على تعظيم الحكمة ليصير جمع العلم أغلب عليه من جمع المال، وليرى أنه أفضل عتاد، وأكرم مستفاد.
232 - قال معاوية لعبيد الله (1): إنك لا تقدر على حفظ العلم كله، فاحفظ منه ما يحسن نشره، واترك الغث، فإنك لا تنتفع به. ولا ينتفع منه منك.
233 - عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن لي باختلاف أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم عليه حمر النهم وسودها.
234 - جلس سفيان بن عيينة على مرقب (2) عال، وأصحاب الحديث على مد البصر، يثبتون، فتمثل بقول الخشعمي (3):
خلت الديار فسدت غير مسوّد ... ومن الشقاء تفرّدي بالسؤدد
235 - أتى رجل الزهري (4) ليحدثه فأبى، فقال: اسمع مني أخبرك، قال: هات، قال: ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا.
236 - المهلبي (5):
__________
(1) عبيد الله: ربما كان عبيد الله بن زياد ابن أبيه هو المقصود.
(2) مرقب المرقب والمرقبة الموضع المرتفع يعلوه الرقيب.
(3) الخشعمي: في العقد الفريد: 2: 290الهيثم بن عدي قال: لما انفرد سفيان بن عيينة ومات نظراؤه من العلماء تكاثر الناس عليه فتمثل بهذا البيت. وفي حلية الأولياء 7: 274جاء الحديث على هذه الصورة: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال سمعت محمد بن عمرو الباهلي يقول سمعت ابن عيينة يقول كنت أخرج إلى المسجد فأتصفح الخلق فإذا رأيت كهولا ومشيخة جلست إليهم فأنا اليوم قد اكتنفني هؤلاء الصبيان ثم أنشد البيت. كما نسب هذا البيت لحارثة التميمي في الحيوان.
(4) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري.
(5) المهلبي: هو أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم ينتهي نسبه بالمهلب بن أبي صفرة المهلبي من كبار الوزراء والأدباء الشعراء. استوزره معز الدولة سنة 339هـ كما قربه الخليفة المطيع ولقب بذي الوزارتين. كان من رجال العلم حزما ودهاء وكرما وشهامة له شعر رقيق مع فصاحة بالفارسية ولد بالبصرة سنة 291هـ وتوفي في طريق واسط سنة 352هـ وحمل إلى بغداد.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 2: 8وفوات الوفيات 1: 131وإرشاد الأريب 9: 118.(4/57)
فإن أنا لم امتت بقرب قرابة ... ولم تجمع الأسباب شملا إلى شمل (1)
ففي رحم الآداب ما ألف الهوى ... وأغنى عن الأسباب بين ذوي العقل
[وله]:
اذكر أبا جعفر حقا أمت به ... إني وإياك مشغوفان بالأدب (2)
237 - عمر رضي الله عنه: رحم الله عبدا أصلح من لسانه.
238 - وقال رجل لزياد بن أبيه: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا، فقال: يا هذا، ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك.
239 - وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد: فقال: كسب الدوانيق (3)
شغلك عن تقويم اللسان. وقال له آخر، فقال: أين غذيت؟ قال:
بالإبلة، قال: من ثم أتيت.
240 - رسطاليس: الحكمة للأخلاق كالطب للأجساد.
241 - لقي الرشيد الكسائي (4) في بعض الطرقات، فوقف عليه وسأله عن حاله فقال: لو لم أجتن من ثمرة العلم والأدب إلا ما وهب الله لي من وقوف أمير المؤمنين عليّ لكان كافيا لي.
242 - إسماعيل بن طريح الثقفي (5): عقول الرجال في أطراف أقلامها.
__________
(1) أمتت: من متّ أي اتصل به بقرابة.
(2) أبو جعفر: هو أبو جعفر محمد بن أحمد الصميري وزير معز الدولة البويهي.
(3) الدوانيق: جمع دانق وهو سدس الدرهم والكلمة فارسية.
(4) الكسائي: هو علي بن حمزة الكسائي المتقدمة ترجمته.
(5) إسماعيل بن طريح الثقفي ربما كان إسماعيل بن طريح الثقفي أبو الصلط الشاعر الأموي الذي انقطع إلى الوليد بن يزيد وعاش حتى دولة بني العباس ومات في خلافة المهدي سنة 165هـ.(4/58)
243 - أوصى عبد الملك بن مروان بثلث ماله لأهل الأدب وقال:
هذه صناعة مجفوّ أهلها.
244 - قيل لسقراط: ما الفرق بين من له أدب ومن لا أدب له؟
قال: كالفرق بين الحيوان الناطق وبين الحيوان الذي ليس بناطق.
245 - قيل لأعرابي: أين الجدّ من الأدب؟ قال: هذا مشرق وهذا مغرب.
246 - وقع نحوي في كثيف، فجاءوا إليه بكناسين، فقال: اطلبا لي حبلا دقيقا، وشداني شدا وثيقا، واجذباني جذبا رفيقا. فقالا: والله لا نخرجه، هو في السلح إلى الحلق، وليس يدع الفضول.
247 - أبو حيان (1): إن الأدب أنس أن شئت أنسا، وكنز إن طلبت كنزا، وجمال إن أحببت جمالا، ومثوبة إن قصدت ثوابا.
248 - حكيم: من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير.
249 - البرقعي (2):
قالوا أديب بلا جد فقلت لهم ... قوس بلا وتر سهم بلا فوق (3)
250 - كان الإمام عبد القاهر (4) ينشد:
__________
(1) أبو حيّان: هو أبو حيّان التوحيدي.
(2) البرقعي: لم نقع له على ترجمة.
(3) سهم بلا فوق: الفوق من السهم الخط الذي يجعل فيه الوتر.
(4) الإمام عبد القاهر: هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي الإمام المشهور أبو بكر كان يعتبر من أئمة العربية والبيان كما اعتبر واضع أصول البلاغة. له شعر رقيق وعدة مصنفات منها: أسرار البلاغة دلائل الإعجاز التتمة في النحو والمغني في شرح الإيضاح ثلاثون جزءا مات سنة 471هـ وقيل سنة 474هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 174طبقات الشافعية 3: 242ومفتاح السعادة 1: 143.(4/59)
إنما النحو للخطابة والشعر ... وتقويم سنة أو كتاب
فإذا ما تجاوز النحو هذا ... فهو شيء عن المسامع نابي
قيل لرافضي كان يتعلم النحو: ما علامة النصب (1)؟ قال: بغض علي بن أبي طالب.
251 - القلم الرديء كالولد العاق.
252 - يوسف بن أحمد (2) في جارية كاتبة: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن مبراتها سيف لحظها وكأن مقطها قلب عاشقها.
253 - ابن المعتز:
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتق نورا أو تنظّم جوهرا
254 - أبو إسحاق الصابي (3):
وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسوّد إلا من النقس (4)
إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس
__________
(1) ما علامة النصب: النصب في اصطلاح هو إعراب الكلمة بالفتحة أو ما ينوب منابها وهو مصدر نصب له إذا عاداه. والنصب له يعني معاداته والخوارج أيضا يسمون النواصب أو الناصبة.
(2) يوسف بن أحمد ربما كان الصحيح أحمد بن يوسف وهو أحمد بن يوسف بن القاسم ابن صبيح المتقدمة ترجمته.
(3) أبو إسحاق الصابي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي المتقدمة ترجمته.
(4) النّقس: المداد الذي يكتب به.(4/60)
255 - المداد خلوق الكتبة (1):
256 - نظر جعفر البرمكي (2) إلى خط حسن فقال: لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم.
القلم قيم الحكمة، إن هذه العلوم تند (3) فاجعلوا الكتب لها حماة، والأقلام عليها رعاة.
257 - أيوب بن غسان (4):
فما شيء بأحسن من ثياب ... على حافاتها أثر المداد
258 - من السؤدد سوادان: سواد الكاتب، وسواد الراكب.
259 - مسح كاتب قلمه بكمه فقيل له فقال: إنما اعتقدنا (5) هذا بهذا، سمعته من والدي رحمه الله تعالى.
260 - كتب كأنها صفوف ولائد، عليها فصوص قلائد.
261 - أتاني كتاب:
فكان فرات آمال ظماء ... وكان حياة أحوال رفات
262 - سهل بن هارون: القلم أنف الضمير، فإذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره.
263 - أحمد بن إسماعيل (6).
__________
(1) المداد خلوق الكتبة: الخلوق ضرب من الطيب فيه صفرة لأنه في غالبيته من الزعفران وهو الخلاق أيضا.
(2) جعفر البرمكي: هو جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي المتقدمة ترجمته.
(3) ندّ: يقال ندّ البعير إذا شرد ونفر ويقال ندت الفكرة إذا امحت من ذاكرتي.
(4) أيوب بن غسان: لم نقع له على ترجمته.
(5) اعتقدنا: يعني ملكنا من اعتقد بمعنى حاز أو ملك.
(6) أحمد بن إسماعيل: هو أبو علي أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخصيب المقلب بنطّاحة كان كاتبا بليغا مترسلا وشاعرا أديبا له باع طويل في صناعة البلاغة. له شعر حسن. كان من الظرفاء الخلفاء. قتله محمد بن طاهر سنة 290هـ له تصانيف ذكرها ابن النديم في فهرسته.(4/61)
أضحكت قرطاسك عن جنة ... أشجارها من حكم مثمرة
264 - علي بن يقطين مولى بني أسد (1):
يا ليت شعري ما يكون جوابي ... أما الرسول فقد مضى بكتابي
وتعجلت نفسي الظنون وأشربت ... طمع الحريص وخيفة المرتاب
وا حسرتا من بعد هذا كله ... إن كان ما أخشاه رد جوابي
265 - أعرابي: الدواة منهل، والقلم [رشاء]، والكتاب عطن (2).
266 - الليقة (3) إذا كانت ليقة ناعمة أمكن الكاتب أن يشمها روق القلم (4)، وإذا تعهدت بالملح والكافور كان آمن من بخرها (5). ومن شرط الليقة أن تكون طيبة الريح.
267 - قال أحمد بن إسماعيل:
كأنما النفس إذا استمده ... غالية مدفوعة بنده (6)
268 - سئل الحسن عن رجل يتعلم العربية ليعرف بها حسن المنطق. ويقيم بها وجهه، فقال: فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعي بوجهها فيهلك فيها.
وقيل له: إن ههنا أغيلمة (7) يتعلمون العربية، فقال: أحسنوا،
__________
(1) علي بن يقطين أحد كتاب الدواوين في الدولة العباسية. ولّاه المهدي ديوان الأزمة سنة 168هـ. أقر موسى الهادي الخاتم في يده.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والأغاني 3: 150و 12: 168.
(2) العطن: هو مبرك الإبل ومربض الغنم حول الماء: جمعها معاطن.
(3) الليقة: صوفة الدواة. أو إذا بلت أصبحت ليقة.
(4) روق القلم أي رأسه. والروق من كل شيء مقدمه وأوله. ويطلق على قرن الدابة.
(5) البخر: أنتن ريحه فهو أبخر.
(6) الغالية الأخلاط من الطيب كالمسك والعنبر والند ضرب من الطيب يتبخر به.
(7) أغيلمة: تصغير غلام وهو الشاب الطارّ الشارب.(4/62)
يتعلمون لغة نبيهم. وقال: أهلكتهم العجمة، يتأولون القرآن على غير تأويله.
269 - الزهري (1): كان يقول: النحو في العلم بمنزلة الملح في القدر، والرامك في الطيب (2)، وكان يقال: الإعراب حلية الكلام ووشيه.
وقال: ما أحدث الناس مروءة أعجب إليّ من تعلم النحو.
وقال: لم يركب العز من لم يركب الأدب.
270 - دخل أبو العالية على ابن عباس فأقعده معه على السرير، وأقعد رجالا من قريش دونه، فرأى سوء نظرهم إليه، وحموضة وجوههم (3) فقال: ما لكم تنظرون إلى نظر الشحيح إلى الغريم المفلس؟ هكذا الأدب يشرف الصغير على الكبير. ويرفع المملوك على الولي، ويقعد العبيد على الأسرة.
271 - أوصى حكيم ابنه فقال: يا بني، عز المال للذهاب والزوال، وعز السلطان يومان يوم لك ويوم عليك، وعز الحسب للخمول والدثور (4)، وأما عز الأدب فعز راسب (5) رابط، لا يزول بزوال المال ولا يتحول بتحول السلطان، ولا ينقص عن طول الزمان. يا بني، عظّمت الملوك أباك وهو أحد رعيتها، وعبدت الرعية ملوكها، فشتان بين عابد ومعبود! يا بني، لولا أدب أبيك لكان للملوك بمنزلة الإبل النقالة، والعبيد الحمّالة.
__________
(1) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري المتقدمة ترجمته.
(2) الرامك ضرب من الطيب.
(3) حموضة الوجه: يقال وجه حامض أي متغيّر.
(4) الدثور: من دثر دثورا أمّحى وزال.
(5) راسب: العز الراسب هو العز الثابت المكين.(4/63)
272 - دخل على الواثق (1) هارون بن زياد (2) معلمه، فبالغ في إكرامه وإجلاله، فقيل له في ذلك، فقال: هو أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله.
273 - حجب العتابي (3) على باب المأمون، وكان مؤدبه، فكتب إليه:
إن حق التأديب حق الأبوة ... عنه أهل الحجاز أهل المروة
وأحق الأنام أن يحفظوها ... ويعوها لأهل بيت النبوة
فدعا به وأحسن صلته، وآلى على الحاجب أن لا يعاود حجبه وزبره (4).
274 - قيل لبزرجمهر: ما بال تعظيمك لمعلمك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي كان سبب حياتي الفانية، ومعلمي سبب حياتي الباقية.
275 - جالينوس: إن ابن الوضيع إذا كان أديبا كان نقص أبيه زائدا في منزلته، وإن ابن الشريف إذا كان غير أديب كان شرف أبيه زائدا في سقوطه.
276 - أخذ عبد الملك خارجيا فقال: ألست القائل:
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
__________
(1) الواثق: هو هارون بن محمد الواثق الخليفة العباسي المتقدمة ترجمته.
(2) هارون بن زياد: لم نقع له على ترجمة وكل ما نعرفه أن السيوطي ذكر في بغية الوعاة. ص 405أن هارون بن زياد النحوي كان مؤدبا للواثق بالله. كذلك فقد ورد هذا الخبر في تاريخ بغداد 14: 17.
(3) حجب العتابي: ربما كان كلثوم بن عمر العتابي المتقدّمة ترجمته ولم تشر المصادر التي بين أيدينا أنه كان مؤدبا للمأمون، كذلك لم تشر المصادر المتوفرة لدينا إلى العتابي مؤدب المأمون.
(4) حجبه وزبره: بمعنى منعه وردعه.(4/64)
فقال: إنما قلت أمير المؤمنين بالنصب (1)، فخلاه.
277 - سمع أعرابي مؤذنا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، بالنصب، فقال: ويحك يفعل ماذا (2)؟.
278 - قيل لأعرابي: اتهتمز إسرائيل؟ قال إني إذن رجل سوء.
وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: السنور يهمزها. وقيل الآخر أتجر فلسطين؟ قال: أني إذن لقوي (3).
279 - أنشد الأصمعي (4) بيتا من الشعر فاختلس الأعراب، وقال:
إن العرب تجتاز بالأعراب اجتيازا.
280 - وقال ابن أبي إسحاق (5): العرب ترقرق على الأعراب ولا تتفيهق فيه (6).
__________
(1) عند ما تستعمل صيغة النصب يختلف المعنى ويصبح ومنايا أمير المؤمنين (منادى مضاف) شبيب.
(2) ويحك يفعل ماذا؟ لأن كلمة رسول إذا كانت منصوبة تكون صفة لاسم محمد فيحتاج عندها الكلام إلى خبر ليتم المعنى.
(3) أني إذن لقوي: عند ما قيل له اتهتمز إسرائيل اعتقد أنهم يقولون اتغتمز إسرائيل حتى أجاب أني إذن رجل سوء. وعند قيل له اتهمز الفأر: قال السنور يهمزها أي يضربها وعند ما قيل له أتجر فلسطين أي أتدخل عليها علامة الجر فهم أتسحب فلسطين حتى قال إني إذن لقوي.
(4) الأصمعي: هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي المتقدمة ترجمته.
(5) ابن أبي إسحاق: هو أبو بحر عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي البصري أحد الأئمة في القراءات والعربية من القياس وشرح العلل كان يطعن على العرب وأنكر على الفرزدق بعض شعره فهجاه الفرزدق بقوله: فلو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى مواليا. مات ابن أبي إسحاق سنة 127هـ.
راجع ترجمته في طبقات الزبيدي ص 11. وطبقات الشعراء لابن سلام ص وبغية الوعاة ص 282وخزانة الأدب 1: 115.
(6) ترقرق: بمعنى ترقق وهي عكس غلظ وتفيهق في كلامه أي توسع فيه وتنطع.(4/65)
281 - وقال يونس (1): العرب تشم الأعراب ولا تحققه (2).
282 - وقال الحسحاس بن جاب (3): العرب تقع بالأعراب وكأنها لم ترده.
283 - قال ابن كيسان (4): قلت للمبرد (5): ثعلب (6) أعلم أهل زمانه، فقال:
أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب
لو أخذ النحو عن الرب ... ما زاده إلّا عمى قلب
284 - قيل لأعرابي: ما معنى قولهم شيطان ليطان (7)، وجائع نائع؟
فقال: شيء نتد به كلامنا.
__________
(1) يونس: هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب (الضبي) البصري. أعجمي الأصل من قرية على دجلة بين بغداد وواسط عالم بالأدب ولكن غلب عليه النحو. أحد أصحاب عمرو بن العلاء كانت له حلقة بالبصرة أخذ عنه الكسائي وسيبويه. ولد سنة تسعين ومات سنة 182هـ وله مصنفات عدة منها: معاني القرآن كبير وصغير واللغات والنوادر والأمثال.
راجع ترجمته في الأعلام 9: 344طبقات النحويين للزبيدي ص 48والبيان والتبيين 1: 174.
(2) تشم الأعراب: الاشمام عند القرّاء والنحاة هو الإشارة إلى الحركة دون تصويب ولا تحققه أي أنها تتركه دون توكيد أو إثبات.
(3) الحسحاس بن جاب: لم نقع له على ترجمة.
(4) ابن كيسان: هو محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوي كان علامة فهّامة يحفظ مذهب الكوفيين والبصريين في النحو فقد أخذ عن المبرد وثعلب حتى صار أنحى منهما وفي سنة موته اختلاف ففي حين يقول الخطيب أنه مات سنة 299هـ يقول ياقوت أنه مات سنة 320وهي الأرجح.
(5) المبرد: هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد.
(6) ثعلب: هو أيضا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب المتقدمة ترجمته.
(7) شيطان ليطان: نقول لاطه الله ليطا أي لعنه وقيل شيطان ليطان أتباع ويقول أبو علي القالي في أماليه: ليطان من لاط بقلبه أي لصق به. جائع نائع اسم فاعل من ناع ينوع نوعا أي رماه الله بالجوع والنوع وقيل النوع العطش والنائع العطشان وهو الأصح. ونتد من فعل وتد بمعنى ثبت الوتد ونتد به كلامنا أي نثبت به كلامنا وندعّمه ونقويه.(4/66)
285 - قال العباس بن محمد (1) لمؤدب ولده: إنك قد كفيته أعراضهم فاكفني آدابهم، والتمسني عند آثارك فيهم تجدني.
286 - سقراط: سوأة لمن أعطي الحكمة فجزع لفقد الذهب والفضة.
ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلا تم إلا على أدب
287 [آخر]:
هل الحفظ إلا للصبي وذو النهى ... يمارس أشغالا تشرّد بالذكر
متى كان قلب المرء للحفظ فارغا ... تناول أقصاه وإن كان لا يدري
288 - علي رضي الله عنه: اعقلوا الخبر إذ سمعتموه، عقل رعاية، لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل.
289 - عن بعض المحدثين: يكون الحديث الحسن عند الشيخ الذي لا يجوز حديثه، فأجيء به إلى الأعمش، فيسمع منه الحديث، فأرويه عن الأعمش، واطرح المحدث.
290 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما نحل والد ولده نحلا أفضل من أدب حسن.
291 - من قعد به حسبه نهض به أدبه. أحسن الأدب أن لا يفخر المرء بأدبه.
292 - الأصمعي (2): ما من مطية أبلغ دركا (3)، وهي وادعة، من الأدب.
__________
(1) العباس بن محمد: هو العباس بن محمد الهاشمي المتقدمة ترجمته.
(2) الأصمعي: هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي.
(3) دركا بمعنى لحاقا وبلوغا.(4/67)
من لم يكن عليه قبول فلا جاه لأدبه.
293 - سمع معاوية رجلا يقول: يا غريب، فقال: كلا، الغريب من لا أدب له.
294 - إذا فاتك الأدب فالزم الصمت، فهو من أعظم الآداب.
295 - قيل لمحمد بن علي بن الحسين (1): متى يكون الأدب شرا من فقده؟ فقال: إذا كثر الأدب وقلت القريحة (2).
296 - رسطاليس: من ترك الأدب عقم عقله.
297 - لكل شيء زينة، وزينة العقل الأدب.
298 - علي رضي الله عنه: عز الشريف أدبه.
الأدب صورة العقل، فحسن صورة عقلك كيف شئت.
299 - قيل لبعضهم: كيف طلبك للأدب؟ قال: طلب المرأة الرائم (3) أصغر ولدها وقد أضلته.
300 - سمع الواقدي (4) يقول لبعض ولده: لو أردنا بكثرة علومنا الله لنلنا الدنيا والآخرة، ولكن المقصد كان الدنيا فلم ننل منها إلا المقدور.
__________
(1) محمد بن علي بن الحسين: هو الإمام محمد الباقر المتقدمة ترجمته.
(2) القريحة: هي طبيعة الإنسان المفطور عليها.
(3) المرأة الرائم: المرأة العطوف.
(4) الواقدي: هو أبو عبد الله بن عمر بن واقد السهمي. من أقدم المؤرخين في الإسلام كان أحد حفاظ الحديث المشهورين. ولد بالمدينة المنورة سنة 130هـ. ومات ببغداد سنة 207هـ. كان يتعاطى تجارة الحنطة. اتصل بيحيى البرمكي ومنه توصل إلى الخليفة هارون الرشيد حيث أغدقت عليه النعم والهدايا ثم ولي قضاء بغداد. أشهر مؤلفاته:
المغازي وتفسير القرآن وفتح مكة والطبقات وفتح أفريقية وفتح العجم وفتح مصر كان الواقدي يعاين الأمكنة التي يكتب عنها فكلما ذكرت له وقعة ذهب إلى مكانها.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 369عيون الأثر 1: 17الأعلام 1: 200.(4/68)
301 - ما قرأت كتابه إلا حسد طرفي لساني على لفظه، وحسد لساني طرفي على لحظه.
302 [شاعر]:
وزنجية لم تلدها الأنام ... وفي جوفها من سواها ولد
يريد الدواة.
303 - خطية أنبتها وشجيك، وغصن قومه تخريجك (1).
304 - الأدب غرس إذا لم يوافق ثرى ثريا (2)، وجوا عذبا، وماء رويا، لم يرج إيراقه (3).
305 - مناقب لم تحلم بها الهمم، ولم تفطن لها الأمم، فكان أبا عذرها، ومفتض بكرها (4).
306 - ثمامة بن الأشرس: ما أثبتته الأقلام لا تطمع في دروسه الأيام. الأقلام رسل الكلام.
307 - علي بن عبيدة (5): أصم يسمع النجوى، ويجهل الشاهد، ويخبر بالغائب.
308 - يقال للخط الردىء خط الملائكة. وفيه قولان: أحدهما أن خطهم غير بيّن للناس، وأجود الخط أبينه. والثاني إن أردأ الخط الرقم،
__________
(1) الخطيّة: نسبة إلى خط وهو مكان ببلاد البحرين مشهور بصناعة الرماح والوشيج هو نبات من القتاد والقصب ملتف دخل بعضه ببعض. والتخريج: التدريب والتعليم يقال خرجه في العلم أو الصناعة كما يقال خرج خيله إذا ساسها وأدبها.
(2) ثرى ثريا: أي واسع الخيرات.
(3) لم يرج إيراقه: الإيراق مصدر أورق بمعنى خرج ورقه فهو مورق وأورق الإنسان إذا كثر ما له.
(4) مفتض بكرها: أزال بكارتها: فهو أبو عذرها وأبو عذرتها إذا افترعها وافتضها.
(5) علي بن عبيده: هو علي بن عبيدة الريحاني المتقدمة ترجمته.(4/69)
وخطهم رقوم، قال الله تعالى: {كِتََابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} (1).
309 - منصور الفقيه:
قالوا خذ العين من كلّ فقلت لهم ... في العين فضل ولكن ناظر العين
حرفين من ألف طومار مسودة ... وربما لم تجد في الألف حرفين
310 - فيلسوف: الخط لسان اليد.
311 - السري (2):
لك القلم الذي يضحى ويمسي ... به الإقليم محمي الحريم
هو الصل الذي لو عض صلّا ... لأسلمه إلى ليل السليم
312 - أبو بكر الخوارزمي (3):
صدعان من كبدي تمكن منهما ... صدغان ذو خال وآخر خالي (4)
فكأن ذا دال خلت من نقطة ... وكأن ذا ذال ونقطة ذال
313 - حماد بن سلمة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاته لا شعير فيها.
314 - إبراهيم بن خلف البهراني (5):
النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تعظمه إذا لم يلحن
وإذا طلبت من الأمور أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن
__________
(1) كتاب مرقوم يشهده المقربون الآية 21من سورة المطففين. ورقم الكتاب بيّن حروفه ونقّطه ورقمه وكتاب مرقوم ومرقم.
(2) السري: هو السري بن أحمد المشهور بالرفاء المتقدمة ترجمته.
(3) أبو بكر الخوارزمي: هو أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي. المتقدمة ترجمته.
(4) صدغان: سالفان وذو خال: ذو شامة.
(5) إبراهيم بن خلف البهراني: بهراني نسبة إلى بهراء إحدى قبائل قضاعة وهم بنو بهراء بن الحاف بن قضاعة. وإبراهيم هذا لم نقع له على ترجمة.(4/70)
315 - علي بن بسام (1):
رأيت لسان المرء رافد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تعد اصلاح اللسان فأنه ... يخبر عما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن
على أن للأعراب حدا وربما ... سمعت من الأعراب ما ليس يحسن
ولا خير في الأعراب فيه تعسف ... وفي المنطق الملحون والقصد أزين
316 - قال طاووس (2) لابنه: هل كتبت؟ قال: نعم، قال:
أعارضت؟ قال: لا، قال: يا بني لم تكتب، ثم قال: يا بني أعارضت؟ قال: نعم. قال: أعجمت؟ قال: لا، قال: أعجم فإن العجم نور الكتاب (3).
317 - هشام بن عبد الملك لبنيه: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
318 - الحسن: قد وكل إبليس سبعين شيطانا على أصحاب المحابر يصونون محابرهم.
319 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: النظر في وجوه العلماء عبادة.
320 - سئل جعفر بن محمد الصادق (4) عنه فقال: هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك الآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة.
__________
(1) علي بن بسام: هو علي بن محمد بن بسام المتقدمة ترجمته.
(2) طاووس: هو طاووس بن كيسان الخولاني: المتقدمة ترجمته.
(3) أعجم فإن العجم نور الكتاب: من أعجم الكتاب والحرف عجما أوضحه وأزال إبهامه بالشكل والنقط معا ويقول لسان العرب إن الإعجام هو التنقيط.
(4) جعفر بن محمد الصادق: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر الإمام السادس عند الإمامية وقد تقدمت ترجمته.(4/71)
321 - دغفل النسابة (1): إن للعلم آفة ونكدا وهجنة، فآفته النسيان، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشرة عند غير أهله.
322 - لقمان: اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا، ولا تكن الخامس فتهلك (2).
323 - وفي ديوان المنظوم:
وما أسر بما قد نال من شرف ... كما أسر بفضل عنده وكرم
فكم صدور بلا فضل لهم نعم ... يرعونها مثل ما ترعى الرياض نعم (3)
أصبحن مثل الأسارى في أكفهم ... فهن مستصرخات لو نطقن بفم
وخير ما فيه من فضل محبته ... للفضل فهي على الفضل المبين علم
324 - الثوري: يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.
325 - ويروى عن علي رضي الله عنه: كان يقال: يغفر للجاهل (4)
سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد.
326 - كتب رجل إلى أخ له: إنك قد أديت علما، فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب، فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.
327 - ابن مسعود: جنة العالم أدري، فإذا أخطأها أصيبت مقاتله.
328 [شاعر]:
إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أم تناهي فأقصرا
ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا
__________
(1) دغفل النسابة: هو دغفل بن حنظلة الشيباني المتقدمة ترجمته.
(2) ولا تكن الخامس فتهلك: لقد ذكر لقمان الحكيم أربعة فقط وهي المهمة أما الخامس وما تلاه فلا قيمة لها وليست في حسابه شيئا يذكر.
(3) النّعم: يعني الماشية.
(4) يغفر للجاهل: لأن كلّا يعامل ويحاسب حسب عقله وعلمه.(4/72)
329 - عمر رضي الله عنه: ما من غاشية أدوم رتعا (1) وابطأ شبعا من عالم.
330 - كان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس حرون (2)
فإذا كان قائد بلا سائق بلدت، وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا وشمالا.
331 - عنه عليه السّلام: لا ينبغي لجاهل أن يسكت على جهله، ولا لعالم أن يسكت عن علمه.
332 - ابن عباس: ذلك طالبا فعززت مطلوبا.
333 - حكيم: إني لا أرحم أحدا كرحمتي لأحد رجلين: رجل يطلب العلم ولا يفهم، ورجل يفهم ولا يطلب.
334 - ابن عبد الحكم (3): كنت عند مالك اقرأ عليه، فحضرت الظهر فقمت لأصلي، فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي كنت فيه إذا صحت النية.
335 - قدم النوري عسقلان (4)، فمكث مدة لا يسأل، فقال: اكتروا
__________
(1) أدوم رتعا: رتع يرتع رتعا: كان مخصبا لا يعدم شيئا يريده ورتع في المكان أقام وتنعّم وأكل فيه وشرب ما شاء في خصب وسعة ورغد.
(2) النفس حرون: حرن البغل وقف ولم ينقد فهو وهي حرون وحرن بالمكان: لزمه ولم يفارقه.
(3) ابن عبد الحكم: هو أبو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث المصري الفقيه. ولد سنة 155هـ في الإسكندرية توصل لأن يكون شيخ مصر وفقيهها وقد كان موصوفا بحسن العقل وسعة العلم. سمع الموطأ من مالك وصنف كتابا أحضره فيه ثم عاد فأختصر ذلك الكتاب كما كان من ثقات رواة الحديث. توفي سنة 213هـ وقيل 214هـ وهو ابن ستين سنة.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 289.
(4) عسقلان: هي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر وتقع بين غزة وبيت جبرين. كانت تسمى عروس الشام وظلت عامرة حتى استولى عليها الفرنجة سنة 548هـ وظلت في أيديهم حتى خلصها منهم صلاح الدين الأيوبي سنة 582هـ ثم عادت فخربت سنة 587هـ. راجع المزيد عنها في معجم البلدان 6: 174.(4/73)
لي أخرج، هذا بلد يموت فيه العلم.
336 - حكيم: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني فليعمل أحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه.
337 - النخعي (1): سل مسألة الحمقى، واحفظ حفظ الأكياس (2).
338 - الحسن: من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سر بالا، فاقطعوا سرابيل الحياء، فإنه من رق وجهه رق علمه.
339 - حكيم: كما تقلب الأرض السبخة (3) طيب البذر إلى العفن كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها.
340 - رأى عالم من يكتب عنه بعض ما يسمع، فقال: يا ابن أخي، أكتب كل ما تسمع، فإن أخسه خير من مكانه أبيض.
341 - أبو نواس: أما أبو عبيدة فإن أمكنوه من شقره قرأ عليهم أساطير الأولين وأما الأصمعي فبلبل في قفص تطربهم نغماته.
342 - كان إسماعيل بن رجاء (4) يجمع صبيان الكتاب ويحدثهم لئلا ينسى حديثه.
343 - أبو الدرداء (5): قال رسول الله: كيف أنت يا عويمر إذا قيل
__________
(1) النخعي: هو إبراهيم النخعي المتقدمة ترجمته.
(2) الأكياس: جمع كيّس: الظريف الفطن الحسن الفهم والأدب. والعامة تقول (كويّس).
(3) الأرض السبخة: أرض ذات سباخ. ذات نز وملح. ما يعلو الماء كالطلحب.
(4) إسماعيل بن رجاء: هو إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي. أبو إسحاق الكوفي من ثقات رواة الحديث. كان ذا علم ودراية حاد الذكاء واسع المعرفة.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 296.
(5) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك المتقدمة ترجمته.(4/74)
أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت قيل لك: فما علمت فيما علمت؟
وإن قلت جهلت قيل لك: فما كان عذرك فيما جهلت؟
344 - عبد الملك بن صالح العباس:
في الناس قوم أضاعوا مجد أولهم ... ما في المكارم والتقوى لهم أرب
سوء التأدب أرداهم وأرذلهم ... وقد يزين صحيح المنصب الأدب
345 - سأل رجل ابن عمر عن شيء فقال: لا علم لي به، ثم قال بعد ما ولي الرجل نعم ما قال ابن عمر! قال لما لا يعلم لا أعلم.
346 - سفيان بن عيينة: كنت في حلقة رجل من ولد عبد الله بن عمر فسئل عن شيء فقال: لا أدري. فقال له يحيى بن سعيد (1): العجب منك كل العجب! تقول لا أدري وأنت ابن إمام هدى؟ فقال: أولا أخبرك بأعجب مني عند الله وعند من عقل عن الله: من قال بغير علم، أو حدث عن غير ثقة.
347 - قال الهيثم بن جميل (2): شهدت مالك بن أنس (3)، سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري.
__________
(1) يحيى بن سعيد: هو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمر الأنصاري أبو سعيد المدني القاضي من ثقات رجال الحديث كان ثقة كثير الحديث حجة ثبتا تتلمذ عليه كثير من الناس ورووا عنه منهم الزهري والأوزاعي والفيانان وغيرهم رحل إلى العراق في أوائل العصر العباسي فولي قضاء الحيرة في زمن المنصور وتوفي بالهاشمية سنة 143هـ وقيل سنة 144هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 101والنجوم الزاهرة 1: 351 والأعلام: 9: 181.
(2) الهيثم بن جميل: هو الهيثم بن جميل البغدادي أبو سهل الحافظ أصله من خراسان.
سكن بغداد ثم رحل إلى أنطاكية وسكن فيها كان من رجال الحديث ببغداد ثقة وصاحب سنة. مات بأنطاكية سنة 113هـ وقيل سنة 114هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 56ميزان الإعتدال 4: 320وطبقات ابن سعد 7/ 2: 186.
(3) مالك بن أنس: هو الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة. المتقدمة ترجمته.(4/75)
348 - وعن أبي سليمان بن بلال (1): شهدت القاسم بن محمد (2)، والناس يسألونه، فقال: يا هؤلاء بعض مسائلكم فإنّا لا نعلم كل شيء.
349 - وكان عبد الله بن يزيد بن هرمز (3) يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري، حتى يكون أصلا منه في أيديهم، إذا سئل أحدهم عما لا يعلم قال: لا أدري.
350 - أنس: عنه عليه السّلام: العلماء أمناء الله على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، ويداخلوا الدنيا، فإذا خالطوا السلطان، وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم.
351 - الحسن: قال رسول الله: لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه ما لم يمالىء قراؤها أمراءها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يمن خيارها أشرارها فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، ثم ضربهم بالفاقة والفقر (4).
__________
(1) أبو سليمان بن بلال: هو سليمان بن بلال يكنى أبا محمد. كان بربريا جميلا حسن الهيئة والمظهر رزينا عاقلا صاحب فتوى كثير الحديث. توفي بالمدينة سنة 172في خلافة الرشيد.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد: 5: 311وميزان الإعتدال 4: 532.
(2) القاسم بن محمد: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
(3) عبد الله بن يزيد بن هرمز: هو عبد الله بن يزيد بن هرمز: كان من فقهاء أهل المدينة المعدودين خرج مع محمد بن عبد الله (النفس الزكية) عام 145هـ وكان يومها شيخا طاعنا في السن فتقلّد قوسا وقيل له يومها والله ما فيك شيء قال: نعم ولكن آخر فيقتدي بي وعند ما قتل محمد النفس الزكية جيء به إلى عيسى بن موسى العباسي قائد الحملة فقال له أما وزعك سنك وفقهك عن الخروج مع من خرج علينا. أجاب كانت فتنة شملت الناس جميعا ونحن فيهم. قال: فاذهب راشدا.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 145هـ وطبقات ابن سعد: 5: 209.
(4) ضربهم بالفاقة: رماههم بالحاجة والعوز.(4/76)
352 - الثوري: إذا رأيت القارىء يلوذ (1) بالسلطان فأعلم بأنه لص، وإياك أن تخذع ويقال: يرد مظلمة، ويدفع عن مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها فجار القراء سلما.
353 - عيسى عليه السّلام: مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم النهر، لا هي تشرب الماء، ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع.
354 - الأوزاعي (2): شكت النواويس (3) ما تجد من نتن ريح الكفار، فأوحى الله إليها: بطون علماء السوء في أنتن مما أنتم فيه.
355 - أبو الدرداء: ويل لمن لم يعلم مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات.
356 - الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا.
357 - سحنون (4): ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد، فيسأل عنه، فيقال إنه عند الأمير.
358 - ابن المبارك (5) كان يقول: الشرط خير من أصحابنا. قيل: يا
__________
(1) يلوذ بالسلطان: يلجأ إليه ويتردد ويحتمي.
(2) الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
(3) النواويس: جمع ناووس وهو صندوق على شكل تابوت يضع فيه النصارى جثة الميت ويطلق الناووس على مقبرة النصارى عموما.
(4) سحنون: هو عبد السّلام بن سحنون بن حبيب التنوخي وسحنون لقب غلب عليه واسم لطائر فطن حاد الذهن والبصر أصله من حمص ولكنه ولد بالقيروان سنة 160هـ نشر مذهب مالك في أفريقية وانتهت إليه رئاسة العلم في المغرب وكان قوله الفصل.
ولي قضاء القيروان سنة 234هـ وظل إلى أن مات سنة 240هـ كان عفيفا رفيع القدر أبيا عالي النفس لا يهاب السلطان عند ما يقول الحق. صنف المدونة في مذهب الإمام مالك وعليها اعتمد أهل القيروان. راجع ترجمته في الأعلام 4: 129تاج العروس 9: 232ورياض النفوس 1: 249.
(5) هو عبد الله بن المبارك المتقدمة ترجمته.(4/77)
أبا عبد الرحمن، وكيف ذاك؟ قال: الشرطي إذا كبر تاب، وهم إذا كبروا دخلوا عمل السلطان.
359 - عمر بن أبي عمر النوقاني (1):
أبت نفسي الدنيا فأنفس ما لها ... كتاب أبى إلّا إليه سكونها
أصون كتابي عن يد لا تصونه ... صيانة نفسي عن يد لا تصونها
360 - أبو هارون العبدي (2): دخلت على أبي سعيد الخدري فقال:
مرحبا بوصية رسول الله، قال: سيأتيكم قوم من بعدي يتفقهون في الدين، ويسألون عن حديثي، فاستوصوا بهم خيرا.
361 - سأل المأمون من بحضرته عن المبايعين ليلة العقبة، فدخل أحمد بن أبي دؤاد، فعدهم واحدا واحدا، بأسمائهم وكناهم وأنسابهم، فقال المأمون: إذا استجلس الناس فاضلا فمثل أحمد، فقال: إذا جالس العالم خليفة فمثل أمير المؤمنين الذي يفهم عنه ويكون أعلم بما يقوله منه.
362 - علي عليه السّلام: الناس عالم ومتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم.
363 - الجاحظ: إن لإياد (3) إسنادا يعجز عنه جميع البشر، فإن
__________
(1) عمر بن أبي عمر النوقاني: النوقاني نسبة إلى نوقان مدينة بنواحي طوس وفيها تنحت القدور البرام كما يقول ياقوت الحموي في معجمه وينسب إليها جماعة من العلماء.
وعمر هذا لم نقع له على ترجمة.
(2) أبو هارون العبدي: هو عمارة بن جوين العبدي البصري أبو هارون كان أهل البصرة يضعون حديثه وينسبون إليه الكذب قيل لأنه كان فيه تشيع وقال عنه الدارقطني أنه متلوّن. مات سنة 134هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 13وتهذيب التهذيب 7: 412وميزان الإعتدال 3: 173.
(3) إياد: هو إياد بن نزار بن معد بن عدنان من أجداد العرب في الجاهلية وبنو إياد قبائل كثيرة ينسبون إليه وكانوا في الجاهلية يسكنون جهات الحرم وما بين تهامة وحدود نجران ونزل بعضهم في إنطاكية وحمص وكانوا يتخذون صنما اسمه (ذو الكعبات) شاركتهم فيه بكر وتغلب وقد ظهر فيهم عدة نوابغ منهم:
قس بن ساعدة وكعب بن أمامة وأبو دؤاد.
راجع المزيد عن هذه القبيلة في ثمار القلوب 94اليعقوبي 1: 212والأعلام 1: 375.(4/78)
راوي كلامهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. يعني قصة قس (1).
364 - كان يقول يحيى بن الحسين الحسني (2) في إسناد صحيفة الرضا (3): لو قرىء هذا الإسناد في أذن مجنون لأفاق.
365 - علي رفعه: من أفتى الناس بغير علم لعنته السماء.
366 - الغريبي الكوفي (4) غلب عليه طلب الغريب فنسب إليه في مدح الكتاب:
إن كنت تقصدني بظلمك عامدا ... فحرمت نفع صداقة الكتاب
السابقين إلى الصديق ثري الغنى ... والناعشين لعثرة الأصحاب
__________
(1) قسّ: هو قس بن ساعدة الأيادي المتقدمة ترجمته. ويقال أن النبي صلّى الله عليه وسلّم روى كلام قسّ بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته.
(2) يحيى بن الحسين الحسني: هو يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الحسني العلوي. (يلقب الهادي إلى الحق). ولد بالمدينة سنة 220هـ وسكن الحجاز مع أبيه وأعمامه وكان فقيها عالما ورعا فيه شجاعة وبطولة ونجدة وحميّة. ذهب إلى اليمن ونزل بصعدة سنة 283في أيام المعتضد. بايعه أبو العتاهية الهمداني وعشائره وبعض قبائل خولان وبني الحارث وبني عبد المدان وخوطب بأمير المؤمنين وتلقب بالهادي إلى الحق وفتح نجران وقاتله عمال بني العباس فتغلب عليهم وملك صنعاء سنة 288هـ وخطب له بمكة سبع سنين وضربت السكة باسمه. وتوفي بصعدة سنة 298هـ.
راجع ترجمته في الحور العين ص 196وتاريخ اليمن ص 21والأعلام 9: 171.
(3) الرضا هو الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم الإمام الثامن عند الإمامية الإثني عشرية وقد تقدمت ترجمته.
(4) لم يتبيّن لنا من هو الغريبي هذا في ما بين أيدينا من مراجع.(4/79)
والناهضين بكل عبء مثقل ... والناطقين بفضل كل خطاب
والعاطفين على الصديق بفضلهم ... والطيبين روائح الأثواب
ولئن جحدتهم الثناء فطالما ... جحد العبيد تفضل الأرباب
367 - أنشد الصولي (1) لعمرو بن سليمان الجرجاني (2):
صليني بالرسائل والسّلام ... وزوري زورة في كل عام
وجودي بالكتاب وعنونيه ... إلى الصب الكئيب المستهام
من الشمس المنيرة يوم دجن ... وبدر لاح من بين الغمام
368 - نطاحة (3):
وإذا نمنمت بناتك خطا ... معربا عن إصابة وسداد
عجب الناس من بياض معان ... يجتني من سواد ذاك المداد
369 - علي رضي الله عنه، قال لكاتبه عبد الله بن أبي رافع (4): ألق
__________
(1) هو أبو بكر الصولي محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول قد يعرف بالشطرنجي كان أهله ملوك جرجان. كان أبو بكر أحد العلماء بفنون الآداب كما كان حسن المعرفة بأخبار الملوك ومآثر الأشراف وطبقات الشعراء كما كان حسن الإعتقاد وجميل الطريقة صحب ثلاثة من خلفاء بني العباس هم الراضي والمكتفي والمقتدر وصنف أخبارهم ودون أشعارهم كما دون أخبار من تقدم وتأخر من الشعراء والوزراء والكتاب والرؤساء. له شعر كثير في المدح والغزل. كان له بيت كبير مملوء كتبا توفي سنة 335هـ بالبصرة وقيل سنة 336. من مصنفاته الأوراق. وأشعار أولاد الخلفاء وأخبار الراضي والمتقي وأخبار الشعراء المحدثين وأدب الكتاب وأخبار أبي تمام وغيرها.
راجع ترجمته في الفهرست لابن النديم ص 150والأعلام 8: 4ومعجم الشعراء للمرزباني ص 365ولسان الميزان 5: 427.
(2) عمرو بن سليمان الجرجاني: هو عمرو بن سليمان الجرجاني ولم نقع له على ترجمة.
(3) نطاحة: هو أحمد بن إسماعيل بن الخصيب الأنباري المتقدمة ترجمته.
(4) عبد الله بن أبي رافع: هو عبد الله بن أبي رافع القبطي المدني في اسمه خلاف وعبد الله من ثقات رواة الحديث كثير الرواية. كان مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم واتخذه الإمام علي كاتبا له.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 205وتهذيب التهذيب 6: 10.(4/80)
دواتك وأطل جلفة قلمك، وفرج بين السطور، وقرمط بين (1) الحروف، فإن ذلك أجدر بصباحة الخط.
370 - رافع بن مالك الحارثي (2):
أنّى يعد بنو الحصين مكارما ... إلا أقاول ما لها برهان
371 - كان الأخفش سعيد بن مسعدة (3) يعلم ولد المعذل بن غيلان العبدي (4) فكتب إليه يستجفي ابنه:
أبلغ أبا عمرو حليف الندى ... بأن عبد الله لي جافي
قد أحكم الآداب طرا فما ... يجهل منها غير إلطافي
لم تند من كفيه لي قطرة ... وليس ذا منه بإنصاف
__________
(1) قرمط بين الحروف: قرمط بين الحروف قارب بينها.
(2) رافع بن مالك الحارثي: لم نقع له على ترجمة.
(3) الأخفش سعيد بن مسعدة: هو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي أصله من خوارزم من بلخ وسكن البصرة. أخذ النحو عنه سيبويه وكان أسنّ منه. شرح كتاب سيبويه شرحا دقيقا وبيّنه ولذلك قيل: إن الطريق إلى كتاب سيبويه الأخفش وهو أول من أملى غريب كل بيت من الشعر تحته. كان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل. زاد بحرا على بحور الخليل الخمسة عشر فأصبحت ستة عشر بحرا. توفي سنة 215هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 208بغية الوعاة ص 258والفهرست لابن النديم ص 52وطبقات الزبيدي ص 45.
(4) المعذل بن غيلان العبدي: هو المعذل بن غيلان بن الحكم بن أعين العبدي يكنى أبا عمر وكان أديبا شاعرا وكان له أحد عشر ولدا كلهم شاعر أديب وهو من أهل الكوفة وكان قصيرا يلبس ثيابا واسعة كان بينه وبين أبان بن عبد الحميد اللاحقي مهاجاة.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 304والأغاني 12: 57و 20: 74 وخزانة البغدادي 3: 458.(4/81)
372 - فأجابه:
إن يجف عبد الله أو لم يجد ... يكفيك إنصافي وإلطافي
فقال:
ما بعد إنصافك لي غاية ... وبعض إنصافك لي كافي
373 - صالح بن أبي حيان الطائي (1):
إني أمت إليك بالعلم الذي ... يقضي لديك بحرمتي وذمامي
وقرابة الأدباء يقصر دونها ... عند الكرام قرابة الأرحام
374 - صالح بن حيان اللخمي (2):
تعلم إذا ما كنت لست بعالم ... فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم أزين للفتى ... من الحلة الحسناء عند التكلم
ولا خير ممن راح ليس بعالم ... بصير بما يأتي ولا متعلم
375 - موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان (3):
لعزة العلم يسعى الطالبون له ... إليه والعلم لا يسعى إلى أحد
وكل من لا يصون العلم يظلمه ... ومن يصنه بعدل يهد للرشد
__________
(1) صالح بن أبي حيّان الطائي: لم نقع له على ترجمة.
(2) صالح بن حيان اللخمي: لم نقع له على ترجمة.
(3) موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان: هو موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الكاتب كان أبوه عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيرا للمتوكل والمعتمد العباسيين وكان موسى عالما بالعربية راوية مأمونا على ما يرويه من أخبار وآثار. وهو أول من ألف في التجويد وهو من أهل بغداد ولد سنة 248هـ وتوفي سنة 325هـ وكان مذهبه مذهب الحشوية. قال في معاوية بن أبي سفيان أشعار: دونها العامة عنه وله قصيدة في التجويد وقصيدة في الفقهاء.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 290وغاية النهاية: 2: 230 والأعلام 8: 275.(4/82)
376 - عبد الله بن شبرمة الكوفي القاضي:
رأيت فقه رجال في قلانسهم ... وفي ثيابهم الفحشاء والريب (1)
377 - دخل عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي (2) على المهدي في القراء فأخذ عشرة آلاف درهم، ثم دخل في الفقهاء فأخذ عشرة آلاف، ثم دخل في الشعراء فأخذ عشرة آلاف، ثم دخل في القصاص فأخذ عشرة آلاف. فقال المهدي: لم أر كاليوم أجمع لما يجمع الله في أحد منك.
378 - أبو عبيدة معمر بن المثنى في رجل كان يكسر عينه حياله، يوهمه أنه يعلم ما يقول:
يكلمني ويخلج حاجبيه ... لأحسب عنده علما دفينا
وما يدري قبيلا من دبير ... إذا قسم الذي يروي الظنونا
379 - ابن المعتز في أبي العباس ثعلب (3):
يا فاتحا لكل باب مغلق ... وصيرفيا ناقدا للمنطق
إن قال هذا بهرج لم ينفق ... إنا على البعاد والتفرق
لنلتقي بالذكر إن لم نلتق
380 - قال الخضر لموسى عليه السّلام: يا موسى، تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتعلمه، فيكون عليك بوره (4) ولغيرك نوره. ثم اختفى الخضر وبقي موسى يبكي.
__________
(1) قلانس: جمع قلنسوة وهي نوع من ملابس الرأس وهو على هيئات متعددة.
(2) عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي: هو عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي المقري. له في الترمذي حديث واحد كان يعتبر من ثقات رجال الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 28.
(3) أبو العباس ثعلب: هو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب المتقدمة ترجمته.
(4) يكون عليك بوره: البور للمفرد والجمع يقال أرض بور. لم تفلح ولم تزرع ورجل بور هو الذي لا خير فيه وأمر بور: أمر في غاية الخسران.(4/83)
381 - سفيان الثوري: إن فجار القراء اتخذوا سلما إلى الدنيا، فقالوا: ندخل على الأمراء فنفرج عن المكروب، ونكلم في المحبوس (1).
382 - قال أبو حنيفة: رحمه الله لداود الطائي (2): يا أبا سليمان، أما الأداة فقد أحكمناها، قال داود: فأيش بقي؟ قال: العمل بها، فنازعته نفسه إلى الانفراد والعزلة والعبادة.
383 - سفيان: ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت فيه النية يعني يريد به الله والدار الآخرة.
384 - إنما يفتح للمؤدب بقدر المؤدبين.
385 - ملّ جماعة من الحكماء مجالسة رجل، فتواروا عنه في بيت، فترقى السطح، وسمع عليهم من الكوة، حتى وقع عليه الثلج فصبر، فشكر الله له ذلك فجعله إمام الحكماء، لا يختلفون في شيء إلا صدروا عن رأيه.
386 - خرج علينا سفيان الثوري ونحن أحداث، فقال: يا معشر الشباب تعجلوا بركة هذا العلم، فأنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تأملون ليفد بعضكم بعضا.
387 - قدم جعفر بن برمك مكة، فقيل لفضيل: لو أتيته فحدثته فقال: إني أجل حديث رسول الله أن أذكره عند جعفر.
388 - سفيان: زينوا أنفسكم بالعلم ولا تزينوا به.
389 - قال فضيل: لطلبة الحديث: يا هؤلاء، عدوا إني كنت عبدا لكم، أما كنتم تبيعوني إذا كرهتكم؟ فقد كرهتكم.
390 - كان خالد بن معدان (3) إذا عظمت حلقته قام فانصرف.
__________
(1) نكلم في المحبوس: يجرون وساطة. لفك السجناء.
(2) داود الطائي: هو داود بن نصير الطائي المتقدمة ترجمته.
(3) خالد بن معدان: يقصد به خالد بن معدان الكلاعي المتقدمة ترجمته.(4/84)
391 - الأوزاعي: من عمل بما يعلم كان حقا على الله أن يعلمه ما لا يعلم ويوفقه فيما يعلم، حتى يستوجب بذلك الجنة. ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما لا يعلم، ولم يوفق فيما يعلم، حتى يستوجب بذلك النار.
392 - قيس بن الربيع (1): ما أفسد هذا العلم إلا أنتم يا معشر الموالي والتجار كنا نجالس الشيخ فنسمع منه الحديثين والثلاثة والأربعة فنحفظها، وأنتم ترتحلون وتكتبون الحديث.
393 - قيل للضحاك (2): مالك لا تأتي عمر بن عبد العزيز؟ قال:
والله إني لأعرف أنه إمام عدل، ولكنه لا يلبث بين أظرهكم إلّا قليلا، وأمراء بني أمية لا يعرفونني، فأكره أن آتيه فيشهرني (3) فيتولع بي أمراء بني أمية بعده.
قال له [رجل] يوما: ناولني الداوة، فقال له: أيش تكتب؟ فإن كان الله رضا ناولتك الداوة، وإلا لم أكن بالذي يعينك ويشاركك في معصية الله.
394 - كان متعلم يكثر السؤال على عالم. فقال: لا ترض من نفسك أن ترغب في زيادة العلم مع نقصان العمل، وأراك قويا في السؤال. فانظر أن لا تكون ضعيفا في العمل فتكون من أسراء إبليس.
395 - كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا
__________
(1) قيس بن الربيع: هو قيس بن الربيع الأسدي الكوفي أبو محمد أحد أوعية العلم نشأ في الكوفة طالبا للحديث ولم يكن في الكوفة أحد أشد طلبا للعلم مثله حتى سمي قيس الجوال لسبقه إلى الشيوخ ليسمع منهم. هو من ولد الحارث بن قيس.
استعمله أبو جعفر المنصور على المدائن فتركوا حديثه وضعّفه بعضهم. مات قيس بالكوفة سنة 168أو 167وفي سنة وفاته اختلاف راجع ترجمته في البيان والتبيين 3: 291وتهذيب التهذيب 8: 391وميزان الإعتدال 3: 393.
(2) الضحاك: هو الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني البلخي المتقدمة ترجمته.
(3) يشهرني: يجعل لي شهرة.(4/85)
عرفوا، فإذا عرفوا هربوا.
396 - علي رضي الله عنه: لا تجعلّن ذرب لسانك (1) على من أنطقك. وبلاغة قولك على من سددك (2).
وعنه رضي الله عنه: العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع (3).
وعنه: حمل الكتاب على رأيه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كثير الجرائم، يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول اعتزل البدع وبينها اضطجع، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب الهوى فيصد عنه. فذلك ميت الأحياء.
397 - وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرملة لا يقطر عليها شيء إلا شربته.
398 - شكا رجل إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ، فقال: استعينوا على الحفظ بترك المعاصي، فأنشأ يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك إن حفظ المرء فضل ... وفضل المرء لم يدركه عاصي
وكان وكيع يقول: ما خطوت للدنيا منذ أربعين سنة، ولا سمعت حديثا فنسيته.
قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأني لم أسمع شيئا إلا عملت به.
وحتف الكلمة الشرود مثل في الحفظ.
__________
(1) ذرب اللسان: أي فصيح اللسان.
(2) ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 96.
(3) مطبوع العلم ما أثر في النفس ورسخ فيها وظهر أثره في أعمالها والمسموع هو المنقول والمحفوظ.
ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 79.(4/86)
399 - عن أبي يوسف (1): مات لي ابن فأمرت من يتولى دفنه، ولم أدع مجلس أبي حنيفة، خفت أن يفوتني يوم منه.
400 - رأى أيوب السختياني (2) صاحبا يبادر حاجة، فقال: قم فإني لو علمت أن أم نافع تحتاج إلى دستجة بقل (3) ما قعدت معكم. أراد أن من حق حاضر مجلس العلم أن يكون فارغ البال قد قضى حوائجه.
401 - مالك بن دينار: بلغنا أنه يكون في آخر الزمان رياح وظلم، فيفزع الناس إلى علمائهم، فيجدونهم قد مسخوا. وليس ذلك إلا العالم الذي يأكل الدنيا بعلمه. وأنشد:
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... وللمشتري دنياه بالدين أعجب
402 - محمد بن بشير (4):
خلوت في البيت أرضى بالذي رضيت ... به المقادير لا شكوى ولا شغب (5)
فردا يحدثني الموتى وتنطق لي ... عن علم ما غاب عني عنهم الكتب
هم مؤنسون وألافّ غنيت بهم ... فليس لي في أنيس غيرهم أرب
لله من جلساء لا جليسهم ... ولا عشيرهم للشر مرتقب
لا بادارات الأذى يخشى رفيقهم ... ولا يلاقيه منهم منطق ذرب
أبقوا لنا حكما تبقى منافعها ... أخرى الليالي على الأيام وانشعبوا (6)
فأيما أدب منهم مددت يدي ... إليه فهو قريب من يدي كثب
إن شئت من محكم الآثار ترفعه ... إلى النبي ثقات خبرة نجب
__________
(1) أبو يوسف: هو أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم المتقدمة ترجمته.
(2) أيوب السختياني: هو أيوب بن أبي تميمة السختياني المتقدمة ترجمته.
(3) دستجة بقل: حزمة بقل: وأم نافع هي زوجة أيوب السختياني.
(4) محمد بن بشير: هو محمد بن بشير الرياشي المتقدمة ترجمته.
(5) لا شكوى ولا شغب: ربما كان الأصح لا شكوى ولا عتب حتى يسنجم العتب مع الشكوى.
(6) انشعبوا: انشعب الرجل: مات. وشعبته منيّته.(4/87)
أو شئت من عرب علما بأولهم ... في الجاهلية أنبتني به العرب (1)
حتى كأني قد شاهدت عصرهم ... وقد مضت دونهم من دهرهم حقب
403 - عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقها، وأعظم جفنة، إن أصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده يصدرهم كلهم في واد واسع.
404 - رأى ابن كثير (2) قارىء المدينة رسول الله في المنام جالسا، والناس يسألونه، فقال: إني قد تركت تحت المنبر كنزا، وقد أمرت مالكا، أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك.
405 - محمد بن إسحاق بن خزيمة (3): ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري (4). وكان يقال: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.
__________
(1) انبتني: أنبأتني.
(2) ابن كثير: هو عبد الله بن كثير الداري المكي القارىء أبو معبد. كان تاجر عطور بمكة والداري هو العطار حسب لغة أهل مكة كما قال آخرون أن الداري هو نسبة إلى دارين وقيل أيضا بل هو من ولد الدارين هاني من تميم الدار وهي بطن من لخم. كما قال عنه الأصبهاني أنه مولى بني عبد الدار. وهو من القراء السبعة. وكان قاضي الجماعة بمكة ويعتبر من الطبقة الثانية من التابعين. ولد ابن كثير بمكة سنة 45هـ ومات بها سنة 120هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 255وطبقات ابن سعد 5: 356ووفيات الأعيان 1: 250.
(3) محمد بن إسحاق بن خزيمة: هو محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي أبو بكر الحافظ كان إمام نيسابور في عصره وكان فقيها مجتهدا. ولد محمد بن إسحاق بنيسابور سنة 223هـ وتجول في العراق والجزيرة والشام ومصر ولقبه السبكي بإمام الأئمة وله أكثر من 140مصنفا في الدين واللغة طبع منها كتاب التوحيد إثبات صفات الرب راجع ترجمته في الأعلام 6: 253وطبقات الحفاظ للسيوطي وطبقات الشافعية للسبكي.
(4) محمد بن إسماعيل البخاري: هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري أبو عبد الله صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري. ولد البخاري ببخارى سنة 194هـ ونشأ يتيما وراح يطلب العلم والحديث فذهب إلى خراسان والشام والعراق ومصر. سمع من نحو ألف شيخ وسمع نحو ستمائة ألف حديث فمن وثق برواته أدرجه في صحيحه. وهو أول من وضع كتابا على هذا النحو في الإسلام قام ضده جماعة من العلماء في بخارى ورموه بالتهم فنفاه أميرها إلى نواحي سمرقند فمات هناك سنة 256هـ.
من مصنفاته: التاريخ الضعفاء في رجال الحديث خلق أفعال العباد والأدب المفرد.
راجع ترجمته في الفهرست لابن النديم ص 230. روضات الجنان 4: 159 دائرة المعارف الإسلامية 3: 419طبقات الحنابلة 1: 271ووفيات الأعيان 1: 455.(4/88)
406 - وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وقال: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، ووضع تراجمه بين قبر رسول الله ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين، وقال: أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ستّ عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله.
407 - أبو حيان التوحيدي (1): لا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم، ولا تثق بالعلم ما دمت مقصرا بالعمل، لكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما فإنك إن وهبت للعمل كلك أقعدك وأكلك. وإن منحت العلم كلك حيرك وأضلك. وآفة العمل تعلقه بالرياء. وآفة العلم تعلقه بالكبرياء، الخير بين طرفيهما متربع.
408 - من عرف ما خوّف به سهل عليه الهرب مما نهي عنه.
409 - سماع مرة فائدة، وسماع مرتين إفهام، فإن زال الفحص كان المستفيد أخا الجاهل. ومن حفظ علما بغير تفهم فقد زرع جهلا حصيده التعب.
410 - كان سليمان بن عبد الملك يجمع جواريه ونساءه، ويحدثهن
__________
(1) أبو حيان التوحيدي: هو علي بن محمد أبو حيان التوحيدي المتقدمة ترجمته.(4/89)
بضروب من العلم، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لا تدرين ما أقول ولكن أريد التحفظ.
411 - قال مجاهد (1): أتينا عمر بن عبد العزيز لنعلمه، فما برحنا حتى تعلمنا منه.
412 - قيل لنصر بن سيار (2): إن فلانا يكتب، فقال: تلك الزمانة الخفية.
413 - قال علي رضي الله عنه للحسن: يا بني، جالس العلماء، فإن أصبت حمدوك، وإن جهلت علموك، وإن أخطأت لم يعنفوك. ولا تجالس السفهاء فأنهم خلاف ذلك.
414 - جعفر بن محمد: على العالم إذا علم أن لا يعنف، وإذا علم أن لا يأنف.
415 - الأوزاعي: كنا إذا جئناه، يعني عطاء (3)، نهاب أن نسأله حتى يمس عارضيه أو يلتفت أو يتنحنح، فندنو منه حينئذ فنسأله.
416 - الأعمش عن أبي وائل (4) مثل قراء هذا الزمان كمثل غنم ضوائن ذات صوف عجاف، أكلت من الحمض، وشربت من الماء حتى انتفخت خواصرها. فمرت برجل فأعجبته، فقام إليها فجس منها شاة فإذا هي لا تنقى (5)، ثم، مس أخرى فإذا هي لا تنقى، ثم مس أخرى فإذا هي
__________
(1) مجاهد: هو مجاهد بن جبر المكي المتقدمة ترجمته.
(2) نصر بن سيّار: هو نصر بن سيار بن رافع الكناني أمير خراسان المتقدمة ترجمته.
(3) عطاء: يقصد به عطاء بن أبي رباح المكي. المتقدمة ترجمته.
(4) أبو وائل: هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي. صاحب ابن عبد الله بن مسعود ولد سنة إحدى من الهجرة. كان ثقة كثير الحديث ويعتبر من خيار أهل الكوفة وفضلائها كما كان كثير العبادة. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 361. الإصابة 3: 225.
(5) لا تنقى: مبنيّة للمجهول أي لا تختار من أنقى الشيء وتنقاه وانتقاء بمعنى اختاره.(4/90)
كذلك، فقال: كل لا خير فيه.
417 - ابن عباس: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إليّ من إحيائها.
418 - قيل للقمان: من أعلم الناس؟ فقال: من ازداد من علم الناس إلى علمه.
419 - الشعبي (1): ما حدثوك عن أصحاب محمد فخذه، برأيهم ما قالوا فبل عليه.
420 - عبد الملك بن عمير: من إضاعة العلم أن تحدث به غير أهله.
421 - قال علي رضي الله عنه: من يشتري علما بدرهم؟ فقام الحارث الأعور (2)، فاشترى صحفا بدرهم، فكان يكتب فيها فقال علي:
يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل.
422 - لما قدم عمر مكة قال: يا أهل مكة هل تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح؟
423 - وهب (3): أرض بالدون من الدنيا مع العلم، ولا ترض بالدون من العلم مع الدنيا.
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شراحيل الشعبي المتقدمة ترجمته.
(2) الحارث الأعور: هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد الأعور الهمداني الخارفي نسبة إلى خارف وهي بطن من همدان ويقال له الحوتي أيضا والحوت هي بطن من همدان أيضا وقد ذكره البرقي من أولياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.
ويقول الذهبي أنه كان من كبار علماء التابعين ويكنى أبا زهير وكان مغاليا في التشيّع.
كان الحارث من أوعية العلم بل لقد قال بعضهم أن الحارث الأعور أفقه الناس. مات سنة 65هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 118. معجم رجال الحديث 4: 200تهذيب التهذيب 2: 145وطبقات ابن سعد: 6: 116.
(3) وهب: هو وهب بن منبه الأبناوي الصنعاني المتقدمة ترجمته.(4/91)
424 - سئل ابن عمر عن فريضة فقال: أئت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالفرائض مني.
425 - الليث (1): ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس.
426 - حكيم: أمور الدين والدنيا تحت شيئين أحدهما تحت الآخر، وهما السيف والقلم، والسيف تحت القلم.
427 - يزعم المنجمون أن القلم في حساب الجمل (2) وزنه نفاع، لأن الألف واحد، واللام ثلاثون، والقاف مائة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فذلك مائتان وواحد. ونفاع: النون خمسون، والفاء ثمانون، الألف واحد، والعين سبعون، فذلك مائتان وواحد.
428 - ذو الرياستين: الأدب عشرة أجزاء، ثلاثة أنو شروانية: لعب الشطرنج، والضرب بالعود، وضرب الصوالج، وثلاثة شهر جانية:
__________
(1) الليث: هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث. كان إمام أهل مصر في عصره في الحديث والفقه. أصله من خراسان وولد في قلقشندة في مصر سنة 94هـ وكان من الأجواد الأخيار وقد اعتبر الشافعي أفقه من مالك وقال ابن تغري يروى أن الليث هو كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير بها في عصره بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته. أخباره كثيرة وله تصانيف. توفي الليث في القاهرة سنة 175هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 438. تهذيب التهذيب 8: 459. تذكرة الحفاظ 1: 207النجوم الزاهرة 2: 82والأعلام 6: 115.
(2) حساب الجمّل: هو نوع من الحساب يكون فيه لكل حرف من الحروف الأبجدية عدد يعرف به من الواحد إلى الألف وفق ترتيب خاص والأبجدية هي: أبجد هوّز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ. الآحاد من الواحد إلى التسعة. العشرات من 10 إلى 100. المئات من 200إلى 1000هكذا:
5040302010987654321 - أب ج د هـ وز ح ط ي ك ل م ن 10090080070060050040030020010090807060 س ع ف ص ق ر س ت ث خ د ض ظ ع 2140020 كلمة كتاب ك ت أب 423وهكذا.(4/92)
الهندسة، والطب، والنجوم. وثلاثة عربية: النحو، والشعر، وأيام العرب. وواحدة فاقتهن كلهن مقطعات الشعر والسمر.
429 - إذا سئل العالم فلم يحب [أن يقال] أنت، فإن ذلك خفة واستخفاف بالسائل والمسؤول.
430 - كان زيد بن ثابت رضي الله عنه يكره أن يكتب بسم الله بغير سين وإذا رآها بغير سين محاها.
431 - وكتب كاتب عمرو بن العاص إلى عمر ولم يكتب لها سينا، فضربه، فقيل له فيم ضربك عمر؟ قال: ضربني في سين.
432 - وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز من مصر كتابا بغير سين، فأمره بالقدوم عليه، ودفع إليه كتابه وقال: إجعل لبسم سينا وارجع إلى مصرك.
433 - جابر بن عبد الله بن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا كتب أحدكم كتابا فليترّبه فإن التراب مبارك، وهو أنجح للحاجة.
434 - وروى عنه عليه السّلام أنه كتب كتابين، فأترب أحدهما ولم يترب الآخر، فأسلمت القرية التي ترب كتابها.
435 - وكتب إلى النجاشي (1) فأترب كتابه فأسلم، وكتب إلى كسرى فلم يترب كتابه فلم يسلم.
436 - وكتب رسول الله كتابا لا كيدر درمة (2) فلم يكن له يومئذ خاتم فختمه بظفره.
437 - كانت فارس تشعث أسنان أقلامها ثم تكتب بها، والصين أقلامهم أنانبيب قد شدت على رؤوسها شعيرات كالتي يستعملها النقاشون.
__________
(1) النجاشي: كلمة حبشيّة الأصل: فالأحباش يقولون للملك فيهم نجاشي وهي تساوي كسرى عند الفرس وقيصر عند الروم.
(2) أكيدر دومة: هو أكيدر بن عبد الملك الكندي ملك دومة الجندل (الجوف) في أيام الجاهلية كان فارسا شجاعا مولعا بصيد الوحوش. له حصن منيع. أسره خالد بن الوليد وأوثقه وافتتح حصنه صلحا. قيل أسلم وقيل لم يسلم ولكن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم رده إلى أهله بعد أن كتب له كتابا يمنع المسلمين من التعرض له ولقومه ما داموا يؤدون الجزية (وهذه معاملة من لم يسلم). لما قبض الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم نقض كنيدر العهد فارسل إليه أبو بكر الصديق خالدا بن الوليد. فقصده خالد وقتله وفتح دومة الجندل سنة 12هـ.
راجع ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1: 124اللباب 1: 554تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 12هـ.(4/93)
438 - إعلم أن وزن الخط وزن القراءة، وأجود القراءة أبينها، وأجود الخط أبينه.
439 - من خدم المحابر خدمته المنابر.
440 - أبو الحسن الأحمر (1): ربما أنسيت البيت الذي يستشهد به في النحو، فينشد فيه محمد الأمين (2). وما رأيت في الملوك أذكى منه ومن المأمون.
441 - كان مع المعتصم (3) غلام في الكتاب، يتعلم معه، فمات، فقال له الرشيد: يا محمد مات غلامك؟ قال: نعم، واستراح من الكتاب. قال: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ قال: نعم. قال دعوة لا تعلموه شيئا. فكان يكتب كتابا ضعيفا ويقرأ قراءة ضعيفة.
__________
(1) أبو الحسن الأحمر: هو أبو الحسن علي بن الحسن (المبارك) صاحب علي بن حمزة الكسائي ومؤدب الأمين والمأمون كان في بادىء أمره جنديا في حرث الرشيد وكان يلازم الكسائي إذا دخل دار الرشيد كما يلازمه في خروجه ويتعلم منه المسألة بعد المسألة.
فلما أصاب الكسائي الوضح في وجهه وسائر بدنه كره الرشيد أن يلازم أولاده وعهد إلى أبي الحسن هذا بهذه المهمة. كان حريصا فطنا قوي الذاكرة يحفظ 40ألف بيتا من الشعر من شواهد النحو ناظر سيبويه وصنف من الكتب تفنن البلغاء والتصريف:
راجع ترجمته في بغية الوعاة 334ميزان الإعتدال 4: 218تاريخ بغداد 12: 104طبقات النحويين ص 147.
(2) محمد الأمين: المقصود بمحمد الأمين ابن هارون الرشيد الخليفة العباسي.
(3) المعتصم: أخو محمد الأمين وابن هارون الرشيد.(4/94)
الباب الحادي والستون الغزو، والقتل، والشهادة، وذكر الحرب، والأسلحة، والهزيمة، والغارة، والشجاعة والجبن، وما أشبه ذلك
1 - أبو هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته، بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة.
وعنه يرفعه: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء (1).
وعنه يرفعه: من خير معاش (الناس) رجل يمسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة (2) طار عليه يبتغي القتل والموت فناله أو رجل في رأس شعفة (3) من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، يعبد ربه حتى يؤتيه
__________
(1) المكاتب: اسم فاعل من كاتب ويقال كاتب لسيد العبد: كتب معه إتفاقا على مال معين يقسطه له فإذا ما أداه كاملا صار العبد حرا. فالسيد مكاتب والعبد مكاتب وقد ورد هذا الحديث في صحيح الترمذي والنسائي وابن ماجة ومسند أحمد بن حنبل.
(2) الهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدو.
(3) رأس شعفة: أي رأس جبل.(4/95)
اليقين (1).
2 - كتب أبو بكر رضي الله عنه: اعلم أن عليك عيونا من الله ترعاك وتراك، فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة (2). ولا تغسل الشهداء من دمائهم، فان دم الشهيد يكون نورا يوم القيامة.
3 - عمر رضي الله عنه: لا تزالون أصحاء ما نزعتم ونزوتم (3) وكان إذا رأى عمرو بن معد يكرب قال: الحمد الله الذي خلقنا وخلق عمرا.
4 - العباس بن مرداس:
إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئي ... رويدا فقد أودى بنجدتها عمرو
5 - سئل المهلب عن أشجع الناس فقال: فلان وفلان، فقيل: فأين ابن الزبير، ابن خازم السلمي (4)؟ فقال: إنما سئلت عن الأنس ولم أسأل عن الجن.
6 - الأجدع الهمداني أبو مسروق (5):
__________
(1) يؤتيه اليقين ورد هذا الحديث في صحيح مسلم واليقين الموت الذي لا بد منه وفعل أتى هنا متعد بفعلين.
(2) يروى هذا القول بطريقة أخرى هي أحرص على الموت توهب لك الحياة.
(3) ما نزعتم ونزوتم: ما نزعتم في القوس أي رميتم عنها ونزوتم على ظهر الخيل أي وثبتم عليها وقد جاء هذا القول في عيون الأخبار وفي العقد الفريد مع بعض التغيير.
(4) ابن خازم السلمي: تقدّمت ترجمته.
(5) الأجدع الهمداني أبو مسروق: هو الأجدع بن مالك بن أمية الوادعي أحد بني وادعة من همدان كان سيدا وشاعرا مخضرما وكان من الفرسان المذكورين. قدم على عمر ابن الخطاب مترئسا قومه فسماه عمر عبد الرحمن. مات في أيام عمر وهو والد مسروق بن الأجدع. وكان مسروق من عبّاد أهل الكوفة كما كان من كبار محدثيهم مات بالسلسلة التي ولاه زياد عليها وذلك سنة 63هـ وله من العمر ثلاث وستون سنة.
راجع ترجمة الأجدع في الإصابة 1: 102والمؤتلف للآمدي ص 49.
وراجع ترجمة ابنه مسروق في البيان والتبيين 3: 275وصفوة الصفوة 3: 11 وتهذيب التهذيب 10: 109.(4/96)
لقد علمت نسوان همدان أنني ... لهن غداة الروع غير خذول
وأبذل في الهيجاء وجهي وأنني ... له في سوى الهيجاء غير بذول
7 - وصف أعرابي قوما فقال: طالت خصومتهم أطراف الرماح.
8 - رأى عبد الرحمن بن سليم الكلبي (1) بنيه راكبوا (2) عن آخرهم فقال: آنس الله بتلاحقكم الإسلام. فو الله لئن لم تكونوا أسباط نبوة أنكم لأسباط ملحمة.
9 - ذكر أعرابي مغاورين فقال: احتثوا (3) كل جمالية عوانة، فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المر أرشية الموت فاستقوا به أرواحهم.
10 - وقال آخر: تلاقوا في الحرب فما تصافّوا حتى تلافّوا (4).
11 - بعض الخوارج:
ومن يخش أظفار المنايا فإننا ... لبسنا لهن السابغات من الصبر (5)
وإن كريه الموت عذب مذاقه ... إذا ما مزجناه بطيب من الذكر
__________
(1) عبد الرحمن بن سليم الكلبي هو عبد الرحمن بن سليم الكلبي أحد قواد بني أمية كان مع عبد الملك بن مروان حين خرج عليه عمرو بن سعيد الأشدق سنة 68هـ وجعله على ميمنته في دير الجماجم سنة 82هـ وولي على البصرة في حدود سنة 102هـ.
راجع ترجمته في: تاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 1028168. والبيان والتبيين 2: 66.
(2) راكبوا: الأصح راكبين. منصوبة على الحال. أو قد تكون قد ركبوا.
(3) احتثّه: أعجله اعجالا متواصلا. والجمالية من الإبل العظيمة الأعضاء الضخمة التامة الخلق والعوانة من الحيوان الوسط ما بين المسنة والشابة. والمرّان: الرماح الصلبة اللدنة واحدتها مرّانة والأرشية جمع رشاء وهو الحبل.
(4) تصافّ الجيشان رتب كل منهما صفوفه في مقابل صفوف العدو واستعد للحرب وتلاقوا بمعنى اختلط بعضهم ببعض.
(5) السابغات جمع سابغة وهي من الدروع الطويلة التامة كما يطلق اسم السابغة على الدرع الواسعة.(4/97)
حضّ منصور بن عمار (1) على الغزو، فطوحت (2) امرأة رقعة فيها:
رأيتك يا بن عمار تحض على الجهاد، وقد ألقيت إليك ذؤابتي، فلست أملك والله غيرها، فبالله إلا جلعتها قيد فرس غاز في سبيل الله، فعسى الله أن يرحمني، فارتج المجلس بالبكاء.
12 - قال سيف بن ذي يرن (3) لأنوشروان، حين أعانه بوهرز الديلمي (4) ومن معه: أيها الملك، أين تقع ثلاثة آلاف من خمسين ألفا؟
فقال: يا عربي، كثير الحطب يكفيه قليل النار.
13 - ابن الرومي (5):
يشيعه قلب رواع وصارم ... صقيل بعيد عهده بالصياقل (6)
تشيم بروق الموت في صفحاته ... وفي حده مصداق تلك المخايل (7)
__________
(1) منصور بن عمار: هو منصور بن عمار المتقدمة ترجمته.
(2) طوّحت رقعة: رمت بها.
(3) سيف بن ذي يزن: هو سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن زيد بن سهل بن عمرو الحميري. كان ملكا على اليمن. قيل أن اسمه معديكرب ولد نحو سنة 110ق هـ في صنعاء ونشأ بها ذهب إلى إنطاكية لطلب مساعدة الروم في رد الأحباش عن بلده وكذلك النعمان بن المنذر الذي أوصله إلى كسرى ملك الفرس فساعدوه وقتل ملك الحبشة مسروق بن أبرهة فملك اليمن كله بعد ذلك وظل ملكا نحوا من خمس وعشرين سنة.
راجع ترجمته في النويري 15: 309الروض الأنف 1: 51. والأعلام 3: 218.
(4) وهرز الديلمي. هو وهرز أصبهبذ الديلم وهو الذي قتل مسروق ملك الأحباش ومكّن ابن ذي يزن من الجلوس على العرش وتوجه.
(5) ابن الرومي: هو علي بن العباس بن جريج الشاعر المتشائم المتقدمة ترجمته.
(6) صيقل: مبالغة: صاقل السيوف وشحّاذها.
(7) شام البرق يشيمه شيما نظر إليه أين يكون مطره. وشام مخايل الشيء تطلع إليها مترقبا والمخايل جمع مخيلة وهي الظن والتوسم.(4/98)
14 - وقع في بعض العساكر هيج (1)، فوثب خراساني إلى دابته ليلجمها، فصير اللجام في الذنب من الدهش، فقال: هب جبهتك عرضت، ناصيتك كيف طالت؟.
15 - كان الجراح بن عبد الله (2) يلبس درعين، فأكثر رجل النظر إليه، فقال يا هذا، ما أقى والله بدني وإنما أقى صبري. فسمع بذلك سعد بن عمر الحرشي (3)، وكان من فرسان الشام فقال: صدق الجراح، لأن لأمة الفارس حظيرة نفسه.
16 - داود بن رزين الواسطي (4) في الرشيد:
أكّال أفئدة الرجال كأنما ... نضح الدماء بمساعديه عبير
يمشي العرضنة في الحروب كأنه ... أسد لهيبته القلوب تطير (5)
17 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الخير في السيف، والخير مع السيف، والخير بالسيف.
__________
(1) هيج: اضطراب.
(2) الجراح بن عبد الله: هو الجراح بن عبد الله الحكمي المتقدمة ترجمته.
(3) سعد بن عمر الحرشي: هو سعد بن عمر الحرشي والحرش نسبة إلى الحريش بن كعب بن ربيعة أحد القواد الشجعان: من أهل الشام وهو الذي فتك بالخوارج سنة 101هـ وقتل زعيمهم شوذب. ولاه ابن هبيرة خراسان سنة 103هـ ثم عزله وعذّبه إثر وشاية عليه ولما ولي خالد بن عبد الله القسري أخرجه من السجن وأكرمه وأوكل إليه محاربة الخزر سنة 112. كان تقيا بطلا توفي سنة 112هـ.
راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 162. المحبّر ص 308وجمهرة الأنساب ص 271والطبري والكامل والأعلام 3: 152.
(4) داود بن رزين الواسطي: لم نقع له على ترجمة ولكن الطبري ذكره في تاريخه عند الكلام في حوادث سنة 170هـ.
(5) يمشي العرضنة: المشي بهدوء وتبختر مع ثبات واطمئنان.(4/99)
18 - صمصامة عمرو (1) أشهر سيوف العرب، وممن تمثل به نهشل بن حري (2).
أخ ماجد ما خانني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه
ولما وهبه عمرو لخالد بن سعيد بن العاص عامل رسول الله على اليمن قال:
خليلي لم أخنه ولم يخنّي ... إذا ما صاب أوساط العظام (3)
خليلي لم أهبه من قلاه ... ولكن المواهب للكرام (4)
حبوت به كريما من قريش ... فسر به وصين عن اللئام (5)
وودعت الصفيّ صفي نفسي ... على الصمصام أضعاف السلام
فلم يزل في آل سعيد حتى اشتراه خالد بن عبد الله القسري بمال خطير لهشام، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل عند بني مروان. ثم طلبه السفاح والمنصور فلم يجداه. فجد الهادي (6) في طلبه حتى ظفر به.
فجرده ودعا بمكتل (7) من الدنانير، وأمر الشعراء أن يصفوه ففعلوا فلم يقع
__________
(1) صمصامة عمرو: هو عمرو بن معدي يكرب الزبيدي المتقدمة ترجمته. والصمصامة السيف القاطع الحاد الذي لا ينثني والصمصامة هنا اسم سيف عمرو بن معد يكرب.
(2) نهشل بن حري: هو نهشل بن حري بن صخرة بن جابر بن قطن الدارمي التميمي شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وكان سيدا في قومه وبيته من خير بيوت دارم وكان شاعرا مشهورا أسلم ولم ير النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحب الإمام علي في حروبه وكان معه في وقعة صفين وقتل له فيها أخوه مالك فقال فيه المراثي الكثيرة. مات سنة 45هـ.
راجع ترجمته في لسان العرب وتاج العروس.
(3) روي هذا البيت في مواضع كثيرة على هذا الشكل.
خليل لم أخنه ولم يخني ... على الصمصامة السيف السلام
(4) المواهب بمعنى الهبات.
(5) صين: من صان بمعنى حفظ وهنا بالبناء للمجهول.
(6) الهادي: هو موسى الهادي الخليفة العباسي.
(7) المكتل: هو الزنبيل من الخوص جمعه مكاتل.(4/100)
منه إلا قول أبي الهول الحميري (1):
حاز صمصامة الزبيدي من بين ... جميع الأنام موسى الأمين
سيف عمرو وكان فيما سمعنا ... خير ما أطبقت عليه الجفون (2)
فقال الهادي: السيف لك والمكتل لك، فأخذهما وفرق الدنانير على الشعراء، وقال: دخلتم معي وأخرجتم من أجلي، ولي في السيف عوض. وهو القائل فيه:
حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول
وكان على الصمصامة مكتوبا:
ذكر على ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان في يمين يمان
19 - كان لأبي حية النميري سيف ليس بينه وبين العصا فرق، وكان يسميه لعاب المنية. فحكى جار له قال (3): أشرفت عليه ذات ليلة وقد اقتضاه (4)، وفي بيته كلب ظنه لصا، وهو يقول: أيها المغتر بنا، والمجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وشر طويل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، أخرج بالعفو عنك، لا أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ الفضاء خيلا ورجالا، يا سبحان الله ما أكثرها وأطيبها؟! ثم فتح الباب فإذا كلب! فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفانا حربا.
20 - منفعة بن مالك الضبي (5).
__________
(1) أبو الهول الحميري: هو عامر بن عبد الرّحمن أبو الهول الحميري المتقدمة ترجمته.
(2) الجفن: غطاء العين وهو غمد السيف أيضا.
(3) ورد هذا الخبر في الأغاني 15: 61وطبقات ابن المعتز والشعر والشعراء كما أورد الجاحظ في الحيوان قصة طريفة مماثلة عن عروة بن مرثد.
(4) اقتضاه: الأصوب انتضاه: من نضا السيف ينضوه نضوا بمعنى سلّه.
(5) منفعة بن مالك الضبي: هو منفعة بن مالك الضبي من بني مبذول أحد الخوارج البارزين ورد ذكره في معجم الشعراء للمرزباني ص 449. غير أن هذه الأبيات نسبت أيضا إلى عمر القنا بن عميرة العنبري أحد رؤوس الخوارج الأزارقة مع بعض الاختلاف في روايتها راجع للمرزباني ص 48طبعة فراج (كرنكو).
كفاني من الدنيا دلاص حصينة ... وأجرد خوار العنان نجيب
أقاتل عن ديني عليه وأتقي ... عدوي وأدعى للندى فأجيب
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار القرار نصيب
21 - ذكر للمتوكل سيف من سيوف حمير، فطلب باليمن، ثم بالمغرب ثم بسائر البلاد حتى ظفر به بالبصرة، فشري بثلاثين ألف درهم.(4/101)
كفاني من الدنيا دلاص حصينة ... وأجرد خوار العنان نجيب
أقاتل عن ديني عليه وأتقي ... عدوي وأدعى للندى فأجيب
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار القرار نصيب
21 - ذكر للمتوكل سيف من سيوف حمير، فطلب باليمن، ثم بالمغرب ثم بسائر البلاد حتى ظفر به بالبصرة، فشري بثلاثين ألف درهم.
فأبصره فهزه فأعجب به إعجابا شديدا، ودعا بجزور فقدها به فوضعه تحت فراشه، ثم قال لبغا (1): انظر لي تركيا أيدا شجاعا يتقلده (2)، فدفع إلى باغر (3) وقيل له: تقلده لا يفارقنك فيكون حاضرك متى طلبته منك.
فبذلك السيف قتله.
22 - ابن الرومي:
لم أر شيئا حاضرا نفعه ... للمرء كالدرهم والسيف
يقضي له الدرهم حاجاته ... والسيف يحميه من الحيف
23 - علي رضي الله عنه لابن الحنفيّة حين أعطاه الراية: تزول الجبال ولا تزول. عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك أرم ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله (4).
__________
(1) بغا: هو بغا الصغير ويعرف ببغا الشرابي.
(2) يتقلده: قلّده السيف: جعل حمالته في عنقه.
(3) باغر: هو باغر التركي من حرس المتوكل على الله الخليفة العباسي المتقدمة ترجمته.
(4) من كلام الإمام علي بن أبي طالب لابنه محمد بن الحنفيّة لما أعطاه الراية يوم الجمل عض على ناجذك أي أشدد أعصاب رأسك ووجهك ليقوى. ومن عادة الإنسان أيضا إذ حمي واشتد غضبه على عدوه عض على أسنانه. وأعر من أعار بمعنى بذل وتد في الأرض أي ثبتها وارم القوم ببصرك أي أحط بهم جميعا من كل ناحية.
راجع نهج البلاغة 1: 43.(4/102)
خوف عليه السّلام بالغيلة فقال (1): إن علي من الله جنة حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني فحينئذ لا يطيش السهم، ولا يبرؤ الكلم.
وعنه: ولقد كنا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا، وأخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما، ومضيا على اللقم (2) وصبرا على مضض الألم (وجدا في جهاد العدو) ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا.
فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه، ومتبوءا أوطانه، ولعمري لو كنا نأتى ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا أخضر للإيمان عود. وأيم الله لتحتلبنّها دما ولتتبعنّها ندما.
24 - الحريش بن هلال القريعي (3):
لبدي فراشي إذا ما آنسوا فزعا ... وتحت رأسي إذا ما نوموا حجر
__________
(1) الغيلة: القتل على غفلة وبدون توقع من المغدور وجنّة بالضم وقاية.
والكلم بالتحريك معناه الجرح. نهج البلاغة 1: 108.
(2) اللقم بالتحريك جادة الطريق أو معظمه. ومضض الألم لذعته. والتصاول هو أن يحمل كل قرن على قرنه. والكبت الذل والخذلان. وجران البعير مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره. وإلقاء الجران معناه التمكن من الشيء. واحتلب: استخرج من الضرع ما فيه من اللبن واحتلاب الدم معناه وقوعهم في سوء العاقبة.
(3) الحريش بن هلال القريعي: هو أبو قدامة الحريش بن هلال السعدي من بني أنف الناقة من سادات بني تميم في البصرة قاتل مع المهلب بن أبي صفرة الخوارج سنة 65هـ وكان يومها رئيس تميم كما اشترك في وقعة الجماجم مع ابن الأشعث مات من جرح بليغ فيه سنة 82هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 65هـ.
وفي يميني خشيب ما يفارقني ... عضب مهزته ذو رونق ذكر (1)
بزي الحديد ويحميني إذا هجمت ... عني العيون جواد قارح ذكر
بذاك أشهد يوم الروع إذ شجرت ... بسل الكماة وضاق الورد والصدر (2)
25 - أبو مسلم صاحب الدعوة: أشد الناس قتالا ممتعض من ذلة، أو محام على ملة، أو غيور على طلة (3).(4/103)
__________
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 65هـ.
وفي يميني خشيب ما يفارقني ... عضب مهزته ذو رونق ذكر (1)
بزي الحديد ويحميني إذا هجمت ... عني العيون جواد قارح ذكر
بذاك أشهد يوم الروع إذ شجرت ... بسل الكماة وضاق الورد والصدر (2)
25 - أبو مسلم صاحب الدعوة: أشد الناس قتالا ممتعض من ذلة، أو محام على ملة، أو غيور على طلة (3).
26 - الإسكندر: احتل للشمس والريح بأن يكونا لك ولا يكونا عليك حبب إلى عدوك الفرار بأن لا تتبعهم إذا انهزموا.
27 - أفراسياب (4) إلى أخيه كرسون (5): يا أخي إن الشجاع محبب حتى إلى عدوه، والجبان مبغض حتى إلى أمه.
28 - لما أقبل كسرى هرمز لمحاربة بهرام (6) قال له حاجبه: أما تستعد؟ قال: عدتي ثبات قلبي، وأصالة رأيي، ونصل سيفي، ونصرة خالقي.
29 - كان ذو الفقار (7) عند أولاد علي رضي الله عنه يتوارثونه حتى
(1) يقصد بذلك السيف الحاد القاطع.
(2) يوم الروع: يوم القتال: وشجرت: احتدمت المعركة بسل الكماة الأبطال الأشداء وضاق الورد والصدر أي سدت أبواب النجاة على الفارين بعد الالتحام.
(3) غيور على طلة: الطلّة هي الزوجة.
(4) أفراسياب: أحد ملوك الفرس من الطبقة الأولى البيشدادية ومعنى الاسم (جناح الطاحونة).
راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير 1: 207.
(5) كرسون: لم نقع له على ترجمة في ما تيسر لنا من كتب التاريخ العربيّة.
(6) بهرام: هو بهرام جور بن يزدجرد الأثيم بن بهرام بن سابور ذي الأكتاف.
راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير (1: 403401).
(7) ذو الفقار: ذو الفقار اسم سيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سمي ذو الفقار لأنه كانت فيه حفر صغار حسان ويقال للحفرة فقرة على ما جاء في لسان العرب وتاج العروس.
ثم صار إلى الإمام علي وفيه قيل (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار).
وفي تاريخ الطبري 3: 184غنمه الإمام علي يوم بدر وكان لمنبه بن الحجاج بعد أن قتله.(4/104)
وقع إلى بني العباس. قال الأصمعي: رأيت هارون متقلدا سيفا، فقال:
يا أصمعي، ألا أريك ذا الفقار؟ أسلل سيفي هذا: فأستللته، فرأيت فيه ثماني عشرة فقارة. قال المبرد في كتاب الاشتقاق: كانت فيه حزور مطمئنة شبهت بفقار الظهر، وهو سيف منبه بن الحجاج (1)، وكان صفي (2)
رسول الله في غزوة بني المصطلق.
30 - أنشد الأصمعي لعبد الله بن الحسن بن موسى العلوي (3):
إذا اللئيم مط حاجبيه ... وذب عن حريم درهميه
فزنّه وزنّ والديه ... وارتحل السيف بشفرتيه (4)
واستنزل الرزق بمضربيه ... إن قعد الدهر فقم إليه
31 - أوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية (5) فقال: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب (6) الكيس، إن وجد ربحا اتجر، وإلا احتفظ
__________
(1) منبه بن الحجاج: هو منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم القرشي من بني سهم كان هو وأخوه نبيه من أشراف قريش وذوي الرأي والكلمة قتل يوم بدر قتله الإمام علي وأخوه نبيه قتله الحمزة بن عبد المطلب.
راجع سيرتهما في تاريخ الطبري والكامل والمحبّر ص 161والأعلام 8: 221.
(2) الصفي من الغنيمة ما أختاره الرئيس من الغنائم واصطفاه لنفسه قبل القسمة من فرس أو سيف أو غيره.
(3) عبد الله بن الحسن بن موسى العلوي: لعله عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن ابن حسن وهو ابن أخي محمد النفس الزكية ذكرة المرزباني ضفي معجمه وذكر له أبياتا.
يجيب فيها على أبيات قالها له محمد بن يحيى بن علي الكاتب أبو محمد. وكان معاصرا للمأمون.
(4) زنّه: من زنّ عصيه بمعنى يبس. وزنّ الرجل بمعنى استرخت مفاصله.
(5) سريّة: جمعها سرايا: وهي قطعة من الجيش.
(6) المضارب الكيّس: المضارب الفطن الماهر الذي يتاجر بمال الآخرين على أن له حصة معلومة من الربح.(4/105)
برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد خوفا من احتيال عدوك عليك.
32 - قال أعرابي لابنه: يا بني، كن يدا لأصحابك على من قاتلهم، ولكن إيّاك والسيف فإنه ظل الموت، واتق الرمح فإنه رشاء (1)
المنية. واحذر السهام فإنها رسل الهلاك. قال: فبم أقاتل؟ قال:
جلاميد أملاء الأكف كأنها ... رؤوس رجال حلقت بالمواسم (2)
33 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.
34 - علي رضي الله عنه: بقية السيف أنمى عددا، وأكثر ولدا (3).
وعوين (4) ذلك في ولد علي، وولد المهلب: فقد قتل مع الحسين عامة أهل بيته، ولم ينج إلا ابنه علي (5) لصغره، فأخرج الله من صلبه الكثير الطيب. وقتل يزيد بن المهلب وإخوته وذراريهم، ثم مكث من بقي منهم نيفا وعشرين سنة لا يولد فيهم إنثى ولا يموت منهم غلام.
35 - كيخسرو: أعظم الخطأ محاربة من يطلب الصلح.
36 - أنوشروان: الفرار في وقته ظفر.
37 - كتب عمران بن حطان إلى الحجاج:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تفزع من صفير الصافر
هلّا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
ملأت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مسالحه كأمس الدابر
__________
(1) رشاء المنية: حبلها.
(2) يعني بها الحجارة.
(3) ورد في نهج البلاغة 4: 19.
(4) عوين من عاين بمعنى شاهد وهو مبني للمجهول.
(5) ابنه علي: هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين الإمام الرابع عند الأماهية وقد تقدمت ترجمته والأصح أنه أبقي عليه حيا لمرضه يوم الوقعة.(4/106)
38 - غزالة الحرورية امرأة شبيب (1):
39 - بعض العرب: ما لقينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب إلا أوصى بعضنا إلى بعض.
40 - أعرابي: ألحاظهم سهام، وألفاظهم سمام.
41 - عرض عمرو بن الليث (2) عسكره، فمر به رجل على فرس أعجف فقال: لعن الله هؤلاء، يأخذون المال ويسمنون به أكفال نسائهم فقال: أيها الأمير، لو نظرت إلى كفل امرأتي لرأيته أهزل من كفل دابتي، فضحك وأمر له بمال وقال سمن بهذا كفلي دابتك وامرأتك.
42 - وقيل لعباد بن الحصين (3) وكان من أشجع الناس: في أي
__________
(1) غزاله الحرورية أمرأة شبيب: هي امرأة شبيب الخارجي حاربت الحجاج حتى قتل زوجها حولا كاملا وكانت تقاتل بنفسها وهي من شهيرات النساء ولدت في الموصل وخرجت مع زوجها على عبد الملك بن مروان سنة 76هـ يوم كان الحجاج واليا على العراق. دخلت مع زوجها شبيب الكوفة سنة 76هـ وقتلت عزالة في حرب شبيب مع الحجاج دون جسر الكوفة سنة 77هـ.
راجع ترجمتها في تاريخ الطبري وابن الأثير والمقريزي ووفيات الأعيان 1: 223.
وخرج في الموصل مع صالح بن مسرح على الحجاج سنة 76هـ وبويع بالخلافة بعد مقتل صالح من نحو 120رجلا ثم قويت شوكته فوجه إليه الحجاج خمسة قواد قتلهم واحدا بعد الآخر وفرّق جموعهم وقصد الكوفة ونشبت بينه وبين الحجاج معارك فاستنجد الحجاج بجيش الشام ودارت معارك طاحنة بين الفريقين ثبت فيها شبيب وجماعته وقتلت زوجته غزالة في تلك الموقعة ونجا شبيب بمن بقي من أصحابه فمر بجسر دجيل في نواحي الأهواز فنفر به جواده فوقع في الماء وغرق سنة 77هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 128والأغاني 16: 149و 21: 28 والمقريزي 1: 355والبداية والنهاية وله أخبار في معظم كتب التاريخ.
(2) عمرو بن الليث: هو عمرو بن الليث الصفار المتقدمة ترجمته.
(3) عباد بن الحصين: هو عباد بن الحصين بن يزيد بن عمرو بن أوس الحبطي التميمي أبو جهضم. فارس تميم في عصره شهد فتح كابل مع عبد الله بن عامر وكان على شرطة البصرة في ولاية الحارث بن أبي ربيعة الملقب بالقباع. استخلفه مصعب بن الزبير على البصرة حين سار لقتال عبد الملك بن مروان سنة 71. سار إلى كابل حيث قتله العدو هناك نحو سنة 85هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 28تاريخ الطبري وابن الأثير والمحبر ص 222ورغبة الآمل 3: 66.(4/107)
جنة (1) تحت أن تلقى عدوك؟ فقال: في أجل مستأخر.
43 - اصطفوا كجناح العقاب الكاسر، وشدوا شدة الضيغم الخادر (2)
فما ثنوا أعنتهم، ولا كفوا أسنتهم حتى هزموا القوم.
44 - أرقلوا إلى الموت إرقال الجمال المصاعب (3)، وانقضوا على العدو انقضاض رجوم الكواكب.
45 - جعلوا أرشيتهم الرماح، فاستقوا بها الأرواح.
46 - ضرب تعضب منه الهامات على الأجساد (4).
47 - نهار بن توسعة:
قدمت صدر السيف ثم تبعته ... كالفجر مد عموده المنجابا
في مظلم الأرجاء يؤنسني به ... ماض وقلب لم يكن وجابا (5)
48 - علي رضي الله عنه في صفين: معاشر: المسلمين، استشعروا (6)
الخشية، وتجلببوا السكينة، وعضوا على النواجذ، فأنه أنبى للسيوف عن الهام، وأكملوا اللامة، وقلقلوا السيوف في الأغماد قبل سلها، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطأ، واعلموا
__________
(1) في أي جنة تحب أن تلقى عدوك: جنة وقاية والجنة أيضا الدرع وكل ما وقاك جنّة.
(2) الضيغم الخادر: هو الأسد المقيم في عرينه والمستتر فيه والخدر الأجمة أسد خادر ومخدر.
(3) أرقلوا إرقال الجمال المصاعب: أرقل بمعنى أسرع والإرقال تحديدا هو سرعة سير الإبل والمصاعب جمع مصعب. وجمل مصعب الفحل الذي يودع من الركوب والعمل لفحولة. والذي لم يسمه حبل ولم يركب.
(4) ضرب تعضب منه الهامات على الأجساد: تعضب تقطع. والهامات جمع هامة وهي الرأس أو أعلاه ووسطه.
(5) وجابا: يقال وجب القلب وجبا ووجيبا ووجبانا رجف وخفق.
(6) استشعر لبس الشعار وهو ما يلي البدن من الثياب وتجلبب لبس الجلباب والنواجذ جمع ناجذ وهو الضرس الحاد. واللامة الدرع. وقلقلة السيوف في الأغماد قبل سلها مخافة أن تستعصي على الخروج عند السل فكأنه يريد أن يقول تفقدوها قبل وقت استعمالها والخزر النظر بغضب والشزر الطعن في الجوانب يمينا وشمالا ونافحوا كافحوا وضاربوا والظبا طرف السيف وحده وبعين الله أي ملحوظون بها والأطناب جمع طنب حبل يشد به سرادق الخيمة. والسواد الأعظم هم أهل الشام والرواق يعني رواق معاوية والشبج بالتحريك الوسط.
ورد هذا القول في نهج البلاغة 1: 114.(4/108)
أنكم بعين الله، ومع ابن عم رسول الله. فعابوا الكر، واستحيوا من الفر، فأنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت مشيا سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب، فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان كامن في كسره، قد قدم للوثبة يدا، وأخر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى يتجلى لكم عمود الحق وأنتم الأعلون، والله معكم، ولن يتركم أعمالكم.
وعنه لمعاوية: وقد دعوت للحرب، فدع الناس جانبا وأخرج إلي، ليعلم أينا المرين (1) على قلبه، والمغطى على بصره، فأنا أبو حسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخا يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي.
49 - إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في أخيه النفس الزكية حين قتل:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
وأنّا لقوم ما تفيض دموعنا ... على هالك منا وان قصم الظهرا
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصّرها من جفن مقلته عصرا
ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... تلهب في قطري كتائبها الجمرا
__________
(1) المرين على قلبه اسم المفعول من ران أي خيّم غلب عليه فغطى بصيرته. جد معاوية لأمه هو عتبة بن ربيعة وخاله الوليد بن عتبة وأخوه حنظلة بن أبي سفيان وشدخا أي كسرا وهو كسر الشيء الأجوف.(4/109)
50 - كان يقال عمر رضي الله عنه مفتاح الأمصار، لأنه الذي فتح أكثرها.
51 - أعرابي: ما ظنكم بسيوف الله في أيدي أوليائه؟ وقد نصرهم من سمائه وسلطهم على أعدائه.
52 - إذا صافحوا بالسيوف فغرت (1) المنايا أفواهها، فرب يوم عارم قد أحسنوا أدبه.
53 - خرج يزيد بن عبد الملك من بعض مقاصيره وعليه درع، وذلك في أيام قتال يزيد بن المهلب فأنشده مسلمة (2) قول الحطيئة (3):
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو بانت بأطهار
فقال يزيد: إنما ذاك إذا حاربنا أكفاءنا، أما مثل هذا المزوني (4) فلا فقبّل مسلمة بين عينيه.
54 - أعطى رسول الله عليه عبد الله بن جحش (5) يوم أحد عسيبا من نخل، فرجع في يده سيقا.
55 - استطال علي رضي الله عنه درعا، فقال: لينقص منها كذا
__________
(1) فغرت فاها فتحته: والمنايا جمع منية وهي الموت عارم يوم شديد.
(2) مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان المتقدمة ترجمته.
(3) الحطيئة: هو جرول بن أوس الشاعر المتقدمة ترجمته.
(4) المزوني يقصد بذلك يزيد بن المهلب بن أبي صفرة نسبة إلى المزون أحد أسماء عمان بالفارسية وقيل أن المزون قرية من قرى عمان يسكنها اليهود والصيادون.
(5) عبد الله بن جحش: هو عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي. هاجر إلى الحبشة. ثم إلى المدينة شهد بدرا واستشهد يوم أحد ودفن هو وحمزة بن عبد المطلب في قبر واحد وهو صهر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أخو زينب بنت جحش أم المؤمنين. كان سيفه انقطع يوم أحد فأعطاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عرجونا فصار في يده سيفا فكان يسمى العرجون.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 46حلية الأولياء 1: 108المحبر ص 86والأعلام 4: 203.(4/110)
حلقة، فقبض محمد بن الحنفية بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على فضلها، ثم جذبها، فقطعها من الموضع الذي حده له أبوه.
56 - ملكت الفرس بعد يزدجرد (1) رجلا ليس من آل ساسان (2)، لما رأوا من ظلم يزدجرد وعسفه، فنهد بهرام جور وكان في حجر النعمان بن المنذر (3) ملك الحيرة، لأن أباه يزدجرد سلمه إليه ليأخذ لغات العرب وأخبارها وآدابها لطلب المملكة، وقال: اعمدوا إلى أسدين جائعين فاطرحوا بينهما التاج، فمن أخذه فهو الملك. ففعلوا، فدنا منهما فأهويا نحوه، فأخذ برأس أحدهما فأدناه من رأس الآخر، ثم نطحه به، فقتلهما جميعا، وشد على التاج فأخذه ووضعه على رأسه، فملكته الفرس.
57 - أم الحباب بنت عاتكة الكلابية (4):
__________
(1) يزدجرد: هو يزدجرد الأثيم بن سابور ذي الأكتاف ملك بعد أخيه بهرام بن سابور وقد استمر في الملك حوالي اثنتين وعشرين سنة.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير 1: 312.
(2) آل ساسان هم بنو ساسان الأصغر وهو جد هذه الأسرة الساسانية وكانوا ملوك الطبقة الرابعة من الفرس وهم أولا بابك بن ساسان. وقد ملك الفرس بعد يزدجرد الأثيم هذا رجل من عقب أردشير بن بابك هو كسرى.
راجع المزيد عن ذلك في الكامل لابن الأثير 1: 402.
(3) النعمان بن المنذر: هو النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن المنذر بن امرىء القيس اللخمي أبو قابوس من أشهر ملوك الحيرة في الجاهلية كان داهية مقداما وهو الذي مدحة النابغة وحسان بن ثابت وحاتم الطائي. وهو صاحب إيفاد العرب على كسرى وباني مدينة (النعمانية) على ضفة دجلة وهو صاحب يومي البؤس والنعيم وقاتل (عبيد بن الأبرص) الشاعر في يوم بؤسه وقاتل عدي بن زيد المتقدمة ترجمته وغازي فرقيسيا (بين الخابور والفرات) كان ملك الحيرة إرثا عن أبيه. مات منفيا في خانقين. نقم عليه كسرى أبرويز ونفاه إليها.
راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير 1: 173171والصحاح 2: 340 واليعقوبي 1: 176173. وابن خلدون 2: 265والأعلام 9: 10.
(4) أم الحباب بنت عاتكة الكلابيّة: لم نقع لها على ترجمة.(4/111)
إذا فزعوا طاروا إلى كل شطبة ... تكاد إذا صلّ اللجام تطير
وزغف مثناة دلاص كأنها ... إذا شرجت فوق الكمي غدير (1)
58 - كعب بن مالك (2):
إذا ما نحن أشرجنا علينا ... جياد الجدل في اللزب الشداد (3)
قذفنا في السوابغ كل صقر ... كريم غير معتلث الزناد (4)
59 - أعرابي: يقتحمون الحرب حتى كأنما يلقونها بأنفس أعدائهم.
60 - علي رضي الله عنه: يا قنبر (5)، لا تعر فراس (6) أي: لا تسليم قتلاي من البغاة.
61 - لا يخطىء في رميته كما لا يخطىء في رؤيته. أفترسه فافترشه.
62 - لبعض أهل اليمامة في وصف رماة الفرس: ينزعون في قسي كأنها العتل، تئط أحداهن أطيط الزرنوق، يمغط أحدهم فيها حتى يتفرق شعر أبطيه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع، فما بين أحدكم وبين أن ننطح
__________
(1) الزغف: الدرع المحكمة الواسعة الطويلة. والدلاص من الدروع. اللينة ودرع دلاص: براقة ملساء لينة، وشرجت: نضدت وجمع بعضها إلى بعض والكمي اللابس السلاح وقيل الشجاع الجرىء كان عليه سلاح أو لم يكن.
(2) كعب بن مالك: هو كعب بن مالك الأنصاري الخزرجي المتقدمة ترجمته.
(3) الجدل جمع جدلاء: ودرع جدلاء محكمة النسيج، واللزب بكسر ففتح جمع لزبه وهي الشدة والأزمة.
(4) السوابغ جمع سابغة وهي الدرع الواسعة. والصقر من جوارح الطير وهنا هو الرجل الشجاع ومعتلث اسم فاعل من اعتلث واعتلث الزند أو الزناد لم يور واعتاص أي أنه غير صلد الزناد.
(5) قنبر هو مولى علي بن أبي طالب. وكان يلي له بيت المال ولم يرد هذا القول في نهج البلاغة.
(6) لا تعر فراس: فرائس جمع فريسة أي القتيل يقال فرس وافترس إذا دق العنق وقتل.(4/112)
عينه، أو تصدع قلبه منزلة (1).
63 - ابن الرومي يصف الترك:
لهم عدة تكفيهم كلّ عدة ... بنات الحنايا والقسي الموتر (2)
64 - يريد ببنات الحنايا النشاب.
65 - محرز الكاتب (3):
لله درّ عصابة تركية ... دفعوا نوائب دهرهم بالسيف
قتلوا الخليفة جعفر في ملكه ... وكسوا جميع الناس ثوب الخوف (4)
أنشدهما بغا بعد قتل المستعين فأجازه (5) بعشرة آلاف ووصيفة وضيئة كانت قائمة على رأسه.
66 - لم يكن في العجم أرمى من بهرام جور. تصيد وهو مردف حظية له يتعشقها، فعرضت له ظباء، فقال: أين تريدين أن أضع السهم؟
فقالت أريد أن تشبه ذكرانها بالإناث وأناثها بالذكران، فرمى ظبيا ذكرا بنشابة ذات شعبتين، فاقتلع قرنيه ورمى ظبية بنشابتين أثبتهما في موضع القرنين، ثم سألته أن يجمع ظلف الظبي وأذنه بنشابة، فرمى أصل الأذن ببندقة (6)، فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتك رماه بنشابة، فوصل أذنه
__________
(1) العتل: أي العصي مفردها عتلة أي العصا الضخمة من حديد ولها رأس مفلطح وأطّ يئطّ أطيطا: صوّت والزرنوق جمع زرانيق المنارة التي تبنى على رأس البئر من جانبيها وتعلق فيها البكرة. ومغط في القوس يمغط مغطا أغرق في نزع الوتر ومده ليبعد السهم.
(2) الحنايا جمع حنية وهي القوس لأنها محنيّة.
(3) محرز الكاتب لم نقع له على ترجمة.
(4) الخليفة جعفر: يريد به الخليفة المتوكل على الله العباسي.
(5) المستعين: هو أحمد بن محمد المعتصم المتقدمة ترجمته.
(6) بندقة جمعها بندق وبندقان: وهي كل ما يرمى به من رصاص كروي وسواه. ومنه البندقية.(4/113)
بظلفه. ثم رمى بالجارية إلى الأرض وقال: لشد ما اشتططت عليّ وأردت إظهار عجزي.
67 - أتى سليمان بن عبد الملك بأسارى، فأمر الفرزدق بضرب عنق أحدهم، فضرب فنبا سيفه، وكلح الأسير في وجهه، فارتاع، وضحك سليمان والقوم. هجاه جرير بذلك. فقال في الاعتذار.
أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر (1)
لم ينب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر
68 - لما اعتل خالد بن الوليد جعل يقول: لقيت كذا وكذا زحفا، فما في جسدي موضع شبر إلّا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير (2)، فلا نامت عيون الجبناء.
ولما ارتفعت الأصوات عليه أنكرها بعض الناس، فقال عمر: دع نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويذرين من دموعهن سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقة.
69 - غزا عمرو بن عتبة بن فرقد (3)، فحاصروا بلدا، فخرج وعليه
__________
(1) ورد هذا البيت على غير هذه الصورة في كثير من المواضع مع بعض التغيير في الكلمات: مثل خيرهم مكان سيدهم.
(2) العير: العير بفتح العين أيا كان أهليا أو وحشيا وقد غلب على الوحش والأثنى عيرة.
نقع: الصارخ بصوته ينقع نقوعا وأنقعة كلاهما نابغة وأدامة. (لسان العرب) وقيل يعني بالنقع أصوات الخدود إذا ضربت وقيل: هو وضعهن على رؤوسهن النقع وهو الغبار، قال ابن الأثير وهذا أولى لإنه قرن به اللقلقة وهي الصوت فحمل اللفظتين على معنيين أولى من حملهن على معنى واحد. وقيل النقع ههنا شق الجيوب.
والسجل الدلو الضخمة المملوءة ماء ولا يقال لها فارغة سجل ولكن دلو.
(3) عمرو بن عتبة بن فرقد السلمي الكوفي. كان أحد المعروفين بالزهد والعبادة والمجتهدين فيها. كان من ثقات رواة الحديث ثقة استشهد بتستر في خلافة عثمان بن عفان وقيل في ماسبذان وكان أبوه عتبة قائد الجيش حيث أصابه حجر شج رأسه فأماته.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 363وحلية الأولياء 4: 155وصفوة الصفوة 3: 37وطبقات ابن سعد 6: 143.(4/114)
جبة جديدة بيضاء، فقال لأبيه أي شيء أحسن فوق هذه؟ فقال: مطرف (1)
من الخز فقال: ما شيء أحسن فوقها في نفسي من دم ينحدر عليها. ثم اعتزل الصف، فقام فصلى، فجعل يدعو فقال أبوه: هذا عمرو يستشفع عليّ بربه ثم قال: إركب يا بني إن شئت. فركب واستشهد وتحدر الدم على جبته.
70 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف الليل من خشيته.
71 - عبد الله بن رواحة (2): حين خرج إلى مؤتة (3)، وقيل له:
نسأل الله أن يردك سالما.
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تنضح الزبدا (4)
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا (5)
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا (6)
__________
(1) مطرف من الخز: والمطرف بكسر الميم وضمها وسكون الطاء جمعه مطارف وهي أروية من خز مربعة لها أعلام. وقيل: ثوب مربع من خز له أعلام وقال الفرّاء المطرف من الثياب ما جعل في طرفيه علمان.
(2) عبد الله بن رواحة: هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي المتقدمة ترجمته.
(3) مؤتة: هي قرية من قرى البلقاء بمشارف الشام على اثني عشر ميلا من أذرح قتل فيها جعفر بن أبي طالب الملقب بجعفر الطيار وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وفيها كانت تعمل السيوف المؤتية وكانت غزوة مؤتة في جمادي الأولى سنة ثمان للهجرة.
(4) ذات فرغ: ذات سعة والزبد هنا هو رغوة الدم.
(5) حرّان بمعنى عطشان وهنا العطش إلى الدماء ومجهزة سريعة القتل وتنفذ الأحشاء تخترقها.
(6) الجدث: القبر والبيت فيه زحاف إلا إذا قال يا أرشد الله.(4/115)
72 - أنس: قال رسول الله حين انتهينا إلى خيبر: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين (1).
وعنه: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها (2).
73 - ابن مسعود رفعه: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل.
74 - أنس: عنه عليه السّلام إنه قال يوم بدر: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصاري (3): يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض! قال: نعم قال: بخ بخ. قال: فاخترج تمرات من قرابه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بما معه من التمر. ثم قاتل حتى قتل.
75 - سمع رجل عبد الله بن قيس يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الجنة تحت ظلال السيوف (4). فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول
__________
(1) صباح المنذرين ورد هذا الحديث في صحيح البخاري باب الصلاة والأذان والخوف والجهاد والمناقب والمغازي كما ورد في صحيح مسلم باب الجهاد وفي صحيح الترمذي باب السير وفي صحيح النسائي باب المواقيت والنكاح والصيد وفي الموطأ باب الجهاد والقسم الأول منه في مسند أحمد بن حنبل.
(2) ورد هذا الحديث أيضا في الصحاح السنة: البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والدارمي وابن حنبل.
(3) عمير بن الحمام الأنصاري: هو عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي الخزرجي بضم الحاء وتخفيف الميم. يقال أنه كان أول قتيل قتل في سبيل الله في الحرب.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 31وسيرة ابن هشام 1: 267وتاريخ الخميس 1: 380.
(4) الجنة تحت ظلال السيوف: وجاء في الصحاح على هذا الشكل واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.(4/116)
الله يقوله؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن (1) سيفه. ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل.
76 - قرىء على سيف:
إذا كنت في كف الفتى ثم لم يكن ... على الهول مقداما فقامت نوادبه
77 - بكر بن النطاح في أبي دلف:
قالوا وينظم فارسين بطعنة ... يوم اللقاء ولا نراه جليلا
لا تعجبوا لو كان طول قناته (2) ... ميلا إذا نظم الفوارس ميلا
78 - أنس بن النضر (3) عم أنس بن مالك لم يشهد يوم بدر، فلم يزل متحسرا يقول: أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه إن أراني الله مشهدا ليرني ما أصنع. فلما كان يوم أحد قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل. فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. قالت أخته الربيع (4) بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانة.
79 - أبو مالك الأشعري (5): من فصل في سبيل الله فمات، أو
__________
(1) جفن السيف غمد وما يوضع به ليحميه.
(2) القناة: الرمح.
(3) أنس بن النضر: هو أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن حناب بن عامر بن غنم بن عدي الأنصاري الخزرجي عم أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 74.
(4) الربيع بنت النضر: هي الربيع بنت النضر الأنصارية عمة أنس بن مالك وقد عرفت أخاها ببنانه راجع ترجمتها في الإصابة: 8: 80.
(5) أبو مالك الأشعري: ربما كان أبو مالك الأشعري الحارث بن الحارث الشامي أسلم وصحب النبي وغزا معه عقد له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمره أن يطلب هوازن.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 288تهذيب التهذيب 2: 137وطبقات ابن سعد 7/ 1232.(4/117)
قتل، أو رفسه فرسه أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد، وإن له الجنة.
80 - فضالة بن عبيد (1) رفعه: كل الميت يختتم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر.
81 - أبو أمامة رفعه: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغز ومات على شعبة (حغير) من نفاق.
82 - أنس رفعه: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
83 - زيد بن علي رضي الله عنه (2):
السيف يعرف عزمي عند هبته ... والرمح بي خبر والله لي وزر
إنّا لنأمل ما كانت أوائلنا ... من قبل تأمله إن ساعد القدر
جرى بين زيد بن علي وهشام بن عبد الملك كلام موحش، فقام زيد وهو يقول: من استشعر حب البقاء استكثر الذل إلى الفناء.
فلما خرج يحيى بن زيد (3) أنشأ يقول:
__________
(1) فضالة بن عبيد: هو فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الأنصاري الأوسي أبو محمد أسلم وشهد أحد وما بعدها كما شهد فتح مصر والشام قبلها ثم سكن الشام وبنى بها دارا. ولاه معاوية قضاء دمشق بع أبي الدرداء وكان ممن بايع تحت الشجرة. مات في خلافة معاوية وكان معاوية ممن حمل سريره وأرّخ المدائني وفاته سنة 53هـ وله عقب.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 210تهذيب التهذيب 8: 267طبقات ابن سعد 7/ 2: 124.
(2) زيد بن علي: هو زيد بن علي بن الحسين بن الإمام علي المتقدمة ترجمته.
(3) يحيى بن زيد: هو يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ثار مع أبيه في الكوفة على بني مروان فقتل أبوه وصلب فانصرف إلى بلخ فطلبه أمير العراق يوسف بن عمر قبض عليه نصر بن سيار ثم أطلقه فقصد نيسابور فامنتع بها ودعا إلى المهدي من آل محمد فقاتله واليها عمرو بن زرارة وهو في عشرة آلاف ويحيى في سبعين رجلا فهزمهم يحيى وقتل عمرا ثم طلبه نصر بن سيار وبعث صاحب شرطته سلم بن أحوز المازني التميمي في طلبه فلحقه في الجوزجان فقاتله قتالا ضاريا وأصيب يحيى بسهم في جبهته فسقط قتيلا سنة 125هـ وحمل رأسه إلى الوليد بن يزيد وصلب جسده بالجوزجان وظل مصلوبا إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني واستولى على خراسان فأنزل جثته وصلى عليها ودفنت هناك قال الذهبي: وكل من ولد في تلك السنة بخراسان من أولاد الأعيان سمي يحيى.
راجع ترجمته في الأعلام 9: 179ومقاتل الطالبيين ص 153وكتب التاريخ عامة.(4/118)
يا ابن زيد أليس قد قال زيد ... من أحب الحياة عاش ذليلا
كن كزيد فأنت مهجة زيد ... تتخذ في الجنان ظلا ظليلا
84 - خالد بن الوليد سيف الله حين رأى بني حنيفة قد سلوا السيوف:
لا يرعبونا بالسيوف المبرقة ... إن السهام بالردى مفوقة (1)
والحرب ورهاء العقال مطلقة ... وخالد من دينه على ثقة (2)
85 - عقبة بن عامر الجهني: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، إلّا إنّ القوة الرمي، إلا إنّ القوة الرمي (3).
وعنه: سمعت رسول الله يقول: إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر جنته صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به، ومنبله (4) فارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا (5).
86 - ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله،
__________
(1) فوق السهم: جعل له فوقا أي ميلا وانكسارا وهنا أن السهام مكسّرة بالروى.
(2) ورهاء: من ورهت تره ورها: ورهت المرأة كثر شحمها.
(3) ورد هذا القول عن ابن ماجة والدارمي وأبو داود في باب الجهاد كما ورد عن مسلم وأحمد بن حنبل والترمذي.
(4) منبله: أي صانع نباله.
(5) ورد هذا الحديث في الصحاح تحت باب الجهاد.(4/119)
ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها (1).
87 - وعنه: سمعت رسول الله يقول: ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه (2).
88 - عن فقيم اللخمي (3) أنه قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك؟ فقال: لولا كلام سمعته من رسول الله لم أعانه، من علم الرمي ثم تركه فليس منا (4):
89 - عبد الله بن طاهر (5):
ببيت ضجيعي السيف طورا وتارة ... تعض بهامات الرجال مضاربه
أخو ثقة أرضاه في الحرب صاحبا ... وفوق رضاه أنني أنا صاحبه
وليس أخو العلياء إلا فتى له ... بها كلف ما تستقر ركائبه
90 - عبيد الله بن عمر بن الخطاب (6):
إذا كان سيفي ذو الوشاح وموكبي ... اللطيم فلا يطلل دم أنا صاحبه
91 - ذو الوشاح سيف ورثه عن أبيه.
__________
(1) كذلك فقد ورد هذا الحديث عند أبي داود والترمذي وابن ماجة والدارمي.
(2) ورد هذا القول عند مسلم وأحمد بن حنبل.
(3) فقيم اللخمي: لم نقع له على ترجمة.
(4) لم يرد هذا الحديث في كتب الصحاح. ولم يخرجه سوى ابن ماجة تحت باب الجهاد وقد جاء عنده على هذه الصورة: من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني.
(5) عبد الله بن طاهر: هو عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي المتقدمة ترجمته.
(6) عبيد الله بن عمر بن الخطاب: هو عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي ولد في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وغزا في خلافة أبيه كان من شجعان قريش وفرسانهم. أثناء خلافة الإمام علي لزم عبيد الله بن عمر جانب معاوية إلى أن قتل بصفين سنة 36هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 76طبقات ابن سعد 5: 8وتاريخ الطبري والكامل لابن الأثير.(4/120)
92 - سهل بن حنيف (1) رفعه: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه (2).
93 - جابر: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فقال: إن في المدينة رجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض (3).
94 - أبو موسى: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فذلك سبيل الله.
95 - عبد الله بن عمر رفعه: ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث. وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم.
96 - أبو جهم بن حذيفة بن غانم (4) من مشيخه قريش المعمرين، بنى في الكعبة مرتين، مرة حين بنتها قريش، ومرة حين بناها ابن الزبير:
إن كان عثمان أصيب وحوله ... أخوانه وجماعة الأنصار
إن الذي جاؤوا لأمر مشكل ... لا تجتليه نوافذ الأبصار (5)
سبحان من قدر الأمور بعلمه ... قتل الإمام وصحبه في الدار
وأبى الذين هم صحاب محمد ... أن يمنعوه وياله من عار
__________
(1) سهل بن حنيف: هو سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري الأوسي المتقدمة ترجمته.
(2) ورد هذا الحديث في معظم كتب الصحاح.
(3) أخرجه مسلم وأحمد بن حنبل فقط.
(4) أبو جهم بن حذيفة بن غانم: هو أبو الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر القرشي العدوي قيل اسمه عامر وقيل اسمه عبيد وكان من معمري قريش ومن مشيختهم وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم النسب كذلك كان أحد الأربعة الذين تولوا دفن عثمان وكان عنده شعر حسن.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 322و 2: 323والإصابة 7: 34.
(5) نوافذ الأبصار: الأبصار القوية الحادة.(4/121)
97 - اعترض يزيد بن معاوية الناس، فمر به رجل معه ترس قبيح، فقال: يا أخا أهل الشام مجن (1) ابن أبي ربيعة أحسن من مجنك.
يريد قوله:
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
98 - استعرض الإسكندر جنده، فتقدم إليه رجل على فرس أعرج فأمر بإسقاطه، فضحك الرجل، فاستعظم ضحكه في ذلك المقام، فقال له: ما أضحكك وقد أسقطتك؟ قال: التعجب منك. قال: كيف؟
قال: تحتك آلة الهرب، وتحتي آلة الثبات ثم تسقطني؟ فأعجب بقوله وما أسقطه.
99 - قسم معن بن زائدة سلاحا في جيشه، فدفع إلى رجل سيفا رديئا، فقال: أصلح الله تعالى الأمير، أعطني غيره، قال: خذه فإنه مأمور، قال هو مما أمر أن لا يقطع أبدا. فضحك وأعطاه غيره.
100 - شاعر:
عشرون ألف فتى ما منهم أحد ... إلا كألف فتى مقدامة بطل
راحت مزاودهم مملوءة أملا ... ففرّغوها وأوكوها من الأجل (2)
101 - قيل لعتيبة المدني: ألا تغزو؟ قال: والله أني لأكره الموت على فراشي، فكيف أنتجعه؟.
102 - يقال للجبان: جثم الموت على أحشائه، وطارت عصافير رأسه، إن أحسّن نبأة (3) طار فؤاده، وإن طنت بعوضة طال سهاده، يفزعه
__________
(1) المجن والمجنة: كل ما وقي من السلام. الترس.
(2) المزاود ما يوضع فيه الزاد وفرّعوها بمعنى صبوها وفرع الدم أراقه.
وأوكوها: شدوها بالوكاء والوكاء رباط القربة ونحوها. وكل ما شد رأسه من وعاء ونحوه.
(3) نبأة: النبأة: صوت الكلاب وقيل هي الجرس أيا كان والنبأة: الصوت الخفي وفي التهذيب أن النبأة هي الصوت ليس بالشديد.(4/122)
صرين باب وطنين ذباب.
103 - إن نظرت إليه شزرا غشي عليه شهرا، يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح، يفر فرار الليل من وضح النهار.
104 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع (1).
105 - أحمد بن أبي فنن:
مالي ومالك قد كلفتني شططا ... حمل السلاح وقول الدار عين قف (2)
أمن رجال المنايا خلتني رجلا ... أمسى وأصبح مشتاقا إلى التلف
تسعى المنون إلى غيري فاحذرها ... فكيف أغدو إليها عاري الكتف
أم هل حسبت سواد الليل شجعني ... أم خلت قلبي في جنبي أبي دلف
فبلغت أبياته أبا دلف (3)، فأمر له بعشرة آلاف.
106 - أمر روح بن حاتم المهلبي أبا دلامة (4) بالقتال، فقال:
أني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتخزى بي بنو أسد
إن الدنو من الأعداء تعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد
آل المهلب حب الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت عن أحد
107 [آخر]:
حاذر على الرأس الذي فيه الشعر ... ليس بكراث إذا جزّ وفر (5)
108 - استماح رجل أبا دلف وانتسب إليه، فقال: أتستميح وجدك القائل.
__________
(1) الشح: البخل وقيل البخل مع الحرص وهالع من الهلع وهو الجزع وقلة الصبر.
والخالع كأنه يخلع فؤاده لشدته.
(2) شططا: من شط بمعنى أفرط وتباعد عن الحق. والدارعين هم لابسو الدروع.
(3) أبو دلف: هو أبو دلف العجلي القاسم بن عيسى المتقدمة ترجمته.
(4) أبو دلامة: هو زند بن الجون المتقدمة ترجمته.
(5) الكراث: بقلة وهو نوع من النبات ممتد أهدب إذا ترك خرج من وسطه طاقة فطارت.(4/123)
ومن يفتقر منا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر الناس يسأل
وإنّا لنلهو بالسيوف كما لهت ... فتاة بعقد أو سخاب قرنفل (1)
فخرج الرجل وجرد سيفه، واستقبله وكيل لأبي دلف معه مال، فاستلبه وقتله. فبلغ الخبر أبا دلف فقال: دعوه فاني علمته.
109 - لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين رضي الله عنه ولعن قالته، قال أعرابي: انظروا إلى ابن دعيها (2) كيف قتل ابن نبيها؟.
110 - عمر بن عبد العزيز: لو كنت في قتلة الحسين وقيل لي ادخل الجنة لما فعلت، حياءا أن تقع عليّ عين محمد عليه السّلام.
111 - جزعت عائشة حين احتضرت، فقيل لها: فقالت: اعترض في حلقي يوم الجمل.
112 - قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ فقال:
لا ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي.
113 - فروة بن نوفل الأشجعي (3) وكان رئيس الخوارج:
ما إن نبالي إذا أرواحنا قبضت ... ماذا فعلتم بأجساد وأبشار
__________
(1) العقد بالكسر الخيط ينظم فيه الخرز من اللؤلؤ والجوهر وجمعه عقود والسخاب بالكسر قلادة تتخذ من قرنفل ومسك. ومحلب ليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء وقال الأزهري السخاب عند العرب كل قلادة كانت ذات جوهر أو لم تكن.
(2) ابن دعّيها: فهو ابن زياد ابن أبيه وزياد هذا مشكوك في نسبه مطعون فيه ولدته أمه سميّة ثم ألحقه معاوية بنسبه مدعيا أنه ابن أبيه (أبي سفيان).
(3) فروة بن نوفل الأشجعي: أحد الخوارج الأوائل. كان مع الخوارج في النهروان فلما واقفهم الإمام علي قال فروة والله ما أدري على أي شيء نقاتل عليا فانصرف في نحو خمسمائة من أتباعه. فلما كان صلح الحسن مع معاوية قال فروة قد جاء الآن ما لا شك فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فساروا فقاتلهم المغيرة بن شعبة أمير الكوفة بعد أن عقد لشبث بن ربعي وعهد إليه في قتالهم. فقتل فروة وذلك سنة 41هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 37هـ.
لقد علمت وخير العلم أنفعه ... أن السعيد الذي ينجو من النار
114 - لما أسرف داود بن علي (1) في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا ابن عم، إذا أسرفت في القتل لأكفائك فمن نباهي بسلطانك؟.(4/124)
__________
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 37هـ.
لقد علمت وخير العلم أنفعه ... أن السعيد الذي ينجو من النار
114 - لما أسرف داود بن علي (1) في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا ابن عم، إذا أسرفت في القتل لأكفائك فمن نباهي بسلطانك؟.
115 - بريدة (2) رفعه: لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وعنه عليه السّلام: من هدم بنيان الله فهو ملعون (3).
116 - كان أبو العباس السفاح يقرب سليمان بن هشام بن عبد الملك (4) وابنيه، ويسايرهما، فلما أنشده سديف (5) مولاه الشعر الذي أوله:
(1) داود بن علي: هو داود بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو سليمان وهو عم السفاح والمنصور ولد بالحميمة سنة 81هـ ولما استولى العباسيون على الحكم عيّنه السفاح واليا على الكوفة ثم على المدينة ومكة واليمن واليمامة والطائف وهو أول من أقام الحج للناس من بني العباس. كان خطيبا فصيحا. مات في المدينة سنة 133هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 8تهذيب التهذيب 3: 194وميزان الإعتدال 1: 321.
(2) بريدة: هو بريدة بن الحصيب المتقدمة ترجمته.
(3) لم يرد هذا الحديث في الصحاح السنة ولا في مسند الدارمي ولا في مسند أحمد ولا الموطأ.
(4) سليمان بن هشام بن عبد الملك. هو سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان. نشأ في دمشق وغزا في زمن أبيه أرض الروم وافتتح بعض مدنها وحج بالناس سنة 113هـ حبسه الوليد ثم أخلي سبيله بعد قتل الوليد فولاه ابنه يزيد بعض حروبه ولما انتقل الحكم إلى بني العباس وكان عهد السفاح أقبل عليه سليمان فأمر به السفاح فقتل سنة 132هـ وله شعر جيد.
(5) سديف: هو سديف بن إسماعيل بن ميمون المتقدمة ترجمته وهو الذي دخل على السفاح وعنده سليمان بن هشام فقال:
لا يغرنك ما ترى من رجال ... إنّ تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
فقال سليمان قتلتني يا شيخ ودخل السفاح وأخذ سليمان فقتل.(4/125)
أصبح الملك ثابت الأساس ... بالبهاليل من بني العباس
117 - أمر أبا الجهم الحرسي بضرب أعناقهم، فقال له سليمان:
قدم ابنيّ حتى احتسبهما، فضرب اعناقهما ثم ضرب عنقه.
118 - لما جاء نعي الحسين، رضي الله عنه وسخط على قاتله المدينة خرجت بنت عقيل بن أبي طالب (1) وحفدتها يقولون:
ماذا تقولون أن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
119 - قال أبو زكار المغني (2): كنت عند جعفر بن يحيى فسألني أن أترنم بقوله:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الدهر يطرق أو يغادي
ولو فدّيت من حذر المنايا ... فديتك بالطريف وبالتلاد (3)
فما تم الصوت حتى دخل مسرور (4)، فقال له: ما شأنك؟ قال:
أمرت بضرب عنقك. قال جعفر: أشهد الله الذي لا إله إلا هو، وأشهدك
__________
(1) بنت عقيل بن أبي طالب: جاء الخبر في الكامل لابن الأثير على هذا النحو: صاح نساء بني هاشم وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول: الأبيات:
(2) أبو زكار المغني: هو أبو زكار الأعمى الكلوذاني من أهل بغداد من قدماء المغنين.
كان منقطعا إلى آل برمك وكانوا يؤثرونه ويفضلونه.
راجع ترجمته في الأغاني 6: 212و 11: 54والكامل لابن الأثير 6: 178 وتاريخ الطبري حوادث سنة 187هـ.
(3) الريف أو الطارف وهو المال الحديث أو المستحدث ويقابله التالد.
(4) مسرور: هو أبو هاشم مسرور الخادم الكبير. كان خادما للرشيد مقربا عنده يعتمد عليه في الأمور المهمة ولكنه كان ميالا إلى المأمون منذ حياة الرشيد وكان الرشيد يقول إنّه رقيب المأمون عليه. مات بعد سنة 220هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري وابن الأثير.(4/126)
يا أبا زكار، وإياك يا مسرور أنّ كل مملوك لي حر، وكل مالي صدقة، وكل من كان لي قبله حق أو وديعة فهو في حل، امض لما أمرت به، فأخذ رأسه ومضى.
120 - قبر الحسين بن علي عليهما السّلام بكربلاء، ورأسه بالشام في مسجد دمشق على رأس إسطوانة.
121 - كتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن يبعث برأس عباد ابن أسلم البكري (1) إليه، فقال: أيها الأمير، إني لأعول أربعا وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري، فرق له واستحضرهن، فإذا واحدة كالبدر فقال: ما أنت منه؟ قالت: بنته فاسمع يا حجاج:
أحجاج أما أن تجود بنعمة ... علينا وأما أن تقتلنا معا
أحجاج لا تفجع به أن قتلته ... ثمان وعشرا واثنتين وأربعا
أحجاج لا تترك عليه بناته ... وخالاته يندبنه الليل أجمعا
فبكى واستوهبه، وكتب له في العطاء.
122 - عبد الله بن عمرو (2) عنه عليه السّلام: زوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم مسلم (3).
123 - قيل لأبي مسلم صاحب الدعوة: في بعض الكتب النازلة:
من قتل بالسيف فبالسيف يموت. فقال: الموت بالسيف أحب إلي من اختلاف الأطباء، والنظر في الماء، ومقاساة الداء والدواء، فذكر ذلك للمنصور فقال: صادف منيته كما أحب.
__________
(1) عباد بن أسلم البكري: لم نقع له على ترجمة.
(2) عبد الله بن عمرو وهو عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدمة ترجمته.
(3) ورد هذا الحديث عند الترمذي وابن ماجة والنسائي على هذا الشكل: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم).(4/127)
124 - الأخيطل (1) في مصلوب:
كأنه عاشق قد مد صفحته ... يوم الفراق إلى توديع مرتحل
أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مواصل لتمطيه من الكسل (2)
125 - لما ذهب بهدبة بن الخشرم (3) ليقتل انقطع قبال نعله فجلس يصلحه فقيل له: أو تصلحه وأنت على ما أنت؟ فقال:
أشد قبال نعلي أن يراني ... عدوي للحوادث مستكينا
126 - قتل مصعب نابي بن زياد بن ظبيان (4)، فنذر أخوه عبيد الله ابن زياد بن ظبيان الفتاك (5) ليقتلن به مائة من قريش، فقتل ثمانين منهم،
__________
(1) الأخيطل: هو محمد بن عبد الله بن شعيب أبو بكر المعروف بالأخيطل. شاعر من أهل الأهواز قدم بغداد ومدح محمد بن عبد الله بن طاهر وهو ظريف مليح الشعر يمشي على خط أبي تمام ويحذي حذوه وكان يهاجي الحمدوني.
(2) تمطى: تمدد وتلزّج.
(3) هدبة بن الخشرم: هو هدبة بن خشرم بن كرز أبو عمير من بني عامر بن ثعلبة من قضاعة. شاعر فصيح راوية من أهل بادية الحجاز بين تبوك والمدينة. كان هدبة راوية الحطيئة والحطيئة راوية كعب بن زهير وأبيه وكان جميل راوية هدبة وكثير راوية جميل. وأكثر ما بقي من شعره ما قاله في أواخر حياته بعد أن قتل رجلا من بني رقاش وكان شاعرا أيضا سجنه على أثره سعيد بن القاص ثم سلمه لأهل القتيل ليقتصوا منه فقتلوه أمام أهل المدينة وأظهر صبرا عظيما حين قتل نحو سنة 50هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 581الكامل للمبرد 4: 84وسمط اللآلي 249و 639والأعلام 9: 69.
(4) نابي بن زياد بن ظبيان: هو عبيد الله بن زياد بن ظبيان البكري. فاتك من الشجعان من أهل البصرة كان يقطع الطريق فقبض عليه مطرف بن سيدان الباهلي وكان على شرطة مصعب فقتله.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري 7: 186وابن الأثير: 4: 311.
(5) عبيد الله بن زياد بن ظبيان الفتاك. هو عبيد الله بن زياد بن ظبيان البكري كان من أهل البصرة ومن الفتاك الشجعان فيها لما قتل أخوه نابي ألتحق بعبد الملك بن مروان وكان مقربا عنده وهو الذي قتل مصعبا وحمل رأسه إلى عبد الملك مات مسموما في عمان سنة 75هـ.
راجع ترجمته في: رغبة الآمل 3: 50والمحبر ص 453213والبيان والتبيين 1: 325.(4/128)
ثم قتل مصعبا وجاء برأسه إلى عبد الملك، فسجد شكرا لله، فأراد أن يفتك به وهو ساجد، فارتدع، ثم ندم وقال:
يرى مصعب أني تناسيت نابيا ... وبئس لعمرو الله ما ظن مصعب
فو الله لا أنساه ما ذرّ شارق ... وما لاح في داج من الليل كوكب
وثبت عليه ظالما فقتلته ... فقصرك منه يوم شر عصبصب (1)
قتلت به من حي فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشئون وشيب
وكفي لهم رهن بعشرين أو ترى ... عليّ مع الإصباح نوح مسلب
أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبب
وله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
أبا مطر شلت يمين علوتها ... بسيفك رأس ابن الحواري مصعب (2)
127 - كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك: يوم كله لطلحة (3). وذلك أنه ثبت مع رسول الله حين تفرق عنه أصحابه، فأصيبت يده فشلت، وكان يقي بها وجه رسول الله، وأصابته بضع وسبعون من طعنة وضربة ورمية.
128 - قيس بن أبي حازم (4): سمعت سعد بن أبي وقاص يقول:
__________
(1) عصبصب: شديد.
(2) ورد هذا البيت في الأغاني مع تغيير فقد جاء كلمة تقرعت بدل علوتها ويلخص حكايته فيقول أن ابن ظبيان بعد قتله مصعبا أصبح لا ينتفع بنفسه في نومة ولا يقظة كان يهول عليه في منامه فلا ينام حتى كلّ جسمه ونهك. فلم يزل كذلك حتى مات.
(3) طلحة: هو طلحة بن عبيد الله التميمي المتقدمة ترجمته.
(4) قيس بن أبي حازم: هو قيس بن أبي حازم واسم أبي حازم عوف بن عبد الحارث ويقال عبد عوف بن الحارث بن عوف البجلي. أبو عبد الله الكوفي أدرك الإسلام وجاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليبايعه فقدم المدينة وقد قبض صلّى الله عليه وآله وسلّم فبايع أبا بكر. سكن الكوفة.
روى عن العشرة المبشرة بالجنة ووثقه الكثيرون وعده ابن حبان في الثقات عمر طويلا ومات في أواخر خلافة سليمان بن عبد الملك واختلف في سنة وفاته والأرجح أنها سنة 98هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 386ميزان الاعتدال 3: 392الإصابة 5: 272.(4/129)
أني لأول العرب رمى بسهم في الله.
129 - أسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يوم الفتح وحسن إسلامه وقال:
لعمري أني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدي واهتدي
هداني هاد غير نفسي وقادني ... إلى الله من طردت كل مطرد
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنت طردتني؟ فقال: استغفر الله.
130 - كان يقول عروة بن الزبير: كان علي أتقى لله من أن يعين في قتل عثمان، وكان عثمان أتقى الله من أن يعين في قتله علي.
131 - لما توجه رسول الله عليه السّلام إلى تبوك (1) جاء أبو خيثمة (2)، وكانت له امرأتان، وقد أعدت له كلتاهما من طيب ثمر بستانه، ومهدت له في ظل، فقال: ظل ممدود، وثمرة طيبة، وامرأة حسناء، وماء بارد، ورسول الله في الضح والريح؟ ما هذا بخير. فركب ومضى في أثره، فلما لاح لرسول الله شبحه قال: اللهم إجعله أبا خيثمة.
__________
(1) تبوك: مكان بين وادي القرى والشام وقعت فيها غزوة في رجب سنة 9قتل فيها من الطرفين خلق كبير.
(2) أبو خيثمة هو مالك بن قيس بن ثعلبة بن العجلان بن زيد بن غنم بن الخزرج أبو خيثمة الأنصاري غلبت عليه كنيته واسم خيثمة كما يقول الواقدي هو عبد الله بن خيثمة وأنه شهد أحدا وبقى إلى خلافة يزيد بن معاوية.
راجع ترجمته في الإصابة 7: 53وسيرة ابن هشام 2: 520وفيها حكاية عنه وكيف هجر أهله وارتحل ليلتحق بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في تبوك.(4/130)
132 - ولي أعرابي اليمن فجمع اليهود والنصارى فقال: ما تقولان في عيسى، قالوا: قتلناه وصلبناه، قال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته.
133 - خريم بن أوس (1): هاجرت إلى رسول الله منصرفه من تبوك، وسمعته يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت بقيلة (2) على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود. فقلت: يا رسول الله، إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها بما تصف فهي لي؟ فقال: هي لك: ثم كانت الردة فدخلناها فكان أول من لقينا الشيماء كما قال رسول الله على بغلة شهباء، معتجرة (3) بخمار أسود، فتعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله. فدعا خالد بالبينة، فشهد لي محمد بن مسلمة (4) ومحمد بن بشير الأنصاري (5)، فدفعها إلي. وجاء أخوها عبد المسيح (6) فقال لي:
__________
(1) خريم بن أوس: هو خريم بن أوس بن حارثة بن لام الطائي. راجع ترجمته في الإصابة 6: 51.
(2) الشيماء بنت بقيلة: وبقيلة هذا هو جد عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة.
راجع أخبارها في الطبري 4: 14و 15وابن الأثير 2: 391والإصابة 2: 109 و 6: 51.
(3) معتجرة: الإعتجار: لف العمامة على الرأس ورد طرفها على الوجه ولا يعمل منها شيء تحت الذقن.
(4) محمد بن مسلمة: هو محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عبد الرحمن المدني كان من فضلاء الصحابة ولد قبل الهجرة باثنتين وعشرين سنة وهو ممن سمي في الجاهلية محمدا استخلفه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على المدينة في بعض غزواته وكان ممن اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفين مات في المدينة سنة 43هـ وقيل سنة 46هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 454. الإصابة 6: 63والبدء والتاريخ 5: 120.
(5) محمد بن بشير الأنصاري: ورد ذكره في الإصابة لابن حجر 6: 51وذكره البخاري في الصحابة ثم ذكر قصة الشيماء وخريم بن أوس المتقدم ذكرهما وأنه شهد هو ومحمد بن مسلمة له بما وعده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(6) عبد المسيح: هو عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة الغساني معمر من الدهاة من أهل الحيرة أدرك الإسلام ولم يسلم. له شعر وأخبار.
راجع ترجمته في أمالي المرتضى 1: 188والداريات ص 154واللباب 1: 136 والبيان والتبيين 2: 127.(4/131)
بعينها. فقلت: لا أنقصها من عشر مئات شيئا، فأعطاني ألف درهم، فقيل لي: لو قلت مائة ألف لدفعها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشر مئات.
134 - قيل لسقراط: لم لم تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه؟
قال: لم أعلم أنّ هذا شيء يكون.
135 - فيلسوف: لا تصغرّ أمر من حاربت، فإنك إذا ظفرت لم تحمد، وإذا عجزت لم تعذر.
136 - عمرو بن حلزة (1) أخو الحارث بن حلزة (2):
لا تكن محتقرا شأن امريء ... ربما كانت من الشأن شؤون
137 - الصاحب (3): علموا أن القراع لا يثمر ألا قراع (4) صفاتهم،
__________
(1) عمرو بن حلّزه: هو عمرو بن حلّزة اليشكري أخو الحارث بن حلزة صاحب المعلقة المشهورة له شعر. جيد: وهو القائل:
لم يكن إلا الذي كان يكون ... وخطوب الدهر بالناس فتون
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني والمختلف والمؤتلف ص 90وأمالي المرتضى.
(2) الحارث بن حلزة: هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد اليشكري من بني بكر بن وائل شاعر جاهلي من أهل بادية العراق كان أبرص وهو أحد أصحاب المعلقات وتقوم معلقته على الفخر وفيها الكثير من أخبار العرب ووقائعهم وله ديوان شعر مطبوع فيه شعر جيد.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 127طبقات ابن سلام ص 35خزانة البغدادي 1: 158والأعلام 2: 155.
(3) الصاحب: هو القاسم بن عباد المعروف بالصاحب ابن عباد المتقدمة ترجمته.
(4) القراع: الضرب: تقارعوا بالرماح أي تطاعنوا بها.(4/132)
والنزاع (1) لا ينتج إلا نزع شهواتهم.
138 - ابن الرومي:
الموت إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم
139 - المهلبي الوزير (2) في غلام لمعز الدولة (3) جعله رئيس سرية (4):
ظبي يرف السماء في ... وجناته ويرق عوده
ويكاد من شبه العذا ... رى فيه أن تبدو نهوده
ناطوا بمعقد خصره ... سيفا ومنطقة تؤده
جعلوه قائد عسكر ... ضاع الرعيل ومن يقوده
140 - علي رضي الله عنه: إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه لا شيء أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حلها. والله سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله.
__________
(1) النزاع: الاختلاف في الشيء وتجاذبه.
(2) المهلبي الوزير: هو الحسن بن محمد المهلبي المتقدمة ترجمته.
(3) معز الدولة: هو أبو الحسن معز الدولة أحمد بن بويه بن فنا خسرو بن تمام من سلالة ذي الأكتاف الساساني. أحد ملوك بني بويه في العراق. ملك هو وأخواه عماد والدولة وركن الدولة البلاد وكان أصغر منهما سنا ويقال له الأقطع لأن يده اليسرى قطعت في حرب له مع الأكراد. امتلك بغداد سنة 334في خلافة المستكفي ودام ملكه 22سنة تقريبا وتوفي ببغداد سنة 356هـ. كان سريع الغضب بذيء اللسان يهين وزراءه ومستخدميه ويذلهم ويفتري عليهم بتلفيق الأقايل للإيقاع بهم.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 56وتجارب الأمم 6: 146وتاريخ الطبري والكامل وغيرها.
(4) السرية: قطعة من الجيش وهذا الغلام هو تلين الجامدار كما جاء في يتيمة الدهر 2: 226.(4/133)
141 - وعنه: إن أكرم الموت القتل، والذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون من ميتة على فراش.
142 - أسلم قرة بن الباقرة الجذامي (1) وأهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلة فأمر الحارث بن أبي شمر الغساني بصلبه فقال:
من مبلغ الحسناء أن خليلها ... على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل (2)
على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل
143 - قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بعد قتل أخيه عبد الله.
فطلب منه سيف الزبير وقال: أردده علي، فأنه السيف الذي أعطاه رسول الله يوم حنين، فقال له عبد الملك أو تعرفه؟ قال نعم، قال: بماذا قال: بما لا يعرف به سيف أبيك، أعرفه بقول الشاعر (3):
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب (4)
فأعطاه إياه:
144 - حسان (5):
__________
(1) أسلم قرة بن الباقرة الجذامي: هو قرة بن الباقرة الجذامي ذكره ابن حجر في الإصابة 5: 285والمرزباني في معجم الشعراء وقال عنه الرضي الشاطبي بأنه صحف إسمه واسم أبيه وإنما هو فروة بن نفاثة بن عامر الجذامي. أسلم في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
كان منزله معاون وما حولها من أرض الشام.
راجع ترجمته في سيرة ابن هشام 2: 589وتاريخ الطبري 3: 183.
(2) ورد هذا البيت في سيرة ابن هشام على هذه الصورة:
ألاهل أتى سلمى بأن خليلها ... على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل
يريد بإحدى الرواحل الخشبة التي صلب عليها ومشذبة أطرافها بالمناجل أي قطعت أغصانها وأزيلت.
(3) الشاعر هنا هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية.
(4) الفلول: الأثلام والحفر في السيف. والقراع الضرب والمجالدة والكتائب جمع كتيبة قطعة من الجيش أو مجموعة من الخيل.
(5) حسان: هو حسان بن ثابت الأنصاري الشاعر المتقدمة ترجمته.(4/134)
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام (1)
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
كان مع المشركين يوم بدر ففر، وأسلم يوم الفتح، وخرج إلى الشام في أيام عمر بأهله وماله، وتبعه أهل مكة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، وارتفع ضجيجهم بالبكاء، وبكى ثم قال: أما ان كنا نستبدل دارا بدار وجارا بجار، ما أردنا بكم بدلا، ولكنها النقلة إلى الله. فلم يزل حابسا نفسه بالشام حتى ختم الله له بخير.
وكان سبب نقلته أنه وسهيل بن عمرو (2) دخلا على عمر فقعدا عنده وهو بينهما، فجعل المهاجرون والأنصار يدخلون، فيؤخرهما عمر ويقدمهم، حتى صارا في الأخريات. فقال الحارث لسهيل: أما رأيت ما صنع عمر؟ قال سهيل: أيها الرجل، لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا، دعي القوم فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا. ثم أتيا عمر فقالا: رأينا ما فعلت بنا، وما أتينا من عند أنفسنا، فهل من شيء نستعز به؟ قال: لا أعلمه إلا هذا الوجه، أراد ثغر الروم فخرجا إلى الشام.
145 - كتب معاوية إلى أيمن بن خريم الأسدي (3) يستنفره فكتب إليه: إن أبي وعمي صحبا رسول الله وأمرني إذا اقتتل المسلمون أن اعتزلهم، وقال:
ولست بقاتل رجلا يصلي ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعليّ وزري ... معاذ الله من سفه وطيش
أأقتل مسلما في غير جرم ... فلست بنافعي ما عشت عيشي
__________
(1) الحارث بن هشام: هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المتقدمة ترجمته.
(2) سهيل بن عمرو: هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي المتقدمة ترجمته.
(3) أيمن بن خريم الأسدي: تقدمت ترجمته.(4/135)
146 - هبط جبرائيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد، إن أصحابك الذين بمؤتة قد قتلوا جميعا، وصاروا إلى الجنة. وإن الله قد جعل لجعفر (1) جناحين أبيضين، قادمتاهما مضرجتان بالدماء، مكللتان باللؤلؤ والجوهر، يطير بهما مع الملائكة في الجنة.
147 - سبى رسول الله يوم حنين ستة آلاف بين غلام وجارية، وجعل عليهم أبا سفيان بن حرب (2).
148 - سعيد بن المسيب عن أبيه: فقدت الأصوات يوم اليرموك (3).
وقد اختلط المسلمون والروم، فإذا رجل ينادي: يا نصر الله اقترب، فنظروا فإذا هو أبو سفيان.
149 - إنفصل ثلاثة من جيش المسلمين: ابن أبي الأقلح عاصم بن ثابت (4)، وحبيب بن عدي (5) وزيد بن الدثنة (6) حتى وردوا الرجيع، ماء
__________
(1) جعفر: هو جعفر بن أبي طالب الملقب بجعفر الطيار أو بذي الجناحين تقدمت ترجمته.
(2) أبو سفيان بن حرب: هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية المتقدمة ترجمته.
(3) يوم اليرومك: وقعة بين المسلمين والروم كانت سنة 13للهجرة وكانت من المعارك الحاسمة في التاريخ وقد انتصر فيها المسلمون على الروم انتصارا باهرا.
(4) ابن أبي الأقلح عاصم بن ثابت: هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمت الأنصاري الأوسي أبو سليمان. من السابقين الأولين من الأنصار شهد بدرا واحدا مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم واستشهد يوم الرجيع سنة 4للهجرة.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 12وعيون الأخبار 1: 171والبداية والنهاية 4:
64 - وتاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 4للهجرة.
(5) حبيب بن عدي: هو حبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة الأنصاري الأوسي شهد بدرا واستشهد في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الرجيع وقد باعه الهذليون بمكة فابتاعه حجير بن إهاب التميمي ليقتله بأبيه وأقام حبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم ثم قتلوه وصلبوه وأرسل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الزبير والمقداد في أنزاله من خشبته فحمله الزبير على فرسه.
راجع ترجمته في الإصابة 2: 103.
(6) زيد بن الدثنة: هو زيد بن الدثنة بن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري الخزرجي. شهد بدرا واحدا كان ممن غدر بهم يوم الرجيع وباعوه بمكة فاشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف فأخرج من الحرم وقتله فسطاس.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 27.(4/136)
من مياه بني لحيان أرض الهدأة (1)، فامتنعوا عليهم وهم كثير، فبرك عاصم ورماهم، فقتل رجلين بالنبل ورجلا بالسيف، وقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، ويمثلوا به، فبعث الله تعالى الدبر فحمته واظلت عكوفا عليه، فقال بعضهم: ارقبوه حتى يمسي فان الدبر لم تبت قط إلا في خشارمهم (2)، ففعلوا، فلما جعلت الدبر تطير رفاقا وطمعوا فيه بعث الله تعالى سحابة فأمطرها عليه، فذهب به سيلها، وإنما أرادتهم على احتزاز رأسه امرأة منهم، لأن الذين قتلهم هم زوجها وأخوها وابنها، فنذرت أن تجعل قحفه ميضأة.
وقال عمرو بن عبد الله بن مسلمة (3):
ومنا الذي سيقت له الدبر جنة ... من المثل إذ وافى حمام المقادر
150 - وجد شاب قتيل بظهر الطريق أيام عمر، فلم يقدر على قاتله. فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبي ملقى بموضع القتيل، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله. فدفعه إلى ظئر (4) وقال لها: إن جاءتك امرأة تقبله وترحمه فأعلميني. فلما شب وطاب إذا هي بجارية قالت لها: إن سيدتي تطلب أن تذهبي به إليها، ففعلت، فضمته إلى صدرها وقبلته، وتلك بنت شيخ من الأنصار.
__________
(1) أرض الهدأة: الهدأة موضع بين عسفان ومكة.
راجع المزيد عنها في معجم البلدان لياقوت 5: 395ومعجم ما استعجم للبكري وسيرة ابن هشام 2: 170.
(2) الدبر: الزنابير والخشارم هو مأوى الزنابير وبيتها ذو التخاريب.
(3) عمرو بن عبد الله بن مسلمة. ربما كان عمر بن عبد الله السلمي المذكور في معجم الشعراء للمرزباني ص 226أما عمرو بن عبد الله بن مسلمة فلم نقع له على ترجمة.
(4) الظئر هنا المرضعة: وقد تأتي بمعنى العاطفة على ولد الغير.(4/137)
فأخبرت عمر فاشتمل على سيفه وخرج إلى منزلها، فوجد الشيخ متكئا على باب داره فقال: ما فعلت ابنتك؟ قال: جزاها الله تعالى خيرا، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها، وذلك من حسن صلاتها وحسن صيامها، والقيام بدينها، فقال: أحببت أن أزيدها رغبة، فدخل واخرج من هناك وقال: اصدقيني خبر القتيل والصبي، أو لأضربنك بالسيف، وكان عمر لا يكذب فقالت:
كانت عندي عجوز قد تأممتها، فعرض لها سفر فقالت: لي بنت أحب أن أضمها إليك، وكان لها ابن أمرد فجاءت به في هيئة الجارية، وأنا لا أشعر فمكث عندي ما شاء الله، ثم اغتفلني وأنا نائمة، فلم أشعر به حتى خالطني (1)، فممدت يدي إلى شفرة فضربته، وأمرت أن يلقى على الطريق، وقدر أني اشتملت منه على هذا الصبي فألقيته حيث وجد. فقال عمر:
صدقتني بارك الله فيك، ثم وعظها ودعا لها وخرج، وقال للشيخ: بارك الله لك في ابنتك، فنعم البنت بنتك.
151 - دخل المأمون على زبيدة (2) يعزيها عن الأمين، فتباكيا طويلا وتبرأ من قتله، فأقسمت عليه ليتغدين عندها. فلما فرغ من الغداء أخرجت إليه من جواري محمد من تغنيه، فأومأ إلى واحدة، فغنت بقول الوليد بن عقبة (3).
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فألا يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا ممسكاه وضاربه
__________
(1) المخالطة: المخالطة هنا معناها النكاح واشتملت منه حملت منه.
(2) زبيدة: هي زبيدة بنت جعفر أم محمد الأمين وزوجة هارون الرشيد المتقدم ذكرها.
(3) الوليد بن عقبة: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أخو عثمان بن عفان لأمه.(4/138)
الباب الثاني والستون الغدر، والخيانة، والسرقة، والغش، والفتك، والوشايات، والنمائم، وإفشاء الأسرار
1 - عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال هذه غدرة فلان (1).
2 - عائشة رضي الله عنها: رفعته: ذمة المسلمين واحدة، فإنّ أجارت عليهم جارية فلا نفخرها، فإنّ لكل غادر لواء يوم القيامة.
3 - أبو هريرة رضي الله عنه: مر رسول الله عليه السّلام برجل يبيع طعاما، فسأله كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: ليس منا من غش (2).
4 - قال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك، قال:
إليّ تقول هذا؟ وما ذاق أحد كأسا أمر من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه.
5 - مالك بن دينار: كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة.
__________
(1) أخرجه البخاري: ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي.
(2) كذلك ورد هذا الحديث عند مسلم والترمذي وابن ماجة والدارمي ومسند ابن حنبل.(4/139)
6 - وقع جعفر بن يحيى البرمكي على ظهر كتاب لعيسى بن ماهان (1)
إلى الرشيد:
حبب الله إليك الوفاء يا أخي فقد أبغضته، وبغض إليك الغدر فقد أحببته. إني نظرت في الأشياء لأجد لك فيها ما يشبهك فلم أجد، فرجعت إليك فشبهتك بك، وقد بلغ من حسن ظنك بالأيام أن أملت السلامة مع البغي وليس هذا من عادتها والسّلام.
7 - جعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى (2)، ثم طالبه بتقديم المهدي (3) عليه فقال عيسى:
بدت لي إمارات من الغدر شمتها ... أظن رواياها ستمطركم دما (4)
وما يعلم العالي متى هبطاته ... وإن سار في ريح الغرور مسلما
وقال:
__________
(1) عيسى بن ماهان: هو عيسى بن ماهان أحد كبار قواد الدولة العباسية وهو والد علي بن عيسى بن ماهان. وكان عيسى أحد قواد أبي مسلم الخرساني وقد بعثه في تتبع قتلة نصر بن راشد الذي قتلته الراوندية في ترند سنة 135هـ وقتلة أصحاب طاهر بن الحسين مع الأمين سنة 198هـ وكان رأسه ورأس الأمين ورأس أبي السرايا في خزانة واحدة.
راجع تاريخ الطبري وابن الأثير.
(2) عيسى بن موسى: هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي أبو موسى وهو ابن أخ أبو جعفر المنصور والسفاح وكان من الولاة القادة وكان يسمى شيخ الدولة. ولد بالحميمة سنة 102هـ. ونشأ فيها. ولاه عمه السفاح الكوفة وسوادها سنة 132هـ وهو الذي قضى على محمد النفس الزكية حين قام بثورته سنة 145هـ وكان من فحول بني العباس ومن ذوي النجدة والرأي والكلمة فيهم. مات بالكوفة سنة 167هـ.
راجع ترجمته في دول الإسلام للذهبي سنة 168هـ الأعلام 5: 296ومعجم الشعراء للمرزباني ص 258.
(3) المهدي: هو الخليفة العباسي محمد بن أبي جعفر المنصور المتقدمة ترجمته.
(4) شمتها: من شام يشيم شيما: تطلع نحوه يبصره منتظرا له.(4/140)
أينسى بنو العباس ذبّي عنهم ... بسيفي ونار الحرب ذاك سعيرها (1)
فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذل معاديها وعز نصيرها
أقطّع أرحاما عليّ عزيزة ... وأسدي مكيدات لها وأنيرها
فلما وضعت الأمر في مستقره ... ولاحت له شمس تلألأ نورها
دفعت عن الحق الذي أستحقه ... وسقيت بأوساق من الغدر عيرها (2)
8 - فتكتا الإسلام فتكة عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد الأشداق (3) وفتكة المنصور بأبي مسلم.
9 - احتضر رجل فإذا هو يقول: جبلين من نار، جبلين من نار.
فسئل أهله عن عمله فقالوا: كان له مكيان، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر.
10 - أبو هريرة رفعه: اللهم أني أعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة.
وعنه مرفوعا: المكر والخديعة والخيانة في النار.
11 - الخائن في المنزور (4) كالخائن في الموفور، ولذلك أوعد الله بالنقير والقطمير، كما خوف بالمثاقيل والقناطير.
__________
(1) ذبي عنهم: دفاعي وذب بمعنى دفع عنه ومنع وحامى.
(2) أو ساق جمع وسق ويعادل حوالي ستين صاعا وقيل حمل بعير.
(3) عمرو بن سعيد الأشدق: هو عمرو بن سعيد بن العاص بن أحيحة بن سعيد بن العاص ابن أميّة بن عبد شمس أبو أمية الملقب بالأشدق. قيل ولقب بذلك لفصاحته. نشأ بالمدينة وقدم الشام عاضد مروان بن الحكم عند ما طلب الخلافة لنفسه فجعل له ولاية العهد بعد ابنه عبد الملك ولكن عبد الملك أخذ يتربص به حتى سنحت له الفرصة فذبحه بيده وذلك سنة 70هـ وكان يلقب بلطيم الشيطان للقوة أصابته.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 37البداية والنهاية 8: 310والأعلام 5: 246.
(4) المنزور القليل التافه. يقال أعطاه عطاء منزورا أي عطاء ملجأ عليه فيه والموفور التام والنقير هي النكتة في ظهر النواة والقطمير القشرة الرقيقة بين النواة والثمرة أي أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية وهو تعالى يحاسبنا على الصغيرة والكبيرة. ومصداق قوله الآية الكريمة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.(4/141)
12 - قال مروان لعبد الحميد الكاتب عند زوال أمره: صر إلى هؤلاء القوم، يعني بني العباس، فإني أرجو أن تنفعني في مخلفي، فقال وكيف لي بعلم الناس جميعا إن هذا رأيك؟ كلهم يقولون إني قد غدرت بك وأنشد:
وغدري ظاهر لا شك فيه ... لمبصرة وعذري بالمغيب
ولما أتى به المنصور قال له: استبقني فإني فرد الدهر بالبلاغة (1).
فقطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه.
13 - كان يقال: لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء، واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكاره.
14 - عتيبة بن الحارث بن شهاب (2) صياد الفوارس:
غدرتم غدرة وغدرت أخرى ... فليس إلى توافينا سبيل (3)
15 - عارف الطائي (4):
__________
(1) استبقني: أبقني وقد قتله لإعجابه بنفسه وأفتخاره بها.
(2) عتيبة بن الحارث بن شهاب هو عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي التميمي فارس تميم في الجاهلية كان يلقب صياد الفوارس وسم الفوارس ويضرب به المثل في الفروسية وكانوا يعدون أبطال الجاهلية ثلاثة كما قال ابن أبي الحديد وهم عامر بن الطفيل وبسطام بن قيس وعتيبة بن الحارث قتله ذؤاب بن ربيعة بن عبيد.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 361والآمدي ص 155وشرح نهج البلاغة 3: 279 وجمهرة الأنساب ص 184.
(3) التوافي: يقال توافي القوم توافيا تتافوا.
(4) عارق الطائي بالقاف: هو قيس بن جروة بن سيف بن وائلة بن عمر بن مالك بن أمان الطائي وسمي عارقا لقوله:
لئن لم نغيّر بعض ما قد صنعتم ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه
وبهذا البيت سمى عارقا وهو شاعر جاهلي ويقال له عارق أجأ الطائي لأنه أقام بأجأ وهو أحد جبلي طيء.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 330وشرح الحماسة للتبريزي 4: 4221 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 426.(4/142)
أذل لوطء الناس من خشب الجسر إذا استحقبتها العيس جاءت من البعد (1).
أيوعدني والرمح بيني وبينه ... تبين رويدا ما أمامة من هند
ومن أجا حولي رعان كأنها ... قنابل خيل من كميت ومن ورد (2)
غدرت بأمر كنت أنت اجتذبتنا ... إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد
16 - علي رضي الله عنه: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله.
وكتب إلى عامله (3): فلما أمكنتك الشدة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه. اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى. فحملته رحيب الصدر بحمله، غير متأثم من أخذه، كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد! أو ما تخاف نقاش الحساب؟ كيف تسيغ شرابا وطعاما؟ وأنت تعلم أنك تأكل حراما، لأعذرن إلى الله فيك، لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار.
وعنه: وتغاب عما لا يتضح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاش وإن تشبّه بالناصحين.
__________
(1) استحقبتها أي حملتها بالحقيبة وتنضى معناه تهزل لبعد المسافة.
(2) الرعان: الرعان جمع رعن وهو النادر من الجبل أي الأنف العظيم من الجبل تراه متقدما والقنابل هي الجماعات من الخيل.
