158 - قال أبو حمزة الكوفي (1) لعثمان بن عبد الحميد (2): لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا، واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئا إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه.
159 - بزرجمهر:
كن شديدا بعد رفق ... لا رفيقا بعد شدّة
لأنّ الشدة بعد الرفق عز، والرفق بعد الشدة ذل.
160 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك.
161 - قال ابن مناذر (3): كنت أمشي مع الخليل (4) فانقطع شسع (5)
نعلي، فخلع فقلت: ما تصنع؟ فقال: أواسيك في الحفاء. وهذا باب من حسن الخلق غريب.
162 [شاعر]:
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... وكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
163 - وقعّ ذو الرياستين (6): إن أسرع النار إلتهابا أسرعها خمودا فتأنّ في أمرك.
__________
(1) أبو حمزة الكوفي: هو ميمون الأعور القصاب الكوفي. راو. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 192وصفة الصفوة 3: 47.
(2) عثمان بن عبد الحميد: لم نقف له على ترجمة.
(3) ابن مناذر: هو محمد بن مناذر اليربوعي بالولاء. كان شاعرا عالما بالأدب واللغة، كثير الأخبار والنوادر. توفي سنة 198هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 364 وإرشاد الأريب 7: 107.
(4) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي. تقدّمت ترجمته.
(5) الشسع: زمام للنّعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
(6) ذو الرياستين: هو الفضل بن سهل وزير المأمون المتوفّى سنة 202هـ. تقدّمت ترجمته.(2/235)
164 - أبو أمامة (1) عنه عليه السّلام: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
165 - عائشة: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل:
ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون؟.
166 - أنس: دخل رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه أثر صفرة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلّ ما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه.
167 - عائشة: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بئس رجل العشيرة، فلما دخل ألان له القول، فقلت: يا رسول الله: ألنت له القول وقد قلت ما قلت، قال: إن شر الناس منزلة يوم القيامة من ودعه الناس لاتقاء فحشه، وروى: يا عائشة إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم.
168 - أنس: ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده.
169 - في نوابغ الكلم (2): هذه طرائق (3) ما فيها رائق (4)، وخلائق (5) غيرها بك لائق.
__________
(1) أبو أمامة: هو أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري وهو ابن أخت أبي بردة بن دينار روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. راجع ترجمته في الإصابة باب الكنى الترجمة 50.
(2) نوابغ الكلم: اسم كتاب للمؤلف عبارة عن مجموعة حكم ونصائح.
(3) طرائق: الفرق المختلفة الأهواء جمع طريقة.
(4) الرائق: المعجب.
(5) خلائق: جمع خليقة وهي الطبيعة التي يخلق المرء بها.(2/236)
170 - من حسن سجية الحر أن يسجي معايب أخيه، وأن يعتدّ بمساويه في جملة مساعيه. ما قدع السفيه بمثل الأعراض، وما أطلق عنانه بمثل العراض.
171 - سورة السفيه يكسرها الحلماء، والنار المضطرمة يطفيها الماء.
172 - أبو هريرة رفعه: إن من كمال الإيمان حسن الخلق.
173 - سئلت عائشة: عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: كان خلقه القرآن {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (1).
174 - سئل ابن المبارك (2) عن حسن الخلق فقال: بسط الوجه، وكفّ الأذى، وبذل الندى.
175 - ابن عباس: إن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
176 - علي رفعه: عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة.
وروي عنه: ما من شيء في الميزان أثقل من خلق حسن.
177 - علي عليه السّلام: عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.
وعنه: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال تقوى الله وحسن الخلق.
وعنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أحسن الناس إيمانا أحسنهم خلقا وأحسنكم خلقا ألطفكم بأهله، وأنا ألطفكم بأهله.
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 199.
(2) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك المتوفّى بهيت سنة 181هـ. تقدّمت ترجمته.(2/237)
178 - دخل أبو الهول الحميري (1) على الفضل بن يحيى (2) بعد أن هجاه فأنشده:
سرى نحونا من غضبة الفضل عارض له زجل فيه الصواعق والرعد (3)
فجد بالرضا لا نبتغي منك غيره ... ورأيك فيما كنت عودتني بعد
فأحسن إليه ووصله.
179 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحلم والتؤدة من النبوة، ومن عجل أخطأ.
180 - علي عليه السّلام: التقى رئيس الأخلاق.
وعنه: بالسير العادلة يقهر المناوىء، وبالحلم عن السفيه يكثر الأنصار عليه.
181 - أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.
182 - كاد يتدرع (4) ذلا من فرط حلمه.
قال الأحنف لرجل: ليت طول حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك.
183 - ابن سيرين (5): الرفق في كل شيء حسن إلا في ثلاثة أشياء: في الجماع، وأكل البطيخ، وأكل الرمان.
__________
(1) أبو الهول الحميري: هو عامر بن عبد الرّحمن الحميري. كان شاعرا مقلا له مدائح في المهدي والهادي والرشيد والأمين. كان هجّاء خبيث اللسان هجا الفضل بن يحي.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 237والبيان والتبيين 3: 351.
(2) الفضل بن يحي: هو الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك وزير الرشيد العباسي وأخوه في الرضاع. ولد سنة 142هـ. سجنه الرشيد أثناء نكبة البرامكة وتوفي في سجنه بالرقة سنة 193. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 334.
(3) العارض: السحاب.
(4) يتدرّع: يلبس الدّرع وهو قميص من زرد الحديد يلبس وقاية من سلاح العدو. ودرع المرأة: قميصها أو ثوبها الذي تلبسه في بيتها.
(5) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين المشهور بتعبير الرؤيا. تقدّمت ترجمته.(2/238)
184 - كان إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس (1) إذا غضب على أحد ندم وتداركه بضيعة، وكان الرجل إذا احتاج أغضبه. كان جالسا يوما فقام ليدخل وترك ألفي دينار في مجلسه، واتبعه صاحب الحرس بالألفين، فاحتدّ وقال: من أمرك بهذا؟ وشتمه، ثم ندم فوهب له الألفين.
وأغلظ يوما لأم ولد أخيه، ثم أرضاها بمال كثير ودعا بولدها فوهب له وصائف، وأقطعه دار القصب وهي مائة ألف ذراع.
185 - كلم المنصور السفاح في محمد بن عبد الله بن الحسن (2) فقال:
يا أمير المؤمنين آنسهم بالإحسان، فإن استوحشوا فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمدا يمرح في أعنة العقوق. فقال: يا أبا جعفر أنا كذاك، ومن شدد نفر، ومن لان تألف. التغافل من سجايا الكرام. وما أحسن ما قال أعشى وائل:
يغضى على العوراء لولا السحلم غيرها انتصاره.
__________
(1) إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس: هو عمّ السفّاح والمنصور. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 252.
(2) محمد بن عبد الله بن الحسن: (النفس الزكية): أحد الأمراء الأشراف من الطالبين.
؟ ولد ونشأ بالمدينة. كان غزير العلم فيه شجاعة وحزم وسخاء. قتله عيسى بن موسى العباسي بأمر من المنصور في المدينة وبعث له برأسه وذلك في سنة 145هـ. راجع ترجمته في الأعلام 6: 220ومقاتل الطالبيين 232وابن خلدون 3: 190وفيه أن الإمامين مالكا وأبا حنيفة كانا يريان إمامة النفس الزكية أصحّ من إمامة المنصور، وعرف المنصور ذلك عنهما فآذاهما: ضرب مالكا على الفتيا في طلاق المكره، وحبس أبا حنيفة على القضاء. وراجع المصابيح للحسني وفيه: كان أيّدا قويا إذا صعد المنبر تقعقع المنبر تحته: رفع صخرة إلى منكبه فحزروها ألف رطل.(2/239)
الباب السادس والعشرون الدين وما يتعلق به من ذكر الصلاة والصوم والحج والصدقات وسائر العبادات والقربات
1 - زيد بن أرقم (1) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، ثم قال: إخلاصها أن يخرجه ممّا حرم الله.
2 - علي رضي الله عنه: واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد، ولا يزال أبدا ولا يزول.
وعنه: إن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان إزدادات اللمظة. اللمظة هي النكتة من الفرس الألمظ وهو الذي بجحفلته (2)
شيء من بياض.
3 - سئل علي عن التوحيد والعدل فقال: التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه.
4 - بعضهم: الجنة كثير للمؤمن لأنها ثواب الله، وما أعطاه من المغفرة أفضل. ولم يخرج من خزائن الله أفضل من التوحيد.
__________
(1) زيد بن أرقم: هو زيد بن أرقم الخزرجي الصحابي المتوفّى سنة 68هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الجحفلة: هي لذي الحافر كالشفة للإنسان.(2/241)
5 - قال الرشيد للأصمعي: هل رأيت في كثرة ما جلت في البدو من يعرف الاختلاف (1)؟ قال: صحبني شاب ما رأيت مثله في فصاحته وعلمه بأيام العرب وأشعارها، فأخذت معه في بحره، فضربتني أمواجه حتى إذا خفت الغرق حدث عن سننه، فقلت: قد أحكمت الشعر. ووعي جوفك من كل الآداب فكيف علمك بما تعبد الله به؟ قال: أخذت منه بما لو علمت بعشرة لنلت أوفر نصيب من ثواب الله. قلت: ما تقول في القدر (2)؟ قال: من رد على الله فمأواه سقر (3). قلت: ما تقول في الجبر (4)؟ قال: إن الله تعالى لغنيّ عن ظلم العباد. قلت ما تقول في الأرجاء (5)؟ قال: الاجتهاد في العمل لله أفضل من الاتكال على الأماني.
6 - علي عليه السّلام: كل ما يتصور في الأوهام فالله بخلافه.
7 - حكيم: الواجب على المرء الإقرار بربوبية الله وعبادته وترك البحث عن طلبه، فإن طالبه لا ينال غير الطلب شيئا.
8 - لبيد بن ربيعة (6):
__________
(1) الاختلاف: أراد اختلاف المسلمين في آرائهم في الأصول كالجبر والقدر والأرجاء وغير ذلك.
(2) القدر: كون الأشياء محدّدة مدبّرة أزلا بحيث تصبح ولا مناص من وقوعها، وهو بهذا يختلط بالقضاء ويراد بهما إحاطة علم الله بما يقع من الإنسان بإرادته، وبأنّ عمل كذا وقع في وقت كذا.
(3) سقر: من أسماء جهنّم.
(4) الجبر: الجبر معناه أن الإنسان مسيّر لا مخيّر في كل ما يفعله ويقوله وأن القضاء يخط له غده ومستقبله. والجبرية: مذهب يرى أصحابه أن الإنسان مجبر مسيّر في أفعاله لا اختيار له فيها.
(5) الارجاء: مذهب المرجئة وهم الذين يرجئون الأحكام إلى يوم القيامة ويقولون إنه لا يضرّ مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة.
(6) لبيد بن ربيعة: شاعر جاهلي من الفرسان الأشراف من أهل عالية نجد. أدرك الإسلام، يعدّ من المؤلفة قلوبهم ومن أصحاب المعلقات. ترك الشعر ولم يقل في الإسلام إلّا بيتا واحدا هو:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
توفي سنة 40هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 231وطبقات الشعراء لابن سلّام وخزانة البغدادي 1: 337.(2/242)
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكلّ نعيم لا محالة زائل
وكل أناس سوف يدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل
وكل امرىء يوما سيعلم سعيه ... إذا حصلت عند الإله الحصائل
الحصائل ما يحصل من الأعمال جمع حصيلة، ومه كتاب الحصائل لأنه قال حصلت فيه ما فات الخليل (1).
9 - وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال على المنبر: أشعر كلمة قالتها العرب:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
10 - الشافعي رضي الله عنه: من انتهض لطلب مدبره فإن اطمأن إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه (2)، وإن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل (3)، وإن اطمأن إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد (4).
11 - قال يعقوب عليه السّلام للبشير: على أي دين تركت يوسف؟ قال:
على الإسلام، قال: الآن تمت النعمة على يعقوب وعلى آل يعقوب.
12 - علي عليه السّلام: ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان العمل. لا يخف ميزان يوضعان فيه، ولا يثقل ميزان يرفعان منه.
وعنه: وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة ممتحنا إخلاصها، معتقدا
__________
(1) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي: تقدّمت ترجمته.
(2) مشبّه: والمشبهة مذهب ديني يشبه أصحابه الخالق بالمخلوقات.
(3) المعطّل: هو الذي لا يثبت الباري تعالى.
(4) الموحد: الذي يعتقد بوحدانية الله.(2/243)
مصاصها (1)، نتمسك بها أبدا ما أبقانا، ونذخرها لأهاويل ما يلقانا.
وعنه أن ذعلبا اليماني (2) قال له: هل رأيت ربك؟ قال: أفأعبد ما لا أرى؟ قال: وكيف تراه؟ قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان. رأس الدين صحة اليقين.
13 - بعضهم: ما سوى الله إمّا جسم أو عرض، فالجسم مفتقر إلى الكون لا يوجد إلا معه، والعرض مفتقر إلى الجسم لا يوجد إلا فيه، فالأشياء كلها مفتقرة محتاجة، والغني هو الله وحده.
14 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الله على كل بدعة كيد بها الإسلام وليا صالحا يذب (3) عنه.
15 - يقال: ضرب الدين بجرانه (4)، وبهر ببرهائه.
16 - علي عليه السّلام في وصف الله تعالى: لا يقال له متى، ولا يضرب به أمد بحتى، ولا يبصر بعين، ولا يحدّ بأين.
وعنه: ما يسرني أن متّ طفلا، وإني أدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي.
17 - من عرف ربه جلّ، ومن عرف نفسه ذل.
18 - الشعبي: أحبب آل محمد، ولا تكن رافضيا، واثبت وعيد الله ولا تكن مرجئا، ولا تكفر الناس بذنب فتكون خارجيا، وألزم الحسنة ربك والسيئة نفسك ولا تكن قدريا.
19 - هارون بن سعد العجلي (5):
__________
(1) المصاص: خالص كل شيء.
(2) ذعلب اليماني: لم نقف له على ترجمة.
(3) يذب عنه: يدفع ويرد.
(4) ضرب الدين بجرانه: أي ثبت واستقرّ. والجران: باطن العنق.
(5) هارون بن سعد العجلي: كان رأس الزيدية وخرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وهو شيخ كبير. ذكره المرزباني في معجم الشعراء وذكر له بعض الأبيات. راجع معجم الشعراء.(2/244)
برئت إلى الرحمن من كل رافض ... يصير بباب الكفر في الدين أعورا
إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا على الحق قصرا
20 - خفّ الرافضي مثل في السعة، لأنه لا يرى المسح على الخف فيوسعه ليتمكن من إدخال يده فيه ليمسح برجله.
21 - مجاهد (1): ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول لا إله إلا الله.
22 - الحسن رحمه الله: كل شيء بقدر، ما خلا هذه المعاصي.
وعنه: قاتل الله أقواما يزعمون أن الله قدر خطايا بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم ينهي عنها.
وعنه: من قال كل شيء بقضاء الله وقدره عز وجل صدق.
وعنه: لا تحملوا ذنوبكم وخطاياكم على الله وتذروا أنفسكم والشيطان.
23 - ذكر القدر والإرجاء عند مسلم بن يسار فقال: واديان عميقان، فقف عند أدناهما، واعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له.
24 - قدم ابن أبي مريم الثنوي (2) البصرة، فدعاه موسى الأسواري (3)
إلى الدين، ووصفه له، فقال: ما أحسن دينكم! لولا أنكم تقولون إن الله
__________
(1) مجاهد: هو مجاهد بن جبر المكي. تابعي مفسّر. توفي بمكة سنة 103هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) ابن أبي مريم الثنوي: لم نقف له على ترجمة.
(3) موسى الأسواري: هو موسى بن يسار الأسواري. كان قدريا. ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 1: 386والسمعاني في الأنساب 37ولسان الميزان 6: 120.(2/245)
يقضي هذه الفواحش ثم يعذب عليها، فقال الحسن: هذه حجة الله قامت على لسان ابن أبي مريم، أعلموه أنا لا نقول هذا إنما يقوله السفهاء.
فأسلم ابن أبي مريم.
وعنه: ما بال أقوام قاتلهم الله باتوا يحكمون في دماء المسلمين وأموالهم، ثم زعموا أن أقلامهم تجري على أقلام الله، أفكة (1) على الله جهلة بالله، زعموا أن الله أسر كتابا نهاهم عنه في العلانية، لقد اتهموا ربهم واغتشموه (2)، وقالوا عليه قولا عظيما. والله ما أصبح في جنبات بصرتكم هذه أحد يؤخذ بجرم جاره، فكيف تحملون ذنوبكم على الله ربكم؟ والله ما هم إلا الذين قال رسول الله مجوس أمتي القدرية إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم، فإنهم شر البرية. حق الله أن يحشرهم مع الدجال.
25 - العلاء بن دليل البصري المتكلم (3) في المجبرة:
وهل رافع من وسنة الجهل رأسه ... وهل للهوى في حومة الحق غالب (4)
لقد أوضح الله الدليل وانهج ال ... سبيل لكيلا يجهل الحق طالب
عجبت لذي التشبيه كابر عقله ... أم العقل منه حين شبه عازب
لقد أعظموا جورا وأجور منهم ... لدينا أخو جبر على الله كاذب
وما عرف لله امرؤ متقول ... عليه إليه للقبائح ناسب
لقد جئتم أمرا عظيما وقلتم ... على الله ما منه تشيب الذوائب (5)
26 - عهد ملك إلى ابنه فقال: يا بني إن الله لم يرض لنفسه من عباده إلا مثل ما رضي لهم منه، فإنه رحمهم وأمرهم بالتراحم، وصدقهم وأمرهم
__________
(1) الإفك: الكذب. والأفكة: الكذابون.
(2) اغتشموه: نسبوه إلى الغشم وهو الظلم والجور.
(3) العلاء بن دليل البصري المتكلّم: لم نقف له على ترجمة.
(4) الوسن: النوم. والوسنة: الغفوة.
(5) الذوائب: جمع ذؤابة وهي خصلة الشعر.(2/246)
بالصدق، وجاد عليهم وأمرهم بالجود، وعفا عنهم وأمرهم بالعفو.
27 - علي عليه السّلام: إن دين الله بين المقصر والغالي، فعليكم بالنمرقة الوسطى، فبها يلحق المقصر، وإليها يرجع الغالي.
28 - قال موسى (1): يا رب أين أجدك؟ قال: يا موسى إذا قصدت إلي فقد وصلت.
29 - كان أبو عمرو الباهلي (2) ينشد كثيرا.
يعيب القول بالإرجاء حتى ... يرى بعض الرجاء من الجرائر
وأعظم من أخي الإرجاء عيبا ... وعيدي أمرّ على الكبائر
30 - إيمان المرجيء مثل فيما لا يزيد ولا ينقص، لأنه يقول:
الإيمان قول فرد لا يزيد ولا ينقص.
31 - الحسن: دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن سلم لك دينك سلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعود بالله منها، فإنها نار لا تطفأ، وحجر لا يبلى، ونفس لا تموت.
32 - عيسى عليه السّلام: لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله عز وجل.
33 - قباذ بن فيروز (3): الدين هو العقدة والعمدة والعدة.
34 - لما قتل بزرجمهر وجدوا في بيته رقعة فيها: إن من حق الله على عباده أن يعرفوه، فإذا عرفوه لم يعصوه طرفة عين.
35 - ابن مسعود رضي الله عنه رفعه: ليس الجماعة بكثرة الناس،
__________
(1) موسى: هو النبي موسى عليه السّلام.
(2) أبو عمرو الباهلي: لم نقف له على ترجمة.
(3) قباذ بن فيروز: الملك العشرون من ملوك الدولة الساسانية وهم ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس، لقبه نيكراي. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 105.(2/247)
من كان معه الحق فهو الجماعة وإن كان وحده.
36 - الثوري: الجماعة العالم ولو كان على رأس جبل.
37 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين.
38 - سفيان الثوري: لو ثبت اليقين في القلوب طارت فرقا أو شوقا إمّا شوقا إلى الجنة أو فرقا من النار.
39 - اختصم رؤبة (1) وذو الرمة (2) في مجلس بلال من أبي بردة قاضي البصرة في القدر، فقال رؤبة: ما فحص طائرا (3) فحوصا، ولا تقرمص (4) سبع قرموصا إلا بقدر الله. فقال ذو الرمة: ما قدر الله على الذئب أن يأكل جلوبة (5) عيائل (6) عالة (7) ضرا بك. فقال رؤبة: أبقدره أكلها؟ هذا كذب على الذئب. قال ذو الرمة: الكذب على الذئب خير من الكذب على رب الذئب.
40 - صوفي: هذا قلبي فتّشوه، فإن وجدتم فيه غير الله فانبشوه.
41 - صحار بن عائد (8): لقيت الحسن في طريق مكة وهو يحدو ويقول:
يا خالق الأصباح أنت ربي ... وأنت مولاي وأنت حبي
فأصلحن باليقين قلبي ... ونجني من كرب يوم الكرب
42 - علي رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم،
__________
(1) رؤبة: هو رؤبة بن العجاج. تقدّمت ترجمته.
(2) ذو الرمّة: هو الشاعر غيلان بن عقبة. تقدّمت ترجمته.
(3) فحص الطائر: اتّخذ حفرة ليرقد فيها ويبيض.
(4) تقرمص السبع: اتخذ حفرة واسعة ضيّقة الرأس يستكن فيها من البرد.
(5) الجلوبة: الإبل.
(6) عيائل: جمع عيل وهو واحد العيال. وعيال الرجل: الذين يعولهم.
(7) العالة: جمع عائل: الفقير.
(8) صحار بن عائد: لم نقف له على ترجمة.(2/248)
فذكرنا الدجال، فاستيقظ محمرا وجهه. فقال: غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال، أئمة مضلون هم رؤساء أهل البدع.
43 - قال أعرابي بعنجهيته: لما كان الله عن حلي خلقه عاطلا كان القياس باطلا.
44 - أنشد المازني (1) ليهودي:
دعتني إلى الإسلام يوم لقيتها ... فقلت لها لابل تعالي تهودي
كلانا يرى أن الرشادة دينه ... ومن يهد أبواب المراشد يرشد
45 - ظهرت الزندقة أيام سابور بن أردشير (2) ومؤسسها ماني بن بتك (3) ألف فيها كتبا ودعا إليها سابور فلم يجبه وأمر بقتله، ولم يزل ملوك الفرس يقتلون الزنادقة. وظهر مزدك (4) في أيام قباذ (5) فأباح الزنا وعصب الأموال، وقال: ليس أحد أولى بشيء من أحد إلى سائر ضلالاته، فقبل قباذ دينه، ثم تبرأ منه. ووثب عليه أنوشروان فقتله وتتبع أصحابه حتى أفناهم. ولما احتضر أنوشروان عهد إلى ابنه أن لا يفرط في إبادتهم،
__________
(1) المازني: هو بكر بن محمد بن حبيب بن بقية. من أهل البصرة. كان مشهورا في النحو والأدب والورع. استقدمه الواثق بسبب بيت شعر اختلف من كان في الحضرة في إعرابه فأمر له بألف دينار. توفي بالبصرة سنة 249هـ. راجع ترجمته في معجم الأدباء 3: 280وانباه الرواة 1: 546.
(2) سابور بن أردشير: ثاني ملوك الدولة الساسانية وهم ملوك الطبقة الرابعة راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 104.
(3) ماني بن بتك: صاحب مذهب المانوية. كان يقول بنبوّة المسيح عليه السّلام ولا يقول بنبوّة موسى. والعالم برأيه مركب من أصلين قديمين هما: النور والظلمة. قتله بهرام بن هرمز بن سابور. راجع الملل والنحل للشهرستاني (بتحقيقنا) ص 290، 293، 298وهو فيه ماني بن قاتك الحكيم.
(4) مزدك: صاحب الديانة المزدكية (أواخر القرن الخامس الميلادي) كان ثنويا يؤمن بإلهي النور والظلمة وتقدّيس النار كالزرادشتية، ويدعو إلى العكوف على الملذات ويحلّ النساء والأموال ويجعلهما شركة للناس، وكان لهذا المذهب كثير من الأتباع.
(5) قباذ: هو قباذ بن فيروز. تقدّمت ترجمته.(2/249)
وقال: لا أعلم أحدا أجرأ على الله ولا أعظم فرية (1) من هؤلاء الزنادقة، وقد عملنا في تطهير البلاد منهم بما قد علمت، ونرجو أن يكون الله قد أثابنا عليه أحسن الثواب، ولا نعلم قربانا إلى الله أفضل من تفريق جماعتهم واستئصال شأفتهم، فلا تأخذك فيهم رأفة، فليسوا من أهل الرأفة.
واجعل ذلك مفتاح عدلك، وليعلم الله منك في ذلك الصدق والجد والتشمير.
46 - سئل صوفي عن الدليل على أن الله واحد فقال: أغني الصباح عن المصباح.
47 - عمرو بن الحسن بن عمرو الأباضي (2):
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
48 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها.
49 - كانت رابعة (3) تصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وتقول: ما أريد به ثوابا، ولكن ليسرّ رسول الله ويقول للأنبياء: انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها في اليوم والليلة.
50 - واثلة بن الأسقع (4): سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من
__________
(1) الفرية: الكذب واختلاقه.
(2) عمرو الإباضي: أحد شعراء الخوارج. كان حيا سنة 130هـ. راجع أخباره في معجم الشعراء للمرزباني والأغاني لأبي الفرج.
(3) رابعة: هي رابعة العدوية الزاهدة. اشتهرت بالعبادة والنسك ولها أقوال في ذلك وشعر. توفيت بالقدس سنة 135هـ. تقدّمت ترجمتها.
(4) واثلة بن الأسقع: صحابي جليل. شهد فتح دمشق وحمص. مات في خلافة عبد الملك بن مروان، قيل سنة 83هـ، وقيل سنة 85هـ. وهو آخر من مات بدمشق من الصحابة. راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 9088.(2/250)
قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
51 - جابر بن سمرة (1) عنه عليه السّلام: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن.
52 - أبو هريرة رفعه: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع.
53 - فضيل: لو نشر رجل من أهل الآخرة فأتاه الناس ليخبرهم بما عاين لما أتيته، لأن موضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندي أصدق مما جاء به.
54 - جابر (2) رفعه: مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم (3) عن النار وأنتم تفلتون من يدي.
55 - خطب كعب بن لؤي بن غالب (4)، وبين موته والفيل (5)
خمسمائة وعشرون سنة، خطبة بشر بها بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: أم والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر، ويد ورجل، لتنصبت (6) فيها تنصب الجمل، ولأرقلت (7) فيها إرقال الفحل، ثم قال:
__________
(1) جابر بن سمرة: هو جابر بن سمرة بن جنادة العامري. أمّه خالدة بنت أبي وقاص أخت سعد بن أبي وقاص، له ولأبيه صحبة. توفي سنة 74هـ. راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 1014.
(2) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(3) قوله أنا آخد بحجزكم: أراد معقد الإزار وهو موضع التكّة من السراويل.
(4) كعب بن لؤي بن غالب: كان خطيبا عظيم القدر عند العرب حتى ارّخوا بموته إلى عام الفيل. وهو أول من سنّ الاجتماع يوم الجمعة. كان اسمه «يوم العروبة». من نسله بنو سعد، بنو سهل، بنو نفيل. راجع ترجمته في الطبري 2: 185وأنساب الأشراف 1: 41.
(5) عام الفيل: كان سنة 570.
(6) تنصّبت: اجتهدت.
(7) أرقلت: أسرعت.(2/251)
يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحق خذلانا
56 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكعب بن مالك الأنصاري (1): يا مالك ما نسي ربك، وما كان ربك نسيا، بيتا قلته، قال: وما هو يا رسول الله؟
قال: أنشده يا أبابكر. فأنشده:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
مرّ المهدي في طريق بين المقدس بديراني قيل له رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فعدل إليه فقال: رأيته بعينك؟ قال: نعم، قال: ادن مني أقبل عينيك اللتين رأيت بهما رسول الله، فدنا منه فقبل عينيه.
58 - السائب بن يزيد (2): ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة. وروى: بين كتفيه عند ناغض (3) كتفه اليسرى، وعليه خيلان (4) كأمثال التآليل.
59 - لما ظهر موسى عليه السّلام قال سقراط: نحن معاشر اليونانيين أقوام مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذيب غيرنا.
__________
(1) كعب بن مالك الأنصاري: صحابي. من شعراء المدينة في الجاهلية، ومن شعراء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الإسلام. وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. عمي في أواخر عمره وتوفي سنة 50هـ. وعمره 77سنة. راجع ترجمته في الإصابة 7427والشعر والشعراء 183والمرزباني 342.
(2) السائب بن يزيد: هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي حليف بني كنانة.
له ولأبيه صحبة. كان مع أبيه في حجة الوداع وخرج مع الصبيان يتلقون النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من تبوك. توفي بالمدينة سنة 91هـ. راجع ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 3:
369 - والإصابة الترجمة 3071.
(3) الناغض: أصل العنق حيث يتحرك الرأس.
(4) الخيلان: جمع خال وهو الشامة.(2/252)
60 - الجاحظ: لا نعلم أحدا تنبأ وآمن به قوم، ثم أقرّ بالكذب والضلال وتاب سوى طليحة بن خويلد الأسدي (1)، وسجاح بنت عقفان التميميّة (2) فإنهما أظهرا التوبة وجلسا يحدثان من آمن بهما بأنهما مبطلان.
وكانت سجاح كاهنة زمانا تدعي أن رئيها (3) ورئي سطيح (4) واحد ثمّ جعلت
__________
(1) طليحة بن خويلد الأسدي: متنبّىء في عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. أراد ضرار بن الأزور قتله بأمر من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فنبا عنه السيف. كثر أصحابه بعد موت النبي. هزمه خالد بن الوليد. أسلم بعد إسلام أسد وعطفان وحسن إسلامه، واشترك في الفتوح واستشهد بنهاوند سنة 21هـ. راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 4283وابن الأثير حوادث سنة 11.
(2) سجاح التميميّة: هي سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميميّة، من بني يربوغ، أم صادر. متنبئة مشهورة. كانت شاعرة أديبة عارفة بالأخبار. نبغت في عهد الردّة (أيام أبي بكر) وادّعت النبوة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكانت في بني تغلب بالجزيرة، وكان لها علم بالكتاب أخذته عن نصارى تغلب فتبعها جمع من عشيرتها بينهم بعض كبار تميم كالزبرقان بن بدر، وعطارد بن حاجب، وعمرو بن الأهتم فأقبلت بهم في الجزيرة تريد غزو أبي بكر فنزلت باليمامة فبلغ خبرها مسيلمة (المتنبىء أيضا) وقيل له: إن معها أربعين ألفا فخافها، وتزوج بها، ولما بلغها مقتل مسيلمة أسلمت وهاجرت إلى البصرة وتوفيت فيها نحو سنة 55هـ. وصلّى عليها سمرة بن جندب والي البصرة لمعاوية. أمّا خبر حوارها مع مسيلمة حين اجتماعهما فهو من مجون القصاصين للتشنيع عليهما. راجع ترجمتها في الأعلام للزركلي 3:
78 - والطبري 3: 236والدر المنثور 240وتاريخ الخميس 2: 159.
(3) الرئي: من أنواع الجن، وهو يخص بإلهاماته المتفوّقين من الإنس فيلقي إليهم الأخبار ويسمّى العرّاف.
(4) سطيح: هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب، من بني مازن، من الأزد.
كاهن جاهلي من المعمرين. كان العرب يحتكمون إليه ويرضون بقضائه، يقال إنه ما كان فيه عظم سوى رأسه. كان لا يقدر على قيام ولا قعود بل منبسطا على الأرض يطوى كما تطوى الحصيرة، وهو من أهل الجابية من مشارف الشام. مات بعد مولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بقليل.
راجع تاريخ الخميس 1: 201وثمار القلوب 98والتبريزي 3: 135وجمهرة الأنساب 354.(2/253)
ذلك الرئي ملكا فادّعت النبوة، وتجهزت إلى مسيلمة (1)، وتزوجته وأمنت به بعد تكذيبها له. وقال قيس بن عاصم (2):
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغرانا (3)
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت ... أصداؤه ماء مزن حيثما كانا (4)
61 - أرسل الله محمدا قمرا منيرا وقدرا مبيرا.
__________
(1) مسيلمة: هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي. المعروف بمسيلمة الكذاب. متنبىء من المعمرين. ولد ونشأ باليمامة في القرية المسماة اليوم بالجبيلة بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد. تلقّب في الجاهلية بالرحمن.
كتب إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك. وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون».
فأجابه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم:
بسم الله الرحمن الرّحيم: من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتّبع الهدى. أما بعد فإن الأرض لله يرثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» وذلك في أواخر سنة 10هـ. وتوفي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل القضاء على فتنته. فلما انتظم الأمر لأبي بكر انتدب له خالد بن الوليد على رأس جيش قوي هاجم ديار بني حنيفة وقتل مسيلمة سنة 12هـ واستشهد من المسلمين في ذلك الحين ألف ومائتا رجل لا تزال آثار قبورهم ظاهرة في قرية الجبيلة حيث كانت الواقعة (كما في الشذرات).
ومسيلمة لقبه واسمه مسلمة، صغّره المسلمون تحقيرا له. توفي سنة 12هـ. راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 7: 226والروض الأنف 2: 340والكامل لابن الأثير 2: 137.
(2) قيس بن عاصم: هو قيس بن عاصم بن سنان المنقري السعدي التميمي. كان شاعرا سيدا في الجاهلية والإسلام، وهو ممّن حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية. وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم. توفي في البصرة نحو سنة 20هـ. ويقال هو أول من وأد بناته في الجاهلية. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 428ومجمع الزوائد 9:
404 - والبيان والتبيين 1: 281.
(3) الإفك: الكذب واختلاقه.
(4) الأصداء: جمع صدى وهو جسد الإنسان بعد موته. ويقال: هو طائر كان أهل الجاهلية يذكرون أنه يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه فإذا قتل أقبل يصوت على قبره حتى يدرك بثأره.(2/254)
62 - علي عليه السّلام: شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من غالبه، فجعله أمنا لمن علقه، وسلما لمن دخله، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، ونورا لمن استضاء به، وفهما لمن عقل، ولبا لمن تدبر، وآية لمن توسم، وتبصرة لمن عزم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق وثقة، لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن صبر.
فهو أبلج (1) المناهج، وأوضح الولائج، مشرف المنار، مشرق الجواد، مضيء المصابيح، كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحلبة، متنافس السبقة، شريف الفرسان، التصديق منهاجه، والصالحات مناره. والموقف غايته، ولدينا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سيقته.
وعنه: القرآن فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم.
63 - نزل الهيردان بن اللعين المنقري (2) برجل من الصلحاء اسمه ثبيت (3) فأطعمه وسقاه لبنا، أذن وصلى بهم، فقال:
لخبز يا ثبيت عليه لحم ... أحب أليّ من صوت الأذان
64 - قيل لابن عباس: أيجوز تحلية المصحف بالذهب والفضة؟
قال: إن تحليته في جوفه.
65 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أصفر البيوت جوف صفر (4) من كتاب الله تعالى.
66 - الشعبي: الذي يفسر القرآن إنما يحدث عن ربه.
__________
(1) أبلج المناهج: أوضحها.
(2) الهيردان المنقري: هو الهيردان بن منازل بن ربيعة المنقري. عاش في أوائل القرن الأول الهجري. راجع معجم الشعراء للمرزباني 488والحيوان للجاحظ 4: 260.
(3) ثبيت: لم نقف له على ترجمة.
(4) صفر: خلا.(2/255)
67 - الحسن: رحم الله امرأ عرض نفسه وعلمه على كتاب الله، فإن وافق ما في كتاب الله حمد الله عليه وسأله الزيادة، وإن خالف ما في كتاب الله أعقب (1) وراجع من قريب.
68 - حفظ عمر رضي الله عنه سورة البقرة فنحر وأطعم.
69 - كان محمد بن أبي محمد اليزيدي (2) يدخل على المأمون مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه المأمون ثلاثين آية.
70 - وفد غالب بن صعصعة (3) على علي رضي الله عنه ومعه الفرزدق، فقال له: من أنت؟ قال: أنا غالب بن صعصعة المجاشعي، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم، قال: ما فعلت إبلك؟ قال: أذهبتها النوائب وذعذعتها الحقوق، قال: ذاك خير سبلها، ثم قال: يا أبا الأخطل من هذا الفتى معك؟ قال: ابني وهو شاعر، قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر، فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى أن لا يحل قيده سنة حتى يحفظ القرآن، وذلك قوله:
وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القدر إلا حاجة لي أريدها
71 - فضيل: بلغني أن صاحب القرآن إذا وقف على معصية الله خرج القرآن من جوفه، فاعتزل ناحية ثم قال: ألهذا حملتني؟.
72 - أنس: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا بني لا تغفل عن قراءة
__________
(1) أعقب: ترك وانصرف.
(2) محمد بن أبي محمد اليزيدي: هو محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي شاعر من أهل البصرة كان من أهل الأدب والعلم بالقرآن واللغة. اختص بالمأمون العباسي. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 412والمرزباني 419.
(3) غالب بن صعصعة: هو والد الفرزدق يلقب بأبي ليلى. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. له أخبار في الكرم. توفي نحو سنة 40هـ. راجع ترجمته في المحبّر 143والإصابة الترجمة 6925.(2/256)
القرآن إذا أصبحت وإذا أمسيت، فإن القرآن يحيي القلب الميت وينهى عن الفحشاء والمنكر.
73 - من حكايات الحشوية (1): أن إبراهيم الخواص (2) مر بمصروع فأذن في أذنه، فناداه الشيطان من جوفه دعني أقتله فإنه يقول القرآن مخلوق.
74 - سلم أعرابي ابنا له إلى معلم، ثم غاب فقال: في أي سورة أنت؟ قال: في قل يا أيها الكافرون، قال: بئس العصابة أنت فيهم. ثم غاب فسأله، فقال: في إذا جاءك المنافقون، والله ما تنقّلت إلا على أوتاد الكفر والنفاق، عليك بنعمك فارعها.
75 - علي عليه السّلام: عليك بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتممات. والنجاة للمتعلق، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيستعتب، ولا يخلقه كثرة الرد وولوج السمع، من قال به صدق، ومن عمل به سبق.
وعنه: إن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به.
76 - كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
77 - وعن مالك بن أنس أنه كان إذا دخل رمضان نفر عن مذاكرة
__________
(1) الحشوية: في كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي أن الحشوية قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وهم من الفرق الضالّة.
(2) إبراهيم الخواص: هو إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل. من شيوخ الصوفية، من أقران الجنيد البغدادي له في السياحات والرياضيات مقامات يطول شرحها. مات في جامع الريّ سنة 291هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 6: 7وطبقات الشعراني 1:
113.(2/257)
الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على قراءة القرآن في المصحف.
78 - وعن كل واحد من أبي حنيفة والشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة.
79 - سراقة بن مالك بن جعثم الكناني (1) الذي تبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مهاجره فرسخت قوائم فرسه في الأرض فدعا له فتخلص، يخاطب أبا جهل (2):
أبا حكم والله لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه (3)
علمت ولم تشككّ بأن محمدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدو معالمه
بأمر تود النضر فيه بأسرها ... ومن عزّ من أشيافها أن تسالمه
80 - علي عليه السّلام: واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، أو نقصان في عمى.
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة (4)، ولا لأحد قبل
__________
(1) سراقة بن مالك بن جعثم الكناني: كان قائفا في الجاهلية، يقول الشعر، وكان ينزل «قديدا» وهو الذي أراد أن يدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين هاجر طمعا بمائة ناقة جعلتها قريش فيمن ردّه عليهم. أسلم سنة 8هـ ومات سنة 24هـ. وهذه الأبيات قالها حين لامه أبو جهل.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 3109والتاج 6: 380.
(2) أبو جهل: هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. كان من أشد الناس عداوة للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمين في صدر الإسلام. وهو أحد سادات قريش في الجاهلية. شهد وقعة بدر مع المشركين وقتل فيها سنة 2هـ.
راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 1: 322.
(3) كان أبو جهل يكنّى أبا الحكم فدعاه المسلمون أبا جهل.
(4) الفاقة: الفقر والحاجة إلى من يقوم الأخلاق.(2/258)
القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوه على لأوائكم (1)، فإنه فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله. واعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا أن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم واستغشوا فيه أهواءكم.
وعنه: من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا.
81 - قال الله تعالى لموسى: إنما مثل كتاب محمد في الكتب كمثل سقاء (2) فيه لبن كلما مخضته استخرجت زبده.
82 - سالم الخواص: كنت اقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة، فقلت:
اقرأ كأنك سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاءت حلاوة قليلة ثم قلت: إقرأ كأنك تسمعه من جبرائيل، وهو الذي نزله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فازدادات الحلاوة، ثم قلت: اقرأ كأنك تسعمه منه تبارك وتعالى حين تكلّم به، فجاء الحلاوة كلها.
83 - أبو سليمان الداراني (3): مر علي صالح بن عبد الجليل وأنا على باب داري أقرأ القرآن، فقال: قم فانظر أظلم بيت في دارك فاجلس فيه، فلأكلك السكر بالرانج (4) أحب إليّ من قراءتك القرآن على باب الدار.
__________
(1) اللأواء: الشدّة.
(2) السقاء: وعاء اللبن.
(3) أبو سليمان الداراني: هو عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي الزاهد المتوفي سنة 215هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الرانج: هو الجوز الهندي.(2/259)
84 - عابد: إن الناس يجمزون (1) في قراءتهم ما خلا المحبين فإن لهم خان (2) إشارات، إذا مروا به نزلوا. يريد آيات من القرآن يقفون عندها يتفكرون فيها.
85 - الشعبي: اللسان عدل بين الأذن والقلب، فاقرأ قراءة تسمعها أذنك، ويفهمها قلبك.
86 - صفوان بن سليم (3): ما من شفيع ملك ولا نبي أفضل من قراءة القرآن. وروي مرفوعا: ما من شفيع أفضل منزلة عند الله يوم القيامة من القرآن، لا نبي ولا ملك ولا غيره.
87 - ليس شيء أفضل من قراءة العبد القرآن قائما على قدميه.
88 - عبد الرحمن بن عوف (4) رحمه الله:
أجبت منادي الله لما سمعته ... ينادي إلى الدين الحنيف المكرم
ألا إن خير المرشدين إلى الهدى ... نبيّ جلا عنا شكوك الترجم
نبيّ أتى والناس في عنجهية ... وفي سدف من ظلمة الكفر معتم (5)
فأقشع بالنور المضيء ظلامه ... وساعده في أمره كل مسلم
وخالفه الأشقون من كل فرقة ... فسحقا لهم في بعد مهوى جهنم (6)
__________
(1) يجمزون في قراءتهم: يسرعون.
(2) الخان: بيت مؤقت ينزل فيه المسافرون في الطرق، جمع خانات والكلمة دخيلة.
(3) صفوان بن سليم: عابد، زاهد، كثير الحديث، ثقة مات سنة 132هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 425.
(4) عبد الرحمن بن عوف: صحابي جليل وهو أحد العشرة المبشّرة بالجنة. كان شجاعا كريما من السباقين إلى الإسلام. هاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلّها. مات بالمدينة سنة 31هـ. وله 65حديثا.
راجع ترجمته في حلية الأولياء 1: 98وتاريخ الخميس 2: 257.
(5) السدف: الظلمة. يقال: أسدف الليل: أظلم فهو أسدف جمع سدف.
(6) هذه الأبيات التي تنسب لعبد الرحمن بن عوف هي من الشعر المنحول، إذ لم يعرف عنه أنه كان شاعرا.(2/260)
89 - قيل لسائل: ألا تستحي تسأل بالقرآن؟ فقال: اسكتوا، فو الله لو جعتم كما أجوع لبعتم جبرائيل وميكائيل فضلا عن القرآن.
90 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل ما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله.
وعنه: أن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تنطق بهذا.
وعنه من شغلته قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين.
وعنه: إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد. فقيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت.
وعنه: الله أشد أذنا إلى قارىء القرآن من صاحب القينة (1) إلى قينته.
وعنه: اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه.
91 - أبو أمامة الباهلي (2): اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله تعالى لا يعذب قلبا هو وعاء القرآن.
92 - سفيان الثوري: إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه.
عمرو بن ميمون: من نشر مصحفا حين يصلي الصبح فقرأ مائة آية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا.
__________
(1) القينة: هي الأمة المغنّية.
(2) أبو أمامة الباهلي: هو صدي بن عجلان بن الحارث، أرسله الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى قومه باهلة فأسلموا. كان مع الإمام علي بصفّين، مات سنة 86هـ. ويقال إنه آخر من مات من الصحابة بالشام. راجع ترجمته في ذيل المذيل 33وابن عساكر 6:
417.(2/261)
93 - ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون (1)، وبخشوعه إذا الناس يختالون.
وينبغي لحامل القرآن أن يكون سكينا لينا ولا ينبغي أن يكون جافيا ولا مماريا ولا صيّاحا ولا صخّابا (2) ولا حديدا (3).
94 - ميسرة (4): الغريب هو القرآن في جوف الفاجر.
95 - بعض السلف: إن العبد ليفتح سورة فيصلي عليه حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح سورة فتلعنه حتى يفرغ منها، فقيل له: وكيف ذاك؟
قال: إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه، وإلا لعنته.
96 - ابن مسعود: أنزل القرآن عليهم ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملا، إن أحدهم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا، وقد أسقط العمل به.
97 - علي عليه السّلام: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة فله بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأ في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
98 - قالوا: أفضل التلاوة على الوضوء والجلوس شطر القبلة، وأن يكون غير متربع ولا متكىء ولا جالس جلسة متكبر، ولكن نحو ما يجلس
__________
(1) خاض في الحديث: أفاض فيه.
(2) صخّاب: صيغة مبالغة من الصخب (الجلبة).
(3) يقال: رجل حديد: أي غضوب طائش.
(4) ميسرة: هو ميسرة بن مسروق العبسي. صحابي. شهد حجة الوداع، ثبت مع قومه بني عبس يوم الردّة، وشهد مع خالد بن الوليد فتوح الشام. مات بعد سنة عشرين وكان شيخا كبيرا شجاعا.(2/262)
بين يدي من يهابه ويحتشم منه.
99 - ابن عباس: لئن اقرأ البقرة وآل عمران أرتلها وأتدبرها أحب إليّ من أن اقرأ القرآن هذرمة (1). وقد نعتت أم سلمة (2) قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي تنعت قراءة مفصلة حرفا حرفا.
100 - اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا.
101 - وعن صالح المري (3): قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام، فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء.
102 - وعن ابن عباس: إذا قرأتم سجدة سبحان (4) فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه.
103 - وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا.
104 - أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمر أن يختم القرآن في سبع.
105 - وعن عثمان رضي الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الإثنين بطه إلى طسم موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس.
106 - وقيل أحزاب القرآن سبعة: الحزب الأول ثلاث سور، والثاني خمس، والثالث سبع، والرابع تسع، والخامس إحدى عشرة، والسادس
__________
(1) هذرم القرآن: أسرع في قراءته.
(2) أم سلمة: هي زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدّمت ترجمتها.
(3) صالح المرّي: هو صالح بن بشير المرّي البصري. تقدّمت ترجمته.
(4) سجدة سبحان: هي قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنََا لِلْمَلََائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلََّا إِبْلِيسَ قََالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} سورة الإسراء، الآية: 61.(2/263)
ثلاث عشرة، والسابع المفصل من ق.
107 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون لقراءته ويصلون بصلاته.
108 - قالوا: قراءة القرآن في المصحف أفضل للنظر فيه وحمله.
وقيل الختمة من المصحف بسبع.
109 - وعن عثمان رضي الله عنه أنه خرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما.
وكان الصحابة يكرهون أن يمضي يوم ولم ينظروا في مصحف.
110 - دخل فقيه من أهل مصر على الشافعي رضي الله عنه وقت السحر وبين يديه المصحف، فقال له: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
111 - أبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما حبسك؟ قالت: قراءة رجل ما سمعت صوتا أحسن منه، فقام حتى استمع إليه طويلا، ثم قال: هذا سالم (1) مولى أبي حذيفة (2)، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله.
__________
(1) سالم: هو سالم بن معقل. صحابي جليل. هاجر إلى المدينة قبل أن يهاجر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كان يعدّ في القرّاء. شهد وقعة اليمامة وكان معه لواء المهاجرين فقطعت يمينه فأخذ اللواء بيساره فقطعت فاعتنقه إلى أن استشهد سنة 12هـ. كان عمر يكثر الثناء عليه.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 56.
(2) أبو حذيفة: هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، خال معاوية بن أبي سفيان، كان من السباقين إلى الإسلام. هاجر الهجرتين وصلّى إلى القبلتين وشهد بدرا. استشهد يوم اليمامة سنة 12هـ. وهو ابن 56سنة.(2/264)
112 - واستمع عليه الصلاة والسلام ومعه العمران (1) إلى ابن مسعود فقال: من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.
113 - كان عكرمة بن أبي جهل (2) رضي الله عنه لعن أباه إذا نشر المصحف غشي عليه، ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي.
114 - كان بعد السلف إذا قرأ سورة لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية.
115 - وعن علي عليه السّلام: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
116 - مالك بن دينار: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
117 - في الخائفين من كان يخرّ مغشيا عليه عند التلاوة والتدبر، ومن ثم قال يوسف بن أسباط: إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار.
118 - جعفر الصادق: والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لم يبصروه.
119 - ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة.
120 - قيل ليوسف بن أسباط: بم تدعو إذا قرأت القرآن؟ قال:
استغفر الله من تقصيري سبعين مرة.
121 - ابن عيينة (3): رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام فقلت: يا
__________
(1) العمران: هما أبوبكر وعمر بن الخطاب.
(2) عكرمة بن أبي جهل: تقدّمت ترجمته.
(3) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي المتوفّى سنة 198هـ. تقدّمت ترجمته.(2/265)
رسول الله قد اختلفت عليّ القراءات فعلى قراءة من تأمرني اقرأ؟ فقال:
اقرأ على قراءة أبي عمرو (1).
122 - وعن أبي عمرو: لم أزل أطلب أن اقرأه كما قرأه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكما أنزل عليه، فأتيت مكة، فلقيت بها عدة من التابعين ممن قرأ على الصحابة فقرأت عليهم، فاشدد بها يديك.
123 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: علم الإيمان الصلاة، فمن فرغ لها قلبه، وحاد عليها بحدودها فهو مؤمن.
124 - عمر رضي الله عنه، قال على المنبر: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله صلاة. قيل: وكيف ذاك، قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله فيها.
125 - بعض العلماء: إن العبد ليسجد السجدة عنده أنه يقرب بها إلى الله، ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل الأرض لهلكوا. قيل:
وكيف ذاك؟ قال: يكون ساجدا عند الله وقلبه مصغ إلى هوى.
126 - عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه.
127 - قيل للحسن: ما بال المتهجدين (2) أحسن الناس وجوها؟
قال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره.
128 - بعضهم: لا تفوت أحدا صلاة في جماعة إلا بذنب.
__________
(1) أبو عمرو: هو أبو عمرو بن العلاء. من أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر، وهو أحد القرّاء السبعة مات بالكوفة سنة 154هـ.
(2) المتهجدون: المصلّون في الليل.(2/266)
129 - أبو سليمان الدارني: أقمت عشرين سنة لم أحتلم، فدخلت مكة فأحدثت بها حدثا فما أصبحت حتى احتلمت. وكان الحدث أن فاتته صلاة العشاء في جماعة.
130 - علي عليه السّلام: ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين.
131 - كان الحسن بن علي إذا فرغ من وضوئه تغير لونه، فقيل له، فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه.
132 - كلف المنصور أبا دلامة (1) أن يحضر الصلوات في مسجده فقال:
يكلفني الأولى مع العصر دائما ... فويلي من الأولى وويلي من العصر
وما ضره والله يصلح أمره ... لو أن خطايا العالمين على ظهري
133 - قال شيخ من تميم: صلى بنا سفيان المغرب فقرأ الفاتحة، فلما بلغ نستعين بكى حتى قطع القراءة، ثم عاد، ثم عاد. فلما صلى التفت فقال: ما ينبغي لمثلي أن يتقدم، فما تقدم حتى مات.
134 - بعضهم: صلّيت خلف ذي النون المصري (2) فلما أراد أن يكبر رفع يديه فقال الله، ثم بهت فبقي كأنه جسد لا روح فيه إعظاما لربه، ثم قال: الله أكبر، فظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره.
135 - أوحى الله إلى داود: يا داود كذب من ادعى محبتي وإذا جنّه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه.
__________
(1) أبو دلامة: هو زند بن الجون تقدّمت ترجمته.
(2) ذو النون المصري: هو ثوبان بن إبراهيم الأخميمي الزاهد المتوفّى سنة 24هـ.
تقدّمت ترجمته.(2/267)
136 - بركة الأزدي (1): توضأ مكحول (2) في منزلي، فأتيته بمنديل، فتمسح بقبائه (3) وقال: الوضوء بركة وأنا أحب أن لا تعدو البركة ثوبي.
137 - الحسن: إذا بكيت من خشية الله فلا تمسح دموعك فإنه أنور لوجههك، وإذا توضأت للصلاة فلا تمسح وضوءك فإنه أنور لوجهك إذا قمت بين يدي ربك.
138 - نظر الجماز (4) إلى رجل يخفف الصلاة فقال: لو رآك العجاج لهزج بك، قال: كيف؟ قال: لأن صلاتك أرجوزة.
139 - قيل لماجن: لم لا تصلي؟ قال: ألا يكفيني أن أدوس الأرض حتى أنطحها.
140 - صلى أعرابي صلاة خفيفة ثم قال: اللهم زوجني الحور العين. فقال له عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة.
141 - استأذن القاضي أبو يوسف (5) على المتوكل فقال لعبادة (6):
أخرج، فشارطه على أن يلزم الحائط ساكتا، وتوعده إن نطق بحرف أن
__________
(1) بركة الأزدي: ذكره أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (5: 178) ولم يترجم له.
(2) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل الشامي المتوفّي سنة 112هـ.
تقدّمت ترجمته.
(3) القباء: ثوب يلبس فوق الثياب.
(4) الجماز: هو محمد بن عمرو الجماز ابن أخت سلم الخاسر. شاعر أديب من أهل البصرة. تقدّمت ترجمته.
(5) أبو يوسف: هو أبو يوسف الأعور. تولّى القضاء بسامراء للمتوكل العباسي، وهو غير أبي يوسف قاضي الرشيد وهو يعقوب بن إبراهيم.
(6) عبادة: هو عبادة المخنث. كان في أيام المأمون وقد زامله في بعض أسفاره، ونادم المتوكل. تقدّمت ترجمته.(2/268)
يقتله، فأقبل على القاضي يسأله عن مسائل من الفقه، إلى أن سأله عن رجل يصلي فرمى بطرفه إلى ثوبه فرأى دابة، فقال يردها إلى سبعين، قال: فإن رأى أخرى؟ قال: يفعل بها مثل ذلك، قال: فإن رأى أخرى؟
فابتدر عبادة فقال: هذا لم يكن في الصلاة إنما كان في الصيد.
142 - عبد الله بن المبارك:
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
143 - تقدم أعرابي يصلي بالناس، فقرأ الفاتحة بفصاحة وبيان، ثم قال:
ويوسف إذ دلاه أولاد علّة ... فأصبح في قعر الركية ثاويا (1)
144 - كان أويس القرني لا ينام ليله ويقول: ما بال الملائكة لا تفتر ونحن نفتر.
145 - أنس: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من هذا الفتى. يعني عمر بن عبد العزيز، وحزروا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده نحوها.
146 - حذيفة (2): كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا حزبه (3) أمر فزع (4) إلى الصلاة.
147 - هشام بن عروة: كان أبي يطيل المكتوبة، ويقول: هو رأس المال.
__________
(1) الركيّة: البئر.
(2) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان المتوفّى سنة 36هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) حزبه أمر: اشتدّ عليه.
(4) فزع إلى الصلاة: لجأ إليها.(2/269)
148 - يونس بن عبيد: ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفرائض.
149 - علي رضي الله عنه: لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم.
150 - أبو الطفيل (1): سمعت أبا بكر الصديق يقول: يا أيها الناس قوموا إلى ناركم فاطفئوها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر.
151 - حسان بن عطية (2): إن الرجلين ليكونان في صلاة واحدة وإن ما بينهما لكما بين السماء والأرض.
152 - جابر (3): قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق. قال: لعل قراءته ستنهان.
153 - وهيب بن الورد: نظرنا في هذا الأمر فلم نجد شيئا أرد لهذه القلوب ولا أشد استجلابا للحزن من قراءة القرآن وتدبره.
154 - صلى الحجاج إلى جنب ابن المسيب (4) فرآه يرفع قبل الإمام ويضع، فلما سلم أخذ بثوبه حتى فرغ من صلاته ودعائه، ثم رفع نعليه على الحجاج وقال: يا سارق، يا خائن، تصلي هذه الصلاة! لقد هممت
__________
(1) أبو الطفيل: هو عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثي الكناني. شاعر كنانة وفارسها ولد سنة 3هـ. وكان يتشيّع للإمام علي وحمل رايته في بعض وقائعه. توفي بمكة سنة 100هـ. وهو آخر من توفّى من الصحابة فيها. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 335وتهذيب ابن عساكر 7: 200والذريعة 1: 317.
(2) حسان بن عطية: هو حسان بن عطية المحاربي، من ثقات رواة الحديث. ذكره البخاري في الأوسط في فصل من مات من العشرين إلى الثلاثين ومائة. راجع ترجمته في حلية الأولياء 6: 70وتهذيب التهذيب 2: 251.
(3) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة 78هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) ابن المسيّب: هو سعيد بن المسيب المخزومي. تابعي، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. توفي سنة 94هـ. تقدّمت ترجمته.(2/270)
أن أضرب بهما وجهك. وكان الحجاج حاجا فرجع إلى الشام، وجاء واليا على المدينة، ودخل من فوره المسجد قاصدا مجلس سعيد، فقال له:
أنت صاحب الكلمات؟ قال: نعم أنا صاحبها، قال: جزاك الله من معلم ومؤدب خيرا، ما صليت بعدك من صلاة إلا وأنا ذاكر قولك.
155 - جزأ محمد بن المنكدر (1) الليل عليه وعلى أمه وعلى أخته أثلاثا فماتت أخته، فجزأه عليه وعلى أمه نصفين، فماتت أمه، فقام الليل كله.
156 - كان مسلم بن يسار إذا أراد أن يصلي في بيته قال لأهله:
تحدثوا فلست أسمع حديثكم. وكان إذا دخل البيت سكت أهله لا يسمع لهم كلام، فإذا قام إلى الصلاة تكلموا وضحكوا. ووقع حريق إلى جنبه وهو في الصلاة فما شعر به حتى أطفىء.
157 - قال معاوية بن قرة (2) لمسلم بن يسار أنبئت أنك لا تلتفت في صلاتك، فقال: إن كان البصر لا يلتفت فالقلب يلتفت.
158 - أنس: ما أعرف شيئا أدركت عليه أصحابي إلا هذه الصلاة، ولقد صنعتم فيها ما لا أعرف.
159 - كان عبد الله بن غالب (3) صاحب ابن مسعود يصلي الضحى مائة ركعة.
__________
(1) محمد بن المنكدر: زاهد من ثقات رجال الحديث وسادات القرّاء ولد سنة 54هـ في المدينة وأدرك بعض الصحابة وروى عنهم. توفي سنة 130هـ. وعمره 76سنة.
راجع ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 5: 155والبيان والتبيين 3: 173.
(2) معاوية بن قرّة: هو معاوية بن قرّة بن أياس بن هلال بن رباب المزني. من أهل البصرة من ثقات رجال الحديث. كان زاهدا. توفي سنة 113هـ. وهو ابن 76 سنة. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 216.
(3) عبد الله بن غالب: هو عبد الله بن غالب العداني. من عباد أهل البصرة. كان يعصّ في المسجد الجامع وقتل بالجماجم يوم الزاوية سنة 83هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 2: 256.(2/271)
160 - كعب (1): لو أن أحدهم يعلم ما ثوابه في ركعتي التطوع لرآهما أعظم من الجبال الرواسي. فأما المكتوبة فإنها أعظم من أن يستطيع أحد أن يقول فيها.
161 - كان الحمام يقع على رأس ابن الزبير في المسجد الحرام تحسبه جذعا منصوبا لطول انتصابه في الصلاة. وكانت العصافير تقع على ظهر إبراهيم بن شريك (2) ساجدا كما تقع على الحائط.
162 - صلى الوليد بن أبي معيط (3) صلاة الفجر بالناس ثملا (4) أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال: أأزيدكم؟ فقال الحطيئة:
شهد الحطيئة حين يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سكرا وما يدري
أأزيدكم خيرا ولو سكتوا ... زادت صلاتهم على عشر
163 - ختم القرآن في ركعة واحدة أربعة من الأئمة: عثمان بن عفان، وتميم الداري (5)، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة.
__________
(1) كعب: هو كعب الأحبار. تابعي من كبار علماء اليهود في الجاهلية. أسلم وتوفي في حمص سنة 32هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) إبراهيم بن شريك: هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي أبو أسماء الكوفي وقد نسبه الزمخشري إلى جدّه وهو مألوف عند العرب. كان عابدا من ثقات رواة الحديث قتله الحجاج سنة 92هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 176.
(3) الوليد بن أبي معيط: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أخو عثمان بن عفان لأمّه. أسلم يوم فتح مكة. شهد عليه جماعة عند عثمان بشرب الخمر فأقام عليه الحدّ وحبسه. اعتزل الفتنة بين علي ومعاوية ومات بالرقة سنة 61هـ. راجع ترجمته في الإصابة 6: 321.
(4) الثمل: السكران.
(5) تميم الداري: هو تميم بن أوس بن خارجة الداري. صحابي. كان نصرانيا وأسلم سنة 9هـ. أقطعه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قرية حبرون (الخليل بفلسطين) وكان يسكن المدينة.
وهو أول من أسرج السراج بالمسجد. توفي في فلسطين سنة 40هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 1: 310وتهذيب ابن عساكر والإصابة 1: 191.(2/272)
164 - الثوري (1): إذا رأيت الرجل يحرص على أن يوم فأخره.
165 - رأى الأوزاعي شابا بين القبر والمنبر يتهجد، فلما طلع الفجر استلقى ثم قال: عند الصباح يحمد القوم السرى (2)، فقال له: يا ابن أخي لك ولأصحابك، لا للحمالين.
166 - مجاهد (3): من سجد وهو قابض على شيء لعنه ذلك الشيء.
167 - عبد العزيز بن أبي رواد (4): إشارة العبد بإصبعه في الصلاة هي بصبصة العبد.
168 - كان خلف بن أيوب (5) لا يطرد الذباب في الصلاة، فقيل:
كيف تصبر؟ قال: بلغني أن الفساق يتصبرون تحت السياط ليقال لفلان صبور، وأنا بين يدي ربي أفلا أصبر على ذباب يقع علي.
169 - كانت أم خالد بنت سعيد (6) تقول لمولياتها في السحر: حللن
__________
(1) الثوري: هو سفيان بن سعيد الثوري، سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. توفي بالبصرة سنة 161هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) عند الصباح يحمد القوم السرى: يضرب هذا المثل للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة. راجع تفاصيله في مجمع الأمثال للميداني 2: 3طبعة دار القلم.
(3) مجاهد: هو مجاهد بين جبر أبو الحجاج المكي. تابعي مفسّر. توفي سنة 103.
تقدّمت ترجمته.
(4) عبد العزيز بن أبي رواد. كان رجلا صالحا عابدا مجتهدا. كان ابن جريج يعظّمه ويوقّره. مات بمكة سنة 159هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 8: 191وطبقات الشعراني 1: 66.
(5) خلف بن أيوب: كان فقيه أهل بلخ وزاهدهم. ذكره ابن حبان في الثقات قدم إلى نيسابور سنة 203وتوفي سنة 205هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3:
147.
(6) أم خالد بنت سعيد: نسبت إلى جدها وهي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس تكنّى أم خالد وهي مشهورة بكنيتها. تزوجها الزبير بن العوام فهي أم ولديه خالد وعمر. عمّرت عمرا طويلا. راجع ترجمتها في الإصابة 8: 16 و 8: 228.(2/273)
عقد الشيطان فليست بساعة نوم.
170 - أبو صفوان بن عوانة (1): ما من منظر أحسن من رجل عليه بياض، وهو قائم في القمر يصلي، كأنه يشبه الملائكة.
171 - الحسن: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة (2)، كانت تقوم حتّى تورّمت قدماها.
172 - لقمان: لا يكن الديك أكيس (3) منك، هو قائم بالأسحار يصلي وأنت نائم.
173 - الأصمعي: كان أبو مهدية (4) من أحسن من رأيت تدينا من الأعراب، فدعا يوما بوضوء فتوضأ، فقيل له: يا أبا مهدية أتتوضؤون للصلاة فقال: أي والله، إن كان الرجل منا ليتوضأ الوضوءة تكفيه ثلاثة الأيام والأربعة، حتى جاءت هذه الموالي فجعلت تليق أستاهها (5) بالماء فأفسدت علينا ما كنا فيه.
قال: وكان أعرابي من بني ضبة إذا توضأ بدأ بوجهه، ثم يتذرّع (6) ويتكرّع (7)، ثم يغسل فرجه (8) بعد ذلك، وكان يقول لا أبدأ بالخبيثة قبل وجهي.
__________
(1) أبو صفوان بن عوانة: لم نقف له على ترجمة.
(2) فاطمة: هي إبنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجع ترجمتها في كتابنا «زوجات النبي وأولاده» طبعة مؤسسة عزّ الدين.
(3) أكيس: أكثر ظرفا وفطنة.
(4) أبو مهدية: يقال له أبو مهدي من الأعراب الفصحاء الذين روى عنهم البصريون.
ذكره الأصمعي واختار له قصيدة في الصمعيات 37. راجع الفهرست لابن النديم.
(5) الأستاه: جمع است وهي المؤخّرة، الدّبر.
(6) يتذرّع: يغسل ذراعيه.
(7) يتكرّع: يتناول الماء بفيه ويتوضأ للصّلاة.
(8) الفرج: يصح أن تقال للمرأة والرجل.(2/274)
وقال: خرجنا إلى البصرة فنزلنا على ماء لبني سعد، فإذا أعرابية نائمة، فأنبهناها للصلاة، فأتت الماء فوجدته باردا فتركته، وتوجهت إلى القبلة ولم تمس الماء فكبرت ثم قالت: اللهم قمت وأنا عجلى، وصليت وأنا كسلى، فاغفر لي عدد الثرى، قيل عير وما جرى (1). فقلنا لها، فقالت إن صلاتي هذه صلاتي منذ أربعين سنة.
174 - البحتري:
ملك تحببه الملوك وفوقه ... سيما التقى وتخشع العباد
متهجّد يخفي الصلاة وقد أبى ... إخفاءها أثر السجود البادي
175 - قال أشعب (2) لفقيه: ما تقول في صلاة صلّيتها في ثوبين؟
قال: هي جائزة في ثوب فكيف في ثوبين. قال: هما جورب وقلنسوة.
176 - خفف أعرابي صلاته فقام إليه علي رضي الله عنه بالدرّة وقال أعدها، فلما فرغ قال: أهذه خير أم الأولى؟ قال: بل الأولى، قال:
لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله عز وجل، وهذه فرقا (3) من الدرة فضحك علي.
177 - ابن مسعود: إن الإلتفات في الصلاة لجام الشيطان يلجم به الساهي في صلاته، يجذبه يمينا وشمالا، ومن فوقه ومن تحته ليفسد عليه صلاته.
178 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها
__________
(1) العير: هو الناتىء في بؤبؤ العين ومنه قولهم: أتيتك قبل عير ما جرى، أي قبل أن ينتبه نائم. راجع تفاصيل هذا المثل في لسان العرب مادة (عير).
(2) أشعب: هو أشعب بن جبير المعروف بالطامع أخباره كثيرة متفرقة في كتب الأدب.
عاش عمرا طويلا وقيل: أدرك زمن عثمان بن عفان وسكن المدينة في أيامه وتوفي سنة 154هـ. راجع أخباره وطرائفه في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 7طبعة دار الكتب العلمية.
(3) الفرق: الفزع والخوف.(2/275)
كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة، ومن ضيعها حشر مع فرعون وهامان.
179 - الصدّيق (1): يقول إذا حضرت الصلاة: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فاطفئوها.
180 - ابن مسعود: الصلاة مكيال، فمن وفى وفّي له ومن طفف (2)
فقد علم ما قال الله في المطففين.
181 - حاتم الأصم (3): فاتتني الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري (4) وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة الآف، لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا. وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتهم التكبير الأول، وسبعا إذا فاتتهم الجماعة.
182 - قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ادع الله أن يرزقني مرافقتك في الجنة، فقال: أعني بكثرة السجود.
183 - سعيد بن المسيب: ما آسى عليّ شيء من الدنيا إلا على السجود.
ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
184 - قال عامر بن عبد قيس الوسواس يعتريني في الصلاة، فقيل له في أمر الدنيا؟ قال: لئن تختلف في الأسنة أحب إليّ من ذاك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي وأني كيف انصرف. فعدّ ذلك وسواسا.
__________
(1) الصدّيق: أبو بكر الصديق.
(2) طفف: انقص وقلّل.
(3) حاتم الأصم: هو حاتم بن عنوان، ويقال حاتم بن يوسف، وهو أستاذ أحمد بن خضرويه، وهو من قدماء مشايخ خراسان من أهل بلخ. شهد بعض معارك الفتوح مع الترك وزار بغداد. توفي سنة 237هـ. عرف بالزهد والورع راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 241وطبقات الصوفية 91.
(4) أبو إسحاق البخاري: لم نقف له على ترجمة.(2/276)
185 - حبيب الفارسي: لو أن الله تعالى أقامني يوم القيامة وقال:
هل جئت بسجدة ليس للشيطان فيها نصيب؟ لم أقدر عليها.
186 - العباس بن الوليد البصري (1):
وأمامنا أبدا يلوك لسانه ... ويفرقع الضادات في القرآن
وإذا تصدر خاطبا فكأنما ... في حلقه جملان يقتتلان
وله:
وإن قرا تحسب في حلقه ... بطنا من التخمة قد قرقرا
يسمعنا الحمد فنشجى بها ... كأنما يسمعنا منكسرا
ويعلك الكوثر حتى ترى ... كأن في أضراسه كندرا (2)
والله إن عشت إلى يومه ... لأنثرن اللوز والسكرا
187 - عمر بن أبي جميل (3):
وما زكى الآله صلاة قوم ... يؤم جباههم خصيا مريسي (4)
188 - قيل لصوفي: رفع اليدين في الصلاة أفضل أم إرسالهما؟
فقال: رفع القلب إلى الله أنفع منهما جميعا.
189 - علي عليه السّلام: تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: {مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [5] قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
__________
(1) العباس بن الوليد البصري: لم نقف له على ترجمة.
(2) الكندر: اللبان.
(3) عمر بن أبي جميل: لم نقف له على تارجمة.
(4) مريس من بلدان الصعيد وقيل: أدنى بلاد النوب التي تلي أرض أسوان. يريد القول: يؤمهم رجل أسود من مريس وكنى عنه بخصييه تحقيرا له.
(5) سقر: من أسماء جهنم.(2/277)
{الْمُصَلِّينَ} (1)، وإنّها لتحت الذنوب حت (2) الورق، وتطلقها إطلاق الربّق (3). وشبهها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحمة (4) على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقي عليه من الدرن (5).
وقد عزب حقها من المؤمنين الذين لا تشغلهم زينة متاع، ولا قرة عين من ولد ولا مال. يقول الله تعالى: {رِجََالٌ لََا تُلْهِيهِمْ تِجََارَةٌ وَلََا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللََّهِ} (6).
190 - وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نصبا (7) بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلََاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهََا} (8). فكان يأمر أهله يصبر عليها نفسه.
191 - وكتب إلى أمراء الأجناد (9) أما بعد فصلوا بالناس الظهر حين تفيء الشمس من مربض العنز. وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو (10)
من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع الحاج (11). وصلوا بهم العشاء حين تتوارى الشمس إلى ثلث الليل.
وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه. وصلوا بهم صلاة أضعفهم
__________
(1) سورة المدثر، الآيتان: 42و 43.
(2) حتّ الورق: قشره.
(3) الرّبق: حبل فيه عدّة عرى كل منها ربقة. يشبه الذنوب بحبل ملتف على الأعناق لا تحلّ ربقه سوى الصلاة.
(4) الحمّة: عين ماؤها معدنية حارة يستشفى بها من العلل وخاصة ضعف الأعصاب.
(5) الدرن: الوسخ.
(6) سورة النور، الآية: 37.
(7) النصب: التعب.
(8) سورة طه، الآية: 132.
(9) الأجناد: جمع الجند وهو البلد.
(10) قوله في عضو من النهار: أي في جزء منه.
(11) فاض القوم من المكان: اندفعوا منه وتفرّقوا.(2/278)
ولا تكونوا فتانين (1).
وعنه: إن للقلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض.
192 - قالوا: خيار المسلمين يتوضؤون قبل الوقت، وأوسطهم في أوله، وأدناهم في آخره.
193 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا أذن المؤذن هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء (2)، وهي من المدينة على ثلاثين ميلا.
194 - كان عثمان بن عفان يقول إذا نودي للصلاة: مرحبا بالقائلين عدلا، وبالصلاة مرحبا وأهلا.
195 - سمعت امرأة مؤذنا يؤذن بعد طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم، فقالت: النوم خير من هذه الصلاة.
196 - مر سكران بمؤذن رديء الحنجرة، فجلد به الأرض وجعل يدوس بطنه، واجتمع عليه الناس فقال: ما بي رداءة صوته، ولكن شماتة اليهود والنصارى بالمسلمين.
197 - العباس المصري (3):
لقد كانت مساجدنا تنير ... ولم يك في الثغور لها نظير (4)
فلم يزل الحسود لنا حسودا ... إلى أن صار مسجدنا الكبير
يؤذن في منارته ابن آوى ... ويخطب فوق منبره البعير
__________
(1) فتن الإمام المصلين: نفرّهم من الصلاة بتطويلها.
(2) الروحاء: موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة. راجع معجم البلدان 3: 76.
(3) العباس المصري: لم نقف له على ترجمة.
(4) الثغر: المكان الذي يخاف منه هجوم العدوّ، وهو الحدّ بين المتعادين.(2/279)
198 - أبو الدرداء (1): من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ.
199 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: صلاة على أثر سواك (2) أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك.
200 - حذيفة (3): كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام ليتهجد يشوص (4) فاه بالسواك.
201 - عليه السّلام: خير خصال الصائم السواك.
وعنه: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب.
وعنه: لو علم الناس ما في السواك لبات مع الرجل في لحافه.
202 - علي عليه السّلام: أفواهكم طرق ربكم فنظفوها.
203 - جعفر بن محمد الصادق لمن قال له. أكلّ من نرى ناس:
ألق عنهم تارك السواك، والمستمره (5) من غير علة، والمتشعث من غير مصيبة، والمتربع في المكان الضيق. والمفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم، وأولئك كالخلنج (6) يلشط لحاء (7) عن لحاء حتى يعود إلى جوهره.
204 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود، لا
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك المتوفّى سنة 32هـ. تاقدّمت ترجمته.
(2) السواك: تنظيف الأسنان بالمسواك. والمسواك هو العود الذي يستعمل لهذه الغاية كان يؤخذ من أغصان شجر الأراك.
(3) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان المتوفّى في المدائن سنة 36هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) شاص أسنانه: دلكها ونقّاها من فضلات الطعام بواسطة المسواك.
(5) المستمره: والفعل مره. ومرهت العين: خلت من الكحل.
(6) الخلنج: نوع من الشجر تصنع من خشبه غلايين التدخين والأواني.
(7) لحاء الشجرة: قشرها.(2/280)
يهمهم حساب، ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس:
رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تعالى وأمّ قوما وهم به راضون، ورجل أذّن في مسجد ودعا إلى الله ابتغاء وجه الله تعالى، ورجل ابتلي برقّ في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة.
وعنه عليه السّلام: يد الله على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه.
205 - قيل في قوله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعََا إِلَى اللََّهِ} (1)
نزل في المؤذنين.
206 - الخدري (2) رفعه: يغفر للمؤذن مدى صوته، ويشهد له ما سمعه من رطب ويابس.
207 - أنس (3): من أذن من نية صادق لا يطلب عليه أجرا حشر يوم القيامة فوقف على باب الجنة، فقيل له: إشفع لمن شئت.
208 - أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: معاشر الأنبياء، فنوافي بمن معنا من المؤمنين المحشر، فنحشر على الدواب. ويحشر صالح (4) على ناقته، ويحشر بلال (5) على ناقة من نوق الجنة، ويحشر ابنا فاطمة (6) على ناقتي العضباء والقصواء (7)، وأحشر أنا
__________
(1) سورة فصلت من الآية: 33.
(2) الخدري: هو سعد بن مالك بن سنان الصحابي المتوفّى بالمدينة سنة 74هـ.
تقدّمت ترجمته.
(3) أنس: هو أنس بن مالك، خادم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم المتوفّى بالبصرة سنة 93هـ.
تقدّمت ترجمته.
(4) صالح: هو النبي صالح عليه السّلام.
(5) بلال: هو بلال بن رباح الحبشي، مؤذن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم المتوفّى في طاعون عمواس سنة 18هـ. (وقيل سنة 20هـ). تقدّمت ترجمته.
(6) ابنا فاطمة: هي فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وإبناها هما: الحسن والحسين.
(7) في «تركة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم»: «كانت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم القصواء من نعم بني قشير.
ابتاعها أبوبكر الصديق وأخرى معها فأخذها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي التي هاجر عليها وكانت حين قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رباعية فلم تزل عنده حتى نفقت وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء، كل هذا كان يقال لها، القصواء قطع في أذنها يسير، والعضباء مثلها، والجدعاء النصف من الأذن» راجع تركة النبي ص 100وراجع ابن سعد في الطبقات 1: 492من طريق الواقدي.(2/281)
على البراق (1) خطوها عند أقصى طرفها. ينادي بلال بالأذان محضا وبالشهادة حقا حقا، حتى إذا بلغ أشهد أن محمدا رسول الله شهد بها جميع الخلائق من الأولين والآخرين، فقبلت ممن قبلت، ردت على من ردت عليه.
209 - عدي بن حاتم (2): ما جاء وقت صلاة قط إلا وقد أخذت أهبتها، وما جاءت إلا وأنا إليها بالأشواق.
210 - عامر بن عبد قيس: لا تكن كعبد السوء لا يأتي حتى يدعى، إيت الصلاة قبل النداء.
211 - علي رضي الله عنه: إذا مات العبد بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء.
212 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: زكاة الجسد الصيام.
وعنه عليه السّلام: للصائم فرحتان: فرحة عند الإفطار، وفرحة عند لقاء ربه.
__________
(1) البراق: دابة ركبها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة المعراج. وقيل: هي دابة يركبها الأنبياء عليهم السّلام، وقيل: هي فرس جبرائيل عليه السّلام. راجع لسان العرب (مادة برق).
(2) عدي بن حاتم: هو عديّ بن حاتم الطائي، رئيس طيّ في الجاهلية والإسلام.
صحابي من الأجواد. أسلم سنة 9هـ. شهد فتح العراق وشهد الجمل وصفين والنهروان مع الإمام علي. عاش أكثر من مائة سنة، وتوفي سنة 68هـ. راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 5477والروض الأنف للسهيلي 2: 343.(2/282)
213 - وكيع (1): في قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمََا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيََّامِ الْخََالِيَةِ} (2)، هي أيام الصوم، تركوا فيها الأكل والشرب.
214 - سمعت إمرأة: صوم يوم كفارة سنة، فصامت إلى الظهر ثم أفطرت وقالت: تكفيني ستة أشهر.
215 - قيل لمدني: أتحب رمضان؟ فقال: لا والله، ما اتهنأ بشهور سائر السنة من أجله، فكيف أحبه؟.
216 - ابن الرومي: رمضان بين شعبان وشوال كمخشلبة (3) بين درّتين.
217 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: يحبه (4) الصائم الطيب.
218 - علي عليه السّلام: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم.
219 - أسلم مجوسي فثقل عليه الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل، فسمع ابنه حسه فقال: من هذا؟ قال: أبوك الشقي يأكل خبز نفسه ويفزع من الناس.
220 - محمد بن إسحاق الطرسوسي (5)، وكان ماجنا خليعا:
نهار الصيام حلول الشقاء ... وليل التروايح ليل البلاء (6)
__________
(1) وكيع: هو وكيع بن الجراح محدّث أهل العراق المتوفّى سنة 197هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) سورة الحاقة، الآية: 24.
(3) المخشلبة: خرز أبيض شبيه بالدّر والكلمة نبطية.
(4) الهاء في «يحبه» يعود إلى شهر رمضان.
(5) الطرسوسي: ذكره المرزباني في معجم البلدان وقال: ما جن، خبيث، يكثر القول في مدح شوال وذم رمضان.
(6) الترويحة في شهر رمضان: سمّيت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات. وفي الحديث: صلاة التراويح لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.
تمارض تحل لك الطيبات ... وبعض التمارض كل الشفاء
وإن كان لا بد من صومه ... فأكثر من الصوم بعد العشاء
وإن كنت لا تستحلّ المدام ... فعاد الصيام بخبز وماء
ولا بأس بالفطر نصف النهار ... إذا كنت ذائقة بالخفاء (1)
أنا الطرسوسي طر الهدى ... وسوس التقي وأبو الأشقياء (2)
221 - من أراد المداومة على الصيام فلا يدع ثلاثا: السحور، والقيلولة، والدهن على رأسه.(2/283)
__________
(6) الترويحة في شهر رمضان: سمّيت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات. وفي الحديث: صلاة التراويح لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.
تمارض تحل لك الطيبات ... وبعض التمارض كل الشفاء
وإن كان لا بد من صومه ... فأكثر من الصوم بعد العشاء
وإن كنت لا تستحلّ المدام ... فعاد الصيام بخبز وماء
ولا بأس بالفطر نصف النهار ... إذا كنت ذائقة بالخفاء (1)
أنا الطرسوسي طر الهدى ... وسوس التقي وأبو الأشقياء (2)
221 - من أراد المداومة على الصيام فلا يدع ثلاثا: السحور، والقيلولة، والدهن على رأسه.
222 - أراد يزيد بن الأسود (3) الغزو، فقالوا: لو أفطرت فقال: أفي نفسي تعاتبوني؟ فو الله لا أوطأت لها فراشا، ولا أشبعتها طعاما حتى تلحق بالذي خلقها.
223 - أبو هريرة رفعه: من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر.
224 - الزهري (4): عجبا للناس تركوا الاعتكاف (5)، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل الشيء ويتركه، ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن فارق الدنيا.
225 - وعن عطاء الخراساني (6): مثل المعتكف كمثل عبد ألقى
(1) رواية المرزباني في معجم الشعراء: ولا بأس «بالشرب».
(2) سقط هذا البيت من معجم الشعراء واستبدل ببيت آخر.
(3) يزيد بن الأسود: يكنّى أبا حاجزة. قيل إنه من أهل مكة، وقيل هو حجازي. كان حليف قريش، وكان مشركا وأسلم وصحب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وروى عنه. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 378وتهذيب التهذيب 11: 313.
(4) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري، أول من دوّن الحديث. توفي سنة 124هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) الإعتكاف: أراد ملازمة المسجد للعبادة.
(6) عطاء الخراساني: هو عطاء بن أبي مسلم الخراساني. ولد سنة 50هـ، وكان تقيا من رواة الحديث. توفي سنة 135هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 5: 193 وطبقات ابن سعد والتهذيب 7: 212.(2/284)
نفسه بين يدي الله، يقول: لا أبرح حتى تغفر لي.
226 - الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد فقام عليهم فقال:
بشّر الكاثرين (1) برضف (2) تحمي عليهم في نار جهنم فتوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى تخرج من نغض (3) كتفه، وتوضع على نغض كتفه حتى تخرج من حلمة ثديه، هو أبوذر الغفاري رحمه الله، وقد رفعه.
227 - أبو هريرة رفعه: يوشك أن يأتي على الناس زمان يشق على الرجل أن يخرج زكاة ماله.
228 - بريدة (4) رفعه: ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر.
229 - عائشة رفعته: ما خالطت الزكاة مالا قط إلا أهلكته.
230 - ابن عباس رفعه: من كان عنده ما يزكى فلم يزك، ومن كان عدنه ما يحج به فلم يحج سأل الرجعة. يعني قوله تعالى: {رَبِّ ارْجِعُونِ} (5).
231 - محمد بن الحنفية: عن عليّ عليه السّلام: إن الله جل وعز افترض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم عليه ثم يعذبهم.
232 - بكر بن النطاح الحنفي (6):
__________
(1) قوله بشّر الكافرين: أي أصحاب الأموال الكثيرة الذين لا يزكونها.
(2) الرضف: الحجر المحمّى بالنار.
(3) النغض: أعلى منقطع غضروف الكتف.
(4) بريدة: هو بريدة بن الحصيب الأسلمي المتوفّى بمرو سنة 63هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) سورة المؤمنين من الآية: 99.
(6) بكر بن النطاح الحنفي: كان شجاعا فارسا شاعرا غزلا، من أصدقاء أبي العتاهية.
مدح الرشيد العباسي وحظي عند أبي دلف. توفي سنة 192هـ. راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 79وتاريخ بغداد 7: 90والبداية والنهاية 10: 208.(2/285)
ملأت يدي من الدنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجبت عليّ زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على جواد
233 - أبو هريرة رفعه: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي الصدقة أفضل؟
قال: أن تعطي وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا.
234 - أبوذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟
قال: جهد من مقل مشى به إلى فقير.
235 - علي عليه السّلام: إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك، فيوافيك به حيث تحتاج إليه، فاغتنم حمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده. واستغنم من استقرضك في حال غناك، وقضاك في يوم عسرتك، فإن أمامك عقبة كؤودا، المخفف فيها أحسن حالا من المثقل، والمبطىء عليها أقبح أمرا من المسرع، وإن مهبطك منها لا محالة على جنة أو نار.
236 - الصدقة صداق الجنة:
237 - قيل للشبلي (1): ما يجب في مائتي درهم؟ فقال: أما من جهة الشرع فخمسة دراهم، وأما من جهة الإخلاص فالكل.
238 - عثمان، رضي الله عنه: تاجروا الله بالصدقة تربحوا.
239 - كان أيوب السختياني يؤدي زكاة ماله في السنة مرتين، ويقول: اختلفوا علينا. فيدفعها مرة إلى المساكين، ومرة إلى الإمام.
__________
(1) الشبلي: هو أبوبكر الشبلي الأشرونسي. اختلفوا في اسمه. ولد بسامراء سنة 247هـ. وولى الحجابة للموفق العباسي. اشتهر بالصلاح، وساح في الأرض وعاد إلى بغداد ومات فيها سنة 334هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 389 والمنتظم 6: 347والوفيات 1: 180.(2/286)
240 - دخلت امرأة شلّاء (1) على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن شللها، فقالت: كان أبي يحب الصدقة وأمي تبغضها، لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقانة (2)، فرأيتها في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأنها قد غطت عورتها بالخلقانة، وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش، فذهبت إلى أبي، وهو على حافة حوض يسقي الناس، فطلبت منه قدح ماء، فسقيته أمي، فنوديت من فوقي: ألا من سقاها فشل الله يدها، فانتبهت كما ترين.
241 - وقف سائل على امرأة تتعشى، فقامت فوضعت لقمة في فيه، ثم بكرت إلى زوجها في مزرعته، فوضعت ولدها، وقامت لحاجة لها فاختلسه الذئب، فوقفت وقالت: يا رب، ولدي. فأتى آت آخذ بعنق الذئب، فاستخرجت ولدها من فيه بغير أذى ولا ضرر، وقال لها: هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل.
242 - عشش ورشان (3) في شجرة في دار رجل، فلما همت فراخه بالطيران زينت له امرأته أخذها، ففعل ذلك مرارا. فشكا الورشان إلى سليمان عليه السّلام فقال: يا رسول الله أردت أن يكون لي أولاد يذكرون الله من بعدي، فزجل الرجل، ثم أخذها بأمر امرأته، فأعاد الورشان الشكوى، فقال صح: إذا رأيتماه يصعد الشجرة فشقاه بنصفين. فلما أراد أن يصعدها اعترضه سائل، فذهب فأطعمه كسرة من خبز شعير، ثم صعد فأخذ الفراخ. فشكا الورشان، فقال للشيطانين، فقالا: اعترضنا ملكان فأخذا بعنقينا فطرحانا في الخافقين.
243 - أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة أن تقسم شاة، فقالت: يا نبي الله
__________
(1) المرأة الشلّاء: التي أصابها الشلل.
(2) الخلقانة: أراد شيئا باليا كالثوب وما شابه ذلك.
(3) الورشان: جمع وراشين، طائر بحجم الحمامة أو أكبر بقليل يهاجر جماعات إلى العراق والشام.(2/287)
ما بقي منها إلا عنقها، فقال صلّى الله عليه وسلّم: كلها بقيت إلّا عنقها. ومنه قوله:
يبكي على الذاهب من ماله ... وإنما يبقى الذي يذهب
244 - النخعي (1): كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدق بشيء دفع عنه.
245 - لما بلغ عبد الرحمن بن أبي سبرة (2) ظهور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كسر صنما لسعد العشيرة (3) اسمه فراص (4) وأقبل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسلما، وقال:
تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى ... وخلفت فراصا بدار هوان
شددت عليه شدة فتركته ... كأن لم يكن والدهر ذو حدثان (5)
ولما رأيت الله أظهر دينه ... أجبت رسول الله حين دعاني
فأصبحت للإسلام ما عشت ناصرا ... وألقيت فيه كلكلي وجراني (6)
فمن مبلغ سعد العشيرة أنني ... شريت الذي يبقي بآخر فان
246 - كان رجل يضع الصدقة ويمثل قائما بين يدي الفقير يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائل: وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ
__________
(1) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد، صحابي ولد سنة 46هـ. وتوفي سنة 96هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) ابن أبي سبرة: كان اسمه عزيزا أو عبد العزّى فسمّاه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عبد الرّحمن.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 160.
(3) سعد العشيرة: هو سعد العشيرة بن مالك بن أدد، من كهلان، من القحطانية، جدّ جاهلي، بنوه عدة بطون: الحكم، وصعب، وجعفيّ، وزيد الله، ونمرة، وجسر، وعائذ الله، سمّي سعد العشيرة لأنه كان يركب ومعه أبناؤه وأبناء أبنائه وهم نحو مئة رجل، فإذا سئل عنهم يقول: هؤلاء عشيرتي. راجع ترجمته في نهاية الأرب 240 وجمهرة الأنساب 383.
(4) فراص: اسم صنم. راجع كتاب الأصنام لابن الكلبي.
(5) حدثان الدهر: أراد ويلاته ومصائبه.
(6) الكلكل: الصدر. والجران: باطن العنق.(2/288)
الفقير الصدقة ويده هي العليا.
247 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الخلافة على تركته.
وعنه: الصدقة تسد سبعين بابا من الشر.
وعنه: ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام.
248 - عيسى عليه السّلام: من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام.
249 - كان نبينا صلّى الله عليه وسلّم لا يكل خصلتين إلى غيره: كان يصنع غبره (1)
بالليل ويخمره (2) بيده، وكان يناول المسكين بيده.
وعنه: ما من مسلم يكسو مسلما إلا كان في حفظ الله ما دامت عليه منه رقعة.
250 - عروة بن الزبير: تصدقت عائشة بخمسين درهما وإن درعها (3)
لمرقع.
251 - عبد العزيز بن عمير (4): الصلاة تبلغك نصف الطريق (5)، والصوم يبلغك باب الملك (6)، والصدقة تدخلك عليه.
252 - خرج الربيع بن خثيم (7) في ليلة شاتية فرأى سائلا، وعليه
__________
(1) الغبرة: ما بقي من اللبن في الضرع.
(2) يخمره: يغطيه.
(3) الدرع: الثوب الذي تلبسه المرأة في بيتها.
(4) عبد العزيز بن عمير: لم نقف له على ترجمة.
(5) الطريق: مراسم الله تعالى وأحكامه التكليفيّة المشروعة التي لا رخصة فيها. راجع كشاف التهانوي.
(6) الملك: أراد الله تعالى.
(7) الربيع بن خثيم: هو أحد الثمانية من الزهّاد في عصره، شهد مع الإمام عليّ صفين، ويعدّ من كبار التابعين وثقات رواة الحديث. اشتهر بالعبادة والزهد ومات بعد قتل الحسين سنة 63هـ. راجع ترجمته في طبقات الشعراني 1: 31وحلية الأولياء 2:
105 - والتهذيب 3: 242.(2/289)
برنس من خز، فأعطاه إياه، ولا قوله تعالى: {لَنْ تَنََالُوا الْبِرَّ حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ} (1). وكان يصنع الطعام للخبيص (2). ويأتي بجار له مصاب فيلقمه. فيقولون هذا لا يدري ما يأكل؟ فيقول: لكن الله يدري.
253 - ابن مسعود: إن رجلا عبد الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له، وردّ عليه عمل السبعين سنة.
254 - يحيى بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة.
255 - عمر رضي الله عنه: إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن.
256 - وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله تعالى يقول: {لَنْ تَنََالُوا الْبِرَّ حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ} (3)، والله يعلم أني أحب السكر.
257 - عبيد بن عمير (4): يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، فمن أطعم لله أشبعه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسا لله كساه الله.
258 - الشعبي: من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من الفقير
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 92.
(2) الخبيص: نوع من الحلواء المخبوصة من التمر والسمن. والخبص هو الخلط.
(3) سورة آل عمران، الآية: 92.
(4) عبيد بن عمير: هو عبيد بن عمير بن قتادة بن سعيد الليثي، أبو عاصم المكي.
تابعي، ولي القضاء في مكة، وفي «حلية الأولياء» وصف بالواعظ الصغير. راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 116والبيان والتبيين 1: 367.(2/290)
إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه.
259 - فضيل: بلغني أن رجلا وامرأته كانا يعيشان بغزلها، فانطلق به إلى السوق يوما فباعه بدرهم، ثم مر برجلين يختصمان، وقد تآخذا بشعورهما، فسال: فيم يختصمان؟ فقيل في درهم، فدفع درهمه إليهما وفرّع بينهما (1)، فقالت امرأته: أصبت ووفقت. فذهب اليوم الآخر بمثله فبار عليه، فلقيه بائع سمكة بارت عليه، فاشتراها منه بغزله، فوجدت امرأته في جوفها درة، فباعها بمائة وعشرين ألفا.
فوقف سائل على الباب فشاطراه. فذهب ثم رجع وقال: أنا رسول ربك، فقد ابتلاك في الضراء فوجدك صبورا كريما، وفي السراء فوجدك شكورا كريما، وأعطاك بالدرهم الذي فرعت به أربعة وعشرين قيراطا، عجل لك منها قيراطا واحدا، وذخر لك ثلاثة وعشرين قيراطا يعطيها في الآخرة.
260 - الحسن بن صالح بن حييّ (2) كان إذا جاءه سائل فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن أعطاه دهنا أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن أعطاه كحلا، أو خرج بإبرة وخيط فرقع به ثوب السائل.
ووقف على بابه سائل بالليل فلم يجد شيئا، فأخرج إليه قصبة في رأسها شعلة قال خذها وابلغ بها إلى أبواب ناس لعلهم يعطونك.
__________
(1) فرّع بين الخصمين: فصل بينهما وأصلح.
(2) الحسن بن صالح بن حييّ: أبو عبد الله، من زعماء الفرقة البترية من الزيدية. كان فقيها مجتهدا متكلّما. أصله من ثغور همدان. قال الطبري: كان اختفاؤه مع عيسى بن زيد في موضع واحد سبع سنين، والمهدي جاد في طلبهما، وهو من أقران سفيان الثوري، ومن رجال الحديث الثقات، وقد طعن فيه جماعة لما كان يراه من الخروج بالسيف على أئمة الجور. ولد سنة 100هـ. وتوفي سنة 168هـ.
راجع ترجمته في الفرق بين الفرق 24وميزان الاعتدال 1: 230وذيل المذيل 105 والأعلام للزركلي 2: 193.(2/291)
261 - الربيع بن خثيم: ما كان يتصدق إلا برغيف صحيح ويقول:
إني لأستحيي أن تكون صدقتي كسرا.
262 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: استفرهوا ضحايكم فإنها مطابكم على الصراط.
263 - وجه رجل ابنه في تجارة، فمضت أشهر ولم يقف على خبر، فتصدق برغفين، وأرخ ذلك اليوم، فلما كان بعد ذلك بسنة رجع ابنه سالما رابحا، فسأله عما أصابه؟ فقال: غرقت السفينة في وسط البحر، فإذا أنا بشابين أخذاني وطرحاني على الشط وقالا: قل لوالدك هذا برغيفين، فكيف لو تصدقت بزيادة.
264 - في الحديث: أن آدم عليه السّلام لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا: برّ صحبك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
وفيه: إن الله ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض، فأول من ينظر إليه أهل الحرم، وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام، فمن رآه طائفا غفر له، ومن رآه مصليا غفر له، ومن رآه قائما مستقبل الكعبة غفر له.
265 - مجاهد (1): إن الحاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل، وصافحوا ركبان الحمر، واعتنقوا المشاة اعتناقا.
266 - كان من سنّة السلف أن يشيّعوا الغزاة، وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم، ويسألوهم الدعاء لهم، ويبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام.
267 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا أكملهم الله بالملائكة، وإن الكعبة تحشر
__________
(1) مجاهد: هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم، تابعي، مفسّر أخذ التفسير عن ابن عباس. تنقّل في البلدان كثيرا واستقرّ بالكوفة مدة وتوفي بمكة سنة 103هـ. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 6: 242.(2/292)
كالعروس المزفوفة، وكل من حجها يتعلقون بأستارها، يسعون حولها، حتى تدخل الجنة فيدخلون معها.
268 - في الحديث: أن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة.
وفيه: أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله تعالى لم يغفر له.
وفيه: استكثروا من الطواف بالبيت، فإنه من أقل شيء تجدونه في صحفكم يوم القيامة، وأغبط عمل تجدونه.
269 - بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو من أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجة الوداع، وكان واقفا إذا نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلََامَ دِيناً} (1). قال أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد نزلت في عيد يومين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو واقف بعرفة.
270 - كان بدوي يخاصم حاجا عند منصرف الناس، فقيل له:
أتخاصم رجلا من الحاج؟ فقال:
يحج لكيما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب
271 - كان سعيد بن وهب (2) على البطالة قد رق قلبه، فحج ماشيا، فجهد فقال:
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 3.
(2) سعيد بن وهب: كان شاعرا خليعا ماجنا أشتهر في الغزل والخمر ثم تاب ونسك وحجّ، كان صديقا لأبي العتاهية. مات في زمان المأمون. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 9: 73.(2/293)
قدميّ اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب (1)
رب يوم رحتما فيه على ... نضرة الدنيا وفي واد خصيب
فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل فن بنصيب
272 - قيل لامرأة: ما يمنعك من دخول الكعبة؟ فقالت: والله ما أرضى قدمي للطواف فكيف أدخل بهما الكعبة؟.
273 - مكحول (2) قلت للحسن: إني أريد أن أخرج إلى مكة، فقال: لا تصحبنّ رجلا يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه.
274 - عباد بن عباد أردت الحج فأتاني ابن عون (3) فقال: احفظ عني خلّتين (4). عليك بحسن الخلق والبذل، فرأيت في النوم كأن حماد ابن زيد أتاني بحلتين وقال لي: أهداهما إليك ابن عون فقلت: قوّمهما؟
قال: ليس لهما قيمة.
275 - خرج أعشى طي (5) وبشار بن برد حاجين فمرا بزرارة (6)
فاشتهيا خمرها، فأقاما يشربان ورفضا الحج، فقال الأعشى:
ألم ترني وبشارا حججنا ... وكان الحج من خير التجارة
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الشقاء إلى زرارة
__________
(1) اعتورا: تداولا. والقليب: البئر.
(2) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل المتوفّى سنة 112هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن عون: هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني المتوفّى سنة 151هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الخلّة: الخصلة والعادة.
(5) أعشى طيّ: لم نقف له على ترجمة.
(6) زرارة: محلّة بالكوفة سمّيت بزرارة بن يزيد بن عمرو بن عدس من بني البكار، وكانت منزله فأخذها معاوية منه. راجع معجم البلدان 3: 135.
فآب الناس قد حجوا وبروا ... وإبنا موقرين من الخسارة (1)
276 - عمر بن ذر الهمداني (2) لما قضى مناسكه أسند ظهره إلى الكعبة ثم قال مودعا للبيت: ما زلنا نحل لك عروة ونشد أخرى، وتصعد أكمة ونهبط واديا، وتخفضنا أرض وترفعنا أخرى، حتى أتيناك غير محجوبين، فليت شعري بم يكون منصرفنا، أبذنب مغفور؟ فأعظم بها من نعمة! أم بعمل مردود؟ فأعظم بها من مصيبة! فيا من إليه خرجنا وإليه قصدنا، وبحرمته أنخنا، إرحم ملقى الوفد بفنائك، فقد أتينا بها معراة جلودها، ذابلة أسمختها نقبة أخفافها، وإن أعظم الرزية أن نرجع وقد اكتنفنا الخيبة، اللهم وإن للزائرين حقا، فاجعل حقنا غفران ذنوبنا، فإنك جواد ماجد (3) لا ينقصك قائل ولا يحفيك سائل.(2/294)
__________
(6) زرارة: محلّة بالكوفة سمّيت بزرارة بن يزيد بن عمرو بن عدس من بني البكار، وكانت منزله فأخذها معاوية منه. راجع معجم البلدان 3: 135.
فآب الناس قد حجوا وبروا ... وإبنا موقرين من الخسارة (1)
276 - عمر بن ذر الهمداني (2) لما قضى مناسكه أسند ظهره إلى الكعبة ثم قال مودعا للبيت: ما زلنا نحل لك عروة ونشد أخرى، وتصعد أكمة ونهبط واديا، وتخفضنا أرض وترفعنا أخرى، حتى أتيناك غير محجوبين، فليت شعري بم يكون منصرفنا، أبذنب مغفور؟ فأعظم بها من نعمة! أم بعمل مردود؟ فأعظم بها من مصيبة! فيا من إليه خرجنا وإليه قصدنا، وبحرمته أنخنا، إرحم ملقى الوفد بفنائك، فقد أتينا بها معراة جلودها، ذابلة أسمختها نقبة أخفافها، وإن أعظم الرزية أن نرجع وقد اكتنفنا الخيبة، اللهم وإن للزائرين حقا، فاجعل حقنا غفران ذنوبنا، فإنك جواد ماجد (3) لا ينقصك قائل ولا يحفيك سائل.
277 - عبد العزيز بن أبي رواد: جاورت هذا البيت ستين سنة وحججت ستين حجة فما دخلت في شيء من أعمال البر، فخرجت منه فحاسبت نفسي، إلا وجدت نصيب الشيطان فيه أوفر من نصيب الله تعالى.
278 - حجّة جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان أخت أبي تغلب (4) صارت تاريخا مذكورا، حجت ست وثمانين وثلاثمائة فسقت أهل الموسم كلهم السويق (5) بالطبررذ (6) والثلج، واستصحبت
(1) آب: رجع: وموقرون: محمّلون أحمالا ثقيلة.
(2) عمر بن ذر الهمداني: كان من أقران أبي حنيفة ويعدّ من ثقات رجال الحديث. كان رأسا في الإرجاء. مات سنة 153هـ وفي سنة وفاته خلاف. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 260وحلية الأولياء 5: 108.
(3) ماجد: ذو مجد.
(4) أخت أبي تغلب: هي جميلة بنت ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي. أمّها فاطمة بنت أحمد الكردية. راجع ابن الأثير 8:
593 - و 695و 700.
(5) السويق: الخمر، وهو أيضا الناعم من دقيق الحنطة والشعير.
(6) الطبررذ: السكّر.(2/295)
البقول المزروعة بالمراكن على الجمال، وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين، ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار، ولم تستصبح عندها إلا بشموع العنبر، واعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية. وأغنت الفقراء المجاورين.
279 - عمرو بن حيان الضرير (1):
كأن الحجيج الآن لم يقربوا منى ... ولم يحملوا منه سواكا ولا نعلا
أتونا فما جاؤوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا مقلا (2)
280 - قيل لمدني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية.
281 - أبو سليمان الداراني (3): ما يعجبني الرجل يحصي حججة.
282 - لما بنى آدم البيت قال: يا رب إن لكل عامل أجرا فما أجر عملي، قال: إذا طفت به غفرت لك ذنوبك، قال: زدني، قال: جعلته لأولادك قبلة، قال: زدني، قال: أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك، قال: يا رب حسبي.
283 - قيل للحسن: ما الحج المبرور؟ قال: أن ترجع زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة.
284 - أبو الشمقمق (4):
__________
(1) عمرو بن حيان الضرير: لم نقف له على ترجمة.
(2) الأراك: هو شجر السواك يستاك بفروعه، حمله كحمل عناقيد العنب واسمه الكباث واحدته أراكة.
(3) أبو سليمان الداراني: هو عبد الرحمن بن أحمد المتوفّى سنة 215هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) أبو الشمقمق: هو مردان بن محمد. شاعر، خراساني الأصل. له أخبار مع أبي نواس وأبي العتاهية وكان بشار بن برد يعطيه في كل سنة مائتي درهم يسمّيها أبو الشمقمق «جزية». له هجاء في يحيى بن خالد البرمكي. كان في بغداد في أيام الرشيد. مات نحو سنة 200هـ. راجع ترجمته في معجم الشعراء 397وتاريخ بغداد 13: 146.(2/296)
إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حججت ولكن حجّت العير
لا يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كلّ من حج بيت الله مبرور
285 - علي عليه السّلام: فرض عليكم حج بيته الذي جعله قبلة للأنام، يولهون إليه وله الحمام، وجعله علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، واختار من خلقه سماعا أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه وملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون موعد مغفرته، جعله الله للإسلام علما وللعابدين حرما.
286 - كان أبو ملعب الأسدي (1) يحج كل عام في الجاهلية ويعتمر.
وفي ذلك يقول:
حج دراك وعمرة نفل ... ما دمت حيا ودام لي سيد
أو يترك الناس حج ربهم ... وكيف حجي إذا هم قعدوا
287 - شهد أعرابي عند حاكم، فقال المشهود عليه: أتقبل شهادته وله من المال كذا ولم يحج؟ فقال الأعرابي: بلى والله حججت كذا مرة، قال: سله أصلحك الله عن مكان زمزم، فسأله فقال: إني حججت قبل أن تحفر زمزم (2)
288 - قال ابن جريج (3): ما ظننت أن الله ينفع أحدا بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشدا ينشد قوله:
بالله قولي لها في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو رضيت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
__________
(1) أبو ملعب الأسدي: لم نقف له على ترجمة.
(2) زمزم: بئر مشهورة عند الكعبة.
(3) ابن جريج: هو عبد الملك بن جريج فقيه الحرم المكي المتوفّى سنة 150هـ تقدّمت ترجمته.(2/297)
فحركني ذلك على الخروج إلى مكة، فخرجت مع الحاج وحججت.
289 - سمع أبو حازم (1) امرأة حاجة ترفث في كلامها. فقال لها:
يا أمة الله ألست حاجة؟ أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجهها، فإذا هي أجمل الناس، فقالت: أنا من اللواتي قال فيهن الحارث بن ربيعة (2):
أماطت كساء الخز عن حر وجهها ... وردت على الخدين بردا مهلهلا
من اللائي لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليفتن البريء المغفلا (3)
قال: فإني أسأل الله أن لا يعذب هذا الوجه بالنار، فبلغ ذلك سعيد ابن المسيب فقال: رحمه الله، لو كان من عباد العراق لقال لها أغربي (4) يا عدوة الله، ولكنه ظرف عباد الحجاز.
290 - حج مسروق (5) من الكوفة فلم ينم في سفره إلا ساجدا.
291 - قال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير: عظ أصحابك فقال: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول، يود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
292 - عمد فتيان من قوم عمرو بن الجموح (6) كانوا قد أسلموا قبله إلى صنمه فكسروه وقرنوا به كلبا ميتا وألقوه في بئر فقال:
__________
(1) أبو حازم: هو سلمة بن دينار. تقدّمت ترجمته. راجع ما كتبه أبو الفرج حول هذا الخبر في الأغاني 17: 120و 121.
(2) الحارث بن ربيعة: لم نقف له على ترجمة.
(3) البيتان للعرجي كما ذكر أبو الفرج في الأغاني 17: 120وليسا للحارث بن ربيعة.
(4) اغربي: بمعنى ابتعدي عنّي.
(5) مسروق: هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني. محدّث، عابد من أهل الكوفة، ولّاه زياد على السلسلة ومات سنة 63هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 3: 11.
(6) عمرو بن الجموح: كان سيدا من سادات الأنصار، وآخر الأنصار إسلاما. كان يولم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا تزوّج. استشهد يوم أحد، وله شعر ذكره له المرزباني في معجم الشعراء. راجع ترجمته في الإصابة 4: 290وصفة الصفوة 1: 265.(2/298)
تالله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
293 - علي عليه السّلام: وما أعمال البر كلها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي، وأفضل ذلك كله كلمة عدل عند سلطان جائر.
294 - علي رضي الله عنه: إياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب. ألا من دعا إلى الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه، يردّ شعار الخوارج.
وعنه: إن قوما عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا، فتلك عبادة الأحرار.
295 - شكا نبي من الأنبياء في بيت المقدس إلى ربه فقال: يا رب لواني الجوع، وأضر بي البرد، وأهلكني القمل. فأوحى الله إليه: أما ترضى أن هديتك للإسلام حتى تشكو.
296 - معاذ بن جبل رفعه: ما من مسلم يبيت على ذكر طاهر فيتعار (1) من الليل. فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه.
297 - في نوابغ الكلم (2): طهرت فاك بمساويك (3) لولا أنك بخسته بمساويك (4).
__________
(1) تعار: أرق وتقلّب على فراشه.
(2) نوابغ الكلم: مجموعة حكم ونصائح مطبوعة من تأليف الزمخشري.
(3) المساويك: جمع مسواك وهو العود الذي تنظّف به الأسنان يتّخذ عادة من شجر الأراك.
(4) المساوي: المساوىء والأعمال القبيحة.(2/299)
298 - كان عاصم (1) إذا افتتح القراءة قال قبلها كل يوم: أصبحتم في أجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابكم، والنار بين أيديكم، وما ترون ذاهب كله، وكأنّ ما مضى لم يكن، فتوقعوا فضاء الله في كل يوم فإنه لا بد منه، ولينظر امرؤ ما قدم لغد فإنه محاسب عليه، وإنّ ما هو آت قريب، والبعيد الذي ليس بآت.
299 - مر بصلة بن أشيم (2) رجل قد أسبل إزاره فأرادوا أن يأخذوه بألسنتهم، فقال: دعوني أكفكموه، فقال: يا ابن أخي لي إليك حاحة، قال: وما هي يا عم؟ قال: ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمة عين. ثم قال: أهذا كان أمثل أم أخذكم إياه بألسنتكم؟.
300 - عمر بن حبيب (3): من أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليوطن نفسه قبل ذلك على الأذى، وليثق بالثواب من الله، فإنه من يثق بالثواب لم يجد مسّ الأذى.
301 - الحسين بن علي عليهما السّلام: الناس عبيد المال، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا فحصوا بابتلاء قلّ الديانون.
302 - كان عامر بن عبد قيس يصلي كل يوم ألف ركعة، وكان يقول لنفسه. قوّمي يا ماوي (4) كل سوء، فما رضيتك لله ساعة قط، فوعزة ربي
__________
(1) عاصم: هو عاصم بن بهدلة المعروف بعاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي تابعي، كان رجلا صالحا، وهو أحد القرّاء السبعة. مات بالكوفة سنة 127هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 243وغاية النهاية 1: 346.
(2) صلة بن أشيم: كان ناسكا وهو زوج معاذة العدوية الناسكة، من أهل البصرة، لقي عدة من الصحابة وتعلم منهم واقتبس. قتل في غزاة له بسجستان سنة 75هـ. راجع ترجمته في الإصابة 3: 260والبيان والتبيين 1: 363.
(3) عمر بن حبيب: كان حافظا من أهل مكة، سكن اليمن وروى عن عمرو بن دينار وعطاء والزهري وعنه روى جماعة منهم رباح بن زيد ومسلم بن خالد وآخرون راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 431.
(4) الماوي: البقرة البيضاء يشبه نفسه بها.(2/300)
لأرجفن بك رجوف البعير، ثم يتلوى تلوي على المقلى، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني النوم فاغفر لي.
303 - بلغ عثمان رضي الله عنه أن قوما على فاحشة، فأتاهم وقد تفرقوا، فحمد الله وأعتق رقبة.
304 - أبو الزاهرية (1) وأسد بن وداعة (2) رفعاه: من نام على وضوء كان فراشه له مسجدا ونومه له صلاة حتى يصبح، ومن نام على غير وضوء كان فراشه له قبرا وكان كالجيفة حتى يصبح.
305 - كان عمر بن عبد العزيز يصلي على طنفسة وقد طرح على موضع سجوده ترابا.
306 - أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير وكانت كسوتها المسوح (3) والأنطاع (4)، إنه كان ليطيبها حتى يجد ريحها من داخل الحرم.
307 - سمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن، وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل، فقال: أسمع داعي الله ولا أجيبه؟ فأخذوا بيده، فركع مع الإمام ركعة ومات.
وكان عامر متوجها إلى القبلة، يدعو بعد العصر، فمرّ به أمير
__________
(1) أبو الزاهرية: هو حدير بن كريب الحضري. من ثقات رواة الحديث. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 100هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2:
218.
(2) أسد بن وداعة: كان، كما قال الذهبي، شاميا من التابعين، وكان ناصبيا يسب الإمام عليّ وهو من صغار التابعين. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 1: 207.
(3) المسوح: ثياب الزهّاد، خشنة.
(4) الأنطاع: جمع نطع وهو الجلد، كان يوضع في العهد العباسي تحت المحكوم عليه بالموت.(2/301)
المدينة إبراهيم بن هشام (1)، وكان جبارا مهيبا، فسلم عليه، فلم ينتبه إليه، فخافوا عليه وكلّموه، فقال: أظنّ بني هشام أنه يقبل علي، وأنا مقبل على الله، فأعرض عن الله وأقبل عليه: كلا والله!.
308 - كان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفة مائة بدنة ومائة رقبة فيعلق الرقاب عشية عرفة، وينحر البدن يوم النحر (2)، وكان يطوف بالبيت فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نعم الرب ونعم الإله، أحبه وأخشاه.
309 - دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة (3) من بني عبد الدار، وإلى شيبة بن عثمان (4)، وقال: يا بني أبي طلحة خالدة تالدة (5)، لا يأخذها منكم إلا ظالم.
310 - قدم جماعة من قريش على معاوية ففضل عليهم في الجائزة طلحة بن عبد الله بن عوف، فعاتبوه فقال: أنتم قدمتموه على أنفسكم حين قدمتموه للصلاة في طريقكم، وهي أفضل عمل الخير.
311 - كان سعد بن أبي وقاص، إذا تمت السنة، نظر إلى ماله فأخرج ثلثه، فتصدق به.
__________
(1) إبراهيم بن هشام: هو خال هشام بن عبد الملك ولّاه هشام المدينة والطائف سنة 106هـ وعزله الوليد بن عبد الملك، قتله يوسف بن عمر وهو على العراق. راجع الطبري حوادث سنة 106وما بعدها.
(2) يوم النحر: هو اليوم العاشر من ذي الحجة لنحرهم فيه.
(3) عثمان بن طلحة بن أبي طلحة: حاجب البيت. سكن المدينة ومات بها سنة 42هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 220.
(4) شبيبة بن عثمان: أسلم يوم الفتح وكان حاجب الكعبة في الجاهلية. ثبت يوم حنين وأقام للناس الحج سنة 39هـ. ومات سنة 56هـ. راجع الإصابة 3: 218.
(5) تالدة: قديمة موروثة.(2/302)
312 - باع طلحة (1) رضي الله عنه ضيعة بخمسين ألف درهم وتصدق بها، ثم راح إلى صلاة الجمعة في قميص مرقوع.
313 - كان محمد بن المنكدر يستقرض المال فيحج، فقيل له: الحج بالدين فقال: الحج أقضى للدين.
314 - وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يحفظ ما سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويسأل إذا لم يحضر من حضر عما قال أو فعل، وكان يتبع آثاره في كل مكان صلى به، وكان يعترض براحلته كل طريق يمر بها ويقول: إني أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
315 - وشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجة الوداع، فوقف معه بعرفة، فكان كل عام حج وقف ذلك الموضع لا يعدوه. وكان يحج كل عام، فحج عام قتال ابن الزبير مع الحجاج، وكتب إليه عبد الملك أن لا يخالف ابن عمر في الحج، فوقف ابن عمر حيث كان يقف، وكان الموقف بين يدي الحجاج، فأمر من نخس (2) به حتى نفرت ناقته، فردها إلى ذلك الموضع، ففعل به مرة أخرى، فردها إليه، فثقل على الحجاج، فأمر رجلا كانت معه حربة مسمومة، فلصق به عند الإفاضة، فأمرها على قدمه، فمرض منها ومات. وعاده فقال: من قتلك يا أبا عبد الرحمن؟
قتلني الله إن لم أقتله، فقال: أنت قتلتني.
__________
(1) طلحة: هو طلحة بن عبيد الله التيمي. صحابي، أحد العشرة المبشّرة بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. شهد المشاهد كلّها، يقال له طلحة الجود، وطلحة الخير، وطلحة الفيّاض. كان كريما، قتل يوم الجمل سنة 36هـ ودفن بالبصرة وله 38حديثا.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 3: 152وحلية الأولياء 1: 87وتهذيب ابن عساكر 7: 71.
(2) نخس الناقة: وخزها بمسمار أو بعود.(2/303)
316 - خرج عمر رضي الله عنه إلى حائط (1) له، فرجع وقد صلّى العصر، فقال: حائطي على المسلمين صدقة، وذلك الغوث الجماعة.
317 - محمد بن كعب القرظي (2): سمعت عليا رضي الله عنه يقول: لقد رأيتني وأنا أربط الحجر على بطني في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الجوع، وأن صدقتي اليوم أربعون ألف دينار.
318 - عبد الله بن عباس مرض الحسن والحسين وهما صبيان، فعالهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه أبوبكر وعمر، فقال عمر: يا أبا الحسن، لو نذرت في إبنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله، وكذلك قالت فاطمة (3). وقال الصبيان: نحن أيضا نصوم شكرا، وكذلك قالت جاريتهم فضة (4) فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياما، وليس عندهم طعام. فانطلق علي عليه السّلام إلى جار له يهودي اسمه شمعون، فأخذ منه جزة صوف فغزلتها له فاطمة بثلاثة أصوع (5) شعير فلما قدموا فطورهم جاء مسكين فآثروه به، فبقوا جياعا ليالي صومهم وفيهم نزلت:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ} (6).
__________
(1) الحائط: البستان.
(2) محمد بن كعب القرظي: هو محمد بن كعب بن سليم بن أسد. ولد سنة 40هـ وسكن الكوفة ثم عاد إلى المدينة، كان من الفقهاء الورعين، وكان ثقة في الحديث، وهو من حلفاء الأوس. مات تحت الهدم سنة 118هـ وفي سنة وفاته خلاف. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 420وصفة الصفوة 2: 75والبيان والتبيين 2: 34.
(3) فاطمة: هي فاطمة الزهراء بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم راجع ترجمتها في كتابنا «زوجات النبي وأولاده».
(4) فضة: هي فضة النوبية جارية فاطمة الزهراء. كانت تعجن وتخبز وتحتطب. راجع الإصابة 8: 167.
(5) أصوع: جمع صاع، والصاع أربعة أمداد عنه أهل المدينة وثمانية أرطال عند أهل الكوفة. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.
(6) سورة الإنسان، الآية: 8.(2/304)
319 - محمد بن الحنيفة: جاء سائل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
هل سألت أحدا من أصحابي؟ قال: لا، قال: فائت المسجد فسلهم، فسألهم فلم يعطوه شيئا، فمر بعلي وسأله وهو راكع، فناوله يده فأخذ خاتمه.
320 - أبو الطفيل (1): رأيت عليا كرم الله وجهه يدعو اليتامى فيطعمهم العسل، حتى قال بعض أصحابه: لوددت أني كنت يتيما.
321 - محمد بن الحنفية: كان أبي يدعو قنبرا (2) بالليل فيحمله دقيقا وتمرا، فيمضي إلى أبيات قد عرفها ولا يطلع عليه أحدا فقلت له: يا أبت، ما يمنعك أن يدفع إليهم نهارا؟ قال: يا بني، صدقة السرّ تطفىء غضب الرب.
322 - رؤي الحسين بن علي عليهما السّلام يطوف بالبيت، ثم صار إلى المقام فصلى، ثم وضع خده على المقام فجعل يبكي ويقول: عبيدك ببابك، سائلك ببابك، مسكينك ببابك، يردد ذلك مرارا، ثم انصرف، فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون، فسلم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم وقال: لولا أنه صدقة لأكلت معكم، ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم، ثم أمر لهم بدراهم.
323 - غسل علي بن الحسين فرأوا على ظهره مجولا (3)، فلم يدروا ما هي. فقال مولى له: كان يحمل بالليل على ظهره إلى أهل البيوتات المستورين الطعام، فإذا قلت له: دعني أكفك، قال: لا أحب أن يتولى ذلك غيري.
__________
(1) أبو الطفيل: هو عامر بن واثلة. تقدّمت ترجمته.
(2) قنبر: هو مولى الإمام علي بن أبي طالب، كان يتولى بيت المال. قال الأزدي: كبر حتى كان لا يدري ما يقول أو يروي.
(3) المجول: تصلب الجلد.(2/305)
324 - قيل لجعفر بن محمد (1): الرجل تكون له الحاجة يخاف فوتها أيخفف الصلاة؟ قال: أو لا يعلم أن حاجته إلى الذي يصلي إليه؟.
325 - حج عبد الله بن جعفر ومعه ثلاثون راحلة، وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات، فاعتق ثلاثين مملوكا، وحملهم على ثلاثين راحلة، وأمر لهم بثلاثين ألفا، وقال: اعتقهم لله لعله يعتقني من النار.
326 - خرج الفرزدق حاجا فقيل له: أين تريد؟ فقال:
أبا در يوما من يفته فماله ... لقاء إذا ما فاته دون قابل (2)
أراد يوم عرفة.
327 - مرت بعيسى عليه السّلام امرأة فقال: طوبى لحجر حملك، وثدي رضعت منه؟ فقال: طوبى لمن قرأ القرآن ثم عمل به.
328 - قيل لكعب (3): أرأيت لو أن رجلا رفض الدنيا وتفرغ للعبادة؟
قال: والذي نفس كعب بيده أني لأجد في كتاب الله المنزل أنّ العبد إذا فعل ذلك كلفت السماء القطر، والأرض النبات، والعباد العمل، حتى يوفي رزقه.
329 - أبو الجوزاء (4): نزل جيش من المسلمين بحضرة راهب في صومعته، فنظر إليهم، فنزل وأسلم، وقال: إن أبي عهد إليّ قال: إذا رأيت قوما صدورهم أفاجيل، وقبلة أحدهم رمحه حيث يركزه، ويسلم
__________
(1) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق. تقدّمت ترجمته.
(2) القابل: العام الذي يلي العام الحالي.
(3) كعب: هو كعب الأحبار التابعي، من كبار علماء اليهود في اليمن أسلم. توفي في حمص سنة 32هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) أبو الجوزاء: هو أوس بن عبد الله الربعي البصري. كان عابدا فاضلا يعدّ من ثقات التابيعن. قتل في الجماجم سنة 83هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1:
383.(2/306)
بعضهم على بعض فاتبعهم، فإنهم على الحق.
330 - سمع كعب الأحبار من يقرأ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً} (1) فألقى إلى مسكين رداءه، فقيل له، فقال: مكتوب في التوراة: ليس ينبغي لأحد أن يسمعها إلا فلذ من ماله فلذة، ولم يكن معي إلا ردائي.
331 - عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه جعل دهره ثلاث ليال:
فليلة قائم حتى يصبح، وليلة راكع حتى يصبح، وليلة ساجد حتى يصبح.
332 - الحسن بن علي رضي الله عنه: إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى من المدينة إلى مكة عشرين مرة.
333 - عن الضحاك (2): يأتي على الناس زمان تكر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف معلقا عليه الغبار، ما ينظر فيه.
334 - كان الشعبي يمر بأبي صالح (3) فيأخذ بأذنه ويمدها، ويقول له: ويلك تفسر القرآن ولا تحفظه.
335 - سعيد بن جبير: اقرأوا القرآن صبيانية ولا تتنطعوا فيه (4).
336 - إن مثل من تعلم القرآن صغيرا كمثل نقش في صفاة (5): إن أصابه مطر لم يتغير، ومثل من تعلم القرآن كبيرا كمثل نقش في لبنه، إن أصابه مطر فسد.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 245.
(2) الضحاك: هو الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني، مؤدب الأطفال المتوفّى سنة 105هـ. كان مفسرا. تقدّمت ترجمته.
(3) أبو صالح: هو أبو صالح باذام. تقدّمت ترجمته.
(4) تنطّع في قراءة القرآن: أي قرأه قراءة تعمّق ودراية.
(5) الصفاة: الحجر القاسي الأملس.(2/307)
337 - مر رجل بابن مسعود رضي الله عنه، فقيل له: هذا يقرأ القرآن بليلة فقال: كأنه أخذ بأسفل جراب دقل (1) فنثره.
338 - كلم رجل عبد الله بن مرزوق (2) في الطواف فلم يجبه، فبكى الرجل، فقال: مالك؟ قال: قد كلمتك فلم تجبني، فأخذ بطرف ردائه وقال: إن جاك إنسان فأراد أن يأخذ رداك إيش تفعل؟ قال: أمنعه، قال:
فأنت تريد أن تسلبني ما هو خير من كل رداء.
339 - كان أبو حفص الكبير البخاري (3) يقول لأصحابه: استكثروا قراءة القرآن، فعن قريب يذهب القرآن من المصاحف والصدور.
340 - كان بنو إسرائيل إذا أصاب جسدهم بول قطعوا ذلك العضو ولم يجزهم الغسل، وإذا نظر أحدهم إلى حرام أدخل أصبعه في عينه فنزعها. فأصابهم قحط فخرجوا إلى الإستسقاء (4)، فأوحى الله إلى عيسى عليه السّلام أن قل لقومك: من كان منكم مذنبا فليرجع، فرجعوا غير رجل أعور، فقال له عيسى: ألم تصب ذنبا قط؟ قال: لا، غير أني كنت رجلا حمالا، فاحملت فأعييت، فاسترحت ساعة، فنظرت فوقعت إحدى عيني على امرأة، فقلت لها لا تصحبيني وفيك طلبة، فنزعتها وطرحتها.
فقال له عيسى: إدع أنت فأؤمن أنا، ففعل فرفع الله عنهم القحط.
وإذا أراد الرجل منهم أن يقول لا إله إلا الله اعتزل امرأته قبل ذلك، ولم يأكل اللحم أربعين يوما ثم قالها وفي هذه الأمة يزني الرجل ويفسق
__________
(1) الدقل: أردأ التمر.
(2) عبد الله بن مرزوق: لم نقف له على ترجمة.
(3) لعلّه أبو جعفر الكبير المذكور في حلية الأولياء 10: 340، العابد المجتهد.
(4) الإستسقاء: لغة هو طلب السقي، وشرعا هو أن يطلب الإنسان من الله تعالى على وجه مخصوص إنزال المطر عند شدّة الحاجة إليه.(2/308)
أنواع الفسوق، وهو يقولها مع ذلك وإذا أذنب الرجل أصبح مكتوبا على باب داره فعلت كذا، فإن تاب من ساعته وإلا لم تقبل توبته.
341 - قدم المهدي البصرة وأراد أن يصلي بالناس في جامعها، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر، وقد رغبت إلى الله تعالى في الصلاة خلفك. فقال: انتظروه رحمكم الله، ودخل المحراب ووقف، إلى أن قيل له: قد جاء الرجل فكبر، فعجب الناس من سماحة خلقه.
342 - لما ولي الهادي صلى بالناس الغداة في داره فأرتج عليه (1)، فهابوه أن يلقنوه، فقرأ {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} (2)، ففتحوا عليه (3).
__________
(1) ارتج عليه: امتنع عليه الكلام وتحيّر. راجع من ارتجّ عليهم الكلام في كتابنا «طرائف من التراث العربي» (ص 332) طبعة دار الفكر اللبناني.
(2) سورة هود، الآية: 78.
(3) فتحوا عليه: نبهّوه ما نسيه فذكره.(2/309)
الباب السابع والعشرون الذم والهجو، والشتم، والاغتياب وما شاكل ذلك
1 - أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع:
أيها الناس إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إياكم والغيبة، فإن الله حرم أكل لحم الإنسان، كما حرم ماله ودمه.
2 - أبو الدرداء (1) رفعه: من ذكر امرأ بما ليس فيه ليعيبه حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفذ (2) مما قال فيه.
3 - جابر (3) رفعه: إياكم والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عز وجل عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها.
4 - عمر رضي الله عنه: ما يمنعكم إذا رأيتم من خرق أعراض
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك.
(2) قوله: حتى يأتي بنفذ: أبي بمخرج.
(3) جابر: هو جابر بن عبد الله. صحابي. توفي سنة 78هـ. تقدّمت ترجمته.(2/311)
المسلمين أن تعرّبوا عليه (1)؟ قالوا: نخاف سفهه، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء. التعريب على الرجل: الرد عليه والتقبيح، وهو من العرب وهو الفساد لأنك تفسد عليه قوله وتبطله.
5 - أنس: من اغتاب المسلمين وأكل لحومهم بغير حق، وسعى بهم إلى السلطان جيء به يوم القيامة مزراقة عيناه، ينادي بالويل والثبور والنوامة، يعرف أهله ولا يعرفونه.
6 - هشام بن عبد الملك بن مروان لعبد الله بن عمرو بن الوليد المعيطي (2):
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس عيبا لصاحب
فتبدي له بشرا إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب
7 - وعد خالد بن صفوان الفرزدق فسوفه (3)، فتهدده، فقال: إن هذا قد جعل إحدى يديه سطحا، وملأ الأخرى سلحا (4)، وقال: إن عمرتم سطحي وإلا لطختكم بسلحي.
8 - صادف الشعبي قوما في المسجد يغتابونه، فأخذ بعضادتي (5)
الباب وقال متمثلا:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
9 - قاول الحماني (6) بلال بن جرير (7) فقال له: يا ابن أم حكيم!
__________
(1) عرّب عليه: قبّح عليه كلامه.
(2) عبد الله بن عمرو بن الوليد المعيطي: لم نقف له على ترجمة.
(3) التسويف: المماطلة.
(4) السلح: البراز (تستعمل عادة للعصافير).
(5) عضادتا الباب: خشبتاه من جانبيه.
(6) الحماني: لم نقف له على ترجمة.
(7) بلال بن جرير بن عطية بن الخطفي: يكنى أبا زافر. كان عاقا بأبيه. ذكره صاحب الشعر والشعراء ولم يترجم له وراجع الأغاني والبيان والتبيين 2: 213.(2/312)
فقال بلال: ما تذكر من ابنة دهقان (1)، وأخيذة رماح، وعطية ملك، ليست كأمك التي بالمرّوت (2) تغدو على أثر ضأنها، كأنما عقابها حافرا حمار، فقال الحماني: أنا أعلم بأمك، وإنما عتب عليها الحجاج في أمر الله أعلم به، فحلف أن يدفعها إلى ألأم العرب، فلما رأى أباك لم يشك.
10 - قيل لنصيب (3) هلا هجوت فلانا وقد حرمك، قال: لأني كنت أحق بالهجاء منه إذ رأيته موضعا لمدحي.
11 - أبو حنش النميري (4) لجرير:
ولولا أن يقال هجا نميرا ... ولم يسمع لشاعرها جوابا
رغبنا عن هجاء بني كليب ... وكيف بشاتم الناس الكلابا
12 - كان عبد الله بن الزبير يسب نقيفا إذا فرغ من خطبته فيقول:
قصار الخدود، لئام الجدود، سود الجلود، بقية قوم ثمود (5).
13 - تقول العرب: فلان لا ينير ولا يسدي، ولا يعيد ولا يبدي، ولا يحيي ولا يردي.
__________
(1) الدهقان: رئيس الإقليم، والدهقان: التاجر.
(2) المرّوت: من ديار ملوك غسّان، وقيل: موضع قرب النباج من ديار بني تميم به كانت الواقعة التي قتل فيها بجير بن عبد الله بن قشير قتله قعنب بن الحارث بن يربوع وهزم جيشه وأسر أكثره. وقيل غير ذلك. راجع معجم البلدان 5: 111.
(3) نصيب: هو نصيب بن رباح. شاعر من أهل الحجاز. اشتراه عبد العزيز بن مروان واعتقه. له أخبار مع سليمان بن عبد الملك والفرزدق. تنسّك في أواخر عمره وتوفي سنة 108هـ. وفي سنة وفاته خلاف. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 322وإرشاد الأريب 7: 212والنجوم الزاهرة 1: 262.
(4) أبو حنش النميري: لم نقف له على ترجمة.
(5) قوم ثمود: من القبائل البائدة ومثلها قبيلة عاد.(2/313)
14 - أعرابي: ما يحث (1) إلى لقائك، ولا تزف (2) نعام القلوب إلى طلعتك ولا تثنى خناصر الشمال بك ما تظمأ من الجنب. وهو لصدق الرنة بالجنب من العطش، وعادة الأعراب أن يثنوا الخمس من اليمين ثم من اليسار، فأراد أنه لا يعد فيمن يعد رأسا لا أولا ولا آخرا.
15 - قيل لأبي العيناء: هل بقي في دهرنا من يقلي؟ قال: نعم في البئر.
16 - قال الحجاج للشعبي: يا عامر أرب وافر وعقل فاخر. لعله قال له ذلك على أثر ما غاضه من خروجه مع عبد الرحمن (3)، وإلّا فقد علم الحجاج أن عقيله إلى عقل الشعبي سراج فاتر إلى ضياء باهر، وليس بأول ظلم ارتكبه.
17 - قيل لجرير: إن الطرماح (4) قد هجا الفرزدق، وقد كبر وضعف، فلو أجبت عنه، فقال: صدى الفرزدق يفي بطيء كلها، وقد أردت ذلك فخفت أن يقال: أجتمع فحلا مضر على مخنث طيء.
__________
(1) ما يحثّ إلى لقائك: ما يعجل.
(2) قوله: ولا تزف: أي ولا تسرع.
(3) عبد الرحمن: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي صاحب الوقائع مع الحجاج بن يوسف. قتله رتبيل، ملك الترك فيما وراء سجستان، وأرسل برأسه إلى الحجاج سنة 85هـ. فأرسل الحجاج بالرأس إلى عبد الملك بن مروان بالشام فبعث به عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز بمصر. راجع البيان والتبيين 1: 329 والأخبار الطوال والمعارف 156والطبري وابن الأثير.
(4) الطرمّاح: هو الطرمّاح بن عدي الطائي. هو الذي هاجى الفرزدق، وهو الذي لقي الحسين ابن الإمام علي حين سار إلى العراق وعرض عليه اللجوء إلى القرية في جبلي طيء فلم يقبل. والرواة يخلطون بين شعر الطرمّاح هذا والطرماح بن حكيم أو الطرماح بن نفر وكلاهما من طيء
راجع الطبري وابن الأثير حوادث سنة 61هـ.(2/314)
18 - قيل لأعرابي: فلان يعيبك. فقال: ذاك المائل عن المجد رجلا، الملطي باللؤم وجها، قد ينبح الكلب القمر.
19 - شتم رجل حكيما فقيل له هلّا غضبت فقال: كفاه خسة أن يشتم ولا يشتم.
20 - الحكم بن قنبر (1):
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل (2)
21 - تسابّ بدويان، فقال أحدهما لصاحبه: أراك والله تعطس عن أنف طالما جدع على الهوان. فقال صاحبه: والله لئن لم تكفّ عني شر لسانك، ولم تستر دوني عورة نسبك لأصدعن صفاتك بمعول لا ينبو (3) عن مضربه، ولأحصدن رأسك بمنجل لا ينثني عن مأخذه. فقال الأول: لا تسعر (4) نارنا، ولا تطلب عوارنا (5)، فإن سفه الجاهل بلسانه وسفه اللبيبة في يده، وكأني بك وقد وعيت مني كلاما يمنعك الشراب البارد، ويشمت بك الصادر والوارد، وقل من تمرد على العافية إلا تمرد عليه البلاء. فانقلب عنه مغيظا يهمهم.
22 - حكيم: أبصر الناس بعوار الناس المعور (6).
23 - بعض السلف: عجبا لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح؟
عجبا لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب؟.
__________
(1) الحكم بن قنبر: هو الحكم بن محمد بن قنبر المازني التميمي، كان شاعرا من البصرة هاجى مسلم بن الوليد الأنصاري فغلبه مسلم. راجع أخباره في الأغاني.
(2) نسب هذان البيتان في بعض المراجع إلى العتابي.
(3) نبا السيف والمعول: ارتدّ ولم يقطع.
(4) لا تسعر نارك: أي لا توقدها وتشعلها والكناية واضحة.
(5) العوار: العيب.
(6) المعوّر: الذي فيه عورة أي عيب.(2/315)
24 - قيل لشبيب بن شبية: ما بال عبد الله بن الأهتم (1) يتنقصك؟
قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة.
25 - إسحاق بن خلف البهراني (2) في بني زياد بن أبيه (3):
كيت يزهى بنو زياد وفيهم ... ميسم ظاهر بأعلى الأنوف (4)
أنت يكفيك أن يقال زياد ... ي فترمى بالواضح المألوف
26 - قيل لبعض ولد أبي لهب (5): إلعن معاوية، فقال، ما أشغلني بتّبت!.
27 - قال أبو حنيفة رحمه الله: أنت مطويا خير منك منشورا.
28 - الضرب في الجناح والسب في الرياح.
29 - أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل.
30 - قال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي في المجلس أحد إلا ذمك غيري. فقال:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا عليّ لئامها
__________
(1) عبد الله بن الأهتم: هو عم شبيب بن شيبة (أو ابن عمه). من خطباء بني تميم.
ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 1: 300.
(2) إسحاق بن خلف البهراني: لم نقف له على ترجمة.
(3) زياد بن أبيه: أمّه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي. ألحقه معاوية بنسبه سنة 44هـ فكان عضده الأقوى. ولّاه البصرة والكوفة. توفي سنة 53هـ. ويعدّ زياد من دهاة العرب وخطبائهم. راجع ترجمته في لسان الميزان 2: 493والذريعة 1:
355.
(4) الميسم: العلامة.
(5) أبولهب: هو عبد العزّى بن عبد المطلب بن هاشم. عم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. آذى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وآذى المسلمين، وفيه نزلت سورة: تبّت يدا أبي لهب وتبّ ما أغنى عنه ماله وما كسب. لقّب أبا الهب لاحمرار وجه وإشراقه. توفي سنة 2هـ. راجع نسب قريش 18ودائرة المعارف 1: 393والروض الأنف للسهيلي 1: 265.(2/316)
وقال له: ما تقول في محمد بن مكرم (1) والعباس بن رستم (2)؟ فقال: هما الخمر والميسر إثمهما أكبر من نفعهما.
31 - لمّا هجا محمد بن حازم (3) محمد بن حميد الطائي (4) وأفرط اتفقت على ابن حازم محنة اختفى فيها. فوجه إليه ابن حميد بعشرة آلاف، وعشرة أثواب، وبرذون (5) بسرجه ولجامه، وغلام رومي، وكتب إليه: أكرمك الله وأبقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله التظرف على هجاء بعض أخوانه في حال دعابته، وليس ما شاع من هجائك لنا يجري سوى هذا المجرى منا، وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر نفسك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال، الذين لا يكرمون ذوي الأخطار إلا على الأموال دون الآداب، ونحن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به انبساطك وإن قلّ ليكون سببا إلى غيره.
32 - فر ابن حازم ما وجه إليه، وكتب:
وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... كعم الفرزدق بالندى الغمر (6)
__________
(1) محمد بن مكرم: كان كاتبا مشهورا له مع أبي العيناء وأبي علي البصير أخبار معروفة. مدح وزير المعتز أحمد بن إسرائيل ثم هجاه، وهو من وجوه أهل البصرة.
راجع الديارات ص 84، 92وطبقات ابن المعتز 415وثمار القلوب 31.
(2) العباس بن رستم: لم نقف له على ترجمة.
(3) محمد بن حازم: هو محمد بن حازم بن عمرو الباهلي، شاعر ولد بالبصرة وانتقل إلى بغداد. كان كثير الهجاء، لم يمدح من الخلفاء إلّا المأمون العباسي، وأكثر شعره في القناعة ومدح التصوف، وكان يجيد كل فن يركبه. مات نحو سنة 215هـ.
راجع ترجمته في معجم الشعراء 429وتاريخ بغداد 2: 295والديارات 275.
(4) محمد بن حميد الطائي: من قواد الدولة العباسية، كان شجاعا جوادا ممدّحا كمن له جماعة من أصحاب بابك الخرمي فقتلوه سنة 214هـ فرثاه الشعراء ومنهم أبو تمام.
راجع ترجمته في الوافي بالوفيات 3: 29.
(5) البرذون: نوع من الدواب كالبغل. تقدّم شرحه.
(6) ابن المهلب: هو يزيد بن المهلب بن أبي صفرة.
فبعثت بالأموال ترغبني ... كلا وربّ الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عارا على الدهر
33 - بعضهم: بت ليلة في البصرة مع المسجديين، فلما كان وقت السحر حركهم واحد فقال: إلى كم هذا النوم عن أعراض الناس؟.(2/317)
__________
(6) ابن المهلب: هو يزيد بن المهلب بن أبي صفرة.
فبعثت بالأموال ترغبني ... كلا وربّ الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عارا على الدهر
33 - بعضهم: بت ليلة في البصرة مع المسجديين، فلما كان وقت السحر حركهم واحد فقال: إلى كم هذا النوم عن أعراض الناس؟.
34 - قيل لرجل: ما صنع بك فلان؟ قال: متعني لذة الشكوى.
35 - أعرابي: فلان لا يخاف عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة تأكل ما وجدت، وتنكح ما لحقت.
36 - وذكر آخر قوما فقال: سلخت أقفاؤهم بالهجاء، ودبغت جلودهم باللؤم.
37 - آخر: هو عبد البدن، حر الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
38 - قيل لرجل: كيف رأيت فلانا؟ قال: طويل العنان في اللؤم، قصير الباع في الكرم، وثابا على الشر، زمنا (1) عن الخير.
39 - أعرابي: من عاب سفلة فقد رفعه: ومن عاب شريفا فقد وضع نفسه.
40 - كان الجنيد (2) من كبار العمال. وكان يعطي الناس الجوائز السنية ويشتمهم. فقصده شاعر فقال: أعطوا هذا الماص بظر أمه (3) سبعين ألفا، فقال:
(1) زمن عن الخير: مصاب بعاهة عدم فعل الخير.
(2) الجنيد: هو الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث المري الدمشقي. أمير خراسان كان واليا عليها سنة 111هـ. توفي فيها سنة 115هـ. راجع تهذيب ابن عساكر 3: 412.
(3) الماص بظر أمّه: سبّ كان يجري على ألسنة العرب قديما. والبظر ما بين شفري فرج المرأة، ويقال: أيضا: العاضّ بظر أمّه.(2/318)
يعطى على شتمة وإن صغرت ... سبعين ألفا طوبى لمن شتمه
41 - قام رجل إلى سليمان بن عبد الملك فقال: إنني مملك بابنة عمي على مائتي دينار، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسلفينها، فقال: يا ابن اللخناء (1)، أقسطار (2) أنا حتى أسلفك؟ بل أهب لك مائتي دينار، ومائتي دينار، ولم يزل يكرّرها حتى انقطع نفسه على ثلاثة آلاف دينار، فقبضها، فأتاه الناس يهنئونه، فقال: أين قوله يا ابن اللخناء؟ فبلغ ذلك سليمان فقال صدق، وددت أني افتديتها بأضعافها ولم أقلها.
42 - نظر بعض السلف إلى رجل يفحش، فقال له: يا هذا إنك تملي على حافظيك كتابا، فانظر ماذا تقول.
43 - بعضهم: ذم من شئت فهو للذمّ موضع.
44 - عمر رضي الله عنه: ولو أنّ امرأ كان أقوم من القدح (3)
لوجدت له من الناس غامزا، وما ضرّت كلمة لم يكن لها حقيقة.
45 - أبو عبيدة: ألأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا.
46 - قيل لسقراط: هل من إنسان لا عيب فيه؟ قال: لو كان إنسان لا عيب فيه لكان لا يموت.
47 - ابن عباس: ما الأسد الضاري في فريسته بأسرع من الدنيء في عرض السريّ.
48 [شاعر]:
ومطروفة عيناه في عيب نفسه ... فإن بان عيب من أخيه تبصّرا
49 - الرفاء وهو ابن در (4):
__________
(1) اللخناء: المرأة الكريهة الرائحة.
(2) القسطار: منتقد الدراهم.
(3) القدح: السهم قبل أن يراش وينصل.
(4) ابن درّ: لم نقف له على ترجمة.(2/319)
ولو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبرا يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ... ليخيط قدّ قميصه لم تفعل
50 - رابعة (1): الإنسان إذا نصح لله في نفسه أطلعه الجبار على مساوىء عمله، فتشاغل بها من دون خلقه.
51 - قال عبد الله بن عروة لابنه: إنه والله ما بنت الدنيا شيئا إلا هدمه الدين، ولا بنى الدين شيئا فاستطاعت الدنيا هدمه، ألا ترى إلى علي عليه السّلام ما تقول فيه خطباء بني أمية من ذمه وعيبه؟ والله كأنما يأخذون بناصيته رفعا إلى السماء أو ما رأيت ما يندبون به موتاهم؟ والله لكأنما يندبون به جيف حمير.
52 - كان يقال: ما استب أجلان إلا غلب ألأمهما.
53 - وعن بعض الحكماء: لا أحب أن أكون في حرب الغالب فيه شر من المغلوب.
54 - قالوا: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، لأنك إن استودعك أخوك مالا لم تحدثك نفسك بخيانة، وأنت تغتابه ولا تبالي.
55 - سمع علي بن الحسين رجلا يغتاب، فقال: ويحك، إياك والغيبة فإنها أدام كلاب الناس، من كف عن أعراض الناس أقال الله عثرته (2) يوم القيامة.
56 - شتم رجل الزهري (3) فقال: إن كنت كما قلت فهو شر لي، وإن لم أكن كما قلت فهو شر لك. وكان يقول: متى قلت لمملوك أخزاك الله فهو حر.
57 - وعن طلحة بن عبيد الله أنه دعا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فأبطأ عليهم الغلام بشيء أراده، فقال: يا غلام، فقال لبيك، فقال لا لبيك. فقال أبوبكر: ما سرني أني قلتها وأن لي الدنيا. وقال
__________
(1) رابعة: هي رابعة العدوية الزاهدة. تقدّمت ترجمتها.
(2) أقال الله عثرته: صفح عنه.
(3) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري. تقدّمت ترجمته.(2/320)
عمر: ما سرني أني قلتها وأن لي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها وأن لي حمر النعم (1). وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع ضيعة بخمسة عشر ألفا وتصدق بها.
58 - قيل لابن سيرين: مالك لا تقول في الحجاج شيئا؟ قال: أقول فيه حتى ينجيه الله لتوحيده ويعذبني باغتيابه. وكان جعل على نفسه إذا اغتب تصدق بدينار.
وقال له رجل: إننا منك فاجعلنا في حلّ، فقال ما كنت لأحل لكم ما حرم الله عليكم، وكان إذا مدح أحدا قال: هو كما شاء الله، وإذا أراد أن يذمه قال: هو كما علم الله.
59 - معاوية بن قرة (2): كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدرا وأقلهم غيبة.
60 - الأحنف: في خلقان، لا اغتاب جليسي إذا غاب عني، ولا أدخل لي أمر قوم لا يدخلونني فيه.
61 - قيل لرجل من العرب: من السيد فيكم؟ قال: الذي إذا أقبل هبناه، وإذا أدبر اغتبناه.
62 - كان ابن عون (3) إذا ذكر عنده الرجل بعيب قال: إن الله رحيم.
63 - القاضي أحمد بن أبي دؤاد في محمد بن عبد الملك بن الزيات.
أحسن من خمسين بيتا سدى ... جمعك معناهن في بيت
__________
(1) حمر النعم: هي الإبل السائمة.
(2) معاوية بن قرّة: هو معاوية بن قرّة المزني. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن عون: هو عبد الله بن عون المزني.
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت (1)
64 - خالد الزبيدي (2):(2/321)
__________
(3) ابن عون: هو عبد الله بن عون المزني.
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت (1)
64 - خالد الزبيدي (2):
إذا نمري طالب الوتر كفه ... عن الوتر أن يلقى طعاما فيشبعا
إذا نمري ضاق بيتك فاقره ... مع الكلب زاد الكلب وازجرهما معا (3)
65 - قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تعيب أحدا، قال: لست عن نفسي راضيا فأتفرغ لذم الناس، وأنشد:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي في نفسي عن الناس شاغل
66 - عبد الله المبارك: قلت لسفيان (4): ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة؟ ما سمعته يغتاب أحدا قط قال هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها.
67 - محمد بن سوقة: ما أحسب رجلا يفرغ لعيوب الناس إلّا من غفلة غفلها عن نفسه.
68 - سئل فضيل (5) عن غيبة الغاسق المعلن، أله غيبة؟ فقال: لا تشتغل بذكره، ولا تعود لسانك الغيبة، عليك بذكر الله، وإياك وذكر الناس، فإن ذكر الناس داء، وذكر الله شفاء.
69 - خزاعي بن عوف (6):
ولست بذي ثرب في الصديق ... مناع خير وسبابها (7)
ولا من إذا في كان في مجلس ... أضاع العشيرة واغتابها
(1) الوضر: وسخ الدسم.
(2) خالد الزبيدي: لم نقف له على ترجمة.
(3) اقره: أي أطعمه. والقرى: طعام الضيف.
(4) سفيان: هو سفيان بن سعيد الثوري. تقدّمت ترجمته.
(5) فضيل: هو فضيل بن عياض. تقدّمت ترجمته.
(6) خزاعي بن عوف: لم نقف له على ترجمة.
(7) الثرب: اللّوم.(2/322)
ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم ألقابها
70 - زياد الأعجم:
إنّي لأكرم نفسي أن أكلفها ... هجاء جرم ولما يهجهم أحد
ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... لا يبلغ الناس ما فيهم وإن جهدوا
71 - فضيل: الغيبة فاكهة القراء، وكان يقول: ما لعنت إبليس قط، وكان يكره إذا كان عالمان في قبيلة أن يفضل أحدهما على الآخر.
72 - ومر بابن سيرين (1) طبيبان ذميان، فقيل له أيهما أطلب (2)؟ فقال أخاف أن تكون غيبة.
73 - الأوزاعي: عدنا مكحولا (3) فقال: اللحوق بمن يرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.
74 - ما نار في اليبس بأسرع من الغيبة في الحسنات.
75 - إغتاب رجل رجلا عند معروف الكرخي (4) فقال: اذكر القطن إذا وضعوه على عينك.
76 - رأت أم البهلول (5) ابن سيابة (6) فقالت: قبح الله هذا، لو كان داء لما برىء منه.
__________
(1) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين تقدّمت ترجمته.
(2) أيهما أطبّ: أي أيهما أكثر مهارة وحذقا.
(3) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل الشامي المتوفّى سنة 112هـ.
تقدّمت ترجمته.
(4) معروف الكرخي: من جلّة المشايخ المشهورين بالورع، كان الناس يقصدونه للتبرّك به حتى كان الإمام أحمد بن حنبل في جملة من يختلف إليه. توفي ببغداد سنة 200هـ. راجع ترجمته في طبقات الشعراني 1: 84ووفيات الأعيان 2: 136.
(5) أم البهلول: لم نقف لها على ترجمة.
(6) ابن سيابة: هو إبراهيم بن سيّابة. تقدّمت ترجمته.(2/323)
77 - كان بين سعد بن مالك (1) وبين خالد بن الوليد كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال: له، إن ما بيننا لا يبلغ ديننا.
78 - لقمان: يا بني، قد دحرجت الحجارة، وقطعت الصخور، فلم أجد شيئا أثقل من كلمة السوء ترسخ في القلب كما يرسخ الحديد في الماء.
79 - قال حماد عجرد في بشار:
والله ما الخنزير في نتنه ... بربعه في النتن أو خمسه
بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسه ألين من مسه
ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أفضل من نفسه
وعوده أكرم من عوده ... وجنسه أكرم من جنسه
فقال بشار: ويلي على الزنديق لقد نفث ما في صدره، قيل: وكيف ذاك أبا معاذ، قال: ما أراد إلا قول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (2) فأخرج الجحودية مخرج هجائي.
روي أنه لم يجزع جزعه من قوله فيه:
ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد
وإنه بكى لمّا سمعه، وقال: يراني فيصفني، ولا أراه فأصفه.
80 - جرى في الغواية إلى الغاية، وفي مخالفة النهى إلى النهاية.
81 - مضغوه بالألسنة الجاذبة، ولا كوه في الأحناك الكاذبة.
كثير (3):
__________
(1) سعد بن مالك: هو سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم توفي بالعقيق سنة 55هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) سورة التين، الآية: 4.
(3) كثّير: هو كثير عزّة الشاعر.(2/324)
وسعى إليّ بغيب عزة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها
82 - فلان ما يرتاح للمدح، ولا يرتاح للذم.
83 - قال ابن مناذر (1) لرجل: مالك أصل فاحفره، ولا فرع فاهصره (2).
84 - آخر: لم أجد حسبا فأثلمه (3)، ولا بناء فأهدمه.
85 - توبة (4):
رماني وليلى الأخيلية قومها ... بأشياء لم تخلق ولم أدر ماهيا (5)
86 - فلان عناماه (6) القذاع (7)، عري من حلية التقوى، ومحي عنه طابع الهدى، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفه خيفة المحاسبة.
87 - قيل لإسماعيل بن حماد: أي اللحمان أطيب؟ قال: لحوم الناس، هي والله أطيب من لحوم الدجاج والدرّاج (8)، يعني التفكه
__________
(1) ابن مناذر: هو محمد بن مناذر. تقدّمت ترجمته.
(2) هصر الغصن: عطفه وكسره من غير بينونة.
(3) أثلمه: أبيّن سيئاته.
(4) توبة: هو توبة بن الخمير بن حزم بن كعب بن خفاجة العقيلي العامري. شاعر من عشاق العرب المشهورين كان يهوى ليلى الأخيليّة وخطبها فردّه أبوها وزوجها غيره. قتل سنة 85هـ. راجع ترجمته في شرح شواهد المغني 70وسمط اللآلىء 120وفيه مقتله في خلافة مروان.
(5) ليلى الأخيليّة: هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب الأخيليّة من بني عامر بن صعصعة، كانت شاعرة فصيحة ذكية جميلة. اشتهرت بأخبارها مع توبة بن الحمير. لها أخبار مع عبد الملك بن مروان ومع الحجاج بن يوسف. توفيت نحو سنة 80هـ. راجع ترجمتها في الأعلام 6: 249وفوات الوفيات 2: 141والمرزباني 343.
(6) عناماه: قصاراه.
(7) القذع، القذر، الخنا والفحش والشتم.
(8) الدرّاج: نوع من الطير شبيه بالحجل وأكبر منه أرقط بسواد وبياض قصير المنقار يطلق على الذكر والأنثى.(2/325)
بأعراضهم واغتيابهم.
