حتّى نزلها بنو عبيل (4) إخوة عاد في الدّهر الأوّل حين أخرجتهم العمالقة من يثرب، فأتى عليهم سيل اجتحفهم فسمّيت الجحفة. وحكى القاضي عياض في مشارقة قولا: «إنّما سميت الجحفة من سبب سيل الجحاف الّذي اجتحف الحجّاج عام ثمانين» (5) ولا أدري كيف ينطلق اللّسان بحكاية مثل هذا وبعد أن يحكي كيف لا ينبّه عليه وذلك أنّها كانت تسمّى الجحفة قبل الإسلام وإلى الآن، وجاء ذكرها في الأحاديث الصّحيحة والأخبار الثّابتة، وكان سيل الجحاف في إمارة عبد الملك ابن مروان (6) فكيف سمّيت به قبل وجوده؟ وأغرب من ذلك أنّ سيل الجحاف
__________
(1) هو كتاب الدلائل على معاني الحديث بالشاهد والمثل لقاسم بن ثابت السرقسطي المتوفى سنة 302هـ. انظر نفح الطيب 2/ 49، ومنه نسخة خطيّة في مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق.
(2) البيداء: أرض ملساء بين مكة والمدينة تعد من الشرق أمام ذي الحليفة في أولها بئر. انظر المناسك 428.
(3) ذو الحليفة: هو الموضع الذي أحرم منه الرسول صلّى الله عليه وسلم ويبعد هذا الموضع عن المدينة خمسة أميال.
انظر المناسك 425.
(4) في الأصل وت: بنو عبيد وهذا تصحيف. وبنو عبيل: قبيلة قد انقرضوا. انظر اللسان: عبل.
(5) مشارق الأنوار 1/ 168.
(6) عبد الملك بن مروان: من أعظم خلفاء بني أمية توفي بدمشق سنة 86هـ(1/350)
كان بمكّة واجتحف الحجّاج من المحصّب (1) وذهب بهم وبأمتعتهم، وهدم بمكّة دورا كثيرة [88/ ب] ودخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة. وكان ذلك سحر يوم التّروية من عام ثمانين. فما شأنه والجحفة حتّى سمّيت به؟ هذا ممّا يكون الإضراب عنه صفحا أولى وبالله التّوفيق.
وبعد مرحلة من رابغ جاءنا من مصر من أخبر بموت سلطانها الملك المنصور (2) ولهم عن مصر سبعة عشر يوما. وكنّا تركنا السّلطان على الحركة إلى جهاد عكّة، وقد برز جميع عسكره خارج المدينة فلمّا خرج مرض فمات من حينه فسبحان من {كلّ شيء هالك إلّا وجهه} [3]
[خليص]
ومن الجحفة إلى خليص (4) مسيرة ثلاثة أيّام، وهي قليعة منيعة على شرف مرتفع، ولها نخل كثير، وماء جار طيّب، وصاحبها من الشّرفاء مستبدّ بها، وهو رجل صالح محبّ في الحجّاج، مكرم لهم. وإذا نزل الرّكب به تلقّاهم وأحسن مثواهم، والعربان تقيم هنالك سوقا عظيمة ويجلبون إليها الغنم والتّمر والإدام فيكثر العيش بها ويرخص.
__________
(1) المحصّب: موضع بين مكة ومنى وهو بطحاء مكة وهو خيف بني كنانة.
(2) الملك المنصور: هو قلاوون الألفي العلائي: كان من المماليك. أعتقه الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 647هـ فأخلص الخدمة للملك الظاهر بيبرس وتولى السلطنة سنة 678هـ وحقق عدّة انتصارات على التتار وتوفي بالقاهرة سنة 689هـ. ترجمته في بدائع الزهور 1/ 364347.
النجوم الزاهرة 7/ 292فوات الوفيات 3/ 203.
(3) سورة القصص، من الآية: 88.
(4) خليص: حصن بين مكة والمدينة.(1/351)
[عقبة السّويق]
ودون خليص على (1) مقدار نصف يوم عقبة السّويق، وهي عقبة كثيرة الرّمل، وليست بطويلة ولكنّها شاقة لوعرتها (2)، والنّاس يقصدونها بشرب السّويق، ويستصحبونه برسم ذلك من مصر، ويخلطونه مع السّكّر، وأصحاب مصر يسقونه للنّاس هنالك كثيرا، ويذكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرّ بها ولم يكن معهم طعام فأخذ من رملها وأعطاهم إيّاه فشربوه سويقا، ولم أقف على هذا فيما وقفت عليه من معجزاته صلّى الله عليه وسلم وما هو ببعيد في حقّه والله أعلم.
[بطن مرّ]
ومن خليص إلى بطن مرّ (3) ثلاثة أيام وهو واد به نخل كثير، وماء جار وعمارة وهو من عمل مكّة شرّفها الله وهو مرّ الظّهران المذكور في الحديث.
[المدرّج]
والمدرّج على نصف يوم من خليص، وهو مضيق بين جبلين، وفي موضع منه بلاط على صورة الدّرج وأثر عمارة قديمة، وهنالك بئر تعرف ببئر عليّ، ويقولون: إنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أحدثها هنالك.
ومن بطن مرّ إلى مكّة شرّفها الله نصف يوم، وقول من قال: إنّ بينهما ستة عشر ميلا [89/ آ] أشبه ما قيل في ذلك، والله أعلم.
__________
(1) ليست في ط.
(2) في ت وط: لوعثها.
(3) بطن مرّ: من نواحي مكة عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا وكان بطن مرّ المرحلة الأخيرة في طريق الحاج القادم من مصر إلى مكة. انظر ياقوت 1/ 449.(1/352)
[مساجد عائشة]
وعلى مقربة من مكّة بنحو أربعة أميال ثلاثة مساجد مصطفّة على الطّريق، بينها مسافة قليلة، وموضعها التّنعيم (1)، وهو أدنى الحلّ إلى الحرم ومنه يعتمر أهل مكّة. وكانت عائشة رضي الله عنها اعتمرت من هنالك حين بعثها رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع أخيها عبد الرحمن من مكّة في حجّة الوداع، فبنيت تلك المساجد هنالك، وعرفت بمساجد عائشة وموضع إحرامها.
[بطن ذي طوى]
ووراءها إلى مكّة بطن ذي طوى (2) وهو واد يهبط على قبور المهاجرين الّتي بالحصحاص (3)، وهو (4) دون ثنية كداء (5) والطّريق من هنالك متياسرة عن الثنّية المذكورة، آخذة على ثنية الحصحاص (6)، وذو طوى بينهما وبين المقبرة الّتي بأعلى مكّة وتسّمى كدى على ما ذكروا. وأما أبو الوليد الأزرقيّ فلم يسمّها إلّا بما تقدّم (7) وفي الموطّأ والبخاريّ «أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يبيت بذى طوى بين الثّنيتّين ويغتسل فيه، ثم يغدو منه إذا
__________
(1) التنعيم: موضع بمكة في الحلّ وهو حد الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة، وهو أقرب أطراف الحل إلى البيت الحرام. انظر ياقوت 2/ 49.
(2) انظر أخبار مكّة 2/ 297.
(3) قال الأزرقي: الحصحاص: الجبل المشرف على ظهر ذي طوى إلى بطن مكة ممّا يلي بيوت أحمد المخزومي عند البرود. انظر أخبار مكة 2/ 299.
(4) سقط من ت وط.
(5) كداء: بأعلى مكة وهي التي دخل منها النبي صلّى الله عليه وسلم، وهي العقبة الصغرى التي بأعلى مكة وهي التي تهبط منها إلى الأبطح والمقبرة على يسارك. انظر ياقوت: 4/ 439.
(6) سقط من ت وط.
(7) انظر هذه التسمية في أخبار مكة الصفحات: 2/ 298297226203145431 300299.(1/353)
أصبح إلى مكّة» (1). زاد البخاريّ: «ويذكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك».
والثنيّتان: ثنيّة الحصحاص، وثنيّة المقبرة كما تقدم.
قال الأزرقيّ: «والمسجد الّذي هنالك بنته زبيدة (2) حيث نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم (3).» وفي البخاريّ عن ابن عمر قال: «ومصلّى (4) رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أكمة غليظة ليس في المسجد الّذي بني ثمّ، ولكن أسفل من ذلك (5)» قلت: وقد اختلف في موضع ذي طوى وفي ضبطه، فأمّا موضعه فالصّواب فيه ما تقدّم، وقال القاضي أبو الوليد الباجيّ: هو ربض من أرباض مكّة يعني ناحية قريبة منها، ولم يرد أنّه من نفس البلد. وقال عياض: «هو واد بمكّة» (6) وهذا نحو الأوّل وذكره ابن جبير في رحلته: «بين مساجد عائشة وبين الثنيّة» (7)
وذلك واد به كما تقدّم. وحكى عياض عن الدّاوديّ «أنّه الأبطح» (8)، وهو غلط منه، وإنّما الأبطح المحصّب وهو وادي مكّة من ناحية المعلاة (9)، وهي أعلى مكّة وسيأتي [89/ ب] ذكره.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب النزول بذي طوى قبل دخول مكة رقم 31767/ 952وهو في الموطأ 221.
(2) زبيدة: كان اسمها أمة العزيز بنت المنصور الهاشمية العباسية: زوجة هارون الرشيد. وإليها تنسب عين زبيدة في مكة وخلفت آثارا نافعة غير العين. توفيت ببغداد سنة 216هـ. ترجمتها في وفيات الأعيان 2/ 314، أعلام النساء 2/ 17.
(3) أخبار مكة: 2/ 203.
(4) في ت وط: صلى.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب المساجد التي على طرق المدينة رقم 491، 1/ 568.
(6) مشارق الأنوار 1/ 276.
(7) رحلة ابن جبير 89بخلاف يسير.
(8) مشارق الأنوار 1/ 276.
(9) المعلاة: موضع بين مكة وبدر بينه وبين بدر الأثيل. انظر ياقوت 5/ 158.(1/354)
وأمّا ضبطه: فالأكثر فيه فتح الطّاء والقصر، وترك الصّرف وبعضهم يصرفه، ومدّه ثابت، وقال الأصمعيّ: الممدود بطريق الطّائف، وهذا مقصور، وفي بعض الرّوايات: ذو الطّواء ممدودا ومقصورا معرّفا، وحكي فيه الضمّ والكسر مع القصر، والمشهور من هذا كلّه ما بدأت به، وبالله التّوفيق.
وإذا سار الرّكب من ثنيّة الحصحاص على ذي طوى، رأوا (1) مكّة يمينا وساروا يسرتها، وقد سترها عنهم الجبل المطلّ عليها، حتّى يدوروا من ورائها، ويدخلوا من ناحية المشرق على ثنيّة كدى الّتي بأعلى مكّة وهي ثنيّة المقبرة كما تقدّم، ويهبط منها على مقابر (2) مكّة وهي الحجون (3)، وقيل:
الحجون (4) الجبل المشرف عليها، ويهبط منها على المحصّب وهو الأبطح، وكنت لمّا هبطت من هذه الثّنيّة لقيت رجلا من أهل مكّة فقلت له: أين المحصّب؟ فقال لي: هذا هو، وأشار إلى بطن الوادي، قلت: وهو خيف بني كنانة (5)، وفي البخاريّ:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال وهو بمنى: «إنّا نازلون غدا إن شاء الله خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»
(6) وفسّر في الحديث نفسه (7) بأنه المحصّب.
__________
(1) في ت وط: ردّوا.
(2) الأصل: ثنية.
(3) انظر معجم البلدان 2/ 225.
(4) في الأصل: المحجوز وهو تصحيف.
(5) وكذلك في مشارق الأنوار 1/ 250، وياقوت 2/ 412، والخيف: الوادي وأصله ما انحدر عن الجبل وارتفع عن المسيل وهو بطحاء مكة.
(6) أخرجه البخاري في الحج باب نزول النبي مكة رقم 31589/ 452وفي التوحيد باب المشيئة والإرادة رقم 137479/ 448بخلاف في اللفظ من طريق أبي هريرة وفي الجهاد باب إذا أسلم قوم في دار حرب رقم 63058/ 175من طريق أسامة بن زيد. وابن حنبل 2/ 540353322263237وابو داود في المناسك باب التحصيب رقم 2010.
(7) ليست في ط.(1/355)
[ثنية كداء]
وهذه الثّنيّة هي الّتي دخل منها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حجّة الوداع، وهي كدى بالضمّ والقصر، وخرج من الثّنيّة البيضاء الّتي بأسفل مكّة، وهي كداء بالفتح والمدّ، وقد اختلف في ضبطهما (1) اختلافا كثيرا والصّواب ما ذكرنا، والله أعلم.
وقد قيل بعكس ذلك وهو الأشهر عند الفقهاء، وبعضهم يصرفها والصّواب ترك صرفها. ولم يسمّ الأزرقيّ بهذا اللّفظ إلّا السّفلى (2) وذكرها بالمدّ وأنشد قول حسّان: (3) [الوافر]
عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النّقع موعدها كداء
قلت: وهي ثنيّة بيضاء بين جبلين، وبينها وين مكّة بسيط سهل، وهو موضع نزول الرّكب إذا صدر من منى. وفي مضيقها كوم عظيم من حجارة يقولون: إنّه قبر أبي لهب (4) رجم حتّى صار كذلك. ويقال: إنّه قبر أبي رغال (5)، ولا أتحقّق شيئا من هذا، ولا يصحّ أن يكون قبر أبي رغال فإنّ أبا [90/ آ] رغال كان من ثقيف، بعثه أهل الطّائف دليلا على الكعبة لأبرهة (6)
__________
(1) في ط: ضبطها.
(2) أخبار مكة 2/ 297.
(3) ديوان حسان 4.
(4) هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أشد الناس عداوة للمسلمين وفيه الآية تبّت يدا أبي لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب مات بعد وقعة بدر بأيام ولم يشهدها. انظر نسب قريش 18.
(5) هو قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم، هلك أثناء غزو الكعبة ودفن في المغمس. انظر ثمار القلوب 106مروج الذهب 2/ 78التاج رغل، السيرة لابن هشام 1/ 42.
(6) أبرهة هو أبو يكسوم ملك الحبشة صاحب الفيل الذي ساقه إلى البيت الحرام فأهلكه الله، انظر مروج الذهب 2/ 78.(1/356)
ملك الحبشة حين أراد هدمها فلمّا نزل بالمغمّس (1) مات أبو رغال فرجم قبره هنالك إلى اليوم.
[المغمّس]
والمغمّس على يمين المصلّي بعرفة، وليس منها بعيدا، وقد سألت بعرفة شيخا من أهل البلاد خبيرا بها عن حدود عرفة، ومسجدها، فدلّني على موضع المسجد وذكر جهات عرفة حتّى ذكر المغمّس فقلت له: أين هو؟
فأشار لي إلى ناحية اليمين وأنت مستقبل القبلة، وقد وهم فيه الأستاذ أبو القاسم السّهيليّ (2) رحمه الله فذكر أنّه «من مكّة على ثلثي فرسخ» (3)
وذلك ما لا يصحّ. وليس المغمّس من الحرم، ولا وصل أصحاب الفيل إلى الحرم، بل المرويّ خلاف ذلك، وهو أنّهم لما نزلوا بالمغمّس برك الفيل، فكانوا إذا وجّهوه إلى ناحية الشّام ولّى يهرول، وإذا ردّوه إلى اليمن (4) فعل ذلك، وإذا وجّهوه إلى الحرم برك ولم يبرح. وإن صحّ الحديث الّذي ذكره السّهيليّ، وهو
أنّه صلّى الله عليه وسلم: «كان إذا أراد قضاء الحاجة وهو بمكّة خرج إلى المغمّس على ثلثي فرسخ»
(5). فمعناه أنّه يخرج إلى ناحية المغمّس لا أنّه يصل إليه، ولعلّ
__________
(1) المغمّس: موضع قرب مكّة في طريق الطائف. انظر ياقوت 5/ 161.
(2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ الخثعمي السهيلي: حافظ من العلماء بالعربية واللغة والقراءات والسير، ولد بمالقة سنة 508هـ وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة له تصانيف منها الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام توفي بمراكش سنة 581هـ. ترجمته في نكت الهميان 188187بغية الملتمس 367وفيها وفاته سنة 583هـ، المغرب في حلى المغرب 1/ 448 ووفيات ابن قنفذ 292.
(3) الروض الأنف: 1/ 68وفيه: ثلث فرسخ.
(4) في ت وط: اليمين.
(5) الروض الأنف: 1/ 68.(1/357)
التّقييد بثلثي فرسخ إنّما كان لمسافة المذهب لا لمسافة المغمّس، ولا يصحّ غير هذا والله أعلم اللهم (1) إلّا يكون بالحرم موضع آخر يقال له: المغمّس غير الّذي انتهى إليه أبرهة ومات به أبو رغال. وما أظنّ ذلك كائنا والله أعلم (2).
[ذكر مكّة]
ثم نزل الرّكب بالمحصّب يوم الاثنين سابع ذي الحجة، وبات به ليلة ثم رحل من الغد، وهو يوم التّروية إلى منى. وفي [يوم] (3) التّروية دخلت إلى البلد الأمين (4)، مقرّ المجد الصّميم، والشّرف المكين، فخر بقاع الأرض كلّها على مرّ السّنين، فأقسم بالله أعظم يمين، قسما لا يكذب ولا يمين، ما حرم سكناه إلّا ذو حظّ غبين: [الخفيف]
بلد نحوه يحنّ الرّسول ... وبه علّقت قديما عقول (5)
بلد إن رأه يوما مشوق ... قال: لمني، أو لا تلم يا عذول
لو رأى من سناه غيلان ميّ ... بارقا لم تشقه تلك الطّلول (6)
[90/ ب] أسفي أن حرمت سكنى حماه ... وعداني عنه الزّمان المطول (7)
__________
(1) ليست في ت وط.
(2) في ط: والله الموفق.
(3) زيادة في ت وط.
(4) البلد الأمين هو مكّة: وزاد في ت: مكّة شرفها الله تعالى.
(5) في ط: عقلت قديما.
(6) غيلان: هو ذو الرمّة الشاعر المعروف. وميّ: الفتاة التي كان يتغزل بها.
(7) في ت: وعراني، وفي ط: وعداني عند، والعدى: التباعد.(1/358)
5 - يا لحظّ بخسته في ثناء ... عن مغان لها حديثي يطول
لاح لي مرّة كما زار طيف ... أو وداع إذا استقلّ الحمول (1)
كنت أرجو به شفاء غليلي ... فإذا فيه لي جوى وغليل (2)
أسعداني بذكره يا خليلي ... ي فقد يسعد الخليل الخليل
وعداني ومنّياني وصولا ... فقصارى منى الفؤاد الوصول
10 - يالربع غدا به ربع صبري ... وهو مستعجم الرّسوم محيل (3)
منذ فارقته، فدمعي سيل ... والأسى غيمه وخدّي مسيل
ورمى بعده بعيّ لساني ... لست أدري من بعد ما أقول
يا له مشهدا شهد له التّنزيل بالتّفضيل وسما عن أن يقرن بعديل أو مثيل، ما كاده أحد إلّا [رجع] (4) وشبا حدّه فليل ولا مال إليه بظلم إلّا والآفات عليه تميل {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل} [5]، بلد كأنّ نفوس الخلق عجنت من طينته فالخواطر مشغولة بتصوّر زينته انزعج نحوه عقل طالما سار على هيئته، وابتذل بالسّعي بدن نشأ على سكينته، يقطع إليه ميلا بعد ميل. كم حوى من مأثر لا تحدّ، كم ضمّ من مفاخر لا تعدّ، كم به من أشعث دعوته لا تردّ، تودّه الدّنيا وهو يعلم ما يودّ، مال عنها وهي
__________
(1) استقلّ القوم: ارتحلوا. والحمول: الأجمال التي عليها الأثقال.
(2) الجوى: الحرقة وشدّة الوجد من عشق أو حزن، والغليل. حرّ الجوف.
(3) الرّبع: المنزل ودار الإقامة، والمحيل: الذي أتى عليه حول.
(4) زيادة من ت.
(5) سورة الفيل الآية 1.(1/359)
للعقول تستميل. حرم لا يهتك حماه، شرف لا يحطّ علاه، علم لا يجحد هداه، من أمّه من قفر التّيه هداه، ويشفى إن تمسّح (1) به العليل. إن حلّه مناد استقام منه ما انآد، وإن رآه الصّعب سلس وانقاد، يسلو به الفتى عمّا ألف واعتاد، ويأمن مكر من مكره أو كاد، ويظلّ الخائف ما عليه من سبيل. هو ربع السّلامة لا ربع بذي سلم، كم فيه للهدي من (2) رسم وعلم، كم (3) جبر به من الدّين ما انثلم، كم أمّه بالقصد ناقص فلم يلبث أن أمدّ بالتفضيل. هنيئا لمن أصبح به قاطنا، لقد ظفر بالمنى ظاهرا وباطنا، يكيفه من [91/ آ] محكم كتابنا {ومن دخله كان آمنا} [4] لا خلف فيه ولا تبديل. ما عسى أن يذكر العارف؟ ما عسى أن يسرد الواصف؟ ما عسى أن يمدح السّالف والخالف؟
ما عسى أن ينقص من البحر (6) الغارف؟ بان العجز سواء أقصر أم أطيل.
ليت شعري هل أعود إليه ثانية؟ ليت شعري هل تفكّ هذه النّفس العانية؟ ليت شعري متى (7) ترفضّ (8) هذه الفانية؟ فتصبح الآمال بمكّة دانية، وحبّذا فيها المعرّس والمقيل (9): [الطويل]
ألا ليت شعري هل يساعدني الوقت ... وتدني لي الأيّام ما نحوه تقت
وهل لي إلى تلك المعاهد عودة ... بسكنى مغان، قربها كلّ ما اشتقت (10)
__________
(1) في ت وط: مسح.
(2) ليست في ت.
(3) ليست في ت.
(4) آل عمران من الآية 97.
(6) في ط: النحر، وهو تحريف.
(7) في ط: في متى.
(8) ترفضّ: تسيل.
(9) التعريس: النزول في آخر الليل، والمقيل: الاستراحة في نصف النهار إذا اشتدّ الحرّ.
(10) في ت وط: فسكنى مغان.(1/360)
مغان حداني الشّوق والوجد نحوها ... مقيما فأعطيت المقادة وانسقت (1)
وكنت على ألّا أفارق ربعها ... ولكنّني من شؤم ذنبي عوّقت
5 - كأن لم يكن لي في المحصّب منزل ... به من ضنى جسمي وقلبي أفرقت (2)
ولم يصف عيشي بالصّعود على الصّفا ... ولا أنّني من صفو حال بها ذقت (3)
ولا رحت كالنّشوان من طرب به ... ومن غير كاسات الهوى ما تفّوقت (4)
أباري غصون البان إمّا تمايلت ... لأن صرت مجموعا وكنت تفرّقت (5)
أطالع من ذاك الجمال مطالعا ... بها طال في جنح الدّجا ما تأرّقت (6)
10 - وكنت كغصن قد ذوى من صدى به ... فلمّا حللناها رويت وأورقت
وقد ان أن نقيّد من وصف هذا البلد الشّريف زاده الله جلالة، نبذة موجزة تليق بهذا التّقييد ممّا لعلّه يشفي غليل المتشوّف، ويحلى بعين النّاظر المنصف، فللكلام (7) صور متباينة كالإنسان، ويختلف على قدر اختلافها
__________
(1) في ت: جدا بي. والبيت ساقط من ط.
(2) المحصّب: موضع بين مكة ومنى، الفروق: الشديد الفزع.
(3) الصفا: ربوة يرتقي عليها الحاجّ حتى يحاذي الحجر الأسود ثم يكبّر ويهلّل ويدعو ويشرع في السعي بينها وبين المروة، انظر المناسك 305.
(4) تفوّق شرابه: شربه شيئا بعد شيء.
(5) الجمع والتفريق: نوع من البديع ورّى به المؤلف هنا، والجمع: هو أن يجمع بين متعدّد، اثنين أو أكثر في حكم واحد كقوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا. انظر معجم البلاغة العربية 147. والتفريق: أن تفرق بين أمرين من نوع واحد في اختلاف حكمها كقوله تعالى:
} وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج، انظر معجم البلاغة العربية 639.
(6) في ط: ما تأملت، وصرف مطالع ضرورة.
(7) في ط: مالكلام.(1/361)
الاستحسان، وقد (1) كنت تجهزّت للمقام بها حتّى أشفي غليلا، واتصفحّها بالتّأمّل جملة وتفصيلا، فأزعجت الأقدار المانعة، وزحزحت عن توطّنها الأحداث الواقعة، فلم يمكن من وصفها إلّا ما اختلس الطّرف منتهبا، وما اختطف اللّحظ الّذي غادر [91/ ب] القلب ملتهبا. وعلى ما كان من حال، فلا يسع الإهمال والإغفال، فليكن اقتصار (2) إن لم يكن احتفال، وقد قيل في المثل الّذي غبرت به الأعصار «ألجحش لمّا بذّك الأعيار» (3). وها أنا أصف على قدر الإمكان، فأقول والله المستعان: إن مكّة شرفّها الله من عظيم آيات الله (4) في الأرض (5) الدّالة على عظيم قدرته، فإنّها بلد يسبي عقول الخلق، ويستولي على قلوبهم ويتملّك رقّها من غير سبب ظاهر، فالنّفوس إليه نزّاعة من كلّ أرض، ولا يدخله أحد إلّا أخذ بمجامع قلبه مع عدم الدّواعي إلى ذلك، ولا يفارقه إلّا وله إليه حنين، ولو أقام به على الضّنك سنين، لا يملّ سكناه، ولا تضيق النّفس بلزوم مغناه. على أنه بواد كما قال الله عزّ وجلّ:
{غير ذي زرع} [6] وأرضه (7) جدبة كلّها حجر، لا ماء ولا شجر، وفي أصحابها بعض جفاء وقلّة ارتباط للشّرع. وهم في الغالب يؤذون الحجّاج
__________
(1) ليست في ت.
(2) في ط: اقتصاد.
(3) في ت: لما فاتك، وهو في أمثال أبي عبيد 23، والمستقصى 1/ 309وجمهرة الأمثال 1/ 305 والميداني 1/ 165. واللسان: جحش. ويضرب هذا المثل في قناعة الرجل ببعض حاجته دون بعض، ونصب الجحش بفعل مضمر أي: اطلب الجحش.
(4) ليست في ت.
(5) ليست في ت.
(6) سورة إبراهيم من الآية 37.
(7) في ط: أرضها.(1/362)
ويحيفون (1) على المجاورين بها، وقلّما ترى منهم من يتبرّم بسكناها على ما خيلت (2)، ولا من يسرّ بالانفصال عنها. وما فارقها أحد إلّا وفي نيّته الرّجوع إليها، وهذا أمر أطبق عليه السّالف ممّن رآها والخالف، واتّفق عليه المؤالف ممّن شاهدها والمخالف. لا يخلو فكر من تصوّرها، ولا خاطر من توهّمها، فهي نصب الأعين وحشو القلوب، حكمة من الله وتصديقا لدعوة خليل الله (3). يحضرها الشّوق إليها وهي غائبة، ويدنيها وهي نائية. ويهون ما يتكلّف إليها من المشاقّ، وما يعانى إليها من العناء، فكم من ضعيف يرى في الطّريق إليها الموت عيانا، ويبصر فيها الحين مشاهدة، ويلقى فيها الرّدى مكافحة، يطوي اللّيالي والأيّام وتطويه، وتتقاذف به الفلوات والبيد، يسقط في كلّ مرحلة جزء من قواه، وينهدّ في كلّ منهلة جانب من جثّته. يقدم على الرّدى وهو يشاهده ويترامى إلى الفناء [92/ آ] وهو يعانيه ببدن عرقه (4)
الجهد وأنضاه النّصب، وأذواه (5) سموم (6) الهواجر وصرّ (7) البكر، يباشره الأذى (8) من غير حائل، وينافحه من غير جنّة (9)، رجله مطّيته، وأخمصه حذاؤه، وبشرته دثاره. لا زاد إلّا ما ترشح به الأكفّ، ولا ماء إلّا ما
__________
(1) الحيف: الجور والظلم.
(2) في ت: جبلت.
(3) يشير إلى دعاء ابراهيم عليه السلام إذ قال: فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم
سورة ابراهيم 37.
(4) عرقه: أنحله. وأكل ما عليه من اللّحم.
(5) في ت: أرداه.
(6) السّموم: الريح الحارة.
(7) الصّرّ: شدة البرد.
(8) في ت: الردى.
(9) الجنّة: الوقاية والسترة.(1/363)
يتبّرض (1) في المناهل. فلا يصل إليها إلّا وهو نضو (2) دنف. قد سامه ليبتاعه التّلف. فما هو إلّا أن يردّه امتداد الأجل إلى أرضه، ويرميه إلى مسقط رأسه، حتّى تراه مستعّدا لمثلها، مشيح (3) العزم في الإقدام ثانية عليها. لم يثن عزمه ما كابده من البرحاء (4)، ولا كسر من حدّه ما شاهده من فرط العناء، فيبتدئها (5) جديدة، ويفرّ عنها جذعة (6)، ويستقبلها مستأنفة، كأنّه لم يذق لها مرارة، ولا رأى من دلائل نصبها أمارة، وهل هذا إلّا صنع إلهي، وأمر ربّانيّ، ودلالة (7) لا تشوبها شبهة، ولا تمرّ بها مرية، تقوّي بصيرة المستبصر، وتسدّد فكرة المتفكّر هذا وكم من آية لها تبهر العقول، ودلالة تشاهد على وفق المنقول.
[حدود مكّة]
وهي شرّفها الله بلدة كبيرة متّصلة البنيان في بطن واد بين جبال محيطة بها، لا يراها القاصد إليها حتّى يشرف عليها. والجبال المحيطة بها ليست شامخة، وبنيانها آخذ في الاستطالة مع الوادي، ولا سور لها، إلّا أنّها حيزت من أعلى الوادي وأسفله بحائطين من صخور لا ملاط لها، قطعا (8)
الوادي عرضا حتّى وصلا بين الجبلين، وهما على فسحة من البلد. وأعلى
__________
(1) هو يتبرّض الماء: كلما اجتمع منه شىء غرفه.
(2) النضو الدّنف: المريض الهزيل.
(3) أشاح الرّجل: جدّ في الأمر.
(4) البرحاء: الشدّة والمشقّة.
(5) في ت: فيبتدعها.
(6) في ط: جزعة، وهو تحريف والجذعة: الشابّة الفتيّة.
(7) في ت وط: ودلائل.
(8) في ت: قطعها.(1/364)
الوادي ناحية المشرق، وأسفله ناحية المغرب، ولكنّ دخول الحجّاج من أعلاه حسبما تقدّم ولها ثلاثة أبواب: باب المعلاة (1) من أعلاها، وباب الشّبيكة (2)
من أسفلها، والثّالث باب اليمن (3) من جهة الجنوب.
وفي شرقها المناسك كلّها: عرفة، ومزدلفة (4)، ومنى على ما يتبين إن شاء الله. وفي الجنوب منها جبل أبي قبيس (5) وفي الشّمال الجبل الأحمر (6)، وقعيقعان (7). وأبو قبيس والأحمر هما الأخشبان، والأخشب ما غلظ من [92/ ب] الأرض، وكذلك كلّ غليظ يقال له: أخشب وخشب. ومنه أخشبا مكّة، وأخشبا منى، أي جبلاهما. ومن جهة أبي قبيس أجياد الكبير، وأجياد الصّغير: شعبان هنالك. وبها الخندمة (8) وهي جبل مذكور في الحديث، وفي
__________
(1) باب المعلاة: وهو عند الثنية المعروفة بكداء ومنه يخرج إلى المقبرة الموصوفة بالبركة. انظر مستفاد الرحلة 232.
(2) باب الشّبيكة: أحد أبواب مكة مبني على ثنية كداء، وهو باب العمرة وكان يعرف قديما بباب الزاهد وعليه طريق مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجدّة والشّام ومنه يتوجه إلى التنعيم. انظر مستفاد الرحلة 233.
(3) في الأصل: اليمين. وباب اليمن: وهو باب المسفل، وعليه طريق أهل اليمن ومن خرج منه إلى اليمن يمر على كديّ. انظر مستفاد الرحلة 233.
(4) المزدلفة: موضع لمبيت الحجاج، ومجمع للصلاة إذا صدروا من عرفات بين بطن محسّر والمأزمين والمسافة بينها وبين منى ثلاثة أميال. انظر المناسك 506.
(5) جبل أبي قبيس: هو الذي انشق فيه القمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ويقع فوق الصفا ويطل على المسجد الحرام. انظر المناسك 481474. وفيه كان الركن الأسود مستودعا عام الطوفان. انظر العقد الثمين 1/ 99.
(6) الجبل الأحمر: يقع في جهة الشمال من مكة شرفها الله على قعيقعان. انظر مشارق الأنوار 1/ 58، أخبار مكة 2/ 267.
(7) جبل قعيقعان: جبل بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا على طريق الحوف إلي اليمين، ويشرف على الكعبة من شرقيها.
(8) الخندمة: جبل بمكة.(1/365)
الشّعر المشهور للهارب (1) يوم الفتح قال: (2) [الرّجز]
إنّك لو شهدت يوم الخندمه (3)
إذ فرّ صفوان، وفرّ عكرمه
ومن جهة قعيقعان (4) يتصل الجبل إلى الحجون، وهو (5) ما أشرف منه على المقبرة، ويقال: هو المقبرة على ما تقدّم، قال الحارث بن عمرو بن مضّاض (6) الجرهميّ: (7) [الطويل]
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
وقال المعرّيّ: (8) [الطويل]
فلا يبك مكيّ لفقد حجونه ... لكلّ بلاد مصرع وحجون
__________
(1) هو حماس بن قيس بن خالد أحد بني بكر.
(2) البيتان في المناسك 474، وتاريخ الرسل والملوك 3/ 58وابن أبي الحديد 5/ 304ومعجم البلدان 2/ 393والروض المعطار 223وغرر الخصائص الواضحة 1/ 419والعقد الثمين 6/ 119ونهاية الأرب 1/ 419.
(3) في الروض: أبصرت.
(4) في ت: قيقعان.
(5) في ت وط: وهي.
(6) من ملوك العرب في الجاهلية، يقول المسعودي إنه أول من تولى أمر البيت بمكة من بني جرهم.
انظر مروج الذهب 2/ 49.
(7) تختلف المصادر في اسم شاعر القصيدة بين الحارث بن مضاض: التيجان 213211. والروض المعطار 189188. ونشوة الطرب 1/ 95. ابن بطوطة 1/ 163. وعمرو بن الحارث بن مضاض الروض الأنف 2/ 11، ومعجم الشعراء 10. ومعجم البلدان 4/ 71. والسيرة النبوية لابن هشام 1/ 106. ومضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي، أخبار مكة 1/ 96: الأغاني 15/ 11ومعجم البلدان 2/ 225. وعامر بن الحارث في مسالك الأبصار 86. وهو من قصيدة قالها يتشوق لمكة عندما أجلتهم عنها خزاعة، والبيت من الأمثال السوائر.
(8) لم أقف على البيت في ديوانه.(1/366)
وهنالك ثنيّة المقبرة كما تقدّم، وليس بين هذا الموضع وبين مكّة إلّا أقلّ من نصف ميل، ولا أدري من أين أتى السّهيليّ فقال: «بين الحجون ومكّة فرسخ وثلث»، ولعلّ ذلك من جملة تحكّماته فله منها عدّة والله الموفّق.
[المسجد الحرام]
وأمّا المسجد الحرام (1) زاده الله تشريفا فهو وسط البلد، كبير متّسع، يكون طوله «أزيد من أربع مئة ذراع» (2) كما ذكر الأزرقيّ رحمه الله وطوله من الشّرق إلى الغرب (3) وهو قريب من التّربيع، يخيّل للنّاظر إليه أنّه مربّع، مفروش برمل أبيض جميل المنظر جدّا، محكم العمل، عجيب الصّنعة، كثير الإشراف، مرتفع الحيطان نحو عشرين ذراعا، ودوره كلّه مسقّف على أعمدة عالية، ثلاثة صفوف بأتقن ما يكون من العمل وفي كل جهة أبواب جملتها تسعة وثلاثون (4)، وباب بني شيبة في ركن الحائط الشّرقيّ من جهة الشّمال أمام باب الكعبة متياسرا وفي جهة الشّمال باب دار النّدوة (5)، ودار النّدوة قد جعلت مسجدا شارعا في الحرم (6) مضافا إليه، وهي مقابلة للحجر والميزاب، وفي جهة الغرب باب العمرة، وهو من أجمل أبوابه، [93/ آ] وهنالك مدرسة مليحة لها علو وسفل، وفيها بعض الضّيق، دخلتها أطلب فيها مسكنا
__________
(1) انظر وصف المسجد الحرام في المناسك 475.
(2) أخبار مكة: 2/ 82وفيه: طوله أربع مئة ذراع وأربعة أذرع.
(3) في ط: من المشرق إلى المغرب.
(4) في المناسك 475: للمسجد ثلاثة وعشرون بابا.
(5) دار: ليست في ت وط. ودار الندوة هي الدار التي اجتمعت فيها قريش تتشاور في أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم. انظر المناسك 475.
(6) أدخلت دار الندوة في المسجد الحرام في أول القرن الرابع الهجري. انظر أخبار مكة 2/ 8078.(1/367)
قبل أن يتعيّن لي موضع، ثم اكتريت الدّار ولم يقض لي سكناها، وسألت القيّم أو غيره عن (1) صاحب المدرسة، فقال لي: هو حفيد الشّيخ الفقيه محبّ الدّين الطّبريّ، فتى حدث (2) السّنّ. وفي جهة الجنوب باب الصّفا وهي من ناحية الرّكنين الأسود واليماني. وكلاهما إلى ناحية اليمين وفي الموطّأ عن عبيد [الله] (3) ابن جريج أنّه قال لعبد الله بن عمر: «رأيتك لا تمسّ من الأركان إلّا اليمانيّين» (4) الحديث وهذه الأربعة (5) الأبواب أشهر أبواب الحرم، وفيه خمس صوامع (6) واحدة على ركن أبي قبيس بين الحائط الجنوبي والشّرقيّ عند باب الصّفا وثانية على ركن باب بني شيبة بين الشّرقيّ والشّمالي وثالثة على باب دار النّدوة في الحائط الشّمالي ورابعة على ركن باب السّرّة وهو باب بني جمح بين الشّمالي والغربيّ، وخامسة على ركن أجياد بين الغربيّ والجنوبيّ.
واعلم أنّ قولنا في نسبة هذه الجوانب إلى الجهات ليس على الحقيقة، ولكن على التّقريب ومراعاة الأكثر، إذ الكعبة غير موضوعة على مسامتة حقيقة (7) الجهات بل فيها انحراف كما سيأتي عند ذكرها إن شاء الله.
__________
(1) في ط: من.
(2) في ت: حديث.
(3) زيادة من ت وط.
(4) أخرجه مالك في الموطأ 227والبخاري في الوضوء باب غسل الرجلين في النعلين 1/ 267حديث رقم 166وأبوا داود في المناسك باب وقت الإحرام رقم 1772، 2/ 374، وابن حنبل 2/ 110.
(5) ليست في ت.
(6) في ت: مواضع وهو تحريف.
(7) ليست في ط.(1/368)
[بئر زمزم]
وفي شرقيّ الكعبة بإزاء الباب قبّة زمزم على البئر، كبيرة متّسعة مربّعة. وفي دورتها (1) حياض متقنة العمل، دائرة مع القبّة، تملأ بالماء للوضوء، وعلى البئر تنّور من رخام. وعمق البئر من أعلاه إلى سطح الماء كما ذكروا نحو من ثلاثين ذراعا (2) ومن سطح الماء إلى قعر البئر نحو من أربعين ذراعا.
ويقال: إنّ عمقه من أعلاه إلى أسفله اثنان وسبعون ذراعا وسعته قريب من أربعة أذرع، وماؤه دفيء، وليس بتلك العذوبة: [الطويل]
ولكن له في النّفس موقع فرحة ... تفاجئ بعد اليأس قلب كئيب
تري صور الأحباب مراة صفوه ... فيطفي من الأحشاء لفح لهيب
[93/ ب]
وقد (3) تمسّحنا به وتوضّأنا، (3) وتروّينا منه وتملأنّا، واقتضينا منه عللا بعد نهل، فشفى الغلل وأبرأ العلل. وبودّي لو عوّضته (4) عن كل ماء، وغنيت به عن كل مشروب، ووردته دون كلّ منهل، ولكنّ القضاء منفذ حكمه على ما سرّ العباد وغمّه، حتّى ينصرف في غير مانواه، ويروغ كرها عن محجّة هواه، بالله أعتصم وإيّاه أستقيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[جهل الحجاج]
ولم أدخل قبّة زمزم لكثرة الازدحام، ولا ضاغطت (5) في دخولها، لما كنت عزمت عليه من الإقامة، فأمّلت التّشفّي منها ومن غيرها في وقت الفراغ
__________
(1) في ت وط: دورها.
(2) في مستفاد الرحلة 303: أربع وثلاثون ذراعا.
(33) في ط: توضأنا به وتمسّحنا.
(4) في ط: عوّضت.
(5) ضاغطت: زاحمت(1/369)
وخفّة الزّحام، وقدرت (1) ما جرى القدر بغيره، وليس إلّا ما شاء الله. وقد وقفت عليها مرارا، فلم أجد مدخلا من كثرة الخلق، وإفراط الزّحام، والّذي يكون بها وبغيرها من المضايقة، والمدافعة، وتكلّف ما لم يرد به شرع، وتقوّل (2)
ما ليس له أصل، أمر يضيق عنه الوصف. وقديما شكي بذلك، قال قتادة: «في قوله تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} [3]. إنّما أمروا أن يصلّوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئا ما تكلّفته (4)
الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثره وأصابعه فما زالت هذه الأمّة تمسحه حتّى اخلولق وامّحى» (5).
قلت: ولم ير عبرة من لم ير قتالهم على الرّكن الأسود، وعلى دخول الكعبة، ترى الرّجال يتساقطون على النّساء، والنّساء يتساقطن على الرّجال، ويلتفّ البعض بالبعض، ويتأهّبون للقتال، ويستعدون للدّفاع والملاكمة، وقلّما يتمكّن أحدهم من الرّكن فيفارقه حتّى يثخن (6) ضربا، ويكونون في الطّواف فإذا جاؤوا إلى الرّكن تركوه إلى البدعة (7) وما لا يعني، فبعضهم في التزام (8)
الحجر وقطع الوقت به لثما ولحسا، وبعضهم في صبّ العفونات (9) عليه
__________
(1) في ط: وقرّرت.
(2) في ط: ونقول.
(3) سورة البقرة من الآية 125.
(4) في ط: تكلفتها.
(5) أخبار مكة 2/ 3029.
(6) الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه.
(7) البدعة: ما استحدث في الدين وغيره.
(8) في الأصل: التزاحم وهو تحريف.
(9) في ت وط: العقوبات، وهو تحريف.(1/370)
ومحاولة تنحيته، وباقيهم يتقاتلون على الدّنوّ منه. ويشاهد هنالك من المناكر ما لا تحصره عبارة.
وأمّا قتالهم على باب الكعبة، وتطارحهم [94/ آ] وتعلّق بعضهم ببعض فعجب وذلك أنّ الباب مرتفع أزيد من القامة، وفيه قوم وقوف تنثال (1) عليهم الدّنانير والدّراهم بلا حساب حلوانا على دخول البيت فإذا أدلوا شخصا من الأرض تعلّق به آخرون فتراهم سلسلة أوّلها في الكعبة وآخرها في الأرض ورأيت رجلا ينزو (2) ليجد ما يتعلّق به، فصادف ساق امرأة، فقبض عليه من أعلاه، وتعلّق به مباشرة من غير حائل.
وتراهم في قبّة زمزم يتقاتلون على الماء، ويأخذ أحدهم الدّلو فيصبّه على نفسه بثيابه، حتّى لوّثوا الموضع. ويتقوّلون (3) في ذلك أشياء مالها وجود، مثل زيادة الماء في ليلة الجمعة، وهو أمر مشهور عندهم. وقد ذكر ابن جبير في رحلته أنّه قاسه في ليلة الجمعة وهو يتقاتلون عليه وقت زيادته بزعمهم فوجده على حاله (4).
(5) وبودّي لو أتاح الله لهم محتسبا (6) يذيقهم النّكال، (7) فإنّ حرم الله أولى المواضع بالهيبة، ولزوم السّكينة، وقد أسقطوا بجهلهم وجفائهم حرمته، حتّى إنّ منهم من لم يبال بالبصاق وقتل القمل فيه، وإلقاء الوسخ في داخله (5).
__________
(1) تنثال: تنصبّ.
(2) النّزو: الوثبان.
(3) في ط: ينقلون.
(4) رحلة ابن جبير 119.
(55) الفقرة ساقطة من ط.
(6) المحتسب من كان يتولى منصب الحسبة.
(7) النّكال: العقاب.(1/371)
وقد دخلت مسجد دار النّدوة، فوجدته ملآن من الأوساخ والقمامات ووجدت فيه أناسا نزلوه (1) بأسبابهم وهم يعملون أعمالهم من سائر الصّناعات.
وفي داخل المسجد الحرام عند باب بني شيبة سوق كبيرة بأنواع المبيعات، من أكثر الأسواق زحاما ولغطا.
وقد رأيت في نزول الرّكب بالمحصّب قوما أدخلوا دوابّهم في مقبرة جديدة مبيّضة وحصنوها داخل الرّوضة على المقابر ووتدوا لها هنالك أوتادا وبيّتوها (2) بها، فمررت عليهم حين أصبح وأنا داخل إلى مكّة، فرأيت الرّوضة ممتلئة بالرّوث وعاينت منظرا شنيعا (3)، فكلّمتهم فقابلوني بالجفاء فانصرفت.
ورأيت بمسجد الخيف طهّره الله بمنى من قلّة تحفّظهم، وكثرة تهاونهم، ما يتغيّر له قلب كلّ مؤمن ورأيت في داخله العذرة، وأنواعا من [94/ ب] الكناسات والأقذار، ورؤوسا مطروحة، وجزارة أنتن بها المسجد.
وهم يوقدون فيه النّار حتّى اسودّت حيطانه، (4)، وصار كالمطبخة، فسبحان من قضى بما شاء، وهو الفعّال لما يريد. (5)
وبإزاء قبّة زمزم قبّة الشّراب، يسقى منها النّاس في رمضان ويجري إليها الماء في قناة تحت الأرض من قبّة زمزم. وبإزائها بيت صغير هو مخزن الكعبة، وليس في المسجد بنيّة سوى هذه الثّلاث.
__________
(1) في ط: ناسا نزلوا.
(2) في ط: وبيّتوا.
(3) في ت: خبيثا.
(4) في ت: حيطانها.
(5) اقتباس من الآيتين الكريمتين: {فعّال لما يريد البروج 16.} إنّ ربك فعّال لما يريد هود 107.(1/372)
[مقام إبراهيم]
والمقام بإزاء باب الكعبة متياسرا عن قبّة زمزم وأقرب منها إلى الكعبة يسيرا. وبينه وبين الكعبة سبعة وعشرون ذراعا على ما ذكر الأزرقيّ، قال:
«وبينه وبين الرّكن الشّاميّ ثمانية وعشرون ذراعا وتسعة عشر إصبعا، وبينه وبين الرّكن الأسود تسعة وعشرون ذراعا وتسعة أصابع» (1).
قلت: وقد وقفت مع أخي عند المقام فذكرت له قول الأزرقيّ فنظرنا ما بينه وبين الحجر الأسود فقدّرناه بنحو ممّا ذكر.
والمقام حجر فيه أثر قدمي إبراهيم عليه السّلام، وقف عليه وهو يبني الكعبة، فساخت (2) فيه قدماه. وقيل: كان كلّما ارتفع البناء، ارتفع به المقام في الهواء حتّى تمّ البيت، وقيل: إنّما وقف عليه حين أذّن في النّاس بالحجّ فتطاول حتّى علا الجبال، وأشرف على على ما تحته، فنادى: أيّها الناس أجيبوا ربّكم. وقيل غير هذا ممّا هو مسطور. والأوّل هو الصّحيح حسبما يأتي ذكره من حديث البخاريّ. وسأل أبو سعيد الخدريّ عبد الله بن سلّام (3)
رضي الله عنهما عن الأثر الّذي في المقام فقال: كانت الحجارة على ما هي عليه الآن، إلّا أنّ الله تعالى أراد أن يجعل المقام آية من آياته. وتقدّم قول قتادة (4): «ذكر لنا بعض من رأى أثره وأصابعه». قال الأزرقيّ: «وهو مربّع (5)
__________
(1) أخبار مكّة: 2/ 85.
(2) ساخت: غاصت في الأرض.
(3) عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف: صحابي أسلم قبل وفاة النبي بسنتين وبعضهم يقول أسلم سنة ثمان للهجرة. روى عنه جماعة. ومات بالمدينة سنة 43هـ. ترجمته في الإصابة 2/ 312.
(4) سلف قول قتادة في الصفحة 370.
(5) في ت: مرتفع.(1/373)
طوله ذراع، وعرضه أحد وعشرون إصبعا، والقدمان داخلتان فيه سبعة أصابع، وبين القدمين إصبعان، ووسطه قد استدقّ من التّمسّح به، وهو في حوض من ساج مربّع حوله رصاص، والحوض ملبّس بالرّصاص وعليه [95/ آ] صندوق ساج مسقّف يقفل عليه». (1)
قال: «وهو حجر رخو مضبّب (2) بالذّهب من أعلاه وأسفله، ضبّبه المهديّ بألف دينار، وزاد عليه المتوكّل ذهبا آخر (3)». قال غيره: ولونه بين الدّكنة (4) والحمرة، منقّط بنقط سود مخضرّ الوسط (5).
قلت: وعليه الآن شبّاك (6) من حديد على نعت قبيبة متجاف عنه قدر ما يصل من يدخل يده بأصابعه إلى الصنّدوق، والشّبّاك (6) مقفل عليه، ومن ورائه موضع قد حيز وجعل مصلّى لركعتي الطّواف وغيرهما.
وفي الصّحيح: «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا دخل المسجد أتى البيت فطاف فيه سبعا، ثمّ أتى المقام فقرأ {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى وركع خلفه ركعتين»
.} [7]
__________
(1) أخبار مكة: 2/ 38.
(2) مضبّب: ملبّس.
(3) أخبار مكّة 2/ 36.
(4) الدّكنة: لون يميل إلى الغبرة بين الحمرة والسواد.
(5) جاء مثل هذا القول في مستفاد الرحلة والاغتراب 292.
(66) سقطت من ط.
(7) أخرجه الترمذي في الحج باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة رقم 562وأبو داود في المناسك باب صفة حجة النبي رقم 1905بخلاف في اللفظ. وابن حنبل 2/ 15و 85والنسائي 5/ 151و 225و 235.(1/374)
[الكعبة]
وأما الكعبة شرّفها الله فهي في وسط المسجد. وفي موضعها يسير نتوء يبين للمتأمّل، وبناؤها عجيب متقن من حجر منحوت محكم الإلصاق ولونه إلى الحمرة مع دكنة يسيرة، وارتفاعها في السّماء كما ذكروا ثلاثون ذراعا [] (1).
بعلمين مثبتين في البناء، وهما أسطوانتان خضراوان، والمطاف لاصق بالمسجد، والمسجد على يسار الذّاهب من الصّفا، [والمروة] (2) ناتىء مثل الصّفا أو دونه قليلا، ولها درج لا أقف الآن على حقيقته وذكر الأزرقي «أنّه خمس عشرة درجة» (3) وأنا أرى [غير ذلك] (4).
ولست من هذا على ثقة، وعليها قوس مبنيّ، ووراءه موضع أبيض مضيء مستو. قال أهل اللّغة: والمروة حجارة بيض رقاق (5) ويقال: بل هي حجارة القداح. والصّفا: الحجر الصّلد الأملس (6). وبين الصّفا والمروة على ما ذكر الأزرقيّ رحمه الله: «سبع مئة ذراع وستة وستون ذرعا ونصف». (7)
وبين العلمين، وهو المسعى، مئة واثنا عشر ذراعا، وبالله التّوفيق.
__________
(1) بياض في جميع النسخ بمقدار سطرين، وقال الأزرقي: في أخبار مكة 1/ 290289: «طولها في السماء سبعة وعشرون ذراعا، وذرع طول وجه الكعبة من الركن الأسود إلى الركن الشامي خمسة وعشرون ذراعا، وذرع دبرها من الركن اليماني إلى الركن الغربي خمسة وعشرون ذراعا، وذرع شقّها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرون ذراعا».
(2) بياض في جميع النسخ استدركته من نسخة الأحمدية.
(3) أخبار مكة 2/ 119.
(4) بياض في جميع النسخ والاستدراك من نسخة الأحمدية.
(5) اللسان «مرا»: وجاء فيه المرو: حجارة بيضاء برّاقة تكون فيها النار وتقدح منها النار واحدتها مروة.
(6) اللسان: «صفا». وجاء فيه نقلا عن ابن السكيت: الصفا: العريض من الحجارة الأملس.
(7) أخبار مكة 2/ 119.(1/375)
فصل [اسماء مكّة]
[95/ ب] قال الله جلّ ذكره: {إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا} [1]. وقال: {وهو الذّي كفّ أيديهم عنكم، وأيديكم عنهم ببطن مكّة} [2]. فاختلف في هذين الاسمين، فقيل: هما واحد، والباء تبدل من الميم. كما يقال: لازم ولازب. وقيل: مكّة بالميم اسم البلد، وبالباء موضع البيت، وقيل: بكّة بالباء بطن مكّة، وقيل موضع المسجد والبيت، وهذا كلّه متقارب، واختلف في اشتقاق الاسمين فقيل: بكّة بالباء مشتقّة من الازدحام وأنشد أبو عبيدة: (3) [الرّجز]
إذا الشّريب أخذته أكّه ... فخلّه حتّى يبكّ بكّه (4)
وقيل: من بكّ العنق وهو التواؤها، لأنّه ما فجر فيها أحد في الدّهر الأوّل إلّا أصبحت عنقه ملتوية.
قلت: ويحتمل أن يكون من بكّ الشّيء إذا فرّقه، لتفرّق النّاس منها في كلّ جهة عند فراغ الحجّ، قال امرؤ القيس: (5) [الطويل]
ولله عينا من رأى من تفرّق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب (6)
__________
(1) سورة آل عمران من الآية 96.
(2) سورة الفتح من الآية 24.
(3) أبو عبيدة معمر بن المثنى من أئمة العلم بالأدب واللغة له: نقائض جرير والفرزدق، ومجاز القرآن، والخيل. توفي بالبصرة سنة 209هـ. ترجمته في بغية الوعاة 2/ 294. والبيتان في النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري 128، والسيرة لابن هشام 1/ 105. وقد عزاهما لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم، انظر المناسك 473، وفي معجم البلدان 5/ 181. واللسان أكك.
(4) الشريب: الذي يشرب معه، والذي يسقي إبله مع إبل صاحبه. يقول: إذا ضاق الشريب وساء خلقه وغضب عند الحوض فدعه يبك إبله بكّة أي يقبلها الحوض يصرفها إليه. والأكّة: الحمية.
النوادر 128.
(5) ديوان امرئ القيس 42.
(6) في الديوان: فلله عينا.(1/376)
وأما مكّة بالميم فقيل: هي من قولهم (1): امتكّ الفصيل ما في ضرع أمّه إذا مصّه مصّا شديدا، سمّيت بذلك لاجتذاب النّاس من الآفاق أو لاستقصائها محو الذّنوب، أو لقلّة مائها (2)، حكاه ابن دريد أو لأنّها تنقص من ظلم فيها، وقيل: هي من المكاء وهو الصّفير، قال الله عزّ وجلّ: {وما كان صلاتهم عند البيت إلّا مكاء وتصدية} [3]، حكاه الزّجاجيّ، ولا يصحّ لأنّ المكاء معتلّ، من مكا يمكو إذا صفّر، ومكّة من المضاعف.
وقيل: سمّيت بذلك لارتفاع الجبال عليها، من المكوك وهو مكيال مرتفع الجوانب، قال الزّجاجي: وقد تكلّمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء قلت: وهذا بعيد متكلّف لا خفاء بضعفه، وقيل: مكّة من الامتكاك وهو الازدحام مثلما تقدّم فيها بالباء.
ولها أسماء مكّة، وبكّة، وصلاح معدول، والعرش، والقادس، والمقدّسة، والنّسّاسة [96/ آ] والنّاسّة بنون وسين مهملة، والباسّة بالباء، والبيت (4)
العتيق، وقيل: هي الكعبة، وأمّ رحم بضم الرّاء، وأمّ القرى، والحاطمة، والرّأس، مثل رأس الإنسان، والبلدة، وقيل هي منى، والقرية القديمة، والبلدة الحرام، حكاها عياض في مشارقه (5). فصلاح معدولة (6) عن صالحة،
__________
(1) اللسان: مكك، مشارق الأنوار 1/ 392
(2) مشارق الأنوار 1/ 392.
(3) سورة الأنفال من الآية 35.
(4) ليست في ط.
(5) مشارق الأنوار 1/ 392
(6) في ط: معدول.(1/377)
والعرش: السّرير، لأنّها أرفع البلاد، والقادس والمقدّسة من الطّهارة، والنّساسة من نسّ الشّيء أي (1) أذهبه، حكاه السّهيليّ لأنّها تذهب الظّلمه وتبيدهم، وبالباء من البسّ وهو الفتّ (2) بمعنى الأوّل، والعتيق: القديم، وقيل: لعتقها من تملّك الجبابرة عليها أو من (3) تجرهم (4) فيها. والرّحم: الرّحمة، وأمّ الشّيء، أصله أي موضع الرّحمة. وأمّ القرى أصلها، لأنّ الأرض دحيت من تحتها، قاله الهرويّ (5). والحاطمة: (6) مهلكة الظالمين. والرّأس معروف لأنّها في البلاد كالرّأس في الجسد. والبلدة الحرام: لاحترام الله عزّ وجلّ (7) إيّاها وتعظيمه لها.
فصل [بناء الكعبة]
ويقال للكعبة البنيّة: اسم لها مشتقّ من البناء، والبيت العتيق وقد مضى ذكره. واختلف في بدئها على أقوال كثيرة لا تقع الطّمأنينة بأكثرها، فحكى
__________
(1) في ت: إذا، وقول السهيلي في الروض الأنف 2/ 139.
(2) في ت: البتّ، والفتّ: الدقّ والكسّر.
(3) ليست في ط.
(4) ت: تجبرهم، والجرهم: الجريء في الحرب وغيره.
(5) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير: عالم بالحديث من الحفاظ، من فقهاء المالكية مات بمكة سنة 434هـ أو 435هـ له مصنفات منها تفسير القرآن، والمستدرك على الصحيحين، ومعجمان، ترجمته في ترتيب المدارك 4/ 696غربال الزمان 355. شذرات الذهب 3/ 254، وفيات ابن قنفذ 240شجرة النور الزكية: 104.
(6) في الأصل: الحطّامة.
(7) في ت: تعالى.(1/378)
القاضي عياض عن كعب الأحبار (1) ووهب بن منبّه (2): «أنّ البيت أنزل من السّماء ياقوتة مجوّفة حمراء، والرّكن ياقوته بيضاء، فبنى آدم قواعده ووضعه عليها، فلما أرسل الله الطّوفان رفعت وبقيت القواعد» (3). وذكر أبو الفرج بن الجوزيّ (4) نحو هذا عن ابن عبّاس
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم وفيه: «أنّ الملائكة قالت لآدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام»
(5) وذكر الأزرقيّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه في الرّكن نحو ما تقدّم قال: «ليس في الأرض من الجنّة إلّا الرّكن الأسود والمقام، فإنّهما جوهرتان من جوهر الجنّة، ولولا ما مسّهما من أهل الشّرك، ما مسّهما ذو عاهة إلّا شفاه الله عزّ وجلّ» (6) وذكر التّرمذيّ [96/ ب] عن ابن عبّاس قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: نزل الحجر الأسود من الجنّة وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم:
(7)».
__________
(1) هو كعب بن ماتع بن ذي هجين الحميري، تابعيّ كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن أسلم في زمن أبي بكر، أخذ الكتاب والسنة عن الصحابة وانتقل إلى الشام وسكن حمص وتوفي بها سنة 32هـ. ترجمته في الإصابة 3/ 297تذكرة الحفاظ 1/ 52.
(2) وهب بن منبّه الصنعاني: مؤرخ كثير الاخبار عن الكتب القديمة، يعد في التابعين، ولد بصنعاء سنة 34هـ. وولاه عمر بن عبد العزيز قضاءها. توفي سنة 114هـ له قصص الأنبياء وقصص الأخيار. ترجمته في حلية الأولياء 4/ 23تذكرة الحفاظ 1/ 100وفيات الأعيان 6/ 35.
(3) مشارق الأنوار 1/ 115.
(4) عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن الجوزيّ: مؤرخ، واعظ، متكلم عالم بالتاريخ له نحو ثلاث مئة مصنف منها: المنتظم في تاريخ الملوك، وصفوة الصفوة، توفي سنة 597هـ ترجمته في وفيات الأعيان 3/ 140غربال الزمان 484البداية والنهاية 13/ 28شذرات الذهب 4/ 329.
(5) هو في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي 2/ 571تحت عنوان حديث في حجّ آدم عليه السلام.
(6) أخبار مكة: 1/ 332.
(7) أخرجه الترمذي في الحج. باب ما جاء في فصل الحجر الأسود والركن والمقام رقم 877وهو في الجامع الصغير 2/ 187.(1/379)
وقيل إنّ الملائكة بنت البيت، وإنّهم لما قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها} [1] غضب الله عليهم، فعادوا يطوفون بالعرش، يسترضون ربّهم فرضي عنهم وقال لهم: ابنوا في الأرض بيتا يعوذ به كلّ من سخطت عليه كما فعلتم بعرشي، فبنوا البيت. وقيل: إنّما بناه آدم عليه السّلام، وإنّه لما أهبط من الجنة أوحى الله إليه: ابن لي بيتا، واصنع حوله كما كانت الملائكة تصنع حول عرشي. فبناه. حكي هذا عن ابن عبّاس أيضا قال: وبناه من خمسة أجبل: طور سيناء (2)، وطور زيتاء (3)، ولبنان، والجوديّ (4) وحراء (5).
قال مجاهد (6): وكان موضعه بعد الغرق أكمة حمراء لا تعلوها السّيول وكان يأتيها المظلوم، ويدعو عندها المكروب. وقيل: إنّما بناه شيث بن آدم عليهما السّلام، حكاه أبو عمر بن عبد البرّ (7).
__________
(1) سورة البقرة من الآية: 30.
(2) طور سيناء: جبل بقرب أيلة وعنده بليد فتح في زمن النبي.
(3) طور زيتاء: هو الجبل الشرقي عند بيت المقدس، وهو جبل عظيم مشرف على المسجد الأقصى.
انظر الأنس الجليل 2/ 60.
(4) جبل الجودي: جبل مطل على جزيرة ابن عمر في الجانب الشرقي من دجلة من أعمال الموصل عليه استوت سفينة نوح لما نضب الماء.
(5) جبل حراء: من جبال مكة على ثلاثة أميال. كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبّد في غار من هذا الجبل قبل أن يأتيه الوحي. وفيه أتاه جبريل.
(6) مجاهد بن أصبغ بن حسان: أبو الحسن البّجاني: مؤرخ، أديب أندلسي له كتب منها طبقات الفقهاء، وفساد الزمان، والناسخ والمنسوخ. توفي سنة 382هـ. ترجمته في تاريخ علماء الأندلس: القسم الثاني: 151.
(7) هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي: حافظ، مؤرّخ، أديب، بحاثة، له مصنفات منها: الدرر في اختصار المغازي والسير، والاستيعاب، وجامع بيان العلم وفضله. توفي سنة 463هـ. ترجمته في الصلة 677والديباج المذهب 357المغرب في حلى المغرب 2/ 407مطمح الأنفس 294.(1/380)
قلت: وأشبه الأقوال والله أعلم قول من قال: إنّ آدم عليه السّلام بناه، إذا لم يقم دليل على صّحة شيء ممّا قيل في ذلك. ودلّ ظاهر الحديث الصّحيح على أنّ البيت كان قبل إبراهيم عليه السّلام. وذلك أنّه دعا عند وضعه هاجر وابنها إسماعيل بمكّة قبل بنائه البيت بزمان {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم} [1].
وقد ورد في الحديث أنّه كان هنالك بيت قبل إبراهيم عليه السّلام، وقد رأيت أن أثبت الحديث المذكور مختصرا لأنّه يليق بهذا الموضع فأقول: روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ إبراهيم عليه السّلام أنزل هاجر وولدها إسماعيل عليه السّلام وهو صغير يرضع بمكّة، ولا ماء بها ولا أنيس، فقالت:
الله أمرك أن تتركنا بهذا الوادي الّذي لا أنيس به؟ قال: نعم، قالت: إذا لا نضيع معه. وذهب حتّى غاب عنهما فاستقبل البيت، فقال: ربّ {إنّي أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم إلى} {يشكرون فلمّا عطشت هاجر وابنها، ورأته يتلوى، قامت كراهة أن تنظر إليه، فصعدت الصّفا فنظرت، فلم تر أحدا، فهبطت منه، فلما كانت [97/ آ] في الوادي رفعت ذيلها وسعت سعي المجهود، حتّى صعدت المروة، فلم تر شيئا، ثم رجعت إلى الصّفا. فعلت ذلك سبع مرات، فلذلك سعى النّاس بينهما.
فجاء الملك فضرب بعقبه في موضع زمزم فنبع الماء، فجعلت تحوّضه} [2] بيدها، ولو تركته لكان معينا (3) ثم قال لها الملك: لا تخافا الضّيعة، فإنّ ها هنا بيتا لله (4)
__________
(1) سورة إبراهيم من الآية 37.
(2) تحوّضه: أي تجعله حوضا يجتمع فيه الماء.
(3) الخبر في المناسك 484.
(4) في ط: بيت الله.(1/381)
يبنيه هذا الغلام وأبوه. ثم نزل عندها رفقة من جرهم (1). فلمّا شبّ الغلام زوّجوه فجاء إبراهيم عليه السّلام وإسماعيل غائب فسأل زوجته عن حالها فشكت، فقال لها: قولي لزوجك يغيّر عتبة بابه، فطلّقها، وتزوج أخرى ثمّ جاء إبراهيم عليه السّلام فسألها، فأثنت على الله، وقالت خيرا، فقال لها: قولي لزوجك يثبت عتبة بابه، وسألها عن عيشهم، فقالت: اللّحم والماء، فقال: اللهم بارك في اللّحم والماء (2).
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فلا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه»
(3). ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم، فقال له: إنّ الله أمرني أن أبني له (4) ها هنا بيتا، وأشار إلى أكمة، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، يبني إبراهيم، وينقل إسماعيل الحجارة، فلمّا ارتفع البناء جاءه (5) في المقام فوقف عليه وهو يبني، ويقولان:
{ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم.} [6]
ويحكى أنه لمّا أمر الخليل عليه السّلام ببناء البيت قال: يا ربّ بيّن لي صفته، فأرسل الله سبحانه غمامة على قدر البيت فسارت (7) معه حتّى نزل مكّة، فقيل له: ابن على ظلّها، فبنى، وكان جبريل عليه السّلام قد استودع أبا قبيس الحجر الأسود حين الغرق، فلّما بنى إبراهيم عليه السّلام أخرجه إليه
__________
(1) هو جرهم بن قحطان: جدّ يماني قديم كان له ولبنيه ملك الحجاز، ولما بني البيت الحرام بمكة كان لهم أمره وأول من وليه منهم الحارث بن مضاض الجرهمي. انظر مروج الذهب 2/ 4947.
(2) انظر الخبر في المناسك 484483.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب يزفّون النّسلان في المشي رقم 63364/ 398397396.
(4) ليست في ط.
(5) يبدو أن الفاعل سقط للناسخ بعد الفعل «جاءه». ولعله كان «جبريل».
(6) سورة البقرة الآية 127، وانظر الحديث بكامله في مصنّف عبد الرزاق 5/ 111105.
(7) في ط: فصارت.(1/382)
فوضعه، قالوا: ولمّا توفي إسماعيل عليه السّلام دفن في الحجر (1) عند أمّه، ودبّر أمر الحرم ولده نافث بن إسماعيل، ثم غلبت جرهم على البيت فانهدم، فبنته العمالقة، ثم انهدم، فبنته جرهم ثم احترق في الجاهلية من تجمير امرأة، فهدمته قريش، وكان قصيرا تقتحمه العنز، فرفعوه نحوا من عشرين ذراعا، وقصّتهم في بنائه، وفي الحيّة واختطاف الطّائر لها، ووضع الرّكن مشهورة، ذكرها [97/ ب] ابن إسحاق في السّيرة مستوفاة، وذكرها أبو عمر بن عبد البّر (2) وغيره.
واختلف في وقت بناء قريش لها فقيل: إنّهم بنوها وقت بلوغ النّبي صلّى الله عليه وسلم الحلم، وقيل: بنوها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وثلاثين سنة، وهو قول ابن إسحاق، وقال بعضهم: إنّ قريشا بنتها مرّتين ثم احترقت في زمان يزيد بن معاوية ثم استشار ابن الزّبير (3) النّاس في نقضها وبنائها، (4) فنقضها وبناها (4)، وزاد في ارتفاعها عشرة أذرع، وأدخل فيها من الحجر ما ثبت أنّه منها وجعل لها بابين: شرقّيا وغربّيا، وألصقهما بالأرض حسبما ثبت به الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فلمّا قتل ابن الزّبير كتب
__________
(1) حجر الكعبة: هو ما تركت قريش في بنائها من أساس إبراهيم وفيه قبر هاجر أم إسماعيل عليه السلام. انظر ياقوت 2/ 221.
(2) السير والمغازي لابن إسحاق 104، والمناسك 589485.
(3) هو عبد الله بن الزبير العوام: فارس قريش في زمنه وأول مولود في المدينة بعد الهجرة. شهد فتح إفريقية زمن عثمان، بويع له بالخلافة سنة 64هـ عقيب موت يزيد بن معاوية فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام. وجعل قاعدة حكمه بالمدينة. قتل بمكّة سنة 73هـ له ترجمة في فوات الوفيات 2/ 171حلية الأولياء 1/ 329صفة الصفوة 1/ 764.
(44) سقطت من ط.(1/383)
الحجّاج (1) إلى عبد الملك يعلمه ببناء ابن الزّبير للكعبة، وإدخاله فيها ما أدخل من الحجر فكتب إليه عبد الملك يأمره بردّها على ما كانت عليه في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وألّا يغيّر ما زاد في ارتفاعها فنقضها الحجّاج وبناها على ما هي عليه اليوم (2).
ولمّا كان الرّشيد استشار مالكا رحمه الله في ردّها على ما صنع ابن الزّبير كما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له (3) مالك رحمه الله:
ناشدتك الله يا أمير المؤمنين لا تجعل هذا البيت ملعبة (4) للملوك، لا يشاء أحد (5) منهم إلّا نقض البيت وبناءه، فتذهب هيبته من صدور النّاس، فقبل الرّشيد كلامه، وتركه على ما هو عليه.
فصل [المسجد الحرام]
وأمّا المسجد الحرام (6) صانه الله تعالى فإنّه لم يبن قديما، ولا كان حول البيت حائط. وفي البخاريّ عن عمرو بن دينار وعبد الله بن أبي يزيد قالا: «لم يكن على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلم حول البيت حائط. كانوا يصلّون حول
__________
(1) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي: قائد أموي، داهية، خطيب، ولد ونشأ بالطائف، ولي مكّة والمدينة والطائف لعبد الملك بن مروان، ثم العراق. بنى مدينة واسط بين الكوفه والبصرة توفي سنة 95هـ. انظر مروج الذهب 3/ 119وما بعد وفيات الأعيان 2/ 29.
(2) المناسك 491.
(3) ليست في ط.
(4) في ت: ملعبا.
(5) في ت وط: أحدهم.
(6) انظر ما قيل في المسجد الحرام في معجم البلدان 5/ 124.(1/384)
البيت، حتّى كان عمر فبنى حوله حائطا» (1). قال عبد الله: جداره (2) قصير فبناه ابن الزّبير.
قلت: والمسجد الحرام (3) هو ما دار بالكعبة، وهو المصلّى، ويطلق على الكعبة، وهو الظّاهر من
حديث أبي ذرّ أنّه «سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أيّ مسّجد على ظهر (4) الأرض وضع أوّلا؟ قال: المسجد الحرام، قال: ثم أيّ؟ قال:
المسجد الأقصى، قال: كم [98/ آ] بينهما؟ قال: أربعون سنة»
(5) فظاهر قوله: وضع، أنّه أراد المبنى، وهو البيت كما قال تعالى: {أوّل بيت وضع للنّاس للذّي ببكّة.} [6] وهو البيت بلا مرية في قوله تعالى: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام.} [7] لأنّ القبلة هي البيت. وكان المسجد الحرام على ما ذكر غير محجّر، والدّور به محيطة، فاشترى منها عمر ديارا فهدمها، ووسّع بها المسجد، وامتنع بعض النّاس من البيع، فوضع لهم الأثمان في خزانة الكعبة حتّى أخذوها بعد، وقال لهم: «هو فناء الكعبة، إنّما نزلتم عليها ولم تنزل عليكم» وأحاط بالمسجد حائطا قصيرا. (8)
__________
(1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب بنيان الكعبة رقم 73830/ 146.
(2) في الأصل: جذره، وهو تحريف.
(3) ليست في ط.
(4) في ت: وجه الأرض.
(5) أخرجه البخاري في الأنبياء باب 10رقم 63366/ 407ومسلم في المساجد حديث رقم 1 وابن ماجة في المساجد باب أي مسجد وضع أول رقم 753وابن حنبل 5/ 150 166160157156.
(6) سورة آل عمران 96.
(7) سورة البقرة 144.
(8) ورد قول عمر في أخبار مكّة 2/ 96ومستفاد الرحلة والاغتراب 240.(1/385)
ثم كثر النّاس فصنع عثمان كما صنع عمر، فأكثروا الشّكوى وصاحوا به. فقال لهم: قد فعل عمر مثلما فعلت. فلم يصح أحد، وما جرّأكم (1) [عليّ إلّا حلمي عنكم، ثم أمر بهم إلى الحبس، حتّى كلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فتركهم]. (2)
[المزدلفة]
ومزدلفة أوسع وأوطأ من منى، والمشعر الحرام منها فيما يلي (3) منى، والنّزول بالمزدلفة بعد الرّجوع من عرفة حسبما يأتي في فصل ذكر المناسك إن شاء الله. وحدّ مزدلفة ممّا يلي منى: محسّر (4) وهو واد هنالك. وحدّها ممّا يلي مأزما عرفة، وهما جبلان مكتنفان للطّريق، أفسح من مأزمي منى. قال ابن جريج (5) قلت لعطاء (6): اين المزدلفة؟ فقال: من مأزمي عرفة إلى محسّر.
وليس المأزمان منها، ولكن مفضاهما، فقف بأيّهما شئت. ومن محسّر إلى
__________
(1) في ت: وما جرأهم.
(2) بياض في جميع النسخ والتكملة من أخبار مكّة للأزرقي 2/ 96. وفي معجم البلدان 5/ 124 بخلاف يسير.
(3) في ت: مما يلي.
(4) محسّر: موضع بين مكة وعرفة وقيل بين منى وعرفة، وقيل بين منى والمزدلفة وليس من منى ولا المزدلفة بل هو واد برأسه.
(5) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج: فقيه الحرم المكي. كان إمام أهل الحجاز في عصره رومي الأصل ولد بمكة سنة 80هـ وتوفي فيها سنة 150هـ. ترجمته في طبقات ابن سعد 5/ 194، صفة الصفوة 2/ 216.
(6) هو عطاء بن أسلم بن صفوان: تابعيّ من أجلّاء الفقهاء ولد في جند باليمن ونشأ بمكة، فكان مفتي أهلها ومحدثهم وتوفي فيها سنة 114هـ ومولده سنة 7هـ. ترجمته في طبقات ابن سعد 2/ 386، نكت الهميان 199.(1/386)
مسجد مزدلفة نحو الميل. ومن مسجد مزدلفة إلى مسجد عرفة أربعة أميال، وهو مسجد كبير على يمين الطّريق وأنت ذاهب إلى الموقف مستطيل من الشّرق إلى الغرب. وفي غربيّه (1) القبلة، ويعرف بمسجد إبراهيم عليه السّلام، وهو في أوّل عرفة، وقلّ من يعرفه من الحجّاج. لأنّ الموقف وراءه بميل. وهو على وادي عرفة والوادي هو بطن عرفة. ويقال: إنّ حائطه القبليّ على حدّه ولو سقط ما وقع إلّا فيه. وتوقّف مالك رحمه الله فيمن وقف به حتّى دفع، كأنّه تشكّك هل هو كلّه [98/ ب] في بطن عرفة؟ قال أصبغ: لا يجزئه.