(3) عامله: هو هنا عبد الله بن عباس الذي اختلس بيت المال في العراق وذهب إلى الحجاز والأزل هو السريع الجري أو الخفيف لحم الوركين. والدامية المجروحة يسيل دمها والكسيرة أي المكسورة والمعزى المعز والمعيز راجع نهج البلاغة 3: 60.(4/143)
وعنه: ومن استهان بالأمانة وقع في الخيانة، ومن لم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه في الدنيا (1)، وهو في الآخرة أذل وأخزى. وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، أفظع الغش غش الأئمة. والسلام.
17 - قال المنصور لعامل بلغته عنه خيانة: يا عدو الله وعدو أمير المؤمنين أكلت مال الله! فقال: يا أمير المؤمنين، نحن عيال الله، وأنت خليفة الله والمال مال الله. فما نأكل إذن؟ فضحك وقال: خلوه ولا تولوه.
18 - كان محمد بن جعفر بن أبي طالب (2) مع أخيه محمد بن أبي بكر الصديق بمصر فلما هزم ابن أبي بكر استخفى، فدل عليه رجل من عك ثم من غافق (3)، فقال:
__________
(1) أحل بنفسه في الدنيا: أوجب على نفسه العقوبة.
راجع نهج البلاغة 3: 87من عهد الإمام علي للأشتر النخعي حين ولاه على مصر.
(2) محمد بن جعفر بن أبي طالب: هو محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي وهو أول من سمي محمدا في الإسلام من المهاجرين. ولد بأرض الحبشة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويكنى أبا القاسم. تزوج أم كلثوم بنت الإمام علي بعد عمر اسشتهد بتستر كما ذكر الواقدي سنة 17هـ ويقول الدارقطني أنه استشهد بصفين سنة 37هـ. ويقول المرزباني في معجم الشعراء أنه كان مع أخيه لأمه محمد بن أبي بكر فلما قتل اختفى محمد بن محمد بن جعفر فدل عليه رجل من عك ثم من غافق فهرب إلى فلسطين وجاء إلى رجل من أخواله من خثعم فمنعه من معاوية. ولم نجد في معجم المرزباني ما ذكره الزمخشري. فلعل هذا لم يطبع.
راجع ترجمته في الأعلام 6: 294مقاتل الطالبيين 11والمحبر لابن حبيب (27446) والإصابة 6: 52.
(3) عك وغافق: غافق قبيلة من الأزد وهو ابن الشاهد بن عك بن حدثان بن عبد الله بن الأزد. ويقال بل هو غافق بن الحارث بن عك بن الحارث بن حدثان. ومنهم عبد الرحمن الغافقي البطل الشهير باني حصن غافق في نواحي حفص البلوط من أعمال قرطبة.(4/144)
لعمري للحيان عك وغافق ... أذل لوطء الناس من خشب الجسر
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... ولن تجد العكي إلا إلى غدر
19 - أبو بكر رضي الله عنه: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر. قال الله تعالى: {إِنَّمََا بَغْيُكُمْ عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ} {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمََا يَنْكُثُ عَلى ََ نَفْسِهِ} {وَلََا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلََّا بِأَهْلِهِ} (1).
20 - مر عبد بن عبيد (2) بجماعة وقوف، فقال: ما هذا؟ قيل:
السلطان يقطع سارقا، فقال: لا إله إلا الله! سارق العلانية يقطع سارق السر.
21 - أمر الإسكندر بصلب سارق، فقال: أيها الملك إني فعلت ما فعلت وأنا كاره، فقال: وتصلب وأنت أيضا للصلب كاره.
22 - وقف شاطر (3) على قبر سارق فقال: رحمك الله، فقد والله كنت أحمر الإزار، حاد السكين، إن نقبت فجرذ، وإن تسلقت فسنور، وإن استلبت فحدأة، وإن ضربت فأرض. وإن شربت فجب (4). ولكنك اليوم وقعت في زاوية سوء.
23 - سرق مدني قميصا، فأعطاه ابنه ليبيعه، فسرق منه، فجاء فقال له: بكم بعته؟ فقال: برأس المال.
__________
(1) الآية رقم 13من سورة يونس والآية رقم 10من سورة الفتح والآية 42من سورة فاطر.
(2) عبد بن عبيد لم نقع له على ترجمة وربما كان عمرو بن عبيد أبو عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي أبو هاشم المكي من التابعين من أهل مكة. كان رجلا صالحا من ثقات رواة الحديث مات بمكة سنة 113هـ وقيل قتل بالشام في الغزو سنة 113هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 308وحلية الأولياء لأبي نعيم وطبقات ابن سعد 5: 249.
(3) شاطر: الشاطر هو الخبيث الفاجر أو هو من أعيا أهله خبثا والعامة تستعمله بمعنى النبيه الكثير الفهم اللبق الذي يحسن التصرف بالأمر.
(4) الجب: هو البئر.(4/145)
24 - العرب: الخلة تدعو إلى السلة (1).
25 [شاعر]:
من يأمن الذئب على غدره ... أهل لأن يخفره الذيب (2)
26 - كان عمر بن مهران (3) يكتب على روشمه (4): اللهم احفظه ممن يحفظه.
27 - الفرزدق:
إنّ أبا الكرشاء ليس بسارق، ولكن متى ما يسرق القوم يأكل 28قال لرجل غلامه: يا سيدي قد سرق الحمار، فقال: الحمد لله الذي لم أكن على ظهره.
29 - أعرابي:
ألا لا أبالي بعد قوس سرقتها ... بمكة أن لا يكتب الله لي أجرا
30 - دخل شهر بن حوشب، وهو من جلة القراء والمحدثين، بيت
__________
(1) الخلة تدعو إلى السلة: الخلة بفتح الخاء الحاجة والفقر والسلّة السرقة الخفيّة ومعناه ان الفقر أو الحاجة أمر يدعو إلى السرقة.
(2) يخفره: نقض عهده وغدر به.
(3) عمر بن مهران: هو عمر بن مهران ولاه هارون الرشيد على مصر سنة 176هـ بعد أن عزل عنها موسى بن عيسى حين بلغه أن موسى عازم على الخلع. وقال والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي فاحضر عمر بن مهران وكان أحول مشوه الخلق وكان لباسه خسيسا وكان يردف غلامه خلفه.
راجع ترجمته في الطبري وابن الأثير حوادث سنة 176والنجوم الزاهرة 2: 80.
(4) روشمه: لفظ سوادي. قال الجوهري: الروشم: اللوح الذي يختم به البيادر بالسين والشين معا. قال عرام ويقال للخاتم الذي يختم به على البر: الروشم والروسم يقال رشمت الطعام أرشمه إذا ختمته والروشم الطابع.(4/146)
المال، فأخذ خريطة (1) دراهم، وقيل فيه:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
وضرب بخريطة شهر المثل فيما يختزله المتسمون بالستر من أموال الناس.
31 - كان للمأمون خادم يتولى وضوءه فيسرق طساسه (2)، فقال له يوما: لم تسرقها؟ فهلا تأتيني بها فأشتريها منك؟ قال: بدينارين.
فاشتراها منه وقال: فهذه الآن في أمان؟ قال: نعم، قال: فلنا فيها كفاية إلى دهر.
32 - لو خلا بالكعبة لسرقها.
33 - ذكر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (3): إن بابك بن ساسان كان يغشى البيت، وآخر ما زاره دفن فيه غزالا من ذهب، عيناه من ياقوت وفي أذنيه شنفان من ذهب بدرتين، والسيوف القلعية (4) التي لم تكن إلا لفارس.
وهو الغزال الذي سرقه أبو إهاب. وذلك أنه كان أبو إهاب وديك
__________
(1) خريطة دراهم: الخريطة هنا بمعنى الكيس الذي توضع فيه الدراهم وتكون من الخرق والأدم تشرج على ما فيها.
(2) طساسه: الطّساس جمع طسّ وهو لغة الطست قيل أصله الطست فلما عربته العرب قالوا طسّ.
(3) هشام بن محمد بن السائب الكلبي: هو هشام بن محمد أبي النضر بن السائب بن بشر الكلبي أبو المنذر. كان عالما بالإنسان وأخبار العرب وأيامهم كأبيه محمد بن السائب له تصانيف عديدة تزيد على مائة وخمسين مصناف وهو من أهل الكوفة مات سنة 204هـ وقيل سنة 206هـ.
راجع ترجمته في معجم المطبوعات العربية ص 226والأعلام 9: 87وتاريخ بغداد 14: 45.
(4) السيوف القلعية: السيوف القلعيّة نسبه إلى القلعة بفتح القاف واللام وهي موضع بالبادية نسب إليه السيوف.(4/147)
ودييك موليان لخزاعة يشربون، فنفذ شرابهم، فقال أبو إهاب والله ما نعوّل على شيء إلا على غزال الكعبة، فسرقوه، فعظم ذلك على قريش وقطعوا الموليين، ولم يقووا على أبي إهاب، وفيه يقول حسان:
أبا إهاب فبيّن لي حديثكم ... أين الغزال عليه الدرّ من ذهب
34 - سباع بن كوثل السلمي (1)، وكان لصا فحبس حتى مات في السجن:
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... أجرر حبلي ليس فيه بعير
وأن أسأل المرء الدني بعيره ... وبعران ربي في البلاد كثير
35 - كان لعمرو بن دويرة البجلي (2) أخ قد كلف ببنت عم له، فتسور عليها، فأخذه أخوتها وأتوا به خالد بن عبد الله القسري وسرّقوه (3)
وسأله فصدقهم ليدفع الفضيحة عن الجارية. فأراد خالد قطعه، فقال عمرو:
أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المسكين فينا بسارق
أقر بما لم يأته المرء أنه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاتق (4)
فزوجه خالد الجارية.
36 - سرق رجل من مجلس أنوشروان جام ذهب (5) وهو يراه، فلما فقده الشرابي قال: والله لا يخرج أحد حتى يفتش، فقال أنوشروان: لا تعرضن لأحد، فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينم عليه.
37 - وسرق رجل من مجلس معاوية كيس دنانير وهو يراه، فقال
__________
(1) سباع بن كوثل السلمي: لم نقع له على ترجمة.
(2) عمر بن دويرة البجلي: لم نقع له أيضا على ترجمة.
(3) سرّقوه بتشديد الراء نسبوه إلى السرقة. جعلوه سارقا.
(4) العاتق الشابة قد أدركت وبلغت فخدرت في بيت أهلها ولم تتزوج.
(5) جام ذهب: كأس من ذهب.(4/148)
الخازن: قد نقص من المال كيس دنانير، فقال: صدقت، وأنا صاحبه وهو محسوب لك.
38 - قطع على قوم بالبادية، فكتب إلى عمرو بن حنظلة (1): أما بعد فأنكم أقوام قد استنكحتم هذه الفتنة، فلا على حق تقيمون، ولا عن باطل تمسكون، وإني أقسم بالله لتأتينكم مني خيل تدع أبناءكم يتامى، ونساءكم أيامى، ألا وأيما رفقة مرت بأهل ماء فأهل الماء ضامنون (2) لها حتى تأتي الماء الآخر. فكانت الرفقة إذا وردت أهل الماء أخذوها حتى يوردوها الماء الآخر.
39 - قال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأسواري (3) لم يزل يذكرك ويقول الضال. فقال عمرو: والله يا هذا ما رعيت حق مجالسته حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا.
840 - من نمّ لك نمّ عليك.
__________
(1) عمرو بن حنظلة: ربما كان عمرو بن حنظلة التميمي، من بادية البصرة عاش إلى أيام خلافة مروان بن الحكم وحضر يوم الربذة وهو يوم استؤصل به أهل الشام مع حبيش بن دلجة القيني وكان مروان بن الحكم لما بويع له بالشام أنفذه إلى المدينة فاستولى عليها وهرب عامل ابن الزبير إلى مكة، فأنفذ عامل ابن الزبير على البصرة جيشا فيهم عمرو ابن حنظلة إلى حبيش فلقوه بالربذة فقتلوه وقتلوا جيشه فقال عمرو بن حنظلة في ذلك شعرا.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 228.
(2) ضامنون لها: متعهدون لها.
(3) الأسواري: ربما كان أبو علي عمرو بن قائد الأسواري نسبته إلى نهر الأساورة بالبصرة كان على مذهب القدر والإعتزال له مع عمرو بن عبيد مناظرات ومواقف كان يتردد باستمرار على محمد بن سليمان أمير البصرة مات على ما يعتقد بعد المائتين بيسير.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 368والحيوان 6: 191ميزان الاعتدال 3: 283ولسان الميزان 4: 372.(4/149)
41 - قالوا في السعاة (1): كفى إن الصدق محمود إلا منهم، وإن أصدقهم أخبثهم.
42 - وشى واش برجل إلى الإسكندر فقال: أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل منه ما يقول فيك، قال: لا، قال: فكف عن الشر يكف عنك.
43 - قال رجل لفيسلوف: عابك فلان بكذا، فقال: لقيتني بقحتك (2) بما استحيي أن يلقاني به.
44 - شاعر:
يسعى عليك كما يسعى إليك فلا ... تأمن غوائل ذي وجهين كيّاد
45 - ابن الطثرية:
تكنفني الواشون من كل جانب ... ولو كان واش واحد لكفاني
إذا ما جلسنا مجلسا نستلذه ... تواشوا بنا حتى أمل مكاني
46 - العلاء بن المنهال الغنوي (3):
قل للمساور أنّ زهدم خائن ... فخف الآله واعفنا من زهدم (4)
إن العفيف إذا استعان بخائن ... كان العفيف شريكه في المأثم
47 - عاتب مصعب بن الزبير الأحنف على شيء بلغه عنه، فاعتذر،
__________
(1) السعاة: النمامون: ناقلو الكلام الذين يتوخون من وراء ذلك الفتنة.
(2) قحة: قلة الحياء.
(3) العلاء بن المنهال الغنوي: لم نقع له على ترجمة.
(4) المساور ربما كان المساور بن عبد الحميد: من الدهاقين من أهل اليوازيج وكان من الشراة خرج على العباسيين في خلافة المعتز في رجب سنة 253هـ وهزم لهم عدة جيوش ومات سنة 263هـ.
راجع ترجمته في الطبري وابن الأثير حوادث سنة 263هـ.(4/150)
فقال: أخبرني بذلك الثقة، فقال: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا ينم.
48 - اشترى الربيع بن خميم فرسا بثلاثين ألفا يغزو عليه، فأرسل غلامه ليحتش (1) له، وربطه وقام يصلي، فسرق وهو لا يفطن لاشتغاله بالصلاة، فقال: اللهم إن كان عويا (2) فاهده، وإن كان فقيرا فاغنه، ثلاث مرات.
49 - حذيفة رضي الله عنه: ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت إن كان مسلما رده عليّ إسلامه، وإن كان نصرانيا رده عليّ ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا أو فلانا.
50 - جعل سمعه مدرج النمائم (3).
51 - كتب الفضل بن سهل: إنا نرى أن قبول السعاية شر من السعاية فان السعاية (4) دلالة، والقبول إجازة (5). فانف هذا الساعي فإن يكن في سعايته صادقا فهو في صدقه لئيم، إذ لم يرع الحرمة، ولم يستر العورة.
52 - صالح بن عبد القدوس:
من يخبّرك بشتم عن أخ ... فهو الشاتم لا من شتمك
ذاك شيء لم يواجهك به ... إنما اللوم على من أعلمك
كيف لم ينصرك إن كان أخا ... ذا حفاظ عند من قد ظلمك
53 - المستورد (6) رفعه: من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله مثلها من نار
__________
(1) يحتش له: يأتي له بالحشيش وهو الكلأ الرخص الأخضر.
(2) الغوي: من اضلته الغواية وحاد عن الصراط السوي.
(3) مدرج النمائم: تتدرج فيه الواحدة: تلو الأخرى.
(4) السعاية: ما يقوم به السعاة من نقل الكلام والنميمة لإيقاع الفتنة.
(5) إجازة: بمعنى عطاء الجائزة.
(6) المستورد: هو المستورد بن شداد بن عمرو الفهري القرشي المكي من بني محارب بن فهر. له ولأبيه صحبة ويوم قبض الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان المستورد غلاما كان من ثقات رواة الحديث. وأحاديثه في الصحيح والترمذي.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 40وتهذيب التهذيب 10: 106والإصابة 6: 87.(4/151)
جهنم (1). هو أن يسعى بأخيه ويجتر نفعا بسعايته.
54 - الجنيد (2): ستر ما عاينت أحسن من إشاعة ما ظننت.
55 - عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها.
56 - طريح (3):
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
وحسبك تهمة ببرىء قوم ... يضم على أخي سقم جناها
ولا تردعي الأسرار سمعي فإنما ... تصبين ماء في إناء مثلم
57 - حلة امرىء القيس (4) مثل في كرامة تحتها شر وغدر. وذلك أنه مر إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه. فأمده بجيش، فلما سار خطىء
__________
(1) لم يرد هذا الحديث في كتب الصحاح على هذه الصورة ولكن هناك حديث قريب منه في معناه.
(2) الجنيد: هو الجنيد بن محمد البغدادي الصوفي المتقدمة ترجمته.
(3) طريح: هو طريح بن إسماعيل بن عبيد بن أسيد الثقفي. شاعر نشأ في دولة بني أمية وانقطع إلى الوليد بن يزيد وتقرب منه قبل أن يلي الخلافة واستمر اتصاله به بعد الخلافة، وأكثر شعره في مدحه. جعله الوليد أول من يدخل عليه وآخر من يخرج من عنده وكان يستشيره في مهماته الخاصة وشؤون الخلافة وكان مكرما له لانقطاعه إليه ولخؤولته في ثقيف. أدرك طريح دولة بني العباس وكان من شعراء أبي جعفر المنصور مات في أيام المهدي سنة 165هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 4: 302إرشاد الأريب 4: 276رغبة الآمل 6: 104 والأعلام 3: 325.
(4) امرؤ القيس: هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من بني آكل المرار اشتهر بلقبه واختلف المؤرخون باسمه ولد في نجد كان أبوه ملكا على أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر. قال الشعر وهو غلام وراح يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب فبلغ ذلك أباه فنهاه فلم ينته فأبعده إلى حضرموت موطن آبائه وعشيرته وهو في حوالي العشرين من العمر فأخذ هناك يشرب ويطرب ويغزو ويلهو إلى أن ثار بنو أسد فقتلوا أباه فبلغه ذلك وهو يشرب فقال قولته المشهورة ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لأصحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر. وقام من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد وطلبه المنذر ملك العراق فطاف في قبائل العرب ثم رأى أن يستعين بالروم فقصد الحارث بن أبي شمر الغساني فسيّره هذا إلى ملك الروم في القسطنطينية فوعده ومطله ثم ولاه أمرة بادية فلسطين فرحل يريديها. ويقال أن قيصر ندم على ذلك فأتبعه حلة مسمومة فلبسها فلما وصل إلى انقرة تقرح جسمه فسمي ذا القروح وبقي فيها إلى أن مات في نحو سنة 80قبل الهجرة.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 31وتهذيب ابن عساكر 3: 104وخزانة البغدادي 1: 160والأعلام 1: 351.(4/152)
في رأيه فأتبعه حلة مسمومة وعزم عليه أن يلبسها، فلما لبسها تقرح جلده وتساقط لحمه.
58 - موسى بن عبد الله بن حسن بن علي رضي الله عنهم:
تولت بهجة الدنيا ... فكل جديدها خلق
وخان الناس كلهم ... فلا أدري بمن أثق
رأيت معالم الخيرات ... سدت دونها الطرق
فلا حسب ولا أدب ... ولا دين ولا خلق
59 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لافتك في الإسلام (1). وعنه: قيد الإسلام الفتك (2) وأول فتكا في الإسلام ما فعله أبو لؤلؤة (3) غلام المغيرة بن شعبة،
__________
(1) لافتك في الإسلام: لم يرد هذا الحديث في كتب الصحاح.
(2) الفتك: إن يأتي الرجل صاحبه على حين غفلة فيشد عليه ويقتله. والغيلة أن يخدع الرجل حتى يخرج به إلى موضع يخفى فيه أمره ثم يقتله. (لسان العرب).
(3) أبو لؤلؤة: هو فيروز المجوس النهاوندي كان من نهاوند فأسرته الروم وأسره المسلمون من الروم كان غلام المغيرة بن شعبة. قيل في قصة قتله عمر: خرج عمر بن الخطاب يطوف يوما في السوق فلقيه أبو لؤلؤة فقال يا أمير المؤمنين أعدني على المغيرة بن شعبة فإن علي خراجا كثيرا فقال كم خراجك قال؟ قال درهمان كل يوم.
قال وأيش صناعتك؟ قال: نجار نقاش حداد قال: فمّا أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال قد بلغني أنك تقول لو أردت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت قال: نعم قال فاعمل لي رحى: قال لئن سلمت لأعملنّ لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ثم انصرف عنه فقال عمر لقد أوعدني العبد الآن. فلما كان بعد ثلاثة أصبح عمر وخرج إلى الصلاة واستوت الصفوف. دخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته هي التي قتلته وكان ذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة 33هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 33هـ وتاج العروس 1: 113والأعلام.(4/153)
قاتل عمر رضي الله عنه، ثم فتكة عمرو بن جرموز (1) بالزبير بن العوام، ثم فتكة عبد الرحمن بن ملجم (2) بعلي رضي الله عنه.
__________
(1) عمرو بن جرموز: هو عمرو بن جرموز التميمي السعدي. كان الزبير قد انصرف عن القتال يوم الجمل بعد حديث له مع علي فمر بعسكر الأحنف بن قيس فاتبعه عمرو بن جرموز فلما نزل الزبير للصلاة استدبره ابن جرموز فطعنه في جربان درعه فقتله. وأخذ فرسه وسلاحه وخاتمه فأتى عليا فقال لحاجبه استأذن لقاتل الزبير فقال علي إئذن له وبشره بالنار. وكان قتله للزبير سنة 36هـ.
راجع ترجمته في الطبري وابن الأثير حوادث سنة 36هـ.
(2) عبد الرحمن بن ملجم: هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي الحميري من أشد الفرسان أدرك الجاهلية وهاجر في خلافة عمر وقرأ على معاذ بن جبل فكان من القراء وأهل الفقه والعبادة. شهد فتح مصر فكان فيها فارس بني تدؤل وكان من شيعة علي ابن أبي طالب شهد معه صفين ثم خرج عليه فاتفق مع البرك وعمرو بن بكر على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص في ليلة واحدة هي (17رمضان) وتعهد البرك بقتل معاوية وتعهد عمرو بن بكر بقتل عمرو بن العاص وتعهد ابن ملجم بقتل علي فقصد الكوفة واستعان برجل يدعى شبيبا الأشجعي. فلما كانت ليلة 17رمضان كمنا خلف الباب الذي يخرج منه علي لصلاة الفجر فلما خرج ضربه شبيب فأخطأه فضربه ابن ملجم فأصاب مقدم رأسه فنهض من في المسجد فحمل عليهم بسيفه فأفرجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة رمى بها عليه وحمله وضرب به الأرض وقعد على صدره وفر شبيب. وتوفي الإمام علي من أثر الجرح فقتله الحسن قصاصا سنة 40هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 10ولسان الميزان 3: 439وتاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 40هـ.(4/154)
60 - وفتكة البراض (1) في الجاهلية مثل.
61 [شاعر]:
ولا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن السخين العين من بات ليله ... تقلبه الأسرار جنبا إلى جنب
62 - ذم أعرابي رجلا فقال: إن الناس يأكلون أمانتهم لقما وإن فلانا يحسوها حسوا (2).
63 - كتبت غنج جارية الخزاعي (3) على جبهتها: لا كنت أن خنت.
64 - البريء جريء، والخائن خائف.
65 - وفي نوابغ الكلم: الأمين آمن، والخائن حائن.
66 - كان مالك بن الريب (4) يصيب الطريق، فلم يزل بشر بن مروان
__________
(1) البراض: هو البراض بن قيس بن رافع الضمري الكناني أحد فتاك العرب في الجاهلية يضرب بفتكه المثل. خلعه قومه لكثرة جناياته فقدم مكة وحالف حرب بن أمية. ثم قدم العراق على النعمان بن المنذر وطلب منه ان يجعله على لطيمة يريد أن يبعث بها إلى عكاظ فلم يلتفت إليه وجعل أمرها إلى عروة الرحال وهو ابن عتبة بن جعفر ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن هوازن فقال له البراض أتجيرها على كنانة؟
قال نعم وعلى الخلق كله فخرج فيها عروة وخرج البراض يطلب غفلته حتى غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام واستاق العير ولحق بالحرم وبسببه قامت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان سنة 38قبل الهجرة وإنما سميت حرب الفجار بما استحل بها من المحارم.
راجع ترجمته في ثمار القلوب ص 101جمهرة الأنساب 175سيرة ابن هشام 1: 184والطبري وابن الأثير.
(2) يحسوه حسوا: من حسىّ وأحسى وحاسى الرجل الماء يعني اشربه إياه شيئا بعد شيء.
(3) غنج: لم نقع لها على ترجمة ولم نتبيّن من هو مولاها الخزاعي.
(4) مالك بن الريب: هو مالك بن الريب بن حوط بن قرط المازني التميمي كان طريفا أديبا فاتكا أصاب الطريق مدة وآمنه بشر بن مروان ورآه سعيد بن عثمان بن عفان بالبادية في طريقه بين المدينة والبصرة وهو ذاهب إلى خراسان وقد ولاه عليها سنة 56هـ واصطحبه معه إلى خراسان فشهد فتح سمرقند وتنسك وأقام بعد عزل سعيد فمرض في مرو وأحس بالموت فقال قصيدته المشهورة وهي من غرر الشعر وعدتها 58بيتا مطلعها:
ألا ليت شعري هل ابيتنّ ليلة ... بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا(4/155)
يطلبه حتى أتى به، فرأى لسانا وظرفا فقال: ويحك: إني لأرى فيك ما قلّ في رجل، فما يحملك على إصابة الطريق (1)؟ قال: أصلح الله الأمير العجز عن مكافأة الأخوان، قال: أفرأيت إن أغنيتك أتعف؟ قال: أي والله، عفة ما عفها أبو ذر (2) قط. فأغناه، فلما مات بشر عاد إلى قطع الطريق.
__________
(1) إصابة الطريق: قطعها على السابلة.
(2) أبو ذر: هو أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة المتقدمة ترجمته.(4/156)
الباب الثالث والستون الغموم، والمكاره، والشدائد، والبلايا، والخوف، والجزع، والبكاء
1 - حذيفة رضي الله عنه: إن أقر يوم لعيني ليوم لا أجد فيه طعاما، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله ليتعاهد (1) عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض الطعام.
2 - وروى أبو عقبة (2) عنه عليه السّلام: إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه. قالوا: وما اقتناؤه؟ قال: لا يترك له مالا ولا ولدا، ثم قال: والذي نفسي بيده لسمعت رسول الله. فذكر الحديث.
3 - مر موسى عليه السّلام برجل كان يعرفه مطيعا لله، قد مزقت السباع لحمه وأضلاعه، وكبده ملقاة، فوقف متعجبا فقال: أي رب، عبدك ابتليته بما
__________
(1) تعاهد: تحفظ الشيء وتفقده.
(2) أبو عقبة: هو أبو عقبة الفارسي اسمه رشيد شهد يوم أحد أو ربما كان عقبة هذا هو أهبان بن أوس الأسلمي قديم الإسلام صلى القبلتين ونزل الكوفة ومات بها في ولاية المغيرة وكان من أصحاب الشجرة. ولم يتبين من هو راوي الحديث منهما ولم نجد هذا الحديث في كتب الصحاح ولا في مسند ابن حنبل ولا الدارمي ولا الموطأ ليمكننا التحقيق من راويه.
راجع الإصابة 7: 132122و 1: 79.(4/157)
أرى؟ فأوحي إليه: إنه سألني درجة لم يبلغها بعمله، فأحببت أن ابتليه لأبلغه تلك الدرجة.
4 - ليث (1) عن الحكم (2) الغموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب.
5 - الحسن: في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي كَبَدٍ} (3): لا أعلم خليقة تكابد من الأمر ما يكابد هذا الإنسان، يكابد مضائق الدنيا وشدائد الآخرة.
6 - علي بن أمية الكاتب (4) في فتنة الأمين.
دهتنا أمور تشيب الوليد ... ويخذل فيها الصديق الصديق
فبالله نبلغ ما نرتجي ... وبالله ندفع ما لا نطيق
7 - علي رضي الله عنه: فكم من منعم عليه مستدرج بالنعم، ورب مبتل مصنوع له بالبلوى.
8 - ابن المعتز: من لم يتعرض للنوائب تعرضت له.
9 - لم يزل زكريا عليه السّلام يرى ولده يحيى صلى عليه مغموما باكيا
__________
(1) هو ليث بن سعد الفهمي: المتقدمة ترجمته.
(2) الحكم: لم نتأكد على وجه التحديد من هو الحكم هذا ولعله الحكم بن عبد الله البلوي المصري المذكور عند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب.
راجع تهذيب التهذيب 2: 420.
(3) الآية رقم 4من سورة البلد. يقول الفراء في تفسير هذه الآية الكريمة: خلقناه منتصبا معتدلا: ويقال في كبد أي أنه خلق يكابد ويعالج أمر الدنيا والآخرة. وقيل في شدة ومشقة.
(4) علي بن أمية الكاتب: هو علي بن أمية بن أبي عمرو الكاتب مولى بني أمية بن عبد شمس وهو أخو محمد بن أمية وابن أخي محمد وعلي ابني أبي أمية وهم شعراء. كان على هذا شاعرا غير أن شعره كان قليلا وغير معروف.
راجع تاريخ بغداد 11: 351وتاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 251(4/158)
مشغولا بنفسه، فقال: يا رب، طلبت منك ولدا انتفع به فرزقتنيه لا أنتفع به، قال: طلبته وليا، والولي لا يكون إلا هكذا.
10 - الثوري (1): لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة.
11 - الغم يشيب القلب، ويعقم العقل، فلا يتولد معه رأي، ولا تصدق معه روية.
12 - سئل ابن عباس عن الحزن والغضب، فقال: أصلها وقوع الشيء بخلاف المحبة، فمن أتاه المكروه ممن فوقه نتج عليه حزنا، ومن أتاه ممن دونه نتج غضبا.
13 - الأحنف: عهد البلاء خادم يدمدم (2)، وبيت يكف، وحطب يفرقع، وخوان ينتظر.
14 - أتى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب برجل لضرب عنقه فقال بعض جلسائه: هذا والله جهد البلاء. فقال: لا تقل، فو الله ما هذا وشرطة حجام الأسواء، ولكن جهد البلاء فقر مدقع بعد خير موسع.
15 - وعن المعتمر بن سليمان (3): لم يعالج جهد البلاء من لم يعالج الأيام.
16 - الجاحظ: جهد البلاء أن تظهر الخلة (4)، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعرك إلا أخا صارما، وابن عم شامتا، وجارا كاشرا، ووليا قد تحول عدوا، وزوجة مختلعة، وجارية مستبيعة، عبدا يحقرك وولدا
__________
(1) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري.
(2) يدمدم: يغضب والدمدمة الكلام الذي يزعج الإنسان. ويكف مضارع وكف يقال.
وكف الغيث وأوكف وتوكف بمعنى هطل وقطر ويفرقع يحدث له دوي. والخوان ما يؤكل عليه. أو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل.
(3) المعتمر بن سليمان هو المعتمر بن سليمان بن طرخان المتقدمة ترجمته.
(4) الخلة بفتح الخاء هي الحاجة والفقر وصارم اسم فاعل من صرم أي قاطع وشامت اسم فاعل من شمت وهو الذي يفرح بالمكروه الذي يصيب الآخرين وكاشر اسم فاعل من كشر وهو الذي يكشر عن أسنانه ويفعل كما يفعل السبع ويتنمّر ويوعد. والمختلعة الزوجة طلقت بفدية من مالها والمستبيعة التي طلبت أن يبيعها مالكها وانتهره أي بالغ زجره وردعه.(4/159)
ينتهرك.
17 - البرايا أهداف البلايا.
18 - الصاحب: هو بين أنياب الدهر، ونوائبه تحطمه بصريفها وتعتوره بصروفها (1).
19 - فرقد السبخي: قرأت في التوراة التي لم تبدل: من ملك استأثر ومن لم يستشر ندم، والحاجة الموت الأكبر، والهم نصف الهرم.
20 - سمع حكيم رجلا يقول لآخر: لا أراك الله مكروها، فقال:
كأنك دعوت عليه بالموت، فإن صاحب الدنيا لا بد له من أن يرى مكروها.
21 - الدهر سلك حوادث وخطوب.
22 - العرب: ويل أسهل من ويلين:
23 - خرط القتاد دونه، ولقط الرمل أسهل منه (2).
24 [شاعر]:
ومطوي على حرق ... يكابد لوعة الأرق
__________
(1) بصروفها: جمع صريف وهو هنا صوت الأنياب. يقال صرف نابه إذا بدا منه صوت وتعتوره: تتداوله بينها. وصروف الدهر نوائبه وحدثانه.
(2) القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر يقال: من دون هذا الأمر خرط القتاد أي أنه لا ينال إلا بمشقة عظيمة وأن خرط القتاد أسهل منه. وخرط القتاد هو انتزاع قشرة أو شوكه باليد. ولقط الرمل هو أيضا أمر في غاية الصعوبة لأن الرمل لا يثبت في اليد ولا يستقر بها.
كأن فؤاده قلقا ... لسان الحية الفرق
تكاد غروب دمعته ... تعم الأرض بالغرق
«25شاعر]:(4/160)
__________
(2) القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر يقال: من دون هذا الأمر خرط القتاد أي أنه لا ينال إلا بمشقة عظيمة وأن خرط القتاد أسهل منه. وخرط القتاد هو انتزاع قشرة أو شوكه باليد. ولقط الرمل هو أيضا أمر في غاية الصعوبة لأن الرمل لا يثبت في اليد ولا يستقر بها.
كأن فؤاده قلقا ... لسان الحية الفرق
تكاد غروب دمعته ... تعم الأرض بالغرق
«25شاعر]:
وأحوال أبت إلا التباسا ... تبث الشيب في رأس الوليد
وتقعد قائما بشجا حشاه ... وتبعث للقيام حبي القعود (1)
وأضحت خشّعا منها نزار ... مركبة الرواجب في الخدود (2)
26 - بقي والله مغموزا، مقروعا صفاته، مسلوخا شواته (3).
27 - ابن عيينة: الدنيا كلها غموم، فما كان منها من سرور فهو ربح.
28 - العتبي: إذا تناهى الغم انقطع الدمع، بدليل أنك لا ترى مضروبا بالسياط، ولا مقدما إلى ضرب العنق يبكي.
29 - شعيب بن الحبحاب (4): الحزن ينضو كما ينضو الخضاب (5)، ولو بقي الحزن على أحد لقتله.
30 - تزوج مغن نائحة، فسمعها تقول: اللهم أوسع علينا في الرزق. فقال: يا هذا إنما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك، إن
(1) الشجا: هو ما اعترض ونشب من عظم ونحوه والحبى جمع حبوة وهو ما يحتبى به من ثوب وغيره والإحتباء إدارة الثوب على ساقيه وظهره وهو جالس ليستند.
(2) الرواجب هي أوتار مخارج صوت الحمار.
(3) ثواته: جلدة الرأس.
(4) شعيب بن الحبحاب: هو شعيب بن الحبحاب الأزدي أبو صالح البصري من ثقات رواة الحديث من أهل البصرة روى أنس وأبي العالية وإبراهيم النخعي مات سنة 130هـ وقيل سنة 131وغسله أيوب السختياني.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 18وتهذقب التهذيب لابن عساكر 4: 350.
(5) الخضاب: ما يخضب به بالحناء عادة أو نحوه.(4/161)
كان فرح دعوني، أو حزن دعوك.
31 - نفقت دابة لجندي، فقيل: لا تغتم فلعله خيرة، فقال: لو كان خيرة لكان حيا وإلى جانبه بغل.
32 - وهب بن منبه: إذا سلك به طريق البلاء سلك به طريق الأنبياء.
وعنه: البلاء للمؤمن كالشكال للدابة.
33 - في بعض كتب الله تعالى: كانوا إذا طالت بهم العافية حزنوا، ووجدوا في أنفسهم، فإذا أصابهم البلاء فرحوا، وقالوا: عاتبكم ربكم فأعتبوه.
34 - مطرف (1): ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته.
35 - كان سفيان عند رابعة (2) فقال: واحزناه! فقالت: واقلة حزناه! فإنك لو كنت حزينا ما هنأك العيش.
36 - أويس القرني: كن في أمر الله تعالى كأنك قتلت الناس كلهم.
يعني خائفا مغموما.
37 - أبو حنيفة رحمه الله: ما أعلم أشد حزنا من المؤمن، شارك أهل الدنيا في هم المعاش، وتفرد في هم آخرته.
38 - شعيب بن حرب (3): كنت إذا نظرت إلى الثوري كأنه رجل في
__________
(1) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير المتقدمة ترجمته.
(2) رابعة: هي رابعة العدوية المتقدمة ترجمتها.
(3) شعيب بن حرب هو أبو صالح شعيب بن حرب المدائني البغدادي كان من ابناء خراسان من أهل بغداد. نزل المدائن واعتزل بها ثم خرج إلى مكة فنزلها إلى أن مات سنة 197هـ.
كان عابدا فاضلا من ثقات رواة الحديث.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 66وتهذيب التهذيب لابن عساكر 4: 350.(4/162)
أرض مسبعة خائف الدهر كله، وإذا نظرت إلى عبد العزيز بن أبي رواد فكأنه يطلع إلى القيامة من كوة.
39 - الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه خربندج (1) ظل حماره وهم مغتم يتفكر في أمر الآخرة.
40 - إبراهيم بن بشار (2): صحبت إبراهيم بن أدهم فرأيته طويل الحزن، دائم الفكر، واضعا يده على رأسه، كأنما أفرغت عليه الهموم إفراغا.
41 - لا يجزع من المصيبة إلا من يتهم ربه.
42 - جابر بن عبد الله رفعه: يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض، لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء (3).
43 - لما اتخذ الله تعالى إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل، حتى أن خفقان قلبه ليسمع من بعد، كما يسمع خفقان الطير في الهواء.
44 - مسروق: إن المخافة قبل الرجاء، فإن الله خلق جنة ونارا، فلن تخلصوا إلى الجنة حتى تمروا بالنار.
__________
(1) خربندج: خرنبدج كلمة معربة من كلمة خربندة وهو المكاري باللغة الفارسية.
(2) إبراهيم بن بشار: هو إبراهيم بن بشار بن محمد أبو إسحاق الخراساني الصوفي خادم إبراهيم بن أدهم كان من ثقات رواة الحديث قدم بغداد وحدث فيها مات في حدود سنة 240هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 6: 47وتهذيب التهذيب 1: 11وميزان الإعتدال 1: 24.
(3) ورد هذا الحديث على غير هذه الصورة عند الترمذي في باب زهد وهو عنده على هذا الشكل: «يود أهل العافية يوم القيامة لو أن جلودهم قرضت في الدنيا بالمقاريض»(4/163)
45 - قيل لفضيل: بم بلغ ابنك الخوف الذي بلغ؟ قال: بقلة الذنوب.
46 - فضيل: إذا قيل لك أتخاف الله تعالى؟ فاسكت، فإنك أن قلت لا جئت بأمر عظيم، وإذا قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه.
47 - عيسى عليه السّلام: هول لا تدري متى يغشاك، ما يمنعك أن تسعتد له قبل أن يفجأك (1).
48 - أبو المطراب (2):
لقد خفت حتى لو تمر حمامة ... لقلت: عدو أو طليعة معشر
فإن قال خير قلت هذي خديعة ... وإن قال: شر قلت حق فشمر
49 - صالح المري (3): أخوف ما أخاف على عطاء شدة خوفه، يريد عطاء السلمي وقد انسلخ مجرى دموعه من البكاء.
50 - قيل لرابعة القيسية: هل عملت عملا ترين أنه مقبول؟ قالت:
إن كان شيء فخوفي أن يرد علي عملي.
51 - قيل لسفيان: ما أوثق ما تثق به من عملك؟ قال: لقد نزلت بي هيبة الله حتى ما أهاب شيئا غيره.
52 - قال ذر (4) لابيه عمر (5): ما لهم يتكلمون فلا يبكي أحد، وإذا
__________
(1) يفجأك: قبل أن يأتيك فجأة على حين غرة منك.
(2) أبو المطراب: هو عبيد بن أيوب العنبري من بني العنبر: شاعر إسلامي. كان لصا وكان جنى جناية فطلبه السلطان وأهدر دمه فهرب في مجاهل الأرض وكان يخبر في شعره أنه يرافق الغول والسعلاة وينام مع الذئاب والأفاعي ويأكل مع الظباء والوحوش وله أشعار متفرقة في كتب الأدب.
راجع ترجمته في سمط اللآلي والحيوان والشعر والشعراء ص 668.
(3) صالح المري: هو صالح بن بشير المري البصري المتقدمة ترجمته.
(4) ذر: هو ذر بن عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الموهبي من أهل الكوفة.
مات قبل أبيه وكان بارا بوالديه وكان موته فجأة فأظهر عليه أبوه جلدا وصبرا عظيمين فلما واروه التراب وقف على قبره وقال: رحمك الله يا ذر ما علينا بعد من خصاصة وما بنا إلى أحد مع الله حاجة وما يسرني أن أكون المقدم قبلك. لقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك فيا ليت شعري ماذا قيل لك. وماذا قلت.
راجع ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم 5: 109108.
(5) عمر: هو عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الموهبي المتقدمة ترجمته.(4/164)
تكلمت أنت كثر البكاء؟ قال: يا بني، ليست النائحة المستأجرة (1) مثل النائحة الثكلى.
53 - فضيل: البكاء بكاءان: بكاء بالقلب وبكاء بالعين. فبكاء القلب البكاء على الذنوب وهو البكاء النافع، وبكاء العين فإنك لترى الرجل تبكي عيناه وإن قلبه لقاس.
54 - بكى نوح ثلاثمائة سنة لقوله: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (2).
55 [شاعر]:
مررنا بأعلى الجزع من قلة الحمى ... على طلل لم تبق إلا معالمه (3)
وددت وقد عجنا نحييه أن لي ... دموع الورى دمع وأني ساجمه (4)
__________
(1) الثكلى: هي التي فقدت ولدها وبكته والمتسأجرة هي التي تبكي دون أن تفقد أحدا وشتان ما بينهما.
(2) الآية 45من سورة هود: وتمامها هو: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحََاكِمِينَ}.
(3) جزع الوادي بالكسر هو ما اتسع من مضايقه أنبت أو لم ينبت. وقيل لا يسمي جزع الوادي جزعا حتى تكون له سعة تنبت الشجر وغيره. وقيل هو منحناه. والقلة أعلى الجبل وقلة كل شيء أعلاه. والحمى ما حمي وهو موضع فيه كلا يحمى من الناس أن يرعى. والطلل ما شخص من آثار الديار والمعالم: ما يستدل به على الشيء من أثر.
(4) عاج: بمعنى رجع وعاج بالمكان وفيه أقام. وساجم اسم فاعل من سجم الدمع أساله.(4/165)
56 - وصف عيسى بن مريم أولياء الله فقال: كان يسقي زروعهم دموع أعينهم حتى أنبتوا، وأدركوا الحصاد يوم فقرهم.
57 - أنس: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النار وبين يديه حبشي اشتد بكاؤه، فنزل جبرائيل فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وكرمي وسعة رحمتي لا تبكي عين عبد في الدنيا إلا أكثرت ضحكه في الآخرة.
58 - كعب (1): لئن أبكي من خشية الله تعالى حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل ذهب.
59 - محارب بن دثار (2): رأيت عمر يبكي في صلاته فلما فرغ قال: إن الشمس تبكي من خشية الله، فإن لم تبكوا فتباكوا (3). فليس يرد غضب الله تعالى إلا الاستغفار والبكاء والدعاء.
60 - العباس بن الأحنف:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار (4)
61 - الحسن: تكلم ذات يوم فأبكى من عنده فقال: أعجيج عجيج النساء ولا عزم، إن أخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون.
62 - بعضهم رأيت الحسن سنتين، فما أخطأني يوم أن أرى دموعه تحادر على لحيته.
__________
(1) كعب: المقصود به هنا كعب الأحبار، كعب بن ماتع المتقدمة ترجمته.
(2) محارب بن دثار: هو محارب بن دثار القاضي المتقدمة ترجمته.
(3) تباكى: طلب البكاء واسترجع الدمع.
(4) عند ما تكلم ابن خلكان في وفيات الأعيان عن العباس بن الأحنف أورد هذين البيتين وقبلهما هذا البيت وهو أولها:
يا أيها الرجل المعذب نفسه ... أقصر فإن شفاءك الإقصار(4/166)
63 - عمرو بن ضبيعة الرقاشي (1):
تضيق جفون العين عن عبراتها ... فتسفحها بعد التجلد والصبر
وغصة صدر أظهرتها فرفّهت ... حزازة حرّ في الجوانح والصدر (2)
64 - العباس بن الفرج الرياشي (3):
عجبت لنوح النائحات عشية ... حواسر أمثال البغال النوافر
بكى الشجو ما فوق اللهى من حلوقها ... ولم يبك شجوا ما وراء الحناجر
65 - الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (4):
__________
(1) عمرو بن ضبيعة الرقاشي: لم نقع له على ترجمة كاملة وقد ذكره التبريزي في شرح الحماسة 3: 327والمرزباني في معجم الشعراء ص 225ولم يترجما له.
راجع أيضا شرح المرزوقي 5: 140والزهرة 201و 323.
(2) الحزازة: يقال حزّ في نفسي آلمها وأوجعها.
(3) العباس بن الفرج الرياشي: هو العباس بن الفرج بن علي بن عبد الله الرياشي البصري أبو الفضل سمي الرياشي لأنّ أباه كان عبد رجل من جذام، اسم جده رياشي فبقي عليه نسبه وكان من كبار النحاة وأهل اللغة راوية للشعر. مات مات مقتولا في واقعة الزنج بالبصرة في خلافة المعتمد سنة 257هـ له تصانيف عديدة منها: كتاب الخيل وكتاب الإبل وكتاب ما اختلفت اسماؤه من كلام العرب.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 138. والمنتظم لابن الجوزي 5/ 2ووفيات الأعيان 1: 246.
(4) الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: هو الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب الهاشمي نشأ بالمدينة وصحب أخاه عبد الله بن معاوية إلى الكوفة وكان معه حين دعا لنفسه بالكوفة سنة 127هـ ثم ذهب معه إلى إيران حين خذله أهل الكوفة واستعمله أخوه على الجبال سنة 129هـ فنزل في دير هناك على ميل من اصطخر وحين قضى الأمويون على ثورة أخيه لجأ إلى خراسان ولما ظهر بنو العباس عاد الحسن إلى المدينة ثم كان مع محمد النفس الزكية حين أعلن الدعوة لنفسه سنة 145هـ واستعمله محمد على مكة فلما قتل محمد لحق بأخيه إبراهيم بالبصرة فلم يزل مقيما بها حتى قتل إبراهيم. ولم تذكر المصادر أين انتهى به الأمر بعد ذلك.
راجع المزيد عنه في الطبري والأغاني 10: 107و 12: 74.(4/167)
أتعجب من جاري دموعي ومن ضوى ... كأنك لم تسمع بقاصمة الظهر
ولم تأتك الأنباء عن يوم كربلا ... وقتل حسين فيه والفتية الزهر
فلا تعجبن مني ومن فيض عبرتي ... فأعجب منه عند ذكرهم صبري
66 - دخل بعض ولد عبد الملك بن مروان عليه باكيا لضرب المعلم إياه فشق على عبد الملك، فأقبل عليه رجل من الخوارج فقال: دعه يبك فإنه أرحب لشدقه (1)، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى أن لا تأبى عليه عينه إذا أحقرته طاعة الله فاستدعى عبرتها. فأعجبه ذلك وسكت.
67 - شاعر:
ألا رب هم يمنع النوم برحه ... أقام كقبض الراحتين على الجمر
وشوق كأطراف الأسنة في الحشا ... ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري
68 - فيلسوف: الندم على الفائت تضييع وقت ثان.
69 - قيل لأبي أيوب (2) صاحب المنصور: نراك إذا دعاك المنصور تغيّر لونك، واضطربت حالك، قال: مثلي مثل باز قال لديك: ما رأيت شرا منك! تكون عند قوم من صغرك إلى كبرك، يطعمونك ويسقونك فإن أرادوا أن ينتقلوا فطلبوك ليأخذوك لم تمكنهم من نفسك إلا بعد جهد جهيد، وأنا يرسلونني فأرجع إليهم من الصحارى والمواضع البعيدة وأصيد
__________
(1) أرحب لشدقه: لفمه الواسع المفتوح.
(2) أبو أيوب: هو أبو أيوب سليمان بن مخلد. وقيل داود المورياني الخوزي. كان كاتبا لسليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة وكانت له يد على أبي جعفر المنصور فلما ولي الخلافة استوزره بعد خالد بن برمك جد البرامكة وتمكن منه غاية التمكن.
ثم غير المنصور رأيه به وفسد نيته فيه فغضب عليه وأوقع به وحبسه واستصفى أمواله سنة 153هـ وكان سبب غضبه عليه سعي أبان بن صدقة كاتب أبي داود إليه. مات أبو أيوب سنة 154هـ. أصله من موريان إحدى قرى الأهواز من أعمال خوزستان وكان لبيبا فصيحا.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 215. الأعلام 3: 198وتاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 153هـ.(4/168)
لهم، قال الديك: أنت ما رأيت بازا في سفود، وأنا قد رأيت عشرين ديكا (1).
70 - بكى ثابت البناني (2) حتى كاد بصره يذهب، فقال له الطبيب:
أعالجك على أن لا تبكي، فقال: وما أخيرهما إذا لم تبكيا؟.
وعنه: اتخذ نبي الله داود تسع حشايا (3) من شعر وحشاهن بالرمل وبكى حتى أنفذهن بالدموع.
71 - مطرف: لو علم الناس رحمته وعفوه لقرت أعينهم، ولو علموا قدر عقوبته وبأسه مارقا لهم دمع.
72 - بديل بن ميسرة العقيلي: البكاء يكون من سبعة أشياء: من الفرح والحزن، والوجع، والفزع، والرياء، والسكر، ومن خشية الله فذلك الذي تطفىء الدمعة منه أمثال البحور من النار.
73 - معاوية بن قرة أبو أياس (4): الزكن (5): من يدلني على رجل بكاء بالليل بسام بالنهار.
__________
(1) ورد هذا الخبر في وفيات الأعيان في ترجمة أبي أيوب وفيه: زعموا ان البازي قال للديك ما في الأرض حيوان أقل وفاء منك قال وكيف ذلك؟ قال: أخذك أهلك بيضة فحضنوك ثم خرجت على أيديهم وأطعموك في أكفهم ونشأت بينهم حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ههنا وههنا وصوّتت. وأخذت أنا مسكنا لي في الجبال فعلموني وألفوا بي ثم يخلى عني فآخذ صيدا في الهواء وأجىء به إلى صاحبي. فقال له الديك إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم المعدة للشّي مثل الذي رأيت من الديوك لكنت أنفر مني. ولكنكم أنتم لو علمتم ما أعلم لم تتعجبوا من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي.
(2) ثابت البناني: هو ثابت بن أسلم البناني البصري: المتقدمة ترجمته.
(3) وسائد: حشايا.
(4) أبو إياس: هو القاضي إياس بن معاوية بن قرة المزني المتقدمة ترجمته.
(5) الزكن: الفطن المتفرس. المتفهم للأشياء بسرعة.(4/169)
74 - إسحاق بن سويد (1): صحبت مسلم بن يسار إلى مكة، فلم أسمعه يتكلم بكلمة، فقال لا أدري ما خشية رجل يدع ما يكرهه الله (2).
75 - يزيد بن أبان الرقاشي من أصحاب أنس والحسن: كان يبكي عامّة ليله ونهاره حتى سقطت أشفار عينيه. فقال له ابنه: لو خلقت النار لأجلك ما زدت على ما تصنع، فقال: وهل خلقت النار إلا لي ولأمثالي؟.
76 - ابن السماك (3): أعقل الناس محسن خائف، وأجلهم مسيء آمن.
77 - إسحاق بن سويد: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، إنما الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعاقبه الله عليه.
78 - فضيل: ما خوفنا عند خوف من كان قبلنا إلا كمثل شبكور (4)
قاد عميانا، فإذا أبصر شيئا قال العميان فلان بصير.
79 - في وصية علي رضي الله عنه: أطردوا واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.
__________
(1) إسحاق بن سويد: هو إسحاق بن سويد بن هبيرة العدوي التميمي البصري من ثقات رواة الحديث توفي في الطاعون في أول خلافة أبي العباس السفاح سنة 131هـ كان فاضلا عالما له بعض إنتاج شعري حسن.
راجع ترجمته في: البيان والتبيين 3: 122تهذيب التهذيب 1: 236طبقات ابن سعد 7: 11.
(2) هذان الخبران مستقلان عن مسلم بن يسار اختلطا الأول يرويه إسحاق بن سويد وقد ورد الخبر بتمامه في حلية الأولياء لأبي نعيم 2: 295. والخبر الثاني رواه ثابت بن أسلم البناني عن مسلم بن يسار وقد ورد في طبقات ابن سعد 7/ 1: 136وفيهما بعض الاختلاف كذلك فقد ورد الثاني في حلية الأولياء 2: 292.
(3) ابن السماك: هو محمد بن صبيح ابن السماك المتقدمة ترجمته.
(4) شبكور: شبكور لفظ فارسي معناه أعشى وهو الذي أصيب بضعف البصر وسوء الرؤية بالليل والنهار وفي الصحاح مصدر الأعشى لمن لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار.(4/170)
80 - كان يقال: عليك بسلاح الصبي، أرادوا التملق والبكاء.
81 - أبو العتاهية:
نأتي المكاره حين تأتي جمة ... وترى السرور يجيء في الفلتات (1)
82 - شعيب اليماني (2): إنّا نجد في الكتب أن العبد إذا استكمل الفجور ملك عينيه فبكى بهما إذا شاء.
83 - خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم: فبكى رجل بين يديه، فقال: لو شهدكم كل مؤمن، كان عليه من الذنوب أمثال الجبال الرواسي، لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة له، تدعو له رحمة الله، وتقول: اللهم شفّع البكائين فيمن لا يبكي.
84 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما اغرورقت عينا عبد من خشية الله إلا حرم الله جسده على النار، فإن فاضت على خده لم يوهن وجهه قتر ولا ذلة، ولو أن عبدا بكى من أمة من الأمم لأنجى الله ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار، وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة فأنها تطفىء بحورا من النار.
__________
(1) الفلتة: المرة من فلت التي تأتي دون تحسب وتقع من غير إحكام.
(2) شعيب اليماني: ربما كان شعيب بن الأسور الجبّائي صاحب الملاحم تابعي.
وجبأ جبل من أعمال الجند باليمن ذكره الذهبي في ميزان الإعتدال 2: 278فقال:
أخباري متروك وروى عنه وهب بن سليمان خبرا عن سفينة نوح.(4/171)
الباب الرابع والستون الفخر، والكبر، والصلف، وإعجاب المرء بنفسه، وذكر الخيلاء، وجر الازار
1 - أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله قد أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب. مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم، أو فليكونن أهون على الله من جعلان تدفع النتن بأنفها (1).
2 - رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يخطر بيديه ويقول:
أنا ابن بطحاء مكة كديتها وكدائها (2)، فقال له: إن يكن لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء.
3 - علي بن الحسين (3)، عنه عليه السّلام في وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه له: يا علي، لا فقر أشد من الجهل، ولا وحشيّة أشد من العجب.
__________
(1) الجعلان: مفردها جعل وهو ضرب من الخنافس تدفع الشر عنها بإخراج رائحة كريهة من فمها.
(2) كديتها وكدائها: كداء بالفتح والمد جبل بمكة. وهو الثنيّة العليا بمكة، مما يلي المقابر وأما كدي بالضم وتشديد الباء الياء فهو موضع بأسفل مكة.
(3) علي بن الحسين: هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.(4/173)
4 - افتخر رجل عند عمر رضي الله عنه فقال: أنا ابن معتلج البطاح (1)، فقال: إن كان لك عقل فلك أصل، وإن كانت لك تقوى فلك كرم، وإن كان لك خلق فلك شرف، وإلا فالحمار خير منك.
إن أحبكم إلينا قبل أن نراكم أحسنكم اسما، فإذا رأيناكم فأحسنكم سمتا، فإذا تلكتم فأنبتكم منطقا، فإذا خبرناكم فأحسنكم عملا، وسرائركم بينكم وبين الله.
5 - أبو هريرة رفعه: بينما رجل يمشي إذ أعجبته جمته وبراده، إذ خسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة (2).
6 - ابن عمر رضي الله عنه رفعه: إن الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة (3).
7 - ابن يسار النسائي (4):
__________
(1) معتلج البطاح: معتلج اسم مكان من اعتلج بمعنى التطم. يقال اعتلج الموج واعتلج الرمل والبطاح جمع بطحاء وهو تراب لين فيه دقات الحصى مما جرته السيول يريد أن يقول أنه من سكان بطحاء مكة.
(2) ورد هذا الحديث في صحيح البخاري على غير هذه الصورة في الجزء 7: 183.
والجمّة بالضم من الإنسان مجتمع شعر رأسه وما ترامى من شعر الرأس على المنكبين. والبراد جمع برد وهو كساء مخطط يلتحف به ويتجلجل يتحرك بصوت.
(3) ورد هذا النص أيضا في صحيح البخاري 7: 182على هذه الصورة من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة مع اختلاف في الإسناد.
(4) ابن يسار النسائي: ابن يسار النسائي هو إسماعيل بن يسار النسائي أبو فايد شاعر من أهل المدينة أصله من سبي فارس. اشتهر بشعر بيته. كان منقطعا ألى آل الزبير فلما انتقلت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان وفد عليه مع عروة بن الزبير ومدحه ومدح الخلفاء من بعده عاش عمرا طويلا حتى أدرك أواخر العهد الأموي ولم يدرك الدولة العباسية. كان طيبا مليحا حلو الحديث حسن الشعر وقد سمي النسائي لأن والده كان يصنع طعام العروس ويبيعه في بعض شعره غناء.
راجع ترجمته في الأغاني 4: 427208وشرح شافية ابن الحاجب ص 318 والأعلام 1: 328.(4/174)
أتيه على جن البلاد وأنسها ... ولو لم أجد جنا لتهت على نفسي
أتيه فلا أدري من التيه من أنا ... سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي
فإن زعموا أني من الأنس مثلهم ... فما لي عيب غير أني من الأنس
8 - رأى رجل رجلا يختال في مشيته فقال: جعلني الله مثلك في نفسك، ولا جعلني مثلك في نفسي.
9 - علي رضي الله عنه: ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك.
10 - أتى وائل بن حجر (1) النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأقطعه أرضا. وقال لمعاوية اعرض هذه الأرض عليه واكتبها له، فخرج مع وائل في هاجرة شاذية، ومشى خلف ناقته، وقال له: أردفني على عجز راحلتك، قال: لست من أرداف الملوك. قال: فأعطني نعليك، قال: ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان، ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي، ولكن امش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفا. ثم إنه لحق زمن معاوية، ودخل عليه فأقعده معه على سريره وحدثه.
11 - داود بن علي (2): الملك فرع نبعة نحن أفنانها، وذروة هضبة نحن أركانها.
__________
(1) وائل بن حجر: هو وائل بن حجر الحضرمي القحصاني أبو هنيدة من أقيال حضرموت. كان أبوه من ملوكهم وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فرحب به وبسط له رداءه فأجلسه معه عليه وقال اللهم بارك في وائل وولده واستعمله على أقيال من حضرموت وأعطاه كتابا للمهاجر بن أبي أمية وكتابا للأقيال والعباهلة. واستقطعه أرضا فأقطعه إياها وبعث معه معاوية ليستلمها ثم شارك في الفتوح ونزل الكوفة واتصل بمعاوية لما ولي الخلافة فأجازه فرد عليه الجائزة ولم يقبلها وأراد أن يجري عليه رزقا فلم يقبل واستقر بالكوفة وكان له عقب بها فكان من ولده بنو خلدون بأشبيلية ومنهم المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون وفي نسبه بعد أبيه خلاف.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 312اللباب 1: 303التعريف بابن خلدون 31 والأعلام 9: 217.
(2) داود بن علي: هو داود بن علي بن عبد الله بن عباس المتقدمة ترجمته.(4/175)
12 - قال المساور بن هند (1) لرجل: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا المساور بن هند، قال: ما أعرفك، قال: فتعسا ونكسا لمن لا يعرف القمر.
13 - علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي (2):
لقد فاخرتنا من قريش عصابة ... بمطّ خدود وامتداد أصابع
فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا والمنادي بفضلنا ... عليهم جهير الصوت من كل جامع
وله:
إني وقومي من أنساب قومهم ... كمسجد الخيف من بحبوحة الخيف (3)
ما علق السيف منا بابن عاشرة ... إلا وهمته أمضى من السيف
14 - قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا؟
قال: مدح الرجل نفسه.
15 - العتابي: العجب ضربان مفترض ومطرح، فأما المفترض فأن يعلم الإنسان نعم الله سبحانه عليه، ويفرح بإحسانه إليه وأما المطرح فعجب الإستطالة (4) الذي نهى الله عنه. ألا ترى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حين
__________
(1) المساور بن هند: هو المساور بن هند بن قيس بن زهير العبسي أبو الصمعاء شاعر معمر قيل أنه ولد في حرب داحس والغبراء قبل الإسلام بنحو خمسين عاما وعاش إلى أيام الحجاج كان يهاجي المرار الفقعسي وقال المرزباني كان أعور من المتقدمين في الإسلام وكان هو وأبوه وجدّه من أشراف بني عبس شعراء فرسان. مات المساور بعمان نحو سنة 75هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 4: 573وشرح الحماسة للتبريزي 1: 312 والأعلام 8: 105.
(2) علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي: لم نقع له على ترجمة.
(3) بحبوحة الخيف: البحبوحة الدار وسطها والخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمي مسجد الخيف من منى.
(4) الإستطالة: التكبر والترفع والإعتداء.(4/176)
يقول: أنا سيد ولد آدم ولا فخر. فجهر بعجب الشكر. وأسقط استطالة الكبر.
16 - مدح أعرابي نفسه، فقيل له: فقال: إلى من أكلها إذن (1).
17 - وكان كعب بن زهير إذا أنشد قصيدة صنع لها خطبة في الثناء عليها، وكان يقول عند إنشادها: لله دري! وأي علم بين جنبي! وأي لسان بين فكي! 18الجاحظ: ولو لم يصف الطبيب مصالح دوائه للمتعالجين لما كان له طالب، ولا فيه راغب.
18 - ولما أبدع ابن المقفع، في رسالته، سماها «اليتيمة» (2) تنزيها لها عن المثل، ولو لم ينحلها هذا الاسم لكانت كسائر رسائله، فسكنت من القلوب موضع إرادته من تعظيمها.
19 - استصحب هشام بن عبد الملك الفرزدق إلى مكة، فأعطاه أربع مائة درهم، فتسخطها وهجاه بقوله:
يرددني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم تكن رأس سيد ... وعينا له حولاء باد عيوبها
فكتب إلى خالد القسري أن أوثقه بالحديد، ففعل، وبلغ ذلك جريرا فوفد على خالد، فقال له: ألا يسرك أن الله قد أخزى الفرزدق؟
__________
(1) أكلها: أسلم أمرها.
(2) اليتيمة وتسمى أيضا الدرة اليتيمة والجوهرة الثمينة. قال صاحب كشف الظنون: هو كتاب لم يصنّف في فنه مثله لخصه بعض المتصوفة وسماه: عظة الألباب وذهيرة الإكتساب. وفي فهرست دار الكتب المصرية الدرة اليتيمة والجوهرة الثمينة وتعرف بالأدب الكبير وقد طبعت بالقاهرة باسم الدرة اليتيمة في طاعة الملوك سنة 1910عني بتصحيحها ووضع مقدمة لها الأمير شكيب أرسلان كما طبعت في بيروت سنة 1891.
وطبع الأدب الكبير بتحقيق أحمد زكي باشا بالإسكندرية سنة 1330هـ.
راجع (معجم المطبوعات العربية ص 250).(4/177)
فقال: أيها الأمير، ما أحب والله أن يخزيه الله إلا بشعري، وتشفع له، فقال خالد: اشفع إلي فيه على رؤوس الملأ ليكون أذل له، فشفع له على رؤوس الإشهاد، فدعا خالد بالفرزدق وقال: إن جريرا قد شفع فيك وإني مطلقك بشفاعته، فقال الفرزدق: أسير قسري، وطليق كلبي! بأي وجه أفاخر العرب بعدها؟ ردوني إلى السجن.
20 - سمع الفرزدق الفضل بن العباس اللهبي (1) [يقول]:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب (2)
فقال: بم أساجلك؟ فقال:
برسول الله وابني عمه ... وبعباس وعبد المطلب
فقال: أعض الله من يساجلك بما أبقت المواسي من أمه.
21 - ذكر أعرابي قوما فقال: ما نالوا شيئا بأناملهم إلا وطئناه بأخامص أقدامنا (3)، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا.
__________
(1) الفضل بن العباس اللهبي: هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب الهاشمي القرشي شاعر من فصحاء بني هاشم. كان شديد الأدمة أتاه السواد من قبل أمه وكانت حبشيّة ولذلك قال: أنا الأخضر من يعرفني. والأخضر الشديد الأدمة. كان معاصرا للفرزدق والأحوص وله معهما أخبار كثيرة. وكان الحزين الكناني مولعا به يهجوه.
مدح عبد الملك بن مروان وهو أول هاشمي مدح أمويا بعد ما كان بينهما فأكرمه كما مدح الوليد بن عبد الملك فأكرمه وأجازه. وكان بخيلا وفي شعره عذوبة ورقة وهو دون الطبقة الأولى من معاصريه وهو من شعراء الحماسة توفي في خلال خلافة الوليد ابن عبد الملك نحو سنة 95هـ.
(2) السجل: هو الدلو إذا كان فارغا وكان العرب يتساجلون أي يتفاخرون بمن يسقي بالدلو أكثر والكرب الحبل يشد في وسط العراقي ليلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير.
(3) أخامص أقدامنا: وأخامص جمع خمص وهو ما لا يصيب الأرض من باطنها.(4/178)
22 - نظر رجل إلى ولد أبي موسى (1) يختال، فقال: يمشي كأن أباه خدع عمرا.
23 - وسمع الفرزدق أبا بردة يقول: كيف لا أتبختر وأنا ابن أحد الحكمين؟ فقال له: أحدهما (2) مائق والآخر فاسق، فكن ابن أيهما شئت.
24 - ونظر عمر بن عبد العزيز إلى علوي يمشي مشية منكرة، فقال:
يا هذا، إن الذي شرفت به لم تكن هذه مشيته.
25 - فلان يطعم الأرض فضل ثيابه.
26 - فلان وضع نفسه في درجة لو سقط منها لتكسر.
27 - الحسن: لو كان الرجل كلما قال أصاب، وكلما عمل أحسن أو شك أن يجن من العجب.
28 - نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي دجانة (3) يتبختر بين الصفين،
__________
(1) ولد أبي موسى: هو بردة الأشعري بن أبي موسى الأشعري قيل اسمه الحارث وقيل عامر ولد بالبصرة في ولاية أبيه عليها. كان فقيها من تابعي أهل الكوفة. وكان على بيت المال. تولى قضاء الكوفة بعد شريح وكان كاتبه سعيد بن جبير وكان من ثقات رواة الحديث المكثرين. مات سنة 103هـ وقيل سنة 104. كانت له مكارم ومآثر وأخبار.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 21وفيات الأعيان 1: 423وتهذيب التهذيب 12: 18وطبقات ابن سعد 6: 187.
(2) مائق: الأحمق: الهالك: جمعه موقى.
(3) أبو دجانة: هو سماك بن خرشنة الخزرجي البياضي الأنصاري المعروف بأبي دجانة.
وقيل في نسبه سماك بن أوس بن خرشة من الصحابة. كان شجاعا بطلا شهد بدرا.
وفي أحد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من يأخذ هذا السيف بحقه. فقام إليه رجال منهم الزبير بن العوام فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة فقال وما حقه يا رسول الله؟ أن تضرب به حتى ينثني. وقيل لا تقتل به مسلما ولا تفر من كافر فأخذه وأخرج عصابة له حمراء عصب بها رأسه وكان إذا أعلم بها علم الناس أنه سيقاتل وجعل يتبختر بين الصفين فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين رآه يتبختر إنها لمشية يبغضها الله تعالى إلا في مثل هذا الموطن. وقاتل يوم أحد قتالا شديدا وثبت فيه ودافع عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى كثرت فيه الجراحات. وشهد وقعة اليمامة واستشهد فيها سنة 11هـ وقيل إنه وممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب. وكان يقال له ذو المشهرة وهي درع يلبسها في الحرب وذو السيفين لقتاله يوم أحد بسيفه وسيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
راجع ترجمته في: المحرّ: 72وتاج العروس والأعلام 3: 202وتاريخ الطبري وابن الأثير وتاريخ الخميس.(4/179)
فقال: هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا المكان.
29 - عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله (1):
لقد علم السادات في كل بلدة ... بأن لنا فضلا على سادة الأرض
وأن أبي ذو المجد والسؤدد الذي ... يساد به ما بين نشز إلى خفض (2)
وجدي وآباء له أثلوا العلى ... قديما بطيب العرق والحسب المحض
30 - الجاحظ: المذكورون بالكبر من قريش بنو مخزوم وبنو أمية، ومن العرب بنو جعفر بن كلاب وبنو زرارة بن عدس. وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيدا، وأنفسهم إلا أربابا. والكبر في الأجناس الذليلة أرسخ، ولكن القلة والذلة مانعتان من ظهور كبرهم. والجملة إن من قدر من الوضعاء (3) أدنى قدرة ظهر من كبره مالا خفاء به.
__________
(1) عبد الله بن عبد المطلب: هو والد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو قثم الهاشمي القرشي الملقب بالذبيح، ولد بمكة وهو أصغر ابناء عبد المطلب كان أبوه قد نذر لئن ولد له عشرة أبناء وشبوا في حياته لينحرن أحدهم عند الكعبة. فشب له عشرة فذهب بهم إلى هبل أكبر أصنام الكعبة في الجاهلية. فضربت القداح بينهم فخرجت على عبد الله وكان أحبهم إليه ففداه بمائة من الإبل فكان يعرف بالذبيح وزوجه آمنة بنت وهب فحملت بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ورحل عبد الله في تجارة إلى غزة وعاد يرد فلما وصل إلى المدينة مرض ومات بها وقيل مات بالأبواء بين مكمة والمدينة سنة 52قبل الهجرة وقبره هناك.
راجع ترجمته في سيرة ابن هشام 1: 158151تاريخ الخميس 1: 182 والمحبر ص 9والأعلام 4: 235.
(2) النشز: المكان المرتفع الممتنع وأثل معناه تأصّل في الأرض أو في الشرف والمحض الخالص.
(3) الوضعاء: جمع وضيع من فعل وضع بمعنى جعله وضيعا. أذله.(4/180)
وشيء قد قتلته علما وهو أني لم أر ذا كبر قط على من دونه إلا وهو يذل لمن فوقه بمقدار ذلك ووزنه.
وقال: وأما بنو مخزوم وبنو أمية وبنو جعفر بن كلاب واختصاصهم بالتيه فأنه أبطرهم (1) ما وجدوه لأنفسهم من الفضيلة، ولو كان في قوى عقولهم فضل على قوى دواعي الحمية فيهم لكانوا كبني هاشم في تواضعهم وإنصافهم لمن دونهم.
31 - ولما بلغ الحسن بن علي رضي الله عنه قول معاوية: إذا لم يكن الهاشمي جوادا، والأموي حليما، والعوامي شجاعا، والمخزومي تياها، لم يشبهوا باءهم، قال: إنه والله ما أراد بها النصيحة، ولكن أراد أن يفني بنو هاشم ما بأيديهم فيحتاجون إليه، وأن تحلم بنو أمية فيحبهم الناس، وأن يشجع بنو العوام فيقتلوا، وأن يتيه بنو مخزوم فيمقتوا (2).
32 - وكان يقال: أربعة لم يكونوا، ومحال أن يكونوا: زبيري سخي، ومخزومي متواضع. وشامي صحيح النسب، وقرشي يحب آل محمد.
33 - عبد الأعلى بن عبد الرحمن البصري (3) في محمد بن أبي الشوارب (4):
__________
(1) أبطرهم: من فعل بطر بطرا بمعنى أخذته دهشة وحيرة عند هجوم النعمة. طغى بالنعمة أو عندها فصرفها إلى غير وجهها. وأبطره صيّره بطرا.
(2) وقد جاء في البيان والتبيين 4: 61. المدائني قال: قال معاوية: إذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه وإذا لم يكن المخزومي تيّاها لم يشبه قومه. وإذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه قومه فبلغ قوله الحسن بن علي فقال ما أحسن ما نظر لنفسه أراد أن تجود بن هاشم بأموالها فتفتقر إلى يديه. وترهى بنو مخزوم على الناس فتبغض وتشنأ وتحلم بنو أمية فتحب.
(3) عبد الأعلى بن عبد الرحمن البصري: لم نقع له على ترجمة.
(4) محمد بن أبي الشوارب هو أبو الحسن محمد بن الحسن بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشواري القرشي الأموي. ولد سنة 292هـ وحين استخلف المستكفي في صفر سنة 333هـ استقضاه على مدينة المنصور والشرقية.
ثم قبض عليه في صفر 334فلما كان في رجب من هذه السنة قبض على المستكفي واستخلف المطبع فقلد أبا الحسن الشرقية والحرمين واليمن وسر من رأى وقطعه من أعمال السواد وبعض أعمال الشام وسقي الفرات وواسط ثم صرف عن جميع ذلك في رجب سنة 335هـ وأمر المستكفي بالقبض عليه. وكان قبيح الذكر فيما يتولاه من الأعمال منسوبا إلى الرشوة في الأحكام والعمل فيها بما لا يجوز. وقيل عنه أنه كان رجلا واسع الأخلاق كريما جوادا طالبا للحديث. توفي في رمضان سنة 347هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 2: 200.(4/181)
أني رأيت محمدا مشاوسا ... مستصغرا لجميع هذا الناس (1)
ويقول لما أن تنفس خاليا ... نفسا له يعلو على الأنفاس
ريح الخلافة في جوانب جبتي ... تستر دون لحى بني العباس
34 - افتخر العباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة (2) وعلي بن أبي طالب: فقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها. وقال طلحة: أنا صاحب البيت ومعي مفتاحه، فقال علي عليه السّلام: ما أدري ما تقولان، أنا صليت إلى هذه القبلة قبلكما وقبل الناس أجمعين لستة أشهر، فنزلت {أَجَعَلْتُمْ سِقََايَةَ الْحََاجِّ وَعِمََارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللََّهِ}، الآية (3).
35 - كان يقال: كفى بالمرء ذما لنفسه أن يطريها على رؤوس الملأ (4).
__________
(1) تشاوس: من شاس يشوس شوسا وتشاوسا: أي نظر بمؤخر عينه تكبرا أو تغيظا.
(2) طلحة بن شيبة: ربما كان الصواب ابن أبي طلحة شيبة وهو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عبد الدار. كان آباؤه حجبة البيت في الجاهلية.
أسلم شيبة عام الفتح ودفع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم المفتاح إليه وإلى عثمان بن طلحة. فقال:
خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم. وكان ممن ثبت في حنين مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. مات سنة 59هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 376.
(3) الآية رقم 19من سورة التوبة.
(4) يطريها يمدحها: وأطراه أحسن الثناء عليه وبالغ فيه. والملأ: الجماعة وأشراف القوم وسراتهم.(4/182)
36 - قيل لبزرجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها صاحبها؟
قال: نعم، التواضع قيل: فهل تعرف بلاء لا يزاحم صاحبه؟ قال:
نعم، قال: العجب.
37 - أبو البيداء الأعرابي (1):
ولست بتّياه إذا كنت مثريا ... ولكنه خلقي إذا كنت معدما
وإن الذي يعطى من المال ثروة ... إذا كان فلّ الوالدين تعظما
38 - قيل لحكيم: ما بال الأغبياء يذهبون بأنفسهم (2) دون العلماء؟
قال: لمعرفة العلماء بالله، وإنه لا يماجد.
39 - قال عمرو بن العاص لرجل من ثقيف: ما حشوجبك؟ قال:
أما مني فدين وكرم، وأما بعد ذلك فحسب.
40 - تفاخر رجلان على عهد موسى عليه السّلام، فقال أحدهما: أنا ابن فلان حتى عد تسعة آباء من المشركين، وقال الآخر: أنا ابن فلان.
وقال: لولا أنه مسلم لما انتميت. فأوحي إلى موسى: أنه قد قضى قضاؤهما، أما الذي عد تسعة آباء مشركين فحق على الله أن يجعله عاشرهم في النار، والذي انتمى إلى أب مسلم فحق على الله أن يجعله مع أبيه المسلم في الجنة.
41 [شاعر]:
__________
(1) أبو البيداء الأعرابي: ربما كان الرياحي أسعد بن أبي عصمة الملقب بأبي البيداء.
وهو أعرابي نزل البصرة وكان يعلم الصبيان بأجرة. تكلم عنه ابن النديم في الفهرست ص 66وقال أنه زوج أم أبي مالك عمرو بن كركرة. وكان أبو مالك راوية أبي البيداء.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 66.
(2) يذهبون بأنفسهم: يتيهون ويفخرون.(4/183)
قولا لأحمق يلوي التيه أخدعه ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تته (1)
التيّه مفسدة للدين منقصة ... للعقل مهلكة للعرض فانتبه
42 - كان عمارة بن حمزة بن ميمون (2) مولى بني العباس مثلا في التيه، حتى قيل: أتيه من عمارة، وكان يتولى دواوين بن السفاح والمنصور، ومن تيهه: أنه كان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبرا عن الرجوع، ويقول:
نقض وإبرام في ساعة واحدة! الخطأ أهون من هذا.
43 - وافتخرت أم سلمة المخزومية (3) امرأة السفاح ذات ليلة بقومها، فقال لها: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالي ليس في أهلك مثله، فأرسل إلى عمارة. فأعجله الرسول عن تغيير زيه، فجاء، فإذا هو في ثياب ممسكة، وقد غلف لحيته حتى قامت، فرمى إليه السفاح بمدهن (4) ذهب فيه غالية، فقال: يا أمير المؤمنين، هل ترى في لحيتي موضعا لها؟ فأخرجت أم سلمة عقدا لها، وأمرت خادما أن يضعه بين
__________
(1) التيه: الكبرياء والأخدع اسم تفضيل، كناية عن العتو والشدة.
(2) عمارة بن حمزة بن ميمون هو عمارة بن حمزة بن ميمون الكاتب قيل أنه من ولد أبي لبابة مولى عبد الله بن عباس قيل أنه من ولد عكرمة مولى ابن عباس كان تيّاها معجبا جوادا كريما معدودا سراة الناس وكان فصيحا بليغا وكان أعور دميما قلّده أبو العباس السفاح ضياع مروان وآل مروان وضياع من والاهم وجمع له بين ولاية البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين والعرض. وكان المنصور والمهدي يقدمانه ويحتملان أخلاقه لفضله وبلاغته وكفايته ووجوب حقه وولي لهما أعمالا كبارا. وله في الكرام أخبار عجيبة، ويضرب به المثل في التيه وله مصنفات.
راجع ترجمته في الأعلام 5: 192النجوم الزاهرة 2: 164وثمار القلوب 159 والفهرست لابن النديم.
(3) أم سلمة المخزومية: هي أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية. ولم نقع لها على ترجمة.
راجع المزيد عنها في إرشاد الأريب 15: 244243.
(4) بمدهن: المدهن بضم الميم والهاء ما يعمل فيه الدهن. أو آلته وهو من النوادر التي جاءت على غير قياس.(4/184)
يديه، فقام وتركه. فأمرت الخادم أن يتبعه به، ويعلمه أنها أهدته له، فقال للخادم: هو لك. فانصرف بالعقد وقال: قد وهبه لي. فاشترته منه بعشرة آلاف دينار، وتعجبت من كبر نفس عمارة.
44 - الأعور بن براء الكلابي (1):
وكائن في المعاشر من قبيل ... أخوهم فوقهم وهم كرام
بنانا الله فوق بني أبينا ... كما يبني على الثبج السنام
45 - عثمان بن واقد (2) من ولد عمر رضي الله عنه:
جدي وصاحبه فازا بفضلهما ... على البرية لا جارا ولا ظلما
هما ضجيعا رسول الله نافلة ... دون الصحابة مجدا عانق الكرما
46 - الخليفة الراضي بالله رضي الله عنه:
لو أن ذا حسب نال السماء به ... نلنا السماء بلا كد ولا تعب
فإن صدقتم فأعلى الخلق نحن وإن ... ملتم عن الصدق أعقبتم إلى الكذب
47 - علي رضي الله عنه في المنذر بن الجارود (3): إنه لنظار في عطفيه، مختال في شراكيه (4).
__________
(1) الأعور بن براء الكلابي: لم نقع له على ترجمة.
(2) عثمان بن واقد: هو عثمان بن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني ثم البصري من ثقات رواة الحديث وقد عده ابن حبان في الثقات كما ذكره الزبير في أنساب القرشيين وأنشد له شعرا.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 59وتهذيب التهذيب 7: 158.
(3) المنذر بن الجارود: هو المنذر بن الجارود واسم الجارود بشر بن عمر العبدي وأمه مامه بنت النعمان. ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولأبيه صحبة. شهد المنذر حرب الجمل مع الإمام علي وولاه على اصطخر وولاه عبيد الله بن زياد في أمرة يزيد بن معاوية الهند فمات هناك في آخر سنة 61هـ أو في أول سنة 62هـ وهو ابن ستين سنة.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 1: 61الإصابة 2: 160.
(4) ورد هذا القول لصعصعة بن صوحان عند الجاحظ في الحيوان والبيان والتبيين.(4/185)
وعنه: الإعجاب يمنع من الازدياد.
وعنه: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله.
وعنه: من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه.
وعنه: إياك والإعجاب بنفسك، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحو ما يكون من إحسان المحسن.
48 - قام داود ليلة، فكأنه أعجب بها، فأوحى الله إلى ضفدع أن كلميه، فقالت: يا داود، كأنك أعجبت بليلتك! هذا مقامي منذ عشرين ليلة، ما دخل جوفي قطرة ماء ولا خضرة، شكرا لله حين سلم بيضتي.
49 - الجاحظ: أيتيت أبا الربيع الغنوي (1) ومعي رجل هاشمي، فناديت: أبو الربيع هاهنا فخرج إلي وهو يقول: خرج إليك رجل كريم، فلما أبصر الهاشمي استحيى فقال: أكرم الناس رديفا، وأشرفهم حليفا، أراد بالرديف والحليف أبا مرثد الغنوي (2)، لأنه كان رديف رسول الله وحليف أبي بكر، ثم نهض الهاشمي. فقلت له: من خير الخلق؟
قال: الناس والله، قلت: فمن خير الناس؟ قال: العرب والله. قلت:
فمن خير العرب؟ قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس والله. قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر والله قلت: فمن خير يعصر؟
قال: غني والله، قلت: فمن خير غني؟ قال: المخاطب لك والله، قلت: فأنت خير الناس؟ قال: أي والله. قلت: أيسرك أن تحتك بنت يزيد بن المهلب (3)؟ قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار، قال: لا
__________
(1) أبو الربيع الغنوي: لم نقع له على ترجمة.
(2) أبو مرثد الغنوي: هو أبو مرثد الغنوي هو كناز بن الحصين بن يربوع من بني غني بن يعصر من قيس عيلان من مضر. كان هو وابنه مرثد حليفا حمزة بن عبد المطلب.
آخى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين عبادة بن الصامت. توفي سنة 12هـ وشهد بدرا.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 448والإصابة 7: 174وسيرة ابن هشام 1: 613.
(3) يزيد بن المهلب: هو يزيد بن المهلب بن أبي صفرة العتكي الأزدي المتقدمة ترجمته.(4/186)
والله، قلت: فألفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق ثم قال: على أن لا تلد مني، وأنشد:
تأبى ليعصر أعراق مهذبة ... من أن تناسب يوما غير أكفاء
فان يكن ذاك حتما لا مرد له ... فاذكر حذيف فأني غير أباء (1)
50 - أراد حذيفة بن بدر الفزاري (2)، لأنه أقرب الأشراف إليه نسبا.
51 - أبو الأبيض العلوي (3):
وأنا ابن معتلج البطاح تضمني ... كالدر في أصداف بحر زاخر
تنشقّ عنّي ركنها ومقامها ... كالجفن يفتح عن سواد الناظر
كجبالها شرفي ومثل سهولها ... خلقي ومثل ظبائهن مجاوري
52 - سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
53 - ابن الرقاع العاملي (4):
علوناهم في كل فخر وسؤدد ... وعزكما يعلو القناة سنانها
54 - الزبير بن عبد المطلب (5) عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
__________
(1) أباء: من أبّ أبّه بمعنى قصد قصده وأبّ أيضا بمعنى تجهز وتهيأ.
(2) حذيفة بن بدر الفزاري: هو حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان بن مضر.
كان رئيس بني فزارة في حرب داحس والغبراء قتل حذيفة بحفر بهباءة قتله قرداش ابن هني العبسي.
راجع ترجمته في معجم البلدان والكامل لابن الأثير والعمدة: 2: 161والحيوان 5: 394والعقد الفريد 5: 156.
(3) أبو الأبيض العدوي: لم نقع له على ترجمة.
(4) ابن الرقاع العاملي: هو عدي بن الرقاع العاملي المتقدمة ترجمته.
(5) الزبير بن عبد المطلب: هو الزبير بن عبد المطلب أكبر أعمام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أدركه النبي في طفولته وكان يعد من شعراء قريش إلا أن شعره قليل كان يكنى أبا طاهر بابنه الطاهر وكان أظرف فتيان قريش وهو شقيق عبد الله والد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي طالب والد الإمام علي أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. كان الزبير ممن سعى في عقد حلف الفضول. وكان رئيس بني هاشم في حرب الفجار الثانية.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 74والآمدي ص 131وسمط اللآلي 743والجمحي ص 205195.(4/187)
إن القبائل من قريش كلها ... ليرون أنّا هام أهل الأبطح
وترى لنا فضلا على سادتها ... فضل المنار على الطريق الأوضح
55 - الحارث دعي الوليد بن عقبة (1):
ولقد شهدت اللبس أفرجه ... والأمر أبرمه وانقضه (2)
والغارة الشواء أقدمها ... بأقب نهد حين أركضه
والقرن أكسو السيف هامته ... والثغر ذا الأهوال انقضه
والشعر أسديه وألحمه ... متيسرا لي حين أقرضه
غرفا بكفي غير مكترث ... من موج بحر ما أغيضه
56 - الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.
57 - هشام بن حسان (3): سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك.
58 - مطرف (4): لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما (5) وأصبح معجبا
__________
(1) الحارث دعي الوليد بن عقبة: لم نقع للحارث هذا على ترجمة: أما الوليد بن عقبة ابن أبي معيط فقد تقدّمت ترجمته.
(2) أفرج اللبس أزال غموضه وأبرم الحبل فانبرم جعله طاقين ثم فتله فالحبل مبروم ونقض بمعنى عكس برم. والأقب الفرس الضامر البطن الدقيق الخصر والنهد الفرس الحسن الجميل الجسم والقرن هو النظير في الشجاعة والعلم وغيرها.
(3) هشام بن حسان: هو هشام بن حسان الأزدي القدوسي البصري المتقدمة ترجمته.
(4) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخيّر المتقدمة ترجمته.
(5) أبيت قائما أي مصليا.(4/188)
59 - حكى الأصمعي عن رجل: ما رأيت ذا كبر قط إلا تحول داؤه فيّ يريد أني أتكبر عليه.
60 - وعن آخر: ما تاه أحد عليّ مرتين. يريد أنه إذا تاه مرة لم أعاوده.
61 - قيل لرجل من بني عبد الدار (1): ألا تأتي الخليفة؟ قال:
أخشى أن لا يحمل الجسر شرفي.
62 - قيل للحجاج بن أرطأة (2): مالك لا تحضر الجماعة؟ فقال:
أكره أن يزاحمني البقالون.
63 - كان يقال: للعادة سلطان على كل شيء وما استنبط الصواب بمثل المشاورة. ولا حصنت النعمة بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
64 - إسماعيل بن أبي خالد (3): كنت أمشي مع الشعبي وأبي
__________
(1) بنو عبد الدار: وعبد الدار هو عبد الدارين قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك وينتهي بالياس بن مضر. قال ابن هشام النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ويقال فهر بن مالك قريش فمن كان من ولده فهو قرشي. وبنو عبد الدار كانت إليهم سدانة الكعبة وحجابتها كما كان إليهم اللواء ويقال والندوة أيضا في بني عبد الدار.
(2) الحجاج بن أرطأة: هو حجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة بن شراحيل النخعي أبو أرطأة الكوفي كان من فقهاء الناس استفتي وهو ابن ست عشرة سنة وكان سريا شريفا. ولاه المنصور رقاء البصرة توفي بالري في خلافة أبي جعفر المنصور سنة 145هـ. كان فيه تيه لا يليق بأهل العلم وكان من تيهه لا يحضر الجماعة كي لا يزاحمه الحمالون والبقالون كما كان يقول. وكان مدلسا يروي عمن لم يلقه وكان أول من أرتشى من القضاة بالبصرة كما قال الأصمعي.
(3) إسماعيل بن أبي خالد: هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي أبو عبد الله من بجيلة من أهل الكوفة من كبار التابعين وهو من ثقات رواة الحديث وحفاظهم وكان إسماعيل يسمى الميداني وكان طحانا أميا مات بالكوفة سنة 146هـ وعده ابن سعد في الطبقة الرابعة.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 240وتهذيب التهذيب 1: 291.(4/189)
سلمة (1) فقال الشعبي: يا أبا سلمة، من أعلم أهل المدينة؟ فقال: الذي يمشي بينكما. يعني نفسه.
65 - أبو مسلم صاحب الدعوة: ما تاه إلّا وضيع، ولا فاخر إلا لقيط (2).
66 - بعض ملوك يونان: من رفع نفسه فوق قدره استجلب مقت الناس فقال وزيره: من رفع نفسه فوق قدره رده الناس إلى قدره.
67 - سأل عبد الله بن الزبير وفد العراق عن مصعب، فأثنوا عليه فتمثل بقوله:
قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المادين (3)
حتى إذا شابوا وشيبوني ... حلّوا عناني ثم سيبوني
يريد ماوليته إلا عن علم وتجربة.
68 - أقبل رجل يمشي مرخيا بذيله، وطارحا رجليه يتبختر، فقال له عمر رضي الله عنه: دع هذه المشية، فقال: ما أطيق. فجلده، ثم تبختر فجلده، فترك التبختر. فقال عمر: إذا لم أجلد في مثل هذا ففيم أجلد؟
فجاءه الرجل بعد ذلك فقال: جزاك الله خيرا، إن كان إلا شيطانا عليّ، أذهبه بك.
__________
(1) أبو سلمة: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني: قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل وقيل اسمه كنيته من ثقات رواة الحديث وأمه تماضر بنت الأصبغ الكلبية يقال أنها أدركت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولاه سعيد بن العاص على المدينة. كان أبو سلمة من سادات قريش رجلا صبيحا.
توفي أبو سلمة بالمدينة سنة 94هـ في خلافة الوليد بن عبد الملك.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 115وتهذيب التهذيب 12: 115.
(2) اللقيط: هو المولود الذي ينبذ فيلقط.
(3) الغلوة: هو أمد جري الفرس وشوطه وهي في الأصل قدر رمية سهم. والعنان اللجام سمي بذلك لأنه يعترض الفم فلا يلجه.(4/190)
الباب الخامس والستون الفأل، والزجر، والطيرة، والعيافة، والكهانة، والرقى، والسحر، والشعوذة، والعين، واللغز، والأحاجي ونحوها (1)
1 - سليمان بن بريدة (2) عن أبيه: ذكرت الطيرة عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله (3).
وعنه عليه السّلام: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له.
2 - أنس رفعه: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح.
قالوا: وما الفأل الصالح؟ قال: الكلمة الطيبة (4).
__________
(1) الفأل ضد الشؤم: والزجر من زجره بمعنى منعه ونهاه وطرده صائحا به. والطيرة هي ما يتشاءم به من تطيّر والعيافة زجر الطير إحدى عادات العرب وهي موجودة كثيرا في أشعارهم. والكهانة هي القضاء بالغيب والتحدث به. والرقي من رقى رقيا استعمل الرقية نفعا له أو إضرارا به والرقية أن يستعان للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية والسحر هو ما يفعله الإنسان من الحيل، والشعوذة خفة في اليد وأعمال كالسحر تري الشيء للعين بخلاف ما هو عليه. العين الإصابة بالعين.
(2) سليمان بن بريدة: هو سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي تابعي من ثقات رواة الحديث. وله على عهد عمر بن الخطاب سنة 15هـ ومات بصلين إحدى قرى مرو سنة 105هـ وكان على قضاء مرو.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 174.
(3) ورد هذا الحديث في مسند أحمد بن حنبل وأبي داود.
(4) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد بن حنبل.(4/191)
وعنه: أنه كان يحب الفأل الصالح، والاسم الحسن.
3 - أبو هريرة رفعه: إذا ظننتم فلا تحقوا (1)، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا.
وعنه: أن رسول الله عليه السّلام سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك.
4 - عروة بن عامر: ذكرت الطيرة عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلما. فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي الحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5 - عبد الله بن بريدة (2) عن أبيه: أن رسول الله كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به.
ورئي بشر ذلك في وجهه (3).
6 - أنشد المبرد:
لا يعلم المرء ليلا ما يصبّحه ... إلا كواذب ما يجري به الفال
والفال والزجر والكهّان كلّهم ... مضلّلون ودون الغيب أقفال
7 - تقول العرب: طائر الله لا طائرك (4).
8 - رأى أعرابي في دهليز عبيد الله بن زياد صورة أسد وكبش وكلب
__________
(1) فلا تحقوا: أي فلا تتصرفوا تصرف من تحقق من الأمر وتثبت منه.
(2) عبد الله بن بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي قاضي مرو أخو سليمان وكانا توأمين ولد في خلافة عمر بن الخطاب سنة 15هـ ولي قضاء مرو بعد موت أخيه سليمان إلى أن مات سنة 115هـ في ولاية أسد بن عبد الله من ثقات التابعين.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 2: 396وتهذيب التهذيب 5: 157.
(3) ورد هذا الحديث عن أبي داود طب 24.
(4) طائر الله لا طائرك: يقال للشيء يتطير به الإنسان طائر الله لا طائرك، فعنا فعل الله لا فعلك.(4/192)
فقال: أسد كالح، وكبش ناطح، وكلب نابح، أما إنه لا يتمتع بها أبدا.
فما لبث عبيد الله إلا أياما.
9 - قبيصة (1): سمعت رسول الله [يقول]: العيافة والطيرة والطرق من الجبت (2).
10 - ابن عباس رفعه: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر (3).
11 - أبو هريرة رفعه: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضا، أو أتى امرأته في دبرها فقد بريء مما أنزل على محمد.
12 - تفاءل هشام بن عبد الملك بنصر بن سيار، فقلده خراسان.
فكان بها عشرة أحوال حتى أخذ أمرهم في الانتقال (4).
13 - وخرج عامر بن إسماعيل المذحجي (5) صاحب السفاح من مصر في طلب مروان بن محمد، فاعترضه بالفيوم (6) قوم من العرب، فسأل
__________
(1) قبيصة: هو قبيصة بن جابر المتقدمة ترجمته.
(2) الجبت: كل ما عبد من دون الله والسرح والساحر والكاهن وفي الكتاب العزيز:
{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطََّاغُوتِ}.
(3) ورد هذا الحديث عند أحمد بن حنبل وأبي داود وابن ماجه.
(4) عشرة أحوال: عشرة أعوام، وأخذ أمرهم بالإنتقال: بدأ عهدهم يتغير وينتقل إلى العباسيين.
(5) عامر بن إسماعيل المذحجي: هو عامر بن إسماعيل الحارثي المذحجي من بني مسيلة: أحد قواد بني العباس، كان مع عبد الله بن علي في حروب مروان وسار إلى مصر يتتبع مروان بن محمد حتى قتل فيها سنة 132هـ وكان بعد ذلك من قواد المنصور شارك في حرب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن سنة 145هـ مات عامر سنة 157في بغداد وصلى عليه المنصور.
راجع أخباره في تاريخ الطبري وابن الأثير.
(6) الفيوم: إحدى مدن مصر الكبيرة قتل مروان محمد آخر خلفاء بني أمية ببعض نواحيها.(4/193)
رجلا منهم ما اسمك؟ فقال: منصور بن سعد، وأنا رجل من سعد العشيرة (1). فتبسم تفاؤلا به وتيمنا، واستصحبه فظفر بمروان في تلك الليلة.
14 - وتفاءل المأمون بنصر بن بسام، فكان سبب مكانته عنده.
15 - الجاحظ: قالوا لشمال اليدين يسار لأن اسمها العسراء. فتفاءلوا باليسار من اليسر.
16 - لبيد:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
17 - مزرد بن ضرار (2):
واني امرؤ لا تقشعر ذؤابتي ... من الذئب يعوي والغراب المحجل (3)
18 - خزز بن لوذان (4):
__________
(1) سعد العشيرة: سعد العشيرة من قضاعة وهو أبو أكثر قبائل مذحج.
(2) مزرد بن ضرار: هو مزرد بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني وهو الأخ الأكبر للشماخ بن ضرار. من الشعراء الفرسان أدرك الإسلام في كبره فأسلم، واسمه يزيد غلب عليه لقبه مزرد كان في الجاهلية هجّاء خبيث اللسان. حلف لا ينزل به ضيف إلا هجاه ولا يتنكب بيته إلا هجاه وهو أحد من هجا قومه. وكان من أوصف الشعراء للقوس ولقب مزرد لقوله:
فقلت تزردها عبيد فإنني ... لزرد الشيوخ في الشباب مزرد
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 233وسمط اللآلي ص 83وطبقات الشعراء للجمحي 111والأعلام 8: 102.
(3) المحجل: ما كان في قوائمه تحجيل أي بياض.
(4) خزز بن لوذان: هو خزز بن لوذان أحد بني عوف بن سدوس بن شيبان من بني بكر ابن وائل. ويعرف بالمرقم.
راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف ص 102وحياة الحيوان للدميري 2: 108 وخزانة البغدادي 3: 11.(4/194)
لا يقعدنك عن بغاء ... الخير تعقاد التمائم (1)
فلقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم (2)
فإذا الأشائم كالميا ... من والميامن كالأشائم
وكذاك لا خير ولا شر ... على أحد بدائم
19 - بعض العرب: خرجت في بغاء ناقة لي ضلت، فسمعت قائلا يقول:
ولئن بعثت لنا البغاة ... فما البغاة بواجدينا
فلم أتطير منه ومضيت، فلقيني رجل قبيح الصورة، به ما شئت من عاهة، فما فنائي ذلك، وتقدمت فلاحت لي أكمة فسمعت منها: والشر يلقي مطالع الأكم، فلم أكترث له، فلما علوتها وجدت ناقتي تفاجت للولادة فنجتها وعدت إلى منزلي بها مع ولدها.
20 - علي رضي الله عنه كان يكره أن يسافر، أو تزوج النساء في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب.
21 - قال بشير غلام حرب الراوندي (3) للمنصور يوم قتل أبا مسلم يا أمير المؤمنين، رأيت اليوم ثلاثة أشياء تطيرت لأبي مسلم منها، قال: وما ذاك، قال: ركب فوقعت قلنسوته عن رأسه، قال: الله أكبر! تبعها والله
__________
(1) التمائم: جمع تميمة وهي عوذة تعقد في القلائد وتعلق على الإنسان وهي خرزات كان الأعراب يعلقونها على أولادهم ليردوا بها السحر والعين. وقد أبطلها الإسلام.
(2) الواق: الصرد وقيل صياح الصرد والصرد طائر ضخم الرأس نصفه أبيض ونصفه أسود يصطاد العصافير ويقال له الواق بكسر لقاف لصوته. والحاتم: الغراب الأسود لأنه يحتم بالفراق وهو أحمر المنقار والرجلين وهو مولع بنتف ريشه.
(3) بشير غلام حرب الراوندي: لم نقع له على ترجمة أما حرب الراوندي فهو حرب بن عبد الله الراوندي أحد كبار قواد بني العباس وهو صاحب الحربية ببغداد بنى قصرا بأسفل الموصل عرف بقصر حرب وفيه ولدت زبيدة بنت جعفر. اشترك في حرب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن سنة 145هـ ثم عاد إلى الموصل مات سنة 147هـ.
راجع تاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 145.(4/195)
رأسه، رأسه يا بشير قال: وكبا به فرسه، قال: الله أكبر! كبا والله جده وأصلد زنده (1). وقال: قال إني مقتول وإنما أخادع نفسي، فإذا رجل ينادي في الصحراء لآخر: اليوم آخر الأجل بيني وبينك، قال: الله أكبر! ذهب أجله وانقطع من الدنيا أثره.
22 [شاعر]:
ألا أيها الغادي على ذم طائر ... ليلزمه جرما وليس له جرم
وما لغراب البين بالبين خبرة ... وما لغراب البين بالملتقى علم
23 - تجهز النابغة الذبياني واسمه زياد بن عمرو بن زبان بن سيار الفزاري للغزو، فلما أراد الرحيل نظر إلى جرادة سقطت عليه، فقال:
جرادة تجرد وذات لونين، غيري من خرج في هذا الوجه ولم يلتفت زبان إلى طيرته، فمر ورجع غانما فقال:
تخير طيرة فيها زياد ... لتخبره وما فيها خبير
أقام كأن لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشير
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطيّر وهو الثبور
بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير (2)
24 - بعضهم: حضرت الموقف مع عمر رضي الله عنه فصاح صائح: يا خليفة رسول الله، فقال رجل من بني لهب (3)، وفيهم العيافة، دعاه باسم ميت، مات والله أمير المؤمنين.
__________
(1) أصلد زنده إصلادا: جعله يصوت ولا يوري.
(2) مضمون الأبيات أن المتطير ربما صدقت معه بعض أمور من قبيل الصدفة ولكنها تخطىء في كثير من الأحيان.
(3) بنو لهب: بالكسر هم قوم من الأزد فيهم العيافة والزجر وهم أعيف العرب ويقال لهم اللهبيون وهم بنو لهب بن أبحر بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وفي هؤلاء يقول كثير عزة:
تيممت لهبا ابتغي العلم عندهم ... وقد ورد علم العائفين إلى لهب(4/196)
فلما وقفنا للجمار إذا حصاة قد صكت صلعة عمر فأدمتها، فقال قائل: أشعر والله أمير المؤمنين دما. فإذا أنا باللهبي يقول: والله لا يقف هذا الموقف أبدا. فقتل قبل أن يحول الحول. وإنما قيل ذلك لأنهم يقولون: دية المشعرة كذا، يريدون دية الملوك، اسم لقتلاهم خصوصا (1).
25 - قال كثير (2):
تيممت لهبا ابتغي العلم عندها ... وقد صار علم العائفين إلى لهب
26 - رأي سطيح مثل عند العرب، وكانوا فيما يزعمون يطوي كما يطوى الحصير ويتكلم بكل إعجوبة في الكهانة. وكذلك شق الكاهن (3)
__________
(1) جاء في لسان العرب مادة شعر «وفي حديث مقتل عمر رضي الله عنه أن رجلا رمى الجمرة فأصاب صلعته بحجر فسال الدم فقال رجل أشعر أمير المؤمنين ونادى رجل آخر وهو اسم رجل فقال رجل من بني لهب ليقتلن أمير المؤمنين فرجع فقتل في تلك السنة وكان مراد الرجل أنه أعلم بسيلان الدم عليه من الشجة كما يشعر الهدي إذا سيق للنحر وذهب به اللهبي إلى القتل لأن العرب كانت تقول للملوك إذا قتلوا:
أشعروا وتقول لسوقة الناس قتلوا. وكانوا يقولون في الجاهلية دية المشعرة ألف بعير يريدون دية الملوك فلما قال الرجل أشعر أمير المؤمنين جعله اللهبي قتلا فيما توفر له من علم العيافة وإن كان مراد الرجل أنه دمي كما يدمى الهدي إذا أشعر وحقت طيرته لأن عمر رضي الله عنه لما صدر من الحج قتل». وأشعر البدنة أعلمها وهو أن يشق جلدها أو يطعنها في أسنمتها في أحد الجانبين بمبضع أو نحوه. وقيل طعن في سنامها الأيمن حتى يطهر الدم ويعرف أنها هدي.
(2) كثير: هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي المعروف بكثير عزة. المتقدمة ترجمته.
(3) شق الكاهن هو شق بن مصعب بن يشكر بن رهم القسري البجلي الأنماري الأزدي.
كاهن جاهلي. من عجائب المخلوقات وهو من معاصري سطيح الكاهن وكانا يقصدان للإستشارة أو تفسير الأحلام وعاش شق إلى ما بعد ولادة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يقال وعمر طويلا ويقولون أنه كان نصف إنسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة وقال ابن حزم أن له نسلا أشتهر منه في العصر المرواني خالد وأسد القسريان وكان خالد أمير العراقين لهشام بن عبد الملك وأسد والي خراسان.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 284سيرة ابن هشام والأغاني 4: 304والبيان والتبيين والحيوان.(4/197)
وكان نصف إنسان.
27 - قال ابن الرومي:
لك رأي كأنه رأي شق ... وسطيح قريني الكهان
يستشف الغيوب عما يوار ... ين بعين جلية الإنسان (1)
28 - رأى مزيد (2) خاتم ذهب في يد جارية، فقال: ناوليني خاتمك أذكرك به، قالت: هذا ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود فلعلك تعود.
29 - الجاحظ: كان مسيلمة (3) قبل التنبؤ يدور في الأسواق كسوق الأبلّة (4)، وسوق بقة (5)، وسوق الحيرة (6)، يلتمس تعلم الحيل
__________
(1) عين جلية الإنسان: واضحة الحدقة ترى وتبصر بشكل جيد.
(2) مزيد: هو مزيد المدني أبو إسحاق المتقدمة ترجمته.
(3) مسيلمة: هو مسيلمة بن ثمامة الكذاب المتقدمة ترجمته.
(4) الأبلّة: بضم أوله وثانية وتشديد اللام وفتحها: بلدة كانت على شاطىء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. وهي أقدم من البصرة وكانت الأبلة فيها مسالح من قبل كسرى وكان مرفأ السفن من الصين. فتحها عتبة بن غزوان المازني سنة 14هـ.
راجع معجم البلدان 1: 89والطبري 6: 151150وابن الأثير 2: 487وفتوح البلدان للبلاذري.
(5) سوق بقة: بقّة بالفتح وتشديد القاف موضع قريب من الحيرة وقيل حصن كان على فرسخين من هيت كان ينزله جذيمة الأبرش ملك الحيرة وبه يضرب المثل العربي ببقة خلفت الرأي قاله قصير عند ما استشاره جذيمة بعد فوات الأوان. وكان قد أشار عليه أن لا يمضي إلى الزباء فلم يطعه فلما قرب منها وأحاطت به عساكرها قال جذيمة ما الرأي يا قصير فقال ببقة خلفت الرأي.
راجع معجم البلدان 2: 253ومجمع الأمثال للميداني 1: 233.
(6) سوق الحيرة: الحيرة مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف زعموا أن بحر فارس كان يتصل به. كانت مسكن ملوك العرب في الجاهلية وفي الحيرة الخورنق والسدير بوسط البرية بينها وبين الشام.
راجع معجم البلدان لياقوت 3: 376.(4/198)
والنيرنجيات (1)، واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم، وكان قد أحكم حيل الحواة وأصحاب الزجر والخط (2)، فمن ذلك أنه صب على بيضه من خل حاذق قاطع (3) فلانت، حتى إذا مددتها استطالت واستدقت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس، وتركها حتى انضمت واستدارت وعادت كهيأتها الأولى، فأخرجها إلى قومه، وهم قوم أعراب، وادعى النبوة فآمن به جماعة، وقيل فيه:
ببيضة قارور وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جاذف (4)
يريد براية الشادن الراية التي يعملها الصبي من القرطاس الرقيق ويجعل لها ذنبا وجناحا ويرسلها يوم الريح بالخيوط الطوال، كان يعمل رايات من هذا الجنس، ويعلق بها الجلاجل، ويرسلها في ليلة الريح، ويقول: الملائكة تنزل عليّ، وهذه خشخشة الملائكة وزجلها (5)، وكان يصل جناح الطائر المقصوص بريش معه فيطير.
30 - الدجاجة يتفاءل بذكرها. حكي أنه لما ولد لسعيد بن العاص (6)
__________
(1) النيرنجيات: أعمال تشبه أعمال السحر وليست السحر على الحقيقة بل هي تشبيه وتلبيس مفردها نيرنج أنيرج بإسقاط النون الثانية وجمعها نيرنجات.
راجع لسان العرب وتاج العروس مادة نرج.
(2) أصحاب الزجر والخط: الزجر كما مر معنا هو ضرب من التكهن والخط هو خط الزاجر وهو أن يخط بإصبعه في الرمل ويزجر وكانت العرب تسمي ذلك الخط من خطوط الحازي الأسحم وكان هذا الخط عندهم مشؤوما، والخط أيضا هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى ويقول: يكون كذا يكون كذا وهو ضرب من الكهانة.
(3) حاذق: الحاذق من الخل: الشديد الحموضة.
(4) جاذف: اسم فاعل من جذف الطائر يجذف ومعناه أسرع تحريك جناحيه وأكثر ما يكون ذلك أن يقص أحد الجناحين.
(5) الزجل: يقال سحاب ذو زجل أي ذو رعد. وزجل الجن: عزيفها.
(6) سعيد بن العاص: هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الأموي المتقدمة ترجمته.(4/199)
عنبسة (1)، قال سعيد لابنه يحيى (2): أي شيء تنحله (3)؟ قال: دجاجة بفراريجها! وإنما أراد احتقاره بذلك لأن أمه كانت أمة، فتفاءل سعيد وقال: إن صدق الطير ليكونن أكثركم ولدا. فكان كما تفاءل. وهم بالمدينة والكوفة.
31 - عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال على منبر البصرة: إن الكلاب من الحن (4)، وإن الحن من ضعفاء الجن، فإذا غشيكم منها شيء فألقوا إليه شيئا أو اطردوه، فإن لها أنفس سوء.
32 - قال الجاحظ: علماء الفرس والهند، وأطباء اليونانيين، ودهاة العرب، وأهل التجربة من نازلة الأمصار، وحذاق المتكلمين يكرهون الأكل بين يدي السباع. يخافون عيونها، للذي فيها من النهم والشره، ولما ينحل عند ذلك من أجوافها من البخار الردىء (5)، وينفصل من عيونها
__________
(1) عنبسة: هو عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي أبو أيوب ويقال أبو خالد وهو أخو عمرو بن سعيد الأشدق انقطع إلى الحجاج وكان جليسه ومؤانسه وهو من ثقات رواة الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 155.
(2) يحيى بن سعيد: هو يحيى بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي أبو الحارث المدني كان مع أخيه عمرو بن سعيد الأشدق في دمشق قال فيه عبد الملك بن مروان ما رأيت أفضل من يحيى بن سعيد. كان قليل الحديث ثقة.
راجع سيرته في تهذيب التهذيب 11: 215.
(3) أي شيء تنحله: تعطيه.
(4) الحن بالكسر حي من الحن يقال منهم الكلاب السود البهم يقال كلب حني وقيل الحن ضرب من الجن والحن سفلة الجن أيضا وضعفاؤهم. وقيل الحن خلق بين الجن والأنس. وقيل الحن كلاب الجن وقال ابن السكيت الحن الكلاب السود المعينة. وفي حديث ابن عباس الكلاب من الحن وهي ضعفة الجن فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا لهن فإن لهن أنفسا أي أنها تصيب بأعينها.
راجع لسان العرب.
(5) البخار الرديء: من فعل بخر والبخر والبخار هو الرائحة المتغيرة في الفم وقيل هو النتن يكون في الفم وغيره وكل رائحة سطعت من نتن أو غيره فهي بخر وبخار.(4/200)
مما إذا خالط الإنسان نقضه وأفسده، وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب (1)
والأشربة على رؤوسهم مخافة العين. وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا.
33 - وكانوا يقولون في الكلب والسنور (2): إما أن يطردوا وإما أن يشغل بما يطرح له.
34 - وقالوا: نفوس السباع أردأ وأخبث لفرط شرهها. قالوا: ونظيره أن الرجل يضرب الحية بعصاه فيموت الضارب، لأن السم فصل من الحية فسرى فيها حتى داخله. ويديم الإنسان النظر إلى العين المحمرة فتعتري عينه حمرة، والثوباء تعدي عداء ظاهرا.
35 - ورأيت من المتكلمين من يكره دنو الطامث من اللبن لتسوطه، لأن لها رائحة وبخارا يفسد ذلك السوط (3).
36 - وعن الأصمعي: أن عيونا (4) كان يقول: إذا وجدت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.
وعنه: كان عندنا عيانان (5)، فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال:
تالله ما رأيت كاليوم مثله! فانصدع فلقتين فمر عليه فقال: لعمرك
__________
(1) المذاب: من ذب: والذب: الدفع والمنع والطرد. وذبّ عنه يذب ذبا دفع ومنع ورجل مذبّ وذبّاب دفّاع عن الحريم. وذبذب الرجل إذ منع الجوار والأهل أي حماهم.
(2) السنور: من السّنر: وهو ضيق الخلق والسّنا والسّنور الهر مشتق منه وجمعه السنانير.
(3) الطامث: الحائض: وتسوطه: تخلطه وتمزحه.
(4) العيون: هو الشديد الإصابة بالعين: وقد ورد هذا الخبر في الحيوان للجاحظ 2: 141.
(5) العيان: العيون والمعيان وهو الشديد الإصابة بالعين أيضا.(4/201)
لقل ما أضررت أهلك فيك فتطاير أربع فلق. وسمع الآخر صوت بول من وراء حائط فقال: إنك كثير الشخب (1)! قالوا: هو ابنك، قال:
وانقطاع ظهرياه! فقيل: لا بأس به، فقال: لا يبول والله بعدها أبدا، فما بال حتى مات.
وسمع صوت شخب بقرة فقال: أيتهن هذه؟ فوروا بأخرى عنها (2)
فهلكت جميعا، المورّى بها والمورى عنها.
37 - شاعر:
أهدت إليه سفرجلا فتطيّرا ... منه وظل مفكرا مستعبرا
خاف الفراق لأن شطر هجائه ... سفر وحق له بأن يتطيرا
38 - آخر:
يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا ... ما كنت في أهدائه محسنا
نصف اسمه سوء فقد ساءني ... يا ليت أني لم أر السوسنا
39 - آخر:
وامنح الياسمين البغض من حذري ... للياس إذ قيل لي نصف اسمه ياس
40 - آخر:
لا تراني طوال ... دهري أهوى الشقائقا
أن يكن يشبه الخدو ... د فنصف اسمه شقا
41 - يتفاءلون بالآس لدوامه، ويتطيرون من النرجس لسرعة انقضائه، ويسمونه الغدار، قال العباس بن الأحنف.
__________
(1) الشخب: الشّخب والشخب: ما خرج من الضرع من اللبن إذا احتلب والشخب بالفتح المصدر.
(2) ورّوا: من التورية: وهي أن يكون للكلمة أو العبارة معنيان معنى قريب ومعنى بعيد فيراد البعيد من حيث يظن أنه يراد القريب.(4/202)
إن الذي سماك يا منيتي ... بالنرجس الغدار ما انصفا
لو أنه سماك رامشنة ... وفيت إن الآس أهل الوفا (1)
42 - تزعم العرب أن الجن تمتطي الوحش، وتجتنب الأرنب لمكان الحيض ولذلك كانوا يتعلقون كعبها كالمعاذة (2)، ويقولون من تعلقها لم تصبه عين، ولم يعمل فيه سحر، وكانت فيه واقية من الجن. قال امرؤ القيس:
مرسعة وسط أرفاغه ... به عسم يبتغي أرنبا (3)
ليجعل في ساقه كعبها ... حذار المنية أن يعطبا
43 - كانت لعامر بن شفيق الضبي (4) فرس تدعى ذات الرماح، وكانت لا تذعر، فإذا ذعرت تباشرت بنو ضبة بالغنم، وقال في ذلك قيس بن عبد الله الأصم الضبي (5):
44 [شاعر]:
__________
(1) رامشنة: تعريب للفظة الرومية مرسين واحدته مرسينة وهو اسم الآس بالرومية.
(2) المعاذة: الرقية: يقال معاذ الله أي أعوذ بالله.
(3) الأرفاغ أصول الابطين ورسع الصبي وغيره رسعا وترسيعا فهو مرسع بالعين المهملة كما جاء في لسان العرب معناه شد في يده أو رجله خرزا ليدفع به عنه العين ورجل مرسعة لا يبرح منزلة زاد والهاء للمبالغة.
(4) عامر بن شفيق الضبي: لم نقع له على ترجمة.
(5) قيس بن عبد الله الأصم الضبي: ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص 43فقال قيس بن عبد الله أحد بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد شاعر كان حروريا يقول في قصيدة طويلة:
وإنا لخواضون للموت غمرة ... على كل موار رقاق ملاطمه
وسماه ابن الأعرابي في كتاب الخيل ص 61قيس بن عسعس وأنشد له أبياتا من هذه القصيدة المتقدم أولها.(4/203)
إذا ذعرت ذات الرماح جرت لنا ... أيا من بالطير الكثير غنائه (1)
45 - الأصمعي: سألت ابن عون (2) عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضا فتسمع يا سالم، أو باغيا فتسمع يا واجد.
46 - عكرمة (3): كنّا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر.
47 - بعث معاوية رجلا يقال له هدبة (4) بقتل حجر بن عدي الكندي (5) في ثلاثة عشر رجلا، وكان هدبة أعور، فنظر إليه رجل من خشعم (6) فقال: إن صدق الطير قتل نصفنا، فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولا بعافيتهم.
__________
(1) ورد هذا البيت في لسان العرب وتاج العروس مادة رمح ولم يرد فيها اسم الشاعر ولا اسم صاحب ذات الرماح.
(2) ابن عون: هو عبد الله بن عون المزني المتقدمة ترجمته.
(3) عكرمة: هو عكرمة البربري المدني مولى ابن عباس وقد تقدمت ترجمته.
(4) هدبة: هو هدبة بن فياض القضاعي من بني سلامان بن سعد وكان أعور وهو الذي قتل حجر بن عدي الكندي.
(5) حجر بن عدي الكندي: هو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة الأكرمين الكندي المعروف بحجر الخير وأبوه عدي الأدبر. وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو وأخوه هانىء بن عدي وشهد القادسية ثم شهد بعد ذلك الجمل وصفين وصحب الإمام علي فكان من شيعته وظل مواليا له حين استقرت الخلافة لمعاوية وكان يعارض أمراء الكوفة وخاصة المغيرة بن شعبة. فلما ولي زياد الكوفة سعى في قتله وأرسله خف 5010إلى معاوية ومعه ثلاثة عشر من أصحابه. ولما وصل إلى مرج عذراء وكان هو الذي افتتحها نفذ حكم القتل فيه وفي معظم أصحابه وذلك سنة 51هـ.
راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير وتاريخ الطبري والإصابة 1: 329وطبقات ابن سعد 6: 151والأعلام 2: 176.
(6) رجل من خثعم: هذا الرجل هو كريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر بن شهران ثم من قحافة من أهل الكوفة من الشيعة من حجر بن عدي الذي ارسلهم ابن زياد إلى معاوية ما قبل معاوية بشهر واحد.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري وابن الأثير.(4/204)
48 - خرج كثير إلى مصر يريد عزة (1)، فلقيه أعرابي من بني نهد (2)
فقال له: رأيت في وجهك شيئا؟ قال: غرابا ساقطا فوق بانة ينتف ريشه، قال: إنك توافي مصر وقد ماتت عزة. فانتهره ثم مضى، فوافى مصر والناس منصرفون من جنازة عزة، فقال:
وما أعيف النهدي لا درّ درّه ... وأزجره للطير لا عز ناصره (3)
رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره (4)
فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبانة بين من حبيب تعاشره
49 - قال: وهرز (5) لغلامه حين جاء لقتال الحبشة: هات نشابة،
__________
(1) عزة: هي بنت حميل (بالحاء مصغرا) بن حفص بن إياس الحاجبيّة الغفاريّة الضمرية صاحبة الأخبار مع «كثير» الشاعر. كانت غزيرة الأدب رقيقة الحديث من أهل المدينة. انتقلت إلى مصر في أيام عبد الملك بن مروان فأمر بإدخالها على حرمه ليتعلمن من أدبها. يقال إنها دخلت على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الوليد بن عبد الملك. فقالت لها أم البنين أرأيت قول كثير:
قضى كل ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنى غريمها
ما كان ذلك الدين؟ فقالت وعدته قبلة وخرجت منها فقالت أم البنين انجزيها وعليّ إثمها وماتت في مصر في أيام عبد العزيز بن عبد الملك.
راجع ترجمتها في سمط اللآلي ص 698ووفيات الأعيان والتاج 7: 290.
(2) بنو نهد: هم قبيلة من قبائل اليمن وهم بنو نهد بن زيد بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وفي همدان نهد بن مرهية بن دعام بن مالك بن معاوية بن صعب.
(3) لا درّ درّه: أي لا كثر خيره.
(4) بانة: البان شجر يسمو ويطول في استواء مثل نبات الأثل وورقه أيضا هدب كهدب الأثل وليس لخشبه صلابة، واحدته بانة وينبت في الهضب. وثمرته تشبه قرون اللوبياء إلا أن خضرتها شديدة ولها حب ومن ذلك الحب يستخرج دهن ألبان. وجاء في التهذيب أن البانة شجرة لها ثمرة تربّب بأفاويه الطيب ثم يعتصر دهنها طيبا.
وجمعها ألبان ولاستواء نباتها ونبات أفنانها وطولها ونعمتها شبه الشعراء الجارية الناعمة ذات الشطاط بها. فقيل كأنها بانة وكأنها غصن بان لسان العرب مادة بين.
(5) وهرز هو قائد من أساورة كسرى أنوشروان بن قباذ كان كسرى يعد له بألف أسوار وهو الذي أرسله كسرى إلى اليمن ليجلو عنها الأحباش ويثبت حكم سيف بن ذي ين عليها ففعل وثبت على اليمن ابن ذي يزن وبقي فيها حتى مات وكان ذلك في آواخر عهد كسرى انوشروان راجع المزيد عنه في تاريه الطبري والكامل لابن الأثير.(4/205)
وكان الأسوار يكتب على نشابه اسم الملك واسم نفسه واسم امرأته، فأخرج نشابة عليها اسمها، فتطير من المرأة وقال: ردها، فأدخل يده فأخرج الأولى، ففكر وهرز فقال: زبان (1) فإذا ترجمته أضرب ذاك، فوضعها في كبد قوسه وقال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين عينيه فمغط في قوسه (2) حتى إذا ملأها سرحها، فأقبلت كأنها رشاء منقطع حتى صكت الياقوتة، فصارت فضاضا (3) وفلقت هامته.
50 [شاعر]:
وسميته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى ردّ أمر الله فيه سبيل
تيممت فيه الفأل حين رزقته ... ولم أدر أن الفأل فيه يفيل (4)
51 - عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسلم أتاه جبرائيل فقال: بسم الله أرقيك من كل داء يشقيك، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين.
وعنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقما.
وعنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله نفث (5) عليه
__________
(1) زبان: لفظ فارسي يقال زبان زبان أي أضرب أضرب.
(2) مغط في قوسه: أغرق في نزع الوتر ومده ليبعد السهم.
(3) الفضاض: الشظايا وهي القطع الصغيرة التي تتفرق منه عند كسرك إياه.
(4) يفيل: من فال يقيل فيلولة: أخطأ وضعف ورجل فيّل الرأي ضعيف الرأي والفائل من المتفرسين الذي يظن ويخطىء كما يقال رجل فال أي ضعيف الرأي مخطىء الفراسة.
(5) نفث: النفث شبيه بالفنخ: يقال نفث الراقي ينفث نفثا أخرج النفس كأنه ينفخ.
والحيّة تنفث السم حين تنكر، والجرح ينفث الدم إذا أظهره.(4/206)
بالمعوذات (1). فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه، لأنها أعظم بركة من يدي.
52 - أم سلمة (2): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجارية في بيتها، رأى في وجهها سعفة، بها نظرة فاسترقوا لها (3).
53 - جابر بن عبد الله: لدغت رجلا منا عقرب، فقال رجل: يا رسول الله أرقى؟ فقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل (4).
54 - عوف بن مالك الأشجعي (5): كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا:
يا رسول الله، كيف ترى في ذلك، فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك (6).
55 - أبو سعيد الخدري (7): إن ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب استضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا: هل منكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ (8). فقال رجل منهم: نعم
__________
(1) المعوذات: هي سورة الفلق وسورة الناس وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
(2) أم سلمة: هي أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية المتقدمة ترجمته.
(3) استرقوا لها: أي أطلبوا لها من يرقيها ورقى الراقي إذا عوذ ونفث في عوذته.
(4) ورد هذا الحديث في صحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل.
(5) عوف بن مالك الأشجعي: هو عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي أبو عمرو وقيل أبو عبد الرحمن أسلم عام خيبر وشهد الفتح وكانت معه راية أشجع واشترك في فتوح الشام سكن دمشق وحمص ومات سنة 73هـ.
راجع ترجمته في: الإصابة 5: 43وطبقات ابن سعد 7/ 2: 123وسيرة ابن هشام 2: 625.
(6) ورد هذا الحديث في صحيح مسلم (سلام 64) وصحيح ابن داود (طب 18).
(7) أبو سعيد الخدري: هو أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري المتقدمة ترجمته.
(8) لديغ: هو الملدوغ على وزن فعيل بمعنى مفعول كجريح مجروح واللدغ هو عض الحية والعقرب إذ يقال إن اللدغة جامعة لكل هامة تلدغ ورجل ملدوغ ولديغ وكذلك الأنثى والجمع لدغى ولدغاء. اللسان.(4/207)
فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب. فبرىء، فأعطي قطيعا من الغنم، فأبى أن يقبلها حتى يذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له فقال: يا رسول الله والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب. فتبسم وقال: ما أدراني أنها رقية؟ ثم قال:
خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم (1).
56 - ابن عباس: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا (2).
57 - عائشة رضي الله عنها: كان يؤمر العاين فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين (3).
58 - علي بن محمد البرقعي (4):
خذي عوذة مني لعينيك أنني ... أخاف على عينيك مني الدواهيا (5)
أخاف على عينيك عيني إنها ... يرينهما أحلى من أهلي وماليا
59 - قالت امرأة من بني عامر في رقيّة لها: أرقيك بالله من نفس
__________
(1) اضربوا لي بسهم معكم: أي اجعلوا لي نصيبا معكم.
(2) في لسان العرب (مادة غسل) وفي حديث العين. العين حق فإذا استغسلتم فاغسلوا أي إذا طلب من أصابته العين أن يغتسل من أصابة بعينه فليجبه. كان من عادتهم أن الإنسان إذا أصابته عين من أحد جاء إلى العائن بقدح فيه ماء فيدخل كفه فيه فيتمخمض ثم يمجه في القدح ثم يغسل وجهه فيه ثم يدخل يده اليسرى فيصب على يده اليمنى ثم يدخل يده اليمنى فيصب على يده اليسرى ثم يدخل اليسرى فيصب على مرفقه الأيمن ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر ثم يدخل يده اليسرى فيصب على قدمه اليمنى ثم يدخل يده اليمنى فيصب على قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل داخلة الإزار ولا يوضع القدح على الأرض ثم يصب ذلك الماء المستعمل على رأس المصاب بالعين من خلفه صبة واحدة فيبرأ بإذن الله تعالى.
(3) المعين: الذي أصابته العين.
(4) علي بن محمد البرقعي: لم نقع له على ترجمة.
(5) العوذة: هي التميمة يعوّذ بها الإنسان.(4/208)
حرى وعين شرى (1).
60 - علي رضي الله عنه: الطيب نشرة، والغسل نشرة، والركوب نشرة، والنظر إلى الخضرة نشرة (2).
61 - أضاع أعرابي ذودا (3) له، فمر في نشدانه بأعرابي يحتلب فسقاه ثم قال له: متى خرجت في الطلب؟ قال: قبل طلوع الفجر، قال:
فما سمعت؟ قال عواطس (4) حولي، ثغاء الشاة ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الطير، قال: عواطس تنهاك عن الغزو، قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئب، قال: كسوب (5) ذو ظفر، قال: فما طلعت الشمس لقيت نعامة. قال: ذات ريش واسمها حسن، إرجع فإنك ستجد ضالك في منزلك.
62 - كعب: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان، وتكلمه بلسان ذلق (6): أنا شجرة كذا في دواء كذا، فيأمر بها فيكتب اسمها وصورتها ومنفعتها، وترفع في الخزائن. حتى كان آخر ما جاء الخروبة (7) فقال الآن نعيت إلي نفسي، وأذن في خراب بيت المقدس.
__________
(1) حرّى: مؤنث حران: وهي الشديدة العطش وعين شرى بضم الشين وتشديد الراء العين التي تنظر إليك بالبغضاء كما يقال أن الشرّى: هي العيانة من النساء لسان العرب.
(2) نشرة: النشرة بالضم ضرب من الرقية والعلاج يعالج بها المريض ومن يظن أن به مسا من الجن وقد سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء.
(3) ذودا: الذود للقطيع من الإبل من الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشر وقيل أكثر من ذلك ولا يكون إلّا من الأناث دون الذكور.
(4) عواطس: هي جمع عاطسة مؤنث عاطس: وكانوا يتطيرون من العطاس: فإذا سافر.
رجل فسمع عطسة تطير وامتنع عن المضي في سفره.
(5) كسوب بمعنى كسّاب وهو الكثير الكسب.
(6) لسان ذلق: من ذلق ذلاقة كان فصيحا.
(7) الخروبة: واحدة الخروب بالتشديد ويقال أيضا خرنوبة وخرنوب بالضم ولا تقل الخرنوب بالفتح وبدلوا النون من أحد الرائين كراهية التضعيف قال أبو حنيفة: هما ضربان أحدهما الينبوتة وهي هذا الشوك الذي يستوقد به يرتفع الذراع ذو أفتان وحمل أصم خفيف كأنه نفاخ وهو بشع لا يؤكل إلّا في الجهد وفيه صلب زلال. والآخر الذي يقال له الخروب الشامي وهو حلو يؤكل وله كحب الينبوت إلّا أنه أكبر وثمره طوال كالقثاء الصغار إلّا أنه عريض ويتخذ منه سويق ورب: التهذيب: الخروبة شجرة الينبوت وهذا الخبر في ليان العرب (مادة خرب) مع اختلاف في اللفظ قليل:
والخروب معروف عند العامة ويسمونه الخونوب.(4/209)
63 - الفرس: إذا فشا (1) الموت في الخنازير دل على عموم العافية في الناس، وإذا فشا في الوحش أصابهم ضيقه، وإذا فشا في الفار دل على الخصب، وإذا كثر نقيق الضفادع وقع موتان، وإذا نعب غداف (2)
فجاوبته دجاجة عمر الخراب، وإذا قومت دجاجة فجاوبها غراب فبالعكس خرب العمار. وإذا نزا (3) ديك على تكأة رجل نال شرفا ونباهة، وإذا نزت عليها دجاجة فبالعكس.
64 - كان في عنق نصراني صليب، وكان يقول للضعفة: عوده من الخشبة التي صلب عليها المسيح، فالنار لا تعمل فيه، وتكسّب بذلك زمانا حتى فطن له. وإنما كان عود يؤتى به من ناحية كرمان (4) لا يحترق.
65 - ألقى يحيى بن أكتم (5) على المتوكل قوله:
وباسطة بلا نصب جناحا ... وتسبق ما يطير ولا تطير
إذا القمتها الحجر اطمأنت ... وتألم إن يباشرها الحرير (6)
__________
(1) فشا الموت: من فشا يفشو فشوا وفشيا. بمعنى انتشر وذاع.
(2) غداف: الغداف غراب أسحم ضخم كبير الجناحين.
(3) نزا: نزا ينزو نزوا ونزوّا وثب عليه والتكأة، ما يتكأ عليه كالعصا والقوس ونحوها والنباهة هي الفطنة وعكسها الخمول.
(4) كرمان: بالفتح ثم السكون وآخره نون وهي ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس وخراسان وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي تشبه البصرة في كثرة التمور وجودتها وسعة الخيرات. معجم البلدان ياقوت.
(5) يحيى بن أكثم: هو يحيى بن أكثم أبو محمد التميمي المتقدمة ترجمته.
(6) باشرها: من باشر يباشر بمعنى يلامسها.(4/210)
فقال: هي العين.
66 - سئل أعرابي عن قول القائل:
أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بناطقة خرساء مسواكها حجر
فقال: هي ما علمت أم سويد:
67 - أعرابي: أتعرفون شيئا إذا قام كان أقصر منه إذا قعد: هو الكلب لأنه إذا أقعى (1) كان أرفع سمكا منه إذا قام على أربع.
68 - شاعر:
عجبت لمولود وما إن له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
69 - آدم وعيسى عليهما السّلام:
70 - في أحاجي العرب: ما أبيض شطرا، أسود ظهرا، يمشي قمطرا (2)، ويبول قطرا؟ هو القنفذ. يقال كلب قمطر إذا كان به عقال من اعوجاج ساقيه، وقمطر الرجل العدو إذا هرب.
71 - أعرابي:
له جناحان وليس بالطير ... يجر فدانا وليس بالثور
يريد الجعل (3).
72 - رقية الحية مثل في الطول، قال علي بن الجهم في توقيعات محمد بن عبد الملك.
__________
(1) أقعى: من قعي يقعي: يقال أقعى الكلب إذا جلس على أسته.
(2) يمشي قمطرا: أي مجتمعا: وكل شيء جمعته فقد قمطرته والقمطر والقمطرة ما تصان به الكتب. راجع لسان العرب (مادة قمطر 5: 166).
(3) الجعل: دابة سوداء من دواب الأرض قيل هو أبو جعران بفتح الجيم وجمعه جعلان وهو حيوان معروف كالخنفساء ذو رأس عريض ويداه ورأسه كالمآشير. ورجل. جعل أسود دميم مشبّه بالجعل. (راجع اللسان مادة جعل 11: 112).(4/211)
على ابن عبد الملك الزيات ... لعائن الله موقرات
رمى التدواوين بتوقيعات ... مطوّلات ومعقدات
أشبه شيء برقى الحيات
73 - وعن خلف الأحمر (1): كنت أرى أنه ليس في الدنيا رقية أطول من رقية الحية، فإذا رقية الخبز أطول منها. يعني ما يتكلفه الناس في كسبه من النثر والنظم والخطابة والتصنيف وغيرها.
74 [شاعر]:
وما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان
هي الجرادة.
75 - قال العتبي (2): سمعت أعرابية بالحجاز فصيحة ترقي من العين فتقول: أعيذك بكلمة الله التامة التي لا يجوز عليها هامة، من شر الجن والأنس عامة، وشر النظرة اللامة (3). أعيذك بمطلع الشمس، من كل ذي مشي همس، وشر كل ذي نظر خلس، وشر كل ذي قول دس (4)، ومن شر الحاسدين والحاسدات، والمنافسين والمنافسات، والكائدين والكائدات، نشرت عليك بنشرة نشار، عن رأسك ذي الأشعار، وعن
__________
(1) خلف الأحمر: هو أبو محرز خلف بن حيان بن محرز المعروف بالأحمر من أهل البصرة اعتق بلال أبويه وكان من أهل فرغانة. راوية عالم باللغة. كان معلم الأصمعي ومعلم أهل البصرة. نسك في أواخر أيامه. مات نحو سنة 180هـ له ديوان شعر وكتاب (جبال العرب).
راجع ترجمته في تهذيب اللغة للأزهري 1: 4الأعلام 2: 358وبغية الوعاة ص 242.
(2) العتبي: هو محمد بن عبد الله العتبي المتقدمة ترجمته.
(3) النظر اللامّة: من لمّ يلمّه لمّا يقال لمّ الشيء جمعه واللم الجمع الكثير الشديد ولمّ الله شعثه يلمه لمّا جمع ما تفرق من أموره وأصلحه. والنظرة اللامة النظرة المحيطة بكل شيء.
(4) القول الدس: هو القول القائم على الزور والبهتان لإيقاع الدسيسة.(4/212)
عينيك ذواتي الأشفار، وعن فيك ذي المحار (1)، وظهرك ذي الفقار، وبطنك ذي الأسرار (2)، وفرجك ذي الأستار، ويديك ذواتي الأظفار، ورجليك ذواتي الآثار، وذيلك ذي الغبار، وعنقك فضلا وذا إزار، وعن بيتك فرجا وذا أستار، رششت بماء بارد نارا، وكان الله لك جارا.
76 - شاعر:
تعجبت من أم حصان رأيتها ... لها ولد من غيرها وهي عاقر (3)
فقلت لها بحرا فقالت مجيبتي ... أتعجب من هذا ولي زوج آخر (4)
77 - أراد أبو العتاهية أن يخرج من البصرة لفتنة وقعت فيها، فسمع مناديا ينادي: يا متوكل فأقام.
78 - قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطيرة؟ قال: وما عسيت (5)
أن أقول فيها؟ لا طير إلا طير الله؟ ولا خير إلا خير الله، ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب الله المنزل، يعني التوراة.
__________
(1) وعن فيك ذي المحار: المحارة دابة في الصدفين ويسمى باطن الأذن محارة وربما قالوا محارة وعنوا بذلك الدابة والصدف معا. وروي عن الأصمعي إنه قال: المحارة الصدفة. فالفم ذو المحار إذن هو الفم الممتلىء بالأسنان المشبهة بالأصداف.
(2) بطنك ذو الأسرار: ربما كان المقصود بالأسرار تلك الخطوط والتجعدات التي ترتسم على البطن عند الالتواء أو عند القيام بأية حركة إذ تظهر خطوط متشابكة كخطوط باطن الكف جمعها أسرة وأسرار وأسارير وإلى هذا المعنى يشير عنترة بقوله:
زجاجة صفراء ذات أسرة ... قرنت بأزهر في الشمال مفدم
وربما كان المقصود سرة البطن وهي الوقبة التي في وسط البطن أو ما قطع منه فذهب وهذا إحتمال ضعيف لأنه ليس في البطن غير سرة واحدة لا جمع لها.
(3) امرأة حصان: بفتح الماء عفيفة بينة الحصانة يقال أحصنت المرأة فهي محصنة كذلك الرجل فهو محصن والإحصان المنع.
(4) بحرا من بحر بحرا بمعنى تحيّر وبهت مما يسمع أو يرى.
(5) وما عسيت: أي وما عساني أن أقول فيها.(4/213)
الباب السادس والستون التفاضل (1)، والتفاوت (2)، والاختلاف، والاشتباه (3)، وما قارب ذلك ووافاه، وضرب في طريقه (4)
1 - كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نظر إلى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل قرأ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} (5). لأنهما من خيار الصحابة، وأبواهما أعدى عدو لله ورسوله.
وقال عليه السّلام لابن علاثة (6): ما كان بينك وبين عامر (7)! قال: آمنت
__________
(1) التفاضل: من تفاضل تفاضلا: يقال تفاضل الرجلان إذا ادعى كل منهما الفضل على صاحبه.
(2) تفاوت: تفاوتا: يقال تفاوت الرجلان في الفضل إذا اختلفا وتباعد ما بينهما وتباينا.
(3) الإشتباه: من اشتبه يقال اشتبه اشتباها في الأمر: شك في صحته واشتبه الأمر عليه خفي والتبس واشتبه في فلان ظنّ به ولم يتأكده. واشتبه الرجلان أشبه كل منهما الآخر.
(4) ضرب في طريقه: ما شاه وشاكله وقرب منه.
(5) يخرج الحي من الميت: الآية رقم 19من سورة الروم.
(6) ابن علاثة: هو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص الكلابي العامري أسلم ثم ارتد عن الإسلام في أيام أبي بكر ثم عاد إلى الإسلام وولاه عمر بن الخطاب حوران فنزلها إلى أن مات نحو سنة 20هـ كان كريما وللحطيئة قصيدة في مدحه.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 264خزانة البغدادي 1: 88والأعلام 5: 48.
(7) عامر: هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامري. من بني عامر بن صعصعة فارس قومه وأحد فتاك العرب وشعرائهم وساداتهم في الجاهلية كنيته أبو علي ولد ونشأ بنجد خاض المعارك الكثيرة وأدرك الإسلام شيخا وهو ابن عم الشاعر لبيد وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فدعاه إلى الإسلام فاشترط أن يجعل له نصف ثمار المدينة وإن يجعله ولي الأمر من بعده فرده. فعاد حانقا وسمعه أحدهم يقول لأملأنّها خيلا مردا ولأربطنّ بكل نخلة فرسا فمات في طريقه قبل أن يبلغ أهله.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 20والعقد الفريد (2: 17و 3: 128) وخزانة البغدادي 1: 471.(4/215)
وكفر، ووفيت وغدر، وولدت وعقر، وعففت وفجر. فقال عليه السّلام:
أنت خير منه.
2 - علي رضي الله عنه لمعاوية: وأما قولك أنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب. ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر (1) كالطليق (2)، ولا الصريح كاللصيق (3)، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل (4) وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز وأنعشنا بها الذليل. ولما دخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت هذه الأمة طوعا وكرها، كنتم فيمن أدخل في الدين إما رغبة وإما رهبة، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم.
__________
(1) ليس المهاجر كالطليق: المهاجرون هم الذين ذهبوا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فتركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها الله. ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة.
(2) الطليق: جمع طلقاء وهم الأسراء العتقاء الذي أخلي سبيلهم وأطلق سراحهم.
وطلقاء مكة هم الذين خلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عنهم يوم الفتح (فتح مكة) وأطلقهم فلم يسترقهم.
(3) الصريح: الخالص البيّن الذي لا تشوبه شائبة واللصيق هو الملحق.
(4) ولا المؤمن كالمدغل: والمدغل هو من الدغل بالتحريك وهو الفساد ومنه قول الحسن اتخذوا كتاب الله دغلا أي أدغلوا في التفسير وأدغل في الأمر أدخل فيه ما يفسده ورجل مدغل: مخابّ مفسد.(4/216)
وسئل علي رضي الله عنه عن قريش فقال: أما بنو مخزوم فريحانة قريش، نحب حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأيا، وامنعها لما وراء ظهورها (1) وأما نحن فأبذل لما في أيدينا، واسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأصبح وأنصح (2).
وعنه رضي الله عنه: شتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته (3)، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره (4).
وعنه: أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام (5) فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم، وأنتم تريكة (6) الإسلام وبقية الناس، إلى المعونة أو طائفة من العطاء فتفرقون عني.
3 - الحسين بن النضير الفهري (7):
إن النبيّ محمدا ووصيّه ... في كل سابقة هما أخوان
قمران نسلهما النجوم فثاقب ... منها وخاف خامد اللمعان
4 - كان بين عبد الله بن محمد بن أبي عيينة (8) ومروان بن سعيد بن
__________
(1) امنع لما وراء ظهورها: أكثر أمانة وإخلاصا واستماتة في الدفاع عما إئتمنت عليه.
(2) أصبح: من صبح صباحة يقال: صبح الوجه أشرق وأنار وصار ذا جمال.
(3) تبعته: التبعة جمع تبعات وهي ما يترتب على الفعل من الخير أو الشر إلّا أن استعماله في الشر أكثر يقال لهذا الأمر تبعة أي لحوق شر وضرر.
(4) ورد هذا النص في نهج البلاغة 4: 28.
(5) الجفاة الطغام: الجافي الغليظ وجافي الخلق: غليظ العشرة والطغام هم أوغاد الناس: السفلة.
(6) تريكة: التريكة بيضة النعامة والمراد: أنتم خلق الإسلام وعوض السلف.
(7) الحسين بن النضير الفهري: لم نقع له على ترجمة وإنما ذكره السيد الخوئي في معجم رجال الحديث 6: 110وسماه حسين بن نضر الفهري.
(8) عبد الله بن محمد بن أبي عيينة: هو عبد الله بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 398في ترجمة مروان بن سعيد المهلبي ولم يترجم له وذكر أبياتا له في هجاء مروان.(4/217)
عباد (1) المهلبيين تهاج فقال له زيد بن يزيد بن حاتم بن قبيصة المهلبي:
سأقضي بين مروان بحق ... وعبد الله ثمت لا أجور (2)
جرى مروان حتى لا يجاري ... فبرّز وابن خيرة يستدير
مشيت القهقرى وشآك قدما ... فقمت وأنت منقطع حسير (3)
وقد أنحت عليك له قواف ... كما أنحى على الراعي جرير (4)
فيا ابن أبي عيينة كف واربع ... ولما يضغك الليث الهصور (5)
وقد دلفت إليك مثقفات ... كذاك الليث يقدمه الزئير (6)
5 - عياض بن درة الطائي (7):
__________
(1) مروان بن سعيد بن عباد: هو مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة بصري من غلمان الخليل بن أحمد ومن الحذاق بالنحو.
(2) يقول أنه سيقضي بينهما بالحق ولا يجوز في حكمه.
(3) شآك: معناها سبقك يقال سأى القوم يشأوهم شأوا سبقهم. والحسير هو الكليل الضعيف.
(4) أنحت عليك عرضت لك وقصدت والراعي هو أبو جندل عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النمري من فحول شعراء العصر الأموي وقد لقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل كان معاصرا لجرير والفرزدق كان يناصر الفرزدق فهجاه جرير وهجاء مرا ومما قال فيه:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 502وطبقات ابن سلام ص 434ورغبة الآمل: 1: 146.
(5) أربع: فعل أمر من ربع الرجل يربع ربعا وقف وانتظر ومعناه هنا توقف واضغاه يضغيه أي حمله على الضغاء وهو الصوت الذي يحدثه كل ذليل مقهور. والهصور: الأسد الشديد الذي يفترس ويكسر.
(6) دلف: مشى كالمقيّد وقارب الخطو في مشيه. والمثقفات جمع مثقف وهو الرمح.
(7) عياض بن درة الطائي: هو عياض بن درة الطائي أحد بني ثعلبة ذكره المرزباني في معجمه ص 269ولم يترجم له ودرّة اسم أمه.(4/218)
أنت الذنابي يا نهيك بن قعنب ... ونحن إذا طار الجناح قوادمه (1)
إذا ما غمزنا من عنانك غمزة ... وهت عضداه واطمأنّت شكائمه (2)
6 - قيل لأبي ثور (3): ما تقول في حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار؟ فقال: بينهما كما ما بين أبويهما في الصرف.
7 - سأل رجل عمرو بن عبيد عن مسألة، فتثاقل (4) عن جوابه، فأنشأ الرجل يقول:
إن الزمان ولا تفنى عجائبه ... ابقى لنا ذنبا واستؤصل الرأس
فقال عمرو: كأنك تعني أبا حذيفة (5)، أشهد أنه كان لي رأسا، وكنت له ذنبا.
8 - أبو عمرو بن العلاء: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال.
9 - ابن المبارك: سمعت أبا حنيفة، وسئل عن علقمة والأسود (6)
أيهما أفضل، يقول: والله ما قدرت أن أذكرهما بالدعاء والاستغفار إجلالا لهما، فكيف أفضل بينهما؟
__________
(1) نهيك: هو نهيك بن قعنب بن حارثة بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي وهو شاعر أيضا.
(2) غمز: يقال غمز بالرجل وعليه: طعن عليه وسعى به شرا.
(3) أبو ثور: هو أبو ثور الحمداني الكوفي حبيب بن أبي ملكية كوفي جليل من ثقات رواة الحديث.
راجع ترجته في تهذيب التهذيب 12: 51.
(4) تثاقل: بمعنى أبطأ.
(5) أبو حذيفة: يقصد واصل بن عطاء رأس المعتزلة المتقدمة ترجمته.
(6) علقمة: يقصد به علقمة بن قيس النخعي الهمداني. والأسود: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الهمداني المتقدمة ترجمته.(4/219)
10 - قيل لأبي العيناء (1): ما تقول في ابني وهب (2)؟ فتلا قوله تعالى: {وَمََا يَسْتَوِي الْبَحْرََانِ هََذََا عَذْبٌ فُرََاتٌ}. الآية (3).
11 - بليغ: لو تتوجت بالثريا، وتقلدت بالفكة (4)، وتمنطقت بمنطقة الجوزاء، وتوشحت بالمجرة ما كنت مثل فلان.
بينها نفنف متباعد ما ولدت حرة على عفر الأرض شبيها له ولا تلد.
12 - شاعر:
بخست بيربوع لتدرك دارما ... ضلالا فمن منّاك تلك الأمانيا (5)
13 - لم ينطف فحل بمثله (6)، ليس فلان من أرض فلان، أي لا يشبهه.
14 - أنشد الجاحظ:
__________
(1) أبو العيناء: المقصود به محمد بن القاسم المتقدمة ترجمته.
(2) ابنا وهب: هما سليمان بن وهب بن سعيد بن عمرو الحارثي وزير من الكتاب ولد ببغداد وكتب للمأمون 14سنة وولّي الوزراة للمهتدي ثم للمعتمد ونقم عليه الموفق فحبسه فمات في سجنه سنة 273هـ. كان من مفاخر عصره علما وأدبا.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 316والنجوم الزاهرة 3: 37.
ثم أخوه الحسن بن وهب المتقدمة ترجمته.
(3) جزء من الآية الكريمة رقم 12من سورة فاطر: وتمامها: {وَمََا يَسْتَوِي الْبَحْرََانِ هََذََا عَذْبٌ فُرََاتٌ. سََائِغٌ شَرََابُهُ وَهََذََا مِلْحٌ أُجََاجٌ}.
(4) الفكة: نجوم مستديرة تقع خلف السماك الرمح تسمى قصعة المساكين لأن في جانبها ثلمة.
(5) يربوع ودارم: قبيلتان عربيتان مشهورتان الأولى تنتسب إلى يربوع بن حنظلة بن مالك ابن عمر بن تميم. ويربوع أيضا هو أبو بطن من مرّة. وهو يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان منهم الحارث بن ظالم اليربوعي المرّي.
وأما دارم هو أبو حي من تميم فيهم بيتها وشرفها.
(6) لم ينطف فحل بمثله: من نطف نطفا ونطافة فهو نطف بمعنى عاب وأراب ونطّفة لطّخه بعيب وقذف به. والنطفة الماء الصافي قلّ أو كثر والنطفة ماء الرجل أو المرأة وهو المقصود هنا.(4/220)
وإني لقاض بين شبيان وائل ... ويشكر اني بالقضاء بصير (1)
وجدنا بني شيبان خرطوم وائل ... ويشكر خنزير أزب قصير (2)
15 - عمر بن لجأ التميمي (3) لجرير الشاعر:
تهجو النجوم وأنت مقع تحتها (4) ... كالكلب ينبح كل نجم مصعد
هيهات حلت في السماء بيوتهم ... وأقام بيتك في الحضيض الأوهد
16 - أريت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية (5) في منامها من يقول:
أعشرة مدرة أحب إليك أم ثلاثة كعشرة؟ ثلاث مرات في ثلاث ليال.
فقالت في الثالثة: بل ثلاثة كعشرة، فولات الكملة: ربيع الحفاظ (6)،
__________
(1) شيبان وائل: أو حي من بكر. وهو شيبان بن ثعلبة بن عكابه بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ويشكر قبيلة في ربيعة وبنو يشكر قبيلة في بكر بن وائل.
(2) خنزير أزب: خنزير كثير شعر الوجه والأذنين وفي المثل: كل أزبّ نفور قال الأخطل:
أزب الحاجبين بعوف سوء ... من النضر الذين بأزقيان
(3) عمر بن لجأ التميمي: هو عمر بن لجأ بن حدير بن مصاد التميمي كان عارفا بمثالب القبائل وأمه برزة وهو الذي يقول فيه جرير:
أنت ابن برزة منسوب إلى لجأ ... عند العصارة والعيدان تعتصر
مات نحو سنة 105هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 570وخزانة البغدادي 1: 359وتاج العروس 1: 115.
(4) مقع تحتها: قاعد على أستك. والنجوم هم الأعلام الأشراف.
(5) فاطمة بنت الخرشب الأنماري: هي فاطمة بنت الخرشب واسم الخرشب عمرو بن النضر بن حارثة بن طريف بن أنمار من غطفان ضرب بها المثل في الإنجاب فقال (أنجب من فاطمة) راجع ترجمتها في المحبّر لابن حبيب 398و 458وخزانة البغدادي 3: 364والأعلام 5: 327والخرشب الطويل السمين.
(6) ربيع الحفاظ: هو الربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن ناشب العبسي من بني عود ابن غالب بن قطيعة بن عبس. كان يقال له الكامل أحد دهاة العرب وشجعانهم اتصل بالنعمان بن المنذر واشترك في حرب عبس وفزارة.
راجع ترجمته في الأغاني 16: 20والمحبر ص 299والأعلام 3: 38والتبريزي 3: 24.(4/221)
وأنس الفوارس (1)، وعمارة الوهاب (2). والربيع هو الذي كان ينادم النعمان وقدم عليه عامر بن مالك بن صعصعة (3) عم لبيد، وكان عامر أدلم (4) صغير الجثة، ولها ابنان زرعة وعلس، فقال الربيع:
عمارة الوهاب خير من علس ... وزرعة الفساء شر من أنس
وسئلت عن بنيها أيهم أفضل؟ فقالت: أنس، لا بل عمارة، لا بل ربيع، ثم قالت: ثكلتهم (5) إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
17 - أبو عطاء السندي (6) واسمه أفلح:
__________
(1) أنس الفوارس أو أنس الحفاظ أحد الفرسان في الجاهلية. وقد اشترك في يوم أقرن وهو الذي قتل عمرو بن عمرو بن عدس حين أغار على بني عبس في ذلك اليوم وفيه يقول جرير:
هل تذكرون على ثنيّة أقرن ... أنس الفوارس يوم يهوى الأسلع
(2) عمارة الوهاب: هو عمارة بن زياد أخو الربيع وأنس كان كثير المال واسع الخيرات جوادا كريما اشترك في حروب كثيرة وقتله شرحاف بن المثلم العائذي.
راجع ترجمته في الأعلام 5: 192ورغبة الآمل 2: 43وأمالي ابن الشجري 1: 13.
(3) عامر بن مالك بن صعصعة: هو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة من رؤساء العرب في الجاهلية وشجعانهم مات سنة 4هـ.
انظر ترجمته في الإصابة 4: 16والأغاني.
(4) أدلم: الأدلم: الشديد السواد من الرجال وقيل الأدلم من الرجال الطويل الأسود.
(5) ثكلتهم: الثكل الموت والهلاك. وبالتحريك هو فقدان الحبيب. وأكثر ما يستعمل في فقدان المرأة زوجها. وفي المحكم: أكثر ما يستعمل في فقدان الرجل والمرأة ولدهما. وفي الصحاح فقدان المرأة ولدها.
(6) أبو عطاء السندي: هو أفلح بن يسار السندي وقيل اسمه مرزوق. شاعر جيد الشعر قوي البديهة. كان عبدا أسود دميما قصيرا من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية.
هجا بني هاشم وكانت في لسانه عجمة ولثغة، كان أبوه سنديا عجميا لا يفصح.
مات عقب أيام المنصور.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 4: 176والأغاني 16: 87والشعر والشعراء ص 652والأعلام 1: 342.(4/222)
إن الخيار من البرية هاشم ... وبنو أمية أرذل الأشرار
وبنو أمية عودهم من خروع (1) ... ولهاشم في المجد عود نضار (2)
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أمية من دعاة النار
وبهاشم زكت البلاد وأعشبت ... وبنو أمية كالسراب الجاري
18 - سأل زياد ابن أبيه أبا الأسود عن حب علي فقال: إن حب علي يزداد في قلبي حدة، كما يزداد حب معاوية في قلبك، فإني أريد الله والدار الآخرة بحبي عليا، وتريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية، ومثلي ومثلك كما قال أخو مذحج (3).
خليلان مختلف شأننا ... أريد العلاء ويهوى اليمن (4)
أحب دماء بني مالك ... وراق المعلّى بياض اللبن (5)
__________
(1) خروع: من خرع والخرع بالتحريك الرخاوة في الشيء ومنه قيل لهذه الشجرة الخروع لرخاوته وقيل الخروع مل نبات قصيف ريّان من شجر أو عشب وكل ضعيف رخو خرع وخريع.
(2) النضار: نوع من الشجر تعمل منه الأقداح. والنضار من الخلاف يدفن خشبه حتى ينضر ثم يعمل فيه فيكون أمكن لعامله في ترقيقه. وقيل إن النضار تتخذ منه الآنسية التي يشرب فيها وهي أجود العيدان التي تتخذ منها الأقداح. وقال الليث: النضار:
الخالص من جوهر التبر والخشب وجمعه أنضر. اللسان.
(3) أخو مذحج: هو الأسعر بن حمران الجعفي الشاعر وجعفي بن سعد العشيرة بن مذحج ولذلك قال أبو الأسود أخو مذحج. والأسعر هو مرثد بن أبي حمران واسم أبي حمران الحارث بن معاوية بن الحارث بن مالك.
راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف ص 47وتاج العروس 10: 252.
(4) العلاء: بفتح أوله: موضع بالمدينة أطم أو عند أطم ينسب إليها أبو سعيد الكاتب العلائي معجم البلدان.
(5) المعلى: اسم الفرس. وقد جاء في تاج العروس (مادة علو) أريد دماء بني مازن وذكر فيه الأسعر نقلا عن كتاب أنساب الخيل لابن الكلبي. قال فيه:
كان الأسعر يطلب بني مازن من الأزد فكان يصحبهم فيقتل منهم ثم يهرب فلا يدرك وكانت خالته فيهم. ناكحا فقالت: إني سأدلكم على مقتله إذا رأيتموه فصبوا لفرسه اللبن فإنه قد عوده سقيه إياه فلن يضبطه حتى يكرع فيه ففعلوا فلم يضبطه حتى كرع فيه فتنادى القوم فلما غشيته الرماح قال: واثكل أمي وخالتي: فصاحت اضرب قنبه، ففعل فوثب فلم يدرك فنجا. فقالوا لها: وما دعاك إلى ما فعلت وأنت وللثنا عليه؟ فقالت: رابتني عليه الثواكل فأنشأ الأشعر يقول:
أريد دماء بني مازن ... وراق المعلّى بياض اللبن
خليلان مختلف شأننا ... أريد العلاء ويهوى اليمن
إذا ما رأى وضحا في الأناء ... سمعت له زمجرا كالمغن
والقنب بضم القاف وسكون النون: جراب قضيب الدابة وقيل هو وعاء قضيب كل ذات حافر.(4/223)
19 - أبو العواذل زكريا بن هارون (1):
علي وعبد الله بينهما أب ... وشتان ما بين الطبائع والفعل (2)
ألم تر عبد الله يلحى على الندى ... عليا ويلحاه علي على البخل (3)
20 - ابن الرقاع:
القوم أشباه وبين حلومهم ... بون كذاك تفاضل الأشياء
والأصل ينبت فرعه متفاوتا ... والكف ليس بنانها بسواء
21 - أحمد بن سهل (4): الرجال ثلاثة: سابق، ولاحق، وما حق فالسابق الذي سبق بفضله، واللاحق الذي لحق بأبيه في شرفه، والماحق الذي محق شرف آبائه.
22 - نظر حكيم إلى شوك عليه حية في نهر، فقال: ما أشبه السفينة بالملاح!
__________
(1) أبو العواذل زكريا بن هارون: لم نقع له على ترجمة.
(2) شتان: اسم فعل ماض بمعنى بعد. يقال شتان ما بين الثريا والثرى أي بعد المسافة بينهما.
(3) يلحى: من لحى لحيا يقال لحيت الرجل إذا لمته وعذلته.
(4) أحمد بن سهل: ربما كان أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد المروزي. فارسي الأصل عربي النشأة اتصل بالسامانيين فكان من قوادهم. اسر على مقربة من مرو الروذ وأرسل إلى بخارى فمات في سجنها سنة 307هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري وابن الأثير 8: 37.(4/224)
23 - يقال في الرديئين من غير تفاضل كحماري العبادي (1). قيل للعبادي: أي حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا.
وللرقاشي (2) وقد سئل عن رجلين:
حمارا العبادي الذي سيل عنهما ... فكانا على حال من الشر واحد (3)
24 - تنافر (4) عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة (5)، فلم يرد أن ينفر أحدهما على الآخر، فقال: أنتم كركبتي البعير تقعان على الأرض معا.
25 - ولد عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي مات فيها عمر بن
__________
(1) العبادي: العبادي نسبة إلى العباد قوم خليط من قبائل العرب المختلفة نزلوا الحيرة وحمارا العبادي يضرب مثلا في التردد بين ما أحدهما أمثل من الآخر.
قيل لعبادي: أي حماريك شر؟ فقال هذا ثم هذا.
(2) الرقاشي هو الفضل بن عبد الصمد بن الفضل الرقاشي البصري. شاعر جيد الشعر من أهل البصرة فارسي الأصل انتقل إلى بغداد ومدح الخلفاء وانقطع إلى البرامكة ورثاهم بعد نكبتهم وكان متهتكا خليعا وبعد البرامكة انقطع إلى طاهر بن الحسين وخرج معه إلى خراسان فلم يتركه حتى مات.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 345الأعلام 5: 356والأغاني 15: 35 وفوات الوفيات: 2: 125.
(3) سيل عنهما من سأل بني للمجهول وقد ابدلت الهمزة بالياء تخفيفا.
(4) تنافر: من نافر يقال نافرت الرجل منافرة إذا قاضيته. والمنافرة المفاخرة والمحاكمة والمنافرة أيضا المحاكمة في النسب قال أبو عبيد: المنافرة أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على الآخر ثم يحكما بينهما رجلا كفعل علقمة بن علاثة مع عامر بن طفيل حتى تنافر إلى هرم بن قطبة الفزاري.
وقوله لم يرد أن ينفر أحدهما على الآخر معناه لم يرد أن يغلب أحدهما على الآخر.
(5) هرم بن قطبة: هو هرم بن قطبة بن سنان بن عمرو الفزاري أحد قضاة العرب في الجاهلية أسلم وحسن إسلامه وعاش إلى أيام عمر ومات بعد سنة 13هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 301أسد الغابة 5: 57والبيان والتبيين 1: 109 والمحبّر ص 135.(4/225)
الخطاب رضي الله عنه، فسمي باسمه، فكان الناس يقولون: أي حق رفع، وأي باطل وضع.
26 - كفلت عائشة بنت عثمان (1) أبا الزناد (2) صاحب الحديث، وأشعب الطماع، وكان يقال له شعيب، وربتهما قال أشعب: فكنت أسفل ويعلو حتى بلغت أنا وهو هاتين الغايتين.
27 - حج أبو الأسود الدؤلي بامرأته، وكانت جميلة شابة، فعرض لها عمر بن أبي ربيعة فغازلها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه فقال:
واني ليثنيني عن الجهل والخنا ... وعن شتم أقوام خلائق أربع (3)
حياء وإسلام وتقوى وأنني ... كريم ومثلي قد يضر وينفع
فشتان ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتضلع (4)
28 - ربيعة بن عمرو بن الخليع العقيلي (5):
لا تدعوّني فاني غير تابعكم ... ولست منكم ولا حسي ولا جرس
إذن أكون كمن ألقى رحالته ... على الحمار وخلى صهوة الفرس (6)
__________
(1) عائشة بنت عثمان: هي عائشة ابنة عثمان بن عفان خطبها أبان بن سعيد بن العاص فلم تتزوجه.
(2) أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني. تابعي ثقة فقيه صالح الحديث بصيرا بالعربية عالما عاقلا. مات سنة 130هـ عن 66عاما.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 5: 203والبيان والتبيين 3: 247.
(3) الخنا وتكتب الخنى: وهو الفحش في الكلام وخنى الدهر نوائبه مفردها خناه.
(4) استقيم من استقام استقامة: والإستقامة هي الإعتدال يقال استقام له الأمر أي اعتدل واستوى.
وتضلع: من ضلع عكس استقام معناه مال واعوج.
(5) ربيعة بن عمرو بن الخليع العقيلي: لم نقع له على ترجمة.
(6) رحالته: الرحل مركب للبعير والناقة والرحالة أكبر من السرج تغشى بالجلود وتكون للخيل والنجائب من الإبل.(4/226)
29 - ربيعة الرقي (1):
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم (2)
يزيد سليم سالم المال والفتى ... فتى الآزد للأموال غير مسالم
فهمّ الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم (3)
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
30 - أحفظ معاوية الأحنف وجارية بن قدامة (4) ورجالا من بني سعد (5) فأغلظوا له، وذلك بسمع من بنت قرطة (6) فأنكرت ذلك، فقال لها: إن مضر كأهل العرب، وتميما كأهل مضر، وسعدا كأهل تميم، وهؤلاء كأهل سعد.
__________
(1) ربيعة الرقي: ربيعة الرقي هو ربيعة بن ثابت بن لجأ بن العيذار الأسدي كان منزله بالرقة وبها مولده ومنشؤه كان الرشيد يأنس به وله معه ملح كثيرة كان شاعرا ضريرا مات سنة 198هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 55ونكث الهيمان ص 511والأغاني 16: 254.
(2) يزيد سليم: هو يزيد بن أسيد بن زامر السلمي أحد رجال الدولة العباسية غزا الروم سنة 158. كانت أمه نصرانية وكان ربيعة الرقي قد مدحه فأعطاه خمسمائة درهم ثم أتى يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب فأكرمه وأمر له بمال وغلمان وجوار.
(3) هم الفتى الأزدي أتلاف ماله: لكثرة كرمه وما يجود به على الناس.
وهم الفتى القيسي جمع الدراهم: لبخله وتقتيره على نفسه.
(4) جارية بن قدامة: هو جارية بن قدامة بن مالك السعدي التميمي نزل البصرة كان جارية ممن شهد قتل عمر بن الخطاب وكان من آخر من دخل عليه. شهد صفين مع الإمام علي. كان شجاعا فتاكا ومات في ولاية يزيد بن معاوية.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 227وتهذيب التهذيب 2: 54والبيان والتبيين 2: 237.
(5) رجال من بني سعد: هم بنو سعد بن زيد مناة بن تميم.
(6) بنت قرطة: هيب فاختة بنت قرطة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوجة معاوية ابن أبي سفيان. ولدت له عبد الرحمن وعبد الله ابني معاوية وكان عبد محمقا ضعيفا وكان يكنى أبا الخير ومات عبد الرحمن صغيرا. وكان معاوية قد تزوجها بعد أختها كنود بنت قرطة وقد ماتت هذه في قبرص وكانت قد صحبت معاوية في غزوة قبرص.(4/227)
ونحوه: مضر خيرة الله تعالى من خلقه، وقريش خيرة مضر، وهاشم خيرة قريش، وعترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيرة هاشم.
31 - وعن جعفر بن سليمان الهاشمي: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، وداري عين المربد.
32 - وعن يحيى بن خالد البرمكي: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويروون أحسن ما يحفظون.
33 - ابن الرومي:
وما الدهر إلا كابنه فيه بكرة ... وهاجرة مسمومة الحر صيخد (1)
ابن الدهر النهار، يعني كما أنّ النهار فيه روح البكرة وحر الهجير، وكذلك الدهر فيه نعيم وبؤس.
34 - المأمون: الشرف نسب، فشريف العرب أولى بشريف العجم من وضيع العرب، وشريف العجم أولى بشريف العرب من وضيع العجم.
35 - عبيد الله بن عبد الله بن طاهر (2) في أخيه الحسين بن عبد الله (3):
يقول أنا الكبير فعظّموني ... ألا هبلتك أمك من كبير (4)
__________
(1) صيخد: الصيخد عين الشمس سمي به لشدة حرها. وحر صاخد أي شديد والإضحاد والصّخدات شدة الحرّ وصخدته الشمس أصابته واحرقته أو حميت عليه.
والصاخدة: الهاجرة.
(2) عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: هو عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي أبو أحمد أمير من الأدباء الشعراء ولد ببغداد سنة 223هـ ونشأ فيها وولي الشرطة فيها. كان مهيبا رفيع المنزلة عند المعتضد العباسي له تصانيف منها الإشارة في أخبار الشعراء والسياسة الملوكية والبراعة والفصاحة وله أيضا مراسلات مع ابن المعتز، مات سنة 300هـ ببغداد.