88 - مر المسيح في الحواريين (1) على جيفة كلب، فقال بعضهم:
ما أشد نتن ريحه! فقال: هلا قلت: ما أشد بياض أسنانه.
89 - حسل بن عرفطة (2):
ليهنك بغضن في الصديق وطنة ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوءا إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره جانبه
وأنك مهداء الخنا نطف الثنا ... شديد السباب رافع الصوت غالبه (3)
فلم أر مثل الجهل أدنى إلى الردى ... ولا مثل بعض الناس غمص صاحبه (4)
90 - ابن المعتز: لا تذكر الميت بسوء فتكون الأرض أكتم منك عليه.
91 - وكان محمد عبد الملك بن صالح إذا ذكر الميت عند سوء يقول: كفّوا عن أسارى الثرى.
92 - الريبة عار والغيبة نار، ومن عن الريبة كفّ، كفّ عن الغيبة.
93 - محمد بن حرب (5): أول من عمل الصابون سليمان (6)، وأول من عمل القراطيس يوسف (7)، وأول من عمل السويق (8) ذو القرنين
__________
(1) الخواريون: هم رسل السيد المسيح عليه السّلام.
(2) حسّان بن عرفطة: لم نقف له على ترجمة.
(3) الخنا: الفحش في الكلام.
(4) غمص صاحبه: نقص واستحقر.
(5) محمد بن حرب: هو كاتب محمد بن الوليد الزبيدي. ولي قضاء دمشق وكان من حفاظ الحديث الثقات. راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 285وتهذيب التهذيب 9: 109.
(6) سليمان: هو النبي سليمان بن داود عليهما السّلام.
(7) يوسف: هو النبي يوسف عليه السّلام.
(8) السويق: نوع من الخمر.(2/326)
وأول من خبز الجرادق (1) نمرود (2)، وأول لمن كتب في القراطيس الحجاج (3)، وأول من بنى مدينة في الإسلام الحجاج، وأول من اغتاب إبليس، اغتاب آدم.
94 - سامع الغيبة أحد المغتابين.
95 - أبو نواس:
ما حطّك الواشون عن رتبة ... عندي ولا ضرك مغتاب
كأنما أثنوا ولم يعلنوا ... عليك عندي بالذي عابوا
96 [آخر]:
أبا حسن يكفيك ما فيك شاتما ... لعرضك من شتم الرجال ومن شتمي
97 - أوحى الله إلى موسى أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن أصر فهو أول من يدخل النار.
98 - إشكاب (4): لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك أن يغتابك عند غيرك.
99 - كان أبو الطيب الطاهري (5) يهجو ابني سامان (6) فقال له نصر بن
__________
(1) الجرادق: جمع جردقة وهو الرغيف.
(2) نمرود: ملك جبار كان ببابل، وله أسماء كثيرة. راجع التاج وتفسير الطبري.
(3) الحجاج: هو الحجاج بن يوسف.
(4) أشكاب: لقب الحسين بن إبراهيم بن الحر بن رعلان العامري، من أبناء خراسان من أهل نسا. نشأ ببغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف القاضي ومات سنة 216في خلافة. المأمون. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 17وتهذيب التهذيب 2:
329.
(5) أبو الطيب الطاهري: هو طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر الخزاعي. شاعر من أهل خراسان. كان لسانه مقراض الأعراض وهو أول من هجا بخارى وذمّها. راجع ترجمته في يتيمة الدهر 4: 69.
(6) سامان: من رجال أبي مسلم الخراساني. إبنه أسد توفي في خلافة الرشيد وكان له أربعة أبناء نوح وأحمد ويحيى والياس. ودامت دولة بني ساسان إلى سنة 305هـ.
راجع الكامل لابن الأثير والتاج والنجوم الزاهرة 3: 83.(2/327)
أحمد (1) يوما: يا أبا الطيب إلى متى تأكل خبزك بلحوم الناس (2)؟ فخجل ولم يعد.
100 - بزرجمهر، قال لولده: لا تكونوا عيابين فتكونوا عند الناس إذا أذنبتم أشد عيبا وأقل عذرا.
101 - علي رضي الله عنه: من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه.
102 - الحسن: ذم الرجل لنفسه في العلانية مدح لها في السر.
قال الحجاج لابن القرية (3): من شر الناس؟ قال: الذي يطلب عثرات الناس وهو مصر على الذنوب.
103 - هجا الفرزدق سنان بن سنان الحرامي (4)، فأخذه قومه فربطوه وجاؤوا به إلى الفرزدق، وقالوا: هذا أسيرك فافعل به ما شئت، وإنّا قد برّئنا إليك من جرمه، وإياك وأعراضنا. فقال له: ما دعاك إلى هجائي؟
قال: الحين، قال: أفتعود؟ قال: لا، قال: فاذهب. وقال:
ومن يك خائفا فرطات شعري ... فقد أمن الهجاء بنو الحرام (5)
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
__________
(1) نصر بن أحمد: هو نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني. ولد ببخارى سنة 293هـ وولي الإمارة بعد مقتل أبيه سنة 301هـ ومات سنة 331هـ. راجع ترجمته في شذارات الذهب 2: 331وابن الأثير 8: 230.
(2) قوله: تأكل خبزك بلحوم الناس: كناية عن تفكّهه بأعراضهم واغتيابهم.
(3) ابن القرية: هو أبو سليمان أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة. والقرية أمّه. توفي سنة 84هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) سنان بن سنان الحرامي: لم نقف له على ترجمة.
(5) فرط على فلان: هجاه وآذاه حتى تجاوز الحد.(2/328)
104 - مبارك العلوي (1):
آبى فلا أمدح اللئام معا ... ذا الله مدح اللئام لي دنس
لكن سأهجوهم وإن رغمت ... مما أقول المناخر الفطس
105 - العباس بن يزيد الكندي (2):
لو اطلع الغراب على تميم ... وما فيهم من السوءات شابا
106 - أتى ابن فسوة (3) عبد الله بن عباس يستوصله، فلم يصله، فقال:
أتيت ابن عباس أرجيّ نواله ... فلم يرج معروفي ولم يخش منكري
فليت قلوصي عريت أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر (4)
فقال له عبد الله بن جعفر: أنا اشتري منك عرض ابن عمي، فقال:
اشتر ولا تؤخّر. فوصله حتى كفّ.
__________
(1) مبارك العلوي: هو عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب المعروف بالمبارك العلوي. شاعر مكثر ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 259 وذكر له هذين البتين.
(2) العباس بن يزيد الكندي: هو من فرسان بنات قين مع بني فزارة وكان مجاورهم هاجى جرير بن الخطفي ولما قال جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلّهم غضابا
قال العباس:
ألا رغمت أنوف بني تميم ... فساة التمر إن كانوا غضابا
لئن غضبت عليك بنو تميم ... لما نكأت بغضبتها ذبابا
لو اطّلع الغراب على تميم ... رمى فيها من السوات شابا
راجع معجم الشعراء ص 264263.
(3) ابن فسوة: هو عيينة بن مرداس. شاعر مقلّ هجّاء خبيث اللسان بذيئه. عاش في الجاهلية والإسلام ولم يكن معدودا من الفحول. راجع تفاصيل أخباره في الأغاني.
(4) القلوص: الناقة الفتيّة.(2/329)
107 - سمع أعرابي قوله تعالى: {الْأَعْرََابُ أَشَدُّ كُفْراً} (1) فامتعض، ثم سمع: {وَمِنَ الْأَعْرََابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ} (2): فقال: الله أكبر! هجانا الله ثم مدحنا، وكذلك فعل الشاعر حيث يقول:
هجوت زهيرا ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجى وتمدح
108 - لما قام السفاح قال له أحمد بن يوسف (3): لو أمرت بلعن معاوية على المنابر كما سن اللعن على علي عليه السّلام، فأبى وتمثل بقول لبيد (4):
فلما دعاني عامر لأسبهم ... أبيت وإن كان ابن عيساء ظالما
109 - لو تأمل رجل أفعال فلان ثم اجتنبها لا ستغنى عن الآداب أن يطلبها.
110 - لو أنّ رجلا تجنب أخلاقه لقيل قد مد المجد عليه رواقه.
111 - دخل أبو الهندي (5) على أسد بن عبد الله بن كرز البجلي (6)، وعنده رجل من جرم (7) على سريره: فتناول أبا الهندي، فقال له أسد: مهلا يا أخا جرم فإن له لسانا لا يطاق، فقال أبو الهندي: كم الكبائر؟ قال: بلغني أنهن أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله،
__________
(1) سورة التوبة، الآية: 97.
(2) سورة التوبة، الآية: 99.
(3) أحمد بن يوسف: لم نقف له على ترجمة.
(4) لبيد: هو لبيد بن ربيعة العامري. تقدّمت ترجمته.
(5) أبو الهندي: هو غالب بن عبد القدوس، وقيل في اسمه غير ذلك، شاعر مخضرم من مخضرمي الدولتين كان منهوما بالشراب مستهترا، أكثر شعره في وصف الخمر استوطن خراسان في آخر عمره. راجع ترجمته في فوات الوفيات 2: 240.
(6) عبد الله بن كرز البجلي: هو أسد بن عبد الله بن كرز القسري البجلي. تولّى خراسان لأخيه خالد سنة 208هـ. جاشت الترك في أيامه فهزمهم. توفي ببلخ سنة 120هـ راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 2: 104وابن الأثير 5: 79.
(7) جرم: بطن من طيّ.(2/330)
واليأس من روح الله. قال أبو الهندي: بلغني أنهن خمس: تجفاف (1)
على بعير، وسراج في شمس، ولبن في باطية (2)، وخمر في علبة، وجرمي على سرير. فبهت الجرمي.
112 - سأل الفرزدق سيد غدانة (3) عطية بن جعال (4) أن يكف عن هجو قومه، فأجابه ثم قال:
أبني غدانة إنني حررتكم ... فوهبتكم لعطية بن جعال
لولا عطية لا جتدعت أنوفكم ... من بين ألأم آنف وسبال (5)
فقال عطية: سبحان الله! ما أسرع ما رجعت في عطيتك! 113الفيض بن أبي صالح (6):
ليس في العير يوم عبر أبي سف ... يان تبا لتلكم من عير
لا ولا في النفير يوم قريش ... حين جدّت وأزمعت بالنفير (7)
__________
(1) التجفاف: ما يكون على الفرس من أشياء تقيه الجراح.
(2) الباطية: إناء من الزجاج يملأ من الشراب واللبن جمع بواط.
(3) غدانة: حيّ من يربوع.
(4) عطية بن جعال: رئيس غدانة ذكره المرزباني في معجم الشعراء (296) وذكر الخبر وقال: وعطيّة هو القائل:
أرى الحق يعروني فأعرف حقّه ... وللدهر من مال الكريم نصيب
وقد يبتلى الأقوام بالفقر والغنى ... وقد تنقص الأموال ثم تثوب
(5) السبال: جمع سبلة وهي مقدّم اللّحية.
(6) الفيض بن أبي صالح: كنيته أبو جعفر، استوزره المهدي بعد يعقوب بن داوود.
راجع الخبر في معجم الشعراء وفيه بعض اختلاف في بعض الألفاظ.
(7) يقال: فلان لا في العير ولا في النفير. قبل هذا المثل لقريش من بين العرب، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لما هاجر إلى المدينة ونهض لتلقيّ عير قريش سمع مشركو قريش بذلك فنهضوا ولقوه ببدر ليأمن عيرهم المقبل من الشام مع أبي سفيان، ولم يكن تخلّف عن العير والقتال إلّا من لا خير فيه فكانوا يقولون لمن لا يستصلحونه لمهمّ:
فلان لا في العير ولا في النفير. فالعير ما كان منهم مع أبي سفيان، والنفير ما كان منهم مع عتبة بن ربيعة قائدهم يوم بدر.(2/331)
114 - ذمّ أعرابي قوما فقال: هم أقلّ الناس ذنوبا إلى أعدائهم، وأكثرهم جرما إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على المنكر، ألسن عامرة من الوعد، وقلوب خربة من المجد.
115 - آخر: إن فلانا يكاد يعدي بلؤمه من سمّي باسمه، ولئن خيبني فلرب قافية كريمة ضاعت في رجل لئيم.
116 - الحسن: عاش المسلمون برهة من زمانهم وإن الرجل ليحرم غيبة أخيه ودرهمه وسوطه أن يجده ملقى في الأرض حتى يرده عليه، فبيناهم كذلك إذا طعن الشيطان طعنة فنفرت القلوب فصارت وحشا، فإذا هو يستحل دم أخيه ماله، وهو بالأمس يحرم غيبته ودرهمه وسوطه.
117 - علي عليه السّلام رفعه: من بهت مؤمنا أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه.
علي عليه السّلام: الغيبة جهد العاجز. ومنه أخذ المتنبي.
وأكبر نفسي عن جزاء بغيبة ... وكل اغتياب جهد من لا له جهد
118 - أبو يزيد العبدي (1):
ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... إن الكلاب طويلة الأعمار
وأراك تجنبني فتسرف جاهدا ... كالكلب ينبح كامل الأقمار
119 - وقف قوم بباب عدي بن الرقاع ليهاجوه فقالت لهم بنت له صغيرة:
__________
(1) أبو يزيد العبدي: هو محمد بن أبي ثمامة العبدي كان هو وأبوه شاعرين وقد ذكرهما المرزباني في معجم الشعراء وقال: ومحمد هو القائل في رجل من العجم هاجاه:
هات لسانا فاهجنا غير لسان العرب ... فاخر فإن الفخر لا يصلح إلّا لي وبي
يا عجبا من نابه في نسب مؤتشب ... كأنما فاخرني بمثل جدّي وأبي
راجع التفاصيل في معجم الشعراء ص 443442.(2/332)
تجمعتم من كل أوب ووجهة ... على واحد لازلتم قرن واحد
120 - قال الكندي (1) لرجل: أنت والله ثقيل الظل، مظلم الهواء، جامد النسيم.
121 - كلثوم بن أوفى التميمي (2) المعروف بابن قسيمة:
إذا لم يرج قومك منك خيرا ... تجود به ولا خلقا رغيبا
وكنت عليهم أسدا مدلا ... وعن أعدائهم درعا هيوبا
وسبهم العدو فلم تكّسر ... عليه وكنت بعد لهم سبوبا
وإن منيتهم خيرا وعسرا ... وفيت به وكنت به طبيبا
وإن منيتهم شرا وعسرا ... لقومك كنت مخلافا كذوبا
وإن فسدوا رضيت وإن تراضوا ... ظللت لذاك محتزنا كئيبا
وإن أطعمت بعضهم طعاما ... مننت به وكنت له طلوبا
فليت الحيّ قد حفروا بفأس ... قليبا ثم أعمرت القليبا (3)
122 - حكيم قال لرجل: مذكم لسعتك عقرب أو لدغتك حية؟
قال: ما أذكر شيئا من ذلك، قال: فمتى عهدك بمن أغتابك وسبك، وكتم محاسنك، ونشر مساوئك، وسعى في هلاكك؟ قال: أقرب عهد.
123 - وقف جديّ على سطح، فمر به ذئب فشتمه، فقال له الذئب: أنت لا تشتمني إنما يشتمني المكان الذي أنت به.
124 [شاعر]:
__________
(1) الكندي: هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح، اشتهر بالطب والفلسفة والموسيقى والفلك له أخبار مع المتوكل العباسي وحظي عند المأمون والمعتصم. توفي نحو سنة 260هـ.
(2) كلثوم بن أوفى: يقال له ابن قسيمة، وهي أمه وبها يعرف. ذكره المرزباني في معجمن الشعراء وذكر الخبر مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(3) القليب: البئر.(2/333)
توقّ ملاحاة الشيوخ وذمهم ... فإن لهم علما برد المثالب (1)
125 - ذكر خالد بن صفوان اليمانية فقال: ما منكم ألا ناسج برد، وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب عرد (2)، غرقتهم فأرة، ودلكتهم امرأة، ودلّ عليهم الهدهد. قالوا العرد البغل.
126 - هو سيد قريع، بتقديم الراء (3):
127 - أبو الدرداء رضي الله عنه (4): احذروا الناس، فما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
128 - المخرق بن الممزق (5):
أنا المخرق أعراض اللئام كما ... كان الممزق أعراض اللئام أبي
129 - مخلد بن علي السلامي الحوراني (6):
على أبوابه من كل وجه ... قصدت له أخو مر بن أد
أخو لحم أعارك منه ثوبا ... هنيئا بالقميص لك الأجد
أبوك أراد أمك حين زفت ... فلم توجد لأمك بنت سعد
يعني أن أبوابه مضببة مغلقة، لأن أخا مر هو ضبة، وأخوكم جذام، أراد أنه مجذوم (7)، وبنت سعد هي عذرة، أراد لم تكن عذراء.
__________
(1) الملاحاة: المنازعة والتلاوم. والمثالب: تعداد السيئات وإظهارها.
(2) العرد: الحمار الغليظ الرقبة.
(3) القريع: فحل الإبل. وقوله: بتقديم الراء، أي رقيع. والرقيع هو الأحمق الأنوك.
(4) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك. تقدّمت ترجمته.
(5) المخرق بن الممزّق: هو المخرق الحضرمي عباد وأبوه الممزق وهما شاعران متأخران ذكرهما دعبل الخزاعي. وكان الممزق معاصرا لأبي الشمقيق. راجع المؤتلف والمختلف للآمدي.
(6) محمد بن علي السلامي الحوراني: لم نقف له على ترجمة.
(7) مجذوم: مصاب بالجذام وهو داء كالبرص يسبب تساقط اللحم، والأعضاء. وجذم جذما: صار أجذم وهو المقطوع اليد أو الأنامل.(2/334)
130 - قال رجل لابن سيرين: إني شتمتك فاجعلني في حل. قال:
ما كنت لأحل لك ما حرم الله عليك.
131 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: بلغني أن قبلك قوم يسبون أبا بكر وعمر، فمن قامت عليه بيّنة عادلة فاضربه ضرب المستطيل (1) في عرض أخيه وهو ساكت.
132 - عامر بن عبد الله بن الزبير: ألا إن الدنيا لم تبن شيئا إلّا هدمته الآخرة، وإن الآخرة لم تبن شيئا فهدمته الدنيا، وإن بني أمية لعنوا عليا على منابرهم سبعين سنة فما زاده الله إلا رفعة ونبلا.
133 - استبّ رجلان، فقال أحدهما: لو قطع زبك ثم علّق لم تبق زانية إلّا عرفته. وقال الآخر: ما ولدت زانية بالكوفة ولدا إلا وفيه شبه منك. فلم يوجبوا عليها حدا (2).
134 - عن معاوية بن قرّة: كان أفضلهم عن السلف أسلمهم صدأ، وأقلهم غيبة.
135 - سب عبيد الله بن عمر (3) المقداد (4) فقال عمر: علي نذر إن لم أقطع لسانه فلا يسب أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
136 - أراد رجل تطليق امرأته، فقيل له: ما عيبها؟ فقال هل
__________
(1) المستطيل: المعتدي.
(2) الحدّ: القصاص الشرعي.
(3) عبيد الله بن عمر: صحابي، غزا أفريقية مع عبد الله بن سعد. شهد صفين مع معاوية وقتل فيها سنة 37هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 8.
(4) المقداد: هو المقداد بن الأسود الكندي. تقدّمت ترجمته.(2/335)
يتكلم أحد بعيب امرأته؟ فلما طلقها قيل له: ما كان عيبها؟ قال هي امرأة غيري، مالي ومالها؟.
137 - عن بعض الصالحين أنه سمع غيبة من امرأة فصاح: الحريق! فازدحم الناس على بابه فلم يروا شيئا، فقالوا له، فقال: وقع الحريق فيّ وفيها وفي أهلي، وما ملكت يدي حين اغتابت.
138 - كان بعض الصلحاء يضع في كمه الفانيذ (1)، فإذا رأى أحد يغتاب، يذكر أحدا بسوء لقمه الفانيذة، وقال: هذا أحلى مما تكلمت به فاتركه.
139 - بلغ الحسن البصري أن فلانا قد اغتابك، فأهدى إليه طبقا من رطب. فأتاه الرجل وقال: أغتبتك، فأهديت إليّ؟ فقال: الحسن: قد أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافئك.
140 - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قوما يأكلون الجيف، فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس.
141 - فضيل: لكل شيء ديباج (2)، وديباج القرّاء ترك الغيبة.
142 - مر عمرو بن العاص على بغل ميت، فقال لأصحابه: والله لئن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحكم أخيه.
143 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من اغتيب غيبة غفر الله نصف ذنوبه.
144 - أبو هريرة: لئن أقوم إلى كوز (3) ماء فأشربه في رمضان أحب إلي من أن أغتاب مسلما.
__________
(1) الفانيذ: نوع من الحلواء (فارسي معرب).
(2) الديباج: نوع من الثياب سداها ولحمتها الحرير.
(3) الكوز: الإبريق الصغير، يكون عادة من الفخّار.(2/336)
145 - أحمد بن أبي الحواري (1): سمعت سفيان بن عيينة يقول: اسمعوا ما أقول لكم فإنه أنفع لكم من الحديث: لو أن رجلا أصاب من مال رجل شيئا فلم يرده عليه في حياته، فتاب بعد موته وجاء إلى ورثته حتّى جعلوه في حل لكنا نرى أن ذلك كفارة له، ولو أصاب من عرض رجل، فتاب بعد موته، وجاء إلى ورثته، وإلى جميع أهل الأرض فجعلوه في حلّ لم يصر في حل، ولم ينج من صاحبه، فافهموا ما يقال لكم، فعرض المؤمن أشدّ من ماله.
146 - وعن طاووس (2) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مر بجعفر (3) وهو يحجم (4) في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم. فقال جعفر للحجام: إمسح عني فو الله ما احتجمت حتى رأيت رسول الله يحتجم في شهر رمضان. قال جعفر: فلحقت رسول الله فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ما احتجمت حتى رأيتك تحتجم في رمضان فمررت آنفا فقلت أفطر الحاجم والمحجوم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنشدك الله يا جعفر هل كنت أنت والحجام تغتابان مسلما؟ فقال: اللهم نعم. فقال:
لغيبتكما إياه أفطرتما. إن الغيبة تفطر الصائم وتفسد الوضوء والصلاة.
__________
(1) أحمد بن أبي الحواري: هو أحمد بن عبد الله بن ميمون. ناسك كوفيّ الأصل ولد بدمشق سنة 164هـ. كان من ثقات رواة الحديث، عالم بأخبار النساك توفي بدمشق سنة 246هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 26.
(2) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدّمت ترجمته.
(3) جعفر: هو جعفر بن أبي طالب. تقدّمت ترجمته.
(4) الحجامة: المعالجة الطبية بالمحجم وهو آلة كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيّجا ويجذب الدم بقوة. والحجامة أيضا: هي الحلافة والحجّام هو الحلاق.(2/337)
الباب الثامن والعشرون ألذل والهوان، والضعف والقلة، والخسة وسقوط الهمة، وذكر الرعاع والغفل
1 - كلّمت النبي صلّى الله عليه وسلّم جارية من السبي، فقال من أنت؟ قالت:
بنت الرجل الجواد حاتم (1): فقال: إرحموا عزيزا ذلّ وغنيا افتقر، وارحموا عالما ضاع بين جهال 2عمر رضي الله عنه: ليس ينبغي لمن أخذ بالتقي أن يذل نفسه لصاحب دنيا.
3 - وعن طارق بن شهاب (2): أن عمر لما قدم الشام، عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده وخاض الماء.
فقال له أبو عبيدة (3) قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض. فصك
__________
(1) حاتم: هو حاتم بن عبد الله الطائي الشاعر المشهور بالكرم. تقدّمت ترجمته.
(2) طارق بن شهاب: مخضرم، أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم وغزا في خلافة أبي بكر وعمر. كان يسكن الكوفة. توفي سنة 83هـ. راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 4219.
(3) أبو عبيدة: هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال، أمين الأمّة، من السابقين إلى الإسلام، واحد العشرة المبشّرة بالجنة. شهد المشاهد كلّها. توفّي بطاعون عمواس سنة 18هـ. ودفن في غور بيسان وانقطع عقبه.
راجع ترجمته في حلية الأولياء 1: 100وصفة الصفوة 1: 142.(2/339)
في صدوره وقال: أوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة! إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام. فمتى ما تطلبوا العز بغيره يذلكم.
4 - منصور الفقيه (1):
يا من له من تميم ... عم نبيل وخال
إن لم يكن لك تقوى ... ولم يكن لك مال
فأجلس فأنت ذليل ... بحيث تلقى النعال
5 - تميم الداري (2): سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز يعز به الله الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.
6 - قيل لأعرابي: كيف تقول استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل، ولم؟ قال: لأن العرب لا تستخذي.
7 - أوس بن حارثة الطائي: من قلّ ذل، ومن أبر فل (3).
8 - يقال: ما هو إلا جمل السقاية وحمار الحوائج، للممتهن.
9 - يقال: فلان يمزجر الكلب، إذا كان بعيدا من مجلس الناس لمهانته.
10 - وعن بعض السلف: قف لي فوت الرقيب (4) من الأيسار (5)،
__________
(1) منصور الفقيه: هو منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي، أبو الحسن الفقيه الشافعي. شاعر، ضرير. مدح المعتز. توفي بمصر سنة 306هـ. كان خبيث اللسان في الهجو. راجع وفيات الأعيان 2: 125.
(2) تميم الداري: هو تميم بن أوس بن خارجة. تقدّمت ترجمته.
(3) أبرّ الرجل: كثر ولده. وفلّ الرجل: ذهب ماله.
(4) الرقيب: هو الذي يشرف على لعب الميسر ويرعاه.
(5) الإيسار: جمع ياسر وهو اللاعب بالقداح في الميسر.(2/340)
ومزجر الكلب من السمار. وقال أبو سفيان بن حرب:
وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
11 - ويقال للأراذل والسقاط أبناء درزة (1)، أنشد المبرد (2) لبعض الشعراء في زيد بن علي (3) ومن خرج معه:
يا با حسين والأمور إلى مدى ... أبناء درزة أسلموك وطاروا
وقال: هم خياطون من أهل الكوفة خرجوا معه، ثم انهزموا أسرع شيء.
ويقال لهم أبناء الدهاليز، قال ابن بسام (4):
يا ابن الدهاليز وأبناء السكك ... ويا ابن عجل لا يجي زوجي يرك
12 - يقال للقيط (5): ابن عجّل عجّل.
13 - المتلمس (6):
__________
(1) وأولاد درزة أيضا هم الخياطون والحاكة. وبنات درزة: القمل والصئبان، وابن درزة الدعيّ، وأم درزة: كنية الدنيا.
(2) المبرّد: هو محمد بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(3) زيد بن علي: هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الإمام، يقال له زيد الشهيد. ولد سنة 78هـ. حبسه هشام بن عبد الملك. بايعه في الكوفة أربعون ألفا وقاتله عامل الأمويين فنشبت معارك انتهت بمقتل زيد، فحمل رأسه إلى الشام ثم إلى المدينة ثم إلى مصر فنصب بالجامع فسرقه أهل مصر ودفنوه. كان فقيها وإليه تنسب طائفة الزيدية من الشيعة. راجع ترجمته في مقاتل الطالبيين وتاريخ الكوفة 327 والذريعة 1: 331.
(4) ابن بسام: هو علي بن محمد بن بسام. تقدّمت ترجمته.
(5) اللقيط: المولود الذي ينبذ.
(6) المتلمّس: هو جرير بن عبد العزّى. شاعر جاهلي من أهل البحرين، وهو خال طرفة بن العبد. نادم عمرو بن هند ملك الحيرة ثم هجاه فأراد عمرو قتله فكتب له كتابا إلى عامله في البحرين فيه الأمر بقتله، ففضّه وقرىء له ما فيه فقذفه في نهر الحيرة ونجا. توفي ببصرى من أعمال حوران نحو سنة 50قبل الهجرة. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 112وخزانة البغدادي 1: 446وثمار القلوب 171.(2/341)
إن الهوان حمار الأهل يعرفه ... والحر ينكره والجسرة الأجد (1)
ولا يقيم بدار الهون يعرفها ... إلا الأذلان عير الأهل والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فما يرثي له أحد
14 - علي عليه السّلام مسكين ابن آدم مكتوم الأجل مكتوب العمل، تؤذيه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة، وتميته الغرقة (2).
15 - ذمت أعرابية قوما فقالت: لهم صبر على عض الهوان (3).
16 - الجاحظ وجد بعض العرب ثعلبين يبولان على رأس صنمه فقال:
دب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل ما بالت عليه الثعالب
قال: وروي الثعلبان، وهو ذكر الثعالب. وأنشد:
كم رأينا للدهر من أسد ... بالت على رأسه ثعالبه
17 - لما أحاطت بنو أسد بحجر بن عمرو (4) أبي امرىء القيس قال:
يا بؤس للسباع في أيدي الضباع.
18 - زيد بن علي رضي الله عنه: ما أحب أحد الحياة قط إلا ذلّ.
19 - الحسن. ترى ذل المعاصي في وجوههم وأن دققت بهم الهماليج (5).
__________
(1) الجسرة: مؤنث الجسر وهو الضخم. وناقة أجد: مؤثقة الخلق.
(2) راجع شرح ابن أبي الحديد.
(3) الهوان: الذلّ.
(4) حجر بن عمرو: هو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن تور. ملكه أبوه على بني أسد وغطفان فأساء السيرة فيهم فقتله بنو أسد. راجع مقدمة امرىء القيس للأعلم الشنتمري وراجع كتاب الأغاني.
(5) الهماليج من البراذين: هو السلس القياد.(2/342)
20 - في ديوان المنظوم:
الموت والهون إن خيرّت بينهما ... معجّل الموت لي أن اختر الهونا
21 - تمثل المنصور حين أتاه خروج إبراهيم بن عبد الله (1) بالبصرة، يقول سلامة بن جندل (2):
وسومة ذلّ نجعل الموت دونها ... نقول بها للموت أهلا ومرحبا
22 - يقال للذليل: هو بمدرجة السّيل، قال عبد الله بن مكنف المدني (3).
قد كنت آوي من ندا ... ك إلى ذرى جبل ظليل
فغبرت بعدك واضعا ... رجلي بمدرجة السيول
23 - أبو المطرف عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص يخاطب أخاه مروان بن الحكم:
إنك لم تجد طردا لحر ... كإلصاق به طرف الهوان
ولم تجلب مودة ذي وفاء ... بمثل البذل أو لطف اللسان
فلو كنا بمنزلة سواء ... لجئت وأنت مضطرب العنان
24 - في ديوان المنثور: من أهان نفسه لربه فهو مكرم لها غير مهين، ومن امتهن في طاعة الله فذاك عزيز غير مهين. ألا أخبرك بكل
__________
(1) إبراهيم بن عبد الله: هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أخو محمد النفس الزكية. كانت بينه وبين جيش المنصور وقائع هائلة. قتل بباخمري سنة 145هـ وكانت ولادته سنة 97هـ. كان شاعرا عالما بأخبار العرب وأيامهم وأنسابهم. راجع ترجمته في مقاتل الطالبين 315.
(2) سلامة بن جندل: شاعر جاهلي من فرسان تميم، من وصّاف الخيل، كان معاصرا لعمرو بن كلثوم ومات نحو سنة 23قبل الهجرة. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 192.
(3) مكنف المدني: لم نقف له على ترجمة.(2/343)
مهان ممتهن، في قضبة الذل مرتهن، كل متهالك على حب هذه الهلوك، منقطع إلى أحد هؤلاء الملوك، يدين له ويخضع، ويخة في طاعته ويضع لا يطمئن قلبه ولا تهدأ قدمه، ولا ينحرف عن خدمته همه ولا سدمه، منتصب قدامه انتصاب الجذل، وهو ملآن من الجذل، بعرض، تحسبه مصونا وهو كمنديل الغمر مبتذل. له ركوع في كل ساعة وتكفير، وخرور على ذقنه وتعفير، جما لاحترازه من سخطة لملك واحتراسه، مقسما أن أقسم جهد اليمين على رأسه.
وفيه: الحر لا يدر على العصاب، ولا يذل وإن مني بالصعاب.
إن لم تكن ذا عرنين (1) أشم كنت لريح الذل أشم. استهان قوم بالدين ألا حاق بهم الهوان، ونفاهم الزمان كما ينفى الزوان. أقل من الهمج أكثر هذه ألهج. إذا قلت الأنصار كلت الأبصار.
25 - قيس بن الهيثم السلمي (2):
فقدنا مصعبا وأخاه لما ... نفت عنا سماؤهما المحولا
وكنا لا يرام لنا حريم ... نسحبّ في مجالسنا الذيولا
فيا لهفي ولهف أبي وأمي ... لقد أصبحت بعدهما ذليلا
26 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم.
27 - عن سعد بن أبي وقاص أنه سأل رسول الله: أرأيت الرجل يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه مثل نصيب غيره؟ فقال عليه السّلام: ثكلتك أمك يا ابن أم سعد! وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟.
__________
(1) العرنين: الأنف.
(2) قيس بن الهيثم السلمي: لم نقف له على ترجمة.(2/344)
28 - يقال: ذلت صعبته (1)، ولانت صعدته (2). وانقبض بعد انبساطه، وتطأطأ بعد اشتطاطه (3).
29 - قطبة بن الخضراء القيني (4):
ولست كمن يغمز جانباه ... كغمز التين تجنيه الجواري
رأيت معاشرا في الناس دقوا ... خبت نيرانهم فرفعت ناري
30 - قرطة بن المهزم العبدي (5):
شر الأنام كليب ... هم اللئام القصار
قوم من الذل فيهم ... قماءة وصغار
للذلة اقتحمتها ال * قلوب والأبصار 31سئل أبو حنيفة رحمه الله عن السفلة فقال: هو كافر النعمة.
وعن أبي يوسف: من باع دينه بدنياه. وعن محمد بن الحسن (6): من يبخل بعطية الحجام والمزيّن ويأكل في الطريق. وعن الأصمعي: من لا يبالي بما قال أو قيل له. وعن عبد الله بن المبارك:
السفلة هم الذين يتغسلون ويحضرون أبواب القضاة يطلبون الشهادة.
وعن ابن الأعرابي: السفلة الذي يأكل الدنيا بدينه. قيل له: فمن سفلة السفلة: قال الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه.
32 - سئل علي عليه السّلام [في صفة الغوغاء] فقال: الذين إذا اجتمعوا
__________
(1) الصعبة: الأبية.
(2) الصعدة: القناة المستوية.
(3) تطأطأ: تصاغر. الاشتطاط: تجاوز الحدّ.
(4) قطبة بن الخضراء القيني: لم نعثر له على ترجمة.
(5) قرطة بن المهزم العبدي: لم نعثر له على ترجمة.
(6) محمد بن الحسن: هو محمد بن الحسن الشيباني. تقدّمت ترجمته.(2/345)
غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا.
33 - وعن يحيى بن أكتم: السفلة الدباغ والكناس إذا كان من غير العرب.
34 - وجاء رجل إلى بقية (1) فقال له: إن امرأتي قالت لي: يا سفلة! فقلت لها: إن كنت سفلة فأنت طالق، فقال: ما صنعتك؟ فقال:
سمّاك، فقال: سفلة والله سفلة.
35 - وقيل لمالك بن أنس: من السفلة الذي يسب الصحابة.
36 - هبنّقة القيسي (2):
إذا كنت في دار يهينك أهلها ... ولم تك مكبولا بها فتحولا
وإن كنت ذا مال قليل فلا تكن ... ألوفا لقعر البيت حتى تمولا
37 - دخل الأجرد الثقفي (3) على عبد الملك بن مروان فأنشده.
من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... إن الذليل الذي ليست له عضد
تنبو يداه إذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم إن أثرى له عدد
38 - كان الحطيئة ساقط النفس دنيء الهمة، أتى بني كليب (4)
فقالوا: هو أشعر الناس، وهابوه وحكموه، وقالوا: سل ما أحببت يا
__________
(1) بقية: هو بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز. ولد سنة 110هـ كان محدّث أهل الشام في عصره وكان ثقة صدوقا توفي سنة 196هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 123وتذكرة الحفاظ 1: 266.
(2) هبنّقة القيسي: هو يزيد بن ثروان الملقب بذي الودعات، يضرب به المثل في الغفلة والحمق فيقال: أحمق من هبنقة وهو جاهلي. راجع بعض شعره في «عقلاء المجانين» للنيسابوري (من تحقيقنا ص 228) وراجع ثمار القلوب 112وسرح العيون 207.
(3) الأجرد الثقفي: كان من ثقيف، وفد على عبد الملك بن مروان في نفر من الشعراء.
ذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء وذكره الجاحظ في البيان والتبيين والحيوان.
(4) بنو كليب: بطن من تميم.(2/346)
أبا مليكة (1) وأكثر ولا تبق علينا؟ وحسبوا أنه يسألهم في دية، فقال قصعة من ثريد (2) قالوا: ألف قطعة، قال: لا أريد إلّا واحدة، فأكل وشبع وقال:
لعمرك ما المجاور في كليب ... بمقصى في المحل ولا المضاع
ويحرم سر جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقدم المدينة فاستعدوا له من كل جانب، وقال بعضهم: علي عشر من الإبل، وقال آخر: علي خمس، وقال آخر علي ألف درهم، وأعدوا له كل ضرب من الثياب. فلما دخل قام متوكئا على عصاه فقال: من يحملق على سمل (3) نعله من يعين بسحق (4) عميمة؟ من يكسو جبيبة (5)
صوف؟ فسقط عن أعينهم.
39 - ووفد على سعيد بن العاص (6) فقال لغلامه: أدخله السوق فلا يشير إلى شيء إلا اشتريته له. فمر على صنوف الثياب من الخز والقز فلم يشر إلى شيء إلا إلى قطيفة ومدرعة، فعتبته امرأته، فندم وقال في سعيد:
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا ... فسيان لا حمد عليك ولا ذم (7)
40 - عمير بن جعيل التغلبي (8):
__________
(1) أبو مليكة: كنية الشاعر الحطيئة.
(2) الثريد: نوع من الأكل يكون من الخبز المبلول بالمرق.
(3) السمل: الخلق.
(4) السحق من الثياب: البالية.
(5) الجبيبة: تصغير جبّة وهي الثوب الواسع يلبس فوق الثياب.
(6) سعيد بن العاص: هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة. تقدّمت ترجمته.
وراجع هذا الخبر في الأغاني والشعر والشعراء فهو مع عتيبة بن النهاس العجلي.
(7) راجع المصدرين المتقدمين أعلاه فالشعر فيهما فيه بعض الاختلاف.
(8) عمير بن جعيل التغلبي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 245والرواية فيه:
إذا ضيقت أمرا ضاق جدا. وأضاف إلى البيتين أربعة أبيات آخرها:
إذا جريا لغاية مكرمات ... كبا هذا وبرز ذاك شدا(2/347)
إذا ضيّقت أمرا زاد ضيقا ... وإن هونت ما قد ضاق هانا
سأصبر من صديقي إن جفاني ... على كل الأذى إلا الهوانا
41 - المنتصر بن المتوكل (1):
الذل يأباه الفتى الحر ... ما للكريم معه صبر
لم يعرف الناس الذي مسني ... فليس لي عندهم عذر
وذلك أن أباه كان يمسه بضروب من الهوان، وأنواع من الامتهان، وكان قد بالغ في ذلك وأفرط أول الليلة الذي جرى عليه ما جرى.
42 - عمير بن جعيل التغلبي:
كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفارا بطيئا نصولها
إذا رحلوا عن دار ذلل تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها
43 - حارثة بن بدر الغداني:
وشيب رأسي واستخف تجلدي ... رعود المنايا بيننا وبروقها
وإنّا لتستحلي المنايا نفوسنا ... وتترك أخرى مرة ما تذوقها
يريد المذلة.
44 - بشامة بن الغدير المري (2):
هوان الحياة وخزي الممات ... وكلا أراه طعاما وبيلا
فإن لم يكن غير أحديهما ... فسيروا إلى الموت سيرا جميلا
ولا تهلكوا وبكم منة ... كفى بالحوادث للمرء غولا
__________
(1) المنتصر بن المتوكل: هو محمد المنتصر بن جعفر المتوكل العباسي. تقدّمت ترجمته.
(2) بشامة بن الغدير المري: هو خال زهير بن أبي سلمى، كان شاعرا متقدما. ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف، وراجع شرح الحماسة للتبريزي 1: 372.(2/348)
45 - المغيرة بن حيناء (1):
إذا المرء أولاك الهوان فأوله ... هوانا وإن كانت قريبا أواصره
فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فدعه إلى اليوم الذي أنت قادره
وقارب إذا ما لم تكن لك حيلة ... وصمم إذا أيقنت أنك عاقره
46 - سأل سلم بن قتيبة طاووسا (2) عن شيء فلم يجبه، فقيل له:
هو سلم بن قتيبة أمير خراسان، فقال: ذلك أهون له عليّ.
47 - أحسن خالد بن برمك إلى عيسى بن زيد (3) حين كان والي الري، فبلغ ذلك المهدي فأغضبه، وبعث إليه المفضل (4) ليشخصه، فاستوهبه المفضل ضيعة له بالري، فأبى. فلما صادره المهدي ثم رضي عنه، وأعاده إلى منزلته، قال للمفضل: سألتني الضيعة وأنا على تلك الحال، فمنعتك كراهة أن تنزل ذلك مني على الضعف والمداراة لك، وتحرزا من أن يتهمك مولاك.
48 - له همة خامدة، وكف جامدة.
__________
(1) المغيرة بن حبناء. هو المغيرة بن حبناء التميمي وحبناء أمه واسمها ليلى، كما يقول البعض، يكنى أبا عيسى، كان أبرص وهو شاعر المهلب أنفذ شعره في مدحه ومدح بنيه وذكر حربهم للأزارقة وفيهم يقول:
إن المهالب قوم إن مدحتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئاس الناس حسادا
مات المغيرة شهيدا في نسف بين جيحون وسمرقند سنة 91هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 319ومعجم الشعراء 369وخزانة البغدادي 3: 201.
(2) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدّمت ترجمته.
(3) عيسى بن زيد: هو عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ولد ونشأ بالمدينة وصحب محمد بن عبد الله (النفس الزكية) وأخاه إبراهيم ولما ثار محمد في أيام المنصور بالمدينة ثار معه عيسى. طلبه المهدي العباسي فتوارى. توفي بالكوفة سنة 168هـ. راجع ترجمته في مقاتل الطالبيين 405.
(4) المفضل: هو المفضل الضبي (على ما نعتقد). تقدّمت ترجمته.(2/349)
الباب التاسع والعشرون ذكر الله، والدعاء والاستغفار والمناجاة والتحميد والتسبيح، والاستعاذة، والصلاة على رسول الله (ص)، ونحو ذلك
1 - قيل لسفيان بن عيينة: ما حديث يروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
أفضل دعاء أعطيته أنا والنبيون قبلي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؟ قال: ما تنكر من ذا؟ ثم حدث بقوله عليه السّلام: من تشاغل بالثناء على الله أعطاه الله فوق رغبة السائلين. ثم قال: هذا أمية بن أبي الصلت يقول لابن جدعان (1):
أأذكر حاجيّ أم قد كفاني ... حياؤك أن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليه المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء
فهذا مخلوق يقوله لمخلوق، فما ظنك برب العالمين.
2 - ابن عمر (2): من دعائه عليه السّلام: اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلوب بذروف الدموع، قيل أن يكون الدمع دما، والأضراس جمرا.
__________
(1) ابن جدعان: هو عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، أحد الأجواد المشهودين في الجاهلية يعدّ من حكام العرب في الجاهلية. تقدّمت ترجمته.
(2) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. تقدّمت ترجمته.(2/351)
3 - روي عنه صلّى الله عليه وسلّم: اللهم إني أسألك واقية كواقية الوليد.
وعنه عليه السّلام: اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
4 - عن مولى لأم معبد (1) قال: لما كبرت أم معبد ذهب بصرها، فكنت أقودها فكانت تكثر أن تدعو بهذه الكلمات، وتقول كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك، اللهم طهر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
5 - علي عليه السّلام: إدفعوا أمواج البلاء بالدعاء.
6 - أنس يرفعه: لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد.
7 - جابر (2) يرفعه: لقد بارك الله للرجل في حاجة أكثر الدعاء فيها، أعطيها أو منعها.
8 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة في الخير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
9 - جابر: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينما رجل ممن كان قبلكم إذ مر بجمجمة نظر إليها وقام يفكر، وقال. يا رب أنت أنت، وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب، ثم خر ساجدا، فقيل له: إرفع رأسك، أنت أنت وأنا أنا، أنت العواد بالذنوب، وأنا العواد بالمغفرة.
فغفر له.
__________
(1) أم معبد: هي عاتكة بنت خالد الخزاعية: تقدّمت ترجمتها.
(2) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري. تقدّمت ترجمته.(2/352)
10 - وقع ابن المعتز تحت الدعاء بإطالة البقاء: كفى بالانتهاء قصرا.
11 - قالت أعرابية عند الكعبة: إلهي لك أذل، وعليك أدل.
12 - شريح (1): اللهم إني أسلك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركته.
13 - قال عبد الملك بن صالح للرشيد: سرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء للشاكرين، وثوابا للصابرين.
14 - أعرابي: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه، والغريم وعدواه.
15 - كان ابن عمر إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي رزقنا وجعلنا نشتهيه، فرب من يقدر عليه ولا يشتهيه.
16 - أعرابي: اللهم اقذف في قلبي هواك، واقطع رجائي عمن سواك.
17 - أبو المنير العروضي (2) في محمد بن علي بن عيسى بن ماهان (3):
لا يقطع الله كفا أنت حاملها ... بها تفرّجت البلوى عن الناس
__________
(1) شريح: هو شريح بن الحارث الكندي القاضي. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو المنير العروضي: هو رزين بن زندورد. شاعر أشتهر بأوزان العروض كان من أصحاب دعبل الخزاعي الشاعر، وكان يكثر من زيارة عنان الشاعرة جارية الناطفي وله معها أشعار وأخبار ومعارضات. توفي سنة 247هـ.
راجع الأغاني وإرشاد الأريب 4: 209.
(3) ابن ماهان: قائد من قواد الأمين العباسي، وأبوه علي بن عيسى هو الذي حرّض الأمين على خلع أخيه المأمون من ولاية العهد. راجع أخباره في الطبري وابن الأثير.(2/353)
18 - سمعت بدوية تقول في دعائها: يا صباح يا مناح، يا مطعم الواسع يا عريض الجفنة، يا أبا المكارم. فزجرها رجل، فقالت: دعني أصف ربي، وأمجد إلهي بما يستحقه من العرب.
وسمعت أنا منهم من يدعو عند الركن: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه وهذا ونحوه مما يدعون به على عادة الجفاء والعنجهية والجهل بالتوقيف (1). ولكنهم ينحون نحو غرض صحيح من ثنائهم على الله عز وجل بالكرم والنزاهة عن القبيح على طريق الاستعارة، لأنه لا فصل عندهم بين الكريم وأبي المكارم، ولا بين الجواد والعريض الجفنة، ولا بين المنزه والأبيض الوجه.
19 - قيل لأعرابي: أتحسن أن تدعو؟ قال: نعم، اللهم إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك، فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك.
20 - سمع موسى بن جعفر (2) يقول في سجوده آخر الليل: يا رب عظم الذنب من عبدك. فليحسن العفو من عندك.
21 - ذكر عند سلام بن أبي مطيع (3): الرجل تصيبه البلوى فيدعو، فتبطىء عنه الإجابة، فقال: بلغني أن الله تعالى يقول: كيف أرحمه من شيء به أرحمه.
22 - يحيى بن معاذ: اللهم إني جعلت الاعتراف بالذنب وسيلة إليك واستطلت بتوكلي عليك، فإن غفرت فمن أولى بذلك، وإن عاقبت فمن أعدل في الحكم منك، اللهم إن نظرت إلى عيون سخطك فلم تغفل عن استنقاذي منها عيون كرمك.
__________
(1) التوقيف: هو نص المشارع المتعلق بأمر من الأمور.
(2) موسى بن جعفر: هو الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق. تقدّمت ترجمته.
(3) سلام بن أبي مطيع: هو سلام بن أبي مطيع البصري من رواة الحديث. من خطباء أهل البصرة. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 181.(2/354)
23 - أعرابي دعا لمن أطعمه: أعطمك الذي أطعمتني له ما يطعم في الجنة رسله، فقد أحييتني بقتل جوعي، ودفعت عني ما لم يكن بمدفوع.
24 - طاووس: إني لفي الحجر لليلة، إذا دخل علي بن الحسين، فقلت: رجل صالح من أهل بيت الخير، لأسمعن دعاءه، فسمعته يقول:
عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فما دعوت بهن في كربة إلّا فرجت.
25 - أعرابية: وقاكم الله هول المطلع، وصرف عنكم سوء المضطجع، وأحسن إليكم في المرتجع.
26 - عمر بن ذر (1): اللهم إن كنا عصيناك فقد تركنا من معاصيك أبغضها إليك وهو الإشراك بك، وإن كنّا قصرنا عن بعض طاعتك فقد تمسكنا منها بأحبها إليك وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن رسلك جاءت بالحق من عندك.
27 - أبو حيان (2): نصرك الله معينا وأعانك ناصرا.
28 - أعرابي: صرف الله محله، وحمل رحله، وسرّ بأوبته (3) أهله، ولا زال آمنا، مقيما وظاعنا (4).
29 - أعرابي: اللهم إنا نبات نعمتك، فلا تجعلنا حصاد نقمتك.
30 - ابن المسيب (5): سمعت من يدعو بين القبر والمنبر: اللهم إني
__________
(1) عمر بن ذر: هو عمر بن ذر المرهبي الهمداني. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو حيان: هو أبو حيّان التوحيدي علي بن محمد بن العباس، فيلسوف متصوف معتزلي. ولد بشيراز، وانتقل إلى بغداد ثم إلى الريّ وصحب ابن العميد والصاحب بن عباد. مات بعد سنة 400. كان متهما بالزندقة. راجع ترجمته في طبقات السبكي 4: 2ومفتاح السعادة 181ولسان الميزان 6: 369.
(3) الأوبة: الرجعة.
(4) الظعن: الإرتحال.
(5) ابن السيّب: هو سعيد بن المسيّب المخزومي. تقدّمت ترجمته.(2/355)
أسألك عملا بارا ورزقا دارا، وعيشا قارا (1). فدعوت به فلم أر إلا خيرا.
لا أخلاك الله من ثناء صادق، ودعاء صالح واق.
31 - سلام بن أبي مطيع: اللهم إن كنت قد بلغت أحدا من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية.
* * * وسارية لم تسر بالليل تبتغي ... مناخا ولم يقصر لها القيد مانع
تسير وراء الليل والليل ضارب ... بأرواقه فيه سمير وهاجع
إذا وفدت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ ... لو رد ولم يقطع بها البيد قاطع
تفتح أبواب السماوات دونها ... إذا قرع الأبواب منهن قارع
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
أراد الدعوة.
32 - دعت أعرابية بالموقف فقالت: أسألك بسرك الذي لا تزيله الرياح، ولا تخرقه الرماح.
33 - مخنّث: الاستغفار جوارش الذنوب.
34 - حج أعرابي من طيء فكان يدعو ولا يستغفر. فقيل له، فقال:
إنّ تركي الاستغفار مع ما أعلم من عفو الله ورحمته لضعف، وإن استغفاري مع ما أعلم من إصراري للؤم.
35 - أبو بكر رضي الله عنه اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح شأني كله، لا إله إلا أنت.
36 - لما صاف قتيبة بن مسلم الترك، سأل عن محمد بن واسع،
__________
(1) العيش القار: الهني، السعيد.(2/356)
فقيل هو في أقصى الميمنة جانحا على سية (1) قوسه، منضفنا (2) بإصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الإصبع الفاردة أحب إليّ من مائة ألف كتيبة بسيف شهير، وسهم طرير (3).
37 - سمع مطرف (4) ضجة الناس بالدعاء فقال: لقد هممت أن أحلف أن الله غفر لهم. ثم ذكرت أني فيهم عكفت.
38 - قيل لفتح الموصلي (5): ادع لنا، فقال اللهم هنينا عطاك، ولا تكشف عنا غطاك.
39 - دعاؤه عليه السّلام للمتزوج: على اليمن والسعادة، والطير الصالح، والرزق الواسع، والمودة عند الرحم.
40 - خالد (6): اتقوا مجانيق (7) الضعفاء، أي دعواتهم.
41 - قدم زيادة الخاثر (8) على المهدي فلم ينجح، فقال له وزيره:
يصنع الله لك، فقال: ما أردت الدعاء منك، لأني تيقنت أنّه لا يجاب.
42 - مؤرق العجلي: سألت الله حاجة منذ أربعين سنة، ما قضاها لي، وما أيست منها.
__________
(1) سيّة القوس: ما عطف من طرفيها جمع سيات.
(2) منضفنا باصبعه: محركا به.
(3) السهم الطرير: المحدّد.
(4) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير. تقدّمت ترجمته.
(5) فتح الموصلي: من أكابر مشايخ الموصل له أخبار مع بشر الحافي، وهناك في الزهاد من هو أقدم من هذا يكني أبا محمد وهو الفتح بن محمد وشاح الأزدي. أما الأول فقد مات سنة 220هـ. بينما الثاني مات سنة 170هـ. راجع تاريخ بغداد 12:
381 - وطبقات الشعراني 1: 88.
(6) خالد: هناك أكثر من شخص بهذا الاسم، ولعلّه خالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي المتوفّى سنة 103. ذكره تهذيب التهذيب 3: 118.
(7) المجانيق: جمع منجنيق وهي آلة كانت ترمى بها الحجارة.
(8) زيادة الخاثر: لم نقف له على ترجمة.(2/357)
43 - سأل أعرابي قوما فقالوا له: بورك فيك، فقال: وكلكم والله إلى دعوة لا تحضرها نية.
44 - قيل لإبراهيم التميمي: لو دعوت الله أن يفرج عنك! قال:
إني لأستحي أن ادعو الله أن يفرج عني ما فيه لي أجر.
45 - بعض السلف: اللهم لا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي، فإن لم تقبل تعبي نصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.
46 - أعرابي: اللهم إنزع ما في قلبي من كذب وخيانة، واجعل مكانه صدقا وأمانة.
47 - كان المأمون إذا رفعت المائدة من بين يديه قال: الحمد لله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا.
48 - أبو المجيب الأعرابي (1): اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع. اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي.
49 - الحسن (2): من دخل المقابر فقال اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية، والعظام النخرة، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليهم روحا منك، وسلاما مني، كتب له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تتقدم الساعة حسنات.
50 - وعن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقولها إذا دخل الجبانة.
51 - حكى معروف (3) القاص: أن الحجيج كانوا يجتهدون في
__________
(1) أبو المجيب الأعرابي: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين وكذلك ابن النديم في الفهرست. كان فصحاء العرب الذين روى عنهم ابن الأعرابي.
(2) الحسن: هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري. تقدّمت ترجمته.
(3) معروف: لم نقف له على ترجمة.(2/358)
الدعاء بعرفات وفيهم رجل من التراكمة ساكت، لا يحسن أن يدعو، فحرج صدره ووقع عليه البكاء، فقال بلغته إلهي أنت تعلم أني لا أحسن شيئا من دعواتهم، فأسألك ما يطلبون منك بما دعوا. فرأى بعض الصالجين في منامه أن الله قبل حج الناس بدعوة تركماني لما نظر إلى نفسه بالفقر والفاقة.
52 - علي عنه عليه السّلام: سلاح المؤمن الدعاء وعماد الدين ونور السماوات والأرض.
53 - فيما أنزل الله من الكتب: إن الله يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه.
54 - أبو هريرة يرفعه: اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم.
55 - صلى رجل إلى جنب عبد الله بن المبارك، وبادر القيام، فجذب ثوبه وقال: أما لك إلى الله حاجة.
56 - قيل لعمر بن عبد العزيز: جزاك الله عن الإسلام خيرا، فقال:
بل جزى الله الإسلام عني خيرا.
57 - كان الزهري (1) إذا حدث عن القرآن والسنة تلاه بدعاء: اللهم إني أسألك كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك كل من شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
58 - وهب (2): مثل الذي يدعو بغير عمل مثل الذي يرمي بغير وتر.
59 - طاووس: اللهم ارزقني الإيمان والعمل، وامتعني المال والولد.
__________
(1) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري. تقدّمت ترجمته.
(2) وهب: هو وهب بن منبه. تقدّمت ترجمته.(2/359)
60 - كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال: اللهم غدا الناس إلى معايشهم وأسواقهم، ولكل منهم إليك حاجة، وحاجتي أن تغفر لي.
61 - كان زبيد اليامي يستتبع الصبيان إلى المسجد، وفي كمه الجوز، ويقول: من يتبعني منكم أعطيته خمس جوازت، فإذا دخلوا المسجد قال: إرفعوا أيديكم وقولوا: اللهم اغفر لزبيد، فيفعلون فيقول: اللهم إفعل واستجب لهم، فإنهم لم يذنبوا.
62 - عن بقية (1): كنا في بحر، فعصفت علينا ريح، وبكى الناس، ومعنا إبراهيم بن أدهم نائما في كساء، فاستوى جالسا وقال:
أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فهدأت الريح.
63 - مر معروف الكرخي بسقّاء يقول: رحم الله من يشرب من هذا الماء، فشرب وهو صائم، وقال: عسى الله أن يستجيب.
64 - الشعبي: حسدت عبد الملك (2) على كلمة تكلم بها وهي:
اللهم إن ذنوبي كثرت فجلت عن الصفة، اللهم وإنها لصغيرة في جنب عفوك، فاعف عني.
65 - الثوري: كان من دعاء السلف: اللهم زهّدنا في الدنيا ووسع علينا فيها، ولا تزوها عنا وترغبنا فيها.
66 - قال جبرائيل لآدم: قل اللهم ألبسني العافية في الدنيا والآخرة حتى تهنأني المعيشة، ثم قال اللهم اختم لي بالمغفرة، فقالها، فقال جبرائيل: وجبت.
67 - علي عليه السّلام: جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته فما شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب (3)
__________
(1) بقية: هو بقية بن الوليد. تقدّمت ترجمته.
(2) عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.
(3) سآبيب: جمع سؤبوب، الدفعة من المطر.(2/360)
رحمته، فلا يقنطنّك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك بما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته (1).
68 - رحب واديك، وعز ناديك، لا ألمّ بك ألم، ولا طاف بك عدم، سلمك الله ولا أسلمك.
69 - قال أعرابي لعبد الله بن جعفر: لا ابتلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك، أبقاك الله ما تناسق الليل والنهار، وتناسخت الظلم والأنوار.
70 - ما قرعت أبواب السماء بمثل مفاتيح الدعاء.
71 [شاعر]:
دامت لك النعمة في غبطة ... وكل ما ساء فبي لا بكا
72 - المتنبي:
وإذا ارتحلت فشيّعتك سلامة ... مرفوعة لقدومك الأبصار
وصدرت أغنم صادر عن مورد ... حيث اتجهت وديمة مدرار (2)
73 - زودك الله الأمن في مسيرك، ونيل الدرك في مصيرك، أخلاك الله من شهر تستجده، وخير من الله تستمده، أسعدك الله بإهلاله، وأبقاك لأمثاله.
74 - جعل الله حجك متابا، ودعاك مجابا، ومساعيك مشكورة، وذنوبك مغفورة.
75 - عليكم عند الموت بأوجز الدعاء، والمعروف من الثناء، وإياكم
__________
(1) راجع نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد.
(2) الصدر: الرجوع عن الماء. والديمة: السحابة الممطرة. والمدرار: الغزيرة.(2/361)
وتحية النّوكى (1)، وتقرب الحمقى.
76 - اللهم أكفنا شر أعدائنا، ومن أراد بنا سوءا فليحط به ذلك السوء كإحاطة القلائد بترائب (2) الولائد، ثم ارسخه على هامته (3) كرسوخ السجيل (4)، على هام أصحاب الفيل.
77 - قدس الله مشهده، ورفع في الجنان مصعده، لقاه الله أحسن عمله، وتغمد له فارط زلله.
78 [شاعر]:
سقاك ولولا ما تجن من التقى ... لقلت شآبيب العقار المشعشع (5)
79 - جعل الله ذلك خاتمة الكروب، وقافية الخطوب.
80 - لا أنساك الله مصيبتك بأعظم منها.
81 - جعل الله المصيبة لك لا بك، والعزاء فيك لا عنك.
82 - جعلك الله ممن ينتجز بالصبر ما وعد من البشرى بالصلوات والرحمة والهدى.
83 - في التعزية عن امرأة: لا صفر بيتك، ولا استوحش ربعك، ولا ضاع أجرك، ورحم الله متوفاك.
84 - عزى شبيب بن شيبة يهوديا فقال: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطي أحدا من أهل ملتك.
85 - اتق الله في يوم سرّائك يستجب لك في يوم ضرائك.
86 - قيل لسفيان الثورى: أدع، فقال: ترك الذنوب هو الدعاء.
__________
(1) النوكى: الحمقى. والأنوك: الأحمق.
(2) الترائب: جمع تربية وهي العظمة من أعلى الصدر.
(3) الهامة: الرأس، وقيل أعلاه.
(4) السجيل: حجارة كالطّين اليابس.
(5) العقار: من أسماء الخمر.(2/362)
87 - الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائيا فقربه، وإن كان قريبا فيسّره، وإن كان قليلا فكثّره، وإن كان كثيرا فبارك لي فيه.
88 - أبو نواس:
أحببت من شعر بشار لحكمته ... بيتا لهجت من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا ... وجاورينا فدتك النفس من جار
89 - رحمة الله جارية بصرية كان يشبب بها بشار، وإنما كتبناه على معنى رحمة الله التي وسعت كل شيء، وإنما لهج به ابن هاني (1) لحبيب له اسمه رحمة الله، وكان يتأول على حسب سمته، وتأويلنا أحسن، وما لهجنا به أحق باللهج، وأولى أن يعلق بالمهج.
90 - في الدعاء المأثور: اللهم استرنا بسترك الجميل، وأظللنا بظلك الظليل.
91 - بعض السلف: احذروا أصابع الأيتام، قال أبو نواس:
رب أمر عففت عنه اختيارا ... حذرا من أصابع الأيتام
92 - باب أبو العيناء (2) مع ابن مكرم (3) في بيت، فتأذى بغطيطه (4)، فتحول إلى الصفة فلحق به، فصعد إلى الغرفة فسمعه، فقال: ما أشبه نخيرك إلا بدعوة المظلوم، والريح العقيم، ليس دونهما حجاب.
93 - عمرو بن عبيد: اللهم اغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني
__________
(1) ابن هاني: (أبو نواس) هو الحسن بن هانىء بن عبد الأول بن صباح الحكمي. توفي سنة 198هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن مكرم: هو محمد بن مكرم. تقدّمت ترجمته.
(4) الغطيط: صوت النائم.(2/363)
بالاستغناء عنك، اللهم أعنّي على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة.
94 [شاعر]:
وافق المهرجان والعيد مني ... رقة الحال وهي داء الكرام (1)
فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام (2)
95 - كتب رجل إلى بعض الأجلة: أحسن الله إباءتك (3)، فاستبرد دعاءه فكتب: عجل الله إماتتك.
96 - ابن العميد (4): لا زال مكانه معانا (5) للنعم، لا تريمه (6)
المواهب، ولا ترومه (7) المصائب.
97 - سمع عمر بن عبد العزيز رجلا يقول: اللهم زوجني الحور العين (8)، وفي كفه حصى يقلبها، فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصى وأخلصت لربك الدعاء.
98 - يوسف بن أسباط: إن الدعاء ليحبسه عن السماء سوء الطعمة، اللهم إنا نسألك من النعمة أحضرها، ومن العيشة أخضرها.
__________
(1) المهرجان: عيد الفرس.
(2) الذمام: الحق.
(3) الإباءة: الحال.
(4) ابن العميد: هو محمد بن الحسين العميد بن محمد. ولي الوزارة لركن الدولة البويهي وكانت وزارته أربعا وعشرين سنة. كان حسن السياسة. لقّب بالجاحظ الثاني في أدبه وترسّله. مدحه المتنبي وجماعة من الشعراء فأجازهم. مات بهمذان سنة 360هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 57وأمراء البيان 456.
(5) المعان: المنزل.
(6) لا تريمه المواهب: لا تبرحه.
(7) لا ترومه المصائب: لا تقصده.
(8) الحور العين: النساء. قيل لهنّ الحور العين لأنهن شبّهن بالظباء. راجع الحور العين للحميري ص 57.(2/364)
99 - سمع عمر رضي الله عنه رجلا يقول اللهم اجعلني من الأقلين، فقال: ما أردت بهذا؟ قال قوله تعالى: {وَمََا آمَنَ مَعَهُ إِلََّا قَلِيلٌ} (1)، وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ الشَّكُورُ} (2)، فقال: عليكم من الدعاء بما يعرف.
100 - سأل أعرابي على باب دار، فقال له صبي: بورك فيك، فقال: قبح هذا الفم، لقد تعلم الشر صغيرا.
101 - سعيد بن المسيب: مرّ بي صلة بن أشيم فقلت له ادع الله لي، فقال: رغبك الله فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه.
102 - شكا رجل إلى الحسن رجلا يظلمه فقال: إذا صليت الركعتين بعد المغرب وسلّمت، فاسجد وقل: يا شديد القوى، يا شديد المحال، يا عزيز، أذللت بعزتك جميع من خلقت، صلّ على محمد وآله، واكفني مؤونة فلان بما شئت. فلم يرع إلا بالواعية (3) في الليل، فسأل عنها، فقيل مات فلان فجأة.
103 - قال موسى عليه السّلام: يا رب إنك لتعطيني أكثر من أملي، قال:
إنك تكثر قول ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
104 - بعض الصالحين كان يقول قبل الصلاة: يا محسن قد جاءك المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك.
105 - أعرابي كان يدعو في صلاته: اللهم ارزقني عمل الخائفين، وخوف العاملين، حتى أنعم بترك النعيم، طمعا بما وعدت، وخوفا مما أوعدت.
__________
(1) سورة هود، الآية: 40.
(2) سورة سبأ، الآية: 13.
(3) الواعية: الصراخ على الميت.(2/365)
106 - وقفت أعرابية عند جذع جعفر البرمكي حين صلب (1) فأبنته ثم ولت باكية وهي تقول:
عليك من الأحبة كل يوم ... سلام الله ما ذكر السلام
107 - عمر بن عبد العزيز لولا أن ذكر الله فرض لما ذكرته إجلالا له.
108 - كان مسلمة بن عبد الملك يقول: عونك اللهم على أعباء السؤدد.
109 - استقبل علي بن عيسى بن ماهان (2) في أهل بلخ (3) عصام بن يوسف الزاهد (4)، فسلم عليه، فأعرض عنه عصام ولم يرد عليه، فوقف ابن عيسى ورفع يديه، وأرسل عينيه وقال: اللهم إن هذا الرجل يتقرب إليك ببغضي، وأنا اتقرب إليك بحبه، فإن كنت غفرت له ببغضي، فاغفر لي بحبه، يا كريم.
110 - قالت أم حكيم الخزاعية (5): سمعته يقول، تعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعاء الوالدة يفضي إلى الحجاب.
111 - كان وزير المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز (6): عشت
__________
(1) قتل جعفر البرمكي سنة 187هـ. راجع قصة صلبه في مقدمة كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد ص 3729».
(2) ابن ماهان: هو علي بن عيسى بن ماهان. قائد من قواد الرشيد توفي سنة 195.
تقدّمت ترجمته.
(3) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. راجع التفاصيل في معجم البلدان 1: 479.
(4) عصام بن يوسف الزاهد: راو روى عن سفيان وشعبة. مات ببلخ سنة 215هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 67.
(5) أم حكيم الخزاعية: كانت من المهاجرات. روت عنها صفية بنت جرير. راجع الإصابة 8: 226.
(6) أبرويز: هو خسرو بن هرمز بن أنو شروان. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.(2/366)
الدهر، ونلت المنى، وجنّبت طاعة النساء.
112 - عبد الله بن أبي أوفى (1): كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أصبح قال: أصبحنا وأصبح الملك والكبرياء والعظمة والخلق والأمر والليل والنهار وما يسكن فيهما لله وحده لا شريك له، اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحا، وأوسطه فلاحا، وآخره نجاحا، واسألك خير الدنيا وخير الآخرة، يا أرحم الراحمين.
113 - عبد الله بن عمر عن أبي أيوب (2): ما صليت وراء نبيكم إلّا سمعته حين ينصرف يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطيئاتي كلها، اللهم أنعشني، واجبرني، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنه لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيّئاتها إلا أنت.
114 - كان شداد بن أوس (3) في سفر فقال لغلامه: إئتنا بالسفرة نعبث بها، فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا اخطمها وأزمها غير كلمتي هذه، فلا تحفظوها عني، واحفظوا ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك لسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
115 - ابن الأسقع (4): كان يحفظ من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا موضع
__________
(1) عبد الله بن أبي أوفى: كان من أصحاب الشجرة، له صحبة، شهد الحديبية وغزا ست غزوات مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. نزل الكوفة سنة 87هـ. أضرّ في آخر أيامه. راجع ترجمته في الإصابة 4: 38.
(2) أبو أيوب: هو خالد بن يزيد الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(3) شداد بن أوس: كان عابدا مجتهدا. كان عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يجود بنفسه.
توفي سنة 58. راجع ترجمته في الإصابة 3: 195.
(4) ابن الأسقع: هو واثلة بن الأسقع. تقدّمت ترجمته.(2/367)
كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، بكل سبيل أنت مقيم، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى.
116 - الأزاعي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: اللهم إني أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال، وحسن الظن بك، وصدق التوكل عليك.
117 - اعتمر عليّ (1) فرأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، فقال عليّ: والذي نفسي بيده، لو قلتها وعليك ملء السماوات والأرضين من الذنوب لغفر لك.
118 - من جامع الدعاء: اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وجملني بالعافية، وكرمني بالتقوى.
119 - قالت امرأة لزوجها: ما رأيت أقسى قلبا، ولا أجمد عينا منك! إن ابنتك ضلت، وتفرّق الناس في طلبها، وأنت جالس غير مكترث: قال: ويحك، أخذت عليها مجامع الطرق، يعني الدعاء واللجوء إلى الله تعالى.
120 - أبوذر رضي الله عنه: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي مع الطعام من الملح.
121 - قالوا من آداب الدعاء: أن يترصد الأوقات الشريفة، كما بين الأذان والإقامة، لقوله عليه السّلام: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وحالة السجود، ووقت السحر، وأن يدعو مستقبل القبلة، وأن يرفع يديه، لما روي عن سلمان (2) عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن ربكم حيي كريم، يستحي
__________
(1) المعتمر: الزائر القاصد. وهو في الشرع زائر البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في الفقه. وعليّ: هو الإمام علي بن أبي طالب.
(2) سلمان: هو سلمان الفارسي. تقدّمت ترجمته.(2/368)
من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا، وعن أبي الدرداء (1): ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال، ويمسح بها وجهه بعد الدعاء، قال عمر رضي الله عنه: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا مدّ يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه، وأن لا يرفع بصره إلى السماء، لقوله عليه السّلام: لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم، وأن يخفض صوته، لقوله تعالى: {تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} (2) وعن أبي عبد الرحمن الهمداني (3): صليت مع أبي إسحاق (4) الغداة فسمع رجلا يجهر بالدعاء، فقال: لكن زكريا نادى ربه نداء خفيا، وأن لا يتكلف، ويأتي بالكلام المطبوع غير المسجوع، لقوله عليه السّلام: إياكم والسجع في الدعاء، حسب أحدكم أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول.
122 - ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع، فقال أعلى الله تبالغ؟
أشهد لقد رأيت حبيبا للأعجمي يدعو وما يزيد على قوله: اللهم اجعلنا جيدين، اللهم لا تفضحنا يوم القيامة، اللهم وفقنا للخير، وقيل: ادع بلسان الذلة والاحتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، وكانوا لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها، كما ترى في آخر سورة البقرة (5).
123 - سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك. تقدّمت ترجمته.
(2) سورة الأنعام من الآية: 63.
(3) أبو عبد الرّحمن الهمداني: لم نقف له على ترجمة.
(4) أبو إسحاق: لم نقف له على ترجمة ومن يكنّى بهذه الكنية كثيرون.
(5) في آخر سورة البقرة الدعاء التالي:
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنّا، واغفر لنا، وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.(2/369)
نفسه، فإن الله أجاب دعاء شر الخلق إذ قال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} (1).
124 - عن بعضهم: إني أسأل الله منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني، وأنا أرجو الإجابة، سألته أن يوفقني لترك ما لا يعنيني.
125 - عنه عليه السّلام: إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن أبطأ عنه من ذاك شيء فليقل: الحمد لله على كل حال.
126 - ومن الآداب أن يفتتح بالذكر ولا يبدأ بالسؤال.
127 - عن سلمة بن الأكوع (2): ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفتح الدعاء إلا قال: سبحان ربي الأعلى الوهاب.
128 - وعن أبي سليمان الداراني (3): من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
129 - أعرابي: لا ترك الله له شفرا ولا ظفرا، أي عينا ولا يدا.
130 - جعل الله رزقك فوت فمك: أي تنظر إليه ولا تقدر عليه.
131 - حمل رزام بن حبيب (4) إلى طحان طعاما، فقال: أنا مشغول عنك، فقال: إن طحنت وإلا دعوت على حمارك ورحاك (5)، قال: أو مستجاب الدعوة أنت؟ قال: نعم، قال: قال: فادع الله تعالى أن يصير
__________
(1) سورة الحجر من الآية: 36.
(2) سلمة بن الأكوع: هو سلمة بن عمرو بن الأكوع، بايع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الشجرة على الموت. شهد الحديبية وكان من الشجعان. مات بالمدينة في آخر خلافة عثمان وهو ابن ثمانين. راجع ترجمته في الإصابة 3: 118.
(3) الداراني: هو عبد الرّحمن بن أحمد أبو سليمان الداراني.
(4) رزام بن حبيب: لم نقف له على ترجمة.
(5) الرحى: حجر المطحنة.(2/370)
حنطتك دقيقا فهو أروح لك.
132 - من دعاء العرب: فتّه الله فتا، وحته حتا، وجعل أمره شتا.
133 - قال رجل لمزبد (1): أماتك الله، قال آمين! بعدك بألف سنة.
134 - أعرابي دعا على مسافر: بالبارح (2) الأشم، والسانح (3)
الأعضب (4)، والصرد (5) الأنكد (6)، والكد الملهث، والهم المكرث (7)، والطائر المنحوس، والظهر (8) الموكوس (9)، والرحل (10) المنكوس (11)، فإن عاد فلا عاد إلا بكآبة المنقلب، وخراب المعتقب (12).
135 - خرج أعرابي وكانت له امرأة تفركه (13)، فأتبعته نواة وقالت:
شطت (14) نواك، ونأى سفرك، ثم أتبعته روثة وقالت: رثيتك (15) وراث خبرك (16) ثم اتبعته حصاة وقالت: حاص رزقك (17)، وحص أثرك (18).
__________
(1) مزبد: هو مزبد المدني. تقدّمت ترجمته.
(2) البارح: الطائر (أو الظبي) يمرّ من يمين الرائي إلى يساره والعرب تتشاءم به.
(3) السانح: خلاف البارح، والعرب تتّيمن به.
(4) الأعضب: الظبي المكسور القرن.
(5) الصرد: نوع من الطير يصيد الحشرات والعرب تتشاءم به.
(6) الأنكد: المشؤوم.
(7) المكرث: الذي يشتدّ على المرء ويبلغ منه المشقة.
(8) الظهر: دابة الحمل الثقيل.
(9) الموكوس: المردود.
(10) الرّحل: السرج وما يوضع على ظهر الدابة للركوب.
(11) المنكوس: المقلوب.
(12) المعتقب: العاقبة.
(13) تفركه: تبغضه.
(14) شطّت نواك: بعدت كثيرا.
(15) رثيتك: دعوت عليك بالموت.
(16) راث خبرك: أبطأ.
(17) حاص رزقك: ضاق.
(18) حصّ أثرك: انقطع.(2/371)
136 - قيل لبعض المغفلين: ما تقول في معاوية؟ قال أقول: رحمه الله ورضي عنه، قيل: فما تقول في يزيد؟ قال: أقول: لعنه الله ولعن أبويه.
137 - أطفأ الله ناره، أي جعله أعمى، خلع الله نعليه. أي جعله مقعدا.
138 - سقاك الله دم جوفك، أي قتل ابنك فأخذت ديته فشربت لبنها.
139 - أعرابي: لا رشد قائده، ولا سعد رائده، ولا أورى قادحه (1)، ولا أدلى ماتحه (2)، ولا أصاب غيثا، ولا وافق إلا لينا.
140 - تقول العرب للحبيب إذا سعل: عمرا وشبابا، وللبغيض:
وربا (3) وقحابا (4).
141 - أعرابي: لا ترك الله لك خفا يتبع خفا، ولا ظلفا يتبع ظلفا، وخلعك من أهلك خلع الوظيف (5)، وأحوجك إلى بيع الطفيف.
142 - سمع مسلم بن يسار رجلا يدعو على أخ له ظلمه فقال: لا تدع عليه، ولا تقطع رحمك، وكله إلى الله، إن خطيئته أشد عليه من أعدى عدو له.
143 - رماه الله بليلة لا أخت لها.
144 - علي رضي الله عنه: ضربه الله ببيضاء لا تواريها العمامة.
أراد البرص.
145 [شاعر]:
__________
(1) القادح: مشعل النار. وأورى الزند: أخرج ناره.
(2) الماتح: مستخرج الماء من البئر.
(3) الورب: الفساد.
(4) القحاب: فساد الجوف، يكون من علّة.
(5) الوظيف: مستدقّ الذراع والساق من الخيل والإبل.(2/372)
ابعث عليه سنة قاشورة ... تحتلق المال احتلاق النورة (1)
146 - شربت قائما وحلبت قاعدا، دعا عليه بأن يشرب قائما كما تشرب العبيد، وأن يحلب الغنم دون الإبل.
147 - أباد الله رواغيه أبقى ثواغيه (2).
148 - أرانيه الله قائما قاعدا، ضاحكا عابسا، رفيعا وضيعا، أي مصلوبا.
149 - أزال الله دولته، وقال شاعر:
أزال الله دولته سريعا ... فقد ثقلت على عنق الليالي
ليت السباع لقيته غادية ... أسأل رب الناس منه العافية
150 - امرأة من بني ضبة في زوجها:
وما دعوت عليه حين ألعنه ... إلا وآخر يتلوني بآمين
فليته كان أرض الروم منزله ... وأنني قبله صيّرت بالصين
151 - قال عبادة (3) لرجل: من أين أقبلت؟ قال: من لعنة الله، قال: رد الله غربتك.
152 - الأعراب: اللهم صلخا كصلخ النعامة، يريد به شدة الصمم.
وكان الكميت (4) أصم أصلخ (5).
__________
(1) النورة: حجر الكلس، ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره ويستعمل لإزالة الشعر.
(2) الرواغي: الإبل. والثواغي: الشاء.
(3) عبادة: هو عبادة المخنّث. كان في أيام المأمون نادم المتوكل ورقص بين يديه.
راجع الكامل لابن الأثير والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
(4) الكميت: هو الكميت بن زيد الأسدي. تقدّمت ترجمته.
(5) الأصم: الثقيل السمع. والأصلخ: الأصم الذي لا يسمع أبدا.(2/373)
والنعامة مثل في الصمم، وإنما لقّب بيهس (1) بنعامة لفرط صممه.
153 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خطبته يوم الأحزاب (2): اللهم أكل سلاحهم، واضرب وجوههم، ومزقهم في البلاد، تمزيق الريح للجراد.
154 - عمر بن عبد العزيز: لا تكن ممن يعلن إبليس في العلانية، ويطيعه في السر.
155 - أعرابي: أعوذ بالله من الأسد والأسود، والذيب الأعقد، ومن الشيطان والإنسان، ومن عمل ينكس برأس المسلم، ويغري به لئام الناس.
اللهم إني أعوذ بك أن افتقرني غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك أو أضام في سلطانك، أو أضطهد والأمر لك.
156 - علي عليه السّلام: اللهم صن وجهي باليسار، ولا تذل جاهي بالإقتار (3)، فاسترزق طالبي رزقك، واستعطف شرار خلقك، وابتلي بحمد من أعطاني وافتتن بذم من منعني، وأنت من وراء ذلك كله ولي الإعطاء والمنع.
157 - الحسن: اللهم إني أعوذ بك من قلب يعرف، ولسان يصف، وأعمال تخالف.
158 - مطرف (4): كنت أدعو: اللهم إني أعوذ بك من مثل السوء، وسنة السوء، وقدر السوء، فسمعت الله تعالى يقول: {فَقَدَرْنََا فَنِعْمَ}
__________
(1) بيهس: رجل من بني فزارة بن ذبيان، وهو أحد الثلاثة مدركي الأوتار في الجاهلية.
راجع الحيوان للجاحظ 4: 413، والبيان والتبيين 4: 17وخزانة البغدادي 3:
272.
(2) كان في غزوة الخندق حين حاصرت الأحزاب قريش وحلفاءهم المدنية سنة 5هـ.
(3) الإقتار: الفقر.
(4) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير. تقدمت ترجمته.(2/374)
{الْقََادِرُونَ} (1) فكرهت أن أدعوها.
159 - كانت رابعة القيسية إذا دق عليها الباب قالت: اللهم إني أعوذ بك من كل جاء يشغلني عن عبادتك، ومن كل عارض يعرض بيني وبين ما اتزود به للقائك.
160 - أعوذ بالله من مقارفة الوصمة، ومفارقة العصمة.
161 - أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وأشبعنا وأروانا، وكفانا وآوانا، فرب مكفي لا يجد مأوى ولا منقلبا، نعوذ بالله من التقلب إلى النار.
162 - اللهم إني أعوذ بك من الوعث (2) يوم البعث.
163 - اللهم إني أعوذ بك من فقر مكب، وضرع إلى عير محب.
164 - ابن عباس، عنه عليه السّلام: ما انتهيت إلى الركن اليماني قط إلّا وجدت جبرائيل قد سبقني إليه يقول: قل يا محمد اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والفاقة، ومن مواقف الخزي.
165 - قال أعرابي، وقد سبق الناس إلى عرفة، اللهم اغفر قبل أن يدهمك الناس.
166 - البراء (3) عنه عليه السّلام: اللهم إني أعوذ بك من الشك في الحق بعد اليقين، وأعوذ بك من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك من شر يوم الدين.
167 - ابن عباس رفعه: اللهم إني أعوذ بك من شر عرق نعّار، ومن شر حر النار، النعّار هو الذي لا يرقأ.
__________
(1) سورة المرسلات، الآية 23.
(2) الوعث: الطريق العسير، وكل أمر شاق.
(3) البراء: هو البراء بن عازب. تقدّمت ترجمته.(2/375)
168 - وعنه عليه السّلام: كم من نعمة لله في عرق ساكن.
169 - علي عليه السّلام: العجب ممن يعطب ومعه النجاة، قيل: وما هي؟ قال: الاستغفار.
170 - أنس يرفعه: إن للقلوب صدأ كصدأ النحاس، وجلاؤها الاستغفار.
171 - بكر بن عبد الله المزني: إنكم تكثرون من الذنوب، فاكثروا من الاستغفار، إن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفارا سرّه مكان ذلك.
172 - احتضر عمرو بن عبيد وهو حاج، فقال لعديله: قد نزل بي الموت ولم أتأهب، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم يسنح لي أمران لك في أحدهما رضى، وفي الآخر لي هوى، إلا اخترت رضاك على هواي، فاغفر لي.
173 - صالح المري (1): اللهم فرّغني لما جعلتني له، ولا تشغلني بما تكفلّت لي به، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا استغفرك.
174 - الربيع بن برة (2) من أصحاب الحسن، وبرة أمه، وأبوه عبد الرحمن السلمي (3): ندعوه لحظنا فيسرع، ويدعونا لحظنا فنبطىء، فخيره إلينا نازل، وشرّنا إليه صاعد، وهو علينا ملك قادر.
175 [شاعر]:
استغفر الله من عمر أضعت به ... حظّي من الذكر في قيل وفي قال
__________
(1) صالح المري: هو صالح بن بشير المري. تقدّمت ترجمته.
(2) الربيع بن برّة: قال الذهبي في ميزان الأعتدال (2: 39) إنه قدري داعية، لا مسند له.
(3) عبد الرّحمن السلمي: هو عبد الرّحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي. وثقه جماعة. ذكره ابن حبان في الثقات. راجع تهذيب التهذيب 6: 153.(2/376)
176 - أعوذ بالله من كل ما يؤدي إلى موارط نقمته، ويحجب عن موارد نعمته.
177 - قيل لبعض المجان: كيف أنت في دينك؟ قال: أخرقه بالمعاصي، وأرقعه بالاستغفار.
178 - عن بعض أهل البيت: نعوذ بالله من بيات غفلة، وصباح ندامة.
179 - الخضر (1) عليه السّلام: اللهم إني أستغفرك لما تبت إليك منه ثم عدت واستغفرك لما وعدتك من نفسي ثم أخلفتك، واستغفرك لما أردت به وجهك فخالطه ما ليس لك، واستغفرك للنعم التي أنعمت بها عليّ فتقويت بها على معصيتك، واستغفرك، يا عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، من كل ذنب أو معصية ارتكبتها في ضياء النهار وسواد الليل، في ملاء أو خلاء، أو سر أو علانية، يا حليم. قال الأوزاعي: من دعا بها غفر الله له ولو كانت ذنوبه عدد ورق الشجر، ورمل عالج (2)، وقطر السماء.
180 - بعض الصالحين: اللهم إني استغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطت إليه بسعة رزقك، واحتجبت فيه عن الناس بسترك، واتكلت فيه على أناتك وحلمك، وعوّلت فيه على كرم عفوك.
__________
(1) الخضر: نبي من أنبياء بني إسرائيل وهو صاحب موسى عليهما السّلام، اختلف المؤرخون فيه وفي اسمه. قيل إنه نبي معمرّ محجوب عن الأبصار وإنه باق إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة وعليه الجماهير واتفاق الصوفية وإجماع كثير من الصالحين، وأنكر حياته جماعة منهم البخاري وابن المبارك وابن الجوزي. راجع التعريف والإعلام فيما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم، بتحقيقنا طبعة دار الكتب العلمية.
(2) عالج: رملة بالبادية مسماة بهذا الاسم وقيل: عالج رمال بين فيد والقريات ينزلها بنو بحتر من طيء وهي متصلة بالثعلبيّة على طريق مكة لا ماء بها. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 70.(2/377)
181 - مطرف: اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان ومن شر ما تجري به أقلامهم، وأعوذ بك من أن أقول حقا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك من أن استغيث بمعصية لك من ضرّ يصيبني.
182 - بعض العلماء: العبد بين ذنب ونعمة، لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار.
183 - الربيع بن خثيم: لا يقولن أحدكم استغفر الله وأتوب إليه، فيكون ذنبا وكذبا إن لم يفعل، وليقل اللهم اغفر لي وتب عليّ.
184 - فضيل (1): الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
185 - من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئا بالله وهو لا يعلم.
الحمد لله الذي أخمد جمرته، وسلبه إمرته، وأذل عترته، ولم يقله عثرته.
186 - قال الأصمعي للرشيد: الحمد لله عليك، قال: ما معنى هذا الكلام؟ قال: أنت نعمة حمدت الله عليها.
178 - قال مزبد (2) لرجل: من أنت؟ قال: قرشي والحمد الله، قال: بأبي أنت، الحمد في هذا الموضع ريبة.
188 - أوس بن حجر يحمد الله على المطر:
صنعت فلم يصنع صنيعك صانع ... وما يصنع الأقوام فالله أصنع
189 - سري السقطي (3): أنا استغفر الله من قولي الحمد الله منذ
__________
(1) فضيل: هو فضيل بن عياض. تقدّمت ترجمته.
(2) مزبد: هو أبو إسحاق مزبد المدني. تقدّمت ترجمته.
(3) سري السقطي: هو سري بن المسلس السقطي. من كبار المتصوفين، من أصحاب معروف الكرخي، وهو خال الجنيد وأستاذه، كان يشارك في غزو الروم وكان كثير العبادة أتت عليه 98سنة وتوفي ببغداد سنة 253هـ، وقيل سنة 251هـ.
راجع ترجمته في طبقات الصوفية 48وحلية الأولياء 10: 116والوفيات 1:
251.(2/378)
أربعين سنة، قيل: كيف؟ قال: وقع الحريق بالليل فخرجت أنظر دكاني فقيل الحريق بالبعد من دكانك، فقلت: الحمد الله، ثم قلت: هب دكانك تخلص أما تهتم للمسلمين! 190الصاحب (1): الحمد الله الذي لا تحده الأقدار، ولا تحويه الأقطار، وفي مناجاته: إلهي أصبحت منك في نعم وافية القدر، موفية على عدد القطر.
191 - استخر الله فإنه لا يحرم مستخيرا، ولا يسلم مستجيرا.
192 - وفد عدي بن الرقاع (2) على عمر بن عبد العزيز فلم يؤذن له، فقال للآذن: أعلم أمير المؤمنين أني قلت شعرا أوله الحمد لله، فأذن له، فقال:
الحمد لله أما بعد يا عمر ... فقد أتتك بنا الأحداث والغير (3)
وأنت رأس قريش وابن سيّدها ... والرأس يجعل فيه السمع والبصر
فأمر له بحلية سيفه.
193 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمسافر: وجّهك الله في الخير وزودك
__________
(1) الصاحب: هو الصاحب إسماعيل بن عباد: تقدّمت ترجمته.
(2) عدي بن الرقاع: كان شاعرا مقدما، مدح بني أمية واختصّ بالوليد بن عبد الملك كان معاصرا لجرير وقد تعرّض له وناقضه في مجلس الوليد. لقّبه ابن دريد في كتاب الاشتقاق بشاعر أهل الشام وقال ابن قتيبة: هو أحسن من وصف ظبية وصفا. توفي بدمشق نحو سنة 95هـ. راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف للآمدي 116 وطبقات ابن سلام 558والشعر والشعراء 515والطرائف الأدبية 9781.
(3) غير الدهر: أحداثه وتقلّباته ومصائبه.(2/379)
التقوى، وجعلك مباركا أينما كنت.
ويقال في الدعاء له: في حفظ الله وضمانه.
194 - الجاحظ: من حق الملك إذا عطس لا يشمت، وإذا دعا أن لا يؤمن على دعائه.
195 - عطس شبيب بن شيبة عند عمرو بن عبيد ثلاث مرات، كل ذلك لا يشمته، وشبيب يرفع صوته بالتحميد، فقال له عمرو في الثالثة:
لو تقطعت نفسك ما سمعتها مني أو تتوب.
196 - أبو هريرة: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم.
197 - أنس: عطس رجلان عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فيقل له، فقال: إن هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله.
198 - عطس عند عبد الله بن عمر رجل فشمته، ثم عطس فشمته، ثم عطس فأراد أن يشمته، فقيل له: دعه إنه مضنوك (1).
199 - ابن عباس: من سبق العاطس بالحمد وقي وجع الرأس والأضراس.
200 - عنه عليه السّلام: إن أحدكم ليدع تشميت أخيه إن عطس، فيطالبه به يوم القيامة، فيقضى له عليه.
201 - لما نزل خالد بن الوليد الحيرة خرج إليه من قصر بني بقيلة (2)
شيخ ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، معه سم ساعة، فقال له: ما تصنع به؟
__________
(1) المضنوك: الضعيف الرأي أو الجسم أو العقل.
(2) بنو بقيلة: بطن من الحيرة. وقصر بني بقيلة بالحيرة بناه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني، عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام وظل على النصرانية.
راجع الديارات 154واللباب 1: 136وأمالي المرتضى 1: 188.(2/380)
قال: إن يكن عندك ما يوافق أهل بلدي حمدت الله وقبلته، وإن تكن الأخرى لم أكن أول من ساق إلى أهله ذلا فأشربه واستريح، فأخذه منه خالد وقال: باسم الله وبالله رب الأرض والسماء، باسم الذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم شربه فعلته غشية، ثم رشح جبينه وقام كأنما نشط من عقال. فرجع الشيخ إلى قومه وقال: جئتكم من عند شيطان، أعطوا هؤلاء ما سألوا. فصالحوهم على مائة ألف درهم.
202 - أتي عمر رضي الله عنه برجل وجب عليه الحد (1)، فأمر أن يقام عليه، فجعل يسبّح، فاقل عمر: خفف عنه الضرب، فإن المجلود لا يسبّح إلا وفي قلبه توبة.
203 - تعالى الله ما ألطف صنعته وأحسن صبغته.
204 - عمر بن عبد العزيز: ما أحسن تعزية أهل اليمن! لا يحزنكم الله، ولا يفنيكم، وأثابكم ما أثاب المتقين، وأوجب لكم الصلاة والرحمة 205الحسن: ثمن الجنة لا إله إلا الله.
206 - أوحى الله إلى موسى: مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكر الله، فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة حتى يسكت.
207 - فضيل: بلغني أن أكرم الخلائق على الله يوم القيامة، وأحبهم إليه، وأقربهم منه مجلسا الحمادون على كل حال.
__________
(1) الحدّ: القصاص. وحدود الله تعالى هي الأمور التي بيّن تحريمها وتحليلها وأمر أن لا يتعدّى شيء نها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنها ومنع من مخالفتها. وحدّ القاذف أو الزاني يحدّه حدا: أقام عليه ذلك.(2/381)
208 - ابن السماك: تبارك من خلقك، فجعلك تبصر بشحم، وتسمع بعظم، وتنطق بلحم.
209 - سعيد بن جبير: إن أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء والضراء.
210 - كان ابن عون (1) إذا عزى قوما قال: أعقبكم الله عقبى صالحة في الدنيا والآخرة.
211 - مر سليمان (2)، والطير تظلّه، والريح تقلّه، بعابد من بني إسرائيل فقال: لقد أوتي آل داود ملكا عظيما، فسمع ذلك فقال: تسبيحة في صحيفة مسلم خير مما أعطى آل داود.
212 - أبو هريرة يرفعه: سبق المفردون، قيل وما المفرودن؟ قال:
المستهترون بذكر الله، يضع الذكر أثقالهم عنهم، فيأتون يوم القيامة خفافا.
213 - عنه عليه السّلام: ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم. وروي كالمقاتل بين الفارين.
وعنه: يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه.
وسئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أن تموت ولسانك رطب بذكر الله.
وعنه: أصبح أمس ولسانك رطب بذكر الله تصبح وتمسي وليس عليك خطيئة.
وقال: لذكر الله بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل
__________
(1) ابن عون: هو عبد الله بن عون. تقدّمت ترجمته.
(2) سليمان: هو نبيّ الله سليمان عليه السّلام.(2/382)
الله، ومن إعطاء المال سحا (1).
214 - الحسن: الذكر ذكران، ذكر الله بين نفسك وبين الله، ما أعظمه، أعظم أجره! وأفضل من ذلك من ذكر الله عندما حرم الله تعالى.
215 - سفيان بن عيينة: إذا اجتمع قوم يذكرون الله اعتزل الشيطان والدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا:
دعهم، فإذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك.
216 - داود عليه السّلام: إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي، فإنها نعمة تنعم بها عليّ.
217 - دخل أبو هريرة السوق فقال: أراكم هاهنا وميراث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم في المسجد. فذهبوا إلى المسجد وتركوا السوق، فقالوا يا أبا هريرة ما رأينا ميراثا يقسم، فقال: ماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا قوما يذكرون الله ويقرأون القرآن، قال: فذلك ميراث محمد.
218 - عتبة بن الوليد (2): كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! فزدت من عندي: وما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه!.
219 - مناجاة عبد الله الفقير إليه (3): اللهم إن الآمال منوطة بكرمك، فلا تقطع علائقها بسخطك، اللهم هذا عبدك الجاني جاث بين يديك، لائذ بحقوي عفوك، فانفح له بسجل من رحمتك، وحام عليه من مناجاة الخيبة ضميره، وأن يزول لضيق القنوط عن سعة رجائه، اللهم إني أبرأ من الحول والقوة إلا بك، وأربأ بنفسي عن التوكل على غيرك، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معط لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
__________
(1) إعطاء الماء سحا: أي بكثرة. وسحّ الماء: صبّه صبا متتابعا غزيرا.
(2) عتبة بن الوليد: لم نقف له على ترجمة.
(3) قوله: عبد الله الفقير إليه: يعني نفسه أي المؤلف الزمخشري.(2/383)
220 - ومن دعائه عند المستجار: اللهم إرحم ضعفي وعجزي وفقري ومسكنتي، ولا أقول وغربتي، فإن من في جوارك ليس بغريب.
221 - نادى أعرابي غلامه، فقال لبيك، فقال: لبت الخيل جنبك، من لببت الشيء ألبه لبا إذا شددته بحبل، أراد أسرتك الخيل فربطتك.
222 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من صلى عليّ صلّت عليه الملائكة ما صلّى عليّ، فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر.
وقال: من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب.
وقال: إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: ليس أحد يسلم عليّ إلا رد روحي حتى أرد عليه السّلام.
223 - وعن أبي الحسين صاحب الشافعي (1): رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام، فقلت: يا رسول الله، بم جزي الشافعي حيث يقول في الرسالة:
وصلى الله على محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: جزي عني أنه لا يوقف للحساب.
224 - علي رضي الله عنه: اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما وأيت (2) من نفسي ولم تجد له عندي. اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي (3): اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ (4)، وسقطات الألفاظ (5)،
__________
(1) أبو الحسين: هو محمد بن عبد الله بن مخلد. محدّث، توفي سنة 272. راجع ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى 2: 242والوافي بالوفيات 3: 339.
(2) وأيت: وعدت.
(3) التقرب باللسان والمخالفة بالقلب: كأن يقول الإنسان إياك نعبد وإياك نستعين، وهو يستعين بغير الله تعالى.
(4) رمزات الألحاظ: الإشارة بها.
(5) سقطات الألفاظ: لغوها.(2/384)
وشهوات الجنان (1)، وهفوات اللسان (2).
225 [شاعر]:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... رويدك تدر ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء
226 - أنس: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: غصنا فنفضه فلم يتنفض، ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض، فقال: إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها.
227 - علي رضي الله عنه رفعه: يقول الله لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن عذابي.
علي عليه السّلام رفعه: دعاء أطفال ذريتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب.
228 - أيوب بن سعنة النخعي (3):
رمى الله عين ابن الزبير بلقوة ... يجلّطها حتى يطول سهودها (4)
يريد عبد الله بن الزبير الأسدي الشاعر بفتح الزاي (5):
__________
(1) الجنان: القلب.
(2) هفوات اللسان: زلّاته وسقطاته.
(3) أيوب بن سعنة النخعي: لم نقف له على ترجمة.
(4) اللقوة: داء يصاب به الوجه فيعوجّ منه الشدق. ويجلطها: يكشطها.
(5) عبد الله بن الزبير الشاعر: من شعراء الدولة الأموية، كان من شيعة بني أمية. بقي مع مصعب بن الزبير حتى قتل مصعب فعاد إلى موالاة بني أمية. مات في خلافة عبد الملك بن مروان وكان الحجاج أرسله في بعث إلى الريّ لقتال الخوارج فمات بها نحو سنة 75هـ. كان أبوه الزبير بن الأشيم شاعرا، وأخوه محمد بن الزبير شاعرا وإبنه الزبير بن عبد الله بن الزبير شاعرا.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 345والبيان والتبيين 1: 226.(2/385)
229 - شمير بن الحارث بن ضرار الصبي (1):
دعوت الله حتى خفت أن لا ... يكون الله يسمع ما أقول
230 - قيس الأصم الكوفي (2) في الشراة (3):
قوم إذا ذكروا بالله أو ذكروا ... خروا من الخوف للأذقان والركب
فأصبحت عنهم الدنيا قد انقطعت ... وبلغوا الغرض الأقصى الذي طلبوا (4)
وله:
صلى الآله على قوم شهدتهم ... كانوا إذا ذكروا أو ذكروا شهقوا
كانوا إذا ذكروا نار الجحيم بكوا ... وإن تلا بعضهم تخويفها صعقوا
231 - عمرو بن الجموح الأنصاري:
أتوب إلى الله مما مضى ... واستغفر الله من ناره
وأثني عليه بآلائه ... بإعلان قلبي وأسراره
232 - النابغة الجعدي (5):
__________
(1) شمير بن الحارث بن ضرار الصبي: لم نقف له على ترجمة.
(2) قيس الأصم الكوفي: هو قيس بن عبد الله الضبّي الأصمّ أحد بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة بن أدّ. كان شاعرا حروريا. سمّاه ابن الأعرابي قيس بن عسعس. وفي جمهرة النسب لابن الكلبي: قيس بن عبد الله بن نصر بن عبد مناة. له مرثية في الخوارج أنشدها ياقوت في مادة الجوسق من شعره:
وإنّا لخوّاضون للموت غمرة ... على كل موار رقاق ملاطمه
وإنّا لتردي بالأكفّ رماحنا ... ويبنى بها من كل مجد مكارمه
راجع المؤتلف والمختلف للآمدي ص 43.
(3) الشراة: هم الخوارج.
(4) في هذا البيت إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ بالكسر والضم مع ما قبله.
(5) النابغة الجعدي: هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة الجعدي العامري. كان شاعرا صحابيا من المعمرين اشتهر بالجاهلية ولقّب بالنابغة لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله. وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم وشهد صفين مع الإمام عليّ. مات بالكوفة نحو سنة 50هـ. راجع ترجمته في الأعلام للزركلي ومعجم الشعراء 321وكتاب المعمرين رقم 66وخزانة البغدادي 1: 512وأمالي المرتضى 1: 190.(2/386)
الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
233 - محارب بن دثار قاضي الكوفة (1):
أحمد خالقي حمدا كثيرا ... بدا خلقي فأنشأه سويّا
ومنّ عليّ بالإسلام حتى ... عرفت الدين مقتبلا صبيّا
234 - عن عروة بن رويم اللخمي (2): كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم إني أسألك طريقا إليك سهلة سمحة، وأعوذ بك من شر كل سلطان ملكته فهو بعز بسلطانه.
235 - أبو بكر الصديق رضي الله عنه: اللهم ابسط لي الدنيا وزهدني فيها، ولا تزوها عني وترغبني فيها.
236 - علي رضي الله عنه: اللهم إن فههت عن مسألتي، أو عمهت عن طلبتي، فدلّني على مصالحي، وخذ بقلبي إلى مراشدي. اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك.
237 - ابن المبارك (3) رحمه الله: جاء رجل إلى عبد العزيز بن أبي رواد (4) وأنا عنده فقال: ادع الله لي، فقال: مرانزند خداي روي
__________
(1) محارب بن دثار: هو محارب بن دثار بن كردوس السعدي. كوفي تابعي، من ثقاتهم وأخيارهم وعلمائهم. ولي قضاء الكوفة في إمرة خالد بن عبد الله القسري. ذكره ابن حبان في الثقات، ومات سنة 116هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 49وميزان الاعتدال 3: 441.
(2) عروة بن رويم اللخمي: من ثقات رواة الحديث، يقال إن عامة أحاديثه مرسلة.
توفي سنة 135وفي سنة موته خلاف. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 187.
(3) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك. تقدّمت ترجمته.
(4) عبد العزيز بن أبي رواد: كان من موالي المهلب بن أبي صفرة معروفا بالصلاح والورع يرمى بالأرجاء. أضرّ في آخر عمره ومات بمكة سنة 159هـ.
راجع ترجمته في ميزان اللاعتدال 2: 628وحلية الأولياء 8: 191.(2/387)
نيست (1).
238 - رفع الله عن بني إسرائيل العذاب ستمائة سنة بقولهم: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
239 - قال موسى (2): يا رب ما علامة رضاك عني؟ قال: ذكرك إياي يا ابن عمران.
240 - سمع ذو النون (3): من يقول: اللهم استرنا بسترك، فأمن بعض القوم، فقال ذو النون: واصلح ما تحت الستر.
241 - مر موسى على قرية من قرى بني إسرائيل، فنظر إلى أغنيائهم قد لبسوا المسوح (4)، وجعلوا التراب على رؤوسهم، وهم قيام على أرجلهم، تجري دموعهم على خدودهم، فبكى رحمة لهم، فقال: إلهي هؤلاء بنو إسرائيل حنوا إليك حنين الحمام وعووا عواء الذئاب، ونبحوا نباح الكلاب. فأوحى إليه: ولم ذاك؟ ألأنّ خزائني قد نفذت أم لأنّ ذات يدي قد قلت؟ أم لست أرحم الراحمين؟ ولكن أعلمهم أني عليم بذات الصدور، يدفنونني وقلوبهم غائبة عني، مائلة إلى الدنيا.
242 - فضيل، كان واقفا بعرفات، فنظر إلى كثرة الناس فقال: يا له من موقف ما أشرفه! لولا أني فيهم لرجوت أن لا يرد دعائهم، ثم بكى، ثم قبض على لحيته ورفع رأسه وقال: واسوأتاه لي منك وإن غفرت لي.
__________
(1) هذه العبارة فارسية معناها: ليس لي وجه عند الله.
(2) موسى: هو النبي موسى عليه السّلام.
(3) ذو النون: هو ثوبان بن إبراهيم المصري. تقدّمت ترجمته.
(4) المسوح: جمع مسح وهو الكساء من شعر، ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد.(2/388)
243 - كان سفيان الثوري يقول: اللهم سلّم سلّم.
244 - وكان داود الطائي (1) يقول: اللهم خلّص خلّص، ويقول:
إنما يسأل السلامة من لم يقع، أما من فإنما يسأل الخلاص.
245 - هبط جبرائيل على يعقوب فقال: يا يعقوب إن الله يقول لك قل: يا كثير الخير، يا دائم المعروف، رد عليّ ابنيّ، فأوحى إليه:
وعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما (2) لك.
246 - قال هرم بن حبّان (3) لأويس (4): صلنا بالزيارة واللقاء، قال أويس: قد وصلتك بما هو أنفع لك، وهو الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزيّن والرياء.
247 - كان أبو مسلم الخولاني (5) إذا أهمه أمر قال: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين.
248 - حسان بن عطية (6): لا بأس بالتأمين على دعاء الرهبان.
249 - علي عليه السّلام: اللهم إني أعوذ بك أن تحسّن في لامعة العيون علانيتي وتقبح فيما أبطن لك سريرتي.
250 - عن نوف البكالي (7)، عنه رضي الله عنه أنه قام من الليل فقال: يا نوف إن داود عليه السّلام قام في مثل هذه الساعة فقال: إنها ساعة لا
__________
(1) داود الطائي: هو داوود بن نصير الطائي. تقدّمت ترجمته.
(2) لنشرتهما لك: أي لأحييتهما لك. ويوم النشر: هو يوم القيامة.
(3) هرم بن حبّان: صحابي. وقيل من كبار التابعين. اشترك في الفتوح أيام عمر وولي الولايات ومات في غزاة له. راجع الإصابة 6: 283.
(4) أويس: هو أويس القرني. تقدّمت ترجمته.
(5) الخولاني: هو عبد الله بن ثوب. تقدّمت ترجمته.
(6) حسّان بن عطية: هو حسّان بن عطية المحاربي. تقدّمت ترجمته.
(7) نوف البكالي: لعله منسوب إلى قبيلة تدعى بكالة. كان صاحب الإمام عليّ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 286.(2/389)
يدعو فيها عبد إلا استجيب له، إلا أن يكون عشارا (1).
أو عريفا (2) أو شرطيا (3) أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة. العرطبة:
الطبل، والكوبة: الطنبور، وقيل على العكس.
251 - حكيم: لسان يذكر به الله لا ينبغي أن يذكر به الرفث.
252 - بلال بن سعد (4): الذكر ذكران، ذكر الله باللسان، وهو حسن جميل، وذكر الله عندما أحلّ وحرّم، وهو أفضل.
253 - هنيت الفارس الوارد، والسيد الوافد.
254 [شاعر]:
مدّ لك الله البقاء مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
مؤزرا بمجده مردى ... ثم يفدى مثل ما تفدى
كأنه أنت إذا تبدّى ... شمائلا محمودة وقدا (5)
255 - أدام الله إمتاعك بهلال أضاء من أفق الفضل، وغصن طلع من دوحة النيل، تفضل الله بابقائه وإنمائه، كما تفضل بإبدائه وإنشائه.
256 - خاف رجل من عبد الملك (6)، فكان لا يقر به مكان، وكان يسيح في الأرض، فقال له عبد من عباد الله في بعض الأودية: وأين أنت
__________
(1) العشار: من يتولّى أخذ أعشار الأموال.
(2) العريف: هو المتجسّس على أحوال الناس وأسرارهم يكشفها للمسؤولين.
(3) الشرطي: يكون من أعوان الحاكم.
(4) بلال بن سعد: هو بلال بن سعد بن تميم الأشعري. كان من ثقات التابعين عابدا زاهدا وكان بالشام كالحسن البصري بالعراق. توفي في إمرة هشام في حدود 120 للهجرة. راجع تهذيب التهذيب 1: 503.
(5) هذه الأبيات منسوبة لإسحاق الموصلي، مع اختلاف في بعض الألفاظ.
راجع كتاب الأغاني.
(6) عبد الملك: هو الخليفة عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.(2/390)
من السبع؟ قال: وأي سبع يرحمك الله؟ قال: سبحان الله الواحد الذي ليس غيره إله، سبحان الدائم الذي لا نفاد له، سبحان القديم الذي لا بدء له، سبحان الذي يحيي ويميت، سبحان الذي هو كل يوم في شأن، سبحان الذي خلق ما نرى وما لا نرى، سبحان الذي علم كل شيء بغير تعليم، اللهم إني أسألك بحق هذه الكلمات وحرمتهن أن تصلي على محمد، وأن تفعل بي كذا، فقالهن، فألقى الله تعالى الأمن في قلبه، فخرج من فوره، ولقي عبد الملك، فقال له: أو قد تعلمت عليّ السحر؟
قال: ما تعلمت عليك سحرا، ولكن كان من أمري كيت وكيت. قال:
فأمنني ووصل مأمني بصلة كبيرة.
257 - استسقى (1) بشر بن مروان في زمن قحط (2)، فأرسل الله تعالى الغيث حتى غرقت ناحية بارق (3)، فخرج بشر ينظر فرأى سراقة بن مرداس البارقي (4) قائما في الماء، فقال: أصلح الله الأمير، إنك دعوت أمس ولم ترفع يديك فجاء ما ترى، ولو رفعت يديك جاء الطوفان، وقال:
كان هشام (5) يقول في العيدين قبل الخطبة: الحمد لله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى ومن شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع، ومن شاء ضرّ ومن شاء نفع.
__________
(1) استسقى: طلب السقي. وهو في الشرع أن يطلب الإنسان من الله تعالى على وجه مخصوص إنزال المطر عند شدّة الحاجة إليه.
(2) القحط: الجدب.
(3) بارق: ماء بالعراق وهو الحدّ الفاصل بين القادسية والبصرة. راجع معجم البلدان.
(4) سراقة البارقي: هو سراقة بن مرداس بن أسماء بن خالد البارقي الأزدي الأصغر.
شاعر عراقي كان ممّن قاتل المختار الثقفي سنة 66هـ بالكوفة وله شعر في هجائه.
أسره أصحاب المختار فأمر بإطلاقه وعفا عنه. كانت بينه وبين جرير مهاجاة.
راجع ترجمته في الأعلام للزركلي وطبقات ابن سلام 375والآمدي 134ومقدمة ديوان سراقة تحقيق الاستاذ حسين نصار.
(5) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.(2/391)
258 - كان عامر بن عبد الله بن الزبير من أفاضل ولد عبد الله (1)، وكان عابدا ناسكا متخشعا، فقال له أبوه: يا بني إني قد رأيت أبا بكر وعمر فلم يكونا هكذا. أراد فرط تخشعه. ومكث بعد قتل أبيه يدعو له سنة لا يخلط به غيره. وانصرف ذات ليلة من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد العتمة، فلما وقف بباب منزله عرض له الدعاء، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فما زال قائما رافعا يديه حتى انفجر الفجر. وكان فتيان المدينة يتراهنون على يدي عامر إذا رفعهما، يقولون: من يرفع يديه ولا يضعهما حتى يضع عامر. وسرقت نعلاه وهو في دعائه، فكان إذا ابتهل يدعو قالت نفسه نعلك يسرق، فقال: لا أراها تشغلني عن ذكر الله، فترك لبس النعل، وكان يمشي حافيا.
وكان من دعائه: يا باقي، يا دائم، لا تضلل دعائي، ولا تبطل مسألتي.
259 - المسور بن مخرمة (2): دخلت على معاوية فقال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ فاستعفيته، فأقسم عليّ، فو الله ما تركت عيبا إلا ذكرته، فقال: لا تبرأ من ذنب، فهل لك يا مسور ذنوب تخافها أن تهلك بها إن لم يغفرها الله؟ قلت: نعم، فما أحق أن ترجو المغفرة مني. فكان مسور إذا ذكره استغفر له.
260 - وقال: خصمني كاتب سعد بن أبي وقاص، وكان مستجاب
__________
(1) عبد الله: هو عبد الله بن الزبير بن العوام. تقدّمت ترجمته.
(2) المسور بن مخرمة: من أكابر الصحابة ومن أهل الفضل والدين. كان عاقلا. حفظ من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أحاديث ولزم عمر بن الخطاب وكان مع خاله عبد الرّحمن بن عوف ليالي الشورى. شهد فتح أفريقية مع عبد الله بن أبي سرح ثم كان مع عبد الله بن الزبير. مات يوم أتى نعي يزيد بن معاوية سنة 64هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 98ومعالم الإيمان 1: 107والاكليل 2: 174 والأعلام للزركلي.(2/392)
الدعوة، غلاما له فطلب منه شيئا فقال: ما عندي ما أعطيك، وكانت له دنانير فخصفها في نعله، فدعا عليه، فسرقت نعلاه.
261 - استعدت أروى بنت أنيس (1) مروان بن الحكم على سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (2)، وقالت: أخذ حقي فأدخله في أرضه، فقال سعيد: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله تعالى من سبع أرضين يوم القيامة، وترك لها سعيد ما ادّعت، ثم قال: اللهم إن كانت أروى ظلمتني فاعم بصرها واجعل قبرها في بئرها، فعميت، وخرجت في بعض حاجاتها فوقعت في البئر فماتت. وسألت سعيدا حين عميت أن يدعو لها، وقالت: إني قد ظلمتك. فقال: لا أرد ما أعطانيه الله.
262 - كان في دعائهم على الرجل، رفع الله جريبك (3)، وأصله أن عمر رضي الله عنه أمر بجريب من طعام فخبز وثرد بزيت، ثم دعا بثلاثين رجلا، فجعله غداءهم، ثم عشاهم بمثله، فقال: يكفي الرجل جريبان في كل شهر، فمعناه قطعهم الله عنك بالموت، كما تقول: قطع الله رزقك.
263 - علي بن الحسين رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من قال كل يوم مائة مرة: لا إله إلا الله الحق المبين كان له أمانا من الفقر، وأونس
__________
(1) أروى بنت أنيس: لم نقف لها على ترجمة.
(2) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: صحابي، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. شهد المشاهد كلّها إلّا بدرا حيث كان غائبا في مهمة أرسله بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولّاه أبو عبيدة دمشق. توفي بالعقيق.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 2: 275والإصابة 3: 96وأعلام الزركلي.
(3) الجريب: هو عشرة أقفزة والقفيز سبعون منا (كيل رطلين) حنطة والجريب على هذا خمسة وعشرون منا. والجريب يختلف عياره في البلدان على حسب ما اتفقوا عليه.
راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 7877.(2/393)
في وحشة القبر، واستجلب الغناء، واستقرع باب الجنة.
264 - جعفر بن محمد (1): ما المبتلي الذي اشتد بلاؤه بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
265 - كان الزهري (2) يدعو بعد الحديث بدعاء جامع يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شرّ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
266 - كان عمرو بن العاص يصلي في الليل وهو يبكي ويقول:
اللهم إنك آتيت عمرا مالا، فإن كان أحب إليك أن تسلب عمرا ماله ولا تعذبه بالنار فاسلبه ماله. وإنك آتيت عمرا ولدا، فإن كان أحب إليك أن تثكل عمرا ولده ولا تعذّبه بالنار فأثكله ولده. وإنك آتيت عمرا سلطانا فإن كان أحب إليك أن تنزع منه سلطانه ولا تعذبه بالنار فانزع سلطانه.
267 - عن عقبة بن عبد الغافر (3): دعوة في السر أفضل من سبعين دعوة في العلانية، فإذا عمل العبد في العلانية حسنا وعمل مثله في السر قال الله للملائكة هذا عبدي حقا.
268 - أبو الطفيل (4) رضي الله عنه: ولد لرجل غلام على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتى به، فدعا له، وأخذ ببشرة جبهته فقال بها كدأ (5) وغمز جبهته، ودعا له بالبركة، فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة (6) فرس. فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبهم، فسقطت الشعرة عن جبهته،
__________
(1) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر. تقدّمت ترجمته.
(2) الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري. تقدّمت ترجمته.
(3) عقبة بن عبد الغافر: كان من ثقات رجال الحديث. قتل في الجماجم سنة 83هـ.
وقيل: قتل يوم الزاوية سنة 82هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 246.
(4) أبو الطفيل: هو عامر بن واثلة: تقدّمت ترجمته.
(5) الكدء: البرد. وكدأ الشعر: أبطأ نبته.
(6) الهلبة: ذنب الفرس. والأهلب: الكثير الشعر.(2/394)
فأخذه أبوه فقيده، ودخلنا عليه، فوعظناه، وقلنا له: ألم تر أن بركة دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وقعت من جبهتك؟ فما زلنا به حتى رجع وتاب. فرد الله الشعرة في جبهته.
269 - ابن مسعود رضي الله عنه: ينتهي الإيمان إلى الورع، ومن خير الدين ألا تزال بالا فاك بذكر الله تعالى.
270 - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من فتح نهاره بذكر الله تعالى؟ وختم ليله بالاستغفار غفر له ما بين ذلك.(2/395)
الباب الثلاثون الروائح، وما جاء في الطيب في ألوانه من مفرده ومركبه، والتطيب به واستعماله
1 - عثمان بن مظعون (1) عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه بايع قوما كان بيد رجل منهم ردع (2) خلوق (3)، فبايعه بأطراف أصابعه، وقال: خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه.
2 - عائشة رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيض (4) الطيب في مفارق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محرم.
3 - نافع (5) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يستجمر (6) بعود غير
__________
(1) عثمان بن مظعون صحابي، يعدّ من حكماء العرب في الجاهلية. شهد بدرا، ولما مات جاءه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقبّله ميتا، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين. توفي سنة 2هـ وأول من دفن بالبقيع منهم. راجع ترجمته في الإصابة 4: 255وطبقات ابن سعد 3: 282.
(2) الردع: أثر الطيب.
(3) الخلوق: طيب يتخذ من الزعفران وغيره.
(4) الوبيص: البريق واللمعان.
(5) نافع: هو نافع بن جبير بن مطعم القرشي النوفلي. من التابعين من أهل المدينة.
ذكره ابن حبان في الثقات ومات بالمدينة سنة 99هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 152وتهذيب التهذيب 10: 404.
(6) يستجمر: يتبخّر.(2/397)
مطر، وروى الألوة (1) غير مطرّاة والكافور يطرحه مع الألوة، ثم يقول:
هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنع.
4 - وعنه عليه السّلام في صفة أهل الجنة: ومجامرهم (2) الألوة.
5 - سهل بن سعد (3) رفعه: إن في الجنة مراغا مثل مراغ دوابكم هذه.
6 - وعنه عليه السّلام في صفة الكوثر: ماؤه المسك، ورضراضه التؤام (4)
أي حمأته (5).
7 - أنس رضي الله عليه: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال (6) عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تصلت العرق فيها، فاستيقظ فقال:
يا أم سليم (7)، ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب.
8 - وروي: فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، ففتحت عتيدها (8) فجعلت تنشّف ذلك العرق في قواريرها، فقال: ما تنصعين؟ قالت: عرقك أذوّب به طيبي. وروي: نرجو به بركة صبياننا، فقال: أصبت.
9 - ناول المتوكل ابن أبي فنن (9) فارة (10) مسك، فقال:
__________
(1) الألوة: العود الذي يتبخّر به.
(2) المجامر: جمع مجمر وهو الوعاء الذي يوضع فيه الجمر للتبخير.
(3) سهل بن سعد: هو سهل بن سعد الخزرجي الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(4) التؤام: الدّر.
(5) الحمأة: الطين.
(6) قال: نام في القائلة، أي منتصف النهار.
(7) أم سليم: هي أم سليم بنت ملحان الأنصارية. تقدّمت ترجمتها.
(8) العتيدة: هي كالصندوق الصغير تضع فيها المرأة الطيب والمشط وكل ما يعزّ عليها.
(9) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن مولى بني هاشم.
(10) فارة المسك: دويبة تصاد لسرّتها التي يستحيل الدم فيها إلى مسك ذكّي وسيأتي ذكرها بعد قليل.(2/398)
لئن كان هذا طيبا وهو طيب ... لقد طيبته من يديك الأنامل
10 - عمر رضي الله عنه: لو كنت تاجرا ما اخترت على العطر، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه.
11 - أهدى عبد الله بن جعفر لمعاوية قارورة من الغالية (1) فسأله: كم أنفق عليها؟ فذكر مالا، فقال: هذه غالية، فسميت بذلك.
وشمها مالك بن أسماء بن خارجة من أخته هند بنت أسماء (2).
فقال: أعلميني بطيبك، فقالت: لا أفعل، تريد أن تعلمه جواريك، وهو لك عندي متى أردته، ثم قالت: والله ما تعلمته إلا من شعرك حيث قلت:
أطيب الطيب طيب أم أبان ... فار مسك بعنبر مسحوق
خلطته بعودها وبنان ... فهو أحوى على اليدين شريق (3)
أو لم المتوكل فلما أرادوا اللعب قال ليحيى بن أكتم: قم: قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنا نخلط، فقال: أحوج ما تكونون إلى قاض (4)
إذا خلطتم. فاستظرفه المتوكل، وأمر أن تغلف (5) لحيته، ففعل، فقال:
إنّا لله! ضاعت الغالية، كانت هذه تكفيني دهرا لو رجعت إليّ، فضحك المتوكل، وأمر له بزورق ذهب مملوء غالية، ودرج بخور، فأخذه في كمه وانصرف.
__________
(1) الغالية: أخلاط من الطيّب.
(2) هند بنت أسماء: هي هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري، تزوّجها الحجاج بن يوسف الثقفي ثم تطلّقت منه. أخبارها في كتاب الأغاني.
(3) البنان: الرائحة الطيّبة. وأحوى: من الحوة وهي سواد إلى الخضرة وقيل حمرة مشربة بالسواد. وشريق. مشبع بالزعفران.
(4) كان يحيى بن أكثم قاضيا.
(5) غلف لحيته: لطخها بالطّيب والغالية.(2/399)
12 - سمع عمر رضي الله عنه قول سحين عبد بني الحسحاس (1):
وهبت شمالا آخر الليل قرة ... ولا ثوب إلا درعها وردائيا (2)
فلا زال بردي طيبا من ثيابها ... إلى الحول حتى أنهج البرد باليا
فقال: إنك مقتول. فاتّهم بعد ذلك بامرأة فقتل.
13 - أبو قلابة (3): كان ابن مسعود (4) إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف جيران الطريق أنه قد مرّ من طيب ريحه.
14 - الحسن بن زيد الهاشمي عن أبيه: رأيت ابن عباس حين أحرم والغالية على صلعته كأنها الرّب.
15 - عكرمة (5): كان ابن عباس يطلي جسده، فإذا مر في الطريق قال الناس: أمرّ ابن عباس أم مرّ المسك؟.
16 - أبو الفيحاء (6): رأيت على رأس ابن عباس من المسك ما لو كان لي لكان رأس مال.
__________
(1) سحيم عبد بني الحسحاس: شاعر رقيق الشعر، كان عبدا نوبيا أعجمي الأصل اشتراه بنو الحسحاس فنشأ فيهم. ولد في أوائل النبوّة ورآه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان يعجبه شعره.
عاش إلى أواخر أيام عثمان. قتله بنو الحسحاس وأحرقوه لتشبيبه بنسائهم نحو سنة 40هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سلام 156وفوات الوفيات 1: 166.
(2) الدرع: الثوب الذي تلبسه المرأة في البيت، وقيل هو قميصها.
(3) أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد بن عمرو. من فقهاء التابعين. كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة 104هـ في الشام. راجع ترجمته في امتاع الأسماع 1:
148.
(4) ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود. تقدّمت ترجمته.
(5) عكرمة: هو مول عبد الله بن عباس. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو الفيحاء: لم نقف له على ترجمة.(2/400)
17 - عمارة بن غزية (1): لمّا بنى (2) عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارحة تلك الليلة الغالية.
18 - كان عمر بن عبد العزيز يجعل المسك بين رجله ونعله حين كان أمير المدينة، حتى قيل فيه:
له نعل لا يطبّى الكلب ريحها ... وإن وضعت في مجلس القوم شمت (3)
19 - كانت لابن عمر بندقة (4) من مسك، كان يبلها ثم يبوكها (5) بين راحتيه فتفوح روائحها، أي يحركها ويدورها.
20 - كان عبد الله بن زيد (6) يتخلق بالخلوق ثم يجلس في المجلس.
21 - كانوا يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا مقاديم لحاهم بالطيب.
22 - وعن تميم الداري أنه اشترى حلة بثمانمائة وهيأ طيا، فإذا قام من الليل تطيب ولبس حلته وقام في المحراب.
23 - وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: يا جميلة هيئي لي طيبا أمسح به يدي، فإن ابن أم ثابت إذا جاء لا يرضى حتى يقبل يدي. يريد ثابتا
__________
(1) عمارة بن غزيّة: هو عمارة بن غزيّة بن الحارث بن عمرو بن غزية الأنصاري. من ثقات رواة الحديث. توفي سنة 140هـ. راجع أخباره في تهذيب التهذيب 7:
422.
(2) بنى على أهله وبها دخل عليها.
(3) يطبّي: يستميل.
(4) البندقة: كل ما يرمى به من رصاص كروي وغيره.
(5) بوّك البندقة: دوّرها بين راحتيه وفركها.
(6) عبد الله بن زيد: هو عبد الله بن زيد بن أسلم العدوي، مولى عمر روى عن أبيه، وتوفي بالمدينة في أول خلافة المهدي، وقيل: مات سنة 164هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 222.(2/401)
البناني (1).
24 - الشعبي: الرائحة الطيبة تزيد في العقل.
25 - سلم بن قتيبة: شممت من بنت فلان رائحة أطيب من مشطة العروس الحسناء، في أنف العاشق الشبق (2).
26 - الفاسق نجس ولو تضمخ بالغالية.
27 - سعيد بن زيد: أتيت قبر عبد الله بن غالب فجعلت أدخل يدي فيه إذا فيه من ريح كل طيب.
28 - يزيد بن قيس النخعي (3):
فما قارورة ملئت عبيرا ... وكان المسك نش به اداما (4)
بأطيب منه رائحة ونشرا ... إذا صوب الغمام صفا وداما (5)
29 - عرضت مدنيّة لكثّير (6) فقالت: أنت القائل:
فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها (7)
بأطيب من أردان عزة موهنا ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها (8)
__________
(1) ثابت البناني: هو ثابت بن أسلم البناني، من عبّاد أهل البصرة. توفي سنة 127هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الشبق: الذي اشتدّت شهوته للجماع.
(3) يزيد بن قيس النخعي لم نقف له على ترجمة.
(4) نش به أداما: الأدام: ما يؤتدم به، يريد هنا أنه تناول المسك وخلطه كما يخلط الأدام.
(5) الصوب: المطر. وقوله: داما: أي استمرّ في الهطول.
(6) كثّير: هو كثيّر عزّة الشاعر المشهور. راجع ترجمته في الأغاني (بشرحنا) 12: 204 و 9: 5.
(7) الحزن: الأرض الغليظة. الجثجاث: شجر أصفر مرّ طيب الريح ينبت بالقيظ والعرار: نبت طيّب الريح يسمّى بهار البرّ ويقال هو النرجس البرّي.
(8) موهنا: ليلا. والعود المندلي: منسوب إلى مندل (قرية من قرى الهند) ومن خصائصه أن رائحته تثبت في الثوب أسبوعا. سيأتي على ذكره المؤلف بعد قليل.(2/402)
ألا قلت كما قال سيدك أمرؤ القيس:
ألم تراني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
30 - الجاحظ: العرق الذي يسيل من جبهة الفيل يضارع المسك في طيبه لا يعرض له إلا في بلاده.
31 - النوى المنقع في المدينة يناب أشرافها المواضع التي يكون فيها التماسا لطيب رائحته، وإذا وجدوا رائحته بالعراق هربوا منها لخبثها. ومن اختلف في طرقات المدينة وجد عرقا طيبا وبنة (1) عجيبة، ولذلك سميت طيبة.
والزنجية بها تجعل في رأسها شيئا من بلح وما لا قيمة له فتجد له خمرة (2) لا يعد لها بيت عروس من ذوي الأقدار.
ولو أدخلت كل غالية وعطر قصبة الأهواز (3) وقصبة أنطاكية لوجدتها تغيرت وفسدت في مدة يسيرة.
وأراد الرشيد المقام بأنطاكية فقال له شيخ: ليست من بلادك فإن الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لا ينتفع منه بشيء، والسلاح يصدأ فيها.
وزعموا أن سيراف لها نفحة طيبة.
32 - فارة المسك دويبة شبيهة بالخشف (4) تكون في ناحية تبت (5)
تصاد لسرتها، فإذا صادها الصائد عصب سرتها بعصاب شديد وهي مدلاة
__________
(1) البنّة: الرائحة الطيّبة والجمع بنان.
(2) الخمرة: الرائحة الطيّبة. يقال: وجدت خمرة الطيب أي ريحه. راجع اللسان (مادة خمر).
(3) الأهواز: سبع كور بين البصرة وفارس لكل كورة منها اسم يجمعهن الأهواز، راجع مجم البلدان.
(4) الخشف: الظبي أول مشيه.
(5) تبت: مملكة متاخمة للصين من الشرق ولأرض الهند من جنوبها.(2/403)
فيجتمع فيها دمها، ثم يذبحها، وما أكثر من يأكلها، ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعير حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام نتنا.
وقد يوجد في البيوت جرذان سود يقال لها فار المسك ليس عندها إلا رائحة لازمة لها.
33 - وو قال الجاحظ: سألت بعض العطارين من أصحابنا المعتزلة عن شأن المسك فقال: لولا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد تطيب بالمسك ما تطيبت به. وأما الزباد (1) فليس يقرب ثيابي. فقلت: قدير تضع الجدي من لبن خنزيرة فلا يحرم لحمه لأن ذلك اللبن استحال لحما، وخرج من تلك الطبيعة، ومن تلك الصورة، ومن ذلك الاسم، وكذلك لحوم الجلّالة (2).
فالمسك غير الدم، والخل غير الخمر، والجوهر لا يحرم لعينه وإنما يحرم للأعراض والعلل فلا تتقزز منه عند تذكر الدم فليس به.
34 - العنبر يأتي طفاوة على الماء لا يدري أحد معدنه، فيقذفه البحر إلى العبر (3)، فلا يأكل منه شيء إلا مات، ولا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه، ولا يقع عليه إلا نصلت أظفاره، والتجار والعطارون ربما وجدوا فيه المنقار والظفر وإن البال وهو سمكة ربما بلغ طولها خمسين ذراعا ليأكل منه اليسير فيموت.
وسمعت ناسا من أهل مكة يقولون: هو رجيع ثور في بحر الهند، وقيل: هو من زبد بحر سرنديب (4)، وأجوده الأشهب ثم الأزرق، وأدونه الأسود.
__________
(1) الزباد: حيوان صغير يشبه الهرّ يجلب من نواحي الهند.
(2) الجلّالة من الإبل والبقر: التي تأكل العذرة، نهى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن أكل لحومها.
(3) العبر: الشاطىء.
(4) سرنديب: هي جزيرة عظيمة بأقصى بلاد الهند وفيها الجبل الذي هبط عليه آدم عليه السّلام يقال له الرّهون. راجع مجم البلدان 3: 216.(2/404)
وفي حديث ابن عباس: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره (1)
البحر.
35 [شاعر]:
والمسك بينا نراه ممتهنا ... بفهر عطاره وساحقه (2)
حتى تراه بعارضي ملك ... أو موضع التاج من مفارقه
36 - الصنوبري (3) في استهداء المسك:
والمسك أشبه شيء بالشباب فهب ... بعض الشباب لبعض العصبة الشيب
37 - وجد رجل (4) قرطاسا فيه اسم الله فرفعه، وكان عنده دينار، فاشترى به مسكا فطيبّه، فرأى في المنام كأن قائلا يقول له: كما طيّبت اسمي لأطيّبن ذكرك.
38 - أبو هريرة عنه عليه السّلام: لا تردوا الطيب، فإنه طيّب الريح خفيف المحمل.
39 - سرق أعرابي نافجة مسك (5)، فقيل له: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمََا غَلَّ يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (6). فقال: إذن أحملها طيبة الريح، خفيفة المحمل.
40 - تبخّر بعض الأمراء وعنده مزيد (7) ففرطت منه رويحة خفيفة،
__________
(1) دسره البحر: دفعه موجه وألقاه إلى الشطّ.
(2) الفهر: الحجر ملء الكفّ.
(3) الصنوبري: هو أحمد بن محمد الأنطاكي. تقدّمت ترجمته.
(4) هذا الرجل هو بشر بن الحارث المشهور ببشر الحافي، والخبر مذكور بتفصيل في حلية الأولياء 8: 336.
(5) نافجة المسك: وعاء المسك.
(6) سورة آل عمران، الآية: 161.
(7) مزبد: هو أبو إسحاق مزبد المدني، من أصحاب النوادر والفكاهة. تقدّمت ترجمته.(2/405)
وأراد أن يدري هل فطن لها مزبد فقال: ما أطيب هذه المثلثة (1)! قال:
نعم، أيها الأمير، ولكنك ربعتها.
41 - خالد بن صفوان: حبس يزيد بن المهلب ابن أخ لي، فصرت إلى بابه أنظم له كلاما كما تنظم الفتاة عقدها لعيدها، فأذن لي، وبين يديه جارية كأنها مهاة (2)، وفي يدها مجمر (3) من ذهب، فلما رأيتها سلبت الكلام الذي أعددته، وحضرتني كلمتان قلت: ما رأيت صدأ المغفر ولا عبق العنبر بأحد أليق به منكم. قال: حاجتك؟ قلت: ابن أخ لي محبوس، قال: يسبقك إلى المنزل، فجئت وقد سبقني إليه.
42 - البديهي (4):
كأن دخان الند ما بين حجره ... بقايا ضباب في رياض شقيق (5)
43 - أبوبكر الخوارزمي (6):
وطيب لا يحلّ بكل طيب ... يحيّنا بأنفاس الحبيب (7)
متى يشممه أنف حنّ قلب ... كأن الأنف جاسوس القلوب
44 - في الحديث المروفع: إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسي طيبا. وفيه: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. وليخرجن إذا خرجن تفلات (8). أي غير متطيبات.
__________
(1) المثلّثة: اسم لنوع من الطيّب مركب من ثلاثة أصناف.
(2) المهاة: البقرة الوحشية يشبّه بها في حسن العينين.
(3) المجمر: ما يوضع فيه الجمر جمع مجامر.
(4) البديهي: هو أبو الحسن البديهي علي بن محمد، شاعر بغدادي كان متصلا بالصاحب بن عباد. مات سنة 380هـ.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 3: 343واللباب 1: 104.
(5) الندّ: عود يتبخّر به. والشقيق: هو شقائق النعمان الزهر المعروف.
(6) أبوبكر الخوارزمي: هو محمد بن العباس الخوارزمي. تقدّمت ترجمته.
(7) هذان البيتان ذكرهما الثعالبي في يتيمة الدهر 4: 239مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(8) خرجن تفلات: أي تاركات للطيّب.(2/406)
45 - أبو هريرة: مرت به امرأة متطيّبة، لذيلها عصرة (1)، فقال لها:
أين تريدين يا أمة الجبار؟ فقالت: أريد المسجد فزجرها. هو الغبار الثائر من مجر ذيلها.
46 - خير العود المندلي، وهو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند، وأجوده أصلبه، وامتحان رطبه أن ينطبع فيه نقش الخاتم، واليابس تفصح عنه النار، ومن خصائصه أن رائحته تثبت في الثوب أسبوعا، وأنه لا يقمل ما دامت فيه.
47 - أبو المختار الكلابي (2) في آخر قصيدة كتبها إلى عمر بن الخطاب في ذكر العمال:
نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا ... فأنّي لهم وفر ولسنا ذوي وفر
إذا التاجر الداريّ جاء بفارة ... من المسك راحت في مفارقهم تجري
48 - قالوا في الكافور (3) هو ما في جوف شجر مكفور يغرزونه بالحديد، فإذا خرج إلى ظاهر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار، والندّ مصنوع، وهو العود المطرأ بالمسك والعنبر والبان (4).
49 - وعن الأصمعي (5): قلت لأبي مهدية (6): كيف تقول ليس الطيب إلا المسك؟ قال: فأين أنت عن العنبر؟ قلت: فقل: ليس الطيب
__________
(1) العصرة: الغبار.
(2) أبو المختار الكلابي: هو يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق. راجع الإصابة 6:
360.
(3) الكافور: صمغ شجر في بلاد الهند، وقيل: هو نبت طيّب، وقيل: أخلاط تجمع من الطيب.
(4) البان: نوع من الشجر واحدته بانة تسمو وتطول في استواء ورقها هدب وخشبها رخو خفيف وثمرها يشبه قرون اللوبياء ومنه يستخرج دهن البان.
(5) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو مهدية: هو أبو مهدية الأعرابي. تقدّمت ترجمته.(2/407)
إلا المسك والعنبر. قال: فأين البان؟ قلت: فقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر والبان، فقال فأين أنت عن أدهان يحجر؟ قلت: فقل:
ليس الطيب إلا المسك والعنبر والبان وأدهان يحجر، قال: فأين أنت عن فارة الإبل صادرة؟ وفي فارة الإبل يقول الشاعر:
كأن فارة مسك في مباءتها ... إذا بدا من ضياء الصبح تبشير (1)
50 - أعرابي: فيه ملذّ كف ومشم أنف.
51 - كان لأبي أيوب سليمان بن مخلد المورياني (2)، من موريان بعض قرى الأهواز، وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب إليه، فلما رأى الناس غلبته على المنصور وطاعته له فيما يريده حتى كان ربما استحضره ليوقع به فلما رآه ابتسم إليه وطابت نفسه قالوا: دهن أبي أيوب من عمل السحرة، وضربوا به المثل فقالوا لمن تغلّب على الإنسان: معه دهن أبي أيوب.
52 - أنشد ابن الأعرابي (3):
خود يكون بها القليل تمسه ... من طيبها عبقا يطيب ويكثر (4)
شكر الكرامة جلدها فصفا له ... إن القبيحة جلدها لا يشكر
53 - عيينة بن أسماء الفزاري:
لو كنت أحمل خمرا حين زرتكم ... لم ينكر الكلب أني صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك تقدمني ... والعنبر الورد مشبوبا على النار
__________
(1) المباءة: المسكن.
(2) سليمان بن مخلد المورياني: وزير المنصور العباسي بعد خالد بن برمك، كان كاتبا لسليمان بن حبيب بن المهلّب بن أبي صفرة. توفي سنة 153هـ.
راجع ترجمته في الوفيات 1: 215وفي أعلام الزركلي.
(3) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد. تقدّمت ترجمته.
(4) الخود: المرأة الحسناء الحيّية.
فأنكر الكلب ريحي حين خالطني ... وكان يعرف ريح الزق والقار (1)
54 - الأصمعي: ذكر لأيوب (2) هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما علمت أن القذر من الدين.(2/408)
__________
(4) الخود: المرأة الحسناء الحيّية.
فأنكر الكلب ريحي حين خالطني ... وكان يعرف ريح الزق والقار (1)
54 - الأصمعي: ذكر لأيوب (2) هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما علمت أن القذر من الدين.
55 - ريح الكلب مثل في النتن. قال:
ريحها ريح كلاب ... هارشت في يوم طلّ (3)
56 - آخر:
يزداد لؤما على المديح كما ... يزداد نتن الكلاب في المطر
57 - قالت امرأة لامرىء القيس وكان مفركا (4): إنك ثقيل الصدر، خفيف العجزة، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، وإنك إذا عرقت ريح كلبة. فقال: صدقت، إن أهلي كانوا أرضعوني مرة بلبن كلبة.
58 - ابن المعتز:
بأنتن من هدهد ميت ... أصيب فكفن في جورب
59 - كان عيسى صلوات الله عليه وسلم يخمر أنفه من الرائحة الطيبة دون الكريهة، فقيل له، فقال: لا حساب في الكريهة وفي الطيبة حساب.
60 - عمر رضي الله عنه: وصل مسك من البحرين فقال: وددت لو أن امرأة جزلة وزنته حتى أقسمه بين الناس. فقالت امرأته عاتكة (5): أنا
(1) القار: المادة لا التي تطلى بها السفن، الزّفت.
(2) أيوب: هو أيوب بن أبي تميمة السختياني. تقدّمت ترجمته.
(3) الطلّ: الندى.
(4) المفرك: المبغض.
(5) عائكة: هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، شاعرة صحابية حسناء من المهاجرات إلى المدينة. تزوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق. ومات فتزوجها عمر بن الخطاب، وهو ابن عمّها فاستشهد ورثته، فتزوجها الزبير بن العوام وقتل فرثته، وقيل: خطبها الإمام علي بن أبي طالب فأرسلت إليه: إني لأضنّ بك عن القتل. وبقيت أيّما إلى أن توفيت نحو سنة 40هـ.
راجع ترجمتها في الأعلام للزركلي 3: 242والإصابة الترجمة 695وحسن الصحابة 104وخزانة البغدادي 4: 351.(2/409)
أجيد الوزن، فقال: لا، أحببت أن تضعيه في الكفة ثم تقولي فيها أثر الغبار، فتمسحي بها عنقك، فتصيبي بذلك فضلا على المسلمين.
61 - كان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك المسلمين، فأخذ بأنفه لئلا يصيب الرائحة ويقول: وهل ينتفع إلا بريحه.
62 - أنس رضي الله عنه: كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم سكّة (1) يتطيب بها.
63 - مر قتيبة بن مسلم على عذرة (2) فأخذ بأنفه وقال: إن من ضن بما يصير إلى مثل هذا لبخيل.
64 - كان أبو أيوب الأنصاري يصنع للنبي صلّى الله عليه وسلّم طعاما، فإذا ردّ إليه سأل عن مواضع أصابعه فيتبعها، فصنع له طعاما فيه ثوم، فلّما رد إليه سأل عن مواضع أصابعه، فيتبعها، فصنع له طعاما فيه ثوم، فلّما رد إليه سأل عن مواضع أصابعه، فقيل: لم يأكل، ففزع، فقال: أحرام هو؟
قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه.
65 - أبو موسى الأشعري (3) رفعه: أيما امرأة استعطرت فخرجت ليوجد ريحها فهي زانية، وكل عين زانية.
66 - هو كالمسك إن بعته نفق، وإن خبأته عبق.
67 - قيل لخديجة بنت الرشيد (4): رسل العباس بن محمد بن
__________
(1) السّك: ضرب من الطيّب يركب من مسك ورامك.
(2) العذرة: الغائط، البراز.
(3) الأشعري: هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار، أبو موسى الأشعري الصحابي الفاتح المتوفّى سنة 44هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) خديجة بنت هارون الرشيد: أمّها أم ولد اسمها شجر وهي أخت كريب. راجع مقدمة كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد» ص 21ففيها تفاصيل زواج الرشيد وأسماء زوجاته وأولاده وبناته.(2/410)
علي (1) بالباب، معهم زنبيل (2) يحمله رجلان، فقالت: تراه بعث إليّ باقلي! فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية، فيها مسحاة من ذهب، وإذا رقعة مكتوب فيها: هذه جرة أصيبت هي وأختها في خزائن بني أمية، فأما اختها فغلبت عليها الخلفاء، وأما هذه فلم أر أحدا أحق بها منك والسلام.
68 - قال سلمة بن عياش (3) في جعفر بن سليمان بن علي:
فما شم أنفي ريح مسك رأيتها ... من الناس إلا ريح كفّك أطيب
فأمر له بألف دينار، وبمائة مثقال مسك، ومائة مثقال عنبر.
69 - وجه عمر رضي الله عنه إلى ملك الروم بريدا، فاشترت امرأته أم كلثوم (4) بنت علي بن أبي طالب طيبا بدينار، وجعلته في قاوروتين، وأهدته إلى امرأة ملك الروم فرجع البريد بملء القاورتين من الجواهر، فدخل عليها عمر، وقد صبته في حجرها، فقال: من أين لك هذا؟ فأخبرته، فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، فقالت: كيف وهو عوض من هديتي؟
قال: بيني وبينك أبوك، فقال علي: لك منه بقيمة دينارك، والباقي للمسلمين، لأن بريد المسلمين حمله.
__________
(1) العباس بن محمد بن علي: ولد سنة 121هـ وهو أخو السفّاح والمنصور. ولي بلاد الشام للمنصور وولي إمارة الجزيرة للرشيد. مات ببغداد سنة 186هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1: 95والنجوم الزاهرة 2: 120والتهذيب لابن عساكر 7: 253.
(2) الزنبيل: هو وعاء يحمل فيه كالجراب، وقيل: هو القفّة.
(3) سلمة بن عياش: شاعر بصري كان منقطعا إلى محمد وجعفر ولدي سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس يمدحهما وهو من مخضرمي الدولتين.
راجع أخباره في البيان والتبيين 1: 39.
(4) أم كلثوم: هي أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب، أمّها فاطمة الزهراء بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تزوجها عمر فولدت له ولديه زيدا ورقية، راجع ترجمتها في الإصابة 8:
275.(2/411)
70 - كان أبو محيريز (1) إذا قام إلى الصلاة بالليل دعا بالغالية فيضمخ بها ما يردع ثيابه.
71 - عن إبراهيم بن الأشتر في محاربة المختار (2) أهل الشام: إني ضفت رجلا غريب رجلاه وشرق رأسه فوجدت ريح طيب طيبة، فانظروا لعله ابن مرجانة، وهو عبيد الله بن زياد، فنظروا فإذا هو هو.
__________
(1) أبو محيريز: هو أبو محيريز عبد الله بن محيريز بن جناءة بن وهب الجمحي المكي، كان من ثقات رجال الحديث. وكان الأوزاعي لا يذكر خمسة من السلف إلّا ذكر فيهم ابن محيريز ورفع من ذكره. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقيل: مات سنة 99هـ. وقيل غير ذلك.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 22.
(2) المختار: هو المختار بن أبي عبيد الثقفي. تقدّمت ترجمته.(2/412)
الباب الحادي والثلاثون الرسوم في معاشرة الناس، وملاقاتهم، ومصافحتهم، ومجالستهم، ومراسلتهم، وذكرهم، وزيارتهم، وذكر السلام والتحية، وآداب النفس، وما يتصل بذلك
1 - جابر (1) رضي الله عنه: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أخلاق النبيّين والصديقين البشاشة إذا تراءوا، والمصافحة إذا تلاقوا، والزائر في الله حق على المزور إكرامه.
2 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: إذا زار العبد أخاه في الله نادى مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك بوّئت منزلا في الجنة.
3 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله عز وجل: حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ.
4 - أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: مثل الذي يجلس فيسمع الحكمة من غيره ثم لا يحدث إلا بشر ما سمع مثل رجل أتى راعيا فقال له: إعطيني شاة من غنمك، فقال: اذهب فخذ خيرها، فجاء فأخذ بأذني الكلب الذي مع الغنم.
5 - ابن عباس رضي الله عنه: أكرم الناس علي جليسي، وإن
__________
(1) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي المتوفّى سنة 78هـ. تقدّمت ترجمته.(2/413)
الذباب يقع على جليسي فيؤذيني. وإني لأستحي من الرجل يطأ بساطي ثلاثا فلا يرى عليه أثر من بري.
6 - كان القعقاع بن شور (1) إذا جالسه رجل جعل له نصيبا من ماله، وأعانه على حوائجه، وغدا إليه شاكرا.
ودخل على معاوية والمجلس غاص ففسح له رجل حتى جلس إلى جنب معاوية، ثم أمر له بمائة ألف، فجعلها للمفسح، وهو ابن علاثة (2)، فقال:
وكنت جليس قعقاع بن شور ... وما يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس (3)
7 - وجالس رجل بني مخزوم فسعوا به إلى معاوية وأنه يقع في الولاة فقال:
شقيت بكم وكنت لكم جليسا ... ولست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبو جهل أبوكم ... غزا بدرا بمجمرة وتور (4)
8 - نظر إلى كثّير (5) راكبا ومحمد بن علي الباقر (6) يمشي، فقيل له:
__________
(1) القعقاع بن شور: هو القعقاع بن شور الربعي الذهلي، شاعر، خطيب من كبار الأمراء في دولة بني أميّة، من أشراف أهل الكوفة. وفي القاموس أن القعقاع بن شور تابعي، وفي ميزان الاعتدال أنه ضعيف الحديث.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 6: 327وثمار القلوب 100.
(2) ابن علاثة: الأرجح أنه علقمة بن علاثة العامري.
(3) المطراق: الساكت الذي لا يتكلم المرخي عينيه ينظر إلى الأرض. والفعل أطرق.
(4) أبو جهل: هو عمرو بن هشام بن المغيرة، كان شديد العداء للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وللمسلمين. تقدّمت ترجمته.
والتور: إناء معروف من نحاس وغيره تذكره العرب تشرب فيه. والمجمر والمجمرة: ما يوضع فيه الجمر للتبخّر.
(5) كثيّر: هو كثّير عزة الشاعر المعروف.
(6) محمد بن علي الباقر: هو الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين. أبو جعفر خامس الأئمّة عند الإمامية الإثني عشرية. توفي في الحميمة سنة 114هـ. ودفن بالمدينة. راجع الذريعة 1: 315.(2/414)
أيركب وأبو جعفر يمشي؟ فقال هو أمرني بذلك، فأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصياني إياه بالمشي.
9 - وعن محمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان (1): بعثني أبي إلى المعتضد (2) في شيء، فقال لي: اجلس، فاستعظمت ذلك، فقلت: إنه لا يجوز. فقال لي: يا محمد، إن أدبك في القبول مني خير من أدبك في قيامك.
10 - قال رجل لأبي خليفة الجمحي (3): ما أحسبك تثبتني! قال:
وجهك يدلّ على علو نسبك، والإكرام يمنع من مسألتك فأوجد السبيل إلى معرفتك.
11 - أبو تمام:
يحميه لألأؤه أو لوذعيته ... من أن يذال بمن أو ممّن الرجل (4)
12 - وفي معناه:
أرم بعينيك في مفارقنا ... فمعقد التاج غير مكتتم
13 - المعري:
__________
(1) محمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان: لم نقف له على ترجمة.
(2) المعتضد: هو أحمد بن طلحة الخليفة العباسي. تقدّمت ترجمته.
(3) أبو خليفة الجمحي: هو الفضل بن الحباب بن محمد بن شعيب بن عبد الرّحمن الجمحي من أهل البصرة، كان من رواة الأخبار والأشعار. قيل: كان ثقة عالمان كثير الحديث. وفي كتاب الأنساب أنه كان ناصبيا والنصب معروف في كثير من أهل البصرة. مات سنة 305هـ.
راجع ترجمته في لسان الميزان 4: 438ومعجم المؤلفين لكحالة وفهرست ابن النديم.
(4) اللوذعي: الذكي الذهن الحديد الفؤاد، الفصيح اللسان.(2/415)
واكتموا أنسابهم لعزتهم ... وجوه وفعل شاهد كل مشهد
14 - قيل لفيلسوف: أي الرسل أنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل.
15 - وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا أبردتم إلي بريدا فاجعلوه حسن الاسم.
16 - مر رجل بأبي الحارث جمين (1) فسلم عليه بسوط، فلم يرد عليه السلام فقيل له، فقال: سلّم عليّ بالإيماء فرددت عليه بالضمير.
17 - دخل على معاوية رجل مرتفع العطاء فرأى في عينيه رمصا (2)
فحط (3) عطاءه وقال: أيعجز أحدكم إذا أصبح أن يتعهد أديم وجهه؟.
18 - دخل ابن عباس مجلسا فيه الأنصار فقاموا له، فقال: بالايواء والنصر الا جلستم، يريد قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} (4).
19 - لا تجب من لا يسألك، ولا تسأل من لا يجيبك.
20 [شاعر]:
كأنه من سوء آدابه ... أسلم في كتاب سوء الأدب
__________
(1) أبو الحارث جمين: ويقال إن صواب اسمه «حميز» بالزاي، هو مولى آل حمزة بن عبد المطلب، من أصحاب النوادر والفكاهة من أهل المدينة. كان في عهد المهدي وبقي إلى عهد الرشيد له أخبار مع محمد بن يحيى البرمكي وعيسى بن جعفر.
راجع ترجمته في ثمار القلوب للثعالبي ص 65وعيون الأخبار لابن قتيبة 3: 362 والبيان والتبيين للجاحظ 2: 103.
(2) الرمص في العين: كالغمض وهو قذى تلفظ به. وقيل: الرمص ما سال والغمص ما جمد، وقيل أيضا: هو وسخ يجتمع في الموق فإن سال فهو غمص وإن جمد فهو رمص.
(3) حطّ عطاءه: أنقصه.
(4) سورة الأنفال، الآية: 72والآية 74أيضا.(2/416)
21 - قيل لصوفي: كيف أصبحت؟ قال: أسفا على أمسي، كارها ليومي مهتما لغدي.
22 - وقيل لأعرابي فقال: كما يسوؤك طن كنت صديقا ويسرك إن كنت عدوا.
23 - وقيل لقرّاد (1) فقال: كيف يصبح من يرجو خير هذا، وأشار إلى قرده.
24 - كان معاوية يقوم لشيخ من أهل الشام قد بلغ التسعين، فقيل له، فقال إن فيه لشبها من رسول الله، وإنما أقوم لرسول الله.
25 - المودة شجرة الزيارة ثمرتها.
26 - نهض هشام (2) عن مجلسه، فسقط رداؤه عن منكبه، فتناوله بعض جلسائه ليرده، فجذبه هشام من يده وقال: مهلا! إنا لا نتخذ جلساءنا خولا (3).
27 - ابن عباس: لجليسي عليّ ثلاث أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأوسّع له إذا جلس وأصغي إليه إذا حدّث.
28 - كان عمر بن عبد العزيز إذا دخل عليه سالم مولى بني مخزوم (4)
يتنحّى له عن الصدر، وكان يسميه أخي في الله، فيقال له في ذلك، فيقول: إذا دخل عليك من لا ترى لنفسك عليه فضلا فلا تأخذ عليه أشرف المجلس.
29 - قبل الأصمعي يد الرشيد بعقب كلام قرّظه (5) به فقال: والله يا
__________
(1) القرّاد: هو الذي يسوس القرود ويتكسّب من عرض ألعابها.
(2) هشام: هو هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي.
(3) الخول: الخدم.
(4) سالم مولى بني مخزوم: لم نقف له على ترجمة.
(5) قرّظه به: مدحه.(2/417)
أمير المؤمنين ما شممت طيبا قط أطيب من نسيم يدك، فطيب الله عيشك كما طيبها، وأنعم بالك كما أنعمها، وألان زمانك كما ألانها، فأنها ضدّ ما قال الأسدي (1) لابن مطيع العدوي (2) حين جلس ليأخذ البيعة لابن الزبير:
دعا ابن مطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي لها غير آلف
فأبرز لي خشناء لما لمستها ... بكفّي ليست من أكفّ الخلائف
30 - غلب حارثة بن بدر الغداني على زياد (3)، وكان رجل بني تميم في وقته، فأغري به زياد، فقال: وكيف باطراح رجل هو يسايرني منذ دخلت العراق فلم تصكك ركابي ركاباه، ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه، ولا تأخر عني فلويت عنقي إليه، ولا أخذ عني الشمس في شتاء قط، ولا الروح في صيف، ولا سألته عن علم قط إلا ظننته لم يحسن غيره.