ورآه من بطن عرفة.
[عرفة]
قلت: ولعلّ هذا فيمن لم ينو الوقوف بعد خروجه من المسجد، ويجري فيه الخلاف المذهبيّ في الحاج يمرّ بعرفة ليلة عرفة (2) ولم ينو الوقوف، وأمّا لو نوى الوقوف بعد خروجه من المسجد، لوجب أن يصّح له، إذ لا يتقدّر الوقوف بعرفة بمقدار، ويجزىء فيه المرور بنيّة. وليس المسجد على حدّ الحرم.
بل ذكر الأزرقيّ «أنّ من حدّ الحرم إلى مسجد عرفة ألف ذراع وست مئة ذراع وخمسة أذرع» (3). وقد ظنّ قوم الوقوف ببطن عرفة وبطن محسّر لكونهما ليسا من عرفة ومزدلفة. (4) وقال ذلك الّلخميّ وعياض وليس كما توهّموا، ولو كان ذلك لم يحتج إلى استثنائها وقال اللّخميّ: يستحبّ النّزول بنمرة (5) من عرفة، وذكر نزول النّبي صلى الله عليه وسلم بها، ولم يعلم أنّ المسجد وراءها إلى
__________
(1) في الأصل وط: عرفة. وأثبتّ ما جاء في ت.
(2) ليست في ط.
(3) أخبار مكة 2/ 188.
(4) ليست في ط
(5) نمرة: ناحية بعرفة نزل بها النبي صلّى الله عليه وسلم.(1/387)
الموقف ونمرة جبل على اليمين إذا خرجت من مأزمي عرفة، وعليه أنصاب.
وتحت الجبل غار ذكروا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم نزله «وبين الغار والمسجد ألف ذراع وأحد عشر ذراعا» (1) قاله الأزرقيّ. وعرّفني بالمسجد شيخ حجازيّ عارف بالبلاد، سألته عنه وعن حدود عرفة ونحن في الموقف، فأشار إلى البسيط الّذى أحاطت به جبال الموقف، والّتي منه يمينا ويسارا إلى الّتي فيها هذا المسجد، والمأزمان من ناحية مكّة. فقال لي: هذا كلّه عرفة، وهذه الجبال وراءنا هي جبال عرفة. وسألته عن بطن عرفة فقال لي: هو الوادي يصبّ في عرفة وهي هاهنا، وأشار إلى اليسار، وسألته عن العلمين المنصوبين على الطّريق في وسط بسيط عرفة، فقال لي: إنّما بناهما الأمراء احتياطا على النّاس ألّا يتقدّموا فيخرجوا من عرفة قبل غروب الشّمس، فأوهموهم أنّ العلمين حدّ عرفة وهما في وسطها حتّى يكون من تعجّل لا يخرج من عرفة إلّا بعد الغروب، وسألته عن مسجد عرفة، فقال لي: هو مسجد الخليل عليه السّلام وأشار لي إلى موضعه ودلّني عليه، فلمّا دفع (3) النّاس بعد الغروب أسرعت إليه فلم آته إلّا وقد أشرق ضوء القمر فدخلته [99/ آ] وركعت فيه والنّاس على الطّريق بإزائه ولم يعرج أحد إلّا اثنان أو ثلاثة.
والموقف في منتهى بسيط عرفة عند جبالها الشّرقيّة، وهي وراءه، وموقف النّبي صلّى الله عليه وسلم على ضرس (4) هنالك بأسفل الجبل منقطع عنه، وقد بني عليه مسجد مليح مختصر مبيّض، فهو يلوح على بعد وفيه يقف الإمام إمام الشّافعية، ويقف المالكيّ أسفل منه على اليسار.
__________
(1) أخبار مكة: 2/ 189.
(3) الانصراف من عرفات إلى المزدلفة يسميه الفقهاء الدفع.
(4) الضّرس: الأرض الخشنة.(1/388)
واختلف في أصل تسمية عرفة (1)، فقيل: لأنّ جبريل كان يري آدم المناسك فلمّا وصل به إلى عرفة، قال له: أعرفت؟ قال: نعم. وقيل: وصف له جبلها فلما رآه عرفه. وقيل: لأنّ (2) آدم عليه السّلام لما أهبط من الجنّة وقع بالهند، ووقعت حوّاء بجدّة. فاجتمعا بالمزدلفة، وتعارفا بعرفة، وتسمّى عرفة وعرفات، وكلاهما اسم علم، والتّأنيث (3) جمع سمّي به فبقي على حاله.
ويكون بعرفة سوق كبيرة يجلب إليها كلّ شيء ويكثر بها الطّعام، يأتي به قوم من ناحية اليمن يقال لهم: «السّرو» جفاة، بداة، مفرطو البداوة، عرب الألسنة (4)، أدم الألوان، نحاف الأبدان، أكثرهم يجلب على ظهره، والعري فيهم فاش إلّا السّترة، ولهم ألفاظ حوشيّة (5)، والدّينار في لغتهم أربعة دراهم، وقد ذكر ابن جبير (6) أشياء من جهلهم وعبثهم (7) في صلاتهم وكانوا إذ ذاك يصلّون، وأمّا الآن فإنّما يقصدون السّوق بعرفة ومنى (8) ثم ينصرفون من هنالك إلى بلادهم.
وعدد الأميال من مكّة إلى عرفة اثنا (9) عشر ميلا لا تزيد ولا تنقص، قاله الأزرقيّ. (10) وكانت الوقفة في هذا العام يوم الأربعاء، وقد سلّمها الله من الخلاف، وهو يقع في ذلك كثيرا، وكان الاختلاف قد وقع فيها في العام الذّي
__________
(1) انظر الأقوال في تسمية عرفة في مشارق الأنوار 2: 107معجم البلدان 4/ 105104.
(2) في ت وط: إن.
(3) في ط: والثاني.
(4) في ت: الألسن.
(5) حوشي الكلام: غريبه.
(6) رحلة ابن جبير 113110.
(7) الكلمة مطموسة في الأصل.
(8) ليست في ط.
(9) في الأصل وط: اثني وهو وهم والصواب ما أثبتناه.
(10) أخبار مكة 2/ 190.(1/389)
قبله وهو عام ثمانية (1) وثمانين، حتّى افترق الموسم (2) فرقتين، فوقف بعضهم وهم أكثر المغاربة يوم الجمعة، ووقف سائر النّاس يوم السّبت وهو كان الوقفة، ولكنّ أكثر النّاس قد أغراهم الجهل بوقفة الجمعة، وأغواهم [99/ ب] الشّيطان بها، حتّى صاروا إذا وجدوا أقلّ ذريعة، وأضعف سبب إلى تغيير الوقفة، فعلوا ذلك ليكون وقوفهم يوم الجمعة، وإن كان (3) في غير (4) موضعه، فيبطلون حجّهم رياء وسمعة (5)، وكنت أتلمّح لهم عذرا، وأقول: لعلّ فيهم من رأى الهلال تحسينا للظّنّ بهم، مع علمي بأنّ النّاس إنّما ضحّوا في ذلك العام في الغرب والشّرق (6)، وفي كلّ أرض يوم الأحد ولم يقع في ذلك خلاف إلّا بعرفة خاصّة، وما قطع اعتذاري لهم إلّا أن عرّفني الحجّاج غيرهم بأنّهم لم يدّعوا (7) رؤية الهلال، وأنّ من يقتدى به فيهم قد سئلوا عن ذلك فلم يدّعوا (7)
رؤيته، وإنّما زعموا أنّهم علموا ذلك من غير طريق الرّؤية، تسوّرا على الجهل وتكلّفا للفضول. وهذه العلّة في هذه القضيّة قديمة، شكاها (8) ابن جبير في رحلته (9) وحكاها على نحو ما اتّفق في هذه سواء. وكذلك حكى من جهلهم وضلالهم ما هو مستّمر إلى الآن في جبل ثور (10) في الغار الّذي دخله
__________
(1) ليست في ط.
(2) في ط: الناس.
(3) في ط: كانوا.
(4) ليست في ت.
(5) يقال: فعل ذلك رياء وسمعة: أي ليراه الناس ويسمعوا به.
(6) في ت: الشرق والغرب.
(77) سقطت من ط.
(8) في ت: حكاها.
(9) رحلة ابن جبير 146.
(10) يقع بأسفل مكة، وهذا الغار مشهور عند الناس، ووسّع بابه الضّيق لانحباس بعض الناس فيه حوالي سنة 800هـ. انظر العقد الثمين 1/ 101.(1/390)
رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو وأبو بكر حين هاجرا من مكّة، وذلك أنّه غار له بابان في حجر صلد، وأحدهما ضيّق أقلّ من شبرين فيتكلّفون النّفوذ فيه، وشاع (1)
من جهلهم أنّ من لم ينفذ فيه فهو ولد زنى، وتقرّر ذلك في معتقدهم الفاسد، فلا تزال الفضيحة تعلق (2) بهم من ذلك، والعقلاء منهم يتجنّبونه، لأنّ من غصّ فيه ولم ينفذ منه، يحكمون عليه بما تقدّم. (3)
ولم أصل إلى جبل ثور لأنّه على مسافة يوم أو نحوها في جنوب مكّة، ولا يقدر على رؤيته إلّا من جاور بمكّة (4)، وكنت عازما على المجاورة بها حسبما تقدّم، فتجهزّت للمقام، واكتريت الدّار، وصرفت بعض من كان معي ليرجعوا إلى الغرب، وحصلت أسبابي كلّها بمكّة، وبقيت مع الرّكب منتظرا لخروج السّكّان في المنزل الّذي اكتريته، وهم بعض الفضلاء من أهل تونس، سكنوه مجاورين بمكّة، وعزموا على الرّجوع إلى بلدهم (5) فتجافيت عن التّضييق عليهم في السّكنى معهم، وانتظرت [100/ آ] خروجهم حتّى (6)
قضى الله بفتنة وقعت بين الرّكب وبين صاحب مكّة بأسباب سيرّتها المقادير فتقاتلوا في اليوم الأوّل وأنا في منزل الرّكب قد ضاق صدري لذلك، ثم قضى الله أن تحاجزوا، ولم يقع بينهم قتيل، فسررت بذلك فلمّا كان من الغد بعثت ببعض أسباب بقيت معي إلى مكّة فما عدّي (7) بها الباب حتّى وقعت رجّة (8)
__________
(1) في ت وط: وذاع.
(2) في ط: تتعلّق.
(3) ذكر هذا ابن جبير في رحلته 94.
(4) في الأصل مكة.
(5) في ت: بلادهم. وتجافيت: تباعدت.
(6) في ت: ثم.
(7) عدا المكان وتعدّاه: تجاوزه.
(8) رجّة القوم: اضطرابهم، واختلاط أصواتهم.(1/391)
في الرّكب نفر لها الكبير والصّغير إلى قتال أهل مكّة، بأمر (1) صاحب الرّكب، فأتاها أمير الرّكب الشّاميّ من الثّنيّة إلى باب المعلاة، وأتاها أهل مصر من باب الشّبيكة فما زال القتال بينهم متطاير الشّرار حتّى قتل من أهل مكّة جملة (2) وقتل أشخاص من الرّكب (2) ودخل أهل الشّام مكّة، حتّى انتهوا إلى المسجد الحرام ونهبوا (3) بين الصّفا والمروة، ثم دافعهم أهل مكة حتّى أخرجوهم منها وقتل بها أشخاص من الحجّاج، ثم دام القتال بينهم خارج البلد إلى قريب من الظّهر، فولّى أمير الرّكب عنهم، وجاء فأمر بالرّحيل، فأجفل (4) النّاس (5)، وحطّم بعضهم بعضا، ورحلوا على أوفى ما يكون من الانزعاج، فلم يمكن إلّا الإجفال معهم خوفا على النّفوس، وعلى بعض نفقة كانت معنا، وانصرفت آيسا ممّا كان لي بمكّة، ثم منّ الله بجبر (6) أكثره فضلا منه ومنّة، وذلك أنّ هذا الحال صادف بمكّة ممّن نزل بها من الحجّاج كثيرا نحو أربعة آلاف راحلة، فلمّا أجفل الرّكب بقوا بمكّة لا يدرون ما يصنع بهم وعزم صاحب مكّة على أخذهم وسبّب لهم من عظيم ألطافه أن كان بمكّة شخص من أتراك مصر كان يخدم أميرا من أمرائها فلما مات الملك المنصور (7) أخذه ولده المستخلف لاتّهامه إيّاه، ثم قتله، فخاف الّذي كان
__________
(1) في ط: فأمر وهو تحريف.
(22) في ت: قتل من الركب أشخاص.
(3) النّهب: ضرب من الركض.
(4) أجفل القوم: هربوا مسرعين.
(5) ليست في ط.
(6) في ت وط: بخير.
(7) هو الملك المنصور قلاوون سلفت ترجمته في الصفحة 351.(1/392)
يخدمه، ففرّ ولحق بمكّة في تلك الأيّام فجعله الله سببا لراحة أولئك المساكين المنقطعين عن الرّكب، وذلك أنّه (1) لمّا رأى صاحب مكّة عازما على أخذهم قال له: فيم تأخذهم؟ فقال له: في حقوق وجبت لي على ملك مصر، ولي حظّ في بيت المال منعنيه أعواما، ولفّق مطالب من خرافات فما زال به (2)
[100/ ب] التّركيّ حتّى فداهم منه بمال عظيم، وسرّحهم لم يؤخذ لهم شيء، وصحبهم التركيّ حتّى أوصلهم أمير الرّكب في خليص، وكان الواحد من التّونسيين الّذين سكنوا الدّار الّتي الكتريتها قد تخلّف بمكّة فلمّا أذن لهم في الخروج باع أكثر القمح الّذي تركته بمكّة، وجاءني بثمنه، وبالدابّة الّتي ركبتها، وترك بها من الأسباب ما عجز عن النّظر له، نفعه الله بجميل قصده ونفعنا به وبأمثاله من الصّالحين بمنّه وكرمه.
__________
(1) في ت: لأنه.
(2) ليست في ط.(1/393)
فصل فقهيّ مختصر في المناسك
وهي جمع منسك بفتح الميم والسّين وبفتح الميم وكسر السّين، وهو المتعبّد. والنّسك: العبادة. واختصّ في العرف بمعالم الحجّ ومتعبّداته. والحجّ:
القصد (1)، وخصّه الشّرع بقصد البيت الحرام لأعمال مخصوصة، في وقت مخصوص، وهو فرض على الأعيان، وأحد قواعد الإسلام بإجماع، مرّة في العمر، واختلف في العمرة، فقيل: واجبة، وقيل: سنّة، وعملها بعض عمل الحجّ، وهو الإحرام، وشرطه فيها أن يكون من الحلّ والطّواف والسّعي والحلاق أو التّقصير والعمل فيها كالعمل في الحجّ سواء، ولا تختصّ (2)
بوقت، إلّا أن مالكا رحمه الله كره للحاجّ أن يعتمر في أيّام منى، وكره الاعتمار مرّتين في السّنة.
[شروط الحج]
وأما الحجّ فشروط وجوبه: العقل، والبلوغ، والحرّية، والاستطاعة واختلف قوله: هل هو على الفور أو على التّراخي مالم يخش الفوت؟ وعليه يأتي الخلاف في اعتبار رضا الأبوين. (3) وقول ابن بشير: إنّ اعتبار رضا الأبوين لا يدلّ على التّراخي، وإنّما هو من باب تزاحم الفروض خطأ إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (4) كما لا حقّ لهما في سائر الفروض.
__________
(1) انظر اللسان حجج.
(2) في ت وط: ولا يختص.
(3) انظر بداية المجتهد: 1/ 235.
(4) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 1/ 409و 5/ 66. والحاكم في المستدرك 3/ 23بخلاف في اللّفط، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5/ 460، والجامع الصغير للسيوطي 2/ 203، وكنز العمال 5/ 729و 797و 6/ 66، وفيض القدير 6/ 432.(1/394)
ومن يأمر من الأبوين بترك فريضة من فرائض الله فحقّه العقوق، لا الطّاعة.
ولكنّه جاء قول مالك رحمه الله فيمن منعه أبواه، ينتظر العام بعد العام، على أنّه لم يتعيّن عليه التوجّه كما قال اللّخميّ. وعليه يدلّ فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، [101/ آ] فإنّه لم يحجّ في العام الّذي فرض فيه الحجّ، ولو كان على الفور ما أخّره عنه؟ والاستطاعة: القدرة على الوصول من غير مشقّة خارجة عن المعتاد. وسئل مالك أهي الزّاد والرّاحلة، فقال: (1) لا والله، إنّما ذلك على قدر طاقة النّاس، قد يجد الرّجل الزّاد والرّاحلة، ولا يقوى (2) على المسير (3)، وآخر يقوى أن يمشي (4) على رجليه، وربّ صغير أجلد من كبير، ولا شيء أبين ممّا قال الله عزّ وجلّ: {من استطاع إليه سبيلا} [5] واحتجّ الّلخميّ لذلك (6)
بقوله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر} [7] وقوله: {ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم} [8]، واختلف المذهب في السّائل إذا كان يعطى هل يجب عليه؟ ومحمله على من جرت عادته بذلك.
وقال ابن القاسم فيمن له ضيعة (9): يبيعها ويترك أولاده في الصّدقة، وقيل: إلّا أن يخاف عليهم الضّيعة (10)، وهو تفسير، ويجب على من وراء
__________
(1) قول الإمام مالك في بداية المجتهد 1/ 33.
(2) في ت: ولا يقدر.
(3) في ط: على السير.
(4) في ط: أن يسير.
(5) سورة آل عمران 97.
(6) ليست في ت.
(7) سورة الحج 27.
(8) سورة النحل 123.
(9) الضّيعة: الأرض المغلّة.
(10) الضّيعة: الإهمال.(1/395)
البحر ركوبه إليه إذا كان الغالب السّلامة، ولا تعطّل فيه الصّلاة. وقال مالك:
أيركب حيث لا يصلّي، الويل لمن ترك الصّلاة. ولا يجب ركوبه على المرأة لأنّها تنكشف، وفي كتاب محمّد: ولا المشي إذا بعدت المسافة وإن قويت عليه، لأنّ مشيها عورة، واستحسنه اللّخميّ في ذات المنظر بخلاف من لا يؤبه لها، ولا تخرج إليه إلّا مع زوج، أوذي محرم، أو رفقه مأمونة، ويسقط وجوب الحجّ بالخوف على النّفس وعلى المال، واختلف في أخذ ما لا يجحف.
[أركان الحج]
وأركان الحجّ الّتي لا بدّ من الإتيان بها (1) أربعة وهي: الإحرام، والسّعي (2)، والوقوف بعرفة (3)، وطواف الإفاضة (4). وألحق بها عبد الملك جمرة العقبة (5). وحكى عنه ابن رشد زيادة الوقوف بالمشعر الحرام (6)، وهو غريب من قوله. وقد حكى عنه اللّخميّ خلافه، وحكى ركنيّته من غير المذهب عن
__________
(1) في ت: لابد منها.
(2) السّعي: يكون بالسير سبعة أشواط بين الصفا والمروة مع الابتداء بالصفا، وقد اختلفت المذاهب في حكم وجوبه. انظر بداية المجتهد 1/ 252251.
(3) الوقوف بعرفة يكون بعد الغروب وهو من أركان الحجّ،
لقوله صلى الله عليه وسلم: «الحجّ عرفات»
. انظر بداية المجتهد 1/ 254253.
(4) طواف الإفاضة: يقع بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، وقد أجمع العلماء على وجوبه، وقالوا بفوات الحج بفواته، وهو المعني بقوله تعالى: ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم، وليطوّفوا بالبيت العتيق سورة الحج 29. انظر بداية المجتهد 1/ 251.
(5) جمرة العقبة: في آخر منى مما يلي مكة، وليست العقبة التي تنسب إليها الجمرة من منى. انظر معجم ما استعجم 1/ 392.
(6) الوقوف بالمشعر الحرام: المراد بالمشعر الحرام الذي بمزدلفة، وهو الذي يستحب للحاج الوقوف عنده للدعاء والذكر غداة النحر.(1/396)
الشّعبيّ والنّخعيّ وصوّبه. ويفوت الإحرام بفوات الوقوف، وذلك بطلوع (1)
الفجر يوم النّحر، ولا يفوت السّعي ولا الطّواف، ويرجع إليهما من بلده، والإحرام نيّة التزام حكم الحج [101/ ب] أو العمرة مع الشّروع في العمل بالتّلبية، أو المشي، لا بتقليد الهدي ونحوه. وقيل: التّلبية كتكبيرة الإحرام. وقيل:
ينعقد بمجرّد النّيّة، وضعّف. وليس عليه أن يسمّى حجّا ولا عمرة بلفظه، وكرهه في المدوّنة (2)، وقد بوّب البخاريّ على جوازه وذكر
حديث جابر (3):
«قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك بحجّ، فأمرنا أن نجعلها عمرة»
(4).
ومن سنّة الإحرام كونه بعقب الغسل، والصّلاة. وأغسال الحجّ، ثلاثة:
للإحرام، ولدخول مكّة، وللرّواح إلى الموقف بعرفة. واستحبّه (5) بعضهم للمناسك كلّها، ولا يكون التدلّك إلّا في الأوّل.
قالوا: وللإحرام ميقاتان زمانيّ، ومكانيّ. فالزّمانيّ شوّال وذو القعدة وعشر ذي الحجّة، وقيل (6): كلّه. وقيل: إلى آخر أيام منى، وفائدة ذلك في وجوب الدّم عن تأخير الإفاضة والحلاق، ومن قدّم الإحرام على الزّمانيّ كره
__________
(1) في ت وط: بعد طلوع.
(2) المدوّنه لعبد الرحمن بن القاسم رواها عن الإمام مالك، وهي من أجلّ كتب فقه المالكيه، وهو مطبوع.
(3) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري، صحابي من المكثرين في الرواية عن النبي له في البخاري ومسلم 1540حديثا توفي سنة 78هـ. له ترجمة الإصابة 1/ 214، والاستيعاب 1/ 223222.
(4) أخرجه البخاري في الحج باب من لبى بالحج وسمّاه رقم 31570/ 432ومسلم في الحج 2/ 886885وابن ماجة رقم 2980كتاب الحج باب فسخ الحج. وابن حنبل 3/ 365266148 من طرق مختلفة.
(5) في ت: واستحسنه.
(6) قاله مالك وقوله في بداية المجتهد 1/ 238.(1/397)
له، وانعقد على المشهور، وإنّما لم يكن شرطا في صحته كوقت الصّلاة، لأنّ هذه الآية إذا نظمت بالّتي قبلها على ما تقتضيه الحاجة إلى بيان الأولى، كان ذكر الأشهر بيانا لمعنى التّمتّع، إذ لو لم تتعيّن المدّة الّتي للحجّ، لم يفهم معنى التّمتّع، فكان المعنى مدّة الحجّ أشهر معلومات أي المدّة الّتي إذا وقعت (1)
فيها العمرة صحّ التّمتّع. فالآية إنّما جاءت لبيان اختصاص الأشهر بالحجّ، لا لاختصاص الحجّ بالأشهر ومن خصّه بها احتاج إلى دليل، ولا يجده. وأمّا الأية فقد ظهر معناها، وبه يستقيم حمل لفظ الحجّ على وجههّ أي المدّة الّتي هي حمى الحجّ، لا تطلق فيها العمرة أشهر معلومات، ولا يدلّ كونها حمى الحجّ لا يكون في غيرها. وعلى تأويلهم يكون لفظ الحجّ مصروفا عن وجهه إلى معنى الإحرام، إذ لا يصحّ إتمام الحجّ وإكماله إلّا في الشّهر الثّالث، وأمّا الّذي يصحّ في الأشهر كلّها، فابتداؤه خاصة، فالتّقدير على قولهم: وقت ابتداء الحجّ أشهر معلومات، وعلى قولنا: حمى الحجّ أشهر معلومات، والكلام كلّما قلّ فيه الإضمار كان أحسن، لا سيما وآية التّمتّع مطالبة بالبيان (2) [102/ آ] ومقتضية لارتباطها بالثّانية كما تقدّم. فتأويلنا يترجّح بالوجهين مع أنّه يكفي في إسقاطه دعواهم مجرّد الاحتمال في معنى الآية، ويرجع هذا إلى أنّ تسميتها ميقاتا مجاز. وحقيقة الزّمانيّ يوم عرفة فتدبّره والله الموفّق.
__________
(1) في الأصل: أوقعت.
(2) في ت: للبيان.(1/398)
والمكانيّ خمسة (1): ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشّام، ومصر والمغرب، ويلملم (2) لأهل اليمن، وقرن المنازل لأهل نجد، وذات عرق لأهل العراق، ويكره (3) أيضا تقديم الإحرام قبلها، وينعقد، وقيل: هو جائز لأنّ التّوقيت تأكيد لاحترام البيت ألّا يدنو منه إلّا محرم. فكلّما كان الإحرام (4)
من موضع أبعد كان الاحترام أكمل، ولذلك أحرم الصّحابة وغيرهم قبل المواقيت. وقيل: يكره بقرب الميقات بخلاف بعده، وقد مضى ذكره، ومن تعدّى الميقات مريدا للحجّ أو العمرة ولم يحرم فعليه دم.
ومن سنة الإحرام التّلبية (5) دبر الصّلوات، وعلى كلّ شرف، وبطن واد، وعند لقاء الرّفاق، ولا يلحّ ولا يرفع به صوته في المساجد إلّا (6) المسجد الحرام ومسجد الخيف، والمساجد الّتي بين مكّة والمدينة، لأنّها غير معمورة. ومبدؤها إذا استوى على راحلته وللرّاجل (7) إذا شرع في المشي، ولا يلبّي في الطّواف، ومنتهاها الرّواح إلى الموقف، وقيل رمي الجمرة، ويقطعها المعتمر إذا دخل الحرم، إلّا أن يكون إحرامه من آخر الحلّ فحتّى يدخل مكّة، وقيل حتّى يشرع في الطّواف.
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في بداية المجتهد 1/ 237.
(2) يلملم: موضع على ليلتين من مكة وهو ميقات أهل اليمن، قيل هو موضع على مرحلتين من مكة.
انظر مسالك الأبصار 122. وهو طريق الساحل الشمالي الجنوبي من الحجاز ويسمى هذا الجبل في هذا اليوم «السعدية». انظر أخبار مكة 2/ 310.
(3) في ط: ويكون.
(4) في ط: للإحرام.
(5) انظر المناسك: 429وبداية المجتهد 1/ 247.
(6) زاد في ت: إلّا في.
(7) في ط: وللراحل بالمهملة.(1/399)
ويجتنب المحرم: النّساء، والطّيب (1)، والصّيد، وقتل القمل، وحلق الشّعر (2) ونتفه، وقصّ الأظفار (2)، وغسل الوسخ، ولبس المخيط، والخفّين للرّجل، والقفّازين لهما، والمصبوغ بالورس (3) أو بالزّعفران (4)، وتغطية الوجه والرّأس، وأكل ما صيد لأجله، وعقد النّكاح، والخطبة لنفسه أو غيره.
ويستحبّ أن يدخل مكّة من الثنيّة العليا. ويخرج من السّفلى، والمسجد من باب بني شيبة، ولا يركع بل يبدأ بالحجر الأسود فيستلمه بفيه إن قدر، وإلّا وضع يمينه عليه ثم يضعها [102/ ب] على فيه بلا تقبيل، فإن كثر الزّحام كبّر بإزائه ومضى في طوافه والبيت على اليسار سبعة أشواط:
ثلاثة خببا (5)، ثم أربعة مشيا (6)، ولا خبب في غير طواف القدوم، ولا على النّساء، لا يقبّل اليمانيّ، وإنّما يضع يده عليه ثمّ على فيه، ثمّ يصنع بالأسود كما تقدم، وكذلك في كلّ شوط، ويطوف من وراء الحجر، ولا يركب إلّا من علّة، ولا يطوف من وراء زمزم، ولا في السّقائف، ولا محدثا، وأجاز (7) الطّواف بخفّيه ونعليه، ولا يدخل بهما البيت، واختلف عنه في الحجر، ولا يكثر قراءة القرآن، وليسرّ بها، ولا ينشد شعرا، ولا يتكلّم إلّا لحاجة، ولا يكبّر (8)، ولا يلبّي،
__________
(1) إن تطيّب ناسيا فلا شيء عليه، وإن تطيّب عامدا فعليه الفدية. انظر المناسك 430.
(2) إن احتاج إلى حلق رأسه فحلقه فعليه الفدية. انظر المناسك 429، وكذلك إذا قصّ أظفاره فعليه فدية والعمد والخطأ فيهما سواء. انظر المناسك 430.
(3) الورس: نبت أصفر يكون باليمن تتّخذ منه الغمرة للوجه.
(4) الزعفران: صبغ معروف.
(5) الخبب: ضرب من العدو.
(6) بداية المجتهد 1/ 248.
(7) في ت: واجيز.
(8) ليست في ت.(1/400)
وليقبل على الذّكر سرّا، ولا يشرب إلّا من ضرورة، ولا يتخلّل الطّواف بشغل أو استراحة إلّا ما قلّ. وإن أقيمت عليه الصّلاة في آخر أشواطه أتمّها، وإلّا دخل معهم ثم بنى، فإذا فرغ صلّى خلف المقام ركعتين، ويستحبّ إن جاء في غير وقت الصّلاة ألّا يدخل حتّى تحلّ، فإن هو دخل وطاف أخّر الرّكعتين، فإن انتقض وضوؤه توضّأ، وأعاد الطّواف، وصلّى الرّكعتين، ولا يجزىء الطّواف منكسا (1) ولا في السّبعة الأذرع (2) الّتي تلي الكعبة من الحجر، ولا من وراء زمزم، ولا بغير وضوء على المشهور، وهو في هذا كلّه كمن لم يطف. ومن ركب مختارا أعاد الطّواف ما كان بمكّة، فإن خرج إلى بلده أهدى وأجزأه وكذلك إن ترك الرّمل أو الرّكعتين، يركعهما حيث هو ويهدي. وهذا حكم طواف القدوم. وإن وصل به السّعي، فإن لم يوصل به فالدّم يجزيء (3) عنه رأسا، ولا يجب على من أحرم من مكّة، ولا على المراهق.
وأمّا السّعي (4): فهو الطّواف بين الصّفا والمروة، والخبب في بطن المسيل بين العلمين مشروع للرّجال، وأصله ما تقدّم في حديث ابن عبّاس من سعي هاجر، (5) وفي البخاريّ عنه أيضا:
«إنّما سعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الطّواف بالبيت، وبين الصّفا والمروة ليري المشركين قوّته»
(6) ومحمل (7)
__________
(1) في ط: منسكا.
(2) في ت: أذرع.
(3) في ت: يجزئه.
(4) بداية المجتهد 1/ 252251.
(5) سلف الحديث في الصفحة
(6) أخرجه في الحجّ، باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة رقم 31649/ 502وابن حنبل 1/ 255بخلاف اللّفظ، ومسلم في كتاب الحج استحباب الرمل في الطواف والعمرة رقم 241.
(7) في ط: ومحل وهو تحريف.(1/401)
الحديثين على أن أصله قبل الإسلام سعي [103/ آ] هاجر، وإنّ أصله في الإسلام مراغمة المشركين في قولهم: «قد وهنتهم حمّى يثرب» ولم يتقدّم الأمر به قبل ذلك، ولا يكون السّعي إلّا بإثر طواف واجب، إمّا طواف القدوم، وإمّا طواف الإفاضة لمن لم يطف للقدوم.
وإذا فرغ الطّائف من ركعتي الطّواف، استلم الحجر إن قدر، ثم يخرج من باب الصّفا فيبدأ به، ويصعد عليه ثمّ (1) يذكر الله ويدعو، وضعّف مالك رفع اليدين إلّا في افتتاح الصّلاة. وقال اللّخميّ: ذلك واسع يرفعهما مبسوطتين وبطونهما إلى السّماء وهو الرّغب، أو إلى الأرض وهو الرّهب.
ولا ينصبهما كما يفعل في الصّلاة.
وقال ابن حبيب: إذا دعا ورفعهما بالرّغب، وإذا تضرّع رفعهما بالرّهب، ثم ينحدر إلى المروة، ويفعل بها كذلك، ثم يرجع إلى الصّفا سبعة أشواط فإن بدأ بالمروة لم يعتدّ بالشّوط الأوّل، ورجع فختم بها، وكونه ماشيا متوضّئا أفضل، وفي الموطّأ عن عروة بن الزّبير «أنّه كان إذا رآهم يركبون فيه ينهاهم أشدّ النّهي، فيعتلّون له بالمرض حياء منه، فيقول: لقد خاب هؤلاء وخسروا» (2). ومن نسي السّعي أو شوطا منه، أو سعى قبل أن يطوف بالبيت فليرجع إليه من بلاده (3)، فإن أصاب النّساء طاف وسعى، ثم اعتمر وأهدى، وعن مالك: يهدي ولا يرجع، وهذا جنوح إلى القول بأنّه ليس بركن.
__________
(1) ليست في ط.
(2) الموطأ: 258.
(3) المدونة 1/ 319.(1/402)
وأمّا الوقوف بعرفة (1): فالخروج إليه يوم التّروية ثامن ذي الحجّة، سمي بذلك لأنّهم كانوا يحملون فيه الماء (2) من مكّة لسقي الحجّاج (3) بمنى، ويقولون: روي الحاج. يخرجون من مكّة بقدر ما يصلون إلى منى مع صلاة الظّهر، فيصلّون بها الظّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصّبح. ثم يغدون بعد طلوع الشّمس إلى عرفة. وقد تقدّم أنّ العادة اليوم الإدلاج (4) إليها، وبها يصلّون (5) الصّبح، ولم ير مالك على من لم يبت في هذه الّليلة دما فإذا زالت الشّمس فليجمع مع النّاس بين الظّهر والعصر، وليغتسل في موضعه قبل الرّواح ويجزيء في [103/ ب] الوقوف حيث كان من عرفة إلّا بطن عرفة، وقد مضى ذكره.
والوقوف مع الإمام وبالوضوء أفضل. وكره مالك ترك الموقف والوقوف على جبال عرفة وقال: «الموقف كلّه سواء» (6) وقد مضى ذكر توقّفه فيمن وقف بمسجد عرفه.
والوقوف راكبا أفضل للقادر، وهو السّنّة، قال اللّخميّ: إلّا أن يضرّ بالدّواب (7) للنّهي أن تتّخذ ظهورها كراسي. ويقف الرّاجل فإذا ملّ فلا بأس أن يستريح بالقعود، واختلف قول مالك في المارّ بعرفة في وقت الوقوف ولم
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في بداية المجتهد 1/ 255253.
(2) في ت وط: الماء فيه.
(3) في ت وط: الحاج.
(4) الإدلاج: السير في الليل.
(5) في ت: يطوف: وهو تصحيف.
(6) الموطأ: 268.
(7) وقاله مالك في الموطأ 269.(1/403)
ينوه، هل يجزئه؟ ووقوف النّهار يوم عرفة دون اللّيل يجزىء عند جميع العلماء، إلّا مالكا رحمه الله فإنّه قال: «الفرض وقوف اللّيل» (1). وله في كتاب ابن حبيب فيمن أغمي عليه بعد الزّوال، واتّصل إغماؤه حتّى دفع به، قال: يجزئه الوقوف به، ولا يرجع ثانية إن أفاق من ليلته وهذا منه مثل قول الجماعة، قاله الّلخميّ وصحّحه وذكر حديث عروة بن مضرّس (2) وفيه:
«من صلّى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتّى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا، فقد تمّ حجّه، وقضى تفثه»
(3). وقال: وهو حديث صحيح، قلت:
أخرجه أبو داود، والنّسائيّ، والتّرمذيّ، والدّارقطني، وألزم البخاريّ ومسلما إخراجه. واختلف إذا أخطأ النّاس العدد فوقفوا يوم النّحر، والمشهور الإجزاء وعليه فقهاء الأمصار. ورجح اللّخميّ عدم الإجزاء، ولو وقفوا اليوم الثّامن لم يجزهم على المشهور. وحكى أبو عمر بن عبد البرّ لابن القاسم ولسحنون قولا بالإجزاء. قال أبو عمر: «وهذا الخلاف في حقّ الجماعة من (4) أهل الموسم.
فأمّا الواحد فلا مدخل له في ذلك وإن أخطأ الوقفة لم يجزه لأنّ اجتهاد الواحد بخلاف اجتهاد الجماعة (4)، واستدلّ
بقوله صلّى الله عليه وسلم: «أضحاكم يوم تضحوّن،
__________
(1) الموطأ: 270.
(2) هو عروة بن مضرّس بن أوس بن حارثة الطائي: صحابي كان من سادة قومه، شارك في حروب الردّة مع خالد بن الوليد. ترجمته في الإصابة 2/ 471، تجريد أسماء الصحابة 1/ 380.
(3) أخرجه الترمذي في أبواب الحج باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحجّ، وأبو داود في المناسك باب من لم يدرك عرفة رقم 1950بخلاف في اللفظ، وابن ماجة في المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع رقم 3016بخلاف في اللفظ، وابن حنبل 4/ 15، 261، 262 بخلاف في اللفظ، والنسائي 5/ 263.
(44) سقطت من ت بنقلة عين.(1/404)
وفطركم يوم تفطرون»
(1). ولعلّه أراد بقوله اجتهاد الواحد والجماعة، أنّ الجماعة قد بذلت وسعها. وعموم التّفريط لهم مستحيل وأما الواحد فإذا تبيّن خطؤه وحده فالغالب [104/ آ] أنّ ذلك لتفريط منه، فلم يوف الاجتهاد حقّه وإلّا فلا فرق بين اجتهاد واجتهاد، وبالله التّوفيق.
والدّفع من عرفة بعد غروب الشّمس، وكونه مع الإمام أفضل، وتؤخّر المغرب إلى المزدلفة فيجمع (2) بينها وبين العشاء مع الإمام (3)، ومن صلّاها في رحله فلا بأس، ومن كان وقوفه بعد دفع الإمام من عرفة صلّى كلّ صلاة لوقتها. وقيل: إلّا أن يرجو الوصول إلى المزدلفة في وقت العشاء وجمعهما قبل حطّ الرّحال أفضل، وهي السّنّة، فإذا صلّوا الصّبح رحلوا إلى منى، ويقفون بالمشعر الحرام للدّعاء والذّكر إلى الإسفار الأوّل، فيدفعون ويسرعون ببطن محسّر فإذا وصلوا إلى منى رموا جمرة العقبة على [حال] (4) مجيئهم من ركوب أومشي، ولا يرمون بعد ذلك إلّا مشاة، ويرمونها من أسفلها، ومكّة على يسارهم، ووقت رميها طلوع الفجر من يوم الأضحى إلى الزّوال، والمستحبّ بعد طلوع الشّمس بسبع حصيات مثل حصى الخزف، ويكبّر كلّما رمى حصاة، ولا يقف بها بعد الرّمي ولينصرف (5)، ولقط الحصى أفضل
__________
(1) أخرجه الترمذي في الصوم. باب يوم تصومون رقم 697، وأبوا داود في الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال رقم 2324وابن ماجة في الصوم، باب ما جاء في شهري العيد رقم 1660بلفظ مغاير قليلا.
(2) في ت: ليجمع.
(3) مع الإمام: سقطت من ط.
(4) زيادة من ت وط.
(5) في ط: وينصرف.(1/405)
من كسره، ولا يرمي بما قد رمي به، فإن فعل صحّ، ولا يجزىء وضع الحصى بغير رمي ولا رمية في غير موضع الرّمي، ولا مجموعا، فإذا رمى الجمرة حلّ له كلّ ما منعه منه (1) الإحرام إلّا النّساء والصّيد، ويكره له الطّيب حتّى يفيض فيتحلّل من الجميع.
وبعد رمي جمرة العقبة ينحر هديا إن كان معه، ثم يحلق أو يقصّر، والحلاق أفضل إلّا للنّساء، فسنّته التّقصير، وحلاقهنّ مثلة (2)، ومن قصّر أخذ من جميع شعره، ولا يجزئه الأخذ من بعضه (3)، وهو كمن لم يقصّر، يلزمه (4)
الدّم بمضي يوم النّحر، أو أيّام منى، أو بانصرام ذي الحجّة على الاختلاف في أشهر الحجّ، وفي اليوم الثّاني من يوم النّحر ترمى (5) الجمرات الثّلاث، ويبدأ بالّتي تلي منى، ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، كلّ واحدة بسبع حصيات كما تقدّم في جمرة العقبة، إلّا أنّ الأخريين ترميان من فوقهما، ومكّة على اليمين، والوقوف للدّعاء [104/ ب] بإثر رمي كلّ واحدة منهما سنة، فترمى الجمرات في كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة، فتكمل في (6) ثلاثة أيّام ثلاثا وستين حصاة، إلى السّبع الّتي رمى بها يوم النّحر فتمّت سبعين، ولمن شاء (7) أن يتعجّل في الثّاني فيسقط عنه رمي الثّالث، ويكون مبلغ حصاه تسعا وأربعين، وقيل: يرمي المتعجّل للثّاني والثّالث فتكمل سبعين والعادة الآن التّعجّل في اليوم الثّاني لجميع النّاس.
__________
(1) ليست في ط.
(2) المثلة: العقوبة.
(3) في ط من بعض شعره.
(4) في ط: يلزم.
(5) في ت: رمي.
(6) ليست في ط.
(7) في ت: يشاء.(1/406)
ووقت رمي الجمار (1) بعد يوم النّحر إذا زالت (2) الشّمس إلى الاصفرار، وقيل إلى الغروب، وما بعد الوقت إلى آخر أيّام منى وقت قضاء يلزم فيه (3) الدّم على المشهور، فإذا مضت أيام منى فلا قضاء، ويلزم الدّم وفاقا. قال مالك: «من ترك حصاة واحدة فعليه دم، ومن ترك جمرة أو الجمرات كلّها فبدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة» (4).
واختلف في أصل رمي الجمار، فقيل: إنّ إبراهيم عليه السّلام عارضه إبليس هنالك (5) حين أراد ذبح ولده، فرماه في المواضع الثّلاثة. وقيل: إنّما عارضه وجبريل يريه المناسك فأمر برميه. وقيل: إنّما رمى هنالك الكبش الّذي فدى به إسماعيل، لأنّه اتّبعه ليأخذه، فأخرجه هنالك ورماه بالحصى عند كل جمرة، فصار سنّة، وروى الدّارقطنيّ
عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه: قلنا: «يا رسول الله: هذه الجمار يرمى بها في كلّ عام تحسب أنّها تنقص، قال: إنّما هو ما تقبّل منها يرفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال»
(6).
والمبيت بمنى في ليالي منى سنّة يجب الدّم بتركها اختيارا (7)، وكان عمر رضي الله عنه يبعث رجالا يدخلون النّاس من وراء العقبة (8)، ومن تعجّل من منى فلينصرف بإثر الرّمي، فإن بقي حتّى غابت الشّمس لم يجز له
__________
(1) بداية المجتهد 1/ 258256.
(2) في ت: إزالة.
(3) في ط: فيها.
(4) الموطأ 282، والمدوّنة 1/ 324.
(5) ليست في ط.
(6) المصنف لابن أبي شيبة 4/ 32بخلاف يسير في اللفظ.
(7) المدوّنة 1/ 320.
(8) الموطأ 280.(1/407)
التّعجّل (1) حتّى يرمي من الغد فإذا رمى في الثّالث انصرف إلى مكّة قبل الصّلاة، فيصلّي في الطّريق، واستحبّ مالك لمن يقتدي به أن ينزل بالمحصّب وهو الأبطح. والعادة اليوم النّزول أسفل مكّة كما تقدّم.
ومن المنكر المتواطأ عليه في هذا الأوان أنّك لا تسمع [105/ آ] بمنى تكبيرا، وهو سنّة أمر بها المسلمون جميعا في أيام منى إثر الصّلوات اقتداء بأهل منى إذ من سنّتهم التّكبير في كلّ وقت، والجهر به وذلك شعارهم في منى.
وأمّا طواف الإفاضة، فالأفضل أن يؤتى به يوم النّحر، فيذهب الحاجّ بعد الحلاق إلى مكّة، فيطوف ثم يرجع من يومه إلى منى، فيبيت بها اللّيالي المذكورة، وإن أخّره عن يوم النّحر، فيختلف في وجوب الدّم على ما تقدّم. وفي المدوّنة: «لادم عليه، وإن خرجت أيّام منى، ما لم يطل» (2) قال الّلخمي: وهو استحسان (3) للاختلاف فيه، ولا يجزىء تقديمه قبل الرّمي يوم النّحر، كالصّلاة قبل الوقت، ولذلك لا يجزىء عنه طواف القدوم، وقال مالك فيمن نسيه «إن طاف للوداع أجزأه» (4)، وأباه ابن عبد الحكم. قال اللّخميّ: وهو الأصل ألّا يجزىء نفل عن فرض.
قلت: ومحمل قول مالك على أنّه لا يلزم تجديد النّيّة مع كل ركن، كما قال فيمن دفع من عرفة قبل الغروب، ولم يخرج منها إلّا بعد الغروب: يجزئه، وهو لم يرد بالدّفع الوقوف، لما كان حكم نيّة الحجّ مستصحبا، وكذلك هنا لمّا
__________
(1) في ت وط: التعجيل.
(2) المدونة 1/ 319.
(3) في ت وط: الاستحسان.
(4) الموطأ 29.(1/408)
وجب عليه الطّواف أجزأه كل طواف يكون في وقته، ولا يلزمه تجديد النّيّة لأنّ الحجّ كلّه كعمل واحد، ونيّة التّنفّل ببعض أركانه على وجه السّهو لا تصرفه إلى النّفل، كما قال عبد الملك فيمن سلّم من اثنتين ساهيا ثم تنفّل بركعتين أجزأتاه عمّا بقي عليه من صلاته.
والعمل في طواف الإفاضة مثلما تقدّم في طواف القدوم سواء، إلّا في الرّمل (1) وقد ذكرناه. فإذا عزم على السّفر طاف للوداع وانصرف. فإن أقام بعده، أعاده إلّا أن يكون أمرا قريبا كشراء الزّاد ونحو ذلك، وإن لم يودّع رجع إليه ما كان بالقرب، فإن بعد فلا شيء عليه، وردّه عمر رضي الله عنه من مرّ الظّهران.
ويستحسن (2) للمودّع أن يخرج القهقرى، أو على جنب (3) وأن يكثر التّلفّت كما يفعل من فارق معظّما عنده، محبوبا [105/ ب] لديه.
ويستحبّ الإكثار من الطّواف. قال مالك: «وهو للغرباء (4) أفضل من الرّكوع، والرّكوع لأهل مكّة (4) أفضل» (5) قال الشّيخ أبو محمّد: وفي غير كتاب لأصحابنا، ويستحبّ لمن قفل من حجّ أو عمرة أن يكبّر على كل شرف ثلاث تكبيرات ويقول: «لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد
__________
(1) في ت وط: الرّمي وهو تحريف.
(2) في ت: ويستحبّ.
(3) في ت: جنبه.
(44) سقطت من ط.
(5) الموطأ 253، والمدوّنة 1/ 318.(1/409)
وهو على كلّ شي قدير، آيبون (1)، تائبون، عابدون، ساجدون، لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» (2).
قلت: قد ثبت به الحديث عن رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وذكره مالك في الموطّأ عن نافع عن ابن عمر
«أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حجّ أو عمرة، فذكره سواء»
(3). وسئل مالك رضي الله عنه: الحجّ والجوار أحبّ إليك أم الحجّ والقفل؟ قال: ما كان النّاس إلّا على الحجّ والقفل، ورأيته أعجب (4) إليه، ولم يره في ذلك مثل الغزو. وقيل له: فالغزو أحبّ إليك أم الحجّ؟
قال: الحجّ إلّا أن تكون سنة خوف (5). وروى الدّارقطنيّ
عن عائشة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا قضى أحدكم حجّه فليعجّل الرّحلة إلى أهله فإنّه أعظم لأجره»
(6) وذكر مالك في الموطّأ أنّ عثمان بن عفّان رضي الله عنه كان إذا اعتمر ربّما لم يحطط عن راحلته حتّى يرجع». (7)
__________
(1) آيبون: أي راجعون.
(2) الموطأ 291.
(3) أخرجه البخاري في العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة رقم 31797/ 618وفي المغازي باب غزوة الخندق رقم 74116/ 406ومسلم في الحج باب ما يقول إذا قفل من سفر الحجّ رقم 428والترمذي في أبواب الحج باب ما جاء في ما يقول عند القفول من الحج رقم 950وابن حنبل 2/ 1056315105والموطأ 291.
(4) في ت: أحب.
(5) ليست في ت.
(6) أخرجه الدارقطني في سننه 2/ 300وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 6/ 2285. وهو في الجامع الصغير 1/ 33، وفيض القدير 1/ 418.
(7) الموطأ: 238.(1/410)
[فضل الحج]
وأما فضل الحجّ فما ورد فيه أكثر من أن يسعه هذا الموضع، ويكفيك منه ما روى مالك في الموطّأ
عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة»
(1). وقال أيضا:
«ما رئي الشّيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أدحر، ولا أحقر، منه في يوم عرفة، وذلك لما يرى من تنزّل الرّحمة، وتجاوز الله عن الذّنوب العظام، إلّا ما رئي يوم بدر»
(2)
الحديث، وروى مسلم والدّارقطنيّ وغيرهما: (3)
«من حجّ فلم يفسق، ولم يرفث، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه»
. وروى الدّارقطنيّ (3) أيضا:
«من مات بأحد الحرمين، بعث من الآمنين يوم القيامة»
(4) وروى أيضا: [106/ آ]
«من مات في هذا الوجه من حاجّ أو معتمر، لم يعرض، ولم يحاسب، وقيل له:
ادخل الجنّة»
(5) وروى مسلم وغيره:
«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبدا من النّار من يوم عرفة، وإنّه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء»
(6).
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ: 237والبخاري في العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها رقم 31773/ 597ومسلم في الحجّ، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة رقم 437والترمذي في أبواب الحج، باب ما جاء في ما ذكر في فضل العمرة رقم 933. وابن ماجه في المناسك، باب فضل الحج والعمرة رقم 2888والنسائي 5/ 112.
(2) أخرجه مالك في الموطأ في جامع الحج 291، قال الزرقاني في شرح الموطأ وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء.
(33) سقطت من ت وط.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة رقم 1350والدارقطني 2/ 284وهو في مجمع الزوائد 2/ 319والمعجم الصغير للطبراني 2/ 22وكنز العمال 12/ 272والمصنف لعبد الرزاق 5/ 4.
(5) أخرجه الدّار قطنّي في سننه 2/ 298وهو في كنز العمال 5/ 15. والشفا لعياض 2/ 685 والضعفاء للعقيلي 3/ 410.
(6) أخرجه مسلم في الحج، باب فضل الحج والعمرة رقم 1348والنسائي 5/ 251والمستدرك للحاكم 1/ 464والبيهقي في سننه 5/ 118والدارقطني 2/ 301.(1/411)
وقرأت على الشّيخ، الصّالح، الزّاهد، أبي محمّد عبد الله بن يوسف بثغر تونس كلأه الله تعالى وأخبرني الشّيخ (1) الفقيه المحصّل، أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد بالقيروان، والشّيخ الصّالح الفقيه أبو محمّد عبد السّلام ابن مزروع البصريّ بمدينة الرّسول صلى الله عليه وسلم، أخبرهم ثلاثتهم الشّيخ الصّالح، الفقيه، المحدّث، العالم، أبو المكارم محمّد بن يوسف بن موسى قال: أنا علي ابن الحسين البغداديّ بقراءتي، قال: أنبأنا أبو العلاء بن سهل الحافظ، قال:
أنا الحسن بن أحمد الحدّاد، أنا الحافظ أبو نعيم، نا فاروق بن عبد الكبير، نا إبراهيم بن عبد الله البصريّ، نا حجّاج بن منهال، أنا عطّاف بن خالد، نا إسماعيل بن رافع المدنيّ،
عن أنس بن مالك قال: كنت جالسا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مسجد الخيف من منى فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف، فدعوا له دعاء خفيّا (2)، ثم قالا: جئناك نسألك، قال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه (3) وإن شئتما أن أسكت وتسألاني فعلت، فقالا: أخبرنا نزدد إيمانا أو يقينا الشّكّ من إسماعيل قال الأنصاريّ للثّقفيّ: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال: بل أنت فسل (4)، فإنّي أعرف لك حقّك، فقال الأنصاريّ: أخبرني يا رسول الله، قال: جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام، وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت، وما لك فيه، وعن الرّكعتين بعد الطّواف، وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصّفا والمروة، (5) وما لك فيه، وعن وقوفك عشيّة عرفة، وما لك فيه، وعن رميك الجمار
(5)
__________
(1) ليست في ت.
(2) في ط: خفيفا.
(3) ليست في ط.
(4) في ت: اسأل.
(55) سقطت من ط.(1/412)
وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه، وعن حلقك (1) رأسك، وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت بعد ذلك يعني الإفاضة [106/ ب] وما لك فيه، قال: إنّي والّذي بعثك بالحقّ لعن هذا جئت أسألك، قال: فإنّك إذا خرجت من بيتك تؤمّ البيت الحرام لم تضع ناقتك خفّا ولا ترفعه إلّا كتب الله لك حسنة ومحا عنك خطيئة، وأمّا طوافك بالبيت، فإنّك لا تضع رجلا ولا ترفعها إلّا كتب الله لك بها حسنة، ومحا عنك بها خطيئة (2)، ورفع لك بها درجة، وأمّا ركعتاك بعد الطّواف فعتقك (3) رقبة من بني إسماعيل. وأما طوافك بين الصّفا والمروة، فعتق سبعين رقبة. وأمّا وقوفك عشيّة عرفة، فإن الله عزّ وجلّ يهبط إلى السّماء الدّنيا فيباهي بكم الملائكة، يقول: هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا غبرا (4)
سفعا (5) جاؤوني من كلّ فجّ عميق يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد (6) الرّمل أو كعدد القطر، أو كزبد البحر، لغفرتها لكم. أفيضوا عبادي مغفورا لكم، ولمن شفعتم له. وأما رميك الجمار، فبكلّ حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموجبات الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربّك، وأما حلاقك رأسك (7)، فبكلّ شعرة حلقتها حسنة، وتمحى عنك بها خطيئة. قال:
يا رسول الله فإن كانت الذّنوب أقلّ من ذلك، قال: إذا يدّخر لك في
__________
(1) في ط: حلق.
(2) ليست في ط.
(3) في ت وط: فعتق.
(4) ليست في ط.
(5) سفعته الشمس والسّموم: لفحته لفحا يسيرا فغيرت لون بشرته وسوّدته.
(6) في ط: كعدّة.
(7) ليست في ت.(1/413)
حسناتك، وأمّا طوافك بالبيت بعد ذلك فإنّك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتّى يضع يده بين كتفيك ثم يقول: اعمل لما يستقبل فقد غفر لك ما مضى»
(1). قال الشّيخ أبو المكارم: وهذا الحديث له أصل محفوظ من حديث ابن عمر وابن عبّاس، وعبادة بن الصّامت (2) والحمد لله.
ومن أعجب ما يروى في فضل الحج، ما حكاه القاضي عياض وغيره:
أنّ قوما من كتامة (3) قتلوا رجلا، وأضرموا عليه النّيران طول اللّيل، فلم تؤثّر فيه، وبقي أبيض البدن، فأتى قوم إلى سعدون الخولانيّ (4) بالمنستير (5) فعرّفوه بذلك، فقال: ولعلّه حجّ ثلاث حجج، فقالوا: نعم، فقال: حدّثت أنّ «من حجّ حجّة أدّى فرضه، ومن حجّ حجّتين داين ربّه، ومن حجّ ثلاث حجج حرّم الله شعره وبشره على النّار»
(6).
__________
(1) الحديث في مصنف عبد الرزاق 5/ 15عن ابن عمر بخلاف يسير في اللفظ، ومجمع الزوائد 3/ 274والمطالب العالية لابن حجر 1/ 314312.
(2) في ط: أبو عبادة: وهو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي: صحابي شهد سائر المشاهد، مات بالرملة أو ببيت المقدس سنة 34هـ. له 181حديثا. انظر الإصابة 2/ 260.
(3) كتامة قبيلة من البربر.
(4) سعدون الخولاني: اسمه أفكل بن أحمد بن مالك منسوب إلى خولان قبيلة من اليمن مشهورة وهو من أهل القيروان وعظماء علمائها كان يخدم أبا الري واصل بن عبد الله اللخمي المتعبد بقصر حمّة بالمهدية وكان من أهل النسك والفضل والإجابة. رياض النفوس 339نسيم الرياض 3/ 538537.
(5) المنسيّر: موضع بين المهدية وسوسة بإفريقية وهو محرس من محارس سوسة. الروض المعطار 551وقال الوزان مدينة عتيقة بناها الرومان على ساحل البحر تبعد حوالي 12ميلا عن سوسة.
انظر وصف إفريقيا 2/ 84.
(6) القصّة في الشفا 2/ 686، وقال الخفاجي: هذا الحديث لا يعرف من رواه. نسيم الرياض 3/ 538.(1/414)
فصل في حدود الحرم
اختلف في أصلها، فقيل: أوّل من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السّلام، وإنّ جبريل عليه السّلام دلّه على حدوده. وقيل: [107/ آ] إنّ آدم عليه السّلام لمّا أهبط (1) إلى الأرض، خاف من إبليس فاستعاذ منه بالله، فبعث الله إليه ملائكة يحرسونه، وحفّوا (2) حوالي مكّة من كلّ جانب، فحرّم الله الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت (3). وعن وهب بن منبّه: أنه لما أهبط بكى واشتدّ جزعه. فعزّاه الله بياقوتة من يواقيت الجنّة حمراء، وضعها له في موضع الكعبة، ولها نور يلتهب، وكان ينتهي إلى مواضع (4) الحرم. فلمّا صار آدم إلى مكّة حرسه الله بالملائكة من سكّان الأرض. وسكّانها يومئذ من الجنّ والشّياطين، فكانوا يقفون على موضع (5) أنصاب الحرم. فلما توفي آدم رفعت الياقوتة. وهذا وما كان مثله ممّا لا يقطع بصحّته، والصّحيح الّذي لا ريب فيه، هو ما ثبت به الخبر
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن مكّة حرام، حرّمها الله يوم خلق السّموات والأرض، لم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، وإنّما أحلّت
__________
(1) في ط: هبط.
(2) أي أحاطو وأحدقوا.
(3) في ط: وقفا.
(4) في ط: موضع الحرم.
(5) في ت: مواضع.(1/415)
لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها، ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد، قالوا:
يا رسول الله! إلّا الإذخر (1)، فإنّه لصاغتنا وقبورنا، قال: إلّا الإذخر»
(2).
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الفتح تميم بن أسد الخزاعيّ (3) فجدّد معالم الحرم
، ثم أمر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بتجديدها، وجدّدها بعده عثمان، ثمّ جدّدها عبد الملك بن مروان. وفي نوادر الشّيخ أبي محمّد قال: (4)
ولغير واحد من أصحابنا، أنّ حدّ (5) الحرم ممّا يلي المدينة نحو من أربعة أميال إلى منتهى التّنعيم، وممّا يلي العراق ثمانية أميال إلى مكان يقال له المقطع. وممّا يلي عرفة تسعة أميال، وممّا يلي اليمن سبعة أميال، وممّا يلي جدّة عشرة أميال إلى منتهى الحديبية. (6) وقال مالك: الحديبية من الحرم. وفي كتاب الأزرقيّ نحو ممّا تقدّم إلّا قوله في جهة عرفة، فإنّ الأزرقيّ قال فيها:
__________
(1) الإذخر: نبات طيب الرائحة، كان العرب يجعلونه فوق قبور موتاهم.
(2) أخرجه البخاري في الجنائز باب الإذخر والحشيش في القبر رقم 31349/ 213بخلاف في اللفظ وفي العلم باب كتابة العلم رقم 1112/ 205وفي الصيد باب لا ينفر صيد الحرم رقم 41833/ 46وفي اللقطة باب كيف تعرف لقط مكّة رقم 52433/ 87والمغازي رقم 84313/ 26وفي صحيح مسلم كتاب الحج باب تحريم مكّة وصيدها رقم 445ورقم 447ورقم 448وأبو داود المناسك تحريم حرم مكة رقم 2017وابن ماجة في المناسك، باب فضل مكة رقم 3109وابن حنبل 1/ 348315259253و 2/ 238والنسائي 5/ 203.
(3) تميم بن أسد الخزاعي: صحابي أسلم قبل فتح مكة وبعثه النبي يجدّد أنصاب الحرم. ترجمته في الإصابة 1/ 185.
(4) ليست في ت.
(5) في ط: حلّ.
(6) الحديبية: مدينة سعودية. سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بويع الرسول صلّى الله عليه وسلم تحتها وهي بين مكة والمدينة.(1/416)
«من طريق الطّائف عن طريق عرفة أحد عشر ميلا». (1) وهو الصّواب، وقد تقدّم بيان ذلك، والله الموفق.
وقد قضى الله بأنّي لم ألق بمكّة شرّفها الله من يؤخذ [107/ ب] عنه علم لشغلي في تلك الأيام بأمور الحجّ، مع رجائي في الإقامة، فلم أعط البحث حقّه. وصادفت الشّيخ محبّ الدّين الطّبريّ وهو باليمن لم يحجّ في هذه السّنة، وذكر لي بها شخص يعرف بالفاروثيّ (2)، وفاروث قرية من قرى بغداد على ما حكي لي عنه، وهو ممّن طالت صحبته للشّيخ الفاضل شهاب الدّين أبي حفص السّهرورديّ (3) رحمه الله فحرصت على لقائه ولم يقض لي بذلك، وسافر بعد انقضاء الموسم. وبالجملة فقد ضعف العلم بتلك (4) البلاد لضعف العيش بها، والنّاس مع الدّنيا وصاحبها، والحكم لله مدبّر الأمور.
وبعد ما تقدّم ذكره سافرنا من خليص قافلين على طريقنا المتقدّم إلى بدر، وكان قد خطر لصاحب الرّكب المصريّ أن ينفذ إلى مصر دون زيارة فشقّ (5) على كثير من النّاس (6)، وعظم الأمر عليّ لأنّ كرائي كان من أهل مصر ثم يسّر الله من ألطافه أن كان من النّاس من قبّح عند صاحب الرّكب
__________
(1) أخبار مكة 2/ 131.
(2) هو أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي، عالم، محدّث. سمع من ابن الزبيدي وغيره توفي سنة 696هـ وله إحدى وتسعون سنة. ترجمته في شذرات الذهب 5/ 437.
(3) هو عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التيمي البكري: عالم، فقيه، صوفي ولد بسهرورد سنة 539هـ، وقدم بغداد وانتهت إليه تربية المريدين، وأخذ عنه كثيرون له مصنفات منها: عوارف المعارف، وله مشيخة في جزء لطيف توفي ببغداد سنة 632هـ. وفيات الأعيان 2/ 446.
(4) في ت: في تلك.
(5) في ت: «فشق ذلك».
(6) في ت: أكثر الناس.(1/417)
ما رأى من ذلك، فانصرف عن الخاطر الأوّل، ورحل من بدر متوجّها إلى المدينة على وادي الصّفراء، وهو واد معمور فيه ماء، ونخل، وبنيان، وعمارة جيّدة، ويتّصل كذلك قريبا من مسافة يوم ولا عمارة وراءه إلى المدينة نحو أربعة أيام، والماء بها قليل، ودون المدينة على نحو من مسافة نصف يوم وادي العقيق (1) وليس به ماء ولا عمارة، وحصاه ينحو نحو الحمرة، وهو وادي ذي الحليفة، والعقيق خرز أحمر معروف، واحده عقيقة. وقال ابن دريد: «كلّ شقّ في الأرض فهو عقيق، وعقّ الشّيء شقّه» (2) والعقيق أيضا وادي المدينة الّذي فيه أموالها، ونخيلها، وذو الحليفة على طريق المدينة بنحو سبعة أميال، وهي بطحاء سهلة ليّنة، وفيها أوحي إلى رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم أنّه ببطحاء مباركة. وهي مهلّ أهل المدينة كما تقدّم. وهنالك بئر يعرف ببئر عليّ، وعليه نزول الرّكب، وبه آثار (4) بنيان، ورسوم داثرة.
وعرب تلك النّاحية من أكفر العرب وأفجرهم، وقد رأيت شخصا من الحجّاج لما نزل الرّكب تقدّم إلى [108/ آ] المدينة مغتّرا بقربها، فما عدّى الرّكب حتّى أخذوه وجرّدوه، بعد الضّرب المبرّح، وأثخنوه جراحا، فتركناه بالمدينة منقطعا ما به حراك، لا خففّ الله ثقل أوزارهم، ولا عفا عن قبيح آثارثهم ولا أعفاهم من قوارع الدّهر وخطوبه، وإنحائه عليهم من كروبه، بأنواع ضروبه.
__________
(1) العقيق: واد على ميلين من المدينة وقيل على عشرة أميال منها، وفيه نخل وقبائل من العرب. انظر معجم البلدان 4/ 138والروض المعطار 416.
(2) جمهرة اللغة 1/ 112عقق.
(3) في ت: «أوحى الله إلى الرسول».
(4) في ت: أثر.(1/418)
[ذكر المدينة المنورة]
وفي ضحى يوم الاثنين الثّامن والعشرين من ذي الحجّة، وصلنا إلى معهد الفضائل المشهورة، ومعقد ألوية الدّين المنشورة، ومحتد المآثر المذكورة المأثورة، مجمع محاسن الدّارين، ومنبع مفاخر العصرين، ومطلع سعادة الثّقلين. روضة أزهار الأنام (1)، ومشرق أنوار بدر التّمام، وحمى كرم ما حام حوله حام، ولا سام بصفقته سام، حمى آدم فآدم عيشه القشف (2) بإكرام، وأولاه مناه، ولولاه لاستمرّ أذاه ودام، ولا غرو أن كان أباه وقد أسماه عليه الله (3)، فالنّور من النّبت، والقطر من الغمام. كم حوى من فخر محلّ حواه، كم نال من أثر آثر رؤاه (4)، علا على كل شرف شرف (5) إليه منتماه، بل علت به الوهاد على الآكام. محلّ (6) غدا لبدر الفضائل هالة، منزل إن نازله وصّاف بالوصف هاله، قصاراي (7) القصور ولو كنت ابن أبي هالة (8)، وضجّت من طول وصفي الأقلام. لولا شرفه أطرق طرف (9) الأماكن، ولولا كرمه لم تكن
__________
(1) في ط: الأيام.
(2) القشف: يبس العيش.
(3) في ت: الله عليه.
(4) في ط: رآه.
(5) ليست في بقية النسخ.
(6) في ط: محلّه.
(7) في ت: قصارى.
(8) قال السّهيلي: «أبو هالة: هند بن زرارة، زوج خديجة قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وابنه اسمه هند أيضا مات بطاعون البصرة، وكان قد مات في ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها، فصاحت نادبته: واهند بن هنداه، واربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلم تبق جنازة إلا تركت، واحتملت جنازته على أطراف الأصابع إعظاما لربيب رسول الله».
انظر الروض الأنف 2/ 216.
(9) في ت: شرف.(1/419)
للفخر تساكن. شرفت مكّة بمولده ومحتده، ولكنّ مدار الأمر على الختام. يا له محلا هو (1) لسلك الدّنيا واسطة، (2) فدع عنك الشّام وحمصه والعراق وواسطه، (2) به تمسي القلوب مقسطة (3) وقد أصبحت قاسطة (4)، وبه تحطّ أوزار من قطن أوزار، وتمّحي الآثام (5). ما في الأرض أحلى منه حلى وأوصافا، فانظر به محلّ ناظر التزم إنصافا، أقعدني القصور عن حقّه وإن كنت وصّافا، فأخلف إلى خلف، وقدم (6) تقدّمني قدّام. فضاء أفيح يقطع البازل الفنيق، (7) ومسرح للفضائل يزري بالروّض الأنيق، وفخر كما التهبت نار في رأس نيق، فعدّ عن نار غالب (8) وفخر همّام. (9) عشا إليها (10) من هو من نسب التّوفيق عريق. وعشا عنها (11) من هو في [108/ ب] بحر الخذلان غريق، لمّا لاحت وأوضحت الطّريق، شجي (12) العدّو بالرّيق، وعشا بسناها فخبط في ليل الظّلام. واشوقاه إلى تلك العرصات، أترى لي عودة إليها قبل الممات، وهل تبرد بها الأحشاء من سموم الزّفرات، ويقضى لي المقام بذلك المقام: [الوافر]
__________
(1) ليست في ت وط.
(22) سقط من ت.
(3) المسقط: العادل، قال تعالى في سورة الحجرات 9: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.
(4) القاسط: الجائر. قال تعالى في سورة الجن 14:} وأنا منا المسلمون ومنّا القاسطون.
(5) في ط: وتحمى الآثار.
(6) في ط: وقد.
(7) الفنيق: الفحل المكرم الذي لا يهان ولا يركب.
(8) غالب هو أبو الفرزدق، وكان كريما، وثمّة كناية عن الكرم بقول العبدري: نار غالب.
(9) همّام بن غالب بن صعصعة: الفرزدق الشاعر توفي سنة 110هـ، وكان مشهورا بالفخر.
(10) في ت: عليه.
(11) عشا إليها: قصدها، وعشاعنها: غفل وأعرض.
(12) شجي: غصّ.(1/420)
مقام للعلاء به مقام ... وفيه انجاب عن ضوء ظلام
به مثوى السّيادة غير شكّ ... به للدّين والدّنيا انتظام
به قمر السّعود ثوى مقيما ... فسار بنور غرّته الأنام (1)
به الإشراك في شرك تهاوى ... وكان به لمدّته انصرام
5 - به الإيمان أمّن من نحاه ... فأضحى لا يذام ولا يضام (2)
به حلّت نجوم الأفق طرّا ... فصار لها بساحته التئام
به أهل المعاني والمعالي ... إمام في الشّريعة أو همام
به الآمال دانية فما إن ... يشطّ به على الباغي مرام
به سحّت سحائب كلّ علم ... كما بالوبل قد هطل الغمام (3)
10 - به سجعت على أغصان جود ... قواف مثلما سجع الحمام
علا قذيت به عين الثّريّا ... فخالف غربها درر سجام (4)
ومجد ناطح الشّعرى فأضحت ... بذاك لها اضطراب واضطرام (5)
__________
(1) في ت: فضاء بنور.
(2) في ت: لا يرام ولا يضام، ولا يذام: لا يعاب.
(3) في ت: فما بالوابل هطل الغمام. والوبل: المطر الشديد.
(4) في ت وط: فحالف.
(5) في ت: لها منه اضطراب وفي ط: واصطدام. والشّعرى: كوكب نيّر يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء. وطلوعه في شدّة الحر.(1/421)
به قال الكمال: نظمت سلكا ... فليس بغير طيبة لي نظام
به النّور الّذي عمّ البرايا ... هداهم للمسالك فاستقاموا
15 - عليه صلاة ربّي قد حباه ... سيادة من عليها والسّلام (1)
ولم يقم الرّكب بالمدينة إلّا يوما وبعض يوم، وقد استفرغت وسعي (2)
في تأمّلها وتحفّظ صفتها، وما عسى أن يدرك من ذلك (3) مع قلّة الإقامة وكثرة الشّواغل، وترادف الوظائف الدّينيّة والدّنيويّة، ولكنّه على ما كان من حال فلا بدّ من تقييد بعض ما أدركه العيان من صفتها، وما علق بالذّكر من نعتها، وهي [109/ آ] زادها الله شرفا مدينة مليحة، ظاهرة الشّراقة والرّونق، موضوعة في مستو من الأرض على واد به غابة عظيمة من النخّل، وأرضها سبخة وبظاهرها حرّة (4) سوداء ووعر. وسورها قد أثّر فيه القدم، وتربته (5) حمراء. ولها جملة أبواب، لا أحصى عدّتها، والبقيع (6) شرقيّها، وجبل أحد شماليّها، وهو جبل عال إلى الحمرة، وليس بمفرط (7) العلوّ، وقباء (8) منها في جهة الشّرق تلوح مبانيه وصومعته من المدينة، وبينهما نحو من ثلاثة أميال. وفي البقيع زاده الله طهارة من المزارات الشّريفة ما لا يحصره
__________
(1) في ت وط: عليك.
(2) في ت: جهدي.
(3) من ذلك: ليست في ط.
(4) الحرّة: الأرض الغليظة ذات الحجارة السود.
(5) في ت: وتربتها.
(6) هو بقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة النبوية.
(7) في ط: مفروط.
(8) قباء: منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسير إلى المدينة.(1/422)
وصف من قبور الصّحابة والتّابعين، والعلماء والصّالحين، وعلى أكثرها مبان وقباب متقنة، ومن أشهرها وأتقنها قبّة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وهي عالية متّسعة، محكمة العمل، رائقة المنظر، وتليها قبّة العبّاس (1) رضي الله عنه، وفي كل قبّة وبنيّة بالبقيع عدّة مقابر للصّحابة وغيرهم، إلّا تربة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه (2)، فإنّ قبره في بيت لا يسع غيره، وقد رفع التّسنيم على القبر (3) إلى نحو الصّدر، وأعلاه مستو مفروش بالحصى، وبإزاء رأسه في الحائط مكتوبا في حجر: توفي الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه في ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ومئة، ومولده في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين، وقد استصحبت من قبره حصيات تبرّكا بها وتذكرّا لمعاهدها:
[الكامل]
ومن الوفاء بعهد حبّ ظاعن ... لثم الطّلول ووقفة بالمنزل
[مسجد النّبيّ]
وأما مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فعلى صورة المسجد الحرام، إلّا أنّه في المساحة دونه بكثير، وعرضه (4) على النّصف من طوله، وطوله من الجنوب إلى الشّمال، وعرضه (4) من الشّرق إلى الغرب (5). وهو عالي السّمك، مبيّض،
__________
(1) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي: عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن أركان قريش في الجاهلية والإسلام وجدّ الخلفاء العباسيين. له في كتب الحديث 35حديثا توفي سنة 32هـ ترجمته في الاصابة 2/ 263نكت الهميان 175.
(2) في ط: رحمه الله.
(3) في ط: القبور.
(44) سقطت من ط.
(5) في ت وط: من المشرق إلى المغرب.(1/423)
مدوّر بالسّقائف، عجيب المنظر، ووسطه فضاء مفروش برمل أحمر، وأساطينه مبيّضة بالفضّة، عالية، متّسع ما بينها، وأوسع سقائفه ناحية الجنوب، وفيها المحراب، وهي خمسة صفوف، وفي مؤخر المسجد، وهي ناحية الشّمال أربعة صفوف، وفي ناحية الشّرق ثلاثة صفوف، وفي الغرب أربعة صفوف، [109ب] وفي النّاحية الشّماليّة من فضاء المسجد بيت مربّع مليح هو مخزن المسجد، وبالقرب منه نخلات صغار ناضرة عليها أثر التّعاهد بالصّون.
وقد وسّع المسجد مرارا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وكان المسجد من موضع المنبر إلى الرّوضة المقدّسة شرقا وغربا ومن موضعه إلى علم هناك جنوبا وشمالا، (1) وكان المنبر إلى الجدار الغربيّ، ثم وسّع المسجد غربا وجنوبا وشمالا (1)، وبقي المنبر بموضعه، والزّيادة على المسجد من ناحية الغرب قدر مساحته، ومن الجنوب صفّ واحد وفيه المحراب، ومن الشّمال قدر مساحته ثلاث مرات، وأما ناحية الشّرق فلم ير فيها إلّا مقدار ممرّ إنسان من وراء الرّوضة المقدسة، وكانت مساحة المسجد حين بناه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مئة ذراع طولا وعرضا. وقيل سبعين طولا وستين عرضا وقيل غير ذلك.
وللمسجد الآن أربعة أبواب: باب السّلام، وباب الرّحمة من ناحية الغرب، وباب جبريل وباب النّساء من ناحية الشرق، وفي الصّفّ الأوّل قريبا من الرّوضة باب آخر هو نفق في الأرض يهبط فيه على درج، ويخرج منه على حجر في قبلة المسجد، وذكروا أنّها حجر أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، وينسبونها حجرة حجرة وذلك باطل، فإنّ الرّوضة المقدسة هي حجرة عائشة رضي الله
__________
(11) سقطت من ت.(1/424)
عنها وقد دخل غيرها من الحجر في المسجد في زمان الوليد بن عبد الملك.