(3) الحسين بن عبد الله بن طاهر: لم نقع له على ترجمة.
(4) هبل: الهبلة الثكلة والهبل بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته أمه وهو دعاء عليه بأن تثكله أمه. والهبول من النساء الثكلى. أو الثكول.
إذا كان الصغير أعم نفعا ... وأجلد عند نائبة الأمور (1)
ولم يأت الكبير بيوم خير ... فما فضل الكبير على الصغير
36 - سأل الرشيد برصوما الراسبي الزامر (2) ما تقول في ابن جامع (3)
فحرك رأسه وقال: إن مات ذهب الغناء، فلا تفارقه فإنه كالخمر العتيق ينسف الرجلين نسفا، قال: فإبراهيم (4)؟ قال: بستان فيه كمثري وخوخ وتفاح وشوك وخرنوب. قال: فسليم بن سلام (5)؟ قال! ما أحسن خضابه! قال: فعمر الغوالي (6)؟ قال: ما أحسن ثيابه!.(4/228)
__________
(4) هبل: الهبلة الثكلة والهبل بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته أمه وهو دعاء عليه بأن تثكله أمه. والهبول من النساء الثكلى. أو الثكول.
إذا كان الصغير أعم نفعا ... وأجلد عند نائبة الأمور (1)
ولم يأت الكبير بيوم خير ... فما فضل الكبير على الصغير
36 - سأل الرشيد برصوما الراسبي الزامر (2) ما تقول في ابن جامع (3)
فحرك رأسه وقال: إن مات ذهب الغناء، فلا تفارقه فإنه كالخمر العتيق ينسف الرجلين نسفا، قال: فإبراهيم (4)؟ قال: بستان فيه كمثري وخوخ وتفاح وشوك وخرنوب. قال: فسليم بن سلام (5)؟ قال! ما أحسن خضابه! قال: فعمر الغوالي (6)؟ قال: ما أحسن ثيابه!.
37 - الحسن: دنيا وسوطا، لا ساقطا سقوطا، ولا هابطا هبوطا، ولا ذاهبا فروطا.
(1) الجلد: الجلد القوة والشدة والبأس والصلابة والمحالدة بالسيوف هي الضرب بها ونائبات الأمور حوادثها وخطوبها الخطيرة.
(2) برصوم الراسبي الزامر: رجل من سواد أهل الكوفة من أهل الخشنة والبذاذة والدناءة.
قدم به إبراهيم الموصلي المغني إلى بغداد ومعه زلزل الضارب فعلمهما الغناء وأراهما وجوه النغم، فبرعا به وعند ما مات إبراهيم سنة 188هـ صار إلى ابنه إسحاق.
راجع ترجمته في الأغاني 5: 227.
(3) ابن جامع: هو إسماعيل بن جامع بن إسماعيل بن عبد الله بن المطلب بن أبي وداعة السهمي القرشي ويعرف أيضا بابن أبي وداعة من أكابر المغنين والملحنين في عصر الرشيد ولد بمكة انتقل إلى المدينة واحترف الغناء فذاعت شهرته. رحل إلى بغداد واتصل بالرشيد فحظي عنده مات سنة 192هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 6: 326289والنهاية والبداية 10: 207والأعلام 1: 306.
(4) هو أبو إسحاق إبراهيم الموصلي المتقدمة ترجمته.
(5) سليم بن سلام: هو سليم بن سلام الكوفي أبو عبد الله تعالم الفناء على إبراهيم الموصلي فبرع به وأجاده وكثرت روائعه وصنع وأجاد. خدم الرشيد ولكنه كان بخيلا.
راجع ترجمته في الأغاني 6: 170164.
(6) عمر الغوالي: لم نقع له على ترجمة.(4/229)
38 - بعضهم: كنت في فناء الكعبة، إذ مر بنا رجل أصلع أرسح (1)
أفحج (2)، كأن أنفه بعرة، أشد سوادا من أست القدر (3)، عليه ثوبان قطريان (4)، فقلت: من هذا؟ قالوا: سيد فقهاء أهل الحجاز، هذا عطاء ابن أبي رباح.
39 - حسان بن ثابت:
لا يجهلون وإن حاولت جهلهم ... في فضل أحلامهم عن ذاك متسع
إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
40 - ابن الرومي:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمري ولكن منه شيبان
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول الله عدنان
41 - وهيب بن الورد المكي: اتق الله، لا تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر.
42 - كلامي لماظة (5) من بحره، ونحاتة (6) من صخره، وشظية (7)
__________
(1) ارسح: الأرسح هو من كان قليل لحم العجز والفخذين فهو أرسح وهي رسحاء.
(2) أفحج: يقال أفحج في مشيته إذا تدانى صدور قدميه وتباعد عقباه. فتح رجليه وفرّقهما.
(3) إست القدر: قفا القدر القسم المعرض للنار يكون دائما مسودا من النار والدخان.
(4) القطرية: ضرب من البرود وتكون عادة حمراء فيها بعض الخشونة تأتي من قبل البحرين وتنسب إلى مدينة قطر.
(5) لماظة: اللماظة هي بقية الطعام في الفم. أو بقية الشيء القليل: يقال (ما الدنيا إلا لماظة أيام) والفعل لمظ لمظا: أخرج لسانه بعد الأكل أو الشرب فمسح به شفتيه أو تتبع بلسانه بقية الطعام بين أسنانه بعد الأكل.
(6) النحاتة: هي البراية. أو كل ما يخرج من الشيء المنحوت.
(7) شظيّة: من شظى تشظيه. يقال شظى القوم: شتتهم وفرقهم والشظية هي القطعة الصغيرة من العود والعظم ونحوهما. جمعها شظايا رشظيّ.(4/230)
من دوحته، وشظاظ من سرحته. أنا رشاش من سجله (1)، ورذاذ من وبله (2). أنا كمهدي الماء إلى لجة البحر، والرمل إلى الكثبان العفر (3).
كوز ماء أجاج (4) تجهز إلى فرات عجاج (5). أنا كمهد إلى الشمس ضوءا.
وزائد في السماء نوءا فرق بين النبع والفقع (6).
43 [شاعر]:
حديد سنان الزاعبي وزجه ... ولكن بعيد بين عال وسافل (7)
وكم من نطفة عذبت فكانت ... أحب إليّ من بحر أجاج (8)
وزنّا الكأس فارغة وملأى ... فكان الوزن بينهما سواء
44 - برج تلاقى به التنين والقمر، في فاضل وناقص اجتمعا في مكان. خبر يقبله الأكياس (9) ويرده الأنكاس.
__________
(1) رشاش من سجله: الرشاش الماء القليل المتطاير. والسّجل الدلو العظيمة فيها ماء قلّ أو كثر.
(2) الرّذاذ: الرذاذ هو المطر الضعيف. ورذّت السماء: نزل مطرها خفيفا ضعيفا والوبل هو المطر القوي الشديد.
(3) كثبان جمع كثب: وهو التل من الرمل. والعفر التي لها لون التراب مؤنث عفراء.
(4) ماء أجاج: الماء ملح حتى صار مرّا.
(5) فرات عجاج: الفرات الماء الحلو العذب وعج الماء يعجّ عجيجا كان هدّارا في سيره يصوّت ويعج.
(6) النبع: شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسي أصفر العود ثقيل في اليد وإذا تقاوم أحمرّ.
والفقع بالفتح والكسرة الأبيض الرخو من الكمأة وهو أردؤها.
(7) حديد سنان الزاعبي: الزاعبي من الرماح الذي إذا هزّ تدافع كله كأن آخره يجري في مقدمه.
(8) النطفة: هي الماء الصافي قلّ أو كثر: والنّطف: الصب والنطف أيضا القطر ونطف الماء ونطف الحب والكوز وغيرها قطر قليلا قليلا.
(9) الأكياس: جمع كيّس الذكي الفطن الحاد الذاكرة.(4/231)
45 - الأطواد الشم لا تطاول باللخاف (1)، والجبال الرعن (2) لا تزال بحصيات القذف (3).
46 - أبو بكر الخوارزمي:
لا غرو من صيد الأمير بعبده ... إن الأسود تصاد بالخرفان (4)
قد أغرقت أملاك حمير فأرة ... وبعوضة قتلت بني كنعان (5)
47 - الحسن: إن لم تكن حليما فتحلّم (6)، وإن لم تكن عالما فتعلم، فإنه قل ما تشبه رجل بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.
48 - أسرت مزينة (7) حسان بن ثابت في الجاهلية، فأراد أهله أن يفادوه، فقالت مزينة: لا نفاديه إلا بتيس أجم فقالوا: والله لا نرضى أن
__________
(1) الأطود: جمع طود وهو الجبل العظيم الذاهب صعدا في الجو والشّم جمع أشم وشماء المرتفعة المرتفعة الأعلى.
واللخاف جمع لخفة وهي الحجارة العريضة الرقيقة الواسعة الملساء.
(2) الجبال الرعن: الرّعن بضمتين جمع أرعن والجبل الأرعن ما كان له أنوف عظام شاخصة والرعن بفتح فسكون أنف الجبل الشاخص البارز.
(3) القذف: الرّمي: وحصيان القذف تكون عادة صغيرة الحجم خفيفة الوزن لترمى بعيدا.
(4) ورد هذا البيت في يتيمة الدهر على هذه الصورة:
لا تعجبوا من صيد صعو بازيا ... إنّ الأسود تصاد بالخرفان
والصعو هي صغار العصافير.
(5) حمير: هو أبو قبيلة من اليمن. وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنهم كانت الملوك في الأزمنة الغابرة. والكنعانيون قبائل أيضا كانت تسكن الأرض عند غور الأردن وفلسطين ويقال إن إبراهيم الخليل عليه السّلام دفن في حيرون من أرض الكنعانيين في مزرعة له وفيها دفنت سارة وإسحاق ومواضع قبورهم معروفة وهي على ثمانية عشر ميلا من القدس وقد شيد فوقها مسجد إبراهيم.
(6) حلم: بمعنى صفح وكان ذا حلم فهو حليم. وتحلّم تكلف الحلم واصطنعه.
(7) مزينة: كجهينة إحدى قبائلا مضر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.(4/232)
نفدي شاعرنا ولساننا (1) بتيس. فقال حسان: ويحكم أتغبنون أنفسكم عيانا؟ إن القوم تيوس، فخذوا من القوم أخاكم واعطوهم أخاهم.
49 - عبد الله الفقير إليه (2):
سئلت عن موسى وموسى ما الخبر ... فقلت شيخان كقسمي القدر (3)
الفرق بين الموسيين قد ظهر ... موسى بن عمران وموسى بن ظفر (4)
50 - كان للحسن بن قيس حصن (5) ابن شيعي، وابنة حرورية، وامرأة معتزلية، وأخت مرجئة، وهو سني. فقال لهم يوما: أراني وإياكم طرائق قددا (6).
51 - الجاحظ: وصف خياط حربا فقال: لقيناهم في مقدار سوق الخلقانين، فما كان بمقدار ما يخيط الرجل من زرّ حتى تركناهم في أضيق من الجربان (7)، وخرجنا عليهم من وجهين كأنهما مقراضان، وتشبّكت
__________
(1) لسانننا أي شاعرنا لأن الشاعر كان لسان حال القبيلة والمدافع عنها والناطق الرسمي باسمها.
(2) عبد الله الفقير إليه: يريد به الزمخشري نفسه.
(3) كقسمي القدر: أي الخير والشر.
(4) موسى بن عمران: هو نبي الله موسى عليه السّلام وموسى بن ظفر هو السامري الذي عبد العجل وكان عظيما من عظماء بني إسرائيل.
راجع تاج العروس (مادة: سمر).
(5) الحسن بن قيس: ربما كان الحسن بن قيس الذي قال عن المزي أنه شيخ مجهول لم نره مذكورا في شيء من كتب التواريخ وكذلك لم يذكره ابن أبي حاتم ولا البخاري وإنما كل ما نعرفه أنه روى عن كرز التيمي. كما قال فيه الأزدي: متروك روى عن بعض التابعين.
(6) طرائق قددا: طرائق جمع طريقة وطريقة الرجل مذهبه. والطريقة الحال والقدد جمع قدة وهي القطعة من الشيء والقدة: الفرقة من الناس ويريد بقوله نحن فرق مختلفة أهواؤنا.
(7) الجربّان: من الدرع والقميص جيبه وهي كلمة فارسية وقيل الجربّان بالضم وهو جيب القميص وجربّان السيف حدّه أو غمده.(4/233)
الرماح كأنها خيوط، فلو طرحت إبرة ما سقطت إلّا على درز رجل (1).
ووصفها فلاح فقال: لقيناهم في مقدار جريب (2) من الأرض، فما كان بمقدار ما يسقي الرجل مشارة (3) حتى حصدناهم، فلو طرحت منجلا لما سقط إلّا على رقبة رجل.
ووصفها خباز فقال: لقيناهم في مقدار ما يعجن الرجل قفيزا (4)، فما كان بمقدار ما يعجن الرجل خمسة أرغفة حتى تركناهم في أضيق من جحر تنور (5)، فلو رميت بمحور (6) لم يقع إلّا على هامة رجل.
ووصفها طباخ فقال: لقيناهم في مثل صحن مطبخ، فما كان بمقدار ما يشوي الرجل حملا حتى تركناهم في أضيق من خرق مصفاة، فلو رميت بمغرفة لم تقع إلا على رأس رجل (7).
52 - وأنشد الخياط:
__________
(1) الدّرز: موضع الخياطة كما في شفاء الغليل ومنه أخذ الدرزي الخياط الذي صحفته العامة فصار الترزي.
(2) جريب: الجريب من الأرض مقدار معلوم الذراع والمساحة وهو عشرة أقفزة كل قفيز منها عشرة أعشراء فالعشير جزء من مائة جزء من الجريب.
(3) مشارة من مشر: المشارة شبه خوصة تخرج في العضاه وفي كثير من الشجر أيام الخريف لها ورق وأغصان رخصة. ويقال أمشرت العضاه إذا خرج لها ورق وأغصان والمشارة بفتح الميم بقعة صغيرة من الأرض تزرع وتسقى.
(4) القفيز: القفيز من المكاييل معروف وهو ثمانية مكاكيلء عند أهل العراق وهو من الأرض قدر مائة وأربع وأربعين ذراعا وقيل هو مكيال تتواضع الناس عليه وقفيز من الطحين هو (كيس من الطحين).
(5) التنور: هو تجويفة إسطوانية الشكل من فخّار تجعل في الأرض ويخبز فيها (سريانية).
(6) المحور: المحور هو الخشبة التي يبسط بها العجين (الشوبك) وقد سمي محورا لدورانه على العجين تشبيها بمحور البكرة واستدارتها.
(7) ورد هذا النص في رسائل الجاحظ غير هذه الصورة وإن كانت تقاربها في المحتوى راجع رسائل الجاحظ 1: 390.(4/234)
فنقت بالهجر دروز الهوى ... إذ وخزتني إبرة الصد (1)
أزرار عيني فيك موصولة ... بعروة الدمع على خدي
قد قص ما قدم من وده ... مقراض بين مرهف الحد (2)
ويحك يا كم سروري ويا ... جيب حياتي حلت عن عهدي (3)
53 - وأنشد الزراع:
زرعت هواه في رياض تربص ... وأسقيته ماء الدوام على الهد (4)
وسرقنته بالوصل لم آل جاهدا ... ليحرزه السرقين من آفة الصد (5)
فلما تعالى النبت واخضر يانعا ... جرى يرقان البين في سنبل الود (6)
وله:
حصد الصدود وصالنا بمناجل ... طبع المناجل من حديد البين (7)
ديس الوصال وذريت أكداسه ... بالسافيات من الحديث الميّن (8)
فالقلب يطحنه بأرحية الهوى ... والبين يأكله بلون لون (9)
وله:
جرادق اللوعة مسمومة ... مثرودة في قصعة الجهد (10)
__________
(1) الصد: من صده صدّا بمعنى صرفه ومنعه ويقال صد السبيل أي اعترض دونه مانع من عقبة ونحوها.
(2) البين: الفرقة: يقال سعى في إصلاح ذات بينهم أي إصلاح أحوالهم.
(3) حلت عن عهدي: أي تغيّرت عما كنت عليه سابقا.
(4) تربص: بمعنى انتظر وتربص عن الأمر توقف عنه وتربص به انتظر له خيرا أو شرا يحل به.
(5) السرقين: روث الحيوانات وبولها: الزبل وحرزه بمعنى حفظه وحصّنه.
(6) البرقان: آفة تصيب الزرع فتتلفه فهي دودة تسطو على الزروع فتتسبب في إتلافها.
(7) الحديد البيّن: الفاصل بين قطعتين.
(8) السافيات جمع سافية: وهي التراب تذرى وتبدد والحديث الميّن: الحديث الكاذب.
(9) أرحية جمع رحى: وهي الطاحونة.
(10) جرادق: مفردها جردق وهو الرغيف ومثرودة من ثرد ثردا وأثرد الخبز فتّه ثم بلّه بالمرق فالخبز ثريد ومثرود.(4/235)
54 - وأنشد الطباخ:
أنت لوزينج الفؤاد وفي ... اللين كلين الخبيصة الصفراء (1)
يا نسيم القدور في يوم عرس ... وشبيها بشهدة بيضاء (2)
إن اسفيذباج وصلك يشفي ... من زحير الأحزان أي شفاء (3)
55 - كان المعتصم الثامن من خلفاء العباسية، وملك ثماني سنين وثمانية أشهر، وكان له من الولد ثمانية ذكور وثماني إناث. وفتح ثمانية حصون، وبنى ثمانية قصور، وخلف في بيت المال ثمان مائة ألف دينار وثمانية آلاف درهم.
56 - سمع المخلوع (4) جلبة العدو الحاصر له، وشغب (5) جنده حين أحيط به، فقال: لعن الله الفريقين! أحدهما يطلب دمي، والآخر يطلب درهمي.
__________
(1) لوزينج: اللوزينج نوع من الحلواء شبه القطائف تحشى باللوز والجوزينج تحشى والجوز والخبيصة أو الخبيص: الحلواء المخبوصة.
(2) الشهدة: بالفتح والضم واحدة الشهد وهو العسل ما دام لم يعصر من شمعه وقيل الشهد هو العسل استخرج من شمعه أو لم يستخرج.
(3) اسفيذباج: كلمة فارسية معناها الحساء الأبيض وهو نوع من الطعام لا يدخل فيه شيء من الحوامض وهو أيضا مرقة فيها لبن حليب وطبيخ يتخذ من اللحم الأبيض والبصل والسمن والزيت والمقدونس والكزبرة.
(4) المخلوع: المقصود به محمد الأمين بن هارون الرشيد أبو عبد الله ويقال أبو موسى الخليفة الخليفة العباسي ولد برصافة بغداد سنة 170هـ وأمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. استخلف بعد وفاة أبيه سنة 193هـ وفي سنة 195هـ أعلن خلع أخيه المأمون وكان المأمون على خراسان فجرت بين الأخوين حروب طاحنة انتهت بخلع الأمين ثم بقتله سنة 198هـ فسمي المخلوع وكان شجاعا أديبا رقيق الشعر.
راجع ترجمته في الأعلام 7: 35وفوات الوفيات 2: 269والمرزباني ص 423 وثمار القلوب ص 148.
(5) شغب الجند من شعب وشعب شغبا: تمرّد وخالف الناس وشق عصا الطاعة وهيّج الشر والخصومة فهو شغب ومشاغب.(4/236)
57 - محمد بن يزيد الأموي (1) في الحسن بن وهب:
أي جواد جرى فجوّد في الجري ... إذا لم يكن على أثرك
وأي شمس أضاء لم يك من شم ... سك مستمليا ومن قمرك (2)
58 [آخر]:
نثل الجفير فكان أهزع ... ما تضمنه الجفير (3)
الأهزع أجود سهم يبقيه الرجل في أسفل جفيره لضنه به.
59 - مروان بن أبي حفصة في معن:
نشابه يوماه علينا فأشكلا ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل
أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل (4)
60 - ابن الحاجب (5) في مجاوبة ابن الرومي:
بيت وبيت عقرب يتقى ... وأرى نحل في اللها ذائب (6)
جرحتني فيها وداويتني ... فأنت أنت الصادع الشاعب (7)
__________
(1) محمد بن يزيد الأموي: هو محمد بن يزيد البشري الأموي أبو جعفر من ولد بشر بن مروان بن الحكم جزري من أهل ميافارقين قدم سامرا فأقام بها دهرا وله في المتوكل مراث كثيرة 7.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 445.
(2) مستمليا: من استملأ في دينه جعله في أغنياء تقية. وهنا بمعنى يستدين من نورك وبهاك.
(3) الجفير: جعبة من خشب لا جلود لها أو من جلود لا خشب فيها.
(4) الغمر: الكثير. يقال الماء الغمر الفائض. والعطاء الغمر: العطاء الواسع الكبير والمحجّل المشهور. المضيء المشرق بالسرور.
(5) ابن الحاجب: لم نقع له على ترجمة.
(6) الأري: العسل واللها جمع اللهاة وهي مؤخر الخلق.
(7) الصادع اسم فاعل من صدع الشيء يصدعه بمعنى شقه وهذا يكون في الأجسام الصلبة كالزجاج والحائط وغيرهما والصدع في الزجاج أن يبين بعضه عن بعض
والشاعب: فاعل من شعب الصدع يشعبه شعبا أصلحه ولاءمه.
فسري كأعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري (1)
61 - مطرف: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله تعالى: هذا عبدي حقا.(4/237)
__________
والشاعب: فاعل من شعب الصدع يشعبه شعبا أصلحه ولاءمه.
فسري كأعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري (1)
61 - مطرف: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله تعالى: هذا عبدي حقا.
62 - أنس بن زنيم (2):
في كل مجمع غاية أجراهم ... جذع أبرّ على المذاكي القرح (3)
يعني عليا رضي الله عنه، قاله يوم أحد.
63 - ذكر رجال الشيخين (4) ففاضلوا بينهما، فبلغ عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر.
64 - استفتى أعرابي عبد الله بن الزبير وعمرو بن عثمان (5) فتواكلا (6)
فقال: اتقيا الله فإني جئتكما مسترشدا، أمواكلة في الدين؟ ثم أشارا له
(1) خليقتي: الخليقة هي الفطرة والطبيعة: الصفة.
(2) أنس بن زنيم: هو أنس بن زنيم بن عمرو بن عبد الله الكناني شاعر من الصحابة نشأ في الجاهلية. ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فلما كان يوم الفتح أسلم وعاش إلى أيام عبيد الله بن زياد ومات نحو سنة 60هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 1: 365خزانة البغدادي 3: 131 (الأغاني فهرسه) والإصابة 1: 69.
(3) المذاكي: المذكيات من الخيل التي تم سنها وكملت قوتها أو التي مرّ عليها بعد قروحها سنة أو سنتان مفردها مذك.
القرّح: جمع قارح وهو من ذي الحافر ما استتم الخامسة وسقطت سنه التي يلي الرباعية ونبت مكانها نابه.
(4) الشيخان: يريد بهما أبا بكر وعمر بن الخطاب.
(5) عمرو بن عثمان: هو عمرو بن عثمان بن عفان مدني من كبار التابعين تزوج من رملة بنت معاوية بن أبي سفيان. ذكره ابن حبّان في الثقات وكان يصبغ بالسواد.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 111وتهذيب التهذيب 8: 78.
(6) تواكل: عجز واتكل على غيره: وفي الحديث: أنه نهى عن المواكلة قيل هي من الإتكال في الأمور وأن يتّكل كل واحد منهما على الآخر. يقال رجل وكلة إذا كان كثير الاتكال.(4/238)
بالحسن والحسين، فأفتياه فقال فيهما:
جعل الله حر وجهكما ... نعلين سبتا يطاهما الحسنان (1)
65 - كان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا، وكان الرجل يرى جعفرا فيقول: السّلام عليك يا رسول الله، يظنه إياه، فيقول: لست برسول الله، أنا جعفر. وكان أبو هريرة يقول: ما لبس النعال، ولا ركب الرحال بعد رسول الله أفضل من جعفر.
66 - قال سعيد بن العاص حين قتل الحسين عليه السّلام: لله در ابن زياد! كان من صفر (2) فصار من ذهب.
67 - سأل الوليد بن عقبة مروان بن الحكم، وهو على المدينة، والمغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة، فلم يجد عندهما طائلا (3)، فانحدر إلى عبد الله بن عامر (4)، وهو على البصرة، فقضى عنه دينه مائة ألف، فقال:
ألا جعل الله المغيرة وابنه ... ومروان نعلي بذلة لابن عامر
لكي يقياه الحر والبرد والأذى ... ولسع الأفاعي واحتدام الهواجر (5)
__________
(1) السبت: السبت بالكسر هو كل جلد مدبوغ وقيل هو المدبوغ بالقرظ خاصة وقال الجوهري السبت بالكسر: جلود البقر المدبوغة بالقرظ تحذى منه النعال السبتيّة وهي نعال لا شعر عليها من لباس الموسرين أهل النعمة والسعة.
(2) الصفر: هو النحاس الجيّد وقيل الصفر هو ضرب من النحاس وقيل هو ما صفر منه واحدته صفرة.
(3) لم يجد عندهما طائلا: الطائل مشتق من الطول ويقال للشيء الخسيس الدّون: ما هو بطائل. وهذا أمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه منفعة وغناء ومزيّة. وأصل طائل:
النفع والفائدة.
(4) عبد الله بن عامر: هو عبد الله بن عامر بن كريز الأموي المتقدمة ترجمته.
(5) الهواجر: يقال الهجير والهجيرة والهجر والهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر وقيل في كل ذلك إنه شدة الحر. وقال الجوهري هو نصف النهار عند اشتداد الحر.(4/239)
الباب السابع والستون الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والسرور، والتهاني، والبشائر، وما أشبه ذلك
1 - ابن عباس رضي الله عنه: كنت ردف (1) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالتفت إليّ فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، يا غلام، احفظ الله تجده أمامك، وتعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أنّ الخلائق لو اجتمعوا أن يعطوك أمرا منعكه الله لم يقدروا على ذلك، واعلم أن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب (2)، فإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. إن مع العسر يسرا.
2 - ابن مسعود: عنه عليه السّلام: لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه، ثم قرأ: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (3).
3 - علي رضي الله عنه: عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء (4).
__________
(1) ردف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الردف: ما تبع الشيء وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه وإذا تتابع شيء خلف فهو الترادف والجمع الردافي.
(2) الكرب: على وزن الضرب مجزوم الحزن والغم الذي يأخذ بالنفس وجمعه كروب وكربه الأمر: اشتد عليه.
(3) إن مع العسر يسرا: الآية رقم 6من سورة الشرح أو الإنشراح.
(4) ورد هذا النص في نهج البلاغة 4: 82وحلق البلاء حلقاته المقفلة.(4/241)
4 - قتل هدبة بن الخشرم ابن عمه زيادة بن زيد العذري (1) في أيام معاوية فحبسه سعيد بن العاص وهو على المدينة خمس سنين إلى أن بلغ المسور بن زيادة بن زيد العذري (2)، فقال هدبة في الحبس.
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله النائي الغريب
5 - أبو حكيمة الكاتب (3):
لعمرك ما كان التعطل صائرا ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعة
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم لذّة الدعة (4)
وإن ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا ربّ ضيق في جوانبه سعة
6 - الجرجرائي الكاتب (5):
__________
(1) زيادة بن زيد العذري: هو زيادة بن زيد بن مالك بن عامر بن قرة من بني رقاش من سعد بن هذيم من عذرة كان شاعرا تغزل بأخت هدبة بن الخشرم فتهاجيا ثم تقاتلا فقتله هدبة في خبر طويل.
راجع خبره في الأغاني 7: 78، 101ثم 21: 269264ومصادر ترجمة هدبة ابن الخشرم.
(2) المسور بن زيادة بن زيد العذري: هو المسور بن زيادة بن زيد العذري كان غلاما حين قتل هدبة أباه فبقي هدبة في السجن ثلاث سنين حتى بلغ المسوّر وأرادوه على أخذ الدّية فأبى ودفع إليه عمّه السيف وقال له: قم فاقتل قاتل أبيك فقام فضربه ضربتين قتله فيهما.
راجع مصادر هدبة.
(3) أبو حكيمة الكاتب: لم نقع له على ترجمة.
(4) لذة الدعة: الدّعة من فعل ودع هي الخفض في العيش والراحة والسعة والهاء عوض من الواو وودعه فهو وديع ووادع أي ساكن وودع الرجل يدع إذا صار إلى الدعه والسكون.
(5) الجرجرائي الكاتب: هو محمد بن الفضل الجرجرائي أبو جعفر الكاتب وزير المتوكل على الله ثم المستعين العباسيين كان قبل الوزراة يكتب للفضل بن مروان. كان ظريفا حسن الأدب عالما بالغناء له مع إسحاق الموصلي أخبار ومكاتبات ونسبته إلى جرجرايا بلدة بين واسط وبغداد مات سنة 250هـ.
راجع ترجمته في معجم البلدان: 3: 80وتاريخ الطبري وابن الأثير 7: 124 135ومعجم الشعراء للمرزباني ص 433.(4/242)
ولا تيأسن من فرجة أن تنالها ... لعل الذي ترجوه من حيث لا ترجو
7 - الرياشي (1): ما اعتراني هم فأنشدت قول أبي العتاهية (2):
هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر (3)
أتيأس أن ترى فرجا ... فأين الله والقدر
ألا سري عني، وتنسمت ريح الفرج.
8 - قابوس (4). كل غم إلى انحسار (5)، وكل عال إلى انحدار.
9 - النعم به محفوفة، والمسار إليه مزفوفة.
10 - سررت سرور من أعطي مناه، وأوتي كتابه بيمناه (6).
11 - أصبحت لا تحلمني كأهل أرضي فرحا، ولا تقبلني أعود سرجي مرحا.
__________
(1) الرياشي: هو العباس بن الفرج الرياشي المتقدمة ترجمته.
(2) أبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية المتقدمة ترجمته.
(3) الغير: يقال غير الدهر: أحواله المتغيّرة من تغيرت الحال وانتقلت من الصلاح إلى الفساد.
(4) قابوس: هو قابوس بن وشمكير بن زيان بن وردان شاه الجيلي أبو الحسن الملقب شمس المعالي أمير جرجان وبلاد الجبل وطبرستان وليها سنة 366هـ ثم قامت ضده الثورات فخلع. مات سنة 403هـ. وهو ديلمي الأصل نابغة في الأدب والإنشاء كثير المناقب والفضائل عظيم السياسة وله شعر جيد.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 4: 59ووفيات الأعيان 1: 428والنجوم الزاهرة 4: 233والأعلام 6: 3.
(5) غك كل إنحسار: الإنحسار: الإنكشاف: حسرت كمي عن ذراعي: كشفته يقال امرأة حاسر أي مكشوفة الرأس والذراعين والجمع حسّر وجواسر.
(6) أوتي كتابه بيمناه: إشارة إلى الآية الكريمة رقم 7من سورة الإنشقاق وتمامها.
فأما من أوتي كتابه بيمينه.(4/243)
12 - شاعر:
مسرة من الزمان بدعة ... ما خطرت أمثالها بفكرة (1)
أرخت أفراحي بها كمثل ما ... يؤرخ الناس بعام الهجرة (2)
13 - تباشروا به تباشر المحرومين بلين الأسعار، وتحدثوا به تحدث البدو بتابع الأمطار.
14 - لكل غمرة محنة معبر، ولكل مورد غمة مصدر.
15 - خبر سار كتب في الألواح، وامتزج بالأرواح، في جملة البشائر العظام، وجرى في العروق وتمشى في العظام.
16 - شاعر:
تغلغل حيث لن يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
17 - قيل لمالك بن الريب (3): قال بعض الحكماء: أسر الأشياء في القلوب توبة بعد خطيئة، فقال: لكن أسر الأشياء عندي في القلوب قفلة على غفلة، قيل له: قد أبعدت بين السرورين، قال: كل يقول على قدر عقله.
18 - أنشد ابن أبي عمرة (4):
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب
__________
(1) البدعة: الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال. والبدعة على العموم كل محدثة.
(2) باعتبار أن الهجرة هجرة واحدة وحدثت في يوم معيّن محدد والأعوام كثيرة تتكرر باستمرار.
(3) مالك بن الريب: هو مالك بن الريب المازني المتقدمة ترجمته.
(4) ابن أبي عمرة ربما كان عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري وأبوه أبو عمرة اسمه بشر وقيل بشير صحابي.
راجع ترجمته في الإصابة 7: 138الترجمة رقم 805.(4/244)
أتاك على قنوط منك غوث ... يمنّ به اللطيف المستجيب (1)
وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب
19 [آخر]:
الهم فضل والقضاء غالب ... وكائن ما خطّ في اللوح (2)
فانتظر الروح وأسبابه ... آيس ما كنت من الروح
20 - ابن المعتز: من كان عاقلا لم يسر إلا غافلا.
21 - قيل لأعرابي: ما السرور؟ فقال: أوبة (3) بغير خيبة، وألفة بغير غيبة، وقال آخر: غيبة تفيد غنى، وأوبة تعقب منى. وقال آخر:
كفاية ووطن، وسلامة وسكن، فيه أمن لا يذعر سوامه (4)، وخير لا ينحسر غمامه.
22 - شاعر:
فلا تجزعي إن أظلم الدهر مرة ... فإن اعتكار الليل يؤذن بالفجر (5)
23 - حنيف بن عمير اليشكري (6) مخضرم:
__________
(1) قنوط: القنوط البأس من قنط قنطا وقنوطا بمعنى يئس.
والغوث هو النجدة والمساعدة وما أعنت به المضطرّ من طعام أو نجدة.
(2) ما خط في اللوح: اللوح كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب والكتف إذا كتب عليها سميت لوحا.
واللوح الذي يكتب فيه. واللوح اللوح المحفوظ وفي التنزيل في لوح محفوظ يعني مستودع مشيئآت الله تعالى والجمع ألواح.
(3) الأوبة: أوبة وأوب وإياب: الرجوع والأوب القصد والعادة والطريق ويقال جاؤا من كل أوب يعني من كل طريق.
(4) سوامه: السوام والسائمة الماشية والإبل الراعية والسائم: الذاهب على وجهه حيث شاء.
(5) اعتكار الليل: اعتكر الظلام اختلط كأنه كرّ بعضه على بعض من بطء انجلائه وأصله من الاعتكار الذي هو الازدحام والكثرة.
(6) حنيف بن عمير اليشكري: لم نقع له على ترجمة.(4/245)
ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال (1)
إن تكن ميتتي على فطرة الله حنيفا فإنني لا أبالي 24 [آخر]:
ما سد من مطلع ضاقت بنيته ... ألا وجدت سواء الضيق متسعا
25 [آخر]:
إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فأضيق الأمر أدناه إلى الفرج
26 - قيل لسقراط: لم لا تهتم على فائتة (2)، ولا تفرح لفائدة؟
قال: لأن تلك لا تتلافى بعبرة، وهذه لا تستدام بحبرة (3).
27 [شاعر]:
يا قارع الباب ربّ مجتهد ... قد أدمن القرع ثم لم يلج
فاطو على الهمّ كشح مصطبر ... فآخر الهم أول الفرج
28 - كتب رجل إلى ابن الزيات (4) يهنيه بالوزارة: إن مما يطمعني في دوام النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في بقائها لك، أنك أخذتها بحقها، واستدمتها بما فيك من أسبابها، ومن شأن الأجناس أن تتقاوم، والشيء يتغلغل إلى معدنه، ويحن إلى عنصره، فإذا صادف منبته، وركز في مغرسه، ضرب بعرقه، وتمكن للإقامة، وثبت ثبات الطبيعة.
29 - في تهنئة بمولود (5):
__________
(1) فرجة: فرجة على وزن صخرة معناها انكشاف الكرب وذهاب الغم وقد فرّج الله عنه أي أذهب ما به من غم وحزن وكآبة.
(2) فائتة: من فات الأمر فوتا وفواتا ذهب والتفاوت هو الاختلاف بمعنى التباين.
(3) الحبرة: معناها السرور والحرة أيضا هي سعة النعمة ورغد العيش.
(4) ابن الزيات: هو محمد بن عبد الملك الزيات الوزير المتقدمة ترجمته.
(5) نسب هذا الرجز إلى إسحاق الموصلي يخاطب به الفضل بن الربيع كما جاء في الأغاني 5: 78وقد دخل عليه يوما وكان بين يديه ابن ابنه عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع.(4/246)
مدّ لك الله الحياة مدّا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
مؤزرا بمجده مردّى ... ثم يفدّى مثل ما تفدّى
كأنه أنت إذا تبدّى ... شمائلا محمودة وقدا
هناك الله مولده، وقرن بالخير مورده.
30 - كان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام من الرضاعة، وكان يقول: إني لأرى فيك مخايل (1) الخلافة، ولا تموت حتى تليها، قال:
فإن أنا وليتها فلك العراق. فلما ولي أتاه فأقام بين السماطين فقال: يا أمير المؤمنين، أعزّك الله بعزته، وأيّدك بملائكته، وبارك لك فيما ولّاك، ورعاك فيما استرعاك (2)، وجعل ولايتك على أهل الإسلام نعمة، وعلى أهل الشرك نقمة، لقد كانت الولاية إليك أشوق منك إليها، وأنت لها أزين منها لك، وما مثلك ومثلها إلا كما قال الأحوص بن محمد (3):
وتزيدين طيب الطيب طيبا ... إذ تمسيه أين مثلك أينا
وإذا الدر زاد حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا
31 - دخل على المهدي أعرابي فقال: فيم جئت؟ قال: أتيتك
__________
(1) مخايل الخلافة: المخايل العلامات والأمائر ملامح.
(2) استرعاك: جعلك راعيا أي مسؤولا. ورعاك بمعنى حرسك وسدد خطاك في حكم رعيتك.
(3) الأحوص بن محمد: هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري. لقب بالأحوص لضيق في مؤخر عينيه. شاعر من أهل المدينة كان معاصرا لجرير والفرزدق. جلده الوليد بن عبد الملك ونفاه إلى إحدى جزر اليمن وبقي فيها إلى أن أطلقه ابنه زياد بن عبد الملك فذهب إلى الشام وبقي فيها إلى أن مات سنة 105هـ.
راجع ترجمته في الذريعة 1: 319وطبقات ابن سلام ص 534والشعر والشعراء ص 424والأعلام 4: 257.(4/247)
برسالة قال: أتاني آت في منامي فقال: إيت أمير المؤمنين فأبلغه هذه الأبيات:
لكم إرث الخلافة من قريش ... تزفّ إليكم أبدا عروسا (1)
فتملك أربعيك مباركات ... وتورثها وليّ العهد موسى
إلى هارون تهدى بعد موسى ... تميس وما لها أن لا تميسا
فقال المهدي: يا غلام، علي بالجوهر، فحشا فاه حتى كاد ينشق، ثم قال: اكتبوا هذه الأبيات واجعلوها في مخانق صبياننا (2).
32 - كان يقال للرجل إذا قام من مرضه: لتهنك الطهرة (3).
33 - إبراهيم الموصلي في تهنئة الرشيد بالخلافة:
ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هارون أشرق نورها
تلبّست الدنيا جمالا بملكه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها (4)
وغناه بهما من وراء حجاب، فوصله بمائة ألف، ويحيى بخمسين ألفا.
34 - لما دخل المأمون بغداد بعد قتل المخلوع دخلت عليه أم جعفر (5) فقالت: الحمد الله، لئن هنأتك في وجهك لقد هنأت نفسي قبل أن أراك، ولئن فقدت ابنا خليفة فقد اعتضت (6) ابنا خليفة، وما خسر من اعتاض مثلك ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، فأنا أسأل الله أجرا على ما
__________
(1) تزف: من زفّ يزفّ زفا والزف والزفيف سرعة المشي مع تقارب خطو وسكون.
(2) مخانق صبياننا: المخانق جمع خناق وهو القلادة والواقعة في المخنق (العنق).
(3) الطهرة: بالضم اسم التطهير وهو الغسل بالماء يقال له ذلك كأن المرض غسله فطهره.
(4) هارون ويحيى: هما هارون الرشيد ويحيى البرمكي.
(5) أم جعفر: هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور.
(6) اعتضت: من اعتاض بمعنى أخذ العوض أي بدل ما ذهب منه.(4/248)
أخذ وامتاعا بما وهب.
فقال المأمون: ما تلد النساء مثل هذه.
35 - دخل عطاء بن أبي صيفي الثقفي (1) على يزيد، وهو أول من جمع بين التهنئة والتعزية، فقال: رزيت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله.
قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه، ووليت الرياسة، وكنت أحق بالسياسة، فاحتسب عند الله أعظم الرزية (2)، واشكر الله على أعظم العطية.
36 - كتب المعتصم (3) إلى المأمون في فتح تيسر على يده: كتابي هذا كتاب مدل بالخبر، لا مدلّ بالأثر (4).
37 - لرجل من بني تميم في المهدي حين ولّي العهد:
يا ابن الخليفة أن أمة أحمد ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها (5)
ولتملأن الأرض عدلا كالذي ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها
حتى تمنى لو ترى أمواتها ... من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
وعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ... وغدا عليك إزارها ورداؤها (6)
38 - شكا رجل إلى أبي العيناء امرأته، فقال: أتحب أن تموت؟
قال: لا والله الذي لا إله إلا هو، فقال: لم ويحك وأنت معذب بها؟
__________
(1) عطاء بن أبي صيفي الثقفي: لم نقع له على ترجمة.
(2) الرزية: المصيبة: يقال رزئته إذا أخذ منك وقوم مرزؤون أصاب الموت خيارهم.
(3) المعتصم: هو الخليفة العباسي محمد المعتصم بن هارون الرشيد المتقدمة ترجمته.
(4) مدل بالخبر لا مدلّ بالأثر: أدلى يدلي فهو مدل أرسل الدلو في البئر. وأدلى بالخبر: أذاعه. ومدل بالأثر: مفتخر به أو منّانّ به.
(5) تاقت إليك: التوق: الميل والحب والشوق: تاقت نفسي إلى الشيء: اشتاقت إليه أو حنّت إليه.
(6) إزارها: الإزار: الملحفة يذكر ويؤنث وقد يقال المئزر وقد ائتزر به وتأزر وجمع الإزار أزر وأزرت فلانا إذا البسته إزارا وآزرته إذا أعنته وساعدته.
والرداء: الذي يلبس وهو من الملاحف وقد تردّى وارتدى أي لبس الرداء.(4/249)
قال: أخشى أن أموت من الفرح.
39 - مر عمر بن هبيرة (1) بعد إفلاته من السجن بالرقة، فإذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحدث جارتها ليلا، وهي تقول لها: لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه ما كان كذا. فرمى إليها بصرة فيها مائة دينار وقال: قد خلص الله عمر بن هبيرة فطيبي نفسا.
40 - سعيد بن حمد (2):
كم فرجة مطوية ... لك تحت أثناء النوائب (3)
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
41 - رأى دهقان (4) بأصحاب نصر بن سيار ضعفا أول ما خرج، فأخذ دوابهم فقطع أذنابها وجحافلها (5)، فلما أصبحوا قال لهم نصر:
ابشروا بخير فاني رأيت في النوم كأن قائلا يقول:
إذا ابتليت فصبرا ... فالعسر يعقب يسرا
__________
(1) عمر بن هبيرة: هو عمر بن هبيرة بن سعد بن عدي الفزاري أبو المثنى من أهل الشام وهو بدوي أمي ولّاه عبد الملك بن مروان بعض نواحي دمشق ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة غزا الروم من ناحية أرمينية. حبسه خالد بن عبد الله القسري في سجن واسط ولكنه فرّ من سجنه هجاه الفرزدق وهو أمير ومدحه وهو أسير فعظم في عينه.
راجع ترجمته في رغبة الآمل 2: 77و 3: 173وتاريخ الطبري وابن الأثير والمسعودي.
(2) سعيد بن حمد: لم نقع له على ترجمة.
(3) أثناء: يقال أثناء وثنايا مفردها ثنية. الطيّة وأثناء النوائب: ثنايا المصائب.
(4) دهقان: يقال دهقان ودهقان معناه التاجر وهي كلمة فارسيّة معرّبة والدّهقنة معناه التكيّس وتأتي بمعنى القوي على التصرف مع حدّة. والأنثى دهقانة.
(5) جحافلها: الجحفل: الجيش الكبير فيه خيل. والجحفل: السيد الكريم والجحفل: العريض الجنبين. وجحفلة الدابة ما تتناول به العلف وقيل: الجحفلة من الخيل والحمر والبغال والحافر بمنزلة الشفة من الإنسان والمشّفر للبعير.(4/250)
فبعد مدة يسيرة ولي خراسان، فأخذ الدهقان فضربه ألف سوط وصلبه.
42 - أراد يزيد بن عمر بن هبيرة (1) قتل رجل، فضاقت عليه الأرض برحبها، فرأى في منامه من يقول:
ما يسبق الإنسان قيد فتر ... ما كان في اللوح عليه يجري (2)
فما أتى لذلك شهر حتى قتله أبو جعفر.
43 - أبو الخطاب علي بن عيسى بن الجراح (3) مادح المقتدي (4):
وافى البشير فأعطى السمع منيته ... وقوّض الهمّ لما خيّم الفرح (5)
44 - قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه على رسول الله عليه السّلام من عند النجاشي (6)، وقد افتتح خيبر، فتلقاه واعتنقه وقبل عينه، وقال: بأبي أنت وأمي، ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر؟.
__________
(1) يزيد بن عمر بن هبيرة: هو يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أبو خالد وهو ابن عمر بن هبيرة المتقدمة ترجمته من أهل الشام ولد سنة 87هـ ولي قنسرين والعراقين (البصرة والكوفة) سنة 128هـ في أيام مروان بن محمد قاتل أشياع الدعوة العباسية ولكنه لم يصمد فحوصر بواسط. ولما انتقل الحكم إلى العباسيين أمّنه السفاح ثم غدر به سنة 132هـ. كان خطيبا شجاعا ضخم الجثة طويلا جسيما.
راجع ترجمته في الأعلام 9: 240وخزانة البغدادي 4: 167ووفيات الأعيان 2: 287.
(2) الفتر كان يستعمل كقياس قبل النظام العشري وهو ما بين طرفي الإبهام والسبابة إذا فتحهما.
(3) أبو الخطاب علي بن عيسى بن الجراح: لم نقع له على ترجمة.
(4) المقتدي: هو المقتدي بالله الخليفة العباسي جعفر بن أحمد المتقدمة ترجمته.
(5) قوّض: من قوّض بمعنى قلع وأزيل ومنه تقويض الخيام إنهدامها.
(6) النجاشي: كلمة للأحباش تسمي بها ملوكها كما يسمي ملكهم قيصر والفرس كسرى وسمى ابن حجر النجاشي الذي لجأ إليه المسلمون في هجرتهم إلى الحبشة أصحمة ابن أبحر. أسلم على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يهاجر إليه وكان يحمي المسلمين ويدافع عنهم مات في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة 9هـ. على الأرجح وقال آخرون قبل الفتح.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 112ولسان العرب وتاج العروس (مادة نجش).(4/251)
45 - اعترضت المنصور أعرابية بطريق مكة بعد وفاة السفاح، فقالت: يا أمير المؤمنين. قد أحسن الله إليك في الحالتين، وأعظم النعمة عليك في المنزلتين، سلبك خليفة الله، وأفادك خلافة الله، فاحتسب عند الله ما سلبك، واشكر له ما منحك، وتجاوز الله عن أمير المؤمنين، وبارك له في إمرة المؤمنين (1).
__________
(1) إمرة المؤمنين: الإمرة مصدر أمر: بمعنى صار أميرا.(4/252)
الباب الثامن والستون القرابات والأنساب، وذكر حقوق الآباء والأمهات وصلة الرحم والعقوق (1)، وحب الأولاد وما يجب لهم وعليهم
1 - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أيولد لأهل الجنة؟ قال: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليتمنى أن يكون له ولد، فيكون حمله ووضعه وشبابه الذي ينتهي إليه في ساعة واحدة (2).
2 - علي رضي الله عنه، رفعه: إياكم وعقوق الوالدين، فان ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم (3)، ولا شيخ زان، ولا جارّ إزاره خيلاء (4).
علي رضي الله عنه: وأكرم عشيرتك فإنهم جناحاك الذي به تطير،
__________
(1) العقوق: من عقّ والده يعقه عقّا وعقوقا ومعقّة شق عصا طاعته وقطعه ولم يصل رحمه.
(2) لقد أخرج الترمذي (حنة 23) وابن ماجة (زهد 39) والدارمي (رفاق 110) على غير هذه الصورة مع اختلاف في اللفظ.
(3) الرحم: الرحم هنا معناه أسباب القرابة وأصلها الرحم التي هي منبت الولد وقيل الرحم القرابة.
(4) جارّ إزاره خيلاء: اختال فهو ذو خيلاء أي ذو كبر وفي الحديث من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه.
فالخيلاء هي الكبر والعجب. {وَاللََّهُ لََا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتََالٍ فَخُورٍ}.(4/253)
وأصلك الذي إليه تصير، وإنك بهم تصول (1)، وبهم تطول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعد (2) سقيمهم، وأشركهم في أمورك، ويسر عن معسرهم.
3 - كان رجل من النساك يقبّل كل يوم قدم أمه، فأبطأ على أخوانه يوما، فسألوه فقال: كنت أفرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أنّ الجنة تحت أقدام الأمهات.
4 - مكحول (3) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن الله تعالى كلم موسى ثلاثة آلاف وخمسمائة آية، فكان آخر كلامه يا رب أوصيني، قال:
أوصيك بأمك، حتى قاله سبع مرات. ثم قال: يا موسى، ألا أن رضاها رضاي. وسخطها سخطي (4).
5 - الزبير بن العوام في ترقيص (5) ابنه عبد الله.
أزهر من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق (6)
6 - كان الحكم بن عبد المطلب من أبرّ الناس بأبيه، وكان أبوه مستهترا بالحارث ابنه، فاشترى الحكم جارية مشهورة بالجمال بمال جليل، فجهزها أهلها، وتهيأ هو بأجمل ثياب، وتطيّب ودخل على أبيه وعنده الحارث فقال (أبوه): إن لي إليك حاجة، فقال: يا أبه، إنما أنا عبدك فمرني، فقال: هب الجارية للحارث، واخلع عليه ثيابك، فإني لا أشك أن نفسه تاقت إليها. فعاتبه الحارث وغضب وأراد أن يحلف، فبدره
__________
(1) تصول: من صال على قرنه صولا: سطا وصال عليه: استطال عليه ووثب.
(2) عد سقيمهم: أي زر مريضهم من عاد يعود عودا أو عيادة زاره في مرضه.
(3) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم الشامي المتقدمة ترجمته.
(4) السخط: ضد الرضا من سخط يسخط سخطا وسخط غضب فهو ساخط.
(5) ترقيص: الرقص هو الخبب ورقص السراب والحباب: اضطرب.
(6) آل أبي عتيق: وعتيق اسم الصدّيق رضي الله عنه وفي حديث أبي بكر أنه سمي عتيقا لأنه أعتق من النار. وقيل كان يقال له عتيق لجماله.(4/254)
الحكم فقال: هي حرّة إن لم تفعل ما أمرك أبي، وخلع عليه الثياب ثم تخلّى من الدنيا، ولزم الثغور حتى مات بمنبج.
أعرابية ترقص ولدها:
يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامي في البلد (1)
أهكذا كل ولد ... أم لم تلد قبلي أحد
8 - كان أعرابي يطوف بالبيت وهو يقول:
أحمل أمي وهي الحمالة ... ترضعني الدرة والعلالة (2)
9 - لقى أعرابي حاجا فسأله عن نسبه فقال: [أنا من باهلة] (3)، فقال: أعيذك بالله من ذاك، قال: أي والله، وأنا مع ذلك مولى لهم.
فأقبل الأعرابي يتمسح به ويقبل يديه ويقول: أني واثق بأن الله لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت في الجنة.
10 - قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: خدمك بنوك، فقال: بل أغناني الله عنهم.
11 - قيل لمحمد بن الحنفية: كيف كان علي رضي الله عنه يقحمك في المآزق، ويولجك في المضايق دون الحسن والحسين؟ فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت يديه. فكان يتقي بيديه.
__________
(1) الخزامي: نبت طيب الريح واحدته خزامة وهي عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة طيبة الريح لها نور كنور البنفسج.
(2) الدّرة بالكسر: كثرة اللبن وسيلانه: يقال استدرّ اللبن والدمع ونحوهما.
والعلالة: بقية اللبن وغيره حتى أنهم ليقولون لبقيّة جري الفرس علالة ولبقيّة السير علاله.
(3) باهلة: باهلة اسم قبيلة من قيس عيلان وهو في الأصل اسم إمرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان فنسب ولدها إليها.
لقد فهم الأعرابي من كلمة باهلة التي تكون مهملة بغير راع كالإبل التي سرحت للمرعى بغير راع فهي هائمة على وجهها فاعتبرها مجنونة حتى قال هذا.(4/255)
12 - معاوية: العيال أرضة المال (1).
13 - دعا أعرابي لآخر فقال: لا جعلك الله آخرا يتكل على أوله.
14 - بعض السلف: الأقارب عقارب. وأمسهم بك رحما أشدهم لك ضررا (2).
15 - قال رجل مشوه للجماز (3): ولد لي ابن كأنه دينار منقوش، فقال: لاعن (4) أمه ويحك.
16 - الشعبي: لا يكون الرجل سيدا حتى يعمل ببيتي الهذلي (5):
وإني للباس على المقت والقلى ... بني العم منهم كاشح وحسود (6)
أذب وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود
17 - فيلسوف: من عق أباه عقه ولده.
18 - كفاك من إكرام الله للملائكة أنه لم يبلهم بالنفقة وقول العيال هات هات.
__________
(1) الأرضة: دودة بيضاء وهي آفة كل شيء من خشب ونبات. وهو يريد ان يقول إنّ الأولاد آفة المال ومتلفوه.
(2) وفي هذا تأكيد لما قال طرفة بن العبد البكري في معلقته:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على النفس من وقع الحسام المهند
(3) الجماز: هو محمد بن عمرو الجماز المتقدمة ترجمته.
(4) لاعن: فعل أمر من لاعن الرجل زوجته ملاعنة ولعانا والملاعنه واللعان في الشريعة أن يقسم الرجل أربع مرات على صدقة في قذف زوجته بالزنى والخامسة باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذبا وبهذا يبرأ من حد القذف. ثم تقسم المرأة أربع مرات على كذبه والخامسة باستحقاقها غضب الله إن كان صادقا فتبرأ من حد الزنى. وقوله لاعن أمه ويحك يريد أن يقول أنه ليس ابنه.
(5) لم يرد هذان البيتان في ديوان الهذليين.
(6) المقت: الكره الشديد وعند ما يكون الإنسان ممقوتا يكون مبغوضا أشد البغض.
والقلى: أيضا البغض وقليته معناها كرهته غاية الكراهة فتركته.
كاشح: الكاشح: المتولي عنك بودّه. يقال طوى فلان كشحه إذا قطعك وعاداك.(4/256)
19 - سأل خالد بن عبد الله القسري واصل بن عطاء عن نسبه فقال:
نسبي الإسلام الذي من ضيعه فقد ضيع نسبه، ومن حفظه فقد حفظ نسبه. فقال: خالد: وجه عبد، وكلام حر.
20 - قال رجل لابنه وهو يختلف (1) إلى المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد.
21 - قيل لأعرابي: ما ولدك؟ قال: قليل خبيث، قيل: كيف، قال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من أنثى.
22 - وجه رجل ابنه ليشتري له رشاء (2) للبئر طوله عشرون ذراعا، فانصرف من بعض الطريق وقال: يا أبي، في عرض كم؟ فقال: في عرض مصيبتي فيك.
23 - كان لمحمد بن بشير الشاعر (3) ابن جسيم، بعثه في حاجة فأبطأ، ثم عاد ولم يقضها، فنظر إليه ثم قال:
عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل (4)
فأجابه:
شبه منك نالني ... ليس لي عنه منتقل
24 - عاتب أعرابي ابنه وذكره حقه، فقال: يا أبة إن عظيم حقك عليّ لا يبطل صغير حقي عليك.
25 - رب بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره.
__________
(1) يختلف إلى المكتب: يتردد عليه باستمرار.
(2) رشاء: معناه الحبل.
(3) محمد بن بشير الشاعر: هو محمد بن بشير الرياشي الشاعر المتقدمة ترجمته.
(4) في خلقة الجمل: أي أنه بدين ضخم الجثة كالجمل مع صغر في العقل.(4/257)
26 - عبد الله بن جعفر:
لا تحسبن أذى ابن عمك شرب ألبان اللقاح (1)
وانظر لنفسك من يحبسك تحت أطراف الرماح 27دعبل:
كل يوم لأبي سعد ... على الأنساب غارة (2)
فهو يوم من تميم ... وهو يوم من نزارة
28 - قيل لأبي المخش (3): أما كان لك ابن؟ قال: بلى، المخش، كان أشدق خرطمانيا (4)، إذا تكلم سال لعابه، كأنما ينظر من قلتين (5)، وكأن ترقوته بوان أو خالفة (6)، وكأن مشاشة منكبه كركرة جمل (7)، فقأ الله عيني هاتين إن كنت رأيت أحسن منه قبله أو بعده.
29 - شاعر:
نعم ضجيج الفتى إذا برد الليل ... سحيرا وقرقف الصرد (8)
__________
(1) البان اللقاح: البان الحيوانات اللبونة أما اللقاح بكسر اللام فهي الإبل بعينها وهي الحلوب.
(2) الغارة: الهجوم المفاجىء. أي أنه يسطو على الأسماء فيتخيّر منها ما يشاء.
(3) أبو المخش: لم نقع لأبي المخش هذا على ترجمة.
(4) أشدق خرطمانيا: الأشدق العريض الشدق الواسعة والشدق الفم الكبير.
والخرطماني: هو صاحب الأنف الكبير. فقد شبه الأنف الكبير بخرطوم الفيل الطويل.
(5) قلتين: القلت بإسكان اللام النقرة في الجبل تمسك الماء يستنقع فيها الماء.
(6) الترقوة: بفتح التاء وضم القاف مقدم الحلق في أعلى الصدر. والبوان بالضم والكسر عمود في الخباء في مقدمه. والخالفة عمود من أعمدة البيت في مؤخره.
(7) المشاش بالضم كل عظم لا مخ فيه يمكنك تتبعه. والمنكب: مجتمع رأس الكتف والعضد والكركرة بكسر الكافين صدر كل ذي خف.
(8) قرقف: بمعنى أرعد يقال قرقفه البرد أرعد فصار يرتجف.
والصرد على فرح الشديد يقال رجل صرد ويم صرد وليلة صردة.(4/258)
زينها الله في الفؤاد كما ... زين في عين والد ولد
30 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الولد ريحان من الجنة.
31 - كان يقال: ابنك ريحانتك سبعا، ثم خادمك سبعا، ثم عدو أو صديق. لما قبض ابن أبي عيينة، صلة (1) الخليفة قال لأصحابه: قد وجدتم مقالا فقولوا، متى رأيتم صاحب عيال أفلح، كانت لنا هرة ليس لها جراء، فكانت لا تكشف عن المقدور، ولا تعبث في الدور، فصار لها جراء، فكشفت عن المقدور، وعاثت في الدور.
32 [شاعر]:
وإذا افتخرت بأعظم مقبورة ... فالناس بين مكذّب ومصدق
فأقم لنفسك في انتسابك شاهدا ... بحديث مجد للقديم محقق
33 - كان يقال: بنو أمية دن (2) خل، أخرج الله منه زق عسل يعني عمر بن عبد العزيز.
34 - قالت الخنفساء لأمها: ما أمر بأحد إلا بزق (3)، قالت: من حسنك تعوذين.
35 - أعرابي في ترقيص ولده:
أحبه حب الشحيح (4) ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
إذا أراد بذلة بداله (5)
__________
(1) الصلة: بمعنى العطيّة ما كان يصله زبه الخليفة من مال ومتاع وغيره.
(2) الدن: ما عظم من الرواقيد وهو كهيئة الحب إلا أنه أطول مستوى الضعة في أسفله كهيئة قونس البيضة والجمع دنان وهي الحباب. وقيل الدن أصغر من الحب له عسعس فلا يقعد إلا أن يحفر له. والدن عربي صحيح.
(3) بزق: البزق والبصق لغتان في البزاق والبصاق. وبزق الأرض بذرها.
(4) الشحيح: بمعنى البخيل وهو حرص النفس على ما ملكت وبخلها به والشحشاح:
البخيل.
(5) إذا أراد بذله بداله: إذا أراد البخيل إعطاء شيء يعود فيمتنع عن ذلك عند ما يرى ذلك الشيء فيعيده إلى مكانه.(4/259)
36 - عيّر شريف النسب سقراط بسقوط نسبه، فقال: نسبي عار عليّ، وأنت عار على نسبك.
37 - قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ قال: عذاب رعف به على الدهر، وبلاء لا يقوم معه الصبر.
38 - قال عبد الملك لروح بن زنباع: أي رجل أنت لولا إنك من أنت منه! قال: يا أمير المؤمنين، ما يسرني أني ممن أنت منه، قال: كيف؟
قال: لأني لو كنت ممن أنت منه لغمرتني (1) أنت ونظراؤك، وأنا اليوم قد سدت قومي كلهم غير مدافع. فأعجب بقوله.
39 - نظر أعرابي إلى ابن له قبيح فقال: يا بني إنك لست من زينة الحياة الدنيا (2).
40 - عزيت هند بنت عتبة (3) عن يزيد بن أبي سفيان (4)، وقيل: إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف منه، فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفا من أحد؟ والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أي أعراضها شاء.
41 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك:
__________
(1) غمرتني: يقال رجل مغمور: خامل وغمره: علاه بفضله وغطّاه ورجل مغمور أيضا غير مشهور.
(2) لست من زينة الحياة الدنيا: إشارة إلى قوله تعالى: {الْمََالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا}. ولما كان ابنه قبيحا فهو ليس من زينة الحياة الدنيا.
(3) هند بنت عتبة: هي عند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية وقد تقدمت ترجمتها.
(4) يزيد بن أبي سفيان: هو يزيد بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أخو الخليفة معاوية لأبيه. أسلم يوم الفتح. لما استخلف عمر ولاه فلسطين ثم دمشق بعد موت معاذ بن جبل. له وقائع كثيرة توفي في دمشق بالطاعون سنة 18هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 9: 237وأمراء دمشق ص 98ونسب قريش ص 124 والإصابة 6: 341.(4/260)
ربما سرك البعيد من الناس ... وكان القريب نارا وعارا
42 - إبراهيم الصولي:
وإنّ مقيمات بمنقطع اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها (1)
43 - العماني (2):
نمته العرانين من هاشم ... إلى الحسب الأشهر الأوضح (3)
إلى نبعة فرعها في السما ... ومغرسها سرة الأبطح (4)
44 - كان يقال لعمر بن الوليد بن عبد الملك فحل بني مروان، وكان يركب معه ستون رجلا لصلبه.
45 - قال المنصور لرجل من الهاشميين: متى مات أبوك؟ وما سبب موته؟ فقال: اعتل أبي رحمه الله، ومات في وقت كذا رحمه الله. فقال الربيع (5): كم تترحم على أبيك بين يدي أمير المؤمنين؟ فقال له الهاشمي: لا ألومك، فإنك لم تعرف حلاوة الآباء. فضحك المنصور، وخجل الربيع.
46 - بشر أعرابي ببنت فقال:
__________
(1) منقطع اللوى: اللوى بالكسر وفتح الواو والقصر وهو في الأصل منقطع الرملة يقال قد ألويتم فانزلوا إذا بلغوا منقطع الرمل وهو أيضا بعينه قد أكثرت الشعراء من ذكره وخلطت بين ذلك اللوى والرمل فعزّ الفصل بينهما. وهو واد من أودية بني سليم ويوم اللوى وقعة كانت فيه لبني ثعلبة على بني يربوع معجم البلدان.
(2) العماني: هو محمد بن ذؤيب الشاعر المتقدمة ترجمته.
(3) نمته: يقال نميته إلى أبيه نميا. عزوته ونسبته وانتمى هو إليه انتسب وفلان ينتمي إلى حسب يرتفع إليه في النسب.
(4) الأبطح: الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى. وقيل بطحاء الوادي تراب ليّن مما جرّته السيول. والأبطح على العموم هو أبطح مكة ومسيل واديها.
(5) الربيع: هو الربيع بن يونس المتقدّمة ترجمته.(4/261)
قد كنت أرجو أن تكوني ذكرا ... فشقك الخالق شقا منكرا
47 - قال محمد بن المنكدر: بنت أغمز رجل أمي (1)، وبات أخي يصلي، ولا تسرني ليلته بليلتي (2).
48 - لم يكن محمد بن سيرين يكلم أمه بلسانه، كان يكلمها كما يكلم الأمير الذي لا ينتصف منه.
49 - فضيل: ريح الولد من الجنة.
50 - يوسف بن أسباط: إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه أنيابا تنهشه يعني العيال.
51 - قيل لأعرابي: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوك، وعدو عدوك.
52 - قالت ماوية امرأة لؤي بن غالب (3): أي بنيك أحب إليك؟
قال: الذي لا يرد بسط يده قبض، ولا يلوي لسانه عجر (4)، ولا يلوي طبيعته سفه، وهو أحد ولدك، بارك الله لي ولك فيه. يعني كعب بن لؤي.
53 - علي بن موسى الرضا (5): قال لأخيه زيد بن موسى (6): يا زيد، سوءة بك! ما أنت قائل لرسول الله؟ سفكت الدماء، وأخفت
__________
(1) أغمز رجل أمي: الغمز هنا معناه العصر والكبس باليد.
(2) ولا تسرني ليلته بليلتي: أي لا أرضى أن يأخذ ثواب ليلتي ويعطيني ثواب ليلته تصديقا للحديث الشريف: الجنة تحت أقدام الأمهات.
(3) لؤي بن غالب: هو لؤي بن غالب بن فهر الجد التاسع للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وامرأته ماوية بنت كعب بن القين من قضاعة.
(4) العجر: العجر على وزن صرد ومعناه الكذب.
(5) علي بن موسى الرضا: هو الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم الإمام الثامن عند الإمامية.
(6) زيد بن موسى: لقب بزيد النار لكثرة ما سفك من الدماء وقد تقدمت ترجمته.(4/262)
السبل، وأخذت المال من غير حله، لعله غرك حديث حمقى أهل الكوفة إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن فاطمة (1) أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار. إن هذا لما خرج من بطنها الحسن والحسين، والله ما نالا ذلك إلا بطاعة الله.
54 - خارجة بن فليح الملكي (2) مداح آل الزبير.
كأن على عرنينه وجبينه ... شعاعين لا حامن سماك وفرقد (3)
هو التابع التالي أباه لما تلا ... أبوه أباه سيد وابن سيد
55 - ربيعة بن أمية بن أبي الصلت (4):
وإنّا معشر من جذم قيس ... فنسبتنا ونسبتهم سواء
هم آباؤنا وبنوا علينا ... كما بنيت على الأرض السماء
__________
(1) فاطمة: هي سيدتنا فاطمة الزهراء بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمها خديجة بنت خويلد ولدت في مكة سنة 18قبل الهجرة وهي أصغر بنات النبي تزوجها الإمام علي وولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب. عاشت بعد أبيها ستة أشهر وهي أول من جعل له النعش في الإسلام.
راجع ترجمتها في الأعلام 5: 329. أعلام النساء 2: 1192وطبقات ابن سعد 8: 11.
(2) خارجة بن فليح الملكي: لم نقع لخارجة هذا على ترجمة.
(3) السماك: السماك سماكان وقد سمي سماكا لسموكه أي ارتفاعه أحدهما السماك الرامح وهو النجم اللامع في مجموعة العواء والثاني السماك الأعزل وهو النجم اللامع في برج العذراء ويقال لهما ساقي الأسد: (عوالم ونجوم لنجيب زبيب).
والفرقد: نجم لامع مضيء فيمجموعة الدب الأصغر.
(4) ربيعة بن أمية بن أبي الصلت: هو ربيعة بن أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة ابن عوف الثقفي شاعر فصيح ذكره المرزباني في معجمه كما ذكره أبو الفرج في كتابه الأغاني.
راجع المزيد عنه في معجم الشعراء للمرزباني والأغاني 3: 187والإصابة 2: 197.(4/263)
56 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: صلة الرحم متمات للولد، مثراة للمال (1).
57 - كان عروة بن الزبير عند عبد الملك فذكر أخاه عبد الله فقال:
قال أبو بكر كذا، فقيل له أتكنيه (2) عند أمير المؤمنين لا أم لك؟ فقال:
إليّ يقال لا أم لك وأنا ابن عجائز الجنة؟ يعني أن صفية بنت عبد المطلب (3) عمة رسول الله أم الزبير، وخديجة بنت خويلد (4) سيدة نساء العالمين عمة الزبير، وعائشة أم المؤمنين، خالة ابن الزبير، وأسماء ذات النطاقين (5) أمه.
58 - غضب معاوية على يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا أكبادنا، وثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة (6)، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة. إن غضبوا فارضهم، وإن سألوك فأعطهم، وإن لم يسألوك فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزرا فيملوا حياتك، ويتمنوا وفاتك، فقال: يا غلام، أيت يزيد فأقره السّلام، واحمل إليه مائتي ألف، ومائتي ثوب. فقال يزيد: من عند أمير المؤمنين، قال: الأحنف، قال: عليّ به، فقال: يا أبا بحر، كيف كانت
__________
(1) مثراة للمال: أي مجلبة للثراء والرزق.
(2) أتكنيه: أي تذكره بكنيته وهذا تعظيم له في حضرة أمير المؤمنين.
(3) صفية بنت عبد المطلب: عمة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ووالده الزبير بن العوام وشقيقه حمزة أسلمت وهاجرت وعاشت إلى خلافة عمر وماتت في المدينة سنة 20هـ.
راجع ترجمتها في طبقات ابن سعد 8: 270والمحبّر ص 172والأعلام 3: 297.
(4) خديجة بنت خويلد: زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأول من صدق ببعثته مطلقا. كانت امرأة شريفة كثيرة المال تزوجها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي بنت أربعين سنة وكانت تدعى قبل البعثة الطاهرة توفيت سنة 3قبل الهجرة.
(5) أسماء ذات النطاقين: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق المتقدمة ترجمتها.
(6) ظليلة: الظل نقيض الضح وبعضهم يجعل الظل الفيء يقال: أن كل موضع يكون فيه الشمس فتزول عنه فهو ظل وفيء وقيل الفيء في العشي والظل في الغداة والظليلة هنا ذات ظل دائم.(4/264)
القصة؟ فحكاها، فقال: أما أنا فسأعلي سمكها (1)، وشاطره الصلة.
59 - زاهر البكري (2): كان ابنه يزيد بخراسان، فقال فيه:
إذا جاء ركب من خراسان مقبلا ... ففيّ عن المستخبرين صدود
أحاذر أن يردى يزيد بن زاهر ... وجلدة بين الحاجبين يزيد
60 - أبو لهب تبت يداه:
إذا القرشي لم يضرب بعرق ... خزاعي فليس من الصميم (3)
وكيف يكون ذا شرف إذا ما ... تخطته دلالات النجوم
61 - دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة (4)، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: أنبذها عنك، فانهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، قال: لا تقل يا عمرو، فو الله ما مرض المرضى، ولا ندب الموتى (5)، ولا أعان على الأحزان إلا هنّ، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته، فقال عمرو:
ما أراك يا أمير المؤمنين إلّا قد جبهتهن إلي.
62 - الجاحظ: عرق الخال أنزع من عرق العم، ونصيب الأمهات في الأولاد أنزع (6)، وهن على الشبه أغلب، والدليل عليه أن أكثر ما يلدن
__________
(1) سأعلي سمكها: سأرفع سمكها وسمك البيت سقفه وقيل هو من أعلى البيت إلى أسفله وجاء في التنزيل: {رَفَعَ سَمْكَهََا فَسَوََّاهََا} (الآية 28من سورة النازعات).
(2) زاهر البكري: لم نقع لزاهر هذا على ترجمة.
(3) خزاعة: حي من الأزد مشتق من ذلك لتخلفهم عن قومهم قيل إنما سموا خزاعة لأنهم انخزعوا عن قومهم حين أقبلوا من مأرب فنزلوا ظهر مكة.
(4) عائشة بنت معاوية: لم نقع لها على ترجمة.
(5) ندب الموتى: ندب الميت بكى عليه وعدّد محاسنه يندبه ندبا وندب الميت بعد موته من غير أن يقيد ببكاء وهو من الندب للجراح لأنه احتراق ولذع من الحزن.
(6) أنزع: من نزع نزعا ومعناه انحسر الشعر عن جانبي جبهته فهو أنزع وهنا بمعنى منتزعة الحقوق فلا ينتسب أبناؤها لها فهي نزعاء.(4/265)
الإناث من الناس، وسائر الحيوان، فإذا أردت أن تعرف حق ذلك من باطله فأحص سكان ما حولك من الدور، وانظر ذكورهم أكثر أم إناثهم.
والعرب تكره الأذكار لأن الهجمة (1) يكفيها فحل أو فحلان، والناقة تقوم مقام الجمل، والجمل لا يسقي اللبن، وكذلك الحجور (2) في المروج والعانات (3) في الفيافي، يكفي الجماعة فحل واحد. والأم والأب يستويان في وجده، ثم تفضله لأن الولد يخلق من مائهما، والأب إنما يقذف مثل المخطة، أو البصقة ثم يعتزل والأم منها الرحم، وهو القرار الذي تفرغ فيه النطفة، كما يفرغ الرصاص المذاب في القالب، ثم لا يغتذي إلا من دمها. ولا يمص إلا من قواها ما دام في جوفها، فإذا ظهر غذته بلبنها، ولا يشك الأطباء أن اللبن دم استحال، فهي تغدوه بلبنها مرتين.
63 - كان عبد المطلب يقول في ترقيص عبد الله (4) ابنه:
كأنه في العز قيس بن عدي ... إلى محل بيته يأتي الندي
يريد قيس بن عدي (5) بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وكان سيد قريش في وقته، وقيس هو القائل:
__________
(1) الهجمة: هي القطعة الضخمة من الإبل قيل هي ما بين الثلاثين والمائة وقيل أكثر من ذلك.
(2) الحجور: الحجور جمع حجر بالكسر وهي الفرس الأنثى لم يدخلوا فيها الهاء لأنه اسم لا يشركه فيه المذكر. ويجمع أيضا على أحجار وحجورة.
(3) العانات: جمع عانة وهي القطيع من حمر الوحش.
(4) عبد الله: هو والد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المتقدمة ترجمته.
(5) قيس بن عدي: كان قيس بن عدي هذا أحد الأربعة الذين رفعوا الثوب الذي وضع فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحجر الأسود وحين اختلفت قريش واختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه ثم اتفقوا على أن يحكم بينهم أول من يدخل من باب المسجد فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أول داخل كما هو معروف.
راجع المزيد عن ذلك من سيرة ابن هشام 1: 197.(4/266)
عدي بن كعب إن سألت بطانتي ... فهنّا وهنّا عنهم فتنكب (1)
ينشب عيصي ما بقيت بعيصهم ... تنشب عيص القشعة المتنشب (2)
فإني وإن كانوا إليّ أحبة ... أميّ وقومي دون قومي وأقربي
لجان على حبي عدي وجاعل ... خفارتهم ما بين أذني ومنكبي (3)
64 - علي رضي الله عنه في آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هم موضع سره.
ولجأ أمره، وعيبة علمه (4) وموئل حكمته، وكهوف كتبه، وحبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه. هم أساس وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي (5)، وبهم يلحق التالي (6).
وعنه عليه السّلام: ألا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة (7) أن يسدها بالذي لا يزيده أن أمكسه. ولا ينقصه أن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض منه عنهم يد واحدة، تقبض منهم عنه أيد كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة.
__________
(1) تنكب: يقال تنكب عنه أي عدل عنه وتجنّبه واعتزله وتأتي من ولّاه منكبه وأقبل نحو غيره. ويقال تنكّب عن وجهي: أي تنحّ أو أعرض عني.
(2) نشب الشيء في الشيء بالكسر نشوبا علق فيه. ونشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص. وما أكرم عيصه وهم آباؤه وأعمامه وأخواله وأهل بيته. والعيص الشجر الكثير الملتف.
والقشعة نبت يتعلق بالأشجار ولا عر له في الأرض.
(3) ما بين أذني ومنكبي: أي في عنقي والخفارة بتثليث الخاء معناها الذمام.
(4) عيبة علمه: العيبة الوعاء يكون من خوص أو أدم ونحوه.
(5) الغالي: من غلا يغلو غلوّا يقال غلا في دينه: تجاوز بالإفراط حدود الجادة.
(6) وبهم يلحق التالي يقصد به أن المقصّر في عمله والحائد عن الصراط السوي يتسنّى له الخلاص بالنهوض ليلحق بآل النبي ويحذو حذوهم.
(7) الخصاصة: معناها الفقر والحاجة الشديدة.
ومعنى ذلك أن الإمام علي ينهى عن إهمال القريب إذا كان فقيرا أو يحث على سدّ حاجته.(4/267)
رأى رضي الله عنه الحسن يتشرع إلى الحرب (1) فقال: املكوا (2)
عني هذا الغلام لا يهدني، فانني أنفس بهذين على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله.
وعنه: رب بعيد أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد، والغريب من ليس له حبيب (3).
65 - قيل لفيلسوف: لم تعق والديك؟ قال: لأنهما أخرجاني إلى عالم الكون والفساد.
66 - قيل لعلي بن الحسين: إنك من أبر الناس ولا تأكل مع أمك في صفحة واحدة.
قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها.
67 - معقل أخو أبي دلف العجلي (4) يقول له:
أخيّ مالك ترميني فتقصدني ... وإن رميتك سهما لم يجز كبدي
وما لقلبك مجبولا على ترتي ... كأن أجسادنا لم تغذ من جسد (5)
__________
(1) تشرع إلى الحرب: يقال تشرع إلى الحرب إذا تهيأ لها ودخل فيها أو خاض فيها.
(2) أملكوا عني هذا الغلام: أي خذوه بالشدة وامسكوه لئلّا يهدني أي يهدمني ويقوض أركان قوتي بموته في الحرب.
ونفسي به كقرح: ظن به ويعني بهذين الحسن والحسين يريد أني أبخل بهما على الموت.
(3) الغريب من ليس له حبيب: ورد هذا الكلام في نهج البلاغة 3: 55من وصية للإمام علي لولده الحسن عند انصرافه من صفين.
(4) معقل العجلي: هو معقل بن عيسى بن إدريس بن معقل العجلي كان فارسا شارعا جوادا مغنيا مدح المعتصم العباسي.
راجع ترجمته في الأغاني 18: 198.
(5) ترتي: من وتر يقال: وترته وترا وترة أي أدركته بمكروه فقد وترته والموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.(4/268)
68 - أحمد بن أبي سلمة الكاتب (1):
حلفت بأنك من حمير ... وليس اليمين على المدعي
69 - خلف بن خليفة (2) وكان من العققة:
فيا رب إن أملت وفرا يسوقه ... خليفة فاحرمني الذي أنت واهبه (3)
فخيرك لا يرجى وشرّك يتقى ... كما يتقي شرك القتادة حاطبه (4)
70 - الشرف بالهمم العالية، لا بالرمم البالية.
71 - أولى الناس بالمروءة من له بنوة النبوة.
72 - ولد له ذكر مد في وجوه الملك غررا، وملأ عيون المجد قررا.
73 - إذا ترعرع الولد تزعزع الوالد.
74 - كعب بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: استوصوا (5) بالقبط خيرا.
فإن لهم ذمة ورحما. يعني أن هاجر أم إسماعيل كانت قبطية، وأم إبراهيم مارية (6) كذلك. وقال لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي.
__________
(1) أحمد بن أبي سلمة الكاتب: لم نقع له على ترجمة.
(2) خلف بن خليفة: لم نقع له أيضا على ترجمة.
(3) وفرا: الوفر من المال والمتاع: الكثير الواسع وقيل هو العام من كل شيء والجمع وفور وقد وفر المال والنبات والشيء بنفسه وفرا ووفورا.
(4) القتادة: واحدة القتاد وهو شجر ذو أشواك صلبة حادة تدمي يد حاطبها وهي كالإبر وله ورق أغبر وثمار غبراء كأنها بذرة التمر.
(5) استوصوا: من أوصى الرجل ووصّاه بمعنى عهد إليه. وأوصيت له بشيء وأوصيت إليه إذا جلعته وصيّك.
(6) مارية القبطيّة: هي مارية بنت شمعون القبطيّة وهي أم إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أهداها المقوقس صاحب الإسكندرية إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة 7هـ مع أختها سيرين. ماتت في المدينة في خلافة عمر سنة 16هـ.
راجع ترجمتها في أسد الغابة 5: 543والإصابة 8: 185والأعلام 6: 123.(4/269)
75 - عمر رضي الله عنه: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله تعالى نسمة تسبحه وتذكره.
76 - شبيب بن شمسة: ذهبت اللذات إلا من شم الصبيان، وملاقاة الأخوان، والخلوة مع النسوان.
77 - الحسن بن زيد العلوي:
قالوا عقيم فلم يولد له ولد ... والمرء يخلفه في قومه الولد
فقلت من علقت بالحرب همته ... عاف النساء فلم يكثر له عدد (1)
78 - ولد لجابر الفزاري (2) بعد ما كبر غلام له إبهامان في يد، فقال:
الحمد لله العلي الماجد ... أعطى على رغم العدو الحاسد (3)
بعد مشيب الرأس ذا الزوائد ... ليثا يرى السبعة مثل الواحد
79 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يقبل الله تعالى صدقة من أحد وذو رحمه جائع.
وعنه عليه السّلام: أفضل الصدقة على ذي رحم كاشح (4).
80 - عمر بن عبد العزيز لميمون بن مهران: يا ميمون، لا تأت السلاطين، وان أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر ولا يخلوّن بامرأة وإن قرأت عليها سورة من القرآن ولا تصحبن عاقا فإنه لن يصلك وقد عق أبويه.
81 - كانت لأعرابي امرأتان، فولدت أحداهما غلاما، والأخرى جارية، فرقصته أمه وقالت مضارة لضرتها.
__________
(1) عاف النساء: من عاف الشيء يعافه عيفا وعيافة كرهه فهو عائف وتارك له.
(2) جابر الفزاري: لم نقع له على ترجمة.
(3) الماجد: هو من كان ذا مروءة وكرم وشرف. والمجد كرم الآباء خاصة وقيل المجد هو الأخذ من الشرف والسؤدد ما يكفي وقد مجد فهو ماجد.
(4) كاشح: الكاشح هو المتولي عنك بودّه. والكاشح هو العدو المبغض والكاشح أيضا هو الذي يضمر لك العداوة وكشح العود قشره وهنا معناه الفقير.(4/270)
الحمد لله الحميد العالي ... أنقذني العام من الحوال (1)
من كل شر هاء كشن بالي ... لا تدفع الضيم عن العيال (2)
فسمعت الأخرى فأقبلت ترقص بنتها وتقول:
وما عليّ أن تكون جارية ... تغسل رأسي وتكون الفالية (3)
وترفع الساقط من خمارية ... حتى إذا ما بلغت ثمانية (4)
أزرتها بنقبة يمانية ... أنكحها مروان أو معاوية (5)
أصهار صدق ... ومهور غالية
فتزوجها مروان على مائة ألف، وقال: إن أمها لحقيقة أن لا تكذب ظنها، ولا تخاس بعهدها. وقال معاوية: لولا أن مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر، ولكنها لا تحرم الصلة. فبعث إليها بمأتي ألف درهم.
82 - نظر عمر رضي الله عنه إلى رجل يحمل ابنا له على عاتقه.
فقال: ما هذا منك؟ قال: ابني، قال: أما إنه أن عاش فتنك، وإن مات حزنك.
83 - سعيد بن سلم (6): حججنا فبينا أنا أسير على حمار خلف المحامل والقباب والكنائس (7)، إذا أنا بأعرابي واقف ينظر إليها وهي تمر عليه، فقال لي: لمن هي يا هناه؟ قلت: لرجل من باهلة، فقال: والله ما رأيت كاليوم قط! ما ظننت أن الله يعطي باهليا هذا ولا نصيفه ولا عشيره
__________
(1) الحوال: من حول حولة: عجب: يقال هذا من حولة الدهر أي من عجائبه.
(2) شرهاء: الكثيرة الشره والشره هو أسوأ الحرص أو غاية الحرص وشدته.
(3) الفالية: من فلا رأسه يفلوه فليا وفلاية بحثه عن القمل.
(4) خمارية: بمعنى خماري. والخمار للمرأة هو النصيف وقيل الخمار هو ما تغطي به المرأة رأسها وجمعه أخمرة وخمر.
(5) أزرتها: وضعت عليها الإزار وهو الرداء.
(6) سعيد بن سلم: هو سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي المتقدمة ترجمته.
(7) الكنائس: جمع كنيسة وهو ضرب من الحودج أكبر من المحمل وأصغر من العمارية.(4/271)
فقلت: هل يسرك أنها لك وأنت من باهلة؟ قال: لاها الله ذا، فناولته صرة، كانت معي، فقال: والله لقد وافقت مني حاجة، فقلت إني من باهلة فردها وقال: أكره والله أن ألقى الله ولباهلي عندي يد. فحدثت به الرشيد فضحك وقال: ما أصبرك يا سعيد.
84 - عبد الملك بن الكاهلية الثقفي (1):
ثلاث قد ولدنك من حبوش ... إذا تسمو جذبنك بالزمام
85 - عقّ أبا المنازل فرعان بن الأعرف السعدي (2) ابنه منازل، فقال:
جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنزل الدين طالبه
وما كنت أخشى أن يكون منازل ... عدوي وأدنى شانىء أنا راهبه
حملت على ظهري وقربت صاحبي ... صغيرا إلى أن أنكر الطر شاربه
وأطعمته حتى إذا آض شيظما ... يكاد يساوي غارب الفحل غاربه
تخوّن مالي ظالما ولوى يدي ... لوى يده الله الذي هو غالبه
ثم عق منازلا ابنه خليج فقال:
تظلمني مالي خليج وعقني ... على حين صارت كالحني عظامي (3)
وكيف أرجّي العطف منه وأمه ... حراميّة ما غرني بحرام
تخيرتها وازددتها لتزيدني ... وما بعض ما يزداد غير غرام (4)
__________
(1) عبد الملك بن الكاهلية الثقفي: لم نقع له على ترجمة.
(2) أبو المنازل: هو أبو المنازل السعدي واسمه فرعان بن الأعرف أحد بني النزال من بني تميم رهط الأحنف بن قيس: كان في الجاهلية شاعرا لصا يغير على إبل الناس.
عاش إلى أيام عبد الملك بن مروان.
راجع ترجمته في عيون الأخبار 3: 83. الإصابة 5: 216والمؤتلف والمختلف للآمدي ص 51.
(3) الحني: جمع حنيّة وهي القوس من البناء أو ما كان منحنيا كالقوس.
(4) غرام: الغرام في اللغة هو اللازم من العذاب والشر الدائم والبلاء قال تعالى: {إِنَّ عَذََابَهََا كََانَ غَرََاماً}.
لعمري لقد ربيته فرحا به ... فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
86 - عمر رضي الله عنه: تكثّروا من العيال، فانكم لا تدرون بمن ترزقون.(4/272)
__________
(4) غرام: الغرام في اللغة هو اللازم من العذاب والشر الدائم والبلاء قال تعالى: {إِنَّ عَذََابَهََا كََانَ غَرََاماً}.
لعمري لقد ربيته فرحا به ... فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
86 - عمر رضي الله عنه: تكثّروا من العيال، فانكم لا تدرون بمن ترزقون.
87 - المأمون: أقرباء الرجل بمنزلة الشعر من جسده، فمنه ما يحفي (1) ينفي ومنه ما يكرم ويخدم.
88 - قيل لحكيم: لم لا تطلب الولد؟ قال: لحبي له.
89 - قال الحجاج لابن القرّية (2): أي الثمار أشهى؟ قال: الولد، وهو من نخل الجنة.
90 - عمر رضي الله عنه: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب، فرب رحم مجهولة قد وصلت بعرفان نسبها.
91 - قال رجل من همدان (3) لابن عباس: ممن أنا؟ قال: أنت رجل من العرب، قال: فممن أنت؟ قال: من سأل عنا أهل البيت فانا من أهل كوثى (4)، الأصل آدم، والكرم التقوى، والحسب الخلق، إلى هذا انتهت نسبة الناس.
92 - فاخر أسماء بن خارجة رجلا فقال: أنا ابن أشياخ الشرف.
فقال له ابن مسعود: كذبت، ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إولئك أشياخ الشرف، ليسوا بآبائك.
(1) ما يحفي: حفا حفوا: يقال حفاه من الشيء منعه منه.
(2) ابن القرّية: هو أيوب بن زيد المتقدمة ترجمته.
(3) همدان: إحدى قبائل اليمن من حمير وهم بنو أوسلة بن مالك بن زيد تتصل بكهلان بن سبأ ولهدمان عدة بطون باليمن.
(4) كوثى: هي كوثى العراق. وكوثى كوثيان أحدهما كوثى الطريق والآخر كوثى ربى وبها مشهد سيّدنا إبراهيم الخليل وبها مولده وهما من أرض بابل وبها طرح إبراهيم في النار.(4/273)
93 - سئل عيسى عليه السّلام: أي الناس أشرف؟ فقبض قبضتين من تراب، ثم قال: أي هذين أشرف؟ ثم جمعهما وطرحهما، وقال: الناس كلهم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
94 - عمر رضي الله عنه: تعلموا أنسابكم تعرفوا بها أصولكم، وتصلوا بها أرحامكم.
95 - قالوا: لو لم يكن في معرفة الأنساب إلا الاعتزاز بها من صولة الأعداء، ومنازعة الأكفاء، لكان تعلمها من أحزم الرأي وأفضل الصواب ألا ترى إلى قول قوم شعيب (1): {وَلَوْلََا رَهْطُكَ لَرَجَمْنََاكَ} (2)، فأبقوا عليه لرهطه.
96 - كان لإسحاق عليه السّلام (3): ثلاثة بنين: يعقوب، والغيص أبو الروم، وبارص وقيل فارص، وهو فارس أبو الفرس (4).
97 - تنافر غني وباهلة (5) إلى حرقوص السدوسي (6). فصدع (7)
__________
(1) شعيب: هو نبي الله شعيب العربي من بني مدين من نسل إبراهيم. كان بعد هود وصالح وقبيل أيام موسى. كانت منازل قومه بقرب تبوك بين المدينة والشام. قال المسعودي كان لسانه العربية. قال السمعاني قبره في حطين بفلسطين وعلى قبره بناء كذب شعيبا قومه ولم يؤمن به إلا القليل فأخذهم عذاب الظلة ثم الرجفة وقد وردت في القرآن الكريم إشارات كثيرة لذلك.
راجع المزيد عنه في تهذيب ابن عساكر 6: 317وقصص الأنبياء ص 289والمحبر لابن حبيب ص 296ومعجم البلدان.
(2) ولولا رهطك لرجمناك. جزء من الآية 91من سورة هود وتمامها: {وَإِنََّا لَنَرََاكَ فِينََا ضَعِيفاً وَلَوْلََا رَهْطُكَ لَرَجَمْنََاكَ}.
(3) إسحاق عليه السّلام: هو نبي الله إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السّلام وأمه سارة.
(4) جاء في مروج الذهب 1: 260أن (فارس) من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
(5) غني وباهلة: غني هو غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن الياس بن نصر.
وباهلة هم بنو معن بن أعصر أخي غني أمهم باهلة وبها يعرفون.
(6) حرقوص السدوسي: لم نقع له على ترجمة.
(7) صدع: الصدع: هو الشق في الشيء الصلب كالزجاجة والحائط وغيرهما وجمعه صدوع.(4/274)
جعسه بعود نصفين، وقال: هذا غني، وهذا باهلة.
98 - كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة رجل من عنزة (1) فسبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان (2)، فكانت بغيا ثم عتقت. ووقع عليها أبو لهب، وأميّة بن خلف (3)، وهشام بن المغيرة (4)، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل (5)، في طهر واحد، فولدت عمرا. فادعاه كلهم، فحكمت فيه أمه فقالت: هو للعاص لأن العاص كان ينفق عليها. وقالوا:
كان أشبه بأبي سفيان. وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت ... لنا فيك منه بينات الشمائل (6)
99 - وكان معاوية يعزي إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو (7)،
__________
(1) عنزة: هي حي من الأسد ينسبون إلى أبيهم أسد بن ربيعة بن معد.
(2) عبد الله بن جدعان: هو عبد الله بن جدعان التميمي القرشي المتقدمة ترجمته.
(3) أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي كان من أشراف قريش وسادتهم.
كان ممن آذى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وفيه نزلت (ويل لكل همزة لمزة).
راجع سيرة ابن هشام جزء 1: الفهرس.
(4) هشام بن المغيرة: هو هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي من بني مخزوم هو والد أبي جهل عمرو بن هشام.
راجع ترجمته في ثمار القلوب ص 238الأزمنة والأمكنة 2: 270والأعلام 9: 88.
(5) العاص بن وائل: هو العاص أو العاصي بن وائل ينتهي بنسبه إلى كعب بن لؤي السهمي أحد الحكام في الجاهلية كان نديما لهشام بن المغيرة.
راجع ترجمته في المحبّر لابن حبيب ص 133وجمهرة الأنساب ص 156وسيرة ابن هشام.
(6) الشمائل: جمع شميلة وهي طبعة الإنسان وصفته.
(7) مسافر بن أبي عمر: هو مسافر بن أبي عمر بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
كان سيدا جوادا أحد شعراء قريش له شعر في هند والدة معاوية وكان يهواها مات بعد أن تزوجت هند من أبي سفيان.
راجع الأغاني 8: 42والروض الآنف.(4/275)
وإلى عمارة بن الوليد وإلى العباس بن عبد المطلب، وإلى الصباح (1)
مغن أسود كان لعمارة. قالوا: كان أبو سفيان دميما (2) قصيرا، وكان للصباح عسيفا (3) لأبي سفيان شابا وسيما، فدعته هند (4) إلى نفسها.
100 - وقالوا إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا، وأنها كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد (5) فوضعته هناك. وفي ذلك قال حسان:
لمن الصبي بجانب البطحاء ... ملقى غير ذي سهد (6)
نجلب به بيضاء آنسة ... من عبد شمس صلتة الخد (7)
101 - ذهب المهدي والعباس بن محمد إلى الحجر الأسود (8)
للاستلام، فقال المهدي: تقدم يا عم، فقال العباس: جزاك الله خيرا يا
__________
(1) الصباح: لم نقع له على ترجمة.
(2) كان أبو سفيان دميما: الدميم هو القبيح وقيل الحقير: والذميم بالمعجمة الذي يذم من الذم خلاف المدح وقيل الدميم في جسمه والذميم في أخلاقه.
(3) عسيفا: العسف بغير هداية والأخذ على غير الطريق والعسيف والعسوف الذي يركب رأسه في السير ولا يثنيه شيء وهو هنا ركوب الأمر بلا تدبير ولا رويّة.
(4) هند: هي هند بنت عتبة بن ربيعة والدة معاوية بن أبي سفيان المتقدمة ترجمتها.
(5) أجياد: موضع بمكة يلي الصفا.
(6) السهد: نقيض الرقاد وسهد بالكسر يسهد لم ينم ورجل سهد: قليل النوم وعين سهد: كذلك وفلان ذو سهدة أي ذو يقظة.
(7) صلتة الخد: الصلت: البازر المستوي. والصلت أيضا الأملس وهنا معناها ذات الخد الأملس.
(8) الحجر الأسود: وهو الركن الشمالي من أركان الكعبة المشرفة. وقد أخذه القرامطة فغيبوه عن مكانه مدة 22سنة ثم جاؤا به وعلوه على الإسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثم ردوه إلى موضعه.(4/276)
أمير المؤمنين، قدمت عمك، وتقديمك إياه تقدم لك وشرف.
102 - عبد الرحمن بن دارة الغطفاني (1):
وإني لاستبقي امرء السوء عدة ... لعدوة عريّض من القوم جانب (2)
أخاف كلاب الأبعدين ونهشها ... إذا لم تهارشها كلاب الأقارب (3)
103 - أبو النضير مولى بني سليم (4):
ويفرح بالمولود من آل برمك ... ولا سيما إن كان من ولد الفضل
104 - قال الرشيد لموسى بن جعفر: إني قاتلك، قال: لا تفعل، فاني سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن العبد يكون واصلا لرحمه وقد بقي من أجله (5) ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعا لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيقصرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين.
105 - عن الكسائي أنه دخل على الرشيد فأمر بإحضار الأمين والمأمون، قال: فلم ألبث أن أقبلا ككوكبي أفق، يزينهما هديهما ووقارهما، قد غضّا أبصارهما، وقاربا خطوهما حتى وقفا على مجلسه فسلما عليه بالخلافة، ودعوا له بأحسن الدعاء، فاستدناهما (6)، فأجلس
__________
(1) عبد الرحمن بن دارة الغطفاني: هو عبد الرحمن بن مساقع بن يربوع من بني عبد الله ابن غطفان: شاعر محسن يقال له ابن دارة ويربوع هو دارة سمي بذلك لجماله شبه بدارة القمر.
راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف للآمدي ص 116.
(2) العدوة: المكان المتباعد.
(3) تهارش: من هرش والمهارشة هي تقاتل الكلاب بتهريش بعضها على بعض والتهارش: الإختلاط.
(4) أبو النضير: مولى بني سليم: لم نقع له على ترجمة.
(5) الأجل: غاية الوقت في الموت وحلول الدين ونحوه. والأجل مدة الشيء والآجلة الآخرة والعاجلة الدنيا.
(6) استدناهما: بمعنى قربهما وطلب منهما الدنو.(4/277)
محمدا عن يمينه وعبد الله عن شماله، ثم أمرني أن ألقي عليهما أبوابا من النحو، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه، فسره سرورا استبنته (1) فيه، وقال: كيف تراهما؟ فقلت:
أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد (2)
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد
يسدان آفاق السماء بشيمة ... يؤيدها حزم وعضب مهند (3)
ثم قلت: ما رأيت، أعز الله أمير المؤمنين، أحدا من أبناء الخلافة ومعدن الرسالة، وأغصان هذ الشجرة الزاكية، أذرب منهما ألسنا (4)، ولا أحسن ألفاظا، ولا أشد اقتدارا على بادية ما حفظا ورويا منهما، أسأل الله أن يزيد بهما الإسلام تأييدا وعزا، ويدخل بهما على أهل الشرك ذلا وقمعا (5)، وأمّن الرشيد على دعائي (6)، ثم ضمهما إليه، وجمع عليهما يديه، فلم يبسطهما حتى رأيت الدموع تنحدر على صدره، ثم أمرهما بالخروج، ثم قال: كأنكم بهما لو قد حم القضاء (7)، ونزلت مقادير السماء، وقد تشتت أمرهما، وافترقت كلمتهما، حتى تسفك الدماء، وتهتك الستور (8).
__________
(1) استبنته: من استبان الشيء بمعنى وضح واصبح جليا بينا.
(2) بشامة: البشام: شجر طيب الرائحة تتخذ عيدانه لإخراج ما دخل بين الأسنان من الطعام واحدته بشامة.
المحتد: الأصل: يقال فلان طيب المحتد: الأصل الكريم.
(3) عضب: السيف القاطع: يقال سيف عضب أي قاطع ورجل عضب أي حاد الكلام.
(4) ذرب اللسان: يقال رجل ذرب أي فصح لسانه بعد حصره.
(5) قمعا: من قمع بمعنى صرفه عما يريد. قهره وأذلّه.
(6) أمّن على دعائي: قال آمين وهو اسم فعل بمعنى استجب.
(7) حمّ القضاء: يقال حمّ القضاء إذا حلّ وقضي الأمر.
(8) ورد هذا الخبر بصيغ أخرى مغايرة لما ورد هنا وهي تختلف كل الاختلاف.
راجع إرشاد الأريب 13: 173.(4/278)
106 - قيل لأعرابي: ما تقول في ابنك، وكان عاقا، فقال: بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب عليها الشكر.
107 [شاعر]:
براك الله حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا عزارا
بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظم الناس الخطار
108 - ويروى أن عبد الملك بن مروان قال للشعراء: ألا قلتم كما قال كعب (1) في المهلب وولده، وأنشدهم هذين البيتين.
109 - وعن ابن هرمة (2) أنه قال للمنصور قد مدحتك مدحة لم يمدح أحد بمثلها، فقال المنصور: وما عسى أن تقول فيّ بعد قول كعب في المهلب؟ وأنشدهما.
110 - مالك بن أحمد بن سوار الطائي (3):
وإني لأخشى أن أموت وأحمد ... صغير فيجفى أحمد ويضيع
وإني لأرجو جعفرا إن جعفرا ... لصالح أخلاق الرجال تبوع (4)
__________
(1) كعب: هو أبو مالك كعب بن معدان الأشقري والأشاقر حي من الأزد. شاعر مجيد جل شعره في مدح المهلب وولده. له قصيدة طويلة يذكر فيها يوم رامهرمز وغيره رواها الطبري.
راجع ترجمته في ابن الأثير 4: 498الأعلام 6: 86والأغاني 1: 265.
(2) ابن هرمة: هو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الفهري الكناني القرشي أبو إسحاق شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. ولد بالمدينة سنة 90هـ. انقطع إلى الطالبيين وله شعر فيهم. توفي سنة 176هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 2: 84والبداية والنهاية 10: 169والشعر والشعراء ص 639.
(3) مالك بن أحمد بن سوار الطائي: هو مالك بن أحمد بن سوار الطائي كان من مستهل الدولة العباسية له هجاء في مروان بن سليمان بن أبي حفصة.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 365.
(4) تبوع: من تبع الشيء تبعا وتباعا سار في إثره. وهنا بمعنى المتقفي أثره.(4/279)
111 - جرت بين محمد بن يزيد بن عمر بن عبد العزيز (1) وبين عبد الله بن مصعب الزبيري (2) مفاخرة عند المهدي، فقال محمد:
عبد مناف أبو أبوتنا ... وعبد شمس وهاشم تؤم
بحران خر العوام بينهما ... فالتهماه والبحر يلتهم
112 - هارون بن علي بن يحيى المنجم (3):
أرى في ابني مشابه من علي ... ومن يحيى وذاك به خليق (4)
فإن يشبههما خلقا وخلقا ... فقد تنمى إلى الشبه العروق (5)
113 - يزيد بن طلحة الطلحات (6):
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم
__________
(1) محمد بن يزيد بن عمر بن عبد العزيز: لم نقع له على ترجمة.
(2) عبد الله بن مصعب الزبيري: هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير القرشي ولد بالمدينة سنة 111هـ ولي اليمامة أيام المهدي العباسي ثم الهادي ثم ولي المدينة مع نيابة اليمن كان من أهل العدل والورع والشعر والفصاحة. توفي بالرقة سنة 184هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 10: 173والبداية والنهاية 10: 185.
(3) هارون بن علي بن يحيى المنجم: هو هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم البغدادي أبو عبد الله ولد سنة 251هـ كان أديبا شاعرا راوية نديما طريفا كان من أكمل الناس أدبا معروفا بالفضل صنف كتبا منها كتاب أخبار الشعراء المولدين سماه البارع وكتاب النساء والمختار في الأغاني توفي ببغداد سنة 288هـ وقيل 289هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 9: 42مرآة الجنان 2: 41وكشف الظنون ص 217 ومعجم الشعراء ص 485.
(4) به خليق: أي كان ممن يقدر فيه ذلك وترى فيه مخايله: به جدير.
(5) تنمي إلى الشبه العروق: أنتمي إليه بمعنى انتسب وانتمى فلان إلى فلان إذا ارتفع إليه في النسب.
(6) يزيد بن طلحة الطلحات: هو يزيد بن طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي لم نقع ليزيد هذا على ترجمة كان أبوه طلحة الطلحات من أجود أهل البصرة وتوفي سنة 65هـ.(4/280)
114 - كتب علي رضي الله عنه إلى زياد ابن أبيه وأراد معاوية أن يخدعه باستلحاقه (1) وقد عرفت أن معاوية يستزل لبك ويستغل غربك فاحذره، فانما هو الشيطان يأتي المؤمن من يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرته (2)، وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس، ونزغة من نزغات الشيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث والمتعلق بها كالواغل (3)
المدفع، والنواط المذبذب (4).
وعنه رضي الله عنه: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم تلا: {إِنَّ أَوْلَى النََّاسِ بِإِبْرََاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ،} الآية (5). ثم قال: إن وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته (6).
115 - أباق بن بديل الدبيري (7) في ابنه الركض (8) وكنيته أبو الذائد:
أبوء لله بشكر الحامد ... هو الذي أعطاك يابا الذائد (9)
أعرف منك منكبي وساعدي ... وعفتي وكرم المشاهد
__________
(1) باستلحاقه: أي بانتساب زياد بن أبيه إلى أبي سفيان والحاقه بنسبه.
(2) غرته: الغرة بالكسر خلو العقل من مضارب الحيل والمراد منها العقل الغر أي العقل الساذج.
(3) الواغل: هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدفعا محاجرا.
(4) النواط المذبذب: هو ما يناط أي يعلق برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره.
(5) إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية رقم 68من سورة آل عمران.
(6) ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 2221.
(7) أبّاق بن بديل الدبيري: أبّاق شاعر دبيري لم نقع له على ترجمة.
(8) الركض: لم نقع له أيضا على ترجمة.
(9) أبوء: من باء إلى الشيء يبوء بوءا بمعنى رجع وبوأتك بيتا أتخذت لك بيتا.(4/281)
أنت شبيهي وشبيه والدي ... ومصدر الأمور في الشدائد (1)
وله فيه:
إنك يا ركاض واري الزند ... أعددته للظالم الألدّ
ذي النخوة المولع بالتعدي ... أخشى عليك الوارثين بعدي
إذا رأوني جدفا في اللحد ... إذ يعضهوك بالدواهي الربد (2)
وقلب المجن (3) من يفدي
116 - علي رضي الله عنه: لا يكن أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله فإن الله لا يضيع أولياءه، وإن يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك بأعداء الله (4)؟.
وعنه: أن رجلا هنأ آخر بمولود في حضرته فقال: ليهنك الفارس فقال: لا تقل ذلك، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب وبلغ أشده، ورزقت بره.
117 - الحسن: إذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله في دنياه بأهل ولا ولد.
118 - قالوا: صاحب العيال أعظم أجرا، والمتخلي (5) يجد من
__________
(1) الشدائد: مفردها شدة وهي صعوبة الزمن وقد اشتد عليهم والشدة والشديدة من مكاره الدهر. وشده العيش شظفه. ورجل شديد بمعنى شحيح وفي التنزيل العزيز {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي أنه من أجل حب المال لبخيل. والبخيل كالشديد.
(2) الجدف: هو القبر مثل الجدث ومجدوفا هنا أي مقبورا في اللحد.
عضهه يعضهه عضها أي بهته وقال فيه ما ليس فيه.
الربد جمع أربد وربداء ذو الربدة، والربدة لون يميل إلى الغبرة والأربد نوع من الحيات خبيث.
(3) المجن: هو الترس وقلب له ظهر المجن أي أنه لا يبالي ما صنع أو قيل له.
(4) ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 82.
(5) المتخلي: المنفرد في خلوته.(4/282)
حلاوة العبادة ما لا يجد المتأهل (1).
119 - وقالوا: نظرنا في هذا الأمر فإذا الذين بلغوا فيه الغايات هم المتفردون (2).
120 - الأوزاعي: الفارّ من عياله كالآبق (3)، لا يقبل منه صوم ولا صلاة لا يرجع إليهم.
121 - أبو العيناء (4): تنازعا ثوب العقوق حتى صدعاه بينهما صدع الزجاجة ما لها جابر.
122 - رجل من بني أسد خزيمة (5):
ألا جعل الله اليمانين كلهم ... فدى لفتى الفتيان يحيى بن حيان (6)
ولولا عريق فيّ من عصبية ... لقلت وآلفا من معد بن عدنان
ولكن نفسي لم تطب بعشيرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان
123 - أوس بن حارثة (7): العقوق ثكل من لم يثكل.
124 - بعضهم: حججنا مع أبي جزء بن عمرو بن سعيد بن
__________
(1) المتأهل: الجالس بين أهله وعياله.
(2) يريد بهذا القول: الزهد في الدنيا والمتفردون هم الذين تفقهوا واعتزلوا الناس وخلوا بمراعاة الأمر والنهي.
(3) الآبق: الهارب والآبق والأباق. هرب العبيد وذهابهم من غير خوف ولا كدّ عمل.
(4) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد المتقدمة ترجمته.
(5) أسد خزيمة: هو أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر أبو قبيله عظيمة من مضر الحمراء من معد بن عدنان.
(6) يحيى بن حيان: لم نقع له على ترجمة.
(7) أوس بن حارثة: ربما كان أوس بن حارثة بن لام الطائي من سادات طي في الجاهلية.
راجع مختارات ابن الشجري ص 8365والأغاني.(4/283)
سلم (1)، فجلسنا في المسجد الحرام إلى قوم بني الحارث بن كعب (2)، فرأوا هيأته وجماله وإعظامنا له، فقال بعضهم: من أهل بيت الخلافة أنت؟ قال: لا، ولكن رجل من العرب، قال ممن؟ قال: من مضر، قال: أعرض ثوب الملبس، من أيها عافاك الله؟ قال: من قيس، قال إلى فصيلتك التي تؤويك (3)، قال: من بني سعد بن قيس، قال: اللهم غفرا، من أيها؟ قال: من باهلة، قال: قم عنا.
125 - قال الراوي: فقلت للحارثي: هو أمير بن أمير، حتى عددت خمسة، فقال: الأمير أعظم أم الخليفة؟ قلت: بل الخليفة، قال:
الخليفة أعظم أم النبي؟ بل النبي، قال: لو عدت له في النبوة أضعاف ما عددت له في الأمرة ثم كانا باهليا ماعبأ (4) الله بشيء من عمله.
126 - أبو هفان العبقسي (5):
أبا هل ينحني كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب
127 - كان عمران بن حطان (6) حين أطرده الحجاج يتنقل في القبائل، فإذا نزل في حي انتسب إليه، فقال:
__________
(1) أبو جزء بن عمرو بن سعيد بن سلم. جده سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي. لم نقع له على ترجمة.
(2) الحارث بن كعب: هو الحارث بن كعب بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أود وهو بيت مذحج.
(3) فصيلتك التي تؤويك: إشارة إلى الآية رقم 13من سورة المعارج. {وَصََاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ}.
(4) ما عبأ الله بشيء من عمله: ما عبأ به لم يعده شيئا ولم يباله. وفي التنزيل العزيز {قُلْ مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلََا دُعََاؤُكُمْ} الآية رقم 77من سورة الفرقان.
(5) أبو هفان العبقسي: هو عبد الله بن أحمد المهزمي العبدي المتقدمة ترجمته والعبقسي نسبة إلى عبد القيس.
(6) عمران بن حطان: هو عمران بن حطان السدوسي الخارجي المتقدمة ترجمته.(4/284)
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معديا فعدناني
128 - المقنع الكندي (1):
وإذا رزقت من النوافل ثروة ... فامنح عشيرتك الأداني فضلها (2)
واستبقهم لدفاع كل ملمة ... وارفق بناشئها وطاوع كهلها
واعلم بأنك لا تسوّد فيهم ... حتى ترى دمث الخلائق سهلها (3)
129 - أبو الجراح العقيلي (4): ما رأيت عقيليا إلا حسست له، يريد رققت له (5) وأشفقت عليه.
130 - أوس بن حجر (6):
وآل بلالي أجاد أبوهم ... ونسل الجواد جريه يتقيل
131 - من حق الولد على والده أن يوسع عليه ماله كيلا يفسق (7).
__________
(1) المقنع الكندي: هو محمد بن عميرة بن عبد الله الكندي شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية ولد في حضرموت وكان مقنعا طول حياته فسمي المقنع مدح الوليد بن يزيد.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 625الوافي بالوفيات 3: 179والأعلام 7: 211.
(2) النوافل: مفردها نوفل وهو العطيّة تشبه بالبحر والنوفل الرجل الكثير العطاء.
(3) دمث الخلائق: دمت دمثا فهو دمث: لان وسهل والدماثة سهولة الخلق يقال ما أدمث فلانا وألينه.
(4) أبو الجراح العقيلي: ذكره المرزباني في باب من غلبت كنيته على اسمه من الشعراء ص 511وذكره صاحب الأغاني بين الرواة ولم يترجما له.
(5) حسست له أحس بالكسر رققت له وأخذتني العاطفة.
(6) أوس بن حجر: هو أوس بن حجر بن مالك أبو شريح شاعر مضر حتى اسقطه النابغة وزهير فهو شاعر تميم في الجاهلية وهو زوج أم زهير بن أبي سلمى عمر طويلا وكان كثير الأسفار. في شعره حكمة ورقة له ديوان شعر مطبوع.
راجع ترجمته في الأعلام 1: 374والأغاني 11: 70وخزانة البغدادي 2: 235.
(7) الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق وهو بمعنى فجر.(4/285)
132 - قيل لأعرابي: هل تحب الولد؟ قال: لا، إذا عاش كدّني، وإذا مات هدني.
133 - ابن عنقاء الفراري (1):
فأما تريني واحدا باد أهله ... وكل فريق لا أبا لك بائد (2)
فان تميما قبل أن يلد الحصى ... أقام زمانا وهو في الناس واحد
134 - من جفا أهل رحمه أجف مغارس نعمة (3).
135 - حق على الأقارب إعظام الأصغر للأكبر، وحنو الأكبر على الأصغر.
136 - هو شعبة ذلك العود، وفلقة ذلك الجلمود (4).
137 - يقال: فلان علوي، من المنكب الألين، أي حسني. ومن المنكب الأخشن، أي حسيني، ومنه قول ابن هرمة (5).
وأنت من هاشم إن هاشم نسبت ... في المنكب اللين لا في المنكب الخشن
138 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ملعون ملعون من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى غير مواله.
__________
(1) ابن عنقاء الفراري: هو قيس بن بجرة بضم الباء الموحدة وقيل عبد قيس بن بجرة من بني شمخ بن فزارة، ثم ناشب. عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم. له مع عامر بن الطفيل خبر. وعنقاء أمه. وهو شاعر فحل من شعراء غطفان الفحول.
راجع ترجمته في الأغاني 17: 117ومعجم الشعراء للمرزباني ص 323والإصابة 5: 277.
(2) لا أبا لك: كلام جرى مجرى المثل فإذا قلت هذا فإنك لا تنفي في الحقيقة أباه وإنما تخرجه مخرج الدعاء عليه: أي أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه.
(3) جفا أهل رحمه قطعهم وأعرض عنهم والجافي هو الغليظ جافي الخلق غليظ العشرة.
(4) الجلمود: الصخر: يقال رجل جلمد شديد صلب.
(5) ابن هرمة: هو إبراهيم بن علي المتقدمة ترجمته.(4/286)
139 - مجنون: في اختلاف الوجوه والأصوات في آل عجل (1) دليل على فساد النساء.
140 - كتب شريح (2) إلى معلم بني له:
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها ... طلب الهراش مع الغواة الرجس
فإذا أتاك فعضه بملامة ... أو عظه موعظة اللبيب الأكيس (3)
وإذا هممت بضربه فبدرة ... وإذا بلغت به ثلاثا فاحبس
واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما تجرعني أعز الأنفس
141 - قال الجاحظ: وهذا الشعر عند أصحابنا لأعشى سليم (4) في ابن له، وقد رأيت ابنه هذا شيخا كبيرا وهو يقول الشعر.
142 - كان يقال: إذا كان لك قريب فلم تمش إليه برجلك، ولم تعطه من مالك، فقد قطعته.
143 - أبو عدي العبلي (5):
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد
__________
(1) آل عجل: بنو عجل بالكسر هم من ربيعة وهو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. أمه حذام التي يضرب المثل بقول الشاعر:
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
(2) شريح: هو القاضي شريح بن الحارث الكندي المتقدمة ترجمته.
(3) اللبيب: الإنسان العاقل والملازم للأمر الذي لا يفتر عنه.
الكيّس: الظريف الفطن الحسن الفهم والأدب.
(4) اعشى سليم: واسمه سليمان وكنيته أبو عمرو. وقد ذكره أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني 3: 60وذكر خبر دخوله على بشار بن برد.
راجع الأغاني 3: 60و 5: 141.
(5) أبو عدي العبلي: هو أبو عدي عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي ينتهي نسبه إلى عبد مناف القرشي شاعر مخضرم كان يناصر العلويين وعند ما خرج محمد بن عبد الله النفس الزكية بايعه ولما قتل سنة 145هـ هرب أبو عدي إلى اليمن حيث توفي هناك.
راجع ترجمته في الأغاني 11: 293والموشح ص 210ونسب قريش ص 158.(4/287)
والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد شديد (1)
144 - عمران بن عصام الهميمي (2):
قبح الاله عداوة لا نتقي ... وقرابة يدلى بها لا تنفع
145 - نصيب الأصغر (3) مولى المهدي:
إن العروق إذا استسر بها الثرى ... أشر النبات بها وطاب المترع
وإذا ذكرت من امرىء أعراقه ... وقديمه فانظر إلى ما يصنع
146 - أبو بديل التميمي (4) في علي بن محمد العلوي (5):
أنت من هاشم بن عبد مناف ... ابن قصي في سرها المختار
في اللباب اللباب والأرفع الأ ... رفع منهم وفي النضار النضار
147 - أبو العذافر (6) في خزيمة بن خازم النهشلي (7):
__________
(1) قرابات واشجات: يقال وشجت بك قرابة فلان أي اشتبكت واتصلت والواشجة الرحم المشتبكة المتصلة.
(2) عمران بن عصام الهميمي: ربما كان ينسب إلى قبيلة بني هميم بن عبد العزى بن ربيعة بن تميم. يراجع الإشتقاق.
(3) نصيب الأصغر: هو أبو الحجناء نصيب الأصغر. كان عبد أمن بادية اليمامة اشتراه المهدي ثم أعتقه (هو أو ابنه موسى الهادي) في خبر طويل وله في المهدي والهادي مدائح مات نحو سنة 175هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 8: 356أمالي المرتضى 1: 438وفوات الوفيات 2: 307.
(4) أبو بديل التميمي: لم نقع له على ترجمة.
(5) علي بن محمد العلوي: ربما كان الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد عاشر الأئمة الأثني عشر عند الإمامية وهو أحد الأتقياء الصلحاء ولد بالمدينة سنة 214هـ وتوفي في سامراء سنة 254هـ ودفن في بيته.
راجع ترجمته في الأعلام 5: 14وتاريخ بغداد 12: 56ووفيات الأعيان 1: 322.
(6) أبو العذافر: العذافر بضم وكسر الفاء الأسد. والعظيم الشديد من الإبل.
لم نقع له على ترجمة لأبي العدافر هذا.
(7) خزيمة بن خازم النهشلي: هو خزيمة بن خازم النهشلي التميمي أحد قواد بني العباس الكبار ولي البصرة في أيام الرشيد. أقام في بغداد ومات فيها سنة 203هـ.
راجع أخباره في الطبري وابن الأثير.(4/288)
خزيمة خير بني خازم ... وخازم خير بني دارم
ودارم خير تميم وما ... مثل خيم في بني آدم
إلا الليوث الغر من هاشم ... وهم سيوف لبني هاشم
148 - يموت بن الموزرع البصري (1) يخاطب ابنه:
مهلهل أحشائي عليك تقطع ... وأقرح أجفاني أخوك مزرع (2)
إلى الله أشكو ما تجن جوانحي ... وما فيكما من غصة اتجرع
فإن ذرفت عيناي وجدا عليكما ... ففي دون ما ألقاه مبكى ومجزع
أخاف حماما يا مهلهل باغتا ... وطير المنايا حائمات ووقّع (3)
149 - كان للزبرقان بن بدر سبع بنات، تزوج عمر وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما بنتين، والباقيات قوم من قريش وثقيف، وما مات حتى دعته مائة قرشية أبا.
150 - جرير بن عبد الله بن عنبسة بن سعد بن العاص (4) يقول للمهدي:
__________
(1) بموت بن الموزرع البصري: هو يموت بن الموزرع ينتهي نسبه إلى عبد القيس وهو ابن أخت الجاحظ نحوي أديب راوية ولي قضاء مصر سنة 303هـ ومات بها سنة 307هـ كان أحد مشايخ العلم والشعر كما كان شاعرا مجيدا.
راجع ترجمته في الأعلام 9: 277ووفيات الأعيان 3: 343وتاريخ بغداد 14: 358.
(2) قرح: يقال قرح الرجل يقرح قرحا سميت الجراحات قرحا وقيل القرح جرب شديد يأخذ الفصلان فلا تكاد تنجو.
(3) وطير المنايا حائمات ووقع: أي أنه يتوقع موتا قريبا والحمام بالكسر هو الموت.
(4) جرير بن عبد الله بن عنبسة بن سعد بن العاص: لم نقع له مع كل هذا على ترجمة.(4/289)
عبد شمس كان يتلو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب (1)
لكم الفضل علينا ولنا ... بكم الفضل على كل العرب
فصلوا الأرحام منا واحفظوا ... عبد شمس يآل عبد المطلب
151 [قول الشاعر]:
وقد يخرج الزندان نارا لقابس ... فتضحى من الزندين أعلى وأعظما
مثل فيمن يفوق أبويه.
152 - المأمون: لم أر أحدا أبر من الفضل بن يحيى بأبيه. بلغ من بره أنه كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن، فمنعهم السجان من الوقود في ليلة باردة، فلما أخذ يحيى مضجعه قام الفضل إلى قمقم من المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى أصبح. فشعر السجان بذلك فغيب المصباح فنأبطه إلى الصباح.
153 - دخل عثمان رضي الله عنه على بنته، وهي عند عبد الله بن خالد بن أسيد، فرآها مهزولة. فقال: لعل بعلك يغيرك (2)؟ قالت: لا، فقال: لزوجها: لعلك تغيرها؟ قال: لا، قال: فافعل، فلغلام يزيده الله في بني أمية أحب إلي منها.
154 - رأى ضرار بن عمرو الضبي (3) من ولده ثلاثة عشر ذكر، فقال: من سره بنوه نفسه.
__________
(1) كان يتلوه: أي جاء بعده دون فصل.
(2) لعل بعلك يغيرك: من غاره يغيره غيرا حوّله وبدّله بغيره جعله غير ما كان وأغار الرجل امرأته تزوج عليها فغارت عليه.
(3) ضرار بن عمرو الضبي: جاهلي من الفصحاء البلغاء كان معاصرا للمنذر بن ماء السماء.
راجع ترجمته في أمثال الميداني 2: 300وعيون الأخبار 2: 320والبيان والتبيين 1: 193.(4/290)
155 - في الحديث: من كان له صبي فليستصب به.
156 - مر أعرابي بقوم ينشد ابنا له فقالوا: صفه، فقال: دنينير، فقالوا: لم نره. فلم ينشب أن أن جاء على عنقه بشبه الجعل، فقالوا: لو سألتنا عن هذا لأخبرناك به.
157 - عنه عليه السّلام: إنكم لتجبنون، وإنكم لتبخلون، وإنكم من ريحان الجنة.
158 - أنشد ابن الأعرابي (1):
أحب بنيتي وودت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد
وما بي أن تهون عليّ لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي
159 - الطرماح (2):
أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي ... تراثي وإياك امرؤ غير صالح
إذا صك وسط القوم رأسك صكة ... يقول له الناهي ملكت فاسجح (3)
160 - ولد للحسن غلام فهنىء به، فقال: الحمد لله على كل حسنة، وسأل الله الزيادة من كل نعمة، ولا مرحبا بمن إن كنت عائلا أنصبني (4)، وإن كنت غنيا أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعيا، ولا بكدي له في الحياة كدا، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا لا يصل إليّ من غمه حزن، ولا من فرحه سرور.
__________
(1) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد المتقدمة ترجمته.
(2) الطرماح: هناك عدد كبير من اسم كل واحد منهم الطرماح وكلهم من طيء.
(3) صك رأسه: ضربه شديدا أو لطمه وتصاكت الركب تحاكت والأصك المضطرب الركبتين والعرقوبين عند المشي.
اسجح: من سجح وهو طال في اعتدال وهنا بمعنى أحسن العفو ما دمت قد ملكت.
(4) أنصبني من نصبه المرض أو الهم: أتعبه وأوجعه.(4/291)
161 - قيل لرجل: أي ولدك أحب إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم.
162 - الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه على شرب النبيذ فلم يعتبه (1):
وقال:
أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت عليّ الآن طابت لي الخمر
سأشرب فاغضب لارضيت كلاهما ... إليّ لذيذ أن أعقك والسكر
163 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده.
164 - ابن عمر رضي الله عنه: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: أما علمت أنك ومالك لأبيك (2)؟.
165 - عثمان رضي الله عنه: كان عمر يمنع أقرباءه لوجه الله، وأنا أعطي أقربائي لوجه الله. ولن ترى مثل عمر.
166 - أبو هريرة: الرحم شجنة (3) من الرحمن، قال لها: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته.
167 - عبد الله بن عمر رفعه: أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه.
168 - عبد الله بن دينار (4): احذروا ثلاثا فانهن معلقات بالعرش:
__________
(1) عتب عليه عتبا وعتبانا ومعتبة أي أنكر عليه شيئا من فعله ولامه.
(2) أخرج هذا الحديث ابن ماجة في سننه (تجارات 64) وأحمد بن حنبل في مسنده 2: 204179.
(3) الشجنة: هي الشعبة من كل شيء وقد ورد هذا الحديث في كتب الحديث بألفاظ مختلفة.
(4) عبد الله بن دينار: هو عبد الله بن دينار العدوي المدني أبو عبد الرحمن أحد الأئمة الأثبات كان من التابعين الصلحاء صدوقا دينا كثير الحديث مات سنة 127هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 2: 417وتهذيب التهذيب 5: 201.(4/292)
النعمة تقول: يا رب كفرت، والأمانة تقول: يا رب أكلت، والرحم تقول: يا رب قطعت.
169 - مت (1) إلى ابن عباس رجل برحم بعيدة، فألان له وقال: قال رسول الله: اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وان كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة.
170 - علي رضي الله عنه: لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أفّ لحرّمه (2)، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة. وليعمل البار ما شاء فلن يدخل النار.
171 - عمر رضي الله عنه رفعه: من كانت له بنت فهو متعب، ومن كانت له بنتان فهو مثقل، ومن كانت له ثلاث بنات فيا عباد الله أعينوه وأغيثوه، فانه معي في الجنة كهاتين، وجمع بين إصبعيه.
172 - ولد عبد الله بن الزبير بقباء (3)، وكان اليهود حين قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أخذوهم كيلا يكون لهم نسل، فلما ولد عبد الله كبر المسلمون، فكان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة. فخرجت أسماء فوضعته في حجر رسول الله، فمضغ له التمر وحنكه (4) بها، ودعا له وسمّاه عبد الله، وقال: قد أسميته بجبرائيل.
__________
(1) مت: بمعنى وصل يقال مت فلان إلى فلان بقرابة أي وصل إليه بالقرابة.
(2) إشارة إلى الآية الكريمة {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} الآية رقم 23من سورة الإسراء.
(3) قباء: بضم القاف قرية على ميلين من المدينة فيها مسجد التقوى بنى فيها المتقدمون من أنصار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مسجدا يصلون فيه فلما هاجر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ورد قباء فصلى بهم فيه.
(4) حنكه: أي أدارها من تحت حنكه. والمحنّك هو المجرب الذي جعلته التجارب خبيرا حكيما.(4/293)
173 - قدم عروة بن الزبير على ابن عباس البصرة وهو حدث، فقال له:
أمتّ بأرحام إليكم قريبة ... ولا قرب للأرحام ما لم تقرّب
فقال له ابن عباس: أتدري من قاله؟ قال عروة: أبو أحمد بن جحش (1) فقال: فهل تدري ما قال له رسول الله؟ قال: لا، قال: قال له صدقت.
174 - كان أبو كبشة (2) جد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبل أمه، فلما خالف رسول الله دين قريش قالوا: نزعه عرق أبي كبشة، حيث خالفهم في عبادة الشعرى (3).
175 - أتى عمر رضي الله عنه ببرود من اليمن يقسمها، فرأى بردا فائقا فخاف أن أعطاه بعض الناس أن يغضب الباقين، فقال: دلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة، فقالوا: المسور بن مخرمة (4)، فأعطاه إياه.
__________
(1) أبو أحمد بن جحش: هو أبو أحمد عبد بن جحش أخو أم المؤمنين زينب بنت جحش كان من السابقين الأولين إلى الإسلام. كان ضريرا ولكنه كان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير دليل. شهد بدرا والمشاهد. ذكره المرزباني في المعجم.
راجع ترجمته في الإصابة 7: 3والإستيعاب لابن عبد البر.
(2) أبو كبشة: هو أبو كبشة بن عمر بن زيد بن لبيد الخزرجي وهو جد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من قبل جدة أبيه وهو حاضن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكانت قريش ننسبه إلى فتقول قال ابن أبي كبشة وهو الحارث بن عبد العزى السعدي زوج حليمة السعدية.
راجع ترجمته في الإصابة 7: 162وسيرة ابن هشام 1: 478والإستيعاب لابن عبد البر.
(3) الشعري: نجم نيّر وقاد في مجموعة الكلب الأكبر وهي المع نجم في السماء على الإطلاق بعد الشمس والقمر وتقع خلف مجموعة الجبار إلى الجنوب وقد عبدها طائفة من العرب في الجاهلية فأنزل الله تعالى {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ََ} الآية رقم 49من سورة النجم أي أن الله تعالى هو رب هذه الشعرى التي تعبدونها عوالم ونجوم لنجيب زبيب.
(4) المسور بن مخرمة: هو المسور بن مخرمة الزهري المتقدمة ترجمته.(4/294)
176 - أقبل سعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله (1).
177 - مر عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب (2) بعمر بن عبد الرحمن بن عوف (3)، وهو خاثر (4)، فقال: مالك؟ فقال: وقف عليّ ابن عم لي فلم يترك شيئا إلا قاله لي.
قال: فلا يغمنك ذلك، فو الله ما قوم لهم عزة إلا إلى جانبها عرة (5)، وما ضار على طريدته بأنهك لها من ابن عم دنيء لابن عم سري.
178 - خلف الحارث بن هشام ابنه عبد الرحمن (6)، وسهيل بن
__________
(1) أخرجه الترمذي (مناقب 26) وسعد هو ابن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة ووهيب هو عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(2) عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب: هو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي أبو محمد استعمله الإمام علي على اليمن فحج بالناس سنة 36 و 37هـ. كان سخيا جوادا. مات بالمدينة سنة 87هـ وكان مولده في السنة الأولى من الهجرة.
راجع ترجمته في ذيل المذيل ص 49وخزانة البغدادي 3: 256والإصابة 4: 198والأعلام 4: 349.
(3) عمر بن عبد الرحمن بن عوف: هو عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي من ثقات رواة الحديث قال الزبيري بن بكار أمه سهلة الصغرى بنت عاصم بن عاصم ابن عدي العجلاني.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 473ونسب قريش.
(4) خاثر: الخاثر الذي يجد الشيء من الوجع والفتور ويقال هو خاثر النفس أي ثقيلها غير نشط.
(5) عرة: العر والعرّة: ذرق الطير والعرة أيضا عذرة الناس والبعر والسرجين وقد استعيرت للمساوىء والمثالب ومنه جاء عرّ فلان قومه أي لطخهم.
(6) عبد الرحمن بن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة من بني مخزوم كان صغيرا في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان شريفا سخيا ثريا. مات بالمدينة سنة 43هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 156وطبقات ابن سعد 5: 1والإصابة 5: 66.(4/295)
عمرو (1) بنت ابنه فاختة (2)، فحملا بعد موتهما بالشام إلى المدينة، وهما صغيران. فترحّم عمر على أبويهما، وأجلسهما على فخذيه، وقال:
زوجوا الشريد الشريدة عسى الله أن ينشر منهما (3)، وولي تزويجهما عمر، وسماهما الشريدين، وأقطعهما بالمدينة فأوسع لهما، فقيل: أكثرت لهما.
فقال: عسى الله أن ينشر منهما نسلا كثيرا، فكانت الجارية تولد في آل الحارث بن هشام فيتباشرها النساء، ويرى أهلها أنهم أغنياء.
قال إبراهيم بن هرمة (4).
179 [شاعر]:
فمن لم يرد مدحي فإن قصائدي ... نوافق عندي الأكرمين سوام (5)
نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام
180 - نال المغيرة بن عبد الله من الحسين؟ فقال أبو ظبيان: ماله قبحه الله؟ إن كان رسول الله ليفرج بين رجليه فقيبل زبيبه.
181 - جاءت فاطمة بابنيها إلى رسول الله، فقالت: يا رسول الله انحلهما (6)، قال: فداك أبوك! ما لأبيك مال فينحلهما. ثم أخذ الحسن فقبله وأجلسه على فخذه اليمني، وقال: أما ابني هذا فنحلته خلقي
__________
(1) سهيل بن عمرو: هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري القرشي المتقدمة ترجمته.
(2) فاختة: لم نقع لها على ترجمة.
(3) أن ينشر منهما: أي أن يخرج منهما ذرية بعد الزواج.
(4) إبراهيم بن هرمة: هو إبراهيم بن علي المتقدمة ترجمته.
(5) نفق: هنا نفق البيع نفاقا ونفقت السلعة بالفتح غلت ورغب فيها.
والسّوم: سرعة المرّ مع قصد الصوب في السير.
(6) انحلهما: من أنحله مالا ونحله إياه أي أعطاه شيئا بلا مقابل ولا استعاضة وهي الهبة والعطاء: (قال تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحله) آية رقم 4من سورة النساء.(4/296)
وهيبتي، وأخذ الحسين فقبله ووضعه على فخذه اليسرى، وقال: نحلته شجاعتي وجودي.
182 - قال محمد بن علي بن الحسين: ما ولد فينا أحد أشبه بعلي ابن أبي طالب من زيد.
183 - وعن زياد بن المنذر (1): كنت عند محمد بن علي وعنده زيد ابن علي، فقام زيد، فأتبعه بصره وقال: لقد أنجبت أمك يا زيد.
184 - وقع بين عبد الله بن الحسن وبين جعفر بن محمد كلام، فأغلظ له عبد الله، فقال له: أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟
وتلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مََا أَمَرَ اللََّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخََافُونَ سُوءَ الْحِسََابِ} (2).
185 - قال ابن عامر لامرأته أمامة بنت الحكم الخزاعية: إن ولدت غلاما فلك حكمك (3). فلما ولدت قالت: حكمي أن تطعم سبعة أيام كل يوم ألف خوان من فالوذج، وأن تعق (4) بألف شاة. ففعل.
186 - قال رجل لعمر رضي الله عنه: إن لي أما بلغ بها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا، إنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه بها وتتمنى فراقها.
187 - أتى ابن عباس رضي الله عنه إنسانين من ولد أبي لهب (5)
__________
(1) زياد بن المنذر: هو زياد بن المنذر الهمداني أبو الجارود الأعمى الكوفي له كتاب تفسير القرآن.
راجع ترجمته في اللباب 1: 203وميزان الإعتدال 2: 93والأعلام 3: 93.
(2) الآية 21من سورة الرعد.
(3) لك حكمك: أي لك أن تحكمي وعليّ أن أنفذ لك الحكم.
(4) عق: العقّة والعقيقة الشعر الذي يخرج على رأس المولود في بطن أمه. وعق عن ابنه يعق ويعق حلق عقيقته أو ذبح عنه شاة.
(5) أبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب المتقدمة ترجمته.(4/297)
ليصلح بينهما. فوجأ (1) أحدهما الآخر بخنجر، فقال ابن عباس: أما أنا فأشهد أنكما مما كسب.
188 - أراد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أن يتزوج ريطة بنت عبيد الله الحارثية (2) فمنعه الوليد بن عبد الملك. لما كانوا يرون من زوال الأمر عنهم على يد رجل من بني العباس يقال له ابن الحارثية. فلما قام عمر بن عبد العزيز وشكا ذلك إليه، فقال: تزوج بمن أحببت. فتزوجها وولدت له أبا العباس السفاح، وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس.
__________
(1) وجأ: الوجء اللكز يقال وجأه باليد والسكين ضربه.
(2) ريطة بنت عبيد الله الحارثية: هي ريطة بنت عبيد الله بن عبد المدان الحارثية.(4/298)
الباب التاسع والستون القصاص (1) وما ورد من حكاياتهم وملحهم والمتصوفة وما جاء في أكلهم وزفنهم (2) وصعقاتهم
1 - خباب بن الأرث (3): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا.
2 - روي أنّ كعبا (4) رضي الله عنه كان يقص، فلما سمع هذا الحديث ترك القصص.
3 - ابن عمر رضي الله عنه: لم يقص على عهد رسول الله، ولا على عهد أبي بكر، ولا على عهد عمر وعثمان، وإنما كان القصص حين كانت الفتنة.
__________
(1) القصاص: مفردها قصاص وهو الذي يقرأ القصص في مجتمعات الناس ليأخذ الجباية منهم.
(2) زفنهم: من زفن زفنا. رقص. دفع شديدا وضرب برجله كما يفعل الراقص.
(3) خباب بن ارث: هو خباب بن الأرث بن جندلة بن سعد بن خزيمة التميمي: أبو عبد الله الخزاعي سبي في الجاهلية وبيع بمكة. صحابي من السابقين نزل الكوفة ومات بها سنة 37هـ عن 73سنة ويقال أنه أول من دفن بظاهر الكوفة.
راجع ترجمته في الأعلام 2: 344وصفة الصفوة 1: 168وتهذيب التهذيب 3: 133.
(4) كعب: ربما كان كعب بن مالك الأنصاري المتقدمة ترجمته أو ربما كان كعب بن ماتع المعروف بكعب الأحبار المتقدمة ترجمته أيضا.(4/299)
4 - مر علي رضي الله عنه بقاص، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو يحيى. قال: أنت أبو اعرفوني أيها الناس (1).
5 - عن أبي قلابة (2): ما أمات العلم إلا القصاص، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئا، ويجلس إلى العالم فلا يقوم إلا وقد تعلق منه بشيء.
6 - نهى إبراهيم النخعي إبراهيم التيمي عن القصص، فقيل له:
رجع يقص، قال: لم؟ قيل لرؤيا رآها، قال: وما هي؟ قيل: رأى كأنه يقسم على جلسائه ريحانا، قال: ما أعلم الريحان إلا طيب الرائحة حسن المنظر، إلا أن طعمه مر، وكان يقول: ما أحد يبتغي بقصصه وجه الله إلا إبراهيم التيمي، ولوددت أنه يفلت منه كفافا (3).
7 - ابن المبارك: سألت الثوري من خير الناس؟ قال: العلماء، قلت: من الأشراف، قال: المتقون، قلت: من الملوك، قال: الزهاد.
قلت: من الغوغاء (4)، قال: القصاص الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام قلت: من السفلة، قال: الظلمة.
8 - سئل فضيل عن الجلوس إلى القاص، قال: ليس هذا لله، ليس هذا لله، هذا بدعة. ما كان على عهد رسول الله ولا عهد أبي بكر وعمر قاص. ولكن إذا كان الرجل يذكر الله ويخوف فلا بأس أن يجلس معه.
9 - معاوية بن قرة (5): لتاجر يجلب إلينا الطعام أحب إلي من قاصين.
__________
(1) اعرفوني أيها الناس: أي أنه بعمله هذا فإنه يطلب الشهرة.
(2) أبو قلابة: هو أبو قلابة الجرمي البصري المتقدمة ترجمته.
(3) الكفاف: من الرزق ما كفى عن الناس وأغنى.
(4) الغوغاء من غوغ الكثير المختلط من الناس. السفلة من الناس المتسرعون إلى الشر.
(5) معاوية بن قرة هو معاوية المزني المتقدمة ترجمته.(4/300)
10 - قدم سفيان الثوري البصرة، فنزل بمرحوم العطار (1)، فقال:
ألا أذهب بك إلى قاص تسمعه؟ فكأنه تكره، ثم مضى معه فإذا هو بصالح المري (2)، فقال: ليس هذا بقاص، هذا نذير (3).
11 - وهب رجل لقاص خاتما بلا فص، فقال: وهب الله لك في الجنة غرفة بلا سقف.
12 - مر عبد الأعلى القاص بقوم، وهو يتمايل سكرا، فقيل: هذا عبد الأعلى القاص سكران، فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح!.
13 - قيس بن جبر النهشلي (4): هذه الصعقة (5) التي عند القصاص من الشيطان.
14 - قيل لعائشة رضي الله عنها: إن قوما إذا سمعوا القرآن صعقوا، فقالت: القرآن أكرم من أن تنزف منه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله:
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله (6).
__________
(1) مرحوم العطار: هو أبو محمد مرحوم بن عبد العزيز بن مهران العطار الأموي البصري كان من العباد وثقات رواة الحديث ولد سنة 103هـ ومات سنة 187هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 85والبيان والتبيين 1: 369.
(2) صالح المري: هو صالح بن بشير المري المتقدمة ترجمته.
(3) هذا نذير: ورد هذا الخبر في البيان والتبيين على غير هذا السياق وقد استبدل سفيان الثوري بسفيان بن حبيب البصري بخطأ من المحقق.
راجع البيان والتبيين 1: 369وحلية الأولياء 6: 167.
(4) قيس بن جبر النهشلي: والنهشلي نسبة إلى بني نهشل قبيلة تميمية أبوهم نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ولم نقع لقيس هذا على ترجمة.
(5) الصعقة من صعق صعقا وصعقا غشي عليه وذهب عقله من صوت يسمعه كالهدّة الشديدة فهو صعق. والمصعوق هو المغشي عليه.
(6) الآية 23من سورة الزمر.(4/301)
15 - لقي عمر رضي الله عنه ناسا من أهل اليمن، فقال: ما أنتم؟
قالوا: متوكلون (1). قال: كذبتم، بل أنتم متأكلون، ألا أخبركم بالمتوكل: رجل ألقى حبه في بطن الأرض توكلا على الله.
16 - سئل أنس عن قوم يصعقون عند القراءة، فقال: ذلك فعل الخوارج.
17 - سئل ابن سيرين عمن يسمع القرآن فيصعق، فقال: ميعاد ما بيننا وبينكم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره، فإن صعقوا فهو كما قالوا.
18 - قال ابن السمّاك للمتصوفة: إن كان لباسكم هذا موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس على سرائركم، ولئن كان مخالفا لسرائركم لقد هلكتم.
19 - بعضهم: قلت لصوفي بعني جبتك. فقال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصيد؟.
20 - وروي أن قاصا أنشد: أمن ذكر خود دمع عينيك يسفح (2).
ولطم وجهه، وبكى بكاء شديدا. فسئل عن خود، فقال: واد في جهنم يا حمقى.
21 - بالصوفية يضرب المثل في الأكل، فيقال: آكل من الصوفية، لأنهم يدينون بكثرة الأكل، وعظم اللقم، وجودة الهضم، ويأكلون أكل الغنيمة.
22 - وسئل بعض العلماء عنهم فقال: أكلة رقصة، وقيل فيهم:
__________
(1) متوكلون: أتّكل في أمره على فلان أظهر العجز واعتمد على الغير.
(2) الخود بفتح الخاء: الفتاة الجميلة الحسنة الخلق ما لم تصر نصفا. وقيل الخود الجارية الناعمة والجمع خودات وخود بضم الخاء.(4/302)
شرذمة نذلة خسيسة ... همتها الرقص والهريسة
23 - ونقش بعضهم على خاتمه: أكلها دائم. ونقش آخر: آتنا غداءنا.
24 - ويقال: صوفية الدينور (1)، كما يقال: لصوص طوس (2)، وجرابزة مرو (3).
25 - وعظ عيسى عليه السّلام بني إسرائيل، فأقبلوا يمزقون الثياب، فقل:
ما ذنب الثياب؟ أقبلوا على القلوب فعاتبوها.
26 - المأمون: أمور الدنيا أربعة: إمارة، وتجارة، وصنعة، وزراعة. فمن لم يكن أحد أهلها كان كلا على الناس (4).
27 - قوام الدين والدنيا العلم والنسب، فمن رفضهما وقال: ابتغي الزهد لا العلم، والتوكل لا الكسب، وقع في الجهل والطمع.
28 - بعض القصاص: أول ما يدخل الجنة من البهائم الطنبور (5)، قيل: وكيف ويلك، قال: لأنه يضرب بطنه، ويعصر حلقه، ويعرك
__________
(1) دينور: مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين بينها وبين همدان عشرون فرسخا. ينسب إليها جماعة كثيرة من أهل العلم والأدب والحديث.
(2) طوس: طوس مدينة بخراسان فتحت في أيام عثمان بن عفان وبها قبر الإمام علي بن موسى الرضا وقبر هارون الرشيد وخرج منها من أئمة أهل العلم والفقه ما لا يحصى، منهم أبو حامد الغزالي.
(3) جرابزة مرو: جرابزة جمع جربز. على وزن قنفذ وهو الخب الخبيث من الرجال والكلمة من الدخيل معرب كربز. ويقال القربز أيضا ومصدره الجربزة.
(4) الكل: الضعيف الذي لا ولد له ولا والد. اليتيم. الثقيل الذي لا خير فيه.
(5) الطنبور: آله طرب ذات عنق طويل لها أوتار من نحاس. جمعه طنابير.(4/303)
أذنه. لا يجمع الله هذا على أحد.
29 - كان بمرو قاص يبكّي بمواعظه، فإذا طال مجلسه بالبكاء أخرج من كمه طنبورا وينقره، ويقول: مع هذا الغم الطويل نحتاج إلى فرح ساعة.(4/304)
الباب السبعون القضاء، وذكر القضاة، والشهود، والديون، والإيمان، والخصومات، وما يليق بذلك
1 - عبد الله بن عمر: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا قدست أمة لا يقضى فيها بالحق.
2 - عبد الرحمن بن حواز (1): عنه عليه السّلام: من حكم بين اثنين، تحاكما إليه وارتضياه، فلم يقض بينهما فعليه لعنة الله.
3 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: ليس أحد يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة مغلولة (2) يداه إلى عنقه، فكه العدل، وأسلمه الجور (3).
4 - أبو حازم (4): دخل عمر على أبي بكر رضوان الله عليهما فسلم
__________
(1) عبد الرحمن بن حواز: ربما كان عبد الرحمن بن حساس كما هو الأرجح وهي تابعي وقد أرسل حديثا في النهي عن القضاء.
راجع الإصابة 5: 150.
(2) مغلولة يداه: الغل جامعة توضع في العنق أو اليد والجمع أغلال ويقال في رقبته غل من حديد فهو مغلول. يقال به غل من العطش وفي رقبته غل من حديد وفي صدره غل.
(3) ورد هذا الحديث بصورة مختلفة فقد أخرجه ابن حنبل (2: 430) بغير هذه الصورة.
والجور نقيض العدل جار يجور جورا وجار عليه في الحكم حاد به عن العدل.
(4) أبو حازم: هو أبو حازم الأعرج سلمة بن دينار المتقدمة ترجمته.(4/305)
فلم يرد، فقال لعبد الرحمن بن عوف: أخاف أن يكون قد وجد عليّ خليفة رسول الله. فكلم عبد الرحمن أبا بكر، فقال: أتاني وبين يدي خصمان، قد فرغت لهما قلبي وسمعي وبصري، وعلمت أن الله سائلي عنهما وعما قالا وعما قلت.
5 - استعدى رجل عمر على علي، وعلي جالس، فالتفت عمر إليه فقال: يا أبا الحسن، قم فاجلس مع خصمك، فقام فجلس مع خصمه فتناظرا، وانصرف الرجل فرجع علي إلى مجلسه، فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيرا؟ أكرهت ما كان؟ قال:
نعم، قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي، فألا قلت لي يا علي قم فاجلس مع خصمك؟ فأخذ عمر برأس علي فقبل بين عينيه، ثم قال:
بأبي (1) أنتم! بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور.
6 - أبان بن عبد الحميد اللاحقي (2) في سوار بن عبد الله (3):
لا يقدح الظلمة في حكمه ... شيمته عدل وإنصافا (4)
يمضي إذا لم تلقه شبهة ... وفي اعتراض الشك وقاف (5)
__________
(1) بأبي أنتم: قسم معناه أنتم مفدّون بأبي.
(2) أبان بن عبد الحميد اللاحقي: هو أبان بن عبد الحميد اللاحقي الرقاشي المتقدمة ترجمته.
(3) سوار بن عبد الله: هو سوار بن عبد الله بن قدامة من بني العنبر بن عمرو بن تميم العنبري البصري كان فقيها ولاه المنصور قضاء البصرة سنة 138هـ وبقي على القضاء إلى أن مات سنة 157هـ له أخبار مشهورة في العدل والورع.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 269وطبقات ابن سعد 7/ 2: 24.
(4) قدح يقدح قدحا بالزند: أراد إشعال النار. وقدح الشيء في صدره أثّر واقتدح الأمر دبر ولا يقدح الظلمة في حكمه أي أنه عادل لا يعمل على تغيير الحقائق بالتأثير عليها.
(5) الشّبهة: الإلتباس وأمور مشتبهة مشكلة يشبه بعضها بعضا. وشبّه عليه خلط عليه الأمر حتى اشتبه بغيره وفيه مشابهة من فلان أي اشتباه.(4/306)
7 - دعا الحسن بن زيد بن الحسن (1) حين ولاه المنصور المدينة إسحاق بن إبراهيم بن طلحة (2)، وكان من سروات (3) قريش، إلى القضاء، فأبى فسجنه، فجاء بنو طلحة فاستجنوا معه (4). فبلغ ذلك الحسن بن زيد فجاء به وقال: إنك تلاججت (5) عليّ، وقد حلفت أن لا أرسلك حتى تعمل لي فأبرر يميني. فأرسل معه الجند حتى جلس في مجلس القضاء، والجند على رأسه. فقال داود بن مسلم (6):
طلبوا الفقه والمروءة والفضل ... وفيك اجتمعن يا إسحاق
فقال: ادفعوه، فدفعوه. وقام من المجلس، وأعفاه الحسن. فلما صار إلى منزله قال لداود: ما حملك على أن مدحتني بما كرهت؟ وأعطاه خمسين دينارا.
8 - لما وقعت فتنة ابن الزبير اعتزل شريح القضاء، وقال: لا أقضي
__________
(1) الحسن بن زيد بن الحسن: وهو الحسن بن زيد بن حسن كان عابدا ولاه المنصور المدينة سنة 150هـ ثم تغيّر عليه فحبسه حتى مات المنصور فأخرجه المهدي وردّ عليه كل شيء مات بالحاج بطريق مكة سنة 168هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري وابن الأثير.
(2) إسحاق بن إبراهيم بن طلحة: هو إسحاق بن إبراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد الله التميمي.
راجع الأغاني 6: 12. وقد أورد الزمخشري حكايته مختصرة جدا هنا.
(3) كان من سروات قريش: السرو: المروءة والشرف وقيل السرو سخاء في مروءة ومعنى السري أيضا الرفيع.
(4) استجن: من سجن يسجن سجنا وليس استجانا وقد وردت في الأغاني (فانسجنوا معه).
(5) تلاججت: لج في الأمر تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه. والملاجّة التمادي في الخصومة.
(6) داود بن مسلم: هو داود بن مسلم أبوه رجل النبط شاعر مخضرم كان من اقبح الناس وجها مات في العقد الأول من قيام الدولة العباسية.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 8وإرشاد الأريب 4: 191والأغاني 6: 10.(4/307)
فبقي لا يقضي تسع سنين. ولما انصرف يوما من مجلس قضائه، فاعترضه رجل فقال له: أما حان لك أن تخاف الله؟ كبرت سنك، وفسد ذهنك، فصارت الأمور تجوز (1) عليك. فقال: والله، لا يقولها أحد بعدك. فلزم بيته حتى مات.
9 - كان ببغداد رجل اسمه رويم (2)، فولي القضاء، فلقيه جنيد فقال: من أراد أن يستودع سره من لا يفشيه فعليه برويم. فانه كتم حب الدنيا أربعين سنة حتى قدر عليها.
10 - استقصى ابن هبيرة عتبة بن النهاس على الكوفة، فقال: لا والله الذي لا إله غيره ما أقوى على ذلك، ولا أرضى فقهي ولا علمي له، فلئن كنت فيما قلت صادقا ما ينبغي لك أن توليني، وإن كنت كاذبا ما يسعك (3) أن تستعين بكاذب. فقال ابن هبيرة: لو تكلم بهذا الكلام أعرابي من البادية لوليناه. فامض إلى عملك.
11 - الأشهب الكوفي (4):
يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم ... مذ قام قاضيكم نوح بن درّاج (5)
__________
(1) صارت الأمور تجوز عليك: يسهل عليك تصديقها فلا تتحقق منها تمر عليك سهولة.
(2) رويم: هو رويم بن أحمد (وقيل ابن محمد) بن يزيد بن رويم من بني شيبان ومن أهل بغداد كان أحد أئمة زمانه وجلة مشايخهم كان فقيها وعالما بالقراءات مات ببغداد سنة 303هـ.
راجع ترجمته في طبقات الصوفية ص 180وحلية الأولياء 10: 296وصفة الصفوة: 2: 249.
(3) ليس في وسعك: أي ليس في مقدورك والتوسيع خلاف التضييق يقال لا يسعني شيء ويضيق عنك أي وأن يضيق عنك.
(4) الأشهب الكوفي: لم نقع له على ترجمة.
(5) قامت قيامتكم: أي أقتربت قيامتكم لتحاسبوا كلكم سوية.
نوح بن دراج: هو نوح بن دراج أبو محمد الكوفي كان أبوه حائكا من النبط. أخذ نوح هذا الفقه عن أبي حنيفة وولي قضاء الكوفة ثم قضاء الشرقية ببغداد كان يقضي وهو أعمى دون أن يخبر الناس أنه أعمى. مات سنة 282هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 482وميزان الإعتدال 4: 276.
لو كان حيا له الحجاج ما سلمت ... صحيحة يده من وشم حجّاج (1)
وكان الحجاج يشم أيدي النبط (2) بعلامة يعرفون بها.(4/308)
__________
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 482وميزان الإعتدال 4: 276.
لو كان حيا له الحجاج ما سلمت ... صحيحة يده من وشم حجّاج (1)
وكان الحجاج يشم أيدي النبط (2) بعلامة يعرفون بها.
12 - ابن مسعود: ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم. ثم يرفع رأسه، فإن قال الله: ألقاه في مهواة أربعين خريفا.
13 - مسروق: لأن أحكم يوما بحق أحب إليّ من أن أغزو سنة في سبيل الله.
14 - الحسن: إني لأرجو لقضاة المسلمين خيرا، ما لم يمالئوا (3)، أو يحابوا (4)، أو يرتشوا (5)، إذا أدوا الحق.
15 - ذكر لعباد بن العوام (6) قاض بالعفاف والصلاح، فقال: من ظن
(1) الوشم من وشم اليد وشما غرزها بإبرة ثم ذرّ عليها النؤور وهو النيلج أو كما يعرف بدخان الشحم.
(2) النبط: جماعة من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ويقال لهم النبيط والأنباط وقيل أنهم سموا نبطا لاستنباطهم ما يخرج من الأرض.
راجع تاج العروس ولسان العرب (مادة نبط).
(3) يمالئوا: يقال مالأته على الأمر ممالأة ساعدته عليه وشايعته وتمالئوا عليه اجتمعوا والممالئون هنا المراؤون.
(4) يحابوا: يقال حابيته محاباة والحباء العطاء. حاباه نصره! إختصه دون سواه صانعه وجامله. ويقال حاباه مال إليه، وهنا الانحراف عن العدل.
(5) يرتشون من رشا يرشو. رشاه حاباه وارتش منه رشوة إذا أخذها والرشوة هي الوصول إلى الحاجة بالمصانعة والعطاء الذي يعين على الباطل. والمرتشي الآخذ.
(6) عباد بن العوام: هو عباد بن العوام بن عمر بن عبد الله بن المنذر بن مصعب بن جندل الكلابي ولد سنة 118هـ بواسط كان يتشيع فحبسه هارون الرشيد زمنا ثم أفرج عنه كان من ثقات رجال الحديث. توفي سنة 185وفي تاريخ وفاته خلاف.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 73وتهذيب التهذيب 5: 99.(4/309)
أنه يلي لهؤلاء شيئا فيخلون (1) بينه وبين العدل فبئس ما يظن.
16 - حفص بن غياث (2): مررت بعليان (3) فسمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وخزي الآخرة فليتمنّ ما هذا فيه. فو الله لتمنيت أني مت قبل أن إلي (4) القضاء.
17 - القضاة المضروب بهم المثل في الجهل وتحريف الأحكام منهم: قاضي منى (5)، وقاضي جبّل (6)، هي مدينة من طسوج كسكر، كان أيام المأمون. وقاضي إيذج (7).
18 - قال فيه أبو إسحاق الصابي:
يا رب علج أعلج ... مثل البعير الأهوج (8)
__________
(1) يخلون بينه وبين العدل: خلّى الأمر وتخلّى منه وعنه وخالاه: تركه وخالى فلانا تركه وأعرض عنه.
(2) حفص بن غياث: هو حفص بن غياث النخعي الكوفي المتقدمة ترجمته.
(3) مررت بعليان: هو عليان بن أبي مالك الممرور من أهل البصرة كانت العلماء تستنطقه لتسمع كلامه وجوابه. وكان راوية للشعر بصيرا بجيّده.
راجع العقد الفريد لابن عبد ربه وعقلاء المجانين لابن الجوزي والمستطرف للأبشيهي.
(4) إلي القضاء: من ولي يلي ولاية والولاية على وزن إمارة وهي اسم لما توليته وقمت به.
(5) قاضي منى: لعلها منى بالكسر بلدة صغيرة على مسافة من مكة ينزلها الحجاج وترمى فيها الجمار وينحرون فيها. وسميت منى لما يمنى بها من الدماء أي يراق ولم يتبيّن لنا من هو قاضي منى هذا.
(6) قاضي جبّل: جبل بفتح الجيم وتشديد اللام وضمها بلدة صغيرة قريبة من النعمانية يضرب بقاضيها المثل وله حكاية مع المأمون.
راجع معجم البلدان 3: 51.
(7) قاضي إيذج: إيذج بالذال المعجمة المفتوحة بلدة بين خوزستان وأصبهان وقنطرتها إحدى عجائب الدنيا لأنها مبنية بالصخر على واد يابس بعيد القعر. وبها بيت نار قديم كان يوقد إلى أيام الرشيد.
راجع معجم البلدان 1: 385ولم يتضح لنا من هو قاضي إيذج هذا.
(8) العلج: الرجل الشديد الغليظ وقيل هو كل ذي لحية. واستعلج الرجل خرجت لحيته وغلظ والعلج كما هو مفهوم الرجل من كفار العجم.
أعلج: العنيد الأشد قتالا ونطاحا.
رأيته مطلعا ... من خلف باب مرتج (1)
وخلفه دنية ... تذهب طورا وتجي (2)
فقلت قاضي إيذج ... فقال قاضي إيذج
19 - وقاضي شلنبة (3)، قال فيه أبو الحسن الجوهري (4):(4/310)
__________
أعلج: العنيد الأشد قتالا ونطاحا.
رأيته مطلعا ... من خلف باب مرتج (1)
وخلفه دنية ... تذهب طورا وتجي (2)
فقلت قاضي إيذج ... فقال قاضي إيذج
19 - وقاضي شلنبة (3)، قال فيه أبو الحسن الجوهري (4):
رأيت رأسا كدبّة ... ولحية كالمذبة (5)
فقلت من أنت قل لي ... فقال قاضي شلنبّة
20 - محمد بن أبي الشوارب (6) قاضي الكوفة: ما رأيت أحسن وجها من المعتز، ولا أبلغ خطابا، قال لي لما قضاني: يا محمد، قد وليتك
(1) مرتج: المرتج من رتجه وأرتجه أي أوثق إغلاقه. يقال لأنف الباب الرتاج وأرتج على القارىء إذا لم يقدر على القراءة كأنه أطبق عليه كما يرتج الباب.
(2) دنيّة: الدنيّة قلنسوة القاضي شبهت بالدن وهو الراقود وهو أطول من الحب أو أصغر له عسعس لا يقعد إلا أن يحفر له.
(3) قاضي شلنبة: شلمبة وشليمة بلدة من ناحية دنباوند قريبة من ديمة وهي باردة جدا يضرب أهل جرجان وطبرستان بقاضيها المثل في اضطراب الخلقة.
راجع معجم البلدان 5: 281.
(4) أبو الحسن الجوهري: هو أبو الحسن علي بن أحمد الجوهري من أهل جرجان كان من صنائع الصاحب بن عباد وندمائه وشعرائه. وكان الصاحب معجبا به وشعره حسن توفي في جرجان.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 4: 27. له قصيدة طريفة في وصف الفيل. اليتمة (3:
234).
(5) المذبّة: الذب: الدفع والمنع والذب الطرد. والمذبة هنة تسوى من هلب الفرس يذب بها الذباب.
(6) محمد بن أبي الشوارب: هو محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب يصل بنسبة إلى أميّة القرشي الأموي. كان شيخا جليلا صدوقا. ولاه المعتز العباسي قضاء الكوفة. مات بالبصرة سنة 244هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 316وابن الأثير 7: 86.(4/311)
القضاء، وإنما هي الدماء والفروج والأموال ينفذ فيها أمرك، ولا يرد حكمك، فاتق الله وانظر ما أنت صانع. فما قرع (1) قلبي كلام مثله.
21 - كان سبب خروج أبي قلابة (2) من البصرة إلى الشام أنه طلب للقضاء، فقال له أيوب (3): لو أنك وليت القضاء وعدلت فيه رجوت لك أجرا. فقال: يا أيوب، إذا وقع السابح في البحر كم عسى أن يسبح؟
22 - وعن أبي حنيفة رحمه الله: القاضي كالغريق في البحر الأخضر، إلى متى يسبح وإن كان سابحا؟.
23 - أراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة على القضاء فأبى، فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليسجننه، ففعل حتى انتفج (4) وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب. فقال: الضرب في الدنيا بالسياط أهون عليّ من مقامع الحديد في الآخرة.
24 - وعن ابن عون (5): ضرب أبو حنيفة مرتين على القضاء، ضربه ابن هبيرة، وضربه أبو جعفر، وأحضر بين يديه فدعا له بسويق (6) وأكرهه على شربه، ثم قام، فقال: إلى أين؟ قال: إلي حيث بعثتني، فمضى به إلى السجن، فمات فيه.
25 - عبد الله بن شبرمة لما ولي القضاء قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس هذا المجلس لأني أحبه وأشتهيه، فاكفني شر عواقبه.
__________
(1) قرع قلبي: بمعنى ضربه. والقراع والمقارعة مضاربة القوم في الحرب وقد تقارعوا وقريعك الذي يقارعك.
(2) أبو قلابة: هو أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد المتقدمة ترجمته.
(3) أيوب: هو أيوب بن أبي تميمة السختياني المتقدمة ترجمته.
(4) انتفج: انتفج: علا وارتفع يريد أنه وجهه قد ورم من شدة الضرب.
(5) ابن عون: هو عبد الله بن عون المزني المتقدمة ترجمته.
(6) السويق: معروف ما يتخذ من الحنطة والشعير والسويق هنا الخمر.(4/312)
26 - أراد يوسف بن عمر منصور بن المعتمر (1) على القضاء فأبى، فجيء بالقيد ليقيّد، وأحضر خصمان فقعدا بين يديه، فما التفت إليهما، فقيل له: إنك لو بترته لم يل لك القضاء. فتركه.
27 - عبد الملك بن عمير عن رجل من أهل اليمن: أقبل سيل باليمن في ولاية أبي بكر فأبرز (2) عن باب مغلق، فظنناه كنزا، فكتبنا إلى أبي بكر، فكتب، لا تحركوه حتى يقدم عليكم أمنائي. ففتح إذا برجل علي سرير، عليه سبعون حلة مسنوجة بالذهب، وفي يده اليمنى لوح، فيه مكتوب:
إذا خان الأمير وكاتباه ... وقاضي الأرض داهن في القضاء (3)
فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء
وإذا عند رأسه سيف أشد خضرة من البقلة، مكتوب فيه: هذا سيف هود بن عاد بن أرم (4).
28 - سليمان بن حرب (5): لم يبق أمر من أمر السماء إلا الحديث
__________
(1) منصور بن المعتمر: هو منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي الكوفي من ثقات رواة الحديث. قيل إنه كان أثبت أهل الكوفة كان صالحا متعبدا. صام ستين سنة وقامها.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 343وحلية الأولياء والبيان والتبيين 1: 299.
(2) أبرز عن باب مغلق بمعنى كشف عن باب مغلق.
(3) داهن: من داهن يداهن مداهنة وإدهانا والمداهنة المصانعة واللين وقيل المداهنة إظهار خلاف ما يبطن وما يضمر والمداهنة هنا بمعنى الغش.
(4) هود بن عاد بن أرم: في كتب الإنساب عاد هو ابن عوض بن أرم بن سام بن نوح.
(5) سليمان بن حرب: هو أبو أيوب سليمان بن حرب بن بجيل الأزدي الواشحي البصري وواشح من الأزد ولد سنة 140هـ وكان من ثقات رجال الحديث. ولاه المأمون قضاء مكة سنة 214هـ مات بالبصرة سنة 224هـ.
راجع ترجمته في: الأعلام 3: 183تاريخ بغداد 9: 33وطبقات ابن سعد 7/ 2: 52.(4/313)
والقضاء، وقد فسدا جميعا.
القضاة يرشون حتى يولوا، والمحدثون يأخذون على حديث رسول الله الدّراهم.
29 - قال رجل لسليمان الشاذكوني (1): أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصفهان. فقال: إن كان لا بد فعلي خراجها (2)، فإن أخذ أموال الأغنياء أسهل من أخذ أموال الأيتام.
30 - تقدم رجلان إلى قاض، فتكلم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلم، فقال: أيها القاضي، تقضي على غائب؟ قال: كيف؟ قال: أنا غائب إذا لم أترك أتكلم.
31 - بنى ابن أسد (3) قصرا بالبصرة، وكانت في جانب منه حجرة صغيرة لعجوز تساوي عشرين دينارا، فاحتاج إليها فطلبها بمائتي دينار فأبت، فقيل لها: إن القاضي يحجر عليك لسفاهتك، لأنك ضيعت مائتين فيما قيمته عشرون، فقالت: ولم لا يحجر (4) على من يشتري بمائتين ما يساوي عشرين فحجت فاشتريت منها بثلاثمائة دينار.
__________
(1) سليمان الشاذكوني: هو أبو أيوب سليمان بن داود السعدي البصري المعروف بالشاذكوني كان حافظا مكثرا قدم بغداد سنة 180هـ وجالس الحفاظ بها وذاكرهم ثم خرج إلى أصبهان فسكنها وانتشر حديثه فيها وفيها توفي سنة 234هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 2: 205وطبقات ابن سعد 7/ 592وتاريخ بغداد 9: 40.
(2) خراجهم: الخرج والخراج: شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم وقيل: الخراج هو الأتاوة تؤخذ من أموال الناس وتؤدى إلى الولاة.
(3) ربما كان خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري أمير العراقيين نسبته إلى جده لأبيه وقد تقدمت ترجمته.
(4) لم لا يحجر: الحجر بالسكين مصدر: من حجر عليه القاضي يحجر حجرا منعه من التصرف في ماله.(4/314)
32 - قائد بن الحبيب الأسدي (1) في الزهري (2):
ومهمة أعيا القضاة قضاؤها ... تدع الفقيه يشك شك الجاهل
بدع معنّية هديت لرتقها (3) ... وضربت محردها بحكم فاصل (4)
فنعشت قومك والذين تذمموا ... بك غير مختشع ولا متضائل (5)
33 - شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح (6) فيه نخل، فسألهم عن عدد النخل فلم يعرفوا، فردهم. فقال رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فكم فيه من اسطوانة. فأجازهم (7).
34 - شهد معلم عند سوار، فرد شهادته، وقال: إنك تأخذ على تعليم القرآن أجرة، فقال: وإنك تأخذ على القضاء رزقا، قال: أنا أكرهت على القضاء.
__________
(1) قائد بن الحبيب الأسدي: هو قائد بن حبيب بن الكميت الأسدي من الشعراء ذكره المرزباني في معجمه ص 316وقال كوفي إسلامي معروف وذكر له شعرا في مدح محمد بن شهاب الزهري.
(2) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري المتقدمة ترجمته.
(3) هديت لرتقها: الرتق ضد الفتق وهو إلحام الفتق وإصلاحه رتقه يرتقه رتقا فارتتق أي التحم.
(4) محردها: المحرد المقطع يقال حردت من سنام البعير حردا إذا قطعت منه قطعة.