31 - ساير شرحبيل بن السمط (4) معاوية فراثت دابته، وكان عظيم الهامة (5)، بسيط القامة، فقال له معاوية: يا أبا يزيد، يقال إن الهامة إذا عظمت دلت على وفور الدماغ وصحة العقل. قال: تعم يا أمير المؤمنين، إلّا هامتي فإنها عظيمة وعقلي ناقص ضعيف، فتبسم معاوية وقال: وكيف
__________
(1) الأسدي: هو عبد الله بن الزبير.
(2) ابن مطيع العدوي: هو عبد الله بن مطيع بن الأسود. ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
من رجال قريش كان في وقعة الحرّة أمير أهل المدينة. آزر ابن الزبير فاستعمله على الكوفة وقتل معه في حصار الحجاج له وأرسل رأسه إلى الشام مع رأس ابن الزبير.
(3) زياد: هو زياد بن أبيه. تقدّمت ترجمته.
(4) شرحبيل بن السمط. صحابي وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسلم وقاتل في الردّة، وشهد القادسية وافتتح حمص وشهد صفين مع معاوية وتوفي في صفين، وقيل في حمص، سنة 37هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 199وتهذيب ابن عساكر 6: 297.
(5) الهامة: الرأس.(2/418)
ذاك؟ لله درك! فقال: لا قضاعي هذا النائك أمه مكوكي (1) شعير، فضحك وحمله على دابة من مراكبه (2).
32 - وعن الموبذ (3) أنه ساير كسرى فراثت بغلته، فقال له كسرى:
ما الذي يستدل به على حمق الرجل؟ قال: أن يعلف دابته في الليلة التي يركب في صبيحتها الملك وهو يريد أن يسايره. قال: بهذه الفطنة قدمك آبائي.
33 - زار الخليل (4) بعض تلامذته فقال له: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرا ومزورا.
34 - شاعر:
أيا رب حي الزائرين كلاهما ... وحبي دليلا بالفلاة هداهما
وليتهما ضيفان في كل ليلة ... مدى الدهر محتوم عليّ قراهما (5)
وليتهما لا ينزلان ببلدة ... ولا منزلا إلا وعيني تراهما
35 - ثق مني بكتمان وإن أتعب القلب، ومساعدة وإن ثلمت المروءة، وطاعة وإن قدحت في الدين.
36 - أراد رجل أن يقبل يد هشام بن عبد الملك فقال: لا تفعل، فإنما يفعله من العرب الطمع، ومن العجم الطبع.
37 - طلحة بن عبيد الله: جلوس الرجل على باب داره مروءة.
__________
(1) المكوك: من المكاييل، سبعة أمناء ونصف. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 26و 77.
(2) المراكب: جمع مركب والمركب هو الدابة التي تستعمل للركوب كالحمار وغيره.
(3) الموبذ: هو قاضي المجوس. وموبذان موبذ هو قاضي القضاة. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 114.
(4) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي. تقدّمت ترجمته.
(5) محتوم عليّ قراهما: أي إطعامهما. والقرى: طعام الضيف.(2/419)
38 - قال رجل للمنصور: اعطني يدك أقبلها، قال: إنا نصونك عنها، ونصونها عن غيرك.
39 - سأل بعض أصحاب أبي حنيفة الشافعي عن مسألة فأجاب عنها، فقال له: أخطأت. فقال: لو كنت مكانك ثم كلمتك بمثل ما كلمتني لاحتجت إلى أدب.
40 [شاعر]:
ما أحسن الصبر فأمّا على ... أن لا أرى وجهك يوما فلا
لو أن يوما منك أو ساعة ... يباع بالدنيا إذا ما غلا
41 - قال أنس رضي الله عنه: كنت عند الحسن بن علي (1) فدخلت جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها، فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى، فقلت له: حيتك جارية بطاقة ريحان لا خطر لها فاعتقتها! فقال: كذا أدبنا ربنا الله، {وَإِذََا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهََا} (2)، وكان أحسن منها إعتاقها.
42 - علي رضي الله عنه: توقّ من إذا حدثك كذبك، وإن حدثته كذبّك، وإن ائتمنته خانك، وإن إئتمنك إتهمك.
43 - قال رجل لخالد بن صفوان: علمني كيف أسلم على الأخوان، فقال: لا تبلغ بهم النفاق، ولا تقصر بهم عن الاستحقاق.
44 - قال العتبي (3) لأحمد بن أبي خالد الأحول: هل أنكرت عليّ يوم دخولي إلى المأمون شيئا؟ قال: نعم، قلت: وما هو؟ قال: ضحك من شيء فكان ضحكك أكثر من ضحكة.
__________
(1) الحسن بن علي: هو الحسن بن علي بن أبي طالب. تقدّمت ترجمته.
(2) سورة النساء من الآية: 86.
(3) العتبي: هو خالد بن صفوان التميمي المنقري. تقدّمت ترمته.(2/420)
45 - قال عبيد الله بن يحيى (1) لأبي العيناء (2): كيف كنت بعدي؟
قال: كنت في أحوال مختلفة، شرها غيبتك، وخيرها أو بتك (3).
46 - وصف العباس بن الحسن العلوي جليسا له فقال: جليسه لطيب عشرته أطرب من الإبل على لحن الحداء، ومن الثمل (4) على شدو الغناء.
47 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنزلوا الناس على منازلهم.
48 - مع التغالب التحاب.
49 - عنه عليه الصلاة والسلام: فرق بين معد تجاب.
50 - قال المأمون لثمامة (5): ارتفع، قال يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك إعظاما لك، وأقرب منك شحا عليك.
51 - صافح أبو العمثل (6) عبد الله بن طاهر (7) عند قدومه من سفر فقبل يده، فقال عبد الله: كيف كنت بعدي؟ قال: إليك مشتاقا، وعلى الزمان عاتبا، ومن الناس مستوحشا، فأما الشوق فلفضلك وأما العتب على الزمان فلمنعه منك، وأما الاستيحاش من الناس فإن أراهم بعدك.
فاحتسبه، فلما حضر الشراب سقاه بيده فقال:
__________
(1) عبيد الله بن يحيى: هو عبيد الله بن يحيى بن خاقان. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم. تقدّمت ترمته.
(3) أوبتك: رجعتك.
(4) الثمل: السكران.
(5) ثمامة: هو ثمامة بن أشرس. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو العمثل: لم نقف له على ترجمة.
(7) عبد الله بن طاهر: هو عبد الله بن خليد. كاتب طاهر بن الحسين الخزاعي ومؤدب ولده عبد الله، ثم كاتب عبد الله بن طاهر وشاعره إلى أن توفي سنة 240هـ.
راجع ترجمته في الأعلام للزركلي والبيان والتبيين للجاحظ 1: 280. ووفيات الأعيان 1: 262والموشح 14.(2/421)
نادمت حرا كأن البدر غرّته ... معظما سيدا قد أحرز المهلا (1)
تعلني برحيق الراح راحته ... فملت سكرا وشكرا للذي فعلا
52 - لكل شيء محك، ومحك العقل مجالسة العلماء.
53 - بصق عبد الملك بن مروان فقصر بصاقه فوقع على البساط، فقام رجل فمسحه بثوبه، فقال عبد الملك: أربعة لا يستحيي من خدمتهم: السلطان، والوالد، والضيف، والدابة، وأمر له بصلة.
54 - كانت تحية العرب: صبحتك الأنعمة، وطيب الأطعمة، وتقول: صبحتك الأفالح، كل طير صالح.
55 - هاشم بن عبد مناف (2): أكرموا الجليس يعمر ناديكم.
56 - قال المبرد (3): تأخرت عن مجلس جعفر بن القاسم (4)، وكان يتقلد إمارة البصرة للواثق (5). فقال لي: ما أخرك؟ قلت: علة مرة، وغبة مرة، فقال: وتوان مرة، وتقصير مرة، فقلت: والله ما أغيب عن الأمير إلا بود حاضر، ولا أعصيه إلا بنية طائع. فضحك ثم أنشد بيت إبراهيم
__________
(1) المهل: التقدم في الشرف.
(2) هاشم بن عبد مناف: هو والد عبد المطلب جدّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان أحد من انتهت إليه السيادة في الجاهلية. اسمه عمرو و «هاشم» لقب غلب عليه. وهو أول من سنّ الرحلتين لقريش للتجارة: رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة ورحلة الصيف إلى غزّة وبلاد الشام. كان جوادا كريما. ولد بمكة نحو سنة 127قبل الهجرة وتوفّي سنة 102 قبل الهجرة، وإليه ينسب الهاشميون.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 1: 43، وثمار القلوب 49والطبري وابن الأثير والأعلام.
(3) المبرّد: هو محمد بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(4) جعفر بن القاسم: لم نقف له على ترجمة.
(5) الواثق: هو الخليفة العباسي هارون الواثق بالله بن محمد المعتصم. تقدّمت ترجمته.(2/422)
ابن المهدي (1):
ما أن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلّا بنيّة طائع
57 - قدم أبو مسلم (2) فتلقاه ابن أبي ليلى (3) فقبل يده، فقيل له، فقال: قد تلقى أبو عبيدة بن الجراح عمر بن الخطاب فقبل يده. فقيل له: تشبه أبا مسلم بعمر! فقال: أتشبهوني بأبي عبيدة؟.
58 - أعرابي: العبوس بؤس، والبشر بشرى.
59 - مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
60 - قال المبرد: كان في خلق الحسن بن رجاء (4) شراسة، وفي كفه ضيق، فكتب إليه: أعز الله الأمير، الناس رجلان عبد وحر، فثمن الحر الإكرام، وثمن العبد الأنعام، فأصلحه هذا القول، ثم رجع إلى طبعه.
61 - مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صبيان في المكتب فسلم عليهم.
62 - أخذ رجل من رأس عمر رضي الله عنه، ثم صنع ذلك يوما آخر، فأخذ بيده وقال: ما أراك أخذت شيئا! فإذا هو كذلك. ثم قال:
__________
(1) المهدي: هو إبراهيم بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور العباسي، الهاشمي، ويقال له ابن شكلة. خليفة عباسي. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو مسلم: هو صاحب دعوة بني العباس، أبو مسلم الخراساني. تقدّمت ترمته.
(3) ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن. ولد في خلافة عمر وأدرك 120من الصحابة والأنصار وروى عن عدد من الصحابة. فقد يوم الجماجم سنة 82هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 260والبيان والتبيين 3: 240، وإبنه محمد بن عبد الرحمن ويقال له ابن أبي ليلى أيضا. ولي القضاء لبني أميّة ثم لبني العباس وكان فقيها مفتيا بالرأي. ترجمته في البيان والتبيين 1: 337.
(4) الحسن بن رجاء: كان أديبا شاعرا من ولاة بن العباس. كتب للمأمون والواثق وتولى ولاية الجبل والأهواز. كان الشعراء يقصدونه ويمدحونه، وهجاه دعبل الخزاعي. كان صديقا للحسين بن الضحاك. أخباره متفرقة في كتب الأدب وبخاصة الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.(2/423)
إذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئا فلّيره.
63 - قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكىء، فقال: تلك جلسة الآمنين.
64 - علي رضي الله عنه: رسولك ترجمان عقلك.
65 - كان أحمد بن يوسف (1) يكتب بين يدي المأمون، وطلب منه السكين، فدفعها إليه والنصاب (2) في يده، فنظر إليه المأمون نظر منكر، فقال: على عمد فعلت ذلك ليكون الحد لأمير المؤمنين على أعدائه.
فتعجب من فطنته.
66 [شاعر]:
قد يمكث الناس دهرا ليس بينهم ... ود فيزرعه التسليم واللّطف (3)
67 - غيره:
يا ذا الذي زار وما زارا ... كأنه مقتبس نارا (4)
قام بباب الدار من تهمة ... ماضره لو دخل الدارا
نفسي تقيه السوء من زائر ... ما حل حتى قيل قد سارا
لو دخل الدار وكلمته ... بحاجتي ما دخل النارا
68 - وصف المأمون ثمامة (5) بحسن المعاشرة فقال: إنه يتصرف مع القلوب تصرف السحاب مع الجنوب.
89 - بينا أبو العباس السفاح يحدث أبا بكر الهذلي (6)، إذ عصفت
__________
(1) أحمد بن يوسف: هو أحمد بن يوسف الكاتب. تقدّمت ترجمته.
(2) النصاب: مقبض السكين.
(3) اللّطف: البر والتكرمة.
(4) القابس: طالب النار. وقبس النار: أوقدها.
(5) ثمامة: هو ثمامة بن أشرس.
(6) أبو بكر الهذلي: هو عبد الله بن سلمى. كان خطيبا صاحب أخبار وآثار توفي سنة 167هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 4: 497.(2/424)
الريح فأدرت طستا (1) من سطح إلى المجلس، فارتاع من حضر، ولم يتحرك الهذلي، ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح، فقال: ما أعجب شأنك يا هذلي! فقال إن الله تعالى يقول: {مََا جَعَلَ اللََّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (2)، وإنما لي قلب واحد، فلما غمره السرور بفائدة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال، فلو انقلبت الخضراء على البيضاء ما أحسست بها ولا وجمت لها. فقال السفاح: لئن بقيت لأرفعنّ منك ضبعا (3) لا تطيف به السباع، ولا تنحط عليه العقبان.
70 [شاعر]:
لا تقطعن الصديق ما طرفت عي * ناك من قول كاشح أشر (4)
ولا تملن من زيارته ... زره وزره وزر وزر وزر
71 - كان أسماء بن خارجة يقول: ما غلبني أحد قط غلبة رجل يصغي إلى حديثي.
72 - معاوية: يغلب الملك حتى يركب بالحلم عند سورته (5)، والإصغاء إلى حديثه.
73 - في نوابغ الكلم (6): أكرم حديث أخيك بانصاتك، وصنه من صمة التفاتك.
__________
(1) الطست: وعاء من نحاس يستعمل للشرب وغيره.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 4.
(3) الضبع: فناء الإنسان وناحيته.
(4) الكاشح: العدوّ الباطن العداوة. وقيل: الذي يطوي كشحه على العداوة أو الذي يتباعد عنك ويوليك كشحه. والكشح من الجسم ما بين السرّة ووسط الظهر.
والأشر: البطر.
(5) السورة: الغضب، وقيل شدّته.
(6) نوابغ الكلم: هي مجموعة حكم وأمثال لمؤلف مطبوعة.(2/425)
74 - كان قوم من سفهاء بني تميم أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمد، أخرج إلينا نكلمك. فغم ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وساءه ما ظهر من سوء أدبهم، فأنزل: {إِنَّ الَّذِينَ يُنََادُونَكَ مِنْ وَرََاءِ الْحُجُرََاتِ أَكْثَرُهُمْ لََا يَعْقِلُونَ} (1).
75 - حرمة مجلس الملك إذا غاب كحرمته إذا حضر. وكان للملوك عيون على مجالسهم إذا غابوا، فمن حضر وكان في المحافظة على حسن الأدب على مثل ما كان عليه عند حضورهم أثبت وزيد في تكرمته، وسمي من كان على خلاف ذلك ذا وجهين وبقي منقوصا متضيعا.
76 - قيل لإبراهيم بن أدهم (2): كيف أصبحت؟ قال: بخير ما لم يحمل مؤونتي غيري.
77 - من حق الملك إذا تثاءب أو ألقى المروحة من يده ومد رجليه أو تمطّى (3) أو اتكأ أو فعل ما يدل على كسله أن يقوم من بحضرته، وكان أردشير (4) إذا تمطى قام سماره، وكان قباذ (5) إذا رفع رأسه إلى السماء قاموا ومن حقه أن لا يعاد عليه حديث وإن طال الدهر.
78 - قال روح بن زنباع: أقمت مع عبد الملك تسع عشرة سنة فما أعدت عليه حديثا إلا مرة، فقال لي: قد سمعته منك.
79 - وعن الشعبي: ما حدث بحديث مرتين رجلا بعينه.
80 - كان أردشير وأنوشروان إذا زارا وزيرا أو عظيما أرخت الفرس تلك الزيارة، وجرى بذلك تاريخ كتبهم في الأطراف. وكان سنة من زاراة
__________
(1) سورة الحجرات، الآية: 4.
(2) إبراهيم بن أدهم بن منصور البلخي الزاهد المتوفّى سنة 162هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) تمطّى: تمدّد أو استلقى.
(4) أردشير: هو أردشير بن بابك ملك الفرس. تقدّمت ترجمته.
(5) قباذ: هو قياذ بن فيروز. تقدّمت ترمته.(2/426)
أن يعقر ضياعه، وترسم خيله، ولا يؤخذ أحد من قومه بجناية، وتقدم هداياه في النيروز والمهرجان (1)، وكانت مرتبته في القعود عن يمين الملك، وإذا خرج لم يقعد أحد مكانه.
81 - البسامي (2):
سرى إليّ وجنح الليل معتكر ... كذلك البدر في ظلمائه ساري
يورد في الزائر في الليل، ومثله قول ابن الرومي:
لا تعجب من سرانا فالسرى ... عادة الأقمار والناس هجود (3)
82 - علي بن داود (4):
عودت نفسك في الزيارة عادة ... تدع الخفيف من الصديق ثقيلا
عودت نفسك أن تزور إذا التقت ... ظلم المساء فلم يبنّ سبيلا
شرّ الرجال وشرّ وقت زيارة ... أن يطرقوا وقت العشاء خليلا (5)
83 - زياد الأعجم:
فقم صاغرا يا شيخ جرم فإنما ... يقال لشيخ الصدق قم غير صاغر
84 - كان ابن المبارك يقول: كنت لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرّز (6) لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه.
__________
(1) النيروز والمهرجان: هما عيدان للفرس.
(2) البسامي: هو علي بن محمد بن منصور بن بسام. تقدّمت ترجمته.
(3) السرى: السير ليلا، والهجود: النوم.
(4) علي بن داود: لم نقف له على ترجمة.
(5) يطرقوا: يأتوا ليلا.
(6) عبد الله بن محرز: هو عبد الله بن محرز العامري: قاضي الجزيرة. توفي في خلافة أبي جعفر. ذكره البخاري في الأوسط فيمن مات بين الخمسين إلى الستين.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 5: 389.(2/427)
85 - جالسوا أهل الدين، فإن لم تقدروا عليهم فجالسوا الأشراف فإن الفحش لا يجري في مجالسهم، وروي فإن الخنا (1) لا يجري بعقوتهم (2).
86 - قيل للمأمون: أي المجالس أحسن؟ قال: ما نظر فيه إلى الناس، فلا منظر أحسن من الناس.
87 - قعد رجل في وسط الحلقة فقال لحذيفة بن اليمان: إن فلانا أخاك مات. فقال: وأنت حقيق (3) على الله أن يميتك. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الجالس وسط الحلقة ملعون.
88 - البشاشة أول قرى الأضياف (4).
89 - من أحب المحمدة من الناس بغير مرزئة فليتلقهم ببشر حسن.
90 - الأحنف (5): رأس المروءة طلاقة الوجه، والتودد إلى الناس.
91 - جرير بن عبد الله: ما رآني النبي صلّى الله عليه وسلّم منذ أسلمت إلا تبسّم في وجهي.
92 - معاذ (6): إن المسلمين إذا التقيا فضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه ثم أخذ بيده تحاتت ذنوبهما (7) كتحات ورق الشجر.
93 - البشر دال على السخاء كما يدل النوى على الثمر.
94 - الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره.
__________
(1) الخنا: الفحش في الكلام.
(2) العقوة: ما حول الدار، العرصة.
(3) حقيق: جدير.
(4) قرى الأضياف: إطعامهم.
(5) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي التميمي. تقدّمت ترجمته.
(6) معاذ: هو معاذ بن جبل الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(7) حتّ الشجر: أسقط ورقه. وحتّ الورق أو القشر عن الشجر. سقط.(2/428)
95 - العتابي (1): من ضنّ ببشره كان بمعروفه أضنّ.
96 - حسن البشر مخيلة النجح.
97 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرجل أحق بمجلسه وبصدر دابته.
98 - وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاده فما تحوز (2)
له عن فراشه أي ما تنحى.
99 - عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يصافحه أحد فخلى يده حتى يكون الرجل البادي، ولا جلس إليه أحد قط فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى يقوم.
100 - كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أذن في بيته لم يجلس على فراشه إلا العباس (3) وأبو سفيان بن حرب فقيل له، فقال: أما هذا فعم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أما هذا فشيخ قريش.
101 - أبو بكر رضي الله عنه: كتب إلى عماله: إذا أبردتم إلي بريدا فأبردوه أشيب.
102 - أوصى أبو الأسود (4) ابنه فقال: يا بني، إذا جلست مع قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك، ولا بما هو دونك فيزدروك.
103 - قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت قريبا أجلي، بعيدا أملي، سيئا عملي.
104 - ثابت البناني: بلغنا أنه ما من قوم جلسوا مجلسا فقاموا قبل أن يسألوا الله الجنة ويتعوذوا به من النار إلا قالت الملائكة: مساكين أغفلوا العظيمين.
__________
(1) العتابي: هو كلثوم بن عمرو. تقدّمت ترجمته.
(2) تحوز عنه وتحيز له: تنحى.
(3) العباس: هو العباس بن عبد المطلب.
(4) أبو الأسود: هو ظالم بن عمرو، أبو الأسود الدؤلي الشاعر.(2/429)
105 - الأحنف: ما جلست مجلسا فخفت أن أقام عنه لغيري، ولأن أدعى من بعيد أحب إليّ من أن أقصى من قريب، وإذا كان الأحنف في مجلس فدخل داخل وسّع له، فإن لم يجد متسعا تحرك له ليريه أنه يوسّع له.
106 - منصور بن زاذان (1): إني لفي جهاد من جليسي حتى يفارقني مخافة أن يأثم ويؤثمني.
107 - محمد بن عبد الوهاب (2): ما رأيت الأغنياء أذل منهم في مجلس.
108 - سفيان (3)، وما رأيت الفقراء أعز منهم في مجلسه، وكان يقال: الفقراء في مجلس سفيان أمراء.
109 - عبد الله بن شبرمة قال لبنيه: لا تجالسوا السفلة فيجترئوا عليكم، قال هؤلاء الزط ليسوا بأشجع الناس، وإنما اجترأوا على الأسود لكثرة ما يرونها.
110 - قيل لشريح (4): كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ونصف الناس عليّ غضاب. أراد المقضي عليهم.
111 - عطاء بن أبي رباح: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه قط، وقد سمعته من قبل أن يولد.
__________
(1) منصور بن زاذان: ذكره ابن حبان في الثقات. كان صالحا متعبدا من المتقشّفين مات سنة 129هـ. وقيل: مات في الطاعون سنة 131هـ. راجع تهذيب التهذيب 10: 306.
(2) محمد بن عبد الوهاب: من أفاضل أهل الكوفة ورعا. كان من ثقات رواة الحديث.
مات سنة 212هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 320.
(3) سفيان: هو سفيان بن سعيد الثوري. تقدّمت ترجمته.
(4) شريح: هو شريح بن الحارث الكندي القاضي. تقدّمت ترجمته.(2/430)
112 - فضيل (1): من أراد عز الآخره فليكن مجلسه مع المساكين.
113 - كان يقال: حسن البشر واللقاء رق للأشراف والأكفاء.
114 - أبو بكر الصديق عنه عليه الصلاة والسلام: لا تحقرن أحدا من المسلمين فإن صغيرهم عند الله كبير.
115 - أنس رضي الله عنه: لم يكن أحد أكرم علينا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكنا إذا رأيناه لم نقم له لما نعلم من كراهته.
16 - أنس ما رأيت أخرج رسول الله ركبته بين يدي جليس له قط، ولا ناول يده أحدا قط فيدعها حتى يكون هو الذي يدعها.
117 - لقمان: يا بني لا تبعث رسولا جاهلا، فإن لم تجد حكيما فكن رسول نفسك.
118 - إذا ذكرت كريما فحضر، فقل: أذكر الكريم وافرش له.
119 [شاعر]:
وزورا أتاني طارقا فحسبته ... خيالا أتى من آخر الليل يطرق (2)
أقسّم فيه الظن طورا مكذبا ... به أنه حق وطورا أصدق
120 [آخر]:
فزرنا غير محتشم تزرنا ... بزورتك المكارم والسماح (3)
121 [آخر]:
وتفضل بزورة نحو دار ... لك فيها بني صديق وعبد
122 - يقال: متى أنت منا؟ أي متى تزورنا، ألقاه عدة الثريا، أي كل عام مرة، لئن الشمس تنزل الثريا في السنة مرة. ما كان إلا كنا فض
__________
(1) فضيل: هو فضيل بن عياض الزاهد. تقدّمت ترجمته.
(2) الزور: الزائر. وأتاني طارقا: أي ليلا.
(3) الزورة: الزيارة.(2/431)
غبارا أو قابس (1) نارا، إذا قل مكثه. ما عرج حتى خرج. ودّع قبل أن يودّع، ربما كان التقالي في كثرة التلاقي.
123 - قيل لرجل: هل ترى فلانا؟ قال: لمعا، أي أحيانا.
124 - الإكثار من الزيارة ممل، والإقلال منها مخل.
125 - لا تستيقظ نفسي إلا بهاجس من ذكرك يدعوها، ولا تحلم إلا بطارق من طيفك يعروها.
126 - ما في قلبي مكان إلا موشى بذكرك، مطرزا باسمك.
127 - صورتك للعين حملاق.
128 - كيف أنساك وإذا رأيت حسنا ذكرتك به مشبها، وإذا رأيت قبيحا ذكرتك به منزها
129 [شاعر]:
لو تفضلت بالرواح إلينا ... لقررنا بقرة العين عينا (2)
130 [آخر]:
إذا ما تقاطعنا ونحن ببلدة ... فما فضل قرب الدار منا على البعد
131 [آخر]:
وإن مروري بالبلاد التي بها ... سليمى ولم ألمم بها لجفاء
132 - ابن قيس الرقيات (3):
قد أتانا من آل سعدى رسول ... حبذا ما يقوله وأقول
133 - قال لقمان (4) لابنه: يا بني إذا مررت بقوم فارمهم بسهم الإسلام وهو السلام، فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
134 - وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم دخل المدينة: إفشوا السلام،
__________
(1) القابس: طالب النار.
(2) الرواح: العشي، أو من الزوال إلى الليل.
(3) ابن قيس الرقيات: هو عبيد الله بن قيس الرقيات. تقدّمت ترجمته.
(4) لقمان: هو لقمان الحكيم.(2/432)
وأطيبوا الكلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
135 - كان جذيمة الوضاح (1) لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه، كان يقول:
أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين (2)، فكان يشرب كأسا ويصب لهما كأسين، فلما أتاه مالك وعقيل (3) بابن أخته عمرو صاحب الطوق (4) بعد ما استهوى، قال لهما: حاجتكما؟ قالا: منادمتك. فنادماه أربعين سنة وما أعادا عليه حديثا قط. فضرب بندماني جذيمة المثل. قال الشاعر (5):
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن نتصدّعا (6)
136 - كان أبو الهذيل (7) على مائدة المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله لا يستحي من الحق غلامي وحماري بالباب، فقال المأمون: صدقت يا أبا الهذيل، وقال للحاجب: أخرج إلى غلام أبي الهذيل وحماره ما يصلحهما. فكان محمد بن الجهم (8) إذا تعذر عليه أمر
__________
(1) جذيمة الوضاح: هو جذيمة ملك الحيرة. تقدّمت ترجمته.
(2) الفرقدان: كناية عن مالك وعقيل نديمي جذيمة.
(3) مالك وعقيل: أخوان، هما إبنا فارج بن مالك بن كعب من بني القين كانا من خاصة جذيمة الأبرش ملك الحيرة نادماه أربعين سنة كما يقول الرواة.
(4) عمرو صاحب الطوق: هو عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة اللخمي. أول من ملك العراق بن بني لخم في الجاهلية. تولّى الملك بعد مقتل خاله جذيمة الأبرش وانتقم له من قاتلته الزباء. هو أبو ملوك الحيرة كان آخرهم النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى.
راجع ترجمته في التيجان 252والمرزباني 205والأعلام للزركلي.
(5) هو متمّم بن نويرة من قصيرة يرثي بها أخاه مالكا وهي من أشهر مرثياته مطلعها:
لعمري وما دهري بتأبين مالك ... ولا جزع ممّا أصاب فأوجعا
راجع الأغاني 15: 299.
(6) رواية الأغاني: لن يتصدّعا. والتصدّع: التفرّق.
(7) أبو الهذيل: هو أبو الهذيل العلّاف.
(8) محمد بن الجهم: كان في أيام المأمون، وقد ولّاه عدّة ولايات.(2/433)
قال: إن الذي سخر المأمون لحمار أبي الهذيل وغلامه لقادر على أن يسهل هذا الأمر.
وفعل مثل ذلك على مائدة المعتصم، فقال المعتصم للحاجب: مر لحمار أبي الهذيل بعلف ولغلامه بطعام. فقال أحمد بن أبي دواد:
يا أمير المؤمنين، أما ترى إلى متانة دين هذا الشيخ وتفقده لما يلزمه، ثم يمنعه جلالة مجلسه عمّا يجب لله عليه في حماره وغلامه.
فجعل أحمد ما قدره محوجا إلى الاعتذار منه شهادة له بالفضل.
137 - رؤي عند مالك بن دينار كلب، فقيل له: ما هذا؟ قال: هو خير جليس من جليس السوء. قال:
لكلب الناس إن فكّرت فيه ... أضر عليك من كلب الكلاب
لأن الكلب لا يؤذي جليسا ... وأنت الدهر من ذا في عذاب
138 - وقال الموصلي (1): رأيت بين يدي الفضل بن جعفر بن يحيى (2) كلبا، فقلت له: أتنادم كلبا؟ قال: نعم، يمنعني أذاه، ويكف عن أذى سواه، يجرس (3) قليلي، ويحرس مبيتي ومقيلي.
139 - جلسة العيادة خلسة، ويقال: جلسة فلان عندي أخف من جلسة الخطيب بين الخطبتين.
140 - كتب صاحب البريد إلى حضرة السلطان أنه وقع بين القواد وأن فلانا شتم بكذا، فعاتبه الوزير وقال: هل صنت حضرة السلطان عن هذه اللفظة القذعة! قال: أمرت بإنهاء الأخبار على وجوهها، فقال: ويحك! عجزت عن أن تكنى عنها فتقول: شتمه بما يشتم به الأحداث، أو كلاما هذا معناه.
__________
(1) الموصلّي: هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي. تقدّمت ترجمته.
(2) الفضل بن جعفر بن يحيى البرمكي. لم نقف له على ترجمة.
(3) يجرس: يأكل. والجرس: الأكل.(2/434)
141 - قال سيف الدولة الحمداني لابن عم له: ما عافاك اليوم عن التصبيح؟ قال: دخلت الحمام وقلّمت أظفاري. فقال: لو قلت: أخذت من أطرافي كان أوجز وأحسن.
142 - قال عبد الله بن الزبير لامرأة عبد الله بن خازم أخرجي المال الذي وضعتيه تحت استك (1)، فقالت: ما ظننت أحدا يلي شيئا من أمور المسلمين يتكلم بهذا. فقال بعض الحاضرين: أما ترون الخلع الخفي الذي أشارت إليه.
143 - وعن الحجاج أنه قال لأم عبد الرحمن بن الأشعث: عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك، فكنى لئلا يعاب بما عيب به ابن الزبير.
144 [شاعر]:
زورة فردة إذا ضعف المر ... ء وطال الطريق تعدل عشرا
145 - عمرو بن عبد العزيز السلمي (2):
دعوت بني عمي فكان جوابهم ... بلبيك فعل السادة النجب الغر
146 - المتنبي:
خير أعضائنا الرؤوس ولكن ... فضّلتها بقصدك الأقدام
147 - المعري:
أتيته وبودي أنني قلم ... أسعى إليه ورأسي تحتي الساعي
148 - العباس بن الأحنف (3):
__________
(1) الإست: العجيزة.
(2) عمرو بن عبد العزيز السلمي: لم نقف له على ترجمة.
(3) العباس بن الأحنف: هو العباس بن الأحنف بن الأسود الحنفي اليمامي. كان شاعرا غزلا رقيقا وهو خال إبراهيم بن العباس الصولي. مات ببغداد وقيل بالبصرة سنة 192هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 707ووفيات الأعيان 1: 245وتاريخ بغداد 12: 127وإرشاد الأريب 12: 40.(2/435)
الله يعلم ما تركي زيارتكم ... إلا مخافة أعدائي وحراسي
ولو قدرت على الإتيان جئتكم ... سعيا على الوجه أو مشيا على الراس
149 - أهدى أبو غسان التميمي (1)، وكان سيء الأدب، إلى الأمير نصر بن أحمد (2) كتابا من تصنيفه في نيروز (3)، فقال: ما هذا يا أبا غسان؟ قال: كتاب أدب النفس. قال: فكيف لا تعمل بما فيه؟.
150 [شاعر]:
يا مغرقا في أدب الدرس ... أحسن منه أدب النفس
151 - العتبي (4): لسان التقصير قصير.
152 - من الآداب اللطيفة ما يحكى عن إبراهيم بن المهدي، قال:
كنت عند الرشيد فأتاه رسول معه أطباق عليها مناديل ورقعة، فأخذ يقرأ الرقعة ويقول: وصله الله وبره، فقلت: يا أمير المؤمنين، من هذا الذي قد أطنبت (5) في شكره لنشركك في جميل ذكره؟ فقال: عبد الملك بن صالح. ثم كشف عن الأطباق فإذا فيها فواكه، فقلت: يا أمير المؤمنين،
__________
(1) أبو غسان التميمي: لم نقف له على ترجمة.
(2) نصر بن أحمد: هو نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني، صاحب خراسان وما وراء النهر، يلقّب بالملك السعيد. مات بالسل سنة 331هـ.
راجع ترجمته في شذرات الذهب 2: 331وأعلام الزركلي.
(3) نيروز أو نوروز: من أعياد الفرس.
(4) العتبي: هو محمد بن عبد الله العتبي الأخباري. كان شاعرا صاحب أخبار وآداب توفي سنة 228هـ. وله كتاب الخيل وكتاب الأعاريب وكتاب أشعار النساء.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 2: 182.
(5) أطنبت: أكثرت.(2/436)
ما يستحق هذا الوصف، إلا أن يكون في الرقعة في ما لا نعلمه. فرمى بها إلي، فإذا فيها: دخلت يا أمير المؤمنين إلى بستان في داري قد عمرته من نعمتك، وقد أينعت فواكهه، فحملتها في أطباق قضبان، ووجهتها إلى أمير المؤمنين ليصل إليّ من بركة دعائه مثل ما وصل إليّ من نوافل بره.
فقلت: وما في هذا الكلام ما يستحق الدعاء؟ فقال: أما ترى كيف كنىّ بالقضبان عن الخيزران (1) وهو اسم أمنا؟.
153 - قيل للعباس (2): أأنت أكبر أم رسول الله؟ فقال: رسول الله أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
ونحوه أن معاوية قال لسعيد بن مرة الكندي (3): أأنت سعيد؟ قال:
أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة.
154 - وقال المأمون للسيد بن أنس (4): أأنت السيد؟ فقال: أمير المؤمنين السيد وأنا ابن أنس.
155 - وقال الحجاج للمهلب (5) وهو يماشيه: أنا أطول أم أنت؟
قال: الأمير أطول وأنا أبسط قامة. أراد الطول وهو الفضل.
__________
(1) الخيزران: هي زوجة المهدي العباسي وأمّ ابنيه الهادي وهارون الرشيد. ملكة حازمة متفقّهة. كانت من جواري المهدي وأعتقها ثم تزوجها. توفيت ببغداد فمشى الرشيد في جنازتها وصلّى عليها ودخل قبرها وتصدّق عنها بمال عظيم. توفيت سنة 173هـ.
راجع ترجمتها في تاريخ بغداد 14: 430وفيه: كانت جرشية وجرش من مخاليف اليمن. والبداية والنهاية 10: 163والدرّ المنثور 188.
(2) العباس: هو العباس بن عبد المطلب الهاشمي عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(3) سعيد بن مرّة الكندي: لم نقف له على ترجمة.
(4) السيد بن أنس الأزدي: هو أمير الموصل كان المأمون يعتمد عليه في أمور الأمن.
توفي سنة 211هـ.
راجع الكامل لابن الأثير 6: 136.
(5) المهلب: هو المهلّب بن أبي صفرة.(2/437)
156 - كان الجاحظ يتعجب من فطنة طويس (1) ووضعه الكلام موضعه، من حسن الأدب في قوله لبعض القرشيين: أمك المباركة وأبوك الطيب. يعني إصابته في قسمة الصفتين وأن لم يصفها بالطيب.
157 - سفيان بن عيينة: الوضوء والخلال يبدأ فيهما بالأكبر، والماء يبدأ في سقيه بالأيمن فالأيمن.
158 - شعر:
إن حسن اللقاء والبشر مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم
وهما يزرعان يوما فيوما ... أسوأ الظن في فؤاد اللئيم
159 - جميل (2):
وقد طال هجري بيتها لا أزوره ... كفى حزنا هجران من أنت وامق (3)
وهجرك من تهوى بلاء وشقوة ... عليك مع الشوق الذي لا يفارق
وله:
أزور بيوتا لاصقات ببيتها ... وقلبي في البيت الذي لا أزوره
160 - إسحاق الموصلي (4): يا هذا أذقنا نفسك حتى إذا استعذ بناك تركتنا.
__________
(1) طويس: هو عيسى بن عبد الله. ولد بالمدينة سنة 11هـ وهو أول من غنّى بالمدينة غناء يدخل في الإيقاع. كان يجيد النقر على الدفّ. توفي سنة 92هـ. وهو الذي يضرب به المثل في الشؤم فيقال: أشأم من طويس.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 400.
(2) جميل: هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، أبو عمر، المعروف بجميل بثينة. توفي سنة 82هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 166والآمدي ص 72.
(3) الوامق: المحب. والمقة: المحبة. والفعل ومق.
(4) إسحاق الموصلي: هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي نديم الخلفاء المغنّي الشاعر الأديب.(2/438)
161 - الشعبي في عبد الملك: ما رأيت أحسن حديثا منه إذا حدّث، ولا أحسن إنصاتا منه إذا حدث، ولا أحلم منه إذا خولف.
وأخطأت عنده في أربع: حدثني بحديث فقلت: أعده عليّ، فقال: أما علمت أنه لا يستعاد أمير المؤمنين؟ وقلت حين أذن لي: أنا الشعبي، فقال ما أدخلناك حتى عرفناك. كنّيت عنده رجلا، فقال: أما علمت أنه لا يكنى أحد عند أمير المؤمنين؟ وسألته أن يكتبني حديثا، فقال إنا نكتب ولا نكتب.
162 - كانت العرب تقول: أعطني قبلك والقني متى شئت، تريد أن العبرة بخلوص الود لا بكثرة اللقاء.
163 - بهرام جور (1): إذا لم تصد قلوب الأحرار بالبشر والبر فبأي شيء تصيدها؟.
164 - زار المستعين (2) يزيد بن محمد المهلبي فوهب له مائتي ألف وأقطعه فقال:
وخصصتني بزيارة أبقت لنا ... مجدا على طول الزمان يؤثّل
وقضيت ديني وهو دين فادح ... لم يقضه مع جوده المتوكل
165 - معاوية: نكحت النساء حتى ما أفرق بين امرأة وحائط، وأكلت حتى ما أجد ما استمرئه، وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء، وركبت المطايا حتى اخترت نعلي، ولبست الثياب حتى اخترت البياض، فما بقي من اللذات ما تتوق إليه نفسي إلا محادثة أخ كريم، وأنشد:
وما بقيت من اللذات إلّا ... محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنّا نعدهم قليلا ... فقد صاروا أقلّ من القليل
166 - آخر:
__________
(1) بهرام جور: هو بهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف. وهو الملك الرابع عشر من الملوك الساسانيين.
(2) المستعين: هو أحمد بن محمد المعتصم. خليفة عباسي.(2/439)
غاب عن المجلس من لم يكن ... إلا به يستحسن المجلس
كذلك الريحان مستوحش ... ما لم يكن في وسطه النرجس
167 - آخر:
لا يجمعنّك والمعربد مجلس ... إلّا وترس في يسارك واق
وبكفك اليمنى حسام مرهف ... عضب يحز أعالي الأعناق (1)
فبذاك تسلم أن سلمت ولا أرى ... إلا وترس في يسارك واق
168 - أمر المأمون الحسن بن عيسى (2) كاتب وزيره عمرو بن مسعدة (3) أن يكتب كتابا، فالفتفت إلى الوزير يطلب الأمر منه، ففهمها عنه المأمون فقال: تعطي الحسن مائة ألف لانتظاره أمر صاحبه.
169 - صلى هارون (4) إلى جنب ابن أبي رواد، وهو مكفوف، فصافحه وقال: تعرفني؟ قال: لا، إلا أن قبضتك قبضة جبار.
170 - الحسن (5): رحم الله أقواما كان إذا لقي أحدهم أخاه المسلم فسلم عليه علم ما وراء ذلك منه سليم.
171 - وقيل له: كيف حالك؟ قال: ما ظنك بأناس ركبوا في سفينة حتى إذا توسطوا البحر انكسرت وتعلق كل إنسان بخشبة؟ فعلى أي حال هم؟ قيل: شديدة، قال: حالي أشد من حالهم.
__________
(1) الحسام العضب: القاطع.
(2) الحسن بن عيسى: كان من كتاب الدواوين في دولة بني العباس واختصّ بكتابة عمرو بن مسعدة وزير المأمون.
(3) عمرو بن مسعدة: هو عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول وزير المأمون العباسي، كان يوقّع بين يدي جعفر بن يحيى البرمكي في أيام الرشيد. اتصل بالمأمون فحظي عنده. توفي في أذنة التركية سنة 217هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 203والمرزباني 219.
(4) هارون: هو الخليفة العباسي هارون الرشيد.
(5) الحسن: هو أبو سعيد الحسن بن سعيد البصري. تقدّمت ترجمته.(2/440)
172 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المجالس أمانة.
173 - وعن عبد الملك (1) أنه انقطع عن أصحابه فانتهى إلى أعرابي، فقال: أتعرف عبد الملك؟ قال: جائر بائر (2). قال ويحك! أنا عبد الملك بن مروان. قال: لا حياك الله ولا بياك ولا قربك، أكلت مال الله، وضعيت حرمته. قال: ويحك! أنا أضر وأنفع، قال: لا رزقني الله نفعك، ولا دفع عني ضرك، فلما وصلت خيله قال: يا أمير المؤمنين، أكتم ما جرى، فالمجالس أمانة.
174 - عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
وإنا ليجري بيننا حين تلتقي ... حديث له وشي كوشي المطارف (3)
حديث كوقع القطر بالمحل يستقي ... به الوجد في داخل الوجه شاعف (4)
175 - لبيد (5):
ما عاتب المرء اللبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
176 - كتب المهدي إلى الخيزران (6) من بعض منتزهاته:
نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غيّب ونحن حضور
فأغذوا المسير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا
177 - علي رضي الله عنه: البشاشة حبالة المودة، والاحتمال قبر اليعوب.
__________
(1) عبد الملك: هو الخليفة العباسي عبد الملك بن مروان.
(2) الجائر: الظالم. والبائر: الفاسد الهالك.
(3) المطارف: جمع مطرف رداء من خزّ ذو أعلام.
(4) المحل: القحط والأرض الجدبة.
(5) لبيد: هو لبيد بن ربيعة. تقدّمت ترجمته.
(6) الخيزران: زوجة المهدي وأم الرشيد. تقدّمت ترجمتها.(2/441)
178 - المأمون: إثنتان لا تصنعان على موائد الملوك: نكت المخ (1)، وكثرة أكل النقل (2).
179 - بعض السلف: تعايش الناس ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل.
180 - جعفر بن محمد (3): عظموا أقداركم بالتغافل.
181 [شاعر]:
فلما بصرنا به طالعا ... حللنا الحبا وابتدرنا القياما
فلا تنكرن قيامي له ... فإن الكريم يحب الكراما
182 - وقال:
وفاجأتني والطرف نحوك شاخص ... وذكرك ما بين اللسان إلى القلب
183 - خزامى جارية المعتز:
ذكرتكم ليلا فنور ذكركم ... دجى الليل حتى انجاب عنه دياجره (4)
ولو أن ليل الدهر تحويه ليلة ... تقصرها ذكرى لمن أنا ذاكره
184 - شعبة بن عبد الملك البستي (5):
فديت من زارني على وجل ... من الأعادي وقلبه يجب
فلو خلعت الدنيا عليه لما ... قضيت من حقه الذي يجب
185 - قال أبو الفتوح البستي (6): إن ما رغبني في استخراج هذا
__________
(1) نكت المخ: استخراجه من العظم على المائدة.
(2) النقل: أكل البندق واللوز وأنواع البزور أثناء الشراب.
(3) جعفر بن محمد: هو الإمام جعفر الصادق.
(4) الدياجر: جمع ديجور وهو الظلام الدامس.
(5) شعبة بن عبد الملك البستي: شاعر، كان معاصرا لأبي الفتح علي بن محمد الكاتب البستي المتوفّى سنة 400هـ. راجع اليتيمة 4: 337.
(6) أبو الفتوح البستي. هو علي بن محمد بن الحسن بن يوسف بن محمد بن عبد العزيز البستي كان من كتاب الدولة السامانية في خراسان توفي سنة 400هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 356.(2/442)
التجنس أني سمعت من شعبة بيته، وأنا إذ ذاك في سن الحداثة فاستحسنتها، وحدثت نفسي في سلوك طريقته.
186 - في نوابغ الكلم (1): رب زورة (2) زائر أشد من زأرة زائر (3).
187 - سأل يوسف (4) جبرائيل عليهما السّلام عن حزن يعقوب عليه السّلام، فقال:
حزن سبعين ثكلى، قال: فماذا له من الأجر؟ قال: ما الله به عليم، قال: فهل تراني لاقيه؟ قال: نعم، قال ما أبالي ما رأيت إن لقيته.
188 - رأى سعيد بن العاص شاب من قريش يمشي وحده. فمشى معه، فالتفت إليه فقال له ألك حاجة؟ قال: لا، ولكني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل من جناحك. فدخل منزله وأخرج إليه بدرة (5)
وقال: خذها هنيئا لك فنعم ما أدبك أهلك.
189 - وروي أنه لم يجد ما يكافئه به، فضرب على نفسه صكا بمال، فجاء به القرشي إلى ابنه فقال له: من أين لك هذا المال؟ فقص عليه القصة، فقال: لا جرم والله لأزننه لك بالوافية (6).
190 - من أبطأ رسوله فما أخطأ سوله (7).
191 [شاعر]:
__________
(1) نوابع الكلم أو الكلم النوابغ: كتاب مطبوع للمؤلف.
(2) الزورة: الزيارة.
(3) الزأرة: من الزئير: يريد القول إن من الزيارات ما هو ثقيل على الإنسان ومستكره كسماع زئير الأسد.
(4) يوسف: هو يوسف بن يعقوب نبيّ الله عليه السّلام.
(5) البدرة هي كيس توضع فيه الدراهم والمتعارف عليه عشرة آلاف درهم.
(6) الوافية: مؤنث الوافي، درهم وأربعة دوانق. وفي مفاتيح العلوم للخوارزمي أن الدراهم الوافية هي التي وزن الدرهم منها مثقال.
راجع مفاتيح العلوم ص 117طبعة دار المناهل.
(7) السول: (بتخفيف الهمز) السؤال.(2/443)
إذا أبطأ الرسول فقل نجاح ... ولا تفرح إذا عجل الرسول (1)
[آخر]:
أنعم الله بالرسول الذي أر ... سل والمرسل الرسالة عينا
هو بيت قديم للسلامي (2) في عبد العزيز بن يوسف (3) وقد وجه رسولا إلى الخليفة من جهة عضد الدولة (4) فأحسن تبليغ الرسالة وفيه يقول (5):
فأثنت فضائلك الباهرات ... على ملك الدهر فيما اصطنع
طلعت فكنت كنجم الصبا ... ح دلّ على الشمس لما طلع
192 - أبو مجلز (6): خرج معاوية إلى ابن الزبير وابن عامر (7) فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير. فقال معاوية لابن عامر: إجلس فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من أحب أن يمثل الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار.
193 - أبو أمامة (8): خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متوكئا على عصا،
__________
(1) أبطأ: (بتخفيف الهمز) تمهّل.
(2) السلامي: هو محمد بن عبد الله. تقدّمت ترجمته.
(3) عبد العزيز بن يوسف: وزير عضد الدولة البويهي ونديمه وكان في ديوان رسائله، من أعيان الممدّحين المقدمين في الآداب والكتابة. توفي سنة 388هـ.
راجع يتيمة الدهر للثعالبي 2: 313ففيها نماذج من شعره ونثره وراجع الأعلام للزركلي.
(4) عضد الدولة: هو فنا خسرو بن الحسن بن بويه الديلمي كان حاكما في عهد الدولة العباسية بالعراق. توفي ببغداد سنة 372هـ. ودفن في النجف وكان عمره 48سنة.
راجع ترجمته في يتيمة الدهر 2: 2.
(5) راجع اليتيمة 2: 425.
(6) أبو مجلز: هو لاحق بن حميد السدوسي المتوفّى سنة 109هـ. تقدّمت ترجمته.
(7) ابن عامر: هو عبد الله بن عامر بن كريز الأموي. تقدّمت ترجمته.
(8) أبو أمامة: هو إياس بن ثعلبة الأنصاري. تقدّمت ترجمته.(2/444)
فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا.
194 - أطفأ الله نفحة التهاجر بنفحة التزاور.
195 - قال رجل لأبي الدرداء (1): فلان يقرئك السلام، فقال: هدية حسنة ومحمل خفيف.
196 - جارية من العرب:
تحمل هداك الله عني تحية ... إليه جديدا كل يوم سماعها
وخبر عن الوعاء أن قد توخمت ... إليه مراعيها وطال نزاعها
لقد قطع البين المشتت ألفة ... عزيز علينا أن يحم انقطاعها
197 - مد يحيى بن خالد البرمكي يده لمصافحة معاذ بن مسلم (2)
حاجب المهدي فتجنب مصافحته، فقال: أواجد (3) أنت؟ قال: لا، ولكني أكره أن أتلف مالي، وقال:
لست يحيى مصافحا حين ألقى ... أنني إن فعلت أتلفت مالي
لو يمس البخيل راحة يحيى ... لسخت نفسه ببذل النوال
198 - أوسع رجل لرجل في مجلس سليمان بن عبد الملك، وكان الناس مزدحمين، فقال سليمان: ما أعظمها من يد! وأحسنه من معروف! وما ضاعت يد أودعها رجل رجلا.
199 - سمع عمر بن عبد العزيز رجلا يقول لآخر: تحت إبطك فقال: ما على أحدكم أن يتكلم بأجمل ما يقدر عليه، يعني لو قال:
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المتوفّى سنة 32هـ تقدّمت ترجمته.
(2) معاذ بن مسلم: قائد من قواد الدولة العباسية وولاتها ولي خرسان للمهدي وهو الذي وجّهه المهدي لقتال الحسين بن علي قتيل فخ.
راجع الطبري حوادث سنتي 160هـ و 163هـ.
(3) الوجد: الغضب. وقوله: أواجد أنت؟ أي أغاضب أنت؟.(2/445)
تحت يدك كان أجمل.
200 - لما تزوج علي رضي الله عنه النهشلية (1) بالبصرة قعد على سريره، وأقعد الحسن عن يمينه، والحسين عن شماله، وأجلس محمد بن الحنفيّة (2) بالحضيض، فخاف أن يجد (3) من ذلك فقال: يا بني أنت ابني وهذان ابنا رسول الله.
201 - دخل على علي رضي الله عنه رجلان فألقى لهما وسادتين، فجلس أحدهما ولم يجلس الآخر، فقال له علي: إجلس فإنه لا يرد الكرامة إلا حمار.
202 - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أيما رجل عرضت عليه كرامة فلا يدع أن يأخذ منها مما قل أو كثر.
203 - إسماعيل بن سالم (4) عن حبيب (5): بلغني قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أفضل المؤمنين أحسنهم خلقا.
204 - قال حبيب: ومن حسن الخلق أن يحدث الرجل صاحبه وهو يبتسم.
205 - وقال حبيب: من السنّة إذا حدثت القوم أن لا تقبل على رجل من بين جلسائك ولكن اجعل لكل منهم نصيبا.
206 - قيل لعبد الله بن المبارك: كيف أصبحت؟ قال إنك تسأل
__________
(1) النهشلية: نسبة إلى بني نهشل: لم نقف لها على ترجمة.
(2) ابن الحنفية: هو محمد بن علي بن أبي طالب، والحنفية أمّه. تقدّمت ترجمته.
(3) قوله: مخافة أن يجد من ذلك: أي أن يغضب.
(4) إسماعيل بن سالم: راو ذكره ابن حبان في الثقات. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 301.
(5) حبيب: هو حبيب بن أبي ثابت الأسدي مفتي الكوفة، ذكره الطبري في طبقات الفقهاء وذكر ابن حبان في الثقات أنه كان مدلّسا.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 178.(2/446)
الهارب عن باب ربه عن عافية صباحه، إنما العافية للثوري وأصحابه.
207 - هرثمة (1): لا يتقدم الأصاغر الأكابر إلا في ثلاث: إذا ساروا ليلا، أو خاضوا سيلا، أو وجهوا خيلا.
208 - قال لقمان لابنه: يا بني، إذا أتيت نادي القوم فأمرهم بسهم الإسلام، ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن رأيتهم قد نطقوا في ذكر الله فاجر سهمك معهم، وإلا فتحول من عندهم إلى غيرهم.
209 - كان الحسن اللؤلؤي الفقيه (2) يختلف إلى المأمون وهو صبي يلقي عليه الفرائض، فنعس فأطبق جفنه، فقال الحسن: أنمت أيها الأمير؟ ففتح عينيه فقال عامي والله، لم يعذ بالأدب، خذوا بيده ولا تعدوه.
فبلغ ذلك الرشيد فتمثل بقول زهير (3): وهل ينبت الخطي (4).
210 - دخل محمد بن عمران النخعي (5) على المأمون فجعل يحدثه، فدعا له بتكأة، فقال: ما كنت لأتكىء بحضرة أمير المؤمنين، فقال: لتفعلن يا محمد، إن على قلبك من بدنك ثقلا ومؤونة فأردنا أن يستريح بدنك ليفرغ لنا قلبك.
__________
(1) هرثمة: لعلّه هرثمة بن أعين المتوفّى سنة 200هـ. وهو أحد قادة الرشيد ولّاه مصر وعقد له على خراسان. ترجمته في الولاة والقضاة 136.
(2) الحسن اللؤلؤي الفقيه: هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي كان من أصحاب أبي حنيفة. ولي قضاء الكوفة سنة 194ثم استعفى وأهل الحديث يطعنون عليه. مات سنة 204هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 314وميزان الاعتدال 1: 491.
(3) زهير: هو زهير بن أبي سلمى، من أصحاب المعلقات.
(4) أراد البيت الذي يقول فيه:
وهل ينبت الخطّي إلّا وشيجه ... وتنبت إلّا في منابتها النخل
(5) محمد بن عمران النخعي: لم نقف له على ترجمة والصحيح هو محمد بن عمران التيمي ذكره المؤلف سابقا وسيذكره في الجزء الأخير من هذا الكتاب. والتيمي كان من سراة قريش. راجع البيان والتبيين 2: 176.(2/447)
الباب الثاني والثلاثون الأسماء، والكنى، والألقاب، وما استحسن منها واستهجن، ونهي عنه، وحث عليه
1 - أنس: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من رفع قرطسا من الأرض مكتوبا عليه بسم الله الرحمن الرحيم إجلالا له ولإسمه عن أن يداس كان عند الله من الصديقين، وخفف عن والديه وإن كانا من المشركين.
2 - عن عائشة: قالت لخياط يخيط لها: أسميت حين ضربت بإبرتك؟ قال: لا، قالت: فافتق ما خطت.
3 - ابن عباس: لم يرن إبليس مثل ثلاث رنات (1) قط: رنّة حين لعن فأخرج من ملكوت السماوات، ورنّة حين ولد محمد صلّى الله عليه وسلّم، ورنّة حين أنزلت سورة الحمد وفي ابتدائها بسم الله الرحمن الرحيم.
4 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم، فإن أمتي يأتون يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم فتثقل حسناتهم في الميزان، فتقول الأمم: ما أرجح موازين أمة محمد؟ فتقول الأنبياء:
إن ابتداء كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء الله، لو وضعت في كفة الميزان ووضعت سيئات الخلق في كفة أخرى لرجحت حسناتهم.
__________
(1) الرنّة: الصيحة الحزينة.(2/449)
5 - عكرمة (1): لما نزلت التسمية ضجت جبال الدنيا حتى سمع دويها، فقالوا سحر محمد قد قيد الجبال.
6 - رأى الإسكندر سميا له لا يزال ينهزم، فقال: يا رجل، إما أن تغير فعلك وإما أن تغير إسمك.
7 - قال يموت بن المزرع (2) قال لي ابن صدقة المري: ضربك الله باسمك، فقلت: أحوجك الله إلى اسم أبيك.
8 - سعيد بن المسيب بن حزن فقيه أهل المدينة غير مدافع، أتى جده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: أنت سهل؟ فقال له: بل أنا حزن (3)، ثلاثا.
وروي أنه قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، فقال: فأنت حزن. قال سعيد: فما زالت تلك الحزونة فينا.
9 - قال عمرو بن عبيد: أتى الحسن بفالوذج، فقال: هلمّ يا عمرو، فما فرحت بشيء فرحي بأن أعرف اسمي.
وكان منصور يكنيه، فقيل له: إن أمير المؤمنين يكنيك، فقال: ما ذكرت ذلك إلا دخلتني غضاضة.
10 - شاعر:
لعمرك ما الأسماء إلا علامة ... منار ومن خير المنار يفاعها
__________
(1) عكرمة: هو عكرمة البربري مولى ابن عباس، تابعي مفسّر توفي سنة 105هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) يموت بن المزرع: هو يموت بن المزرع العبدي البصري وهو ابن أخت أبي عثمان الجاحظ. كان شاعرا مجيدا. مات بطبرية سنة 303.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 358وبغية الوعاة 420والمرزباني 510.
(3) الحزن: الغليظ من الأرض.(2/450)
11 - سأل رجل أبا عبيدة (1) عن اسم رجل فما عرفه، فقال كيسان (2)
أنا أعرف الناس به، هو خراش أو خداش أو رياش أو شىء آخر. فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته! فقال: إي والله، وهو قرشي أيضا، قال:
وما يدريك؟ قال: أما ترى كيف احتوشته (3) السيئات من كل جانب.
12 - دقّ رجل على عمرو بن عبيد (4) الباب، فقال: من هذا؟
قال: أنا، قال: لست أعرف في إخواننا أحدا إسمه أنا.
13 - الفرزدق:
وما تلتقي الأسماء في الناس والكنى ... كثيرا ولكن فرّقوا في الخلائق
14 - الجاحظ: لولا أن القدماء من الشعراء سمت الملوك وكنتها في أشعارها وأجازت ذلك واصطلحت عليه ما كان جزاء من فعل ذلك إلا العقوبة. على أن ملوك بني ساسان لم يكنها أحد من رعاياها قط ولا سماها في شعر ولا خطبة. وإنما حدث هذا في ملوك الحيرة.
15 - وكانت الجفاة من العرب، بسوء أدبها، وغلط تركيبها، إذا أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم خاطبوه باسمه وكنيته، فأما أصحابه فكانت مخاطبتهم إياه بيا رسول الله، ويا نبي الله. وهكذا يقال للملك في المخاطبة يا خليفة الله، ويا أمير المؤمنين.
16 - وينبغي للداخل على الملك أن يتلطف في مراعاة الآداب، كما
__________
(1) أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى. تقدّمت ترجمته.
(2) كيسان: معرف بن دهشم، سمّاه السيوطي كيسان بن المعرف النحوي، أخذ عن الخليل وكان فيه غفلة وكان مزّاحا.
راجع ترجمته في طبقات الزبيدي 195وبغية الوعاة 382.
(3) احتوشته السيئات: أحدقت به.
(4) عمرو بن عبيد: هو عمرو بن عبيد بن باب التميمي شيخ المعتزلة في عصرة وفقيهها وأحد الزهاد المشهورين. توفي بمران قرب مكة سنة 144هـ.(2/451)
حكي أن سعيد بن مرة الكندي دخل على معاوية فقال له: أنت سعيد؟
فقال: أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة، وقال المأمون للسيد بن أنس الأزدي: أنت السيد فقال: أنت السيد وأنا ابن أنس (1).
17 - أنشد الجاحظ:
وهبت لبحر درهميه ولم يكن ... لترخص عني خلتي درهما بحر
وقلت لبحر خذهما واصطرفهما ... وأنفقهما في غير حمد ولا شكر
أتمنع سوّال العشيرة بعد ما ... سميت ببحر واكتنيت أبا الغمر
18 - جابر (2): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من بيت فيه اسم محمد إلا وسع الله عليهم الرزق. فإذا سميتوهم فلا تضربوهم ولا تشتموهم، ومن ولد له ثلاثة ذكور فلم يسم أحد منهم أحمد أو محمدا فقد جفاني.
19 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: من تسمى بأسمي فلا يتكنّ بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمّ باسمي.
20 - وروى محمد بن الحنفية عن عليّ: قلت يا رسول الله، إن ولد لي بعدك ولد أمسيه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم.
21 - أبو الدرداء: عنه عليه السّلام: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم.
22 - أبو وهب الجشمي (3) يرفعه: تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة.
__________
(1) تقدم ذكر هذا الخبر في الفقرة رقم 153من الباب الحادي والثلاثين.
(2) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري. صحابي توفي سنة 78هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) أبو وهب الجشمي: له صحبة. ذكره ابن حجر في الإصابة 7: 214والتهذيب 12: 274.(2/452)
23 - وقال عليه السّلام: إذا سميتم فعبدوا.
24 - ابن عباس رفعه: من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه.
25 - عن عبد الرحمن بن زيد (1): بلغني أن السقط يوم القيامة يقول لأبيه: أنت ضيعتني، وأنت تركتني لا اسم لي. فقال له عمر بن عبد العزيز: كيف وقد لا يدري أنه غلام آو جارية؟ قال: من الأسماء ما يجمعهما، كحمزة وعمارة وطلحة وعتبة.
26 - وكان عليه الصلاة والسلام يغير بعض الأسماء، سمي الصّديق (2) عبد الله وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، وابن عوف عبد الرحمن وكان اسمه عبد الحارث، وهشاما وحزنا سهلا، والمضطجع المنبعث، وأرضا تسمى عفرة خضرة، وشعب الضلالة شعب الهدى، وبني الزنية بني الرشدة، وبني مغوية بني رشد، وبني الصماء بني السميعة.
27 - وقدم الخلفاء وغيرهم رجالا لحسن أسمائهم، وأقصي قوم لشناعة أسمائهم. وتعلق المدح والذم بذلك في كثير من الأمر.
28 - في رسالة الجاحظ إلى أبي الفرج بن نجاح (3): وقد أظهر الله
__________
(1) عبد الرحمن بن زيد: هو عبد الرّحمن بن زيد بن الخطاب العدوي ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم محنكه ومسح له على رأسه ودعا له بالبركة. زوجه عمر ابنته فاطمة وولاه يزيد بن معاوية مكة سنة 63هـ ومات في زمن ابن الزبير.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 70وطبقات ابن سعد 5: 35.
(2) الصدّيق: هو أبو بكر الصديق.
(3) ابن نجاح: هو محمد بن نجاح بن سلمة الكاتب. كان على ديوان زمام الضياع من قبل أبي صالح بن يزداد. حبسه المتوكل وقبض أمتعته كلّها ودوره وضياعه حيث كانت، وأخرجت عياله وعيال أبيه.
راجع ترجمته في الطبري حوادث سنة 245هـ.(2/453)
في أسمائكم وأسماء آبائكم وكناكم وكنى أجدادكم من برهان الفأل الحسن ونفي طيرة السوء ما جمع لكم به صنوف الأمل، وصرف إليكم وجوه الطلب، فأسماؤكم وكناكم بين فرج ونجح وسلامة وفضل، ووجوهكم وأخلاقكم وفق أعراقكم وأفعالكم، فلم يضرب التفاوت فيكم بنصيب.
29 - أراد عمر رضي الله عنه الإستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال:
ظالم بن سراق، فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك! فلم يستعن به.
30 - وعن علي رضي الله عنه أن رجلا من عائذة قريش (1) قال له:
ما بال المهاجرين والأنصار تخطوك إلى أبي بكر وعمر وأنت أقدمهم سابقة، وأكرمهم سالفة وأفضلهم منقبة؟ وكان متكئا فاستوى جالسا فقال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك.
31 - أعرابي في خلّة (2) له اسمها جنوب:
فيا نخلات الحي حي ابن غالب ... سقيتن ما دامت بكنّ جنوب
فيا خير أسماء الرياح تركتني ... كذي الداء ما يدعى إليه طبيب (3)
32 - سأل رجل رجلا ما اسمك؟ قال: بحر، قال: أبو من؟ قال:
أبو الفيض، قال: ابن من؟ قال: ابن الفرات. قال: ما ينبغي لصديقك أن يلقاك إلا في زورق.
33 - كان البحتري إذا ذكر الخثعمي الشاعر (4) قال: ذاك الغث العمي.
__________
(1) عائذة قريش: هم بنو خزيمة بن لؤي. وعائذة هي ابنة الخمس بن قحافة من خثعم وبها يعرفون. وهم بنو الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة بن لؤي بن غالب، وعائذة هي أم الحارث هذا.
(2) الخلّة: الصديق، (للذكر والأنثى).
(3) قوله: يا خير أسماء الرياح: كناية عن الجنوب وهي الريح التي تهب من جهة الجنوب.
(4) الخثعمي: لم نقف له على ترجمة فالشعراء الذين ينسبون إلى خثعم كثيرون.(2/454)
34 - لما أنشد جرير سليمان بن عبد الملك قصيدته:
ظعن الخليط برامتين فودعوا ... أو كلما ظعنوا لبين تجزع (1)
أطربه عذوبة النسيب، وأقبل عليه، وأقبل عليه، وجعل يحفز (2) إليه، حتى قال:
وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلا هزئت بغيرنا يا بوزع (3)
فانكسر نشاطه، وقال: أفسدت شعرك بهذا الاسم.
35 - سألت زينب بنت أبي سلمة (4) محمد بن عمرو بن عطاء ما سميت ابنتك؟ قال: برة، قالت: إن رسول الله نهى عن هذا الاسم، قال: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البرّ منكم.
36 - قيل لقرقر المخنث (5): أبو من؟ قال: أم محمد.
37 - قيل لصبي من العرب: من أبوك؟ قال: وو وو. لأن اسم أبيه كان كلبا.
38 - قيل في رجل اسمه وثاب واسم كلبه عمرو:
ولو هيا له الله ... من التوفيق أسبابا (6)
__________
(1) ظعن: ارتحل. والخليط: القوم الذين أمرهم واحد، وذلك أن العرب كانوا ينتجعون أيام الكلأ، فتجتمع منهم قبائل شتّى في مكان واحد، فتقع ألفة فإذا قوّضوا خيامهم وظعنوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك. ورامة: اسم مكان. راجع معجم البلدان 3: 18.
(2) يحفز: يزحف على قفاه.
(3) بوزع: اسم امرأة.
(4) زينب بنت أبي سلمة: هي زينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عمرو بن مخزوم. ربيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. أمّها أم سلمة بنت أبي أميّة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
راجع الإصابة 8: 96.
(5) قرقر المخنّث: لم نقف له على ترجمة.
(6) هيّا: (بتسهيل الهمز) أعذ.(2/455)
لسمّى نفسه عمرا ... وسمّى الكلب وثّابا
39 - أبو هريرة يرفعه: أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك، إسم الله الأعظم الحي القيوم، وقيل: ذو الجلال والإكرام، وعن الحسن (1): الله والرحمن.
40 - كان قصي بن كلاب (2) يقول: ولد لي أربعة، فسميت اثنين بإلهتي بعبد العزى وعبد مناف، واثنتين بنفسي وداري يعني عبد قصي وعبد الدار، وهي دار الندوة بناها قصي، فكانت قريش لا تفصل أمرا ذا بال إلا فيها.
41 - ذات الخمار هنيدة بنت صعصعة (3) عمة الفرزدق كانت تقول.
من جاءت من نساء العرب بأربعة يحل لها أن تضع خمارها عندهم فهي خير مني، أبي صعصعة (4) وأخي غالب (5)، وخالي الأقرع بن حابس (6)،
__________
(1) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.
(2) قصي بن كلاب: هو قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي، سيد قريس في عصره، ورئيسهم، وهو الأب الخامس من سلسلة النسب النبوي. سمّي قصيا لبعده عن دار قومه. كان موصوفا بالدهاء وولي البيت الحرام، فهدم الكعبة وجدّد بنيانها.
حاربته القبائل فجمع قومه من الشعاب والأودية وأسكنهم مكة لتقوى بهم عصبيته، فلقّبوه مجمّعا وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء. اتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها إلى مسجد الكعبة وفيها كانت تقضي قريش أمورها مات بمكة ودفن بالحجون. راجع طبقات ابن سعد 1: 36والمحبّر 164والأعلام.
(3) هنيدة بنت صعصعة: هي أخت غالب والد الفرزدق، وهي زوجة الزبرقان بن بدر.
راجع ترجمتها في الإصابة 8: 208.
(4) أبو صعصعة: هو صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم التميمي الدارمي جدّ الفرزدق الشاعر. صحابي كان يفتدي الموؤدات في الجاهلية.
سكن البصرة وروى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم راجع ترجمته في الإصابة 3: 245.
(5) غالب: هو غالب بن صعصعة أبو الفرزدق. تقدّمت ترجمته.
(6) الأقرع بن حابس: كان حكما في الجاهلية، شريفا في الجاهلية والإسلام، له صحبة، شهد حنينا والطائف وفتح مكة وسكن المدينة. استشهد بالجوزجان سنة 31هـ.
راجع ترجمته في ذيل المذيل 32وخزانة البغدادي 3: 397.(2/456)
وزوجي الزبرقان بن بدر (1). فسميت ذات الخمار.
42 - قال الزبير بن بكار: كان هند بن أبي هالة (2) ربيب النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ أكرم الناس أربعة: أبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمي خديجة، وأختي فاطمة، وأخي القاسم فهؤلاء الأربعة لا أربعتها.
43 - أتى عبد الله بن أبي بكر (3) الغار ليلا بالسفرة ومعه أسماء (4).
وما كان للسفرة شناق فشقت من نطاقها (5) شقة فشنقتها بها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة. وقيل: كان لها نطاقان تحمل في أحدهما الزاد إلى الغار. وقيل: كانت تظاهر بين نطاقين لزيادة الستر، فسميت ذات النطاقين.
44 - كلما كان الاسم غريبا كان أشهر لصاحبه وأمنع من يعلق النبز (6)
به. قال رؤبة (7):
وقد رفع العجاج ذكري فادعى ... باسمي إذ الأسماء طالت بكفتي
وقد سأله النسابة البكري عن نسبه فقال: العجاج (8)، فقال: قصرت وعرفت.
__________
(1) الزبرقان بن بدر: تقدّمت ترجمته.
(2) هند بن أبي هالة: هو ربيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمه خديجة زوجة الرسول. قتل وهو مع الإمام علي يوم الجمل. راجع ترجمته في الإصابة 6: 293.
(3) عبد الله بن أبي بكر: هو شقيق أسماء بنت أبي بكر. صحابي. مات في خلافة أبيه سنة 11هـ. راجع ترجمته في الإصابة 3: 42.
(4) أسماء: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق. تقدّمت ترجمتها.
(5) النطاق: ما يشدّ به الوسط. وقيل: شقة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها فترسل الأعلى على الأسفل والأسفل ينجر على الأرض جمع نطق.
(6) النبز: اللقب.
(7) رؤبة: هو رؤبة بن العجاج الراجز: تقدّمت ترجمته.
(8) العجاج: هو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي. راجز مجيد من الشعراء ولد في الجاهلية وقال الشعر فيها ثم أسلم وعاش إلى أيام الوليد بن عبد الملك. وهو والد رؤبة بن العجاج الراجز مات نحو سنة 90هـ.(2/457)
45 - وقال أبو نواس:
شنع الأسامي مسبلي أزر ... حمر تمشي الأرض بالهدب
46 - لا ترى أمة أكثر أعلاما وأوسع أسماء شنعا من العرب.
47 - ويشهد لفضل غرابة الاسم قوله تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (1).
48 - دخل عبادة (2) على المتوكل وبين يديه جام من ذهب فيه ألف دينار، فقال: أسألك عن شيء إن أجبتني فيه بديهة من غير أن تتفكر أو تتعتع فلك الجام بما فيه، قال: سل يا أمير المؤمنين. قال: أخبرني عن شيء له اسم ولا كنية له، وعن شيء له كنية ولا اسم له. قال: المنارة وأبو رياح (3) من غير فكر، فتعجب وأعطاه الجام بما فيه.
49 - قيل لعثمان ذو النورين لأنه ورقية (4) كانا أحسن زوجين في الإسلام. ويروى أن رسول الله عليه السّلام بعث بلطف (5) مع رجل إلى عثمان واحتبس. فلما رجع قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن شئت أخبرتك ما حبسك، كنت تنظر إلى عثمان ورقية تعجب من حسنهما، فقال: صدقت يا رسول الله. فالنوران نور نفسه ونور رقية. وقيل: النوران رقية وأم كلثوم (6).
__________
(1) سورة مريم، الآية: 7.
(2) عبادة: هو عبادة المخنّث. تقدّمت ترجمته.
(3) أبو رياح: كناية عن لعبة من لعب الأولاد.
(4) رقية هي بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة فلما بعث قال أبو لهب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته ولم يكن قد دخل بها فتزوجها عثمان. ماتت يوم وصول زيد بن حارثة مبشرا بوقعة بدر سنة 2هـ.
راجع ترجمتها في كتابنا «زوجات النبي وأولاده» طبعة مؤسسة عزّ الدين.
(5) اللطف: الهدايا.
(6) أم كلثوم: هي بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من زوجته خديجة. تزوجها قبل البعثة عتيبة بن أبي لهب وفارقها للسبب الذي فارق أخوه عتبة اختها رقية. تزوجها عثمان بن عفان سنة 53هـ وتوفيت عنده بالمدينة سنة 9هـ. ولم تلد له.
راجع ترجمتها في المصدر المذكور قبلا.(2/458)
50 - عن النزال بن سبرة (1) سألت عليا عن عثمان فقال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذو النورين، كان ختن (2) رسول الله على ابنتيه.
وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لو أن لي أربعين بنتا لزوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن أحد. وقالوا: ما تزوج أحد بنتي نبي غير عثمان.
51 - وأما ذو النور فالطفيل بن عمرو الدوسي (3) أعطاه رسول الله نورا في جبينه ليدعو به قومه، فقال: يا رسول الله، هي مثلة، فجعله في طرف سوطه، فكان كالمصباح يضيء له الطريق بالليل.
52 - ورأى ابن طباطبا (4) على باب علي بن رستم (5) عثمانيين أسودين عليهما عمامتان حمروان فقال:
__________
(1) النزال بن سبرة: تابعي، ثقة، راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 423 والإصابة 6: 265.
(2) الختن: الصهر.
(3) الطفيل بن عمرو الدوسي: أسلم بمكة وشهد فتحها. يقال إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعثه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة فأحرقه. وقيل: استشهد يوم اليمامة. راجع ترجمته في الإصابة 3: 286وفيه اختلاف قليل عن السبب الذي من أجله لقب بذي النور.
(4) ابن طباطبا: هناك ثلاثة من هذه الأسرة كل منهم شاعر ويطلق عليه ابن طباطبا:
الأول: محمد بن أحمد بن إبراهيم توفي سنة 322هـ. أكثر شعره في الغزل.
الثاني: أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم نقيب الطالبيين بمصر. توفي بمصر سنة 345هـ.
الثالث: يحيى بن محمد بن القاسم بن محمد العلوي الحسني أبو المعمرّ، نسّابة، متكلّم كان ينزل بالبركة من ربع الكرخ. توفي سنة 478هـ.
(5) علي بن رستم: لم نقف له على ترجمة.(2/459)
أرى بباب الدار أسودين ... ذوي عمامتين حمرواين
كجمرتين فوق فحمتين ... جدكما عثمان ذو النورين
فما له أنسل ظلمتين ... ما أنتما إلّا غرابا بين
53 - ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري (1). روي أن رسول الله استقضاه يهودي دينا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو لم أقضك؟ فطلب البيّنة، فقال لأصحابه: أيكم يشهد لي؟ فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، قال: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ قال: يا رسول الله نحن نصدقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدقك على أنك قضيته؟
فأنفذ شهادته وسماه بذلك، لأنه صير شهادته شهادتي رجلين.
54 - قتادة بن النعمان الأنصاري (2): أصيبت عينه يوم أحد فسقطت على خده فردها رسول الله فكانت أحسن وأصحّ من الأخرى، كانت تعتل الباقية ولا تعتل المردودة. فقيل له ذو العينين، أي له عينان مكان الواحدة.
55 - كان الحسين بن زيد بن علي (3) بكّاء فقيل له ذو الدمعة، وكان
__________
(1) خزيمة بن ثابت الأنصاري: أمّه كبشة بنت أوس الساعدية. شهد بدرا وما بعدها.
كان يكسر أصنام بني خطمة. شهد الجمل مع الإمام عليّ. وقتل سنة 37هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 2: 111وصفة الصفوة 1: 293.
(2) قتادة بن النعمان الأنصاري: هو قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر الأوسي وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. أمّهما أنيسة بنت قيس النجارية. شهد العقبة وبدرا وأحدا. توفي سنة 23هـ. وهو يومئذ ابن 65سنة، صلّى عليه عمر بن الخطاب.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 229وتهذيب التهذيب 8: 358.
(3) الحسين بن زيد بن علي: تبنّاه الإمام جعفر الصادق وربّاه بعد مقتل أبيه زيد بن علي سنة 121هـ. وكان عمره 4سنوات وزوّجه بنت الأرقط وتوفي في حدود سنة 190هـ. عن عمر يناهز الثمانين سنة.
راجع ترجمته في معجم رجال الحديث لأبي القاسم الخوئى 5: 244وميزان الإعتدال 1: 535وتهذيب التهذيب 2: 339.(2/460)
يقول إذا قيل له في ذلك: وهل تركت النار والسهمان لي مضحكا. يريد السهمين اللذين أصابا زيد بن علي (1)، ويحيى بن زيد (2).
56 - قال أبو هريرة: كنيت بهرة صغيرة كنت ألعب بها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول له أبا هر. واختلف في اسمه فقيل له عبد الله، وعبد شمس، وعمير، وسكين.
57 - ذو الثدية (3) وقيل ذو الخويصرة حرقوص بن زهير باب الخوارج وكبيرهم الذي علمهم الضلالة. وجد يوم النهروان بين القتلى، فقال علي رضي الله عنه: إئتوني بيده المخدجة، فأتى بها فأمر بنصبها وقال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليست قراءتكم
__________
(1) زيد بن علي: هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تقدّمت ترجمته.
(2) يحيى بن زيد: هو يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد سنة 98هـ. وثار مع أبيه زيد في الكوفة، وعندما قتل أبوه وصلب انصرف إلى بلخ ودعا إلى نفسه سرا فقبض عليه نصر بن سيار وكتب يوسف بن عمر إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك بخبره. أرسل إليه نصر صاحب شرطته سلم بن أحوز المازني فلحقه في الجوزجان ورماه بسهم فقتله وحمل رأسه إلى الوليد وصلب جسده بالجوزجان سنة 125هـ. وظل مصلوبا إلى أن ظهر أبو مسلم فأنزل جثته فصلّى عليها ودفنت هناك. قال الذهبي: وكل من ولد من أولاد الأعيان في تلك السنة سمي يحيى.
راجع ترجمته في جمهرة الأنساب 201ومقاتل الطالبيين 152وراجع أخبار صلبه في كتابنا «أخبار المصلوبين وقصص المعذبين في العصرين الأموي والعباسي» ص 112 طبعة دار الكتاب اللبناني.
(3) ذو الثدية: هو حرقوص بن زهير السعدي التميمي ويقال له ذو الخويصرة، كان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وشهد معه الحديبية. افتتح سوق الأهواز وله أثر كبير في قتال الهرمزان، ثم كان مع الإمام علي بصفين ثم خرج عليه عند التحكيم، وكان رأس الخوارج من أهل البصرة. قتل في النهروان سنة 38هـ. لقّب بذي الثدية لأن أحد ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات مثل الذي على ذنب اليربوع، ويلقّب بالمجدّع أيضا.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 335ثم 2: 175174.(2/461)
إلى قراءتهم شيئا، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا يجاوز تراقيهم (1)، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وآية (2) ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات بيض.
58 - نحر قريع (3) جزورا فقسمه بين نسائه، فأدخل جعفر بن قريع (4)
في أنفه يده، وهو غلام، فجرّ الرأس إلى أمه، فقيل له ما هذا؟ فقال:
أنف الناقة، فسمي به وبقي نبزا (5) لولده حتى قال فيهم الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فرجع إليهم فخرا يتبجحون بذكره.
59 - صاح أعرابي بعبد الله بن جعفر: يا أبا الفضل، فقيل له:
ليست كنيته، فقال: إن لم تكن كنيته فإنها صفته.
60 - كان بالبصرة قوم يلقبون الناس، فخطب إليهم رجل وقال:
أتزوج إليكم على شريطة، قالوا: وما هي؟ قال: أن لا تلقبوني وتدعوني رأسا برأس. قالوا: فلقبك رأسا برأس، فلزمه.
61 - قال الشعبي (6): كنية الدجال أبو يوسف.
62 [شاعر]:
زياد لست أدري من أبوه ... ولكن الحمار أبو زياد
__________
(1) التراقي: العظام التي في أعلى الصدر جمع ترقية.
(2) الآية: العلامة.
(3) قريع: هو قريع بن عوف بن كعب من بني سعد بن زيد مناة من تميم.
(4) جعفر بن قريع: يلقب بأنف الناقة.
(5) النبز: اللقّب.
(6) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. تقدّمت ترجمته. توفي سنة 103هـ.(2/462)
63 - كان صاحب ربع (1) يتشيّع، فارتفع إليه خصمان يسمى أحدهما عليا والآخر معاوية، فتحامل على معاوية فضربه مائة مقرعة، من غير أن اتجهت عليه حجة، ففطن من أين أتى، فقال: أصلحك الله، سل خصمي عن كنيته، فإذا هو أبو عبد الرحمن، فبطحه فضربه مائة. فقال لصاحبه: ما أخذته مني بالاسم استرجعته منك بالكنية.
64 - كان سعيد بن جبير يسمى جهبذ العلماء، مات وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.
65 - كان الصابي (2) كاتب أمير المؤمنين متلقبا متسميا، ومن سواه متلقبا مكنيا لأن اللقب تكرمة من جهة الخليفة، وأما التكنية فتكرمة بين الناس.
66 - عنبسة الفيل النحوي (3) سمي بذلك لأن معدان أباه كان يروض فيلا للحجاج وسمع الفرزدق أن عنبسة يروي أهاجي جرير فقال:
لقد كان في معدان والفيل زاجر ... لعنبسة الراوي عليّ القصائدا
67 - وقيل لغيلان الراجز (4) راكب الفيل، ولسعدويه الطنبوري (5) عين
__________
(1) الربع: أهل المحلة ورئيسهم يسمى صاحب الربع.
(2) الصابي: هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الحزاني الصابي. تقلّد دواوين الرسائل والمظالم والمعاون للمطيع العباسي. خدم معز الدولة الديلمي وبعده ابنه عز الدولة بختيار. كان صلبا في دين الصابئة توفي سنة 384هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 12ويتيمة الدهر 2: 23.
(3) عنبسة الفيل النحوي: هو عنبسة بن معدان الفيل الميساني، أخذ النحو عن الشاعر أبي الأسود الدؤلي. روى شعر جرير والفرزدق.
راجع ترجمته في انباه الرواة للقفطي 2: 381وطبقات الزبيدي 11ومراتب النحويين 19والمزهر 2: 398والحيوان 7: 83.
(4) غيلان الراجز: يقال له غيلان راكب الفيل. ذكره الجاحظ في الحيوان 7: 83ولم يترجم له، ولم نقف له على ترجمة.
(5) سعدويه الطنبوري: يقال له سعدوية عين الفيل كما ذكره الجاحظ في الحيوان 7:
83 - ولم يترجم له ولم نقف له على ترجمة من مصادر أخرى.(2/463)
الفيل لأن الحجاج كان يحملها على الفيل.
68 - وإذا سمى أهل البصرة إنسانا بفيل فصغروه قالوا فيلويه (1)، كما يجعلون عمرا عمرويه وحمدا حمدويه.
69 - يقال لكل جارح من الطير ذو النظرتين، لأنه ينظر ثم يطأطىء وينظر، فإذا أثبت الصيد قصده، ويقال لكل شيء يئس منه طار به ذو النظرتين.
70 - ويقال للجاسوس ذو العيينتين. وفي الأعم يسمونه العينتين بطرح ذو، كما يسمونه العين.
71 - ذو الشهرة أبو دجانة الأنصاري، كانت له مشهرة يلبسها ويتخايل بين الصفين.
ذو اليمينين طاهر بن الحسين (2)، سمي بذلك لأن المأمون قال له:
هيّا أبا الطيب، يمينك يمين أمير المؤمنين وشمالك يمين، فبايع بيمينك يمين أمير المؤمنين. وكتب إليه بعض أصحابه كتابا عنونه بقوله: الأمير المهذب المكنى بأبي الطيب، ذي اليمينين طاهر بن الحسين بن مصعب.
73 - ذو الرياستين الفضل بن سهل، لأنه دبر أمر السيف والقلم، ولي رياسة الجيوش والدواوين. ودخل عليه شاعر يوم المهرجان (3)، وبين
__________
(1) فيلويه: ذكر الجاحظ في الحيوان 7: 83أن منهم أبا حاتم بن فيلويه.
(2) ذو اليمينين طاهر بن الحسين: هو طاهر بن الحسين بن مصعب الخزاعي ولد سنة 159هـ. انتدبه المأمون في نزاعه مع الأمين للزحف على بغداد فاستولى عليها وقتل الأمين وعقد البيعة للمأمون. ولّاه المأمون شرطة بغداد ثم ولّاه خراسان سنة 205هـ. قتل سنة 207هـ. كان أديبا حكيما أعور. لقّب بذي اليمينين لأنه ضرب رجلا بشماله فقدّه نصفين، وقيل غير ذلك.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 235وتاريخ بغداد 9: 353.
(3) المهرجان: عيد للفرس.(2/464)
يديه الهدايا، فقال:
اليوم يوم المهرجان ... وهديتي فيه لساني
لك دولتان حديثة ... وقديمة ورياستان
لك في الذرى من هاشم ... بيت وبيت خسرواني
علم الخليفة كيف أنت ... فصرت في هذا المكان
فأمر له بجميع الهدايا.
75 - كان اسم ابن معد (1) خالدا فقدم على يستاسف (2)، وكان رجلا نحيفا فقال: أي نزار. فبقي نزارا لقمعة بن الياس (3):
خلفنا جديسا ثم طسما بأرضنا ... فأعظم بنا يوم الفخار فخارا
وفيه:
تسمّى نزارا بعد أن كان خالدا ... وأمسى بنوه الأطيبون خيارا
75 - هاشم: عمرو بن عبد مناف (4)، لأنه جلب البر من الشام فعمل الخبز وهشم الثريد (5) لأهل مكة والحاج، قال:
أتاهم بالغرائر متأقات ... من أرض الشام بالبر النفيض (6)
فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللبن الغريض
__________
(1) ابن معدّ: هو نزار بن معد بن عدنان يتصل به النسب النبوي. راجع ترجمته في نهاية الأرب 345والنويري 16: 8وتلبيس إبليس 56وتاريخ العرب قبل الإسلام 1:
302.
(2) يستاسف: هكذا في الأصل وهو تصحيف كيشتاسب من ملوك الطبقة الثانية من ملوك الفرس الجبابرة. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.
(3) قمعة بن ألياس: هو قمعة بن الياس بن مضر، جدّ جاهلي قديم، بنوه بطن من خندف. راجع السبائك ص 20وتاج العروس مادة قمع.
(4) عمرو بن عبد مناف: تقدّمت ترجمته.
(5) الثريد: الخبز المبلول بالمرق.
(6) متأقات: ممتلئات.(2/465)
76 - المطيبون: بنو عبد مناف، وبنو أسد بن عبد العزى، وزهرة ابن كلاب، وتيم بن مرة، والحارث بن فهر، غمسوا أيديهم في خلوق ثم تحالفوا.
77 - والأحلاف: بنو عبد الدار، وبنو مخزوم، وبنو جمح، وبنو سهم، وبنو عدي. نحروا جزورا وغمسوا أيديهم في دمائها وتحالفوا، فسموا لعقة الدم. ولم يل الخلافة من الأحلاف إلا واحد، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والباقون من المطيبين.
78 - قيل لقريش سخينة، وهي حساء لأنهم يتخذونها في الجدب.
قال حسان:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
79 - الأحابيش: الذين حالفوا قريشا من القبائل، اجتمعوا بذنب حبشي (1) جبل بمكة، فقالوا: بالله إنهم يد على من خالفهم ما سجا ليل ورسا الحبشي في مكانه. وقيل: هو من التحبيش وهو الاجتماع، الواحد أحبوش.
80 - الحمس: حمس قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر، وثقيف، لتحمسهم في دينهم.
وكان يقال: للحمس الحرم، والحل لهم ولغيرهم، ويقال على هذا اجتمع الناس حمسهم وحلهم.
81 - كان يقال لخثعم الفجّار، لأنهم لم يكونوا يحجون البيت في الجاهلية.
82 - العنابس: حرب، وأبو حرب، وسفيان، وأبو سفيان،
__________
(1) حبشي: في معجم البلدان 2: 214جبل بأسفل مكة بنعمان الأراك. وحبشى جبل شرقي سميراء.(2/466)
وعمرو، وأبو عمرو، بنو أمية، لأنهم شبهوا بالأسد في حرب الفجار.
83 - والأعياص (1): العاص، وأبو العاص، والعيص وأبو العيص والعويص، بنوه أيضا، وكان الأحد عشر كل منهم يكنى باسم صاحبه إلا العويص فما كان له كني.
84 - قصي (2): إسمه زيد قصي عن دار قومه، لأنه حمل من مكة في صغره إلى بلاد أزدشنوءة بعد موت أبيه، فلما شب رجع إلى مكة ولم ينشب أن ساد. وكانت قريش في رؤوس الجبال والشعاب (3)، فجمعهم وقسم بينهم المنازل بالبطحاء، فقيل له مجمع. قال حذافة بن غانم العدوي (4):
وزيد أبوكم كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر (5)
85 - شيبة الحمد عبد المطلب (6)، لقب بشيبة. كانت في رأسه حين ولد. قال حذافة:
بني شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
وقيل له عبد المطلب لأن عمه المطلب مر به في سوق مكة مرقلا، فجعلوا يقولون: من هذا وراءك؟ فيقول: عبد لي.
__________
(1) الأعياص: هو أربعة في لسان العرب، أسقط منهم العويص.
(2) قصي: هو قصي بن كلاب. تقدّمت ترجمته.
(3) الشعاب: جمع شعب وهو الطريق في الجبل.
(4) حذافة بن غانم العدوي: هو حذافة بن عامر بن عبيد الله بن عويج بن عدي بن كعب.
(5) رواية الأغاني: قصيّ أبوكم.
(6) شيبة الحمد عبد المطلب: هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جدّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قيل: اسمه شيبة وعبد المطلب لقّب غلب عليه. كان له السقاية والرفادة مات في مكة عن نحو ثمانين عاما.
راجع ترجمته في عيون الأثر 1: 40وفيه: كانت وفاته سنة تسع من عام الفيل.
وراجع الروض المعطار وفيه: مات في ردهان باليمن. وقيل: عاش 120سنة.(2/467)
86 - أبو بكر رضي الله عنه إسمه عبد الله، ولقباه العتيق والصديق لجماله وتصديقه بخبر المسرى، ولأنه أول من صدق رسول الله.
87 - الفاروق قيل لعمر (1) لأنه قال يوم أسلم: لا يعبد الله سرا، فظهر به الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
88 - الكامل لقب سعد بن عبادة (2) لأنه كان يكتب ويحسن الرمي والغوص.
89 - طلحة بن عبيد الله كان يقال له طلحة الخير وطلحة الفياض وطلحة الطلحات لسخائه.
90 - يعسوب قريش عبد الرحمن بن عتاب بن أسعد (3)، شهد الجمل فمر به علي رضي الله عنه فقال: لهفي عليك يعسوب قريش! شفيت نفسي وجدعت أنفي قتلت الصناديد من قريش وتركت الأعيار من بني جمح. فقال له رجل: أتقول هذا فيه وقد خرج عليك؟ فقال: إنه قام
__________
(1) عمر: هو عمر بن الخطاب.
(2) سعد بن عبادة: هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي، أبو ثابت، صحابي من أهل المدينة. كان سيد الخزرج وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام.
كان يلقب في الجاهلية بالكامل لمعرفته الكتابة والرمي والسباحة. شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد أحدا والخندق وكان أحد النقباء الاثني عشر. ولما توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم طمع بالخلافة ولم يبايع أبا بكر فلما صار الأمر إلى عمر عاتبه فقال سعد: كان والله صاحبك (أبو بكر) أحبّ إلينا منك وقد والله أصبحت كارها لجوارك.
فقال عمر: من كره جوار جاره تحول عنه. فلم يلبث سعد أن خرج إلى الشام مهاجرا فمات بحوران. توفي سنة 14هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 85وتهذيب ابن عساكر 6: 84والإصابة الترجمة 3167.
(3) هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي، ولد في آخر حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمّه جويرة بنت أبي جهل. شهد الجمل مع عائشة، وقتله الأشتر، وقيل: قتله جندب بن زهير.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 73.(2/468)
عني وعنه نسوة لم يقمن عنك.
91 - الجراضم معاوية (1)، لأكله في سبعة أمعاء.
92 - رشح الحجر وأبو الذبان لقبا عبد الملك (2) لبخله وبخره (3).
93 - عكة العسل سعيد بن العاص وكان ذميما نحيفا.
94 - الحبر عبد الله بن العباس لعلمه، كان يقال له مرة الحبر ومرة البحر.
95 - عمرو بن سعيد الأشدق (4) لأنه كان مائل الشدق:، وقيل دخل على معاوية فقال له: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: أبي أوصاني ولم يوص بي، قال: وبم أوصاك؟ قال: أوصاني بأن لا يفقد أخوته منه غير وجهه، فقال: إن ابن سعيد هذا لأشدق، يريد التشادق في الكلام.
96 - الجرادة الصفراء مسلمة بن عبد الملك لصفرة لونه، ولقول يزيد بن المهلب: وما مسلمة إلا جرادة صفراء أتاكم في أقباط (5) وأخلاط وأنباط (6).
__________
(1) الجراضم: معاوية: أراد معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي. والجراضم من الغنم الأكول الواسع البطن. لقّب بذلك لكثرة أكله.
(2) عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان.
(3) البخر: الرائحة الكريهة التي تنبعث من الفم.
(4) عمرو بن سعيد الأشدق: هو عمرو بن سعيد بن العاص الأموي القرشي، تابعي، ولي المدينة لمعاوية وإبنه يزيد، وامتنع فيها عندما ولي عبد الملك وبايعه أهلها بالخلافة، ولم يزل عبد الملك يتربص به الفرصة حتى تمكن منه فقتله بيده سنة 70هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 178وفوات الوفيات 2: 118والبيان والتبيين 1:
314.
(5) الأقباط والقبط: جيل من النصارى بمصر الواحد قبطي وفي مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 118أن القبط هم أهل كور مصر.
(6) النبط والأنباط: قوم من العجم كانوا ينزلون بين العراقين: ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم، ومنه يقال: كلمة بنطية أي عامية. الواحد نبطي جمع أنباط.(2/469)
97 - كان ابنا عبد الملك بن بشر بن مروان (1) أبان والحكم (2) في أجل حال وأفخم منزلة عند ابن هبيرة (3) فقيل لهما الفيل والزندبيل (4).
98 - وقيل لعكرمة بن ربعي (5) الفياض لسخائه، خرج مع الوليد بن عبد الملك (6) إلى الصائفة (7)، ومعه ألف بعير عليها الطعام فجعل ينحر كل يوم سمينها ويطعم ما عليه، فقال فيه الأخطل:
رأيت عكرمة الفياض في دمه ... سبط الفعال إذا ما يذكر الجود
99 - مزيقياء عمرو بن عامر ماء السماء (8) من ملوك الحيرة، كانت
__________
(1) عبد الملك بن بشر بن مروان: لم نقف له على ترجمة ولكن أبا الفرج ذكر في أغانيه أنه كان مولعا بالصيد وسباق الخيل.
(2) أبان والحكم: ابنا عبد الملك بن بشر بن مروان ذكرهما الجاحظ في كتاب الحيوان 7: 81وقال:
«وقال خلف بن خليفة الأقطع حين ذكر الأشراف الذين يدخلون على ابن هبيرة»:
وقامت قريش قريش البطاح ... مع العصب الأول الداخلة
يقودهم الفيل والزندبيل ... وذو الضرس والشقة المائلة
الفيل والزندبيل أبان والحكم ابنا عبد الملك بن بشر بن مروان. راجع البيان والتبيين 1: 129.
(3) ابن هبيرة: هو يزيد بن عمر بن هبيرة أمير العراق.
(4) الزندبيل: أنثى الفيل.
(5) عكرمة بن ربعي: هو عكرمة بن ربعي الفياض. كان من أشراف أهل الكوفة وأجوادها وكان ينادم بشر من مروان وهو والي الكوفة.
(6) الوليد بن عبدالملك: خليفة أموي ولي الخلافة سنة 86هـ. ولد سنة 48هـ. ومات سنة 96هـ.
(7) الصائفة: هي الغزاة في فصل الصيف.
(8) عمرو بن عامر ماء السماء: هو عمرو (الملقّب بمزيقياء) بن عامر ماء السماء ابن حارثة الغطريف بن أمرىء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد من قحطان.
ملك جاهلي يماني من التبابعة، أعظم ملك بمأرب. ومزيقياء، ويقال له البهلول أيضا هو جدّ الأنصار. رحل بجموعه فنزل بماء غسان ثم مات فتفرّق الأزد فكان منهم ملوك غسان بالشام وأولهم جفنة بن عمرو بن عامر، وأزد شنوءة نزلوا بجبال السراة وآخرون نزلوا بمكة.
راجع التيجان 262والسبائك وجمهرة الأنساب 311.(2/470)
تنسج له حلة من ذهب في سنة كاملة فيلبسها يوم العيد، فإذا أمسى مزقها، وتقدم بنسج أخرى لعيد السنة القابلة. وقيل: كان يلبس كل يوم حلة جديدة ويمزقها لئلا يلبسها غيره قال:
لقباني مزيقياء فإني ... أنا أولى من ابن ماء السماء
كان تمزيق حلة دأب عمرو ... كل عيد وقيل كل مساء
ولتمزيق فروة ابن فلان ... عادتي كل ساعة بهجاء
100 - جذيمة بن سعد الخزاعي (1): قيل له المصطلق لحسن صوته وشدته. مفتعل من الصلق وهو شدة الصوت.
101 - عرض على الحارث بن عبد الله مكيال لابن الزبير فقال: إن مكيالكم هذا لقباع (2) فلقب بالقباع. قال أبو الأسود (3) لابن الزبير:
أمير المؤمنين جزيت خيرا ... أرحنا من قباع بني المغيرة
102 - راح يكذب لقب المهلب (4) لأنه كان يضع الحديث في أيام الخوارج فيحدث به فإذا رأوه قالوا: راح يكذب. قال واثلة السدوسي (5):
__________
(1) جذيمة بن سعد الخزاعي: هو جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة الخزاعي من قحطان. جدّ جاهلي غزا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قومه وهم بنو المصطلق سنة 6للهجرة وظفر بهم.
راجع ترجمته في الروض الأنف للسهيلي 2: 216وجمهرة الأنساب ومعجم قبائل العرب.
(2) القباع: المكيال الواسع.
(3) أبو الأسود: هو أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمر. تقدّمت ترجمته.
(4) المهلّب: هو المهلّب بن أبي صفرة الأزدي. تقدّمت ترجمته.
(5) واثلة السدوسي: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين وذكر له شعرا في هجاء عبد الملك بن المهلب بن أبي صفرة.(2/471)
أعور مشنوء يخالف قوله ... كما وصفوه إذ راح يكذب
103 - صالح قبة: كان ينكر أن يتولد شيء من شيء، وكان يقول:
يتبدىء الله ذلك في حال وجوده، ولو قربت النار من الحطب اليابس ولم يخلق الله الاحتراق لم يحترق أبدا، ولو طرح حيوان في النار ولم يخلق الله الألم فيه لم يتألم. حتى قيل له: فما تنكر أن تكون في هذا الوقت قاعدا بمكة في قبة وأنت لا تعلم لأن الله لم يخلق فيك العلم، فقال: لا أنكر ذلك. فلقب بذلك.
104 - واصل الغزال (1) كان يكثر الجلوس في سوق الغزالين، وقيل: كان يتتبع العجائز فيها فيتصدق عليهن، ولم يكن غزالا.
105 - خالد الحذاء (2) لم يكن حذاء وإنما يجلس في الحذائين.
وقيل كان يكثر إذا ناظر أحدا: على حذاء الكلام (3).
106 - وسليمان التيمي (4) كانت داره ومسجده في بني تيم، ولم يكن منهم، وهو شيباني.
__________
(1) واصل الغزال: هو واصل بن عطاء الغزال، أبو حذيفة، رأس المعتزلة ومن البلغاء المتكلمين. ولد بالمدينة سنة 80هـ وتوفي سنة 131هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 5: 311ورغبة الآمل 7: 78ومقاتل الطالبيين 293.
(2) خالد الحذّاء: هو خالد بن مهران الحذاء. قيل: كان من ثقات رجال الحديث. لم يكن حذاء ولكن كان يجلس إليهم، وقيل: كان يقول احذوا على هذا النحو فلقّب الحذّاء. استعمل على العشور بالبصرة ومات سنة 141هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 3: 120والمعارف 219 والبيان والتبيين 1: 33.
(3) حذاء الكلام: إزاؤه، ورواية فهد بن حيان أنه كان يقول: «احذوا على هذا النحو» فلقّب الحذّاء.
(4) سليمان التيمي: هو سليمان بن طرخان التيمي. تقدّمت ترجمته.(2/472)
107 - واليزيدي (1) كان يعلم ولد يزيد بن منصور الحميري (2) فنسب إليه.
108 - وأبو عمرو الشيباني (3) لم يكن من شيبان وإنما كان معلم يزيد ابن مزيد الشيباني.
109 - ذو القروح امرؤ القيس لأن ملك الروم كساه الحلة المسمومة فقرحته، والضليل: لأنه أضل ملك أبيه، والمفرك لأن النساء كن يفركنه (4).
110 - قال ابن الكلبي (5): دخلت على ضرار بن عطارد (6) وعنده
__________
(1) اليزيدي: هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي. كان يسكن بغداد ويؤدب ولد يزيد بن منصور الحميري خال المهدي فنسب إليه وكان من أعلام العربية والأدب، طلبه الرشيد وعهد إليه بتأديب المأمون. كانت ولادته سنة 138هـ. وتوفي بمرو سنة 202هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 230والنجوم الزاهرة 2: 173والمزهر 2:
232.
(2) يزيد بن منصور الحميري: هو خال المهدي العباسي تولّى إمارة البصرة للمنصور سنة 152هـ، ثم اليمن سنة 154هـ، وعزله المهدي سنة 159هـ. ثم ولّاه على سواد الكوفة سنة 161هـ ومات بالبصرة سنة 165هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 2: 18واللباب: 308والوفيات 2: 232.
(3) أبو عمرو الشيباني: هو إسحاق بن مرار، نسب إلى شيبان لأنه كان يؤدّب بعض أولادهم، وهو كوفي الأصل، كان من أعلم الناس باللغة والشعر. جمع أشعار العرب، وكتب أكثر من ثمانين مصحفا. قيل إنه توفي سنة 213هـ وقيل سنة 216هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 65وإرشاد الأريب 6: 77وتقريب التهذيب 308.
(4) يفركنه: يبغضنه.
(5) ابن الكلبي: هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن عبد الحارث بن عبد العزى أبو النضر: كان نسّابة، مفسرا، وأصحاب الحديث يضعّفونه وينسبونه إلى الكذب.
توفي بالكوفة سنة 146هـ.
(6) ضرار بن عطارد: لم نقف له على ترجمة، وضرار بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي لم يترجم له ولم يتبيّن لنا من هو.(2/473)
رجل كأنه جرذ يتمرغ في الخز، فقال لي ابن عطارد: سله ممن أنت، فسألته فقال: إن كنت ناسبا فانسنبي فإني من بني تميم، فابتدأت النسب إلى أن بلغت إلى غالب أبيه فقلت: وولد غالب هماما، فاستوى جالسا وقال: والله ما سماني به إلا ساعة من نهار، فقلت: والله إني لأعرف اليوم الذي سماك به الفرزدق، بعثك في حاجة فخرجت تمشي وعليك مشقة (1)
لك فقلت والله لكأنك فرزوق دهقان (2). فقال: صدقت والله، ثم قال:
أتروي من شعري شيئا؟ فقلت: لا، ولكن أروي لجرير قصيدة، فقال:
لأهجون كلبا سنة أو تروون لي كما رويت لابن المراغة (3)، فجعلت اختلف إليه وأقرأ عليه النقائض وما بي حاجة إليها خوفا منه.
111 - سلم الخاسر (4) باع مصحفا لأبيه واشترى بثمنه دفترا من شعر (5) فقيل له الخاسر، واستطعمه الرشيد حديثا فاستطرفه فأمر بأن يسمى سلم الرابح.
112 - العماني الراجز محمد بن ذؤيب (6) لم يكن من عمان وإنما رآه دكين الراجز (7) وهو غليم نضو (8) مصفر مطحول يمتح (9) على بكره ويرتجز
__________
(1) المشقة: الثياب الرثة.
(2) الدهقان: التاجر، وقيل: رئيس الإقليم.
(3) ابن المراغة: كناية عن أم جرير. والمراغة هي الأتان (أنثى الحمار) التي يتمرّغ عليها الرجال، يعرّض به.
(4) سلم الخاسر: هو سلم بن عمرو بن حماد، أخباره كثيرة في الأغاني، كان شاعرا خليعا ماجنا من أهل البصرة، سكن بغداد وله مدائح في المهدي والرشيد. توفي سنة 186هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 9: 136ووفيات الأعيان 1: 198.
(5) رواية الأغاني أنه باع مصحفا واشترى بثمنه طنبورا.
(6) محمد بن ذؤيب: هو محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة الحنظلي الدارمي الراجز من مخضرمي الدولتين. تقدّمت ترجمته.
(7) دكين الراجز: هو دكين بن رجاء الفقيمي، راجز اشتهر في العصر الأموي. توفي سنة 119هـ. تقدّمت ترجمته.
(8) النضو: المهزول.
(9) يمتح: يستخرج الماء من البئر.(2/474)
فقال: من هذا العماني فلزمه، لأن الطحال يعتري نازل البحرين.
113 - ثابت قطنة (1) أصيبت عينه في حرب فكان يحشوها قطنا، وقال فيه حاجب الفيل المازني (2):
لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الإنسان مجهول (3)
114 - زياد الأعجم (4) لقب بذلك للكنة يرتضخها، وكنيته أبو أمامة فتسمّى باسم النابغة وتكنى بكنيته.
115 [شاعر]:
أحب من الأسماء ما وافق اسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا
116 - وكان في رفقتي أعرابي بطريق مكة فصيح اللسان من خفاجة، اسمه مرشد بن معضاد كنت استدنيه لأسمع منه فرأيته يوما حانا إلى ولده، فسألته عن اسمائهم فقال: علي وعليّ وعلوان، ثم قال: وأنّى لنا عن أبي
__________
(1) ثابت قطنة: هو ثابت بن كعب بن جابر العتكي الأزدي، يعدّ من فرسان العرب المشهورين. كان مع أشرس بن عبد الله عندما غزا بلاد سمرقند، شهد وقائع خراسان سنة 102هـ قتله الترك سنة 110هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 4: 185والطبري وابن الأثير حوادث سنة 102هـ.
(2) حاجب الفيل المازني: هو حاجب بن ذبيان، والفيل لقب له. حظي عند يزيد بن المهلب، كانت بينه وبين ثابت قطنة مهاجاة وهي الذي لقبه ب «الفيل» أخباره في كتاب الأغاني.
ورواية الأغاني أن ثابت قطنة هو الذي قال هذا البيت.
(3) قوله: لا يعرف الناس منه غير قطنته: المعروف أن ثابت قطنة كان فارسا كما قدّمنا، أصيبت عينه في حروبه بخراسان فجعل عليها قطنة فعرف بها.
(4) زياد الأعجم: هو زياد بن سليمان، أبو أمامة مولى بني عبد القيس من شعراء الدولة الأموية. كان في لسانه عجمة فلقّب بالأعجم. مات نحو سنة 100هـ.(2/475)
تراب (1).
117 - أول من سمي في الإسلام أحمد أبو الخليل (2). وأول من سمي عبد الملك عبد الملك بن مروان.
118 - قال ابن الأعرابي (3): منظور بن زبان الفزاري (4) بقي في بطن أمه سنتين (5) فولد وقد نبتت له ثنيتان، فسمي منظورا لانتظارهم إياه، وقيل فيه:
وأبطأت حتى قيل إنك لاتجي ... وسميت منظورا وجئت على قدر (6)
وإني لأرجو أن تجود كحاتم ... وإني لأرجو أن تسود بني بدر (7)
119 - خارجة بن سنان المري (8): ماتت أمه وهو حمل، فتحرك في بطنها فبقر عنه حتى خرج فسمي خارجة وبقير غطفان.
120 - لما أقبل قحطبة (9) على ابن هبيرة (10) أراد أن يكتب إلى شماره صفحه تكرارى است 476
__________
(1) أبو تراب: كنية الإمام علي بن أبي طالب كناه بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(2) أول من سمي أحمد بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والد الخليل صاحب النحو واللغة والعروض، وهو شيخ سيبويه. راجع الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي ص 93.
(3) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد.
(4) منظور بن زبان الفزاري: شاعر مخضرم من الصحابة تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري فطلبهما أبو بكر الصديق لما ولّي الخلافة وفرّق بينهما فاشتدّ ذلك على منظور فراح يعبّر عن حزنه بأشعار رقيقة.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 141والمحبّر 335والامتاع والمؤانسة 3: 178.
(5) رواية الأغاني أنه بقي في بطن أمّه أربع سنين. وراجع الإصابة 6: 21.
(6) لا تجي، بحذف الهزة للتسهيل أي لا تأتي.
(7) رواية الأغاني: وإني لأرجو أن تكون كهاشم
(8) خارجة بن سنان المري: هو أخو هرم بن سنان المري الذي أصلح بين عبس وذبيان.
(9) قحطبة: هو قحطبة بن شبيب الطائي الذي قاد جيوش أبي مسلم الخراساني وهو أحد النقباء الاثني عشر الذين اختارهم محمد بن علي ممّن استجاب له في خراسان. مات غرقا في الفرات على أثر وقعة له مع ابن هبيرة سنة 132هـ.
راجع ترجمته في سمط اللآلي 3: 81وراجع الطبري وابن الأثير.
(10) ابن هبيرة: هو يزيد بن عمر بن هبيرة.(2/476)
مروان (1) يخبره وكره أن يسميه فقال: إقلبوه، فوجد هبط حق، فقال:
دعوه على هيئته.
121 - نظر عمر رضي الله عنه إلى جارية سوداء تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: ضربني أبو عيسى. قال: أو قد تكنى بأبي عيسى؟ عليّ به، فأحضروه، فقال: ويحك! أكان لعيسى أب فتكنى به؟ أتدري ما كني الأعراب؟ أبو سلمة، أبو عرفطة، أبو طلحة، أبو حنظلة، فأدبه واقتص منه للجارية.
122 - قال النبي صلّى الله عليه وسلّم حين حاصر الطائف: أيّما عبد نزل إلي فهو حر. فتدلى أبو بكرة (2) من السور على بكرة. فقال له النبي عليه السّلام: أنت أبو بكرة، واسمه نفيع وأخوه نافع، وكانا مولي الحارث بن كلدة (3).
123 - قال برصوما الزامر (4) لأمه: أما وجدت لي اسما غير هذا؟
قالت: لو علمت أنك تجالس الملوك لسميتك يزيد بن مزيد (5).
__________
(1) مروان: هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي ويعرف بالجعدي وبالحمار وهو آخر الخلفاء الأمويين بالشام. ولد بالجزيرة سنة 72هـ وقتل سنة 132هـ راجع ترجمته في كتب التاريخ العامة.
(2) أبو بكرة: هو نفيع بن الحارث أبو بكرة الثقفي. تقدّمت ترجمته.
(3) الحارث بن كلدة: هو الحارث بن كلدة الثقفي، طبيب العرب في عصره وأحد الحكماء المشهورين. كان يضرب على العود. مولده قبل الإسلام وبقي أيام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأيام الخلفاء الراشدين ومعاوية وقد اختلفوا في إسلامه توفي نحو سنة 50هـ. له كتاب «محاورة في الطب» بينه وبين كسرى أنوشروان.
(4) برصوما الزامر: من سواد أهل الكوفة كان يزمر لإبراهيم الموصلي وهو يغني بين يدي الرشيد، قدم به الموصلي سنة حج ووقفه هو وزلزل الضارب ووقفهما على الغناء العربي. أخبارهما في كتاب الأغاني.
(5) يزيد بن مزيد: هو يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني، أبو خالد، أمير، من القادة الشجعان. كان واليا بأرمينية وأذربيجان. انتدبه هارون الرشيد لقتال الوليد بن طريف الشيباني عظيم الخوارج في عهده فقتل ابن طريف سنة 179هـ وعاد إلى أرمينية.
أخباره في الكرم كثيرة وهو ابن أخي معن بن زائدة. توفي سنة 185هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 283وتاريخ بغداد 14: 334وخزانة البغدادي 3: 54.(2/477)
124 - قيل لبعض صبيان الأعراب: ما اسمك؟ قال: قراد، قيل:
لقد ضيق أبوك عليك، قال: 7ن ضيّق الاسم فقد وسع الكنية، قيل: وما كنيتك؟ قال: أبو الصحاري.
125 - أنشد ثعلب (1):
ليست بشامية النحاس ولا ... سفراء مصموحة معاصمها (2)
بل ذات أكرومة تنكفها ال ... أحجار مشهورة مواسمها
وقال: الأحجار رهط بني نهشل: وهم جندل وسخر وجرول.
وأنشد غيره:
وحللت من مضر بأمنع ذروة ... منعت بحدّ الشوك والأحجار
يريد بالشوك أخواله، وهم قتادة وطلحة وعوسجة، وبالأحجار أعمامه، وهم صفوان وفهر وجندل وصخر.
126 - من شأنهم أن يغيروا الاسم من صيغته، يقولون في سليمان:
سليم وسلام وسالم، قال النابغة:
وكل صموت فثلة تبعية ... ونسج سليم كل قضاء ذائل
وقال الحطيئة:
فيه الرماح وفيه كل سابغة ... جدلاء محكمة من نسج سلام
وقال أبو أيوب ابن أخت أبي الوزير في مرثية أم سليمان بن
__________
(1) ثعلب: هو أحمد بن يحيى ثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة، كان راوية للشعر. ولد ببغداد سنة 200هـ وتوفي سنة 291هـ.
(2) السفراء: التي سفرت الريح عليها التراب، والمصموحة: التي اشتدت عليها الشمس.(2/478)
وهب (1):
وكنت سراج البيت يا أم سالم ... فأضحى سراج البيت بين المقابر
ودخل رجل على سليمان بن وهب فقال: ما تزداد مصيبتنا إلا تضاعفا، قال: وما ذاك؟ قال: أي شيء أعظم مما أنا فيه وفاة والدتي وتسيير هذه المرثية التي فيها نقل اسمي من سليمان إلى سالم.
127 - وقال الأغلب (2) في سجاح المتنبئة (3):
قد علقت سجحاء خوطا خائطا ... أبيض جعدا عمرّطا عمارطا (4)
128 - وقال آخر: والله لو شيخنا عباد، يريد معبدا.
129 - وقال الأعشى (5):
ألا كخارجة المكلف نفسه ... وأبي قبيصة أن أغيب ونشهدا
يريد اليخرجان (6)، وكان كسرى أخرجه مع إياس بن قبيصة (7) أميرا
__________
(1) سليمان بن وهب: وزير المهتدي والمعتمد. كان كتب للمأمون وهو شاب. نقم عليه الموفق بالله وحبسه فمات في حبسه سنة 272هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 3: 27ووفيات الأعيان 1: 216.
(2) الأغلب: هو الأغلب بن عمرو بن عبيد بن حارثة العجلي الراجز. له في المفاحشات ما ليس لشاعر. أدرك الجاهلية والإسلام. عاش تسعين سنة وتوفي بنهاوند سنة 21هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 511والإصابة 1: 56وخزانة البغدادي 1:
336 - وأسد الغابة 1: 105.
(3) سجاح المتنبئة: هي سجاح بنت الحارث. تقدّمت ترجمتها، وقد نظم فيها الأغلب الذي تقدّمت ترجمته أرجوزة أتى فيها بالقبائح.
(4) علقت: أحبّت والسجحاء من النساء: الحسناء والخوط من الرجال: الجسيم.
والخائط: السريع. والعمرّط: الجسور. والعمارط: المارد الصعلوك.
(5) الأعشى: هو أعشى قيس. تقدّمت ترجمته.
(6) في الأصل اليخرجان وعند ابن الأثير الهامرز. وفي شعراء النصرانية الهمرجان.
(7) إياس بن قبيصة: من أشراف طيّ، ولي الحيرة لكسرى أبرويز ثم عزله وأعاده إليها سنة 613م. في أيامه كانت وقعة ذي قار التي انتصف بها العرب من العجم، وكان إياس على جيش العرب فيها وانهزم بمن معه ولم يبرح واليا على الحيرة إلى أن مات سنة 618م (4قبل الهجرة).
راجع ترجمته في شعراء النصرانية 135وابن خلدون 2: 265وابن الأثير 1:
482.(2/479)
على جيش من العرب في حرب ذي قار (1).
131 - سمى عبد الملك لحبه الحجاج ابنا له الحجاج، وقال:
سميته الحجاج بالحجاج ... بالناصح المكاشف المداجي
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا.
131 - همدان أصابه أمر أهمه فقال هذا هم دان، فلقب بهمدان، واسمه أوسلة بن مالك (2).
132 - ولد نبت بن زيد بن يشجب والشعر نابت على جميع جسده فلقب بالأشعر، وولده الأشعرون ومنهم أبو موسى الأشعري.
133 - استأذن الجاحظ السكاك (3) على رئيس، فقال الخادم:
الجاحد والشكاك بالباب، فقال: هما من أسماء الزنادقة، فقال له الجاحظ: قل الحدقي، فولى وهو يقول: الحلقي (4)، فقال: ويحك! ارجع إلى الجاحد.
134 - الأحواز مقلوبة عن أخواز جمع خوز، لأنها كانت بلدهم،
__________
(1) ذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة، وحنو ذي قار على ليلة منه وفيه كانت الوقعة المشهورة بين بكر بن وائل والفرس، وهي من مفاخر بكر بن وائل. راجع التفاصيل في معجم البلدان.
(2) أوسلة بن مالك: هو أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
(3) السكاك: لم نقف له على ترجمة.
(4) الحلقي: المأبون، المتّهم المعاب.(2/480)
وقال الأصمعي: الخوز الفعلة الذين بنوا الصرح لفرعون، سموا بخوز وهو الخنزير بالفارسية. ولما جاء الإسلام وأقامت العرب بها اتقوا من هذا الاسم، فبذلوا لأصحاب السلطان أموالا حتى غيّر الأخواز بالأهواز.
135 - جمع أبو بكر بن دريد (1) ثمانية أسماء في بيت:
فنعم أخو الجلى ومستنبط الندى ... وملجأ محزون ومفزع لاهث
عياذ بن عمرو بن الحليس بن عامر ... بن زيد بن مذكور بن سعد بن حارث
136 - قالوا: لم تكن الكنى لشيء من الأمم إلا للعرب وهي من مفاخرها.
137 - وقال عمر رضي الله عنه: أشيعوا الكنى فإنها منبهة. والتكنية إعظام، قلما كان لا يؤهل له إلا ذو شرف في قومه قال:
أكنيّه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب
138 - وقيل في قوله تعالى: {فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً} (2)، كنياه.
139 - وقال البحتري:
يتشاغفن بالصغير المسمى ... موبصات وبالكبير المكنى (3)
140 - وقال ابن الرومي:
بكت شجوها الدنيا فلما تبيّنت ... مكانك منها استبشرت وتثنت (4)
وكان ضيئلا شخصها فتطاولت ... وكانت تسمى ذلة فتكنت (5)
__________
(1) ابن دريد: هو محمد بن الحسن الأزدي. تقدّمت ترجمته.
(2) سورة طه من الآية: 44.
(3) الوبيص: البريق. وموبصات: برّاقات.
(4) شجوها: حزنها. وتبيّنت: عرفت. ورواية الديوان (1: 461) استبشرت «وتغنت».
(5) البيت الثاني في الديوان بدل هذا البيت هو:
لتستمتع الدنيا بوجهك دهرك ... فقد طالما اشتقاقت إليك وخنّت
راجع ديوان ابن الرومي (بتحقيقنا وشرحنا) 1: 461طبعة دار ومكتبة الهلال.(2/481)
141 - وعن مولى لعمر بن عتبة (1): كنت وصيفا فأسلمني في المكتب، فلما حذقت وتأدبت ألزمني خدمته واعتقني، فصاح يوما يا أبا يزيد، فالتفت انظر من يعني، فقال لي: إياك أعني، ثم قال: يا معشر قريش لا تدعوه باسمه. وقال لي: إنك أمس كنت لي وأنت اليوم مني.
والذي دعاهم إلى التكنية الإجلال عن التصريح بالاسم بالكناية عنه، ونظيره العدول عن فعل إلى فعل في نحو قوله تعالى: {وَغِيضَ الْمََاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (2)، وقول الكتاب أمر بكذا ونهي عن كذا.
142 - ومعنى كنيته بكذا سميته به على قصد الإخفاء والتورية، وكنى وكمى أخوان في إعطاء معنى الإخفاء، وكذلك كنى عنه بمعنى ترجم عنه على وجه الإخفاء. ألا ترى إلى قولهم ورى عنه ثم ترقوا عن الكنى إلى الألقاب الحسنة التي هي أضداد ما يتنابز به مما نهى الله عنه وسماه فسوقا.
فقلّ من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير، غير أنها كانت تطلق على حسب استحقاق الموسومين بها.
وأما ما استحدث من تلقيب السفلة بالألقاب العليّة، حتى زال التفاضل، وذهب التفاوت، وانقلبت الضعة والشرف، والفضل والنقص، شرعا واحدا فمنكر، وهب أن العذر مبسوط في ذلك، فما العذر في تلقيب من ليس في الدين بقبيل ولا دبير، ولا له فيه ناقة ولا جمل، بل هو محتو على ما يضاد الدين وينافيه، بجمال الدين وشرف الإسلام؟ هي لعمر الله الغصة التي لا تساغ، والغبن الذي يتناءر الصبر دونه. نسأل الله إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وأن يصلح فاسدنا، ويوقظ غافلنا.
__________
(1) عمر بن عتبة: لم نقف له على ترجمة.
(2) سورة هود من الآية: 44.(2/482)
وكم من أسام تزدهيك بحسنها ... وصاحبها فوق السماء اسمه سمج
والرجل يتكنى باسم ولده، وكذلك المرأة، فإذا كنوا من لم يولد له فعلى جهة التفاؤل. وبناء الأمر على رجاء أن يعيش ويولد له، كالأطفال المكنين والعقم. وقد يكنون بما يلابس المكنى من غير الأولاد، كقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ أبو تراب، وذلك أنه نام في غزوة ذي العشيرة فذهب به النوم، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متمرغ في البوغاء (1)، فقال: إجلس أبا تراب. وكان من أحب أسمائه إليه، وكقولهم أبو لهب (2) لحمرة لونه، وأبو الذبان لابن مروان (3).
وسمعتهم يكنون الكبير الرأس والعمامة بأبي الرأس وأبي العمامة، وكان داود بن عيسى (4) يلقب بأترجة، وعبد السميع بن محمد بن منصور بشحم الخنزير، ومحمد بن أحمد بن عيسى الهاشمي (5)
بكعب البقر، وكانوا مع المستعين (6). فلما صاروا إلى المعتز (7) قال فيهم:
أتاني أترجة في الأمان ... وعبد السميع وكعب البقر
فأهلا وسهلا بمن جاءنا ... ويا ليت من لم يجىء في سقر (8)
فقالوا قد شرفنا أمير المؤمنين ولكنه قد ذكرنا باللقب دون عبد
__________
(1) البوغاء: التراب.
(2) أبو لهب: كنية عبد العزّى بن عبد الطلب بن هاشم.
(3) ابن مروان: هو عبد الملك بن مروان.
(4) داود بن عيسى: راجع خبره في الطبري حوادث سنة 284.
(5) محمد بن أحمد بن عيسى الهاشمي: هو محمد بن أحمد بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، كعب البقر، وجهه المعتز لقتال إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحن بن الحسن بن علي بن أبي طالب لما ظهلأ بمكة سنة 251هـ.
(6) المستعين: هو أحمد بن المعتصم الخليفة العباسي.
(7) المعتز: هو محمد بن جعفر المتوكل الخليفة العباسي.
(8) سقر: جهنّم.(2/483)
السميع، فقال: ما عرفت لقبه، فقالوا: شحم الخنزير، فقال: هو في وزنه سواء بسواء، فضعوه موضعه.
143 - أبو صخر الهذلي (1):
أبى القلب إلّا حبه عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو
ووجه له ديباجة قرشية ... بها تدفع البلوى ويستنزل القطر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق النضر
يعني يقال لها أم عمرو وليس لها ولد اسمه عمرو لأنها صغيرة لم تلده.
144 - اجتاز المبرد (2) بسذاب الورّاق (3) فسامه دخول منزله، فقال:
ما عندك؟ قال: عندي أنت وأنا. يعني اللحم البارد والسذاب.
145 - قالت عائشة: يا رسول الله كل صواحبي لهنّ كنى، قال فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير فكانت تكنى أم عبد الله.
146 - أنس رضي الله عنه: كان لي أخ صغير وله نغز (4) يلعب به فمات، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرآه حزينا فقال ما شأنه؟ قالوا: مات نغره الذي يلعب به فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟.
147 - مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رباح وقيل مهران، وكنيته أبو عبد الرحمن، كان معه في سفر فكان كل من أعيا ألقى عليه بعض متاعه، فمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أنت سفينة، فلقب به.
__________
(1) أبو صخر الهذلي: هو عبد الله بن سلمة السهمي الهذلي، من شعراء الدولة الأموية.
له شعر رقيق في الغزل. راجع ترجمته في ديوان الحماسة 1: 127وخزانة البغدادي 1: 555.
(2) المبرّد: هو محمد بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(3) سذاب الوراق: لم نقف له على ترجمة. والسذاب: نوع من النبات.
(4) النغر: نوع من العصافير، وقيل هو البلبل.(2/484)
148 - علي رفعه: إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه، ووسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجها.
وعنه: ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم.
وما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد أو محمد إلا قدس ذلك المنزل في كل يوم مرتين.
149 - دخل أرطأة بن سهيّة (1) على عبد الملك فأنشده:
رأيت المرء تأكله الليالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقي المنية حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكرّ حتى ... توفي نذرها بأبي الوليد
فارتاع عبد الملك وتغير، وقدر أنه أراده لتكنيه بأبي الوليد، فقال:
يا أمير المؤمنين، إنما أردت نفسي.
150 - من آداب الملك أن تتجنب نحو هذا، وعلى الشاعر أن لا يشبب بامرأة يوافق اسمها اسم بعض نسائهم.
151 - كان يقال لخويلد بن أسد بن عبد العزى (2) أبو الخسف لقوله:
__________
(1) أرطأة بن سهيّة: هو أرطأة بن زفر بن عبد الله بن مالك الغطفاني المري وسهية أمه كانت لضرار بن الأزور ثم صارت إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطأة من ضرار على فراش زفر. أدرك الجاهلية وعاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان وأرطأة شاعر فصيح من شعراء الدولة الأموية، جواد، كنيته أبو الوليد. كان خاصا بمروان بن الحكم وأخيه يحيى بن الحكم. عمي قبيل وفاته، توفي بعد 65هـ.
راجع ترجمته في الوحشيات 240والشعر والشعراء 504وحماسة الشجري 63وهو فيه: أرطأة بن «سمية المزني» تصحيف «سهيّة المري» والإصابة 1: 101وتكرّر فيها «المزني» مكان المري، من خطأ الطبع وراجع الأعلام للزركلي 1: 288.
(2) خويلد بن أسد بن عبد العزّى: من أشراف قريش، كان في الوفد الذين قابلوا سيف بن ذي يزن لتهنئته لما ظفر بالحبشة في قصره غمدان بصنعاء، وكان في حرب الفجار على بني عبد الدار.(2/485)
نحن أباة الخسف يوم كليّة ... ونحن أباة الخسف كل مكان
وكانت بنو بكر منعته أن يسقى من حوض كليّة فقاتلهم وهزمهم.
152 - ولد معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله (1)
عند معاوية بن أبي سفيان بالشام، فسأله معاوية أن يسمّيه باسمه، ودفع إليه معاوية خمسمائة ألف درهم، وقال: اشتر بها لعمّتي ضيعة.
153 - انتهى أعرابي إلى قوم قد سلخوا جزورا وقد عضوها (2)
بكشاطها فقال: من الكشطة؟ وهو يريد أن يستوهبهم، فقال بعض القوم: وعاء المرامي ومثابت القرن وأدنى الجزاء من الإبل، فقال الأعرابي: يا كنانة ويا أسد ويا بكر أطعمونا من لحم جزوركم وأدنى الجزاء من الإبل، يقال: ثبت لقرنه وثابته وتثابتا، والجزاء ما يجزى من الهبة.
154 - سئلت عائشة رضي الله عنها عن اسم أبي بكر فقالت:
عبد الله، فقيل: الناس يقولون عتيق. فقالت: 7ن أباه أبا قحافة (3) كان له ثلاثة سماهم عتيقا ومعتقا ومعيتقا.
155 - نظر المأمون إلى غلام حسن في الموكب فسأله عن اسمه فقال: لا أدري. قال: أو يكون أحد لا يعرف اسمه؟ قال: فاسمي الذي أعرف لا أدري. وقال:
قسمت لا أدري بأنك لا تدري ... بما فعل الحب المبرح في صدري
__________
(1) عبد الله: هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. تقدّمت ترجمته.
(2) عضوها: قطعها وفصّل أعضاءها.
(3) أبو قحافة: هو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة القرشي التيمي والد أبي بكر الصديق، أسلم يوم الفتح، ومات في خلافة عمر سنة أربع عشرة وله 97سنة، وله شعر.(2/486)
الجزء الثالث
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
الباب الثالث والثلاثون السفر، والسير، والفراق، وذكر الرحيل، والقدوم، والوداع، والبعد، والقرب، والذهاب، والمجيء، ونحوها
1 - الحسن: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من فرّ بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرا من الأرض، استوجب الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد.
2 - أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو يعلم الناس برحمة الله للمسافر لأصبح الناس على ظهر سفر، إن الله بالمسافر رحيم.
3 - لما أخرج يوسف عليه السّلام من الجب واشتري قال لهم قائل:
استوصوا بهذا الغريب خيرا. فقال لهم يوسف: من كان مع الله فليس عليه غربة.
4 - علي رضي الله عنه عند مسيره إلى الشام: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر (1)، وكآبة المنقلب، وسوء النظر في الأهل والمال، اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل، ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصحبا، والمستصحب لا يكون مستخلفا.
__________
(1) وعثاء السفر: تعبه. وعث الطريق: تعسّر سلوكه.(3/5)
وقال لبعض من أنفذه: سر البردين (1) وغور (2) بالناس ورفه (3)
بالسير، ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا، وقدره مقاما لا ظعنا (4)، فأرح فيه بدنك وروح ظهرك، فإذا وفقت حين ينبطح (5)
السحر أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة الله.
ذكر لحوقه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هجرته فقال: فجعلت اتبع مأخذ رسول الله فأطأ ذكره حتى انتهيت إلى العرج. أراد كنت أعطي خبره حتى انتهيت إليه.
5 - عمرو بن شاس أبو عرار (6):
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا برياك هاديا (7)
أليس يزيد العيس خفّة أذرع ... وإن كنّ حسرى أن تكوني أماميا (8)
6 - الحركة ولود: والسكون عاقر.
7 - أعرابي: قربني إليك قطع مفازة (9) وركوب أخرى، وملاطمة هواجر (10) النهار، ومراعاتي نجوم الليل، ورميي بالنجيب الناجي أثباج (11)
الليل الداجي.
__________
(1) سر البردين: أراد الغداة والعشيّ.
(2) غوّر بالناس: أي أنزل بهم وقت شدّة الحرّ. والغائرة: وقت نصف النهار.
(3) رفّه بالسير: تمهّل.
(4) الظعن: الارتحال.
(5) ينبطح السحر: ينبسط.
(6) عمرو بن شاس أبو عرار: هو شاعر كثير الشعر مقدّم، أسلم في صدر الإسلام وشهد القادسية.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 338ومعجم الشعراء 212والإصابة 4: 306.
(7) أدلجنا: سرنا ليلا. والمطايا: الإبل والمراكب.
(8) العيس: الإبل.
(9) المفازة: الصحراء الواسعة القاحلة.
(10) هواجر النهار: وقت اشتداد الحرفي منتصف النهار جمع هاجرة.
(11) أثباج الليل: معظمه.(3/6)
8 - الفرس: وجدنا في مهارقنا (1) القديمة: إذا لم يساعد الجدّ (2)
فالحركة خذلان.
9 - رب لازم لعرصته (3) فاز ببغيته.
10 - في بعض الكتب السماوية: إن مما عاقبت به عبادي أني ابتليتهم بفراق الأحبة.
11 - قريبة الأعرابية: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذل.
12 - إسحاق بن إبراهيم التميمي:
فراقك مثل فراق الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الأيم (4)
عليك السلام فكم من وفا ... ء نفارق منك وكم من كرم
13 - أعرابي: الإغتراب يعيد الجدّة (5) ويفيد الجدة (6).
14 - حكيم: السفر ميزان الأخلاق، لأنه يفصح عن مقاديرها في الكرم واللؤم.
15 - قيل لصوفي مسفار: كم رأيت من البلدان؟ قال: لا تسأل! فإن شيطاني كان من الفيوج (7).
16 - أعرابي: لا يغني المخلب ما دام في المقنب (8).
__________
(1) المهارق: جمع مهرق وهي الصحيفة التي يكتب عليها.
(2) الجدّ: الحظ
(3) العرصة: ما حول الدار من فسحة، ساحة الدار.
(4) الأيم: المرأة التي فقدت زوجها.
(5) الجدّة: التجدد والانتقال إلى الأفضل.
(6) الجدة: الغني. قال أبو العتاهية: الفراغ والشباب والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة.
(7) الفيوج: المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد.
(8) المقنب كفّ الأسد الذي يدخل فيه مخالبه.(3/7)
17 - يقال: فلان ركوب للأهوال (1)، وفلان ألوف للظلال (2).
18 - الغريب النائي عن أهله كالثور النادّ (3) عن اصطبله فهو لكل سبع فريسة، ولكل رام فريضة (4).
19 - تميم الداري (5): لم تبق أرض لم يطأها، ولا واد لم يسلكه، حتى رأى الردم (6) ووصفه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبلغ بلاد الظلمة وقطع وبار (7).
20 - حكيم: لا توحشنك الغربة إذا أنستك الكفاية مع لزوم الأوطان.
21 - محمد بن عبد العزيز بن سهل (8) من أمراء الجبل: قيل لأعرابي:
ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان.
22 [شاعر]:
كأن لم تكن سعدى بأعناء غيقة ... ولم تر من معدى بهنّ منازل (9)
__________
(1) قوله: ركب الأهوال، كناية عن الجرأة والمغامرة والشجاعة.
(2) قوله: ألوف للظلال: كناية عن القناعة والتزام البيت.
(3) الثور النادّ: الشادر.
(4) الفريضة: السهم.
(5) تميم الداري: هو تميم بن أوس. تقدّمت ترجمته.
(6) الردم: السدّ الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج، مذكور في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف. راجع لسان العرب مادة ردم.
(7) وبار: أرض كانت من محالّ عاد بين رمال يبرين واليمن فلما هلكت عاد أورث الله ديارهم الجنّ فلم يبق فيها أحد من الناس. وقيل: وبار أرض يسكنها النسناس بين حضرموت والسبوب. راجع التفاصيل في معجم البلدان 5: 356.
(8) محمد بن عبد العزيز بن سهل: لن نقف له على ترجمة.
(9) أعناء: أنحاء. وغيقة: اسم موضع في أمكنة عديدة ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان 5: 221منها في بلاد غفار، قال: غيقة: بين مكة والمدينة.
ولم تتربّع بالسرير ولم تكن ... لها الصيف خيمات العذيب الظلائل (1)
32 - قيل لبعد الواحد بن زيد (2) من أصحاب الحسن: كيف كنت في سفرك؟ فقال: أبلاني الله في سفري هذا من حسن البلاء كأني لم أعصه قط.(3/8)
__________
(9) أعناء: أنحاء. وغيقة: اسم موضع في أمكنة عديدة ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان 5: 221منها في بلاد غفار، قال: غيقة: بين مكة والمدينة.
ولم تتربّع بالسرير ولم تكن ... لها الصيف خيمات العذيب الظلائل (1)
32 - قيل لبعد الواحد بن زيد (2) من أصحاب الحسن: كيف كنت في سفرك؟ فقال: أبلاني الله في سفري هذا من حسن البلاء كأني لم أعصه قط.
24 - خرج أيوب السختياني (3) في سفر فشيّعه الناس، فقال: لولا أني أعلم أن الله يعلم من قلبي أني لهذا كاره لخشيت المقت من الله.
25 - قيل لأعرابي: متى الرحيل؟ قال: تلغموا بيوم السبت. من قولهم فلان يتلغم بذكرك، أي يذكرك دائما، من اللغام.
26 - لا داء أدوى من الهجر إلا البين فإنه قاصمة الظهر.
27 - إن اعانتك الغربة على الزمن فلا تطع النزاع إلى الوطن.
28 - النجح مقيم في كنف الدؤوب.
29 - مر إياس بن معاوية بماء فقال: أسمع صوت كلب غريب.
فقيل له: بم عرفته؟ قال بخضوع صوته وشدة نباح غيره.
30 - يقال للرجل المسفار (4) خليفة الخضر (5)، قال أبو تمام.
خليفة الخضر، من يربع على وطن ... في بلدة، فظهور العيس أوطاني
(1) السرير: واد بالحجاز قرب المدينة، والعذيب: اسم ماء بين القادسية والمغيثة.
راجع معجم البلدان.
(2) عبد الواحد بن زيد: ذكره المؤلف في الباب الحادي والعشرين من الجزء الثاني من هذا الكتاب الفقرة (6) وهو بصري زاهد، متصوف، كان صاحب الحسن البصري وكان مجاب الدعوة. تركه أصحاب الحديث وقالوا: إنه يروي المناكير.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 2: 672وحلية الأولياء 6: 155.
(3) أيوب السختياني: هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري المتوفّى سنة 131هـ. تقدّمت ترمته.
(4) المسفار: الكثير السّفر.
(5) الخضر: هو الخضر عليه السّلام. تقدّم الحديث عنه.
بالشام قومي وبغداد الهوى أنا ... بالرقمتين وبالفسطاط أخواني (1)
31 - العلاء بن أسلم (2): أردت الخروج إلى مكة فجاءني هشام بن عقبة (3) أخو ذي الرمة (4) فقال: يا ابن أخي، إنك تريد سفرا يحضر الشيطان فيه حضورا لا يحضره في غيره، فاتق الله، وصلّ الصلاة لوقتها، فإنك مصلّيها لا محالة، فصلّها وهي تنفعك، واعلم أن لكل رفقة كلبا ينبح دونهم فإن كان مهنا (5) شركوه فيه، وإن كان عارا تقلده دونهم، فلا تكونن كلب الرفقة.(3/9)
__________
(5) الخضر: هو الخضر عليه السّلام. تقدّم الحديث عنه.
بالشام قومي وبغداد الهوى أنا ... بالرقمتين وبالفسطاط أخواني (1)
31 - العلاء بن أسلم (2): أردت الخروج إلى مكة فجاءني هشام بن عقبة (3) أخو ذي الرمة (4) فقال: يا ابن أخي، إنك تريد سفرا يحضر الشيطان فيه حضورا لا يحضره في غيره، فاتق الله، وصلّ الصلاة لوقتها، فإنك مصلّيها لا محالة، فصلّها وهي تنفعك، واعلم أن لكل رفقة كلبا ينبح دونهم فإن كان مهنا (5) شركوه فيه، وإن كان عارا تقلده دونهم، فلا تكونن كلب الرفقة.
32 - طفرة النظام (6) مثل في المغذّ (7) الذي يطوي البعيد في مدة يسيرة، ومن مذهبه أن الجوهر ينتقل من المكان الأول إلى الثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني.
33 - قيل لرجل: إن السفر قطعة من العذاب، فقال: بل العذاب قطعة من السفر. قال:
كل العذاب قطعة من السفر ... يا رب فارددني إلى روح الحضر
(1) الرقمتان: قريتان بين البصرة والنباج وهما على شفير الوادي، وهما منزل مالك بن الريب المازني.
والرقمتان: روضتان بناحية الصّمّان، وهما أيضا موضع قرب المدينة وقيل غير ذلك.
راجع أمكنة الرقمتين في معجم البلدان 3: 58.
والفسطاط: البيت من الشعر، وهو أيضا علم لمصر القديمة.
(2) العلاء بن أسلم: لم نقف له على ترجمة.
(3) هشام بن عقبة: هو أخو ذي الرمة، كان شاعرا ربّاه أخوه. راجع معجم الشعراء ص 376.
(4) ذو الرمة: هو غيلان بن عقبة العدوي. شاعر تقدّمت ترجمته.
(5) المهنا والمهنأ: المبتغى والمراد.
(6) النظام: هو إبراهيم بن سيار النظام من أئمة المعتزلة توفي سنة 231هـ تقدّمت ترجمته.
(7) المغذّ: المسرع.(3/10)
34 - دعبل (1):
ويك إن القعود يلعب بالقعدد لعب الرياح بالبوغاء (2)
كذب الزاعمون أن دوا الهمو * م قرب الخريدة الحسناء (3)
ما دواء الهموم إلا المهاري ... تعتلي في التنوفة الملساء (4)
فمتى أوثر النساء على العي ... س فأصبحت دامي الأنساء (5)
إنتحت الحشا لهما دخيلا ... ترك القلب ناسيا للنساء
35 - قيل لأعرابي: إنك تبعد السفر! قال: رأيت ما في أيدي الناس أبعد مما في السفر.
36 - قيل لابن الأعرابي (6): لم سمّي السفر سفرا؟ قال: لأنه يسفر عن أخلاق القوم، أي يكشف.
37 - شبهت الحكماء الغريب باليتيم ثكل أبويه، فلا أم ترأم (7) له ولا أب يحدب عليه.
38 - الغريب كالغرس الذي زايل تربته فهو ذاو لا يثمر وذايل لا ينضر.
39 [شاعر]:
__________
(1) دعبل: هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي. تقدّمت ترجمته.
(2) القعود: الخسيس الذي لا يحارب. والبوغاء: من أسماء التراب.
(3) الخريدة: المرأة الجميلة. ودوا الهموم: بحذف الهمز للتسهيل: علاجها.
(4) المهاري: جمع مهرية، من الإبل المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من عرب اليمن وقالوا إنها كانت لا يعدل بها شيء في سرعة جريانها.
والتنوفة: المفازة.
(5) العيس: الإبل، والأنساء جمع نسا وهو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمرّ بالعرقوب إلى الكعب.
(6) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد.
(7) ترأم: تحنّ، وترأف.(3/11)
وسائلة بظهر الغيب عنّا ... وما تدري أمتنا أم حيينا
فنحن كما يسرك غير أنا ... بنا الآفاق بعدك ترتمينا
40 - أفراسياب (1): مثل التركي مثل الدر والمسك لا يشرقان ما لم يفارقا معدنهما.
41 - سافر أعرابي فرجع خائبا فقال: ما ربحنا من سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا.
42 - علي رضي الله عنه: فقد الأحبة غربة.
علي رضي الله عنه: ست من المروءة، ثلاث في الحضر وثلاث في السفر، وأما اللاتي في الحضر فتلاوة كتاب الله، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الأخوان في الله، وأما اللاتي في السفر فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير معاصي.
43 - أغار حذيفة بن بدر على هجان المنذر بن ماء السماء، وسار في ليلة مسيرة ثمان، فضرب بمسيره المثل فقيل: سار فلان بمسير حذيفة.
44 - وقال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثمّ سرنا ... مسير حذيفة الخير ابن بدر
45 - وسار ذكوان (2) مولى عمر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة في يوم وليلة.
46 - الصاحب (3): خرج على الطائر الأسعد والجد الأصعد.
__________
(1) أفراسياب: من ملوك الطبقة الأولى من الفرس حكم اثنتي عشرة سنة. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.
(2) ذكوان: هو مولى عمر بن الخطاب، كان يستعمله على عشور الكوفة. ذكره ابن حجر في الإصابة 2: 182.
(3) الصاحب: هو الصاحب بن عباد، تقدمت ترجمته.(3/12)
47 - لقاء الحبيب روح الحياة، وفراقه سم الحياة.
48 - دخل عليّ يوم الصدر عن مكة حرسها الله الشريف سلامة بن عياش الينبعي (1) للوداع فأنشدني لبعض الحسنيين:
فبتّ مرقرقا قد أنشبتني ... رسيسة ورد بينهم وأحاحا (2)
لعلمي أن صرف البين يصمي ... بنبل العين قرتها لماحا (3)
49 - جرير:
يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذّل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
50 - قيل لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: ما كان جدك صانعا؟
قال: كان يقلع عينيه ولا يرى مظعن أحبابه (4).
51 - خرج علي بن الجهم إلى الغزو فتلقته خيل بناحية حلب فجرحوه، فبات يئن ويقول:
أسأل بالليل سيل ... أم زيد في الليل ليل
يا أخوتي بدجيل ... وأين مني دجيل (5)
وكان منزله في شارع دجيل ببغداد، ودفن بحلب، فوجد في جيبه رقعة مكتوب فيها:
__________
(1) سلامة بن عياش الينبعي: لم نقف له على ترجمة.
(2) مرقرقا: بطيء الحركة. وأنشبتني: إعترتني. ورسيسة ورد: أي بدء الحمّى.
والأحاح: اشتداد الحر والوجع.
(3) يصمي: يميت. واللماح: الإبصار بنظر خفيف.
(4) مظعن الأحباب: وقت ارتحالهم.
(5) دجيل: اسم نهر في موضعين أحدهما مخرجه من أعلى بغداد بين تكريت وبينها مقابل القادسية دون سامراء، ودجيل الآخر: نهر بالأهواز كانت عنده وقائع للخوارج وفيه غرق شبيب الخارجي. راجع معجم البلدان 2: 443.(3/13)
يا رحمتا للغريب في البلد النا ... زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا
52 - رب غريب كالبدر الطالع والكوكب اللامع يهتدي بضيائهما السائر ويأنس برؤيتهما الساهر.
53 - وجد المتوكل على قبيحة (1) فألبست وصيفة لها قباء (2) حرير مكتب بالذهب في صدره:
حين تم الهوى وقلنا سررنا ... وأمنا من الصدود أمنا
بعث النأي رسله في سكون ... فأبادوا من شملنا ما جمعنا
وأهدتها له، فرضي عنها.
54 - كان لرجل من العرب ابن يريد السفر وهو يمنعه إشفاقا عليه، فقال:
ألا خلّني أمضي لشأني ولا أكن ... على الأهل كلّا إنّ ذا لشديد (3)
أرى السير في البلدان أغنى معاشرا ... ولم أر من أجدى عليه قعود
تهيبني ريب المنايا ولم أكن ... لأهرب عمّا ليس عنه محيد
فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت أنت رشيد
فذرني أجوّل في البلاد لعله ... يسرّ صديق أو يساء حسود (4)
55 - نظر امرؤ القيس إلى قبر امرأة من بني عامر، وكانت جارة له، فقال:
أجارتنا إن المزار قريب ... وإني مقيم ما أقام عسيب (5)
__________
(1) قبيحة: هي زوجة المتوكل، أمّ الخليفة المعتز، تقدمت ترجمتها.
(2) القباء: ثوب يلبس فوق الثياب جمع أقبية.
(3) الكلّ: الضعيف الذي لا ولد لا والد، اليتيم.
(4) يساء: هنا بمعنى يغاظ.
(5) ذكر أبو الفرج البيتين في الأغاني، والرواية المشهورة في صدر البيت الأول: أجارتا إن الخطوب تنوب. وعسيب: اسم جبل.
أجارتنا إنّا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
56 - محفوظ بن علقمة (1): قال رسول الله عليه السّلام لرجل من أصحابه:(3/14)
__________
(5) ذكر أبو الفرج البيتين في الأغاني، والرواية المشهورة في صدر البيت الأول: أجارتا إن الخطوب تنوب. وعسيب: اسم جبل.
أجارتنا إنّا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
56 - محفوظ بن علقمة (1): قال رسول الله عليه السّلام لرجل من أصحابه:
أما إنك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك وأحق أن يقتفى بك.
57 - أراد الحسن (2) الحج فأحب ثابت (3) أن يصطحبا، فقال:
ويحك! دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
58 - أراد أعرابي سفرا فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبري ... وذري الشهور فإنهنّ قصار
فأجابته:
اذكر صباتنا إليك وشوقنا ... وارحم بناتك إنهنّ صغار
فأقام وترك سفره.
59 - جهم بن عوف العقيلي (4):
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بعيدا من اسم الله والبركات
عرض بمتاعب السفر وقول السفر (5) كلما حلوا وارتحلوا بسم الله وعلى بركة الله.
60 - أنشد ثعلب (6):
(1) محفوظ بن علقمة: ذكره ابن حبان في الثقات. ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 59.
(2) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري. تقدمت ترجمته.
(3) ثابت: هو ثابت البناني، أبو محمد البصري، عابد من أهل البصرة توفي سنة 127هـ.
(4) جهم بن عوف العقيلي: لم نقف له على ترجمة.
(5) السّفر: المسافرون.
(6) ثعلب: هو أحمد بن يحيى إمام الكوفيين في النحو واللغة. توفي سنة 291هـ.(3/15)
راحوا ورحنا على آثارهم أصلا ... محمّلين من الأحزان أو تارا
كأن أنفاسنا لم ترتحل معنا ... أو سرن في أول الحي الذي سارا
وأنشد أيضا:
وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقيه من ماء الحديد كبول (1)
قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون أليل
يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل
بأكثر مني لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل
61 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بالدلجة (2) فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار.
62 - كعب بن مالك: قلّ ما كان رسول الله يخرج في سفر إلا يوم الخميس.
63 - صخر بن وداعة الغامدي (3): عنه عليه السّلام أنه كان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلا تاجرا، وكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله.
64 - وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يسافر الرجل في غير رفقة.
وقال: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب.
65 - وعن ابن عباس رفعه: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة.
وقال: إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم، رواه الخدري (4).
__________
(1) الوجد: الحزن، والمغلول: المقيد.
(2) الدلجة: سير الليل.
(3) هو صخر بن وداعة الغامدي الأسدي: صحابي، كان يسكن الطائف. راجع ترجمته في الإصابة 3: 204وتهذيب التهذيب 4: 412.
(4) الخدري: هو سعد بن مالك أبو سعيد الخدري. تقدمت ترجمته.(3/16)
66 - قزعة (1): قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: هلمّ أودعك كما ودّعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
67 - علي بن ربيعة (2): شهدت عليا رضي الله عنه، وأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله. ثم قال: {سُبْحََانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنََا هََذََا وَمََا كُنََّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنََّا إِلى ََ رَبِّنََا لَمُنْقَلِبُونَ} (3). ثم قال الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
68 [شاعر]:
وما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... بنفسي بيّن لي متى أنت راجع (4)
__________
(1) قزعة: هو قزعة بن يحيى، سماه الذهبي في ميزان الإعتدال: قزعة بن سويد بن حجير الباهلي البصري وهو تابعي. ذكره ابن حبان في الثقات. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 377وميزان الإعتدال 3: 389.
(2) علي بن ربيعة: هو علي بن ربيعة بن نضلة الكوفي، تابعي ثقة روى عن الإمام علي ابن أبي طالب وغيره. قال فطر بن خليفة الحناط الكوفي المتوفّى سنة 155هـ.:
رأيت علي بن ربيعة أبيض اللحية يمرّ علينا ونحن غلمان في الحناطين فيسلّم علينا وكان ثقة معروفا.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 157وتهذيب التهذيب 7: 320.
(3) سورة الزخرف، الآيتان: 13و 14.
(4) ملأشياء: أراد القول: من الأشياء والعرب تحذف نون «من» الجارة إذا اضطرت إلى ذلك في الشعر ومنه قول ذي الأصبع العدواني:
اجعل مالي دون الدنا غرضا ... وما وهي ملأمور فانصدعا
أراد «من الأمور» فحذف النون وهمزة الوصل.
وقد استعمل ابن ميّادة مثل ذلك في قوله:
وما أنسى ملأشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكامل
وقال المتنبي:
نحن قوم ملجن في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجبال
أراد «من الجن» فحذف نون من وألف الوصل من «الجن» وهذا كثير في شعر العرب المحتجّ بشعرهم.(3/17)
فقلت لها والله ما من مسافر ... يحيط له علم بما الله صانع
فألقت على فيها اللثام وأدبرت ... وأقبل بالحكل السحيق المدامع
هو الأقرع بن معاذ (1):
69 - عبد العزيز بن الماجشون (2) من فقهاء المدينة: قال لي المهدي: يا ماجشون، ما قلت حين فارقت أصحابك الفقهاء بالمدينة؟
فقلت: قلت:
لله باك على أحبابه جزعا ... قد كنت أحذر من ذا قبل أن يقعا
إن الزمان رأى إلف السرور لنا ... فدبّ بالبين فيما بيننا وسعى
ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرّعني من بعدهم جرعا
فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهدا ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا
فقال: والله لأغنيك، فأعطاني عشرة آلاف دينار.
70 - عمر بن أحمد بن بديل اليامي (3):
__________
(1) الأقرع بن معاذ: هو الأقرع القشيري. كان يناقض جعفر بن علية الحارثي وكانا في أيام هشام بن عبد الملك.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 380ومعاهد التنصيص 1: 126.
(2) عبد العزيز بن الماجشون: هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون ويقال دينار الماجشون المدني. كان يقول بالقدر والكلام وكان فقيها ورعا متابعا لمذهب أهل الحرمين مفرعا على أصولهم ذابا عنهم. له كتب مصنّفة في الأحكام، توفي ببغداد سنة 164هـ، صلّى عليه المهدي ودفنه في مقابر قريش.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 343وتاريخ بغداد 1: 436.