قال: وذكروا أنّه كان للمسجد عشرون بابا، ثم سدّت كلّها إلّا الأربعة المذكورة، والله أعلم.
وفي المسجد ثلاث صوامع: اثنتان على الرّكنين الجنوبيّين، وواحدة (1)
في مؤخر المسجد، وذكر بعض النّاس أن أساطينه (2) مئتان وستّ وسبعون أسطوانة، وأنا لم أعدّها لشغلي بغير ذلك.
[الرّوضة الشّريفة]
وأمّا الرّوضة المقدّسة زادها الله شرفا وجلالة فهي في داخل المسجد (3) عند الجدار الشّرقيّ (3)، قريبا من الرّكن الّذي على يسار المحراب، وبينها وبين الرّكن الصّفّ الأوّل وبينها وبين الجدار الشّرقي ممرّ [110/ آ] ضيّق حسبما تقدّم. وهي شرّفها الله معمولة بالرّخام الأبيض من الأساس إلى سقف المسجد، بأتقن ما يكون من الصّنعة وأعجبه، وهي موضوعة على شكل التّربيع ولكن ربعها الشّمالي ينحو نحو الاستدارة، وفيه أركان وبعض انخراط إلى الجهة الشّرقيّة، وفي ركنها الواصل بين الجدار الغربيّ والجنوبيّ صندوق مليح من خشب مبنيّ في الحائط بإزاء رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلم.
وعلى يمينك وأنت مستقبل له علم بإزاء رأس أبي بكر رضي الله عنه، ثم آخر بإزاء رأس عمر رضي الله عنه، ويعطي ذلك أنها على هذه الصّورة (4)
وقد قيل فيها صفة أخرى غير هذه والله أعلم.
__________
(1) ليست في ت.
(2) في ت وط: أساطنه وهو تحريف.
(33) سقطت من ت.
(4) بياض في جميع النسخ قدر كلمة.(1/425)
وعلى الرّوضة زادها الله تشريفا كسوة رائقة أسدلت (1) عليها إلى قريب من القامة، تكساها في كلّ عام، كما تكسى الكعبة. وأخبرني الشّيخ الأديب الفاضل أبو الحسن التجّاني (2) بثغر تونس، كلأه الله، أنّه وقف على الرّوضة شرّفها الله وإذا في أستارها مكتوبا: (3)
[الطويل]
هنيئا لكم يا زائرين ضريحه ... أمنتم به يوم المعاد من الرّجس
وصلتم إلى قبر الحبيب بطيبة ... فطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسي
قال: فقال لي بعض من حضر: زد عليهما شيئا فقلت ارتجالا توطئة للبيتين: (4) [الطويل]
قفوا سلّموا هذا ضريح محمّد ... أما تبصرون النّور أبهى من الشّمس (5)
وصلّوا عليه، واسألوا، وتوسّلوا ... إلى الله بالمبعوث للجنّ والإنس
هنيئا لكم البيتين.
__________
(1) في ت وط: انسدلت.
(2) هو علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم التجاني: أديب وشاعر، راوية. كان مقصودا لإقراء العربية والأدب تخرّج به جماعة منهم: عبد الله التجاني صاحب الرحلة ومحمد بن جابر الوادي آشي توفي بتونس سنة 714. ترجمته في الديباج المذهب 79برنامج الوادي آشي 6059.
بغية الوعاة 2/ 141، رحلة التجاني 270258تراجم المؤلفين التونسيين 1/ 215214.
(3) رواية البيتين في ط:
هنيئا لكم يا زائرين ضريحه ... فطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسي
وصلتم إلى قبر الحبيب بطيبة ... أمنتم به يوم المعاد من الرجس
وهما في رحلة ابن بطوطة 1/ 145، وملء العيبة 5/ 271وروايتهما فيها:
سعدتم به يا زائرين ضريحه ... أمنتم به يوم المعاد من الرجس
سلمتم وأصبحتم بأكناف طيبة ... فطوبى يضحي بطيبة أو يمسي
ونسبهما لمحمد بن رشيد بفتح الراء وكسر الشين البغدادي الواعظ.
(4) البيتان في ملء العيبة: 5/ 274.
(5) في ملء العيبة: أسنى من الشمس، فصلّوا.(1/426)
وعلى الرّوضة شرّفها الله شبّاك من عود محكم الصّنعة، وله بابان: غربي وشمالي. وأمّا الرّوضة فمصمتة لا باب لها، وفوقها قبّة بيضاء إلى الدّكنة مصمتة أيضا مليحة [110/ ب] عجيبة، سمت عالية على البنيان، ولاحت بادية للعيان، يثير مرآها من ذي الوجد كامن الأشجان، ويهيج من القلب ساكن الأحزان، كأنّها ترقب أو تندب حبيبا بان، وتذكر من يفكر بزمان كان، وتترجم عمّا يستعجم من معان بمعان، تشرح فتفصح (1) عما تلوح إليه ببيان، يالها واعظة كلّ عن شأوها قس وسحبان، وتضمّنت، غير ناطقة، ما لم يتضمّن ديوان: [الوافر]
أرنّت بالعويل وبالنّحيب ... مرجّعة على ربع الحبيب (2)
أقامت ليس تبرح منتداه ... وقامت لا تملّ من الدّؤوب
تشير إلى علوم قد حوتها ... إشارة عالم فطن لبيب
وقد لبست بدكنتها حدادا ... وجدّ لنا الأسى عري السّليب
5 - غدت تمري مدامع من رآها ... بما أبدت من الحال الغريب (3)
وقلّ لها البكاء ولو أمدّت ... غزار دموعنا مهج القلوب
فقل للقلب صعّد لي زفيرا ... وقل للعين بي ظمأ فصوبي (4)
ونح شجوا وسح بالوجد دمعا ... ورح نشوان من خمر الكروب (5)
__________
(1) في ت وط: فتصبح.
(2) الرنين: الصوت الشجي. العويل: رفع الصوت بالبكاء. الترجيع: ترديد الصوت.
(3) المري: مسح ضرع الناقة لتدرّ.
(4) صوبي: انصبّي.
(5) في ط: وصح. وسحّ الدمع: سال.(1/427)
وقم فاندب، وذب جزعا وشوقا ... وصله من الشّروق إلى الغروب
10 - كفى بتواصل العبرات شغلا ... يعوقك عن مديح أو نسيب
ولم أر بالمدينة، مع شدّة البحث، وإلحاح الطلب، وتكرار السّؤال من هو بالعلم موصوف، ولا من هو بفنّ من فنونه معروف، وكلّ من نال بها خطّة علميّة، فلسان حاله قد نادى وندّد (1): [الكامل]
خلت الدّيار فسدت غير مسوّد (2)
ولا غرو إن انعكس الحال في تلك الدّيار، وصار الأمر إلى ما إليه صار، فالدّنيا مطيّة سريعة العثار، ولكل شىء إقبال وإدبار، وقد (3) لقيت إمام حرمها الشّريف، وخطيب المنبر العالي المنيف، فوجدت سماء شرفه من شياطين الجهل لم تحرس، وتربة قلبه لم تزرع بحبّة من المعارف ولم تغرس، فاستفهمته عمّا يتلى ويدرّس، (4) وهو بأمثاله يعفى ويدرس (4): [الطويل]
ف «كأنيّ أنادي أو أكلّم أخرس» (5)
[111/ آ] إلى هنات هو بها مذكور، وصفات ليس المتّصف بها بمحمود ولا مشكور.
__________
(1) في ت: وردّد، والتنديد: رفع الصوت.
(2) صدر البيت وعجزه: ومن الشقاء تفردّي بالسّؤدد. وهو في عيون الأخبار 1/ 268لرجل من خثعم وأمالي الزجاجي 30، والأغاني 8/ 408، وشرح المرزوقي 807لرجل من خثعم، والبيان والتبيين 3/ 196و 276ومعجم البلدان 1/ 473لعمرو بن النعمان البياضي، ووفيات الأعيان 2/ 392 و 4/ 220دون والوافي بالوفيات 2/ 73.
(3) في ت وط: ولقد. وقوله «لكلّ شيء إقبال وإدبار» من أقوال الفقهاء، وهو في: كشف الخفاء 2/ 192.
(44) سقطت من ت.
(5) عجز بيت لامرئ القيس في ديوانه 105وصدره:
«ألّما على الرّبع القديم بعسعا»
وفي الديوان: أخرسا.(1/428)
[لقاؤه لعبد السّلام التّمّار
بيد أنّه ذكر لي شيخا من أهل العراق، مجاورا بالمدينة، معنيّا بالعلم وحملته، قديم الرّحلة إلى الحجاز، طويل المقام بها، وهو عفيف الدّين أبو محمّد عبد السّلام بن محمّد بن مزروع البصريّ التّمار (1) فسألت عنه حتّى وجدته في حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم تجاه الرّوضة المقدّسة زادها الله جلالة فألفيته شيخا ركينا، ذا سمت وهيئة، ولقاء جميل، رحل في البلاد ولقي النّاس، وسمع من الشّيوخ، واستقرّ به القرار آخرا بالمدينة مجاورا، واستجزته فأجازني لفظا في كلّ ما يحمل، وأخرج إليّ جزءا ناولنيه، وهو الجزء الثّاني من حديث أبي بكر بن محمّد بن العبّاس بن نجيح البزّار، وانتقيت منه أحاديث علقتها إثر صلاة الصّبح بين المنبر والرّوضة أثبت منها هاهنا. (2) حديثين تبرّكا بهما: أخبرنا الشّيخ الصّالح المحدّث جار (3) رسول الله صلّى الله عليه وسلم عفيف الدّين، أبو محمّد عبد السّلام بن محمّد (4) بن مزروع البصريّ التّمّار إجازة بلفظه، ومناولة من يديه إلى يدي بمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم تجاه الحجرة الشّريفة المعظّمة، زادها الله جلالة، ونقلته من كتابه، قال: أنا الشيخ أبو الحسن المبارك بن محمّد (5) بن مزيد بن هلال الخوّاص الحنفيّ قراءة عليه وأنا أسمع في يوم الجمعة السّادس
__________
(1) محّدث. حافظ ولد بالبصرة سنة 625هـ. وتوفي بالمدينة النبوية سنة 696هـ. انظر تذكرة الحفاظ 2/ 1481.
(2) زيادة من ت وط.
(3) في ت: مجاور.
(4) ابن محمد سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.(1/429)
من ربيع الأوّل سنة خمسين وستّ مئة بمستنصريّة بغداد (1)، أنا أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمّد بن نجا بن شاتيل قراءة عليه وأنا أسمع، أنا أبو بكر أحمد بن المظفّر بن سوسن التمّار قراءة عليه ونحن نسمع، أنا أبو عليّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمّد بن شاذان، قال: أنا أبو بكر محمّد بن العبّاس بن نجيح البزّار من لفظه، نا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن كثير، نا إبراهيم بن المنذر، نا عبد الله بن موسى التّميميّ، عن يعقوب بن عبد الله بن أميّة الضّمريّ، عن جعفر بن عمرو بن أميّة، عن أبيه
قال: قلت يا رسول الله: أرسل دابة وأتوكّل؟ قال: بل قيّد وتوكّل»
. (2)
وبه إلى ابن نجيح: نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، [111/ ب] نا إبراهيم بن زياد سبلان، نا عبّاد بن عبّاد المهلّبيّ، عن يونس بن عبيد، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة قال: أظنّه رفعه، قال:
«ثلاثة يهلكون عند الحساب: جواد، وعالم، وشجاع، يؤتى بالعالم فيقال: ماذا صنعت؟
فيقول: يا ربّ! آتيتني علما فعلّمت عبادك، وأفشيت علمي ابتغاء وجهك فيقال (3): كذبت، ولكن فعلت ليقال: فلان عالم، فقد قيل ذلك فيهلك. ويؤتى
(4)
__________
(1) هي المدرسة المستنصرية التي أفتتحها الخليفة العباسي المستنصر سنة 631هـ على ضفة دجلة الشرقية، في بغداد لتدريس الفقه على المذاهب الأربعة إضافة إلى تدريس التفسير وعلوم القرآن. انظر تاريخ علماء المستنصرية 4327.
(2) أخرجه الترمذي في القيامة باب اعقلها وتوكّل 2516من طريق أنس بن مالك بخلاف في اللفظ، وفي كنز العمال 3/ 106103وميزان الاعتدال 1/ 199عن ابن عمر.
(3) في ط: فيقول.
(4) في ت وط: فيؤتي.(1/430)
بالشّجاع فيقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: يا ربّ جاهدت في سبيلك، وقاتلت عدوّك ابتغاء وجهك، فيقول: كذبت، ولكن فعلت ليقال فلان شجاع، فقد قيل ذلك. ويؤتى بالجواد فيقول له (1): ماذا صنعت؟ فيقول: يا ربّ أعطيتني مالا وصلت به الرّحم، وصنعت المعروف ابتغاء وجهك، فيقول: كذبت، ولكن ليقال:
فلان جواد فقد قيل ذلك»
(2).
وسمع مني شيخنا عفيف الدّين المذكور القصيدة الّتي نظمتها بالحجاز في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وحضر لسماعه ناس وقيّد عليها طبقة السّماع بخطّه، وذلك بحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم تجاه الرّوضة المعظّمة زادها الله شرفا وقد رأيت إثبات القصيدة بجملتها في هذا الموضع إذ هو أليق المواضع بها فأقول وبالله أستعين: [الكامل]
[القصيدة النّبويّة للعبدريّ]
فوّق إلى غرض الفلاة وسدّد ... سهم السّرى تقصد وتحظ بمقصد (3)
أوتر قسيّا من مطيّ إن رمت ... رنّت كما رنّت قسيّ المقصد
شم سيف عزم لا يفلّ ذبابه ... قرع الزّمان، ولا قراع الفدفد (4)
هم بالعلاء بهمّة تعلو على ... سمك السّماك وسام سامي الفرقد (5)
__________
(1) في ت وط: فيقال.
(2) أخرجه الترمذي في الزهد. باب ما جاء في الرياء والسمعة رقم 2383، وابن حنبل 2/ 322.
بخلاف في اللفظ والنسائي 6/ 23.
(3) التفويق: وضع السهم في الوتر للرمي، والغرض: الهدف الذي ينصب فيرمى إليه.
(4) في الأصل: شف سيف عزم، وهو تحريف. شم: اختبر، وذباب السيف: حد طرفه الذي بين شفريته، الفدفد: الأرض الواسعة المستوية لا شيء فيها.
(5) السّماك: نجم معروف، وهما سما كان: رامح وأعزل.(1/431)
5 - أجب النّداء وجب بكلّ تنوفة ... قفرا تنكّر للدّليل المرشد (1)
رافق رفيق العزم واترك من ونى ... حلف البطالة نائما في مرقد (2)
شمّر ثيابك للثّواب فقد بدا ... أمما له أمّ البصير المهتدي (3)
بادر بدور العمر قبل أفولها ... واركض بجدّك في الفضاء الجدجد (4)
سامر سمير النّجم في سمر السّرى ... واجف التّخيّل من خيال المرقد (5)
10 - كن في مضاء العزم فعلا ماضيا ... واترك لسوف مسّوفا حلف الغد (6)
حتّى تحلّ بذروة المجد الّتي ... فاتت مرام الحائر المتردّد
حتّى تحلّ بمنزل ما حلّه ... إلّا نزيل طلوع سعد الأسعد
حتّى تفوز بمطلب في مرقب ... ترك المسامي في الحضيض الأوهد (7)
حتّى تواصل في وصالك رتبة ... أعيت على عزمات كلّ معرّد (8)
15 - حتّى تنال منال كلّ ممجّد ... حتّى تنال منال كلّ مسوّد
حتّى تحصّل ما نويت مبرّءا ... من نقص حين حال دون المقصد (9)
حتّى تشاهد مشهدا شهدت له ... بالفضل أنباء تروح وتغتدي
حتّى ترى مرأى يجلّ كماله ... عن أن يقيّده لسان مقيّد
حتّى ترى ما لا يحيط بمدحه ... نغمات شاد أو ترنّم منشد
__________
(1) في ت وط: نتوفة وهو تحريف، والتّنوفة: القفر من الأرض.
(2) ونى: ضعف وفتر.
(3) في ت: إعلاله، والأمم: القصد.
(4) في ت: بدور القمر. والجد جد: الأرض الغليظة.
(5) السّرى: السير في الليل.
(6) في ت وط: حلق الغد.
(7) المسامي: المفاخر، المباري.
(8) المعرّد: الشديد القوي.
(9) في ط: نقص جبن، وهو تحريف.(1/432)
20 - حتّى تقبّل من بساط العزّ ما ... خفقت له أحشاء كلّ موحّد (1)
حتّى يجرّد من مخيط ثيابه ... حلف الرّفاهة فاغتسل وتجرّد (2)
حتّى تلبّي داعيا ما مثله ... داع يجاب من المكان الأبعد (3)
حتّى ترى ذا نعمة متبذّلا ... وترى الملوك غدوا بزيّ الأعبد (4)
حتّى تحلّ بمكّة وحلالها ... خير الحلال فحطّ رحلك واقعد
25 - حتّى تطوف بكعبة ما مثلها ... من مسجد يبنى ولا متعبّد
حتّى تقبّل ركنها الفرد الّذي ... ضمّ المواثيق الّتي لم تجحد
حتّى ترى حجرا منيرا أسودا ... واعجب فديتك للمنير الأسود
حتّى ترى ذاك المقام وحسنه ... واذكر به قاري الضّيوف ومجّد (5)
حتّى ترى في ماء زمزم شارعا ... فأطل لتجلو ذلك القلب الصّدي
30 - حتّى تخبّ إذا سعيت من الصّفا ... وإليه فعل الخادم المتودّد (6)
حتّى تبيت مبيت عبد في منى ... متبذّلا تنوي وقوفك من غد ... [112/ ب] حتّى تعاين في الوقوف عجائبا ... مهما يلاحظها فؤادك يرعد (7)
حتّى ترى جمعا بجمع جامعا ... وتجدّ في رمي الجمار من الغد
حتّى تحلّق أو تقصّر في منى ... حتّى تفيض بفيض ذاك المورد
__________
(1) في ت: موجد.
(2) في ط: يجرّ.
(3) في ط: يلبيّ.
(4) تبذّل: ترك التزيّن على جهة التواضع.
(5) في ط: واذكر فيه، وبها لا يستقيم الوزن.
(6) في ت وط: إليه دون الواو، وبها لا يستقيم الوزن.
(7) في ط: ترعد.(1/433)
35 - حتّى تودّع مكّة وربوعها ... قلق الحشا لفراق ذاك المعبد (1)
حتّى ترى برق الهداية لا معا ... يبدو لعين النّاظر المتفقّد
حتّى ترى نهج الولاية لائحا ... لم يخف إلّا في لحاظ الأرمد (2)
حتّى تربّع طيبة وربوعها ... فيطيب وقتك في المكان الأسعد (3)
حتّى ترى نجم السّعادة طالعا ... حتّى ترى قبر النّبيّ محمّد
40 - فهناك سرّ أخو الظّواهر ظاهرا ... وأخو الحقائق في المقيم المقعد (4)
وبه قلوب قد تنفّس غمّها ... وبه قلوب ذات عيش أنكد
ما للمحقّ وللسّرور وكم غدا ... عمل كثير ساقطا لم يصعد
ما للمحقّ وللسّرور وإنّه ... يفري ظلام الغيب طول المسند (5)
ما للمحقّ وللسّرور وقد رأى ... في معهد الأحباب من لم يعهد (6)
45 - ما حال من أمسى غريم غرامه ... وافى فلم يردد هواه بمعهد (7)
بانوا فأوحشت الدّيار لبينهم ... ومضوا وخلّفنا بحال مجهد
وجدي أناخ على الفؤاد بجنده ... فثوى وناري في الحشا لم تخمد (8)
يا عين جودي بالدّموع عليهم ... تحكي نظيم اللّؤلؤ المتبدّد
يا عين جودي بالدّموع وأتبعي ... منهنّ أصفى مورد بمورّد
__________
(1) في ط: ذاك المعهد.
(2) في ت: نجم.
(3) في ط: حتى ترى. وبها لا يستقيم الوزن.
(4) في ت: سراج الظواهر وفي ط: سر أخي.
(5) المسند: الدهر.
(6) في ت: ما لم يعهد.
(7) كذا في الأصل، «لم يردد»، وفي ت وط: لم يردأ، وردأ: دعم وقوّى.
(8) في ت: فترى.(1/434)
50 - يا عين جودي بالدّموع فإنّها ... علم على شوق المشوق المكمد (1)
يا عين جودي بالدّموع وسلسلي ... سلسالها ورديه أعذب مورد (2)
يا عين جودي بالدّموع هو املا ... لا تسأمي أن تسجمي وسط النّدي (3)
يا عين جودي بالدّموع فإنّها ... أشفى لغلّة ذي اشتياق مبعد (4)
جودي وسحّي لا تشحّي وانثري ... درر الجفون وواصليها واصردي (5)
55 - يا نفس للدّمع الغزير فصوّبي ... طول الحياة وللزّفير فصعّدي ... [113/ آ] هذي حلال المصطفى وربوعه ... هذي منازله فقومي واقعدي (6)
لا عذر للأحشاء لم تضرم بها ... لا عذر للعبرات لم تتبدّد
لا عذر للأجسام لا تبلى بها ... لا عذر للأحزان لم تتجدّد
لا عذر في ترك النّحيب خلالها ... حتّى يروّي ذو الهوى القلب الصّدي
60 - كذب الهوى من حلف زعم مدّع ... أصغى لنوح حمامة لم يسعد
كذب الهوى من حلف زعم مدّع ... نحو الحبيب وربعه لم يسبد (7)
كذب الهوى ممّن أتى ربع الهوى ... فاختار فرقته ولم يتقيّد
يثني الأعنّة راجعا أدراجه ... شوقا عراه لزينب أو مهدد (8)
يا ربع قد أخليت ربع تصبّري ... يا ربع قد أبليت حبل تجلّدي (9)
__________
(1) شوق: ليست في ط، والكمد: الهم والحزن.
(2) السّلسال: الماء العذب السهل في الحلق.
(3) في ط: أو تسجمي، والندي: المنتدى. وسجم الدمع: سال.
(4) الغلّة: شدّة العطش وحرارته.
(5) في ت وط: واسردي، والتصريد: سقي دون الري، والتصريد في العطاء: تقليله.
(6) في ت: هذي خلال. في ط: هذه جلالة مصطفى، والحلال: جمع بيوت الناس.
(7) التسبيد: الحلق واستئصال الشعر.
(8) في ط: عده. وورد اسم مهدد في مطلع قصيدة الفرزدق:
عرفت المنازل من مهدد ... كوحي الزبور لدى الغرقد
(9) في ت: أخليت ربع تجلدي.(1/435)
65 - يا ربع ربعك في فؤادي آهل ... لم تعفه ريح الزّفير المصعد (1)
يا ربع إن ساواك عندي منزل ... طول المدى فأنا المسيء المعتدي
يا ربع أنساني هواك منازلي ... حتّى سلوت ولم أخن عن مولدي (2)
يا ربع والاك الزّمان بلينه ... بدّدت دمعي فيك كلّ مبدّد
ويقلّ أن أبكي دما لأحبّة ... كانوا نجوما في حماك لمهتد
70 - يا ربع قادتني إليك محبّة ... ملأت ضلوعي بالسّعير الموقد
إن كنت لم أزمع جوارك برهة ... فأنا من اوصاف الهوى صفر اليد (3)
ونويت أنّي إن عدمت مساعدا ... صابرت فيك توحّدي وتفرّدي
وحلفت لا طاوعت فيك مفنّدا ... تبّا لمصغ فيك نحو مفنّد
لكن قضاء الله عاق إقامتي ... وأقامني نحو التّرحّل مقعدي
75 - لولا موانع ما قضاه وصبية ... تبكي لكلّ مسجّع ومغرّد
خلّفتهم في غربة تبكي لهم ... ورق الحمام بكلّ غصن أملد (4)
في منتهى الغرب الّذي ما دونه ... إلّا تلاطم موج بحر مزبد (5)
ما كنت أخطو نحو غيرك خطوة ... حتّى أوافي مضجعي في ملحدي ... [113/ ب] لكننّي إن يقض لي بلقائهم ... أفن الزّمان بعيش صبّ مبعد
80 - شوقا إليك مكرّرا ذكراك في ... ضوء النّهار وجنح ليل أربد (6)
__________
(1) في ط: لم يعفه. وعفت الريح الأثر: محته ودرسته.
(2) في ط: لم أنحن.
(3) وصلت حمزة أوصاف ضرورة.
(4) غصن أملد: أي ناعم.
(5) المقصود بالبحر: المحيط الأطلسي حيث كان يقيم العبدري وأهله على شاطئه.
(6) ليل أربد: ليل أسود.(1/436)
يا صاح كرّر ذكرهم وحديثهم ... في سمع ذي القلب المشوق وردّد
يا صاح لا تأثر سوى آثارهم ... وأثر مآثرهم وأمّل واعدد (1)
سكّن بما تحكيه بعض بلابلي ... كم منّة لك إن فعلت وكم يد (2)
نقّر ونقّب عن مناقب نقبهم ... ومتى ترد وصف الجواد فجوّد (3)
85 - حق لآل المصطفى ولصحبه ... ولربعه حرّ الثّناء فنضّد
وانثر نثار الجفن منك فإنّه ... حقّ على من زار ربع محمّد (4)
خير الأنام رفيعهم وربيعهم ... وشفيعهم في هول يوم الموعد
خير الأنام، حسيبهم ونسيبهم ... وطبيبهم من كلّ داء مقصد (5)
خير الأنام نبيّهم وولّيهم ... وعليّهم، أعظم به من سيّد (6)
90 - قد أمّ أمّته علاء مجادة ... فعلت، ولولا مجده لم تمجد
بهر الخلائق منه نور باهر ... أعشى، بلى أعمى عيون الحسّد
أعيا بلاغة ذي البلاغة مدحه ... فالواصف النّطّيق مثل المفرد
نور جلا ظلم الضّلالة فانجلت ... وبه استنار فؤاد ذي قلب هدي (7)
أربى على الشّمس المنيرة بالضّحى ... فغدت لديه شبيهة بالفرقد
95 - أضحى المسيح مبشّرا بقدومه ... وغدا به قسّ خطيب المشهد (8)
__________
(1) في ت وط: تؤثر. وانثر مآثرهم.
(2) البلابل والبلبال: شدّة الهمّ والوسواس في الصدور وحديث النفس.
(3) في ط: ثقبهم. ونقّب عن الشيء: فحص عنه فحصا شديدا والمناقب: المفاخر.
(4) في ت: قبر محمد.
(5) داء مقصد: قاتل.
(6) في ط: وعليمهم، أعظم به
(7) في ت: فاجتلت.
(8) هو قسّ بن ساعدة الإيادي الخطيب المشهور.(1/437)
ولطالما هتفت بذاك هواتف ... في سجعها أو في قريض منشد
وكذا سطيح عند شقّ ضريحه ... والى البيان به ولم يتردّد (1)
كم كاهن باحت به أسجاعه ... من قبل منع السّمع للمتمرّد (2)
أو راهب في ديره متعبّد ... لم يخل منه معالم المتعبّد
100 - قصر اللّسان عن الوفاء بحقّه ... إن رمت ذاك تكلّ عنه وتجهد
فانظم بقدرك لا بقدر كماله ... وارفع صحيفة غارم لم يجحد (3) ... [114/ آ] واخضع خضوع مقصّر عن واجب ... واجأر جؤار حليف روع منجد
وأفض غروب الدّمع منك وقل له: ... خدّ الخدود ومرّ لا تتردّد (4)
وامدد إليه يد السّؤال لعلّه ... يرثي لها فتعود ملآن اليد
105 - يا خير من وطىء الثّرى قدم له ... يا خير ناطق حكمة في مشهد
يا خير أهل الأرض يا أرضاهم ... يا خير سام في السّماء ممجّد
يا خير مولود تقدّم كونه ... يا خير من هو بعد لمّا يولد (5)
يا خير من نيط الرّجاء بجاهه ... يا خير مأمول لخطب مكمد (6)
يا خير من قرأ الكتاب مرتّلا ... يا خير من هجر الكرى لتهجّد (7)
110 - إنّي أتيتك قاصدا ومسلّما ... مستسلما لتغرّبي وتوحّدي
__________
(1) ط: إليه لم يتردّد، وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب: كاهن جاهلي غساني كان العرب يحتكمون إليه ويرضون بقضائه. توفي بعد مولد النبي صلّى الله عليه وسلم في الحابية على مشارف الشام. انظر ثمار القلوب 125. مروج الذهب 2/ 179وتاريخ الخميس 1/ 201.
(2) يشير إلى منع الجنّ من استراق السمع بعد بعثة النبي محمد عليه السلام.
(3) الغارم: من عليه دين.
(4) خدّ: شقّ.
(5) البيت ساقط من ت.
(6) الكمد: تغيّر اللّون وذهاب صفائه.
(7) التهجّد: الصّلاة بالليل.(1/438)
أفري المهامه لم يلتني عائق ... «عجلان ذا زاد وغير مزّود» (1)
هاجرت عن أهلي إليك ومعشري ... لتجيرني من شرّ ما اجترحت يدي (2)
وأتيت بابك كي تؤمّن روعتي ... وقصدت جاهك في بلوغ المقصد
وجمعت في قصدي إليك مآربي ... فعل الفقير أتى الكريم لموعد
115 - ثقة بفضلك لا اغترار بالمنى ... والغيث إن ينزل بأرض يقصد
حاشاك أن يأتي جنابك قاصد ... فيعود دون تمكّن بالسّؤدد
كم ذا ندبت مآثما بمآثم ... أرجو لها عفوا بقصدك سيّدي
كم حاجة عمرت حشاي ومطلب ... أرجو لديك قضاءها وكأن قد (3)
ما إن رفعت إلى سواك مطالبي ... ما إن حللت سوى نداك بمورد
120 - لم أرج ذا ملك ولا ذا إمرة ... وإذا تهمّ النّفس قلت لها ابعدي
فمن استنار بنور شمس باهر ... ألقى الذّبال فأوقدي أو أخمدي (4)
لمّا حللت ذراك دام بهاؤه ... وعلمت أنّي منه جدّ مؤيّد (5)
ناديت دهري: لا أخافك مرّة ... «فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد» (6)
أنا ضيف ربّي ثمّ ضيف نبيّه ... أمن إلى أمن فأوعد أوعد (7) [114/ ب]
__________
(1) لاته عن أمره ليتا وألاته: صرفه، أفري: أقطع. الهامه: واحدها مهمه المفازة البعيدة. وقد ضمّن العبدري عجز بيت النابغة في ديوانه 28وصدره:
أمن آل مية رائح أو مغتدي ... وهو مطلع قصيدة مدحية.
(2) في ط: جرحت يدي، واجترح السيئة: اقترفها.
(3) في ت وط: أرجو إليك. أي وكأن قد قضيت فحذف الجملة.
(4) في ت: فأخمدي أو أوقدي. والذّبالة: الفتيلة.
(5) في ت: دارك وبها لا يستقيم الوزن.
(6) تضمين عجز بيت المتلمّس في ديوانه 147وصدره: فإذا حللت ودون بيتي غاوة.
(7) في ت: أوعدّد، وبها لا يستقيم الوزن.(1/439)
125 - وانهض بحق ليس يجحد أوكد ... حقّ النّهوض لحقّ ربّك أوكد
واهجر، وجر، أو عد إلى وصل امرىء ... ما إن يبالي نال وصلك أوعد (1)
أنا في حمى من لا يخيس بذمّة ... فخر الورى خير البريّة أحمد (2)
أنا في حمى من لا يوفّي مدحه ... شعر الكميت ولا أغاني معبد (3)
أنا في حمى من لا يحيط بمدحه ... لفظ البليغ ولا يراع ممجّد (4)
130 - أنا في حمى من هدّ كسرى ذكره ... ومحا الرّسوم على قديم الفرقد
بدر الدّجا، بحر النّدى، فخر الورى ... مأوى الضّعيف وملجإ المستنجد
قصر امتداحي عن عظيم خلاله ... هذا وقد أسكتّ كلّ مقصّد (5)
يا نفس إنصافا قصرت عن المدى ... فقفي على قدم الحياء وأنشدي
هذا رسول الله تحفة قادم ... مزجي البضاعة سائل مسترفد (6)
135 - فاصفح بفضلك واقبلنها إنّها ... جهد المقلّ وبلغة المتزوّد (7)
وعليك من عطر السّلام مردّد ... كالنّور فاح بساحة الرّوض النّدي
منّي ومن أبويّ جاد عليهما ... عفو الإله بمسكن وبملحد
__________
(1) في ت: ملاق لا يبالي، وبها لا يستقيم الوزن.
(2) لا يخيس: لا يغدر.
(3) هو الكميت بن زيد الأسدي شاعر الهاشميين صاحب الهاشميات توفي سنة 126هـ ترجمته في خزانة الأدب 1/ 144. الأغاني 17/ 401. ومعبد هو ابن وهب. أبرز المغنين في العصر الأموي.
كان أديبا فصيحا توفي سنة 126هـ ترجمته في الأغاني 1/ 5936.
(4) في ت وط: مجوّد، واليراع: القلم.
(5) في ت وط: عظيم جلاله.
(6) بضاعة مزجاة: قليلة مردودة تدفع وترفض رغبة عنها.
(7) رواية البيتين في ط:
وعليك من عطر السلام مردد ... جهد المقل وبلغة المتزوّد
فاصفح بفضلك واقبلنها إنها ... كالنور فاح بساحة الروض الندي(1/440)
ومن آخوتي، وقرابتي، وصحابتي ... ومجاوري، ومحاوري في مسجد
ومن امرىء كلف بحبّك مولع ... برجا [نوا] لك خصّهم بتفقّد (1)
140 - ومن الأنام صغيرهم، وكبيرهم ... موجودهم طرّا ومن لم يوجد
ما هاج ذكرك مغرما في مغرب ... ففرى إلى شرق أديم الفدفد (2)
ذا مقلة تهمي إليك ولوعة ... مهما ترشّ بعبرة تتوقّد (3)
فصل في بناء مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقبلته
قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل ونزل في بني عمرو بن عوف (4) على كلثوم بن الهدم (5) وأقام عندهم اثنتين وعشرين ليلة، وقيل: أربع عشرة ليلة، وقيل: أربعا، وقيل: ثلاثا، ثمّ توجّه إلى المدينة يوم الجمعة، فنزل على أبي أيّوب الأنصاريّ (6) وأقام عنده [115/ آ] سبعة أشهر حتّى ابتنى مساكنه ومسجده.
__________
(1) في الأصل وط: برجالك. في ت: يرجو نوالك.
(2) في ت: شوق.
(3) همى الدمع: سال. ترشرش الدمع: سال وقطر.
(4) في ط: عضو وهو تحريف، وعمر بن عوف: جد جاهلي. انظر جمهرة الأنساب لابن حزم 332.
(5) هو كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد، نزل عليه النبي بقباء أول ما قدم المدينة توفي قبل بدر بيسير. له ترجمة في طبقات ابن سعد 3/ 623، الإصابة 3/ 288، وانظر السيرة لابن هشام 1/ 493، والروض لأنف 2/ 237.
(6) أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة صحابي شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق، وكان شجاعا صابرا تقيّا محبّا للغزو عاش إلى أيّام بني أميّة، وخرج في جيش يزيد ابن معاوية لفتح القسطنطينية. توفي سنة 52هـ. له ترجمة في طبقات ابن سعد 3/ 483، الإصابة 1/ 404.(1/441)
[بناء الرّسول للمسجد]
وكان موضع المسجد مربدا (1) لسهل وسهيل (2): غلامين في حجر أسعد بن زرارة (3) وقيل في حجر أبي أيّوب (4) فابتاعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهما، وقيل أرضاهما منه أبو أيوب (4)، وقيل: إنّهما وهباه لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبناه (5) رسول الله صلّى الله عليه وسلم (5) مسجدا، وعمل فيه مع أصحابه، فأحاط به حائطا من غير أساطين ولا سقف، وجعله مئة ذراع طولا ومئة عرضا، وقيل: أقلّ من ذلك على ما تقدّم ذكره، ورفع حائطه قدر القامة. فلمّا اشتدّ الحرّ كلّموه في تسقيفه، فسقفه بالجريد والعشب والثّمام (6) والإذخر (7)، وأقام فيه أساطين من جذوع النّخل فلمّا جاء الشّتاء ونزل المطر وكف (8) عليهم، فكلّموه في عمله بالطّين. فقال «كلّا، (9) ثمام وخشاب وعريش كعريش موسى» (10). والأمر أقرب
__________
(1) المربد: كل شيء حبست به الإبل والغنم.
(2) سهل وسهيل: أبناء رافع بن أبي عمر بن عائد بن ثعلبة بن غانم بن مالك بن النجار. وقيل، كانا يتيمين عند معاذ بن عفراء. انظر السيرة 1/ 496.
(3) أسعد بن زرارة بن عدس النجاري من الخزرج: أحد الشجعان الأشرف في الجاهلية والإسلام من سكان المدينة، أحد النقباء الاثني عشر. مات قبل وقعة بدر فدفن في البقيع في السنة الأولى للهجرة. له ترجمة في الإصابة 1/ 5طبقات ابن سعد 3/ 608، الاكتفاء 1/ 465.
(44) سقطت من ط.
(55) سقطت من ط.
(6) الثّمام: نبت معروف في البادية. ولا تجهده النعم إلّا في الجدوبة.
(7) الإذخر: حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب.
(8) وكف البيت: هطل ومطر.
(9) ليست في ت.
(10) لم أقف عليه بهذا النص.(1/442)
من ذلك، ويروى: «ظلّة كظلّة موسى». قيل: وما ظلّة موسى؟ قال: «كان إذا قام أصاب رأسه السّقف».
وجعل للمسجد ثلاثة أبواب، ثم سدّ الباب الجنوبي لمسجد الرّسول حين حوّلت القبلة كما تقدّم، فبقي المسجد كذلك حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر. (1)
قلت: وممّا يسأل عنه (2) فيما تقدّم من بيع (2) الغلامين أو هبتهما، وهما في الحجر، ومحمل (3) ذلك على أنّهما كانا بالغين مالكين لأمرهما (4) كما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ الغلام الّذي قتله الخضر عليه السّلام كان مجتمع السّنّ (5)، وأنشدوا في ذلك قول ليلى الأخيليّة (6) تمدح الحجّاج: (7)
[الطويل]
شفاها من الدّاء العقام الّذي بها ... غلام إذا هزّ القناة سقاها (8)
وقوله في حجر أسعد بن زرارة، يعني في كنفه وحماه، ولم يكن إذ ذاك حجر شرعي حتّى يحمل هذا عليه.
__________
(1) انظر خبر بناء المسجد في سيرة ابن هشام: 1/ 496وما بعدها.
(22) سقطت من ت.
(3) في ط: يحل.
(4) في ت وط: أمرها.
(5) مجتمع السّنّ: أي بلغ أشدّه، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 11/ 21.
(6) ليلى الأخيلية: شاعرة كان لها مع توبة بن الحميّر أخبار وكانت وفاتها سنه 75هـ. ترجمتها وأخبارها في الأغاني 11/ 204.
(7) البيت في ديوان ليلى الأخيلية 121من قصيدة في مدح الحجاج.
(8) في الديوان: الداء العضال.(1/443)
[زيادة عمر]
ثمّ زاد في المسجد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وقال: لولا أنّي سمعت
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ينبغي أن نزيد في المسجد»
(1): ما زدت فيه، فأزال [أساطين] (2) الخشب وجعل مكانها أساطين من لبن، وجعل الأساس من حجارة إلى القامة، وجعل على ظهر المسجد سترة من ثلاثة أذرع، وجعل له ستّة [115/ ب] أبواب: شرقييّن، وغربييّن، وشمالييّن، وقال في باب النّساء:
ينبغي أن يترك هذا للنّساء، فما رئي فيه حتّى لقي الله، وقال: لو زدنا في هذا المسجد حتّى يبلغ الجبانة لكان مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم (3). وأسند الشّريف أبو الحسن إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنّه قال:
«لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي»
(4) وأراد عمر العبّاس رضي الله عنهما أن يدخل فيه موضعا له، فمنعه العبّاس، وكان فيه ميزاب يصبّ في المسجد، فنزعه عمر وقال: إنّه يؤذي النّاس، فحكّما (5) بينهما أبيّ بن كعب (6)، وأتيا إلى داره فحبسهما عند الباب ساعة، ثمّ أذن لهما، وقال: كانت جاريتي تغسل رأسي، فأراد عمر أن يتكلّم
__________
(1) هو في وفاء الوفا 2/ 481.
(2) من المناسك.
(3) هو في المناسك 361، ووفاء الوفا 2/ 481.
(4) أورده السيوطي في الجامع الصغير 2/ 129وقال عنه: ضعيف، وهو في فردوس الأخبار للديلمي 3/ 424وكنز العمال 12/ 257237، وكشف الخفاء: 2/ 414.
(5) في الأصل: فحكّم.
(6) أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد من الخزرج صحابي كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود، وكان يعرف القراءة والكتابة، وكان من كتّاب الوحي بعد إسلامه، شهد المشاهد كلها مع الرسول.
اشترك في جمع القرآن على عهد عثمان بن عفان، وله في كتب الحديث 164حديثا. توفي سنة 22أو 30هـ بالمدينة المنورة، له ترجمة في صفة الصفوة 1/ 474وحلية الأولياء 1/ 250.
الإصابة 1/ 31، ابن سعد 3/ 498.(1/444)
فقال له: يابن الخطّاب! دع أبا الفضل يتكلم لمكانه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال العبّاس: خطّة خطّها لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبنيتها معه وما وضعت (1) الميزاب (1)
إلّا ورجلاي على عاتقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد. فقال أبيّ: إنّ عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
«أراد داود أن يبني بيت المقدس وكان فيه بيت ليتيمين فراودهما (2) على البيع فأبيا، ثمّ أرادهما (3) فباعاه، ثم قاما بالغبن (4)، فردّ البيع، ثمّ اشتراه (5) منهما، ثم ردّاه كذلك حتّى استعظم داود الثّمن فأوحى الله إليه إن كنت تعطيهما من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيهما من رزقنا فأعطهما حتّى يرضيا، وإنّ أغنى البيوت عن مظلمة بيت هو لي، وقد حرّمت عليك بناءه. قال: يا ربّ فأعطه سليمان، فأعطاه سليمان
(6)». فقال عمر: من لي بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قاله؟ فقال أبيّ: تكذّبني؟ لتخرجنّ من بيتي، ثم خرج أبيّ إلى قوم من الأنصار، فأثبتوا ذلك له. فقال عمر: أما إنّه لو لم أجد غيرك لأخذت قولك ولكنّي أردت أن استثبت، ثم قال للعبّاس: والله لا تردّ الميزاب إلّا وقد ماك على عاتقي، ففعل ذلك العبّاس ثم قال: أما (7) إذا ثبتت لي فهي صدقة لله عزّ وجلّ فهدمها عمر وأدخلها في المسجد (8).
__________
(11) في ت: وما وضعته.
(2) في ت وط: فأرادها.
(3) في ت: راودهما.
(4) الغبن: الظلم.
(5) في ط: فاشتراه.
(6) الحديث في المناسك 362، بخلاف في اللفظ، وفيه: إن صاحب الحق كانت عجوزا، وفي وفاء الوفا 2/ 489488.
(7) ليست في ط.
(8) الخبر بكامله في المناسك 363362ورحلة ابن بطوطة 1/ 136135بخلاف في اللفظ. ووفاء الوفا 4/ 489488.(1/445)
قلت: هذا الحديث تعضده الأصول من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم [116/ ب]
«كلّ ذي مال أحقّ بماله»
(1). وقوله:
«إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام»
(2).
وقوله حين أراد أن يبني مسجده
«ثامنوني بحائطكم»
(3). ولم يرد أخذه إلّا برضا أصحابه، وإن كان أخذه من المصلحة العامّة. وهذا يردّ فعل من أجبر النّاس على البيع من الأمراء. وليس فعل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في شراء الدّور المجاورة للكعبة (4) من هذا في شيء فإنّه قد بيّن خصيصي الكعبة (4) بقوله «إنّما نزلتم عليها، ولم تنزل عليكم» (5) فدلّ بهذا على أنّها لو نزلت عليهم لكان لهم منع أموالهم، والله أعلم.
* * * __________
(1) الحديث في مسند ابن حنبل 5/ 12وسنن البيهقي 6/ 178وفي كنز العمال 6/ 189.
(2) مما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع، انظرها في صحيح مسلم رقم 147في كتاب الحج باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلم، وابن ماجه 76ورقم 3055باب خطبة يوم النحر، والطبراني الكبير 8/ 167، والضعفاء للعقيلي 2/ 95.
(3) في ط: بحائطهم وهو تحريف، والحديث أخرجه البخاري في الصلاة باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية رقم 1428/ 524، وفي البيوع صاحب السلعة أحق بالسوم رقم 44106/ 326وفي مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحابه المدينة رقم 72932/ 265، وفي الوصايا باب وقف الأرض للمسجد رقم 52774/ 404وباب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه رقم 52779/ 409، وأبو داود في الصلاة باب بناء المسجد رقم 453و 454وابن ماجة في المساجد باب أين يجوز بناء المساجد رقم 742والنسائي 2/ 40وابن حنبل 3/ 212123118.
(44) سقطت من ت.
(5) سلف القول وتخريجه في الصفحة 385.(1/446)
[زيادة عثمان]
ثمّ زاد في المسجد عثمان رضي الله عنه وبناه بقوّة وباشر ذلك بنفسه، فكان يظلّ فيه نهاره كلّه، وربّما أقام (1) فيه، وبيّضه بالفضّة، وأتقن عمله بالحجارة المنقوشة، ووسّعه من كل جهة إلّا المشرق (2)، وجعل أعمدته من حجارة مثبتة بأعمدة الحديد والرّصاص، وجعل أبوابه ستّة على ما كانت عليه قبله، وسقفه بالسّاج، وجعل له محرابا، وهو أوّل من بنى المحراب (3)، وقيل:
أول من بناه مروان بن الحكم، وقيل: عمر بن عبد العزيز في خلافة الوليد على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى (4).
[زيادة الوليد]
ثمّ زاد فيه الوليد بن عبد الملك، وولى عمله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فوسّعه وحسّنه (5) وبالغ في إتقانه وعمله بالرّخام، والسّاج المذهّب. وكان الوليد قد بعث إلى ملك الرّوم: إنّي أردت أن أبني مسجد نبيّنا صلّى الله عليه وسلم الأكبر فأعنّا فيه بعمّال. فبعث إليه عدّة من الرّوم والقبط، وثمانين ألف مثقال ذهب، وبالسّلاسل الّتي فيها القناديل، وأمر الوليد بإدخال حجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلم في المسجد (6)، فاشترى عمر ما منها في الشّرق والغرب والشّمال، فلمّا صار إلى
__________
(1) في ت وط: قام.
(2) المناسك: 363.
(3) ثمة ملاحظة على هامش ت تقول: عليّ أول من بنى المحراب.
(4) انظر رحلة ابن بطوطة 1/ 136.
(5) كان ذلك سنة 91هـ.
(6) المناسك 365.(1/447)
القبلة امتنع عبيد الله بن عبد الله بن عمر من بيع دار حفصة (1) فقال عمر:
لا بدّ لي من إدخالها في المسجد، وطال الكلام بينهما حتّى ابتاعها منهم على أن يكون لهم ما بقي منها، وأن يخرجوا من باقيها طريقا إلى المسجد، وهي الخوخة الّتي [116/ ب] في المسجد (2)، وأظنّها الّتي قد مرّ ذكرها، ولكنّهم ذكروا أنّ خوخة آل عمر كانت تخرج من تحت المقصورة وهذه (3) بعيدة منها إلّا أن يكون طريقها قد غيّر عن موضعه، وجعل عمر للمسجد أربع منارات، في كلّ ركن واحدة وكانت الرّابعة مطّلة على دار مروان. فلمّا حجّ سليمان ابن عبد الملك (4) أذّن المؤذّن فأطلّ عليه فأمر بها فهدمت وجعل عمر للمسجد محرابا وشرافات، وقيل: إنّه أوّل من أحدث المحراب (5). ونظر القاسم وسالم (6) إلى شرافات المسجد فقالا: إنّها من زينته، وقد جاء أثر بالنّهي عن الصّلاة في مسجد له قذافات، وفسّرت بالشّرافات، وليس الآن فيه شرافات ولا تزويق وبالله التّوفيق.
__________
(1) حفصة بنت عمر بن الخطاب: صحابية جليلة صالحة من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين ستين حديثا توفيت بمكة سنة 45هـ. له ترجمة في الإصابة 4/ 264، وأعلام النساء 1/ 284.
(2) المناسك 367، وابن بطوطة 1/ 137.
(3) في ط: وهي بعيدة.
(4) سليمان بن عبد الملك بن مروان: خليفة أموي ولي بين سنتي 9996هـ، له ترجمة في تاريخ الخلفاء للسيوطي 225وما بعد.
(5) المناسك 368. وابن بطوطة 1/ 137وانظر زيادة الوليد على المسجد في وفاء الوفا 2/ 513.
(6) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق توفي سنة 107هـ وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب توفي سنة 106هـ فقيهان من فقهاء المدينة السبعة، من سادات التابعين. انظر ترجمة القاسم في: نكت الهميان 230، صفة الصفوة 2/ 49وترجمة سالم في صفوة الصفوة 2/ 50وغاية النهاية: 1/ 301، حلية الأولياء 2/ 193.(1/448)
[زيادة المهدي]
ثمّ زاد فيه المهدي محمّد بن أبي جعفر المنصور، وكان والده أبو جعفر (1) همّ بالزيادة فيه ولم يقض ذلك له. وكتب إليه الحسن بن زيد (2)
يرغّبه في الزّيادة فيه من جهة الشّرق، ويقول: إنّه إن زيد منها توسّط قبر النّبي صلّى الله عليه وسلم المسجد (3)، فاتّهمه أبو جعفر أنّه إنّما أراد هدم دار عثمان، فكتب إليه: قد عرفت الّذي أردت، فاكفف عن دار الشّيخ عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وأمر أبو جعفر بستور للصّحن تنشر عليه في أيام الجمع زمان القيظ على حبال ممدودة على خشب، قد أقيمت في الصّحن تكّن المصلين من الحرّ (4)، وبقيت تلك السّتور زمانا (5)، وتوفي أبو جعفر ولم يزد فيه شيئا، وزاد فيه ولده المهديّ من ناحية الشّام خاصّة مئة ذراع، (6) وكان طول المسجد في بناء الوليد مئتي ذراع فبلغه المهدي ثلاث مئة ذراع وسوّى المقصورة بالأرض، وكانت مرتفعة عنها ذراعين، وكتب اسم المهدي على مواضع (7) من المسجد، (6)
__________
(1) أبو جعفر المنصور: ثاني خلفاء بني العباس، هو باني بغداد، ولي بين سنتي 158136هـ له ترجمة في تاريخ الخلفاء: 259وما بعدها.
(2) الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب: أمير المدينة كان من الأشراف، ولّاه المنصور على المدينة خمس سنين ثم عزله وحبسه في بغداد. فلما ولي المهدي أخرجه، توفي سنة 168هـ بالحاجر في طريقه إلى الحج مع المهدي، ترجمته في ميزان الاعتدال 1/ 294تاريخ بغداد 7/ 309.
(3) في ت وط: في المسجد.
(4) انظر ابن بطوطة 1/ 137.
(5) جاء في كتاب المناسك 372 «لم تزل هذه الستور كذلك حتى خرج محمد بن عبد الله بن حسن في جمادى الآخرة سنة 145هـ فأمر بها فقطعت دراريع لمن كان يقاتل معه فتركت حتى كانت ولاية هارون فأحدث هذه الأستار».
(66) الفقرة ساقطة من ط. وانظر تفاصيل الزيادات في المسجد النبوي في المناسك 373.
(7) في ت: في.(1/449)
وعلى الأبواب مع كلام كثير ومع آيات من الكتاب العزيز (1) وسور تامّة من القصار، وقد بالغ في استيفاء ذلك الشّريف أبو الحسن في كتاب المدينة، وذكر أنّ المسجد بقي على بناء المهدي إلى زمانه، وقد بني بعده وغيّر أكثر الأشياء الّتي ذكر، وقد تقدّم أنّه كان له عشرون بابا ثمّ سدّت [117/ آ] إلّا الأربعة، وقد كان وقع فيه الحريق في هذه المدّة الأخيرة، فاحتيج إلى تجديده وإصلاح ما احترق فيه، وأمر الملك المنصور في هذه الأعوام ببناء دار الوضوء عند باب السّلام من ناحية الغرب، وتولى بناءها الشّيخ الصّالح (2)
الأمير المسدّد علاء الدّين الأعمى (3) وصل الله توفيقه فأقام هنالك دارا متّسعة متقنة، وأجرى إليها الماء، وأدارها بالبيوت، وأحدث في ذلك من الرّفق بالنّاس، وإدخال الرّاحة عليهم ما يقصر عنه الوصف (4)، وقد كان الملك المنصور أمره بإقامة مثلها في مكة، فعاق عن ذلك ما حدث بها (5) من الفتنة الّتي تقدّم ذكرها.
[المنبر]
وأمّا المنبر، ففي الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع نخلة في المسجد، فلمّا صنع له المنبر وتحوّل إليه، حنّ إليه الجذع حنين النّاقة إلى
__________
(1) في ط: القرآن، وانظر تفصيل ذلك في المناسك 395390.
(2) في ت: العالم.
(3) علاء الدين الأعمى الرّكنيّ الزاهد: ناظر أوقاف القدس والخايل، أنشأ العمائر والربط، وأثر الآثار الحسنة في القدس والخليل والمدينة النبوية، توفي سنة 693هـ. وصلي عليه بدمشق. له ترجمة في نكت الهميان 123والوافي بالوفيات 9/ 485وتالي وفيات الأعيان 1615.
(4) في ت: الوصف عنه.
(5) في ط: لها.(1/450)
حوارها (1). وروي أنّه نزل إليه فالتزمه فسكن فقال:
«لو لم التزمه لحنّ إلى يوم القيامة»
(2). وقد أبدع في وصفه غاية الإبداع أبو محمّد عبد الله بن يحيى الشّقراطسيّ رحمه الله حيث قال: [البسيط]
حيّى فمات سكونا ثمّ مات لدن ... حيّى حنينا فأضحى غاية المثل (3)
يعني أنه حين حيي بقرب النّبي صلّى الله عليه وسلم منه كان ذا سكون، والسّكون للميت، وحين مات بتحولّه عنه كان ذا حنين، والحنين للحيّ وهذا بديع مليح جدّا، ولو روي «فمات سكوتا» بالتّاء المثنّاة، كان أبدع للمطابقة بين السّكوت والحنين، ولكن الرّواية فيه بالنّون، واختلفت الرّوايات في الّذي صنع المنبر ففي بعضها تميم الدّاريّ (4) وفي بعضها غلام للعبّاس، وفي بعضها غلام لامرأة (5)
من الأنصار. وصنع من طرفاء الغابة، وروي من الأثل، وهما واحد. وكان ثلاث، درجات، فكان عليه السّلام يقعد على الثّالثة ويضع رجليه على الثّانية (6)، فلمّا ولي [أبو بكر قعد على الثّانية ووضع رجليه على الأولى، ولمّا ولي] (7) عمر
__________
(1) الحوار: ولد الناقة ساعة تضعه، أو إلى أن يفصل عن أمّه.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة. باب الخطبة على المنبر رقم 2918/ 397بخلاف في اللفظ والترمذي في كتاب الصلاة. باب ما جاء في الخطبة على المنبر رقم 505وابن ماجه كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في بدء شأن المنبر رقم 1415، والنسائي 3/ 102وابن حنبل 1/ 267249 و 363و 3/ 295، 300، 306، 324، و 5/ 339337.
(3) لدن: ليست في ط ودونها لا يستقيم الوزن.
(4) هو تميم بن أوس بن خارجة الداري: صحابي أسلم سنة 9هـ كان يسكن المدينة ثم انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان. ونزل بيت المقدس فكان عابد أهل فلسطين. روى له البخاري ومسلم 18 حديثا. ترجمته في صفة الصفوة 1/ 737الإصابة 1/ 186، طبقات ابن سعد 7/ 408.
(5) في ط: غلام إمرأة.
(6) في الأصل الأولى.
(7) ما بين حاصرتين سقط من الأصل والتّتمة من ت وط.(1/451)
قعد على الأولى ووضع رجليه على الأرض، وفعل ذلك عثمان صدرا من خلافته، ثمّ ترقّى إلى الثّالثة. ولمّا رجع الأمر إلى معاوية أراد نقل المنبر إلى الشّام، فضجّ المسلمون، وعصفت [117/ ب] ريح هائلة، وخسفت الشّمس حتّى بدت النّجوم، وأظلمت الأرض حتّى كان الرّجل يصادم الرّجل، ويناطح الجدار، لا يرى مسلكا. فلما رأى ذلك تركه. وزاد ستّ درجات من أسفله (1) فصار تسعا (1). ولما وقع الحريق بالمسجد احترق المنبر حتّى لم يبق منه، إلّا قطعة عود فصنع منبر آخر ساج (2) وهو الّذي في المسجد الآن وجعلت تلك القطعة في داخله بإزاء نقب يدخل منه النّاس أيديهم فيمسحونها تبرّكا بها. وكان بين موضع (3) المنبر وبين حائط القبلة قدر ذراع، فلمّا زيد في القبلة بقي المنبر بموضعه إلى الآن، وما أعلم أنّي صلّيت أمامه في الصّفّ الأوّل، لأنّي استعظمت أن أتقدّم مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأوليه ظهري.
وفي حائط المحراب أمام المصلّى على نحو القامتين، أو أقلّ يسيرا، شكل ناتىء (4) أكحل برّاق (4) أملس كأنه رأس خشبة أبنوس مخروط، وقد ذكر صاحب كتاب المدينة أنّه عود كان في جدار القبلة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتمسّك به إذا أقيمت الصّلاة، ثم يلتفت يمينا وشمالا ويقول
«سوّوا صفوفكم [أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم]
(5)» فإذا استوت كبّر (6). فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم
__________
(11) سقطت من ط.
(2) في ط: ساذج، والسّاج: شجر عظيم صلب الخشب أسوده.
(3) ليست في ط.
(44) في ط: براق أكحل، والأكحل: الأسود.
(5) زيادة من ت وط.
(6) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب تسوية الصفوف رقم 662بخلاف في اللفظ وابن حنبل 4/ 279بخلاف في اللفظ، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب تسوية الصفوف رقم 994وحلية الأولياء 9/ 32وكنز العمال 7/ 629.(1/452)
فقد، فلم يجده أبو بكر ووجده عمر في خلافته عند رجل بقباء (1) وقد دفنه حتّى أكلته الأرضة (2)، فأخذ له عمر عودا فشقّه وأدخله فيه، ثمّ شعّبه وردّه بموضعه (3). فلمّا زاد عمر بن عبد العزيز في القبلة جعله في المحراب والنّاس يتحيّلون للمسه تبرّكا به، والحجّاج يحرصون عليه، ويرمون ثيابهم إليه، وتراهم يحمل بعضهم بعضا ليتّصلوا به، ولا يعرفون ما هو كما جرت عادتهم في غيره.
[القبلة]
وأمّا قبلة مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فقد تقدّم أنّها قبلة قطع لأنّه صلّى الله عليه وسلم أقامها، وقيل: إنّ جبريل أقامها له، ويروى أنّه كان يشير للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى سمتها وهو يقيمها، ويروى أيضا أن جبريل عليه السّلام أشار إلى الجبال والشّجر فتنحّت حتّى بدت الكعبة، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبني وهو ينظر إليها عيانا.
وبكلّ اعتبار فهي قبلة قطع، والحجّة في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، [118/ آ] وفي فعله معا (4)، وهو المعصوم في كلّ ما يأتي ويذر صلّى الله عليه وسلم. وكانت قبلة مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوّل ما ورد المدينة إلى بيت المقدس، ثمّ حوّلت إلى الكعبة بعد ستة أو سبعة عشر شهرا. وهي مسامتة للجنوب حقيقة، خلاف ما ذكر القاضي أبو الوليد الباجيّ من أنّها مائلة عن الجنوب إلى الشّرق كثيرا، بل أقول: إنّها إلى الغرب أميل، وقد تهمّمت بذلك واعتبرته (5) بالمدينة على ساكنها
__________
(1) قباء: موضع بينه وبين المدينة سبعة أميال، وهي منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسير إلى المدينة ونزل على كلثوم بن الهدم. انظر معجم ما استعجم: 1045، المغانم المطابة 323.
(2) الأرضة: دودة بيضاء تأكل الخشب.
(3) المناسك: 403.
(4) ليست في ت وط.
(5) في ط: فاعتبرته.(1/453)
الصّلاة والسّلام، فوقفت في صحن المسجد حيث أرى المنازل، واستقبلت المحراب فوجدت سمتي إلى الثّريّا (1)، وهي ذاهبة عن التّوسّط شيئا قليلا، وأين ذلك من قول الباجيّ؟ وأظنّه لم يعتبر ذلك بالحسّ حين رآه، وإنّما اعتمد على ما يروى عن ابن عبّاس وغيره أن قبلة المدينة إلى الميزاب، وذلك يعطي أنّها (2) إلى المطلع الشّتوي كما تقدّم، وذلك ما (3) لا يصحّ بوجه، ولعلّه لم يثبت عن ابن عبّاس، وإن ثبت فلعلّه أراد بالميزاب ناحيته، والجهة الّتي هو فيها لا عين الميزاب والله أعلم. وإذا ثبت بالحسّ أنّها مسامتة للجنوب فهي إذا إلى الرّكن الشّآمي، وهو على يسار الميزاب مناظرا للرّكن اليمانيّ المحاذي لحقيقة الجنوب كما مرّ ذكره وبيانه، وبالله التّوفيق.
[الرّحيل من المدينة]
ثمّ رحل الرّكب من المدينة يوم الأربعاء الموفّي ثلاثين لذي حجّة، راجعا من طريقنا (4) حتّى قرب من وادي الصّفراء، فتيامن وخرج من مضيق يعرف بنقب عليّ، مصوّبا على الدّهناء، ثم على ينبع مارّا على الطّريق الأوّل إلى عقبة أيلة، فتيامن منها بعض إلى الشّام، وصوّب الأكثر إلى مصر. وكان الرّكب الشّآمي رحل من المدينة على طريق المعلّى إلى تبوك (5) وصحبه أكثر المغاربة حرصا منهم على تقريب المسافة إلى الشّام لأنّها أقرب من طريق
__________
(1) الثريا: من الكواكب، سميت لغزارة نوئها، وهي مجموعة من النجوم.
(2) في ت وط: أنه.
(3) في ت: مما لا يصح.
(4) في ت: طريقه.
(5) تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، بينه وبين المدينة اثنتا عشرة مرحلة. انظر ياقوت: 2/ 14.(1/454)
البرّيّة بكثير، ولكنّها طريق شاقّة قليلة الماء جدّا، وردها على سبعة أيّام، فحملهم الكسل والحين المقدّر إلى سلوكها مع ضعفهم وتهتّك قواهم، فوقع عليهم الثّلج وهم بالقرب من عمّان فأفنى (1) منهم خلقا كثيرا. وذكر بعض من حضر ذلك [118/ ب] أنّه قد أحصي منهم ألف وسبع مئة، وما أعلم أنّه مات ممّن رجع على الطّريق الأوّل إلّا أقل من عشرة ماتوا بالمرض.
[التّعريف بعلاء الدّين الأعمى]
وسافرنا من عقبة أيلة إلى الشّام صحبة الأمير الصّالح علاء الدّين الأعمى (2) وصل الله علاه فرأيت منه رجلا قلّ أن يسمح الدّهر بمثله، سخاوة نفس، وسراوة همّة، ومتانة دين، وصحّة يقين، إلى علم جمّ قد حفظه سماعا، وذكاء متّقد يلمع إليه بالأمور الخفيّة إلماعا، وصلاح معجز لا يبارى، وسبق في ميدان الفضائل (3) لا يجارى، وصبر في ذات الله على تحمّل الأذى، وإغضاء للجفون طلبا لمرضاته على القذى، ينام النّاس وهو ساهر، ويستكنّون (4) وهو ظاهر، ويريحون وهو سارح، ويستريحون وهو غاد ورائح، رعيا منه للفقراء والمساكين، وذبّا للأذى عمّن دبّ إليه الرّدى ولا معين، يدأب على ذلك ولا يملّ، ويصمّم عليه بعزم يعقد (5) ولا يحلّ على أنّ السّن قد أخذت منه مأخذها، (6) وجند المشيب قد استولى على الشّبيبة فأخذها (6) تنسكب
__________
(1) في ط: خلقا منهم.
(2) توفي سنه 693هـ انظر نكت الهميان 123.
(3) في ط: الفضل.
(4) يستكنّون: يستترون.
(5) في ط: يقعد.
(66) سقط من ط.(1/455)
أنامله للعفاة (1) بالنّيل انسكابا، وتزري بوبل الغيث سحّا (2) وانصبابا، وأمّا الفراسة فلو رآه إياس، لعراه إياس فضيلة ديانة، لا نتيجة زكانة، وصنع قدير، لا تصنيع تقدير، وتوفيق قدر، لا تدقيق نظر، ونور بصيرة، يستمدّ من صلاح سريرة وقد حضرته واقفا في مضيق والنّاس يخطرون عليه، فخطرت امرأة على بعير مع قوم مشاة، فلمّا أحسّ بمشيها قال لهم: أهي امرأة؟
فقالوا: نعم. وأخبرني من أثق به أنّه رآه يقف على البنّائين في حرم الخليل عليه السّلام وفي القدس، فيقول لهم: هذا متقن وهذا غير متقن، ولا يزال يعرّفهم بما في بنائهم من عيب، ويقفهم (5) على دقائق ما فيه من فساد، ممّا لا يمكن البتّة أن يتعرّف إلّا بالمشاهدة. وله مجلس علم يحضره، ولا يتخلّف عنه وناهيك بشيخ (6) كبير، رئيس ملك من الملوك، يجلس للفقراء يدرّسونه من الصّباح إلى المساء، ويقعد بين يدي المقرىء مجوّدا عليه للكتاب العزيز [119/ آ] غير مستند قعود الصبيّ بين يدي معلّمه، لا يأنف ولا يتكبر، ولا يعتو ولا يتجبر فسبحان من له الإبداع والإنشاء {يختص برحمته من يشاء} [7].
__________
(1) العفاة: جمع عاف. وهو كل من جاءك يطلب فضلا أو رزقا.
(2) في ط: سمحا وهو تحريف.
(5) في ت: يوقفهم.
(6) في ط: من شيخ.
(7) الآية ساقطة من ط، وهي اقتباس من الآيتين {والله يختص برحمته من يشاء والله ذو فضل عظيم البقرة 105. والآية} يختصّ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم آل عمران 74.(1/456)
[ذكر الخليل]
ثمّ وصلنا بعد ثمانية أيام إلى المحلّ الأنيس والمعهد الّذي يتخيرّ فيه مقيل وتعريس والمنزل الذّي حكم له القدر بالسّعادة حين التّأسيس، مثوى كلّ خاشع ومنيب (1)، ومستقرّ كلّ خائف حذر من التّأنيب، ومناخ كلّ مشتاق يحنّ حنين النّيب (2)، حرم الخليل (3) عليه السّلام، وهي قرية مليحة المنظر، أنيقة المسموع والمبصر، مشرقة كالصّبح إذا أسفر، موضوعة ببطن واد قليل الماء والشّجر، والمحيط بها حرار (4) وعرة، والمسجد بنيّة أنيقة، من المباني القديمة الوثيقة، عالية البناء، محكمة العمل، من صخور منحوتة في نهاية العظم. منها صخرة في الرّكن الّذي على يسار القبلة وهي من الأرض على قدر القامة، فيها سبعة وثلاثون شبرا، يتعجّب النّاس منها ومن وضعها هنالك، ويقال: إنّ البنيّة كلّها من صنعة (5) الجنّ أمرهم سليمان عليه السّلام بتجديدها (6) على الغار لما دثر ما كان عليه بتقادم الأعصار، وفيها تحريف عن الجنوب إلى الشّرق فلما ردّت مسجدا جعل لها (7) المحراب في الوسط كسائر المساجد تحسينا لصورتها، ثمّ ردّ الرّكن الأيمن محرابا آخر تنبيها على تشريقها، وفي داخل المسجد قبر الخليل وإسحاق ويعقوب عليهم السّلام، وتقابلها من ناحية يسار القبلة ثلاثة أخرى هي قبور أزواجهم، وكان في
__________
(1) المنيب: التائب.
(2) النيب: الناقة المسنّة.
(3) انظر الأنس الجليل 2/ 8576.
(4) الحرّة: الأرض الصلبة الغليظة التي ألبستها حجارة سود نخرة.
(5) في ت: صنع.
(6) في ت وط: يتجر يدها.
(7) ليست في ت.(1/457)
غربي المسجد قبر يوسف عليه السلام، دفن هنالك حين نقل من مصر بوصيّة، والآن قد زيد في المسجد حتّى رجع قبره في داخله، وعلى يمين المنبر لاصقا بجدار القبلة نفق يهبط منه على درج من رخام، متقنة العمل إلى مسلك ضيّق هو ممرّ إنسان واحد، ويفضي إلى فسحة ليست بكبيرة مفروشة بالرّخام، وفيها صور ثلاثة قبور مقابلة للدّاخل في طول الحائط مصطفّة من الشّرق إلى الغرب، ويقال هي علامات للقبور [119/ ب] محاذية لها، وكذلك الّتي في المسجد وذلك أنّه كان هنالك غار كبير وفيه القبور، ثمّ سدّ كلّه إلّا بالمدخل المذكور. وجعل للقبور علامات محاذية في بطن الغار وهي الّتي في المدخل، وفي ظاهره، وهي الّتي في المسجد. وكان باب الغار في مؤخّر المسجد عند قبر يعقوب كما سيأتي ذكره، ثمّ ردّ عند المحراب كما ذكرنا، وقد نزلت إليه وتأمّلته مرارا، ودعوت الله فيه سرّا وجهارا والحمد لله على حسن عونه.
[مقابر الأنبياء]
وقد رأيت أن أقيّد هنا شيئا ممّا ذكر في هذه القبور وفي الغار وما يتصّل بذلك بحول الله وقوّته، وما التّوفيق إلّا به.
وجدت بخطّ الفقيه، القاضي، المحدّث، الإمام، أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن مفرّج الأندلسيّ (1) رحمه الله في تأليف عليّ بن جعفر الرّازيّ الّذي (2) سماه «المسفر للقلوب عن صحّة قبر إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب». وهو جزء لطيف نقلته من خطّ ابن مفّرج رحمه الله وهو روى
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن مفرّج الأندلسي: قاض، محدّث، من أهل قرطبة رحل إلى المشرق في طلب العلم والحديث، وتولى القضاء في أستجة وريّة، من كتبه فقه الحسن البصري، وفقه الزهري.
ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2/ 91جذوة المقتبس 40.
(2) ليست في ط.(1/458)
فيه (1) عن مؤلّفه المذكور حديثا صدّر به التّأليف مسندا إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لمّا أسري بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل إلى قبر إبراهيم فقال: انزل صلّ هاهنا ركعتين فإنّ هاهنا قبر أبيك إبراهيم صلّى الله عليه وسلم. ثمّ مرّ بي ببيت لحم فقال: انزل صلّ هاهنا ركعتين فإنّ هاهنا ولد أخوك عيسى. ثم أتى بي إلى الصّخرة. وذكر الحديث في الإسراء»
(2).
وفي الجزء المذكور بخطه سمعت أبا بكر [محمّد بن] (3) أحمد بن عمرو (4) بن جابر يقول وقد سئل عن قبر إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وعن صحتّه فقال: ما رأيت أحدا من الشّيوخ الّذين لحقتهم من أهل العلم إلّا وهم يصحّحون أنّ هذه قبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب وأزواجهم صلوات الله عليهم، ويقولون: ما يطعن في ذلك إلّا رجل من أهل البدع، وقال أبو بكر:
هذا (5) نقل الخلف عن السّلف ليس عندي فيه شكّ. وذكر أبو بكر أنّ مالك بن أنس قال: إنّ النّقل أصحّ من الحديث، لأنّ الحديث ربّما وقع فيه الخطأ، والنّقل لا [120/ آ] يقع فيه الخطأ. وفيه بخطّه: سمعت عبد الواحد بن رزق يقول: قدم أبو زرعة (6) القاضي الدّمشقيّ إلى مسجد قبر إبراهيم فجئنا لننظر (7)
__________
(1) في الأصل: روايته وهو تصحيف.
(2) الحديث في الأنس الجليل 1/ 56، ابن بطوطة 1/ 7574.
(3) زيادة في ت وط.
(4) في ت وط: عمر.
(5) في ط: هكذا
(6) أبو زرعة الدمشقي: هو عبد الرحمن بن عمر عبد الله بن صفوان النّصري: من أئمة زمانه في الحديث ورجاله مولده بدمشق ووفاته فيها سنة 280هـ له كتاب في التاريخ وعلل الرجال ومسائل الحديث والفقه. له ترجمة في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 150148.
(7) في ت وط: ننظر.(1/459)
إليه، فرأيته وقد وقف عند قبر سارة في وقت الصّلاة، فدخل شيخ فدعاه، فقال: يا شيخ أيّما هو قبر إبراهيم من هؤلاء؟ فأومأ إلى قبر إبراهيم. (1) فجاءه شاب فدعاه فقال: يا شاب! أيّما هو قبر إبراهيم من هؤلاء؟ فأومأ إلى قبر إبراهيم (1).
ثمّ جاءه صبيّ فدعاه فقال: يا صبيّ! أيّما هو (2) قبر إبراهيم من هؤلاء، فأومأ الصّبيّ إلى قبر إبراهيم ومضى. فقال أبو زرعة: أشهد أنّ هذا قبر إبراهيم الخليل لا شك فيه، هذا هو الصّحيح نقل الخلف عن السّلف كما قال مالك بن أنس، ثم دخل إلى داخل المسجد فصلّى الظّهر ثمّ رحل من الغد (3).
وفيه بخطّه سمعت أبا بكر [محمد بن] (4) أحمد بن عمرو بن جابر يقول: خرجت سنة من السّنين أنا وأبو بكر بن المرجيّ وجماعة من أهل العلم والورع إلى مسجد قبر إبراهيم، وكان لهم إمام يكنّى بأبي حامد، فقال لنا: رأيت في ليلة النّصف من شعبان وقد ركعت، وقعدت عند المنبر، فنعست، فرأيت فيما يرى النّائم كأنّ آتيا أتاني فقال: تحبّ أن تنظر إلى القوم؟ وقد كنت أسأل الله أربعين سنة أن يرينيهم، فقلت: نعم: فأخذ بيدي إلى مؤخّر المسجد قريبا من قبر يعقوب عليه السّلام فقلع بلاطة فإذا قد أضاء منها النّهار، فدخل ودخلت معه، وإذا القبور صفّ واحد الرّجال صفّ، والنّساء
__________
(11) سقط من ت.
(2) ليست في ت وط.
(3) انظر الخبر مفصلا في الأنس الجليل 1/ 46والرواية فيه عن الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي.
(4) زيادة من ت وط.(1/460)
صفّ، كما هم فوق. على كل واحد منهم غطاء أبيض، فرفع غطاء قبر يعقوب فإذا هو كهل من الرّجال كثير بياض اللّحية، ملقى على قفاه، مستقبل القبلة، فقال: هذا يعقوب، ثم ردّ عليه الغطاء، ومضى حتّى أتى قبر إبراهيم في الوسط وعليه غطاء أبيض فرفعه، فإذا شيخ أبيض الرّأس والّلحية، أبيض الحاجبين، كأنّ وجهه القمر، وهو على قفاه مستقبل القبلة. فقال: هذا إبراهيم صلّى الله عليه وسلم، وردّ عليه الغطاء ومضى ومضيت معه، ثمّ (1) جاء قبر إسحاق فقلت في نفسي: ليت فلانا كان معي حتّى يراهم، فالتفت إليّ، وهو أمامي فقال: إنّ فلانا لا يقدر أن [120/ ب] ينظر إلى هؤلاء لأنّه مشاحن، (2) والمشاحن لا يرى هؤلاء، ثم انتبهت (3) ولم أبلغ قبر إسحاق قال: فحكيت هذه الحكاية لعليّ بن محمّد بن هارون إمام كان في مسجد إبراهيم أقام به (4) نحو عشرين سنة فقال: أنا رأيت باب المغارة في مؤخر المسجد، وأراني بلاطة وقال: هذه على الباب، وهو درج ينزل منه، ثم يعطف إلى القبلة قريبا من قبر يعقوب.