أراد أنك عجلت الفتوى ولم تتأنّ في الجواب فشبهه برجل نزل في ضيق فعجل قراه بما قطع له من كبد الذبيحة ولحمها ولم يحبسه عن الحنيذ والشواء.
(5) تذمموا به: أي نالهم بك أذى وهوان.
واختشع: من خشع يخشع خشوعا واختشاعا والتخشع تكلف الخشوع والخاشع من الأرض الذي تثيره الرياح لسهولته.
(6) على قراح: القراح من الأرضين كل قطعة على حيالها من منابت النخل وغير ذلك والجمع أقرحة. وقيل القراح الأرض المخلصة لزرع أو لغرس وقيل القراح المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر.
(7) أجازهم: أي أعطاهم والجائزة العطيّة وأصل الجائزة ان يعطي الرجل ماء ويجيزه ليذهب لوجهه فيقول الرجل إذا ورد ماء لقيم الماء أجزني ماء أي أعطني حتى أذهب لوجهي وأجوز عنك ثم كثر هذا حتى سموا العطيّة جائزة.(4/315)
قال: فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم (1) شهادتك.
35 - أعرابي: لو كان رأسه في الحرباء لأخذت رزقي منه.
36 - تقدمت امرأة إلى قاض، فقال: جامعك شهودك؟ فسكتت، فقال كاتبه: أن القاضي يقول: جاء شهودك معك؟ قالت: نعم، ثم قالت: ألا قلت كما قال كاتبك؟ كبرت سنك، ونقص عقلك، وعظمت لحيتك حتى غطت على لبك (2)، ما رأيت ميتا يقضي في الأحياء غيرك!.
37 - كان شريح إذا جلس للقضاء بدأ بهذه الكلمات: سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب، وإن المظلوم ينتظر النصر.
38 [شاعر]:
أبكي وأندب ملّة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكّام
إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأرتك بعض حوادث الأيام (3)
39 - علي رضي الله عنه في معنى الحكمين: فأجمع رأي ملئكم (4)
على أن اختاروا رجلين، فأخذنا أن يجعجعا عند القرآن (5)، ولا يجاوزاه وتكون ألسنتهما معه، وقلوبهما تبعه. فتاها عنه (6)، وتركا الحق وهما يبصرانه.
__________
(1) هلمّ: بمعنى أقبل وهذه الكلمة مركبة من هاء التنبيه ومن لمّ ولكنها قد استعملت استعمال الكلمة المفردة البسيطة وهي تستعمل للواحد والأثنين والجماعة.
(2) غطت على لبك: لب كل شيء نفسه وحقيقته واللب العقل وجمعه ألباب.
ويقال رجل لبيب إذا كان ذا عقل راجح وفطنة.
(3) وأراك بعض حوادث الأيام أي أنك أصبحت علينا مصيبة كمصائب الدهر الكثيرة التي أنزلها بنا.
(4) ملئكم: الملأ الجماعة من الناس.
(5) يجعجعا من جعجع البعير إذا برك ولزم الجعجاع أي الأرض.
(6) قلوبكما تبعه: التبع محركة وهو اللاحق المتأثر بغيره يتبعه ويميل معه.
وتاها: بمعنى ضلا وانحرفا عنه.(4/316)
40 - احتكم رجلان عند شريح، وأقر أحدهما في خلال كلامه بشيء توجه به الحكم عليه، فحكم عليه شريح، فقال الرجل: أصلحك الله، تحكم عليّ بغير شهود؟ فقال: قد شهد عليك أبو أخت خالتك.
41 - تقدم رجلان إلى بلال (1)، فأطالا السكوت. فقال: لعلكما على حاجة فأقوم عنكما.
42 - ابن عمر: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الطير لتلقي ما في أجوافها من هول يوم القيامة وما عليها من حساب، وإن شاهد الزور يؤتى به يوم القيامة فما يتكلم بشيء حتى يقذف به في النار.
43 - وفي حديث جابر: إن الطير لتضرب بمناقيرها، وتقذف ما في حواصلها (2)، وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة.
44 - كان شيخ من العدول (3) يشهد بالشيء اليسير، فأعطاه رجل درهما ليشهد له، فقال: والله ما ضربت فيها المشط بأقل من درهم قط، ولكني أسامحك إكراما لك.
45 - المبرد: من طرائف الأحكام إن عبيد الله بن الحسن (4) قاضي البصرة وأميرها، رفعت إليه وصية لرجل بما أمر أن يتخذ به حصون (5)،
__________
(1) بلال: لعله بلال بن أبي بردة وقد تولى قضاء البصرة المتقدمة ترجمته.
(2) الحوصلة والحوصل والحوصلاء من الطائر بمنزلة المعدة من الإنسان وهي المصارين لذي الظلف والخف وقد حوصل أي ملأ معدته.
(3) العدول: العدول جمع عدل وهو المرضي الشهادة.
(4) عبيد الله بن الحسن: هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري البصري ولد سنة 100هـ وقيل 150وقيل 106هـ كان من سادات أهل البصرة فقها وعلما. كان من ثقات رجال الحديث توفي سنة 168هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 120وتاريخ بغداد 10: 306وتهذيب التهذيب 7: 7.
(5) الحصون: السلاح كما جاء في أساس البلاغة ولكن عبيد الله فسر الحصون بالسلاح. معتمدا على قول الشاعر:
ولقد علمت على توقي الردى ... أن الحصون الخيل لا مدر القرى
راجع الحيوان للجاحظ 1: 354.(4/317)
فقال: اشتروا به خيلا للسبيل.
أما سمعتم قول الجعفي (1):
ولقد علمت على تجنبي الردى ... أن الحصون الخيل لا مدر القرى
46 [شاعر]:
إن القضاة موازين البلاد وقد ... أعيا علينا بجور الحكم قاضينا (2)
قرضابة طرفاه الدهر في تعب ... ضرس يدق وفرج يفسد الأبنا (3)
47 - استعدى (4) رجل على امرأة حسناء، فجعل القاضي يميل بالحكم إليها. فقال الرجل: أصلحك الله، حجتي أوضح من هذا النهار، فقال: اسكت يا عدو الله، فإن الشمس أوضح من النهار، قم فلا حق لك عليها. فقالت: جزاك الله عن ضعفي خيرا، فقال: ولكن لا جزاك الله عن قوتي خيرا، فقد أوهنتها (5).
__________
(1) الجعفي: هو مرثد بن أبي حمران ينتهي بنسبه إلى سعد بن مالك الجعفي لقب بالأسعر لقوله:
فلا يدعني قومي لسعد بن مالك ... إذا أنا لم أسعر عليهم وأثقب
كان فارسا مشهورا ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص 47.
والأسعد لقب مرثد ابن أبي حمران الجعفي الشاعر.
(2) أعيا: أعيا بمعنى كلّ. وداء عياء لا يبرأ منه فهو بمعنى برّح والداء العياء الذي لا دواء له.
(3) القرضاب: بالكسر النهم في أكله واللص والتاء هنا للمبالغة.
الأبن: جمع أبنة وهي في الأصل العقدة في العصا ثم أريد بها العيب مطلقا وكنّى بها هنا عن الأست كأنه يرميه باللواط.
(4) استعدى: يقال استعدى الرجل أي استعان به واستنصره.
(5) وهن: الوهن الضعف في العمل والأمر وقد وهن ووهن بالكسر أي ضعف.(4/318)
48 - علي رضي الله عنه: إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه (1) فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف (2) بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، ورجل قمش جهلا (3)، موضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة (4)، عم بما في عقد الهدنة (5). قد سماه أشباه الناس عالما وليس به، بكر استكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر (6)، حتى ارتوى من آجن (7)، واكتنز من غير طائل (8). جليس الناس قاضيا (9)، ضامنا لتخليص ما التبس على غيره (10). فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع (11) به. فهو في لبس الشبهات في مثل بيت
__________
(1) وكله الله إلى نفسه: تركه ونفسه وهذا يعني أنه ذهب خلف هواه فيما يعتقد لا يرجع إلى حقيقة من الدين ولا يهتدي بدليل من الكتاب فهو حائد عن قصد السبيل وعادل عن جادته.
(2) المشغوف بشيء: المولع به وكلام البدعة كلام ابتدعته الأهواء والميول.
(3) رجلا قمش جهلا من قمش يقمش قمشا والقمش جمع الشيء من ههنا وههنا وهو ما كان على الأرض من فتات الأشياء حتى يقال لرذالة الناس.
(4) أغباش الفتنة: الغبش: شدة الظلمة وقيل هو بقية الليل وقيل ظلمة آخر الليل وقيل هو ما يلي الصبح وقيل هو حين يصبح والجمع من ذلك أغباش. يقال ليل أغبش أي مظلم. وغبشني خدعني وغبشه عن حاجته خدعه عنها.
(5) عم: وصف من العمى أي جاهل بما أودعه الله في الكون. والهدنة إمهال الله له في العقوبة وأملاؤه في أخذه.
(6) بكر: بادر إلى المجمع كالجاد في عمله يبكر إليه من أول النهار.
استكثر: أي احتاز كثيرا والمعنى قلته خير من كثرته.
(7) الماء الآجن: هو الماء الفاسد المتغير الطعم واللون شبّه به تلك المجهولات التي ظنها معلومات.
(8) أكتنز من غير طائل: أي حسب ما جمعه كنزا وهو غير طائل أي خسيس.
(9) وردت في نهج البلاغة على غير هذه الصورة فهي: جلس بين الناس قاضيا.
(10) التبس على غيره: أي اختلط عليه واشتبه.
(11) قطع به: أي اعتقده صوابا وأصدر حكمه على أساس أي غير متثبت ولا متمحص والمبهمات هي المشكلات لأنها أبهمت عن البيان والحشو الزائد الذي لا فائدة فيه.(4/319)
العنكبوت (1) لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. خباط جهالات، ركاب عشوات (2)، لم يعض على العلم بضرس قاطع (3)، يذري الروايات اذراء الريح الهشيم (4). تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله تعالى (5).
49 - ادعى رجل عند المطلب بن عبد العزيز الحنظلي (6) وقال:
يشهد لي والله زنقطة الحذاء (7). فلما ولى ليحضره قال القاضي لأصحابه:
ما شهادته له إلا كشهادته عليه. فلما دخل زنقطة قال: فداك أبي وأمي!
__________
(1) فهو في لبس الشبهات: معناه أن الجاهل بشيء ليس على حقيقة منه ولا بيّنة، فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه وإذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته فهو في ضعف حكمه في مثل نسيج العنكبوت ضعفا.
(2) خباط جهالات: خباط صيغة مبالغة من خبط الليل إذا سار فيه على غير هدى ومنه عبارة خبط عشواء وشبه الجهالات بالكلمات التي يخبط فيها السائر وأشار إلى التشبيه بالخبط.
العاشي: الأعمى: الضعيف البصر أو الخابط في الظلام لا يبصر فيه فيكون كالتأكيد لما قبله.
العشوات جمع عشوة وهي ركوب الأمر على غير هدى.
(3) العاض بضرس قاطع: هو الذي لا يأخذ العلم اختبارا بل يتناوله كما شاء ودون خبرة. ولا معرفة بل كما سوّل له الوهم.
(4) الهشيم: هو ما يبس من النبت وتفتت.
أذرته الرياح أذراء أي أطارته ففرقته والمعنى أن هذا الجاهل يفعل بالروايات ما تفعله الريح بالهشيم.
(5) العجّ: هو رفع الصوت وصراخ الدماء. وعج المواريث معناه حدّة الظلم وشدة الجور.
(6) المطلب بن عبد العزيز الحنظلي: لم نقع له فيما بين أيدينا من مصادر على ترجمة وحنظلي نسبة إلى بني حنظلة وهم أكرم قبيلة في تميم ويقال لهم حنظلة الأكرمون وأبوهم حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم.
(7) زنقطة الحذاء: لم نقع له على ترجمة ولم نعرف من هو زنقطة هذا بغير هذا الموضع.(4/320)
أحسن والله من يقول:
من الحنظليين الذين وجوههم ... دنانير مما شيف في أرض قيصرا (1)
فقال: كيّس ورب الكعبة، وأجاز شهادته.
50 - تقدمت جميلة إلى الشعبي فسألها البينة (2). فقيل لها: ما صنعت؟ فقالت: سألني البينة، ومن سئل البينة فقد فلج. فقال هذيل الأشجعي:
فتن الشعبي لما ... رفع الطرف إليها
فتنته ببنسان ... كيف لورا معصميها (3)
ومشت مشيا رويدا ... ثم هزت منكبيها
فقضى جورا على الخصم ... ولم يقض عليها
بنت عيسى بن حراد ... دفع الملك إليها
فتناشدها الناس وتداولوها حتى بلغت الشعبي، فضرب الأشجعي ثلاثين سوطا.
51 - حكى ابن أبي ليلى (4) قال: انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء ونحن معه، فمر بالخادم تغسل الثياب وتقول: فتن الشعبي لما، فتن الشعبي لما، ولا تجيز البيت، فلقنها وقال: رفع الطرف إليها. ثم قال: أبعده الله، أما إنا ما قضينا إلا بحق.
52 - قال رجل لآخر: علمني الخصومة. قال: أنكر ما عليك،
__________
(1) شيف: من شوف يشوف شوفا: بمعنى جلاه ودينار مشوف أي مجلو.
(2) سألها البيّنة: أي طلب منها الدليل والحجة من البيان وهو إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو هنا الكشف والظهور بما أقوم فيحجتها على الخصم.
(3) كيف لو را: أي كيف لو رأى وقد خفف لضرورة الشعر.
(4) ابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة المعروف المتقدمة ترجمته.(4/321)
وادع ما ليس لك، واستشهد الموتى، وأخر اليمين حتى تنظر فيها.
53 - حكيم: الدين مجمع كل بؤس، هم بالليل، وذل بالنهار، وهو ساجور (1) الله تعالى في أرضه، فإذا أراد أن يذل عبدا جعله طوقا في عنقه.
54 [شاعر]:
لقد كان القريض سمير صدري ... فآلهتني القروض عن القريض (2)
55 - استقرض الأصمعي خليل له، فقال: نعم وكرامة. ولكن سكّن قلبي برهن يساوي ضعف ما تطلبه، فقال: يا أبا سعيد، ما تثق بي قال:
بلى، وهذا خليل الله قد كان واثقا به وقد قال: ليطمئن قلبي (3)، 56باع رجل من أعرابي شيئا بنسيئة وقعد يحسب ربحه، فقال الأعرابي:
يلوي بنان الكف يحسب ربحه ... ولا يحسب المطل الذي أنا ماطله
ومن دون ما يرجو عناء مبرّح ... أواخره ما تنقضي وأوائله (4)
57 - لقمان: لا تستلفن من مسكين استغنى.
58 - علي رضي الله عنه: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها ظلم ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم (5).
__________
(1) ساجور: الساجور القلادة أو الخشبة التي توضع في عنق الكلب.
(2) القروض والقريض: لقد روى الشاعر هنا بين القروض التي هي جمع قرض أو قرض وهو ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه وهو السلفة وبين القريض الذي هو قول الشعر.
(3) الآية 260من سورة البقرة. وتمام الآية هو: {قََالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
(4) عناء مبّرح: يقال برّح بنا فلان تبريحا وأبرح فهو مبرّح بنا آذانا بإلحاح والاسم البرح والتبريح والبرح الشر والعذاب الشديد وبرّح بع عذّبه. والتباريح الشدائد وتباريح الشوق توهّجه. والبرح معناه الشدة.
(5) ورد هذا النص في نهج البلاغة 4: 72.(4/322)
59 - أحمد بن سريج (1) سمعت الشافعي رحمة الله تعالى عليه يقول: إذا كان لرجل على رجل دراهم، فأعطاه درهما فيه حبة من نحاس أو رصاص لم يوفه.
60 - عمرو بن دينار (2): قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت أن قتلت شهيدا فأين أنا؟ قال: في الجنة. ثم قال: قال لي جبرائيل إن لم يكن عليه دين.
61 - سعد بن أبي وقاص جاء يتقاضى دينا له على رجل، فقالوا:
خرج إلى الغزو، فقال: أشهد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي ثم قتل، لم يدخل الجنة حتى يقضي دينه.
62 - الخدري: شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنازة رجل من الأنصار، فقال أعليه دين؟ قالوا: نعم، فرجع. فقال علي رضي الله عنه: أنا ضامن يا رسول الله. فقال: يا علي، فك الله رقبتك كما فككت عن أخيك المسلم، ما من رجل يفك عن رجل دينه إلا فك الله تعالى رهانه (3) يوم القيامة.
63 - الزهري: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي على رجل عليه دين.
__________
(1) أحمد بن سريج: لم نقع لأحمد بن سريج على ترجمة. ربما كان أحمد بن أبي سريح الصباح النهشلي أحد أصحاب الشافعي وهو من ثقات رواة الحديث والمتوفى سنة 220هـ وقيل بعد سنة 220.
راجع ترجمته في طبقات القراء: 1: 63طبقات الشافعية 1: 25وتهذيب التهذيب 1: 44.
(2) عمرو بن دينار: هو أبو محمد عمرو بن دينار المكي الأثرم الجمحي. أحد الأعلام كان فقيها ثبتا كثير الحديث صدوقا عالما وكان مفتي أهل مكة في زمانه. مات سنة 126هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 260وطبقات ابن سعد 5: 353وتهذيب التهذيب 8: 28.
(3) الرهان والرهن: ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه والمفرد رهينة.(4/323)
ثم قال بعد: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم (1)، من مات وعليه دين فعلي قضاءه. ثم صلى عليهم.
64 - أبو هريرة: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ له.
فهم به أصحابه. فقال: ألا كنتم مع الطالب؟ دعوه فان لصاحب الحق مقالا. اشتروا له بعيرا. فلم يجدوا إلّا فوق سنه، فقال: اشتروا له فوق سنه فأعطوه ثم قال: كذلك افعلوا، خيركم أحسنكم قضاء.
65 - جابر: عنه عليه السّلام: لا غم إلا غم الدين، ولا وجع إلا وجع العين.
66 - ابن عباس رضي الله عنه: من مشى بدين عليه لأخيه كتب الله له بكل خطوة حسنة.
67 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله تعالى عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى.
68 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان، ومن أدان دينا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق.
69 - ركب رجلا دين كثير عجز عن أدائه، فقال له بعض غرمائه:
أعلمك حيلة تتخلص بها على أن تقضيني؟ قال: لك ذلك. فتوثق منه.
ثم قال له: كل من لقيك من غرمانك وغيرهم فلا تزد على النباح عليه، فإنك إن عرفت بذلك قالوا موسوس فكفوا عنك، ففعل، فلما كفوا عنه أتاه معلم الحيلة فقال: الشرط أملك. فنبح عليه، فقال: وعلي أيضا؟ فلم يزده على النباح حتى يئس منه فتركه.
70 - وجد تحت رأس يحيى البرمكي بعد موته كتاب مختوم، فحمل
__________
(1) أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم: أي أحق بهم من أنفسهم وكل من ولي أمر واحد فهو وليّه.(4/324)
إلى الرشيد ففكه فإذا فيه: قد تقدم الخصم، والمدعى عليه بالأثر، والحكم العدل لا يظلم ولا يحتاج إلى بينة.
71 - عزل عمر بن عبد العزيز قاضيا، وقال: قد بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك.
72 - قال غيلان بن مرة التميمي (1):
وإني لأقضي الدين بالدين بعد ما ... يرى طالبي للدين أن لست قاضيا (2)
فأجابه ثعلبة بن عمير الحنفي (3):
إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن كان غرما على غرم (4)
73 - هلال بن ضبعاء التميمي (5):
ولا يستوي أن كنت لا بد غارما ... كريم إذا داينته ولئيم
إذا ما غدا عني غريم بحقه ... تأوبني يرجو القضاء غريم (6)
74 - أتى رجلا قوم وقالوا: نحب أن تقرض فلانا ألف درهم وتؤجله سنة. فقال: سألتموني حاجتين، فإذا قضيت أحداهما وزدت عليها ضعفها فقد أحسنت، قد أجلته سنتين، فأعفوني من القرض.
75 - حلف أعرابي فقيل له: قل إن شاء الله. فقال: نعم إن شاء
__________
(1) غيلان بن مرة التميمي: لم نقع له على ترجمة في ما تيسر لنا من كتب.
(2) معنى البيت: أنه يقضي الدين بالدين بلجوئه إلى المماطلة والتسويف حتى يمل المدين.
(3) ثعلبة بن عمير الحنفي لم نقع لثعلبة هذا على ترجمة وقد أورد أحمد بن عبد ربه هذا البيت في العقد الفريد ولم يذكر قائله.
(4) غرما على غرم: أي دينا لاحقا يضاف إلى الدين السابق.
(5) هلال بن ضبعاء التميمي لم نقع له أيضا على ترجمة في ما تيسر لنا من مراجع.
(6) وتأوّبني: من أوّب وتأوّب بمعنى رجع. وآب الغائب رجع كذلك والمآب المرجع.(4/325)
الله، يذهب بها الحنث (1)، وتقضى بها الحاجة.
76 - الأصمعي: كان قوم من الأعراب يسمطون (2) أيمانهم سمطا للمصدقين (3)، فقال مصدق: هؤلاء لا يخافون الله، ولكن استحلفهم بأيمان في أمر معاشهم، فقال: سلخك الله تعالى برصا، وأبدى عورتك.
وفتّك (4) فتّ البعرة، وحتك حتّ الشعرة، ولا ترك له صاهلا (5) ولا ناهلا (6)، ولا خفا ولا ظلفا إن كان لله في مالك حق. فيكيع عنها (7).
77 - أعرابي:
أني وجدك لا أقضي الغريم وإن ... حان القضاء ولا رقت له كبدي
الا عصا أرزن طارت برايتها ... تنوء ضربتها بالكف والعضد
78 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: ما من عمل عصي الله فيه أعجل عقوبة من البغي. واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع (8).
__________
(1) الحنث: الخلف في اليمين، وفي الحديث: اليمين حنث أو مندمة الحنث في اليمين نقضها والنكث فيها.
(2) يسمطون أيمانهم: يقال سمط الرجل يمينا على حق أي استحلفته وقد سمط هو على اليمين يسمط أي حلف.
(3) المصدقون: جمع مصدق وهو جابي الصدقات أي الزكاة.
(4) فت الشيء يفته فتا إذا دقّه وكسره وقيل كسر بأصابعه وقيل الفت هو أن تأخذ الشيء بإصبعك فتصيّره فتاتا أي دقاقا.
والحت: هو فركه وقشره.
(5) الصاهل: الفرس والصاهل من الإبل الذي يخبط بيده ورجله.
(6) الناهل: الذي روي فاعتزل فهو ريّان.
(7) الخف: بالضم للبعير كالحافر للفرس ويريد به هنا الإبل. والظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والخف للبعير. ويريد به هنا البقر والغنم.
كاع عن الشيء يكيع: هابه وجبن عنه.
(8) تدع الديار بلاقع: البلقع والبلقعة: الأرض القفر التي لا شيء بها يقال منزل بلقع ودار بلقع بغير الهاء إذا كان نعتا. والبلقعة الأرض التي لا شجر بها تكون في الرمل وفي القيعان ومعنى القول أن يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من الخير والمال سوى ما ذخر له في الآخرة من الإثم.(4/326)
79 - ما استرق الأحرار أفظع من الدين.
80 - ثلاثة من عازهم عادت عزته ذلا: السلطان، والولد، والغريم (1).
81 - علي رضي الله عنه: احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بريء من حول الله تعالى وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل لأنه وحد الله تعالى (2).
82 - أعرابي في وصف قاض: يقضي بالعشوة، ويطيل النشوة، ويقبل الرشوة (3).
83 - أطيط بن لقيط الفقعسي (4):
لعمرك إني إذ أخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفتني فقعس
فما لكم طلسا إليّ كأنكم ... ذئاب الغضا والذئب بالليل أطلس (5)
84 - عمر رضي الله عنه: لا تهاونوا بالحلف بالله فيهينكم الله.
85 - أراد قاضي الدوّ (6) أن يستحلف الخصم، فقيل له: هو لا يبالي بالحلف: احمله على حلف لا يستجري (7) عليه، فقال: جعل
__________
(1) عازهم: غالبهم والغريم الذي له الدين والذي عليه الدين. جميعا والجمع غرماء وهنا الذي له الدين.
(2) ورد هذا القول في نهج البرغة 4: 56.
(3) العشوة: ركوب الأمر على غير هدى بلار روية ولا تمعن.
النشوة بالفتح أول السكر مقدماته وقيل هو السكر نفسه.
(4) أطيط بن لقيط الفقعسي: هو أطيط بن المغلس الفقعسي نسبة إلى فقعس بن الحارث بن ثعلبة بن أسد بن خزيمة.
(5) الطّلس: جمع أطلس وهو الأسود يريد أنهم يعادونه ولا يبشون له وذئب أطلس هو ما كان في لونه غبرة تميل إلى السواد.
(6) قاضي الدوّ: الدوّ أرض قاحلة على طريق البصرة وقيل الدو موضع بالبادية وقيل الدو بلد لبني تميم قال ذو الرمة:
حتى نساء تميم وهي نازحة ... بباحة الدوّ فالصمان فالعقد
(7) لا يستجري عليه: أي لا يجرؤ على الحلف بها لشدتها.(4/327)
الله تعالى نومك نغصا (1)، وطعامك غصصا، ومشيك رقصا، وسلخك برصا، وقطعك حصصا، وملأ عينيك غمصا، وأدخلك قفصا، وابتلاك بهذه العصا. فأبى أن يحلف وأذعن للحق.
86 - أنشد سيبويه:
وقد أعددت للغرماء عندي ... عصا في رأسها منوا حديد (2)
87 - ابن السائب (3): جالست وكيعا سنين فما رأيته يحلف بالله.
88 - ابن أبي ثابت (4): ما احتجت إلى شيء استقرضه إلا استقرضته من نفسي. أراد: أصبر عنه إلى أن تمكن الميسرة.
89 - ونظيره قول القائل:
وإذا غلا شيء عليّ تركته ... فيكون أرخص ما يكون وقد غلا
90 - إياس بن الوليد (5):
أني وجدّك من قوم إذا طلبوا ... بعد النسيئة يوما أحسنوا الطلبا
__________
(1) النغص: ما لا تتم هناءته وكدّ العيش.
والغصص: إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه.
السلخ الجلد. يقال شاة سليخ إذا كشط عنها جلدها مسلوخ.
البرص: داء يصيب الجلد وهو بياض في الجسد. والحصص الأقسام.
(2) منوا حديد: منوان مثنى مفرده منا وهو كيل أو ميزان يساوي رطلين يقال منوان أو منيان.
(3) ابن السائب: هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي: المتقدمة ترجمته.
(4) ابن ابي ثابت: هو عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز يعود بنسبه إلى عبد الرحمن بن عوف الزهري من أهل مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قدم بغداد وأقام بها مدة. كان لا يمسك شيئا ينفق المال ويتوسع في إنفاقه كان صاحب نسب وشعر مات بالمدينة سنة 197هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 350وميزان الإعتدال 3: 632وتاريخ بغداد 10: 440.
(5) أياس بن الوليد لم نقع له على ترجمة.(4/328)
91 - عطية بن الخطفي أبو جرير الشاعر (1):
تلبث فقد داينت من أنت واثق ... بليّانه أو قابل ما تيسرا
92 - آخر:
أماطله العصرين حتى يملني ... ويرضى بنصف الدين والأنف راغم (2)
93 - كتب عمر رضي الله عنه: قد آن للحق الذي عندك أن يرجع إلى أهله، ويستغفر الله تعالى من حبسه.
94 - دخل عليّ بالري في مسيري إلى مكة حرسها الله تعالى بعض تجار خوارزم وهو مستبشر يهتز منكباه. فقلت: ما وراءك يا أبا فلان؟
قال: كان لي رقيق لا يزاد لي فيهم على ستمائة، فاتجهت لي فيهم سعة رافعية، بعتهم من سلطاني بألف ومائتين صحاح مجردة نسيئة. فقلت له:
ليتك بعتهم بربع ذلك وبقراضات (3) ناجزا (4)، وكأني بهذه المجردة الصحاح قد أذاقتك الأمرين، وأمانتك حرضا (5) في بعض الخافات، ودفنتك تحت جبل طبرك (6). فسألت عنه منصرفي من الحجاز، فكان الأمر كما قلت.
__________
(1) عطية بن الخطفي: أبو جرير: هو عطية بن الخطفي (واسم الخطفي حذيفة) بن بدر ابن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع التميمي.
راجع النقائض ص 2.
(2) الأنف راغم: الرغم الكره. وقيل الرغم الذلّة وقيل التراب. أرغمه أذلّه يقال أرغم الله أنفه أي ألزقه بالرغام وهو التراب.
(3) القراضة: ما سقط بالقرض كقراضة الذهب والثوب وقراضة المال رديئه.
(4) ناجزا من نجز ونجز الكلام انقطع. يقال بعتك ناجزا بناجز أي معجلا والناجز الحاضر ويقال ناجزا بناجز أي يدا بيد وعاجلا بعاجل.
(5) اماتتك حرضا: الحرض والحرض الفاسد حرض الرجل نفسه أفسدها ورجل حرض أي فاسد في بنائه وحرضه المرض إذا أشفى منه على شرف الموت.
(6) جبل طبرك: طبرك بالفتح جبل صغير بقرب مدينة الري على يمين الذاهب إلى خراسان كانت على رأسه قلعة خربها السلطان طغرل السلجوقي سنة 588هـ.
راجع معجم البلدان 6: 22.(4/329)
95 - جاءت امرأة إلى قاض فقالت: مات زوجي وترك أبويه وولدا ورهطا. فقال القاضي: لأبويه الثكل، ولولده اليتم، ولامرأته الخلف، ولرهطه الوله والقلة. واحملي المال إلينا حتى ترتفع الخصومة بينهم.
96 - ابن أبي أوفى (1): عنه عليه السّلام: إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار برىء الله تعالى منه ولزمه الشيطان، وروى فإذا جار وكله الله إلى نفسه (2).
97 - جابر بن عبد الله: عنه عليه السّلام: تنصب يوم القيامة منابر نور، ليجلس عليها من ولي القضاء فعدل في حكمه، فإذا انقضى حساب الخلائق أمر بهم إلى الجنة.
98 - حماس بن الأبرش الكلبي (3):
رفضت وعطلت الحكومة قبله ... في آخرين وملها رواضها (4)
حتى إذا ما قام ألف بينها ... بالحق حتى جمعت أرفاضها (5)
99 - قال محمد بن حريث (6): بلغني أن نصر بن علي (7) أرادوه على
__________
(1) ابن أبي أوفى: هو عبد الله بن علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي كان أبو أوفى من أصحاب الشجرة راجع الإصابة 4: 263106.
(2) وكله إلى نفسه أي تركه ونفسه فيما يظن ويعتقد.
(3) حماس بن الأبرش الكلبي: لم نقع لحماس هذا على ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر.
(4) الرواض: جمع رائض اسم فاعل من راض الدابة يروضها روضا إذا ذللها أو علمها السير وكنى به هنا عن الحكم يعمل الفكر في حكومته.
(5) أرفاضها: أرفاض جمع رفض أي متفرقها.
(6) محمد بن حريث: لم نقع له على ترجمة.
(7) نصر بن علي: هو نصر بن علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي البصري أبو عمرو من أهل البصرة. كان من نبلاء الناس ومن ثقات رواة الحديث أراد المستعين أن يوليه القضاء فتهيب ذلك ورجع إلى بيته فصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبصني إليك فنام فنبهوه فإذا هو ميت وكان ذلك سنة 250هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 430وتاريخ بغداد 13: 287.(4/330)
القضاء بالبصرة، واجتمع الناس إليه فكان لا يجيبهم، فلما ألحوا عليه دخل بيته ونام على ظهره، وألقى ملاءته على وجهه، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني لهذا كاره فاقبضني إليك. فقبض.
100 - كتب عبيد بن ثابت مولى بني عبس (1) إلى علي بن ظبيان (2)
قاضي بغداد: بلغني أنك تجلس للحكم على باري (3)، وكان من قبلك من القضاة يجلسون على وطاء يتكئون. فكتب إليه: والله أني لأستحي أن يجلس إلي حران مسلمان على باري وأنا على وطاء، ولست أجلس إلا على ما يجلس عليه الخصوم.
101 - أنس، يرفعه: القضاة جسور للناس يمرون على ظهورهم يوم القيامة.
وعنه: لسان القاضي من جمرتين حتى يصير إلى جنة أو نار.
102 - هشام بن أبي يوسف (4): لما احتضر (5) أبي جلسنا عند رأسه، فقلنا له: أفي نفسك من هذا الأمر شيء؟ قال: لا والله، إلا شيء واحد، وصل نصراني إدعى مرة على الرشيد، فدعوت به، فجاء ومعه مصلى فجلس عليه، ولم أدع للنصراني بمصلى مثله، فذاك في نفسي.
__________
(1) عبيد بن ثابت: لم نقع له على ترجمة وقد ذكره صاحب تاريخ بغداد 13: 287ولم يترجم له.
(2) علي بن ظبيان: هو أبو الحسن علي بن ظبيان بن هلال بن قتادة العبسي الكوفي قاضي بغداد في أيام الرشيد توفي في بقريسين سنة 192هـ كان جليلا متدينا متواضعا.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 280وتهذيب التهذيب 7: 341وميزان الإعتدال 3: 134.
(3) الباري والبارياء الحصير المنسوج.
(4) هشام بن أبي يوسف: هو هشام بن يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري وأبوه القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم المتقدمة ترجمته.
(5) احتضر: حضره الموت.(4/331)
103 - عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في ثمرة قط.
104 - لقي سفيان الثوري شريكا بعد ما استقضى، فقال: بعد الإسلام والفقه والخير تلي القضاء؟ قال: يا أبا عبد الله، لا بد للناس من قاض. قال: يا أبا عبد الله، لا بد للناس من شرطي. وقال الحسن بن صالح (1): أي شيخ أفسدوا!.
105 - أبو ذر (2): قال لي رسول الله ستة أيام: اعقل أبا ذر ما أقول لك، فلما كان اليوم السابع قال: أوصيك بتقوى الله في سريرتك وعلانيتك، وإذا اسأت فاحسن، ولا تسألنّ أحدا وإن سقط سوطك، ولا تؤتمننّ أمانة، ولا تتولينّ يتيما، ولا تقضين بين اثنين (3).
106 - أراد عثمان بن عفان استقضاء عبد الله بن عمر، فقال: أليس سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟ قال: بلى، فقال: فاني أعوذ بالله منك أن تستقضيني.
107 - أنس يرفعه: شكت البقاع (4) إلى الله، فقالت: يا رب، يطرح فينا نتن المشركين. فقال: اسكتي، وعزتي وجلالي لو طرح فيك نتن القضاة والولاة كان أنتن وأنتن.
__________
(1) الحسن بن صالح: هو الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري أبو عبد الله ولد سنة 100هـ وكان ناسكا عابدا فقيها مات سنة 167هـ متخفيا بالكوفة وكان ثقة صحيح الحديث ثبتا متجردا للعبادة.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 261وتهذيب التهذيب 6: 258وميزان الإعتدال 1: 496.
(2) أبو ذر: هو أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة المتقدمة ترجمته.
(3) ورد هذا الحديث في مسند ابن حنبل 5: 181. وكان رحمه الله يسقط سوطه فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه.
(4) البقاع: الأقسام من الأرض جمع بقعة.(4/332)
108 - قال حفص بن غياث لرجل كان يسأله مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضيا! لئن يدخل الرجل إصبعه في عينه فيقلعها ويرمي بها خير له من أن يكون قاضيا.
109 - عرض على عبد الله بن وهب (1) القضاء. فقال: لم أكتب هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة القضاة. ولكني كتبت هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة العلماء.
110 - ابن عباس: أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم.
111 - أبو الدرداء (2) يرفعه: إن لشاهد الزور لعلما يعرف به يوم القيامة يبعثه الله عاضا على لسانه يقرضه بأسنانه، يلهث (3) لهثان الكلب في الرعي.
112 - سفيان بن عيينة: كان الناس بالكوفة إذا صلوا الغداة (4) قام رجل منهم فقال: من يريد قرضا؟ فيقرضه.
113 [شاعر]:
__________
(1) عبد الله بن وهب: هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي الفقيه ولد سنة 125هـ وطلب العلم وهو ابن سبع عشرة سنة كان من أجلة الناس وثقاتهم وكان شيخ مصر وكان يسمى ديوان العلم وكان الورع يمنعه من الفتيا. وقد عرض عليه القضاء فحبس نفسه ولزم بيته.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 2: 521وتهذيب التهذيب 6: 71وطبقات ابن سعد 7/ 2: 205.
(2) أبو الدرداء: هو أبو الدرداء عويمر بن مالك المتقدمة ترجمته.
(3) يلهث: يخرج لسانه من التنفس الشديد عطشا أو تعبا أو إعياء.
(4) صلاة الغداة: هي صلاة الصبح والغداة جمعها غدوات وغديات وهي البكرة أو ما بين الفجر وطلوع الشمس. ويقال أول النهار.(4/333)
حلفت برب زمزم والمصلى ... وربّ الحجر والحجر اليماني (1)
وبالسبع الطوال ومن تولى ... تلاوتهنّ والسبع المثاني (2)
114 - أعرابي: لا والذي شق خمسا من واحدة. يعني الأصابع من الراحة.
115 - البحتري:
أقسمت بالبيت الحرام ... وحرمة الشهر الأصم (3)
116 - كان بين أسامة وعمرو بن عثمان كلام في ضيعة، فقال عمرو: أتأنف أن تكون مولاي؟ فقال أسامة: والله ما يسرني بولائي من رسول الله نسبك. ثم ارتفعا (4) إلى معاوية، فقام سعيد بن العاص فقعد إلى جانب عمرو وجعل يلقنه الحجة، فقام الحسن فقعد إلى جانب أسامة، فوثب عتبة بن أبي سفيان فصار مع عمرو، فقام الحسين فصار مع أسامة، فقام الوليد بن عقبة فصار مع عمرو، فقام عبد الله بن جعفر وجلس مع أسامة. فقال معاوية: القضية عندي، حضرت رسول الله وقد أقطع هذه الضيعة أسامة. فقال الأمويون. هلا إن كانت هذه القضية عندك بدأت بها قبل التحزب! فقال معاوية: لما رأيتهم كذلك ذكرت يوم
__________
(1) زمزم: بئر بمكة ويقال ماء زمزم إذا كان بين الملح والعذب.
(2) السبع الطوال: وهي السور الطوال من البقرة إلى التوبة على أن تحسب التوبة والأنفال سورة واحدة ولهذا لم يفصل بينهما في المصحف بالبسملة.
السبع المثاني: أو ثبت السبع المثاني وفي رواية سبعا من المثاني قيل: هي الفاتحة لأنها سبع يات وقيل: المثاني لتبيين الجنس ويجوز أن تكون للتبعيض أي سبع آيات أو سبع سور من جملة ما يثنى به على الله تعالى من الآيات.
(3) الشهر الأصم: هو شهر رجب لعدم سماع السلاح فيه وكان الجاهليون يسمون رجب شهر الله الأصم وقيل إنما سمي بذلك لأنه كان لا يسمع فيه صوت مستغيث ولا حركة قتال ولا قعقعة سلاح لأنه من الأشهر الحرم.
(4) ارتفعا إلى معاوية: رجعا في الحكم إليه تحاكما عنده.(4/334)
صفين (1).
117 - جرير:
تعالوا ففاتونا ففي الحكم مقنع ... إلى الغر من أهل البطاح الأكارم (2)
فاني لأرضي عبد شمس وما قضت ... وأرضي الطوال البيض من آل هاشم
118 - كان الثوري يقول: الناس كلهم عدول إلا العدول (3).
119 - مساور الوراق (4):
شمر قميصك واستعدّ لقائل ... واحكك جبينك للقضاء بثوم (5)
وتماوتنّ إذا مشيت تخشعا ... حتى تصيب وديعة ليتيم (6)
120 - كان روح بن زنباع ايسمر (7) مع عبد الملك، فقال له يوما: ما رأيت أحدا أحسن حديثا من أسماء بن خارجة، فحادثه فقال له في آخر الليل: هل من حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، دين عليّ. قال:
كم؟ قال: خمسون ألفا. قال: وفيم استدنتها؟ قال: في كريم صنت له عرضا، وفي لئيم صنت منه عرضي. فأمر بقضائها عنه.
__________
(1) على الأرجح أن هذا القول من وضع الرواة ولا أصل له.
(2) الغر: جمع الأغر من الغرة بياض الوجه ورجل أغر كريم الأفعال واضحها.
(3) رجل عدل ورجال عدول ورجل عدل معناه ذو عدل أي مرضيّ قوله وحكمه.
(4) مساور الوراق هو مساور بن سوار بن عبد الحميد بن قيس عيلان بن مضر كوفي قليل الشعر من أصحاب الحديث ورواته كان صديقا لحميد الطوسي مات نحو سنة 150هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 103والأغاني 16: 176والأعلام 8: 105.
(5) من حيل القضاة أن يعمدوا إلى حك جباههم بالثوم فيعطيها ذلك سمة سمراء توهم الناس أنهم ورعون كثير والسجود شديد والتقوى.
(6) الوديعة: جمعها ودائع وهي ما استودع من مال أو غير دفعه إليه ليكون عنده وديعة.
(7) سمر يسمر سمرا وسمورا: لم ينم وهو سامر وهم السمّار والسامر اسم للجمع كالجاهل والسّمر: حديث الليل خاصة.(4/335)
121 - أوصى مطيع بن الأسود (1) إلى الزبير بن العوام، فأبى أن يقبل وقال: في قومك من ترضاه، فقال: إني رأيتك دخلت على عمر بن الخطاب فلما خرجت قال: نعم ولي تركة المرء المسلم. فقبل الزبير وصيته.
122 - عن يوسف بن محمد مولى آل عثمان (2): بعثني عبد الرحمن بن قطن المخزومي (3) إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير (4) يستسلفه ألف دينار، فدخلت عليه، فأمر ببختية له مري (5) فحلبت في عس، وطرح فيه طبرزذ (6)، فشرب وسقاني، ودعا بالألف فأعطانيه، فلم يلبث عبد الرحمن إلا يسيرا أن بعثتني بالألف إليه، فدخلت به عليه، فحلبت البختية، وسقيت لبنها مع الطبرزد، وقسم الألف نصفين وقال: خذ خمسمائة وأعطه خمسمائة، وقال: إنا قوم لا نعود فيما خرج منا.
123 - تحاكمت إلى إياس (7) امرأتان في كبة (8)، فقال لأحداهما في
__________
(1) مطيع بن الأسود: هو مطيع بن الأسود بن حارثة العدوي القرشي كان اسمه العاص فسماه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مطيعا. أسلم يوم الفتح ومات في خلافة عثمان وقيل قتل يوم الجمل.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 333وتهذيب التهذيب 10: 181والإصابة 6: 105.
(2) يوسف بن محمد مولى آل عثمان: هو مولى آل عثمان بن شماس بن الشريد بن هرمي ابن عامر بن مخزوم المخزومي.
(3) عبد الرحمن بن قطن المخزومي: لم نقع له على ترجمة فيما تيسر لنا من مصادر.
(4) حمزة بن عبد الله بن الزبير: هو حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام كان من فتيان قريش وأجوادهم كان ممدوحا من الشعراء وكان يميل إلى الغناء.
راجع أخباره في الأغاني 3: 120ونسب قريش للزبير بن بكار 5039.
(5) المريّ الناقة التي تدر على من يسمح ضروعها وقيل هي الناقة الكثيرة اللبن.
البختيّة من الإبل هي الخراسانية وهي عادة طويلة الأعناق.
(6) طبرزذ: الطبرزذ السكر معربة من الفارسية.
(7) هو أياس بن معاوية بن قرة القاضي المتقدمة ترجمته.
(8) كبة: كبة الغزل ما جمع من الصوف ونحوه ولف على شيء(4/336)
السر: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على كسرة، وقال للأخرى:
على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على خرقة. فنفضت الكبة فإذا هي على كسرة. فسمع بذلك ابن سيرين فقال: ويح له ما أفهمه! ويح له (1)
ما أفهمه!.
124 - عن نافع (2) عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا ضن الناس بالدنانير والدراهم، وتبايعوا بالعينة (3)، وأخذوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد، أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه منهم حتى يراجعوا دينهم.
125 - شهد مولى للمطلب بن عبد الله بن حنطب (4) عند عمر بن عبد العزيز فسأل عنه مولاه، فقال: هو عدل مع عدلين (5). يعني ليس بعدل.
__________
(1) ويح له: ويح كلمة ترحم وتوجع وقد تأتي بمعنى المدح والتعجب وقيل إنها بمعنى ويل.
(2) نافع: هو نافع أبو عبد الله المدني كان من أئمة التابعين بالمدينة إماما في العلم صحيح الرواية ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه مات سنة 119هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 412وطبقات ابن سعد.
(3) تبايعوا بالعينة: إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. وسميت عينة لحصول النقد لطالب العينة.
(4) المطلب بن عبد الله بن حنطب: هو المطلب بن عبد الله بن حنطب من بني محزوم كان كثير الحديث وكان ثقة.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 58والأغاني 4: 90وميزان الإعتدال ص 129.
(5) عدل بين عدلين لا يثنىّ ولا يجمع فإن رأيته مجموعا أو مثنى أو مؤنثا فعلى أنه قد أجري مجرى الوصف الذي ليس بمصدر.(4/337)
الباب الحادي والسبعون الكذب، والزور، والبهتان (1)، والرياء، والنفاق والباطل، والأرجاف (2)، والتنبؤ، وما أشبه ذلك
1 - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كذب العبد كذبة تباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به.
وعنه مرفوعا: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي (3) إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وإن الرجل ليكذب ويتحرى (4) الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.
2 - قال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أنا استسرّ (5) بخلال أربع: الزنا،
__________
(1) البهتان: من بهت الرجل يبهته بهتا وبهتانا. البهتان الأفتراء والبهتان الإنقطاع والحيرة وهو أيضا الكذب والباطل الذي يتحيّر من بطلانه.
(2) الأرجاف: أرجف القوم إذا خاضوا في الأخبار السيئة وذكر الفتن قال تعالى والمرجفون في المدينة وهم الذين يولدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب في الناس.
(3) يهدي إلى الفجور أي يقود إلى الإثم.
(4) يتحرّى: التحرّي القصد والإجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول.
(5) استسرّ: أسرّ الشيء كتمه وأظهره وهو من الأضداد.(4/339)
والسرقة، وشرب الخمر، والكذب، فأيتهن شئت تركت لك يا رسول الله؟ قال: دع الكذب. فلما تولّى همّ بالزنا، فقال: يسألني فإن جحدت نقضته ما جعلت له، وإن أقررت حددت (1) أو رجمت. ثم هم بالسرق.
ثم في شرب الخمر، ففكر في مثل ذلك. فرجع إليه فقال: قد أخذت علي السبيل، قد تركتهن أجمع.
وعنه عليه السّلام: الكذب مجانب للإيمان.
3 - أعرابي: كفاك موبخا على الكذب علمك بأنك كاذب.
4 - قال الواثق لأحمد بن أبي دؤاد: ذكرك ابن الزيات (2) بكل قبيح.
فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ، ونزهني عن قول الحق فيه.
5 [شاعر]:
قد كنت أنجز دهرا ما وعدت إلى ... أن أتلف الجود ما جمعت من نشب (3)
فإن أكن صرت في وعدي أخا كذب ... فنصرة الصدق أفضت بي إلى الكذب (4)
6 - ابن طيفور (5):
7 - قال العباس بن عبد المطلب لعبد الله: يا بني، أنت أعلم مني. وأنا أفقه منك، إن هذا الرجل يدينك، يعني عمر بن الخطاب، فاحفظ عني ثلاثا: لا تفشينّ له سرا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا يطلع منك على كذبة.
__________
(1) حددت: يقال حددت الرجل: أقمت عليه الحد. والمحادة المخالفة ومنع ما يجب عليك وحدود الله تعالى الأشياء التي بيّن تحريمها وتحليلها وأمران لا يتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها ومنع من مخالفتها. واحدها حدّ.
(2) ابن الزيات: هو الوزير محمد بن عبد الله الزيات المتقدمة ترجمته.
(3) النشب: المال الأصيل من الناطق والصامت. يقال فلان ذو نشب ذو مال وعقار.
(4) أفضت بي: أفضى بلغ بهم مكانا واسعا أفضى بهم إليه حتى انقطع ذلك الطريق.
(5) ابن طيفور: هو أحمد بن أبي طاهر طيفور الخراساني المتقدمة ترجمته.(4/340)
8 - وقال رجل لأبي حنيفة رحمه الله: ما كذبت كذبة قط. قال: أما هذه فواحدة نشهد بها عليك.
9 - في وصية علي رضي الله عنه: ولا تحدثن إلا عن ثقة فتكون كذابا.
10 - يقال للكاذب: هو قموص (1) الحنجرة، زلوق اللبد لا يوثق بسيل تلعته (2).
11 - فيه أثافي (3) الشر: الكذب، والنفاق، والحسد.
12 - هو ذو كذبة بلقاء، للمشهور بالكذب (4).
13 - كان يقال: راوي الكذب أحد الكاذبين.
رأس المآثم الكذب، وعمود الكذب البهتان.
فلان يقول البهت، والزور البحت (5).
أمران لا ينفكان من الكذب: كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار.
14 - حكيم: إذا كذب الرجل فقد بطل.
15 - الشعبي: كان الرجل يكذب الكذبة فما يستقيلها من نفسه زمنا
__________
(1) قموص: وصف للمبالغة من قمص يقمص قمصا إذا لم يستقر في موضع فيثب من مكانه من غير صبر. يقال للكذاب إنه لقموص الحنجرة.
زلوق: وصف مبالغة من زلق يزلق زلقا زل عن مكانه ولم يثبت.
اللبد: بالكسر ما يوضع تحت السرج.
(2) التلعة: أرض مرتفعة غليظة يتردد فيها السيل ثم يدفع عنها إلى تلعة أسفل منها.
يقال للكذاب: فلان لا يوثق بسيل تلعته أي لا يوثق بما يقوله ويجيء به.
(3) أثافي: مفردها أثفية وهو ما يوضع عليه القدر وثفّاها إذا جعلها على الأثافي.
ومن الأمثال رماه الله بثالثة الأثافي أي رماه بالشر كله.
(4) كذبة بلقاء: أي مشهورة. والبلق سواد وبياض والأبلق إرتفاع التحجيل.
(5) البحت: الخالص من كل شيء وبحت كمحض يقال عربي بحت أي محض خالص لا يخالطه شيء.(4/341)
طويلا (1).
16 - رسطاليس: فضل الناطق على الأخرس بالنطق، وزين النطق الصدق، والأخرس والصامت خير من الكاذب.
17 - الكذاب كلما فنيت أحدوثة قمطها (2) من عنده بأخرى، حتى أنه يصدق فلا يصدق.
18 - قال الرشيد للفضل بن الربيع: كذبت. فقال: يا أمير المؤمنين، وجه الكذب لا يقابلك، ولسانه لا يحاورك.
19 - الحسن في قوله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمََّا تَصِفُونَ} (3): هي والله لكل واصف كذب إلى يوم القيامة. لو لم أدع الكذب تأثما لتركته تكرما.
20 - الأصمعي: قلت لأعرابي معروف بالكذب: أصدقت قط؟
قال: لولا أني أصدق في هذا لقلت لا.
21 - قال رجل لمعاوية حين عقد ليزيد: اعلم أنك لو لم تولّ أمور المسلمين هذا لأضعتها، والأحنف جالس، فقال له معاوية: يا أبا بحر، مالك لا تقول؟ فقال: أخاف الله أن كذبت، وأخافكم أن صدقت.
فقال: جزاك الله عن الطاعة خيرا، فما تقول في بيعة يزيد؟ قال:
أنت أعلم بليله ونهاره، فلا تلقمه (4) الدنيا وأنت منتقل إلى الآخرة. وأمر له بألوف.
__________
(1) فلا يستقيلها أي فلا يقيلها بعثرة ولا ينساها.
(2) قمطها: من قمط شد كشد الصبي في المهد وفي غير المهد إذا ضم أعضاؤه إلى جسده ثم لفّ عليه القماط.
والقماط: الخرقة العريضة التي تلفها على الصبي إذا قمط ولا يكون القمط إلا بالشد على اليدين والرجلين معا.
(3) الآية رقم 18من سورة الأنبياء.
(4) تلقمه: اللقم سرعة الأكل والمبادرة إليه يقال لقمه لقما والتقمه وألقمه إياه إذا أخذها بفمه. والتقمها.(4/342)
فلما خرجا قال له الرجل: أني لأعلم أن شر من خلق الله هذا وابنه، ولكنه قد استوثق (1) من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع في استخراجها إلا بماء سمعت. فقال: امسك (2) يا هذا، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.
22 - محمود بن مروان بن أبي الجنوب (3):
لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقول ... فحيلتي فيه قليله (4)
23 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لعن الله المثلث. فقيل له: من المثلث؟ فقال:
الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه، فيهلك نفسه وصاحبه وسلطانه.
24 - عوقب أعرابي على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما صبرت عنه.
25 - يقال: أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، وسحاب تموز. (5)
__________
(1) استوثق يقال استوثق من الأمر إذا أحكمه وأخذ بالثقة. والوثاقة. مصدر الشيء الوثيق المحكم ومنه الميثاق بمعنى المعاهدة.
(2) أمسك: أمسك الشيء حبسه والإمساك من البخل والتمسك بما لديه ضنا به. وهنا بمعنى أحبس كلامك ولا تتكلم إصمت.
(3) محمود بن مروان بن أبي الجنوب تقدمت ترجمته. وهذان البيتان ينسبان إلى منصور ابن إسماعيل الفقيه.
(4) يخلق ما يقول: أي يبتدعه ويخترعه واهما الناس بأنها حدثت فعلا.
(5) الرؤيا: ما رأيته فيمنامك.
الكظة: بالكسر هي ما يعتري الممتلىء من الطعام بعد إمتلاء المعدة من ثقل.
اللقوة: بالفتح داء يصيب الوجه يعوج منه الفم. وقد لقي فهو ملقو أي أصيب بهذا المرض الذي يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه.(4/343)
26 - كان بفارس محتسب (1) يعرف بجراب الكذب، فكان يقول:
إن منعت من الكذب انشقت مرارتي، وإني لأجد فيه، مع ما يلحقني من عاره، ما لا أجد بالصدق مع ما ينالني من نفعه.
27 - أبو حيان (2): الكذب شعار خلق، ومورد رنق (3)، وأدب سيء، وعادة فاحشة، وقل من استرسل معه إلا ألفه، وقل من ألفه ألا أتلفه. والصدق ملبس بهي، ومنهل عد (4)، وشعاع منبث، وقل من اعتاده ومرن عليه ألا صحبته السكينة، وأيده التوفيق. وخدمته القلوب بالمحبة، ولحظته (5) النفوس بالمهابة.
28 - ابن السماك: لا أدري أؤجر على ترك الكذب أم لا، لأني أتركه أنفة.
29 - كل شيء شيء، ومصادقة الكذاب لا شيء.
30 - فيلسوف: من عرف من نفسه الكذب لم يصدق الصادق.
31 - يحيى بن خالد البرمكي: رأيت شريب خمر نزع (6)، ولصا أقلع، وصاحب فواحش ارتدع، ولم أر كاذبا رجع.
32 [شاعر]:
__________
(1) محتسب: محتسب البلد هو مأمون من الحاكم لضبط الموازين ومراقبة الأسعار وغير ذلك.
(2) أبو حيان: هو أبو حيان التوحديدي علي بن محمد المتقدمة ترجمته.
(3) الرنق: تراب في الماء من القذى ونحوه ورنق الماء كدر.
(4) منهل عد: المنهل العد بالكسر وتشديد الدال هو الدائم الذي له مادة لا انقطاع لها.
(5) لحظه: يلحظه لحظا: نظر بمؤخر عينه من أي جانبيه كان يمينا أو شمالا وهو أشد التفاتا من الشزر والمشهور في لحاظ العين الكسر لا غير وهو مؤخرها مما يلي الصدغ.
(6) نزع عن الأمر ينزع نزوعا: كف وانتهى. وأصل النزع الجذب والقلع ومنه نزع القوس إذا جذبها.(4/344)
حسب الكذوب من البلية ... بعض ما يحكى عليه
فمتى سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه
33 - أضاف قادم من سفره قوما، وأقبل يحدثهم، فقال بعضهم:
نحن كما قال الله تعالى: {سَمََّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكََّالُونَ لِلسُّحْتِ} (1).
34 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: سيكون في آخر هذه الأمة أعاجم وألسنة أعراب، يلقى الرجل أخاه فيخبره بغير ما في قلبه.
35 - قال عمر بن عبد العزيز لزهرة بن معبد (2): لا تفعل شيئا رياء، ولا تتركه حياء.
36 - فضيل: إذا رأيت الرجل محمودا في جيرانه، محببا في أخوانه فاعلم أنه مداهن.
37 - معاذ بن جبل: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا معاذ، إحذر أن نرى عليك آثار المحسنين وأنت تخلو من ذلك، فتحشر مع المرائين.
38 - الحسن: المنافق يعطيك لسانه، ويمنعك ما في قلبه.
39 - أنس يرفعه: يوتى بابن آدم يوم القيامة يعتل كأنه بذج (3)، وربما قال، كأنه جمل، فيقول له الله: يا ابن آدم أنا خير قسيم. فانظر عملك الذي عملت لي فأنا أجزيك، وانظر عملك الذي عملت لغيري فإنما أجره على من عملت له.
__________
(1) الآية رقم 42من سورة المائدة.
(2) زهرة بن معبد: هو أبو عقيل زهرة بن معبد بن عبد الله ينتهي بنسبه إلى مرّة التميمي من أهل المدينة وسكن مصر. كان من ثقات رواة الحديث مات بالإسكندرية سنة 135هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 341وطبقات ابن سعد 7/ 2: 302.
(3) البذج: الحمل وقيل هو أضعف ما يكون من الحملان وجمعه بذجان.(4/345)
40 - لو أن رجلا عمل عملا من البر فكتمه ثم أحب أن يعلم الناس أنه كتم فهو من أقبح الرياء.
41 - فقد الحسن بعض من يختلف إليه فسأله عنه، فقيل استقضاه الحجاج. فقال أعوذ بالله من خشوع النفاق، من الناس من يتصنع للدنيا ويكمن لفرصة منها كما يكمن الأسد لفريسته. فإذا تمكن منها وثب عليها، يوشك أن يثب الله عليه وثبة يصطلم (1) بها دنياه وآخرته. فلم تمض أيام حتى مات.
42 - زكريا بن أبي موسى مولى بني سليم (2):
أني امرؤ زقت عليه ... عداته قول الضلال (3)
وسعت سعاتي الكاشحون ... بغير ما نزعت سجالي (4)
43 - جمهرة (5) السعايات أقتل من الأساف ومن السم الزعاف (6).
44 - المأمون: اتقوا خدع الحافين (7) شواربهم فلما يحفون من أديانهم أكثر مما يحفون من شواربهم (8).
45 - علي رضي الله عنه: قال لي رسول الله: أني لا أخاف على
__________
(1) اصطلم: الإصطلام: الإستئصال واصطلم القوم أبيدوا وإذا أبيد قوم من أصلهم قيل اصطلموا.
(2) زكريا ابن أبي موسى: لم نقع له على ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر.
(3) زق: زق يزق: الزق الجلد يجز شعره ولا ينتف نتف الأديم: سلخ.
(4) الكاشحون: الأعداء المبغضون والكاشح الذي يضمر لك العداوة.
(5) جمهرة السعايات: جمهر له الخبر جمهرة إذا أخبره بطرف منه وكتم باقيه. جمهر عليه الخبر.
(6) السم الزعاف: الشديد. يقال سم زعاف وموت زعاف. والمزعف القاتل من السم وزعف في الحديث زاد عليه أو كذب فيه.
(7) خدع الحافين: من حفّ الرجل رأسه وشاربه يحف حفا أي أحفاه وحف اللحية يحفّها حفا أخذ منها.
(8) الشوارب جمع شارب وهو ما ينبت على الشفة العليا من الشعر وطرفاه شاربان.(4/346)
أمتي مؤمنا ولا مشركا.
46 - أما المؤمن فيمنعه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه (1) الله بشركه.
ولكني أخاف عليكم كل منافق.
47 - الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.
48 - كل ورع يحب صاحبه أن يعلمه غير الله فليس من الله.
49 - عبد الله بن السري (2): قلنا لابن المبارك: حدثنا. قال:
ارجعوا فأني لست أحدثكم. فقيل له: إنك لم تحلف. فقال: لو حلفت لكفرت وحدثتكم، ولكن لست أكذب. فكان هذا أحب إلينا من الحديث.
50 - مجاهد (3): يكتب على ابن آدم كل شيء حتى أنينه في سقمه، وحتى أن الصبي ليبكي فيقول له اسكت اشتري لك كذا ثم لا يفعل تكتب كذبة.
51 - لقمان: إياك والكذب، فانه شهي كلحم العصفور، وبعد قليل يقليه صاحبه.
52 - حذيفة: يرفعه: لا يدخل الجنة قتات (4).
53 - أبو محمد اليزيدي (5):
__________
(1) يقمعه: قمعه يقمعه قمعا قهره وذّلله. وقمعه قمعا ردعه وكفه.
(2) عبد الله بن السري: هو عبد الله بن السري الأنطاكي الزاهد. كان رجلا صالحا وكان من رواة الحديث.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 2: 427وتهذيب التهذيب 5: 233.
(3) مجاهد: هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي المتقدمة ترجمته.
(4) القتات: هو النمام وهو اليوم بمنزلة الجاسوس الذي يتسمع أحاديث الناس فيخبر أعداءهم وقيل هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون فينم عليهم.
(5) أبو محمد اليزيدي: هو أبو محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي اليزيدي.
عالم باللغة والأدب من أهل البصرة. ولد سنة 138هـ من كتبه (النوادر) و (المقصور والممدود) ومناقب بني العباس.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 330والنجوم الزاهرة 2: 173وتاريخ بغداد 14: 146.(4/347)
واظنن بكل كاذب ... ما شئت بعد كذبه
54 - هشام بن عبد الملك في عبد الله بن عمرو المعيطي:
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس غيبا لصاحب
تبدّي له بشرا إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب (1)
55 - أصرم بن حميد الطائي (2):
وكم من فتى يعجب الناظرين ... له ألسن وله أوجه
ينام إذا ذكر المكرمات ... وعند الدناءة يستنبه (3)
56 - يقال: هو عبد عين، لمن يرائيك بالتملق إذا شهد، فإذا غاب خالف. قال:
ومنهم كعبد العين أما لقاؤه ... فيرضي وأما غيبه فظنين (4)
57 - لو قيل لأحدهم لقينا فيلا في كوز فقاع (5)، يندف القطن بالنار، فيترامى شررها في الجو فيصير جمدا لصدق به.
58 - يبدي بادية وفاق عن خافية نفاق (6).
__________
(1) لسع العقارب: أي موجعة كثيرة الأيلام كلسعة العقرب. والعقارب النمائم والشدائد.
(2) اصرم بن حميد الطائي: لم نقع له على ترجمة.
(3) الدناءة: الدنيء من الرجال الخسيس الدون الخبيث الماجن وقيل الحقير ودنا الرجل يدنو دنوّا إذا كان ماجنا مستهترا.
(4) الظنين: الظنين: القليل الخير. الذي تسأله وتظن به المنع فيكون كما ظننت.
(5) كوز فقاع: الفقاع: الشراب يتخذ من الشعير أو من الأثمار.
(6) بادية: بمعنى نيّة.(4/348)
59 - يقال فلان يتوبل الحديث (1)، ويفلفله، يسعتره (2). أي يزوقه.
وأنه ليزدهف (3) في حديثه، أي يزيد فيه.
60 - شداد بن أوس (4) رفعه: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء.
61 - الأراجيف (5) ملاقيح (6) الفتن، ومفاتيح المحن.
62 - أراجيف تساقطت ففرقت المنكر عن اجتماعه، وضاق لها الصدر بعد اتساعه.
63 - شأن الأرجاف أن يختلف ناس ويصدق آخرون، غير باحثين عن منبعه، ولا فاحصين عن مطلعه، وأن يقال: صيد سليمان، وقد فتح صيدون، وأن يأفك (7) زيد فيزيد عليه زيدون. صيدون مدينة فتحها سليمان عليه السّلام، وقتل ملكها، وسبى ابنته.
64 [شاعر]:
وتقول لي قولا أظنك صادقا ... فاجيء من طمع إليك وأذهب
__________
(1) توبل القدر جعل فيها التوابل والتوابل أفاويه الطعام.
فلفل الطعام: جعل فيه الفلفل.
(2) سعتره: يقال سعتره وصعتره جعل فيه السعتر أو الصعتر واستعارها هنا للحديث.
بمعنى زوّقه وحسّنه.
(3) في لسان العرب (مادة زهف) وأزهف لنا في الخير وازدهف زاد فيه وأصل الإزدهاف الكذب.
(4) شداد بن أوس: هو شداد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري ابن أخي حسان بن ثابت الأنصاري كان يمتاز بخصلتين. بيان إذا نطق وبكظم إذا غضب. كانت له عبادة واجتهاد في العمل مات سنة 58هـ عن عمر يناهز 75سنة وفي موته خلاف ودفن في بيت المقدس.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 315والإصابة 3: 195.
(5) أراجيف: أخبار سيئة تؤدي إلى نشوب الفتن والأحقاد.
(6) الملاقيح: التي تلقح وهي أصلا الإناث التي في بطونها أولادها وتحمل اللقاح.
(7) يأفك: من أفك يأفك: والإفك الكذب وأفك الناس كذب وحدثهم بالباطل.
فإذا اجتمعت أنا وأنت لمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب (1)
65 - فلان يبرز في ظاهر أهل السمت، وهو في باطن أهل السبت (2).(4/349)
__________
(7) يأفك: من أفك يأفك: والإفك الكذب وأفك الناس كذب وحدثهم بالباطل.
فإذا اجتمعت أنا وأنت لمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب (1)
65 - فلان يبرز في ظاهر أهل السمت، وهو في باطن أهل السبت (2).
66 - إذا سمعت العرب حديثا لا أصل له قالوا: حديث خرافة (3)، ومنه قول ابن الزبعري (4):
أعلل بالمجاعة في حياتي ... وبعد الموت من عسل وخمر
حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو
وهو رجل استهوته الجن ثم رجع، وكان يحدث الناس بأعاجيب ينسبها إلى الجن. ثم كثر حتى قيل للأباطيل والترهات (5) الخرافات.
وسمعت العرب يشددون الراء. ويسمون الأباطيل الخرّاريف.
67 - كان أبو حازم (6) يقول: الذي يلقى من لا يتقي الله من تقية الناس أشد مما يلقى من يتقي الله من تقوى الله.
(1) يريد مسيلمة بن ثمامة الكذاب وأشعب بن جبير الطماع المتقدمة ترجمتاهما.
(2) السمت حسن النحو في مذهب الدين واتباع الحق.
والسبت: هو اليوم السابع من أيام الأسبوع.
وأهل السبت هم اليهود لأنهم ينقطعون في هذا اليوم عن العمل والتعرف.
(3) خرافة: اسم رجل من بني عذرة أو من بني جهينة اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه يحدّث بأحاديثهم. فعجب الناس منها وكذبوه وصاروا يقولون حديث خرافة.
(4) ابن الزبعري: هو عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي كان من أشعر شعراء قريش وكان شديدا على المسلمين ولما فتحت مكة هرب إلى نجران ثم عاد فأسلم.
راجع ترجمته في طبقات ابن سلام 5857وشرح الشواهد ص 187.
(5) الترهات: الأباطيل: مفردها ترّهة وهي في الأصل الطرق الصغار المتشعبة عن الطريق الرئيسي.
(6) أبو حازم هو أبو حازم الأعرج سلمة بن دينار المتقدمة ترجمته.(4/350)
68 - ابن هبيرة: قال لي محمد بن الباغندي (1) يوما: تزعمون أني مراء، وعزمي والله أن أصوم غدا ولا أعلم به أحدا.
69 - بينما عابد يمشي في براز (2)، والغمامة على رأسه تظله، جاء رجل يريد أن يستظل بها، فقدعه وقال: إن قمت معي لم يعلم الناس أنّ الغمامة تظلني.
فقال الرجل: قد علم أني لست ممن تظله الغمامة. فتحولت الغمامة إليه.
70 - فضيل: ما من مضغة (3) أحب إلى الله من اللسان إذا كان صدوقا، ولا مضغة أبغض إلى الله منه إذا كان كذوبا.
71 - ابن مسعود رضي الله عنه: أعظم الخطايا اللسان الكذوب.
وعنه: يكون الرجل مرائيا في حياته وبعد موته. قيل: كيف؟
قال: يحب أن تكثر الناس على جنازته.
72 - عامر بن عبد قيس: الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب. وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان.
__________
(1) الباغندي: نسبة إلى باغند من قرى واسط. ولم يتبيّن لنا من هو الباغندي هذا.
فربما كان محمد بن محمد بن سليمان أبو بكر الحافظ المتوفي سنة 312هـ.
راجع معجم البلدان 2: 42وتاريخ بغداد 2: 209واللباب 1: 111. وميزان الإعتدال 4: 26.
(2) البراز: بالفتح المكان الفضاء من الأرض البعيد الواسع. وإذا خرج الإنسان إلى ذلك المكان قيل برز يبرز.
(3) المضغة: القطعة من اللحم وقيل تكون المضغة غير اللحم. ومنه قيل في الإنسان مضغتان إذا صلحتا صلح البدن: القلب واللسان. والجمع مضغ وقلب الإنسان مضغة من جسده.(4/351)
73 - الخباز البلدي (1):
ولعنة الله على كل من ... له لسانان ووجهان
74 - الحسن: مالي أراكم أخصب شيء ألسنة وأجدبه قلوبا.
تبا لرجل فطولب بالعلامة، فقال: أنبئكم بما في نفوسكم. قالوا:
فما في نفوسنا؟ قال: أني لست بنبي.
75 - قال عبد الأعلى السلمي القاص يوما: يزعمون أني مراء، وقد كنت أمس والله صائما، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحدا.
76 - للحق دولة وللباطل جولة.
77 - قال أعرابي لرجل: إن فلانا وإن ضحك إليك فان قلبه يضحك منك، وإن أظهر شفقته عليك فإن عقاربه (2) لتسري إليك، فإن لم تتخذه عدوا في علانيتك فلا تجعله صديقا في سريرتك.
78 - تنبأ رجل في أيام المأمون، وكان يقول أنا أحمد النبي، فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟ فقال: ظلمت بضيعتي، فتقدم بإنصافه، ثم قال: ما تقول؟ قال: أنا أحمد النبي، فهل تذمه أنت؟.
79 [شاعر]:
لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة السوء أو من قلة الورع (3)
__________
(1) الخباز البلدي هو أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان وقيل الحسين شاعر عباسي من شعراء القرن الرابع الهجري من بلدة يقال لها بلد واسمها بالفارسية شهر أباذ فنسب إليها وكان خبازا. كان أميا ولكن شعره كان كله ملح وتحف وغرر وطرف.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 2: 208والوافي بالوفيات 2: 57وأمل الآمل ص ص 238.
(2) عقاربه: أي نمائمه ودسائسه وفتنه.
(3) الورع: التحرّج: تورع من كذا أي تحرج والورع بالكسر التقي المتحرج وفي الحديث: ملاك الدين الورع والورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منه.(4/352)
80 [شاعر]:
أبا دلف يا أكذب الناس كلهم ... سواي فإني في مديحك أكذب
81 [آخر]:
إن النموم أغطى دونه خبري ... وليس لي حيلة في مفتري الكذب (1)
82 - الكميت في هشام:
مصيب على الأعواد يوم ركوبها ... لما قال فيها مخطىء حين ينزل
كلام النبيين الهداة كلامه ... وأفعال أهل الجاهلية يفعل
83 - شريك بن عبد الله القاضي:
صلى وصام لدنيا كان يأملها ... لقد أصاب فلا صلّى ولا صاما
84 - أنس رفعه: من مشى بالنميمة بين العباد قطع الله له نعلين من نار يغلي منها دماغه، مزرقة عيناه، يدعو بالويل والثبور (2).
85 - كتب بعض السعاة إلى السفاح: جئت متنصحا وأريد ثوابا.
فوقّع: تقربت إلينا بما باعدك من الله، ولا ثواب لمن آثر عليه وخالف أمره.
__________
(1) النموم: هي النمام الكذوب.
المفتري: من افترى بمعنى اختلق عليه الكذب.
(2) الثبور: الهلاك والخسران والويل.(4/353)
الباب الثاني والسبعون الكرم، والجود، واصطناع (1)، الأحرار، وذكر الكرام والأجواد، وأولي المروءات
1 - أنس رضي الله عنه: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل فسأله، فأعطاه غنما بين جبلين. فرجع إلى قومه فقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء رجل لا يخاف الفاقة (2).
2 - جابر بن عبد الله: ما سئل رسول الله شيئا فقال لا.
3 - وعن محمد بن أبي السري العسقلاني (3): أنه رأى رسول الله في المنام، فسأله أن يستغفر له، فسكت عنه، فروى له هذا الحديث، فتبسم وقال: اللهم اغفر له.
4 - وعنه عليه الصلاة والسّلام: تجافوا (4) عن ذنب السخي، فإن الله
__________
(1) اصطناع: اتخاذ: والإصطناع: افتعال من الصنيعة وهي العطيّة والكرامة والإحسان.
(2) الفاقة: الفاقة الفقر والحاجة ولا فعل لها. يقال من الفاقة. إنه لمفتاق ذو فاقة وافتاق الرجل أي افتقر والا يقال فاق. والمفتاق المحتاج.
(3) محمد بن أبي السري العسقلاني هو أبو عبد الله بن أبي السري العسقلاني كان من ثقات رجال الحديث وحفاظهم. كان يبصر النجوم. خرج ذات ليلة من الجامع بعسقلان بعد صلاة العشاء فرفع بصره إلى السماء فقال الله أكبر أنا والله ميت ومضى إلى منزله صحيحا فكتب وصيته وودع أهله ومات من ليلته سنة 238هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 4: 23وتهذيب التهذيب 9: 424.
(4) تجافوا: جفا وتجافى هن الشيء نبا عنه ولم يطمئن عليه. والجفاء: البعد عن الشيء جفاه إذا بعد عنه وأجفاه إذا أبعده.(4/355)
يأخذ بيده كلما عثر.
5 - وكتب الواقدي (1) إلى المأمون رقعة فيها غلبة الدين عليه، فوقع في ظهرها: أنت رجل فيك خلتان: السخاء، والحياء. فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فقد بلغ بك ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، فأن كنا أصبنا أرادتك فازدد في بسط يدك، وإن كنا لم نصب إرادتك فجنايتك على نفسك. وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للزبير: يا زبير إن مفاتيح الرزق بازاء (2) العرش ينزل الله للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثّر كثر له، ومن قلل قلل عليه. قال الواقدي: وكنت أنسيت هذا الحديث، فكانت مذاكرته إياي أعجب إليّ من صلته.
6 - عبد الله بن جدعان:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفي من المال
لا أحبس المال إلا ريث أنفقه ... ولا يغيرني حال إلى حال (3)
7 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الجواد من أصاب المال من حله، وأنفقه في حقه.
أوحى الله إلى موسى لا تقتل السامري (4) فانه سخي.
__________
(1) الواقدي: هو محمد بن عمر بن واقد السهمي ولد بالمدينة سنة 130هـ وهو من أقدم المؤرخين في الإسلام وأشهرهم ومن حفاظ الحديث. ولي قضاء بغداد واستمر إلى أن توفي بها سنة 207هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 7: 200وعيون الأثر 1: 17وميزان الإعتدال 3: 110.
(2) إزاء: يقال هو بإزاء فلان أي بحذائه وآزيته إذا حاذيته. وقعد إزاءه أي قبالته. وآزاه قابله. والإزاء المحاذاة والمقابلة. ويقال فلان إزاء فلان إذا كان قرنا له يقاومه.
(3) ريث أنفقه: ما قعدت عنده إلا ريث أقعد شسعي بغير أن، ويستعمل بغير ما ولا أن كما يقال ما قعد فلان عندنا إلا ريث أن حدثنا بحديث ثم مرّ أي ما قعد إلا قدر ذلك.
(4) السامري: هو الذي عبد العجل الذي به خوار من بني إسرائيل والسامرة من بني إسرائيل يخالفون اليهود في بعض أحكامهم.
راجع لسان العرب وتاج العروس مادة (سمر).(4/356)
8 - أغار قوم طيء، فركب حاتم فرسه وأخذ رمحه ونادى في عشيرته، ولقي القوم فهزمهم وتبعهم. فقال رئيسهم: يا حاتم هب لي رمحك، فرمى به إليه، فاستمر الرجل ولم ينعطف (1). فقيل لحاتم:
عرضت قومك للاستئصال لو عطف عليك وأنت الرأس! فقال: قد علمت أنه التلف، ولكن ما جواب من يقول هب لي؟.
9 - ابن المبارك: سخاء النفس عما في أيدي الناس أعظم من سخاء النفس بالبذل.
10 - عزم مروان بن أبي الجنوب (2) على الحج، فوصله أحمد بن أبي دؤاد فقال:
حججت بنائل ابن أبي دؤاد ... وزرت البيت والبلد الحراما (3)
وعندي من فواضله بدور ... يموت الحاسدون بها اغتماما
11 - أبو بكر الصديق رضي الله عنه: صنائع المعروف تقي مصارع السوء. وروي مرفوعا عن علي رضي الله عنه: الكرم أعطف من الرحم.
وعنه: الجود حارس الأعراض (4).
12 - جعفر بن محمد الصادق: إن لله وجوها من خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجود مجدا، والإفضال مغنما، والله يحب مكارم الأخلاق.
__________
(1) لم ينعطف: من انعطف بمعنى انحنى ومال. يقال عطفته فانعطف أي حنيته فانحنى.
(2) مروان بن أبي الجنوب: هو مروان الأصغر أبو السمط المتقدمة ترجمته.
(3) نائل: النائل هو ما نلت من معروف إنسان هو العطاء.
(4) ورد هذا القول في قصار الحكم تحت رقم 211.
راجع المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة ص 110.(4/357)
وعنه: ما أنعم الله على عبد نعمة فلم يحتمل مؤونة الناس إلا عرّض تلك النعمة للزوال.
13 - كان الزهري (1) رحمه الله من أسخى الناس، كان يعطي ما عنده حتى لا يبقى له شيء، فيستلف (2) من أصحابه حتى ينزفهم (3)، ويستلف من عبيده ويقول لأحدهم: يا فلان أسلفني وأضعف لك ذلك.
وإن جاءه سائل وما عنده شيء تغير وجهه وقال: يا فلان أبشر فسوف يأتي الله بخير.
14 - وهب (4): اتخذوا اليد عند المساكين، فان لهم يوم القيامة دولة.
15 - مر محمد بن واسع بأسود عند حائط يحفظه، وبين يديه كلب يأكل لقمة ويطعمه لقمة، فقال له: إنك تضر بنفسك، فقال: يا شيخ، عينه بحذاء عيني استحي أن آكل ولا أطعمه. فاستحسن منه ذلك، فاشتراه واشترى الحائط، وأعتقه ووهب له الحائط. فقال: إن كان لي فهو سبيل الله. فاستعظم ذلك منه، فقال: يجود هو وأبخل أنا؟ لا كان هذا أبدا.
16 - أبو يعقوب الخريمي (5):
زاد معروفك عندي عظما ... أنه عندك مستور صغير
تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير
__________
(1) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري المتقدمة ترجمته.
(2) استلف: وأسلف: السلف القرض يقال أسلفته مالا أي أقرضته واستسلف بمعنى استقرض.
(3) حتى ينزفهم: يقال أنزف القوم إذا لم يبق لهم شيء وأنزف الرجل انقطع كلامه أو ذهب عقله أو ذهبت حجته في خصومة أو غيرها.
(4) وهب: هو وهب بن منبه المتقدمة ترجمته.
(5) أبو يعقوب الخزيمي: هو إسحاق بن حسان بن قوهي المتقدمة ترجمته.(4/358)
17 - لما غسل علي بن الحسين بن علي رأوا على ظهره مجولا (1)
فلم يدروا ما هو، فقال مولى له: كان يحمل على ظهره إلى أهل البيوتات المستورين الطعام، فأقول له: دعني أكفك، فيقول: لا أحب أن يتولى ذلك غيري.
18 - كتب عبد الله بن الحسن العلوي والي الحرمين إلى المأمون يستعطفه على أهل الحرم فيما أصابهم من اجتياح السيول والحطمة (2) فوجه إليهم بأموال كثيرة، وكتب: وصلت شكيتك لأهل حرم الله إلى أمير المؤمنين فبكاهم بعين رحمته، وأنجدهم بسيب (3) نعمته، وهو متبع ما أسلفه إليهم بما يسلفه عليهم عاجلا أو آجلا، والسلام.
19 - قال أبو السمط مروان بن أبي الجنوب الشاعر: أمر لي المتوكل بمائة وعشرين ألفا، وخمسين ثوبا، وثلاثة من الظهر، فقلت أبياتا في شكره. فلما بلغت قولي:
فأمسك ندى كفيك عني ولا تزد ... فقد خفت أن أطغى وأن اتجبرا
قال: والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي، فأمر لي بضياع تقوم بمائة ألف درهم.
20 - أحمد بن سليمان بن وهب:
ضحوك لسؤاله ... قطوب إذا لم يسل
كأن نعم نحلة ... تمجّ بفيه العسل (4)
__________
(1) مجولا: المجول والمجل: خشونة في الجلد وثخن وتغجر يأتي عادة أثر العمل.
(2) الحطمة: السنة الشديدة القاسية لأنها تحطم كل شيء وقيل لا تسمى كذلك إلا في الجدب المتوالي وأصابتهم حطمة أي سنة وجدب شديد.
(3) سيب عطائه: السيب العطاء والعرف والنافلة والجمع سيوب وقيل هي الركائز لأنها من سيب الله وعطائه.
(4) مجّ: يقال مجّ الشراب أو الشيء وبه من فمه رمى به. ويقال على الإستعارة هذا كلام تمجّه الأسماع أي تقذفه وتستكرهه فهو ممجوج.(4/359)
21 - الجاحظ: مررت بحجام (1) يحجم حجاما أيام قتل المخلوع وهو يقول: سقط والله المأمون من عيني منذ قتل أخاه. فقلت: هلك والله المأمون إذ سقط من عين مثلك. فرفع الخبر إلى المأمون فوجه إليه بدرة (2)
وقال: إن رأيت أن ترضى عني فعلت. فقال: قد فعلت.
22 - قالوا: ما بلغ أحد من ولد خالد بن برمك مبلغه في رأيه وجوده وبأسه ونزاهته. وكان يحيى بن خالد يقول: ما أنا إلا شرارة من نار أبي العباس.
23 - قيل لداود الطائي: أي الناس أسخى (3)؟ فذكر خالد بن برمك فقيل: قد وصل الفضل بن يحيى منذ نزل النهروان (4) إلى أن دخل خرامان (5) بثمانين ألف ألف درهم. قال: ما بلغ ذاك يوما من أيام خالد.
24 - قيل للعباس (6): ما المروءة؟ قال: ترك اللذة، قيل: فما اللذة؟ قال: ترك المروءة.
__________
(1) حجام: من يتعاطى الحجامة وهي المداواة والمعالجة بالحجم وهو آله كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيجا ويجذب الدم أو المادة بقوة جمعها محاجم.
(2) بدرة: البدرة عشرة آلاف درهم. وقيل هي كمية عظيمة من المال. وقيل هي الكيس الموضوعة فيه.
(3) أسخى: أكثر سخاء وجودا.
(4) النهروان: هي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي. حدها الأعلى متصل ببغداد وفيها عدة بلاد متوسطة. كان بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الخوارج مشهورة. وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب.
(5) خرامان: جبل على ثمانية أميال من العمرة التي يحرم منها أكثر حاج العراق ومنها يعدل أهل البصرة عن طريق أهل الكوفة.
(6) ربما كان العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المتقدمة ترجمته.(4/360)
25 - وقف أعرابي على محمد بن معمر (1) وكان سخيا فسأله، فخلع خاتمه وأعطاه وقال: لا تخدعن عن هذا الفص فانه قام عليّ بمائة دينار.
فهشم الأعرابي الخاتم وقلع فصه وقال: دونكه (2)، فالفضة تكفيني أياما.
فقال: هذا والله أجود مني.
26 - زرعة التغلبي (3):
ذريني تجد كفي بمالي أنني ... سأصبح لا أسطيع جودا ولا بخلا
إذا وضعوا فوق الضريح جنادلا ... عليّ وخليت النجيبة والرحلا (4)
27 - أبو العيناء (5): تذاكروا السخاء فاتفقوا على آل المهلب في الدولة المروانية، وعلى البرامكة في الدولة العباسية. ثم اتفقوا على أن أحمد بن أبي دؤاد أسخى منهم جميعا وأفضل.
28 - ابن سيرين: قدم رجل من أهل المدينة بسكر فكسد عليه، فاشتراه منه عبد الله بن جعفر وأنهبه الناس.
29 - بهرام بن هرمز: المروءة اسم جامع للمحاسن كلها.
30 - النجاشي: لا جود مع تبذير (6)، ولا بخل مع اقتصاد.
31 - حسان بن تبع (7): العرف حصن النعم.
__________
(1) محمد بن معمر: ربما كان محمد بن معمر بن عثمان التيمي القرشي. من أسرة معروفة بالشجاعة والجود لم نقع لمحمد هذا على ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر.
(2) دونكه: يقال: دونك الشيء ودونه به أي خذه ويقال في الإغراء بالشيء دونكه.
(3) زرعة التغلبي: لم نقع له على ترجمة.
(4) الجندل: الحجارة: وقيل ما يقل الرجل من الحجارة وقيل هو الحجر كله: الواحدة جندلة والجمع جنادل.
النجيب من الإبل والجمع نجب ونجائب وهو القوي منها الخفيف السريع.
(5) أبو العيناء: هو أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد المتقدمة ترجمته.
(6) تبذير: من بذّر ماله: أفسد وأنفقه في السرف. وكل ما فرقته وأفسدته فقد بذّرته.
(7) حسان بن تبع: هو حسان بن تبع أسعد أبي كرب الحميري من أعظم تبايعة اليمن في الجاهلية يقال أنه أول من كسا الكعبة. كان يكره الأوثان وحارب الوثنيّة واتخذ مدينة مأرب لسكانه شتاء وظفار لسكناه صيفا. وبنى في مأرب دارا لتربية أبناء الملوك من حمير وهو الذي قضى على قبائل جديس باليمامة بعد طغيانهم على طسم. قتله أخوه عمرو في مؤامرة عليه مع بعض القادة.
راجع ترجمته في الأعلام 2: 187. وتاريخ الطبري وابن الأثير.(4/361)
32 - مر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز بأعرابية، فذبحت له عنزا، فقال لابنه معاوية (1): ما معك من النفقة؟
قال: مائة دينار، قال: ادفعها إليها، فقال: هذه يرضيها اليسير ولا تعرفك. قال: إن كانت ترضى باليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفنني فأنا أعرف نفسي.
33 - الكريم يكرم وأن افتقر، كالأسد يهاب وإن كان رابضا. واللئيم يهان وإن أيسر، كالكلب يخسأ (2) وإن طوق وحلي.
34 - بعض العرب:
أبيت خميص البطن غرثان طاويا ... وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي (3)
وامنحه فرشي وأفترش الثرى ... وأجعل قرّ الليل من دونه لبسي
__________
(1) معاوية: هو هنا معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة كان من قواد أبيه حين ولي خراسان استخلفه أبوه على سمرقند وبخارى حين سا لقتال صول سنة 98هـ. عمل على هرب أبيه من سجن عمر بن عبد العزيز وصحبه إلى البصرة. كما استخلفه أبوه على واسط حين أراد الشخوص إلى حرب مسلمة بن عبد الملك وجيش الشام سنة 102هـ. لعله قتل مع من قتل من آل المهلب في قندابيل سنة 102هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري حوادث سنة 98هـ و 102.
(2) خسأ: الخاسىء من الكلاب والخنازير والشياطين. البعيد الذي لا يترك أن يدنو منه الإنسان والخاسىء: المطرود. وقيل خسأت الكلب: طردته وأبعدته.
(3) خمص: الخمصان: الجائع الضامر البطن والأنثى خمصانة وجمعها خماص.
غرثان: الغرث: أيسر الجوع وقيل شدته وقيل هو الجوع عامة. هو غرثان وهي غرثى.
حذار أحاديث المحافل في غد ... إذا ضمني يوما إلى صدره رمسي (1)
35 - عظم على طيء موت حاتم فادعى أخوه أن يبلغه (2)، فقالت أمه. هيهات (3)، فشتان ما بين خلقيكما، وضعته فبقي سبعة أيام لا يرضع، حتى ألقمت أحد ثدبي طفلا من الجيران، وكنت أنت راضعا أحدهما وآخذا الآخر بيدك، فأنّى لك؟.(4/362)
__________
غرثان: الغرث: أيسر الجوع وقيل شدته وقيل هو الجوع عامة. هو غرثان وهي غرثى.
حذار أحاديث المحافل في غد ... إذا ضمني يوما إلى صدره رمسي (1)
35 - عظم على طيء موت حاتم فادعى أخوه أن يبلغه (2)، فقالت أمه. هيهات (3)، فشتان ما بين خلقيكما، وضعته فبقي سبعة أيام لا يرضع، حتى ألقمت أحد ثدبي طفلا من الجيران، وكنت أنت راضعا أحدهما وآخذا الآخر بيدك، فأنّى لك؟.
36 - أبو العباس السفاح: إني لأعجب من إنسان يفرحه إنسان فيمكنه أن يكافئه ولا يكافئه على ما أدخل عليه من السرور، أو بجعل ثوابه تسويفا وعدة. فكان لا يصدر عن السفاح أحد ممن يسره بمدح أو غيره إلا بحباء (4). ولم تر هذه الفضيلة في عربي ولا عجمي غيره.
37 [شاعر]:
يقول في العسر إن أيسرت ثانية ... أقصرت عن بعض ما أهدي وما أهب
حتى إذا عاد أيام اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تنتهب
38 - سئل إسحاق الموصلي عن المخلوع فقال: ما كان أعجب أمره كله، فأما المتبذل فما كان يبالي أين قعد مع جلسائه، وكان أعطاهم للذهب والفضة، أراد سليمان بن أبي جعفر (5) الإنصارف ليلة فقال له: الماء
(1) رمسي: الرمس: الصوت الخفي ورمس الشيء يرمسه رمسا طمسه وأخفى أثره.
وكل شيء نثر عليه التراب فهو مرموس وقد سمى القبر رمسا.
(2) يبلغه: أي يدانيه يساويه في المرتبة.
(3) هيهات: كلمة معناها البعد. وقيل هيهات كلمة تبعيد واتفق أهل اللغة أن التاء من هيهات ليست بأصلية. أصلها هاء.
(4) الحباء: ما يحبوبه الرجل صاحبه ويكرمه به.
والحباء من الإحتباء. وحبا الرجل حبوة أي أعطاه. وقيل الحباء العطاء بلا منّ ولا جزاء. وقيل حباه: أعطاه ومتعه ومنع اشتقت المحاباة.
(5) سليمان بن أبي جعفر المنصور: زوجه الرشيد أخته العباسة سنة 187هـ وكان عاملا على دمشق سنة 195هـ مات سنة 199هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 9: 24وتاريخ الطبري وابن الأثير.(4/363)
أحب إليك أم الظهر؟ فقال: الماء ألين عليّ. قال: أوقروا له زورقه ذهبا، وأمر لي بألف ألف درهم.
39 - كان هشام بن حسان إذا ذكر يزيد بن المهلب يقول: أن كادت السفن لتجري في جوده.
40 - شكا سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان (1) إلى سليمان ابن عبد الملك موسى شهوات (2) وقال: قد هجاني (3). فاستحضره وقال:
أتهجو سعيدا؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنا أخبرك الخبر، عشقت جارية مدنية فأتيت سعيدا فقلت له: أحب هذه الجارية، وإن مولاتها قد وقفت من ثمنها على مائتي دينار، فقال لي: بورك فيك. فقال سليمان: ليس هذا موضع بورك فيك. فأتيت سعيد بن خالد، فقال: يا جارية، هات مطرفا (4) فأتت بمطرف خز، فصر لي فيه في كل زاوية من زواياه مائتي دينار. فخرجت وأنا أقول:
أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد
ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد
__________
(1) سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان: هو سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان وأمه آمنة بنت سعيد بن العاص. وقد ورد هذا الخبر في الأغاني 3: 355352مع بعض الاختلاف في اللفظ.
(2) موسى شهوات: هو أبو محمد موسى بن يسار. نشأ وعاش بالمدينة نزل الشام في أيام سليمان بن عبد الملك فكان من شعرائه. أصله من أذربيجان وشهوات لقب له عرف به واختلفوا في سبب تلقيبه. مات نحو سنة 110هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 144. معجم الشعراء 1: 144وسمط اللآلي ص 807والأعلام 8: 287.
(3) هجاني: من هجاه يهجوه هجوا أو هجاء شتمه بالشعر. وهو خلاف المدح.
وقيل هو الوقيعة في الأشعار.
(4) المطرف: جمعه مطارف وهي إردية من خزّ مربّعة لها أعلام وقيل ثوب مربع من خز له أعلام وقيل المطرف من الثياب ما جعل في طرفيه علمان.
عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد (1)
ذروه ذروه أنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود (2)
41 - أم سعيد العثماني بنت سعيد بن العاص (3) فلذلك قال: ابن بنت سعيد. وأم سعيد بن خالد عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية أخت طلحة الطلحات (4) فقال سليمان: قل ما شئت. ولده حتى الساعة يعرفون بني عقيد الندى.(4/364)
__________
(4) المطرف: جمعه مطارف وهي إردية من خزّ مربّعة لها أعلام وقيل ثوب مربع من خز له أعلام وقيل المطرف من الثياب ما جعل في طرفيه علمان.
عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد (1)
ذروه ذروه أنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود (2)
41 - أم سعيد العثماني بنت سعيد بن العاص (3) فلذلك قال: ابن بنت سعيد. وأم سعيد بن خالد عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية أخت طلحة الطلحات (4) فقال سليمان: قل ما شئت. ولده حتى الساعة يعرفون بني عقيد الندى.
42 - كان يقال للفضل بن يحيى حاتم الإسلام وخاتم الأجواد. وكان يقال: حدث عن البحر ولا حرج وعن الفضل ولا حرج.
43 - أكثم بن صيفي: عليكم بالمنائح (5) الكريمة فإنها مدارج الشرف.
لا تغفل مروءتك وإن قرع الدهر مروتك (6).
44 - كان يقال: من جاد بماله جاد بنفسه، وذلك أنه جاد بما لا قوام لنفسه إلا به.
45 - وقف سائل على المطلب بن حنطب (7)، فأخرج كيسا فيه
(1) عقيد الندى: أي ملازم للكرم يقال فلان عقيد الكرم وعقيد اللؤم. وفي حديث:
الخيل معقود بنواصيها الخير: أي ملازم لها كأنه معقود فيها.
(2) ذروه بمعنى دعوة اتركوه. وقد وردت في الأغاني (دعوه دعوه إنكم قد رقدتم).
(3) سعيد بن العاص: هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص المتقدمة ترجمته.
(4) عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية: هي أخت طلحة الطلحات المتقدمة ترجمتها وعائشة: هذه لم نقع لها على ترجمة في ما بين أيدينا من مراجع.
(5) منائح: مفردها منيحة. وهي فيحة اللبن كالناقة أو الشاة، تعطيها غيرك يحتلبها ثم يردها عليك. وقد جاء في الحديث: أفضل الصدقة المنيحة تغدو بعشاء وتروح بعشاء.
(6) مروتك: المروة حجر أبيض برّاق تكون فيه النار وقيل المروة حجر أبيض رقيق يجعل منها المطار يذبح بها. وتكون المروة مثل جمع الإنسان وأعظم وأصغر.
(7) المطلب بن حنطب: هو المطلب بن عبد الله بن حنطب المتقدمة ترجمته.(4/365)
خمسمائة درهم فدفعه إليه، فبكى. فقال: ما يبكيك؟ استقللت؟ قال:
لا، ولكني أنفس على التراب أن يأكل مثلك.
46 - المدائني: إنما سمي طلحة بن عبيد الله الخزاعي طلحة الطلحات لأنه اشترى مائة غلام وأعتقهم وزوجهم، فكل مولود له سماه طلحة.
47 - قدم نهيك بن مالك القشيري (1) الملقب بمنهب الورق (2) مكة بعير عليها طعام ومتاع فأنهبه. وقد أنهب ماله بعكاظ (3) ثلاث مرات.
فعاتبه خاله فقال:
يا خال ذرني ومالي ما فعلت به ... وخذ نصيبك منه إنني مودي
إن نهيكا أبى إلا خلائقه ... حتى تبيد جبال الحرة السود (4)
فلن أطيعك إلا أن تخلدني ... فانظر بكيدك هل تستطيع تخليدي
الحمد لا يشترى إلا له ثمن ... ولن أعيش بمال غير محمود
48 - ماله معرّس الحقوق (5):
__________
(1) مالك القشيري: لم نقع له على ترجمة.
(2) الورق: الفضة والدراهم من الفضة.
(3) عكاظ: واد بين نخلة والطائف به كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء وهو أعظم أسواق العرب وكانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة وهو بمر الظهران فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز وهو خلف عرفة فتقيم فيه إلى أيام الحج وكانت قبائل العرب تجتمع بسوق عكاظ في كل سنة ويتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون راجع معجم البلدان.
(4) الحرة: قال صاحب كتاب العين: الحرّة أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار وقال الأصمعي: الحرّة الأرض التي ألبستها الحجارة السود.
(5) معرس الحقوق: معرّس على وزن معظم موضع التعريس والتعريس: النزول في آخر الليل للاستراحة وقوله ما له معرّس الحقوق يريد أن ماله مقصد أصحاب الحقوق.(4/366)
49 - كان محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة (1) سيد أهل الكوفة، وكان على أذربيجان في أيام ابن الزبير، وهو من الأسخياء الكرام حمل في يوم واحد على ألف قارح (2).
50 - وسمعت الأمير الشريف ذا المناقب عليّ بن عيسى بن حمزة بن وهاس الحسنى أدام الله تأييده يقول: رأيت أمير مكة قاسم بن أبي هاشم (3)
حمل في غداة واحدة على مائة وعشرين من العراب (4).
51 - محمد بن عمران التيمي (5): ما شيء أشد حملا من المروءة.
ثم قال: المروءة أن لا تعمل شيئا في السر تستحي منه في العلانية.
__________
(1) محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة: هو محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي الدارمي من أشراف أهل الكوفة وأجوادهم ولد في عصر النبوّة وكان أحد أمراء الجند في صفين مع الإمام علي وله مع الحجاج أخبار. يعدّ من أجواد الإسلام.
راجع ترجمته في الأعلام 7: 211والإصابة 6: 196ولسان الميزان 5: 330.
(2) قارح: القارح من ذي الحافر بمنزلة البازل من الإبل: قال ابن الأعرابي إذا دخل الفرس في السادسة واستتم الخامسة فقد قرح وهو قارح.
(3) قاسم بن أبي هاشم: هو القاسم بن محمد أبي هاشم بن جعفر العلوي الحسني شريف من أمراء أمراء مكة وليها بعد أبيه سنة 487هـ وانتزعت منه فاستردها بعد معركة سنة 488هـ واستمر أميرا عليها إلى أن توفي سنة 518هـ وكان أديبا شاعرا.
راجع ترجمته في الأعلام 6: 17وخلاصة الكلام ص 19وتاريخ الدول الإسلامية ص 143.
(4) العراب: الخيل العراب: الخيل العربية: منسوبة إلى العرب وليس فيها عرق هجين. وهي خلاف البراذين. والإبل العراب: الإبل العربية وهي خلاف البخاتي.
(5) محمد بن عمران التميمي: هو أبو سليمان محمد بن عمران بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التميمي من سراة قريش من أهل المدينة كان على قضاء المدينة في أيام المنصور العباسي كان ذا أثر في تهدئة الموالي في المدينة بعد قتل محمد بن عبد الله النفس الزكية عام 145هـ كان ضخم الجثة.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 2: 176والأغاني وتاريخ الطبري حوادث سنة 145144هـ.(4/367)
52 - كان جعفر بن محمد يقول: اللهم ارزقني مواساة من قترت عليه رزقك بما وسعت على من فضلت.
53 - قيل لأنوشروان: ما الجود الذي يسع الناس كلهم قال: إرادة الخير لجميعهم، وبسط الوجه لهم.
54 - له نفس فيحاء لا تضيق بالبذل، وأذن صماء لا تصيخ إلى العذل (1).
55 - بعض العرب: يا بني، لا تزهدنّ في معروف، فإن الدهر ذو صروف (2)، كم راغب كان مرغوبا إليه، وطالب كان مطلوبا ما لديه، وكن كما قال أخو بني الديل (3):
وعد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغبا ... فإنك لا تدري متى أنت راغب
56 - لا يترك قضاء حقوق الكرام وإن أخذ الإفلاس منه بالكظم (4).
57 - حظ نفسه من نعمته حظ ناره من وجنته.
58 - يحيى البرمكي: أعط من الدنيا وهي مقبلة، فإن ذلك لا ينقصك منها شيئا. فكان الحسن بن سهل يتعجب من ذلك ويقول: لله دره! ما أطبعه على الكرم وأعلمه بالدنيا!.
وقد أمر يحيى من نظمه فقال:
__________
(1) فيحاء: واسعة ومعناها هنا كثيرة العطايا.
اصاخ إليه يصيخ إصاخة استمع وأنصت لصوته.
العذل: اللوم. والملوم والمليم. من استحق اللوم.
(2) صروف: صروف الدهر: حدثانه ونوائبه ذلك أن الدهر يصرف الأشياء عن وجوهها.
(3) أخو بني الديل: المقصود به هو أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو المتقدمة ترجمته.
(4) الكظم: الكظم: بفتحتين الحلق أو الفم أو مخرج النفس وجمعه كظام ولعل كلمة كظام ولعل كلمة كظام هي المطلوبة حتى يستقيم السجع من (الكرام).(4/368)
لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف
فإن تولت فأخرى أن تجود بها ... فالشكر منها إذا ما أدبرت خلف
59 - أحمد بن إبراهيم العبرتاني (1):
لا تكثري في الجود لائمتي ... وإذا بخلت فأكثري لومي
كفي فلست بحامل أبدا ... ما عشت هم غد على يومي
60 - زهير (2):
الناس فوجان في معروفه شرع ... فصادر مرتو أو قارب يرد (3)
61 - علي رضي الله عنه: كن سمحا ولا تكن مبذرا، وكن مقدرا (4) ولا تكن مقترا.
62 - وعنه رضي الله عنه: لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه.
63 - قيل للأحنف: ما الإنسانية؟ قال: التواضع عند الرفعة،
__________
(1) أحمد بن إبراهيم العبرتاني: العبرتاني نسبة إلى عبرتا وهي قرية كبيرة من أعمال بغداد من نواحي النهروان بين بغداد وواسط وقد نسب إليها من الرواة والأدباء خلق كثير ولم نقع لأحمد هذا على ترجمة.
(2) زهير: هو زهير بن أبي سلمى من شعراء الجاهلية ومن أصحاب المعلقات كان أبوه شاعرا وخاله شاعرا وأخته سلمى شاعرة وابناه كعب وبجير شاعرين واخته الخنساء شاعرة.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 87. خزانة البغدادي 1: 375والشعر والشعراء ص 8886.
(3) شرع بفتح الشين والراء: سواء يقال نحن في هذا شرع سواء وشرع واحد أي سواء لا يفوق بعضنا بعضا يحرّك ويسكن والجمع والتثنية والمذكر والمؤنث فيه سواء.
القارب بكسر الراء: طالب الماء ليلا ولا يقال ذلك لطالب الماء نهارا.
(4) كن مقدرا: قدر الرزق يقدره: قسمه والقدر والقدرة والمقدار: القوة.
يقال رجل ذو مقدرة أي ذو يسار وذو غنى.(4/369)
والعفو عند القدرة. والعطاء بغير منة (1).
64 - لقي سليمان بن المغيرة (2) شعبة (3)، فشكا إليه الحاجة، وكان راكب حمار، فقال: والله ما أملك من الدنيا إلا هذا الحمار. فنزل عنه ودفعه إليه.
65 - الشافعي رحمة الله عليه قال لابنه: والله لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي ما شربته إلا حارا حتى أفارق الدنيا.
66 - جعفر بن محمد: نظرت في المعروف فوجدته لا يتم إلا بثلاث: تعجيله، وستره، وتصغيره (4). إنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته تممته، وإذا صغرته عظمته.
67 - دخل أعرابي على داود بن يزيد (5) وهو بالسند، فقال: أيها الأمير، تأهب لمديحي. فلبس سواده وتقلد سيفه وخرج، فقال: يا أعرابي، لقد أخذت أهبتي، فو الله لئن أحسنت لأحسنن إليك، ولئن أسأت فلأمثّلنّ (6) بك. فقال:
فتى تهرب الأموال من جود كفه ... كما يهرب الشيطان من ليلة القدر
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
__________
(1) المنّة: من منّ عليه يمنّ منّا أحسن وأنعم. وإذا قيل امتنّ وتمنّن معنى ذلك قرّعة بمنّة.
(2) سليمان بن المغيرة: هو سليمان بن المغيرة القيسي أبو سعيد البصري من أفاضل أهل البصرة وثقات رواة الحديث. مات سنة 165هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 38وتهذيب التهذيب 4: 220.
(3) شعبة: هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي البصري المتقدمة ترجمته.
(4) التصغير: التصغير يجيء بمعان شتى منها ما يجيء على التعظيم لها ومنها ما يجيء بمعنى التقرب وهو المقصود هنا.
(5) داود بن يزيد: هو داود بن يزيد بن حاتم بن المهلب بن أبي صفرة المتقدمة ترجمته.
(6) لأمثّلنّ بك: مثل بالرجل يمثل مثلا ومثلة نكّل به وهي المثلة والمثلة. التعذيب.(4/370)
وراحته لو أن معشار عشرها ... على البر كان البر أندى من البحر
فقال: أحسنت، فاحتكم (1) إن شئت، أو فوض الحكم إلينا قال: بل احتكم. فاحتكم لكل بيت ألف درهم. فقال داود: لو فوضت الحكم إلينا لكان خيرا لك. فقال الأعرابي: لم يكن عند الأمير ما يسعه حكمه. فقال: أنت في هذا أشعر منك في شعرك. وأمر له مكان كل ألف بأربعة آلاف.
68 - كان يقال: لو سقط المعروف ما سقط إلا متكئا.
69 [شاعر]:
ذهاب المال في حمد وأجر ... ذهاب لا يقال له ذهاب
70 - أبو داود بن جرير (2):
الجود أخشن مسا يا بني مطر ... من أن يبزكموه كف مستلب
ما أعلم الناس أن الجود مدفعة ... للذم لكنه يأتي على النشب (3)
71 - سئل أعرابي عن المروءة فقال: لا يمر بك أحد إلا ناله رفدك (4)، ولا تمر بأحد إلا رفعت نفسك عن رفده.
72 - في الحديث المرفوع: أفضل الصدقة جهد المقل.
73 - قال الرشيد لجعفر بن يحيى في سفر له إلى الرقة (5): أعدل بنا
__________
(1) احتكم: يقال حكّمته في شيء إذا جعلت إليه الحكم فيه فاحتكم عليّ في ذلك.
واحتكم فلان في مال فلان إذا جاز في حكمه. والمحاكمة: المخاصمة إلى الحاكم.
(2) أبو داود بن جرير: لم نقع له على ترجمة.
(3) النشب: يقال: النشب والمنشبة: المال الأصيل من الناطق والصامت يقال فلان ذو نشب قيل المال والعقار.
(4) الرفد: بالكسر: العطاء والصلة رفدة: أعطاه وترافدوا: أعان بعضهم بعضا.
(5) الرقة: مدينة مشهور على الفرات معدودة في بلاد الجزيرة لأنها من جانب الفرات الشرقي والرقة أيضا: البستان المقابل للتاج من دار الخلافة ببغداد وهي بالجانب الغربي.(4/371)
عن غبار العسكر. فمالا عنه، فأصاب الرشيد جوع شديد، فعدل إلى خيمة أعرابي فاستطعم، فأتاه بكسيرات خبز يابس، فقال جعفر: قد تبذل الأعرابي فيما قدم. فقال الأعرابي: مهلا ويحك! فإن الجود بذل الموجود. أما سمعت قول الشاعر:
وما ذاك من بخل ولا من ضراعة ... يلام على معروفه وهو محسن (1)
ألم تر أن المرء من ضيق عيشه ... ولكن كما يزمر له الدهر يزفن (2)
فقال الرشيد: صدق الأعرابي وأحسن. ثم أمر له بعشرة آلاف درهم.
74 - خرج الوليد بن يزيد بن عبد الملك متصيدا، فانفرد مع الحسين ابن عبيد الكلابي (3)، وجاع فقدم إليه نبطى خبز شعير وكراثا (4) وزيتا رثيثا. فقال الحسين:
إن من يطعم شيئا مع الزيت ... بخبز الشعير والكراث
لحقيق بلطمة أو بثنتين ... لقبح الصنيع أو بثلاث
فقال الوليد: مه، قبحك الله! فإن الجود بذل المجهود، هلا قلت:
لحقيق ببدرة أو بثنتين ... لحسن الصنيع أو بثلاث
وأمر له بثلاث بدر.
75 - فيلسوف: آفة الجود الخطأ بالمواضع.
__________
(1) الضراعة: الذل والخضوع. وضرع فلان لفلان إذا ما تذلل له وتخشع وسأله أن يعطيه.
(2) يزفن: يزفن: يرقص. والزفن هو الرقص أو شبيه بالرقص.
(3) الحسين بن عبيد الكلابي: لم نقع له على ترجمة في ما بين أيدينا من مصادر.
(4) الكراث: ضرب من النبات ممتد أهدب إذا ترك خرج من وسطه طاقة فطارت واحدته كراثة.(4/372)
76 - أنوشروان: اصطناع السفلة خطيئة كبيرة، وندم في العواقب.
77 - قرىء على شيخ شامي مآثر غطفان (1)، فقال: ذهبت المكارم إلا من الكتب.
78 - محمد بن عمران التيمي: إنّا والله لا نجمد عند الحق، ولا نذوب عند الباطل.
79 - كان عبد العزيز بن مروان: يعطي الناس صنوف العطايا، فقام مصري فقال: أصلح الله الأمير، وجدنا لزهير بيتا في وصف النعمان واعطائه ضربا من العطايا ما ذكر لغيره، وأنشده:
فأين الذي قد كان يعطيهم القرى ... بغلاتهن والحسان الغواليا (2)
فتبسم عبد العزيز، وأمر له بثلاث قريات.
80 [شاعر]:
ومعشر صيد ذوي تجلة ... ترى عليهم للندى أدلة (3)
81 - غيره:
فليت عن العلى وربأت فيها ... فلم أر كالصنائع في الكرام (4)
82 - كسرى: اجتماغ المال عند الأسخياء أحد الخصبين، واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين.
83 - أعرابي: لوقوع فلان في ضحضاح معروفه لغرق (5).
__________
(1) غطفان: غطفان محركة: حي من قيس وهو غطفان بن سعد بن قيس عيلان.
(2) القرى: ما يقدم للضيف: واستقرى طلب الضيافة واقترى أضاف.
(3) التجلة: التعظيم: جلّ الشيء يجل جلالا وجلالة إذا عظم والأنثى جليلة.
(4) فليت: يقال فليت الأمر إذا تأملت وجوهه ونظرت إلى عاقبته.
ربأ أشرف وارتفع ليطلع: يربؤ ربئا وربئا.
(5) الضحضاح والضحضح: الماء القليل يكون في الغدير وغيره.
والضحل: مثله وقيل هو الماء اليسير وقيل هو ما لا غرق فيه ولا غمر.(4/373)
84 - بعض السلف: الأيدي ثلاث: يد بيضاء وهي الابتداء بالمعروف، ويد خضراء وهي المكافأة، ويد سوداء وهي المن.
85 - كتب كلثوم بن عمرو إلى كريم رقعة في آخرها:
إذا تكرهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
بثّ النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود
نشاطره ماله، حتى بعث إليه نصف خاتمه وفرد نعليه.
86 - باع عبد الله بن عتبة بن مسعود (1) أرضا له بثمانين ألفا، فقيل له: واتخذت لولدك من هذا المال ذخرا، قال: بل أجعله ذخرا (2) لي عند الله، واجعل الله ذخرا لولدي. وقسمه بين ذوي الحاجة.
87 - استحمل رجل معن بن زائدة (3)، فقال: يا غلام، أعطه بعيرا وبرذونا وفرسا وبغلا وجارية، ولو وجدنا مركوبا غير هذا لأعطيناك.
88 - يحيى بن خالد: ما سقط غبار موكبي على لحية أحد إلا أوجبت حقه.
89 - الحسن: لا يرد الأمراء إلا مراء أو أحمق.
90 - أعرابي: إذا أوقدوا شبوا (4)، وإذا اصطنعوا ربوا.
91 - بعض السلف: صاحب المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكئا.
__________
(1) عبد الله بن عتبة بن مسعود: هو عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي من أهل المدينة وسكن الكوفة ولد في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم استعمله عمر بن الخطاب على السوق.
كان ثقة رفيعا كثير الحديث والفتيا فقيها كما كان يؤم الناس بالكوفة مات سنة 74هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 100وتهذيب التهذيب 5: 311وطبقات ابن سعد 5: 42.
(2) ذخرا: من ذخر الشيء يذخره ذخرا: أختاره واتخذه والذخيرة هي ما ادّخر.
(3) معن بن زائدة: هو معن بن زائدة الشيباني المتقدمة ترجمته.
(4) شب: يقال شب النار والحرب أوقدها وأشعلها.(4/374)
92 - كان خالد بن عبد الله يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها. فقال له أسد بن عبد الله. وقد وفد عليه من خراسان: هدأة أيها الأمير، إن الودائع إنما تجمع ولا تفرق. قال:
ويحك! إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق (1)
فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيها الأمانة.
93 - مالك بن دينار: لو كنت شاعرا لرثيت المروءة.
94 - المهلب: العجب لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بفعاله؟.
95 - أبو دلف العجلي:
إن المكارم كلها حسن ... والجود أحسن ذلك الحسن
كم عارف بي لست أعرفه ... ومخبر عني ولم يرني
96 - نزل بأبي البختري وهب بن وهب القرشي (2) ضيف، فسارع إلى إنزاله عبيده وخدمه، وخدموه أحسن خدمة، وفعل به هو كل جميل.
فلما هم بالرحيل لم يقربه أحد منهم وتحاموه، فأنكر ذلك، فقالوا: نحن إنما نعين النازل (3) على الإقامة ولا نعينه على الرحيل. فبلغ ذلك أحد القرشيين فقال: لفعل هؤلاء العبيد أحسن من رفد سيدهم.
__________
(1) ملق: من أملق الرجل فهو مملق أي فقير من المال أو من نفذ ماله والفقر تابع لذلك وقد استعمل لفظ السبب في موضع المسبب حتى صار به أشهر.
(2) وهب بن وهب القرشي: هو وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود ينتهي به النسب إلى قصي بن كلاب. من أهل المدينة وسكن بغداد وكان جوادا سمحا كريما يتهلل بشرا عند طلب الحاجة إليه. توفي في بغداد سنة 200هـ.
راجع ترجمته في رغبة الآمل 5: 88وميزان الإعتدال 4: 353والأعلام 9: 150.
(3) النازل: من نزل نزولا والنزول الحلول وقد نزل بهم وعليهم. والنزل المنزل.(4/375)
97 - الأحنف: ما شاتمت (1) منذ كنت رجلا، ولا زحمت ركبتاي ركبتيه، وإذا لم أصل مجتدي (2) حتى ينتح (3) جبينه عرقا كما ينتح الحميت فو الله ما وصلته.
98 - استسرف الحسن والحسين عبد الله بن جعفر في الجود، فقال: بأبي أنتما وأمي، إن الله عودني أن يفضل عليّ، وعودته أن أفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فينقطع مني.
99 - الأصمعي: اجتمع الناس في جامع البصرة للصلح بين أحياء، فبعثت وأنا غلام إلى عبد الله بن عبد الرحمن القعقاعي (4)، فوجدته في شلمة (5) يخلط بزرا لعنز، فأخبرته، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصحفة وأني بتمر وزيت، فدعاني، فقذرته (6)، فأكل وغسل يده بطين ملقى في الدار، ثم دعا بالماء فشرب ومسح فضله على وجهه. ثم قال:
الحمد لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى تؤدي شكر هذه النعم؟ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين، ومشى إلى القوم، فما بقيت حبوة (7) إلا حلت أعظاما له. ثم جلس فتحمل ما كان بين الأحياء، فلم أر
__________
(1) شاتم: الشتم قبيح الكلام وليس فيه قذف. والشتم السب والتشاتم: التساب.
(2) مجتدي: المجتدي: الإنسان السائل الطالب للجدوى وهي العطيّة.
(3) نتح: النتح: العرق: وقيل خروج العرق من الجلد وقيل من أصول الشعر.
(4) عبد الله بن عبد الرحمن القعقاعي: ربما كان من نسل القعقاع بن معبد بن زرارة التميمي الدارمي أو لعله من نسل القعقاع بن عمرو بن معبد التميمي وكان من الفرسان الشجعان اشترك في القادسية وغيرها من الفتوح. ولم نقع على ترجمة لعبد بن عبد الرحمن هذا في ما تيسر بين أيدينا من مراجع.
(5) شملة: الشملة: هي كساء واسع يشتمل به جمعها شملات.
(6) قذرته: من قذر قذرا وقذارة ضد نظف. كان وسخا فهو قذر. وقذر الشيء كرهه واجتنبه واستقذره.
(7) حبوة: يقال حبوة وحبوة: ما يحتبى به أي يشتمل به من ثوب أو عمامة جمعها حبى وحبى.(4/376)
رجلا أحقر أولا وأجمل آخرا منه.
100 - وفد حاتم وأوس بن حارثة على عمرو بن هند (1): فقال لأوس: أأنت أفضل أم حاتم؟ فقال: أبيت اللعن، لو ملكني حاتم وولدي ولحمتي (2) لوهبنا في غداة واحدة. ثم دعا حاتما فقال: أنت أفضل أم أوس؟ فقال: أبيت اللعن، إنما ذكرت بأوس، ولأحد ولده أفضل مني.
101 - ويحكى أن النعمان بن المنذر وفدت عليه الوفود وفيهم أوس، فقال: احضروا غدا، فأني ملبس هذه الحلة أكرمكم. فتخلف أوس وقال: إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء أن لا أكون حاضرا، وإن كنت المراد فسأطلب. فلما ير الملك أوسا قال: قولوا له احضر آمنا ما خفت.
فلما لبس الحلة حسد، فقيل للحطيئة (3): أهجه ولك ثلاثمائة ناقة.
فقال: أأهجو من لا أرى في بيتي أثاثا ولا مالا إلا منه ثم قال:
كيف الهجاء وما تنفك صالحة ... من آل لام بظهر الغيب تأتيني
فقال بشر (4) أنا أهجوه لكم، فأخذ الإبل. فأغار عليها أوس فاكتسحها وطلبه.
__________
(1) عمرو بن هند: هو عمرو بن المنذر اللخمي ملك الحيرة في الجاهلية عرف بنسبته إلى أمه هند عمة امرىء القيس الشاعر تمييزا له عن أخيه عمرو الأصغر ابن أمامة. ملك بعد أبيه واشترك في وقائع كثيرة مع الروم والغساسنة وأهل اليمامة وهو صاحب صحيفة المتلمس والآمر بقتل طرفة بن العبد وفي أيامه ولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان شديد البأس كثير الفتك. قتله عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة نحو سنة 45قبل الهجرة.
راجع ترجمته في الأعلام 5: 261وتاريخ ابن خلدون 2: 265ومعجم الشعراء للمرزباني ص 405.
(2) لحمتي: لحمة الرجل بالضم قرابته.
(3) الحطيئة: هو أبو ملكية جرول بن أوس العبسي المتقدمة ترجمته.
وليس معقولا أن يكون الحطيئة قد أدرك عمرو بن هند وهو شاعر فلو صح ذلك لكان الحطيئة من المعمرين وهو ليس كذلك.
(4) بشر: هو بشر بن أبي خازم عمرو بن عوف الأسدي شاعر جاهلي من الشجعان من أهل نجد من بني أسد بن خزيمة. كان بشر قد هجا أوس بن حارثة بن لأم الطائي بخمس قصائد وغزا بشر طيئا فخرج وأسره بنو نبهان من طيء فركب أوس إليهم فاستوهبه منهم وكان قد نذر ليحرقنّه إن قدر عليه. فقالت له أمه سعدى قبّح الله رأيك أكرم الرجل وخلّ عنه فإنه لا يمحو ما قال غير لسانه ففعل وكساه وحمله وأمر له بمائة ناقة وأطلقه فانطلق لسان بشر يمدحه وقال فيه خمس قصائد محا بها الخمس الأولى.
راجع ترجمته في أمالي المرتضى 2: 114الموشح 59والأعلام 2: 27والشعر والشعراء ص 190.(4/377)
فجعل لا يستجير (1) بحي من أحياء العرب إلا قالوا: قد أجرناك من الجن والأنس إلا من أوس. وكان قد ذكر أمه في هجائه، وأتي به أسيرا، فاستشارها فقالت: أرى أن ترد عليه ماله وأنا أعطيه مثله، فأنه لا يمحو الهجاء إلا مدحه. ففعل، فقال: لا جرم والله، لا مدحت أحدا غيرك ما عشت. ثم مدحه فقال:
إلى أوس بن حارثة بن لام ... ليقضي حاجتي فيمن قضاها
فما وطأ الحصى مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها
102 - وفدت ليلى الأخيلية (2) على الحجاج فقالت فيه:
إذا ورد الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شقاها من الداء العقام الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
فقال: لا تقولي غلام، قولي همام. يا غلام أعطها خمس مائة.
فقالت: أيها الأمير اجعلها أدما (3). فقيل: إنما أمر لك بشاء. فقالت:
الأمير أكرم من ذاك. فجعلها إبلا إناثا.
__________
(1) استجار: يقال استجار فلانا: استغاث به والتجأ إليه واستجاره من فلان طلب منه أن يجيره ويعيذه منه.
(2) ليلى الأخيلية: هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال الأخيلية المتقدمة ترجمتها.
(3) أجعلها أدما: أدم بضم فسكون جمع أدم وأدماء هو وصف من الأدمة والأدمة في الإبل لون مشرب سوادا أو بياضا وقيل هو البياض الواضح وهي في الناس السمرة الشديدة وفي الظباء لون مشرب بياضا. والعرب تقول: قريش الإبل أدمها وصهبها فجعلوها خير الإبل كما أن قريشا خير القبائل.(4/378)
103 - إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم.
104 [شاعر]:
وسمت امرء بالعرف ثم اصطنعته ... ومن أكمل المعروف رب الصنائع (1)
105 - أبو الفياض الطبري (2):
والعز ضيف لا يراه بربعه ... من لا يرى بذل التلاد تلادا (3)
والجود أعلى كعب كعب قبلنا ... فمضي جوادا يوم مات جودا (4)
106 - آخر:
لا تضع المعروف في ساقط ... لذاك صنع ساقط ضالع
وضعه في حر كريم يكن ... عرفك مسكا عرفه ضائع (5)
107 - بعضهم: كنا عند سعيد بن أبي عروبة (6) في بيته، وفيه
__________
(1) الصنائع: جمع صنيعة وهي ما اصطنع من خير وما اعطيته واسديته من معروف.
ربّ الصنائع يربّها: حفظها ورعاها ورباها كما يربي الرجل ولده.
(2) أبو فياض الطبري: هو أبو الفياض سعد بن أحمد الطبري من شعراء طبرستان ذكره الثعالبي في اليتيمة 4: 52فقال: شاعر مفلق محسن مبدع ممتد الأوضاح والغرر في شعر الصاحب.
(3) التلاد: كل مال قديم من حيوان وغيره يورث عن الآباء وهو التالد والتليد وهو نقيض الطارف.
(4) الكعب من الإنسان: العظم الناشر: فوق قدمه. وأعلى كعبه رفعه وشرفه. ويقال رجل عالي الكعب إذا كان شريفا ظافرا وأعلى الله كعبه أي أعلى مجده.
مضى جوادا بفتح الجيم أي سخيا كريما ومات جوادا بضم الجيم وهو جهد العطش يقال جيد الرجل يجاد جوادا إذا عطش أو إذا جهده العطش. والجودة العطشة.
(5) العرف بضم العين: المعروف والجود وقيل هو اسم لما تبذله وتسديه. والعرف بفتح العين الريح طيبة كانت أو خبيثة: يقال ما أطيب عرفه وعرف المسك رائحته.
ضائع اسم فاعل من ضاعت الرائحة تضوع ضوعا نفحت وضاع المسك وتضوّع وتضيّع انتشرت رائحته.
(6) سعيد بن أبي عروبة: هو أبو النضر سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي البصري إمام أهل البصرة في زمانه وكان من ثقات أهل البصرة ولم يكن في الوقت أحفظ منه وله مصنفات كثيرة وكان أعرج واختلط بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن أخو النفس الزكية سنة 145هـ مات سنة 156هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 369وميزان الإعتدال 2: 151وطبقات ابن سعد 7/ 2: 33.(4/379)
حصير، وقفة فيها خبز، وجرة، إذ دخل رجل فمر إلى القفة فأكل، ثم شرب من الجرة، ثم خرج. فجعلنا نلتفت إليه. فقال سعيد: أي شيء تنظرون؟ فو الله ما أدري من هو، ولكن كذلك أدركنا.
108 - الجود والشجاعة ينبعان من عين واحدة وهي قوة النفس وبعد الهمة. وكانوا يقولون: لا يكون الشجاع إلا جوادا. حتى نقض ذلك عبد الله بن الزبير، فإنه كان شجاعا وكان يبخل. قال أبو تمام.
أيقنت أن من السماح شجاعة ... وعلمت أن من الشجاعة جودا
109 - علي رضي الله عنه: السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم.
110 - أبو الرميح حبيب بن شوذب الأسدي (1):
فك السري عن الندى أغلاله ... فجرى وكان مكبلا مغلولا (2)
وتعاقدا العقد الوثيق وأشهدا ... من كل قوم مسلمين عدولا
ووفي الندى لك بالذي عاقدته ... ووفي السري فما يريد بديلا
__________
(1) أبو الرميح حبيب بن شوذب الأسدي: لم نقع له على ترجمة. ويظهر من مدحه للسري بن عبد الله أمير مكة والحكم بن المطلب المخزومي أنه من أهل الحجاز وأنه عاش في صدر الدولة العباسية.
(2) السري: هو السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس الهاشمي من أمراء بني العباس وولاتهم ولّي خراسان سنة 141هـ واليمامة سنة 143هـ وولاه المنصور على مكة في سنة 145حج بالناس وعزله المنصور عن مكة سمنة 146.
راجع أخباره في الطبري وابن الأثير (فهر سيهما).(4/380)
وله في الحكم بن المطلب المخزومي:
أنت أنف الجود إن فارقته ... عطس الجود بأنف مصطلم (1)
أنت أنف الجود تنمى صاعدا ... للمعالي وابن عرنين الكرم
111 - بكر بن صرذ (2):
لجواد من بني مطر ... أتلفت كفاه ما صنعا
كلما عدنا لنائله ... افتررنا جوده جذعا (3)
112 - بشر بن مسعود البكري (4):
بحر إذا حلت الوراد ساحته ... لم تثنهم علل منه عن العلل (5)
113 - وأحسن منه قول أبي تمام في مديح كعب:
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته (6) المعروف والجود ساحله
__________
(1) مصطلم: الفعل صلم الشيء صلما: قطعه من أصله وقيل: الصلم قطع الأذن والأنف من أصلهما والاسطلام: الإستئصال واصطلم القوم: ابيدوا.
(2) بكر بن صرذ: لم نقع له في ما بين أيدينا من مصادر على ترجمة.
(3) افتررنا: يقال: فر الدابة يفرها فرا: كشف عن أسنانها لينظر ما سنها وقد يستعمل هذا الفعل بمعنى استنشق: يقال افتر الشيء استنشقه.
الجذع: بفتحتين: الصغير السن وهو في الإبل إذا استتم أربعة أعوام ودخل في الخامسة وفي الخيل إذا استتتم سنتين ودخل في الثالثة وكذلك في البقر. والجذع من الغنم والمعزى إذا استتم سنة ودخل في الثانية.
والمعنى هنا: اختبرنا جوده فكان الجذع شبابا.
(4) بشر بن مسعود البكري: لم نقع له على ترجمة.
(5) علل: العلل بكسر ففتح جمع علة وهي الحدث يشغل صاحبه ويمنعه عن فعل ما يريد.
والعلل بفتحتين: الشربة الثانية وقيل الشرب بعد الشرب تباعا. يقال علل بعد نهل.
(6) لجّته: لجّة البحر حيث لا يدرك قعره وقيل لجّ البحر الماء الكثير الذي لا يرى طرفاه والتجّ الأمر: عظم واختلط. ولجة الأمر معظمه وخص بعضهم به معظم البحر.(4/381)
كريم إذا ما جئت للعرف سائلا ... حباك بما تحوي عليه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله (1)
114 - محمد البجلي (2):
وله مواهب كلما نسبت ... فينا إليه زانها النسب
ومن المواهب ما يكدره ... ويشينه قدر الذي يهب
115 - أبو الخطاب الهذلي (3):
الجود طبع وما يستطيعه أحد ... إلا امرؤ أبواه الدين والكرم
116 - معن بن زائدة:
دعيني أنهب الأموال حتى ... أعف الأكرمين عن اللئام
117 - القضم البكائي (4):
وتندى البطاح البيض من جود خالد ... ويخصبن حتى نبتهن عميم (5)
__________
(1) البيتان الأول والثاني لأبي تمام. والبيت الثالث لزهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح بها حصن بن حذيفة بن بدر مطلعها:
صحا القلب من سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله
ويظهر أن هناك خلطا وقع أو أن هذا البيت من إضافة جاهل قرأ المخطوطة فخلط فيها.
(2) محمد البجلي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 421وقال: محمد البجلي الكوفي مأموني وذكر له بيتين وبعدهما هذان البيتان اللذان ذكرهما الزمخشري ثم قال: وكان البجلي هجاء للحسن بن رجاء بن أبي الضحاك فمن قوله له:
ما زلت تركب كل شيء قائم ... حتى اجترأت على ركوب المنبر
(3) أبو الخطاب الهذلي: لم نقع له على ترجمة في ما بين أيدينا من مصادر.
(4) القضم البكائي: لم نقع له على ترجمة.
(5) تندى: من ندي الشيء فهو ند وأرض نديّة وفيها نداوة. والندى على وجوه:
ندى الماء: وندى الخير. وندى الشر وندى الصوت وندى الحضر. وندى الدخنة.
فأما ندى الخير هنا وهو المقصود فهو المعروف ويقال أندى فلان علينا ندى كثيرا وإن يده لنديّة بالمعروف.(4/382)
أتى قيس بن جفاف البرجمي (1) حاتما يسأله في حمالة وقال:
حملت دماء للبواجم جمة ... فجئتك لما أسلمتني البراجم
وقالوا سفاها لم حملت دماءنا ... فقلت لهم يحمي الحمالة حاتم
متى آته فيها يقل لي مرحبا ... وأهلا وسهلا أخطأتك الأشائم (2)
فيحملها عني وإن شئت زادني ... زيادة من حيزت إليه المكارم (3)
يعيش الندى ما عاش حاتم طيء ... وإن مات قامت للسخاء مآتم
118 - بعضهم:
وأني امرؤ لا تستقر دراهمي ... على الكف إلا عابرات سبيل
119 - ابن الرومي:
العرف غيث وهو منك مؤمل ... والبشر برق وهو منك مشيم
ألقحت أمّ الجود بعد حيالها ... ونتجت بنت المجد وهي عقيم (4)
120 - حمل نصر بن أحمد (5) إبريق ذهب رفيع ونقش عليه بيتين
__________
(1) قيس بن خفاف البرجمي: هو أبو جبيل قيس بن خفاف البرجمي. ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 425وذكر له الخبر مع حاتم الطائي وأورد هذا الشعر. كان شريفا شاعرا شجاعا.
راجع ترجمته في الأغاني 8: 246ومعجم الشعراء ص 425وذكر
(2) أشائم: من شأم فلان على قومه يشأمهم فهو شائم إذ جرّ عليهم الشؤم وقد شئم عليهم فهو مشؤوم إذا صار شؤما عليهم. وطائر أشأم جار بالشؤوم ويقال هذا طائر أشأم وطير أشأم والجمع أشائم. والأشائم نقيض الأيامن.
(3) حيزت إليه المكارم: بمعنى حملت إليه المكارم. وقد وردت في الأغاني بهذا اللفظ.
(4) نتج: يقال نتجت الفرس والناقة إذا ولدت. يقال انتجت الناقة وهي نتوج إذا ولدت.
(5) نصر بن أحمد: هو نصر بن أحمد بن أسد بن سامان مؤسس الإمارة السامانيّة. فيما وراء النهر أصله من خراسان من بيت معروف ينسب إلى الأكاسرة ولي فرغانة بعد أبيه وسمرقند والشاش وعقد له المعتمد العباسي على ما وراء النهر سنة 261هـ فكانت له بخارى وغزنة. كان عاقلا أديبا شاعرا مات سنة 279هـ.(4/383)
للمرادي (1):
طالب الدنيا جميعا ... طالب ما ليس يوجد
إنما الدنيا عروس ... زوجها نصر بن أحمد
فأبصره نصر فقال: لمن البيتان؟ قالوا: لفلان. فأمر بحمل الإبريق إليه وقال: هو أولى به مني.
121 - سأل يزيد بن معاوية الأحنف عن المروءة، فقال: التقى والاحتمال، ثم أطرق هنيئة فقال:
وإذا جميل الوجه لم ... يأت الجميل فما جميل
ما خير أخلاق الفتى ... إلا تقاه واحتماله
فقال يزيد: أحسنت يا أبا بحر، وافق البم زيرا (2). فقال الأحنف:
هلا قلت وافق المعنى تفسيرا.
122 - أبو النيار الراجز (3):
إذا نزل الفضل بن يحيى ببلدة ... رأيت بها عشب السماحة ينبت
وليس بسعال إذا سيل حاجة ... ولا بمكب في ثرى الأرض ينكت (4)
__________
(1) المرادي: بضم الميم نسبة إلى مراد واسمه يحابر بن مالك بن أود بن زيد وينسب إلى مراد خلق كثير من الجاهلية والإسلام. ولم يتبين لنا من هو المرادي الشاعر هذا.
(2) البمّ: الوتر الغليظ من أوتار المزهر.
الزير: الوتر الدقيق من أوتار المزهر.
(3) أبو النيار الراجز: لم نقع له على ترجمة ويظهر أنه من رجاز العصر العباسي لأنه يمدح الفضل بن يحيى البرمكي المتوفي سنة 193هـ.
(4) ينكت: النكت أن تنكت بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها وقيل النكت هو ضرب الأرض بعود أو إصبع.(4/384)
123 - قال خالد بن يزيد بن معاوية وكان جوادا: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، لأنه جاد بما لا قوام لنفسه إلا به.
124 - أضاق بشير بن عبد الله المدني (1) فخرج إلى العباس بن الوليد ابن عبد الملك (2) وهو بحمص فأعطاه مالا كثيرا وأغناه. ثم كتب إليه صديقه عمران بن أبي فروة (3) يجزع من فراقه، ويلوم نفسه على ترك مواساته إياه بماله، فأهدى العباس لعمران ثيابا ومالا، وقال لبشير: إن لعمران علينا ذماما (4) بعودتك، ولائمته نفسه في البخل عنك.
125 - دخل طلحة بن عبد الله بن عوف سوق الظهر يوما، فوافق فيه الفرزدق فقال: يا أبا فراس: اختر عشرا من الإبل، ففعل. فقال: ضم إليها مثلها، ففعل. فلم يزل يقول ذلك حتى بلغت مائة، فقال: هي لك، فقال:
يا طلح أنت أخو الندى وعقيده ... إن الندى إن مات طلحة ماتا
إن الندى ألقى إليك رحاله ... فبحيث بت من المنازل باتا
126 - وقدم الفرزدق المدينة، فتلقاه من نعى إليه طلحة، فقال:
بفيك التراب والحجر.
__________
(1) بشير بن عبد الله المدني: لم نقع له على ترجمة.
(2) العباس بن الوليد بن عبد الملك: هو العباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان أحد كبار القادة كان يقال له فارس بني مروان. استعمله أبوه على حمص وافتتح مدنا وحصونا كثيرة من بلاد الروم. سجنه مروان بن محمد في (حران) فمات سجينا سنة 131هـ.
راجع ترجمته في العقد الفريد 4: 442والأعلام 4: 40وتهذيب التهذيب 7: 270.
(3) عمران بن أبي فروة: لم نقع له على ترجمة.
(4) ذماما: الذمام: كل حرمة تلزمك إذا ضيعتها المذمّة. ومن ذلك يسمى أهل العهد أهل الذمة. وفلان له ذمة أي حق. والذمة العهد والكفالة والحرمة.(4/385)
ودخل من رأس لشنية يولول ويقول: يا أهل المدينة، أنتم أذل قوم في الأرض. قالوا: وما ذاك؟ قال: غلبكم الموت على طلحة.
وروي: كيف تركتم طلحة يموت.
127 - قالت امرأة طلحة له: ما رأيت الأم من أخوانك! أراهم إذا أيسرت لزموك. وإذا أعسرت تركوك. قال: هذا والله من كرمهم. يأتون في حال القوة، ويتركون في حال الضعف بنا عنهم.
128 - وخرج طلحة ومع غلامه سبعة آلاف درهم، فقال له أعرابي:
أعن على الدهر. فقال لغلامه: أنثرها في حجر الأعرابي. فذهب يقلها فعجز عنها وبكى. فقال: لعلك استقلتها. قال: لا والله، ولكن تفكرت فيما تأكل الأرض من كرمك فبكيت.
129 - قدم زياد الأعجم على عبد الله بن الحشرج (1) بنيسابور، فأنزله وألطفه، وبعث إليه بألف دينار فقال:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
فقال: زدني، فقال: كل شيء وثمنه.
130 - قدم أمية على عبد الله بن جدعان (2)، فقال له: أمر ما أتى بك. قال: نعم، غرماء (3) كلاب قد نبحتني ونهشتني. قال: قدمت عليّ وأنا عليل من حقوق قد لزمت لا تدفع، فأنظرني حتى نجم (4) مالي، وقد
__________
(1) عبد الله بن الحشرج: هو عبد الله بن الحشرج بن الأشهب بن الورد الجعدي من سادات قريش وشعرائها وأحد الأجواد المعدودين ولي أكثر أعمال خراسان وبعض أعمال فارس وكرمان في أيام عبد الملك بن مروان. مات نحو سنة 90هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 10: 144والتبريزي 4: 127والأعلام 4: 212.
(2) عبد الله بن جدعان: هو عبد الله بن جدعان التميمي القرشي المتقدمة ترجمته.
(3) غرماء: من غرم يغرم غرما وغرامة. والغرم الدين. ورجل غارم عليه دين والغرماء هم أصحاب الدين.
(4) نجم: نجم الشيء ينجم نجوما: طلع وظهر يقال نجم النبت إذا طلع وكل ما ظهر وطلع فقد نجم وقد حص بالنجم منه ما لا يقوم على ساق كما خص القائم على الساق بالشجر.(4/386)
ضمنت دينك، فأنظره أياما، ثم أتاه فقال:
أتترك حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء (1)
وعلمك بالأمور وأنت قرم ... لك الحسب المهذب والسّناء
كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الكريم ولا مساء
يباري الريح مكرمة وجودا ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء (2)
فيوم منك خير من أناس ... تروح عليهم إبل وشاء (3)
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء
وأرضك أرض مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء
فقضى دينه. وكانت عنده قينتان، فقال: اختر أحديهما. فأخذها ومر بمجلس قريش فلاموه، وقالوا: أخذتها وهي أنسه، فلو رددتها كان أوفر لحظك عنده. فتذمم (4) وردها. فقال: لعل قريشا لاموك؟ قال:
والله يا أبا زهير ما أخطأت، وأنشده:
عطاؤك زين لامرىء إن حبوته ... ببذل وما كل العطاء يزين
وليس بشين لامرىء بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
فقال: خذ بأيديهما. فخرج وهو يقول:
ومالي لا أحييه وعندي ... مواهب يطّلعن من النجاد
لأبيض من بني تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيات الحداد
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق ذورته ينادي (5)
__________
(1) شيمتك: الشيمة: الخلق. والشيمة الطبيعة.
(2) يحجره: الحجر ساكن: مصدر حجر عليه يحجر حجرا منعه من التصرف.
(3) شاء: هي الشاة.
(4) تذمم: استنكف وأبى أن يفعل ما يذم عليه.
(5) مشمعلّ: متفرق: وقيل المشمعل السريع يكون في الناس والإبل وقيل اشمعلّت الناقة فهي مشمعلّة واشمعلّ القوم في الطلب إشمعلالا إذا بادروا فيه وتفرقوا.
إلى ردح من الشيزي ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد (1)
لكل قبيلة هاد ورأس ... وأنت الرأس يقدم كل هادي
131 - احتضر الحكم بن المطلب، وكان من الأسخياء، فأصابته غشية. فقيل: اللهم هون عليه فإنه كان وكان. فأفاق فقال: إن ملك الموت يقول: إني بكل سخي رفيق.(4/387)
__________
(5) مشمعلّ: متفرق: وقيل المشمعل السريع يكون في الناس والإبل وقيل اشمعلّت الناقة فهي مشمعلّة واشمعلّ القوم في الطلب إشمعلالا إذا بادروا فيه وتفرقوا.
إلى ردح من الشيزي ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد (1)
لكل قبيلة هاد ورأس ... وأنت الرأس يقدم كل هادي
131 - احتضر الحكم بن المطلب، وكان من الأسخياء، فأصابته غشية. فقيل: اللهم هون عليه فإنه كان وكان. فأفاق فقال: إن ملك الموت يقول: إني بكل سخي رفيق.
132 - وفد أبو عطاء السندي (2) على نصر بن سيار بخراسان مع رفيقين له. فأنزله وأحسن إليه، وقال: ما عندك يا أبا عطاء؟ قال: وما عسى أن أقول وأنت أشعر العرب؟ غير أني قلت بيتين، قال: هاتهما فقال:
يا طالب الجود إما كنت تطلبه ... فاطلب على نأيه نصر بن سيار
الواهب الخيل تعدو في أعنتها ... مع القيان وفيها ألف دينار
فأعطاه ألف دينار ووصائف ووصفاء، وحمله وكساه. فقسم ذلك بين رفيقيه لم يأخذ منه شيئا. فبلغه ما فعل فقال: ماله قاتله الله من سندي!؟
ثم أمر له بمثله.
133 - كان المتوكل إذا ركب حملت معه الدراهم والدنانير مخلوطة، فلا يدنو منه أحد إلا قال: يا غلام اضرب يدك أحث (3) له. وكان يسقي بعرفات الأسوقة والجلاب (4) وأنواع الشراب.
(1) ردح: مفردها رداح: يقال امرأة رداح أي عجزاء ثقيلة الأوراك تامة الخلق ودوحة رداح: عظيمة. وكتيبة رداح ضخمة ململمة كثيرة الفرسان.
الشيزى: خشب أسود تتخذ منه القصاع فتسود من الدسم: يقال له الأبنوس.
(2) أبو عطاء السندي: هو أفلح بن يسار أبو عطاء السندي المتقدمة ترجمته.
(3) أحث: من حثا: يقال حثا عليه التراب حثوا هاله وقيل أحث له أرم وقيل اعط.
(4) اسوقه جمع سويق وهو شراب يتخذ من الحنطة والشعير.
الجلاب: بضم الجيم وتشديد اللام ماء الورد وهو معرب من الفارسية كل: ورد وآب: ماء.(4/388)
134 - كان لعثمان على طلحة (1) رضي الله عنهما خمسون ألفا.
فخرج عثمان إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه. فقال:
هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك.
135 - خرج الحسنان، وعبد الله بن جعفر، وأبو حبة الأنصاري (2)
من مكة إلى المدينة، فأصابتهم السماء (3)، فلجأوا إلى خباء أعرابي، فأقاموا عنده ثلاثا حتى سكت السماء، وذبح لهم، فلما ارتحلوا قال له عبد الله بن جعفر: إن قدمت المدينة فسل عنا.
فاحتاج الأعرابي بعد سنين، فقالت له امرأته: لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان، فقال: قد أنسيت أسماءهم، قالت: سل عن ابن الطيار. وفاه. فقال: الحق سيدنا الحسن، فلقيه فأمر له بمائة ناقة بفحولتها ورعاتها، ثم أتى الحسين فقال: كفانا أبو محمد مؤونة الإبل.
فأمر له بمائة شاة. ثم أتى عبد الله فقال: كفاني أخواي الإبل والشاء فأمر له بمائة ألف درهم. ثم أتى أبا حية فقال: والله ما عندي مثل ما أعطوك، ولكن جئني بإبلك، فأوقرها (4) له تمرا. فلم يزل اليسار في أعقاب الأعرابي.
136 - أراد ابن عامر أن يكتب لرجل خمسين ألفا، فجرى القلم بخمس مائة ألف. فراجعه الخازن، فقال: أنفذه فوالله لانفاذه أحسن، وإن جرح المال أحسن من الاعتذار. فاستسرفه، فقال: إذا أراد الله بعبد خيرا حرف القلم عن مجرى إرادة كاتبه إلى إرادته، وأنا أردت شيئا وأراد
__________
(1) طلحة: هو هنا طلحة بن عبيد الله التيمي المتقدمة ترجمته.
(2) أبو حبة الأنصاري: هو أبو حبة بن عبد عمرو الأنصاري شهد صفين مع علي واسمه يزيد بن غزية.
راجع الإصابة 7: 40في ترجمة أبي حبة البدري.
(3) أصابتهم السماء: أي أمطرت عليهم السماء. والسماء: المطر مذكر.
(4) أوقرها: من أوقر بعيره أي حمله حملا ثقيلا والوقر بكسر الواو الحمل امرأة موقرة إذا حملت حملا ثقيلا وأوقرت النخلة أي كثر حملها.(4/389)
الجواد الكريم أن يعطي لعبده عشرة أضعافه، فكانت إرادة الله الغالبة، وأمره النافذ.
137 - وقف أعرابي على ابن عامر فقال: يا قمر البصرة وشمس الحجاز ويا ابن ذروة العرب، وترب بطحاء مكة، نزعت بي الحاجة، وأكدت بي الآمال إلا بفنائك، فامنحني بقدر الطاقة والوسع، لا بقدر المحتد والشرف والهمة. فأمر له بعشرة آلاف. فقال: ماذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟ قيل: بل دراهم. فصعق. ثم قال: رب إن ابن عامر يجاودك (1)، فهب له ذنبه في مجاودتك.
138 - وتعشى الناس عند سعيد بن العاص، فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعدا. فقال له سعيد: ألك حاجة؟ وأطفأ الشمعة كراهة أن يحصر الفتى عن حاجة، فذكر أن أباه مات وترك دينا وعيالا، وسأله أن يكتب له إلى أهل دمشق ليقوموا بإصلاح بعض شأنه. فأعطاه عشرة آلاف دينار، وقال: لا تقاس الذل على أبوابهم، قال بعض القرشيين. لإطفاؤه الشمعة أكثر من عشرة آلاف.
139 - قال المأمون لمحمد بن عباد: بلغني أن بك سرفا (2). قال:
يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظن (3) بالمعبود. فأمر له بمائة ألف، وقال: أما مادتك، والله مادتي، فأنفق ولا تبخل.
سمع المأمون قول عمارة بن عقيل:
__________
(1) جاوده: أي فاخره بالجود يقال جاوده مجاودة إذا فاخره وكان الفخر قائما على الجود والعطاء والكرم.
(2) السرف: الإسراف: مجاوزة القصد وأسرف في ماله عجل من غير قصد.
والإسراف في النفقة التبذير: قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذََا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}.
(3) ظن: الظن هو شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبر.(4/390)
أأترك أن قلّت دراهم خالد ... زيارته إني إذا للئيم
فقال: أو قلت دراهم خالد (1)؟ احملوا إليه مائتي ألف درهم، فعشرها خالد لعمارة. وقال: هذا مطر من سحابة.
__________
(1) خالد: هو أبو يزيد خالد بن مزيد بن زائدة الشيباني أحد الأمراء الولاة الأجواد والفرسان الشجعان في العصر العباسي. مدحه أبو تمام ولاه المأمون مصر سنة 206هـ فقاتله عبيد الله بن السري فلم يستقر فيها فولاه الموصل مات وهو في طريق لإخضاع ثورة أرمينية سنة 230هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 15: 104والبيان والتبيين 1: 342والأعلام 2: 343.(4/391)
الباب الثالث والسبعون اللؤم، والشح (1)، وذكر اللئام، والشحاح وما جاء في ذمهم والنداء على سوء طريقتهم
1 - عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم (2).
2 - أبو هريرة رضي الله عنه: قتل رجل على عهد رسول الله، فبكت باكية فقالت: واشهيدها! فقال عليه السّلام: وما يدريك؟ لعله كان يتكلم بما لا يعنيه. ويبخل بما لا يملك (3).
3 - ومر علي رضي الله عنه على مزبلة فقال: هذا ما بخل به الباخلون (4).
وعنه: البخل جامع لمساوىء العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء.
__________
(1) الشح: هو حرص النفس على ما ملكت وبخلها به. وفي الحديث برىء من الشح من أدّى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة. يقال شح بالشيء وعليه يشحّ.
(2) ورد هذا الحديث في صورة أخرى واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أخرجه مسلم وأحمد بن حنبل.
(3) وهذا الحديث أيضا أخرجه الترمذي بالصورة التالية: لعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل فيما لا ينقصه.
(4) راجع نهج البلاغة 4: 45.(4/393)
4 - أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز (1): أنت للبخل، لو كان قميصا ما لبسته. أو كان طريقا ما سلكته.
5 - عبد الملك: يا بني مروان، لا تبلخوا إذا سئلتم، ولا تلحفوا (2)
إذا سألتم، فإنه من ضيّق الله عليه.
6 - كان عمرو بن حفص بن سالم (3) لا يسأله أحد من أهله حاجة إلا قال لا.
فقال له عمرو بن عبيد (4): أقلل من قول لا، فإنه ليس في الجنة لا.
7 - كان خالد بن صفوان (5) إذا حصل في يده درهم قال: يا عياركم
__________
(1) أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز: هي أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان بن الحكم تزوجها الوليد بن عبد الملك تشفعت في ابن قيس الرقيات بناء على طلب عبد الله بن جعفر وأبيها عبد العزيز فقبل عبد الملك شفاعتها سنة 72هـ حجت في خلافة الوليد فنسّب بها وضاح اليمن فقتله الوليد.
وقد جاء في الأغاني أن ابن قيس الرقيات نسب بها في أبيات كتمها خشية الوليد مطلعها:
أصحوت عن أم البنين ... وذكرها وعنائها
يقول فيها:
قرشية كالشمس أش ... رق نورها ببهائها
زادت على البيض الحسان ... بحسنها ونقائها
(2) لا تلحفوا: يقال: ألحف السائل: ألحّ. والإلحاف: شدة الإلحاح في المسألة وفي التنزيل: {لََا يَسْئَلُونَ النََّاسَ إِلْحََافاً} وقد ألحفت عليه.
(3) عمرو بن حفص بن سالم: لم نقع له في ما بين أيدينا على ترجمة ويظهر من خطاب عمرو بن عبيد له أنه كان من أهل البصرة وأنه عاش في النصف الأول من القرن الثاني ولم يذكره الجاحظ في البخلاء.
(4) عمرو بن عبيد: هو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب المتقدمة ترجمته.
(5) خالد بن صفوان: هو خالد بن صفوان التميمي المنقري المتقدمة ترجمته.(4/394)
تعير (1)؟ وكم تطوف وتطير؟ لأطيلن ضجعتك. ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه.
8 - أبو عون الأنباري (2):
لحاتم في بخله فطنة ... أدق حسا من خطا النمل
فحاتم الجود أخو طيء ... وكان هذا حاتم البخل
9 - علي بن هشام بن فرخسرو:
هبيني جمعت المال ثم خزنته ... فحانت وفاتي لا أزاد به عمرا (3)
إذا اختزن المال البخيل فإنه ... سيورثه خصما ويحتقب الوزرا (4)
10 - كان أحيحة بن الجلاح (5) يبخل، فإذا هبت الصبا أطلع من أطمه (6) فنفر إلى ناحية هبوبها ثم يصيح: هبي هبوبك، فقد أعددت لك ثلاثمائة وستين صاعا من عجوة (7)، أدفع إلى الوليد منها خمس تمرات،
__________
(1) العيّار الكثير المجيء والذهاب والتطواف في الأرض.
وعار يعير: أفلت من زمامه وهام على وجهه.
(2) أبو عون الأنباري: هو أبو عمر أحمد بن المنجم وقد ورد هذان البيتان في الأغاني راجع الأغاني 13: 26و 14: 201.
(3) هبيني: من وهب يهب وهبا وهبة. وتقول هبني أي احسبني يتعدى إلى مفعولين ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعنى.
(4) يحتقب الوزرا: احتقب بمعنى جمع. احتقب الاثم جمعه والوزر هو الذنب والإثم.
(5) احيحة بن الجلاح هو أحيحة بن الجلاح الأوسي أبو عمرو وكان سيد قومه من الأوس وكان صنيعا للمال شحيحا عليه وكان مع هذا شاعرا.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 2: 2423والبيان والتبيين 2: 361والإصابة 1: 21.
(6) الإطام: حصر البعير والرجل والأطم بالضم بناء مرتفع وأطم أطمأ غضب وأطم أطمأ انضمّ.
(7) العجوة: العجوة ضرب من التمر ويقال نوع من تمر المدينة أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد من غرس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقيل العجوة ضرب من أجود التمر بالمدينة ونخلتها تسمى لينة.(4/395)
فيرد عليّ ثلاثا، وبعد جهد ما يلوك (1) منها ثنتين.
11 - استأذن جحظة (2) على صديق له مبخل، فقيل: هو محموم، فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق.
12 - قيل لأبي عمرو الأعرج (3)، وقد خرج إلى مكة مع نوفل بن عمارة المخزومي (4)، كيف صحبته؟ قال: امرأتي طالق إن لم يكن ظن بظني أنه قد ضربت عنقي، لأنه كان يمكث ثلاثة أيام لا يدخله شيء.
13 - سأل المأمون اليزيدي (5) عن ابنه العباس (6) فقال: رأيته وقد ناوله الغلام اشنانا ليغسل يده، فاستكثره فرد بعضه في الأشناندانة (7) ولم يلقه في الطست، فعلمت أنه بخيل لا يصلح للملك.
__________
(1) ما يلوك: اللوك أهون المضغ وقيل هو مضغ الشيء الصلب الممضغة تديره في فيك.
وقد لاكه يلوكه لوكا. ولكت الشيء في فمي ألوكه إذا علكته وقد لاك الفرس اللجام. وفلان يلوك أعراض الناس أي يقع فيهم.
(2) جحظة: هو جحظة البرمكي أحمد بن جعفر المتقدمة ترجمته.
(3) أبو عمرو الأعرج: لم نقع له على ترجمة ولعله أبو عمرو المديني أحد شيوخ قريش روى عنه الطبري رؤيته لمحمد بن عبد الله النفس الزكية وقد دخل المدينة سنة 145هـ.
(4) نوفل بن عمارة المخزومي: لم نقع له على ترجمة.
(5) اليزيدي: هو إبراهيم بن يحيى بن المبارك أبو إسحاق اليزيدي العدوي من ندماء المأمون العباسي. له معه أخبار في مجالس أنسه. صنف كتبا منها الكعبة وأخبارها والنقط والشكل. من أهل البصرة وسكن بغداد.
راجع ترجمته في الأعلام 1: 74. إرشاد الأريب 1: 360وإنباه الرواة 1: 189.
(6) العباس: هو العباس بن عبد الله المأمون بن هارون الرشيد. أمير عباسي ولاه أبوه الجزيرة والثغور والعواصم سنة 213هـ. نافس عمه المعتصم على الخلافة ودبر مؤامرة لقتله فقبض عليه المعتصم وعلى أصحابه فسجنه وعذبه ومات في سجنه بمنبج سنة 224هـ.
راجع أخباره في الأعلام 4: 25وتاريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 223.
(7) الأشناندانة: لفظة مركبة من الأشنان بضم الهمزة وكسرها وهو نبات من الحمض الذي يغسل به الأيدي ودانه معناه إناء بالفارسية فتصبح الأشناندانة الأناء الذي يوضع في الأشنان ليتناوله من يغسل يده.(4/396)
14 - عمل سهل بن هارون (1) كتابا في مدح البخل أهداه إلى الحسن ابن سهل، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
15 - ابن أبي فنن (2):
ذريني واتلافي التلاد فإنني ... أحب من الأخلاق ما هو أجمل
فأحمد ناريّ التي جرتّ القرى ... وأحمد زاديّ القريب المعجل
وإن أحقّ الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل
16 - لما مات الأصمعي اشتروا من ماله جزورا فنحروها عنه فقال العتبي: والله لو عاش لما أراد الحياة بما نقصوه من ماله، ولو بذلت له الجنة بدرهم ما رضي أو تستنقص شيئا.
17 - قيل لجعفر بن محمد: إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ استخلف إلا الخشن، ولا يأكل إلا الجشب (3). قال: لم يا ويحه (4)، مع ما مكن الله من السلطان وجبي إليه من الأموال؟ فقيل: بخلا وجمعا للمال. فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما ترك له دينه.
18 - قال أعرابي لنازل به: نزلت بواد غير ممطور، برجل بك غير مسرور، فأقم بعدم، أو ارحل بندم.
19 - سمع شامي خفق نعل داخل عليه، وبين يديه فراريج مشوية،
__________
(1) سهل بن هارون: هو أبو عمرو سهل بن هارون الدستميسائي الكاتب المتقدمة ترجمته.
(2) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن المتقدمة ترجمته.
(3) الجشب: هو الغليظ الخشن من الطعام وقيل هو الذي لا أدم له.
(4) يا ويح: ويح كلمة تقال رحمة وكذلك ويحا. ويح رحمة لمن تنزل به بليّة وقيل ويح كلمة ترحّم وتوجّع وقد يقال بمعنى المدح والعجب وهي منصوبة على المصدر وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحا له وويح له.(4/397)
فغطاها بذيله، وأدخل رأسه في جربّانه (1)، وقال: انتظرني على الباب حتى أفرغ من بخوري.
20 - قيل لجمين (2): أتغديت عند فلان؟ قال: لا، ولكن مررت ببابه وهو يتغدى، قيل: كيف علمت؟ قال: مررت بغلمانه وبأيديهم قسي (3) البنادق يرمون الطير في الهواء.
21 - لما قال أبو العتاهية:
سافر بطرفك حيث شئت فلا ترى إلا بخيلا قيل له: بخلت الناس كلهم. قال: كذبوني بواحد.
22 - الحمدوني (3):
رأيت أبا زرارة قال يوما ... لحاجبه وفي يده الحسام
حلال الله من أهل ومال ... عليه وهو ما يحوي حرام
لئن حضر الخوان (4) ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسّلام
فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام
فقال وقام من حنق إليه ... بقد لم يزد فيه القيام (5)
__________
(1) جرّبانه: الجرّبان الدرع والقميص: جيبه وقد يقال بالضم. وجربان القميص لبنته فارسي معرب. الجربان بالضم هو جيب القميص والألف والنون زائدتان.
(2) جمين: هو أبو الحارث (جمين) أحد أصحاب النوادر والفكاهة من أهل المدينة كان ولاؤه لآل حمزة بن عبد المطلب. كان في عهد المهدي وبقي إلى عهد الرشيد.
ونوادره كثيرة جدا أورد الحصري طائفة غير قليلة منها وكذلك ابن قتيبة والثعالبي والجاحظ والمبرّد.
راجع ترجمته في الكامل للمبرد 2: 230وثمار القلوب للثعالبي ص 6665 والبيان والتبيين 2: 103.
(3) الحمدوني: ربما كان محمد بن أحمد الحمدوني المتقمة ترجمته.
(4) الخوان: الخوان والخوان الذي يؤكل عليه معرب والجمع أخونة وخون.
(5) حنق: الحنق: شدة الإغتياظ يقال حنق يحنق حنقا فهو حنق وحنيق وأحنق الرجل إذا حقد حقدا لا ينحلّ.
أبي وأبو أبي والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام
وقال له أبن لي يا ابن كلب ... على خبزي أصادر أو أخام
إذا حضر الطعام فلا حقوق ... عليّ لوالديّ ولا ذمام
فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام
23 - قيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه فلا تنشق مرارته.(4/398)
__________
(5) حنق: الحنق: شدة الإغتياظ يقال حنق يحنق حنقا فهو حنق وحنيق وأحنق الرجل إذا حقد حقدا لا ينحلّ.
أبي وأبو أبي والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام
وقال له أبن لي يا ابن كلب ... على خبزي أصادر أو أخام
إذا حضر الطعام فلا حقوق ... عليّ لوالديّ ولا ذمام
فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام
23 - قيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه فلا تنشق مرارته.
24 - أعرابي: فصح الألسنة يرد السائل جذم الأكف عن النائل.
25 - كتب أنوشروان (1) إلى ابنه هرمز (2): لا تعد الشحيح أمينا، ولا الكذاب حرا، فإنه لا عفة مع الشح، ولا مروءة مع الكذب.
26 - كان متكوبا على خوان كسرى: اتق الشح، فإنه أدنس شعار، وأوحش دثار (3).
27 - أمر عبد الله بن الزبير لأبي جهم العدوي بألف درهم، فدعا له وشكر. فقال له: بلغني أن معاوية أمر لك بمائة ألف فتسخّفتها وشكوته، وقد شكرتني. فقال أبو الجهم، بأبي أنت! اسأل الله أن يديم لنا بقاءك، فإني أخاف أن فقدناك أن يمسخ الناس قردة وخنازير. كان ذاك من معاوية قليلا، وهذا منك كثير. فأطرق عبد الله ولم ينطق.
28 [شاعر]:
(1) أنوشروان: هو كسرى أنوشروان المتقدمة ترجمته.
(2) هرمز: هو هرمز بن كسرى أنوشروان من ملوك الدولة الساسانية ملك بعد أبيه كان أديبا مظفرا منصورا. أحب الفقراء وأنصفهم وحمل على الأشراف فقتل منهم الكثير فعادوه وأبغضوه ووثب عليه العظماء فخلعوه وسملوا عينيه.
راجع تاريخ الطبري وابن الأثير 1: 471469.
(3) دثار: الدثار الثوب الذي يستدفأ به من فوق الشعار يقال تدثر فلان بالدثار.
وتدثر بالثوب اشتمل به داخلا فيه. وقيل الدثار كل ما كان فوق الثياب من الشعار.(4/399)
كفاك لم يخلقا للندى ... ولا كان بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة سبعة (1)
وكف ثلاثة آلافها ... وتسع مئيها لها شرعة
29 - دخل هشام بن عبد الملك بستانا له، فأكل أصحابه من ثمارها، وقالوا: بارك الله لك فيها. فقال: كيف يبارك فيها وأنتم تأكلونها.
30 - كان يقال: الجواد يأكل ماله، والبخيل يأكله ماله.
31 - ثواب الجود خلف، وثواب البخل تلف.
32 - ما هو إلا سمرة (2)، لا ظل ولا ثمرة.
33 - لو سئل نفاثة (3) سواك ما أعطى.
فلان لا ينطق أبدا بنعم فوه، ولا ينطلق بنعم على من يعفوه (4). لو بدل الله قمله غنما، ما طمع الجار منه في صوفه.
34 - قيل لجمين (5): أما يكسوك محمد بن يحيى؟ قال: لو كان له بيت مملوء إبرا، وجاءه يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء، والملائكة ضمناء، يستعير منه إبرة، ليخيط بها قميص يوسف الذي قدّ من دبر، ما أعاره إياها. فنظمه من قال:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبرا يضيق بها فناء المنزل
__________
(1) القبض: في اللغة يطلق على ثلاثة وتسعين وهذا النوع من الحساب تتخذ له اليد علامة فقبض الكف يدل على ثلاثة وتسعين.
(2) السّمرة: واحد السّمر وهو ضرب من الشجر صغار الورق قصار الشوك وله برمة صفراء يأكلها الناس. وهي من شجر الطلح.
(3) النّفاثة ما تنفثه من فيك. والنفاثة هنا الشظية من السواك تبقى في فم الرجل فينفثها:
يقال لو سألني نفاثة سواك من سواكي هذا ما أعطيته.
(4) من يعفوه: يقال عفاه يعفوه: أتاه يطلب معروفه.
(5) جمين: هو أبو الحارث حمين (جميز) المتقدمة ترجمته.(4/400)
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ... ليخيط قدّ قميصه لم تفعل
35 - العيوب كلها مجموعة في مسك بخيل، مصبوبة على هامة الشحيح.
36 - شر ما في الكريم أن يمنعك جداه (1)، وخير ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه.
37 - نزل ابن أحمر الشاعر (2) على عمارة بن مسروق (3)، فقيل له:
على من نزلت؟ قال على أبي الخصيب والخبز من عندي. قيل: وكيف؟
قال: لأن خبزه مكتوب عليه: لا حافظ إلا الله، وهو في ثني الوسادة، وهو متكىء عليه.
38 - بدر الموصلي (4):
لذبح عمران على ردة ... وحمله حولا على روق (5)
أيسر من إنفاقه درهما ... على أبيه وهو في السوق
39 - الحجاج بن علاط البهزي (6):
__________
(1) جداه: أي عطاؤه. ومعروفه وهو أجدى عليه يجدي إذا أعطاه والجدا مقصور الجدوى وهما العطية.
(2) ابن أحمر الشاعر: هو عمرو بن أحمر الباهلي أبو الخطاب أدرك الإسلام فأسلم وغزا مغازي الروم. نزل الشام وتوفي على عهد عثمان.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 38والشعر والشعراء ص 273والإصابة 5: 114.
(3) عمارة بن مسروق: لم يتضح من هو عمارة بن مسروق هذا ولعله رجل من أهل الشام وهو الذي أشار إليه ابن حجر في الإصابة في ترجمة عمارة بن عبيد الخثعمي.
راجع الإصابة 4: 277.
(4) بدر الموصلي: لم نقع له على ترجمة.
(5) روق: الروق هو القرن من كل ذي قرن والجمع أرواق.
السوق بفتح السين: نزع الموت كأن روحه تساق لتخرج من بدنه.
(6) الحجاج بن علاط البهزي: هو الحجاج بن علاط بن ثويرة بن هلال بن عبيد البهزي من الصحابة مات في أول خلافة عمر راجع الإصابة: 3281.(4/401)
بخيل يرى في الجود عارا وإنما ... يرى المرء عارا أن يضن ويبخلا (1)
إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا
40 - المنذر بن صخر الأسدي (2):
إذا المجلس العبدي يوما تقابلوا ... رأى كلهم وجها لئيما يقابله
وإن سيل أي الناس الأم والدا ... أشار إلى العبدي من أنت سائله
41 - مالك بن سوار الطائي (3):
ثوى اللؤم في العجلان يوما وليلة ... وفي دار مروان ثوى آخر الدهر
ولما أتى مروان ألقى رحاله ... وقال رضينا بالمقام إلى المحشر
42 - دعبل: كنا عند سهل بن هارون فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع. فقال: ويحك يا غلام غدنا (4). فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ، فسمى ثم قال: أين الرأس؟ قال: رميت به. فقال: والله أني لامقت من يرمي برجليه فكيف برأسه، ولو لم أكره مما صنعت إلّا الطيرة والفأل لكرهته، الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصدح الديك. ولولا صوته ما أريد، وفيه فرقه الذي يتبرك فيه. وعينه التي يضرب بها المثل فيقال:
__________
(1) ضن: الضنّة والضن والمضنّة كل ذلك من الإمساك والبخل ورجل ضنين أي بخيل ضننت بالشيء وأنا ضنين به أي بخيل.
(2) المنذر بن صخر الأسدي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 361وقال أنه كوفي ولم يعط ترجمة كاملة له.
(3) مالك بن سوار الطائي: هو مالم بن أحمد بن سوار الطائي كان في أول الدولة العباسية اجتمع هو ومروان بن سليمان بن أبي حفصة وأنشد مالك لنفسه قصيدة منها:
وإني لأخشى أن أموت وأحمد ... صغير فيجفى أحمد ويضيع
وإني لأرجو جعفرا أن جعفرا ... لصالح أخلاق الرجال تبوع
وقال لمروان كيف ترى هذا الشعر يا مروان؟ قال: هذا من أشعار الصبيان فقال مالك يهجوه:
ثوى اللؤم في عجلان يوما وليلة: البيتين.