(3) عمر بن أحمد بن بديل اليامي: لم نقف له على ترجمة.(3/18)
أما الرحيل فحين جدّ ترحلت ... مهج النفوس له عن الأجساد (1)
من لم يبت والبين يصدع قلبه ... لم يدر كيف تفتّت الأكباد
71 - عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير (2):
ليت شعري ولليالي صروف ... هل أرى مرة بقيع الزبير (3)
ذاك مغنى ألفته وقطين ... تفرح النفس إذ تراهم بخير (4)
72 - عمار بن عبد الله الكلبي (5):
أذّن جيرانك بالرحيل ... وقربوا أنايق الحمول
من رامتي حومة فالدخول ... ثم غدوا بقلبك المتبول
وخلّفوا جسمك في الطول
73 - عدي بن غطيف الكلبي (6):
يا من رأى ظعنا تيمم صرخدا ... يحدو بها حوران فهي ظماء (7)
__________
(1) جدّ الرحيل: حان وقته.
(2) عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير: أبو الحارث، عالم بالفقه والحديث والنسب وأيام العرب وأشعارها وله أشعار تروى. كان يسكن بغداد وحدّث بها. مات في آخر زمان هارون الرشيد.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 235وميزان الإعتدال 2: 360وطبقات ابن سعد 5: 322.
(3) صروف الليالي: أحداثها ومصائبها. وبقيع الزبير: بالمدينة فيه دور ومنازل. راجع معجم البلدان 1: 474.
(4) المغنى: المنزل. والقطين: أهل الدار والخدم والأتباع.
(5) عمار بن عبد الله الكلبي: لم نقف له على ترجمة.
(6) عدي بن غطيف الكلبي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ولم يترجم له.
(7) الظعن: جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج. وتيمّم: تقصد. وصرخد: بلد ملاصق لبلاد حوران من أعمال دمشق ينسب إليها الخمر. وحوران كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قرى ومزارع وحرار.(3/19)
أخبرن بالجولان روضا ممرعا ... فتبعن ما فاهت به البشراء (1)
لما احتللن محلة من جاسم ... طرح العصيّ وأدرك الأهواء (2)
74 - قيس بن ذريح الكناني (3):
بكيت نعم بكيت وكلّ إلف ... إذا بانت قرينته بكاها
وما فارقت لبنى عن تقال ... ولكن شقوة بلغت مداها
75 - كعب بن ذي الحبكة النهدي (4) سيره الوليد بن عقبة (5) إلى دنباوند (6) فقال:
وإن اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل
وإن دعائي كل يوم وليلة ... عليكم بدنباوندكم لطويل
__________
(1) الروض الممرع: الخصيب. ومرع المكان: خصب. ورواية معجم الشعراء: فكأن حارثة لهنّ لواء.
(2) رواية معجم الشعراء: لما احتللن حليمة من جاسم.
(3) قيس بن ذريح الكناني: شاعر من العشّاق المتيمّين، اشتهر بحبّ «لبنى» بنت الحباب الكعبية، وهو من شعراء العصر الأموي من سكان المدينة. كان رضيعا للحسين بن علي بن أبي طالب أرضعته أمّ قيس. أخباره مع لبنى كثيرة جدا، وشعره عالي الطبقة في التشبيب ووصف الشوق والحنين. توفي قيس سنة 68هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 2: 134والنجوم الزاهرة 1: 182والشعر والشعراء 239وعصر المأمون 2: 152.
(4) كعب بن ذي الحبكة النهدي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 345وقال:
سيّره الوليد بن عقبة بن أبي معيط أيام تقلده الكوفة إلى دنباوند لأنها أرض سحرة بعد أن عزره وكان اتّهم بالسحر، فقال كعب في ذلك وذكر له أربعة أبيات.
(5) الوليد بن عقبة: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط. تقدمت ترجمته.
(6) دنباوند: جبل من نواحي الريّ ويطلق اسمه على تلك الناحية، ودنباوند من فتوح سعيد بن العاص في أيام عثمان ولما ولي الكوفة سار إليها فافتتحها سنة 29أو 30هـ ولأهل تلك الناحية في هذا الجبل أساطير.
راجع التفاصيل في معجم البلدان.(3/20)
76 - الهيثم بن القاسم الخثعمي (1):
سائل عن الظاعنين ما فعلوا ... وأين بعد ارتحالهم نزلوا
يا ليت شعري والليت عصمة من ... يأمل ما حال دونه الأجل
أين استقرت نوى الأحبة أم ... هل يرتجى للإحبة القفل (2)
ركب ألحّت يد الزمان على ... إزعاجهم في البلاد فانتقلوا
77 - ذكر عند العباس بن علي (3) ولد قد فارقه فقال: دعوني أتذوق طعم فراقه، فهو والله الذي لا تشجى له النفس، ولا تدمع له العين، ولا يكثر في أثره الالتفات، فلا يدعى له فراقه بالسلامة.
78 [شاعر]:
عجبت لما رأتني ... أندب الربع المحيلا (4)
واقفا في الدار أبكي ... لا أرى إلا الطلولا
كلما قلت اطمأنت ... دارهم قالوا الرحيلا (5)
79 - كان نعيم النحام (6) قديم الإسلام، ولقب بذلك لأن رسول الله
__________
(1) الهيثم بن القاسم الخثعمي: لم نقف له على ترجمة.
(2) القفل: الرجوع.
(3) العباس بن علي: لم نقف له على ترجمة.
(4) هذه الأبيات غنّاها معبد للوليد بن يزيد بن عبد الملك، ذكرها أبو الفرج في كتاب الأغاني.
(5) قبل هذا البيت في الأغاني:
كيف تبكي لأناس ... لا يحلّون الذميلا
والذميل: السير اللّين.
(6) نعيم النحام: هو نعيم بن عبد الله بن عدي بن كعب القرشي العدوي. أمّه فاختة بنت حرب بن عبد شمس. وهو قديم الإسلام أسلم قبله 38شخصا وكان إسلامه قبل عمر. استشهد نعيم بأجنادين في خلافة عمر سنة 15هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 248.(3/21)
صلّى الله عليه وسلّم قال له: دخلت الجنة فسمعت نحمة (1) من نعيم فيها. وأقام بمكة حتى كان قبل الفتح، لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فقال له قومه حين أراد الهجرة وتشبثوا به. أقم ودن بأي دين شئت. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم عليه: قومك يا نعيم كانوا خيرا من قومي لي، إن قومي أخرجوني وأقرّك قومك، فقال نعيم، بل قومك خير يا رسول الله، أخرجوك إلى الهجرة، وقومي حبسوني عنها.
__________
(1) النحمة: هي السلعة التي تكون في آخر النحنحة الممدود آخرها.(3/22)
الباب الرابع والثلاثون الأسنان (1)، وذكر الصبا والشباب، والشيوخة والهرم، وما شاكل ذلك
1 - ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: البركة مع أكابركم.
2 - أنس: جاء شيخ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم في حاجة، فأبطأوا عن الشيخ.
أن بوسعوا له، فقال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.
3 - جعفر بن محمد عن أبيه (2): جاء رجلان إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم شيخ وشاب، فتكلم الشاب قبل الشيخ، فقال: كبركبر.
وبهذه الرواية: من عرف فضل كبير لسنّه فوقره أمنه الله من فزع يوم القيامة.
4 - علي رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن من حق إجلال الله إكرام ثلاثة: ذو الشيبة المسلم، وذو السلطان المقسط، وحامل القرآن غير الجافي عنه ولا الغالي فيه.
__________
(1) الأسنان: الأعمار.
(2) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر. ولد الإمام جعفر بالمدينة سنة 80هـ وتوفي فيها سنة 148هـ.
وولد أبوه محمد الباقر بالمدينة سنة 57هـ وتوفي بالحميمة سنة 114هـ ودفن بالمدينة وهو خامس الأئمة عن الإمامية الأثني عشرية.(3/23)
5 - قام وكيع بن الجراح إلى سفيان الثوري فأنكر عليه قيامه، فقال وكيع: حدثتني عن عمرو بن دينار (1) عن أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم. فسكت سفيان وأخذ بيده فأجلسه إلى جانبه.
6 - أنس يرفعه: ما أكرم شاب شيخا إلا قيض الله له من يكرمه عند سنّه.
7 - أنس يرفعه: قال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي وفاقة خلقي إليّ إنه لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما. ثم بكى، فقيل له: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي ممن يستحي الله منه وهو لا يستحي من الله.
وقال: من بلغ ثمانين من هذه الأمة حرمه الله على النار.
وقال: إن الله يحب أبناء الثمانين.
وقال: إذا بلغ المؤمن ثمانين سنة فإنه أسير الله في الأرض، تكتب له الحسنات وتمحى عنه السيئات.
وقال: من أتت عليه مائة سنة بعثه الله وافدا لأهل بيته.
8 - عبد الله (2): كان رجل من قبلكم لا يحتلم حتى تأتي عليه ثمانون سنة.
9 - وهب (3): إن أصغر من مات من ولد آدم ابن مائتي سنة تبكيه الإنس والجن لحداثة سنه.
__________
(1) عمرو بن دينار: هو عمرو بن دينار المكي، كان من ثقات روات الحديث، وكان مفتي أهل مكة في زمانه. مات سنة 126هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 260وتهذيب التهذيب 8: 28وطبقات ابن سعد 5: 353.
(2) عبد الله: لم نقف له على ترجمة فالذين هم بهذا الاسم كثيرون، ولعلّه عبد الله بن صفوان.
(3) وهب: هو وهب بن منبه. تقدمت ترجمته.(3/24)
10 - عبادة بن الصامت رفعه: ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أطولكم أعمارا في الإسلام إذا سددوا.
11 - قال رجل للفضل بن مروان: كم سنوك؟ قال: سبعون، ثم سأله بعد سنين فقال: سبعون، فقال: ألم تخبرني منذ عشرين سنة بهذا؟
قال: بلى ولكني رجل ألوف، إذا ألفت سنة أقمت فيها عشرين سنة لم أتجاوزها إلى غيرها.
12 - أفلاطن (1): أيها الشبان، أكرموا كباركم ليتأسى بكم من يأتي بعدكم.
13 [شاعر]:
إن معاذ بن مسلم رجل ... قد ضجّ من طول عمره الأبد (2)
قد شاب ر. س الزمان واكته * ل الدهر وأثواب عمره جدد (3)
يا نسر لقمان كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يا لبد (4)
__________
(1) أفلاطن: هكذا في الأصل، وهو أفلاطون الفيلسوف اليوناني المتوفّى سنة 437قبل الميلاد.
(2) الأبيات في العقد الفريد (3: 55) وبغية الوعاة منسوبة إلى محمد بن مناذر. وهي غير منسوبة في عيون الأخبار 4: 59. أمّا الجاحظ فقد قال إنها للخزرجي (الحيوان 6: 327).
وقد ذكر ابن خلكان أن صاحب الشعر هو أبو السري سهل بن أبي غالب الخزرجي، وقال عنه: إنه نشأ بسجستان وادّعى رضاع الجن ووضع على لسانهم أشعارا جميلة. له أخبار مع الرشيد العباسي وابنه الأمين وزبيدة.
راجع ابن خلكان في ترجمة معاذ. وراجع ثمار القلوب 377.
(3) رواية الجاحظ في الحيوان: واختصب الدهر.
(4) لقمان: هو، كما في أعلام الزركلي، لقمان بن عاد بن ملطاط، من بني وائل من حمير، معمّر جاهلي قديم من ملوك حمير في اليمن. يلقّب بالرائش الأكبر. زعم أصحاب الأساطير أنه عاش عمر سبعة نسور، مبالغة في طول حياته. وهو غير لقمان الحكيم الذي تقدمت ترجمته والمذكور في القرآن الكريم.
راجع ترجمته في الروض الأنف 1: 266والتيجان 69ودائرة معارف وجدي 8: 370وثمار القلوب 97.
ولبد: هو آخر نسور لقمان.(3/25)
قد أصبحت دار آدم خربت ... وأنت فيها كأنك الوتد (1)
تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد
14 - قال يزيد بن معن السلمي (2) لمعاوية حين سقطت مقاديم (3) فيه في الطست (4): والله ما بلغ أحد سنّك إلا أبغض بعضه بعضا، فثناياك أهون علينا من سمعك وبصرك، فطابت نفسه.
15 - لما شد عبد الملك أسنانه بالذهب قال: لولا المنبر والنساء ما باليت متى سقطت.
16 - عمرو بن الليث (5): سافر بالحمار الهرم فإن نقل وإلّا دلّ على الطريق.
17 - دخل يونس بن حبيب (6) المسجد وهو يهادي بين اثنين من الكبر، فقال من كان يتهمه على مودته: بلغ بك الكبر ما أرى يا أبا عبد الرحمن! فقال: هو ما ترى، فلا بلغته.
__________
(1) الوتد: كناية عن طول العمر، لأن المنازل عندما تتهدّم تبقى الأوتاد مدة طويلة مغروزة في الأرض.
(2) يزيد بن معن السلمي: لم نقف له على ترجمة.
(3) مقاديم الفم: هي الثنايا.
(4) الطست: وعاء من النحاس للشرب وغيره.
(5) عمرو بن الليث: هو عمرو بن الليث الصفار. كان واليا على خراسان وغيرها من البلدان. عزله المعتمد عنها سنة 271هـ فامتنع، فرضي عنه بعد مدة وولّاه شرطة بغداد. وأعيد إلى ولاية خراسان في أيام المعتضد وأضاف إليه الريّ سنة 284.
توفي سنة 279هـ.
(6) يونس بن حبيب: من أهل البصرة، كان عالما بالأدب والنحو وهو من أصحاب عمرو ابن العلاء أخذ عنه سيبويه والكسائي والفرّاء ومات سنة 183هـ.
راجع ترجمته في طبقات الزبيدي 48وبغية الوعاة 426وأعلام الزركلي.(3/26)
18 - يحيى بن خالد البرمكي:
الليل شيّب والنهار كلاهما ... رأسي بكثرة ما تدور رحاهما
الشيب إحدى الميتتين تقدمت ... أولاهما وتأخرت آخراهما
19 - تميم بن خزيمة (1):
قالت تغيّرت قلت الدهر غيّرني ... والهم شيّبني ما شبت من كبر
20 - قيل لحكيم: مالك تدمن إمساك العصا ولست بمريض ولا كبير؟ قال: لأرى أني مسافر.
21 - دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق فرأى شيخا يزحف فقال: يا شيخ، أيسرّك أن تموت؟ قال: لا، قال: ولم وقد بلغت من السن ما أرى؟ قال: ذهب الشباب وشره، وبقي الكبر وخيره، إذا أنا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الخصلتان.
22 - قيل لأبي الجماهر (2): ابن كم أنت؟ قال: ولّتني الخمسون ذنبها.
23 - وقال آخر: حبوت إلى الستين، وقال آخر: أخذت بعنق الستين.
24 - مسروق (3): إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله.
وأنشد ابن الأعرابي (4):
__________
(1) تميم بن خزيمة: من شيوخ بني تميم كان معاصرا لعمارة بن عقيل الخطفي. راجع أخباره في الأغاني.
(2) أبو الجماهر: هو جندب بن مدرك الهلالي. له شعر ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 1: 222ولم يترجم له.
(3) مسروق: هو مسروق بن الأجدع. تقدمت ترجمته.
(4) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد.(3/27)
إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن جرّ أرسان الحياة له الدهر
25 - أنس رضي الله عنه رفعه: يبغض ابن السبعين في طرة ابن العشرين (1).
26 - كتب الحجاج إلى قتيبة (2): إني نظرت في سنّك فوجدتك لدتي (3)، وقد بلغت الخمسين وإن امرأ سار إلى منهل الخمسين لقريب منه، فسمع به الحجاج بن يوسف التيمي (4) فقال:
إذا كانت السبعون داءك لم يكن ... لدائك إلّا أن تموت طبيب
وإن امرأ قد سار سبعين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
27 - النخعي (5): كان يقال إذا بلغ الرجل أربعين سنة على خلق لم يتغير عنه حتى يموت.
28 - ودعي مدني إلى لهو كان يساعد عليه، فقال: دخلت في حد الأربعين، فما بقي فيّ على الجهل مساعد، وقال (6):
إذا ما المرء قصر ثم مرّت ... عليه الأربعون ولم يبال
ولم يلحق بصالحهم فدعه ... فليس بلاحق أخرى الليالي
هو الأعور الشني (7):
__________
(1) طرّة ابن العشرين: أراد هيئته وهو في سن البلوغ.
(2) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي. ولد سنة 49هـ وتوفي سنة 96هـ وهو من الأمراء الفاتحين. ترجمته في وفيات الأعيان 1: 428والبغدادي 3: 657.
(3) اللّدة: المساوي في العمر.
(4) الحجاج بن يوسف التيمي: لم نقف له على ترجمة. والبيتان في عيون الأخبار.
(5) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد النخعي. تقدمت ترجمته.
(6) البيتان للأعور الشني.
(7) راجع المؤتلف والمختلف ص 39، وراجع الشعر والشعراء ص 535.
والأعور الشنيّ هو بشر بن منقذ كان مع الإمام عليّ يوم الجمل.
وراجع سمط اللآلي 827.(3/28)
29 - عبادة بن الصامت: قال جبرائيل لرسول الله يؤمر الحافظان أن ارفقا بعبدي في حداثة سنّه، فإذا بلغ الأربعين قال احفظا وحققا.
30 - ابن عباس رفعه: من أتى عليه أربعون سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار.
31 - محمد بن علي بن الحسين (1) رضي الله عنهم: إذا بلغ الرجل أربعين سنة نادى مناد من السماء: دنا الرحيل فأعد زادا.
32 - هلال بن يساف (2): كان الرجل من أهل المدينة إذا بلغ أربعين سنة تخلّى للعبادة.
33 - النخعي: كانوا يطلبون الدنيا فإذا بلغوا الأربعين طلبوا الآخرة.
34 - كان يقول عمر بن عبد العزيز: لقد تمت حجة الله على ابن الأربعين، فمات بها.
35 - الحسن (3): لقد أعذر إليك أن عمّرك أربعين فبادر المهلة قبل حلول الأجل. أما والله لقد كان الرجل فيما مضى إذا أتت عليه أربعون سنة عاتب نفسه.
36 - أنس رضي الله عنه رفعه: لكل شيء حصاد، وحصاد أمتي ما بين الستين إلى السبعين.
__________
(1) محمد بن علي بن الحسين: هو الإمام محمد الباقر. تقدمت ترجمته.
(2) هلال بن يساف: ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل الكوفة وقال: كان ثقة كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 208وتهذيب التهذيب 11: 86.
(3) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري: تقدمت ترجمته.(3/29)
37 - حذيفة (1) رضي الله عنه: قالوا: يا رسول الله، ما أعمار أمتك؟ قال: مصارعهم ما بين الخمسين والستين. قالوا: يا رسول الله فأبناء السبعين؟ قال: قلّ من بلغها من أمتي، فرحم الله أبناء السبعين، ورحم الله أبناء الثمانين.
38 - سأل وهبا (2) عمرو بن دينار عن سنّه فقال: ستون، فقال:
ينبغي لمن سار إلى الله منذ ستين سنة أن يكون قد أناخ. وروي: أنت تسير إلى الله منذ ستين سنة أوشك أن تريح راحلتك وتحط رحلك.
39 - بليل الصفار (3):
وما صاحب السبعين والعشر بعدها ... بأقرب ممّن حنّكته القوابل (4)
ولكن آمالا يؤملها الفتى ... وفيهنّ للراجين حق وباطل
40 - إبراهيم بن أدهم: كنا نرجو الشاب، فإذا تلكم عند من هو أكبر منه أيسنا من كل خير عنده.
41 - عاش كل واحد من حسان (5)، وأبيه ثابت، وجده المنذر، وجد أبيه مائة وأربعين سنة، وكان عبد الرحمن (6) إذا حدث بذلك أشرأبّ له وثنى يده عليها. فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة.
42 - عنه عليه السّلام: ما أعمار أمتي في أعمار من مضى إلا كما بين
__________
(1) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان الأنصاري. تقدمت ترجمته.
(2) وهب: هو وهب بن منبّه.
(3) بليل الصفار: لم نقف له على ترجمة.
(4) حنكته: دلكته بحنكه. والحنك أعلى باطن الفم. والقوابل: جمع قابلة وهي التي تتلقّى الولد عند ولادته من بطن أمّه.
(5) حسّان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري شاعر الرسول. تقدمت ترجمته.
(6) عبد الرحمن: هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري، أمّه أخت مارية القبطية. ولد في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعاش في المدينة وكان يهاجي عبد الرحمن بن الحكم. في سنة وفاته خلاف قيل إنها سنة 48هـ. راجع ترجمته في الإصابة.(3/30)
مغيربان (1) الشمس.
43 - أبو هريرة رفعه: من عمّر ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر.
عبد الله بن الزبير: أنت عليّ سبعون سنة، أنا من زرع قد استحصد (2).
44 - يحيى بن معاذ: مقدار عمرك في جنب عيش أهل الجنة كنفس واحد، فإذا ضيّعت نفسك فخسرت عيش الأبد إنك لمن الخاسرين.
45 - أبو البلاد الطهري (3):
مضت مدّتي حتى انحنيت من البلى ... وكانت قناتي من قنا الخط عودها (4)
وغيرّني الأحداث يا أم مالك ... وراجع خطوي مشية لا أريدها
46 - عنه عليه السّلام: خلق ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون ميتة إن أخطأته وقع في الهموم حتى يموت.
47 - سئل أحمد بن عيسى العلوي (5) عن سنّيه فقال: خلفت الخمسين من ورائي، وإنّ التفاتي إليها لطويل.
__________
(1) كذا في الأصل والصحيح: مغيربي (مثنى مضاف).
(2) استحصد الزرع: آن وقت حصاده.
(3) أبو البلاد الطهري: كنية أحد شعراء بني طهية ويعرف أيضا بأبي الغول الطهوري لأنه كما يقول رأى غولا فقتله.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 106والبيان والتبيين: 1: 354والحيوان للجاحظ 3: 106.
(4) الخط: هو مرفأ للسفن بالبحرين تباع فيه الرماح «الخطيّة».
(5) أحمد بن عيسى العلوي: هو أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب. ولد سنة 157هـ بالمدينة، نشأ فاضلا عالما بالدين والحديث.
سجنه الرشيد وفرّ من سجنه واختبأ مدة عند محمد بن إبراهيم الإمام ببغداد، ثم ذهب إلى البصرة ومات فيها سنة 274هـ.
راجع ترجمته في مقاتل الطالبيين.(3/31)
48 [شاعر]:
الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرّني ولم يتغير
والدهر قيّدني بقيد محكم ... فمشيت فيه وكل يوم يقصر
49 - أبو الحسن الحماني (1):
هبني بقيت على الأيام والأبد ... ونلت ما رمت من مال ومن ولد
من لي برؤية من قد كنت ألفه ... وبالشباب الذي ولى فلم يعد
50 - ابن عروس الكاتب (2):
لقد تأملت الحياة ... عقيب أيام التصابي
فإذا المصيبة في الحياة ... هي المصيبة بالشباب
51 - في الزبور (3): من بلغ السبعين اشتكى من غير علة.
52 - قال عبد الملك للعريان بن الهيثم (4): كيف تجدك؟ قال:
أجدني قد ابيضّ منيّ ما كنت أحب أن يسود، واسودّ مني ما كنت أحب أن يبيض، واشتدّ مني ما أحب أن يلين، ولان مني ما أحب أن يشتدّ، ثم قال:
سلني أنبئك بآيات الكبر ... نوم العشاء وسعال بالسحر
وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وقلة الطعم إذا الزاد حضر
__________
(1) أبو الحسن الحماني: لم نقف له على ترجمة.
(2) ابن عروس الكاتب: هو محمد بن عروس. ذكره المرزباني في معجم الشعراء.
(3) الزبور: الكتاب المزبور، وهو ما أنزل على داود من بعد الذكر من بعد التوراة.
راجع العقد الفريد 3: 57.
(4) العريان بن الهيثم: من رجال مذحج، يعدّ من رجال الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 149وتهذيب التهذيب 7: 190وهذا الخبر عنه في عيون الأخبار 2: 32والعقد الفريد 3: 53.(3/32)
وسرعة الطرف وتحميج النظر ... وتركي الحسناء في قبل الطهر (1)
وكثرة النسيان فيما يدّكر ... وشعر بدّلته بعد شعر
والناس يبلون كما تبلى الشجر
53 - علي رضي الله عنه: بقية عمر المرء لا ثمن لها، يدرك بها ما فات، ويحيي بها ما أمات.
54 - قيل لشيخ: كم أتى عليك؟ قال: عشر سنين. قيل: وكيف وأنت شيخ كبير؟ قال: أنا منذ عشر سنين من التوابين.
هو ابن قبضة (2) وقد شارف أن يحتوي هنيدة (3)، أي هو ابن ثلاث وتسعين وقارب المائة، أبلى ثلاث عمائم في الشعر الأسود والمغلس والأبيض.
55 - غيلان بن سلمة الثقفي (4):
الشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفّس (5)
لم ينتقص مني المشيب قلامة ... الآن حين بدا ألبّ وأكيس (6)
56 - استحضر المتوكل الجاحظ فقال: وما يصنع أمير المؤمنين
__________
(1) تحميج النظر: أي تحريك العينين لتصغيرهما كي يتمكّنا من النظر جيدا.
(2) القبضة: جمع الكفّ وهي حسابيا عند البعض ثلاث وتسعين.
(3) الهنيدة من الإبل: المائة.
(4) غيلان بن سلمة الثقفي: من حكماء الجاهلية. له أخبار مع كسرى. قسم أعماله في الجاهلية على الأيام. فيوم يحكم فيه بين الناس، ويم ينشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جماله وهكذا، أسلم عند الفتح وعنده عشرة نسوة فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يمسك منهن أربعا. مات في خلافة عمر سنة 23هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 192والإستيعاب 3: 186والمحبّر 357والحيوان 1: 362، وراجع الأعلام للزركلي.
(5) رواية الإصابة: والشيب أن يحلل فإن وراءه.
(6) اللّب: اللطيف القريب من الناس. والكيّس: الظريف.(3/33)
بامرىء ليس بطائل، ذي شقّ مائل، ولعاب سائل، وعقل حائل.
57 - ديك الجن (1):
نهنهت الخمسون من شرتي ... وقصرت خطوي بعد اتساع
تعترف النفس بنقص القوى ... فأمسك النفس ببعض الخداع
أذكر أسنان التي فوقها ... والموت قد يودي بمن في الرضاع
58 - قريبة الإسناد من عاد، وفرعون ذي الأوتاد.
59 - قد عطل الدهر مسواكها (2). عشورية لم يبق إلا هديرها (3).
60 - قيس بن الحدادية الخزاعي (4):
هل الأدم كالآرام والزهر كالدمى ... معاودتي أيامهن الصوالح (5)
زمان سلاحي بينهن شبيبتي ... لها سائف في سيبهن ورامح
فأقسمن لا يسقينني قطر مزنة ... لشيبي ولو سالت بهن الأباطح (6)
61 - عبد الرحمن بن أبي بكرة (7): من تمنّى طول العمر فليوطن
__________
(1) ديك الجن: هو عبد السلام بن رغبان الملقب بديك الجن المتوفّى سنة 235هـ.
راجع ترجمته في مقدمة ديوانه (بتحقيقنا ص 125) طبعة دار الفكر اللبناني.
(2) عطّل مسواكها: أي أسقط أسنانها فلم تعد تحتاج إلى مسواك فتعطّل مسواكها.
والمسواك هو العود الذي تنظّف به الأسنان.
(3) العشورية: هي الناقة المسنّة: وهدير الناقة: تردّد صوتها في حنجرتها.
(4) قيس بن الحدادية الخزاعي: هو قيس بن منقذ بن عمرو بن عبيد من بني خزاعة، والحدادية أمّه، شاعر جاهلي، من الصعاليك الفاتكين الشجعان خلعته خزاعة بسوق عكاظ وأشهدت على نفسها بخلعها إيّاه، كان يهوى أم مالك نعم بنت ذؤيب الخزاعي وله فيها شعر بديع الصنعة. قتله جمع من مزينة.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 325وأمالي اليزيدي 153.
(5) الآرام: هي حجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدى بها واحدها إرم.
(6) المزنة: السحابة الممطرة. والأباطح: جمع الأبطح وهو مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.
(7) عبد الرحمن بن أبي بكرة: من ثقات رواة الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات، وهو أول مولود ولد في البصرة بعد أن مصّرت سنة 14هـ. توفي سنة 96هـ.
ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 6: 148والإصابة 5: 149.(3/34)
نفسه على المصائب.
62 [شاعر]:
وكأن طول العمر روحة راكب ... قضى اللغوب وجدّ في الإسراء (1)
63 - أبو حية النميري (2):
ترحّل بالشباب الشيب عنّا ... فليت الشيب كان به الرحيل
وقد كان الشباب لنا خليلا ... فقد قضّى مآربه الخليل
لعمر أبي الشباب لقد تولى ... حميدا لا يراد به بديل
إذ الأيام مقبلة علينا ... وظل أراكة الدنيا ظليل (3)
64 - أنس: قال ملك الموت لنوح عليه السّلام: يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتا له بابان، فقام وسط البيت هنيهة ثم خرج من الباب الآخر.
65 - يقال للبالغ عمره: ما بقي منه إلا مثل ظمء الحمار (4).
66 - وعن مروان بن الحكم: الآن حين نفذ عمري ولم يبق منه إلا مثل ظمء الحمار صرت أضرب الجيوش بعضها ببعض.
67 - يقال لمن بلغ ساحل الحياة ما هو إلّا شمس العصر على القصر.
68 - ابن المعتز عظّم الكبير فإنه عرف الله قبلك، وارحم الصغير فإنه
__________
(1) اللغوب: الضعيف الأحمق، واللغب أيضا الكلام الفاسد.
(2) أبو حيّة النميري: هو الهيثم بن زرارة. تقدمت ترجمته.
(3) الأراكة: شجرة طويلة خضراء ناعمة كثيرة الورق والأغصان.
(4) قوله: ما بقي منه إلّا مثل ظمء الحمار، أي لم يبق من عمره إلّا اليسير. والمعروف أن الحمار أقلّ الدواب صبرا على العطش.(3/35)
أغر (1) بالدنيا منك.
69 - قال المنتصر (2) للحسين بن الضحاك وكان من بقية أهل الفضل، وقد أتاه مهنئا بالخلافة، وهو شيخ أخذت منه السنّ العالية، بعد ما بالغ في إكرامه، وسر بسلامته: بقاؤك بهاء للملك، وزينة للدولة، وقد ضعفت عن الحركة، فكاتبني بحاجاتك، ولا تحمل على نفسك (3).
70 - أبو الطفيل عامر بن واثلة (4) له صحبه. وتروى لمسعود بن مصاد الكلبي (5):
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة ... وهنّ من الأزواج نحوي نوازع
وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... عليّ ولكن شيّبتني الوقائع
71 - دخل معن بن زائدة على المأمون فقال: إلى أي حال صيّرك الكبر؟ قال: إلى أن أعثر ببعرة، وتقيّدني شعرة. قال: كيف حالك في المأكول والمشروب والنوم؟ قال: إن جعت جررت وإن أكلت ضجرت، وإن كنت في ملأ نعست، وإذا صرت إلى قوامى شتّى أرقت، قال: كيف حالك مع النساء؟ قال: اما القباح فلست أريدهن وأما الملاح فليس يردنني. قال: لا يحل أن يستثاب مثلك، أضعفوا رزقه وأكرموا منزله يركب إليه الناس ولا يركب إلى أحد.
72 - شميط (6): أحدهم قد كبر سّنه، ورقّ عظمه، وأنكر نومه
__________
(1) قوله: أغرّ بالدنيا منك أي هو دون تجربة في الحياة.
(2) المنتصر: هو الخليفة العباسي محمد المنتصر.
(3) قوله: لا تحمل على نفسك: أي لا تحمل نفسك على المشقة.
(4) عامر بن واثلة: تقدمت ترجمته.
(5) مسعود بن مصاد الكلبي: هو معمر جاهلي يقال إنه عاش 140سنة.
راجع كتاب المعمرين ص 56.
(6) شميط: هو شميط بن عجلان الشيباني، من وعاظ أهل البصرة وقصّاصهم، كان من الزهّاد، وابنه عبيد الله بن شميط من ثقات رواة الحديث مات سنة 181هـ.(3/36)
وطعمه وهو فاغر فاه، لهفان على الدنيا، كأنما ابتكر العيش جدعا، ويحك، أترجو أن يرجع إليك الشباب، فليس بعائذ إليك، أما تدرك نفسك في بقية عمرك، أما تتوب إلى الله، من قريب؟.
73 - أطع أكبر منك ولو بليلة.
74 - رأى الحسن البصري: في يد أمه كراثة فقال: يا أمه، ما هذه الشجرة الخبيثة في يدك؟ قالت: يا بني إنك شيخ قد خرفت! قال: يا أمه، أينا أكبر أنا أو أنت؟.
75 - داود بن متمم بن نويرة (1):
يخاف عليّ المشفقون ومدتي ... إلى أجل لو يعلمون قريب
وما رغبتي في آخر العيش بعد ما ... لبست شبابي كله ومشيبي
وأصبحت في قوم كأن لست منهم ... وغاب قروني بينهم وضروبي
76 [شاعر]:
لو لم يوكل بالفتى ... إلا السلامة والنعم
فتداولاه لأوشكا ... أن يسلماه إلى الهرم
77 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ما لم يخضبها أو ينتفها.
78 [شاعر]:
أعر طرفك المرآة فانظر فان بنا ... بعينيك منك الشيب فالبيض أعذر
إذا شنئت وجه الفتى عين نفسه ... فعين سواه بالشناءة أجدر (2)
79 - العتبي (3):
__________
(1) داود بن متمّم بن نويرة: لم نقف له على ترجمة والذي نعرفه أن أباه كان شاعرا وكذلك عمّه نويرة.
(2) الشنأ: البغض.
(3) العتبي: هو محمد بن عبيد الله العتبي. تقدمت ترجمته.(3/37)
رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي ... فأعرضن عنّي بالخدود النواضر
وكنّ إذا أبصرنني أو سمعن بي ... سعين فرقّعن الكوى بالمحاجر (1)
80 - أبو الشبل البرجمي (2):
عذيري من جواري الح ... ي إذ يرغبن عن وصلي
رأين الشيب قد أل ... بسني أبهة الكهل
وعرّضن وقد كنّ ... ن إذا قيل أبو شبل
تساعين فرقّعن ال ... كوى بالحدق النجل (3)
81 - آخر:
علاني من صروف الدهر نقع ... أحاذر نفضه عنّي حذارا
فويلي حين غبّرت الليالي ... وويلي حين ينفضن الغبارا
82 - إياس بن قتادة العبشمي (4) رأى شيبة في لحيته فقال: أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، يا رب أعوذ بك من فجاءات الأمور. يا بني سعد إني قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته. فقال له أهله: تموت هزلا، فقال: لأن أموت مؤمنا أحبّ إليّ من أن أموت منافقا سمينا.
__________
(1) رواية العقد الفريد: دنون فرقّعن الكوى بالمحاجر. وفي اللسان نسب هذا البيت لعمر بن أبي ربيعة والرواية فيه:
وكن إذا أبصرنني أو سمعنني ... خرجن فرقعن الكوى بالمحاجر
(2) أبو الشبل البرجمي: هو عاصم بن وهب ولد بالكوفة ونشأ وتأدّب بالبصرة، ومدح المتوكل في سامراء، كان كثير الغزل ماجنا، صديقا لمحمود الورّاق. سماه المرزباني في معجم الشعراء: عصم بن وهب بن أبي إبراهيم عصمة.
راجع ترجمته في ثمار القلوب 251والموشى 103وطبقات ابن المعتز 380.
(3) الأعين النجل: الحسنة الواسعة.
(4) إياس بن قتادة العبشمي: هو ابن أخت الأحنف بن قيس. راجع صفة الصفوة 3: 144.(3/38)
وروي أنه قال: لا أراني حمّيرا لحاجات بني تميم والموت يطلبني، فنزل الشبكة (1) فاتخذها مسجدا، فلم يزل يعبد الله حتى مات.
83 - الحسن (2): أفضل الناس ثوابا يوم القيامة المؤمن المعمّر.
84 - عبد العزيز بن أبي رواد: من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء:
الإسلام، والقرآن، والشّيب.
85 [شاعر]:
يا عامر الدنيا على شيبه ... فيك أعاجيب لمن يعجب
ما عذر من يعمر بنيانه ... وجسمه منهدم يخرب
86 - الشيب مطية الأجل، وطريدة الأمل.
أبو حازم (3): لا تقتد بمن لا يخاف الله بظهر الغيب، ولا يصلح عند الشيب.
87 - عمر رضي الله عنه: أما تنهاك شماطتك من معاصي الله؟.
88 - أعرابي: للموت تقحّم على المشيب كتقحّم المشيب على الشباب.
89 - يونس بن حبيب: قال لي رؤبة (4): حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأزوقها لك؟ أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك؟.
90 - الفرزدق:
__________
(1) الشبكة: ماء لبني أسد قريب من حبشى قرب سميراء. والشبكة أيضا من مياه بني نمير بالشريف وتعرف بشبكة ابن دخن وابن دخن جبل. راجع معجم البلدان 3: 322.
(2) الحسن: هو الحسن بن يسار.
(3) أبو حازم: هو سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج، قاضي أهل المدينة مات في خلافة أبي جعفر سنة 144هـ. راجع تهذيب التهذيب.
(4) رؤبة: هو رؤبة بن العجاج. تقدمت ترجمته.(3/39)
وتقول كيف يميل مثلك للصبا ... وعليك من عظة الحكيم عذار
والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار
91 - الشعبي (1): الشيب علّة لا يعاد عنها ومصيبة لا يعزّى عليها.
92 - وقال محمود الوراق:
أليس عجيبا بأن الفتى ... يصاب ببعض الذي في يديه
فمن بين باك له موجع ... وبين معزّ مغذّ إليه
ويسلبه الشيب شرخ الشبا ... ب فليس يعزيه خلق عليه
93 - رأى حكيم طارىء شيبة فقال: مرحبا بثمرة الحكمة، وجنى التجربة، ولباس القتوى.
94 - أعرابي: كنت أنكر الشعرة البيضاء فأصبحت أنكر الشعرة السوداء. أبو دلف (2):
تأوّ بني هم لبيضاء نابتة ... لها بغضة في مضمر القلب ثابتة
ومن عجب أني إذا رمت قصّها ... قصصت سواها وهي تضحك شامتة
95 - ابن المعتز:
فظللت أطلب وصلها بتذلل ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
96 - يقال: فلان صفق وجهه على المشيب، إذا تصابى وهو أشيب.
97 - وروي أن إبراهيم صلوات الله عليه أول من شاب ليتميز عن إسحاق، إذ كان من الشبه به بحيث لا يكاد يميز بينهما، فلما وخطه (3)
الشيب قال: يا رب، ما هذا؟ قال: هو الوقار، قال: يا رب، زدني وقارا.
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. تقدمت ترجمته.
(2) أبو دلف: هو القاسم بن عيسى. تقدمت ترجمته.
(3) وخطه الشّيب: خالط سواد شعره.(3/40)
98 - الحماني (1):
لعمرك للمشيب عليّ مما ... فقدت من الشباب أشدّ فوتا
تمنيت الشباب فصار شيبا ... وأبليت المشيب فصار موتا
99 - أنشد ابن الأعرابي (2):
إذا رأيت صلعا في الهامة ... وحدبا بعد اعتدال القامة (3)
وصار رأس الشيخ كالثمامة ... فايأس من الصحة والسلامة (4)
100 - النمر بن تولب (5):
ألست بشيخ قد خطمت بلحية ... فتقصر عن جهل الغرانقة المرد (6)
101 - قال شاب لشيخ: من قيدك يا شيخ؟ قال: الذي خليته يفتل قيدك.
102 - ومر شيخ بفتيان من العرب فقالوا: أجززت يا شيخ (7)! فقال لهم: يا بنيّ وتحتضرون (8).
__________
(1) الحماني: هو أبو الحسن الحماني. تقدمت ترجمته.
(2) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد. تقدمت ترجمته.
(3) الهامة: الرأس، وقيل: أعلاه.
(4) الثمام: نبت ضعيف لا يطول واحدته ثمامة.
(5) النمر بن تولب: من الشعراء المخضرمين، عدّه السجستاني في المعمرّين. كان جوادا يشبّه شعر بشعر حاتم الطائي، لم يمدح أحدا ولا هجا أحدا. أدرك الإسلام وهو كبير السنّ ووفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم. عاش إلى أن خرف.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 227والمعمرين 70وخزانة البغدادي 1: 156 وشرح شواهد المغني 66.
(6) الغرنوق والغرنيق: الأبيض الشاب الناعم الجميل. والأمرد: الشاب طرّ شاربه ولم تنبت لحيته.
(7) قوله أجززت يا شيخ: أي آن لك أن تجزّ وتموت.
(8) تحتضرون: أي تتوفون شبابا.(3/41)
103 - وصاح صبي بشيخ أحدب: بكم ابتعت هذا القوس يا عماه؟
فقال: إن عشت أعطيتها بغير ثمن.
104 - المفجع البصري (1):
لعمري لئن حلّ المشيب بمفرقي ... لقد كان ما أحللت بالشيب أعظما
سل الشيب هل وقرّته في خطيئة ... وقد عفت حوبا أو تجاوزت مأثما
105 - الكلبي (2):
ما أطيب العيش لولا أن صفوه مشوب، وثمره مشيب! قال: ما أقبح غشيان اللمم (3) إذا ألمّ المشيب باللّمم (4).
106 - وصف بعضهم الشيب فقال: لا الخضاب يخفيه، ولا المقراض يحفيه (5).
107 - مر رجل أشمط (6) بامرأة كاملة فقال: إن كان لك زوج فبارك الله لك فيه، وإلّا فأعلمينا. فقالت: كأنك تخطبني! ثم قالت: إن فيّ شينا (7)، قال: وما هو؟ قالت: شيب في رأسي. فثنى عنان دابته،
__________
(1) المفجّع البصري: هو محمد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب البصري، لقب بالمفجع ببيت قاله. كانت بينه وبين ابن دريد مهاجاة، وكان شيعيا له قصيدة في مدح الإمام علي بن أبي طالب سمّيت بذات الأشباه. له تصانيف عديدة. توفي سنة 327.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 17: 190ومعجم الشعراء 464وبغية الوعاة 13 ويتيمة الدهر 2: 363وفيها أنه صاحب ابن دريد والقائم مقامه بالبصرة في التأليف والإملاء.
(2) الكلبي: لم نقف له على ترجمة لأن المنسوبين إلى كلب كثيرون.
(3) غشيان اللّمم: مقارفة صغار الذنوب.
(4) اللّمم: جمع اللمة وهي شعر الرأس إذا جاوز شحمة الأذن.
(5) يقال: أحفى شاربيه: إذا بالغ في أخذهما.
(6) الأشمط من الرجال: الذي يخالط بياض شعره سواده. والشمط في الرجل أيضا:
شيب اللحية.
(7) الشين: العيب.(3/42)
فقالت: على رسلك (1)! لا والله ما بلغت عشرين سنة، ولا رأيت في رأسي شعرة بيضاء، ولكن أحببت أن أعلمك أني أكره منك مثل ما تكره مني.
وأنشد للنميري (2):
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموقع شيبهن من الرجال
108 - ابن المعتز:
وما أقبح التفريط في زمن الصبا ... فكيف به والشيب للرأس شامل
109 - وكان المأمون يتمثل:
رأت وضحا في الرأس مني فراعها ... فريقان مبيض به وبهيم
تفاريق شيب في السواد لوامع ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم
110 [شاعر]:
لا يرعك المشيب يا ابنة عبد الله ... فالشيب حلية ووقار
111 - ابن الرومي:
لاح شيبي فرحت أمرح فيه ... مرح الطرف في العذار المحلّى (3)
112 - أنشد ابن الأنباري (4):
__________
(1) على رسلك: أي على مهلك.
(2) النميري: هو محمد بن عبد الله. تقدمت ترجمته.
(3) الطرف: الكريم الطرفين أي الأب والأمّ من الناس والكريمها من غير الناس كالخيل ونحوها. والعذار. ما سال من اللجام على خدّ الفرس. وهو أيضا جانب اللحية أي الشعر الذي يحاذي الأذن، أو ما ينبت عليه ذلك الشعر.
(4) ابن الأنباري: هو محمد بن عمر بن يعقوب، كان شاعرا مقلا، صوفيا واعظا، وهو أحد العدول ببغداد، اشتهر بقصيدته في رثاء الوزير ابن بقية التي أوّلها: علوّ في الحياة وفي الممات.
قال صلاح الدين الصفدي: لم يسمع في مصلوب أحسن منها. مات نحو سنة 380هـ راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 35ووفيات الأعيان 2: 63والنجوم الزاهرة 4: 130.(3/43)
وا سوءتا لمشيب ضاف أرحلنا ... لم نقره نهية منّا ولا ورعا
113 - يقال: ليله عسعس (1) وصبحه تنفس، إذا شاب.
114 - ابن عباس: من شاب من مقدمه فهو كرم، ومن شاب من صدغيه فهو درع، ومن شاب من شاربه فهو فحش، ومن شاب من قفاه فهو لؤم.
[شاعر]:
ألا إن شيب العبد من نقرة القفا ... وشيب كرام الناس فوق المفارق
115 - ابن أبي فنن (2):
من عاش أخلقت الأيام جدّته ... وخانه ثقتاه السمع والبصر (3)
116 - شيب الشعر موت الشعر، وموت الشعر علة موت البشر.
117 - في ديوان المنظوم:
ألا قل لمن شارفته المنون ... وحلّ بفوديه فرّاطها (4)
__________
(1) عسعس الليل: أقبل بظلامه، وقيل عسعسته قبل السّحر. وفي التنزيل: والليل إذا عسعس والصّبح إذا تنفّس، قيل: هو إقباله، وقيل: هو إدباره. قال الفرّاء: أجمع المفسّرون على أن معنى عسعس أدبر.
(2) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن: وأبو فنن كنية أبيه واسم أبيه صالح بن سعيد كما في وفيات الأعيان.
راجع وفيات الأعيان ترجمة يزيد بن مزيد، والحيوان 5: 448.
(3) رواية ابن قتيبة في عيون الأخبار 2: 320وابن عبد ربّه في العقد الفريد 3: 57:
وخانه الثقتان السمع والبصر. وبعده:
قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر
(4) الفود: جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الأمام، وقيل: الشعر الذي عليه.
والفرّاط: المتقدمون. والمنون: الموت.(3/44)
قيامتك اقتربت أن تقوم ... فانظر فقد جاء أشراطها (1)
118 - آخر:
ومروعة بمشيب رأس أقبلت ... تبكي فقلت لها ودمعي جاري
هذا المشيب لهيب نار أوقدت ... في القلب موقدها حذار النار
119 - آخر:
إذا نازل الشيب الشباب فأصلتا ... بسيفهما فالشيب لا بد غالب
120 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله تعالى: الشيب نوري فلا يجمل بي أن أحرق نوري بناري.
121 - حكيم: الشيب نور لمن اهتدى، والشيب ظلمة لمن ظلم.
122 - ابن المعتز:
وكيف التصابي بعد ما ذهب الصبا ... وقد ملّ مقراضي عتاب مشيبي
123 - أنس رفعه: خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر كهولكم من تشبه بشباكم.
124 - ابن عمر (2) رفعه: خياركم شبابكم وشراركم شيوخكم، فسألوه فقال: إذا رأيتم الشاب يأخذ بزي الشيخ العابد المسلم في تقصيره وتشميره فذلك خياركم، وإذا رأيتم الشيخ الطويل الشاربين يسحب ثيابه فذلك شراركم.
125 - عمير بن هانىء (3): التوبة تقول للشاب: مرحبا وأهلا،
__________
(1) أشراط القيامة: علاماتها.
(2) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(3) عمير بن هانىء: هو عمير بن هانىء العنسي، من ثقات رواة الحديث، كان من التابعين العباد، يسبّح في اليوم مائة ألف تسبيحة ويصلي في اليوم ألف سجدة. ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 149.(3/45)
وتقول للشيخ: نقبلك على ما كان فيك.
126 - عيسى ابن مريم عليه السّلام كان إذا مرّ على الشباب يقول: كم من زرع لم يدرك الحصاد! وإذا مرّ على الشيوخ قال: ما ينتظر بالزرع إذا أدرك إلا أن يحصد.
127 - العتبي (1):
قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر (2)
128 - علي بن ربيعة العبادي (3):
كبرت ورقّ العظم مني وعقّني ... بنيّ وزالت عن فراشي القعائد (4)
وأصبحت أعشى أخبط الأرض بالعصا ... تقودني بين البيوت الولائد
129 [آخر]:
لم لا أصرّ على البطالة والصبا ... وعليّ برد شيبتي وإزارها
وإذا تراءت للقيان محاسني ... طمحت إليّ شواخصا أبصارها (5)
ولو انّ عيدانا بغير مضارب ... أبصرنني لتحرّكت أوتارها (6)
هو من قول الأعرابي: لو أبصرت العيدان فلانا لتحركت أوتارها، ولو نظرت إليه مومسة لسقط خمارها
__________
(1) العتبي: هو محمد بن عبد الله العتبي الإخباري من نسل عتبة بن أبي سفيان، كان شاعرا صاحب أخبار وآداب توفي سنة 228وله كتاب الخيل.
(2) برؤه: شفاؤه. والبيت منسوب لابن أبي فنن الذي تقدمت ترجمته. راجع عيون الأخبار 2: 320والعقد الفريد 3: 57.
(3) علي بن ربيعة العبادي: لم نقف له على ترجمة.
(4) القعائد: جمع قعيدة، وقعيدة الرجل: زوجته.
(5) القيان: جمع قينة وهي الأمة المغنّية.
(6) العيدان: جمع عود وهو آلة العزف. والمضارب جمع مضرب وهو ما يضرب به العازف على أوتار العود كالريشة وما شابه ذلك.(3/46)
130 - نظر رجل إلى أبي دلف (1) في مجلس المأمون فقال: إنّ همّته ترمي به وراء سنه.
131 - يونس النحوي (2): ما بكت العرب على شيء ما بكوا على الشباب، وما بلغوا منه ما يستحق.
132 - عمر رفعه: ما من شاب يدع لذة الدنيا ولهوها، ويستقبل بشبابه طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا.
133 - يقول الله تعالى: أيها الشاب المبتذل شبابه لي، التارك شهواته، أنت عندي كبعض ملائكتي.
134 - جواس بن نعيم (3):
وللكبر رثيّات أربع ... الركبتان والنّسا والأخدع (4)
ولا يزال رأسه يصّدّع ... وكل شيء بعد ذاك يبجع
135 - أنشد الجاحظ:
قامت تحاصرني لقبتها ... خود تأطر غادة بكر (5)
كلّ يرى أن الشباب له ... في كل مبلغ لذة عذر
136 - القتال المخرمي (6):
__________
(1) أبو دلف: هو أبو دلف العجلي القاسم بن عيسى. تقدمت ترجمته.
(2) يونس النحوي: هو يونس بن حبيب الضبيّ النحوي. تقدمت ترجمته.
(3) جواس بن نعيم: ويعرف بابن أم نهار ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص 75.
وينسب هذا الرجز أيضا لأبي النجم العجلي. راجع تهذيب الألفاظ لابن السكيت ص 114.
(4) الرثيات: جمع رثية وهي داء (أو وجع) يعرض في المفاصل.
والنّسا: عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمرّ بالعرقوب إلى الكعب.
والأخدع: عرق في جانب العنق وهما عرقان خفيا وبطنا.
(5) الخود: المرأة الحسناء الحييّة.
(6) القتال المخرمي: الصواب هو القتال بن المضرحي المعروف بالقتال الكلابي كان فارسا شجاعا وشاعرا إسلاميا في الدولة المروانية في عصر الراعي وجرير.
راجع ترجمته في المحبّر 213والمؤتلف والمختلف 167وخزانة البغدادي وأسماء المغتالين 203.(3/47)
يا شبابا سلبتني ... هـ الليالي والخطوب
طلعت في الرأس شمس ... ما لها بعد غروب
137 [آخر]:
إن الأمور إذا قام الشباب بها ... دون الشيوخ ترى في بعضها زللا
إن الشباب لهم في الأمر بادرة ... وللشيوخ أناة ترفع الخللا
138 - أرطأة بن سهية (1):
فقلت لها يا أم بيضاء إنه ... حريق شبابي واستثن أديمي
وكان ابن ميادة (2) يستحسنه.
139 - أيوب عليه السّلام: إن الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير، فإذا جعل الله العبد حكيما في الصبا لم يضع منزلته عند الحكماء حداثة سنّه وهم يرون عليه من الله نور كرامته.
140 - كثّير بن المطلب السهمي (3):
يزيد كما زاد الهلال إذا بدا ... دقيقا إلى أن عاد ضخما حواجبه
__________
(1) أرطأة بن سهية: تقدمت ترجمته.
(2) ابن ميادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان الذبياني. وميادة أمّه. توفي سنة 149هـ.
تقدمت ترجمته.
(3) كثير بن المطلب السهمي: شاعر قليل الحديث ذكره ابن حبان في الثقات، كان يتشيّع، وهو القائل:
لعن الله من يسبّ عليا ... وحسينا من سوقة وإمام
أمّه عائشة بنت عمرو بن أبي عقرب، وأم المطلب أروى بنت عبد المطلب بن هاشم. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 356وتهذيب التهذيب 8: 426 ومعجم الشعراء 348.(3/48)
فتى السنّ كهل العقل يؤمن شرّه ... ويحمده العافون لين جوانبه
141 - حمزة بن بيض (1) في مخلد بن المهلب (2):
بلغت لعشر مضت من سنّي ... ك ما يبلغ السيد الأشيب
فهمك في معضلات الأمو ... ر وهمّ لداتك أن يلعبوا (3)
142 - ومات مخلد بخناصرة (4) فخرج عمر بن عبد العزيز في جنازته وكان معجبا به لأنه كان سيدا جوادا شجاعا فصلى عليه، ثم تمثل عند قبره:
على مثل عمرو تهلك النفس حسرة ... وتضحى وجوه القوم مسودة غبرا
وقال: لو أن الله أراد بيزيد (5) خيرا لأبقى له هذا الفتى.
143 [شاعر]:
__________
(1) حمزة بن بيض: هو حمزة بن بيض بن نمر بن عبد الله بن شمر الحنفي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان منقطعا إلى المهلب بن أبي صفرة وولده وله أخبار ونوادر وطرف مع عبد الملك بن بشر بن مروان. كان ماجنا، مات سنة 116هـ. وقيل غير ذلك في سنة وفاته.
راجع ترجمته في الأغاني وإرشاد الأريب 4: 146والنويري 4: 79.
(2) مخلد بن المهلب: هو مخلد بن يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة. استخلفه أبوه يزيد على خراسان حين نقم عليه عمر بن عبد اعزيز. مات في الشام سنة 100هـ.
راجع أخباره في الأعلام للزركلي، وراجع أنباء نجباء الأنباء والطبري وابن الأثير.
(3) اللّدة: رفيقك الذي يساويك في العمر والجمع لدات.
(4) خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية. قيل: بناها خناصرة بن عمرو بن عوف بن كنانة ملك الشام. ذكرها المتنبي فقال:
أحب حمصا إلى خناصرة ... وكلّ نفس تحب محيّاها
حيث التقى خدّها وتفاح ... لبنان وتغري على حميّاها.
راجع معجم البلدان 2: 390.
(5) يزيد: هو يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة. ولد سنة 53هـ وتوفي سنة 102هـ.
تقدمت ترجمته.(3/49)
أرى جذعا إن يثن لم يقو رائض ... عليه فبادر قبل أن يثني الجذع؟ (1)
144 - تقول العرب للغلام إذا بلغ عشر سنين رمى، أي قويت يده على الرمي، ولوى إذا بلغ عشرين، أي لوى يد غيره، وعوى إذا بلغ ثلاثين، وهو أشد من لوى، واستوى إذا بلغ الأربعين. وحرى إذا بلغ الخمسين، أي هو حري (2) هو أن ينال الخير.
145 - إسحاق الموصلي (3):
فقدنا الشباب وريعانه ... وريحانه الناضر الأخضرا
وكان الشباب لنا صاحبا ... فلما وثقنا به أدبرا
146 - أبو العتاهية (4):
عريت من الشباب وكنت غضا ... كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب
147 - عمرو بن معد يكرب:
ولقد أروح كأنني ذو خلة ... عضب أجد له القيون صقالا (5)
غزلا أرجّل جمة فينانة ... وأجرّ حاشية الإزار مذالا (6)
__________
(1) الجذع: الصغير السنّ.
(2) حريّ ان ينال الخير: أي هو خليق به.
(3) إسحاق الموصلي: هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي، أبو محمد من أشهر ندماء الخلفاء، مغن متبحّر في العلوم. ولد ببغداد سنة 155هـ وتوفي سنة 235هـ.
(4) أبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم، شاعر مكثر، ولد سنة 130هـ تقدمت ترجمته.
(5) الخلّة: الحاجة. وعضب: صفة للسيف، أي سيف قاطع. والقيون: جمع القين وهو الحدّاد.
(6) الجمّة: الشعر في مقدم الرأس. ورجّل جمّته: سرّحها. والجمة الفينانة: الوافرة.
والإزار: معقد الوسط.(3/50)
148 - أبو الطيب المصعبي (1):
لم أقل للشباب في كنف الله وفي ستره غداة استقلا (2)
زائر لم يزل مقيما إلى أن ... سوّد الصحف بالذنوب تولى (3)
149 - عباءة الراتجي (4) في معن (5):
مسح القوابل وجهه فبدا ... كالبدر أو أبهى من البدر (6)
فنشا بحمد الله حين نشا ... غمر المروءة نابه الذكر (7)
حتى إذا ماطرّ شاربه ... خضع الملوك لسيد قهر (8)
150 - أخت طرفة (9) ترثيه:
__________
(1) أبو الطيّب المصعبي: هو محمد بن حاتم. ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر 4: 79 وقال: كان في جميع أدوات المعاشرة والمنادمة وآلات الرياسة والوزارة على ما هو معروف مشهور، وكانت يده في الكتابة ضرّة البرق وقلمه فلكي الجري لم يؤرخ تاريخ وفاته، ولعلّه مات في حدود سنة 330هـ.
(2) استقلّ: ذهب.
(3) روايد الثعالبي في اليتيمة:
زائر زارنا مقيم إلى أن ... سوّد الصحف بالذنوب وولّى
راجع يتيمة الدهر 4: 79.
(4) عباءة الراتجي: هو عباءة بن عمر الراتجي، من شعراء الدولة العباسية، رثى عبد الله ابن معاوية الجعفري والحكم بن المطّلب المخزومي. ذكره المرزباني في معجم الشعراء وذكر الأبيات:
راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 304.
(5) معن: هو معن بن زائدة الشيباني. تقدمت ترجمته.
(6) القوابل: جمع قابلة وهي المرأة التي تأخذ الولد عند الولادة. ورواية معجم الشعراء: مسح القبائل. خطأ.
(7) نشا: بحذف الهمزة للتخفيف شبّ وترعرع. وقوله: غمر المروءة أي كثيرها.
(8) طرّ شاربه: نبت وطلع.
(9) أخت طرفة: هي كما ذكر الزركلي في الأعلام، الخرنق بنت بدر بن هفان بن مالك، من بني ضبيعة، البكرية العدنانية، شاعرة من الشهيرات في الجاهلية. وهي أخت طرفة بن العبد لأمّه. وفي المؤرخين من يسميّها الخرنق بنت هفان بن مالك بإسقاط بدر. تزوجها بشر بن عمرو بن مرثد، سيّد بني أسد، وقتله بنو أسد يوم قلاب (من أيام الجاهلية) فكان أكثر شعرها في رثائه ورثاء من قتل معه من قومها، ورثاء أخيها طرفة، لها ديوان شعر صغير. قيل: توفيت نحو سنة 50قبل الهجرة.
راجع ترجمتها في خزانة البغدادي 2: 306وأعلام النساء 1: 294وشعراء النصرانية 1: 321.(3/51)
عددنا له خمسا وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيدا ضخما
فجعنا به لما انتظرنا إيابه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما (1)
151 - يقال: هم أحداث لم تحنكهم (2) الأحداث. إناء شبابه يفهق من جانبيه (3).
152 - دخل الحسين بن الفضل (4) على بعض الخلفاء، وعنده كبير من أهل العلم، فأحب أن يتكلم، فزبره (5) وقال: أصبيّ يتكلم في هذا المقام؟ فقال: إن كنت صغيرا فلست بأصغر من هدهد سليمان (6) ولا أنت بأكبر من سليمان حين قال: {أَحَطْتُ بِمََا لَمْ تُحِطْ بِهِ} (7)، ثم قال: أترى أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود (8) أولى.
153 - البحتري:
حدث يوقره الصبا فكأنه ... أخذ الوقار من المشيب الشامل
__________
(1) قولها: انتظرنا إيابه: تذكّر بإرساله إلى البحرين وقتله هناك بإيعاز من عمرو بن هند.
والإياب: الرجوع. والقحم: الشيخ المسنّ.
(2) حنّكتهم الأحداث: مرّت عليهم المصاعب وأصبحوا ذوي تجربة ومهارة.
(3) يفهق الإناء: يفيض بالماء.
(4) الحسين بن الفضل: لم نقف له على ترجمة.
(5) زبره: انتهره. وفي الحديث: إذا رددت على السائل ثلاثا فلا عليك أن تزبره أي تنهره وتغلظ له في القول والردّ. والزّبر: الزجر والمنع.
(6) سليمان: هو نبي الله عليه السّلام. وقصة هدهد سليمان في القرآن الكريم معروفة.
(7) سورة النمل، من الآية: 22.
(8) داود: هو نبي الله داود عليه السّلام أبو سليمان عليه السّلام.(3/52)
154 - قال عبد الرحمن بن حسّان (1) لأبيه وهو طفل: لسعني طائر كأنه ملتف في بردي حبرة (2). فقال: قد قال ابني الشعر ورب الكعبة، وقال:
الله يعلم أني كنت معتزلا ... في دار حسّان اصطاد اليعاسيبا (3)
155 - وقال سهل بن هارون (4) وهو يختلف إلى المكتب لجار له:
نبئت بغلك مبطونا فرعت له ... فهل تماثل أو نأتيه عوّادا (5)
156 - الفراء (6) أنشدني صبي من الأعراب أرجوزة، فقلت لمن هي؟ فقال: لي، فزبرته، فأدخل رأسه في فروته ثم قال:
إني وإن كنت صغير السن ... وكان في العين نبوّ عنّي
فإن شيطاني أمير الجن ... يذهب بي في الشعر كل فن
157 - وعن علي بن الجهم: وجد (7) عليّ أبي فأمر المعلم أن يحضرني (8) فكتبت إلى أمي:
__________
(1) عبد الرحمن بن حسان: هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري. تقدمت ترجمته.
(2) الحبرة: ضرب من برود اليمن منمّر، يكنّي هنا عن الزنبور.
(3) اليعاسيب: جمع يعسوب وهو ذكر النحل.
(4) سهل بن هارون: صاحب دواوين هارون الرشيد، تولّي رئاسة خزانة الحكمة لدى المأمون: متعصّب للعجم على العرب ويعدّ من الخطباء الشعراء. توفي سنة 215هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 30وفوات الوفيات 1: 181وأمراء البيان 1: 159.
(5) المبطون: المصاب بوجع في بطنه. والعوّاد: زائر والمريض.
(6) الفرّاء: هو يحيى بن زياد. تقدمت ترجمته.
(7) وجد عليّ أبي: أي غضب.
(8) يحضرني أو يحصرني كلاهما صحيح. ويحصرني بمعنى يحبسني ويمنعني من الخروج.(3/53)
أمي جعلت فداك من أم ... أشكو إليك فظاظة الجهم
قد سرح الصبيان كلهم ... وبقيت محضورا بلا جرم
158 - وفد سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت (1) على هشام (2)
وهو صبي وضيء الوجه، فسلّمه إلى معلم الوليد بن يزيد (3)، وهو عبد الصمد بن عبد الأعلى (4)، فمطع فيه، فدخل على هشام وهو يقول:
إنه والله لولا أنت لم ... ينج مني سالما عبد الصمد
قال: ولم؟ قال:
إنه قد رام منّي خطة ... لم يرمها قبله منّي أحد
قال: وما ذاك؟ قال:
رام جهلا بي وجهلا بأبي ... يولج العصفور في خيس الأسد (5)
فصرفه عن التعليم:
159 - نهض أبو مسلم (6) في الدعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة،
__________
(1) سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت: هو حفيد حسّان بن ثابت الأنصاري، شاعر من شعراء الدولة الأموية. اختصّ بالوليد بن يزيد بن عبد الملك راجع الخبر في الأغاني فالرواية فيه فيها بعض الإختلاف.
(2) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان. تقدمت ترجمته.
(3) الوليد بن يزيد: هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان. تقدمت ترجمته.
(4) عبد الصمد بن عبد الأعلى: كان معلم ولد عتبة بن أبي سفيان، ومؤدّب الوليد بن يزيد ابن عبد الملك.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 252والطبري 8: 288ولسان الميزان 4: 21.
(5) خيس الأسد: غابته والمكان الذي يوجد فيه.
(6) أبو مسلم: هو صاحب الدعوة العباسية عبد الرحمن بن مسلم الخراساني. تقدمت ترجمته.(3/54)
وقيل هو ابن ثلاث وثلاثين.
160 - أبو العيزار (1):
يدنو وترفعه الرياح كأنه ... شلو تنشّب في مخالب ضاري (2)
فثوى صريعا والرماح تنوشه ... إن الشراة قصيرة الأعمار
161 - عبد هند (3):
وإن الذي ينهاكم عن طلابها ... يناغي نساء الحي في طرةّ البرد
يعلّل والأيام تنقص عمره ... كما تنقص النيران من طرف الزند (4)
162 - الموصلي (5).
لعمري لئن حلّئت عن منهل الصبا ... لقد كنت ورادا لمنهله العذب (6)
لياليّ أمشي بين برديّ لاهيا ... أميس كغصن البانة الناعم الرّطب (7)
سلام على سير القلاص مع الركب ... ووصل الغواني والمدامة والشرب (8)
سلام امرىء لم يبق منه بقية ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب
163 - إسماعيل بن داود الكاتب العبرتابي (9):
سقيا لأيام الشباب الذي مضى ... ورعيا لعيش عهده غير عائد
__________
(1) أبو العيزار: من شعراء الخوارج. لم نقف على ترجمته.
(2) الشلو: الطرف، الجزء.
(3) عبد هند: لم نقف له على ترجمة.
(4) الزند: العود الأعلى الذي يقتدح به النار.
(5) الموصليّ: هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي النديم. تقدمت ترجمته.
(6) حلّئت عن الماء: منعت من الورود.
(7) البانة: شجرة معتدلة القوام ليّنة، يشبّه بها القد لطولها.
(8) القلاص: جمع قلوص وهي الناقة الشابة. والشّرب: الشاربون.
(9) إسماعيل بن داود الكاتب العبرتابي: لم نقف له على ترجمة وهو منسوب إلى عبرتا، قرية من أعمال بغداد بين بغداد وواسط.
لهونا به حينا وما كان مرّه ... على طوله إلا كرقدة راقد
164 - إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاري (1):(3/55)
__________
(9) إسماعيل بن داود الكاتب العبرتابي: لم نقف له على ترجمة وهو منسوب إلى عبرتا، قرية من أعمال بغداد بين بغداد وواسط.
لهونا به حينا وما كان مرّه ... على طوله إلا كرقدة راقد
164 - إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاري (1):
وما زال عبد العزيز بن سهل ... صغيرا يروم الأمور الكبارا
فكيف وقد صار ذا حنكة ... وشمّر للمكرمات الإزارا (2)
165 - علي بن محمد الكوفي العلوي (3):
وقف النعيم على الصبا ... وزللت عن تلك المواقف
166 - أحمد بن حنبل (4): ما شبهت الشباب إلا كشيء كان في كمي فسقط.
167 - أبو عون أحمد بن المنجم الكاتب الأنباري (5):
هزئت أن رأت مشيبي وهل ... غير المصابيح زينة للسماء
إنما الشيب في المفارق كالن ... ور ولون الشباب كالظلماء
لم أبدل بالشيب إذا شبت إلّا ... عمّة من عمائم الحكماء
إن عمرا عوضت فيه من المو ... ت بشيب من أعظم النعماء
168 - كان يقال: طيروا دماء الشباب في وجوههم، أي حركوهم، وألهبوهم للأمر فان فيهم من سورة (6) الشباب ما يؤثر معه الإلهاب.
(1) إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاري: لم نقف له على ترجمة.
(2) الإزار: معقد الخصر.
(3) علي بن محمد الكوفي العلوي: لم نقف له على ترجمة.
(4) أحمد بن حنبل: هو إمام المذهب الحنبلي، أصله من مرو. ولد ببغداد سنة 164هـ. سجنه المعتصم العباسي 28شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن وأطلق سنة 220هـ. توفي سنة 241هـ.
راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 190ووفيات الأعيان 1: 17ودائرة المعارف الإسلامية 1: 491.
(5) أبو عون أحمد بن المنجم الكاتب الأنباري: لم نقف له على ترجمة.
(6) سورة الشباب: حدّتها.(3/56)
169 - المشايخ أشجار الوقار، ومنابع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يسفّه لهم وهم، إن رأوك على قبيح صدوك، وإن رأوك على جميل أمدوك.
170 - عرام بن المنذر الطائي (1):
وو الله ما أدري أأدركت أمة ... على عهد ذي القرنين أم كنت أقدما
متى تنزعا عني القميص تبينا ... جآجىء لم يكسين لحما ولا دما (2)
171 - فلان شاخ حتى باخ، ما بقي من حديثه إلا خرافة، ولا من بصره إلّا شفافة ولا من جسمه إلا خيال يسنبينه المتفرس، ولا من روحه إلا ما يلجلجه المتنفس.
172 - أحمد بن المرتحل المعمري (3):
يرى طفلنا بين الرواضع جنة ... عشايرنا حتى نشد به الظهرا
فإن سلفت عشر عليه كوامل ... سعى لبني العباس يمنحها النصرا
فينفق في مرضاتها من حياته ... فإن بلغ العشرين سدّت به الثغرا
173 - زياد الأعجم في محمد بن القاسم الثقفي (4):
__________
(1) عرام بن المنذر الطائي: شاعر معمّر أدرك الجاهلية والإسلام. ترجمته في المعمرين والإصابة.
(2) الجآجىء: جمع جؤجؤ وهو هنا عظام، الصدر.
(3) أحمد بن المرتحل المعمري: لم نقف له على ترجمة.
(4) محمد بن القاسم الثقفي: هو محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ولد سنة 62هـ ولّاه الحجاج ثغر السند في أيام الوليد بن عبد الملك.
قتله معاوية بن يزيد بن المهلب وقيل مات معذبا بإيعاز من سليمان بن عبد الملك نحو سنة 98هـ.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني وجمهرة الأنساب 256وكتب التاريخ العامة.(3/57)
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة ... ولداته عن ذاك في أشغال (1)
قعدت بهم أهواؤهم وسمت به ... همم الملوك وسورة الأبطال
وله فيه:
إن المنابر أصبحت مختالة ... بمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب سورة سؤدد من مولد (2)
174 - الخليع البصري (3) المعروف بحسين الأشقر، صحب الخلفاء ونادمهم عمره، وهو يقول للمستعين (4).
أسلفت أسلافك في خدمتي ... من مدتي إحدى وستينا
كنت ابن عشرين وست وقد ... وفيّت سبعا وثمانينا
175 - حدير العقيلي (5):
وأخلين لما لاح لي من مفارقي ... بياض وأزرى بالسواد قتيرها (6)
كما انصاعت الآرام يوما فأدبرت ... حذار سهام القانصين نفورها
وكنت أرى الشخص البعيد بمقلة ... قطامية يجلو دجى الليل نورها
وأهدى دليل القوم في مدلهمة ... من الليل والظلماء داج ستورها (7)
176 - أبو العتاهية:
__________
(1) لداته: أي المساوون له في العمر.
(2) السّورة: الغضب.
(3) الخليع البصري: هو الحسين بن الضحّاك، شاعر من ندماء الخلفاء. ولد بالبصرة سنة 162هـ. وتوفي سنة 250هـ. يلقّب بالخليع وبالأشقر وشعره عذب رقيق.
(4) المستعين: هو أحمد بن المعتصم الخليفة العباسي. تقدمت ترجمته.
(5) حدير العقيلي: لم نقف له على ترجمة.
(6) القتير: أول ظهور الشيب في الشعر.
(7) المدلهمّة: صفة للّيل الشديد السواد.(3/58)
علمت يا مجاشع بن مسعدة ... أن الشباب والفراغ والجده (1)
مفسده للمرء أيّ مفسدة
هو أخو عمرو بن مسعده (2) كاتب المأمون.
177 - زرعة بن عمرو (3):
وأفنتني الليالي أم عمرو ... وحلّي في التنائف وارتحالي (4)
وتربيتي الصغير إلى مداه ... وتأميلي هلالا عن هلال
178 - الحزين الكناني (5) في زيد بن علي رضي الله عنه.
فلما تردى بالحمائل وانثنى ... يصول بأطراف القني الذوابل
تبينت الأعداء أنّ سنانه ... يطيل حنين الأمهات الثواكل
تبين فيه ميسم العز والتقى ... وليدا يفدى بين أيدي القوابل (6)
179 - إبراهيم الموصلي:
يقولون هل بعد الثلاثين ملعب ... فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب
لقد جلّ قدر الشيب إن كنت كلما ... بدت شيبة يعرى من اللهو مركب
__________
(1) الجدة: الغنى.
(2) عمرو بن سعد: تقدمت ترجمته.
(3) زرعة بن عمرو: لم نقف له على ترجمة.
(4) التنائف: جمع تنوفة وهي المفازة والصحراء الواسعة الخالية.
(5) الحزين الكناني: هو الحزين بن سليمان أبو الحكم. من شعراء العصر الأموي من أهل المدينة كان خبيث اللسان في هجائه، يتكسّب بالشعر وهجاء الناس. توفي نحو سنة 90هـ. والمعروف أن الحزين هذا لم يدرك مقتل زيد بن علي سنة 120هـ. فنسبة الأبيات إليه فيها شك.
راجع ترجمته في الأعلام للزركلي والمؤتلف والمختلف للآمدي والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
(6) ميسم العزّ: علاماته. والقوابل: جمع قابلة وهي المرأة التي تأخذ الولد ساعة ولادته.(3/59)
فأجابه عبد الله بن عبد الرحيم العباسي (1):
أهلا وسهلا بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرج
ضيف أحلّ بك النهى فقريته ... رفض الغواية واقتصاد المنهج
لا شيء أحسن من مشيب وافد ... بالحلم مخترم الشباب الأهوج
180 - قال الجاحظ:
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الشياب (2)
181 - أبو السري بن بديل اليامي (3):
ألا طالما أوضعت في طلب الصبا ... ورقت الغواني باسوداد الذوائب
غلام أرى للجهل فضلا على النهى ... وألبس للناهين ثوب المحارب
سقى ورعى الله الأوانس كالدمن ... بكوفان والأخوان صوب السحائب (4)
أخلّاي ما فارقتكم عن تقاطع ... ولكنّ هذا الدهر جمّ العجائب
182 - العكوك (5):
__________
(1) عبد الله بن عبد الرحيم العباسي: لم نقف له على ترجمة.
(2) الثوب الدريس: البالي، الخلق.
(3) ابن بديل اليامي: لم نقف له على ترجمة.
(4) الدمن: آثار الديار. وكوفان: اسم مكان. ويقال: الناس في كوفان من أمرهم أي في اختلاط، وإنه لفي كوفان أي في حرز ومنعة. والكوفان: الدغل من القصب والخشب. وكوفان والكوفة واحد. راجع معجم البلدان 4: 490489.
والصوب: المطر.
(5) العكوك: هو علي بن جبلة بن مسلم بن عبد الرحمن الأبناوي، شيعي خراساني، ولد بغرب بغداد سنة 160هـ. كان شاعرا مجيدا حسده الأصمعي وهو الذي لقبه بالعكوك ومعناه الغليظ السمين، استنفذ أكثر شعره في مدح أبي دلف. قتله المأمون سنة 213هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 348ونكت الهميان 209ومرآة الجنان 2: 53.(3/60)
وأرى الليالي ما طوت من قوّتي ... ردته في عظتي وفي إفهامي
وعلمت أن المرء من سنن الردى ... حيث الرميّة من سهام الرامي
183 - أبو الحسن الحماني:
واها لمنزلة وطيب ... بين الأجارع والكثيب (1)
واها لأيام الشباب ... بعدن عن عهد قريب
أيام كنت من الغواني ... في السواد من القلوب
لو يستطعن جعلنني ... بين المخانق والجيوب
184 - عطاء (2): ما استسقى كبير قط فشرب صغير قبله إلّا غارت عين من العيون.
185 - علي رضي الله عنه: لمن تكلم بما يستصغر مثله عن المتكلم به: لقد طرت شكيرا (3) وهدرت سبقا (4)، وهو كقولهم: تزبّبت حصرما.
186 - عمر رضي الله عنه: أسرع إليّ الشيب من قبل أخوالي بني المغيرة. أم عمر حنتمة (5) بنت هشام بن المغيرة وأبو جهل بن هشام (6)
خاله.
187 - مالك بن دينار: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم، ثم قال: ما أشد فطام الكبير!.
__________
(1) الأجارع والكثيب: أمكنة تكثر فيها الرمال.
(2) عطاء: هو عطاء بن أبي رباح المكي. تقدّمت ترجمته.
(3) الشكير: زغب الطائر. وطرت شكيرا: أي طرت وأنت فرخ.
(4) السقب: صغير الإبل.
(5) حنتمة: هي حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.
(6) أبو جهل: هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. تقدمت ترجمته.(3/61)
188 - كان علي (1) والزبير (2) وطلحة (3) وسعد (4) رضي الله عنهم إعذار (5) عام واحد. أي عذروا في عام واحد، كانت أسنانهم (6) متقاربة.
__________
(1) علي: هو الإمام علي بن أبي طالب.
(2) الزبير: هو الزبير بن العوام.
(3) طلحة: هو طلحة بن عبيد الله.
(4) سعد: هو سعد بن أبي وقاص وهو مع الثلاثة الذين تقدموا من العشرة المبشرين بالجنة.
(5) قوله: إعذار عام واحد: أي ختنوا في عام واحد.
(6) قوله: أسنانهم متقاربة: أي أعمارهم.(3/62)
الباب الخامس والثلاثون الشوق والحنين إلى الأوطان ووصف النزاع والوله إلى الأهل والأحبة
1 - قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصيل الغفاري (1) من مكة، فقال: يا أصيل، كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها والله قد أخصب جنابها، وأعذق إذخرها (2)، وأسلب ثمامها (3)، وأمشر سلمها (4). فقال: حسبك يا أصيل.
2 - وروي أن أبان بن سعيد (5) قدم عليه، فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة؟ قال: تركتهم وقد جيدوا (6) وتركت الأذخر وقد أعذق،
__________
(1) أصيل الغفاري: هو أصيل بن سفيان، وقيل: هو أصيل بن عبد الله الهذلي، له خبر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
راجع الإصابة 1: 53، والبيان والتبيين 2: 156.
(2) الإذخر: نوع من الحشيش طيّب الريح، وقيل: نبت يشبه الغرار يطحن فيدخل في الطيب ينبت في السهول والحزون، وأعذق الإذخر: تشعبّ وصار له عذوق.
(3) الثمام من المرعى ورقه كورق الزرع ينبت مقدوحا وأصوله لحمية. وقوله: أسلب ثمامها: أي أخرج خوصه.
(4) السلم: نوع من العضاة تنبت في الصحراء تجد بها الظباء وجدا شديدا، ورقها القرظ الذي يدبغ به الأديم، وقوله: أشمر سلمها: أي خرج ورقه واكتسى به.
(5) أبان بن سعيد: هو أبان بن سعيد بن العاص. تقدمت ترجمته.
(6) جيدوا: أي مطروا مطرا جودا، والمطر الجود: الغريز.(3/63)
وتركت الثمام وقد خاص (1)، فاغرورقت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
3 - بلال (2) رضي الله عنه:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... ويبدو لعيني شامة وطفيل (3)
4 - قيل لأعرابي: أتشتاق إلى وطنك؟ فقال: كيف لا اشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها، ورضيع غمامها.
5 - آخر: يحن الكريم إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابه.
6 - من علامة الرشدة أن تكون النفس إلى بلدها توّاقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة.
7 - فلان برقت له بارقة من أرضه فضاق صدرا، ولم يعط صبرا، فحن حنين الإبل، وغمره حب الوطن، فكاد يسير على غوارب السحاب، ويطير بخوافي (4) العقاب.
8 - شوق خشن الجوانب، وعر المناكب، مرير الحبل، ثقيل الظل.
9 - كاتب: لي إليك شوق لو أعرتني لسانك لشرحته، ولو منحتني بنانك لوصفته.
10 - أنشد الجاحظ:
ألا يا سيالات الأخايل بالحمى ... عليكن من بين السيال سلام (5)
__________
(1) خاص الثمام: أخرج خوصه والخوص هو الورق واحدته خوصة.
(2) بلال: هو بلال بن رباح الحبشي، مؤذن الرسول: تقدمت ترجمته.
(3) رواية لسان العرب: «سامة وأصيل». هما جبلان بنواحي مكة.
(4) الخوافي: ريشات من الجناح إذا ضمّ الطائر جناحيه حفيت وهي أقوى الريش والعقاب: من الطيور الكاسرة.
(5) سيالات: جمع سيالة، نوع من الشجر سبط الأغصان عليه شوك أبيض.
أرى الوحش آجالا إليكن بالضحى ... لهن إلى أفنانكن بغام (1)
وإني لمجلوب إلى الشوق كلما ... ترنم في أفنانكن حمام
11 - أنشد ثعلب (2):(3/64)
__________
(5) سيالات: جمع سيالة، نوع من الشجر سبط الأغصان عليه شوك أبيض.
أرى الوحش آجالا إليكن بالضحى ... لهن إلى أفنانكن بغام (1)
وإني لمجلوب إلى الشوق كلما ... ترنم في أفنانكن حمام
11 - أنشد ثعلب (2):
ولما تبيّنت المنازل من منى ... ولم يقض لي تسليمه المتزود
زفرت إليها زفرة لو حشوتها ... سرابيل أبدان الحديد المسرد
لفضت حواشيها وظلت لحرها ... تلين كما لانت لداود في اليد
12 - حكيم: أكرم الخيل أفزعها للسوط، وأكيس الغلمان أشدهم بغضا للكتّاب (3)، وأكرم الصفايا (4) أشدها ولها إلى أولادها، وأكرم الإبل أشدّها حنينا إلى أعطانها (5)، وأكرم المهارة (6) أشدها مؤالفا لأمهاتها، وخير الناس آلفهم للناس.
13 - أعرابي: يحن اللبيب إلى وطنه كما يحن النجيب إلى عطنه.
14 [شاعر]:
إلى عامر أصبو وما أرض عامر ... هي الرملة الوعساء والبلد الرحب
معاشر بيض لو وردت بلادهم ... رأيت بحورا للندا ماؤها عذب
إذا ما بدا للناظرين خيامهم ... فثمّ العتاق القب والأسل الشهب
15 [آخر]:
(1) الآجال: جمع إجل وهو القطيع من بقر الوحش والظباء. والبغام: صوت الظبية يكون رخيما.
(2) ثعلب: هو أحمد بن يحيى إمام الكوفيين في النحو واللغة. توفي سنة 291.
تقدمت ترجمته.
(3) الكتّاب: المكان الذي يتعلم فيه الصبيان، جمع كتاتيب.
(4) الصفايا: جمع الصفية وهي الناقة الغزيرة اللّبن.
(5) الأعطان: جمع عطن وهو مبرك الإبل ومربض الغنم.
(6) المهارة: جمع مهرية، والإبل المهرية هي المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من عرب اليمن وقالوا إنها كانت لا يعدل بها شيء في سرعة جريانها.(3/65)
ألا ليت شعري هل تحلنّ ناقتي ... بصحراء من نجران ذات ثرى جعد
وهل تنفضنّ الريح أفنان لمّتي ... على لاحق الأطلين مضطمر ورد (1)
وهل أردنّ الدهر حسي مزاحم ... وقد ضربته نفحة من صبا نجد (2)
16 - كان عمر رضي الله عنه: يقول: ما هبّت الصبا إلا أتتني بريح زيد (3).
17 - سأل المهدي سعيد بن سلّم (4) وهو يسايره: من الذي يقول:
أرجّي أن ألاقي الكاس يوما ... كما يرجو أخو السنة الربيعا (5)
فقال: لا أدري، فسأل عبد الله بن مصعب (6) فقال: هو لصخر بن
__________
(1) اللّمة الفينانة: الشعر الوافر في أعلى الجبهة. والأطل: منقطع الأضلاع من الجبهة، وقيل: القرب. والورد: هو بين الكميت والأشقر.
(2) الحسي: الرمل المتراكم أسفله جبل صلد، فإذا مطر الرمل نشف ماء المطر، فإذا انتهى إلى الجبل الذي أسفله أمسك الماء ومنع الرمل حرّ الشمس أن ينشف الماء، فإذا اشتدّ الحرّ نبت وجه الرمل عن ذلك الماء فنبع باردا عذبا، والجمع أحساء.
(3) زيد: هو زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي، أخو عمر بن الخطاب لأبيه، وأمّه أسماء بنت وهب من بني أسد. كان أسنّ من عمر وأسلم قبله، استشهد باليمامة فحزن عليه عمر حزنا شديدا، ولما استشهد قال عمر: سبقني إلى الحسنيين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 27.
(4) سعيد بن سلّم: هو سعيد بن سلّم بن قتيبة بن مسلم الباهلي، من قواد الدولة العباسية وعمالها، كان مقربا من موسى الهادي، ولّاه الرشيد الموصل سنة 172هـ.
كان عالما بالحديث والعربية.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 74.
(5) السنة: الجدب. وأخو السنة هو الذي أصابته السنة المجدبة.
(6) عبد الله بن مصعب: هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، أمير ولد بالمدينة سنة 111هـ وكان شاعرا ورعا ولي اليمامة في أيام المهدي العباسي ثم الهادي، ألزمه الرشيد بولاية المدينة وعمره نحو سبعين سنة فقبلها بشروط. توفي بالرقة سنة 184هـ. وهو في صحبة الرشيد.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 10: 173وسمط اللآلي 570وفيه أن خصومه كانوا يلقبونه بعائد الكلب.(3/66)
الجعد الخضري (1)، فأخبر المهدي فقال: لعل عبد الله أنبأه به لأنه أعلم أصحابه.
__________
(1) صخر بن الجعد الخضري: هو أحد بني حجاش بن سلمة بن ثعلبة بن طريف، كان شاعرا فصيحا من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. وكان مغرما بكأس بنت بجير ابن جندب وكان يشبّب بها ومن أجلها ضرب الحدّ، أكثر شعره في رثائها عندما توفيت. مات صخر نحو سنة 140هـ.
راجع شرح شواهد المغني 153وأعلام الزركلي.(3/67)
الباب السادس والثلاثون الشر والفجور، وذكر الأشرار والفجار، وما يرتكبون من الفواحش والمناكير
1 - النواس بن سمعان (1): عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: قبل قيام الساعة يرسل الله ريحا باردة طيبة فتقبض روح كل مؤمن مسلم، ويبقى شرار يتهارجون تهارج (2) الحمير، وعليهم تقوم الساعة.
2 - عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما وعظني أحد بأحسن مما وعظني به طاووس (3)، كتب إلي أن استعن بأهل الخير يكن عملك خيرا كله، ولا تستعن بأهل الشر يكن عملك شرا كله.
3 - الحسن (4) رحمه الله إن صحبة الأشرار تورث سوء الظن.
4 - مالك بن دينار: كفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا وهو يقع في الصالحين.
__________
(1) النواس بن سمعان: كانت له ولأبيه صحبة. روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان يسكن الشام. ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 481.
(2) التهارج: التناكح، والهرج: كثرة النكاح.
(3) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدمت ترجمته. كان متقشفا جريئا على وعظ الخلفاء.
(4) الحسن: هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري.(3/69)
وعنه: إن للمؤمن نية في الخير هي أمامه لا يبلغها عمله، وإن للفاجر نية في الشر هي أمامه لا يبلغها عمله.
5 - لقمان (1): يا بنيّ، كذب من قال إن الشر يطفىء الشر، فإن كان صادقا فليوقد نارين ثم لينظر هل تطفىء أحداهما الأخرى؟ إنما يطفىء الخير الشر كما يطفىء الماء النار.
6 - يقال: خيره وإن (2)، وشره دان (3).
7 - لم تسر الروح في أسو منه نحلة (4)، ولا أخبث منه دخلة (5).
8 [شاعر]:
كأنه التيس قد أودى به هرم ... فلا للحم ولا عسب ولا ثمن (6)
9 - عري من حلية القتوى، ومحي عنه طابع الهدى، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفه خيفة المحاسبة.
10 - هو لدعائم دينه مضيع، ولدواعي شيطانه مطيع.
11 - وفي الحديث: إياك والمشارّة (7)، فإنها تميت العزة، وتحيي العرّة (8).
12 - أردشير بن هرمز (9): الشر نابت في طبيعة كل أحد، فإن كانت
__________
(1) لقمان: هو لقمان الحكيم، غير لقمان بن عاد الملك الحميري الذي تزعم الأساطير أنه عاش عمر سبعة نسور.
(2) وان: أي ضعيف، والفعل ونى بمعنى ضعف وفترت همّته.
(3) دان: قريب، والفعل دنا بمعنى قرب.
(4) النحلة: المذهب، الدين.
(5) الدخلة: النيّة التي يكون عليها الإنسان وما يضمره في داخله.
(6) العسب: الكراء الذي يؤخذ على ضرب الفحل.
(7) المشارّة: المخاصمة والمنازعة.
(8) العرّة: الغفلة.
(9) أردشير بن هرمز: هو الملك العاشر من ملوك الدولة الساسنية، وهم ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.(3/70)
الغلبة له ظهر، وإن كانت عليه بطن.
13 - أعرابي: تفد إليه مواكب الضلالة فترجع عنه ببدور الأيام (1) أكثر ذنوبا من الدهر وصاحب السوء قطعة من النار.
14 - حميد شر الكوفي (2):
ألا رب شر قد أخذت برأسه ... فمارسته حتى أتيت به أهلي
وله:
إني امرؤ فوق رأس الشر مضطجعي ... أغفى عليه ولا أغفى على السرر
الشر يعلم أني إن ظفرت به ... لم ينج مني بأنياب ولا ظفر
15 - أخذ ثابت بن جابر الفهمي (3) جونة (4) فملأها حيات، ثم أتى بها أمه متأبطها، فقالت تأبط شرا، فلزمه.
16 - الفضل بن هاشم بن حدير البصري (5)، وكان مشتهرا بالخلاعة:
أنا فضل بن هاشم بن حدير ... لم أقل مذ خلقت كلمة خير
__________
(1) بدور الأيام: كناية عن إسراعها.
(2) حميد شر الكوفي: لم نقف له على ترجمة.
(3) ثابت بن جابر الفهمي: شاعر عدّاء من فتاك العرب في الجاهلية من أهل تهامة. قيل إنه كان ينظر إلى الظبي في الفلاة فيجري خلفه فلا يفوته. وقيل: سمّي تأبّط شرّا لأنه لقي الغول في ليلة ظلماء فقتلها وبات عليها فلما أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه فقالوا لقد تأبطت شرّا، وقيل غير ذلك راجع ترجمته في الأعلام للزركلي والشعر والشعراء 229وخزانة الأدب للبغدادي 1: 66والمحبر 196.
(4) الجونة: الخابية.
(5) الفضل بن هاشم بن حدير البصري: كان من الشعراء الخلعاء السفهاء، اشتهر بالقول في الأقذار وما جانسها، يصف نفسه بشهوتها. راجع ترجمته في معجم الشعراء 314.(3/71)
17 - من فعل ما شاء لقي ما ساء.
18 - نوفل بن مساحق (1): أحبل ابن أخيه جارية جار له، فقال له:
يا عدو الله! هلا إذا ابتليت بفاحشة عزلت (2)! قال: بلغني أن العزل مكروه، قال: فما بلغك أن الزنا حرام؟.
19 - ثمامة (3): الشهرة بالشر خير من أن لا تعرف بخير ولا شر.
20 [شاعر]:
أرى العلباء كالعلباء ... لا حلو ولا مرّ
شييخ من بني الجارو ... د لا خير ولا شرّ (4)
21 - اتهم سعد بن مصعب (5) بامرأة في ليلة عرس، وكانت تحته بنت
__________
(1) نوفل بن مساحق: كان من أشراف قريش وولي القضاء بالمدينة، قال الواقدي إنه كان على شرطة مسلم بن عقبة المرّي في وقعة الحرّة. راو ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من المدنيين وذكره ابن حبان وقال: مات في إمرة عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 189والبيان والتبيين 1: 305والإصابة 6: 274وتهذيب التهذيب 10: 491.
(2) العزل: هو عزل الرجل المني (أو الماء) عن جاريته إذا جامعها لئلا تحمل. راجع لسان العرب (مادة عزل).
(3) ثمامة: هو ثمامة بن أشرس النميري، أبو معن، من كبار المعتزلة، وأحد الفصحاء البلغاء المقدّمين، كان له اتصال بالرشيد ثم بالمأمون. وكان ذا نوادر وملح، من تلاميذ الجاحظ، أراد المأمون أن يستوزره فاستعفاه، وعدّه المقريزي في رؤساء الفرق الهالكة وأتباعه يسمون الثمامية نسبة إليه. توفي سنة 213هـ.
راجع ترجمته في لسان الميزان 2: 83وميزان الإعتدال 1: 173والبيان والتبيين 1: 61وخطط المقريزي 2: 347.
(4) شييخ: تصغير شيخ وهو المسن من الرجال.
(5) سعد بن مصعب: هو سعد بن مصعب بن الزبير بن العوّام. راجع الأغاني لأبي الفرج فالخبر فيه بتفصيل.(3/72)
حمزة بن عبد الله بن الزبير (1) فقال الأحوص (2):
وليس لسعد النار من تذكرونه ... ولكن سعد النار سعد بن مصعب
ألم تر أنّ القوم ليلة جمعهم ... بغوه فألفوه لدى شرّ مركب
وما يبتغي بالشر لا درّ درّه ... وفي بيته مثل الغزال المربّب (3)
سعد النار شاطر كان بالمدينة، نسب إلى النار لارتكابه الموجبات.
فدعا سعد بالأحوص ليعزره فقال: دعني فلا والله لا أهجو زبيريا أبدا، فخلاه، ثم قال: ما أنكرت إلا قولك: وفي بيته مثل الغزال المربّب.
22 - قال الجاحظ: قيل لرجل يتعشق قينة (4): لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها! فقال: من لي إذ ذاك بلذة الخلسة، ولقاء المسارقة، وانتظار الموعد على الرقبة، وإيقاع الكشح على مولاها؟.
23 - قيل لأعرابي: أزنيت قط؟ قال: معاذ الله إنما هما اثنتان: إما حرة آنف لها من فسادها، وإما أمة آنف لنفسي من الفساد بها.
24 - الحسن: إن في معاوية لثلاث مهلكات موبقات: غصب هذه الأمة أمرها، وفيهم بقايا من أصحاب رسول الله، وولى ابنه (5) سكيرا
__________
(1) بنت حمزة بن عبد الله بن الزبير: هي أمة الملك بنت حمزة بن عبد الله بن الزبير، كان أبوها حمزة من فتيان قريش وأجوداهم على هوج فيه. ولّاه أبوه البصرة وعزل مصعبا فأساء السيرة فعزله وتوفي في حياة عبد الملك.
راجع نسب قريش للزبير بن بكار.
(2) الأحوص: هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري. كان شاعرا من أهل المدينة من طبقة جميل بن معمر ونصيب مات سنة 105هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 204.
(3) المربّب: المنعم عليه.
(4) القينة: الأمة المغنّية.
(5) قوله: ولّى ابنه: يريد ابنه يزيد بن معاوية، وقد تقدمت ترجمته.(3/73)
حميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنبور، وادعى زيادا (1) وولاه العراق وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتل حجرا (2) وأصحاب حجر. ويل له من حجر وأصحاب حجر!.
25 - هشام بن عبد الملك: رفع إليه أن بعض أبنائه يخالف رجلا إلى امرأته فوقع: هلا فسقا كفسق الملوك!.
قتل هذا وإحياء هذا، وإفقار ذاك وإغناء هذا.
26 - رئي أعرابي يجلد عميرة (3) فسجن، فقال:
نكحت يدي لم أرتكب محرما لهم ... ولم أفد ان داويت لحمي من لحمي
فإن كان ذا ذنبي إليهم فإنني ... سأترك هذا الفعل مني على رغمي
27 - ولأبي نواس:
تعففه ما دام في السجن ثاويا ... فانكح زبيبا راحة ابنة ساعد
وقل بالرفا ما نلت من وصل حرة ... منعمّة حنّت بخمس ولائد (4)
تعفه ما دام في السجن ثاويا ... ودامت عليه محكمات القلائد
__________
(1) زياد: هو زياد بن أبيه.
(2) حجر: هو حجر بن عدي بن جبلة الكندي، ويسمّى حجر الخير. صحابي شجاع، من المقدمين. وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وشهد القادسية. ثم كان من أصحاب علي وشهد معه وقعتي الجمل وصفّين. وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد بن أبي سفيان واليا عليها فدعا به زياد فجاءه فحذره زياد من الخروج على بني أمية، فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم، فجيء به إلى دمشق فأمر معاوية بقتله فقتل في مرج عذراء، من قرى دمشق، مع أصحاب له سنة 51هـ. راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير 3: 187والطبري 6: 141وطبقات ابن سعد 6: 151وذخيرة الدارين 24.
(3) عميرة: كنية اليد. وقوله: يجلد عميرة، أي يستمني بيده.
(4) بالرفا: بالهناء. يقال: بالرفاء والبنين.(3/74)
28 - أبو الشمقمق (1) في السحاقات (2):
أراهن يرقعن الخروق بمثلها ... وأي لبيب يرقع الخرق بالخرق
29 - علي رضي الله عنه: احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك.
30 - أبو العيناء (3): رأيت جارية في النخاسين تحلب ولا ترجع إلى مولاها، فقلت: لمه؟ قالت: يا سيدي، يواقعني (4) من قيام ويصلي من قعود، ويشتمني بإعراب، ويلحن في القرآن، ويصوم الاثنين والخميس ويفطر في رمضان، ويصلي الضحى ويترك الفجر.
30 - قيل لبنت الخس (5): كيف زنيت وأنت سيدة نسائك؟ قالت:
__________
(1) أبو الشمقق: هو مروان بن محمد، شاعر هجاء من أهل البصرة خراساني الأصل، من موالي بني أمية، له أخبار مع شعراء عصره كبشار، وأبي العتاهية وأبي نواس وابن أبي حفصة، وله هجاء في يحيى بن خالد البرمكي وغيره. كان عظيم الأنف منكر المنظر، زار بغداد في أول خلافة الرشيد وكان بشار يعطيه في كل سنة مئتي درهم يسميها أبو الشمقمق «جزية» توفي نحو سنة 200هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 7: 209.
(2) السحاقات: هن اللائي يمارسن المساحقة، والمساحقة أن تأتي المرأة المرأة، وامرأة سحاقة نعت سوء.
(3) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر. توفي سنة 283هـ. تقدمت ترجمته.
(4) المواقعة: المجامعة.
(5) بنت الخسّ: هي هند بنت الخس بن حابس بن قريط الإيادية، فصيحة جاهلية، كانت ترد سوق عكاظ ولها أخبار فيه. كانت من أهل الدهاء والنكراء واللّسن واللقن والجواب العجيب والكلام الفصيح والأمثال السائرة والمخارج العجيبة. أدركت القلمس أحد حكام العرب في الجاهلية وتحاكمت هي وأختها خمعة إليه في كلام لهما ومدحته بأبيات، وبعض الرواة يزعم أنها ماتت في زمن النعمان عند هند ابنته، وليس الأمر كذلك. وخمعة التي هي أختها سمّاها صاحب الأغاني جمعة بنت حابس بن مليل.
وفي التاج: والصواب أن ابنة الخس هي من بني إياد، واختلف في اسمها فقيل:
هند، وقيل: جمعة، ومن قال إنها بنت حابس فقد نسبها إلى جدها.
راجع البيان والتبيين وعيون الأخبار 2: 214وخزانة البغدادي 4: 301والتاج مادة «خس» والأزمنة والأمكنة 2: 176.(3/75)
طول السواد (1) وقرب الوساد (2)، قال ابن محارب القمي (3) لو قالت:
وحبّ السفاد (4) لتممت عذرها.
32 - ليلى الأخيلية (5):
فنعم الفتى إن كان توبة فاجرا ... وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر (6)
33 - وهب (7): تبكي السماء السبع والأرض السبع من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله.
34 - أبو هريرة رفعه: إن للإيمان سربالا يسربله الله تعالى من شاء، فإذا زنى العبد نزع الله منه سربال الإيمان، فإذا تاب رده الله عليه.
وعنه رفعه: إن السماوات السبع والأرضين السبع لتلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني.
35 - أنس رفعه: إن لأهل النار صرخة من نتن فروج الزناة.
36 - وفي حديث الإسراء: ثم انطلق بي إلى رجال بين أيديهم لحم لم ير الناس أطيب ريحا ولا أحسن منظرا منه، وبين أيديهم جيف منتفخة لم أر جيفا أنتن ريحا منها وهم يأكلون منها، فقلت: يا جبرائيل، من
__________
(1) السواد: المسارّة. وساد الرجل: سارّه. والسواد: الاسم من ساوده إذا ساره.
(2) الوساد: المخدّة.
(3) ابن محارب القمي: لم نقف له على ترجمة.
(4) السفاد للعصافير والدواب كالمواقعة والمجامعة للإنسان.
(5) ليلى الأخيلية: هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب. كانت شاعرة فصيحة اشتهرت بأخبارها مع توبة بن الحمير. توفيت نحو سنة 80هـ.
(6) توبة: هو توبة بن الحمير كان يحب ليلى الأخيليّة وتحبه.
(7) وهب: هو وهب بن منبّه. تقدمت ترجمته.(3/76)
هؤلاء الذين يدعون الطيب ويعمدون إلى الخبيث ينهشونه؟ فقال: هؤلاء الزناة.
37 - أعرابية: لكل شيء نجاسة، ونجاسة اللسان المجون.
38 - بلغ عثمان رضي الله عنه أن قوما على فاحشة فأتاهم وقد تفرّقوا، فحمد الله وأعتق رقبة.
39 - سئل وهي بن منبّه عن قوله تعالى: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} (1)، ما فسادهم؟ قال: كانوا يلاهون الناس.
40 - السري الموصليّ (2) في وصف قوّاد اسمه إدريس:
من ذم إدريس في قيادته ... فإنني حامد لإدريس
كلم لي عاصيا فكان له ... أطوع من آدم لإبليس
وكان في سرعة المجيء به ... آصف في حمل عرش بلقيس (3)
__________
(1) سورة الكهف من الآية 94. ويأجوج ومأجوج أمّة أو أمم عظيمة كانت قاطنة في أقاصي شمال آسيا من معمورة الأرض في الزمن القديم، كانت محاربة معروفة بالمغازي والغارات. وذكر بعضهم أن يأجوج ومأجوج هم الأمم التي كانت تشغل الجزء الشمالي من آسيا وتمتد بلادها من التبت والصين إلى المحيط المتجمد الشمالي وتنتهي غربا بما يلي بلاد تركستان ونقل ذلك عن فاكهة الخلفاء وتهذيب الأخلاق لابن مسكويه ورسائل أخوان الصفا. ويقال إن يأجوج ومأجوج يعنيان المغول.
(2) السري الموصلي: هو السري بن أحمد الرفاء الموصلي، تقدمت ترجمته.
(3) آصف: هو في التوارة آساف بن برخيا، جعله داود عليه السّلام كبير المغنّين في المعبد.
لقب بالراني أي المتكّهن بالغيب وينسب إليه إثنا عشر مزمورا.
وبلقيس: هي بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل من حمير، ملكة سبأ، يمانية من أهل مأرب اشير أليها في القرآن الكريم ولم يسمّها. وليت بعهد من أبيها (في مأرب) وطمع بها ذو الأذعار (عمرو بن أبرهة) صاحب غمدان، فزحف عليها فإنهزمت واستسلمت وأصابت منه غرة في سكر فقتلته ووليت أمر اليمن كلّه، اتخذت مدينة سبأ قاعدة لها. تزوجها سليمان بن داود النبي وأقامت معه سبع سنين وأشهرا. توفيت فدفنها بتدمر وانكشف تابوتها في عصر الوليد بن عبد الملك وعليه كتابة تدل على أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من ملك سليمان ورفع غطاء التابوت فإذا هي غضّة لم يتغيّر جسمها فرفع ذلك إلى الوليد فأمر بترك التابوت في مكانه وأن يبنى عليه بالصخر.
راجع ترجمتها في التيجان 137والنويري في نهاية الأرب 14: 134والدرّ المنثور 96.(3/77)
41 - أبو الحسن ابن طباطبا (1):
عزيزة رق حافرها فأزرت ... برقة حافر امرأة العزيز (2)
كنى برقة الحافر عن البغاء، وأنها بغت الرجال وسعت في طلبهم حتى رق حافرها.
42 - زيد بن عمير الخزاعي (3):
إذا طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فما برحت تغشى الزنا وتقود
أعاتبها حتى إذا قلت أقبلت ... أبى الله إلا خزيها فتعود
43 - كانت ظلمة القوادة (4) صبية في المكتب فكانت تسرق دوى الصبيان وأقلامهم، فلما شبّت زنت، فلما أسنت قادت، فلما قعدت اشترت تيسا تنزيه (5).
44 - قال صاحب المسالك والممالك (6): إن عامة ملوك الهند يرون
__________
(1) ابن طباطبا: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن طباطبا. تقدمت ترجمته.
(2) امرأة العزيز: ذكرها القرآن الكريم في سورة يوسف الآية 30والآية 51وهي التي راودت نبي الله يوسف عليه السّلام فعصمه الله تعالى. راجع قصتها في القرآن الكريم.
(3) زيد بن عمير الخزاعي: لم نقف له على ترجمة.
(4) ظلمة القوادة: راجع خبرها في عيون الأخبار 4: 103مع اختلاف في اللفظ قليل.
وراجع مجمع الأمثال للميداني 2: 125 (أقود من ظلمة).
(5) النزو: السفاد.
(6) صاحب المسالك والممالك: هو ابن فضل الله العمري شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد الكرماني العمري الشافعي. ولد بدمشق سنة 700. كان كاتب السر في الديار المصرية مدة للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكاتب السر بدمشق. مات بالطاعون سنة 749هـ بدمشق. له مصنفات أجلّها مسالك الأبصار في ممالك الأمصار في عشرين مجلدا.
ويلاحظ أن الزمخشري مصنّف هذا الكتاب توفي سنة 538هـ. وصاحب المسالك توفي سنة 749هـ فيكون هذا الخبر قد أضيف إلى ربيع الأبرار من بعض النسّاخ وليس من الزمخشري.
راجع ترجمة صاحب المسالك في فوات الوفيات 1: 7وحسن المحاضرة 273 وطبقات الأسدي 74والدّرر الكامنة 1: 331والنجوم الزاهرة 10: 234.(3/78)
الزنا مباحا خلا ملك قمار (1)، وأقمت بمدينته سنتين فلم أر ملكا أغير منه، وكان يعاقب على الزنا والشرب بالقتل. وقمار ينسب إليها العود، كما ينسب إلى مندل (2). قال مسكين الدارمي (3):
ولا ذنب للعود القماري إنه ... يحرق إن نمّت عليه روائحه
45 - ألح رجل في النظر إلى أمة غيره فقالت له: ما تنظر؟ قرة عينك وشيء غيرك.
ونظر آخر إلى أعرابية فقالت:
وما لك منها غير أنك ناكح ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع
46 [شاعر]:
الخير أرفع جانبا ... من قلّة الجبل الرفيعة (4)
والشر أسرع جرية ... من جرية السيل السريعة
__________
(1) قمار: ويقال قامرون، بلد في الهند ينسب إليه العود القماري.
(2) مندل: بلد بالهند منه يجلب العود الفائق الذي يقال له المندلي. راجع معجم البلدان 5: 209.
(3) مسكين الدارمي: هو ربيعة بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي. كان شاعرا شجاعا معاصرا للفرزدق. له أخبار مع معاوية. توفي سنة 89هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 215وتهذيب ابن عساكر 5: 300.
(4) القلّة: أعلى رأس الجبل.(3/79)
47 - جعفر بن محمد (1) عن آبائه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يزداد المال إلا كثرة، ولا يزداد الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق.
48 - علي رضي الله عنه: قلت اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك. فقال: يا علي، لا تقولن هذا، فليس من أحد إلا وهو محتاج إلى الناس، فقلت: كيف أقول؟ قال: قل اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك. فقلت: يا رسول الله، ومن شرار خلقه؟ قال: الذين إذا أعطوا منوا، وإذا منعوا عابوا.
49 - ابن عباس: عهدت الناس وأهواؤهم تبع لأديانهم، وإن الناس اليوم أديانهم تبع لأهوائهم.
50 - علي رضي الله عنه: رد الحجر (2) من حيث أتاك فإن الشر لا يدفعه إلا الشر.
51 - الحسن: لو جاءت كل أمة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج (3)
وحده لزدنا عليهم.
52 - قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمنا؟ قال: نعم، بالطاغوت (4).
53 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: حسب امرىء من الشر أن يخيف أخاه المسلم.
54 - وهب بن منبه: ظهر في بني إسرائيل قراء فسقة، وسيظهرون فيكم. والله أعلم.
__________
(1) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تقدمت ترجمته.
(2) ردّ الحجر من حيث أتاك: كناية عن مقابلة الشر بالدفع على فاعله ليرتدع عنه، هذا إذا لم يكن دفعه بالأحسن.
(3) الحجاج: هو الحجاج بن يوسف.
(4) الطاغوت: كل رأس في الضلال، قيل: هو الشيطان، وقال ابن عباس: الطاغوت هو كعب بن الأشرف، والجبت هو حيي بن أخطب وهما يهوديان.(3/80)
الباب السابع والثلاثون الشفاعة والعناية، والإعانة وإصلاح ذات البين والسفارة ونحو ذلك
1 - عوف بن مالك الأشجعي (1): سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
شفاعتي يوم القيامة لكل مسلم.
2 - ابن عمر (2): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من زار قبري وجبت له شفاعتي.
3 - معقل بن يسار (3) عن النبي عليه السّلام: رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وغال في الدين مارق منه.
4 - عثمان رضي الله عنه عن النبي عليه السّلام: من غش العرب لم يدخل
__________
(1) عوف بن مالك الأشجعي: صحابي كانت معه راية أشجع في فتح مكة اشترك في فتوح الشام، سكن دمشق ونزل حمص ومات سنة 73هـ. راجع ترجمته في الإصابة 5: 43.
(2) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(3) معقل بن يسار، هو معقل بن يسار بن عبد الله المزني، صحابي، أسلم قبل الحديبية وشهد بيعة الرضوان وسكن البصرة وتوفي بها نحو سنة 65هـ. ونهر «معقل» بالبصرة منسوب إليه، حفره بأمر عمر بن الخطاب راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 8144 والمناقب للكردري 1: 14وأسد الغابة 4: 398.(3/81)
في شفاعتي، ولم تنله مودتي.
5 - أبو موسى الأشعري عنه عليه السّلام: إشفوا إليّ لتؤجروا وليقبض الله على لسان نبيه ما شاء.
6 - قال المأمون لإبراهيم بن المهدي بعد إعتذاره: قد مات حقدي بحياة عذرك، وقد عفوت عنك، وأعظم من عفوي يدا عندك أني لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين.
7 - قال المبرد (1): أتاني رجل لأستشفع له في حاجة، فأنشدني لنفسه:
إني قصدتك لا أدلي بمعرفة ... ولا بقربي ولكن قد فشت نعمك
فبتّ حيران مكروبا يؤرقني ... ذل الغريب ويعشيني الكرى كرمك
ما زلت أنكب حتى زلزلت قدمي ... فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك
فلو هممت بغير العرف ما علقت ... به يداك ولا انقادت له شيمك
فبلغت له جميع ما قدرت عليه.
8 - بزرجمهر: من لم يستغن بنفسه عن وسائله وهت قوى أسبابه، ومن لم ترغب أدواته في اجتنائه لم يحظ بمدح شفعائه.
9 - كلم الأحنف (2) مصعب بن الزبير في قوم حبسهم فقال: أصلح الله الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم، فخلاهم.
10 - دفع أبو الهذيل (3) إلى ضيقة فطلب إلى سهل بن هارون الكاتب
__________
(1) المبرّد: هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد. تقدمت ترجمته.
(2) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي التميمي. تقدمت ترجمته.
(3) أبو الهذيل: هو أبو الهذيل العلّاف، من أئمة المعتزلة. ولد سنة 135هـ بالبصرة وتوفي بسامراء سنة 235هـ. تقدمت ترجمته.(3/82)
أن يكلم الحسن بن سهل (1) في شأنه، فقال: عرفت أيها الأمير حال أبي الهذيل ومحله وقدره في الإسلام، وأنه متكلم قومه والراد على أهل الإلحاد، وقد فزع (2) إليك لإضافة وقع فيها. فوعده النظر في أمره، ثم ما ترك لؤم طبعه أن كتب إليه.
إن الضمير إذا سألتك حاجته ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي
فامنعه روح ليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء بمخلف الوعد
وألن له كنفا ليحسن ظنه ... بعناية فاجبهه بالرد
فوقع الحسن: هذه، لك الويل، صفتك لا صفتي، وأمر لأبي الهذيل بألف دينار.
11 - قال رجل لبعض الولاة: إن الناس يتوسلون إليك بغيرك فينالون معروفك ويشكرون غيرك، وأنا أتوسل إليك بك ليكون شكري لك لا لغيرك.
12 - قابوس (3): بزند الشفيع تورى (4) نار النجاح، ومن كف المقيض ينتظر فوز القداح.
__________
(1) الحسن بن سهل: هو وزير المأمون العباسي أخو ذي الرياستين الفضل بن سهل أسلم في أيام الرشيد، وهو والد بوران زوجة المأمون. كان أحد كبار القادة والولاة في عصره اشتهر بحسن التوقيعات وكان المأمون يجلّه ويقدّره. توفي في سرخس (من بلاد خراسان) سنة 236هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 141وتاريخ بغداد 7: 319وابن الوردي 1: 217.
(2) فزع إليه: التجأ واحتمى.
(3) قابوس: هو قابوس بن وشمكير بن زياد بن دردان شاه الجيلي. ديلمي الأصل مستعرب، أمير جرجان وبلاد الجبل وطبرستان مات سنة 403هـ. ودفن بجرجان.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 425والنجوم الزاهرة 4: 233ويتيمة الدهر 3: 288.
(4) تورى: تشعل.(3/83)
13 [شاعر]:
إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة ... فلا خير في ودّ يكون لشافع
14 - كان المنصور معجبا بمحادثة محمد بن جعفر بن عبيد الله بن عباس، فكان الناس لعظم قدره عنده يفزعون إليه في الشفاعات. فثقل ذلك على المنصور فحجبه مدة، ثم لم يصبر عنه، فأمر الربيع (1) أن يكلمه في ذلك، فكلمه وقال له: أعفّ أمير المؤمنين مما يثقل عليه فقبل، فلما توجّه إلى الباب اعترضه قوم من قريش مع رقاع (2) سألوه إيصالها إلى المنصور، فقص عليهم قصته، فأبوا أن يقبلوا وألحوا عليه، فرق لهم وقال: اقذفوها في كمي. فدخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام (3) وما حولها من البساتين والضياع، فقال له: أما ترى إلى حسنها؟ بلى يا أمير المؤمنين، فبارك الله لك فيما آتاك، وهناك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك، فما بنت العرب في دولة الإسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك، ولكن سمجتها في عيني خصلة واحدة، قال: وما هي؟ قال: ليس لي فيها ضيعة، فتبسم وقال: حسنتها في عينيك ثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله شريف الموارد كريم المصادر، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه.
__________
(1) الربيع: هو أبو الفضل الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة كيسان، اتخذه المنصور العباسي حاجبا ثم استوزره وكان حازما. حظي عند المهدي ثم صرفه الهادي عن الوزارة. توفي سنة 169هـ. وإليه تنسب قطيعة الربيع ببغداد وهي محلة كبيرة أقطعه إياها المنصور.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 414ووفيات الأعيان 1: 185وتهذيب ابن عساكر 5: 308.
(2) الرقاع: جمع رقعة وهي حاجة الإنسان يطلبها من المسؤول تكون مكتوبة على ورق وغيره.
(3) مدينة السلام: هي بغداد.(3/84)
وقد ندرت (1) الرقاع من كمه وهو يتشكر له فأقبل يردّها وهو يقول:
إرجعن خاسئات خائبات، فضحك وقال: بحقي عليك إلا أعلمتني بخبر هذه الرقاع، فأعلمه، فقال: أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرما، وتمثّل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:
إنّا وإن أحسابنا كرمت ... لسنا على الأحساب نتكّل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وتصفحها وأمر بقضاء حوائجهم.
قال محمد: فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت.
15 - قال المبرد لرجل: قد كلمتك في شأن فلان، فقال: قد سمعت وأطعت، فما كان من نقص فعلي، وما كان زيادة فله. فقال المبرد: لله درك! أنت كما قال زهير (2):
وجار سار معتمدا إلينا ... أجاءته المخافة والرجاء
ضمنّا ما له فغدا سليما ... علينا نقصه وله النماء
16 - وقع بين رجل وامرأته شر، فتهاجرا أياما، ثم واقعها (3) فلما فرغ قالت: قبحك الله! كلما وقع بيني وبينك شر جئتني بشفيع لا أقدر على رده.
17 - كتب أبو صالح بن يزداد (4): هذه رقعتي، وأنا في درجها
__________
(1) ندرت الرقاع: ظهرت.
(2) زهير: هو زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي، من أصحاب المعلقات.
(3) واقعها: جامعها.
(4) أبو صالح بن يزداد: هو عبد الله بن محمد بن يزداد المروزي. كاتب من كتاب الدواوين في الدولة العباسية. كان على ديوان زمام الضياع أيام المتوكل سنة 245هـ واستوزره المستعين سنة 249هـ.
راجع أخباره في الطبري.(3/85)
عناية مني بصاحبها، فإما قضيت حقه عني وعنك، وإما رددته علي فأرحته منك، والسلام.
18 - سأل رجل سعيد بن عبد الملك (1) كتاب شفاعة، وهو راكب، فكتب وهو على ظهر دابته: كتابي كتاب معني بمن كتب فيه، واثق بمن كتب إليه، ولن يضيع حامله بين العناية والثقة، والسلام.
19 - أمر المأمون بقتل علي بن الجهم وأخذ ماله، فقال له أحمد بن أبي داود: إذا قتلته فممن تأخذ ماله؟ قال: من ورثته، قال: حينئذ تأخذ مال الورثة وأمير المؤمنين يأبى ذلك، قال: يؤخر حتى يستصفى ماله.
فانفضّ المجلس وسكن غضبه، فوصل إلى خلاصه.
20 - أسرت غطفان أخا لسعد بن حيان التميمي (2) فاستشفع عمرو بن معد يكرب إلى سنان بن أبي حارثة (3) فأطلق فقال:
مشيت بعمرو فارس القوم مذحج ... إلى رأس هذا الحي من غطفان
يمان نماه خير مذحج والدا ... ووالدة إن الكريم يماني
21 - كتب رجل إلى يحيى بن خالد (4) رقعة فيها:
__________
(1) سعيد بن عبد الملك: هو سعيد بن عبد الملك بن مروان. أمير من بني مروان، من أهل دمشق. ولي الغزو في خلافة أخيه هشام، وولي فلسطين للوليد بن يزيد، وولي الموصل، وإليه تنسب سوق سعيد فيها. كان يقال له سعيد الخير. قتل يوم نهر أبي فطرس قرب الرملة بفلسطين سنة 132هـ.
راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 153والعقد الفريد 4: 224والأعلام للزركلي.
(2) سعد بن حيّان التميمي: لم نقف له على ترجمة.
(3) سنان بن أبي حارثة: كان معاصرا للنعمان بن المنذر، وهو من سادات غطفان وأحد أجواد العرب وقضاتهم المحكمين في الجاهلية. مدحه زهير بن أبي سلمى.
راجع ترجمته في المحبر لابن حبيب 135ومجمع الأمثال 1: 288.
(4) يحيى بن خالد: هو يحيى بن خالد البرمكي. تقدمت ترجمته.(3/86)
شفيعي إليك الله لا شيء غيره ... وليس إلى رد الشفيع سبيل
فأمره بلزوم الدهلير، فكان يعطيه في كل صباح ألف درهم، فلما استوفى نلاثين ألفا ذهب. فقال: والله لو أقام إلى آخر العمر ما قطعتها عنه.
22 - وقف العتابي (1) بباب المأمون، فوافى يحيى بن أكثم، فقال له العتابي: إن رأيت أن تعلم أمير المؤمنين بمكاني، قال: لست بحاجب، قال: قد علمت، ولكنك ذو فضل وذو الفضل معوان، فأعلمه بمكانه فأعطاه ثلاثين ألفا.
23 - أبو هريرة يرفعه: من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسرّ على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
24 [شاعر]:
وما هداك إلى أرض كعالمها ... وما أعانك في عزم كعزّام
ولا استعنت على قوم إذا ظلموا ... مثل ابن عم أبيّ الظلم ظلّام
25 - لم أحيط بمصعب بن الزبير هرب ابن قيس الرقيات (2) فدخل
__________
(1) العتابي: هو كلثوم بن عمرو بن أيوب. شاعر سلك طريق النابغة.
وكان كاتبا حسن الترسّل يتصل نسبه بعمرو بن كلثوم التغلبي صاحب المعلقة وهو من أهل الشام. توفي سنة 220هـ.
(2) ابن قيس الرقيات: هو عبيد الله بن قيس الرقيات. كان مقيما بالمدينة. خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير. أقام بالشام حتى توفي نحو سنة 85هـ. أكثر شعره في الغزل والنسيب.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 212وشرح الشواهد 47وخزانة البغدادي 3: 265.(3/87)
الكوفة. فقالت امرأة: خائف والله! اصعد، فصعد مشربة (1) لها، فأقام أربعة أشهر، يغدى عليه بمصلحته ويراح، لا تسأله من أنت؟ ولا يسألها من أنت؟ وهي تسمع الجعيلة (2) فيه صباح مساء. فلما أراد الرحيل نزل ليلا فإذا براحلتين (3)، على إحداهما رحله (4) والأخرى زاملة (5) عليها الزاد، وعبدان، فقالت: هذا يرحل بك وهذا يدلك حيث شئت. وهي التي يقول فيها:
كوفية نازح محلتها ... لا أمم دارها ولا صقب
والله ما إن صبت إلي ولا ... يعرف بيني وبينها سبب
26 - روي أن جبرائيل عليه السّلام قال: يا محمد، لو كانت عبادتنا لله على وجه الأرض لعلّمنا ثلاث خصال: سقي الماء للمسلمين، وإعانة أصحاب العيال، وستر الذنوب على المسلمين.
27 - كانت لدعبل (6) على بني الصباح الكنديين (7) وظيفة (8) يجمعونها كل شهر ويوصلونها إليه، فقصروا، فشكا إلى أبي يعقوب إسحاق بن الصباح (9)، فقال: أنا أكفيك، فلم يبرح حتى أخذها، فقال:
وإن امرأ أسدى إليك بشافع ... إليه ويبغي الشكر مني لأحمق
__________
(1) المشربة: أرض لينة دائمة النبات، وهي أيضا الغرفة التي يشربون فيها.
(2) الجعيلة: المال الذي جعله السلطان لمن يدل عليه.
(3) الراحلة: الناقة.
(4) الرحل: ما يوضع على ظهر الدابة للركوب، كالسرج وغيره.
(5) الزاملة: الدابة من الإبل وغيرها يحمل عليها جمع زوامل.
(6) دعبل: هو دعبل بن رزين الخزاعي. توفي سنة 246هـ. تقدمت ترجمته.
(7) الصباح: هو الصباح بن قيس. وبنو الصباح بطن من كندة.
(8) الوظيفة هنا: مقدار معلوم من المال.
(9) إسحاق بن الصباح: هو والد أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي فيلسوف العرب والإسلام، يتصل نسبه بالأشعث بن قيس الكندي.(3/88)
شفيعك فاشكر في الحوائج إنه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
28 - قال الحجاج لأهل الشام: إنما أنا لكم كالظليم (1) الرامح عن فراخه، ينفي عنهم القذر، ويباعد عنهم الحجر، ويكفهم من المطر، ويحميهم من الضباب، ويحرسهم من الذباب، با أهل الشام أنتم الجنة والرداء، وأنتم العدة والجداء (2).
29 - اهتجر الحسن والحسين فبلغ ذلك ابن الحنفيّة (3)، فأتى الحسين فقال: يا أبا عبد الله، بلغني ما كان بينك وبين أبي محمد، فامض بنا إليه، فقال: سمعت جدي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من مهتجرين بدأ أحدهما صاحبه بالصلح إلا كان السابق إلى الجنة، وأنا أكره أن أسبق أبا محمد إلى الجنة. فمضى إلى الحسن فحكى له ذلك، فقال: صدق أبو عبد الله، امض بنا إليه. فاصطلحا.
30 - أبو الدرداء (4) رفعه: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: صلاح ذات البين.
وفساد ذات البين هي الحالقة (5).
31 - حميد بن عبد الرحمن (6) عن أمه رفعته: لم يكذب من نما (7)
بين اثنين ليصلح.
__________
(1) الظليم: ذكر النعام. والرامح عن فراخه: الذي يدفع عنها الأذى.
(2) الجداء: الغنى والثروة.
(3) ابن الحنفيّة: هو محمد بن علي بن أبي طالب. تقدمت ترجمته، والحنفيّة أمّه.
(4) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري. صحابي هو أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب وهو أول قاض بها. مات بالشام سنة 32هـ.
راجع ترجمته في حسن الصحابة 218وتاريخ الإسلام للذهبي 2: 107.
(5) الحالقة: التي لا تدع شيئا إلّا أهلكته.
(6) حميد بن عبد الرحمن: من ثقات رواة الحديث. روى عن أبيه عبد الرحمن بن عوف الزهري وعن أمّه وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الأموية، وروى عن عمرو عثمان وسعيد بن زيد وغيرهم. كان ثقة عالما كثير الحديث توفي سنة 95هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 114وتهذيب التهذيب 3: 55وترجمة أمّه أمّ كلثوم في الإصابة 8: 274.
(7) نما الحديث: أظهره بالوشاية ورفعه على وجه الإشاعة والإفساد.(3/89)
32 - القعقاع بن توبة العقيلي (1):
لا أصلح الله حالي إن أمرتكم ... بالصلح حتى تصيبوا آل شداد
حتى يقال لواد كان مسكنهم ... قد كنت تعمر يوما أيها الوادي
33 - موسى بن جابر الحنفي (2):
لبست شبيبتي ما ذمّ خلقي ... ولا شمت العدوّ ولا هفوت (3)
ولا أدع السفارة بين قومي ... ولا أمشي بغل إن مشيت (4)
34 - علي رضي الله عنه: الشفيع جناح الطالب.
35 - غضب الرشيد على كلثوم بن عمرو العتابي القنسريني، فتشفع له الفضل بن يحيى حتى رضي عنه، فقال:
ما زلت في غمرات الموت مطرحا ... يضيق عني وسيع الرأي من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي
36 - ابن أبي فنن (5): سألت الفتح بن خاقان (6) أن يوصلني إلى
__________
(1) القعقاع بن توبة العقيلي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء (ص 208) وقال:
إسلامي، يقول في محاورة كانت بينه وبين الحارث بن كعب، وذكر البيتين.
(2) موسى بن جابر الحنفي: هو موسى بن جابر بن أرقم بن مسلمة بن عبيد الحنفي اليمامي، شاعر جاهلي نصراني يعرف بابن ليلى وهي أمّه كما يقال له ابن الفريعة.
راجع المرزباني والآمدي وخزانة البغدادي 1: 146.
(3) هفوت: سقطت وزللت.
(4) الغلّ: الحقد والغشّ.
(5) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن، مولى بن هاشم. وأبو فنن كنية أبيه واسم أبيه صالح بن سعيد كما في وفيات الأعيان (ترجمة يزيد بن مزيد) راجع ترجمته في الحيوان للجاحظ 5: 448وراجع الوفيات والأغاني.
(6) الفتح بن خاقان: وزير المتوكل العباسي. كان أديبا شاعرا فصيحا اجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن. قتل مع المتوكل سنة 247هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 2: 123والمرزباني 318.(3/90)
المتوكل ففعل، فأنشدته:
إذا كنت أرجو نوال الإمام ... وفتح بن خاقان لي شافع
فقل للغريم أتاك الغياث ... وللضيف منزلنا واسع
37 - لزمت داود بن قحذم العبدي (1)، وكان عامل مصعب (2) مائة ألف درهم، فأخذ بها، فأرسل امرأته أم الفضل بنت غيلان بن خرشة الضبي (3) إلى عائشة بنت طلحة (4) امرأة مصعب لتشفع له. فجاء مصعب فسأل أم الفضل ومازحها ساعة، وكانت من أجمل نساء زمانها، ثم قال لعائشة: ما حاجتها؟ فذكرت ذلك، فقال: تحط عنه المائة، ونجيزه بمثلها، وكتب بذلك. فجاءت بالكتابين إلى زوجها.
38 - عن الشقراني (5) مولى رسول الله: خرج العطاء أيام أبي
__________
(1) داود بن قحذم العبدي: كان عاملا لمصعب بن الزبير، ثم كان على ميسرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد في قتاله الخوارج سنة 72هـ.
راجع أخباره في الطبري حوادث سنة 71و 72.
(2) مصعب: هو مصعب بن الزبير بن العوام. تقدمت ترجمته.
(3) غيلان بن خرشة الضبي: كان أحد أصحاب أبي موسى الأشعري.
(4) عائشة بنت طلحة: هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، أديبة، عالمة بأخبار العرب أمّها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وخالتها عائشة أمّ المؤمنين. قتل مصعب عنها فتزوجها عمر بن عبيد الله التميمي، ومات عنها سنة 82هـ فتأيّمت بعده وخطبها جماعة فردّتهم. كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة، وتخرج إلى الطائف تتفقّد أموالها. أخبارها مع الشعراء كثيرة ولعمر بن أبي ربيعة غزل بها. توفيت سنة 101هـ.
راجع ترجمتها في الدّر المنثور 283وأعلام النساء لكحّالة 2: 885وأعلام الزركلي.
(5) الشقراني: نسبة إلى شقران مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. يقال إن اسمه صالح بن عدي. كان حبشيا أهداه عبد الرحمن بن عوف لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويقال اشتراه منه فاعتقه بعد بدر. كان فيمن حضر غسل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ودفنه، وكان فيمن نزل في قبره. سكن المدينة.
ولم يتبيّن لنا من هو الشقراني هذا الذي عاش في أيام المنصور.(3/91)
جعفر (1) ومالي شفيع، فبقيت على الباب متحيرا، فإذا أنا بجعفر بن محمد (2)، فقمت إليه فقلت: جعلني الله فداك، أنا مولاك الشقراني، فرحّب بي، وذكرت له حاجتي، فنزل ودخل وخرج وعطائي في كمه، فصبه في كمي، ثم قال: يا شقراني، إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منا، وإن القبيح من كل أحد قبيح وإنه منك أقبح لمكانك منّا. وإنما قال له ذلك لأن الشقراني كان يصيب من الشراب.
فانظر كيف أحسن استنجاز طلبته، وكيف رحب به وأكرمه مع اطلاعه على حاله، وكيف وعظه على جهة التعريض، وما هو إلا من أخلاق الأنبياء.
__________
(1) أبو جعفر: هو الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.
(2) جعفر بن محمد: هو الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر. تقدمت ترجمته.(3/92)
الباب الثامن والثلاثون الصبر، والاستقامة، وضبط النفس عند الشهوات
1 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله.
2 - عائشة: عنه عليه الصلاة والسلام: لو كان الصبر من الرجال لكان كريما.
3 - علي رضي الله عنه: رفعه: الصبر ثلاثة، صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية. فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين الأرضين إلى العرش.
4 - وعنه عليه الصلاة والسلام: الحياء زينة، والتقى كرم، وخير المركب الصبر.
5 - أيوب عليه السّلام: قالت له امرأته: لو دعوت الله أن يشفيك، قال:
ويحك! كنا في النعماء سبعين عاما فهلمى نصير على الضراء مثلها، فلم
ينشب (1) إلا يسيرا ان عوفي.(3/93)
ويحك! كنا في النعماء سبعين عاما فهلمى نصير على الضراء مثلها، فلم
ينشب (1) إلا يسيرا ان عوفي.
6 - سعيد بن حميد الكاتب (2):
لا تعتبن على النوائب ... فالدهر يرغم كل عاتب
واصبر على حدثانه ... إن الأمور لها عواقب
كم نعمة مطوية ... لك تحت أثناء النوائب
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
7 - جابر بن عبد الله: سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الإيمان فقال: الصبر والسماحة.
8 - علي رضي الله عنه: القناعة سيف لا ينبو (3)، والصبر مطية لا تكبو، وأفضل عدة صبر على شدة.
9 - الحسن: جربنا وجرب لنا المجربون، فلم نر شيئا أنفع وجدانا، ولا أضر فقدانا من الصبر، به تداوى الأمور، ولا يداوى هو بغيره.
10 - النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: الصبر عند الصدمة الأولى.
11 - قالت الفرس: وجدنا في مهارقنا (4) القديمة: بمفتاح عزيمة
__________
(1) لم ينشب: لم يلبث.
(2) سعيد بن حميد الكاتب: هو سعيد بن حميد بن سعيد بن حميد بن بحر، من أولاد الدهاقين، من أهل بغداد بها ولد ونشأ، كان كاتبا شاعرا مترسلا حسن الكلام، قلّده المستعين العباسي ديوان رسائله. كان يتعشّق فضل الشاعرة وله معها أخبار ومناقضات. توفي نحو سنة 250هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن المعتز ص 426وفي أخبار فضل الله وفيه: كان سعيد من أشد الناس نصبا وانحرافا عن آل الرسول عليهم السّلام.
(3) نبا السيف: كلّ وارتدّ ولم يقطع.
(4) المهارق: ما يكتب عليه كالورق والجلود وغير ذلك.(3/94)
الصبر تعالج مغاليق الأمور. وفيها: من امتطى الغرّاء (1) ربع (2) بمحل الظفر.
12 - أعرابي: لا يكشف منسدل الهم إلا منشمر الصبر.
13 - آخر الصبر يقلم أظفار الخطوب.
14 - الصبر مرّ لا يتجرعه إلا حرّ.
15 - أعرابي: كن حلو الصبر عند مرّ النازلة.
16 - أعشى همدان (3):
إن نلت لم أفرح بشيء نلته ... إذا سبقت به فلا أتهلف
ومتى تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكلّ ضبابة ستكشّف
17 - العتابي (4):
اصبر إذا بدهتك نائبة ... ما عال منقطع إلى الصبر
الصبر أولى ما اعتصمت به ... ولنعم حشو جوانح الصدر
18 - قال الملك لبزرجمهر: ما علامة الظفر بالأمور المستعصية؟
قال: المحافظة على الصبر وملازمة الحذر، وكتمان السر.
19 - الصبر مفتاح الظفر، والتوكل على الله مفتاح الفرج.
20 - الأحنف (5): لست حليما، وإنما أنا صبور.
__________
(1) الغراء: البيضاء، والأغرّ: الأبيض، ويقال هاجرة غرّاء وشهباء.
(2) ربع بمحل الظفر: أي اطمأنّ.
(3) أعشى همدان: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن نظام بن جشم الهمداني، شاعر اليمانيين بالكوفة، فقيه، قارىء، من شعراء الدولة الأموية، غزا، الديلم في أيام الحجاج. جيء به إلى الحجاج أسيرا بعد مقتل ابن الأشعث، فأمر به الحجاج فضربت عنقه سنة 83هـ.
راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف للآمدي، والأكليل 10: 58وأعلام الزركلي.
(4) العتابي: هو كلثوم بن عمرو العتابي، توفي سنة 220هـ. تقدمت ترجمته.
(5) الأحنف: هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المري، سيد تميم توفي سنة 72هـ. تقدمت ترجمته.(3/95)
21 - الحسن: وجدت الدنيا والآخرة في صبر ساعة.
22 - علي رضي الله عنه: الصبر يناضل الحدثان (1) والجزع من أعوان الزمان. وسئل: أي شيء أقرب إلى الكفر؟ فقال: ذو فاقة لا صبر له.
23 - السندي (2):
ويوم كيوم البعث ما فيه حاكم ... ولا عاصم إلا قنا ودروع
حبست به نفسي على موقف الردى ... حفاظا وأطراف الرماح شروع
ولا يستوي عند الملمات إن عرت ... صبور على مكروهها وجزوع
24 - خرج معاوية يوما يسير ومعه عبد العزيز بن زرارة الكلابي (3)
وكان مقدما في فهمه وأدبه، إلى شرفه ومنصبه، فقال له: يا عبد العزيز، أتاني نعي سيد شباب العرب، فقال: إبني أم ابنك؟ قال: بل ابنك، قال: للموت ما تلد الوالدة.
25 - وهب (4): قيل له: فلان بلغ من العبادة ما علمت ثم رجع، فقال: لا تعجب ممن يرجع، ولكن ممن يستقيم.
26 - كان مالك بن دينار يمرّ بالسوق فيرى ما يشتهيه فيقول: يا نفس
__________
(1) الحدثان: مصائب الدهر.
(2) السندي: هو أفلح بن يسار السندي، شاعر مخضرم من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. تشيّع للأمويين وهجا بني هاشم وشهد حرب بني أمية وبني العباس. قال البغدادي: مات بعد أيام المنصور (وفاة المنصور سنة 158هـ) وقال ابن شاكر:
توفي بعد الثمانين والمائة.
راجع ترجمته في فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي 1: 73والشعر والشعراء 652.
(3) عبد العزيز بن زرارة الكلابي: أحد بني بكر بن كلاب، من فصحاء العرب وأشرافهم وشعرائهم. ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 2: 75وفي الحيوان 3: 84وذكره أبو الفرج في الأغاني وقال إنه هو الذي تكفّل بدفن توبة بن الحمير في أيام مروان بن الحكم. وراجع عيون الأخبار 1: 82ففيه خبر دخوله على معاوية.
(4) وهب: هو وهب بن منبّه.(3/96)
اصبري، ما أحرمك ما تريدين إلا لكرامتك علي.
27 - قال عبد الله الداراني (1) لمالك بن دينار: يا مالك إن سرّك أن تذوق حلاوة العبادة وتبلغ ذروة سنامها فاجعل بينك وبين شهوات الدنيا حائطا من حديد.
28 - أبو حية النميري (2):
إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلّ من جدّ في أمر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
29 - سويد بن عطوان السدوسي (3):
فأوصيكم يا ابني سدوس كليكما ... بتقوى الذي أعطاكما وبراكما
فشكرا إذا ما الله أحدث نعمة ... وصبرا لأمر الله فيما ابتلاكما
30 - قال لمالك بن دينار جار له في مرضه: ما تشتهي؟ قال: إن نفسي لتنازعني إلى شيء منذ أربعين سنة رغيف أبيض ولبن في زجاج، فأتاه به. فجعل ينظر إليه ثم قال: دافعت شهوتي عمري كله حتى إذا لم يبق من عمري إلا مثل ظمء الحمار أجدها، انظروا يتيم آل فلان فادفعوه إليه، ومات بشهوته.
31 - محمد بن واسع (4): الإبقاء على العمل أشد من العمل.
32 - قيل للأحنف (5): إنك شيخ ضعيف وإن الصيام يضعفك،
__________
(1) عبد الله الداراني: كذا في الأصل، والصواب عبد الرحمن بن أحمد الداراني.
تقدمت ترجمته.
(2) أبو حيّة النميري: هو الهيثم بن الربيع بن زرارة من بني نمير بن عامر، كان شاعرا فصيحا راجزا من أهل البصرة من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. توفي في آخر خلافة المنصور سنة 158هـ.
(3) سويد بن عطوان السدوسي: لم نقف له على ترجمة.
(4) محمد بن واسع: تقدمت ترجمته.
(5) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي التميمي. تقدمت ترجمته.(3/97)
قال: إني أعده لشرّ يوم طويل، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه.
33 - عبد الله بن الربيع بن خيثم الثوري (1) وقد ثقل ولده.
أصبحت لا أدعو طبيبا لطبّه ... ولكنني أدعوك يا منزل القطر (2)
لترزقني صبرا على ما أصابني ... وتعزم لي فيه على الرشد من أمري
فأني لأرجو أن تكون مصيبتي ... بغيت بها خيرا وإن كنت لا أدري
34 - قيل لخالد بن صفوان: بم ساد الأحنف؟ قال: بفضل سلطانه على نفسه.
35 - الأحنف: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشدّ منه.
36 - يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا.
37 - قيل لداود الطائي: كيف صبرت عن النساء؟ قال: قاسيت شهوتي عند إدراكي (3) سنة ثم سهلت عليّ.
38 - ابن السماك (4): المصيبة واحدة، فإن جزع صاحبها فهما اثنتان. يعني فقد المصاب وفقد الثواب.
39 - الحارث بن أسد المحاسبي (5): لكل شيء جوهر، وجوهر
__________
(1) عبد الله بن الربيع بن خثيم الثوري: من ثقات رواة الحديث من أهل الكوفة. ذكره ابن حبان في الثقات.
(2) منزل القطر: كناية عن الله تعالى.
(3) قوله: عند إدراكي، أي عند ما أصبحت في سن البلوغ.
(4) ابن السماك: هو محمد بن صبيح بن السماك. كان زاهدا واعظا، وعظ الرشيد فغشي عليه. توفي سنة 183.
(5) الحارث بن أسد المحاسبي: من أكابر الصوفية ومن الوعّاظ العارفين بعلوم الظاهر وعلوم المعاملات والإشارات. توفي سنة 243هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 211وطبقات الصوفية 56والوفيات 1: 157 وأعلام الزركلي.(3/98)
الإنسان العقل، وجوهر العقل الصبر.
40 - صالح بن عبد القدوس:
إن يكن ما به أصبت جليلا ... فذهاب العزاء منه أجلّ
41 - أمر بعض السلاطين بخمر فصبت في الطريق، فقال ذؤيب بن حبيب الخزاعي (1):
يا لقومي لما جنى السلطان ... لا يكن للتي أهنت هوان
سكبوها صفراء من حلب الكرم ... رحيقا كأنها الزعفران
صبها في مكان سوء لقد صا ... دف سعد السعود ذاك المكان
كيف صبري عن بعض نفسي وهل ... يصبر عن بعض نفسه إنسان
42 - محمد بن عمرو بن حزم (2): لقد أدركت أقواما لو أمروا أن لا يشربوا الماء ما شربوا حتى تنقطع أعناقهم.
ونحوه قول عمرو بن عبيد: لقد رضت نفسي رياضة لو أردتها على ترك الماء لتركته.
43 - أبو الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب (3) وزير
__________
(1) ذؤيب بن حبيب الخزاعي: لم نقف له على ترجمة.
(2) محمد بن عمرو بن حزم: كان مقدما على الخزرج في وقعة الحرّة، قتل فيها سنة 63هـ. كان ثقة قليل الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات، ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بنجران سنة عشر من الهجرة.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 49وتهذيب التهذيب 9: 370.
(3) ابن وهب: كان كاتبا ووزيرا للمعتضد سنة 288هـ بعد وفاة أبيه. وهو الذي عقد البيعة للمكتفي بعد موت المعتضد. كان القاسم داهية حبارا سفاكا للدماء وهو الذي سمّ ابن الرومي الشاعر وكان منقطعا إلى آل وهب.
راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 337وفوات الوفيات 2: 58.(3/99)
المعتضد (1):
لو أنني رمت صبرا ... عما بقلبي منها
لحان يومي وما حا ... ن يوم صبري عنها
44 - مات لأعرابي أولاد فصبر، فقيل له فقال: ما هم في الموت ببدع، ولا أنا في المصيبة بأوحد، ولا جداء (2) في الجزع، فعلام أجزع!.
45 - كتب ابن العميد (3): أقرأ في الصبر سورا، ولا أقرأ في الجزع.
46 - الحسن: المؤمن لا يجهل وإن جهل عليه، حليم لا يظلم وإن ظلم غفر، لا يبخل وإن بخل عليه صبر.
47 - لقمان: الصبر عند مس المكارة من حسن اليقين.
48 - أكثم بن صيفي: الصبر على جزع الحلم أعذب من جني ثمر الندم.
49 - كن كالمداوي جرحه يصبر على الدواء مخافة من طول الأذاء.
50 - اصبر على عمل لا غنى لك عن ثوابه، وعن عمل لا صبر لك على عقابه.
51 - من لم يتلق نوائب الدهر بالصبر طال عتبه عليه.
52 - اصبر لحكم من لا تجد معولا إلا عليه، ولا مفزعا إلا إليه.
53 - الصبر يمنح الفرج، ويفتح المرتج.
54 - عبد العزيز بن زرارة:
قد عشت في الدهر أطوارا على طرق ... شتّى وقاسيت فيه اللين والشبعا
كلا بلوت فلا النعمى تبطرني ... ولا تخشعت من لأوائها ضرعا
__________
(1) المعتضد: هو الخليفة العباسي المعتضد بالله أحمد بن الموفق.
(2) لا جداء: لا جدوى ولا منفعة.
(3) ابن العميد: هو محمد بن الحسين العميد. تقدمت ترجمته.
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه ... ولا يضيق به ذرعي إذا وقعا
55 - آية. وأحفظ في التجلد والتثبت قصائد، ولا أحفظ في الهلع والتهافت قافية.(3/100)
__________
(3) ابن العميد: هو محمد بن الحسين العميد. تقدمت ترجمته.
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه ... ولا يضيق به ذرعي إذا وقعا
55 - آية. وأحفظ في التجلد والتثبت قصائد، ولا أحفظ في الهلع والتهافت قافية.
56 - من تصبّر صبر، والمحنة إذا تلقّيت بالرضا والصبر كانت نعمة دائمة، والنعمة إذا خلت من الرضا والشكر كانت محنة لازمة.
57 - رستم (1): حسن الصبر طليعة النصر.
58 - قيل لأبي مسلم (2): بم أصبت ما أصبت؟ قال: ارتديت بالصبر، وائتزرت بالكتمان، وحالفت الحزم، ولم أجعل العدو صديقا، ولا الصديق عدوا.
59 - منصور النمري (3) في الرشيد:
وليس لأعياء الأمور إذا عرف ... بمكترث لكن لهنّ صبور
يرى ساكن الأوصال باسط وجهه ... يريك الهوينى والأمور تطير
60 - علي رضي الله عنه: أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل (4) لكانت لذلك أهلا. لا يرجونّ أحد منكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحينّ أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحينّ أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وبالصبر فإن الصبر من الإيمان
(1) رستم: لم نقف له على ترجمة.
(2) أبو مسلم: هو أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية. تقدمت ترجمته.
(3) منصور النمري: هو منصور بن الزبرقان بن سلمة بن شريك النمري. كان شاعرا من أهل الجزيرة. وصله الفضل بن يحيى بالرشيد فحظي عنده. تهاجى مع العتّابي فحقد عليه وجعل الرشيد يحقد عليه ويطلبه، فهرب منصور إلى بلدته رأس العين في الجزيرة، وتوفي هناك نحو سنة 190هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 736وتاريخ بغداد 13: 65وهو فيه منصور بن سلمة بن الزبرقان.
(4) آباط الإبل: كناية عن شدّ الرحال وحثّ المسير.(3/101)
كالرأس من الجسد، لا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه.
وعنه: لا يعدم الصبور الظفر وإن طال الزمان.
61 - لما كلم الله موسى اعتزل النساء وترك أكل اللحم، ولم يصبر هارون (1) فتزوج وأكل اللحم. فقيل لموسى، فقال: لكني لا أرجع في شيء تركته لله أبدا.
62 - محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الطالبي (2):
بعثت إليها ناظري بتحية ... فأبدت لي الإعراض بالنظر الشزر
فلما رأيت النفس أوفت على الردى ... فزعت إلى صبري فأسلمني صبري (3)
63 - علي رضي الله عنه: اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.
وعنه: وإذا كنت جازعا على ما تفلّت من يدك (4) فاجزع على كل ما لم يصل إليك.
64 - وفي كتابه إلى عقيل (5): ولا تحسبن ابن أبيك ولو أسلمه الناس متضرعا متخشعا، ولا مقرا للضيم واهنا، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطىء الظهر للراكب المتقعد (6) ولكنه كما قال أخو بني سليم (7):
__________
(1) هارون: هو نبيّ الله هارون أخو موسى عليه السّلام.
(2) محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الطالبي: كان شاعرا في أيام المتوكل وبقي بعده دهرا. تقدمت ترجمته.
(3) فزعت إلى صبري: لجأت إليه.
(4) تفلّت من يدك: تملّص منها فلم تحفظه.
(5) عقيل: هو عقيل بن أبي طالب، أبو يزيد وهو أخو علي وجعفر لأبيهما وكان أسنّ منهما. توفي سنة 60هـ.
(6) المتقعد: الذي يتخذ الظهر قعودا يستعمله للركوب.
(7) أخو بني سليم: هو العباس بن مرداس السلمي. تقدّمت ترجمته.(3/102)
فان تسألني كيف أنت فإنني ... صبور على ريب الزمان صليب
يعز علي أن ترى بي كآبة ... فيشمت عاد أو يساء حبيب
65 - أغارت الروم على أربعمائة جاموس لبشير الطبري (1)، فلقيه عبيدة الذين كانوا يرعونها معهم، فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس، قال: فاذهبوا أنتم معها، أنتم أحرار لوجه الله، وكانت قيمتهم ألف دينار، فقال له ابنه: قد أفقرتنا! فقال: اسكت يا بني، إن الله اختبرني فأحببت أن أزيده.
66 - سليمان بن الحسن الخواص العابد المصري (2):
إله عما استأثر الله به ... أيها القلب ودع عنك الحرق
فقضاء الله لا يدفعه ... حول مختال إذا الأمر سبق
67 - بيهس الملقب بنعامة (3) حين قتل إخوته:
شفيت يا مازن حرّ صدري ... أدركت ثاري ونقضت وتري
كيف رأيتم طلبي وصبري ... السيف عزمي والإله ظهري
68 - العتبي (4): إذا خفت صعوبة أمر فاستصعب له، تذل مراكبه وتلين جوانبه.
69 - عروة بن الزبير حين رمحت (5) الدابة ابنه فمات، ووقعت الأكلة (6) في رجله فقطعت: كانوا أربعة أخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، وكن أربعة فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثة. إلهي لئن كنت أخذت لقد أبقيت،
__________
(1) بشير الطبري: كان يسكن الشام. ذكره الحافظ الأصبهاني في حلية الأولياء (10: 130) وساق الخبر.
(2) سليمان بن الحسن الخواص العابد المصري: لم نقف له على ترجمة.
(3) بيهس: هو بيهس نعامة الفزاري. تقدمت ترجمته.
(4) العتبي: هو محمد بن عبيد الله. تقدمت ترجمته.
(5) رمحت الدابة ابنه: رفسته.
(6) الأكلة: داء في العضو يأتكل منه.(3/103)
ولئن كنت الجوارح أبليت لقد عافيت، وعزتك لو قطعتني إربا إربا لم أزد لك إلّا حبا.
70 - أوحى الله إلى داود عليه السّلام: تخلّق بأخلاقي، وإن من أخلاقي أنّي أنا الصبور، فاصبر على الأيام صبر الملوك.
71 - قدم على الوليد (1) وفد من عبس فيهم شيخ ضرير، فسأله عن حاله وذهاب عينه، فقال: بت ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي فطرقنا (2) سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد، غير صبي صغير وبعير وكان صعبا فنفر، فوضعت الصبي عن منكبي وتبعت البعير، فلم أجاوز حتى سمعت صيحة الصبي، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله. فاستدرت بالبعير لأحبسه فنفحني (3) برجله فحطم وجهي، فذهبت عيناي. فأصبحت لا عين ولا أهل ولا مال ولا ولد.
فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه فيتسلّى.
72 - الجاحظ: ليس في الأرض نفس تصبر على مضض الحقد ومطاولة الأيام صبر الملوك.
73 - وعن حسن الخادم (4) أشهد لكنت مع الرشيد وهو متعلق بأستار الكعبة بحيث يمس ثوبي ثوبه ويدي يده وهو يقول في مناجاته: اللهم إنّي استخيرك في قتل جعفر (5)، ثم قتله بعد ذلك بست سنين.
__________
(1) الوليد: هو الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي. توفي سنة 96هـ.
(2) طرقنا سيل: أتانا ليلا.
(3) نفحت الدابة الرجل: ضربته بحدّ حافرها.
(4) حسن الخادم: هو خادم الرشيد، ذكره الطبري في حوادث سنة 18هـ وسمّاه الحسن الكبير الخادم، ويسمّى أيضا الحسن الحاجب.
(5) جعفر: هو جعفر بن يحيى البرمكي وزير الرشيد. تقدمت ترجمته.(3/104)
74 - نهشل بن حري (1):
وجار منعناه من الضيم والعدى ... وجيران أقوام بمدرجة الدهر
ويوم كأن المصطلين بحسره ... وإن لم تكن نار قعود على الجمر
صبرنا له حتى يبوخ وإنما ... تفرّج أيام الكريهة بالصبر
75 - هلال بن فضلة الربعي (2):
وسبّحت واسترجعت من بعد صدمة ... لها رجفت كبدي ومسّت فؤاديا
صبرت فكان الصبر أدنى إلى التقى ... على حرّة قد يعلم الله ماهيا
76 - غيره:
من يمتط الصّبر يضع رجله ... في ساحة الراحة والفوز
77 - غيره:
وما زلت أرسو الدهر صبرا على الذين ... يسوء إلى أن سرفي فيكم الدهر
78 - غيره:
عجبت لصبري بعده وهو ميت ... وقد كنت أبكيه دما وهو غائب
على أنها الأيام قد صرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب
79 - غيره:
فديتك لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر
تصبّرت مضطرا وإن كنت كارها ... كما صبر العطشان في البلد القفر
80 - إذا استهدف لك غرض فارمه بنبال الصبر.
81 - عمر رضي الله عنه: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت.
__________
(1) نهشل بن حري: هو نهشل بن حري بن ضمرة الدارمي. تقدمت ترجمته.
(2) هلال بن فضلة الربعي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء (482) وقال: شاعر جزري مات بنصيبين في الطاعون، وذكر البيتين.(3/105)
82 - لما دفن عمر بن عبد العزيز ابنه عبد الملك رأى رجلا يتكلم ويشير بشماله، فصاح به: إذا تكلمت فأشر بيمينك. فقال الرجل: ما رأيت رجلا دفن أعز الناس عليه ثم هو تهمه يميني من شمالي. فقال عمر: إذا استأثر الله بشيء فاله عنه.
83 - مات أيوب بن سليمان بن عبد الملك (1) فجزع عليه سليمان جزعا شديدا، وبكى عليه بكاء ينقطع له نياط قلبه، ثم قال:
فإن صبرت فلم الفظك من شبع ... وإن جزعت فعلق منفس ذهبا (2)
84 - كتب محمد بن الحنفيّة إلى ابن عباس حين سيره ابن الزبير إلى الطائف: أما بعد فقد بلغني أن ابن الزبير قد سيرك إلى الطائف، فأحدث الله لك بها ذكرا، وحط عنك بها وزرا.
يا ابن عم، إنما يبتلى الصالحون، وتعدّ الكرامة للأخيار، وإن لم نؤجر وتؤجر إلا بما نحب وتحب قل الأجر. وقد قال الله تعالى: {وَعَسى ََ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} الآية (3). عزم الله لنا ولك على الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، ولا أشمت بك ولا بنا فيك عدوا. والسلام.
85 - لما اشتدت العلة بالرشيد جعل يقول صبر لأمر الله.