[سكنى إبراهيم عليه السّلام الشّام]
وفيه بخطّه عن كعب الحبر حديث في سكنى إبراهيم الشّام، قال فيه:
ثم أوحى الله إليه أن انزل ممرى (5) فرحل ونزل ممرى، ونزل عليه جبريل وميكائيل بممرى وهما يريدان إلى قوم لوط. فخرج إبراهيم ليذبح لهم العجل، فانفلت (6) منه، فلم يزل حتّى دخل مغارة حبرون، ونودي إبراهيم: سلّم على عظام أبيك آدم، فوقع ذلك في نفسه، ثمّ ذبح العجل، وقدّمه (7) إليهم (8). وكان
__________
(1) في ت: حتى.
(2) المشاحن: المعادي.
(3) في ت: انتهت.
(4) في ت: فيه.
(5) في الأصل: مصرة، وهو تحريف وسيبين العبدري الوجه الصحيح لكتابها في الصفحة 464.
(6) في ت: فأفلت.
(7) في ت: ومرّ به.
(8) في ت وط: إليها.(1/461)
من شأنه ما قصّ الله تعالى، فمضى معهم (1) إلى قرب من ديار قوم لوط فقالوا (2) له: اقعد هنا، فقعد واستلقى على قفاه، فلمّا رأى المدن انقلبت بأهلها، وسمع صياح الدّيكة في السّماء قال: هذا هو الحقّ اليقين، فأيقن بهلاك القوم، فسمّي ذلك الموضوع مسجد اليقين. (3) ثم رجع فطلب من عفرون المغارة، قال (4): وكان ملك ذلك الموضع. فقال له بعني موضعا أقبر فيه من مات من أهلي، فقال له: أيّها الشّيخ الصّالح ادفن حيث أردت، فأبى عليه إلّا بثمن. فقال: أبيعك بأربع مئة درهم، في كلّ درهم خمسة دراهم، كل مئة منها ضرب ملك. وأراد أن يشدّد عليه لكي لا يجد فيرجع إلى قوله. فخرج من عنده، فإذا جبريل عليه السّلام فقال: إن الله عزّ وجلّ قد سمع مقالة هذا الجبّار لك. وهذه الدّراهم فادفعها إليه، فدخل عليه إبراهيم ودفع إليه الدّراهم، فقال: (5) من أين لك هذا؟ قال: من عند إلهي ورازقي، فأخذ منه الدّراهم، فصارت المغارة مقبرة له ولمن مات من أهله. قال: وأوّل من مات [من أهله] (6)
ودفن في حبرون سارة زوجة إبراهيم، ثمّ توفي إبراهيم فدفن بحذائها ثمّ توفيت ربقة زوجة اسحاق فدفنت فيها، [121/ آ] ثم توفي إسحاق فدفن بحذائها، ثمّ توفي يعقوب فدفن عند باب المغارة ثم توفيت ليغا فدفنت بحذاء يعقوب. ثم ذكر أنّ أولاد يعقوب تشاجروا حتّى سدّوا (7) باب المغارة، وحوّطوا
__________
(1) في ت: معهما وفي ط: بهم.
(2) في ت وط: فقالا.
(3) انظر الأنس الجليل 1/ 72.
(4) ليست في ت.
(5) في ط: وقال.
(6) زيادة من ت.
(7) في ط: سدّ.(1/462)
عليها حائطا، وأعلموا (1) فيها علامات القبور، وكتبوا على كلّ قبر اسم صاحبه، وخرجوا عنه، وأطبقوا بابه، فكان من جاء زائرا يطوف به، لا يصل إليه أحد، حتّى جاء الرّوم ففتحوا له بابا ودخلوا إليه (2)، وبنوا فيه كنيسة (3).
وفيه بخطّه مسندا إلى ابن عبّاس رضي الله عنه (4): لمّا أراد الله أن يقبض روح خليله إبراهيم عليه السّلام، أوحى إلى الدّنيا إنّي (5) دافن فيك خليلي، فتشامخت الجبال كلّها فرحا، واضطربت أركانها، واستشرفت لذلك، وتواضعت منها بقعة يقال لها: حبرون فشكر الله تعالى [لها] (6) ذلك، ودفنه فيها، فقال لها: (7) يا حبرون أنت شوعي أنت شعشوعي، أنت قدسي، أنت قدس قدسي، أدفن خيرتي من خلقي، فيك مغارة (8) كنزي، وإليك أحشر أصفيائي وأحبابي من ولد خليلي من كل فجّ، فطوبى لمن وضع جبهته فيك (9) ساجدا لي (9)، أبوّئه (10) الأجر، وأجزل له الذّخر، وأبارك فيه وفيك أيّام الدّهر، عليك تنزل بركاتي، وإليك تهبط ملائكتي، يستغفرون لمن زار خليلي
__________
(1) في ت: علّموا.
(2) في ت: عنهما.
(3) انظر الخبر مفصلا في الأنس الجليل 1/ 4342.
(4) في ت: عليه.
(5) في ت: أنا.
(6) زيادة من ت وط.
(7) ليست في ت.
(8) زاد في ت: أدفن مغارة.
(99) ليست في ط.
(10) زيادة من ط.(1/463)
وصفييّ، فطوباك، ثم طوباك، لا رفعت رحمتي عنك، ولا زال نوري وظلّي ينزل (1) عليك، ورحمتي (2) تنحدر عليك (2)، ولا خذلت من زار قبر خليلي، ولا زالت بركاتي عليك أيّام الدّنيا مضاعفة.
وفيه بخطّه عن وهب بن منبّه اليمانيّ أنّه قال: إذا كان آخر الزّمان، حيل بين النّاس وبين الحجّ، فمن لم يحجّ، ولحق ذلك فعليه بقبر إبراهيم عليه السّلام فإنّ زيارته تعدل حجّة (3). وعن كعب الحبر [أنّه] (4) قال: قبر إبراهيم وإسحاق، ويعقوب وسارة وربقة، وليغا (5)، على يوم من بيت المقدس، في البقعة المعروفة بحبرون، فمن زار منكم بيت المقدس فليجعل مع زيارته زيارة قبر إبراهيم صلّى الله عليه وسلم (6).
قلت يظهر من الأحاديث المتقدّمة أنّ ممرى اسم البلد، وحبرون اسم البقعة الّتي فيها الغار، وعفرون اسم الملك، وتقييدها [121/ ب] على ما وجدته (7). بخطّ ابن مفرّج، ممرى بميمين أولاهما مكسورة وبعدهما راء مهملة بعدها ألف، وحبرون بحاء مهملة مفتوحة بعدها باء بواحدة ساكنة، وراء بعدها واو وآخره نون. وفي حديث آخر: حبرى مثل سكرى.
__________
(1) في ط: سأجزل لأبويه الأجر.
(22) سقطت من ت.
(3) الأنس الجليل 1/ 56.
(4) زيادة من ت.
(5) ليست في ت.
(6) في ت: عليه الصلاة والسلام.
(7) في ت وط: وجدت.(1/464)
وعفرون بعين مهملة مفتوحة بعدها فاء ساكنة وراء بعدها واو ونون، وربقة براء مهملة (1) مفتوحة بعدها باء مكسورة، وقاف وآخرها تاء (2) التّأنيث، وليغا بلام مكسورة، بعدها ياء باثنتين من تحتها ساكنة، وغين معجمة وآخرها ألف. وفي حديث آخر ربقه: بالرّاء وهاء التّأنيث. وأمّا قوله من حديث ابن عبّاس: شوعي وشعشوعي فلا أعرفه. ولولا أنّي وجدته بخط من ذكرت ما جسرت على نقله، وإنّي من عهدته لبريء والله الموفّق (3).
فصل [تربة لوط]
ثم زرنا تربة لوط (4)، وهي شرقيّ حرم الخليل عليهما السّلام على تلّ مرتفع يشرف منه على غور الشّام، وهو شرقيّها وهنالك بحيرة لوط (5) وهو ماء مستبحر أجاج كماء البحر، وهي منقطعة لا تتّصل بالبحر، ولا هي منه قريبة، ويقال أنها موضع ديار قوم لوط والله أعلم، وعلى قبر لوط عليه السّلام بنيّة، وهو في بيت منها مبيّض مليح، والقبر أيضا مبيّض (6)، ظاهر،
__________
(1) ليست في ت.
(2) في الأصل هاء. وأثبتّ ما جاء في ت وط، لأن العبدري سيورد الرواية للفظة بعد سطرين.
(3) في ط: وبالله التوفيق.
(4) يقع قبر لوط في قرية تسمى كفر بربك تبعد عن مسجد الخليل نحوا من فرسخ. انظر الأنس الجليل 1/ 72.
(5) بحيرة لوط هي البحر الميت.
(6) زاد في ت: مبيّض مليح.(1/465)
لا ستور عليه، وبمقربة من هذه التّربة مسجد اليقين (1)، وقد مرّ ذكره وحديثه في ذكر مغارة حبرون، وهو أيضا على تلّ مرتفع نزه، له زيادة رونق وفرط إشراق، وليس هنالك إلّا دار واحدة لا صقة بالمسجد من ناحية الشّرق، يسكنها القيّم، وفي المسجد قريبا من الباب موضع منخفض في حجر صلد قد هيّىء له صورة محراب ليعلم أنّه مركع (2)، ولا يسع إلّا مصليّا واحدا، ويقال: إنّه لما أيقن إبراهيم عليه السّلام بهلاك قوم لوط خرّ لله تعالى ساجدا، فتحرّك موضع سجوده حتّى ساخ في الأرض قليلا، وهو حجر صلد كما تقدّم، فجعل مركعا تبرّكا به. وبالقرب من المسجد مغارة فيها قبر يزار، ويتبرّك به، وهو قبر فاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم [122/ آ] وقد وجدت عند القبر لوحين من رخام موضوعين، وأظنّهما كانا مثبتين عند رأس القبر ورجليه، وفي أحد اللّوحين منقوشا عليه بخط مشرقيّ مليح:
«بسم الله الرّحمن الرّحيم، لله العزّة والبقاء، وله ما ذرأ وبرأ، وعلى خلقه كتب الفناء، وفي رسول الله أسوة [حسنة] (3). وعزاء، هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين» (4)، وفي اللّوح الآخر:
__________
(1) جاء في الأنس الجليل 1/ 72ما نصّه «وعلى فرسخ من حبرون جبل صغير مشرف على بحيرة زعرو موضع قرى لوط، ثمّ مسجد بناه أبو بكر محمد بن إسماعيل الصياحي وفيه مرقد إبراهيم عليه السلام قد غاص في الصخر نحوا من ذراع، يقال: إن إبراهيم لما رأى قرى لوط وهي طائرة في الهواء وقف وقيل رقد ثم قال: أشهد أنّ لا إله إلا الله وأن هذا هو الحق اليقين، ولذلك سميّ ذلك المسجد مسجد اليقين، وكان بناء ذلك المسجد في شعبان سنة 352هـ.
(2) في ت: كان مركعا.
(3) زيادة من ت.
(4) هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب: تابعية من روايات الحديث، توفيت سنة 110هـ ترجمتها في أعلام النساء 4/ 44ومصادرها ثمّة.(1/466)
«صنعة (1) محمد بن أبي سهل النّقّاش بمصر» وتحته هذه الأبيات (2):
[البسيط]
أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه
بالرّغم منّي بين التّرب والحجر (3)
يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة
بنت الأئمّة بنت الأنجم الزّهر
يا قبر بنت الزّكيّ الطّاهر الحسن الن
ندب الهمام حسين أطهر البشر
يا قبر ما فيك من دين ومن ورع
ومن عفاف، ومن صون، ومن خفر (4)
وكان موضع البيت الثّالث من اللّوح مثلوما فذهب عجز البيت ولم يبق إلّا الألف والّلام والنّون من النّدب، فكمّلت عليه بقيّة البيت، والحمد لله.
ثم سافرنا من حرم الخليل عليه السّلام بعد ما أقمنا فيه خمسة أيّام وصلّينا به (5) الجمعة، إلى بيت المقدس، وبينهما مسيرة يوم. وزرنا في طريقنا
__________
(1) في ط: صنعه.
(2) الأبيات 421في رحلة ابن بطوطة 1/ 76مع العبارة التي سبقتها. والبيتان 21في الأنس الجليل 1/ 72.
(3) في ط: التراب والحجر، وبه لا يستقيم الوزن.
(4) في ط: من صدق.
(5) في ط: فيه.(1/467)
قبر يونس عليه السّلام، وهو على نحو ثلاثة أميال من بلد الخليل عليه السّلام، وعليه بنيّة كبيرة ومسجد. ومررنا في طريقنا ببيت لحم ولم (1) يقض لنا دخوله، وهو قريب من بيت المقدس، وقد تقدّم أنّه مولد عيسى عليه السّلام، والنّصارى يعظمونه، ويقومون به غاية القيام، ويضيفون من نزل به. (2)
[ذكر بيت المقدس]
ثمّ وصلنا إلى بيت المقدس زاده الله تعظيما وألحفه مبرّة دائمة وتكريما مسجد الأنبياء وقبلتنا قديما ومطلع الأولياء يطلعهم عظيما فعظيما.
أحد المساجد الّتي إليها تعمل المطيّ، وتضاعف الحسنات لكلّ برّ تقيّ مصعد نبيّنا عليه السّلام، إلى مستوى يسمع فيه صرير الأقلام، ومعراجه حين عسعس الظّلام، الى مناجاة الملك العلّام والقدس المقدّس المنقّي (3) من الآثام، نجعة (4) من راد، وريّ من حام (5)، [122/ ب] خفق برقه فوفّق من شام، وتدفّق ودقه (6) فأفرق ذو الهيام لو نطق محتجّا لفضيلة الشّام، لأفحم به العراق أيّ إفحام.
والبلد مدينة كبيرة، منيعة، محكمة، كلّها من صخر منحوت، على نشز غليظ مقطوع بجهات الأودية، وسورها مهدوم، هدمه الملك الظّاهر خوفا من استيلاء الرّوم عليها، وامتناعهم بها، والخراب فيها فاش، وليس بها نهر ولا
__________
(1) في ط: فلم.
(2) انظر ما كتب عن بيت لحم في الأنس الجليل 2/ 65.
(3) في ت وط: المنفي.
(4) النجعة: طلب الكلأ في موضعه.
(5) حومان الطائر: دورانه حول الماء من العطش
(6) الودق: المطر.(1/468)
بستان. وحواليها تلال مشرفة عليها، وبها كنيسة معظّمة عند النّصارى يحجّونها في كلّ عام، وهي الّتي يزعمون أنّ فيها قبر عيسى عليه السّلام، وعلى كلّ من يحجّها منهم ضريبة معلومة للمسلمين، وضروب من الإهانة يتحمّلها راغما. وبها رباطان متقابلان (1) في غاية الإتقان، بنى أحدهما الملك المنصور، وبنى الآخر الأمير علاء الدّين الأعمى، وفي كليهما رزق جار للمنقطعين وأبناء السّبيل. وفي شرقيّ البلد واد يعرف بوادي جهنّم، في بطنه كنيسة يعظّمها النصارى، ويقال: إنّ بها قبر مريم عليها السّلام، وفي عدوته على تلّ مرتفع مزارات (2) منها قبر رابعة البدويّة (3) بالباء منسوبة الى البادية، ومنها بنيّة أخرى يقال: إنّها مصعد سيّدنا (4) عيسى عليه السلام.
[المسجد الأقصى]
وأما المسجد المقدّس فهو من المساجد الرّائقة، العجيبة، المنشرحة الفسيحة. وهو متسع جدّا طولا وعرضا. وذكر أبو عبيد البكريّ أنّ طوله:
«سبع مئة واثنان وخمسون ذراعا بالمالكيّ، وهو ثلاثة أشبار، وطوله من الجنوب الى الشّمال، وعرضه أربع مئة وخمس وثلاثون» (5) وهو من الشّرق
__________
(1) في ت وط: متقاربان.
(2) في ط: منارات
(3) لم أقف لها على ترجمة وذكرها ابن بطوطة في رحلته 1/ 77، وذكر صاحب كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات 28: أنها زوجة أحمد بن أبي الحواريّ ومقامها بالخليل. أقول: وأكبر الظن أنها رابعة العدوية، جاء في وفيات الأعيان 2/ 287: «وقبرها يزار وهو بظاهر القدس من شرقية على رأس جبل يسمى الطور».
(4) ليست في ت وط.
(5) من الجزء الضائع من المسالك والممالك.(1/469)
إلى الغرب. وله أبواب كثيرة من الشّرق والغرب والشّمال، ولا أعلم له بابا قبليّا سوى الباب الّذي يدخل منه الإمام. وذكر بعض النّاس أنّ عددها خمسون بابا. (1)
والمسجد كلّه فضاء غير مسقّف إلّا النّاحية الغربيّة فهنالك مسجد مسقّف في نهاية الإحكام، وإتقان العمل، وفيه تزويق كثير وتذهيب رائع مليح، وهذا المسّقف في الرّكن الغربى من ناحية الجنوب. وفي ناحية الشّرق مواضع مسقّفة مع طول الحائط، وعلى الأبواب [123/ آ].
وهنالك موضع مهد عيسى عليه السّلام، يقصد للرّكوع فيه والتّبرّك به وهو هزمة (2) في الأرض مبيّضة. وهذا الحائط الشّرقيّ هو سور المدينة من ناحية الشّرق، وهو على طرف الوادي المذكور أوّلا، وعلى جهة منه منقطعة (3)، بعيدة المهوى جدّا.
[قبة الصخرة]
وفي وسط فضاء المسجد قبّة الصّخرة، (4) وهي من أعجب المباني الموضوعة في الأرض وأتقنها، وأغربها، قد نالت من كلّ حسن بديع أو فر حصّة، وتلت من الإتقان ظاهره ونصّه، وتجلّت في جمالها الرّائع كعروس حسناء جليت على منصّة. قامت مشرفة متبرّجة على يفاع (5)، تصرّح وتلوّح
__________
(1) انظر ما ذكره صاحب الأنس الجليل عن المسجد الأقصى وقياساته 1/ 83و 2/ 24.
(2) الهزمة: الحفرة.
(3) في ت وط: منطقة.
(4) انظر وصف قبّة الصخرة والمسجد الأقصى في الأنس الجليل 2/ 16.
(5) اليفاع: المرتفع من كل شيء، يكون في المشرف من الرمل والأرض والجبل وغيرها.(1/470)
بالإعراب والإبداع، وتفصح بما يشرح عن فضيلة الصنّاع، حسنها الأوّل فاستحسنها الآخر وانعقد الإجماع تنازع الكمال منها الظّاهر والباطن، لما سلما معا من كل عائب وشائن، واجتمعت في كليهما أشتات المحاسن. فإن أدلى الظّاهر بحجته إلى حكم الطّرف حكم له، وإن أعرب الباطن عن فضائله قال له الطّرف: ما أكمله!. تناصف الحسن، وتماثلت الأدلّة، فليس إلّا أن يقال في جواب المسألة أيّهما جاء أوّلا عمل عمله.
وصفتها أنّها قبّة مثمّنة على نشز (1) في وسط المسجد، ويطلع إليها في درج من رخام قد أحاط بها. ولها أربعة أبواب، والدّائر مفروش بالرّخام المحكم الصّنعة وداخلها كذلك. وفي ظاهرها وباطنها من أنواع التّزويق ما يقصر عنه الوصف.
وأمّا الذّهب فما رأيته مبتذلا في شيء كابتذاله في هذه القبّة، حتّى لقد غشّي (2) به أكثرها ظاهرا وباطنا، فهي تتلألأ ساطعة الأنوار كلمعان برق أو اشتعال نار، وقد ذهّب الأعلى من ظاهرها إلى حدّ التّسقيف. وألبس سقفها ليّن (3) الرّصاص المحكم الإلصاق حتّى صار جسدا واحدا. أمّا باطنها فيكلّ عن وصفه اللّسان، ويحار في حسنه إنسان الإنسان، تبهر النّاظر (4) أشعّته الباهرة، وتستوقف الخاطر محاسنه الظّاهرة. اسكرت [123/ ب] العقول فصارت لها عقالا، وأكلّت (5) الألسن فما وجدت مقالا، فاقت حسنا وكمالا،
__________
(1) النّشر: ما ارتفع وظهر من الأرض.
(2) غشّي: غطّي.
(3) في الأصل لبن.
(4) في ت وط: الناطق.
(5) في ط: كلّت.(1/471)
فقطعت لسان من يغمز (1)، وراقت حلى وأوصافا فأسرت فؤاد المتحرّز إن وعدت الإعجاب خبرا فهي مشاهدة تنجز، أو افتخر مكان لتحّدث من حسنها بالمعجز: (2) [الكامل]
شرك العقول ونزهة ما مثلها ... للنّاظرين، وعقلة المستوفز (3)
وفي وسط القبّة الصّخرة (4) الّتي جاء ذكرها في الآثار، وأنّه عليه الصّلاة والسّلام عرج عنها إلى السّماء. وهي صخرة صمّاء. علوّها أقلّ من القامة، وتحتها شبه مغارة على مقدار بيت صغير يعلو قدر القامة، وينزل إليه في درج، وقد هيّىء له محراب وسوّي وأتقن.
وعلى الصّخرة شبّاكان محكمان يغلقان عليها أحدهما، وهو الخارج من خشب، والآخر من حديد أو صفر (5) محكم العمل، بديع الصّنعة.
وفي القبّة صورة درقة كبيرة من حديد، معلّقة هنالك وأظنّها كانت مرآة، ولكنّها قد صدئت وزال صقالها، والعوام يقولون: إنّها درقة حمزة، (6)
واشتهر عندهم هذا الزّور، حتّى صار في حدّ (7) المقطوع به.
__________
(1) يغمز: يطعن.
(2) البيت لابن الرومي، وهو في ديوانه 1164.
(3) الرواية في الديوان شرك النفوس وفتنة ما مثلها ... للمطمئن، وعقلة المستوفر
والمراد: أن حديثا يقيّد العجل فيطمئن ولا يبرح.
(4) انظر وصف الصخرة الشريفة في الأنس الجليل 2/ 16.
(5) في ت وط: أصفر، والصّفر: النحاس الأصفر.
(6) في ط: تقول: إنها درقة حمزة. والدرقة ترس من جلد ليس فيه خشب.
(7) في ت: حيز(1/472)
[لقاؤه لابن جماعة]
ولم أر في هذا البلد، مع شرفه واشتهاره من هو أهل لأخذ العلم عنه، ولا معنيّا به، إلّا شيخا هو قاضي البلد، يلقّب بدر الدّين وهو محمّد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة (1)، له مجلس علم يدّرس فيه أوّل النّهار في المسجد، عند المحراب، ومجلس سماع يروي فيه بعد صلاة (2) الجمعة في قبّة الصّخرة، وقد حضرت كلا المجليسن فلم أحل (3) منهما بطائل، وكلّمته في أشياء تخبّط فيها وتعسّف، فلم أجد من نفسي إذعانا للأخذ عنه على قلّة همّته في الرّواية، إذ وجدته يروي عن نظائره من أهل مصر، ومن لا يزيد عليه في السّنّ إلا يسيرا، إلى أخلاق وصف لي بها تريب الأريب، وتنفر النّسيب والغريب.
وله تواليف منها «اختصار كتاب أبي عمرو بن الصّلاح في علوم الحديث» (4)، ومنها كتاب حذا فيه حذو السّهيليّ في كتابه «الإعلام بما أبهم [124/ آ] في القرآن من الأسماء الأعلام (5)» أغار فيه على الكتاب المذكور إغارة وسمّاه «غرر البيان في مبهمات القرآن» (6) ومنها كتاب «المسالك في علم المناسك» لم يأت فيه ببديع، ولا شقّ الظّلماء من بيانه صديع (7).
__________
(1) ولد بحماة سنة 639هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 733هـ، ودفن بالقرب من الشافعي. له ترجمة في نكت الهميان 235، فوات الوفيات 3/ 297، الأنس الجليل 2/ 136.
(2) في ط: صلاة العصر يوم الجمعة.
(3) في ط: أخرج.
(4) هو كتاب معرفة أنواع الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح وهو الإمام عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المتوفى بدمشق سنة 643هـ انظر شذرات الذهب 5/ 121.
(5) طبع غير مرّة.
(6) ذكره البغدادي في الايضاح 145.
(7) في ط: صنيع، وصدع الشيء: شقّه.(1/473)
[ذكر عسقلان]
وكانت إقامتنا بالقدس (1) خمسة أيّام، ثم زرنا ثغر عسقلان (2) جبره الله وهو خراب يباب (3) لا أنيس به، إلّا أطلالا ماثلة، (4) ورسوما داثرة (4)، وآثارا طامسة، تؤثر في القلب تباريح الأسى، وتعيد المشرق من أنسه حندسا (5)، تحثّ المبصر على إعمال العبرة، وإسبال الجفون بوابل العبرة، تذكر بمن مضى وانقضى، وتضرم في الجوانح جمر الغضى (6)، وتهون على العاقل شأن هذه الدّار، وتنادي: الحذر الحذر، والبدار والبدار (7) لما دلّت عليه من ضخامة شأن (8) الرّاحلين منها، وفخامة الظّاعنين المنزعجين (9) عنها لم تحمهم تلك القصور العالية، ولا وقتهم تلك المباني السّامية، بل صاروا ترابا وهي خرابا، وعادوا أمواتا وهي مواتا (10)، تندبهم تلك الطّلول الدّراسة، وتندر (11)
ما حلّ بهم تلك الطّلول الطّامسة، فتلك الآثار أسطار في ديوان البلى مقروّة، وتلك الصّور سور في نوائب (12) الدّنى متلوّة. عجبا لها لما استعجمت أبانت،
__________
(1) في ط: المقدس.
(2) عسقلان مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين، ويقال لها عروس الشام. انظر ياقوت 4/ 122وانظر ما كتب عنها في الأنس الجليل 2/ 33.
(3) اليياب: الخراب: وأرض يباب: ليس بها ساكن.
(44) سقط في ت وط.
(5) في ت جدسا. والحندس: الظلمة.
(6) الغضى: شجر عظيم خشبه صلب، وجمره يبقى زمنا طويلا لا ينطفئ بسرعة.
(7) البدار الثانيه ساقطة من ط.
(8) ليست في ط.
(9) ليست في ط.
(10) قوله: «وهي مواتا»، ساقط من ط.
(11) في ت: وتنذر. وتنذر: تخرج.
(12) في بقية النسخ: ذوائب.(1/474)
ولمّا أشكلت بانت وعظت وما لفظت، ونصحت وما أفصحت، حرّكت السّاكن بسكونها، وأظهرت الكامن بكمونها. إن آثر الزّمان المحو في مرسومها، فالمحو أوضح كلّ المعنى من مفهومها: [الطويل]
تأمّل كتاب الكائنات تأمّلا ... به أبدا تلهى عن اللهو واللّغو
وزد كلّ ممحوّ السّطور تدبّرا ... فقانون علم النّحو في ذلك المحو (1)
وقلّما رأيت من البلدان ما جمع (2) من المحاسن ما جمعت عسقلان جبرها الله صنعا وإتقانا ووضعا ومكانا، وبرّا وبحرا، وعامرا وقفرا، لها على البرّ والبحر طرف ممتدّ، وحكم ماض لا يرتدّ، ترنو إليها من شرف (3)، وتتلو [124/ ب] عليهما (4) سور الشّرف (4)، وتزهو بتقلّبها في التّرف، في روضة جمّة الأزهار والطّرف.
وأمّا مبانيها فلو فاخرتها إرم لقيل لها: نفخت في غير ضرم (5) أو حاسنتها بابل (6) لصاب عليها من مطر (7) التّعنيف وابل، وأسرع إليها ملام كالمعابل: (8)
[السريع]
لفتك لأمين على نابل (9)
__________
(1) في ت: وزر كل ممحو.
(2) «ما» ساقطة في ت وفي ط: أن جمعت.
(3) في ط: طرف.
(44) سقط من ت.
(5) هو في معنى المثل: نفخت في غير فحم، والضرم: الحطب.
(6) بابل: ناحية بالعراق منها الكوفة والحلّة ينسب إليها السحر والخمر.
(7) في ت: طرف.
(8) المعابل: جمع معبلة: وهي نصل عريض طويل.
(9) في ت: لاقتك وهو تصحيف. وهو عجز بيت لامرئ القيس في ديوانه 120وصدره:
«نطعنهم سلكى ومخلوجة»
ولفتك: أي ردّك وعطفك، واللأمان: سهمان، والنابل: صاحب النبل(1/475)
[مزارة رأس الحسين]
وبها مزارة رأس الحسين رضي الله عنه، وهو مسجد كبير مليح مرتفع، والمسقّف منه ناحية القبلة، وفيه جبّ كبير لماء المطر وأمر ببنائه بعض بني عبيد (1) وكتب ذلك على الباب، وقد تقّدم ذكره في رسم مصر والحمد لله. وفي قبلة هذه المزارة مسجد كبير مليح يعرف بمسجد عمر، وقد تهدّم ولم يبق إلّا حيطانه، وفيه من أساطين الرّخام قائمة وموضوعة ما هو النّهاية في الحسن، وبه أسطوانة حمراء مليحة جدّا، ويحكى عنها (2) أنّ النّصارى حملتها إلى بلادهم فأصبحت بموضعها في المسجد. وفي قبلة المسجد بئر عظيمة، متقنة العمل، عجيبة الصّفة، تعرف ببئر إبراهيم ينزل إليها في درج متّسع، ويدخل منه في بيوت شارعة فيه، وفي البئر أربعة عيون: واحدة من كلّ جهة، وتخرج من (3) أسراب مطويّة بالحجارة، يقابل بعضها بعضا، وماؤها طيّب عذب ولكنّها ليست بغزيرة، ويحكى في فضائلها أشياء لا تقع الثّقة بصحّتها، والله أعلم.
وبظاهر عسقلان واد يعرف بوادي النّمل، ويقال: إنّه المذكور في الكتاب العزيز (4). وقد ذكر المفسّرون أنّه واد (5) بالشّام، وفيه جبّانة عسقلان، وبها من قبور الأولياء والشّهداء ما لا يحصره عدّ، وأكثرها مسمى معروف،
__________
(1) ذكر ذلك مجير الدين الحنبلي في الأنس الجليل 2/ 74.
(2) ليست في ت وط.
(3) ليست في ت وط.
(4) جاء في سورة النمل: 18 حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون.
(5) في ط: وادي الشام.(1/476)
وقد وقفنا عليها، وأرانا إيّاها شخص مقيم بعسقلان وهو قيّم التّربة المذكورة وله شيء من جراية (1) أجراها له ملك مصر، قيّدته هنالك مع مايرضخ (2) له به من يسمح من الزّوار. وكان دخولنا عسقلان وقت الظّهر فصلّيناها بمسجد الحسين، ثم خرجنا قبل العصر إذ المقام به غرر، والله ولي التّوفيق، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
[ذكر غزّه]
ثمّ وصلنا إلى غزّه (3) حماها [125/ آ] الله وهي آخر بلاد الشّام ممّا يلي مصر، وبينها وبين الصّالحيّة أوّل بلاد مصر ستّة أيّام. وغزّة مدينة متّسعة عامرة، لا سور لها، وبينها وبين البحر مسافة أميال، وهي أكثر عمارة من كلّ ما تقّدم ذكره من بلاد الشّام. وهي جسر إلى مصر، وإلى الشّام، وبها أسواق قائمة، ومساجد معمورة، ولها جامع مليح حسن، ولكنّها قد عريت عن عالم ومتعلّم، وأقفرت من فقيه ومتكلّم. فهي عامرة غامرة (4) وقائمة دائرة وهذا أمر شمل في هذا الأوان المدن والقرى، وعمّ بحكم القدر أصناف الورى، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
[الطّريق من غزّة إلى القاهرة]
ثم سافرنا من غزّة مستقبلين لبرّية الشّام، مطّرحين لدواعي النّكول والإحجام، مصافحين لأوجالها، (5) مكافحين لأهوالها، وهي كلّها رملة
__________
(1) الجراية: المرتب من الخبز ونحوه يجرى على الشخص في كل يوم.
(2) الرضيخة: العطيّة القليلة.
(3) انظر الأنس الجليل 2/ 74.
(4) ليست في ت وط.
(5) الأوجال: جمع الوجل: وهو الفزع والخوف.(1/477)
وعثاء (1)، وبريّة دويّة قفراء (2)، كأنّ سالكها يخوض وحلا، أو يدافع من رملها المنهال سيلا. ومسافتها ستّة أيام، كأنّها لفرط العناء أعوام. ولو جمعت إلى وعثها (3) المعنّي طولا لأعادت كلّ سالك لها بقيد الحمام (4) معقولا. ولكنّ العزائم تقوى عليها بقرب المسافة، (5) مع حصول الأمن بها وانتفاء المخافة، وذلك أنّ كلّ مرحلة منها منهلة عامرة، والقوافل بها ليلا ونهارا، مريحة وسائرة لا تستدبر ميلا إلّا لقيت له مستقبلا (6)، ولا تزمع تحويلا إلّا وجدت إلى وجهتك متحوّلا فخفّ لذلك عناؤها (7) وإن لم يخفّ، وذبل به عود لأوائها وهو من النّضارة يرفّ. وقلّما فارقها سالك، حتّى عاد (8) نضوا طليحا (9)، ولا ألقى عصا التّسيار بها مسافر، حتّى صار لقى (10) طريحا.
ثم وصلنا إلى الصّالحيّة، أوّل بلاد مصر، ولكنّها معدودة في البرّية لضيق أرزاقها وشكاسة أخلاقها، وإفراط عنائها، وإضرار هوائها قرية تقري ضيفها قرّا وطوى، وتوحشه بأنسها (11) حتّى يأنس بالذّئب إن عوى (12).
__________
(1) الوعثاء: ما غابت فيه الحوافر والأخفاف من الرمل الدقيق وغيره.
(2) في ط: عثراء والدّوّيّة: الفلاة الواسعة الأطراف.
(3) في ت وط: وقتها.
(4) الحمام: قضاء الموت وقدره.
(5) في ت: إليها لقرب المسافة.
(6) في ت وط: مستقيلا.
(7) في ط: بذلك عناها.
(8) في ت: حتى يصير، في ط: إلّا عاد.
(9) الطليح: من أضمرة الكلال والإعياء.
(10) اللقى: هو ما طرح.
(11) في ت وط: من أنسها.
(12) استفاد من قول الأحيمر السعدي اللّص في أشعار اللصوص 104:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوّت إنسان فكدت أطير(1/478)
ومنها إلى قاعدة مصر قرى ظاهرة متّصلة، وعمارة متظاهرة [125/ ب] متأصّلة، مسيرة خمسة أيّام، لا يتعذّر بها مرام. وأعظمها عمارة، وأسناها بزّة (1) وشارة، مدينة بلبيس، (2) وهي مدينة كبيرة، ذات أسواق قائمة، ولها نخل وبساتين كثيرة، وسواد أشجارها يظهر على بعد، وموضعها يقتضي الخصب ورغد العيش، ولكنّها في عيّن المجتاز الخاطر، أحسن منها في عين المتأمّل النّاظر إذ ليس لها رونق الحضارة ولا رقّتها، وهكذا أكثر بلاد مصر إلّا القواعد المعروفة.
[ذكر القاهرة في العودة]
ثمّ وصلنا إلى قاعدة الدّيار المصريّة، وكنت إذ وردتها مريضا، فلم يمكنّي فيها لقاء أحد، وأنزلنا شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ بمدرسة الظّاهريّة في علّو منها مليح، وكان يبعث إلي بشخص (3) من فضلاء الأطبّاء يتفقّدني ويعالجني وهو الحكيم الفاضل أبو الطّاهر إسماعيل المقدسيّ، فتى حدث السّن، رصين العقل، نافذ الفهم، وما رأيت أحفظ منه للطّبّ، ولا أحسن منه تصرّفا فيه، ولا أذكر منه لنصوص كتب أبقراط، وما زال يتفقدّني مدّة من سبعة أيّام حتّى تماثلت، واشتهيت الطّعام، والضّعف لي ملازم، فقدّرت أنّ هواء (4) البلد غير ملائم لي (5) فسافرت وما وصلت إلى الإسكندريّة حتّى ثابت (6) إليّ قوّتي، وعادت إليّ صحّتي.
__________
(1) في الأصل: قوّة.
(2) بلبيس: مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام. فتحت سنة 18أو 19هـ على يد عمرو بن العاص. انظر ياقوت 1/ 479.
(3) في ت وط: شخصا.
(4) في ت وط: هذا البلد.
(5) هنا ينتهي النقص في طبعة الجزائر.
(6) ثابت: رجعت.(1/479)
[من القاهرة إلى الإسكندريّة]
وكان سفرنا منها على غير الطّريق الأولى (1)، إذ كان الماء قد نضب على الرّيف (2) فسافرنا على طريقه، والعمارة عليه متّصلة مدنا وقرى إلى الإسكندريّة، ومن أعظم بلادها، وأشهرها مدينة (3) قليوب (4)، ومدينة مليح (5)، ومدينة فرما (6)، ومدينة بيار (7)، ومدينة المقانة (8)، ومدينة دمنهور (9). ومدنها وقراها أكثر من أن تعدّ، وهي ذات بساتين ونخل، وشجر يفتن حسنها النّاظر.
ومن أعظم مدنها وقواعدها المشهورة، الموصوفة بالحسن والجمال مدينة دمياط، وهي على البحر الرّومي، ولم أدخلها لأنّها رائغة إلى اليمين كثيرا عن طريق مصر إلى الإسكندريّة، وكنت منحفزا للسّفر فلم يتأتّ لي دخولها. ومررنا على [126/ آ] قرية سندبيس (10)، وزرنا بها قبر عيسى بن الوليد أخي خالد رضي الله عنهما، وهو في بيت مغلق على يسار المحراب.
ومن مصر إلى هذه القرية مرحلة.
__________
(1) في الأصل: الأوّل، وكلاهما صحيح.
(2) في ت: عن الريف.
(3) ليست في ت.
(4) في ط: قليون وهو تحريف.
(5) مليح: مدينة كبيرة في أول منبعث الخليج الذي ينزل إلى دمياط. انظر جغرافية مصر للبكري 86.
(6) الفرما: مدينة مصرية قديمة تقع في الشمال الشرقي من الدلتا شرقي بحيرة المنزلة «تنيس» وهي من أقدم الثغور العربية في مصر، وكانت أوّل موضع قوتل فيه عمرو بن العاص. انظر جغرافية مصر للبكري 60.
(7) بيار: كذا في جميع النّسخ ولعلها أبيار التي تقع بين مصر والإسكندرية (ياقوت 1/ 85).
(8) في ت وط: لقانة، ولم أقف على مكانها.
(9) دمنهور: بلدة بينها وبين الإسكندرية يوم واحد في طريق مصر متوسطة في الكبر والصغر. انظر ياقوت: 2/ 472.
(10) سندبيس: لم أقف على مكانها.(1/480)
[الإسكندريّة في العودة]
ثمّ وصلنا إلى الإسكندريّة (1)، فأنزلنا شيخنا الفقيه زين الدّين بمدرسة إقرائه، وأولانا من برّه وتأنيسه ما يكافئه الله به.
[الطّريق من الإسكندريّة إلى تونس]
وأقمنا بها سبعة أيّام، ثم سافرنا على طريقنا الأولى إلى العقبة الصّغيرة ثمّ تياسرنا منها إلى العقبة الكبيرة، وهذه الطّريق معطشة، وماؤها في آبار عميقة، ما رأيت أبعد منها، وقلّما يتأتّى (2) الاستقاء منها إلّا بحبال موصولة، والغالب في ورودها الغبّ (3)، فشقّ سلوكها لذلك. ثم منها على طريقنا الأولى إلى البطنان ثم إلى قصر الصّفاقنة (4) ثم إلى الرّجل المشقوق ثم إلى الحصوي، وهذه كلّها أسماء مواضع تنزلها العربان ما بها مستعتب سوى قصر الصّفاقنة. ومن الحصوي على الطّريق الوسطى بين طريق الغابة وطريق القبلة إلى أبي شمال، وهي عين غزيرة (5) عذبة. ثمّ إلى جرسون، ثم إلى مراوة، وتركنا على اليمين طريق المرج، وقبّة هيت، وطلميثة وهي مدينة أرض برقة ومرفأ سفنها.
ورأيت ما بين جرسون ومراوة آكاما غليظة، دائرة بديار منحوتة منها في حجر صلد من أبدع العمل وأغرب الإتقان، عجيبة محكمة جدّا، ودخلت
__________
(1) في ت: مدينة الإسكندرية.
(2) في ت: يأتي.
(3) الغبّ: ورد يوم وظمء آخر.
(4) في ت: قصر الصعاقبة.
(5) زاد في ت: بيضاء.(1/481)
منها واحدة بإزاء الطّريق فوجدتها على نعت دار متقنة، وعن يمين مدخلها حجرة عجيبة للطّبخ، وعن يساره حجرة للرّحض والتّطهّر، وفي مقابلة الدّاخل بيت كبير مليح جدا، ومنقوش على أحسن صفة تكون عليها البيوت المبنيّة، وتلك الآكام كلّها منحوتة ديارا على تلك الصّفة.
[سوسية]
ومن مراوة إلى سوسية (1)، وهي حصن خربّ على شرف مرتفع ينظر على فحص (2) متّسع فيه مواجل (3) كثيرة لماء المطر، قلّما تنضب لكثرتها وعظمها، وفي سمتها آبار الميّاس، ولم أمرّ راجعا عليها لسبب أوجب ذلك فتيامنّا عنها.
[أرض برنيق]
ثمّ وصلنا إلى أرض [126/ ب] برنيق، وهي أرض طيّبة للزّراعة كثيرا، وبها قصور عدّة يخزن فيها، وأولّها القمانس، وهي ثلاثة قصور متقاربة، وأحدها قمينس، هكذا ينطقون به على لغتهم المعروفة في القاف. وهي أسماء أعجميّة، ومررنا على قصر جلّيط، وهو في آخر أرض برنيق من جهة الغرب.
ثمّ على أجدابية، وهي حصين قديم على قدر دار كبيرة عالية. وذكر بعض المؤرّخين أنّه كان به (4) ماء جار ونخل، وليس الآن هنالك إلّا قصر ماثل في خلاء من الأرض، لا ماء جار، ولا شجرة واحدة، ومنها إلى عين أقيان، وهو
__________
(1) في الأصل: سوسة وهو تصحيف وسيحدثنا العبدري عن وصوله لسوسة في الصفحة 487.
(2) الفحص: ما استوى من الأرض.
(3) مواجل: واحدها ما جل وهو خزّان الماء.
(4) في ط: فيه.(1/482)
ماء شريب (1) في رملة بيضاء، وهو حدّ برقة عند المغاربة، لأنّ برقة عندهم اسم الأرض ويطلقونها على ماردت الإسكندريّة إلى هذا الموضع. وقد تقدّم أنّ برقة اسم مدينة، وقد رأيت عرب تلك الأرض لا يطلقون اسم برقة إلّا على الغابة وما حاذاها، وذلك من القمانس إلى الحصوي، ومنه إلى العقبة الكبيرة البطنان (2) ومنها إلى الإسكندريّة لا يذكرون إلّا العقبتين.
[برّيّة سنانة ومنهوشة]
ثمّ وصلنا إلى برّيّة سنانة ومنهوشة، ثم إلى مدينة سرت ثم إلى (3)
الشّبيكة آخر قصورها وأعمرها، مارّين على الطّريق الأولى إلى مصراته، وهي مواضع وقرى عامرة آخرها من جهة الغرب سويقة ابن مطكود (4)، ومنها إلى بني حسن وهي قربة مجموعة عامرة، وبينها وبين مصراتة مواضع على السّاحل عامرة، وقصور قديمة. وهنالك مدينة لبدة (5). فيها آثار قديمة وبنيان عجيب، وفيها من أساطين الرّخام وألواحه ما يقصر عنه الوصف، وفيها صورة امرأة من رخام بإزاء الطّريق، ولا شكّ أنّ البلد كانت دار مملكة، وهي الآن متهدّمّة دارسة ليس بها إلّا عمارة قليلة. وفي جنوبي بني حسن مسلاتة، وهم قوم يبرّون أهل الدّين ويكرمون الحجّاج وهم على خير وصلاح.
__________
(1) الماء الشروب والشّريب: الذي بين العذب والملح. وقيل: الشّريب: العذب.
(2) في ط: ثم إلى البطنان.
(3) في ط: على.
(4) في ط: مطكوك وسويقة ابن مطكود: بليدة في أوائل إفريقية وآخر برقة، وهي بينهما، وقد ورد اسمها في «ياقوت» ابن مكتود، وفي الروض المعطار: ابن مثكود.
(5) لبدة: مدينة بين برقة وإفريقية، وقيل بين طرابلس وجبل نفوسة، وهو حصن من بنيان الأوائل بالحجر والأجرّ، وحوله آثار عجيبة. انظر ياقوت: 5/ 10.(1/483)
ثمّ وصلنا إلى مدينة أطرابلس، وكان ذكر لي بها شخص يدّرس الفقه يعرف بابن عبيد، فحضرت مجلسه، فرأيته قليل التّوقير لمجلس العلم، فخرجت ولم أكلّمه.
[قابس]
ثمّ [127/ آ] وصلنا إلى مدينة قابس وأقمنا بها أيّاما، وأولانا خطيبها الصّالح الفاضل أبو موسى الشّكري حفظه الله برّا وإكراما، وزرنا بها قبر أبي لبابة (1) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه مسجد، وهو منه في بيت مغلق.
[نفطة]
ثمّ سافرنا منها على طريق نفطة (2)، وهي موضع على البحر، فيه ناس صالحون يعرفون بأولاد الرّقيق. ثم منها على الطّريق الوسطى بين طريق القيروان وطريق السّاحل على غابة إفريقية، وهي غابة عظيمة من زيتون بعل (3)، يحمل كثيرا، ويعتصر (4) زيتا طيّبا كالحال في زيتون الشّام سواء، ولكنّه ليس في الشّام منه غابة متصلة كاتّصال هذه مع عظمها. وقد قطعناها في ثلاثة أيّام، ولكنّها الآن معطّلة لفساد البلاد، واستيلاء العربان عليها،
__________
(1) أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، صحابي، شهد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام أحدا وما بعدها من المشاهد توفي في خلافة عليّ رضي الله عنه. له ترجمة في الاستيعاب 4/ 167، والإصابة: 4/ 168.
(2) نفطة: مدينة بإفريقية من أعمال الزاب الكبير، بينها وبين توزر مرحلة، وبينها وبين قفصة مرحلتان. انظر ياقوت 5/ 296.
(3) في ت: الزيتون البعل.
(4) في ط: يعصر.(1/484)
فانقطعت منفعتها رأسا، حتّى صار الزّيت بإفريقيّة مجلوبا من جزيرة جربة (1)، وهي جزيرة صغيرة (2) منقطعة في البحر، فيها (3) زيتون ورمّان، (4)
وتفاحها مشهور يجلب منها إلى البلاد. وأهلها أصحاب مذاهب رديّة (5)، وأهواء مضلّة مثل زوّارة وزوّاغة دمّرهم الله جميعا وقد صارت جربة اليوم في حكم النّصارى، أعطاهم إياها أهلها لشنآن (6) وقع بينهم، والعصمة بالله ولا حول ولا قوة إلّا به.
وهذه الطّريق المذكورة ليست بعيدة من طريق السّاحل، وإنّما تجنّبناها لآفات تتقى بها، فخطرنا على مدينة سفاقس، ونحن ننظر إليها، ثم على المهديّة، ثم على المنستير، ولم ندخل بلدا منها. وفي سفاقس دفن الفقيه (7) أبو الحسن اللّخميّ، وقبره بها مشهور يتبرّك به، وقد مضى ذكر تاريخ وفاته.
وفي المنستير دفن الإمام أبو عبد الله المازريّ (8) وقبره بها مشهور، والمنستير
__________
(1) جربة: جزيرة في بحر إفريقية أقرب بلادها إليها قابس وطولها من المغرب إلى المشرق ستون ميلا، وبينها وبين البحرّ نحو ميل. انظر الروض المعطار 159158رحلة التجاني 121وما بعد.
(2) ليست في ط.
(3) ليست في ت.
(4) في ت وط: وثمار.
(5) ذكر ذلك التجاني في رحلته 123، والحميري في الروض المعطار 158نقلا عن البكري.
(6) الشنان: التباغض.
(7) ليست في ت.
(8) هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازري: محدّث، فقيه مالكي، نسبته إلى مازر بجزيرة صقلّية توفي بالمهدية بتونس سنة 536هـ عن ثلاث وثمانين سنة. من كتبه «التلقين» في الفروع و «إيضاح المحصول في الأصول». ترجمته في وفيات الأعيان 4/ 285أزهار الرياض 3/ 165وانظر الإمام المازري لحسن حسني عبد الوهاب.(1/485)
من الرّباطات المشهورة المذكورة، وتحكى له مآثر وفضائل كثيرة، وبها من قبور الصّالحين ما لا يعدّ كثرة. والمنستير بضمّ الميم، هكذا سمعت أهل إفريقية يتلفّظون به.
[قصر الجمّ]
وعلى الطّريق الّتي سلكناها قصر الجمّ، وهو قصر الكاهنة، وما وقع بصري في كلّ ما رأيت على [127/ ب] بنيّة أعجب ولا أغرب (1) منه، وهو ممّا لا يمكن تصوّره، بالوصف، ولا غنى في تصوّره عن المشاهدة لغرابته، ومختصر وصفه أنّه قصر مستدير متّسع عال جدا من صخور منحوتة كبار، محكمة الوضع والرّصف، حتّى كأنّه حجر واحد، وقد فتحت في أعلاه أبواب مرصوفة (2) محيطة به، وعلى تلك الأبواب أبواب أخر مثلها، دائرة بالقصر أيضا، ويظهر ما فوق الأبواب من بعد كأنه قصر واقف في الهواء. وأظنّ تلك الأبواب لمكان اختراق الرّيح احتياطا على القصر من عاديتها لإفراط علّوه، ويمكن أن تكون لغير ذلك وبناء داخل القصر أعجب، فإنّه لو جعل دورا واحدا لم يكن فيه كبير منتفع، وإن اتّسع في السّاحة على وضع واحد ضاقت وحجبت عنها (3) الشّمس فجعل البناء فيه مدرّجا كلّما طلع نقص منه دور، حتّى ارتفع البناء إلى حدّ لا يحجب فيه بعضه (4) الشّمس عن البعض، حتّى يضربها دوام الظّلّ عليها، وصارت السّقوف المدرّجة من جملة السّاحة يرتفق بها إذ لم يبق من السّاحة غير مبنيّ إلّا دائرة ضيّقة.
__________
(1) في ت: أغرب ولا أعجب.
(2) في ت وط: مصفوفة.
(3) في ت: عنه.
(4) في ت: فيه بعض.(1/486)
وهذا القدر هو الّذي يمكن إثباته في صفة هذا القصر، وهو من جملة المباني الغريبة الّتي لا تتصوّر تصوّرا تامّا إلّا بالمشاهدة، وليس في داخله عمارة معتبرة ولكنّ العمارة خارجة (1) عنه، وهنالك ديار وبساتين وجامع مليح وأهلها ناس صالحون شملتهم بركة الشّيخ الصّالح أبي زيد اللّخميّ رحمه الله وأولاده الآن على طريقته في الدّين والصّلاح وإطعام الطّعام، نفعهم الله، ونفع بهم.
[ذكر سوسة]
ثمّ وصلنا إلى مدينة سوسة (2)، وهي مدينة مليحة، برّية، بحرّية، حولها بساتين وثمار، وهي في نفسها متقنة محكمة (3) العمل، مؤسّسة بقّوة، وكلّها صخر منحوت، وفيها رباط متّسع، عجيب، مليح (4) جدّا، ينزله الحجّاج والمسافرون، ولكنّه قد سحب الزّمان على الكلّ ذيل البلى، ورمى الدّاخل والخارج بسهم التّوى (5)، فعادت بعد الصّون برزة مكشوفة، وصارت محاسنها ممحوّة (6) مكسوفة، فخضعت خضوع العزيز إن ذلّ (7)، وخشعت [128/ آ] خشوع الكثير إذا قلّ. ترنو إلى البرّ والبحر بمقلة خائف، وتحاذر
__________
(1) في ت وط: خارجا.
(2) سوسة: مدينة كبيرة عتيقة بناها الرومان على ساحل البحر المتوسط على بعد 100ميل من تونس.
انظر وصف افريقيا 2/ 83.
(3) في ت: محكمة متقنة.
(4) ليست في ط.
(5) التّوى: الهلاك.
(6) ليس في ط.
(7) في ط: ذي عز قد ذل. وقد استفاد من الحديث
«ارحموا عزيز قوم ذلّ»
.
منهما أنواع المتالف، لا ترى بها زعيم محبر، ولا فارس دفتر، قد خرس بها لسان الطّلب، وعاد لفريق الجهل على فئة العلم الغلب، فامّحقت بها آثار كلّ فضيلة، وصيّرها الجهل معرّسه ومقيله تلاشت قواها فلم يبق بها إلّا رمق، وكساها الزّمان ثوب الهوان فامّحى رونقها وامّحق لا تمدّ في الأمن ساعة من الدّهر باعا ولا تمير فتشبع أهلا جياعا وجامعها المليح قد علا عليه الشّحوب، وأبلى حسنه وقائع الخطوب. نازلته وليس له يدان بالدّفاع فاستكان وأطرق إطراق الشّجاع (1)، وما عصم من ريب الزّمان فريق ولا أعصم معتصم (2) بذروة نيق، وبالله الاستعانة والتّوفيق.(1/487)
__________
.
منهما أنواع المتالف، لا ترى بها زعيم محبر، ولا فارس دفتر، قد خرس بها لسان الطّلب، وعاد لفريق الجهل على فئة العلم الغلب، فامّحقت بها آثار كلّ فضيلة، وصيّرها الجهل معرّسه ومقيله تلاشت قواها فلم يبق بها إلّا رمق، وكساها الزّمان ثوب الهوان فامّحى رونقها وامّحق لا تمدّ في الأمن ساعة من الدّهر باعا ولا تمير فتشبع أهلا جياعا وجامعها المليح قد علا عليه الشّحوب، وأبلى حسنه وقائع الخطوب. نازلته وليس له يدان بالدّفاع فاستكان وأطرق إطراق الشّجاع (1)، وما عصم من ريب الزّمان فريق ولا أعصم معتصم (2) بذروة نيق، وبالله الاستعانة والتّوفيق.
ثم وصلنا (3) إلى منزل أبي نصر، وهي بليدة مسوّرة عامرة غاصّة بالخلق ولكنّها في حكم البادية إذ ليس بها من معاني الحضارة شيء، وبها سوق كبيرة يكثر إليها الجلب لكثرة العربان هنالك.
ثمّ خطرنا على مدينة الحمّامات، وهي مدينة صغيرة مبيّضة السّور، وليس بها ما يذكر لفنائها، وقلّة عمارتها، وهي على البحر، ولم أدخلها لقلّة تشوّفي (4) إليها، وما ذكر لي من الضّعف عنها.
[تونس في العودة]
ثمّ وصلنا إلى (5) مدينة تونس حرسها الله وهي كما مرّ ذكرها، واستقرّ عند المؤالف والمخالف شكرها. وهي مؤنسة عند اسمها، ومسعفة
(1) هذا مثل مأخوذ من قول المتلمس:
وأطرق إطراق الشجاع، ولو رأى ... مسافا لنابيه الشجاع لصمّما
انظر الميداني 1/ 431.
(2) في ط: اعتصم.
(3) ليست في ط.
(4) في ت: تشوّقي.
(5) ليست في ط.(1/488)
على مقتضى رسمها، وما أنصف من ذمّها بالمحال، وتعسّف عليها فقال: (1)
[الطويل]
لعمرك ما ألفيت تونس كاسمها ... ولكنّني ألفيتها وهي توحش
وقد أقمت بها مدّة حتّى شفيت الحشا العليل، ونقعت بوردها الغليل، وقطعت فيها الغدوّ والأصيل بمجالسة كلّ فاضل جليل، فما أنفصل عن عالم يوضح الحلك مهما أجاب، إلّا إلى صالح يحتلب به درّ (2) السّحاب. ولا أغدو عن مجلس أدب كقطع الرّياض، إلّا إلى محفل وعظ يسقي الخدود بالدّمع الفيّاض [128/ ب] فقطعتها أيّاما من غفلات الدّهر مختلسات وانتظم لي بها شمل أنس طالما مني بالشّتات فلم يبق بها شيخ مذكور إلّا رأيته، ولا علم (3) مشهور إلّا أتيته.
[ملازمته لابن الغماز]
فممّن واظبته مدّة الإقامة، ولزمته لزوم الطّوق للحمامة، الشّيخ الفقيه الفاضل والحبر النّزيه الكامل، قاضي القضاة، وزين الحملة والرّواة، ذو التّواضع والإنصاف، والمعروف بوطاءة الأكناف، مسند عصره، والمرجوع إليه في مصره، أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن حسن بن محمّد بن (4)
__________
(1) البيت في المغرب للبكري 40، ومعجم البلدان 2/ 61دون عزو. وكذلك في الروض المعطار 144، وفي آثار البلاد وأخبار العباد 174معزوّ لبعض ولاتها حين خرج عليه أهل تونس ولقي منهم التباريح.
(2) ليست في ط.
(3) في ت: عالم.
(4) «ابن» ليست في ط.(1/489)
الغمّاز الخرزجي (1)، وصل الله صيانته، وأدام على الخيرات إعانته فلقيت منه عالما يأخذ بالأسماع والأبصار، وفاضلا خلت من مثله القرى والأمصار، وغرّة أجلى من ضوء الصّباح، مع سكون الطّائر وخفض الجناح يدأب على الإسماع دؤوب من عدّ العلم أرفع صناعة، ورأى الاشتغال به أنفع بضاعة، لا يشغله عنه الإبقاء على أعضائه الواهية، ولا يصدّه عنه ما تتحمّل (2) فيه من المشقّة نفسه السّامية، ولم يؤثّر في قوّة اجتهاده ضعف قواه، ولا هوى به إلى استيطاء الرّاحة هواه، بل يستعذب في خدمة العلم ما يلاقي، ويعدّه عدّة ليوم التّلاقي ولقد منحني الله من قبوله وإقباله، ما لم يتيسّر لي إلّا بمنّ الله وأفضاله. ولمّا اجتمعت به وجدته مواظبا للإسماع بداره غدوة وعشيّة، فكلّمته في قراءة جامع البخاريّ عليه، وأتيته بأصل منه، استشرته في شرائه، فاستغرب حالي في ذلك وقال لي: إن أردت أن تقرأ في أصلي، ويتوفّر عليك ما تشتري به فافعل فقلت له (3): أريد أن أقرأ هذا الكتاب في أصل يكون لي، أرجع إليه فأعجبه ذلك منيّ، وأنعم بقراءته عليه، وعطّل لأجلي أكثر الدّول، وكان يداري أصحابها (4) إذا رأى منهم قلقا، فإذا أكثروا (5) عليه، وعظهم في رفق وقال لهم: إنّه ضيف علينا فاصبروا له حتّى يتمّ الكتاب، فترجعوا إلى دولكم، وأنتم مقيمون، فكان يجلس لي من أوّل النّهار إلى قريب الظّهر، ومن العصر إلى الغروب، وربّما قام مرارا إلى تجديد الطّهارة ثم يرجع ويتكلّف ذلك على كبر سنّه وضعف قواه، فقرأت عليه أكثر [129/ آ] الكتاب المذكور قراءة
__________
(1) توفي ابن الغماز بتونس يوم عاشوراء سنة 693هـ. انظر وفيات ابن قنفذ 334.
(2) في ت: تتحمله.
(3) له: ليست في ت.
(4) في ت وط: أصحابه.
(5) في ت: كثروا.(1/490)
ضبط وإتقان، وولده الفقيه، الفاضل المتقن، المحقّق أبو عبد الله يمسك عليه أصله العتيق المقروء على الإمام أبي ذرّ الهرويّ، وعليه خطّه. وكان يناوبني القراءة وأمسك أنا الأصل حتّى كمل لي الكتاب بقراءتي في الأكثر، وسماعي بقراءة المذكور أحيانا.
وسمعت عليه أثناء ذلك دولا كثيرة من الموطّأ، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع التّرمذيّ، وناولني سائرها (1) في أصوله، مع دواوين سواها.
وقرأت عليه أكثر «التّيسير» للإمام المقرىء أبي عمرو الدّاني رضي الله عنه، وسمعت عليه باقيه، وقرأت عليه «برنامجه» الّذي قيّد فيه أسماء شيوخه، وناولني برنامج شيخه الإمام (2) الشهيد (3) أبي الرّبيع بن سالم (4) رحمه الله وسمعت عليه دولا من كتابه «الاكتفاء فى مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومغازى الثّلاثة الخلفاء» (5) وهو كتاب كبير في أربعة أسفار، وقرأت عليه من تأليفه أيضا «مفاوضة القلب العليل على طريقة أبي العلاء المعرّي في ملقى
__________
(1) في ط: سائرما.
(2) ليست في ط.
(3) في ط: الشهير.
(4) هو سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري: محدّث الأندلس وبليغها في عصره، له شعر وتصانيف منها «الاكتفاء بسيرة المصطفى والثلاثة الخلفاء» و «أخبار البخاري وترجمته» و «برنامج» ضمّنه أسماء شيوخه. توفي شهيدا والراية في يده في وقعة «أنيشة» على ثلاثة فراسخ من بلنسية سنة 634هـ. له ترجمة في تاريخ قضاة الأندلس 119تحفة القادم 201برنامج الرعيني 66المغرب 2/ 316الديباج 122الذيل والتكملة 4/ 83.
(5) كتاب في السيرة وأخبار الخلفاء الراشدين، وهو مطبوع، قال حاجي خليفة: لم يذكر فيه عليّا رضي الله عنه لعدم الفتوحات في عصره. انظر كشف الظنون 141.(1/491)
السّبيل» (1) وأجازني حفظه الله إجازة عامة، وحضرت عنده مذكرات، ومفاوضات في العلم، وانتفعت بلقائه كثيرا. وممّا قرأت عليه في برنامج شيوخه للإمام الشهيد أبي الرّبيع بن سالم رحمه الله تعالى (2): [الطويل] إذا برمت نفسي بحال أحلتها ... على أمل ناء فقرّت به النّفس (3)
وأنزل أرجاء الرّجاء ركائبي ... إذا رام إلماما بساحتي اليأس
وإن أوحشتني من أمانيّ نبوة ... فلي في الرّضا بالله والقدر الأنس (4)
وممّا قرأت له في حرف الكاف من مفاوضة القلب العليل: [السّريع] يا راكبا في نيل لذّاته ... مسالكا يعيا بها السّالك (5)
غرّتك دنيا منقض شأنها ... وأنت لا بدّ لها تارك
خلّابة، سلّابة للنّهى ... أصدق ما غرّت به آفك (6)
ما أمكنت من وصلها طالبا ... إلّا انثنت وهي له فارك (7) ... [129/ ب] حذار أن تلفى غدا باكيا ... من طول ما أنت بها ضاحك (8)
__________
(1) هو كتاب: «مفاوضة القلب العليل في منابذه الأمل الطويل بطريق المعري في ملقى السبيل» لأبي الربيع بن سالم الكلاعي ومنه نسخة خطية بالمكتبة الوطنيّة بتونس رقمها 15053.
(2) الأبيات في برنامج الوادي آشي 298297وتاريخ قضاة الأندلس 119ونفح الطيب 4/ 333332.
(3) في ط: برحت نفسي.
(4) في ت: فلي بالرّضا.
(5) في ط: مسالك. وصرفها ضرورة.
(6) في ط: عزّت. والآفك: الذي ضعف عقله.
(7) فارك: مبغض.
(8) في ت وط: تلقي، وفي ط: ما أنت لها.(1/492)
شانك وجه في الدّجا نيّر ... أسود فى عين الحجا حالك (1)
ملّكته رقّك لم تدر أن ... قد خسر المملوك والمالك
هلّا لوجه الحقّ كان الهوى ... فكلّ شيء غيره هالك (2)
وقرأت عليه أيضا في ذكر مثال نعل المصطفى صلّى الله عليه وسلم: (3) [الطويل]
خواطر ذي البلوى عوامر بالجوى ... ففي كلّ حال يعتريه خبال (4)
متى يدع داع باسم محبوبه هفا ... فيهتاج بلبال ويكسف بال
وإن ير من اثاره أثرا همت ... له من غروب المقلتين سجال
كحالي وقد أبصرت نعلا مثالها ... لنعل النّبيّ الهاشميّ مثال (5)
عراني مايعرو المحبّ إذا بدا ... لعينيه من معنى الأحبّة ال
فقبّلت في ذاك المثال معاودا ... أرى أنّ ذلّي في هواه جلال (6)
ومثّلته نعل الرّسول حقيقة ... وإنّي لأدري أنّ ذاك محال (7)
ومن سنّة العشّاق أن يبعث الهوى ... مثال، ويقتاد الغرام خيال (8)
ولا فرق إلّا أنّ حبّ محمّد ... هدى، والهوى فيمن عداه ضلال (9)
__________
(1) الحجا: العقل والفطنة.
(2) البيت ساقط من ت، وفي ط: وكل شيء.
(3) الأبيات في ملء العيبة 2/ 201200وفي أزهار الرياض 3/ 227226، وفي المواهب اللّدنيّة 1/ 338، والمجموعة النبهانية 4/ 10098.
(4) في أزهار الرياض والمواهب والمجموعة النبهانية: ففي كل يوم.
(5) في المجموعة النبهانية: لنعل الرسول.
(6) في أزهار الرياض: ألا إن ذلّي.
(7) في المواهب اللدنية والمجموعة النبهانية: ومثلتها.
(8) في ملء العيبة: سنة الأحباب.
(9) في أزهار الرياض، والمواهب اللدنية والمجموعة النبهانية: فلا فرق.(1/493)
وقرأت عليه في هذا المعنى أيضا لأبي الرّبيع المذكور قصيدة كبيرة أولها: [البسيط]
يا من لصبّ يري أشجانه النّظر ... مهما تبدّى له من حبّه أثر
يفي له الصّبر عند النّائبات فإن ... يلح له أثر لم يبق مصطبر
وذاك غير ذميم من مواقعه ... إذا تعقّبه التّنقيح والنّظر
وهي أزيد من مئة بيت من غرّ القصائد، وأجز لها لفظا ومعنى.
ومن شعر شيخنا أبي العبّاس المذكور حفظه الله تعالى (1) قوله:
[الطويل]
أيا سامع الشّكوى ويا دافع البلوى ... ويا كاشف الأسواء والبأس والضّرّ (2)
أسير خطايا يرتجي فكّ أسره ... وإن لم يكن أهلا لفكّ من الأسر
ومالي لا أرجو وإن كنت مسرفا ... وأدري من الصّفح الجميل الّذي أدري
قلت: أتى شيخنا حفظه الله بعروض البيت الأوّل [تامّة] (3)، وإنّما سمعت مقبوضة. إلّا أنّ التّرصيع (4) الّذي في البيت ربّما سوّغ ذلك كما في التّصريع. وقد وقع مثله في شعر المتنبيّ، وتعقّب عليه. [130/ آ]
ومولد شيخنا رحمه الله عقب المحرّم من سنة تسع وستّ مئة.
__________
(1) جملة «حفظه الله تعالى» ساقطة من ت.
(2) في ت وط: اللأواء.
(3) من ت وط.
(4) الترصيع هو توازن الألفاظ مع توازن الأعجاز أو تقاربها في البيت الواحد.(1/494)
[لقاؤه لأبي القاسم اللّبيدي]
ولقيت بها الشّيخ، الجليل، الفاضل، العالم، المسنّ (1)، المسند، بقيّة السّلف، وقدوة الخلف، ذا الدّين المتين، والمنهج الواضح المستبين. صالح العلماء وعالم الصّلحاء أبا القاسم بن حمّاد (2) بن أبي بكر الحضرميّ اللّبيديّ نفع الله به، وهو أوحد وقته علما ودينا واجتهادا، ومواظبة، وحسن ظنّ، وغزارة دموع معدوم (3) النّظير في عصره، لا يفتر (4) من العبادة ولا يتوانى عن شهود الصّلاة في الجماعة، وحضور المجلس لإسماع العلم مع فادح (5)
ضعفه، وفرط شاخته، وضرارة بصره لا يتخلّف عن المسجد ليلا ولا نهارا، ولا يقطع إسماع العلم وتعليمه، وإقراء (6) القرآن، وقد أبلت التّسعون بدنه، ونهكت قواه، وحفظ عليه ذهنه حفظا تاما. وأمّا أخلاقه، وتواضعه، وقوّة رجائه، فغاية في بابه، وكنت اجتمعت به أوّل ما لقيته في مسجد إقرائه. قبل صلاة الصّبح (7) مع بعض الفقراء ممّن يعرفه، فسلّمنا عليه ودار بيننا كلام يسير (7)، فأقبل على الفقير وقال له: هذا رجل عاقل، وما زال يواليني من برّه واعتنائه بما يليق بالفضلاء أمثاله، وما أتيته (8) قطّ إلّا هشّ إليّ (9) عندما
__________
(1) ليست في ط.
(2) في ت أحمد وفي ط: حمّادي. وتوفي سنه 702هـ، برنامج الوادي أشي 5049.
(3) في ط: متعدم.
(4) في باقي النسخ: لا يفتر عن.
(5) فدحه الأمر: أثقله.
(6) في ت: قراءة.
(77) سقط من ت.
(8) في ت: أتيت وفي ط: لقيته.
(9) زاد في ط: إليّ في سلامه(1/495)
يسمع سلامي (1). وكان يقدّمني للصّلاة أحيانا، وما انفصلت عنه قطّ إلّا داعيا لي بكلّ خير. ولمّا ودّعته بكى وقال لي: إن أمكنك أن تكتب إليّ بوصولك إلى أهلك سالما فافعل لأسرّ بذلك فشكرته، وسلّمت عليه وانصرفت، وما زلت طول سفري وإلى الآن أتعرّف بركة دعائه والحمد لله على تسخير أوليائه حمدا لا يقف عن (2) مدى إغيائه.
وممّا قرأت عليه حفظه الله كثيرا من «كتاب البخاريّ» وناولني سائره في أصلي، وحدّثني به عن الشّيخ [130/ ب] الإمام المحدّث الرّاوية أبي زكريا يحيى بن محمّد المهدويّ، ويعرف بالبرقيّ، سماعا عليه لجميعه (3) عن أبي محمّد بن حوط الله بأسانيده. وقرأت عليه بعض كتاب «المعلم» (4) للإمام أبي عبد الله المازريّ في أصله، وناولني جميعه عن أبي زكرياء البرقيّ المذكور قراءة عليه، وسماعا عن الشّيخ الفقيه أبي يحيى بن أبي بكر بن عبد الرّحمن الغسّانيّ المازريّ، ويعرف بابن الحدّاد، قراءة ثم سماعا عن مؤلّفه المذكور سماعا، وقلّما يوجد الآن أعلى منه فيه سندا. وعن البرقيّ المذكور رواه أبو عبد الله القضاعيّ (5) بحضرة تونس حرسها الله.
__________
(1) في ت: كلامي.
(2) في ت: على.
(3) في ت وط: بجميعه.
(4) ليست في ط.
(5) هو محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي المعروف بابن الأبار، مؤرخ كبير، أديب ناقد، كان من أعلم الناس بتاريخ المسلمين السياسي والعلمي والأدبي، في سنة 634هـ سفر عن صاحب بلنسية إلى أبي زكرياء الحفصي صاحب إفريقية وهي السفارة التي أنشد فيها قصيدته المشهورة:
أدرك بخيلك، خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا
قتل سنة 658هـ في تونس وأحرقت مؤلفاته. من كتبه التكملة لكتاب الصلة، والحلّة السيراء وإعتاب الكتاب، وتحفه القادم. له ترجمة في عنوان الدراية 257نفح الطيب 2/ 589و 3/ 303فوات الوفيات 3/ 404الوافي بالوافي 3/ 353أزهار الرياض 3/ 204.(1/496)
وقرأت عليه أيضا بعض كتاب «عوارف المعارف» (1) للإمام أبي حفص السّهرورديّ رحمه الله وناولني جميعه بحقّ قراءته إيّاه على الشّيخ الفقيه المحدّث أبي القاسم عبد الرّحمن بن أبي جعفر الأنصاريّ عن مؤلّفه، وقد تقدّم أنّي أدركت بمكّة شرّفها الله من يروي هذا الكتاب عن مؤلّفه، ولم يقض لي الأخذ عنه وسمعت على شيخنا المذكور دولا من «التّيسير» للإمام أبي عمرو المقرىء، ومن كتب شتّى في التّصوّف وغيره، وأجازني إجازة عامّة، والحمد لله. ومولده حفظه الله عام ستّ مئة.
[لقاؤه لأبي محمّد الخلاصي]
ولقيت بها الشّيخ الفقيه، الصّالح، الزّاهد، النّاسك، المنقطع، الفاضل، الكامل، ذا الماثر العليّة، والفضائل السّنيّة، أبا محمّد عبد الله بن يوسف بن موسى الخلاصي الأندلسيّ (2) نفعه الله، ونفع به، وهو من [أهل] (3) الصّلاح والدّين، والفضل والتّمسّك بأخلاق السّلف الصّالح، والإعراض بالجملة عن أعراض الدّنيا، والإقبال بالكليّة على طريق الآخرة بالمحلّ الأعلى. رأيته وقد جاء إلى شيخنا أبي القاسم اللّبيديّ، فقعد بين يديه وهو يتملّق، ويقبّل أطرافه، فقال له الشّيخ أبو القاسم: أنت أخي فقال له: يا سيّدي ما أنا إلّا عبدك، ثمّ سلّم عليه وانصرف. وقد جالسته كثيرا، وتردّدت إليه مدّة إقامتي بتونس
__________
(1) هو كتاب في التصوف للشيخ شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي المتوفى سنة 632هـ، وهو مشتمل على ثلاثة وستين بابا في سير المتصوفة وأحوالهم وأعمالهم.
انظر كشف الظنون 1177.
(2) لقيه ابن رشيد في رحلته بتونس وأخذ عنه. انظر ملء العيبة 2/ 376321.
(3) زيادة من ت وط.(1/497)
مقتبسا من علمه، ومتبرّكا بصالح [131/ آ] دعائه، ولبست منه الخرقة المباركة، خرقة المتصوّفة (1) رزقنا الله بركتهم (1)، وكان هو قد لبسها من الشّيخ، الصّالح، العالم (2)، العامل (3)، إمام الحرم، أبي المكارم محمّد بن يوسف بن مسدي (4) المهلّبي رحمه الله. ولابن مسدي في ذلك جزء مجموع، ذكر فيه من كساه الخرقة من الشّيوخ واتّصال السّند فيها إلى السّلف الصّالح رضي الله عنهم، وقد قرأته عليه وقرأه هو على مؤلّفه المذكور.
وقرأت عليه من تأليف ابن مسدي أيضا «الأربعين حديثا في فضل الحجّ» (5)، وأخبرني بها عنه. وقرأت عليه كتاب «الإعلام بقواعد الإسلام» للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى رحمه الله. وحدّثني به عن الشّيخ الفقيه الصّالح أبي العبّاس أحمد بن عثمان بن عجلان القيسيّ سماعا عليه عن أبي زكرياء يحيى بن أبي بكر بن عصفور، عن أبي محمّد بن عبيد (6) الله الحجريّ عن مؤلّفه. وقرأت عليه «مختصر السّيرة» لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّاء اللّغويّ (7) صاحب كتاب «المجمل» (8) وحدّثني به بسنده إليه،
__________
(11) سقط من ط.
(2) ليست في ط.
(3) في ت: العاقل.
(4) هو محمد بن يوسف بن موسى الأزدي المهلبي. حافظ، مؤرخ، أصله، من غرناطة، قرأ على بعض علماء تونس وتلمسان وحلب ودمشق، وسكن مصر، ثم جاور بمكة وقتل فيها سنة 633هـ، من مصفاته، المسند الغريب، ومعجم بأسماء شيوخه والأربعون المختارة في فضل الحج والزيارة.
انظر نفح الطيب 2/ 112و 594وتذكرة الحفاظ 1448وشذرات الذهب 5/ 313والعبر 3/ 308.
(5) قال عنه حاجي خليفة: هو الأربعون المختارة في فضل الحج والزيارة. انظر كشف الظنون 58.
(6) في ط: عبد الله.
(7) أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني: أحد أئمة اللغة والأدب، توفي في الرّي سنة 395هـ، له المجمل، ومقاييس اللغة. انظر بغية الوعاة 1/ 353352.