فضج مروان منها وسأله أن يكف.
راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 365.
(4) ويحك يا غلام غدنا: أي قدم لنا الغداء.(4/402)
شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم تر عظما أهش (1)
تحت الأسنان من عظم رأسه. وهلا إذ ظننت أنني لا آكله ظننت أن العيال يأكلونه، وإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله فإن عندنا من يأكله. أما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن رأس العنق. أنظر لي أين هو؟ قال:
والله ما أدري أين رميت به. قال: لكني والله أدري، رميت به في بطنك فالله حسيبك.
43 - أنشد الجاحظ لأبي الشمقمق:
ممن تعلمت هذا ... أن لا تجود بشيء
أما مررت بعبد ... لعبد حاتم طيء
44 - سأل أعرابي قوما، فرق له أحدهم فضمه إليه، وأجرى عليه أياما ثم قطع. فقال:
نسرى فلما حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السرو (2)
45 - بعضهم:
إن هذا الفتى يصون رغيفا ... ما إليه لناظر من سبيل
هو في رقعتين من أدم الطائف ... في سلتين في منديل
في جراب في مخدع جوف صندوق ... له عند خازن مغلول
وعلى السلتين قفلان مفتا ... حاهما في جوار ميكائيل
ختمت كل سلة برصاص ... وسيور تقد من جلد فيل (3)
46 - الصاحب: جئت في اللؤم بنادر، لم تهتد إليه فطنة مادر (4).
__________
(1) أهش: الهش والهشيش من كل شيء ما فيه رخاوة ولين. وشيء هش رخو المكسر ويقال هششت للمعروف هشا: ارتحت له واشتهيته.
(2) السرو: المروءة والشرف. وتسرى تكلف السرو.
(3) السيور: مفردها سير وهو ما يقد من الجلد. وقيل السير ما قد من الأديم طولا.
(4) مادر: رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة يضرب به المثل في اللؤم فيقال: ألام من مادر لأنه سقى إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل فسلح فيه ومدربه حوضه بخلا به أن يشرب من فضله.(4/403)
47 - الحسن: ما لقيت أمة من الشح ما لقيت هذه الأمة، حتى أن أحدهم ليكسر عظام أخيه عظما عظما، هات درهما، هات درهما. فهذا عاض عليه، وهذا ملح عليه.
48 - إذا سألت لئيما فغافصه (1)، ولا تدعه يفكر، فأنه كلما تفكر ازداد بعدا.
49 - ربعي الهمداني (2):
جمعت صنوف المال من كل وجهة ... وما نلتها إلا بكف كريم
وإني أرجيّ أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم (3)
50 - أحمد بن عبد الصمد الرقاشي (4):
أقاموا الديدبان على بفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان (5)
فإن أبصرت شخصا من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرسا ... يقيمون الصلاة بلا آذان
51 - قال تميم بن مر (6) لولده: يا بني امنعوا، فلئن تكونوا مباخلين مسؤولين خير من أن تكونوا أجاويد سائلين.
من الناس من يبخل بالطعام وهو جواد بغيره وبالعكس، قال:
__________
(1) غافصه: يقال غافص الرجل مغافصة وغفاصا أخذه على غرة فركبه بمساءة.
(2) ربعي الهمداني: لم نقع له على ترجمة.
(3) وما عندي يد: أي وما عندي معروف ولا صنيعة للئيم.
(4) أحمد بن عبد الصمد الرقاشي: هو أحمد بن عبد الصمد الرقاشي المتقدمة ترجمته.
(5) الديدبان: الدليل والرقيب.
(6) تميم بن مر: هو جد بني تميم وهو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر.(4/404)
أبو دلف يضيّع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف
أبو دلف لمطبخه قتار ... ولكن دونه سل السيوف
52 - وكان الأمين على فرط سخائه بخيلا بالطعام جدا.
53 - معن بن زائدة في أخيه مزيد (1):
لا تسألن أبا داود خلعته ... عدل على مزيد في الخبز واللبن
__________
(1) مزيد بن زائدة: هو مزيد بن زائدة بن عبد الله بن مطرب شريك بن خالد الشيباني والد يزيد بن مزيد الشيباني أحد ولاة بني العباس وقوادهم.(4/405)
الباب الرابع والسبعون الألوان، والنقوش، والوشم (1)، والتصاوير، وذكر الخضاب وما أشبه ذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: البياض نصف الحسن. وكان رسول الله أبيض أزهر (2). والخلص من ولد إسماعيل بيض.
2 - قال حسان:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
3 - وعنه عليه السّلام: إن الله خلق الجنة بيضاء وإن أحب الثياب إلى الله البيض، فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم.
وعنه: ابرقوا فان دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين (3).
__________
(1) الوشم: العلامة: وهو ما تجعله المرأة على ذراعيها بالإبرة ثم تحشوه بالنؤور وهو دخان الشحم والجمع وشوم ووشام.
(2) أزهر: الأزهر من الرجال الأبيض العتيق البياض النيّر الحسن وهو أحسن البياض كأن له بريقا. والعتيق: البياض: الجميلة.
(3) أبرقوا فإن دم عفراء أي ضحوا بالبرقاء وهي الشاة التي في خلال صوفها الأبيض طاقات سود.
من الغنم: أبرق وبرقاء للأنثى ومن الدواب أبلق وبلقاء ومن الكلاب ابقع وبقعاء عفراء: مؤنث أعفر وهو الأبيض وليس بالشديد البياض.(4/407)
وعنه: جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، اتخذت غنما رجوت نسلها ورسلها، وإني لا أراها تنمى. فقال: ما ألوانها؟ قالت:
سود. قال عفري (1).
4 - عن ابن عمر: أنه بعث رجلا يشتري له أضحية، فقال: اشتره كبشا أملح (2).
5 - وروى أن الكبش الذي فدي به إسماعيل كان أبيض أعين أقرن (3)، وكنا نتحرى تلك الصفة في أضاحينا.
6 - قالوا: الصفرة أشكل (4)، والحمرة أجمل، والخضرة أنبل السواد أهول، والبياض أفضل.
7 - بعض أولاد الرشيد: لو لم يكن من عيب الأسود، إلا أنه لا يرى أثر الضرب في بدنه، وإن أوجعه كما يراه الأبيض فيروعه فلا يعاود الذنب، وأنه لا يتبين في وجهه ما يتبين في وجه الأبيض من حمرة الخجل وصفرة الوجل لكفى به.
8 - هشام بن عمار (5): حلق الأسود كلونه.
__________
(1) عفري: عفر الرجل خلط سود غنمه وإبله يعفر وعفري أي استبد لي أغناما بيضا.
الرّسل: بكسر الراء: اللبن.
(2) كبشا أملح: الأملح الأبلق بسواد وبياض.
الملحة من الألوان تشو به شعرات سود والصفة أملح والأنثى ملحاء وكبش أملح:
بين الملحة والملح: الذي يكون فه بياض وسواد ويكون البياض أكثر.
(3) الأعين: الذي عظم سواد عينيه في سعة وهو أيضا الحسن العين وهو هنا الصحيح المعافى.
أقرن: يقال كبش أقرن أي كبير القرنين والأنثى قرناء وهو أيضا البيّن القرن.
(4) الأشكل: الأشكل من الإبل والغنم الذي يخلط سواده حمرة أو غبرة كأنه قد أشكل عليك لونه. والأشكل في سائر الأشياء بياض وحمرة قد اختلطا. وقيل السواد والصفرة.
(5) هشام بن عمار: هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان السلمى الظفري أبو الوليد الدمشقي خطيب المسجد الجامع بها. ولد سنة 153هـ وقد اشتهر بالعقل والفصاحة والرواية والعلم والدراية. مات بدمشق سنة 245هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 4: 302وتهذيب التهذيب 11: 51.(4/408)
9 - رأى عبادة سوداء عليها وقاية حمراء فقال: كأنها فحمة في رأسها نار.
10 - نظر الجماز إلى سوداء عليها معصفرات فقال: كأنها بعرة عليها رعاف.
11 - الحيقطان (1):
لئن كنت جعد الرأس واللون فاحم ... فإني لسبط الكف والعرض أزهر
وإنّ سواد اللون ليس بضائري ... إذا كنت يوم الروع بالسيف أخطر
12 - قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني، ورق عظمي وبليت ببنيات نفضت عليهن من لوني فكسدن (2). فرق له ووصله.
13 - دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون، فقال: إنك يا عم الخليفة الأسود. فتمثل ببيتي نصيب:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... يوم الفخار مقام الأصل والورق (3)
إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق
__________
(1) الحيقطان: الحيقطان بفتح الحاء وضم القاف وهو عبد أسود شاعر من أهل اليمامة كان معاصرا لجرير الشاعر وخطيبا لا يجارى.
والحيقطان في اللغة ذكر الدراج.
راجع البيان والتبيين 1: 130ورسائل الجاحظ 1: 190182.
(2) نفضت عليهن من لوني: أي أخذن مني اللون الأسود وراثة فلم يرغب فيهنّ الرجال وأحجموا عن التزوج بهن فعنسن.
(3) عبد بني الحسحاس عبد أسود شاعر كان في عهد عثمان بن عفان وقد تقدمت ترجمته.(4/409)
فقال: يا عم، أخرجك الهزل إلى الجد. ثم أنشد:
ليس يزري السواد بالرجل الشهم ... ولا بالفتى الأريب الأديب (1)
إن يكن للسواد منك نصيب ... فبياض الأخلاق منك نصيبي
14 - ذكر السودان عند المنصور، وقيل إن لهن خطوة (2). فقال: ما قربت سوداء مخافة أن الحق برسول الله السواد.
15 - كاتب: وصل كتابك فأستلمته استلام الحجر الأسود. وتمتعت منه بالعيش الأخضر. وجمعت يدي منه على الكبريت الأحمر، والبازي الأشهب، وملك بني الأصفر.
16 - مدح ابن أبي فنن (3) المعتز بقصيدته التي أولها:
أجد بكاء حين جد التفرق ... وأرّقه طيف الخيال المؤرق (4)
فقال المعتز: هذا الشاعر الأدلم (5)، فقال ابن أبي فنن: لا يضره سواده مع بيض أياديك.
17 - اللجام (6):
__________
(1) زرى عليه زراية وزريا: عابه وعاتبه. وقيل زرى عليه عابه وعنّفه. وإذا أدخل عليه عيبا فقد أزرى به وهو مزرى به وقيل أيضا أزرى به حقّره وهوّنه.
الأريب: العاقل وقد أرب يأرب أحسن الأرب في العقل. وأرب بالشيء ضنّ به وشح. والتأريب الشحّ والحرص.
(2) الخطوة: المكانة والمنزلة للرجل من ذي سلطان ونحوه. يقال حظي عنده يحظى حظوة ورجل حظيّ إذا كان ذا حظوة ومنزلة.
(3) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن المتقدمة ترجمته.
(4) أرّق: الأرق السهر وقد ارقت بالكسر أي سهرت وقيل الأرق ذهاب النوم بالليل وقيل ذهاب النوم لعلة.
(5) الأدلم: الشديد السواد من الرجال والأسد والحمير والجبال والصخر. وقيل هو الآدم وقد دلم دلما. وفي التهذيب الأدلم من الرجال: الطويل الأسود.
(6) اللجام: لم نقع له على ترجمة.(4/410)
ويبرز للرائين وجها كأنه ... كساه إهابا من قشور الخنافس
18 - كشاجم (1) في كتب سود الجلود:
كسيت من أديمها الحلك الجون ... غشاء أحسن به من غشاء
مشبها صبغة الشباب ولمّات ... العذارى ولبسة الخطباء (2)
19 - وجه الناصبي (3) يوصف بالسواد والظلمة، ويشبه به كل حالك.
20 - قال أبو بكر الخوارزمي:
رب ليل كطلعة الناصبي ... ذي نجوم كحجة الشيعي
21 - كان إبراهيم بن المهدي أسود، وأبوه المهدي وأمه شكلة أبيضين. وكان أسامة شديد السواد مثل القار، وزيد (4) أبيض مثل القطن، وقد مر بهما مجزز المدلجي (5). وهما في قطيفة (6) وقد غطيا وجهيهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
__________
(1) كشاجم: لقب محمود بن الحسين الشاعر المتقدمة ترجمته.
(2) لمات العذارى: اللمة شعر الرأس بالكسر إذا كان فوق الوقرة، وقيل إذا جاوز شحمة الأذن: واللمة: الوقرة وقيل فوقها والعذارى تصبغنها عادة.
(3) الناصبي: جمعه النواصب وهم قوم يتدينون ببغضهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام.
(4) زيد: هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اختطفت في الجاهلية وهو غلام وعرض للبيع في سوق عكاظ فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة. فلما تزوجها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهبته له. وعرفه ناس من كلب بالحج فأخبروا أباه فجاء يطلبه فخيّروا زيدا فاختار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وزوجه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مولاته أم أيمن فولدت له أسامة.
كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يحبه ويقدمه. وكان يؤمره على السرايا وجعل له الإمارة في غزوة مؤتة فاستشهد فيها سنة 8هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 96. صفوة الصفوة 1: 147وخزانة البغدادي 1: 164.
(5) مجزز المدلجي: هو مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن مدلج الكناني سمّي مجززا لأنه كان إذا أسر أسيرا جزّ ناصيته وأطلقه. شهد فتح مصر وذكره أبو عمرو في الاستيعاب.
(6) قطيفة: القطيفة دثار مخمل وقيل كساء له خمل والجمع قطائف وقطف.(4/411)
22 - قالوا: كل شيء من الحيوان أسود جلده أو صوفه أو شعره أو وبره كان أقوى لبدنه.
23 - أهدي إلى مروان غلام أسود، فأمر عبد الحميد أن يكتب فيه ويذمه ويوجز، فكتب: لو وجدت لونا شرا من السواد، وعددا أقل من الواحد لأهديته، والسّلام.
24 - تزوج أعشى سليم (1) دنانير الزنجية (2)، فرآها يوما تخضب يدها وتكتحل فقال:
تخضب كفا قطعت من زندها ... فتخضب الحناء من مسودها
وكأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
فقالت:
وأقبح من لوني سواد عجانه ... على بشر كالقلب أو هو أنصع (3)
فسمي أسود العجان، وصاح به الصبيان فطلقها.
25 - قال أبو يوسف القاضي لابن نهيك (4): ما تقول في السواد؟
__________
(1) أعشى سليم: من شعراء العصر العباسي كان معاصرا لبشار بن برد. وكان صديقا لدحمان المغني وله فيه أبيات ظهر فيها أن اسمه سليمان وكنيته أبو عمرو. إذ يقول:
فأبلغوه عن الأعشى مقالته ... أعشى سليم أبي عمرو سليمانا
راجع الأغاني 3: 60و 5: 141.
(2) دنانير الزنجيّة: هي دنانير بنت كعيوبة الزنجي.
راجع رسائل الجاحظ 1: 214.
(3) العجان: الدبر وقيل ما بين القبل والدبر.
البشر: بفتحتين: ظاهر جلد الإنسان. والقلب بفتح القاف وضمها: الجمار وسمي قلبا لبياضه.
أنصع: اسم تفصيل من نصع لونه نصوعا إذا اشتد بياضه.
(4) ابن نهيك: ربما كان محمد بن عيسى بن نهيك وكان جده عيسى على حرس أبي جعفر المنصور: كان قائد ألوية الأمين في نزاعة مع أخيه المأمون.
أسره هرثمة بن أعين وبعث به إلى المأمون.
راجع تاريخ الطبري 9: 172.(4/412)
قال: النور في السواد. أراد أن نور العين في سوادها.
26 - نظر ابن أبي عتيق (1) إلى سوداء فقال: لو اقتسمتها الغواني خيلانا (2) لحظين بها.
27 - ابن الخطاب النصراني (3):
قالوا تعشقتها سوداء قلت لهم ... لون الغوالي ولون المسك والعود
إني امرؤ ليس شأن البيض مرتفعا ... عندي ولو خلت الدنيا من السود
28 - قيل لمدني: كيف رغبتكم في السواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسودناها. وكان أبو حازم المدني الأعرج ينشد:
من يك معجبا ببنات كسرى ... فإني معجب ببنات حام
29 - قيل للأصمعي أي الناس أخف أرواحا؟ قال: الذين أعرقت فيهم السودان.
3 - تفاخرت حبشية ورومية، فقالت الحبشية: بندقة مسك وغرارة فمح. فقالت الرومية: حبة كافور وعدل فحم.
31 - وفد على عبد الملك عرار بن عمرو بن شاس (4) بكتاب الحجاج
__________
(1) ابن أبي عتيق: هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق يعود بنسبه إلى أبي بكر الصديق.
كان من سراة أهل المدينة عاش في القرن الأول الهجري وكان ماجنا وله مع الشعراء والمغنين أخبار كان خفيف الروح كريما ذواقة للشعر ناقدا واسع الحيلة.
راجع أخباره في الأغاني.
(2) خيلانا: خيلان جمع خال وهو الشامة. والخال شامة سوداء في البدن وقيل هي نكثة سوداء فيه.
(3) ابن الخطاب النصراني: لم نقف له على ترجمة.
(4) عرار بن عمرو بن شاس: هو عرار بن عمرو بن شاس الأسدي الشاعر من أمة له سوداء. كان عرار مقدما عند الحجاج وقد ورد هذا الخبر في الأغاني مع بعض الاختلاف في اللفظ.
راجع المزيد عنه في الأغاني 2: 140و 10: 65ومعجم الشعراء ص 213 والشعر والشعراء والكامل للمبرد.(4/413)
ورأس ابن الأشعث، فرأى رجلا عالي الجسم أدلم، فيسأله فيروقه كلامه، وينظر إليه فتقتحمه (1) عينه وتعلو عن سواده، فتمثل بقول عمرو (2):
وإن عرارا أن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم (3)
فضحك، فقال له: ما أضحكك؟ قال: أنا والله عرار يا أمير المؤمنين من بين أعرى وقل. فأعجب بذلك واستعجب، وأقعده معه وقدمه وكان سميره حتى رجع.
32 [شاعر]:
أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب
33 - بعضهم:
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحدة
34 - آخر:
__________
(1) تقتحمه: يقال اقتحم الأمر رمى نفسه فيه بشدة ومشقة واقتحم فلانا: احتقره وازدراه.
ويقال (اقتحمته عيني) أي أزدرته.
(2) عمرو: هو عمرو بن شاش بن عبيد بن ثعلبة الأسدي أبو عرار. شاعر جاهلي مخضرم أدرك الإسلام وهو شيخ فأسلم وشهد القادسية وكان ذا قدر وشرف في قومه وكان من أهل الخير. وكان أكثر أهل طبقته قولا للشعر.
راجع ترجمته في الأعلام 5: 247والإصابة 4: 304وطبقات ابن سلام ص 164 والشعر والشعراء ص 338.
(3) غير واضح: أي غير ابيض، والجون اسم مشترك يطلق على الأسود والأبيض والعمم: التام.(4/414)
كأنما قد قمص من ليط جعل ... كأنما وجهك ظل من حجر (1)
35 - السواد معصفر الرجال.
36 - المتنبي:
إنما الجلد ملبس وابيضاض النفس ... خير من ابيياض القباء (2)
37 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحمرة من زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة.
38 - عبد الله بن عمر: هبطنا مع رسول الله من ثنية، فالتفت وعليّ ريطة (3) مضرجة بالعصفر، فقال: ما هذه الريطة عليك؟ ويروى: لو أن ثوبك هذا كان في تنور أهلك أو تحت قدر أهلك كان خيرا لك. فأتيت أهلي وهم يسجرون (4) تنورا لهم فقذفتها فيه. ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله، ما فعلت الريطة؟ فأخبرته، فقال: أفلا كسوتها أهلك؟ فإنه لا بأس بها للنساء.
39 - رافع بن خديج (5): خرجنا مع رسول الله في سفر، فرأى على
__________
(1) قمص: أي نفر وأعرض. وقمص الفرس وغير يقمص قمصا وقماصا أي استنّ وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجليه. وقمصت الدابة أي وثبت ونفرت.
الليط: قشر القصب اللازق به وكذلك ليط القناة وكل قطعة منه ليطة.
الجعل: دابة سوداء من دواب الأرض قيل هو أبو جعران وجمعه جعلان.
وقيل هو حيوان معروف كالخنفساء.
(2) القباء: ممدود: من الثياب الذي يلبس مشتق من ذلك لاجتماع أطرافه والجمع أقبية. وقبّى ثوبه قطع منه قباء. وتقبّى قباءه: لبسه وتقبّى لبس قباءه.
(3) ريطة: الريطة كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسيج واحد. وقيل هو كل ثوب ليّن رقيق.
(4) يسجرون: السّجر. ايقادك في التنور تسجره بالوقود سجرا. وسجر التنّور أوقده وأحماه وقيل أشبع وقوده. والسجور ما أوقد به.
(5) رافع بن خديج: هو رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن حارثة بن الحارث الأوسي الأنصاري استوطن المدينة وكان عريف قومه بها. وكان قد أصابه يوم أحد سهم فانتقضت جراحه في أول سنة أربع وسبعين 74هـ فمات.
راجع الإصابة 2: 186.(4/415)
رحالنا (1) أكيسه فيها خيوط عهن (2) أحمر، فقال: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم؟ فقمنا سراعا حتى نفر بعض إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها.
عمران بن الحصين: قال رسول الله: لا أركب الأرجوان، ولا ألبس العصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير (3).
هلال بن عامر (4) عن أبيه: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلي أمامه يعبر عنه.
وعن البراء: رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه. إبراهيم ابن المهدي:
بدر إذا لبس البياض تخاله ... كالياسمين منضدا في المجلس (5)
وإذا بدا في صفرة فكأنه ... نسرين بستان كريم المغرس
وإذا بدا في صفرة مع خضرة ... شبهته في الحسن طاقة نرجس
اسلم مولى عمر (6): رأى عمر على طلحة ثوبا مصبوغا وهو محرم،
__________
(1) الرحل: مركب للبعير والناقة وجمعه أرحل ورحال وكل ذلك من مراكب النساء ويقال أيضا لأعواد الرجل بغير أداة رحل. والرحل في غير هذا منزل الرجل ومسكنه وبيته.
(2) عهن: العهن: الصوف المصبوغ ألوانا. وقيل العهن الصوف الملوّن. وقيل العهن الصوف المصبوغ أي لون كان والقطعة منه عهنة والجمع عهون.
(3) القميص المكفف بالحرير: القميص المكفف بالحرير هو الذي عمل على ذيله وأكمامه وجيبه كفاف من حرير. والكفاف من الثوب موضع الكف.
(4) هلال بن عامر: هو هلال بن عامر بن عمرو المزني الكوفي من ثقات رواة الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 11: 81.
(5) نضدت المتاع أنضده بالكسر جعلت بعضه على بعض. والنّضد بالتحريك ما نضّد من متاع البيت.
(6) أسلم: هو أسلم مولى عمر بن الخطاب اشتراه بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات أسلم وهو ابن أربع عشرة ومئة سنة وصلى عليه مروان بن الحكم.
راجع الإصابة 1: 37و 107.(4/416)
فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة،؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو مدر (1)، فقال: إنكم أيها الرهط أئمة تقتدي بكم الناس، ولو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام.
وروي: رأى عليه ثوبين ممشقين من المشق (2) وهو المغرة، والممصّرة نحوه.
وفي حديث عيسى عليه السّلام ينزل بين ممصرتين (3).
40 - قال معاوية لصحار بن عباس العبدي (4): يا أزرق! قال:
البازي (5) أزرق! قال: يا أحمر! قال: الذهب أحمر.
41 - بشار:
__________
(1) مدر: المدر: الطين العلك الذي لا رمل فيه. وقيل الطين المتماسك وواحدة المدر: المدرة.
(2) مشق: المشق: المشط. والمشق جذب الكنان في ممشقة حتى يخلص خالصه وتبقى مشاقته. وقد مشقه وامتشقه. والمشقة والمشاقة من الكتان القطن والشعر: ما خلص منه. وقيل هو ما طار وسقط عن المشق.
(3) ممصرتين: المصر بالكسر: الطين الأحمر. وثوب ممصّر: مصبوغ بالطين الأحمر أو بحمرة خفيفة. وقيل الممصر من الثياب ما كان مصبوغا فغسل.
(4) صحار بن عباس العبدي: هو صحار بن عباس (ويقال ابن عياش) بن شراحيل بن منقذ بن عمرو بن مرة من عبد القيس. له صحبة. سكن صحار البصرة وكان عثمانيا (ممن طالب بدم عثمان) شهد صفين مع معاوية وكان بليغا وكان بليغا مفوها وأجد الخطباء والنسابين في أيام معاوية له مع دغفل النسابة محاورات. وكان صحار أزرق العينين مات نحو سنة 40هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 287والمحبّر ص 294والبيان والتبيين 1: 96 والإصابة 3: 235.
(5) البازي: أو الباز جمعه بزاة وبيزان وهو طير من الجوارح يصطاد به وهو أنواع كثيرة.(4/417)
هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق بها العينين والحسن أحمر (1)
42 - القنائي (2): جمال كل مجلس أن يكون سقفه وبساطه أحمر.
43 - أبو رمثة (3): انطلقت مع أبي نحو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فرأيته عليه بردان أخضران.
44 - الصنوبري (4):
أتت في لباس لها أخضر ... كما لبس الورق الجلنارة (5)
فقلت لها ما اسم هذا اللباس ... فأدت جوابا لطيف العبارة
شققنا مرائر قوم به ... فنحن نسميه شق المرارة (6)
45 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: تزوجوا الزرق فان فيها يمنا (7).
46 - قيل لحكيم: ما لفلان يختضب؟ قال: يخاف أن يؤخذ بأفعال المشايخ فلا توجد عنده فيفتضح.
47 - عقبة بن عامر (8): عنه عليه السّلام: عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام، أنه يصفي البصر، ويذهب بالصداع، ويزيد في الباه. وإياكم
__________
(1) هجان: يقال امرأة هجان أي كريمة وتكون البيضاء من نسوة هجن بيّنات الهجانة.
ورجل هجان كريم الحسب نقيّه. وبعير هجان كريم.
(2) القنائي: لعله إبراهيم بن أحمد الكاتب أبو إسحاق.
راجع معجم البلدان والأنساب للسمعاني.
(3) أبو رمثة: هو أبو رمثة التيمي بكسر الراء من تيم الرباب ويقال التميمي قيل اسمه رفاعة بن يثربي وقيل يثربي بن رفاعة وفي اسمه اختلاف.
(4) الصنوبري: هو أحمد بن محمد الأنطاكي الصنوبري المتقدمة ترجمته.
(5) الجلّنار: زهر الرمان.
(6) المرارة: هنة لازقة بالكبد وهي التي تمرىء الطعام. تكون لكل ذي روح إلا النعام والإبل فإنها لا مرارة لها وجمعها مرارات ومرائر ويكني هنا للدلالة على القهر والغلبة.
(7) الزرق: جمع أزرق وزرقاء وقيل الزرقة: البياض حيثما كان.
(8) عقبة بن عامر: هو عقبة بن عامر الأنصاري المتقدمة ترجمته.(4/418)
والسواد، فإنه من سوّد سوّد الله وجهه يوم القيامة.
48 - يقال: فلان يسود وجه النذير (1). إذا اختضب.
49 - عنه عليه السّلام: عليكم بالخضاب، فإنه أهيب لعدوكم، وأعجب لنسائكم.
50 - كان عبد الرحمن بن الأسود (2) أبيض اللحية والرأس، فغدا ذات يوم وقد حمرهما. فقال: إن أمي عائشة أرسلت إلي البارحة جاريتها فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبابكر كان يصبغ.
51 - قال محمد بن الحسن: لا نرى بأسا بالخضاب بالوسمة (3)
والحناء والصفرة، وإن تركه أبيض لا بأس، كل ذلك حسن.
52 - سئل علي رضي الله عنه عن قوله عليه السّلام: غيروا النسيب ولا تشبهوا باليهود. فقال: إنما قال ذلك والدين في قل (4). فأما وقد اتسع نطاق الإسلام فكل امرىء وما اختار.
53 - وقال العلماء: يميز بين قتلى المسلمين والكفار بالخضاب، فإن الكفار لا يختضبون.
__________
(1) فلان يسوّد وجه النذير: النذير هنا: الشيب وأصل النذير: المنذر وهو المحذر: كأن الشيب ينذر بقرب الأجل.
(2) عبد الرحمن بن الأسود: هو عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري القرشي أبو محمد مات أبوه وكان من المستهترين قبل الهجرة وولد عبد الرحمن في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شهد فتح دمشق عاش إلى أيام معاوية وكان يقول الشعر:
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 2والإصابة 4: 151وتهذيب التهذيب 6: 139.
(3) الوسمة: يقال الوسمة بكسر السين وسكونها: العظلم وهو شجر له ورق يختضب به وقيل هي نبت وقيل شحر باليمن يختضب بورقه.
(4) الدين قل: بضم القاف أي قليل أهله والنطاق الحزام العريض واتساعه كناية عن العظم والانتشار.
والجران: مقدم عنق البعير يضرب على الأرض إذا استراح وتمكن. وهو كناية عنا عن تمكن الإسلام وقوته.(4/419)
54 - قيس بن أبي حازم: كان يخرج إلينا أبوبكر وكأن لحيته ضرام عرفج (1).
55 - وعن أبي عامر الأنصاري (2). رأيت أبا بكر الصديق يغير بالحناء والكتم (3)، ورأيت عمر لا يغير بشيء، وقال: سمعت رسول الله يقول:
من شاب في الإسلام فله نور يوم القيامة. فلا أحب أن أغير نوري.
56 - وروى أبو ذر: إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم.
57 - وعن عبد الله بن أبي أوفى (4): أن رسول الله سئل فقال: لو استقبلتم الشيب بالتواضع كان خيرا لكم.
58 - وعن عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يختضب ويقول:
نسوّد أعلاها وتبقى أصولها ... وليس إلى رد الشباب سبيل
59 - أدهم بن محرز الباهلي (5).
__________
(1) ضرام عرفج: العرفج ضرب من النبات سهلي واحدته عرفجة طيب الريح أغبر إلى الخضرة له زهرة صفراء وليس له حب ولا شوك.
(2) ابن عامر الأنصاري: لم نقف على من كنيته أبو عامر الأنصاري في كتب الصحابة.
(3) الكتم: الكتم: نبت فيه حمرة يخلط مع الحناء ليشتد لونه وينبت في الشواهق والصخور فيتدلى تدليا خيطانا لصافا وهو أخضر وورقة كورق الآس.
والحناء: إذا خضب به مع الكتم جاء أسود.
(4) عبد الله بن أبي أوفى: هو عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي أبو معاوية وقيل أبو إبراهيم شهد الحديبيّة وكان من أصحاب الشجرة وقيل إنه شهد الخندق ثم نزل الكوفة حين نزلها المسلمون ومات بها سنة 87هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 13وتهذيب التهذيب 5: 151والإصابة ص 38.
(5) أدهم بن محرز الباهلي: هو أدهم بن محرز بن أسد (أو أسيد) بن أخشن الباهلي كان فارسا من رجال أهل الشام وله شعر دخل على الحجاج بن يوسف وهو أشيب فأمره بالخضاب.
راجع المؤتلف والمختلف للآمدي ص 31وتاريخ ابن عساكر والبيان والتبيين.(4/420)
لما رأيت الشيب جد بمفرقي ... تفتيت فابتعت الشباب بدرهم (1)
60 - وفد عبد المطلب بن هاشم (2) على سيف بن ذي يزن، فقال له: لو خضبت شعرك. فلما ورد مكة اختضب. فقالت له امرأته نتيلة (3):
ما أحسن هذا الخضاب لو دام! فقال:
فلو دام لي هذا الخضاب حمدته ... وكان بديلا من خليل قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بد من موت نتيلة أو هرم
لموت جهير عاجل لا شوى له ... أحب إلينا من مقالكم حكم (4)
أي هو حكم لسنه من قوله:
لا يغبط المرء أن يقال له ... أضحى فلان لسنه حكما
61 - أسماء بن خارجة قال لجاريته اخضبيني. قالت: حتى متى أرقعك؟ فقال:
عيرتني خلقا أبليت جدته ... وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا
فاعتذرت إليه، وآلت أن لا تعود لمثلها.
62 - محمود الوراق:
__________
(1) تفتيت: أي اصبحت فتى.
(2) عبد المطلب بن هاشم: هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المتقدمة ترجمته.
(3) نتيلة: هي نتيلة بنت جناب بن كليب بن زيد مناة وهي أم العباس بن عبد المطلب وضرار بن عبد المطلب وأم نتيلة أم حجر أو أم كرز بنت الأزب من بني بكيل من همدان.
راجع ترجمتها في سيرة ابن هسام 1: 109والمعارف لابن قتيبة.
(4) موت جهير: هو الذي يأتي علانية ولا شوى له أي لا اتقاء له أو يخطىء صاحبه وحكم الرجل يحكم حكما إذا بلغ النهاية في معناه ويستعمل في المدح ورجل حكم:
مسن.(4/421)
يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود
إن الخضاب إذا نضا ... فكأنه شيب جديد (1)
فدع المشيب وما يريد ... فلن يعود كما تريد
63 - قيل لعلي رضي الله عنه: لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين.
فقال: الخضاب زينة، ونحن في قوم في مصيبة (2). يريد برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
64 - سئل الحسن عن الخضاب فقال: هو جزع قبيح.
65 - أعرابي:
ما بال شيخ قد تخدد لحمه ... ونضا ثلاث عمائم ألوانا
سوداء داجية وسحق مفوف ... وأجدّ أخرى بعد ذاك هجانا (3)
66 - الجماز في صفة سوداء: إذا كشرت فكأنها نخامة (4) على لبد أسود.
67 - ابن الرومي:
أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق (5)
__________
(1) نضا: يقال نضا ثوبه: خلعه وألقاه عنه ونضاه من ثوبه. جرّده نضا الحناء ينضو عن اللحية أي خرج وذهب ونضاوة الخضاب ما يوجد منه بعد النصول. وقيل ما تيبس منه فألقي. ونضاوة الحناء ما يؤخذ من الخضاب بعد ما يذهب لونه في اليد والشعر.
(2) نحن قوم في مصيبة: يريد نحن قوم مصيبة وهي التي نزلت بوفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(3) مفوف: الفوف: واحدته فوقة وهو البياض الذي يكون في أظفار الأحداث.
وقيل هو الحبة البيضاء في باطن النواة التي تنبت منها النخلة.
وقيل الفوف: ضرب من برود اليمن.
وقيل الفوف: ضرب من عصب البرود.
وقيل الفوف: ثياب رقاق من ثياب اليمن موشاة.
(4) النخامة: من نخم الرجل نخما وتنخّم دفع بشيء من صدره أو أنفه واسم ذلك الشيء النخامة. وقال آخرون النخامة ضرب من حشام الأنف وهو ضيق في نفسه.
(5) يستعير السواد من حبة القلب ومن حدق العيون للتشبيه.(4/422)
68 - بعضهم:
نقشت كفها الخواضب نقشا ... أنا منه على فؤادي أخشى
عجب من بنانها وهي ماء ... وعليها النقوش لا يتفشى (1)
69 - عبد الله بن عمر: أتى رسول الله فاطمة فوجد على بابها سترا موشى، فلم يدخل. فجاءها علي فرآها مهتمة فجاء رسول الله فذكر له، فقال: وما أنا والدنيا! وما أنا والرقم (2).
70 - أبو طلحة الأنصاري (3): سمعت رسول الله يقول: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تمثال (4).
71 - أبو هريرة: قال رسول الله: أتاني جبرائيل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل.
72 - جابر: أمر رسول الله عمر يوم الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها. فلم يدخلها رسول الله حتى محيت كل صورة فيها.
73 - عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله من غزوة تبوك، وفي سهوتي (5) ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات (6) لي، فقال:
__________
(1) البنان: الأصابع: وقيل أطرافها واحدتها بنانة وقيل أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وقيل البنانة: الأصبع كلها وقيل العقدة العليا من الإصبع.
(2) وما أنا والرقم: الرقم خز موسى: يقال خز رقم كما يقال بردوشي: والرقم ضرب من البرود. وقيل الرقم: ضرب مخطط من الوشي وقيل من الخز.
(3) أبو طلحة الأنصاري: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري البخاري شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها. وفي سنة وفاته اختلاف.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 28وتهذيب التهذيب 3: 414.
(4) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد بن حنبل.
(5) السهوة: حائط صغير بني بين حائطي البيت ويجعل السقف على الجميع. فما كان وسط البيت فهو سهوة وما كان داخله فهو مخدع.
(6) بنات: البنات التماثيل التي تلعب بها الجواري. وفي حديث عائشة رضي الله عنها:
كنت العب مع الجواري بالبنات أي التماثيل التي تلعب بها الصبايا. وهي ما تسميه اليوم: اللعب.(4/423)
ما هذا؟ قلت: بناتي.
ورأى بينهن فرسا له جناحان، فقال: ما هذا أرى وسطهن؟ قلت:
فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قلت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟ قلت: فما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه (1).
74 - ابن أبي محمد اليزيدي (2):
إذا ظلم الشيب رأس الفتى ... فنازله وهو غض الشباب (3)
فأحسن حالاته ستره ... ليترك أحبابه في ارتياب
فإن طال عمر فترك الخضاب ... أولى به لانقضاء التصابي
75 - رشيد بن رميض العنزي (4):
__________
(1) نواجذه: النواجذ: أقصى الأضراس وهي أربعة من أقصى الأسنان بعد الأرحاء وتسمى ضرس (الحلم أو العقل) لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل. وقيل: هي الأضراس كلها نواجذ ويقال ضحك حتى بدت نواجذه إذا استغرق فيه.
(2) ابن أبي محمد اليزيدي: لم يتبيّن لنا أي من أبناء أبي محمد بن المبارك اليزيدي الذي تقدمت ترجمته. فلأبي محمد خمسة أبناءهم: إبراهيم ومحمد وإسماعيل وعبد الله وإسحاق وكلهم أديب له شعر. ويظهر ان الزمخشري نفسه لم يتبيّن ذلك فاكتفى بقوله:
ابن أبي محمد اليزيدي:
(3) نازله: يقال نازله نزالا ومنازلة في الحرب: نزل في مقابلته وقاتله. ويقال حاربوا بالنزال وهو أن ينزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضابوا.
(4) رشيد بن رميض العنزي: هو رشيد بن رميض العنزي ويقال له رويشد أيضا وهو جاهلي وهو صاحب الرجر المشهور:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم
راجع ترجمته في شرح الحماسة للتبريزي 1: 333والأغاني 14: 4645.(4/424)
لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق
وللؤم فيكم آية يهتدى بها ... كما لاح مشهور من الخيل أبلق (1)
76 - أبو الشبل (2) كان مشتهرا بالسودان:
مشبهات الشباب والمسك تفديكن ... نفسي من نائبات الخطوب (3)
كيف يهوى الفتى الأريب وصال ... البيض والبيض مشبهات المشيب
77 - اليعقوبي (4):
وزع المشيب شراستي وعرامي ... وسرى الجنون بمسبل سجام (5)
وصبغت ما صبغ الزمان فلم يدم ... صبغي ودامت صبغة الأيام
78 - محمود الوراق:
جاد السواد بنفسه ... وفشا بعارضك البياض (6)
__________
(1) أبلق: البلق: سواد وبياض: البلق والبلقة مصدر الأبلق ارتفاع التحجيل إلى الفخذين.
(2) أبو الشبل: هو عاصم بن وهب البرجمي من البراجم ولد بالكوفة ونشأ وتأدب بالبصرة وقدم سر من رأى في أيام المتوكل ومدحه كان طبيبا نادرا كثير الغزل ماجنا.
راجع ترجمته وأخباره في الأغاني 13: 3022و 21: 183181.
(3) نائبات: ناب الأمر نوبا ونوبة: نزل ونابتهم نوائب الدهر: والنوائب جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمّات والحوادث. والنائبة المصيبة والنائبة:
النازلة.
(4) اليعقوبي: هو محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود بن طهمان. يكنى أبا عبد الله.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 466والأعلام 7: 94.
(5) سجام: من سجمت العين الدمع، والسحابة الماء وهو قطرات الدمع وسيلانه: قليلا كان أو كثيرا. وكذلك الساجم من المطر. وانسجم الماء والدمع فهو منسجم إذا انسجم أي انصبّ.
(6) العارض: صفحة الخد. وعارضة الإنسان: صفحتا خديه وقولهم فلان خفيف العارضين يراد به خفة شعر عارضيه.(4/425)
فعلام تركب لذة ... فيها لعارضك اعتراض
79 - يزيد بن الحكم (1):
فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
80 - يعقوب بن رافع (2):
أحب النساء الصغر من حب تكتم ... ومن حبها أحببت من كان أسودا
فجئني بمثل المسك أطيب نكهة ... وجئني بمثل الليل أطيب مرقدا
81 - بعضهم: لقيت راهبا عليه سواد فقلت له فيه، فقال: ما تلبس العرب إذا مات لهم ميت؟ قلت: السواد، قال: فأنا في حداد الذنوب.
82 - دعبل (3)
أبوهم أسمر في لونه ... والقوم في ألوانهم شقرة
أظنه حين أتى أمهم ... صب على نطفته مغرة
83 - الأحنف: السؤدد مع السواد. أي إنما يكون سيدا من اتته السيادة في شبابة، وسواد شعره. وقيل: مع السواد الأعظم وتسليمهم له بالسيادة.
84 - سئل عمر الجوزي (4) عن امرأته فقال: هي كباقة نرجس،
__________
(1) يزيد بن الحكم: هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي من أهل الطائف وسكن البصرة لحق بالحجاج بن يوسف ثم اختلف معه ثم لحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه مات سنة نحو 105هـ.
راجع ترجمته في شرح الحماسة للمرزوقي ص 11411190وخزانة البغدادي 1: 5654وسمط اللآلي ص 238.
(2) يعقوب بن رافع: لم نقف له على ترجمة فيما تيسر لنا من مصادر.
(3) دعبل: هو دعبل بن علي الخزاعي. المتقدمة ترجمته.
(4) عمر الجوزي: لم نقف له على ترجمة في ما بين أيدينا من مصادر.(4/426)
رأسها أبيض، ووجها أصفر، ورجلها خضراء.
تم الجزء الثالث بمشيئة الله وتوفيقه، ويتلوه في الرابع باب اللباس والحلي من الأسورة والخلاخيل والخواتم، وذكر البسط، والمفارش والوسائد، وما جانس ذلك.
والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل(4/427)
الباب الخامس والسبعون اللباس، والحلي من القلائد والأسورة والخلاخيل والخواتم، وذكر البسط والمفارش والوسائد وما جانس ذلك
1 - في وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذر رضي الله عنه (1) البس الخشن من الثياب والصفيق منها تذللا لله، عسى العز والفخر لا يجد فيك مساغا.
وتزين أحيانا في عبادة الله بالشارة الحسنة تعففا وتكرما وتجملا، فإن ذلك لا يضرك، وعسى أن يحدث لك ذكرا.
2 - أنس (2): دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في عباءة له يهنأ (3)
بعيرا.
وعنه: رأيته يسم (4) الغنم في آذانها، فرأيته مؤتزرا بكساء.
3 - علي عليه السّلام: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه إزار فيه إحدى وعشرون رقعة من أدم ورقعة من ثيابنا.
كان كم قميص علي لا يجاوز أصابعه، ويقول: ليس للكمين على اليدين فضل. واشترى قميصا فجاوز كمّه أصابعه، فقطعه، وقال للخياط: خطه.
__________
(1) أبو ذر: هو جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري. تقدمت ترجمته.
(2) أنس: هو أنس بن مالك خادم الرسول. تقدّمت ترجمته.
(3) هنأ البعير: طلاه بالهناء أي القطران.
(4) يسم الغنم في آذانها: يكويها ويؤثّر فيها بسمة أو كيّ.(4/429)
ورؤي علي وعليه إزار خلق (1) مرقوع، فقيل له، فقال: يخشع له القلب، وتذل به النفس (2).
4 - طاووس (3): من زعم أن الثياب لا تغير القلوب فقد كذب، لأني أغسل ثوبيّ هذين فأنكر نفسي ما داما نقيين.
5 - ورأى فتية من قريش يطوفون فقال: إنكم تلبسون ما كان آباؤكم يلبسونها، وتمشون مشية ما يحسن الزفافون (4) يمشونها.
6 - كان عمر بن عبد العزيز تشترى له الحلة بألف دينار، فيقول: ما أجودها لولا خشونة فيها! فلما استخلف كان يشترى له الثوب بخمسة دراهم، فيقول: ما أجوده لولا لينه!.
7 - سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وكان يلقب بالمبقع للسنة، في أبي بكر بن حزم (5):
إني رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خير الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم ويلكم ... في مجلس أنتم به فتقنّعوا
8 - المبرد (6): كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشرع الشيء على غير جهة التلذذ، ولكن على جهة الاحلال والاستنان، ألا ترى أنه لبس حلة كسرى التي اشتراها له الأنصاري، فخطب فيها، ثم نزل فوهبها لأسامة (7).
__________
(1) الإزاء الخلق: البالي.
(2) راجع نهج البلاغة 4: 23.
(3) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدّمت ترجمته.
(4) الزفافون: الرقّاصون. جمع زفّاف.
(5) أبو بكر بن حزم: هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، كان قاضيا في المدينة أيام عمر بن عبد العزيز. ذكره ابن حبان في الثقات. مات بالمدينة سنة 100هـ. واختلف في سنة وفاته.
(6) المبرّد: هو محمد بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(7) أسامة: هو أسامة بن زيد بن حارثة. تقدّمت ترجأمته.(4/430)
فيقال: إن أبا سفيان بن حرب لما رأى ذلك جعل ينكره، ويقول: أحله كسرى بن هرمز على ابن الشاة؟! يعني أسامة، وذلك لأن أسامة ماتت أمه وهو صغير، فغذي بلبن شاة.
9 - مسلم بن يسار: إذا لبست ثوبا فظننت أنك فيه أفضل مما في غيره فبئس الثوب هو لك.
10 - منصور بن عمار: من تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من لباس الدنيا.
11 - المهلب (1): ما رأيت أحدا بين يدي قطّ إلا أحببت أن أرى ثيابي عليه، فاعلموا يا بنيّ أن ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم.
12 - دخل محمد بن عبد الرحمن القرظي على سليمان بن عبد الملك في ثياب رثة، فقال: ما يحملك على لبس هذه الثياب؟ قال:
أكره أن أقول الزهد فأطري نفسي، أو أقول الفقر فأشكو ربي.
13 - دخل الوليد (2) على هشام وعليه عمامة وشيء، فسأله عن ثمنها فقال: ألف فاستكثره، فقال الوليد: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أعضائي وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف وهي لأخس أطرافك.
14 - لبس ابن أبي دؤاد (3) طيلسانا (4) جديدا، فزال عن منكبه، فقال: ما أحسن أن ألبس الجديد. فقال له أبو العلاء المهدي (5): إن كنت لا تحسن أن تلبسه فإنك تحسن أن تلبسه. فوهبه له.
__________
(1) المهلّب: هو المهلّب بن أبي صفرة. تقدّمت ترجمته.
(2) الوليد: هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
(3) ابن أبي دؤاد: هو أحمد بن أبي دؤاد. تقدّمت ترجمته.
(4) الطيلسان: كساء أخضر يلبسه الخواص من المشايخ والعلماء، وهو من لباس العجم.
(5) أبو العلاء المهدي: لم نقف له على ترجمة.(4/431)
15 - الأصمعي: لقيت أعرابيا فاستنشدته، فأنشدني أبياتا، وروى لي أخبارا، فتعجبت من جماله وسوء حاله، فسكت سكتة ثم قال:
أأخيّ إن الحادثات ... عركتني عرك لأديم
لا تنكرن أن قد رأيت ... أخاك في طمري عديم (1)
إن كن أثوابي يلبسن ... فإنهن على كريم
16 - نادى فقير على جبة فلم يطلب بشيء، فقال: ما علمت أني عريان إلا الساعة.
17 - مر مزبد (2) على فقير عليه أثواب فاخرة، فقال: موتاهم، يشهد الله، أحسن حالا من أحيائنا.
18 - ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت إذا اخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة.
19 - كان ابن عباس يرتدي رداء قيمته ألف. واشترى تميم الداري (3)
حلة بألف ليصلي فيها.
20 - كان ببغداد رجل مجنون يلبس فروته مقلوبة، ويقول: لو علم الله أن الصوف إلى داخل أجود جعل الصوف إلى داخل.
21 - كان الأعمش (4) يلبس قميصه مقلوبا، ويقول: الناس مجانين، يجعلون الخشن إلى نفوسهم، واللين إلى عيون الناس.
22 - وكيع (5): راح الأعمش إلى الجمعة وقد قلب فروته، وجعل
__________
(1) الطمر: الثوب البالي.
(2) مزبد: هو مزبد المدني. تقدّمت ترجمته.
(3) تميم الداري: هو تميم بن أوس بن خارجة الداري. تقدّمت ترجمته.
(4) الأعمش: هو سليمان بن مهران. تقدّمت ترجمته.
(5) وكيع: هو وكيع بن الجراح. تقدّمت ترجمته.(4/432)
على كتفه منديل الخوان (1) مكان الرداء.
23 - ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا جدد القلوب خلقان (2)
الثياب، تخفون في الأرض وتعرفون في السماء.
24 - جاء سيار أبو الحكم (3) إلى مالك بن دينار في ثياب اشتهرها مالك، فقال له: ما هذه الشهرة؟ فقال سيار: أتضعني (4) عندك أم ترفعني؟ قال: بل تضعك، قال أراك تنهاني عن التواضع، فقعد مالك بين يديه.
25 - أيوب (5): يقول الثوب إطوني أجملك.
26 - عروة بن الزبير: يقول المال أرني حاجتي.
27 - عمرو (6) يقول الثوب اكرمني داخلا أكرمك خارجا، وكان يقول: لكل شيء راحة، وراحة البيت كنسه، وراحة الثوب طيه.
28 - قال المتوكل لابن أبي فنن (7): ثيابك يا أحمد في رزمة لا في تخت (8)، قال: كذلك هي يا أمير المؤمنين، قال: لا تفعل، إنها في التخت أبقى وأنقى، بان لي ذلك في تكسرها.
29 - القلاح بن حزن (9):
__________
(1) الخوان: ما يوضع عليه الأكل.
(2) خلقان الثياب: البالية منها.
(3) سيار أبو الحكم: هو سيّار بن أبي سيار. من ثقات رواة الحديث. توفي سنة 142هـ. راجع تهذيب التهذيب 4/ 291.
(4) وضعه: أنزل من قيمته.
(5) أيوب: هو أيوب بن أبي تميمة السختياني.
(6) عمرو: لعلّه عمرو بن العاص السهمي.
(7) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن.
(8) التخت: هو الدعاء الذي تصان فيه الثياب.
(9) القلاح بن حزن: هو القلاح بن حزن بن جندل بن منقر بن عبيد.(4/433)
ولم أر أثوابا أجر لخزية ... وألأم مكسوا وألأم كاسيا
من الخرق اللآئي ضببن عليكم ... كسيتم شيبا أم كسيتم مخازيا
30 - أعرابي: لقد رأيت بالبصرة برودا كأنها نسجت بأنور (1) الربيع فهي تروع، وللابسها أروع.
31 - قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن الخطاب: إلبس جديدا وعش حميدا.
32 - كان أزدشير (2) وبهرام جور (3) وأنوشروان يأمرون بإخراج ما بخزائنهم من الثياب عن آخرها، فيكسونها في النيروز والمهرجان (4)، ولا يعلم أحد اقتفى أثرهم (5) إلا عبد الله بن طاهر، فإنه كان لا يترك في هذين اليومين في خزائنه ثوبا واحدا إلا كساه.
33 - كان الملوك لا يلبسون الشعار (6) إلا لبسة واحدة، ثم لم يعودوا إلى لبسه، وكان يزدجرد وأنوشروان وقباذ (7) يغسل شعارهم ثلاث غسلات، ثم يخلعونها على قراباتهم.
34 - قال يحيى بن خالد البرمكي للعتابي (8) في لباسه، وكان لا يبالي ما لبس، فقال: يا أبا علي، أخزى الله امرأ رضي أن ترفعه هبتاه من ماله وجماله، فإنما ذلك حظ الأدنياء من الرجال والنساء، لا والله حتى ترفعه أكبراه، همته ونفسه، وأصغراه: لسانه وقلبه.
35 - عمرو بن معد يكرب:
__________
(1) الأنور: الظاهر الحسن.
(2) أزدشير: هو أزدشير بن بابك. تقدّمت ترجمته.
(3) بهرام جور: هو بهرام جور بن يزدجرد بن سابور. تقدّمت ترجمته.
(4) النيروز (والنوروز) والمهرجان: عيدان من أعياد الفرس.
(5) اقتفى أثرهم: سار على منوالهم.
(6) الشعار: ما تحت الدثار من اللباس وهو ما يلي شعر الجسد.
(7) قباذ: هو قباذ بن فيروز. تقدّمت ترجمته.
(8) العتابي: هو كلثوم بن عمرو توفي سنة 220هـ. تقدّمت ترجمته.(4/434)
ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت بردا
إن الجمال معادن ... ومناقب أورثن مجدا
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مروءة الرجل نقاء ثوبيه.
36 - استكسى (1) الفضل بن العباس الهاشمي شاعر، فوهب له قلنسوة، فقال:
كساك فضل بن عباس قلنسوة ... هذا السخاء الذي قد شاع في الناس (2)
لو كان ضم إليها الجوربين معا ... كفى إذا كسوة الرجلين والراس
37 - محارب بن دثار (3): إنه ليمتضي لبس الثوب الجديد مخافة أن يحدث في جيراني حسد لم يكن.
38 - ليث بن مهاجر (4) عن ابن عمر (5): من لبس مشهور الثياب ألبسه الله ذلة يوم القيامة.
39 - ذكر أبو الأسود الدؤلي العمامة فقال: هي جنة (6) في الحرب، ومكنة (7) في الحر ومدفأة في القر (8)، ووقار في الندى، وزيادة في القامة، وتعظيم للهامة (9)، وهي تعد من تيجان العرب.
40 - قال المنذر (10) لابنه النعمان: إن لك لسانا وجمالا، فالبس من
__________
(1) استكسى: طلب كساء.
(2) القلنسوة: نوع من ملابس الرأس، وهو على هيئات متعدّدة.
(3) محارب بن دثار: هو قاضي الكوفة. تقدّمت ترجمته.
(4) ليث بن مهاجر: في ميزان الاعتدال: ليث بن أبي المساور. لم يترجم له.
(5) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر. تقدّمت ترجمته.
(6) الجنة: السّتر الواقي.
(7) المكنة: القوّة.
(8) القرّ: البرد الشديد.
(9) الهامة: أعلى الرأس.
(10) المنذر: هو المنذر بن المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن الأسود اللخمي رابع المناذرة أصحاب الحيرة، أبو قابوس. توفي سنة 32ق. هـ.(4/435)
القشر ما تزيد به من جمالك.
41 - كان سليمان (1) إذا لبس القميص حكته الشياطين واستهزأوا به، فقال لهم: اعملوا شيئا ألبسه وأنا انظر إليكم، فعلموا له القباء (2)، فهو أول من لبسه.
42 - اشترى مزبد لامرأته ثوبا، فقالت: هو خشن، فقال: أيما أخشن هو أم الطلاق؟ فرضيت به.
43 - عرض للمتوكل وهو يتنزه في حراقة (3)، شيخ عليه مرقعة، فدعا به وكساه ثياب خز (4)، واستوهبه المرقعة، وقال يا كوثر (5): إذهب بها إلى أمي وقل لها: في الناس من يلبس مثلها لتعلمي ما أنت فيه من النعمة.
44 - دخل أبان بن صدقة (6) بقباء جديد على المنصور، وعليه سواد خلق، فجعل ينظر إلى قبائه. فغدا عليه من الغد وعليه قباء خلق، فقال له المنصور: لم غيرت؟ قال: كرهت أن يكون عليك خلق وعلي جديد، فقال له: أنت أحمق، إلبس أحسن ما عندك، فان الناس يعلمون أني أقدر على ما أشاء من الثياب، وأنت إذا رأوك في ثوب خلق ظنوا أن ذلك من سخطي عليك، وأنك لا تقدر على شيء.
45 - أبو هفان العبقسي (7):
__________
(1) سليمان: هو سليمان بن داود عليهما السّلام.
(2) القباء: الثوب يلبس فوق الثياب.
(3) الحرّاقة: نوع من السفن الحربية.
(4) الخز: الحرير.
(5) كوثر: هو خادم المتوكل.
(6) أبان بن صدقة: كان كاتب هارون بن المهدي ووزيرا له. جعله المهدي على رسائل ابنه موسى الهادي. له أخبار مع المنصور. توفي سنة 167هـ. راجع الطبري.
(7) أبو هفان العبقسي: هو عبد الله بن أحمد المهزمي. تقدّمت ترجمته.(4/436)
تعجبت درّ من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي فطلوع الفجر في السدف (1)
وزادها عجبا أن رحت في سمل ... وما درت درّ أن الدر في الصدف (2)
46 - قيل لعابد: لو لبست قميصا أجود من قمصيك! فقال: ليت قلبي في القلوب مثل قميصي في القمص.
47 - الحسن: من لبس الصوف تواضعا زاده الله نورا في بصره ونورا في قلبه، ومن لبس الكبر والخيلاء كوّر في جهنم مع المردة.
48 - قيل لراهب بالشام وعليه مدرعة (3) صوف ضيقة الكمين: لم ضيقت كمّيك؟ قال الشيخ: أمرنا أن نضيق أكمامنا لئلا ندخر فيها شيئا إذا فضل منا.
49 - خاطر الرشيد عيسى بن جعفر (4) على مائة ألف أن يلبس ثوبا ليس له مثله، فلما لبسه قال له عيسى: عندي فرش من هذا، فأحضره وأخذ المال. ثم خاطره على مائة ألف أن يلبس جبة ليس له مثلها، فأحضر أحسن منها وانصرف بمائتي ألف. فاغتاظ الرشيد، فقال إبراهيم ابن المهدي: إن أجبت أن تسترجع المائتين ومثلهما فخاطره والبس البردة (5)، فدعا به فخاطره، فغلبه، وأخذ أربعمائة ألف وأعطاها إبراهيم.
50 - مهدي بن ميمون (6): رأيت الحسن إذا دخل منزله كان له سحق ثوب يلبسه.
__________
(1) أسدف الليل: أظلم فهو أسدف مؤنث سدفاء جمع سدف.
(2) درّ الأولى: اسم فتاة. والدرّ الثانية: الجوهرة.
(3) المدرعة: الجبة المشقوقة المقدم.
(4) عيسى بن جعفر: هو عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور. حظي عند الأمين العباسي.
(5) البردة: هي بردة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم التي كساها إلى الشاعر كعب بن زهير حين مدحه بقصيدته التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيمّ إثرها لم يفد مكبول
(6) مهدي بن ميمون: هو مهدي بن ميمون الأزدي. ذكره ابن حبان في الثقات وقال:
مات سنة 172هـ. راجع تهذيب التهذيب: 10: 326.(4/437)
51 - مضرس بن ربعي (1):
وليس يزين الرحل قطع وتمرق ... ولكن يزين الرحل ياميّ راكبه
52 - كان يقال: كل من الطعام ما تشتهيه، والبس من الثياب ما تشتهيه الناس، وقد نظمه من قال:
إن العيون رمتك إذ فاجأتها ... وعليك من شهر الثياب لباس
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت ... واجعل لباسك ما اشتهاه الناس
53 - كان يقال: ثوب كلعاب الشمس وخلع الهلال (2)، لو رآه أصحاب الكلام لجعلوه من حيز الأعراض دون الأجسام، الهلال الحية.
54 - ربما بلغت قيمة الحمل من رق (3) مصر مائة آلف دينار.
55 - يقال في الثياب المنسوبة: برود اليمن، ووشي صنعاء، ريط الشام، وأردية مصر، وأكسية فارس، وديباج الروم، وحلل البحرين، وعمائم الأبلة (4)، ومناديل دامغان (5)، وتكك أرمينية، وجوارب قزوين.
56 - الحمدوني (6) في طيلسان خلق أهداه له محمد بن حرب (7):
__________
(1) مضرّس بن ربعي: هو مضرّس بن ربعي بن لقيط بن خالد بن فضلة بن الأشتر بن قعين الأسدي. كان شاعرا إسلاميا.
راجع ترجمته في معجم الشعراء ص 390وخزانة الأدب 2: 293.
(2) الهلال: الحيّة. وخلع الهلال: سلخها.
(3) الرق: الثياب الرقيقة.
(4) الأبلّة: بلدة على شاطىء دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة. راجع معجم البلدان 1: 77.
(5) دامغان: بلد كبير بين الريّ ونيسابور. راجع معجم البلدان 2: 433.
(6) الحمدوني: نسبة إلى حمدويه، وهو جدّ الشاعر أبي علي إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه البصري الحمدوني الشاعر الأديب أعطاه أحمد بن حرب طيلسانا خليعا فعمل فيه الحمدوني مقاطيع عديدة طريفة تناقلها الرواة فصار طيلسان أبن حرب مثلا مشهورا بين الأدباء، فإذا كان الشيء باليا شبهوه بطيلسان ابن حرب.
(7) محمد بن حرب: والصواب أحمد بن حرب بن أخي يزيد المهلبي الذي أهدى الحمدوني طيلسانا باليا.(4/438)
كم رفوناه إذ تمزق حتى ... بقي الرفو وانقضى الطيلسان
وقال:
فيما كسانيه ابن حرب معتبر ... فانظر إليه فإنه إحدى الكبر
قد كان أبيض ثم ما زلنا به ... نرفوه حتى اسود من صدأ الإبر
وقال:
يا ابن حرب أطلت فقري برفوي ... طيلسانا قد كنت عنه غنيّا
فهو في الرفو آل فرعون في العرض ... على النار بكرة وعشيّا
وهي قريب من مائتي قطعة تفنن في معانيها.
57 - عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتختم في يمينه، وقبض صلّى الله عليه وسلّم والخاتم في يمينه.
58 - وذكر السلامي (1): أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية إلى اليسار، فأخذ المروانية (2) بذلك، ثم نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد فنقله إلى اليسار، فأخذ الناس بذلك.
59 - وروي عن عمرو بن العاص أنه سلّه يوم التحكيم من يده اليمني وجعله في اليسرى، وقال: خلعت عليا من الخلافة كما خلعت خاتمي من يميني، وجعلتها إلى معاوية كما أدخلت خاتمي يساري.
60 - علي رضي الله عنه رفعه: تختموا بخواتيم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام ذلك عليه.
51 - أبو هقان العبقسي:
__________
(1) السلامي: هو محمد بن عبد الله بن محمد المخزومي. ولد في الكرخ سنة 336هـ وتوفي سنة 393هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) المروانية: أراد خلفاء بني أمية من ولد مروان بن الحكم.(4/439)
لعمري لئن بيعت في دار غربة ... ثيابي لما أعوزتني المآكل
فما أنا إلا السيف يأكل جفنه ... له حلية من نفسه وهو عاطل (1)
62 - بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابنه اشترى فص خاتم بألف، فكتب إليه: عزمت عليك لما بعت خاتمك بألف، وجعلتها في ألف بطن جائع، واستعملت خاتما من ورق فضة، ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف نفسه.
63 - كان على فص أبي العتاهية (2)، وله ابن اسمه زيد (3): أبا زيد ثق، فتأوله الناس أنا زنديق.
64 - قالت امرأة لأشعب (4): هات خاتمك أذكرك به، قال أذكريني بأني لم أعطك.
65 - قيل لعمر رضي الله عنه: لو أخذت حلي الكعبة فجهزت به جيوش المسلمين، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فسأل عليا رضي الله عنه، فقال: إن القرآن أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقية، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها. وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله على حاله، ولم يتركه نسيانا، ولم يخف عليه مكانا، فأقره حيث أقره الله ورسوله. فقال له عمر: لولاك لافتضحنا! وتركه (5).
66 - جعفر بن محمد عليه السّلام (6): إن المؤمن ليتنعم بتسبيح الحلي عليه
__________
(1) جفن السيف: غمده.
(2) أبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم. تقدّمت ترجمته.
(3) زيد: لم نقف له على ترجمة.
(4) أشعب: هو أشعب الطامع. أخباره وطرائفه في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني».
(5) راجع نهج البلاغة 4: 65.
(6) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر. تقدّمت ترجمته.(4/440)
في الجنة، في كل مفصل من المؤمن في الجنة ثلاثة أساور من ذهب وفضة ولؤلؤ.
67 - سلمة بن شقيق الأسدي (1):
العير عير وإن صيغت خلاخله ... من الزبرجد والمرجان والذهب (2)
68 - قرطا مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الكندي (3)، وهي التي في قول حسان (4).
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل (5)
مثل في النفاسة، يقال: خذه ولو بقرطي مارية. كانت فيهما درتان كبيض الحمام، ولم ير مثلهما، ولم يدر ما قيمتهما.
69 - وسبحة زندان قهرمانة المقتدر مثل أيضا، كانت فيها ثلاثون درة متحدة في الوزن والقدر، وعشرة يواقيت لم ير أمثالها في عقد ملكة ولا خزانة ملك.
70 [شاعر]:
__________
(1) سلمة بن شقيق الأسدي: لم نقف له على ترجمة.
(2) العير: الحمار.
(3) مارية بنت ظالم: يمانية. قيل في نسبها إنها بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة من سلالة عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء. وقيل: هي أم حارث الأعرج الجفني الذي عناه حسّان بقوله:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
وذكروا عن قرطيها أنه كان فيهما لؤلؤتان عجيبتان وأنها أهدتهما إلى الكعبة. راجع التفاصيل في الأعلام للزركلي 5: 254.
(4) حسّان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
والبيت من قصيدة في ديوانه (بتحقيقنا ص 182) مطلعها:
أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالبضيع فحومل
(5) وابن مارية: هو الحارث الأعرج. والمفضل: صاحب الفضل.(4/441)
ما ذم إبلي عجم ولا عرب ... خدودها مثل طواويس الذهب
هذه حلي كانت نساء العرب تتخذها على خلقة أجنحة الطواويس.
71 - حذا علي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعلين جديدين، فلما رآهما استحسنهما، فخر ساجدا ثم قال: أعوذ بنور وجهك أن استحسن شيئا مما أبغضت، فتصدق بهما ولم يلبسهما.
72 - قال فضيل (1): في قوله تعالى: {لََا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلََا فَسََاداً} (2): لا يستحسن شسعه على شسع (3) أخيه.
73 - الأحنف (4): استجيدوا النعال فانها خلاخيل الرجال.
74 - جابر بن عبد الله: تختم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يمينه.
75 - ابن عمر: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يذكر الشيء أوثق في خاتمه خيطا.
76 - جعفر بن محمد (5): كان خاتم علي (6) من ورق، ونقشه: نعم القادر الله.
77 - كان لأبي نواس خاتمان، أحدهما عقيق مربع وعليه:
تعاظمني ذنبي فلما عدلته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
والآخر حديد صيني وعليه: الحسن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا وأوصى عند موته أن يقلع الفص ويغسل ويجعل في فمه.
__________
(1) فضيل: هو فضيل بن عياض الزاهد.
(2) سورة القصص، الآية: 83.
(3) الشسع: هو زمام للنعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها. وتأتي الشسع بمعنى طرف المكان أو القليل من المال.
(4) الأحنف: هو الأحنف بن قيس. تقدّمت ترجمته.
(5) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر. تقدّمت ترجمته.
(6) علي: هو الإمام علي بن أبي طالب.(4/442)
78 - يزيد بن الخطيب (1): بعثني الرشيد إلى ملك الروم، فأنس بي، وقال لي يوما: أريك شيئا ما رأيت مثله قط، فأخرج إلي ستر إبريسم (2) منسوجا بالذهب، عرضه نيف وثمانون ذراعا، في طول مائة ذراع، ولم يتم بعد، في أعلاه مكتوب سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم مما عمل لسام بن نوح.
79 - قرىء على ستر بالموصل: هذا ستر حسن، وستر الله أحسن.
80 - فلان يتبختر في استبرق (3) بعد اشتماله بكساء أبرق (4).
81 - دعبل (5) في أبي العلاء المغني (6):
سألنا خلعة على ما يغني ... فخلعنا على قفاه النعالا
82 - آخر:
عمرته الرقاع فهو كمصر ... سكنته نزاع كل قبيلة
83 - لقيت سكينة بنت الحسين (7) سعدة بنت سالم بن عبد الله بن عمر (8) بين مكة ومنى، ومع سكينة بنت لها، فقالت لها: قفي يا بنت سالم، فوقفت، فكشفت عن بنتها فإذا هي قد أثقلتها بالدر، فقالت:
والله، ما ألبستها إياه إلا لتفضحه.
__________
(1) يزيد بن الخطيب: لم نقف له على ترجمة. ولعل الخطيب تصحيف الخصيب.
(2) الإبريسم: الحرير.
(3) الاستبرق: هو الديباج أو الحرير.
(4) الكساء الأبرق: هو ما كان فيه سواد وبياض.
(5) دعبل: هو دعبل بن علي الخزاعي. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو العلاء المغني: لم نقف له على ترجمة.
(7) سكينة بنت الحسين: هي الشاعرة الفاضلة الأديبة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفية سنة 117هـ. تقدّمت ترجمتها.
(8) رواية الأغاني: سعدة بنت عبيد الله بن سالم. وفي الخبر: وابنتها هي الرباب بنت مصعب بن الزبير.(4/443)
84 - عبيد الله بن كليب السلمي (1):
يا طيلسان أبيّ حمران قد برمت ... بك الحياة فما تلتذّ بالعمر
إذا ارتداك لعيد أو لجمعته ... تنكّب الناس أن يبلى من النظر
85 - الغطّمش الضبي (2):
ولو أخذوا نعل الغطمش لاحتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل
86 - جعفر بن محمد: ما افتقرت كف تختمت بفيروزج (3).
87 - بعضهم: كان عندي جوهر أعرضه فلا يطلب إلا بدون ما ابتعته، فقلت لحميد النظام (4): ما الحيلة؟ فقال: أنا أتولى بيعه. ولي من كل زيادة مائة درهم على ما اشتريته خمسة دراهم، فأخذه ونظمه مرارا حتى وقفت عينه على غاية استحقاق تأليفه، ثم أخرجه فبلغ زيادة ثلاثة آلاف على الثمن، فأخذ مائة وخمسين.
88 [شاعر]:
سبتني بعينيها وتأليف عقدها ... فصرت سليب القلب بالعين والعقد
ولم تر عيني نحرها غير أنها ... أرتنيه من تحت الجمان على عمد (5)
89 - أراد عمرو بن مسعدة (6) الركوب إلى دار المأمون في جبة وشي مظاهرة (7)، فقال له إبراهيم بن نوح (8): لا تفعل. فقال عمرو: أتنكر
__________
(1) عبيد الله بن كليب السلمي: لم نقف له على ترجمة.
(2) الغطمّش الضبيّ: ذكره أبو تمام في الحماسة. والغطمّش هو الكليل البصر. راجع شرح الحماسة للتبريزي.
(3) الفيروزج والفيروز: الحجر الكريم وهو على نوعين: السنجابي والقمحي.
(4) حميد النظام: لم نقف له على ترجمة.
(5) الجمان: اللؤلؤ واحدته جمانة.
(6) عمرو بن مسعدة: وزير المأمون. تقدّمت ترجمته.
(7) الجبّة المظاهرة: الجميلة اللّافتة للنظر.
(8) إبراهيم بن نوح: لم نقف له على ترجمة.(4/444)
لمثلي وغلّتي في الشهر كذا؟ قال: إن غلتك مسموعة، وهذه ملحوظة.
90 - كان ملك العرب كلما مرت سنة من سني ملكه زيد في تاجه خرزة، فكان يقال لها خرزات الملك. ولما بلغت خرزات النعمان (1)
أربعين قتله أبرويز (2)، وإياه عنى لبيد (3).
رعى خرزات الملك عشرين حجة ... وعشرين حتى قاد والشيب شامل
91 - قميص عثمان الذي قتل فيه مثل فيما يهيج الحزن ويجدد الحسرة والبكاء. وعن عمرو بن العاص أنه لما أحس من العسكر فتورا أشار على معاوية بأن يبرز لهم قميص عثمان، فلما وقعت عيونهم عليه ارتفعت ضجتهم بالبكاء والنحيب، وجدوا في الحرب، فعندها قال: حرك لها حوارها تحن (4).
92 - ولما قتلت الترك المتوكل بمواطئة المنتصر وأفضى الأمر بعده وبعد المستعين (5) إلى المعتز (6) لم تزل أمه قبيحة (7) تحرضه على الانتصار من قتلة أبيه، ويعلم أن لا قوة به عليهم. فلما طال بها الانتظار أبرزت له قميص المتوكل الذي قتل فيه، وجعلت تبكي وتضرع، فقال: يا أماه، ارفعي القميص وإلا صار قمصين. فعدنها سكتت.
__________
(1) النعمان: هو النعمان بن المنذر. تقدّمت ترجمته.
(2) أبرويز: هو لقب خسرو بن هرمز بن أنوشروان. تقدّمت ترجمته.
(3) لبيد: هو الشاعر المشهور لبيد بن ربيعة. تقدمت ترجمته.
(4) الحوار: ولد الناقة. والفاعل في «تحن» يعود إلى الناقة، راجع المثل في مجمع الأمثال للميداني.
(5) المستعين: هو الخليفة أحمد بن المعتصم.
(6) المعتزّ: هو الخليفة العباسي محمد بن جعفر المتوكل.
(7) قبيحة: هي أم المعتز وأم ولد المتوكل. سمّيت قبيحة لأنها كانت رائعة الجمال وهو من أسماء الأضداد، كانت تتدخل في شؤون الدولة في أيام ابنها المعتز. نفيت إلى مكة بعد مقتل إبنها المعتز وماتت سنة 264هـ. راجع أخبارها في الطبري وابن الأثير.(4/445)
93 - كسا ابن الزبير بني أسد دون غيرهم حلتين حلتين، فقال أبو العباس الضرير (1):
كست أسد إخوانها ولو أنني ... ببلدة إخواني إذا لكسيت
فأمر عبد الله بكسونه، فأعطي أربعمائة قميص سوى الجباب والأردية والطيالسة.
94 - كان سليمان بن عبد الملك يلبس المصبغات ويقول: ما جعل النساء أحق بالصبغ من الرجال، وكان يخطب فيها، فقيل له حسّان قريش.
95 - قحذم (2): بعثني يوسف بن عمر إلى هشام (3) بياقوتة حمراء، يخرج طرفاها من كفي. كانت للرائقة (4) جارية خالد بن عبد الله القسري، اشتراها بثلاثة وسبعين ألف دينار، وحبة لؤلؤ أعظم مما يكون من الحب، فدخلت عليه فدنوت منه، فلم أر وجهه من طول السرير وكثرة الفرش، فتناول الحبة والحجر، فقال: أكتب معك بوزنها؟ قلت: يا أمير المؤمنين، هما أعظم من أن يكتب بوزنهما، ومن أين يوجد مثلهما؟
قال: صدقت.
96 - دخل أبو نخيلة (5) على هشام وعليه لحاف سمور (6) مظهر (7)
__________
(1) أبو العباس الضرير: هو السائب بن فروخ من شعراء بني أمية.
(2) قحذم: هو كاتب يوسف بن عمر. راجع الطبري 2: 1739.
(3) هشام: هو الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.
(4) الرائقة: لم نقف لها على ترجمة. ذكرها الطبري في الخبر الذي تقدم وفي حوادث سنة 126هـ.
(5) أبو نخيلة: هو يعمر بن حزن بن زائدة بن لقيط بن هدم. شاعر راجز، كان عاقا لأبيه فنفاه أبوه عن نفسه. انقطع إلى بني العباس ولقب نفسه بشاعر بني هاشم.
راجع ترجمته في الأغاني والشعر والشعراء 501والبيان والتبيين 3: 225.
(6) السمّور: حيوان يشبه النمس يتّخذ من جلوده الفراء الغالية الثمن.
(7) السمّور المظهّر بخزّ: أي وجهه الخارجي (خلاف بطانته) خزّ.(4/446)
بخز، فرمقه (1) أبو نخيلة، فقال: ما بالك ترمقه ولست من أهله؟ قال:
صدقت يا أمير المؤمنين، ولكني من أهل الشرف والافتخار، فرمى به إليه.
ثم دخل عليه، وعليه جبة خز، فقال: يا أمير المؤمنين، لا أحسن أن أنظر إليك، قال: ولم؟ قال: أخاف أن تقول: ومالك ترمق الجبة؟
قال أو أعجبتك؟ فرمى بها إليه.
ودخل عليه، وعليه رداء وشيء أفواف (2)، فجعل ينكت بأصبعه على الأرض ويقول:
كسوتينها فهي كالتجفاف ... كأنني فيها وفي اللحاف (3)
من عبد شمس أو بني مناف ... والخز مشتاق إلى الأفواف
فرمى بالرداء إليه.
97 - كان الزبير بن العوام يقاتل يوم بدر وعليه عمامة صفراء، فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر قد أرخوها.
98 - كان عبد الله (4) لا يكسو أسماء (5) كسوة إلا كساها مصعب (6)
مثلها.
99 - دفع مصعب بن الزبير لما أحس بالقتل إلى مولاه زياد فص ياقوت قام عليه بألف ألف درهم، فقال له: انج بهذا، فأخذه فدقه بين
__________
(1) رمقه: أطال النظر إليه. ويقال: لحظه لحظا حفيفا.
(2) أفواف: جمع فوف، نوع من برود اليمن، وقيل: الفوف ثياب رقاق من ثياب اليمن.
(3) كسوتنيها: الضمير يعود إلى جبّة خز. والتجفاف: ما يجلل به الفرس من السلاح أو الآلة التي تقي الجراح.
(4) عبد الله: هو عبد الله بن الزبير بن العوام.
(5) أسماء: هي اسماء بنت أبي بكر الصديق.
(6) مصعب: هو مصعب بن الزبير بن العوام.(4/447)
حجرين وقال: والله لا انتفع به بعدك.
100 - عبد الله الفقير إليه (1):
وإذا كسوت فجبة وعمامة ... ما واحد الثوبين بالحسن
لم يستقم في حكمه بدن بلا ... رأس ولا رأس بلا بدن
101 - بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل (2)، فتخلف عن الجيش، وغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه عمامة خز سوداء، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما خلفك عن أصحابك؟ قال: أحببت أن أكون آخرهم عهدا بك. فأجلسه، فنقض العمامة، وعممه بيده وأسدلها بين كتفيه قدر شبر، وقال: هكذا فاعتم يا ابن عوف.
102 - كان الحكم بن المطلب (3) إذا انقطع شسعه خلع النعل، فانقطع شسعه يوما. فخلع النعل الأخرى ومضى. فأخذ نعليه نوبي فسوى الشسع وجاءه بالنعلين في منزله، وقال: سويت لك الشسع. فدعا جاريته بثلاثين دينارا فدفعها إليه وقال: إرجع بالنعلين فهما لك.
103 - كان لسليمان بن علي (4) جارات من عنزة (5) يغزلن على سطح
__________
(1) عبد الله الفقير إليه: هو المؤلف الزمخشري صاحب كتاب ربيع الأبرار. وهو يكني عن نفسه بصيغ مختلفة في هذا الكتاب. فمرّة يقول: قال ابن أخت خالتي، ومرّة يقول: قال المصنّف، أو غير ذلك.
(2) دومة الجندل: هي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال أبو عبيد السكوني: دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيء كانت به بنو كنانة من كلب. راجع معجم البلدان 2: 487.
(3) الحكم بن المطلب: هو الحكم بن المطلب المخزومي، كان ساعيا على بعض صدقات المدينة وكان كريما. توفي سنة 108هـ.
راجع تاج العروس 5: 527والأغاني.
(4) سليمان بن علي: هو سليمان بن علي العباسي الهاشمي. من عمومة أبي العباس السفّاح وأبي جعفر المنصور. كان أميرا على البصرة سنة 133هـ. توفي فيها.
راجع تهذيب ابن عساكر 6: 281.
(5) عنزة: قبيلة من هوازن من ربيعة.(4/448)
لهن بالليل، فقلن: لو أن الأمير اطلع علينا فأعطانا ما يغنيننا! فسمع بذلك فقام يطوف في القصر، حتى جمع حليا كثيرا ما أمكنه، فجعلها في منديل ورمى بها إليهن.
104 - ولّى عمر رضي الله عنه السائب (1) مغانم نهاوند (2)، فقال له بعض دهاقينها (3): هل لك أن أدلك على كنز النخيرجان (4) وتعطيني الأمان على نفسي وأهلي ومالي؟ وكان النخيرجان من عظماء فارس، وله امرأة جميلة، فتولع بها كسرى وجعل يختلف إليها، فقال له سائسه: إن الملك يأتي أهلك. فاجتنبها النخيرجان. فقال له كسرى: بلغني أن لك عينا عذبة وأنك لا تشرب منها، قال: إني واجدت عند تلك العين أثر السبع فاجتنبتها، فوثب عن سريره وفرح فرحا شديدا، وأمر بتاجين فصيغا له ورصّعا بألوان الجواهر.
فاستخرجهما الدهقان في سفطين (5)، وجاء بهما السائب إلى عمر، فنظر إلى الجوهر فحول وجهه عنه خوف الإفتنان، وأمر برفعه. ثم رأى في المنام من ليلته أن الملائكة أتته بالسفطين وفيهما جمر يتوقد، فقسم الجوهر على الذرية والمقاتلة.
105 - أهدى يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن جعفر هدية فيها در وجوهر وعطر وكسيّ، فقال للرسول: اختر ما شئت منها، فاختار فصا من ياقوت أحمر وجد في خزائن ذي القرنين مما كان لدارا بن دارا (6)، فقال:
__________
(1) السائب: هو السائب بن الأقرع. تقدّمت ترجمته.
(2) نهاوند: هي البلدة التي كانت فيها موقعة فتح الفتوح بين المسلمين والفرس سنة 19هـ وانتصر فيها المسلمون وهي قريبة من همذان. راجع معجم البلدان.
(3) الدهقان: رئيس الإقليم. والدهقان أيضا هو التاجر.
(4) النخيرجان: من قواد الفرس في الفتح الإسلامي.
(5) السفطان: مثنى سفط وهو وعاء كالقفّة.
(6) دارا بن دارا: هو دارا بن بهمن بن اسفنديار ملك الفرس، ملك بعد أبيه دارا الأكبر.
بنى مدينة دارا في الجزيرة قرب نصيبين.
ملك أربع عشرة سنة.
راجع أخباره في الكامل لابن الأثير 1: 281.(4/449)
خذه وكل ما في السفط، فقال: أخاف أن يبلغ أمير المؤمنين! قال: ومن يبلغ ذاك إلا أنا وأنت؟ فأخذه.
نهي عن الشهرتين وذلك أن يكون الثوب فاخرا مرتفعا أو سخيفا منحطا.
106 - وعن عبد الله بن عامر (1) أنه كان يطوف وعليه ثياب رقاق يسحبها، فأنكر عليه فتى من النساك، وقال: أما علمت أن الله يبغض الشهرة؟ فقال: يا ابن أخي، إن الشهرة شهرتان، فشهرة مثل ثيابي، وشهرة مثل ثيابك، وكاد على الفتى كرباستان (2) مشهرتان.
107 - لم يغسل عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر (3) ثوبا قط، كلما استغسل نوبه كساه. فكلما أراد أحد من أهله أو من غيرهم شيئا من ثيابه قال له: استغسل ثوبك، فيدفعه إليه.
108 - جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببرد، فقالت: إني نويت أن أعطي هذا البرد أكرم العرب، قال: أعطيه هذا الغلام سعيد بن العاص.
فبذلك سميت البرود السعدية.
__________
(1) عبد الله بن عامر: هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس الأموي، أبو عبد الرحمن، أمير، فاتح. ولد بمكة سنة 4هـ وولي البصرة أيام عثمان سنة 29فوجه جيشا إلى بلدان كثيرة فافتتحها، ومات بمكة سنة 59هـ ودفن بعرفات. كان سخيا.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 30ونسب قريش 147.
(2) كرباستان: مثنى كرباسة وهي القطعة من الكرباس. والكرباس هو ثوب من القطن أبيض (فارسي معرب).
(3) عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر: من تابعي أهل البصرة. كان جوادا من ثقات رواة الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 95.(4/450)
109 - بعث معاوية إلى عائشة رضي الله عنها طوقا من ذهب، فيه جوهر قوّم بمائة ألف، فقسمته بين أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم.
110 - أبو أمامة الباهلي (1) رفعه: عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم، وعليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل، وعليكم بلباس الصوف تعرفوا به في الآخرة، فان النظر في الصوف يورث في القلب التفكر، والتفكر يورث الحكمة، والحكمة تجري مجرى الدم.
فمن كثر تفكره قل طعمه وكلّ لسانه، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه، والقلب القاسي بعيد من الله بعيد من الجنة، قريب من النار.
__________
(1) أبو أمامة الباهلي: هو صدي بن عجلان. توفي سنة 86هـ. تقدّمت ترجمته.(4/451)
الجزء الخامس
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
الباب السادس والسبعون اللهو، واللعب، واللذات، والقصف وذكر التبذير وما يتصل به، واتباع الشهوات
1 - البراء (1) رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من قضى نهمته من الدنيا حيل بينه وبين شهواته في الآخرة. ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مقيتا في ملكوت السماوات. ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء.
2 - معاذ بن جبل: بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقال: إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين.
3 - أبو هريرة رفعه: شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسادهم.
4 - حكيم: اجتنب الشهوة فإنها رأس كل مهلكة، ألم تر السباع الضارية، والبزاة الصائدة كيف تصاد بالشهوة فتصير في أيدي الناس أسرى؟.
5 - أبو سليمان داود بن نصير الطائي صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه: إذا كنت تشرب الماء البارد المروق، وتأكل اللذيذ الطيب، وتمشي في الظل الظليل، فمتى تحب الموت والقدوم على الله؟.
__________
(1) البراء: هو البراء بن عازب. تقدّمت ترجمته.(5/5)
6 - وقيل لداود: ألا تتحول من الشمس؟ فقال: إني لأستحي من ربي أن انقل قدمي إلى ما فيه راحة بدني.
7 - وصف بعض البلغاء طروبا فقال: إنه لأطرب من زنجي عاشق سكران.
8 - قال الحجاج لخريم الناعم: ما النعمة؟ فقال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: الغنى، فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش. قال: زدني قال: الشباب، فإني رأيت الهرم لا ينتفع بعيش قال:
زدني، قال: لا أجد مزيدا.
9 - أبو نواس:
شققت من الصبا واشتق منّي ... كما اشتقت من الكرم الكروم
فلست أسّوف اللذات عني ... مياومة كما دفع الغريم
10 [آخر]:
فلله منيّ جانب لا أضيعه ... وللهو منّي والبطالة جانب
11 - نظر أعرابي إلى رجل جالس على الماء يرمي فيه بالدنانير، فقال: يا هذا، لقد أراحتك النعمة وأتعبتها.
12 - قال عمرو بن العاص لمعاوية: ما بقي من لذتك؟ قال: عين خرارة (1) في أرض غوارة (2)، وعين ساهرة لعين نائمة.
13 - وقال عمرو (3): أن أبيت معرسا بعقيلة من عقائل الحي.
14 - وقال وردان (4): الإفضال على الأخوان. فقال معاوية: اسكت
__________
(1) العين الخرّارة: الغزيرة المياه.
(2) الأرض الغوارة: المنخفضة.
(3) عمرو: هو عمرو بن العاص السهمي القريشي الصحابي.
(4) وردان: هو مولى عمرو بن العاص وهو الذي كتب كتب الأمان الذي أعطاه عمرو بن العاص أهل مصر وشهد فيه الزبير وابناه عبد الله ومحمد سنة 20هـ.(5/6)
فأنا أحق بهذا منك. قال: قد أمكنك فافعل.
وروي أنه قال: أن ألقى كريما قادرا بعقب إحسان كان مني إليه.
15 - وقال سليمان لابنه: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا الفاره (1)، الكثبان العفر (2).
16 - وقيل لعبد الملك، فقال: محادثة الأخوان في الليالي القمر على وامتطينا العذراء، فلم يبق من لذتي إلّا صديق أطرح بيني وبينه مؤونة التحفظ.
17 - وقيل لأعرابي: فيم اللذة؟ قال: في قبلة على غفلة.
18 - وقال آخر سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب (3).
19 - وقال الطفيلي: في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع.
20 - وقال آخر: في ندامى تغلق دورهم وتغلي قدورهم.
21 - وقال العالم: في حجة تتبختر اتضاحا، وشبهة تتضاءل افتضاحا.
22 - وقال الراعي: في واد عشيب، ولبن حليب.
23 - وقال العابد: في عمل يخلص، ورياء ينقص، وقلب عن الدنيا يسلو، وهمة إلى الله تعلو.
24 - وقال أعرابي: اشتهي محضا رويا، وضبا شويا.
__________
(1) الفاره من الدواب: النشيط.
(2) العفر: ظاهر التراب.
(3) مخراق لاعب: المخراق عبارة عن قطعة من القماش ونحوه تلوى بشكل معين فيستعملها الصبيان للضرب أثناء اللعب.(5/7)
25 - وقال المضياف: في كوم (1) تنحر، ونار تسعر (2)، وضيف ينزل، وآخر يرحل.
26 - وقال المغني: مجلس يقل هذره (3)، وعود (4) ينطق وتره، ورجل عقول، يفهم ما أقول.
27 - وقال الشجاع: طرف (5) سريع، وقرن صريع.
28 - وقال البحار: شربة من ماء الفنطاس (6) بقشر النارجيل (7)، ونومة في ظل الشراع.
29 - عبد الرّحمن بن الحكم: لذة العيش زحف الأحرار إلى طعامك، وبذلك الأشراف وجوههم لك، وقول المنادي الصلاة أيها الأمير.
30 - اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة ومصعب إبنا الزبير، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: أبدأ أنت، قال: ولاية العراق وتزوج سكينة بنت الحسين (8) وعائشة بنت طلحة (9)، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف وجهزها بمثلها.
__________
(1) كوم: جمع كوماء وهي الناقة الطويلة العظيمة السنام.
(2) أسعرت النار: أشعلتها.
(3) هذر الرجل في كلامه: هذى، أي خلط وتكلم بما لا ينبغي. والهذر هو سقط الكلام الذي لا يعبأ به.
(4) العود: آلة العزف المعروفة.
(5) الطرف: الكريم من الخيل.
(6) الفنطاس: حوض السفينة.
(7) النارجيل: جوز الهند.
(8) سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. توفيت سنة 117هـ. تقدّمت ترجمتها.
(9) عائشة بنت طلحة: هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي. كانت أديبة عالمة بأخبار العرب، فصيحة. أمّها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وخالتها عائشة أم المؤمنين. كانت لا تستر وجهها فعاتبها زوجها (مصعب بن الزبير) في ذلك، فقالت: إن الله قد وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس فما كنت لأستره.
كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة، وتخرج إلى الطائف تتفقّد أموالها. أخبارها مع الشعراء كثيرة ولعمر بن أبي ربيعة غزل بها. توفيت سنة 101هـ.
راجع ترجمتها في الدر المنثور 283وفي أعلام الناس 2: 885والأغاني.(5/8)
وتمنى عروة الفقه وأن يحمل عنه، فناله، وتمنى عبد الملك الخلافة، فنالها وتمنى ابن عمر الجنة.
31 - ولّى يحيى البرمكي إبنه الفضل خراسان، فبلغه اقبال منه على اللهو، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغني عنك ما كنت جديرا بغيره، وقد يهفو ذو الحنكة، ويزل الحليم، ثم يعود إلى ما هو أولى به، حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلّا بذلك، وقد كتبت إليك بأبيات إن تجاوزتها صرمتك (1) حولا، وعزلتك عن سخط:
انصب نهارا في طلاب العلى ... واصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل بدا مقبلا ... واستترت فيه وجوه العيوب
فبادر الليل بما تشتهي ... فإنما الليل انهار الأريب
كم من فتى تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره ... فبات في أمن وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو رقيب
فارتدع عما كان فيه.
32 - أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات، أولها {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (2)، فكان المسلمون بين شارب وتارك، إلى أن شرب رجل ودخل في الصلاة فهجر (3)، فنزلت: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} (4)، فشربها من شرب من المسلمين، حتى شربها
__________
(1) صرمتك: هجرتك وابتعدت عنك.
(2) سورة البقرة، من الآية: 219.
(3) هجر في الصلاة: خلط في كلامه وهذى.
(4) سورة النساء، من الآية: 43.(5/9)
عمر فأخذ لحي بعير (1) فشج رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتل بدر بشعر الأسود بن عبد يغوث (2):
وكائن بالقليب قليب بدر ... من الفتيان والشرب الكرام (3)
وكائن بالقليب قليب بدر ... من الشيزى المكلل بالسنام (4)
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام (5)
أيعجز أن يرد الموت عنّي ... وينشرني إذا بليت عظامي (6)
ألا من مبلغ الرّحمن عنيّ ... بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج مغضبا يجر رداءه، فرفع شيئا كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله.
فأنزل الله تعالى: {إِنَّمََا يُرِيدُ الشَّيْطََانُ} إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ}
__________
(1) اللحي: العظم الذي فيه الأسنان، الفك.
(2) الأسود بن عبد يغوث: كان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم مات في علة الاستسقاء. وفي لسان العرب (مادة شيز) أن هذا الشعر لابن سوادة.
(3) القليب: هو قليب بدر الذي قذف فيه من قتل من قريش. ويقال: يوم القليب أي معركة بدر الكبرى.
(4) روآية لسان العرب:
فماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى يزين بالسنام
الشيزى: شجر تتخذ منه الجفان، وأراد بالجفان أربابها الذين كانوا يطعمون فيها وقتلوا ببدر وألقوا في القليب، فهو يرثيهم، وسمى الجفان شيزى باسم أصلها.
والجفان: جمع جفنة وهي القصعة والقدر الكبير.
(5) الصدى: جسد الإنسان بعد موته. وكان أهل الجاهلية يذكرون أن طائرا يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه فإذا قتل أقبل يصوت على قبره حتى يدرك بثأره ويسمى هذا الطائر الصدى والهام. والهام أيضا نوع من البوم الصغير يألف القبور والأماكن الخربة ينظر من كل مكان أينما درت أدار رأسه واحدته هامة وتسمى أيضا الصدى.
(6) يوم النشر: يوم القيامة.(5/10)
{مُنْتَهُونَ} (1)، فقال عمر: انتهينا.
33 - قال عبد الملك بن مروان لنصيب (2): هل لك فيما يتنادم عليه؟
فقال: يا أمير المؤمنين تأملني، فإن جلدي أسود، وخلقي مشوه، ولست في منصب، وإنما بلغ بي مجالستك عقلي، فأنا أكره أن أدخل عليه ما ينقصه، فأعجبه كلامه وأعفاه.
34 - استوصف رجل ابن ماسويه (3) دواء الباه (4)، فقال: عليك بالكباب والشراب، وشعر أبي الخطاب. هو عمر بن أبي ربيعة.
35 - أتى عبد الملك يعود: فقال للوليد بن مسعدة الفزاري (5): ما هذا؟ قال: عود يشقق، ثم يرقق، ثم يلصق، ثم تمد عليه أوتار، وتضرب به القيان فيطرب له الفتيان، وتضرب رؤوسها بالحيطان. وامرأتي طالق إن كان أحد في المجلس الا وهو يعلم منه مثل ما أعلم، أولهم أنت يا أمير المؤمنين. فضحك وقال: مهلا يا وليد.
36 - قيل لأعرابي: أما تشرب النبيذ؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلي.
37 - علي بن أبي كثير (6) مولى بني أسد:
__________
(1) سورة المائدة، من الآية: 91.
(2) نصيب: هو نصيب بن رباح. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن ماسويه: طبيب مشهور سرياني الأصل عربي المنشأ. عهد إليه هارون الرشيد ترجمة ما وجد من كتب الطب القديمة في أنقرة وعمورية وغيرهما من بلاد الروم وجعله أمينا على الترجمة ورتّب له كتابا حاذقين كان مجلسه ببغداد من أعمر المجالس.
راجع ترجمته في أخبار الحكماء للقفطي 248وطبقات الأطباء 1: 175وفهرست ابن النديم.
(4) الباه: الشهوة إلى المجامعة والنكاح.
(5) الوليد بن مسعدة الفزاري: لم نقف له على ترجمة.
(6) علي بن أبي كثير: هو مولى بني أسد، كما ذكر المرزباني في معجم الشعراء، وقيل: هو مولى بني تيم الله بن ثعلبة. كان صاحب شراب وفتوّة.
مدح عبد الله بن المقفّع واستكتبه أبو بجير الأسدي عند تقلّده الأهواز للمنصور وله معه أخبار.(5/11)
سقاني ثلاثا بعد سبع وأربع ... فخثرن ما بين الذؤابة والنعل
ورحت أجوب الأرض أركل متنها ... إذا هي مالت بي ليعدلها ركلي
ترى عيني الحيطان حولي كأنها ... تدور ولو كلّمتني قلت ذو خبل
فلا العين تهديني وبالرجل ما بها ... فلأيا بلأي ما دفعت إلى أهلي
38 - تهوع سكران في طريق فلحس كلب شفتيه، فقال: خدمك بنوك ولا عدموك. ثم شغر (1) على وجهه، فقال: وماء حار أيضا؟ بارك الله عليك!.
39 - كان لأبي تمام صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت أن تنام عندنا فافعل.
40 - مر أبو نؤاس برجل ينشد:
وما مسها نار سوى أن علجهم ... سعى في نواحي كرمها بسراج (2)
فالتفت إليه فقال: ما له أحرق الله قلبه كما أحرقها؟!.
41 - خرج سوار القاضي (3) إلى المسجد ماشيا، فلقيه سكران فقال:
القاضي أعزه الله يمشي! امرأتي طالق إن حملته إلّا على عاتقي. فكره سوار أن تطلق امرأته، فقال: ادن يا خبيث، فحمله على عاتقه، ثم رفع رأسه فقال: أ. هملج أم أعنق (4)؟ فقال: مشيا بين مشيين، واحذر الآبار والزلق، والصق بأصول الحيطان. فقال: كأنك أردت المرائي من
__________
(1) شغر الكلب: رفع إحدى رجليه فبال.
(2) العلج: هو الرجل الضخم من رجال العجم.
(3) سوار القاضي: هو سوار بن عبد الله القاضي. تقدّمت ترجمته.
(4) أعنق: أسير العنق. والعنق هو السير السريع. والهملجة: هو ضرب من سير الإبل في سرعة.(5/12)
الفروسية. فلما أوصله إلى المسجد أمر بحبسه، فقال: أهذا جزائي منك؟ فتبسم وتركه.
42 - السكارى ثلاثة: قرد حرك رأسه ورقص، وكلب هارش ونبح، وحية زويت فنامت.
43 - مر عقال الناسك (1) بمرداس بن حذام الأسدي (2) فاستسقاه لبنا، فصب له خمرا وعلاه باللبن، وشربه فسكر ولم يتحرك ثلاثة أيام، فقال:
سقيت عقالا بالثوية شربة ... فمالت بعقل الكاهلي عقال (3)
قرعت بأم الخل حبة قلبه ... فلم ينتعش منها ثلاث ليالي (4)
44 - قال رجل لابن له يتعاطى الشراب: يا بني دع الشراب، فإنما هو قيء في شدقك، أو سلح على عقبك، أو حد في ظهرك.
45 - قال عبد الملك للأخطل: صف لي الخمر. قال: أولها صداع وآخرها خمار (5). قال: فما يعجبك منها؟ قال أن بينهما طربة لا يعدلها ملكك، وأنشأ يقول:
إذا ما نديمي علّني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير
__________
(1) عقال الناسك: لم نقف له على ترجمة.
(2) مرداس بن حذام الأسدي: إسلامي كان ينزل الكوفة، وكان شاعرا خبيثا. قيل:
حزام، وقيل خذام، وقيل حذام. راجع معجم الشعراء 370والمؤتلف والمختلف للآمدي 109.
(3) الثوية: خريبة إلى جانب الحيرة ذكر العلماء أنها كانت سجنا للنعمان بن المنذر، كان يحبس بها من أراد قتله فكان يقال لمن حبس بها ثوى أي أقام فسمّيت الثوبة بذلك.
ورواية معجم البلدان:
سقينا عقالا بالثوية شربة ... فمال بلبّ الكاهلي عقال
(4) أم الخل: كناية عن الخمر.
(5) الخمار: وجع الرأس الذي تحدثه الخمرة عندما يكثر من شربها الإنسان.(5/13)
خرجت أجر الذيل حتى كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
46 - سمع عالم قول الشاعر: مالها تحرم في الدنيا وفي الجنة منها؟ فقال: لصداع الرأس ونزف العقل. ذهب إلى قوله تعالى: {لََا يُصَدَّعُونَ عَنْهََا وَلََا يُنْزِفُونَ} (1).
47 - قال الضحاك بن مزاحم لرجل: ما تصنع بشرب النبيذ؟ قال:
يهضم طعامي. قال: ما يهضم من دينك وعقلك أكثر.
48 - كانت مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة (2) تحت زبان بن سيار (3)، فمات عنها وخلف ابنه عليها، فأخبر بذلك عمر رضي الله عنه وبأنه يشرب، ففرق بينهما ونهاه عن الشرب، فقال:
ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهر ... إذا ذهبت عني مليكة والخمر
فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فحيّ ابنة المري ما طلع الفجر
49 - كان لأزدشير (4) غلامان ذكيان موكلان بحفظ ألفاظه إذا غلب عليه السكر، أحدهما يملي، والآخر يكتب حرفا حرفا، فإذا صحا قرىء عليه، فإن كان فيه شيء خارج عن آيين الملوك وآدابهم جعل على نفسه
__________
(1) سورة الواقعة، الآية: 19.
(2) مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة: كانت تحت زبان بن سيّار فخلف عليها ابنه منظور بن زبان فولدت منه وفرّق بينهما الإسلام، وتزوجها طلحة بن عبيد الله. كانت تكنّى أم خولة.
راجع ترجمتها في الإصابة 8: 195و 6: 142.
(3) زبان بن سيّار: هو زبان بن سيّار بن عمرو بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة الفزاري. راجع الخبر في الإصابة 6: 141وقد اختصره الزمخشري هنا اختصارا مخلا. هذا وهذا النكاح هو ما يسمى نكاح المقت وفيه نزلت الآية: {وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ آبََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ}.
(4) أزدشير: هو أردشير بن بابك مؤسس الدولة الساسانية ملك من سنة 226م إلى سنة 241م.(5/14)
ألا يزمزم (1) ذلك اليوم إلّا على خبز الشعير والجبن عقوبة لنفسه.
50 - اجتمع محدث ونصراني في سفينة، فصب النصراني من ركوة (2) كانت معه في مشربة وشرب، وصب فيها وعرضها على المحدث، فتناولها من غير فكر ولا مبالاة، فقال النصراني: جعلت فداك، إنما هو خمر، فقال: من أين علمت أنها خمر؟ قال: اشتراها غلامي من يهودي وحلف أنها خمر. فشربها بالعجلة، وقال للنصراني: أنت أحمق، نحن أصحاب الحديث نضعف سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون، أفنصدق نصرانيا عن غلامه عن يهودي، والله ما شربته إلّا لضعف الإسناد.
51 - ممن حرم الخمر في الجاهلية علقمة بن نضلة (3)، وقال:
لعمرك إن الخمر ما دمت شاربا ... لمذهبة مالي ومنسية حلمي
وجاعلني من الضعاف قواهم ... ومورثتي حرب الصديق بلا جرم
وقيس بن عاصم، وذلك أنه شرب، فلما سكر مدّ يده ليلتمس القمر، فلما أصبح أخبر، فاستسفه فعله وحرمها، وقال: لا أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم وقال:
تركت القداح وعزف القيان ... والخمر تصفية وابتهالا
52 - وقال ابن أوفى (4) لقومه حين نهوا عن شرب الخمر:
أنهد بن زيد ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوها إنني غير فاعل
__________
(1) الزمزمة: تراطن العلوج عند الأكل وهم صموت لا يستعملون اللسان ولا الشفة في كلامهم ولكنه صوت يديروه في خياشيمهم وحلوقهم فيفهم بعضهم عن بعض.
والعلوج: ضخام الجثة من رجال العجم.
(2) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، ومنه الركوة لإبريق القهوة عند أهل بلادنا.
(3) علقمة بن نضلة: لم نقف له على ترجمة.
(4) ابن أوفى: هو عبد الله بن أبي أوفى. تقدمت ترجمته.(5/15)
فإني وجدت الخمر شيئا ولم يزل ... أخو الخمر حلالا شرار المنازل
53 - كان رجل يقول لوكيله: اشتر لي المطبوخ وحلف الخمار على أنه مطبوخ. فيأتي بالمطبوخ، فيقول الرجل: ليس له صفاء ولا حسن، أريد أرق منه. فلا يزال يردده حتى يأتيه بالخمر الصرف، فيقول: أما أحلفت الخمار؟ أما استوثقت منه؟ فيقول: بلى، فيقول: ثقة والله وقد حج، ثم يتعد يشربه بقلب مطمئن.
54 - الخمر مصباح السرور، ولكنها مفتاح الشرور.
55 - اترك النبيذ قبل أن يبلغ الحد الذي يوجب الحد (1).
56 - المهلبي الوزير (2): الشراب بغير دسم سم، وبغير نغم غم.
57 - تغدى الحجاج عند عبد الملك، ثم دعا بالشراب، فقال:
أعفني يا أمير المؤمنين، فإني أضرب عليه أهل العراق، فو الله لئن شربته لا ضربت عليه أبدا. قال: يا أبا محمد، إنه نبيذ الزمان، يشهّي الطعام، ويزيد في الباه، قال: أما قولك يشهي الطعام، فوددت أن هذه الأكلة كفتني حتى أموت، وأما قولك يزيد في الباه، فحسب الرجل أن يصرع في كل شهر مرة.
58 - أبو حنيفة عن إبراهيم (3): كانت الرواية كل سكر (4) حرام فزادوا فيها ميما.
59 - أخذ الطائف (5) فتيانا يشربون ومعهم أعرابي، فأتى بهم
__________
(1) الحدّ: القصاص الشرعي. وقد تقدّم شرح حدود الله تعالى.
(2) المهلبي الوزير: هو الحسن بن محمد المهلبي، استوزره معزّ الدولة بن بويه، وقرّبه الخليفة المطيع العباسي ثم لقبه بالوزارة فاجتمعت له وزارة الخليفة ووزارة السلطان فلقب بذي الوزارتين. له شعر رقيق. توفي سنة 352هـ.
(3) إبراهيم: هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي. تقدّمت ترجمته.
(4) السكر: الخمرة.
(5) الطائف: هو العاسّ ليلا (شرطي الأخلاق في أيامنا).(5/16)
الحجاج. فقال الأعرابي: والله ما كنا في شر، قدم إلينا هذا الكريم عافاه الله خبزا من لباب البر، ولحما من سمان الضأن، وطيبا من نبيذ السعن (1)، وعنده رجل معه خشيبة يعرك أذنيها فينطق جوفها، فبينا نحن على أحمد حال وأرضاها إذ وغل (2) هذا اللئيم، فأكل وشرب حتى إذا تضلع (3) غدر بنا، وساقنا إليك لؤما وسفالة.
فضحك الحجاج، ووهب لهم الطائف يفعلون به ما شاؤوا.
60 - يزيد بن المهلب: وددت لو أن كل كأس بألف دينار، وكل منكح في جبهة الأسد، فلا يشرب إلّا جواد، ولا ينكح إلّا شجاع.
61 - الحسن: لو كان العقل عرضا لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب لمن يشتري شيئا بماله يشربه فيذهب عقله.
62 - وعن عبد الله بن الأهتم (4): لو كان العقل يشترى ما كان علق أنفس منه، فالعجب لمن يشتري الحمق بماله فيدخله رأسه، فيقيء في جيبه ويسلح في ذيله، يمسي محمرا، ويصبح مصفرا.
63 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من بات سكران بات للشيطان عروسا.
64 - عيسى عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والنساء حبائل
__________
(1) السّعن والسّعن: هو، كما في اللسان، شيء يتّخذ من أدم شبه دلو إلّا أنه مستطيل مستدير وربما جعلت له قوائم ينتبذ فيه، وقد يكون بعض الدلاء على تلك الصنعة، والسّعن أيضا: القربة البالية المتخرّقة العنق يبرّد فيها الماء.
(2) وغل على القوم: دخل عليهم فشرب معهم من غير أن يدعى.
(3) تضلّع: انتفخت أضلاعه من كثرة الشرب.
(4) عبد الله بن الأهتم: من خطباء بني تميم. تولى شرطة البصرة سنة 71بعد قتل مصعب حين غلب على ولايتها حمران بن أبان. وفي سنة 97هـ أوفده يزيد بن المهلب حين ضجر بالعراق إلى سليمان بن عبد الملك ليعمل على توليته خراسان فوفّق في ذلك.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 355.(5/17)
الشيطان، والخمر داعية للشّر.
65 [شاعر]:
بلوت النبيذيين في كل بلدة ... فليس لأخوان النبيذ حفاظ (1)
إذا دارت الأرطال أرضوك بالمنى ... وإن فقدوها فالوجوه غلاظ (2)
66 - حكيم: إياك وأخوان النبيذ، فبينا أنت متوج عندهم مخدم، مسجود له معظم إذ زلت بك القدم، فجروك على شوك السلم (3). واحفظ قول القائل:
وكل أناس يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم
لئن قلت هذا لم أقل عن جهالة ... ولكنني بالفاسقين عليم
67 - شرب رجل من إداوة (4) عمر رضي الله عنه، فسكر، فجلده، فقال: إنه من نبيذك! فقال: إنما جلدت لسكرك.
68 - قيل لسعيد بن سلم (5): أتشرب النبيذ؟ قال: لا، قيل: لم؟
قال: تركت كثيره لله، وقليله للناس.
69 - قال ابن صدقة العطار البصري (6): لو لم يوجب اجتناب
__________
(1) بلوت: اختبرت.
(2) الأرطال: جمع رطل وهو وزن يبلغ اليوم، في بعض البلاد العربية، اثنتي عشرة أوقية، وكان في ما مضى يقرب من الأوقيتين.
(3) السّلم: شجر ذو شوك يدبغ بورقه وقشره، ويسمّى ورقه القرظ له زهرة صفراء فيها حبة خضراء طيّبة الريح تؤكل في الشتاء وهي في الصيف تخضرّ. واحدته سلمة.
(4) الإداوة: قربة تكون من الجلد يوضع فيها الماء.
(5) سعيد بن سلم: هو سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي.
تقدّمت ترجمته. ورواية العقد الفريد: سعيد بن أسلم، ولم نقف له على ترجمة.
(6) ابن صدقة العطار البصري: لم نقف له على ترجمة.(5/18)
السكر (1) إلّا قول الأحنف (2): «تركته مخافة أن احتاج بالعشي إلى تقويم من احتاج إلى تقويمي بالغداة» لكفى به.
70 - قال حكيم الهند: عجبا عجبا لمن كان شرابه عصير الكرم، وطعامه الخبز واللحم، ثم اقتصد في أكله وشربه وجماعه وتعبه، كيف يمرض وكيف يموت؟.
71 - شهد رجل عند شريك (3)، فقال المدعي عليه: إنه يشرب النبيذ، فقال له شريك: أتشربه؟ قال: نعم، وأنا الذي أقول:
وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق
بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق
يهضم المطعم هضما ... ثم يجري في العروق
فقال شريك: قم فأثبت شهادتك. وأراد الكسر على المشهود عليه.
72 - دخل الهيثم بن خالد (4) على عبد الملك وبوجهه آثار، فقال:
ما هذا؟ قال: قمت بالليل فصدمني الباب، فقال عبد الملك:
رأتني صريع الكأس يوما فسؤتها ... وللشاربيها المدمنيها مصارع
فقال: آخذك الله بسوء ظنك يا أمير المؤمنين، قال: بل آخذك الله بسوء مصرعك يا هيثم.
73 - كان وكيع بن أبي سود (5) مدمنا، فولى ابن أخيه بعض
__________
(1) السّكر: الخمرة.
(2) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي. تقدّمت ترجمته.
(3) شريك: هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي. تقدّمت ترجمته.
(4) الهيثم بن خالد: لم نقف له على ترجمة.
(5) وكيع بن أبي سود: هو وكيع بن حسّان بن قيس بن أبي سود الغداني. له أخبار مع الحجاج وقتيبه بن مسلم الباهلي وسليمان بن عبد الملك. غلب على خراسان تسعة أشهر. ذكره الجاحظ في الخطباء من الجفاة والأعراب المحرمين.
راجع أخباره في عيون الأخبار 2: 48والطبري وابن الأثير.(5/19)
الأعمال، فبلغه أنه يشرب، فدعا به وقال: إني استعملتك لأشرفك وارفع ذكرك فأقبلت على الشرب! فقال: والله ما شربت حسوة منذ وليتني، ولكني الساعة سكران. قال: من أي شيء؟ قال: من ريحها منك.
74 - استفتى أعرابي من جبلي طي (1) ابن أبي ذئب (2) في النبيذ وقال: يحسن الوجوه، ويسخي الأنفس، ويسلي الهموم، ويحض على النجدة، فقال: هو حرام. فقال: إنه ينفعني من أرواح تعتريني، ويصلح عليه جسمي، قال: لم يجعل الله فيما حرم شفاء، فأنشأ يقول:
دع ابن أبي ذئب وإن كان مفتيا ... وأصحابه واشرب حلالا من التمر
ومن رطب زهو إذا ما وجدته ... وكل نبيذ من عتيق ومن بسر
فإن الهدى في غير ذلك فاعلمن ... وما الأمر إلّا في الفواحش والخمر
75 - قال حفص بن غياث (3): كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذ، فاستأذن قوم فسترته، فقال: لم سترته؟ فقلت: كرهت أن يقع فيه ذباب. فقال: هيهات هو أمنع جانبا من ذاك.
76 - علي رضي الله عنه: الشطرنج ميسر العجم. وعنه أنه مرّ بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.
__________
(1) جبلاطيء: هما أجأ وسلمى.
(2) ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب. ولد عام الجفاف سنة 80هـ. محدّث ورع. وهو الذي قال للمنصور: الظلم فاش ببابك. توفي سنة 158هـ. وقيل: توفي سنة 195هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 2: 787وتذكرة الحفاظ 1: 179وتهذيب التهذيب 9: 303.
(3) حفص بن غياث: هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة النخعي. ولد سنة 117وولي قضاء الشرقية ببغداد أيام هارون الرشيد ثم عزله وولاه قضاء الكوفة. كان من أصحاب الأعمش، يتبع في قضائه أحكام ابن أبي ليلى. توفي سنة 194هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 415وميزان الاعتدال 1: 567.(5/20)
77 - عمر رضي الله عنه وقد ذكر عنده الشطرنج: إني لأعجب من ذراع في ذراع يدبرها الحكماء منذ وضعت لم يقفوا لها على غاية.
78 - قيل لابن مجاهد (1): إن الصولي (2) صنّف كتابا في القرآن سمّاه «الشامل» فقال: إنه جيد الدست (3)، أراد أنه شطرنجي حاذق. فأما القرآن فإنه منه في قطر بعيد.
89 - دخل أبو العنبس (4) على أبي تمام وهو يلعب بالشطرنج، وكان وسخا، فقال: ما أوسخ هذا الشطرنج! قال أبو تمام: فكيف لو رأيت اللعب؟ فإنه أوسخ من الشطرنج.
80 - كان أبو القاسم الكسروي (5) يقول: لا ترى شطرنجيا غنيا إلّا بخيلا، ولا فقيرا إلّا طفيليا، ولا تسمع نادرة بادرة إلّا على الشطرنج.
81 - قالوا: على الملك أن ينصف صاحبه في اللعب بالشطرنج والصوالج (6) والصيد والرمي في الغرض، ولا يتفضل عليه وعلى صاحبه
__________
(1) ابن مجاهد: هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، من أهل بغداد كان شيخ القرّاء في زمانه. ولد في بغداد سنة 245هـ. كان حسن الأدب رقيق الخلق فطنا جوادا. له تصانيف. مات ببغداد سنة 324هـ. ودفن في مقبرة له بباب البستان.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 5: 144وغاية النهاية 1: 139.
(2) الصولي: هو محمد بن يحيى الصولي، أبو بكر. تقدّمت ترجمته.
(3) جيّد الدّست: أي شطرنجي حاذق (فارسي معرب).
(4) أبو العنبس: هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبي العنبس بن المغيرة بن ماهان، من أهل الكوفة، ولي قضاء الصيمرة فنسب إليها. كان أديبا ظريفا شاعرا هجاء خبيث اللسان، هاجى أكثر شعراء زمانه وله مع البحتري مناظرة، وهجاه أكثر شعراء زمانه وله معرفة بالنجوم. نادم المتوكل والمعتمد وتوفي سنة 275هـ ودفن بالكوفة.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1: 238وإرشاد الأريب 6: 401.
(5) أبو القاسم الكسروي: ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر وقال: كان جامعا بين الكتابة والشعر ضاربا بأوفر السهم في الظرف.
(6) الصوالج: جمع صولجان وهي العصا المعقوفة الرأس ومنها «صولجان الملك» (فارسية).(5/21)
المشاحة وترك الأغضاء.
82 - حكي عن سابور (1) أنه لاعب تربا (2) له بالشطرنج على إمرة مطاعة، فقمره (3) تربه، فقال سابور: ما إمرتك؟ قال: أركبك حتى أخرج بك إلى باب العامة. فدعا ببرقع فتبرقع به، وجثا لتربه.
83 - استأذن يحيى بن أكثم على المتوكل وهو يلعب بالنرد مع الفتح بن خاقان، فغطيت الرقعة بمنديل. فقال له المتوكل: إني كنت ألاعب الفتح فكره دخولك واحتشمك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن خاف أن أعلمك عليه، فضحك وأمر له بمال.
84 - احتضر شطرنجي وهو يقول: شاه مات مكان الشهادة.
85 - سئل الشعبي (4) عن اللعب بالشطرنج، فقال: لا بأس به إذا لم يكن هناك تقامر وتباذل.
86 - بعضهم: كنا في السجن مع ابن سيرين (5) فكان يمر بنا ونحن نلعب بالشطرنج، فيقوم قائما فيقول: ارفع الفرس، افعل كذا.
87 - سعيد بن المسيب: كنت ألعب بالشطرنج مع صديقي في بيته حين خفت الحجاج.
88 - علي بن الجهم:
أرض مربعة حمراء من أدم ... ما بين حرين معروفين بالكرم
تذاكرا الحرب فاحتلالا لها فطنا ... من غير أن يأثما فيها بسفك دم
هذا يغير على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحزم لم تنم
__________
(1) سابور: هو سابور بن أردشير. تقدّمت ترجمته.
(2) الترب: المماثل في السنّ.
(3) قمره: غلبه.
(4) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. تقدّمت ترجمته.
(5) ابن سيرين. وهو محمد بن سيرين الشهير بتعبير الرؤيا. تقدّمت ترجمته.(5/22)
فانظر إلى بهم حاشت بمعركة ... في عسكرين بلا طبل ولا علم
89 - وقيل هي للمأمون.
قالوا إن سبب وضع الشطرنج أن ملوك الهند ما كانوا يريدون القتال فإذا تنازع فريقان في كورة أو مملكة تلاعبا بالشطرنج، فيأخذها الغالب من غير قتال.
90 - ولى سليمان بن عبد الملك صالح بن عبد الرّحمن (1) بعد الحجاج، وأمره بتتبع آثار الحجاج. فقال له بعض أبناء ملوك الفرس:
انظر شطرنجا من ياقوت أحمر كان لبعض آبائي، قام عليه أصغر قطعة منها بثلاثة آلاف ألف، فإن وجدتها في الخزانة فاعلم أن الحجاج لم يخن.
فوجدوها في جونة عليها خاتمه، فحكي أن تلك الشطرنج حملها الأموي الذي لحق بالأندلس، فهي فخرهم.
91 - أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت الاعب الحسين (2) وهو صبي بالمداحي (3)، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت احملني، فيقول:
ويحك! أتركب ظهرا حمله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأتركه. وإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني، فيقول: أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأحمله.
__________
(1) صالح بن عبد الرّحمن: هو صالح بن عبد الرّحمن التميمي، أول من حوّل كتابة دواوين الخراج من الفارسية إلى العربية في العراق. اتصل بالحجاج قبل أن يلي العراق، وضع إصطلاحات للكتاب والحساب استغنوا بها عن المصطلحات الفارسية. وفد على سليمان بن عبد الملك في الشام فولّاه خراج العراق. له أخبار مع عمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك. قتله عمر بن هبيرة نحو سنة 103هـ.
راجع ترجمته في أدب الكتاب للصولي وابن عساكر 6: 371.
(2) الحسين: هو الحسين بن علي بن أبي طالب.
(3) المداحي: هي أحجار أمثال القرصة، كانوا يحفرون حفرة ويدحون فيها بتلك الأحجار، فإن وقع الحجر فيها غلب صاحبها وإن لم يقع غلب. والدّحو: هو رمي اللّاعب بالحجر والطابة وغير ذلك.(5/23)
92 - المداحي والمسادي والمراصج أحجار كالقرصة يدحرجونها إلى حفيرة، إن وقعت فيها فقد قمر (1).
93 - لما بلغ عمر رضي الله عنه تبايع أهل الشام في الخمر أمر أن يطبخ كل عصير بالشام حتى يذهب ثلثاه، فقال دو الكلاع (2):
صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوما بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المعاصر
94 - عبد القوي بن عتاهية بن أبي العتاهية (3)، وكان متهما في دينه، يقول ليموت بن المزرع:
يموت يا من نفسه نائمة ... غافلة غفلتها دائمة
لا تلح ضدا لك في نحلة ... فإن شطرنجكما قائمة (4)
95 - حنظلة بن عرادة التميمي (5) في يزيد بن معاوية:
طرقت منيته وعند وساده ... كوب وزق راعف مرثوم (6)
ومرنة تبكي على نسوانه ... بالصبح تقعد تارة وتقوم (7)
96 - مقيس بن صبابة الكناني (8):
__________
(1) قمر: غلب.
(2) ذو الكلاع: هو سميفع بن ناكور أبو شراحيل الحميري. ذو الكلاع الأصغر. تقدّمت ترجمته.
(3) عبد القوي بن عتاهية بن أبي العتاهية: هو حفيد أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم.
لم نقف على ترجمة لعبد القوي هذا.
(4) النحلة: الملّة والمذهب.
(5) حنظلة بن عرادة التميمي: من أهل البصرة، ذكره الطبري في حوادث سنة 61هـ وقال إنه كان يقاتل مع سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية.
(6) الزقّ الراعف: الدنّ المليء بالخمر. والأنف المرثوم: الذي كسر حتى تقطر منه الدم والكنانة هنا واضحة.
(7) المرنة: التي تبكي فيسمع صوت بكائها.
(8) مقيس بن صبابة الكناني: ذكره ابن هشام في السيرة فقال إنه قدم إلى المدينة مسلما يطلب ديّة أخيه من النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي قتل خطأ فأمر له الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدية أخيه هشام، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا. فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقتله يوم فتح مكة! فقتله نميلة بن عبد الله.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني 467وفيه الأبيات التي ذكرها الزمخشري، وسيرة ابن هشام 2: 293.(5/24)
رأيت الخمر طيبة وفيها ... خصال كلها دنس ذميم
فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما طلع النجوم
سأتركها وأترك ما سواها ... من اللذّات ما أرسى يسوم (1)
97 - علي بن خالد العقيلي الكاتب (2) أهدى لعلي بن الجهم نبيذا من زبيب وكتب إليه:
سللت بحكم النار روح زبيبة ... تخيرتها صفراء ممحوضة العجم (3)
فلما بدت زوجتها ريح نحلة ... أرق وأقوى في الصفاء من الوهم
وزففتها منك إليك زجاجة ... وقد أنزلاها منهما منزل الأم
فانتجهما سيفا من السكر قاطعا ... وجرّده ثم اضرب به عنق الهم
98 - أبو عدنان الأعور (4):
ود النبيذيين رد خلابة ... والوصل منهم ليس بالتماسك
لا يرفضونك في رخاء معيشة ... وإذا ابتليت فأنت أول هالك
99 - عامر بن الظرب العدواني أول من حرم الخمر في الجاهلية:
إن أشرب الخمر أشربها للذتها ... وإن أدعها فإني ماقت قالي (5)
__________
(1) يسوم: جبل لهذيل وبه يضرب المثل: الله أعلم من حطّها من رأس يسوم.
(2) علي بن خالد العقيلي الكاتب: ذكره المرزباني في معجم الشعراء 288وذكر له هذه الأبيات.
(3) ممحوضة: خالصة. والعجم: نوى الزبيب.
(4) أبو عدنان الأعور: لم نقف له على ترجمة.
(5) القالي: الكاره الماقت.(5/25)
سآلة للفتى ما ليس في يده ... ذهّابة بعقول القوم والمال
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يفرق ترب القبر أوصالي
100 - الأعرج الطائي (1):
تركت الشعر واستبدلت منه ... إذا داعي صلاة الصبح قاما
كتاب الله ليس له شريك ... وودعت المدامة والندامى
101 - زراع بن عروة الحنفي (2):
قد قال زراع فكن عند قوله ... ترفق بأهل الجهل إن كنت ساقيا
يبين لنا ذو العقل من سفهائنا ... إذا ما تعاطينا الكؤوس تعاطيا
وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى ... أقلهم عقلا إذا كان صاحيا
تزيد حسى الكأس اللئيم ملامة ... وتترك أخلاق الكريم كما هيا
102 - بلغ عمر رضي الله عنه أن عامله بدست ميسان (3) قال:
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأكبر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم (4)
فقال: إي ها الله! إنه ليسوؤني ذلك، والله لا عملت لي عملا، وعزله.
103 - علي رضي الله عنه: إياكم وتحكيم الشهوات.
104 - سمع الوليد بن يزيد بخبر شراعة بن الزندبود (5) وظرفه وصلاحه
__________
(1) الأعرج الطائي: هو عديّ بن عمرو بن سويد بن زبان بن عمرو بن سلسلة بن غنم بن معن الطائي. كان شاعرا مخضرما أدرك الإسلام وأسلم.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني 251والإصابة 3: 172.
(2) زراع بن عروة الحنفي: لم نقف له على ترجمة.
(3) ميسان: كورة واسعة بين البصرة وواسط فتحت في أيام عمر بن الخطاب. راجع معجم البلدان ففيه التفاصيل.
(4) الجوسق: القصر جمع جواسق وجواسيق.
(5) شراعة بن الزندبود: لم نقف له على ترجمة.(5/26)
لمنادمة مثله، فاستحضره، فقال له: يا شراعة، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ولا سنة رسوله، فقال: لو سألتني عنها لوجدتني فيها حمارا. قال: ولكن لأسألك عن الفتوة، قال: فأنا دهقانها الخبير، وطبيبها الرفيق. فقال له: ما تقول في الشراب؟ فقال: عن أيه تسألني؟
قال: عن الماء، قال: هو قوام البدن ويشاركني فيه الحمار. قال:
فاللبن؟ قال: ما نظرت إليه إلّا استحييت من أمي لطول إرضاعها لي.
قال: فالخمر؟ قال: إنه صديق روحي. قال الوليد: وأنت أيضا صديقي. ثم سأله عن أصلح مكان للشرب، فقال: عجبت لمن لا تحرقه الشمس ولا يغرقه المطر لا يشرب مصحرا، فوالله ما شرب الناس على وجه أحسن من وجه الماء، وصفو الهواء، وخضرة الكلأ، وسعة الفضاء، وقمر الشتاء.
105 - قيل لرجل: ما تقول في نبيذ السعن (1)؟ قال: نبيذ الرعن (2). قال: ففي نبيد الجر (3)؟ قال: اشرب حتى تجر. قال: فنبيذ الدن؟ قال: اشرب حتى تجن. قال فالداذي (4)؟ قال: أحلى من العسل الماذي (5). قال: فنبيذ العسل والزبيب؟ فستر وجهه وقال: العظمة لله! قال: فالخمر؟ قال: لا تشربوها. قال: ولم؟ قال: أخاف أن لا تؤدوا شكرها فتنتزع منكم.
__________
(1) السعن: قربة أو إداوة يقطع أسفلها ويشدّ عنقها وتعلّق إلى خشبة أو جذع نخلة ثم ينبذ فيها ثم يبرّد فيها، وهو شبيه بدلو السقائين. وقيل غير ذلك. راجع لسان العرب مادة سعن.
(2) الرّعن: ألم الدماغ والاسترخاء والغشى.
(3) الجرّ: جمع جرّة وهي إناء كبير من خزف كالفخار.
(4) الداذي: نوع من النبت يسمى حشيشة القلب، حبّه على شكل حبّ الشعير له رائحة.
(5) الماذي: العسل الأبيض.(5/27)
106 - أهديت إلى الوليد (1) جفنة بلّور، فملأها خمرا، وطلع القمر وهو يشرب، فقال: أين القمر الليلة؟ فذكر له بعض الأبراج، فقال بعض ندمائه: هو الجفنة. فضحك وقال: ما عدوت ما في نفسي، وطرب وقال: لاصطبحن الهفتجة (2)، يريد الأسبوع، فقال له حاجبه: إن قريشا ووفود العرب بالباب، والخلافة ترق عن هذه الحالة. فقال: اسقوه، فأبى، فوضع القمع في فيه، وسقوه حتى خرما يعقل.
107 [شاعر]:
إذا اختلس الخطى واهتز لينا ... رأيت لرقصه سحرا مبينا
يمس الأرض من قدميه وهم ... كرجع الطرف يخفى أن يبينا
ترى الحركات منه بلا سكون ... فتحسبها لخفتها سكونا
كسير الشمس ليس بمستقر ... وليس بممكن أن يستبينا
108 - للنبيذ حدان عقل لا هم فيه، وهم لا عقل فيه، فعليك بالأول ودع الثاني.
109 - قال الجماز (3): رأيت شيخا في علّية (4)، معه صبي يقول له كل ساعة: هات فروتي، فاطّلعنا فإذا قنينة كلما طلب فروة سقي قدحا.
110 - عكرمة (5): ختن ابن عباس بنيه، فأرسلني فدعوت اللعابين، فلعبوا، فأعطاهم أربعة دراهم.
111 - سئل سعيد بن المسيب عن اللعب بالنرد، فقال: إذا لم يكن قمار فلا بأس به.
__________
(1) الوليد: هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك. تقدّمت ترجمته.
(2) الهفتجة: الأسبوع (فارسي معرّب).
(3) الجماز: هو محمد بن عمرو بن حماد مولى بني تميم، من أصحاب النوادر. تقدّمت ترجمته.
(4) العليّة: الطبقة العليا من بيت مؤلف من طبقتين.
(5) عكرمة: هو عكرمة البربري مولى ابن عباس. تقدّمت ترجمته.(5/28)
112 - إبراهيم بن محمد (1): رأيت أبا هريرة يلعب مع أبي بأربعة عشر (2) على ظهر المسجد.
113 - أبو الفضل الميكالي (3):
عيرتني ترك المدام وقالت ... هل جفاها من الرجال لبيب
هي تحت الظلام نور وفي الأكا ... باد برد وفي الخدود لهيب
قلت يا هذه عدلت عن النص ... ح وما للرشاد فيك نصيب
إنها للستور هتك وبالألب ... اب فتك وفي المعاد ذنوب
114 - كان عروة بن الزبير يقول لولده: يا بنيّ العبوا فإن المروءة لا تكون إلّا مع اللعب.
115 - في كل رأس طربة ونزوة.
116 - أبو سليمان الداراني (4): خرجت شهوة الشطرنج من قلبي بعد أربع وعشرين سنة.
117 - أعرابي:
غضبت عليّ لأن شربت بصوف ... فلئن بقيت لاشربن بخروف
ولأشربن من بعد ذاك بناقة ... ولأشربن بتالدي وطريفي (5)
__________
(1) إبراهيم بن محمد: هو إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي. تقدمت ترجمته.
(2) أربعة عشر: لعبة مادتها الورق مشهورة عندنا في لبنان «بلعبة ال 14».
(3) أبو الفضل الميكالي: هو عبيد الله بن أحمد بن علي الميكالي. من أهل خراسان، أمير من الكتاب الشعراء.
راجع ترجمته في ثمار القلوب 3: 36ويتيمة الدهر للثعالبي 4: 354وفوات الوفيات 2: 25.
(4) أبو سليمان الداراني: هو عبد الرّحمن بن أحمد الداراني. تقدّمت ترجمته.
(5) التالد والطريف: المال القديم والجديد. والعرب تقول: ما له طارف ولا تالد، ولا طريق ولا تليد. فالطارف والطريف: ما استحدثت من المال واستطرفته، والتلاد والتليد ما ورثته عن الآباء والأجداد قديما.(5/29)
118 - بريدة (1): عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من لعب بالنردشير (2) كأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه.
119 - ودخلت في زمن الحداثة على شيخ يلعب بالنرد مع آخر يعرف بأزدشير، فقلت: الأزدشير والنردشير بئس المولى وبئس العشير.
120 - عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخل وأنا ألعب بالبنات، وعندي صواحباتي، فإذا رأين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سعين، فيقول:
كما أنتن، ولا يعيب عليّ.
121 - خرج غلمان من أهل البحرين يعلبون بالصوالجة (3)، وأسقف البحرين قاعد، فصكت الكرة صدره فأخذها، فجعلوا يطلبون إليه في ردها، فأبى، فقال غلام منهم: أسألك بحق محمد لما رددتها علينا، فشتم رسول الله، فاقبلوا عليه بصوالجهم وما زالوا يخبطونه حتى مات.
فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فو الله ما فرح بفتح ولا غنيمة من غنائم المسلمين كفرحه بقتل أولئك الغلمان الأسقف، وقال: الآن عز الإسلام، إن غلمة صغارا سمعوا شتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا. ثم أهدر دم الأسقف.
122 - قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي رضي الله عنه: أعدني على أخي عاصم. قال: ما باله؟ قال: لبس العباءة يريد النسك. قال عليّ به، فأتوا به مؤتزرا بعباءة مرتديا بأخرى، شعث الرأس واللحية. فعبس في وجهه وقال: ويحك! أما استحيت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟
أترى أن الله أباح لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على
__________
(1) بريدة: هو بريدة بن الحصيب. تقدّمت ترجمته.
(2) النردشير: هو النرد (طاولة الزهر) فارسي معرّب.
(3) الصوالجة: العصا المعقوف (فارسي معرّب).(5/30)
الله، أما سمعت الله يقول في كتابه: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهََا لِلْأَنََامِ} (1) إلى قوله {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ} (2)؟ أفترى الله أباح هذا لعباده إلّا ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإنّ ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالمقال.
قال عاصم: فما بالك في خشونة مأكلك وخشونة ملبسك! فإنما تزينت بزينتك. قال: ويحك! إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.
123 - زاد عبد الله بن عمر عبد الله بن جعفر وبين يديه بربط (3)، فقال: إن أخبرتني ما هذا يا أبا عبد الرّحمن فلك أي جارية من جواريّ شئت. فأخذ ابن عمر البربط فقبّله ونظر إليه وقال: ميزان حراني (4)، وأنا أبو عبد الرّحمن. فضحك ابن جعفر ووهب له جارية.
124 - بعضهم: رأيت أبا قتادة (5) في عرس يقول للجارية ارعفي الدف (6).
125 - عن أسلم مولى عمر: قدم علينا معاوية وهو من أبض الناس، فجعل عمر يضع إصبعه على متنيه ثم يرفعهما عن مثل الشراك حمرة، وهو يقول: بخ بخ، نحن إذن خير الناس إن جمعت لنا الدنيا والآخرة، فقال معاوية: أنا بأرض الريف والحمامات. فقال عمر: ما بك إلّا إلطافك
__________
(1) سورة الرّحمن، الآية: 10.
(2) سورة الرّحمن، الآية: 20.
(3) البربط: هو العود والكلمة فارسية وهي بربت أي صدر البطّ لأن صورته تشبه صدر البط وعنقه. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 210.
(4) ميزان حراني: نسبة إلى حران على طريق الموصل والشام والروم بينها وبين الرها يوم فتحها عياض بن غنم في أيام عمر بن الخطاب. ولعلّ الميزان الحرّاني كان يشبه البربط.
(5) أبو قتادة: هو أبو قتادة الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(6) ارعفي: تقدمي.(5/31)
نفسك بطيب الطعام، وتصبيحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات من وراء الباب.
126 - كان المأمون يحب لعب الشطرنج حبا شديدا، ويقول: هو فكري يشحذ الذهن. وكان يقول: لا أسمعن أحدا يقول: تعالى حتى نلعب، ولكن يقول: حتى نتزاول (1) او نتقاتل.
ولم يك حاذقا بهما، فكان يقول: أنا أدبر الدنيا فاتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين!.
__________
(1) نتزاول: نتعالج ونتبارى.(5/32)
الباب السابع والسبعون الأمراض، والعلل، والعاهات والطب، والدواء، والعيادة، ونحو ذلك
1 - عبد الله بن أنيس (1) عنه عليه الصلاة والسلام: أيكم أن يصح فلا يسقم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة؟ ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات، والذي بعثني بالحق، إن الرجل لتكون له الدرجة في الجنة فيبلغهما بشيء من عمله، فيبتليه الله ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله.
2 - وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما من مسلم يمرض مرضا إلّا حطّ الله به خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها.
3 - كان يقال: ما تزال الأوصاف والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة المصفاة.
4 - كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى على جسده البثيرة ابتهل في الدعاء وقال:
إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه.
5 - جرير:
__________
(1) عبد الله بن أنيس: هو عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري. شهد العقبة وما بعدها، بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى خلد بن شيخ العنبري فقتله. مات بالشام سنة 54هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 37.(5/33)
ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد
لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي (1)
قالهما في الوليد بن عبد الملك. وروي أنهما لكثير (2) في عبد الملك.
6 - آخر:
يعدن مريضا هنّ هيجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا
7 - مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ أخوانه، فقيل: يستحيون مما لك عليهم من الديون، فقال: أخزى الله ما لا يمنع الأخوان من العيادة، فأمر فنودي: من كان لقيس بن سعد عليه مال فهو في حل.
فكسرت درجته لكثرة من عاده ذلك اليوم.
8 - كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى في مرضه: أطال الله يا أخي مدتك، والله ما منعني عن إتيانك إلّا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك (3)، ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك، والسلام.
9 - أطال قوم عيادة بكر بن عبد الله المزني، فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
10 - علي بن الجهم:
لا ييئسنّك من تفرج كربة ... خطب رماك به الزمان الأنكد
واصبر فإنّ الصبر يعقب راحة ... في اليوم يأتي أو يجيء به الغد
كم من عليل قد تخطّاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
11 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة في ظل العرش، عائد المرضى، ومشيع
__________
(1) طارفي وتلادي: مالي القديم والحديث.
(2) كثّير: هو كثّير عزّة. تقدّمت ترجمته.
(3) قلاك: بغضك ومقتك.(5/34)
الموتى، ومعزي الثكلى.
12 - محمد البيدق الشيباني (1):
قالوا أبو الفضل معتل فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور
يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور (2)
13 - دخل عبد الوارث بن سعيد (3) على رجل يعوده، فقال: كيف أنت؟ قال: ما نمت منذ أربعين ليلة. قال: يا هذا، أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرضا.
14 - قيل لإسماعيل بن صبيح (4) وهو مريض: كيف أصبحت؟ قال:
أصبحت تحيرت عليّ الأطباء.
15 - دخل الجاحظ على علي بن عبيدة الريحاني صاحب المنصور عائدا، فقال له: ما تشتهي؟ قال: أعين الرقباء، وأكباد الحساد، وألسن الوشاة.
16 - قيل للنظام (5) في مرضه: ما تشتهي؟ قال: أن اشتهي.
__________
(1) محمد البيدق الشيباني: هو محمد البيدق الرواية، لقب بالبيدق لأنه كان قصيرا.
كان ينشد هارون الرشيد أشعار المحدثين.
(2) البيتان لمسلم بن الوليد الأنصاري. راجع الأغاني 9: 48.
(3) عبد الوارث بن سعيد: من ثقات رواة الحديث، كان يضرب المثل بفصاحته. توفي بالبصرة في المحرم سنة 180.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 6: 441وميزان الاعتدال 2:
677.
(4) إسماعيل بن صبيح: من كتّاب الدواوين في الدولة العباسية، كان كاتبا ليحيى بن خالد البرمكي، وهو الذي كتب كتاب العهد للمأمون سنة 186هـ وكان يكتب بين يدي الرشيد بعد نكبة البرامكة. وهو الذي كتب إلى المأمون كتاب الأمين يستقدمه من خراسان حين عزم على عزله من ولاية العهد سنة 195هـ.
(5) النظّام: هو إبراهيم بن سيّار النظام. تقدّمت ترجمته.(5/35)
17 - قيل لأحول: إنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة.
18 - ولعبد الله الفقير إليه (1):
ليس يرى ثانيا له أحد ... في العدل إلّا المصاب بالحول
19 - مرّ قوم بماء من مياه العرب، فوصفت لهم ثلاث أخوات بالجمال متطببات، فأحبوا أن يروهن، فحكوا ساق أحدهم بعود حتى أدموه، ثم قالوا: هذا سليم هل من راق؟ فخرجت صغراهن كأنها الشمس الطالعة، فقالت: ليس بسليم، ولكن خدشه عود بالت عليه حيّة، إذا طلعت عليه الشمس مات، فكان كما قالت.
20 - قال الجماز (2): لرجل إذا رمدت (3) العين بم تداويها؟ قال:
بالقرآن ودعاء الوالدة، قال: دواءان مباركان، ولكن إجعل معهما شيئا يقال له العزروت (4).
21 - أبو جعفر بن العباس (5) من أبناء الوزراء:
وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويك (6)
فما جارحة فيك ... إذن أحوج من فيك
22 - إبراهيم التيمي (7): كفى بالمرء حسرة أن يفسح الله في بصره في الدنيا، وله جار أعمى، فيأتي يوم القيامة أعمى وجاره بصير.
__________
(1) عبد الله الفقير إليه: هو الزمخشري مؤلّف كتاب ربيع الأبرار.
(2) الجماز: هو محمد بن عمرو بن حماد مولى بني تميم، من أصحاب النوادر.
(3) رمدت العين: أصابها الرمد وهو هيجانها، وكل ما يؤلمها.
(4) العزروت: صمغ شجرة شائكة تنبت في بلاد الفرس، يخرج القذى من العيون، وله في إبراء الرمد الذي يصيب العيون خاصيّة وقوّته بليغة. راجع مفردات ابن البيطار.
(5) أبو جعفر بن العباس: لم نقف له على ترجمة.
(6) المساويك: جمع مسواك هو العود الذي تنظف به الأسنان.
(7) إبراهيم التيمي: هو إبراهيم بن يزيد بن شريك. تقدّمت ترجمته.(5/36)
23 - الحمد لله الذي لم يوحش منك ربعك، ولم يخل مجلسك في قومك، فلا أدبر عنك من الصحّة ما أقبل إليك من السقم ما أدبر عنك، وثبت لك العافية، ومدّ فيها عصارة عيشك، حتى يقبضك على أرذل عمرك، وأحسن عملك.
24 - قال معاوية لابن عباس: يا بني هاشم، ما لكم تصابون في أبصاركم؟ فقال: بدلا مما تصابون في بصائركم. وذلك أنه لم يوجد ثلاثة مكافيف على نسق غير عبد الله (1) والعباس (2) وعبد المطلب (3).
25 - الأصمعي: العميان أكثر الناس نكاحا، والخصيان أكثر الناس إبصارا، لأنهما طرفان، ما نقص من أحدهما زاد في الآخر.
26 - بشار بن برد، وكان أعمى جاحظ العينين قد تغشّاهما لحم أحمر:
عميت جنينا والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظن للعلم موئلا
وغاض ضياء العين للقلب رافدا ... بقلب إذا ما ضيع الناس حصلا
وشعر كنور الروض لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
27 - منصور الفقيه:
يا معرضا بهواه ... لما رآني ضريرا
كم ذا رأيت بصيرا ... أعمى وأعمى بصيرا
28 - لما قال المؤمل بن أميل المحاربي:
شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر
عمي، فرأى في منامه من يقول له: هذا ما تمنيت في شعرك.
__________
(1) عبد الله: هو عبد الله بن عباس. تقدّمت ترجمته.
(2) العباس: هو العباس بن عبد المطلب. تقدّمت ترجمته.
(3) عبد المطلب: هو عبد المطلب بن هاشم. تقدّمت ترجمته.(5/37)
29 - كان سيبويه (1) كثيرا ما يتمثل بهذا البيت:
إذا بل من داء به ظن أنه ... يجاد به الداء الذي هو قاتله
30 - المتنبي:
فإن أمرض فما مرض اصطباري ... وإن أحمم فما حمّ اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام
31 - وقال آخر (2):
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء
قال رجل لفيلسوف: يا أبخر (3). فقال: لا تعجب من هذا، فقد عفنت مساويك في صدري، وإن أخرجتها لم تجد من ذلك شيئا.
32 [شاعر]:
أنت لو جزت ببيت ... رضّ فيه المسك رضّا
وتنفست لقال النا ... س فيه قد توضّا
33 - سارّ أبخر أصم فقال له: قد فهمت قد فهمت. فلما ولى سئل عما قال له، فقال: ما أدري، ولكنه فسا في أذني.
34 - كان عمرو بن عدس (4) أبخر، ويقال لولده، أفواه الكلاب.
35 - عض عبد الملك على تفاحة ورمى بها إلى امرأته، فدعت بسكين، فقال لها: ما تصنعين به؟ قالت: أميط عنها الأذى. فشق عليه
__________
(1) سيبويه: هو عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه. تقدّمت ترجمته.
(2) البيتان منسوبان في زهر الآداب لعمرو بن قميئة الضبعي صاحب امرىء القيس.
(3) يا أبخر: يا منتن. والبخر: رائحة الفم المنتنة.
(4) عمرو بن عدس: هو عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم من بني تميم. كان الفرزدق يفخر به وبأخوته.(5/38)
وطلقها (1).
وكانت الذبان تسقط إذا ألممن بفيه لشدّة بخره، ولذلك لقب بأبي الذبان.
36 - وسارّ أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك، وكان أبخر، فخمر (2) أنفه بكمه، فجذب كمه وقال: لا يصلح للخلافة من لا يصبر على مناجاة الشيوخ البخر.
37 - طول انطباق الفم يورث الخلوف (3)، وكل رطب الفم سائل اللعاب سالم منه. ولذلك لا يعرض للمجانين الذين تسيل أفواههم، وكذلك من سال منه اللعاب نائما، ولذلك كان الزنج أطيب الناس أفواها، وإن كانت لا تعرف سنونا (4) ولا مسوكا.
38 - والسباع موصوفة بالبخر، والمثل مضروب بالأسد والصقر، والكلب من بينها طيب الفم. وليس في البهائم أطيب أفواها من الظباء.
39 - علي رضي الله عنه: وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده (5).
40 - سمع أبو العيناء (6) المتوكل يقول: ما يمنعني من نظم أبي العيناء في جملة الندماء إلّا أنه ضرير. فقال: إن أعفاني من المسايفة، ورؤية الهلال، وقراءة الخواتيم صلحت لمنادمته.
__________
(1) المعروف عن عبد الملك أنه كان شديد البخر.
(2) خمر أنفه: غطّاه بالخمار.
(3) الخلوف: تغيّر رائحة الفم.
(4) السنون: الدواء الذي تعالج به الأسنان.
(5) راجع نهج البلاغة 3: 66وهي من رسالة إلى ابنه الحسن.
(6) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر. شاعر أديب توفي سنة 283هـ.
تقدّمت ترجمته.(5/39)
41 - كان الأعمش (1) يقود النخعي (2) فيصيح بهما الصبيان عين بين اثنين (3)، فكان إبراهيم إذا انتهى إلى مجامعهم خلّى عنه، فقال الأعمش: وما عليك يأثمون ونؤجر! قال: إبراهيم: وما عليك أن يسلموا ونسلم.
42 - أنشد ابن الأعرابي (4) لرجل من بني قريع (5):
يقولون ماء طيب خان عينه ... وما عين ماء خان عينا بطيب
ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعيني قطامي نمى فوق مرقب
كأن ابن حجل مدّ فضل جناحه ... على ماء إنسانيهما المتصبب (6)
جرى فوق إنسانيهما فكأنما ... جرى فوق إنسانيهما ماء طحلب
43 - أبو علي البصير الأنباري (7):
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ... ويقتادني للسير إذ أنا راكب
فقد يستضيء القوم بي في وجوههم ... ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
44 - وقال آخر:
إذا ما غدت طلابة العلم مالها ... من العلم إلّا ما يخلد في الكتب
غدوت بتشمير وجد عليهم ... ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي
45 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة لا يعادون، صاحب الدمل، والرمد، والضرس.
__________
(1) الأعمش: هو أبو محمد سليمان بن مهران القارىء الحافظ. توفي سنة 148هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(3) عين بين اثنين: أي أن لهما عينا واحدة. لأن الأعمش يكاد لا يبصر فهو عند الصبيان لا عينين له. وكان النخعي أعور فكأن لهما (وهما إثنان) عين واحدة.
(4) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد. تقدّمت ترجمته.
(5) قريع: بطن من بني نمير.
(6) ابن حجل: كناية عن الغراب لأنه يحجل في مشيته.
(7) أبو علي البصير الأنباري: لم نقف له على ترجمة.(5/40)
46 - الشعبي (1): عيادة النوكى (2) أشد على المريض من وجعه.
47 - عاد أعرابي أعرابيا فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق علي والله الفضاء العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض، فلما حملتني رجلاي، ولساء ما يحملان، أتيتك بجزرة شيح (3) ما مسها عرنين، فاشممها واذكر نجدا، فهو الشفاء بإذن الله.
48 - شاعر:
بي السوء والمكروه لا بك كلما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر
49 - اعتلّ المسور (4) فجاء ابن عباس فقضى النهار يعوده، فقال المسور: هلا ساعة غير هذه! قال: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها الحق إليك أشقها عليّ.
50 - المؤمل بن أميل:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
51 - قال عبد الله بن مصعب:
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
فسمي عائد الكلب، وبنوه بنو عائد الكلب.
52 - قيل لأعرابي: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟
قال: الجنة، قيل: أفلا ندعو لك طبيبا؟ قال: هو الذي أمرضني.
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شراحيل، وقيل: عبد الله بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري.
عالم، رواية، فقيه، شاعر. توفي سنة 103هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) النوكى: الحمقى. والأنوك: الأحمق.
(3) الجزرة: الحزمة. والشيخ: نبات طيب الرائحة منابته القيعان وتتّخذ منه المكانس.
(4) المسوّر: هو المسوّر بن مخرمة.(5/41)
53 - أبو هارون الأعرابي (1):
مرضت فلم تعدني في شكاتي ... ولم تبعث لجارتها رسولا
ولو كنت المريض ولا تكوني ... لأكثرت العيادة والعويلا
54 - عاد مالك بن أنس عبد السلام النكاح (2) فقال:
عادني مالك فلست أبالي ... بعد من عادني ولم يعدني
55 - إذا دخل العواد على الملك فحقهم أن لا يسلموا عليه فيخرجونه إلى الرد، فإذا علموا أنه لاحظهم دعوا له دعاء يسيرا وخرجوا.
56 - داووا كل مريض بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تتطلع لهوائها، وتنزع إلى غذائها.
57 - نظر الحارث بن كلدة إلى حية، فقال: إن الطبيب العالم ربما قام له علمه مقام الدواء، وأجزأت عنه حكمته في موضع الترياق، فقيل له: فما بالك يا أبا وائل لا تأخذها بيدك إن كان الأمر على ما تصف؟
فحملته النخوة أن مد يده إليها، فنهشته فرقع صريعا، فما برحوا حتى مات.
58 - قيل لجالينوس (3) حين نهكته العلة: أما تتعالج؟ قال: إذا كان الداء من السماء بطل الدواء، وإذا نزل قدر الرب بطل حذر المربوب.
59 - هرب سليمان بن عبد الملك من الطاعون، فتلي عليه قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرََارُ} إلى قوله {إِلََّا قَلِيلًا} (4). فقال: ذلك القليل نريد.
__________
(1) أبو هارون الأعرابي: لم نقف له على ترجمة.
(2) عبد السلام النكاح: لم نقف له على ترجمة.
(3) جالينوس: هو الحكيم اليوناني. تقدّمت ترجمته.
(4) سورة الأحزاب، الآية: 16.(5/42)
60 - وقع الطاعون بالكوفة، فخرج فيمن خرج صديق لشريح (1)، فكتب إليه: أما بعد، فإنك والمكان الذي أنت به بعين من لا يعجزه هرب، ولا يفوته طلب. وإن المكان الذي خلفته لا يعجل أحدا إلى حمامه، ولا يظلمه شيء من أيامه، وأنا وإياكم لعلى بساط واحد، وإن النجف من ذي قدرة لقريب.
61 - دعي ابن المقفع إلى الغداء، فقال: لست اليوم أكيلا للكرام، لأني مزكوم، والزكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار.
62 - في الحديث: قال الشيطان: ما حسدت ابن آدم إلّا على شيئين الطسأة والحقوة. والطسأة (2) الزكام، والحقوة (3) الهيضة (4).
63 - قيل لأعرابي: ما بال الآباط أنتن موضع في الجسد؟ فقال:
كانت فقاحا فغورن.
64 - عبد الرّحمن بن أبي عبد الرّحمن بن عائشة: لي إبطان ترميان جليسي بشبيه السلاح أو بسلاح (5).
65 - عبد الله بن مالك الخزاعي:
ظلت علي الأرض مظلمة ... إذ قيل عبد الله قد وعكا
يا ليت ما بك بي وإن تلفت ... نفسي وقل ذاك لكا
66 - قيل لفيلسوف: لم صار الأحدب أخبث الناس؟ قال: لأنه قرّب فؤاده من دماغه، وكبده من فؤاده.
67 - قالوا: من قدم أرضا فأخذه من ترابها، فجعله في مائها، ثم
__________
(1) شريح: هو شريح بن الحارث الكندي. تقدّمت ترجمته.
(2) الطسأة: التخمة.
(3) الحقوة: وجع البطن.
(4) الهيضة: عدم موافقة الأكل للإنسان.
(5) السلاح: ما يخرج من البطن من فضلات.(5/43)
شربه، فهو في أمن من وبائها.
68 - كان أنوشروان يمسك عما تميل شهوته إليه من الطعام، ويقول: تركنا ما نحبه لنستغني عن العلاج بما نكرهه.
69 - كتب الحسن بن سهل إلى أخ له: أجدني وإياك كالجسد الواحد إذا خص عضوا منه ألم عم سائره، فعافاني الله بعافيتك، وأدام لي الامتاع بك.
70 - قال أعرابي لمريض: كيف تجدك؟ قال: أجدني أقربكم إلى الله، قال: اللهمّ باعد عبدك منك.
71 - كشف الله ما بك من السقم، وطهرك بالعلة من الخطايا، ومتّعك بأنس العافية فأعقبك دوام الصحة.
72 - قطعت رجل عروة بن الزبير فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: والله ما كنا نعدها للصراع، لقد أبقى الله لك أكثرك، أبقى لك سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك. قال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.
73 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: العيادة قدر فواق (1) ناقة.
74 [شاعر]:
باخوانك الأدنين لا بك كلما ... شكوت إليّ اليوم من ألم الورد
بكل امرىء منهم بقدر احتماله ... فإن عجزوا عنه فحملته وحدي
75 - تقول العرب: قالت الحمى أنا أم ملدم (2)، آكل اللحم وأمص الدم.
76 - وجد في لوح:
__________
(1) الفواق: الوقت بين الحلبتين، والوقت بين قبضتي الحالب للضرع.
(2) أم ملدم: كنية الحمّى.(5/44)
يا أيها المشعر هما لا تهم ... إنك إن تقض لك الحمىّ تحم
ولو علوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم
وخطّ أيام الصحاح والسقم
77 - حموا عند فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا أيها الناس، إن الحمى رائد الموت، وسجن الله في الأرض، وقطعة من النار، فإذا وجدتم من ذلك شيئا فبردوا لها الماء في الشنان، ثم صبوا عليكم فيما بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فذهبت عنهم.
78 - خرج رجلان من خراسان إلى بغداد في متجرهما، فمرض أحدهما، وعزم الآخر على الرجوع، فقال: ما أقول لمن يسألني عنك؟
قال: قل لهم لما دخل بغداد اشتكى رأسه وأضراسه، ووجد خشونة في صدره، وغرزا في طحاله، وخفقانا في فؤاده، وضربانا في كبده، وورما في ركبتيه، ورعشا في ساقيه، وضعفا عن القيام على رجليه. فقال:
بلغني أن الإيجاز في كل شيء مما يستحب، فأنا أكره أن أطول عليهم، ولكني أقول لهم قد مات.
79 - قيل بحضرة أعرابي: لا أشد من وجع الضرس، فقال: كل داء شرّ داء.
80 - جعفر بن محمد الصادق: ثلاث قليلهن كثير، النار والفقر والمرض.
81 - طلق بن حبيب (1): الهلبلجة في البطن كالكذبانوفة (2) في البيت. أي المرأة التي تصلح أمر البيت وتديره.
__________
(1) طلق بن حبيب: كان ممّن خرج على الحجاج مع ابن الأشعث. وهو من ثقات رجال الحديث. توفي بواسط. عدّه البخاري بين من مات من التسعين إلى المائة.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 31.
(2) الكذبانوفة: المرأة التي تصلح أمر البيت.(5/45)
82 - خرجت قرحة في كف محمد بن واسع، فقيل له: إنا نرحمك منها. فقال: وأنا أشكر الله إذا لم تخرج في عيني.
83 - أنس (1): دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على شاب، وهو في الموت، فقال له: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. قال: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف.
84 - مرضت رابعة القيسية (2) فقيل لها: ما تشتهين؟ فقالت: أشتهي أن يجمع الله بيني وبين محمد بن واسع في عرصات القيامة.
85 - عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة سمعت رجلا يقول: ما أشد العمى على من كان بصيرا! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين على الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه محبته ولم يبق منه جارحة إلّا أخذها.
86 - قيل لحسان بن أبي سنان في مرضه: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار. وقيل: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة الطرفين أحيا ما بينهما.
87 - رفعت امرأة زوجها إلى القاضي تبغي الفرقة، وزعمت أنه يبول كل ليلة في الفراش، فقال الرجل: لا تعجل، أصلحك الله، حتى أقص عليك قصتي. إني أرى في منامي كأني في جزيرة في البحر، وفيها قصر، وفوق القصر عليّة (3)، وفوق العليّة قبة، وفوق القبة جمل، وأنا على ظهر الجمل، وأن الجمل يتطأطأ ليشرب من البحر، فإذا رأيت ذلك بلت فرقا (4). فبال القاضي وقال: يا هذه، أنا قد أخذنى البول من هول
__________
(1) أنس: هو خادم الرسول. تقدّمت ترجمته.
(2) رابعة القيسيّة: هي رابعة المتصوفة الزاهدة الشاعرة. تقدّمت ترجمتها.
(3) العليّة: الطبقة الثانية من البيت.
(4) فرقا: خوفا.(5/46)
حديثه، فكيف بمن رأى الأمر عيانا؟.
88 - ربيعة الرقي:
عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بنظرة منك تشفيه من الرمد
إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد
قال:
وليس لمكفوف خواطر مبصر ... وذو العين والتمييز جم الخواطر
89 - قال عمر: لأدريس بن أنيس القرني، وقيل هو ابن الخليص:
أخرج بك وضح (1) فدعوت الله أن لا يذهبه عنك؟ وقلت: اللهمّ دع لي في جسدي ما اذكر به نعمك علي. قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين؟
فو الله ما اطلع على هذا بشر. قال: أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
90 - فلج الربيع بن خيثم، فكان بكر بن ما عز يقوم بأمره، فسال لعابه فبكى بكر، فقال الربيع: ما يبكيك؟ فو الله ما أحب أنه باعني الديلم على الله.
وقيل له: لو تداويت! فقال: قد عرفت أن الدواء حق، ولكن عادا وثمودا (2) وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأوجاع، وكانت لهم الأطباء، فما بقي المداوى ولا المداوي.
91 - الثوري: إذا مرض العبد ثم صح فعاد إلى ما كان عليه قالت الملائكة: مسكين! عولج فما أنجع فيه الدواء.
92 - أعرابي:
يا ابن التي خمارها في فيها ... أإبلي زعمت لا أرويها
__________
(1) الوضح: البرص والشيب.
(2) عاد وثمود: من القبائل البائدة.(5/47)
يعني أن أمه كانت بخراء (1) فهي تخمر فاها.
93 - تزوج أبخر امرأة، فلما ضاجعها عافته وتولت عنه، وقالت:
با حب والرحمن إن فاكا ... أهلكني فولني قفاكا
إذا غدوت فاتخذ سواكا ... من عرفط إن لم تجد أراكا (2)
94 - دخل ابن السماك على الرشيد في عقب مرض، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ذكرك فاذكره، واطلقك فاشكره.
95 - عبد الله بن شبرمة: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟.
96 - أصاب إبراهيم بن أدهم بطن فتوضأ في ليلة ستين مرة.
97 - اشتكى مدني بالشام، فعاده جيرانه، فقالوا له: ما تشتهي؟
قال: اشتهي أن أرى إنسانا.
98 - كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: كن كالمداوي جرحه، يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء.
99 - نظر معاوية في بئر عادية بالأبواء (3) فلقي (4)، فخطب بمكة فقال: إن كنت ابتليت فقد ابتلى الصالحون قبلي، وإن مرض عضو مني
__________
(1) البخراء: ذات رائحة كريهة تنبعث من فمها. وتخمر فاها: تضع عليه الخمار وتغطّيه به.
(2) العرفط: شجر العضاه، وهو خبيث الريح وبذلك تخبث ريح راعيته وأنفاسها حتى يتنحّى عنها وهو من أخبث المراعي واحدته عرفطة.
والأراك: شجر تتّخذ منه المساويك التي تنظف بها الأسنان.
(3) الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وقيل: الأبواء جبل على يمين آره. ويمين الطريق للصعد إلى مكة من المدينة.
راجع معجم البلدان 1: 79.
(4) لقي: أصابته لقوة وهي مرض يصيب الوجه فيميل معه الشّدق.(5/48)
فما أحصى صحيحي، وما عفويت منه أكثر.
100 - عن موسى وداود عليهما السلام: لا مرض يضنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن بين ذلك.
101 - قباذة بن فيروز: المرض حريق الجسد، والحزن منبت المنايا.
102 - قيل للربيع بن خيثم: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، ثم قال:
أصبحت لا أدعو طبيبا لطبه ... ولكنني أدعوك ما منزل القطر
103 - عاد الفرزدق مريضا فقال له:
يا طالب الطب من داء تخونه ... إن الطبيب إذا أبلاك بالداء
هو الطبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذوق لك الترياق بالماء
104 - علي بن العباس النوبختي:
كيف رأيت الداء أعفاك الله شفاء به من السقم لئن تخطت إليك نائبة ... مست جميع القلوب بالألم
فالدهر لا بد محدث طبعا ... في صفحتي كل صارم خذم. (1)
105 - كان الحسن يتمثل بقول عمران بن حطان:
أفي كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعى ولا تنعى متى وإلى متى
106 - دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قيس بن أبي حازم يعوده، فقال:
طهور. فقال: بل حمى تفور، في صدر شيخ كبير، تزيره القبور.
107 - قيل لعطاء في مرضه: ما تشتهي؟ فقال: ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعا للشهوة.
__________
(1) الصارم: السيف القاطع. والخذم: شدّة القطع. وخذمه يخذمه خذما: أي قطعه.(5/49)
108 - النعمان بن بشير: إنما المؤمنون كرجل، إذا اشتكى عضو من أعضائه اشتكى جسده له أجمع، وإذا اشتكى المؤمن اشتكى له المؤمنون.
109 - لقمان لا تطيلوا الجلوس على الخلاء فإنه يورث الباسور (1).
وكانت حكمة مكتوبة على أبواب الحشوش (2).
110 - أبو العتاهية:
بينا الفتى مرح الخطى فرحا بما ... يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها ... إذ قيل أصبح مثخنا ما يرتجى
إذ قيل أمسى شاخصا وموجها ... ومعللا إذ قيل حل به الردى
111 - أبو النجم العجلي:
والمرء كالحالم في المنام ... يقول إني مدرك مرامي
في قابل ما فاتني في العام ... والمرء يدنيه إلى الحمام
مر الليالي السود والأيام ... إن الفتى يصبح للأسقام
كالغرض المنصوب للسهام ... أخطأ رام وأصاب رامي
112 - يقال في المهزول: هو شاحب المتحسر، ما فيه قوت يوم للقراد (3).
113 - هو كأشلاء اللجام.
114 - يقال: هو مريض، مهيض، ووصب (4) نصب (5).
__________
(1) الباسور: علّة في المعدة يسبّبها تمدّد عروق المقعدة ويحدث فيها نزف دم والجمع بواسير.
(2) الحشوش: بيوت الخلاء، المراحيض جمع حشّ.
(3) قوله: ما فيه قوت يوم للقراد: أي ضعيف الدّم، والمعروف أن القراد، وهو من الحشرات المضرّة، يمتص دمّ الإنسان والحيوان.
(4) الوصب: المرض والوجع الدائم ونحول الجسم. وقد يطلق على التعب والفتور في البدن.
(5) النصب: المريض الموجوع.(5/50)
115 - يقال لمن شرب الدواء: كم لبست نعلك؟ كم تخطيت إلى بيت الكرامة؟ كم جدا برقك وسح سحابك، وكم سارت بك الناقة إلى المنزل الخالي.
116 - لو كانت العلة مما يحتمل لتقمصت قميصها دونه، ولو كانت الصحة مما يتحلل لخلعت سربالها عليه.
117 - الجرب علّة إذا عرضت للمرء هربت عن فراشه عرسه، بل نفرت عن نفسه نفسه، وهو ربع من أرباع الخسران، وقسم من أقسام الخذلان.
118 [شاعر]:
أعاذك الله من أشياء أربعة ... الموت والعشق والإفلاس والجرب
119 - شاعر:
وضنّوا بالعيادة وهي أجر ... كأن عيادتي بذل الطعام
120 - عليك بالحمية فإنها طابع الصحة، فلئن تصبر على الحمية مدّة طويلة أحسن من أن تقاسي ساعة نفسا عليلة.
121 - كفى بالمرء عارا أن يكون صريع مأكله، وقتيل أنامله، فكم لقمة أكلت نفس حر، وأكلة منعت أكلات دهر.
122 - الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحته.
123 - راع غداك تحكم به مناك.
124 - من غرس الطعام جنى ثمره السقام.
125 - رافد بن الغطريف الطائي:
يقولون لا تشرب نسيا فإنه ... وإن كنت حرانا عليك وخيم
لئن لبن المعزى بماء مؤيسل ... بغاني داء إنني لسقيم
النسيّ المحض يصب عليه ماء فيشرب، وتفسيره في البيت الثاني.
126 - أبو حكيمة:(5/51)
يقولون لا تشرب نسيا فإنه ... وإن كنت حرانا عليك وخيم
لئن لبن المعزى بماء مؤيسل ... بغاني داء إنني لسقيم
النسيّ المحض يصب عليه ماء فيشرب، وتفسيره في البيت الثاني.
126 - أبو حكيمة:
أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برأسي ورجلي دملا وزكاما
فليتهما كانا به وأزيده ... زمانة شيخ لا يريد قياما
127 - بعض أهل البيت كان إذا أصابته علة جمع بين ماء زمزم وماء السماء، والعسل، واستوهب من مهر أهله شيئا. وكان يقول: قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنََا مِنَ السَّمََاءِ مََاءً مُبََارَكاً} (1)، وقال: {فِيهِ شِفََاءٌ لِلنََّاسِ}، وقال عليه السلام: ماء زمزم لما شرب له، وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (2). فمن جمع بين ما بورك فيه، وما فيه شفاء، وبين الهنيء والمريء، يوشك أن يلقى العافية.
128 - رجل من بني عجل:
وشى بي واش عند ليلى سفاهة ... فقالت له ليلى مقالة ذي عقل
وخبرها أني عرجت فلم تكن ... كورهاء تجتر الملامة للبعل (3)
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلا أقيم بها رجلي
129 - ابن الرقاع العاملي:
لقد تباشر أعدائي بما لقيت ... رجلي وكم من كريم سيد عثرا
رجلي التي كنت أرقى في الركاب بها ... فاستقل وأرضى خطوها الشرا
محبوكة مثل أنبوب القناة لها ... عظم تكمش عنه اللحم فانحسرا
ليت الذي مسّ رجلي كان عارضه ... بحيث ينبت مني الحاجب الشعرا
130 - في ديوان المنثور (4): كم من أعرج في ديوان المعالي أعرج، وكم من صحيح قدم ليس له في الخير قدم. يصبح للأسقام كالغرض
__________
(1) سورة ق، الآية: 9.