86 [شاعر]:
وإني لمن قوم كرام يزيدهم ... رجاء وصبرا شدة الحدثان (4)
__________
(1) أيوب بن سليمان بن عبد الملك: بويع بالخلافة سنة 98هـ من قبل أبيه سليمان فمات في تلك السنة قبل أبيه.
راجع الطبري حوادث سنة 90و 98وراجع ابن الأثير 4: 546.
(2) العلق: ما يتعلّق به القلب. والمنفس: النفيس، قيل: هو المال.
(3) سورة البقرة، من الآية: 216.
(4) الحدثان: مصائب الدهر وحوادثه.(3/106)
الباب التاسع والثلاثون الصناعات والحرف، وذكر الصنّاع والمحترفين وما يتعلق بهم
1 - سهل بن سعد: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء الغزل.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يخيط ثوبه ويخصف نعله، وكان أكثر عمله في بيته الخياطة.
2 - سعيد بن المسيب: كان لقمان الحكيم خياطا.
3 - ابن شوذب (1): كان إدريس (2) خياطا.
4 - وقف علي رضي الله عنه على خياط فقال: يا خياط ثكلتك الثواكل، صلّب الخيوط، ودقّق الدروز، وقارب الغرز، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط
__________
(1) ابن شوذب: هو عبد الله بن شوذب الخراساني، من ثقات رواة الحديث، ولد ببلخ سنة 86هـ ثم سكن البصرة وتفقّه وكتب وانتقل إلى الشام وأقام ببيت المقدس. ذكره ابن حبان في الثقات، وتوفي سنة 157هـ وقيل غير ذلك في سنة وفاته. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 255وحلية الأولياء 6: 139.
(2) إدريس: هو نبي الله إدريس الذي ورد ذكره في القرآن الكريم. راجع تفسير الطبري في سورة مريم الآية 56، وتاج العروس مادة درس.(3/107)
وخان فيه، واحذر السقاطات صاحب الثوب أحق بها، ولا تتخذ بها الأيادي تطلب المكافأة (1).
5 - عتبة (2): رأيت خياطا عند عائشة رضي الله عنها يخيط لها درعا (3)، فقالت له: لا تبلّ الخيوط بريقك.
6 - دعا الحسن (4) خياطا فشد زره، فأعطاه درهما، فأبى أن يأخذه، فقال: خذه فلو كنت تلقط الذهب بإبرتك لكان قليلا.
7 - فيلسوف: من القبيح أن يتولى امتحان الصناع من ليس بصانع.
8 - سأل معاوية سعيد بن العاص عن المروءة، فقال: العينة والحرفة.
9 - كان أيوب السختياني يقول: يا فتيان احترفوا، فإني لا آمن عليكم أن تحتاجوا إلى القوم، يعني الأمراء.
10 - حاك مجمع التيمي (5) ثوبا قد تنوّق (6) فيه فباعه، فرد عليه بعيب فبكى. فقال له المشتري: لا تبك فقد رضيت به، فقال: ما أبكاني إلا أني تنوقت فيه فرد عليّ بالعيب، فأخاف أن يرد علي عملي الذي عملته من أربعين سنة.
11 - يقال: فلان أخضر البطن، يعنون أنه حائك، لأن بطنه تسود لطول التزاقه بالخشبة التي يطوي عليها الثوب.
__________
(1) لم نقف عليها في نهج البلاغة.
(2) عتبة: لم نتأكّد من هو عتبة هذا.
(3) الدرع: الثوب الذي ترتديه المرأة، وقيل هو قميصها.
(4) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.
(5) التيمي: لم نقف له على ترجمة.
(6) تنّوق فيه: تجوّد وتأنّق.(3/108)
12 - وكان النظام (1) يقول للعروضي (2) الأخضر البطن، فيكشف عن بطنه يريه الناس يريد تكذيبه، حتى قال له إسماعيل بن غزوان (3): إنما يريد أنك من أبناء الحاكة.
13 - أنس: عنه عليه السّلام: لا تلعنوا الحاكة فإن أول من حاك أبي آدم.
14 - قيل لسفيان بن عيينة: من أعبد أهل الكوفة؟ قال: حائك وصيرفي، أما الحائك فمجمع التيمي، وأما الصيرفي فالربيع بن راشد (4).
15 - كانت عند أبي الحجاج الحائك (5) شهادة أقامها عند بكار (6)، فلما كان بعد مدة قال بكار لأخيه أبي صفوان (7): اشتهي نظرة من أبي الحجاج! فركب أبو صفوان إليه، فألقى له المرش (8) فقعد عليه، وأقبل على عمله وقال: اعذر يا أبا صفوان، فإن هذا الغلام الذي يعمل معي
__________
(1) النظّام: هو إبراهيم بن سيار النظّام. تقدّمت ترجمته.
(2) العروض: هو عبد الله بن هارون بن السميدع. أخذ العروض عن الخليل بن أحمد، كان شاعرا انقطع إلى سليمان بن علي ويقول أوزانا غريبة.
راجع ترجمته في الحيوان 3: 248وإرشاد الأريب 11: 138والبخلاء.
(3) إسماعيل بن غزوان: كان أحمر حليما يوصف بحسن الفهم وجودة الاستماع، ذكره الجاحظ في كتاب البخلاء وكثيرا ما كان يقرنه بسهل بن هارون، وكان ممسكا شديد البخل.
راجع أخباره في البخلاء 130و 251والبيان والتبيين 3: 126.
(4) الربيع بن راشد: لم نقف له على ترجمة.
(5) أبو الحجاج الحائك: لم نقف له على ترجمة.
(6) بكار: هو بكار بن قتيبة بن أبي برذعة بن عبيد الله بن بشر بن عبيد الله بن أبي بكرة، نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، ولد بالبصرة سنة 182هـ وتولّى القضاء بمصر للمتوكل العباسي سنة 246هـ. له مع ابن طولون وقائع مشهورة، وسجنه فكان يحدث في السجن وتوفي فيه سنة 270هـ. بمصر.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 252وتهذيب ابن عساكر 3: 282.
(7) أبو صفوان: لم نقف له على ترجمة.
(8) المرش والمرشة: آلة لرش الماء، ولعلّ لها معاني غير ذلك لم نجدها فيما نملك من معاجم.(3/109)
مملوك لامرأة يعود عليها بكسبه، وأكره أن أجلس معك فيبطل ويضر ذلك بها. فانصرف أبو صفوان، وقال لبكار: لا تطمع في أبي الحجاج، رجل تورع أن يجلس معي، كيف يجيئك.
16 - وكان مجمع (1) يقول: إذا رخص الطعام كفاني رغيفان، وإذا غلا كفاني رغيف، فلولا المسلمون ما باليت بغلاء ولا رخص.
17 - مجاهد (2) في قوله تعالى: {وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (3)، الحواكون.
18 - قال حائك للأعمش (4): ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟
قال: لا بأس بها على غير وضوء. قال: فما تقول في شهادته؟ قال: مقبولة مع شاهدين عدلين. فالتفت الحائك وقال: هذا ولا شيء واحد.
19 - قال حائك لإبراهيم الحربي (5): ما تقول فيمن صلّى العيد ولم يشتر ناطفا (6)، ما الذي يجب عليه؟ فتبسم إبراهيم ثم قال: يتصدّق بدرهمين، فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق!.
__________
(1) مجمع: هو مجمع التيمي الحائك الكوفي المعاصر لسفيان بن عيينة الذي تقدم ذكره في الفقرة (10) من هذا الباب.
(2) مجاهد: هو مجاهد بن جبر المكي. تقدمت ترجمته.
(3) سورة الشعراء، من الآية: 111.
(4) الأعمش: هو سليمان بن مهران الأعمش. تقدمت ترجمته.
(5) إبراهيم الحربي: هو إبراهيم بن إسحاق بن بشير بن عبد الله البغدادي الحربي.
أصله من مرو، ولد سنة 198هـ وسكن بغداد وتفقّه على الإمام أحمد بن حنبل.
كان عالما في الحديث، فقيها، أديبا، زاهدا. أرسل إليه المعتضد ألف دينار فردّها.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 6: 27وصفة الصفوة 2: 228وفوات الوفيات 1: 3وتذكرة الحفاظ 2: 147.
(6) الناطف: نوع من الحلواء.(3/110)
20 - قيل لحائك: لو كنت خليفة ما كنت تشتهي؟ قال: تمرا ولبأ (1)
فالتفت إلى ابنه وقال يا بني لو كنت أنت خليفة ما كنت تشتهي؟ فقال: يا أبت أو تركت لي من اللذات شيئا؟.
21 - قيل لرجل: هل عندكم حائك؟ قال: لا، قيل: فمن ينسج ثيابكم؟ قال: كل ينسج لنفسه في بيته. فإذا كلهم حاكة ولم يعلم.
22 - وقع بين أبي علقمة (2) وبين رجل فقال له: لو وضعت يمنى رجليك على حراء (3) والأخرى على ثبير (4) ثم تناولت قوس الله فندفت ما كنت إلا ندّافا.
23 - في الحديث: أحلّ ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح.
وفيه: إن الله يحب المؤمن المحترف.
وفيه: إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغني بها عن الناس، ويبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة.
وفيه: ويل للتاجر من لا والله، وبلى والله، وويل لعامل يد من غد وبعد غد.
24 - مازح الفرزدق بلالا (5)، فذم بلال بني تميم ومدح أبا موسى (6)، فقال الفرزدق: والله لو لم يكن لأبي موسى إلا فضيلة واحدة
__________
(1) اللبأ: أول اللبن في النتاج يكون عند الولادة.
(2) أبو علقمة: لم نقف له على ترجمة ويتبيّن من سير الكلام أنه كان ندافا.
(3) حراء: جبل من جبال مكة، يقابله جبل ثبير، كان يتعبّد فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل أن يأتيه الوحي. راجع معجم البلدان.
(4) ثبير: من جبال مكة، يقابله جبل حراء، وهو أقل منه ارتفاعا. راجع معجم البلدان.
(5) بلال: هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو موسى: هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، المتوفّى سنة 44هـ.(3/111)
لكفته. قال: وما هي؟ قال: حجامته (1). قال بلال: قد فعل ذلك لحاجة رسول الله إلى ذلك، وما فعله قبله ولا بعده. قال: كان أبو موسى أتقى لله من أن يقدم على نبيه بغير حذق.
25 - عتبة الأعور (2):
أبوك أدمى النجاد عاتقه ... كم من كمي أدمى ومن بطل (3)
يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من ثائر على وجل
26 - كان أردشير بن بابك (4) لا يرتضي لمنادمته ابن ذي صناعة دنيئة كحائك وحجام ولو كان يعلم الغيب مثلا.
27 - كانت لبعضهم جارية مليحة فأراد أن يعلمها الغناء، فسلمها إلى المحتكر فأعيته، فسألها مولاها بعد مدة عما تعلمت فقالت: شد الأوتار وحلّها. قال: أنت حرة إن أسلمتك إلا إلى الحجامات، فتعلمت الحجامة وتقدمت فيها. فدخل المغني يوما على الرجل وهي تحجمه فقال:
نعم لهذا خلقت وحده ... ليس لضرب البم والزير (5)
حديدة المشرط في كفها ... أحسن من ريش الطنابير
وطبعها في مصها جيد ... يضغط أذناب القوارير
فضحك الرجل وأعطاه مائتي درهم.
__________
(1) الحجامة: المداواة والمعالجة بالمحجم وهو آلة كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث تهيّجا ويجذب الدم بقوة. والحجامة أيضا: الحلاقة.
(2) عتبة الأعور: هو عتبة بن أبي عاصم الحمصي الأعور، شاعر من أهل الشام هجا بني عبد الكريم الطائي فعارضه أبو تمام فمدحهم وهجاه. ذكرها المرزباني في معجم الشعراء ص 265.
(3) الكميّ: الشجاع أو لابس السلاح لأنه يكمي نفسه أو يسترها بالدرع والبيضة.
(4) أردشير بن بابك: هو ملك الفرس. تقدمت ترجمته، وراجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.
(5) البمّ: أغلظ أوتار العود، والزير: الدقيق منها.(3/112)
28 - السري الموصلي (1) في مزين:
إذا لمع البرق في كفه ... أفاض على الرأس ماء النعيم
29 - دعا المأمون إبراهيم بن رستم (2) إلى القضاء، فقال: أنا دباغ لا أصلح للقضاء. فقال المأمون: وما تضر الحرفة؟ إنما يطلب الرجل لذاته إذا اتقى الله.
30 - أبو العتاهية:
وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحّح التقوى وإن حاك أو حجم
31 - مر داود عليه السّلام بإسكاف فقال: يا هذا، اعمل وكل فإن الله يحب من يعمل ويأكل، ولا يحب من يأكل ولا يعمل.
32 - سفيان الثوري: إذا لم يكن للعالم حرفة ولا عقار كان شرطيا لهؤلاء الظلمة، وإذا لم يكن للجاهل حرفة كان رسولا للفساق.
33 - قال رجل للحسن (3): أنشر مصحفي فاقرأه النهار كله؟ قال:
لا، اقرأه بالغداة والعشي ويكون يومك في صنعتك وما لا بد منه.
34 - أخذ حجّام من شارب الحسن فقال: اعطوه درهمين، فقالوا يا أبا سعيد، إنهم لا يطلبون في هذا شيئا. قال: أفنتسخره؟.
35 - سأل داود عن نفسه في الخفية، فقالوا: يعدل، إلا أنه يأكل
__________
(1) السري الموصلي: هو السري بن أحمد الرفاء الموصلي. تقدمت ترجمته.
(2) إبراهيم بن رستم: فقيه، من أهل كرمان، من أصحاب الحديث، حدّث المأمون فعرض عليه القضاء فلم يقبله، وأتاه ذو الرياستين إلى منزله مسلّما فلم يتحرّك له فقال له أشكاب وكان رجلا متكلّما عجبا، يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له من أجل هؤلاء الدباغين عندك! فقال رجل من أولئك المتفقّهة: نحن من دبّاغي الدين الذي رفع إبراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة. فسكت أشكاب، مات بنيسابور سنة 210هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 6: 72.
(3) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.(3/113)
من أموال بني إسرائيل. فسأل الله أن يعلمه عملا فعلمه اتخاذ الدروع.
36 - وكان سليمان (1) يعمل القفاف ويبيعها ويأكل من ثمنها.
37 - وكان فضيل (2) يستقي على الروايا (3) بكراء (4) وينفق على نفسه وعياله.
38 - إذا لقي الصانع من العرب صانعا مثله قال: يا ابن عملي قال:
يا سعد يا ابن عملي يا سعد ... هل يروين ذودك سقي معد
وساقيان سبط وجعد ... وسائقان أمة وعبد
سبط وجعد أي عجمي وعربي لأنهما لا يتفاهمان كلامهما فلا يشغلهما الحديث عن السقي. وأمة وعبد لأنهما يتحدثان فلا ينامان عن السوق.
39 - في الحديث: أكذب أمتي الصوّاغون والصبّاغون.
40 - وفي أمثال العرب: أكذب من صنع (5).
41 - وكذب الدلال مثل. قالوا لكل أحد رأس مال ورأس مال الدلال الكذب.
42 - وروى أن أول من دل إبليس، حيث قال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلى ََ شَجَرَةِ الْخُلْدِ} (6).
43 - راحة الصباغ يشبه بها ما لا يستنظف.
__________
(1) سليمان: هو النبي بن داود عليه السّلام.
(2) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد. تقدمت ترجمته.
(3) الروايا: الإبل التي يستقى عليها.
(4) الكراء: الأجر.
(5) الصنع: الحاذق بالصناعة.
(6) سورة طه، من الآية: 120.(3/114)
44 - كعب (1): لا تستشيروا الحاكة فإن الله سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم.
45 - شهد رجل حلقة الشعبي (2)، فلما قام قال له: إني أجد في قفاي حكة، أفترى لي أن احتجم؟ فقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
46 - الجاحظ: دعوت نجارا لتعليق باب ثمين، فقلت له: إن إحكام تعليق الباب شديد لا يحسنه من مائة نجار واحد، وقد يذكر الرجل بالحذق في نجارة السقوف والقباب وهو لا يكمل لتعليق كل باب على تمام الأحكام. ومثاله أن الغلام والجارية يشويان الجدي والحمل ويحكمان الشيّ وهما لا يحكمان شيّ جنب. فقال النجار، أحسنت حين أعلمتني أنك تبصر العمل، فإن معرفتي بمعرفتك تمنع التشفيق (3)، ثم أحكم تعليقه.
47 - عمر رضي الله عنه: إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، سقط من عيني.
48 - علي رضي الله عنه: مررت مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان على مسجد فرأى فيه خياطا فأمر بإخراجه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه يقّم (4) أحيانا المسجد ويرشه ويغلق أبوابه. فقال: يا أبا الحسن، سمعت
__________
(1) كعب: هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري، المعروف بكعب الأحبار، تابعي، كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن. أسلم في زمن أبي بكر، وقدم المدينة في دولة عمر، فأخذ عنه الصحابة وغيرهم كثيرا من أخبار الأمم الغابرة. توفي في حمص سنة 32هـ، عن مئة وأربع سنين.
راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ: 1: 49والإصابة الترجمة 7498والنجوم الزاهرة 1: 90.
(2) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. تقدمت ترجمته.
(3) التشفيق: العمل الرديء.
(4) يقّم: يكنّس.(3/115)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: جنبوا مساجدكم صناعكم.
49 - قال خياط لابن المبارك (1): أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف علي أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لا، إن أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم.
50 - مجاهد (2): مرت مريم في طلب عيسى عليهما السّلام بحاكة، فسألت عن الطريق، فأرشدوها إلى غير الطريق، فقالت: اللهم انزع البركة من كسبهم، وأمتهم فقراء، حقرهم في أعين الناس، فاستجيب دعاؤها.
51 - جاء في تفسير قوله تعالى: {لََا تُلْهِيهِمْ تِجََارَةٌ وَلََا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللََّهِ} (3) أنهم كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة، أو غرز الأشفى (4) فسمع الأذان لم يخرج الأشفى من المغرز، ولم يضرب بالمطرقة ورمى بها، وقام إلى الصلاة.
52 - أيوب (5): كان أبو قلابة (6) يحثّني على الاحتراف ويقول: إن الغنى من العافية.
53 - خرج علي رضي الله عنه يوما فقام على القصابين فقال: يا معشر القصابين، من نفخ شاة فليس منا. والله أعلم.
__________
(1) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك. تقدمت ترجمته.
(2) مجاهد: هو مجاهد بن جبر المكي. تقدمت ترجمته.
(3) سورة النور، من الآية: 37.
(4) الأشفى: المثقب والمخرز.
(5) أيوب: هو أيوب بن أبي تميمة السختياني. تقدمت ترجمته.
(6) أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد البصري. تقدمت ترجمته.(3/116)
الباب الأربعون الأصوات والألحان في الشعر والقرآن، وما جاء في الغناء من التحليل والتحريم، وما اتصل بذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أتدرون متى كان الحداء؟ قالوا: لا، بأبينا وأمنا، قال: إن أباكم مضر (1) خرج في مال (2) له، فوجد غلامه قد تفرقت إبله عليه، فضرب على يده بالعصا، فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح:
وايداه، وايداه، فسمعت الإبل صوته فتعطفت عليه. فقال مضر: لو اشتق من الكلام مثل هذا لكان شيئا تجتمع عليه الإبل فاشتق الحداء (3).
2 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض أسفاره لرباح بن المعترف (4) غنّني:
فغنّاه، فأصغى إليه عمر وقال: أجدت بارك الله عليك. فقال: يا
__________
(1) مضر: هو مضر بن نزار بن معد بن عدنان من سلسلة النسب النبوي، من أهل الحجاز وبنوه هم أهل الكثرة والغلبة في الحجاز، كانت لهم الرياسة بمكة والحرم وهو أول من سن الحداء للإبل. راجع الأعلام للزركلي 7: 249.
(2) المال: الإبل.
(3) راجع مقدمة كتابنا «المغنّون والمغنيات في الجاهلية والإسلام» طبعة دار الفكر اللبناني.
(4) رباح بن المعترف: يقال إسمه وهب، ويقال: ابن عمرو بن المعترف بن حجران بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشي الفهري. كان شريك عبد الرحمن بن عوف في التجارة.(3/117)
أمير المؤمنين، لو قلت زه كان أعجب إلي، قال: وما زه؟ قال: كلمة كان كسرى إذا قالها أعطى من قالها له أربعة آلاف درهم. قال: إن شئت أن أقولها لك فعلت، فأما أعطي أربعة آلاف درهم فلا يجوز لي من أموال المسلمين. قال: فبعضها من مالك، فأعطاه أربعمائة درهم. قال يرفأ (1): أتصل المغني؟ قال: خدعني.
3 - عبد الله بن مسعود: ما بعث الله نبيا إلا حسن صوته وحسن صورته.
4 - لأهل الرهبانية نغمات وألحان شجية يمجدون الله بها، ويقصرون بها السهر، ويبكون بها على خطاياهم، ويتذكرون بها نعيم الجنة.
5 - سأل رجل القاسم بن محمد (2) عن الغناء، فقال القاسم: أرأيت إذا جمع الله الحق والباطل أين يكون الغناء؟ أتراه يكون مع الحق؟ قال:
لا، قال: فهو مع الباطل.
6 - نزل الحطيئة (3) ببني قريع (4)، فسمع شبابا يتغنون فقال: جنّبوني مغنيكم فإن الغناء رقية الزنا.
7 - وكان سليمان بن عبد الملك يقول: إن الفرس يصهل فتستودق (5)
__________
(1) يرفأ: هو حاجب عمر ومولاه. جاهلي، أدرك الإسلام وحجّ مع عمر في خلافة أبي بكر، راجع الإصابة.
(2) القاسم بن محمد: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة في المدينة ولد فيها سنة 37هـ. كان ثقة رفيعا عالما إماما فقيها، ورعا كثير الحديث. توفي بقديد حاجا أو معتمرا سنة 107هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 418وصفة الصفوة 2: 249، ونكت الهميان 230.
(3) الحطيئة: هو جرول بن مالك الشاعر المعروف.
(4) بنو قريع: هم بنو قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم ومنهم بنو لؤي بن أنف الناقة الذين مدحهم الحطيئة.
(5) استودقت الحجر: اشتهت الضراب والفحل.(3/118)
له الحجر (1)، وإن الفحل يهدر فتضبع (2) له الناقة، وإن التيس ينبّ (3)
فتستذرّ له العنز، وإن الرجل يغني فتشبق (4) له المرأة.
8 - قيل لإسحاق الموصلي: كيف وجدت بني مروان في اللهو؟
قال: أما معاوية وعبد الملك وسليمان ومروان فكانت بينهم وبين الندماء المغنين ستارة (5) لئلا يظهر منهم طرب الخلفاء للذة الغناء، وأما أعقابهم فكانوا لا يتحاشون، ولم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك في السخف، قيل: فعمر بن عبد العزيز؟ قال: ما طن في سمعه حرف قط من الأغاني بعد ما أفضت إليه الخلافة، وقبلها كان يسمع من جواريه خاصة. قيل: فيزيد الناقص (6)؟ قال: ما بلغني أنه سمع الغناء قط، كان يظهر التأله ويقول بالقدر.
9 - الزهري (7): قال لي الرشيد: من بالمدينة حرّم الغناء؟ قلت:
__________
(1) الحجر: الأثنى من الخيل جعلت كمحرّمة الرّحم إلّا على حصان كريم. وأحجار الخيل: ما اتّخذ منها للنسل.
(2) ضبعت الناقة: أرادت الفحل.
(3) نبّ التّيس: صاح عند الهياج.
(4) شبقت المرأة: اشتدّت غلمتها واشتهت الجماع.
(5) الستارة: المعروف عن الخلفاء أنهم كانوا يجلسون وراء ستارة بينها وبين الندماء عشرون ذراعا، وكان يوكل بهذه الستارة حاجب ينهى إلى المغنين ما يريده الخليفة.
(6) يزيد الناقص: هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، ولد في دمشق سنة 86هـ، ثار على ابن عمّه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك لسوء سيرته فبويع بالمزّة واستولى على دمشق وكان الوليد بتدمر، فأرسل إليه يزيد من قاتله في نواحيها، وقتل الوليد فتمّ ليزيد أمر الخلافة في مستهل رجب 126، ومات في ذي الحجة بالطاعون، وقيل مسموما:، قيل له الناقص لأن سلفه الوليد بن يزيد كان قد زاد في أعطيات الجند فلما ولي يزيد نقص الزيادة، ويقال إن مروان الجعدي لمّا ولي، نبش قبره وصلبه.
راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 8: 192191وابن خلدون 3: 106والبداية والنهاية 10: 11والحور العين 194.
(7) الزهري: لم نقف له على ترجمة.(3/119)
من قنعه الله خزيه. قال بلغني أن مالك بن أنس (1) حرّمه. قلت: ولمالك أن يحرم ويحلل؟ والله، ما كان هذا لابن عمك محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو أكرم الخلق، إلا عن وحي من ربه، فهل يجوز ذلك لمالك؟.
10 - لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هجرته ثنية الوداع (2)، استقبله الجواري يضربن بالدفوف ويغنين:
طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
11 - حذيفة (3): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سيجيء من بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم.
12 - عمران بن عبد الله بن طلحة (4): كنت في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان رجل يقرأ بطرب، فأنكر ذلك القاسم (5) إنكارا شديدا، وقال: يقول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتََابٌ عَزِيزٌ، لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ «خَلْفِهِ} (6).
13 - سئل الفضيل (7) عن قراءة القرآن بألحان، فقال: إنما أخذ هذا من الغناء قوم اشتهوا الغناء فاستحبوا فحولوا نصب (8) الغناء على القرآن،
__________
(1) مالك بن أنس: هو إمام المدينة، تقدمت ترجمته.
(2) ثنية الوداع: الثنية هي عقبة في الجبل مسلوكة، وثنية الوداع هي ثنية مشرفة على المدينة في طريق مكة، سمّيت بذلك لتوديع المسافرين فيها.
(3) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان الأنصاري، تقدّمت ترجمته.
(4) عمران بن عبد الله بن طلحة: راو، ذكره ابن حبان في الثقات.
(5) القاسم: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق تقدمت ترجمته.
(6) سورة فصلت، الآيتان: 41و 42.
(7) الفضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد. تقدمت ترجمته.
(8) النصب: من أنواع الغناء، والغناء على ثلاثة أنواع: النصب ويقرب منه الحداء وهذا الضرب، فيما يظهر، هو الذي تنوح به النوائح في المرائي.
والسناد: وهو ضرب وصفه ابن رشيق بأنه الثقيل ذو التراجيع، الكثير النغمات، وهو على ست طرائف: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرمل وخفيفه أما النوع الثالث فهو الهزج: وهو فيما يبدو من أقوالهم، أنغام خفيفة راقصة، كان يصاحبها العزف والضرب بآلات الموسيقى المختلفة فتطرب وتستخف الحلوم.
(راجع مقدمة كتابنا أخبار المغنين والمغنيات في الجاهلية والإسلام طبعة دار الفكر اللبناني).(3/120)
وعسى أن يقرأ رجل ليس له صوت فلا يعجبهم وهو خير من صاحب الصوت، ويقرأ الآخر فيعجبهم صوته، فيقولون: ما أحسن قراءته! ولعله لا تجاوز قراءته حنجرته.
14 - أنس: وعظ النبي صلّى الله عليه وسلّم يوما فإذا رجل قد صعق، فقال: من هذا الملبس علينا ديننا؟ إن كان صادقا فقد شهر نفسه، وإن كان كاذبا فمحقه الله.
15 - زعموا أن في البحر دواب ربما ترنمت أصواتا مطربة ولحونا مستلذة يأخذ السامعين الغشي من حلاوتها، فاعتنى وضعة الألحان فشبهوا بها أغانيهم فلم يبلغوا.
16 - وزعموا أن في بلاد يونان طائرا يصوت بالظهائر أصواتا يجتمع أصناف الطيور استلذاذا لها.
17 - عن عمرو بن ماسوية المتطبب (1): إن شجرة على شطّ البحر هلباء (2) ليست لها أغصان ولا ورق، يقع عليها طائر وجهه وجه إنسان، وصدره صدر طاووس، وبدنه بدن نمر، وخفه خف بعير، وهو في سائر جسده كالفرس، يصوت بأنواع الأغاني، فبنى برصوما أسقف الرها (3) ألحانه عليها.
__________
(1) عمرو بن ماسويه المتطبب: لم نقف له على ترجمته.
(2) الشجرة الهلباء: الخالية من الورق. والأهلب من الرجال: من لا شعر عليه.
(3) الرها: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بناها الملك سلوقوس. وقيل في بنائها غير ذلك. راجع التفاصيل في معجم البلدان 3: 106.(3/121)
18 - الجاحظ: من الأصوات ما يقتل، كصوت الصاعقة، والرعد القاصف، والهدة، وزئير الأسد، وقعاقع الحديد وصلاصله تورث انتفاخ السحر وارتفاع القلب، وربما أدّت إلى انشقاق المرارة.
19 - وقالوا: إن الرعد الشديد إذا وافق سباحة السمكة في أعلى الماء رمت ببيضها، وربما ماتت، ويمرق بيض الحمام قبل وقته، والصوت الحسن قد يزيل العقل حتى يغشى على سامعه للطافة وصوله إلى الدماغ وممازجته للقلب.
20 - والأم تناغي الصبي فيقبل بسمعه إلى مناغاتها ويتلهىّ عن البكاء.
21 - والإبل تزداد في نشاطها وقوتها بالحداء، فترفع آذانها وتتلّفت بمنة ويسرة وتتبختر في مسيرها.
22 - وإذا اصطادوا الفيلة جمعوا لها الملاهي والمغنين فتلهىّ عن رعيها وتسهو عن الهرب حتى تؤخذ وتخطم.
23 - وزعم ابن زبن (1) أن السماكين بنواحي العراق يبنون في جوف الماء حظائر ثم يطربون عندها فيجتمع السمك في الحظائر حتى يصيدوها.
24 - وعن بعض الفلاسفة أنه رأى أيايل (2) قد سمعت زمرا وعزفا فأقبلت إليه وطأطأت رأسها وكادت تنام تلذذا باستماعه.
25 - والراعي إذا رفع عقيرته (3) أو نفخ في يراعته تلقته الغنم بآذانها وجدّت في رعيها.
__________
(1) ابن ربن: هو علي بن ربن الطبري، طبيب ولد نشأ بطبرستان وعند ما نزل الريّ أخذ عنه محمد بن زكريا الرازي علم الطب. أسلم على يد المعتصم في سامراء. حظي عند المتوكل.
راجع ترجمته في طبقات الأطباء 1: 309وأخبار الحكماء 155.
(2) الأيائل: جمع أيّل وهو الذكر من الوعول.
(3) العقيرة: الصوت.(3/122)
26 - قالوا: ربما يفسد العقل الولوع بالسماع وطول ملازمته.
27 - تعاف الدابة الماء فإذا سمعت الصفير بالغت في الشرب.
28 - حكيم: الصوت الحسن مما يزيد في المنّة، ويكون مادة للقوة، وليس شيء مما يستلذه الإنسان أخف مؤونة من السماع، لأنه لا بدّ له في غيره من إعمال حاسة، ما خلا السماع فإنه ليس له إلا السكوت.
29 - أفلاطون: من حزن فليسمع الأصوات الحسنة، فإن النفس إذا حزنت خمد نورها، فإذا سمعت ما يطربها ويسرها اشتعل منها ما خمد.
30 - وما زالت ملوك فارس تلهي المحزون بالسماع، وتعلل به المريض وتشغله عن الفكر، ومنهم أخذت العرب حتى قال ابن عسلة الشيباني (1):
وسماع مسمعة تعالمنا ... حتى ننام تناؤم العجم (2)
31 - أبو نواس:
إذا غنين صوتا كان موتا ... وهجن به عليك الزمهريرا
ولو في يوم هرمز جئت زورا ... لصيّره عبوسا قمطريرا (3)
__________
(1) ابن عسلة الشيباني: أمه عسلة بنت عامر بن شراكة قاتل الجوع الغسّاني. وهو حرملة ابن حكيم بن غفير بن طارق بن قيس بن مرّة بن همام بن ذهل بن شيبان. وكان الحارث بن جبلة الغساني وهب له قينتين، في خبر طويل ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص 157.
(2) البيت في البيان والتبيين (1: 229) منسوب إلى ابن عسلة الشيباني واسمه فيه عبد المسيح والرواية فيه:
وسماع موجنة تعلّلنا ... حتى ننام تناوم العجم.
(3) القمطرير من الرجال: المقبّض ما بين عينيه لشدّته. وفي التنزيل العزيز: إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا. جاء في التفسير: إنه يعبّس الوجه فيجمع ما بين العينين.(3/123)
32 - أذن البعلبكي (1) مؤذن المنصور فرجع، وجارية تصب الماء على يده، فارتعدت حتى وقع الإبريق من يدها، فقال للمؤذن: خذ هذه الجارية فهي لك، ولا ترجع هذا الترجيع.
33 - دخل الشعبي وليمة (2) فأقبل على أهلها فقال: ما لكم كأنكم اجتمعتم على جنازة؟ أين الغناء والدف؟.
34 - إسحاق بن إبراهيم الموصلي: كان ابن أبي حفصة (3) يتغذى عند أبي، فإذا فرغ قال: أطعموا آذاننا رحمكم الله.
35 - قال رجل للحسن: ما تقول في الغناء؟ قال: نعم الشيء الغنى (4)، يوصل به الرحم، وينفس به عن المكروب، ويفعل فيه المعروف. قال: إنما أعني الشدو، قال: وما الشدو، وتعرف منه شيئا؟
قال: نعم، قال: فما هو؟ فاندفع الرجل يغني ويلوي شدقيه ومنخريه ويكسر عينيه. فقال: ما كنت أرى أن عاقلا يبلغ من نفسه ما أرى.
36 - أبو عمرو بن العلاء: ما في الأرض شيء أقل حاذفا من الغناء.
37 - قال السعيدي (5): قلت لأبي أويس (6): هل تروي في وزن هذا البيت شيئا:
__________
(1) البعلبكي: كان مؤذن الخليفة مروان بن محمد المعروف بالحمار.
(2) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. والوليمة: طعام العرس.
(3) ابن أبي حفصة: هو مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد، كان شاعرا، نشأ في العصر الأموي في اليمامة، وقدم بغداد في العهد العباسي فمدح المهدي والرشيد ومعن بن زائدة، وهو دون طبقة بشار ومسلم بن الوليد. مات ببغداد سنة 182هـ وعمره 77سنة وكان من أبخل الناس. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 295وتاريخ بغداد 13: 142وأمالي المرتضى 2: 155.
(4) الغنى: اسم من غني بمعنى كان ذا ثروة وافرة.
(5) السعيدي: هذه النسبة اشتهر بها خالد بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص الأموي السعيدي، أبو سعيد الكوفي، كان راويا. ذكره ابن حبان وقال: كان ينفرد عن الثقات بالموضوعات.
راجع ميزان الإعتدال 1: 635وتهذيب التهذيب 3: 109.
(6) أويس: هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصمعي المدني، ابن عم مالك بن أنس وصهره على أخته. كان من رواة الحديث.
راجع ميزان الإعتدال 2: 450وتهذيب التهذيب 5: 280.(3/124)
أعرضت فلاح لها ... عارضان كالبرد
فقال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سيرين (1) أخت مارية (2) وهي تصفق وتقول:
هل علي ويحكما ... إن لهوت من حرج
فقال: لا (3). قال السعيدي: فكان سرورنا بالحديث أكثر من سرورنا بالبيت.
38 - قالت ديباجة الأعرابية (4) لإسحاق الموصلي: أنت بنعم ألفاظك دون نغم ألحانك. تطرب إذا تلكمت فكيف نراك تصنع إذا ترنّمت.
39 - قال رجل لآخر: غنني صوت كذا ومن بعده صوت كذا، فقال: أراك لا تقترح صوتا إلا بولي عهد.
40 - بعض السلف: الغناء نوح إبليس على الجنة حين أخرج منها.
__________
(1) أسيرين: هي سيرين القبطية أخت مارية القبطية. أهداهما المقوقس للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فأعطى سيرين لحسان بن ثابت. وهي أم عبد الرحمن بن حسان.
(2) مارية: هي مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أهداها المقوقس أمير القبط للرسول فتسرّاها فولدت له إبراهيم.
ولدت مارية في قرية «حفن» من كورة «أنصتا» بمصر. كانت أمّها روميّة. تولّى الإنفاق عليها بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أبو بكر، ثم عمرا وماتت في خلافة عمر بالمدينة ودفنت بالبقيع سنة 16هـ. وإليها تنسب مشربة أم إبراهيم في العالية بالمدينة وكان أول نزولها فيها.
راجع تفاصيل حياتها في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده» ص 289.
(3) رواية الأغاني: لا حرج إن شاء الله.
(4) ديباجة الأعرابية: لم نقف لها على ترجمة.(3/125)
41 - سمع سليمان بن عبد الملك مغنيا في عسكره، فطلبه فاستعاده: فاحتفل بالغناء، وكان مفرط الغيرة، فقال لأصحابه: والله لكأنها جرجرة الفحل في الشول (1)، وما أحسب أنثى تسمع هذا إلا صبت (2)، ثم أمر به فخصي.
42 - ابن الراوندي (3): اختلف الناس في السماع (4) فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين فأقول هو واجب.
43 - كان صالح بن كيسان (5) لا يرى بالغناء بأسا، ويقول: إنه يخرج من جلجلان القلب (6) إلى قمع الأذن وليس على أحد مؤونة.
44 - ابن الحجاج (7):
وقينة تفخيمها في الغنا ... أملح من قهقهة القمري (8)
__________
(1) الشول: جمع شائلة وهي الناقة التي تشول بذنبها للّقاح. راجع لسان العرب مادة شول.
(2) صبا إليه وله: حنّ، وصبت الأنثى: اشتهت الجماع.
(3) ابن الراوندي: هو أحمد بن يحيى بن إسحاق، نسبته إلى رواند من قرى أصبهان.
كان زنديقا ملحدا غاية في الذكاء. توفي برحبة مالك بن طوق بين الرقة وبغداد سنة 298هـ. وقيل غير ذلك في سنة وفاته. راجع ترجمته في مروج الذهب والبداية والنهاية ووفيات الأعيان 1: 27وفيه وفاته سنة 245.
(4) السماع: الغناء.
(5) صالح بن كيسان: هو مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز. كان حافظا إماما كثير الحديث مات بعد سنة 140هـ وقيل: مات في زمن مروان بن محمد وقد نيّف على المائة.
راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 378وتهذيب التهذيب 4: 399.
(6) جلجلان القلب: حبّته.
(7) ابن الحجاج: هو الحسين بن أحمد بن الحجاج. كان شاعرا وكاتبا من كتاب العصر البويهي، غلب عليه الهزل. اتصل بالوزير المهلّبي وعضد الدولة وابن عبّاد وابن العميد وتوفي بقرية النيل على الفرات بين بغداد والكوفة سنة 391هـ. ودفن في بغداد. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 14ووفيات الأعيان: 155.
(8) القينة: الأمة المغنّية. والغنا: بحذف الهمز للتسهيل. والقمري: نوع من الطير.
غاؤها الممدود بي فاعل ... فعلى الغنى المقصور بالعسر (1)
45 - الموصلي (2): دخلت على المعتصم يوما قد استخلى فيه وعنده جارية تغني، قال: كيف ترى يا أبا إسحاق؟ قلت: أراها تقهره بحذق، وتختله (3) برفق، ولا تخرج من شيء إلا إلى أحسن منه، وفي صوتها مقطع شذور (4) أحلى من الدر المنثور، فقال: وصفك لها أحسن منها ومن غنائها.(3/126)
__________
(8) القينة: الأمة المغنّية. والغنا: بحذف الهمز للتسهيل. والقمري: نوع من الطير.
غاؤها الممدود بي فاعل ... فعلى الغنى المقصور بالعسر (1)
45 - الموصلي (2): دخلت على المعتصم يوما قد استخلى فيه وعنده جارية تغني، قال: كيف ترى يا أبا إسحاق؟ قلت: أراها تقهره بحذق، وتختله (3) برفق، ولا تخرج من شيء إلا إلى أحسن منه، وفي صوتها مقطع شذور (4) أحلى من الدر المنثور، فقال: وصفك لها أحسن منها ومن غنائها.
46 - وكان يقول الوليد بن يزيد: ما أقدر على الحج. قيل له كيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد (5):
القصر فالنخل فالجماء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون (6)
والآخر:
(1) الغنى المقصور: أراد الثراء. والعسر: الفقر.
(2) الموصلي: هو إبراهيم بن ميمون. تقدمت ترجمته.
(3) تختله: تخدعه.
(4) الشذر: جمع شذور، قطع من الذهب، وقيل: الؤللؤ الصغير المنظوم.
(5) معبد: هو معبد المغنّي، واسمه معبد بن وهب، أبو عبّاد المدني، نابغة الغناء العربي في العصر الأموي. نشأ في المدينة يرعى الغنم لمواليه بني مخزوم، وربّما اشتغل بالتجارة، أقبل عليه كبراء المدينة عند ما نبغ في الغناء. ثم رحل إلى الشام فاتصل بأمرائها وارتفع شأنه، كان أديبا فصيحا، عاش طويلا إلى أن انقطع صوته، ومات في عسكر الوليد بن يزيد سنة 126هـ. واصواته وأخباره كثيرة في كتب الأدب.
وقوله: بصوتي معبد: أي بلحني معبد. فالصوت معناه اللّحن.
راجع ترجمة معبد في الأعلام 7: 264وتاريخ الإسلام للذهبي والأغاني.
(6) القصر الذي عناه هاهنا: هو قصر سعيد بن العاص بالعرصة (مكان بالعقيق من نواحي المدينة). والنخل الذي عناه: هو نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجمّاء وهي أرض كانت له فصار ذلك كله لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد. وأبواب جيرون بدمشق، والمعروف اليوم أن بابا من أبواب الجامع بدمشق وهو بابه الشرقي يقال له باب جيرون: وهذا البيت لأبي قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، راجع التفاصيل في كتاب الأغاني (بتحقيقنا) 1: 13طبعة دار الكتب العلمية.(3/127)
يوم تبدي لنا قتيلة عن ... جيد تليع تزينه الأطواق (1)
وكان الغناء في أهل المدينة حائزين فيه قصبات السبق (2).
47 - يحكى أن ابن سريج (3) والغريض (4) قدما المدينة يتعرضان لمعروف أهلها، فلما شارفاها وصار بالمغسلة، وهي جبانة على طرفها تغسل فيها الثياب، إذا هما بغلام ملتحف بإزار وبيده حبالة يتصيد بها ويتغنى «القصر فالنخل»، قالا: فسمعنا شيئا ما سمعنا مثله قط، فقال ابن سريج: هذا غناء غلام يصيد الطير! فكيف بمن في الجوية؟ أما أنا فثكلت والدته إن لم أرجع. فكرّا راجعين.
48 - وقيل: أربع في أهل المدينة: الغناء، والمتعة (5)، والماء من
__________
(1) البيت للأعشى: وقتيلة: اسم امرأة. والجيد التليع. الطويل. ولهذا البيت خبر طويل رواه أبو الفرج في الأغاني:
(2) قوله: حائزين فيه قصبان السّبق: أي أنهم كانوا الغالبين. وأصله أنهم كانوا ينصبون في حلبة السباق قصبة فمن سبق اقتلعها وأخدا ليعرف أنه السابق.
(3) ابن سريج: هو عبيد بن سريج، وقيل عبيد الله، مولى بني نوفل بن عبد مناف كان مغنيا مشهورا من أهل مكة أخذ الغناء عن ابن مسحج وكان منقطعا إلى عبد الله بن جعفر. كان يغنّي مرتجلا ويوقع بقضيب، وابن سريج هو أول من ضرب بالعود على الغناء العربي بمكة. وغنّى في زمن عثمان ومات بالجذام في خلافة هشام بن عبد الملك وعمره 85سنة. راجع ترجمته في الأغاني 1: 247والأعلام للزركلي.
(4) الغريض: هو عبد الملك، كان قبل أن يغنّي خيّاطا، وأخذ الغناء عن ابن سريج ثم تعلّم النوح فكان ينوح في المآتم، ولما كثر غناؤه اشتهاه الناس لما كان فيه من الشجا، فكان ابن سريج لا يغني لحنا إلّا عارضه الغريض فيه لحنا آخر توفي سنة 97هـ. راجع ترجمته في الأغاني.
(5) المتعة: المقصود بها نكاح المتعة أو الزواج المنقطع أو الزواج المؤقّت إلى أجل مسمّى وهي كالزواج الدائم لا تصحّ إلّا بعقد يشتمل على قبول وإيجاب ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الشيعة الإمامية. والمسلمون متفقون على تشريع هذا الزواج من الله سبحانه (سورة النساء، الآية: 24) ولكنهم مختلفون في نسخ هذه الآية أم عدم نسخها. فالشيعة يقولون إن عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها وحرّمها إجتهادا منه بقوله: «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج ومتعتة النساء». ويقولون بأن ليس من حق أحد أن يحلّل أو يحرّم في مسألة ثبت فيها نصّ وحكم من الله أو من رسوله. فالرسول لم يحرّم أي حكم من الأحكام الإسلامية التي أحلّها الله سبحانه ولم يحرّم المتعة بدليل أن الصحابة تمتعوا في عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر نفسه كما روى ذلك مسلم في صحيحه.(3/128)
الماء (1)، والوضوء مسته النار (2).
49 - وصف بعضهم مسمعة فقال: تلوك لحنها كما يلوك الفرس لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغن، والله ما ابتدأته فتوسطته وأنا أعقل، ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظن أني رأيته في نومي.
50 - عن عبد الله بن عوف (3): أتيت باب عمر فسمعته يتغنى بالركبانية (4):
فكيف ثوائي بالمدينة بعد ما ... قضى وطرا منها جميل بن معمر (5)
__________
(1) الماء من الماء: أي الغسل من الجنابة والجنابة هي النجاسة.
(2) الوضوء مسّته النار: يراد به الوضوء إذا أكل أحدهم لحم جزور مسّته النار.
(3) عبد الله بن عوف: هو أخو عبد الرحمن بن عوف، أسلم يوم الفتح، وهو والد طلحة ابن عبد الله بن عوف المعروف بطلحة الجود.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 116.
(4) الركبانيّة: كذا في الأصل، ولعلّها الركابية، وهو موضع منه إلى المدينة عشرة أيام.
راجع معجم البلدان 3: 63.
(5) الثواء: البقاء. والوطر: الحاجة.(3/129)
هو جميل الجمحي (1) وكان خاصا به فلما استأذنت عليه قال لي:
أسمعت ما قلت؟ قلت نعم: قال: إنا إذا خلونا قلنا ما يقول الناس في بيوتهم.
51 - نافع (2): سمع ابن عمر (3) يوما مزمارا فوضع إصبعيه في أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال: يا نافع، هل تسمع شيئا؟ فقلت: لا، فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا.
52 - أبو أمامة (4): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن، وثمنهن حرام. وما نزلت علي هذه الآية إلا في مثل هذا الحديث: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ} (5). ثم قال: والذي بعثني بالحق ما رفع رجل عقيرة صوته بالغناء إلا بعث الله عليه عند ذلك شيطانين، على هذا العاتق واحد، وعلى هذا العاتق واحد، يضربان بأرجلهما في صدره حتى يكون هو الذي يسكت.
53 - استنشد المعتز في قرقرة الأبريق فأنشده ابن خلاد (6) قول بشّار:
وأتلع كالضبي يحكي لنا ... أعاليه العنق الأقود (7)
إذا ما أكب على كأسه ... أرن كما صدح الصفرد (8)
__________
(1) جميل الجمحي: هو جميل بن معمر المشهور بجميل بثينة. تقدمت ترجمته.
(2) نافع: هو مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني. كان من أئمة التابعين ومن ثقات رواة الحديث توفي سنة 117وقيل غير ذلك في سنة وفاته. راجع تهذيب التهذيب 412.
(3) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر. تقدمت ترجمته.
(4) أبو أمامة: هو إياس بن ثعلبة الأنصاري. تقدمت ترجمته.
(5) سورة لقمان، من الآية: 6.
(6) ابن خلاد: هو أحمد بن خلاد. راجع الطبري 3: 1656.
(7) الظبي الأتلع: ذو الرقبة الطويلة.
(8) الصفرد: طائر يضرب به المثل في الجبن.(3/130)
فأمر له بصلة. ولبشار.
كأن قرقرة الأبريق بينهم ... صوت المزامير أو ترجيع فأفاء
وله:
ومالت كف ساقينا ... بإبريق إلى طاس
له قهقهة فيه ... على حبسة أنفاس
54 - سمع أعرابي مغنية بالفارسية فشوّقته فقال:
ولم أفهم معانيها ولكن ... ورت كبدي فلم أجهل شجاها (1)
فكنت كأنني أعمى معنى ... يحب الغانيات ولا يراها (2)
55 - كانت لبعض الظرفاء جاريتان مغنيتان، حاذقة ومتخلفة، فكان يخرق قميصه إذا غنت الحاذقة، فإذا غنت الأخرى قعد يخيطه.
56 - تخاصم إبراهيم بن المهدي وإسحاق (3) في الغناء، فقال له إسحاق: جعلت فداك، إلى من نتحاكم والعالم بيني وبينك بهائم؟
57 - قال معاوية لعمرو بن العاص يوما: إمض بنا إلى هذا الذي تشاغل باللهو وسعى في هدم مروءته، يريد عبد الله بن جعفر، فدخلا عليه وعنده سائب خاثر (4) يلقي الغناء على جواريه، فأمر بتخليتهنّ، وتنحىّ
__________
(1) ورت كبدي: أشعلته. وشجاها: نغمتها الحزينة.
(2) البيتان لأبي تمّام حبيب بن أوس: راجع ديوانه.
(3) إسحاق: هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي. تقدمت ترجمته.
(4) سائب خاثر: هو سائب بن يسار الليثي بالولاء. أبو جعفر، أحد أئمة الغناء والتلحين في العرب. فارسيّ الأصل. نشأ في المدينة فاحترف التجارة وأثرى. كان حسن الصوت حلو المعشر، وهو أول من عمل العود بالمدينة وغنّى به وأول لحن غني به في الإسلام من الغناء العربي المتقن هو الأبيات التي أولها: «لمن الديار رسومها قفر» من صنعة سائب. وهو أستاذ معبد المغني المشهور، وابن سريج، وعزّه الميلاء وآخرين. قتل في الحرّة سنة 63هـ.
راجع ترجمته في الأغاني وابن عساكر 6: 62والنويري 4: 261.(3/131)
لمعاوية عن سريره، فقال معاوية: أعد علينا ما كنت فيه، فغنى سائب بقول قيس بن الخطيم (1):
ديار التي كانت ونحن على منى ... نحل بها لولا نجاء الركائب
وردده الجواري معه، فحرك معاوية يديه وتحرك، ومد رجليه يضرب بهما وجه السرير فقال له عمرو: اتّئد! فإن الذي جئت تلحاه (2) أحسن حالا منك وأقل حركة. فقال معاوية: اسكت فكل كريم طروب.
58 - سمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال: يزعم أهل الكهانة (3) أن صوت البومة يدل على موت الإنسان، فإن كان ما ذكروه حقا فإن هذا يدل على موت البومة.
59 - كان العباس بن عبد المطلب أجهر الناس صوتا، كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه، وفيه يقول النابغة الجعدي (4):
زجر أبي عروة السباع إذا ... أشفق أن يختلطن بالغنم
وقد أتتهم غارة فصاح يا صياحاه! فأسقطت الحوامل، وكان يقف على سلع (5) فينادي على غلمانه وهم بالغابة (6) فيسمعهم، وبين الغابة وسلع
__________
(1) قيس بن الخطيم: هو قيس بن الخطيم الأوسي. تقدمت ترجمته.
(2) لحاه: لأمه ونازعه.
(3) الكهانة: حرفة الكاهن الذي يدّعي معرفة الأسرار أو أحوال الغيب.
(4) النابغة الجعدي: هو قيس بن عبد الله شاعر صحابي من المعمرين، اشتهر في الجاهلية. كان ممن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام. أسلم وأدرك صفين فشهدها مع الإمام علي. مات بأصبهان نحو سنة 50هـ.
راجع الأعلام للزركلي 5، 207.
(5) سلّع: جبل بسوق المدينة. وقيل: موضع بقرب المدينة. راجع معجم البلدان 3: 236.
(6) الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، وبين سلع والغابة ثمانية أميال. راجع معجم البلدان.(3/132)
وهو جبل في وسط المدينة ثمانية أميال.
60 - وعن العباس لما ولّى الناس يوم حنين: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلّا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (1)، آخذا بثفر (2) بغلته الشهباء فشجرتها بالحكمة (3) وكنت رجلا صيتا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حين رأى من الناس ما رأى وأنهم لا يلوون على شيء، يا عباس اصرخ: يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة (4) فناديت، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها.
61 - أتى عبد الملك بن صالح (5) وفود من الروم فأخفى بعض من في المجلس عطسته، فقال له: هلا إذ كنت لئيم العطاس، كز الخيشوم أتبعت عطستك صرخة تخلع بها قلب العلج (6)!.
62 - وكان الرشيد جهوريا فقال فيه بعض العرب وهو يطوف بالبيت:
جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النعم
ويخطو على الأين خطو الظليم ... ويعلو الرجال بخلق عمم (7)
__________
(1) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: هو ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. تقدمت ترجمته.
(2) ثفر البغلة: سيرها ويكون في مؤخر السّرج.
(3) شجرتها بالحكمة: أي طعنتها بالحكمة وهي حديدة في اللجام يشدّها الراكب إذا خالفته الدابة في سيرها أو غير ذلك.
(4) السمرة: هي الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيعة الرضوان. والسمرة:
هي شجرة الطلح، عضاه ينبت في الصحاري وغيرها.
(5) عبد الملك بن صالح: هو عبد الملك بن صالح العباسي الهاشمي. تقدمت ترجمته.
(6) العلج: الرجل الضخم من العجم.
(7) الأين: الإعياء وفتور الهمّة. والظليم: ذكر النعام.(3/133)
63 - الجاحظ: كان أبو ديوبة (1) مولى آل زياد ينهق بباب الكرخ (2)
بحضرة المكارين فلا يبقى حمار مريض ولا هرم ولا حسير متعب إلا نهق.
وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة فلا تنبعث حتى كان أبو ديوبة يحركها. وكان يجمع جميع صور نهيق الحمار فيجعلها في نهيق واحد، وكذلك كان في نباح الكلاب.
64 - قيل لرجل من العرب: ما الجمال؟ فقال: غؤور العينين، وإشراف الحاجبين، ورحب الأشداق، وبعد الصوت.
65 - سأل الحجاج جلساءه عن أرق الصوت عندهم، فقال أحدهم:
ما سمعت صوتا أرق في سمعي من صوت قارىء حسن القراءة لكتاب الله في جوف الليل. قال: إن ذلك لحسن. وقال آخر: ما سمعت صوتا أعجب من أن أترك امرأتي ماخضا وأخرج إلى المسجد مبكرا فيأتيني آت فيبشرني بغلام: فقال: واحسناء! فقال شعية بن علقمة التميمي (3): لا والله ما سمعت صوتا قط أعجب إلي من أن أكون جائعا فأسمع خفخفة الخوان (4). فقال الحجاج: أبيت يا بني الا حب الزاد.
66 - قيل لمخنث: أي الأصوات أحب إليك؟ قال: نشنشة القلية (5)، وقرقرة القنينة، وخفخفة الخوان، وفشفشة التكة (6).
67 - كان المفضل (7) يروي بيت أوس (8) «تصمت بالماء تولبا
__________
(1) أبو ديوبة: راجع الخبر بتفاصيله في البيان والتبيين 1: 69.
(2) الكرخ: اسم محلة ببغداد.
(3) شعية بن علقمة التميمي: لم نقف له على ترجمة وهو من أهل الكوفة.
(4) الخوان: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. وخفخفة الخوان: صوته.
(5) القلية: اللحم إذا نضج في المقلاة. ونشنشة القلية: صوتها.
(6) التكة: رباط السراويل. وفشفشة التكة: صوتها.
(7) المفضّل: هو المفضّل بن محمد الضبّي. تقدمت ترجمته.
(8) أوس: هو أوس بن حجر التميمي. تقدمت ترجمته.(3/134)
جدعا» (1) فقال له الأصمعي: أخطأت إنما هو جدعا وهو السيء الغذاء، وتكلم المفضل ورفع صوته، فقال له: إن رفع الصوت لا يغني عنك ولو نفخت بالشبور (2) تكلم كلام النمل وأصب.
68 - سمع سعيد بن المسيب ذات ليلة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر ابن عبد العزيز يجهر بالقراءة في صلاته، وكان حسن الصوت، وهو إذ ذاك أمير المدينة، فرفع سعيد صوته وقال: يا أيها المصلي، إن كنت تريد الله بصلاتك فاخفض صوتك، وإن كنت تريد الناس فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، فسكت وخفف ركعتيه ثم أخذ نعليه وخرج.
69 - وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا قام أحدكم من الليل فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون إلى قراءته ويصلون بصلاته.
70 - عن داود عليه السّلام أنه كان يخرج إلى صحراء بيت المقدس يوما في الأسبوع ويجتمع الخلق فيقرأ الزبور تلك القراءة الرخيمة الشجية، وله جاريتان موصوفتان بالقوة والشدة فيضبطان جسده ضبطا خيفة أن تنخلع أوصاله مما كان ينتحب ويزفر، وتحتشد على قراءته الوحوش والطير.
71 - وعن مالك بن دينار: بلغنا أن الله يقيم داود يوم القيامة عند ساق العرش فيقول: يا داود، مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم.
72 - واستمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قراءة أبي موسى (3) فقال: لقد أوتي هذا من مزامير آل داود. فبلغ ذلك أبو موسى فقال: يا رسول الله، لو
__________
(1) وتمام البيت:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
والهدم: الثياب البالية: والنواشر: هي عصب الذراع. وتصمت: تسكت.
والتولب: ولد الأتان وعمره سنة. والجدع: الشيء الغذاء.
(2) الشبور: البوق.
(3) أبو موسى: هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس. تقدمت ترجمته.(3/135)
أعلم أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا.
73 - أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا سمعتم صياح الديكة فأسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا.
74 - وعن ابن عباس يرفعه: إن مما خلق الله لديكا براثنه على الأرض السابعة السفلى، وعرفه مطوي تحت العرش، قد أحاط جناحاه بالأفقين، فإذا بقي ثلث الليل الآخر، ضرب بجناحيه ثم قال: سبحان الملك القدوس، سبحوا الملك القدوس، سبحان ربنا الملك القدوس لا إله لنا غيره، فيسمعها من بين الخافقين كلا الثقلين (1).
قال محمد بن إسحاق (2): فيرون أن الديكة إنما تضرب بأجنحتها وتصرخ إذا سمعت ذلك.
75 - جابر بن عبد الله (3) يرفعه: إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله، فإنهن يرين ما لا ترون.
76 - أبو موسى الأشعري: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فلما دنونا من المدينة كبر الناس ورفعوا أصواتهم. فقال: يا أيها الناس، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم.
__________
(1) الثقلان: الإنس والجن.
(2) محمد بن إسحاق: هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، كان عالما واسع الرواية والعلم لا يوازيه أحد فيهما وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار، يرمى بالقول بالقدر.
زار الإسكندرية سنة 119هـ وسكن بغداد فمات بها سنة 150هـ وفي سنة وفاته خلاف، يعدّ من أقدم مؤرخي العرب، وهو صاحب «السيرة النبوية».
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1: 214ووفيات الأعيان 1: 483. وميزان الإعتدال 3: 61وتهذيب التهذيب 9: 38.
(3) جابر بن عبد الله: هو جابر بن عبد الله الأنصاري. تقدمت ترجمته.(3/136)
77 - في النصائح الصغار (1): عملك للذي علم منه في عدمه ما لا تعلم أنت، وقد وجدوا دعاءك لمن هو أخبر منك بما أردت به مما لم ترد، فما هذا الرغاء كأنه هدير؟ وما هذا الصراخ الذي الأصم به جدير؟ إن كنت ممن يأوي إلى السنة دون البدعة، ولا يكون على الرياء والسمعة، وأردت بذلك وجه العليم بما خطر في قلب العبد وهجس الخبر بما وسوست به النفس، وأوجس من هوى نفسك العمل المشهور، فالكتم الكتم، ومن شهرتها الدعاء المنشور فالختم الختم، إن خير النوق والفتى المكتوم، وخير الكتاب والشراب المختوم.
78 - وفي الرسالة الناصحة (2): وأن لا ترى في مدرستك فاتر الرغبة والنشاط، قليل الاسترسال والانبساط، ناطقا كالصامت، جاهرا كالمخافت، فإذا سمعت تحفيف الركب المار تحركت وانتعشت، ونبت لك عرف وانتفشت، ورفعت من صوتك وأصوات أصحابك، وما شئت من صرخك وإجلابك، لتسمع المارة ذلك الزجل واللجب، ويقضى من كدك واجتهادك العجب.
79 - قال حكم الوادي (3): كنت أنا وجماعة نتعلم من معبد (4) فغنىّ لنا صوتا أعجب به، وكنت أنا أول من أخذه عنه ذلك اليوم، فاستحسنه منيّ. فأعجبتني نفسي. فلما انصرفت عملت فيه من عند نفسي لحنا آخر
__________
(1) النصائح الصغار: وتسمّى أطواق الذهب. وهي مائة مقالة للمؤلف يبدي رأيه فيها بالأوضاع السياسية والإجتماعية في عصره. شرحها الميرزا يوسف خان الإشتياني في كتاب سمّاه قلائد الأدب في شرح أطواق الذهب.
(2) الرسالة الناصحة: من مصنفات المؤلف المفقودة. ذكرها ياقوت الحموي في إرشاد الأريب.
(3) حكم الوادي: هو الحكم بن يحيى بن ميمون. أخذ الغناء من عمر الوادي، وكان حاذقا فيه ينقر بالدف ويغني مرتجلا. غنّى الأهزاج في آخرة عمره فكسب بها مالا وبلغ في الهزج ما لم يبلغه غيره. غنّى الوليد بن عبد الملك وغنّى الرشيد وعاش عمرا طويلا. راجع أخباره في الأغاني.
(4) معبد: هو المغنيّ المشهور مبعد بن وهب. تقدمت ترجمته.(3/137)
وبكرت عليه، فغنيته ذلك اللحن، فوجم ساعة ثم قال: كنت أمس أرجى مني لك اليوم، وأنت اليوم عندي أبعد من الفلاح.
80 - الأصمعي (1): قلت لأعرابي ألك شعر؟ قال: قلت أبياتا فتغنى بها حكم الوادي، فما حرك بها قصابه إلّا خفت النار، فأبغضت قول الشعر.
81 - قال سلام الحادي (2) للمنصور، وكان يضرب المثل بحدائه:
مر يا أمير المؤمنين بأن يظمئوا إبلا ثم يوردوها الماء، فإني آخذ في الحداء فترفع رؤوسها وتترك الشرب حتى أسكت.
82 - سأل المعتصم إسحاق الموصلي عن النغم كيف يميز بينها على تشابهها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة ولا تؤديها الصفة.
83 - ذو جدن (3) من الأقيال (4) اسمه علس بن الحارث. والجدن الصوت بالحميرية. كانوا يضربون المثل بحسن صوته، ويقولون إن الوحش كانت تأذن له.
84 - أبو أمامة (5) عن النبي عليه السّلام: ما من عبد يدخل الجنة إلا وهو يجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن، ليس بمزامير الشياطين ولكن بتحميد الله وتقديسه.
85 - كان عليه الصلاة والسلام يصف الجنة، فقال رجل: يا رسول
__________
(1) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب. تقدّمت ترجمته.
(2) سلام الحادي: كان من مخضرمي الدولتين حدا بهشام بن عبد الملك وحدا بأبي جعفر المنصور.
(3) ذو جدن: هو علس بن يشرح بن الحارث بن صيفي بن سبأ، قيل من أقيال حمير.
وهو أول من غنّى باليمن.
(4) الأقيال: جمع قيل وهو الملك من ملوك حمير.
(5) أبو أمامة: هو إياس بن ثعلبة. تقدمت ترجمته.(3/138)
الله أفيها سماع (1)؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده إن الله ليوحي إلى شجرة الجنة أن أسمعي عبادي الذين شغلوا أنفسهم بذكري عن المعازف والمزاهر (2) والمزامير، فتسمعهم أصواتا ما سمع الخلائق مثلها قط بالتسبيح والتقديس.
86 - كان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار الجشمي القارىء (3)
ينزل مكة، فسمي القس من عبادته وزهده، ثم استهيم بمغنية من مولدات مكة اسمها سلامة (4) حتى نسبت إليه، فقيل لها سلامة القس، وله فيها:
__________
(1) قوله: أفيها سماع: أي غناء.
(2) المزاهر: جمع مزهر وهو العود، من آلات الطرب.
(3) عبد الرحمن بن عبد الله القارىء: هو، كما سماه أبو الفرج في الأغاني، عبد الرحمن بن أبي عمار (نسبه إلى جدّه) من بني جشم بن معاوية، خبره مع سلّامة مشهور ذكره أبو الفرج في الأغاني فقال:
سمع غناءها على غير تعمد منه فبلغ منه كل مبلغ فرآه مولاها فقال له: هل لك في أن أخرجها إليك؟ فأبى، فقال مولاها: أنا أقعدها في موضع تسمع غناءها ولا تراها، فأبى، فلم يزل به حتى دخل فأسمعه غناءها فأعجبه فقال له، هل لك في أن أخرجها إليك، فأبى، فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه، فتغنّت فشغف بها وشغفت به، وعرف ذلك أهل مكة، فقالت له يوما: أنا والله أحبّك، قال: وأنا والله أحبك.
قالت: وأحب أن أضع فمي على فمك. قال: وأنا والله أحب ذاك، قالت: فما يمنعك؟ فو الله إن الموضع لخال. قال: إني سمعت الله عزّ وجلّ يقول: الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلّا المتّقين. وأنا أكره أن تكون خلّه ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة، ثم قام وانصرف، وعاد إلى ما كان عليه من النسك.
راجع كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني».
(4) سلامة: هي سلامة القسّ، مغنية شاعرة من مولدات المدينة، أخذت الغناء عن معبد وطبقته فمهرت في الغناء وحذقت الضرب على الأوتار وقالت الشعر الكثير شغف بها عبد الرحمن الذي تقدم ذكره آنفا، وكان من قرّاء مكة، لقّب بالقس لكثرة عبادته فنسبت إليه وغلب عليها لقبه سمع بها يزيد بن عبد الملك فاشتراها فانتقلت معه إلى دمشق وبقيت عنده إلى أن توفّي، ولها شعر في رثائه، وأدركت مقتل الوليد ابن يزيد وتوفيت نحو سنة 130هـ.
راجع تفاصيل حياتها في كتابنا «أخبار المغنين والمغنيات في الجاهلية والإسلام» ص 146طبعة دار الكتاب اللباني.(3/139)
ألم ترها لا أبعد الله دارها ... إذا رجعت في صوتها كيف تصنع
تمد نظام القول ثم تردّه ... إلى صلصل في صوتها يترجع
وله:
إذا ما عج مزهرها إليها ... وعجت نحوه أذن كرام
وأصغوا نحوها الآذان حتى ... كأنهم وما ناموا نيام
87 - يعلى بن عقيل العنزي (1) في إسحاق الموصلي، وقيل هي للأصمعي:
أأن تغنيت للشّرب الكرام ألا ... حيث الخليط جمال الحي فانطلقوا (2)
وقيل أنت حسان الناس كلّهم ... وابن الحسان فقد قالوا وقد صدقوا
فما بهذا تقوم النادبات ولا ... تبكي البواكي إذا ما ضمّك الخرق (3)
88 - قيل لأعرابي في يوم حار بحضرة قوم يتصايحون في الخيام:
أما ترى أجيج اليوم؟ فقال: إن ضجيج القوم أشد من أجيج اليوم.
89 - قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة فنزل على عبد الله بن هلال (4)
الملقب بصاحب إبليس، وكانت له قينتان (5)، فقال فيهما:
يا أهل بابل ما نفست عليكم ... من عيشكم إلا ثلاث خلال (6)
__________
(1) يعلى بن عقيل العنزي: لم نقف له على ترجمة.
(2) الشرب: الشاربون. والخليط: القوم الذي شأنهم واحد ينتجعون أيام الكلأ فتجتمع منهم قبائل شتّى في مكان واحد فتقع ألفة فإذا قوّضوا خيامهم وافترقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك.
(3) هذه الأبيات تروى أيضا لابن المنذر العروض. راجع الأغاني.
(4) عبد الله بن هلال: هو عبد الله بن هلال الحميري، كان في زمن الحجاج وكان يدّعي أن إبليس يتراءى له ويصادقه ويكاتبه ويطلعه على أسراره.
راجع أخباره في الحيوان للجاحظ وثمار القلوب 57.
(5) قينتان: مثنى قينة وهي الأمة المغنية.
(6) الخلال: جمع خلّة وهي الخصلة والعادة.
ماء الفرات وظل عيش بارد ... وغناء محسنتين لابن هلال (1)
90 - قيل لسفيان بن عيينة: لم كان يستحب خفض الصوت عند الجنائز؟ قال: شبهوه بالحشر إلى الله، أما سمعته يقول: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوََاتُ لِلرَّحْمََنِ فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً} (2).(3/140)
__________
(6) الخلال: جمع خلّة وهي الخصلة والعادة.
ماء الفرات وظل عيش بارد ... وغناء محسنتين لابن هلال (1)
90 - قيل لسفيان بن عيينة: لم كان يستحب خفض الصوت عند الجنائز؟ قال: شبهوه بالحشر إلى الله، أما سمعته يقول: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوََاتُ لِلرَّحْمََنِ فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً} (2).
91 - كان الحجاج إذا سمع نوحا في دار أمر بهدمها، فلما مات ابنه وأخوه أحب أن يسمع النوح، وكان يتمثّل بقول الفرزدق:
في كل ناحية نائحة.
هل ابنك إلا من بني الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى حنين المآتم
92 - تناظر رجلان عند المأمون فارتفعت أصواتهما، فقال: الصواب في الأسدّ لا في الأشدّ (3).
93 [شاعر]:
إن صاح يوما حسبت الصخر منحدرا ... والريح عاصفة والموج ملتطما
94 - كتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك في أشعب (4) فحمل إليه، فألبسه سراويل من جلد قرد له ذنب، وقال: ارقص وغنّ صوتا يعجبني، ففعل فوصله.
وأرسل إلى الهيثم القاري، وهو أول من طرب في قراءته، فاستقرأه فقرأ، فقال: غنني، فقال: لا أحسن الغناء، قال: فالذي قرأت ليس صوت كذا وكذا؟.
(1) رواية الأغاني: «وطيب ليل» وغناء «مسمعتين»
والمسمعة هي المغنية.
(2) سورة طه، الآية: 108.
(3) قوله لا في الشدّ: أي لا في الصوت المرتفع.
(4) أشعب: هو أشعب بن جبير الطامع، يضرب به المثل في الطمع. توفي سنة 154هـ تقدمت ترجمته.(3/141)
ولقد صدق الفاسق فإن القراءة بالتطريب من باب الاغتناء فقلبوه من الأبيات فلحنوا القرآن تلحينا، ولقنوه الفتيان تلقينا، حتى اتخذه قصاص السوء مكسبة ومتسوقا، وإلى صرف العامة إليهم متسلقا، ففتنوا به ضعفة الدهماء (1) وجهلة الرجال والنساء، فإذا قالوا: ما أطيب كلام الله! فهو لطيب الأغنية لا لصحة العقيدة وصدق النية.
95 - وعن الهيثم (2): استقرأني الوليد (3) فقرأت، ثم طلب مني الغناء فتغنيت، فقال: قراءتك أطيب من غنائك، وإنما حكم بطيبها من أجل تطريبها.
96 - وحكى إسحاق الموصلي عن أبيه إبراهيم أنه غنى الهادي صوتا أطربه فقال: سل ما شئت، فقال: تقطعني عين مروان بالمدينة، فقال:
يا غلام جأ عنقه (4)، يا جاهل! أردت ويلك أن تشيع في الناس أنك غنيتني فاقطعتك على الغنائم (5)! ثم قال لوزيره: أدخل هذا الجاهل الخزانة فأعطه ما شاء (6).
97 - كان يقول حماد بن إسحاق الموصلي: أول من وصله الرشيد حين استخلف جدي إبراهيم (7)، وذلك أنه قال:
__________
(1) الدهماء: العامة من الناس، الأوباش.
(2) الهيثم: هو الهيثم القاري. تقدمت ترجمته.
(3) الوليد: هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي، ولي الخلافة سنة 125هـ وقتل سنة 126هـ. قتله عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك.
(4) جأ عنقه: أضربها. والفعل وجأ.
(5) الغنائم: أراد ما أصاب بنو العباس من أموال بني أمية.
(6) راجع الخبر في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» فالرواية فيه فيها اختلاف في بعض الألفاظ.
(7) رواية الأغاني عن حماد عن أبيه قال: أول جائزة خرجت لشاعر من الرشيد لما ولي الخلافة جائزة لأبي، فإنه قال يمدحه لما وليّ الخلافة: وقال البيتين وفيهما اختلاف في بعض الألفاظ.(3/142)
ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هارون أشرق نورها
فليست الدنيا كمالا بملكه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها
وعمل فيها لحنا وأسمعه الرشيد من وراء الحجاب، فأعطاه مائة ألف، ويحيى (1) خمسين ألف.
__________
(1) يحيى: هو يحيى بن خالد بن برمك، مؤدب الرشيد ومربيه. ولد سنة 120هـ وتوفي في الرقة مسجونا سنة 190هـ.(3/143)
الباب الحادي والأربعون الصدق، والحق، والصواب، والتكلم بالحق، والتصلب في الدين، والغضب لله، وغير ذلك
1 - عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ما عمل أهل الجنة؟ فقال: الصدق، إذا صدق العبد برّ، وإذا برّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة، قال: يا رسول الله، ما عمل أهل النار؟ قال:
الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار.
وعنه عليه الصلاة والسلام: الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن المرء ليتحرى الصدق حتى يكتب صديقا.
وعنه: عليك بالصدق وإن ضرك، وإياك والكذب وإن نفعك.
2 - إسماعيل بن عبد الله (1): لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه فقال:
يا بنيّ، عليكم بتقوى الله، وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قتل أحدكم قتيلا ثم سئل عنه أقرّ به، والله ما كذبت كذبة منذ قرأت القرآن.
3 - عائشة رضي الله تعالى عنها: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بم يعرف
__________
(1) إسماعيل بن عبد الله: هو إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي.
من ثقات رواة الحديث توفي سنة 145هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 306.(3/145)
المؤمن؟ قال: بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه.
4 - علي رضي الله عنه: الصدق خير للمؤمن من المال يأكله ويورثه.
5 - الأحنف (1): عييّ (2) صدوق خير من بليغ كذوب، لعن الله المرء إذا كان كذابا. وقال لابنه: يا بني، يكفيك من شرف الصدق أن الصدوق يقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب أن الكذاب لا يقبل قوله في صديقه ولا عدوه.
6 - لكل شيء حلية، وحلية المنطق الصدق.
7 - محمود الوراق:
الصدق منجاة لأصحابه ... وقربة يدني من الرب
مضرة الصدق على أهله ... أردّ من منفعة الكذب
8 - الصدق عمود الدين، وركن الأدب، وأصل المروءة، ولا تتم هذه الثلاثة إلا به.
9 - رسطاليس (3): أحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به سامعه.
10 - قتيبة (4): ثلاث لا يصح السلطان إلا بهنّ: الشدة على الريب، واللّين للحسن، وصدق الحديث.
__________
(1) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي التميمي. ولد سنة ثلاثة قبل الهجرة وأدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره. اشترك في الفتوح واعتزل يوم الجمل وشهد صفين مع الإمام عليّ. توفي في الكوفة سنة 72هـ.
(2) العيّ: الحصر في النطق.
(3) رسطاليس: هو أرسطو الفيلسوف اليوناني.
(4) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي. أمير فاتح ولد سنة 49هـ. ولّاه عبد الملك بن مروان الريّ وولّاه ابنه الوليد خراسان. قتله وكيع بن حسان التميمي سنة 96هـ.(3/146)
11 - المهلب بن أبي صفرة: ما السيف الصارم في يد الشجاع بأعز له من الصدق.
12 - قالوا: اثنان لا تخطئهما سعادة وغبطة: سلطان حليم، ورجل صدوق.
13 - حكيم: الصدق صدقان، أعظمهما الصدق فيما يضرك.
14 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أملق تاجر صدوق.
وعنه: التاجر الصدوق إن مات في سفره مات شهيدا وإن مات على فراشه مات صديقا.
15 - الصدق يدل على اعتدال وزن العقل.
16 - في النصائح (1): لو صور الصدق لكان أسدا يروع، ولو صور الكذب لكان ثعلبا يروغ.
فلئن تكون في فجوة عرين ليث أغلب خير لك من أن تكون وجار (2)
ثعلب.
17 - جعل الحجاج يعرض الأسارى من أصحاب ابن الأشعث (3) على السيف، فقال رجل شاب منهم: أصلح الله الأمير، إن لي بك حرمة.
قال: ما هي؟ قال: منعت ابن الأشعث عن أبويك فنضحت عنك. قال:
ومن يشهد لك بهذا؟ فرمى بطرفه إلى فتى فشهد له. فقال الحجاج: فما منعك من مثل فعله؟ فقال: قديم بغضي إياك. فقال: يخلى هذا لحرمته، وهذا لصدقه.
18 - قال عبد الملك للحجاج: أصدقني من نفسك فليس العاقل إلا
__________
(1) النصائح: من مصنفات المؤلف.
(2) الوجار: بيت الثعلب.
(3) ابن الأشعث: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي.(3/147)
من عرف نفسه. قال: أنا حديد حقود حسود.
19 - أفلاطون: الحق عقال العقول.
20 - علي رضي الله عنه: إن الحق ثقيل مريء (1) وإن الباطل خفيف وبيء (2).
وعنه: من صارع الحق صرعه.
وعنه: من تعدى الحق ضاق مذهبه (3).
وعنه: من أبدى صفحته للحق هلك (4).
وعنه: حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمرّ الباطل لقديما فعل، ولئن قلّ الحق فربما ولعلّ، ولقلما أدبر شيء فأقبل (5).
21 - لئن هملجت (6) في الباطل إنك على الحق لقطوف (7).
22 - قيس بن الخطيم:
متى ما تقد بالباطل الذر يأبه ... وإن قدت بالحق الرواسي تنفد
وإني لأغنى الناس عن متكلف ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتدي
23 - لا أقول إلا ما طبق الحق مفاصله، وأصاب الصدق شواكله (8).
24 - لسانه وقف على الصدق.
25 - أبوذر (9): ساكن شفته مصباح الحق يزهو من فيه.
26 - يتحرى الصدق في مقاله، ويتوخى الحق في فعاله.
__________
(1) حق مريء: هنيء جيد العاقبة.
(2) وبيء: الفاسد، خلاف المريء.
(3) هذا القول من وصيته له لولده الحسن. راجع نهج البلاغة.
(4) أبدى صفحته للحق: قاومه، أو أعرض عنه.
(5) راجع نهج البلاغة، فهذه الخطبة قالها عند ما بويع بالمدينة.
(6) الهملجة: السير الحسن السريع.
(7) الدابة القطوف: التي تبطىء في سيرها.
(8) الشواكل: جمع شاكلة وهي الحاضرة.
(9) أبوذر: هو جندب بن جناده، أبوذر الغفاري توفي سنة 32هـ: تقدمت ترجمته.(3/148)
27 - الصدق محمود من كل أحد إلا من الساعي.
28 - الجاحظ: حدثني موسى بن عمران (1)، وكان هو والكذب لا يأخذان في طريق، ولم يكن عليه من الصدق مؤونة، لإيثاره له حتى كاد يستوي عنده ما يضره وما لا يضره.
29 - ابن خبيق الأنطاكي (2): لا يستغني حال من الأحوال عن الصدق والصدق مستغن عن الأحوال كلها: لو صدق عبد فيما بينه وبين الله تعالى حقيقة الصدق لاطّلع على خزائن من خزائن الغيب، ولكان أمينا في السموات والأرض.
30 - عامر بن الظرب العدواني في وصيته: إني وجدت صدق الحديث طرفا من الغيب فاصدقوا: يعني من لزم الصدق وعوّده لسانه وفق، فلا يكاد يتكلم بشيء يظنه إلا جاء على ظنه.
31 - وعظ الحسن (3) الناس وذكر لهم سير الأولين، ثم أقبل على النضر بن عمرو (4) أمير البصرة فقال: أصبحت والله مخالفا للقوم في الهدى والسيرة، فأياك أن تمني الأماني وتترجح فيها، وإن أخاك من صدق، ومن نصحك في دينك خير ممن يمنيك ويغرك.
32 [شاعر]:
__________
(1) موسى بن عمران: لم نقف له على ترجمة. ذكره الجاحظ في الحيوان 3: 43ولم يترجم له.
(2) خبيق الأنطاكي: هو، كما في حلية الأولياء، عبد الله بن خبيق الأنطاكي، الصادق الواثق المشمر اللاحق، تذوق بالصفاء وتحقق بالوفاء وتخرج على يوسف بن أسباط فأعرض عن الشبهات وأماط.
راجع حلية الأولياء: 10: 169. ولعله تصحيف حبيب. فيكون الاسم الصحيح:
عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي.
(3) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.
(4) النضر بن عمرو: لم نقف له على ترجمة.(3/149)
الحق أبلج ما يحيل سبيله ... والحق يعرفه ذوو الألباب
33 - خطب بلال (1) لأخيه خالد بن رباح (2) امرأة قرشية فقال لأهلها:
نحن من قد عرفتم، كنا عبدين فأعتقنا الله، وكنا ضالين فهدانا الله، وكنا فقيرين فأغنانا الله، وأنا أخطب إليكم على أخي فلانة، فإن تنكحونا فالحمد لله، وإن تردونا فالله أكبر، فأقبلوا بعضهم على بعض فقالوا: بلال من قد عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله، فزوجوا أخاه، فلما انصرفا قال له أخوه: يغفر الله لك! أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله! فقال: مه يا أخي! صدقت فأنكحك الصدق.
34 - عمر رضي الله عنه: عليك بالصدق وإن قتلك الصدق.
35 - قال رجل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: رأيتك تسحب ذيلك. قال: فهلا قلت لي، قال: هبتك، قال: أما علمت أن لقائل الحق من الله سلطانا.
36 - عمر رضي الله عنه في خطبته: لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟ فأزموا (3)، قال ذلك ثلاثا. فقام علي (4) فقال:
يا أمير المؤمنين، إذن كنا نستتيبك فإن تبت قبلناك، قال: فإن لم أتب؟
قال: نضرب الذي فيه عيناك: فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا اعوججنا أقام أودنا (5).
37 - خطب المهدي يوما فقال: عباد الله اتقوا الله. فقام رجل فقال: وأنت فاتق الله فإنك تعمل بغير الحق. فأخذ الرجل وادخل عليه، فقال: يا ابن الفاعلة! تقول لي وأنا على المنبر اتق الله! فقال الرجل:
__________
(1) بلال: هو بلال بن رباح مؤذن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(2) خالد بن رباح: راجع ترجمته في الإصابة 2: 89.
(3) أزموا: أمسكوا عن جوابه.
(4) عليّ: هو الإمام علي بن أبي طالب.
(5) الأود: الأعوجاج، وقيل: الحمل، وهو أيضا الكدّ والتعب.(3/150)
سوأة لك! لو غيرك قالها لكنت المستعدي عليه. قال: ما أراك إلا نبطيا (1)! قال: ذاك أوكد للحجة عليك أن يكون نبطي يأمرك بتقوى الله.
38 - عبد العزيز العمري (2) للمهدي: إن دوابك التي تركب تمسح بالمناديل، ويبرد لها الماء، وينقىّ لها العلف، ليعجبك شحومها وبريقها وحسن ألوانها، ودينك أعجف قاتم أغبر، والله لو رأيته لساءك منظره.
39 - سلمة بن عباد (3): ملك عمان وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال:
رأيتك يا خير البرية كلها ... نشرت كتابا جاء بالحق معلنا
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه ... وكان قديما ركنه قد تهدما
40 - غيلان بن مسلم الدمشقي (4) رحمه الله، قال فيه عمر بن عبد العزيز: من سره أن ينظر إلى رجل وهب نفسه لله، ليس فيه عضو إلا ينطق بحكمة فلينظر إلى هذا.
وقال له: يا أبا هارون، أعنّي أعانك الله، فقال: ولّني ردّ المظالم، فولاه، فكان يخرج خزائن بني أمة فينادي: هلموا إلى متاع الخونة. ونادى على جوارب خز قد تأكلت، بلغت قيمتها ثلاثين ألفا فقال: من عذيري ممن يزعم أن هؤلاء أئمة عدل، وقد تأكلت هذه الجوارب في خزائنهم والفقراء والمساكين يموتون جوعا.
__________
(1) النبط: جيل من الناس كانوا ينزلون القطائع بين العراقين أو سواد العراق وهم الأنباط وكان لهم في قديم الزمان دولة ومدينة.
(2) عبد العزيز العمري: هو عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أمّه أم عبد الله بنت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية. كان مع نباهته بارع الجمال ومن ثقات رواة الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 344.
(3) سلمة بن عباد: في اسمه خلاف. راجع الإصابة 3: 118و 4: 21ومعجم الشعراء 303.
(4) غيلان بن مسلم الدمشقي: كان من بلغاء الكتاب. راجع ترجمته في لسان الميزان 4: 424والمعارف 212والبيان والتبيين 1: 295.(3/151)
فلمّا ولي هشام (1) بعث إليه واستنطقه، فقال: أعوذ بجلال الله أن يأتمن الله خوانا أو يستخلف خزانا، إن أئمته لقوامون بأحكامه، الراهبون لمقامه، لم يولّ الله وثابا على الفجور، ولا شرابا للخمور، ولا ركابا للمحظور. فقطع هشام يديه ورجليه.
41 - حج معاوية فطلب امرأة يقال لها دارميّة الحجونية (2) من شيعة علي رضي الله عنه، وكانت سوداء ضخمة، فقال: كيف حالك يا بنت حام (3)؟ قالت: بخير، ولست بحام أدعى، إنما أنا امرأة من كنانة (4).
قال: صدقت، هل تعلمين لم دعوتك؟ قالت: يا سبحان الله! وأنّى لي بعلم الغيب؟ قال: لأسألك لم أحببت عليا وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟
قالت: أو تعفيني؟ قال: لا، قالت: أما إذا أبيت فإني أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضتك على قتال من هو أولى بالأمر منك، وطلب ما ليس لك. وواليته على ما عقد له رسول الله من الولاء، وحبه للمساكين، وإعظامه لأهل الدين. وعاديتك على سفك الدماء، وشق العصا. قال: فلذلك انتفخ بطنك، وكبر ثديك، وعظمت عجيزتك (5).
قالت: يا هذا، بهند (6) يضرب المثل لأبي. قال: لا تغضبي فإنّا لم نقل إلا خيرا، إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا كبر ثدي المرأة حسن
__________
(1) هشام: هو هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي. تقدمت ترجمته.
(2) دارمية الحجونية: لم نقف لها على ترجمة.
(3) حام: هو حام بن نوح عليه السّلام.
(4) كنانة: قبيلة من مضر.
(5) العجيزة: الإست، المؤخّرة.
(6) هند: هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، أم معاوية بن أبي سفيان تزوجت أباه بعد مفارقتها زوجها الأول الفاكه بن المغيرة المخزومي في خبر طويل من طرائف أخبار الجاهلية، كانت فصيحة جرئية صاحبة رأي وحزم وأنفة تقول الشعر الجيّد وأكثر شعرها مراثيها لقتلى بدر من مشركي قريش. أسلمت وماتت سنة 14هـ.
راجع ترجمتها في طبقات ابن سعد 8: 170وأسد الغابة 5: 562.(3/152)
غذاء ولدها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها، فسكنت.
فسألها عن كلام علي، فقالت: كان كلامه يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطست. فقال: هل من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألت؟ قال: لك الله عليّ بالوفاء. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها. قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذو بها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها ما بين العشائر.
قال: فإن أعطيتكها لأحل عندك محل علي؟ قالت: يا سبحان الله! أو دونه، أو دونه، أو دونه. فأنشأ يقول:
إذا لم أجد بالحلم مني عليكم ... فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد ... حباك على طول العداوة والصرم
أما والله لو كان علي لما أعطاك! فقالت: لا والله، ولا برة واحدة من مال المسلمين. فضحك معاوية، وأمر لها بما سألت وردها مكرمة.
42 - أتي عبيد الله بن زياد بجارية خماسية (1) من الخوارج، كان يطلب أباها بذحل (2)، فقال: أين أبوك؟ قالت: لو كان تحت أخمصي ما رفعته عنه. قال: حبك له لأنه يفعل بأمك، قالت: إن فعل فبنكاح استحله بكتاب الله وسنة رسوله، ليس كمن جاء من سفاح (3) لا نكاح.
فقال بعض جلسائه: لعلك تعنيني؟ قالت: لا والله، ولكني أعني صاحب السرير. قال: ما تقولين في الشيخين (4)؟ قالت: سبقا وفازا، وأتبعا ما به أمرا. قال: ما تقولين في عثمان وعلي؟ قالت: إن كانا أحسنا فالله ولي إحسانهما، وإن كانا أساءا فالله غفور رحيم، قال: ما تقولين في معاوية وعمرو؟ فلعنتهما، قال: فما تقولين في يزيد؟ قالت: ما أقول فيمن أنت
__________
(1) الجارية الخماسية: التي طولها خمسة أشبار.
(2) الذحل: الثأر.
(3) السفاح: يقال: تزوّج المرأة سفاحا أي بغير سنّة ولا كتاب.
(4) الشيخان: هما أبو بكر وعمر بن الخطاب.(3/153)
سيئة من سيئاته؟ عليك وعليه لعنة الله. قال: فما تقولين فيّ؟ قالت:
أقول أولك لزنية وآخرك لدعوة، وأنت فيما بين ذلك جبار عنيد.
43 - طاووس (1): ما شفاني أحد من الحجاج ما شفاني يمني (2)، قال له الحجاج وهو يطوف يا يمني، كيف خلفت محمد بن يوسف (3)؟
قال عظيما سمينا. قال: لست عن السمن أسألك، ولكن عن عدله في رعيته، قال: خلفته ظلوما غشوما. قال: كيف لا تشكوه إلى من فوقه؟
قال: ذاك والله شر منه، قال: تعرفني؟ قال: نعم، أنت الحجاج بن يوسف. قال: تعرف مكانه مني؟ قال: نعم، هو أخوك، قال: فلم يمنعك ذلك أن قلت ما قلت؟ قال: أترى مكان الله أهون عندي من مكانك؟ قال: أي العرب خير؟ قال: بنو هاشم. قال: لم؟ قال: لأنّ محمدا صلّى الله عليه وسلّم منهم قال وأياهم شرّ؟ قال: ثقيف (4). قال: لم؟ قال: لأن الحجاج منهم.
فدعا بعشرة آلاف فأعطاه، ثم قال: يا طاووس، هذا رجل لا تأخذه في الله لومة لائم.
44 - قال موسى عليه السّلام: أي عبادك أسعد؟ قال: من آثر هواك على هواه، وغضب لي غضب النمر لنفسه.
__________
(1) طاووس: هو طاووس بن كيسان التابعي.
(2) قوله: يمني أي منسوب إلى اليمن ويقال أيضا يمان.
(3) محمد بن يوسف: هو محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج: ولي صنعاء للحجاج ثم ضمّ إليه الجند. كان جائرا جمع المجذومين بصنعاء وجمع لهم الحطب ليحرقهم فمات قبل تنفيذ عمله سنة 91هـ.
راجع ترجمته في رغبة الآمل 5: 30وتاريخ الخميس 2: 313.
(4) ثقيف: أراد بني ثقيف كانت منازلهم في الطائف وهم عدة بطون، صنمهم اسمه اللّات. واسم ثقيف قسيّ وثقيف لقبه وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، من عدنان، وفي النسّابين من يعدّ ثقيفا من ثمود.
راجع جمهرة الأنساب ومعجم قبائل العرب.(3/154)
45 - قال رسطاليس للإسكندر: انصر الحق على الهوى تملك الأرض تملك استعباد.
46 - محمد بن علي الباقر (1): إن الحق استصرخني، وقد حواه الباطل في جوفه، فبقرت عن خاصرته وأطلعت الحق عن حجبه حتى ظهر وانتشر، بعد ما خفي واستتر.
47 - أحمد بن يزيد المهلبي (2): سمعت المنتصر (3) يقول وهو يناظر قوما: والله لا عزّ ذو باطل ولو طلع من جيبه القمر، ولا ذل ذو حق ولو أصفق العالم عليه (4).
48 - المأمون: لو شئت أن آخذ أمري بأبهة الخلافة لعدّلت وإن كنت جائرا، ولصدّقت وإن كنت كاذبا. ولكني لا آخذه إلا بغلبة الحجة وإزاحة الشبهة. وإن أوهن الملوك من رضي بصدق الأمير.
وعنه: غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة، لأنّ غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجة لا يزيلها شيء.
49 - لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل (5):
إذا قالت حذام فصدّقوها ... فإن القول ما قالت حذام
الصدق رأس الدين وعماد اليقين. الصدق بالحر أحرى.
__________
(1) محمد بن علي الباقر: هو محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي خامس الأئمة عند الإمامة الأثني عشرية. ولد بالمدينة سنة 57هـ وتوفي بالحميمة سنة 114ودفن بالمدينة.
(2) أحمد بن يزيد المهلبي: لم نقف له على ترجمة.
(3) المنتصر هو الخليفة محمد المنتصر. ولد بسامراء سنة 223هـ وبويع له بالخلافة سنة 247وتوفي سنة 248بسامراء.
(4) أصفق العالم عليه: اجتمع.
(5) لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل: جدّ جاهلي. راجع جمهرة الأنساب 291.(3/155)
50 - قال معاوية لأبي مسلم الخولاني (1): سمعت أنك تطوف وتبكي على الإسلام، قال: نعم، ما اسمك؟ قال: معاوية، قال: إنك لو عدلت بأهل الأرض ثم جرت على واحد منهم لما وفى جورك بعدلك.
51 - أتي المنصور ببشير الرحال (2) ومطر الوراق (3) مكبلين، وقد كانا خرجا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (4)، فقال لبشير: أنت القائل أجد في قلبي غما لا يذهبه إلا برد عدل أو حرّ سنان؟ قال: نعم، قال: فو الله لأذيقنك حرّ سنان يشيب منه رأسك، قال: إذن اصبر صبرا يذل به سلطانك. فقطعت يده فما قطب ولا تحلحل (5).
وقال لمطر: يا ابن الزانية، قال: إنك تعلم أنها خير من سلامة (6)، قال: يا أحمق! قال: ذاك من باع آخرته بدنياه، فرمى به من سطح فمات.
52 - قال مسلم بن عقيل (7) لعبيد الله بن زياد (8)، حين قال لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب: إنك تدع لؤم القدرة وسوء المثلة لأحد أحقّ بها منك.
__________
(1) أبو مسلم الخولاني: هو عبد الله بن ثوب، تقدمت ترجمته.
(2) بشير الرحال: لم نقف له على ترجمة.
(3) مطر الوراق: خو مطر بن طمهان الورّاق. كان من رواة الحديث، عدّة ابن سعد في الطبقة الرابعة من البصريين.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 4: 126.
(4) إبراهيم بن عبد الله بن الحسن: هو أخو محمد النفس الزكية. تقدمت ترجمته.
(5) تحلحل: تحرّك.
(6) سلامة: هي أم أبي جعفر المنصور وهي جارية بربرية.
(7) مسلم بن عقيل: هو مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم. توفي سنة 60هـ. تقدمت ترجمته.
(8) عبيد الله بن زياد: هو عبيد الله بن زياد بن أبيه تقدمت ترجمته.(3/156)
53 - لما ولي أسد بن نوح أبو السامانية (1) بلخ (2) من قبل المعتصم قصده علماؤها، فقال: هل بقي منهم أحد؟ قالوا: بقي خلف بن أيوب العامري (3) صاحب أبي يوسف (4) أعلم الناس وأورعهم، فاشتهى لقاءه، فقيل له: لا سبيل إلى لقائه إلا أن تراه في طريقه إلى صلاة الجمعة، فلقيه فنزل عن دابته وسلم عليه، فغطى خلف وجهه بردائه ورد عليه ردا خفيا، ولم يرفع رأسه، ولا نظر إليه. فقال أسد: اللهم إن هذا العبد الصالح يبغضنا فيك ونحن نحبه فيك. فلما مرض عاده فقال: حاجتك؟
فقال: أن لا تعودني ثانية، قال: غيرها؟ قال: أن لا تصلّي علي وعليك السواد، فمشى خلف جنازته راجلا ونزع السواد، فصلى عليه.
54 - صالح المّري (5) للمهدي: إن محمدا خصم من خلفه في أمته بشر، ومن كان محمد له خصما كان الله له خصما، فاعدد لمخاصمة الله ومخاصمة رسوله حججا توجب لك النجاة وتقف به عن الهلكة. ومثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن يمثل لك الشيطان الإساءة إحسانا، ويشهد له على ذلك خونة هذه العلماء، وبهذه الحبائل يصاد أهلها.
واعلم أن أبطأ الناس نهضة يوم القيامة صريع هوى يدّعي قربه إلى الله.
55 - أهل المدينة يقولون: إذا وافق الهوى الصواب فما للبأ (6) وابن
__________
(1) أسد بن نوح أبو السامانية: ولعل الصواب أسد بن نوح بن سامان لأن أبا السمانية هو أسد بن سامان بن حيّا وهو رأس الدولة السامانية فيما وراء النهر كان أبوه سامان من رجال أبي مسلم الخراساني.
(2) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. تقدّم التعريف بها.
(3) خلف بن أيوب العامري: تقدمت ترجمته.
(4) أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم القاضي. تقدمت ترجمته.
(5) المريّ: هو صالح بن بشير المريّ البصري، تقدمت ترجمته.
(6) اللبأ: أول اللبن في النتاج ويكون في الأيام الأولى بعد الولادة.(3/157)
طالب (1). وهو جنس من تمر المدينة.
56 - عتبة بن أبي سفيان: إذا اجتمع في قلبك أمران لا تدري أيهما أصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه فإنّ الصواب أقرب مخالفة الهوى.
57 - الكميت بن زيد:
فقل لبني أمية حيث حلّوا ... وإن خفت المهنّد والقطيعا
أجاع الله من أشبعتموه ... وأشبع من بجوركم أجيعا
58 - رسطاليس: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب.
59 - العرب: سهم الحق مريش (2).
60 - سقراط: لا تجلس على المكيال. أي لا تكتم الحق.
61 - كان نقش خاتم ذي اليمينين (3) وضع الخد للحق عز.
62 - أمر عبد الملك بعساس (4) من خلنج (5) فملئت بلبن البخت (6)، يحمل العس جماعة، وصففت بين يديه، فقال لابن قيس الرقيات: اين هذه من عساس مصعب حيث تقول:
يلبس الجيش بالجيوش ويسقى ... لبن البخت في عساس الخلج (7)
فقال: لا أين يا أمير المؤمنين، والله لو طرحت هذه العساس كلها في أصغر عس من عساس مصعب لتقلقلت داخله. قال: قاتلك الله! أبيت إلا كرما.
__________
(1) ابن طاب: هو نوع من تمر المدينة منسوب إلى ابن طاب كان رجلا من أهلها.
(2) السهم المريش: الذي الزق عليه الريش.
(3) ذو اليمينين: هو طاهر بن الحسين الخزاعي انتدبه المأمون في نزاعه مع الأمين فقتل الأمين لقب بذلك لأنه ضرب رجلا بشماله فقدّه نصفين، توفي سنة 207هـ.
(4) العساس: جمع عس وهو القدح الكبير.
(5) الخلنج: نوع من الشجر تتّخذ من أخشابه الأواني.
(6) البخت: هي الإبل الخراسانية طويلة الأعناق.
(7) رواية الأغاني:
ملك يطعم الطعام ويسقى ... لبن البخت في عساس الخلنج(3/158)
الباب الثاني والأربعون الصحة والسلامة، والعافية وقوة البدن، والأمن وما شاكل ذلك
1 - أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية.
وعنه عليه الصلاة والسلام: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح بدنك وأروك من الماء البارد؟.
2 - الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو لم يوكل بابن آدم إلا الصحة والسلامة لأوشكا أن يرداه إلى أرذل العمر، وروي لكفى بهما داء قاتلا.
3 - قال ابن عائشة (1): سبحان الله! ما أعجب كلام العرب وأشبه بعضه ببعض! والله لكأن النمر بن تولب (2) سمع هذا فقال:
يود الفتى طول السلامة جاهدا ... فكيف يرى طول السلامة يفعل
4 - وقال عبد الله بن سويد (3)، وهو رجل من بني مرة كان يشبه
__________
(1) ابن عائشة: هو عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي. أديب عالم بالحديث والسيرة. من أهل البصرة. توفي سنة 228هـ.
(2) النمر بن تولب: تقدمت ترجمته.
(3) عبد الله بن سويد: لم نقف له على ترجمة.(3/159)
بالنبي صلّى الله عليه وسلّم فدعاه ذلك إلى أن تعبد:
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الأصباح والإمساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصبحني فإذا السلامة داء (1)
5 - أبو عثمان النهدي (2): دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعرابي ذو جثمان عظيم، فقال له: متى عهدك بالحمى؟ قال: ما أعرفها. قال:
فالصداع؟ قال: ما أدري ما هو. قال: فأصبت بمالك؟ قال: لا، قال أفرزئت بولدك؟ قال: لا، قال: إن الله ليبغض العفريّة النفريّة (3) الذي لا يرزأ في ولده ولا يصاب في ماله.
6 - علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (4): الأمن والصحة والعافية.
7 - وعن ابن عباس: صحة الأبدان والأبصار والأسماع يسأل الله العباد فيم استعلموها وهو أعلم بذلك.
8 - عنه عليه الصلاة والسلام: كم من نعمة لله في عرق ساكن.
9 - ابن السماك (5): أيها المغرور بصحته ونشاطه أما علمت أن الأرواح يغدى عليها بالمنايا ويراح، وأنشد:
__________
(1) نسب هذا الشعر في زهر الآداب لعمرو بن قميئة وليس لعبد الله بن سويد.
(2) أبو عثمان النهدي: هو عبد الرحمن بن ملّ بن عمرو بن عدي بن وهب النهدي: من ثقات رواة الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات. عاش ستين سنة في الجاهلية.
أسلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يلقه ويظهر أن روايته للحديث مرسلة. كان يسكن الكوفة فلما قتل الحسين انتقل إلى البصرة وقال: لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله. مات سنة 95هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 99.
(3) العفرية النفرية: الخبيث الشرير.
(4) سورة التكاثر، من الآية: 8.
(5) ابن السماك: هو محمد بن صبيح بن السماك. كان زاهدا رواية للحديث. وعظ الرشيد فغشي عليه. توفي سنة 183.(3/160)
ومؤمل قد قصرت أكفانه ... ومحاذر أكفانه لم تغزل
10 - معاوية بن قرة (1): أشد الناس حسابا الصحيح الفارغ.
11 - ابن عيينة (2): من تمام النعمة طول الحياة في الصحة والأمن والسرور.
إذا أكلت قفارك (3) فاذكر العافية واجعلها إدامك.
12 - عائشة رضي الله عنها: لو رأيت ليلة القدر ما سألت الله تعالى إلا العفو والعافية.
13 - حاتم (4): قيل له ما تشتهي؟ قال: عافية يومي. قيل له:
أليست الأيام كلها كذلك؟ قال: لا، إن عافية يومي أن لا أعصي الله تعالى فيه.
14 - قبيصة بن ذؤيب (5): كنا نسمع نداء عبد الملك من وراء الحجرة في مرضه: يا أهل النعيم لا تستقلوا شيئا من النعم مع العافية.
وروي أنه لما حضرته الوفاة أمر فصعد به إلى أرفع سطح في داره فقال: يا دنيا، ما أطيب ريحك! يا أهل العافية لا تستقلوا منها شيئا.
__________
(1) معاوية بن قرّة: هو معاوية بن قرة المزني، تقدمت ترجمته.
(2) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي. توفي سنة 198. تقدمت ترجمته.
(3) القفار: الخبز بلا أدم.
(4) حاتم: هو حاتم بن عنوان بن يوسف المعروف بحاتم الأصم. كان زاهدا اشتهر بالورع والتقشّف من أهل بلخ. اشترك في الفتوح. مات بواشجرد من قرى ما وراء النهر سنة 237.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 241وطبقات الشعراني 1: 93
(5) قبيصة بن ذؤيب: من فقهاء أهل المدينة ونسّاكهم وكان من أعلم الناس بقضاء زيد ابن ثابت. كان يقرأ كتب عبد الملك بن مروان قبل أن تصل إليه ويخبره بما فيها.
كان ثقة مأمونا في الحديث. توفي بدمشق سنة 86هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 15، 271وتهذيب الأسماء 2: 56.(3/161)
كنت ذا علة تفضل الله بإزالة أكثرها، وهو المرجو للإدالة من غيرها.
15 - بعض الأطباء: أفصحت قارورتك (1) عن الصحة.
16 - البحر لا جوار له، والملك لا صديق له، والعافية لا ثمن لها.
17 - إياس بن معاوية: صحة الأبدان مع الشمس ذهب إلى أهل العمد (2) والوبر (3).
18 - وقال مثنى بن بشير (4): الشمس والحركة خير من الظل والسكون. أم عافية كنية الحمّة (5).
19 - الظبي والظليم (6) مثلان في الصحة، يقال: أصح من ظليم، وأصح من ظبي. ومنه قول الفرزدق:
أقول له لمّا أتاني نعيه ... به لا بئطبي بالصريمة أعفرا
20 - ابن الرومي:
إذا ما كساك الله سربال صحة ... ولم تخل من قوت يحل ويعذب
فلا تغبطنّ المكثرين فإنما ... على قدر ما يكسوهم الدهر يسلب
21 - إذا كان السرب (7) آمنا لم يكن الشرب آجنا (8).
22 - وذكر بعضهم العافية فقال: أي وطاء (9)! وأي غطاء! وأي عطاء.
__________
(1) القارورة: هي الزجاجة التي يوضع فيها البول فيراه الطبيب ويعرف منه مرض صاحبه من صحّته.
(2) أهل العمد: الذين يسكنون الأخبية.
(3) أهل الوبر: هم أهل البدو.
(4) مثنى بن بشير: لم نقف له على ترجمة. وهذا الخبر في الحيوان 5: 105 و 4: 317.
(5) الحمّة: السمّ. وتطلق على إبرة العقرب لخروج السمّ منها.
(6) الظليم: ذكر النعام.
(7) السرب: الطريق.
(8) الماء الآجن: الفاسد الذي تغيّر لونه وطعمه.
(9) الوطاء: خلاف الغطاء أي ما تفترشه.(3/162)
23 - قيل للمقفع والد عبد الله (1): هلا تحركت لتذكر كما ذكر ابنك؟ فقال: إني لما رأيت معالي الأمور مشفوعة بالمتالف اقتصرت على الخمول ضنا مني بالعافية. فاستحسنت الحكماء ذلك وقالوا: أنت في فعلك أحسن من عبد الله في قوله.
24 - بلاش بن فيروز (2): الأمن يجمع الأماني كلها. وكان يقول صحة الجسم أوفر القسم.
25 - بزرجمهر: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة، وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض. وإن كان شيء مثل الموت فالفقر.
26 - دعا الحجاج إلى طعامه في طريق الحج بدويا فقال أنا صائم.
قال: أفطر وتصوم غدا، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد، قال: إنه طعام طيب، قال: إنك لم تطيبه ولا الخباز ولكن طيبته العافية.
27 - قيل لأعرابي: من أنعم الناس عيشا؟ قال: أنا، قيل: فما بال الخليفة؟ فخفس (3) بأنفه وقال:
وما العيش إلا في الخمول مع الغنى ... وعافية تغدو بها وتروح
28 - علي رضي الله عنه: العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأحساد. وعنه صحة الجسد من قلة الحسد.
وعنه: ما المبتلي الذي قد اشتد به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
__________
(1) المقفع والد عبد الله بن المقفّع: اسمه المبارك، وكان مجوسيا من الفرس. ضربه الحجاج بن يوسف فتقفّعت يده (تشنّجت) فلقب المقفّع.
(2) بلاش بن فيروز: هو الملك الثامن عشر من ملوك الساسانية وهم ملوك الطبقة الرابعة من الفرس. راجع مفاتيح الوم للخوارزمي.
(3) خفس بأنفه: أشار به باستهزاء.(3/163)
29 - غمضت أعرابية ميتا وقالت: ما أحق من ألبس العافية وأطيلت له النظرة أن لا يعجز عن النظر لنفسه قبل الحلول بساحته.
30 [شاعر]:
المال للمرء في معيشته ... خير من الوالدين والولد
ومن يطل سقمه عليه يجد ... خيرا من المال صحة الجسد
وما لمن نال فضل عافية ... وقوت يوم فقر إلى حد
31 - أبو العباس المبرد (1):
ولو رفع الله عنّا البلاء ... لم ندر ما خطر العافية
32 - مطرف (2): لئن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فاصبر.
ونظرت في الخير الذي لا شر فيه فلم أر مثل المعاناة والشكر.
33 - رأت فأرة البيوت فأرة الصحراء في شدة ومحنة، فقالت لها:
ما تصنعين ها هنا؟ اذهبي معي إلى البيوت التي فيها أنواع النعيم والخصب، فذهبت معها، وإذا رب البيت الذي كانت تسكنه قد هيأ لها الرصد لبنة تحتها شحمة، فاقتحمت لتأخذ الشحمة، فوقعت عليها اللبنة فحطمتها فهزت الفأرة البرية رأسها متعجبة وقالت: أرى نعمة كبيرة وبلاء شديدا، العافية والفقر أحب إلي، ففرت إلى البرية.
34 - جاء الرومي بخنزير فشده إلى اسطوانة ووضع القت (3) بين يديه ليسمنه، وإلى جنبه أتان (4) لها جحش كان يلتقط ما يتناثر منه، فقال
__________
(1) أبو العباس المبرّد: هو محمد بن يزيد المبرّد. تقدمت ترجمته. توفي سنة 286هـ.
(2) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الجرشي العامري توفي سنة 87وفي سنة وفاته خلاف تقدمت ترجمته.
(3) القتّ: الفصفصة اليابسة تستعمل علفا للحيوانات. وهو أيضا حبّ برّي يأكله أهل البادية بعد دقّه وطبخه.
(4) الأتان: أنثى الحمار.(3/164)
لأمه: ما أطيب هذا العلف! قالت: لا تغتر بهذا العلف فإن وراءه الطامة الكبرى، فلما وضع السكين على حلقه، وهو يضطرب وينفخ، هرب الجحش إلى أمه وأطلع أسنانه وقال: ويحك انظري! هل بقي في خلال أسناني شيء من ذلك العلف.
35 - لما أخذ يعقوب بن الليث (1) محمد بن طاهر (2) وقبض على جواريه وغلمانه وقهارمته (3) ووكلائه، وطرحهم في المحابس، وسلط عليهم العذاب، نظر إليهم فقير، فعاين نفسه واغتبط بالسلامة وقال: يا فقري يا حبيبي إنما كنت أطلبك لهذا اليوم.
36 - أبو رهب (4): لما خلق الله العافية، قال لها صلّي. قالت:
أسألك العافية
__________
(1) يعقوب بن الليث: هو أحد الأمراء الدهاة، كان يقاتل الشراة فاشتدّت شوكته واستولى على سجستان وخراسان وفارس وطمع ببغداد فزحف إليها وكان الخليفة فيها المعتمد على الله فلم يظفر فعاد إلى واسط وتوفي بجند سابور من بلاد خوزستان سنة 265هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 312والنجوم الزاهرة 3: 40وأعلام الزركلي.
(2) محمد بن طاهر: هو محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي. أمير خراسان كانت قاعدته نيسابور. حاربه يعقوب بن الليث المتقدمة ترجمته وأسره ثم تخلّص من أسره بعد هزيمة يعقوب سنة 262. توفي سنة 291هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 5: 377والنجوم الزاهرة 2: 328والوافي بالوفيات 3: 165.
(3) القهارمة: جمع قهرمان وهو الوكيل أو أمين الدخل والخرج. والقهرمة: وظيفة القهرمان وفعله.
(4) أبو رهب: لم نقف له على ترجمة. ولعلّه أبو وهب.(3/165)
الباب الثالث والأربعون الطلب والاستجداء والهز، ورفع الحوائج، وقضائها وذكر الرد والإلحاح، ونحو ذلك
1 - ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة (1) نزلت به أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب.
2 - عمر رفعه: ما تاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه.
3 - ثوبان (2)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يتقبل لي واحدة أتقبل له الجنة؟ فقلت: أنا، فقال: لا تسأل الناس شيئا. فكان ثوبان إذا سقط سوطه لا يأمر أحدا يناوله وينزل هو فيأخذه.
4 - سمرة (3) رفعه: إن هذه المسائل كدوح (4) يكدح بها المرء
__________
(1) الفاقة: الحاجة.
(2) ثوبان: هو مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اشتراه ثم أعتقه، وخدمه إلى أن مات بحمص سنة 54هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 212.
(3) سمرة: هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري. استخلفه زياد على البصرة، وكان شديدا على الخوارج فكانوا من أجل ذلك يطعنون عليه. توفي سنة 59هـ. وقيل:
في أول سنة ستّين وكتب رسالة إلى بنيه، قال ابن سيرين، فيها علم كثير.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 130وتهذيب التهذيب 4: 236.
(4) الكدوح: الخدوش. ويكدح يخدش.(3/167)
وجهه، إلا أن يسأل المرء ذا سلطان، أو في أمر لا بدّ به.
5 - أصابت أنصاريا حاجة فأخبر رسول الله فقال: ائتني بما في منزلك ولا تحقر شيئا، فأتاه بحلس (1) وقدح، فقال عليه السّلام: من يشتريهما؟
فقال رجل: هما عليّ بدرهم، فقال: من يزيد؟ فقال رجل: هما عليّ بدرهمين، فقال: هما لك. فقال: ابتع بأحدهما طعاما لأهلك، وابتع بالآخر فأسا. فأتاه بفأس. فقال عليه السّلام: من عنده نصاب (2) لهذه الفأس؟
فقال أبو بكر: عندي، فأخذه رسول الله فأثبته بيده وقال: اذهب فاحتطب ولا تحقرن شوكا ولا رطبا ولا يابسا خمس عشرة ليلة. فأتاه وقد حسنت حاله. فقال عليه السّلام: هذا خير لك من أن تجيء يوم القيامة وفي وجهك كنوح الصدقة.
6 - ابن عمر (3) رفعه: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله يوم لا تسأل الناس شيئا. فلما كان في خلافة عمر جعل عمر يعطي الناس ويعطي حكيم بن حزام فيأبى أن يأخذه، فيقول عمر: اشهدوا أني أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه، يقول: لا أرزأ (4) أحدا بعد رسول الله شيئا.
ابن عمر رفعه: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله يوم القيامة وليس في وجهه مزعة (5) لحم.
7 - جابر (6): دخل رجل المسجد ومعه سهم فقال: من يعين في
__________
(1) الحلس: كساء رقيق يكون تحت البرذعة على ظهر الدابة.
(2) نصاب الفأس: مقبضها.
(3) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر، تقدمت ترجمته.
(4) لا أرزأ أحدا: يقال: هو يرزأ أي أنه سخيّ ينال الناس فضله.
(5) المزعة من اللحم: القطعة اليسيرة منه.
(6) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري تقدمت ترجمته. توفي سنة 78هـ.(3/168)
سبيل الله؟ فقام إليه عمر فلبّبه (1) قال: من يستأجر مني هذا؟ قال رجل من الأنصار: أنا، فأجره منه سنة، وقال: أنفق عليه من أجره وما فضل فوافني به في رأس السنة، فلما كان رأس الحول جاء بعشرين درهما فقال عمر: استعن بهذا ولا تسأل الناس شيئا.
8 - أم الدرداء (2): قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدا شيئا قلت:
فإن احتجت. قال: تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه ثم اعجنيه ثم كليه، ولا تسألي أحدا شيئا.
9 - طلق بن حبيب (3): في زبور داود (4): إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا، ولا تسل معادن الشر ترجع ملوما محسورا.
10 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني (5) وفرات بن
__________
(1) لبّبه: خاصمه: وتلبّب للقتال: تشمّر له وتحزّم.
(2) أم الدرداء: كنية زوجة أبي الدرداء وهما اثنتان: أم الدرداء الكبرى وهي خيرة بنت أبي حدرد كانت عابدة ناسكة توفيت قبل أبي الدرداء في الشام في خلافة عثمان.
وأم الدرداء: الصغرى وهي هجيمة الوصابية توفي عنها أبو الدرداء فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأبت أن تتزوجه. وأبو الدرداء: هو عويمر بن مالك صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم توفي سنة 32هـ راجع ترجمة أم الدرداء في تاريخ ابن عساكر والإصابة 8: 14.
(3) طلق بن حبيب: كان مرجئا من ثقات رواة الحديث من أهل البصرة وكان عابدا مشهورا، اشترك مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في خروجه على الحجاج ولمّا دارت الدائرة على ابن الأشعث اعتقل طلق وسجن مع آخرين ثم أطلق فتوفي بعد ذلك بواسط سنة 94هـ وقيل غير ذلك في خبر سجنه وموته.
راجع الطبري في حوادث سنة 94هـ وتهذيب التهذيب 5: 31.
(4) زبور داود: قيل: الزبور ما أنزل على داود من بعد الذكر من بعد التوراة، وكل غلب على صحف داود عليه السّلام.
(5) أويس القرني: هو أويس بن عامر القرني، أحد النسّاك المقدمين من سادات التابعين. شهد صفّين مع الإمام علي وقتل فيها سنة 37هـ.(3/169)
حيان (1).
11 - مطرف (2)، قال لأخوانه: من كانت له إليّ حاجة فليكتبها في رقعة، فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهه.
12 - محمد بن سوقة (3): إياك وكثرة تطلب الحاجات فإنها فقر حاضر.
13 - ابن السماك (4): لا تسأل من يفرّ من أن تسأله، ولكن اسأل من أمرك أن تسأله.
14 - محمود الوراق:
شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا ... من كل طالب حاجة أو راغب
عالوا بأبواب الحديد لعزها ... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب (5)
فإذا تلطف للدخول عليهم ... عاف تلقّوه بوعد كاذب (6)
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... بادي الضراعة طالبا من طالب
15 - أعرابي: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق، ولقد مشيت حتى انتعلت الدم، وحتى سقط من رجلي نحض (7)، وتمنيت أن أديم
__________
(1) فرات بن حيان: هو فرات بن حيان بن ثعلبة بن عبد العزّى اليشكري العجلي حليف بني سهم. كان دليل قريش في الجاهلية، وكان قبل أن يسلم عينا لأبي سفيان في حروبه وكان ممّن هجا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم أسلم وحسن إسلامه ومدح الرسول وأقطعه أرضا باليمامة وقيل بالبحرين.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 204ومعجم الشعراء 317.
(2) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير. تقدمت ترجمته.
(3) محمد بن سوقة: هو محمد بن سوقة البجلي الكوفي، تقدمت ترجمته.
(4) ابن السماك: هو محمد بن صبيح. تقدمت ترجمته.
(5) وتنوّقوا: تأنّفوا.
(6) العافي: كل طالب فضل أو رزق. يقال: كثرت على الكريم عافيته: أي سؤاله وطالبو فضله.
(7) النحض: ما ذهب من اللحم.(3/170)
وجهي حذاء لقدمي، أفلا رجل يرحم ابن سبيل، وفلّ (1) طريق، ونضو (2)
سفر؟.
16 - قال رجل لبنيه: يا بنيّ، تعلموا الرد فإنه أشدّ من الإعطاء.
17 - جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (3) رضي الله عنهم: إني لأسارع إلى حاجة عدوي خوفا من أن أرده فيستغني عني.
18 - أعرابي: ما رددت رجلا عن حاجة فولى عني إلا رأيت الغنى في قفاه.
19 - ابن عباس: ما رأيت رجلا أسعفته بحاجة إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلا رددته إلا أظلم ما بيني وبينه.
20 - دخل النخار العذري (4) على معاوية في عباءة فاقتحمته عينه، فقال: ليست العباءة تكلمك إنما يكلمك من فيها، ثم تكلم فملأ سمعه ونهض ولم يسأله حاجة. فقال: ما رأيت رجلا أحقر أولا ولا أجل آخرا منه.
21 - أعرابي: عليك فلانا فإنه لا ينظر في قفا محروم قط.
22 - يقال: طلبت إلى فلان حاجة فما قطع شعرة، ولا فتّ بعرة.
23 - وكان للمتوكل مضحكان يقال لأحدهما شعرة وللآخر بعرة، فقال شعرة لبعرة: ما فعل فلان في حاجتك؟ فقال: ما فتني ولا قطعك.
__________
(1) فلّ طريق: أراد الذي أجهده المسير حتى كأنه قد تثلّم.
(2) النضو من الرجال: هو الذي أهزله السفر. يقال بعير نضو: أي مهزول.
(3) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: هو جعفر الصادق المتوفي سنة 148هـ.
تقدمت ترجمته.
(4) النخار العذري: هو النخار بن أوس: خطيب مشهور، من محدّثي معاوية ومجالسيه. كان إذا تكلم في الحمالات وفي الصفح والإحتمال وصلاح ذات البين تخوّف الفريقان، وكان ربما يردّد الكلام على طريق التهويل والتخويف.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 25وما بعدها والحيوان 1: 365.(3/171)
24 - سأل رجل من الكلبيين (1) وهم جنس من اليونانيين الإسكندر مثقالا واحدا، فقال: ليس هذا عطاء ملك. قال: فهب لي قنطارا، قال: ولا هذا سؤال كلبي.
25 - كاتب: إنك ممن إذا أسس بنى، وإذا غرس سقى، لاستتمام بناء أسّه، واجتناء ثمار غرسه، وأسّك في بري قد وهى (2) وقارب الدروس (3)، وغرسك في حفظي قد عطش وقارب اليبوس، فتدارك بالبناء ما أسست وبالسقي ما غرست.
26 - سأل أعرابي بطريق مكة فلم يعطوه، فقال: ما أراني إلا محروما، ومعه صبي صغير فقال: يا أبه، المحروم من أمّل فبخل، لا من سأل فلم يعط. فاستعجبوا من كلامه وأفاضوا عليه المواهب.
27 - لمست أعرابية كف أبيها فألفتها (4) خشناء فقالت:
هذه كف أبي خشنها ... ضرب مسحاة ونقل بالزبيل
فأجابها:
ويلك لا تستنكري مس يدي ... ليس من كدّ لعز بذليل
إنما الذلة أن يمشي الفتى ... ساحب الذيل إلى باب البخيل
28 - من لقيك بالسؤال الحار فالقه بالمنع البارد.
29 - كاتب: من العجب إذكار معنّي وحث متيقظ واستبطاء ذاكر، إلّا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته.
30 - سأل أعرابي فقال: داووا سقمي بصحتكم.
__________
(1) الكلبيون: طائفة من فلاسفة اليونان الأخلاقيين ظهروا بعد سقراط من أهم مبادئهم التقشّف. والكلبية أيضا مذهب يقوم على مجاراة الطبيعة.
(2) وهي: ضعف.
(3) قارب الدروس: قارب الزوال.
(4) ألفتها: وجدتها.(3/172)
31 - سأل الفضل بن الربيع (1) إلى أبي عباد (2) حاجة في نكبته فأرتج (3) عليه، فقال له: أبهذا اللسان دبرت خليفتين؟ فقال: يا أبا عباد، إنّا اعتدنا أن نسأل ولم نعتد أن نسأل.
32 - قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكفّ وجهي ويعجز عن الصديق. قال: لطفت في المسألة.
33 - سأل رجل حاجة ثم توانى عن طلبها، فقال له المسؤول:
أنمت عن حاجتك؟ قال: ما نام عن حاجته من أسهرك لها، ولا عدل عن محجة النجح من قصدك بها.
34 - سأل عروة (4) مصعبا (5) حاجة فلم يقضها، فقال: علم الله أن لكلّ قوم شيخا يفزعون (6) إليه وإنّا نفزع منك.
35 - باب المفضل الضبّي (7) عند المهدي فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الرواية، فقال المهدي: ما فعل عياله؟ ومن أين يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذه أنفقت له مع الوليد بن يزيد فوصله بما أغناه.
__________
(1) الفضل بن الربيع: وزير الرشيد. وكان حاجبا للمنصور من كبار خصوم البرامكة، تولى الوزارة للرشيد بعد نكبة البرامكة ثم أقرّ الأمين على وزارته فعمل على خلع المأمون فلما ظفر المأمون إستتر الفضل. توفي بطوس سنة 208هـ.
(2) أبو عباد: هو ثابت بن يحيى كاتب المأمون كان فيه خرق وعجلة. وكان ممن هجاهم دعبل الخزاعي.
(3) أرتجّ عليه الكلام: امتنع عليه. راجع من ارتجّ عليهم الكلام في كتابنا «طرائف من التراث العربي» ص 332طبعة دار الكتاب اللبناني.
(4) عروة: هو عروة بن الزبير بن العوام. تقدمت ترجمته.
(5) مصعب: هو مصعب بن الزبير بن العوام. تقدمت ترجمته.
(6) يفزعون إليه: يلتجأون إليه.
(7) المفضل الضبي: هو المفضّل بن محمد الضبي. من علماء الشعر والأدب وأيام العرب من أهل الكوفة، قيل: هو أوثق من روى الشعر من الكوفيين. في سنة وفاته اختلاف. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 7: 171والفهرست 1: 68.(3/173)
36 - وقف ابن الزبير على باب ميّة مولاة لمعاوية كانت ترفع حوائج الناس إليه، فقيل له: يا أبا بكر، أعلى باب ميّة؟ قال: نعم، إذا أعيتك الأمور من رؤوسها فأتها من أذنابها.
37 - سأل سائل نصر بن أحمد (1) ملك خراسان فقال: الصناعة واحدة ولكنكم تطلبون بلين المس ونحن نطلب بالضرب والحبس.
38 - عبد الله بن جعفر: لا خير في المعروف إلا أن يكون ابتداء، فأما أن يأتيك الرجل بعد تململه على فراشه، وأرق من وسنه، لا يدري أيرجع بنجح الطلب أم بكآبة المنقلب، فإن أنت رددته عن حاجته تصاغرت إليه نفسه، وتراجع الدم في وجهه، وتمنى أن يجد نفقا يدخل فيه فلا يجده.
39 - سأل أبو الجهم بن حذيفة (2) معاوية فأطال وألحّ، فقال له ابنه:
خفف عن أمير المؤمنين. فقال: يا بني، ما وراءه مطلب، ولا عنه مذهب، وما مثلنا معه إلا كما قال عبد المسيح الحارثي (3):
نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخير منهما كرما ولينا
نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا
__________
(1) نصر بن أحمد: هو نصر بن أحمد بن أسد بن سامان مؤسس الإمارة السامانية فيما وراء النهر. كان عاقلا دينا أديبا يقول الشعر، له أخبار مع المعتمد العباسي وهو الذي عقد له على ما وراء النهر سنة 261هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 3: 83والباب 1: 523.
(2) أبو الجهم بن حذيفة: قيل: اسمه عامر. وقيل اسمه عبيد، وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم النسب وكان ممن ترك الخمر في الجاهلية. أسلم يوم الفتح. وهو أحد الأربعة الذين تولوا دفن عثمان. يعدّ من معمري قريش ومشيختهم مات في أول ولاية ابن الزبير. وقيل: مات في آخر خلافة معاوية. راجع الإصابة 7: 34.
(3) عبد المسيح الحارثي: لم نقف له على ترجمة.(3/174)
40 - فيلسوف: لا تفرطوا في طلب الحوائج فإن العجل إذا ألحّ على أمّه بالرضع رفسته.
41 - الحاجات تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.
42 - قيل لرجل: طلبت حاجة فوجدت قليلا، فقال: كيف لا أقل ومعي حيرة الحاجة، وذل المسألة، وخوف الرد.
43 - تعرض أعرابي لمعاوية في طريق، فسأله فمنعه، ثم عاوده في مكان آخر، فقال: ألم تسألني آنفا؟ قال: نعم، ولكن بعض البقاع أيمن من بعض، فضحك ووصله.
44 - قال الحجاج لجلسائه: ما يذهب بالإعياء؟ قال بعضهم:
التمرخ (1). وقال آخر: النوم. قال: لا، ولكن الظفر بالحاجة التي كان الإعياء بسببها.
45 - سأل ابن السماك (2) رجلا حاجة فقال: اعلم أني أتيتك في حاجة وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت، وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع، ولي عز النجح على ذل الرد.
46 - أعرابي: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل (3)
إلى المنشد (4).
47 - آخر: أعدك لمعضلة تلم (5)، ومضلعة تهم (6).
48 - آخر: أنا استجديك إذا كنت مضافا واسترفدك إذا كنت مضيفا.
__________
(1) التمرّخ: تمرّخ بالدهن: ادّهن به، ومرخ جسده بالدهن، دهنه.
(2) ابن السماك: هو محمد بن صبيح.
(3) المضلّ: المضيّع، الذي فقد شيئا.
(4) المنشد: الدالّ على الضالة.
(5) ألمّت المعضلة: نزلت.
(6) المعضلة: الشدّة. ومضلعة تهم: تحزن.(3/175)
49 - آخر: سألت فلانا حاجة أقل من قيمته فردني ردا أقبح من خلقته.
50 - قيل لصوفي: كيف حالك؟ قال: طلبت فلم أرزق، وحرمت فلم أصبر.
51 - قيل لرجل: إياك أن تريق (1) ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه
52 - كتب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى إبراهيم بن المهدي:
من كان كله لك كان كله عليك. ربما قضينا حوائج الناس برما لا كرما.
53 - سأل رجل جبلة بن عبد الرحمن (2) أن يكلم الحجاج في حاجة، فقال: ليست من الحوائج التي يقضيها، فقال: كلمه فربما وافقت قدرا يقضيها وهو كاره. فكلمه فقال: أعلمه أنا قضيناها ونحن كارهون.
54 - عطاء الخراساني (3): الحوائج عند الشبان أسهل منها عند الشيوخ، ألم تسمع قول يوسف: {لََا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللََّهُ لَكُمْ} (4)، وقول يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} (5).
55 - عروة بن الزبير: كان الرجل فيما مضى من الزمان إذا أراد أن يشين (6) جاره أو صاحبه طلب حاجته إلى غيره.
56 - دخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فقال لسالم بن عبد الله (7):
__________
(1) تريق: تصبّ.
(2) جبلة بن عبد الرحمن: هو من الذين كان لهم حظوة عند الحجاج. ولّاه عمر بن هبيرة على كرمان سنة 104هـ. راجع الطبري حوادث سنة 104هـ.
(3) عطاء الخراساني: هو عطاء بن ميسرة الخراساني. تقدمت ترجمته.
(4) سورة يوسف، من الآية: 92.
(5) سورة يوسف، من الآية: 92.
(6) يشين جاره: يعيبه.
(7) سالم بن عبد الله: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.(3/176)
ارفع حوائجك، فقال: والله لا أسأل في بيت الله غير الله.
57 - قال مسلمة (1) لنصيب (2): سلني، قال: كفك بالعطية أبسط من لساني بالمسألة. فأعطاه ألف دينار.
58 - سأل رجل الحسن بن سهل (3) فقال: ما وسيلتك؟ فقال:
وسيلتي أني أتيتك عام أول فوصلتني، فقال مرحبا بمن توسل إلينا بنا.
ووصله.
59 - سأل المأمون محمد بن حازم الباهلي (4) أن يرتجل بيتين فقال:
أنت سماء ويدي أرضها ... والأرض قد تأمل غيث السماء
فارع يدا عندي محمودة ... تحصد بها عندي حسن الثناء
فأعطاه عشرة آلاف درهم.
60 - أعرابي: إن أحق من خفف عنه واكتفى باليسير منه رئيس مكثور عليه، وسيد منظور إليه.
61 - آخر: بنا إلى معروفك حاجة، ولك على صلتنا قوة فانظر في ذلك بما أنت ونحن من أهله.
62 - بزرجمهر: من خلصت طويته (5) احتملت دالته.
__________
(1) مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان.
(2) نصيب: هو نصيب بن رباح الشاعر. تقدمت ترجمته.
(3) الحسن بن سهل: هو وزير المأمون تقدمت ترجمته.
(4) محمد بن حازم الباهلي: شاعر مطبوع، كان كثير الهجاء. لم يمدح من الخلفاء إلّا المأمون العباسي. أكثر شعره في القناعة وذم الحرص والطمع، مات ببغداد نحو سنة 215هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن المعتز 307وتاريخ بغداد 2: 395وثمار القلوب 369.
(5) الطويّة: النيّة والضمير.(3/177)
63 - ابن دريد (1):
لا تلحقنّك ضجرة من سائل ... فبقاء عزك أن ترى مسؤولا
لا تجبهن بالردّ وجه مؤمل ... فلخير يومك أن ترى مأمولا
واعلم بأنك عن قليل صائر ... خيرا فكن خيرا يروق جميلا
64 - عمرو بن عبيد (2) رحمه الله: أقلوا عند مسألة الحوائج من قول لا، فإنه ليس في الجنة لا.
65 - في الأثر: من عظمت عليه نعمة الله عظمت عليه مؤونة الناس.
66 - قال أبو نواس لرجل وعده: دعني من الوعد فإنه أكثره كناية عن الرد.
67 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا يقم بغضاء الله.
فلا يقوم إلا سؤّال المساجد.
68 - ابن عباس: أربعة لا أقدر على مكافأتهم: رجل بات ليلته وحاجته تململ في صدره حتى أصبح فقصدني بها، ورجل أفشى إليّ سرّه فوضعني مكان قلبه، ورجل ابتدأني بالسلام، ورجل دعوته فأجابني.
69 - قال أعرابي لملح في سؤاله: كنت قتبا (3) لكنت ملحاحا عقرة (4).
70 - في الحديث: اعتمد لحوائجك الصباح الوجوه فإن حسن الصورة أول نعمة تتلقاك من الرجل.
__________
(1) ابن دريد: هو محمد بن الحسن الأزدي. تقدمت ترجمته.
(2) عمرو بن عبيد: هو عمرو بن عبيد بن باب. تقدمت ترجمته.
(3) القتب: إكاف البعير، وهو البرذعة.
(4) عقر القتب ظهر الدابة: حزّه وأدبره، والملحال من الرجال: الذي يلزق بظهر الدابة فيعضّه ويعقره.(3/178)
71 - حكيم: إن طالب الأمور في غير حينها بمنزلة من يروم الصخر بمعول من خشب.
72 - قال محمد بن واسع لقتيبة (1): أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك.
73 - قال أبو العباس (2) لأبي دلامة (3): سل حاجتك. قال: كلب.
قال: لك كلب. قال: ودابة أتصيد عليها، قال: ودابة، قال: وغلام يركب الدابة ويتصيد، قال: وغلام، قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا، قال: وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال لا بد من دار يسكنونها، قال: ودار. قال: ولا بد من ضيعة، قال: قد اقطعتك مائة جريب (4) عامرة، ومائة جريب غامرة. قال ما الغامرة؟ قال: ليس فيها نبات. قال: فأنا أقطعتك ألفين وخمسمائة جريب من فيافي (5) بني أسد، قال: قد جعلتها عامرة كلها. قال: أقبل يدك، قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئا أهون عليهم فقدا منها.
74 - قال رجل لعلي بن عبد الله بن عباس (6): إني أتيتك في حاجة
__________
(1) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي. تقدمت ترجمته.
(2) أبو العباس: هو الخليفة أبو العباس السفاح.
(3) أبو دلامة: هو زند بن الجون. أخباره وطرائفه في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 30وفي كتابنا الآخر «طرائف من التراث العربي».
(4) الجريب: مكيال معلوم من الأرض. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ولسان العرب مادة جرب.
(5) الفيافي: الصحاري الواسعة.
(6) علي بن عبد الله بن عباس: هو جدّ الخلفاء العباسيين، من أعيان التابعين. كان كثير العبادة والصلاة فغلب عليه لقب السجّاد. كان ثقة قليل الحديث ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 229وحلية الأولياء 3: 207والمرزباني 281واليعقوبي 3: 62.(3/179)
صغيرة. قال: هاتها، إن الرجل لا يصغر عن كبير أخيه، ولا يكبر عن صغيرة.
75 - قدم رجل من بني سهم (1) على سليمان بن عبد الملك ثلاث قدمات فحياه فيهن. ثم قدم الرابعة فضجر وقال:
وشقاء من المعيشة رحل ... فوق أصلاب بازل خنشليل (2)
فاتحا فاك للمعيشة تلقى ... كل يوم على شراك سبيل
فقال الرجل: أما والله يا أمير المؤمنين إن أحق الناس بسد ذلك الفم وحل ذلك الرحل لأنت. فقال سليمان: أما والله لأصلنّ رحمك ولأعودنّ لك إلى خير مما كنت عليه.
76 - قدم وفد من العراق على هشام بن عبد الملك في الحطمة (3)
التي يقال لها حطمة خالد (4) وفيهم رجل من بني أسد فقال: يا أمير المؤمنين، أصابتنا سنون ثلاث: أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فنحضت (5) اللحم، وأما الثالثة فهاضت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله فبثوها في عباد الله، وإن كانت لكم فتصدّقوا إن الله يحب المتصدقين. فقال هشام: قد قلت في حاجة الناس، فقل في حاجة نفسك. فقال: مالي حاجة خاصة دون عامة.
77 - احتبس الوليد بن يزيد بن عبد الملك ابن ميادة (6) قبله، فقال:
__________
(1) بنو سهم: قبيلة من قريش، أبوهم سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي.
(2) الخنشليل من الإبل: المسنّ البازل. (اللسان مادة خنشل).
(3) الحطمة: السنة الشديدة التي تحطم كل شيء، الجدب والقحط.
(4) خالد: هو خالد بن عبد الله القسري. تقدمت ترجمته.
(5) نحضت اللحم: ذهبت به. ونحض لحمه: نقص.
(6) ابن ميّادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان الذبياني وميّادة أمه. توفي سنة 149هـ تقدمت ترجمته.(3/180)
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بحرة ليلى حيث ربّبني أهلي (1)
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وقطّعن عني حين أدركني عقلي (2)
فإن كنت عن تلك المواطن حابسي ... فأفش عليّ الرزق واجمع إذا شملي
فأعطاه مائة ناقة سوداء ومائة ناقة بيضاء، فجعلت تضيء من جانب وتظلم من جانب.
78 - المهلب بن أبي صفرة لبنيه: ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم، ودوابكم تحت غيركم أحسن منها تحتكم، وإذا غدا الرجل مسلما عليكم فكفى بذلك تقاضيا.
79 - أنشد المبرّد:
أروح بتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك بالتسليم منّي تقاضيا
كفى بطلاب المرء مالا يناله ... عناء وبالبأس المصرّح شافيا
80 - جاء عطاء بن أبي رباح إلى سدة سليمان بن عبد الملك فقعد مع الحلقة فقال سليمان: إفسحوا له فتزحزح له عن مجلسه، فقال:
أصلحك الله، احفظ وصية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أبناء المهاجرين والأنصار.
قال: أصنع بهم ماذا؟ قال: انظر في أرزاقهم قال: ثم ماذا؟ قال: أهل البادية تتفقد أمورهم فإنهم مادة العرب، قال: ثم ماذا؟ ذمة المسلمين
__________
(1) حرّة ليلى: لبني مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن غطفان يطؤها الحاج في طريقهم إلى المدينة، وعن بعضهم أن حرّة ليلى من وراء وادي القرى من جهة المدينة. قال السكري: حرّة ليلى معروفة في بلاد كلاب، بعث الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى الرّماح بن يزيد وقيل ابن أبرد المرّي يعرف بان ميّادة حين استخلف فمدحه فأمره بالمقام عنده فأقام ثم اشتاق إلى وطنه فقال (الأبيات) وزادها بيتين راجع معجم البلدان 2: 248.
(2) التمائم: جمع تميمة وهي خرزة أو ما يشبهها كان الأعراب يضعونها على أولادهم للوقاية من العين ودفع الأرواح. وبعد هذا البيت:
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة ... تطالع من هجل خصيب إلى هجل
تحن فأبكي كلما ذرّ شارق ... وذاك على المشتاق قبل من القبل(3/181)
تفقد أمورهم وخفف عنهم من خراجهم فإنهم عون لك على عدو الله وعدوهم، قال: ثم ماذا؟ قال: أهل الثغور (1) تفقدهم، فإنه يدفع بهم عن هذه الأمة. قال: ثم ماذا؟ قال: يصلح الله أمير المؤمنين.
فلما ولى قال: هذا والله الشرف لا شرفنا، وهذا والله السؤدد لا سؤددنا، والله كأنما معه ملكان ما أقدر أن أراجعه في شيء سألني، ولو سألني أن أتزحزح عن هذا المجلس لفعلت.
81 - فضيل (2): ترى أنك إذا قضيت حاجة أخيك فقد اصطفعته، فهذا طرف من اللؤم، بل هو المصطنع حين خصك بحاجته.
82 - بلغني أن رجلا أتى رجلا في حاجته، فقال: خصصتني بحاجتك فجزاك الله خيرا.
83 - إبراهيم بن أدهم: ما لنا نشكو الفقر إلى فقراء مثلنا ولا نطلب كشفه من عند ربنا؟ ثكلت عبدا أمه أحب عبدا لدنياه ونسي ما في خزائن مولاه.
84 - قال بعضهم، قدمت على سليمان بن عبد الملك، فبينا أنا عنده إذ نظرت إلى رجل حسن الوجه يقول: والله يا أمير المؤمنين لحمدها خير منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي موصولة بيدك فابسطها لسؤالها خيرا.
فسألت عنه فقيل يزيد بن المهلب يتكلم في حمالات (3) حملها.
85 - أنشد ابن الأعرابي (4):
__________
(1) الثغور: جمع ثغر وهو المكان الذي يخاف منه هجوم العدو، وهو الحدّ بين المتعادين.
(2) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد. تقدمت ترجمته.
(3) الحمالة: الكفاية والغرامة يحملها قوم عن قوم.
(4) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد. تقدمت ترجمته.(3/182)
أبا هانىء لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله فالله أوسع
فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملّوا فيمنعوا
86 - عبد الله (1): جاء رجل إلى رسول الله فقال: إن بني فلان أغاروا على إبلي وبقري وغنمي، فقال: ما أصبح عند آل محمد غير هذا المد، فنسأل الله. فرجع الرجل إلى امرأته فحدثها فقالت: نعم المردود إليه. فرد الله نعمه إليه أوفر مما كانت. فقام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس أن يسألوا الله ويرغبوا إليه، وقرأ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللََّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (2).
87 - أدلّ فأملّ (3)، وألحف فأجحف (4)، وأوجف فأعجف (5).
88 - ما هي استماحة (6)، إنما هي استباحة (7).
89 - من أراد أن يطاع فليسأل ما يستطاع.
90 - فلان خفيف المشقة. أي قليل السؤال.
91 - هو كريم المعتصر. أي هو كريم عند السؤال.
92 - أعرابي: إن لم يكن عنده ورق لخابطه فإن عوده لين لهاصر (8).
93 [شاعر]:
ألا يكن ورقي غضا يراح به ... للمعتفين فإني لين العود (9)
__________
(1) عبد الله: صحابي كما هو واضح من سير الحديث، لم نتبيّن من هو.
(2) سورة الطلاق، من الآية: 2.
(3) أدلّ: انبسط، وأملّ: أبرم.
(4) ألحف: ألحّ، وأجحف به: ذهب به.
(5) أوجف الدابة: حثها على السيّر، وأعجف: هزل.
(6) الاستماحة: الجود.
(7) الإستباحة: الإنتهاب.
(8) الهاصر: العاطف، يقال: هصر الغصن أي عطفه وثناه.
(9) المعتفون: طالبو الرزق والمال.(3/183)
94 - لا شيء أوجع للأحرار من الرجوع إلى الأشرار.
95 - أوحي إلى موسى عليه السّلام: لئن تدخل يدك في فم التنين (1) إلى المرفق خير من أن تبسطها إلى غني قد نشأ في الفقر.
96 - قيل للأحنف (2): جئناك في حاجة لا ترزؤك (3) ولا تنكؤك (4). قال: ليس مثلي يؤتى في حاجة لا ترزأ ولا تنكأ.
97 - أبو الشيص (5):
وصاحب كان لي وكنت له ... مثل ذراع شدّت إلى عضد
حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفد يد الأسد
98 - يد الأسد مثل في المناعة وصعوبة نيل ما فيها.
99 - سأل رجل معاوية حاجة فأبى، فسأله أخرى فقال:
طلب الأبيض العقوق فلمّا ... لم ينله أراد بيض الأنوق (6)
__________
(1) التنّين: نوع من دواب البحر كبير الجثة.
(2) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي التميمي. تقدمت ترجمته.
(3) رزأه ماله: أصاب منه شيئا.
(4) نكأه: أصابه بالضرّ.
(5) أبو الشيص: لقب غلب عليه، وهو محمد بن رزين، وهو عم دعبل بن علي بن رزين الخزاعي أو ابن عمه. كان شاعرا مطبوعا من أهل الكوفة وكان أحد شعراء الرشيد معاصرا لأبي نواس ومسلم بن الوليد. إنقطع إلى أمير الرقة عقبة بن جعفر الخزاعي فأغناه عقبة عن سواه. عمي في آخر أيامه. قتله خادم لعقبة في الرقّة سنة 196هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 346وتاريخ بغداد (5: 401).
(6) العقوق: الحامل من النوق، والأبيض من صفات الذكور والذكر لا يحمل فكأنه قال: طلب الذكر الحامل، وبيض الأنوق مثل للذي يطلب المحال الممتنع، والأنوق: الرخمة التي تضع بيضها في رؤوس الجبال العالية البعيدة، وتكون صعبة المنال.(3/184)
100 - طلب رجل إلى رئيس كتاب عناية (1) فضن به، فقال: إن الله أمر بإيتاء الزكاة، ومن زكاة الجاه الكتب. فكتب له واعتذر إليه.
101 - وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب (2) لأبي الفضل البلعمي (3):
يا أبا الفضل لك الفضل المنين ... وبما نلت به أنت قمين (4)
ليس تخلو من زكاة نعمة ... وزكاة الجاه رفد المستعين
102 - في وصف شحاذ: لزوم الدبق حتى يأخذ، ثم ينسل انسلال الزئبق.
103 - الكريم إذا سئل ارتاح، واللئيم إذا سئل إرتاع.
104 - في نوابغ الكلم: الشحيح إذا أربى (5) زاده ربي، وإذا لقي بالسؤال لقي (6).
105 [شاعر]:
وكلت مجدك باقتضائك حاجتي ... وكفى به متقاضيا ووكيلا
__________
(1) كتاب عناية: أراد كتاب توصية واهتمام لمن يكتب إليه.
(2) ابن أبي بكر الكاتب: كان أبوه كاتب الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني ووزير الأمير أحمد بن إسماعيل. كان أبو أحمد شاعرا أقام ببغداد فترة ثم رجع إلى وطنه وعاش في بخارى فاتّخذ الندماء وعقد مجالس الأنس وتقلّد أعمال هراة وغيرها من البلدان وكان يطمح إلى تولي الوزارة ففرّق ماله وقاسى من ضيق المعاش فشرب السمّ ومات.
(3) أبو الفضل البلعمي: هو محمد بن عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عيسى بن معبد التميمي البلعمي، من الأدباء البلغاء من أهل بخارى. كان وزير الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني أمير خراسان وماوراء النهر. توفي سنة 339هـ.
راجع ترجمته في شذرات الذهب 2: 324ودائرة المعارف الإسلامية 4: 86.
(4) قمين: حريّ، جدير.
(5) أربى الزاد: كثر. وربي: أصابه الرّبو (داء يتواتر معه النفس ويسمّى البهر).
(6) لقي: أصابته اللقوة (داء يكون في الوجه يعوجّ منه الشدق).(3/185)
106 - آخر:
وأبثثته حالي وأنكبت معرضا ... ليفعل صوب المزن ما هو فاعله (1)
107 - من كنت بحره لم يخثر الدر إلا ثمينا، وكان له الإقبال بما شاء ضمينا.
108 - قيل لأعرابي: ما السقم الذي لا يبرأ، والجرح الذي لا يندمل؟ قال: حاجة الكريم إلى اللئيم.
109 - أعرابي: تكون له الحاجة فيغضب قبل أن يطلبها، وتطلب إليه فيغضب قبل أن يفهمها.
110 - سأل أعرابي في جامع البصرة فقال: رحم الله من تصدق من فضل، أو آسى من كفاف، أو آثر من قوت. فقال يونس النحوي (2): ما ترك منكم أحدا إلا سأله.
111 - أبو محلم السعدي (3):
إذا ما نبا دهر بمالك فانتجع ... قديم الغنى في الناس إنك حامده
ولا تطلبنّ الخير ممن أفاده ... حديثا ومن لم يورث المجد والده
112 - علي رضي الله عنه: استغن عمن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وامنن على من شئت فأنت أميره.
__________
(1) الصوب: المطر. والمزن: السحاب المشبع بالمطر.
(2) يونس النحوي: هو يونس بن حبيب الضبي النحوي. تقدمت ترجمته.
(3) أبو محلم السعدي: هو محمد بن هشام بن عوف التميمي. كان إماما في اللغة وأعلم الناس بالشعر وأيام العرب. روى عنه جماعة من الأدباء وكان سريع الحفظ، له أخبار مع الواثق العباسي والمنتصر، وكان يهاجي أحمد بن إبراهيم الكاتب وأباه له كتاب الأنواء وكتاب الخيل. مات سنة 245هـ.
راجع ترجمته في مهجم الشعراء 428ولسان الميزان 5: 414وبغية الوعاة 110.(3/186)
وعنه: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها (1).
وعنه: لا تكثر على أخيك الحوائج فإن العجل إذا أكثر مص ثدي أمه نطحته:
113 - سأل أعرابي فقال: رحم الله امرأ لم تمج أذنه كلامي، وقدم لنفسه معاذه عن سوء مقامي، أيها الناس إن البلاد مجدبة، والحال مسغبة، والحياء زاجر عن كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إعلامكم، وإحدى الصدقتين الدعاء، فرحم الله من أمر بمير (2) أو دعا بخير. فقالوا:
أحسنت! فمن أنت: فقال: سوء الإكتساب يمنع من حسن الانتساب.
114 - قدم زيادة الأعجم (3) على طلحة الطلحات (4) بسجستان، فأقام على بابه أربعين صباحا، فلما طال كتب إليه:
ورد السقاة المعطشون فأنهلوا ... ريّا وطاب لهم لديك المكرع
ووردت بحرا طاميا متدفقا ... فرددت دلوي شنّه يتقعقع (5)
وأراك تمطر جانبا عن جانب ... ومحل بيتي من سمائك بلقع (6)
فدعا به وبيده ثلاثة أحجار من الياقوت، فقال: اختر أحدها أو مائة ألف، فاختار المائة ألف، فلما أخذها قال: إن رأى الأمير أكرمه الله أمر لي بحجر منها، فضحك ورمى به إليه.
115 - سمع أبو الأسود الدؤلي سائلا يقول: من يعشّيني الليلة؟
فقال: عليّ به، فعشّاه، فذهب يخرج، فقال: هيهات، تريد أن تؤذي
__________
(1) راجع نهج البلاغة 4: 15.
(2) المير: الطعام.
(3) الأعجم: هو زياد بن سليمان. تقدمت ترجمته.
(4) طلحة الطلحات: هو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي. كان أجود أهل البصرة في زمانه. تولّى سجستان لسالم بن زياد بن أميّة. توفي فيها واليا سنة 65هـ.
(5) الشنّ: القربة. وفي المثل: لا يقعقع لي بالشنان.
(6) البيت البلقع: الخالي من الأثاث. والبلقع: القفر.(3/187)
المسلمين، فوضع الأدهم في رجله حتى أصبح.
116 - قال المهدي: صلى الله على محمد، فقال أبو دلامة: ما أسرعك إليّ.
إني نذرت إذا رأيتك قادما ... أرض العراق وأنت ذو وفر
لتصلينّ على النبي محمد ... ولتملأنّ دراهما حجري
فقال المهدي: صلى الله على محمد، فقال أبو دلامة: ما أسرعك إلى الأولى وأبطأك عن الثانية! فضحك، وأمر له ببدرة (1)، فصبت في حجره.
117 - سأل أعرابي عتبة بن أبي سفيان فقال: أنا رجل من بني عامر ابن صعصعة (2) يلقاكم بالعمومة وينتمي إليكم بالخؤولة، وقد كثر عياله، ووطئه دهره، وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر. فقال: قد أمرت لك بغناك، فليت إسراعي إليك يقوم بإبطائي عنك.
118 - لما أنشد الراعي (3) عبد الملك قوله:
__________
(1) رواية «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 39:
لما قدم المهدي من الريّ، دخل عليه أبو دلامة فأنشأ يقول:
إني نذرت لئن رأيتك سالما ... بقرى العراق وأنت ذو وفر
لتصلّينّ على النبيّ محمد ... ولتملأنّ دراهما حجري
فقال: صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمّا الدراهم فلا.
فقال له: أن أكرم من أن تفرّق بينهما ثم تختار أسهلهما.
فأمر أن يملأ حجره دراهم.
والبدرة: الكيس يملأ بالدراهم (عشرة آلاف درهم تختلف الكميّة باختلاف العصور).
(2) هو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر، من قيس عيلان، من العدنانية. جدّ جاهلي، بنوه بطون كثيرة.
راجع جمهرة الأنساب 261ومعجم قبائل العرب 708واللباب 2: 106.
(3) الراعي: هو عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النميري، لقّب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وهو شاعر من فحول الشعراء في العصر الأموي عاصر جريرا والفرزدق وكان يفضل الفرزدق فهجاه جرير بقصيدته التي يقول فيها:
فغضّ الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ففضحه وكان شؤما على قومه. ويقال إنه كمد لما سمعها فمات كمدا نحو سنة 90هـ.
راجع الأغاني والشعر والشعراء 327وطبقات ابن سلّام 434.(3/188)
فإن رفعت بهم رأسا نعشتهم ... وإن لقوا مثلها في قابل فسدوا (1)
قال: تريد ماذا؟ قال: ترد عليهم صدقاتهم، وتدر أعطياتهم، وتنعش فقيرهم، وتخفف مؤونة غنيهم. قال: إن ذاك لكثير! قال: أنت أكثر منه، قال: قد فعلت، فسلني حوائجك، قال: قد قضيتها قال:
سل لنفسك، قال: لا والله لا أشوب (2) هذه المكرمة بالمسألة لنفسي.
119 - سمع الرشيد أعرابية بمكة تقول:
طحنتنا كلاكل الأعوام ... وبرتنا طوارق الأيام (3)
فأتيناكم نمد أكفا ... لقمامات زادكم والطعام (4)
فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا ... أيها الزائرون بيت الحرام
فاستعبر الرشيد وقال لأصحابه: سألتكم بالله ألا دفعتم إليها صدقاتكم. فألقوا الثياب حتى وارتها كثرة، وملأوا حجرها دنانير ودراهم.
120 - سأل أعرابي بمكة فقال: أخ في الله، وجار في بلاد الله، وطالب خير من عند الله، فهل من أخ مواس في الله؟.
121 - أبو هريرة رفعه: سلوا الله حوائجكم حتى في شسع (5)
__________
(1) قوله في قابل: أي في العام الذي يلي العام الحاضر.
(2) لا أشوب: لا أخلط.
(3) كلاكل الأعوام: كناية عن المصائب: والكلكل: الصدر.
(4) قمامات الزاد والطعام: فضلاتها.
(5) الشسع: أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام.(3/189)
النعل، فإن الله إذا لم ييسره لكم لم يتيسر.
122 - أنس (1) رفعه: من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله عمره.