(8) هو مجمل اللغة لا بن فارس التزم فيه الصحيح والواضح من كلام العرب دون الوحشي المستنكر طبع غير ما طبعة.(1/498)
وهو تأليف نبيل في أوراق يسيرة وقرأت عليه «الكتاب المغني عن الحفظ» (1).
و «الكتاب في حصر الضّعيف من الحديث بالأبواب» تأليف أبي حفص عمر ابن بدر الحنفيّ. وحدّثني به عن أبي محمّد عبد الملك بن عبد الملك الشّقوريّ ببلنسية (2) قال: قرأته على مؤلّفه ببيت المقدس، وهو في أوراق نبيل (3) التّأليف جدّا. وقرأت عليه (4) جملة أجزاء يرويها، ومسلسلات في الحديث، وحكايات وأناشيد. وأفادني فوائد كثيرة نفعه الله وإيّاي بذلك.
وممّا قرأت (5) عليه، وحدّثني به عن ابن عجلان عن ابن عصفور عن أبي (6) القاسم (7) عبد الرّحيم (8) بن عيسى، عن أبي الفضل عياض، عن أبي عليّ الصدّفي عن أبي بكر الطريثيثيّ عن أبي القاسم (7) هبة الله بن الحسين، عن علي بن محمّد، عن الحسن بن صفوان، عن عبد الله بن أبي الدّنيا عن أحمد بن عبد الأعلى، عن إسماعيل بن أبّان العامريّ، عن سفيان الثوّريّ، عن طارق بن عبد العزيز، عن الشّعبيّ [131/ ب] قال: «لقد رأيت عجبا. كنّا بفناء
__________
(1) الكتاب المغني عن الحفظ: جزء صغير في الحديث، طبع، وهو للإمام عمر بن بدر بن سعيد بن محمد الوراني الكردي الحنفي المحدّث المتوفى سنة 622. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 22/ 287ومصادره ثمّة.
(2) بلنسية: مدينة في شرق الأندلس بينها وبين قرطبة على طريق بجانة 16يوما، وبينها وبين البحر ثلاثة أميال. انظر الروض المعطار 97.
(3) في ت وط: قليل.
(4) ليست في ت.
(5) في ت: قرأته.
(6) في ت: ابن القاسم.
(77) سقط من ت.
(8) في ط. عبد الرحمن وهو تصحيف.(1/499)
الكعبة وعبد الله بن عمر. وعبد الله بن الزّبير (1)، ومصعب بن الزّبير (2)، وعبد الملك بن مروان. فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم كلّ رجل منكم فليأخذ بالرّكن اليمانيّ ويسأل الله حاجته، فإنّه يعطي من سعة فضله، قم يا عبد الله بن الزّبير فإنّك أوّل مولود ولد في الهجرة. فقام فأخذ بالرّكن اليمانيّ ثم قال: الّلهمّ إنّك عظيم ترجى لكلّ عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيّك صلّى الله عليه وسلم، ألّا تميتني من الدّنيا حتّى تولّيني الحجاز، ويسلّم عليّ بالخلافة، وجاء حتّى جلس فقالوا: قم يا مصعب بن الزّبير، فقام حتّى أخذ بالرّكن اليمانيّ ثمّ قال: اللهم إنّك ربّ كلّ شيء، وإليك يصير كلّ شيء، أسألك بقدرتك على كلّ شيء ألّا تميتني من الدّنيا حتّى توليّني العراق وتزوّجني سكينة بنت الحسين. وجاء حتّى جلس. وقالوا: قم يا عبد الملك (3) بن مروان، فقام وأخذ بالرّكن اليمانيّ، فقال: اللهم ربّ السّموات السبع وربّ الأرضين [السّبع] (4) ذات النّبت بعد القفر، أسألك بما سألك عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقّك على جميع خلقك، وبحق الطّائفين حول بيتك (5) ألّا
__________
(1) هو عبد الله بن الزبير بن العوّام: كان فارس قريش في زمنه، شهد فتح إفريقية زمن عثمان وبويع له سنة 64هـ بعد موت يزيد بن معاوية فحكم مصر والعراق واليمن والحجاز وخراسان وأكثر بلاد الشام، واتخذ من المدينة عاصمة له، قتله الأمويون في مكة سنة 73هـ. ترجمته في حلية الأولياء 1/ 329فوات الوفيات 1712.
(2) هو مصعب بن الزبير بن العوام: نشأ مع أخيه عبد الله بن الزبير، وولّاه البصرة سنة 67هـ، قتله جيش عبد الملك بن مروان 71هـ. ترجمته في الطبري حوادث 71وما قبلها. تاريخ بغداد 13/ 15.
(3) في الأصل: عبد الله وهو تصحيف.
(4) زيادة من ت وط.
(5) في ط: البيت.(1/500)
تميتني من الدّنيا حتّى توليني مشرق الأرض ومغربها، ولا ينازعني أحد إلّا أتيت برأسه ثمّ جاء حتّى جلس، ثم قالوا: قم يا عبد الله بن عمر فقام حتّى أخذ بالرّكن اليمانيّ، فقال: اللهم [إنّك] (1) رحمن رحيم، أسألك برحمتك (2)
الّتي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألّا تميتني من الدّنيا حتّى توجب لي الجنّة، قال الشّعبيّ: فما ذهبت عيناي من الدّنيا حتّى رأيت كلّ واحد منهم أعطي ما سأل، وبشّر عبد الله بن عمر بالجنّة ورئيت له» (3).
وقرأت عليه أيضا، حدّثنا الفقيه، التّقي، أبو الحجّاج يوسف بن حجّاج ابن يوسف قال: ثنا الفقيه الزّاهد أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن حسن بن تامتيت اللّواتي، قال: أنا الفقيه أبو الحسين (4) يحيى بن محمّد، وقرأته عليه، قال: أنا أبو القاسم خلف بن [132/ آ] عبد الملك، قال أنا الفقيه العدل أبو عبد الله محمّد بن أحمد التّجيبيّ، قال: أنا أبو علي حسين بن محمّد الغسّاني، قال: نا أبو العبّاس أحمد بن عمر العذريّ قال: نا أبو العبّاس الرّازيّ قال: نا سليمان بن أيّوب الطّبرانيّ قال: نا بشر بن موسى قال: نا عبد الله بن يزيد المقرىء قال: نا حيوة (5) بن شريح عن عقبة بن مسلم، عن
__________
(1) زيادة من ت وط.
(2) في ط: بحرمتك.
(3) الخبر في عيون الأخبار 1/ 258بتلخيص، وفي نور القبس 246/ 247ومكء العيبة 2/ 333332 بالسند نفسه.
(4) في ت وط: أبو الحسن.
(5) في ت: خيرة، وهو تصحيف.(1/501)
أبي عبد الرّحمن عن (1) الصّنابحيّ
عن معاذ بن جبل (2): أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال: «يا معاذ والله إنّي لأحبّك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدع في كلّ صلاة أن تقول: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك»
(3). وأوصى بذلك معاذ الصّنابحيّ وأوصى به الصّنابحيّ أبا عبد الرّحمن، وتسلسلت الوصيّة هكذا إلى شيخنا فأوصانا به.
وحدّثنا أيضا قراءة منّي عليه قال: نا أبو عبد الله محمّد بن أحمد (4)
ابن لبّ الملّيلي (5) عن أبي عبد الله بن قاسم، عن أبي الخطّاب عمر بن دحية، عن الإمام أبي الوليد يوسف بن عبد العزيز ابن يوسف الّلخميّ (6) بن الدّباغ، قال: أخبرني الشّيخ الصّالح أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله الخولانيّ عن أبي عمر الطّلمنكيّ عن أبي جعفر أحمد بن محمّد. قال: قرأت على أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن أمية ابن غلبون، قال: أنا محمّد بن عبد الله بن أبي حليم، قال: نا محمّد بن وضّاح، قال: نا أبو نجدة يزيد بن مجالد، قال: نا كثيّر بن سليم قال: أتيت أنس بن مالك بواسط القصب (7)،
__________
(1) ليس في ت.
(2) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي: صحابي، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي، بعثه الرسول بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن، توّفي سنة 18هـ وله في كتب الحديث 157حديثا. ترجمته في الإصابة 3/ 406والاستيعاب 3/ 335.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الاستغفار رقم 1522، 5/ 247245والنسائي 3/ 53.
(4) الاسم في ط: محمد بن عبد الله بن أحمد وهو تصحيف.
(5) في ت: الملياني.
(6) في ط التجيبي.
(7) واسط القصب: قرية بناها الحجّاج أوّلا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسمّاها واسطا بها.(1/502)
فسمعته يقول:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «أمّتي أمّة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة، إنّما عذابها في الدّنيا بالفتن والزّلازل. فإذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم ومسلمة رجلا من أهل الكتاب، أو من المشركين فقال: «هذا فداؤك من النّار»
(1)
وقرأت عليه أيضا قال (2): أملى عليّ الشّيخ الفقيه أبو الحجّاج: قال:
أملى علينا (3) الفقيه الزّاهد أبو العبّاس هو (4) ابن تامتّيت، قال: قرأت على أبي الحسين يحيى بن محمّد قال: قرأت على أبي القاسم خلف بن عبد الملك، قال: نا أبو محمّد هو ابن عتّاب قراءة [132/ ب] منّي عليه قال: كتب إليّ أبو عمرو عثمان بن أبي بكر: نا أبو الحسين عبد الله بن محمّد بن بكار بكازرون (5) من أرض فارس (6) قال: نا أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكريّ، قال: نا أحمد ابن إسحاق التّمّار، قال: نا زيد بن أحزم، قال: نا ابن عائشة، قال. نا محمّد بن عبد الرّحمن القرشيّ، قال: كنت عند الأعمش (7) فقيل: إنّ
__________
(1) أخرجه أبو داود في الفتن، باب ما يرجى في القتل رقم 4278وابن ماجة في الزهد، باب صفة أمة محمد صلّى الله عليه وسلم رقم 4292بخلاف في اللفظ وابن حنبل 4/ 402بخلاف في اللفظ.
(2) ليست في ط.
(3) في ت: عليّ.
(4) ليست في ت.
(5) كازرون: مدينة بفارس بين البحر وشيراز، وبينها وبين شيراز ثلاثة أيام، ثمانية عشر فرسخا.
انظر ياقوت 4: 429.
(6) في الأصل: فاس وهو تحريف.
(7) الأعمش: هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء: تابعي أصله من بلاد الريّ، نشأ بالكوفة، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض يروي نحو 1300حديثا توفي سنة 148هـ ترجمته في طبقات ابن سعد 6/ 342تاريخ بغداد 9/ 3.(1/503)
الحسن بن عمارة (1) ولي المظالم فقال الأعمش: وا عجبا من ظالم ولي المظالم، ما للحائك بن الحائك والمظالم؟ فخرجت، فأتيت الحسن فأخبرته، فقال: عليّ بمنديل وأثواب، فوجّة بها إليه، فلّما كان من الغد، بكّرت إلى الأعمش، فقلت: أخبرني الحديث قبل أن يجتمع النّاس، فأجريت ذكره فقال:
بخ بخ هذا الحسن بن عمارة زان العمل ولم يزنه العمل، فقلت له: بالأمس قلت ما قلت، واليوم تقول هذا: فقلت: دع عنك هذا، حدّثني خيثمة عن (2)
عبد الله بن مسعود
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها»
(3).
وبه إلى ابن عتّاب، قال: قرأت على أبي القاسم حاتم بن محمّد التّميميّ قال: أنا أبو الحسن القابسيّ بمنزله بالقيروان، قال: أخبرني حمزة ابن محمّد الكنانيّ بمصر وقد اجتمع عنده (4) الطّلبة، يسأله (5) كلّ واحد منهم برغبته في دواوين أرادوا أخذها عنه، فقال: اجتمع قوم من الطّلبة (6) بباب قتيبة بن سعيد (7) فسأله بعضهم أن يسمعه من الحديث، وبعضهم من الفقه
__________
(1) هو أبو محمد الحسن بن عمارة الكوفي، تولّى القضاء ببغداد وروى عن أبن أبي مليكة والحكم توفي سنة 153هـ. انظر تاريخ بغداد 7/ 345شذرات الذهب 1/ 234.
(2) في ط: ابن.
(3) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 4/ 121وابن عدي في الكامل 2/ 701والديلمي في فردوس الأخبار 2/ 179وميزان الاعتدال 1/ 514تاريخ بغداد 4/ 277و 346.
(4) في ط: له.
(5) في ط: يسألونه.
(6) «من الطلبة» سقطت من ط.
(7) قتيبة بن سعد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي: فقيه، محدّث، قاض، ولي قضاء بغداد، ولد في بلخ سنة 148هـ. سمع من مالك والليث وابن لهيعة وحماد بن زيد وأخذ عنه كثيرون توفي سنة 240هـ. انظر ترتيب المدارك 2/ 521.(1/504)
وأكثر كلّ واحد منهم برغبته، وألّح عليه الرحّالون، وكان روى كثيرا، ولقي رجالا فتبسّم ثمّ قال (1): [الرجز]
تسألني أمّ صبيّ جملا
يمشي رويدا ويكون أوّلا
[مهلا خليلي فكلانا مبتلى] (2)
وبه إلى ابن عتّاب، قال: أنشدني أبو عمرو عثمان بن أبي بكر، قال:
أنشدني أبو نعيم (3) الحافظ قال: أنشدني أبو محمّد الجابري، قال: أنشدني ابن المعتزّ لنفسه: (4) [مجزوء الكامل المرفل]
ما عابني إلّا الحسو ... د وتلك من خير المعائب (5)
والخير والحسّاد مق ... رونان إن ذهبوا فذاهب
وإذا ملكت المجد لم ... تملك مذمّات الأرقاب (7) ... [133/ آ] وإذا فقدت الحاسدي ... ن فقدت في الدّنيا الأطايب
__________
(1) الشعر والسّند بكامله في الصلة 1/ 159158، وترتيب المدارك 2/ 522وورد البيتان. 1و 2في زهر الأكم 3/ 158وفيه رواية البيت الأول: تسألني أبا الوليد جملا.
(2) زيادة من ت وط.
(3) في ت أبو عمرو.
(4) ديوانّ المعتز 2/ 40.
(5) في الديوان: والمجد والحسّاد.
(7) في الديوان: تملك مودّات.(1/505)
وبه إلى أبي الحسين يحيى بن محمّد بن عليّ الأنصاريّ، عرف بابن الصّائغ قال: أنشدنا أبو الطّاهر أحمد بن محمّد السّلفي رضي الله عنه لنفسه (1): [الكامل]
أهل الحديث هم الرّجال البزّل ... ومن العوالي في المعالي نزّل (2)
أنّى يدانيهم عدوّ ملحد ... يزري بهم وهو الهويّ الأنزل
قولوا له قول امرىء متنصّح ... مأموله هذا الصّواب الأجزل (3)
هل يستوي السّمك الّذي تحت الثّرى ... أبدا مقيما والسّماك الأعزل (4)
وقد أنشدني هذه الأبيات شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ حفظه الله بمصر ولم أكتبها عنه. وقرأت أيضا على شيخنا أبي محمّد، قال الشّيخ أبو الحجّاج: أنشدنا الشّيخ أبو العبّاس، قال: أنشدنا أبو الحسين محمّد بن (5)
الكتّاني (6) قال: أنشدنا الشّيخ الفقيه ضياء الدّين أبو أحمد عبد الوهاب بن عليّ الصّوفيّ البغداديّ، قال: أنشدنا الإمام أبو زرعة طاهر بن محمّد، قال:
أنشدني والدي الشّيخ الإمام أبو الفضل محمّد بن طاهر المقدسيّ، قال:
أنشدني أبو الحسن عليّ بن عبد الرّحيم في التّصّوف واندراس أهله:
__________
(1) البيتان 1و 4في ألف باء للبلوي.
(2) في ت وط: ومن المعالي.
(3) في ت: متنصّف.
(4) في ألف باء: مقيم والسماك الأعزل: من كواكب الأنواء وهو إلى جهة الجنوب.
(5) ابن ليست في ط.
(6) في ت وط: الكناني.(1/506)
[مجزوء الكامل]
أهل التّصوّف قد مضوا ... صار التّصوّف مخرقه
صار التّصوّف صيحة ... وتواجدا ومطبّقه (1)
مضت العلوم فلا علو ... م، ولا قلوب مشرقه
كذبتك نفسك ليس ذا ... سنن الطّريق الملحقه
حتّى تكون بعين من ... عنه العيون محدّقه (2)
تجري عليك صروفه ... وهموم سرّك مطرقه
وبه إلى أبي الفضل المقدسيّ قال: أنشدنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله الخراسانيّ لنفسه: [133/ ب] [الطويل]
أمدّعيا في النّاس علم التّصوّف
أتيت بفعل الجاهل المتكلّف (3)
متى كنت من أهل التّصوّف أو متى
سلكت طريقا غير طرق التّعسّف
القصيدة إلى آخرها، وهي اثنان وعشرون بيتا وآخرها:
فديتك دع علم التّصوّف مسكتا ... فلست وإن موّهت بالمتصوّف
__________
(1) في ط: سبحة.
(2) في ط: محرقة وهو تحريف.
(3) في ت: أتيت بعلم.(1/507)
وقرأت عليه: أنشدكم الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن الحجّاج البلفيقيّ، قال: أنشدني (1) أبو عبد الله بن فرحون السّلميّ، قال: أنشدني (1) أبو عمران الزّاهد (2) لنفسه: (3) [البسيط]
إلمام كلّ ثقيل قد أضرّ بنا ... أروم نقصهم، والشّيء يزداد (4)
ومن يخفّ علينا لا يلمّ بنا ... وللثّقيل مع السّاعات ترداد
وقرأت عليه: أنشدكم أبو إسحاق البلفيقيّ، قال: أنشدني أبو بكر محمد ابن قسّوم (5) لنفسه: (6) [المجتث]
تبّا لفرقة قوم ... لا ينتمون لمذهب (7)
إذا تزندق وغد ... قالوا: فلان تهذّب (8)
__________
(11) سقطت من ت.
(2) ليست في ط. وهو أبو عمران موسى بن حسين بن عمران الميرتلي: فقيه، زاهد، سكن إشبيلية. له نظم ونثر في النصائح والزهد، توفي بإشبيلية سنة 604. ترجمته في المغرب 1/ 406، الغصون اليانعة 135، تحفة القادم 132، الروض المعطار 521.
(3) البيتان في تحفة القادم 133، ملء العيبة 2/ 330وشرح مقامات الحريري للشريشي 2/ 100 وطراز المجالس 132.
(4) في تحفة القادم: يزيد بعضهم.
(5) هو محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن قسّوم بن أصبغ بن مهني اللخمي: عالم، زاهد، أديب من إشبيلية توفي سنة 639هـ. له ديوان شعر ومصنفات منها «مجالس الأبرار» في فضلاء أهل عصره. له ترجمة في برنامج شيوخ الرّعيني 92والتكملة 1/ 354و 2/ 753.
(6) البيتان في ملء العيبة 2/ 33والتكملة لكتاب الصلة 2/ 753.
(7) في التكملة: تبّا لفرقة سوّ ... لا ينتمون لمذهب
(8) في التكملة: تزندق شخص.(1/508)
وقرأت عليه أخبركم الشّيخ الفقيه المقرىء أبو عمرو عثمان بن سفيان عثمان التّميميّ التّونسيّ هو ابن شقر، قال: أنا الشّيخ الإمام أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ، قال: أخبرنا الإمام أبو الطّاهر السّلفي، قال: أنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن الخطّاب الرّازي، قال سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي بن نعيم المصري قاضي البرلّس (1) يقول عن بعض سكان البرلّس، قال:
سمعت قائلا يقول ليلا من جانب البحر، وينشد بيتين، فقصدت الصّوت فلم أر أحدا، فعلمت أنّه هاتف وهما: (2) [البسيط]
لولا رجال لهم ورد يقومونا ... وآخرون لهم صوم يصومونا (3)
لزلزلت أرضكم من تحتكم سحرا ... لأنّكم قوم سوء لا تبالونا (4)
وقرأت عليه أنشدكم أبو عمرو وهو ابن شقر، قال: أنشدنا أبو الحسن ابن المفضّل المقدسيّ لنفسه: [134/ آ] [البسيط]
يا ربّ عفوك عن ذي زلّة عظمت ... به المهابة حتّى لاذ بالكرم (5)
إن لم يكن هو أهلا أن تسامحه ... فإنّه من جميل الظّنّ في حرم
__________
(1) البرلّس: بلدة على شاطئ نيل مصر قرب البحر من جهة الإسكندرية. انظر ياقوت 1/ 402.
(2) البيتان في التكملة لكتاب 2/ 480، وملء العيبة 2/ 336، ونفح الطيب 2/ 651وذيل تعليقات ابن جزيّ على رحلة ابن بطوطة 805.
(3) في التكملة: لهم سرد يصومونا، لهم ورد يقومونا. وفي النفح وملء العيبة والذيل: يقومونا، يصومونا.
(4) في النفح: من تحتكم غضبا، فإنكم قوم سوء.
(5) في ت: لاذ بالحرم.(1/509)
وأيضا: (1) [المنسرح]
يا حبّذا الصّالحون إنّهم ... في سبل الصّالحات قد سلكوا
إن لم أكن قد فعلت ما فعلوا ... فليتني قد تركت ما تركوا
وبه إلى ابن (2) المفضّل، قال: سمعت أبا الطّاهر السّلفي غير مرّة ينشد من قيله: (3) [الرمل]
أنا من أهل الحديث ... وهم خير فئه (4)
جزت تسعين وأرجوا ... أن أجوزنّ المئه (5)
قلت: قد حقّق الله رجاءه، وصدّق ظنّه رضي الله عنه، فإنّه توفي عام ستة وسبعين وخمس مئة، ومولده تخمينا عام اثنين وسبعين وأربع مئة.
أخبرني بذلك شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ عن الإمام زكيّ الدّين أبي محمّد عبد العظيم المنذريّ (6) رحمه الله.
__________
(1) البيتان في ملء العيبة 2/ 336.
(2) في ط: أبو المفضل وهو تصحيف.
(3) البيتان في طبقات الشافعية الكبرى 6/ 40وسير أعلام النبلاء 21/ 7نفح الطيب 3/ 143 وتعريف الخلف 3/ 143ويقال: ما أحسن قيلّك وقولك.
(4) في تعريف الخلف: خير البّرية.
(5) في التكملة: عشت، وفي النفح والتكملة: أن أعيش لمئة.
(6) عبد العظيم المنذري: عالم بالحديث والعربية، من الحفاظ المؤرخين، أصله من الشام وتولى مشيخه دار الحديث الكاملية نحو عشرين سنة توفي سنة 656هـ. له الترغيب والترهيب، والتكملة لوفيات النقلة وغيره. ترجمته في طبقات الشافعية 8/ 259وما بعد، فوات الوفيات 2/ 366شذرات الذهب 5/ 277طبقات الحفاظ للسيوطي 504.(1/510)
وقرأت على شيخنا أبي محمّد أيضا: أملى عليكم الفقيه أبو الحجّاج من كتابه قال: أملى علينا الشّيخ الفقيه أبو العبّاس من كتابه قال: أنشدنا أبو الحسين رحمه الله، قال: أنشدنا أبو القاسم خلف بن عبد الملك، قال: أنشدنا أبو محمّد بن عتّاب، قال: أنشدنا أبو عمرو عثمان بن أبي بكر، قال: أنشدنا إسماعيل بن عبد الرّحمن الصّابونيّ عند الموادعة: (1) [الخفيف]
إن نعش نجتمع وإلّا فما أش ... غل من مات عن جميع الأنام
وقرأت عليه، أنشدكم أبو إسحاق البلفيقيّ (2) عن غير واحد من شيوخه عن أبي محمّد الحجريّ عن أبي العبّاس بن العريف لنفسه يعارض (3) أبيات إسحاق الموصليّ (4) الّتي أوّلها (5): [الطويل]
وامرة بالبخل قلت لها: اقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل (6)
تعاتبني في الجود، والجود شيمتي ... ومالي بتبديل الطّباع زعيم (7) [134/ ب]
ولم أر مثل الجود، أمّا حديثه ... فحلو، وأمّا حبّه فقديم
__________
(1) البيت في تاريخ بغداد 2/ 384دون نسبة.
(2) نسبته إلى بلفيق.
(3) في ت وط: فعارض.
(4) إسحاق بن إبراهيم الموصلي: من ندماء الخلفاء وكان شاعرا عالما بصناعة الغناء ومختلف العلوم. ولد ببغداد 155هـ وتوفي فيها 235هـ. أخباره في الأغاني 5/ 268و 435، إنباه الرواة 1/ 215سمط اللآلي 209137و 509.
(5) البيت في الأغاني 5/ 322والأمالي 31وسمط اللآلي 137والعقد الفريد 1/ 258وإنباه الرواة 1/ 217ومرآة الجنان 2/ 115ومعجم الأدباء 6/ 18والمستطرف 186ونهاية الأدب 3/ 203ونور القبس 317.
(6) في العقد الفريد: فليس إلى ما تأمرين سبيل.
(7) الأبيات في التشوّف 132، وأنس الساري والسارب 17، والإعلام للمراكشي 2/ 12دون عزو.(1/511)
ولا خير فيمن لا يعاش بعيشه ... ولو أنّه فوق السّماك مقيم
ذريني فإنّ البخل عار لأهله ... وما ضرّ مثلي أن يقال: عديم
أرى كلّ طلق كلّ خلق حميمه ... وليس لمقبوض اليدين حميم
وكيف يخاف الفقر أو يحرم الغنى ... كريم وربّ العالمين كريم
ومولد شيخنا أبي محمّد رزقنا الله بركته عام عشرة وستّ مئة.
[لقاؤه لأبي الحسن بن رزين]
ولقيت بها الأديب الفاضل، العارف، الأوحد، الحسيب، النّاظم، النّاثر أبا الحسن عليّ بن محمّد بن أبي القاسم بن رزين التّجيبيّ المرسي (1) أمدّه الله وإيّاي بتوفيقه. وأعاننا على اقتفاء الحقّ وسلوك طريقه، فلقيت منه خيّرا فاضلا، ليّن الجانب، وطيء الأخلاق، مقيّدا مفيدا، له النّظم الرّائق، والنّثر الفائق، وأدرك جلّة من الأعلام، وجملة من علماء الإسلام وسمع كثيرا منهم، وأجازه خلق كثير، وله في ذلك «فهرسة» جمعها فحسّن ونمّق، وأتقن وحقّق، كتبت لي من أصله (2)، وقرأتها عليه، وقرأت عليه أيضا جملة من كتاب «الصّلة» لأبي القاسم بن بشكوال. وحدّثني بها عن ابن عمّته الفقيه الفاضل أبي القاسم بن نبيل، وعن أبي جعفر أحمد بن يوسف بن فرتون (3) قراءة
__________
(1) ولد سنة 625هـ وتوفي سنة 692هـ. انظر برنامج الوادي أشي 65.
(2) في ت: أصلها.
(3) هو أحمد بن يوسف بن فرتون السلمي. مؤرخ ولد بفاس سنه 580هـ وتوفي سنة 660هـ. ومن آثاره: ذيل على صلة ابن بشكوال في تراجم من جاء بعد بشكوال من مشاهير علماء الأندلس.
انظر نيل الابتهاج 63.(1/512)
لجميعها عليهما بسندهما فيها وقرأت عليه حديث زريب (1)، وموعظة داود ابن جهوة، وقرأهما هو على الرّواية المسند أبي الحسين أحمد بن محمّد بن أحمد بن السّراج الأنصاريّ.
(2) وأراني بخطّ ابن الأبّار أنّ جهوة بالتّاء هو الصّواب. قلت: بالتّاء ذكره أبو عليّ البغدادي وأنشد له: (3) [الطويل]
أقاسي البلى، لا أستريح إلى غد ... فيأتي غد إاّ بكيت على أمس (4)
[سأبكي بدمع أو دم أشتفي به ... فهل لي عذر إن بكيت على نفسي] (5)
وقال البكريّ: أنشده ابن الجرّاح وغيره لداود بن جهوة لم يختلفوا (6) في ذلك (2).
__________
(1) هو زريب بن برثملي: أحد حواريي المسيح، وهو الذي عاش إلى زمن عمر، وسمع نضلة بن معاوية أذانا في الجبل فكلّمه فإذا رجل عظيم الخلق سأل نضلة والجيش الذي معه عن الرسول صلّى الله عليه وسلم فقالوا: قبض وعن أبي بكر فقالوا قبض، ثم سألهم عن عمر فقالوا هو حيّ ونحن جيشه، فقال لهم أقرئوه مني السلام ثم أمرهم أن يبلغوا عنه وصايا كثيرة» انظر الروض الأنف 4/ 249.
(22) الفقرة ساقطة من ت. ومقولة البكري من سمط اللآلي 1/ 328وفيه: «وهكذا ثبت عن أبي علي ابن جهوة، وأنشد ابن الجراح وغيره هذا الشعر لداود بن جمهور ولم يختلفوا في ذلك».
(3) البيتان في: الأمالي للقالي 1/ 108ويليهما أبيات ثلاثة وهي:
سلام على الدنيا ولذة عيشها ... سلام غدّو أو رواح على رمسي
وأنكرت شمس الشيب في ليل لمتّي ... لعمري لليلي كان أحسن من شمسي
كأن الصّبا والشيب يطمس نوره ... عروس أناس مات في ليلة العرس
والبيت الأول في سمط اللآلي 1/ 328.
(4) في الأصل: لقاني البلى.
(5) البيت ساقط في الأصل.
(6) في ط: لم يتخلّفوا وفيها تحريف.(1/513)
وقرأت عليه «الأمثال الكامنة في القرآن» للحسن بن الفضل، وقرأها على ابن السّرّاج، وقرأها ابن السّرّاج على الإمام أبي القاسم بن بشكوال [135/ آ]، وقيّد لي إجازته العامّة في رقعة، قيّد في آخرها أبياتا من نظمه عارض (1) بها مثلها ممّا تسلسل فيها القول والإسناد إلى أبي العلاء المعرّي، وأنشدنيها من لفظه، وهي: (2) [الطويل]
نصيبك من دنياك أيسر بلغة ... قليل لديها صحّة وفراغ (3)
فما بالنا نلهو ونغترّ بالمنى ... كأن ليس للأخرى الغداة بلاغ
وكيف وقد ولّى الشّباب ولاح لل ... مشيب بفودي عارضيك صباغ (4)
يساغ لنا نسء الحياة لغاية ... ولكن خلود المرء ليس يساغ (5)
فشمّر، وبادر منك فضل إنابة ... فحادي المنايا ليس عنه مراغ (6)
وممّا (7) قرأت عليه في برنامجه، قال: أنشدني الشّيخ أبو الحسين بن السّراج قال: أنشدني القاضي الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن أغلب الخولانيّ (8) لنفسه: (9) [الخفيف]
__________
(1) في ط: عرض.
(2) الأبيات عدا الثالث في ملء العيبة 4/ 77ب
(3) في ملء العيبة يا صاح بلغة. وإن عزّ فيها.
(4) الفود: جانب الرأس مما يلي الأذن إلى الأمام. العارض: صفحة الخدّ.
(5) النّسيء: التأخير.
(6) الإنابة: التوبة. مراغ: محيد.
(7) مما: ليست في ط.
(8) هو إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أغلب الخولاني الزّوالي: أديب شاعر له حظ من الحفظ للآداب. قرأ على جماعة من العلماء. وتولى القضاء بألش من أعمال مرسية، توفي بمرّاكش سنة 616هـ. انظر برنامج شيوخ الرّعيني: 108.
(9) الأبيات في برنامج شيوخ الرعيني 109. وملء العيبة 4/ 66/ آ.(1/514)
ونهار بنهر قلعة جابر ... كان منّي لواهن الأنس جابر
بطيور كأنّها خطباء ... في غصون كأنّهنّ منابر (1)
سترتها الأوراق فهي تغنّي ... فسمعنا القيان خلف السّتائر (2)
أسمعيني يا أمّ حاء وسين ... ثمّ نون كعقرب الصّدغ دائر (3)
نوبة تبرىء المنوّب حتّى ... لو غدا ميّتا لأصبح ناشر
كيف تدعون قينة الرّوض أمّا ... وهي بكر، رضيع ثدي الأزاهر (4)
وقرأت عليه لأبي عبد الله القضاعيّ، قال: وهو آخر ما أنشدني من شعره: (5) [السريع]
إلام في حلّ وفي ربط ... تخبط جهلا أيّما خبط
دع الورى، وارج إله الورى ... فإنّه ذو القبض والبسط
ليس لما يعطيه من مانع ... ولا لما يمنع من معط
وقرأت عليه في رسم أبي محمّد عبد الله بن عبد الرّحمن بن برطله (6)
__________
(1) في برنامج الرعيني: ذي طور.
(2) في ت: فهما تغني وفي ملء العيبة: سترتها الأغصان.
(3) في برنامج الرعيني: أسمعينا كعطفه الصدغ والصّدغ: الشعر المتدلّي بين العين والأذن.
وعقرب الصّدغ: خصلة شعر تدليها المرأة على صدغها في شكل حمة العقرب.
(4) في برنامج الرعيني: وهي طفل.
(5) ديوان ابن الأبّار: الملحق الأول صفحة 449.
(6) سلفت ترجمته.(1/515)
منها قال [135/ ب] أنشدني أبو عمرو (1) بن عتّاب قال: أنشدني أبو الحسن ابن المفضّل (2): [الطويل]
أيا نفس بالمأثور عن خير مرسل ... وأصحابه والتّابعين تمسّكي
عساك إذا بالغت في نشر دينه ... بما طاب من عرف به أن تمسّكي (3)
وخافي غدا يوم الحساب جهنّما ... إذا لفحت نيرانها أن تمسّك
وقرأت عليه لابن برطله ممّا قرأه (4) هو عليه: (5) [الطويل]
بأربعة أرجو خلاصي وإنّها ... لأكرم مذخور لديّ وأعظم (6)
شهادة إخلاصي، وحبّي محمّدا ... وحسن ظنوني ثمّ أنّي مسلم
وقيّد هذا الاسم: برطله، بضمّ اللّام وإسكان الهاء. وقال: كذا ثبت (7)
عنه، وقيّدت هذا الاسم على شيخنا أبي عبد الله بن صالح (8) بهاء التأنيث.
وقرأت عليه أيضا في رسم أبي عبد الله بن الجلّاب ممّا كتب إليه: (9) [الكامل]
__________
(1) في الأصل عمر.
(2) الأبيات في الذيل والتكملة 1/ 562، ووفيات الأعيان 3/ 391، وملء العيبة 4/ 66/ ب، وغربال الزمان 494ومرآة الجنان 3/ 283و 4/ 22، وسير أعلام النبلاء 22/ 69.
(3) في الوفيات والسير والمرآة: نشر له أن تمسّكي. والعرف: الرائحة الطيبة.
(4) في ت: قرأ.
(5) البيتان: ملء العيبة 4/ 66/ ب، ونفح الطيب 3/ 227.
(6) في ت وملء العيبة والنفح: أرجو نجاتي.
(7) في ط: أثبت.
(8) أبو عبد الله بن صالح: فقيه عالم، لقيه العبدري في تونس، نسبه عبد الحي الكتاني إلى قسنطينة. انظر فهرس الفهارس 1/ 340.
(9) الأبيات في ملء العيبة 4/ 67/ آ.(1/516)
بيني وبين الدّهر فيك عتاب ... سيطول إن لم يمحه الإعتاب
يا غائبا بكتابه ولقائه ... هل يرتجى من غيبتيك إياب (1)
لولا التّعلّل باللّقاء تقطّعت ... نفس عليك شعارها الأوصاب (2)
وقرأت عليه للأديب الكاتب أبي عثمان سعد (3) بن عبد الله الأنصاريّ المعروف بالأكوبي، قال: أنشدنيه لنفسه في نسوة مرّ بهن يتباكين على قبور في أيام عيد: (4) [الكامل]
برزوا بأحسن زينة وعرتهم ... ذكرى من الأهلين والخلّان
فتهافتت درر الدّموع لما رمت ... من شتّ شملهم يد الحدثان
فآعجب لضدّي حالتين تلاقيا ... زيّ السّرور وعبرة الأحزان
وقرأت عليه: قال: أنشدني الأكوبيّ، قال: أنشدني أبو الرّبيع بن سالم، قال: أنشدني أبو بكر عتيق بن عليّ المعروف بالفصيح قال: أنشدني الحسن ابن أبي الفتح بن وزير (5) الواسطيّ (6) ببغداد قال: أنشدني أحمد بن محمّد الواسطيّ: قال أنشدني صدقة بن الحسين، قال: أنشدني ابن (6) المندائيّ (7)، قال: أنشدني أبو محمّد الحريريّ [136/ آ] لنفسه، وكتب بها إلى صهره أبي
__________
(1) في الأصل: يا راغبا وهو تصحيف.
(2) في ملء العيبة شفاؤها الأوصاب، والأوصاب جمع وصب: وهو التعب والفتور.
(3) في ط: سعيد.
(4) الأبيات في ملء العيبة 4/ 67/ ب.
(5) في ت: رزين.
(6) (6) سقط من ت.
(7) في ت: المندابي.(1/517)
زيد السّروجيّ (1)، واسمه المطهّر، وكان مدمنا ينهاه عن ذلك: (2) [الطويل]
أبا زيد اعلم أنّ من شرب الطّلى ... تدنّس فاسمع قول واع مهذّب (3)
ومن قبل سمّيت المطهّر والفتى ... يصدّق بالأفعال تسمية الأب
فلا تحسونها ما دعيت مطهّرا ... وإلّا فغيّر ذلك الإسم واشرب (4)
وقرأت عليه أنشدني الأكوبيّ، قال: أنشدني أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرّحمن بن المرينة لنفسه: [المتقارب]
إذا كنت في الجود ذا رغبة ... فلا تنتظر موقف السّائل (5)
فإنّ الجواد على رغبة ... جواد لعمرك كالباخل
وقرأت عليه للأديب الكاتب أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد الجذاميّ القرطبيّ (6) المعروف بابن العطّار. ممّا أنشده إيّاه ملغزا في السّكين: (7) [الطويل]
أحاجيك ما شيء إذا ما سرقته ... وفيه نصاب ليس يلزمك القطع
__________
(1) اسمه مطهر بن سلار، وكان أديبا لغويا صحب الحريري وتخرّج به وتوفي بعد عام 540هـ.
ترجمته في إنباه الرواة 3/ 276وسير أعلام النبلاء 19/ 462.
(2) الأبيات في معجم الأدباء 16/ 272وملء العيبة 4/ 67/ ب و 68/ آ.
(3) في معجم الأدباء: فافهم سرّ قولي المهذب.
(4) في معجم الأدباء: فلا تحسها كيما تكون مطهرا، وقطع همزة الاسم ضرورة.
(5) في ت: وقفة السائل.
(6) هو محمد بن عبد الله محمد الجذامي القرطبي: أديب، شاعر، ظريف، مطبوع النوادر، التقاه ابن سعيد بالإسكندرية. ترجمته في اختصار القدح المعلّى 215/ نفح الطيب 2/ 124.
(7) البيتان في اختصار القدح المعلى 215ونفح الطيب 2/ 125وملء العيبة 4/ 68/ ب.(1/518)
على أنّ فيّه الحدّ والقطع ثابت ... ولا حدّ فيه هكذا حكم الشّرع (1)
وملغزا في اللّغز: (2) [البسيط]
ما اسم تحار به الأوهام والفكر ... ويعتري اللّسن فيه العيّ والحصر
يستبشر المرء إذ يبدو له فإذا ... لم يبد يعتاده الوسواس والسّهر
يغرى به كلّ نحرير وذي فطن ... ويفتدي منه من لا عنده النّظر (3)
هذا هو اللّغز قد جلّيته لكم ... كما يجلّي سواد الحندس القمر
ومولد الفقيه أبى الحسن بن رزين من عام ستّة وعشرين إلى عام سبعة وعشرين وستّ مئة. أخبرني به هكذا على الشّكّ.
[لقاؤه لابن زيتون]
ولقيت بها الشّيخ الفقيه الحسيب العالم، الفاضل، الكامل، الزّكي، الرّضيّ، مفتي إفريقية، والمنظور إليه بها، وقطب أصولها وفروعها، والمرجوع إليه في أحكامها، غير مدافع ولا منازع، أبا القاسم بن أبي بكر اليمنيّ (4) شهر [136/ ب] بابن زيتون، لقيته، وسمعت كلامه في بعض المسائل فسمعت كلام ممارس للعلم طويل الخدمة له، مدلّ على الخوض فيه غير هيوب ولا فرق، وحقّ ذلك لمن زاوله جمعا وفرقا، وطلبه غربا وشرقا، وخدمه من لدن
__________
(1) في القدح المعلى والنفح وملء العيبة فيه القطع والحدّ.
(2) الأبيات في ملء العيبة 4/ 68/ ب.
(3) النّحرير: العالم الحاذق في علمه.
(4) ولد سنة 620هـ وتوفي سنة 690. انظر برنامج الوادي آشي 14140.(1/519)
شبّ إلى أن دبّ، وأولع (1) به ولوع متيّم صبّ، يحبّ لحبّه كلّ منتم إليه، ويعكف (2) بباطنه وظاهره عليه.
ولم أكثر مجالسته لقلّة تفرّغه للرّواية، وكثرة شغله بالمسائل، واستجزته فأجازني وكتب لي بذلك خطّ يده، وكان رحل قديما إلى المشرق فلقي به جماعة من أحبار العلماء، وأخيار الفضلاء، وسمع منهم وأجازوه فمنهم الإمام زكيّ الدّين أبو محمّد عبد العظيم المنذريّ (3) قرأ عليه نحو الرّبع من «اختصاره لصحيح مسلم» وقدر الثّلث من أوّل «كتاب البخاري» وأجازه.
ومنهم شرف الدّين أبو عبد الله محمّد (4) بن أبي الفضل السّلميّ المرسيّ، سمع عليه «موطأ» يحيى بن يحيى وكتاب مسلم وأجازه. ومنهم عزّ الدّين أبو محمّد عبد العزيز بن عبد السّلام، وسمع عليه «مختصر الرّعاية» من تأليفه، وسمع عليه مواضع من قواعده الّتي سماها «مصالح الطّاعات».
وأجازه رشيد الدّين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن العطّار (5)، وصدر الدّين أبو عليّ الحسن بن محمّد بن محمّد بن محمّد
__________
(1) في ت: والع.
(2) في ط: ويعطف.
(3) سلفت ترجمته.
(4) سقط من ت. وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السّلمي المرسي فقيه، محدّث ولد بمرسية سنة 570هـ ورحل إلى المشرق للحجّ وطلب العلم، توفي بالزّعقة بالقرب من الرملة في ربيع الأول سنة 655هـ. له كتاب تفسير القرآن سماه «ريّ الظمآن» وكتاب «الضوابط الكلّية» في النحو. ترجمته في التكملة لابن الأبّار 1/ 363بغية الوعاة 1/ 146144ونفح الطيب 2/ 242241.
(5) هو يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي: حافظ، محدّث ثقة، انتهت إليه رئاسة الحديث بالديار المصرية، ألّف معجم شيوخه. توفي سنة 662هـ. انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1442وحسن المحاضرة 1/ 356وشذرات الذهب 5/ 311وطبقات الحفاظ للسيوطي 505.(1/520)
البكريّ التّميميّ (1)، وقرأ عليه بعض كتاب «الجامع» للترمذيّ، وأجازه عبد الغنيّ بن سليمان بن بنين (2). وشمس الدّين عبد الحميد الخسر نشاهيّ (3)
ودرس عليه علم الأصول. وأبو القاسم عبد الرّحيم ابن أبي جعفر سمع عليه كتاب «ما أظهره اللّفظ للعيان من بحر اللؤلؤ والمرجان من الأحاديث العوالي والأبيات الحسان» من تأليفه. وأبو يعقوب يوسف بن أبي المعالي بن ظافر الأنصاريّ ناوله «شعر ابن المفرّج (4)» وحدّثه به عنه.
[لقاؤه لأبي الحسن التّجاني]
ولقيت بها الشّيخ الأديب، الحسيب (5)، الكاتب، البليغ، ذا الفضائل المذكورة، والمآثر المآثورة، شيخ الأدباء، وأوحد البلغاء، [137/ آ] وزين النّاظمين والشّعراء، أبا الحسن عليّ بن إبراهيم التّجاني (6) التّونسي، له بيت
__________
(1) هو الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمرون التميمي: حافظ، صوفي سمع من الكثيرين، شرع في مسودة ذيل على تاريخ ابن عساكر وولي مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق توفي سنة 656هـ. ترجمته في شذرات الذهب 5/ 274حسن المحاضرة 1/ 356.
(2) هو عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري ولد سنة 575هـ وسمع من طائفة، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر مع صلاح وسكون. توفي سنه 661هـ. انظر حسن المحاضرة 1/ 380وشذرات الذهب 5/ 306.
(3) في ت وط: عبد المجيد، وهو تحريف، وهو عبد الحميد بن عيسى بن عمويّة بن يونس بن خليل ابن عبد الله نسبته إلى خسرونشاه من قرى تبريز. ومولده فيها سنة 580هـ. وتقدم في علم الأصول والعقليات والفقه وتلخيص الأيات البيّنات، له ترجمة في طبقات السبكي 8/ 161 شذرات الذهب 5/ 255. معجم المؤلفين 5/ 103.
(4) في ط: ابن أبي المفرج.
(5) ليست في ط.
ظ
(6) ولد بتونس سنة 635هـ وتوفي بها سنة 714. انظر برنامج الوادي آشي 6059.(1/521)
عريق في العلم والأدب، قال لي بمسجد إقرائه: أنا الثّاني عشر مدرسا من آبائي على نسق، كلّهم قد قعد للإقراء. وبيتهم بالعلم (1) شهير، وقلّ منهم ومن نسائهم من لا يقول الشّعر، وأمّا أبو الحسن فهو فيه آية الزّمان إجادة معنى، وتنقيح لفظ، وسرعة بديهة، وكثيرا ما يمليه ارتجالا فيجوّد ويتقن. وله مشاركة حسنة في العلم، ورواية عن الشّيوخ، ورحلة إلى المشرق حجّ فيها بالجملة من خواصّ أهل العلم وآحادهم جالسته كثيرا، وسمعت كلامه في الأدب وغيره، وقرأت عليه «مقامات الحريريّ» وكان (2) يردّ فيها ردّا حسنا، وينقدها نقدا محقّقا وذاكرته فيها بمواضع عديدة كنت أتعقّبها فأثبت قولي فيها واستحسنه، وحدّثني بها عن الشّيخ الفقيه العالم أبي عمرو عثمان بن سفيان (3) التّميميّ سماعا عن أبي الحسين بن جبير سماعا عن أبي الطّاهر الخشوعي عن الحريريّ وقرأت عليه «المقامة الدّوحيّة» (4) وحدّثني بها عن الخطيب أبي محمّد بن برطله قراءة عن أبي زكرياء يحيى بن حسّان القرطبي عن منشئها أبي بكر بن عياض القرطبيّ (5) وقرأت عليه «رياضة المتعلّمين» للإمام الحافظ أبي نعيم، وحدّثني بها عن [الخطيب] (6) ابن برطله المذكور، قراءة عن أبي الخطّاب بن واجب وأبي محمّد بن غلبون، عن أبي عبد الله بن سعادة، وأبي بكر بن أبي ليلى، عن القاضي أبي عليّ الصّدفيّ،
__________
(1) زاد في ت: شريف شهير.
(2) في الأصل: «كانت»، تحريف.
(3) في ت: سليمان وهو تحريف.
(4) في ط: الروحيّة وهو تحريف.
(5) هو محمد بن عياض اللبلي: أديب نحوي، تصدّر للإقراء في قرطبة أيام عبد المؤمن الموحدّي، وله المقامة الدوحية. انظر المغرب 1/ 344، رايات المبرزين 132.
(6) زيادة من ت.(1/522)
عن أبي الفضل محمد بن أحمد الأصبهاني الحدّاد، عن الحافظ أبي نعيم، وقرأت عليه قصيدة الشّيخ الحافظ أبي عبد الله القضاعيّ الّتي امتدح بها الأمير أبا زكريّاء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص (1)، وهي مشهورة، أوّلها: (2) [البسيط]
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إنّ السّبيل إلى منجاتها درسا
وحدّثني بها سماعا عنه، وسمعت (3) عليه قصيدة الشّيخ الأديب الأوحد، الفاضل، أبي الحسن حازم بن محمّد بن حازم الأندلسيّ القرطاجنّيّ، (4)
[137/ ب] وهي المقلوبة من قصيدة امرىء القيس في مدح المصطفى صلّى الله عليه وسلم، أجاد فيها وأبدع ما شاء الله ورام منها المرام الصّعب فطاوع (5) الإنشاء، وهي ممّا ينبغي أن يقيّد ولا يهمل، فلذلك رأيت إثباتها في هذا الموضع مستخيرا الله سبحانه، وقد حدّثني بها عن منشئها المذكور وهي (6): [الطويل]
__________
(1) يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاني: أوّل من استقلّ بالملك عن الموحدين بمراكش سنة 626هـ. أنشأ المدارس والمساجد وجعل لها الأوقاف، كان كاتبا شاعرا، توفي ببونة سنة 647هـ.
له ترجمة في فوات الوفيات: 4/ 295293، والمؤنس في أخبار إفريقية وتونس 132.
(2) القصيدة بتماها في ديوان ابن الأبّار: 395.
(3) في ت وط: وقرأت.
(4) هو حازم بن محمد بن حسن بن حازم القرطاجني: أديب، عالم، شاعر، من أهل قرطاجنة شرقيّ الأندلس توفي بتونس سنة 648هـ، من كتبه. منهاج البلغاء، بالإضافة إلى ديوان شعره. له ترجمة في نفح الطيب 2/ 51584/ 519أزهار الرياض 3/ 172بغية الوعاء 1/ 491.
(5) في: فضارع.
(6) سميت هذه القصيدة «حديقة الأزهار وحقيقة الافتخار في مدح النبي المختار سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الأبرار» وهي في ديوان حازم القرطاجني 89/ 96. وفي أزهار الرياض 3/ 182178ونفح الطيب 5/ 523520.(1/523)
[قصيدة حديقة الأزهار للقرطاجني]
لعينيك قل: إن زرت أفضل مرسل ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وفي طيبة فانزل، ولا تغش منزلا ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
وزر روضة قد طالما طاب نشرها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
وأثوابك اخلع محرما ومصدّقا ... لدى السّتر إلّا لبسة المتفضّل
5 - لدى كعبة كم فاض دمعي لبعدها ... على النّحر حتّى بلّ دمعي محملي (1)
فيا حادي الآمال سر بي ولا تقل ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل (2)
فقد حلفت نفسي بذاك وأقسمت ... عليّ وآلت حلفة لم تحلّل
فقلت لها: لا شكّ أنّي طائع ... وأنّك مهما تأمري القلب يفعل
وكم حملت في أظهر العزم رحلها ... فيا عجبا من رحلها المتحمّل (3)
10 - وعاتبت العجز الّذي عاق عزمها ... فقالت: لك الويلات إنّك مرجلي
نبيّ هدى قد قال للكفر نوره: ... ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجل
تلا سورا، ما قولها بمعارض ... إذا هي نصّته ولا بمعطّل (4)
لقد نزلت في الأرض منّة هديه ... نزول اليماني ذي العياب المخوّل (5)
__________
(1) في ت وط: قد فاض.
(2) في النفح والأزهار: فيا حادي الآبال.
(3) في ت: وقد حملت وفي الديوان: من كورها.
(4) نصّ الشيء: رفعه.
(5) في الديوان والنفح وأزهار الرياض: ملّه هديه ذي العياب المحمّل، والعياب جمع عيبة. وهي وعاء للمتاع يكون من أدم.(1/524)
أتت مغربا من مشرق، وتعرّضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
15 - ففازت بلاد الشّرق من زينة بها ... بشقّ، وشق عندنا لم يحوّل
فصلّى عليه الله ما لاح بارق ... كلمع اليدين في حبيّ مكلّل (1)
نبيّ غزا الأعداء بين تهائم ... وبين أكام، بعد ما متأمّل (2)
فكم ملك وافاه في زيّ منجد ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وكم من يمان رامح جاءه اكتسى ... بضاف فويق الأرض ليس بأعزل (3) ... [138/ آ] 20ومن أبطحيّ نيط منه نجاده ... بجيد معمّ في العشيرة مخول (4)
أزلّوا ببدر عن سروجهم العدا ... كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (5)
ونادوا ظباهم: لا يفتك فتى، ولا ... كبير أناس في بجاد مزمّل (6)
وفضّي جموعا قد غدا جامعا لهم ... بنا بطن حقف ذي ركام عقنقل (7)
وأحموا وطيسا في حنين كأنّه ... إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
25 - ونادوا بنات النّبع: بالنّصر أثمري ... ولا تبعدينا من جناك المعلّل (8)
__________
(1) الحبيّ من السحاب ما عرض لك وارتفع، والمكلّل: الذي في جوانب السّماء كالإكليل.
(2) في الديوان والنفح والأزهار: بين تلائع: والرواية في قصائد ومقّطعات: سرى بجنود الله بين تهائم.
(3) في النفح والأزهار: يمان واضح.
(4) في الديوان: يعط عنه.
(5) في الديوان والنفح والأزهار: أزالوا: وفي النفح والأزهار: على بروجهم.
(6) في نفح الطيب: وفادوا ظباهم.
(7) في الديوان: وفضّ في قفاف عقنقل وفي نفح الطيب فدفدا جامعا بها. وفي النفح والأزهار:
لنابطن، وفي أزهار الرياض ذي قفاف.
(8) في ت: لا تبعديني.(1/525)
وممّن له سدّدت سهمين، فاضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل
فما أغنت الأبدان درع بها اكتست ... ترائبها مصقولة كالسّجنجل
وأضحت لواليها ومالكها العدا ... يقولون لا تهلك أسى، وتجمّل
وقد فرّ منصاع، كما فرّ خاضب ... لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل (1)
30 - وكم قال: يا ليل الوغى طلت فانبلج ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
فليت جوادي لم يسر بي إلى الوغى ... وبات بعيني قائما غير مرسل
وكم مرتق أوطاس منهم بمسرج ... متى ما ترقّ العين فيه تسهّل
وقرّطه خرصا، كمصباح مسرج ... أهان السّليط في الذّبال المفتّل (2)
فيرنو لهاد فوق هاديه طرفه ... بناظرة من وحش وجرة مطفل (3)
35 - ويسمع من كافورتين بجانبي ... أثيث كقنو النّخلة المتعثكل (4)
ترفّع أنّ يعزى له شدّ شادن ... وإرخاء سرحان، وتقريب تتفل (5)
ولكنّه يمضي كما مرّ مزبد ... يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل (6)
ويغشى العدا كالسّهم، أو كالشّهاب، أو ... كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
__________
(1) في الأصل منصاعا وهو تحريف، والرواية في قصائد ومقطعات وفرّ ابن عوف مثلما فرّ خاضب.
(2) في ت وط: خرسا، ورواية عجز البيت في النفح والأزهار، آمال السليط بالذبال المقتل.
(3) وجرة: موضع. ومطفل: ذات طفل وهو الغزال.
(4) الأثيث: الكثير المتواكب، والقنو: العذق. المتعثكل: الذي قد دخل بعضه في بعض لكثرته أو وهو المتدلي.
(5) الشادن ولد الظبية. إرخاء سرحان: سرعة ذئب في لين، وتقريب تتفل: جري الثعلب.
(6) يكب على الأذقان دوح الكنهبل: يقتلع شجر الكنهبل من أصوله ويلقيه على أم رأسه لشدة هيجه.(1/526)
جياد أعادت رسم رستم دارسا ... وهل عند رسم دارس من معوّل
40 - وريعت بها خيل القياصر، فاختفت ... جواحرها في صرّة لم تزيّل (1)
سبت عربا من نسوة العرب تستبي ... إذا ما اسبكرّت بين درع ومجول (2)
وكم من سبايا الفرس والصّفر أسهرت ... نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل (3) ... [138/ ب] وحزن بدورا من ليالي شعورها ... تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل (4)
وأبقت بأرض الشّام هاما كأنّها ... بأرجائها القصوى أنابيش عنصل (5)
45 - وما جفّ من حبّ القلوب بغورها ... وقيعانها كأنّه حبّ فلفل
وكم جبن من غبراء لم يسق نبتها ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل (6)
لخضراء ما دبّت ولا نبتت بها ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل (7)
شدا طيرها في مثمر ذي أرومة ... وساق كأنبوب السّقيّ المذلّل (8)
فشدّت بروض ليس يذبل بعدها ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل (9)
50 - وكم هجرت في القيظ تحكي دوارعا ... عذارى دوار في الملاء المذيّل (10)
__________
(1) في قصائد مقطعات: وريعت به. جواحرها: ما تخلّف منها، والصرّة: الجماعة. لم تزيل: لم تتفرق.
(2) المسبكرّة: الشابة المعتدلة القامة.
(3) الصّفر: لعله أراد بني الأصفر، وهم الروم، لم تنتطق: لم تشد نطاقا للعمل، أي مرفهة منعمة. عن تفضّل: عن ثوب النّوم.
(4) في النفح: تضل العقاص.
(5) في ت: بأرجائه القصوى، أنابيش عنصل: أصول العنصل: وهو البصل البّري.
(6) في قصائد ومقطعات: لم تسق متنها.
(7) الأساريع: دود صغير. وظبي: كثيب معروف. الإسحل: شجر تتخذ عروقه مساويك كالأراك.
(8) أنبوب السقي المذلل: ساق كساق البردي وهو نبات يقوم على سوق في فاقع الماء المذلل: المحروث.
(9) في ط: بعد ما، مغار الفتل: الحبل المفتول جيدا، يذبل: جبل.
(10) الدوار: صنم لأهل الجاهلية يدورون حوله. الملاء المذيل: الملاء الفضفاض.(1/527)
وكم أدلجت والقرّ يهفو هزيزه ... ويلوي بأثواب العنيف المثقّل (1)
وخضن سيولا فضن بالبيد بعد ما ... أثرن غبارا بالكديد المركّل (2)
وكم ركزوا رمحا بدعص كأنّه ... من السّيل والغثّاء فلكة مغزل (3)
فلم تبق حصنا خوف حصنهم العدا ... ولا أطما إلّا مشيدا بجندل (4)
55 - فهدّت بقضب شلن بعد إمالة ... بأمراس كتّان إلى صمّ جندل (5)
وجيش بأقصى الأرض ألقى جرانه ... وأردف أعجازا، وناء بكلكل
يدكّ الصّفا دكّا، ولو مرّ بعضه ... وأيسره على السّتار فيذبل (6)
دعا النّصر والتّأييد رايته اسحبي ... على أثرينا ذيل مرط مرجّل (7)
لواء منير النّصل سام كأنّه ... منارة ممسى راهب متبتّل (8)
60 - كأنّ دم الأعداء في عذباته ... عصارة حنّاء بشيب مرجّل (9)
__________
(1) في النفح: والقتر يهفو. وفي ت: المفتل: والهزيز: صوت الريح، يلوي: يذهب ويميل. العنيف:
غير الرفيق.
(2) الكديد: ما صلب من الأرض، المركل: الذي ركلته الخيل بحوافرها.
(3) الدّعص: الكثيب المجتمع من الرمل. الغثاء: ما يحمله السيل من بقايا الأشياء، فلكة مغزل: كأن الماء استدار حوله.
(4) في الديوان والنفح والأزهار: فلم تبن، والأطم: الحصن. مشيد بجندل مبني بالحجارة.
(5) في الديوان والأزهار: بعضب شدّ بعد صقاله، وفي النفح: بعضب شيب بعد صقاله.
(6) في قصائد ومقطعات والنفح، عالي الستار، وفي النفح: ويذبل. وستار ويذبل، جبلان.
(7) في الديوان والنفح: راياته وفي ت: على أثرينا أثر. والمرط. كساء من خز أو كتان، والمرحلّ: الموشّى.
(8) في الديوان والنفح والأزهار: طاو كأنه. المنارة: يريد به سراج الراهب الذي يستضيء به في وحدته وانقطاعه لعبادة ربه.
(9) في الديوان: كأن دما وفي أزهار الرياض: ترى دم.(1/528)
صحاب فروا هام العداة وكم قروا ... صفيف شواء أو قديد معجّل (1)
وكم أكثروا ما طاب من لحم جفنة ... وشحم كهدّاب الدّمقس المفتّل (2)
حكى طيب ذكراهم، ومرّكفاحهم ... مداك عروس، أو صراية حنظل (3)
لأمداح خير الخلق قلبي قد صبا ... وليس صباي عن هواها بمنسل (4)
65 - ولم يثنني عن وصفها خود انثنت ... عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل
فدع من لأيّام صلحن له صبا ... ولا سيّما يوم بدارة جلجل (5)
[139/ آ] وأصبح عن أمّ الحويرث ماسلا ... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
وكن في مديح المصطفى كمدبّج ... يقلّب كفّيه بخيط موصّل
وأمّل بها الأخرى، ودنياك دع فقد ... تمتّعت من لهو بها غير معجل
70 - وكن كمنيب، للفؤاد مؤنّب ... نصيح على تعذاله غير مؤتل (6)
ينادي: إلهي إنّ ذنبي قد عدا ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فكن لي مجيرا من شياطين شهوة ... عليّ حراص لو يشّرون مقتلي (7)
وينشد دنياه إذا ما تدلّلت ... أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل
__________
(1) في الديوان والنفح والأزهار: بروا هام وفي الديوان والنفح والأزهار: قدير معجل، صفيف شواء: شرائح لحم مشوي، والقديد: اللحم المقدّد.
(2) في الديوان والنفح والأزهار: لحم جفرة، والدمقس: الحرير.
(3) في ت والنفح والأزهار: صلاية، ومداك العروس: حجر يسحق عليه الطيب للعروس، الصرّاية: نقيع ماء الحنظل.
(4) في قصائد ومقطعات والنفح والأزهار: وليس فؤادي.
(5) في قصائد ومقطعات: لأيام الصبابة قد صبا، وفي ت: يوما بدارة جلجل.
(6) في الديوان: وكم لنبيث للفؤاد منابث، وفي النفح: وكن لنيث للفؤاد منابث، وفي ت: للفؤاد مؤالف.
(7) يشرّون: يظهرون قتلي من غيظهم عليّ، ويروى: «لو يسرّون» أي يكتمون.(1/529)
فإن تصلي حبلي بخير وصلته ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي (1)
75 - وأحسن بقطع الحبل منك وبتّه! ... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل (2)
أيا سامعي مدح الرّسول تنشّقوا ... نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل
وروضة حمد للنّبيّ محمّد ... غذاها نمير الماء غير المحلّل
ويا من أبى الإصغاء ما أنت مهتد ... وما إن أرى عنك العماية تنجلي (3)
فلو مطفلا أنشدته لفظها ارعوت ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل (4)
80 - ولو سمعته عصم طود أمالها ... فأنزل منه العصم من كلّ منزل (5)
وأنشدني (6) حفظه الله لنفسه: [الطويل]
قفوا سلّموا هذا ضريح محمّد (البيتين)
وقد مضى ذكرهما (7) وأنشدني أيضا لنفسه [السريع]
حدّثني أبخر أضحى بما ... أهدى إلى الآذان آذاني
كأنّما في فمه جيفة ... أو شعرة من لحية الدّاني
__________
(1) في ط: لجبر وصلته.
(2) في ت: تسلل.
(3) في قصائد ومعلقات، ما أنت منته وفي النفح والأزهار: عنك الغواية تنجلي. والعماية: الغواية واللّجاج.
(4) في الديوان وت والنفح والأزهار: ذي تمائم محول، والغيل: اللبن ترضعه المرأة ولدها وهي تؤتى.
(5) الأعصم: الوعل، والطّود: الجبل العظيم.
(6) في ت: وأنشدني أيضا.
(7) سلف البيتان في الصفحة 426.(1/530)
وأنشدني أيضا لنفسه: [السريع]
يا من إذا أودع سرّا فلا ... دين له عن نشره يردعه
كالبوق إن أودع فيه فم ... ألطف ريح ذاع مستودعه
وأنشدني في الدّينار ولم يسمّ قائله، وذلك عند [139/ ب] قراءتي عليه قول أبي محمّد الحريريّ: (1) [الرجز]
أصفر ذي وجهين كالمنافق
يهيم النّاس بالدّينار حبّا ... وما فيهم سوى من يصطفيه (2)
فذو الوجهين عندهم وجيه ... وذاك نقيض ما قد صحّ فيه
يعني
قوله صلّى الله عليه وسلم «ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها»
(3). وأنشدني في ضدّه (4): [الوافر]
صديق المرء كالدّينار طبعا ... وكيف يخالف المرء الطّباعا
تراه ما أقام يقيم جاها ... وإن فارقته أجدى انتفاعا
قلت: وهذا أثبت في وصف الدّينار من قول بعضهم أنشده الحاتميّ (5) في أبيات المعاني (6): [الوافر]
__________
(1) البيت في مقامات الحريري 32وألف باء للبلوي 1/ 111.
(2) البيتان من الوافر.
(3) أخرجه القاضي عياض في الشفا 1/ 103وهو في الكامل لابن عدي 5/ 1962بخلاف في اللفظ.
(4) البيتان لابن رشيق القيرواني في ديوانه 104.
(5) هو أحمد بن حاتم الباهلي: لغوي، نحوي، صحب الأصمعي وروى عنه كتبه. من مؤلفاته الشجر والنبات، والإبل، أبيات المعاني توفّي سنة 231هـ له ترجمة في معجم الأدباء 2/ 223وتاريخ بغداد 4/ 111وإنباه الرواة 1/ 36، وإيضاح المكنون 13.
(6) البيتان منسوبان للأخطل في شرح المقامات للشريشي 1/ 41ولم أجدهما في ديوانه.(1/531)
ومعشوق يرقّص كلّ يوم ... ترى في وجهه أبدا كلاما
إذا فارقته أجداك نفعا ... ولا يجدي عليك إذا أقاما
ومن هذا أخذ الحريريّ قوله (1): [الرجز]
وشرّ ما فيه من الخلائق
أن ليس يغني عنك في المضائق
إلّا إذا فرّ فرار الآبق
وأنشدني للإمام أبي الطّاهر السّلفي رضي الله عنه: [السريع]
ربّ كتاب لي قابلته ... وقلت في نفسي صحّحته
حتّى إذا عاودته مرّة ... وجدت تحريفا فأصلحته
وأنشدني لامرأة من أهل بيته ولم يسمّها ملغزة في اسم تميم: (2)
[الطويل]
يقولون لي: هذا حبيبك ما اسمه ... فما اسطعت إفشاء وما اسطعت أكتم
فقلت: اسمه ميم وحرف مقدّم ... فهذا اسم من أهوى فديتكم افهموا
__________
(1) مقامات الحريري 3330.
(2) هي زينب بنت إبراهيم التجاني كما ورد في مقدمة رحلة التجاني التي كتبها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب / يط / وقد ورد البيتان في الصفحة ك، وانظر شهيرات التونسيات 111، ونسبهما ابن رشيد في ملء العيبه 5/ 396لستّ الأهل.(1/532)
وأنشدني لها أيضا في صفة شعر (1): [140/ آ] [الطويل]
إذا انسدلت منه عليها ذؤابة ... كغصن أراك عانق الغصن أرقم (2)
أثيث طويل فهو يستر جسمها ... إذا نزعت عنه الملابس أسحم (3)
كأنّ الصّباح ارتاع من خوف طالب ... بثأر فأضحى بالدّجا يتكتّم (4)
وأنشدني أيضا، وأظنّه لنفسه (5): [الوافر]
رغيف أبي عليّ حلّ خوفا ... من الأضياف منزلة السّماك
إذا كسروا رغيف أبي عليّ ... بكى، يبكي، بكاء فهو باك
وأنشدني أخوه الفقيه أبو حفص عمر بن إبراهيم التّجانيّ (6) لنفسه:
[السريع]
سرّك إن أعلمته ثانيا ... فاعلم بأن قد آن أن تفشيه
لأنّ ما أضمر في حالة ال ... إفراد تستخرجه التّثنيه
__________
(1) الأبيات الثلاثة نسبها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب لزينب بنت إبراهيم التجاني أيضا في مقدمة رحلة التجاني أيضا في صفحة ك. وشهيرات التونسيات 111.
(2) في شهيرات التونسيات: عانقته أراقم
(3) في ط: يستر جسمها.
(4) في شهيرات التونسيات: فألوى بالدّجا.
(5) ورد البيتان في الحماسة المغربية 1295، وثمّة بيتان قريبان منهما وردا في الحماسة البصرية 2/ 261.
(6) عمر بن إبراهيم التجاني: أديب، عالم، كاتب، له شعر لقيه العبدري في تونس عند الصدور. انظر مقدمة رحلة التجاني لحسن حسني عبد الوهاب صفحة كا.(1/533)
قلت: وهذا استدلال (1) بالتّمثيل نحوي مليح، مناسب جدّا، يدلّ على طبع فاضل، ومقول فاصل وأنشدني للفقيه أبي المطرّف (2) ابن عميرة رحمه الله (3): [الخفيف]
بايعونا موّدة هي عندي ... كالمصرّاة بيعها بالخداع
فسأقضي بردّها ثمّ أقضي ... معها من ندامتي ألف صاع
وأنشدني له أيضا: (4) [الطويل]
شرطت عليهم عند تسليم مهجتي ... وعند انعقاد البيع قربا يواصل
فلمّا أردت الأخذ بالشّرط أعرضوا ... وقالوا: يصحّ البيع والشّرط باطل (5)
[لقاؤه للقسّي]
ولقيت بها الفقيه الأفضل (6) أبا عبد الله محمّد بن أبي القاسم الأزديّ ويعرف بالقسّيّ (7) بضمّ القاف. وهو رجل، فاضل، وقور، ذو سمت [140/ ب] وهيئة، من عدول البلد رحل إلى المشرق، فلقي النّاس، وأخذ عنهم
__________
(1) في ت: وهذا الاستدلال بالتمثيل النحوي.
(2) في ت، أبو المظفر، وهو تحريف. سلفت ترجمته في الصفحة 64.
(3) الأبيات في الذيل والتكملة 1/ 1531وملء العيبة 2/ 206.
(4) الأبيات في الذيل والتكملة 1/ 1531وملء العيبة 2/ 206.
(5) جاء بعد هذين البيتين في طبعة الرباط: إن هذا من قوله:
وقالوا بعت نفسك لا بشيء ... ويفسخ بيع مغبون بجهل
فقلت: أنا أديب لا فقيه ... ونقض العهد عندي شر فعل
(6) في ط: الفاضل.
(7) ولد سنة 639هـ توفي سنة 708هـ بتونس. انظر برنامج الوادي آشي 58.(1/534)
قرأت عليه جزءا في «فضيلة من اسمه محمّد وأحمد» تخريج الشّيخ الحافظ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير النّجار، وحدّثني به (1) عن وجيه الدّين منصور بن سليم الإسكندارانيّ عرف بابن العماديّة، سماعا عليه بالإسكندريّة، عن أبي القاسم عبد الرّحمن بن عبد المجيد (2) الصّفراويّ، سماعا وقراءة عن أبي الفداء إسماعيل بن عليّ الموصليّ، عن أبي عبد الله محمّد بن بركة الصّلحي، عن أبي الحسن عليّ بن أحمد الدّهان، عن الشّريف أبي الحسن محمّد بن أحمد بن المهتدي، عن ابن بكير (3) مصنّفه، وهذا الجزء جزء (4) لطيف، رأيت أن أذكر هنا أحاديثه مختصرة الأسانيد ليخفّ حفظها، وعلى أنّها مضعّفة فقد قال الحافظ أبو عمر بن البرّ: إنّهم كانوا يتساهلون في أحاديث الفضائل فيروونها عن كل قويّ وضعيف.
وأوّل الأحاديث عن أنس ابن مالك قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «يوقف عبدان بين يديّ الله عزّ وجلّ فيأمر بهما إلى الجنّة، فيقولان: ربّنا وبم استأهلنا الجنّة ولم نعمل عملا نجازى به الجنّة؟ فيقول الله لهما: عبديّ ادخلا الجنّة، فإنّي اليت على نفسي ألّا يدخل النّار من اسمه أحمد ولا محمّد»
(5).
وعن أبي أمامة الباهليّ
قال الرّسول صلّى الله عليه وسلم: «من ولد له مولود فسمّاه محمّدا حبّا لي وتبرّكا باسمي كان هو ومولوده في الجنّة»
(6).
__________
(1) ليست في ط.
(2) في ت عبد الجليل وهو تحريف.
(3) في ت: بكر.
(4) ليست في ت وط.
(5) لم أقف له على تخريج فيما رجعت إليه من كتب الحديث.
(6) أخرجه شيرويه الديلمي في فردوس الأخبار 4/ 89وعلاء الدين الهندي في كنز العمال 16/ 223 وورد في ميزان الاعتدال 1/ 447.(1/535)
وعن ابن عبّاس وواثلة بن الأسقع (1):
«من ولد له ثلاثة أولاد ولم يسمّ أحدهم محمّدا فقد جهل
(2)» وفي رواية «فقد جفاني».
وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قال عليه الصّلاة والسّلام:
«ما اجتمع قوم في مشورة معهم رجل اسمه محمّد، فلم يدخلوه في مشورتهم إلّا لم يبارك لهم»
(3).
وفي رواية عنه:
«ما من قوم كانت لهم مشورة، فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمّد فأدخلوه في مشورتهم إلّا خير لهم
(4)».
وعن أنس بن مالك قال: «تسمّونهم [141/ آ] محمّدا ثمّ تسبّونهم؟» (5).
وعن عليّ عنه عليه السّلام: «ما من مائدة وضعت، وحضر عليها من اسمه أحمد أو محمّد إلا قدّس الله ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين»
(6).
__________
(1) واثلة بن الأسقع بن عبد العزى الليثي الكناني: صحابي خدم النبي ثلاث سنين، شهد فتح دمشق.
روى 76حديثا. توفي سنة 83هـ بالقدس أو بدمشق. له ترجمة في الإصابة 3/ 589وفي صفة الصّفوة 1/ 674.
(2) أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2107والطبراني الكبير 6/ 237ومجمع الزوائد 8/ 49والديلمي في فردوس الأخبار 4/ 288بخلاف ليسير في اللّفظ، والجامع الصغير 2/ 183، وكنز العمال 16/ 419.
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل 1/ 173وشيرويه الديلمي في فردوس الأخبار 4/ 352وعلاء الدين الهندي في كنز العمال 6/ 422.
(4) لم أقف له على تخريج فيما رجعت إليه من كتب الحديث.
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 493بلفظ تسمون أولادكم محمدا ثم تسبّونهم، والشفا لعياض 2/ 930وفي معجم الزوائد 8/ 48بلفظ ثم تلعنونهم، وكنز العمال 16/ 428418و 16/ 422 وميزان الاعتدال 1/ 557.
(6) أخرجه شيرويه الديلمي في فردوس الأخبار 4/ 340وابن عدي في الكامل 1/ 172بخلاف في اللفظ من طريق جابر.(1/536)
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه مرسلا قال: «إذا سمّيتم محمّدا فعظّموه، ووقّروه وبجّلوه، ولا تذلّوه، ولا تحقّروه، ولا تجبهوه (1) تعظيما لمحمّد صلّى الله عليه وسلم»
(2).
وعن الحسن البصري (3) موقوفا قال:
«إنّ الله عزّ وجلّ ليوقف عبدا (4)
بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد أو محمّد، قال: فيقول الله تعالى: محمّد عبدي أما استحييت منّي تعصيني واسمك باسم حبيبي محمّد، فينكّس العبد رأسه ثمّ يقول: اللهم إنّي فعلت، فيقول الله: يا جبريل، خذ بيد عبدي فأدخله الجنّة، فإنّي استحيي أن أعذّب بالنّار من اسمه على اسم حبيبي محمّد.»
(5)
وعن عليّ رضي الله عنه عن النّبيّ عليه السّلام: «إذا سمّيتم الولد محمّدا فأكرموه وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبّحوا له وجها»
(6).
وعن ابن عبّاس عنه:
«ما من أهل بيت منهم من اسمه محمّد إلا لم يزالوا في البركة في كلّ يوم وليلة»
(7)
وعن أبي هريرة عنه قال:
«لا يدخل الفقر بيتا فيه اسمي
(8)».
__________
(1) في ت وط: تجفوه: وجبهه: ضرب جبهته، أولقيه بما يكره.
(2) هو في فردوس الأخبار 1/ 411بخلاف في اللفظ، وكنز العمال 16/ 421بخلاف في اللفظ وكشف الخفاء 1/ 94.