(2) سورة النساء، الآية: 4.
(3) الورهاء: المرأة الحمقاء. ووره يوره ورها: حمق فهو أوره مؤنث ورهاء.
(4) ديوان المنثور: من كتب المؤلف. راجع المقدمة.(5/52)
للسهام، أخطأ رام وأصاب رام. من الصم من يسمع السرار، وإذا رفعت له الصوت لم يسمع. ورأينا من العمش من لا يثبت صورة الإنسان من قرب ويقرأ الخط الدقيق في حواشي الكتب.
131 - مدح طريف بن سوادة عمرو بن هداب، وكان أبرص، فلما انتهى إلى قوله:
أبرص فياض اليدين أكلف ... والبرص أغدى باللهى وأعرف (1)
صاح به الناس وقالوا: قطع الله لسانك. فقال عمرو: مه (2)، البرص من مفاخر العرب، أما سمعتم قول ابن حبناء:
إني امرؤ حنظلي حين تنسبني ... لا من عتيك ولا أخوالي العوق
لا تحسبن بياضا في منقصة ... إن المهاميم في أقرانها بلق (3)
أو ما سمعتم قول ابن مسهر:
أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا ... وكل كريم لا أبالك أبرص
أو ما سمعتم قول الآخر:
يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحا أوفى على خصيلي
فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل (4)
ثم قال لطريف: أما تحفظ فيه شيا؟ فأنشد:
ليس يضر الطرف توليع البهق ... إذا جرى في حلبة الخيل سبق
132 - الجاحظ أنشدني أبو نواس لبعض بني نهشل:
__________
(1) ألهى الرجل: أعطى اللهى أي أفضل العطايا وأجزلها.
(2) مه: اسم فعل بمعنى انكفف. ويقال مه.
(3) بلق: كان في لونه سواد وبياض فهو أبلق مؤنث بلقاء جمع بلق.
(4) حجل وتحجل الفرس: كان في قوائمه تحجيل أي بياض فهو محجّل ومحجول.
وحجلت المرأة: ألبست الأحجال أي الخلاخيل.(5/53)
نفرت سودة مني أن رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح (1)
قلت يا سودة إني والذي ... يفرج الكربة عنا والكلح (2)
هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف نحاسين القرح
وزعم أبو نواس أنهم كانوا يتبركون به، وجذيمة الوضاح يفتخر به.
ولما شاع في بلعاء بن قيس قيل له: ما هذا با بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.
133 - وعن عمرو بن هدّاب أنه لما كفّ بصره، قال له ابن جامع:
يا أبا أسيد، لا تجزعن من ذهاب عينيك وإن كانتا كريمتيك، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن يكون الله قطع يديك ورجليك وقطع ظهرك. فصيح به. فقال عمرو: معناه صحيح ونيته حسنة، وإن أساء في اللفظ.
134 - كانت لرجل جارية يتعشّقها، وبها صنان (3)، وكان يعجبها منها، فإذا تعالت بالمرتك غاظته، فكان ينهاها. فإذا سألته حاجة ففرط قالت: لأمرتكن الله. فلا يجد بدا من قضائها.
135 - الجاحظ: آباط (4) الزنج منتنة العرق، وسائر ذلك الجسم سليم، والتيس إبط كله، ونتنه في الشتاء كنتنه في الصيف. وأنا لندخل السكة فيها تيس فنجد نتنه، فلا نكاد نقطعها إلّا مخمري (5) الأنوف.
136 - ومن الناس من يستطيب رائحة التيس لفساد مزاجه، فيتعهد
__________
(1) الوضح: البرص.
(2) كلح الوجه: عبس وتكشر.
(3) الصنان: ذفر الإبط والنتن عموما.
(4) آباط: جمع إبط وهو باطن الكتف يذكر ويؤنث.
(5) مخمر والأنوف: واضعون عليها الخمر والمناديل نمنع بواسطتها الرائحة الكريهة من الدخول إلى أنوفنا.(5/54)
الجلوس على باب التياس، ومنهم من يشتهي ريح الكرباس (1)، فيحرقه ثم يضع منخريه عليه حتى يقضي وطره (2).
137 - ثلاث يهلكن: الجماع على البطنة، وأكل القديد اليابس، وشرب الماء البارد على الريق.
138 - ومما يورث الهزال النوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع الصوت.
139 - وقال النظام: ثلاثة تخلق العقل: طول النظر في المرآة، والاستغراب في الضحك ودوام النظر في البحر.
140 - الجاحظ: قال لي من أثق به: ما أخذت شيئا من البلاذر ونازعت أحدا إلّا ظهرت عليه. وهو جيد للعصب. ويقولون: إن الخس للعصب خاصة.
141 - كان أعين الطبيب يصرع، واتفق أن كان له بغل يصرع، فربما صرعا جميعا. والصرع قلما يذهب. وقد عرض للأصمعي فداواه ابن بختيشوع فذهب.
142 - من الناس من لا يسكر البتة، منهم محمد بن الجهم وأبو عبد الله العمي.
143 - أنشد الجاحظ لابن عباس:
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور
144 - الخريمي:
__________
(1) الكرباس: راووق الخمر، وهو أيضا القطن أو الثوب المنسوج منه. راجع لسان العرب مادة كربس.
(2) الوطر: الحاجة.(5/55)
أصغي إلى فائدي فيخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني
أريد أن أعدل السلام وأن ... أفصل بين الشريف والدون
أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطىء فالسمع غير مأمون
لله عيني التي فجعت بها ... لو أن دهرا بها يواتيني
لو كنت خيرت ما أخذت بها ... تعمير نوح بملك قارون
145 - علي بن هارون بن علي في ابن أبي الحواري، وقد عرضت له سقطة:
كيف نال العثار من لم يزل ... منه مقيلا في كل خطب جسيم
أو ترقى الأذى إلى قدم ... لم يخط إلّا إلى مقام كريم
146 - عبد الواحد بن قيس عنه عليه الصلاة والسلام: داء الأنبياء الفالج واللقوة (1).
147 - قال الجاحظ: ومن المفاليج إدريس عليه السلام. وأكثر ما يعتري المتوسطين في الأسنان، لأن الشاب كثير الحرارة، والشيخ كثير اليبس.
148 - وممن فلج من الكبراء أبان بن عثمان. وكانوا يقولون: رماه الله بفالج أبان، ولقوة معاوية، وبخر عبد الملك، وبرص أنس بن مالك، وجذام (2) ابن أبي قلابة، وعمى حسان (3)، وصمم ابن سيرين (4).
ومنهم أحمد بن أبي داود قاضي قضاة المعتصم والواثق، وكان من الشرف والكرم بمنزلة. ولأبي هفان في رجل ضرب غلاما له:
أتضرب مثله بالسوط عشرا ... ضربت بفالج ابن أبي داود
__________
(1) اللقوة: مرض يصيب الوجه فيعوجّ الشدق.
(2) الجذام: داء كالبرص يسبب تساقط اللحم والأعضاء.
(3) حسان: هو حسان بن ثابت الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(4) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين المشهور بتعبير الرؤيا. تقدّمت ترجمته.(5/56)
149 - وقال علي بن الجهم:
أأرقد الليل مسرورا عدمت إذن ... عيشي وأحمد يرعى ليله وصبا
الله يعلم أني قد نذرت له ... صيام شهر إذا ما أحمد ركبا
ثم لما طال به قال:
لا زال فالجك الذي بك دائما ... وفجعت قبل الموت بالأولاد
150 - عزهم بن قيس بن بلغدويه لما فقئت عين مالك بن مسمع:
تقاضوك عينا مرة فقضيتها ... وفي عينك الأخرى عليك خصوم
أجهلا إذا ما الأمن غشّاك ثوبه ... وحلما إذا ما كدحتك كلوم
151 - كتب بعضهم إلى محمد بن عبد الملك الزيات: نعمتني بوطء المطهمات حتى أصابني النقرس (1)، واتخمتني بأكل الطيبات حتى ضربني الفالج، ولولاك لكنت أبعد من النقرس من فتح، وأسلم من الفالج من مكان. وأين شرف أدوائي من جرب الحسن بن وهب، ودود أحمد بن أبي خالد؟ وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والأغبياء؟ فمن كان داؤه أفضل من صحة غيره، وعيبه أحمد من براءة ضده، فما ظنك بغير ذلك من أمره؟ والسلام.
152 - شجة (2) عبد الحميد مثل في مستهجن يزيد صاحبه حسنا، وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان من أجمل أهل زمانه، فأصابته شجة فزادته زينة وجمالا، حتى أن النساء كن يخططن في وجوههن شجة عبد الحميد.
153 - أبو محلم الحراني في عبد الله بن طاهر
__________
(1) النقرس: داء معروف يأخذ في الرجل. وهو ورم يحدث في مفاصل القدم وفي إبهامها أكثر. والنقرس أيضا: الهلاك.
(2) الشجة: هي أثر الجرح.(5/57)
فإن تك حمى الربع شفك وردها ... فعقباك فيها أن يطول لك العمر
وقيناك لو يعطي الهوى فيك والمنى ... لكانت بنا الشكوى وكان لك الأجر
154 - كان يقال لعمر بن عبد العزيز أشج بني أمية. وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلا بوجهه أثر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
لما نفحه (1) الحمار برجله فأثر في جبهته قال أصبغ: الله أكبر! هذا أشج بني أميّة، يملك ويملأ الأرض عدلا. ولما قال عمر بن عبد العزيز في يزيد بن المهلب: أي عربي هو لولا عذرة في رأسه، بلغ ذلك يزيد فقال: من يعذرني من لطيم الشيطان؟.
155 - الفضل بن إسماعيل العباسي:
أشكو إلى الله ما أصبت به ... من ألم في مفاصل القدم
كأنني لم أطأ بها كبدا ... من حاسد سرّ قلبه ألمي
ما من صحيح إلّا ستنقله ال ... أيام من صحة إلى سقم
156 - في الحديث: احتجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أم مغيث. وهي وسط الرأس.
157 [شاعر]:
ففي شؤوني حريق من تنزلة ... وفي الخياشيم ضيق محصد المدر
158 - ابن الحجاج:
أيها النزلة بيني ... واصعدي فوق لهاتي (2)
ودعي حلقي بحقي ... فهو دهليز حياتي
__________
(1) نفحه الحمار: رمحه ورفسه.
(2) اللهاة: اللحمة المشرفة في أقصى سقف الحلق.(5/58)
159 - يقال للحمى داء الأسد لأنه قلّ ما يخلو منها. قال أبو تمام:
فإن يك قد نالتك أطراف وعكة ... فلا عجب أن يرعك الأسد الورد
160 - وقال البحتري:
وما الكلب محموما وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد
161 - منيع بن لوبك الأسدي الأقطع:
هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر
وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر
لقد كنت مما أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمّت علي المقابر
162 - الحسن: رحم الله أقواما لم يدروا ما هيليلج ولا بليلج.
163 - قال أعرابي كثر عياله وقل ماله: سأنتجع (1) خيبر، عسى أن يخفف عني ثقل هؤلاء. فلما شارفها قال:
قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فلما دخلها حم، وحم حمامه، وعاش أيتامه.
164 - القابلة بالأهواز (2) ربما قبلت الصبي فتجده محموما، ولا ترى بها وجبة حمراء لصبي.
165 - دماميل الجزيرة داء فاحش لا يكاد يخرج دمل بالجزيرة فعاش صاحبه.
__________
(1) أنتجع خيبر: أذهب إليه. وخيبر اسم بلد في السعودية شمالي المدينة. والنجعة:
طلب الكلأ في مواضعه.
(2) الأهواز: سبع كور بين البصرة وفارس لكل كورة منها اسم يجمعهن الأهواز.
راجع لسان العرب مادة هوز.(5/59)
166 - قال الحجاج لطبيبه: أخبرنا بجوامع الطب، فقال: لا تطأن من النساء إلّا شابة، ولا تأكلن من اللحمان إلّا لحم فتي، وإذا تغذيت فاستلق، وإذا تعشيت فامش ولو على الشوك، ولا يدخلن بطنك طعام حتى تسمرىء ما فيه، ولا تأو إلى فراشك حتى تأتي الخلاء فتنتفض، وكل الفاكهة في إقبالها وذرها في إدبارها.
167 - إذا ألم الألم فالمعالجة ترك المعالجة.
168 - فتيان العراق يسمون الجرب حب الطرف، وفيه لبعضهم:
طلبت من المشتري ظرف حب ... فعوضني زحل حب طرف
فيا ليتني كنت صفر اليدين ... من كل حب ومن كل طرف
169 - دخل العمري على الفضل بن الربيع عائدا، فسلم ثم قال:
أبا العباس، قد والله أمرضني ما أرى بك، وإنك لبعرض خير من أجر عظيم، فأتقبل ذلك بشكر وحسن صبر.
ونظر إلى مجلسه وهو في فسحة فقال: أخبرني أبي عن جدي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خير المجالس ما سافر فيه النظر، واستروح فيه البدن. ثم قام فقال: عمرك الله العافية، ولا كان بك السوء.
170 - عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
جس الطبيب يدي يوما فقلت له ... إن المجسة في قلبي فخلّ يدي
ليس اصفراري لحمى خالطت جسدي ... لكن لطارق هم حل في كبدي
171 - قال رجل للقاسم بن محمد وقد ذهب بصره: لقد سلبت أحسن وجهك. فقال: صدقت، غير أني منعت النظر إلى مايلهي، وعرضت الفكرة فيما يجدي.
172 [شاعر]:
حق العيادة يوم بعد يومين ... وخلسة مثل خلس اللحظ بالعين(5/60)
لا تبرمن عليلا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين
173 - كانت بيحيى بن خالد البرمكي علة في جوفه عجز عنها أطبّاء العراق، فأشخص منويل أسقف فارس. وقد تقدم قبل أن يدخل عليه إلى خواصه بأخذ مائهم في قوارير، فأتوا بها، وفيهم مدني مضحك قد وهب له جارية فكان في كثرة الباه (1) الدعاوى العريضة، فأعطاه الوزير مجسته، فقال تناولت الحرف، فجحد، فحلف منويل حتى أقر. ونظر في القوارير فرد كلّ واحدة إلى صاحبها، فتعجب من لطف علمه.
174 - وقال للمدني: أنت عنين (2)، فلحّ، فقال: هو كافر بالمسيح إن كان خرج من صلبك شيء إلّا البول. فاعترف وطلب العلاج، فقال:
هذا ما لا حيلة فيه، ثم قال: إن كان، وما أظنه يكون، فعليك بالكباب والأجر مع نبيذ الصرفان.
175 [شاعر]:
لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عوّدي ... عضت من الوجد بأطراف اليد
176 - كان جرير في بلاد قيس مريضا فعادوه وتفقدوه، فقال:
نفسي الفداء لقوم زينوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوّادي
لو خفت ليثا أبا شبلين ذا لبد ... ما أسلموني لليث الغابة العادي
إن تجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالرحيل فقد أحسنتم رادي
177 - أبو الأطروشي صاحب طبرستان، كلمه رجل فقال: ارفع صوتك فإن بأذني بعض ما بروحك.
__________
(1) الباه: الشهوة إلى المضاجعة والنكاح.
(2) العنّين: الذي لا يأتي النساء ولا يريدهنّ. سمّي عنينا لأنه يعنّ ذكره لقبل المرأة من عن يمينه وشماله فلا يقصده.(5/61)
178 - نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحجامة في نقرة القفا فإنها تورث النسيان. وأمر أن يستنجى بالماء البارد فإنه صحة من الباسور (1).
179 - خطب المأمون بخراسان، فسعل الناس، فنادى بهم: ألا من كان به سعال فليتداو بشرخل الخمر، ففعلوا، فانقطع عنهم السعال.
180 - عروة بن الزبير: قلت لعائشة: إني نظرت في أمرك فعجبت من أشياء، ولم أعجب من أشياء، رأيتك من أفقه الناس، فقلت: وما يمنعها وهي زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت أبي بكر؟ ورأيتك من أعلم الناس بالشعر وأيام العرب، فقلت: وما يمنعها وهي بنت أبي بكر وعلامة قريش؟ ولكني رأيتك من أعلم الناس بالطب. فأخذت بيدي، وقالت: يا عروة، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان كثير الأسقام والأوجاع، فكانت العرب والعجم تنعت له، فكنا نعالجه.
181 - حكيم: إياك أن تحك بثرة وأن زعزعتك، واحفظ أسنانك من القار بعد الحار، والحار بعد القار، وأن تطيل النظر في عين رمدة (2) وفي بئر عادية، واحذر السجود على خصفة حديدة حتى تمسحها بيدك، فرب شظية حقيرة فقأت عينا خطيرة.
182 - كانت الأدوية تنبت في محراب سليمان عليه السلام، فيقول كل نبت: يا رسول الله، أنا دواء لداء كذا.
183 - جالينوس: البطنة تقتل الرجال، ومنها يكون الفالج، والبطن الذريع، والأقعاد، وصنف من الجذام يقال له الفهد لا يسمع صاحبه ولا يبصر ولا ينطق، وترك الطعام يغير الطبائع، ويهيج شدة الصداع، والكمد في العينين، والضربان في الأذنين، والقولنج (3). فعليك بالطريقة
__________
(1) الباسور: علّة في المقعدة يسببها تمدّد عروقها ويحدث فيها نزف دمّ والجمع بواسير.
(2) الرمد: مرض يصيب العين فيسبب لها الألم.
(3) القولنج: مرض معوي يصعب معه خروج الغائط والريح.(5/62)
الوسطى. واتق الليل وطعامه وشرابه بجهدك.
184 - رسطاليس: إن سم الحية حياة لها وتلف لغيرها، والسم ما دام في الحية فهو سخين، فإذا خرج إلى غيرها برد حتى يقتل بشدة برده.
185 - جالينوس: الغم المفرط يميت القلب، ويجمد الدم في العروق فيهلك صاحبه. والسرور المفرط يلهب حرارة الدم حتى تغلب الحرارة الغريزية فيهلك.
186 - قال أسقف فارس لمحموم: هذا عمل الداذي، قال: ما ذقته منذ فارقت بغداد، قال: ألم تر امرأة حملت ببغداد ووضعت بفارس؟.
187 - وضع على مائدة المأمون يوم عيد أكثر من ثلاثمائة لون، فكان يذكر منفعة كل لون ومضرته وما يختص به. فقال يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين، إن خضنا في الطب فانت جالينوس في معرفته، أو في النجوم فأنت هرمس في حسابه، أو في الفقه فأنت علي بن أبي طالب في علمه، أو في السخاء فأنت حاتم في كرمه، أو في صدق الحديث فأنت أبوذر في لهجته، أو في الوفاء فأنت السموأل بن عاديا (1) في وفائه، فسر بكلامه وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل غيره بعقله، ولولا ذاك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أفضل من دم.
__________
(1) السموأل بن عاديا: هو السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي، شاعر جاهلي حكيم.
من سكان خيبر (في شمالي المدينة) كان يتنقّل بينها وبين حصن له سمّاه «الأبلق».
أشهر شعره لاميته التي مطلعها:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وهي من أجود الشعر. وفي علماء الأدب من ينسبها لعبد الملك بن عبد الرّحيم الحارثي. وهو الذي تنسب إليه قصة الوفاء مع امرىء القيس الشاعر. توفي نحو سنة 65قبل الهجرة.
راجع ترجمته في معاهد التنصيص 1: 388وشرح الشواهد 180وياقوت في معجم البلدان 1: 86وانظر تاريخ العرب قبل الإسلام 3: 269.(5/63)
188 - طبيب الهند: منفعة الحقنة للإنسان كمنفعة الماء للشجرة إذا سقي أصلها.
189 - ومرض أبو دجانة فنعت الطبيب له الحقنة فأبى، فأنشأ أعرابي عنده يقول:
لقد سرني والله وقاك شرها ... نفارك منها إذ أتاك يقودها
كفى سوءة ألا تزال مجبيا ... على شنة وفراء في أستك عودها
190 - سفيان بن عيينة: اجتمع أطباء فارس وابن كلدة على أن الداء إدخال الطعام على الطعام. وقالوا: إدخال اللحم على اللحم يقتل السباع في البر. والشرب في آنية الرصاص أمان من القولنج.
191 - حكيم: أربعة تهدم البدن: الجماع على الامتلاء، والاستحمام على الشبع، وأكل القديد، ونكاح العجوز.
192 - قال الرشيد حين كان بطوس (1) لرجل: خذ هذه الدرة واعرض هذه القارورة على أسقف فارس، وبختيشوع من غير أن يتشاعرا، وازعم أنها قارورة أخ لك. فقال الأسقف: ما أشبه هذا الماء بماء الرشيد! فانتظر ولا ترحل فإن أخاك ميت غداة غد. وقال: يختيشوع مثله.
193 - وعرض رجل على أيوب الطبيب قارورته، فقال: ما هي بقارورتك، لأنه ماء ميت وأنت حي تكلمني. فما فرغ من كلامه أن خرّ الرجل ميتا.
194 - صدع ملك فأمره الطبيب بأن يضع قدميه في الماء الحار،
__________
(1) طوس: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ. فتحت في أيام عثمان بن عفان، وبها قبر علي بن موسى الرضا وقبر هارون الرشيد. وطوس أربع مدن: منها اثنتان كبيرتان واثنتان صغيرتان، وبها آثار أبنية إسلامية جليلة وبها دار حميد بن قحطبة.
راجع معجم البلدان 4: 49.(5/64)
فقال خصي عنده: وأين القدم من الرأس؟ فقال: أين وجهك من بيضتيك نزعتا فذهبت لحيتك؟.
195 - شكا رجل إلى الطبيب وجع البطن، وقال: أكلت سمكا ولحم بقر وبيضا وماستا، فقال: انظر فإن مت من هذا وإلّا فارم نفسك من حالق.
196 - اشترى أعرابي غلاما، فقيل: يبول في الفراش. فقال: إن وجد فراشا فليبل عليه راشدا.
197 - قال أعور لأبي الأسود الدؤلي: ما الشيء ونصف الشيء ولا شيء؟ قال: أما الشيء فالبصير كما أنا، وأما لا شيء فالأعمى، وأما نصف الشيء فأنت يا أعور.
198 - شم أعرابي إبطيه فقطب وجهه وقال: أخرجني الله من بينكما (1).
199 - صالح بن عبد القدوس:
عزاؤك أيها العين السكوب ... وصبرك إنها نوب تنوب (2)
وكنت كريمتي وسراج وجهي ... وكانت لي بك الدنيا تطيب
فإن أك قد ثكلتك في حياتي ... وفارقني بك الإلف الحبيب
فكل قرينة لا بد يوما ... ستشعب إلفها عنها شعوب (3)
على الدنيا السلام فما لشيخ ... ضرير العين في الدنيا نصيب
يموت المرء وهو بعد حيا ... ويخلف ظنه الأمل الكذوب
يمنيني الطبيب شفاء عيني ... وما غير الإله لها طبيب
إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإن البعض من بعض قريب
__________
(1) يريد القول إن في إبطيه رائحة منتنة. والإبط هو باطن الكتف.
(2) العين السكوب: الكثيرة البكاء. والنوب: المصائب. وتنوب: تصيب.
(3) شعوب: اسم للمنيّة.(5/65)
200 - ذكر أعرابي رجلا توانى في درك ثأره، فقال: كيف يدرك ثأره وفي صدره من البلغم حشو مرفقة؟ والبلغماني يكون سمينا بطينا.
201 - جعفر بن سليمان الهاشمي كان لنا ظبي فذبحناه وسلخناه، فإذا جسده قد شرق بالدم، فقال لنا داود الطبيب: هكذا جسد المتخم ولكن لا يراه.
202 - افتصد (1) المأمون فسرح والتحم، وعنده بختيشوع وابن ماسويه وميخائيل، فطلب الحيلة، فاعتزلوا ليتناظروا. فقال المأمون لأسود قائم على رأسه: مص موضع الفصد، ففعل، فخرج الدم. فقالوا: لو نشر بقراط (2) وجالينوس ما زادا على هذا.
203 - صدع (3) المأمون بطرسوس فلم ينفعه علاج، فوجه إليه قيصر قلنسوة وكتب: بلغني صداعك فضعها على رأسك يسكن. فخاف أن تكون مسمومة، فوضعها على رأس حاملها فلم تضره، ثم وضعت على رأس مصدّع فسكن، فوضعها على رأسه فسكن فتعجب، ففتقت فإذا فيها رق فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، كم من نعمة في عرق ساكن، حم عسق لا يصدعون عنها ولا ينزفون، من كلام الرّحمن خمدت النيران، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.
وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع في الغصن
204 - أسامة بن زيد رفعه: إن الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع في أرض فلا تخرجوا فرارا منه.
205 - الهزيمي:
__________
(1) افتصد: قطع شريانه واستخرج الدم الفاسد.
(2) بقراط: الطبيب اليوناني المشهور وهو أبو الطبّ.
(3) صدع: أصابه الصدع وهو ألم أو وجع يصيب الرأس.(5/66)
قد كنت أنظر قبل اليوم في كتب ... فيها الحكايات والأشعار والخطب
ودفتر الطب فيها لا ألم به ... إذ لم يكن فيه لي من صحتي أرب
فجاءت السبع والخمسون تحوجني ... إلى العلاج فمالي غيرها كتب
206 - ابن عباس رفعه: تداووا فإن الله لم يخلق داء إلّا خلق له شفاء ألّا السام.
207 - وروي لكل داء دواء إلّا الهرم.
208 - أنشد الموصلي:
أعزز علي بأن أزورك عائدا ... أو أن أرى بفنائك العوادا
209 - علي عليه السلام رفعه: من أتى أخاه المسلم يعوده مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة.
210 - أنس رفعه: من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمسه النار.
211 - مرض أحمد بن أبي دؤاد: فعاده المعتصم وقال: نذرت أن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فقال: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا. فقال: نويت أن أتصدق بها على من ههنا، وأطلق لأهل الحرمين مثلها. فقال: متع الله الإسلام بك، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم: عدته ولا تعود جلة أهلك! قال: وكيف؟ وما وقعت عيني عليه قط إلّا ساق إليّ أجرا، وأوجب لي شكرا، وما سألني حاجة لنفسه قط.
212 - دخل أبو الغمر على الداعي وهو يحتجم، فقال بديها:
إذا كتبت يد الحجام سطرا ... أتاك به الأمان من السقام(5/67)
فحسمك داء جسمك باحتجام ... كحسمك داء ملكك بالحسام
فاستجاده وأمر له بعشرة آلاف درهم.
213 - علي رفعه: ادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف حار في الشتاء.
وروي عنه: عليكم بالزيت فإنه يكشف المرة، ويذهب البلغم، ويشد العصب، ويذهب بالأعياء، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب بالهم.
وروي عنه: إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة حجام، أو شربة من عسل.
214 - أبو نواس في أحمد بن روح بن أبي بحر الشاعر، وكان يهاجيه:
لا رعى الله ابن روح ... وسخ اسمي بلعابه
أسقم أسمي ريح فيه ... فأظن اسمي لما به
215 - خالد بن عامر الملقب بالقفار:
وهنّ ببخص الداء بدن ... نواعم كالغزلان مرضى قلوبها (1)
بهن من الداء الذي أنا عارف ... ولا يعرف الأدواء إلّا طبيبها
216 - خالد بن زيد الجهضمي:
كفى حزنا أني أجالس معشرا ... يخوضون في بعض الحديث وأمسك
وما ذاك من عي ولا من جهالة ... ولكنه ما فيّ للصوت مسلك
فإن سد مني السمع فالله قادر ... على فتحه والله بالعبد أملك
__________
(1) بخص الرجل بخصا: كان فوق عينيه أو تحتها لحم ناتىء كهيئة النفخة فهو أبخص وهي بخصاء جمع بخص.(5/68)
217 - ربيعة الرقي (1):
عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بكحلة منك تشفيه من الرمد
إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد
218 - طعن في عين قتادة بن النعمان يوم أحد فندرت في وجنته، فردّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانت أحد عينيه نظرا وأحسنها، فقال الخرنق الأوسي:
ومنا الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيّما رد
فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد
219 - أبو الحسن الناجم.
قالوا اشتكت نرجستا وجهه ... قلت لهم أحسن ما كانا
حمرة ورد الخد شابتهما ... والصبغ قد ينفض أحيانا
يريد أحسن ما كان وجهه إذا رمد.
220 - ولد الأحنف ملتصق الأليتين حتى شق ما بينهما.
221 - شراعة بن الزندبود:
قالوا شراعة عنّين فقلت لهم ... الله يعلم أني غير عنّين (2)
فإن ظننتم بي الظن الذي زعموا ... فقربوني من بيت ابن رامين (3)
__________
(1) ربيعة الرّقيّ: هو ربيعة بن ثابت بن لجأ بن العيذار الأسدي، أبو ثابت أو أبو شبانة الرقي، شاعر غزل متقدم. كان ضريرا. يلقب بالغاوي. عاصر المهدي العباسي ومدحه بعدة قصائد. وكان الرشيد يأنس به وله معه ملح كثيرة. مولده ومنشأه في الرقة (على الفرات، من بلاد الجزيرة) وإليها نسبته. قال صاحب الأغاني: هو من المكثرين المجيدين وإنما أخمل ذكره وأسقطه عن طبقته بعده عن العراق وتركه خدمة الخلفاء ومخالطة الشعراء. توفي سنة 198هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 55ونكت الهميان 151والأغاني.
(2) العنّين: الذي لا يأتي النساء ولا يريدهنّ.
(3) ابن رامين: كان يهتم بأمر الجواري في بيته. ذكره صاحب الأغاني.(5/69)
222 - أبو الفيض القضافي في المعتضد:
أرقت دما لو تسكب المزن مثله ... لأصبح وجه الأرض أخضر زاهيا (1)
دما طيبا لو يطلق الدين شربه ... لكان من الأسقام للناس شافيا
223 - اعتل عثمان بن عمرو القيني فلم يعده العتبي، فكتب إليه:
بأبي أنت إن ذا الفضل محف ... وظ أقل القليل من هفواته
أترى عتبة ابن أبي سف ... يان وصى بنيه عند وفاته
أن يبروا الصحيح ممن أحبوا ... ويعقوا العليل عند شكاته
يا ابن من بالعتاب سمي أعتب ... وأسألن بالعليل إن لم تاته (2)
فحلف العتبي ليأتينه شهرا كل يوم.
224 - العباس بن الأحنف:
قالت مرضت فعدتها فتبرّمت ... فهي الصحيحة والمريض العايد
والله لو أن القلوب كقلبها ... ما رق للولد الضعيف الوالد
225 - قال سفيان لصاحب له: ما نمت البارحة من ضربان ضرسي.
فقال: وأنت يا عبد الله تشكو؟ قال: يا أحمق، لم أشك، وإنما أنت أخي أخبرتك. قال أبو سليمان: إذا أخبر فقد شكا.
226 - أبو صفوان: إن الله خلق جنة، وأعد فيها نعيما، وندبنا إليه بترك الشهوات، فلم نطعه. ثم أصبنا الشهوات فأورثتنا الأدواء، فجئنا إلى بعض خلقه ممن تشتمهم غدوة وعشيا، فقلنا: داوونا. فقالوا: نداويكم على أن تتركوا الشهوات، فأطعناهم.
227 - مالك بن دينار: عجبت ممن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار.
__________
(1) المزن: السحاب المشبع بالمطر.
(2) تاته: بحذف الهمزة للتخفيف والتسهيل، تزور.(5/70)
228 - عاد سفيان فضيلا فقال: يا أبا محمد، وأي نعمة في المرض لولا العواد؟ قال: وأي شيء يكره في العواد؟ قال: الشكية.
229 - علي عليه السّلام لبعض أصحابه جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه، ولكن يحط السيئات ويحتها حت (1)
الأوراق، وإنما الأجر في القول باللسان، والعمل بالأيدي والأقدام.
230 - كتب مبارك أخو سفيان الثوري إليه يشكو ذهاب بصره. فكتب سفيان: أما بعد، فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك، والسلام.
231 - استأذن الربيع بن خثيم على ابن مسعود، فخرجت إليه جارية حسناء، فغمض عينيه، فقالت: على الباب رجل أعمى يقول أنا الربيع بن خثيم، فقال: ليس بأعمى، وإنما غض بصره عما نهاه الله عنه.
232 - كان رجل يتعاطى الصراع فلا يصرع أحدا، فترك الصراع وتعاطى الطب، فمر به في بعض الأيام حكيم فقال له: الآن تصرع خلقا كثيرا.
233 - كان منيع بن كوثل يقطع بنواحي الحجاز، فقطع، فقال:
هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر
وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر
لقد كنت ممّا أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمت عليّ المقابر
234 - كان أيمن بن خريم به برص في يده، وكان يصفره بالزعفران، فإذا أكل رجلا لم ينشب (2) أن يصفر الطعام. وكان مداحا لعبد العزيز بن مروان، فامتدحه نصيب (3) بما أعجبه، فقال لأيمن: هو والله
__________
(1) حتّ الشجر: أسقط ورقه وقشره. وتحاتّ الورق: تناثر.
(2) ينشب: يلبث.
(3) نصيب: هو نصيب بن رباح، أبو محجن، مولى عبد العزيز بن مروان شاعر، فحل، مقدّم في النسيب والمدائح. اشتراه عبد العزيز بن مروان واعتقه. كان يتغزل بأم بكر زينب بنت صفوان. تنسك في أواخر عمره، وتوفي سنة 108هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 7: 212وشرح ديوان أبي تمام 1: 258والنجوم الزاهرة 1: 262.(5/71)
أشعر منك، فقال أيمن: لا والله، ولكنك طرف ملول. فقال: أنا ملول وأنا أواكلك مذ كذا وكذا؟.
235 - دخل عمر بن عبد العزيز إلى اسطبل أبيه، فضربه فرس على وجهه، فأتى به أبوه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: لئن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد.
236 - كان المغيرة بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام يطعم الطعام، وكان أعور فجعل أعرابي يديم النظر إليه حابسا نفسه عن طعامه، فقال له المغيرة في ذلك، قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور وأراك تطعم الطعام وهذه صفة الدجال. وكانت عينه أصيبت في قتال الروم، فقال: الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
237 - كان أبو أحمد بن جحش من المكافيف، وقد أخذ خطام ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد فتح مكة، وهو يسعى بين الصفا والمروة، وهو يرتجز:
يا حبذا مكة من وادي ... أرض بها أهلي وعوادي
أرض بها ترسخ أوتادي ... أرض بها أمشي بلا هادي
238 - علي بن الجهم في مرض المتوكل:
لإمام الهدى البقاء الطويل ... ومنا لا به الصنى والنحول
كادت الأرض أن تميد لشكوا ... ك وكادت لها الجبال تزول
أنا أشكر إليك قسوة قلبي ... كيف لم ينصدع وأنت عليل
239 - دخل علي عليه السلام على صعصعة بن صوحان عائدا،
فقال علي لصعصعة: والله ما علمتك إلّا خفيف المؤونة، حسن المعونة، فقال صعصعة: وأنت يا أمير المؤمنين، إن الله في عينك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرحيم، وأنك بكتاب الله العليم.(5/72)
لإمام الهدى البقاء الطويل ... ومنا لا به الصنى والنحول
كادت الأرض أن تميد لشكوا ... ك وكادت لها الجبال تزول
أنا أشكر إليك قسوة قلبي ... كيف لم ينصدع وأنت عليل
239 - دخل علي عليه السلام على صعصعة بن صوحان عائدا،
فقال علي لصعصعة: والله ما علمتك إلّا خفيف المؤونة، حسن المعونة، فقال صعصعة: وأنت يا أمير المؤمنين، إن الله في عينك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرحيم، وأنك بكتاب الله العليم.
فلما قام ليخرج، قال: يا صعصعة، لا تجعل عيادتي فخرا على قومك، فإن الله لا يحب كل مختال فخور.
وروي: لا تتخذها أبهة على قومك، إن عادك أهل بيت نبيك.
240 - ابن عباس: مرضت مرضا شديدا، فحماني أهلي كل شيء حتى الماء، فعطشت ليلة أشد العطش، فحبوت إلى أداوة (1) معلقة، فشربت كما أردت، فما زلت أعرف الصحة منها في جسمي ونفسي. فلا تحرموا مرضاكم شيئا.
241 - سلّ الزبير العبسي حتى لم يبق منه إلّا الجلد والعظم، فأخرج ذراعه فنظر إليها، فقال: الحمد لله الذي لم يبق للأرض من جسدي نباتا.
242 - مرض بكر بن عبد الله المزني فرأى الناس يدخلون ويخرجون، فغمه ذلك، فلمّا كثر عليه قال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
243 - أبو هريرة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ليرعفن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا. فرؤي عمرو بن سعيد بن العاص يرعف على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى سال رعافه على درج المنبر.
244 - أحمد بن يحيى ثعلب (2) ناله صمم شديد حتى كان يكتب له
__________
(1) الأداوة: قربة من جلد يوضع فيها الماء.
(2) ثعلب: هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني إمام الكوفيين في النحو واللغة.
توفي سنة 291هـ. تقدّمت ترجمته.(5/73)
الشيء في آخر أيامه.
245 - قال السفاح لطبيبه في علّة موته وأراد جسّه:
أنظر إلى ضعف الحرا ... ك وذلة بيد السكون
ينبيك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون(5/74)
الباب الثامن والسبعون المال، والكسب، والتجارة، والنفاق، والغلاء، والرخص والغبن، والمكاس، وذكر الغنى والفقر وما اتصل بذلك
1 - ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتفت إلى أحد: ما يسرني أنه لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، لا أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلّا أن أرصدهما لدين إن كان.
قال: فمات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما ترك دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، وترك درعه التي كان يقاتل فيها رهنا بثلث قفيز (1) من شعير.
2 - أنس رفعه: يقول الله عزّ وجلّ: ابن آدم أقبل إليّ املأ قلبك غنى، وانزع الفقر من بين عينيك، واكف عليك ضيعتك، فلا تصبح إلّا غنيا، ولا تمسي إلّا غنيا. وأن توليت عني نزعت الغنى من قلبك، وأنسيت عليك ضيعتك، فلا تصبح إلّا فقيرا، ولا تمسي إلّا فقيرا.
3 - عبد الله بن معقل: أتى رجل رسول الله فقال: والله إني لأحبك في الله. قال: إن كنت صادقا فيسر للفقير تجفافا، فالفقر إلى من يحبني
__________
(1) القفيز: أربعة مكاكيك، وكل مكوك خمسة عشر رطلا وكل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 26. وقيل: القفيز: عشر الجريب وهو ثلاثمائة وستون ذراعا مكسرة، وفي بعض البلدان خلاف ذلك على حسب ما اتفقوا عليه.(5/75)
أسرع من السيل إلى منتهاه.
4 - أبو ذر رفعه: صاحب الدرهمين أشد حسابا يوم القيامة من صاحب الدرهم.
5 - أوحى الله إلى موسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته. وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين.
6 - لقمان: كان إذا مرّ بالأغنياء قال: يا أهل النعيم، لا تنسوا النعيم الأكبر. وإذا مرّ بالفقراء قال: إياكم أن تغبنوا مرتين.
7 - أبو سعيد المخزومي:
وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
8 - دخل الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده، فرآه يصوب بصره ويصعده نحو صندوق له، فقال: يا أبا سعيد، ما قولك في مائة ألف في هذا الصندوق لم توصل منها رحم ولم تؤد زكاة؟ قال الحسن: ثكلتك أمّك، فلم أعددتها؟ قال: لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومفاخرة العشيرة.
فلما مات ضرب الحسن بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال لوارثه:
لا تخدعن كما خدع أبوك. أما إنك أتاك هذا المال حلالا فإياك أن يكون عليك وبالا، أتاك ممن كان له جموعا منوعا، يخوض فيه لجج البحار، ومفاوز (1) القفار، من باطل جمعه فأوعاه، ومن حق منعه فأوكاه. إن أعظم الحسرات يوم القيامة أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيا لها من توبة لا تنال وعثرة لا تقال!.
__________
(1) المفاوز: الصحاري الواسعة.(5/76)
9 - حكيم: من لم يصبر على خيانة الوكلاء، وإضاعة الكفاة فليس بتام الدهقنة.
10 - قيل لعبد الله بن جعفر: إنك لتبذل الكثير إذا سئلت، ويضايق في القليل إذا توجرت. فقال: إني أبذل مالي، وأضن بعرضي وبعقلي.
11 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من باع دارا أو عقارا فلم يردد ثمنه في مثله فذلك مال قمن (1) أن لا يبارك الله فيه.
12 - حكيم: إذا تزين المرء بالذهب والفضة فقد دل على نقصه في نفسه عنها، والفاضل من زين الذهب والفضة بحسن السياسة والتدبير فيها.
13 - الحسن: من وسع الله عليه في ذات يده فلم يخف أن يكون ذلك مكرا به من الله فقد أمن مخوفا. ومن ضيق الله عليه في ذات يده فلم يرج أن يكون ذلك نظرا من الله تعالى فقد ضيع مأمولا.
14 - العتابي:
إني امرؤ هدم الأقتار مأثرتي ... واجتاح ما بنت الأيام من خطر (2)
أيام عمرو بن كلثوم يسوده ... حيا ربيعة والأحياء من مضر
أرومة عطلتني من مكارمها ... كالقوس عطلها الرامي من الوتر (3)
15 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يعجبنك امرؤ كسب مالا حراما، فإنه إن أنفق لم يتقبل منه، وإن أمسك لم يبارك فيه، وإن مات وتركه كان زاده إلى النار.
16 - رسطاليس: محبة المال وتد الشر كله، لأن الشر كله متعلق بها.
__________
(1) قمن: حريّ وجدير وخليق.
(2) الأقتار: الشيب.
(3) الأرومة: الأصل.(5/77)
17 - نظر أعرابي إلى دينار فقال: ما أصغر قمتك وأكبر همتك!.
18 - القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحر.
19 - ابن السماك (1): الفطام عن الحطام شديد.
20 - أعرابي: من ولد في الفقر أبطره الغنى، ومن ولد في الغنى لم تزده النعمة إلّا تواضعا.
21 - يحيى بن معاذ الرازي: الاقتصاد في المعيشة ضيعة لم تتكلف ثمنها.
22 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما عال من اقتصد.
23 - العرب: ينبغي للمشتري أن يستري، أي أن يختار.
24 - السري: نهيتك من مسألة أقوام أرزاقهم من ألسن الموازين، وأفواه المكاييل.
25 - معاوية: ما رأيت سرفا (2) إلّا وإلى جانبه حق مضاع.
26 - من ختم البضاعة أمن الإضاعة.
27 - مدح رجل رجلا عند خالد بن عبد الله فقال: دخلت عليه فرأيته أسرى الناس دارا وفراشا وآلة وخدما. فقال خالد: لقد ذممته، هذه والله حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلا ولا للكلام موضعا.
28 - ونحوه: من عظمت مؤونته على نفسه قل فضله على غيره.
29 - الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته.
__________
(1) ابن السماك: هو محمد بن صبيح. كان زاهدا رواية للحديث. توفي سنة 183هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) السرف: الخطأ، تجاوز الحدّ والاعتدال.(5/78)
30 - أبو الدرداء (1) رضي الله عنه:
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلّا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ورزقي ... وتقوى الله أكبر ما استفادا
31 - أشتري لابن عمر متاع فرضيه ودفع الثمن إلى من اشتراه له، فجاء وقد استوضع دينارين، فقال ابن عمر: قد رضينا المتاع، فبأي شيء تأخذ الدينارين؟ ردهما على الرجل.
32 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين.
33 - باع مزبد خمارا، فأقبلوا يقلبونه، فقال: والله لو قلبتم عين الشمس هذا التقليب لأخرجتم فيها صدأ.
34 - علي رضي الله عنه: ما كسى عن درهميك فإن المغبون لا محمود ولا مأجور.
35 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
36 - قيل لابن عيينة (2): من أفقر الناس؟ قال: ليس أحد دون أحد، قال الله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله.
37 - رأى بزرجمهر فقيرا جاهلا، فقال: بئس ما أجتمع على هذا! فقر ينغص دنياه، وجهل يفسد آخرته.
38 - في الحديث المرفوع: مثل الفقر للمؤمن كمثل فرس مربوط
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك صاحب الرسول صلّى الله عليه وسلّم توفي سنة 32هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي. توفي سنة 198هـ. تقدّمت ترجمته.(5/79)
بحكمته إلى أخيه، كلما رأى شيئا مما يهودى ردته حكمته.
39 - قال رجال لفيلسوف: ما أشد فقرك! فقال: لو علمت ما الفقر لشغلك الغم لنفسك عن الغم لي.
40 - أعرابي: المال لا يصلح إلّا بالوالي يلي المال ربه وإن كان أحمق.
41 - قالوا: الغبن في شيئين، في الغلاء والرداءة، فإذا استجدت فقد أحرزت أفضلهما.
42 - شاعر:
خلق المال واليسار لقوم ... وأراني خلقت للإملاق
أنا فيما أرى بقية قوم ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق
43 - قرىء على درهم في أحد جانبيه:
قرنت بالنجح وبي كلما ... يراد من ممتنع يوجد
وفي الجانب الآخر:
وكل من كنت له آلفا ... فالجن والأنس له أعبد
44 - الجاحظ: إنما هو شيء ألقاه الشيطان في قلوب العامة، وأجراه على ألسنتهم حتى قالوا: المغبون لا محمود ولا مأجور، فحملوا الجهلة على النظر في قيمة حبة، والإطلاع في لسان الميزان، وأخذ المعايين بالأيدي. وبالحري أن يكون المغبون محمودا ومأجورا وقالت الحكماء: السؤدد التغافل. وأدبنا رسول الله حيث قال: رحم الله رجلا سهل البيع سهل الشرى. وقال معاوية: إني لأجر ذيلي على الخدائع.
وعن الحسن البصري: لا يكون المؤمن مماكسا (1).
__________
(1) المكس: دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية، أو ما يأخذه أعوان الدولة عن أشياء معيّنة عند بيعها أو إدخالها المدن. وماكسه: استحطّه الثمن واستنقصه إياه، والماكس والمكّاس: من يأخذ المكس.(5/80)
45 - قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز عن بر الصديق.
46 - من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: دينه وعرضه.
47 - إذا استغنى اللئيم بلي به ثلاثة: صديقه القديم يجفوه، وامرأته يطلقها، وخادمه يستبدل به.
48 - الحسن: ما أعز أحد الدراهم إلّا أذله الله.
وعنه رحمه الله: كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف.
49 - وذكر بعضهم أبا الشعثاء فقال: كان مسلما عند الدرهم.
50 - عبد الله الفقير إليه:
وإذا رأيت صعوبة في مطلب ... فاحمل صعوبته على الدينار
يردده كالظهر الذلول فإنه ... حجر يلين قسوة الأحجار
51 - حبس عمرو بن الليث أبا سعيد الكاتب وعلي بن النضر، فتبلح أبو سعيد في أداء ما طولب به، فحلف المطالب ليقلعن أضراسه أن لم يؤده، فلما احتاله من حيث وضع عمد ابن النضر فسرقه، فدعي بالطست (1) والكلبتين (2) فقلعت أضراسه. فنمي الخبر إلى عمرو فاغتم له وأطلقه. فلما كان بعد مدة أتاه علي بالكيس، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ دخلت في دمي وفجعتني بأضراسي. قال: اسكت، فإنه إذا لم يكن لك أضراس وكانت لك دراهم اتخذت الهرايس والأخبصة (3)، وإذا لم
__________
(1) الطست: وعاء من نحاس يوضع فيه الماء وغيره.
(2) الكلبتان: آلة تتّخذ لقلع الأضراس النخرة. ويقال لها أيضا الكلّابة.
(3) الهرايس والأخبصة: نوعان من الأطعمة.(5/81)
يكن لك مال وأنت سالم الأضراس مت جوعا. فضحك وتسلى، وقعد يتنعم.
52 - يونس بن عبيد صاحب الحسن: كسبت في هذه السوق ستين ألف درهم، ما منها درهم ألّا وأنا أخاف أن أسأل عنه.
53 - أنس رفعه: يقول الله لملائكته: أدنوا أحبائي، فتقول الملائكة: سبحانك من أحباؤك؟ قال: أدنوا مني فقراء المسلمين.
54 - الثوري (1): المال في هذا الزمان عز للمؤمن. وقال: المال سلاح المؤمن في هذا الزمان. وكان بين يديه دنانير يقلبها، فقيل له:
أتحبها؟ فقال: دعنا منك، فلولا هذه لتمندلت بأعراضنا القوم تمندلا.
وقال: لئن أخلف عشرة آلاف يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن احتاج إلى الناس.
55 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما يخشى المؤمن الفقر مخافة الآفات على دينه.
56 - ترك ابن المبارك دنانير وقال: اللهمّ إنك تعلم أني لم أجمعها إلّا لأصون بها حسبي وديني.
57 - وقيل لآخر: لم تحب هذه الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟
قال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها.
58 - عبد الله الفقير إليه:
لا تلمني إذا وقيت الأواقي ... فالأواقي لماء وجهي واقي
59 - ابن عيينة: من كان له مال فليصلحه، فانكم في زمان من احتاج فيه إلى الناس كان أول ما يبذل دينه.
60 - عون: صحبت الأغنياء، فلم يكن أحد أكثر غما مني، لأني
__________
(1) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق توفي سنة 161هـ. تقدّمت ترجمته.(5/82)
كنت أرى ثيابا خيرا من ثيابي، ودابة خيرا من دابتي. ثم صحبت المساكين فاسترحت.
61 - فضيل: بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة، وإنما أهلكت القرون الأولى لأنهم أكلوا الربا، وعطلّوا الحدود، ونقصوا الكيل والميزان.
62 - قال رجل لإبراهيم بن أدهم: أقبل مني هذه الجبة، قال: إن كنت غنيا قبلتها منك، قال: أنا غني، قال: كم مالك؟ قال: ألفان، قال: أيسرك أن يكون أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال: أنت فقير، لا أقبلها منك.
63 - الحسن في قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظََاهِراً مِنَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غََافِلُونَ} (1)، ينقر أحدهم الدرهم فيعلم كم فيه من حبة، ويضيع دينه، ستعلم يا لكع (2).
64 - حكيم: لا تكن أسوأ المغرورين بجمع المال، فكم رأينا من جامع لبعل حليلته (3).
65 - وفي نوابغ الكلم (4): أيها القلب الخوّل، إن حيلتك أن تجمع المال لبعل حليلتك.
66 - حكيم: إنما مالك لك، أو لجائحة (5) تحدث فيه، أو للوارث، فلا تكن أخسهم حظا.
__________
(1) سورة الروم، الآية: 7.
(2) يا لكع: يا لئيم. واللّكع: اللؤم.
(3) حليلة الرجل: زوجته.
(4) نوابغ الكلم: من كتب المؤلف. راجع مقدّمتان في أول الكتاب.
(5) الجائحة: البليّة أو التهلكة والداهية العظيمة. وسنة جائحة: جدبة.(5/83)
67 - وفي نوابغ الكلم: المال للحارث، أو للحادث، أو للوارث، فلا تكن أخس ثالث.
68 - أعرابي من بني أسد:
يقولون ثمر ما استطعت وإنما ... لوارثة ما ثمّر المال كاسبه
فكله وأطعمه وخاله وارثا ... شحيحا ودهرا تعتريه نوائبه
69 - عبد الرّحمن بن شبل: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: التجار هم الفجار. فقيل: أليس أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيحنثون (1).
70 - مر علي عليه السلام في سوق الكوفة ومعه الدرة (2)، وهو يقول: يا معشر التجار خذوا الحق واعطوا الحق تسلموا، ولا تردوا قليل الحق فتحرموا كثيره، ما منع مال من حق إلّا ذهبت في باطل أضعافه.
71 - لقمان: يا بني، قد أكلت الحنظل، وذقت الصبر، فلم أر شيئا أمر من الفقر. فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كيما لا ينتقصوك، ولكن سل الله، فمن الذي س سأل الله فلم يعطه؟ أو دعاه فلم يجبه؟ أو تضرع إليه فلم يكشف ما به؟.
72 - أعرابي: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا.
73 - إن الكريم من كرمت عند الحاجة طعمته، وظهرت عند الجدة نعمته.
74 - يقال للدرهم الأخرس النجيع وخاتم رب العالمين.
__________
(1) حنث بالوعد: لم يف به.
(2) الدرّة: السوط.(5/84)
75 - أعرابي هلكت إبل له فقال: إن موتا تخطاني إلى ما لي لعظيم النعمة علي.
76 - يقال لمقاسي الفقر: فلان يلاطم حمأة الجفر، أكثر غدارانه قد نضب. أخذ الأفلاس بكظمه.
77 - أوصى رجل فقال اكتبوا: خلف فلان ما يسوؤه وينوؤه، مالا يأكله وارثه، ويبقى عليه وزره وإثمه.
78 - وفي نوابغ الكلم: ترك مالا يبقي عليه وارثه، وتبقى عليه كوارثه.
79 - لكل نافقة كساد.
80 - القاسم بين القوم أوشلهم (1) حظا، أي أقلهم.
81 - لا مال لمن لا مادة له.
82 - كسب المال للولد حسرة الأبد.
83 - عيسى عليه السلام: المال فيه داء كبير. قيل يا روح الله: ما داؤه؟ قال: أن يمنع صاحبه حق الله، قيل: فإن أدى حق الله؟ قال: لن ينجو من الكبر والخيلاء، قيل: فإن نجا؟ قال: يشغله إصلاحه عن ذكر الله.
84 - حكيم: لا يعد الغرم غرما إذا ساق غنما، ولا يعد غنيا من لم يكن غناه مشتركا.
85 - أبو الفضل الميكالي:
وقد تهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه
86 - قال أعرابي لرجل: كيف فلان فيكم؟ قال: غني حظي،
__________
(1) يقال وشل الماء: تقطر قليلا قليلا.(5/85)
قال: هذا من أهل الجنة.
87 - الجاحظ: التجار أصحاب ترتيح وتدنيق، نظرهم في الطفيف مقرون بصناعتهم، ولذلك كان جود قريش، العالي على الأجواد، من قوم لا كسب لهم إلّا من التجارة عجبا من العجب. وسبب إيثارهم التجارة أنهم من بين العرب دانوا بالتحمس والتشدد في الدين، لأنهم أهل حرم الله وحضنة بيته، فتركوا الغزو، وكراهة السبي، واستحلال النهب، فاقتصروا على التجارة، واتخذوها مكسبة، فضربوا في البلاد، وفتح الله عليهم الرزق بايلافهم الرحلتين.
88 [شاعر]:
وما القطا الكدر إلى الغدر ... أهدى من الفقر إلى الحر (1)
89 - من دعاء السلف: اللهمّ إني أعوذ بك من ذل الفقر، ومن بطر الغنى. القنية ينبوع الأحزان.
90 - عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى
91 - خير الأعمال ما قضى الغرض، وخير الأموال ما وقى العرض.
92 - ما بقاء المال بين حوائج الإنسان وجوائج الزمان؟.
93 - كانت بربيعة بن عمرو طرقة أي جنون، ولذلك لقب بحوثرة، وهو أبو الحواثر من عبد القيس، فغرس فسيلا (2) فكان يسقيه بالنهار، فإذا كان الليل أقتلعه وأدخله بيته، فقيل له، فقال: أخزى الله مالا لا تطبق عليه بابك.
__________
(1) القطا: نوع من الطير يعيش في الصحراء وهو على أنواع.
(2) الفسيلة: النخلة الصغيرة تقطع من الأمّ فتغرس. وكل عود يقطع من شجرته فيغرس جمع فسيل وفسائل.(5/86)
94 - ومن الحواثر عامل عمرو بن هند الذي كتب إليه في قتل طرفة، وكان قد وداه (1) بعد ذلك، فقال المتلمس (2) لمعبد أخي طرفة:
لن ترحض السوءات عن أحسابكم ... نعم الحواثر إذ تساق لمعبد
95 - قال معاوية للأحنف: مالك؟ قال: لا أخبرك، قال: ولم؟
قال: لأنك من القرشي بين شرتين، إن كنت غنيا حسدك، وإن كنت فقيرا حقرك.
96 - يده في الكسب صناع، ولكنها في الإنفاق خرقاء.
97 - الغنى أنس الأوطان.
98 - إذا أيسرت فكل رحل رحلك، وإذا أعسرت فما أهلك أهلك.
99 - الغربة مع الجدة أوطأ من لين الوطن مع الفقر.
100 - حكيم: حسن التدبير مع الكفاف أكفى من المال الكثير مع الاسراف.
101 - العطوي:
قاتلها الله لقد ... سامتكها إحدى العضل
__________
(1) ودى القاتل القتيل: أعطى وليّه ديته. والديّة: ما يعطى من المال بدل نفس القتيل جمع ديات.
(2) المتلمّس: هو جرير بن عبد العزّى أو عبد المسيح من بني ضبيعة، من ربيعة، شاعر جاهلي، من أهل البحرين. وهو خال طرفة بن العبد. كان ينادم عمرو بن هند (ملك العراق) ثم هجاه فأراد عمرو قتله ففرّ إلى الشام ولحق بآل جفنة (ملوكها) ومات ببصرى (من أعمال حوران في سورية). وفي الأمثال: أشأم من صحيفة المتلمّس.
وهي كتاب حمله من عمرو بن هند إلى عامله بالبحرين وفيه الأمر بقتله. ففضّه وقرىء له ما فيه فقذفه في نهر الحيرة ونجا. توفي نحو سنة 50قبل الهجرة.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 73وثمار القلوب 171والشعر والشعراء 52.(5/87)
تقول هلا رحلة ... تنفلنا خير نفل
ما الفقر عار إنما ال ... عار المراء والبخل
102 - ملك الهياطلة: ما أقبح القنوع عند الحاجة، والتيه عند الاستقراء.
103 - عمرو بن الليث: الطير بالطير يصاد، والمال بالمال يكتسب.
104 - مكتوب على باب مدينة الرقة: ويل لمن جمع المال من غير حقه، وويلان لمن ورثه من لا يحمده، وقدم على من لا يعذره.
105 - أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب الزم سوقك فإن الغني من العافية.
106 - قال خالد بن صفوان (1): يا بني، خلتان (2) إن أنت حفظتهما لم تبال ما ضيعت بعد: دينك لمعادك، ودنياك لمعاشك.
107 [شاعر]:
ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرّهم الفقير
وأهونهم وأحقرهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير
يباعده الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير
وقد يلقى الغني له جلالا ... يكاد فؤاد صاحبه يطير
__________
(1) خالد بن صفوان: هو خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري، من فصحاء العرب المشهورين. كان يجالس عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك وله معهما أخبار. ولد ونشأ بالبصرة وكان أيسر أهلها مالا ولم يتزوّج. له كلمات سائرة. عاش إلى أن أدرك خلافة السفّاح العباسي وحظي عنده. توفي نحو سنة 133هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 243وأمالي المرتضى 4: 172والأعلام للزركلي 2: 297.
(2) خلتان: مثنى خلّة وهي الخصلة والعادة.
قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن الغنى رب غفور
108 - نزل جبرائيل على لقمان وخيّره بين النبوة وبين الحكمة، فاختار الحكمة، فمسح جبرائيل جناحه على صدره، فنطق بها، فلما ودعه قال: أوصيك بوصية فاحفظها، يا لقمان، لئن تدخل يدك إلى مرفقك في فم التنين خير لك من أن تسأل فقيرا قد استغنى.(5/88)
__________
(2) خلتان: مثنى خلّة وهي الخصلة والعادة.
قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن الغنى رب غفور
108 - نزل جبرائيل على لقمان وخيّره بين النبوة وبين الحكمة، فاختار الحكمة، فمسح جبرائيل جناحه على صدره، فنطق بها، فلما ودعه قال: أوصيك بوصية فاحفظها، يا لقمان، لئن تدخل يدك إلى مرفقك في فم التنين خير لك من أن تسأل فقيرا قد استغنى.
109 - قال الحجاج لابن القرية (1): أي المال أنفع؟ قال الذي قدمته في وجهه إلى الله في صحة البدن.
110 - قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟
قال: الدهر أعرض منه.
ودفع إلى سائل درهما فاستقله، فقال: أما علمت أن الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر المائة، والمائة عشر الألف؟ أما ترى كيف ارتفع الدرهم حتى بلغ ما بلغ.
111 - قرىء عند المنصور قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذََا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} (2). فقال: حد الله النفقة فنهى عن الإسراف والتقتير، وأمر بالقصد والتقدير.
112 - علي عليه السلام: إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام.
113 - الحسن: رحم الله عبدا كسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضلا.
(1) ابن القرّيّة: هو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي. خطيب بليغ يضرب به المثل. يقال: أبلغ من ابن القرية. والقريّة أمّه. كان أعرابيا أميا يتردد إلى عين التمر (غربي الكوفة). توفي سنة 84هـ.
راجع ترجمته في ابن الأثير حوادث سنة 84ووفيات الأعيان 1: 82وابن عساكر 3: 216وتاريخ الإسلام 3: 234.
(2) سورة الفرقان، الآية: 67.(5/89)
وعنه رحمه الله: إن المؤمن قد أخذ عن الله أدبا حسنا، فإذا وسع عليه وسع على عياله، وإذا قتر عليه قتر عليهم. فقال داود بن أبي هند: نفقات ننفقها نجد منها بدا من الطعام واللباس والطيب. قال:
أيها الرجل، أوسع على أهلك مما وسع الله عليك.
114 - مالك بن خريم الهمداني جدّ مسروق بن الأجدع:
أنبئت والأيام ذات تجارب ... وتبدي لك الأيام ما لست تعلم
أن ثراء المال ينفع ربه ... ويثني عليه الحمد وهو مذمم
وإن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المحزم
يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم
115 - علي عليه السلام في ذكر آخر الزمان: ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله.
وعنه: الفقر الموت الأكبر.
وعنه: يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك.
وعنه: من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه.
وعنه: إذا أملقتم (1) فتاجروا الله بالصدقة.
وعنه: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجار. يعني يبتغون المال ولا يريدون الدين.
116 - عمر رضي الله عنه: ما يأتيني الموت على حال أحب إليّ من أن يأتيني وأنا بين دفتي رحلي أبغي على عيالي.
117 - قيل لميمون بن مهران: إن ههنا أقواما يقولون: نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا. فقال: هؤلاء حمقى! إن كان لهم يقين مثل يقين
__________
(1) أملق: أنفق ماله حتى افتقر.(5/90)
إبراهيم خليل الرّحمن فليفعلوا.
118 - سفيان: يعجبني الرجل يموت ولا يترك كفنا.
119 - اشترى سلمان وسقا من طعام وهو ستون صاعا، فقيل له، فقال: النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت.
120 - لما افتتحت بلخ (1) في أيام عمر وجدت على بابها صخرة مكتوب فيها: إنما يبين الغني من الفقير عند الانصراف من بين يدي الله بعد العرض.
121 - نبيه بن الحجاج:
قصر الناس بي ولو كنت ذا ما ... ل كثير لأجلب الناس حولي
ولقالوا أنت الكريم علينا ... ولحطوا إلى هواي وميلي
ولكلت المعروف كيلا هنيّا ... يعجز الناس أن يكيلوا بكيلي
122 - علي عليه السلام قال لابن الحنفية: يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت.
وعنه: إن الله فرض في أموال الأغنياء، أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلّا بما متّع غني، والله سائلهم عن ذلك.
وعنه: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.
وعنه: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله! وأحسن منه نية الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله.
وعنه: من مات تعبا من كسب الحلال مات والله عنه راض.
عامر: أحب الناس إلى الله الفقراء، وكان أحب خلقه إليه الأنبياء فابتلاهم بالفقر.
__________
(1) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. تقدّم تحديدها. راجع معجم البلدان 1: 479.(5/91)
123 - قعود المرء عن الكسب إلحاف بالمسألة.
124 - إبراهيم بن أدهم: اكتسب فإنك إن لم تفعل احتجت فداهنت الناس للطمع، فخالفت حينئذ الحق وأهله.
125 - قيل لعروة بن الورد (1) عروة الصعاليك (2)، لأنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرسا ورمحا، وقال: إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله يا فتى.
126 [شاعر]:
لا تنظرن إلى ذوي ال ... مال المؤثل والرياش
فتظل موصول النها ... ر بحسرة قلق الفراش
وأنظر إلى من كان دو ... نك أو نظيرك في المعاش
__________
(1) عروة بن الورد: من شعراء الجاهلية وفرسانها وأجوادها. كان يلقب بعروة الصعاليك لجمعه إيّاهم وقيامه بأمرهم إذا اخفقوا في غزواتهم. قال عبد الملك بن مروان: من قال إن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد. له ديوان شعر. توفي نحو سنة 30قبل الهجرة.
راجع ترجمته في جمهرة أشعار العرب 114والشعر والشعراء 260والتبريزي 4:
121.
(2) الصعاليك من الشعراء: مصطلح كان يطلق في الجاهلية على من كان ديدنهم شن الغارات وقطع الطرق وهم ثلاثة أصناف:
1 - الشذّاذ الذين حرمتهم قبائلهم الانتساب إليها لكثرة جرائرهم مثل حاجز الأزدي، وقيس بن الحدادية، وأبي الطمحان القيني.
2 - أبناء الحبشيات الذين حرمهم آباؤهم الانتساب إليهم بسبب عار ولادتهم وسواد لونهم مثل السليك بن السلكة وتأبّط شرّا، والشنفرى ويسمّون «أغربة العرب».
3 - محترفو الصعلكة مثل عروة بن الورد العبسي. وقد يكون محترفو الصعالكة قبيلة برّمتها مثل هذيل وفهم. وتتضمّن أشعارهم جميعا صيحات الجوع والفقر والثورة على الأغنياء والبخلاء ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو.(5/92)
127 - الفضل بن عبد الرّحمن المطلبي:
ولا ترهبن الفقر ما عشت في غد ... لكل غد رزق من الله واجب
128 - أنس: غلا السعر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا. فقال: إن الله الخالق القابض الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة ظلمت بها من أهل ولا مال. دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
129 - المرار بن سعيد الفقعسي:
إذا افتقر المرار لم ير فقره ... وإن أيسر المرار أيسر صاحبه
130 - أبو مسلم الحلق البصري:
عجبت لحملي المفتا ... ح إمسائي وإصباحي
وما ساوى الذي في من ... زلي قيمة مفتاحي
131 - محمد بن البعيث بن الحليس الربعي:
كم قد قضيت أمورا كان أهملها ... غيري وقد أخذ الأفلاس كالظكم
سأكسب الحمد في عسر وفي يسر ... إن الجواد الذي يسخو على العدم
132 - هارون بن جعفر الطالبي:
بوعدت همتي وقورب مالي ... ففعالي مقصر عن مالي
لو أعان السماح مني وقر ... لزكت لي مروءتي وفعالي
ما اكتسى الناس مثل ثوب اقتناع ... وهو من بين ما اكتسوا سربالي
ولقد تعلم الحوادث أني ... ذو اصطبار على صروف الليالي (1)
133 - يزيد بن محمد بن يزيد المهلبي في مرثيه المتوكل:
قد كنت أسرف في مالي ويخلفه ... فعلمتني الليالي كيف أقتصد
__________
(1) صروف الليالي: مصائبها وأحداثها ونكباتها وتقلّبها.(5/93)
134 - اليوسفي الكاتب:
تكسبت بعد الفقر ما لم تمنه ... ولا دونه فيما مضى أنت تأمل
ونفسك تلك النفس أيام فقرها ... وأنت بها ما عشت في الناس تسفل
135 - النمر بن تولب:
خاطر بنفسك قد تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح
فالمال فيه نجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة ونصوح
136 [شاعر]:
فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر
ولم أر زين المال إلّا امتهانه ... وتنفيذه في أوجه الحمد والأجر
137 - أنس بن إناس:
وباه تميما بالغنى أن للغنى ... لسانا به المرء الهيوبة ينطق
138 - أعرابي من باهلة:
وإن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان
139 - كان لعمر بن عبد العزيز سفينة تحمل فيها الطعام من مصر إلى المدينة، وهو واليهما فحدثه محمد بن كعب القرظي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أيما عامل تجر في رعيته هلكت رعيته. فأمر بما في السفينة فتصدق به، وفكها وتصدق بخشبها على المساكين.
140 - عمر بن عبد العزيز: إذا اشترى أحدكم الشيء فليستجده، فإنه إنما يغبن عقله لا درهمه.
141 - كان أبو بكر رضي الله عنه إذا خرج في تجارة أخذ بضائع لضعفة قريش فيبيعها لهم ويشتري. ولا يرزأهم (1) شيئا.
__________
(1) زرأ الرجل ماله: نقصه. وارتزأ الشيء: انتقض.(5/94)
142 - وقف علي عليه السلام على تمّار (1)، فإذا هو بخادم تبكي عنده، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا تمرا بدرهم، فرده عليّ مولاي، فأبى أن يأخذه مني. قال: أعطها درهمها وخذ تمرك فإنها خادم ليس لها أمر. فدفعه التمار، فعرف أنه أمير المؤمنين، فصب التمر وأعطاها الدرهم، وقال: ارض عني يا أمير المؤمنين، قال: أنا راض إن وفيت المسلمين حقوقهم.
143 - أول من وضع لسان الميزان عبد الله بن عامر، وكان الناس يزنون بالشاهين.
144 - كان علي عليه السلام يمر في السوق على الباعة، فيقول لهم: أحسنوا، أرخصوا بيعكم على المسلمين فإنه أعظم للبركة.
145 - كان غلام من أهل مكة لازما للمسجد، فافتقده ابن عمر رضي الله عنه، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعيم له يبيعه، فلقيه فقال له: مالك وللطعام؟ فهلا إبلا! فهلا بقرا! فهلا غنزا! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
146 - وقف رجل على تاجر يحلف، فقال: يا عبد الله، اتق الله ولا تلقح سلعتك بالأيمان، فإنه لا يأتيك إلّا ما كتب لك.
147 - كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجالسهم ويتحدث إليهم، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكنيه أبا المساكين.
148 - من استغنى بالله افتقر إليه الناس.
149 [شاعر]:
رضينا قسمة الرّحمن فينا ... لنا أدب وللثقفي مال
__________
(1) التمّار: بائع التمر.(5/95)
الباب التاسع والسبعون المدح، والثناء، وطيب الذكر، والحث على اكتسابه، وما مدح به من المساعي الكريمة والخصال الحميدة
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا رأيتم المداحين فاحثوا (1) في وجوههم التراب، قال العتبي: هو المدح بالباطل والكذب، أما مدح الرجل بما فيه فلا بأس به. وقد مدح أبو طالب والعباس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحسان وكعب وغيرهم، ولم يبلغنا أنه حث في وجه مادح ترابا. ومدح هو صلّى الله عليه وسلّم المهاجرين والأنصار. ومدح هو صلّى الله عليه وسلّم نفسه فقال: أنا سيد ولد آدم. وقال يوسف عليه السلام: إني حفيظ عليم. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أثنيت على الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه.
وفي حثو التراب معنيان: أحدهما التغليظ في الرد عليه، وثانيهما أن يقال له: بفيك التراب.
2 - وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدح قال: اللهمّ أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهمّ أجعلني خيرا مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
3 - أبو بكرة عن أبيه: مدح رجل رجلا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
ويحك قطعت عنق صاحبك. ثم قال: إن كان أحدكم مادحا صاحبه
__________
(1) حثا التراب: صبّه.(5/97)
فليقل: أحسب فلانا ولا أزكي على الله أحدا.
4 - أثني على رجل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: قطعتم ظهره، لو سمعها ما أفلح بعدها.
5 - أبو خلف خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا مدح الفاسق اهتز العرش، وغضب الرب.
6 - مطرف: ما مدحني أحد إلّا تصاغرت في نفسي.
7 - سارية بن زنيم الديلي، وهو الذي ولاه عمر فارس وقال: يا سارية الجبل:
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد (1)
وهو أصدق بيت قالته العرب.
8 - من أحسن ما مدح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول عبد الله بن رواحة (2):
لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تنبيك بالخبر
9 - فضيل (3): إذا كان قول الناس أنت رجل صدق أحب إليك من قولهم أنت رجل سوء فأنت والله رجل سوء.
وعنه: من ذا الذي يتكلم فلا يحب أن يجود الناس كلامه.
__________
(1) رحل الناقة: ما يوضع على ظهرها للركوب، شبيه بالسرج للحمار.
(2) عبد الله بن رواحة: صحابي، يعدّ من الأمراء والشعراء الراجزين.
كان يكتب في الجاهلية. وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار. وكان أحد النقباء الاثني عشر. شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية. استخلفه النبي صلّى الله عليه وسلّم على المدينة في إحدى غزواته وصحبه في عمرة القضاء. استشهد في وقعة مؤته (بأنى البلقاء من أرض الشام) وذلك سنة 8هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 212والإصابة الترجمة 4667وحلية الأولياء 1: 118.
(3) فضيل: هو الفضيل بن عياض بن مسعود. توفي سنة 187. تقدّمت ترجمته.(5/98)
10 - ابن عائشة (1): قلت لأبي: إن الناس يكثرون في عمر بن عبد العزيز. فقال: يا بني، إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.
11 - مطرف: كنت جالسا عند مذعور، فمر رجل فقال: من سره أن ينظر إلى رجلين من أهل الجنة فلينظر إلى هذين. فعرفت الكراهة في وجهه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهمّ إنك تعلمنا ولا يعلمنا.
12 - قال ابن عباس لعمر رضي الله عنه حين طعن: أبشر أمير المؤمنين بالجنة. قد أسلمت حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خذله الناس، ومات نبي الله وهو عنك راض، ولا يختلف في خلافتك رجلان، ثم قتلت شهيدا. فقال عمر: إن من تغرونه لمغرور، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع.
13 - علي بن هارون بن يحيى المنجم يمدح عليا رضي الله عنه:
وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها ... أبو حسن من بينهم ناهضا قدما
فما فاتهم منها به سلموا له ... وما شاركوه كان أوفرهم قسما
14 - الحسن: تراهم يهدرون عنده هدير الفحالة، أنت والله، أنت والله، وتراه مقنعا ساكنا، يحسب الحميق أنه كما يقال له.
15 - علي عليه السلام في الأنصار: هم والله ربوا الإسلام كما يربى الفلو (2)، مع غنائهم بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط.
16 - مدح هشام بن عبد الملك فقال: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعم الله عليك
__________
(1) ابن عائشة: هو عبد الرحمن عبيد الله بن محمد التيمي، أديب عالم بالحديث والسيرة، من أهل البصرة. توفي سنة 228هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الفلو: الجحش والمهر فطما أو بلغا السنة جمع أفلاء مؤنث فلوة.(5/99)
لتجدد له شكرا. فقال هشام: هذا أحسن من المدح، ووصله وأكرمه.
17 - كتب رجل إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان: رأيتني فيما أتعاطى من مديحك كالمخبر عن النهار الباهر، والقمر الزاهر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت من الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الله بك.
18 - قال قتيبة لنهار بن توسعة: لست تقول كما كنت تقول في آل المهلب. قال: إنهم كانوا والله أهدافا للشعر. قال: هذا والله أمدح مما قلت فيهم.
فتى دهره شطران فيما ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فلا من بغاة الخير في عينه قذى ... ولا من زئير الحرب في أذنه وقر (1)
19 - أعرابي: ما يذم بلد تأويه، ولا يشكى زمان أنت فيه.
20 - آخر: كان والله إذا ضيع الأمور مضيعها، وانصرف عن الحسنى ضجيعها، يهين نفسا كريمة على قومها، غير مبقية لغدها ما في يومها، وكان أمارا بالخير، نهاء عن المنكر.
21 - قيل: إن فلانا يحسن القول فيك. قال: سأكافئه، قيل:
بماذا؟ قال: بأن أحقق قوله.
22 - كان الحجاج يستثقل زياد بن عمر العتكي، فلما قدم على عبد الملك وقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم، لم يكن بعد ذلك أحد أخف على قلبه منه.
23 - بعض إياد:
وأي فتى صبر على الأين والضما ... إذا اعتصروا واللوح ماء فظاظها
__________
(1) الوقر: الثقل في السمع.
إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحلّ عن الكوماء عقد شظاظها (1)
فإنك ضحاك إلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها (2)
24 - أعرابي: كان فلان قوالا للحق، قواما بالقسط.(5/100)
__________
(1) الوقر: الثقل في السمع.
إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحلّ عن الكوماء عقد شظاظها (1)
فإنك ضحاك إلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها (2)
24 - أعرابي: كان فلان قوالا للحق، قواما بالقسط.
25 - قال رجل لآخر: أنت بستان الدنيا. فقال: وأنت النهر الذي يشرب منه ذلك البستان.
26 - وقال رجل لأبي عمر الزاهد صاحب كتاب الياقوتة في اللغة:
أنت والله عين الدنيا. فقال: وأنت بؤبؤ تلك العين.
27 - قال أعرابي ليحيى بن خالد: لولا ما أمسكت من رمق المكارم لقامت عليه المآتم.
28 - آخر: فلان حتف الأقران يوم النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.
29 - آخر: فلان بحره مفعم، وخصمه مفحم.
30 - آخر: هو نبعة (3) أرومته، وأبلق (4) كتيبته، ومدرة (5) عشيرته.
ونابهم الذي عنه يفترون، وبابهم الذي إليه يضطرون.
31 - آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وأنه مع ذلك عذب في أفواه الأصدقاء.
32 - آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وأنه مع ذلك عذب في أفواه كان ماضيا.
(1) الكوماء: الناقة العظيمة السنام.
(2) قسّ: هو قسّ بن ساعدة الأيادي. كان يخطب في سوق عكاظ.
(3) الأرومة: الأصل. يقال هو من نبعة كريمة، أي من أصل كريم.
والنبع هو شجر تؤخذ من عيدانه الأقواس.
(4) أبلق كتيبته: رئيسها. والأبلق في الأصل ما كان في لونه سواد وبياض.
(5) مدره العشيرة: سيّدها الذي يذود عنها.(5/101)
33 - القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي:
قوم إذا نزل الحريب بدارهم ... ردوه رب صواهل وقيان
وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدوا شعاع الشمس بالخرصان
لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان
34 - أنو شروان: من أثنى عليك بما لم توله فغير بعيد أن يعضهك (1) بما لم تجنه.
35 - وهب (2): من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك.
36 - ما مدح أجد إلّا نزا به الشيطان إلّا أن المؤمن يراجع.
37 - أيوب السختياني: لو لم نلق الله إلّا بذنب ما يقوله الناس فينا، ويثنون علينا فنرضى به، للقيناه بهلكة إلّا أن يغفر الله.
38 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: قال لي جبرائيل صلوات الله عليه: يا محمد، من أولاك يدا فكافه، فإن لم تقدر فأثن عليه.
39 - وكان يقول لعائشة: أبياتك، أبياتك، فتنشد:
ارفع ضعيفك لا تحزنك ضعفته ... يوما فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
40 - يقال: هذه المدحة فأين المنحة؟.
41 [شاعر]:
إذا ما المدح سار بلا نوال ... من الممدوح كان هو الهجاء
__________
(1) عضه: كذب. والعضة: الكذب. والعضيهة: البهتان والكلام القبيح.
(2) وهب: هو وهب بن منبه. توفي سنة 114هـ. تقدّمت ترجمته.(5/102)
42 - قيل: توضحت جباه التواريخ بغرره، وافتتحت صفحات الدواوين بسيره.
43 - إنما تمدح عبدك، وتنشر بردك، وتقرظ ملكك، وتفتق مسكك. تقوله لكبير يثني عليك.
44 - أوتي فلان خصال الرهان، وأصل البرهان، الأثنية مخيمة بفنائه مطنبة (1)، والألسنة مسهبة في أطرائه مطنبة، له عنت نواصي المحامد، وأذعنت عواصي المكارم.
45 - يزيد بن المهلب: الحياة أحب شيء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب إلي من الحياة، ولو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما يقال غدا إذا مت كريما.
46 - ابن عباس في علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان والله يشبه القمر الباهر، والأسد الخادر (2)، والفرات الزاخر، والربيع الباكر.
فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه وحياءه.
47 - قيل لناسك: كيف أصبحت؟ قال: بنعمة من الله، وثناء من الناس لم يبلغه عملي.
48 - كعب بن زهير في رسول ار صلّى الله عليه وسلّم.
تحمله ناقته الأدماء محتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم (3)
وفي عطافيه أو أثناء ريطته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم
49 - قطن بن حارثة العليمي فيه عليه السلام:
__________
(1) مطنبة: مرفوعة ومشدودة بالطّنب وهي الحبال.
(2) خدر الأسد: لزم مكانه. والخدر: أجمة الأسد وتكون مظلمة.
(3) الأدماء: السمراء. والأدمة: السّمرة.(5/103)
رأيتك يا خير البرية كلها ... تبث نضارا في الأرومة من كعب
أغر كأن البدر يشبه وجهه ... إذا ما بدا للناس في حلل العصب (1)
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها ... ورشت اليتامى في السغابة والجدب (2)
50 - زياد بن أبيه: من مدح رجلا بما ليس فيه، فقد بالغ في هجائه.
51 - المأمون: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد.
52 - سئل حكيم عن أحسن شيء في العالم، فقال: حسن الذكر.
53 - كان أبو عبيد الله الوزير يقول: ما رأيت أجمع من خالد، له جمال أهل الشام، وشجاعة أهل خراسان، وأدب أهل العراق، وكتابة أهل السواد (3).
54 - حكى الجاحظ عن إبراهيم، قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من وجوهها كان لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الناس، وإدخال السرور والمرافق على الضعفاء، وكان عفيف الطعمة مفوها: خبرني عما هون عليك النصب، وقواك على التعب، فقال: والله لقد سمعت غناء الأطيار بالأسحار على الأشجار، وسمعت خفق الأوتار، وتجاوب العود والمزمار، فما طربت من صوت حسن كطربي من ثناء حسن على رجل قد أحسن. فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرما.
55 - أوس بن لام في حاتم:
__________
(1) الأغر: الأبيض الوجه الكريم. والعصب: ضرب من البرود.
(2) السغابة: الجوع. وسغب: جاع فهو ساغب جمع سغاب. والجدب: القحط.
(3) السواد: رستاق العراق وضياعها التي فتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب.
وحدّ السواد من حديثة الموصل إلى عبادان طولا ومن العذيب إلى حلوان عرضا.(5/104)
فإن تنحكي ماوية الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
فتى لا يزال الدهر أعظم همه ... فكاك أسير أو معونة غارم
56 - ابن حمدون:
آل المهلب معشر أنجاد ... ورثوا المكارم والوفاء فسادوا
شاد المهلب ما بنى آباؤه ... وأتى بنوه ما بناه فشادوا
وكذاك من طابت مغارس نبتة ... وبنى له الأباء والأجداد
57 - مدح خالد بن صفوان إبراهيم بن الأهتم فقال: كان يقري العين جمالا والأذن بيانا.
58 - أعرابي في مدح قومه: جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم، فالخير بهم زائد، والجود لهم شاهد، يعطون أموالهم بطيب أنفس إذا طلبت إليهم، ويباشرون المكروه باشراق أوجه إذا بغي عليهم.
59 - قيل للجمل المصري: هلا مدحت سليمان بن وهب وهو وال! ومدحته وهو معزول. فقال: عزله أكرم من ولاية غيره، وإنما أمدح كرمه لا عمله، وكرمه معه عمل أم عزل.
60 - الرشيد: جعفر بحر لا ينزح، وجبل لا يزحزح.
61 - الجاحظ: بقتك فيل، وحصاتك جمل.
62 - كتب رسطاليس إلى الإسكندر: أما التعجب من مناقبك فقد نسخه تواترها فصارت كالشيء القديم الذي قد نسي، لا كالحديث الذي ينعجب منه.
63 - كتب إبراهيم بن المهدي إلى أحمد بن يوسف: لعن الله زمانا أخرك عمن لا يساوي كله بعضك.
64 - قالت امرأة عمران بن حطان (1): أما زعمت أنك لا تكذب في
__________
(1) عمران بن حطان: هو رأس القعدة، من الصفرية، وخطيبهم وشاعرهم. كان قبل ذلك من رجال العلم والحديث من أهل البصرة. أدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم وروى أصحاب الحديث عنه. ثم لحق بالشراة فطلبه الحجاج فهرب إلى الشام فطلبه عبد الملك بن مروان فرحل إلى عمان فكتب الحجاج إلى أهلها بالقبض عليه فلجأ إلى قوم من الأزد فمات عندهم أباضيا سنة 84هـ.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 6877والكامل للمبرد 2: 121وميزان الاعتدال 2: 276.(5/105)
شعر قط؟ فقال: أو فعلت؟ قالت: أنت القائل:
فهناك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامة
أيكون رجل أشجع من أسد؟ قال: أنا رأيت مجزأة فتح مدينة، والأسد لا يفتح مدينة، 65سلم الخاسر (1) في الفضل بن يحيى البرمكي:
سأرسل بيتا قد وسمت جبينه ... يقطع أعناق البيوت الشوارد
أقام الندى والبأس في كل منزل ... أقام به الفضل بن يحيى بن خالد
66 - كان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة (2)، فلما سجن ونقب له السجن، فسار هو وابنه تحت الأرض، قال:
ولما رأيت الأرض قد سد ظهرها ... ولم يبق إلّا بطنها لك مخرجا
دعوت الذي ناداه يونس بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا
__________
(1) سلم الخاسر: هو سلم بن عمرو بن حماد، شاعر، خليع، ماجن، من أهل البصرة، من الموالي. سكن بغداد. له مدائح في المهدي والرشيد العباسيين، وله أخبار مع بشار بن برد وأبي العتاهية. شعره رقيق رصين. قيل: سمّي الخاسر لأنه باع مصحفا واشترى بثمنه طنبورا.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 198وتاريخ بغداد 9: 136.
(2) عمر بن هبيرة: أمير من الدهاة الشجعان. كان رجل أهل الشام. له أخبار مع الحجاج وعبد الملك بن مروان. ولّاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة. وولّاه يزيد بن عبد الملك إمارة العراق وخراسان. توفي نحو سنة 110هـ. راجع الأعلام 5:
68.(5/106)
فقال ابن هبيرة: ما أريت أشرف من الفرزدق، هجاني أميرا ومدحني أسيرا.
اتفقت الألسن على تقريظه إجماعا يدخل فيه صديقه بالامتياز وعدوه بالاضطرار.
67 - الأصبغ بن عبد العزيز في عبد العزيز بن المطلب المخزومي:
إذا قيل من للعدل والحق والنهى ... أشارت إلى عبد العزيز الأصابع
أشارت إلى حرّ المحاتد لم يكن ... ليدفعه عن حوزة المجد دافع (1)
68 - سوار بن أبي زهدم:
بني تيم بن مرة إن فيكم ... مكارم لسن في أحد سواكم
سبيلكم إلى المعروف نهج ... ولم تحلل إلى جهل حباكم
69 - داود بن روح المهلبي في الرشيد:
له همان ما قسما هواه ... جهاد الروم والبيت الحرام
ينام الناس أمنا في ذراه ... ويكلؤهم بعين لا تنام
70 - السري بن عبد الرّحمن المدني في يزيد بن حاتم بن قبيصة:
يا واحد العرب الذي دانت له ... قحطان قاطبة وساد نزارا
إني لأرجو إن رأيتك سالما ... أن لا أعالج بعدك الأسفارا
71 - عبد الله بن خارجة الشيباني في عبد الملك بن مروان:
رأيتك أمسي خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غدا تزيد الخير فضلا ... كذاك يزيد سادة عبد شمس
72 - عبد الله بن حمزة بن فروة:
أنت المهذب من قريش والذي ... لفروعه فوق الفروع بسوق
__________
(1) المحاتد: جمع محتد وهو الأصل.(5/107)
ولكل باب ندى بكفك مفتح ... ولكل معروف عليك طريق
وإذا المناسب حصلتك تعطفت ... من كل ذي كرم عليك عروق
73 - كعب بن مالك الأنصاري:
يا هاشما إن الإله حباكم ... ما ليس يبلغه اللسان المفصل
قوم لأصلهم السيادة كلها ... قدما وفرعهم النبي المرسل
74 - عمرو بن هند النهدي:
ألم تر أولاد الزبير تحالفوا ... على المجد ما صامت قريش وصلّت
قريش غياث في السنين وأنتم ... غياث قريش حيث سارت وحلّت
75 - الحطيئة العبسي:
فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد
76 - الحسين بن دعبل الخزاعي:
ملك الأمور بجوده وحسامه ... شرفا يقود عدوّه بزمامه
فأطاع أمر الجود في أمواله ... وأطاع أمر الله في أحكامه
أمن البلاد وأهلها في سلمه ... ومخاوف الثقلين في استلئامه (1)
77 - معصب بن عبد الله بن مصعب الزبيري في الحسن بن سهل:
لن ينفذ الكلم المثني عليك به ... ما فيك من كرم أو ينفذ الكرم
78 - آخر:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر (2)
ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر (3)
__________
(1) الثقلان: هما الإنس والجن.
(2) الهامة: أعلى الرأس. والمغفر: زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة والجمع مغافر.
(3) الطرف: الكريم من الخيل. وشبا السيف: حدّه.
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر (1)
أوما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
79 - عبد الملك بن مروان في الأشدق: كان والله ذا طيّ لسره، غرما بماله، فارغ القلب لفهم من حدثه، مشغول اللب بمعرفة ما أشكل عليه.(5/108)
__________
(3) الطرف: الكريم من الخيل. وشبا السيف: حدّه.
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر (1)
أوما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
79 - عبد الملك بن مروان في الأشدق: كان والله ذا طيّ لسره، غرما بماله، فارغ القلب لفهم من حدثه، مشغول اللب بمعرفة ما أشكل عليه.
80 - قيل لبعض العلماء: إن الناس يكثرون في أمر عمر بن عبد العزيز، فقال: كان يقال: إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.
81 - قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني أحب أن أحمد، كأنه يخاف على نفسه، فقال: وما منعك أن تحب أن تعيش حميدا أو تموت فقيدا.
(1) الليل الأغبر: كناية عن اشتداد المعارك فيه وتصاعد الغبار في السماء حتى يصبح بلون الغبرة.(5/109)
الباب الثمانون الملح، والمداعبات، والمضاحك، وما جاء من النهي عن المزاح، والترخيص فيه، ونحو ذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المزاح استدراج من الشيطان، واختداع من الهوى.
2 - كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله. امنعوا الناس من المزاح، فإنه يذهب بالمروءة، ويوغر (1) الصدور.
3 - علي عليه السلام: ما مزح امرؤ مزحة إلّا مج من عقله مجة.
وعنه: إياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك.
4 - مزح رجل عند الحسن فقال: إنما هو عمرك فاقطعه بما شئت.
5 - حكيم: تجنب شؤم الهزل، ونكد المزح، فإنما هما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلّا بعد عسر، وفحلان إذا لقحا لم ينتجا غير فقر.
6 - آخر: لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح.
7 - الحسن: ضحك المؤمن غفلة من قلبه.
8 - السري بن يحيى: ما رأيت الحسن ضاحكا قط إلّا مرة، ولا تبسم إلّا أتبعها بعبرة.
__________
(1) الوغر: الحقد والضغينة.(5/111)
9 - سئل النخعي: كان أصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أمثال الجبال الرواسي.
10 - محمد بن المنكدر (1): قالت لي أمي: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم (2).
11 - غزوان بن غزوان الرقاشي قال: لله عليّ أن لا يراني ضاحكا حتى أعلم أي الدارين أرد، فما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله تعالى.
12 - إبراهيم: رآني فضيل ضاحكا، فقال: يا إبراهيم، ألا أحدثك حديثا حسنا؟ قلت: بلى، رضي الله عنك، قال: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين.
13 - خرج أعرابي في الليل فإذا هو بجارية مليحة، فراودها، فقالت: يا هذا، أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك واعظ من دين؟
قال: والله ما ترانا إلّا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها (3)؟ فأخجله كلامها فقال: إنما كنت أمزح، فقالت الجارية:
فإياك إياك المزاح فإنه ... يجري عليك الطفل والدنس النذلا (4)
ويذهب ماء الوجه بعد احتقانه ... ويورث بعد العز صاحبه ذلا
14 - يزيد بن معاوية قال على منبره: ثلاث يخلقن العقل: سرعة
__________
(1) محمد بن المنكدر: هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير (بالتصغير) بن عبد العزّى القرشي التيمي المدني، زاهد، من رجال الحديث، من أهل المدينة.
أدرك بعض الصحابة وروى عنهم. قال ابن عيينة: ابن المنكدر من معادن الصدق.
توفي سنة 130هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 5: 155وتهذيب التهذيب 9: 473.
(2) تهون عليهم: تصغر في عيونهم.
(3) مكوكبها: أي خالقها.
(4) الطفل: الصغير من كل شيء، والدنس: الوسخ والتلطّخ بالمكروه والقبح. والنذل بمعنى الدنس.(5/112)
الجواب، وطول الصمت، والاستغراب (1) في الضحك.
15 - الأحنف: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة، ومن لزم شيئا عرف به.
16 - كان الحجاج إذا استغرب ضحكا والى بين الاستغفار.
17 - المغيرة: كنت كثير الضحك فم يقطعه عني إلّا قتل زيد بن علي.
18 - ذكر المزاح عند خالد بن صفوان فقال: يصك أحدكم أخاه بأصلب من الجندل، ينشقه أحدّ من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما أمازحك.
19 - لقي يحيى عيسى عليه السلام، فتبسم عيسى في وجه يحيى فقال: ما لي أراك لاهيا كأنك آمن؟ فقال عيسى: ما لي أراك عابسا كأنك قانط؟ فقال: لا تبرح حتى ينزل علينا الوحي، فأوحى الله عزّ وجلّ:
أحبكما إليّ أحسنكما بي ظنا. وروي: أحبكما إليّ الطلق البسام.
20 - عبد الله بن سالم: كان يقال: ترك الضحك من العجب أعجب من الضحك من غير عجب.
21 - فلان معرب في المفاوهة، مغرب في المفاكهة.
22 - عبد الله لبنيه: إياكم والمزاح فإنه يذهب البهاء، وإياكم والقهقهة فإنها تذهب الهيبة.
23 - خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال.
24 - المصنف (2): العجب ممن هو في سواء الجحيم كيف يضحك
__________
(1) استغرب في الضحك: تتابع فيه وأكثر منه.
(2) المصنّف: هو الزمخشري نفسه صاحب هذا الكتاب.(5/113)
ممن هو في بحبوحة الجنة وهو يبكي. كما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يبكي حتى يبل الأرض.
25 - محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة: هذه الملح إنما تعجب عقلاء الرجال.
26 - الأصمعي: شهرت بالأدب ونلت بالملح.
27 - علي بن الجهم (1): ما حثت الكؤوس بالأوتار (2) كحثها بالملح القصار.
28 - إن الأحاديث من السمار أجلب للهو من العقار.
29 - ركب يزيد بن نهشل بعيرا له لا يكاد ينهض، فلما استوى عليه قال: اللهمّ إنك قلت: {سُبْحََانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنََا هََذََا وَمََا كُنََّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (3). وإني أشهدك أني لهذا مقرن، فنفر البعير، وتعلقت رجله بالغرز والبعير يجمز (4) به حتى مات.
30 - كان جماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ لهم، فقال خليع منهم: امشوا رويدا فإن طالب العلم يطأ على أجنحة الملائكة، حتى لا تكسروها. فعثر عثرة عرج منها.
__________
(1) علي بن الجهم: شاعر رقيق الشعر، أديب، من أهل بغداد. كان معاصرا لأبي تمام وخصّ بالمتوكل العباسي. ثم غضب عليه المتوكل فنفاه إلى خراسان فأقام مدّة، وانتقل إلى حلب. ثم خرج منها بجماعة يريد الغزو فاعترضه فرسان من بني كلب فقاتلهم وجرح ومات من جراحه. توفي سنة 249هـ.
راجع ترجمته في طبقات الحنابلة 164والمرزباني 286وتاريخ بغداد 11: 367.
(2) الأوتار: أراد المعازف، العود والدفّ وغيرهما من آلات العزف.
(3) سورة الزخارف، الآية: 13.
(4) جمز البعير: عدا وأسرع فهو جمّاز.(5/114)
31 - كان بالمغرب وراق (1)، فكتب مصحفا في أسبوع، فقيل له:
في كم كتبته؟ فقال: في ستة أيام وما مسنا من لغوب (2)، فجست يده، وهكذا من أدركه الخذلان، وسلب التوفيق، فاستعمل الهزل في موضع الجد والجد كله حول كتاب الله وسنة رسول الله وتخطاه أن يتدبر قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمََا كُنََّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. قُلْ أَبِاللََّهِ وَآيََاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ} (3)، وما روي عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتحادثون، ويتناشدون الأشعار، فإذا ذكر الله وذكر الدين انقلبت حماليقهم كأنهم مجانين.
32 - أبرم الأصمعي أصحابه ثم استزادوه، فقال: لا والله، ولا زغبة من عنفقة (4) جرذ.
33 - ظهير بن عبد مناف الهذلي:
إني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاقبل وصاة أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق (5)
34 - مرّ أعرابي بآخر فقال: من أين أقبلت يا ابن عم؟ قال: من الثنية، قال: فهل أتيتنا منها بخبر؟ قال: سل عما بدا لك، قال: كيف علمك يحيى؟ قال: أحسن العلم، قال: هل لك علم بكلبي نفاع؟
قال: حارس الحي، قال: فبأم عثمان؟ قال: بخ بخ (6)، ومن مثل أم
__________
(1) الوراق: الذي يتعامل بصناعة الكتب من قراءة ونسخ وغير ذلك. والوراقة قديما كدور النشر اليوم.
(2) لغب لغبا: تعب وأعيا أشدّ الإعياء. واللغب واللغوب: الضعيف الأحمق.
(3) سورة التوبة، الآية: 65.
(4) العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن جمع عنافق.
(5) بلوت الأمر: أختبرته.
(6) بخ: اسم فعل للمدح وإظهار الرضى بالشيء ويكرّر للمبالفة فيقال: بخ بخ بالكسر والتنوين.(5/115)
عثمان؟ لا تدخل الباب إلّا متحرقة بالثياب المعصفرات، قال: بعثمان؟
قال: وأبيك جرو الأسد، يلعب مع الصبيان وبيده الكسوة. قال فبجملنا السقاء؟ قال: إن سنامه ليخرج من الغبيط، قال: فبالدار قال: وأبيك إنها خصيبة الجناب، عامرة الفناء، ثم قام عنه وقعد ناحية يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح وقال: يا ابن عم، أين هذا الكلب من نفاع؟ قال: يا أسفا، نفاع قد مات. قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات، قال: إنّا لله أو قد مات الجمل؟ فما أماته؟
قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله، قال: ويل أمك! أماتت أم عثمان؟ قال إي والله، أماتها الأسف على عثمان، قال: ويلك! أمات عثمان؟ إي وعهد الله، سقطت عليه الدار. فرمى الأعرابي بطعامه ونثره، وأقبل ينتف لحيته ويقول: فأين أذهب؟ قال الآخر: إلى النار، وأقبل إلى طعامه يلتقطه ويأكله، ويهزأ به ويضحك منه، ويقول: لا أرغم الله إلّا أنف اللئام.
35 - كان إسحاق بن فروة مزاحا، فقال لأعرابي يوما وهو يمازحه:
أتشهد بما لم تره عينك؟ قال: نعم، أشهد أن أباك فعل بأمك ولم أر ذلك. فأفحمه، فجعل على نفسه أن لا يمازح أحدا أبدا.
36 - حضر مائدة يزيد بن مزيد أعرابي، فقال: أفرجوا لأخيكم، فقال: لا حاجة إلى إفراجكم، إن أطنابي طوال. يريد سواعده. فلما مدّ يده حبق (1)، فقال يزيد: ما أحسب إلّا أن طنبا من أطنابك قد انقطع.
37 - أفلتت من معاوية ريح (2) على المنبر فقال: يا أيها الناس، إن الله خلق أبدانا، وجعل فيها أرواحا فما تمالك الناس أن تخرج منهم. فقام صعصعة بن صوحان فقال: أما بعد فإنّ خروج الأرواح في المتوضئات سنة،
__________
(1) حبق: ضرط.
(2) قوله: أفلتت من معاوية ريح: أي ضرط أو فسا.(5/116)
وعلى المنابر بدعة، واستغفر الله لي ولكم.
38 - كان للعباس بن محمد الهاشمي إبنان، أحدهما ضخم سمين، والآخر قميء صغير الجثة، فقال فيهما محمد بن علي بن عبد العزيز الغربي:
كنت عند الجسر مختبئا ... حين ولّى الليل والغلس (1)
إذ أتاني راكب عجل ... قد علاه البهر والنفس (2)
قال هل جازتك قنبلة ... حولها الأجناد والحرس
قلت مرّت بي قلنسوة ... فوق سرج تحته فرس
حشوها شونيزة معها ... دنفح في ظهره قعس (3)
فشكا العباس إلى المأمون، فأمر بصلبه على خشبة عند الجسر يوما إلى الليل، فلما أنزل، دعا بحمال ليحمل الخشبة، فقيل له، فقال:
أول حملان حملني عليه أمير المؤمنين لا أضيعه، فحملها وباعها بثلاثة دراهم، واشترى بها تينا وعنبا لصبيانه. فرفع خبره إلى المأمون، فضحك وأمر له بخمسة آلاف درهم.
39 - أتكأ جحا على جارية أبيه وهي نائمة، فقالت: من ذا؟ فقال:
اسكتي، أنا أبي.
40 - وقيل لسفيان الثوري: المزاح هجنة، فقال: بل هو سنة، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني لأمزح ولا أقول إلّا حقا.
__________
(1) الغلس: عتمة آخر الليل.
(2) البهر: صعوبة التنفّس، وهو ما يسمّى بمرض الرّبو.
(3) شونيزة: في اللسان: الشينيز من البزر فارسي الأصل.
والفرس يسمونه الشّونيز. (اللسان مادة شنز).
وقعس: خرج صدره ودخل ظهره خلقة (ضدّ الحدب) فهو قعس جمع قعسان مؤنث قعساء جمع قعس.(5/117)
41 - قال عليه السلام لامرأة من الأنصار: الحقي زوجك ففي عينيه بياض. فسعت المرأة إلى زوجها مرعوبة، فلما وافته قال لها: ما دهاك؟
قالت: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن في عينيك بياضا. قال: إن في عيني بياضا لا لسوء.
أتت عجوز أنصارية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أدع لي بالمغفرة، فقال لها: أما علمت أن الجنة لا تدخلها العجز، فصرخت، فتبسم رسول الله وقال: أما قرأت: {إِنََّا أَنْشَأْنََاهُنَّ إِنْشََاءً فَجَعَلْنََاهُنَّ أَبْكََاراً عُرُباً أَتْرََاباً} (1).
43 - أنس: أتى رجل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أحملني، فقال عليه السلام: إنا حاملوك على ولد ناقة. قال: وما اصنع بولد ناقة؟ قال:
وهل تلد الإبل إلّا النوق؟.
44 - ذكر نعيمان وهو بدوي، وكان أولع الناس بالمزاح، عند رسول الله وأنه يكثر المزاح والضحك، فقال: يدخل الجنة وهو يضحك.
45 - وخرج هو وسويبط بن عبد العزي مع أبي بكر في تجارة قبل وفاة رسول الله بعامين، وكان سويبط على الزاد، فاستطعمه نعيمان، فقال:
حتى يجيء أبوبكر، فمر ركب من نجران فباعه منهم على أنه عبد بعشر قلائص (2)، وقال: إنه ذو لسان ولغة، ولعله يقول: أنا حر، فقالوا: لا عليك، فوضعوا عمامته في عنقه وذهبوا به، فأخبر بذلك أبوبكر، فرد القلائص وخلصه، وضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه سنة.
46 - ورأى نعيمان مع أعرابي عكة (3) عسل فاشتراها منه، وجاء بها
__________
(1) سورة الواقعة، الآية: 37.
(2) قلائص: جمع قلوص وهي الناقة الشابة.
(3) العكّة: أصغر من القربة. زقيق صغير جمع عكك وعكاك.
وفي الحديث: أن رجلا كان يهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم العكّة من السمن والعسل، قال ابن الأثير في النهاية: هي وعاء من جلود مستدير يختصّ بهما. راجع اللسان مادة عكك.(5/118)
بيت عائشة في يومها، وقال: خذوها. فتوهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه أهداها له، ومر نعيمان وترك الأعرابي على الباب. فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء، ردوها علي إن لم يحضر ثمنها. فعلم رسول الله بالقصة فوزن له الثمن. وقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ قالت رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب العسل، ورأيت الأعرابي معه العكة. فضحك عليه السلام ولم يظهر له نكيرا.
47 - فلان مغناطيس الصخب، لو ناطقه قيس بن عاصم (1) لعاد دغة، ولو خاطبه أكثم (2) لصار هبنقة (3).
48 - هجت ابن أبي عتيق (4) امرأته عاتكة بنت عبد الرحمن المخزومية بقولها:
ذهب الإله بما تعيش به ... وقمرت ليلك أيما قمر
أنفقت مالك غير محتشم ... في خدر زانية وفي خمر
فكتب البيتين في رقعة وأراها ابن عمر. فاسترجع (5) لما رآها،
__________
(1) قيس بن عاصم: توفي نحو سنة 20هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) أكثم: هو أكثم بن صيفي. تقدّمت ترجمته.
(3) هبنقة: هو يزيد بن ثروان. راجع عقلاء المجانين (بتحقيقنا ص 228) طبعة دار الفكر اللبناني.
(4) ابن أبي عتيق: هو عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصديق.
حجازي من أهل المدينة قضى الشطر الأكبر من حياته في عصر بني أمية وغلبت كنية أبيه على اسمه فعرف لدى القدماء والمحدّثين باسم: ابن أبي عتيق. كان من نبلاء قريش وكان مشهورا له بالفضل والنسك والصلاح والعفاف والشرف كما كان مشهورا بالظرف والدعابة وحلاوة الفكاهة والميل إلى اللهو والمزاح والغزل.
(5) استرجع: قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.(5/119)
فقال: والله لو رأيت قائلها لأفعلن به. فأخذ ابن عمر أفكل وأربدّ (1) لونه، وقال: مالك غضب الله عليك!.
فلما كان بعد أيام لقيه، فأعرض عنه، فقال: بالقبر ومن فيه ألا سمعت كلامي، فتحوب ووقف معرضا عنه، فقال: علم أبا عبد الرّحمن أني فعلت بقائل ذلك الشعر. فصعق عبد الله ولبط به. فدنا من أذنه وقال: إنها امرأتي. فقام ابن عمرو قبل ما بين عينيه.
49 - قال ابن عمر لجاريته: خلقني خالق الخير، وخلقك خالق الشر. فبكت، فقال: لا عليك، فإن خالق الخير هو خالق الشر.
50 - ما سمعت للمهتدي مزحة سوى قوله لسليمان بن وهب، وفي رجله خف واسع يصوت، فقال: يا سليمان؟ خفك هذا ضراط، وهو تعريض بضرطة وهب التي طار خبرها في الآفاق وعلى ألسن الشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين ضرطة خير من ضغطة.
51 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الرجل ليتكلم بكلمة يضحك بها جليسه يهوى بها أبعد من الثريا.
52 - قال الحجاج لمحمد بن عبد الله بن نمير الثقفي (2): أخبرني عن قولك:
ولما رأيت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات (3)
__________
(1) أربدّ لونه: تغيّر واصبح بلون الربدة وهي الغبرة.
(2) محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي. توفي نحو سنة 90هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) رواية الأغاني (6: 205بتحقيقنا): ولما رأت ركب النميري «راعها» والرواية فيه: أن عبد الملك قال له أنشدني ما قلت في زينب (وهي زينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج وكان يتشبّب بها) فأنشده. فلما انتهى إلى قوله: فلما رأت ركب النميري قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميري؟ قال: أربعة أحمرة لي كنت أجلب عليها القطران وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر. فضحك حتى استغرق ضحكا ثم قال: لقد عظّمت أمرك وأمر ركبك.
راجع قصة النميري مع زينب والحجاج في المصدر المذكور، والبيت من قصيدة للنميري في زينب مطلعها:
تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة عطرات(5/120)
في كم كنت؟ قال: كنت والله على حمار هزيل، ومعي دقيق على حمار مثله.
53 - سمع عبادة من جوف ابن حمدون قرقرة، فقال: ولدت في ساباط. يعني: إنك كثير الرياح.
54 - رؤي أعرابي على شاطىء نهر في حزيران يغوص غوصة ثم يخرج فيعقد عقدة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: جنابات الشتاء أقضيها في الصيف (1).
قيل لأعرابي كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري.
55 - استطرقت أعرابية فحلا لحجرها (2)، فلما أدلى (3) رأت شيئا عظيما، فقالت لقينها: نحّ الحجر، فو الله ما حمله من الرجال حر قط، ولا من الخيل جواد قط.
56 - الحسن: ابن آدم تضحك! ولعل كفنك خرج من عند القصار.
57 - رأى زبيد اليامي قراء يضحكون، فقال: ما رأيت قراء أغلظ رقابا ولا ألين ثيابا ولا آكل لمخ العيش منكم.
58 - حبق كاتب لعمر بن عبد العزيز بين يديه، فرمى بقلمه وقام خجلا، فقال له عمر: لا عليك، خذ قلمك، واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك، فما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.
__________
(1) أراد أنه يصلّي قضاء عمّا فاته عندما كان نجسا.
(2) الحجر: الأنثى من الخيل. واستطرقت الفحل: أتت به كي ينزو على الحجر.
(3) أدلى الفرس وغيره: أخرج جردانه ليضرب، يكون ذلك أثناء النزو.(5/121)
59 - محمد بن سلامة بن أبي زرعة الدمشقي:
لا يؤنسنك أن تراني ضاحكا ... كم ضحكة فيها عبوس كامن
60 - نافع: كان أبو هريرة على المدينة خليفة لمروان، فربما ركب حمارا قد شد عليه برذعة (1) وفي رأسه خلية، فيلقي الرجل في الطريق، فيقول: الطريق قد جاء الأمير! وربما دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العراق للأمير. فانظر فإذا هو ثريد (2) بزيت.
61 - كان ابن سيرين ينشد:
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
62 - ويضحك حتى يسيل لعابه.
63 - كاتب: ونحن نحمد الله إليك، فإن عقدة الإسلام في قلوبنا صحيحة، وأواخيه ثابتة، ولقد اجتهد قوم أن يدخلوا قلوبنا من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فعصم الله منهم، وحال توفيقه دونهم. ولنا بعد مذهب في الدعابة جميل، لا يشوبه أذى ولا قذى، يخرج به من الأنس إلى العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع.
64 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: امنعوا الناس من المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة، وتذهب بالمروءة.
65 - أبو رفاعة: أخبرتني زبراء خادم علي عليه السلام، قالت:
وضأت عليا، فلما أراد القيام وضع يده على منكبي، فقال: انظري لا تضرطي يا زبراء.
66 - الحسن: ضحك الزمن إنما هو غفلة منه.
__________
(1) البرذعة: كساء يلقى على ظهر الدابة.
(2) الثريد: الخبز المغمّس بالمرق.(5/122)
67 - ناصح الملك أكثر عدوا من الخائن، لأن صديق الملك يعاديه لمنزلته، وعدو الملك يعاديه لنصحه.
68 - لا تعدن شتم الملك شتما، ولا أغلاظه إغلاظا، فإن ريح العزة تبسط اللسان بالغلظة في غير بأس ولا سخطة.
69 - كان العهد لابن عم المنصور عيسى بن موسى، فأراد أن يكون لابنه المهدي، فمناه حتى سلم الأمر إلى المهدي، وولاه لذلك الكوفة.
فقدم إليه مخنث فقال: ما أحسبك تعرفني حين تفعل في عملي! قال:
بلى والله أيها الأمير، أنت الذي كنت غدا فصرت بعد غد، فخجل، وأمر فسحب من بين يديه.(5/123)
الباب الحادي والثمانون الموت وما يتصل به من ذكر القبر والنعش والتعزية، والمرثية، والنعي، وغير ذلك
1 - ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا مات لأحدكم الميت فحسنوا كفنه، وعجلوا إنجاز وصيته، وأعمقوا له في قبره، وجنبوه جار السوء. قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: هل ينفع في الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك في الآخرة.
2 - قال ابن المبارك: أحب إلي أن يكفن في ثيابه التي كان يصلّي فيها.
3 - في وصيته عليه السلام لأبي ذر: زر القبور تذكر بها الآخرة، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي عظة بليغة، وصلّ على الجنائز لعلّ ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظل الله.
4 - أبو الدرداء (1): ما من مؤمن إلّا والموت خير له، وما من كافر إلّا والموت خير له. فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: {وَمََا عِنْدَ اللََّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرََارِ} (2). {وَلََا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ}
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة 32هـ. تقدمت ترجمته.
(2) سورة آل عمران من الآية: 198.(5/125)
{لِأَنْفُسِهِمْ} (1).
5 - كان عمر رضي الله عنه: إذا سوى على القبر سوى عليه فقال:
اللهمّ، أسلمه إليك الأهل والولد والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له.
6 - محمد بن سعد المدني: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمقبرة، فنادى: يا أهل القبور، ألا أخبركم بما حدث بعدكم، تزوج نساؤكم، وبيعت مساكنكم، وأقتسمت أموالكم، فهل أنتم مخبرون بما عاينتم؟ ثم قال:
ألا إنهم لو أذن لهم في الجواب لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.
7 - كتب على قبر عبد الله بن جعفر:
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب
8 - كانت تعزية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آجركم الله ورحمكم.
9 - خرج علي عليه السلام في ليلة يوم الجمل، ومعه شعلة من نار، يتصفح وجوه القتلى، فعثر على طلحة، فقال: أعزز عليّ أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء في بطون الأودية! شفيت نفسي، وقتلت معشري، إلى الله أشكو عجري وبجري.
10 - نظر الحسن إلى رجل يجود بنفسه، فقال: إنّ امرأ هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله، وأنّ امرأ أوله لجدير أن يخاف آخره.
11 - نظر فيلسوف إلى ميت ينقل، فقال: حبيب ينقله أحباؤه إلى حبس الأبد.
12 - عزى رجل رجلا فقال: جعل الله مصيبتك تاريخ ما تخشى ومفتاح ما تحب.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 178.(5/126)
13 - معاوية لعمرو بن عتبة: رحم الله أباك، والله لقد لصقت المصيبة بي، وإن كانت قد أخطأتني لقد أصابتني.
14 - عمران بن حطان:
يا حمز كيف يذوق الخفض معترف ... بالموت والموت فيما بعده جلل
15 - عبد الله الفقير إليه (1):
حطمتني الخمسون والخمس حطما ... خطمتني إلى المنية خطما (2)
قد ظماني خوف المنيّة لكن ... خوف ما يعقب المنية أظما (3)
16 - عبدة بن الطبيب وكان حبشيا من لصوص الرباب، ولما أسنّ (4)
جمع بنيه وأنشدهم قصيدته التي منها:
وقد علمت بأن قصري حفرة ... غبراء يحملني إليها مرجع
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إليّ ثم تصدّعوا (5)
17 - أبنّت الخنساء (6) أخاها، فقالت: لقد كان كريم الجدين،
__________
(1) عبد الله الفقير إليه: هو الزمخشري نفسه مؤلف الكتاب.
(2) خطمتني إلى المنيّة: جرّتني إليها رغم أنفي. وخطم الرجل: ضرب أنفه. وخطمه بالخطام: جعله على أنفه وقهره. والخطام: حبل يجعل في عنق البعير ويثنى في خطمه ليقاد.
(3) ما يعقب المنية: الحساب.
(4) أسنّ: شاخ وكبر.
(5) تصدّعوا: تفرّقوا.
(6) الخنساء: هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الرياحية السّلمية، من مضر.
أشهر شواعر العرب واشعرهن على الإطلاق من أهل نجد. عاشت أكثر عمرها في العصر الجاهلي وأدركت الإسلام فأسلمت. ووفدت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع قومها بني سليم فكان رسول الله يستنشدها ويعجبه شعرها. أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها (صخر ومعاوية) وكانا قد قتلا في الجاهلية. كان لها أربعة بنين شهدوا حرب القادسية (سنة 16هـ) فجعلت تحرّضهم على الثبات حتى قتلوا جميعا فقالت:
الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم. ماتت سنة 24هـ.
راجع ترجمتها في شرح الشواهد 89والشعر والشعراء 123والدرّ المنثور 109.(5/127)
واضح الخدين، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.
18 - جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.
19 - عزّى رجل فتى عن أبيه فلم يجده كما أحب، فقال: يا بني سوء الخلف أضر علينا من فقد السلف.
20 - مصيبة استطارت لبي واستطالت على قلبي.
21 - دخل عمرو بن العاص على معاوية في مرضه، فقال: أعائدا (1)
جئت أم شامتا؟ فقال عمرو: لم تقول هذا؟ فو الله ما كلفتني رهقا، ولا أصعدتني زلفا، ولا جرّعتني علقا، فلم استثقل حياتك؟ ولم استبطىء وفاتك فقال معاوية:
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
22 - دخل ابن الجصاص على أبي إسحاق الزجاج بعد وفاة أمه ضاحكا وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحاق قد والله سرني، فدهش الناس، فقال: بلغني أنه هو الذي، فلما صح أنها هي التي سرني، فضحكوا.
23 - اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فقالت: ويلك، كيف تعمل إن مت؟ فقال: ويلي، كيف أعمل إن لم تموتي؟.
24 - أبو مروان: كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فهي المصيبة العظمى.
25 - عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز بابنه
__________
(1) أعائدا: أي أزائرا لي في مرضي.(5/128)
عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أن امرأ تركت تعزيته لعلمه وتيقظه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
26 - وبئت (1) خيبر فخرج إليها أعرابي بعياله وقال:
قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فحم ومات، وبقي عياله.
27 - عزى رجل الرشيد، فقال: آجرك الله على الباقي، ومتعك بالفاني. فقال: ويحك ما تقول؟ وظن أنه غلط، فتلا: {مََا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمََا عِنْدَ اللََّهِ بََاقٍ} (2).
28 - أبو ذؤيب:
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نبيشة والطراق يكذب قيلها
ولو أن استودعته الشمس لا رتقت ... إليه المنايا عينها أو دليلها
29 - قيل لأعرابي: إنك تموت، قال: وإلى أين يذهب بي؟
قالوا: إلى الله، قال ما أكره أن يذهب بي إلى من لم أر الخير إلّا منه.
30 - قيل للكميت: لم لم ترث أخاك؟ فقال: إن مرثيته لا ترد مرزيته.
31 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمرو بن عبيد يعزيه عن أبيه: أما بعد فإنّا أناس من أهل الآخرة أسكنا في الدنيا، أموات آباء أموات أبناء أموات فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت.
32 - صالح المري: التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصاب.
__________
(1) وبئت: فسدت.
(2) سورة النحل، الآية: 96.(5/129)
33 - قال عليه الصلاة والسلام: ما تعدّون الرقوب (1) فيكم؟ قالوا:
الذي لا يبقى له ولد. قال: بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا.
34 - عزى أبو العيناء (2) رجلا فقال: كان العزاء لك لا بك، والفناء لنا لا لك.
35 - قيل لرجل: ما ورثت أختك من زوجها؟ قال: أربعة أشهر وعشرا.
36 - استنشد عمر رضي الله عنه متمما (3) مرثية أخيه، فأنشده عينيته، فقال: لو كنت أحسن مثل ما تقول لبكيت أخي، فقال: لو صرع أخي مصرع أخيك لما بكيته، فقال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.
__________
(1) الرقوب من الإبل والنساء: التي لا يبقى لها ولد. وقيل: هي التي مات ولدها. قال الشاعر:
فلم ير خلق قبلنا مثل أمنّا ... ولا كأبينا عاش وهو رقوب.
وقال ابن الأثير: الرقوب في اللغة: الرجل والمرأة إذ لم يعش لهما ولد لأنه يرقب موته ويرصده خوفا عليه فنقله النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الذي لم يقدّم من الولد شيئا أي يموت قبله تعريفا، لأن الأجر والثواب لمن قدّم شيئا من الولد وأن الاعتداد به أعظم والنفع به أكثر وأن فقدهم وإن كان في الدنيا عظيما فإن فقد الأجر والثواب على الصبر، والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم، وأن المسلم ولده في الحقيقة من قدّمه واحتسبه ومن لم يرزق ذلك فهو كالذي لا ولد له، ولم يقله صلّى الله عليه وسلّم إبطالا لتفسيره اللغوي إنما هو كقوله: إنما المحروب من حرب دينه، ليس على أن من أخذ ماله غير محروب.
(2) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر. شاعر، أديب. توفي سنة 283هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) متمّم: هو متمّم بن نويرة أشتهر بمرثيته لأخيه مالك ومطلعها:
لعمري وما دهري بتأبين مالك ... ولا جزع ممّا أصاب فأوجعا
وفيها يقول:
وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فلما تفرّقنا، كأني ومالكا ... لطول اجتماع، لم نبت ليلة معا
راجع الأغاني (بشرحنا 15: 287، وراجع الحاشية).(5/130)
37 - عبد الرّحمن الأعين القرشي يرثي امرأته:
لعمرك أني يوم زيل بنعشها ... ونفسي معي لم ألقها لصبور
38 - أعشى همدان:
فما تزود مما كان يملكه ... إلّا حنوطا غداة البين في خرق (1)
وغير نفحة أعواد تشب له ... وقل ذلك من زاد لمنطلق
39 - عزّى موسى بن المهدي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له فقال:
أيسرك وهو بلية وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة؟.
40 - وقال آخر: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
41 - في الحديث المرفوع: من يرد الله به خيرا يصب منه.
42 - عزى شبيب بن شيبة يهوديا: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل ملتك.
43 - الأصمعي: هلك ابن لأعرابية، فتبعت جنازته وهي تقول:
رحمك الله يا هيثم، ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك، وأنت لكما قال:
رحيب ذراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
فقلنا: يا أمّ الهيثم فهل لك منه عوض! قالت: نعم، ثواب الله، ونعم العوض الآخرة من الدنيا.
44 - المنصور: اللهمّ إن كنت تعلم أني قد ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة
__________
(1) الحنوط: كل طيّب يمنع الفساد تحشى به جثّة الميت بعد تجويفه فتحفظه من البلى طويلا.(5/131)
أن لا إله إلّا الله منّا منك، لا منّا عليك.
45 - سأل الشعبي (1) رجلا عن سبب موت أخ له، فقال: عضت فأرة إصبعه فمات، فقال: أشهد أنه لا يرد على الموتى شهيد أنذل من أخيك.
46 - كان أبو بكر رضي الله عنه يتمثل كثيرا:
تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالك حتى تكونه
والمرء قد يرجو الرجا ... ء مغيبا والموت دونه
47 - قيل للحسن: فلان في النزع، قال: وما معنى النزع؟ قالوا:
التقرب إلى لموت. قال: هو في ذلك منذ خلق.
وقيل له في عام وقعت فيه الميلة: أما ترى يا أبا سعيد؟ ما أحسن ما فعل ربنا! أقلع عاص، وأعطى ممسك، ولم يغلط بأحد.
48 - نعي الحسن إلى أبي حازم فقال: يرحمك الله أبا سعيد. كنت كالعافية لا يعرف قدرها إلّا بعد فراقها.
49 - عمر بن عبد العزيز: ألا ترون أنكم من الدنيا في أسلاب الهالكين، وسيسلبها بعدكم الباقون، حتى يرث ذلك خير الوارثين.
50 - بكى الخولاني عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلّة الزاد، وقد سلكت عقبة فما أدري إلى أين يهبط بي، وإلى أي المكانين أسقط.
51 - مات ابن لمسلم بن يسار، فقال: شغلني يا بني الحزن لك عن الحزن عليك.
52 - مات عبد الله بن مطرف فخرج مطرف في ثياب حسنة وقد
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شرحبيل. عالم راوية، فقيه، شاعر توفي سنة 103هـ.
تقدّمت ترجمته.(5/132)
أدهن، فأنكروا عليه، فقال: أفأستكين لها؟ وقد وعدني عليها ربي ثلاثا، إحداها أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
53 - الحسن: دفنا صالحا لنا فمددنا على القبر ثوبا، فجاء صلة بن أشيم العدوي فرفع الثوب ونادى: يا فلان.
إن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا
54 - أبو عبيدة الخواص قال عند قبر: حتى متى تشيع غاديا أو رائحا إلى ربه؟ تجعله في لحد وتحثى عليه التراب، أم والله لتكوننّه عن قريب.
55 - ابن المعتزض الموت باب الآخرة.
56 - كان الربيع بن خثيم يخرج إلى القبور بالليل، فيقول: يا أهل القبور كنتم وكنا.
57 - مالك بن مغول: بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت، لما يرى من كرامة الله.
58 - فضيل (1): ما الموت فيما بعده إلّا كركضة عنز.
59 - قيل لإبراهيم: كيف وجدت الموت؟ قال: كأن النفس تنزع بالسلا (2)، قبل: قد رفقنا بك يا إبراهيم.
60 - دخل ملك الموت على داود عليه السلام، قال: من أنت؟
قال: من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشى.
قال: فإذن أنت ملك الموت، ولم استعد بعد، قال: يا داود، أين فلان جارك؟ أين فلان قرينك؟ قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟.
__________
(1) فضيل: هو الفضيل بن عياض بن مسعود. توفي سنة 187. تقدّمت ترجمته.
(2) السلا: جلدة يكون ضمنها الولد في بطن أمّه فإذا انقطع في البطن هلكت الأم والولد جمع أسلاء.(5/133)
61 - كتب أحمد بن يوسف الكاتب إلى عمرو بن سعيد بن مسلم يرثي ببغاء ماتت له:
عجبا للمنون كيف أتتها ... وتخطت عبد الحميد أخاكا
شملتنا المصيبتان جميعا ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا
62 - لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي رضي الله عنه، سجد معاوية وسجد من حوله شكرا. فدخل عليه ابن عباس فقال له: يا ابن عباس أمات أبو محمد؟ قال: نعم، وبلغني سجودك، والله يا ابن آكلة الكبود لا يسدن حسدك إياه حفرتك، ولا يزيد إنقضاء أجله في عمرك.
63 - عائشة رضي الله عنها: لما مات عثمان بن مظعون (1) كشف النبي صلّى الله عليه وسلّم الثوب عن وجهه، فقبل ما بين عينيه، وبكى طويلا. فلما رفع على السرير قال: طوباك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها.
64 - بينما حسان جالس وفي حجره صبي له يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبي بهما، فمات، فقال:
اعمل وأنت صحيح مطلق مرح ... ما دمت يا مغرور في مهل
يرجو الحياة صحيح ربما كمنت ... له المنية بين الزبد والعسل
65 - في الحديث المرفوع: مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية، فإذا انفلت منها وقع في الهرم إلى أن يموت.
__________
(1) عثمان بن مظعون: هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي أبو السائب، صحابي، كان من حكماء العرب في الجاهلية يحرم الخمر. أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر إلى أرض الحبشة مرتين وأراد التبتّل والسياحة في الأرض زهدا بالحياة فمنعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاتّخذ بيتا يتعبّد فيه. شهد بدرا. ولمّا مات جاءه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقبّله ميتا. وهو أول من دفن بالبقيع وذلك سنة 2للهجرة.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 3: 286والإصابة الترجمة 5455وحلية الأولياء 1: 102.(5/134)
66 - عزى رجل سليمان بن عبد الملك فقال: إن رأيت أن تعجل ما أخرته العجزة فتريح نفسك وترضى ربك فافعل.
67 - قيل لأعرابي: ما سبب موت أبيك؟ قال: كونه.
68 - دخل على المأمون في مرض موته، فإذا هو قد فرش له جل (1)
الدابة، وبسط عليه الرماد، وهو يتمرغ عليه ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
69 - قال عمرو بن العاص عند احتضاره لابنه: من يأخذ هذا المال بما فيه؟ قال: من جدع الله أنفه، فقال: احملوه إلى بيت مال المسلمين. ثم دعا بالغل والقيد، فلبسهما ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه، ثم استقبل القبلة فقال: اللهمّ إنك أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فارتكبنا، هذا مقام العائذ بك فأهل العفو أنت، وإن تعاقب فبما قدمت يداي، سبحانك لا إله إلّا أنت إني كنت من الظالمين. فمات وهو مغلول مقيد. فبلغ الحسن بن علي فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت، ولعلها تنفعه.
70 - وقال المنصور حين احتضر: يا ربيع بعنا الآخرة بنومة.
وقال المعتصم، وجعلوا يهونون عليه: هان على النظارة ما يمر بظهر المجلود.
71 - عائشة رضي الله عنها: لا أغبط بهون الموت أحدا بعد الذي رأيت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
72 - مطرف (2): إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه.
__________
(1) جلّ الدابة: ما يوضع على ظهرها للركوب.
(2) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الجرشي العامري. توفي سنة 95هـ.
وفي سنة وفاته خلاف. تقدّمت ترجمته.(5/135)
73 - أبو حازم: انظر العمل الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فخذه الساعة.
74 - ندب رسطاليس الإسكندر فقال: كان أمس يعظنا بكلامه، وهو اليوم يعظنا بسكوته.
75 - في الحديث المرفوع: لو أن الطير والبهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا.
76 - في مرثية أعشى باهلة للمنتشر بن وهب الباهلي، وهي التي قال الأصمعي ليس في الدنيا مثلها:
فإن جزعنا فمثل الخطب أجزعنا ... وإن صبرنا فإنّا معشر صبر
أما سلكت سبيلا أنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر
77 - عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام:
يا حسرتا من مصيبة عظمت ... أبناء عوف ومالك هلكوا
خلوا فجاجا علي فانخرقت ... لم يستطع سدهن من تركوا
78 - في الحديث المرفوع: لا يتمنّ أحدكم الموت إلّا من وثق بعمله.
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات، وروي عليه كآبة، وأكثر حديث النفس.
79 - قيل لإبراهيم بن أدهم: ألا تتبع الجنازة؟ قال: لا أجد صاحبا، إنما صاحبي من يأخذ بعضدي ويقول انتبه فانظر إلى رأس أخيك كيف يبقى على السرير.
80 - حاتم الأصم: اتباع الجنائز فضيلة، والصلاة عليها سنة، ومداواة القلب بها فريضة.
81 - سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة: من هذا؟ قال: أنت، وإن كرهت فأنا.(5/136)
80 - حاتم الأصم: اتباع الجنائز فضيلة، والصلاة عليها سنة، ومداواة القلب بها فريضة.
81 - سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة: من هذا؟ قال: أنت، وإن كرهت فأنا.
82 - سمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره، فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره.
83 - مكحول كان إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنّا رائحون.
84 - وكان مالك بن دينار يقول: سبحان الذي لا يموت.
85 - ثوبان رفعه: من شيع جنازة فأخذ بجوانب السرير الأربعة غفر له أربعون ذنبا كلها كبيرة.
86 - ابن شوذب: الطلعت امرأة في لحد، فقالت لامرأة معها: ما هذا؟ فقالت: كندوج العمل، تعني خزانة العمل، فكانت تعطيها الشيء وتقول: اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل.
87 - ابن عباس: أرحم ما يكون الرب لعبده إذا أدخل قبره، وتفرق عنه أهله.
88 - عمرو بن ميمون: افتتحنا مدينة بفارس، فدللنا على مغارة فيها بيت، فيه سرير من ذهب، عليه رجل، عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام بن بهرام (1) ملك فارس كنت أعتاهم بطشا، وأقساهم قلبا، وأطولهم أملا، وأحرصهم على الدنيا، فدوخت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش، وأذللت المقاول، وجمعت من الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم استطع أن أفتدي به من الموت إذ نزل بي.
89 - قال أبو بلال: كل ميتة ظنون إلّا ميتة البلجاء (2). قيل: وما ميتة
__________
(1) بهرام بن بهرام: ملك فارس لقبه نزاده أي النجيب. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 104طبعة دار المناهل.
(2) البلجاء: من نساء الخوارج.(5/137)
البلجاء؟ قال: أخذها زياد فقطع يديها ورجليها، فيقل لها: كيف ترين يا بلجاء؟ قالت: قد شغلني هول المطلع عن برد حديدكم هذا. وهي من نساء الخوارج.
90 - الأصمعي: أول من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر. كنا في حلقة يونس فجاء خلف فسلم وقال: قد طرقت ببكرها أم طبق. فقال يونس: وماذا يا أبا محرز؟ فقال: فنتجوها خبرا ضخم العنق، فقال: لم أدر بعد، فقال: موت الإمام فلقة من الفلق. فارتفعت الضجة بالاسترجاع (1).
91 - ابن الرومي:
يا حر صدري على ثلاثة أموا ... هـ أريقت في الترب والمدر
ماء شباب ونعمة مزجا ... بماء ذاك الحياء والخفر
92 - عزى أبو بكر عمر رضي الله عنهما عن ولد فقال: عوضك الله منه ما عوضه منك. يعني: عوضه الله منك ما هو خير منك وهو جوار الله، فعوضك منه ما هو خير منه وهو ثواب الله.
93 - سكرات الموت به محدقة، وعيون الأمل به محدقة.
94 - لا أراك الله بعد مصيبتك ما ينسيها.
95 - يحيى بن خالد: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة.
96 - مات عكرمة (2) مولى ابن عباس وكثير عزة في وقت واحد، وصلّى عليهما عمارة بن خزيمة بن ثابت. ودفنا في مكان واحد. فقال:
__________
(1) الاسترجاع: هو القول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
(2) عكرمة: هو عكرمة بن عبد الله البربري المدني مولى ابن عباس كان مفسّرا. توفي سنة 105هـ. تقدّمت ترجمته.(5/138)
اللهمّ كما جمعت بينهما في زيارة القبور فلا تفرق بينهما يوم النشور (1).
فما بقي في المدينة أحد إلّا استحسن كلامه.
97 - لما احتضر إبراهيم عليه السلام قال: هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟ فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ قال:
فاقبض روحي الساعة.
98 - نصر بن سيار (2): كل شيء يبدو صغيرا ثم يكبر، إلّا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر.
99 - ابن المعتز: إذا كثر الناعي إليك كثر الناعي بك.
100 - وقال نادب الإسكندر: مالك لا تقل عضوا من أعضائك؟
وكنت تستقل بملك العباد والبلاد.
101 - وقال رئيس الطباخين: قد نضدت النضائد، وألقيت الوسائد، ونصبت الموائد، ولست أرى عميد المجلس.
102 - وقف علي عليه السلام على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إن الجزع لقبيح إلّا عليك، وأن الصبر لجميل إلّا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإما بعدك وما قبلك جلل.
ثم قال:
__________
(1) يوم النشور: يوم القيامة.
(2) نصر بن سيّار: هو نصر بن سيّار بن رافع بن حرّي بن ربيعة الكناني، أمير من الدهاة الشجعان. كان شيخ مضر بخراسان، ووالي بلخ. قويت الدعوة العباسية في أيامه فكتب إلى بني مروان بالشام يحذّرهم وينذرهم فلم يأبهوا للخطر. وهو صاحب الأبيات التي أوّلها:
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
أرسلها إلى مروان. قال الجاحظ: كان نصر من الخطباء الشعراء يعدّ في أصحاب الولايات والحروب والتدبير والعقل وسداد الرأي. توفي سنة 131هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 326وابن خلدون 3: 125.(5/139)
ما غاص دمعي عند نازلة ... إلا جعلت للبكا سببا
فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الجفون ففاض وانسكبا
إني أجل ثرى حللت به ... من أن أرى بسواه مكتئبا
ورويت لمعقل بن عيسى العجلي أخو أبي دلف في جارية توفيت له.
103 - مطر بن عكاش رفعه: إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، وأنشد:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير
104 - عزى شبيب بن شيبة المهدي عن أمته فقال: والله، الله خير لها منك، ولثواب الله خير لك منها، وإن أحق ما صبر عليه ما لم يستطع دفعه.
105 - وعزى آخر عن ولده فقال: وهبه الله لك فحملت مؤنه وتكاليفه فهنيت به، وقبضه فرفع عنك مؤنه وتكاليفه فعزيت عنه، ولو عمل على الحق لعزيت عما هنيت به، وهنيت بما عزيت عنه.
106 - نعيت إلى ابن عباس بنت له في طريق مكة، فنزل عن دابته فصلّى ركعتين، ثم رفع يديه وقال: عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجر ساقه الله. ثم ركب ومضى.
107 - ماتت لبعض ملوك كندة بنت، فوضع بدرة (1) بين يديه وقال:
من أبلغ في التعزية فهي له. فدخل أعرابي فقال: عظم الله أجر الملك، كفيت المؤونة، وسترت العورة، ونعم الختن القبر. فقال: أبلغت وأوجزت. وأعطاه البدرة.
108 - توفيت أم قاضي بلخ، فقال له حاتم الأصم: إن كانت وفاتها
__________
(1) البدرة: كيس يوضع فيه الدراهم (عشرة آلاف درهم تزيد وتنقص حسب الاتفاق والعصور).(5/140)
عظة لك فعظم الله أجرك على موت أمك، وإن لم تتعظ بها فعظم الله أجرك على موت قلبك.
وقال: له: أيها القاضي، منذ كم تحكم بين عباد الله؟ قال: منذ ثلاثين سنة، قال: هل رد الله عليك حكما؟ قال: لا، قال: فإن الله لم يرد أحكامك في ثلاثين سنة وترد حكما واحدا حكمه عليك.
109 - رأى الحجاج في منامه أن عينيه قلعتا، فطلق هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة. فلم ينشب أن جاءه نعي محمد أخيه يوم مات إبنه محمد. فقال: والله هذا تأويل رؤياي من قبل، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. محمد ومحمد في يوم واحد! ثم أنشأ يقول:
حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك
110 - وقال الفرزدق:
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد
111 - مر الاسكندر بمدينة ملكها سبعة وبادوا، فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ فقالوا: بقي واحد هو في المقابر، فدعا به وقال: لم تلزم المقابر؟ قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدتها سواء. فقال له: هل لك أن تتبعني حتى أبلغ بك بغيتك؟ قال: بغيتي حياة لا موت معها، فهل تقدر عليها؟ قال: لا، قال: فدعني أطلبها ممن يقدر عليها.
112 - أبو عارم الكلابي:
أجازعة ردينة أن أتاها ... نعييّ أم يكون لها اصطبار
إذا ما أهل قبري ودّعوني ... وراحوا والأكف بها غبار
وغودر أعظمي في لحد قبر ... تراوحه الجنائب والقطار(5/141)
تهب الريح فوق محطّ قبري ... ويرعى حوله اللهق النوار (1)
مقيما لا يكلمني صديق ... بقفر لا أزور ولا أزار
فذاك النأي لا الهجران حولا ... وحولا ثم تجتمع الديار
113 - للإنسان عند الإشراف على الموت حركة من حدوث قوة، نحو ما يعرض للسراج عند انطفائه من حركة سريعة، وضياء ساطع، وتسميها الأطباء النعشة الأخيرة.
114 - ولعبد الله الفقير إليه (2):
قولا لشيخ هز من عطفه ... أن نعشته دولة زاهرة
لا تغترر فالمرء يرمى به ... في النعش بعد النعشة الآخرة
115 - جزع الرشيد على حظية (3) ماتت له، فقال مضحك له: ما هذا الجزع الشديد؟ قال: أما ترى ما ابتليت به؟ ما أحب أحدا إلّا مات. قال: فاحببني حتى أموت، قال: أن الحب ليس بشيء يصنع، وتسوقه الأسباب، قال: قل أنا أحبك، فقال: فحم ومات.
116 - قال الحجاج حين أرجف (4) الناس بموته عند موت المحمدين: قالوا مات محمد بن الحجاج، ومحمد بن يوسف، والحجاج ميت. فمات الحجاج فمه! والله ما رضي الله البقاء إلّا لأهون خلقه عليه إبليس، فانظره إلى يوم يبعثون. والأسوة برسول الله والتابعين من أولياء الله أحب إلي من الأسوة بإبليس.
117 - وقف رجل من ولد أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على قبر الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: أما أن أقدامكم قد نقلت
__________
(1) اللهق: الثور الأبيض.
(2) عبد الله الفقير إليه: هو الزمخشري نفسه مؤلف هذا الكتاب.
(3) الخطية: هي الأمة المكرّمة عند ملك أو أمير.
(4) أرجف الناس بموته: تحدّثوا به وتناقلوا الخبر.(5/142)
وأعناقكم قد حملت إلى هذا القبر وليا من أولياء الله، ليسر نبي الله بمقدمه، وتفتح أبواب السماء لروحه، وتبتهج الحور العين بلقائه، وبشر به سيدات نساء الجنة من إمهاته، ويوحش أهل الحي والدين فقده. رحمة لله عليه، وعند الله تحتسب المصيبة.
118 - عزى رجل عمر بن عبد العزيز فقال:
تعزّ أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد
هل ابنك إلّا من سلالة آدم ... لكل على حوض المنية مورد
فقال: ما عزاني أحد بمثل تعزيتك.
119 - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أصبت بمصيبة فما وقع بقلبي شيء مما عزيت به، حتى دخل عليّ مجوسي فقال: انظر ما كنت تعزي به الناس فعزّ به نفسك واحتسب.
120 - عزى حبيب بن درواس جعفر بن سليمان عن أخيه محمد فقال: انظر مصيبتك في نفسك تنسك فقد غيرك، واذكر قول الله تعالى لنبيه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (1)، وخذ بقول ابن أراكة الطائي:
تفكّر فإن كان البكا ردّ هالكا ... على أحد فاجهد بكاء على عمرو
ولا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر
121 - عزت أعرابية قوما فقالت: جافى الله عن ميتكم الثرى، وأعانه على طول البلى، وآجركم ورحمه.
122 - أعرابي: إن المؤمن بعرض خبر تستبشر به السماء، وترحب به الأرض، ولن يساء إليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها.
123 - الثوري: ينبغي لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يهيأ كفنه.
__________
(1) سورة الزمر، الآية: 30.(5/143)
144 - أخبر الحسن بموت الحجاج فقال: اللهمّ إنه عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سنته وأعماله الخبيثة. ودعا عليه.
125 - أم سلمة: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون. فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: قولي اللهمّ اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبا حسنا. فقلت ذلك، فأعقبني الله منه من هو خير منه رسول الله.
126 - عقبة بن عامر: لأن أطأ على جمرة حتى تبرد، أو على حد سيف حتى تنقطع قدمي أحب إليّ من أن أمشي على قبر رجل مسلم، وما أبالي في القبور قضيت حاجتي أو في السوق بين ظهراني الناس.
127 - في الحديث المرفوع: كسر عظم المؤمن بعد مماته ككسره في حياته.
128 - زيد بن أسلم: لقد كانت تمضي في الزمن الأول أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.
129 - مات ابن للرضا فقال أبو العيناء: يا ابن رسول الله، أنت تجل عن عظتنا، وقدرك تقصر عنه صفتنا، وفي علمك بكتاب الله ما كفاك، وفي رسول الله ما عزاك، وفي ثواب الله ما أسلاك.
130 - خليد في المنذر بن الجارود:
أقول لما حملوا نعشه ... ما يعلم النعش ولا الحاملون
ما حملوا من حسب ثاقب ... ونائل جزل وجد ولين
131 - الربيع بن ضبيع الفزاري:
سيدركني ما أدرك المرء تبعا ... ويغتالني ما أغتال أنسر لقمان
وأفنى ويبقى منطقي بعد أزمن ... وكل امرىء إلّا أحاديثه فان
132 - المكعبر الضبي:
وتنفر من عمرو ببيداء ناقتي ... وما كان ساري الليل ينفر من عمرو(5/144)
لقد حبّبت عندي الحياة حياته ... وحبّب سكني القبر سكناه في القبر
133 - عبد الله بن عباس في موت الحسن بن علي:
أصبح اليوم ابن هند آمنا ... ظاهر النخوة إذ مات الحسن
ارتع اليوم ابن هند قامصا ... إنما يقمص بالعير السمن (1)
134 - علي عليه السلام: فاتقى عبد ربه، نصح نفسه، قدم توبته، غلب شهوته فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزيّن له المعصية ليركبها، ويمينه التوبة ليسوفها، حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها.
135 - وعنه رضي الله عنه: لقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت كفه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سعي هنيمة منهم، يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه.
وعنه: كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها، فكانوا فيها كمن ليس فيها، يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم، وهم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم.
وعنه: من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره.
136 - قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني. قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك إذا قمت.
137 - قال عبد الله بن مرزوق لسلامة: يا سلامة لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تحملني وتطرحني على المزبلة لأموت عليها، فلعله يرى مكاني فيرحمني.
138 - ميمون بن مهران: شهدت جنازة ابن عباس بالطائف، فلما
__________
(1) قمص: رفع يديه معا وطرحهما معا وعجن برجليه من الفرح.(5/145)
وضع ليصلّى عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل فيها، فالتمس فلم يوجد. فلما سوّي عليه سمعنا من يسمع صوته ولا يرى شخصه: {يََا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى ََ رَبِّكِ رََاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبََادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (1).
139 - حاطب بن قيس بن هبشة يرثي عمرو بن حمحمة الدوسي:
سلام على القبر الذي ضمّ أعظما ... تحوم المعالي حوله وتسلم
سلام عليه كلما ذر شارق ... وما امتد قطع من دجى الليل مظلم (2)
فيا قبر عمرو جاد أرضا تعطّفت ... عليك ملث دائم القطر مرزم (3)
140 - وقال عتيك بن قيس المدني يرثيه:
برغم العلى والمجد والجود والندى ... طواك الردى يا خير حاف وناعل
لقد غال صرف الدهر منك مرزأ ... نهوضا بأعباء الأمور الأثاقل
يضم العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضم أم الرأس شعب القبائل (4)
ويسر ودجى الهيجا مضاء عزيمة ... كما كسف الاصباح طرق الغياطل (5)
ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرارا كثير الصواهل
ويمضي إذا ما النقع مدّ رواقه ... على الروع وارفضّت صليل العوامل (6)
141 - العيزار بن الأخنس السنبسي، وسنبس من طيء:
__________
(1) سورة الفجر، الآية: 28.
(2) ذرّ شارق: طلع جانب الشمس. أول طلوع الشمس.
(3) الملث: أول سواد المغرب فإذا أشتدّ فهو الملس.
وملث الظلام: اختلاط الضوء بالظلمة.
والمرزم: المهمهم لشدة البرق والرعد والعواصف.
(4) العفاة: طالبو المعروف. والطارقون: الزائرون ليلا.
(5) الغياطل: جمع غيطلة وهي ذوات اللبن من الظباء والبقر.
والغيطلة أيضا: ازدحام الناس، والأكل والشرب والفرح بالأمن.
(6) النقع: الغبار. والروع: الخوف. والعوامل: جمع عاملة وهي صدر الرمح.(5/146)
إلى الله أشكو أن كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها
جزى الله زيدا كلما ذر شارق ... وأسكن من جنات عدن قرارها
142 - أبو الهيذام العقيلي:
وما زال حكم البيض والسود نافذا ... بأمر الردى في أنفس البيض والسود
فللثكل ترخي حملها كل حامل ... وللموت يغذو والد كل مولود
143 - القاسم بن طوق بن مالك التغلبي يشمت بموت الفضل بن مروان:
أبا العباس صبرا واعترافا ... بما يلقى من الظلم الظلوم
رزقت سلامة فبطرت فيها ... وكنت تخالها أبدا تدوم
لقد ولت بدولتك الليالي ... وأنت ملعن فيها ذميم
وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم
فبعدا لا إنقضاء له وسحقا ... فغير مصابك الحدث العظيم
144 - محمد بن مناذر في مرثية عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وهي إحدى المراثي المبرزات، وهي نحو من ثلاثمائة بيت:
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود
145 - محمد بن هارون بن مخلد:
كأني بإخواني على حافتي قبري ... يهيلونه فوقي وأدمعهم تجري
فيا أيها المذري عليّ دموعه ... ستعرض في يومين عني وعن ذكري
عفا الله عني يوم أترك ثاويا ... أزار فلا أدري وأجفا فلا أدري
146 - طلب يعقوب بن الربيع أخو الفضل بن الربيع جارية اسمها ملك سبع سنين، باذلا فيها ماله وجاهه حتى ملكها، فماتت بعد ستة أشهر، فأنفذ شعره في مراثيها، فمن ذلك قوله:
بليت ملك في التراب فأب ... لاني بلاها وذكر ملك جديد(5/147)
ينقص الوجد كلما قدم العه ... د ووجدي في كل يوم يزيد
147 - الفرزدق في امرأة له ماتت حاملا.
وجفن سلاح قد رزيت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن المنايا أرجأته ليالي
148 - أخت طرفة ترثيه:
عددنا له ستا وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيدا ضخما
فجعنا به لما رجونا إيابه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما
149 - أبو الزبرقان الكاتب يرثي أبا تمام:
خبر أتى من أعظم الأنباء ... لما ألم مقلقلا أحشائي
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
150 - لما احتضر معاوية رفع يديه وقال:
هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
ثم قال: اللهمّ فأقل العثرة، واعف عن الزلة، وعد بعفوك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلّا بك، يا واسع المغفرة والرحمة، تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم الراحمين.
فبلغ سعيد بن المسيب فقال: لقد وفق عند الموت، فإن ينج أبو عبد الرّحمن من النار غدا فهو الرجل الكامل. وما أخوفني عليه!.
151 [شاعر]:
سروران مالهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات
152 - ماتت لرجل بنت فقال: عزوني لتعاهدوا السنة، وهنوني أن تقدم بعض إلى الجنة.
153 - حفر ثابت البناني قبره، فكان يختلف إليه، يقرأ فيه ويصلّي حتى مات.(5/148)
سروران مالهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات
152 - ماتت لرجل بنت فقال: عزوني لتعاهدوا السنة، وهنوني أن تقدم بعض إلى الجنة.
153 - حفر ثابت البناني قبره، فكان يختلف إليه، يقرأ فيه ويصلّي حتى مات.
154 - قال عبد الملك عند موته: يا وليد، لا أعرفنك إذا أنا متّ تجلس وتعصر عينك، وتخن كما تخن الأمة الوكعاء (1)، لكن ائتزر وشمر وألبس جلد النمر، وضعني في حفرتي، وخلني وشأني، وعليك وشأنك.
وادع الناس إلى بيعتك، فمن قال بوجهه هكذا فقل بسيفك هكذا. ثم بعث إلى محمد وخالد ابني يزيد بن معاوية، فقال لهما: هل بكما من ندامة على بيعة الوليد؟ قالا: ما نعرف أحق بالخلافة منه. قال: أولى لكما! والله لو قلتما غير ذلك لأخذت الذي فيه أعينكما، ثم رفع ثني فراشه فإذا سيف مجرد، ونفسه تتردد في حنجرته، وهو يقول: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيرا أخذ من خلقه أم كبيرا، حتى فاضت نفسه.
155 - ودخل الوليد ومعه بناته يبكين عليه، فتمثل:
ومستخبر عنّا يريد بنا الردى ... ومستخبرات والعيون سواجم (2)
وكان الطبيب قد حماه الماء، فقال: اسقوني شربة وإن كانت فيها نفسي، فسقوه فمات.
156 - ابن عمر رفعه: ما حق امرىء مسلم له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلّا ووصيته مكتوبة عنده، وكانت وصية ابن عمر لا تفارق جيبه.
157 - وعن ابن عمر: توشك المنايا تسبق الوصايا.
158 - جابر رفعه الذي يوصي عند الموت كالذي يقسم ماله عند الشبع.
__________
(1) الأمة الوكعاء: الحمقاء.
(2) العيون السواجم: الغزيرة الدمع.(5/149)
159 - ابن عباس رضي الله عنه: الضرار في الوصية من الكبائر.
160 - معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه: من حضرته الوفاة فأوصى، وكانت وصيته على كتاب الله، كانت كفارة لما ترك من زكاته في حياته.
161 - الفضل بن عباس: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعكا قد عصب رأسه، فأخذت بيده حتى جلس على المنبر، ثم قال: ناد في الناس، فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقدمني (1)، ومن كنت شتمت له عرضا فليسقدمني، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يقل أحد أني أخشى الشحناء من رسول الله، ألا أن الشحناء ليست من طبيعتي ولا شأني. ألا وان أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيبة نفسي، وقد أرى أن هذا غير مغن عنيّ حتى أقوم فيكم مرارا.
وذكر أنه رجع فقال مثله، وأن رجلا ذكر أن له عليه ثلاثة دراهم فقضاها. وأن عكاشة بن محصن قال: رفعت قضيبك الممشوق لتضرب العضباء (2)، وأنا بقربك، فأصابني، فأتى به فقال: يا هكاشة فاقتص مني قبل القصاص يوم القيامة، فكرر قوله فضوح الدنيا أهون من فضوح يوم القيامة، فقال: ضربتني وأنا عريان، فألقى جبة من صوف كانت عليه، فخر عليه يقبله ويمرغ عليه وجهه ويقول: أعوذ بهذا البطن من النار.
فقال: يا عكاشة أعاذك الله من النار. ثم قال: عفوت عنك يا رسول الله،
__________
(1) استقاد: أنقاد له وخضع.
(2) العضباء: ناقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. كانت من نعم بني قشير ابتاعها أبو بكر الصديق فأخذها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي التي هاجر عليها وكانت حين قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رباعية فلم تزل عنده حتى نفقت وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء كل هذا كان يقال لها.
راجع أخبار العضباء في «تركة النبي صلّى الله عليه وسلّم» صفحة 100تأليف حماد بن إسحاق ابن إسماعيل بتحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري.(5/150)
فقال عفا الله عنك كما عفوت عن نبيه.
162 - اجتمع الحسن والفرزدق في جنازة النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته، فقال الفرزدق: يقولون فيها خير الناس وشر الناس. فقال الحسن: لست أنا بخير الناس، ولا أنت بشر الناس، ثم قال له: يا أبا فراس ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: هذا العمود فأين الطنب (1)؟ فقال الفرزدق:
أخاف وراء القبر إن لم تعافني ... أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى الموت مغلول القلادة أزرقا
فبكى الحسن حتى بل كمه.
163 - عثمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة. قال: وثلاثة، قلنا:
واثنان، قال: واثنان. ولم نسأله عن واحد.
164 - ثوبان: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنازة، فرأى ناسا ركوبا، فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب.
165 - أنس: شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال: اطلع على القبور، واعتبر بالنشور (2).
166 - عثمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما رأيت منظرا إلّا والقبر أفظع منه. وكان عثمان إذا وقف على قبر بكى ما لا يبكى عند ذكر الجنة والنار. فقيل له، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
__________
(1) الطنب: الحبل الذي يشد به السرادق.
(2) النشور: يوم القيامة.(5/151)
القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده شر منه.
167 - مرّ عبد الله بن عمر بمقبرة فصلّى ركعتين، وقال: ذكرت أهل القبور، وأنهم حيل بينهم وبين هذا، فأردت أن أتقرب بهما إلى الله تعالى.
168 - البراء (1) رفعه: في قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهََادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوََاشٍ} (2)، يكسى الكافر في قبره لوحين من نار.
169 - معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبرائيل عليه السلام أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: يا محمد، من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام رسول الله يجر ثوبه مبادرا إلى سعد بن معاذ، فوجده قد قبض.
170 - قال جابر: ولما وضع سعد في قبره سبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسبح الناس معه، ثم كبر فكبروا معه. فقالوا: يا رسول الله لم سبّحت؟ قال:
هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عليه.
وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول.
171 - وعن عائشة رفعته: إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا سعد بن معاذ.
172 - وروى أنس: لو أن بني آدم علموا كيف عذاب القبر ما نفعهم العيش في الدنيا، فنعود بالله من عذاب القبر.
__________
(1) البراء: لعلّه البراء بن عازب الصحابي الذي غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس عشرة غزوة. توفي سنة 71هـ.
(2) سورة الأعراف، الآية: 41.(5/152)
173 - الإنسان ينسى حمامه ويريد أن يفجر أمامه.
174 - محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمهما الله.
ومتعب النفس مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد
175 - الموت قانص لا يشوى.
قيل للحجاج، وقد أشرف على الموت، وهو على الإسراف: ما تجزع من الموت؟ قال: إن كنت مسيئا فليست ساعة جزع، وإن كنت محسنا فليست ساعة فرح.
176 - من يزف كريمته إلى القبر فقد بلغ أمنيته من الصهر.
177 - استسلم لأمر الله فيما ذهب، واشكره على ما وهب.
178 - الحسن: ما من يوم ألا تصفح ملك الموت وجوه الناس فيه خمس مرّات، فمن رآه على لهو ولعب، أو معصية، أو رآه ضاحكا حرك رأسه وقال: مسكين هذا العبد، ما أغفله عما يراد به! ثم قال: اعمل ما شئت فإن لي فيك غمزة أقطع بها وتينك (1).
179 - معاوية: أتتنا عجوز دهرية نسألها فقالت: حدّثني أشياخ لنا أن الميت إذا وضع في قبره اعتورته (2) أربع نيران، فتجيء الصلاة فتطفىء واحدة منها، ويجيء الصوم فيطفىء واحدة، ويقول: لو أدركتهن لأطفأت كلهن، ولكن أنا لك وأمامك.
180 - قعد أبو حازم المدني على شفير قبر، فقال لصاحبه: ماذا ترى؟ فقال: أرى حفيرة يابسة وجنادل (3) صما. فقال: أما والله لتمهدنه
__________
(1) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه ومنه حديث غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم:
والفضل يقول أرحني أرحني قطعت وتيني أرى شيئا ينزل عليّ.
(2) اعتورته: أتت عليه متابعة. تداولته.
(3) الجنادل: جمع جندل الحجر الصلب.(5/153)
لنفسك أو لتكونن معيشتك فيه ضنكا.
181 - حاتم الأصم: ما من صباح إلّا ويقول الشيطان لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.
182 - الصاحب في تعزية عن بنت: لئن كانت الأيام قد فجعتك من المتوفاة بمن يوحش الخدور، فقد تجافت لك من ذكورة الولد عمن يؤنس الصدور.
183 - معاذ بن جناب اليربوعي، وعاش مائة وأربعين سنة:
للموت ما يغذى وللموت قصرنا ... ولا بد من موت وإن نفس العمر
فمن كان مغرورا بطول حياته ... فإني كفيل أن سيصرعه الدهر
وليس بباق إن سألت ابن مالك ... على الدهر إلّا من له الدهر والأمر
184 - قال مسلم بن عبد الملك: ما وعظني إلّا عمران بن حطان في قوله:
أفي كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعي ولا تنعى فكم ذا إلى متى
فقال له معاوية الصوفي: أما أنا فقد سمعته أمات الموت وما أماته شاعر قبله، حيث يقول:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فإن إذا ما جاءه الأجل
وكل شيء أمام الموت متضع ... للموت والموت فيما بعده جلل
185 - الأمير نصر بن أحمد عند وفاة أخيه أبي الأشعث:
يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزّى في أحر من الجمر
ويسلو المعزي عن قليل كغيره ... ويبقى المعزى عنه في وحشة القبر
186 - كان بعض الصالحين إذا مات له حميم يقول: كدت والله أكون السواد المختوم.
187 - قيل لحسان (1): مالك لم ترث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: لأني لم أر شيئا إلّا رأيته يقصر عنه.(5/154)
يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزّى في أحر من الجمر
ويسلو المعزي عن قليل كغيره ... ويبقى المعزى عنه في وحشة القبر
186 - كان بعض الصالحين إذا مات له حميم يقول: كدت والله أكون السواد المختوم.
187 - قيل لحسان (1): مالك لم ترث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: لأني لم أر شيئا إلّا رأيته يقصر عنه.
188 - كان عبد الملك يكرم كثيرا على ما يعلم من رأيه، وكان علوي الرأي، فلما مات دخل كثير على ولده وهم يقتسمون ميراثه، فلم يلتفتوا إليه، فخرج وهو يقول:
أضحت رثاث ابن مروان مقسمة ... في الأقربين بلا حمد ولا ثمن
ورّثتهم فتعزوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن
189 - قال عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حيوة: يا رجاء إذا وضعتني في لحدي فاكشف الثوب عن وجهي، فإن رأيت خيرا فاحمد الله، وإن رأيت غير ذلك فاعلم أن قد هلك عمر. فلما دفناه كشفت عن وجهه، فرأيت نورا ساطعا فحمدت الله، وعلمت أنه قد صار إلى خير.
190 - ماتت بنت لعمر بن عبد العزيز فأتاه الناس، فقال لحاجبه:
قل لهم إنّا لا نعزى على البنات والأخوات فارجعوا.
191 - رجاء بن حيوة: دخلت على عمر حين احتضر، فقال: يا رجاء إني أرى وجوها كراما ليست بوجوه إنس ولا جان، وهو يقلب طرفه يمينا ويصعده ويحدره (2)، ثم رفع يديه فقال: اللهمّ ربي، أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، فإن عفوت فقد مننت، وإن عذبت فما ظلمت، إلّا أني أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك المصطفى، ورسولك المرتضى، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فعليه السلام والرحمة. ثم قضى رحمه الله.
192 - كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا وقف على قبر قال: ألا أراك ضيقا؟ ألا أراك مظلما؟ لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك.
__________
(1) حسّان: هو حسّان بن ثابت. تقدّمت ترجمته.
(2) يحدره: خلاف يصعده.(5/155)
192 - عن كثير بن زيد: كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره، ثم اشتكى فاشتدّ وجعه، فقلت: لأحضرنه ولأنظرن ما يتكلم به، فإذا هو يهمهم ويقول: لا إله إلّا أنت، أحبك وأخشاك، حتى مات.
194 - أسماء بنت عميس (1): أنا لعند علي بن أبي طالب بعد ما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال: مرحبا، مرحبا، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة، فقيل له: ما ترى؟
قال: هذا رسول الله، وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة ينزلون يسلمون عليّ ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منازلي في الجنة. لمثل هذا فليعمل العاملون.
195 - ووقف على قبره رجل من ولد حاجب بن زرارة (2) فقال: لقد كانت حياتك مفتاح خير ومغلاق شر، ووفاتك مفتاح شر ومغلاق خير. ولو أن الناس قبلوك بقولك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا فانتقض الأمر كما ينتقض الحبل عن مزايره.
196 - جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف حتى
__________
(1) أسماء بنت عميس: صحابية، كان لها شأن. أسلمت قبل دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم دار الأرقم بمكة وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له عبد الله ومحمدا وعوفا، ثم قتل عنها جعفر شهيدا في وقعة مؤتة سنة 8هـ فتزوجها أبوبكر الصديق فولدت له محمدا بن أبي بكر، وتوفي عنها أبو بكر فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى وعونا. وماتت بعد علي. وصفها أبو نعيم بمهاجرة الهجرتين ومصلية القبلتين. توفيت نحو 40هـ.
راجع ترجمتها في طبقات ابن سعد 8: 205والدر المنثور 35وصفة الصفوة 2:
33.
(2) حاجب بن زرارة: من سادات العرب في الجاهلية. كان رئيس تميم في عدة مواطن وهو الذي رهن قوسه عند كسرى على مال عظيم ووفى به. أدرك الإسلام وأسلم.
توفي نحو سنة 3هـ. راجع الأعلام 2: 153.(5/156)
سمته، ومكث شهرين وأنه ليرفع من تحته كذا طستا من دم. وكان يقول:
سيقت السمّ مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت كبدي فجعلت أقلبها بعود كان في يدي. وقد رثته جعدة بأبيات منها:
يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
إنك لن ترخي على مثله ... سترك من حاف ولا ناعل
وخلف عليها رجل من قريش فأولدها غلاما، فكان الصبيان يقولون له: يا ابن مسممة الأزواج.
ولما كتب مروان بشكاته إلى معاوية بشكاته، كتب إليه: أن أقل المطي إلي بخبر الحسن، ولما مات وبلغه موته سمع تكبير من الخضراء، فكبر أهل الشام لذلك التكبير. وقالت فاختة بنت قرط لمعاوية: أقر الله عينك يا أمير المؤمنين، ما الذي كبّرت له؟ قال: مات الحسن، قالت:
أعلى موت ابن فاطمة تكبرّ؟ قال: والله ما كبرّت شماتة لموته، ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة.
وكان ابن عباس بالشام، فدخل عليه وقال له يا ابن عباس هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلّا أني أراك مستبشرا ومن يطيف بك وقد بلغني تكبيرك وسجودك. قال: مات الحسن.
قال: إنا لله، رحم الله أبا محمد، ثلاثا. ثم قال: والله يا معاوية أنه لا يسد جسده حفرتك، ولا يزيد يومه في عمرك، ولئن كنا أصبنا بالحسن لقد أصبنا بإمام المتقين، وخاتم النبيين، فسكن الله تلك العبرة، وجبر تلك المصيبة، وكان الله الخلف علينا من بعده.
وقال لأخيه الحسين: إذا أنا متّ فادفني مع رسول الله إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وإن منعوك فادفني في بقيع الغرقد (1)، فلبس الحسين ومواليه
__________
(1) بقيع الفرقد: هو مقبرة أهل المدينة، وهي داخل المدينة. وأصل البقيع في اللغة:
الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروب شتّى وبه سمّي بقيع الفرقد.
راجع معجم البلدان 1: 473.(5/157)
السلاح، وخرجوا ليدفنوه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج مروان في موالي بني أميّة فمنعوه من دفنه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
197 - كان لعلي بن الحسين جليس مات له ابن فجزع عليه، فعزاه ووعظه، فقال: يا ابن رسول الله إن ابني كان من المسرفين على نفسه، فقال: لا تجزع إن من وراء إبنك ثلاث خلال (1)، أما أولهن فشهادة ألا إله إلّا الله محمد رسول الله، والثانية شفاعة جدي عليه الصلاة والسلام، والثالثة رحمة الله التي وسعت كل شيء. فأين يخرج ابنك من واحدة من هذه الخلال؟.
198 - قال آدم عليه السلام حين احتضر لابنه شيث: يا بني، أوصيك أن تطلي جسدي بدهن ومرّ ولبان مما هبط به عليّ من الجنة، فإنه إذا طلي به الميت لم ينفصل شيء من أعضائه حتى يبعثه الله. وأوصيك أن يكون معك دهن ومرّ ولبان حيث ما ذهبت، فإن الشيطان لا يقربك، وأوصيك أن تجعل جسدي في تابوت، وتجعلني في مغارة في أوسط الأرض.
ومات يوم الجمعة، وصلى عليه في الساعة التي خرج فيها من الجنة، في ست ليال خلون من نيسان، وعمره تسع مائة وستون سنة.
وناحوا عليه مائة وأربعين يوما.
199 - وعن ابن عباس قبره بمسجد الخيف (2) بمنى، قال عطاء بلغني أن قبره تحت المنارة التي وسط مسجد الخيف.
200 - وهب بن منبه: إن الكافر إذا وضع في لحده هبط به إلى سجين.
201 - وعن طاووس أنه قال لولده: يا بني، إذا وضعتني في لحدي
__________
(1) خلال: جمع خلّة وهي الخصلة والعادة.
(2) الخيف: هو ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمّي مسجد الخيف من منى وهو خيف بني كنانة.(5/158)
فارفع لبنة وانظر فإن رأيتني فاحمد الله، وإن لم ترني فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
202 - دفن طلحة رضي الله عنه على شاطىء المكلا بالبصرة، فرآه مولى له في المنام، فقال: أدركوني فقد غرقني الماء. فابتاعوا له دارا بالبصرة بعشرة آلاف وحوّلوه إليها.
203 - مات أبو عيسى أخو المأمون، وقد عزم على أن يعقد له بعده، فعزاه محمد بن عباد، فقال: يا محمد حال القدر دون الوطر، وألوت المنية بالأمنية. فقال: يا أمير المؤمنين، كل مصيبة ما أخطأتك شوى (1)، فجعل الله الحزن لك لا عليك.
204 - عن ابن شهاب: أن رجلا أهدى إلى أبي بكر صفحة من خريز، وعنده الحارث بن كلدة، فأكلا منها، فقال الحارث: فيها سم سنة، فو الذي نفسي بيده لا يمر بي وبك أكثر من حول. فماتا في يوم واحد على رأس السنة.
205 - كان أبو هريرة إذا سئل عمن مات قال: أنت فإن كرهت فأنا.
__________
(1) الشوى: في «اللسان» أن السهم إذا أخطأ فقد شوى، يقال: رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل. قال أبو بكر: الشوى جلدة الرأس. والشوى: إخطاء المقتل.(5/159)
الباب الثاني والثمانون الملك والسلطان، والإمارة والبيعة، والخلافة وذكر الولاة وما يتصل بهم من الحجاب، وغير ذلك
1 - قال الحسن للحجاج: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وقروا السلاطين وبجلوهم، فإنهم عز الله وظله في الأرض إذا كانوا عدلا. قال الحجاج: لم يكن فيه إذا كانوا عدولا، قلت: بلى.