123 [شاعر]:
ليس في كل وهلة وأوان ... تتهيا صنائع الإحسان
فإذا أمكنت فبادر إليها ... حذرا من تعذر الإمكان
124 - علي رضي الله عنه: اصطنع الخير إلى من هو أهله ومن ليس بأهله، فإن لم تصب أهله فأنت أهله.
وعنه مرفوعا: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها في الخميس، وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران وآية الكرسي وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب. فإن فيها حوائج الدنيا والآخرة.
125 - سأل إسحاق بن أبي ربعي (2) إسحاق بن إبراهيم المصعبي (3)
أن يوصل رقعة إلى المأمون فقال لكاتبه: ضمها إلى رقعة فلان، فقال:
تأتّ لحاجتي واشدد عراها ... فقد أضحت بمنزله الضياع
إذا أشركتها بلبان أخرى ... أضربها مشاركة الرضاع
__________
(1) أنس: هو أنس بن مالك خادم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. تقدمت ترجمته.
(2) إسحاق بن أبي ربعي: كاتب من كتاب الدولة العباسية، كان يكتب لعبد الله بن طاهر ابن الحسين الخزاعي.
راجع أخباره في الطبري حوادث سنة 210هـ.
(3) إسحاق بن إبراهيم المصعبي: هو صاحب الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. كان محظيا من الخلفاء استخلفه المأمون على بغداد حين تركها قاصدا غزو الروم سنة 215هـ. وعقد له المعتصم على الجبال سنة 218هـ. مات في بغداد أيام المتوكل سنة 235هـ.
راجع ترجمته في الديارات ص 39.(3/190)
126 - إسماعيل بن فطري القراطيسي (1) في الفضل بن الربيع:
ألا قل للذي لم يه ... ده الله إلى نفعي
لئن أخطأت في مد ... حك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
127 - إدريس بن عبد الله اللخمي الضرير (2):
صاحب الحاجة أعمى ... وأخو المال بصير
فمتى يبصر فيها ... رشده أعمى فقير
128 - أبو ذفافة البصري (3):
أضحت حوائجنا إليك مناخة ... معقولة برجائك الوصال
أطلق فديتك بالنجاح عقالها ... حتى تثور معا بغير عقال
129 - أحمد بن يوسف الأنباري:
لموت الفتى خير من البخل للفتى ... وللبخل خير من سؤال بخيل
لعمرك ما شيء لوجهك قيمة ... فلا تلق إنسانا بوجه ذليل
130 - سلمة بن صالح اليشكري (4) في زائدة بن معن بن زائدة (5):
إني مع التسليم جئت لحاجة ... فما أنت فيها يا فتى الناس صانع
__________
(1) إسماعيل بن فطري القراطيسي: كان مألفا للشعراء أمثال أبي نواس وأبي العتاهية ومسلم يقصدون منزله ويجتمعون عنده للهو والطرب. كان رقيق الشعر. راجع الأغاني.
(2) إدريس بن عبد الله اللّخمي الضرير: لم نقف له على ترجمة.
(3) أبو ذفافة البصري: لم نقف له على ترجمة.
(4) سلمة بن صالح اليشكري: لم نقف له على ترجمة.
(5) زائدة بن معن بن زائدة: كان صديقا لأبي العتاهية فلما مات رثاه بأبيات أوّلها:
حزنت لموت زائدة بن معن ... حقيق أن يطول عليه حزني
راجع الأغاني.(3/191)
فإن تقضها فالحمد لله وحده ... وإن تأبها فالعذر عندي واسع
وعندي لما استودعتني منك موضع ... ومثلي لا تتوى لديه الصنائع
131 - سلم الخاسر:
إذا أذن الله في حاجة ... أتاك النجاح على رسله (1)
فلا تسأل الناس من فضلهم ... ولكن سل الله من فضله
132 - شويس العدوي (2):
رب عجوز خبة زبون ... سريعة الرد على المسكين
تظن أن بوركا تكفيني ... إذا خرجت باسطا يميني
133 - عبد الله بن الحجاج الثعلبي (3):
وأخ إن جاءني في حاجة ... كان بالإنجاز مني واثقا
وإذا ما جئته في مثلها ... كان بالرد بصيرا حاذقا
يعمل الفكرة لي في الرد من ... قبل أن أبدأ فيها ناطقا
134 - عباد بن عباد المهلبي (4):
إذا خلة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدهر بالناس قلب (5)
وبادر بمعروف إذا كنت قادرا ... زوال اقتدار أو غنى عنك يعقب
__________
(1) أتى النجاح على رسله: أي على مهل وبسهولة.
(2) شويس العدوي: لم نقف له على ترجمة.
(3) عبد الله بن الحجاج الثعلبي: هو عبد الله بن الحجاج بن محصن بن جندب الثعلبي.
كان شاعرا فاتكا شجاعا من فرسان مضر من أهل الكوفة. ولي الريّ للمغيرة بن شعبة وعاش إلى أيام الوليد بن عبد الملك. ترجمته وأخباره في الأغاني.
(4) عباد بن عباد المهلبي: كان أديبا من رواة الحديث، شاعرا شريفا نبيلا مات ببغداد سنة 180هـ. وقيل: مات سنة 181هـ.
راجع ترجمته في رغبة الآمل 5: 73وميزان الإعتدال 2: 368وتاريخ بغداد 11: 101.
(5) الخلّة: الحاجة. ورمّ الخلة: عالجها وأصلحها. ونابته: أصابته.(3/192)
135 - عثمان بن عمرو الوائلي (1):
نفسي فدت نفس الأمير من الردى ... ما للأمير فداه عني غافل
إن عنّ شغل للأمير فإنني ... ما يشغل الإفلاس عنّي شاغل
أعطيك جملة وصف بيتي إنه ... سيان خارج بابه والداخل (2)
136 - عمران بن حطان:
أيها السائل العباد ليعطى ... إن لله ما بأيدي العباد
فسل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المقسم العواد
137 - هانىء بن قشير (3) في بلال بن جرير بن الخطفي وقد حمد مرافقته:
وكل فتى عد الرجال إخاءه ... فداء إذا آخيته فبلال
إذا ما رأى المصحوب صاحب حاجة ... أتى نفعه طوعا بغير سؤال
138 - سأل الحوفزان بن شريك (4) عمرو بن معد يكرب أسيرا فدفعه إليه فقال:
إذا أنت ضاقت عليه الأمو ... ر فناد بعمرو بن معد يكرب
فتى لا يرى المال ربا له ... ولا يتبع النفس ما قد ذهب
__________
(1) عثمان بن عمر الوائلي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء (257) وقال: عثمان بن عمرو الوائلي محدث يقول:
الوائلي شاعر ... لله عبد شاكر
وله إلى بعض الأمراء: (وذكر الأبيات).
(2) قوله: سيّان خارج بابه والداخل: كناية عن الفقر، أي ليس فيه شيء من الأثاث.
(3) هانىء بن قشير: لم نقف له على ترجمة.
(4) الحوفزان بن شريك: كان يقول الشعر في يوم ذي قار. وقيل: لم يدرك ذلك اليوم.
مات بعد سنة من يوم جدود، زجه قيس بن عاصم المنقري بالرمح فحفزه عن سرجه فعرج منها ولهذا سمّي الحوفزان.
راجع أخباره في كتاب الأغاني.(3/193)
وكنا نقول فتى مذحج ... وفارسها عند إحدى الكرب
فأصبحت آمن عار الخطا ... إذا قلت عمرو شهاب العرب
139 - عمرو بن أحمر الباهلي (1):
إذا أنت راودت البخيل رددته ... إلى البخل واستمطرت غير مطير
ومن يطلب المعروف من غير أهله ... يجد مطلب المعروف غير يسير
إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة ... من الذم سار الذم كل مسير (2)
140 - علي رضي الله عنه: لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث باستصغارها لتعظم، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لنهنأ (3).
وعنه: يا كميل (4)، مر أهلك أن يرحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة من هو نائم، فو الذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا خلق الله له من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائية جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل (5).
وعنه: ماء وجهك جامد يقطره السؤال، فانظر عند من تقطره (6).
__________
(1) عمرو بن أحمر الباهلي: شاعر مخضرم، كان من شعراء الجاهلية وأسلم كان بالشام مع خالد ابن الوليد ثم نزل الجزيرة وأدرك أيام عبد الملك بن مروان، وله مدائح في عمر وعثمان والإمام علي وخالد ولم يلق أبا بكر، وهجا يزيد بن معاوية.
راجع ترجمته في طبقات ابن سلام 129ومعجم الشعراء 214وفيه توفي أيام عثمان وجمهرة أشعار العرب 158.
(2) الجنّة، الستر الواقي.
(3) راجع نهج البلاغة 4، 22.
(4) كميل: هو كميل بن زياد بن نهيك بن الهيثم النخعي. كان راويا للحديث ثقة، وهو تابعي من أهل الكوفة من رؤساء الشيعة. شهد مع الإمام علي صفين وكان شريفا مطاعا في قومه. قتله الحجاج صبرا سنة 82هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 124وجمهرة الأنساب 390.
(5) راجع نهج البلاغة 4، 56.
(6) راجع نهج البلاغة 4: 81.(3/194)
وقال لجابر بن عبد الله الأنصاري يا جابر من كثرت نعمة الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء (1).
وعنه: من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله، ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله (2).
141 - شكا رجل إلى أخيه الحاجة والضيق، فقال له: يا أخي، أغير تدبير ربك تريد؟ لا تسأل الناس وسل من أنت له.
142 - إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤال! يحملون زادنا إلا الآخرة.
143 - عرضت لأبي سليمان الداراني (3) حاجة إلى رجل، فقيل:
ندعوه لك؟ فقال: ما يسرني أن يطلع الله من قلبي على أني أريد أن يدعي لي من لي إليه حاجة ولو أن لي ما طلعت عليه الشمس قوموا بنا إليه.
144 - سليمان بن عبد الله بن نوفل الهاشمي (4) في السفاح:
أمير المؤمنين إليك نشكو ... زمانا حظنا فيه زهيد
أتانا الملك فيه فما اغتبطنا ... ولا دارت لنا منه سعود
كأنا بعد في زمن الأعادي ... يدمرنا هشام والوليد
فسامح بالذي تهواه حتى ... يساء به عدو أو حسود
__________
(1) من خطابه لجابر بن عبد الله الأنصاري أوله: يا جابر قوام الدنيا بأربعة. راجع نهج البلاغة 4: 88.
(2) راجع نهج البلاغة 4: 100.
(3) أبو سليمان الداراني: هو عبد الرحمن بن أحمد الداراني. تقدمت ترجمته.
(4) سليمان بن عبد الله بن نوفل الهاشمي. ذكره الطبري (3: 533) وقال: قدم من المدينة على عبد الله السفاح وكان في صحابة المنصور حين خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد وجعلها لابنه المهدي.(3/195)
فأقطعه السفاح ضيعة بالبصرة تغل عشرة آلاف دينار.
145 - وفد قرة بن هبيرة (1) على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكرمه وكساه واستعمله على صدقات قومه فقال:
حباها رسول الله إذ نزلت به ... وأمكنها من نائل غير أنكد
فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة ... وقد أنجحت حاجاتها من محمد
الضمير لناقته.
146 - يزيد بن الطثرية (2):
ويا ربّ باغي حاجة لا ينالها ... وآخر قد تقضى له وهو جالس
فلا الكيس يدني ما تأجل وقته ... ولا العجز عن نيل المطالب حابس
147 - الحكم بن أبي العاص الملقب بالوزغ (3) طريد رسول الله:
بينا تبغيك الرجال ... وجدت راحلة ورجلا
__________
(1) قرّة بن هبيرة: هو قرّة بن هبيرة بن عامر بن سلمة القشيري. وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم ثم أرتدّ فأسره خالد بن الوليد وبعث به موثقا إلى أبي بكر فاعتذر عن ارتداده فأطلقه: قيل: إنه شهد يوم شعب جبلة.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 238.
(2) يزيد بن الطثرية: هو يزيد بن سلمة بن سمرة من بني قشير بن كعب من عامر بن صعصعة. نسبته إلى أمّه وهي من بني طثر من عنز بن وائل. كان شاعرا مطبوعا من شعراء بني أمية. قتله بنو حنيفة في يوم الفلج من نواحي اليمامة سنة 126هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 392ووفيات الأعيان 2: 299.
. (3) الحكم بن أبي العاص الملقب بالوزغ: هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، وهو عم عثمان بن عفان ووالد مروان بن الحكم. والوزغ الإرتعاش والرعدة. كان يستهزىء بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مرّ يوما فجعل الحكم يغمز النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بإصبعه فالتفت فرآه فقال: اللهمّ اجعل به وزغا فرجف مكانه. كف بصره بالمدينة ومات في خلافة عثمان سنة 32هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 2: 28ونكت الهميان 146. قيل إنه توفي سنة 31هـ.(3/196)
148 - بشر الراسبي (1):
إن من يرتجيك يا ابن بحير ... وابن حجر وأنت لصّ مغير
لجهول بمن غدا يطلب الني ... ل من الفاجر اللئيم غرير
يريد لجهول بحال من لم يبال بالحرام ويطلب من مثله، لأنه، لو عرف حال من هذه صفته وقبحها لما دخل مدخله ولا فعل فعله.
149 - سأل صيرفي أفلس بعض أجواد قريش أن يسد خلته (2)، فقال: إنا والله لا نحمد عن الحق، ولا نذوب في الباطل، وتمثل بقول كثير (3):
إذا المال لم يوجب عليك عطاؤه ... صنيعة قربى أو صديق توامقه (4)
منعت وبعض المنع حزم وقوة ... ولم يقتلدك المال إلا حقائقه
150 - وعن خالد بن صفوان أنه دخل في يوم شديد الحر على هشام (5)، وهو في بركة فيها مجالس كالكراسي، فقعد على بعضها، فقال له هشام: رب خالد قد قعد مقعدك هذا حديثه أشهى إليّ من الشهد.
أراد خالد بن عبد الله القسري، فقال: ما يمنعك من إعادته إلى موضعه؟
قال: هيهات، أدل فأمل، وأرجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعا، ولا للعودة موضعا، وأنشد:
__________
(1) بشر الراسبي: لم نقف له على ترجمة ولعله بشر بن بجير بن ربيعة الذي قال يبكي منازل قومه حين جلوا عنها:
ألم تعرف ديار بني بجير ... بطخفة بين غول فالبراق
ولما أن رأيتهم تولّوا ... سقى عيني من العبرات ساقي
راجع المؤتلف والمختلف للآمدي ص 60.
(2) الخلّة: الحاجة والفقر.
(3) كثيرّ: هو كثيرّ عزّة الشاعر المشهور صاحب مية المنقرية. تقدمت ترجمته.
(4) توامقه: تحبه. وومق: أحب، والمقة: المحبة.
(5) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان. تقدمت ترجمته.(3/197)
إذا انصرفت نفسي ان الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تنبل
ثم سأله أن يزاد عشرة دنانير في عطائه فرده، فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين، فأنت كما قال أخو خزاعة وأنشد بيتي كثير.
فقيل له: ما حملك على تزيينك الإمساك لهشام؟ فقال: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه.
151 - كان طاووس (1) يغري الشرط بالسؤال يوم الجمعة.
152 - قيل لمحارب بن دثار: علام ترد الناس؟ قال إني أغادي (2)
بما لم يمس عندي وأطرق.
153 - شكا رجل إلى علي بن صالح (3) حاجته فقال:
إني إذا اختارني لحاجته ... مثلك أرسلته إلى الأرب
أرد وجه الفتى بجدته ... لم تبتذله ضراعة الطلب
من أمكنته صنعية فأبى ... فلا تهنأ بوافر النشب (4)
154 - كان لبيد (5) آلى على نفسه كلما هبت الصبا أن ينحر جزورا ويطعم، وربما ذبح العناق (6) إن أضاق. فخطب الوليد بن عقبة وقال: قد علمتم ما جعل أبو عقيل على نفسه، فأعينوه على مروءته، وبعث إليه بخمس جزاير وبهذه الأبيات:
أرى الجزّار يشحذ مديتيه ... إذا هبت رياح أبي عقيل
__________
(1) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدمت ترجمته.
(2) أغادي: أباكر.
(3) علي بن صالح: ذكره ثعلب ولم ينسبه. راجع معجم الشعراء ص 287. ففيه مقطوعة من الشعر أولها:
أعذر فإن الأمور ضيّقة ... والضيق يحمي الفتى عن الأدب
(4) النشب: المال والعقار، ورواية معجم الشعراء: بوافر الشرب.
(5) لبيد: هو لبيد بن ربيعة العامري. تقدمت ترجمته.
(6) العناق: الأنثى من أولاد المعز قبل استكمالها السنة.(3/198)
طويل الباع أبلج جعفري ... كريم الجد كالسيف الصقيل
وفي ابن الجعفري بما نواه ... على العلات والمال القليل
فدعا لبيد بنتا له خماسية (1) فقال: إني قد تركت قول الشعر فأجيبي الأمير، فقالت:
إذا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبتها الوليدا
صويل الباع أبلج عبشميا ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا ... عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد ... وظني يا ابن أروى أن تعودا
فقال لبيد: أحسنت لولا أنك سألت. فقالت: يا أبة، إن الملوك لا يستحي منهم في المسألة. فقال: أنت في هذا أشعر (2).
وفد رجل من بني ضبة (3) على عبد الملك فأنشده.
والله ما ندري إذا ما فاتنا ... طلب إليك من الذي نتطلب
ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحدا سواك إلى المكارم ينسب
فاصبر لعادتك التي عودتنا ... أو لا فأرشدنا إلى من نذهب
فأمر له بألف دينار. فعاد إليه من قابل وأنشده:
وليس كبان حين تم بناؤه ... تتّبعه بالنقض حتى تهدّما
فأمر له بألف. فعاد في الثالثة فأنشده:
(يعودون بالإحسان عودا على بدء).
وقال: يا أمير المؤمنين، إن الروي لينازعني، وإن الحياء ليمنعني.
__________
(1) البنت الخماسية: الصغيرة السن التي طولها خمسة أشبار.
(2) راجع الخبر في الأغاني.
(3) بنو ضبّة: حيّ من العرب أبوهم ضبة بن أدّ عم تميم بن مرّ.(3/199)
فأمر له بألف، وقال: والله لو قلت حتى تنفذ بيوت الأموال لأعطيتك.
155 - ظلم كبير من الأموية حجازيا، فما تظلم منه إلى أحد إلا ضلع للأموي عليه، فخرج إلى سليمان (1) وجعل لخصي أثير عنده مائتي دينار ليوصله إليه خاليا، فأوصله إليه حين سلم في صلاته، وجعل يدعو ويخطر بإصبعه نحو السماء ويتضرع، فلما رآه كذلك رجع ومر. فسأل عنه وأمر بطلبه حتى صودف خارجا من باب دمشق. فأدخل عليه بعنف شديد وإلحاح فقال له: ما شأنك؟ قال: جددت في التوصل إليك، فلما رأيتك تخطر بإصبعك نحو السماء علمت أني قد أخطأت موضع طلب الحاجة، فرجعت لأطلبها من حيث طلبت أنت حوائجك. فبكى سليمان وقال: إن الذي طلبت منه حاجتك قد قضاها، وأمر برد ما أخذ منه، وأعطاه ما يصلح به حاله، ووصله وكساه، وأمر له بفرائض.
156 - عن عبد الله بن حسن بن حسن (2): أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة، فقال لي: إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ رسولا أو اكتب إليّ كتابا، فإني لأستحي من الله أن يراك على بابي.
157 - كان لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد (3) قصر بحيال قصر يزيد بن عبد الملك، فقال له يوما: لأمير المؤمنين إليك حاجة، قال: لا يدفع عنها. قال: أسألك القصر، قال: هو لك. قال: فلك به خمس حوائج فسل، قال: أولها القصر، قال: هو لك وقضى له الأربع البواقي.
__________
(1) سليمان: هو سليمان بن عبد الملك بن مروان. تقدمت ترجمته.
(2) عبد الله بن حسن بن حسن: هو عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب.
تقدمت ترجمته.
(3) خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد: من أهل البصرة. كان مع عبيد الله بن زياد ثم مع عبد الملك بن مروان الذي ولّاه على البصرة وعاد فعزله عنها سنة 73هـ. ولّاه الوليد بن عبد الملك على مكة سنة 93هـ.
راجع أخباره في الطبري حوادث سنة 71و 73و 75و 93.(3/200)
158 - أتى عليا رضي الله عنه أعرابي فقال: والله يا أمير المؤمنين ما تركت في بيتي لا سبدا ولا لبدا، ولا ثاغية ولا راغية. فقال: والله ما أصبح في بيتي فضل عن قوتي. فولى الأعرابي وهو يقول: والله ليسألنك الله عن موقفي بين يديك، فبكى بكاء شديدا. وأمر برده واستعادة كلامه.
ثم بكى فقال: يا قنبر (1): ائتني بدرعي الغلانية، ودفعها للأعرابي وقال: لا تخدعن عنها فطالما كشفت بها الكرب عن وجه رسول الله. تم قال قنبر: كان يجزيه عشرون درهما. قال: يا قنبر والله ما يسرني أن لي زنة الدنيا ذهبا أو فضة فتصدقت وقبله الله مني، وأنه سألني عن موقف هذا بين يدي.
علي رضي الله عنه: إن لكل شيء ثمرة، وثمرة المعروف تعجيل السراح.
159 - قدم دهقان (2) أصبهان على معاوية فلم يجد من يكلمه في حاجته، فقيل له: ليس لها إلا عبد الله بن جعفر، فكلمه الدهقان وبذل له ألف ألف درهم. فكلم معاوية فقال: أردنا أن نصلك بألف ألف فربحناها. فقال عبد الله قد ربحت وربحنا شكر الدهقان. فلما قضى حاجته أكب عليه الدهقان يقبل أطرافه ويقول: أنت قضيتها لا أمير المؤمنين، وحمل إليه المال، فقال: ما كنت لآخذ على معروفي أجرا.
وبلغ الخبر معاوية فبعث إليه ألف ألف درهم، فلم يقبلها وقال: لا أقبل ما هو عوض مما تركت. فقال معاوية: لوددت أنه من أمية وإني مخزوم ببره.
160 - كان نذر عبد الملك (3) إن أمكنه الله من ابن الرقيات (4) أن
__________
(1) قنبر: هو مولى الإمام علي بن أبي طالب، كان يتولّى بيت المال في الكوفة.
(2) الدهقان: رئيس الإقليم.
(3) عبد الملك: هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
(4) ابن الرقيات: هو عبيد الله بن قيس الرقيات. تقدمت ترجمته.(3/201)
يقتله، فاستجار بعبد الله (1) وسأله مسألة عبد الملك أن يصفح عن جرمه ويرد عليه عطاءه. فأقام ابن جعفر حتى قضى حوائجه ونسي حاجة ابن الرقيات، وانصرف عن الشام إلى المدينة. فلقيه وسأله عن القيام بحاجته، فصاح يا غلمان ردوا علي ركابي. فتعلق به ابن قيس وقال: بالله دعه إلى أن يحدث الله لك سفرا آخر. فقال: والله لابت إلا على سفر.
فذهب إلى الشام حتى قضى حاجته.
161 - روي أن رجلا من الأولين كان يأكل، وبين يديه دجاجة مشوية، فجاء سائل فرده خائبا، وكان الرجل مترفا. فوقعت بينه وبين امرأته فرقة، وذهب ماله، وتزوجت، فبينما زوجها الثاني يأكل، وبين يديه دجاجة مشوية، إذ جاء سائل، فقال لزوجته: ناوليه الدجاجة، فناولته، ونظرت فإذا زوجها الأول، فأخبرته بالقصة، فقال الثاني: وأنا والله ذلك المسكين، خيّبني فحول الله نعمته وأهله إلي لقلة شكره.
162 - استبطأ سعيد بن سلم (2) أحمد بن أبي خالد (3) في حاجة لرجل، فقال: قد اجتهدت فلم تعن المقادير. فقال سعيد: إنما يعاتب الأديم (4) ذو البشرة (5). بل لم تحب أن تسعى في أمر، وأنشد:
__________
(1) عبد الله: هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. تقدمت ترجمته.
(2) سعيد بن سلم: هو سعيد بن سلم بن قتيبة بن سلم الباهلي. كان من قواد الدولة العباسية وعمالها. وجهه المنصور العباسي لقتال إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في البصرة فقضى عليه وكان مقربا من موسى الهادي وجلسائه. ولّاه الرشيد الموصل سنة 172هـ ثم ولّاه الجزيرة سنة 180هـ وأرمينية سنة 182هـ. وقدم إلى مرو أيام المأمون. وكان سعيد عالما بالحديث والعربية.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 74.
(3) أحمد بن أبي خالد: هو أحمد بن أبي خالد الأحول. تقدمت ترجمته.
(4) الأديم: الجلد.
(5) البشرة: ظاهر الجلد. وقوله: إنما يعاتب الأديم ذو البشرة، هو مثل معناه إنما يعاتب من يرجى وفيه مسكة وقوة ويراجع من فيه مراجع.(3/202)
إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ... وما العار إلا ما تجرّ المقادر
ثم قال:
ستعزل إن عزلت ولا يساوي ... صنعيك في صديقك نصف مدّ (1)
__________
(1) المدّ: يساوي رطلا وثلث الرطل. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 25.(3/203)
الباب الرابع والأربعون الطعام وألوانه، وذكر الإطعام والضيافة، والأكل والأكلة، والجوع والشبع، وما يتعلق بذلك
1 - المقدام بن يكرب (1): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن، بحسب الرجل من طعمه ما أقام صلبه. أما إذا أبيت ابن آدم فثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس.
2 - حذيفة (2). عنه عليه السّلام: من قلّ طعمه صح بطنه وصفا قلبه، ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه.
وعنه عليه السّلام: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب يموت كالزرع بكثرة الماء.
3 - عون بن أبي جحيفة (3) عن أبيه قال: أكلت يوما ثريدا ولحما
__________
(1) المقدام بن يكرب: هو المقدام بن معد يكرب، أبو كريمة، صحابي، روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل الشام ومات سنة 87هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 134وتهذيب التهذيب 10: 287.
(2) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان العبسي. تقدمت ترجمته.
(3) عون بن أبي جحيفة: هو عون بن أبي جحيفة وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة بن حبيب السوائي العامري، من أهل الكوفة من ثقات رواة الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات ومات في آخر ولاية خالد بن عبد الله القسري سنة 110هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 170.(3/205)
سمينا، ثم أتيت رسول الله وأنا أتجشأ، فقال: احبس جشاءك يا أبا جحيفة، إن أكثركم شبعا في الدنيا أكثركم جوعا في الآخرة. فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى قبضه الله.
4 - أكل علي رضي الله عنه من تمر دقل (1) ثم شرب عليه الماء، وضرب على بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:
فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
5 - كان علي رضي الله عنه يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر، لا يزيد على اللقمتين أو الثلاث، فقيل له، فقال: إنما هي ليال قلائل حتى يأتي أمر الله وأنا خميص البطن. فقتل في ليلته.
6 - الحسن: لقد أدركت أقواما ما كان يأكل أحدهم إلا في ناحية من بطنه ما شبع رجل منهم من طعام حتى فارق الدنيا. كان يأكل فإذا قرب شبعه أمسك.
7 - أنشد المبرد (2):
فإنّ امتلاء البطن في حسب الفتى ... قليل الغناء وهو في الجسم صالح
8 - عيسى عليه السّلام: يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل، فإنه من أكثر الأكل أكثر النوم، ومن أكثر النوم أقل الصلاة، ومن أقل الصلاة كتب من الغافلين.
9 - سئل فضيل عمن يترك الطيّبات من الحوّارى (3) واللّحم والخبيص (4) للزهد، فقال: وما أكل الخبيص! ليتك تأكل وتتقي الله، إن
__________
(1) الدقل: أردأ التمر.
(2) المبرّد: هو أبو العباس محمد بن يزيد. تقدمت ترجمته.
(3) الحوّارى: الخبز الأبيض يكون من أجود الدقيق.
(4) الخبيص: نوع من الحلواء.(3/206)
الله لا يكره أن تأكل الحلال إذا اتقيت الحرام. انظر كيف برك بوالديك وكيف صلتك للرحم، وكيف عطفك على الجار، وكيف رحمتك للمسكين، وكيف كظمك للغيظ، وكيف عفوك عن ظلمك، وكيف إحسانك إلى من أساء إليك، وكيف صبرك واحتمالك للأذى. أنت إلى أحكام هذا أحوج منك إلى ترك الخبيص.
10 - قيل لعامر بن عبد قيس ما تقول في الإنسان؟ قال: ما أقول فيمن إذا جاع ضرع وإذا شبع طغى.
11 - كان فرقد السبخي لا يأكل الخبيص، ويقول أخشى أن لا أقوم بشكره، وكان الحسن ينكر عليه، ويقول إذا قدم طعامه: هلموا إلى طعام الأحرار، لا صحناة (1) فرقد، ولا قرص مالك بن دينار.
12 - كان سليمان بن داود عليه السّلام يأكل خبز الشعير ويطعم الناس الحوارى.
13 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما زين الله رجلا بزينة أفضل من عفاف بطنه.
14 - قال عمرو بن عبيد: ما رأيت الحسن ضاحكا إلّا مرة، قال رجل من أصحابه: ما آذاني طعام قط، فقال آخر: أنت لو كانت في معدتك الحجارة لطحنتها.
15 - الخليل (2): أثقل ساعاتي عليّ ساعة آكل فيها. وما هي إلا سجيّة ملكية، ومن ذلك قول الإمام عبد القاهر (3):
__________
(1) الصحناة: إدام يتّخذ من السمك.
(2) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، من أئمة اللغة والأدب مات بالبصرة سنة 170هـ. تقدمت ترجمته.
(3) عبد القاهر: هو الإمام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، من كبار أئمة اللغة والبيان. كان شافعيا أشعريا وهو واضع أصول البلاغة مات سنة 471هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 297وطبقات الشافعية 3: 242.(3/207)
لولا قضاء جرى نزهت أنملتي ... عن أن تلم بمأكول ومشروب
16 - فضيل (1): أتخاف أن تجوع؟ لا تخف، أنت أهون على الله من ذلك إنما كان يجوع محمد وأصحابه.
وعنه: أجمعت العرب على أن الشبع لؤم.
وعنه: خصلتان تقسّيان القلب، كثرة الأكل، وكثرة الكلام.
17 - قيل ليوسف عليه السّلام: مالك لا تشبع وفي يدك خزائن الأرض؟
فقال: إني إذا شبعت نسيت الجائعين.
18 [شاعر]:
وأكلة قرنت بالهلك صاحبها ... كحبة الفخ دقت عنق عصفور
لكسرة بجريش الملح آكلها ... ألذ من تمرة تحشى بزنبور (2)
19 - دعت أبا الحارث جميزا (3) حبيبة له فحادثته مليا، فجاع فاستطعم، فقالت: أما في وجهي ما يشغلك عن الأكل؟ فقال: جعلني الله فداك، لو أن جميلا (4) وبثينة (5) قعدا ساعة لا يأكلان لبزق كل واحد منهما في وجه صاحبه وافترقا.
20 - الحجاج: البخل على الطعام أقبح من البرص على الجسد.
دخل سفيان بن عيينة على الرشيد، وهو يأكل بملعقة، فقال:
__________
(1) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد. تقدمت ترجمته.
(2) الزنبور: نوع من الشجر، ويقال هو ضرب من شجر التين وأهل الحضر يسمونه الحلواني.
(3) أبو الحارث جمين (جميز) المدني: تقدمت ترجمته.
(4) جميل: هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري، تقدمت ترجمته.
(5) بثينة: هي بثينة بنت الحباء بن ثعلبة العذرية. شاعرة اشتهرت بأخبارها مع جميل بن معمر. ماتت سنة 82هـ.
راجع أخبارها وترجمتها في كتابنا «أخبار النساء في كتاب الأغاني» وفي كتابنا «النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام».(3/208)
حدثت عن جدك ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنََا بَنِي آدَمَ} (1)، قال: جعلنا لهم أيديا يأكلون بها. فكسر الملعقة.
21 - أكل عذري (2) مع معاوية فرأى ثريدة كثيرة السمن فجدها بين يديه، فقال معاوية: {أَخَرَقْتَهََا لِتُغْرِقَ أَهْلَهََا} (3)، فقال: {فَسُقْنََاهُ إِلى ََ بَلَدٍ مَيِّتٍ} (4).
22 - قيل لأعرابية: ما خبر قدرك؟ قالت حليمة مغتاظة. أي هي ساكنة الغلي ولما تبرد.
23 - رأى محمق زنجيا يأكل خبزا حوارى فقال: يا قوم انظروا إلى الليل كيف يأكل النهار.
24 - قال عبد الملك يوما لجلسائه، وكان يجتنب غير الأدباء: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: مناديل مصر كأنها غرقىء القيض (5)، وقال آخر: مناديل اليمن كأنها أنوار الربيع. فقال: ما صنعتما شيئا. أفضل المناديل ما ذكره أخو بني تميم يعني يعني عبدة بن الطبيب (6):
لما نزلنا نصبنا ظل أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل
ورد وأشقر ما يؤتيه طابخه ... ما غيّر الغلي منه فهو مأكول
__________
(1) سورة الإسراء، من الآية: 70.
(2) قوله: عذري، نسبة إلى عذرة وهي قبيلة عربية اشتهر أهلها بالعشق والعفّة ومنها جميل وبثينة.
(3) سورة الكهف، من الآية: 71.
(4) سورة فاطر، من الآية: 9.
(5) الغرقىء: قشر البيض الذي تحت القيض. والقيض: قشر البيضة العليا اليابسة.
(6) عبدة بن الطبيب: شاعر مجيد مخضرم من لصوص الرباب أدرك الإسلام وأسلم.
كان في جيش النعمان بن مقرن.
قال الأصمعي: أرثى بيت قالته العرب بيت عبدة بن الطبيب:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما
راجع ترجمته في الإصابة 5: 101والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.(3/209)
ثمت قمنا إلى جرد مسومة ... أعرافهن لأيدينا مناديل
25 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أكرموا الخبز فإن الله أكرمه وسخر له بركات السماوات والأرض.
26 - قال حاتم الطائي لغلامه: قدم إلينا مائدة تباعد بين أنفاسنا.
27 - أعرابي: جاءنا بثريدة كأنها ربضة أرنب، أي كثيرة.
28 - رؤبة بن العجاج: خرجت مع أبي في زمن خصيب إلى سليمان ابن عبد الملك، فأهدى لنا تمرا ووطبا (1) من لبن وكمأة وجبنا عليه كرافىء الشحم واللحم، فطبخنا ذاك بذاك، وأكلت منه أكلة ما زالت ذفرياي (2)
ينتحان (3) منها حتى رجعت من الشام.
29 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلي بداء لا دواء له.
30 - حكيم: إنك تأكل ما تستمرىء، وما لا تستمرىء فهو يأكلك.
31 - العرب: أقلل طعاما تحمد مناما.
32 - مر أعرابي في أطمار فقال له رجل: والله ما يسرني أن أكون ضيفك ليلتي هذه. فقال: والله لو كنت ضيفي لغدوت من عندي أبطن من أمك قبل أن تضعك بساعة. إنّا إذا وجدنا آكلكم للمأدوم وأعطاكم للمحروم.
33 - كان أبو هريرة يقول: اللهم ارزقني ضرسا طحونا، ومعدة هضوما، ودبرا نثورا.
34 - نزل رجل بامرأة من العرب فقال: هل من لبن أو طعام يباع؟
فقالت: إنك للئيم أو حديث عهد اللئام. فأعجب بقولها وتزوجها.
__________
(1) الوطب: سقاء اللّبن.
(2) الذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن وهما ذفريان.
(3) نتح العرق: خرج من الجلد.(3/210)
35 - كان ابن سيرين (1) إذا دعي إلى وليمة قال: يا جارية هاتي قدحا من سويق، فإني أكره أن أجعل حرة جوعي على طعام الناس.
36 [شاعر]:
قالت أما ترحل تبغي الغنى ... قلت فمن للطارق المعتم
قالت فهل عندك شيء له ... قلت نعم جهد الفتى المعدم
فكم وحق الله من ليلة ... قد طعم الضيف ولم أطعم
إن الغنى بالنفس يا هذه ... ليس الغنى بالثوب والدرهم
37 - حث رجل رجلا على الأكل من طعامه، فقال: عليك بقريب الطعام وعلينا بأديب الأجسام.
38 - علي رضي الله عنه: إذا طرقك أخوانك فلا تدخر عنهم ما في المنزل، ولا تتكلف ما وراء الباب.
39 [شاعر]:
وإذا طرقت فما حضر ... وإذا دعوت فلا تذر
40 - صوفي: من جلس على المائدة فأكثر كلامه غش بطنه.
41 - قيل لحكيم: أي الأوقات أحمد للأكل؟ قال: أما من قدر فإذا اشتهى، وأما من لم يقدر فإذا وجد.
42 - اتخذ الحجاج وليمة اجتهد فيها واحتشد ثم قال لزاذان فروخ (2): هل عمل كسرى مثلها؟ فاستعفاه، فأقسم عليه، فقال: أو لم عبد عبد كسرى فأقام على رؤوس الناس ألف وصيفة في يد كل واحدغ إبريق من
__________
(1) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين. راجع ترجمته في مقدمة كتابه «منتخب الكلام في تفسير الأحلام» بشرحنا وتهذيبنا طبعة دار الكتاب اللبناني.
(2) زاذان فروخ: كان دهقانا قائما على أمر الخراج في السواد أيام ولاية عبيد الله بن زياد على البصرة، اتخذه الحجاج بن يوسف كاتبا له.
راجع أخباره في البيان والتبيين 1: 335.(3/211)
ذهب. فقال الحجاج: أف، والله ما تركت فارس لمن بعدها شرفا.
43 - العرب: تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة، وإطالة الحديث عند المؤاكلة.
44 - حاتم الطائي:
سلي الطارق المعتز يا أم مالك ... إذا ما أتاني بين قدري ومجزري
هل أبسط وجهي إنه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري
45 [شاعر]:
إنك يا ابن جعفر خير فتى ... وخيرهم لطارق إذا أتى
ورب نضر طرق الحي سرى ... صادف زادا وحديثا ما اشتهى (1)
إن الحديث جانب من القرى
46 - عمر رضي الله عنه: أترون أني لا أعرف رقيق العيش لباب البر بصغار المعزى.
47 - سمع الحسن رجلا يعيب الفالوذج فقال: لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن، ما عاب هذا مسلم.
48 - عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله من هذه البرة السمراء حتى فارق الدنيا.
49 - كان معاوية من أنهم الناس، كان يأكل حتى يتسطح، ثم يقول: يا غلام إرفع، فو الله ما شبعت ولكن مللت. وكان يأكل في اليوم سبع أكلات أخراهن بعد العصر وعظماهن فيها ثريدة عظيمة في جفنة على وجهها عشرة أمنان (2) من البصل.
__________
(1) طرق الحيّ سرى: جاء ليلا.
(2) المنا: بالمثاقيل مائة وثمانون مثقالا. وبالأواقي: أربع وعشرون أوقية. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 25.(3/212)
50 - دعا المهدي بميسرة التراس (1) فألقى إليه رغيفا وإلى الفيل رغيفا، فأكل مائة رغيف وكف الفيل عند التاسع والتسعين.
51 - كان سعيد بن المحسن من أدم الناس وآكلهم، فقال له زياد (2): مالك من الولد؟ قال: تسع بنات، قال أين هن منك؟ قال:
هن آكل مني وأنا أجمل منهن. فألحق خمسا منهن في العطاء.
52 [شاعر]:
يلقم لقما ويندى زاده ... يرمي بأمثال القطا فؤاده
53 - قيل لحكيم: أي الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.
54 - وكان يقال: نعم الأدام الجوع.
55 - قيل لمدني: بم تنسحر الليلة؟ قال: باليأس من فطور القابلة.
56 - عرض الشراب على أعرابي فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة (3).
57 - الأصمعي: مررت بأعرابية وبين يديها فتى في السياق (4)، ثم رجعت فرأيت بيدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشاب؟
قالت: واريناه فقلت: ما هذا السويق؟ فقالت:
على كل حال يأكل المرء زاده ... على البؤس والضراء والحدثان (5)
58 - قيل لأعرابي: كيف حزنك على ولدك؟ قال: ما ترك حب الغداء والعشاء لي حزنا.
59 - قال الحسن بن سهل (6) يوما على مائدة المأمون: الأرز يزيد في
__________
(1) ميسرة التراس: لم نقف له على ترجمة.
(2) زياد: هو زياد بن أبيه.
(3) الثميلة: ما يبقى في البطن من الطعام والشراب.
(4) السياق: الإحتضار.
(5) حدثان الدهر: مصائبه.
(6) الحسن بن سهل: هو وزير المأمون. تقدمت ترجمته.(3/213)
العمر، فسأله المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، إن طبّ الهند صحيح، وهم يقولون إن الأرزيرى منامات حسنة، ومن رأى مناما حسنا كان في نهارين، فاستحسن كلامه ووصله.
60 - الحسن: كنا نسمع أن من عير أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به، وأن من وافق من أخيه المسلم شهوته غفر له. وكنا نسمع أن إحدى مواجيب الرحمة إطعام الأخ المسلم الجائع.
61 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من لقط شيئا من الطعام فأكله حرم الله جسده على النار.
62 - وكان يقال: من من لقطة أحب إلى الله من قطعة من طعام ترفعها، وإن تركتها فسدت.
63 - من ضبط بطنه فقد ضبط الأخلاق الصالحة كلها.
64 - وصف لسابور ذي الأكتاف (1) رجل من أهل اصطخر (2) لقضاء القضاة، فاستقدمه فدعاه إلى الطعام، فأخذ دجاجة فنصفها ووضع نصفها بين يديه، فأتى عليه قبل فراغ الملك. فصرفه إلى بلده. وقال: إن سلفنا كانوا يقولون: من شره إلى طعام كان إلى أموال الرعايا والسوقة أشره.
65 - الجاحظ: إذا وضع الملك بين يديك شيئا على مائدته فلعله إن لم يقصد كرامتك وإيناسك، أن يكون أراد تعرف ضبطك نفسك، فحسبك أن تضع يدك عليه أو تنفش منه شيئا. وإنما يحسن التبسط مع الصديق والعشير، فأما الملوك فيرتفعون عن هذه الطبقة.
ومن حق الملك أن لا يحدّث على طعامه بجد ولا هزل، وإن حدّث
__________
(1) سابور ذي الأكتاف: هو سابور الثاني ابن هرمز وهو الملك التاسع من ملوك الدولة الساسانية سمي ذا الأكتاف لأنه كان يخلع أكتاف الأسرى.
(2) إصطخر: بلدة بفارس تعدّ من أعيان حصونها ومدنها وكورها. راجع معجم البلدان(3/214)
فمن حقه أن يصغى لحديثه والبصر خاشع ولا يعارض.
وكانت ملوك آل ساسان إذا قدموا موائدهم زمزموا (1) عليها، ولم ينطق ناطق بحرف حتى ترتفع، فإذا اضطروا إلى كلام أشاروا إشارة.
ومن آيين (2) الملك أن يكون منديل يده للغمر كمنديل وجهه في النقاء والبياض.
66 - وضع معاوية بين يدي الحسن بن علي دجاجة ففكها، فقال:
هل بينك وبين أمها عداوة؟ فقال الحسن: هل بينك وبين أمها صداقة؟.
67 - أراد معاوية أن يوقر الحسن مجلسه كما توقر مجالس الملوك، والحسن أعلم بالآداب والرسوم المستحسنة، ولكن معاوية كان في عينه أقل من ذاك وأحقر، وما عده معد نظرائه فضلا أن يعتد بملكه ويعبأ بمجلسه، ولذلك قرعه بقوله الذي صك به وجهه، وهدم ابنه، وأراد أنه ليس عدنه بالمثابة التي قصدها وطمع منه فيها ولا موقع لملك الباغي من سبط النبوة وسليل الخلافة.
68 - عمر بن هبيرة: عليكم بمباكرة الغداء فإن في مباكرته ثلاث خلال يطيب النكهة، ويطفي المرة، ويعين على المروءة. قيل فما إعانته على المروءة؟ قال: أن لا تتوق النفس إلى طعام غيرك.
69 - قيل لسمرة بن جندب: إن ابنك أكل طعاما كاد يقتله، فقال لو مات ما صليت عليه.
70 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أكل من سقط المائدة عاش في سعة، وعوفي ولده وولد ولده من الحمق.
__________
(1) الزمزمة: تراطن العلوج عند الأكل وهم صموت، لا يستعلمون الألسن ولا الشفاه في كلامهم لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض.
(2) آيين: القواعد والرسوم المتّبعة (فارسي معرب).(3/215)
71 - علي بن الجهم:
قلت لزين لا عدمت زينا ... يا زين يا أحسن من رأينا
أحب منك طلعة إلينا ... ضيف أتى معتمدا علينا
فقرّ عينا وأقر عينا ... حتى إذا أزمع منا بينا
(قام فأثنى بالذي أولينا)
72 - شقيق (1): ما بقيت وليمة أو مأتم على السنّة. ولقد ندمت على الإجابة غير مرة، ولم أندم على ترك الإجابة مرة.
سئل يوسف بن أسباط عن السمن والعسل فقال: لا بأس إذا كان ثمنهما حلالا.
73 - كان يحيى بن خالد البرمكي إذا أكل علق يده وقال: يا غلام ردّ علينا أيدينا.
74 - أنس (2) رفعه: إن من السرف أن تأكل كل يوم ما اشتهيت.
75 - وعن عمر رضي الله عنه أنه دخل على عاصم بن عمر (3) وهو يأكل لحما، فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا (4) إليه، فقال: ويحك: قرمت
__________
(1) شقيق: هو شقيق بن إبراهيم بن علي الأزدي البلخي من مشاهير الزهاد المتصوفة في خراسان. كان من المجاهدين في سبيل الله. استشهد في غزوة كولان بما وراء النهر سنة 194هـ.
راجع ترجمته في طبقات الصوفية 6661ووفيات الأعيان 1: 226.
(2) أنس: هو أنس بن مالك خادم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدمت ترجمته.
(3) عاصم بن عمر: هو عاصم بن عمر بن الخطاب. جدّ عمر بن عبد العزيز لأمّه كان يقول الشعر. ولد في المدينة في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة 6للهجرة. مات بالربذة سنة 70للهجرة وتمثّل أخوه عبد الله لمّا مات بقول متمّم بن نويرة:
فليت المنايا كن خلّفن مالكا ... فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني 271وتهذيب التهذيب 5: 52.
(4) قرم إلى اللحم: اشتهاه.(3/216)
إلى شيء فأكلته! كفى بالمرء شرها أن يأكل كل ما يشتهي.
76 - الخدري (1) رفعه: استعيذوا بالله من الرغب (2).
77 - عائشة: أراد رسول الله أن يشتري غلاما فألقى بين يديه تمرا، فأكل فأكثر، فقال عليه السّلام: كثرة الأكل شؤم.
78 - أنس رفعه: إن أصل كل داء البردة (3).
79 - الحسن (4): إن الأرض لتضج إلى الله من المتخم كما تضج من السكران، ولا شيء أثقل عليها ولا على الجبال الرواسي من المتخم.
80 - ابن دريد (5): العرب تعبر بكثرة الأكل وانشد:
لست بأكّال كأكل العبد ... ولا بنوّام كنوم الفهد
81 - الأصمعي (6): ندبت أعرابية ابنا لها فقالت: ما كان مالك لبطنك ولا برك لعرسك.
82 - قال عمرو بن العاص يوم الحكمين لمعاوية: أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطينا. فلما وجد معاوية ما قاله صحيحا قال: إن البطنة تأفن الفطنة، أي تنقص، يقال رجل مأفون العقل وأفين الرأي.
83 - أنشد الأصمعي لرجل من نهد (7):
إذا لم أزر إلّا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفي إليّ طعامي
__________
(1) الخدري: هو سعد بن مالك. تقدمت ترجمته.
(2) الرغب: الضراعة والمسألة.
(3) البردة: التخمة.
(4) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري، تقدمت ترجمته.
(5) ابن دريد: هو محمد بن الحسن الأزدي، تقدمت ترجمته.
(6) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب. تقدمت ترجمته.
(7) نهد: اسم قبيلة يمنية.(3/217)
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام
84 - يقال: فلان مغل الإصبع، من أغل إذا خان، وهو الذي يخدّ (1) بإصبعه حتى يستسيل الودك (2) إليه. وهو عيب عند العرب.
85 - قعد صبي مع قوم على طعام فأخذ يبكي. قالوا: ما يبكيك؟
قال: هو حار، قالوا: فاصبر حتى يبرد، قال أنتم لا تصبرون.
86 - قيل لأعرابي: كيف تأكل الرأس؟ قال: أفكّ لحييه (3)، وأبخص عينيه، واعفص (4) أذنيه وأسحى (5) خديه، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج مني إليه.
87 - كشاجم (6) في الرقاق والرؤوس:
قد ركين الخوان أرؤس خر ... فان وأنزلن عنه ببعض نعام
تلك كالماء ذي الحباب وها ... تيك عليها كطير ماء نيام (7)
88 - قيل لطفيلي: لم أنت حائل اللون؟ قال: للفترة بين القصعتين مخافة أن يكون قد فني الطعام.
89 - قيل لأبي الحارث جمين (8): ما تقول في الفالوذجة؟ قال:
__________
(1) خدّ: أثّر.
(2) الودك: الدّسم من اللحم والشحم.
(3) اللحي: عظم الحنك الذي عليه الأسنان وهما لحيان.
(4) أعفص أذنيه: اثنيهما.
(5) سحى الخدّ: قشره، والشعر: حلقه.
(6) كشاجم: هو أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك. شاعر متفنّن أديب. توفي سنة 360هـ. تقدمت ترجمته.
(7) حباب الماء: ما يطفو على وجه من فقاقيع تظهر واضحة أثناء سكب الخمرة أو غيرها من المشروبات الحديثة الأسماء.
(8) جمين: ويقال له جميز. تقدمت ترجمته.(3/218)
وددت أنها وملك الموت اعتلجا في صدري، والله لو أن موسى لقي فرعون بفالوذجة لآمن ولكنه لقيه بعصا.
90 - لقمان: يا بنيّ لا تأكل شبعا فإنك إن نبذته للكلاب كان خيرا لك من أن تأكله.
91 - ابن عباس: كان رسول الله يبيت طاويا (1) ليالي ماله ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير.
92 - قالت عائشة: والذي بعث محمدا بالحق ما كان لنا منخل، ولا أكل النبي صلّى الله عليه وسلّم خبزا منخولا مذ بعثه الله إلى أن قبض. قلت: وكيف تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أف أف.
93 - أنس: ما رأى رسول الله رغيفا محورا حتى لقي الله.
94 - أبو هريرة: ما شبع رسول الله وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
95 - عائشة: دخل رسول الله فرأى كسرة ملقاة، فأخذها ومسحها وأكلها. ثم قال: يا عائشة أكرمي كريمتك (2) فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم.
96 - جابر (3) رفعه: نعم الآدام الخل. وكفى بالمرء سرفا أن يتسخط ما قرب إليه.
97 - أنس: أكل رسول الله بشعا، ولبس خشنا، لبس الصوف واعتذى المخصوف.
98 - قيل للحسن: ما البشع؟ قال: خبز الشعير، ما كان رسول الله ليسيغه إلا بجرعة من ماء.
__________
(1) يبيت طاويا: أي جائعا. والطوى: الجوع.
(2) كريمتك: كل ما كان كريما عليك.
(3) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري. تقدمت ترجمته.(3/219)
99 - عمر رضي الله عنه: ما اجتمع عند رسول الله أدمان إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر.
100 - عائشة رضي الله عنها: ما كان يجتمع لونان في لقمة في فم رسول الله، إن كان لحما لم يكن خبزا، وإن كان خبزا لم يكن لحما.
101 - مسروق (1) دخلت على عائشة وهي تبكي، فقالت: ما أشاء أن أبكي إلا بكيت، مات رسول الله ولم يشبع من خبز البر في يوم مرتين، ثم انهارت علينا الدنيا.
وعنها: ما شبع آل محمد من خبز البر حتى قبضه الله، وما رفع من بين يدي نبي الله فضل خبز حتى قبضه الله.
102 [شاعر]:
الله يعلم أنه ما سرني ... يوما كطارقة الضيوف المنزل
ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفا له والضيف رب المنزل
103 - أهدى رجل إلى آخر فالوذجة زنخة، وكتب: إني اخترت لعملها السكر السوسي (2) والعسل الماذي (3) والزعفران الأصبهاني.
فأجابه: والله العظيم، ما عملت إلا قبل أن تمصر أصبهان، وقبل أن يفتح السوس، وقبل أن أوحى ربك إلى النحل.
104 - أولم طفيلي على ابنته، فأتاه كل طفيلي، فلما رآهم رحب بهم ورقاهم (4) إلى غرفة بسلم وأخذ السلم، حتى إذا فرغ من طعام الناس أنزلهم وأخرجهم.
__________
(1) مسروق: هو مسروق بن الأجدع: تقدمت ترجمته.
(2) السوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه السّلام. راجع معجم البلدان 3: 280.
(3) الماذيّ: العسل، والماذية: الخمرة السهلة في الحلق.
(4) رقاهم: أصعدهم.(3/220)
105 - قيل لبنان الطفيلي (1): كم كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر؟
قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر رغيفا.
106 - قال طفيلي: ليس أضر على الضيف من أن يكون صاحب البيت شبعان.
107 - معن بن زائدة (2) في أخيه مزيد (3):
لا تسألن أبا داود خلعته ... عول على مزيد في الخبز واللبن
108 - قيل لمدني: ما بال فلان أرق لونا وأعتق وجها من أخيه؟
فقال: لأنه آكل للدجاج، وشارب للمزاج.
109 - أكل أبو الأسود (4) وقعد معه أعرابي فرأى لقما منكرا، فقال:
ما اسمك؟ قال: لقمان، قال: صدق أهلك أنت لقمان. ذهب إلى فعلان من اللقم أو إلى لقمان بن عاد (5).
110 - أزدشير (6): احذروا صولة الكريم إذا جاع، وصولة اللئيم إذا شبع.
111 - الأسود (7) وعلقمة (8): دخلنا على علي رضي الله عنه وبين
__________
(1) بنان الطفيلي: لم نقف له على ترجمة.
(2) معن بن زائدة: هو معن بن زائدة الشيباني. تقدمت ترجمته.
(3) مزيد: هو مزيد بن زائدة الشيباني أخو معن، تقدمت ترجمته.
(4) أبو الأسود: هو ظالم بن عمرو، أبو الأسود الدؤلي. تقدمت ترجمته.
(5) لقمان بن عاد: هو لقمان بن عاد بن ملطاط، من بني وائل من حمير، معمّر جاهلي قديم من ملوك حمير في اليمن. يلّقب بالرائش الأكبر. زعم أصحاب الأساطير أنه عاش عمر سبعة نسور. مبالغة في طول حياته. قال الزركلي: وهو غير لقمان الحكيم المذكور في القرآن.
راجع الأعلام للزركلي 6: 243وراجع الروض الأنف 1: 266.
(6) أزدشير: هو أزدشير بن بابك. تقدمت ترجمته.
(7) الأسود: هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الهمداني. تقدمت ترجمته.
(8) علقمة: هو علقمة بن قيس النخعي الهمداني. تقدمت ترجمته.(3/221)
يديه طبق من خوص، عليه قرص أو قرصان من شعير وإن أسطار النخالة لتبين في الخبز، وهو يكسره على ركبته ويأكله بملح جريش، فقلنا لجارية سوداء إسمها فضة: ألا نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين! فقالت: أيأكل من المهنا ويكون الوزر في عنقي؟ فتبسم وقال: أنا أمرتها أن لا تنخله.
قلنا: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: ذلك أجدر أن يذل النفس، ويقتدي بي المؤمن، وألحق بأصحابي.
112 - كان يقال لإبراهيم عليه السّلام (1) أبو الضيفان لأنه أول من قرى الضيف، وسن لأبنائه العرب القرى، وكان إذا أراد الأكل بعث أصحابه ميلا في ميل يطلبون ضيفا يؤاكله.
113 - أنشد أبو عمرو (2): إن أبا عمرة شر جار ... يجرني في ظلم الصحاري
جر الذباب جيفة الحمار
هو الجوع:
114 - قيل لأعرابي: أتعرف أبا عمرة؟ قال: كيف لا أعرفه وهو متربع في كبدي؟.
115 - اتخذ بنو حنفية (3) إلها من حيس (4) فعبدوه سنين، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه.
116 - حميد بن ثور (5) في البدويات:
__________
(1) إبراهيم: هو إبراهيم الخليل عليه السّلام.
(2) أبو عمرو: هو أبو عمرو بن العلاء. تقدمت ترجمته.
(3) بنو حنيفة: هم حيّ من ربيعة، أبوهم حنيفة بن لجيم بن وائل.
(4) الحس: الأقط يخلط بالتمر والسمن.
(5) حميد بن ثور: شاعر مخضرم عاش زمنا في الجاهلية وأسلم. قيل: أدرك بعض خلفاء بني أمية وقيل: أدرك زمن عبد الملك بن مروان. عدّه ابن سلّام في الطبقة الرابعة من الشعراء الإسلاميين. توفي نحو سنة 30هـ؟ وهو القائل:
فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا مرّة: سنتوب
ومن نظمه أيضا البيت المشهور في وصف الذئب:
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
راجع ترجمته في الأعلام 2: 283وشرح شواهد المغني 73والإصابة الترجمة 1830.(3/222)
أولئك لم يدرين ما سمك القرى ... ولا عصب فيها رئات العمارس (1)
117 - قدّم أعرابي إلى ضيفه ثريدة وقال له: لا تصقعها (2) ولا تقعرها (3) ولا تشرمها (4).
فقال الضيف: فمن أين آكل؟ قال لا أدري، فانصرف جائعا. أي لا تأكل من أعلاها ولا من أسفلها ولا من حروفها.
118 - شكا إلى أبي العيناء (5) مدني سوء الحال، فقال له: أشكر الله فإن الله قد رزقك الإسلام والعافية، قال: أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد.
119 - وضعت بين يدي أعرابي عصيدة تنش حرارة، فضرب بيده إليها فامتنعت عليه، فقال: أما والله إني لأعلم أنك هنيئة المزدرد، لينة المسترط، وإنك لتعلمين إني ابن بجدة (6) بلادك في أكلك، وأني لأخاف أن العود إلى أمثالك ستطول مدته، فما يمنعني أن أتلقى حرارتك ببلعوم
__________
(1) العمارس: جمع عمروس وهو الجدي، والخروف.
(2) لا تصقعها: لا تأكل من أعلاها.
(3) لا تقعرها: لا تأكل من أسفلها.
(4) لا تشرمها: لا تخرقها ولا تأكل من حروفها.
(5) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر الشاعر الأديب المتوفّى سنة 283هـ. تقدمت ترجمته.
(6) ابن بجدة: يقال هو ابن بجدتها للعالم بالشيء الخبير به.(3/223)
سرطم (1)، وحلقوم لهجم (2)، وبطن أكبد (3)، وجوف أرحب (4)، فقضى الله في ذلك قضاءه بما أحببت أو كرهت.
120 - عمر بن قميئة (5):
وأهون كف لا يضيرك ضيره ... يد بين أيد في إناء طعام
يد من قريب أو غريب بقفرة ... أتتك بها غبراء ذات قتام
سنة أو مفازة أو طريق.
121 - في أمثال الفرس: في مفترس الأسود تشبع الثعالب.
122 - قيل لإبراهيم الخليل عليه السّلام: بم اتخذك الله خليلا؟ قال:
بثلاث: ما خيرت بين شيئين إلا اخترت الذي لله على غيره، وما اهتممت بما تكفل الله لي به، وما تغديت ولا تعشيت إلا مع ضيف.
123 - دخل الشعبي (6) على صديق له: فلمّا أراد القيام قال: لا تفرقوا إلا عن ذواق. ثم قال: أي التحفتين أحب إليك؟ تحفة إبراهيم أم تحفة مريم (7)، أراد اللحم أو الرطب، فقال: أما تحفة إبراهيم فعهدي بها الساعة. فدعا بطبق من رطب.
__________
(1) البلعوم السرطم: السريع البلع.
(2) الحلقوم اللهجم: المذلّل المنقاد الواسع.
(3) البطن الأكبد: الغليظ الواسع.
(4) الجوف الأرحب: الواسع.
(5) عمر بن قميئة: شاعر جاهلي، كان يقيم بالحيرة ويصحب حجرا أبا امرىء القيس الشاعر، وهو الذي صحبه إلى قيصر وفيه يقول امرؤ القيس:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 292وطبقات ابن سلام 37واللباب 2: 68.
(6) الشعبي: هو عامر بن شراحيل، وقيل عبد الله بن عبد ذي كبار. عالم، رواية، فقيه توفي سنة 103هـ.
(7) مريم: هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السّلام. وتحفة مريم التمر.(3/224)
124 - شربة أبي الجهم (1) مثل في الطيب السيء العاقبة، قال:
تجنب سويق اللوز لا تشربنه ... فإن سويق اللوز أودى أبا الجهم
وهو أبو الجهم بن عطية كان عينا لأبي مسلم على المنصور، فأحسّ بذلك، فطاوله الحديث يوما حتى عطش، فاستقسى، فدعا له بقدح من سويق اللوز فيه السم. فما بلغ داره حتى مات.
125 - طفيل الأعراس (2) الذي ينسب إليه الطفيليون كان مولى لعثمان ابن عفان رضي الله عنه، وهو طفيل بن زلال من ولد عبد الله بن غطفان من نازلة الكوفة. وكان يقول: وددت أن الكوفة بركة مصهرجة فلا يخفى علي من أعراسها شيء.
وسئل عن أشرف الأعواد فقال: عصا موسى، ومنبر النبي، وخوان (3) العرس.
126 - ولعملاق العثماني (4) وكان ينزل بنيسابور:
__________
(1) أبو الجهم: هو أبو الجهم بن عطية مولى باهلة، من كبار دعاة بني العباس في خراسان قال الطبري: كان عينا لأبي مسلم على أبي العباس السفاح يكتب إليه بأخباره كلّها وهو الذي أرسل إلى عبد الله بن علي وكان على الصائفة ببيعة المنصور، وبقي ملازما للمنصور وقد دخل عليه حين قتل أبا مسلم سنة 139هـ.
(2) طفيل الأعراس: يقال له طفيل العرائس لأنه كان يتتبع الأعراس فيأتيها من غير أن يدعى إليها. يقول الرواة إنه من موالي الخلفة عثمان بن عفان فإن صحّ هذا فيكون من أبناء النصف الأول من القرن الأول للهجرة. ويقول أبو عبيدة إنه من بني هلال بن عامر.
راجع ثمار القلوب 84. والعقد الفريد 6: 204وعيون الأخبار 3: 232.
(3) الخوان: ما يوضع عليه الطعام ليؤكل وتسميه العامة السفرة.
(4) عملاق العثماني: هو عملاق بن غيداق العثماني، أعرابي جهوري، متقعّر في كلامه، كثر الشعر ينتسب إلى عثمان بن عفان ويشعر ويتعاطى الفواحش. مدح فائق الدولة وحظي عنده.
راجع يتمية الدهر 4: 411.(3/225)
تلبس عملاق بن غيدان للشقا ... وللحزن والإخفاق أثواب حارس
يطوف بنيسابور في كل سكة ... خليفة مولاه طفيل العرائس
127 [شاعر]:
حسبناه طفيليا فلما ... كشفنا الأمر زاد على طفيل
128 - قيل لسعد القرقرة (1) وهو مضحك النعمان بن المنذر (2): ما رأيناك إلا وأنت تنقد شحما وتقطر دما؟ قال: لأني آخذ ولا أعطي، ولا ألام متى أخطىء فأنا الدهر ضاحك مسرور. والقرقرة القهقهة، وهو معدود في الأكلة.
129 - أبو رافع (3) كان أبو هريرة ربما دعاني إلى عشائه فيقول: دع العراق (4) للأمير، فانظر فإذا هو ثريد بزيت. وكان يقول: أكل التمر أمان من القولنج (5)، وشرب العسل على الريق أمان من الفالج، وأكل السفرجل يحسن الولد، وأكل الرمان يصلح الكبد، والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب (6)، والكرفس (7) يقوي المعدة ويطيب النكهة، والعدس يرق القلب ويذرف الدمعة، والقرع يزيد في اللب ويرق البشرة. وأطيب اللحم الكتف وحواشي فقار الظهر. وكان يديم أكل الهريسة (8) والفالوذ ويقول، هما مادة الولد. وكان تعجبه المضيرة (9) جدا فيأكلها مع معاوية فإذا
__________
(1) سعد القرقرة: كان ماجنا من أهل قطر وكان مضحك النعمان بن المنذر ملك الحيرة.
راجع تاج العروس مادة قرقر وثمار القلوب 84.
(2) النعمان بن المنذر: هو ملك الحيرة. تقدمت ترجمته.
(3) أبو رافع: لم نقف له على ترجمة ولعلّه رافع القبطي مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(4) العراق: العظم إذا جرّد من اللحم وبقي القليل فيكسر ويطبخ.
(5) القولنج: مرض معوي يصعب معه خروج الريح والغائط.
(6) الوصب: المرض والوجع الدائم ونحول الجسم.
(7) الكرفس: بقلة تؤكل والكلمة من الدخيل.
(8) الهريسة: نوع من الأكل يكون بدق البرّ وخلطة مع اللحم والسمن.
(9) المضيرة: طعام يطبخ باللّبن المضر، والمضارة من اللبن: ما سال منه إذا حمض وصفا.(3/226)
حضرت الصلاة صلى خلف علي رضي الله عنه، فإذا قيل له قال مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل. فكان يقال له شيخ المضيرة.
130 - كان في ملوك بني غسان المروءة والترفه وطيب الأطعمة فقيل، ثريدة بني غسان، فالوذج ابن جدعان (1) ومضيرة ابن أبي سفيان.
131 - كانت الأكاسرة تحظر السكباجة (2) على العامة ويقولون هي للملوك، حتى ملك ابرويز (3) فأطلقها لهم. وكان يقول موسى بن الفرات (4): السكباجة مخ الأطعمة.
132 - قال أعرابي لأهله: أين بلغت قدركم؟ قالت: قام خطيبها.
أرادت الغليان.
133 - ابن الرومي:
ما أن رأينا من طعام حاضر ... نعتده لفجاءة الزوّار
كمهيأين من المطاعم فيهما ... شبه من الأبرار والفجار
هام وأرغفة نقاء بضة ... قد أخرجت من جاحم فوار (5)
كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار
134 - علي بن الحسين عليهما السّلام: تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أبونا إبراهيم بنفسه وأهله، أما تسمع قوله: {وَامْرَأَتُهُ قََائِمَةٌ} (6).
__________
(1) ابن جدعان: هو عبد الله بن جدعان التيمي.
(2) السكباجة: لحم يطبخ بخل.
(3) ابرويز: هو كسرى أبرويز. تقدمت ترجمته.
(4) موسى بن الفرات: لم نقف له على ترجمة.
(5) الأرغفة البضّة: البيضاء الناعمة الملساء.
(6) سورة هود، من الآية: 71.(3/227)
135 - الأصمعي: سألت عنبسة بن وهب (1) عن مكارم الأخلاق فقال: أما سمعت قول عاصم بن وائل المنقري (2).
وإنا لنقري الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك
136 - المدائني: كانت العرب لا تعرف الألوان إنما طعامهم اللّحم يطبخ بماء وملح، حتى كان زمن معاوية فاتخذ الألوان وتنوق (3) فيها، وما شبع مع كثرة ألوانه حتى مات، لدعاء رسول الله (4).
137 - قالوا: من اللؤم أن تلقى كلب جوعك على طعام غيرك.
138 - يقال للمرقة المسخنة بنت نارين. وكان بعض المترفين يقول: جنيذا مائدتي بنت فارين.
139 - أبو طالب المأموني (5):
فما حملت كف امرىء متطعما ... ألذّ وأحلى من أصابع زينب
هي ضرب من الحلواء يعمل ببغداد يشبه أصابع النساء المنقوشة.
140 - الكريم لا يحظر تقديم ما يحضر. حظر على أخوانه ما حضر خوانه.
141 - حاتم: الحر عبد الضيف. وله:
وإني لأستحيي صحابي أن يروا ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
__________
(1) عنبسة بن وهب: لم نقف له على ترجمة.
(2) عاصم بن وائل المنقري: لم نقف له على ترجمة.
(3) تنوّق: تأنّف وتزيّن.
(4) يروى أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم طلبه مرتين فقيل له إنه يأكل فقال: لا أشبع الله بطنه.
(5) أبو طالب المأموني: هو عبد السلام بن الحسين المأموني، يتصل نسبه بالمأمون العباسي، كان شاعرا من العلماء الأدباء، كان يسمو بهّمته إلى الخلافة ويمنّي نفسه فيها. عاجلته المنيّة بداء الاستسقاء سنة 383هـ.
راجع يتمية الدهر 4: 84.
أقصر كفي أن تنال أكفهم ... إذا نحن أهوينا وحاجتنا معا
فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
أبيت خميص البطن مضطمر الحشا ... حياء أخاف الذم أن اتضلعا (1)
142 - قالوا: ينبغي للملك أن يكون له طباخ إذا لم يشته طعاما صنع له ما يشتيه.(3/228)
__________
راجع يتمية الدهر 4: 84.
أقصر كفي أن تنال أكفهم ... إذا نحن أهوينا وحاجتنا معا
فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
أبيت خميص البطن مضطمر الحشا ... حياء أخاف الذم أن اتضلعا (1)
142 - قالوا: ينبغي للملك أن يكون له طباخ إذا لم يشته طعاما صنع له ما يشتيه.
143 - قال المنصور لطباخه: لكم ثلث وعليكم ثلثان، لكم الرؤوس والأكارع والجلود، وعليكم الحطب والتوابل.
144 - قالوا: كل طعام أعيد عليه التسخين ففاسد، وكل غناء خرج من تحت السبال (2) فبارد.
145 - قدم أعرابي الحضر فقيل له: أين كنت؟ فقال كنت والله عند كريم حظير، أطعمني بنات التنانير (3)، وأمهات الأبازير (4)، وحلواء الطناجير. ثم سقاني رعاف القوارير من يد غزال غرير.
146 - صاحت عصافير بطنه، ونقت ضفادع، جوفه، إذا جاع فصوتت أمعاؤه.
147 - المتزهد إذا أضاف إنسانا حدثه بسخاء إبراهيم (5) وإذا أضافه إنسان حدثه بزهد عيسى (6) وقناعته.
148 - على الضيف أن يري الضيف بيت الماء، وأن يعلمه مواقيت الصلاة.
(1) خميص البطن: ضامرها، كناية عن الجوع.
(2) السبال: جمع سبلة وهي ما على الشارب من الشعر. وقيل: الدائرة في وسط الشفة العليا.
(3) بنات التنانير: كناية عن أرغفة الخبز.
(4) الأبازير: المرق، والمكسّرات من لوز وبندق وبزر اليقطين وغيره.
(5) إبراهيم: هو إبراهيم الخليل عليه السّلام.
(6) عيسى: هو عيسى بن مريم عليه السّلام.(3/229)
149 - وعن ملك الهند: إذا أضافك أحد فأره الكنيف (1) فإني قد ابتليت مرة فوضعت في قلنسوتي.
150 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا علي، ابدأ بالملح واختم به فإن به شفاء من سبعين داء وروي أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله الضعف، فأمره أن يطبخ اللحم باللبن فإن القوة فيهما.
151 - دعي مزبد (2) إلى طعام فقال: أنا صائم. فلمّا قدم الفالوذج زحف نحوه، فقيل له، فقال: أنا على صوم يوم أقدر مني على ترك مثل هذا.
152 - دعا يحيى بن أكثم (3) عدو له فقدم لهم مائدة صغيرة، فتصاموا عليها حتى كان أحدهم يتقدم فيأخذ اللقمة، ثم يتأخر حتى يتقدم الآخر. فلما خرجوا قيل لهم: فيم كنتم؟ قالوا: كنا في صلاة الخوف.
153 - أعرابي:
حذار من شيخ لنا حذار ... يلقم لقما شبه الأفهار (4)
كأنما يهوي ... بها في غار
154 - أبو بكر القهستاني (5) في الطباهجة (6):
__________
(1) الكنيف: بيت الخلاء، المرحاض.
(2) مزبد: هو أبو إسحاق مزبد المدني من مشهوري أصحاب النوادر. والفكاهة في المدينة المنّورة.
راجع أخباره في فوات الوفيات 2: 303ومجمع الجواهر للحصري 144. وعيون الأخبار 1: 39.
(3) يحيى بن أكثم: هو وزير المأمون. كان قاضيا رفيع القدر. توفي بالربذة من قرى المدينة سنة 242هـ. تقدمت ترجمته.
(4) الأفهار: جمع فهر، وهو الحجر ملء الكفّ.
(5) القهستاني: لم نقف له على ترجمة والقهستاني نسبة إلى قهستان بين هراة ونيسابور.
راجع معجم البلدان.
(6) الطباهجة: نوع من الطعام يكون من اللحم والبيض والبصل (فارسي معرّب).(3/230)
جاء الغلام بمقلاة فأفرشها ... جمرا وجمر الطوى في الجوف يلتهب
وقال أعمل للمولى طباهجة ... ما إن يرى مثلها عجم ولا عرب
فرقها مثل قرص الشمس مشرقة ... كأنها فضة قد مسها ذهب
فأقبل الشيخ يطوي طيّه عجبا ... كأنه الأجر في الإقبال يحتسب
155 - اللحم ينبت اللحم، والشحم لا ينبت الشحم ولا اللحم.
156 - في الحديث: من دوام على اللحم أربعين يوما قسا قلبه، ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه.
157 - الحارث بن كلدة: إذا تغدّى أحدكم فلينم على غدائه، وإذا تعشّى فليتخطّ أربعين خطوة.
158 - كان الحسن بن قحطبة (1) مضيافا، له مطبخان في كل مطبخ سبعمائة تنور.
159 - كان ابن دأب لا يأكل مع الهادي، فقيل له، فقال: ما كنت لأكل مع رجل لا أغسل يدي عنده. فكان الهادي يقعده من بين الجلساء ليغسل يده.
160 - كان الحسن إذا دعي جلس على الديباج، وشرب من النبيذ، وتطيب. وكان ابن سيرين (2) يتقزز، فقال له يوما: يا لكع (3)، إن كنت لا تقبل كرامة القوم فألحق بأهلك. وكان الحسن يكره ذكر الموت على الطعام.
__________
(1) الحسن بن قحطبة: من قواد بني العباس. تولى أرمينية للمنصور سنة 136هـ، ثم استقدمه سنة 137هـ. لمساعدة أبي مسلم الخراساني على قتال عبد الله بن علي غزا الصائفة فأوغل في بلاد الروم فسمّته التنّين، توفي ببغداد سنة 181هـ راجع أخباره في الطبري وأعلام الزركلي.
(2) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين الذي اشتهر بتعبير الرؤيا. تقدمت ترجمته.
(3) اللّكع: اللئيم.(3/231)
161 - علي رضي الله عنه: إذا أكلتم الثريد فكلوا من جوانبه، فإن الذروة فيها البركة.
162 - مد صوفي يده إلى جام (1) فيه خبيص فهور الصومعة، فقيل له: اصبر حتى تبلغها من ناحيتك، فقال: أملي أقصر من أن أحدث نفسي ببلوغها.
163 - أعرابي:
يا غنمي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك صبوح كافي
فأبشري ... بالقدر ... والأثافي (2)
164 - قدم إلى عبادة رغيف يابس فقال: هذا نسج في أيام بني أمية ولكن محوا أطرازه.
165 - سأل أعرابي فأعطاه باهلي (3) رغيفا صغيرا فلم يأخذه، وجاء برغيف كبير حسن فقال: يا باهلة، استفحلوا هذا الرغيف لخبزكم فلعلكم أن تنجبوا.
166 - قيل لصوفي: ما تقول في الفالوذج؟ قال: لا أحكم على غائب.
خالد الكاتب (4) في أبي المثنى الصطفيلي (5):
تعجبه من غيره دعوة ... حتى يراها أبدا في المنام
__________
(1) الجام: القدح الضخم.
(2) الأثافي: الأحجار التي يوضع عليها القدر. جمع اثفية.
(3) باهلي: نسبة إلى قبيلة باهلة وهي من قيس عيلان.
(4) خالد الكاتب: هو خالد بن يزيد البغدادي. كان شاعرا غزلا يهاجي أبا تمام توفي ببغداد سنة 262هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 4: 171وفوات الوفيات 1: 149.
(5) أبو المثنى الطفيلي: لم نعثر له على ترجمة.(3/232)
قد رسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيس في سبيل الطعام
167 - بنان الطفيلي: عصعص عنز خير من طاس أرز.
168 - ثلاثة تضني: سراج لا يضيء، ورسول بطيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء.
169 - بنى بدوي على أهله (1) ولم يولم، فاجتمع فتيان الحي يطوفون بخبائه وهم يقولون:
أولم ولو بيربوع ... أو بقراد مجدوع
قتلنا * من * الجوع
170 - قيل لطفيلي: فيم لذتك؟ قال في مائدة منصوبة، ونفقه غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع.
171 - خير الغداء بواكره، وخير العشاء بواصره.
172 - قيل لشامي: أي الطعام أطيب؟ قال: ثريدة موسعة زيتا أخذ أدناها فنقض أقصاها تسمع لها رقيبا في الحنجرة كتقحم بنات المخاض في الجرف.
173 - مضغت أعرابية علكا فقيل لها كيف ترينه؟ قالت: تعب الأضراس وخيبة الحنجرة.
174 [شاعر]:
بالملح يدرك ما يخشى تغيّره ... فكيف بالملح إن حلّت به الغير
175 [آخر]:
وما رصفت النقل تبغي به ... تحسينه لكن لكي تحميه
__________
(1) بنى على أهله: أي تزوّج.(3/233)
فإن فتى حدث نفسا به ... لم يستجز أن ينقض التعبيه
176 - قيل لرجل: من يحضر مائدة فلان؟ قال: الملائكة، قيل:
من يأكل معه؟ قال: الذباب في وقت.
177 - سأل رجل يزيد بن هارون (1) عن أكل المدر، قال حرام، قال الله تعالى: {كُلُوا مِمََّا فِي الْأَرْضِ} (2) ولم يقل كلوا الأرض.
178 - قصد جماعة من الطفيلين وليمة، فقال رئيسهم: اللهم لا تجعل البواب وكازا في الصدور، دفاعا في الظهور، طرحا للقلانس، هب لنا رأفته ورحمته وبشره وسهّل علينا إذنه، فلما دخلوا تلقاهم الضيف، فقال الرئيس: غرة مباركة، موصول بها الخصب، معدوم معها الجدب، فلما جلسوا على الخوان قال: جعلك الله كعصا موسى وخوان إبراهيم ومائدة عيسى في البركة، ثم قال لأصحابه: افتحوا أفواهكم، وأقيموا أعناقكم، وابسطوا الأكف، وأجيدوا اللف، ولا تمضغوا مضغ المتعلكين الشباع المتخمين، واذكروا سوء المنقلب، وخيبة المضطرب، خذوا على اسم الله.
179 - من كانت همته أكلة كانت قيمته أكله.
180 - قيل لأبي مرة (3): أي الطعام أحب إليك؟ قال ثريدة دكناء (4)
من الفلفل، رقطاء (5) من الحمص، بلقاء (6) من الشحم، ذات خفافين من
__________
(1) يزيد بن هارون: هو يزيد بن هارون بن وادي، من الحفّاظ المشهورين ولد سنة 118هـ. ذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة 206هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 11: 366.
(2) سورة البقرة، من الآية، 168.
(3) أبو مرّة: لم نقف له على ترجمة.
(4) الدكناء: السوداء.
(5) رقط رقطا: كان أسود مشوبا بنقط بياض أو أبيض مشوبا بنقط سود.
(6) البلقاء: التي في لونها سواد وبياض.(3/234)
اللحم، لها جناحان من العراق.
181 - قيل: وكيف أكلك لها؟ قال: أصدع بهاتين. يعني السبابة والوسطى، وأسند بهذه، يعني الإبهام، وأجمع ما شذ منها بهاتين، يعني البنصر والخنصر، وأضرب فيها ضرب ولي السوء في مال اليتم.
182 - قيل لطفيلي: ما معنى قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (1).؟
قال: أراد أهل القرية. كما تقول أكلنا سفرة فلان تريد ما في السفرة.
183 - قيل لأعرابي: صف نفسك. قال: خذ على بركة الله، إن كان أكل فقرب، وإن كان نبيذ فجرّب، وإن كان قتال فغرّب.
184 - أعرابي:
ألا ليت لي خبزا تسربل رابيا ... وخيلا من البرني فرسانها الزبد
185 - عمرو بن الأهتم:
فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مبيت صالح وصديق
186 - ابن الحجاج (2):
مالي وللحم إن شهوته ... قد تركتني لحما على وضم (3)
187 - قيل لأعرابي: ما تسمون المرق؟ قال: السخين. قيل: فإذا برد. قال: ما ندعه يبرد.
__________
(1) سورة يوسف، من الآية: 82.
(2) ابن الحجاج: هو الحسين بن عبيد الله بن الحجاج، من كتاب العصر البويهي، كان يغلب عليه الهزل، اتصل بالوزير المهلبي وعضد الدولة وابن عباد وابن العميد وتوفي بقرية النيل على الفرات بين بغداد والكوفة سنة 391هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 14.
(3) الوضم: الخشبة التي يضع عليها الجزار اللحم.(3/235)
188 - أتى طفيلي باب قوم فحجبوه، فاحتال حتى دخل وهو يقول:
نزوركم لا نؤاخذكم بجفوتكم ... إنّ المحبّ إذا ما لم يزر زارا
189 - ولد لابن أبي ليلى (1) غلام فأطعم جيرانه الفالوذج والخبيص وترك المساور (2) إجلالا له فقال:
من لم يدّسم بالخبيص سبالنا ... عند الولاد فلا هناه الفارس (3)
إن الخبيص له لذاذة مطعم ... يا حبذا هو رطبه واليابس
190 - قال أبو بكر الخوارزمي (4): لم أسمع في وصف الطفيلي أبلغ من قول الحمدوني (5):
أراك الدهر تطرق كلّ دار ... كأمر الله يحدث كل ليلة
191 - قيل لأعرابي: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي، والثريد بعد الكظة.
192 - مات لأعرابي أخ فقيل له: ألا تحضر جنازته؟ فقال: لا،
__________
(1) ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ولد في خلافة عمر وروى عن عدد من الصحابة وفقد يوم الجماجم سنة 82هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 260.
(2) المساور: هو مساور بن عبد الحميد، من أهل الكوفة، كان شاعرا ومن أصحاب الحديث ورواته. ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في تقريب التهذيب 244وتهذيب التهذيب 10: 103.
(3) السبال: جمع سبلة، وهي ما على الشارب من الشعر. وقيل: الدائرة في وسط الشفة العليا.
(4) الخوارزمي: هو محمد بن العباس، شاعر، عالم، من أئمة الكتاب، كان ثقة في اللغة ومعرفة الأنساب. ولد في خوارزم سنة 323وتوفي بنيسابور سنة 383هـ.
راجع ترجمته في معجم الأدباء 1: 101والوفيات 1: 523.
(5) الحمدوني: هو محمد بن أحمد الحمدوني ذكره الثعالبي في اليتيمة 3: 129وذكر له قصيدة في مدح الوزير أبي نصر سابور بن أردشير بدأها بقوله:
وفي الظغائن مهضوم الحشا غنج ... يخطو بأعطاف نشوان الخطا ثمل(3/236)
قيل: لم؟ قال: إنه كان والله قطاعا زقاقا جردبيلا. أي غامسا اللقمة المعضوضة في الأدام، شاربا على المائدة وفي فيه الطعام، آكلا بيمينه وقد أمسك المأكول بيساره لئلا يتناول، وهو الجردبان (1).
193 - سأل حمّاد الرواية (2) رقبة بن مصقلة (3) عمّا أكل عند بلال بن أبي بردة (4).
فقال: الأبيض المنضود، والماضي المردود، والذليل الرعديد، والملوز العقود. أي الرقال الألوان المختلفة والفالوذج والبفريج (5).
194 - كان عمارة بن حمزة يقول (6): يخبز في بيتي كل يوم ألف رغيف، وكل أهلي يأكلون حلالا غيري. وكان يقول: رب الدار كلب الدار.
195 - قيل لأعرابي على مائدة بعض الملوك وهو يأكل الفالوذ: لم يشبع منه أحد إلا مات. فأمسك وفكر ثم ضرب بالخمس وقال: استوصوا بعيالي خيرا، فو الله إني لأشبع منه حتى أموت.
196 - قيل لأعرابي: أين تحب أن يكون طعامك؟ قال في بطن أم
__________
(1) الجردبان: هو من يضع يده على الطعام لئلا يتناوله غيره (فارسية الأصل).
(2) حمّاد الراوية: هو حماد بن سابور المبارك. كان من أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها. ولد بالكوفة سنة 95هـ وهو الذي جمع المعلقات. كان يرمى بالزندقة. توفي ببغداد سنة 155هـ راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 164وتهذيب ابن عساكر 4: 427.
(3) رقبة بن مصقلة: كان من ثقات رواة الحديث، كان صديقا لسليمان التيمي. يعدّ من رجالات العرب، كان مفوّها وفيه دعابة.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 2: 297.
(4) بلال بن أبي بردة: هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. تقدمت ترجمته.
(5) البفريج: لحم يقطّع ويطبخ.
(6) عمارة بن حمزة: هو مولى ابن عباس. تقدمت ترجمته.(3/237)
طفل راضع، أو ابن سبيل شاسع، أو أسير جائع، أو كبير كانع (1).
197 - يقال: رماه الله بداء الذئب وهو الجوع، والذئب إذا لم يجد شيئا تبلغ بالنسيم، وربما استف التراب.
198 - ويقال الطين الأبيض الذي يؤكل لا يوجد أجوده إلا بوجود الذئب إياه.
199 - ويقال: اللحم بقلة الذئب لأن الذئب لا يأكل النبات، إنما بقلة اللحم.
200 - قيل لجمين (2): أي البقول أحب إليك قال: بقلة الذئب، وقال:
الخبز أفضل شيء أنت آكله ... وأفضل البقل بقل الذئب يا صاح
201 - قالوا: ثلاث ينتهي الحمق إليها: أن يستظل الرجل بمظلة وهو في الظل، وأن يسابق الرجل إلى بيضة البقيلة، وأن يحتجم في غير داره.
202 - وقالوا: الوحدة خير من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء. وليس كل جليس أكيلا، فإن أردت المواكلة فمع من لا يستأثر بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة، ولا يلتهم كبد الدجاجة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا ينتزع خاصرة الحمل. ولا يزدرد قانصة الكركي، ولا يتعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدجاج.
203 - وعن محمد بن أبي المؤمل (3): لقد كانوا يتحامون بيضة
__________
(1) الكانع: الذي تدانى وتصاغر وتقارب بعضه من بعض.
(2) جمين (ويقال جميز) هو أبو الحارث جمين: تقدمت ترجمته.
(3) محمد بن أبي المؤمل: من معاصري الجاحظ، ذكره وذكر الخبر مفصلا في البخلاء ص 97.(3/238)
البقيلة، ويضعها كل امرىء لصاحبه، وأنت اليوم ولو أردت أن تمتع عينيك بنظرة واحدة إليها لم تقدر عليها.
204 - وعاتب رجل صاحبه على قطعة إضافته فقال: ما الذي أنكرت مني؟ هل ثنيت وسادتك؟ هل قلبت صفحتك؟ هل جلجلت ملح أبزارك؟
هل أكلت بيضة بقيلتك؟ هل بزقت في طستك (1)؟.
205 - كان عبد الله بن جدعان: من مطعمي قريش كهاشم بن عبد مناف، وهو أول من عمل الفالوذ للضيف، وقال فيه أمية بن أبي الصلت.
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى درج من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالهشادة (2)
وكانت له جفان يأكل منها القائم والراكب. وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يستظل بظل جفنته في الجاهلية.
206 - وفد عبد المطلب (3) على كسرى ومعه جماعة من صناديد قريش، فلما أرادوا الرجوع سأل كلا منهم مسألته، فقال إبن جدعان:
الجارية التي تعمل للملك الفالوذ، فوهبها له، فكانت تعمله له بمكة.
207 - وحدث الرياشي (4) عن رجل. قال: أتيت نجران فدخلت على عبد المدان بن الديان الحارثي (5) وهو على سرير، كأنه القمر، بنوه
__________
(1) الطست: وعاء من نحاس يستعمل لشرب الماء وغيره.
(2) الشيزى: نوع من الخشب تستعمل منه الجفان، والجفان: جمع جفنة وهي القصعة التي يوضع فيها الأكل.
(3) عبد المطلب: هو جدّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. تقدمت ترجمته.
(4) الرياشي: هو العباس بن الفرج الرياشي. تقدمت ترجمته.
(5) عبد المدان بن الديان الحارثي: هو عمرو بن يزيد بن كعب الحارثي وعبد المدان لقبه والديا نلقب أبيه. وبنو عبد المدان هذا هم الذين يضرب بهم المثل في الشرف والعزّة، وعبد المدان من أشراف اليمن من أهل نجران مات قبيل الإسلام.
راجع ترجمته في الروض الأنف للسهيلي 2: 347والشريشي 2: 371.(3/239)
حوله كأنهم كواكبه، فدعا بالغداء، فأتي بالفالوذ. فانصرف الرجل وهو يقول:
ولقد رأيت القايلين وفعلهم ... فرأيت أكرمهم بني الديان
ورأيت من عبد المدان خلائقا ... فضل الأنام بهن عبد مدان
البر يلبك بالشهاد طعامهم ... لا ما يعللنا بنو جدعان
فبلغ الخبر ابن جدعان فعمل الفالوذ وأطعمه.
208 - فالوذج السوق مثل في ذي منظر لا مخبر له. قال:
أعزز عليّ بأخلاق وسمت بها ... عند البرية يا فالوذج السوق
209 - ابن الحجاج (1):
ليس له في الجميل رأي ... ولا بفعل الجميل طاقة
كأنه في القميص يمشي ... فالوذج السوق في رقاقة
210 - الحسن بن رجاء:
قد يصبر الحر على السيف ... ويأنف الصبر على الحيف
ويؤثر الموت على حالة ... يعجز فيها عن قرى الضيف
211 - يدعون للمؤاخاة والمواساة، وأنتم إنما تدعون للمكافأة والمباهاة.
212 - يا معتسر الشباب عليكم بالخبز والملح فإنه يذهب بشحم الكلى ويزيد في اليقين.
213 - أبو سليمان الداراني: خير ما أكون إذا لصق بطني بظهري، أجوع الجوعة وأخرج فتزحمني المرأة فما التفت إليها، واشبع الشبعة فأخرج فأرى عينيّ تطمحان.
__________
(1) ابن الحجاج: هو الحسين بن عبيد الله بن الحجاج.(3/240)
214 - الأوزاعي (1): ما يسرني أنّ هذه الألوان تجري عليّ وعليكم غدوة وعشيا من حلال ولا نسأل عنها يوم القيامة. قالوا: ولم يا أبا عمرو؟
قال: لأنها تقسّي القلب.
215 - كتب علي رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف (2) وهو عامله على البصرة: بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب (3) لك الألوان (4)، وتنقل إليك الجفان (5)، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم (6) مجفو (7) وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم (8) فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به، ويستضيء بنور علمه. ألا وإن إمكامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.
ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح وشائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص، ولا
__________
(1) الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو.
(2) عثمان بن حنيف: هو عثمان بن حنيف بن وهب بن العكيم الأنصاري. صحابي، تولّى السواد لعمر ثم ولّاه على البصرة. دعاه أنصار عائشة لقتال الإمام علي فامتنع فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، أطلقته عائشة فلحق بالإمام علي وحضر معه وقعة الجمل، ولّاه الإمام علي على البصرة. وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية بعد سنة 41هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 220وتهذيب التهذيب 7: 112.
(3) تستطاب لك: يطلب لك طيبها.
(4) الألوان: أراد أصناف الطعام.
(5) الجفان: جمع جفنة وهي القصعة.
(6) عائلهم: أي سائلهم ومحتاجهم.
(7) مجفو: أي مطرود.
(8) المقضم: المأكل.(3/241)
عهد له بالشبع. أو أبيت مبطانا وحولى بطون غرثى (1) وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال: وحسبك داء أن تبيت ببطنة ... وحولك أكباد تحن إلى القد
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون لهم أسوة في خشونة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها.
وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازل الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا.
وأيم الله يمينا استثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما.
216 - جرير (2):
إن الهجيم قبيلة ملعونة ... ثط اللحى متشابهو الألوان (3)
لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أضحى جمعهم بع
متأبطين بنيّهم وبناتهن ... صعر الأنوف لريح كل دخان (4)
نزل جدي بن قيس بن تدول بن بختر الطائي (5) بكلفة بن قعين (6)
__________
(1) البطون الغرثى: الجائعة.
(2) جرير: هو جرير بن عطية بن الخطفي الشاعر المشهور.
(3) ثطّ اللحى: قليلو شعرها.
(4) صعّر أنفه: أماله: والدخان: كناية عن الطعام. المكان الذي توقد فيه النار لتحضير الطعام.
(5) ابن بختر الطائي: لم نقف له على ترجمة.
(6) كلفة بن قعين: لم نقف له على ترجمة.(3/242)
فلم يقره، فقال:
طرقنا أخا دودان نلتمس القرى ... فعبسّ لما أن رآنا وقطّبا
فلو بالفتى نصر ألمت ركابنا ... لأحسن مثوانا وأدنى وقرّبا
217 - نزل الفرزدق (1) برجل من بلعنبر (2) فلم يقره وشركه في زاده فقال:
نزلنا بأقوام كثير فلم نجد ... لذي منزل كالمحجنيّ عقال
نزلنا به نبغي قراه فلم يكن ... عقال على الأضياف غير عيال
218 - ونزل جرير برجل منهم فباعه قراه فقال:
يا طلحة بن خثيم إن بيعكم ... رفد القرى مانع للدين والحسب
قالوا نبيعكه بيعا فقلت لهم ... بيعوا الموالي واستحييوا من العرب
219 - يقال للسكباج (3) مخ الأطعمة، وسيد المرق، وأم القرى، وزين الموائد.
220 - ويقال: إذا طبخت اللحم بالخل فقد ألقيت من معدتك ثلث المؤونة.
221 - وعن بعض الخلفاء قال لطباخه: إلى كم سكباج؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هو مخ الأطعمة، لا يكره بارده، ولا يمل حاره، بل يستطاب في الحضر، ويتزود في السفر ولا يؤثر عليه في الشتاء والصيف.
فضحك وأجازه.
222 - كان أحمد بن أبي خالد وزير المأمون من الشره والنهم
__________
(1) الفرزدق: هو همام بن غالب الشاعر المشهور.
(2) بلعنبر: أراد القول بنو العنبر (من شواذ الأدغام) وهم حيّ من تميم جدّهم العنبر بن عمرو بن تميم.
(3) السكباج: نوع من الطعام وهو مرق يعمل من اللّحم والخلّ.(3/243)
بمضرب المثل على كرم فيه وسخاء. يحكى أنه ولي كورة (1) فوهب خراجها بخوان فالوذج أهدي إليه.
وعرف المأمون كرمه ونهمه فأجرى عليه لمائدته كل يوم ألف درهم، ويحكى أنه حاسب دينار بن عبد الله (2) في داره بسبعة آلاف ألف، ثم قدم له الحاسب الأطعمة فنسي المبلغ، وقال للمأمون: قامت عليه خمسة آلاف ألف، فقال له: ذهبت ألف ألف بأكلة، وألف ألف أخرى بم ذهبت؟
فذهب غداء دينار مثلا بالعراق فيمن يبتاع الحظير باليسير.
223 - شرب أعرابي نبيذا عند الموصلي (3) فقال:
شربنا شرابا طيبا عند طيب ... كذاك شراب الطيبين يطيب
224 - قال خالد بن صفوان لجاريته: هات جنبا فإنه يهيج المعدة ويشهي الطعام. قالت: قد كان ونفد. قال: لا عليك، فإنه يقدح في الأسنان، ويستولي عليه البطن، وهو من عمل أهل الذمة.
225 - يقال للخبز جابر بن حبة، قال:
في حبة القلب مني ... زرعت حب ابن حبة
226 - أبو المخفف عاذر بن شاكر البغدادي (4) كان ظريفا طيبا، وكان يركب حمارا، وتركب جارية له حمارا وتحتها خرج، ويدور في بغداد فلا يمر بسلطان ولا تاجر ولا صانع إلا أخذ منه رغيفا أو كسرة.
__________
(1) الكورة: المقاطعة، مكان واسع تكثر فيه القرى.
(2) دينار بن عبد الله: كان من قواد بني العباس. حظي لدى المأمون فولّاه عسكر الحسن ابن سهل. كان له قصر في الجانب الشرقي من بغداد أنزل فيه أبو أحمد بن المتوكل حين نفاه المعتزّ سنة 253هـ.
(3) الموصلّي: هو إسحاق بن إبراهيم المغني المشهور، نديم الخلفاء تقدمت ترجمته.
(4) ابن شاكر البغدادي: لم نقف له على ترجمة.(3/244)
227 - وقال محمد بن الجهم (1) صاحب الفراء (2): كنت أنا وغيري ممن يستطيبه يحتسبه فلا يقر ويقول لا أخالف رسمي، وقال:
دع عنك رسم الديار ... ودع صفات العقار
واترك نعوت الزنا ... نير في حضور العذاري
وصف رغيفا سربا ... حكته شمس النهار
فليس تحسن إلّا ... في وصفه أشعاري
وذاك أني قديما ... خلعت فيه عذاري (3)
228 - رغفان الملعم والبقّال مثل في التفاوت، قال: من هجا الحجاج (4).
أينسى كليب زمان الهزا ... ل وتعليمه صبية الكوثر
رغيف له فلكة ما ترى ... وآخر كالقمر الأزهر
229 - سمع أعرابي يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: اللهم ميتة كما مات أبو خارجة، قيل له: كيف مات؟ قال: أكل بذجا، وشرب
__________
(1) محمد بن الجهم: كان الجاحظ يعدّه في الأطباء من فلاسفة المتكلّمين، اشتهر بعلم النجوم الطبيعي وكان عارفا بالهندسة وكتاب إقليدس، اتصل بأبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي وكان منهوما بالقراءة حريصا على المعرفة ومع هذا فهو يعدّ في البخلاء.
راجع ترجمته في عيون الأنباء في طبقات الأطباء 1: 212وعيون الأخبار 3: 138 والحيوان 1: 53.
(2) الفرّاء: هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، كان إمام الكوفيين وأعلمهم بالنجوم واللغة، أخذ عن الكسائي ويونس بن حبيب. ولد بالكوفة سنة 144هـ ومات سنة 207هـ. وكان المأمون قد عهد إليه بتربية ابنيه.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 7: 276ووفيات الأعيان 2: 228وتاريخ بغداد 14: 149.
(3) العذار: جانب اللحية أي الشعر الذي يحاذي الأذن.
(4) الحجاج: هو الحجاج بن يوسف الثقفي.(3/245)
مشعلا (1)، ونام شامسا، فأتته منيته شبعان ريان دفآن.
230 - نزل بخالد بن عامر (2) أحد بني عميرة (3) قوم فأطعمهم خبزا بلبن ولم يذبح لهم. فلقبوه القعار فقال:
أنا القعار خالد بن عامر ... لا بأس بالخبز ولا بالخاثر
231 - ابن عمر رضي الله عنه رفعه: إذا رأيتم أهل الجوع والتفكر فادنوا منهم، فإن الحكمة تجري على ألسنتهم.
232 - قيل لابن عمر: ألا تجعل لك جوارشنا (4)؟ قال: وما الجوارشن؟ قيل: شيء تأكله يهضم طعامك. قال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذاك أني لا أجد وأني لا أجوع، ولكن شهدت قوما كانوا يجوعون أكثر مما يشبعون.
233 - ابن عباس: أكرموا الخبز، فقيل: وما كرامته؟ قال: لا ينتظر به الأدم، إذا وجدتم الخبز فكلوه حتى تؤتوا بغيره.
234 - سمرة بن جندب رفعه: من تعود كثرة الطعام والشراب قسا قلبه.
235 - الأوزاعي: قلت لمكحول (5): أين ترى لي أن أنزل؟ قال:
أنزل حيث يصفو لك الخبز فإن الدين مع الخبز.
__________
(1) البذج من أولاد الضأن بمنزلة العتود من أولاد المعز. وقيل: هو الحمل. والمشعل:
ما ينتبذ فيه.
(2) خالد بن عامر: لم نقف له على ترجمة.
(3) عميرة: هو عميرة بن خفاف.
(4) الجوارشن: نوع من الأدوية يستعمل لهضم الطعام.
(5) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل، فقيه الشام في عصره، من حفاظ الحديث. طاف البلاد في طلب الحديث واستقرّ بدمشق وتوفي بها سنة 112هـ راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 101وتهذيب التهذيب 10: 289.(3/246)
236 - قيل في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} (1): همّ الخبز.
237 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك؟ قال: الزبد والكمأة. فقال: ما هما بأحب الطعام إليه ولكنه يحب الخصب للمسلمين.
238 - قال الحجاج: لجلسائه: ليثبت كل منكم في رقعة أطيب الطعام عنده، ففعلوا، فإذا في الرفاع كلها الزبد والتمر.
239 - ابن الأعرابي (2): يقال أطيب اللحم عوذه، أي ما عاذ بالعظم.
240 - مر الفرزدق بيحيى بن الحضين الرقاشي (3) فقال: يا أبا فراس، هل لك في جدي سمين ونبيذ زبيب؟ قال: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة (4)؟
241 - كان الثوري (5) يعجب بالرؤوس، وكان يسمي الرأس العرس لما يجمع من الألوان المختلفة الطيبة. وكان يسميه مرة الجامع. ومرة الكامل، وكان ينشد:
هم حملوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري
242 - أبو صوارة (6): الأرز الأبيض بالمسلى وبالسكر ليس من طعام
__________
(1) سورة فاطر، من الآية: 24.
(2) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد. تقدمت ترجمته.
(3) يحيى بن الحضين الرقاشي: بصري، كان من سادات ربيعة، وكان أبوه صاحب رأية الإمام علي يوم صفين.
(4) ابن المراغة: لقب أطلقه الفرزدق على جرير: والمراغة: الأتان.
(5) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق. أمير المؤمنين في الحديث. توفي سنة 161هـ. تقدمت ترجمته.
(6) أبو صوارة: لم نقف له على ترجمة.(3/247)
أهل الدنيا. وقال: أطول الليالي ليلة العقرب، وليلة الهريسة، وليلة جدة إلى مكة.
243 - وهب بن منبه: إذا سرد الرجل الصيام زاغ بصره عن موضعه، فإذا أفطر على حلاوة رجع إلى مكانه.
244 - حماد بن سلمة: دخلت على إياس بن معاوية وهو يأكل الفالوذ، فقال: إدن فكل فإنه يزيد في العقل.
245 - عصابة الجرجرائي (1):
خوان الأمير معمي المكان ... له شبح ليس بالمستبان
يرى بالتوهم لا بالمجس ... وبالخبز الفذ لا بالعيان
246 - منصور الحراني (2):
سرى نحونا يبغي القرى طاوي الحشا ... لقد عملت فيه الظنون الكواذب (3)
فبات له منّا إلى الصبح شاتم ... يعدد تطفيل الضيوف وضارب
وله:
إن الضيوف تحاموني وحق لهم ... ما منهم إبلي يوما ولا شائي
إذا الضريك عرانا بات ليلته ... دون البيوت بلا خبز ولا ماء (4)
247 - نزل الحطيئة ضيف فأشار إليه بعصا، قال: إني ضيف، قال: للضيفان أعددتها.
__________
(1) الجرجرائي: هو إبراهيم بن باذام من أهل جرجرايا (بين واسط وبغداد) لم نقف له على ترجمة.
(2) منصور الحراني: لم نقف له على ترجمة.
(3) طاوي الحشا: ضامره. أراد جائعا.
(4) الضريك: الفقير المسكين الجائع.(3/248)
وقال: عجراء من سلم (1).
248 - قدم إلى بدوي كامخ (2) فقال: ما هذا؟ فقيل: كامخ، قال: من كمخه منكم؟ أي سلحه.
249 - ابن رستم الكاتب (3):
ولولا اعتراض العذر ألفيت صاحبا ... إلى كل ما تهوى خفيفا مسارعا
وحين يزول العذر يأتيك كامخ ... تقر به عينا إذا كنت جائعا
ما قصر في قوله إذا كنت جائعا وهو من الإيغال (4).
250 - الحسن: البخل بالطعام من أخلاق الطغام (5).
251 - كتب الحجاج إلى عامله بفارس: ابعث لنا عسلا من عسل خلّار (6) من النحل بكار من الدستفشار (7) الذي لم تمسه النار.
252 - كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أرسل إلي بعسل أخضر في السقاء، أبيض في الإناء من عسل الندغ (8) والسحاء (9)، من حدب (10) بني شبابة (11)
__________
(1) عجراء من سلم: كناية عن العصا. السلم: نوع من الشجر. تتخذ منه العصيّ، والعصا العجراء: أي الغليظة الضخمة وفيها عقد.
(2) الكامخ: نوع من الأدم، معرّب.
(3) ابن رستم الكاتب: لم نقف له على ترجمة.
(4) الإيغال: من أنواع البديع وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم الكلام بدونها.
(5) الطغام: أرذال الناس.
(6) خلّار: موضع بفارس يجلب منه العسل. ورواية ياقوت: من النحل «الأبكار».
راجع معجم البلدان 2: 380.
(7) العسل الدستفشار: المعتصر بالأيدي والكلمة من الدخيل.
(8) الندغ: الصعتر البرّي وهو ممّا ترعاه النحل وتعسل عليه وعسله أطيب العسل.
(9) السحاء: نوع من النبت تعسل عليه النحل.
(10) الحدب: الحزون، الأرض المرتفعة.
(11) بنو شبابة: قوم بالطائف من فهم بن مالك بن كنانة ينسب إليه العسل.(3/249)
253 - ابن عباس: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم أي الشراب أفضل؟ قال: الحلو البارد. قالوا: أراد العسل.
ويقال: أجود الأعسال الذهبي الذي إذا قطرت منه قطرة على وجه الأرض استدارت كما يستدير الزئبق وتقول الروم: أجوده ما تلطخ به الفتيلة فتعلق بالنار.
254 - سئل فيلسوف عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد الله في عمره.
255 - الحسن: لا تسقوا بناتكم السويق، فإن كنتم لا بد فاعلين فاحفظوهن، قالوا يورث الغلمة (1).
256 - ابن عمر رفعه: ثلاثة لا ترد: اللبن والوساد والدهن (2).
كان يقال: اللبن أحد اللحمين.
257 - بعض الحكماء: إذا سخن اللبن وسيط بعود من التّين راب من ساعته، وإن أريد أن لا يروب، وإن كانت فيه الروبة، طرح فيه شيء من الحبق (3).
258 - الأصمعي: قال ذو الرمة (4): إذا قلت للرجل أي اللبن أطيب؟ فإن قال: القارص (5): فقل: عبد من أنت؟ وإن قال:
الحليب، فقل: ابن من أنت؟.
__________
(1) الغلمة: اشتداد الشهوة للجماع.
(2) الدهن: ما يدهن به شعر الرأس واللحية ويكون مطيّبا.
(3) الحبق: نبات طيب الرّيح وهو الفوذنج بالفارسية.
(4) ذو الرمة: هو غيلان بن عقبة بن مهيس العدوي. شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره كان مقيما في البادية. توفي بأصبهان سنة 117هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 206ووفيات الأعيان 1: 404وأعلام الزركلي.
(5) القارص من اللبن: الحامض ويكون من ألبان الإبل خاصة.(3/250)
259 - مدني من تصبح بسبع موزات وقدح من لبن أراك (1) تجشأ بخور الكعبة.
260 - وقف معاوية على كنانية (2) فقال: هل من قرى؟ قالت: نعم قال: ما هو؟ قالت: خبز خمير (3)، ولبن مضير (4)، وماء نمير (5).
261 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الأكل في السوق دناءة.
262 - أم سلمة (6) رضي الله عنها رفعته: انهشوا اللحم فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ ورفعت: لا تشمّوا الطعام كما تشمه السباع.
263 - أكل الجارود (7) مع عمر رضي الله عنه، فقال: يا جارية هاتي الدستوذر. فقال عمر: إمسح باستك أو ذر (8).
264 - كان يقال: إذا اجتمع للطعام أربع فقد كمل، أن يكون حلالا، وأن تكثر عليه الأيدي، وأن يفتح باسم الله، وأن يختم بحمد الله.
وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
__________
(1) قوله: لبن أراك أي لبن إبل أكلت الأراك. والأراك واحدته أراكة وهي شجرة طويلة خضراء ناعمة كثيرة الورق تتّخذ من أغصانها المساويك.
(2) كنانية: نسبة إلى كنانة، قبيلة من مضر.
(3) الخبز الخمير: الذي وضعت في عجينه الخميرة.
(4) اللبن المضير: الشديد الحموضة.
(5) الماء النمير: الصافي المروي.
(6) أم سلمة: هي زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية.
راجع تفاصيل حياتها في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده».
(7) الجارود: هو الجارود العبدي. تقدمت ترجمته.
(8) الإست: المؤخرة.(3/251)
265 - عمر رضي الله عنه: إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر.
266 - رأى رجل رجلا يأكل لحما فقال: لحم يأكل لحما، أف لهذا عملا.
267 - دعا عبد الملك (1) رجلا إلى الغداء فقال: ما في فضل، فقال: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى ما يكون به فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكني أكره أن أصير إلى الحال التي استقبح أمير المؤمنين.
268 - قيل لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.
269 - قال أبو المخشن الأعرابي (2): كانت لي بنت تجلس معي على المائدة فتبرز كفا كأنه طلعة، في ذراع كأنها جمارة، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة إلا خصتني بها، فصرت أجلس معي على المائدة ابنا لي، فيبرز كفا كأنها كرنافة (3) في ذراع كأنها كربة، فو الله إن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
270 - الأحنف (4): جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام فإني أبغض الرجل يكون وصافا لبطنه وفرجه (5).
وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
271 - كان بعضهم لا يأكل إلية الشاة ويقول إنها طبق الأست وقريب من الجواعر.
__________
(1) عبد الملك: هو الخليفة عبد الملك بن مروان.
(2) أبو المخشن الأعرابي: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 1: 121وقال: كان أعرابيا يتردد على البصرة أيام جعفر بن سليمان بن علي الهاشمي.
(3) الكرنافة: أصل السعفة الغليظ الملتزق بجذع النخلة.
(4) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي. تقدمت ترجمته.
(5) الفرج: معروف، يقال للأنثى والذكر.(3/252)
272 - كان عمر رضي الله عنه يقول: يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك، يعني تتغدى. وكان يقول: نعم الأدام الجوع ما ألقيت إليه قبله.
273 - قال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش، أراد: أكثر الصيام وأطل القيام حتى تستطيب الطعام وتستمد الفراش.
274 - أنس بن مالك: رأيت عمر يلقى له الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه (1).
275 - رأى المغيرة (2) على مائدته رجلا ينهش ويتعرّق، فقال: يا غلام ناوله سكينا، فقال الرجل: كل امرىء سكينه في رأسه.
276 - أعرابي: أتانا فلان بثريدة فجعلنا نلملم منها مثل القطا (3)
الكدري.
277 - أكل عبد الرحمن بن أبي بكرة على خوان معاوية فرأى منه لقما منكرا، فقال لأبي بكرة بعد ذلك: ما فعل ابنك التلقامة؟ قال:
اعتل، قال: مثله لا يعدم العلة.
278 - كان سليمان بن عبد الملك ثعباني الالتهام لقماني الالتقام، على أن جميع المروانية كانوا أمثالا في الأكل، أمامهم فيه الآكل في سبعة أمعاء معاوية.
279 - ويحكى أن سبب موت سليمان أنه أتي بقفعتين (4) عظميتين من بيض مسلوق وتين. فجعل يقرن بين بيضة وتينة حتى أتى عليها.
__________
(1) الحشف: أردأ التمر.
(2) المغيرة: هو المغيرة بن شعبة الثقفي. تقدمت ترجمته.
(3) القطا: نوع من الطير يعيش في الصحراء.
(4) القفعة: القفّة أو ما يشبهها.(3/253)
280 - وعن سالم بن قتيبة (1): عددت للحجاج أربعة وثمانين رغيفا، مع كل رغيف سمكة.
281 [شاعر]:
ونجاد مخزق وخوان ... كسرت رجله وأخرى رهيص (2)
ولقد كان ذا قوائم ملس ... يؤكل اللحم فوقه والخبيص
282 - كان جمين (3) يقول للوزينج قاضي قضاة الحلاوى، وللخبيص خاتمة الخير.
283 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من دخل على غير دعوة فكأنما دخل سارقا وخرج مغيرا، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
284 - يقال: أكلنا طعاما خداجا (4) أي لا حلواء معه.
285 - معدة شيطانها رجيم.
286 [شاعر]:
يدارك اللقم ولا يخشى الغصص ... تلقما يقطع أزرار القمص
287 - بات يعشي وحده ألف جعل، لكثرة ما يضع لكثرة أكله.
288 - له بضيعة (5) في الأكل مزجاة (6). أي هو قليل الطعم.
289 - دخل الجمل المصري (7) على قادم وعنده قوم بين أيديهم
__________
(1) سالم بن قتيبة: لم نقف له على ترجمة.
(2) الرهص: أن يصيب الحجر حافرا أو منسما فيذوي باطنه. وأصل الرهص: شدّة العصر.
(3) جمين: هو أبو الحارث جمين (جميز) المدني.
(4) الخداج: النقصان.
(5) بضيعة: تصغير بضعة وهي القطعة من اللّحم.
(6) مزجاة: قليلة.
(7) الجمل المصري: هو الحسين بن عبد السلام المصري المعروف بالجمل. كان شاعرا، مدح أحمد بن المدبّر، ومدح المأمون بمصر لمّا ورد إليها، وكان شرها في الطعام دنىء النفس مات سنة 258هـ.
راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 4: 306وأعلام الزركلي.(3/254)
أطباق الحلوى ولا يمدون أيديهم، فقال: لقد أذكرتموني ضيف إبراهيم (1)
وقوله تعالى: {فَلَمََّا رَأى ََ أَيْدِيَهُمْ لََا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} (2). ثم قال: كلوا رحمكم الله، فضحكوا، وأكلوا.
290 - يقال: فلان يحاكي حوت يونس (3) في جودة الالتقام، وثعبان موسى (4) في سرعة الالتهام.
291 - قالوا: إذا ألقي اللحم في العسل طريا خرج بعد شهر طريا لا يتغير.
292 - حسّان (5):
ثريد كأن السمن في حجراته ... نجوم الثريا أو عيون الضياون (6)
293 - كان حسان عند بعض الملوك فقدم الطعام فقال لقائده: أطعام يدين أم طعام يد؟ أراد شواء أم ثريد.
294 [شاعر]:
خبز شعير بغير أدم ... عند فقير من الكرام
ألذ عندي من ألف لون ... عند غني من اللئام
295 - أطعم رجل قوما ما أضرس أسنانهم (7) فقيل:
__________
(1) إبراهيم: هو إبراهيم الخليل عليه السّلام.
(2) سورة هود، من الآية: 70.
(3) يونس: هو نبيّ الله يونس بن متى عليه السّلام.
(4) موسى: هو نبيّ الله موسى بن عمران عليه السّلام.
(5) حسّان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري الشاعر المعروف. تقدمت ترجمته.
(6) الضياون: الهرّ الذكر، وقيل: حيوان يشبه الهرّ.
(7) الضرس: مثل الألم يصيب السن عند أكل الأثمار الحامضة خاصة الحصرم.(3/255)
قد لعمري اقتصصت من كل ضرس ... كان يجني عليك في رغفانك
296 - فلان شدّق وعلّق وحدّق، أي جعل لقمة في شدقه، وأخرى في يده، ورمق ثالثة بعينه.
297 - دولاب اللقم أكيله، إذا كان يراعيه.
298 - ذقته فوجدته عافية مجموعة.
299 - لكل شيء حلية، وحلية الخوان السكرجات (1) والبقول.
النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا حضر العشاء والعشاء فابدأوا بالعشاء (2).
300 - جعفر بن محمد (3): أحب أخواني إليّ أكثرهم أكلا وأعظمهم لقمة، وأثقلهم علي من يحوجني إلى تعاهده في الأكل.
وعنه: تبين محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في منزله.
301 - اجتمع أنس بن مالك وثابت البناني على طعام، فقدم أنس إليه الطست فامتنع، فقال أنس: إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها.
302 - ودعا الرشيد أبا معاوية الضرير (4) فصب على يده، ثم قال له: يا أبا معاوية، أتدري من صب على يدك؟ قال: لا، قال: صب أمير المؤمنين. قال: يا أمير المؤمنين، إنما أكرمت العلم وأجللته فأكرمك الله وأجلّك.
303 - قالوا: غسل الأيدي في الطست في حالة واحدة أدخل في التواضع، وينبغي أن يجمع الماء فيها. قال عليه السّلام: اجمعوا وضوءكم (5)
__________
(1) السكرّجات: إناء صغير يستعمل لوضع الأدم القليل.
(2) العشاء: (بالكسر) صلاة المغرب. وقدّم العشاء لئلا يشتغل القلب في الصلاة.
(3) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق بن محمد الباقر. تقدمت ترجمته.
(4) أبو معاوية الضرير: هو محمد بن خازم التميمي السعدي. من ثقات رواة الحديث كان رئيس المرجئة في الكوفة وأعلم الناس بأحاديث الأعمش. مات سنة 113هـ.
(5)» الوضوء (بالفتح): الماء الذي يتوضأ به.(3/256)
جمع الله شملكم.
304 - وعن ابن مسعود: اجتمعوا على غسل اليد في طست واحدة، ولا تستنوا بسنة الأعاجم.
305 - وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار لا ترفع الطست من بين يدي القوم إلا مملوءة، ولا تشبهوا بالعجم.
306 - وقيل يستحب جلوس الصاب، وروي أنه صب على يد بعضهم وهو جالس فقام، وقال أحدنا لا بد أن يكون قائما.
307 - نزل الشافعي (1) بمالك (2) رحمة الله عليهما فصب بنفسه الماء على يده وقال: لا يرعك ما رأيت مني. فخدمة الضيف فرض.
308 - علي رضي الله عنه: لئن أجمع أخواني على صاع من طعام أحب إليّ من أن أعتق رقبة.
309 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتّى يرويه، أبعده الله من النار بسبعة خنادق، ما بين خندقين مسيرة خمسمائة عام.
310 - لا بأس أن يدخل الرجل دار أخيه ويستطعم للصداقة الوكيدة، فقد قصد رسول الله والشيخان (3) منزل أبي الهيثم بن التيهان (4) وأبي أيوب الأنصاري (5) لذلك، وكانت من عادة السلف.
وكان لعون بن عبد الله المسعودي ثلاثمائة وستون صديقا فكان يدور
__________
(1) الشافعي: هو الإمام محمد بن إدريس. تقدمت ترجمته.
(2) مالك: هو الإمام مالك بن أنس. تقدمت ترجمته.
(3) الشيخان: هما أبو بكر وعمر بن الخطاب.
(4) الهيثم بن التيهان: كان نقيب بني عبد الأشهل هو وأسيد بن حضير آخى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين عثمان بن مظعون. روى عن النبي ومات سنة عشرين وشهد صفين مع الإمام علي واستشهد بها سنة 37هـ. راجع الإصابة 7: 209.
(5) أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن يزيد. تقدمت ترجمته.(3/257)
عليهم في السنة.
ولا بأس أن يدخل بيت صديقه ويأكل وهو غائب، وقد دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دار بريرة (1) فأكل طعامها وهي غائبة.
311 - وعن محمد بن واسع وأصحابه أنهم كانوا يدخلون منزل الحسن فيأكلون ما يجدون بغير إذن.
312 - وعن الحسن أنه كان قائما عند بقال يأخذ من هذه الجونة (2)
تينة ومن هذه قسبة فيأكلها. فقال له هشام (3): ما بدأ لك يا أبا سعيد في الورع؟ فقال: يا لكع (4)، أتل عليّ آية الأكل، فتلا إلى قوله تعالى:
{أَوْ صَدِيقِكُمْ} (5). فقال: من الصديق؟ قال: من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب.
313 - عن يونس النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أخوانه زاروه، فقدم إليهم كسرا وجزّ لهم بقلا، وقال: كلوا ولولا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم.
314 - وعن أنس وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون الكسر اليابسة وحشف (6) التمر، ويقولون: ما ندري أيهما أعظم وزرا: الذي يحتقر ما يقدم إليه، أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه؟.
315 - كان الشافعي رحمه الله نازلا بالزعفراني (7) ببغداد، وكان
__________
(1) بريرة: هي مولاة عائشة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(2) الجونة: الخابية المطلية.
(3) هشام: هو هشام بن حسان الأزدي البصري. كان من كبار الحفاظ وأعلم الناس بحديث الحسن البصري، كان خشبيا وهم فريق من الجهمية توفي سنة 146هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 11: 39.
(4) اللّكع: اللئيم.
(5) سورة النور، من الآية: 61.
(6) حشف التمر: أردأ التمر.
(7) الزعفراني: هو أبو القاسم عمر بن إبراهيم. قال عنه الثعالبي: شيخ شعراء العصر نادم عضد الدولة وأخاه فخر الدولة اشتهر بلعب الشطرنج. راجع اليتيمة 3: 346.(3/258)
يرقم كل يوم في رقعة ما يطبخ من الألوان ويدفعها إلى الجارية، فأخذها الشافعي يوما وألحق لونا آخر، فعرف ذلك المضيف فأعتق الجارية سرورا بذلك.
316 - وقال صديق للسري (1): جاءني بفتيت (2) وأخذ يجعل نصفه في القدح، فقلت: ما تفعل؟ أنا أشربه كله في مرة، فقال لي: هذا أفضل لك من حجة.
317 - قالوا: الأكل ثلاثة مع الفقراء بالإيثار (3)، ومع الأخوان بالانبساط، ومع أبناء الدنيا بالآداب.
318 - أنس رفعه: من لقم أخاه لقمة حلواء صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة.
319 - يقولون: ما خلا مضيف الخليل عليه السّلام إلى يومنا هذا ليلة من ضيف.
320 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء دون الفقراء.
321 - حكيم: إذا كان خبزك جيدا وماؤك باردا وخلّك حامضا فلا مزيد عليه.
322 - المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كان عليها كل البقول إلا الكراث (4)، وسمكة عند رأسها خل وعند ذيلها ملح، وسبعة أرغفة على كل واحد زيتون وحب رمان.
__________
(1) السري: هو السري السقطي. تقدمت ترجمته.
(2) الفتيت: الخبز المفتوت.
(3) الإيثار: الإكرام والتفضيل خلاف الأثرة.
(4) الكراث: بقل خبيث الرائحة منه ما يشبه البصل ومنه ما يشبه الثوم ومنه ما لا رؤوس له.
الواحدة كرّاثة.(3/259)
323 - كانت سنة السلف أن يقدموا جملة الألوان دفعة ليأكل كل ممّا يشتهي.
324 - عنه عليه السّلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وعنه: أن من سنّة الضيف أن يشيّع إلى باب الدار.
325 - وعن أبي قتادة (1) رضي الله عنه: قدم وفد النجاشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام يخدمهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال: إنهم كانوا لأصحابي مكرمين فأنا أحب أن أكافئهم.
326 - وتمام الضيافة التطلق وطيب الحديث. قال يزيد بن أبي زياد (2): ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى (3) إلا حدثنا حديثا حسنا وأطعمنا طعاما حسنا.
327 - بعض الزهاد: أنا لا أجيب الدعوة إلا لأتذكر طعام أهل الجنة.
328 - في الحديث: ترك الغداء مسقمة وترك العشاء مهرمة. وتقول العرب: ترهل الغداء يذهب بشحم الكاذة (4).
329 - حبس ذو النون (5) أياما فلم يأكل، وبعثت إليه أخت له في الله
__________
(1) أبو قتادة: هو أبو قتادة بن ربعي، يقال له فارس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شهد مع الإمام علي مشاهده. قال الواقدي: مات بالمدينة سنة 54هـ وله 72سنة.
راجع ترجمته في الإصابة 7: 155وتهذيب التهذيب 12: 204.
(2) يزيد بن أبي زياد: هو من أئمة الشيعة الكبار. ولد بالكوفة سنة 47هـ وكان من رواة الحديث. توفي سنة 136هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 4: 423وتهذيب التهذيب 11: 329.
(3) عبد الرحمن بن أبي ليلى: من رواة الحديث من أهل الكوفة. ولد لست بقين من خلافة عمر وفقد بالجماجم سنة 82هـ. ويقال إنه عرق بدجيل سنة 83هـ كما في الخلاصة، وفي التقريب سنة 86هـ.
(4) الكاذة: لحم مؤخر الفخذين.
(5) ذو النون: هو ثوبان بن إبراهيم، ذو النون المصري، تقدمت ترجمته.(3/260)
طعاما على يد السجان فلم يأكل وقال: هو حلال ولكن جاءني على طبق ظالم، وأشار إلى يد السجّان.
330 - اشترى رجل أحمالا من السكر، وأمر باتخاذ مسجد من السكر ذي شرف ومحاريب وأعمدة منقوشة. ثم دعا الفقراء فهدموه وانتهبوه.
331 - عمر بن أبي سلمة: كنت في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال: يا غلام، سمّ الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يلبك. وقالوا له أن يجيل يده في الفاكهة.
332 - ابن عباس رفعه: إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها (1).
333 - وعن كعب بن مالك: رأيت رسول الله يلعق أصابعه الثلاث بعد الطعام.
334 - كان الحجاج يطعم في اليوم على مائة مائدة، على كل مائدة عشرة، ويطاف به في محفة (2) ليفتقدها، ثم يقول: يا أهل الشام اكسروا الخبز لئلا يعاد عليكم.
335 [شاعر]:
أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغذى رفعت ستوره
336 - عبد الصمد بن المعذل:
كلفتني عذرة الباخل أن ... طرق الطارق والناس هجوع (3)
ليس لي عذر وعندي بلغة ... إنما العذر لمن لا يستطيع
__________
(1) يلعقها: يلحسها.
(2) المحفّة: مركب للنساء كالهودج، أو سرير يحمل عليه المريض أو المسافر ويسمّى تخت روان.
(3) الطارق: الزائر ليلا. وهجوع: نيام.(3/261)
337 - سأل المهدي معبد بن خالد بن أنس بن مالك (1) وكان منزله بشيراز (2) عن بعض ما كان فيه ملوك فارس، قال: كانت لكسرى كل يوم عناق (3) قيمتها أربعون ألفا، قال: كيف؟ قال: كان يلتمس له عناق حمراء زرقاء غذيت بألبان النعاج الفتية، فتشترى بما بلغت، ثم تذبح بسكين من ذهب، ثم تسمط بماء الورد، ثم تغسل بالخمر والمسك، ثم يسجر (4)
التنور بالعود الهندي، وتجعل في سفود (5) من ذهب، ويضرب في تنورها المسك والعنبر، وكان يؤتى كل يوم بدرّة قيمتها عشرة آلاف فتسحق وتجعل في لون يتخذ له يقال إنه نافع من السل.
338 - قال عبد الملك حين حج لحبّى (6): ما فعلت حريرتك (7)؟
قالت: البرمة عندي وعندي أقط وسمن، فعملتها له، فأكل منها فقال: يا حبّى، ليست كما كنت أعهد، فقالت: ألهاك عنها زمكّى الدجاج (8)، قال: صدقت، وأمر لها بمال.
339 - كان عبد العزيز بن مروان جوادا مضيافا، فتغذى عنده أعرابي، فلما كان من الغد رأى الناس على بابه كما رآهم بالأمس، فقال: أفي كل يوم يطعم الأمير؟ وأنشد:
__________
(1) معبد بن خالد بن أنس بن مالك: لعله كان في زمان المهدي العباسي وكان يحضر مجلسه وينزل بشيراز. راجع ميزان الإعتدال 4: 140وتهذيب التهذيب 10: 223.
(2) شيراز: بلدة مشهورة في وسط بلاد فارس. راجع التفاصيل في معجم البلدان.
(3) العناق: الأنثى من أولاد المعز إذا أتت عليها سنة.
(4) يسجر التنّور: يشعل.
(5) السفود: حديدة يشوى عليها اللحم.
(6) حبّى: هي مرضعة عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير. راجع الطبري حوادث سنة 71.
(7) الحريرة: الدقيق الذي يطبخ بلبن الإبل.
(8) الزمكّى: أصل ذنب الطائر.(3/262)
كل يوم كأنه يوم أضحى ... عند عبد العزيز أو يوم فطر
وله ألف جفنة مترعات ... كل يوم يمدها ألف قدر
340 - حدث الأصمعي الرشيد بأن سليمان بن عبد الملك كان شرها نهما، يدعو بالدجاج في سفافيده فيعجل عن المناديل فيأخذه بكميه وعليه جبة الوشي فينهشه. فضحك الرشيد وقال: قاتلك الله ما أعلمك! ثم قال: علي بجبات سليمان، فأتي بها، فإذا عليها آثار الدهن. وكسا الأصمعي جبة منها. فكان يقول إذا لبسها: هذه جبة سليمان كسانيها الرشيد.
341 - كان أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي (1) جوادا مطعاما، وكان يقول: إني لأستحي أن يدخل داري أو يمر بي أحد فلا أطعمه.
حتى أنه كان يطرح للذر (2) السويق والحنطة.
342 - وعن شيخ من أهل الغرس (3) أنه سمع رجلا يشكو كثرة الذر في منزله، وكان نازلا في منزل أبي عبيدة، فقال له: إن الذر يحسب أنك أبو عبيدة فلا ينتقل، فيوشك أن يعرفك فينتقل.
343 - وعن إبراهيم بن هشام أمير المدينة أنه قال لأصحابه: تعلوا نفاجىء أبا عبيدة، عسى أن يبخله، فاستنزلهم، فقالوا: إن كان شيء عاجل وإلا فلا ننزل، فجاءهم بسبعين كرشا فيها رؤوس. فعجب ابن هشام وقال: ترونه ذبح في ليلته عدد هذه الرؤوس.
__________
(1) أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي: أمّه زينب بنت أبي سلمة وجدّته أم سلمة أم المؤمنين زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم روى الحديث، وكان من أهل المدينة، كان جوادا ممدحا. له أخبار في الأغاني وهو فيه: أبو عبيد بن عبد الملك بن زمعة وهو خطأ.
وراجع تهذيب التهذيب 14: 159.
(2) الذرّ: صغار النمل.
(3) الغرس: موضع بقباء فيه بئر تعرف ببئر غرس كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يستطيب ماءها. راجع معجم البلدان.(3/263)
344 - كان الزهري (1) إذا لم يأكل أحد من أصحابه من طعامه حلف لا يحدثه عشرة أيام.
345 - أسماء ذات النطاقين (2): أدخلت عائشة على رسول الله، فأتينا بحلاب من لبن فشرب منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم ناوله عائشة فأعرضت، فقلت: خذي من رسول الله، ثم ناولتني فشربت، وجعلت أدير الإناء إلى أن أصادف الموضع الذي شرب منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم ناولته امرأة معي، فقالت: لا أشتهيه، فقال رسول الله: لا تجمعي كذبا وجوعا.
346 - الحارث بن أمية (3) في هشام بن المغيرة المخزومي وكان جوادا مطعاما:
وأصبح بطن مكة مقشعرا ... كأن الأرض ليس بها هشام
يروح كأنه أشلاء سوط ... وفوق جفانه شحم ركام
347 - كان المغيرة بن عبد الرحمن (4) يأمر بالسكر والجوز فيدقان
__________
(1) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، أبو بكر، تابعي من أهل المدينة توفي سنة 124هـ.
(2) ذات النطاقين: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة عثمان بن عامر صحابية، هي أخت عائشة لأبيها وأم عبد الله بن الزبير. سمّيت ذات النطاقين لأنها صنعت للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم طعاما حين هاجر إلى المدينة فلم تجد ما تشدّه به فشقّت نطاقها وشدّت به الطعام. ماتت سنة 73هـ.
راجع طبقات ابن سعد 8: 128والدر المنثور 33وراجع كتابنا «أخبار النساء في كتاب الأغاني» ص 14.
(3) الحارث بن أمية: ذكره الطبري (1: 1226طبعة ليدن) وقال: إنه خلص سعد بن عبادة من اعتداء بعض قريش وكان قد قدم مكة وحين عاد سعد إلى المدينة أظهر إسلامه.
(4) المغيرة بن عبد الرحمن: من ثقات رواة الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، كان من جيش مسلمة بن عبد الملك الذين احتسبوا بأرض الروم حتى أقفلهم عمر بن عبد العزيز. له أخبار في الجود.
راجع ترجمته في البيان والتبيين: 2: 217وتهذيب التهذيب 10: 265.(3/264)
ويطعمهما أصحاب الصفة، ويقول: إنهم يشتهون ما يشتهي غيرهم ولا يمكنهم.
348 - دخل السائب (1) في يوم شات على علي رضي الله عنه، فناوله قدحا فيه عسل وسمن ولبن، فأباه فقال: أما إنك لو شربته لم تزل شبعان دفآن سائر يومك.
349 - نافع بن أبي نعيم (2) كان أبو طالب (3) يعطي عليا رضي الله عنه قدحا من لبن يصبه على اللّات (4)، فكان علي يشرب اللبن ويبول على اللّات حتى سمن، فأنكر ذلك أبو طالب حتى عرف القصة. فولى ذلك عقيلا (5).
__________
(1) السائب: هو السائب بن مالك الثقفي، كان تابعيا من رواة الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 450.
(2) نافع بن أبي نعيم: هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارىء، أحد القراء السبعة المشهورين انتهت إليه رئاسة القرّاء في المدينة. كان من ثقات رواة الحديث، مات بالمدينة سنة 169هـ.
راجع ترجمته في غاية النهاية 2: 330ووفيات الأعيان 2: 151.
(3) أبو طالب: هو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهو عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكافله ومربّيه وناصره ووالد الإمام علي، من رؤساء بني هاشم وأبطال قريش، توفي في السنة العاشرة من النبوّة.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 1: 75وشرح الشواهد 135وخزانة البغدادي 1: 261وتاريخ الخميس 1: 299.
(4) اللّات: اسم صنم للعرب في الجاهلية كان لثقيف بالطائف. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 48.
(5) عقيل: هو عقيل بن أبي طالب، تقدمت ترجمته.(3/265)
350 - دخل على الحسن بن علي عليهما السّلام ناس من أهل الكوفة وهو يأكل، فسلموا وقعدوا. فقال: الطعام أيسر من أن يقسم عليه، فإذا دخلتم على رجل منزله فقرب طعاما فكلوا منه، ولا تنتظروا أن يقال لكم هلموا، فإنما وضع الطعام ليؤكل.
351 - عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي (1): كان عبد الله بن عامر إذا حدثناه أحسن الاستماع، وإن سكتنا ساقطنا أحسن الحديث، فإذا جاء غذاؤه مثل طباخه بين يديه فيقول: أخبر القوم بما عندك ليستبقي الرجل نفسه لما يريده ويقدر في الأكل، حتى إذا أمعن القوم حسر ذراعيه وجثا على ركبتيه واستأنف الأكل. وأمر بناته وكنائنه ألا يلطفنه (2) بلطف إلا حين توضع مائدته فتجيئه الألطاف من هنا ومن هنا.
352 - عن عبد الله بن جدعان أو هاشم بن عبد مناف: المائدة مرزوقة، ومن كان مضيافا وسع الله عليه.
353 - وجاءت هدايا معاوية يوم النيروز إلى سعيد بن العاص وهو يغدي الناس فتمثل به.
354 - الأعمش (3): أولم أبو وائل (4) رحمه الله برأس بقرة وأربعة أرغفة.
__________
(1) الجارود بن أبي سبرة الهذلي: كان من ثقات رواة الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات، وكان شاعرا، راوية، علّامة من رجال الشيعة ولما استنطقه الحجاج قال:
ما ظننت أن بالعراق مثل هذا. مات سنة 120هـ راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 329وتهذيب التهذيب 2: 52.
(2) اللّطف: الهدايا.
(3) الأعمش: هو سليمان بن مهران. تقدمت ترجمته.
(4) أبو وائل: هو شفيق بن سلمة الأسدي. ولد سنة إحدى من الهجرة، وأدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره، شهد القادسية وغزا الشام وشهد صفّين مع الإمام علي سكن الكوفة وكان من عبادها. كان ثقة كثير الحديث. مات بعد الجماجم سنة 82هـ راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 46والإصابة 3: 225.(3/266)
355 - أبو ميسرة (1) كان يقول: اللهم اغفر لنا وللممرقين الذين يطبخون ويغرفون لجيرانهم.
356 - ابن عباس: من سرّه أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور الطعام.
357 - عن إبراهيم بن الأدهم: أن إنسانا أضافه فذهب إليه فسأل خادمه فقال: لم لا يحضر فقال: هو رجل كسلان. فقام إبراهيم وأخذ كساءه، ولم يطعم ثلاثة أيام، وقال: أيها الحلق إنما جاء منك، ولولاك لم يتكلم الرجل بكلام الغيبة.
358 - دخل داود عليه السّلام غارا فيه رجل ميت عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا فلان ملكت ألف عام، وبنيت ألف مدينة، وتزوجت ألف امرأة، وهزمت ألف جيش، ثم صار أمري إلى أن بعثت إلى السوق قفيزا (2) من الدراهم في رغيف فلم وجد، فبعثت قفيزا من الدنانير فلم يوجد، فبعثت قفيزا من الجواهر فلم يوجد، فدققت الجواهر فاستففتها فمت مكاني، فمن أصبح وله رغيف وهو يحسب أن أحدا على وجه الأرض أغنى منه فأماته الله كما أماتني.
359 - كان الفضيل (3) يمشي مع الثوري (4) في السوق فإذا هي مزينة
__________
(1) أبو ميسرة: هو عمرو بن شرحبيل الهمداني الوداعي الكوفي، من أصحاب عبد الله بن مسعود، من ثقات رواة الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات ومات في الطاعون سنة 63هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 71وتهذيب التهذيب 8: 47.
(2) القفيز: مكيال معروف، هو ثمانية مكاكيك عند أهل العراق، وهو من الأرض قدر مائة وأربع وأربعين ذراعا، وقيل: هو مكيال تواضع الناس عليه. راجع التفاصيل في لسان العرب (مادة قفز) وفي مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 26و 77و 78طبعة دار المناهل.
(3) الفضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد. تقدمت ترجمته.
(4) الثوري: هو سفيان بن سعيد. تقدمت ترجمته.(3/267)
بألوان الفواكه، فقال له: هب أن هذه كانت بالأمس، أي تصير عاقبتها ما تعرف.
قال يوما: ما يقولون في رجل في كمه تمر فقعد على رأس الكنيف (1) فيطرحه فيه تمرة فتمرة؟ قالوا: هو مجنون. قال: فالذي يطرحه في بطنه حتى يحشوه فهو أجن منه، فإن ذلك الكنيف يملأ من هذا الكنيف.
ورأى مائدة كثيرة الطعام فقال لصاحبه: أتدري ممّ عمارة مائدته؟
قال: لا، قال: من خراب محرابه.
360 - ليس شيء أحب إليّ من الضيف لأن رزقه على الله وأجره لي.
361 - كان الأمين (2) على سخائه بالمال بخيلا بالطعام جدا.
362 - قال المهدي لحسنة (3) لما نزل بما سبيذان (4) وفيها قبره:
إني لأشتهي شيئا ما اشتهيته قط. قالت: وما هو؟ قال: لبن وتمر أتمجّع (5) بهما كتمجّع الأعراب، فاتخذته، فتمجّع وأكثر. ثم أغفى وانتبه يصيح من بطنه، ودعا بماء حار فلم يؤت به. قالوا: سمّته حسنة لغيرة خالتها.
363 - عن يحيى بن أكثم: دخلت على المأمون وبين يديه طعام في طبق فدعاني إليه، وإذا هو لحم قليل. فقال:
أعرض طعامك وابذله لمن دخلا ... واحلف على من أبى واشكر لمن أكلا
ولا تكن سابري العرش محتشما ... من القليل فلست الدهر محتفلا
__________
(1) الكنيف: المرحاض، بيت الخلاء.
(2) الأمين: هو الخليفة العباسي محمد الأمين بن هارون الرشيد.
(3) حسنة: هي جارية المهدي.
(4) ماسبيذان: اسم قرية في طريق خراسان وبها قبر المهدي. راجع معجم البلدان.
(5) التمجّع: أكل التمر وشرب اللبن عليه.(3/268)
الباب الخامس والأربعون الطمع والرجاء، والحرص، والتمني، والوعد وإنجازه وإخلافه، والمطل والتسويف
1 - ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع.
وعنه عليه السّلام أنه قال للأنصار: إنكم لتكثرون عند الفزع (1) وتقلون عن الطمع.
2 - علي رضي الله عنه: أكثر تصارع العقول عند بروق المطامع (2).
3 - أكثم: مصارع الألباب تحت ظلال المطامح.
4 - فيلسوف: العبيد ثلاثة عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع.
5 - عبد الله رضي الله عنه (3): سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الغنى فقال:
اليأس مما في أيدي الناس. ومن مشى منكم إلى طمع الدنيا فليمش رويدا.
6 - عمر رضي الله عنه: ما الخمر صرفا بأذهب بعقول الرجال من الطمع.
7 - في الحديث المرفوع: إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر.
__________
(1) الفزع: الإغاثة.
(2) راجع نهج البلاغة 4: 49.
(3) عبد الله: لعله عبد الله بن مسور الذي تقدمت ترجمته.(3/269)
8 - ابن خبيق الأنطاكي (1): من أراد أن يعيش حرا أيام حياته فلا يسكن الطمع قلبه.
9 [شاعر]:
رأيت مخيلة فطمعت فيها ... وفي الطمع المذلة للرقاب
10 [آخر]:
اللؤم والذل والضراعة والفا ... قة في أصل أذن من طمعا
11 - أنشد الأصمعي:
وما زلت أسمع أن العقو ... ل مصارعها بين أيدي الطمع
12 - لقي كعب (2) عبد الله بن سلام (3) فقال: يا ابن سلام، من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فماذا أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد إذ علموه؟ قال: الطمع وشره النفس وطلب الحوائج إلى الناس.
13 - الأصمعي: كان يقال: العبد حر إذا قنع، والحر عبد إذا طمع.
14 - علي رضي الله عنه: الطمع رق مؤبد (4).
وعنه: إياك أن ترجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة (5).
__________
(1) ابن خبيق الأنطاكي: هو عبد الله بن خبيق. تقدمت ترجمته.
(2) كعب: هو كعب الأخبار. تقدمت ترجمته.
(3) عبد الله بن سلام: هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، من ذرية النبي يوسف عليه السّلام، وفيه نزلت الآية. وشهد شاهد من بني إسرائيل، والآية: ومن عنده علم الكتاب. أقام بالمدينة إلى أن مات سنة 43هـ راجع ترجمته في الإصابة 4: 80 وتهذيب التهذيب 5: 249وتهذيب ابن عساكر 7: 443.
(4) راجع نهج البلاغة 4: 42.
(5) من رسالته إلى ابنه الحسن. راجع نهج البلاغة 3: 51.(3/270)
15 - اجتمع الفضيل (1) وسفيان (2) وابن كريمة اليربوعي (3) فتواصوا، فافترقوا وهم مجمعون على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الطمع.
16 - دارا الأصغر (4): لا تطمع في كل ما تسمع.
17 - الطمع يدنس الثياب ويفري الإهاب (5).
18 - فلان يتبع دقاق المطامع فاستبعده. يقال في سري يتبع المطامح الدنية.
19 - الطاووس مع حسنه يغتدي الحيات ويأكل السموم، والنسر مع عظمة وجودة سلاحه لا يأكل إلا الجيف.
20 - عتود (6) عند الفزع، ذئب عند الطمع.
21 - كان يقال: حين خلق الله آدم عجن بطينته ثلاثة أشياء:
الحرص، والطمع، والحسد. فهي تجري أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه.
22 - إسماعيل بن قطري القراطيسي (7):
حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذل إلّا في الطمع
__________
(1) الفضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد.
(2) سفيان: هو سفيان بن سعيد الثوري.
(3) اليربوعي: لم نقف له على ترجمة.
(4) دارا الأصغر: من ملوك الدولة الكيانية من الفرس، ملك بعد أبيه دارا الأكبر وبنى بأرض الجزيرة بالقرب من نصيبين مدينة دارا. قتله أصحابه في معركة له مع الإسكندر المقدوني.
راجع أخباره في الكامل لابن الأثير 1: 281.
(5) يفري الإهاب: يشق الجلد.
(6) العتود من أولاد المعز هو ما رعى وأتى عليه حول.
(7) إسماعيل بن قطري القراطيسي: مولى الأشاعرة. كان مألفا للشعراء أمثال أبي نواس وأبي العتاهية ومسلم، كانوا يجتمعون في بيته للسمر والطرب.(3/271)
من راقب الناس نزع ... عن سوء ما كان صنع
ما طار طير فارتفع ... إلا كما طار وقع
23 - سابق البربري (1):
يخادع ريب الدهر عن نفسه الفتى ... سفاها وريب الدهر عنها يخادعه
ويطمع في سوف ويهلك دونها ... وكم من حريص أهلكته مطامعه
24 - جابر بن أحمد الشيباني (2):
كل ابن أنثى مخلد إلى طمع ... ما ضاق أمر ضيّق إلّا اتسع
25 - بكار بن رباح المدني (3):
ذلة ليس تنفع ... وهوى لا يشفع
وعتاب يجول في ... أذن ليس تسمع
والملالات عنك تخ ... برني كيف أصنع
فاجعل الوعد منك لي ... كذبا فيه مطمع
26 - بكر بن حبيب السهمي (4):
سير النواعج في بلاد مضلة ... يمشي الدليل بها على بلبال (5)
خير من الطمع الدنيء ومجلس ... بفناء لا طلق ولا مفضال
__________
(1) سابق البربري: هو سابق بن عبد الله البربري، من الشعراء الزهاد، من موالي بني أميّة. كان يسكن الرقة. له أخبار مع عمر بن عبد العزيز.
راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 38وخزانة البغدادي 4: 164.
(2) جابر بن أحمد الشيباني: لم نقف له على ترجمة.
(3) بكار بن رباح المدني: ذكره الطبري (حوادث سنة 169) وذكر له شعرا يستفاد منه أن المهدي توفي في قرية الرذ من قرى ماسبذان.
(4) بكر بن حبيب السهمي: ذكره الطبري (حوادث سنة 91) وقال إنه كان مع قتيبة بن مسلم الباهلي.
(5) النواعج: جمع ناعجة وهي الأرض السهلة. والبلبال: الهموم والوساوس التي تنتاب الإنسان.
فاقصد بحاجتك المليك فإنه ... يغنيك عن مترفع مختال
27 - علي عليه السّلام: الطامع في وثاق الذل (1).(3/272)
__________
(5) النواعج: جمع ناعجة وهي الأرض السهلة. والبلبال: الهموم والوساوس التي تنتاب الإنسان.
فاقصد بحاجتك المليك فإنه ... يغنيك عن مترفع مختال
27 - علي عليه السّلام: الطامع في وثاق الذل (1).
28 - أبو حيان (2): أسير طمع يزلقه على مداحض الذل. ومتوقع يأس لا يصح له فينتهي إلى العز.
29 - قيل لأشعب (3): ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد (4). وقال لآخر: لم تقل هذا إلا وفي قلبك خبر. وقال: ما رأيت رجلين يتساران (5) في جنازة إلا قدرت أن الميت أوصى لي بشيء من ماله.
وما زفت بالمدينة عروس إلا كنست بيتي رجاء أن يغلط بها إليّ.
وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، أمرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلا من قتّ (6)، فوثبت إليها فطاحت، فاندق عنقها.
وكان يقعد إلى الطبّاق (7) فيقول: وسع، وسع، فعسى يهدي إلي من يشتريه. وقال: ما رأيت أطمع مني إلا كلبا تبعني على مضغ العلك فرسخا.
30 [شاعر]:
لا تغضبين على امرىء ... لك مانع ما في يديه
وأغضب على الطمع الذي ... استدعاك تطلب ما لديه
(1) راجع نهج البلاغة 4: 50.
(2) أبو حيان: هو أبو حيان التوحيدي علي بن محمد تقدمت ترجمته.
(3) أشعب: هو أشعب بن جبير الطامع. تقدمت ترجمته.
(4) أثرد: أشتهي الثريد وهو الخبز المبلول بالمرق.
(5) يتسارّان: يتهامسان.
(6) القتّ: الفصفصة اليابسة التي تسعمل علفا للدواب.
(7) الطبّاق: الذي يصنع الطباق.(3/273)
31 - قيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟
قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذق الشاب.
32 - أنوشروان (1): احذر خدمة الحرص، فلا راحة لحريص.
33 - المأمون: صدق والله أبو العتاهية، ما عرفت من رجل قط حرصا ولا طمعا فرأيت فيه مصطنعا.
34 - يقال للحريص: جاء ناشرا أذنيه.
35 - ابن أبي فنن (2):
فدع الحرص للحريص ولا ... تمتهن النفس إنها أقسام
36 - الليث يبعث حتفه كلبه.
37 - لا تزيده السن إلا نقصا، ولا يزيده الغني إلا حرصا.
38 [شاعر]:
إذا طاوعت حرصك كنت عبدا ... لكل دنية يدعو إليها
39 - إبراهيم بن المهدي:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص من الدنيا لفي تعب
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
40 - أفريدون (3): المحسن معان، والبريء جريء، والمسيء مستوحش، والحريص تعب.
41 - قيل للإسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال الرضا بما رزقت منها، قيل: فما غمها؟ قال الحرص.
__________
(1) أنوشروان: هو الملك الفارسي كسرى.
(2) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن، مولى بني هاشم، وأبو فنن كنية أبيه واسم أبيه صالح بن سعيد. راجع وفيات الأعيان (ترجمة يزيد بن مزيد).
(3) أفريدون: هو أفريدون بن أنقيان من ولد جمشيد، الملك السادس من ملوك الطبقة الأولى من الفرس، لقبه المؤيد. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي.(3/274)
42 - ابن أبي عيينة (1):
ومن أشرب اليأس كان الغنيّ ... ومن أشرب الحرص كان الفقيرا
43 - من أطلق من أمله فرّط في عمله.
44 - كان ابن سيرين (2) يقول: أنا لما لا احتسب أرجى مني لما احتسبت، قال الله تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لََا يَحْتَسِبُ} (3).
45 - قيل لأبي رجاء العطاردي (4): كيف تجدك؟ قال: قد جف جلدي على عظمي، وهذا أملي جديد بين عيني.
46 - سعيد بن جبير: الإغترار بالله المقام على الذنوب رجاء المغفرة.
47 - فضيل (5): الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف.
48 - ابن عيينة (6): لو قيل للناس أي الأمرين أعجب إليكم، أن تزادوا في عقولكم أو في ذات أيديكم؟ لقالوا: أما عقولنا فقد أوتينا منها ما اكتفينا به.
49 - يقدر المقدرون والقضاء يضحك.
__________
(1) ابن عيينة: هو محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة. شاعر تقدمت ترجمته.
(2) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين. تقدمت ترجمته، وراجع مقدمتنا لكتاب منتخب الكلام في تفسير الأحلام طبقة دار الفكر اللبناني.
(3) سورة الطلاق، من الآية: 3.
(4) أبو رجاء العطاردي: هو عمران بن ملحان البصري. تقدمت ترجمته.
(5) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد.
(6) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي المتوفى سنة 198هـ تقدمت ترجمته.(3/275)
50 - الحسن (1): لو رأيت الأجل ومسيره لنسيت الأمل وغروره.
51 - الخدري (2) رضي الله عنه: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر، إن أسامة لطويل الأمل.
52 - أنس (3) رضي الله عنه: رأى رسول الله في نعل رجل شسعا من حديد، فقال: قد أطلت الأمل، وزهدت في الآخرة، وحرمت الحسنات، إنه إذا انقطع قبال أحدكم فاسترجع (4) كان عليه من الله صلاة.
53 - ابن عباس: كان نبي الله يخرج فيبول ثم يسمح بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: ما يدريني لعلي لا أبلغه.
54 - أبو عثمان النهدي (5): بلغت نحوا من ثلاثين ومائة سنة، وما مني شيء إلا وقد عرفت فيه النقص غير أملي فإنه كما هو.
55 - أنس رفعه: يهرم ابن آدم ويشيب منه اثنتان الحرص والأمل.
56 - أبو هريرة رفعه: لا يزال الكبير شابا في اثنتين حب المال وطول الأمل.
57 - صلى محمد بن أبي تربة (6) بمعروف الكرخي (7)، ثم قال: لا أصلي بكم أخرى. فقال معروف: أو أنت تحدث نفسك بصلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.
__________
(1) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري. تقدمت ترجمته.
(2) الخدري: هو سعد بن مالك. تقدمت ترجمته.
(3) أنس: هو أنس بن مالك خادم رسول الله. تقدمت ترجمته.
(4) استرجع: قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
(5) أبو عثمان النهدي: تقدمت ترجمته.
(6) محمد بن أبي تربة: لم نقف له على ترجمة.
(7) معروف الكرخي: هو معروف بن فيروز الكرخي. تقدمت ترجمته.(3/276)
58 - أبو العتاهية (1):
لقد لعبت وجدّ الموت في طلبي ... وإنّ في الموت شغلا لي عن اللعب
لو شمّرت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتدّ حرصي على الدنيا ولا كلبي
وله:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال (2)
هب الدنيا تصبّى إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال
59 - لقمان: يا بني، كن ذا قلبين، قلب تخاف الله به خوفا لا يخالطه تفريط، وقلب ترجو الله به رجاء لا يخالطه تغرير (3).
60 - لا ينقضي الأمل ما بقي الأجل.
61 - المرء ما دام حيا خادم الأمل.
62 - قيل لمحمد بن واسع: كيف تجدك؟ قال: قصير الأجل، طويل الأمل، سيء العمل.
63 - من جرى في عنان أمله كان عائرا بأجله.
64 - لو رأيتم الأجل وسروره لأبغضتم الأمل وغروره.
65 - لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.
66 - قيل لرجل: كيف حالك؟ قال: أخدم الرجاء إلى أن ينزل القضاء.
67 - بسط مطارح نظري ومسارح أملي.
68 - وفدت عليه آماله فانثالت عليه أمواله.
__________
(1) أبو العتاهية: هو إسماعيل بن قاسم الشاعر المشهور. تقدمت ترجمته.
(2) سلم بن عمرو: هو الشاعر المعروف بسلم الخاسر الذي باع المصحف واشترى بثمنه طنبورا. تقدمت ترجمته.
(3) التغرير: حمل النفس على الغرور.(3/277)
69 - ابن نباتة (1):
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
70 - إياكم وطول الأمل فإنه من ألهاه أمله أخزاه أجله.
71 - لما خلق الله تعالى آدم خلق له أملا وأجلا، وجعل أمله أمامه، وأجله وراءه فالحرص والأمل يحملان النفوس على المآثم ويوردانها المهالك.
72 - قال رجل لمدني: أيسرك أن هذه الدار لك؟ قال: نعم، قال: وليس إلا ذلك؟ قال: وكيف أقول؟ قال تقول: نعم وأحمّ سنة، نعم وأعور.
73 - ابن عائشة (2): كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلمه الجبار.
74 - قتادة بن شراحيل بن الأصهب (3):
وإنّ رجائي من جمانة باطل ... رجاء غمام لاقح غير ماطر (4)
75 - يقال: في فلان ملق داية وحرص نباش.
76 - ابن المعتز:
دع الناس قد طال ما أتعبوك ... ورد إلى الله وجه الأمل
__________
(1) ابن نباتة: هو عبد العزيز بن عمر بن محمد بن نباتة التيمي، من شعراء سيف الدولة بن حمدان. قال ابن خلكان: معظم شعره جيّد. توفي ببغداد سنة 405هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 295ومفتاح السعادة 1: 198.