(3) هو الحسن بن يسار البصري تابعيّ، ولد بالمدينة ولقي بعض الصحابة وسمع من بعضهم له كتاب في التفسير، وله نزول القرآن، توفي سنة 110هـ، له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1/ 71وطبقات الحفاظ للسيوطي 35.
(4) في ت: رجلا.
(5) لم أقف له على تخريج فيما رجعت إليه من كتب الحديث.
(6) الحديث في الجامع الصغير 1/ 29وفيض القدير 1/ 385، وكنز العمال 16/ 418.
(7) لم أقف له على تخريج فيما رجعت إليه من كتب الحديث.
(8) ورد هذا الحديث في الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 6/ 2169.(1/537)
وعن عليّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: «ما من أهل بيت فيهم اسم نبيّ، إلّا بعث الله إليهم ملكا يقدّسهم بالغداة والعشيّ»
(1).
وعن عائشه رضي الله عنها
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: «ما أكل طعام قطّ من حلال، عليه رجل اسمه اسمي إلّا يضاعف الله في طعامهم»
(2).
وعن أبي سعيد عنه عليه السّلام:
«من ولد له مولود فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوّجه، فإن بلغ ولم يزوّجه فأصاب إثما باء بإثمه»
(3).
انتهت أحاديث الجزء المذكور، وفي معناها ما أخبرني به الشّيخ المسند المعمّر، أبو محمّد بن هارون، عن أبي القاسم بن الطّيلسان عن أبي جعفر بن عبد المجيد، عن أبي القاسم بن بشكوال عن أبي عمران بن أبي تليد، عن أبي عمر بن عبد البرّ، عن عبد الوارث بن سفيان، عن قاسم بن أصبغ، عن عبد الله بن أبي مسرّة، عن مطرّف [141/ ب] بن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن ابن جريج يرفعه، قال:
«من كان له ذو بطن فأجمع أن يسمّيه محمّدا، رزقه الله غلاما، وما كان اسم محمّد في بيت إلا جعل الله في ذلك البيت البركة»
(4).
وبه إلى ابن أبي مسرّة قال: حدّثني ابن أبي قدامة العمريّ عن أبيه، يرفع الحديث إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلم،
قال: «ما ضرّ أحدكم أن يكون في بيته محمّد ومحمّدان وثلاثة»
(5).
__________
(1) أخرجه شيرويه الديلمي في فردوس الأخبار 4/ 351.
(2) لم أقف له على تخريج فيما رجعت إليه من كتب الحديث.
(3) ليست في ط.
(4) هو في الأسرار المرفوعة 435بخلاف في اللفظ.
(5) أخرجه القاضي عياض في الشفا 1/ 230و 2/ 931والسيوطي في الجامع الصغير 2/ 146 وقال عنه ضعيف، وكنز العمال 16/ 419وفيض القدير للمناوي 5/ 453.(1/538)
[لقاؤه لجابر الوادي آشي]
ولقيت بها الشّيخ، الفقيه، الحاجّ، المبارك، الأفضل، معين الدّين أبا محمّد جابر بن محمّد بن القاسم بن حسّان الوادي آشي (1)، وكان من التّجّار في القيساريّة. (2) رحل إلى المشرق قديما فلقي به الإمام علم الدّين السّخاويّ، وسمع منه وأجازه، وقرأ عليه قصيدتي الشّيخ الإمام أبي القاسم الشّاطبي في القراءات، وفي المرسوم، وحدّثه بهما عنه وقد قرأت عليه بعض الأولى، وجميع الثّانية، وأصله يمسك عليه، وحدّثني بهما معا عن السّخاويّ عن ناظمهما (3) المذكور، وأجازني إجازة عامّة، وكتب لي بذلك خطّ يده، وقرأت عليه أرجوزة السّخاوي في المتشابه من ألفاظ القرآن، وحدثني بها عنه قراءة، وهي في أوراق بديعة محكمة، وأرى أن أثبت منها ها هنا دررا، وأوّلها:
[الرجز]
قال السّخاويّ عليّ ناظما ... كان له الله الرّحيم راحما
الحمد لله الحميد الصّمد ... منزل الذّكر على محمّد
فيه هدى للمهتدي ونور ... وحكمة تشفى بها الصّدور (4)
ثمّ مرّ في مقدمة الأرجوزة إلى أن قال:
__________
(1) ولد سنة 610هـ وتوفي سنة 694هـ. انظر برنامج الوادي آشي 5554.
(2) القيسارية: بلدة على ساحل بحر الشام تعد في فلسطين بينها وبين طبرية ثلاثة أيّام. انظر مراصد الاطلاع 1139.
(3) في ط: ناظمها.
(4) في ط: هدى للمتقين.(1/539)
وقد نظمت في اشتباه الكلم ... أرجوزة كاللّؤلؤ المنتظم
لقّبتها هداية المرتاب ... وغاية الحفّاظ والطّلّاب
أودعتها مواضعا تخفى على ... تالي الكتاب وتريح من تلا
رتّبتها على حروف المعجم ... فأفصحت عن كلّ أمر مبهم
[142/ آ] فإن أردت علم لفظ مشكل ... فانظر إلى الحرف الّذي في الأوّل
فإنّه باب من الأبواب ... وفيه ما رمت بلا آرتياب (1)
ولا تعدّ أوّلا مزيدا ... إلّا إذا كان هو المقصودا
ثمّ أتمّ المقدّمة وابتدأ حرف الهمزة فقال:
واقرأ {فأنزلنا باي البقره} {على الّذين ظلموا محبّره} [2]
لكن {فأرسلنا عليهم} [3] جاء في ... سورة الآعراف يقينا فآعرف
وآخر الآية {يفسقون} فيها، وفي الأعراف {يظلمون} [4]
وجاء {إبليس أبى واستكبر} [5] ... فيها، وفي (صاد) أبى ما ذكرا (6)
__________
(1) في ط: ففيه ما رمت.
(2) من قوله تعالى في سورة البقرة، الآية 59 {فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزا من السّماء بما كانوا يفسقون.
(3) يشير إلى قوله تعالى في سورة الأعراف، من الآية 162} {فأرسلنا عليهم رجزا من السّماء بما كانوا يظلمون.
(4) سبق تخريج الآيتين في الحاشيتين السابقتين.
(5) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة، من الآية 34} إلّا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.
(6) في ت وط: أيا ما ذكرا، وهو تحريف.(1/540)
ومع {وما أنزل قل} {إلينا} [1] ... وآل عمران بها {علينا} [2]
ثمّ مرّ على الحروف واحدا واحدا إلى آخرها، فقال في حرف الياء:
واقرأ {ولا يوخذ منها عدل} من بعد {لا يقبل منها واتل} [3]
وقبل: {لا تنفعها شفاعه} [4] ... هذا على قراءة الجماعه
إلّا على قراءة المكّيّ ... فإنّه بالتّاء، والبصريّ (5)
{يذبّحون} [6] مفرد في البقره ... وزد بإبراهيم واوا مظهره (7)
واقرأه في الأعراف {يقتلون} [8] ... وأفت إن جاؤوك يسألون
ثمّ أتمّ الحروف (9) فقال:
__________
(1) من قوله تعالى في سورة البقرة، من الآية 36 {قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا.
(2) في ط: أنزلنا. وجاء في سورة آل عمران، من الآية 84} {قل آمنّا بالله وما أنزل إلينا.
(3) من قوله تعالى في سورة البقرة، من الآية 48} {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل.
(4) في سورة البقرة، من الآية 123} {ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة.
(5) المكّي هو ابن كثير، والبصري هو أبو عمرو بن العلاء، وقد قرأ} {او لا تقبل منها شفاعة بالتاء، وقرأ باقي السبعة (ولا يقبل منها) بالياء.
(6) في سورة البقرة، من الآية 49} {يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم.
(7) في سورة إبراهيم، من الآية 6} {يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم.
(8) في سورة الأعراف، من الآية 141} {يسومونكم سوء العذاب يقتّلون أبناءكم ويستحيون نساءكم.
قرأ نافع} يقتلون بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد. انظر حجة القراءات 294.
(9) في الأصل: الحرف.(1/541)
وقد تقضّت كلمات المشتبه ... فاشكر لنظمي قائلا جاءك به (1)
لا أدّعي أنّي حصرت المشكلا ... لكنّها معينة لمن تلا (2)
وخمسة من بعد عشرين العدد ... مع أربع من المئين لم تزد (3)
والحمد لله على آلائه ... حمدا يباري الدّهر في بقائه (4)
وصلوات ربّنا العظيم ... على النّبيّ الطّاهر الكريم
ويرحم الله امرأ دعا لي ... برحمة منه وحسن حال
وقرأت على الشّيخ أبي محمّد أحاديث من أحاديث المعمّرين [142/ ب] قال: أنا محمّد بن عبد الباقي المقرىء بمدينة سنجار (5) سنة أربعين وستّ مئة، قال: أنا قاضي القضاة أبو عليّ الحسن بن إسماعيل الخويّ، قال: أنا الإمام سعد بن أسعد الجيرانيّ، قال: أخبرني أبو المحاسن عبد العزيز بن عليّ بن يحيى، قال: أخبرني والدي أبو الحسن عليّ بن يحيى، قال: نا الشّيخ الزاهد أبو عليّ الحسن بن خارجة المرنديّ (6)، قال: سمعت يسرا خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمصر، وكان موضوعا بين قطن مندوف وقد بلغ
__________
(1) في ت: تقاضت كلمات، وفي ط: أتمّت كلمات
(2) في ت، معونة.
(3) في ت: من الموالين، وفي ط: من السنين.
(4) الآلاء: النعم.
(5) سنجار: مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة، بينها وبين الموصل ثلاثة أيام. انظر ياقوت 3/ 262.
(6) نسبة إلى مدينة مرند من مدن أذربيجان.(1/542)
من العمر ثلاث مئة وستّين سنة بدعاء النّبي صلّى الله عليه وسلم، يقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «طوبى لمن رآني، أو رأى من رآني، أو رأى من رأى من رآني»
(1).
وبهذا الإسناد عنه عليه السّلام أنّه قال:
«الدّنيا ملعون ما فيها، خلا ذكر الله، ومن أوى إلى ذكر الله تعالى»
(2).
وبه أنّه قال:
«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النّار»
(3).
وبه أنّه قال:
«من أفتى النّاس بغير علم لعنته الملائكة في السّماء والأرض»
(4).
[لقاؤه لابن السّكان]
وممّن لقيه بها (5) فسرّني لقاؤه وواليته في ذات الله فنفعني ولاؤه، وحاضرته فأعجبني فهمه (6) وذكاؤه، وصحبته فبهرني فضله وحياؤه، (7)
وكرمه وسخاؤه، وتواضعه ورجاؤه، صاحبنا في الله ووليّنا وصديقنا في
__________
(1) حديث أورده ابن عدي في الكامل 3/ 977من طريق أنس، و 6/ 2327من طريق واثلة بن الأسقع، وهو في المعجم الصغير للطبراني 2/ 31من طريق أنس وكذلك في فردوس الأخبار 3/ 20وفي ميزان الاعتدال 1/ 422عن أبي أمامة، وكنز العمال 11/ 536535530.
(2) أخرجه الترمذي في الزهد باب الدنيا ملعون ما فيها برقم 2323وابن ماجة في الزهد باب مثل الدنيا رقم 4112.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 77، و 3/ 262و 3/ 280، و 401من طرق مختلفة، وفي سنن البيهقي 10/ 222، ومجمع الزوائد 1/ 146ومسند الطيالسي 277و 318وابن عديّ في الكامل 1/ 17وكنز العمال 3/ 626و 10/ 293و 298و 11/ 273و 13/ 173.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 126وكنز العمال 10/ 193.
(5) ليست في ط.
(6) في ت، ذهنه.
(7) في ت: حياؤه وفضله.(1/543)
طاعته وصفيّنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن ميمون الأشعريّ المالقيّ، (1)
يعرف بابن السّكّان. لقيته (2) مجريا إلى غاية من كمل، ومبرّزا في حلبة العلم والعمل، عذبت أخلاقه وفاضت زلالا، واستقامت أحواله كالبان اعتدالا، وفاضت أنامله كالمزن انهمالا (3)، أدرك مزايا الشّيوخ على فتاء سنّه، فما يتكلّم (4) في علم إلّا قلت: هذا معظم فنّه قد ألف الانقباض فما يبسط [إلايده] (5)، وصحب قصر الأمل فما يؤمّل غده: [الطويل]
مقلّ من الأموال إذ لا يضمّها ... ولكنّه من كلّ مأثوره مثر
سريّ، غنيّ النّفس، ما تستفّزه ... زخارف دنياه بقلّ ولا كثر (6)
[143/ آ] وله اعتناء بتصحيح الرّواية، وإغياء في تنقيح الدّراية سمع من الشّيوخ واستجازهم واستجيزوا له، فاتّسعت لذلك روايته وله مجموعات (7) تشوق، ومؤلّفات تعجب وتروق منها كتاب في «إكمال التّذييل» (8) لأبي بكر بن فتحون (9) على كتاب «الاستيعاب» (10) للحافظ أبي
__________
(1) لم أقف على وفاته، ولقيه ابن رشيد في رحلته بتونس، وأخذ عنه. انظر ملء العيبة 2/ 413409.
(2) في ت: رأيته.
(3) في ط: همالا: وهو تحريف.
(4) في ت: تكلّم.
(5) ليست في الأصل.
(6) في ت: زخاريف.
(7) في ط: مجموعة.
(8) قال حاجي خليفة: استدرك فيه حوالي 3500ترجمته انظر كشف الظنون 81.
(9) في ت: فتوح وهو محمّد بن خلف بن سليمان بن فتحون الأندلسي: فاضل، نقّاد، عارف بالتاريخ، من أهل أوريولة من أعمال مرسية. له في الاستدراك على كتاب الاستيعاب لابن عبد البر كتاب سماه التذييل وكتاب في أوهام كتاب الصحابة. توفي بمرسية سنة 520هـ له ترجمة في الصّلة ص 577، والوافي بالوفيات 3/ 45.
(10) هو كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب. رتب فيه الأصحاب على ترتيب الحروف لأهل المغرب. طبع غير مرّة.(1/544)
عمر عبد البرّ قد اعتنى به اعتناء تامّا، وهو إلى الآن لم يكمل، ومنها كتاب وسمه ب «الاطّلاع على ما يلزم في رفع الأيدي في الصّلاة من الاتّباع» ومنها «برنامج» جمعه لشيخه الفقيه، العالم، الأكمل، الفاضل، الصّالح، الأديب، الأوحد أبي بكر محمّد بن الحسن بن يوسف بن حبيش بفتح الحاء، في أسماء (1) شيوخه وقرأه عليه، فكتب عليه ابن حبيش رحمه الله ما رأيت أن أقيّده هنا بنصّه لبراعته ودلالته على فضيلة القارىء والمقروء عليه.
وكان هذا الرّجل رحمه الله آية الزّمان في التّواضع، وطلب الخمول، وإفراط الانقباض، مع براعته في فنون العلم، وإجادته في النّظم والنثر، واتّساع روايته فحدّثني عنه صاحبنا ووليّنا في الله أبو عبد الله بن هريرة أنّه كان إذا عرف موضعه، انتقل عنه إلى موضع آخر لا يعرف به. وأراني تخميساته الثّلاثة لقصيدة الشّقراطسيّ. وقد كتبها صاحبنا أبو عبد الله بخطّه، وقرأها عليه، وكتب عليها قراءته إيّاها عليه، وخطّطه في ذكره بما ينبغي، ثمّ دفعها إليه ليكتب له عليها، قال لي: فأدخلها إلى الدّار (2) وقال لي: لا تستبطئني، ثمّ (3) خرج وقد (3) بشر كلّ ما خططته به، ومدّ اسمه في ذلك المبشور، وكذلك بشر كل ما خطّطت به والده إلّا: الشّيخ الكاتب، فإنّه أبقاهما وقال لي: نعم كان شيخا مسنّا وكان يكتب، وأراني صاحبنا أبو عبد الله هذا البشر، وخطّ ابن حبيش عليه، وهذا نهاية ما يكون من التّواضع وترك التّظاهر. وأغرب من هذا ما كتبه لصاحبنا أبي العبّاس المذكور على ما جمع له من أسماء شيوخه،
__________
(1) ليست في ت.
(2) في ط: للدار.
(3) (3) سقطت من ط.(1/545)
ومن خط [143/ ب] ابن حبيش نقلته ونصّه (1): «الحمد لله (2)، أحسن هذا الفاضل فيما صنع، أحسن الله إليه، وبالغ فيما جمع بلغ الله (3) به أشرف المراتب لديه غير أنّي أقول واحدة، ما سريرتي لها جاحدة (4)، وأصرّح بمقال لا يسعني كتمه بحال: والله ما أنا للإجازة بأهل، ولا مرامها (5)
لديّ بسهل، إذ من شرط المجيز أن يعدّ فيمن كمل، ويعدّ العلم والعمل، اللهم غفرا، كيف ينيل من عدم وفرا؟ أو يجيز من أصبح صدره من المعارف قفرا، وصحيفته من الصّالحات صفرا؟ وكيف يرتسم في ديوان الجلّة من يتّسم بالأفعال المخلّة؟ ومتى يقترن الشّبه (6) بالإبريز، (7) أو يوصف السّكّيت بالتّبريز؟ ومن ضعف النّهى محاسنة (8) الأقمار بالسّها، ومن أعظم التّوبيخ تشييخ (9) من لا يصلح للتّشييخ وإنّ هذا المجموع ليروق ويعجب، لكنّه جمع لمن لا يستوجب وإنّ القراءة قد تحصّلت، ولكن القواعد ما تأصّلت، وإنّ القارىء علم، ولكنّ المقروء عليه عدم وقد شكرت لهذا السّريّ ما جلب، وكتبت له مسعفا بما طلب، وقرنت إلى درّه هذا المخشلب (10)، وقلت وحليي عطل،
__________
(1) ورد هذا التقييد في ملء العيبة 2/ 9594، ونفح الطيب 4/ 313312.
(2) زاد في ملء العيبة ونفح الطيب «حقّ حمده».
(3) ليست في ط.
(4) في ت والنفح: بجاحدة.
(5) في ت: مرآها.
(6) في ط: الشّب، والشّبه والشّبه: النحاس الأصفر.
(7) الإبريز: الذهب الخالص.
(8) في ط: مجانسة.
(9) ليست في ط.
(10) في ت: الخشب، والمخشلب: خزر شبيه بالدّر.(1/546)
ونطقي خطل: «مكره أخوك لا بطل» (1) والله ينفع بما أخلص له من الاعتقاد، ويسمح للبهرج عند الانتقاد وكتب (2) العبد المذنب المستغفّر محمّد بن الحسن ابن يوسف بن حبيش حامدا الله تعالى ومصلّيا على نبيّه الكريم المصطفى، وعلى آله أعلام الطّهارة والهدى ومسلّما تسليما» (3).
وقرأت على صاحبنا أبي العبّاس المذكور قصيدة في مدح النّبي صلّى الله عليه وسلم وهي طويلة تزيد على ثلاث مئة وعشرين بيتا، رام فيها إيعاب (4) ما نقل من معجزاته صلّى الله عليه وسلم، ووسمها ب «خلاصة الصّفا في (5) خصائص المصطفى» وهي مهذّبة منقّحة [144/ آ] لا حشو فيها البتّة، ومطلعها: [الطويل]
لأحمد خير الخلق أهدي تحيّتي ... محمّد الآتي بحكم وحكمة
مدحت رسول الله والمدح دونه ... ولو ملأ المدّاح كلّ صحيفة
[ولو كان كالبحر المحيط مداده ... وكالشّجر الأقلام ما قطّ جفّت
يمدّ مدى الدّنيا بسبعة أبحر ... لما بلغت من مدحه عشر حبّة (6)
كفاه ثناء الله في الفتح والضّحى ... وتكريره إيّاه في غير سورة] (7)
__________
(1) في ت: أخاك، وهكذا وردت في المثل أيضا، انظر المثل في أمثال العرب للضّبيّ 112، وأمثال ابن سلام 271وفيها: مكره أخوك، والوسيط في الأمثال 156وهو في الفاخر 62وجمهرة الأمثال 2/ 242والميداني 2/ 318والمستقصى 2/ 347.
(2) في نفح الطيب كتب.
(3) انتهى تقييد ابن حبيش في ملء العيبة والنفح.
(4) ليست في ت، وفي ط: استيعاب.
(5) في ط من خصائص.
(6) استفاد الشاعر من قوله تعالى في سورة لقمان الآية 27 ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله.
(7) الأبيات الثلاثة ساقطة من الأصل.(1/547)
فماذا يقول العالمون وربّهم ... كساه من الأمداح أسبغ حلّة.
ولكنّ في جهد المقلّ لنفسه ... رجاء، وحسن الظّنّ بيت القصيدة (1)
وكتب على ظهر الجزء من نظمه: [البسيط]
تقرّب النّاس للمولى بجهدهم ... من مدح من ساد كلّ الخلق في الأزل
أمّوا الجناب بأمداح ومعذرة ... وحمت حول الحمى في غاية الخجل
ثمّ اطّلعت على تقصير مطنبهم ... فالعجز عن مبدأ الإدراك من عمل
وأنشدني حفظه الله لنفسه: [الكامل]
من كان يرجو الخلق في حاجاته ... خاب الّذي يرجو وخاب المرتجي
فاقصد إله الخلق إمّا حاجة ... عرضت فباب الله ليس بمرتج (2)
وأنشدني لنفسه أيضا: [البسيط]
أزكى الخليقة خلقا عند خالقهم ... ذو حرفة عن سؤال النّاس تغنيه (3)
وخير ما اتّصف المرء التّقيّ به ... في دهره تركه ما ليس يعنيه (4)
وأنشدني لنفسه أيضا: [مخلع البسيط]
__________
(1) في ط: بيت قصيدتي.
(2) في ط: غير مرتج.
(3) في ت: عند خالقه.
(4) في ت: العبد التقي.(1/548)
تركي للذّنب دون شكّ ... أكّد من فعلي الرّغائب (1)
فميل نفسي لعكس هذا الن ... نظام من أعجب العجائب
وأنشدني لنفسه أيضا: [المتقارب]
أيا خالق الخلق لي مطلب ... وما لي سبيل لأسبابه
غذاء حلال بلا منّة ... وثوب وبيت لأثوي به
وجودك أمّلت يا خالقي ... فقد جئت للبيت من بابه (2)
وأنشدني لنفسه أيضا: (3) [144/ ب] [الطويل]
يقولون لي: إنّ الشّهادة مكسب ... ولم تشتغل يوما بصرف المنى لها (4)
فقلت لهم: [لي] في الشّهادة مذهب ... أنا في سبيل الله أرجو منالها (5)
[لقاؤه لأبي يعقوب الجذامي]
ولقيت بها الشّيخ [العالم] (6) الصّالح، الفقيه، الفاضل، أبا يعقوب يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن عقاب الجذاميّ (7)، فسمعت عليه أحاديث من «الموطّأ» ومن «جامع البخاريّ» ومن «سنن الدّارقطنيّ» وناولني جميعها
__________
(1) رواية الشطر الأول في ط: تركي من غير شكّ. وبه يختل الوزن.
(2) في ط: فقد جئتك وبها لا يستقيم الوزن.
(3) البيتان في ملء العيبة 2/ 410.
(4) في ملء العيبة: الشهادة مذهب.
(5) لي: ساقطة من الأصل، في ملء العيبة: ألا في سبيل الله.
(6) زيادة من ت.
(7) ولد سنة 614هـ وتوفي بتونس سنة 692هـ. انظر برنامج الوادي آشي 5857.(1/549)
وحدّثني بها كلّها عن الشّيخ الفقيه القاضي المحدّث أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن يوسف الأنصاريّ (1)، وهو ابن قطرال، فأمّا «الموطّأ» فقرأ عليه صدرا منه وسمع سائره وسمع عليه بعض «كتاب البخاريّ» وبعض «سنن الدّارقطنيّ» وأجازه سائرها، وحدّثه (2) بها ثلاثتها بأسانيده فيها، وهو يحمل «البخاريّ» عن أبي محمّد بن بونة عن أبي بحر الأسديّ عن العذريّ عن أبي ذرّ الهرويّ، ويحمل «السّنن» عنه عن أبي عليّ الصّدفيّ عن أبي الفضل بن خيّرون، وحدّثني «بالأحكام الكبرى» (3) سماعا لبعضها عليه، ومناولة عن أبي الحسن سهل بن مالك (4) عن مؤلّفها، وأجازني إجازة عامة وكتب لي بها خط يده، وسألته عن مولده فأخبرني أنّه في سنة أربع عشر وستّ مئة.
[لقاؤه لابن هارون]
ولقيت بها ثانية الشّيخ الفاضل أبا محمّد بن هارون (5)، فأكثرت مجالسته والتردّد إليه وقرأت عليه، «برنامجه في أسماء شيوخه»، وقرأت عليه
__________
(1) هو علي بن عبد الله بن محمّد بن يوسف الأنصاري فقيه مالكي، من القضاة، ولي القضاء في أبّدة فلما أخذها الفرنج سنة 609هـ أسروه ثم خلّص وولي قضاء شاطبة ثمّ قرطبة، فقضاء فاس، وكان يشارك بالعلوم. توفي بمراكش سنة 651هـ. له ترجمة في وفيات ابن قنفذ 321 وشذرات الذهب 5/ 254.
(2) في ت: وحدثني.
(3) في ت: البكري: وهو تحريف وهو كتاب كبير في الحديث في نحو ثلاثة مجلدات، انتقاه مؤلفه عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الإشبيلي ت 582هـ. من كتب الأحاديث. انظر كشف الظنون 1/ 20.
(4) هو سهل بن محمد بن سهل بن أحمد بن مالك الأزدي: فقيه، محدّث، ضابط، حافظ، متقدّم في العربية وعلومها، توفي بغرناطة سنة 639هـ. له ترجمة في برنامج الرعيني 59، الذيل والتكملة 4/ 104الديباج 125، الإحاطة 4/ 277.
(5) ولد سنة 603هـ وتوفي سنة 702هـ. انظر برنامج الوادي آشي 5251.(1/550)
جملة أحاديث منثورة. وقرأت عليه «برنامج» جدّه لأمّه الشّيخ الفقيه المقرىء (1) الجليل أبي جعفر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلصة الحميريّ، و «برنامج» القاضي الأوحد أبي القاسم أحمد بن يزيد بن بقيّ، وكلاهما تخريج ابن الطّيلسان، وتأليفه. وحدّثني بهما معا عن ابن الطّيلسان قراءة منه عليه وعنهما إجازة. وقرأت عليه كتاب «الوعد والإنجاز» (2) لابن الطّيلسان، وحدّثني به عنه، وهو جزء جمع فيه أحاديث لمن سأله جمعها ليرويها عنه، وقرأت عليه «التسّبيح الموجز» للفقيه [145/ آ] الخطيب، العالم، أبي الحسن سهل بن مالك، وحدّثني به عنه. وقرأت عليه «درر السّمط في خبر السّبط» (3)
لأبي عبد الله القضاعيّ، وحدّثني به عنه سماعا وقراءة، وهو جزء وضعه في مقتل الحسين رضي الله عنه، نحا فيه نحو طريقة أبي الفرج بن الجوزيّ (4)، وكنت أتكلّم معه في تعقّب بعض مواضع منه فيعجبه قولي فيها. وأنشدني أبياتا من شعره، ومن شعر غيره، وسمعت منه وقرأت عليه أشياء غير واحدة فمن ذلك قوله (5):
ومن ذلك ما أنشدني لشيخه القاضي أبي القاسم بن بقيّ: (6) [السريع]
ما ميلق العالم إلّا الّذي ... يخبره العالم في الميلق (7)
ذاك الّذي يكشف أسرارهم ... فيفضح الفاجر والمتّقي (8)
__________
(1) ليست في ت.
(2) هو كتاب الوعد والانجاز في العجالة المستخرجة للطالب المجتاز.
(3) هو كتاب صغير ألّفه في مناقب الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه طبع غير مرّة.
(4) لابن الجوزي كتاب بعنوان «مناقب الحسين» وأظنّه المقصود. انظر: مؤلفات ابن الجوزي 220و 237.
(5) بياض في جميع النسخ بمقدار سطرين.
(6) البيتان في برنامج شيوخ الرعيني 53وملء العيبة 2/ 152.
(7) في برنامج الرعيني وملء العيبة: ما ميذق، في الميذق.
(8) في ملء العيبة: يفضح أسرارهم، ويظهر الفاجر.(1/551)
وله أيضا: [الطويل]
كرامة من لا يعلم الغيب إنّما ... تكون على مقدار ما يتوهّم
فكم من مسيء عنده وهو محسن ... وكم محسن في ظنّه وهو مجرم
[فذاك لديه مزدرى مع فضله ... وذا مع ما فيه من النّقص مكرم
فلا ترج إلّا الله لا ربّ غيره ... تنل فوق ماتهوى وما تتوهّم] (1)
وقرأت عليه، قال: أنشدني الشّيخ الفقيه أبو بكر بن محرز الزّهريّ ببجاية ملغزا في نارنجة: (2) [الرجز]
وذات حمل وهي حمل نفسها ... لا حرّة في جنسها ولا بغي (3)
قد حملت في بطنها أجنّة ... أهلّة إبرازها لا ينبغي (4)
[تريك من جملتها فاعجب لها] ... لسمّها أو خلّها ابن أصبغ (5)
ولما لقيته سألني عن اسمي وكنيتي، ونسبي، وبلدي، وأين أنزل، فأخبرته بذلك، فقال لي: لقيت ابن الطّيلسان فسألني كذا فأخبرته، فقال لي:
لقيت أبا محمد عبد [145/ ب] الله بن أحمد بن محمّد اللّخمي فسألني فأخبرته، فقال لي: لقيت (6) الحافظ أبا بكر بن العربيّ فسألني فأخبرته، فقال لي: لقيت (6) الشّريف أبا قاسم عليّ بن إبراهيم الحسيني فسألني فأخبرته،
__________
(1) البيتان ساقطان من الأصل وأثبتهمّا من ت وط.
(2) الأبيات في الوافي 1/ 198وتحفة القادم 251.
(3) في الوافي والتحفة: ما ذات حمل.
(4) رواية الشطر الأول في الوافي والتحفه: كالبدر إلّا أنّها مكنة، إبدارها لا ينبغي.
(5) موضع الشطر الأول بياض في سائر النسخ، وثمّة كلمة في أوله هي: كأنها. والتكملة من الوافي.
والتحفة. ورواية الشطر الثاني في الوافي والتحفة: شطر اسمها وخاطر ابن أصبغ.
(66) سقطت من ت.(1/552)
فقال لي (1) لقيت الحافظ أبا محمّد عبد العزيز بن أحمد الكتّاني فسألني فأخبرته، فقال: لقيت الحافظ أبا النّجيب عبد الغفّار بن عبد الواحد الأرمويّ فسألني فأخبرته، فقال لي: لقيت أحمد بن عليّ بن مهدي الحافظ فسألني فأخبرته فقال لقيت أبا مسلم (2) غالب بن عليّ بن محمّد فسألني فأخبرته فقال:
لقيت أبا بكر محمّد بن عيسى فسألني فأخبرته، فقال: لقيت أبا عبد الله الحسين بن عليّ بن يزيد الرّفاعيّ فسألني فأخبرته، فقال: لقيت هدبة بن خالد القيسيّ فسألني كما سألتك، وقال: لقيت (3) حمّاد بن سلمة فسألني كما سألتك وقال: لقيت ثابتا البنانيّ فسألني كما سألتك وقال لقيت أنسا فسألني كما سألتك (3) وقال: لقيت النّبي صلّى الله عليه وسلم فسألني كما سألتك وقال:
«يا أنس أكثر من الأصدقاء، فإنّكم شفعاء بعضكم لبعض»
(4).
وهذا الحديث أورده أبو بكر بن العربيّ (5) في مسلسلاته (6) وقال: لم يقل شيخنا الشّريف في سؤال أبي محمد الكتّاني (7) له: وبلدييّ، لأنّهما كانا دمشقيّين، فلم يحتج وهو بلديّه إلى السّؤال عن بلده.
__________
(1) ليست في ت وط.
(2) في ت: القاسم.
(33) سقطت من ت.
(4) أخرجه الهندي في كنز العمال 9/ 172.
(5) هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري: قاض من حفّاظ الحديث. ولد في إشبيلية سنة 468هـ ورحل إلى المشرق، توفي بقرب فاس سنة 543هـ. له مصنفات منها «العواصم من القواصم» و «عارضة الأحوذي في شرح الترمذي» وغيرهما. له ترجمة في الصلة 2/ 590بغية الملتمس 92قضاة الأندلس 105، والمغرب 1/ 254.
(6) في ت: مسلطاته وهي تحريف.
(7) هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي التميمي: محدّث، مؤرخ من أهل دمشق توفي سنة 466هـ. ترجمته في العبر للذهبي 2/ 320وشذرات الذهب 3/ 325، والكامل لا بن الآثير 10/ 93.(1/553)
قلت: قد يكون السّؤال في مثل هذا مع العلم جريا على طريق التّسلسل، ولا يشكّ أنّ كثيرا من المذكورين قد عرفوا من حدّثوه قبل السّؤال.
ولعلّ ذكر البلد إنّما سقط للمذكور فتوهّم ابن العربيّ أنّ ذلك لما ذكر. وبعيد أن يعرف أنّه بلديّه ولا يعرف اسمه فلو كان العلم بذلك يغني عن السؤال لم يسأله عن اسمه أيضا ولا عن منزله. وهذا واضح والله أعلم.
وذكر ابن العربيّ بعقب هذا الحديث حديثين في معناه، أحدهما
قوله صلّى الله عليه وسلم، «استكثروا من الإخوان فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة»
(1)، والآخر
قوله صلّى الله عليه وسلم:
«إذا آخى الرّجل الرّجل فليسأله عن اسمه، واسم أبيه، وممّن هو فإنّه أوصل [146/ آ] للمودّة»
(2).
وقرأت عليه أيضا قال: حدّثنا ابن الطّيلسان بقراءتي عليه: نا أبو الحسن (3) الغافقيّ بقراءتي عليه بمتعبّده بجامع قرطبة، قال: نا ابن العربيّ، نا أبو المطهّر سعد بن عبد الله الأثيريّ، نا الحافظ أبو نعيم، نا أبو بكر بن خلّاد، نا الحارث بن أبي أسامة نا هدبة. نا همّام، نا القاسم بن عبد الله، نا عبد الله
__________
(1) رواه ابن النجار في تاريخه عن أنس وهو حديث ضعيف كما قال الألباني في «ضعيف الجامع» رقم 9027وهو في الجامع الصغير 1/ 40وفيض القدير 1/ 500وكنز العمال 9/ 4.
(2) أخرجه الترمذي في الزهد باب ما جاء في أعلام الحب رقم 2394، وابو نعيم في حلية الأولياء 6/ 181والديلمي في فردوس الأخبار 1/ 361، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 1/ 15وفيض القدير 1/ 236.
(3) في ط: أبو الحسين وهو تحريف.(1/554)
ابن محمّد هو ابن عقيل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فابتعت بعيرا، فشددت عليه رحلي، ثمّ سرت إليه شهرا حتّى قدمت الشّام فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاريّ (1)، فأتيت منزله، فأرسلت إليه أنّ جابرا على الباب (2)، فرجع إليّ الرّسول (3) وقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت نعم. فرجع إليه، فخرج إليّ فاعتنقته واعتنقني، قال: قلت: حديث بلغني أنّك سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المظالم، لم أسمعه، قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله العباد، أو قال:
«النّاس شكّ همّام وأومأ بيده إلى الشّام، «عراة، غرلا، بهما» (4) قال: وما بهما؟ قال «ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك الدّيّان (5)، لا ينبغي لأحد من أهل الجنّة أن يدخل الجنّة وأحد من أهل النّار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النّار أن يدخل النّار وأحد (6) من أهل الجنّة يطلبه بمظلمة حتى اللّطمة»: قلت وكيف؟ وإنّما نأتي الله حفاة، عراة، غرلا قال: «بالحسنات والسّيّئات»
(7).
__________
(1) هو عبد الله بن أنيس الأنصاري. صحابي من القادة الشجعان من أهل المدينة، رحل إلى مصر وإفريقية. توفي بالشام سنة 54هـ. له ترجمة في الإصابة 2/ 270، النجوم الزاهرة 1/ 146 وحسن المحاضرة 1/ 211.
(2) في ط: بالباب.
(3) ليست في ط.
(4) في ط: عزلا وهو تصحيف وغرل: جمع أغرل، وهو الذي لم يختن.
(5) الدّيّان: صيغة مبالغة من دان، بمعنى جازى، ومنه يوم الدين، أي يوم الجزاء.
(6) في ت وط: وواحد.
(7) أخرجه البخاري في كتاب الرّقاق، باب الحشر رقم 116527/ 377عن عائشة ومسلم في كتاب الجنّة، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة رقم 2859والنسائي 4/ 114والحاكم في المستدرك 2/ 438والأسماء والصفات للبيهقي 79والرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي 111110.(1/555)
وقرأت عليه «ثنائيات مالك» عن ابن الطّيلسان عن ابن بقيّ بسنده في «الموطّأ» وقد تقدّم أنّ شيخنا أبا محمّد أكمل الموطّأ على ابن بقيّ قراءة وسماعا.
وقرأت عليه «ثلاثيّات البخاريّ» بحقّ قراءته لها على ابن الطّيلسان عن القاضي أبي محمّد عبد المنعم بن محمّد بن عبد الرّحيم الخزرجيّ عن الإمام أبي سعد حيدر بن يحيى الجيليّ عن الإمام أبي المحاسن [146/ ب] عبد الواحد بن إسماعيل الطبريّ، عن الشيخ الزاهد هبة الله بن محمّد القزوينيّ عن الفربريّ عن البخاريّ.
وقرأت عليه عن ابن الطّيلسان قراءة عن (1) أبي الحسن المقدسيّ كتابا عن أبي عبد الملك بن أبي (2) القاسم الأزديّ، عن أبي عامر محمود بن أبي القاسم الأزديّ، عن أبي محمّد عبد الجبّار بن محمّد المروزيّ، عن أبي العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، عن التّرمذيّ عن إسماعيل بن موسى الفزاريّ عن عمر بن شاكر عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «يأتي على النّاس زمان الصّابر فيهم (3) على دينه، كالقابض على الجمر»
(4) قال ابن الطّيلسان:
هذا حديث عال، وقف (5) في «مصنّف أبي عيسى» ثلاثيّا، وليس في المصنّف مثله، [وليس في الحديث مثله] (6).
__________
(1) في ط: على.
(2) أبي: ليس في ط.
(3) في ط: منهم.
(4) أخرجه الترمذي في أبواب الفتن، باب القابض على دينه كالقابض على الجمر رقم: 226وابن عدي في الكامل 5/ 1711والهنديّ في كنز العمال 14/ 221.
(5) في ط: وقع.
(6) بياض: في الأصل، والتتمة من ت.(1/556)
[لقاؤه لأبي العباس البطرني]
ولقيت بها الشّيخ الفقيه الصّالح، الفاضل، أبا العبّاس أحمد بن موسى ابن عيسى بن أبي الفتح البطرنيّ، (1) منسوب إلى بطرنّة بفتح الطاء وإسكان الراء، وهو مؤدّب في بعض أرباض تونس، ضرير البصر، ديّن، صالح، معتن بالعلم وروايته، مواظب على أفعال الخير. لقي جماعة من العلماء، وسمع من أبي عمرو بن الشّقر (2). وقرأ عليه كثيرا وروى عنه وأجازه. قرأت عليه «الأربعين [حديثا] (3) المسلسلة (4)» لأبي الحسن بن المفضّل (5) المقدسيّ.
وحدّثني بها عن ابن الشّقر عنه، وكان عنده (6) منها أصل ابن الشّقر بخطّه الّذي قرأه على مؤلّفه، وكان يمسك عليه في وقت قراءتي عليه مع أصله الّذي كتبه هو بخطّه، وقرأه (7) على أبي عمرو المذكور، وسلسلت معه جميع ذلك، وسمعت من لفظه الحديث الأوّل منها، وهو أوّل حديث سمعته منه، وسمع أخي يحيى «الأربعين» المذكورة بقراءتي عليه، وسلسل معه جميعها، وأجازني وإيّاه إجازة عامّة وكان يحضر معنا كثيرا مجلس شيخنا أبي العبّاس بن الغمّار للسّماع، وكانت له مسموعات [147/ آ] ومرويات لم يتّسع الوقت لأخذها عنه والحمد لله على كلّ حال.
__________
(1) ولد سنة 668هـ وتوفي سنة 703هـ. انظر برنامج الوادي آشي 6766.
(2) هو عثمان بن سفيان بن عثمان التميمي، فقيه، محدّث، راوية أخذ عن أبي الحسن المقدسي وأخذ عنه ابن الدّباغ والبطرني. انظر شجرة النور 1/ 168.
(3) زيادة من ت.
(4) في ت: المسلسلات.
(5) في ت: أبي الفضل وهو تحريف.
(6) «وكان عنده» سقطت من ت.
(7) في ت وط: «وقرأه هو».(1/557)
[من تونس إلى بجاية]
ثمّ سافرنا من مدينة تونس أمّنها الله تعالى، فمررنا على باجة ثمّ على خولان فتياسرنا منها عن (1) طريق بونة، وأخذنا على طريق القلاع، فدخلناها قلعة قلعة، وهي ذوات عدد، وليس بها ما يذكر ولا ما يؤرّخ ثم على قسنطينة على الطّريق الأولى ثمّ على بجاية.
[لقاؤه لأبي الحسين الرندي]
فرأيت بها الشّيخ الصّالح المسنّ أبا الحسين (2) الرّنديّ وهو ابن أخي الأديب النّحويّ أبي عليّ عمر بن عبد المجيد الرّندي (3) شارح كتاب «الجمل» (4) وقد أدركه، وسمع منه ومن غيره، وهو حين رأيته لقى ما به حراك من الكبر، ولكن صحيح الذّهن، كلّمته في الرّواية عنه فرأيته لا يشتهي الكلام في ذلك، فاثرت التّخفيف عليه وألّا أعنته في كثرة الكلام، والمراجعة مع قلّة روايته فاستوهبت منه الدّعاء وودعته وانصرفت.
[لقاؤه لأبي عبد الله بن صالح]
ولقيت بها ثانية الشّيخ الفقيه، الخطيب، المحدّث، الفاضل أبا عبد الله بن صالح، فقرأت عليه «برنامجه» في أسماء شيوخه في أصل بخطّه وقرأت عليه بعض «درر السمّط» وناولنيه بحقّ (5) قراءته إيّاه على مؤلّفه أبي عبد الله
__________
(1) في ت وط.
(2) في ت: الحسن.
(3) هو عمر بن عبد المجيد بن علي الأزدي: نزيل مالقة، مقرئ، عالم بالعربية سمع أبا القاسم بن بشكوال، وأبا القاسم السّهيلي. توفي 616هـ له شرح الجمل للزجاجي. له ترجمة في التكملة 2/ 657وغاية النهاية 1/ 594وفيها المرندي.
(4) كتاب في النحو للزجاجي المتوفى سنة 339هـ وعليه شروح كثيرة طبع غير مرّة.
(5) في ت: بنحو.(1/558)
القضاعيّ. وقرأت عليه بعض كتاب «المحتوي على الشّواذّ من القراءات» (1)
للإمام أبي عمرو المقرىء، وناولنيه في أصله مليح متقن، ووهبه لي، نال لي:
ناولته لك، ناولته لك، مشيرا إلى الهبة، مباسطا لي بذلك، وناولني «كتب سيبويه» بحقّ [قراءته له] (2) إيّاه على أبي عثمان بن زاهر عن أبي عبد الله بن نوح عن أبي الحسن بن النّعمة عن أبي محمّد بن السّيد عن أخيه أبي الحسن، عن الأستاذ أبي محمّد بن يونس، عن الفقيه أبي محمّد بن الأسلميّة الحجازيّ، عن أبي نصر هارون بن موسى، عن أبي عليّ البغداديّ، عن ابن درستويه، عن المبرّد، عن المازنيّ، [147/ ب] عن الأخفش، عن سيبويه.
وناولني «برنامج أبي محمّد بن عبيد الله الحجري» روايته عن ابن السّرّاج عنه. وقرأت عليه بعض «رسالة ابن أبي زيد» (4) وناولنيها، وحدّثني بها عن ابن زاهر قراءة على ابن نوح بسنده، وناولني «كتاب الشّهاب» روايته عن ابن زاهر قراءة، وعن ابن قطرال سماعا، وناولني كتاب «القربة إلى ربّ العالمين في فضل الصّلاة على سيّد المرسلين» بحقّ قراءته إيّاه على ابن السّراج عن مؤلّفه أبي القاسم بن بشكوال، وناولني كتاب «المصابيح» (5) تأليف الإمام أبي محمّد الحسين بن مسعود، وحدّثني به عن ابن برطله بسنده، وناولني
__________
(1) ذكره حاجي خليفة في كشف الظّنون: 1612.
(2) زيادة من ت وط.
(4) رسالة في الفقه المالكي للشيخ أبي محمّد عبد الله بن أبي زيد المالكي القيرواني المتوفى سنة 389هـ وعليها شروح كثيرة، وطبعت غير مرّة.
(5) هو كتاب مصابيح السّنة للإمام حسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي توفي سنة 516هـ.
قيل: عدد أحاديثه أربعة آلاف وسبع مئة وتسعة عشر حديثا من الكتب المختلفة. انظر كشف الظنون 1698.(1/559)
«مختصر حلية الأولياء» للحافظ أبي نعيم باختصار شيخه الفقيه العالم أبي الحسن عبيد الله (1) بن محمّد بن عبيد الله النّفزي (2) عرف بابن قبّوش، وحدّثني به عنه. وقرأت عليه لابن قبّوش: (3) [الطويل]
غنيت بما عندي ومالي لا أغنى ... وأعرضت في قصدي عن العرض الأدنى
إلى الملأ الأعلى علوت بهمّتيّ ... فرافقت ما يبقى وفارقت ما يفنى (4)
تركت للذّات البهائم أهلها ... وهمت بما يعنى به عالم المعنى
وأنشدني حفظه الله للإمام الحافظ أبي محمّد عبد الحقّ الأزديّ (5)
من قوله حين ولي قضاء بجاية: [الوافر]
وكانت لي ذنوب موبقات ... يضيق بحصرها حرف الرّويّ
فلمّا أن وليت الحكم يوما ... «أتى الوادي فطمّ على القريّ» (6)
* * *
__________
(1) في ط: عبد الله.
(2) فقيه مدرس، حافظ توفي ببجاية سنة 642هـ. انظر الذيل والتكملة 25/ 674.
(3) الأبيات في الذيل والتكملة 25/ 675.
(4) في الذيل والتكملة: إلى العالم الأعلى، فوافقت.
(5) هو عبد الحق الأزدي الإشبيلي، قاض، محدّث، عالم، له مشاركات في علم القرآن والحديث والأصول والأدب والنحو والتاريخ، توفي سنة 628هـ ومن مصنفاته: الإعلام بفوائد الأحكام، وشرح مقصورة ابن دريد. له ترجمة في عنوان الدراية 193.
(6) ضمّن الشاعر المثل المعروف «أتى الوادي فطمّ على القريّ» ويروى: جرى الوادي، وهو في الميداني 1/ 219.(1/560)
[من بجاية إلى وهران ولقاؤه للمشدالي]
ثمّ سافرنا من بجاية فمررنا على قرية ملالة، وهي بالقرب منها، فرأيت بها الفقيه أبا علي منصور بن محمّد الزّواويّ المشداليّ (1) ومشدالة قبيلة من زواوة، ويلقب بناصر الدّين لقّبا لزمه من المشرق [148/ آ]، وقد دخل قديما إليه فقرأ به الأصول والفروع دراسة وتفقّها. وله منها حظّ وافر، ولكنّه غير معتن بالرّواية، ولا له فيها حظّ، وقد حدّثني أنّه حضر وفاة أبي عبد الله [محمّد] (2) بن أبي الفضل السّلميّ (3) بالزّعقة من رملة (4) الشّام. وسألته عن التّاريخ وكان غرضي فلم يحفظه شهرا ولا عاما، وهذا نهاية ما يكون من الإغفال، وحسبنا الله في كل حال.
ثمّ رحلنا على طريقنا الأولى إلى مليانة فتيامنّا منها على طريق مازونة، مثوى خطوب الزّمان، ومناخ ركاب الحدثان وهي بليدة مجموعة، مقطوعة من بعض جهاتها بحرف واد منقطع شبه قلعة، ولكنّها واهية حسّا ومعنى، وليس بها ما يتعرّض لذكره البتّة.
[ذكر وهران]
ثمّ مررنا على مدينة وهران، وهي مدينة مليحة، حصينة، بريّة، بحريّة، وهي مرسى (5) تلمسان وأنظارها، ومتجر تلك النواحي، ولكنّها لما طرقها من
__________
(1) هو منصور بن أحمد بن عبد الحق المشدالي: فقيه مالكي. له مشاركة في علوم العربية والمنطق والجدل، نشأ ببجاية ورحل إلى المشرق طلبا للعلم، توفي سنة 731هـ من مصنفاته شرح على رسالة أبي محمّد ابن أبي زيد لم يكمله، له ترجمة في وفيات ابن قنفذ 344نيل الابتهاج 344، عنوان الدراية 201200.
(2) ليست في الأصل.
(3) كانت وفاته في ربيع الأول سنة 655هـ.
(4) الرّملة: مدينة عظيمة بفلسطين وكانت رباطا للمسلمين. انظر معجم البلدان 3/ 69.
(5) في ت وط: من مراسي.(1/561)
نوائب الدّهر مطرقة، وجيوش الخطوب الملمّة بها محدقة، قرعتها حتّى قرعت ساحتها ونافحتها بسموم الآفات حتّى ذهبت صباحتها، فألقت بيدها مستسلمة، وعادت بعد ضوئها مظلمة ولا وشل (1) بها يشفي غلّة، ولا طبّا يداوي علّة. انتثلها (2) الزّمان فلم يبق بها تقيّا، وأبدلها الحدثان من كلّ بشارة نعيّا، لا تلقى بها معمل يراعه (3)، ولا ترى بها حلف براعة، بل خرس بها لسان التّلاوة، وزيد بها حمار الجهل على الفودين (4) علاوة، لم يطعموا العلم ولا ذاقوا له حلاوة، بل تبرّؤوا منه فكلّهم فالج بن خلاوة (5) فيا عجبا لي أصف بالفناء وهران، كأنّي لم أر سكّان تلمسان.
[ذكر تلمسان في العودة]
ثمّ وصلنا إلى تلمسان، وكانت نيّتى أن أقيم بها مدّة حتى أجد صحبة قويّة أقطع معها المفازة الّتي في طريقها إلى رباط تازة، وهي منقطعة (6)
موحشة، لا تخلو من قطّاع الطّريق البتّة، وهم بها أشدّ [148/ ب] خلق الله
__________
(1) الوشل: الماء القليل الذي ينحلب من صخرة أو جبل يقطر ولا يتصل قطره.
(2) انتثلها، يريد: ذهب بأتقيائها واستخرجهم منها يقال: انتثل الكنانة إذا استخرج نبلها فنثرها.
(3) اليراع: القلم.
(4) الفودان: العدلان، كل واحد منهما فود.
(5) هو فالج بن خلاوة الأشجعي، ويقال أنا من هذا فالج بن خلاوة أي أنا منه بريء، وذلك أنّه قيل لفالج بن خلاوة يوم الرقّم لما قتل أنيس الأسرى: أتنصر أنيسا؟ فقال: إني منه بريء. انظر ثمار القلوب 265اللسان وتاج العروس: فلج.
(6) في ت: مقطعة.(1/562)
ضررا، وأكثرهم جرأة، وأقلّهم حياء ومروءة، لا يستقلّون القليل، ولا يعفون عن ابن السّبيل، ليس في أصناف القطّاع أخسّ منهم همما، ولا أوضع منهم نفوسا، ولا أكثر منهم إقداما على كل صالح وطالح، لا ينبغي لمسلم أن يغرّر بلقائهم. فلمّا وقفنا على باب (1) تلمسان صادفنا العادة الكريمة من لطف المولى سبحانه، فألفينا قافلة تخرج، وهي كبيرة (2) تزيد على الألف وقال لنا قائل على الباب: إنّ لهم في محاولة الخروج نحوا من ثلاثة أشهر، حتّى تسنّى لهم بخفارة على أداء خفارة (3) فدخلنا إلى البلد. وخرجت ساعة دخولنا إلى زيارة قبور الصّالحين بالموضع المعروف بالعبّاد، وزرت قبر الشّيخ الصّالح آية زمانه أبي مدين [شعيب] (4) رضي الله عنه، ثم رجعت إلى البلد، فبتنا به، ثمّ خرجنا من الغد، وأدركنا القافلة [بحمد الله] (5) بوجدة، وهما مدينتان بينهما مسافة قليلة في بسيط مستو، وقد دثرتا فلم يبق منهما إلّا رسوم حائلة (6)، وأطلال ماثلة، والقديمة أشدّهما دثورا وبهما عمارة قليلة، فرحلنا منها مع القافلة حتّى وصلنا إلى رباط تازة وذلك في آخر رمضان.
__________
(1) في ط: بباب.
(2) في ط: كثيرة.
(3) الخفارة: بكسر الخاء: الإجارة والحماية، والخفارة بالضم: ما يؤديه المستجير لمن يخفره ويحميه.
(4) ليست في الأصل.
(5) ليست في الأصل.
(6) في ت: حاملة وهو تصحيف.(1/563)
[ذكر فاس ومكناس]
ثمّ عيّدنا في مدينة فاس وقلت (1) في ذلك (2): [البسيط]
قالوا: تعيّد في فاس فطب فرحا ... فقلت: مالي بها دار ولا عطن (3)
فاس ومكناسة وطنجة وسلا ... عندي كزديّك لا أهل ولا وطن
بغداد قفر إذا لم تحو لي سكنا ... والقفر بغداد إنّ أهلي به قطنوا (4)
[لقاؤه لابن حكم]
ثمّ مررنا على مكناسة فلقيت بها الشّيخ الفقيه، المحدّث، القاضي، أبا الحجّاج يوسف بن أحمد بن حكم التّجيبيّ الأندلسيّ، (5) وهو شيخ فاضل راوية، لقي جماعة من كبار العلماء وأخذ عنهم، وقيدّ لي بخطّه، منهم أبا الرّبيع بن سالم، وأبا الحسن بن قطرال، وأبا الحسن بن خيرة (6)، والرّجل [149/ آ] الصّالح أبا صالح محمّد بن محمّد بن أبي صالح، وأبا بكر بن محرز، وأبا عيسى محمّد بن أبي السّداد، وأبا الحسن سهل بن مالك، وأبا جعفر بن الّدلّال، وأبا عبد الله بن قاسم، وأجازني إجازة عامّة، وذكر لي أنّ
__________
(1) في ط: ومما قلت.
(2) الأبيات في جذوة الاقتباس: 1/ 287.
(3) في جذوة الاقتباس: فطر فرحا، والعطن: المنزل والناحية.
(4) في جذوة الاقتباس: بها قطنوا.
(5) لم أقف على وفاته.
(6) هو علي بن أحمد بن عبد الله بن خيرة: فقيه، محدث، عالم، خطب بجامع بلنسية توفي سنة 643هـ. له ترجمة في صلة الصلة 134وفيات ابن قنفذ 313.(1/564)
المذكورين كلّهم قد أجازوه إجازة عامّة، ولم أقرأ عليه إلّا الحديث الأوّل من «الموطّأ» (1) وحدّثني به عن أبي الحسن بن خيرة قراءة، وعن أبي الرّبيع بن سالم قراءة عليه لصدر منه، وسماعا عليه لسائره.
وكان في أملي الاجتماع بالفقيه المحدّث أبي محمّد عبد الله (2) مولى الرّئيس الأوحد العالم أبي عثمان سعيد بن حكم (3)، صاحب ميرقة (4) لما تقرّر لديّ من تهمّمه بالعلم، واعتنائه بالرّواية. ولم يقض لي حينئذ أن أجتمع به، وقد وقفت على «فهرسة شيوخه» فرأيت صنع فاضل ذي همّة، وقد شاركته في بعض شيوخه الّذين ذكرهم.
ثمّ مررنا على مدينة أزمّور (5)، وزرنا بها قبور السّادة المدفونين بها من الصّالحين، نفعنا الله ببركتهم. وختمنا (6) الرّحلة بزيارة قبر شيخ الصّالحين وقدوتهم، شرف المغرب الأقصى (7)، وفخره، وشمس زمانه وبدره، أبي محمّد صالح بن ينصارن (8) أفاض الله علينا من بركاته، وأمدّ بصائرنا بنور يستمدّ من مشكاته.
__________
(1) في ت وط: «من كتاب الموطأ».
(2) هو عبد الله الميورقي: فقيه محدث، من أهل التهمّم بالعلم والاعتناء بالرواية. انظر فهرس الفهارس 2/ 750.
(3) سعيد بن حكم: أمير أندلسي دخل جزيرة ميورقة عندما اختلّ أمر الموّحدين. وتوّلى رياستها وعلا قدره، وكان عارفا بالحديث والشعر، توفي بميورقة سنة 680هـ. انظر أعمال الأعلام 316.
(4) ميورقة: جزيرة في البحر الزقاقي، تسامتها من القبلة بجاية من برّ العدوة. انظر الروض المعطار 567.
(5) مدينة في دكالة من بناء الأفارقة على مصّب نهر أم الربيع في البحر المحيط، بعيدة عن المدينة الغربية بثلاثين ميلا إلى الجنوب. انظر وصف إفريقيا 1/ 157.
(6) في ط: وختمت.
(7) يقول الأستاذ محمّد الفاسي: هذه أوّل تسمية للمغرب باسمه الحالي فيما تناهى إلى علمه.
(8) هو صالح بن ينصارن الماكري صاحب رباط أسفي الشهير المتوفى سنة 631هـ. حاشية طبعة الرباط 280.(1/565)
[الاجتماع بالأهل]
ثمّ منّ الله بجمع الشّمل، والاجتماع بالأهل له الحمد والشّكر كثيرا: (1)
[الطويل]
وقد يجمع الله الشّتيتين بعدما ... يظنّان كلّ الظّنّ ألّا تلاقيا
والحمد لله الّذي أعجزت صنائعه شكر الشّاكرين، وبهرت بدائعه فكر المتفكّرين، فمن نداه همى كلّ فضل وبلا وجودا، وله الحمد كثيرا بدءا وعودا.
[الرّحلة المنظومة]
وهذه قصيدة نظمتها في الرّحلة، رأيت أن أختم بها هذا التّقييد مستعينا بالله على ذلك: [149/ ب] [الوافر]
عليك النّصح رده بكلّ حيّ ... وإن ألفيت وارده فحيّ (2)
فمعظم ديننا نصح البرايا ... كذاك أتى الحديث عن النّبيّ (3)
وقد نصح الجماد لذي اعتبار ... وكفّ أولي النّهى عن كلّ غيّ (4)
لسان الحال أبلغ من بليغ ... وفي ذي الجهل أعيا من عييّ (5)
5 - وقدما سارت الأمثال عنها ... وما زدنا سوى حرف الرّويّ
__________
(1) البيت منسوب للمجنون في ديوانه 293من قصيدة المؤنسة ومطلعها:
تذكّرت ليلى والسنين الخواليا ... وأيّام لا نخشى على اللهو ناهيا
وكذلك هو في ديوان قيس لبنى 162.
(2) نقل ابن القاضي 15بيتا في جذوة الاقتباس 1/ 288287.
(3) يريد قول النبي عليه السلام «إن الدين النصيحة».
(4) أولو النّهى: أصحاب العقول. الغيّ: الضّلال والباطل.
(5) العيّ: العجز عن التعبير اللفظي.(1/566)
فأصغ إلى نصائحها مصيخا ... وأيقظ جفن ندب شمّريّ (1)
مسحت الأرض غربا ثمّ شرقا ... أسائل عن عواقب كلّ حيّ
فقالت: ما سؤالك بعد علم ... ألم ترهم جميعا تحت طيّ
تسائل والحوادث مفصحات ... صوائح قد أصمّت بالدّويّ
10 - فصافحت التّصفّح مستبينا ... فما ألفيت أرضا ذات عيّ
مررت بحاحة فسألت عمّن ... أناخ بآخر الغرب القصيّ (2)
فقالت: خلّفوني ذات شجو ... أبكّي بالغداة وبالعشيّ
أناخ بهم زمان ليس يرثي ... لغيلان، ولا يعنى بميّ (3)
وقد أهدى الكسوف إلى أناس ... تراهم كالبدور لدى النّديّ (4)
15 - وجئت السّوس أسأل وهو أقصى ... فقال: إليك عن كمد شجيّ (5)
ألم ترني وحيدا من أناسي ... كما عطلت كعاب من حليّ (6)
وطفت بلاده أرضا فأرضا ... تخبّرني بموتهم الوحيّ (7)
ووافينا تلمسانا فأبدت ... على أهل مضوا شجو النّعيّ
__________
(1) في جذوة الاقتباس: سمّري بالسين، والندب: الخفيف في الحاجة ورجل شمّري: ماض في الامور والحوائج مجرّب.
(2) أناخ بالمكان: أقام.
(3) أناخ بهم: حلّ بهم. غيلان: هو ذو الرّمة الشاعر المعروف. وميّ محبوبته.
(4) كسف القمر: ذهب ضوؤه واسودّ. والنديّ: المنتدى. يريد أن هؤلاء الناس الذين كانوا كالنجوم دفنوا تحت التراب.
(5) الكمد: الحزين.
(6) عطلت المرأة من الحلي: خلت من الحلي. الكعاب: التي نهد ثديها.
(7) الوحي: السريع العاجل.(1/567)
كذا مليانة أبدت عويلا ... لأهل ضمّهم جرف الأتيّ (1)
20 - ورحت إلى الجزائر ذا سؤال ... فقيل: سألت عن هيّ بن بيّ (2)
دع التّسآل عمّن حلّ تربا ... وبادر منهج البرّ التّقي
وقالت لي بجاية: أنت خلو ... «فياويح الشّجيّ من الخليّ» (3)
تسائل عن أمور ظاهرات ... عقرت لها ظهورا للمطيّ (4) ... [150/ آ] وجئت بني ورار وهي عمري ... أثارت كامن الشّجن الخفيّ
25 - وميلة لم تمل عن نهج نصح ... أصخ إن كنت ذا فهم سنيّ (5)
ومن شاء الحديث فقل قسنطى ... نة تروي حديث المغربيّ
وبونة قد أبانت من أبانت ... صروف الدّهر من سام سريّ (6)
وفي خولان أطرقت اعتبارا ... «جرى الوادي فطمّ على القريّ (7)»
وباجة بالبوائح قد أباحت ... وأمحل روضها من بعد ريّ
30 - ولمّا جئت تونس وهي خود ... زهت بجمالها وبحسن زيّ (8)
__________
(1) العويل: رفع الصوت بالبكاء والصياح، والأتيّ: السيل يأتي من بعيد.
(2) هيّ بن بيّ، وهيّان بن بيّان: لا يعرف هو ولا يعرف أبوه، وقيل: هيّ بن بيّ كان من ولد آدم فانقرض نسله.
(3) ضمّن العبدري المثل: ويل الشجي من الخليّ ويروى: ما يلقى الشجيّ من الخليّ وهو في الميداني 2/ 273، وأمثال ابن سلام 280، وفصل المقال 395.
(4) عقر الظهر: جرحه وحزّه، والمطيّ: واحدها المطيّة: الدابة يركب ظهرها.
(5) فهم سنيّ: فهم كبير.
(6) السّريّ: السيّد الشريف ذو المروءة. وصروف الدهر: نوائبه وحدثانه.
(7) ضمّن العبدري المثل جرى الوادي فطمّ على القّري، وهو في الميداني 1/ 219وجمهرة الأمثال للعسكري 1/ 322والمستقصى 2/ 51، وتمثال الأمثال 2/ 410.
(8) الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة.(1/568)
سألت عن الألى هاموا إليها ... فكم برّ بها منهم حفيّ
فقالت: ما أرى منهم أنيسا ... وشرّ الوصل وصل الآدميّ
وجئت القيروان فجئت قفرا ... يجيب صداه بالصّوت الشّجيّ
وقابس قد نزفت بها سؤالا ... فكانت مثلها سيّا بسيّ
35 - ورحت إلى طرابلس فقالت: ... رمت أهلي الحوادث عن قسيّ (1)
وفي مصراتة سحّت جفوني ... لما أبدت من النّصح الجليّ (2)
وفي زدّيك مسقط كلّ قفر ... بيان بالخطاب المعنويّ
يقول: صحبت قبلكم أناسا ... غدوا لسهام دهري كالرّميّ (3)
وكم رمّت لديّ عظام شخص ... منيب، فاضل، برّ، تقيّ (4)
40 - وباحت بالنّداء قصور سرت ... فأورت زند فكر الألمعيّ (5)
وقالت لي: أقمت هنا زمانا ... أشاهد عبرة في كلّ حيّ
وكم نشرت عليّ بنود ركب ... عليهم غابة من سمهريّ (6)
فما طال المدى إلّا قليلا ... وقد عفّاهم مرّ الأتيّ (7)
رأيت الدّهر يسحت كلّ حيّ ... يكرّ على الجبان مع الكميّ (8)
__________
(1) القسيّ: جمع قوس.
(2) سحّ: سال وصبّ.
(3) الرّميّ: الهدف الذي يرمي عليه.
(4) رمّ العظم: بلي. المنيب: التائب.
(5) الألمعيّ: الذكي المتوقّد الحديد اللسان والقلب.
(6) البنود: أعلام الفرسان، السّمهريّ: الرّمح الصليب العود.
(7) عفّى الأثر: محاه. الأتيّ: السّيل.
(8) يسحت: يستأصل الكميّ: الشجاع المقدم الجريء.(1/569)
45 - وقد برقت ببرقة لا معات ... تلين عريكة القلب القسيّ
وسل إسكندريّة أين ولّى ... وسل عن ساكن إسكندريّ ... [150/ ب] وسل فسطاط عمرو عن نواه ... وسل عن جوهر مولى الشّقيّ (1)
بقاعدة الدّيار ديار مصر ... وسل بعبيدهم والقرمطيّ (2)
وسل أمّ القفار بمن طوته ... فكم من فاضل فيهم رضيّ
50 - وكم حلّت قوى من حلّ فيها ... وكم حالت حلى وجه وضيّ (3)
وكم ضخم يموج من امتلاء ... غدا نضوا بها مثل النّضيّ (4)
بها صرف الزّمان يكون صرفا ... فكم ناع حوته وكم نعيّ
وسل في أيلة برّا وبحرا ... وينبع سل بمنقطع ثويّ
وإن تعطف لطيبة ليت عنس ... فعرّج إنّها بيت الرّويّ (5)
55 - وقل أين الأحبّة ليت شعري ... أيخفي التّرب أقمار السّميّ
وقفت هناك معتبرا سؤولا ... أخا جفن رو وحشى ظميّ (6)
بجمع ما به إلّا مشوق ... إذا ما سيم بيع بلا نسيّ (7)
__________
(1) هو جوهر الصقلّي باني القاهرة، والمقصود بالشقيّ: المعزّ العبيدي.
(2) القرمطي: هو الحسين بن زكرويه كان يدّعي الانتماء إلى الطالبين، لقّب نفسه المهدي أمير المؤمنين.
(3) حالت: غيّرت.
(4) النّضو: الهزيل. والنضيّ: كالنضو.
(5) اللّيت: صفحة العنق والعنس: الناقة القويّة.
(6) رواية الشطر الثاني في ط: «أخا جفن رو ووحشي ظميّ» وبه لا يستقيم الوزن.
(7) السّوم: عرض السلعة على البيع النسء: التأخير.(1/570)
فقلت لها: فديتك أين أوس؟ ... وأين أخوه معتنق الكميّ (1)
فقالت: ويك قد ذهبا لأمر ... عظيم الشّأن في وجه قضيّ
60 - وكم قد راح بعدهما منون ... بأوسيّ وراح بخزرجيّ
فيا عجبا تسائلني بأوس ... وحسبك واعظا قبر النّبيّ
وفي الدّهناء باح ولم يداهن ... لسان الحال بالسّرّ الخفيّ
فسل فيها منازل عافيات ... كوشم لاح في كفّ الهديّ (2)
وسل بدرا بعير من قريش ... وعن فرسانها وسط الرّكيّ (3)
65 - وجئت خليص أسأل عن نجيّ ... من الآفات في الدّنيا سريّ
فقالت: ماسمعت بمشرقيّ ... نجا من صرفها أو مغربيّ
وكررّت السّؤال ببطن مرّ ... فقيل: ضللت عن نهج سويّ
فلا وأبيك ما في الأرض حيّ ... وقي سهم الحتوف ولا ابن حيّ
وشأن الدّهر حلّ وارتحال ... وبطش بالعدوّ وبالوليّ ... [151/ آ] 70وكم أعدى الضّعيف على قويّ ... مدلّ، والفقير على الغنيّ (4)
ولمّا جئت مكّة قمت فيها ... أسائلها بكعب أو لؤيّ (5)
__________
(1) يريد الأوس والخزرج.
(2) عفت الرياح الآثار: إذا درستها ومحتها. والهديّ: العروس تهدى إلى زوجها.
(3) العير: القافلة: والرّكيّ جمع ركيّة وهي البئر وفيه إشارة إلى قتلى بدر من الكفار الذين وضعوا في القليب.
(4) المدلّ بالشجاعة: الجريء.
(5) كعب ولؤي: جدّان من أجداد قريش.(1/571)
فقالت قد سطا بهما منون ... وبعدهما أناخ على قصيّ (1)
وصال عليهم شخصا فشخصا ... فسل، إنّ السّؤال جلاء عيّ
وما نكل الرّدى عن هاشميّ ... ولا أنف الرّدى من باهليّ (2)
75 - ولا مازت عساكره قديما ... حنيفا مسلما من جاهليّ (3)
فما لك سائلا عن واضحات ... تبدّت للذّكيّ، وللغبيّ
أما دارت على دارا صروف ... كسرن عماد كسرى الفارسيّ
وقد أنحت على الفاروق جهرا ... وعثمان وبعد على عليّ (4)
وفي السّبطين جئن بكلّ نكر ... على كفّي طليق أو دعيّ (5)
80 - وما راعت عياذ أبي خبيب ... ببيت الله والحرم العليّ (6)
وما عبأ الرّدى ببغام ريم ... ولا بزئير ليث قاصريّ (7)
وما أبقى على شيخ وكهل ... ولا غضّ الشّباب ولا صبيّ
ولا ذو العلم خصّص من جهول ... ولا ذو الرّشد ميّز من غويّ
بمالك الإمام غدا منيخا ... وأحمد والإمام الشّافعيّ (8)
__________
(1) قصي بن كلاب: جدّ من أجداد قريش.
(2) نكل عن الأمر: نكص وجبن. الرّدى: الهلاك.
(3) ماز: عزل وفرز.
(4) الفاروق: عمر بن الخطاب.
(5) السّبطان: الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
(6) أبو خبيب: هو عبد الله بن الزبير، حاصره جيش الحجّاج في بيت الله الحرام، وقتله ثمة.
(7) بغام الظبية: صوتها: والليث القاصري: الحبيس.
(8) مالك: هو ابن أنس إمام المذهب المالكي، وأحمد هو ابن حنبل إمام المذهب الحنبلي.(1/572)
85 - وبلّد فكره من كلّ حبر ... وقطّ لسان طلق لوذعيّ (1)
وما إن خام عن وعل بنيق ... ولا في قفرة عن أخدريّ (2)
نفوس الخلق يشرب ليس يروى ... بوسميّ يصوب ولا وليّ (3)
يشقّ القفر أهدى من قطاة، ... وليل النّقع أجرأ من كميّ (4)
وما جاب القفار بأرحبيّ ... ولا شقّ الغبار بأعوجيّ (5)
90 - وليس يني يبّدد كلّ نظم ... وليس يني يذوّب كلّ نيّ (6)
تراه إلى الورى يخطو الهوينى ... مخاتلة لهم، كمسير فيّ (7)
وما دارى لمنطقه جريرا ... ولا هاب القوافي من عديّ (8)
[151/ ب] وما حابى لصنعته حبيبا ... ولا أرضى المفاخر في الرّضيّ (9)
وما أعفى من الأحداث عفوا ... ولا طرفا يصان بأتحميّ (10)
95 - ولا غمرا يصوب بكلّ ريّ ... ولا ذمرا يصول بمشرفيّ (11)
__________
(1) الحبر: العالم الصالح. اللوذعيّ: المتوقد الذهن واللسن الفصيح.
(2) خام: نكص: النيق: أرفع موضع بالجبل، الأخدريّ: الحمار الوحشي الأسود.
(3) الوسميّ: مطر أوّل الربيع، والوليّ: في صميم الشتاء.
(4) في ط: أجرى: والكميّ: الشجاع المقدم الجريء، ضمّن العبدري في بيته المثل: أهدى من قطاة، وهو في مجمع الأمثال 2/ 409.
(5) أرحبيّ نسبة إلى بني أرحب بطن من همدان إليهم تنسب النجائب الأرحبية، وأعوجيّ منسوب إلى فحل سابق من الخيل يقال له: أعوج.
(6) النيّ: الشّحم. من نوت الناقة إذا سمنت.
(7) الفيّ: خفّفت همزته وهو الظلّ.
(8) جرير هو الشاعر المعروف، وعديّ هو ابن زيد الشاعر الجاهلي المعروف، أو ابن الرّقاع العامليّ.
(9) حبيب: هو أبو تمّام الشاعر المعروف، والرضي: هو الشريف الرضي الشاعر.
(10) الأتحميّ: ضرب من البرود.
(11) الغمر: الماء الكثير، والذّمر: الشجاع، والمشرفي: السيف المنسوب إلى المشارف باليمن.(1/573)
ولا ملكا تدين له البرايا ... ولا عبدا تزمّل في كسيّ
إذا حان المدى من حين حين ... فرى في السّابريّ حشى الرّميّ (1)
وما عرف الكبيس فزاد يوما ... ولا أجرى الشّهود على النّسيّ (2)
فسل بالنّاسئين ولا نساء ... وسل عمرا بوالده لحيّ
100 - ولا تطمح بعينك نحو سام ... بهمتّه إلى أقصى الرّقيّ
فأرقى النّاس منزلة كسهم ... يكون هويّه سبب الهويّ
ولا يغررك من دنياك وصل ... ففي الأمثال «أغدر من بغيّ» (3)
فقلت: لقد نصحت بكلّ معنى ... حقيق أن يصاخ له حريّ
وقد أسمعت لو ناديت حيّا ... ولكنّ النّداء لغير حيّ (4)
105 - فقالت: قد عهدت إليك نصحا ... فوّفقك المهيمن من وصيّ
__________
(1) فرى الشيء: شقّه وأفسده، والسابري: الدروع المنسوبة إلى سابور.
(2) النسيّ: الزيادة.
(3) المثل: «أغدر من بغي» لم أقف عليه فيما رجعت إليه من كتب الأمثال.