2 - قال عمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد ما هو؟ قال: ظل الله في الأرض، فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر، وإذا أساء فعليه الأصر (1) وعليكم الصبر.
وعنه عليه الصلاة والسلام: أيما راع استرعى رعيته فلم يحطها بالأمانة والنصيحة من ورائها فقد ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء.
3 - مالك بن دينار: وجدت في بعض الكتب يقول الله تعالى: أنا ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة. لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إلى الله أعطفهم عليكم.
__________
(1) الأصر: العطف والمعروف.(5/161)
4 - مطرف (1): لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم (2) وسوء منقلبهم.
5 - أبو عمران الجويني: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار، وبكل من يخاف الناس شره وشدة بأسه، فيوثقون في الحديد، ثم أمر بهم إلى النار فأوصدها عليهم، فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا، ولا والله لا ينظرون إلى أديم السماء أبدا، ولا والله لا تلتقي جفونهم على غمض أبدا.
6 - الأعمش (3): قال لي أبو وائل شقيق بن سلمة: يا أبا سليمان، ليس لنا من أمرائنا واحدة من ثنتين: لا تقوى في الإسلام، ولا حلم من أحلام الجاهلية.
7 - أبو عبيد الله الأشعري وزير المهدي:
لله دهر أضعنا فيه أنفسنا ... بالجهل لو أنه بعد النهي عادا
أفسدت ديني بإصلاحي خلافتهم ... وكان إصلاحها للدين إفسادا
ما قرّبوا أحدا إلّا ونيتهم ... أن يعقبوه من التقريب إبعادا
8 - قيل لعبد الملك: أقتلت عمرو بن سعيد الأشدق؟ فقال: قتلته وهو أعز عليّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول (4).
9 - سمع زياد رجلا يسب الزمان فقال: لو كان يدري ما الزمان لضربت عنقه، إنما الزمان هو السلطان.
__________
(1) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الجرشي العامري توفي سنة 95هـ. وفي سنة وفاته خلاف. تقدّمت ترجمته.
(2) سرعة ظعنهم: سرعة ارتحالهم وزوالهم أي موتهم.
(3) الأعمش: هو أبو محمد سليمان بن مهران، قارىء، حافظ، توفي سنة 148هـ.
تقدّمت ترجمته.
(4) الشول: الناقة التي ترفع ذنبها للفحل للّقاح.(5/162)
10 - قال جحظة لإسماعيل بن بلبل حين استوزر: الولايات عواري، واصطناع الحر نهزة، فاغتنم الواجدان قبل الفقدان.
11 - عزل عمار بن ياسر عن الكوفة فقال: وجدتها حلوة الرضاع مرة الفطام.
12 - الإسكندر: السعيد من لا يعرفنا ولا نعرفه، لأنا إذا عرفناه أطلنا يومه وأطرنا نومه.
13 - الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، وأعطيناهم الدنيا كارهين.
14 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: أعني بأصحابك.
فأجابه: من كان من أصحابي يريد الدنيا فلا حاجة لك فيه، ومن كان يريد الآخرة فلا حاجة له فيك، ولكن عليك بذوي الأحساب، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا، وإن استحيوا تكرموا.
15 - فيلسوف: إن الملك الأعظم أن يملك الإنسان شهوته.
16 - إبراهيم بن العباس: أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا، فأقربهم إلى التلف أبعدهم في المرقى.
17 - بزرجمهر: الملوك تعاقب بالهجران، ولا تعاقب بالحرمان.
18 - جعفر بن محمد: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الأخوان.
19 - غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على أصبهان في آخر أيام بني أميّة، واجتمع عليه الناس، فكتب بند رجل كان معه إلى عمران بن هند بذلك، فأجابه عمران:
أتاني كتاب منك يا بند سرني ... تخبرني فيه باحدى العجائب
تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبر منها كريم الضرائب
فهناكم الله الكريم نكاحها ... وراش بها كل ابن عم وصاحب
كنى عن الخلافة بالعجوز.(5/163)
أتاني كتاب منك يا بند سرني ... تخبرني فيه باحدى العجائب
تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبر منها كريم الضرائب
فهناكم الله الكريم نكاحها ... وراش بها كل ابن عم وصاحب
كنى عن الخلافة بالعجوز.
20 - وقال كسرى لشيرين: ما أحسن هذا الملك لو دام! فقالت: لو دام ما انتقل إلينا.
21 - مات بعض ملوك يونان، فطلبوا ملكا، فأشير بواحد، فقال فيلسوف: لا يصلح للملك لأنه كثير الخصومات، فلا يخلو من أن يكون ظالما، والظالم لا يصلح للملك لظلمه، أو مظلوما والمظلوم أحرى أن لا يصلح لضعفه، فقيل له: فأنت أحق بالملك. فملكوه.
22 - قيل لرجل: قد ولي أخوك فهلا أتيته. فقال: ما سرني له فأهنّيه، ولا ساءته فأعزيه، فلم آتيه؟.
23 - عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الامارة لولا قعقعة البريد وتشرف المنبر. الخليع البصري الباهلي:
ألا إنما المأمون لله محنة ... مميزة بين الضلالة والرشد
رأى الله عبد الله خير عباده ... فملّكه والله أبصر بالعبد
24 - مرّ طارق الشرطي بابن شبرمة في موكبه، فقال:
أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع
اللهمّ لي ديني ولهم دينهم. فاستقضى بعد ذلك، فعاتبه ابنه وذكره ما قال: فقال: يا بني، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم.
25 - سمع أعرابي رجلا يقع في السلطان، فقال: ويحك إنك غفل لم تمسك التجارب، وفي النصح لدغ العقارب، وكأنني بالضاحك إليك باكيا عليك.
26 - مكتوب على باب نوبهار (1) ببلخ قال بيوراسف: أبواب الملوك
__________
(1) نوبهار: بناء للبرامكة ببلخ، كان دينهم عبادة الأوثان فوصفت لهم مكة وحال الكعبة بها فاتّخذوا بيت النوبهار مضاهاة لبيت الله الحرام ونصبوا حوله الأصنام وزيّنوه بالديباج والحرير وعلقوا عليه الجواهر النفيسة وكانت الفرس تعظّمه وتحج إليه وتهدي له وتلبسه أنواع الثياب وتنصب على أعلى قبّته الأعلام وكان حول البيت 360مقصورة يسكنها خدّامه وقوّامه وسدنته. وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك لتشبيههم البيت بمكة فكان كل من ولي منهم السدانة برمكا. وكانت ملوك الهند والصين وكابل وغيرهم من الملوك تدين بذلك الدين.(5/164)
تحتاج إلى ثلاثة: عقل، وصبر، ومال نوبهار قرية من قرى بلخ وتحته: كذب عدو الله، من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.
27 - سعيد بن حميد: عمل السلطان كالحمام، من فيه يريد الخروج منه، ومن هو خارج منه يريد الدخول فيه.
28 - خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالأمانة والنصيحة كان أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة، لأن عدو السلطان وصديقه يتناصران عليه بالعداوة، والعدو يعاديه لنصحه، والصديق ينافسه في منزلته.
29 - رأى المأمون رؤوس المحارض مفدمة بالقطن، فقال للخادم:
أحسنت، إنما يباهي بالذهب والفضة من قلّ عنده، وأما نحن فحقنا المباهاة بالأفعال الجميلة، والشيم الكريمة، وذاك بالملوك أبهى وأجمل.
30 - أعرابي: حكم جليس الملوك أن يكون حافظا للسمر، صابرا على السهر.
31 - حكيم: ينبغي للوالي أن يتفقد أمر خاصته كل يوم وأمر عامته كل شهر، وأمر سلطانه كل ساعة.
32 - علي عليه السلام: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لإزالة الجبال أيسر من إزالة ملك مؤجل.
33 - قال سفيان الثوري للمهدي بمكة: حدث قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرمي جمرة العقبة يوم النحر (1)،
__________
(1) يوم النحر: هو اليوم العاشر من ذي الحجة لنحرهم فيه.(5/165)
لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وقد رأيت الناس يضربون بين يديك.
34 - أبو هريرة: رأيت هندا بمكة جالسة، كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب. فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاما إن عاش ليسودن قومه. فقالت هند: إن لم يسودن إلّا قومه فأماته الله.
35 - سأل كسرى الموبذان (1): ما شيء واحد يعز به السلطان؟
قال: الطاعة، قال: ما سبب الطاعة؟ قال: التودد إلى الخاصة، والعدل في العامة.
36 - كتب عبد الصمد بن المعذل إلى صديق له ولي النفاطات فأظهر تجبرا:
لعمري لقد أحدثت فيها كأنما ... توليت للفضل بن مروان منبرا
وما كنت أخشى لو وليت مكانه ... علي أبا العباس أن تتغيرا
بحفظ عيون النفط أظهرت نخوة ... فكيف به لو كان مسكا وعنبرا
دع الكبر واستبق التواضع إنه ... قبيح بوالي النفط أن يتكبرا
37 - من أخلاق الملوك حب التفرد، ويعتقدون أن البهاء والأبهة فيه، حتى أن أمكنهم أن يتفردوا بالماء والهواء لم يشاركوا فيهما.
38 - وعن أردشير بن بابك: كان إذا وضع التاج على رأسه لم يضع أحد على رأسه قضيب ريحان، وإذا ركب في لبسة لم ير على أحد مثلها، وإذا تختم بخاتم كان حراما على أهل الملة أن يتختموا بمثله.
39 - وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بمكة إذا اعتم لم يعتم أحد بمثل عمامته ما دامت على رأسه.
__________
(1) الموبذان: الموبذ هو قاضي المجوس وموبذان موبذ هو قاضي القضاة.
راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 114.(5/166)
40 - وكان الحجاج إذا وضع على رأسه طويلة لم يجترىء أحد من خلق الله أن يدخل عليه في مثلها.
41 - وعبد الملك: إذا لبس الخف الأصفر لم يلبس أحد مثله حتى ينزعه.
42 - وعن أبي حسان الزيادي: أتاني من قال لي: يقول لك ذو الرياستين (1): لا تعتم غدا على قلنسوة إن أتيت الدار، فبت واجما، فلما أصبحنا فيها خرج الحاجب فقال: إن أمير المؤمنين يعتم اليوم على قلنسوة فانزعوا عمائمكم.
43 - من حق الملك أن يفحص عن أسرار الرعية فحص المرضعة عن منام رضيعها.
44 - وكان أردشير متى شاء قال لأرفعهم وأوضعهم: كان عندك في الليل كيت وكيت، حتى كان يقال يأتيه ملك من السماء، وما ذاك إلّا لتفحصه وتيقظه.
45 - وعن عمر رضي الله عنه أن علمه كان بمن نأى عنه كعلمه بمن بات معه على وساد واحد. وقد اقتفى معاوية أثره.
46 - وتعرف رجل إلى زياد، فقال: أتتعرف إلي وأنا أعرف بك منك بأبيك وأمك؟ وأعرف هذا البرد الذي عليك. فرعب الرجل حتى أرعد (2).
47 - وعن بعض العباسيين: كلمت المأمون في امرأة خطبتها، وسألته النظر إليها، فقال: يا أبا فلان، من قصتها وحالها وفعلها، فو الله إن زال يصفها ويصف أحوالها حتى بهت.
__________
(1) ذو الرياستين: هو الفضل بن سهل. تقدّمت ترجمته.
(2) أرعد: ارتجف من الخوف.(5/167)
ورفع إليه رجل رقعة يسأله إجراء الرزق، فقال له: كم عيالك؟ فزاد في العدد فلم يوقع، ثم كتب إليه في السنة الثانية فصدق، فوقع له.
48 - قال ذو الكلاع الحميري لعمر: لقد أذنبت ذنبا ما أرى الله يغفر لي لقد أشرفت على الناس مرة بعد أن طال احتجابي عنهم، فسجد لي مائة ألف.
49 - لما بشر هشام بالخلافة سجد، وسجد أصحابه إلّا الأبرش الكلبي. فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: وكيف أسجد وغدا تحلّق في السماء وتتركني؟ قال: فإني أحلّقك معي. قال: الآن وجب السجود.
50 - الحمدوني في الحسن بن أيوب والي البصرة:
شر الأخلّاء من ولّى قفاه إذا ... كان المولي وأبدى البشر معزولا
من لم يسمن جوادا كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا
51 - قيل لسلطاني: مثل السلطان مثل البرمة السوداء، كل من مرّ بها سوّدته. فقال: إن كان ظاهر أسود فإن في باطنها لحما سمينا وطعاما لذيذا.
52 - كتب عمر رضي الله عنه إلى عقبة بن غزوان: أما بعد، فإنك أصبحت أميرا تقول فتطاع، وتأمر فيتبع أمرك، فيا لها من نعمة! إن لم ترفعك فوق قدرك، أو تطغك على من دونك. احترس من النعمة أشد من احتراسك من الخطيئة، وهي والله أخوفها عندي عليك أن يقال لك: ومن مثلك؟ فتترفع، فتسقط سقطة لا شوى لها. والسلام.
53 - خرج المتوكل إلى بعض متنزهاته، فوقف على جبل كله حصى قد غسله المطر، فاستحسنه، فنزل ودعا بطعامه، فأكل وشرب، ثم قام لصلاة الظهر فصلّى، ثم قعد فسبح، ثم قال في دعائه: اللهمّ إنك خلقتني ولم أك شيئا بقدرتك، ثم صيّرتني فوق هذا الخلق بعزتك، وأنت قادر أن تزيل هذا كله، فارزقهم مني العدل والنصفة، وألق في قلبي
لهم الرأفة والرحمة، ثم بكى وأخذ كفا من ذلك الحصى فجعله على رأسه، وجعل يقلّب وجهه وخده على الأرض. ثم قام فركب.(5/168)
53 - خرج المتوكل إلى بعض متنزهاته، فوقف على جبل كله حصى قد غسله المطر، فاستحسنه، فنزل ودعا بطعامه، فأكل وشرب، ثم قام لصلاة الظهر فصلّى، ثم قعد فسبح، ثم قال في دعائه: اللهمّ إنك خلقتني ولم أك شيئا بقدرتك، ثم صيّرتني فوق هذا الخلق بعزتك، وأنت قادر أن تزيل هذا كله، فارزقهم مني العدل والنصفة، وألق في قلبي
لهم الرأفة والرحمة، ثم بكى وأخذ كفا من ذلك الحصى فجعله على رأسه، وجعل يقلّب وجهه وخده على الأرض. ثم قام فركب.
54 - ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: سيكون أقوام من أمتي يقرأون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول لهم: لو أتيتم السلطان فأصبتم من دنياهم، واعتزلتموهم بدينكم، ولا يكون ذلك، كما لا تجنى من القتاد إلّا الشوك كذلك لا تجنى من قربهم إلّا الخطايا.
55 - الثوري: إن دعوك لتقرأ عليهم قل هو الله أحد فلا تأتهم.
وعنه: إن مررت بدورهم فلا تنظر إليها، فإنما بنوها لينظر إليها، ثم تلا قوله تعالى: {وَلََا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ََ مََا مَتَّعْنََا} الآية (1).
56 - أبو حازم قال للزهري (2): إن الناس كانوا يفرون من السلطان وهو يطلبهم، وأنتم تأتون أبواب السلطان وهو يفر منكم.
57 - قال سعيد بن المسيب: مال السلطان من الخمس. ولم يقبله الثوري، وقال: إني لأعلم أنه حلال، ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودة.
58 - كتب عبد الملك إلى ابن المسيب: إلى أخي الخالص دون الناس، إن الناس قد دعوا إلى بيعة ابن أخيك الوليد، فإن رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس لما أرجو فيه من الاستقامة وإصلاح ذات البيت فافعل، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة فميتته ميتة جاهلية.
فلما قرأ سعيد الكتاب قال: كذب والله الذي لا إله إلّا هو، ما هو بأخي الخالص دون الناس، إنه لعدوي من دون الناس، هو الذي بعث
__________
(1) سورة طه، الآية: 131وتمامها: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم.
(2) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، أبو بكر، تابعي من أهل المدينة توفي سنة 124. تقدّمت ترجمته.(5/169)
إلى بيت الله الحجاج، فنصب عليه المجانيق (1) وأحرقه بالنار، ولم تحل مكة لأحد من الخلق إلّا لمحمد، أحلت له ثلاث ساعات من نهار.
فدعاني أن أبايع لابنه، يريد أن يجعلها هر قلية.
59 - مرّ بريد لبني مروان في سوق المدينة، فقال له سعيد: كيف نركتهم؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب.
فاشرأب الرسول حتى سكن. فقال له المطلب بن السايب: يغفر الله لك، تشيط بدمك بكليمة تلقيها؟ قال: اسكت يا أحمق، والله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.
60 - كان ابن سيرين يثبت المهدي، وكان الحسن لا يعرفه، وقال يوما: إن يكن لهذه الأمة مهدي فهو هذا، يعني عمر بن عبد العزيز.
61 - أرسل عمر بن عبد العزيز محمد بن سعيد رسولا إلى الروم ليفدي أسارى المسلمين بأسارى المشركين، فقال: دخلت على ملك الروم فإذا هو نازل عن سريره جالس على الأرض، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: أو ما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح. يعني عمر بن عبد العزيز. ثم قال: لست أعجب ممن أغلق بابه وترهب، ولكني أعجب ممن أمكنته الدنيا وقدر عليها ثم زهد فيها. إني لأحسب لو كان أحد يحيي الموتى بعد عيسى لأحياهم عمر.
62 - استحضر سليمان بن عبد الملك طاووسا، فسكت طويلا ثم قال: هل تعلمون أول ما خلق؟ قالوا: لاض، قال: القلم، ثم قال:
فهل تعلمون آخر من يموت؟ قالوا: لا، قال: ملك الموت، قال: هل تعلمون أبغض خلق الله؟ قالوا: لا، قال: إن أبغض خلق الله إليه عبد أعطاه سلطانا فعمل بمعصيته. فأخذ سليمان يحك رأسه حتى كاد يجرحه.
63 - قال موسى صلوات الله عليه: يا رب، أنت في السماء ونحن
__________
(1) المجانيق: نوع من السلاح كانت تقذف به الحجارة.(5/170)
في الأرض، فما علامة رضاك من سخطك؟ قال: إذا استعملت عليكم خياركم.
النامي (1):
سأصبر إن جفوت فكم صبرنا ... لمثلك من أمير أو وزير
رجوناهم فلما أخلفونا ... تمادى فيهم غير الدهور
فبتنا بالسلامة وهي غنم ... وباتوا في المحابس والقبور
ولما لم تنل منهم سرورا ... رأينا فيهم كل السرور
64 - مالك بن دينار: إذا غضب الله على قوم سلط عليهم صبيانهم.
65 - محمد بن واسع: والله لسف التراب ولقم القصب خير من الدنو من أبواب السلطان.
66 - نهى الثوري عن القرب من المنبر، فقيل: أليس يقال ادن واستمع: قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، فأما هؤلاء فتباعد عنهم، ولا تسمع كلامهم ولا تر وجوههم.
وعنه: لا تجالسوا الملوك، فإنكم إن باهيتموهم أفقروكم، وإن تفضلوا عليكم حقّروكم.
وقيل له: لو دخلت عليهم وتحفظت. قال: أفتأمنونني أن أسبح في البحر فلا تبتل ثيابي.
67 - كتب يعقوب بن داود وزير المهدي إلى عابد يستقدمه، فاستشار محمد بن النصر وقال: لعل الله أن يقضي ديني. فقال محمد: لأن تلقى
__________
(1) النامي: هو أحمد بن محمد الدارمي المصّيصي، أبو العباس المعروف بالنامي، شاعر رقيق الشعر، من أهل المصيصة (على ساحل البحر المتوسط، قريبة من طرسوس) نسبته إلى دارم بن مالك، وهو بطن كبير من تميم، اتصل بسيف الدولة ابن حمدان فكان عنده كالمتنبي في المنزلة والرتبة. كان واسع الاطلاع في اللغة والأدب، وكانت له مع المتنبي معارضات اقتضاها اجتماعهما في حلب وقربهما من سيف الدولة. مات في حلب سنة 399هـ.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 1: 164وابن خلكان 1: 38.(5/171)
الله وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب دينك.
68 - ابن السماك (1): الذباب على العذرة (2) أحسن من القارىء على أبواب الملوك.
69 - فضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لما جعلتها إلّا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن العباد والبلاد. فقبل ابن المبارك رأسه وقال: يا معلم الخير، من يحسن هذا غيرك؟.
وعنه: رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم الليل ويصوم النهار ويحج ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم.
70 - سفيان بن عيينة: ما من عملي شيء أرجى عندي من بغض هؤلاء.
71 - هوبر التغلبي:
الملك إن لم يقم بالحق سائسه ... عما قليل لأهل الملك ضرار
لا بارك الله في دنيا إذا انصرمت ... لذاتها كان عقبى أهلها النار
72 - محمود بن مروان بن أبي الجنوب:
أعاد لنا المعتز أيام جعفر ... وأحيا لنا بالعدل والجود جعفرا
إمام له في كل قلب محبة ... كوالده قولا وفعلا ومنظرا
73 - قال ابن السماك للرشيد: إن الله تعالى قد وهب لك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، ولم يجعل فوق قدرك قدرا، فلا تجعل فوق شكرك شكرا.
__________
(1) ابن السماك: هو محمد بن صبيح. كان زاهدا راوية للحديث. توفي سنة 183.
تقدّمت ترجمته.
(2) العذرة: الغائط.(5/172)
74 - علي عليه السلام: إن شر الناس إمام جائر ضلّ وضلّ به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيى بدعة متروكة، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يؤتى بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها.
75 - ابن المبارك: دخل أسقف نجران على مصعب بن الزبير، فرماه بشيء فشجه، فقال له الأسقف: إجعل لي أمانا حتى أخبرك بما في الإنجيل، قال: لك ذلك. قال: فيه ما للأمير والغضب ومن عنده يطلب الحلم؟ وما للأمير والجور ومن عنده يطلب العدل؟ وما للأمير والبخل ومن عنده يطلب البذل.
76 - يحيى بن يحيى لأن ألقى الله بكل ذنب أحب إلي من أن آخذ منهم، يعني السلاطين.
77 - من صحب السلطان قبل أن يتأدب فقد غرر بنفسه.
78 - قال سلمة الأحمر للرشيد: يا أمير المؤمنين، لو كنت في فلاة فعطشت بكم تشتري شربة ماء؟ قال: ينصف ملكي. قال: فإن شربتها فأبت أن تخرج؟ قال: بالنصف الآخر. قال: فلعن الله ملكا يباع بشربة وبولة.
79 - ابن المبارك:
أنا ما استطعت هدا ... ك الله عن باب الأمير
لا تزرها واجنتبها ... إنها شر مزور
80 - أبو هريرة رفعه: ويل للأمراء، ويل للأمناء، ليتمنيين أقوام لو أن ذوائبهم كانت معلقة في الثريا، يتذبذبون بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملا.
81 - ابن عباس رفعه: إن من أشراط الساعة إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، واتباع الهوى، ويكون أمراء خونة، ووزراء فسقة. فوثب
سلمان فقال: بأبي وأمي، إن هذا لكائن؟ قال: نعم، عندما يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ولا يستطبع أن يغير. قال.(5/173)
81 - ابن عباس رفعه: إن من أشراط الساعة إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، واتباع الهوى، ويكون أمراء خونة، ووزراء فسقة. فوثب
سلمان فقال: بأبي وأمي، إن هذا لكائن؟ قال: نعم، عندما يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ولا يستطبع أن يغير. قال.
أو يكون ذلك؟ قال: نعم يا سلمان، إن أذل الناس يومئذ المؤمن، يمشي بين أظهرهم بالمخافة، إن تكلم أكلوه، وإن سكت مات بغيظه.
82 - عمر رضي الله عنه: عنه عليه الصلاة والسلام: ويل لديان الأرض من ديان السماء، إلّا من أمر بالعدل وقضى بالحق، ولم يقض على هوى ولا قرابة، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه.
83 - ربيعة الجرشي: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من رجل عظيم سلطانه، قليل وفاؤه لدينه هضّام، وعن آخرته نوام.
84 - أبو هريرة: أخنع الأسماء عند الله أن يقال له ملك الأملاك.
أي أذلها. ويروى أنخع أي أقتل.
85 - قال عمر رضي الله عنه لرجل: من سيد قومك؟ قال: أحوجهم الدهر إلي. فقال عمر: هكذا المخاتلة عن الشرف.
86 - نزل عيسى عليه السلام دمشق فوجد ملكها يطعم الناس الطعام في صحاف الذهب والفضة، فذهب هو وأصحابه إلى بردى، فأخرجوا كسرا معهم فأكلوا، وشربوا من الماء. ثم قال عيسى: لا تدخلوا على الملوك، ولا تأكلوا من طعامهم، ولا تعجبوا بما أوتوا، واعجبوا مما يفعل بهم يوم القيامة.
87 - لزمت بعض أمراء بلخ كفارة يمين، فسأل فقيها، فقال: كفر بالصيام. فبكى. لأن في أمره بالصيام أن جميع ما يملكه حرام ولا شيء له.
88 - لقمان: لا تقارب السلطان إذا غضب، ولا البحر إذا مدّ.
89 - لقمان: ثلاث فرق يجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والمرأة، والمريض.
90 - أبوذر: قلت يا نبي الله، كم كتابا أنزل الله؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيت خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ فذكر أن فيها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى} (1) إلى آخر السورة. وفيها:(5/174)
89 - لقمان: ثلاث فرق يجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والمرأة، والمريض.
90 - أبوذر: قلت يا نبي الله، كم كتابا أنزل الله؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيت خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ فذكر أن فيها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى} (1) إلى آخر السورة. وفيها:
يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لن أردها ولو كانت من كافر.
91 - علي عليه السلام: تباعد من السلطان الجائر، ولا تأمن خدع الشيطان فتقول متى أنكرت نزعت، فإنه هكذا هلك من كان قبلك، فإن أبت نفسك إلّا حب الدنيا، وقرب السلاطين، وخالفتك عما فيه رشدك، فأملك عليك لسانك، فإنه لا بقية للموت عند الغضب، ولا تسل عن أخبارهم، ولا تنطق بأسرارهم، ولا تدخل فيما بينهم.
92 - الثوري: وإياك الأمراء أن تدنو منهم وتخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع فيقال له: تشفع وترد مظلمة، فإنما ذلك خديعة إبليس اتخذها فخا.
93 - قال الحجاج للحسن: أنت القائل: قاتلهم الله! قتلوا عباد الله على الدرهم والدينار؟ قال: نعم، قال: أما علمت سطوتي؟ أما اعتبرت بقتلي أكفاءك ولم يتكلوا بشطر من ذلك؟ قال: حملني على ذلك ما أخذ الله على العلماء، وتلا قوله تعالى {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنََّاسِ وَلََا تَكْتُمُونَهُ}، فسكن غضبه، وأمر أن يدهنوا شعره. ثم ندم. وتوارى الحسن فلم يقدر عليه.
94 - كاتب: أعطي قوس السيادة باريها، وأضيفت إلى كفئها
__________
(1) سورة الأعلى، الآية: 14.(5/175)
وكافيها، وفسخ به شرط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أوغادها (1)، ونقض حكمها الجائر في العدول بها عن نجباء أولادها. رمقته عين الملك وهو جنين، وجهرته وهو ماء مهين، وقد كان يحيى أوتي الحكم صبيا، وعيسى كلّم الناس في المهد.
95 - غاية النوك (2) خدمة الملوك.
96 - أمارة الطمع أمارة الطبع.
97 - صحب عمرو بن عمار الطائي النعمان بن المنذر، وكان النعمان أقشر أحمر الحماليق، معربدا، فعربد على عمرو فقتله. فقال أبو قردودة الطائي:
لقد نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تقربن أحمر العينين والشعره
إن الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بنارك من نيرانهم شرره
يا جفة كإزار الحوض قد كفؤوا ... ومنطقا مثل وشيء اليمنة الحبرة
98 - عبد الملك بن عمرو: رأيت في ديوان معاوية بعد موته كتابا من ملك الصين الذي على مربطه ألف فيل، وبنيت داره بلبن الذهب والفضة، والذي تخدمه بنات ألف ملك، والذي له نهران يسقيان الألوة (3)، إلى معاوية.
99 - قيل ليزيد بن المهلب: ما أحسن ما مدحت به؟ قال: قول زياد الأعجم:
فتى زاده السلطان في الحمد رغبة ... إذا غيّر السلطان كل خليل
__________
(1) الأوغاد: جمع وغد وهو اللئيم الخسيس.
(2) النوك: الحمق. الأنوك هو الأحمق.
(3) الألوة: الحلفة، نبت أطرافه محددة شبيه بسعف النخل. وألوة: اسم بلدة لم يحدّدها ياقوت والألوة: العود الذي يتبخر به.(5/176)
100 - قال الأولون: ليس في الأرض عمل أكد لأهله من سياسة العوام.
101 - وقد قال الهذلي (1):
وإن سياسة الأقوام فأعلم ... لها صعداء مطلعها طويل
102 - الجاحظ: ليس شيء ألذ ولا أسر ولا أنعم من عز الأمر والنهي، ومن الظفر بالأعداء، ومن اعتقاد المنن في أعناق الرجال. لأن هذه الأمور هي نصيب الروح، وحظ الذهن، وقسمة النفس.
103 - أبو الفتح البستي (2):
يا قوم أرعوني أسماعكم ... حتى أؤدي واجب القرض
أشهد حقا أن سلطانكم ... ليس بظل الله في الأرض
104 - الملك خلافة الله في عباده وبلاده، وليس يستقيم أمر خلافته مع مخالفته.
105 - كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب.
106 - أنوشروان: كل الناس أحقاء بالسجود، وأحقهم بذلك من رفعه الله عن السجود لأحد من خلقه.
107 - ونحو ما أنشدنيه صديق لي من أهل الشام:
قرن الشجاعة بالخضوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب
108 - بعض السلف: يا بني، اتق السلطان، فإنه يغضب غضب الصبي، ويصول صيال الأسد.
__________
(1) الهذلي: (أبو كبير) هو عامر بن الحليس الهذلي. من شعراء الحماسة في الجاهلية.
قيل: أدرك الإسلام وأسلم. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو الفتح البستي: هو علي بن محمد بن الحسن بن يوسف بن محمد بن عبد العزيز البستي، شاعر، كاتب توفي سنة 400هـ. تقدّمت ترجمته.(5/177)
109 - يقال لأتم مدة الخلفاء ميدان الخلفاء، وهي مدة دوران المشتري أربع وعشرون سنة. ولم يستكملها إلّا الرشيد والمقتدر، وقال قال عقال بن شيبة بن عبد الملك بن هلال للرشيد: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي خصّك بطول البقاء، وجاوز بك ميدان الخلفاء. فتغير وجهه، فما عاش بعدها إلّا أقل من سنة.
وليس من آداب الملوك أن يعرض لهم بما يؤذن بالموت.
110 - وعن نصر بن أحمد أن شاعرا جاءه ليلة السذق (1) بقصيدة في أولها عدد أسذاقه وكانت إحدى وعشرين، فأنكر العدد واغتاظ، ولم يسمع ما بعده، ولم يسذق بعدها، إذ لم يدر عليه الحول.
111 - كانت خلافة عبد الله بن المعتز يوما وبعض يوم، ولقب بالمنتصف بالله، وضربت مثلا فيما لا تطول مدته، وحين قتل لم يجسر على مرثيته إلّا ابن بسام (2) فقال:
لله درك من ميت بمصيبة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لولا ولا ليت فينقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب
112 - في يتيمة ابن المقفع، وهي رسالته المضروب بها المثل في البلاغة، قال: قليل مضار السلطان في جنب كثير من منافعه كمثل الغيث الذي هو سقيا الله، وبركة السماء، وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السفر، ويتداعى به البنيان، وتدر سيوله فيهلك الناس والدواب، ويموج له البحر، وتكون فيه الصواعق، فلا يمتنعن الناس إذا نظروا إلى آثار رحمة الله في الأرض التي أحيا، والنبات الذي أخرج، والرزق الذي بسط، عن أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها، ويلغوا ذكر خواص البلاء التي دخلت على خواص. ومثل الرياح التي يرسلها الله بشرى بين يدي
__________
(1) ليلة السذق: ليلة الوقود. فارسي معرّب (راجع اللسان مادة سذق).
(2) ابن بسام: هو البسامي علي بن محمد بن منصور أبو الحسن. تقدّمت ترجمته.(5/178)
رحمته فيسوق بها الحساب، ويجعلها لقاح للأشجار، وروحا للعباد، يتنسمون منها، ويتقلبون فيها، وتجري فلكهم، وتقدّ نيرانهم بها، وقد نضر بكثير من الناس في برهم وبحرهم، فيشكوها الشاكي، ويتأذى بها المتأذي، فلا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها الله بها، وقدرها سببا لقوام عباده، وتمام نعمته.
113 - ومثل الشتاء والصيف، والليل والنهار، وما فيها من قليل المضار وكثير المنافع. ولو أن الدنيا كانت سراء، وكانت نعماؤها من غير كدر، وميسورها من غير معسور، لكانت الدنيا إذن هي الجنة التي لا يشوب (1) مسرّتها مكروه.
114 - أبو العيناء (2) في بعض أصحاب السلطان: لله دوره من ناقض أوتار، ومدرك أوتار، يلتهب كأنه شعلة نار. بات على مدرجة الخائفين ينتظر إلى أن تزل بأمره قدمه فيحكم في ماله قلمه، له في الفينة بعد الفينة جلسة عند الخليفة كحسوة طائر، أو خلسة سارق، يقوم عنها وقد أفاد نعما، وأوقع نقما.
115 - بعض الأشراف:
فلا تحسب السلطان عارا عقابه ... ولا ذلة عند الحفائظ والأصل
لقد قتل السلطان عمرا ومصعبا ... قريعي قريش واللذين هما مثلي
عماد بني العاص الرفيع عماده ... وقوم بني العوام آنية النحل
أراد قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق ومصعب بن الزبير، وجعل بني العوام أواني النحل لكرمهم وطيبهم.
116 - قالوا: السكر ثلاث: سكرة الشباب، وسكرة الولاية، وسكرة
__________
(1) يشوب: يخالط.
(2) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر. شاعر أديب توفي سنة 283هـ.
تقدّمت ترجمته.(5/179)
الشراب، وهي أهونها. وقد خمسها من قال:
سكرات خمس إذا مني المر ... ء بها صار خلسة الشيطان
سكرة المال والحداثة والعش ... ق وسكر الشراب والسلطان
وسمعه بعض الزهاد فقال: أين هو من سكرة الموت؟ وقرأ:
{وَجََاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} (1).
117 - الصابي (2): وقعت الخلافة في الخلاف، وبرز الشر من الغلاف.
118 - سليمان بن المهاجر البجلي حين قتل أبو سلمة الخلال:
إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزير (3)
119 - الحجاج: سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها.
120 - شياطين السلاطين سلاطين الشياطين.
121 - الملك من لا يسلم الإسلام، ولا يفارق الفرقان، ولا يمل الملّة (4)، ولا يعدل عن العدل، ولا يجور على الجار.
122 - إذا ساد اللئام باد (5) الكرام.
123 - أجهل الناس من كان على السلطان مدلا.
124 - هذه أحوال لم تدر بمثلها أحوال، وأقوال لم يقل مثلها أقوال.
__________
(1) سورة ق من الآية: 19وتمامها: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.
(2) الصابي: هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الحزاني الصابي. خدم المطيع العباسي ومعزّ الدولة الديلمي وابنه عزّ الدولة بختيار. توفي سنة 384هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) يشناك: يبغضك.
(4) الملة: المذهب والدين.
(5) باد: هنا بمعنى قلّ.(5/180)
125 - قال رجل لأسد بن عبد الله: أصلح الله الأمير، إن لي عندك يدا. قال: وما هي؟ قال: دخلت المقصورة وليس لك مجلس فيها فقمت لك عن مجلسي، فقال: إن هذه ليد، فما حاجتك؟ قال: تستعملني على أبيورد (1). قال: وما تصنع بولايتها؟ قال: أصيب منها مائة ألف.
قال: عليها رجل له منا ناحية، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، قال: لم تقض ذمامي. قال: كيف؟ قال: منعتني تسليم الإمرة. قال: قد سوّ غناك مائة الألف واستعملناك على أبيورد.
126 - أبو ميمون الأنباري الكاتب:
يا وزارء الملك لا تفرحوا ... أيامكم أقصر أيام
وزارة مختصر عمرها ... أطولها يقصر عن عام
127 - إبراهيم بن أبي عبلة: دخلت على هشام، فقال: يا غلام، أكتب له على مصر. فقلت: أو يعفيني أمير المؤمنين؟ فغضب حتى اصفر وجهه، وقال: إذا استعنا بخياركم ذكروا نحو هذا، فتركته حتى سكن غضبه ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: {إِنََّا عَرَضْنَا الْأَمََانَةَ}، والله ما أكرههن إذ أبين، ولا عاب عليهن إذ كرهن، فتبسم ثم قال: أبيت يا ابن أبي عبلة إلّا ما أبيت.
128 - قال ابن إسحاق: أبو جاد، وهوّز، وحطيّ، وكلمون، وسعفص، وقرشيات، بن والمحض بن جندل، كانوا ملوكا، ملك أبو جاد بمكة، وهوّز وحطي بوج (2)، والباقون بمدين، وإنما أصاب مدين العذاب في ملك كلمون.
__________
(1) أبيورد: مدينة بخراسان بين سرخس ونسا. فتحت على يد عبد الله بن عامر بن كريز سنة 31. وقيل فتحت قبل ذلك على يد الأحنف بن قيس التميمي.
(2) وجّ: اسم للطائف وفي الطائف كانت آخر غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم قيل: سمّيت وجّا بوجّ ابن عبد الحقّ من العمالقة. راجع التفاصيل في تحديد الطائف في معجم البلدان.(5/181)
129 - صالح بن علي الهاشمي: جاءتني امرأة موسوسة بواسط، فقالت لي: بأبي أنتم، ما أكثر ظلم الناس لكم! قلت: فيم ذاك؟
قالت: يزعمون أن الخلفاء منكم ظلمة، ولو كانوا كذلك ما ولاهم الله خلافته، أليس يقول: {لََا يَنََالُ عَهْدِي الظََّالِمِينَ} (1). فلو كان ظلمة لم ينلهم عهده.
130 - راشد الكاتب في علي بن هشام:
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
وإذ أنت تكثر ذم الزمان ... ومشيك أضعاف ما تركب
وإذ أنت تفرح بالزائرين ... ونفسك نفسك تسجب
فقلت كريم له همة ... ينال فأدرك ما أطلب
فنلت فأقصيتني عامدا ... كأني ذو عرّة أجرب (2)
ففي الناس إذ ضاق بي ما لدي ... ك ولم ترع لي حرمة مذهب
131 - كسرى: موت ألف سيد أهون من ارتفاع سفلة.
132 - قيل لرجل أصابته حاجة: لو خالطت هؤلاء فأصبت من دنياهم، فقال: دعوني عنكم، فإني قد أصبت من فقر الدنيا ما لا أحب أن أجمع إليه من فقر الآخرة.
133 - ابن شبرمة (3): قلت لأبي مسلم حين أمر بمحاربة عبد الله بن علي: أيها الأمير، إنك تريد عظيما من الأمور، فقال: يا ابن شبرمة، إنك بحديث تفلق معانيه، وشعر توضح قوافيه، اعلم منك بالحرب. إن هذه دولة قد اطردت أعلامها، وخفقت ألويتها، واتسعت أفئيتها، فليس لمناوئها، والطامع فيها، يد تنيله شيئا من قوة الوثوب عليها. فإذا تولت
__________
(1) سورة البقرة من الآية: 124.
(2) العرّة: الجرب. والعرّة: الخلّة القبيحة.
(3) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسّان الضبي. توفي سنة 144هـ.
تقدّمت ترجمته.(5/182)
مدتها قدح الوزع بذنبها فيها.
134 - قال رجل لأبي الدوانيق وهو المنصور: أين ما كنت تحدث به في أيام بني أمية أن الخلافة إذا لم تقابل بانصاف المظلومين من الظالمين، وأن لم تعارض بالعدل في الرعية، وقسم الفيء بالسوية، كان عاقبة أمرها بوارا (1)، وحاق بولاتها سوء العذاب؟ فتنفس ثم قال: قد كان ما تقول، ولكنا استعجلنا ما في الفانية (2) على ما في الباقية (3)، وكان قد انقضت هذه الدار، فقال له: فانظر على أي حال تنقضي، فقال: لعاعة تقول:
تبا تبا لعالم أصاره علمه غرضا لسهام الخطايا، وهو عالم بسرعة مواقع المنايا، اللهمّ إن تقض للمؤمنين صفحا فاجعلني منهم، وأن تهب الظالمين فرجا فلا تحرمني ما يتطول به المولى على أخس عبيده.
135 - جودرز بن سابور: لا تثق بمودة الملوك، فإنهم يوحشونك من أنفسهم آنس ما كنت بهم.
136 - خسرو بن فيروز: شر السلاطين من خافه البريء.
137 - أردشير قال لابنه: يا بني، الملك والدين أخوان لا غناء لأحدهما عن الآخر. فالدين أسّ، والملك حارس، وما لم يكن له أس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع.
138 - هرمز بن نرسي: شكا له أهل اصطخر (4) احتباس القطر، فوقّع: إذا بخلت السماء بقطرها جادت يد الملك بدرها.
139 - بهرام بن نرسي: أبلغ الأشياء في تشييد الملك تدبيره بالعدل، وحفظه بالعفو.
__________
(1) البوار: الهلاك.
(2) الفانية: كناية عن الدنيا.
(3) الباقية: كناية عن الدار الآخرة.
(4) اصطخر: بلدة بفارس ومن أعيان حصونها ومدنها وكورها.(5/183)
140 - هرمز بن سابور: نحن كالنار من قاربها كثر عليه ضررها، ومن باعدها لم ينتفع بها.
141 - يزدجرد: نحن معاشر الملوك لا نشبه الآدميين إلّا بالصور والخلق، فأما الأخلاق والهمم فبيننا وبينهم فيها التفاوت البعيد.
142 - بهرام جور: لا شيء أضر بالملوك من استخبار من لا يصدق إذا خبّر، واستكفاء من لا ينصح إذا دبّر.
143 - أنوشروان: ما عدل من جارت قضاته، ولا صلح من فسدت كفاءته.
144 - لا يستغني أعلم الملوك عن الوزير، ولا أحد السيوف عن الصقال (1)، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعقل النساء عن الزوج.
145 - جلس الإسكندر يوما فما رفع إليه أحد حاجة، فقال: ما أعدّ اليوم من أيام ملكي.
146 - ملك الخزر (2): من طباع الملوك إنكارهم القبيح من غيرهم، واحتمالهم إياه من أنفسهم.
147 - حسان بن تبع الحميري: لا تثقن بالملك فإنه ملول، ولا بالمرأة فإنها خؤون، ولا بالدابة فإنها شرود.
148 - عهد أبي بكر الصديق عند موته: هذا ما عهد أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت،
__________
(1) الصقال: شحّاذ السيوف. وصقل السيف: جلاه وملّسه وكشف صدأه فهو صاقل.
(2) خزر: نظر بمؤخرة عينه وتداهى. والخزر: ضيق العين، وطائفة من الناس خزر العيون، ومنه بحر الخزر وهو بحر قزوين.(5/184)
ولكل امرىء ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
149 - عمر رضي الله عنه: أشقى الولاة من شقيت به رعيته.
150 - عثمان رضي الله عنه: ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن.
151 - معاوية: ما أخاف على ملكي إلّا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، قيل: فلم لا تقتلهم؟ فقال: فعلى من أتأمر؟.
152 - زياد بن أبيه: طوبى لمن له دويرة تؤويه، وتجارة تكفيه، وجارية ترضيه، ولا نعرفه نحن فنؤذيه.
153 - عبد الملك: أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر.
نسأل الله أن يعين كلا على كل.
154 - الحجاج: جور السلطان خير من ضعفه، لأن ذلك يخص، وهذا يعم.
155 - أبو العباس السفاح: ما أقبح بنا أن تكون الدنيا بأيدينا وأولياؤنا خالون من أيادينا!.
156 - قرأ الرشيد قوله تعالى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الْأَنْهََارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} (1)، فقال: لعنه الله، ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولّاها الخصيب (2). وكان على وضوئه.
157 - أخذ في مبايعة المهتدي بالله قبل أن يخلع المعتز نفسه، فقال المهتدي: لا يجتمع أسدان في غابة، ولا فحلان في عانة.
__________
(1) سورة الزخرف، الآية: 51.
(2) الخصيب: حاكم مصر.(5/185)
158 - ابن المعتز: من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة.
وعنه: إذا زادك الملك تأنيسا وإكراما فزده تهيبا واحتشاما.
وعنه: من صحب السلطان فليصبر على قسوته كصبر الغواص على ملوحة بحره.
وعنه: لا تلبس السلطان في أيام الفتنة فإن البحر لا يسلم راكبه في حال سكونه، فكيف إذا عصفت رياحه، والتطمت أمواجه؟.
159 - محمد بن زيد الداعي: ما أشبه دولة السامانية في طول ثيابها مع قلّة كفاءتها إلّا بالسماء المرفوعة بغير عمد.
160 - أبو علي الصنعاني: إياك والملوك، فإن من والاهم أخذوا ماله، ومن عاداهم أخذوا رأسه.
161 - سيف الدولة الحمداني: السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.
162 - المطيع لله: باسمنا يدفع عن سواد الأمة وبياض الدعوة.
163 - عضد الدولة: الدنيا أضيق من أن تسع ملكين.
164 - محمود بن سبكتكين: شكر له أخوه كثرة نفقاته وصدقاته على أهل غزنة (1) عام القحط (2)، فقال: يا أخي، لو كانوا قوما أجانب لكانت البشرية توجب مواساتهم، فكيف وهم إخواننا في الدين، وأصحابنا في الملك، وجيراننا في البلد؟ فأي عذر لنا مع سعة المال في تمييزهم عن العيال؟
__________
(1) غزنة: مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان، وهي الحدّ بين خراسان والهند في طريق فيه خيرات واسعة. ينسب إليها ما لا يعدّ من العلماء كانت منزل بني محمود بن سبكتكين إلى أن انقرضوا.
(2) عام القحط: عام الجدب.(5/186)
165 - وعاتب والي خوجان (1) على القتل فقال: إن جرح المال يوسى بتعويض وإخلاف، وليس لإتلاف النفوس تلاف.
166 - قيل لبزرجمهر: كيف اضطربت أمور آل ساسان؟ فقال:
استعانوا بأصاغر العمال على أكابر الأعمال، فآل أمرهم إلى شر مآل.
167 - السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل ولكن الأدنى، كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناها منه.
168 - ظفر بن الليث: سمعت أبا داود وقد ولي بلخ ثمانين سنة يقول: والله، ما حللت حبوتي (2) لحرام قط، ولا ارتشيت درهما في الحكم، ولو علمت أن صلاح رعيتي في يميني لبذلتها.
169 - هرمز بن نرسي لمّا دنت وفاته وامرأته حامل بسابور (3) عقد التاج على بطنها. وقام الوزراء بتدبير المملكة حتى ولد. وأغار العرب على نواحي فارس في صباه، فلما أدرك انتخب من أهل النجدة وأوقع بالعرب فنهكهم بالقتل. ثم خلع أكتاف سبعين ألفا فسمي ذا الأكتاف.
وأمرهم حينئذ بأرخاء الشعور، ولبس المصبغات والأزر، وأن يسكنوا بيوت الشعر، وأن لا يركبوا الخيل إلّا اعراء.
170 - كتب الإسكندر إلى أرسطاليس يعلمه بما افتتح من البلاد، ويعجبه من قبة ذهب وجدها في بلاد الهند. فأجاب: إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون، وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك، وما
__________
(1) خوجان: بلدة في نواحي نيسابور. وخوّجان: من قرى مرو.
(2) الحبوة: ما يشتمل به من ثوب أو عمامة.
(3) سابور: ولقبه هويه سنبا. وهويه اسم الكتف بالفارسية وسنبا أي ثقّاب وهو الذي تسميه العرب ذا الأكتاف. إنما لقّب بذلك لأنه كان يثقّب أكتاف العرب ويدخل فيها الحلق وقيل بل كان يخلع أكتافهم. وقد اضطهد المسيحيين وحارب البيزنطيين ويقال له شابور وهو ابن هرمز الملقب كوهبذ أي صاحب الجبل. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.(5/187)
زينت به من الكواكب وأنوار الليل والنهار. وأما البلدان فليكن ملكك بالتودد إلى أهلها، لا كقهر الراعي غنمه بالعصا، فإنك في طاعة لمودة أحمد بدءا وعاقبة من طاعة القهر والإستطالة.
171 - فحدث به المأمون فقال: لقد حثّ على التودد فأحسن، وقد أدبنا الله قبل معرفتنا بحكمة أرسطاليس بقوله: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.
172 - العتابي في الرشيد:
إمام له كف يضم بنانها ... عصا الدين ممنوعا من البري عودها
وعين محيط بالبرية طرفها ... سواء عليها قربها وبعيدها
173 - محمد بن مكرم الكاتب في أحمد بن إسرائيل وزير المعتز:
إن زمانا أنت مستوزر ... فيه زمان عسر أنكد
يذمك الناس جميعا فما ... يلقاك منهم واحد يحمد
طرف الذي استكفاك في ملكه ... أمر الرعايا عائر أرمد (1)
174 - لما بويع لأبي العباس السفاح اعترضه المحيس بن أرطأة الأعرجي فقال:
أهلا وسهلا بخيار الناس ... بهاشم أهل الندى والباس
تدولوها يا بني العباس ... تداول الأكفّ للأمراس
فقال: نعم إن شاء الله، وأمر له بمائتي دينار.
175 - يوسف الجوهري في المتوكل:
إن الخلافة لم تزل مشتاقة ... يسمو إليك سريرها والمنبر
حتى أتاك بها الذي أعطاكها ... ليعزّها بك إنه بك أخبر
__________
(1) الطرف: العين. والعائر: المتردّد. والأرمد: المصاب بالرمد وهو مرض يوجع العيون.
ولئن أتتك وتلك أفضل رتبة ... للطالبين لأنت منها أكبر
176 - ابن عباس: دخلت على علي بذي قار (1) وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حدا من حدود الله، أو أدفع باطلا.(5/188)
__________
(1) الطرف: العين. والعائر: المتردّد. والأرمد: المصاب بالرمد وهو مرض يوجع العيون.
ولئن أتتك وتلك أفضل رتبة ... للطالبين لأنت منها أكبر
176 - ابن عباس: دخلت على علي بذي قار (1) وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حدا من حدود الله، أو أدفع باطلا.
177 - وقال للأشتر حين ولاه مصر: وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر منه على نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفيء إليك ما غرب عنك من عقلك.
وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم (2) عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.
وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرها في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلّا قليلا.
وعنه: ولقد لقيه دهاقين (3) الأنبار (4) فترجلوا له واشتدوا بين يديه، فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون به على أنفسكم،
(1) ذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط. ويوم ذي قار: أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم. وحنو ذي قار: على ليلة من ذي قار وفيه كانت الوقعة المشهورة بين بكر بن وائل والفرس.
(2) أشنأهم: أبغضهم.
(3) دهاقين: جمع دهقان وهو رئيس الأقليم، والدهقان أيضا التاجر.
(4) الأنبار: مدينة قرب بلخ وهي قصبة ناحية جوزجان. فتحت الأنبار في أيام أبي بكر الصديق سنة 12للهجرة على يد خالد بن الوليد.(5/189)
وتشقون به في آخرتكم. وما أخسر المشقة وراءها العذاب! وما أربح للراحة معها الأمان من النار.
وعنه: صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه، وهو أعلم بموضعه.
178 - عابد: ينظر أهل البصائر إلى الملوك بالتصغير والرحمة، وأهل الغفلة بالتعظيم والغبطة.
179 - وقف ملك من ملوك بني إسرائيل على مريض، فقال:
مالك؟ قال: أرحمك، قال: يا رب مرحوم من سقم هو شفاؤه، ومغبوط بنعمة هي داؤه.
180 - تزوج ملك من بني إسرائيل بنت ملك، فقالت له: إن أولى الناس بمعرفة النعم من غذي بالنعم، وما أحسن من طلب نعيم الآخرة بترك نعيم الدنيا! فهل لك أن تدع ما نحن فيه ونتعبد؟ فلبسا المسوح (1)
وتعبدا.
181 - إسحاق بن إبراهيم:
باب الأمير عراء ما به أحد ... إلا امرؤ واضع كفا على ذقن
182 - أبو العرجاء حمال موسى بن عيسى: لما نزلنا بستان بني عامر بعثني محمد بن سليمان إلى الحسين بن علي صاحب فخ (2) لأتجسس له،
__________
(1) المسوح: ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشّفا وقهرا للجسد.
(2) فخ: واد بمكة. ويوم فخّ كان أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن أبي طالب خرج يدعو إلى نفسه في ذي القعدة سنة 169هـ وبايعه جماعة من العلويين بالخلافة بالمدينة وخرج إلى مكة فلما كان بفخ لقيته جيوش بني العباس وعليهم العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وغيره فالتقوا يوم التروية سنة 169فبذلوا الأمان له، فقال: الأمان أريد. فيقال إن مباركا التركي رشقه بسهم فمات وحمل رأسه إلى الهادي وقتلوا جماعة من عسكره وأهل بيته فبقي قتلاهم ثلاثة أيام حتى أكلتهم السباع، ولهذا يقال لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشدّ وأفجع من فخّ. وفي هذا الموقع دفن عبد الله بن عمر ونفر من الصحابة الكرام.
وفخ أيضا ماء أقطعه النبي صلّى الله عليه وسلّم عظيم بن الحارث المحاربي، حكى ذلك الحازمي.(5/190)
فمضيت فما رأيت إلّا مصلّيا أو مبتهلا أو ناظرا في مصحف أو معدا لسلاح، فرجعت وقلت: ما أظن القوم إلّا منصورين، وأخبرته بخبرهم.
فصفق بيده وبكى حتى ظننت أنه سينصرف، ثم قال: هم والله أكرم خلق الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر، يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نازعنا الملك لضربنا خيشومه (1) بالسيف، وسار إليهم وفعل ما فعل.
183 - ولما احتضر محمد بن سليمان كانوا يلقنونه الشهادة، وهو يقول: ألا ليت أمي لم تلدني، ولم أكن شهدت حسينا يوم فخ ولا الحسن.
184 - إبراهيم بن عبد الله بن رجاء الجلاني في المتوكل:
إذا ما امرؤ طالت إلى المجد كفه ... فكفك منها في ذرى المجد أطول
وحسبك أن الله فوقك وحده ... وأنك فوق الناس بالحق تعدل
185 - وقف على الحسن أعمى فقال: تصدقوا على من لا قائد له يقوده، ولا بصر يهديه. فأشار إلى عبيد الله بن زياد وقال: ذاك والله صاحب هذه الدار ما كان له من حشمه قائد يقوده إلى خير، وما كان له من قبل نفسه بصر يبصر به.
186 - علي عليه السلام: حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله لكل على كل، فجعلها نظاما لإلفتهم، وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها حقها عز الحق
__________
(1) الخيشوم: أقصى الأنف: جمع خياشيم.(5/191)
بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.
وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالي برعيته اختلفت هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السنن، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنا لك تذل الأبرار، وتعز الأشرار.
187 - أسر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلم فيه الحسن والحسين فخلاه علي، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين، فقال: ألم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إنّ له أمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر.
188 - نوف البكالي: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة، وهو قائم على حجارة نصبت له، وعليه مدرعة (1) من صوف، وحمائل سيفه ليف، وفي رجليه نعلان من ليف، وكأن جبينه ثفنة (2) بعير، ثم قال: أين أخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين (3)؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الجنة؟ ثم ضرب بيده إلى لحيته فأطال البكاء، ثم قال: أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة.
ثم نادى بأعلى صوته الجهاد عباد الله، ألا وأني معسكر في يومي
__________
(1) المدرعة: هي جبّة مشقوقة المقدم.
(2) الثفنة، من البعير والناقة: الركبة وما مسّ الأرض من كركرته وصعداناته وأصول أفخاذه. وفي الصحاح: هو ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ.
(3) ذو الشهادتين: هو خزيمة بن ثابت الأنصاري. توفي سنة 37هـ. تقدّمت ترجمته.(5/192)
هذا، فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج. فعقد للحسين في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو يريد الرجعة إلى صفين.
فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم، فتراجعت العساكر فكنّا كالأغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان.
189 - أتى جرير بن عبد الله البجلي معاوية لأخذ البيعة لعلي رضي الله عنه، فدافعه فقال له: إن المنافق لا يصلّي حتى لا يجد من الصلاة بدا، ولا أحسبك تبايع حتى لا تجد من البيعة بدا. فقال معاوية: إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن، إنه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي. فلما كان من الغد رفع عقيرته (1) بسمع من جرير:
تطاول ليلي واعترتني وساوس ... لآت أتى بالترهات البسابس
أتاني جرير والحوادث جمة ... بتلك التي فيها اجتداع المعاطس
أكايده والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الدنيء بلابس
إن الشام أعطت طاعة يمنية ... تواضعها أشياخها في المجالس
فإن يفعلوا أصدم عليا بجبهة ... تغثّ عليه كل رطب ويابس
وإني لأرجو خير ما نال نائل ... وما أنا عن ملك العراق بيائس
190 - المستعين حين خلع:
كل ملك مصيره للذهاب ... غير ملك المهيمن الوهاب
كل ما قد ترى يزول ويفنى ... وتجازى العباد يوم الحساب
191 - أبو زبيد الطائي:
إذا نلت الأمارة فاسم منها ... إلى العيوق بالسبب الوثيق (2)
__________
(1) العقيرة: الصوت.
(2) العيوق: نجم يتلو الثريا ولا يتقدّمها.
ولا تلك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرا فتنشب في الحلوق
وكل إمارة إلّا قليلا ... مغيرة الصديق على الصديق
192 - أبو حفص العدوي:(5/193)
__________
(2) العيوق: نجم يتلو الثريا ولا يتقدّمها.
ولا تلك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرا فتنشب في الحلوق
وكل إمارة إلّا قليلا ... مغيرة الصديق على الصديق
192 - أبو حفص العدوي:
في صاعد وأخيه وابنه عظة ... لمن تسمى وزيرا بعدهم أبدا
فقل لذي نخوة من بعد نخوتهم ... وظالم ظلمهم لا تأمن القردا
193 - لما اشتدت شوكة العراق على عبد الملك خطب فقال: إن نيران العراق قد علا لهيبها، وكثر حطبها، فجمرها ذاك، وزنادها وار، فهل من رجل ذي سلاح عنيد، وقلب شديد، يندب لها؟ فقال الحجاج:
أنا يا أمير المؤمنين، فجبهه مرّات. ثم أعاد الكلام فلم يقم غيره، فقال:
كيف تصنع إن وليتك؟ قال: أخوض الغمرات، واقتحم الهلكات، فمن نازعني حاربته، ومن هرب طلبته، ومن لحقت قتلته. أخلط عجلة بأناة، وشدة بلين، وتبسما بإزدراء. وعلى أمير المؤمنين أن يجرب، فإن كنت المطلى قطاعا، وللأرواح نزاعا، وللأموال جماعا، وإلّا استبدل بي. فقال عبد الملك من تأدب وجد بغيته، اكتبوا كتابه.
وروي أنه قال: عليّ بابن القرناء، فلما رآه قال: هذا غلام ثقيف الموصوف في كتاب دانيال. ليكشف عن صدره، فإذا هو بشابة سوداء في وسطها نكت (1) حمر.
فقال: هذا ورب موسى، ليقتلن بعدد كل نكتة في شامته كذا وكذا، وهي النكتة التي يعطاها السفاكون.
وذكر أنه في الكتاب شاب أنزع بطين في اسمه حاء وجيمان.
194 - أعرابي: حاجب المرء عامله على عرضه.
195 - آخر: حاجب المرء بعضه، وكاتبه كله.
(1) النكتة: النقطة، والشامة في الجسم وما شابها ذلك.(5/194)
196 - وكان عمرو بن سعيد بن سلم في حرس المأمون ليلة، فبرز المأمون يتفقد الحرس، فقال له: من أنت؟ قال: عمرو عمرك الله وابن سعيد أسعدك الله، ابن سلم سلمك الله. فقال: أنت تكلؤنا الليلة، قال الله يكلؤك (1) يا أمير المؤمنين، وهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين فقال المأمون:
إن أخا هيجاك من يسعى معك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمان صدعك ... شتّت فيك شمله ليجمعك
ادفعوا له أربعة آلاف دينار. قال عمرو: فوددت الأبيات طالت.
197 - قال زياد لابنه: عليك بالحجاب، فإنما تجرأت الرعاة على السباع بكثرة نظرها إليها.
198 - سعيد بن المسيب: نعم الرجل عبد العزيز لولا حجابه، إن داود ابتلى الخطيئة لحجابه.
199 - قال بواب المأمون يوما للوقوف على الباب: كم تقفون؟
اختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تقفوا ناحية من الباب، وإما أن تجلسوا في المسجد، ثم سكت. قالوا: فالخصلة الثالثة؟ فلم يحسن أن يثلث فقال جئتمونا بكلام الزنادقة. فأنهيت إلى المأمون فضحك. وأمر له بألف درهم وقال: لولا أنها نادرة جهل لاستحق أكثر.
200 - استأذن رجل على أمير، فقال: قولوا له إن الكرى (2) قد خطب إلى نفسي، وإنما هي هجعة (3) ثم أهب. فخرج الحاجب فقال:
قد قال كلاما لا أفهمه، إلّا أنه لا يريد أن يأذن لك.
__________
(1) كلأ الله فلانا: حرسه وحفظه.
(2) الكرى: النوم.
(3) الهجعة: النوم الخفيف.(5/195)
201 - علي عليه السلام: إنما أمهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه وبذل طعامه.
202 - قدم عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية، فطال مقامه ببابه فصاح: من يستأذن لي اليوم فأستأذن له غدا؟ فبغت معاوية فأذن له وأكرمه.
203 - ولى يزيد بن المهلب إبنه مخلدا جرجان (1)، وقال له:
استظرف الكاتب، واستعقل الحاجب.
204 - أبو الشعيب الكوفي في بشر بن مروان:
بعيد مراد العين مارد طرفه ... حذار النواشي باب دار ولا ستر (2)
ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم سود أو صقالبة حمر (3)
ولكن بشرا أيسر الباب للتي ... يكون لها في غبها الحمد والشكر
205 - قال عمرو بن مرة الجهمي لمعاوية: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من أمير ولا وال يغلق بابه من دون ذوي الحاجة والخلة (4)
والمسألة إلّا أغلق الله أسباب السماوات دون حاجته وخلته ومسألته.
206 - قيل لأبي سفيان: إن عثمان حجبك، فقال: لأعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
207 - من وجد بابا مغلقا وجد إلى جنبه بابا مفتوحا.
208 - استأذن النابغة على النعمان (5). فقال الحاجب: الملك على
__________
(1) جرجان: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان.
(2) الغواشي: الطرّاق.
(3) الطمطم: الذي في لسانه عجمة. جمع طماطم. والصقالبة: جيل حمر الألوان صهب الشعور تتاخم بلادهم بلاد الخزر وبعض بلاد الروم.
(4) الخلّة: الفقر.
(5) النعمان: هو النعمان بن المنذر. تقدّمت ترجمته.(5/196)
شرابه، فقال: هو وقت الملق (1) تقبله الأفئدة وهي جذلى للرحيق والسماع، فإن تبلج (2) فلق المجد عن غر مواهبه (3) فأنت قسيم ما أخذت.
209 - ابن المبارك:
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين على دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
210 - قام رجل بين يدي بعض الملوك، فقال له: لم قمت؟ قال:
لأجلس فولّاه.
211 - في بعض ولاة بني مروان:
إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وأفنيتم أيامكم بمنام
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة ... ومن الذي يأتيكم لسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بلثم غلام أو بشرب مدام (4)
ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام
212 - قال أبو جعفر لسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم، فتلا: {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} (5). فقال: حسبك يا أبا قتيبة، هذا الرأي.
213 - قال أبو جعفر لشبيب بن شبة: عظني، فقال: إن الله لم يرض لك أن يكون فوقك أحد من خلقه، فلا ترض له من نفسك بأن يكون له عبد هو أشكر منك.
__________
(1) الملق: الودّ، واللطف الشديد.
(2) تبلّج: أشرق.
(3) غرّ المواهب: المواهب الزاهية. والأغر: الأبيض من كل شيء.
(4) البلغة: الغاية. والمدام: اسم للخمرة.
(5) سورة الأنبياء، الآية: 20.(5/197)
214 - لا يحمل النير ردفا، ولا يصلح ملك بين نفسين.
215 [شاعر]:
جعل ابن حزم حاجبين لبابه ... سبحان من جعل ابن حزم يحجب
216 - قال زياد لعمر رضي الله عنه: أعن خيانة عزلتني أم عن تقصير؟ قال: لا عن واحد منهما، ولكن أكره أن أحمل فضل عقلك على الرعية.
وعنه رضي الله عنه: العمل كبير فانظر كيف تخرج منه.
217 - أشرف عبد الملك على أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر، فغاظه ذلك فقال:
إيها عن ذكر عمر فإنه أزرى بالولاة.
218 - الملك في أرباب السيوف لا في ربات الشنوف (1).
219 - البديع: نهت الحكماء عن خدمة الملوك، وقالوا أن الملوك إذا خدمتهم ملوك، يستعظمون في الثواب رد الجواب، ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب، يعثرون على عثرة فيبنون لها منارا ويستوقدون بها نارا، فكن من الملوك مكانك من الشمس، إنها لتؤذيك والسماء لها مدار، والأرض لها دار. فكيف لو أسفت قليلا ودنت يسيرا؟ العاقل من طلب سربا لواذا منهم وهربا، أو ابتغي في الأرض نفقا، فرارا منهم وفرقا (2).
220 - نحيم: شر السلاطين من أمنه الجريء وخافه البريء.
221 - كان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ للضياع، فكان الرجل في زمانه يلقى الآخر فلا يسأله إلّا عن بنائه وضيعته. وكان
__________
(1) ربات الشنوف: كناية عن النساء. والشّنف: ثياب توضع على أكتاف الإبل.
(2) فرّ فرقا: أي خوفا.(5/198)
سليمان (1) صاحب أكل ونكاح، فلا يتساءلون إلّا عن التزوج والتسري وصفة الطعام. وكان عمر بن عبد العزيز دينا، فيلقى الرجل الآخر فيقول:
ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى يتم ما جعلت على نفسك من الصوم؟.
222 - كتب أبو حازم المدني إلى عمر بن عبد العزيز: اتق الله ولا تكن للظالمين وليا، وإياك أن تلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت له بتبليغ الرسالة مصدق، وهو عليك بسوء خلافته في أمته شهيد.
223 - كان عمر بن عثمان بن معمر يسترسل مع جلسائه ولا يتكبر عليهم، فقال له بعض من يتنصح: إن الوالي ينبغي له أن يمسك نفسه ويتكبر على أهل عمله. فقال: إنكم إذا وليتم ولاية وضعتموها ههنا، وأشار إلى رأسه، ونحن إذ ولينا وضعناها ههنا، وأشار تحت قدميه.
224 - سعيد بن العاص: يا بني إن الولايات محن الرجال تبدي محاسنهم ومساويهم، فإن وليت فاستطعت أن تكون ذكرا حسنا فافعل.
225 - عمرو بن العاص: يا بني إمام عادل خير من مطر وابل (2)، وأسد خطوم خير من سلطان غشوم، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم.
226 - استأذن سعيد بن مالك على معاوية فحجب فهتف بالبكاء، فسعى إليه الناس وفيهم كعب فقال: ما يبكيك؟ قال: وما لي لا أبكي وقد ذهب الأعلام من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعاوية يتلعب بهذه الأمة.
فقال كعب: لا تبك فإن في الجنة قصرا من ذهب يقال له عدن، أهله الصديقون والشهداء، وأنا أرجو أن تكون من أهله.
227 - عمر رضي الله عنه: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما استعجلت أحدا من الطلقاء.
__________
(1) سليمان: هو سليمان بن عبد الملك.
(2) المطر الوابل: الغزير.(5/199)
228 - أراد عمر أن يعزل المغيرة بن شعبة عن العراق بجبير بن مطعم وأن يكتم ذلك. وأمره بالجهاز، فأحس بذلك المغيرة، فأمر جليسا له أن يدس امرأته، وكانت تسمى لقاطّة الحصى، لتدور في المنازل حتى دخلت منزل جبير بن مطعم، فوجدت امرأته تصلح أمره، فقالت: إلى أين يخرج زوجك؟ قالت: إلى العمرة. قالت: كتمك، ولو كانت لك عنده منزلة لأعلمك.
فجلست متغضبة، فدخل عليها جبير وهي كذلك، فلم تزل به حتى أخبرها، وأخبرت لقاطة الحصى، ودخل المغيرة على عمر فقال: بارك الله لأمير المؤمنين في رأيه وتوليته جبيرا. فقال: كأني بك يا مغيرة فعلت كذا، فقص عليه الأمر كأنما شاهده، وقال: أنشدك الله هل كان كذلك؟ قال: اللهمّ نعم. ثم صعد المنبر فقال: أيها الناس من يدلني على المخلط المزيل نسيج وحده؟ فقام المغيرة فقال: ما يعرف ذلك في أمتك أحد غيرك. فولاه، ولم يزل والي العراق حتى طعن عمر.
229 - علي عليه السلام: لا يصلح لكم يا أهل العراق إلّا من أخزاكم وأخزاه الله.
ودعا عليهم سعد بن أبي وقاص فقال: اللهمّ لا ترضهم بأمير، ولا ترض أميرا بهم.
230 - أبو هريرة: ويل للعرب من شرّ قد اقترب. اللهمّ لا تدركني إمارة الصبيان.
231 - لما أراد طاهر أن ينفذ رأس الأمين إلى المأمون قال لمحمد بن الحسين بن مصعب: صر إلى أمير المؤمنين بهذا الرأس والبردة، وقل له:
وجهت إليك الدنيا والآخرة.
232 - الحسين بن الضحاك في المأمون:
رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه والله أعلم بالعبد
ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مميزة بين الضلالة والرشد(5/200)
الباب الثالث والثمانون المنطق، وذكر الخطب، والشعر، والفصاحة والبلاغة، والعيّ، والإفحام، والإيجاز وما اتصل بذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنا أفصح العرب غير أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر.
ولما ردته حليمة السعدية إلى مكة نظر إليه عبد المطلب وقد نما نمو الهلال، وهو يتكلم بفصاحة، فامتلأ سرورا وقال: جمال قريش، وفصاحة سعد، وحلاوة يثرب.
2 - وكان شبيب بن شيبة من أفصح الناس وهو من بني سعد، وفيه يقول أبو نخلة:
إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها
من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
3 - وعنه صلّى الله عليه وسلّم: سيكون بعدي أمراء يعظون الحكمة على منابرهم قلوبهم أنتن من الجيف.
4 - سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم من عمه العباس، فقال له: بارك الله لك يا عم في جمالك. أي في فصاحتك.
وعنه عليه الصلاة والسلام الجمال في اللسان.
وقال صلّى الله عليه وسلّم لحسان (1): قل فو الله لقولك أشدّ عليهم من وقع السهام في غلس الظلام (2).(5/201)
وعنه عليه الصلاة والسلام الجمال في اللسان.
وقال صلّى الله عليه وسلّم لحسان (1): قل فو الله لقولك أشدّ عليهم من وقع السهام في غلس الظلام (2).
5 - أقبح الكلام إكثار تنبسط حواشيه، وتنقبض معانيه، لا يرى معه أمد، ولا ينتفع به أحد.
6 - يونس بن حبيب: ليس لعييّ مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء ولو حك بنافوخه عنان السماء.
7 - العجلة قيد الكلام.
8 - مطرف (3): إن للكلام الطيب حول العرش دويا كدوي النحل.
9 - أطال خطيب بين يدي الإسكندر فزبره (4)، وقال: ليس تحسن الخطبة بقدر طاقة الخاطب، ولكن على حسب طاقة السامع.
10 - أعرابي: نحن أمراء الكلام: فينا وشجت أعراقه، ولنا تعطفت أغصانه، وعلينا تهدلت ثماره، فنجني منه ما أحلولى وعذب، ونترك منه ما أملولح وخبث.
11 - قال المهدي للربيع: أخبرني عن أرق بيت قالته العرب، قال:
بيت أمريء القيس وما ذرفت عيناك (5). فقال: هذا بيت قد داسته العامة، ولكن:
ومما شجاني أنها يوم أعرضت ... تولت وماء العين في الجفن حائر
فلما أفاهت من بعيد بنظرة ... إليّ التفاتا أسلمته المحاجر
__________
(1) حسّان: هو حسّان بن ثابت الشاعر المشهور. تقدّمت ترجمته.
(2) الغلس: ظلمة آخر الليل.
(3) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الجرشي العامري. توفي سنة 95هـ.
وفي سنة وفاته خلاف.
(4) زبره عن الأمر زبرا: نهاه وانتهره. وفي الحديث: إذا رددت على السائل ثلاثا فلا عليك أن تزبره أي تنهره وتغلظ له في القول والردّ. والزّبر: الزجر والمنع.
(5) البيت هو:
وما ذرفت عيناك إذا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مفتّل(5/202)
12 - قيل في عمرو بن الأهتم المنقري وهو المكحل، وكان من الخطباء الشعراء: كأن شعره في مجالس الملوك حلل منشرة.
13 - العتابي في أبي نؤاس: لو أدرك الخبيث الجاهلية لما فضل عليه أحد.
أبو نؤاس للمحدثين كامرىء القيس للأوائل، وهو فتح لهم هذه الفطن ودلهم على المعاني.
14 - دعبل (1) جمعت بين أبي نؤاس ومسلم (2) فأنشده: أجارة بيتينا أبوك غيور. وأنشده مسلم قصيدته التي فيها:
لله من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
فقلت لأبي نؤاس: كيف رأيته؟ قال: هو أشعر الناس بعدي، وسألت مسلما فقال: أنا أشعر الناس بعده.
15 - جرير: أدركت الأخطل وله ناب واحد، ولو أدركته وله نابان لأكلني.
16 - سئل علي عليه السلام عن اللسان، فقال: هو معيار أطاشه الجهل وأرجحه العقل.
17 - قال المعتصم لأحمد بن داود: إني لأسألك عما أعرف لأسمع حسن ما تصف.
18 - قلما ينصف اللسان في وصف إساءة أو إحسان.
19 - زياد ابن أبيه: الشعر أدنى مروءة السري، وأسرى مروءة الدني.
__________
(1) دعبل: هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي. توفي سنة 246هـ.
(2) مسلم: هو مسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني. شاعر غزل وهو أول من أكثر من البديع وتبعه الشعراء فيه. توفي سنة 208هـ.(5/203)
20 - قال معاوية لعبد الرّحمن بن الحكم: بلغني أنك لهجت بقول الشعر، قال: هو ذاك، قال: فإياك والمدح، فإنه طعمة الوقاح من الرجال، وإياك والهجاء، فإنك تحنق به كريما، وتستثير به لئيما، وإياك والتشبيب بالنساء، فإنك تفضح الشريفة، وتغر العفيفة. ولكن أفخر بمفاخر قومك، وقل من الأشعار ما تزين به نفسك، وتؤدب به غيرك.
21 - قيل لأبي علي الأموي: دعبل أشعر أم الطائي؟ فقال: أما إني والله خائف أن أصفع دعبلا بنعل الطائي فأضع من قدر صاحبها.
22 - سهل بن هارون: اللسان والشعر الجيد لا يكادان يجتمعان في أحد.
23 - سمع خالد بن صفوان مكثارا يتكلم، فقال: يا هذا، ليست البلاغة بخفة اللسان، وكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقصد إلى الحجة.
24 - ابن المعتز:
ليس له ناقد فيعرفه ... وآفة التبر ضعف منتقده (1)
25 - عبيد بن سفيان العكلي:
فتى كان يعلو مفرق الحق قوله ... إذا الخطباء الصيد عضل قيلها (2)
26 - علي عليه السلام: اللسان سبع إن خلا عقر.
27 - سمع الرشيد أولاده يتعاطون الغريب في محاورتهم، فقال: لا تحملوا ألسنكم على الوحشي من الكلام، ولا تعودوها الغريب المستشنع، ولا السفساف (3) المتصنع، واعتمدوا سهولة الكلام ما ارتفع عن طبقات
__________
(1) التبر: الذهب.
(2) الصيد: جمع الأصيد وهو الرجل الذي يرفع رأسه كبرا.
(3) السفساف: الساقط.(5/204)
العامة، وانخفض عن درجة المتشدقين، وتمثل ببيت الخطفي جد جرير:
إذا نلت إنسي المقالة فليكن ... به ظهر وحشي الكلام محرّما
28 - عرضت على المتوكل جارية شاعرة، فسأل أبا العيناء أن يستجيزها (1)، قال: أحمد الله كثيرا. فقالت: حين أنشاك ضريرا، فقال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها. فاشتراها.
29 - قيل للفرزدق: ما صيرك إلى القصار بعد الطول؟ فقال: إني رأيتها في الصدور أولج، وفي المحافل أجول.
30 - قال بعض الشعراء:
أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب (2)
تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب
فبادر العبيد ليوقعوا (3) به، فقالت زبيدة: كفوا عنه فإنه لم يرد إلّا خيرا، ومن أراد خيرا فأخطأ خير ممن أراد شرا فأصاب، سمع الناس يقولون: قفاك أحسن وجه غيرك، وشمالك أندى من يمين سواك. فقدر أن هذا مثل ذاك. أعطوه ما أمل وعرفوه ما جهل.
31 - قال أبو سفيان لابن الزبعري: لو أسهبت، فقال: حسبك من الشعر غرة واضحة، أو سمة فاضحة.
32 - فيلسوف: كما أن الآنية تمتحن بأطنابها (4)، فيعرف صحيحها من منكسرها، فكذلك الإنسان يتعرف حاله بمنطقه.
__________
(1) المقصود بالإجازة: أن تتمّ ما يبدأ وتبني عليه.
(2) زبيدة: هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور الهاشمية العباسية أم جعفر، زوجة هارون الرشيد وبنت عمه، وهي أم الأمين العباسي وإليها تنسب «عين زبيدة» في مكة.
توفيت سنة 216هـ.
(3) يوقعوا به: يؤذوه.
(4) الأطناب: المعدن.(5/205)
33 - قال عبد الملك لرجل: حدّثني، قال: يا أمير المؤمنين افتتح، فإن الحديث يفتح بعضه بعضا.
34 - خالد بن صفوان: لا تكن بليغا حتى تكلم أمتك السوداء، في الليلة الظلماء، في الحاجة المهمة، بما تتكلم به في نادي قومك. وإنما اللسان عضو إذا مرنته مرّن وإذا أهملته حار.
35 - حكيم: إن اللسان إذا كثرت حركته رقت عذبته.
36 - دعبل:
يسل من فكيه كالحسام ... صفيحة تلعب بالكلام
37 - قيل لسهل بن هارون: ما البلاغة؟ فقال: الكلام المنحدر على الغريزة على رسل (1) تحدر الدر من عقد أسلمته كف جارية إلى حجرها، لا يحمل فيه اللسان على غير مذهب السجية فيظهر فيه فج التكلف.
38 - أعرابي: أخذ بزمام الكلام فقاده أسهل مقاد، وساقه أحسن مساق، حتى استرجع به القلوب النافرة، واستصرف به الأبصار الطامحة.
39 - وقع جعفر البرمكي على ظهر رقعة قصيرة: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيا.
40 - أعرابي: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام على أدراجه، كأن في كل ركن من أركانه قلبا يعقل.
41 - قيل لأعرابي: ما بال مراثيكم أجود؟ فقال: لأنا نقولها وأكبادنا تحترق.
42 - سئل بعض العلماء عن بلاغة الأمين فقال: والله لقد أتته الخلافة يوم الجمعة، فما كان إلّا ساعة حتى نودي الصلاة قائمة، فخرج
__________
(1) على رسل: أي على مهل، وبسهولة.(5/206)
ورقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، وخصوصا يا بني العباس، إن المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتم من الله لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي تجروا أثواب الصابرين، وتعطوا أجور الشاكرين. فتعجبوا من بلة ريقه وجودة عارضته.
43 - ذكر الحسن بني أمية وخطبهم فقال: أخصب ألسنة وأجدب قلوب. قال المبرد: قلت لمجنون أجز لي هذا البيت (1):
أرى اليوم يوما قد تكاثف يومه ... وإبراقه فاليوم لا شك ماطر
فقال:
وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المعاجر (2)
44 - أعرابي: قد رعى الشيح (3)، واستروح تلك الريح.
45 - رؤبة (4): ما رأيت أروى لأشعارنا من أبي مسلم من رجل يرتضح لكنة أعجمية.
46 - قال أبو زيد: وإذا قال رؤبة لرجل يرتضخ لكنة فهو من أفصح الناس.
47 - فيلسوف: من كانت له حكمة أو أدب فلينطق به، فإن السكوت أولى بالجاهل من الأديب.
48 - أعرابي: كان لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.
__________
(1) أجز لي هذا البيت: أي ابن عليه.
(2) المعجز: ثوب تلّفه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبب فوقه بجلبابها والجمع معاجر، ومنه أخذ الاعتجار وهو ليّ الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك.
(3) الشيح: نبت طيب الرائحة.
(4) رؤبة: هو رؤبة بن العجاج. تقدّمت ترجمته.(5/207)
49 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحسان: ما بقي من لسانك؟ فأخرج لسانه حتى ضرب بطرفه جبهته، ثم قال: والله ما يسرني به مقول (1) من معد، والله لو وضعته على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه.
50 - عرض عقبة بن رؤبة على أبيه شعرا فقال: كيف تراه؟ قال:
إن أباك ليعرض له مثل هذا يمينا وشمالا فلا يلتفت إليه.
51 - قيل لابن المقفع: لم لا تقول الشعر؟ فقال: الذي يجيئني لا أرضاه، والذي أراه لا يجيئني.
52 - قال الهيثم بن صالح لابنه: يا بني، إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب، وإذا أكثرت من الكلام أقللت من الصواب، قال: يا أبت، فإن أكثرت وأكثرت، يعني كلاما وصوابا، قال: يا بني، ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك.
53 - أنشد الجاحظ:
فإن المنبر الشرقي يشكو ... على العلّاف إسحاق بن شمر
أضبيّ على خشبات ملك ... كمركب ثعلب ظهر الهزبر (2)
54 - الأحنف: الكلام أفضل من الصمت، لأن الصمت لا يعدو فضله فاعله، وفضل المنطق ينتفع به من سمعه.
55 - الكلمة مربوقة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع مجرب أو نار تلهّب.
56 - حصر خطيب بعد قوله الحمد لله فكرره، فقال مخنث: الذي ابتلانا بك.
__________
(1) المقول: اللسان.
(2) الهزبر: اسم للأسد.(5/208)
57 - قيل لكثّير (1): كيف تصنع إذا عز عليك قول الشعر؟ قال:
أطوف في الرباع المحيلة، والرياض المعشبة، فيسهل علي أريضه، ويسرع إلي أحسنه.
58 - آخر: ما استدعى شارد الشعر بمثل الماء الجاري، والشرف العالي، والمكان الخضر الخالي. وله أوقات يسرع فيها أتيه ويسمح أبيه.
59 - قيل لزيد بن علي: الصمت خير أم الكلام؟ فقال: أخزى الله المساكنة! فما أفسدها للسان وأخلبها للحصر (2)! فو الله لمماراة ساعة أسرع هدم العي من النار في يبيس العرفج (3). ومن السيل في الحدور (4).
60 - أفحم النابغة الجعدي أربعين عاما، ثم أن بني جعدة غزوا وظفروا، فاستخفه الفرح، فرام القريض فذل له ما ساتصعب عليه. فقالوا والله لنحن باطلاق لسان شاعرنا أسر منا بالظفر بعدونا.
61 - بعض المازنيين:
ختم الإله على لسان عذافر ... ختما فليس على الكلام بقادر
وإذا أراد النطق خلت لسانه ... لحما يحركه لصقر فاقر
62 - كان بعض ولد الزبير يسأل عما لا يحفظ من شعر عمر بن أبي ربيعة، فإذا ذكر له شيء كتبه ويده ترتعد من الفرح.
63 - كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: شعر تهام إذا أنجد وجد البرد، حتى إذا سمع قوله:
__________
(1) كثّير: هو كثّير عزّة الشاعر المشهور.
(2) حصر: مسك بطنه واحتبس.
(3) العرفج: ضرب من النبات سهلي سريع الانقياد واحدته عرفجة، طيّبة الريح لها زهرة صفراء، لهيبها شديد الحمرة إذا اشتعلت. يقال إن العرفج سريع الاشتعال بالنار.
(4) الحدور: النزول.(5/209)
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر (1)
فقال: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.
64 - أبو نؤاس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء (2) وليلى (3)، فما ظنك بالرجال؟.
65 - قيل للزهري (4): ههنا قوم نساك يعيبون رواية الشعر، قال نسكوا نسكا أعجميا.
66 - وعن مسلم بن يسار سمعت ابن المسيب ينشد شعرا، فقلت:
أتنشد الشعر؟ فقال: أو ما تنشدون؟ قلت: لا، قال: لقد نسكتم نسكا أعجمية، وقد قال رسول الله: شر النسك نسك الأعاجم.
67 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الشعر جزل من كلام العرب يشفى به الغيظ، ويوصل به إلى المجلس، وتقضى به الحاجة.
68 - الخليل بن أحمد: الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه أنّى شاؤوا وجاز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تسهيل اللفظ وتعقيده، ومد مقصوره وقصر محدوده، والجمع بين لغاته، وترصيف بين صلاته، واستخراج ما كلّت الألسن عن نعته، والأذهان عن فمه.
__________
(1) من قصيدة له في ديوانه مطلعها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجّر
ورواية الديوان: رأت رجلا «أمّا»
وعارضت: قابلت (ضميره محذوف أي عارضته) ويضحى: يظهر للشمس.
ويخصر: يبرد.
راجع ديوانه (بتحقيقنا) ص 120طبعة دار الكتب العلمية.
(2) الخنساء: هي تماضر بنت الشريد. تقدّمت ترجمتها.
(3) ليلى: هي ليلى الأخيليّة. تقدّمت ترجمتها.
(4) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري. أبو بكر. تابعي من أهل المدينة. توفي سنة 124هـ.(5/210)
يبعدون القريب، ويقربون البعيد، يحتج بهم ولا يحتج عليهم.
69 - بعض الروم: اختصار المعاني وحذف الفضول سلالة البلاغة.
70 [شاعر]:
أبى الشعر إلّا أن يفيء رديئه ... عليّ ويأبى منه ما كان محكما
فياليتني إذ لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما
71 - مدح الفرزدق هشاما فأجازه بأربعة لآف، فتسخطها وتمثل ببيت زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم
ومدحه جرير فكان مثل ذلك، فحكي للفرزدق فقال: نعم شيطاننا واحد، يلم به مرة وبي مرة.
72 - سئل بعضهم عن البلاغة فقال: من عمد إلى معان كثيرة فأداها بلفظ قليل، أو معان قليلة ففخمها بلفظ جليل.
73 - قال سليمان بن زيد العدوي لعمرو بن عبيد: يا أبا عثمان، قلبي متأق من الشعر. فقال له: قل في رفض الدنيا. فجعل شعره في الزهد.
74 - قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلغ بك الجنة، وعدل بك عن النار، وما بصرك مواقع رشدك، وعواقب غيك. حتى قال:
كأنك تريد تخير اللفظ في حسن إفهام.
75 - الشعبي (1): كنت أحدث عبد الملك وهو يأكل، فيحبس اللقمة، فأقول أجزها أصلحك الله فإن الحديث من ورائك، فيقول:
والله لحديثك أحبّ إلي منها.
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. عالم. رواية. فقيه. توفي سنة 103هـ.(5/211)
76 - ابن عيينة (1): الصمت منام العلم، والمنطق يقظته، ولا منام إلّا بيقظة، ولا يقظة إلّا بمنام.
77 - ابن المبارك رحمه الله:
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
78 - ليث بن نصر بن سيار: كنت أجمع بين رؤبة وابنه عقبة فيتسابان، فيقول له عقبة: أنا أشعر منك، فيقول له رؤبة: أسكت فانك ذهبان الشعر. يريد يسقط شعرك فلا يروى، وهو صفة على فعلان من الذهاب، كذلك فرس قطوان وصميان.
79 - سئل يونس بن حبيب: أي الثلاثة أشعر؟ يعني جريرا والفرزدق والأخطل. قال: اتفقت العلماء على أن أشعرهم الأخطل. قيل من هم؟
قال: أبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن أبي إسحاق، وميمون الأقرن، وعنبسة الفيل، وعيسى بن عمر، هؤلاء الذين طرقوا الكلام وما شوه، فعلموا أمثلة وأبينة، لا كمن تحكون عنهم لا بدبريين ولا نحويين.
80 - الفضل بن الربيع: إن من الشعر بيوتا ملس المتون، قليلة العيون، إن فقدتها لم تبالها، وإن سمعتها لم تفكه لها.
81 - وصف رجل قوما بالعي فقال: منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه، ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه ومنهم من يفسد الآذان فيحملها إلى الأذهان شرا طويلا.
82 - قيل لمعافي بن عمران: ما تقول في رجل يقول الشعر يلهج به؟ قال: هو عمرك فافته بما شئت.
83 - ابن الرومي:
لقد ذهب الشعر والقائلوه ... وقل البصير بأبصارهم
__________
(1) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي. توفي سنة 198هـ.
فلو أن محتسبا عادلا ... على الشعراء وأشعارهم
لأفلت من يده عشرهم ... ودرر تسعة أعشارهم
84 - لقمان: يا بني، لا تقبل بحديثك على من لا يسمعه، فإن نقل الصخور من رؤوس الجبال أيسر من محادثة من لا يسمع.(5/212)
__________
(1) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي. توفي سنة 198هـ.
فلو أن محتسبا عادلا ... على الشعراء وأشعارهم
لأفلت من يده عشرهم ... ودرر تسعة أعشارهم
84 - لقمان: يا بني، لا تقبل بحديثك على من لا يسمعه، فإن نقل الصخور من رؤوس الجبال أيسر من محادثة من لا يسمع.
85 - عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قسا قلبه، ومن قسا قلبه قل ورعه.
86 - زياد بن أبيه: لحديث أسمعه من عاقل أحب من سلافة (1) فثئت (2)
بماء ثغب (3) في يوم ذي وديقة (4).
87 - يجيش صدره إذا ارتجل كما جاش بجزل الحطب المرجل (5).
88 - إن هذه الأبيان لا تتجاوز الأبيات.
89 - ليس من الصيارفة الصيارفة الجهابذة، وما كلامه إلّا من خرافات الهرابذة. الهرابذة جمع هربذ وهو القائم على نار المجوس.
90 - يقال: للمسحل (6): ينحت عن غير عضاهه، ويغرف من غير مياهه.
91 - الكلمة إذا ندت من الفم لم يملك مقودها (7).
92 [شاعر]:
(1) السلافة: ما سال وتحلّب قبل العصر، وهو أفضل الخمر.
(2) فثأ القدر: سكّن غليانها.
(3) الثغب: ذوب الجمد، وقيل: الماء الذي يكون في مستنقعات الجبال.
(4) الوديقة: شدّة الحرّ.
(5) المرجل: ما يوقد فيه الحطب.
(6) المسحل: آلة النحت.
(7) المقود: اللسان.(5/213)
القول لا تملكه إذا نما ... كالسهم لا تملكه إذا رمى
93 - لقي وجه الصواب ولقن فصل الخطاب.
94 - من هو أقل من الصواب في مفرقي يتتبع الصواب في منطقي.
95 - قال أعرابي لابنه: مالك ساكتا والناس يتكلمون؟ قال: لا أحسن ما يحسنون. قال: إن قيل لا فقل أنت نعم، وإن قيل نعم فقل أنت لا، وشاغبهم ولا تقعد غفلا لا يشعر بك.
96 - كان ذو الرمة (1) يقول: إذا قلت كأن ولم أجد لها مخرجا فقطع الله لساني.
97 - أبو جعدة: ما أبرم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرا قط إلّا تمثل ببيت شعر معقر بن حمار البارقي:
الشعر لب المرء يعرضه ... والقول مثل نوافذ النبل
منه المقصّر عن رميته ... ونوافذ يذهبن بالخبل
98 - سئل جرير عن نصيب فقال: هو أشعر أهل جلدته. فقال عمر ابن لجأ: ما يقال لمثله أشعر أهل جلدته، ولا أشعر أهل بلدته. يقال:
أشعر الناس وإن كان فيهم من هو أشعر منه.
99 - لكل شيء لسان، ولسان الزمان الشعر.
100 - أبو بكر رضي الله عنه: مرّ به رجل معه ثوب، فقال:
أتبيعه؟ قال: لا رحمك الله. فقال أبو بكر: قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون، ألا قلت: لا ورحمك الله.
101 - ومنه ما حكي أن المأمون قال ليحيى بن أكثم: هل تغديت؟
قال: لا وأيد الله أمير المؤمنين. فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها!.
__________
(1) ذو الرمّة: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي. شاعر امتاز بإجادة التشبيه. عشق ميّة المنقرية واشتهر بها. توفي سنة 117هـ. بأصبهان وقيل بالبادية.(5/214)
102 - وكان الصاحب يقول هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ.
103 - يقال للحشو الحسن، نحو قوله وبلغتها، حشو اللوزينج، وللحشو القبيح حشو الأكر.
104 - قال جحظة: أنشدت أبا الصقر فقال: يا أبا الحسن، لا تزال تأتينا بالغرر الدرر إذا جاءنا غيرك بحشو الأكر.
105 - محمد بن الحسين بن علي: إني أكره أن يكون مقدار اللسان من الرجل فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه زائدا على مقدار عقله.
106 - حج مع ابن المنكدر شبان، فكانوا إذا رأوا امرأة جميلة قالوا قد برقنا، وهم يظنون أنه لا يفطن، فرأوا قبة فيها امرأة فقالوا بارقة، وكانت قبيحة، فقال ابن المنكدر صاعقة.
107 - وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا جميلة قالوا: حجة، فعنت لهم قبيحة، فقال لهم داحضة.
108 - شر الخطباء من إذا خطب خبط.
109 - اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم.
110 - أطال ربيعة الرأي (1) الكلام وعنده أعرابي، فقال له: ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: ضد ما كنت فيه منذ اليوم.
__________
(1) ربيعة الرأي: هو ربيعة بن فروخ التيمي بالولاء المدني أبو عثمان: إمام حافظ، فقيه مجتهد، كان بصيرا بالرأي فلقّب «ربيعة الرأي». كان من الأجواد. انفق على أخوانه أربعين ألف دينار. كان صاحب الفتوى بالمدينة وبه تفقّه الإمام مالك. توفي بالهاشمية من أرض الأنبار سنة 136هـ.
راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 148وتهذيب التهذيب 3: 258والوفيات 1: 183.(5/215)
111 - عمر رضي الله عنه: أقل أهل المروءات أقدارا من كان الشعر دليل مروءته.
112 - وفد عمر بن أبي ربيعة على عبد الملك فرحب به وأجلسه على سريره، فقال له: يا أبا الخطاب، هل أطرافتنا ببعض مديحك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن آل المغيرة كانوا يمدحون ولا يمدحون، ولست أول من أبدع ذلك فيهم. فقال: إذا كان الشاعر من قريش فليكن مثله.
113 - عيسى بن فرخانشاه:
سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزا ويغرق منه تحت عباب
وكذاك قس ناطقا بعكاظه ... يعيي لديه بحجة وجواب
114 - استوفد الفضل بن سهل مسلم بن الوليد (1) من البصرة إلى مرو فأمره بمعارضة دالية طرفة (2)، فكان يغدو ويروح يكتب بين كل سطرين سطرا، فلما فرغ قال المأمون: تمنّ. قال: قرية القر بجرجان. فاشتريت له، فهي اليوم لعقبه.
115 - كان شبيب بن شيبة المنقري أحد الخطباء المصاقع، فأمره المهدي بقتل رجل من أسارى الروم فأبى، فقال أبو الهول الحميري:
فزعت من الرومي وهو مقيد ... فكيف إذا لا قيته وهو مطلق
فنح شبيبا عن قراع كتيبة ... وأدن شبيبا من كلام يلفق
__________
(1) مسلم بن الوليد: هو المعروف بصريع الغواني. شاعر، توفي سنة 208هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) دالية طرفة هي معلقته المشهورة ومطلعها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وطرفة شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، ولد في بادية البحرين وتنقّل في بقاع نجد واتصل بالملك عمرو بن هند فجعله من ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى عامله على البحرين يأمره فيه بقتله، لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها. فقتله وكان ابن عشرين عاما. كان ذلك نحو سنة 60قبل الهجرة.(5/216)
فلم يخطب بعد هذا البيت خطبة إلّا وفيها اضطراب.
116 - كتب إبراهيم بن المهدي: إيّاك والتتبع لوحشي الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإن ذلك العناء الأكبر، وعليك بما سهل مع تجنبك ألفاظه السفل.
117 - قال شبيب بن شيبة: ما رأيت أبين بيانا، ولا أرق لسانا، ولا أربط جأشا، ولا أبل ريقا، ولا أغمض عروقا، ولا أومض بروقا، في تناثر كلامه، إذا وقف للخطبة على مقامه، من صالح ابن أمير المؤمنين أبي جعفر.
118 - قال من سمع ذلك: ما رأيت بعد ذلك صالحا إلّا أربدت عيني عنه وعن كنه (1) النظر إليه هيبة وجلالا.
119 - قالت جارية ابن السماك له: ما أحسن كلامك لولا أنك تكثر تكراره، وتكرار ترداده! قال: أردده يفهمه من لم يفهمه. قالت: فإلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه.
120 - بعث إلى الوليد عمه عبد الله بقطيفة، وكتب إليه: بعثت إليك بقطيفة حمراء حمراء حمراء. فكتب إليه: وصلت القطيفة وأنت يا عم أحمق أحمق أحمق.
121 - عمر رضي الله عنه: تعلموا محاسن الشعر فإنه يدل على مكارم الأخلاق.
122 - مكتوب في التوراة: لا يعاد الحديث مرتين.
123 - الشعبي: وجهني عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز، فقدمت عليه مصر وهو واليها، فقدمت على رجل سخي صدوق اللسان، فقلت له يوما: أصلح الله الأمير، إنك تبلغ في منطقك وأنت في مجلسك. ولا
__________
(1) الكنه: جوهر الشيء وأصله وقدره وحقيقته وغايته. والكنه أيضا: الوقت.(5/217)
تفعل ذلك على منبرك، فقال: يا شعبي، إنني لأستحي من الله أن أقول على منبري خلاف ما يعلم الله من قلبي.
124 - القول على حسب همة القائل يقع، والسيف بقدر عضد الضارب يقطع.
125 - دارا الأكبر: خير الكلام حمد من خلق ورزق، وأنطق ووفق.
126 - ابن عمرو الكندي قال لابنه امرىء القيس: يا بني إن أحسن الشعر أكذبه، ولا يحسن الكذب بالملوك.
127 - لما ورد قتيبة بن مسلم خراسان قال: من كان في يده شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه، ومن كان في فيه فيلفظه، ومن كان في صدره فلينفثه. فتعجبوا من حسن تفصيله.
128 - تكلم قوم عند سليمان بن عبد الملك فأساؤوا، ثم تكلم رجل فأحسن، فقال: كان كلامه غب كلامهم مطرة لبدت عجاجه (1).
129 - قال المهتدي بالله الخليفة من بني العباس: عاون على الخير تغنم، ولا تجزه فتندم. فقيل له: هذا بيت شعر. فقال والله ما تعمدته.
130 - قال المعتضد لأحمد أبي الطيب: يا سرخسي، إن في لسانك طولا وفي عقلك قصرا.
131 - قال معاوية لصحار بن عياش العبدي: ما هذه البلاغة فيكم؟
قال: شيء يعتلج في صدورنا فنقذفه على ألسنتنا كما يقذف البحر الزبد.
132 - أوفد زياد ابنه عبيد الله على معاوية، فقال له: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفرضت الفرائض؟ قال: نعم، قال: أرويت الشعر؟ قال: لا. فكتب إلى زياد: بارك الله لك في إبنك، فقد وجدته
__________
(1) العجاج: الغبار والدخان والواحد عجاجة.(5/218)
كاملا، فروّه الشعر، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: ارووا الشعر فإنه يدل على محاسن الأخلاق وينفي مساوئها، وتعلموا الأنساب فربّ رحم مجهول قد وصلت بعرفان النسب، وتعلموا من النجوم ما يدلكم على سبلكم في البر والبحر ولا تجاوزوا.
ولقد هممت بالهرب يوم صفين فما ثبتني إلّا قول عمرو بن الأطنابة (1):
أقول لها إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
133 - بعضهم: ما كتبت كتابا إلى ابن المقفع فاجتهدت في إيجازه إلّا كتب أوجز منه. كتبت إليه نحن صالحون فكيف أنتم؟ فكتب: نحن لكم.
134 - قيل للعتابي (2): ما البلاغة؟ قال: كل من أفهمك حاجته دون إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ. قيل له: وما الاستعانة؟ قال:
أما تره إذا حدث قال: يا هناه، واسمع إلي، وأفهم، وأ لست تفهم؟ هذا كله عي وفساد.
135 - أنشد عبد الرحمن بن حسان أباه شعرا، فقال: يا بني، إن شيطاني جاءني بهذا كله البارحة فرددته عليه.
136 - قال معاوية لدغفل (3) النسابة: ابغني رجلا يسامرني أعلم
__________
(1) ابن الإطنابة: هو عمر بن عامر بن زيد مناة، الكعبي الخزرجي، شاعر جاهلي فارس. كان أشرف الخزرج. اشتهر بنسبته إلى أمّه «الإطنابة» بنت شهاب، من بني القين، وفي الرواة من يعدّه من ملوك العرب في الجاهلية. كانت إقامته بالمدينة.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني 203والتبريزي 4: 86وتاج العروس مادة طنب.
(2) العتابي: هو كلثوم بن عمرو. توفي سنة 220هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) دغفل: هو دغفل بن حنظلة. نسّابة العرب. توفي سنة 65هـ. تقدّمت ترجمته.(5/219)
منك. استريح منك إليه ومنه إليك. فقال يا أمير المؤمنين، أنا أعلم مني. فضحك معاوية وقال: أظن كثرة الكلام قد أغفل عقل دغفل.
137 - أبو عمرو بن العلاء: لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يتكلف حوك الشعر.
138 - اجتمع الشعراء عند موت المهدي، واندسّ بينهم اسكاف، فأنكروه فسألوه، فقال: شاعر، فاستنشدوه فقال: مات الخليفة أيها الثقلان (1)، فأعجبوا بمفتتح شعره، فقالوا: تمر في المصراع الثاني، فقال: فكأنني أفطرت في رمضان. فاستضحكوا منه.
139 - ورثى عبد الله بن طاهر رجل فقال:
مات الأمير وكان بازا قارحا ... نعم المجبر للطحال الفاسد (2)
140 - دخل على المأمون جماعة من بني العباس، فاستنطقهم فوجدهم لكنا (3) مع يسار وهيئة، فقال: ما أبين الخلة (4) فيهم! لا أقول في أيديهم ولكن في ألسنتهم.
141 - خطب المأمون فقال: اتقوا الله عباد الله، وأنتم في مهل، بادروا للأجل، ولا يغرنكم الأمل، فكأني بالموت قد نزل، فشغلت المرء شواغله، وتولت عنه بواطله، وهيئت أكفانه، وبكاه جيرانه، وصار إلى المنزل الخالي، بجسدة البالي، قد فارق الرفاهية، وعاين الكراهية، فوجهه في التراب عفير (5)، وهو إلى ما قدم فقير.
__________
(1) الثقلان: هما الإنس والجنّ.
(2) القارح من الطير: القوي. ومن ذي الحافر: الذي شقّ نابه وطلع.
(3) اللّكنة: العجمة في اللسان.
(4) الخلّة: الحاجة والفقر.
(5) عفير: ممرّغ.(5/220)
142 - ما رأيت على امرأة أحسن من شحم، ولا على رجل أحسن من فصاحة.
143 - الشعبي: ما سمعت أحدا يخطب إلّا تمنيت أن يسكت مخافة أن يخطىء ما خلا زيادا فإنه لا يزداد إكثارا إلّا إزداد إحسانا.
144 - ارتج (1) على خالد بن عبد الله القسري فقال: إن هذا القول يجيء أحيانا ويذهب أحيانا، فيمتد عند مجيئه سببه، ويعز عند غروبه طلبه، وربما كوبر فأبى، وعولج فقسا، وقد يختلج من الجريء جنانه، وقد يرتج على البليغ لسانه.
145 - كان أيوب يقول: ما أحد سمع كلام الحسن إلّا ثقل عليه كلام الرجال بعده.
146 - أعرابي:
إني إذا استنشدت لا أحنبطي ... ولا أزيد كثرة القميطي
147 - الأحنف سمعت كلام أبي بكر حتى مضى، وكلام عمر حتى مضى، وكلام عثمان حتى مضى، وكلام علي حتى مضى، ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة.
148 - قال معاوية: ما رأيت أبلغ من عائشة، ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلّا فتحته، ولا فتحت بابا فأرادت اغلاقه إلّا أغلقته.
149 - ابن عون: كنت أشبّه لهجة رؤبة (2) بلهجة الحسن.
150 - قال المنتجع لرجل: ما علمت ولدك؟ قال: الفرائض.
__________
(1) الارتجاج في الكلام: العيّ. يقال: ارتجّ عليه: أي امتنع عليه الكلام والذين ارتج عليهم الكلام كثيرون. راجع بهذا الشأن كتابنا «طرائف من التراث العربي» ص 332 طبعة دار الفكر اللبناني.
(2) رؤبة: هو رؤبة بن العجّاج. تقدّمت ترجمته.(5/221)
قال: إنما ذلك علم الموالي لا أبا لك. علّمهم الرجز فإنه يهرت أشداقهم.
151 - لم ير قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر. وكان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء فلا يميز عن مقولهم، ثم نسك وكان يختم القرآن كل يوم وليلة. وبذل له بعض الملوك مالا خطيرا على أن يتكلم في بيت شعر شكّوا فيه فأبى.
152 - أنشد أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بن علي قصيدة أولها:
الله فرد وابن زيد فرد. فزبره (1) وقال: بغيك التراب، هلا قلت: وابن زيد عبد، ونزل عن سريره فسجد لله، وعفر جبينه وكرر: الله فرد وابن زيد عبد.
153 - ابن برد الشامي الفقيه:
قد جاءني لك شعر لم يكن حسنا ... ولا صوابا ولا قصدا ولا سددا
وجدت فيه عيوبا غير واحدة ... ولم أزل لعيوب الشعر منتقدا
كأن ذا خبرة بالشعر جمعه ... ثم انتقى لك منه شرّ ما وجدا
إني نصحتك فيما قد أتيت به ... من الفضائح نصح الوالد الولدا
فعدّ عن ذاك وادفنه كما دفنت ... هر خراها ولم تعلم به أحدا
154 - كان بين سلمة بن عياش القرشي وبين أبي حية النميري صداقة، فقال لأبي حية يوما: أتدري ما يقول الناس؟ قال: ما يقولون؟
قال: يزعمون أني أشعر منك. فقال أبو حية: إنا لله هلك الناس.
155 - محمد بن عبد الله بن أسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم: قال لي أبي: يا بني، أنا شاعر، وأبي شاعر، وجدي شاعر، وجد أبي شاعر. لا ينقطع بك الحبل.
__________
(1) زبره: نهره.(5/222)
156 - أتى أمرؤ القيس قتادة بن التوأم اليشكري وإخوته، فقال للحارث أجز: أحار ترى بريقا هب وهنا (1). فقال: كنار مجوس تستعر استعارا. فقال قتادة:
أرقت له ونام أبو شريح ... إذا ما قلت قد هدأ استطارا
أبو شريح كنية الحارث، فقال الحارث:
كأن هزيزه بوراء غيب ... عشار ولّه لاقت عشارا (2)
فقال أخوهما الثالث:
قلما أن علا شرجي أضاخ ... وهت أعجاز ريقه فحارا
فلم يترك ببطن السرّ ظبيا ... ولم يترك بجلهتها حمارا (3)
فقال امرؤ القيس: إني لأعجب من بيتكم هذا كيف لا يحترق عليكم من جودة شعركم. فقيل لهم بنو النار.
157 - عبد الله بن المعتز: شعر آل أبي حفصة كماء أسخن وصب في قدح، فكان أيام مروان الأكبر على حرارته، ثم انتهى إلى عبد الله بن السمط، ففتر، ثم إلى إدريس وأبي الجنوب فبرد، ثم إلى مروان الأصغر فاشتد برده، ثم إلى أبي متوج فثخن لبرده، ثم إلى متوج فجمد.
158 - أبو أحمد يحيى بن المنجم:
رب شعر نقدته مثل ما ينقد رأس الصيارف الدينارا لو تأنى لقالة الشعر ما أس ... قط منه حلوا به الأشعارا
__________
(1) هبّ وهنا: أي ليلا.
(2) العشراء من النوق: التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية أو هي كالنفساء من النساء والجمع عشار.
(3) بطن السرّ: واد بين هجر ونجد كان لهم فيه يوم. قال جرير:
استقبل الحيّ بطن السرّ أم عسفوا ... فالقلب فيهم رهين أينما انصرفوا(5/223)
159 - علي عليه السلام: وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ولم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.
160 - وسئل علي عليه السلام عن أشعر الشعراء، فقال: إن القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها، فإن كان ولا بد فالملك الضليل (1)
161 - محمد بن أبي عائشة: إذا أراد المتكلم بكلامه غير الله زل عن قلوب جلسائه كما يزل الماء عن الصفا (2).
162 - حسان بن ثابت: إنا إذا نافرتنا (3) العرب فأردنا أن نخرج الحبرات من شعرنا أتينا بشعر قيس بن الخطيم، وكان من النبيت بن مالك بن أوس.
163 - الجاحظ: كان واصل بن عطاء ينزع الراء من كلامه المرتجل، ولست أعني خطبه المحفوظة ورسائله المجلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة. وقال فيه أبو الطروق الضبي.
عليم بابدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحق باطله
164 - زعم بشار أن المسلمين كفروا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقيل له:
وعلي أيضا؟ فأنشد: وما شر الثلاثة أم عمرو. فقال واصل عند ذلك: أما لهذا الملحد أما لهذا الأعمى المشنف المكتني بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه في
__________
(1) الملك الضلّيل: هو امرؤ القيس، الشاعر المشهور صاحب: قفا نبك سمّي الملك الضلّيل لاضطراب أمره طول حياته. ويسمى أيضا: ذو القروح، لما أصابه في مرض موته. توفي سنة 80قبل الهجرة.
(2) الصفا: الحجر الأملس القاسي.
(3) المنافرة: المفاخرة والمحاكمة. وقيل هي أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه ثم يحكّما بينهما رجلا كفعل علقمة بن علاثة مع عامر بن طفيل حين تنافرا إلى هرم ابن قحطبة الفزاري. والمنفور: المغلوب. والنافر: الغالب وقد نافره أي غلبه.(5/224)
جوف منزله في يوم حفله، ثم كان لا يتولى ذلك منه إلا عقيلي أو سدوسي. أبدل الملحد من الكافر، والأعمى من الضرير، والمشنف من المرعث، وأبا معاذ من بشار وابن برد. والغالية من المنصورية والمغيرية، ويبعج من يبقر، وبعث من أرسلت. وذكر بني عقيل وبني سدوس لأنه كان نازلا فيهم.
165 - وكان بشار قبل أن يدين بالرجعة يمدح واصلا (1)، فمن قوله فيه يذكر خطبة ارتجلها ونزع منها الراء:
تكلف القول والأقوام قد حفلوا ... وعبروا خطبا ناهيك من خطب
فقام مرتجلا تغلي بداهته ... كمرجل القين لما حفّ باللهب (2)
وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراف في الطلب
166 - قال معاوية يوما: من أفصح الناس! فقام رجل من جرم فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. قال معاوية: فمن أولئك؟ قال قومي.
167 - سئل حماد الراوية عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فقال: ذلك الفستق المقشر لا يشبع منه.
__________
(1) واصل: هو واصل بن عطاء الغزّال، رأس المعتزلة ومن أئمة البلغاء والمتكلمين.
كان يلثغ بالراء فيجعلها غينا فتجنّب الراء في خطابه، وضرب به المثل في ذلك.
كانت تأتيه الرسائل وفيها الراءات فإذا قرأها أبدل كلمات الراء منها بغيرها حتى في آيات القرآن. ومن أقوال الشعراء في ذلك، لأحدهم:
أجعلت وصلي الراء لم تنطق به ... وقطعتني حتى كأنك واصل.
توفي سنة 131هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 170وأمالي المرتضى 1: 113والأعلام 8: 108.
(2) القين: الحدّاد.(5/225)
168 - الأصمعي: أنشد ابن أبي ربيعة عبد الله بن عباس أو طلحة بن عبيد الله قصيدة، فما زال شانقا ناقته حتى كتبت له.
169 - قحطت (1) البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يتكلموا، وفيهم درواس بن حبيب، ابن ست عشرة سنة، له ذؤابة، وعليه شملتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه:
ما يشاء أحد أن يدخل علي إلّا دخل حتى الصبيان! فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن للكلام نشرا وطيا وأنه لا يعرف ما في طيه إلّا بنشره، فإن أذنت لي أن أنشره نشرته. قال: أنشر لا أبالك! وقد أعجبه كلامه مع حداثة سنه، فقال: إنه أصابتنا سنون (2)
ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة أنفقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله تعالى ففرقوها في عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين. فقال هشام: ما ترك لنا الغلام في واحدة من الثلاثة عذرا. فأمر للبوادي بمائة ألف دينار وله بمائة ألف درهم.
فقال: أرددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب، فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفايتهم. فقال: أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين. فخرج وهو أنبل القوم.
170 - مرّ الزبير رضي الله عنه بمجلس من الصحابة وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون، فجلس معهم الزبير وقال: ما لي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة (3)؟ فلقد كان يعرض به لرسول الله فيحسن استماعه، ويحول عليه أثوابه (4)، ولا يشتغل عنه بشيء. فقال حسان:
__________
(1) قحطت البادية: أصابها القحط وهو الجدب.
(2) أصابتنا سنون: أي أصابنا قحط وجدب.
(3) ابن الفريعة: هو حسّان بن ثابت. والفريعة أمّه.
(4) رواية الديوان (بتحقيقنا ص 198): و «يجزل» عليه ثوابه.(5/226)
أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفعل يعدل (1)
وإن امرأ كانت صفية أمه ... ومن أسد في بيتها لمرفل (2)
فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل (3)
ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا بن الهاشيمة أفضل (4)
171 - كان الحسين بن علي يعطي الشعراء، فقيل له، فقال: خير مالك ما وقيت به عرضك.
172 - أبو الزناد: ما رأيت أروى للشعر من عروة.
فقلت له: ما أرواك يا أبا عبد الله! فقال: ما روايتي مع رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلّا أنشدت شعرا.
173 - تناشدوا عند عمر رضي الله عنه قول طرفة:
ولو ثلاث هن من لذة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عوّدي (5)
فمنهن سبقي العاذالات بشربة ... كميت متى تعل بالماء تزبد
وكرّي إذا نادى المضاف مجنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد (6)
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمّد (7)
فقال عمر: وأنا والله لولا ثلاث: أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب لله، أو أجالس قوما يتلقطون أطايب الحديث كما يتلقط
__________
(1) الحواري: الخليل وهو هنا الزبير بن العوام بن خويلد ويكنى أبا عبد الله.
(2) رفّل الرجل: عظّمه.
(3) الكربة: الهمّ. وذبّ: دفع.
(4) راجع شعره كاملا في ديوانه ص 199.
(5) أحفل: أهتمّ. والعوّد: زائر والمريض.
(6) سيد الغضا: أسد الغابة.
(7) الدجن: اليوم الذي يكثر فيه المطر والغيوم. والبهكنة: المرأة السمينة. الخباء.
المعمّد: المرفوع على عمد.(5/227)
أطايب الثمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بربي.
174 - امتدح أبو أسماء عليا عليه السلام بصفين فقال:
وجدنا عليا إذ بلونا فعاله ... صبورا على اللأواء صلب المكاسر (1)
هو الليث إن جرّبته وندبته ... مشى حاسرا للموت أو غير حاسر (2)
يجود بنفس للمنايا كريمة ... علي إذا ما جاد كل مغاور
يصول عليّ حين يشتجر القنا ... ويضرب رأس المستغيث المساور (3)
فقال له عليه السلام: رحمك الله أبا أسماء، وأسمعك خيرا وأراكه، فإنك من قوم نجباء، أهل حسبة ووفاء. ووهب له مملوكا.
ومدحه كعب بن زهير بشعر يقول فيه:
صهر النبيّ وخير الناس كلهم ... فكل من رامه بالفخر مفخور
فأجازه بجائزة سنية، وكساه، ووهب له فرسا.
175 - وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتمثل ويقول: كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنما قال الشاعر:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا، فجعل لا يطيقه، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله. وتلا: {وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ وَمََا يَنْبَغِي لَهُ} (4).
176 - الفرزدق: ما رأيت أحدا أشعر من ابن حطان (5). فقال له ابن
__________
(1) بلونا: احتبرنا. واللأواء: المصائب والمصاعب. وصلب المكاسر: أي لا يكسر ولا يلين.
(2) ندبته: طلبته واستعنت به.
(3) الأسوار: الثابت على ظهر الفرس والرامي بالسهام وهو عند الفرس: القائد.
والمسور والمسورة: المتكأ من جلد والجمع مساور.
(4) سورة يس من الآية: 69.
(5) ابن حطان: هو عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي. رأس القعدة، من الصفرية، وخطيبهم وشاعرهم. لحق بالشراة فطلبه الحجاج فهرب إلى الشام فطلبه عبد الملك بن مروان فرحل إلى عمان فكتب الحجاج إلى أهلها بالقبض عليه، فلجأ إلى قوم من الأزد فمات عندهم إباضيا سنة 84هـ.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 6877والكامل للمبرّد 2: 121.(5/228)
شبرمة (1): كيف ذاك؟ قال: لو أراد أن يقول مثل ما نقول لقال، وإنا لا نحسن ما قاله.
177 - عن ابن شبرمة: ليتني كويت بكل بيت قلته كية تبلغ العظم، مع ما أني لم أقذف محصنة، ولم أنف رجلا من أبيه.
178 - في الحديث: لما فتحت مكة رن إبليس رنة، فاجتمعت إليه ذريته فقال: أيأسوا من أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومهم هذا، ولكن أفتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح والشعر.
179 - بشّار بن برد يصف نفسه:
زور ملوك عليه أبهة ... يعرف من شعره ومن خطبه
لله ما راح في جوانحه ... من لؤلؤ لا ينام عن طلبه
يخرج من فيه في الندى كما ... يخرج ضوء السراج من لهبه
ترنو إليه الحداث غادية ... ولا تمل الحديث عن عجبه
تلعابة تعكف الملوك به ... تأخذ من جده ومن لعبه (2)
يزدحم الناس كل شارقة ... ببابه مشرعين في أدبه
180 - لما ظهر السفاح وصعد المنبر بالكوفة: وعمه داود دونه بمرقاة، أراد الكلام فلم يؤاته، فقال لداود تكلم، فقال: الحمد لله أحمده واستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
__________
(1) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسّان الضبّي. توفي سنة 144هـ.
(2) التلعابة: الذي يجيد اللّعب والمنادمة.(5/229)
عباد الله، شكرا شكرا، إنا والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهرا، ولا لنبتني قصرا، ولا لنسير سيرة الجبابرة الذين ساموكم الخسف، ومنعوكم النصف. أظن عدو الله مروان أن لن يقدر عليه؟ أرخى له في زمانه حتى عثر في فضل خطامه. فالآن عاد الأمر إلى نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، وأخذ القوس باريها، وثار السهم إلى النزعة، ورجع الحق إلى مستقره، إلى أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة.
181 - خرج الربيع من عند المنصور ومعه رقعة فيها بيت شعر:
وهاجرة نصبت لها جبيني ... يقطع حرها ظهر العظاية (1)
وقال أجيزوه، فما أجازه إلّا بشّار فقال:
وقفت بها القلوص ففاض دمعي ... على خدي وأقصر واعظايه
182 - أول شعر قاله الرشيد أنه حج في أول خلافته، فدخل دارا بفيد (2)، فرأى في صدرها:
ألا يا أمير المؤمنين ألا ترى ... فديتك هجران الحبيب كبيرا
فكتب تحته:
بلى أيها المشعرات وما مشى ... بمكة مرفوع الأطلّ حسيرا
183 - إسحاق الموصلي: أنشد الرشيد قولي فيه:
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل
فقال: لا كيف، الله درّ أبيات تأتينا بها، ما أحكم أصولها أو أحسن فصولها! وأقل فضولها! فقلت هذا الكلام، والله أحسن من شعري.
__________
(1) الهاجرة: اليوم الشديد الحرّ.
والعظاية: دويبة ملساء أصغر من الحرذون تمشي مشيا سريعا ثم تقف وتعرف عند العامة بالسقاية والشموسة وهي أنواع كثيرة.
(2) فيد: بلدة في نصف طريق مكة من الكوفة.(5/230)
184 - عن محمد بن عباد: قال المأمون: من أحسن المراثي عندي مرثية زياد الأعجم (1) فخذها علي. فأنشدها كلها وترك هذا البيت:
هل ليالي فوقهن بزاته ... يغشى الأسنة فوق نهد قارح (2)
فقال المأمون: هاه هاه، ما أنشدت هذا البيت، وإنه لمن خيرها، يهدد المنايا فيقول: هلّا أتيت في تلك الساعة. فعجبت من حسن علمه بالشعر.
واستنشد لأبي نواس فأنشد:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
فقال، هذا هو الشعر، لا قوله: ألا هبي بسلحك (3) فالطخينا.
وكان مشغوفا بشعره، ويتأسف على فقده، ويقول: ذهب ظرف الزمان بموته، وانحطت مرتبه الشعر بذهابه.
185 - تكلم المأمون فأحسن، فأقبل سهل بن هارون على الناس فقال: ما لكم تسمعون فلا تعون؟ وتشاهدون فلا تفهمون؟ وتفهمون فلا تتعجبون؟ وتتعجبون فلا تصنعون؟.
__________
(1) زياد الأعجم: هو زياد بن سليمان أو سليم الأعجم. من شعراء الدولة الأموية، جزل الشعر، فصيح الألفاظ، كانت في لسانه عجمة فلقّب بالأعجم. عاصر المهلّب بن أبي صفرة وله فيه مدائح ومراث. كان هجّاء. كان الفرزدق يتحاشى أن يهجو بني عبد القيس خوفا منه. امتدح عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وتوفي نحو سنة 100هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 4: 221والأغاني (بشر حنا ص 370).
(2) من قصيدة له في الأغاني مطلعها:
قل للقوافل والغزيّ اذا غزوا ... والباكرين وللمجدّ الرائح
(3) أخذه من قول عمرو بن كلثوم في مطلع معلقته:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الاندرينا
والسّلح: هو الغائط والبراز.(5/231)
والله أن أمير المؤمنين ليفعل ويقول في اليوم القصير مثل ما فعل بنو مروان وقالوا في الدهر الطويل. على أن عربكم كعجمهم، وعجمكم كعبيدهم، ولكن قدر الدواء مجهول عند من لم يبتل بالداء.
وكان المأمون قد تغيّر له (1)، فرجع فشكره.
__________
(1) تغيّر له: جفاه.(5/232)
الباب الرابع والثمانون النساء، ونكاحهن، وطلاقهن، وخطبهن ومعاشرتهن والاعراس بهن، وما يحمد ويذم منهن وما اتصل بذلك
1 - سعيد بن عامر بن حاتم: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أن امرأة من نساء الجنة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض بريح المسك، ولأهبت ضوء الشمس والقمر. وكان سعيد بن عامر يقول لأمرأته: والله إني لأختارك عليهن، ودفع يده في صدرها.
2 - عبد الله رفعه: يسطع نور في الجنة، فإذا هي حوراء ضحكت في وجه زوجها.
3 - وعنه صلوات الله عليه وسلامه: أخوف ما أخافه عليكم فتنة النساء. قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا لبسن ريط الشام، وحلل العراق، وعصب (1) اليمن، وملن كما تميل أسنمة البخت (2)، فإذا فعلن
__________
(1) العصب: ضرب من برود اليمن سمّي عصبا لأن غزله يعصب أي يدرج ثم يصبغ ثم يحاك وليس من برود الرّقم ولا يجمع وإنما يقال: برد عصب، وبرود عصب لأنه مضاف إلى الفعل. وربما اكتفوا بأن يقولوا: عليه العصب لأن البرد عرف بذلك الاسم. وفي الحديث: المعتدّة لا تلبس المصبّغة، إلّا ثوب عصب. وقيل:
العصب هي برود مخطّطة.
(2) البخت والبختية: هي الإبل الخراسانية تنتج من بين عربية وفالج (فارسي معرّب)، والبعض يقول إن البخت عربي وينشد لابن قيس الرقيات:
لبن البخت في قصاع الخلنج(5/233)
ذلك كلفن المعسر ما ليس عنده.
4 - وعنه صلوات الله عليه وسلامه: استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر.
5 - أبو بكر رضي الله عنه بلغه أن الفرس ملّكت عليها بنت أبرويز فقال: ذل من أسند أمره إلى امرأة.
6 - مرّ عمر رضي الله عنه بباب دار فسمع جلبة وزحاما، فقال: ما جمع هؤلاء؟ قالوا: زوج فلان، فقال: أين مناخلكم؟.
7 - حكيم: الملك هو المملوك إلّا أن ثمنه عليه.
8 - آخر: أعص النساء هواك واصنع ما شئت.
9 - تزوجت فاطمة المهلبية عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، فقال ابن أبي عيينة (1):
فإنك قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل
فقد ظفرت كفاه منك بطائل ... وما ظفرت كفاك منه بطائل
10 - قيل لفيلسوف: أي السباع أحسن؟ قال: المرأة.
11 - خطب قريش إلى الكميت (2) وأخذ يفتخر عليه، فقال: يا
__________
(1) ابن أبي عيينة: هو محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة. شاعر.
تقدّمت ترجمته.
(2) الكميت: لعلّه الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي أبو المستهلّ، شاعر الهاشميين، من أهل الكوفة. اشتهر في العصر الأموي وكان عالما بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها. كان ثقة في علمه منحازا إلى بني هاشم كثير المدح لهم، وهو من أصحاب الملحمات. كان خطيب بني أسد، وفقيه الشيعة، وكان فارسا شجاعا سخيا راميا لم يكن في قومه أرمى منه. قال الميداني: الكميت ثلاثة: الكميت بن ثعلبة، ثم الكميت بن معروف، ثم الكميت بن زيد. (المتوفّى سنة 126هـ.)
وكلّهم من بني أسد.
راجع ترجمته في شرح شواهد المغني 13وجمهرة أشعار العرب 187والأعلام 5: 233.(5/234)
هذا، إن أجبناك لم نبلغ السماء، وإن رددناك لم نبلغ الماء، وقد رددناك.
12 - أعرابي: هو أملح من المداري (1) في شعور العذارى.
13 - شاور رجل آخر في تزويج امرأة، فقال: إن كنت تريدها خالصة لك من دون المؤمنين فلا تطمع.
14 - العرب: شر النساء الحميراء المحياض، والسويداء الممراض.
15 - عوتب الكسائي (2) في ترك التزوج فقال: مكابدة العفة عنهن أيسر من الاحتيال لمصلحتهن.
16 - قيل لأعرابي يجمع بين ضرائر: كيف تقدر عليهن؟ قال: كان لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصورهن إلينا، ثم قد بقي لنا خلق حسن فنحن نتعايش.
17 - عمر رضي الله عنه: البكر كالبرة تطحنها وتعجبها وتخبزها، والثيب (3) عجالة الراكب تمر وأقط (4).
18 - قيل لجارية: أبكر أنت؟ قالت: قد كنت فعافى الله.
19 - جاء سلمان رضي الله عنه يخطب قرشية ومعه أبو الدرداء، فدخل
__________
(1) المداري: جمع المدرى وهي ما تصلح بها الماشطة شعر النساء (كالمشط).
(2) الكسائي: هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، أبو الحسن: إمام في اللغة والنحو، ومؤدب الرشيد وابنه الأمين. توفي سنة 189هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) الثّيب: المرأة المتزوجة، خلاف البكر.
(4) الإقط: شيء يتّخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل والقطعة منه إقطة قال ابن الأعرابي: هو من ألبان الإبل خاصة. يقال: أقط الرجل يأقطه أي أطعمه الإقط.(5/235)
وذكر سابقة سلمان وفضله، فقالوا: لا نزوجه، ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها ثم خرج، فقال: يا أخي قد صنعت شيئا وأنا استحي منك، وأخبره، فقال سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك.
20 - خطب بنت دقيانوس غني وفقير، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر فقال: كان الغني جاهلا فكان يخاف عليه الفقر، وكان الفقير عاقلا فكان يرجى له الغنى.
21 - خطب رجل جارية فرد عنها، وقيل: أما سمعت ما قيل فيها:
يظل خطابها ميلا عمائمهم ... كأن أنضاءهم أنضاء حجاج
لها أب سيد ضخم وأخوتها ... مثل الأهلة يستثنيهم الهاجي (1)
22 - قال بعض الخلفاء: الإماء ألذ مجامعة، وأغلب شهوة، وأحسن في التبذل، وآنق في التذلل. فقال جليس له: لتردد دماء الحياء في وجه الحرة أحسن من تبذل الأمة.
23 - قالت امرأة الجماز (2) له: أي شيء يطيب في هذا اليوم يا سيدي؟ قال: الطلاق يا سيدتي.
24 - كانت عند بعض الملوك ثلاث نسوة، فقال للفارسية: أي وقت هذا؟ قالت: سحر قال: وما يدريك؟ قالت: وجدت ريح الرياحين. وقالت العربية: وجدت برد خلخالي، وقالت النبطية (3): كزني ما في بطني.
25 - أيمن بن خريم:
__________
(1) الأهلّة: جمع هلال وهو القمر.
(2) الجماز: هو محمد بن عمرو بن حماد مولى بني تميم، من أصحاب النوادر. ذكره صاحب الأغاني.
(3) النبط: جيل من الناس كانوا ينزلون القطائع بين العراقين أو سواد العراق وهم الأنباط وكان لهم في قديم الزمان دولة ومدينة.(5/236)
يميت الخلاط عتاب النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا
26 - قيل لشيخ كانت امرأته تشارّه (1): أما أحد يصلح بينكما؟ قال:
لا، مات الذي كان يصلح بيننا.
27 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أعروا النساء يلزمن الحجال (2).
28 - خطب مغمور مغمورة، فقيل لوليها: تعمم لكم فزوجتموه؟
قال: إنا قد تبرقعنا قبل أن يتعمم لنا.
29 - الأصمعي: تكلم أعرابي فطمح به لسانه فقال: لا تنكحن واحدة فتحيض إذا حاضت وتمرض إذا مرضت، ولا تنكحن اثنتين فتكون بين شرتين، ولا تنكحن ثلاثا فتكون بين أثاف (3)، ولا تنكحن أربعا فيفلسنك ويهرمنك ويبخلنك ويحقرنك.
قيل له: حرمت ما أحل لله؟ قال: سبحان الله كوزان وقرصان وعبادة الرّحمن.
30 - قال مصعب لسكينة (4): أنت مثل البغلة لا تلدين. قالت لا والله، ولكن أبى كرمي أن يقبل لؤمك.
31 - بعضهم: رأيت بطريق مكة أعرابية ما رأيت أحسن منها، فقعدت أنظر إليها متعجبا من جمالها، فجاء شيخ قصير فأخذ بأذنها فسارّها ومضى، فقلت من هذا؟ قالت: زوجي، قلت: كيف ترضى مثلك بمثله؟ فقالت:
__________
(1) تشارّه: تغضبه.
(2) الحجال: جمع حجلة وهي ستر يضرب للعروس في جوف البيت. وربات الحجال:
كناية عن النساء.
(3) الأثاف: جمع أثفية: أحد ثلاثة حجارة توضع عليها القدر.
(4) سكينة: هي سكينة بنت الحسين ومصعب زوجها وهو مصعب بن الزبير. توفيت السيدة سكينة سنة 117هـ. تقدّمت ترجمتها.(5/237)
أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال
دعاني إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال
32 - قيل لأعرابي: ما خلّفت لأهلك؟ قال: الحافظين، قيل: وما هما؟ قال: أعرّيهن فلا يبرحن، وأجيعهن فلا يمرحن.
33 - قيل لرجل: مات عدوك، فقال: وددت أنكم قلتم تزوج.
34 - قيل لمالك بن دينار: لو تزوجت. قال: لو استطعت لطلقت نفسي.
35 - قال طاووس لإبراهيم بن ميسرة: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: ما يمنك من التزوج إلّا عجز أو فجور.
36 - دخل ابن أبي علقمة على بلال بن أبي بردة وحمزة بن بيض (1)
ينشد:
ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي ... توافق عند الأكرمين تؤامي
نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام
فقال: يا ابن أخي: وما بلغ من نفاق بنات الحارث؟ فقال: كان يزوجهن ويسوقهنّ ومهورهن إلى بعولتهن. فقال: والله لو فعل هذا إبليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون.
37 - تزوج أعرابي فقيل له: كيف وجدتها؟ فقال: رصوفا رشوفا
__________
(1) حمزة بن بيض: هو حمزة بن بيض بن نمر بن عبد الله بن شمر الحنفي، من بني بكر بن وائل، شاعر مجيد، سائر القول، كثير المجون، من أهل الكوفة. كان منقطعا إلى المهلب بن أبي صفرة وولده، ثم إلى بلال بن أبي بردة، وحصلت له أموال كثيرة. وأخباره مع عبد الملك بن مروان وغيره كلّها طرف. توفي سنة 116هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 147وإرشاد الأريب 4: 146والتاج 5: 14.(5/238)
أنوفا. أراد ضيقة الفرج طيبة المقبل والأنف.
38 - ووصف أعرابي امرأة فقال: ما ثديها بناهد، ولا شعرها بوارد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد.
39 - جنى شيخ من غسان على بعض ملوكهم، فهرب إلى بلاد تميم، فحالف زرارة بن عدس (1)، فخطب إليه ابنته على بعض بنيه وقال:
قد علمت أن بنيّ أشرف قومهم، وهم معبد ولقيط وحاجب وعلقمة فاخترا لهذه الحجر (2) أكرم فحل. فكره الشيخ قوله ودافعه. فلما مات زرارة قال لأهله: إن حكيمهم قد هلك، وهؤلاء شباب ولست آمن أن يحملوني على ما أكره من انكاحهم. فاحتمل في جوف الليل. فلما بلغ المأمن أنشأ يقول:
رغبت بها عن حاجب وابن أمه ... لقيط وعن تلك الرجال الركائك
ولو كنت في غسان أبرزت وجهها ... وأنكحتها من بعض تلك الصعالك
40 - قال ابن لهيقة: قلت لزيد بن حبيب: إذا دخل رجل المسجد بأي رجليه يبدأ؟ قال: أما سمعت ما يقول للعروس ضعي رجلك اليمنى على المال والبنين؟.
41 - لما وجه إلى عبد الملك رأس ابن الأشعث، بعث به مع خادم له إلى امرأة من كندة كانت ناكحا في قريش، فلما رأته قالت: مرحبا بزائر لا يتكلم، وملك بن ملوك طلب ما يستحقه، فأبى عليه القدر. فأراد
__________
(1) زرارة بن عدس: هو زرارة بن عدس بن زيد، جدّ جاهلي، بنوه بطن من بني دارم، من تميم، من عدنان. كان حكما من قضاة تميم. وقاد تميما وغيرها يوم شويحط. من بنيه: حاجب بن زرارة والمنذر بن ساوي صاحب هجر.
راجع ترجمته في نهاية الأرب 224والمحبر 247وفيه: أمه ليلى بنت زنباع بن أحيمر وهي إحدى المنجبات من النساء
(2) الحجر: الأنثى الكريمة (وتكون من الخيل عادة).(5/239)
الخادم أن يرد الرأس، فقالت: كلا والله، ثم أمرت به فغسل ورجل وطيب، ثم قالت: شأنك الآن. فرجع الخادم إلى عبد الملك فأخبره.
فلما دخل عليه زوجها قال له: إن قدرت أن تصيب منها سخلة (1) فأفعل.
42 - نظر عامر بن حصين إلى رجل شجاع فأعجبه، وتزوج أخته طمعا في أن ينزع ولدها إليه. فابتكرت بجارية فقال: الحمد لله، ثم ثنت بأخرى فقال: الحمد لله، ثم ثلثت فقال: الحمد لله، ثم ربعت فقال:
لا حول ولا قوة إلّا بالله.
43 - مرت بعمر رضي الله عنه عجوز تبيع اللبن، فقال: لا تشوبي (2) لبنك بالماء ولا تغشي المسلمين. قالت: نعم يا أمير المؤمنين.
ثم مرّ فقال: يا عجوز، ألم أعهد إليك؟ قالت: والله ما فعلت. فقالت بنت لها من خبائها: أغشا وكذبا جمعت على نفسك؟ فقال عمر لولده:
أيكم يتزوجها لعل الله أن يخرج منها نسمة طيبة؟ فقال عاصم بن عمر: أنا أتزوجها يا أمير المؤمنين. فولدت له أم عاصم، فتزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز (3).
44 - أبو شمر الغساني:
لا تأمنن على النساء أخا أخ ... ما في الرجال على النساء أمين
حرّ الرجال وان تعفّف جهده ... لا بدّ أن بنظرة سيخون
45 - أبو الشعثاء: كانت لي امرأتان، فكنت أعدل بينهما حتى في القبل.
46 - زفت معاذة إلى صلة بن أشيم فبات ليلة الزفاف يتهجد (4)،
__________
(1) السّخل: المولود المحبب إلى أبويه، وهو في الأصل ولد الغنم.
(2) لا تشوبي لبنك: أي لا تخلطيه بالماء.
(3) هذه الحكاية مرويّة بتوسّع في كتابنا: طرائف من التراث العربي ص 226طبعة دار الكتاب اللبناني.
(4) يتهجّد: يصلّي في الليل ويتعبّد.(5/240)
فقيل له، فقال: دخلت بيتا فذكرت النار، يعني الحمام، ثم دخلت بيتا فذكرت الجنة، يعني بيت العروس، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت.
47 - النخعي: إن من اقتراب الساعة طاعة النساء.
48 - قال الوليد بن يزيد لابن ميادة (1): من خلفت عند أهلك؟ قال رقيبين لا يخالفانني طرفة عين: الجوع والعري.
49 - الأحنف: ولأفعى حالك في يدي أحب إليّ من أيّم (2) رددت عنها كفؤا.
50 - لقمان: لا تشهد العرسات فإنها ترغبك في الدنيا وتنسيك الآخرة، وأشهد الجنائز فإنها تزهدك في الدنيا وترغبك في الآخرة.
51 - علي عليه السلام: إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن (3)، وعزمهن إلى وهن. واكفف أبصارهن بالحجاب، فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب. وليس خروجهن بأضر من دخول من لا يوثق به عليهن. وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها فيما لغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم، والبريئة إلى الريب.
52 - من أطاع عرسه (4) فقد أضاع نفسه.
53 - في البكر: أشهى المطي ما لم يركب، وأحب اللآلىء ما لم يثقب.
__________
(1) ابن ميّادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان الذبياني. وميّادة أمّه. توفي سنة 149هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) الأيّم: المرأة التي فقدت زوجها.
(3) أفن أفنا: ضعف رأيه فهو أفين ومأفون.
(4) العرس (بالكسر): زوجة الرجل.(5/241)
54 - في الثيب (1): تزوج امرأة كفى فيها الصحة.
55 - فلان في بيته نمرة، إذا كانت امرأته سيئة الخلق.
56 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أوثق إبليس النساء.
57 - علي عليه السلام: لا تطيعوا النساء على حال، وتأمنوهن على مال، فانهن إن تركن وما يردن أوردن المهالك، وعصين المالك، وأزلن الممالك، ينسين الخير، ويحفظن الشر، يتهافتن في البهتان، ويتمادين في الطغيان.
58 - عمر رضي الله عنه: أكثروا لهن من قول لا، فإن نعم تغريهن على المسألة.
59 - هي ممسكة للفضلين. أي تصون الفرج والمال.
60 - عبد السلام بن أبي سليمان في النكاح:
تزوجت ألفا ثم طلقت مثله ... فلم أترك مالا ولم أترك وفرا
فأنت أقلنيها فإن عدت بعدها ... فألفيت لي عذرا فلا تقبل العذرا
61 - طلق رجل امرأته فلما أرادت الارتحال قال: اسمعي وليسمع كل من حضر: إني والله اعتمدتك رغبة، وعاشرتك بمحبة، ولم توجد منك زلة، ولم تدخلني عنك ملّة، ولكن القضاء كان غالبا.
فقالت المرأة: جزيت خيرا من صاحب ومصحوبة، فما استرثت خيرك، ولا شكوت ضيرك، ولا تمنيت غيرك، ولم أزد إليك إلّا شرها، ولم أجد لك في الرجال شبها، وليس لقضاء الله مدفع، ولا من حكمه علينا ممنع.
62 - شكا رجل امرأته، فقيل له: هلّا طلقتها. فقال: هي حسناء فلا تفرك، وأم عيال فلا تترك.
__________
(1) الثّيب: المرأة المتزوجة، خلاف البكر.(5/242)
63 - كأنها أم خارجة يقال لها خطب فتقول نكح (1).
64 - وما هي إلّا نظرة فتذبل رجلاها وتسقط للجنب.
65 - بخرّ فلان امرأته بمثلته، وأولاها الهقعة (2)، وتلقاها الأثافي (3): إذا طلقها ثلاثا.
66 - شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب قلّة غشيان زوجها فقالت:
إني أجنب عنه في الشهر مرة. فقال عمر: إن في ذلك شقاء للعاشق، وحملا للتائق.
67 - خطب الحسن رابعة، فقالت بشرط أن أدع أنا تسعا وأنت واحدة. قال: وما هي؟ قالت يزعمون أن الشهوة تسع منها للنساء وواحدة منها للرجال، فأبى، فنقمت عليه. فسمعت بعد ذلك موعظته فقالت:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض
68 - الأبكار أشد حبا وأقل خبا (4).
69 - خالد بن صفوان المنقري:
عليك إذا ما كنت لا بد ناكحا ... ذوات الثنايا الغر والأعين النجل (5)
__________
(1) أم خارجة: هي عمرة بنت سعد بن عبد الله بن ثعلبة. ونكاح أم خارجة يضرب به المثل في السرعة.
راجع حكاية أم خارجة مع السيد الحميري حيث تزوّجا بالمتعة في كتابنا: طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني ص 210طبعة دار الكتب العلمية.
(2) الهقعة: ثلاثة كواكب نيّرة قريب بعضها من بعض فوق منكب الجوزاء. وقيل: هي رأس الجوزاء كأنها أثافي وهي منزل من منازل القمر وبها شبّت الدائرة التي تكون بجنب بعض الدواب. وفي حديث ابن عباس: طلّق ألفا يكفيك منها هقعة الجوزاء أي يكفيك من التطليق ثلاث تطليقات.
(3) الأثافي: هي أحجار ثلاثة ترتكز عليها القدر.
(4) الخبّ: الخداع.
(5) الثنايا الغرّ: الأسنان البيضاء. والأعين النجل: الواسعة الحسناء.(5/243)
وكل هضيم الكشح خفاقة الحشا ... قطوف الخطا بلهاء وافرة العقل (1)
70 - المرأة تشرب النبيذ فيسكر من لبنها الرضيع، وتشرب دواء المشي فتعتريه الخلفة فلذلك اختار الحكماء لأولادهم الظئر (2) البريئة من الأدواء وغيرها.
71 - كانت كندة أغلى الناس مهورا، ربما مهرت الواحدة ألف بعير، ولا يمهر بأقل من مائة بعير. فصارت مهور كندة مثلا في الغلاء.
72 - وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: اللهمّ أهذب ملك غسان، وضع مهور كندة.
وقال: أعظم النساء بركة أحسنهن وجوها وأرخصهم مهرا.
73 - لما زوج الوليد بن عبد الملك ابنه عبد العزيز أم حكيم بنت يحيى بن الحكم، وأمها بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام. وكان يقال لها الواصلة، لأنها وصلت الشرف بالجمال، أمهرها أربعين ألف دينار، وأمر عدي بن الرقاع فقال:
قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا (3)
ما وارت الأستار مثلهما ... فيمن رأى منهم ومن سمعا
دام السرور له بهما ولها ... وتهنّيا طول الحياة معا
فقال الوليد: لئن أقللت فقد أحسنت، وأجزل له الجائزة.
74 - وكانت بنو مخزوم تسمى ريحانة قريش، وكان هشام بن المغيرة المخزومي أعز نفسا على قريش وكنانة. وكانوا يؤرخون بثلاثة أشياء، يقولون: كان ذلك زمن بناء الكعبة، وعام الفيل (4)، وعام موت هشام.
__________
(1) هضيم الكشح: ضامرة البطن. وقطوف الخطا: تسير على مهل.
(2) الظئر: المرضعة.
(3) القمر والشمس: كناية عن عبد العزيز بن الوليد وأم حكيم بنت يحيى بن الحكم.
(4) عام الفيل: حارب أبرهة الأشرم الحبشي حاكم اليمن الفرس مستخدما الفيلة في القتال وتسمى سنة هذه الحرب (570م) عام الفيل ومنها يؤرخون مولد محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.(5/244)
فكانت الجارية تولد لآل الحارث بن هشام فيتباشرون بها.
75 - خرج السيد الحميري فتلقته فرجة بنت الفجاء الخارجية راكبة فرسا، وكانت برزة (1) فصيحة جميلة، فتحاورا أحسن حوار، إلى أن خطب إليها نفسها فقالت: أعلى ظهر الطريق؟ فقال: ألم يكن نكاح أم خارجة أسرع؟ فاستضحكت وقالت: نصبح وننظر ممن. فقال:
إن تسأليني بقومي تسألي رجلا ... في ذروة العز من أحياء ذي يمن
إني امرؤ حميري حين تنسبني ... جدي رعين وأخوالي ذوو يزن (2)
فعرفته وقالت: يمان وتميمية، ورافضي وحرورية، كيف يجتمعان؟
فقال: على أن لا نذكر سلفا ومذهبا. فتزوجته سرا. فأقاما في عيشة راضية (3).
76 - يقال في الاستخبار عن ولادة المرأة: أأحلبت ناقتك أم أجلبت؟ أي أولدت أنثى تحلب أم ذكرا يجلب للبيع؟.
77 - قيل لرجل: ما عندك في النكاح؟ قال: ما يقطع حجتها ولا يبلغ حاجتها.
78 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل هم بطلاق امرأته وزعم أنه لا يحبها: أو كلّ بيت بني على الحب؟ فأين الرعاية والذمم؟.
__________
(1) المرأة البرزة: المتجالّة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدّثون عنها وتكون موثوقة الرأي والعفاف.
(2) رواية طرائف الأصفهاني ص، 210:
حولي بها ذو كلاع في منازلها ... وذو رعين وهمدان وذو يزن
وذو رعين: جدّ جاهلي يمني. وذو يزن: ملك من ملوك حمير وابنه سيف بن ذي يزن الذي قتل الحبشة وطردهم من اليمن وهو الذي بشّر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل مبعثه.
(3) راجع كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 210فالرواية فيه مفصّلة وفيها اختلاف ببعض الألفاظ.(5/245)
79 - مسلمة: ثلاثة لا أعذرهم: رجل أحفى (1) شعره ثم أعفاه، ورجل قصر ثيابه ثم أطالها، ورجل كان عنده سراري ثم تزوج حرة.
80 - داود عليه السلام: امرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير، والمرأة الصالحة له كالتاج المخوص بالذهب، كلما رآها قرّت عينه.
81 - مرّ سليمان عليه السلام بعصفور يدور حول عصفورة، فقال:
هل ترون ما يقول؟ يقول: زوجيني نفسك حتى أسكندر غرفة بدمشق، وكذب ما بدمشق غرفة، ولكن كل خاطب كاذب.
82 - الجماع يصلع الإنسان، وربما كان أصلع فإذا جامع نبت شعره.
83 - قال داود لسليمان عليهما السلام: أمش خلف الأسد ولا تمش خلف امرأة.
84 - استشار رجل داود في التزوج، فقال: سل سليمان وأخبرني بجوابه. فصادفه ابن سبع سنين يلعب مع الصبيان يركب قصبة، فقال:
عليك بالذهب الأحمر، والفضة البيضاء، واحذر الفرس لا يضربك. فلم يفهم. فقال له داود: الذهب الأحمر البكر والفضة البيضاء الشيّب الشابة، ومن وراءهما كالفرس الرموح.
85 - لقي عيسى عليه السلام إبليس، وهو يسوق خمسة أحمرة عليها أحماله، فسأله، فقال: أحمل تجارة وأطلب مشترين، أما أحدهما فالجور، قال: من يشتريه؟ قال السلاطين. قال: فما الثاني؟ قال:
الكبر، قال فمن يشتريه؟ قال: الدهاقين (2). قال: فما الثالث؟ قال:
__________
(1) أحفى شعره: قصّه. وأعفاه: أطاله.
(2) الدهاقين: جمع دهقان وهو رئيس الأقليم. وقيل: هو التاجر.(5/246)
الحسد، قال: فمن يشتريه؟ قال العلماء. قال: فما الرابع؟ قال:
الخيانة، قال: فمن يشتريها؟ قال: التجار. قال: فما الخامس، قال:
الكيد، قال: فمن يشتريه؟ قال: النساء.
86 - قيل للإسكندر: لو استكثرت من النساء ليكثر ولدك، ويدوم بهم ذكرك. فقال دوام الذكر بتحسين السيرة والسنن، ولا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النساء.
87 - علي بن أبي طالب عليه السلام: النساء شر كلهن، وشر ما فيهن قلّة الاستغناء عنهن.
88 - يحيى بن أكثم: نعم لهو المرأة الغزل.
89 - قيل لأعرابي: إن فلانا يخطب فلانة، قال: أموسر من عقل ودين؟ قالوا: نعم، قال: فزوجوه.
90 - قال عبد الملك لابن الرقاع: كيف علمك بالنساء؟ قال: أنا والله أعلم الناس بهن، وأنشأ يقول:
قضاعية العينين كندية الحشا ... خزاعية الأطراف طائية الفم
لها حكم لقمان وصورة يوسف ... ومنطق داود وعفّة مريم
91 - عمر بن أبي ربيعة، وكان المنصور كثيرا ما ينشده:
إنها بين عامر بن لؤي ... حين تعزى وبين عبد مناف
ولها في المطيبين حدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف
بنت عم النبي أكرم من يم ... شي بنعل على التراب وحافي
لا تراها على التبذل والزي ... نة إلّا كدرة الأصداف
92 - سئل المغيرة بن شعبة عن النساء فقال: بنات العم أحسن مؤاساة والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأقران مثل ابن السوداء.
93 - قال الحجاج لابن القرية: أي النساء أحب إليك؟ قال: الودود
الولود، التي أعلاها عسيب (1)، وأسفلها كثيب، آخذهن من الأرض إذا جلست، وأطولهن في السماء إذا قلمت، التي إن تكلمت رودت، وإن صنعت جودت، وإن مشت تأودت (2)، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الحصان (3) من جارها، الهلوك (4) إلى بعلها.(5/247)
93 - قال الحجاج لابن القرية: أي النساء أحب إليك؟ قال: الودود
الولود، التي أعلاها عسيب (1)، وأسفلها كثيب، آخذهن من الأرض إذا جلست، وأطولهن في السماء إذا قلمت، التي إن تكلمت رودت، وإن صنعت جودت، وإن مشت تأودت (2)، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الحصان (3) من جارها، الهلوك (4) إلى بعلها.
94 - وعن خالد بن صفوان: حصان من جارها، ما جنة على بعلها.
95 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما النساء لعب فتخيروا.
96 - استعمل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة بن أبي معيط على صدقات كلب؟ فتزوج له نائلة بنت الفرافصة (5) بن الأحوص النصراني، فقال: زوجتني نصرانية؟ قال: إن رأتك أسلمت، فقدم بها وقد أسلمت.
فلما خلا بها قال لها: أتأتينا أم نأتيك، قالت: بل نأتيك ونعمة عين، تكلفنا إليك السير من أرض قومي وهي أبعد من ناحية البيت. فقال: إنك ترين شيبا وتعليا في السن، وإن عندي بقية من علالة. فقالت: إن أحب الأزواج إلي من ذهبت عنه متعة الشباب، ووثقت برأيه حلمه. فقيل له:
__________
(1) عسيب: اسم جبل.
(2) تأوّدت في مشيتها: تمايلت في غنج ودلال.
(3) المرأة الحصان: العفيفة.
(4) المرأة الهلوك: التي تحرص على زوجها، وهي الحسنة التبعّل له. وفي حديث مازن: إني مولع بالخمر والهلوك من النساء.
(5) نائلة بنت الفرافصة: زوجة عثمان بن عفان. كانت خطيبة. شاعرة، حملت إليه من بادية السماوة فتزوجها وأقامت معه في المدينة. ولما كان بدء الثورة عليه نصحته باستصلاح علي بن أبي طالب، وكان قد جاء وحذّره، فأرسل إليه يدعوه، فقال عليّ: قد أعلمته أني لست بعائد. ودخل المصريون دار عثمان وبأيديهم السيوف فضربه أحدهم فألقت «نائلة» نفسها على عثمان وصاحت بخادمها رباح فقتل الرجل.
وهجم آخر فوضع ذباب السيف في بطن عثمان فأمسكت نائلة السيف فحزّ أصابعها، وقتل عثمان فخرجت تستغيث، ففرّ القتلة. فكتبت إلى معاوية تصف دخول القوم على عثمان وأرسلت إليه قميصه مضرجا بالدم وبعض أصابعها المقطوعة. ولما سكنت الفتنة خطبها معاوية لنفسه فأبت.(5/248)
كيف رأيت؟ فقال: ما دخلت على امرأة أوفى عقلا منها، ولا أحرى أن تغلبني على عقلي (1).
97 - قال أسماء بن خارجة لبنته ليلة هدائها. عليك بأطيب الطيب وهو الماء، وبأحسن الحسن وهو الكحل والحناء. وإياك وكثرة المعاتبة فهي مقطعة للمودة، والغيرة في غير موضعها فهي مفتاح الطلاق.
98 - أهدت أعرابية بنتها فقالت لها: أي بنية، إنك قد فارقت الحواء الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تأليفه. ثم أوصتها بوصايا منها: عليك بالتعهد لموضع عينيه وأنفه، لا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلّا طيب ريح، والتعرف لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة (2).
99 - تزوج الحسن بن علي امرأة، فبعث إليها مائة خادم، مع كل خادم ألف درهم.
100 - حكيم: منيتك نفسك، فإن شئت فأخرجه، وإن شئت فلا.
101 - آخر: لا تحقر شيئا يخرج منك مثلك، يعني الجماع.
102 - أطول الناس أعمارا الخصيان. ولم ير فيما يعاشر الناس أعمر من البغال، ولا أقصر عمرا من العصافير.
__________
(1) راجع هذه الحكاية في كتابنا «طرائف الخلفاء والملوك» ص 25طبعة دار الكتب العلمية فالقصة فيه موسّعة.
(2) راجع هذه القصة بتفصيل وتوسّع في كتابنا «طرائف من التراث العربي» ص 340طبعة دار الكتاب اللبناني، وفيه:
لما خطب عمرو بن حجر الكندي إلى عون بن محلّم الشيباني ابنته أم إياس وأجابه إلى ذلك، أقبلت عليها أمّها ليلة دخوله بها توصيها فكان ممّا أوصتها به أن قالت:
(أوردت عشر خصال) فقبلت وصية أمّها فأنجبت له الحارث بن عمرو جدّ امرىء القيس الملك الشاعر.(5/249)
103 - أراد الحسن تزويج بنته من رجل، فقيل: من حاله ويساره كيت وكيت، وله مائة ألف ما يحركها. فقال: أما والله ما اجتمعت مائة ألف عند رجل إلّا من ظلم، وأبي أن يزوجه.
104 - علي عليه السلام: سمعت رسول الله يقول لعثمان: لو أن لي أربعين بنتا لزوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن أحد.
105 - سهل بن معاذ الجهني رفعه: من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، وأنكح في الله، فقد استكمل الإيمان.
106 - وعنه عليه الصلاة والسلام: من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر تواضعا كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله توّجه الله تاج الملك.
107 - علي عليه السلام رفعه: لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء، فإن اللبن يعدي.
108 - قال موسى بن عبد الله بن الحسن لامرأته أم سلمة، وكانت من ولد أبي بكر الصديق:
فإني زعيم أن أجيء بضرّة ... قرّابة فرّامة للضرائر
فأجابه الربيع بن سليمان مولى الحسنين:
أبنت أبي بكر تريد بضرة ... لعمرك قد حاولت إحدى الكبائر
109 - الرحال بن النميري:
فلا بارك الرّحمن في عرس أهلها ... عشية زفوها ولا فيك من بكر
فما غرني إلّا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
أتوني بها قبل المحاق بليلة ... فكان محاقا كله ذلك الشهر (1)
__________
(1) المحاق: آخر الشهر القمري. وقيل ثلاث ليال من آخره. يقال: انمحق الهلال، أي لم يكد يرى في آخر الشهر.(5/250)
ألا ليتهم زفوا إليّ مكانها ... شديد القصيري ذا عرام من النمر
إذا شدّ لم ينكل وإن همّ لم يهب ... شديد الوقاع لا ينهنه بالزجر
110 - هو معذور في أقوائه لجاهليته، وشغل بما دهي به عن تسوية القوافي.
111 - طاهر بن سيار العجلي:
رأيت مواعيد النساء كأنها ... سراب لمرتاد المناهل خاتل
ومنتظر الموعود منهن كالذي ... يؤمل يوما أن تلين الجنادل (1)
112 - زوّج المهلب قتادة بن مقرب اليشكري امرأة من الأزد فقال فيها:
تجهزي للطلاق وانشمري ... هذا جزاء الجوامح الشمس
لليلتي حين بت طالقة ... ألذ عندي من ليلة العرس
بت لديها بشر منزلة ... لا أنا في نعمة ولا فرسي
هذا على الخسف لا قضيم له ... وبتّ ما إن يسوغ لي نفسي
فقال يزيد بن المهلب: راجعها، فقال:
بالله جهد اليمين أحلف ما ... قرّت بها عين من يضاجعها
ظلت عن الخير لا تطيق له ... فعلا فتا لله لا أراجعها
113 - كان غيلان بن سلمة الثقفي أحد حكام قيس في الجاهلية، وكانت له ثلاثة أيام يوم يحكم فيه، ويوم ينشد فيه، ويوم ينظر فيه إلى جماله. وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فأسلم فخيّره رسول الله فاختار أربعا فصارت سنة.
114 - علي عليه السلام: لا تهيجوا النساء بأذى وأن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول. إن
__________
(1) الجنادل: الصخور القاسية.(5/251)
كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر والهراوة فيعير بها وعقبه من بعده.
وعنه: المرأة عقرب حلوة اللّسعة.
وعنه: جهاد المرأة حسن التبعّل.
وعنه: خيار خصال النساء شرار خصال الرجال الزهو والجبن والبخل، فإذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها.
115 - وكان في أصحابه فمرت امرأة جميلة فرمقوها، فقال: إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فيلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته. فقال بعض الخوارج:
قاتله كافرا ما أفقهه! فوثبوا ليقتلوه، فقال: رويدا إنما هو سبب بسبب، أو عفو عن ذنب.
وعنه: المرأة الصالحة ليست من الدنيا، إنما هي من الآخرة، لأنها تفرغك لها. ولو كنت تطبخ وتسرح وتفرش لشغلك ذلك.
116 - تميم بن خزيمة التميمي:
قالوا نكحت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إليّ ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ منظومة ... ثقبت وحبة لؤلؤ لم تثقب
فأجابته امرأة:
إن المطية لا يلذ ركوبها ... ما لم تذلل بالزمام وتركب
والدر ليس بنافع أربابه ... ما لم يؤلف في النظام ويثقب
117 - خطب بعض الظرفاء خطبة نكاح فقال: الحمد لله الذي جعل في الطلاق اجتلابا للأرزاق، فقال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقََا يُغْنِ اللََّهُ كُلًّا مِنْ
سَعَتِهِ}. أوصيكم عباد الله بالسلوة والملالة، والتجني والجهالة، واحفظوا قول الشاعر:(5/252)
إن المطية لا يلذ ركوبها ... ما لم تذلل بالزمام وتركب
والدر ليس بنافع أربابه ... ما لم يؤلف في النظام ويثقب
117 - خطب بعض الظرفاء خطبة نكاح فقال: الحمد لله الذي جعل في الطلاق اجتلابا للأرزاق، فقال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقََا يُغْنِ اللََّهُ كُلًّا مِنْ
سَعَتِهِ}. أوصيكم عباد الله بالسلوة والملالة، والتجني والجهالة، واحفظوا قول الشاعر:
اذهبي قد قضيت فيك فضالي ... وإذا شئت أن تبيني فبيني
تعاهدوا نساءكم بالسب، وعاودوهن بالضرب، وكونوا كما قال الله:
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضََاجِعِ} (1).
ثم إن فلانا في خمول نسبه، ونقصان أدبه، خطب إليكم فازهدوا فيه.
فرق الله بينهما، وعجل لهما حينهما.
118 - يقال: أشأم على الأزواج من عاتكة بنت الفرات. رأت في المنام أنها كسرت ثلاثة ألوية، فتزوجها ثلاثة من الرؤساء فماتوا.
119 - وأشأم من حبيب بنت قيس، مات عنها عدة أزواج. فقال عمر رضي الله عنه من أراد الشهادة العاجلة الحاضرة فليتزوج بها.
120 - كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل (2) عند عبد الله بن أبي بكر الصديق، وكان معجبا بها، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، ففعل فقال:
أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما لاح نجم في السماء محلق
__________
(1) سورة النساء من الآية: 34.
(2) عاتكة بنت زيد بن نفيل: شاعرة صحابية حسناء من المهاجرات إلى المدينة. تزوّجها عبد الله بن أبي بكر الصديق ومات فرثته بأبيات منها:
فآليت لا تنفك عيني حزينة ... عليك ولا ينفك خدّي أغبرا
وتزوجها عمر بن الخطاب، وهو ابن عمها، فاستشهد، ورثته، فتزوجها الزبير بن العوام، وقتل، فرثته، وقيل: خطبها علي بن أبي طالب فأرسلت إليه: إني لأضنّ بك عن القتل. وبقيت أيّما إلى أن توفيت نحو سنة 40هـ.
راجع ترجمتها في الاستيعاب والإصابة الترجمة 695وحسن الصحابة 104.(5/253)
ولم أر مثلي اليوم طلق مثلها ... ولا مثلها من غير جرم نطلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي في حياء ومصدق
فأمره أبو بكر بمراجعتها. ثم أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا. فرثته بقولها:
أقسمت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
ثم خطبها عمر رضي الله عنه، فلما أو لم بها قال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمير المؤمنين أتأذن أن أدخل رأسي على عاتكة؟ فأدخل رأسه فقال:
آليت لا تنفك عيني قريرة ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا
فنشجت نشيجا عاليا. فقال عمر: ما أردت إلى هذا غفر الله لك!.
ثم خطبها الزبير بعد عمر، فكانت تخرج إلى المسجد بالليل، فقال لها: لا تخرجي، فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني. وكان يكره أن يمنعها، لقوله عليه السلام: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. فقعد لها متنكرا في جوف الليل فقرصها، فتركت الخروج. فقال لها: ما بالك لا تخرجين؟ فقالت: كنت أخرج والناس ناس، ففسد الناس، فبيتي أوسع لي.
121 - خرج صخر بن عمرو بن الشريد أخو الخنساء في غزاة، فجرح فمرض، فقال بعض عواده لامرأته: كيف أصبح صخر؟ فقالت: لا حي فيرجى ولا ميت فينسى، لقينا منه الأمرين. وسأل أمه فقالت: أصبح بنعمة الله صالحا، ولا يزال بخير ما رأينا سواده بين أيدينا كأصلح ما يكون عليل. فقال صخر:
أرى أم صخر لا تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني (1)
__________
(1) رواية صدر البيت في الكامل للمبرّد 2: 345هي:
أرى أمّ صخر ما تجفّ دموعها(5/254)
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان (1)
فأي امرىء ساوى بأم حليلة ... فلا عاش ذلا في شقا وهوان (2)
لعمري لقد أيقظت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان (3)
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان (4)
كان قد خبأ سيفه تحت فراشه، فلما جلست رفع السيف ليضربها به فلم يقدر، فهو معنى قوله: أهم بأمر الحزم.
122 - شيخ من بلعنبر كان يقول: النساء ثلاث: معينة لينة عفيفة مسلمة. تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها. وأخرى وعاء للولد. وأخرى غل قمل يضعه الله في عنق من يشاء.
123 - علي عليه السلام: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.
124 - عروة بن الزبير: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق، ولا وضع أحد نفسه بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن فلانة، ألفت بني فلان بيضا طوالا فقلبتهم سودا قصارا.
125 - بغثر الأسدي:
وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح
126 - أبو عمرو بن العلاء عن رجل: لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها، قيل: كيف؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمها بأنها تجيء بأحدهما.
__________
(1) في لسان العرب مادة (جنز) قال ابن منظور: «وإذا ثقل على القوم أمر أو اغتمّوا به فهو جنازة عليهم» وأنشد هذا البيت.
(2) رواية الأغاني (بشرحنا 15: 76): فلا عاش «إلّا» في شقا وهوان.
(3) رواية الأغاني: لعمري لقد «نبّهت» ورواية الكامل 2: 345لقد أنبهت.
(4) العير: الحمار وأراد بالنزوان: النكاح. وفي الأغاني اختلاف في ترتيب الأبيات.(5/255)
127 - عمر رضي الله عنه: يا بني السائب قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
128 - الأصمعي عن بعض العرب: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجمية.
129 - الزبرقان بن بدر: أحب كنائني إليّ الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة (1) الحييّة، التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إليّ الطلعة الخبأة، التي تمشي الدّفقّى (2)، وتجلس الهبنقعة (3)، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جارية.
130 - هند: المرأة غل (4) فانظر ما تضع في عنقك.
131 - بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم سليم تنظر إلى امرأة. فقال: شمي عوارضها وانظري إلى عقبيها.
132 - قال الأصمعي إذا أسود عقب المرأة أسود سائرها. وقال النابغة:
ليست من السود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما (5)
133 - حضر أبو طالب نكاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة رضي الله عنها، ومعه بنو هاشم ورؤساء مضر، فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم
__________
(1) المرأة البرزة: التي تبرز للناس تجالسهم ويتحدّثون إليها. وقد تقدم شرحها قبل قليل:
(2) يمشي الدفقّى: أي يسرع ويباعد الخطو.
(3) الهبنقعة: قعود الرجل على عرقوبيه قائما على أطراف أصابعه، وجلس الهبنقعة، هي جلسة المزهو.
(4) الغلّ: القيد.
(5) البرم: ثمر العضاه واحدته برمة. والبرم أيضا: حبّ العنب.
والبرمة: قدر من حجارة والجمع برم وهي المقصودة هنا.(5/256)
وزرع إسماعيل، وضئضىء (1) معد وعنصر مضر، وجعلنا سدنة (2) بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إن محمد بن عبد الله بن أخي، من لا يوزن به فتى من قريش إلّا رجح به برا وفضلا وكرما وعقلا، ومحتدا (3) ونبلا، وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظل زائل ورزق حائل، قد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصدقات ما عاجله وآجله في مالي. وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم خطر جليل.
134 - تزوج عبد الرّحمن بن ملجم لعنه الله قطام بنت علقمة من تيم الرباب، وكانت خارجية، فقالت: لا أقنع إلّا بصداق أسميه، وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك ما سألت إلّا عليا، وكيف لي به؟ قالت: تروم ذلك غيلة، فإن سلمت أرحت الناس من شر وأقمت مع أهلك، وإن أصبت دخلت الجنة. فقال:
ثلاثة آلاف وعدّ وقينة ... وقتل عليّ بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلّا دون فتك ابن ملجم
135 - النبي صلّى الله عليه وسلّم في الأشراط: وتركب ذوات الفروج على السروج من أمة لعنة الله عندها.