(2) ابن عائشة: هو عبد الرحمن عبيد الله بن محمد التيمي. والعائشي نسبة إلى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي لأنه من ذرّيتها. كان أديبا عالما بالحديث والسيرة من أهل البصرة. توفي سنة 228هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 10: 314والحيوان للجاحظ 2: 12.
(3) قتادة بن شراحيل بن الأصهب: لم نقف له على ترجمة.
(4) اللواقح من الرياح: التي تحمل الندى ثم تمجّه في السحاب.(3/278)
ولا تطلب الرزق من طالبيه ... واطلبه ممن به قد كفل
77 - قال معاوية لجلسائه مرة: وددت لو أن الدنيا في يدي بيضة بنمرشت وأحسوها كما هي.
78 - قال رجل لصاحبه: لو كان لي كذا! فقال: حرث اللو (1) فما أنبت.
79 - أنذر أبا مسلم (2) شيخ نصراني حين دنا قتله فبكى، فقال: لا تبك، إنك لم تؤت من رأي ربيق (3)، ولا من حزم وثيق، ولا تدبير نافع، ولا سيف قاطع، ولكن ما اجتمع في أحد أمله إلا أسرع في تفريقه أجله.
80 - عتبة بن أبي سفيان في خطبته: وإياكم وقول لو فإنها قد أعيت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم.
81 - ابن السماك (4): خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله كأنك لم تعصه.
82 - علي رضي الله عنه: من بلغ أقصى أمله فليتوقع أدنى أجله.
83 - أبو زبيد الطائي (5):
__________
(1) اللّو: اسم مأخوذ من «لو» وهو حرف امتناع لامتناع، وحرف شرط غير جازم، وحرف تمن، ومصدرية. ولها أحوال موضعها كتب النحو.
(2) أبو مسلم: هو أبو مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس.
(3) الرأي الربيق: القوي. والربيق في الأصل هو الحلقة تشد بها الغنم والاستعمال هما مجازيّ.
(4) ابن السماك: هو محمد بن صبيح. كان زاهدا راوية للحديث، اشتهر بالوعظ. قيل:
وعظ هارون الرشيد مرّة فغشي عليه. تقدمت ترجمته.
(5) أبو زبيد الطائي: هو المنذر بن حرملة، شاعر، معمّر من نصارى طيء. عاش زمنا في الجاهلية. كان يفد على ملوك العجم. أدرك الإسلام ولم يسلم وكان يدخل مكة متنكرا. إنقطع إلى منادمة الوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة في عهد عثمان. توفي نحو سنة 60هـ.
راجع ترجمته في خزانة الأدب للبغدادي 2: 155وكتاب المعمرين 86.(3/279)
ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتا وإن لوّا غناء
84 - عبد الصمد بن المعذل:
ولي أمل قطعت به الليالي ... أراني قد فنيت به وداما
85 - أبو عبيد الله وزير المهدي: اليأس حر والرجاء عبد.
86 - أبو عبيد الله الخواص (1) وكان نطوقا بالحكمة: حين علمت أن مولاي يلي محاسبتي زال عني حزني. قيل: كيف؟ قال: لأنّ الكريم إذا حاسب تفضل.
87 - بعض القرشيين: أجرى الله أعط وعانى الله انتقد.
88 - علي رضي الله عنه: إياكم والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى (2)، مع تثبيطها من خير الدنيا والآخرة.
89 - الخذلان مسامرة الأماني، والتوفيق رفض التواني.
90 - خاضت بنا المنى أودية من العنا، نال المنى عفوا، وكرع من شرعها صفوا.
91 - معمر بن عباد (3): الأماني للنفس مثل الترهات للّسان.
92 - أنشد الجاحظ:
الله أصدق والآمال كاذبة ... وجل هذا المنى في الصدر وسواس
__________
(1) أبو عبيد الله الخواص: لم نقف له على ترجمة. ولعله عباد بن عباد الخواص. ذكره الأصبهاني في حلية الأولياء 8: 281.
(2) النوكى: الحمقى. والأنوك: الأحمق.
(3) معمر بن عباد: هو صاحب فرقة المعمرية من المعتزلة من أهل البصرة. كان يناظر النظّام. توفي سنة 215هـ.
راجع ترجمته في لسان الميزان 6: 71والبيان والتبيين 1: 91.(3/280)
93 [شاعر]:
ولا تتعلل بالأماني فإنها ... مطايا أحاديث النفوس الكواذب
94 - أعرابي: فلان يقطع نهاره بالمنى، ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى.
الحسن: إياكم وهذه الأماني فإنه لم يعط أحد بالأمنية خيرا قط في الدنيا ولا في الآخرة.
95 - قس بن ساعدة الأيادي:
ما قد تولى فهو لا شك فائت ... فهل ينفعنّي ليتني ولعلّني
96 [شاعر]:
شط المزار وانتهى الأمل ... فلا خيال ولا رسم ولا طلل
إلا رجاء فما ندري أندركه ... أم يستمر فيأتي دونه الأجل
97 - الخليل (1):
ألا أيها المهدي غير مدافع ... رجاؤك خير من عطاء سواكا
98 - أعرابي: وعد الكريم فقد وتعجيل، ووعد اللئيم مطل (2)
وتعليل.
99 - فلان يعد وعد من لا يخلف، ثم ينجز إنجاز من يخلف.
100 - كاتب: أما بعد، فحق من أزهر بقول أن يثمر بفعل.
101 - أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإن أردت الأنعام فانجح، وإن تعذرت الحاجة فأفصح.
102 - وعد رجل رجلا ولم يف له، فقال: أخلفتني، قال: والله ما
__________
(1) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي. من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض. كان أستاذ سيبويه. مات بالبصرة سنة 170هـ.
(2) المطل: التسويف.(3/281)
أخلفتك ولكن ما لي أخلفك.
103 - الجاحظ: مواعيد القيان (1) الآل (2) اللامع في الفيافي (3)، والهشيم تذروه الرياح السوافي.
104 - قال أبو مقاتل الضرير (4): قلت لأعرابي: قد أكثر الناس في المواعيد، فما قولك فيها؟ قال: بئس الشيء الوعد، مشغلة للقلب الفارغ، متعبة للبدن الخافض، خيره غائب، وشره حاضر.
105 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: عدة المؤمن كأخذ باليد.
106 - أنشد الجاحظ:
قد بلوناك بحمد الله إن أغنى البلاء (5) ... فإذا كل مواعيدك والجحد سواء
107 - قيل لمزبد (6): أيسرك أن عندك قنينة شراب؟ قال: يا ابن أم، من يسره دخول النار بالمجان.
108 - فلان يمشي مطله في وجل.
109 - عدة منشورة عن مطل، مطوية على بخل.
110 - لا حبذا الإسعاف إذا اعتصر التسويف ماءه.
111 - كم أجررته على شوك المطل، ثم أبته على قصص الخلف.
__________
(1) القيان: جمع قينة وهي الأمة المغنية.
(2) الآل: السراب وهو ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماء تنعكس فيه البيوت والأشجار وغيرها ويضرب به المثل في الكذب والخداع.
(3) الفيافي: الصحاري الواسعة.
(4) أبو مقاتل الضرير: لم نقف له على ترجمة ولعلّ الصواب أبو معاوية الضرير وهو محمد بن حازم التميمي السعدي. ولد سنة 110هـ وتوفي سنة 195هـ.
(5) بلوناك: إختبرناك.
(6) مزبد: هو أبو إسحاق مزبد المدني من مشهوري أصحاب النوادر والفكاهة في المدينة المنورة، أخباره في فوات الوفيات 2: 303وجمع الجواهر للحصري 144.(3/282)
112 [شاعر]:
وإنك إن منّيت منّيت موعدا ... جهاما وإن أبرقت خلّبا (1)
113 [آخر]:
يباري الرياح بمثل الرياح ... من كاذبات مواعيده
114 - محمد بن حسان الضبي (2):
غذيت بالمطل وعدا رفّ مورقه ... حتى ذوى منه بعد الخضرة العود
واها للفظك ما أحلى مخارجه ... لولا عقارب مطل بعده سود
115 [آخر]:
جزى الله خيرا أريحيا سألته ... فلا هو أعطى ما سألت ولا منع (3)
تكرم عن ردّي ولم يقض حاجتي ... فيقلبني باليأس في صورة الطمع
هنيئا لمن يرضى بإخلاف وعده ... هنيئا له إن كان يحسن ما صنع
116 - مدح بشار (4) خالد بن برمك فأمر له بعشرين ألفا فأبطأت عليه، فقال لقائده أقمني حيث يمر، فأخذ بلجام بغلته وقال:
أظلت علينا منك يوما سحابة ... أضاءت لنا برقا وراث رشاشها
فلا غيمها يصحى فييأس طامع ... ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها
فقال: لا تبرح حتى تؤتى بها.
__________
(1) البرق الخلّب: الذي ينذر بالمطر، ولا تمطر.
(2) محمد بن حسان الضبيّ: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 379وهو فيه:
محمد بن حسان العمي، وذكر له بعض الأخبار ولم يترجم له.
(3) الأريحي من الرجال: الذي يفعل الخير وتطيب نفسه له.
(4) بشّار: هو بشار بن برد الشاعر الأعمى. تقدمت ترجمته.(3/283)
117 - زيد الفوارس (1) من فرسان الجاهلية:
وموعدتي حقا كأن قد فعلتها ... متى ما أقل شيئا فإني كعازم
أريد به بعد الممات جزاءه ... لدى حاسب يوم القيامة عالم
118 - صالح بن جناح اللخمي (2):
ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
وإن تجمع الآفات فالبخل شرّها ... وشرّ من البخل المواعيد والمطل
ولا خير في وعد إذا كان كاذبا ... ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
119 - أبو الجريرة (3):
إن التي سلبتك يوم عوارض ... بالذل وهي سليمة لا تسلب
منّتك ثم لوتك دينا قادعا ... وعداتهن إذا وعدن الخلب
120 - محمد بن أبي أمية (4):
__________
(1) زيد الفوارس: هو رئيس بني ضبة، شاعر فارس جاهلي. اختار له أبو تمام أبياتا في الحماسة.
راجع شرح الحماسة للتبريزي 2: 118، وشرح المرزوقي 557والمؤتلف والمتخلف للآمدي 131وخزانة البغدادي 1: 516.
(2) صالح بن جناح اللخمي: هو شاعر دمشقي من الحكماء، أدرك التابعين. راجع ترجمته في الأعلام 3: 190وتهذيب ابن عساكر 6: 367ومجلة المقتبس وله فيها رسالة في «الأدب والمروءة» نشرها الشيخ طاهر الجزائري.
(3) أبو الجريرة: هو عيسى بن أوس بن عصية، نسبته إلى عبد القيس قال عنه الآمدي إنه شاعر محسن متمكن وذكر له أبياتا في رثاء الجنيد بن عبد الرحمن المرّي والي خراسان المتوفى سنة 115. وذكر المرزباني في معجم الشعراء وذكر له شعرا في مدح الجنيد ورثائه.
راجع المؤتلف والمختلف ص 79ومعجم الشعراء ص 258.
(4) محمد بن أبي أميّة: مولى بني أمية بن عبد شمس، أصله من البصرة، له أخوة وأقارب كلهم شعراء.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 852وراجع الأغاني.(3/284)
تذبّ المنى عني المنايا ولو خلا ... مقيل المنى من مهجتي لطفيت
121 - محمد بن وهيب (1):
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
122 - نفيع بن اللقيط الأسدي (2):
يسعى الفتى لينال أقصى سعيه ... هيهات حالت دون ذاك خطوب
يسعى ويأمل والمنية خلفه ... توفي الأكام لها عليه رقيب
لا الموت محتقر الصغير فعادل ... عنه ولا كبر الكبير مهيب
فإذا صدقت النفس لم تترك لها ... أملا ويأمل ما اشتهى المكذوب
123 - صخر بن الجعد (3):
أرجى أن ألاقي آل كاس ... كما يرجو أخو السنة الربيعا (4)
124 - ماتت أم ولد للهذلي (5) فأمر المنصور الربيع (6) أن يعزيه
__________
(1) محمد بن وهيب: هو محمد بن وهيب الحميري صليبة، شاعر من أهل بغداد من شعراء الدولة العباسية أصله من البصرة. اتصل بالحسن بن سهل فمدحه واختصّ به فوصله بالمأمون ومدحه، كان يتشيّع وله مراث في أهل البيت، وكان تيّاها شديد الزهاء بنفسه. مات نحو سنة 225هـ.
راجع ترجمته في معجم الشعراء 420وطبقات ابن المعتز 210.
(2) نفيع بن لقيط الأسدي: لم نقف له على ترجمة.
(3) صخر بن الجعد: شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان مغرما بامرأة من قومه اسمها كأس بنت بجير بن جندب وأشهر شعره فيها. وماتت كأس فرثاها.
راجع ترجمته في شرح شواهد المغني 153والأعلام للزركلي وفيه وفاته نحو سنة 140هـ.
(4) كأس: المرأة التي كان يغرم بها. والسنة: أراد الجدب والقحط.
(5) الهذلي: هو عبد الله بن سلمى. كان خطيبا صاحب أخبار وآثار. ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب في باب الكنى وقال: اسمه سلمى بن عبد الله بن سلمى. توفي سنة 167هـ.
(6) الربيع: هو الربيع بن يونس، أبو الفضل. اتخذه المنصور حاجبا ثم استوزره كان حازما. حظي عند المهدي. توفي سنة 169هـ. راجع تاريخ بغداد 8: 414.(3/285)
ويقول: إن أمير المؤمنين موجه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عنها، وأمر لك معها بفرش وكسوة وصلة، فلم يزل الهذلي يتوقعها.
ونسيها المنصور. وحج ومعه الهذلي، فقال له وهو بالمدينة: أحب أن أطوف الليلة في المدينة فأطلب لي من يطوف بي، فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين. فطاف حتى وصل إلى بيت عاتكة، فقال: يا أمير المؤمنين، وهذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص (1) «يا بيت عاتكة الذي أتعزل» (2)، فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه. فلما رجع أمرّ القصيدة على قلبه فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل (3)
فذكر الموعد فأنجزه له واعتذر إليه.
125 - الوعد وجه والإنجاز محاسنه. الوعد سحابة والإنجاز مطر.
126 - لقح المعروف بالوعد، وأنتجه بالفعال، وأرضعه بالزيادة.
127 [شاعر]:
إذا مطلت امرأ بحاجته ... فامض على مطله ولا تحد
128 - قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن: يا بنيّ، خف الله خوفا
__________
(1) الأحوص: هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. من أهل المدينة، عدّه ابن سلام في الطبقة السادسة من شعراء الإسلام مع ابن قيس الرقيات ونصيب وجميل بن معمر. كان قليل المروءة والدين هجاء للناس مأبونا فيما يروى عنه. له أخبار مع الوليد بن عبد الملك. الذي نفاه إلى دهلك (جزيرة بين اليمن والحبشة) فبقي فيها إلى أن أطلقه يزيد بن عبد الملك فقدم دمشق ومات فيها سنة 105هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سلام 534والشعر والشعراء 424والخزانة 1: 231.
(2) عاتكة: هي بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية وقيل غير ذلك. والبيت من قصيدة له يمدح بها عمر بن عبد العزيز يوم كان أمير المدينة وتمام البيت:
يا بيت عاتكة التي أتعزل ... حذر العدى وبها الفؤاد موكّل
(3) مذق الودّ: شابه بكدر ولم يخلصه.(3/286)
ترى أنك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك. وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك.
129 - كان يقال لعبد الله بن عامر (1): أفلح سائله.
130 - أنشد العتبي (2) الرشيد:
النفس تطمع والأسباب عاجزة ... والنفس تهلك بين اليأس والطمع
__________
(1) عبد الله بن عامر: هو عبد الله بن عامر بن كريز، أبو عبد الرحمن، أمير فاتح ولد بمكة سنة 4هـ وولي البصرة أيام عثمان سنة 29هـ. ومات بمكة سنة 59هـ ودفن بعرفات. قال عنه الإمام عليّ: ابن عامر سيّد فتيان قريش.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 30وفيه أنه ابن خالة عثمان بن عفّان.
(2) العتبي: هو محمد بن عبد الله العتبي الإخباري. كان شاعرا صاحب أخبار وآداب توفي سنة 228هـ. له كتاب الخيل وكتاب الأعاريب.(3/287)
الباب السادس والأربعون الطاعة لله ولرسوله ولولاة المسلمين وذكر الانقياد والخضوع والامتثال
1 - علي رضي الله عنه: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا وأمرّ عليهم رجلا وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج نارا وأمرهم أن يقتحموا فيها فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار، وأراد قوم أن يدخلوها. فبلغ ذلك النبي فقال: لو دخلوها لم يزالوا فيها. وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وروي: فهم القوم أن يدخلوها فقال لهم شاب: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها فأتوا رسول الله، فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال: اسم الأمير عبد الله بن محرز (1) وكانت فيه دعابة، فلما هموا بالدخول قال اجلسوا فأني كنت أضحك وألعب، وقال رسول الله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
2 - عبد الله بن عمرو (2) رضي الله عنه، رفعه: السمع والطاعة على
__________
(1) عبد الله بن محرز: لم نقف له على ترجمة.
(2) عبد الله بن عمرو: هو عبد الله بن عمرو بن العاص. صحابي أسلم قبل أبيه، كان يكتب في الجاهلية ويحسن السريانية. كان يشهد الحروب والغزوات ويضرب بسيفين. شهد صفين مع معاوية. عمي في آخر حياته، وتوفي سنة 65هـ.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 4838وصفة الصفوة 1: 270وفيه: مات بالشام.(3/289)
المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
3 - أم الحصين (1): حججت مع رسول الله في حجة الوداع فسمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مجدّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا.
4 - أبو ذر رضي الله عنه: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ولو كان عبدا مجدع الأطراف.
5 - أبو هريرة رفعه: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.
وعنه عليه السّلام: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك.
6 - أبو العتاهية:
أطع الله بجهدك ... عامدا أو دون جهدك.
أعط مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدك
7 - بعث سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى عمر بن الخطاب، فقال له عمر: كيف تركت الناس؟ قال: هم كقداح (2)
__________
(1) أم الحصين: هي بنت إسحاق الأحمسية. روى عنها يحيى بن الحصين والعيزار بن حريث.
راجع الإصابة 8: 223.
(2) القداح: السهم قبل أن ينصل ويراش.(3/290)
الجعبة (1) منها الأعضل (2) الطايش (3) ومنها القائم (4) الرايش (5) وسعد بن أبي وقاص ثقافها (6) الذي يقيم أودها (7) ويغمز (8) عضلها (9). قال: وكيف تركت طاعتهم؟ قال: يصلون الصلاة لأوقاتها، ويؤدون الطاعة إلى ولاتها، فقال عمر: الله أكبر! إذا أقيمت الصلاة أوتيت الزكاة، وإذا كانت الطاعة كانت الجماعة.
8 - علي رضي الله عنه: إن الله سبحانه جعل الطاعة غنيمة الأكياس (10) عند تفريط العجزة (11).
9 - قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي لك؟ قال:
أحسن طاعة. قال: فأطعني كما كنت أطيعك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك.
10 - الحجاج: في خطبته: يا أيها الناس، اقدعوا (12) هذه الأنفس فأنها أشهى شيء إذا أعطيت، وأعطى شيء إذا منعت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاما وزماما فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معصية الله، فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله.
__________
(1) الجعبة: هي كنانة النشاب.
(2) الأعضل: السهم الذي يلتوي إذا رمي به.
(3) السهم الطائش: الذي عدل عن الهدف.
(4) السهم القائم: المستقيم.
(5) السهم الرائش: الذي وضع فيه الريش.
(6) الثقاف: حديدة تكون مع الرّماح يقوّم بها الشيء المعوجّ.
(7) الأود: العوج.
(8) يغمز: يعصر.
(9) العضل: الشدّة والأمر المستغلق.
(10) الأكياس: العقلاء.
(11) العجزة: المقصرون في أعمالهم.
(12) اقدعوا هذه الأنفس: كنّوها وامنعوها.(3/291)
11 [شاعر]:
يا من غدا لي أعزّ مولى ... ملكت مني أذل عبد
طاعة قلب ونصح جيب ... وأمن غيب ورعي عهد
12 - مدح أعرابي رجلا فقال: آخذ الناس لما به أمر، وأتركهم لما عنه زجر.
13 - فضيل (1): من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد آثره عليه. ما أبالي فعلت ذلك أو صلّيت لغير القبلة.
14 - إبراهيم بن أدهم (2): لأن أدخل النار وقد أطعت الله أحبّ إليّ من أن أدخل الجنة وقد عصيت الله.
15 - الحجاج: والله لطاعتي أوجب من طاعة الله. إن الله يقول:
{فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) فجعل فيها مثنوية، وقال: {اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} (4) فلم يجعل فيها مثنوية فلو قلت لرجل ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحلّ لي دمه.
16 - إياس بن قتادة (5):
وإنّ من السادات ممّن لو أطعته ... دعاك إلى نار يفور سعيرها
__________
(1) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد.
(2) إبراهيم بن أدهم: هو إبراهيم بن أدهم الزاهد. كان يعيش من العمل بالحصاد وحفظ البساتين والحمل والطحن ويشترك مع الغزاة في قتال الروم، يصوم في السفر والإقامة، توفي سنة 162هـ بالجزيرة وحمل ودفن في صور.
راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 2: 167والبداية والنهاية 10: 135.
(3) سورة التغابن، من الآية: 16.
(4) سورة التغابن، من الآية: 16.
(5) إياس بن قتادة: هو ابن أخت الأحنف بن قيس. ترجمته في صفة الصفوة 3: 144 وعيون الأخبار 2: 324والبيان والتبيين والإصابة 1: 92.(3/292)
17 - أبرويز (1): أطع من فوقك يطعك من دونك، وكان يقول: إذا أردت أن تفتضح فمر من لا يمتثل أمرك.
18 - أسفنديار (2): إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. وعنه: إن المولى إذا كلف عبده ما لا يطيقه فقد أقام عذره في مخالفته.
19 - كتب رسطاليس (3) إلى الإسكندر: إياك أن تعهد من أصحابك طاعة المخافة فإنك تفقدها منهم أحوج ما تكون إليها. واجتهد في إحراز طاعة المحبة منهم تجدها في أي وقت أردت.
20 - كان المنصور يقول: إن الحسن قد انتكث منذ لقيه أبو حنيفة.
يريد الحسن بن قحطبة وأنه تثبط عن طاعته والإقدام على مظالمه لاستماعه لعظات أبي حنيفة رحمه الله ونصائحه وتخويفه من سطوات الله.
21 - زيد بن علي (4) رضي الله عنه: إذا دعوتكم إلى أمر فلم أسبقكم إليه فلا طاعة لي عليكم.
22 - ابن رميلة الضبي (5):
أظن ضرار أنني سأطيعه ... وأني سأعطيه الذي كنت أمنع
__________
(1) أبرويز: لقب كسرى الثاني خسرو بن هرمز بن أنوشروان (7هـ) غزا أرمينية وأرض الجزيرة وسوريا وفلسطين واستولى على بيت المقدس وحمل معه صليبا يسميه النصارى الصليب الحقيقي. يقال إنه هو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك الحيرة وعلى عهده كانت وقعة ذي قار لبكر بن وائل ومن معهم من عبس وتميم. وجّه إليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كتابا مع دحية الكلبي يدعوه فيه إلى الإسلام فمزّق الكتاب. قتله ابنه قباذ بعد أن حكم 38سنة.
(2) اسفنديار: هو ابن اسفنديار بن بشتاسب. كان قائدا قتله رستم الشديد. راجع ابن الأثير 1: 274.
(3) رسطاليس: هو أرسطو الفيلسوف اليوناني المشهور.
(4) زيد بن علي: هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تقدمت ترجمته.
(5) ابن رميلة الضبيّ: راجع خبره في المؤتلف والمختلف للآمدي في كلامه عن الأشهب ابن رميلة التميمي.(3/293)
إذا اغرورقت عيناه واحمرّ وجهه ... وقد كاد غيظا جلده يتبضّع
23 - الحمد لله الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم، وجعل أهل معصيته أمواتا في حياتهم.
24 - علي رضي الله عنه: من أراد الغنى بلا مال، والعز بلا عشيرة، والطاعة بلا سلطان، فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته، فإنه واجد ذلك كله.
25 - أبو البختري (1): وددت أن الله يطاع وأني عبد مملوك.
26 - لقيط بن زرارة التميمي (2) لعمرو بن هند (3):
فإنك لو غطّيت أرجاء هوة ... مغمسة لا يستبان ترابها
وذلك في ظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها مسرعا لا أهابها
27 - طريح بن إسماعيل (4) في الوليد (5):
__________
(1) أبو البختري: هو سعيد بن فيروز الطائي. راو من أهل الكوفة من التابعين طعنه أحد رجال الحجاج في وقعة دير الجماجم برمح فقتله سنة 82هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الإسلام 3: 231وشذرات الذهب 1: 92وحلية الأولياء 4: 379.
(2) لقيط بن زرارة التميمي: شاعر، فارس، كان في الجاهلية يدين بالمجوسية، قتله عمارة الوهاب العبسي يوم شعب جبلة في نجد وهو يوم بين بني تميم وبني عامر بن صعصعة وهو من أعظم أيام العرب.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 599والآمدي 175وأمالي الشجري 1: 97.
(3) عمرو بن هند: هو عمرو بن المنذر اللخمي ملك الحيرة في الجاهلية عرف بنسبته إلى أمّه هند عمّة امرىء القيس الشاعر تمييزا له عن أخيه عمرو الأصغر ابن أمامة.
يلقب بالمحرّق الثاني. وهو صاحب صحيفة المتلمّس وقاتل طرفة بن العبد الشاعر.
قتله عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة في خبر طويل نحو سنة 45قبل الهجرة. راجع العرب قبل الإسلام 208وأعلام الزركلي.
(4) طريح بن إسماعيل: هو طريح بن إسماعيل بن عبيد بن أسيد الثقفي، شاعر الوليد بن يزيد وخليله. عاش إلى أيام المهدي العباسي ومات سنة 165هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 4: 276وتهذيب ابن عساكر 7: 53.
(5) الوليد: هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك. تقدمت ترجمته.(3/294)
لو قلت للسيل دع طريقك والمو ... ج عليه كالهضب تعتلج
لارتد أوساخ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
28 - صاحب كليلة ودمنة (1): لا يرد بأس العدو القوي بمثل الخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانسيابه معها.
29 - قال عبد الملك (2) للحجاج كيف طاعتك؟ قال: طاعة الحمار الحمول العمول، إن حمل عليه اثنان قال هو ذاك، وإن حمل عليه واحد قال هو ذاك، وإن أقضم رضي الله، وإن لم يقضم عمل العمل.
وكتب عبد الملك إليه ينكر عليه إسرافه في الدماء والأموال، فأجابه:
إذا أنا لم أطلب رضاك واجتنب ... أذاك فيومي لا توارى كواكبه
وما لامرىء يعصى الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راهبه
أسالم من سالمت من ذي قرابة ... ومن لم تسالمه فإني محاربه
إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... فقامت عليه في الصباح نوادبه
إذا أنا لم أدن الشفيق بنصحه ... وأقص الذي تسرى إليه عقاربه
وأعطى المواسى في البلاء عطية ... ترد الذي ضاقت عليه مذاهبه
فمن يتقي يومي ويرعى مودتي ... ويخشى غدي والدهر جم عجائبه
والأمر إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه
فقف بي على حد الرضا لا أجوزه ... يد الدهر حتى يرجع الدر حالبه
وإلا فذرني والأمور فإنني ... رفيق شفيق أحكمته تجاربه
30 - أمر رجل رجلا بأمر فقال: أنا أطوع لك من الرداء، وأذل لك من الحذاء.
__________
(1) صاحب كليلة ودمنة: هو الفيلسوف الهندي بيدبا وضعه له بشليم ملك الهند وجعله باللغة الفهلوية على ألسنة البهائم والطيور.
(2) عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي.(3/295)
31 [شاعر]:
ولو أنه قال مت حسرة ... لسارعت طوعا إلى أمره
32 [آخر]:
إني لاذكره فاخضع ذلة ... حتى أمسّ بخدي الأرضا
آخر:
أمرّ من طعم كل مرّ ... خضوع حرّ لغير حرّ
34 - آخر:
لا بد للمرء من سجود ... في زمن السوء للقرود
35 - سوار بن المضرب (1):
أترجو بنو مروان سمعي كطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا
36 - علي عليه السّلام: فانهد بمن أطاعك على من عصاك، واستغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك، فإن المتكاره مغيبه خير من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه (2).
__________
(1) سوار بن المضرب: كان شاعرا من شعراء العصر الأموي وهو أحد بني ربيعة بن كعب ابن زيد مناة بن تميم.
راجع خبره في المؤتلف والمختلف للآمدي ص 183وشرح الحماسة للتبريزي 1: 125.
(2) راجع نهج البلاغة 3: 6.(3/296)
الباب السابع والأربعون الظن والفراسة، والتهمة والشك والاسترابة والحرص والتقدير، والفكر والإضمار
1 - ابن عباس رضي الله عنه: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة فقال:
مرحبا من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والله إن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك، لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثا: دمه، وماله وأن يظن به ظن السوء.
2 - علي رضي الله عنه: من ظن بك خيرا فصدق ظنه (1).
وعنه: اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم (2).
وعنه: إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية (3) فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرّر (4).
وعنه: ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن (5).
__________
(1) راجع نهج البلاغة 4: 54.
(2) راجع نهج البلاغة 4: 73.
(3) الخزية: البليّة المذلّة.
(4) غرّر: وقع في الخطر، والغرير: الذي لا تجربة له في الحياة.
(5) راجع نهج البلاغة 4: 49.(3/297)
3 - عمر رضي الله عنه: لن ينتفع المرء بعقله حتى ينتفع بظنّه.
وعنه: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة حرجت من في أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومنّ من أساء الظن به.
4 - وقف موسوس على ناس فسألهم فردوه، فقال:
أسأت إذا أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
5 - قيل لعالم: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله.
6 - طلب المتوكل جارية الزقاق (1) بالمدينة، فكاد يزول عقله لفرط حبه لها، فقالت لمولاها: أحسن ظنك بالله وبي فإني كفيلة لك بما تحب، فحملت. فقال لها المتوكل اقرأي، فقرأت: {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وََاحِدَةٌ} (2). ففهم المتوكل ما أرادت فردّها.
7 - كتب محمد بن سوقة (3) إلى جعفر بن برقان (4): الحمد لله الذي ستر منا ومنك القبيح، وأظهر منا ومنك الحسن حتى حسن الظن بنا وبك والسلام.
8 - أبو هريرة رفعه: إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله.
__________
(1) جارية الزقاق: لم نقف لها على ترجمة، وكذلك لم نقف على ترجمة للزقاق هذا.
(2) سورة ص من الآية: 23. فهم المتوكل من قراءة هذه الآية أنه كثير الجواري وأن الزقاق ليس له إلّا جارية واحدة فردّها إلى صاحبها.
(3) محمد بن سوقة: هو محمد بن سوقة العجلي من أتباع التابعين في الكوفة. كان تاجرا يبيع الخزّ وكان ورعا. تقدمت ترجمته.
(4) جعفر بن برقان: كان ثقة من ثقات المسلمين مجاب الدعوة. مات بالرقة سنة 154هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 84.(3/298)
9 [شاعر]:
وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي ... فأدّبني هذا الزمان وأهله
10 - بلعاء بن قيس (1):
وابغي صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره
11 - قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس.
12 - ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: هذا والله رجل سوء، أيظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب؟
13 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
14 - كان ابن الزبير (2) رضي الله عنه يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.
15 - قيل ليعقوب (3) عليه السّلام: إن بصر رجلا يطعم المسكين ويملأ حجر اليتيم. فقال: ينبغي أن يكون منا أهل البيت، فنظروا فإذا هو يوسف (4)
عليه السّلام.
16 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان:
__________
(1) بلعاء بن قيس: وهو المعروف بابن حبناء وهي بنت وائلة بن كعب وهي أمّه وقيل جدّته. كان على رأس كنانة في حروبهم ومغازيهم كثير الغارات على العرب، له أخبار في حروب الفجار وهو شاعر محسن. مات قبل يوم المريرة، وهو اليوم الخامس من أيام الفجار الآخر.
راجع ترجمته في الحيوان 3: 60والمؤتلف والمختلف للآمدي ص 106.
(2) ابن الزبير: هو عبد الله بن الزبير بن العوّام.
(3) يعقوب: هو النبي يعقوب عليه السّلام.
(4) يوسف: هو النبي يوسف عليه السّلام.(3/299)
لقد قرفوا أبا وهب بأمر ... كبير بل يزيد على الكبير
وأشهد أنهم كذبوا عليه ... شهادة عالم بهم خبير
17 - أبو وهب كنية عبد الصمد بن عبد الأعلى (1) مؤدب الوليد، وهو الذي أفسد الوليد وحمله على السخف والشراب، فنحاه عنه هشام (2) فقال ذلك.
18 - سهل الأحول (3) كاتب إبراهيم بن المهدي: ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز! وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم!.
19 - أعرابي: تسقطني فلان فأخلفت ظنه.
20 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن في كل أمة محدّثين ومروّعين (4)، فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر منهم.
21 - المحدث المصيب في حدسه كأنما حدث بالأمر. قال أوس (5):
مليح نجيح أخو مأقط ... نقاب يحدث بالغائب (6)
__________
(1) عبد الصمد بن عبد الأعلى: هو مؤدب الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويقال إنه هو الذي أفسده. كان يرمى بالزندقة.
راجع ترجمته في لسان الميزان 4: 21والبيان والتبيين 1: 252والأغاني والطبري.
(2) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان. الخليفة الأموي.
(3) سهل الأحول: هو سهل بن عبد الكريم. كان يكتب لإبراهيم بن المهدي. يعدّ قاضي الكتّاب في زمانه. راجع أخباره في الأغاني.
(4) المروّعون: جمع المروّع وهو الذي ألقي في روعه الصواب والصدق.
(5) أوس: هو أوس بن حجر التميمي، من كبار شعراء تميم في الجاهلية وهو زوج أم زهير بن أبي سلمى. حظي عند عمرو بن هند في الحيرة وعمّر طويلا وتوفي قبيل الإسلام.
(6) المأقط: المضيق في الحرب والموضع الذي يقتتلون فيه. والنقاب: هو الرجل العالم بالأشياء المنقب عنها الفطن.(3/300)
والمروّع الذي تلقى الأمور في روعه.
22 - أبو هريرة رفعه: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا (1) ولا تجسسوا.
وعنه عليه السّلام: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظنّ بي عبدي ما شاء. وأنا مع عبدي إذا ذكرني.
23 [شاعر]:
أحسن بربك ظنا ... فإنه عند ظنك
24 - الحسن: ما داء هذا الخلق كلهم إلا الشك.
25 - محمد بن علي الصيني (2) في طاهر بن الحسين:
كأنك مطلع في القلوب ... إذا ما تناجت بأسرارها
فكرات طرفك ممتدة ... إليك بغامض أخبارها
26 - من موالي بني سليم الحسن بن السقا (3) لم يكن في الأرض أخرص (4) منه أحزر. كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطىء.
وكان خرصه للموزون والمكيل والمعدود سواء لا يعدله شيء من ذلك، يقول في هذه الرمانة كذا حبة، ووزنها كذا، ويأخذ عدد الآس (5) فيقول فيه كذا ورقة ووزنه كذا فلا يخطىء.
__________
(1) تحسّس الخبر: طلبه وبحث عنه.
(2) محمد بن علي الصيني: هو راوية العتّابي شاعر طاهر بن الحسين وابنه عبد الله. له أخبار مع المأمون.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 421وطبقات ابن المعتزّ 303.
(3) الحسن بن السقاء: لم نقف له على ترجمة.
(4) قوله: لم يكن في الأرض أخرص منه. أي أعرف وأحزر، يقدّر الأمور بالظن ويصيب في تقديره.
(5) الآس: نوع من الشجر واحدته آسة.(3/301)
27 - ابن المعتز (1):
تفقد مساقط لحظ المريب ... فإن العيون وجوه القلوب
وطالع بوادره في الكلام ... فإنك تجني ثمار الغيوب
28 - علي كرّم الله وجهه: من تردد في الريب وطأته سنابك (2)
الشياطين (3).
وعنه: ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصحفات وجهه.
29 - أشار ابن عباس على عليّ رضي الله عنه بشيء فلم يعمل به ثم ندم فقال: ويح ابن عباس: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
30 - أبو نهشل بن حميد الطائي (4):
أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن العتيق (5)
لقد أطلعت لي تهما أراها ... ستحملني على مضض العقوق
31 - قالوا: إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول: ما عند الله خير وأبقى، فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها. وإذا رأيت أن قوما يخرجون من عند قاض ويقولون: ما شهدنا إلا بما علمنا، فاعلم أن شهادتهم لم تقبل. وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء: كيف ما قدمت عليه؟
__________
(1) ابن المعتز: هو عبد الله بن المعتز الخليفة العباسي المتوفّى سنة 296هـ كانت خلافته يوما وليلة. كان أديبا شاعرا له تصانيف.
(2) السنابك: جمع سنبك وهو طرف الحافر.
(3) راجع نهج البلاغة 4: 7.
(4) أبو نهشل بن حميد الطائي: نديم عبد الله بن محمد الأمين العباسي. كان شاعرا له أخبار مع دعبل الخزاعي. سماه صاحب الفهرست أبا نشهل بن حميد الطوسي.
راجع أخباره في الأغاني وفهرست ابن النديم.
(5) ذات عرق: مهلّ أهل العراق وهو الحدّ بين نجد وتهامة. وقيل: عرق جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 108107.(3/302)
فقال: الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن أمرأته قبيحة. وإذا رأيت رجلا يمشي ويتلفت، فاعلم أنه يريد أن يحدث (1). وإذا رأيت فقيرا يعدو، فاعلم أنه في حاجة غني، وإذا رأيت خارجا من عند الوالي وهو يقول: يد الله فوق أيديهم، فاعلم أنه قد صفع.
32 [راجز]:
قوم صدور الخيل يا ابن بشر ... ذات اليمين من مغيب النسر
أياك والشك وضعف الأمر
33 - مر ولد نزار (2) في طريقهم إلى الأفعى الجرهمي (3) بكلأ قد رعي، فقال مضر (4): إن البعير الذي رعى هذا لأعور، وقال ربيعة (5):
وهو أزور، وقال أياد (6): وهو أبتر، وقال أنمار (7) 4وهو شرود. فلقيهم صاحب البعير فسألهم فأعطوه صفته فاستدلّهم عليه، فقالوا: ما رأيناه.
فلزمهم وذهب معهم إلى الأفعى، فقال: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال:
مضر: رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعرفت أنه أعور.
__________
(1) قوله: يريد أن يحدث: أي يتغوّط.
(2) ولد نزار: هو نزار بن عدنان.
(3) الأفعى الجرهمي: حكيم جاهلي قديم من أهل نجران. والجرهمي نسبة إلى جرهم حيّ من اليمن.
(4) مضر: هو مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان حجازي من سلسلة النسب النبوي. أمّه سودة بنت عكّ. وهو أول من سنّ الحداء للإبل من العرب وكان من أحسن الناس صوتا. كانت لبنيه الرياسة بمكة والحرم.
(5) ربيعة: هو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وهو أخو مضر لأبيه أمّه جدالة بنت رعلان من جرهم، كان مسكن أبنائه بين اليمامة والبحرين والعراق.
(6) إياد: هو إياد بن نزار بن معد بن عدنان وهو أخو مضر لأبيه وأمّه. ينسب إليه بنو إياد وهم قبائل كثيرة.
(7) أنمار: هو أنمار بن نزار بن معد بن عدنان وهو أخو ربيعة لأبيه وأمّه. كانت منازل بنيه في تهامة الحجاز ودخل بعضهم الأندلس فكان منهم مشاهير.
راجع عن ابناء نزار: سبائك الذهب وجمهرة الأنساب وأعلام الزركلي.(3/303)
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعلمت أنه أفسده بشدة وطئه لازوراره. وقال إياد: عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصح به، وقال أنمار: كان يرعى بالمكان الملتف ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق منه وأخبث فعلمت أنه شرود. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه. ثم رحب بهم ودعا لهم بطعام وشراب وخرج من عندهم وتسمع عليهم، فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا لولا أنها نبتت على قبره. وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحما لولا أنه ربي بلبن كلبة. وقال إياد: لم أر كاليوم رجلا لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى إليه، وقال أنمار:
لم أر كاليوم كلاما انفع لولا أن صاحبنا يسمع.
فقال: ما هؤلاء إلا شياطين، وكان الأمر كما حدسوا.
34 - ابن عباس في عمر رضي الله عنه: ما رأيته إلا وكأن بين عينه ملك يسدده.
35 - الحسن: أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خير وأمه.
وعنه: من عرف الله أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها.
36 - والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن.
37 - سأل سعيد بن المسيب أيوب السختياني عن حديث فقال: إني أشك فيه. فقال: شكك أحب إليّ من يقين شعبة (1).
38 - عين المرء عنوان قلبه.
39 - قيل لرقبة بن مصقل: ما أكثر ما تشك؟ فقال ما ذلك إلا محاماة عن اليقين.
__________
(1) شعبة: هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي البصري من أئمة رجال الحديث حفظا ورواية. ولد بواسط سنة 82هـ واشتهر بالأدب والشعر وتوفي بالبصرة سنة 160هـ.(3/304)
40 - جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قبل موته بثلاث:
لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.
41 - التفكر قبل العمل يرفع هيبة البديهة.
42 - لما خرج عبد الملك يريد مصعبا (1) عرض له كثيّر (2) فقال: يا كثيّر ذكرتك اليوم فما تكاد تخرج من بالي، فإن أنبأتني لم ذكرتك فاحتكم عليّ فيما أدفعه إليك. قال: نعم، أردت الشخوص إلى هذا الوجه فنهتك عاتكة بنت يزيد (3)، فلما جددت بكت فبكى لبكائها حشمها، فذكرت قولي:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصان عليها عقد در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما عراها قطينها
قال: قد والله أصبت فاحتكم، قال: مائة ناقة برعاتها، فدفعها إليه ثم قال: هل لك أن تصحبنا في هذا الوجه؟ فقال: احرز هذه وارجع إليك.
قال: إنك قد صدقتني فوفيت لك، أفرأيت أن أنبئك بما في نفسك أتحكمني؟ قال: أي والله، قال: قد قلت في نفسك هذا عائد عن الحق من أهل النار يخرج إلى مثله، فلعله يصيبني سهم غرب (4) فالحق بالذي أنا معه. قال: قد أصبت يا أمير المؤمنين فاحتكم. قال: حكمي عليك أن أصل هذه الإبل لك بألف دينار وأعجل سراحك.
__________
(1) مصعب: هو مصعب بن الزبير بن العوّام. تقدمت ترجمته.
(2) كثيّر: هو الشاعر كثيّر عزّة. تقدمت ترجمته.
(3) عاتكة بنت يزيد: هي عاتكة بنت يزيد بن معاوية. تقدمت ترجمتها.
(4) السهم الغرب: الطائش الذي لا يدرى من رماه.(3/305)
الباب الثامن والأربعون الظلم وذكر الظلمة وما عليهم، والأذى وقسوة القلب، وما اتصل بذلك
1 - أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رحم الله عبدا كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فنحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة ليس معه دينار ولا درهم.
2 - جابر بن عتيك (1) رفعه: من اقتطع شيئا من مال امرىء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة. قالوا يا رسول الله وإن شيء يسير؟ قال: ولو قضيب من أراك (2).
3 - حذيفة (3): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوحي إليّ يا أخا المرسلين، يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائما يصلي بين يدي يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة.
__________
(1) جابر بن عتيك: هو جابر بن عتيك بن النعمان بن عتيك الأنصاري. له صحبة.
راجع الإصابة 1: 224.
(2) الأراك: نوع من الشجر تصنع من أغصانه المساويك.
(3) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان، صحابي من الولاة الشجعان الفاتحين. استعمله عمر على المدائن واشترك في الفتوح، وتوفي في المدائن سنة 36هـ.(3/307)
4 - ابن عمر رفعه: لرد دانق (1) حرام يعادل عند الله سبعين حجة مبرورة.
5 - أبو هريرة رفعه: لا يغبطن ظالم بظلمه فإنّ له عند الله طالبا حثيثا، ثم قرأ: {كُلَّمََا خَبَتْ زِدْنََاهُمْ سَعِيراً} (2).
6 - علي رضي الله عنه رفعه: إياكم ودعوة المظلوم، فإنما سأل الله حقه، وإن الله لا يمنع من ذي حق حقه.
7 - خزيمة بن ثابت رفعه: اتقوا دعوة المظلوم، فإنما تحمل على الغمام، يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
8 - علي رفعه: يقول الله اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري.
9 - النابغة الجعدي (3) لعقال بن خويلد العقيلي (4):
كليب لعمرو الله كان أكثر ناصرا ... وأهون ذنبا منك ضرّج بالدم
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم (5)
10 - مر عامر بن بهدلة (6) برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين. فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة، فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي على الظالمين أحل المظلومين في أعلى عليين.
11 - بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما وأخاف الأخرى: دعوة
__________
(1) الدانق: سدس الدرهم.
(2) سورة الإسراء، من الآية: 97.
(3) النابغة الجعدي: هو قيس بن عبد الله. تقدمت ترجمته.
(4) عقال بن خويلد العقيلي: ذكره أبو الفرج في الأغاني وذكر له البيتين.
(5) الناب من الإبل: المسنّ. والبرد المسهّم: الثوب المخطّط على شكل السّهام.
(6) عامر بن بهدلة: لم نقف له على ترجمة.(3/308)
مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
12 - مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجلين يتشاجران، وكان أحدهما يتعدى ويتطاول، وصاحبه يقول: حسبي الله، حسبي الله، فقال عليه السّلام: يا رجل، أبل من نفسك عذرا (1)، فإذا أعجزك الأمر فقل حسبي الله.
13 - من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته.
14 - زياد (2): يعجبني من الرجل إذا سيم خطة الضيم أن يقول بملء فيه: لا.
15 - عمر بن عبد العزيز: الوليد (3) بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة ابن شريك بمصر، وعثمان بن حيان (4) بالحجاز، ومحمد بن يوسف (5)
باليمن! امتلأت الأرض والله جورا.
16 - لرجل من أزد شنوءة (6) استعدى عتبة بن أبي سفيان وقد ظلمه عامله:
__________
(1) قوله: أبل من نفسك عذرا: أي جد الحجة في تقديم العذر.
(2) زياد: هو زياد بن أبيه.
(3) الوليد: هو الوليد بن عبد الملك بن مروان.
قرّة بن شريك: هو قرة بن شريك بن مرثد العبسي الغطفاني المضري. ولي إمارة مصر في زمن الوليد بن عبد الملك في أوائل سنة 90هـ. أنشأ جامع الفسطاط وزخرفه. توفي سنة 96هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 1: 69ودول الإسلام 1: 48.
(4) عثمان بن حيّان: هو عثمان بن حيّان بن معبد المرّي من أهل دمشق. ولي المدينة للوليد بن عبد الملك سنة 93هـ. كان في سيرته عنف. مات سنة 150هـ. ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 113ورغبة الآمل 5: 35.
(5) محمد بن يوسف: هو أخو الحجاج بن يوسف الثقفي: استعمله الحجاج على صنعاء فجمع المجذومين وجمع لهم الحطب ليحرقهم فمات قبل ذلك.
راجع ترجمته في تاريخ الإسلام 4: 51ورغبة الآمل 5: 30.
(6) أزد شنوءة: قبيلة من الأزد حي من اليمن أبوهم أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ وهم ثلاثة أقسام: 1أزد شنوءة. 2أزد عمان. 3أزد السراة.
راجع لسان العرب مادة شنأ.(3/309)
أمرت من كان مظلوما ليأتيكم ... فقد أتاكم غريب الدار مظلوم
17 - نقش خاتم أنو شروان (1): لا يكون العمران حيث يجور السلطان.
18 - كان أبو ضمضم (2) على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله حادث، فأخذ رجلا من عرض الناس فجرده للسياط، واجتمع عليه النظارة، فقال الرجل: ما ذنبي أصلحك الله؟ قال: أجب أن تجملنا بنفسك ساعة.
19 - سمع مسلم بن يسار رجلا يدعو على من ظلمه فقال: كل الظلوم إلى ظلمه فهو أسرع فيه من دعائك إلا أن يتداركه الله بعمل، وقمن أن لا يفعل.
20 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: أما بعد فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله على عقوبتك وذهاب ما تأتي إليهم وبقاء ما يؤتى إليك والسلام.
21 - كان علي بن الحسين يقول كلما ذر شارق (3): اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم، وأعوذ بك أن أبغي أو يبغى عليّ.
22 - علي رضي الله عنه: ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى (4) من مساغ ريقه (5).
__________
(1) أنو شروان: ملك الفرس.
(2) أبو ضمضم: لم نقف له على ترجمة.
(3) الشارق: الشمس حين تشرق. وذرّ قرن الشمس: طلع.
(4) الشجى: ما يعترض الحلق من عظم وغيره.
(5) مساغ الريق: ممرّه من الحلق.(3/310)
23 - طرفة (1):
والظلم فرق بين حيّي وائل ... بكر فساقتها المنايا تغلب
24 - الأفوه (2):
وبشؤم البغي والغشم قديما ... ما خلا جوف ولم يبق حمار
جوف: واد كان لحمار بن طويلع بن عاد (3).
25 - أنو شروان: رفع إليه أن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب، فوقع برد المال على الضعفاء، فإن الملك إذا كثر أمواله بما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنائه.
26 - يقال: كسره كسر الجوز، وقشره قشر اللوز، وأكله أكل الموز، إذا نهكه ظلما.
27 - من كثر شططه كثر غلطه.
28 - الظلم يجلب النقم، ويسلب النعم.
29 - من طال عدوانه زال سلطانه.
30 - لولا الداعون لهلك العادون.
__________
(1) طرفة: هو الشاعر المشهور طرفة بن العبد. قتله المكعبر شابا في هجر سنة 60قبل الهجرة بأمر من الملك عمرو بن هند ملك الحيرة. وهو من أصحاب المعلقات.
ومطلع معلقته:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
(2) الأفوه: هو الأفوه الأودي صلاءة بن عمرو بن مالك من بني أود. شاعر جاهلي يماني يعدّ من الحكماء.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 149وماهد التنصيص 4: 159وشعراء النصرانية 70وفيه وفاته نحو 50قبل الهجرة.
(3) حمار بن طويلع: مات بنوه بصاعقة فكفر حمار ودعا قومه إلى الكفر فعاض ماء الجوف بعد أن أحرقته النار فضربت العرب به المثل فقالوا: أكفر من حمار، وواد كجوف الحمار.(3/311)
31 - من جمح (1) به العدوان جنح (2) عليه الأخوان.
32 - لا تندم على فرض أقمته، وظالم وقمته (3).
33 - رئي في طول لوح في أفق السماء مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحته:
فلم أر مثل العدل للمرء رفعة ... ولم أر مثل الجور للمرء واضعا
34 [شاعر]:
كنت الصحيح وكنا منك في سقم ... فان سقمت فإنّا السالمون غدا
دعت عليك أكف طالما ظلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا
35 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي.
وعنه عليه السّلام: أعجل الشر عقوبة البغي.
36 - فيروز بن يزدجرد (4): من سل سيف البغي قتل به. ومن أوقد نارا للفتنة كان وقودا لها.
37 - النجاشي (5): الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم.
38 - علي رضي الله عنه:
يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم (6).
__________
(1) جمح: أسرع.
(2) جنح: مال.
(3) وقمت الظالم: قهرته وأذللته.
(4) فيروز بن يزدجرد: هو الملك السابع عشر من ملوك الدولة الساسانية من ملوك الطبقة الرابعة من الفرس. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 105طبعة دار المناهل.
(5) النجاشي: لقب ملك الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون فرارا من ظلم قريش: مات في عهد رسول الله فصلى عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلاة الجنازة وكبّر أربع تكبيرات.
راجع الإصابة: 1: 112.
(6) راجع نهج البلاغة 4: 53.(3/312)
39 - معاوية: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليّ ناصرا إلا الله.
كان الناس يتلاقون بعد قتل المنتصر (1) أباه فيقولون: والله لا عاش إلا ستة أشهر كما عاش شيرويه بن كسرى (2) حين قتل أباه. فكان كما ظنوا.
وروي أن سبب موته أنه فصد (3) بمبضع مسموم، والطبيب الذي قصده احتاج إلى الاقتصاد بعد ذلك، فأخرج إلى تلميذه دست مباضع وفيها ذلك المبضع، فاتفق أنه فصده به فمات الطبيب.
ورأى أباه في المنام فقال له: ظلمتني وقتلتني لا تمتعت بالخلافة إلا أياما.
وقال لأمه حين احتضر: عاجلت فترجلت.
40 - أبو العيناء (4): كان لي خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبي دؤاد (5)، وقلت: قد تظافروا عليّ وصاروا يدا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم. قلت: إن لهم مكرا، قال: ولا يحيق المكر السيء إلا
__________
(1) المنتصر: هو الخليفة محمد المنتصر بن جعفر المتوكل العباسي. قتل أباه سنة 247هـ وهو أول من عدا على أليه من بني العباس. مات مسموما بمبضع طبيب سنة 248هـ.
(2) شيرويه بن كسرى: هو الملك الرابع والعشرون من ملوك الدولة الساسانية واسمه قباذ وأمّه مريم بنت مورين ملك الروم. قتل أباه وأخوته.
راجع الكامل لابن الأثير 1: 494.
(3) قصد المريض: شقّ عرقه واستخرج الدم الفاسد.
(4) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر، شاعر، أديب توفي سنة 283هـ.
(5) أحمد بن أبي دؤاد: أبو عبد الله، ولد سنة 160هـ، وهو أحد المعتزلة المشهورين. كان رأس فتنة القول بخلق القرآن. كان فصيحا عالما بالأخبار والأنساب، شديد الدهاء له أخبار مع المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وقد حظي عند الجميع. توفي مفلوجا ببغداد سنة 240هـ.(3/313)
بأهله، قلت: هم كثير، قال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله.
41 [شاعر]:
لا تبع عقدة مال ... خيفة الجار الغشوم
واصطبر للفلك الجا ... ري على كل ظلوم
فهو الدائر بالأمس على آل سدوم (1)
42 - يزعم الأعراب أن الله تعالى لم يدع ماكسا (2) إلا أنزل به بلية، وأنه مسخ منهم اثنين ذئبا وضبعا، وأن الضب وسهيلا كانا ماكسين، فمسخ الله أحدهما في الأرض والآخر في السماء.
43 - قال الحكم بن عمرو البهراني (3):
مسخ الماكسين ضبعا وذئبا ... فلهذا تناجلا أم عمرو (4)
مسخ الضب في الجدالة قدما ... وسهيل السماء عمدا بصغر (5)
الجدالة الأرض.
44 - نظر دهقان (6) يعذب في الخراج إلى الوالي يعطي الناس الجوائز فقال: أيها الأمير إن كنت إنما تظلم لمن ترحم فارحم من تظلم، فنفسّ عنه.
__________
(1) آل سدوم: هم قوم لوط. وسدوم ملك سمّيت المدينة باسمه فقيل آل سدوم. وسدوم الملك كان جائرا.
(2) الماكس: العشّار وهو الذي يجمع الضريبة.
(3) الحكم بن عمرو البهراني: كان مكفوفا ودهريا. أتى بني العنبر بالبادية فنفوه إلى الحاضرة. كان يتفقه ويفتي فتيا الأعراب. ذكره الجاحظ في الحيوان 6: 80.
(4) أم عمرو وأم عامر: كنية الضبع.
(5) الجدالة: الأرض. والصغر: الهوان والذل.
(6) الدهقان: رئيس الأقليم، والدهقان: التاجر.(3/314)
45 - قال كعب (1): نهيق الحمار دعاء الظلمة، فحدث به المسيب بن شريك (2).
فقال: لو علمت أن هذا حق لزدت في قضيم حماري.
46 - عبد الله بن الفضل (3) في قتل المتوكل ابن الزيات (4):
يكاد القلب من فزع يطير ... إذا ما قيل قد قتل الوزير
أمير المؤمنين هدمت ركنا ... عليه رحاكم كانت تدور
فمهلا يا بني العباس مهلا ... لكم في كل ناحية عقير
كأن الله صيرّكم ملوكا ... لئلا تعدلوا ولأن تجوروا
47 - كان أبو مسلم (5) بعرفات يقول: اللهم إني تائب إليك مما لا أظنك تغفره لي. فقيل له: أيعظم على الله غفران ذنب؟ فقال: إني نسجت ثوب ظلم لا يبلى ما دامت الدولة لبني العباس، فكم من صارخة لعنتني عند تفاقم الظلم! فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه.
وقيل له مرة: لقد قمت بأمر لا يقصر بك عن الجنة، فقال: خوفي فيه من النار أولى من الطمع في الجنة، إني أطفأت من بني أمية جمرة وألهبت من بني العباس نيرانا، فإن أفرح بالإطفاء فواحزنا من الإلهاب.
48 - خطب الحجاج فقال: أتزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس
__________
(1) كعب: هو كعب بن ماتع المعروف بكعب الأحبار. تابعي كان في الجاهلية من علماء اليهود في اليمن. أسلم في زمن أبي بكر وقدم المدينة في خلافة عمر فأخذ عنه الصحابة وغيرهم كثيرا من أخبار الأمم الغابرة. توفي بحمص سنة 32هـ عن مائة وأربع سنين.
(2) المسيب بن شريك: محدّث. له ترجمة في لسان الميزان وميزان الإعتدال 4: 114 والحيوان 6: 387.
(3) عبد الله بن الفضل: لم نقف له على ترجمة.
(4) ابن الزيات: هو محمد بن عبد الملك الزيات. تقدمت ترجمته.
(5) مسلم: هو أبو مسلم الخراساني.(3/315)
حدثني أن رسول الله قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل عيونهم. قال أنس:
فوددت أني متّ قبل أن حدثته.
49 - محمد بن عبد الله النفس الزكية:
متى نرى للعدل نورا فقد ... أسلمني ظلم إلى ظلم (1)
أمية طالت عداتي بها ... كأنني فيها أخو حلم
50 - علي رفعه: إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم.
وعنه مرفوعا: الويل لظالم أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
وعنه: ألا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب. فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال الله سبحانه: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (2)، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات (3)، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا. القصاص هناك شديد ليس هو جرحا بالمدى ولا ضربا بالسياط ولكنه ما يستصغر ذلك معه (4).
وعنه: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك.
51 - أبو مخلد (5): في قوله تعالى: {وَلََا تَحْسَبَنَّ اللََّهَ غََافِلًا عَمََّا}
__________
(1) معنى البيت: أسلمني ظلم بني أمية إلى ظلم بني العباس.
(2) سورة النساء، من الآية: 48والآية: 116.
(3) الهنات: جمع هنة وهو الأمر اليسير الحقير والمراد بها صغائر الذنوب.
(4) راجع نهج البلاغة 3: 59.
(5) أبو مخلد: هو مهاجر بن مخلد مولى أبي بكرة الثقفي، راو لين الحديث راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 323وميزان الإعتدال 4: 194.(3/316)
{يَعْمَلُ الظََّالِمُونَ} (1) تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
52 - أبصر أبو هريرة رجلا يعظ رجلا. فقال آخر: دعه فإن الظالم لا يضر إلا بنفسه. فقال أبو هريرة: كذبت، والذي نفسي بيده إنه ليضر غيره، حتى أن الحبارى (2) لتموت في وكرها بظلم الظالم.
53 - جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: لما قدم على رسول الله من الحبشة، فسأله ما أعجب ما رأيت ببلاد الحبشة؟ قال: رأيت امرأة على رأسها مكتل (3) فيه دقيق، إذ مر فارس فزحمها فألقى المكتل فانصب الدقيق. فجعلت تجمعه وتقول: ويل لك من ديان يوم الدين إذا وضع كرسيه للقضاء، فأخذ للمظلوم من الظالم. فقال رسول الله: لا تقدس الله أمة لا يأخذ فيها لضعيفها حقه غير متعتع (4).
54 - أبو ذر (5) رفعه: يقول الله تعالى إني حرمت الظلم على نفسي، وحرمته على عبادي، فلا تظالموا.
55 - أوس بن شرحبيل (6) رفعه: من مشى مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام.
وعنه عليه السّلام: من مشى خلف ظالم سبع خطات فقد أجرم، وقال تعالى: {إِنََّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (7).
56 - يوسف بن اسباط: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن
__________
(1) سورة إبراهيم، من الآية: 42.
(2) الحبارى: طائر أكبر من الدجاج الأهلي وأطول عنقا يضرب به المثل في البلاهة وهو على أنواع.
(3) المكتل: الزبّيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب أو البرّ.
(4) التعتعة: الحركة العنيفة، وقوله غير متعتع: أي دون أذى وإزعاج.
(5) أبو ذر: هو أبو ذرّ الغفاري جندب بن جنادة. تقدمت ترجمته.
(6) أوس بن شرحبيل: صحابي. نزل حمص. له ترجمة في الإصابة 1: 86.
(7) سورة السجدة، الآية: 22.(3/317)
يعصي الله في أرضه.
57 - الأحنف (1): من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كأن لمجده أهدم.
58 - أبو المطراب (2) من لصوص الحجاز وقد تاب فظلم:
ظلمت الناس فاعترفوا بظلمي ... فتبت فأزمعوا أن يظلموني
فلست بصابر إلا قليلا ... فإن لم ينتهوا راجعت ديني
59 - محمد بن يزداد بن سويد وزير المأمون:
لا تأمننّ الدهر حرا ظلمته ... فما ليل حرّ إن ظلمت بنائم
60 - الهيثم بن فراس السامي (3) من بني سامة بن لؤي (4) في الفضل ابن مروان (5):
تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل
وقمت كما قام الثلاثة ظالما ... ستودي كما أودى الثلاثة من قبل
__________
(1) الأحنف: هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المرّي سيّد تميم ولد سنة ثلاثة قبل الهجرة وأدك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره. شهد صفين مع الإمام علي. توفي بالكوفة سنة 72هـ. يضرب به المثل في الحلم.
(2) أبو المطراب: هو عبيد بن أيوب العنبري. شاعر إسلامي. كان لصا. طلبه السلطان وأباح دمه فهرب وتاه في مجاهل الأرض فاستصحب الوحوش والأفاعي والظباء.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 668والحيوان 4: 482.
(3) الهيثم بن فراس السامي: لم نقف له على ترجمة.
(4) سامة بن لؤي: راجع نسبه في تاج العروس 8: 351.
(5) الفضل بن مروان: هو الفضل بن مروان بن ماسرجس من وزراء بني العباس. ولد سنة 170هـ وتوفي سنة 250هـ.(3/318)
يريد الفضل بن يحيى (1)، والفضل بن الربيع (2)، والفضل بن سهل (3).
61 - علي رضي الله عنه: لأن أبيت على حسك السعدان (4)
مسهدا، وأجر في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها.
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب (5) شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعلي ولنعيم يفنى، ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل (6).
62 - أوحى الله إلى موسى: يا موسى قل لظلمة بني إسرائيل يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنه حتى يسكت.
63 - قال منصور بن المعتمر (7) لابن هبيرة (8) حين أراده على
__________
(1) الفضل بن يحيى: هو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي وزير الرشيد العباسي.
توفي سنة 193هـ.
(2) الفضل بن الربيع: هو الفضل بن الربيع بن يونس، أبو العباس. كانت نكبة البرامكة على يديه. توفي سنة 208هـ.
(3) الفضل بن سهل: هو الفضل بن سهل السرخسي، أبو العباس، وزير المأمون وصاحب تدبيره. توفي سنة 202هـ.
(4) السعدان: نوع من النبت مشوك الوجه إذا يبس سقط على الأرض مستلقيا فإذا وطئه الماشي عقر رجله شوكه. (اللسان مادة سعد).
(5) جلب الشعيرة: قشرتها.
(6) راجع نهج البلاغة 3: 216.
(7) منصور بن المعتمر: من رواة الحديث. كان ثقة ثبتا، ورجلا صالحا متعبدا فيه تشيّع. مات سنة 132هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 342وصفة الصفوة 3: 62والبيان والتبيين 1: 299.
(8) ابن هبيرة: هو يزيد بن عمر بن هبيرة. تقدمت ترجمته.(3/319)
القضاء: ما كنت لألي بعد ما حدثني إبراهيم (1). قال: وما حدثك؟ قال:
حدثني عن علقمة (2) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة نادي مناد أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة (3)، فيجتمعون في تابوت حديد ثم يلقى بهم في جهنم.
64 - كان الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي (4) يهوى جارية أخيه عبيد بن صالح (5) فسقى أخاه سما فقتله وتزوجها. فقال ابن برد الشامي (6) وقد ظلمه في أرض له:
لئن كان فضل بزّني الأرض ظالما ... لقبلي ما أردى عبيد بن صالح
سقاه نشوعيا من السم ناقعا ... ولم يكتئب من مخزيات الفضائح (7)
65 - كان أسلم بن زرعة (8) وإلي خراسان من قبل عبيد الله بن زياد
__________
(1) إبراهيم: هو إبراهيم بن يزيد النخعي. من أكابر التابعين صلاحا وصدق رواية وحفظا للحديث، من أهل الكوفة. ولد سنة 46هـ ومات مختفيا من الحجاج سنة 96هـ.
ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 188وتاريخ الإسلام 3: 330.
(2) علقمة: هو علقمة بن قيس النخعي، أبو شبل، تابعي. كان فقيه العراق يشبه ابن مسعود في سمته وفضله. ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتوفي بالكوفة سنة 61هـ. وفي سنة وفاته خلاف.
(3) لاق الدواة: أصلح مدادها وجعل لها ليقة وهي قطعة من الصوف يلزق المداد بها.
(4) الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي: لم نقف له على ترجمة.
(5) عبيد بن صالح: لم نقف له على ترجمة.
(6) ابن برد الشامي: لم نقف له على ترجمة.
(7) النشع من السمّ: الخبيث الطعم. والنشع: انتزاعك الشيء بعنف.
والسمّ الناقع: القاتل.
(8) أسلم بن زرعة: بعثه عبد الله بن عامر على خراسان سنة 43هـ، وفي سنة 56ولى معاوية عليها عبد الرحمن بن زياد فأخذ أسلم بن زرعة فحبسه. وفي سنة 61هـ وجّهه عبيد الله بن زياد إلى أبي بلال مرداس بن أدية في ألفي رجل وعدد الخوارج أربعون فالتقى بهم في آسك فانهزم أسلم وجيشه وفي ذلك يقول شاعر الخوارج:
أألفا مؤمن فيما زعمتم ... ويهزمهم بآسك أربعونا(3/320)
ينبش قبور الأعاجم فربما أصاب فيها الذهب والفضة. فقال بيهس بن صهيب الجرمي (1):
تعوّذ بحجر واجعل القبر في الصفا ... من الأرض لا ينبش عظامك أسلم (2)
هو النابش القبر المحيل عظامه ... لينظر هل تحت السقائف درهم
66 - أبو الدرداء (3): إياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
67 - ظلم أعرابي من بكر بن وائل فقتل ظالمه بعنف فقال: ما أساء من قتل ظالمه. فقيل: أتحب أن تلقى الله ظالما أو مظلوما؟ قال: بل ظالما، ما عذري عند الله إذا قال خلقتك مثل البعير ثم تجيء تشكو إليّ؟.
68 - علي رضي الله عنه: أوحى الله إلى المسيح قل لبني إسرائيل لا تدخلوا بيتا من بيوتي إلا بأبصار خاشعة، وقلوب طاهرة، وأيد نقية، وخبّرهم أني لا استجيب لأحد منهم دعوة ولأحد من خلقي لديهم مظلمة.
69 - محمد بن يوسف الأصبهاني الزاهد (4)، كتب إليه أخوه يشكو
__________
(1) بيهس بن صهيب الجرمي: شاعر فارس من شعراء الدولة الأموية. كان مع المهلب بن أبي صفرة في حروبه للأزارقة. كان يهوى امرأة من قومه اسمها صفراء بنت عبد الله بن عامر وهي بنت عمه راجع الطبري حوادث سنة 43هـ.
(2) الصفا: الحجارة الصلدة.
(3) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك.
(4) محمد بن يوسف الأصبهاني الزاهد: زاهد كان يسكن المصيصة ويأتي السواحل.
كان أحمد بن حنبل يثني عليه وكان يسمّى عروس الزهاد. مات بالمصيصة بعد عبد الله بن المبارك ودفن إلى جوار قبر إسحاق الفزاري.(3/321)
السلطان فأجابه: إن من عمل المعاصي لا ينكر العقوبة.
70 - خطب الحسن بن علي رضي الله عنهما فذكر مفاخرة، فقال معاوية: عليك بالرطب، يعني أنك لا تصلح للخطب أراد أن يخجله ويقطعه. استمر في خطبته. فقال معاوية، أنك لترجو الخلافة ولست هناك. فقال: إن الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيرة صاحبيه وعمل بطاعة الله، وليست الخلافة لمن عمل بالجور وعطل الحدود (1)، ومن لم يعمل بمثل سيرتهما كان ملكا من الملوك يتمتع في ملكه فكان قد انقطع عنه وبقيت تبعته عليه، فهو كما قال الله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتََاعٌ إِلى ََ حِينٍ} (2).
71 - دخل على هشام (3)، في متنزه له قد تكلف فيه، رجل ألقى إليه صحيفة وتلمس، فإذا فيها بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، فتكدّر عليه يومه، ومات بعد أيام.
72 - قيل للمنصور: في حبسك محمد بن مروان (4) فلو أمرت بإحضاره ومسألته عما جرى بينه وبين ملك النوبة (5). فقال صرت إلى جزيرة النوبة في آخر أمرنا، فأمرت بالمضارب فضربت، فخرجت النوبة يتعجبون، وأقبل ملكهم رجل أصلع طوال حاف عليه كساء، فسلم وجلس على الأرض، فقلت: ما بالك لا تقعد على البساط؟ فقال: أنا ملك،
__________
(1) الحدود: حدود الله تعالى هي الأمور التي بيّن تحريمها وتحليلها وأمر أن لا يتعدّى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها ومنع من مخالفتها واحدها حدّ. وحدّ القاذف أو السارق: أقام عليه ذلك.
(2) سورة الأنبياء، الآية: 111.
(3) هشام: هو الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
(4) محمد بن مروان: هو محمد بن مروان الحمار بن محمد بن مروان بن الحكم. راجع الطبري 9: 134.
(5) النوبة: بلاد واسعة في جنوب مصر.(3/322)
وحق لكل من رفعه الله أن يتواضع له إذا رفعه، ثم قال: ما بالكم تطأون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم؟ قلت: أشياعنا فعلوه بجهلهم. قال: فما بالكم تلبسون الديباج وتتحلون بالذهب والفضة وهي محرمة عليكم على لسان نبيكم؟ قلت: فعل ذلك أعاجم من خدمنا كرهنا الخلاف عليهم. فجعل ينظر في وجهي ويكرر معاذيري على وجه الإستهزاء. ثم قال: ليس كما تقول يا ابن مروان، ولكنكم ملكتم فظلمتم، وتركتم ما أمرتم به فأذاقكم الله وبال أمركم، ولله فيكم نقم لم تبلغ، وإني أخشى أن تنزل بك وأنت في أرضي فتصيبني معك، فارتحل عنّي.
73 - وجد تحت فراش يحيى بن خالد البرمكي رقعة فيها:
وحق الله أن الظلم لؤم ... وإن الظلم مرتعه وخيم
إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
74 - وجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفي (1) في مصلاه رقعة فيها:
بغي وللبغي سهام تنتظر ... أنفذ في الأحشاء من وخز الأبر
سهام أيدي القانتين (2) في السحر
75 - أنس رفعه: إن الله نظر إلى أهل عرفات فباهى بهم الملائكة قال: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا قد أقبلوا يضربون إليّ من كل فج عميق. افاشهدوا أني قد غفرت لهم، ألا التبعات التي بينهم.
__________
(1) المكتفي: هو الخليفة العباسي المكتفي بالله بن أحمد المعتضد بن الموفق بن المتوكل. ولد سنة 263هـ. بويع بالخلافة سنة 289هـ. في أيامه فتحت إنطاكية.
توفي سنة 295هـ ببغداد.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 11: 316وفوات الوفيات 2: 41.
(2) قنت وأقنت: أطال القيام في الصلاة وتواضع لله وذلّ له ودعا لنفسه.(3/323)
76 - لقي رجل من المهاجرين العباس بن عبد المطلب فقال: يا أبا الفضل، أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة (1) كاهنة بني سهم جمعهما الله في النار. فصفح عنه، ثم قال: فصفح عنه، فلما كانت الثالثة رفع يده فوجأ (2) أنفه. فانطلق إلى رسول الله، فلما رآه قال: ما هذا؟ قال:
العباس: فأرسل إليه وقال: ما أردت إلى رجل من المهاجرين؟ فقص عليه القصة وقال: ما ملكت نفسي وما إياه أراد ولكن أرادني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الشيء وإن كان حقا؟.
77 - قدم ابن أبي جهل المدينة، فجعل يمر في الطريق فيقول الناس: هذا ابن أبي جهل، فذكر ذلك لأم سلمة (3) فذكرته لرسول الله.
فخطب الناس وقال: لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات.
78 - فضيل (4): والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق، فكيف تؤذي مسلما؟.
79 - عبيد الله بن الحر (5):
تبيت النشاوى من أمية نوّما ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها (6)
وما ضيع الإسلام إلا عصابة ... تأمر نوكاها ودام نعميها (7)
__________
(1) الغيطلة: هي بنت مالك بن الحارث بن عمرو بن الصعق. كانت كاهنة في الجاهلية قبيل الإسلام، وهي زوجة سهم بن عمرو بن هصيص. ولدها الغياطل وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص.
(2) وجأ أنفه: ضربه.
(3) أم سلمة: هي زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هند بنت أبي أمية المخزومية. راجع تفاصيل حياتها في كتابنا «زوجات النبي وأولاده».
(4) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد.
(5) عبيد الله بن الحرّ: تقدمت ترجمته.
(6) الطّف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي.
راجع معجم البلدان 4: 36.
(7) النوكى: الحمقى. والأنوك: الأحمق.(3/324)
فأضحت قناة الدين في كف ظالم ... إذا اعوج منها جانب لا يقيمها
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة ... وعيني تبكي لا تجف سجومها (1)
حياتي أو تلقى أمية خزية ... يذل لها حتى الممات زعيمها
80 - رفعت قصص إلى المهدي فإذا قصة مكتوب عليها قصة صاحب السمكة. فقال: ما هي؟ فقال الربيع (2): بينا أبوك مشرفا على دجلة إذ بصر بملاح صاد سمكة، فوجه إليه خادما له يشتريها، فاستامها بدينار فأبى، وباعها من تاجر باثني عشر درهما. فاستحضر التاجر وقد سوى السمكة فأخذها منه وأكلها وقال: لو لم يكن معك مال لما اشتريت سمكة باثني عشر درهما. وأمر خادمه بأن يذهب إلى منزله ويحمل ما أصاب في صناديقه. فجاء ببدرتين (3). فقال: أنا رجل معيل وعلي مؤونة. فأعطاه منها أربعمائة درهم يتعيش بها.
فأمر المهدي أن تطلب البدرتان في بيت المال، فجيء بهما مكتوب عليهما مال صاحب السمكة، فقال المهدي: اجعل أبي في حل فإنه كان مسرفا على نفسه، وخذ المال.
81 - جابر بن عبد الله يرفعه: اتقوا الظلم فأن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحّ فإن الشحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سكفوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.
82 - أبو موسى (4) رفعه: إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، وقرأ: {وَكَذََلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذََا أَخَذَ الْقُرى ََ وَهِيَ ظََالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (5).
__________
(1) سجم الدمع: انصبّ وانهمر.
(2) الربيع: هو الربيع بن يونس تقدّمت ترجمته.
(3) البدرة: الكيس توضع فيه الدراهم (عشرة آلاف درهم).
(4) أبو موسى: هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
(5) سورة هود، الآية: 172.(3/325)
83 - أبو هريرة رضي الله عنه: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه. وإن كان أخاه لأبيه وأمه.
وعنه مرفوعا: بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره، فشكر الله له فغفر له.
وروي: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.
84 - أبو برزة (1): قلت يا رسول الله علمني شيئا انتفع به، قال:
أعزل الأذى عن طريق المسلمين.
85 - حج سليمان بن عبد الملك فلقيه طاووس (2)، فقيل حدّث أمير المؤمنين، فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن من أعظم الناس عذابا يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه. فتغير وجه سليمان.
86 - ذكر هشام (3) عند محمد بن كعب القرظي (4)، وثم محمد بن علي بن الحسين (5)، فوقع فيه فقال القرظي: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون. إن ملكا من ملوك بني إسرائيل عتا عليهم، فانطلق نفر إلى خيرهم وقالوا: نخرج عليه؟ فقال: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون، ولكن انطلقوا فصوموا عشرا وقوموا ولا تظلموا فيها أحدا ولا تطأوا
__________
(1) أبو برزة: هو أبو برزة الأسلمي نظلة بن عبيد بن الحارث. تقدمت ترجمته.
(2) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدمت ترجمته.
(3) هشام: هو الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان.
(4) محمد بن كعب القرظي: من أفاضل أهل المدينة علما وفقها، كان كثير الحديث من ثقات رواته. كان يقصّ في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف فمات هو وجماعة معه تحت الهدم سنة 118هـ. كان أعرج.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 42وحلية الأولياء 3: 212.
(5) محمد بن علي بن الحسين: هو محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.(3/326)
فيها امرأة. فجاؤوا بعد عشر، فقال: زيدوا عشرا أخرى، فلم يزالوا حتى بلغوا أربعين. ثم قال لهم: اجتمعوا وادعوا الله أن يكفيكم، ففعلوا، فدعا الملك ببرذون (1) له وأمر سائسه أن يسرجه، فتشاغب وامتنع البرذون، فغضب الملك فقام فأسرجه وركبه، فجمح به حتى ألقاه، فتقطع وهلك.
فقال الحبر: هكذا إذا أردتم أن تقتلوا من ظلمكم.
87 - في الحديث: إن الله يقول: لا يذكرني عبدي الظالم حتى ينزع عن ظلمه، فإنه من ذكرني كان حقا عليّ أن أذكره، وإني إذا ذكرت الظالمين لعنتهم.
88 - مجاهد (2): يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكوا حتى تبدو عظامهم، فيقال لهم: هل يؤذيكم هذا؟ فيقولون: أي والله. فيقال هذا بما كنتم تؤذون المؤمنين.
__________
(1) البرذون: دابة الحمل الثقيل. وقيل: ضرب من الدواب التركية عظيم الخلقة غليظ الأعضاء.
(2) مجاهد: هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي. تابعي، مفسّر من أهل مكة. توفي بمكة سنة 103هـ.(3/327)
الباب التاسع والأربعون العتاب، والتثريب، والشكوى، والبث، والاستعطاف، وما أشبه ذلك
1 - أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين بالمدينة، وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، فما قال فيها أفّ قط، وما قال لي: لم فعلت هذا؟ وألا فعلت هذا!.
2 - وعنه عليه السّلام، إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرّب (1)، وروي: ولا يعيّرها (2).
3 - عاتب عثمان عليا رضي الله عنهما وعلي مطرق، فقال: مالك لا تقول؟ إن قلت لا أقول إلا ما تكره وليس عندي إلا ما تحب.
4 - في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب إليه فعاتبه فيما بينك وبينه فقط، فإن أطاعك ربحت أخاك، وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلا أو رجلين ليشهدا ذلك الكلام كله. فإن لم يستمع فإنه أمره إلى أهل السعة، فإن هو لم يسمع من أهل السعة فليكن عندك كصاحب المكس (3).
5 - وروي عن عيسى صلوات الله عليه: إذا كانت بينك وبين أخيك
__________
(1) التثريب: الوّم والتأنيب.
(2) التعيير: ذكر العار.
(3) المكس: ما يأخذه العشّار وهو الضريبة التي يأخذها الماكس.(3/329)
معاتبة فالقه فسلّم عليه، واستغفر لك وله، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فاشهد عليه شاهدين أو ثلاثة أو أربعة، فعلى ذلك تقوم شهادة كل شيء، أو مجلس قومه، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فليكن كصاحب مكس، أو كمن كفر بالله.
6 - أبو الدرداء (1): معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟
7 [شاعر]:
خليليّ لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما صدري
فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذياني مع الدهر
8 - كتب الصولي (2) إلى ابن الزيات (3):
وكنت أخي بإخاء الزما ... ن فلما نبا كنت حربا عوانا (4)
وكنت أذم إليك الزما ... ن فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكتب إليه:
أخ كنت آوي منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ (5)
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمدا ... كملتمس إطفاء نار بنافخ
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك.
(2) الصولي: هو محمد بن يحيى بن عبد الله. من علماء الأدب نادم ثلاثة من خلفاء بني العباس هم: الراضي والمكتفي والمقتدر. وكان صديقا للوزير ابن الزيات ثم فسد ما بينهما. توفي سنة 335بالبصرة.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1: 508والنجوم الزاهرة 3: 296.
(3) ابن الزيات: هو محمد بن عبد الملك. تقدمت ترجمته.
(4) نبا الزمان: تغيّر من حال النعيم إلى حال الشقاء. يقال: نبا السيف إذا لم يقطع.
والحرب العوان: الشديدة التي قوتل فيها مرّة بعد الأخرى.
(5) العزّ الفينان: الوافر الدائم.(3/330)
9 - إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المنازل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من الحي يفن (1)، فقال لهما: أنعما عيشا، إن المعاتبة تبعث التجني والتجني يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة.
10 [شاعر]:
فدع ذكر العتاب فربّ شر ... طويل هاج أوّله العتاب
11 - قال رجل لصديق يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا استبطئك إلا لك، ولا استريدك إلا بك.
وقال له: أنا منتظر واحدة من اثنتين عتبى (2) تكون منك، أو عقبى (3) تغني عنك. وقال له: قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك. وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب (4) فيه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده.
12 - أوس بن حارثة (5) لابنه: العتاب قبل العقاب.
13 - ابن أبي فنن (6).
إذا كنت تغضب في غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليّا
__________
(1) الشيخ اليفن: المسنّ الفاني، وقيل: الصغير وهو من الأضداد.
(2) العتبى: الرضا.
(3) العقبى: البدل.
(4) التثريب: اللوم.
(5) أوس بن حارثة: من رؤساء طيء في الجاهلية. تنسب إليه كلمات سائرة. كان معاصرا لحاتم الطائي.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 97والحيوان 5: 293.
(6) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن. تقدمت ترجمته.(3/331)
طلبت رضاك فان عزني ... عددتك ميتا وإن كنت حيا
14 - سأل سفيان بن الأبرد الكلبي (1) هندا بنت أسماء بن خارجة امرأة الحجاج أن تكلمه في شأنه فمطلته (2) فقال:
أعاتب هندا والسفاه عتابها ... وماذا أرجيّ من معاتبتي هندا
اغيب فتنسى حاجتي وتصوغ لي ... حديثا إذا ما جئتها يقطر الشهدا
15 - قال مدني لأبي مروان القاضي (3)، أيها القاضي إلى متى استمطرك غيث الجميل، واستطلعك شمس الإحسان، وأنت تخوف برعد المطل. وتؤنس ببرق التسويف.
16 - كاتب: أنت فتى المجد، ومعدن الحرية، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته جهل، فضلا عن الدخول في عداوته. وأنا أنت أخوا مودة، ورحم المودة أمسّ من رحم القرابة، فكيف رشت (4) سهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال:
بلى قد تهب الريح من غير وجهها ... ويقدح في العود الصحيح القوادح
17 - أبو الزبرقان الكاتب (5):
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
وإذا أنت تكثر ذم الزمان ... ونفسك نفسك تستحجب
__________
(1) سفيان بن أبرد الكلبي: هو الذي قضى على شبيب بن يزيد الخارجي وقطري بن الفجاءة بأمر من الحجاج. كان قائدا من قواد الأمويين من أهل الشام وكان له أثر كبير في تثبيت سلطان بني أمية في الشام والعراق. راجع الطبري وابن الأثير حوادث سنة 65و 68و 77.
(2) المطل: التسويف.
(3) أبو مروان القاضي: لم نقف له على ترجمة.
(4) راش السهم: الزق عليه الريش.
(5) أبو الزبرقان الكاتب: لم نقف له على ترجمة.(3/332)
18 - عمرو بن الأيهم بن الأقلت النصراني (1):
قاتل الله قيس عيلان طرا ... ما لهم دون غارة من حجاب
ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب
19 - من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على الهجر.
20 - قدم ابن ذكاء المعتصم (2) وكان شيخ الرملة والمشار إليه في فلسطين على ابن قريعة القاضي (3) فقدم على ما ساءه وناءه حتى قال: لقد اقشعر جلدي بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم لي بالعراق، ولو سلخني المغاربة سلخا، ونفخوا في جلدي نفخا، لكان أهون علي مما عاملني به.
21 - كتبت عثعث (4) على زر قميصها بالذهب:
علامة ما بين المحبين في الهوى ... عتابهما في كل حق وباطل
22 - وكتبت مستهام (5) جارية الفضل بن الربيع على تفاحة إليه:
__________
(1) عمرو بن الأيهم بن الأقلت النصراني: شاعر نصراني تغلبي. كان في العصر الأول للإسلام من سكان الجزيرة، بعض شعره ينسب إلى عمرو بن قميئة وعمرو بن حسان ابن خالد والمرج بن الزمان ابن أخت القطامي. كان معاصرا للأخطل ومات الأخطل قبله.
راجع ترجمته في معجم الشعراء 242وسمط اللآلىء وأعلام الزركلي.
(2) ابن ذكاء المعتصم: لم نقف له على ترجمة.
(3) ابن قريعة القاضي: هو محمد بن عبد الرحمن، يعرف بابن قريعة، وقريعة لقب جدّه. كان قاضيا من أهل بغداد ولد سنة 302وكان مختصا بالوزير أبي محمد المهلبي، توفي سنة 367هـ.
(4) عثعث: لم نقف له على ترجمة والذي نعرفه أنّ عثعث كان مغنيا، وقد غنّى في مجلس المتوكل. راجع أخباره في كتابنا «أخبار المغنين والمغنيات في الجاهلية والإسلام» ص 193191طبعة دار الفكر اللبناني.
(5) مستهام: لم نقف لها على ترجمة.(3/333)
تمنى رجال ما أحبوا وإنني ... تمنيت أن أشكو إليه فيسمعا
23 - غيره:
وكنت إذا ما جئت أكرمت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إليّ بها في سالف الدهر تنظر
24 - الأحنف: شكوت إلى عمي صعصعة بن معاوية (1) وجعا في بطني، فنهرني ثم قال: يا ابن أخي، إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد، فإنما الناس رجلان، صديق تسوؤه، وعدو تسرّه، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به، وهو قادر على أن يفرج عنك.
يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلا من أربعين سنة، وما اطلعت على ذلك امرأتي ولا أحدا من أهلي.
25 - أبو دلف (2):
وإذا عوتب في سيئة ... لم يدعها وتعاطى أختها
26 - محمد بن أمية بن أبي أمية (3):
وأضمر في قلبي العتاب فإن بدا ... وساعفني منه اللقاء نسيت
27 - غيره:
ومن لم يعاتب في التواني خليله ... وأملى له صار التواني تماديا
__________
(1) صعصعة بن معاوية: هو صعصعة بن معاوية بن حصن بن عبادة السعدي التميمي عمّ الأحنف بن قيس. قيل له صحبة، وقيل هو في التابعين، راو ذكره ابن حبان في الثقات. راجع ترجمته في الإصابة 3: 244وتهذيب التهذيب 4: 423.
(2) أبو دلف: هو أبو دلف العجلي القاسم بن عيسى. تقدمت ترجمته.
(3) محمد بن أمية بن أبي أمية: شاعر، كاتب، انقطع إلى منادمة إبراهيم بن المهدي راجع ترجمته في تاريخ بغداد 2: 85وانظر فهرست الأغاني.(3/334)
28 - آخر:
ترك العتاب إذا استحق أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
29 - شكى رجل إلى آخر الفقر، فقال له فضيل (1) يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
30 - آخر:
شكوت وما اشكو لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها
31 - آخر:
وكم من أخ ناديت عند ملّمة ... فألفيته منها أمض وأقدحا
32 - المتنبي:
لا تشك يوما إلى خلق فتشتمه ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم
33 - وهيب بن الورد (2): خالطت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي زلة، ولا أقالني (3) عثرة، ولا ستر لي عورة، ولا أمنته إذا غضب.
34 - ما أصغيت (4) لك إناء، ولا أصننت (5) لك فناء (6)، أي ما فعلت بك ما يوجب الشكاية.
35 [قوله]:
__________
(1) فضيل: هو الفضيل بن عياض الزاهد.
(2) وهيب بن الورد: أبو عثمان، أخو عبد الجبار بن الورد، كان من العباد المتجرّدين لترك الدنيا. كان ثقة في رواية الحديث. وهو من أهل مكة. مات سنة 153هـ.
(3) يقال: أقال الله عثرته: صفح عنه.
(4) أصغى الإناء: أماله.
(5) أصننت: أنتنت. والصنن: النتن عموما.
(6) الفناء: العرصة، السعة التي تكون أمام الدار.(3/335)
وأراك تشربني فتمزجني ... ولقد عهدتك شاربا صرفا
مثل في ترك اختصاصه بالمودة، وهو في غاية الجودة.
36 [شاعر]:
ياذا الذي معه التنك ... ر والتنفر والتبوّ
ان كان أدركك الملا ... ل فقد تداركني السلوّ
37 - غيره:
كل يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب
38 - كثرة العتّاب تنغل (1) أديم المودة.
39 - عتاب جحظة (2) مثل فيما رق ولطف، قال:
ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان
40 - وللبديع الهمداني (3): بيننا عتاب لحظة كعتاب جحظة واعتذارات بالغة كاعتذارات النابغة (4).
41 - في نوابغ الكلم (5): الكتاب الكتاب أن أردت العتاب.
42 - إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة.
43 - قابوس (6): أراك واهي الود، غير زاكي اللّبّ في منابت الحب.
44 - الوفاء عندك بمنزلة الأبلق العقوق، والصفاء لديك مشوب (7)
__________
(1) تنغل: تفسد.
(2) جحظة: هو أحمد بن جعفر، جحظة البرمكي، تقدمت ترجمته.
(3) بديع الهمداني: هو أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني. تقدمت ترجمته.
(4) النابغة: هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية.
(5) نوابغ الكلم: مجموعة حكم ونصائح مطبوعة للمؤلف الزمخشري.
(6) قابوس: هو قابوس بن شمكير الجيلي. تقدمت ترجمته.
(7) مشوب: ممزوج ومخلوط. وقوله الأبلق العقوق: يضرب لمن يطلب ما لا يقدر عليه ولا يكون.(3/336)
برنق (1) العقوق (2).
45 - كثيّر (3):
ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبّع جاهدا كلّ عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
46 - بشّار:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
47 - كان أحمد بن يزيد المهلبي (4) نديما للمنتصر، فطلبه أبوه المتوكل لمنادمته، فلم يزل نديمه حتى قتل، فلما ولي المنتصر حجبه، ثم أذن له وأمر بنان بن عمرو المغني (5) فغنى:
غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... ورمت بديلا لي ولم أتبدل
والبيت للمنتصر، فاعتذر المهلبي، فقال المنتصر: إنما قلته مازحا، أتراني أتجاوز بك حكم الله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ فِيمََا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلََكِنْ مََا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (6). ووصله بثلاثة آلاف دينار.
48 - حبس عبد الله بن علي (7) المستهل بن الكميت (8)، فكتب إليه:
__________
(1) الرّنق: الكدر.
(2) العقوق: قطع الرحم.
(3) كثيّر: هو كثيّر عزة الشاعر المشهور ابن عبد الرحمن الخزاعي. تقدمت ترجمته.
(4) أحمد بن يزيد المهلبي: رواية الأغاني أن أحمد هذا هو راوي هذا الخبر وأباه يزيد ابن محمد المهلبي هو نديم المنتصر. وقد اختصر الزمخشري الخبر فوقع الخطأ.
راجع فهرست الأغاني وراجع الطبري حوادث سنة 243هـ.
(5) بنان بن عمرو المغني: ذكره أبو الفرج. كان ضاربا بالعود ومغنيا في عهد المتوكل والمنتصر.
(6) سورة الأحزاب، الآية: 5.
(7) عبد الله بن علي: هو عبد الله بن علي بن عبد الله الهاشمي العباسي، عمّ الخليفة السفّاح والخليفة أبي جعفر المنصور. كان أميرا على الشام. ولد سنة 103هـ وتوفي سنة 147هـ.
راجع ترجمته في المحبّر 485والنجوم الزاهرة 2: 7وتاريخ بغداد 10: 8.
(8) المستهل بن الكميت: كان شاعرا من أهل الكوفة يميل، مع أبيه، إلى الهاشميين.
له أخبار مع أبي العباس السفّاح وعبد الصمد بن علي عمّ السفّاح وأبي جعفر المنصور. مات نحو سنة 150هـ.
راجع ترجمته في معجم المرزباني وأعلام الزركلي.(3/337)
إذا نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إنّ البلاء لراكد
زهير بن صرد السعدي (1) أسر يوم حنين (2) فيمن أسر من هوازن، فقال يستعطف رسول الله ويذكره بحرمة الرضاع في بني سعد: أمنن على عصبة أعناقهم ذلل ... مفرق شملها في دارها غير
وامنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأها من محضها درر
لا تجعلّنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنّا معشر شكر
وألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو منتظر
فمنّ عليهم رسول الله. أي هو مترقب منك تفعله لا محالة. أو عفو الله منتظر يعفو عن الطاغين من عباده.
49 - عثمان بن مظعون (3) رضي الله عنه هاجر إلى أرض الحبشة
__________
(1) زهير بن صرد السعدي: شاعر، كان يسكن الشام، كان رئيس وفد هوازن الذين جاؤوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجعرانة بعد وقعة حنين. يتمنّون عليه إطلاق نسائهم وذراريهم وكانوا بالآف وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي خبر زهير هذا والشعر الذي قاله.
راجع ترجمته في الإصابة 143وانظر سيرة ابن هشام 2: 490488.
(2) لم يؤسر زهير بن صرد يوم حنين. راجع ما كتبناه أعلاه.
(3) عثمان بن مظعون: صحابي، كان من حكماء العرب في الجاهلية. أسلم وهاجر إلى الحبشة مرتين وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين توفي سنة 2للهجرة وأول من دفن بالبقيع. ولما مات جاءه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقبّله ميتا.(3/338)
فبلغه من أمية بن خلف (1) كلام فقال:
تريش نبالا لا يواتيك ريشها ... وتبري نبالا ريشها لك أجمع
فكيف إذا نابتك يوما ملمة ... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
50 - المؤمل بن أميل المحاربي (2):
شكوت ما بي إلى هند فما اكترثت ... يا قلبها أحديد أنت أم حجر
لا تحسبيني غنيا عن مودتكم ... إني إليك وإن أيسرت مفتقر
51 - منصور النمري:
اقلل عتاب من استربت بودّه ... ليست تنال مودة بقتال
52 - معبد بن أخضر المازني (3):
لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... أبلغّ عنكم والقلوب قلوب
وطال انتظاري عطفة الرحم منكم ... ليرجع حلم والمعاد قريب
ولست أراكم تحرمون عن التي ... كرهنا ومنها في القلوب ندوب (4)
فلا تأمنوا منا كفاءة فعلكم ... فيشمت خصم أو يساء حبيب
ويظهر منا في المقال ومنكم ... إذا ما ارتمينا بالمقال عيوب
فإن لسان الباحث الداء ساخطا ... بني مازن ألوى البيان كذوب
__________
(1) أمية بن خلف: هو أمية بن خلف بن وهب الجمحي. من سادات قريش وأشرافهم.
كان ممّن آذوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، عذّب بلال بن رباح الحبشي وكان مملوكا له.
راجع أخباره في سيرة ابن هشام.
(2) المؤمل بن أميل المحاربي: كان شاعرا من أهل الكوفة من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. إنقطع إلى المهدي في حياة أبيه وبعده. له خبر مع المنصور. عاش عمرا طويلا وعمي في أواخر أيامه.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 13: 177وخزانة البغدادي 3: 522ومعجم الشعراء 384.
(3) محمد بن أخضر المازني: لم نقف له على ترجمة.
(4) الندوب: أثر الجروح.(3/339)
53 - قعنب بن أم صاحب (1):
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
54 - محمد بن جميل التميمي الكاتب (2):
لئن أنا لم أبلغ بجاهك حاجة ... ولم يك لي فيما وليت نصيب
وأنت أمير الأرض من حيث أطلعت ... لك الشمس قرنيها وحيث تغيب
أبا غانم إني إذا لبروضة ... لغيري يصفو رعيها ويطيب
55 - محمود بن مروان بن أبي حفصة (3):
رحلت إلى أغرّ أبت جدودي ... إلى أجداده ألا ارتحالا (4)
وله:
أزور إمام الهدى جعفرا ... وكان لجديه جدي زؤورا (5)
وله:
كنا نزور جدوده فركابنا ... من طول ذلك بالطريق عوالم
56 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى الزهري (6) يستقدمه، فأبطأ عليه
__________
(1) قعنب بن أم صاحب: قعنب: الشدي القوي، وأم صاحب: أمّه. وهو قعنب بن ضمرة أحد بني عبد الله بن غطفان. كان في أيام الوليد بن عبد الملك.
راجع الحماسة وتاج العروس.
(2) محمد بن جميل التميمي الكاتب: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 421 وقال: مولى بني تميم. يقول لحميد بن عبد الحميد الطوسي: (وذكر الأبيات).
(3) محمود بن مروان بن أبي حفصة: ذكره أبو الفرج في الأغاني وقال إنه كان يختلف إلى الزرقاء جارية ابن رامين وكان يهواها. مدحه أحمد بن عمرو السلمي بشعر.
(4) الأغرّ: الأبيض الوجه، يريد أنه سيد شريف كريم الفعال.
(5) زؤور: كثير الزيارة.
(6) الزهري: هو محمد بن شهاب. كان فقيها حافظا تابعيا من أهل المدينة، وهو أول من دوّن الحديث. توفي سنة 124هـ.(3/340)
فقال: يا ابن شهاب لو كان غيرنا ما أبطأت عليه، لقد قلبتك ظهرا لبطن (1)
فوجدتك بني دنيا.
__________
(1) قوله: قلبتك ظهرا لبطن: أي اختبرتك.(3/341)
الباب الخمسون العبيد، والإماء، والخدم، والأمر بالاستيصاء بالمماليك خيرا، والنهي عن سوء الملكة، ونحو ذلك
1 - علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أول من يدخل الجنة شهيد، وعبد أحسن عبادة ربه ونصح لسيده.
2 - ابن عمر رضي الله عنه (1)، رفعه: إن العبد إذا نصح لسيّده، وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين.
3 - كان زيد بن حارثة (2) لخديجة رضي الله عنها، اشتري لها بسوق عكاظ (3)، فوهبته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء أبوه يريد شراءه منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن رضي بذلك فعلت، فسئل زيد فقال: ذل الرق مع صحبته
__________
(1) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل. توفي سنة 73هـ. تقدمت ترجمته.
(2) زيد بن حارثة: هو زيد بن حارثة بن شرحبيل. صحابي. اشترته خديجة ووهبته إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين تزوجها فتبنّاه وأعتقه. أمرّه النبي وهو شاب. استشهد في غزوة مؤته سنة 8هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 563وصفة الصفوة 1: 147.
(3) عكاظ: من أسواق العرب في الجاهلية كانت تجتمع فيه القبائل مدة عشرين يوما من هلال ذي القعدة إلى العشرين منه في كل سنة يتبايعون فيه كما كان يحضره الشعراء لينشدوا أشعارهم في الفخر والحماسة والمجادلة.(3/343)
أحب إلي من عز الحرية مع مفارقته. فقال عليه السّلام: إذا اخترناه. فاعتقه وزوجه أم أيمن (1)، وبعدها زينب بنت جحش (2).
4 - عطاء (3). رفعه: الإبدال (4) من الموالي.
5 - علي رضي الله عنه: كان آخر كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم.
6 - المعرور بن سويد (5): دخلنا على أبي ذر (6) بالربذة (7)، فإذا عليه برد (8)، وعلى غلامه مثله، فقلنا: لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته غيره. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه
__________
(1) أم أيمن: هي مولاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وحاضنته. أعتقها الرسول وزوّجها لزيد بن حارثة فولدت له أسامة. شهدت خيبر وماتت في خلافة عثمان بعد عمر بعشرين يوما.
راجع ترجمتها في الإصابة وطبقات ابن سعد.
(2) زينب بنت جحش: هي إحدى زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي ابنة عمته. تزوجها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أن طلّقها زيد وفيها نزلت الآية الكريمة {فَلَمََّا قَضى ََ زَيْدٌ مِنْهََا وَطَراً زَوَّجْنََاكَهََا}. وبسببها نزلت أيضا آية الحجاب. توفيت سنة عشرين للهجرة وهي بنت خمسين. وكانت أول من توفّى من زوجاته بعده.
راجع ترجمتها مفصلة في كتابنا «زوجات النبي وأولاده» طبعة مؤسسة عز الدين وانظر الإصابة الترجمة 468.
(3) عطاء: هو عطاء بن أبي رباح. تقدمت ترجمته.
(4) الإبدال: هم قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم فإذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر.
(5) المعرور بن سويد: هو المعرور بن سويد الأسدي الكوفي. كان تابعيا من أصحاب عبد الله بن مسعود. عدّه ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة. ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 10: 230وتهذيب التهذيب.
(6) أبوذر: هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. تقدمت ترجمته.
(7) الربذة: قرية قرب المدينة على طريق الحجاز. وفيها قبر أبي ذر الغفاري.
(8) البرد: الثوب.(3/344)
مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه.
7 - أبو هريرة، رفعه: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي.
ولا يقل أحدكم اسق ربك، وأطعم ربك، وضىء ربك، ولا يقل أحدكم ربي، وليقل سيدي ومولاي.
8 - أبو مسعود الأنصاري (1): كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: إعلم أبا مسعود، إعلم أبا مسعود، إن الله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفعتك (2) النار.
9 - رافع بن مكيث (3)، رفعه: حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، وروي: يمن.
10 - ابن عمر: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ ثم أعاد عليه فصمت، فلما كانت الثالثة قال: اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة.
11 - أبو هريرة: حدثني أبو القاسم نبي التوبة صلّى الله عليه وسلّم: من قذف (4)
مملوكه بريئا مما قال جلد له يوم القيامة حدا (5).
__________
(1) أبو مسعود الأنصاري: هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري الخزرجي.
صحابي. من أصحاب الإمام علي. شهد العقبة وأحدا. توفي سنة 40هـ وقيل توفي بعد سنة 40في إمارة المغيرة.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 5599.
(2) لفعتك النار: أحاطت بك من كل جانب.
(3) رافع بن مكيث: هو رافع بن مكيث الجهني. صحابي. شهد بيعة الرضوان واستعمله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على صدقات قومه.
راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 2543.
(4) قذف يقال قذف بقوله: تكلم من غير تدبر ولا تأمل وقذف بكذا: رماه به.
(5) الحد: العقوبة وحدود الله: طاعته وأحكامه الشرعيّة.(3/345)
12 - هلال بن يساف (1): كنا نزولا في دار سويد بن مقرن (2)، وفينا شيخ فيه حدة (3)، ومعه جارية، فلطم وجهها، فما رأيت سويدا أشدّ غضبا منه ذلك اليوم، قال: أعجز عليك حر وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من ولد مقرن، مالنا إلا خادم، فلطم أصغرنا وجهها، فأمرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم بعتقها.
13 - وعن معاوية بن سويد (4): لطمت مولى لنا، فدعاني أبي ودعاه فقال: اقتص منه.
14 - استبق بنو عبد الملك (5) فسبقوا مسلمة (6)، وكان ابن أمة، فتمثل عبد الملك بقول عمرو بن مبرد العبدي (7):
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدركوا (8)
__________
(1) هلال بن يساف: هو هلال بن يساف الأشجعي الكوفي كان ثقة كثير الحديث اعتبره ابن سعد من الطبقة الثانية من أهل الكوفة كما ذكره ابن حبان في الثقات.
راجع التهذيب 11: 86وطبقات ابن سعد.
(2) هو سويد بن مقرن بن عائذ المزني: أبو عائذ صحابي نزل الكوفة وروى حديثه مسلم وأصحاب السنن.
راجع ترجمته في الإصابة 3604.
(3) الحدة: الميل السريع إلى الفهم أو الغضب.
(4) هو معاوية بن سويد بن مقرن المزني الكوفي ذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين راجع الإصابة ترجمة 8064.
(5) عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي.
(6) مسلمة هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أحد أمراء بني أمية المشهورين غزا القسطنطينية في عهد أخيه سليمان كما غزا الترك والسند سنة 109هـ مات بالشام سنة 120هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 144والأعلام، 8: 122.
(7) عمرو بن مبرد العبدي أحد بني محارب بن عمرو من بني عبد القيس من ربيعة بن نزار راجع معجم الشعراء للمرزباني.
(8) الهجين: اللئيم الذي أبوه عربي وأمّه أمة غير محصنة.
الرهان: يقال خيل الرهان: التي يراهن على سباقها.
فتفتر كفاه ويسقط سوطه ... وتخدر رجلاه فما يتحرك (1)
وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك (2)
وأدركه خالاته فاختزلنه ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
فقال مسلمة: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين: ليس هذا مثلي ولكن كما قال علي بن المغمر (3):(3/346)
__________
الرهان: يقال خيل الرهان: التي يراهن على سباقها.
فتفتر كفاه ويسقط سوطه ... وتخدر رجلاه فما يتحرك (1)
وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك (2)
وأدركه خالاته فاختزلنه ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
فقال مسلمة: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين: ليس هذا مثلي ولكن كما قال علي بن المغمر (3):
فما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأرماحنا قهرا
فما زادها فينا السباء مذلة ... ولا كلّفت خبزا ولا طبخت قدرا (4)
ولكن خلطناها بخير نسائنا ... فجاءت بهم بيضا غطارفة زهرا (5)
وكائن ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا (6)
ويأخذ رايات الطعان بكفه ... فيوردها بيضا ويصدرها حمرا (7)
كريم إذا اغبر اللئيم تخاله ... إذا سار في ليل الدجى قمرا بدرا
فقبل رأسه، وذهب غمه، وقال: أحسنت يا بني، ذاك أنت، وأمر له بمائة ألف مثل ما أخذ السابق.
15 - زاذان (8): أتيت ابن عمر، وقد أعتق مملوكا له، فأخذ من
(1) تفتر كفّاه: تسكن بعد حدتها وتلين بعد شدتها.
الخدر: تشنج يصيب العضو فلا يستطيع الحركة.
(2) شرّك: يقال شرّك النعل: جعل لها شراكا بمعنى سير النعل على ظهر القدم والمقصود هنا عكس الحرّة.
(3) علي بن المغمر: لم نقف له على ترجمة.
(4) السباء: يقال سبى يسبي سبيا وسباء. والسبيّة هي المأسورة.
(5) يطعنهم شزرا: عن يمينهم وشمالهم:
(6) غطارفة وغطاريف: السادة الأكارم.
(7) وقد صبغت بالدماء.
(8) زاذان: هو أبو عبد الله ويقال أبو عمر الكندي الكوفي الضرير روى الحديث عن عمر وعلي مات سنة 82هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 302وميزان الإعتدال 2: 63.(3/347)
الأرض عودا فقال: مالي من الأجر ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من لطم مملوكا أو ضربه فكفارته أن يعتقه.
16 - أبو هريرة. يرفعه: من خبب (1) زوج امرىء أو مملوكه فليس منا.
17 - أعتق عبد الله بن جعفر (2)، غلاما، وأخذ يكتب كتاب العتق، فقال الغلام: أكتب كما أملي: كنت بالأمس لي فوهبتك لمن وهبك لي، فأنت اليوم مني. فكتب ذلك واستسحنه وزاده خيرا.
18 - مرّ ابن عمر براع مملوك فاستباعه (3) شاة، فقال: ليست لي، فقال:
أين العلل (4)؟ فقال: أين الله؟ فاشتراه فأعتقه، فقال: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر.
19 - أراد رجل بيع جارية فبكت، فسألها، فقالت: لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي. فأعتقها.
20 - تغدى سليمان (5) عند يزيد بن المهلب (6)، فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله، فقال: رأيت غلمانه يخدمونه بالإشارة دون القول.
21 - قال سهل بن صخر (7)، وهو من الصحابة لابنه: إذا ملكت
__________
(1) خبّب: خدع وأفسد.
(2) عبد الله بن جعفر: هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
(3) استباع: طلب البيع.
(4) العلل والأعلال جمع علّ وهو التيس الضخم.
(5) هو سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي.
(6) هو يزيد بن المهلب بن أبي صفرة.
(7) سهل بن صخر: هو سهل بن صخر بن واقد بن عصمة الليثي يرجع نسبه إلى كنانة.(3/348)
ثمن غلام فاشتر به غلاما. فإن الجدود (1) في نواصي (2) الرجال.
22 - أبو الهيثم بن خالد (3):
ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عينه على عدمي
بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم
ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم
23 - كان أبو يوسف (4) راكبا، وغلامه يعدو خلفه، فقيل له، فقال:
أيحل أن أسلم غلامي مكاريا؟ قيل: نعم، قال: فيعدو إذن معي كما يعدو مع الحمار إذا كان مكاريا.
24 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع.
25 - قال ابن الزبير لرجل كان يتعاطى بيع الرقيق: ما أشد إقدامك على ركوب الغرر (5) وإضاعة المال! قال: بماذا؟ قال: بضاعتك الملعونة، قال: وما لها؟ قال هي ضمان نفس ومؤونة ضرس.
26 - شر الناس من يبيع الناس.
27 - أميروس (6): التسلط على المماليك دناءة.
28 - طلب معاوية جواري فقال: كل رافعة من بعيد، مليحة من قريب.
__________
(1) الجدود: الحظوظ.
(2) النواصي: جمع ناصية وهي مقدم الرأس أو شعر مقدم الرأس إذا طال.
(3) أبو الهيثم بن خالد: هو أبو الهيثم التميمي البغدادي استكتبه المعتصم العباسي على الجيش توفي ببغداد سنة 262هـ.
راجع تاريخ بغداد 8: 308والأغاني 21: 31.
(4) أبو يوسف: هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم.
(5) الغرر: التعريض للهلاك.
(6) أميروس: هو ميروس شاعر اليونان الأكبر وصاحب الإلياذة والإديسّة ولد عام 850قبل الميلاد على الأرجح.(3/349)
29 - البحتري:
أنا من ياسر ويسر ونجح ... لست من عامر ولا عمار
ما بأرض العراق يا قوم حر ... يفتديني من خدمة الأحرار
لا أريد التنظير يخرجه الشت ... م إلى الاحتجاج والافتخار
وإذا رعته بناحية السو ... ط على الذنب راعني بالفرار
هل جواد بأبيض من بني الأص ... فر ضخم الجدود ضخم النجار (1)
فوق ضعف الصغار إن وكل الأ ... مر إليه ودون كيد الكبار
وكأن الذكاء يبعث منه ... في سواد الأمور شعلة نار
ولعمري للجود للناس بالنا ... س سواء بالثوب والدينار
وعزيز إلا لديك بهذا الف ... ج أخذ الغلمان بالأشعار
30 - بعض النخاسين (2): حناء بنصف دانق يزيد في ثمن الجارية مائة درهم.
31 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: عاتبوا أرقاءكم على قدر عقولهم.
32 - أبو اليقظان (3): إن قريشا لم تكن ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثا هم خير أهل زمانهم: علي بن الحسين (4)، والقاسم بن محمد (5)
وسالم بن عبد الله (6). وذلك أن عمر رضي الله عنه أتى بنات يزدجرد (7) بن
__________
(1) النجّار والنّجار: الأصل الحسب. اللون.
(2) النخّاس: بيّاع الرقيق، دلّالها.
(3) أبو اليقظان: هو عامر بن حفص كان عالما بالأخبار والأنساب ثقة فيما يرويه توفي سنة 190هـ راجع ترجمته في الفهرست لابن النديم والبيان والتبيين 1: 40.
(4) علي بن الحسين: هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي توفي سنة 94/ هـ بالمدينة.
(5) القاسم بن محمد: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو محمد ولد في المدينة 37هـ وتوفي سنة 107هـ كان صالحا ثقة من سادات التابعين.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 418والأعلام 6: 15.
(6) سالم بن عبد الله: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(7) يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس.(3/350)
شهريار بن كسرى سبيات، فأراد بيعهن، فقال له علي: إن بنات الملوك لا يبعن، ولكن قوموهن (1)، فأعطاه أثمانهن، فقسمهن بين الحسين بن علي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة.
33 - محمد بن سوقة كان إذا عصاه غلامه قال: ما أشبهك بسيدك! 34عبد الله بن طاهر (2): كنت عند المأمون ثاني اثنين، فنادى: يا غلام، يا غلام، بأعلى صوته، فدخل غلام تركي فقال: ألا ينبغي للغلام أن يأكل أو يشرب أو يتوضأ أو يصلي!؟ كلما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام، يا غلام! إلى كم يا غلام؟ فنكس رأسه طويلا، فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، فقال: يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، فلا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا.
35 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: بئس المال في آخر الزمان المماليك.
36 - مجاهد (3): إذا كثر الخدم كثرت الشياطين.
37 - سالم بن أبي الجعد (4) رفعه: عبد عند الله صالح خير من حر طالح.
38 - لقمان (5): لا تأمنن امرأة على سر، ولا تطأ خادمة تريدها للخدمة.
__________
(1) قومّ الشيء: جعل له قيمة معلومة:
(2) عبد الله بن طاهر: هو عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي.
(3) مجاهد: هو مجاهد بن جبر المكي.
(4) سالم بن أبي الجعد: هو سالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي الغطفاني الكوفي كان ثقة من رواة الحديث توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 101هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7: 203وميزان الإعتدال 2: 109.
(5) لقمان: هو لقمان الحكيم عرف في الجاهلية قبل أن يعرف في الإسلام وفي القرآن الكريم سورة باسمه تنصب خاصة على وصيته لابنه: تعزى إليه أمثال وحكم وعبارات شتى.(3/351)
39 - غلام يأكل فارها (1)، ويعمل كارها، ويبغض قوما، ويحب نوحا.
40 - أعتق ابن عتبة (2) غلاما كبيرا، فقال عبد له صغير: إذكرني يا مولاي، ذكرك الله بخير. فقال: إنك لم تخرف (3). فقال: إن النخلة قد تجتني زهوا (4) قبل أن يصير معوا (5): فقال: قاتلك الله! لقد استعتقت فأحسنت، وقد وهبتك لواهبك، كنت أمس لي واليوم مني.
41 - العبد عز مستفاد، وغيض في الأكباد:
42 [شاعر]:
قد ذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيدا
43 - آخر:
ومالي غلام فأدعو به ... سوى من أبوه أخو عمتي
44 - أكثم (6): الحر حر وإن مسه الضر، والعبد عبد وإن مشى على الدر.
45 - كانت لخالد بن برمك (7) جارية اسمها سرور، أكتب الناس بقلم، وأحسنهم علما كانت توقع بين يديه فتخرج التوقيعات إلى الكتّاب، وربما اقترحوا عليها نسخ الكتب لبلاغتها، وكانت شجاعة، تركب معه في
__________
(1) فارها: الفاره: الشديد الأكل يقال رجل فاره وجارية فاره.
(2) عمرو بن عقبة: والصواب بن عتبة وهو عمرو بن عتبة بن أبي سفيان.
(3) لم تخرف: أي لم تنضج يقال أخرف الثمر إذا حان وقت جناه.
(4) الزهو: البسر الملوّن.
(5) المعو: الرطب إذا أصابه بعض اليبس.
(6) أكثم: هو القاضي أكثم بن صيفي.
(7) خالد بن برمك: أبو البرامكة توفي سنة 163هـ.(3/352)
سيف ومنطقة (1) وسواد، فلا يعلم أجارية هي أم غلام، وكانت لخازم بن خزيمة (2) مثلها اسمها قطاة.
46 - كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عبد، فاستشفع بعلي أن يكاتبه، فكاتبه: ثم دعا عثمان بالعبد فقال: إن كنت عركت أذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه، ثم قال عثمان: شدّ، شدّ، يا حبذا قصاص الدنيا لا قصاص الآخرة.
وعنه رضي الله عنه: ما ملك رقيقا من لم يتجرع بغيظ ريقا.
47 - خادم الملك لا يتقدم في رضاه خطوة إلا استفاد بها قيمة وحظوة.
48 - أشرف الرشيد على الكسائي (3) والأمين والمأمون بين يديه يعلمهما، فقام لحاجته، فابتدرا يقدمان نعليه: فقال الرشيد لجلسائه: أفي الناس أكرم خدما؟ قالوا: أمير المؤمنين، قال: لا، بل هو الكسائي يخدمه عبد الله ومحمد (4).
49 - ليس حقك علينا بالخدمة دون حقنا عليك بالنعمة.
__________
(1) المنطقة والمنطق: النطاق ما ينتطق به وقد بنوا من المنطقة نعل (تمنطق) أي لبس المنطقة.
(2) خازم بن خزيمة: هو خازم بن خزيمة النهشلي التميمي من بني صحر بن نهشل كان من شيعة بني العباس وقوادهم في خراسان ومن قادة أبي مسلم الخراساني. استعمله المنصور على عسكره سنة 144هـ ومات في خلافته فعزي عنه.
راجع ترجمته في الفهرس وتاريخ ابن الأثير ج 5.
(3) الكسائي هو علي بن حمزة نحوي مقرىء ولد بباحمشا بالعراق سنة 119هـ ومات برنبويه بجوار الري سنة 190هـ درس القرآن ثم تحول إلى النحو. تجول بالبادية وأقام ببغداد وأدّب الرشيد والأمين والمأمون وصار إمام الكوفيين له مناظرة مشهورة مع سيبويه.
(4) عبد الله ومحمد: هما ولدا هارون الرشيد عبد الله المأمون ومحمد الأمين.(3/353)
50 - نشأ فلان في حضن عنايتك، وأرضع بلبان نعمتك، وشرف بقدمة خدمتك.
51 - دعا بعض أهل الكوفة إخوانه، وله جارية فقصرت في بعض ما ينبغي لهم، فقال:
إذا لم يكن في منزل الحر حرة ... رأى خللا فيما تولى الولائد (1)
فلا يتخذ منهن حر قعيدة ... فهن لعمر الله بئس القعائد
52 - أحمد بن سهل (2): عز الملوك بالمماليك.
53 - كان لمحمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس خمسون ألف مولى، وهو وأخوه جعفر بن سليمان من ملوك بني هاشم وفرسانهم، وقد زوجه المهدي بنته العباسة (3) ونقلها إلى البصرة.
54 - علي رضي الله عنه: واجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك (4).
55 - لا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك.
56 - قلما تنفع خدمة الجوارح (5) إلا بخدمة القلب.
57 - جندل مولى عدي بن حاتم يفتخر بأنه محرر الرجال دون النساء:
__________
(1) الولائد: جمع وليدة: الصبية العبدة.
(2) أحمد بن سهل: هو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد فارسي الأصل عربي النشأة.
مات سجينا في بخارى سنة 307هـ.
راجع ترجمته في تاريخ ابن الأثير 8: 37.
(3) العبّاسة: هي العباسة بنت المهدي وأخت هارون الرشيد تزوجها محمد بن سليمان بن علي العباسي أمير البصرة. كان لها مكانة خاصة عند أخيها الرشيد ولا يطيق الصبر عنها.
(4) تواكل القوم: اتّكل بعضهم على بعض.
(5) الجوارح: الحواس.(3/354)
وما فك رقي ذات دل خريدة ... ولا أخطأتني غرة وحجول (1)
نماني إلى العلياء أبيض ماجد ... فأصبحت أدري اليوم كيف أقول (2)
58 - كان لرجل غلام من أكسل الناس، فأمره بشراء عنب وتين، فأبطأ حتى نوّط الروح، ثم جاء بأحدهما، فضربه وقال: ينبغي لك إذا استنقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين، ثم مرض فأمره أن يأتي بطبيب، فجاء به وبرجل آخر، فسأله: فقال: أما ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة؟ جئتك بطبيب، فإن رجاك (3) وإلّا حفر هذا قبرك.
فهذا طبيب وهذا حفّار.
59 - المأمون بن الرشيد:
كنت حرا هاشميا ... فاسترقتني الإماء
أنا مملوك لمملو ... ك وتحتي الأمراء
60 - كانت للمأمون جويرية (4) من أحسن الناس وجها وأسبقهم إلى كل نادرة، فحلت عنده في ألطف محل فحسدتها الجواري وقلن: لا حسب لها، فنقشت على خاتمها حسبي حسني، فازداد بها المأمون عجبا، فسممنها فجزع عليها وقال:
اختلست ريحانتي من يدي ... أبكي عليها آخر المسند (5)
كانت هي الأنس إذا استوحشت ... نفسي من الأقرب والأبعد
وروضة كان بها موقعي ... ومنهلا كان به موردي
كانت يدي كانت بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي
__________
(1) حجول: جمع حجل وهو الخلخال وهو أيضا البياض في رجل الفرس.
(2) نماني: رفع إليه نسبي.
(3) رجاك: أمّل شفاءك.
(4) جويرية: تصغير جارية.
(5) المسند: الدهر.(3/355)
61 - المتوكل في جاريته قبيحة (1):
أمازحها فتغضب ثم ترضى ... وكل فعالها حسن جميل
فإن غضبت فأحسن ذي دلال ... وإن رضيت فليس لها عديل
62 - دعا طلحة أبا بكر وعمر وعثمان، فأبطأ عليه الغلام بشيء وأراده، فصاح: يا غلام، فقال: لبيك، فقال طلحة: لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أني قلتها ولي الدنيا. وقال عمر: ما سرني أني قلتها ولي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها ولي حمر النعم.
وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع ضيعة بخمسة عشر ألفا وتصدق بها.
63 - كان لمحمد بن أبي الحارث الكوفي (2) صديق له قينة (3)، فباعها ببرذون (4) فقال محمد:
قينة كانت تغني ... مسخت برذون أدهم
عجّت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم (5)
64 - غلام الخالدي مثل في الشهامة والكياسة وجمع شرائط الخدمة، وهو غلام أبي عثمان الخالدي الشاعر (6). قال الشيخ أبو الحسين محمد بن
__________
(1) قبيحة: هي أم الخليفة المعتز بالله ابن المتوكل.
(2) محمد بن أبي الحارث الكوفي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء 379.
(3) القينة: الأمة المغنيّة الماشطة.
(4) البرذون: دابّة: التركي من الخيل.
(5) عاج يعوج: يقال عاج بالمكان: أقام فيه. وعاج السائر وقف وعاج إلى أو على المكان: مال وعطف. المنجد.
الساباط: شقيفة بين دارين تحتها طريق. المنجد.
(6) أبو عثمان الخالدي الشاعر: هو سعيد بن هاشم بن وعلة من بني عبد القيس أبو عثمان الخالدي أديب شاعر. كان آية في الحفظ والبديهة.
راجع ترجمته في الوافي بالوفيات للصفدي 1: 107.(3/356)
الحسين الفارسي النحوي (1)، ابن أخت أبي علي الفارسي (2): اسمه رشأ، رأيته بعد موت سيده في ناحية عبد العزيز بن يوسف (3) لقد ارتقى إلى رتبة الوزارة، وقال أبو المنصور الثعالبي: قرأت أنا بخطه قال: كتب ابن سكرة الهاشمي إلى أبي عثمان يسأله عني، فكتب إليه:
ما هو عبد لكنه ولد ... خوّلنيه المهيمن الصمد
وشد أزري بحسن صحبته ... فهو يدي والذراع والعضد (4)
صغير سن كبير معرفة ... تمازج الضعف فيه والجلد (5)
معشق الطرف كحله كحل ... معطل الجيد حليه جيد (6)
__________
(1) محمد بن الحسين الفارسي النحوي: هو أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الوارث الفارسي النحوي. كان إماما في النحو وطوّف الآفاق ورد خراسان ونزل بنيسابور وأملى بها من الأدب والنحو ثم استوطن جرجان إلى أن مات بها سنة 421هـ. له تصانيف منها كتاب الهجاء كتاب الشعر وله شعر كثير.
راجع ترجمته في: أنباه الرواة للقفطي 3: 116إرشاد الأريب 18: 186.
(2) أبو علي الفارسي: هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان أبو علي الفارسي النحوي ولد بنسا من أرض فارس سنة 288هـ تجول في كثير من البلدان قدم حلب وأقام عند سيف الدولة ولما عاد إلى فارس صحب عضد الدولة بن بويه وتقدم عنده ثم رحل إلى بغداد وتوفي فيها سنة 377هـ. له شعر قليل وتصانيف عديدة منها التذكرة في علوم العربية عشرون مجلدا تعاليق سيبويه جزءان وجواهر النحو والمقصور الممدود.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 131. تاريخ بغداد 7: 275. شذرات الذهب 3: 288الأعلام 2: 193.
(3) عبد العزيز بن يوسف: هو أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف الشيرازي من الكتاب والشعراء كان من وزراء عضد الدولة البويهي.
راجع ترجمته في اليتيمة للثعالبي 2: 313والكامل لابن الأثير 9: 91والأعلام 4: 155.
(4) الأزر: القوة: الظهر يقال شد به أزره أي ظهره المنجد.
(5) الجلد: هنا بمعنى الشدة والقوة.
(6) الجيد: العنق جمعها أجياد وجيود وقد يوصف العنق نفسه بالجيد فيقال: عنق أجيد.(3/357)
وغصن بان إذا بدا فإذا ... شدا فقمري بانه غرد
ثقفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود (1)
ما غاظني ساعة فلا صخب ... يمر في منزلي ولا حرد
مسامر إن دجا الظلام فلي ... منه حديث كأنه الشهد
خازن ما في يدي وحافظه ... فليس شيء لدي يفتقد
يصون كتبي فكلها حسن ... يطوي ثيابي فكلها جدد
وحاجبي فالخفيف محتبس ... عندي به والثقيل منطرد
وحافظ الدار إن ركبت فما ... على غلام سواه أعتمد
ومنفق مشفق إذا أنا أسر ... فت وبذّرت فهو مقتصد
وأبصر الناس بالطبيخ فكا ... لمسك القلايا والعنبر الثرد
وواجد بي من المحبة والرأ ... فة أضعاف ما به أجد
إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد (2)
ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد
65 - كان أبان بن عبد الحميد بن لاحق (3) مولى لبني رقاش (4)، فقال فيهم:
__________
(1) العوج: الإلتواء وعدم الاستاقمة.
أود: اعوجّ وانحنى فهو أود وهي أوداء.
(2) تنمّر: تشبه بالنمر وهنا بمعنى غضب وساء خلقه.
(3) أبان بن عبد الحميد بن لاحق: هو أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفير من أهل البصرة شاعر مطبوع تقدم في العلم بالشعر والحفظ له. اتصل بالبرامكة وانقطع إليهم وأكثر مدحهم ثم صار من شعراء الرشيد كان حافظا للقرآن عالما بالفقه. نظم كتاب كليلة ودمنة شعرا في أربعة عشر ألف بيت مات عام 200هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 44. الفهرست لابن النديم ص 119والأغاني 20: 73.
(4) بنو رقاش: قوم من العرب ينسبون إلى أمهم رقاش بنت الحارث بن عبيد بن غنم وهم قبيلة من بكر بن وائل.(3/358)
ألا يا ليت لي قوما بقومي ... ولو عكلا فينفعني معاشي (1)
فكنت لهم أخا ثقة ومولى ... ولم أك في اللئام بني رقاش
66 - وحشي الرياحي المدني (2):
يعجبني من فعل كل مسلمة ... مثل الذي تفعل أم سلمة
اقصاؤها عن بيتها كل أمة 67أهدى داود بن روح بن حاتم المهلبي (3) جارية للمهدي، فحظيت عنده، فواعدته المبيت معه، ثم منعها الحيض، فكتب إليها:
لأهجرنّ حبيبا خان موعده ... وذاك منه لصغر العيش تكدير
فأرسلت إلى داود ليجيبه ويعرفه عذرها، فقال:
لا تهجرن حبيبا خان موعده ... ولا تذعّن وعدا فيه تأخير
ما كان حبي إلا من حصول أذى ... لا يستطاع له بالقول تفسير
والدهر أطول فيه للإمام مدى ... يحيى السرور وتخليد وتعمير
68 - ابتاع بعض مشيختي غلاما، فقلت: بورك لك فيه، فقال:
البركة مع من قدر على خدمة نفسه، واستغنى عن استخدام غيره، فخفت مؤونته، وهانت تكاليفه، وكفي سياسة العبيد.
69 - أصيب أنو شروان (4) ببعض خدمه فجزع وقال: إثنان هما العدة والعمدة في النوائب، الخادم الناصح، والقريب الصديق، وقد فجعت
__________
(1) عكل الشيء: جمعه بعد تفرقه. والعكل والعكل: اللئيم جمعها أعكال.
(2) وحشي الرياحي المدني: لم نقع له على ترجمة.
(3) داود بن روح بن حاتم المهلبي: هو داود بن روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. كان أبوه حاجبا للمنصور العباسي وولّاه المهدي السند ثم البصرة.
راجع المزيد عنه في تاريخ الطبري وابن الأثير حوادث 166هـ.
(4) أنو شروان: هو لقب لكسرى الأول ملك الفرس.(3/359)
بأحدهما، ولم أكتحل بالآخر.
70 - معاوية: التسلط على المماليك من لؤم القدرة.
71 - قال قرشي: سألني سعيد بن المسيب عن أخوالي، فقلت:
أمي فتاة (1)، فنقصت في عينه، فأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله ابن عمر فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل علي بن الحسين بن علي، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة. ثم قلت: رأيتني نقصت في عينك لأني ابن فتاة، أفمالي بهؤلاء أسوة؟ فجللت في عينه.
72 - عبيد الله بن الحر:
فان تك أمي من نساء أفاءها ... جياد القنا والمرهفات الصفائح (2)
فتبا لجد الحر إن لم أنل به ... كرائم أولاد النساء الصرائح (3)
73 - عنترة (4):
أني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل (5)
74 - أنشد المبرد:
__________
(1) فتاة: الأمة.
(2) المرهفات الصفائح: السيوف العريضة المرققة الحد القاطعة.
(3) الصرائح: الخالصة من كل عيب.
(4) عنترة: هو عنترة بن شداد العبسي: شاعر فارس من أهل نجد كان ابن جارية جشيّة فلم يعترف به أبوه ولكن ما أظهره من بطولة في حروب داحس والغبراء جعل أباه يعترف به فزوجه عمه من حبيبته عبلة التي حرم منها طويلا. كان شجاعا جوادا عفيفا له معلقة تدور كشعره كله حول حبه عبلة وفخره ببطولته الحربية (الموسوعة العربية المسيرة).
راجع ترجمته في الأغاني 8: 273وطبقات ابن سلام 128والأعلام.
(5) المنصل والمنصل: السيف جمعه مناصل.(3/360)
إن أولاد السراري ... كثروا والله فينا
رب أدخلني بلادا ... لا أرى فيها هجينا
75 - قال هشام بن عبد الملك لزيد بن علي: بلغني أنك تطلب الخلافة ولست لها بأهل، قال: لم؟ قال: لأنك ابن أمة، قال: فقد كان إسماعيل ابن أمة وإسحاق ابن حرة، وقد أخرج الله من صلب إسماعيل سيد ولد آدم.
76 - قال الحجاج بن عبد الملك بن الحجاج بن يوسف: لو كان رجل من ذهب لكنته، قيل: كيف؟ قال: لم تلدني أمة إلى آدم ما خلا هاجر (1) فقالوا له: لولا هاجر لكنت كلبا من الكلاب.
77 - قال رجل لعبد استعقله: ألا ألحقك بنفسي؟ فقال: لأن أكون عبدا لايقا أحب إلي من أن أكون حرا لاحقا.
78 - جعفر بن عقاب (2):
وضمتني العقاب إلى حشاها ... وخير الطير قد علموا العقاب
فتاة من بني حام بن نوح ... سبتها الخيل غصبا والركاب
عقاب أمه وكانت سوداء.
79 - دخل جرير على الحجاج وعلى رأسه جارية، فقال له: بلغني
__________
(1) هاجر هي زوجة سيدنا إبراهيم وأم ولده إسماعيل. كانت أمة أهداها المقوقس ملك مصر إلى إبراهيم الخليل فأسكنها مكة وتركها وابنها معها طفل صغير وليس معهما إلا مزود تمر وقربة ماء فلحقت به وقالت له: يا إبراهيم الله أمرك بهذا؟ قال نعم قالت: إذن لا يضيّعنا فمكثت حتى فنى الزاد والماء وجف لبنها وجعل الصبي يتلمظ فذهبت إلى الصفا فوقفت عليه هل ترى من مغيث فلم تر أحد فذهبت تريد المروة فلما صارت في بطن الوادي سعت حتى خرجت منه فأتت المروة فوقفت عليها هل ترى أحدا.
وترددت بينهما سبعة أشواط فصارت سنّة. الروض المعطار ص 531.
(2) جعفر بن عقاب لم نقع له على ترجمة.(3/361)
أنك ذو بديهة فقل فيها، فقال: ما لي أقول فيها حتى أتأملها، وما لي أتأمل جارية الأمير. فقال: بلى فتأملها، فقال: ما اسمك يا جارية؟
فأمسكت (1)، فقال الحجاج: خبريه يالخناء (2). فقالت: أمامة، فقال:
ودّع أمامة حان منك رحيل ... إن الوداع لمن تحب قليل
هاذي القلوب هوائما يتمتها ... وأرى الشفاء وما إليه سبيل
فقال الحجاج: جعل الله لك السبيل إليها، فضرب بيده إلى يدها فامتنعت عليه فقال:
إن كان طيكم الدلال فإنه ... حسن دلالك يا أميم (3) جميل
فاستضحك الحجاج وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة. وكانت من أهل الري، وإخوتها أحرار، فبذلوا له عشرين ألفا فأبى، وقال:
إذا عرضوا عشرين ألفا تعرضت ... لأم حكيم حاجة هي ماهيا
فقد زدت أهل الري مني مودة ... وحبّبت أضعافا إليّ المواليا
وأولدها حكيما وبلالا وحزرة.
80 - الرقيق جمال وليس بمال، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله.
81 - اشترى يزيد بن عبد الملك حبابة بأربعة آلاف دينار، وكان صاحب لهو، فحجر (4) عليه سليمان فردها، فلما ولي يزيد، وكانت تحته سعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وكانت حرة عاقلة، قالت: يا
__________
(1) أمسكت: امتنعت عن الكلام وسكتت.
(2) لخناء: من لخن لخنا: أنتن ولخن الرجل: تكلم بقبيح أو كان منتن المغابن وهي مطاوي الجسد. فهو ألخن وهي لخناء.
(3) يا أميم: أصلها يا أميمة وقد رخمت ورخّم الشيء: قطع ذنبه ومنه ترخيم المنادي عند النحاة.
(4) حجر عليه: ضقّ عليه والحجر هو المنع مطلقا.(3/362)
أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من الدنيا شيء تتمناه؟ قال: نعم، حبابة (1)، فسألت عنها فقيل اشتراها رجل من أهل مصر، فأرسلت من اشتراها بأربعة آلاف، وقدم بها، فصنعتها حتى ذهب عنها آثار السفر. ثم أتت بها فراش يزيد، وأجلستها وراء الستر، وقالت: هل بقي من الدنيا شيء تتمناه؟ فقال: ألم تسأليني عن هذا مرة؟ فرفعت الستر وقالت: هذه حبابة، وقامت وخلتها، فحظيت سعدة عنده.
82 - كان لبصري جارية قد أدبها، وكانت أحب إليه من بصره وسمعه، فقعد الدهر (2) بهما، فاعتزم على بيعها، فاشتراها عمر بن عبد الله بن معمر التيمي (3) بألف دينار، فلما ذهبت الجارية لتدخل علق بثوبها وقال:
ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري
نذكر من بسباسة القلب حاجة ... دعت حزنا للعاشق المتذكر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال ابن معمر: قد شئت فخذها وخذ الألف.
__________
(1) حبابة: جارية يزيد بن عبد الملك مغنية من أحسن الناس وجها وأكملهم عقلا وأفضلهم أدبا قرأت القرآن وروت الشعر وتعلمت العربية وهي مولدة: كانت لرجل من أهل المدينة يعرف بابن رمانة خرّجها وأدبها فأخذت الغناء عن ابن سريج وابن محرز.
اشتراها يزيد بن عبد الملك فغلبت على عقله وشغل بها ثم ماتت فحزن عليها ومات بعدها بأربعين يوما. وذلك سنة 105هـ.
راجع الأعلام: 168.
(2) قعد الدهربه: أزرى الدهر به.
(3) عمر بن عبد الله التيمي: هو عمر بن عبد الله بن معمر التيمي القرشي من أشراف أهل البصرة وأجوادها وشجعانها كان وسيطا في الحرب بين تميم والأزد التي اندلعت عام 64هـ. ولاه عبد الله بن الزبير على البصرة وبقي عليها حتى سنة 66هـ ثم استعمله أخوه مصعب على فارس وولاه حرب الأزارقة فهزمهم سنة 73هـ وفي هذه السنة توفي في إحدى القرى القريبة من الشام.
راجع ترجمته في الأغاني 14: 106والكامل لابن الأثير.(3/363)
83 - محمود بن مروان بن أبي حفصة (1) يصف جارية:
ليست تباع ولو تباع بوزنها ... درا بكى أسفا عليها البائع
84 - علق عبد الرحمن بن أبي عمار (2) وهو من نسّاك أهل الحجاز جارية، فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعظونه فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا (3)
فحج عبد الله بن جعفر فزاره الناس إلا عبد الرحمن فاستزاره، وكان قد تقدم فاشترى له الجارية بأربعين ألفا، وأمر بتجهيزها، فقال له: ما فعل حب فلانة؟.
قال: هو في اللحم والدم والمخ والعصب والعظام، قال: أتعرفها إن رأيتها؟.
قال: إن دخلت الجنة لم أنكرها، فأمر بها فأخرجت وهي ترفل (4)
في الحلي والحلل:
وقال: شأنك بها، وأمر أن يحمل معها مائة ألف درهم. فبكى عبد الرحمن وقال: قد خصكم الله بشرف ما خص به أحد من ولد آدم،
__________
(1) محمود بن مروان بن أبي حفصة: هو يحيى بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن سليمان بن أبي حفصة سماه المتوكل محمودا لغمزة على الطالبيين. جالس المتوكل ولزم المعتز وخصّ به فقلده اليمامة والبحرين.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 502ووفيات الأعيان والكامل 7: 101والطبري 11: 67.
(2) عبد الرحمن بن أبي عمار: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار كان فقيها عابدا سمي القس لعبادته فتن بسلامة وفتنت به حتى صارت تعرف به سلامة القس وله فيها أشعار كثيرة راجع ترجمته في الأغاني 8: 86.
(3) طار اللوم أم وقعا: أي أكان حقا أم كذبا.
(4) ترفل: رفل رفلا ورفولا ورفلانا: جرّ ذيله وتبختر أو خطر بيده.(3/364)
فلتهنكم هذه النعمة، وبارك لكم واهبها.
85 - عن جويرية بن أسماء (1): أراد ابن سيرين شري جارية، فقلت: قد علمت مكانها، ولكن في شفتيها عظم: قال: ذاك أفحم (2)
لقبلتها.
__________
(1) جويريّة بن أسماء: هو جويريّة بن أسماء بن عبيد بن مخارق القبعي قال عنه ابن سعد أنه من الطبقة الخامسة من رواة أهل البصرة. روى عن أبيه ونافع والزهري ومالك بن أنس توفي سنة 173هـ وجويريّة تصغير جارية.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 38وتهذيب التهذيب 2: 124.
(2) أفحم لقبلتها: لم يورد لسان العرب معنى في مادة فحم يناسب المعنى وأغلب الظن أنها (أفخم) المعجمة ومعناها عبل ممتلىء.(3/365)
الباب الواحد والخمسون العداوة، والحسد، والبغضاء، والشمانة، وذكر الأضغان، والطوائل، والوعيد، والتهديد
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أعدى عدو لك نفيستك بين جنبيك.
2 - أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: العداوة تتوارث.
3 - ابن مسعود رضي الله عنه: اللهم إني لأستعديك على نفسي عدوى لا عقوبة فيها.
4 - داود عليه السّلام (1): لا تشتر عداوة واحد بصداقة ألف.
5 - الحارث بن أبي شمر الغساني: من اغتر بكلام عدوه فهو أعدى عدو لنفسه.
6 - أعرابي: كبت (2) الله كل عدو لك إلا نفسك.
7 - أراد كسرى أن يتزوج بنت بزرجمهر بعد قتله، فقالت: لو كان ملككم حازما ما جعل بينه وبين شعاره موتورا (3).
__________
(1) داود عليه السّلام: هو النبي داود من أنبياء بني إسرائيل وهذا الاسم كان معروفا في الجاهلية.
(2) كبت: يقال كبت الله العدو أي أهانه وأذلّه.
(3) موتورا: الموتور من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.(3/367)
8 - زياد بن عبيد الله بن عبد المدان (1) خال أبي العباس السفاح.
وكان ولّاه المدينة. فعزله عنها المنصور وعذبه. فقال:
ولو أني بليت بها شمي ... خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن ... تعالي فانظري بمن ابتلاني
يقول: لو بليت بذلك من السفاح الذي أخواله كرام لكان أهون علي من أن أبلى به ممن أمه أمة يعني المنصور.
9 [شاعر]:
ولا غرو أن يبلى شريف بخامل ... فمن ذنب المتنين تنكسف الشمس
10 - بث رجل في وجه أبي عبيدة مكروها، فأنشأ يقول:
فلو أن لحمي إذ وهى لعبت به ... سباع كرام أو ضباع وأذؤب (2)
لهوّن وجدي أو لسلّى مصيبتي ... ولكنما أودى بلحمي أكلب
11 - كان حاتم أسيرا في بلاد عنزة (3)، فلطمته أمة لهم فقال: لو ذات سوار لطمتني (4).
__________
(1) زياد بن عبيد الله بن المدان: هو أبو يحيى زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي خال أبي العباس السفاح قصد الشام ففرض له في العطاء واتصل بخالد بن عبد الله القسري ولّي على المعونة في الري ثم ولي على الشرطه في أيام هشام بن عبد الملك. استعمله السفاح سنة 132هـ على مكة والمدينة والطائف واليمامة وحضرموت. غضب عليه المنصور وعزله سنة 141هـ بعد أن اتهمه بالميل لمحمد ابن عبد الله النفس الزكية.
(2) أذؤب: جمع ذئب.
(3) عنزة: عنزة محركة إحدى القبائل العربية وترجع في نسبها إلى عنزة بن أسد بن ربيعة ابن نزار بن معد واسمه عمر.
(4) لو ذات سوار لطمتني: أي لو لطمتني حرة لكان ذلك أهون عليّ لأن السوار من لبس الأحرار.(3/368)
عذرت البزل (1) إذ هي خاطرتني ... فما بالي وبال ابن اللّيون
12 - عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السّلام: إياك ومعاداة الرجال، فإنك لن تعدم مكر حليم، ومفاجأة لئيم.
13 - أنو شروان: العدو الضعيف المحترس من العدو القوي أحرى بالسلامة من العدو القوي المغتر بالعدو الضعيف.
14 - صالح بن سليمان (2): لا تسغروا عدوا، فإن العزيز ربما شرق بالذباب.
15 - تقول العرب: أصبحا يتكاشحان (3) ولا يتناصحان، ويتكاشران (4) ولا يتعاشران.
16 - قيل لكسرى: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلا؟ قال:
عدوي، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلا فإني منه في عافية.
17 - ذريح بن جابر الغيداقي (5):
إذا المرء عادى من يودك صدره ... وسالم ما اسطاع الذين تحارب
فلا تفله (6) عما يجن ضميره ... فقد جاء منه بالشناءة (7) راكب
__________
(1) البزل: نوع من الوعول وهو الحيوان الذي يستخرج منه البازهر الحيواني وهو عبارة عن تجمدات مرضية كروية تتكون في الحيوانات قالوا أنها مضادة للسم وهي الآن مهجورة عند الأطباء.
(2) صالح بن سليمان: لم نقع له على ترجمة. قد يكون صالح بن سليمان الضبي الذي تكلم عنه الطبري أو ربما الذي ذكر الجاحظ في البيان والتبين.
(3) يتكاشحان: يظهران العداوة.
(4) بتكاشران: من كثر فلان أي كشف عن أسنانه وتنمّر له كأنه سبع.
(5) ذريح بن جابر الغيداقي: لم نقع له على ترجمة.
(6) فلا تفله: فلا تقطعه. من فلي يفلي الشيء بمعنى انقطع.
(7) الشناءة: البغض مع العداوة وسوء الخلق.(3/369)
18 - ذؤيب بن حبيب الخزاعي (1):
قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
19 - فيلسوف: كونوا من المسر المدغل (2) أخوف منكم من المكاشف المعلن، فإن مداواة العلل الظاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن.
20 - إياك أن تعادي من إذا شاء خلع ثيابه، ودخل مع الملك في لحافه.
21 - محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تعض يد عدوك فقبلها.
22 - حكيم: إني لأغتنم في عدوي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه كتب مروان الحمار إلى الخارجي الشيباني (3): أنا وإياك كالحجر والزجاجة، إن وقع عليها رضها (4)، وإن وقعت عليه فضها (5).
23 - نازع غلام من بني أمية عبد الملك بن مروان فأربى (6) عليه، فقيل لعبد الملك: لو تظلمت (7) إلى عمه! فقال: لا أعد انتقام غيري انتقاما.
24 - الواثق بالله:
__________
(1) ذؤيب بن حبيب الخزاعي: لم نقع له على ترجمة.
(2) المسر المدغل: الكتوم الذي يحقد ويبطن متلمسا عيوب الآخرين وخيانتهم.
(3) الخارجي الشيباني: هو الضحاك بن قيس الشيباني.
(4) رضّ الشيء: دقّة وجرشة.
(5) فضّها: من فضّ الشيء كسره فتفرقت كسره.
(6) أربى: بمعنى زاد.
(7) تظلّم إلى الحاكم: شكا إليه لينصفه.(3/370)
تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسنا (1) فزده
ستكفى من عدوك كل كيد ... إذا كاد العدو فلا تكده
25 - كانت جليلة بنت مرة (2) أخت جساس (3) تحت كليب (4) فقتل أخوها زوجها، وهي حبلى بهجرس بن كليب (5)، فلما شب قال لها:
أصاب أبي خالي وما أنا بالذي ... أمثل أمري بين خالي ووالدي
وأورث جساس بن مرة غصّة ... إذا ما اعترتني حرها غير بارد
ثم قال:
يا للرجال لقلب ماله آسي ... كيف العزاء وثاري عند جساس (6)
ثم قتله وقال:
ألم ترني ثأرت أبي كليبا ... وقد يرجى المرشح للذحول (7)
__________
(1) أوليته حسنا: صنعت معه معروفا.
(2) جليلة بنت مرة: هي جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان من بني بكر بن وائل زوجة كليب وائل كانت شاعرة فصيحة قتل أخوها جساس زوجها كليبا فعادت إلى منازل قومها فأقامت في بيت أخيها جساس إلى أن قتل توفيت نحو سنة 80قبل الهجرة.
راجع ترجمتها في الأغاني 5: 62والدر المنثور 125والأعلام 2: 130.
(3) جساس: هو جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان من بني بكر وائل كان شاعرا شجاعا وهو قاتل كليب وائل فكان ذلك بدء حرب البسوس قتل في نحو سنة 75قبل الهجرة انظر ترجمته في الأغاني 5: 34والأعلام 2: 112.
(4) كليب: هو كليب بن ربيعة بن مرة بن الحارث. ساد في ربيعة فبغى بغيا شديدا قتله جساس بن مرة نحو سنة 135قبل العجرة.
راجع ترجمته في الأغاني 5: 34وابن الأثير 1: 177والأعلام 6: 90.
(5) هجرس بن كليب: هو هجرس بن كليب بن ربيعة التغلبي ولدته أمه بين قومها بعد مقتل أبيه رباه خاله جساس وزوجه ابنته. ولكنه قتل خاله وعاد إلى قومه.
راجع ترجمته في الأغاني 5: 61والكامل لابن الأثير 1: 191والأعلام 9: 67.
(6) آسي: طبيب.
(7) الذحول: جمع ذحل بمعنى الثأر والعداوة والحقد.(3/371)
غسلت العار عن جشم بن بكر ... بجساس بن مرة ذي البتول
جدعت بقتله بكرا وأهل ... لعمر الله للجدع الأصيل (1)
26 - علي رضي الله عنه وذكر عثمان: وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف (2) وأرفق حداتهما العنيف. وأراد أنهما كانا يجدان في عداوته.
وعنه: وجد على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين.
27 - مراجل أحقادهم تفور، وطوالع أضغانهم لا تفور.
28 - هبت عليهم ريح التعادي، فنسفتهم عن البوادي.
29 - من كثر غمره لم يطل عمره (3).
30 - دار عدوك لأحد أمرين، إما صداقة تؤمنك، أو فرصة تمكنك.
31 - لكل إبراهيم نمرود، ولكل موسى فرعون.
32 - محاسبة الصديق دناءة، وترك الحق للعدو غباوة.
33 - سويد بن منجوف (4) إلى مصعب.
فأبلغ مصعبا عني رسولا ... وهل تلقى النصيح بكل وادي
تعلم أن أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي
34 - أنشد الجاحظ:
__________
(1) جدع: بمعنى قطع: للأنف وما شاكله.
(2) الوجيف: الإسراع في السير.
(3) الغمر: الحقد والغل. والمعنى أن الذي يبغض الناس ويكثر من الحقد عليهم فإن عمره لا يطول ومرد ذلك إلى الانقباض النفسي الدائم الذي يعيش فيه.
(4) سويد بن منجوف: هو سويد بن منجوف بن ثور السدوسي. تزعم بكر بن وائل في البصرة هجاه الأخطل فمنعه قومه من العطاء.
راجع ترجمته في الأغاني 7: 147والبيان والتبيين وتاريخ الطبري 2: 443وابن الأثير 4: 192.(3/372)
القوم أمثال السباع فانشمر (1) ... فمنهم الذئب ومنهم النمر
والضبع الغثراء (2) والليث الهمر 35فلان كثير المذاق، مر المذاق (3).
36 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا أخبركم بشراركم، من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده (4): ألا أخبركم بشر من ذلك من يبغض الناس ويبغضونه.
37 - قال الحجاج لخارجي: والله إني لأبغضكم، قال: أدخل الله أشدّنا بغضا لصاحبه الجنة (5).
38 - وكيع: جئنا مرة إلى الأعمش، فلما سمع حسنا قام ودخل، فلم يلبث أن خرج فقال: رأيتكم فأبغضتكم، فدخلت إلى من هو أبغض منكم، فخرجت إليكم.
39 - أراد أنو شروان أن يقلد ابنه هرمز ولاية العهد، فاستشار عظماء مملكته، فأنكروا عليه، وقال بعضهم: إن الترك ولدته وفي أخلاقهم ما علمت، فقال: الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، وكانت أم قباذ تركية، وقد رأيتم من حسن سيرته وعدله ما رأيتم: فقيل: هو قصير وذلك يذهب ببهاء الملك، فقال: إن قصره من رجليه ولا يكاد يرى إلّا جالسا أو راكبا، فلا يستبين ذلك فيه، فقيل: هو بغيض في الناس، فقال أوه! أهلكت ابننا هرمز، فقد قيل: إن من كان فيه خير واحد ولم يكن ذلك الخير المحبة في الناس فلا خير فيه، ومن كان فيه عيب واحد ولم يكن
__________
(1) انشمر: مر مسرعا أي لا تخالطهم ولا تطل صحبتك بهم.
(2) الغثراء: والمذكر أغثر وهو ما كثر صوفه من الأكسية: الأسد الذئب والضبع.
(3) مر المذاق: غير خالص الود.
(4) الرفد: العطاء.
(5) أي أنه هو أشد بغضا له منه.(3/373)
ذلك العيب المبغضة في الناس فلا عيب فيه.
40 [شاعر]:
وإذا شنئت فتى شنئت حديثه ... وإذا سمعت غناءه لم أطرب
41 - عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في الفضل بن السائب (1).
رأيت فضيلا كان شيئا ملففا ... فكشّفه التمحيص حتى بداليا (2)
أأنت أخي إن لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
ولست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ونحوه:
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا
42 - كان ابن عمر (2) يقول: نعوذ بالله من قدر وافق إرادة حسود.
43 - قيل لرسطاليس: ما بال الحسود أشد غما؟ قال: لأنه يأخذ بنصيبه من هموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمه لسرور الناس.
44 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: استعينوا على أموركم بالكتمان، فإن كلّ ذي نعمة محسود.
45 - تذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد، فقال رجل: إن الناس ربما حسدوا على الصلب، فأنكروا ذلك، ثم جاءهم بعد أيام فقال: إن الخليفة قد أمر بصلب الأحنف، ومالك بن مسمع (3)، وقيس بن
__________
(1) فضل ابن السائب: لم نقع له على ترجمة.
يقال أن عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب قال هذا الشعر في صديق له يدعى قصي بن ذكوان وقد عتب عليه فتهاجر الإثنان وتعاتبا.
(2) ابن عمر: يعني عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(3) مالك بن مسمع: هو مالك بن مسمع بن شيبان البكري الربعي سيد ربيعة في زمانه ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان من أوائل من نكثوا بيعة عبد الله بن الزبير وقد ساد بمحبة عشيرته له. مات بالبصرة أيام عبد الملك بن مروان وذلك سنة 73هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 164ومروج الذهب والأغاني 10: 72والكامل والأعلام 6: 4.(3/374)
الهيثم (1)، وحمدان الحجام (2)، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء! فقال: ألم أقل إن الناس يحسدون على الصلب.
46 - منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همته دليل
ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل
47 - المغيرة بن حبناء (3) شاعر آل المهلب:
آل المهلب قوم إن مدحتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسّدة ... ولا ترى للئام الناس حسّادا (4)
48 - عثمان رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.
__________
(1) قيس بن الهيثم: هو قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب السلمي. كان من أعيان البصرة ومن أنصار بني أمية فيها ثم مال إلى الزبيريين ثم أعلن ولاءه للأمويين وتوجه إلى عبد الملك بن مروان فعفا عنه وأكرمه توفي بالبصرة نحو سنة 85هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 6: 62والكامل لابن الأثير ومروج الذهب للمسعودي 5: 195.
(2) حمدان الحجام: لم نقع له على ترجمة.
(3) المغيرة بن حبناء: هو المغيرة بن عمرو بن ربيعة الحنظلي التميمي وحبناء أمه التي إليها ينتسب وهو شاعر إسلامي من شعراء المهلب بن أبي صفرة وكان فارسا شجاعا مات بالقرب من بخارى سنة 91هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 8: 201والكامل للمبرد 1: 412والأغاني 11: 163.
(4) العرانين جمع عرنين وهو الأنف كله أو ما صلب منه وهنا السيد الشريف.(3/375)
49 - مالك بن دينار: شهادة القرّاء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فأنهم أشد تحاسدا من السوس في الوبر (1).
50 - أنس رفعه: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
51 - بعض حكماء العرب: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود.
52 - يقول الله عز وعلا: الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي.
53 - عبد الله بن شداد بن الهاد صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابنه: يا بني إن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها رجع القول على من قالها.
54 - الأصمعي: رأيت أعرابيا قد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت.
55 - أعرابي: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد.