(4) مأخوذ من قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي في ديوانه: 113 لقد أسمعت لو ناديت حيأ ... ولكن لا حياة لمن تنادي(1/574)
(1) انتهت الرّحلة المباركة بحمد الله تعالى وحسن توفيقه وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وكملت في أوائل ذي قعدة من عام خمسة وأربعين وسبع مئة بمدينة مرّاكش المحروسة من نسخة المصنّف (1)
__________
(11) خاتمة الرّحلة في ت: «تمت الرّحلة المباركة وكملت أسعد الله بها، والحمد لله على منّ عونه، وصلّى الله على سيدنا مولانا محمّد وآله وصحبه وسلّم تسليما». وخاتمتها في ط، «كملت بحمد الله وحسن عونه، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم».(1/575)
الفهارس
1 - فهرس الآيات القرآنية
2 - فهرس الأحاديث الشريفة
3 - فهرس الأمثال
4 - فهرس القوافي
5 - فهرس الأراجيز
6 - فهرس الأقوال والمأثورات
7 - فهرس اللغة
8 - فهرس الأماكن
9 - فهرس الأعلام
10 - فهرس الشيوخ الذين ترجم لهم في المتن
11 - فهرس القبائل والجماعات
12 - فهرس الكتب والمصنفات الواردة في الكتاب
13 - فهرس مصطلحات مناسك الحج
14 - فهرس المصادر والمراجع
15 - فهرس المحتويات(1/577)
فهرس آيات القرآن الكريم
الآية: رقمها: الصفحة
سورة البقرة {أتجعل فيها من يفسد فيها: 2/ 30: 380
} {إلا إبليس أبى واستكبر: 2/ 34: 540
} {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل: 2/ 48: 541
} {يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم: 2/ 49: 541
} {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانو يفسقون: 2/ 59: 540
} {فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين: 2/ 64: 41
} {يختصّ برحمته من يشاء: 2/ 105: 456
} {ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة: 2/ 123: 541
} {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى: 2/ 125: 374370
} {ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم: 2/ 127: 382
} {ويعلّمهم الكتاب والحكمة: 2/ 129: 287
} {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا: 2/ 136: 541
} {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام: 2/ 144: 385
} {فإن لم يكونا رجلين: 2/ 282: 156155
} أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى: 2/ 282: 191153(1/578)
الآية: رقمها: الصفحة
سورة آل عمران {قل آمنا بالله وما أنزل إلينا: 3/ 14: 541
} {الدين عند الله الإسلام: 3/ 19: 287
} {يختص برحمته من يشاء: 3/ 74: 456
} {قل آمنا بالله وما أنزل علينا: 3/ 84: 541
} {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين: 3/ 96: 385376
} {ومن دخله كان آمنا: 3/ 97: 360
} {من استطاع إليه سبيلا: 3/ 97: 395
} {كنتم خير أمة أخرجت للناس: 3/ 110: 287
} {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك: 3/ 184: 190
سورة النساء} {يعدهم ويمنّيهم: 4/ 120: 285
} {فإن كانتا اثنتين: 4/ 176: 156155
سورة المائدة} {الأذن بالأذن: 5/ 45: 306
} {مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه: 5/ 48: 287
سورة الأعراف} {وكم من قرية أهلكناها فجاءها: 7/ 4: 157
} بأسنا بياتا أو هم قائلون: 7/ 4: 157(1/579)
الآية: رقمها: الصفحة
{وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا: 7/ 43: 41
} {يسومونكم سوء العذاب يقتلوّن أبناءكم ويستحيون نساءكم: 7/ 141: 541
} {فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون: 7/ 162: 540
سورة الأنفال} {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية: 8/ 35: 377
سورة التوبة} {خفافا وثقالا: 9/ 41: 345
} {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا: 9/ 51: 41
} {على شفا جرف هار: 9/ 109: 184
سورة يونس} {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة: 10/ 22: 190
سورة يوسف} {يا أسفا على يوسف: 12/ 84: 34
سورة إبراهيم} {يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم: 14/ 6: 541
} ربّنا إني أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم: 14/ 37: 381362(1/580)
الآية: رقمها: الصفحة
سورة النحل {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا: 16/ 123: 395
سورة الكهف} {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي: 18/ 109: 288
سورة الأنبياء} {كطيّ السجلّ للكتاب: 21/ 104: 183
سورة الحج} {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق: 22/ 27: 395
سورة النور} {كسراب بقيعة: 24/ 39: 183
سورة النمل} {وجعل بين البحرين حاجزا: 27/ 61: 335
سورة القصص} {فألقيه في اليمّ: 28/ 7: 313
} {إن قارون كان من قوم موسى: 28/ 76: 174
} {كل شيء هالك إلا وجهه: 28/ 88: 351
سورة فاطر} وإن يكذبوك فقد كذب الذين قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزّبر وبالكتاب المنير: 35/ 25: 189188(1/581)
الآية / رقمها / الصفحة
{ثم أخذت الذين كفروا: 35/ 26: 189
} {وغرابيب سود: 35/ 27: 191188
سورة الزمر} {فيما هم فيه يختلفون: 39/ 3: 61
سورة فصلت} {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: 41/ 42: 28789
سورة محمد} {ولا تبطلوا أعمالكم: 47/ 33: 193
سورة الفتح} {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة: 48/ 24: 376
سورة الحديد} {وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء: 57/ 21: 113
سورة الصف} {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد: 61/ 6: 191
سورة الجمعة} {يزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة: 62/ 2: 287
سورة الطلاق} {ومن يتوكل على الله فهو حسبه: 65/ 3: 41
} ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا: 65/ 4: 41(1/582)
الآية / رقمها / الصفحة
سورة الجن {قالوا إنا سمعنا قرانا عجبا يهدي إلى الرشد: 72/ 21: 89
} {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا: 72/ 26: 287
سورة المدثر} {لا تبقي ولا تذر: 74/ 28: 159
} {كأنهم حمر مستنفرة: 74/ 50: 30676
سورة الإنسان} {يوفون بالنذر: 76/ 7: 41
سورة النازعات} {فيم أنت من ذكراها: 79/ 43: 61
سورة الفيل} ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل: 105/ 1: 359(1/583)
فهرس الأحاديث النبوية
الحديث النّبوي: الصفحة
الألف آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومرّه 247
اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب 332
أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدي وعلّمني التشهد: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته 167
إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة 554
إذا سميتم محمدا فعظموه ووقروه وبجلوه ولا تذلوه ولا تحقروه ولا تجبهوه تعظيما لمحمّد صلّى الله عليه وسلم. 537
إذا سميتم الولد محمّدا فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبّحوا له وجها 537
إذا قضى أحدكم حجّه فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره 410
إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان 187
أراد داود أن يبني بيت المقدس وكان فيه بيت ليتيمين فأرادهما على البيع فأبيا ثم أرادهما فباعاه ثم قاما بالغبن فرد البيع فاشتراه منهما ثم رداه 445
استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة 554
أضحاكم يوم تضحون وفطركم يوم تفطرون 404
اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة 307(1/584)
الحديث النّبوي: الصفحة
الأكل في السوق دناءة 282
أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها 503
إن بني إسرائيل كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، لو كانت فاطمة لقطعت يدها. 52
إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. 446
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة 410
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما دخل المسجد أتى البيت فطاف فيه سبعا ثم أتى المقام 374
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع نخلة في المسجد، فلما صنع له المنبر وتحوّل إليه حنّ إليه الجذع 451450
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر 208
إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه وإن شئتما أن أسكت، تسألاني فعلت 412
إن الله عز وجل ليوقف عبدا بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد أو محمد 537
إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب 321
إن المصلي يناجي ربّه فلينظر بما يناجيه به. 152
إن مكة حرام، حرمها الله يوم خلق السموات والأرض 415
إن الملائكة قالت لأدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. 379(1/585)
الحديث النّبوي: الصفحة
إن ممّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح 248
إنا نازلون غدا إن شاء الله خيف بني كنانة 355
إنما سعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليري المشركين قوته. 401
إنما هو ما تقبّل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال. 407
أي مسجد على ظهر الأرض بني أولا. 385
الباء بل قيّد وتوكل. 430
التاء تسمونهم محمّدا ثم تسبونهم 536
الثاء ثامنوني بحائطكم 446
ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان 174
ثلاثة يهلكون يوم الحساب: جواد وعالم شجاع 430
الجيم جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها 504
الدال الدنيا ملعونة ملعون ما فيها خلا ذكر الله ومن اوى إلى ذكر الله تعالى 543
الدين النصيحة. 286(1/586)
الحديث النّبوي: الصفحة
الذال ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها 531
الراء الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء 290246166
السين ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقلّ داع تردّ عليه دعوته 152
سمعت جبريل يقول: سمعت ميكائيل يقول 283
سووا صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم 452
الطاء طوبى لمن رآني أو رأى من رآني 543
العين العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة 411
الفاء فلا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. 382
القاف قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك لحج فأمرنا أن نجعلها عمرة 397(1/587)
الحديث النّبوي: الصفحة
الكاف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أراد قضاء الحاجة وهو بمكة خرج إلى المغمّس على ثلثي فرسخ 357
كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل 89
كل ذي مال أحق بماله. 446
كلّا ثمام وخشبات وعريش كعريش موسى 442
كلّ ميسّر لما خلق له 44
اللام لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. 410409
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق 395
لا يدخل الفقر بيتا فيه اسمي. 537
لما أراد الله أن يقبض روح خليله إبراهيم عليه السلام أوحى إلى الدنيا إني دافن فيك خليلي. 463
لما أسري بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل إلى قبر إبراهيم، فقال: انزل صل هنا ركعتين فإن هنا قبر أبيك إبراهيم صلّى الله عليه وسلم 459
اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث 30576
لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي 444
لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلّا اتباعي. 285
لو لم ألتزمه لحنّ إلى يوم القيامة 451
لو وزنت عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا جرعة ماء. 321
ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام 379(1/588)
الحديث النّبوي: الصفحة
الميم ما اجتمع قوم في مشورة معهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه في مشورتهم إلّا لم يبارك لهم 536
ما أكل طعام قط من حلال عليه رجل اسمه اسمي إلّا يضاعف الله في طعامهم 538
مارئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر منه في يوم عرفة. 411
ما ضرّ أحدكم أن يكون في بيته محمد ومحمدان وثلاثة. 538
ما من أهل بيت فيهم اسم نبيّ، إلا بعث الله إليهم ملكا يقدسهم بالغداة والعشيّ 538
ما من أهل بيت منهم من اسمه محمد إلّا لم يزالوا في البركة في كل يوم وليله 537
ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم. 536
ما من مائدة وضعت وحضر عليها من اسمه أحمد أو محمد إلا قدس الله ذلك المنزل في كل يوم مرتين 536
ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى عبدا من النار من يوم عرفة. 411
المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار. 291(1/589)
الحديث النّبوي: الصفحة
من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده. 168
من أفتى الناس بغير علم لعنته الملائكة في السماء والأرض. 543
من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه. 174
من حجّ حجة أدى فرضه، ومن حج حجتين داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبشره على النار. 414
من حجّ فلم يفسق ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه 411
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. 31
من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا، فقد تمّ حجة وقضى تفثه. 404
من كان له ذو بطن فأجمع أن يسميه محمدا رزقه الله غلاما وما كان اسم محمد في بيت إلا جعل الله في ذلك البيت البركة. 538
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. 543
من مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة. 411
من مات في هذا الوجه من حاج أو معتمر 411
من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقت لها. 193
من نسي صلاة فلم يذكرها إلّا وراء الإمام 192
من ولد له ثلاثة أولاد ولم يسم أحدهم محمدا فقد جهل. 536(1/590)
الحديث النّبوي: الصفحة
من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا باسمي كان هو ومولوده في الجنة. 535
من ولد له مولود فليحسن اسمه وأدبه فإذا بلغ فليزوجه فإذا بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما باء بإثمه. 538
النون نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من العين، فسوّدته خطايا بني آدم. 379
نية المؤمن أبلغ من عمله. 29
الواو ويذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك 354
الياء يا أنس أكثر من الأصدقاء فإنكم شفعاء بعضكم لبعض 553
يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر. 556
يا معاذ والله إني لأحبك فقال: أوصيك يا معاذ لا تدع في كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. 502
يحشر الله العباد عراة 444
ينبغي أن نزيد في المسجد. 444
يوقف عبدان بين يدي الله عزّ وجلّ فيأمر بهما إلى الجنة 535(1/591)
فهرس الأمثال وما شابهها المثل: الصّفحة
الألف أبخل من الحباحب 276
أبعد من نجم 37
الأبلق العقوق 82
أتى الوادي فطمّ على القريّ 56856098
أجبن من صافر 276
أجرأ من كمي 573
أجهل من فراش 277276
أحير من خداش 277
أدلّ من سليك المقانب 46
إذا ما القارظ العنزي آب 50
أذل من سائل 277
أسقم من مذبول 277
أطرق إطراق الشجاع 48838
أعيا من باقل 277
أغدر من بغي 574
أغنى عن الماء من ضبّ 197
أقبح من غول 277(1/592)
المثل / الصّفحة
أقبح من وجه الشيطان الرجيم 204
أقصد من من سهم 37
أقفر من جوف حمار 185
ألجحش لما بذّك الأعيار 362
أمر أمر ابن أبي كبشة 325
أمضى من المرهف القاضب 46
أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه 108
أهدى من قطاة 573
أوضع من خشاش 277
أوسخ من عرض اللئيم 204
الباء برق الخلّب 184
بلغ السّيل الزّبى 261
بيض الأنوق 82
التاء تري الحوادث لمحا باصرا 94
تفرّق أهلها أيادي سبا 32
الجيم جعجعة ولا أرى طحنا 135
الحاء الحديث شجون 107
الخاء خبط عشواء 18233(1/593)
المثل: الصّفحة
الذال ذلّ لو أجد ناصرا 94
السين سواسية كأسنان الحمار 185
العين عشّ ولا تغترّ 340
عند جهينة الخبر اليقين 225
عنقاء مغرب 24132
القاف قال الحائط للوتد لم تشقّني قال: سل من يدقني 324
قد أسمعت لو ناديت حيّا 574
اللام لأمر ما يسوّد من يسود 327
لا حرّ بوادي عوف 199
لا يقعقع له بالشّنان 305
لكل شىء إقبال وإدبار 428
لم ينتطح فيه عنزان 345
لو ترك القطا ليلا لناما 59
الميم مكره أخوك لا بطل 547
النون نفخت في غير ضرم 475
الواو ويح الشجيّ من الخليّ 568(1/594)
فهرس القوافي القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الهمزة المكسورة بآلاء: الطويل: دفتر خوان العادلي: 2: 250
وبهائه: الكامل: المتنبي: 2: 200
الهمزة المضمومة الأسماء: الخفيف: أبو العلاء المعري: 1: 32
كداء: الوافر: حسان بن ثابت: 1: 356
الأشياء: الكامل: المتنبي: 1: 227
منشؤها: المنسرح: ابن سعيد: 2: 252
الهمزة المفتوحة سواء: الخفيف: محي الدين المازوني: 3: 26832
فئه: الرمل: أبو طاهر السلفي: 2: 510
الباء المكسورة الكرب: الطويل: العبدري: 3: 281280
مهذّب: الطويل: الحريري: 3: 518
المحصّب: الطويل: امرؤ القيس: 1: 376
شبابي: الطويل: ابن خميس التلمساني: 38: 5855
خطيب: الطويل: العبدري: 2: 137
كئيب: الطويل:: 1: 369
مغربي: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 92
انتهاب: مخلّع البسيط: ابن برطله: 1: 91
العذاب: الوافر:: 2: 276
الحبيب: الوافر: العبدري محمد عبد المنعم: 10: 427
شباب: الكامل: الأنصاري: 1: 310
لأسبابه: المتقارب: أحمد بن ميمون الأشعري: 3: 549(1/595)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الباء المضمومة طيّب: الطويل:: 1: 243
كتاب: الطويل: المتنبي: 1: 66
اجتذابها: الطويل: الشافعي: 2: 92
فالذنوب: البسيط: عبيد بن الأبرص: 1: 82
الإعتاب: الكامل:: 3: 517
الباء المفتوحة جلاببا: الكامل: المتنبي: 1: 102
ومآبا: الكامل: علي بن المفضل المقدسي: 12: 309308
جرّبه: السريع:: 2: 253
الباء الساكنة الرغائب: البسيط: أحمد بن ميمون الأشعري: 2: 549
المعائب: مجزو الكامل: ابن المعتز: 4: 505
الغيوب: الرجز: ناصر الدين بن المنير: 2: 242
لمذهب: المجتث: محمد بن قسوم: 2: 508
التاء المكسورة حكمة: الطويل: أحمد بن ميمون الأشعري: 2: 548
سبت: الطويل: علي بن أبي طالب: 2: 175
التاء المضمومة تقت: الطويل: العبدري: 10: 361360
صحّحته: السريع: أبو طاهر السّلفي: 2: 532
التاء الساكنة وثبت: البسيط:: 2: 159
الجيم المكسورة زوج: الطويل: العبدري: 5: 109
المرتجى: الرجز: أحمد بن ميمون الأشعري: 2: 548
الفرج: الخبب: أبو عبد الله المصري:: 148139(1/596)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الحاء المكسورة القدح: الطويل: شرف الدين الدمياطي: 3: 298
الشرح: الطويل: عبد الكريم الأنصاري: 7: 232
النواح: المتقارب: ناصر الدين بن المنير: 6: 239
تلاح: المتقارب: زين الدين بن المنير: 12: 239
لاح: المتقارب: العبدري: 35: 240
الحاء المضمومة الفضائح: الطويل: أبو بكر بن بشار: 4: 249
الجوارح: الطويل: ابن جبير: 3: 266
الحاء الساكنة فاستراح: السريع: الشريف الرضي: 1: 59
الدال المكسورة مفنّد: الطويل: أين الدين بن المنير: 55: 238234
بالبعد: الطويل: ابن سعيد: 3: 251
الأبد: البسيط: النابغة: 1: 191
بمقصد: الكامل: العبدري: 142: 441431
العوّد: الكامل: النابغة: 1: 101
بالسؤدد: الكامل: عمرو بن النعمان البياضي: 1: 428
محمّد: الكامل:: 3: 262
وارعد: الكامل: المتلمس: 1: 61
الدال المضمومة يزداد: البسيط: أبو عمران الزاهد: 2: 508
وحيد: البسيط: ابن برطله: 4: 90
يسود: الوافر: أنس بن نهيك: 1: 327(1/597)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الدال المفتوحة غدا: الطويل: يحيى بن عصام: 2: 7473
كادا: المنسرح: ابن جبير: 4: 172
جحودا: الخفيف: ابن دقيق العيد: 2: 311
الراء المكسورة عمرو: الطويل: ناصر الدين بن المنير: 3: 254
متر: الطويل:: 2: 544
بالبرّ: الطويل:: 2: 203
والضرّ: الطويل: أبو العباس الغمّاز: 3: 494
يدري: الطويل: محيى الدين المازوني: 2: 267
وجواري: الطويل: محيى الدين المازوني: 1: 270
والحجر: البسيط:: 4: 467
جار: مخلع البسيط:: 2: 253
عنبر: الكامل: ابن المولى: 35: 7268
ذر: الكامل:: 1: 329
الأمصار: الكامل: محمّد بن الدّبيثي: 2: 249
البقّار: الكامل: النابغة: 1: 73
كافر: الكامل: ثعلبة بن صعير: 1: 114
كالغامر: المتقارب:: 2: 200
الدائر: المتقارب: ابن جبير: 54: 221218
الراء المضمومة الظهر: الطويل:: 1: 187
سامر: الطويل: الحارث بن مضاض الجرهمي: 1: 366
أستعر: البسيط: شرف الدين الدمياطي: 10: 297
الحصر: البسيط: ابن العطّار: 4: 519(1/598)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
أثر: البسيط: أبو الربيع بن سالم: 3: 494
النضر: البسيط: محمد بن عبد المنعم الأنصاري: 2: 310
الصقور: الوافر: كثير عزّة: 3: 275
الكدر: الوافر: ابن جبيير: 4: 225
ينكر: الكامل: محيي الدين المازوني: 2: 269
وتجور: الكامل: ابن الرومي: 3: 67
خفير: الخفيف: عدي بن زيد: 1: 94
مستمرّ: الخفيف: أبو عمرو بن الحاجب: 2: 265
أستكبر: المتقارب: منصور الفقيه: 2: 173
الراء المفتوحة العذرا: الطويل: محيي الدين المازوني: 2: 267
الورى: الطويل:: 2: 227
ضرّا: الطويل: ابن جبير: 3: 173
مزاره: الطويل: ابن دقيق العيد: 2: 311
جرّارا: البسيط:: 2: 323
يسرا: مجزوء الكامل: ابن خطاب المرسي: 4: 62
أميرا: الخفيف:: 2: 173
أنارا: المتقارب: ابن جبير: 34: 225222
الراء الساكنة جابر: الخفيف: إبراهيم بن علي الخولاني: 6: 515
البصر: المتقارب: ابن جبير: 2: 172
الزاي المكسورة المستوفز: الكامل: ابن الرومي: 1: 472
الزاي المفتوحة وجيزا: الكامل: محمد بن عبد المنعم الأنصاري: 2: 310(1/599)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
السين المكسورة المدرّس: الطويل: علي بن محمّد الفالي: 3: 171
الرجس: الطويل:: 2: 426
الشمس: الطويل: أبو الحسن التجاني: 2: 426
أمس: الطويل: ابن جهوة: 2: 513
ملتبس: البسيط:: 8: 263262
ملتبس: البسيط:: 2: 263
القناعيس: البسيط: جرير: 1: 192
السين المرفوعة النفس: الطويل: أبو الربيع بن سالم: 3: 492
نفيس: الوافر:: 1: 190
أخرس: السريع:: 3: 202
السين المفتوحة عسى: الطويل: العبدري: 15: 8179
أخرسا: الطويل: امرؤ القيس: 1: 428
درسا: البسيط: ابن الأبّار: 1: 523
الرؤوسا: الخفيف: ابن جبير: 2: 174
الشين المضمومة توحش: الطويل:: 1: 489
الشين المفتوحة يشا: الطويل: العبدري: 5: 210
الصاد المفتوحة خالصه: السريع: وجيه الدين المناوي: 2: 253
الطاء المكسورة خبط: السريع: ابن الأبار: 3: 515(1/600)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الطاء المرفوعة خطّ: مخلّع البسيط: بعض المغاربة: 2: 265
قطّ: الرمل: محمد بن عبد الرحيم الأندلسي: 2: 264
العين المكسورة لطلوع: الكامل:: 1: 102
الملسوع: الكامل: مكرم الخزرجي: 3: 270
بالخداع: الخفيف: أبو المطرّف بن عميرة: 2: 534
العين المرفوعة القطع: الطويل: ابن العطار: 2: 519518
السّلع: البسيط: حسان بن ثابت: 1: 190
السّامع: السريع: أبو حفص بن عمر: 10: 288
يردعه: السريع: أبو الحسن التجاني: 2: 531
العين المفتوحة جميعا: الوافر: محمّد بن عبد المنعم الأنصاري: 2: 310
الطباعا: الوافر: ابن رشيق القيرواني: 2: 531
أربعا: الكامل: أحمد بن محمد الهاشمي: 2: 252
منفعه: المتقارب: أبو بشر الفارسي: 3: 225
كساعه: المتقارب: أبو الوليد الباجي: 2: 42
الغين المكسورة وفراغ: الطويل: أبو العلاء المعريّ: 5: 514
بغي: الرجز: أبو بكر الزهري: 3: 552
الفاء المكسورة المتكلّف: الطويل: علي بن عبد الله الخراساني: 2: 507
الفاء المضمومة أصف: البسيط: محيى الدين المازوني: 3: 269
يوصف: السريع:: 2: 134(1/601)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الفاء المفتوحة موكفه: الكامل: الزمخشري: 2: 74
المعرفه: الكامل: يحيى بن عصام: 11: 7574
الصّفة: الكامل: أبو حفص بن عمر: 4: 75
طريفا: الخفيف: أبو الفداء الموصلي: 2: 265
القاف المكسورة يتخرّق: الطويل: المتنبّي: 1: 100
ومنطق: الطويل: شرف الدين الدمياطي: 2: 286
والخلائق: الطويل: المتنبي: 1: 186
ملقي: البسيط: محيي الدين المازوني: 2: 268
مغلق: الكامل: الشافعي: 2: 329
الميلق: السريع: ابن بقي: 2: 551
الآماق: الخفيف:: 1: 245
القاف المضمومة الشقائق: الطويل: المتنبّي: 1: 154
القاف المفتوحة عبقه: البسيط: علي بن عبد الكريم الأنصاري: 2: 310
مخرقه: مجزوء الكامل:: 6: 507
الكاف المكسورة تمسّكي: الطويل: علي بن المفضل المقدسي: 3: 516
السّماك: الوافر: أبو الحسن التجّاني: 2: 533
الكاف المضمومة السالك: السريع: أبو الربيع بن سالم: 8: 493492
سلكوا: المنسرح: علي بن المفضّل المقدسي: 2: 510(1/602)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
اللام المكسورة ترحّل: الطويل: محيي الدين المازوني: 2: 268
منزل: الطويل: حازم القرطاجني: 80: 530524
وقال: الطويل: العبدري: 25: 7876
عجل: البسيط: مسلم بن الوليد: 1: 33273
السبل: البسيط: الشقراطسي: 133: 133119
والكسل: البسيط: أبو عبد الله المصري: 2: 134
طلل: البسيط: ابن عريهة: 2: 135
عملي: البسيط: أبو بكر بن حبيش: 2: 136
الأزل: البسيط: أحمد بن ميمون الأشعري: 3: 548
بالمنزل: الكامل:: 1: 423
الفضل: الكامل: علم الدين السخاوي: 4: 256
جهّالها: الكامل: ابن خميس التلمساني: 6: 5554
الجلي: السريع: دفتر خوان العادلي: 3: 250
نابل: السريع: امرؤ القيس: 1: 470
السائل: المتقارب: ابن المرينة: 2: 518
اللام المضمومة يواصل: الطويل: أبو المطرف بن عميرة: 2: 534
سبيل: الطويل: محمد بن صالح الكناني: 4: 9089
سبيل: الطويل: إسحاق الموصلي: 1: 511
خبال: الطويل: أبو الربيع بن سالم: 9: 493
السّول: البسيط: ناصر الدين بن المنير: 2: 253
نزّل: الكامل: أبو طاهر السّلفي: 4: 506
وخبال: الكامل: ناصر الدين بن المنير: 2: 254
عقول: الخفيف: العبدري: 12: 359358
يجهل: المتقارب: دفتر خوان العادلي: 2: 251(1/603)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
اللام المفتوحة المنى لها: الطويل: أحمد بن ميمون الأشعري: 2: 549
أبطالها: الكامل: الأعشى: 1: 73
الأفعالا: الخفيف: المتنبي: 1: 324
الميم المكسورة باسمي: الطويل:: 2: 201
التعلّم: الطويل: دفتر خوان العادلي: 2: 251
همّي: الطويل: الحريري: 2: 107
الظلم: الطويل: العبدري: 63: 3934
مقيم: الطويل: ابن برطله: 2: 90
شيمي: البسيط: محيي الدين المازوني: 3: 270
بالكرم: البسيط: الحسن بن المفضل المقدسي: 2: 509
دمي: البسيط:: 1: 96
الشام: الوافر: النابغة: 1: 60
وسلّم: الكامل: محمد بن طلحة النّصيبيني: 2: 252
أديمي: الكامل: أبو البقاء الرّندي: 2: 6766
بنائم: الكامل: عدي بن الرقاع: 1: 101
العالم: السريع:: 1: 185
الأنام: الخفيف:: 1: 511176
الميم المضمومة تترنم: الطويل: دفتر خوان العادلي: 2: 250
يتوهم: الطويل: ابن بقي: 4: 552
أكتم: الطويل: زينب التجانية: 2: 532
أرقم: الطويل: زينب التجانية: 3: 533
وأعظم: الطويل: ابن برطله: 2: 516(1/604)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
والعلم: الطويل: علم الدين السخاوي: 26: 258256
زعيم: الطويل: أبو العباس بن العريف: 6: 512511
ظلام: الوافر: العبدري: 15: 222221
الميم المفتوحة سالما: الطويل: البحتري: 3: 266
كلاما: الوافر:: 2: 532
الشاما: الوافر: ابن خميس التلمساني: 11: 6059
السّلامه: الوافر: محمد بن إبراهيم بن موسى: 3: 171
همى: الكامل: علم الدين السخاوي: 55: 262258
القياما: الخفيف: محمد بن عبد الباقي الأنصاري: 2: 264
الميم الساكنة الندم: الكامل:: 3: 326
مقيم: السريع: يوسف المنصفي: 2: 91
النون المكسورة ديدني: الطويل: الصغاني: 3: 296
تكويني: الطويل: الشافعي: 3: 81
الدمن: البسيط: الحريري: 2: 107
أخبرني: البسيط: أبو مروان الطبني: 2: 295
يمن: البسيط: الصغاني: 7: 295294
الجمان: الوافر: ابن دقيق العيد: 2: 266
ينثني: الكامل: محيي الدين المازوني: 2: 269
الخلّان: الكامل: سعد الأنصاري: 3: 517
اذاني: السريع: أبو الحسن التجاني: 2: 530(1/605)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
النون المضمومة حجون: الطويل: المعرّي: 1
خوّان: الطويل:: 1: 61
بانوا: الطويل: ابن جبير: 2: 175
السفن: البسيط: تميم بن مقبل: 1: 46
عطن: البسيط: العبدري: 3: 564
تكونوا: الخفيف: محيي الدين المازوني: 2: 269
النون المفتوحة الأدنى: الطويل: ابن قبوش: 3: 560
مضنى: الطويل: تقّية الصورية: 11: 297296
حسنا: البسيط:: 1: 199
يصومونا: البسيط:: 2: 509
قتلانا: البسيط: جرير: 1: 101
بسنه: البسيط: الصغاني: 5: 294
الهاء المكسورة إليه: مخلع البسيط: ابن رشيق القيرواني: 2: 271
يصطفيه: الوافر:: 2: 531
والجاه: الكامل: ابن خطاب المرسي: 5: 62
لتوقيه: الهزج: أبو فراس الحمداني: 1: 285
الهاء المضمومة عنه: الخفيف: أبو بكر بن محرز الزهري: 2: 64
الهاء المفتوحة سقاها: الطويل: ليلى الأخيلية: 1: 443
الواو المكسورة اللغو: الطويل:: 2: 475(1/606)
القافية: البحر: الشاعر: عدد الأبيات: الصفحة
الياء المكسورة حفيّ: الوافر: العبدري: 52: 180176
الرويّ: الوافر: عبد الحق الأزدي: 2: 560
فحييّ: الوافر: العبدري: 105: 574566
الأريحيّ: الوافر: ابن الفكون: 32: 9997
الياء المفتوحة أمانيا: الطويل: المتنبي: 1: 100
تلاقيا: الطويل: مجنون ليلى: 1: 566
معتنيا: البسيط: شرف الدين الدمياطي: 2: 298
تغنيه: البسيط: أحمد بن ميمون الأشعري: 2: 548
تفشيه: السريع: عمر بن إبراهيم التجاني: 2: 533(1/607)
فهرس الأراجيز
البيت: الشاعر: الصفحة
أصفر ذي وجهين كالمنافق: الحريري: 532531
إذا الشريب أخذته أكة: عامان بن كعب: 376
هم الذين جرّعوا من ماحلوا: ابن دريد: 50
تسألني أمّ صبيّ جملا:: 505
قال السخاوي علي ناظما: السخاوي
إنك لو شهدت يوم الخندمة: حماس بن قيس بن خالد: 366(1/608)
فهرس الأقوال والمأثورات
القول: القائل
الألف أتعلم أنّي بتّ البارحة مهموما؟ قلت لماذا؟
قال: لأجل فراقك.: تاج الدين الغرافي: 266
اجتمع قوم من الطلبة بباب قتيبة بن سعيد فسأله بعضهم أن يسمعه من الحديث.: حمزة بن علي الكناني: 504
ألسن تصف وقلوب تعرف، وأعمال تخالف.: الحسن بن علي: 226
أمّا بلاد يكون فيها مثل أبي إسحاق التنسي فما خلت من العلم: ابن المنيّر: 53
أنا رأيت باب المغارة في مؤخر المسجد: علي بن محمد بن هارون
إن أمكنك أن تكتب لي بوصولك إلى أهلك: أبو القاسم اللبيدي: 496
إن البيت أنزل من السماء ياقوتة حمراء: كعب الأحبار: 379
إنّ الحسن بن عمارة ولي المظالم:
إن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا اعتمر ربما لم يحطط: مالك بن أنس: 410
إن من حق العالم ألاتكثر عليه السؤال: علي بن أبي طالب: 88
إن النقل أصحّ من الحديث لأن الحديث ربما وقع فيها الخطأ والنقل لا يقع فيه الخطأ: مالك بن أنس: 459
إنك توحشني بفراقك وقد أقبل عليك قلبي لأول ما رايتك: محمد بن صالح الكناني: 84
إنه ضيف علينا فاصبروا له حتى يتم الكتاب: ابن الغماز: 490(1/609)
إنهم كانوا يتساهلون في أحاديث الفضائل فيروونها عن كل قويّ وضعيف.: أبو عمر بن عبد البر: 535.
إني أحفظ وقر جمل من كتب: أبو القاسم الشاطبي: 303
أيتها السباع والهوام إنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم.: عقبة بن نافع: 160
الباء بأبي يد صافحت كفّ رسول الله: هارون الرشيد: 168
بعني موضعا أقبر فيه من مات من أهلي: إبراهيم الخليل: 462
التاء تهنئكم عبادة القلوب والألسن والأيدي والأعين: عمر بن هارون: 40
الثاء ثلثها كلاب وثلثها تراب وثلثها دواب: أبو دلامة: 279
الراء رأيتك لا تمس من الأركان إلّا اليمانيين: عبيد الله بن جريج: 368
السين السلام عليكم: رجل غريب جئت من بلد بعيد لتحدّثني: القعنبي: 248
الصاد صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلّى الله عليه وسلم فما مسست خزّا ولا حريرا ألين من من كف رسول الله.: أنس بن مالك: 166
الضاد الضرب للصبيان كالغيث للنبات: إسماعيل بن عوف الزهري: 226(1/610)
العين عباد الله: الدين النصيحة: أبو حفص بن عمر الملّمي: 286
عمرت خمس وثمانين سنة ماتّم لي بها سرور إلا ثلاثة أيام: حسن الحلفاوي: 95
الغين الغرب دنيا بلا رجال، والقبلة رجال بلا دنيا: أبو محمد بن عبد العزيز: 44
القاف قد فعل عمر مثلما فعلت فلم يصح أحد: عثمان بن عفان: 386
الكاف كان عندكم بمرّاكش رجل فاضل: ابن دقيق العيد: 301
اللام لست أعرفك ولا يضرّك ألّا أعرفك: عمر بن الخطّاب: 293
لقد خاب هؤلاء وخسروا: عروة بن الزبير: 402
لقد رأيت عجبا، كنّا بفناء الكعبة وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير: الشعبي: 499
لما فتح هذان المصران يعني الكوفة والبصرة أتوا عمر فقالوا: ابن عمر: 349
ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام: ابن عباس: 379
ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنّه: مالك بن أنس: 291
الميم ما ذكرت أن الأرض تأكل لسان عبد الملك إلا هانت الدنيا في عيني.: ابن المعدل: 187(1/611)
من الفضول أعمى يقرأ الأصول: أبو القاسم الشاطبي: 303
من لم يعرف الشّر أجدر أن يقع فيه: عمر بن الخطاب: 285
من الناس من لا تذكر عيوبه: مالك بن أنس: 231
النون ناشدتك الله يا أمير المؤمنين لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك: مالك بن أنس: 384
الهاء هو فناء الكعبة، إنما نزلتم عليها ولم تنزل عليكم: عمر بن الخطاب: 385
الواو ومصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أكمة: ابن عمر: 354
الياء يا أهل الدوار هؤلاء ضيفان الله من يحمل منهم: منصور صاحب مليكش: 48
يا شيخ أيّ هو قبر إبراهيم من هؤلاء: أبو زريمة الدمشقي: 460
يا كميل إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير: علي بن أبي طالب: 87(1/612)
فهرس اللغة
الجذر: المادة: الصفحة
بسس: البساسة: 378
بكك: بكّة: 376
بني: البنيّة: 378
جحف: الجحفة: 350
حجج: الحجّ: 394
حرم: البلدة الحرام: 378
حطم: الحاطمة: 378
خبث: الخبث: 305
خشب: الأخشبان: 365
خنث: الانخناث: 101
رأس: الرأس: 378
رحم: أم رحم: 378
صفف: الصفيف: 209
صفو: الصفا: 375
صلح: صلاح: 377
ظهر: أظهر: 208
عتق: العتيق: 378
عرش: العرش: 378
عرف: عرفات: 389(1/613)
الجذر: المادة: الصفحة
عقق: العقيق: 418
غربب: غربيب: 188
غرر: غرّ: 209
غنج: الغنج: 99
قدس: القادس: 378
قدس: المقدسة: 378
قري: أم القرى: 378
كدي: كداء: 356
مرو: المروة: 375
مكك: مكّة: 377
نحو: تنحّوا: 209
نسس: النسّاسة: 378
نسك: منسك: 394
وسن: الوسن: 100(1/614)
فهرس الأماكن
الألف آبار المياس 482
آمد 304
الأبطح 408355354
أجدابية 482206201
أجياد الصغير 365
أجياد الكبير 365
الأخشبان أخشبا مكة 365
أخشبا منى 365
أرض برنيق برنيق
إرم 47583
أزمور 565
الإسكندرية 214210209206172170116523331 316296271270269267254245227217 570535483481480479
إسنا 254
أسوان 312
إشبيلية 106
أطرابلس طرابلس
أغمات: 80
إفريقية 519486485338321278195135112111
أكرا 343
أم رحم 378377(1/615)
أم القرى 378377
الأندلس 27811585
أنسا 4240
أنطابلس 205
أنهار ثورى 296
أهرام مصر 318317316315
أوجلة 338202
أيلة 570339337312
إيلياء بيت المقدس
الباء باب البحر بطرابلس 194
بابل 475
باب بني شيبة 400372368367244
باب تلمسان 563
باب جبريل (المسجد النبوي) 424
الباب الجنوبي للمسجد النبوي 424
باب دار الندوة 368367
باب الرحمة (المسجد النبوي) 424
باب السرة باب بني جمح 368
باب السلام للمسجد النبوي 450424
باب الشبكية 392365
باب الصفا 402368
باب العمرة 367
باب الكعبة 373371367(1/616)
باب المعلاة 392365
باب النساء (المسجد النبوي) 444
باب اليمن 365
باجة 568558105
الباسة 378377
بجاية 56856155855297928482
بحر الحبشة 312
البحر الرومي 480335312289
بحر الشرق 335
بحر الغرب 335
بحر القلزم 337
بحر موسى بحر القلزم
بحر النيل نهر النيل
بحيرة لوط 465
بدر 57141841741134834634633032524470
البرابي 318315
برقة 570483481321312278206205203
البركة 335330
البرلس 509
برنيق 482206
برية سنانة 483202
برية الشام 477
برية ما بين الحجاز ومصر 334330(1/617)
برية المراحل الحمر 183
برية منهوشة 483202
البزواء 348
بسيط عرفة 388
البصرة 349305283248247
بطرنة 557
البطنان 483481206
بطن حقف 525
بطن ذي طوى 353
بطن عرفة 403387
بطن محسّر 405387
بطن مرّ 571352
بطن مكة 376
بغداد 564517430417293263256249246
البقيع 423422
بكّة 377376128
البلاد الحجازية الحجاز
بلاد السودان 339
بلاد السوس السوس
بلاد الشام 477
بلاد القبلة 4443
بلاد مصر مصر(1/618)
بلبيس 479
البلد الأمين مكة
البلدة 377
البلد الحرام 378377
بلنسية 499
بنو حسن 483
بنو ورار 5689793
بونة 568104
بيار 480
البيت البيت الحرام البيت العتيق 378377376130109 402401400394384383382381380379 572500413412
بيت لحم 468459
بيت المقدس 468467464459456453445238219 499474
البيداء 350
بئر إبراهيم بعسقلان 476
بئر زمزم زمزم
بئر طرطقى 336
بئر علي 418352
بئر النخل 337336(1/619)
التاء تاد مكة 339
تامدولت 339
تبوك 454
تربة الإمام الشافعي 327
تربة رأس الحسين 319
تربة لوط 465
تربة مالك بن أنس 423
تستر 69
تلمسان 567562561987673545348474539
تنس 97
التنعيم 416353
تونس 1851651511151131121111081069254 568558557497496489488426412391
الثاء الثنيّة 392354244
الثنيّة البيضاء 356
ثنية الحصحاص 355354353
الثنية السفلى 400356
الثنية العليا 400
ثنية كدى 355353
ثنية المقبرة 367355354
ثورا 296(1/620)
الجيم جامع بجاية 83
جامع الزيتونة 110
جامع سوسة 488
جامع طرابلس 186
جامع غزّة 477
جامع قابس 182
جامع قرطبة 554
جامع القيروان 321160
جامع مرسية 65
جامع مليانة 79
جبال عرفة 403388
جبانة عسقلان 476
جبل ازور 339
جبل أحد 422325223
الجبل الأحمر 365
جبل ثهلان 129
جبل ثور 391390347
جبل الجودي 380
جبل حراء 380
جبل الخندمة الخندمة
جبل درن 339
جبل أبي قبيس 382365(1/621)
جبل قعيقعان 366365
جبل لبنان 380
جبل يذبل 129
الجحفة 399351350349244
جدّة 416389
جربة 485
جرسون 481
الجرعاء 297
الجزائر 5689782
الجزيرة 314
جلّق دمشق
الحاء حاجر 198
حاحة 56740
الحاطمة 378377
حبرى حبرون
حبرون 466464463462461
الحبشة 357
الحجاز 301299279278266246234220116116 500431429345337321
الحجر 401400384383367
حجر أزواج النبي 447425424
الحجر الأسود 433402400379370(1/622)
الحجرة الشريفة 429
حجرة عائشة الروضة
الحجون 367366355
الحديبية 416
الحرم 572431429416415387368367358357353
الحصحاص 353
الحصوي 483481207206
حلب 252
الحمامات 488
حمام العالية بتلمسان 49
حمص 420
الحنايا 112
حنين 34834724470
الحوراء 344243
حومل 524
الخاء خليص 571417393352351244
الخليل 468467465457456282
الخندمة 366365
خوخة آل عمر 448
خولان 568558104
خيبر 70
الخيف خيف بن كنانة 372355
خيف منى 412297(1/623)
الدال دارة جلجل 529
دار الحديث الكاملية 30
دار عثمان 449
دار الندوة 372367
الدخول 524
درقة حمزة 472
دمشق 320306296282255
دمنهور 480
دمياط 480289
دميرة 344
الدهناء 571454346244
ديار ربيعة 321
ديار قوم لوط 465462
الديار المصرية ديار مصر مصر
الذال ذات عرق 349
ذو الحليفة 399350
ذو سلم 109
ذو طوى 355354353(1/624)
الراء رابغ 351349348
الرأس 378377
الرباط رباط تازا 56356298
الرجل المشقوق 481205
رشيد 312
ركن أجياد 368
الركن الأسود 433400379373370368
ركن باب السرة 368
ركن باب بني شيبة 368
الركن الشامي 454373
ركن أبي قبيس 368
الركن اليماني 501500454400368
الرملة البيضاء 244
الرملة الصفراء 244
رملة الشام 561
الروضة 524431429427426425424372224
روضة نفيسة 326
ريف مصر 344289255
الزاي الزاب 312
زديك 569564200
الزعقة 561
زغوان 110(1/625)
زمزم 433401400382381373371369208
زنزور 184
زوارة 485183
زواغة 485183
الزوراء 122
السين ساوة 61
السّتّار (جبل) 528
سجلماسة 321
سخا 255
سدرة المنتهى 312
سرت 569483338202201
سفاقس 485166
السقائف 400
سقط اللوى 524
سلا 56498
سنانة 483202
سنجار 542
السند 191
سندبيس 480
السودان 339
السوس 5673392834240(1/626)
سوسة 487
سوسية 482
السويس 336335
سويقة ابن مطكود 483
الشين شاطبة 170
الشام 29427821813313112011670605938 455454452449420399357340337321 561555527484477476468465461
الشبيكة 483201
الشجرة 149
الشعبان 343
شقراطس 119
أبو شمال 481207
الصاد الصالحية 478477
الصخرة 473472470459
صعيد مصر 319316315312254
الصّفا 433413412402401392381375366361
صفين 325
صلاح معدول 377
صنعاء 444
الصين 13169(1/627)
الطاء الطائف 417355348
طرابلس 569484205184152
طريق الساحل 485484
طريق الغابة 481
طريق القبلة 481
طريق القيروان 484
طريق المرج 481
طلبيرة 170
طلميثة 481206205
طنجة 564
طندة 175
طور زيتاء 380
طور سيناء 380
طيبة 570524433426422323
العين العبّاد 56348
العتيق البيت العتيق
العدوة 115
العراق 500468429416399246131
العرجاء 344243
العرش 380378377
عرفات عرفة 39739538938838738636535795 417416412411408405403402399(1/628)
عسقلان 377376375374320
العقبة 407406405
عقبة إيلة 455454339337334
عقبة السويق 352244
العقبة الصغيرة 481209206
العقبة الكبيرة 483481209206
عكة 351335
العلياء 191
عمان 554
عمود السواري 212
العين 312
عين أقيان 482206
عين ميلة 93
عيون القصب 342
الغين الغابة 484483208206
الغار 260
غرّاف 246
الغرب المغرب
غزة 477
غمدان 83
غور الشام 465(1/629)
الفاء فارس 50312070
فاروث 417
فاس 564321102985033
فدك 56
الفرات 313
الفرما 480335
فسطاط مصر فسطاط عمرو 570337316315314
فلجة 243
القاف قابس 569484180
القادس 378377
قاعدة مصر القاهرة 479304274240
قباء 453422
قبة باب البحر بطرابلس 194
قبة الشراب 372
قبة زمزم 373372371369
قبة الصخرة 473472470
قبة العباس 423
قبة عثمان بن عفان 423
قبة هيت 481
قبر إبراهيم عليه السلام 464461460459458
قبر إسحاق عليه السلام 464461459458(1/630)
قبر أبي الحسن اللخمي بسفاقس 485
قبر رابعة البدوية 469
قبر ربقة 464
قبر أبي رغال 356
قبر أبي زمعة البلوي 162
قبر سارة 464460
قبر السفاف 341
قبر عبد الرحمن بن القاسم 327
قبر أبي عبد الله المازري بالمنستير 485
قبر عيسى عليه السلام 469
قبر عيسى بن الوليد 480
قبر فاطمة بنت الحسين 466
قبر أبي لبابة بقابس 484
قبر أبي لهب 356
قبر لوط 465
قبر ليغا 464
قبر محمد صلّى الله عليه وسلم 571449434235
قبر أبي محمد بن أبي زيد 162
قبر أبي مدين 49
قبر مريم 469
قبر يعقوب 461460459458
قبر يوسف 458
قبر يونس 468
القبلة 387385(1/631)
القدس بيت المقدس
قرافة مصر 327
قرطاجنة 111
قرطبة 554
قرن قرن المنازل 349
القرية القديمة 377
قسنطينة 568558969594
قصر جليط 482
قصر الجم قصر الكاهنة 487486338195
قصر الصّفاقنة 481205
قصر المنارة 195
قصيرات سرت 200
قعيقعان جبل قعيقعان
قفر لوبية 210
قفصة 119
القلاع 558
القلزم 335
القلعة بالقاهرة 280
قلعة جابر 515
قليوب 480
القمانس 483482
القيروان 195176165164163160159158157106 569504484412321266
القيسارية 539(1/632)
الكاف كازرون 503
كداء 356353
كدى 356
كربلاء 325
الكعبة 375373372371370369368356351244 453446433426415400385384378377 524500
كفافة 343342
الكوفة 349
اللام لبدة 483
لبنان 380
اللوى 198
لوهور 293
الميم مأزما عرفة 388387286
مازونة 56198
محسّر 386
المحصّب 408376372361358355354351
المحمودة 344
مخزن الكعبة 372
المدرج 352244
المدرسة الديلمية بالقاهرة 304(1/633)
مدرسة زين الدين بن المنير 481
مدرسة طرابلس 186
المدرسة الظاهرية 479299289
المدرسة الكاملية 299281
المدرسة المستنصرية ببغداد 430
المدية 201
المدينة المنورة 42241841641239934625822295 454441429428
مراكش 575302301187989651
مراوة 481
المرج 481
مرسى بونة
مرسى تلمسان 561
مرسية 9266656463
مر الظهران 409252244
المروة 413412402401392381375
مزارة رأس الحسين بعسقلان 476
المزدلفة 405389387386365
مساجد عائشة 354353244
مستنصرية بغداد المدرسة المستنصرية ببغداد
مسجد إبراهيم 460489388387
المسجد الأقصى 469385
المسجد الحرام 423399392385384372367351
مسجد الحسين بعسقلان 477(1/634)
مسجد الخيف 412399372
مسجد دار الندوة 372
مسجد عرفة 403387357
مسجد علي بن أبي طالب 346
مسجد عمر بعسقلان 476
مسجد قبر إبراهيم مسجد إبراهيم
مسجد مزدلفة 387
مسجد النبي 453442429425424423
مسجد اليقين 466462
المسعى 375
مسلاتة 483
المشرق 25622016513111610910895533228 561539534525522520390264
المشعر الحرام 405386
مصر 24023122019317511711653393830 316313311303299280279255254246 335334333331328321320319318317 393382352351346345342340337336 480478477476473467458454417399 570542506504
مصراتة 569200
مصعد عيسى 469
مصلى النبي 452
المطاف 375(1/635)
المعزية القاهرة
المعلى 454
المعلاة 354
مغارة حبرون 120466461/ ب 121/ ا
مغارة شعيب 341
مغبوق (ماء) 336335
المغرب 2812782662561621311091085332 565525441436399391390338321
المغمّس 358357
المغيرة 344
مقابر الاسكندرية 214
مقابر مكة الحجون
المقام 433382379374373
المقانة 480
مقبرة البيساني 85
مقبرة شهداء بدر 346
مقبرة القيروان 162
المقدس بيت المقدس
المقدسة 378377
مكة 33533429429323022016713312912895 355354353352351348347345342339337 381377376372367366362360358357356 403401400399397393392391389388382 450434433420417416415409408406405 571497(1/636)
مكناسة 56498
ملالة 561
ملحوب 82
ملل 130
مليانة 568561345979378
مليح 480
مليكش 48
ممرى 464461
منى 402397394389386377372365358355 433408406405
منار الإسكندرية 269214213
منزل أبي نصر 488
المنستير 486485414
منف 315
منهوشة
مهد عيسى 470
المهدية 485166
مهيعة 350
مؤتة 70
الموقف 403397388387
ميرقة 565
الميزاب 454367
ميلة 5689793(1/637)
النون الناسة 377
نجد 399198
النساسة 378377
نفطة 484
نفيس 338
نقب علي 454
نمرة 388387
نهر قلعة جابر 515
نهر النيل 317316314313312311289132
الهاء الهند 389293
الواو وادي أكرا 344
وادي جهنم 469
وادي ذي الحليفة 418
وادي رابغ 348
وادي سلمى 342
وادي شلف 78
وادي الصفراء 454448348
وادي عرفة 387
وادي العقيق 418(1/638)
وادي عوف 199
وادي القر 342340
وادي المدينة وادي العقيق
وادي مكة 354
وادي النمل 476
وادي اليعبوب 343
واسط 420
واسط القصب 502
وجدة 56398
وجرة 343
الوجه 343
وهران 56256198
الياء يثرب 402350235
يذبل 527
يلملم 399
اليمامة 148131
اليمن 417416399389357321294131
ينبع 570454346345344330301(1/639)
فهرس الأعلام
الألف آدم 461415389381380379
ابن الأبار أبو عبد الله القضاعي.
إبراهيم بن أدهم 181
إبراهيم الخليل 458415407387382381373363 468467466464463462461460459
إبراهيم بن زياد سبلان 430
إبراهيم بن سعيد الجوهري 167
إبراهيم بن عبد الله البصري 412
إبراهيم بن علي بن أغلب الخولاني 514
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري 282
إبراهيم بن محمد الأزديني 150
إبراهيم بن محمد بن الحجاج البلفيقي 511508
إبراهيم بن المنذر 430
إبراهيم بن يخلف التنسي 53
أبرهة 368356
أبقراط 479
إبليس 415407
أبيّ بن كعب 445444
أحمد (النبيّ) محمد
أحمد بن إسحاق التمار 503
أحمد بن حنبل 572284(1/640)
أحمد بن طولون 316
أحمد بن عبد الأعلى 499
أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي 53464
أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري (محبّ الدين) 417368230
أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي 30
أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمي 30
أحمد بن عثمان بن عجلان القيسي 499498
أحمد بن علي بن أبي بكر الحميري القلعي البلاطي 138
أحمد بن علي الطّريثيثي 499291
أحمد بن علي بن مهدي الحافظ 553
أحمد بن عمر العذري 501
أحمد بن عمر بن محمدّ لسبتي الحميري 225222217
أحمد بن فارس بن زكرياء 498
أحمد بن محمد (أبو جعفر) 502
أحمد بن محمد بن أحمد بن السراج 51330887
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلصة الحميري 551115
أحمد بن محمد بن أحمد السلفي 532509506297292255233171
أحمد بن محمد بن حسن بن تامتيت اللواتي 511506503501
أحمد بن محمد بن حسن بن محمد بن الغماز الخزرجي 557494489
أحمد بن محمد عبد الله الخولاني 502
أحمد بن محمد علي السّوسي 283
أحمد بن محمد منصور الإسكندري 254253243242238233 347344343(1/641)
أحمد بن محمد بن ميمون الاشعري المالقي 547545544
أحمد بن محمد الهاشمي الحلبي 252
أحمد بن محمد الواسطي 517
أحمد بن المظفر بن سوسن التمار 430
أحمد بن المعدل 187
أحمد بن منصور الكازروني 249
أحمد بن موسى البطرني 557169
أحمد بن يزيد بن بقي 556551115
أحمد بن يوسف بن فرتون 512
أحمد بن يوسف الفهري اللبلي 11666
الأحنف بن قيس 203
الأخفش 559
إدريس (النبي) 315
الأزرقي (أبو الوليد) 379375373367356354353 416389388387
أسامة بن زيد 52
إسحاق (النبي) 464462461458
ابن إسحاق (صاحب السيرة) 383
أبو إسحاق البلفيقي إبراهيم بن محمد بن الحجاج
أبو إسحاق التلمساني 135
أبو إسحاق بن شعبان 328
أبو إسحاق العراقي 231
إسحاق الموصلي 511(1/642)
إسرافيل 283
أسعد بن زرارة 443442
الإسكندر المقدوني 316212
إسماعيل (النبي) 413407383382381
إسماعيل بن أبان العامري 499
أبو إسماعيل الترمذي
إسماعيل بن توبة التقفي 283
إسماعيل بن جعفر 283246
إسماعيل بن رافع المدني 412
إسماعيل بن أبي سعد النيسابوري 249
إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني 511
إسماعيل بن علي الموصلي 535265
إسماعيل بن عوف الزهري 226
إسماعيل لمقدسي 479
إسماعيل بن مكي بن إسماعيل الزهري 304
إسماعيل بن موسى الفزاري 556
أسيد بن حضير 163
الأشعر 71
اشهب بن عبد العزيز 327273
ابن أصبغ 552
أصبغ بن الفرج 387327
الأصمعي 355239
الأعشى 73(1/643)
الأعمش 504503292
الأكوبي سعد بن عبد الله الأكوبي سعد بن عبد الله الأنصاري
أمامة (في شعر)
أبو أمامة الباهلي 535307282
امرؤ القيس 524523376
أمية 126124
أبو أمية الدلائي 107
الأمين العباسي 257
أنس بن مالك 556553536535502412305283166
أوس 571
أويس القرني 323
إياس 456284
أبو أيوب الأنصاري 442441
أيوب بن موسى 52
أبو أيوب الهاشمي 291
الباء الباجي 273
باقل 277
البحتري 266
أبو بحر الأسدي 550
البخاري 38437335535435334924623222916652 556550549520496490404401397
أبو البدر بن مردنيش 9796
البراض الكناني 57(1/644)
ابن برطله عبد الله بن عبد الرحمن
بشر بن محمد بن عبد الله الأبو وردي الصوفي 283
بشر بن موسى 501
ابن بشكوال أبو القاسم بن بشكوال
ابن بشير 394
البصري أبو عمرو بن العلاء 541
ابن بطال 232
ابن بقي أحمد بن يزيد بن بقي بقية 282
أبو بكر الآجرّي 86
أبو بكر بن بشار 249
أبو بكر بن جهور الأزدي 65
أبو بكر بن حبيش محمد بن الحسن بن يوسف أبو بكر بن بن خلاد 554
أبو بكر الصديق 425391347261260259148121 453451443
أبو بكر بن الطريثيثي أحمد بن علي الطريثيثي أبو بكر بن عبد العزيز 44
أبو بكر بن عبد الله بن ابراهيم الشافعي 282
أبو بكر بن العربي 554553552
أبو بكر بن عياض القرطبي 522
أبو بكر بن فتحون 544
أبو بكر بن أبي ليلى 522(1/645)
أبو بكر بن محرز الزهري محمد بن محرز أبو بكر بن محمد العبدري (ابن صاحب الرحلة) 299
أبو بكر بن المرجي 460
البكري أبو عبيد البكري بلال 124
التاء تاج الإسلام السمعاني 247
الترمذي 556521491404379291117866564
تقية بنت غيث الصّوري 296
تميم 532
تميم بن أسد الخزاعي 416
تميم الداري 451
الثاء ثابت البناني 553355
الثوري سفيان الثوري
الجيم جابر بن عبد الله 555397
جابر بن محمد بن القاسم بن حسان الوادي آشي 542539
جبريل 537462461459453415407389382312125
جبلة بن الأيهم 181
ابن جبير محمد بن أحمد بن جبير ابن الجراح 513
ابن جريج 538386(1/646)
جرير 573101
جساس 56
أبو جعفر بن الدلال 564
أبو جعفر بن عبد المجيد 538
جعفر بن عمرو بن أمية 430
جعفر بن كلاب 56
جعفر بن محمد 537
أبو جعفر المنصور 449
جفنة 70
أبو جهل 126
جوهر الصقلي 570278
الحاء حاتم بن محمد التميمي 504
الحاتمي 531
ابن الحاجب عثمان بن عمر الحارث بن أبي أسامة 554
الحارث الأعور 89
الحارث الجفني 70
الحارث بن عمرو بن مضاض الجرهمي 366
حازم القرطاجني 523
أبو حامد (إمام مسجد إبراهيم) 460
الحباحب 276
ابن حبيب 404402314313(1/647)
حبيب بن أوس 57360
حجاج بن منهال 412
الحجاج بن يوسف الثقفي 443384
الحريري أبو محمّد الحريري حسان بن ثابت 356190
أبو الحسن (صاحب كتاب المدينة) 450444
أبو الحسن علي بن أبي طالب الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمّد بن شاذان 430
الحسن بن أحمد الحداد 412
الحسن بن إسماعيل الخوي 542
الحسن البصري 537
حسن بن بلقاسم بن باديس 95
أبو الحسن التجاني علي بن إبراهيم الحسن بن الحر 168
حسن الحلفاوي 95
الحسن بن خارجة المرندي 542
أبو الحسن بن خيرة 565564
أبو الحسن بن رزين علي بن محمد بن أبي القاسم بن رزين أبو الحسن الرومي. «سحنون» 64
الحسن بن زيد 449
أبو الحسن بن السيد 559
الحسن بن صفوان 499
الحسن بن عبد الرحمن الكناني 63(1/648)
أبو الحسن بن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي 246
أبو الحسن بن عبد الكريم الأنصاري 310
أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن البغدادي الأزجي 292
الحسن بن عبد الله العسكري 503
الحسن بن علي بن أبي طالب 226
الحسن بن علي بن عمر القسنطيني (ابن الفكون) 95
الحسن بن عمارة 504
أبو الحسن الغافقي 554
أبو الحسن الغرافي علي بن أحمد الحسن بن أبي الفتح بن وزير الواسطي 517
الحسن بن الفضل 514
أبو الحسن القابسي علي بن محمد القابسي أبو الحسن بن القطان 301
أبو الحسن بن قطرال علي بن عبد الله بن محمد أبو الحسن اللخمي 48540840440340239639538719416596
الحسن بن محمد بن الحسن العدوي العمري 294293
الحسن بن محمد بن محمد البكري التميمي 520
أبو الحسن المقدسي أبو الحسن بن المفضل علي بن المفضل المقدسي أبو الحسن بن المنير علي بن محمد بن منصور أبو الحسن بن النعمة 559
أبو الحسن بن هذيل 86
أبو الحسن بن وهب القشيزي أبو الحسن بن يخلف التنسي 53(1/649)
الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير النجار 535
أبو الحسين بن جبير محمّد بن أحمد أبو الحسين الرندي 558
أبو الحسين بن السراج 514
الحسين بن علي الجعفي 168167
الحسين بن علي بن أبي طالب 551476467324323322320319
الحسين بن علي بن نعيم المصري 509
الحسين بن علي بن يزيد الرفاعي 553
الحسين بن محمد الطبلي 106105
حسين بن محمد الغساني 501
الحسين بن مسعود 559
الحسين بن نصر بن محمد بن خميس 291
أبو حفص عمر بن الخطاب أبو حفص السهروردي 49741764
أبو حفص بن عمر عمر بن عبد الله بن عمر السلمي حفصة بنت عمر 448
الحكم 322
حماد بن زيد 305
حماد بن سلمة 553
حماس بن خالد 366
حمزة 472
حمزة بن محمد الكناني 504(1/650)
حميد الطويل 283
ابن الحميّر 275
أبو حنيفة 284
حواء 389
أم الحويرث (في شعر) 529
حيدر بن يحيى الجيلي 556
حيوة بن شريح 501
الخاء خالد بن الوليد 480
خالد بن يوسف بن سعد النابلسي 306
أبو خبيب 572
خداش 277
خرشة بن الحر 292
الخضر 443323
ابن خطاب المرسي محمد بن عبد الله بن داود أبو الخطاب بن واجب 522
خلف بن عبد الملك أبو القاسم بن بشكوال أبو خليفة 247
الخليل إبراهيم النبي ابن خميس محمد بن عمر بن محمد خنوخ إدريس النبي خيثمة 504(1/651)
الدال دارا 572
الدارقطني 550549411410407404
الداني (في شعر) 530
داود (النبي) 445
أبو داود سليمان بن الأشعث داود بن جهوة 513
داود بن رشيد 292
الداودي 354
ابن درستويه 559
ابن دريد 41837729450
ابن دقيق العيد محمد بن علي بن وهب أبو دلامة 279
الذال أبو ذر الغفاري 385322
أبو ذر الهروي 550491
ذو القرنين 37
الراء رابعة البدوية 469
الراشد العباسي 257
الراضي العباس 257
أم الرباب (في شعر) 529
ربعي بن حراش 248(1/652)
ربقة 465464462
أبو الربيع الزهراني 168
أبو الربيع بن سالم 565564517494492491
رستم 527
الرسول محمد ابن رشد 396
ابن رشيد السّبتي 11
الرشيد العباسي هارون الرشيد الرضي (الشريف) 573
أبو رغال 358357356
ابن روزبة علي بن أبي بكر القلانسي ابن الرومي 67
الزاي زبيدة 354
ابن الزبير عبد الله بن الزبير الزجاجي 377
أبو زرعة الدمشقي 460459
أبو زرعة المقدسي طاهر بن محمد زريب 513
أبو زمعة البلوي 162
الزهري 52
زهير بن أبي سلمى 241
زيد (في شعر) 19997(1/653)
ابن أبي زيد أبو محمد بن أبي زيد زيد بن أحزم 503
أبو زيد الدباغ عبد الرحمن بن محمد أبو زيد السروجي 518
أبو زيد بن القاضي 54
أبو زيد اللخمي 487
زينب (في شعر) 435
زين الدين بن المنيّر علي بن محمد بن منصور
السين سارة 464462460
سارية بن زينم 148
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب 448
سحبان 284
سحنون 404161
السخاوي علي بن محمد بن عبد الصمد ابن السراج 55951492
سراقة 121
سطيح الكاهن 438
سعد بن أسعد الجيراني 542
سعد بن عبد الله الأثيري 554
سعد بن عبد الله الأنصاري 517
سعدون الخولاني 517
أبو سعيد الحاحي المترازي 40(1/654)
سعيد بن حكم 565
أبو سعيد الحدري 53840737331
سعيد بن أبي سعيد المقبري 430
السفّاح العباسي 257
السفاف 34134
سفيان الثوري 4993222845230
سكينة بنت الحسين 500
سلفة (جد الحافظ السلفي) 255
السلفي أحمد بن محمد سليمان (النبي) 457445
سليمان بن الأشعث السجستاني 49140430564
سليمان بن أيوب الطبراني 501
أبو سليمان الخطابي 306305
سليمان بن عبد الملك 448
سليمان بن مسهر 292
السهروردي أبو حفص السهروردي سهل (غلام أسعد بن زرارة) سهل بن علي بن عفير الأنصاري 283
سهل بن مالك 564551550
سهيل (غلام أسعد بن زرارة) السهيلي أبو القاسم السهيلي سيبويه 559(1/655)
الشين الشاطبي أبو القاسم الشاطبي الشافعي 572328327291290284272
شرف الدين الدمياطي عبد المؤمن بن خلف شعبة بن الحجاج 248247
الشعبي 501499397
شعيب الأندلسي 56349
ابن الشقر عثمان بن سفيان الشقراطسي عبد الله بن يحيى شونيد بن سهلوق 317
شيبان 292
شيبة 126
شيث بن آدم 380
الصاد صاعد (صاحب الطبقات) 337315312
صالح النبي 56
صالح بن إسماعيل بن سند الزناري 305
صالح بن شريف الرندي 66
صالح بن ينصارن 565
صدقة بن الحسين 517
صدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي الصديق أبو بكر الصغاني الحسن بن محمد بن الحسن
صفوان 366(1/656)
صدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي الصديق أبو بكر الصغاني الحسن بن محمد بن الحسن
صفوان 366
صلاح الدين يوسف بن أيّوب الصنابحي 502
الطاء طارق بن شهاب 30
طارق بن عبد العزيز 499
طالوت بن عباد 308307
أبو طاهر الخشوعي 522
أبو طاهر السلفي أحمد بن محمد طاهر بن محمد (أبو زرعة المقدسي) 506459
الطائع العباسي 257
طرطقى 336
أبو الطيب المتنبي 1541021006663
ابن الطيلسان أبو القاسم بن الطيلسان.