136 - يقال في الخاطب المردود: خطب إليهم فرمل أنفه وغسل من الدّرمك (4) فاه. قال:
اغسل من الدرمك عني فاكا
__________
(1) الضئضىء: الأصل.
(2) السدانة: الخدمة.
(3) المحتد: الأصل الكريم.
(4) الدّرمك: هو دقيق الحوّارى. قال الأعشى:
له درمك في رأسه ومشارب ... وقدر وطبّاخ وكأس وديسق
وقيل: الدرمك الذي يدرمك حتى يكون دقاقا من كل شيء.(5/257)
137 - تزوج الفضل بن الربيع منصرفه من الحج بدوية من بني كلاب، فقال عثمان بن سالم مولى بني لوذان:
نأت شعثاء عنك فما تزور ... ولطت دونها عنك الستور
فراحت في القباب الحمر خود ... مبتلة لها وجه نظير
وأمست دونها حرس شداد ... وأبواب مظاهرة ودور
فقلت لمنكحي شعثاء مولى ... وفي أحيائها حسب وخير
أمن عوز نزوجها الموالي ... لحاك إلهك العالي القدير
138 - سئل عبد الله بن الزبير عن المتعة، فقال: الذئب يكنى أبا جعدة. يريد أنها تسمى متعة وهي زنا.
139 - سمع عمر رضي الله عنه ذات ليلة من بيت مغنية تقول (1):
تطاول هذا الليل وإزداد جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه (2)
فو الله لولا الله لا شيء غيره ... لحرك من هذا السرير جوانبه (3)
فأمر برد زوجها.
140 - خطب محمد بن الوليد بن عتبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته، فقال: الحمد لله ذي العز والكبرياء، وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء. أما بعد فقد أحسن بك ظنا من أودعك حرمته، واختارك ولم يختر
__________
(1) الخود من النساء: الشابة الحسنة الحيّية.
(2) راجع القصة في كتابنا «طرائف الخلفاء والملوك» ص 14بعنوان: عمر يحدّد مدة غياب الزوج عن زوجته وفيها تفصيل.
(3) رواية «طرائف الخلفاء والملوك»:
ألا طال هذا الليل وازورّ جانبه ... وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فو الله لولا الله تخشى عواقبه ... لحرّك من هذا السرير جوانبه
وبعده:
مخافة ربّي والحياء يعفّني ... وإكرام بعلي أن تنال مراتبه
وفي القصة أن عمر أمر أن لا يغيب الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر.(5/258)
عليك، وقد زوجناك على ما في كتاب الله، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
141 - دخل الأشعث على علي عليه السلام صبيحة بنائه على بعض نسائه. فقال: كيف وجد أمير المؤمنين أهله؟ قال كالخير من امرأة قباء (1)
جباء (2). قال: وهل يريد الرجال من النساء غير ذلك؟ قال: كلا، حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضجيع.
142 - وبعث عبد الملك إلى الحجاج يطلب امرأة من أجمل نساء أشراف العراق، فأرسل في كل ناحية حتى وصفت له كاملة في الجمال غير أنها طرطبة (3). فقال زوجنيها فإنها أدفأ للضجيع وأسقى للرضيع.
143 - جاء صياد إلى أبرويز بسمكة أعجبه سمنها، فأجازه بأربعة آلاف درهم، فخطأته شيرين وقالت: إن جاءك فقل أذكر كانت أم أنثى؟
فإن قال ذكرا أو أنثى فاطلب منه الآخر. فسأله، فقال: كانت أنثى، فقال: جئني بذكرها، فقال: عمر الله الملك، كانت بكرا لم تتزوج.
فقال: زه، وأمر له بثمانية آلاف درهم. وقال: اكتبوا في الحكمة: الغدر ومطاوعة النساء يورثان الغرم الثقيل.
144 - خطب أبان بن عثمان بن عفان إلى معاوية بنته، فقال: إنما هما إبنتان، فإحداهما عند أخيك عمرو والأخرى عند ابن عامر، فتولى أبان وهو يقول:
تربص بهذا أن يموت ابن عامر ... ورملة يوما أن يطلقها عمرو
__________
(1) القباء من النساء: الضامرة البطن الرقيقة الخصر.
(2) وامرأة جبّاء: لا أليتين لها، أي رسحاء.
(3) المرأة الطرطبة: التي لها ثديان كبيران مسترخيان. قال المتنبي في هجاء ضبة العتبي:
ما أنصف القوم ضبّة ... وأمّه الطرطبّه
الطرطبة: هي المرأة القصيرة الضخمة المسترخية الثديين.(5/259)
فإن صدقت أمنيي كنت مالكا ... لإحديهما إن طال بي وبها العمر
145 - زوج إبراهيم بن النعمان بن بشير الأنصاري ابنته يحيى بن أبي حفصة، فعيره طلبة بن قيس بن عاصم بقوله:
لعمري لقد جللت نفسك خزية ... وخالف فعل الأكبرين الأكابر
ولو كان جداك اللذان توافيا ... ببدر لما راما صنيع الألائم
فقال إبراهيم:
وما تركت عشرون ألفا لقائل ... مقالا فلا تجهر بذكر الآلائم
وإن أك قد زوجت مولى فقد مضت ... به سنة قبلي وحب الدراهم
146 - ابن يزداد بن سويد في جارية له:
أيا من بها أرضى من الناس كلهم ... وإن كنت أخشى تيهها وازورارها
لو أن الأماني خيرت فتخيرت ... من الحسن إنسانا لكنت اختيارها
147 - كانت قريش تستحب للخاطب أن يطيل، وللمخطوب إليه أن يوجز. فخطب رجل إلى عمر بن عبد العزيز فأطال، فأجابه عمر بن عبد العزيز فقال: الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء، إن الرغبة منك دعتك إلينا، والرغبة فيك أجابتك. وقد زوجتك على ما أمر الله به، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
148 - أبو دهبل الجمحي في عبد الله بن عثمان من ولد حكيم بن حزام:
تمطت به بيضاء فرع كريمة ... هجان وبعض الوالدات عرام (1)
149 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرّحمن بن عوف حين جهزه إلى دومة
__________
(1) الهجان من كل شيء: خياره وخالصه. وامرأة هجان: بيضاء لينة. والوالدة العرام:
الشديدة القوية والشرسة.(5/260)
الجندل (1): إن فتح الله عليك فتزوج بنت ملكهم. فتزوج تماضر بنت الأصبغ بن ثعلبة بن جهضم، وكانت جميلة، وهي التي صولحت عن ربع ثمنها بثمانين ألف دينار.
150 - خطب عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي من فاطمة عليهما السلام، وقال: زوجنيها وأنا أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فقال:
هي صغيرة، وأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها. فبعثتها ببرد وقالت لها: قولي له هذا البرد الذي قلت له. فقال: قولي لقد رضيت رضي الله عنك. فتناول قناعها فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. وقالت لأبيها: بعثتني إلى شيخ سوء. فقال: مهلا يا بنية فإنه زوجك.
فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين الأولين في الروضة فقال:
رفئوني، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلّا نسبي وسببي وصهري. وصار لي به السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر.
وولد منها لعمر زيد ورقية. وأما زيد الأصغر وعبيد الله بن عمر فقد ولدا من أم كلثوم بنت جرول من خزاعة.
وخرج زيد من عند معاوية فأبصر بسر بن أرطأة (2) على دكان ينال من علي رضي الله عنه، فصعد الدكان واحتمله وضرب به الأرض، وطفر عليه
__________
(1) دومة الجندل: هي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
وقيل: دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيء كانت به بنو كنانة من كلب.
(2) بسر بن أرطأة: قائد فتّاك من الجبارين. ولد بمكة قبل الهجرة وأسلم صغيرا وروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثين ثم كان من رجال معاوية بن أبي سفيان وشهد فتح مصر وكان معاوية أمره بأن يوقع بمن يراه من أصحاب الإمام علي فقتل منهم جمعا. ولّاه معاوية البصرة سنة 41هـ بعد مقتل الإمام علي وصلح الحسن. أصيب بعقله ومات في دمشق، وقيل في المدينة سنة 86هـ عن نحو تسعين عاما.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 152وميزان الاعتدال 1: 144وتاريخ الإسلام 3:
140.(5/261)
فدق ضلعين من أضلاعه. فقال معاوية: أبعد الله بسرا، أبعد الله بسرا.
أيشتم هذا الرجل وهو يسمع؟ أما علم أن زيدا بين علي وعمر، وأم زيد ابنة علي من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟.
وماتت أم كلثوم وزيد في وقت واحد، وصلّى على جنازتهما سعيد ابن العاص، وكان والي المدينة. وقال له الحسين بن علي عليهما السلام: تقدم، ولولا أنك أمير ما قدمتك.
151 - قال سعيد بن المسيب للمطلب بن السائب: ما يمنعك أن تتخذ أهلا؟ قال: ليس عندي مهر. قال: وكم عندك؟ قال ثلاثة دراهم، قال: زوجتك بها بنت سعيد. ثم قال لأمها زوجته: لو مشطت بنيتي وغيرت يديها، فلما فعلت قال: أخرجي بها إلى المسجد العشاء الآخرة، فلما حاذى بيت المطلب قرع بابه وقال: أهلك بارك الله لك فيهم.
152 - قال عبد الله بن عمر لأبيه: أخطب عليّ بنت نعيم النحام، فخطبها، فرده وقال: لي ابن أخ مضعوف لا يزوجه الرجال، فإذا تركت لحمي تربا فمن يذب عنه؟.
153 - زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان رقية ثم أم كلثوم، فلما ماتت عنه قال: ألا أبا أيم، ألا أخا أيم يزوج عثمان، فقد زوجته بنتي، ولو أن عندي عشرا لزوجتهن إياه واحدة واحدة.
154 - أتى الحسن بن علي في جارية زفت إلى بيت رجل فوثبت عليها ضرتها، وضبطها بنات عم لها فافتضّتها بإصبعها. فاستفتى الحسن فقال: إحدى دواهيكم يا أهل الكوفة! ولا عليّ لها اليوم فما ترون؟
قالوا: أنت أعلم، قال: فإني أرى أن التي افتضتها زانية، عليها صداقها، وجلدها مائة. وأرى اللائي ضبطنها مفتريات عليهن جلد ثمانين.
155 - كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي (1) ليخطب له أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان (2). فبعث إليها امرأة كانت تقوم على نسائه فبشرتها بذلك، فأعطتها سوارين وخواتيم من فضة. واستحضر من بالحبشة من المسلمين، وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه النبي الذي بشر به عيسى بن مريم.(5/262)
قالوا: أنت أعلم، قال: فإني أرى أن التي افتضتها زانية، عليها صداقها، وجلدها مائة. وأرى اللائي ضبطنها مفتريات عليهن جلد ثمانين.
155 - كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي (1) ليخطب له أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان (2). فبعث إليها امرأة كانت تقوم على نسائه فبشرتها بذلك، فأعطتها سوارين وخواتيم من فضة. واستحضر من بالحبشة من المسلمين، وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه النبي الذي بشر به عيسى بن مريم.
أما بعد، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع شرحبيل بن حسنة.
وسمع بذلك أبو سفيان فقال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه.
156 - محمد بن كعب القرظي: إنّ المرأة المؤاتية إحدى الحسنيين.
157 - رجاء بن حيوة: إذا تزوج العبد صرخ إبليس صرخة يجمع إليه جنوده، فيقولون: ما بك يا سيدنا؟ فيقول: عصم اليوم ابن آدم من فخ كنت أصيده به.
158 - عن عمر رضي الله عنه: أنه أتى أهل بيت من الأزد، وفتاتهم في خدرها قريبا منه، فقال: إن مروان بن الحكم يخطب إليكم وهو سيد شباب قريش، وأن جرير بجيلة يخطب إليكم وهو سيد أهل المشرق، وإن أمير المؤمنين يخطب إليكم، يريد نفسه. فقالت الفتاة: أجاد أمير
__________
(1) النجاشي: لقب ملك الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون فرارا من ظلم قريش. مات في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وصلّى عليه الرسول صلاة الجنازة وكبّر أربع تكبيرات.
راجع الإصابة 1: 112.
(2) رملة بنت أبي سفيان: سيدة جليلة هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة في الهجرة الثانية. ثم تنصّر هناك ومات على النصرانية وثبتت أم حبيبة رملة على دينها الإسلام، ثم تزوجها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
راجع ترجمتها في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده» طبعة مؤسسة عزّ الدين.
وراجع كتابنا «أخبار النساء في العقد الفرية» ص 85فلها فيه خبر موسّع.(5/263)
المؤمنين؟ قال نعم، للجد جئت. قالت زوجوا أمير المؤمنين. فتزوجها، وولدت منه.
159 - قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: يا بني، أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا. قالوا: يا أبانا، قد علمنا إحسانك صغارا وكبارا، أفرأيت قبل أن نولد؟ قال: قد طلبت لكم موضعا في النساء لكي لا تعيروا.
في الحديث: تنكح النساء على أربع: الجمال، والنسب، والمال، والدين، فمن نكح للجمال عاقبه الله بالغيرة، ومن نكح للنسب عاقبه الله بالذل، فلا يخرج من الدنيا حتى يكسر جبينه، ويشج وجهه، وتخرق ثيابه وجيبه عليه. ومن نكح للمال لم يخرجه من الدنيا حتى يبتليه بمالها، ثم يقسي قلبها عليه فلا تعطيه قليلا ولا كثيرا. ومن نكح للدين أعطاه المال والجمال والنسب وخير الدنيا والآخرة.
160 - دخل بعض المتقدمين داره، وقد أرضعت امرأة لم يرضها ولده، فأخذه وعلقه وضرب قفاه حتى قاء اللبن، وقال: لا أدعه يتفرق في عروقه، وينشأ على خلقها.
161 - أراد نوح بن أبي مريم قاضي مرو الروذ (1) أن يزوج ابنته، فاستشار جارا له مجوسيا فقال: سبحان الله! الناس يستفتونك وأنت تستفتيني! قال: لا بد أن تشير علي، قال: إن رئيسنا كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار النسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فأنظر أنت لنفسك بمن تقتدي.
__________
(1) مرو الروذ: مدينة قريبة من مرو الشاهجان في خراسان، فيها مات المهلب بن أبي صفرة ومنها خرج خلق من أهل الفضل والعلم. راجع معجم البلدان 5: 112.(5/264)
162 - كان شاذان بن عبد في مجلسه وحوله الناس، فجاءته امرأة فقالت: أأنت شاذان بن عبد؟ ففاضت عيناه وقال: ألا من رآني فلا يتزوجن امرأة ذات مال، لأن امرأتي رفعت اسم أبي عني. وكان عبد رجلا غنيا زوج شاذان بنته فنسب إليه، ونسي اسم أبيه.(5/265)
الباب الخامس والثمانون النصيحة، والموعظة، والزجر عن القبيح والشفقة، والرحمة، وما يجري مجراها
1 - جرير بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم.
2 - وعنه صلّى الله عليه وسلّم: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
3 - عمر بن عبد العزيز: من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته.
4 - مطرف (1): وجدنا أنصح العباد لله الملائكة، ووجدنا أخشى العباد لله الشياطين.
5 - أكثم (2): رأي النصيح دليل لا يجور.
6 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه.
7 - مسعر: ما نصحت أحدا إلّا فتش عن عيوبي.
__________
(1) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الجرشي العامري المتوفّى سنة 95.
(2) أكثم: هو أكثم بن صيفي. تقدّمت ترجمته.(5/267)
8 - من كتم السلطان نصحه، والأطباء مرضه، والأخوان بثه، فقد خان نفسه.
9 - قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتك لأمر.
فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ورسوله قد أعد لك مني قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذا على عدوك.
10 - أنشد الأصمعي:
النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحا ولا تلم
إن النصائح لا تخفي مناهجها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم
11 - آخر:
ومن يكن الأشرار شيعة همّه ... فليس إلى موحي النصيحة سامعا
12 - رأي مخضته ونصح محضته.
13 - قال رجل لعمر بن عبد العزيز في وفاة ابنه عبد الملك: آجرك الله يا أمير المؤمنين، وأشار بشماله، فقال عمر: أسر بيمينك، فقال:
سبحان الله! أما في موت عبد الملك ما يشغلك؟ قال: لا، ما في موت عبد الملك ما يشغلني عن نصيحة المسلم.
14 - نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تأنيب.
15 - في نوابغ الكلم (1): وجد قرينا يناصحه فظنه قرنا يناطحه.
16 - ما منع قول الناصح أن يروقك، وهو الذي ينصح خروقك.
17 - كان معاذ بن مسلم الهراء النحوي قيل له الهراء لأنه كان يبيع الهروي صديق الكميت بن زيد، وكانا يتشيعان، فنهاه أن يأتي خالد بن عبد الله القسري، فخالفه، فحبسه وعزم على قتله، فقال معاذ:
__________
(1) نوابغ الكلم: من كتب المؤلف. راجع مقدمتنا في أول هذا الكتاب.(5/268)
نصحتك والنصيحة إن تعدّت ... هوى المنصوح عزّ لها القول
فخالفت الذي لك فيه حظ ... فغالك دون ما أمّلت غول
18 - آخر:
يخبركم أنه ناصح ... وفي نصحه حمة العقرب
19 - سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنها فضيحة.
20 - محمد بن تمام: الموعظة جند من جنود الله، ومثله مثل الطين يضرب به على الحائط فإن استمسك نفع، وإن وقع أثر.
21 - أبو جعفر المصري: إنما القلب بمنزلة القمع الذي يصبّ فيه الزيت أو العسل فيخرج منه وتبقى فيه لطاخته.
22 - علي عليه السلام: ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلّا إذا بلغت في إيلامه فإن العاقل متعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلّا بالضرب.
23 - أنشد الجاحظ:
وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجره الراعي فينزجر
24 - آخر:
أهان وأقصى ثم ينصحونني ... ومن ذا الذي يعطي مودته قسرا
25 - آخر:
تنخلت آرائي وسقت نصيحتي ... إلى غير طلق للنصيح ولاهش
26 - آخر:
ولقلما تجدي نصيحة قائل ... أفعاله أفعال غير مصيب
27 - كتب رجل إلى صديق له: أما بعد، فعظ الناس بفعلك، ولا
تعظهم بقولك. واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك، والسلام.(5/269)
ولقلما تجدي نصيحة قائل ... أفعاله أفعال غير مصيب
27 - كتب رجل إلى صديق له: أما بعد، فعظ الناس بفعلك، ولا
تعظهم بقولك. واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك، والسلام.
28 - الأصمعي: كان يقال: منك من نهاك، وليس منك من أغراك، من كان له من نفسه واعظ، كان له من الله حافظ.
29 - خذ نفسك عن هواها بالشكائم، وانهها عن رداها بالخزائم.
30 - أنشد المبرد:
أهدت لي اللوم أوفى وهي ظالمة ... واللوم تجزع منه جلة الإبل
وما نصحت لحيّ ما نصحت لهم ... واحتلت لو أرشدت عمياءهم حيلي
31 - أشار فيروز بن حصين على يزيد بن المهلب أن لا يضع يده في يد الحجاج، فلم يقبل منه، وصار إليه، فحبسه وأهله. فقال فيروز:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
أمرتك بالحجاج إذ أنت قادر ... فنفسك ولّ اللوم إن كنت لائما
فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجع سالما
32 - أم الدرداء: من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.
33 - ابن مسعود رفعه: من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمرّ على يده نور يوم القيامة.
34 - دخل عامل لعمر رضي الله عنه فوجده مستلقيا وصبيانه يلعبون على بطنه، فأنكر ذلك. فقال: كيف أنت مع أهلك؟ قال: إذا دخلت سكت الناطق. قال: اعتزل، فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد.
35 - أنس: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوما يعودهم: فإذا امرأة تنسج بردا
وعندها صبي لها، فتارة تضرب بحقها (1)، وأحيانا تقبل على صبيها، فقال أترون هذه ترحم صبيها؟ قالوا: نعم، قال الله أرحم بعباده من هذه بصبيها.(5/270)
35 - أنس: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوما يعودهم: فإذا امرأة تنسج بردا
وعندها صبي لها، فتارة تضرب بحقها (1)، وأحيانا تقبل على صبيها، فقال أترون هذه ترحم صبيها؟ قالوا: نعم، قال الله أرحم بعباده من هذه بصبيها.
36 - محيسن بن أرطأة الأعرجي:
عرضت نصيحتي مني ليحيى ... فقال غششتني والنصح مرّ
وما بي أن أكون أعيب يحيى ... ويحيى طاهر الأخلاق برّ
ولكن قد أتاني أن يحيى ... يقال عليه في بقعاء شرّ
فقلت له تجنب كل شيء ... يقال عليك إن الحر حرّ
37 - من اصفر وجهه عند النصيحة اسود لونه من الفضيحة.
38 - أعرابي: ما أم واحد بين صفين بأشفق مني عليها.
39 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
40 - أبو موسى رفعه: إذا مرّ أحدكم في مسجدنا وفي سوقنا، ومعه نبل، فليقبض على نصالها بكفه، أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء. قال أبو موسى: والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض.
41 - أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس.
42 - عبد العزيز بن أبي رواد: كان الرجل إذا رأى من أخيه شيئا أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في نهيه، ويؤجر في ستره.
43 - عمر رضي الله عنه: إذا رأيتم أخاكم ذا زلة فقوموه وسدّدوه، وادعوا الله أن يرجع به إلى التوبة فيتوب عليه. ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم.
__________
(1) الحق: وعاء صغير تضع فيه المرأة أغراضها الخاصة.(5/271)
44 - لقمان: إن الموعظة تشق على السفيه، كما يشق الصعود الوعر على الشيخ الكبير.
45 - أوحى الله إلى داود عليه السلام: إنك إن أتيتني بعد لي آبق (1)
كتبتك عندي جهبذا (2)، ومن كتبته عندي جهبذا لم أعذبه بعدها أبدا.
46 - لقمان: يا بني، ارحم الفقراء لقلة صبرهم، وارحم الأغنياء لقلّة شكرهم، وارحم الجميع لطول غفلتهم.
47 - شاعر:
أدنى الأعاجيب إلى تعسي ... أنصح غيري وأغش نفسي
48 - الموصلي:
كأنني حين ألحاها وأزجرها ... في الجهل بالجهل أوصيها وأغريها (3)
49 - آخر:
أصبحت في هيئة المرآة يخبرنا ... صفاؤها بالذي فيها من الكدر
50 - أنا له كالجفن الواقي لمقلته.
51 [شاعر]:
إني وسعد كالحوار وأمه ... إذ وطئته لم يضره اعتمادها (4)
52 - نصح رجل لهشام فقال: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا، واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب، وأن للأمور بغتات فكن على حذر.
__________
(1) أبق العبد: هرب من سيّده فهو آبق.
(2) الجهبذ: الناقد العارف بتمييز الجيّد من الرديء والجمع جهابذة.
(3) لحاه: لامه ونازعه وخاصمه.
(4) الحوار: ولد الناقة قبل أن يفصل عنها جمع أحورة وحيران.(5/272)
فحدث الهادي بهذا الخبر، وفي يده لقمة، فأمسك حتى سمعه مرّات.
53 - وفي وصية علي عليه السلام: يا بني، أجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك.
54 - قال الرشيد لمنصور بن عمار: عظني وأوجز، فقال يا أمير المؤمنين، هل أحد أحب إليك من نفسك؟ قال: لا. قال: إن رأيت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل.
55 - أبو حازم المدني: ثنتان إذا عملت بهما أصبت خير الدنيا والآخرة لا أطول عليكم. قيل: وما هما يا أبا حازم؟ قال: تتحمل ما تكرهه إذا أحبه الله، وتترك ما تحبه إذا كرهه الله.
56 - وعظ ابن السماك الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو دبيب من سقم، حتى تزل قدم، ويقع ندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، فاتق الله (1).
57 - علي عليه السلام رفعه: قال الله تعالى: يا ابن آدم، لا يغرنك ذنب الناس عن ذنبك، ولا نعمة الناس عن نعمتك، ولا تقنط الناس من رحمة الله وأنت ترجوها لنفسك.
58 - وعظ مجوسي أبا مسلم فقال: قل ما يقبل، وخذ ما يسهل، وافعل ما يجمل.
__________
(1) المعروف عن ابن السماك أنه وعظ الرشيد مرّة فغشي عليه.(5/273)
الباب السادس والثمانون النعمة وشكرها، والإشادة بذكرها، وغمطها وكفرانها، والامتنان بها، وما شابه ذلك
1 - معاذ بن جبل: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل وهو يقول: اللهمّ إني أسألك تمام النعمة؟ فقال: أتدري ما تمام النعمة؟ قال: يا رسول الله دعوة دعوتها أريد بها الخير. قال: فإن تمام النعمة الفوز من النار ودخول الجنة.
2 - وعنه صلّى الله عليه وسلّم: ما عظمت نعمة الله على أحد إلّا عظمت مؤونة الناس عليه.
3 - قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة حين صفح: فعلوا بك وفعلوا، قال: إني سميت محمدا لأحمد.
ولما بلغه صلّى الله عليه وسلّم هجاء الأعشى لعلقمة بن علاثة (1)، نهى أصحابه أن يرووه، وقال: إن أبا سفيان شعث مني عند قيصر فرد عليه علقمة وكذب
__________
(1) علقمة بن علاثة: كان واليا، من الصحابة، من بني عامر بن صعصعة. كان في الجاهلية من أشراف قومه. وفد على قيصر، ونافر عامر بن الطفيل ثم أسلم. وارتدّ في أيام أبي بكر فانصرف إلى الشام فبعث إليه أبو بكر القعقاع بن عمرو ففرّ علقمة منه ثم عاد إلى الإسلام وولّاه عمر بن الخطاب حوران فنزلها إلى أن مات. كان كريما، وللحطيئة قصيدة في مدحه. توفي نحو سنة 20هـ.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 5677وخزانة البغدادي 1: 88.(5/275)
أبا سفيان. قال ابن عباس: فشكر له ذلك.
4 - قام رجل من الأنصار إلى عمر رضي الله عنه فقال: اذكر بلائي إذا فاجأك ذو سفه يوم السقيفة والصديق مشغول. فقال عمر بأعلى صوته:
ادن مني، فدنا منه، فأخذ بذراعه حتى استشرفه على الناس، وقال: ألا أن هذا رد عني سفيها يوم السقيفة، ثم حمله على نجيب (1)، وزاد في عطائه، وولاه قومه، وقرأ: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (2).
5 - علي عليه السلام: احذروا نفار النعم، فما كل شارد مردود.
وعنه: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر.
وعنه إذا رأيت أخاك يتابع عليك نعمة فاحذره.
6 - بعض السلف: إن كفران النعم بوار (3)، وقلما أقشعت نافرها فرجعت إلى نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار، ولا تحسب أن ستر الله غير مقلص عما قليل إذا أنت لم ترج لله وقارا.
7 - أتى عمرو بن معد يكرب مجاشع بن مسعود السلمي بالبصرة، فقال له: اذكر حاجتك، قال: حاجتي صلة مثلي. فأعطاه عشرة آلاف درهم، وفرسا من بنات الغبراء، وسيفا قلعيا ودرعا حصينة وغلاما خبازا.
فلما خرج من عنده قيل له: كيف وجدت صاحبك؟ قال: لله بني سليم! ما أشد في الهيجاء لقاءها! وأكرم في الكرامات عطاءها! وأثبت في المكرمات بناءها! لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها.
__________
(1) النجيب: الفاضل النفيس في نوعه.
(2) سورة الرّحمن الآية: 60.
(3) البوار: الهلاك.(5/276)
ولله مسؤولا نوالا ونائلا ... وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع
8 - إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.
9 - حكيم: الشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان، ومكافأة اليد.
10 - شاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
11 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تصلح الصنيعة (1) إلّا عند ذي حسب ودين، كما لا تصلح الرياضة إلّا في نجيب.
12 - مر زياد بن أبيه بأبي العريان المكفوف، فقال: رب أمر قد نقصه الله، وعبد قد رده الله. فكتب به زياد إلى معاوية، فأمر أن يبعث إليه بألف دينار ويمر به، ففعل. فقال: رحم الله أبا سفيان كأنها تسليمته ونعمته، فعرف معاوية ذلك، فكتب إلى أبي العريان:
ما لبثتك الدنانير التي حملت ... أن لوّنتك أبا العريان ألوانا
فكتب إليه جوابا:
من يسد خيرا يجده حيث يطلبه ... أو يسد شرا يجده حيثما كانا
فأبعث لنا صلة تحيا النفوس بها ... قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا
13 - أعرابي: من كان مولى نعمتك فكن عبد شكره عليها.
14 - آخر: الكريم يرعى في حق اللفظة وحرمة اللحظة.
15 - مسلم بن دارة: ما زلت استجفي عائشة رضي الله عنها في قولها بمنّة الله لا بمنتك. حتى سألت أبا زرعة الرازي فقال: ولّت الحمد أهله.
__________
(1) الصنيعة: عمل الخير والمعروف.(5/277)
16 - أعرابي: رب منع ألذ من عطاء، وشوك أنهد من وطاء (1).
17 - بكر بن عبد الله المزني: كن عدادا لنعم الله، فإنك إن أحصيتها كنت قمنا (2) أن تشكرها، وإذا نسيتها كنت قمنا أن تكفرها.
18 - ابن عائشة (3): كان يقال: ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم بها إلّا كان حقيقا على الله أن يزيلها عنه.
19 - علي عليه السلام: أقل ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه.
20 - أنشد أبو العباس ابن عمارة:
أعارك ماله لتقوم فيه ... بواجبه وتقضي بعض حقه
فلم تقصد لطاعته ولكن ... قويت على معاصيه برزقه
21 - علي عليه السلام: وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك. وان اليسير من الله أعظم من الكثير من خلقه.
22 - كاتب: آجر لساني فضلك المتظاهر، وملك أعضائي إحسانك المتناصر.
23 - شاعر:
ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يطيل الشكر فيك لقصرا
24 - آخر من الكتبة: طال إحسانه قمم الأقوال، ونظر إلى الشكر من مكان عال.
__________
(1) الوطاء: خلاف الغطاء، أي ما تفترشه.
(2) القمن: الجدير.
(3) ابن عائشة: هو عبد الرّحمن عبيد الله بن محمد التيمي. كان أديبا عالما بالحديث والسيرة من أهل البصرة. توفي سنة 228هـ.(5/278)
25 - عيسى عليه السلام: لو لم يعذب الله أحدا على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصى شكرا لنعمه.
26 - جعفر بن محمد: إني رأيت المعروف لا يتم إلّا بثلاث:
تعجيله، وستره، وتصغيره. فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظمته.
27 - خرج قوم إلى الصيد فطردوا ضبعا حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي، فأجارها وجعل يطعمها، فبينا هو نائم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه ومرّت. وجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بقير (1)، فتبعها حتى قتلها، وقال:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي كما لاقى مجير أم عامر (2)
أعد لها لما استجارت ببيته ... أحاليب ألبان اللقاح الدرائر
وأسمنها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بأنياب لها وأظافر (3)
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يجود بمعروف على غير شاكر
28 - اشكر لمن أنعم عليك، وانعم على من شكرك.
29 - الصاحب (4): وللنعم من الشكر تمائم، تحرسها من عين النمائم.
30 - أعرابي: من خاف أن يسأل عن الشكر طاب نفسا عن النعم.
31 - محمد بن حبيب الرواية: إذا قل الشكر حسن المن. ويروى إذا جحدت الصنيعة حسن الامتنان.
32 - سابور: من لم ترب معروفه فكأنه لم يصنعه.
__________
(1) البقير: المشقوق البطن.
(2) أم عامر: كنية الضّبع.
(3) فرته: قطّعته وشقّته.
(4) الصاحب: هو الصاحب بن عباد. تقدّمت ترجمته.(5/279)
33 - أنو شروان: الإنعام لقاح، والشكر نتاج.
34 - قال الحجاج لابن القرية: ما أضيع الأشياء؟ قال: مطر جود في أرض سبخة (1) لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، وسراج يوقد في الشمس وجارية حسناء تزف إلى عنّين (2) أعمى وصنيعة تسدى إلى من لا يشكر.
35 - كان يقال: من عجزت مقدرته على المكافأة، ولسانه عن الشكر، فلا يعجز عن معرفة النعمة، ومودة المنعم.
36 - مرّ أبو الديك المعتوه بمن ينشد:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى تصيب بها طريق المصنع
فقال: كذب شاعركم، بل يصرف المعروف إلى أهله وغير أهله، وإلا كيف ينالني وكنيتي أبو الديك وأنا معتوه؟.
والبيت لقيس بن يزيد بن هلال النخعي، وبعده:
فإذا صنعت صنيعة فاقصد بها ... وجه الإله وما يثيبك أودع
وسمعها جعفر بن محمد عليهما السلام فقال: قاتل الله قائل هذا الشعر يأمر الناس بالبخل، لكني أقول:
يد المعروف غنم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور
فعند الشاكرين لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور
وقيل إن قائلهما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الملقب بقطب السخاء.
37 - جاء رجل إلى أحمد بن دؤاد، فقال: أيها القاضي، مالي إليك
__________
(1) الأرض السبخة: المالحة التي لا تصلح للزراعة.
(2) العنين: الذي لا يأتي النساء.(5/280)
حاجة سوى عموم معرفتك. ثم أنشأ يقول:
مالي إلى ابن دؤاد حاجة ... تدني إليه ولا له عندي يد
إلّا يد عمت فكنت كواحد ... ممن يعين على الثناء ويحمد
نال الأباعد نفعه فشكرته ... والحر يشكر أن ينال الأبعد
38 - أبو عصمة: شهدت سفيان وفضيلا فما كانا يتذاكران إلى أن يتفرقا إلّا النعم، يقولان: أنعم علينا بكذا، وفعل بنا كذا.
39 - الحسن: إذا استوى يوماك فأنت ناقص. قيل: كيف ذاك؟
قال: إن الله زادك في يومك هذا نعما فعليك أن تزداد له فيه شكرا.
40 - عبد الأعلى بن حماد النرسي: دخلت على المتوكل فقال: يا أبا يحيى، هممنا أن نصلك بخير فتدافعت الأيام. فقلت: يا أمير المؤمنين، بلغني عن جعفر بن محمد الصادق: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة، وأنشد:
لأشكرن لك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
41 - قال رجل لسعيد بن العاص وهو أمير الكوفة: يدي عندك بيضاء. قال: وما هي؟ قال: كبت بك فرسك، فتقدمت إليك غلمانك فرفعت بضبعك (1)، وهززتك مرارا، ثم سقيتك ماء، ثم أخذت بركابك حتى ركبت. قال: فأين كنت؟ قال: حجبت عنك، قال: فقد أمرنا لك بمائتي ألف درهم، وبما يملكه الحاجب تأديبا له أن يحجب مثلك وهذه وسيلتك.
42 - أعرابي: اللهمّ إن شكره عظم في نفسي فأعظم في نفسه ثوابك.
__________
(1) الضبع: العضد وقيل: الإبط.(5/281)
43 - أبو فراس الحمداني:
وما نعمة مكفورة إن صنعتها ... إلى غير ذي شكر بمانعتي أخرى
سآتي جميلا ما حييت فإنني ... إذا لم أفد شكرا أفدت به أجرا
44 - خرج أوس بن حجر حتى إذا كان بأرض بني أسد تقحمت به ناقة ظما فاندقت فخذه وشردت. فلما أصبح غدت إلى جوار يجنين الكمأة (1) فرأينه، فأجلين غير واحدة، فقال لها: من أنت؟ قالت حليمة بنت فضالة بن كلدة، فأعطاها حجرا (2) وقال لها: قولي لأبيك يقول ابن هذا أئتني. فبلغته، فقال: لقد أتيت أباك بمدح كبير أو هجاء طويل.
واحتمل بيته فبناه عليه، وأخدمه حليمة. فقال:
لعمرك ما ملّت ثواء ثويها ... حليمة إذ ألقى مراسي مقعد
ولكن تلقت باليدين ضمانتي ... وحل بفلج فالقنافذ عودي (3)
ولم تلهها تلك التكاليف إنها ... كما شئت من أكرومة وتفرد
ساجزيك أو يجزيك عني مثوّب ... وقصرك أن يثنى عليك وتحمد
45 - قدم عقفان بن قيس بن عاصم المنقري مكة، فنزل على أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان فأكرمته، فقال عند رحيله:
خلّف على أروى سلاما فإنما ... جزاء الثويّ أن يعف ويحمدا
سلاما أتى من وامق غير عاشق ... أراد رحيلا ما أعف وأمجدا (4)
__________
(1) الكمأة: نبات يقال له أيضا «شحم الأرض» يوجد في الربيع تحت الأرض وهو أصل مستدير كالقلقاس لا ساق له ولا عرق لونه يميل إلى الغبرة.
وفي اللسان: الكمء: نبات ينقّض الأرض فيخرج كما يخرج الفطر والجمع كمأة.
(2) الحجر: الأنثى من الخيل.
(3) فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية من منازل عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم من طريق مكّة. وقيل غير ذلك. راجع معجم البلدان 4: 272والقنافذ اسم موضع ذكره ياقوت ولم يحدّده. راجع معجم البلدان 4: 401.
(4) الوامق: المحب: والمقة: المحبة. والفعل: ومق.(5/282)
46 - علي عليه السلام: من امتطى الشكر بلغ به المزيد.
47 - جعفر بن محمد: النعم وحشية فاشكلوها بالشكر.
48 - الحسن: أوطد الناس نعمة أشد في الشكر نهمة.
49 - العتابي: استوثقوا من عرى النعم بالشكر.
50 - داود: إلهي كيف أشكر لك وأنا لا أطيق الشكر إلّا بنعمتك؟
فأوحى إليه: يا داود، ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني اقتصر على ذلك منك شكرا.
51 - من جعل الحمد خاتمة للنعمة جعله الله فاتحة للمزيد.
52 - كان يقال: أحيوا المعروف بإماتته.
53 - بعض الخوارج: ضاع معروف واضع المعروف في غير أهله.
54 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنا شريك المكفرين. أي الذين تكفر نعمتهم.
55 - مرّ عمرو بن يزيد الأسدي على الحسن، فقام إليه فسأله عن حاله، وألطف في سؤاله. فقال عمرو بن عبيد: أتقوم لهذا؟ فقال: إنه صنع إلي جميلا في أيام الخوف، ونقلني من مكان إلى مكان، فأنا أشكر له ذلك وأرعاه.
56 - قال وهب: ترك المكافأة من التطفيف.
57 - ابن السماك: النعمة من الله على عبده مجهولة فإذا فقدت عرفت.
58 - من لم يشكر الله على النعمة فقد استدعى زوالها.
59 - فلان يلقح النعمة بشكرها، ويفيحها بدوام ذكرها.
60 - الشكر يقي النعمة من الارتجاع، ويجعلها في حمى من الانتزاع.
61 - موسى صلوات الله عليه: يا رب، دلني على خفيّ نعمتك، فقال: النفسان، يدخل أحدهما وهو بارد، ويخرج الآخر وهو حار، ولولاهما لفسد عيشك. وهل تبلغ قيمة نفس منهما؟.(5/283)
60 - الشكر يقي النعمة من الارتجاع، ويجعلها في حمى من الانتزاع.
61 - موسى صلوات الله عليه: يا رب، دلني على خفيّ نعمتك، فقال: النفسان، يدخل أحدهما وهو بارد، ويخرج الآخر وهو حار، ولولاهما لفسد عيشك. وهل تبلغ قيمة نفس منهما؟.
162 - كان الصاحب (1) يقول: أنا استحسن قول البحتري: الشكر نسيم النعم.
63 - حكيم: لا تصطنعوا (2) ثلاثة: اللئيم فإنه بمنزلة السبخة (3)، والفاحش فهو يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو لمخافة فحشه، والأحمق فهو لا يعرف قدر ما أسديت إليه.
64 - وإذا اصطنعت الكريم فاصنع المعروف واحصد الشكر.
65 - من مدحك بما ليس فيك فلا تأمنن بهته إياك، ومن أظهر لك شكر ما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر بنعمتك.
66 - تعليم الأبله إبطال للعلم، واصطناع الكفور إضاعة للنعمة، فعليك بإرتياد الموضع قبل الإقدام على العمل.
67 - الشكر أفضل من النعم لأنه يبقى وتلك تفنى.
68 - كان المهدي يقول: ما توسل أحد إليّ بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب من تذكيري يدا سلفت مني إليه، أتبعها بأختها، وأحسن ريّها. لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
69 - محمود الوراق:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلّا بفضله ... وإن طالت الأيام واتسع العمر
__________
(1) الصاحب: هو الصاحب بن عبّاد.
(2) لا تصطنعوا: لا تعملوا خيرا وتأتوا معروفا.
(3) السبخة: الأرض التي لا تصلح للزراعة ولا تعطيك شيئا.
إذا مس بالسراء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلّا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبر والبحر
70 - أبو شراعة القيسي:(5/284)
__________
(3) السبخة: الأرض التي لا تصلح للزراعة ولا تعطيك شيئا.
إذا مس بالسراء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلّا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبر والبحر
70 - أبو شراعة القيسي:
بني رياح أعاد الله نعمتكم ... حتى المعاد وأسقى ربعكم ديما (1)
لم يلبسوا نعمة الله مذ خلقوا ... إلّا تلبسها أخوانهم نعما
71 - سلمة بن أبان الكاتب:
ليس يجني الثمار من شجر الشوك وغرس الثناء إلّا الكريم.
72 - مسعر بن كدام:
العرف من يأته يحمد مغبّته ... ما ضاع عرف ولو أوليته حجرا
73 - دخل أبو نخيلة على السفاح ينشده، فقال: وما عسيت تقول فيّ بعد قولك لمسلمة:
أمسلم إني يا ابن كل خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
شكرتك أن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته صالحا يقضي
وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وسمعه الرشيد فقال: هكذا يكون شعر الأشراف! مدح صاحبه ولم يضع من نفسه.
74 - البذال بن بذل في علي بن يحيى المنجم:
يا ابن يحيى وما المغالط والجا ... حد مثل المقر بالتقصير
لا أراني بالقول أبلغ من شك ... رك بعض الذي يجن ضميري
أي يوم يمضي ولم تسقني في ... يه بنوء من راحتيك غزير
أنت حصني وحسن رأيك مالي ... وأياديك عزتي ونصيري
(1) الدّيم: جمع ديمة وهي السحابة الماطرة.(5/285)
75 - معاوية بن صخر لقريش:
إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
فكيف أداوي داءكم ودواؤكم ... يزيدكم داء لقد عظم الأمر
سأحرمكم حتى تذل صعابكم ... وأبلغ شيء في صلاحكم الفقر
76 - قطري بن الفجاءة الخارجي أسره الحجاج ثم منّ عليه وقال:
أتعاود القتال يا عدو الله؟ قال: هيهات! غل يدا مطلقها، وأرق رقبة معتقها، ثم قال:
أأقاتل الحجاج عن سلطانه ... بيد تقر بأنها مولاته
ماذا أقول إذا وقفت إزاءه ... في الصف واحتجت له فعلاته
أأقول جار علي لا إني إذن ... لأحق من جارت عليه ولاته
وتحدث الأقوام أن صنيعة ... غرست لديه فحنظلت ثمراته (1)
إني إذن لأخو الجهالة الذي ... طمّت على إحسانه جهلاته
هذا وما ظني بجبن فيكم ... إني لمطرق مشهد وغلاته
77 - كتب عدي بن أرطأة (2) إلى عمر بن عبد العزيز: إني احتفرت نهرا لأهل البصرة عذب به ماؤهم، ولم أر عليه شكرا، فليأذن لي أمير المؤمنين أن أسكره. فكتب إليه ثكلتك أمك يا عدي، أفما شرب منه أحد فقال الحمد لله؟ إن الله حين أدخل أهل الجنة الجنة رضي الله عنهم أن قالوا الحمد لله، بها ثوابا من نهرك.
__________
(1) حنظلت ثمراته: أصبحت بطعم الحنظل: والحنظل نبات مرّ الطّعم.
(2) عديّ بن أرطأة: هو أبو واثلة عدي بن أرطأة الفزاري، أمير، من أهل دمشق. كان من العقلاء الشجعان. ولّاه عمر بن عبد العزيز على البصرة سنة 99هـ. فاستمرّ إلى أن قتله معاوية بن يزيد بن المهلب بواسط في فتنة أبيه (يزيد) بالعراق. توفي سنة 102هـ.
راجع ترجمته في الكامل للمبرّد 2: 149ورغبة الآمل 2: 26ثم 7: 159 واليعقوبي 3: 53.(5/286)
78 - عمر بن عبد العزيز: تذاكر النعم شكر.
79 - نصر بن سيار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أنعم على رجل نعمة فلم يشكره فدعا عليه استجيب له.
ثم قال نصر: اللهمّ إني قد أنعمت على بني بسام فلم يشكروا، اللهمّ فاقتلهم. فقتلوا كلهم.
80 - محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: من أنعم عليه نعمة فأنعم على الناس فقد أخذ أمانا من الذم، وخلع ربقة سوء العواقب من عنقه.
81 - علي بن الحسين عليهما السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن المؤمن ليشبع من الطعام فيحمد الله فيعطيه من الأجر ما يعطي الصائم القائم. أن الله يحب الشاكرين.
82 - محمد بن علي عليهما السلام: ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من الله ألّا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب عبدا ذنبا فعلم أن الله قد اطلع عليه، وإن شاء غفر له، وإن شاء آخذه به، إلّا غفر له قبل أن يستغفره.
83 - علي عليه السلام رفعه: ما عظمت نعمة الله على عبد إلّا عظمت عليه مؤونة الناس. فمن لم يحتمل تلك المؤونة للناس عرض تلك النعمة للزوال.
84 - جعفر بن محمد: أحيوا المعروف بإماتته (1)، فإن المنّة تهدم الصنيعة.
85 - شاعر:
ولا عيب في معروفكم غير أنه ... يبين عجز الجاهدين عن الشكر
__________
(1) أحيوا المعروف بإماتته: أي بعدم ذكره بعد تنفيذه واصطناعه.(5/287)
الباب السابع والثمانون النوم، والاحتلام، والسهر، والرؤيا وما جاء من عجائب التأويلات، وما يتعلق بذلك
1 - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من أحد ينام إلّا ضرب على صماخه (1) بجرير معقد، فإن هو استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن هو توضأ حلت عقدة أخرى، فإن قام فصلّى حلّت العقد كلها. فإن هو لم يستيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيأتها، وبال الشيطان في أذنيه.
2 - وقالت أم خالد بن خالد بن سعيد بن العاص لمولاة لها عند السحر: حلّلي عقد الشيطان، ليست بساعة نوم.
3 - كان زمعة بن صالح يصلّي ليلا طويلا، فإذا أسحر (2) نادى أهله:
يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا (3)
فيتواثبون من بين باك وداع ومستغفر ومتوضىء. فإذا أصبح نادى:
__________
(1) الصماخ: خرق الأذن الباطن الماضي إلى الرأس.
(2) أسحر: صار في السّحر.
(3) التعريس: النزول في آخر الليل. وعرّس المسافر: نزل في وجه السّحر. وقيل:
المعرّس: الذي يسير نهاره ويعرّس أي ينزل أول الليل.(5/289)
عند الصباح يحمد القوم السرى (1).
4 - ابن عباس: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل.
5 - قالت أم سليمان بن داود عليهما السلام لسليمان: يا بني، لا تكثر النوم، فإن صاحب النوم يجيء يوم القيامة مفلسا.
6 - الثوري (2): كان يعجبهم إذا كان الرجل فارغا أن ينام طلبا للسلامة. وكان يقول: ما أعرف في زماننا أمثل من النوم.
7 - ورؤي الثوري يقول للطبيب: دلني على شيء إذا أردت النوم جاءني، فقال أكثر من دهن رأسك.
8 - العرب: نومة الضحى في الصيف مبردة، وفي الشتاء مسخنة.
9 - قيل للحسن: إن ابن سيرين (3) ما احتلم قط. فقال: إن الاحتلام عرس (4) النسّاك إذا علم الله منهم العفاف.
10 - إن نومة الضحى مخلفة للفم.
11 - ابن الجهم: إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم تناولت كتابا من كتب الحكم، فأخذ اهتزازي للفوائد، والأريحية (5) التي تعتريني،
__________
(1) السّرى: السير ليلا. وأول من قال هذا المثل خالد بن الوليد وتمام البيت:
عند الصباح يحمد القوم السّرى ... وتنجلي عنهم غيابات الكرى
يضرب هذا المثل للرجل يحتمل المشقة رجاء الراحة.
راجع تفاصيل المثل في مجمع الأمثال للميداني 2: 3طبعة دار القلم.
(2) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق.
(3) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين المشهور بتعبير الرؤيا.
(4) العرس (بالكسر): زوجة الرجل.
(5) الأريحيّة: عمل الخير والارتياح له. والأريحي هو الذي يفرح لعمل الخير والمعروف.(5/290)
أشد من نهيق الحمار، وهدة الهدم.
12 - شاعر:
إلّا إن نومات الضحى تورث الفتى ... خبالا ونومات العصير جنونا (1)
13 - الحارث بن الحارث المكي: إني لأعجب ممن يستلقي على فراشه، ويطبق عينيه يبتغي النوم، كيف لا يقوم يصلّي حتى تغلبه عيناه؟
فلا نوم ألذ من ذلك النوم.
14 - طاووس (2): لئن تختلف السياط على ظهري أحب إلي من أن أنام يوم الجمعة والإمام يخطب.
15 - محمد بن النضر الحارثي: ترك النوم قبل مدته بسنتين إلّا القيلولة (3).
16 - مكحول: من آوى إلى فراشه ثم لم يتفكر فيما صنع في يومه، فإن عمل خيرا حمد الله، وإن أذنب استغفر الله، كان كالتاجر الذي ينفق ولا يحسب حتى يفلس ولا يشعر.
17 - كان شداد بن أوس الأنصاري على فراشه كأنه حبة على المقلى، وهو يقول: اللهمّ إن النار منعتني النوم.
18 - شاعر:
غيرت موضع مرقدي ... ليلا ففارقني السكون
قل لي فأول ليلتي ... في حفرتي أنّي تكون (4)
__________
(1) الخبان: ضرب من الجنون.
(2) طاووس: هو طاووس بن كيسان الخولاني. تابعي، متقشّف جريء على وعظ الخلفاء والملوك.
(3) القيلولة: النوم عند الظهيرة: والفعل: قال، يقيل.
(4) أنّى تكون: كيف تكون.(5/291)
19 - خوات بن جبير: نوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق.
20 - وعن العباس بن عبد المطلب أنه مرّ بابنه وهو نائم نومة الضحى، فركله برجله وقال: قم لا أنام الله عينك، أتنام في ساعة يقسم الله فيها الرزق بين عباده؟ أو ما سمعت ما قالت العرب إنها مكسلة مهزلة، منساة للحاجة؟.
21 - والنوم على ثلاثة أنواع: نومة الخرق، ونومة الخلق، ونومة الحمق. فنومة الخرق نومة الضحى، ونومة الخلق هي التي أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها أمته فقال: قيلوا (1) فإن الشياطين لا تقيل. ونومة الحمق بعد العصر، لا ينامها إلّا سكران أو مجنون أو مريض.
22 - الصبي إلى أربع سنين لا يحلم حلما يعتد به، ومنهم من لم يحلم إلى أن أسن، ومنهم من لم يحلم البتة.
23 - قيل لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك: ما أذهب ملككم؟
قال: نوم الغدوات، وشرب العشوات.
24 - هشام بن عبد الملك لولده: ولا تصطبحوا (2) فإنه شؤم ونكد.
أبو دلف العجلي:
أمالكتي ردي عليّ فؤاديا ... ونومي فقد شرّدته عن وساديا
ألا تتقين الله في قتل عاشق ... أمتّ الكرى عنه فأحيا اللياليا
25 - علي عليه السلام: ينام الرجل على الثكل ولا ينام على الحرب. يعني أنه يصبر على قتل الولد ولا يصبر على سلب المال.
26 - ابن سيرين: لا يحتلم ورع إلّا على أهله.
__________
(1) قيلوا: أي ناموا في الظهيرة.
(2) الاصطباح: شرب الخمرة عند الصباح، وخلافه الغبوق.(5/292)
27 - سلمان الفارسي: إني لاحتسب نومتي كما احتسب قومتي.
28 - عمر بن أبي ربيعة:
فلو كنت ماء كنت صوب غمامة ... ولو كنت ليلا كنت رابعة العشر (1)
ولو كنت لهوا كنت تعليل ساعة ... ولو كنت نوما كنت إغفاءة الفجر
29 - يقال بات فلان بليلة أنقد، وهو القنفذ، أي ساهرا.
30 - قيل للشعبي: كيف بت البارحة؟ فطوّل كساءه في الأرض ثم نام عليه وتوسد يده، وقال: هكذا بت.
31 - يحيى بن اليمان: رأيت رجلا نام، وهو أسود الرأس واللحية، شاب يملأ العين، فرأى في منامه كأن الناس قد حشروا، وإذا بنهر من نار وجسر يمر عليه الناس، فدعي فدخل الجسر، فإذا هو كحد السيف، يمور به يمينا وشمالا. فأصبح أبيض الرأس واللحية.
32 - رأى رجل في منامه كأنه يصب الزيت في الزيتون. فقال ابن سيرين: إن صدقت فإنك تفعل بأمك. فكان كما قال:
33 - أتى دومة بنت معتب آت في المنام فقال لها:
ألا أبشرن لولد ... أشبه شيء بالأسد
إذا الرجال في كند ... تغالبوا على بلد
كان له حظ الأشد فولدت المختار بن أبي عبيد. وذلك في سنة الهجرة.
34 - رؤي غزوان الصوفي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟
فقال:
حاسبونا فدققوا ... طالبونا فحققوا
ثم منّوا ... فأعتقوا
__________
(1) الصوب: المطر. والغمامة: السحابة.(5/293)
35 - لما انصرف أبو مسلم من حرب عبد الله بن علي رأى في المنام كأنه على فيل، والشمس والقمر في حجره. فقصه على عابر سبيل، فقال: الرسم. فقبض عشرة آلاف درهم. ثم قال: اعهد عهدك فإنك هالك. وقرأ: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر.
36 - رأى رجل كأنه ينظر في لوح من ذهب. فقيل: يذهب بصرك.
فعمي.
37 - قال رجل لسعيد بن المسيب: رأيت كأني بلت خلف المقام.
قال: فهو عبد الملك، قال يلي أربعة من صلبه الخلافة.
وروي أنه قال: رأيت كأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبول في ذيل عبد الملك أربع مرّات. فقال: إن صدقت رؤياك خرج من صلبه أربعة خلفاء.
38 - رأى علي بن الحسين مكتوبا على صدره قل هو الله أحد، فاستعبر سعيد فقال: بضعة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعيت إليه نفسه.
39 - الشافعي رحمه الله: رأيت عليا عليه السلام في المنام، فقال لي: ناولني كتبك، فناولته، فأخذها فبددها. فأصبحت أخا كآبة فأتيت الجعد فأخبرته، فقال: سيرفع الله شأنك، وينشر علمك.
4 - ابن مسعود رفعه: من رآني في منامه فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي.
41 - بات أبو الهندي بمرو على سطح، وكان إذا نام تقلب تقلبا قبيحا، فشدوا رجله بحبل، فتدحرج وبقي معلقا برجله، واختنق فمات.
42 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرؤيا على جناح طائر ما لم تعبر، فإذا وقعت فلا تقصها إلّا على وادّ أو ذي رأي.
43 - جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: رأيت كأن رأسي قد قطع
وكأني أنظر إليه. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: بأية عينين كنت تنظر إلى رأسك؟ فلم يلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن توفي. فأولوا رأسه بنبيّه، ونظره إلى اتباع سنته.(5/294)
43 - جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: رأيت كأن رأسي قد قطع
وكأني أنظر إليه. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: بأية عينين كنت تنظر إلى رأسك؟ فلم يلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن توفي. فأولوا رأسه بنبيّه، ونظره إلى اتباع سنته.
44 - قال رجل لعلي بن الحسين: رأيت كأني أبول في يدي.
فقال: تحتك محرم. فنظروا فإذا بينه وبين امرأته رضاع.
45 - كان مع صلة بن أشيم أعرابي، فقال: يا أبا الصهباء، رأيت كأنك أتيت بثلاث شهدات، فأخذت اثنتين وأعطيتني واحدة. فقال:
الشهادة إن شاء الله. فغزوا فاستشهد أبو الصهباء وابنه والأعرابي.
46 - أنشد أبو غانم الثقفي:
رقدت رقاد الهيم حتى لو أنني ... يكون رقادي مغنما لفنيت
فقلت: لمن هذا البيت؟ فقال: لرقّاد من رقاد العرب.
47 - أبو حنيفة رحمه الله: رأيت كأني نبشت قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضممت عظامه إلى صدري. فهالني، فسألت ابن سيرين، فقال: ما ينبغي لأحد من أهل هذا الزمان أن يرى هذه الرؤيا. قلت: أنا رأيتها.
قال: إن صدقت رؤياك لتحيين سنة نبيك.
48 - شاعر:
وليلك شطر عمرك فاغتنمه ... ولا تذهب بنصف العمر نوما
49 - آخر:
وكيف يكون النوم أم كيف طعمه ... صفا النوم لي إن كنتما تصفان
50 - فلان لا يتصالح جفناه.
51 - رأى رجل غرابا وقع على أعظم أطم (1) بالمدينة فقال ابن
__________
(1) الأطم: الحصن المبني بالحجارة.(5/295)
المسيب: يتزوج أفسق الفاسقين أشرف امرأة بالمدينة.
52 - رأى نبطي (1) الحجاج بن يوسف الثقفي في المنام، فقال له:
إلى ما صيرك ربك؟ قال: وماذا عليك يا ابن الفاعلة؟ فقال: ما سلمنا من فعلك حيا ولا من سبك ميتا.
53 - نام عبود، وكان عبدا أسود حطّابا في محتطبه أسبوعا، فضرب به المثل فقيل: قد نام نومة عبود.
54 - قيل تماوت على أهله وقال: اندبوني لأعلم كيف تندبوني إذا متّ. فسجّي وندب، فإذا به قد مات.
55 - وقال عبد الله بن الحجاج:
قوموا فأهل الكهف مع عب ... ود عندكم صراصر
56 - يقال إن ملك الرؤيا ينسخ من اللوح المحفوظ ما كتب للعبد فيريه في منامه.
57 - رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسيد بن أبي العيص في الجنة بعد موته، فأولها لولده عتاب بن أسيد.
وعنه صلّى الله عليه وسلّم: الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن بما له عند الله من الكرامة في الآخرة.
58 - قال أشعب لرجل: رأيتك مطليا بعذرة. فقال: هو عملك الخبيث ألبسكه الله، وعملي الطيب ألبستنيه. قال: في الرؤيا شيء آخر، قال: وما هو؟ رأيتك تلحسني ورأيتني ألحسك (2).
__________
(1) النبط: جيل من الناس كانوا ينزلون القطائع بين العراقين أو سواد العراق وهم الأنباط. كان لهم في قديم الزمان دولة ومدينة. الواحد نبطي.
(2) هذه الطرفة رواها المدائني والكلام فيها موجّه لامّه وليس «لرجل» كما قال الزمخشري.
راجع هذه الطرفة (كما رواها أبو الفرج) في كتابنا «طرائف الاصفهاني في كتاب الأغاني» ص 10.(5/296)
59 - المعلى بن علاء الطائي:
كم ليلة ذدت الرقاد وأنتما ... تتنازعان حواشي الأحلام
وحملتما لوما عليّ وربما ... كان الملام أحق باللّوام
60 - رأى نوف البكالي صاحب علي عليه السلام كأنه يسوق جيشا، ومعه رمح طويل في رأسه شمعة تضيء للناس. فتأولها بالشهادة. فخرج إلى الغزو، فلما وضع رجله في الركاب قال: اللهمّ أرمل المرأة وأيتم الولد وأكرم نوفا بالشهادة. فوجدوه وفرسه مقتولين مختلطا دمه بدم فرسه وقد قتل رجلين.
61 - أبو سليمان الداراني: إنما يرى العبد الرؤيا ليثبت فإذا أخلص انقطع عنه كثرة الرؤيا.
62 - كان أبو سالم يقول: الرؤيا كلام يكلم الله به عبده.
63 - رأى عبد الملك في منامه أن أم هشام شقّت رأسه فلطعت من دماغه عشرين لطعة، فطلقها. ثم بعث إلى سعيد بن المسيب فسأله.
فقال: تلد غلاما يملك عشرين سنة. فندم.
64 - رأى شرحبيل بن حسنة رؤيا فقصها على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: نامت عينك ورأيت خيرا.
65 - جابر بن عبد الله: كنا ننام في المسجد ومعنا علي بن أبي طالب، فدخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: قوموا لا تناموا في المسجد، فقمنا لنخرج، فقال: أما أنت يا علي فنم، فإنه قد أذن لك.
66 - ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة أن يريني أبي في النوم، حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه، فسألته فقال: لولا رحمة الله لهلك أبوك. إنه سألني عن عقال بعير الصدقة، وعن حياض الإبل، فكيف عن الناس؟ فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز، فصاح وضرب بيد على يد
وقال: فعل هذا بالطاهر التقي، فكيف بابن المترف عمر بن عبد العزيز؟(5/297)
66 - ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة أن يريني أبي في النوم، حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه، فسألته فقال: لولا رحمة الله لهلك أبوك. إنه سألني عن عقال بعير الصدقة، وعن حياض الإبل، فكيف عن الناس؟ فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز، فصاح وضرب بيد على يد
وقال: فعل هذا بالطاهر التقي، فكيف بابن المترف عمر بن عبد العزيز؟
67 - سئل ابن سيرين عن رجل رأى في منامه كأنه يمضغ شدقه، فقال: هذا رجل يغتاب أقرباءه.(5/298)
الباب الثامن والثمانون الوفاء، وحسن العهد، ورعاية الذمم، والأمانة والثقة، وكتمان الأسرار، وما أشبه ذلك
1 - أبو بكر رضي الله عنه: قال لي رسول صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، عليك بصدق الحديث، ووفاء بالعهد، وحفظ الأمانة، فإنها وصية الأنبياء.
2 - نزل ناس من محارب إلى جنب المدينة، فاشترى منهم رسول الله جزورا (1) بوسق (2) من تمر. فلما ذهب بها وتوارى في بيوت المدينة، قالوا: أعطينا رجلا لا نعرفه. فقالت عجوز منهم: لقد رأيت وجه رجل ما كان ليلبسه غدرا. فما كان إلّا أن أرسل إليهم فدعاهم، ثم أمر بالتمر فنثر على نطع (3)، ثم قال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم وفاهم ثمنهم.
فقالوا: ما رأينا كاليوم في الوفاء.
3 - أوصت أعرابية أبنا لها فقالت: يا بني، اعلم أنه من اعتقد الوفاء والسخاء فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها، وإياك والنمائم فإنها تنبت
__________
(1) الجزور: الحيوان المعدّ للذبح.
(2) الوسق: ستون صاعا. قال الخليل: الوسق هو حمل البعير فأما الوقر فحمل الحمار أو البغل.
راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 26.
(3) النطع: البساط من الجلد.(5/299)
السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي (1) أهلها الأمرين.
4 - ليس شيء أوفى من قمرية (2)، فإنها إذا مات ذكرها لم تقرب آخر بعده، ولا تزال تنوح عليه إلى أن تموت.
5 - شاعر:
أشدد يديك بمن يلفّ وفاءه ... إن الوفاء من الرجال عزيز
6 - علي عليه السلام: الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها. وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين.
7 - وفد عدي بن حاتم على عمر رضي الله عنه، وكان قد ثبت إسلامه في الردة، فقال: أتعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، أنت الذي آمن إذ كفروا، ووفى إذ غدروا.
8 - وكان مع علي عليه السلام في حروبه، وفقئت عينه يوم الجمل، وهو القائل لمعاوية:
يجادلني معاوية بن حرب ... وليس إلى الذي يبغي سبيل
يذكرني أبا حسن عليا ... وحظي في أبي حسن جليل
9 - قال المنصور لاسحاق بن موسى العقيلي، وكان قبله خصيصا عند مروان بن محمد، وقد ضمن غلاما من بني أمية: ما ضمانك له إلّا حبا
__________
(1) تحسي: تذيق.
(2) القمرية: نوع من الحمام.(5/300)
لبني أمية؟ فقال: هذا وفائي لمن له عندي يد (1) وقد زالت عنه الدولة، فكيف وفائي لمن له عندي يد والدولة عليه باقية؟ فاستحسن قوله وأطلق له الغلام من غير ضمان.
10 - الوفاء وفاء لمن لا ترجوه ولا تخافه.
11 - إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وإلى بكائه على ما مضى من زمانه.
12 - أتى حاجب بن زرارة التميمي في جدب أصاب قومه بدعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كسرى فسأله أن يأذن لهم في دخول بلاده حتى يمتاروا (2).
فقال: إنكم معشر العرب قوم غدر. فقال: إني ضامن للملك ألا يفعلوا، قال: فمن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي. فضحك من حوله، فقال كسرى: ما كان ليخالف، فقبلها منه وقال: يا حاجب، إن قوسك لقصيرة معوجّة، قال: أيها الملك، إن وفائي طويل مستقيم. فمات حاجب، فطلبها ابنه عطارد فردّت عليه، وكساه كسرى حلة. فلما أسلم عطارد أهداها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يقبلها، فباعها بأربعة آلاف درهم.
وبقيت قوس حاجب فخرا لبني تميم، قال أبو تمام:
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... فخارا على ما وطّدت من مناقب
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب
13 - وقد ملّح المطراني في قوله:
تزهى علينا بقوس حاجبها ... زهو تميم بقوس حاجبها
14 - وللمصنف (3) في صباه:
__________
(1) قوله: له عندي يد: أي فضل ومعروف وإحسان وغير ذلك.
(2) يمتاروا: يأتوا بالميرة وهي الطعام.
(3) المصنّف: هو الزمخشري صاحب هذا الكتاب.(5/301)
أكل وفاء كان في قوس حاجب ... وأنت جمعت الغدر في قوس حاجب
15 - أتى عمر رضي الله عنه بتاج كسرى وسيفه ومنطقته وسواريه، فرأى من الدرّ والياقوت شيئا لم ير مثله، فكره أن يمسّه بيده، فأخذ عودا فجعل يقلب ذلك وينظر إليه. فلما أطال النظر قال: إن الذي أدى هذا لأمين. فقال له علي: يا أمير المؤمنين، إنك أديت الأمانة إلى الله، فلما أديتها إلى الله أدّيت إليك.
16 - قال لقمان لأبنه: إذا كان خازنك حفيظا وخزانتك أمينة سدت في دنياك وآخرتك.
17 - عروة بن محمد عن أبيه رفعه: ثلاث إذا رأيتهن فعندك عندك:
خراب العامر وعمارة الخراب، وأن يكون الغزو رفدا، وأن يتمرس البعير بالشجرة.
18 - ابن عباس: أتى رسول الله التجار فقال: يا معشر التجار، إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلّا من صدق ووصل وأدى الأمانة.
19 - ابن عمر رفعه: خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال: هذه أمانة استودعتكها. الفرج أمانة. والسمع أمانة، والبصر أمانة، واللسان أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له.
20 - أخذ لبنت أبي قحافة طوق يوم الفتح، فقال: أبو بكر فأخذ بيد أخته وقال: أنشدكم الله والإسلام طوق أختي. قالها ثلاثا، فلم يجبه أحد، فقال: يا أخيّة أحتسبي طوقك فإن الأمانة في الناس قليل.
21 - مكتوب في التوراة: الأمين من أهل الأديان كلها عائش بخير.
22 - لقمان: يا بني كن أمينا تعش غنيا.
23 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الأمانة غنى.
24 - اتقوا النعمة أن تقول كفرت، والأمانة أن تقول أخفرت.
25 - شاعر:(5/302)
24 - اتقوا النعمة أن تقول كفرت، والأمانة أن تقول أخفرت.
25 - شاعر:
سقى الله أطلال الوفاء بكفّه ... فقد درست أحلامه ومنازله (1)
26 - قال رجل لسلمان رضي الله عنه: يا أبا عبد الله، فلان يقرئك السلام. فقال: أما أنك لو لم تفعل لكانت أمانة في عنقك.
27 - قال حارث بن عوف بن أبي حارثة للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أجرني من لسان حسان فلو مزج به البحر لامتزج. فحدث بذلك ابن عائشة فقال: أوجعه قوله:
وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر (2)
28 - قدم مكة كهمس بن سعد البارقي ورجل من بني زبيد، فظلم البارقي أبي بن خلف، فقال:
أتظلمني مالي بمكة ظالما ... أبي ولا قومي لديّ ولا صحبي
وناديت قومي بارقا لنجيّتي ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب (3)
سيأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني خلف والحق يؤخذ بالغصب (4)
29 - وظلم الزبيدي العاص بن وائل السهمي، فصعد الجبل رافعا عقيرته (5):
يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدرّ والنّفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر
__________
(1) درست المنازل والأحلام: امّحت وزال أثرها.
(2) ومثله قول الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودّها ... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
(3) الفيافي والسهب: المفاوز والصحاري الواسعة.
(4) حلف الفضول: من أهم مبادئه الأخذ من القوي للضعيف وللغريب من القاطن، وسيشرح المؤلف سبب قيام هذا الحلف والذين قاموا به بعد قليل.
(5) العقيرة: الصوت.(5/303)
هل مخفر من أخي سهم بقدرته ... فعادل أم ضلال نال معتمر (1)
إن الحرام لمن تمّت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
فتحالف ثلاث نفر الزبير عم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد قيل العباس أولهم، والمتحالفون بن وهاشم، وقيل بنو عبد مناف، وزهرة، وتيم بن مرة، وأسد ابن عبد العزى. وزاد بعضهم الحارث بن فهر رهط أبي عبيدة. فقال من عداهم من قريش: لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر فسمي حلف الفضول.
وقيل سمي بذلك تشبيها له بحلف كان بمكة أيام جرهم على التناصف والأخذ من القوي للضعيف، وللغريب من القاطن، قام به رجال من جرهم يقال لهم الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة فقيل لهم حلف الفضول جمعا لأسماء هؤلاء كما يقال سعد السعود.
وقيل سمي بذلك لما فيه من الشرف والفضل. وقيل لأنه شيء تفضلوا به.
وشهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقول: لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله اليوم لأجبت. وكانت صورة الحلف: والله القابل، إنا اليد على الظالم حتى نأخذ للمظلوم حقه ما بلّ بحر صوفة.
30 - دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي عليه السلام حين تفرق عنه الناس، فكتب إلى معاوية: يا وثن بن وثن، تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه، وانثيال الناس عليك، واجفالهم إليك، فو الله الذي لا إله غيره لا سالمتك أبدا وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله على وليّه، ولا حزب الشيطان على حزبه، والسلام.
31 - سأل المنصور بعض بطانة هشام عن تدبيره في بعض حروبه مع
__________
(1) المعتمر: الزائر القاصد. وهو في الشرع زائر البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في كتب الفقه. وهو المراد هنا.(5/304)
الخوارج، فقال: فعل كذا وصنع كذا رحمه الله. فقال المنصور: قم عليك لعنة الله. تطأ بساطي وتترحم على عدوي! فقام الرجل وهو يقول:
والله إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي. فقال المنصور:
ارجع يا شيخ، فإني أشهد أنك جهيض حرة، وغراس شريف. ودعا له بمال، فأخذه وقال: لولا جلالة أمير المؤمنين وامتطاء طاعته ما لبست لأحد بعده نعمة. فقال له المنصور: مت إذا شئت، لله أنت! فلو لم يكن في قومك غيرك لكنت قد أبقيت لهم مجدا مخلدا.
32 - قال عمرو بن العاص: إذا أفشيت سري إلى صديقي فأذاعه فهو في حل. فقيل له: كيف؟ قال أنا كنت أحق بصيانته.
33 - المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسرّ إليه.
34 - فيلسوف: القلوب أوعية السرائر، والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل منكم مفتاح وعاء سره.
35 - حكيم: ضع سرك عند من لا سر له عندك.
36 - لا يصلح للسر إلّا لسانان وأربع آذان.
37 - رجل من بني سعد:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثا ... وسري عنده فأنا الظلوم
38 - أوس بن حجر:
ليس الحديث بنهبي بينهن ولا ... سر يحدثنه في الحي منشور
39 - قيل لأعرابي: ما بلغ من حفظك للسر؟ قال: أفرقه تحت شغاف (1) قلبي ثم لا أجمعه، وأنساه كأني لم أسمعه.
__________
(1) شغاف القلب: غلافه.(5/305)
40 - فلان كتوم الرغاء، بعيد مقبل السر، حنيت عليه أضالعه، وتلاقت عليه حيازيمه (1).
41 - الجاحظ: تقول العرب: من ارتاد لسره فقد أشاعه، وأرى الأول قد أذن في واحد وهو قوله:
سرّك دمك فانظر أين تريقه (2).
42 - أبو الشيص:
ضع السر في صماء ليست بصخرة ... صلود كما عاينت من سائر الصخر
ولكنها قلب امرىء ذي حفيظة ... يرى ضيعة الأسرار قاصمة الظهر
43 - كان يقال: أحزم الناس الذي لا يفشي سره إلى صديقه، مخافة أن يقع بينهما شر فيفشيه عليه:
44 - حكيم: قلوب الأحرار قبور الأسرار.
45 - بزرجمهر: الطمأنينة إلى كل أحد قبل الإختيار حمق.
46 - نصيب:
وقد طال كتمانيك حتى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي على الناس يسلم
47 - سلمة اليشكري:
إذا ما غفرت الذنب يوما لصاحب ... فلست معيدا ما حييت له ذكرا
ولست إذا ما صاحب حال عهده ... وعندي له سر مذيعا له سرا
48 - مرّ أبو بكر رضي الله عنه بجارية سوداء تطحن لمولاتها، فقالت مولاتها: يا أبا بكر اشترها فإنها على دينك. فلما علم أنها مسلمة حكم
__________
(1) الحيازيم: أضلاع الصدر.
(2) تريقه: تصبّه. والفعل راق يريق ريقا.(5/306)
مولاتها، فاشتراها على المكان ودفع ثمنها، وقال: قومي يا جارية.
فقالت: يا أبا بكر، إن لها علي حقا بقديم ملكها، فأئذن لي أن استتم طحينها. ففعل.
49 - عاذ الفرزدق ببكر بن وائل في بعض مخاوفه، ثم ارتحل عنهم ذاما لهم. فقال رجل منهم:
لقد بوأتك الدار بكر بن وائل ... وردت لك الأحشاء إذ أنت مجرم
زمان تمنى أن تكون حمامة ... بمكة واراها الستار المحرّم
فإن تنأ عنا لا تضرنا وإن تعد ... فإنّا على العهد الذي كنت تعلم
50 - كان قيس بن الرقيات مع مصعب، فلما قتل تردد هاربا في البلاد، حتى عاذ بعبد الله بن جعفر ليستشفعه إلى عبد الملك. فقام ابن جعفر بين يديه وقال: حاجة. قال: حاجاتك كلها مقضية إلّا دم ابن قيس. قال: فهذه حاجتي، فأطرق هنيهة ثم قال: على أن تضع يده في يدي. فلما دخل عليه وقد أمر قبل بعساس خلنج (1)، فملئت ألبان البخت (2) يحمل العسّ جمانة، ثم صفت بين يديه قال له: أين هذه العساس من عساس مصعب حين تقول:
جلب الخيل من تهامة حتى ... وردت خيله جبال زرنج (3)
يلبس الجيش بالجيوش ويسقي ... لبن البخت في قصاع الخلنج (4)
قال: لا أين أمير المؤمنين لو طرحت كلها في أصغر عس من أعساس مصعب لتقلقلت داخله. قال: قاتلك الله! أبيت إلّا كرما. وعفا عنه ووصله.
__________
(1) العسّ: القدح الكبير. والخلنج: شجر تتّخذ من خشبه الأواني (فارسي معرّب).
(2) البخت: الإبل الخراسانية.
(3) زرنج: اسم مدينة هي قصبة سجستان، وسجستان اسم الكورة. راجع معجم البلدان 3: 138.
(4) القصاع: جمع قصعة وهي القدر الكبيرة تكون من الخشب والفخار.(5/307)
51 - كان أبو العاص بن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس، ختن (1)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بنته زينب، تاجرا تضاربه قريش بأموالها فخرج إلى الشام سنة الهجرة فلما قدم عرض له المسلمون فأسروه، وقدموا به المدينة ليلا. فلما صلوا الفجر قامت زينب على باب المسجد فقالت: يا رسول الله، قد أجرت أبا العاص وما معه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أجرنا من أجرت. ودفع إليه جميع ما أخذ منه، وعرض عليه الإسلام، فأبى وخرج إلى مكة. فدعا قريشا وأطعمهم ثم دفع إليهم أموالهم. وقال: هل وفيت؟ قالوا: نعم قد أديت الأمانة ووفيت. قال: اشهدوا جميعا أني أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله. وما منعني أن أسلم إلّا تقولوا أخذ أموالنا. ثم هاجر فأقره رسول الله على النكاح الأول. وتوفي سنة ثنتي عشرة.
52 - قال رجل لراهب: قتلت تسعة وتسعين، فهل لي من توبة؟
قال: لا. قال: لأكملن بك مائة، فقتله. ثم ذهب إلى راهب آخر فقال له: قتلت مائة، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، على أن تطيعني ولا تعصيني، فقال له: قاسمني العمل. قال أنا بين يديك. فأراد أن يخبز فقال: عليّ العجين والإلزاق وعليك السجر (2). فاستجر التنور يوما وقال للراهب: قم فالزق، فقال: اذهب واجلس في التنور، فذهب فجلس فيه، فجاء الراهب ينظر، فإذا الرجل قاعد في التنور، ما به إلّا أنه يشرح عرقا. فقال له: قم فاخرج فأنت خير مني. فجوزي بوفائه.
__________
(1) الختن: الصهر.
(2) السّجر: إيقاد النار وإشعالها.(5/308)
الباب التاسع والثمانون الوقاحة، والسفاهة، والجسارة، وقلّة المبالاة وذكر الغوغاء والحشوة، ونحو ذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
2 - حكيم: الخرس خير من الكذب، والخصاء خير من الزنا.
والمعيشة بالجهد والفاقة خير من المعيشة بالبذاء وقلّة الحياء.
وذكر رجلا وقحا: لو دق بوجهه الحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها.
3 - ابن سلام: العاقل شجاع القلب، والأحمق شجاع الوجه.
هو صفيق الدرقة (1)، صليب الحدقة (2).
4 - الفاقة خير من الصفاقة.
5 - الصخر هش عند وجهك في الوقاحة.
6 - يقال: وجوههم وأيديهم حديد. أي وقاح بخلاء.
__________
(1) الدرقة: ترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب.
(2) صليب الحدقة: أي غير صافي العين. والكناية هنا واضحة.(5/309)
7 - لمّا حضرت أد بن مر الوفاة عدل بإرثه عن تميم إلى سائر ولده، فعاتبه تميم، فقال: يا بني، إني لم أفعل بك ذلك لذنب استحقيته.
ولكن للثقة بما في يدك من عوض يغنيك عن أخوتك، ويفقرهم إليك، ويكسبك السؤدد. قال: وما هو يا أبه؟ قال: صفاقة وجهك.
8 - أنوشروان: أربع قبائح، وهي في أربعة أقبح: البخل في الملوك، والكذب في القضاة، والحدة في العلماء، والوقاحة في النساء.
9 - أبو عثمان الناجم:
لك عرض مثلّم من قوا ... رير ووجه ململم من حديد
10 - صفاقة العينين خير من غلة دارين.
11 - في النصائح الصغار (1): الوجه ذو الوقاحة من وجوه الرقاحة، يفيء على صاحبه الأنفال، ويفتح الأقفال، ويلقطه الأرطاب، ويلقمه ما استطاب، ويجسره على قول المنطيق، وييسر له فعل ما لا يطيق.
وكل ذي وجه حيي ذو لسان عيي، معتقل لا ينشط لمقال، ولا ينشط من عقال. لا يزال ضيق الذرع، بكي الضرع، يشبع غيره وهو طيان، ويعطش وصاحبه ريان.
ولكن لا كان من يتوقح، ولا ما يتربح ويتوقح. فلعمري ما النائل الوقح إلّا ما ناله الوقح. وأيم الله إن الرشحة في الجبين أحسن من الشمم في العرنين، ولئن تغر عرضك وما في سقائك جرعة خير أن تملك البحر وما في وجهك مزعة.
12 - نافر (2) رجل من جرم رجلا من الأنصار إلى قرشي، فقال للجرمي: أبالجاهلية تفاخره أم بالإسلام؟ قال بل بالإسلام، قال: كيف
__________
(1) النصائح الصغار: من كتب المؤلف. راجع مقدمتنا في أول هذا الكتاب.
(2) نافر: فاخر، وقد شرحنا معنى المنافرة عند العرب.(5/310)
وقد أووا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونصروه حتى أظهر الله الإسلام؟ قال الجرمي:
وكيف يكون قلة الحياء؟.
13 - كان يقال: إثنان لا يتفقان أبدا القناعة والحسد. وإثنان لا يفترقان أبدا الحرص والقحة.
14 - هجا أبو الهول الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغبا إليه، فقال له:
بأي وجه تلقاني؟ قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر.
فضحك ووصله.
15 - شاعر:
أكول لأرزاق العباد إلى شتا ... صبور على سوء الثناء وقاح
16 - من جسر أيسر، ومن هاب خاب.
17 - المسترسل موقى، والمحترس ملقى.
18 - شاعر:
لا تكونن في الأمور هيوبا ... فإلى خيبة يصير الهيوب
19 - آخر:
إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلّب في الأمور كما يشاء
20 - آخر:
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع
21 - من سبح في النهر الذي فيه التمساح عرض نفسه للهلكة.
22 - علي عليه السلام: إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه.
23 - كان الحسن: إذا ذكر أهل السوق والغوغاء قال: قتلة الأنبياء.
24 - وقال علي عليه السلام فيهم: إذا اجتمعوا ضروا، وإن تفرقوا نفعوا. قيل: قد علمنا مضرة إجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم. كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه.(5/311)
23 - كان الحسن: إذا ذكر أهل السوق والغوغاء قال: قتلة الأنبياء.
24 - وقال علي عليه السلام فيهم: إذا اجتمعوا ضروا، وإن تفرقوا نفعوا. قيل: قد علمنا مضرة إجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم. كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه.
وعنه: وأنتم معاشر أخفاء الهام (1)، سفهاء الأحلام.
25 - بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء، فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق.
26 - أبو العبر وهو من عقب علي بن عبد الله بن عباس:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز باللّذة المستهتر النّهج
27 - الأحنف: ما قل سفهاء قوم إلّا ذلوا.
28 - حكيم: لا يخرجن أحد من بيته وقد أخذ في حجزته قيراطين من جهل، فإن الجاهل لا يدفعه إلّا الجهل. أراد السّفه.
29 - قال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
30 - الحارث بن حلزة اليشكري: الجاهل من لا جاهل له، أي الجاهل بتدبير أمره لا سفيه له يدفع عنه، قال:
ولا يلبث الجهال أن يتهضموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول
31 - صالح بن جناح:
إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا ... وخيرت أيّا شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل
__________
(1) الهام: أعلى الرأس.(5/312)
32 - ما جزاء السفيه سبّ، ولكن إذا عدا الثور تنتزع أنيابه.
33 - الأحنف بن قيس:
وذي ضعن أمت القول عنه ... بحلم فاستمر على المقال
ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاق المعضلات من الرجال
34 - شاعر:
لا بد لسؤدد من أرماح ... ومن عديد تتقي بالراح
ومن سفيه دائم النباح
35 - أتى علي عليه السلام بجان ومعه غوغاء، فقال: لا مرحبا بوجوه لا ترى عند سوءة.
36 - الفند الزماني (1):
وبعض الحلم عند الجه ... ل للذلة اذعان
وفي الشر نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان
__________
(1) الفند الزماني: هو شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمّان الحنفي، من بني بكر بن وائل، شاعر جاهلي. كان سيد بكر في زمانه، وفارسها وقائدها. وهو من أهل اليمامة.
شهد حرب بكر وتغلب، وقد ناهز عمره المئة. وفي ديوان الحماسة شيء من شعره.
يقول ابن جنّي: سمّي «الفند» لعظم خلقته تشبيها بفند الجبل، وهو القطعة منه.
توفي نحو سنة 70قبل الهجرة.
راجع ترجمته في شرح الشواهد 320والمبهج لابن جني 14وخزانة البغدادي 2:
58.(5/313)
الباب التسعون الهدية، والرشوة، وما جاء في الاهداء والاستهداء، وذكر من ارتشى في الحكم وغيره
1 - أهدى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عمر هدية فردها، فقال: يا عمر، لم رددت هديتي؟ قال: لأني سمعتك تقول: خيركم من لم يقبل شيئا من الناس. فقال: يا عمر، إنما ذاك ما كان عن ظهر مسألة، فأما ما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك.
2 - قالت أم حكيم الخزاعية: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أتكره رد اللطف؟
قال: ما أقبحه؟ لو أهدي إلى ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت.
قالت: وسمعته يقول: تهادوا فإنه يورث الحب، ويذهب بغوائل الصدر.
3 - ابن عباس رفعه: ما أهدى المسلم لأخيه أفضل من كلمة حكمة، يزيده الله بها هدى، ويرده بها عن الردى.
وعنه رفعه: نعمت العطية، ونعمت الهدية كلمة حكيمة تسمعها فتنطوي عليها، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم تعلمه إياها.
4 - الحسن: تهاديتم الأطباق ولم تتهادوا النصائح.
5 - الجاحظ: ما استعطف السلطان، ولا استرضى الغضبان، ولا
استلّت السخائم، ولا استدفعت المغارم بمثل هذه الهدايا.(5/315)
5 - الجاحظ: ما استعطف السلطان، ولا استرضى الغضبان، ولا
استلّت السخائم، ولا استدفعت المغارم بمثل هذه الهدايا.
6 - في نشر المهاداة طي المعاداة.
7 - التهادي سنة متقبلة، ومكرمة متقيلة.
8 - عائشة: اللّطفة (1) عطفة تزرع في القلوب المحبة.
وعنها: كان رسول الله يقبل الهدية، ويثيب عليها ما هو خير منها.
9 - وعنه عليه السّلام: الهدية رزق من الله، فمن أهدي إليه شيء فليقبله.
وعنه: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.
وعنه: تهادوا تحابوا.
10 - قدم غلام لعلي رضي الله عنه، فأهدى للحسن والحسين دون ابن الحنفية. فتمثل علي بقول عمرو بن كلثوم:
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
فأهدى إليه.
11 - الجاحظ:
لو كنت لا أهدي إلى أن أرى ... شيئا على قدرك أو قدري
لكنت أهدي سدرة المنتهى ... ترفل في أنوابها الخضر (2)
12 - كتب المؤيد إلى المتوكل مع قارورة دهن: إن الهدية متى كانت من الصغير إلى الكبير فكلما لصقت ودقت كانت أبهى وأحسن. وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أوقع وأنفع.
__________
(1) اللّطفة: الهدّية.
(2) السّدر: شجر النبق، وسدرة المنتهى في أقصى الجنة إليها تبتهي علم الأولين والآخرين ولا يتعدّاها.(5/316)
13 - كتب إبراهيم بن إسماعيل إلى المأمون يوم النيروز (1): وجهت إلى أمير المؤمنين جام (2) فضة مذهبة، فيها سبع تفاحات من مسك وعنبر ومسك وصندل (3) وكافور وزعفران وعود، وتفاءلت لأمير المؤمنين باجتماعها وفيوح رائحتها أن يملك الأقاليم السبعة، وإن يفوح عدله وحسن سيرته مع رعيته كفيوحها إن شاء الله.
14 - أهدى مرة أبو الهذيل إلى مويس بن عمران دجاجة وصفها له بصفات، ثم لم يزل يذكرها كلما ذكر شيء ما بجمال أو سمن قال أحسن وأسمن من الدجاجة التي أهديتها لكم، وإن ذكروا حادثا قال: كان ذلك قبل أن أهدي لكم الدجاجة بشهر، وما كان بين هذا وبين إهداء الدجاجة إلا أيام قلائل. فسارت مثلا لمن يستعظم شيئا يهديه أو يذكره.
15 - لبعضهم:
وإن امرأ أسدى إلي صنيعة ... وذكّر فيها مرة للئيم
16 - أهدى رجل إلى امرأة الحارث بن يحامر الأشعري قاضي دمشق هدية، فكلمته حتى قضى له، فقال عبد الملك بن مروان:
إذا رشوة من باب بيت تقحّمت ... لتسكن فيه والأمانة فيه
سعت هربا منها وولّت كأنها ... حليم تنحّى عن جوار سفيه
17 - سفيان الثوري: إذا أردت أن تتزوّج فأهد للأم.
18 - ميمون بن مهران: إذا كانت حاجتك إلى كاتب فليكن رسولك إليه الطمع.
19 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الهدية تجلب السمع والبصر والقلب.
__________
(1) النيروز: اسم عيد للفرس.
(2) الجام: القدح الضّخم.
(3) الصندل: شجر طيّب الريح.(5/317)
20 - أبو العالية: إذا دخلت الهدية صر الباب وضحكت الأسكفة (1).
21 - كان ابن عباس يروي: من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها. فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر، وعنده قوم، فذكر الخبر فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب، أما في ثياب مصر فلا.
22 - كعب الأحبار: قرأت فيما أنزل الله على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكيم.
23 - وفي نوابغ الكلم (2): إن البراطيل (3) تنصر الأباطيل.
24 - شفع مسروق لرجل شفاعة، فأهدى له جارية، فغضب وقال:
لو علمت أن في نفسك هذا ما تكلمت فيها، ولا أتكلم فيما بقي منها أبدا، سمعت ابن مسعود يقول: من شفع شفاعة ليرد بها حقا، أو يدفع بها ظلما فأهدي له فقبل بذلك السحت (4)، قالوا: ما كنا نرضى السحت إلا الأخذ على الحكم. قال: الأخذ على الحكم كفر.
25 - كان شقيق يقول لجاريته: يا بركة، إن جاءك أصحابي بشيء فخذيه وإن جاءك يحيى بشيء فردّيه. وكان يحيى ابنه قاضيا على الكناسة (5).
26 - كتب الحمدوني إلى جارية اسمها برهان وقد حج مواليها.
حجوا مواليك يا برهان واعتمروا ... وقد أتتك الهدايا من مواليك
__________
(1) الأسكفة: عتبة الباب التي يوطأ عليها، والساكف أعلاه الذي يدور فيه الصائر، والصائر أسفل طرف الباب الذي يدور أعلاه.
(2) نوابغ الكلم: من مؤلفات الزمخشري. راجع مقدمتنا في أول هذا الكتاب.
(3) البراطيل: الرشوة.
(4) السّحت: المال الحرام.
(5) الكناسة: محلّة بالكوفة عندها واقع يوسف بن عمر الثقفي زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
فأطرفيني مما أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك (1)
ولست أقبل إلا ما جلوت به ... ثنيّتيك وما ردّدت في فيك
27 - كان إبراهيم بن أدهم إذا أهدي إليه شيء لم يرده، وكأفأ بمثليه، فإذا لم يجد إلا ثوبه خلعه.(5/318)
__________
(5) الكناسة: محلّة بالكوفة عندها واقع يوسف بن عمر الثقفي زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
فأطرفيني مما أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك (1)
ولست أقبل إلا ما جلوت به ... ثنيّتيك وما ردّدت في فيك
27 - كان إبراهيم بن أدهم إذا أهدي إليه شيء لم يرده، وكأفأ بمثليه، فإذا لم يجد إلا ثوبه خلعه.
28 - شربت الزريقاء جارية ابن رامين الدواء، فأهدى لها ابن المقفع ألف دراجة على جمل قراسية.
29 - عمر رضي الله عنه: لا تولوا اليهود والنصارى، فإنهم يقبلون الرشى، ولا تحل في دين الله الرشى، قال الرشيدي: فأصحابنا اليوم أقبل للرشى منهم.
30 - أبو إدريس الخولاني: قال موسى عليه السّلام: يا رب، من يسكن حضيرة القدس؟ قال: الذين لا ينظرون بأعينهم في الزنا، ولا يضعون أموالهم في الربا، ولا يأخذون في حكم الله الرشى.
31 - شاعر:
إذا أتت الهدية دار قوم ... تطايرت الأمانة من كواها
32 - الهدية أجلها أقلها، وأشفها أخفها.
33 - لقلة الهدية معنيان يوحيان القبول، وإن كان لك عند المهدي يد فلا تستنقصها لمزيد، وإن كان مبتدئا فالتفضل لا يستقل.
34 - شاعر:
تفضل بالقبول علي إنّي ... بعثت بما يقل لعبد عبدك
(1) المساويك: جمع مسواك وهو العود الذي تنظف به الأسنان ويكون عادة من عود شجر الأراك.(5/319)
35 - كاتب: هذا يوم جرت فيه العادة بإلطاف (1) العبيد السادة، وقدر الأمير يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة، وقد وجهت ما حضر علما بأنه لا يستكثر ما جلّ، ولا يستقل لعبده ما قلّ، فإن رأى أن يتطول بقبول القليل تطوله بإهداء الجزيل فعل.
36 - شاعر:
رأيت كثير ما يهدي قليلا ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء
37 - بعث إبراهيم بن المهدي بجراب ملح وجراب أشنان (2) إلى المأمون وكتب: قصرت البضاعة عن بلوغ الهمة، وكرهت أن تطوى صحيفة البر خالية من الذكر، فبعثت بالمبدوء لبركته، وبالمختوم به لنظافته.
38 - كان كل واحد من أبي صالح كاتب الرشيد، وسعدان بن يحيى كاتب زبيدة صاحب مصانعات. فدخل الرشيد يوما عليها فقال: أما سمعت ما قيل في كاتبك:
صب في قنديل سعدا ... ن مع التسليم زيتا
وقناديل بنيه ... قبل أن يخفي الكميتا (3)
إن سعدان بن يحيى ... قد بنى للقمط بيتا
قالت: ما قيل في كاتبك أشنع، فأنشدته:
__________
(1) إلطاف العبيد: تقديم الهدايا لهم. واللطفة: الهدية والجمع لطف.
(2) الشنّ: القربة الخلق المصنوعة من الجلد. وتشنّن السقاء: أخلق.
وفي الحديث: أنه أمر بالماء فقرّس في الشنان. ولم أسمع أشنانا في جمع شن، وإنما جمع الشن: شنان.
(3) الكميت: اسم للخمرة.(5/320)
قنديل سعدان على ضوئه ... فرخ لقنديل أبي صالح
تراه في مجلسه أحولا ... من لمحه للدرهم اللائح
فاستحي الرشيد: ومن ثم قيل: صب في قنديله زيتا إذا رشاه.
وسمّوا المصانعة قندلة، كما تسمى البرطلة. قال:
إذا ما صب في القنديل زيت ... تحولت القضية للمقندل
فبرطل إن أردت الأمر يمشي ... فما يمشي إذا ما تبرطل
39 - وقال ابن لنكك:
أراكم تقلبون الحكم قلبا ... إذا ما صب زيت في القنادل
40 - متابعة الأرطال تبطل سورة الأبطال، مثل فيمن ارتشى فسكن.
41 - في بعض الحديث: استدروا الهدايا برد الظروف، إن حبس الظرف ليس من الظرف.
42 - كتب إبراهيم بن المهدي إلى أخ له: لو كانت التحفة على حسب ما يوجبه حقك لأجحف بنا أداء حق من حقوقك، ولكنها على حسب من يخرج من الوحشة، ويوجب الأنس. والسلام.
43 - قدم علي بن عيسى بن ماهان على الرشيد من خراسان، فسأله أن يركب مع خواصه إلى الميدان لينظر إلى هداياه. وقد أمر علي بكنس الميدان وفرشه بالآس والرياحين، وأقام في أحد جانبيه أربعة آلاف غلام تركي، وعليهم اللباس المرتفع والمناطق المعرقة بالفضة، وبيد كل واحد شهري (1) من فره (2) الدواب، كلها مجللة مبرقعة بالديباج، وعلى رأس كل
__________
(1) الشهري والشهرية: نوع من البراذين، وهو بين البرذون والمقرف من الخيل.
(2) البغل الفره: النشيط.(5/321)
غلام عمامة من جنس لباسه. وفي الجانب الآخر أربعة آلاف وصيفة تركية، عليهن الديباج والمناطق المعرقة بالذهب، مسبلات الشعور، على كل واحدة تخت (1) ثياب من الملحم (2) الفاخر وغيره. وقد بسط في صدر الميدان بسط عليها الأنطاع (3) صبت عليها الأموال حتى صارت جبلا عظيما، وبحذائها نوافج (4) المسك مثلها.
فلما رجع (الرشيد) فنزل قال: يا جعفر أين كنا عن هذه الأموال قال: يا أمير المؤمنين، أسرك أن أخذ علي بن عيسى أموال الفقراء والأرامل وجاءك بها نارا يتقرب بها إليك؟ والله لتعلمن إذا وضحت الأمور أنك تستوخم فائدتها، ولتنفقن بدل كل درهم دينارا. ثم لا تنجو.
فقال موسى الهادي: عادلت الرشيد حين خرج إلى خراسان، فتنفس تنفسة كادت نفسه تخرج، ثم قال: لله جعفر بن يحيى! وذكر كلمته، وقال: كانت أقوى الأسباب في تغيري للبرامكة. وقد والله أنفقت بدل كل درهم دينارا، وأراني لا أنجو.
44 - أهدى معاوية إلى الدؤلي (5) هدية فيها حلوى، فقالت ابنته:
ممن هذا يا أبه؟ فقال: هذا من معاوية، بعث بها يخدعنا عن ديننا.
فقالت:
أبا لشهد المزعفر يا ابن حرب ... نبيع عليك أحسابا ودينا
معاذ الله كيف يكون هذا ... ومولانا أمير المؤمنينا
45 - بلغ الحسن بن عمارة أن الأعشى يقع فيه ويقول: ظالم ولي
__________
(1) التخت: الوعاء الذي تصان فيه الثياب (المحفظة الكبيرة).
(2) الملحم: جنس من الثياب وهو ما كان سداه ابريسم أي حرير أبيض ولحمته غير أبريسم.
(3) الأنطاع: جمع نطع وهو البساط من الجلد. كان يوضع تحت المحكوم عليه بالقتل.
(4) نوافج: جمع نافجة وهي وعاء المسك، أو الجلدة التي يجتمع فيها المسك.
(5) الدؤلي: هو أبو الأسود الدؤلي الشاعر المعروف. تقدّمت ترجمته.(5/322)
الظالم. فأهدى إليه. فمدحه الأعشى بعد ذلك وقال: الحمد لله الذي ولى علينا من يعرف حقوقنا. فقيل له: كنت تذمه ثم مدحته. فقال: إن خيثمة حدثني عن عبد الله أن رسول الله قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
46 - أهديت لقتادة نعل رقيقة، فقال: تعرف عقل الرجل بسخف هديته.
47 - عبد الملك بن مروان: ثلاثة أشياء تدل على مقدار عقول أربابها: الكتاب يدل على مقدار عقل كاتبه، والرسول يدل على مقدار عقل مرسله، والهدية تدل على مقدار عقل مهديها.
كان يقول: أهدوا إلى الولاة فأنهم إن يقبلوا أحبوا.
48 - لم يرتش حكم في الجاهلية غير ضمرة بن ضمرة النهشلي، تنافر إليه عبادة بن أنف الكلب الصيداوي ومعبد بن نضلة الفقعسي، فرشاه عبادة مائة بعير، فنفره على معبد.
49 - الأصمعي: وقفت في البدو على شيخ محتب (1) بعقل يقضي بين أهل الحلة بالحق، فقلت: يا أعرابي، هل نظرت في الفقه؟ فقال:
وما الفقه؟ قلت: فما هذه الإصابة؟ قال: تنوي الخير وتقول ويوفق الله.
فقلت: فهل تميل مع أحد الخصمين لجعل؟ فضحك وقال: إذا لا ينزل التوفيق.
50 - الحسن: كان القاضي في بني إسرائيل إذا اختصم إليه الخصمان رفه أحدهما الرشوة في كمه فأراها إياه، فلا يسمع إلا قوله:
فأنزل الله قوله: سماعون للكذب أكالون للسحت (2).
__________
(1) الحبوة: ما يحتبى به أي يشتمل به من ثوب أو عمامة. يقال: احتبى بالثوب: أي اشتمل به وجمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.
(2) السّحت: المال الحرام.(5/323)
51 - أهدى عمر بن جوي وكان على الري إلى إسحاق بن سعيد بن عمارة الكلاعي وهو على مصر فقال:
وإن امرأ أهدى إليّ ودونه ... لكل بريد مسرع ألف فرسخ
لمستوجب نصحي ومحض مودتي ... وإنزاله في القلب منزلة الأخ
52 - أهدى عمرو بن مسعدة الكاتب إلى المأمون فرسا. وكتب إليه:
يا إماما لا يدا ... نيه إذا عدّ إمام
فضل الناس كما يف ... ضل نقصانا تمام
قد بعثنا بجواد ... مثله ليس يرام
فرس يزهى به لل ... حسن سرج ولجام
دونه الخيل كما دو ... نك في الفضل الأنام
وجهه صبح ولكن ... سائر الخلق ظلام
والذي يصلح لل ... مولى على العبد حرام
53 - عبد الوهاب بن رؤبة بن العجاج تعذرت عليه حاجة فرشا دراهم فقضيت له، فقال:
لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا
نافستهم برشوة فأقردوا ... وسهل الله بها ما شددوا
54 - أنشد المبرد:
وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلما تنازعنا الخصومة غلبت ... عليّ وقالت قم فإنك ظالم
55 - غيره:
إذا توسلت إلى حاجة ... فبالرشى فهي رشاء النجاح
ولا تؤمل غيرها شافعا ... فكل ما دون الرشى كالرياح
56 - قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، فأهدى له خارجة بن زيد
بن ثابت ألف عذق موز، وألف قرعة عسل أبيض، وألف شاة، وألف دجاجة، ومائة أوزة، ومائة جزور. فقال سليمان: أجحفت بنفسك يا خارجة، قال: يا أمير المؤمنين قدمت بلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت في أهل بيتي مالك بن النجار، وأنت ضيف، وإنما هو قرى. فقال: هذا وأبيكم السؤدد. ثم سأل عن دينه فقيل خمسة وعشرون ألف دينار، فقضاها عنه وأعطاه عشرة آلاف دينار.(5/324)
إذا توسلت إلى حاجة ... فبالرشى فهي رشاء النجاح
ولا تؤمل غيرها شافعا ... فكل ما دون الرشى كالرياح
56 - قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، فأهدى له خارجة بن زيد
بن ثابت ألف عذق موز، وألف قرعة عسل أبيض، وألف شاة، وألف دجاجة، ومائة أوزة، ومائة جزور. فقال سليمان: أجحفت بنفسك يا خارجة، قال: يا أمير المؤمنين قدمت بلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت في أهل بيتي مالك بن النجار، وأنت ضيف، وإنما هو قرى. فقال: هذا وأبيكم السؤدد. ثم سأل عن دينه فقيل خمسة وعشرون ألف دينار، فقضاها عنه وأعطاه عشرة آلاف دينار.
57 - لما خرج الأحنف مع مصعب أرسل إليه مائة ألف درهم، فجلست زبراء جاريته بين يديه وأرسلت عينها. فقال: ما يبكيك؟ قالت:
مالي لا أبكي عليك إذا لم تبك على نفسك؟ أبعد نهاوند (1) ومرو الروذ (2)
صرت تجمع بين غارين من المسلمين؟ قال: نصحتني والله في ديني إذ لم أنتبه لذلك، وأمر بفساطيطه (3) أن تقوّض.
فبلغ ذلك مصعبا فقال: من دهاني في الأخنف؟ قيل: زبراء.
فبعث إليها بثلاثين ألفا، فجلست بين يديه وأرخت عينها. قال: مالك يا زبراء؟ قالت: جئت باخوانك من البصرة تزفهم زفّ العروس، حتى إذا صيرتهم في نحور أعدائهم أردت أن تفت في أعضادهم وتشمت بهم! قال: صدقت. يا غلام رد المضارب مكانها.
58 - أهدى عثمان لعائشة هدية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ابعثي منها إلى النسوة. قالت: ما من واحدة إلا وقد أتاها مثلها، فقال: اللهم لا تنساها لعثمان.
59 - أهدى معاوية إلى سعيد بن العاص يوم النيروز كسى كثيرة،
__________
(1) نهاوند: أعتق مدينة في الجبل فتحت سنة 19وقيل سنة 20هـ. وكانت وقعة نهاوند سنة 21أيام عمر بن الخطاب وأمير المسلمين النعمان بن مقرن المزني.
راجع التفاصيل في معجم البلدان 5: 313.
(2) مرو الروذ: مدينة قريبة من مرو الشاهجان. تقدم تحديدها. راجع معجم البلدان 5: 112.
(3) الفساطيط: المضارب. جمع فسطاط.(5/325)
وآنية ذهب وفضة. فقال للرسول: ما قدرت لنفسك في طريقك فخذه، ثم فرّق سائرها على أصحابه، ولم يأخذ إلا ثوبا واحدا.
60 - عن نافع عن ابن عمر كانت تأتيه جوائز المختار فيأخذها.
61 - أهدى ملك الروم إلى المأمون، فقال: اهدوا له ما يكون مائة ضعف، ليعلم عز الإسلام ونعمة الله علينا به. ثم قال: ما أعز الأشياء عندهم؟ قالوا: المسك والسمور (1). قال: وكم في الهدية منهما؟ قالوا:
مائتا رطل (2)، ومائتا جلد، قال زيدوهم مثل ذلك.
__________
(1) السّمور: نوع من الحيوانات معروفة بفرائها الثمينة.
(2) الرطل: وزن يبلغ اليوم، في بعض البلاد، اثنتي عشرة أوقية وكان في ما مضى يقرب من الأوقيّتين والجمع أرطال.(5/326)
الباب الحادي والتسعون اليأس، والقناعة، والرضا بما رزق الله، والتوكل على الله، والتفويض إليه، والنزاهة عن المطمع
1 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحبّة وسواء ابني خالد: لا تيأسا من روح الله ما تهزهزت رؤوسكما، فإن أحدكم يولد أحمر لا قشر عليه ثم يكسوه الله ويرزقه.
2 - وعنه عليه الصلاة والسلام: القناعة مال لا ينفذ.
3 - حدث الأعمش عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي، فجلسنا عنده فقال: لولا أن رسول الله نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار عليه، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطرته فرهنها على الصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي أقنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة.
4 - لقمان الحيكم: كفى بالقناعة عزا، وبطيب النفس نعيما.
5 - عيسى عليه السّلام: اتخذوا البيوت منازل، والمساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واشربوا من الماء القراح (1)، واخرجوا من الدنيا بسلام.
__________
(1) الماء القراح: الصافي.(5/327)
6 - عباد بن منصور: كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد وأفصح، ولكنه أصبر عن الدرهم والدينار، فساد أهل البصرة.
7 - قال له خالد بن صفوان: لم تأخذ مني؟ قال: لا يأخذ أحد من أحد إلا ذلّ له، وأنا أكره أن أذل لغير الله. وكان معاشه من دار غلتها كل شهر دينار.
8 - كان الناس يكسبون الرغائب بعلم الخليل، وهو فيما بين أخصاص البصرة لا يلتفت إلى الدنيا ولا يطلبها.
9 - سأل ابن سيرين عن أرخص ما يباع في السوق، فقيل: السمك الصغار. فقال: اجعلوا أدمي منه.
10 - وهب: أرملت مرة حتى كدت أقنط، فأتاني آت في المنام ومعه شبه لوزة، فقال: افضض، ففضضتها فإذا حريرة فيها ثلاثة أسطر:
لا ينبغي لمن عقل عن الله أمره، وعرف لله عدله، أن يستبطىء الله في رزقه.
ثم أعطاني فأكثر.
11 - قيل للحسن: إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحب إليّ من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة. فقال الحسن: رحم الله أباذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.
12 - العمري: انقطعتم إلى غير الله فما ضيعكم، فإن انقطعتم إلى الله خفتم الضيعة.
13 - في بعض الكتب: يقول الله: يا ابن آدم، أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلا وأنت تتفتق بمعصيتي سمنا؟.
14 - قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما
الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس. وروى شيئان لا عيلة عليّ معهما: الرضا عن الله والغنى عن الناس.(5/328)
14 - قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما
الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس. وروى شيئان لا عيلة عليّ معهما: الرضا عن الله والغنى عن الناس.
15 - العمري: يا ابن آدم: الطير لا يأكل رغدا، ولا يخبىء لغد، وأنت تأكل رغدا، وتخبىء لغد، فأحسنت الطير الظن بالله، وأسأت ظنك بالله.
16 - حبس عمر بن عبد العزيز الغداء على مسلمة حتى برح به الجوع ثم دعا بشربة سويق فسقاه، حتى إذا انتفخ بطنه دعا بالغداء، فلم يقدر على الأكل. فقال: يا مسلمة، أما يكفيك من الدنيا ما ترى؟ قال:
بلى، قال: فعلام التهافت في النار؟ وروي: التقحم.
17 - أنشد المبرد:
إن ضن يحيى بما في بطن راحته ... فالأرض واسعة والرزق مبسوط
إن الذي قدّر الأرزاق حكمته ... لم ينسني قاعدا والرحل محطوط (1)
18 - عبد الواحد بن زيد: ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة.
19 - قال ابن شبرمة (2) في محمد بن طارق: لو أن أحدا اكتفى بالتراب لاكتفى به.
20 - أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السّلام: قل لعبادي المستخطين لرزقي: إياكم أن أغضب فأبسط عليكم الدنيا.
__________
(1) الرّحل: ما يوضع على ظهر الدابة للركوب. وقوله: الرحل محطوط أي جاهز للركوب من أجل السفر في سبيل العمل واكتساب الرزق الحلال.
(2) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسّان الضبي. توفي سنة 144هـ.(5/329)
21 - قالت رابعة لسفيان: أترى الله عليك غضبان؟ قال: لا أدري، قالت: ومن أعلم بذلك منك؟ أنظر إن كنت عنه راضيا فهو عنك راض.
قيل: متى يكون العبد راضيا عن ربه؟ قالت: إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة.
22 - كان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي، فسكر يوما ففاتته الصلوات فجاءت جارية بجمرة فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا، فقالت: له: لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة؟ فقام فصلى الصلوات، وتصدق بما معه، وذهب يبيع البقل.
ثم دخل عليه فضيل وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء، فقالا: إنه لم يدع أحد شيئا إلا عوضه الله منه بدلا، فما عوضك مما تركت له؟ قال: الرضا بما أنا فيه.
23 - إبراهيم التيمي: اشترى أبي عبيدا بأربعة آلاف درهم من البصرة فبنوا له داره، ثم باعهم بربح أربعة آلاف درهم. فقلت له: لو عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء فربحت. فقال يا بني، ما فرحت بذلك حين أصبته، ولا حدثتني نفسي بإصابة مثله.
24 - أصابت داود الطائي ضيقة شديدة، فجاءه حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركه أبيه، فقال: هي من مال رجل ما أقدم عليه أحدا في زهده وورعه وطيب كسبه، ولو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت وإيجابا للحي، ولكن أحب أن أعيش في عز القناعة.
25 - الثوري: ما وضع أحد يده في قصعة (1) غيره إلا ذلّ له.
وعنه: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.
26 - مسعر بن كدام: من صر على الخل والبقل لم يستعبد.
__________
(1) القصعة: القدر الكبيرة تكون من الفخار أو الخشب.(5/330)
27 - فضيل: أصل الزهد الرضا عن الله، ألا تراه كيف يصنع بعبده كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها؟ تطعمه مرة صبرا، ومرة خبيصا، تريد بذلك ما هو أصلح له.
وعنه: من رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له فيه ولم يوسعه.
28 - في التوراة: يا ابن آدم، أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني ما يصلحك.
29 - إبراهيم بن أدهم كان من أهل النعم بخراسان، وأصله من بني عجل، فبينما هو مشرف من أعلى قصره إذ نظر إلى رجل في فيء قصره، أكل رغيفا وشرب عليه ماء ثم نام. فقال: ما أصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت؟ فخرج سائحا إلى الله تعالى.
30 - أقبل عليه رجل أثر السفر فقال: أنا غلامك بعثني أخوتك ومعي عشرة آلاف دينار وفرش وبغلة، فقال له: إن كنت صادقا فأنت حر، وما معك لك، اذهب ولا تخبر به أحدا.
31 - من باع الحرص بالقناعة فقد ظفر بالغنى.
32 - رويم البغدادي: الصبر ترك الشكوى، والرضا استلذاذ البلوى.
33 - المحاسبي: من استغنى بشيء دون الله فقد جهل قدر الله تعالى.
34 - عيسى عليه السّلام: الشمس في الشتاء صلائي، ونور القمر سراجي، وبقل البرية فاكهتي، وشعر الغنم لباسي، أبيت حيث يدركني الليل، ليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب، أنا الذي كببت الدنيا على وجهها.
35 - شاعر:
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها هما يؤرقه
36 - علي عليه السّلام: أكل من تمر دقل (1)، ثم شرب عليه الماء وضرب على بطنه فقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:(5/331)
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها هما يؤرقه
36 - علي عليه السّلام: أكل من تمر دقل (1)، ثم شرب عليه الماء وضرب على بطنه فقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:
وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
37 - الحسن: الحريص الراغب والقانع الزاهد كلاهما مستوف أكله، غير مزداد ولا منتقص مما قدر له، فعلام التهافت في النار.
38 - جابر رفعه: لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فاجملوا في الطلب، أخذ الحلال وترك الحرام.
39 - ابن عمر رفعه: أجملوا في الطلب، فو الذي بعثني بالحق إن الرزق ليطلب أحدكم كما يطلبه الموت.
40 - ابن مسعود رفعه: ليس أحد بأكيس من أحد، فقد كتب له النصيب والأجل، وقسم المعيشة والعمل، فالناس يجرون فيهما إلى منتهى.
41 - عيسى عليه السّلام: أنظروا إلى طير السماء، تغدو وتروح، وليس معها شيء من أرزاقها، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطونا من الطير، فهذه الوحوش من البقر والحمر لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها.
42 - سويد بن غفلة كان إذا قيل: قد ولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي.
43 - وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك. فقال: ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
__________
(1) الدقل: أردأ التمر.
أسعى إليه فيعييني تطلّبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني (1)
كأن حظ أمرىء غيري سأبلغه ... لا بد لا بد أن يجتازه دوني
وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق؟ يا أمير المؤمنين وعظت فأبلغت، فخرج فركب ناقته ونصها (2) إلى الحجاز راجعا.(5/332)
__________
(1) الدقل: أردأ التمر.
أسعى إليه فيعييني تطلّبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني (1)
كأن حظ أمرىء غيري سأبلغه ... لا بد لا بد أن يجتازه دوني
وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق؟ يا أمير المؤمنين وعظت فأبلغت، فخرج فركب ناقته ونصها (2) إلى الحجاز راجعا.
فلما كان من الليل تعار هشام على فراشه، فذكر عروة فقال: رجل من قريش قال حكمة ووفد علي فجبهته ورددته. ووجه إليه ألفين؟ فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة وأعطاه المال. فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكديت، فرجعت فأتاني رزقي في منزلي.
44 - عمر رضي الله عنه: تعلموا أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه.
45 - أنس: أهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة طيور فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته به، فقال لها: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن الله تعالى يأتي برزق كل غد.
46 - عبد الله بن عمر رفعه: لقد أفلح من أسلم، ورزقه الله كفافا، وقنعه الله تعالى بما آتاه.
47 - مالك بن دينار: لما بعث الله عيسى بن مريم كب الدنيا على وجهها، ثم رفعها الناس حتى بعث الله تعالى محمدا فكب الدنيا على وجهها، ثم رفعناها بعد، فما لقينا منها؟.
48 - سليمان عليه السّلام: كل العيش قد جربنا لينه وشدته، فوجدنا يكفي منه أدناه.
(1) لا يعنّيني: لا يتعبني.
(2) نصّ الناقة: استحثها شديدا.(5/333)
49 - اشترى عمر بن عبد العزيز عنبا بدانقين (1) فأكله هو وامرأته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، فقال: يا فاطمة، كان يأتي أهلك منه أوقار (2) البغال، فلم يكن ينالنا إلا بقدر ما أكلنا من هذين الدانقين.
50 - لقمان: يا بني، اجعل همك فيما خلقت له، ولا تجعل همك فيما كفيته.
51 - في وصية علي عليه السّلام: وألجىء أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى جهف حريز ومانع عزيز.
وفيها: وأعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدوا أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك. فأحسن في الطلب، وأجمل في المكتسب، فإنه ربّ طلب جرّ إلى حرب، وليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم.
وفيها: وقد يكون اليأس إدراكا، إذا كان الطمع هلاكا.
52 - ولي عبد الله بن عامر العراق، فقصده صديقان له أنصاري وثقفي، فلما سارا تخلف الأنصاري وقال: الذي أعطى ابن عامر العراق قادر أن يعطيني. ووفد الثقفي وقال: أحرز الحظين. فلما دخل قال له:
ما فعل زميلك الأنصاري؟ ووصله بأربعة آلاف دينار، ووصل الأنصاري بضعفها. فخرج الثقفي وهو يقول:
أمامة ما حرص الحريص بنافع ... فعفتي ولا زهد القنوع بضائر
خرجنا جميعا من مساقط روسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر
فلما أنخنا الناعجات ببابه ... تخلف عنا اليثربي ابن جابر
وقال ستكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم للخلق قاهر
__________
(1) الدانقان: مثنى دانق والدانق سدس الدرهم.
(2) أوقار: جمع وقر وهو الحمل الثقيل يكون للبغل أو الحمار أمّا الوسق فهو حمل البعير.
فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري (1)
فقلت خلا لي وجهه ولعله ... سيجعل لي حفظ الفتى المتزاور
فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنّت ظؤور الأباعر (2)
فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعا ... ولا ظائرا شيء خلاف المقادر (3)
53 - حين حج الرشيد ماشيا أعياه المشي يوما، فاستلقى على قفاه في ظل ميل، فوقف عليه من قال له:(5/334)
__________
(2) أوقار: جمع وقر وهو الحمل الثقيل يكون للبغل أو الحمار أمّا الوسق فهو حمل البعير.
فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري (1)
فقلت خلا لي وجهه ولعله ... سيجعل لي حفظ الفتى المتزاور
فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنّت ظؤور الأباعر (2)
فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعا ... ولا ظائرا شيء خلاف المقادر (3)
53 - حين حج الرشيد ماشيا أعياه المشي يوما، فاستلقى على قفاه في ظل ميل، فوقف عليه من قال له:
وما تصنع بالدنيا ... وظل الميل يجزيك
54 - عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أردت اللحوق بي فيكفيك من الدنيا كزاد الراكب. ولا تستخلعي ثوبا حتى ترقعيه. وإياك ومجالسة الأغنياء.
55 - الحسن: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به، وأكل من سفيف يده.
56 - جاء جبرائيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخزائن الدنيا كلها على بغلة شهباء، فقال له: هذه الدنيا خذها، ولا ينقصك حظك عند الله بها شيئا، فقال: يا جبرائيل، لا حاجة لي فيها، يا جبرائيل، جوعتين وشبعة.
57 - وجد مكتوبا على حائط: يا ابن آدم، ما أنت ببالغ أملك، ولا بسابق أجلك، ولا بمغلوب على رزقك، ولا بمرزوق ما ليس لك، فعلام تقتل نفسك؟.
58 - قال زاهد لصبيانه يرزقكم الله الذي يرزق العصافير في الدوّ (4).
(1) المفاقر: الدواهي: جمع الفاقرة. يقال: فقرته الفاقرة أي كسرت فقار ظهره.
(2) الظؤور: المرضعة.
(3) أبت: رجعت. والإياب: العودة والرجوع.
(4) الدوّ: المغازة والصحراء الواسعة.(5/335)
59 - صالح المري: تغدو الطير خماصا (1)، وتروح بطانا، واثقة بأن لها في كل غدوة رزقا لا يفوتها والذي نفسي بيده إنكم لو غدوتم إلى أسواقكم على مثل إخلاصها رجعتم وأنتم أبطن من بطون الحوامل.
60 - أنشد الجاحظ للحسين بن الضحاك:
يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع في غد وغد
من لم يكن لله متهما ... لم يمس محتاجا إلى أحد
61 - أوحي إلى موسى عليه السّلام: أتدري لم رزقت الأحمق؟ قال: لا يا رب، قال ليعلم أن الرزق ليس بالاحتيال.
62 - وهب بن منّبه في قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيََاةً طَيِّبَةً} (2)، قال: القناعة. أنشد حماد لبعض العرب:
ولا تجزع إذا أعسرت يوما ... فقد أيسرت في زمن طويل
ولا تظنن بربك سوء ظن ... فإن الله أولى بالجميل
وإن العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كل قيل
فلو أن العقول تسوق رزقا ... لكان المال عند ذوي العقول
63 - قال الله تعالى ليوسف عليه السّلام: أنظر إلى الأرض، فانفرجت فرأى ذرة (3) على ضخرة معها الطعام، فقال: أتراني لم أغفل عنها وأغفل عنك وأنت نبي بن نبي بن نبي.
64 - قال عيسى عليه السّلام للحواريين: أنتم أغنى من الملوك. قالوا:
كيف؟ قال: لأنكم لا تطلبون وهم في الطلب.
65 - دخل علي عليه السّلام المسجد، وقال لرجل: أمسك على بغلتي.
فخلع لجامعها وذهب به. وخرج علي وفي يده درهمان ليكافئه فوجدها
__________
(1) قوله: تغدو الطير خماصا، أي جائعة. وقوله: قوله: تروح بطانا، أي شبعى.
(2) سورة النحل من الآية، 97.
(3) الذرّة: هي من صغار النمل.(5/336)
عطلا، فركبها ومضى، فأعطى غلامه الدرهمين ليشتري بها لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق وقد باعه السارق بدرهمين. فأخذه بالدرهمين.
فقال علي: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له.
66 - قيل لراهب: من أين تأكل؟ فأشار إلى فمه وقال: من خلق هذه الرحى (1) أتاها بالطحين (2).
67 - عاتب الفضل بن الربيع علي بن الهيثم كاتبه يوما على تأخره فقال:
أظن والظنون قد تعدى ... أني لا أصيب منه بدا
أعد منه ألف يد عدا
وانصرف ولم يعمل للسلطان بعد ذلك.
68 - أبو شراعة القيسي:
إن الغنى عن لئام الناس مكرمة ... وعن كرامهم أدنى إلى الكرم
68 - ذو الحرق الطهوي:
ولما أتاني تغلب قد نبت به ... لقاح بني أرطاة قلت لتغلب (3)
إذا حدثتك النفس أنك قادر ... على ما حوت أيدي الرجال فجرب
69 - سليمان بن المهاجر البجلي:
كسوت جميل الصبر وجهي فصانه ... به الله عن غشيان كل بخيل
فلم يبتذل وجهي بخيل ولم أقم ... على بابه يوما مقام ذليل
وإن قليلا يستر الوجه أن يرى ... إلى الناس مبذولا لغير قليل
__________
(1) الرحى: كناية عن الفم الذي يمضغ الأكل ويطحنه.
(2) الطحين: كناية عن الأكل، وكل ما يقع في الفم ليؤكل.
(3) اللقاح من الإبل: الناقة الغزيرة اللبن.(5/337)
70 - عميرة بن طارق التميمي:
ولا تعدليني إن رأيت معاشرا ... لهم نعم دثر وأن كنت مصرما
متى ما نكن في الناس نحن وهم معا ... نكن منهم أكسى جنوبا وأطعما
71 - قال العلاء بن زياد لعلي عليه السّلام: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصما، لبس العباءة وتخلى عن الدنيا، قال عليّ به، فقال له: يا عدوّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك.
قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك! قال: ويحك! إنّي لست كأنت؟ إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يبيع بالفقير فقره.
وعنه: إن إستطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من غيره. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس.
وعنه: يا ابن آدم، لا تحمل يومك الذي لم يأتك على يومك الذي قد أتاك، فإنه إن يكن من عمرك يأت الله فيه برزقك.
72 - قال رجل لإبراهيم بن أدهم: بقيت في عظم المؤونة، احتاج في غدائي إلى شاة، وفي عشائي إلى شاة، تلبس امرأتي في حيضها القوهي (1)، وفي طهرها الشطوي. فقال إبراهيم: ما أتي أهلك إلا من قبلك، لو اقتصرت لاقتصروا فأصبح الرجل صائما وأفطر على فول بدانق (2). فأخبر إبراهيم أن امرأته تلبس في طهرها الزطي.
73 - ورث داود الطائي من أبيه دارا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها.
__________
(1) القوهي: نوع من الثياب.
(2) الدانق: سدس الدرهم.(5/338)
74 - وقف الملك على سقراط وهو في المشرقة (1) قد أسند ظهره إلى حب (2) كان يأوي إليه، فقال: سل حاجتك. قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعني المرفق في الشمس. فدعا له بذهب وبكسى فاخرة من الديباج والقصب، فقال: ليس بسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود. إن حاجته إلى شيء يكون معه أنّي توجه (3).
75 - إبراهيم بن متمم بن نويرة:
ولا تهلكنّ النفس لوما وحسرة ... على الشيء سدّاه لغيرك قادره
ولا تيأسن من صالح أن تناله ... وإن كان شيئا بين أيد تبادره
وأنك لا تعطي أمرأ حظّ غيره ... ولا تمنع الشق الذي الغيث ناصره
76 - صلى معروف خلف إمام، فلما انفتل قال له: من أين تأكل؟
قال: أصبر حتى أعيد ما صليت خلفك، قال: ولم؟ قال: لأن من شكّ في رزقه شك في خالقه.
77 - أبو حازم: ما لم يكتب لي لو ركبت ذنب الريح ما أدركته.
78 - التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر الغفاري، فقبل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذر لكثرة سجوده، وقبل أبو ذر يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث عبد الرحمن إليه ببدرة (4)، وقال لغلامه:
إن قبلها منك فأنت حر. فأبى أن يقبلها، فقال الغلام: إقبل رحمك الله فإن في قبولها عتقي، فقال أبوذر: إن كان عتقك فيه ففيه رقي، ورده.
79 - وجد مكتوبا على حائط مدني:
نعم الصديق صديق لا يكلفنا ... ذبح الفراخ ولا شيّ الفراريج
__________
(1) المشرقة: موضع القعود في الشمس بالشتاء.
(2) الحبّ: الجرّة الكبيرة أو الخابية جمع حباب وحببة وأحباب.
(3) أنّى توجه: كيفما توجّه.
(4) البدرة: الكيس الذي توضع فيه الدراهم (تكون عادة عشرة آلاف درهم).(5/339)
يرضى بلونين من كشك ومن عدس ... فإن تشهى فزيتون بطسوج (1)
80 - قال علي لعمر رضي الله عنهما: إن سرك أن تلحق بصاحبك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع، وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل، تلحق بهما.
81 - أبو صالح: حدثت أبا زيد النحوي بقول ابن عباس: ما رضي الله الناس بشيء من أقسامهم كما رضّاهم بأوطانهم. فقال: بلى والله، وبأحسابهم، قلت: كيف؟ قال: تراه من عكل أو سلول أو محارب وهو يفاخر، وهو قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمََا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (2). وقد افتخر الحائك بحياكته فقال:
وما أنا خياط أخرق إصبعي ... ويشغلني التغضين عبد الطبائب
ولكنني ضرّاب حقة حائك ... ورام لسهم أسود الرأس صائب
وقال الأول:
كل امرىء في نفسه ... أعلى وأشرف من قرينه
82 - وقال الجاحظ: إن الله تعالى إنما خالف بين طبائع الناس ليوفّق بينهم في مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك والسياسة أو التجارة والفلاحة، وفي ذلك ذهاب المعاش وبطلان المصلحة. فكل صنف من الناس مزين لهم ما هم فيه، فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خرقا قال: يا حجام، والحجام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال: يا حائك:
فأراد الله تعالى أن يجعل الاختلاف سببا للائتلاف، فسبحانه من مدبّر.
وترى البدوي في بيت من قطعة كساء معمد بعظام الجيف مع كلبه،
__________
(1) الطسّوج: حبتان من الدوانيق. والدانق: أربعة قساسيج. وقيل: الطسّوج مقدار من الوزن (معرّب).
(2) سورة الروم، الآية: 32.(5/340)
لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بول الإبل، وطيبه القطران وبعر الظبي، وحلي امرأته الودع (1)، وثماره المقل (2)، وصيده اليربوع (3)، في مفازة (4) لا يسمع فيها إلا تنئيم بومة وزقاء هامة (5) وعواء ذئب، وهو راض بذلك مفتخر به.
83 - عمر بن أبي عمر النوفاني:
غلا السعر في بغداد من بعد رخصه ... وإني في الحالين بالله واثق
فلست أخاف الضيق والله واسع ... غناه ولا الحرمان والله رازق
84 - التهستاني:
غني بلا دنيا عن الناس كلهم ... وإ الغنى إلا عن الشيء لا به
85 - العمركي:
نظرت فلما لم أر الناس كالناس ... أمتّ رجائي واسترحت إلى الياس
86 - الحارث النجراني:
صبرت النفس لا أه ... لع من حادثة الدهر
رأيت الرزق لا يك ... سب بالعرف ولا النكر
ولا بالعقل والدين ... ولا بالجاه والقدر
ولا بالسلف الأم ... ثل أهل الفضل والذكر
ولا بالسمر اللو ... ن ولا بالقضب البشر
__________
(1) الودع: مناقيف صغار تخرج من البحر أو جوف في جوفها دويبة. الواحدة ودعة جمع ودعات.
(2) المقل: ثمر شجر الدوم، وهو أيضا صمغ شجرة يتداوى به.
(3) اليربوع: نوع من الفأر قصير اليدين طويل الرجلين جمع يرابيع.
(4) المفازة: الصحراء الواسعة.
(5) الهامة، والجمع الهام: نوع من البوم الصغير يألف القبور والأماكن الخربة ينظر من كل مكان أينما درت أدار رأسه واحدته هامة وتسمى أيضا الصدى.(5/341)
ولا يدرك بالطيش ... ولا الجهل ولا الهذر
ولكن قسم تجري ... بما ندري ولا ندري
87 - قيل لعلي عليه السّلام: لو سدّ على رجل باب بيت وترك فيه من أين يأتيه رزقه؟ قال: من حيث يأتيه أجله.
وعنه عليه السّلام: ولقد كان في رسول الله كاف لك في الأسوة، ودليل على ذم الدنيا وكثرة مساوئها، إذ قبضت عنه أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها.
وإن شئت ثنّيت بموسى كليم الله إذ يقول: إني لما أنزلت إليّ من خير فقير. والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لأنه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب لحمه.
وإن شئت ثلّثت بداود صاحب المزامير وقارىء أهل الجنة، فقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها.
وإن شئت قلت في عيسى بن مريم، فلقد كان يتوسد الحجر، ويلبس الخشن، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. ولم تكن له زوج تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه، وخادمه يداه.
فتأسّ بنبيك، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه، وصغر شيئا فصغره. ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله، وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمره.
ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العري، ويردف خلفه.
ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه،
وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه. ولقد كان لك في رسول الله ما يدلك على مساوئها وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه، فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس إليه. خرج من الدنيا خميصا (1)، وورد الآخرة سليما. ثم يضع حجرا على حجر، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه! والله لقد رقعت مدرعتي (2) هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل:(5/342)
ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه،
وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه. ولقد كان لك في رسول الله ما يدلك على مساوئها وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه، فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس إليه. خرج من الدنيا خميصا (1)، وورد الآخرة سليما. ثم يضع حجرا على حجر، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه! والله لقد رقعت مدرعتي (2) هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل:
ألا تنبذها؟ فقلت: أغرب عنّي، فعند الصباح يحمد القوم السّرى.
88 - جاء فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة فلم يجد عندهم شيئا للعشاء وهم بغير سراج، فجلس ليله يبكي من الفرح، يقول: بأي يد كانت مني؟ بأي شيء يترك مثلي على هذه الحال؟.
89 - لما لقى هرم أويسا قال: السلام عليك يا أويس بن عامر، قال: وعليك السلام يا هرم بن حيان. قال هرم: أما أني عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: أرواح المؤمنين تشامّ كما تشامّ الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. قال: أوصني، قال: عليك بالأسياف، يعني السواحل، قال: فمن أين المعاش؟ قال: أف، خالط الشك الموعظة، أتفرّ إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟.
90 - اليأس واقع والرجاء بلاقع.
91 - منصور الفقيه:
الموت أسهل عندي ... بين القنا والأسنّة
والخيل تجري سراعا ... مقطعات الأعنّة
__________
(1) قوله: خرج من الدنيا خميصا، أي جائعا.
(2) المدرعة: جبّة مشقوقة المقدم.(5/343)
من أن يكون لنذل ... عليّ فضل ومنّه
92 - طلبت الرزق في مظانه (1) فأعياني رزقي إلا يوما بيوم.
93 - عمر بن عبد العزيز في خطبته: أيها الناس، إنه من يقدر له رزق برأس جبل أو بخضيض أرض يأته، فاجملوا في الطلب.
94 - وقّع ذو الرياستين (2): أجمل في الطلب تكفك المقادير، ما هو كائن لك أتاك على ضعفك وما هو عليك لم تدفعه بقوتك.
95 - أنشد ابن الأعرابي:
أبا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفّيك رزق الله فالله أوسع
فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا
96 - أعرابي:
أتيأس أن يقارنك النجاح ... فأين الله والقدر المتاح
97 - قال رجل لرسول الله صلوات الله عليه وسلامه: أوصني، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر.
98 - إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق.
99 - عبد الأعلى القاص: المؤمن ثوبه علقة، ومرقته سلقة، وسمكته شلقة، وخبزته فلقة.
100 - قيل لأعرابية: من أين معاشكم؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش.
101 - أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.
__________
(1) مظان الرزق: المكان الذي يوجد فيه.
(2) ذو الرياستين: هو الفضل بن سهل. تقدّمت ترجمته.(5/344)
102 - المعري:
إذا كنت تبغي العيش فابغ توسطا ... فعند التناهي يقصر المتطاول
توفى البدور النقص وهي أهلة ... ويدركها النقصان وهي كوامل
103 - أعرابي: استظهر على الدهر بخفة الظهر.
104 - أصيب أعرابي ببعير لم يكن له غيره، فقال: يا رب اصنع ما شئت فإن رزقي عليك.
105 - قيل لرابعة: ألا نكلّم السلطان يصلح منزلك؟ فقالت: والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟.
106 - حجت أعرابية على ناقة لها، فقيل لها: أين زادك؟ فقالت:
ما معي إلا ما في ضرعها.
107 - قال رجل لابن سيرين: ما فعلت بغلتك؟ قال: بعتها، قال: ولم؟ قال: لمؤونتها، قال: أفتراها خلقت ورزقها عندك؟.
108 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أنكم توكلون على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا (1).
109 - خالد بن صفوان: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا، فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته، والليئم من لؤمت عند الفاقة طعمته.
110 - دخل رجل على خالد بن عبد الله القسري، فقال: أيها الأمير، أكلمك بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل؟ فقال: بل بهيبة الأمل، فأكرمه وقضى حاجته.
111 - هشام بن إبراهيم البصري:
__________
(1) تغدو خماصا وتروح بطانا: أي تذهب باكرا جائعة وتعود شبعى، وقد تقدم هذا القول قبل قليل قاله صالح المرّي.(5/345)
وكم ملك جانبته عن كراهة ... لإغلاق باب أو لتشديد حاجب
ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عني وجوه المذاهب
112 - ليس ينبغي للمرء أن يكون في دنياه إلا كالمدعو إلى وليمة، إن أتته صحفة تناولها، وإن فاتته لم يرصدها ولم يطلبها.
113 - محمد بن وهيب:
أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النجاح مع اليأس
114 - آخر:
رخي البال ليس له عيال ... خلي من حربت ومن دهيت
وأكبر همه مما عليه ... تذابح من ترى خلق وقوت
115 - آخر:
قطعي يدي بيدي أخف عليّ من ... مدي إلى نكد لأخذ يد يدا
غضب الإله عليّ إن أك راضيا ... ليدي بأن تمتاح من يده يدا (1)
116 - عثمان بن عفان رضي الله عنه:
غنى النفس يغني النفس حتى يكفها ... وإن مسها حتى يضر بها الفقر
وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلا سيتبعها يسر
117 - قال أبو نيزر وهو من أبناء ملوك العجم، رغب في الإسلام وهو صغير، فأتى رسول الله فأسلم، وكان معه، فلما توفي رسول الله صار مع فاطمة وولدها: جاءني علي عليه السّلام، وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة (2)، فقال: هل عندك من طعام؟ قلت: طعام لا أرضاه لك،
__________
(1) تمتاح: تأخذ. يقال: متح الماء: استخرجه بالدّلو.
(2) البغيبغة: البئر القريبة الرشاء. راجع بشأن عين أبي نيزر والبغيبغة معجم البلدان 1:
469 - ففيه التفاصيل. وأبو نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي بن أبي طالب، كان إبنا للنجاشي ملك الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون لصلبه وأن عليا وجده عند تاجر بمكة فاشتراه منه وأعتقه مكافأة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه، وذكروا أن الحبشة مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي وأنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبي نيزر وهو مع علي ليملّكوه عليهم ويتوّجوه ولا يختلفوا عليه، فأبى وقال: ما كنت لأطلب الملك بعد أن منّ الله عليّ بالإسلام. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4:
176175.(5/346)
قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة. فقال عليّ به. فقام إلى الربيع فغسل يده ثم أصاب منه شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يده بالرمل، ثم ضمّ يديه فشرب بهما حسى من الماء وقال: يا نيزر: إن الأكف أنظف من الآنية، ثم مسح ندى الماء على بطنه، ثم قال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.
ثم أخذ المعول فجعل يضرب بالمعول في العين، فأبطأ عليه الماء، فخرج وجبينه ينضح عرقا وهو ينشفه بيده. ثم عاد فأقبل يضرب فيها وهو يهمهم، فانثالت كأنها عنق جزور. فخرج مسرعا وقال: أشهد أنها صدقة. علي بدواة وصحيفة، فكتب: هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعان ولا ترهنان حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين. إلا أن يحتاج الحسن والحسين فهما طلق لهما، وليسا لأحد غيرهما.
فركب الحسن دين فحمل إليه معاوية بعين نيزر مائتي ألف دينار، فقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بها وجهه حر النار، ولست بائعها بشيء.
118 - قارف الزهري ذنبا فساح، فلقيه علي بن الحسين، فقال: يا زهري لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم من ذنبك، فقال الزهري: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.(5/347)
الباب الثاني والتسعون الخيل، والبغال، والحمير، وذكر الفروسية، وما اتصل بذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بإناث الخيل، فإن ظهورها حرز، وبطونها كنز.
2 - قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أي المال خير؟ قال: سكة مأبورة، ومهرة مأمورة.
وعنه عليه الصلاة والسلام: لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن معارفها أدفاؤها، وأذنابها مذابها، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.
3 - جرير بن عبد الله البجلي: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوي ناصية فرس بإصبعه وهو يقول: الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.
وعنه: الخيل ثلاثة أجر وستر ووزر، فأمّا الذي له الأجر فرجل حبس خيلا في سبيل الله فما سنت له شرفا إلا كان له أجر. ورجل استعف بها وركبها ولم ينس حق الله فيها فذلك الذي له ستر. ورجل حبس خيلا فخرا ونواء على أهل الإسلام فذلك الذي عليه الوزر.
وعنه في صفة البراق (1): يضع حافره منتهى طرفه.
__________
(1) البراق: دابة يركبها الأنبياء عليهم السّلام، مشتقة من البرق، وقيل: البراق فرس جبرائيل صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلّم، وقيل: البراق اسم دابة ركبها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة المعراج، وذكر في الحديث قال: وهو الدابة التي ركبها ليلة الإسراء، سمّي بذلك لنصوع لونه وشدّة بريقه، وقيل: لسرعة حركته شبهه فيها بالبرق.(5/349)
4 - أعرابي في وصف فرسه: ما طلبت عليها إلا لحقت، وما طلبت إلا فت.
5 - أرسل بعض الأمراء ابن عم له، وكان صاحب قنص، إلى الشام يشتري له خيلا، فقال: لا علم لي بها. فقال: كل شيء تستحسنه في الكلب فاشترطه في الفرس. فقدم بخيل لم يكن في العرب مثلها.
6 - إذا بلغ الفارس المنزل لم يكن له هم إلا التمدد، وقود الفرس، والاستراحة من اللغوب (1). وترى التركي إذا عاين في ذلك الوقت بعض الصيد ابتدأ الركض بمثل نشاطه الأول قبل السير.
7 - ورث سليمان عليه السّلام عن أبيه ألف فرس، فاستعرض تسعمائة منها فشغلته عن ذكر الله تعالى، فمسح بالسوق والأعناق، وبقيت مائة. ثم أن وفدا من أهل مصر قدموا عليه، فلمّا رجعوا طلبوا زادا يبلغهم بلادهم، فأعطاهم فرسا، وقال هذا زادكم، وهو مصيب لكم من الصيد في كل منزل ما يكفيكم، فكانوا لا ينزلون منزلا إلا حملوا عليه واحدا، فيصيد لهم كل صيد أرادوه، فسموه زاد الركب. ومنه أصل كل فرس عربي.
8 - لم يكن فرس مثل شبذير كسرى أبرويز في زمانه عظم خلق، وكرم خلق، وجمعا لشرائط العنق. ولما نفق (2) لم يركب إلّا الفيل، وكان هذا الفرس من خصائص أبرويز. وما قدروا أن ينعوه إليه، فسألوا فلهبذ المغني أن يعرض به، فغنى بشيء معناه: شبذير لا يسعى ولا يرعى ولا ينام، فقال: قد مات إذن. فقال فلهبذ: من الملك سمعت.
وكان أشقر مروان يشبه به، واشتراه مروان بثلاثمائة ألف درهم، وصار
__________
(1) اللغوب: الضعف.
(2) نفق الفرس: مات، وهذا الفعل يستعمل خاصة للحيوانات.(5/350)
إلى السفاح بعده. وهرم وتحطّم، فكان لكرامته عليهم يحمل في محفّة (1)
عاج وينقل من مرج إلى مرج.
9 - ساير عبد الحميد مروان، فقال له: طالت صحبة هذه الدابة لك. فقال: من بركة الدابة طول صحبتها وقلة علتها، قال: كيف سيرها؟ قال: همها أمامها، وسوطها عنانها، وما ضربت قط إلا ظلما.
10 - أراد علي بن هشام مسايرة شبيب بن شيبة، فقال: كيف لي بها وأنا على برذون إن تركته وقف، وإن ضربته قطف (2)، وأنت على فرس إن تركته سار وإن ضربته طار؟ فحمله على فرس عتيق.
11 - أسامة بن سفيان البجلي:
أمست بأكناف ذي قار مخيمة ... وأنت في جحفل يهدى إلى الشام
يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأنّ آذانها أطراف أقلام
12 - كتب الأخفش سعيد بن مسعدة النحوي إلى المعذل بن غيلان:
أردت الركوب إلى حاجة ... فمر لي بفاعلة من دببت
فأجابه:
بريذننا يا أخي غامز ... فأنعم وكن فاعلا من عذرت (3)
13 - لما غلب المختار بن عبيد الله على الكوفة وقع بينه وبين عدي ابن حاتم، فهمّ عدي بالخروج عليه، ثم عجز لكبر سنه، وقد بلغ مائة وعشرين سنة، فقال:
__________
(1) المحفّة: سرير يحمل عليه المريض أو المسافر ويسمى تخت روان.
(2) القطوف من الدواب: البطيء. وقطفت الدابة: أساءت السير وأبطأت. وقيل:
القطاف: تقارب الخطو في سرعة من القطف وهو القطع.
(3) بريذننا: تصغير برذون. والبرذون ضرب من الدواب التركية عظيم الخلقة غليظ الأعضاء، يقال له: دابة الحمل الثقيل.(5/351)
أصبحت لا أنفع الصديق ولا ... أملك ضرا للشانىء الشرس (1)
وإن جرى بي الجواد منطلقا ... لم تلمك الكف رجعة الفرس
14 - عمرو بن الأسلع:
أتتك كأنها عقبان دجن ... تجاذب في جناجرها اليراع (2)
15 - عمرو بن معاوية بن المنتفق فارس مشهور من بني عامر قلده معاوية أرمينية وأذربيجان والأهواز (3):
إني امرؤ للخيل عندي مزية ... على فارس البرذون أو فارس البغل
وإني على هول الجنان لنازل ... منازل لم ينزل بها نازل قبلي
16 - عن بعض الراضة: إنما يجمح البرذون ليصرع راكبه فقط، ألا ترى أنه إذا رمى به وقف؟ إلا برذونا واحدا فإني رأيته شد عليه بعد أن ألقاه يكدمه ويرمحه (4). وكان الناس يشدون عليه فيتنحى عنه ويشد عليهم، فإذا جفلوا من بين يديه رجع إليه يكدمه ويرمحه.
17 - شك عمر رضي الله عنه في العتاق (5) والهجن (6)، فدعا سليمان ابن ربيعة الباهلي بطست فيه ماء، ثم قدمت الخيل فما ثنى سنبكه فشرب هجنه. وما شرب ولم يثن سنبكه عربه، وذلك أن العتاق قود دون الهجن.
18 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار.
__________
(1) الشانىء: المبغض.
(2) عقبان دجن: أي سوداء. والدجن اليوم الذي تكثر فيه الغيوم السوداء والمطر.
(3) الأهواز: سبع كور بين البصرة وفارس لكل كورة منها اسم يجمعهن الأهواز.
(4) رمح البرذون صاحبه: رفسه.
(5) الخيل العتاق: الكريمة الأصل.
(6) الهجين من الخيل: الذي ولدته برذونة من حصان عربي.(5/352)
19 - أبو هريرة رفعه: إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله سخرها لكم لتبلغكم بلدا لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنقس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم.
20 - وقف الهيثم بن المطهر على باب الخيزران (1) على دابته، فبعث إليه الكاتب في دارها: إنزل عن ظهر دابتك، فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابكم مجالس، فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت أن لا أدركه. فبعث إليه: إن لم تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس أن أنزلتني عنه أقضمه شهرا، فانظر أيهما خير له تعب ساعة أو جوع شهر؟ قال: هذا شيطان فاتركوه.
21 - نظر ابن سيابة إلى مبارك التركي على دابة، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب، هذا حمار وله دابة، وأنا إنسان وليس لي حمار!.
22 - وأنشد أبو محلم لنفسه:
ما يصنع الليل والنهار ... ما للفتى منهما انتصار
من لم يؤدبه والداه ... أدبه الليل والنهار
كم من حمار له جواد ... وسيد ما له حمار
23 - الفرس لا يحب الماء الصافي فلا يضرب بيديه كما يضرب بهما
__________
(1) الخيزران: هي زوجة المهدي العباسي وأم ابنيه الهادي وهارون الرشيد، ملكة حازمة متفقّهة يمانية الأصل، أخذت الفقه عن الإمام الأوزاعي، وكانت من جواري المهدي فأتعقها وتزوجها، ولما مات وولي ابنها الهادي انفردت بكبار الأمور وأخذت المواكب تغدو وتروح إلى بابها. وحاول الهادي منعها من ذلك حتى قال لها: إذا وقف ببابك أمير ضربت عنقه وسعى إلى عزل أخيه الرشيد من ولاية العهد. وقيل: إنها علمت عزمه على قتل الرشيد فأرسلت إليه بعض جواريها وهو مريض فجلس على وجهه حتى مات خنقا. وولي بعده الرشيد فحجّت وأنفقت أموالا كثيرة في الصدقات وأبواب البرّ، وتوفيت ببغداد سنة 173هـ فمشى الرشيد في جنازتها وعليه طيلسان أزرق وأخذ بقائمة التابوت حافيا يخبّ في الطين حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلّى عليها ودخل قبرها وتصدّق عنها بمال عظيم.(5/353)
عند الكدر فرحا به، لأنه يرى فيه شخصه فيفزعه ولا يراه في الكدر، كما أن الإبل لا يعجبها إلا الماء الغليظ. وأما الثور فيجب الماء الصافي.
24 - كان يقال لعبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب روّاض البغال، لأنه كان ركابا لها. قال له صفوان بن عمرو بن الأهتم: مالك ولهذا المركب الذي لا يدرك عليه الثأر، ولا ينجيك يوم الفرار؟ فقال: إنه نزل عن خيلاء الخيل، وارتفع عن ذلة العير، (1) وخير الأمور أوساطها. فقال صفوان: إنا نعلمكم فإذا علمتم تعلمنا منكم.
25 - بعضهم: إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق ثجدة في نجابها، مشرفة الهادي تجده في طاعتها، مجفرة الجوف تجده في صبرها.
26 - رأيتك على عير لئيم، ثم رأيتك قد أدمت ركوب هذه البغلة.
فقال: البغال أعدل، وسيرها أقصد.
27 - كانت لابن سيرين بغلتان، بغلة لخاصة نفسه وبغلة للعارية.
28 - الهدايا النفسية والطرف العجيبة التي أهدتها بلقيس إلى سليمان عليه السّلام إنما كانت على البغال الشهب.
29 - نظر أعرابي إلى بغل قد تفاج (2) ليبول فاستحثه صاحبه، فقال:
إنها إحدى الغوائل قطع الله منك الوتين (3).
30 - ابن خازم الباهلي:
مالي رأيتك لا تدو ... م على المودة للرجال
خلق جديد كل يو ... م مثل أخلاق البغال
__________
(1) العير: الحمار.
(2) التفاجّ: المبالغة في تفريج ما بين الرجلين. وقوله تفاجّ ليبول: أي باعد ما بين فخذيه.
(3) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.(5/354)
وله:
ومتى اختبرت أبا العلاء وجدته ... متلوّنا كتلون البغل
31 - كان خالد بن عثمان بن عفان بالسقيا، فقال: هذا يوم الجمعة، لم لا أجمع (1) مع أمير المؤمنين؟ إنها للسوءة السوآء. فركب بغلة له لا تساير فسار تسعين ميلا، فأتى المدينة وقت الصلاة فخر ميتا، ونفقت البغلة.
32 - حمل زيد الضبي البردخت الشاعر على بغل فصرعه فقال:
أقول للبغل لما كاد يقتلني ... لا بارك الله في زيد وما وهبا
أعطاني الحتف لما جئت أسأله ... وأمسك الفضة البيضاء والذهبا
33 - الجاحظ: كان بعض الراضة يكوم (2) بغلة، فأدغم عليها ذات يوم فتأخرت حتى أسندته إلى زواية وضغطته حتى مات.
34 - وجه المأمون ثمامة ليتعرف على أخبار البريد فقال: رأيت بغلا على معلف وهو يقرأ. وما دابة في الأرض إلى على الله رزقها، وآخر قد عدا على رجل عليه طيلسان أخضر ظن أنه حزمه من علف فطرحه فوقف يشمه، وآخر يغني بقوله:
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... كيما أنال به كريم المأكل (3)
35 - بعض أهل العراق: كنت عند قاضي مصر فسمعته يقول لبعض جلسائه: أريد بغلة أصيب منها، فقلت: هو أمجن الناس! يتكلم بنحو هذا وهو قاضي المسلمين! فقيل لي: عافاك الله! ما منّا أحد إلا وعنده بغلات يصيب منهن. فزدت إنكارا حتى فسر لي أن البغلات جوار من رقيق
__________
(1) قوله: لم لا أجمع مع أمير المؤمنين: أي لم لا أشهد معه الجمعة للصلاة.
(2) يكوم البغلة: ينكحها. والكوم بالنسبة للحيوان كالمجامعة بالنسبة للنساء.
(3) أبيت على الطوى: أي أنام جائعا.(5/355)
مصر، نتاج ما بين الصقالبة (1) وجنس آخر، لهن أبدان ودثارة وجدارة.
36 - كان لعكرمة بن ربعي الفياض بغل يؤثره على كل مركوب، وله فيه:
لم أر شيئا بين شيئين مثله ... أشد انتزاعا للتشابه في الأصل
تقسمه أطرافه فاستوى له ... بقسمة عدل من يدي حكم عدل
37 - قال أهل التجربة: ليس في جميع الحيوان الذي يعايش الناس أطول عمرا من البغل، ولا أقصر عمرا من العصفور، لكثرة سفاد (2)
العصفور وقلة ذلك من البغل.
قالوا: ولذلك وجدنا طول الأعمار في الرهبان وأصحاب الصوامع وفي الخصيان.
38 - ابن عباس: نهى رسول الله أن ننزي حمارا على فرس، ونهانا أن نأكل الصدقة، وأمرنا أن نسبغ الوضوء.
39 - أبو هريرة: إن رسول الله كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا.
40 - قيل لوهرز الفارسي حين أراد رمي مسروق بن أبرهة الأشرم:
وقد نزل عن الفيل وركب الفرس، فقال: دعوه فإنه على مركب من مراكب الفرسان، فأطال الوقوف حتى ملّ ظهر دابته فأتوه ببغل فركبه، فقيل لوهرز:
نزل عن الفرس وركب البغل، فقال: نزل عن مراكب الملوك ومعاقل الفرسان ثم ركب البغل ابن الحمار.
41 - شاعر:
وإني إذا ما المرء آثر بغله ... على نفسه آثرت نفسي على بغلي
وأبذله للمستعيرين ظهره ... بلا علة ما دام ينقاد في الحبل
__________
(1) الصقالبة: جبل حمر الألوان صهب الشعور تتاخم بلادهم بلاد الخزر وبعض بلاد الروم.
(2) السفاد للعصافير كالمجامعة للإنسان.(5/356)
42 - الفرس يشم رائحة الحجر (1) من مسافة ميل فيقلق في مكانه ويحمحم، ويقف عن القضم وقد خبط بيده آنفا وحمحم إلى ناسفه.
43 - بغلة أبي دلامة مثل في كثرة العيوب، وفيها يقول:
وتفزع من صقاع الديك شهرا ... وتنفر للصفير وللخيال
إذا استعجلتها عثرت وبالت ... وقامت ساعة عند المبال
شفّار تقدم كل سرج ... تصيّر دفتيه على القذال
وتضرط أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس للسؤال
فتقطع منطقي وتحول بيني ... وبين حديثهم مما توالي
وألف عصا وسوط أصبحي ... ألذّ لها من الماء الزلال
وكانت قارحا أيام كسرى ... وتذكر تبعا عند الفصال (2)
وتذكر إذ نشا بهرام جور ... وذو الأكتاف في الحقب الأوالي (3)
44 - أبو قموص كنية البغل. وقدّم بغل إلى أعرابية لتركبه فقالت:
أبو قموص لعله شحدود أو حبوص، أو كما يكنى به قموص.
45 - الشحدود: السيء الخلق بالدال غير المعجمة، والحبوص الشديد العدو.
46 - تساير مروان بن أبي حفصة وعباد بن شبل الصنعاني على بغليتهما وكانت بينهما صداقة، فقال ابن شبل في بغلة مروان:
أرى الشهباء تخبز إذ غدونا ... برجليها وتعجن باليدين
فقال مروان:
__________
(1) الحجر: انثى الفرس.
(2) القارح من ذي الحافر: الذي شقّ نابه وطلع. وتبّع: لقب الملك الأكبر من ملوك حمير مثل كسرى عند الفرس وقيصر عند الروم والنجاشي عند الحبشة وخاقان عند الترك والجالوت عند البربر
(3) ذو الأكتاف: تقدمت ترجمته. سمي ذو الأكتاف لأنه كان يخلع أكتاف العرب.(5/357)
أرى خلق القطاة فازدريها ... ويملأ منظر الشهباء عيني
وقال أيضا:
لعمر أبيك لو غير ابن شبل ... هجا الشهباء قطّعه الهجاء
ولكن عرضه عندي وعرضي ... إذا ميلّت بينهما سواء
47 - في رسالة عبيد الله بن سليمان بن وهب: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان مقبلا على حمار ومعه ابنه (معاوية) يقوده ويزيد يسوقه: لعن الله الراكب والقائد والسائق.
48 - عبد الحميد الكاتب: لا تركب الحمار، فإنه إن كان فارها (1)
أتعب يدك، وإن كان بليدا أتعب رجلك.
49 - فضل الرقاشي: نظر يوما إلى حمار فاره تحت ابن قتيبة، فقال: قعدة نبي وبذلة جبار.
50 - كان عيسى عليه السّلام يسيح في الأرض، فقيل له: لو اتخذت حمارا. فقال: أنا أكرم على الله من أن يبتليني بحمار.
51 - العير عار لا يركبه إلا عيار.
52 - ما ينبغي لمركب الدجال أن يكون مركب الرجال. يقولون إن الحمار مطية الدجال.
53 - المصنّف:
فإن الحمار ومن فوقه ... حماران شرّهما الراكب
54 - حمار عثرة نخرة، تبوع للحجرة، أي كثير العثار والتحير.
55 - قال ابن مكرم لنخاس: أريد أن تبتاع لي عيرا ليس بالصغير المحتقر، ولا بالكبير المشتهر. إن خلا الطريق تدفق، وإن كثر الزحام
__________
(1) الحمار الفاره: النشيط.(5/358)
ترفق، يصر إذا ركبته بأذنيه، ويلعب بيديه، ويمرح برجليه إن استنهضته هام، وإن استوقفته قام، وإن أقللت علفه صبر وإن أكثرته شكر. فقال اصبر قليلا فإن مسخ القاضي حمارا اشتريته.
56 - قال موسى للخضر: أي الدواب أحب إليك؟ قال الفرس والحمار والبعير، لأن الفرس مركب أولي العزم من الرسل، والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد، والحمار مركب عيسى وعزير. وكيف لا أحب شيئا أحياه الله بعد موته قبل الحشر.
57 - تمنّع الحمار لعسره ونكده أن يدخل السفينة، وإبليس لعنه الله آخذ بذنبه، فقال نوح عليه السّلام: أدخل يا ملعون، فدخل ودخل معه إبليس، فقال نوح: ما أدخلك؟ قال أمرتني، قال: ومتى أمرتك؟ قال: حين قلت أدخل يا ملعون، ولم يكن ثم ملعون غيري.
58 - عير أبي سيارة مثل في القوة والصحة، وهو حمار أسود أجاز عليه الناس من منى إلى المزدلفة أربعين سنة.
وكان خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي يختاران ركوب الحمار، ويجعلان أبا سيارة قدوة لهما وحجة.
وقيل للفضل: لم تركبه؟ فقال: لأنه أقل الدواب مؤونة، وأكثرها معونة، وأسلمها جماحا، وأخفضها مهوى، وأقربها مرتقى، يزهى راكبه وقد تواضع، ويدعى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء أبو سيار لركب جملا مهريا (1)، أو فرسا عربيا، ولكنه امتطى عيرا أربعين سنة.
59 - وقال خالد: عير من نسل الكداد، أصحر السربال، محملج القوائم، مفتول الأجلاد، يحمل الرجلة، ويبلغ العقبة، يقل داؤه،
__________
(1) المهرية من الإبل: المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من عرب اليمن وقالوا إنها كانت لا يعدل بها شيء في سرعة جريانها جمع مهارى ومهار ومهاري.(5/359)
ويمنعني أن أكون جبارا، ولولا ما في الحمار من المنافع لما امتطاه أبو سيارة أربعين سنة.
فعارضهما أعرابي فقال: الحمار إن أوقفته أدلى (1)، وإن تركته ولّى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا ترقأ به الدماء، ولا تمهر به النساء، ولا يحلب في الأناء.
60 - وحمار طيّاب مثل في الضعف والهزال، وكان طياب سقاء، قد استقى عليه زمانا طويلا، وكان في جوار أبي علالة المخزومي، فتولّع به في شعره، وله فيه:
يا سائلي عن حمار طيّاب ... ذاك حمار حليف أوصاب
كأنه والذباب تأخذه ... من وجه تيغار دوشاب
61 - وحمار القصار مثل في سوء الحال، يقال: كان يوم فلان كيوم حمار القصار، إن جاع شرب وإن عطش شرب.
62 - حمير مصر لا تخرج البلاد أمثالها، وكان الخلفاء لا يركبون غيرها في دورهم وبساتينهم. وكان المتوكل يصعد في منارة سرّ من رأى (2)
على حمار مريسي، ومريس قرية من قرى مصر، وطول المنارة تسع وتسعون ذراعا.
63 - حكيم: خذ من الحمار شكره وصبره، ومن الكلب نصحه لأهله، ومن الغراب كتمانه للسفاد.
64 - رأى عبادة تحت مخارق (3) برذونا يقرمط، فقال: برذونك هذا يمشي على استحياء.
__________
(1) أدلى الحيوان: أخرج جردانه (قضيبه) ليضرب (ليجامع).
(2) سرّ من رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة، خفّف الناس هذا الاسم فقالوا: سامرّاء. راجع حديثها مطوّلا في معجم البلدان 3: 178173.
(3) مخارق: هو مخارق أبو المهنأ ابن يحيى الجزار، إمام عصره في فنّ الغناء، ومن أطيب الناس صوتا. كان الرشيد العباسي يعجب به حتى أقعده مرّة على السرير معه، وأعطاه 30ألف درهم، واتصل بعد ذلك بالمأمون وزار معه دمشق. توفي بسرّ من رأى. كان مملوكا لعاتكة بنت شهدة بالكوفة وهي التي علّمته الغناء والضرب على العود وباعته فصار إلى الرشيد فأعتقه وأغناه. توفي سنة 231هـ.(5/360)
65 - الأقيشر في حماره:
إذا ما انتحي في لجة الماء لم ترم ... قوائمه حتى يؤخر بالحمل
وإن بلغ الضحضاح فحّج بائلا ... صبورا على ضرب الهراوة والركل (1)
66 - وآخر:
أيا منزلي مالي عليك كرامة ... إذا أنت لم تكرم عليّ جوادي
67 - أبو المهوش الأسدي:
نجى إيادا ولخما كل سلهبة ... واستلحم الموت أصحاب البراذين (2)
68 - عداوة الحمار للغراب مثل، قال:
عاديتنا لا زلت في قباب ... عداوة الحمار للغراب
69 - يزيد بن مسلمة بن عبد الملك:
عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
فإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر (3)
__________
(1) الضحضاح: الماء اليسير أو القريب القعر. والضحضح: الماء اليسير.
(2) السلهب من الخيل: الطويل على وجه الأرض، وربما جاء بالصاد والجمع السلاهبة. والسلهبة من النساء: الجسيمة. وليست بمدحة. يقال: فرس سلهب وسلهبة للذكر إذا عظم وطال، وطالت عظامه. والبراذين: جمع برذون وهو دابة الحمل الثقيل.
(3) القربوس: حنو السرج أي قسمه المقوّص المرتفع من قدّام المقعد ومن مؤخره. وهما قربوسان والجمع قرابيس. والشكيم من اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس والجمع شكائم وشكم وشكيم.(5/361)
70 - شاعر:
جرى والجياد فلما جرى ... حثا في وجوه الجياد الثرى
71 - روث الحمار إذا عصر وهو حار وشرب ماؤه نفع من الحصاة، وهو دواء للضرس المأكول.
72 - وقيل لميسرة الفراس وهو أحد الأكلة: كيف تصنع إذا جهدتك الكظة والعرب تقول: إذا كنت بطنا فعدك زمنا؟ قال: آخذ روثا حارا وأعصره وأشرب ماؤه، فأختلف عليه مرارا، فلا ألبث أن يلصق بطني بصلبي، وأشتهي الطعام.
73 - زياد بن وهب في صفة الفرس:
شديد الفقار طويل العذار ... أمين الشظا لا يخاف العثارا
بعيد مداه كما أمرّت قواه ... إذا السوط أفزعه قلت طارا
مبين له السبق عند الرهان ... في الحرب ترزق منه الوقارا
74 - كان لغني فرس مشهور يعرف بالضاري. قال أبو عبيدة: هو الضاري بن الأوج بن الدينار بن هجنس بن زاد الراكب. فلما نفق (1) نعته عجوز من بني عامر إلى نسائهم، وقالت: أربعن يا نساء بني عامر فقد رزئتنّ غرة من غرر المجد، ألا إن الضاري قد نفق. فما بقيت امرأة من نساء بني عامر إلا كسرت رباعتها (2) عليه. وفيه قيل:
غداة صبّحنا بطرف أعوجي ... من نسب الضاريّ ضاريّ غني
75 - كان لعمر بن عبد العزيز برذون يحتطب عليه ويستقي، وكان يركبه.
76 - جاءت فرس لهشام سابقة فسأل الشعراء أن يقولوا فيها
__________
(1) نفق الفرس: مات. تقال للحيوانات خاصة.
(2) الرباعية: السن التي بين الثنيّة والناب والجمع رباعيات.(5/362)
فاستمهلوا، فقال أبو النجم: هل لك فيمن ينقذك إذ استنسؤوك، قال:
هات، فقال:
أشاع للطراد فيه ذكرها ... قوائم عوج أطعن أمرها
مليونة شد المليك أسرها ... أسفلها وبطنها وظهرها
يكاد هاديها ... يكون شطرها
فأمر له بجائزة سنية.
77 - كان يزيد بن عبد الملك وهو يزيد الناقص (1) مغرما بالخيل، فبلغه عن فرس لرجل من عبد القيس فراهة واستيلاء في الحلب على القصب، فوجه إليه من يشتريه له، فقال: لا أبيعه إلا بحكمي، فبذلوا له عشرة آلاف دينار. فقال: لو أعطيتموني بوزن الفرس مائة مرة دنانير ما بعته إلا بحكمي. قالوا: فما حكمك؟ قال: ترك لعن علي بن أبي طالب.
فكتب يزيد إلى الآفاق بذلك وأخذ الفرس. فترك لعنه إلى اليوم.
78 - عبد الله بن عمران بن أبي فروة: كنت أسير مع الغمر بن يزيد، فاستنشدني فأنشدته لعمر ابن أبي ربيعة: ودع لبابة قبل أن تترحّلا (2). فأمر غلامه فحملني على بغلة فلما أراد غلامه أن يأخذها قلت: هو
__________
(1) يزيد الناقص: هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. من ملوك الدولة المروانية الأموية بالشام. مولده ووفاته في دمشق. ثار على ابن عمه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك لسوء سيرته فبويع بالمزّة واستولى على دمشق وكان الوليد بتدمر فأرسل إليه يزيد من قاتله في نواحيها. وقتل الوليد فتمّ ليزيد أمر الخلافة في مستهل سنة 126هـ. ومات في ذي الحجة بالطاعون وقيل: مسموما سنة 126هـ. يقال له «الناقص» لأنّ سلفه الوليد بن يزيد كان قد زاد في أعطيات الجند، فلما ولي يزيد نقص الزيادة. ويقال إن مروان الجعدي لما ولي نبش قبره، وصلبه.
راجع ترجمته في اليعقوبي 3: 74وابن خلدون: 3: 106والبداية والنهاية 10: 11.
(2) من قصيدة له في ديوانه ص 296 (بتحقيقنا) مطلعها:
ودّع لبانة قبل أن تترحّلا ... وأسأل فإن قليله أن تسألا
ولبانة: اسم امرأة ولعلّها «لبابة» إذ يروى أن عمر بن أبي ربيعة رأى لبابة بنت عبد الله بن العباس تطوف بالبيت الحرام وهي أحسن خلق الله فكاد يذهب عقله فسأل عنها فأخبر بحقيقتها فأنشأ قصيدته هذه.(5/363)
أشرف من أن يحملني على بغلة ثم يأخذها. فقال له: دعها، ذهبت لبابة والله ببغلة مولاك.
79 - سوبق بين الخيل فجاء فرس من بني جعدة متقدّما، فارتجز الجعدي يقول:
غاية مجد رفعت فمن لها ... نحن حويناها فكنا أهلها
لو ترسل الطير ... لجئنا قبلها
فلم ينشب (1) أن سبقه فرس ابن طلحة فقال عمر بن عبد العزيز للجعدي: سبقك والله ابن السباق إلى الخيرات.
80 - عثر بالعباس بن محمد بن علي فرسه فمات، فقيل: قتل الجواد الجواد (2).
81 - قال محمد بن سليمان بن علي لبشار: ما حسبك عنا؟ قال:
ركبت حماري فسقط ميّتا في الطريق، فلم أعرف سبب موته حتى رأيته البارحة في المنام فسألته، فقال لي:
سيدي خذ بي أتانا ... عند باب الأصبهاني
سحرتني برقاها ... وثناياها الحسان
وبخدين أسيلي ... ن وجيد الشيفران
ولها إذن ذراع ... بذراع الشاهمان
فبها مت ولو عش ... ت بها طال هواني
__________
(1) لم ينشب: لم يلبث.
(2) قوله قتل الجواد الجواد: أي قتل الفرس الكريم الذي هو العباس بن محمد بن علي المنعوت بالجود والكرم.(5/364)