الظاء ظافر بن عطية بن قائد اللخمي 305
الظاهر العباسي 257
الظاهر بيبرس 468281
العين عاد 350
العاصي بن سعيد بن العاص 322
عامر بن الوتار المالكي 226
عائشه 53842341035326124420852(1/657)
ابن عائشه 503
عباد بن عباد المهلبي 430
عبادة بن الصامت 414
العباس 451445444423
ابن عباس 536465463454443414401381380379168
أبو العباس الرازي 501
أبو العباس بن سعيد 247
أبو العباس الطرسوني 65
أبو العباس بن العريف 511
أبو العباس الغماري التونسي 165
أبو العباس الغماز أحمد بن محمد بن حسن أبو العباس اللبلي أحمد بن يوسف الفهري أبو العباس بن المنيّر أحمد بن محمد بن منصور عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي 28324652
ابن عبد البر أبو عمر بن عبد البر عبد الجبار بن محمد المروزي 556
عبد الحق الأزدي 560
ابن عبد الحكم 408328
عبد الحميد الخسر نشاهي 521
أبو عبد الرحمن 502
عبد الرحمن بن أبي بكر 353
عبد الرحمن بن أبي جعفر الأنصاري 497
عبد الرحمن بن الجوزي 263(1/658)
عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي 265
عبد الرحمن بن أبي العز محمد بن أبي البركات البزار 283
عبد الرحمن بن القاسم 404395327273161
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد النفطي 118
عبد الرحمن بن محمد الأسيدي القيرواني 412307169163106
عبد الرحمن بن محمد الداودي البوشنجي 52
عبد الرحيم بن أبي جعفر 521
عبد الرحيم بن عيسى 499
عبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني 247
عبد الرزاق (محدّث) 30
عبد السلام بن محمد بن مزروع البصري التمار 431429412
عبد العزيز بن أحمد الكتاني 553
عبد العزيز بن الحسين البغدادي 249
عبد العزيز بن عبد السلام السلمي 52030
عبد العزيز بن علي بن يحيى 542
عبد العزيز بن عمر بن حمادي 118
عبد العظيم المنذري 520510
عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي 553
عبد الغني بن سليمان بن بنين 521
عبد القوي 33
عبد الكريم بن علي الأنصاري 231
عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن كثير 430
عبد الله بن أحمد بن حموية السرخسي 24652
عبد الله بن أحمد بن حنبل 430(1/659)
عبد الله بن أحمد بن محمد اللّخمي 552
عبد الله بن إسحاق الخطيب 282
عبد الله بن أنيس الأنصاري 555
أبو عبد الله بن الجلاب 516
أبو عبد الله بن حمدون 54
عبد الله الحرمولي الفريابي 226
عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي 296
عبد الله بن خالد بن أسيد 386
أبو عبد الله بن أبي الخصال 92
أبو عبد الله بن خميس محمد بن عمر بن محمد أبو عبد الله بن الدبيثي محمد بن سعيد عبد الله بن أبي الدنيا 499
عبد الله بن الزبير 500385384383
عبد الله بن أبي زيد 163162
أبو عبد الله بن سعادة 522
عبد الله بن سلام 373
أبو عبد الله السمار 65
أبو عبد الله بن شيبة الأندلسي 225
أبو عبد الله بن صالح 558516
أبو عبد الله بن أبي العباس الغماز 491
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن برطله 55952251590
عبد الله بن عبد السيد 187186152
أبو عبد الله بن عبد الملك المراكشي 302(1/660)
عبد الله بن عمر بن الخطاب 354353349322291192162 501500414410368
عبد الله بن عمرو بن العاص 290246166
أبو عبد الله بن فتح 66
أبو عبد الله بن فرحون السلمي 508
عبد الله بن أبي الفضل 170
أبو عبد الله بن قاسم 564502
أبو عبد الله القضاعي 55855152351551349687
أبو عبد الله المازري 496485
عبد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة عبد الله بن محمد بن أمية بن غلبون 502
عبد الله بن محمد بن بكار 503
عبد الله بن محمد بن بنت منيع 308
عبد الله بن محمد الخطيب 307
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز 292
عبد الله بن محمد بن عقيل 555
عبد الله بن محمد بن علي بن متى الأنصاري 283
عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي 556550538114
عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون 290
عبد الله بن أبي مسّرة 538
عبد الله بن مسعود 167
أبو عبد الله المصري محمد بن علي بن محمد بن علي التوزري عبد الله بن موسى التميمي 430(1/661)
عبد الله مولى سعيد بن حكم 565
عبد الله بن ميمون بن محمد بن الغنام القلعي 138
أبو عبد الله النجار 66
أبو عبد الله بن النعمان 227
أبو عبد الله بن نوح 559
أبو عبد الله بن هريرة محمد بن عبد المعطي النفزي عبد الله بن يحيى بن علي الشقراطسي التوزري 545451301119118
أبو عبد الله بن يحيى بن منصور بن عبد العزيز بن حباسه الإسكندري 222217216
عبد الله بن يزيد المقرئ 501
عبد الله بن أبي يزيد 385384
عبد الله بن يوسف بن موسى الخلاصي الأندلسي 511506497412
عبد المجيد بن المحسن بن دليل الكندي 305
عبد الملك 409396
عبد الملك بن عبد الملك الشقوري 499
أبو عبد الملك بن أبي القاسم الأزدي 556
عبد الملك بن مروان 500416384350
عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي 556
عبد المؤمن بن خلف بن الحسن الدمياطي 510506479293289286
عبد الواحد بن إسماعيل الطبري 556
عبد الواحد بن رزق 459
عبد الوارث بن سفيان 538
عبد الوارث بن عبد العزيز 305
عبد الوهاب (القاضي) 32864(1/662)
عبد الوهاب بن علي الصوفي البغدادي 506
ابن عبيد (مدرس الفقه بطرابلس) 484
أبو عبيد القاسم بن سلام أبو عبيد البكري 31631431327920520220111268 513469338337317
أبو عبيدة 376337
عبيد الله بن جريج 368
عبيد الله بن زياد 320
عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب 448
عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل 430
عبيد الله بن محمد بن عبيد النفزي (ابن قبوش) 560
عتبة 126
العتبي 67
عتيق بن علي المعروف بالفصيح 517
عثمان بن أبي بكر 511505503
عثمان بن حسن بن دحية 175
أبو عثمان بن زاهر 559
عثمان بن سفيان بن عثمان التميمي 557522509248172171169
عثمان بن عبد الرحمن بن حجاج 118
عثمان بن عتيق (ابن عريهة) 135
عثمان بن عفان 4103863462611260162150149148 572452449447423416
أبو عثمان الصيرفي طالوت بن عباد(1/663)
عثمان بن عمر بن الحاجب 272265254234
ابن عجلان أحمد بن عثمان بن عجلان عدي بن الرقاع 100
عدي بن زيد 573
العذري 550
عروة الرحال 56
عروة بن الزبير 208
عروة بن مضرّس 40452
ابن عصام يحيى بن عصام ابن عصفور علي بن مؤمن بن محمد عطاء 386
عطاف بن خالد 412
عفرون 465464462
عقبة 126
عقبة بن مسلم 501
عقبة بن أبي معيط 322
عقبة بن نافع 160
عكرمة 366
علاء الدين الأعمى 469455450
أبو العلاء بن سهل الحافظ 412
أبو العلاء المعري 51449136632
علقمة بن قيس 168
علم الدين سبط أبي إسحاق العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري
علم الدين السخاوي علي بن محمد بن عبد الصمد عليان 51(1/664)
علم الدين سبط أبي إسحاق العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري
علم الدين السخاوي علي بن محمد بن عبد الصمد عليان 51
أبو علي (ابن صاحب الرحلة) 299
أبو علي (في شعر) 533
علي (محدث) 52
علي بن إبراهيم التجاني التونسي 522521426
علي بن إبراهيم الحسيني 552
علي بن أحمد 91
علي بن أحمد الدهان 535
علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي 30826726224517652
علي بن أحمد بن علي بن محمد التستري 305
علي بن أحمد بن محمد البسري البندار 292
أبو علي البغدادي 55951367
علي بن أبي بكر بن عبد الله بن روزبة القلانسي 24652
علي بن جعفر الرازي 458
علي بن الحسين البغدادي 412
أبو علي بن رشيق 194193
علي بن سلام 283
علي بن شجاع بن سالم 303117
أبو علي الصدفي 550522499
علي بن أبي طالب 53635234632226114989888786 572538537
علي بن عبد الرحيم 506(1/665)
علي بن عبد الله الخراساني 507
علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف الأنصاري 564550169
علي بن محمد 499
علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي 539262255
علي بن محمد الحسيني الموسوي الطوسي (دفتر خوان العادلي) 250
علي بن محمد الفالي 171
علي بن محمد القابسي 504162
علي بن محمد بن أبي القاسم بن رزين التجيبي المرسي 51951292
علي بن محمد الكوفي 249
علي بن محمد الكيّاء 292
علي بن محمد بن منصور بن المنيّر 2712452312281765339 481308272
علي بن محمد بن هارون 461
علي بن مسلم بن محمد السلمي 30
علي بن المفضل المقدسي 557556516509308304248171169
علي بن موسى بن سعيد العنسي 251
علي بن مؤمن بن محمد بن علي بن عصفور 106
علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد الشافعي 290
علي بن يحي 542
العمراني (قاضي مراكش) 51
ابن عمر عبد الله بن عمر عمر (أبو علي الملياني) 80
عمر بن إبراهيم التجاني 533(1/666)
عمر بن بدر الحنفي 499
عمر بن الخطاب 407386385349293292285260148 453451447446445444425416409 572476
عمر بن دحية 502
عمر بن شاكر 556
أبو عمر بن عبد البّر 545538535404383380
عمر بن عبد العزيز 453448447313
عمر بن عبد الله بن عمر السلمي 28675
عمر بن عبد المجيد الرندي 558
عمر بن علي الدمشقي 264
عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي الدارقزي 282
عمر بن موسى 282
عمر بن هارون 40
أبو عمران بن أبي تليد 538
أبو عمران الزاهد 508
عمرو (في شعر) 57497
أبو عمرو عثمان بن عفان أبو عمرو بن الحاجب عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (المقرئ) 4974911171158685
عمرو بن دينار 384
أبو عمرو بن الشّقر عثمان بن سفيان بن عثمان أبو عمرو بن الصلاح 473
عمرو بن العاص 316284199(1/667)
أبو عمرو بن عتاب 516
عمرو بن عوف 44168
عوف 199
عياض بن موسى اليحصبي 499498414387379377354350337
عيسى (النبي) 470469468459437285119
أبو عيسى الترمذي عيسى بن الوليد 480
الغين غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي 282
غالب (أبو الفرزدق) 420
غالب بن علي بن محمد 553
غالب بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي غلام بني عبيد جوهر الصقلي غيث بن عبد السلام الأرمنازي الصوري غيلان (ذو الرّمة الشاعر) 56735817899
الفاء الفارسي 155
الفاروثي 417
الفاروق عمر بن الخطاب فاروق بن عبد الكبير 412
فاطمة بنت الحسين بن علي 466
فاطمة (في شعر) 529
فاطمة الزهراء 46752(1/668)
فالج بن خلاوة 562
أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري أبو الفتح بن جنّي 154
أبو الفداء الموصلي اسماعيل بن علي الموصلي الفربري محمد بن يوسف بن مطر أبو الفرج بن الجوزي 55137991
فرعون 324
فضال بن جبير 307
أبو الفضل بن خيرون 550
الفضل بن الربيع 168167
الفضل بن زياد 292
الفضل بن محمد شير مردان 247
أبو الفضل بن النحوي يوسف بن محمد الفضيل بن عياض 293
القاف القادر العباسي 257
قارون 323
ابن القاسم عبد الرحمن بن القاسم أبو القاسم بن بشكوال 5595385135125115035023029287
قاسم بن أصبغ 538
أبو القاسم بن بقي أحمد بن يزيد بن بقي أبو القاسم بن أبي بكر اليمني 519
القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي 305(1/669)
أبو القاسم بن حبيش 65
أبو القاسم بن حماد بن أبي بكر الحضرمي اللبيدي 497495
القاسم بن سلام 306209108
أبو القاسم السهيلي 473378367357
أبو القاسم الشاطبي قاسم بن خيرة أبو القاسم بن الطيلسان 556554552551538115
أبو القاسم بن غالب الشراط 92
القاسم بن عبد الله 254
القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي 30730
قاسم بن فيّرة الرعيني الشاطبي 53930225511685
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 448
القاسم بن مخيمرة 168
القاسم بن مولى ابن يزيد 282
أبو القاسم بن نبيل 51265
القاضي الفاضل 304303
القاهر العباسي 257
القائم بأمر الله العباسي 257
قتادة 373370
قتيبة بن سعيد 504
قحطان 72
ابن أبي قدامه العمري 538
قس 437427284
القرمطي 570(1/670)
قصي 572
ابن قطرال علي بن عبد الله القعنبي 248247
قيدر 72
أبو قيس 322
قيس بن مسلم 30
قيصر 69
الكاف الكامل (الملك) 328
الكاهنة 486338
ابن أبي كبشة النبيّ كثّير عزّة 275
كثير بن سليم 502
الكسائي 108
كسرى 5724401207669
كعب بن لؤي 571
كعب الأحبار 464461379
كلثوم بن الهدم 441
الكليم موسى الكميت 440
كميل بن زياد 888786
كهلان 69(1/671)
اللام أبو لبابة 484
اللخمي أبو الحسن اللخمي أبو لهب 356
لوط 465462461
لؤي 571
لوين 282
ليغا 465464462
ليلى الأخيلية 443275
الميم ابن الماجشون 187
المازني 559
مالك بن أنس 290284273272248234231209193168166 407404403402395394387384327300291 572556460459423416411410409408
المأمون العباسي 318257
ماني 51
ابن المبارك ابن الشهرزوري 308
المبارك بن محمد بن مزيد بن هلال الخوّاص 429
ابن محرز محمد بن محرز الزهري المبرّد 55960
المتقي العباسي 257
المتنبي أبو الطيب(1/672)
المتوكل العباسي 374257
المتيجي 337
مجاهد 380
محب الدين الطبري أحمد بن عبد الله بن محمد المحلّق الكلبي (ممدوح الأعشى) 211
ابن مسدي محمد بن يوسف محمد (النبي) 132129121959089655854523127 174168167166162152136135134 383282266262261222208194193 347346328322312307305298287 387384383356354353352350349 416415411410407404401391388 437435434431430426424423418 451447446445444443442441440 503502500493491484468466459452 543542538537536535531530523504 571555554553547
محمد (ابن صاحب الرحلة) 301299176164117115
محمد (صاحب كتاب محمد) أبو محمد (صاحب النوادر) 416
محمد بن إبراهيم بن أحمد الأنصاري 150
محمد بن إبراهيم البكري 170
محمد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة 473(1/673)
محمد بن إبراهيم بن عثمان الحنفي 166
محمد بن إبراهيم بن قاسم الطليطلي 170
محمد بن إبراهيم بن موسى 170
محمد بن أحمد الأصبهاني الحداد 523
محمد بن أحمد التجيبي 501
محمد بن أحمد التميمي 170
محمد بن أحمد الجارودى 291
محمد بن أحمد بن جبير الكناني 319226222217174172 522390389371354
محمد بن أحمد الخطاب الرازي 509
محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد 30
محمد بن أحمد بن عمرو بن جابر 460459
محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي 305
محمد بن أحمد بن القطيعي 91
محمد بن أحمد بن لب المليلي 502
محمد بن أحمد المحبوبي 556
محمد بن أحمد مفرّج الأندلسي 521464458
محمد بن أحمد بن المهتدي 535
محمد بن أبي الأزهر المكي 246
أبو محمد بن الأسلمية الحجازي 559
أبو محمد بن برطله عبد الله بن عبد الرحمن محمد بن بركة الصلحي 535
أبو محمد بونة 550(1/674)
أبو محمد الجابري 505
أبو محمد الحجري أبو محمد بن عبيد الله الحجري أبو محمد الحريري 53152251726410710663
محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش 54754654513663
أبو محمد بن حوط الله 49654
أبو محمد الخلاصي عبد الله بن يوسف محمد بن خير 92
أبو محمد الرّشاطي 290
أبو محمد بن أبي زيد 559
محمد بن أبي السّداد 56465
محمد بن سعيد بن الدبيثي 255249
محمد بن سليمان 247
محمد بن أبي سهل النقاش 467
أبو محمد بن السيد 559
محمد بن شبل بن عبد الله المقريء الضرير 283
محمد بن شداد بن الحداد 170
محمد بن صالح بن أحمد الكناني الشاطبي 9284
محمد بن صدقة بن سليمان 170
محمد بن طاهر المقدسي 507506
محمد بن طلحة النصيبيني 252
محمد بن العباس بن نجيح البزار 430429
محمد بن عبد الباقي الأنصاري 263
محمد بن عبد الباقي المقري 542(1/675)
محمد بن عبد الرحمن بن العباس الذهبي المخلص 307292
محمد بن عبد الرحمن القرشي 503
محمد بن عبد الرحيم الأندلسي 264
أبو محمد بن عبد العزيز (والد أبي بكر بن عبد العزيز) 44
محمد بن عبد العظيم المنزري 292
أبو محمد عبد الوهاب عبد الوهاب القاضي محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي 282
محمد بن عبد الله بن أبي حليم 502
محمد بن عبد الله بن عبد العزيز المازوني 26731
محمد بن عبد الله بن محمد الجذامي القرطبي 518
محمد بن عبد الله بن مسلم (ابن المولى) 68
محمد بن عبد المعطي بن عبد الله الأزدي 138
محمد بن عبد المعطي بن محمد النفزي 148138137136134117 545150
محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري 309
محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن المتوكل على الله 283247
محمد بن عبيد الله بن داوود بن خطاب المرسي 66656362
أبو محمد بن عبيد الله الحجري 66656362511498
محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني 292
أبو محمد بن عتاب 511505504503
محمد بن عدي بن جزء المنقري البصري 291
أبو محمد بن عطية 189
محمد بن علي بن محمد بن علي التوزري 149138137134133118(1/676)
محمد بن علي بن وهب القشيري (ابن دقيق العيد) 29916530
محمد بن علي بن يحيى الشريف 187
محمد بن عمر بن خميس التلمساني 7366635453
محمد بن عيسى 553
محمد بن عيسى بن أصبغ بن المناصف 150
أبو محمد بن غلبون 522
محمد بن أبي الفضل السلمي المرسي 561520233
محمد بن أبي القاسم الأزدي القسّي 534
محمد بن قسّوم 508
محمد بن القطيعي 264263
أبو محمد الكتاني عبد العزيز بن أحمد محمد بن الكتاني 511506
محمد بن محرز الزهري 5526663
محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار 282
محمد بن محمد بن سليمان 247
محمد بن محمد بن أبي صالح 564
محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن سعود العبدري 27
محمد بن محمد المعافري القرشي 63
محمد بن محمد المقرىء 283
أبو محمد المرجاني 151
أبو محمد بن هارون عبد الله بن محمد بن هارون محمد بن وضاح اللخمي 50285
محمد بن الوليد بن محمد الفهري 305(1/677)
محمد بن أبي يحيى الطولقي 118
محمد بن يخلف بن واطّاس 118
محمد بن يوسف بن مطر الفربري 55624652
محمد بن يوسف بن موسى بن مسدي 498414412170169
أبو محمد بن يونس 559
محمد بن يونس بن عبد الرحمن الهنتاني 138
محمود بن أبي القاسم الأزدي 556
محيي الدين المازوني محمد بن عبد الله بن عبد العزيز أبو مدين شعيب مذحج 71
مروان بن الحكم 44844732230
أبو مروان الطبني 295
مريم (والدة عيسى) 469
المسترشد العباسي 257
المستضيء العباسي 257
المستظهر العباسي 257
المستعين العباسي 257
المستكفي العباسي 257
المستنجد العباسي 257
المستنصر العباسي 257256
مسدد 305
أبو مسعود البدري 248
المسعودي 316(1/678)
مسلم بن الحجاج 52049141140416665
مسلم بن الوليد 73
المسيح عيسى 333
مسيلمة 148
المصطفى محمد النبي مصعب بن الزبير 500
مطرف بن عبد الله 538
أبو المطرف بن عميرة أحمد بن عبد الله بن عميرة المطيع العباسي 257
معاذ بن جبل 502
معاوية بن أبي سفيان 452322
معبد 440
ابن المعتز 505
المعتز العباسي 257
المعتصم العباسي 257
المعتضد العباسي 257
المعتمد العباسي 257
معدّ 108
المعز العبيدي 304
ابن معمر (في شعر) المعيدي 108107
ابن مغفل 298
ابن المفرج محمد بن أحمد بن مفرج الأندلسي ابن المفضل المقدسي علي بن المفضل
المقتدر العباسي 257(1/679)
ابن المفرج محمد بن أحمد بن مفرج الأندلسي ابن المفضل المقدسي علي بن المفضل
المقتدر العباسي 257
المقتدي العباسي 257
المقتفي العباسي 257
أبو المكارم محمد بن يوسف بن موسى بن مسدي المكتفي العباسي 257
المكي (ابن كثير) 541
ابن أبي مليكة 538
المليكشي 33
المنتصر العباسي 257
ابن المندائي 517
ابن المنذر 70
منصور (صاحب مليكش) 48
المنصور (قلاوون) 469450392351
منصور بن سليم الاسكندراني 535
المنصور العباسي 257
منصور الفقيه 173
منصور بن محمد الزواوي المشدالي 561
منصور بن المعتمر 248
المهتدي العباسي 257
المهدي العباسي 450449374257
ابن المواز 349
ابن المواق 302
موسى (النبي) 443442337324323286285119(1/680)
موسى بن زكرياء بن إبراهيم بن محمد بن صاعد الحصكفي 304
أبو موسى الشكري 484
موسى بن معاوية ابن المولى محمد بن عبد الله 273
المؤمل بن إهاب 30
ميّ (محبوبة ذي الرمة) 56735817899
ميّة (في شعر النابغة) 191
ميكائيل 461283
النون النابغة 1911017260
الناصر يوسف بن أيوب ناصر الدين بن المنير أحمد بن منصور الناصر العباسي 257
نافث بن إسماعيل 383
نافع 410168
النبي محمد النخعي 397
النسائي 404
نصر (في شعر) نصر بن أبي العز الشيباني 252
نعم (في شعر) 38
أبو نعيم 56055452352250541286
نفيسة بنت الحسن بن زيد 326(1/681)
الهاء هاجر 402401381
الهادي العباسي 257
الهارب يوم الفتح حماس بن خالد هارون الرشيد 384257169168167
هارون بن عبد الله بن هارون بن الحسين بن أحمد المهراني 308
هارون بن موسى 559
ابن أبي هالة 419
هبة الله بن الحسين 499
هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني 282
هبة الله بن محمد القزويني 556
هدبة بن خالد القيسي 554553
هرقل 325
هرمس الأول 315
الهروي 378
أبو هريرة 537459430
همام 554420
هناد بن إبراهيم 291
هند (في شعر) 29638
هود 72
هيّ بن بيّ 568(1/682)
الواو الواثق العباسي 257
واثلة بن الأسقع 536
واضح بن عبد الله الأصبهاني 247
ابن الوراق 303
أبو الوليد الأزرقي الأزرقي أبو الوليد الباجي 45445335441
أبو الوليد بن رشد 65
الوليد بن عبد الملك 449447425
وهب بن منبّه 464415379
الياء ياجوج 37
ياقوت بن عبد الله 307
يحيي بن إبراهيم 249
أبو يحيي بن أبي بكر بن عبد الرحمن الغساني المازري 496
يحيي بن أبي بكر بن عصفور 499498
يحيي بن حسان القرطبي 522
يحيي بن عبد الواحد بن أبي حفص 523
يحيي بن عصام 7473
يحيي بن علي التبريزي 171
يحيي بن علي بن عبد الله بن العطار 520(1/683)
يحيي بن محمد 503502
يحيي بن محمد العبدري (أخو صاحب الرحلة) 557
يحيي بن محمد بن علي الأنصاري 506
يحيي بن محمد المهدوي 496
يحيي بن يحيي 52023311611584
يزيد بن مجالد 502
يزيد بن معاوية 383325320
يسر (خادم الرسول) 542
يعقوب (النبي) 462461460459458
يعقوب بن عبد الله بن أمية الضمري 430
يوسف (النبي) 45834
يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن عقاب الجذامي 549
يوسف بن أحمد بن حكم التجيبي الأندلسي 564
يوسف بن أيوب 221219217
يوسف بن حجاج بن يوسف 511506503501
يوسف بن عبد الحق المريني 3934
يوسف بن عبد الرحمن بن المرينة 518
يوسف بن عبد العزيز يوسف اللخمي 502(1/684)
يوسف بن عبد المعطي بن نجا المخيلي 233
يوسف بن محمد بن النحوي 149138137
يوسف بن محمد بن الشيخ البلوي 170
يوسف بن محمد بن علي القروي 305
يوسف بن أبي المعالي بن ظافر الأنصاري 521
يوسف بن موسى الغماري الحسّاني 95
يونس (النبي) 468
يونس بن عبيد 430(1/685)
فهرس الشيوخ الذين ترجم لهم في الرحلة
الألف أحمد بن محمد بن حسن بن محمد الغمّاز الخزرجي 489
أحمد بن محمد بن ميمون الأشعري المالقي 544
أحمد بن موسى بن عيسى بن أبي الفتح البطرني 557
أحمد بن يوسف الفهري اللبلي 116
الباء ابن برطلة عبد الله بن عبد الرحمن
الجيم جابر بن محمد بن القاسم بن حسان الوادي آشي 539
ابن جماعة محمد بن إبراهيم بن سعد
الحاء ابن الحاجب عثمان بن عمر حسن بن بلقاسم بن باديس 95
الحسن بن محمد بن الحسن العدوي العمري الصّغاني 293
أبو الحسين الرّندي 558
حسين بن محمد الطبلي 105
الخاء ابن خميس التلمساني محمد بن عمر بن محمد
الدال ابن دقيق العيد محمد بن علي بن وهب
الزاي ابن زيتون أبو القاسم بن أبي بكر
أبو زيد الدّباغ عبد الرحمن بن محمد(1/686)
الشين الشقراطسي عبد الله بن يحيي
الصاد الصغاني الحسن بن محمد
الطاء أبو طاهر السلفي 510255
العين عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبيد الله الأنصاري الأسيدي الدباغ 163
عبد السلام بن محمد بن مزروع البصري التمّار 429
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن برطله 92
عبد الله بن محمد هارون الطائي القرطبي 550114
عبد الله بن يحيي بن علي الشقراطسي التوزري 119118
عبد الله بن يوسف بن موسي الخلاصي 497
عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي 289
عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس بن الحاجب 254
ابن عصفور علي بن مؤمن علاء الدين الأعمى 455
علي بن إبراهيم التّجاني 521
علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي 245
علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي 255
علي بن محمد بن أبي القاسم بن رزين التجيبي 519512
علي بن محمد بن منصور المالكي بن المنير 228
علي بن مؤمن بن محمد بن علي بن عصفور الحضرمي 106(1/687)
الغين ابن الغماز أحمد بن محمد بن حسن
القاف أبو القاسم بن أبي بكر اليمني ابن زيتون 519
أبو القاسم بن حماد بن أبي بكر الحضرمي اللبيدي 495
أبو القاسم الشاطبي 302
قاسم بن فيّرة الرعيني الشاطبي 85
الميم محمد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة 473
محمد بن صالح بن أحمد الكناني الشاطبي 9284
محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الزناتي 267
محمد بن عبد المعطي بن محمد النفزي 117
محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري ابن دقيق العيد 299
محمد بن عمر بن محمد بن خميس 53
محمد بن أبي القاسم الأزدي القسّي 534
محيي الدين المازوني محمد بن عبد الله بن عبد العزيز منصور بن محمد الزواوي المشدالي 561
ابن المنيّر علي بن محمد
الياء يحي بن عصام 73
يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن عقاب الجذامي 549
يوسف بن أحمد بن حكم التجيبي الأندلسي 564(1/688)
فهرس القبائل والجماعات
الألف الأتراك أتراك مصر 392319280131
الأحزاب 41032570
إخوان الصفا 196
الأشعر 70
أصحاب الفيل 357
الأعاريب العرب آل الأصفر 69
آل حرب 325324323
آل عمر 448
آل المهلبّ 73
آل المصطفى آل النبي 437236
الأنصار 451445412
أهل الإسكندرية 270269227
أهل إفريقية أهل تونس أهل الأندلس 115
أهل باجة 105
أهل بجاية 83
أهل البيت 328326321320
أهل التصوّف المتصوّفة أهل التفسير المفسّرون أهل تلمسان سكان تلمسان أهل تونس 393391185111(1/689)
أهل جربة 485
أهل الحديث المحدّثون أهل دميرة 344
أهل الشام الشآميون أهل الشرك المشركون أهل الطائف 356
أهل طرابلس 185
أهل العراق 399
أهل العلم العلماء أهل الغرب المغاربة أهل القاهرة 279276
أهل الكتاب 119
أهل المدر 48
أهل المدينة 418399346
أهل مرسية 92
أهل مصر المصريون أهل مكة 409392355353
أهل منى 408
أهل نجد 399349
أهل اليمن 399
أهل ينبع 344
أولاد جفنة 70
أولاد الرقيق 484
أولاد يعقوب 462(1/690)
الباء البدو 389119
بكر 55
بنو إسرائيل 52
بنو إسماعيل 413
بنو شيبة 400372368367244
بنو العبّاس 256
بنو عبيد العبيديون بنو عبيل 350
بنو عمرو بن عوف 44168
بنو كنانة 355
بنو مخزوم 52
التاء التابعون 516423261160
الترك الأتراك تغلب 55
تميم 72
التونسيون أهل تونس
الثاء ثقيف 412356323322
ثمود 318
الجيم جرهم 383382
جعفر 7256(1/691)
الحاء الحبش 131
الحجاج 3403302972162092072042031844834 387365351350349347346344343341 487483453418402392
حجر 55
حزب محمد 23670
الحضر 119
حمير 6955
الخاء خندف 56
الذال ذو رعين 55
الراء الرسل الأنبياء الرّكب 355351349345344339334333331330329 454422418393392391372356
الرّكب الشامي 454392
الرّكب المصري 417343
الرّفضة 346
الروم 468463447281205131112111
الزاي الزنادقة 278
الزنج 131
زواوة 561(1/692)
السين السّرو 389
سكان بدر 346
سكان البرلس 509
سكان تلمسان 53
الشين الشافعيّة 388271
الشآميون 339
الشيعة 328
الصاد الصحابة 555516437423160
الصّعاليك 330
الصّفر 527
الطاء الطلبة 504
العين عاد 350
العبرانيون 315
العبيديون 476323320316
العرب العربان 377351349343341330203201184 484481418
عرب برقة 206
عرب الحجاز 206
العلماء 557522520460423404327315290230193
العمالقة 383350(1/693)
الفاء الفرس 527131
القاف القبط 447
قحطان 72
قريش 57138312970
قشير 72
قوم صالح 56
قوم لوط 466465462461
قوم موسى 174
القياصر 527
قيس 56
الكاف كتامة 414
كليب 55
كهلان 69
الميم المتصوّفة 498
المحدّثون 506
مذحج 70
مشدالة 561
المشركون 402401379
المصامدة 334(1/694)
المصريون 47740739939235234533932685
مضر 122
المعتزلة 74
معدّ 108
المهاجرون 353
المغاربة 483454399390343319265217208207206
المفسرون 476191188
النون النصارى 485476469468184104
النوب 131
الياء يعرب 71(1/695)
فهرس الكتب والمصنّفات الواردة في المتن
الألف أبيات المعاني 531
الأحاديث التساعية للدباغ 166
الأحاديث الثنائية الإسناد 166
الأحاديث الأربعون في عموم رحمة الله لسائر المؤمنين للدباغ 166
أحاديث المعمرين 542
الأحكام الكبرى 550
أخبار مكة للأزرقي 15
اختصار صحيح مسلم للمنذري 520
اختصار كتاب ابن الصلاح في الحديث لبدر الدين بن جماعة 473
الأربعون حديثا البلدانية للسلفي 233
الأربعون حديثا في فضل الحج لابن مسدي 498
الأربعون حديثا المسلسلة لأبي الحسن المقدسي 557
أرجوزة السخاوي في متشابه ألفاظ القرآن 539
أرجوزة العقيدة 117
الاستيعاب لابن عبد البر 544
الاطلاع على ما يلزم في رفع الأيدي في الصلاة لأحمد بن ميمون الأشعري المالقي 545
الإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام لأبي القاسم السهيلي 473
الإعلام بقواعد الإسلام للقاضي عياض 498
الاكتفاء في مغازي الرسول ومغازي الثلاثة الخلفاء لأبي الربيع بن سالم 491
إكمال التذييل لأحمد بن ميمون الأشعري المالقي 544
أم الفرج (المنفرجة) لأبي الفضل بن النحوي 137(1/696)
الأمثال الكامنة في القرآن لأبي الحسن المقدسي 514
الإنجيل 119
الباء برنامج أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلصة الحميري 551115
برنامج أحمد بن يزيد بن بقي 551
البرنامج الكبير لأحمد بن يوسف الفهري اللبلي 116
البرنامج الصغير لأحمد بن يوسف الفهري اللبلي 116
برنامج تاج الدين الغرّافي 246
برنامج أبي الربيع بن سالم 491
برنامج شيوخ أبي زيد الدّباغ 164
برنامج أبي العباس الغمّاز 492491
برنامج أبي عبد الله بن صالح 558
برنامج شيوخ عبد الله بن محمد بن هارون الطائي 550115
برنامج محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش 545
برنامج أبي محمد بن عبيد الله الحجري 559
برنامج محمد بن صالح بن أحمد الكناني الشاطبي 86
التاء تجريد أربع مئة ترجمة من جامع البخاري لناصر الدين بن المنير 233
تخميس أبي بكر بن حبيش للشقراطسية 545
تخميس الشقراطسية لأبي عبد الله المصري سمط الهدي في الفخر المحمدي
تخميس الشقراطسية لابن عريهة 135
تخميس مقصورة ابن دريد للصّغاني 294
التدريب لأبي عبيد البكري 67
التذييل على كتاب الاستيعاب لابن فتحون 544
التسبيح الموجز لسهل بن مالك 551
التشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات 40
تعقب الوهم والإيهام لابن الموّاق 302(1/697)
التنفيحات للسّهروردي 64
التلقين للقاضي عبد الوهاب 1826563
التوراة 115
التيسير لأبي عمرو المقرىء 49749111711584
الثاء ثلاثيات البخاري 556246
ثنائيات مالك 556
الجيم جامع البخاري صحيح البخاري
جامع الترمذي سنن الترمذي
جزء ابن زنبور 246
جزء أبي زيد الدباغ في تساعيات الحديث 307
جزء علي بن المفضل المقدسي 248
جزء محمد بن العباس بن نجيح البزار 429
جزء ابن مسدي فيمن كساه الخرقة 498
الجمل للزجاجي 55849
الحاء حديث زريب 513
حلية الأولياء 560
الحماسة 63
الخاء خلاصة الصفا في خصائص المصطفى لأحمد بن ميمون المالقي 547
الدال درّة الغواص للحريري 264
درر السّمط في خبر السبط لابن الأبار 558551
الدلائل 350
الذال ذات الشفا في مدح المصطفى 258
الذيل والتكملة لابن عبد الملك 302(1/698)
الراء رحلة ابن جبير 390389354319
رحلة ابن الفكون من قسنطينة إلى مراكش (قصيدة) 96
الرحلة المنظومة للعبدري 566
رسالة ابن أبي زيد 559
الرسالة في القبلة للمتيجي 337
رسالة ناصر الدين بن المنير 347343243
رياضة المتعلمين لأبي نعيم 52286
الزاي الزبر 189188
السين سمط الهدي في الفخر المحمدي لأبن عبد الله المصري 135
سنن الترمذي 5214916564
سنن الدارقطني 550549
سنن أبي داود 49164
سنن الشافعي 290
السير 64
السيرة لابن إسحاق 383
الشين الشاطبية قصيدة الشاطبي
شرح أبيات الجمل لأحمد بن يوسف الفهري 116
شرح البخاري لابن المنيّر 229
شرح تجريد أربع مئة ترجم مشكلة من جامع البخاري لزين الدين بن المنيّر 233
شرح الجمل لابن عصفور 106
شرح الشقراطسية لأبي عبد الله المصري 134
شرح الفصيح لأحمد بن يوسف الفهري اللّبلي 116(1/699)
شرح مقصورة ابن دريد للصغاني 294
شعر زهير 241
شعر المتنبي 63
شعر ابن المفرّج 521
الشقراطسية قصيدة الشقراطسي
شمائل النبي للترمذي 117866554
الشهاب 559
الصاد الصحاح 240239
صحيح البخاري 401384355353349246233166116 550549520496
صحيح مسلم 52049116611565
الصلة لابن بشكوال 512302
الضاد الضروري لابن رشد 6564
الطاء طبقات الأمم للقاضي صاعد 315312
العين العتبيّة 273
عجالة الروية في تسميط القصيدة النحوية لابن النحوي 137
عوارف المعارف للسهروردي 497
الغين غرر البيان في مبهمات القرآن لبدر الدين بن جماعة 473
غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام 209
الفاء فتح الوصيد في شرح القصيد للسخاوي 255
فضل تلاوة القرآن لأبي بكر الآجرّي 86
فضل قيام الليل لأبي بكر الآجرّي 86(1/700)
فضيلة من اسمه محمد أو أحمد لابن بكير النجار 535
فهرسة عبد الله مولى سعيد بن حكم 565
فهرسة علي بن محمد بن رزين التجيبي 514512
القاف القرب الثلاث لابن حبيش 136
القربة إلى ربّ العالمين في فضل الصلاة على سيد المرسلين لابن بشكوال 559
قصيدة الشاطبي في القراءات 53911685
قصيدة الشاطبي في المرسوم 539
القصيدة الشقراطسية 545118
القصيدة النبوية لابن المنير 234
القصيدة النبوية لعلم الدين السخاوي 258
الكاف كتاب ابن حبيب 404
كتاب أبي الحجاج يوسف بن حجاج 511
كتاب سيبويه 559
كتاب المعلم للمازري 496
الكتاب في حصر الضعيف من الأحاديث بالأبواب لعمر بن بدر الحنفي 499
كتاب عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي 265
كتاب أبي عبد الله بن يحيي بن حباسة الإسكندري 222216
كتاب عمر بن علي الدمشقي 264
كتاب محمد 396
كتاب المدينة 452450
كتاب المسعودي 316
كتاب مسلم بن الحجاج صحيح مسلم
كتب ابقراط 479
اللام اللآلي للبكري 67(1/701)
الميم ما أظهره اللفظ للعيان من بحر اللؤلؤ والمرجان من الأحاديث العوالي والأبيات الحسان لعبد الرحيم بن أبي جعفر 521
المتشابه من الفاظ القرآن للسخاوي 539
المجمل لابن فارس 498
المحتوي على الشواذ من القراءات لأبي عمرو المقرىء 559
مختصر ابن الحاجب 234
مختصر حلية الأولياء 560
مختصر الرعاية لعبد العزيز بن عبد السلام 520
مختصر السيرة لابن فارس 498
مختصر المستصفى لابن رشد الضروري
المدوّنة 408397
المذهبة في الحلي والشيات 150
المسالك في علم المناسك لبدر الدين بن جماعة 473
المسالك والممالك لأبي عبيد البكري 338316279
المسفر للقلوب عن صحة قبر ابراهيم وإسحاق ويعقوب لأبي جعفر الرازي 458
مسلسلات أبي بكر بن العربي 553
مسلسلات علي بن المفضل المقدسي 553
مشارق الأنوار للقاضي عياض 377350337
المصابيح للحسين بن مسعود 559
مصالح الطاعات لعبد العزيز بن عبد السلام 520
مصنّف أبي عيسى 556
معالم الإيمان لأبي زيد الدباغ 165
معجم شيوخ شرف الدين الدمياطي 289
معراج المناقب لأبن أبي الحصال 92
المعلقات السبع 256
المغني عن الحفظ لعمر بن بدر الحنفي 499(1/702)
مفاوضة القلب العليل لأبي الربيع بن سالم 492491
المفردات لأبي عمرو المقرىء 86
مقامات الحريري 52263
المقامة الدّوحية 522
المقرب في النحو لابن عصفور 105
مقصورة ابن دريد 294
المقنع لأبي عمرو الداني 85
ملقى السبيل للمعري 491
منار العلم لأبي سعيد الحاحي المترازي 40
الموطأ 368353233209192161116115958464 565556550549520491411410402
موعظة داود بن جهوة 513
النون النوادر للقالي 67
نوادر الشيخ أبي محمد 416
الواو الوعد والإنجاز لابن الطيلسان 551
وفيات المشاهير لابن هريرة 118
الوهم والإيهام لابن القطان 301
الياء يتيمة الدهر للثعالبي 66(1/703)
فهرس مصطلحات مناسك الحجّ
الإحرام 406401399398397396394349
التمتّع 244
الحلات أو التقصير 433413408406397394
الدفع من عرفة 408405388387
رمي الجمار 433413412407406405396
السعي 433413412402401397396394
الطواف 433414413412409400399397394374370
طواف الإفاضة 413412409408402397396
الطواف بين الصفا والمروة السعي
طواف القدوم 409408402401400
القران 244
المبيت بمنى 433407
النحر 413408
النزول بمزدلفة 98/ آ
الوقوف بعرفة 43341240339739638795
الوقوف بالمشعر الحرام 405396(1/704)
المطبوعات
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
الألف القرآن الكريم:::
آثار البلاد وأخبار العباد: القزويني: 1: دار صادر: بيروت 1960م
ابن دقيق العيد، حياته وديوانه: علي الصافي حسين: 1: دار المعارف: القاهرة 1960
الأحاديث القدسية:: 2: دار النصر: بيروت 1982
الإحاطة في أخبار غرناطة: لابن الخطيب: 4: ح. محمد عبد الله عنان: القاهرة 1973
أخبار مكة: لأبي الوليد الأزرقي: 2: ح. رشدي الصالح ملحس: بيروت 1977
اختصار القدح المعلى: لابن سعيد: 1: ح. إبراهيم الأبياري: القاهرة 1959
أدب الرحلة: جورج غريب: 1: دار الثقافة: بيروت 1972
الأدب في الأندلس والمغرب: محمد رضوان الداية: 1: جامعة دمشق: دمشق 1975
أزهار الرياض في أخبار عياض: لأحمد بن محمد المقري التلمساني: 31: ح. مصطفى السقا وأخرون: القاهرة 1939
أزهار الرياض في أخبار عياض: لأحمد بن محمد المقريّ التلمساني: 54: ح محمد بن تاويت وسعيد أحمد عراب: الرباط 1979م
الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى: أحمد بن خالد الناصري: 9: دار الكتاب: الدار البيضاء 1954
الاستيعاب في أسماء الأصحاب: لأبي عمر بن عبد البرّ: 4: دار الكتاب العربي: بيروت 1359هـ
الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: لملا علي القاري: 1: ح. محمد الصباغ: بيروت 1971
الأسماء والصفات: للبيهقي (أحمد بن الحسين): 2: ح. عماد الدين أحمد حيدر: بيروت 1985
أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: محمد درويش الحوت:: دار الكتاب العربي: بيروت 1983
الإشارات إلى معرفة الزيارات: علي بن أبي بكر الهروي: 1: ح. جانين سورديل طومين: المعهد الفرنسي بدمشق 1953
الأشباه والنظاهر: للخالديين:: ح السيد محمد يوسف: القاهرة 1958م
أشعار اللصوص وأخبارهم: جمع عبد المعين الملوحي: 1: ح. عبد المعين الملوحي: دمشق بلا
الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني: 4: دار الكتاب العربي: بيروت 1359هـ
إعتاب الكتاب: لابن الأبارالقضاعي: 1: ح صالح الاشتر
الإعلام فيمن حلّ مراكش وأغمات من الإعلام: للعباس بن إبراهيم المراكشي: 10: المطبعة الملكية: الرباط 1974
أعلام الجغرافيين العرب: عبد الرحمن حميدة:: دار الفكر: دمشق 1980(1/705)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
أعيان الشيعة: للعاملي: 11: ح. حسن الأمين: بيروت 1983
الأغاني: لأبي الفرج الأصبهاني: 24: مصورة عن طبعة دار الكتب: بيروت بلا
الإكسير في فكاك الأسير: محمد بن عثمان المكناسي: 1: ح محمد الفاسي: الرباط 1965
ألف باء: يوسف محمد البلوي: 2: عالم الكتب: بيروت بلا
الأمالي: لأبي علي القالي: 2: مصورة عن طبعة القاهرة الأصلية: بيروت بلا
أمالي الزجاجي: لابن القاسم عبد الرحمن الزجاجي: 1: ح عبد السلام هارون: القاهرة 1382هـ
أمثال العرب: المفضل الضبّي: 1: ح. إحسان عباس: بيروت 1981
الأمكنة والمياه والجبال: لجار الله الزمخشري: 1: ح. إبراهيم السامرائي: بغداد 1968
إنباه الرواة على أنباه النحاة: لجمال الدين القفطي: 4: ح. محمد أبو الفضل ابراهيم: القاهره 1358هـ
الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل: القاضي مجير الدين الحنبلي: 2: ط مكتبة المحتسب: عمان 1973
أنس الساري والسارب: محمد بن أحمد القيسي:: ح. محمد الفاسي: فاس 1968
أنس الفقير وعز الحقير: لابن قنفذ القسنطيني: 1: ح. محمد الفاسي وأدولف فور: الرباط 1965
الأنساب: للسمعاني (عبد الكريم التميمي): 10: ح. الشيخ عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي اليماني: بيروت 1980
أنوار الربيع في أنواع البديع: لابن معصوم: 7: ح. شاكر هادي شكر: النجف 1968
الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار المغرب وتاريخ مدينة فاس: لابن أبي زرع الفاسي: 1: دار المنصور: الرباط 1973
إيضاح المكنون: اسماعيل باشا البغدادي: 2: دار الفكر: بيروت 1982
الباء الباعث الحثيث، شرح اختصار علوم الحديث: لابن كثير: 1: أحمد محمد شاكر: بيروت 1983
البحر المحيط: ابو حيان الأندلسي: 8: مكتبة النصر الحديثة: الرياض بلا
البداية والنهاية: ابن كثير: 14: مصورة عن طبعة مصر: بيروت 1966م
بداية المجتهد: لابن رشد: 2: دار الفكر: بيروت بلا
بدائع الزهور: لابن إياس: 6: ح. محمد مصطفى: القاهرة 1982
برنامج التجيبي: للقاسم بن يوسف التجيبي: 1: ح. عبد الحفيظ منصور: تونس طرابلس 1981(1/706)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
برنامج شيوخ الرعيني: لعلي بن محمد الرعيني الإشبيلي: 1: ح إبراهيم شبّوح: دمشق 1962
برنامج الوادي آشي: لمحمد بن جابر الوادي آشي: 1: ح. محمد محفوظ: بيروت 1980
البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان: لابن مريم (محمد بن أحمد): 1: ح. محمد بن أبي شنب: الجزائر: 1908
بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس: للضبي (أحمد بن يحيى): 1: دار الكتاب العربي: القاهرة 1967
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: لجلال الدين السيوطي: 2: ح محمد أبو الفضل ابراهيم: القاهرة 1965
البلغة في تاريخ أئمة اللغة: للفيروز آبادي: 1: ح. محمد المصري: دمشق 1972
بهجة المجالس وأنس المجالس: لأبي عمر بن عبد البرّ: 3: ح. محمد مرسي الخولي: بيروت 1981
البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: لابن عذاوي المراكشي: 31: ح. ليفي بروفنسال وكولان: بيروت 1983م
ج 4: ح. إحسان عباس: بيروت 1983م
البيان والتبين: الجاحظ: 4: ح. عبد السلام هارون: القاهرة 1388هـ
التاء تاج العروس: محمد المرتضى الزبيدي: 10: المطبعة الخيرية: القاهرة 1306هـ
تاج المفرق في تحلية علماء المشرق: خالد البلوي: 2: ح. الحسن السائح: المحمدية المغرب بلا تاريخ آداب اللغة العربية: جرجي زيدان: 4: مطبعة الهلال: القاهرة 1936م وما بعد
تاريخ الأدب الجغرافي: كراتشكوفسكي: 2: ترجمة صلاح الدين هاشم: القاهرة 1963
تاريخ الأدب العربي: عمر فروخ: 6: دار العلم للملايين: بيروت 1983م
تاريخ الأمم والملوك: الطبري: 11: ح. محمد أبو الفضل إبراهيم: القاهرة 1960م
تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي: 14: مكتبة الخانجي بمصر المكتبة العربية ببغداد: مصر 1931م بغداد
تاريخ الجزائر العام: للجيلالي: 2: المطبعة العربية: الجزائر 1955م
تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس: حسين مؤنس: 1: مكتبة مدبولي: القاهرة 1986م
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس: حسين بن محمد الديار بكري: 2: الطبعة الأولى: القاهرة 1955م
تاريخ طرابلس الغرب: لأبي عبد الله محمد: 1: ح. الطاهر أحمد: القاهرة 1949م(1/707)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
ابن غلبون الطرابلسي: الزاوي الطرابلسي
تاريخ علماء الأندلس: لابن الفرضي (عبد الله بن محمد): 2: الدار المصرية للتأليف والنشر: القاهرة 1966م
تاريخ الخلفاء: لجلال الدين السيوطي: 1: ح. محمد محيي الدين عبد الحميد: القاهرة 1964م
تاريخ علماء مستنصرية بغداد: ناجي معروف: 1: جامعة بغداد: بغداد 1347هـ
تاريخ الفكر الأندلسي: لآنخل بالانثيا: 1: ترجمة حسين مؤنس: القاهرة 1955م
تاريخ قضاة الأندلس المرقب العليا: لابي الحسن النباهي: 1: المكتب التجاري للطباعة: بيروت بلا
تاريخ ابن الوردي (تتمة المختصر في أخبار البشر): لعمر بن الوردي: 2: ح. أحمد رفعت البدراوي: بيروت 1970
تالي وفيات الأعيان: لفضل الله الصقاعي: 1: ح. جاكلين سوبله: المعهد الفرنسي دمشق 1974
تجريد أسماء الصحابة: محمد بن أحمد الذهبي: 2: دار المعرفة: بيروت بلا
تحفة الأحباب وبغية الطلاب: علي بن أحمد السخاوي: 1: ح. محمد ربيع وحسن قاسم: القاهرة 1356هـ
تحفة العروس: للتجاني: 1: الطبعة الأولى: القاهرة 1301هـ
تحفة القادم: لابن الأبار القضاعي: 1: ح. إحسان عباس: بيروت 1986
تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار: ابن بطوطة: 2: ح. علي المنتصر الكتاني: بيروت 1981
تذكرة الحفاظ: شمس الدين الذهبي: 3: مصورة عن طبعة الهند: بيروت 1374هـ
تراجم المؤلفين التونسيين: محمد محفوظ: 5: دار الغرب الإسلامي: بيروت 1982م
ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعيان مذهب مالك: القاضي عياض: 4: ح. أحمد بكير محمود: بيروت 1967م
التشوف إلى رجال التصوف: لابن الزيات (يوسف بن يحيى التادلي): 1: ح. أدولف فور: الرباط 1958م
تعريف الخلف برجال السلف: محمد الحفناوي: 2: ح. محمد أبو الأجفان ورفيقه: تونس 1982م(1/708)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا: ابن خلدون: 1: ح. محمد بن تاويت الطّنجي: القاهرة 1951م
التكملة لكتاب الصلة: ابن الأبار القضاعي: 2: طبعة مجريط: مجريط 1886م
تمثال الأمثال: محمد بن علي العبدري: 2: ح. أسعد ذبيان: بيروت 1982م
التمثيل والمحاضرة: لأبي منصور الثعالبي: 1: ح. عبد الفتاح محمد الحلو: القاهرة 1961م
تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث: محمد بن علي الشافعي: 1: دار الكتب العلمية: بيروت 1983م
تهذيب الأسماء واللغات: للنووي (محي الدين ابن شرف):: دار الكتب العلمية: بيروت بلا
تهذيب تاريخ دمشق الكبير: عبد القادر بدران: 7: طبعة بيروت: بيروت 1979م
تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني: 12: حيدر آباد: حيدر آباد 1325هـ
تهذيب اللغة: الأزهري: 15: ح. عبد السلام هارون وآخرون: القاهرة 1964م
الثاء ثمار القلوب: لأبي منصور الثعالبي:: ح. محمد أبو الفضل إبراهيم: القاهرة 1965م
الجامع لأحكام القرآن: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: 20: جماعة من الباحثين: بيروت 19661965م
الجامع لشعب الإيمان: للبيهقي: 3: عبد العلي حامد: بومباي: 1986م
جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس: لأحمد بن القاضي: المكناسي: 2: دار المنصور للطباعة: الرباط 1974م
جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس: للحميدي: 1: الدار المصرية للتأليف والترجمة: القاهرة 1966م
جغرافية مصر من كتاب المسالك والممالك: لأبي عبيد البكري: 1: ح عبد الله يوسف الغنيم: الكويت 1980م
الجغرافية والرحلات عند العرب: نقولا زيادة: 1: الأهلية للنشر والتوزيع: بيروت 1980م
الجغرافيون العرب: مصطفى شهابي: 1: دار المعارف: القاهرة 1962م
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: لمعافي بن زكريا النهرواني: 2: ح. محمد مرسي الخولي: بيروت 1981م
الجمع بين رجال الصحيحين: لمحمد بن طاهر بن علي المقدسي: 2: دار الكتب العلمية: بيروت 1405هـ
جمهرة الأمثال: لأبي هلال العسكري: 2: ح محمد أبو الفضل إبراهيم ورفيقه: القاهرة 1964(1/709)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
جمهرة اللغة: لابن دريد (محمد بن الحسن): 4: مصورة عن طبعة حيدر آباد: بيروت دار صادر
الجوهر الثمين: لابن دقماق: 2: ح. محد كمال الدين علي: بيروت 1985م
الحاء الحافظ أبو طاهر السّلفي: حسن عبد الحمبد صالح: 1: المكتب الإسلامي: بيروت 1977م
حدائق الأنوار ومطالع الأسرار: لابن الربيع الشيباني: 2: ح. عبد الله إبراهيم الأنصاري: دمشق 1979م
حسن المحاضرة: جلال الدين السيوطي: 2: ح. محمد أبو الفضل إبراهيم: القاهرة 1967م
الحلة السيراء: ابن الأبار: 2: حسين مؤنس: القاهرة 1963م
الحلل السندسية في الأخبار التونسية: محمد بن محمد السراج: 3: ح. محمد الحبيب الهيلة: بيروت 1985م
حلية الأولياء: للحافظ أبي نعيم: 10: دار الكتاب العربي: بيروت 1405هـ
حلية المحاضرة: محمد بن الحسن الحاتمي: 2: ح. هلال ناجي: بغداد 1978م
حماسة البحتري: البحتري: 1: ح. كمال مصطفى: القاهرة 1929م
الحماسة البصرية: البصري: 2: عالم الكتب: بيروت بلا
حماسة الظرفاء: عبد الله بن محمد العبد لكاني: 2: ح. محمد جبار المعيبد: بغداد 1979م
الحماسة المغربية: أبو العباس الجراوي: 2: ح محمد رضوان الداية: دمشق 1991م
الخاء خريدة القصر (شعراء مصر): العماد الأصبهاني: 2: أحمد أمين ورفاقه: القاهرة بلا
خريدة القصر (شعراء المغرب): العماد الأصبهاني: 3: محمد العروسي المطوي ورفاقه: تونس 1986م
خطط المقريزي: المقريزي: 2: دار صادر: بيروت بلا
الدال دائرة معارف القرن العشرين: محمد فريد وجدي: 10: دار المعرفة: بيروت: 1971م
درّة الحجال في أسماء الرجال: أحمد بن القاضي المكناسي: 3: ح. محمد الأحمدي أبو النور: القاهرة وتونس 1970م
درّة الغواص: الحريري: 1: مكتبة المثنى: بغداد بلا
الدرّة الفاخرة في الأمثال السائرة: حمزة بن الحسن الأصبهاني: 2: ح. عبد المجيد قطامش: القاهرة 1971م
الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة: ابن حجر العسقلاني: 4: دار الجيل: بيروت بلا(1/710)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
دليل مؤرخ المغرب: عبد السلام بن سودة: 1:: تطوان 1950م
الديباج المذهب: ابن فرحون: 1: دار الكتب العلمية: بيروت بلا
ديوان ابن الأبار: ابن الأبّار: 1: ح. عبد السلام الهراس: تونس 1985م
ديوان الأعشى: للأعشى: 1: ح. محمد محمد حسين: القاهرة بلا
ديوان امريء القيس: لامريء القيس: 1: ح. محمد أبو الفضل ابراهيم: القاهرة 1958م
ديوان أمية بن أبي الصلت: أمية بن أبي الصلت: 1: ح. عبد الحفيظ السطلي: دمشق 1974م
ديوان جرير: جرير: 2: ح. نعمان محمد أمين طه: القاهرة 1969م
ديوان حازم القرطاجني: حازم القرطاجني: 1: ح. عثمان الكعّاك: بيروت 1964م
ديوان حسان بن ثابت: حسّان بن ثابت الأنصاري: 1: عبد الرحمن البرقوقي: القاهرة 1929م
ديوان ابن رشيق القيرواني: ابن رشيق القيروانيّ: 1: ح. عبد الرحمن ياغي: بيروت بلا
ديوان ابن الرّومي: ابن الرّوميّ: 6: ح. حسين نصّار: القاهرة 1976م
ديوان الشافعيّ: الإمام الشافعيّ: 1: ح. زهدي يكن: بيروت 1961م
ديوان الشريف الرّضيّ: الشريف الرضيّ: 2: مؤسسة الأعلمي: بيروت بلا
ديوان صريغ الغواني: صريع الغواني: 1: ح. سامي الدهان: القاهرة 1958م
ديوان عديّ بن الرّقاع العامليّ: عدي بن الرّقاع العامليّ: 1: ح. نوري حمودي القيسي وحاتم الضامن: بغداد 1987
ديوان عديّ بن زيد العباديّ: عديّ بن زيد العباديّ: 1: ح. محمد جابر المعيبد: بغداد 1965م
ديوان عليّ بن أبي طالب: عليّ بن أبي طالب: 1: ح. نعيم زرزور: بيروت 1985م
ديوان أبي فراس الحمدانيّ: أبو فراس الحمدانيّ: 3: ح. سامي الدهان: بيروت 1944م
ديوان ليلى الأخيليّة: ليلى الأخيلية: 1: ح خليل العطية وجليل العطيّة: بغداد 1987م
ديوان المتلمسّ الضبعي: المتلمّس الضبعيّ: 1: ح. حسن كامل الصيرفيّ: القاهرة 1970م
ديوان المتنبي: المتنبي: 4: ح. مصطفى السقّا وآخرون: القاهرة 1936م
ديوان مجنون ليلى: مجنون ليلى: 1: ح. عبد الستار فرّاج: القاهرة بلا
ديوان ابن المعتزّ: ابن المعتزّ: 2: ح. محمد بديع شريف: القاهرة
ديوان النابغة الذبيانيّ: النابغة الذبيانيّ: 1: ح. شكري فيصل: دمشق 1968
الذال الذخيرة السنية في الأخبار التونسية: الوزير السراج: 3: ح. محمد الحبيب الهيلة: بيروت 1985م
الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة: ابن بسّام الشنترينيّ: 8: ح. احسان عباس: بيروت 1979م
الذيل على الروضتين (تراجم القرنين السادس والسابع): أبو شامة المقدسي: 1: الطبعة الأولى: القاهرة 1947م(1/711)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة: ابن عبد الملك المرّاكشيّ: 1و 8: ح. محمد بن شريفة: بيروت والرباط
الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة: ابن عبد الملك المرّكشيّ: 4و 5: ح. إحسان عباس: بيروت 1964م
ذيل مرآة الزّمان: اليونيني: 2: مجلس دائرة المعارف العثمانية: حيدر آباد الدكن 1954م
الراء رايات المبرزين وغايات المميزين: ابن سعيد الأندلسيّ: 1: ح. رضوان الداية: دمشق 1987م
الرّحّالة العرب: نقولا زيادة: 1: دار الهلال: القاهرة 1956م
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى: زكي محمد حسن: 1: دار المعارف: القاهرة 1945م
الرحلات: شوقي ضيف: 1: دار المعارف: القاهرة بلا
الرحلات: محمد الخضر حسين: 1: ح. علي الرضا التونسي: 1976م
رحلة التجاني: محمد بن أحمد التجاني: 1: ح. حسن حسني عبد الوهاب: ليبيا وتونس 1981
رحلة ابن جبير: ابن جبير: 1: دار صادر: بيروت 1980م
رحلة العيّاشي (ماء الموائد): أبو سالم العياشي: 2:: الرباط 1970
الرحلة في طلب الحديث: أبو بكر البغدادي: 1: ح. نور الدين عتر: بيروت 1975م
رحلة القلصادي: أبو الحسن علي القلصاوي: 1: ح. محمد أبو الأجفان: تونس 1985م
الرحلة والرحالة المسلمون: د. أحمد رمضان أحمد: 1: دار البيان العربي: جدّة بلا
الرحلة الورثلانية: للورثلاني: 1: دار الكتاب العربي: بيروت 1974م
رسائل ابن أبي الخصال وشعره: أبو عبد الله بن أبي الخصال: 1: ح. رضوان الداية دار الفكر: دمشق 1987م
رفع الأصر عن قضاة مصر: ابن حجر العسقلاني: 1: ح. حامد عبد المجيد ورفيقه: القاهرة 1957م
ركب الحاج المغربي: محمد المنوني: 1:: تطوان 1953م
الروض المعطار في خبر الأقطار: محمد بن عبد المنعم الحميري: 1: ح. إحسان عباس: بيروت 1984م
روض القرطاس: لابن أبي زرع: 1: دار المنصور: الرباط 1974م
رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية: ابو بكر عبد الله بن أبي عبد الله المالكي: 1: حسين مؤنس: القاهرة 1951م(1/712)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
الزاي زهرة الآداب وثمر الألباب: للحصري القيرواني: 4: ح. زكي مبارك: بيروت 1972م
السين سمط اللآلي في شرح أمالي القالي: لأبي عبيد البكري: 1: عبد العزيز الميمني: القاهرة 1936م
سنن الترمذي: للترمذي: 10: ح. عزت عبيد الدعاس: حمص 1965م
سنن الدارقطني: الدارقطني: 4: ح. عبد هاشم يماني: القاهرة 1966م
سنن الدارمي: عبد الله الدارمي: 2: ح. محمد أحمد دهمان
سنن ابن ماجة: ابن ماجة: 2: ح. محمد فؤاد عبد الباقي: بيروت 1975م
سنن النسائي: بشرح السيوطي: 9: ح. عبد الفتاح أبو غدة: حلب 1986م
سيرة أعلام النبلاء: للذهبي: 24: ح فئة من المحققين: بيروت 1981م
السير والمغازي: محمد بن اسحاق: 1: ج سهيل زكار دار الفكر: دمشق 1978م
الشين شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: محمد بن محمد مخلوف:: دار الكتاب العربي: بيروت بلا
شذرات الذهب: لابن العماد الحنبلي: 8: دار الكتاب العربي: بيروت بلا
شرح ديوان الخنساء: إسماعيل يوسف: 1: دار التراث العربي: بيروت 1968م
شرح معاني الآثار: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلم الأزدي الطحاوي:: ح. محمد زهدي النجار: بيروت 1979
شرح مقامات الحريري: للشريشي: 2: مصورة عن طبعة مصر: بيروت 1979م
شرح مقصورة ابن دريد: للتبريزي: 1: ح. دفخر الدين قباوة: حلب 1978م
شعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي: عمر بن معد يكرب: 1: ح. مطاع الطرابيشي: دمشق 1985م
الشفا بتعريف حقوق المصطفى: عياض بن موسى: 2: ح. علي محمد البجاوي: بيروت 1984م
شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام: محمد بن أحمد بن علي الفاسي المكي: 2: ح. عمر عبد السلام التدمري: بيروت 1985م
شهيرات التونسيات: حسن حسني عبد الوهاب: 1: مكتبة المنار: تونس 1965م
الصاد صبح الأعشى في صناعة الإنشا: للقلقشندي: 14: طبعة لجنة التأليف والنشر: القاهرة بلا
الصّحاح: للجوهري: 7: ح. أحمد عبد الغفور عطار: بيروت 1399هـ
صحيح مسلم: للإمام مسلم بن الحجاج: 4: ح. محمد فؤاد عبد الباقي: بيروت 1954م
صفة الصفوة: لابن الجوزي: 4: ح. محمد فاخوري ورفيقه: بيروت 1979م
الصلة: لابن بشكوال: 2: الدار المصرية للتأليف والنشر: القاهرة 1966م
صلة الصلة: لأبي جعفر بن الزبير: 1: ح. ليفي برو فضال: الرباط 1938م(1/713)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
الضاد ضرائر الشعر: لابن عصفور: 1: ح. السيّد ابراهيم محمد: بيروت 1980م
ضرورة الشعر: لأبي سعيد السيرافي: 1: ح. رمضان عبد التواب: بيروت 1985م
الطاء الطالع السعيد الجامع نجباء الصعيد: للأدفوي: 1: ح. سعد محمد حسن: القاهرة 1966م
طبقات الأمم: للقاضي صاعد الأندلسي: 1: ح. حياة بو علوان: بيروت 1985م
طبقات الحنابلة: لابن أبي يعلى:: ح. أحمد عبيد: دمشق 1350هـ
طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين السبكي:: ح. محمود محمد الطناحي ورفيقه: القاهرة 1965م
طبقات الشعراني: عبد الوهاب الشعراني: 2: مطبعة مصطفى البابي الحلبي: القاهرة 1954م
الطبقات الكبرى: لابن سعد: 9: دار صادر: بيروت 1968م
طبقات المفسرين: محمد بن علي بن أحمد الداودي: 2: علي محمد عمر: القاهرة: 1962م
طراز المجالس: للخفاجي: 1: طبعة بولاق: القاهرة 1282هـ
العين العبر وديوان المبتدأ والخبر: لابن خلدون: 8: ح. خليل شحادة: بيروت 1981م
العبر في خبر من غبر: للذهبي: 4: ح. محمد السعيد بسيوني زغلول: بيروت 1985م
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: محمد بن أحمد الفاسي: 8: فؤاد سيّد ورفاقه: بيروت 1986م
العقد الفريد: لابن عبد ربّه: 7: ح احمد امين ورفاقه: بيروت 1983م
عقلاء المجانين: لأبي القاسم النيسابوري: 1: دار البصائر: دمشق 1985م
علل الحديث: لأبي محمد الرازي: 1: دار المعرفة: بيروت 1985م
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: لابن الجوزي: 2: ح. خليل الميس: بيروت 1983م
عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المئة السابعة ببجاية: لأبي العباس الغبريني: 1: ح. رابح بونار: الجزائر 1981م
عيون الأخبار: لابن قتيبة: 4: دار الكتب: القاهرة 1925
الغين غاية النهاية في طبقات القرّاء: لابن الجزري: 2: ح. براجستر اسر: القاهرة 1932م
غربال الزمان في وفيات الأعيان: للحضرمي: 1: ح. محمد ناجي زعبي العمر: دمشق 1985م
غريب الحديث: لأبي عبيد القاسم بن سلام: 4: دار الكتاب العربي: بيروت 1976م
الغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة: لابن سعيد: 1: ح. إبراهيم الأبياري: القاهرة 1967م(1/714)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
الفاء الفاخر في الأمثال: للمفضل بن سلمة بن عاصم: 1: ح. عبد العليم الطحاوي: القاهرة 1960م
أبو الفتح البستي حياته وشعره: محمد مرسي الخولي: 1: دار الأندلس: بيروت 1980م
فردوس الأخبار: لشيرويه الديلمي: 5: ح. فؤاد أحمد الزمري ورفيقه: بيروت 1987م
فصل المقال في شرح كتاب الأمثال: لأبي عبيد البكري: 1: ح. د إحسان عباس: بيروت 1981م
فقه السنة: السيد سابق: 3: دار الكتاب العربي: بيروت 1983م
الفن ومذاهبه في النثر العربي: شوقي ضيف:: دار المعارف: القاهرة 1971م
فهرس ابن عطية: عبد الحق بن عطية:: ح. محمد أبو الأجفان ورفيقه: بيروت 1980
فهرس الفهارس والأثبات: عبد الحي الكتاني: 3: ح. إحسان عباس: بيروت 1986
فوات الوفيات: لابن شاكر الكتبي: 5: ح. إحسان عباس: بيروت بلا
فيض القدير: لمحمد المناوي: 6: دار المعرفة: بيروت 1972م
القاف القاموس الفقهي: سعدي أبو جيب: 1: دار الفكر: بيروت 1982م
قصائد ومقطعات: حازم القرطاجني: 1: ح. محمد الحبيب بن الخوجة: تونس 1972م
قلائد العقيان في محاسن الأعيان: لابن خاقان: 1: مطبعة التقدم العلمية: القاهرة 1320هـ
الكاف الكامل في التاريخ: لابن الأثير: 13: دار صادر: بيروت 1982م
الكامل في ضعفاء الرجال: لابن عدي: 7: دار الفكر: بيروت 1984م
الكامل في اللغة والأدب: للمبرد: 4: ح محمد الدالي: بيروت 1985م
كتاب الأمثال: لأبي عبيد القاسم ابن سلام: 1: ح. عبد المجيد قطامش: الرياض 1980م
كتاب الأمثال في الحديث النبوي: لأبي الشيخ الأصبهاني: 1: ح. عبد العلي: بومباي 1982م
كتاب الضعفاء الكبير: للعقيلي: 4: ح. عبد المعطي أمين قلعه جي: بيروت 1984م
كتاب الإيمان: لابن منده: 2: ح. علي بن محمد ناصر الفقيهي: بيروت 1985م
الكتبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعر المئة الثامنة: لسان الدين بن الخطيب: 1: ح. إحسان عباس: بيروت 1963م(1/715)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
كشف الأستار عن زوائد البزّار: للهيثمي: 4: ح حبيب الرحمن الأعظمي: بيروت 1984م
كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: إسماعيل بن محمد العجلوني: 2: ح. أحمد القلاش: بيروت 1979م
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: لحاجي خليفة: 2: دار الفكر: بيروت 1982م
الكشكول: للعاملي: 1: دار الأعلمي: بيروت 1983م
كنز العمال: لعلاء الدين الهندي: 18: ح. جماعة من الباحثين: حلب 1977م
اللام اللباب في تهذيب الأنساب: لابن الأثير: 3: مطبعة القدسي: القاهرة 1369هـ
لسان العرب: لابن منظور: 15: دار صادر: بيروت بلا
لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني: 7: مؤسسة الأعلمي: بيروت 1971م
لزوم ما لا يلزم: للمعرّي: 2: دار صادر: بيروت 1961م
الميم المجروحين من المحدثين والضعفاء المتروكين: محمد بن حيان التميمي:: ح. محمد ابراهيم زايد: بيروت بلا
مجمع الأمثال: الميداني: 2: مصورة عن طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد: بيروت بلا
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين الهيثمي: 10: دار الكتاب العربي: بيروت 1967م
محاضرات الأدباء: للأصبهاني: 2: الطبعة الأولى: القاهرة بلا
المحمدون من الشعراء وأشعارهم: للقفطي: 1: ح. رياض عبد الحميد مراد: دمشق 1975م
المخصص: لابن سيده: 5: دار الفكر: بيروت 1978م
المدوّنة الكبرى: عبد الرحمن بن القاسم: 4: المطبعة الخيرية: القاهرة 1324هـ
مرآة الزمان في تاريخ الأعيان: لسبط بن الجوزي: 21: حيدر آباد: حيدر آباد 1951م
مروج الذهب: المسعودي: 4: ح. محيي الدين عبد الحميد: القاهرة 1958م
مسالك الأبصار: فضل الله العمري: 1: ح. أحمد زكي: القاهرة 1924م
مسالك الأبصار: فضل الله العمري: 1: ح. دوروتيا كرافولسكي: بيروت 1985م(1/716)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
المستطرف في كل فن مستظرف: للآشبيهي: 2: ح. عبد الله أنيس الطباع: بيروت 1981م
مستفاد الرحلة والاغتراب: للقاسم التجيبي: 1: ح. عبد الحفيظ منصور: ليبيا تونس 1975م
المستقصى في أمثال العرب: للزمخشري: 2: دار الكتب العلمية: بيروت 1970م
مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل: 6: دار الفكر: بيروت بلا
مسند أبي يعلى الموصلي: لأبي يعلى: 9: ح. حسين سليم أسد: بيروت 1984م
مشارق الأنوار على صحاح الآثار: للقاضي عياض: 2: المكتبة العتيقة ودار التراث: تونس بيروت 1933م
المصنف: عبد الرزاق الصنعاني: 11: ح. حبيب الرحمن الأعظمي: بيروت بلا تاريخ
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: لابن حجر العسقلاني: 4: ح. حبيب الرحمن الأعظمي: بيروت بلا
مطالع البدور في منازل السرور: علاء الدين الغزولي: 2: مطبعة إدارة الوطن: القاهرة 1299هـ
المطرب من أشعار أهل المغرب: لابن دحيه: 1: ح. إبراهيم الأبياري وآخرون: القاهرة 1954م
مطمح الأنفس ومسرح التأنّس: للفتح بن خاقان: 1: ح. محمد علي شوابكة: بيروت 1983م
معالم الإيمان: لأبي زيد الدباغ: 4: المطبعة العربية التونسية: تونس 1320هـ
معاهد التنصيص على شواهد التلخيص: عبد الرحيم العباسي: 4: ح. محمد محيي الدين عبد الحميد: القاهرة 1947م
المعجب في تلخيص أخبار المغرب: عبد الواحد المراكشي: 1: ح. محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي: الدار البيضاء 1950م
معجم الأدباء: ياقوت الحموي: 20: ح. مرجليوث: القاهرة 1938م
معجم أعلام الجزائر: عادل نويهض: 1: مؤسسة نويهض: بيروت 1983م
معجم البلاغة العربية: بدوي طبانة: 2: جامعة طرابلس: طرابلس 1377هـ
معجم البلدان: ياقوت الحموي: 5: دار إحياء التراث العربي: بيروت بلا
معجم الشعراء: المرزباني: 1: ح. عبد الستار أحمد فرّاج: القاهرة 1960م
المعجم الصغير للطبراني: الطبراني: 2: دار الكتب العلمية: بيروت 1983م
المعجم في شيوخ أبي علي الصدفي: لابن الأبّار القضاعي: 1: دار الكاتب العربي: القاهرة 1967م
المعجم الكبير للطبراني: الطبراني: 25: ح. حمدي عبد المجيد السلفي: بيروت
معجم ما استعجم: لأبي عبيد البكري: 4: ح. مصطفى السّقا: بيروت 1983م
معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة: 15: مكتبة المثنى: بغداد بلا
المعيار في أوزان الأشعار: للشنتريني: 1: ح. د رضوان داية: دمشق 1979م
المغرب العربي تاريخه وثقافته: رابح بونار: 1: الشركة الوطنية: الجزائر 1981م(1/717)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
المغرب في حلى المغرب: لابن سعيد الأندلسي: 2: ح. شوقي ضيف: القاهرة 1978م
المغرب في ذكر إفريقية والمغرب: لأبي عبيد البكري: 1: مصورة عن طبعة دي سلان: بغداد بلا
مقامات الحريري: لأبي محمّد الحريري: 1: دار صادر: بيروت بلا
المقتضب من تحفة القادم: لابن الأبار القضاعي: 1: ح. إبراهيم الأبياري: القاهرة 1957م
المقتطف من أزاهر الطرف: لابن سعيد: 1: ح. د سيّد حنفي حسنين: القاهرة 1983م
ملء العيبة: لابن رشيد: 2و 3: ح. محمد الحبيب بن الخوجة: تونس 1402هـ
المناسك وأماكن طرق الحجّ: لأبي إسحاق الحربي: 1: ح. حمد الجاسر: الرياض 1969م
الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية: عبد العزيز بن عبد الله: 1و 2: وزارة الأوقاف: الرباط 1975م
الموضوعات: لابن الجوزي: 3: ح. عبد الرحمن محمد عثمان: المدينة المنورة 1968م
الموطأ: الإمام مالك: 1: ح. أحمد راتب عرموش: بيروت 1982م
مؤلفات ابن الجوزي: عبد الحميد العلوجي: 1:: بغداد 1965: م
المؤنس في أخبار إفريقية والمغرب: لابن أبي دينار: 1: ح. محمد شمّام: تونس 1967م
ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للذهبي: 4: ح. علي محمد البجاوي: القاهرة 1963م
النون النبوغ المغربي: عبد الله كنون: 3: دار الكتاب اللبناني: بيروت 1961م
نثير الجمان: لابن الأحمر: 1: ح. رضوان الداية: بيروت 1976م
نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان: لابن الأحمر: 1: ح. رضوان الداية: بيروت 1967م
النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة: لابن سعيد: 1: ح. حسين نصار: القاهرة 1970م
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لابن تغري بردي: 14: دار الكتب: القاهرة بلا
نسب قريش: المصعب بن عبد الله الزبيري: 1: ح. ليفي بروفنصال: القاهرة 1953م
نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض: شهاب الدين الخفاجي: 4:: القاهرة 1327هـ
نضرة الإغريض في نصرة القريض: المظفر العلوي: 1: ح. د نهى عارف الحسن: دمشق 1976م(1/718)
الكتاب: المؤلف: عدد الأجزاء: المطبعة أو المحقق: بلد الطبع وتاريخه
نفاضة الجراب في علالة الاغتراب: لسان الدين بن الخطيب: 1: ح. أحمد مختار العبادي: القاهرة بلا
نفح الطيب: المقري: 8: ح. د إحسان عباس: بيروت 1968
نكت الهميان: خليل بن أيبك الصفدي: 1: ح. أحمد زكي: القاهرة 1911م
نهاية الأرب: شهاب الدين النويري: 27: دار الكتب المصرية: القاهرة
نهج البلاغة: علي بن أبي طالب: 1: ح. صبحي الصالح: بيروت 1980م
النوادر: أبو علي القالي: 1: ح. عبد العزيز الميمني: القاهرة 1926
النوادر في اللغة: أبو زيد الأنصاري: 1: ح. سعيد الخوري الشرتوني: بيروت 1894م
نور القبس المختصر من المقتبس للمرزباني: اختصار أحمد بن محمود الحافظ اليغموري: 1: ح. رودلف زلهايم: فيسبادون 1964م
نيل الابتهاج بتطريز الديباج: أحمد بابا التنبكتي: 1: دار الكتب العلمية: بيروت بلا
الواو الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى: محمد بن تاويت: 3: دار الثقافة: الدار البيضاء 1982م
الوافي بالوفيات: خليل بن أيبك الصفدي: 13: ح. مجموعة من الباحثين: فيسبادن
الوجيز في علم الحديث: د. محمد عجاج الخطيب: 1:: دمشق 1981م
الوسيط في الأمثال: للواقدي: 1: محمد عبد الرحمن: الكويت 1975م
وصف إفريقيا: ليون الإفريقي (الحسن الوزان): 2: ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر: بيروت 1983م
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: نور الدين السمهودي: 4: ح. محمد محيي الدين عبد الحميد: بيروت 1984م
وفيات الأعيان: ابن خلكان: 8: ح. إحسان عباس: بيروت 1977م
وفيات ابن قنفذ: ابن قنفذ القسنطيني: 1: ح. عادل نويهض: بيروت 1983م
الياء يتيمة الدهر: الثعالبي: 4: ح. محمد محيي الدين عبد الحميد: القاهرة 1934م(1/719)
المجلّات
1 - مجلة حوليات الجامعة التونسية. الأعداد 94.
2 - مجلّة دعوة الحق السنة الخامسة العددان 42.
3 - مجلة معهد الدراسات الإسلامية: المجلّدان 9و 10عام 19621961.
4 - مجلّة المناهل: العددان 5و 10.
5 - مجلّة هسبرس تمودا العدد 11عام 1970.(1/720)
فهرس المحتويات
تقديم: بقلم الأستاذ الدكتور شاكر الفحّام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق آهـ
1 - المقدمة 5
2 - ترجمة المؤلف 7
3 - مؤلفات العبدري 9
4 - أسباب الرحلة ومدتها 10
5 - منهج العبدري في رحلته 12
6 - مصادر العبدري في رحلته 14
7 - أهمية الرحلة 16
8 - نسخ الكتاب ومنهج التحقيق 19
9 - النص المحقق 26
* مقدمة المصنّف 27
* بداية الرحلة 40
* ذكر آنسا 42
* المفازة التي على طريق تلمسان 45
* ذكر تلمسان 47
لقاؤه لابن خميس 53
برنامج ابن الخطاب المرسي 63
قصيدة ابن المولى 68
لقاؤه لابن عصام 73
* ذكر مليانة 78
* ذكر الجزائر 82
* ذكر بجاية 82
لقاؤه لمحمد بن صالح الشاطبي 84
* ذكر بني ورار 93
* ذكر قسنطينة 93(1/721)
لقاؤه لابن باديس 95
قصيدة ابن الفكون 97
* ذكر بونة 104
* ذكر خولان 104
* ذكر باجه 105
لقاؤه لأبي علي الطبلي 105
* ذكر تونس 108
جامع الزيتونة 110
لقاؤه لمحمد بن هارون 114
لقاؤه لأبي جعفر اللبلي 116
لقاؤه لابن هريرة 117
القصيدة الشقراطسية 134
تخميس المنفرجة لأبي عبد الله المصري 139
مشاركات فقهية 151
* ذكر القيروان 157
جامع القيروان 160
مقبرة القيروان 162
لقاؤه لأبي زيد الدبّاغ 163
قصيدة العبدري لابنه 176
* ذكر قابس 180
* ذكر طرابلس 184
لقاؤه لابن عبد السيّد 186
قبّة باب البحر 194
* قصر الجمّ 194
* فصل: حكم السفر 198
* ذكر مصراته 200
* ذكر سرت 201(1/722)
* ذكر برقة 203
فصل لمحة تاريخية 205
فصل فصاحة عرب برقة 206
فصل من برقة إلى الإسكندرية 209
* ذكر الإسكندرية 210
عمود السواري 212
منار الإسكندرية 213
اعتراض الحجاج 216
قصيدة ابن جبير في مدح صلاح الدين 218
لقاؤه لابن المنيّر 228
القصيدة النبوية لابن المنيّر 234
بعض رسالة ناصر الدين بن المنيّر في مناهل الحج 242
لقاؤه لتاج الدين الغرّافي 245
قصيدة السخاوي في ذكر خلفاء بني العباس 256
القصيدة النبوية للسخاوي 258
لقاؤه لمحيي الدين المازوني 267
البيع بالاشارة 271
* ذكر القاهرة 271
هجاء أهل القاهرة 276
تضييع المساجد 280
عناية أهل القاهرة بالمنطق 284
خطبة أبي حفص بن عمر 286
لقاؤه لشرف الدين الدمياطي 289
لقاؤه لابن دقيق العيد 299
فصل في عجائب مصر 311
نيل مصر 312
الأهرام والبرابي 315(1/723)
مزارات مصر 319
* البرية بين الحجاز ومصر 329
* مناهل البرية 335
السويس 335
مغبوق 335
بئر النخل 336
أيلة 337
نقد المسالك والممالك للبكري 338
عقبة أيلة 339
وادي القر 340
مغارة شعيب 341
عيون القصب 342
كفافة 342
الوجه 343
أكرا 343
الحوراء 344
المغيرة 344
ينبع 345
الدهناء 346
بدر 346
البزواء 348
الجحفة 349
خليص 351
عقبة السويق 352
بطن مرّ 352
المدرج 352
مساجد عائشة 353(1/724)
بطن ذي طوى 353
ثنية كداء 356
المغمّس 357
* ذكر مكة 358
حدود مكة 364
المسجد الحرام 367
بئر زمزم 369
جهل الحجاج 369
مقام إبراهيم 373
الكعبة 375
* فصل: بعص أسماء مكة 376
* فصل: بناء الكعبة 378
* فصل: المسجد الحرام 384
المزدلفة 386
عرفة 387
* فصل فقهي مختصر في المناسك 394
شروط الحج 394
أركان الحج 396
فضل الحج 411
* فصل: في حدود الحرم 415
* ذكر المدينة المنوّرة 419
مسجد النبي 423
الروضة الشريفة 425
لقاؤه لعبد السلام التمّار 429
القصيدة النبوية للعبدري 431
* فصل في بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلته 441
بناء الرسول للمسجد 442(1/725)
زيادة عمر بن الخطاب 444
زيادة عثمان بن عفان 447
زيادة الوليد بن عبد الملك 447
زيادة المهدي 449
المنبر 450
قبلة المسجد 453
* الرحيل من المدينة 454
التعريف بعلاء الدين الأعمى 455
* ذكر الخليل 457
مقابر الأنبياء 458
سكنى إبراهيم عليه السلام الشام 461
* فصل: تربة لوط 465
* ذكر بيت المقدس 468
المسجد الأقصى 469
قبة الصخرة 470
لقاؤه لابن جماعة 473
* ذكر عسقلان 474
مزارة رأس الحسين 476
* ذكر غزّة 477
* الطريق من غزّة إلى القاهرة 477
* ذكر القاهرة في العودة 479
* من القاهرة إلى الاسكندرية 480
* الإسكندرية في العودة 481
* الطريق من الاسكندرية إلى تونس 481
سوسية 482
أرض برنيق 482
برية سنانة ومنهوشة 483(1/726)
قابس 484
نفطة 484
قصر الجم 486
سوسة 487
* تونس في العودة 488
لقاؤه لأبي العباس الغماز 489
لقاؤه لأبي القاسم اللبيدي 495
لقاؤه لأبي محمد الخلاصي 497
لقاؤه لأبي الحسن بن رزين 512
لقاؤه لابن زيتون 519
لقاؤه لأبي الحسن التجاني 521
قصيدة حديقة الأزهار لحازم القرطاجني 524
لقاؤه لأبي عبد الله القسّي 534
لقاؤه لجابر بن محمد الوادي آشي 539
لقاؤه لأحمد بن محمد بن ميمون الأشعري (ابن السكان) 543
لقاؤه لأبي يعقوب الجذامي 549
لقاؤه لأبي محمد بن هارون 550
لقاؤه لأبي العباس البطرني 557
* من تونس إلى بجاية 558
لقاؤه لأبي الحسين الرندي 558
لقاؤه لأبي عبد الله بن صالح 558
* من بجاية إلى وهران ولقاؤه للمشدالي 561
* ذكر وهران 561
* ذكر تلمسان في العودة 562
* ذكر فاس ومكناسة 564
لقاؤه لابن حكم التجيبي 564
* الاجتماع بالأهل 566(1/727)
الفهارس
1 - فهرس الآيات القرآنية 578
2 - فهرس الأحاديث الشريفة 584
3 - فهرس الأمثال 592
4 - فهرس القوافي 595
5 - فهرس الأراجيز 608
6 - فهرس الأقوال والمأثورات 609
7 - فهرس اللغة 613
8 - فهرس الأماكن 615
9 - فهرس الأعلام 640
10 - فهرس القبائل والجماعات 689
11 - فهرس الكتب التي ذكرها المؤلف 696
12 - فهرس ومصطلحات مناسك الحج 705
13 - فهرس المصادر والمراجع 706
(المطبوعات المجلات)
14 - فهرس المحتويات 723(1/728)