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر (2)
56 - المتنبي:
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أني لما أنا باك منه محسود
57 - ابن الحجاج:
إن يحسدوني فلا والله ما بلغت ... لولا الخساسة حالي موضع الحسد
وإنما في يدي عظم امششه ... من المعاش بلا لحم ولا غدد (3)
58 - لا يخلو السيد من ودود يمدح، وحسود يقدح.
__________
(1) الوبر: شعر الجمال والأرانب.
(2) ثاب له وفر: أصابه خير عميم.
(3) مش العظم: مصّ أطرافه.(3/376)
59 - لا يسلم الفاضل من قدح وإن غدا أقوم من قدح (1).
60 - ابن مسعود رضي الله عنه: ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس.
61 - كان يقال: إياك والحسد فإنه يتبين فيك، ولا يتبين في محسودك.
62 - حكيم: الحسد خلق دنيء، ومن دناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب.
63 - قيل لعبد الله بن عروة: لزمت البدو وتركت قومك! قال: وهل بقي إلّا حاسد على نعمة، أو شامت على نبكة؟.
64 - الحسود غضبان على القدر والقدر لا يعتبه.
65 - بينا عبد الملك بن صالح العباسي يسير مع الرشيد في موكبه، إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين طأطىء من إشرافه، وقصر من عنانه، واشدد من شكاله (2). فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال عبد الملك:
مقال حاسد، ودسيس حاسد. قال: صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلفوا وسبقتهم حتى برز شأوك (3)، وقصر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلّف. وحزازات (4) التبلّد، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين فأضرمها عليهم بالمزيد.
66 [شاعر]:
يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغدا بلا قتر صفوا بلا رنق (5)
خلص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغل في العنق (6)
__________
(1) قدح: طعن فيه وعابه وتنقّصه. والقدح: السهم قبل أن ينصل ويراش.
(2) الشّكال: حبل تشد به قوائم الدابة.
(3) الشأؤ: الغاية والهمة.
(4) الحزازات: جمع حزازة وهي وجع في القلب من غيظ ونحوه.
(5) قتر: ضيق والرنق: الكدر.
(6) الغل الأولى بمعنى الحقد والغش والغل الثانية بمعنى القيد أو الطوق من حديد.(3/377)
67 - عباد بن ثعلبة، وهو أنف الكلب، حسده بنو أخيه فقال:
قد كنت أحسبكم أو خلتكم ولدا ... فاليوم أعلم أن لستم بأولاد
الله يعلم غيبي كيف كان لكم ... والله يعلم ما غبتم لعباد
68 - كتب عبد الملك إلى الأحنف يستدعيه، فقال: يدعوني ابن الزرقاء إلى ولاية أهل الشام، فو الله لوددت أن بيننا وبينهم جبلا من نار، فمن أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق.
69 - أبو حيان: قال لقمان: نقلت الصخر، وحملت الحديد، فلم أر شيئا أثقل من الدين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أر ألذّ من العافية، وأنا أقول: لو مسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار (1)، لوجدها أعون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في نسب، أو مجاورين في بلد.
اللهم إني أعوذ بك من تتابع الإثم، وسوء الفهم، وشماتة ابن العم (2).
70 - قيل لأيوب عليه السّلام: أي شيء كان عليك في بلائك أشد؟ قال:
شماتة الأعداء.
71 - واثلة بن الأسقع: تظهر الشماتة بأخيك المسلم فيرحمه الله ويبتليك.
72 - أنشد الجاحظ:
وقال العاذلات ننسلّ عنها ... وداو غليل قلبك بالسلوّ (3)
__________
(1) القطار: السحاب الكثير القطر.
(2) شماتة ابن العم: يؤكد ذلك قول الشاعر طرفة بن العبد.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهنّد
(3) التسلّي: الانشغال.(3/378)
فكيف وقبلة منها اختلاسا ... الذّ من الشماتة بالعدو
73 - الخبزرزي (1):
شماتتكم بي فوق ما قد أصابني ... وما بي دخول النار بل طنز مالك (2)
74 - ابن أبي عيينة المهلبي:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الأعداء
75 - أعرابي: بنو الطرف عنوان الشر.
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الحساد
إن المصائب تنقضي أيامها ... وشماتة الأعداء بالمرصاد
76 - قيل لأفلاطون (3) بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يزداد فضلا في نفسه.
77 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: خير ما أعطي المؤمن خلق حسن، وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة.
78 - سئل الحسن: أيحسد المؤمن؟ فقال: وما أنساك بني يعقوب (4).
__________
(1) الخبزرزي: هو نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون البصري شاعر غزل ولهو كان يخبز الأرز فصار يقول الشعر ذهب إلى بغداد وسكنها مدة وأخباره كثيرة وطريفة وقد اختلف في سنة وفاته فقيل 317وقيل 327هـ وقيل 330هـ وقيل غير ذلك.
راجع المزيد عنه في تاريخ بغداد 13: 296ويتيمة الدهر للثعالبي 2: 366 وشذرات الذهب 2: 276والأعلام 8: 238.
(2) الطنز: السخرية والإستهزاء. ومالك هو خازن النار.
(3) أفلاطون: هو الفيلسوف اليوناني (347430ق. م) هو تلميذ سقراط أسس فلسفته (الصور) في أثينا وتقوم على أن غاية الفكر هو الخير أهم مؤلفاته: الجمهورية والشرائع.
(4) بنو يعقوب هم أسباط بني إسرائيل أولاد نبي الله يعقوب بن إسحاق وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السّلام.(3/379)
79 - لو كانت المشاجرة شجرا لم تثمر إلا صخرا.
80 - إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت.
81 - الخلاف غلاف الشر.
82 [شاعر]:
سن العداوة آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
83 - بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب، فقال: والله لئن عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة بما أبقى الله لنا شبابا يشبون (1)
الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
84 - لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت، فخضبن (2) أيديهن، وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا ومن أي حرام (3)
أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهن بالعلام (4)
فاقطع هديت أكفهن بصارم ... كالبرق أومض في متون غمام
فكتب أبو بكر إلى المهاجر (5) عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.
__________
(1) يشبون الحروب: يوقدون نارها.
(2) خضب: خضب الشيء لونه فهو خضيب يقال كف خضيب وامرأة خضيب ملونه بالحنّاء.
(3) في العجز إقواء.
(4) العلّام: الحنّاء.
(5) المهاجر: هو المهاجري بن أبي أمية سهيل أو (حذيفة) بن المغيرة المخزومي أخو أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شقيقها. كان اسمه الوليد فغيّره النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعثه أبو بكر لقتال من بقي من المرتدين بعد قتل الأسود العنسي فتولى إمارة صنعاء سنة 11هـ.
لم نقع على سنة وفاته.
راجع ترجمته في أسد الغابة 4: 442معجم البلدان 8: 268والأعلام 8: 253.(3/380)
85 - كاتب: فلان يتربص بك الدوائر (1)، ويتمنى لك الغوائل (2)، ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك، ولا رفعة إلا بسقوط حالك.
86 - كتب عبد الحميد عن مروان إلى أبي مسلم (3) كتابا قد نفث فيه خراشي صدره (4)، وكان من كبر حجمه على جمل، فدعا أبو مسلم بنار فطرحه فيها، إلا قدر ذراع كتب فيه هذين البيتين:
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب
فإن تقدّموا نعمل سيوفا شحيدة ... يهون عليها العتب من كل عاتب
87 - العرب: حين تقلينه تدرين أين غثه من سمينه.
88 - قيل لعبد الملك بن صالح الهاشمي: إنك لحقود، فتمثل:
إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم يكن ... لديه لذي النعمى جزاء ولا شكر (5)
89 - وقيل: عاتب ملك وزيره فقال له: إنك لحقود؟ فقال: أيها الملك السعيد، إن الصدر خزانة لما يودع فيه خير وشر، فإذا لم يحفظ السيئة لم يحفظ الحسنة.
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير (6)
__________
(1) يتربص بك الدوائر: ينتظر لك مصائب الدهر ونوائبه.
(2) الغوائل: الدواهي المهلكات.
(3) أبو مسلم: هو أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم مؤسس الدولة العباسية وأحد كبار قادتها ولد في أصبهان سنة 100هـ فأقام بها واستمال أهلها وقتل الكرماني والي نيسابور وسلم عليه بالإمارة فخطب باسم السفاح العباسي ثم قاتل مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية فهزمه بالزاب بين الموصل وأربيل. كان فصيحا بالعربية والفارسية وداهية حازما قتله أبو جعفر المنصور سنة 137هـ.
راجع المزيد عنه في وفيات الأعيان 1: 280وتاريخ بغداد 10: 207والأعلام 4: 113.
(4) خراشي صدره: ما يرمي به الصدر من النخامة اللزجة وقد يسمى البلغم.
(5) صدر البيت غير مستقيم بهذا النص.
(6) الطنين: صوت الهوام أو الناقوس.(3/381)
90 - علي رضي الله عنه: لأضغطن الكوفة ضغطة تحبق لها الصرة (1).
91 - عمارة بن عقيل:
يا أيها الراكب الماضي لطيته ... بلغ حنيفة وانشر فيهم الخبرا
مهلا حنيفة إن الحرب إن طرحت ... عليكم ركنها أسرعتم الضجر (2)
92 - مغلس بن لقيط السعدي (3):
قرينين كالذئبين يعتورانني ... وشر محابات الرجال ذئابها (4)
إذا رأيا بي غرة أغريا بها ... أعاديّ والأعداء تعوي كلابها (5)
وإن رأياني قد نجوت تلمسا ... لرجلي مغوّاة هياما ترابها (6)
93 - حكيم: لا تأمن الضعيف، فان القناة (7) قد تقتل وإن عدمت السنان والزج (8).
94 [شاعر]:
إذا ما رآني مقبلا شام (9) نبله ... ويرمي إذا وليت ظهري بأسهم
__________
(1) تحبق: لم ترد هذه الكلمة في نهج البلاغة.
(2) ركنها: شدتها.
(3) مغلس بن لقيط السعدي: هو مغلس بن لقيط السعدي من شعراء الجاهلية كان شريفا كريما حليما بارّا.
راجع ترجمته في معجم الشعراء المرزباني ص 391308وشرح الشواهد لابن هشام.
(4) تعاور الشيء بمعنى تعاطاه وتداوله.
(5) الغرّة: العفلة. الغرّ هو الشاب لا خبرة له.
(6) المغواة: يقال حفر لأخيه مغواة: أي ورطه.
(7) القناة: الرمح أو عوده.
(8) الزج: الحديدة توضع في أسفل الرمح.
(9) شام السيف: استله وأغمده وهو من الأضداد.(3/382)
95 - النابغة الجعدي:
وراثة بغض من أبيك ورثتها ... فلا برحت حتى تلاقي المنخّلا
أي أبدا.
96 - عمرو بن معد يكرب:
عجت نساء بني زياد عجة ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (1)
97 - طفيل الغنوي (2):
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوّب (3)
98 - أوس بن حجر:
رأيت بريدا يدريني بعينه ... تشاوس قليلا انني من تأسل (4)
وله:
فمن لا يكن منكم مسيئا فأنه ... يشد على كف المسيء فيجلب
99 - السمهري العكلي (5):
__________
(1) عجا: يعجو عجوا عجا البعير رغا وشرس خلقه.
(2) طفيل الغنوي: هو طفيل بن عوف بن كعب الغنوي من قيس عيلان شاعر جاهلي من النحول ويقال أنه أوصف العرب للخيل عاصر النابغة الجعدي وزهير بن أبي سلمى مات نحو سنة 13هـ له ديوان مطبوع.
راجع ترجمته في شواهد المغني ص 125وخزانة البغدادي 3: 642والأعلام 3: 329.
(3) محجّر: جبل في ناحية طيّ حدثت فيه وقعة. والتحوّب التوجع.
(4) تشاوس: نظر بمؤخر عينه تكبّرا أو تغيظا.
(5) السمهري العكلي: هو السمهري بن بشر العكلي من الشعراء اللصوص في أيام عبد الملك بن مروان أتهم بقتل عون بن جعدة بن هبيرة المجزومي فحبسه هشام بن إسماعيل والي المدينة فهرب من السجن ثم ألقي القبض عليه ثانية وقتل.
راجع ترجمته في ديوان الحماسة للتبريزي 1: 210والأغاني 21: 8275.(3/383)
إذا حرسي قعقع الباب ارعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها
فإن تك عكل سرها ما أصابني ... فقد كنت مصبوبا على من يريبها (1)
100 - السرندي بن عتبة التميمي (2):
رمى الناس عن قوس تميما ولا أرى ... عداوة من عادى تميما يضيرها
101 - عبيد الله بن سليمان بن وهب:
كاد الأعادي فلا والله ما تركوا ... قولا وفعلا وتلقيبا وتهجينا
ولم نزد نحن في سر ولا علن ... على مقالتنا يا ربنا اكفينا (3)
فكان ذاك رد الله حاسدنا ... بغيظة لم ينل تقديره فينا (4)
102 - قدامة بن موسى المدني (5):
إنّ بدرا نعمة سابغة ... خصنا الله بها حين قسم
فضّل الله بها أهل التقى ... وبنى الله بيوتا وهدم
إنما يحسد أو يبغضنا ... لشقاء الجد أرباء النعم
103 - في نوابغ الكلم: الحسد حسك، من تعلق به هلك.
104 - نصر بن سيار:
إني نشأت وحسّادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما بي لما بهم ... فمثل ما بي مما يجلب الحسدا
__________
(1) مصبوبا: المصبوب على الشيء: المحثوث عليه.
(2) السرندي بن عتبة التميمي: قال صاحب الأغاني أنه من الشعراء الذين هاجوا جريرا.
(3) في البيت إقواء.
(4) البيت غير مستقيم الوزن بهذه الصورة: فلو كان (فكان إذ ذاك والله حاسدنا).
لاستقام الوزن.
(5) قدامة بن موسى المدني: هو قدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي كان إمام المسجد النبوي ومن ثقات رواة الحديث روى عن أبيه وأنس بن مالك والإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين له شعر جيد توفي سنة 153هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 2: 324وتهذيب التهذيب 8: 366والأغاني 1: 944: 149.(3/384)
105 - معن بن زائدة:
وإن حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوما غير محسود
106 - حسيل بن عرفطة الأسدي (1):
ليهنك بغض في الصديق وظنه ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره راكبه
فلم أر مثل الجهل أدى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمص (2) صاحبه
107 - الحسن: الكبش يعتلف، والسكين تحد، والتنور يشجر.
108 - كتب علي رضي الله عنه إلى أهل البصرة: فإن خطت بكم الأهواء المردية (3)، والآراء الجائرة إلى منابذتي (4) وخلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي ورحلت ركابي ولئن الجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق (5). مع إني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهما إلى بريء، ولا ناكثا إلى وفيّ.
109 - عقال بن شبه (6): كنت رديف (7) أبي، فلقيه جرير، فحياه
__________
(1) حسيل بن عرفطة الأسدي: هو حسيل بن عرفطة بن نضلة بن الأشتر بن جحوان الأسدي شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ورأى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فسماه حسينا.
وحسيل هو تصغير حسل وهو ولد الضب.
راجع ترجمته في الحيوان للجاحظ 1: 383والبيان والتبيين والإصابة 2: 14.
(2) غمص: كان بعينه غمص وهو ما سال منها من وسخ أبيض يكون في مجرى العين وغمص هنا بمعنى احتقر واستصغر.
(3) المردية: الموقعة في الردى، الهلكة.
(4) نابذ: خالف وفارق عن عداوة.
(5) لعقة لاعق: لحسة لاحس أي هينة يسيرة عليه.
(6) عقال بن شبة: هو عقال بن شبة بن عقال بن صعصعة التميمي كان خطيبا مفوها من أشراف أهل البصرة كان مقربا من الأمويين والعباسيين معا وقدمه المنصور على عيسى ابن موسى كما كان يحضر مجلس المهدي العباسي.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والأغاني 18: 147والبيان والتبيين 2: 80.
(7) الرديف: الراكب خلف الراكب.(3/385)
ولاطفه، فقلت: أبعد ما قال لنا ما قال؟ قال: يا بني أفأوسع جرحي؟.
110 - قال السفاح لسديف حين أغراه (1) على بني مروان: يا سديف خلق الإنسان من عجل (2) ثم قال:
أحيا الضغائن (3) آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
111 - عن المنصور: إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك، وإلّا فقبلّها.
__________
(1) أغرى: حرّض ودفع.
(2) خلق الإنسان من عجل: جزء من الآية 37من سورة الأنبياء.
(3) الضغائن: جمع ضغينة وهي الحقد.(3/386)
الباب الثاني والخمسون العدل، والإنصاف، واستعمال السوية في القسمة وغيرها، وذكر من عدل وأوصى بالعدل
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: زين الله السماء بثلاث: بالشمس، والقمر والكواكب، وزين الأرض بثلاث: بالعلماء، والمطر، وسلطان عادل.
2 - أول خطبة خطبها عمر رضي الله عنه قال: أيها الناس، والله ما منكم أحد هو أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه، ثم نزل.
3 - علي رضي الله عنه: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، ومواساة الأخوان بالمال، وإنصاف الناس من نفسك.
وجه علي رضي الله عنه ابن عباس، وعمار بن ياسر، والحسن ابنه حين توجه إلى صفين (1)، لعزل أبي موسى عن الكوفة وحمل ما في بيت مالها إليه، فوجدوا فيه اثنين وخمسين ألف درهم. فقال: كيف اجتمع هذا كله للأشعري ولم يجتمع لمن قبله؟ فقال مجاشع بن مسعود (2):
__________
(1) صفين: مكان قرب الرقة على شاطىء الفرات كانت به الحرب الطاحنة بين علي ومعاوية، غرة شهر ربيع الأول سنة 37هـ وقيل في ربيع الآخر قتل فيها على ما ذكر المؤرخون ثلاثة وسبعون ألفا من الفريقين في ثلاثة أيام. (الروض المعطار ص 363).
(2) مجاشع بن مسعود: هو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن وهب بن عابد السلمي صحابي أسلم هو وأخوه بعد فتح مكة وأتيا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فبايعاه على الإسلام والجهاد في سبيل الله. نزل البصرة فاستخلفه المغيرة بن شعبة عليها. كان يوم الجمل مع عائشة فقتل سنة 36هـ في محاربة الزبير ودفن في البصرة.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 42والعقد الفريد 2: 66وتاريخ الطبري والكامل.(3/387)
أصدقكم، والله ما جمعه إلا العدل في الرعية، وإقامة أمر الله في عباده.
4 - كان الإسكندر (1) يقول: يا عباد الله، إنما آلهكم الله الذي في السماء، عند الكرب، والله لا يبلغني أن الله أحب شيئا إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجلي، ولا أبغض شيئا إلّا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي، وقد أنبئت أن الله يحب العدل في عباده، ويبغض الجور من بعضهم على بعض، فويل للظالم من سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكىء في مجلسي كيف شاء، وليتمنّ عليّ ما شاء، فلن نخطئه أمنيته، والله المجازي كلا بعمله.
إذا لم يعمر الملك ملكه بالإنصاف خرب بالعصيان.
5 - العباس بن عبد المطلب:
أبا طالب لا تقبل النصف منهم ... أبا طالب حتى تعق وتظلما (2)
أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما (3)
6 - أنوشروان: قيل له: أي الجنن (4) أوقى؟ قال: الدين، قيل:
فأي العدد أقوى؟ قال: العدل.
7 - شكوا إلى جعفر بن يحيى عاملا له، فوقّع إليه: قد كثر
__________
(1) الإسكندر: هو الإسكندر بن فيليب المقدومي ولد سنة 356ق. م. تسلم الحكم بعد أبيه على مقدونيا احتل صور بعد أن حاصرها سبعة أشهر وبني الإسكندرية ومات في بابل سنة 324ق. م.
كان حكيما شجاعا عادلا.
(2) تعق: العقوق: المخالفة والعصيان. والجحود.
(3) القواطع: السيوف الحادة المرهفة.
(4) الجنن: مفردها جنّة وهي السترة وكل ما وقى الإنسان فهو جنّته.(3/388)
شاكوك، فإمّا اعتدلت، وإمّا اعتزلت.
8 - قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنه: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك عن أهل الرفقة؟ قال: أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله.
9 - أنصف وانظر إليّ بعين الرضا. ثم اقتحم بي جمر الغضا (1).
10 - من أنصف من نفسه رضي به حكما لغيره.
11 - قال رجل لسليمان بن عبد الملك، وهو جالس للمظالم: ألم تسمع قول الله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} (2)؟
قال: فما خطبك؟ قال: وكيلك اغتصبني (3) ضيعتي وضمها إلى ضيعتك الفلانية، قال: فضيعتي لك، وضيعتك مردودة إليك، وكتب إلى الوكيل بذلك، وبصرفه عن عمله.
12 - رقي إلى كسرى بن قباذ (4) أن في بطاقة الملك من فسدت نياتهم، وخبثت ضمائرهم، فقال: إني إنما أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا بالرضا، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر.
13 - هارون بن محمد البالسي (5):
زيد في قدرك العليّ علوا ... يا ابن وهب من كاتب ووزير
أنت وجه الإمام لا زلت طلقا ... بك تفترّ عابسات الأمور
__________
(1) الغضا: شجر من الأثل خشبه من أصلب الخشب وجمره يبقى زمنا طويلا لا ينطفىء.
(2) جزء من الآية 44من سورة الأعراف.
(3) اغتصبني: الضمير يعدو هنا إلى وكيل سليمان بن عبد الملك.
(4) قباذ: هو جاما سب ولقبه نكارين وهو الملك التاسع من ملوك الدولة الساسانية.
(5) هارون بن محمد البالسي: هو هارون بن محمد البالسي ينسب إلى قريته بالس بين الرقة وحلب.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 464وكتاب الأغاني 20: 67.(3/389)
أسفر الشرق منك والغرب عن ض ... وء من العدل فاق ضوء البدور
أنشر الناس غثكم بعد أن كا ... نوا رفاثا من قبل يوم النشور
شرد الجور عدلكم فسرحنا ... منكم بين روضة وغدير
14 - نزل رجل بعلي رضي الله عنه فمكث عنده أياما، ثم تغوث (1)
إليه في خصومة، فقال علي: أخصم أنت؟ قال: نعم، قال: فتحوّل عنا، فإن رسول الله نهى أن يضاف خصم إلّا ومعه خصمه.
وعنه: بالسيرة العادلة يقهر المناوىء.
15 - مات بعض الأكاسرة، فوجدوا له سفطا (2)، ففتح فإذا فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من الثدي، معها رقعة مكتوب فيها: هي من حب رمان عمل في خراجه بالعدل.
16 - تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل وأقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يولّيه بلدا بلدا حتى يلحق كل بلد مثل الذي لحقنا، ويأخذ بقسطه (3) منه كما أخذه، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك وعزله.
17 - كتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: أمّا بعد فإن قبلنا قوم لا يؤدون الخراج إلّا أن يمسهم العذاب، فاكتب إلي برأيك. فكتب إليه: أما بعد فالعجب لك كل العجب! تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر، كأن إذني لك جنة من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله، فمن أعطاك منهم ما عليه عفوا فخذه منه، ومن أبى فاستحلفه، وكله
__________
(1) تغوّث إليه: طلب نصرته وإعانته.
(2) سفط: صندوق.
(3) بقسطه: بنصيبه.(3/390)
إلى الله (1)، فو الله لئن يلقوا الله بجرائمهم أحب إليّ من أن نلقاه بعذابهم، والسلام.
18 - جاء رجل من مصر إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مكان العائذ بك، فقال: لقد عذت عياذا، فما شأنك قال: سابقت ولد عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يقنعني (2) بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين، وبلغ عمرا فحسبني خشية أن آتيك، فأنفلت. فكتب عمر إلى عمرو: إذا أتاك كتابي هذا فأشهد الموسم وابنك. وقال للمصري: أقل حتى يقدم عمرو ويشهد الحج. فلما كان رمى إليه بالدرة (3)، فضرب ولد عمرو، وعمر يقول: اضرب ولد الأكرمين، حتى قال: يا أمير المؤمنين قد استغنيت. قال: ضعها على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين:
ضربت الذي ضربني، قال: أم والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي ينزع. ثم قال: يا عمرو، متى تعبدتم (4) الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.
19 - الأحنف: ما عرضت النصفة على أحد قط فقبلها إلا دخلتني له هيبة، ولا ردها إلا أختبأتها في عقله.
20 - قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي (5) في العدل، فمر بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال:
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يسمع أبياتك في العدل، فأنشده:
__________
(1) كله إلى الله: سلّمة واتركه وفوضه إليه واكتف به.
(2) قنع: قنعه بسوطه: غشاه به.
(3) الدرة: هي عصا الخليفة عمر.
(4) تعبّدتم الناس: جعلتموهم عبيدا.
(5) سليمان بن يزيد العدوي: لم نقع له على ترجمة في ما بين أيدينا من مصادر.(3/391)
حتى متى لا نرى عدلا نسّر به ... ولا نرى لولاة الحق أعوانا
مستمسكين بحق قائمين به ... إذا تلوّن أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له ... وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
فقال المنصور: وددت أني رأيت يوم عدل ثم مت. قال ابن المبارك: فهلك والله أبو جعفر وما عدل.
21 - فضيل: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله (1)، تدري من كان يتكلم بفمه كله؟ عمر بن الخطاب، كان يطعم الطيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن، ويعطيهم الحق ويزيدهم، وأعطى رجلا عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفا، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما تزيد هذا؟ فقال: إنّ هذا ثبت أبوه يوم أحد (2)، ولم يثبت أبو هذا.
22 - عبادة بن الصامت: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بعير من إبل الصدقة، فلما سلل تناول وبرة من البعير وقال: مالي فيما أفاء (3) الله عليكم ولا مثل هذه، إلا الخمس والخمس مردود فيكم.
23 - قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم (4): ما النجاة من هذا الأمر؟ قال: شيء هين، قال: وما هو؟ قال: لا تأخذ شيئا إلّا من حقه، ولا تضعه إلا في حقه، قال: ومن يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة، وهرب من النار.
__________
(1) تكلم بفمه كله: المجاهر بالحق والمطمئن له.
(2) أحد: جبل بظاهر مدينة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو أقرب الجبال إليها. وعنده كانت الوقعة بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقريش في سنة ثلاث بعد بدر بسنة وقتل الحمزة عم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (الروض المعطار ص 13).
(3) أفاء الله عليه مال القوم: جعله فيئا له أي غنيمة.
(4) أبو حازم: هو سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج.
راجع ترجمته في حلية الأولياء 10: 380وتذكرة الحفاظ للذهبي 1: 125وطبقات الصوفية للسلمي 443.(3/392)
24 - لا يكون العمران إلا حيث يعدل السلطان.
25 - العدل حصن وثيق في رأس نيق (1)، لا يحطمه سيل، ولا يهدمه منجنيق (2).
26 - وقع المأمون إلى عامل: أنصف من ولّيت أمره، وإلا أنصفه من ولي أمرك، وعنه: أكفه أمره وإلا كفيته أمرك.
27 - بعض السلف: العدل ميزان الله، والجور مكيال الشيطان.
الملك العادل مكنوف (3) بعون الله، محروس بعين الله.
28 - بليغ: رأيت صورة قمرية، وسيرة عمرية.
29 - آخر: رأيت بفلان نور القمرين (4)، وسيرة العمرين (5).
30 - أردشير: إذا رغب الملك عن العدل، رغبت (6) الرعية عن الطاعة.
وعنه: لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة. ولم يكن بعد أردشير أعدل من أنوشروان وهو الذي ولد رسول الله لسبع سنين خلت من ملكه. وقال: ولدت في زمن الملك العادل. وسائر الأكاسرة كانوا ظلمة يستعبدون ويتسخرون الرعايا، ويستأثرون عليهم بكل شيء، فلا يجرأ (7) أحد أن يطبخ
__________
(1) النيق: هو أرفع موضع في الجبل.
(2) المنجنيق: آله حربيّة ترمى بها القذائف.
(3) مكنوف: محاط.
(4) القمرين: الشمس والقمر.
(5) العمرين: هما عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقد وصفا بالعدل.
(6) رغب عن الشيء: حاد عنه.
(7) جرّأه: حمله على الإقدام فأقدم.(3/393)
سكباجا (1)، أو يلبس ديباجا (2)، أو يركب هملاجا (3)، أو يملك حسناء، أو يبني قوراء (4)، أو يؤدب ولده، أو يمد إلى مروءة يده، ويبنون الأمر على قول عمرو بن مسعدة (5) للمأمون: كل ما يصلح للمولى على العبد حرام.
31 - أنوشروان: كفاك من بركة العدل في الرعية، وحفظ الله لصاحبه، ما أعطى الله الضحاك (6) من ملك ألف سنة، أما والله لو أن ملوك يونان وهموان، يعني حمير، والأشغان (7) عدلوا لطالت أعمارهم، فاقتدوا بخيار ملوككم، وأهل الفضل منهم، تسعدوا بالعيش ما عشتم، وتصيروا بعد الموت إلى خير منه.
32 - رسطاليس: العدل حسن، وهو علة (8) كل حسن، وكذلك الحسن مع كل معتدل، والجور قبيح. وهو علة كل قبيح، وكذلك القبح
__________
(1) السّكباج: مرق يعمل من اللحم والخل.
(2) الديباج: الثوب الذي سداه ولحمته حرير.
(3) الهملاج: هو البرذون الحسن السير في سرعة وبخترة يقال دابة هملاج.
(4) القوراء: الدار الواسعة.
(5) عمرو بن مسعدة: هو عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول أبو الفضل مولى خالد القسري. أحد الكتاب البلغاء. اتصل بالمأمون فقربه وأغناه كان جوادا فاضلا.
مات في أذنة أو أطنة سنة 217هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 390والأغاني 6: 8481وتاريخ بغداد 12: 203.
(6) الضحاك: الاسم العربي (ل دهاك) وهو الملك الخامس من ملوك الطبقة الأولى من الفرس زعموا أنه عاش حوالي ألف سنة وأنه ملك الأقاليم السبعة ويصفه الأخباريون بأنه كان ظالما جائرا.
راجع المزيد عنه في الطبري 1: 98والكامل لابن الأثير 1: 74.
(7) الأشغان: أو الأشكان هم ملوك الدولة الأشكانية دامت دولتهم حوالي 474سنة من سنة 250ق. م. إلى سنة 224ب. م.
(8) العلة: السبب.(3/394)
مع كل خارج عن الاعتدال.
33 - سقراط (1): ينبوع فرح الإنسان القلب المعتدل، وينبوع فرح العالم الملك العادل، وينبوع حزن الإنسان القلب المختلف المزاج، وينبوع حزن العالم الملك الجائر.
34 - قدم عبد الله بن زمعة (2) على علي رضي الله عنه في خلافته، وكان من شيعته (3)، فطلب منه مالا، فقال: إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلّا فجناة أيديهم لا تكون بغير أفواههم.
وقال لعامله: انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعنّ مسلما، ولا تجتازنّ عليه كارها، ولا تأخذنّ منه أكثر من حق الله في ماله؟ فإذا قدمت على الحي فأنزل بمائهم، من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج (4) بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليّه؟ فأن قال قائل لا فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فان كانت لك ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بأذنه، فإنّ أكثرها له، فإذا أتيتها فلا
__________
(1) سقراط: فيلسوف يوناني ولد في أثنية سنة 468ق. م قاوم تعاليم السفسطة فتحالف عليه أعداؤه فحكم عليه بشرب السم فشربه ومات سنة 399ق. م كان نبيلا ذا أخلاق عاليه.
(2) عبد الله بن زمعة: هو عبد الله بن زمعة بن الأسود القرشي الأسدي من الصحابة أسلم وهاجر إلى المدينة قتل يوم الدار سنة 35هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 71.
(3) إن ما ورد في الإصابة لا يدل أبدا على أن عبد الله بن زمعة كان من شيعة علي.
(4) خدّج: أنقص.(3/395)
تدخلها دخول متسلط عليه ولا عنيف به، ولا تنفرنّ بهيمة، ولا تفزعنّها، ولا تسوأن صاحبها فيها.
وقال للأشتر (1) حين ولاه مصر: اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم فيه مجلسا عاما، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع (2)، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع، ثم احتمل الخرق (3) منهم والعي، ونح عنهم الضيق والأنف، يبسط الله عليك أكناف (4) رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته.
35 - لما ولي عمر بن عبد العزيز أخذ في رد المظالم، فأبتدأ بأهل بيته، فاجتمعوا إلى عمة له كان يكرمها وسألوه أن تكلمه، فقال لها: إنّ رسول الله سلك طريقا، فلما قبض سلك صاحباه ذلك الطريق، فلما ولي عثمان سلك ذلك الطريق غير أنه خدّ فيه اخدودا (5)، فلما أفضى الأمر (6)
الى معاوية فجره يمينا وشمالا، وأيم الله لئن مد لي عمر لأردنّه إلى الطريق الذي سلكه رسول الله وصاحباه. فقالت له يا ابن أخي إني أخاف عليك منهم يوما عصيبا، فقال: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا أمّننيه الله أن خفته. فخرجت إليهم فقالت: أفتتزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا راعهم الشبه تكلمتم؟ وذلك أن أم عمر أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن
__________
(1) الأشتر: هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي.
راجع المزيد عن ترجمته في نهج البلاغة 2: 102.
(2) غير متعتع: غير متلعثم في القول لخوف أو مهابة.
(3) الخرق: العنف والعي العجز عن النطق والأنف بالتحريك الاستكبار.
(4) الأكناف: الأطراف والحواشي.
(5) خدّ أخدودا: حفر خندقا.
(6) أفضى الأمر: انتهى.(3/396)
الخطاب (1).
36 - الحكماء: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان.
إزرع الأحرار بسيبك (2)، واحصد الأشرار بسفيك.
37 - كثير في عمر بن عبد العزيز:
قد غيب الدافنون اللّحد من عمر ... بدير سمعان (3) قسطاس الموازين
ضمن غيب معنى أودع وضمن، فلذلك عداه إلى اثنين.
38 - نزل بالحسن بن علي ضيف، فاستسلف درهما اشترى له به خبزا، واحتاج إلى الأدام فطلب من قنبر (4) أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءت من اليمن، فاخذ منه رطلا. فلما قعد علي رضي الله عنه ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الدن (5) الحدث، قال: صدق فوك، وأخبره الخبر، فغضب وقال: عليّ به: فرفع عليه الدرة، فقال: بحق عمي جعفر، وكان إذا سئل بحق جعفر سكن، وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال: إن لنا فيه حقا، فإذا أعطيتناه رددناه، قال: فداك أبوك! وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه. قال
__________
(1) عاصم بن عمر بن الخطاب: هو عاصم بن عمر بن الخطاب كان من أحسن الناس خلقا وشاعرا حسن الشعر مات بالربذة سنة 70هـ وقيل سنة 73هـ وابنته أم عاصم هي ولدة عمر بن عبد العزيز.
راجع ترجمته في العقد الفريد 6: 349والأغاني 8: 151والإصابة 5: 57.
(2) السيب: هو العطاء.
(3) دير سمعان: بنواحي دمشق كان فيه قصور ومنتزهات وبساتين لبني أمية وفيه قبر عمر ابن عبد العزيز وكان قد انتقل إليه واشترى موضع قبره. من سمعان صاحب الدير بثلاثة دنانير وقيل بدينارين.
(4) قنبر: هو مولى الإمام علي بن أبي طالب كان يتولى له بيت المال.
(5) الدنّ: الراقود العظيم لا يقعد إلا أن يحفر له جمعه دنان.(3/397)
الراوي: فكأني أنظر إلى يدي على فم الزق، وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعلم.
39 - الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير، فأتته حفصة (1)
فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربيك (2)، فقد أوصى الله بالأقربين، فقال يا حفصة، إنما حق أقربائي في مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك. فقامت تجر ذيلها (3).
__________
(1) حفصة: هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب وأمها زينب بنت مظغون الجمحية كانت زوجة لخنيس بن حذافة السهمي، وأسلمت معه ولما مات عنها تزوجها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولازمت المدينة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن توفيت بها سنة 45هـ.
راجع ترجمتها في كتابنا (زوجات النبي وأولاده) طبعة مؤسسة عز الدين.
(2) حق أقربيك: إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم من آيات تحث على إعطاء ذوي القربى ومنها الآية 7من سورة الحشر: {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ فَلِلََّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ}.
(3) تجر ذيلها: تسير متباطئة خجلة.(3/398)
الباب الثالث والخمسون العجز، والتواني، والكسل، والبلادة، والبطء والتردد في الأمر، وما أشبه ذلك
1 - سعد بن أبي وقاص: كنا عند رسول الله فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟
قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط ألف خطيئة.
2 - علي رضي الله عنه: من طاع التواني ضيع الحقوق.
3 - أكثم بن صيفي: ما أحب أن أكفي جميع أمر الدنيا، قيل: ولم ذاك؟ قال: أخاف عادة العجز.
4 - حكيم: من دلائل العجز كثرة الإحالة (1) على المقادير.
5 - كتب على عصا ساسان (2): الحركة بركة، والتواني هلكة، والكسل شؤم، والتواني زاد العجزة، وكلب طائف خير من أسد رابض.
من العجز والتواني نتجت الفاقة.
6 - قال أبو المعافى (3):
__________
(1) الإحالة: الاتكال.
(2) ساسان: هو ساسان الأكبر أحد ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس.
(3) أبو المعافى: هو أبو المعافى المزني يعقوب بن إسماعيل بن رافع كان من صحابة العباس بن محمد العباسي وكان شاعرا حسن الشعر.
راجع ترجمته في معجم الشعراء المرزباني ص 496.(3/399)
إن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين زوجها مهرا
فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي ... فقصرا كما لا شك أن تلدا الفقرا
7 - قال جرير للفرزدق: ظننت أن تفعل كذا، فقال: طالما أخلفت ظن العجزة، وما ظنك بالحلفاء (1) أدنيت لها نارا؟.
8 - خرج المعتصم إلى بعض منتزهاته، فظهر لهم أسد، فقال لرجل من أصحابه، أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه، يا رجل أفيك خير؟ فقال بالعجلة: لا والله يا أمير المؤمنين. فضحك المعتصم وقال: قبحك الله وقبح طللك (2).
9 [شاعر]:
لا تضجرن ولا تأخذك معجزة ... فانجح يذهب بين العجز والضجر
10 [آخر]:
ولا تركن إلى كسل وعجز ... تحيّل على المقادر والقضاء
11 - أبو بكر العرزمي (3):
أرى عاجزا يدعى جليدا لغشمه (4) ... ولو كلف التقوى لكلت مضاربه (5)
__________
(1) الحلفاء: نبت أطرافه محددة كأنها سعف النخل والخوص ينبت في مخايض المياه والحلفاء أيضا: الأمة الصخّابة.
(2) طللك: الطّلل ما شخص من الجسد يقال حيا الله طللك وطلالتك أي شخصك.
(3) أبو بكر العرزمي: لم نقع له على ترجمة وعرزم هم قوم معروفون بالبصرة وعرزم أيضا هو أحد رجال فزارة. (تاج العروس).
(4) غشم: احتطب ليلا فقطع كل ما قدر عليه بلا نظر ولا فكر والغاشم والغشوم: الظالم الغاصب.
(5) مضارب: جمع مضرب وهو السيف أو حدّه.(3/400)
وعفا يسمى عاجزا لعفافه ... ولولا التقى ما أعجزته مذاهبه
وليس بعجز المرء أخطأه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه
12 - أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحليلة (1).
فلان يخدعه الشيطان عن الحزم، فيمثل له التواني في صورة الهوينى باحالته على القدر.
13 - الحسن: إن أشد الناس صراخا يوم القيامة رجل سن سنة ضلالة فاتبع عليها، ورجل فارغ مكفي قد استعان بنعم الله على معاصيه.
14 - قيل لسهل بن هارون (2): خادم القوم سيدهم، قال: هذا من أخبار الكسالى.
15 [شاعر]:
أصبحت لا رجلا يغدو لمطلبه ... ولا قعيدة بيت تحسن العملا (3)
16 - لبيد: واعص ما يأمر توصيم (4) الكسل.
17 - الخيبة نتيجة مقدمتين الكسل والفشل، وثمرة شجرتين الضجر والملل.
__________
(1) الحليلة: الزوجة.
(2) سهل بن هارون: هو سهل بن هارون أبو عمرو فارسي الأصل اشتهر بالبصرة واتصل بخدمة هارون الرشيد وحظي عنده ثم خدم ابنه المأمون وولّاه رياسة بيت الحكمة ببغداد ولكنه ظل شعوبيا يتعصب للعجم على العرب وقد اشتهر بالبخل وأخباره كثيرة ألف بعض الكتب منها (ثعلة وعفرة) على نسق كليلة ودمنة (والنمر والثعلب) ورسالة في البخل.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 181وأرشاد الأريب 4: 258والأعلام 3: 211.
(3) القعيدة: المرأة لقعودها في بيتها.
(4) توصيم: التوصيم في الجسد كالتكسير والفترة والكسل والتواني لسان العرب.(3/401)
18 - شعاره الكسل، ودثاره التسويف والعلل.
19 - الكسل باب الخصاصة (1):
20 - الكسلان إذا أرسلته في حاجة تكهن عليك.
21 - يسحب رجلا لا تكاد تنسحب.
22 - إن الهوينى تورث الهوانا.
23 [شاعر]:
لو سابق الذر مشدودا قوائمه ... يوم الرهان لكان الذر يسبقه
24 - التعبد يثقل على أهله كثقله في الميزان، والكسل يخف على أهله كخفته في الميزان.
25 - لقمان: يا بني إيّاك والكسل والضجر، فإن كسلت لم تؤدّ حقا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق.
26 - طاهر بن الفضل (2): الكسلان منجم، والبخيل طبيب.
27 - العطاف الكلبي (3):
كلوا عجرة الوادي فإن بلاءكم ... ضعيف إذا ما كان يوم قماطر (4)
ولا تغضبوا مما أقول فإنما ... أنفت لكم مما تقول المعاشر
28 - أبو نعامة الديقعي (5):
__________
(1) الخصاصة: الحاجة.
(2) طاهر بن الفضل: لم نقع له على ترجمة.
(3) العطاف الكلبي: هو عطاف بن أبي شفقرة الكلبي: شاعر جاهلي كان يهجو بني فزارة في شعره ويحث بني عذرة على محاربتهم.
راجع ترجمته في معجم الشعراء ص 299.
(4) العجرة: من العجر بالتحريك وهو الحجم والنتوء. والعجرة بالضم كل عقدة في الخشبة وقيل العجرة العقدة في الخشبة ونحوها أو في عروق الجسد والعجرة أيضا نفخة في الظهر لسان العرب.
(5) أبو نعامة الديقعي: لم نقع له على ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر.(3/402)
إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحق على المعزاء أن تتبددا
29 - ابن السماك: جلاء القلوب استماع الحكمة، وصدؤها الملالة والفتور.
30 - عنه عليه السّلام: كان إذا سئم تبدى (1).
31 - المأمون: إن النفس لتمل الراحة كما تمل التعب.
32 - أبجر بن جابر العجلي (2): يا بني، إياك والسآمة في طلب الأمور، فتقذفك الرجال في أعقابها.
33 - فلان لا ينتبه ولو أعيد في الكور، ونفخ عليه إلى أن ينفخ في الصور.
34 - علي رضي الله عنه: إلى كم أغضي على القذى، وأسحب ذيلي على الأذى، وأقول لعل وعسى (3):
35 [شاعر]:
ولو نشر الخليل له لعفت ... بلادته على فإن الخليل (4)
36 - عمر رضي الله عنه: إنّي لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا (5)، لا في عمل دنيا ولا آخرة.
__________
(1) تبدى الرجل أقام بالبادية. وهذا الحديث لم يرد لا في كتب الصحاح ولا في مسند ابن حنبل والدارمي.
(2) أبجر بن جابر العجلي: هو أبجر بن جابر العجلي أبو حجار من شيوخ بني تغلب ظل على نصرانتيه ومات سنة 40هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري حوادث سنة 40هـ.
(3) لم يرد هذا في نهج البلاغة.
(4) لو نشر الخليل: يقول لو عاد الخليل بن أحمد الفراهيدي حبا وهو المعروف بالفطنة والنباهة لو عاد حيا لطغت بلادة هذا على ما في الخليل من فإن وحدة ذكاء.
(5) السبهلل: المختال في غير اكتراث.(3/403)
37 - إن كان الشغل محمدة فإن الفراغ مفسدة.
38 - حجام ساباط (1) مثل في الفراغ، وهو ساباط المدائن، كان به حجام إذا مر به البعوث حجمهم بنسيئة (2) إلى وقت القفول. وقيل: حجم مرة أبرويز فأمر له بما أغناه عن الحجامة فلم يزل فارغا مكفيا.
39 - قال ابن بسام:
دار أبي العباس مفروشة ... ما شئت من بسط وأنماط
لكنما بعدك من خبزه ... كبعد بلخ من سميساط (3)
مطبخه قفر وطباخه ... أفرغ من حجام ساباط
40 - وكان ابن الرومي إذا ذكر أبا حفص الوراق (4) سماه وراق ساباط لفراغه.
41 - إخلع علي ساعة من ساعاتك. أي تفرغ لي.
42 - أنس رفعه: أشد الناس حسابا يوم القيامة المكفي الفارغ.
43 - قدامة بن جعفر (5): كنت مرويا في أمر، آتيه أم أذره؟
فأنشدت في المنام:
__________
(1) حجام ساباط: مثل يضرب في البطالة والكسل. وساباط بلد في مدائن كسرى يقال أنه كان يحجم أمه لئلا يعيّر بالبطالة وظل هكذا حتى نزف دمها وماتت فأصبح مثلا.
(2) نسيئة: التأخير والتأجيل يقال باعه بنسيئة أي بتأخير دفع الثمن.
(3) سميساط: مدينة على شاطىء الفرات في طرف بلاد الروم على غربي الفرات. لها قلعة في شق منها يسكنها الأرمن. وبلخ مدينة مشهورة بخراسان (معجم البلدان).
(4) أبو حفص الوراق: لم نقع له على ترجمة.
(5) قدامة بن جعفر: هو قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي. كان أحد البلغاء الفصحاء والفلاسفة الفضلاء وعالما متضلعا في علم المنطق واشتهر بالبلاغة ونقد الشعر. توفي ببغداد سنة 337هـ من مؤلفاته. نقد الشعر ونقد النثر (مطبوع) وجواهر الألفاظ والسياسة والبلدان.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 17: 12والأعلام 6: 31والنجوم الزاهرة 3: 297.(3/404)
فلا تكن النفس التي نيط أمرها ... بنفسين نفس تائق وعزوف
44 [بعضهم]:
كان الفراغ إلى سلامك قادني ... ولربما طلب الفضول الفارغ
45 - قولك في أذني قرط معلق لا أنساه.
46 - أظنك نسيتني، وللنسيان نسوان، وللذكر ذكران.
47 - لو غابت عنه العافية أنسيها.
48 - جابر بن عبد الله رفعه: خمس يورثن النسيان: أكل التفاح، وسؤر (1) الفأر والحجامة (2) في النقرة (3)، ونبذ القملة، والبول في الماء الراكد.
49 - وعن علي رضي الله عنه: عشر يورثن النسيان: كثرة الهم، والحجامة في النقرة، والبول في الماء الراكد، وأكل التفاح الحامض، وأكل الكزبرة، وأكل سؤر الفأر، وقراءة ألواح القبور، والنظر إلى المصلوب، والمشي بين الجملين المقطورين، وإلقاء القملة حية (4).
50 - في نوابغ الكلم: يا أنيسيان عادتك النسيان. أذكر الناس ناس، وأرق القلوب قاس.
فلان يعلّ الفؤاد غير نسّاء (5) للأحقاد.
__________
(1) سؤر الفار: السؤر: البقيّة مطلقا وهي هنا فضلات أكل الفأر.
(2) الحجامة: المداواة والمعالجة بالمحجم وهو آلة الحجم وهي شيء كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيجا ويجذب الدم أو المادة بقوة، جمعها محاجم المنجد.
(3) النقرة: ثقب في وسط الورك. ثقب في القفا. (المنجد).
(4) ليس لما أورده الزمخشري أي أثر في نهج البلاغة ولا أدري من أين أتى بهذا الكلام ونسبه للإمام علي ولم يذكر لنا المصدر.
(5) نسّاء: كثير النسيان.(3/405)
51 - المعتز:
وما أملّ حبيبي ليتني أبدا ... مع الحبيب ويا ليت الحبيب معي
52 - العباس بن الأحنف:
لو كنت عاتبة لسكّن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب
لكن مللت فلم يكن لي حيلة ... صدّ الملول خلاف صد العاتب (1)
53 - تقول العرب: إنك لذو ملة طرف، أي تتخذ خليلا ثم تمله وتستطرف آخر.
54 - هذا أمر يضيق به قضاؤك، وتسقط منه كسفا (2) سماؤك.
55 - كان رجل ينسى أسماء ممالكيه، فقال: اشتروا لي غلاما له اسم مشهور لا أنساه، فاشتروا له غلاما، وقالوا: اسمه واقد، فقال: هذا اسم لا أنساه. اجلس يا فرقد.
56 [شاعر]:
أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شرّ من النسيان
57 - قالت العرب: عقرة (3) العلم النسيان.
58 - قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا، قال: أنذرتكم سوف (4).
__________
(1) الملول: الكثير الملل.
(2) كسفا: قطعا.
(3) العقرة: عدم الحمل والعقم.
(4) أنذرتكم سوف: إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم من آيات فيها سوف للتهديد والوعيد مقل: {أَمََّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيََاتِنََا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نََاراً}.(3/406)
الباب الرابع والخمسون العفاف، والورع، والعصمة، وذكر الحلال والحرام، ومن تحرج وتنزه من الرجال والنساء
1 - عطية السعدي (1): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس.
2 - أبو بكر رضي الله عنه: إنا منذ ولينا أمور المسلمين لم نأخذ لهم دينارا ولا درهما. ولكن قد أكلنا من جريش طعامهم، ولبسنا من خشن ثيابهم، وليس عندنا من فيهم إلا هذا الناضح (2). وهذا العبد الحبشي وهذه القطيفة (3)، فإذا قبضت فادفعوها إلى عمر. فلما قبض أرسلوها إليه، فبكى حتى سالت دموعه، ثم قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده.
3 - علي رضي الله عنه: العفاف زينة الفقر (4).
__________
(1) عطية السعدي: هو عطية بن عروة السعدي مختلف في نسبه صحابي معروف له أحاديث في الشام وكان ممن كلم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 2: 144والإصابة 4: 246. ونهج البلاغة 4: 15.
(2) الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء.
(3) القطيفة: دثار مخمل يلقيه الرجل على نفسه.
(4) العفاف زينة الفقر: وردت في نهج البلاغة 4: 15.(3/407)
4 - قال داود عليه السّلام لبني سرائيل: اجتمعوا فأني أريد أن أقوم فيكم بكلمتين. فاجتمعوا على بابه، فخرج إليهم فقال: يا بني إسرائيل، لا يدخل أجوافكم إلا طيّب، ولا يخرج من أفواهكم إلا طيّب.
إن أحببت أن تعلم علم اليقين فاجعل بينك وبين الشهوات حائطا من حديد.
5 - سليمان عليه السّلام: إن الغالب لهواه أشدّ من الذي يفتح مدينة وحده.
6 - حلقت قرشية شعرها، وكانت أحسن الناس شعرا، فقيل لها في ذلك، فقالت: أردت أن أغلق الباب، فلمحني رجل ورأسي مكشوف، فما كنت لأدع علي شعرا رآه من ليس بمحرم.
7 [شاعر]:
إن أكن طامح اللحاظ فإني ... والذي يملك الفؤاد عفيف
8 - بعض بني كلب (1):
فقالت بحق الله إلّا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس (2)
فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد قام عنها كل وال وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعا ولم أقلب لها كفّ لامس
9 - الحلال يقطر، والحرام يسيل.
10 - لقي مخنث آخر وقد تاب، فقال له: من أين معاشك؟ قال:
بقيت لي بقية من الكسب القديم، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فإن لحم الخنزير طريا خير من قديد (3).
11 - نزل خارجي على أخ مستترا عن الحجاج، فشخص المنزول
__________
(1) بنو كلب: هم أبناء كلب بن وبرة وهو أخو نمر وتنوخ.
(2) أطلس: جمعه طيالس وهو ما كان لونه أغبر إلى أسود.
(3) القديد: هو اللحم المقداد الجاف.(3/408)
عليه لبعض حاجته، وقال لامرأته: أوصيك يا زرقاء بضيفي هذا خيرا، فلما عاد بعد شهر قال لها: كيف ضيفنا؟ قالت: ما أشغله بالعمى عن كل شيء! وكان الضيف أطبق عينيه، فلم ينظر إلى المرأة والمنزل إلى أن عاد زوجها.
12 - مرت امرأة بقوم من بني نمير (1)، فقال رجل منهم: هي رسحاء (2). فقالت: يا بني نمير ما أطعتم الله ولا أطعتم الشاعر، قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ} (3)، وقال الشاعر: فغضّ الطرف إنك من نمير (4).
13 - عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص:
هيفاء فيها إذا استقبلتها عجف ... عجزاء غامضة الكعبين معطار (5)
من الأوانس مثل الشمس لم يرها ... في ساحة الدار لا بعل ولا جار
14 - لم يذهب على أحد من الرواة أن عمر بن أبي ربيعة كان عفيفا، يصف ولا يقف، ويحوم ولا يرد.
15 - قيل للحسن: إنّ عند فلان عشرة آلاف، فقال: ما أحسبها اجتمعت من حلال.
وقيل له: إن فلانا مات وترك مائة ألف، قال: إذن لا تتركه.
__________
(1) نمير: هو نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ومن انتسب إليه كان نميري.
(2) الرسحاء: القبيحة من النساء، وهي أيضا قليلة لحم العجز والفخذين.
(3) {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ}: جزء من الآية 30من سورة النور.
(4) فغض الطرف إنك من نمير: وعجزه: (فلا كعبا بلغت ولا كلابا). البيت لجرير من قصيدة مشهورة يهجو فيها الراعي النميري.
(5) الهيفاء: الدقيقة الخضر الضامر البطن. والعجف: الضعف والهزال وعجزاء كبيرة العجيزة غامضة الكعبين ممتلئة الساقين والمعطار من يضع العطر بكثرة.(3/409)
16 - زاهد: إني لأشتهي الشّواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه.
لا تعوّد نفسك الشّبع من الحلال فتأكل الحرام.
17 - سقط من يد كهمس بن الحسن الحنفي (1) دينار، فطلبوه حتى وجدوه، فأبى أن يأخذه، وقال: لعلّه ليس بديناري.
18 - ابن سيرين: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري.
19 - قال بعضهم: ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام.
20 [شاعر]:
وإني لعف عن فكاهة جارتي ... وإني لمشنوء إليّ اغتيابها (2)
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زؤورا ولم تأنس إلي كلابها (3)
ولم أك طلابا أحاديث سرها ... ولا عالما من أي حوك ثيابها
21 - تذاكروا أشد الأعمال في مجلس يونس بن عبيد فاتفقوا على أنه الورع (4)، فجاء حسان بن أبي سنان (5) فقال: إنّ الصلاة لمؤونة، وإن
__________
(1) كهمس بن الحسن الحنفي: هو كهمس بن الحسن الحنفي أحد رجال بني حنيفة الصالحين كان مؤذنا أقام بمكة مات فيها سنة 149هـ وكني فيها بأبي عبد الله.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 3: 175وحلة الأولياء 6: 212وتهذيب التهذيب 8: 450.
(2) لمشنوء: لمكروه.
(3) زؤورا: مكثر من الزيارات.
(4) الورع: الكف عن المحارم.
(5) حسان بن أبي سنان: هو أبو عبد الله حسان بن أبي سنان البصري كان صدوقا عابدا تقيا ورعا وكان يتعاطى التجارة في البصرة فيأخذ قوته كل سنة ويتصدق بالباقي وقد شغلته العبادة عن كل شيء.
راجع ترجمته في حلية الأولياء 3: 114وصفوة الصفوة 3: 254والبيان والتبيين 3: 125.(3/410)
الصوم لمؤونة، وإن الصدقة لمؤونة، وما أهون للورع إذا رابك (1) شيء فاتركه.
ومن وزع حسان أن غلاما له كتب إليه من الأهواز: أن قصب السكر أصابته آفة، فاشتر مما قبلك من السكر، ففعل، فطلب منه بعد قليل بربح ثلاثين ألفا، فاستقال البيع صاحبه وقال: لم نعلم كنت أعمل حين اشتريته (2)، فقال: قد أعلمتني الآن وقد طيبتك، فلم يطمئن قلبه، ولم يزل حتى رده إليه.
22 - محمود الوراق (3):
لا تشعرن قلبك حب الغنى ... إن من العصمة أن لا تجد
كم مدمن خمرا وعاد على ... سماع لهو وغناء غرد (4)
لو لم يجد خمرا ولا مسمعا ... برّد بالماء غليل الكبد
23 - ابن المبارك: أراد أبو حنيفة (5) رحمه الله أن يشتري جارية،
__________
(1) رابك: جعلك ترتاب.
(2) لم نعلم كنت أعمل حين اشتريته: عبارة غير مستقيمة المعنى ولا واضحة.
(3) محمود الورّاق: هو محمود بن حسن الوراق شاعر يدور شعره على الحكم والمواعظ أورد المبرّد بعضا من شعره في الكامل مات سنة 225هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 13: 87وفوات الوفيات 2: 285وطبقات المعتز ص 267.
(4) معنى ذلك أنّ كثيرين من الناس من تبطرهم النعم فيستعينون بها على ارتكاب المحارم.
(5) أبو حنيفة: هو النعمان بن ثابت التيمي بالولاء الكوفي: أبو حنيفة إمام الحنفيّة الفقيه المجتهد المحقق أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. ولد ونشأ بالكوفة. كان قويّ الحجة من أحسن الناس منطقا كريما جوادا. له مسند في الحديث جمعه تلاميذه توفي في بغداد سنة 150هـ (الأعلام).(3/411)
فمكث عشر سنين يختار ويشاور من أي سبي يشتريها.
24 - اختلطت غنم الغارة بغنم أهل الكوفة، فسأل أبو حنيفة كم تعيش الشاة؟ قالوا: سبع سنين، فترك أكل لحم الغنم سبع سنين.
وحملت إليه بدرة (1) من عند المنصور، فرماها في زاوية البيت.
فلما توفي جاء بها ولده حماد إلى الحسن بن قحطبة (2)، فقال:
أوصاني أبي برد هذه الوديعة إليك، فقال: رحم الله أباك، لقد شح بدينه إذ سخت به أنفس أقوام.
25 - الثوري: أنظر درهمك من أين هو، وصلّ في الصف الأخير.
26 - كان عمر رضي الله عنه يتمثل:
حلالها حسرة يفضي إلى ندم ... وفي المحارم منها السم مذرور (3)
27 - جابر: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لكعب بن عجرة (4): لا يدخل الجنة من نبت لحمه من حرام، النار أولى به.
28 - أبو بكر رضي الله عنه رفعه: إن الله حرم الجنة أن يدخلها جسد غذي بحرام.
29 - أبو هريرة رفعه: يأتي على الناس زمان لا يبالون من حلال
__________
(1) البدرة: الكمية العظيمة من المال.
(2) الحسن بن قحطبة: هو الحسن بن قحطبة الطائي من قواد بني العباس ولد سنة 97هـ ولاه المنصور على أرمينية ثم طلب منه مساعدة أبي مسلم الخراساني على قتال عبد الله بن علي. سمته الروم التنين. توفي في بغداد سنة 181هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري وابن الأثير.
(3) يفضي: يؤدي.
(4) كعب بن عجرة: هو كعب بن عجرة بن أمية البلوي في نسبه خلاف شهد عمرة الحديبيّة وقطعت يده في بعض المغازي روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعن عمر. مات بالمدينة سنة 52هـ وقيل 53هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 304.(3/412)
كسبوا المال أم من حرام.
30 - حذيفة رفعه: إن قوما يحيون يوم القيامة لهم من الحسنات أمثال الجبال فيجعلها الله هباء، ثم يؤمر بهم إلى النار، فقال سلمان: حلهم لنا يا رسول الله. فقال: أما أنهم كانوا يصلون ويصومون، ويأخذون أهبة من الليل. ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا إليه.
31 - أيمن بن خريم:
فقلت اصطحبها أو لغيري فأهدها ... فما أنا بعد الشيب ويلك والخمر
تعففت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر (1)
32 - فلان يعقد نطاقه على طبع الطيب الازار.
33 - أبو سليمان الداراني: من صدق في ترك الشهوة كفي مؤونتها، الله أكرم أن يعذب قلبه بها وقد تركها له.
34 - مر سليمان الخواص (2) بإبراهيم بن أدهم، وهو عند قوم أضافوه فقال: يا أبا إسحاق نعم الشيء هذا لو لم يكن تكرمة على الدين.
35 - مروان بن معاوية (3): ما من أحد إلّا وقد أكل بدينه حتى سفيان الثوري، كان له أخ يعمل ببضاعته وهو جالس، ولولا دينه ما فعل به ذلك.
36 - ملك اللذات أن يعبدنه.
__________
(1) كلأ العمر: انتهى.
(2) سليمان الخواص: لم نقع له على ترجمة والخواص بائع الخوص.
(3) مروان بن معاوية: هو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري كان من ثقات رجال الحديث روى عنه أحمد بن حنبل مات سنة 193هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 4: 93وتهذيب التهذيب 1: 966.(3/413)
37 - هو بماله متبرع، وعن مال غيره متورع (1).
38 - لم يتدنس بحطام، ولم يتلبس بآثام.
39 - عف السريرة غيبه كالشهد.
40 - قالت امرأة لرجل أكثر تأملها: عبر عينك وشيء غيرك.
41 - أبو أمامة الباهلي (2): لما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم أتت إبليس جنوده وقالت: قد بعث نبي وخرجت أمته، قال: أفيحبون الدنيا؟ قالوا:
نعم، قال: إن كان يحبون الدنيا فأني لا أبالي أن لا يعبدوا الأوثان، أنا أغدوا عليهم وأروح بثلاث: أخذ المال من غير حله، وانفاقه في غير حقه، وامساكه عن حقه، والشرك تبع لهذا.
42 - حكيم: عز النزاهة أحب إليّ من فرح الفائدة، والصبر على العسرة أحب إلي من احتمال المنة (3).
43 - قيل لابن المسيب: إلعن الحجاج، فقال: لا يأخذ الناس مظالمهم من الحجاج ويأخذ الحجاج مظلمته مني، حسبه ذنبه.
44 - دخلت بثينة (4) على عبد الملك بن مروان فقال: يا بثينة ما أرى شيئا مما كان يقول جميل، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إلي
__________
(1) ورع وورع: ابتعد عن الإثم وكفّ عن الشبهات والمعاصي.
(2) أبو أمامة الباهلي: هو صديّ بن عجلان بن وهب الباهلي أبو أمامة صحابي جليل كان ممن بايع تحت الشجرة وآخر من مات بالشام من الصحابة سنة 86هـ روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء الراشدين.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 241والبيان والتبيين 3: 192.
(3) المنّة: الإحسان وهي أيضا اسم من منّ عليه أي قرّعة بصنيعة وإحسان.
(4) بثينة هي بثينة بنت حبا بن ثعلبة العذريّة. اشتهرت بأخبارها مع جميل بن معمر فعرف بها (جميل بثينة) وكانوا يسكنون وادي القرى بين مكة والمدينة. شعرها متين رقيق مات جميل قبلها فرثته بشعر فيه العاطفة والرقة وماتت بعده بقليل وذلك سنة 82هـ راجع ترجمتها في الدر المنثور ص 79جمهرة الأنساب ص 420الأعلام 2: 9.(3/414)
بعينين ليستا في رأسك، قال: فكيف صادفتيه في عفته؟ قالت: كما وصف نفسه:
لا والذي تسجد الجبال له ... مالي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كان إلا الحديث والنظر
45 - وعن أبي سهل الساعدي (1): دخلت على جميل وبوجهه آثار الموت فقال لي: يا أبا سهل، إنّ رجلا يلقى الله ولم يسفك دما حراما، ولم يأت فاحشة، أترجو له؟ قلت: إي والله، فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون ذلك، فذكرت بثينة، فقال: إني لفي آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة قط.
46 - عبد الله بن عبد المطلب (2) أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دعته امرأة إلى نفسها للنور الذي بين عينيه، فأبى وقال:
أما الحرام فالحمام (3) دونه ... والحل لا حل فأستبينه (4)
فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه
وقال:
وأحور مخضوب البنان محجب ... دعاني فلم أعرف إلى ما دعا وجها (5)
__________
(1) أبو سهل الساعدي: هو سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي كان اسمه حزنا فسماه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سهلا وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة وذلك سنة 91هـ وقيل سنة 96هـ. روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعن أبي كعب ومروان بن الحكم.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 252والإصابة 3: 140.
(2) عبد الله بن عبد المطلب: عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الملقب بالذبيح والد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رحل في تجارة إلى غزة وعاد يريد مكة فمرض في الطريق ومات بالأبواء بين مكة والمدينة.
راجع ترجمته في سيرة ابن هشام وهامش الروض الألف 1: 103وتاريخ الخميس 1: 182.
(3) الحمام بالكسر: الموت.
(4) استبان الشيء: وضح: استوضحه وعرفه بيّنا.
(5) وأحور: حورت العين اشتد بياض بياضها وسواد سوادها فهي حوراء وهو أحور.
بخلت بنفسي عن مقام يشينها ... فلست مريدا ذاك طوعا ولا كرها
47 - الحسن: لو وجدت رغيفا من حلال لاحرقته، ثم دققته، ثم ذريته، ثم داويت به المرضى (1).(3/415)
__________
(5) وأحور: حورت العين اشتد بياض بياضها وسواد سوادها فهي حوراء وهو أحور.
بخلت بنفسي عن مقام يشينها ... فلست مريدا ذاك طوعا ولا كرها
47 - الحسن: لو وجدت رغيفا من حلال لاحرقته، ثم دققته، ثم ذريته، ثم داويت به المرضى (1).
48 - عدمت زوج أبي ذر رضي الله عنها ما تكفنه به فبكت، فقال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين. فأبصري الطريق. فإذا برجال أقبلوا ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، فقال: أنشدكم الله إن كفنني رجل منكم كان عريفا، أو أميرا، أو شرطيا. فكفنه فتى أنصاري منهم بثوبين من غزل أمه.
49 - راود توبة (2) ليلى الأخيلية عن نفسها، فاشمأزت وقالت:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وخليل
50 - ابن ميادة:
موانع لا يعطين حبة خردل ... وهن دوان في الحديث أوانس (3)
ويكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة ... كما كرهت صوت اللجام الشوامس (4)
51 - قال رجل للثوري: أصاب ثوبي خلوق (5) من خلوق الكعبة، فقال: إغسله فكم فيه من دم مسلم.
52 - فضيل: ابنه علي: كانت لنا شاة أكلت يسيرا من علف بعض
(1) لطهارته: وندرته.
(2) توبة: هو توبة بن الحمير بن حزم بن خفاجة العقيلي العامري أبو حرب من الشعراء العشاق المشهورين كان يهوى ليلى الأخيلية ولكن أباها منعه منها فقال فيها الشعر مشببا واشتهر أمره مات سنة 85هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 10: 79والمحاسن والأضداد 125والأعلام 2: 73.
(3) أوانس: جمع آنسه وهي الطيبة النفس الكثيرة الأنس.
(4) الشّوامس: مفردها شموس وهو الشيء الخلق من الخيل التي تجمح وتمنع ظهرها.
(5) الخلوق: الطيب.(3/416)
الأمراء فما شرب من لبنها بعد.
53 - إبراهيم بن أدهم: أنا بالشام من أربع وعشرين سنة، ما جئت لجهاد ولا رباط (1)، ولكن لأشبع من خبز حلال.
54 - عمرو بن العاص: لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهما يريان أنه يحل لهما، لقد غبنا ونقص رأيهما، والله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي. ولئن كان ما أصبنا منه يحرم علينا لقد هلكنا، وأيم الله ما أتى الوهم والوهن إلا من قبلنا.
55 - عبد الله بن حسن بن حسن:
أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهنّ حرام
يحسبن من لين الحديث فواسقا ... ويصدهنّ عن الخنا الإسلام
56 - كان الأصمعي يستحسن بيتي العباس بن الأحنف (2):
أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
57 - كان ابن المدني (3) متواصفا بالعفة وطيب الإزار (4)، فأنشد عبد الملك بن مروان وهو متنكب (5) قوسه:
__________
(1) الرّباط: الحصن أو المكان الذي يرابط فيه الجيش.
(2) عباس بن الأحنف: هو العباس بن الأحنف بن الأسود الحنفي اليمامي شاعر غزل رقيق نشأ ببغداد وتوفي بها وقيل بالبصرة سنة 192هـ له ديوان شعر مطبوع.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 32.
(3) ابن المولى المدني: هو محمد بن عبد الله بن مسلم من الأنصار شاعر متقدم كان طريفا عفيفا ولد ونشأ بالمدينة اتصل بالمهدي العباسي ومدحه ونال مكانة عنده مات سنة 170هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 3: 88ومعجم الشعراء للمرزباني ص 342والأعلام 7: 91.
(4) الإزار: كل ما سترك: العفاف.
(5) تنكّب قوسه: ألقاه على منكبه.(3/417)
وابكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الود تبذل
واخنع بالعتبي إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصل (1)
فقال له: من ليلى هذه؟ لئن كانت حرة لأزوجنّكها، ولئن كانت مملوكة لاشترينّها لك بالغة ما بلغت، فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ما كنت لأمعر (2) بوجه حر أبدا في حرّته ولا في أمته، والله ما ليلى إلا قوسي هذه، أسميتها ليلى فأنا أنسب بها.
58 - مهدي بن الملوح الجعدي (3):
كأن على أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل غابق (4)
وما ذقته إلا بعيني تفرسا ... كما شيم في أعلى السحابة بارق
59 - عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله من المؤمن؟ قال:
المؤمن من إذا أصبح نظر في رغيفيه من أين يسكبهما. قالت: يا رسول الله أما أنهم لو كلفوه لتكلفوه، قال: أما أنهم قد كلفوه، ولكن يعشقون الدنيا عشقا.
60 - اختفى إبراهيم بن المهدي في هربه من المأمون عند عمته زينب بنت أبي جعفر (5)، فوكلت بخدمته جارية لها اسمها ملك، واحدة
__________
(1) خنع له وإليه: خضع وذلّ. والعتبى: الرضى.
(2) معر فهو معمور: المقطب غضبا.
(3) مهدي بن الملوّح الجعدي: هو مهدي بن الملوح الجعدي من بني جعدة بن كعب ابن ربيعة قيل هو مجنون بني عامر وقيل كان في عامر جماعة من المجانين هو أحدهم.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 2: 136والنجوم الزاهرة 1: 182والأعلام 6: 60.
(4) الغابق: شارب الغبوق وهي الخمرة.
(5) زينب بنت أبي جعفر: هي زينب بنت أبي جعفر المنصور وأخت المهدي ولم نقع لها على ترجمة.(3/418)
زمانها في الحسن والأدب، طلبت منها بخمس مائة ألف فأبت، فهويها، وتذممّ أن يطلبها إليها، فغنى يوما وهي قائمة على رأسه.
يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خذ ... يه فقبلت يديه
بأبي وجهك ما اك ... ثر حسادي عليه
أنا ضيف وجزاء الضي ... يف إحسان إليه
ففطنت الجارية، فحكت لمولاتها، فقالت: إذهبي إليه فأعلميه أني قد وهبتك له. فعادت إليه، فلما رآها مقبلة أعاد الغناء، فانكبّت (1) عليه، فقال: كفي، فقالت: قد وهبتني لك مولاتي، وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم.
61 - أنشد المبرد:
ما إن دعاني الهوى لفاحشة ... إلّا عصاه الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
62 - طلب عمر بن عبد العزيز رحلا لمصحفه (2)، فأتي برحل فأعجبه، فقال: من أين أصبتموه؟ فقيل: عمل من خشبة وجدت في بعض الخزائن، قال: قوموه (3) في السوق، فقوّم بنصف دينار، فقال: ضعوا في بيت المال دينارا، فقيل: لم يقوّم إلا بنصف دينار، فقال: ضعوا في بيت المال دينارين.
63 - عيسى عليه السّلام، لا تكن حديد النظر إلى ما ليس لك. فإنه لن يرى فرجك ما حفظت عينيك، فإن استطعت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل، ولن تستطيع ذلك إلا بأذن الله.
__________
(1) انكبّ: انكب على الأمر: لزمه.
(2) رحل المصحف: هو ما يوضع عليه المصحف كهيئة السرج.
(3) قوّم الشيء: أعطاه قيمة: ثمنا.(3/419)
الباب الخامس والخمسون التعجب، وذكر العجائب والنوادر وما خرج من العادات
1 - علي بن ربيعة (1): شهدت عليا رضي الله عنه، فأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: سبحان الله {الَّذِي سَخَّرَ لَنََا هََذََا وَمََا كُنََّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (2)، {وَإِنََّا إِلى ََ رَبِّنََا لَمُنْقَلِبُونَ} (3)، ثم قال: الحمد لله والله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، ثم ضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين، من أي شيء تضحك؟
قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل ما فعلت أنا ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء تضحك؟ قال: إنّ ربك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وعنه عليه السّلام: إن ربك يعجب من الشاب ليست له صبوة (4).
وعنه: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون.
__________
(1) علي بن ربيعة: هو علي بن ربيعة الأزدي: أبو المغيرة من ثقات رواة الكوفة المعروفين راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7: 157.
(2) جزء من الآية 13: من سورة الزخرف.
(3) الآية 14: من سورة الزخرف.
(4) أورد أحمد بن حنبل هذا الحديث في مسنده تحت رقم 4: 151.(3/421)
2 - علي رضي الله عنه: عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إيّاه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة. وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت، وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى. وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء (1).
3 - قعنب بن أم صاحب (2):
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
4 - نظرت فيه نظر المعجب به لا المتعجب منه، وذكرت قول أرسطاليس: أما التعجب من مناقبك فقد أسقطه تواترها (3)، فصارت كالشيء المألوف الذي لا يتعجب منه.
5 - وقيل لبحّار: ما أعجب ما رأيت من عجائب البحر؟ قال:
سلامتي منه.
6 - ركب أعرابي البحر فرأى من أمواجه الأهوال، ثم ركبه مرة أخرى وهو ساكن، فقال: لا يغرنّي حلمك فعندي من جهلك العجائب.
7 - قيل لبزرجمهر: من أعلم الناس بالدنيا؟ قال: أقلهم منها تعجبا.
8 - أسمع المعتز عبيد الله بن عبد الله بن طاهر غناء حظية له وقال:
__________
(1) نهج البلاغة 4: 29وفيه وهو يرى الموتى بدل: من يموت.
(2) قعنب بن أم صاحب: هو قعنب بن ضمرة أحد بني عبد الله بن غطفان من شعراء الحماسة كان في أيام الوليد بن عبد الملك.
راجع ترجمته في شرح الحماسة للتبريزي 4: 24.
(3) تواترت الأشياء: تتابعت مع فترات بينها.(3/422)
كيف تراها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حظ العجب منها أكثر من حظ العجب بها.
9 - بزرجمهر: العجب ممن يعرف ربه ثم يغفل عنه طرفة عين.
10 - قيل للمشعبذ أبو العجب، قال أبو تمام:
وحادثات أعاجيب خسا وزكا ... ما الدهر في فعله إلا أبو العجب
11 - وقال ابن الرومي في البحتري:
أولى بمن عظمت في الناس لحيته ... من حاكة الشعر أن يدعى أبا العجب
الجد أعمى ولولا ذاك لم تره ... في البحتري بلا عقل ولا أدب
12 - لو قيل: أي شيء أعجب عندك؟ لقلت: قلب عرف الله ثم عصى (1).
13 - كان ببابل (2) سبع مدائن، في كل مدينة أعجوبة: في إحداها تمثال الأرض، فإذا التوى على الملك بعض أهل مملكته (3) بخراجهم خرق أنهارها عليهم في التمثال، فلا يطيقون سد البثق (4) حتى يعتدلوا وما لم يسد في التمثال لم يسد في ذلك البلد.
وفي الثانية حوض، فإذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى كل واحد بما أحبه من شراب، فصبه في ذلك الحوض، فاختلطت الأشربة، فكل من سقي منه كان شرابه الذي جاء به.
__________
(1) ذلك أن الذي يعرف الله حق معرفته لا يمكن أن يعصيه مع علمه بالمعصية.
(2) بابل: مدينة قديمة توجد انقاضها على مقربة من الحلة جنوبي شرقي بغداد على بعد 160كيلومترا منها حكمها السومريون وكان أشهر ملوكها المشترع الكبير حمورابي القرن 19ق. م. وقد جعلها الإسكندر عاصمة الشرق. ويقال أنها كانت سبع مدن في كل مدينة أعجوبة لا توجد في الأخرى.
(3) التوى عليه: مال عنه وأعرض.
(4) بثق السيل الموضع: شقه وخرقه وكسر سدّه ليفيض منه الماء.(3/423)
وفي الثالثة طبل، إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب عن أهله قرعوه، فإن كان حيا صوّت، وإن كان ميتا لم يسمع له صوت.
وفي الرابعة مرآة، فإذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب نظروا فيها، فأبصروه على أية حالة هو عليها كأنهم يشاهدونه.
وفي الخامسة أوزّة من نحاس، فإذا دخل الغريب صوتت الأوزة صوتا يسمعه أهل المدينة.
وفي السادسة قاضيان جالسان على الماء، فيأتي الخصمان فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضي، ويرتطم المبطل.
وفي السابعة شجرة ضخمة لا تظل ساقها، فإن جلس تحتها أحد أظلّته إلى ألف رجل، فإن زاد على الألف واحد جلسوا كلهم في الشمس.
14 - الخليل في سليمان بن حبيب (1):
وزلة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخبز زلّ عن يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
15 - ورد على قلبي منه ما طبقه عجبا إن لم يطبقه شجبا (2).
16 [شاعر]:
الدهر فيه لمن تعجب عبرة وعجائب
17 - الظبي يخضم (3) الحنظل خضما وماؤه يسيل من شدقيه، وأنت تتبين فيه الاستلذاذ له والاستحلاء لطعمه، ويرد البحر فيشرب الماء
__________
(1) سليمان بن حبيب: هناك أثنان يحملان هذا الاسم أحدهما سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق والآخر سليمان بن حبيب وربما كان هذا الأصح وكان واليا على الأهواز والذي هزمه ابن هبيرة فكتب إلى عبد الله بن معاوية بالبيعة.
راجع الترجمة في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير حوادث سنة 129.
(2) الشجب: الحزن والهم.
(3) خضم الظبي الحنظل: أكله بأقصى أضراسه.(3/424)
الأجاج (1) كما تغمس الشاة لحييها (2) في الماء العذب. فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر، ويستحلي مرارة الحنظل؟.
18 - عن عبد الرحمن بن عدي: سمعت أبا هريرة يقول: ضرس الكافر مثل أحد. فقلت في نفسي: فكيف برأسه؟ فكيف بيده؟ كالشّاكّ، فأريت في النوم من القابلة أن بثرة (3) خرجت في خنصري فملأت المدينة.
فقيل لي: هذا لشكك في قول أبي هريرة.
19 - عن أبي عقيل (4): كنت عند منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتى مروان بن الحكم بحبال وفعلة، يريد أن يزيد درجات على منبر رسول الله، وذلك بأمر معاوية، فزلزلت الأرض، وخسفت الشمس، وبدت النجوم، واصطفقت (5) القناديل.
20 - كان في زمن بني إسرائيل جارية متعبدة، تسمى سوسن، تخرج إلى مصلى يليه شيخان، وكان بجنبه بستان تتوضأ فيه، فعلقها الشيخان، فراوداها عن نفسها، فأبت، فقالا: لئن لم تمكنيننا من نفسك لنشهدنّ عليك بالزنا، فقالت: الله كافي شركما. ففتحا باب البستان وعيّطا (6)، فغشيهما الناس، فقالا: وجدناها مع شاب يفجر بها وانفلت من أيدينا. وكانوا يقيمون الزاني للناس ثلاثة أيام، ثم يرجم. فأقاموها، وكانا يدنوان منها يضعان يديهما على رأسها، ويقولان: الحمد لله الذي أنزل
__________
(1) الأجاج: الشديد المولوحة.
(2) لحييها: اللحي: عظم الحنك الذي عليه الأسنان.
(3) بثرة: جمعها بثور وهي خرّاج صغير.
(4) أبو عقيل: قد يكون أبا عقيل مولى عمر بن الخطاب كان يروي عن عائشة وعنه روى سفيان الثوري.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 12: 172.
(5) اصطفقت القناديل: ضرب بعضها بعضا.
(6) عيطا: عيّط الرجل صاح.(3/425)
لك نقمته. فلما أريد رجمها تبعهم دانيال (1) وهو ابن ثنتي عشرة أول ما تنبأ، فقال: لا تعجلوا، أنا أقضي بينهم. فوضع له كرسي، ففرق بين الشيخين، وهو أول من فرق بين الشهود، فقال لأحدهما: ما رأيت؟
فذكر حديث الشاب، فقال: أيّ مكان من البستان؟ فقال: تحت الشجرة الكمثري. وسأل الآخر فقال: تحت الشجرة التفاح. وسوسن رافعة يديها تدعو بالإخلاص. فأنزل الله نارا فأحرقت الشاهدين، وأظهر براءتها.
21 - عن الشافعي رحمه الله: بينا أنا أدور في طلب العلم فدخلت بلدة من بلاد اليمن، فرأيت فيها إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين، وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان، ويأكلان ويشربان. ثم غبت عنهما سنتين ورجعت، فسألت عنه، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد، توفي فربط من أسفله بحبل وثيق، وترك حتى ذبل وقطع، فلعهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهبا وجائيا.
قال: ورأيت باليمن أعميين يتقاتلان وأبكم يصلح بينهما.
وقال: باليمن قوم يشق أحدهم لحمه ثم يرده فليتئم من ساعته.
ويقال: إن غداء أولئك اللسان.
وقال: رأيت باليمن بنات سبع يحضن كثيرا.
وقال: رأيت بالمدينة ثلاث عجائب لم أر مثلها في موضع قط.
رأيت رجلا فلس (2) في مد من نوى، فلسه القاضي. ورأيت رجلا له سن شيخ كبير خضيب، يدور على بيوت القيان (3) ماشيا يعلمهن الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا، ورأيت رجلا أعسر، يكتب بشماله يسبق من يكتب بيمينه.
__________
(1) دانيال: أحد أنبياء بني إسرائيل ويعتبر عند المسيحيين أحد الأنبياء الأربعة الكبار وسفر دانيال من أسفار العهد القديم.
(2) فلّس القاضي فلانا: حكم بإفلاسه أي أصبح وليس معه فلس واحد.
(3) القينة: الأمة المغنية أو الماشطة.(3/426)
الباب السادس والخمسون العشق، وذكر من بلي به وقال فيه الشعر، ومن مات منهم كمدا، ومن رق لهم وترحم عليهم
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من عشق فعفّ وكتم ثم مات مات شهيدا.
2 - لما أعتقت عائشة رضي الله عنها جاريتها بريرة (1)، وكان زوجها حبشيا، اسمه مغيث (2)، خيرت بين الإقامة معه وبين مفارقته، فاختارت المفارقة، فكانت إذا طافت بالبيت طاف مغيث خلفها، ودموعه تسيل. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمه العباس: يا عم أما ترى حب مغيث لبريرة؟ لو كلمناها أن تتزوجه! فدعاها وكلمها، فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت، قال:
أما أمر فلا، ولكن أشفع. فأبت أن تتزوجه. قال الراوي: فهذا من قد رآه رسول الله، وشهد لشدة عشقه، وشفع في بابه.
3 - يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا.
__________
(1) بريرة: هي بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها اشترتها وأعتقتها وكانت تخدمها قبل أن تشتريها وقصتها في ذلك في الصحيحين.
راجع ترجمتها في الإصابة 7: 27.
(2) مغيث: هو مغيث زوج بريرة وهو مولى أبي أحمد بن جحش الأسدي كان عبدا وقد اختارت بريرة فراقه وكان يحبها.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 130.(3/427)
4 - بعضهم: رأيت امرأة في غاية الضمر والنحافة رافعة يديها تدعو، فقلت لها: هل من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف.
تزود كلّ الناس زادا يقيتهم ... ومالي زاد والسلام على نفسي
ففعلت، فإذا بفتى، فقال: أنا الزاد. فمضيت به إليها، فما زادا على النظر والبكاء. ثم قالت له: انصرف مصاحبا محافظا، فقلت: ما علمت أن لقاء كما يقتصر على هذا، فقالت: أمسك، أما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد؟.
5 - إبراهيم بن محمد بن عرفة المهلبي الواسطي (1).
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر
كم قد خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر (2)
كذلك الحب لا إتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر
6 - عن زبيدة: قرأت في طريق مكة على حائط:
أما في عباد الله أو في أمانه ... كريم يجلّى الهمّ عن ذاهب العقل (3)
له مقلة أما المآقي فقرحة ... وأما الحشا فالنار فيه على رجل (4)
__________
(1) إبراهيم بن محمد بن عرفة المهلبي الواسطي: هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. من أهل واسط كنيته أبو عبد الله كان عالما بالعربية واللغة والحديث ولد في واسط سنة 244هـ وانتقل إلى بغداد ورافق الملوك والوزراء لقب بنفطويه تشبيها به توفي في بغداد سنة 323. ألف عدة كتب منها. كتاب التاريخ وكتاب الإنتصارات وكتاب غريب القرآن وكتاب المقنع في النحو.
راجع ترجمته في الأعلام 1: 59ووفيات الأعيان 1: 11وشذرات الذهب 2: 291.
(2) وطر: غرض. نصيب.
(3) جلّى الهم: أزاله.
(4) القرحة: الجراحة المتقادمة التي اجتمع فيها القيح.(3/428)
فنذرت أن أحتال لقاءهما حتى أجمع بينه وبين من يهوى، فإني لبالمزدلفة إذا سمعت من ينشدهما، فأدنيته، فزعم أنه قالهما في بنت عم له قدر نذر أهلها أن لا يزوجوها منه، فوجهت إلى الحي، وما زلت أبذل لهم المال حتى زوجوها، وإذا المرأة أعشق من الرجل. وكانت زبيدة تعده في أعظم حسناتها، وتقول: ما أنا بشيء أسر بي بجمعي بين ذلك الفتى والفتاة.
7 - كان لسليمان بن عبد الملك غلام وجارية يتحابان، فكتب إليها:
ولقد رأيتك في المنام كأنما ... عاطيتني من ريق فيك البارد (1)
وكأن كفك في يدي وكأننا ... بتنا جميعا في فراش واحد
فطفقت يومي كله متراقدا ... لأراك في يومي ولست براقد (2)
فأجابته:
خيرا رأيت كل ما عاينته ... ستناله مني برغم الحاسد
إني لأرجو أن تكون معانقي ... فتبيت مني فوق ثدي ناهد
وأراك بين خلاخلي ودمالجي ... وأراك بين مراجلي ومجاسدي (3)
فبلغ ذلك سليمان: فأنكحهما وأحسن جهازهما.
8 - الجاحظ: العشق اسم لما فضل عن المحبة. كما أن السرف اسم لما جاوز الجود، والبخل اسم لما جاوز حد الإقتصاد.
9 - سئل أفلاطون عن العشق فقال: داء لا يعرض إلا للفراغ.
10 - آخر: العشق جهل عارض صادف قلبا فارغا.
__________
(1) عاطى عطاء ومعاطاة: وعاطى الشيء ناوله إيّاه.
(2) تراقد: تناوم.
(3) خلاخل: جمع خلخال حلية كالسوار. والدمالج جمع دملج. سوار يحيط بالعضد ومراجل جمع مرجل وهو هنا برد يماني والمجاسد جمع مجسد وهو الثوب الضيق الملامس للجسد.(3/429)
11 - قيل لأعرابي: ما بلغ حبك لفلانة؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها رائحة المسك.
12 - سأل الرشيد رجلا فقال: ما أشد ما يكون من العشق؟ قال:
أن تكون ريح البصل منه أحب إليك من ريح المسك من غيره.
13 - عن عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أن نعم التي يقول فيها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
اغتسلت عند غدير فأقام يشرب منه حتى جف.
14 - رأى شبيب أخو بثينة جميلا عندها، فوثب عليه وآذاه، ثم أتى مكة وفيها جميل، فقيل له: دونك شبيبا فاثأر منه، فقال:
وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
15 - كتبت كتبت للمتوكل على جبينها: هذا ما عمل في طراز الله، فتنة لعباد الله.
16 - أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى:
مطارق الشوق منها في الحشا أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كور الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الحزن لا يبقي ولا يذر
17 - عبد الله بن عجلان النهدي (1) أحد العشاق المذكورين، تزوجت عشيقته فرأى أثر كفها على ثوب زوجها، فمات كمدا.
18 - أهدى أبو العتاهية للمهدي برنية (2) فيها ثوب مطيب، قد كتب في حواشيه:
__________
(1) عبد الله بن عجلان النهدي: هو عبد الله بن العجلان بن عبد الأجب بن عامر النهدي من قضاعة شاعر جاهلي من العشاق المتيمين وكان سيّدا من سادات قومه.
راجع ترجمته في مصارع العشاق 8: 233وتزيين الأسواق 1: 85والأعلام 4: 238.
(2) البرنية: هي إناء من الخزف.(3/430)
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ... الله والقائم المهديّ يكفيها
إني لآيس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها
فهم أن يدفع عتبة (1) إليه، فضجرت وقالت: يا أمير المؤمنين، حرمتي وخدمتي! أتدفعني إلى رجل قبيح المنظر، بائع جرار، مكتسب بالشعر؟ فأعفاها، وأمر أن تملأ البرنية مالا. فأرادوا أن يملاؤها دراهم، فقال: إنما أمر بالدنانير، فاختلف في ذلك حولا. فقالت عتبة: لو كان عاشقا لم يختلف حولا في التمييز بين الفضة والذهب، وقد أعرض (2) عني صفحا.
19 - صحب جميلا رجل من عذرة، يدعي العشق وهو سمين، فقال فيه:
وقد رابني من زهدم أن زهدما ... يشد على خبزي ويبكي على جمل
فلو كنت عذري العلاقة لم تكن ... سمينا وأنساك الهوى كثرة الأكل
20 - قال محمد بن عبد الله بن طاهر لأولاده: عفوا تشرفوا، واعشقوا تظرفوا.
21 - أوّل العشق النظرة، وأول الحريق الشرر.
22 - زار علي بن عبيدة الريحاني (3) جارية كان يهواها عند إخوانه، فحان وقت الظهر، فبادروا الصلاة، وهما يتحدثان، حتى كادت الصلاة
__________
(1) عتبة: هي إحدى جواري المهدي كان يحبها أبو العتاهية ويشبب بها.
(2) اعرض عنه: أضرب وصدّ.
(3) علي بن عبيدة الريحاني: هو أبو الحسن علي بن عبيدة الكاتب المعروف بالريحاني كان بليغا فصيحا وافر الأدب كثير الفضل حسن العبارة له مع المأمون أخبار وحكايا. اتهم بالزندقة. له كتب كثيرة منها: المعاني الخصال الأخوان أخلاق هارون وصفة العلماء.
راجع ترجمته في ابن النديم 1: 119وتاريخ بغداد 12: 18.(3/431)
تفوت. فقيل: يا أبا الحسن الصلاة، فقال: رويدك حتى تزول الشمس، أي حتى تقوم الجارية.
23 - وصف أعرابي امرأة طرقها فقال: ما زال القمر يرينيها، فلما غابت أرتنيه. قيل: فما كان بينكما؟ قال: أبعد ما أحل الله مما حرم، إشارة في غير بأس، ودنو في غير مساس، ولا وجع أشد من الذنوب.
24 - أبو العيناء: أضحكني بائع رمان يقول:
وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب
25 - عبد بني الحسحاس (1):
فكم قد شققنا من رداء محبر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس (2)
إذا شق برد شق بالبرد برقع ... دواليك حتى كلنا غير لابس
وذلك! إن الرجل يشق برقع حبيبته، والمرأة تشق برد حبيبها، ويقولون: إذا لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما.
26 - ذكر أعرابي فقال: كاد الغزال يكونها لولا ما تم منها ونقص منه، وما كانت أيامي معها إلا كأباهيم (3) القطا (4) قصرا، ثم طالت بعدها
__________
(1) عبد بني الحسحاس: هو سحيم عبد بني الحسحاس شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام كان عبدا جشيا وكان أسود شديد السواد قبيح المنظر وكان شاعرا حسن الشعر وبنو الحسحاس هم من بني أسد بن خزيمة. له ديوان شعر صغير.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد ص 156والشعر والشعراء 320والإصابة 3: 163.
(2) في خزانة البغدادي تفصيل واف لشق كل من الجبين يرد الآخر وقد ورد هذا البيتان أيضا.
راجع خزانة البغدادي 1: 270.
(3) أباهيم: جمع إبهام وهو الأصبع العظمى وهي من اليد والقدم وتذكر وتؤنث.
(4) القطا: طائر معروف سمى بذلك لثقل مشيه وأحدته قطاة وإبهامها معروف بالقصر ويضرب به المثل.(3/432)
شوقا إليها، وا أسفا عليها!.
27 - عشق رجل امرأة، فقيل له: ما بلغ من عشقك لها؟ فقال:
كنت أرى القمر على سطحها أحسن منه على سطوح الناس.
28 - من جرى مع هواه طلقا جعل للعذاب فيه طرقا.
29 - عبد الله بن رواحة (1):
سبتك بعيني جؤذر بخميلة ... وجيد كجيد الريم زيفه النظم (2)
وأنف كحد السيف يشرب قلبها ... وأشنب رفاف الثنايا به ظلم
30 - أعرابية في صفة العشق: خفي أن يرى، وجلّ أن يخفى، فهو كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته ورى (3)، وإن تركته توارى، وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر.
31 - كثير:
وأني لأرضى منك يا عز بالذي ... لو أيقنه الواشي لقرت بلابله (4)
بلا وبأن لا استطيع وبالمنى ... وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله
32 - يقال: سرقت فؤاده إذا عشقها، وتسللت مسالك الروح منه.
__________
(1) عبد الله بن رواحة: هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو محمد من السابقين الأولين من الأنصار. كان يكتب في الجاهلية وكتب للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واستخلفه على المدينة في إحدى غزواته. استشهد في مؤته سنة 8هـ كان يدافع في شعره عن المسلمين.
راجع ترجمته في حلية الأولياء 1: 118وطبقات ابن سعد 3: 74وجمهرة أشعار العرب ص 121.
(2) الجؤذر: هو ولد البقرة الوحشيّة كما هو ولد الظبية أيضا. والشنب بريق الأسنان وحدتها وهو أيضا الريق البارد والعذب. والظلم ماء الأسنان.
(3) ورى: يقال ورى الزند خرجت ناره وأوراه إذا استخرج ناره.
(4) هذه الأبيات لجميل بن معمر يقول لها في حبيبته بثينة.
راجع ديوان جميل والأغاني 8: 105.(3/433)
ويقال: ناط (1) حبها بقلبي نائط، وساطه بدمي سائط (2).
33 - أعرابي: لقد كنت آتيها عند أهلها، فيتجهمني لسانها، ويرحب بي قلبها.
34 - ليلى العامرية (3) في قيسها (4):
لم يكن المجنون في حالة ... إلّا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسر الهوى ... وإنني قد ذبحت كتمانا
35 - ابن مرخية (5):
سألت سعيد بن المسيب مفتي ال ... مدينة هل في حب دهماء من وزر (6)
فقال سعيد بن المسيب إنما ... تلام على ما تستطيع من الأمر
فقال سعيد: والله ما سألني أحد عن هذا، ولو سألني ما كنت أجيب إلّا به.
__________
(1) ناط حبها بقلبي: علّقه. والنوط ما علق.
(2) ساط: ساط الشيء سوطا خاضه وخلطه وأكثر من ذلك.
(3) ليلى العامريّة: هي ليلة بنت سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش من ربيعة بن صعصعة تكنى أم مالك علقت قيس بن الملوح وعلقها وهما يرعيان المواشي واشتهر حبهما وتناشد الناس شعره وخطبها فلم يزوجوه بها وزوجوها من ورد بن محمد العقيلي.
راجع ترجمتها في الأغاني 2: 11.
(4) قيس: هو قيس بن الملوح بن مزاحم من ربيعة بن عامر بن صعصعة ويعرف بالمجمون ولكنه لم يكن مجنونا وإنما لقب بذلك لحبه ليلى بنت سعد العامريّة. أنكر الأصمعي وجوده واعتبر اسما لغير مسمى.
راجع ترجمته في الأغاني 2: 1وفوات الوفيات 2: 136والأعلام 6: 60.
(5) ابن مرخيّة: هو جامع بن مرخيّة الكلابي من شعراء الحجاز.
راجع ترجمته في الأغاني: 9: 147.
(6) الدهماء: السوداء والوزر الإثم وهو أيضا الحمل الثقيل.(3/434)
36 - كان الهوى فيما مضى أن يسر أحدهم بلبان مضغته حبيبته، أو بسواك استكاكت به. واليوم يطلب أحدهم الخلوة الصحيحة، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة.
37 - مر مالك بن دينار بدار ليلا، وإذا قائل يقول:
يا سيدي قد جاءك المذنب ... يرجو الذي يرجوه من يعتب
فاصفح له عن ذنبه منعما ... وهب له منك الذي يطلب
فوقف مالك يتسمع ويبكي، والقائل يردد البيتين بصوت حزين. فلما قارب السحر قال:
يا ناصبا مقلته فتنة ... إليك من مقلتك المهرب
فقال مالك: يا فاسق! إنما كان تضرعك لغير الله، ومضى.
38 - هوي أحمد بن أبي عثمان الكاتب (1) جارية لزبيدة اسمها نعم، حتى مرض ونهك (2)، وقال فيها أبياتا منها:
وإني ليرضيني الممر ببابها ... واقنع منها بالشتيمة والزجر
فوهبتها له.
39 - زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم (3):
علق القلب مهاة طفلة ... من بني عبد مناف في اللباب
وبنو زهرة أخوال لها ... وبنو الأصبغ أولاد الرباب
من ذرى كلب وكلب هامة ... من معد في المعالي والروابي
جمعتني وسليمي نسوة ... فاتكات من عدي بن جناب
__________
(1) أحمد بن أبي عثمان الكاتب: لم نقع له على ترجمة.
(2) نهكه المرض: أضناه وهزله وأجهده.
(3) زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم: لم نقع له على ترجمة ويظهر أنه أخو عمر ابن عبد العزيز الخليفة الأموي.(3/435)
40 - المعتز بالله:
بيضاء رود الشباب قد غمست ... في خجل ذائب بعصفرها
مجدولة هزها الصبا فغدت ... يشغل لحظ العيون منظرها
الله جار لها فما امتلأت ... عيني إلّا من حيث أبصرها
41 - أبو عبد الله الغواص (1):
قمر لم يبق مني حبه ... وهواه غير مقلوب قمر
42 - خليد مولى العباس بن محمد الهاشمي (2) شاعر الطاهرية (3):
أما والراقصات بذات عرق ... ومن صلّى بنعمان الأراك (4)
لقد أضمرت حبّك في فؤادي ... وما أضمرت حبا من سواك
أطعت الآمريك بقطع حبلى ... مريهم في أحبتهم بذاك
فإن هم طاوعوك فطاويعهم ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
43 - عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رأى امرأة بالشام فأعجبته فقال:
__________
(1) أبو عبد الله الغواص: هو أبو عبد الله الغواص من شعراء اليتيمة أديب متبحّر في اللغة وشاعر كثير المحاسن.
راجع ترجمته في اليتيمة 4: 442.
(2) العباس بن محمد الهاشمي: هو العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
أخو السفاح والمنصور ولاه المنصور دمشق وبلاد الشام كما أرسله لغزو الروم في ستين ألفا كان كريما جوادا أحبه الرشيد وقدمه. ولد سنة 121هـ ومات سنة 186هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1: 95والنجوم الزاهرة 2: 120.
وخليد مولاه لم نقع له على ترجمة.
(3) الطاهرية: هي أسرة طاهر بن الحسين الخزاعي قاتل الأمين العباسي. حكمت أسرته خراسان.
(4) ذات عرق: مهل أهل العراق وهي الحد بين نجد وتهامة. وقيل عرق جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق معجم البلدان.(3/436)
تذكرت ليلى والسماوة (1) دونها ... فما لابنة الجودي ليلى وماليا (2)
وأنّى تعاطي قلبه حارثية ... تحل ببصرى أو تحل الجوابيا
44 - أعرابي:
أقول لعيس قد برى السير نيّها ... فلم يبق منها غير عظم مجلد (3)
خذي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وهاجتك أصوات الحمام المغرد
فطارت مراحا خو دعوة عاشق ... تجوب بي الظلماء في كل فدفد (4)
فلما ونت في السير ثنيت دعوتي ... فكانت لها سوطا إلى ضحوة الغد (5)
45 - الفتح بن خاقان صاحب المتوكل:
أيها العاشق المعذّب صابر ... فخطايا أخي الهوى مغفورة
زفرة في الهوى أحطّ لذنب ... من غزاة وحجة مبرورة (6)
46 - قال يوسف بن الماجشون (7) أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن (8):
__________
(1) السماوة: ماءة بالبادية وقيل مفازة بين الكوفة والشام وقيل بين الموصل والشام الروض المعطار ص 322.
(2) إبنة الجودي: هي ليلى بنت الجودي بن عدي بن عمرو بن أبي عمرو الغساني.
راجع ترجمتها في الأغاني 16: 94والإصابة 4: 168.
(3) نيّها: الني بفتح النون هو الشحم. وعظم مجلد أي لم يبق عليه سوى الجلد.
(4) مراحا شديد الفرح والنشاط والزهو والاختيال. والفدفد: الفلاة.
(5) ونت في السير: تباطأت لضعف أصابها.
(6) أحطّ لذنب: أكثر تسامحا وغفرانا له.
(7) يوسف بن الماجشون: هو أبو سلمة المدني يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة ولد في المدينة في زمن سليمان بن عبد الملك وتوفي سنة 84هـ وقيل سنة 85هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 307وتهذيب التهذيب 11: 430.
(8) وضاح اليمن: فيه اختلاف في النسب: يقول البعض إنه من أبناء الفرس ويقول آخرون إنه من آل خولان من حمير. ووضاح لقب غلب عليه لجماله وحسنه كان شاعرا رقيق الغزل. قدم مكة حاجا في خلافة الوليد بن عبد الملك الذي قتله نحو سنة 90هـ. راجع ترجمته في الأغاني 6: 209وفوات الوفيات 1: 253والأعلام 4: 69.(3/437)
إذا قلت هاتي نولّني تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم
فما نولّت حتى تضرّعت حولها ... وعرفتها ما رخص الله في اللمم (1)
فضحك وقال: إن كان وضاح لفقيها في نفسه.
47 - علي بن هشام فرخسرو (2) وكان المأمون يزوره ويستأنس به ثم قتله:
يا موقد النار يذكيها فيخدمها ... برد الشتاء بأرواح وأمطار
قم فاصطل النار من قلبي مضرمة ... بالشوق تغن بها يا موقد النار (3)
ويا أخا الذود قد طال الظماء بها ... ما تعرف الريّ من جدب وأقفار
رد بالعطاش على عيني وعبرتها ... تروى العطاش بدمع واكف جاري (4)
48 - عبد الرحمن القارىء القس:
قد كنت أعذل في الصبابة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أعذرهم وأعلم إنما ... سبل الضلالة والهدى أقسام
49 - برمة النحوي:
يا طيب مرعى مقلة لم تخف ... بوجنتيه زجر حرّاس
__________
(1) إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبََائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوََاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
(الآية: 32من سورة النجم).
(2) علي بن هشام فرخسرو: هو علي بن هشام أبو الحسن قائد من أهل خراسان ولاه المأمون أذربيجان وأرمينية ومحاربة الخرمية بسنة 214هـ، غير أنه أساء السيرة فغضب عليه المأمون وأمر بضرب عنقه سنة 217هـ.
راجع ترجمته في فهرست الأغاني.
(3) اصطلى النار: استدفأ بها.
(4) رد بالعطاش: من ورد الماء صار إليه داناه وبلغه. والدمع الواكف: السائل قليلا قليلا.
حلّت بخد لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس (1)
50 - كشاجم:(3/438)
__________
(4) رد بالعطاش: من ورد الماء صار إليه داناه وبلغه. والدمع الواكف: السائل قليلا قليلا.
حلّت بخد لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس (1)
50 - كشاجم:
فلم يزل خدها ركنا ألوذ به ... والخال في صحنه يغني عن الحجر (2)
51 - الخيزرزي:
لو أبصر الوجه منه منهزم ... يطلبه ألف فارس وقفا
52 - عن عمر بن أبي ربيعة: كنت بين امرأتين، هذه تسارني، وهذه تعضني، فما شعرت بعضة هذه من لذة سرار (3) هذه.
53 - ريسان العذري (4):
لو حز بالسيف رأسي من مودتها ... لطار يهوى سريعا نحوها راسي
وسمع به ابن أبي ربيعة بعد ما نسك ولبس الصوف، فقال: أحسن والله، وتحرك وقال: تالله لقد هجتم على ساكنا.
54 - محمود بن مروان بن أبي حفصه (5):
يدمي الحرير جلودهن وإنما ... يكسين من حلل الحرير رقاقها
(1) غاض الماء نقص أو غار أو نضب. لم تخضه أعين الناس: لم تدخل به.
(2) إشاره إلى الحجر الأسود في الكعبة المشرفة.
(3) السّرار: المبالغة في إخفاء الشيء.
(4) ريسان العذري: لم نقع له على ترجمة.
(5) محمود بن مروان بن أبي حفصة: هو يحيى بن مروان ابن أبي الجنوب أبو مروان جالس المتوكل العباسي فسماه محمودا ولزم المعتز وخص به فولّاه اليمامة والبحرين.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 502.(3/439)
الباب السابع والخمسون العقل، والفطنة، والشهامة، والرأي، والتدبير، والتجارب، والنظر في العواقب
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أودع الله عبدا عقلا إلا استنقذه به يوما ما.
وعنه عليه السّلام: العقل نور في القلب يفرّق به بين الحق والباطل.
2 - أنس رضي الله عنه: قيل يا رسول الله، الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب، قال: ما من آدمي إلّا وله ذنوب وخطايا يقترفها، فمن كانت سجيّته (1) العقل، وغريزته اليقين، لم تضرّه ذنوبه. قيل: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه كلّما أخطأ لم يلبث أن تدارك (2) ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه، فيمحو ذنوبه، ويبقى له فضل يدخل به الجنة.
وعنه: أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير، فقال رسول الله: كيف عقل الرجل؟ فقالوا: يا رسول الله، نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله! فقال نبي الله: إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات، وينالون الزلفى (3) من
__________
(1) السجيّة: الطبعة والخلق.
(2) تدارك ذلك: اتبع ذلك.
(3) الزلفى: الدرجة والمنزلة.(3/441)
ربهم على قدر عقولهم.
3 - الحسن: كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده.
4 - عامر بن عبد قيس: إذا عقلك عقلك (1) عما لا يعنيك فأنت عاقل.
5 - قال عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث (2): ما رأيت عقول الناس متقاربة، إلّا ما كان من الحجاج وأياس.
6 - علي بن عبيدة: العقل ملك، والخصال رعيته، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. فسمعه أعرابي فقال: هذا كلام يقطر عسله.
7 - معن بن زائدة: ما رأيت قفا أحد إلّا عرفت عقله. قيل: فإن رأيت وجهه؟ قال: ذاك حينئذ كتاب أقرأه.
8 - فيلسوف: عقل الغريزة سلم إلى التجربة.
أيدي العقول تمسك أعنة الأنفس.
كل شيء إذا كثر رخص غير العقل، فإنه إذا كثر غلا.
9 {لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا} (3)، قيل من كان عاقلا.
10 - العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
11 - بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.
__________
(1) عقلك: بمعنى ربطك.
(2) عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث: ربما كان عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث ابن سعد بن أبي ذباب المدني من ثقات رواة الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 292.
(3) {لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا}: قيل في معناها لينذر من كان عاقلا.(3/442)
12 - أعرابي: العاقل متصفح (1)، والجاهل متسمح (2).
13 - وصف المعلى بن أيوب (3) ابن الزيات فقال: كأنه لسان حية من ذكائه.
14 - قال أبو العيناء لرجل: والله ما فيك من العقل إلا بمقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك.
15 - أعرابي: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحق لأضاء معه الليل، وإنك من كليهما لمعدم.
العاقل من كان له على جميع شهواته رقيب من عقله.
من لم يؤسس عقله على التقوى فلا عقل له.
يعيش العاقل بعقله حيث كان، كما يعيش الأسد بقوته حيث كان.
كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
16 [شاعر]:
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا مال على الناس هيّن
ومن كان ذا عقل أجل بعقله ... وأفضل عقل عقل من يتدين
17 - المهلب: لئن أرى لعقل الرجل فضلا على لسانه أحب إليّ من أن أرى للسانه فضلا على عقله.
18 - لقمان: غاية الشرف والسؤدد حسن العقل، فمن حسن عقله غطى عيوبه، وأصلح مساوئه، ورضي عنه مولاه.
__________
(1) تصفح الشي: نظر فيه بإمعان وتروّ وتحقق.
(2) تسمّح: فهو متسمّح: عكس المتصفح وهو الذي لا يحقق في الأمور.
(3) المعلّى بن أيوب: هو المعلى بن أيوب من كتاب الدواوين في دولة بني العباس مات سنة 255هـ.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري حوادث سنة 255وفهرست الأغاني.(3/443)
19 - علي رضي الله عنه: العاقل من وعظته التجارب.
20 - كان يقال: الأريب العاقل الفطن المتغافل.
21 - نعوذ بالله من أن نكون ممن عقله صديق مقطوع (1)، وهواه عدو متبوع.
22 - لفلان من عقله رقيب على شهوته، يهديه إلى الهدى، ويرده عن الردى.
23 - قيل لحكيم: متى عقلت؟ قال: حين ولدت، فلما رأى إنكارهم قال: أما أنا فقد بكيت حين جعت، وطلبت الثدي حين احتجت، وسكت حين أعطيت. يعني من عرف مقادير حاجاته فهو عاقل.
24 - أحلام عاد (2) مثل عند العرب في رجاحة العقول، قاسوا عقولهم على أجسادهم فاسترجحوها. قال:
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم ... وإن فطن العوراء غرب لسان
25 - ابن المعتز: ما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدقها الهوى.
26 - العاقل يروي ثم يروي، ويخبر ثم يخبر (3).
27 - أردشير بن بابك: من لم يكن عقله أغلب خلال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الشر عليه.
28 - أردشير بن هرمز (4): العاقل من ملك عنان شهوته.
__________
(1) الصديق المقطوع: الصديق المهجور الذي انقطعت العلاقة به.
(2) عاد: إحدى القبائل البائدة. وهم قوم هود عليه السّلام هم عاد الأولى وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عََاداً الْأُولى ََ} الآية 50من سورة النجم. وهم أبناء عاد بن عاديا بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله.
(3) روى الحديث أو الشعر حمله ونقله. وخبر بلاه وامتحنه وأخبر بمعنى أنبأ.
(4) أردشير بن هرمز هو أردشير الثاني وهو الملك العاشر من ملوك الساسانية.(3/444)
بطليموس (1): كل عمل يأذن فيه العقل فهو صواب. وعنه: العاقل لا يشرب السم إتكالا على ما عنده من الترياق.
29 - ملك الخزر (2): إذا شاورت العاقل صار عقله لك.
30 - قال المنذر لابنه النعمان فيما أوصاه به: دع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبيء ترجع إليه أبدا، قال النعمان: مرني بأمر جامع، قال: الزم الحزم والحياء.
ذو العقل لا تبطره المنزلة السنية، كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح. والسخيف تبطره أدنى منزلة، كالحشيش تحركه أدنى ريح.
31 - قال الحجاج لابن القرية: من أعقل الناس؟ قال: من يحسن المداراة مع أهل زمانه.
32 - حكيم: العقل والتجربة في التعاون بمنزلة الماء والأرض، لا يطيق (3) أحدهما دون الآخر إنباتا.
33 - العتبي: العقل عقلان: عقل تفرد الله بخلقه، وعقل يستفيده الرجل بأدبه وتجربته، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلّا بصحة العقل المركّب في الجسد، فإذا اجتمعا قوّى كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة ضوء البصر.
34 - المأمون: إذا أنكرت من عقلك شيئا فاقدحه (4) بعاقل.
35 - قيل لعلي رضي الله عنه: صف لنا العاقل، فقال: هو الذي
__________
(1) بطليموس: أحد علماء التاريخ والجغرافية والهيئة ولد في صعيد مصر ومات بالإسكندرية سنة 167للميلاد وأشهر مؤلفاته (المجسطي) وهو صاحب النظرية القائلة أن الأرض ثابتة وأن الفلك يدور حولها.
(2) الخزر: شعب سكن بلاد القفقاس في القرون الوسطى ويعرف باسم الهون.
(3) طاق يطوق طوقا قدر على الشيء.
(4) قدح واقتدح بالزند: حاول إخراج النار منه.(3/445)
يضع الشيء مواضعه. قيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت. يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه (1).
وعنه: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك (2).
36 - حكيم: إجعل سرّك إلى واحد، ومشورتك إلى ألف.
لن يعدم المشاور مرشدا، والمستبد برأيه موقوف على تداحض الزلل.
37 - أعرابي: من لم تسمه التجارب دبت إليه العقارب.
38 - العرب: بر تخبر.
39 - أبو بكر رضي الله عنه: أفضل الناس عند الله من عزّ به الحق، وانتشر عنه الصدق، ورتق (3) برأيه الفتق.
40 - عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت أحب إليّ من أن أصيب وقد استبددت.
41 - ذكر أعرابي رجلا فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
42 - فيلسوف: من عرف التجارب طابت له المشارب.
43 - الفضل بن سهل: الرأي يسد ثلم السيف، والسيف لا يسد ثلم الرأي.
__________
(1) ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 52: ومعناه أن الجاهل هو الذي لا يضع الشيء موضعه.
(2) نهج البلاغة: 4: 99.
(3) رتق: ضد فتق أصلح الثوب.(3/446)
44 - دخل أحمد بن يوسف على المأمون، وعريبا (1) تغمز رجله، فخالسها النظر، وأومأ إليها بقبلة، فقالت: كحاشية البرد، فلم يدر ما قالت فحدث به محمد بن بشير فقال: أنت تدعي الفطنة يذهب عليك مثل هذا؟ أرادت طعنة، ذهب إلى قول الشاعر:
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهم
45 - الجعجاع الأزدي (2):
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادام (3)
وخل الهوينى للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإنّ الحزم ليس بنائم
وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرءا غير كاتم
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم (4)
فإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم
46 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المستشار معان.
__________
(1) عريب: هي عريب المأمونية قيل هي بنت جعفر بن يحيى البرمكي ولدت ببغداد سنة 181هـ ونشأت في قصور بني العباس وأعجب بها المأمون فحظيت عنده فقربها حتى نسبت إليه. كانت أديبة شاعرة ومغنية وضاربة على العود ولاعبة بالشطرنج والنرد.
ماتت بسامراء سنة 277هـ.
راجع ترجمتها في الأغاني 18: 175ونزهة الجليس 1: 300والدر المنثور ص 331.
(2) الجعجاع الأزدي: لم نقع له على ترجمة والحقيقة أن هذه الأبيات هي لبشار بن برد العقيلي من قصيدة له مطلعها:
أبا جعفر ما طيب عيش بدائم ... ولا سالم عما قليل بسالم.
(3) الغضاضة: الذلة والمنقصة. والخوافي هي ريشات من الجناح إذا ضم الطائر جناحية خفيت، والقوادم هي الريشات التي في مقدم الجناح وهي كبار الريش وتغطي الخوافي.
(4) الغل: الطوق من حديد أو جلد يجعل في اليد أو في العنق.(3/447)
47 - وصف أعرابي رجلا فقال: يشرق بعزم لا يوجد معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس عنده صعب، حتى يغادر المستعجم معجما، والمشكل مشكولا.
48 - ادخل الركاض (1) وهو ابن أربع سنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته، فقال له: ما تحب أن أهب لك؟ قال: جميل رأيك، فأني أفوز به في الدنيا والآخرة، فأمر له بدنانير ودراهم، فصبّت بين (2) يديه، فقال: إختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين وضرب بيده إلى الدنانير. فضحك الرشيد وأمر بضمه إلى ولده، والإجراء عليه.
49 - الحازم لا تدهش له عزيمة، ولا تكهم له صريمة.
50 - بزرجمهر: إن الحازم (3) إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضاع لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، وكذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل (4)، ثم يضرب بعضها ببعض حتى يخلص الرأي.
51 - هجين عاقل خير من هجان جاهل (5).
52 - فيلسوف: لا رأي لمن تفرد برأيه.
53 - عبد الله بن وهب الراسبي: دعوا الرأي يغب (6)، فإن غبوبه
__________
(1) الركاض: لم نقع له على ترجمة.
(2) صبّت بين يديه: انسكبت بين يديه.
(3) الحازم: هو من كان يضبط أمره ويحكمه ويأخذ فيه بالثقة.
(4) أشكل الأمر: التبس.
(5) الهجين: اللئيم الذي أبوه عربي وأمه أمة غير محصنة والهجان من كل شيء خياره وخالصه.
(6) غب غبّا: غب الرأي تأنى فيه.
غبّ غبا: غبت الأمور صار إلى أواخرها.(3/448)
يكشف لك عن محضه. وقال: استفتحوا باب الرأي بالاستخارة.
54 - ابن المقفع: ما رأيت حكيما إلّا وتغافله أكثر من فطنته.
55 - قيل لبزرجمهر: من أكمل الناس؟ قال: من لم يجعل سمعه غرضا للفحشاء، وكان الأغلب عليه التغافل.
56 - حكيم: المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي.
أعقل الرجال لا يستغني عن مشاورة ذوي الألباب، وأفره (1) الدواب لا يستغني عن السوط، وأورع النساء لا تستغني عن الزوج.
57 - الحسن: الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل، فأما الرجل فذو الرأي، والمشورة، وأما نصف الرجل فالذي له رأي، ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي لا رأي له ولا يشاور.
58 [شاعر]:
إني أتيح لها حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا (2)
59 - نضرب للحازم. ونحوه أن رجلا شكا إلى أخيه قلة مرفقه في عمله، واستشاره في التقصي، فقال: إنّ كلبا لقي كلبا في فمه رغيف محترق، فقال: ويحك ما أردأ هذا الرغيف! قال: نعم، لعنة الله عليه وعلى من يتركه حتى يجد خيرا منه.
60 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحطيئة: كيف صبرتم
__________
(1) أفره الدواب: انشطها وأخفها في السير.
(2) البيت لأبي داود الأيادي: الحرباء دويبة معروفة تستقبل الشمس وتأخذ لون المكان الذي هي فيه والتنضبة: شجر ينبت بالحجاز وعيدانه بيض ضخمة وله شوك كالعوسج ويظهر دائما وكأنه يابس مغبّر. وحرباء تنضبة، مثل يضرب للرجل الحازم.(3/449)
على حرب بني ذبيان وهي أضعافكم في العدد؟ قال: كان فينا ألف حازم، قال: وكيف كان فيكم ألف حازم؟ وهل كان في عبس وغطفان هذا؟ قال: كان فينا قيس بن زهير.
61 - كان بعض الماضين إذا استشير قال لمشاوره: أنظرني أصقل عقلي. يومه.
62 - قال المنصور لولده: خذ عني ثنتين: لا تقل بغير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير.
63 - طاهر بن الحسين:
اعمل صوابا تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذم لأهل الحزم تدبير (1)
فإن هلكت مصيبا أو ظفرت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور
وإن ظهرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
أنكد بدنيا ينال المخطئون بها ... حظ المصيبين والمقدور مقدور
64 - إبراهيم التيمي: مثلث نفسي في النار أعالج أغلالها وسعيرها وزقومها وزمهريرها (2)، فقلت: يا نفس أيش تشتهين؟ قالت: أرجع إلى الدنيا فأعمل عملا أنجو به من هذا العذاب. ومثلتها في الجنة مع حورها ألبس من سندسها (3) وحريرها، فقلت: أيش تشتهين؟ قالت: أن أرجع فأعمل عملا أزداد به الثواب. فقلت: فأنت في الدنيا وفي الأمنية فاعملي.
65 - فضيل: المشورة فيها بركة، وإني لأستشير حتى هذه الحبشية الأعجمية.
__________
(1) المأثرة: الفعل الحميد المكرمة وظهر بعلمه أو برأيه فخر به. ونكدت الدنيا قلّ خيرها.
(2) الزقوم: شجرة قيل أنها في جهنم وأن فيها طعام أهل النار والزمهرير، شدة البرد.
(3) السندس: نوع من نسيج الديباج أو الحرير.(3/450)
66 - ابن عيينة: كان رسول الله إذا أراد أمرا شاور فيه الرجال، وكيف يحتاج إلى مشاورة المخلوقين من الخالق مدبر أمره؟ ولكنه تعليم منه ليشاور الرجل الناس وإن كان عالما.
67 - أعرابي: لا مال أوفر من العقل، ولا فقر أعظم من الجهل، ولا ظهر أقوى من المشورة.
68 - أكثم بن صيفي: في الاعتبار غنىّ عن الاختيار.
الرأي الفذ كالخيط السحيل (1)، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرائر (2) لا تكاد تنقض.
69 - لقمان: يا بني، إذا أردت أن تقطع أمرا فلا تقطعه حتى تستشير مرشدا.
70 - وفي وصية علي رضي الله عنه: يا بني، إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمارهم، وفكّرت في أخبارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، واستخلصت لك من كل أمر نخيله (3)، وتوخيت جميله، وصرفت عنك مجهوله.
71 - عمر رضي الله عنه: لا أمين إلّا من خشي الله، فشاور في أمرك الذين يخشون الله.
72 - له رأي كالسهم أصاب (4) غرة الهدف، ودعاء كالبحر بعد غور وقرب مغترف.
__________
(1) الخيط السحيل: هو الخيط المفتول على قوة واحدة.
(2) المرائر: جمع مريرة وهي طاقة الحبل. وتنقض تحل طاقاته.
(3) تنخّل الشيء: صفّاه وأختاره وأخذ أفضله.
(4) الغرة من كل شيء: أوله ومعظمه وطلعته.(3/451)
73 [شاعر]:
وقد يتغابى المرء في عظم أمره ... ومن تحت برديه المغيرة أو عمرو (1)
74 [آخر]:
شاور نفسي طمع وخيبة ... تقول هاتي لا وهاتيك بلى
75 - من بدأ بالاستخارة وثنى بالاستشارة فحقيق أن لا يقبل رأيه. له دراية مستقاة من حنكة (2).
76 - سلمة بن عياش (3): قال لي رؤبة: ما كنت أحب أن أرى في رأيك فيّالة (4).
77 - إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير.
78 - من نظر من المغاب ظفر بالمحاب. من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه.
79 - الرأي السديد أحمى من الأيد الشديد.
80 - أبو القاسم الهرندي (5).
وما ألف مطرور السنان مسدد ... يعارض يوم الروع رأيا مسددا (6)
81 - كأن السرور حجر على كل ذى حجر (7).
__________
(1) يريد المغيرة بن شعبة الثقفي وعمرو بن العاص وكلاهما معروف بالحنكة والدهاء وسعة الحيلة والتصرف الحسن في المواقف الحرجة.
(2) الحنكة بالضم: وهي التجربة والتبصر بالأمور وسعة الحيلة.
(3) سلمة بن عياش: هو سلمة بن عيّاش شاعر بصري من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسيّة راجع ترجمته في الأغاني والبيان والتبيين 1: 39.
(4) يقال رجل فيّالة: أي ضعيف الرأي.
(5) أبو القاسم الهرندي: من شعراء اليتيمة ذكره الثعالبي دون أن يترجم له.
راجع اليتيمة لأبي منصور الثعالبي 3: 441.
(6) السنان: سنّ السكين: أحدّه وشحذه وصقله وسن الرمح جعل له سنانا حادة.
(7) الحجر الحرام وذو حجر ذو عقل.(3/452)
82 - ذكر المأمون ولد علي رضي الله عنه فقال: أيدوا بتدبير الآخرة وحرموا تدبير الدنيا.
83 - قيل للأحنف: بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه ورأي لا يستغنى عنه.
84 - إذا غلب العقل الهوى صرف المساوىء إلى المحاسن، فجعل البلادة حلما، والحدة ذكاء، والمكر فطنة، والهذر بلاغة، والعي صمتا، والعقوبة أدبا، والجبن حذرا، والإسراف جورا.
85 - كان يقال: من أجهد رأيه، واستخار ربه، واستشار صديقه، فقد قضى ما عليه، ويقضي الله في أمره ما أحب.
86 - عمر رضي الله عنه: ما تشاور قوم قط إلّا هدوا إلى رشد أمرهم.
87 - قال بعض العرب لابنه: يا بني، إن أباك أهدى من القطا (1)، ومن دعيميص الماء (2)، ومن الطير في الهواء، قد حلب الدهر أشطره (3)، وعرف أعاجيب الدهور، وغوامض التدبير، وأخذ عن النساك والفتاك، وبات في القفر مع الوعول، وتزوج السعلاة، وجاور الغول (4)، ودخل في كل باب، وجرى مع كل ريح، وامتحن في السراء والضراء، وجالس السلاطين والمساكين، ومثلت له التجارب عواقب الأمور.
__________
(1) أهدى من القطا: والقطا طائر معروف يضرب به المثل في الفطنة والذكاء وحدّة الفكر.
(2) دعيميص الماء: دعيميص تصغر دعموص وهي دويبة صغيرة تعيش في المستنقعات والمياه الراكدة.
(3) حلب الدهر أشطره: يقال حلب الدهر اشطره أي جرّب أموره خيرها وشرها والأشطر هي أخلاف الناقة.
(4) جاء في تاج العروس أن الغول والسعلاة هما مترادفان.(3/453)
88 - سليمان عليه السّلام: يا بني، لا تقطع أمرا حتى تأمر مرشدا، فإذا فعلت فلا تحزن.
أحزم الناس رجلان: رجل وسّع عليه الله في الدنيا فشكر ليوسع عليه الله في الآخرة، ورجل ضيق الله عليه فصبر لئلا يضيق الله عليه في الآخرة.
89 - بهمن بن أسفنديار (1): تجريب المجرب تضييع الروزمار (2).
90 - أبو بكر رضي الله عنه: ليكن الإبرام (3) بعد التشاور، والصفقة بعد التناظر.
91 - علي رضي الله عنه: خاطر من استغنى برأيه.
92 - المعتصم: إذا نصر الهوى خذل الرأي.
93 - الهند: المستشير وإن كان أفضل رأيا من المشير فإنه يزداد برأيه رأيا، كما تزداد النار بالسليط (4) ضوءا.
94 - لما قتل المنصور أبا مسلم قال لصاحب شرطه نصر بن مالك (5):
استشارك أبو مسلم في القدوم عليّ فأشرت عليه أن لا يفعل. قال:
سمعت إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه: لا يزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره.
95 - أحمد بن موسى السلمي من بني الشريد (6):
__________
(1) بهمن بن أسفنديار: الملك السادس من ملوك الدولة الكيانية أي الجبابرة.
(2) الروزمار: كلمة فارسية عربية مؤلفة من روز بمعنى يوم ومار اسم الفاعل من فعل مرّ فتصبح تضييع ما مرّ من الأيام.
(3) الإبرام: من أبرم الأمر بمعنى أحكمه.
(4) السليط: هو كل دهن يعصر من حب.
(5) نصر بن مالك: هو في الحقيقة أبو نصر مالك بن الهيثم كان على شرطة أبي مسلم الخراساني أراد المنصور أن يقتله عند ما قتل أبا مسلم ولكنه عفا عنه.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري 9: 197.
(6) أحمد بن موسى السلمي من بني الشريد. لم نقع له على ترجمة.(3/454)
إذا خلصتان أشكل الرأي فيهما ... فسعيك في شعب التي هي أجمل (1)
ورأيك من رأي المشيرين كلهم ... غداة اختلاف الرأي أرأى وأعدل (2)
96 - علي رضي الله عنه: ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله تعالى (3).
وعنه: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها (4).
97 - أشجع السلمي (5):
رأي سري وعين الناس هاجعة ... ما أخرّ الحزم رأي قدّم الحذرا
98 - سمع محمد بن يزداد وزير المأمون قول القائل:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تتردّدا
فأضاف إليه:
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا ... فإن فساد العزم أن تتقيّدا (6)
99 - حبيب بن أوس الطائي:
__________
(1) شعب بمعنى الطريق في الجبل وأرأى أي صار ذا رأي وعقل.
(2) عدل عن الشيء مال عنه وحاد.
(3) من عهد الإمام علي للأشتر النخعي عند ما ولّاه على مصر.
راجع نهج البلاغة 3: 87.
(4) نهج البلاغة 4: 41.
(5) أشجع السلمين: هو أشجع بن عمرو السلمي أبو الوليد شاعر فحل ولد باليمامة ونشأ بالبصرة وتأدب بها اتصل بالبرامكة ونال حظوة عند الرشيد مات نحو 195هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 17: 30والشعر والشعراء ص 758وأوراق الصولي 6.
(6) يلاحظ عدم استقامة الوزن في الشطر الأول من البيت.(3/455)
ذهب الصواب برأيه فكأنما ... آراؤه اشتقت من التأييد
فإذا دجا خطب تبلج رأيه ... صبحا من التوفيق والتسديد (1)
100 - محمود الوارق (2):
إنّ اللّبيب إذا تفرّق أمره ... فتق الأمور مناظرا ومشاورا
وأخو الجهالة يستبد برأيه ... فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
101 - الرشيد حين بدا له في تقديم الأمين على المأمون في العهد:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما (3)
فكيف يرد الدّر في الضرع بعد ما ... توزع حتى صار نهبا مقسما (4)
أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وأن ينقض الحبل الذي كان أبرما (5)
102 - آخر:
وما المرء منفوعا بتجريب غيره ... إذا لم تعظه نفسه وتجاربه
103 - آخر:
خليليّ ليس الأمر في صدر واحد ... أشيرا عليّ اليوم ما تريان
104 - محمد بن ذؤيب:
__________
(1) تبلج عكس دجا أضاء.
(2) محمود الوراق: هو محمود بن الحسن الوراق الشاعر. كان نخاسا يبيع الرقيق مات في خلافة المعتصم معظم قوله يدور حول الأدب والزهد.
راجع ترجمته في فهرست الأغاني وفوات الوفيات 2: 562وتاريخ بغداد 13: 87.
(3) غلب على الشيء: أخذ منه بالغلبة.
(4) الدّر بالفتح: اللبن أو كثرته والضّرع هو مدرّ اللّبن للشاة والبقر ونحوها وهو كالثدي للمرأة جمعه ضروع.
(5) التوى الأمر: حاد عن جادة الصواب ونقض الحبل حلّه حتى أصبح سريع التلف.(3/456)
ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها (1)
105 - وصف رجل عضد الدولة (2) فقال: له وجه فيه ألف عين، وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب.
106 - لقمان: يا بني، شاور من جرّب فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء، وأنت تأخذه بالمجان.
107 - أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجرية.
108 - الإسكندر: لا تستحقر الرأي الجزيل من الرجل الدنيء، فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها.
109 - في الحديث: ما أوتي أحد فضلا ولا عقلا إلا احتسب عليه من رزقه.
110 - مسلمة بن عبد الملك: ما ابتدأت أمرا قط بحزم فرجعت بلائمة على نفسي، وإن كانت العاقبة علي، ولا ضيعت شيئا من الحزم فسررت به، وإن كانت العاقبة لي.
111 - هنأ العتبي المهدي بالخلافة، فسأل عنه، فقيل هو من أولاد عتبة بن أبي سفيان، فقال: أو قد بقي من أحجارهم ما أرى؟ من قولهم رمي بحجر الأرض (3).
__________
(1) الحكل بالضم العجم من الطيور والبهائم والكحل من الحيوان ما لا يسمع له صوت كالذر والنمل.
(2) عضد الدولة: هو فناخسرو الملقب عضد الدولة ابن الحسن الملقب ركن الدولة ابن بويه الديلمي أحد المتغلبين على الملك في عهد الدولة العباسية بالعراق حكم فارس ثم الموصل وبلاد الجزيرة ولد سنة 324هـ وتوفي سنة 372هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 416ويتيمة الدهر 2: 2والأعلام 5: 364.
(3) رمى بحجر الأرض: يقال رمى فلان بحجر الأرض إذا رمى بداهية من الرجال عظيمة تثبت ثبوت الحجر في الأرض.(3/457)
الباب الثامن والخمسون العمل، والكد، والتعب، والشغل، والجد، والتشمير، والعزم، والنية، والكفاية، والكيس، والعجلة، والسرعة، والعدو، وحسن، التأني في الأمور، وانهتاز الفرص
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أفضل العمل أدومه وإن قل.
2 - عائشة رضي الله عنها: كان عمله ديمة (1).
3 - علي رضي الله عنه: قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه (2).
وعنه: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه (3).
4 - علي بن الحسين رضي الله عنه، لما مات فغسلوه وجدوا على ظهره مجلا مما كان يستقي لإسعاف جيرانه بالليل، ومما كان يحمل إلى بيوت المساكين من جرب الطعام.
5 - في التورية: حرّك يدك أفتح لك باب الرزق.
6 - داود الطائي: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب؟ أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟ إنّ العلم آلة
__________
(1) الديمة: المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق أو المطر الدائم في سكون.
(2) ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 103.
(3) ما أكرهت نفسك عليه أي ما خالفت به الشهوة نهج البلاغة 4: 54.(3/459)
العمل، وإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟.
7 - كان إبراهيم بن أدهم يستقي ويرعى، ويعمل بكراء، ويحفظ البساتين للناس والمزارع، ويحصد بالنهار، ويصلي بالليل.
8 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا به، فإن العلماء همتهم الوعاية (1)، وإن السفهاء همتهم الرواية.
9 - ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا للعلم وعاة، ولا تكونوا رواة، فإنه قد يرعوي ولا يروي، ويروي، ولا يرعوي (2).
10 - عيسى عليه السّلام: ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعمل، إنّ كثرة العلم لا يزيدك إلّا جهلا ما لم تعمل به.
11 - مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر على الصفا (3).
12 - شبيب بن سليم الأسدي (4): دخلنا على الحسن (5) حجاجا فدعا لنا، ثم قال: لعلكم من أصحاب السيوحات (6)! قلنا: لا، قال:
إياكم وإياهم، فانه بلغني أن الرجل منهم يكتب خمسمائة حديث ثم يضيّعها، ولا يعلم أن الله سائله عنها حرفا حرفا.
__________
(1) وعى الحديث: حفظ وفهمه وتدبره والمصدر الوعي وليس الوعاية ولكنه آثر السجع هنا ليستقيم الوزن بين الرواية والوعاية.
(2) أرعوى: أرعوى من الجهل: كفّ عنه وأحسن الرجوع عنه.
(3) الصفا: جمع الصفاة معناها الصخرة وهي كلمة سريانية.
(4) شبيب بن سليم الأسدي: من رواة الحديث وقيل عنه أنه شبيب بن سليمان راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 2: 262.
(5) الحسن: هذا هو الحسن بن يسار البصري أبو سعيد.
(6) السيوحات: من ساح يسوح وهو مفارقة الأوطان والذهاب في الأرض للعبادة والترهب.(3/460)
13 - علي رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم، قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال:
العمل.
14 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الكيّس (1) من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله.
15 - شر الأعمال ما كان عناؤه طويلا وغناؤه قليلا.
16 - رأى رسول الله فرجة في لبن قبر إبراهيم (2) ابنه فأمر أن تسد:
وقال: أما أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه.
17 - الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شرا أعطاهم الجدل ومنعهم العمل.
وما المرء إلّا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
18 - عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
19 - حكيم: ما شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه عمل، ومن علم زانه رفق.
20 - كتب على خوان (3) ذهب لبعض الملوك: لا عمل إلّا العمل للثواب.
__________
(1) الكيّس: الظريف الفطن.
(2) إبراهيم: هو إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من مارية القبطيّة توفي سنة 9هـ وعمره سنة وبضعة أشهر.
(3) الخوان: ما يوضع عليه الطعام ليؤكل وتسميه العامة السفرة.(3/461)
21 [شاعر]:
ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يسّاقط الرطب (1)
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب
22 - اكتل السدوسي (2).
صبرا خلاج فلا تعانق طفله ... شرقا بها الجاديّ كالتمثال
حتى تلاقي في الكتيبة معلما ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال (3)
23 - صعصعة بن معاوية التميمي:
وللمجد حومات تلقّاك دونها ... مهالك مقطوع عليها جسورها
24 - عبد الله بن السائب (4): إن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فلا تحزنوا موتاكم.
25 - وعن عباد الخوّاص (5) أنه دخل على إبراهيم بن صالح (6) وهو
__________
(1) وهزي إليك الجذع: إشارة إلى الآية الكريمة رقم 25من سورة مريم: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسََاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا}.
(2) أكتل السدوسي. لم نقع له على ترجمة.
(3) عمرو القنا وعبيدة بن هلال من فرسان الخوارج الأزارقة وشجعانهم.
راجع ترجمتهما في الكامل للمبرد.
(4) عبد الله بن السّائب، هو أبو السائب ويقال أبو عبد الرحمن عبد الله بن السائب بن أبي السائب بن عائذ المخزومي. كان قارىء أهل مكة وكان قائد ابن عباس مات بمكة في إمارة ابن الزبير.
راجع ترجمته في الإصابة 4: 74والتهذيب 5: 229.
(5) عباد الخواص: كان عابدا زاهدا والخواص معالج الخوص وبائعه.
راجع ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 8: 281.
(6) إبراهيم بن صالح هو إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس كان أميرا على فلسطين وعزله المهدي سنة 163هـ ثم ولاه مصر سنة 164هـ ولم نقع على سنة وفاته.
راجع ترجمته في تاريخ الطبري والكامل لأبن الأثير حوادث سنة 164163 166.(3/462)
أمير فلسطين، فقال عظني، فقال أصلحك الله، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى. فانظر ماذا تعرض على رسول الله من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
26 - وكان أبو أيوب الأنصاري يقول: اللهم أني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة. وقد آخى بينهما رسول الله، ومات ابن رواحة قبله.
27 - علي رضي الله عنه: كونوا بقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، فإنه لا يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يتقبل.
28 - بعضهم: صفّ عملك من الآفات وإن قلّ تسعد به في الدارين، ومن لم يتق الآفات في عمله فإنه لا يكاد يفلح وإن كثر اجتهاده، وإنما ارتفع القوم (1) لاعتنائهم بإصلاح سرائرهم. فعند ذلك أمدّهم الله بالنصر على الشيطان، وبصرهم مكايده، وصاروا من الأبطال، حتى أن الشيطان ليفر من ظل أحدهم.
29 - مطرف: لأن يقول لي ربي لم تعمل أحب من أن يقول: لم عملت؟.
30 - الداراني: عمل الرجل مع رفيقه ومع أهله عمل في السر، لأنه لا يقدر أن يكتم منهما.
31 [يقال]: تفرقت بفلان شعب الدنيا، إذا كثرت أشغاله.
32 - قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: أعذرني فإني مشغول.
فقال: إذا فرغت لم احتج إليك، وما أصنع بك فارغا؟ وأنشد:
فلا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
33 - واعتذر بعض السلطانية إلى رجل بالشغل فقال: لا بلغت يوم
__________
(1) يريد بالقوم هنا جماعة المتصوفة الزهاد.(3/463)
فراغك. قيل لروح بن حاتم (1): لقد طال وقوفك في الشمس؟ قال:
ليطول وقوفي في الظل، وأنشد:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للقمام أطوف
34 - أعرابية في ابنها:
لو ظمىء القوم فقالوا من فتى ... يحلف لا يردعه خوف الردى
وبعثوا سعدا إلى الماء سدى ... في ليلة كأنها مثل العمى
بغير دلو ورشاء لاستقى ... امر يهدي رأيه رأي اللحى
35 - من غلى دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء.
36 - لقيط بن زرارة (2) كان يرتجز يوم جبلة (3):
إذ الشواء والنشيل والرغف ... والقينة الحسناء والكأس الرعف
للضاربين الهام والخيل حنف (4)
__________
(1) روح بن حاتم: هو روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير من الأجواد كان حاجبا للمنصور وولاه المهدي السند ثم البصرة ثم الكوفة وولاه الرشيد على فلسطين أرسله الرشيد واليا على القيروان سنة 171هـ مات سنة 174هـ كان موصوفا بالعلم والشجاعة والحزم.
راجع ترجمته في الاستقصا 1: 259والبيان المغرب 1: 84وتاريخ الطبري وابن الأثير.
(2) لقيط بن زرارة: هو لقيط بن زرارة الدارمي فارس جاهلي شاعر من أشراف قومه كان مجوسيا قتل يوم شعب جبلة في نجد سنة 53قبل الهجرة.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء ص 690ومعجم البلدان 3: 52والأغاني 10: 38.
(3) يوم جبلة ويقال يوم شعب جبلة هو يوم بين بني تميم وبني عامر بن صعصة وكان من أعظم أيام العرب وأشدها وقد انتصر فيه بنو عامر على بني تميم وكان ذلك قبل الإسلام بحوالي 45سنة.
(4) النشيل: الماء أول ما يستخرج من البئر أو اللبن ساعة يحلب والكأس الرعف ملأها حتى يسيل منها الماء وحنف متمايلة.(3/464)
37 - عمر بن حبيب (1) كان إذا فرغ من تهجده (2) قال: الرواح الرواح. السباق السباق، سبقتم إلى الماء والظل، إنه من يسبق إلى الماء يظمأ، ومن يسبق إلى الظل يضح (3).
وكان في بستان له مع غلامه فأذن المؤذن، فقال الغلام: الله أكبر أكبر، فقال: سبقتني إليها؟ أنت حر، ولك هذه النخلة.
38 [شاعر]:
إن كلّف السعي سعى ... وإن يقل قم يثب
39 - عبيد بن عمير (4): ما المجتهد فيكم إلّا كاللاعب فيما مضى.
ما في كل صدر اتساع، ولا في كل نفس اضطلاع.
عينه إليه ممدودة، وأذنه إلّا عنه مسدودة.
40 - مدح أعرابي رجلا فقال: كان والله إذا نزلت به النوائب قام إليها، ثم قام بها ولم تقعد به علّات النفوس.
41 [شاعر]:
شمري إذا يهم بأمر ... لم يعرج بليتني أو لعلى
__________
(1) عمر بن حبيب: هو عمر بن حبيب المكي من أهل مكة انتقل إلى اليمن فسكنها وكان حافظا من رواة الحديث.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 431.
(2) تهجّد: صلّى في الليل.
(3) الوضح: بياض الصبح والوضح أيضا بياض القمر والغرّة والتحجيل في القوائم والشيب والبرص.
(4) عبيد بن عمير: هو عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد الليثي أبو عاصم المكي تابعي ثقة مات سنة 68هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 71.(3/465)
42 - أبو مسلم صاحب الدولة:
أدركت بالجد والتشمير ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا (1)
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم ... والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من رقدة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ... ونام عنها تولى رعيها الأسد
43 - إذا همّ بأمر هان علاجه، وانفتح رتاجه (2).
44 - فلان يستعير السيف حده، ويتعلم الليث جده.
45 - فلان لا يجف لبدة (3) إذا لم يفتر.
46 - هو في طلبه قاضي نذور.
47 - أخف من حسوة طائر، ولفتة ناظر، ومن لمعة بارق وخلسة سارق.
48 - أخف من جلسة منتهز، وخلسة مستوفز (4).
49 - فلان لا يتزعزع عما يرتئيه، ولا يستنزل عما ينتويه.
50 [شاعر]:
تسنم ظهر مفخرة انيخت ... لتركبها ولا تك بالهيوب
51 - ما أدري على البرق سار أم على البراق (5)؟ والشنفرى (6) هو أم
__________
(1) شمّر للأمر: أراده وتهيأ له. والشمري الماضي في الأمور المجرب.
(2) الرتاج: الباب المغلق.
(3) لبده: اللبد الصوف والثوب. وقاضي نذور أي ملحاح.
(4) جلسة منتهز: المنتهز المسرع إلى الشيء والمبادر إليه والمستوفز المتحفّز.
(5) البراق: اسم دابة ركبها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة المعراج.
(6) الشنفرى: لقب عمر بن مالك الأزدي شاعر جاهلي من فحول الطبقة الثانية وكان من فتاك العرب وعدّائيهم قتل نحو سنة 70قبل الهجرة وفي نسبه اختلاف راجع ترجمته في الأغاني 21: 124ومجمع الأمثال 1: 332.(3/466)
ابن براق (1)؟.
52 - أسرع من الماء منحدرا، ومن النجم منكدرا (2).
أسرع حتى ظله لا يلحقه.
لا يمس الأرض إلا تحليلا وإيماء، ولا يطؤها إلا إشارة وإيماء.
برز على الغاية وقصب. وغبر في وجوه الخيل وحصب.
53 - أعرابي:
برئت إلى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل (3)
وظني به بين السماطين أنه ... سينجو بحق أو سينجو بباطل
54 - لا يكاد يعدم الصرعة من عادته السرعة.
55 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن.
56 - قال عدي بن أرطأة لأياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذاك أبعد من الكبر، وأسرع في الحاجة.
57 - كان الأسود بن يزيد صاحب ابن مسعود يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، ويكاد لسانه يسودّ من ظمأ الهواجر، فيقول له علقمة: كم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جد يا أبا شبيل، الجد الجد.
ما جد قوم قط إلا جدوا (4).
__________
(1) براق: هو براق بن روحان بن أسد بن بكر من بني ربيعة شاعر جاهلي من أقارب كليب والمهلهل كان من شجعان العرب ومن ذوي السيادة فيهم وأكثر شعره في وصف حروبه.
راجع ترجمته في شعراء النصرانية 1: 147141.
(2) المنكدر: اسم فاعل من انكدر وانكدرت النجوم هوت وتساقطت وقد جاء في القرآن الكريم {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} الآية رقم 2من سورة التكوير.
(3) حماس بن ثامل: لم نقع له على ترجمة.
(4) جدّ عمل بجد ونشاط متواصل وجدوا (الثانية) أصبحوا ذوي جد وحظ.(3/467)
58 - المرء بكده، والفرس بشده، والسيف بحده.
59 - قال عيسى عليه السّلام لرجل: ما تصنع؟ قال: أتعبّد، قال: فمن يعود عليك؟ قال أخي، قال: أخوك أعيد منك.
60 - عدا كلب خلف غزال فقال له: لن تلحقني، قال: لم؟ قال:
لإني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك.
61 - نظر رجل إلى ظبية ترود فقال له: هل تحب أن تكون لك؟
قال: نعم، قال: أعطني أربعة دراهم حتى أردها عليك، ففعل، فجعل يمحص في أثرها حتى أخذ بقرنها، فجاء بها وهو يقول:
وهي على البعد تلوي خدها ... تريغ شدى وأريغ شدها
كيف ترى عدو غلام ردها
62 [شاعر]:
وقلّ من جد في أمر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
من جدّ وجدّ وجد.
63 - تقول العرب: فلان وثاب على الفرص.
الزق ما دام التنور حارا. أي اطلب الأمر في أبان إمكانه.
64 [شاعر]:
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لأوريت (1) نارا
65 - حماس بن الأبرش الكلبي (2):
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لأوريت نارا
66 - في كد البدن روح الروح.
__________
(1) لأوريت نارا: لاستخرجتها.
(2) حماس بن أبرش الكلبي: لم نقع له على ترجمة.(3/468)
67 - يعمد الشغل لأوسع أوقاتي فيضيقه.
68 - كتب مسلمة إلى أخيه الوليد من قسطنطينية:
أرقت وصحراء الطوانة بينا ... لبرق تلالا نحو غمرة يلمح (1)
أزاول أمرا لم يكن ليطيقه ... من القوم إلا اللوذعي الصمحمح (2)
69 [شاعر]:
نقل الجبال الرواسي من مواضعها ... أخف من رد نفسي حين تنصرف
70 - لا أريد كدي ولو جعل العليون إقطاعي، والعالمون أتباعي.
71 [شاعر]:
فلئن كفيت مهمها ... فلمثلها اعددت مثلك
72 - علي رضي الله عنه حين أشير عليه بترك محاربة طلحة والزبير فقال: والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم (3) حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب، حتى يأتي علي يومي.
73 [شاعر]:
وما يرأب الصدع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل
74 - عمر رفعه: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته
__________
(1) صحراء الطوانة: طوانة بلد بثغور المصيصة. وفي تاج العروس الطوانة موضع وقال آخرون أنها موضع ببلاد الروم راجع المزيد عنها في معجم البلدان 6: 65.
وغمرة منهل من مناهل طريق مكة وهو حد بين تهامة ونجد.
(2) اللوذعي: الذكي الذهن الحديد الفؤاد الفصيح اللسان والصمحمح: الشديد القوي وهو في السن ما بين الثلاثين والأربعين.
(3) لدم لدما: ضرب بشيء ثقيل يسمع صوته نهج البلاغة 1: 41.(3/469)
إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
75 - الأعمال البهيمية ما عمل بغير نية.
76 - قيل لبعض أهل الحديث حدثنا، فقال: حتى تحضر النية.
77 - في نوابغ الكلم: أعمالك نية، لم تنضجها نية (1).
78 - أنس رفعه: يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله.
79 - خير الأعمال ما أثل (2) المجد، وحصل الحمد.
80 - بعضهم: العمل سعي بالأركان إلى الله، والنية سعي بالقلوب إلى الله، والقلب ملك، والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بالجنود، ولا الجنود إلا بالملك.
81 - وقيل: النية جمع الهم في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسمح له في السر ذكر غيره.
82 - أوحى الله إلى نبي، قل لهم يخفوا إليّ أعمالهم، وعليّ أن أظهرها لهم.
83 - عبد العزيز بن أبي رواد: لو كانت هذه الأعمال قربانا تأكله النار إذن لم ترغبوا في كثرتها، ولكن في أتقاها، وأنقاها، وأهداها.
وعنه لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا وصوابا، فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم، والعلم كله هباء إلا موضع العمل، والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص.
__________
(1) نوابغ الكلم: مؤلف موجز مسجوع للزمخشري. نية الأولى بمعنى نيئة والنية الثانية بمعنى توجه النفس وإقبالها على العمل.
(2) أثل: تأصل في الأرض أو في الشرف فهو أثيل.(3/470)
84 - الشافعي: رحمة الله عليه: اغتنموا الفرص، فأنها خلس أو غصص.
85 - بهرام جور: إذا تقدم في الأعمال قبل وقتها انتفع بها في وقتها، وإذا عمل بها بعد وقتها لم ينتفع بها.
86 - بشار بن برد كان في مجلس قوم فقال: لا تجعلوا يومنا حديثا كله، ولا غناء كله، ولا شربا كله، تناهبا العيش تناهبوا فأنما الدنيا فرص.
87 - من ورد عجلا صدر خجلا.
78 - غاضب المنذر بن الزبير (1) أخاه عبد الله، فقدم على معاوية فأجازه بألف ألف وأقطعه ماله المعروف بمنذران (2) بالبصرة.
ولما وقعت الحرب على ابن الزبير خاف يزيد أن يتصل بأخيه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بالقبض عليه، فقال له عبيد الله: إن شئت اشتملت عليك (3) فتكون نفسي دون نفسك، وإن شئت فاذهب حيث شئت. فخرج من البصرة فأصبح بمكة صبح ثامنة. فقال بعض من يرتجز معه:
قاسين قبل الصبح ليلا منكرا ... حتى إذا الصبح انجلى فأسفرا
أصبحن صرعى بالكثيب حسّرا ... لو تكلّمن شكون المنذرا
فسمع عبد الله صوت المنذر على الصفا، وهو في المسجد الحرام، فقال: هذا أبو عثمان حاشته الحرب إليكم.
89 - عمر رضي الله عنه: لو كنت أستطيع أن أقطع أبا موسى أعضاء
__________
(1) المنذر بن الزبير: هو المنذر بن الزبير بن العوام أبو عثمان أخو عبد الله لأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق قاتل مع أخيه عبد الله وقتل في حصار مكة الأول سنة 65هـ.
(2) منذران نسبة إلى المنذر بن الزبير وهي قطيعة في البصرة كان يملكها.
(3) اشتملت عليك: حفظتك وصنتك.(3/471)
فأفرقه في الأمصار لفعلت، لاجزائه عني.
90 - قيل لبعض العمال في ضيافته: ما أنقى خبزك؟ قال: لا تغتروا ببياضه فأن في وسطه دما. ثم قال: كم من سيف ضربت به في باب السلطان حتى ابيض خبزي.(3/472)
الجزء الرابع
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
الباب التاسع والخمسون العز، والشرف، وعلو الخطر، والتقدم، والرياسة، والجاه، والهيبة، والاحتشام، والشهرة
1 - تميم الداري رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر (1) إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز يعز الله به الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.
2 - علي رضي الله عنه رفعه: من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.
3 - قيل للحسن بن علي رضي الله عنه: فيك عظمة، قال: لا بل فيّ عزة، قال الله تعالى: {وَلِلََّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
4 - ابن أبي لبابة (2): من طلب عزا بباطل أورثه الله تعالى ذلا بحق.
5 - النابغة الجعدي:
__________
(1) المدر: الطين الذي لا يخالطه رمل وأهل الوبر هم أهل البدو.
(2) ابن أبي لبابة: هو عبد الرحمن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر بن رفاعة الأنصاري ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 56وتهذيب التهذيب 3: 450والإصابة 3: 185.(4/5)
فإن كنت ترجو أن تحول عزنا ... بكفيك فانقل ذا المناكب يذبلا (1)
وإني لأرجو أن أردت انتقاله ... بكفيك أن يأبى عليك وتنقلا
6 - نصر بن سيار:
إن ينصرونا لا نعزّ بنصرهم ... أو يخذلونا فالسماء سماء
7 - قال رجل للحسن: إني أريد السند فأوصني، قال: أعز أمر الله حيثما كنت يعزك الله. قال: فلقد كنت بالسند وما بها أحد أعز مني.
8 - سئل محمد بن الحنفية عن أعظم الناس خطرا، فقال: الذي لا يرى الدنيا كلها عوضا من بدنه. ثم قال: إنّ أبدانكم هذه ليست لها أثمان إلّا الجنة، فلا تبيعوها إلّا بها.
9 - قدم البصرة بدوي فقال لخالد بن صفوان: أخبرني عن سيد هذا المصر، قال: هو الحسن بن أبي الحسن: قال: عربي أم مولي؟ (2)
قال: مولى، قال: وبم سادهم؟ قال: احتاجوا إليه في دينهم، واستغنى عن دنياهم. فقال البدوي: كفى بهذا سؤددا!.
10 - علي رضي الله عنه: ما أرى شيئا أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم (3).
11 - فلان من حضان الشرف.
12 - ابن الكلبي: كان عصام (4) القائل:
__________
(1) يذبل: اسم جبل في بلاد نجد معدود من اليمامة.
(2) المولى: والجمع موالي وهم المسلمون من غير العرب.
(3) وراء ظهورهم: إشارة إلى المنهزمين الذين يولّون الأدبار.
(4) عصام: هو عصام بن شهير بن الحارث بن ذبيان حاجب النعمان بن المنذر ملك العرب يضرب المثل به فيمن شرف من غير قديم.
راجع ترجمته في مجمع الأمثال 2: 192وثمار القلوب ص 107والأعلام 5: 26.(4/6)
نفس عصاما سودت عصاما ... وعلمته الكسر والإقداما
وصيرته ملكا هماما
مملوكا اتصل بالرذال من أتباع النعمان، فلم يزل بارتفاع همته يندرج حتى اتصل بالنعمان واستولى على أمره، فقيل للنعمان في ذلك. فقال:
ما أنا قدمته، وإنما قدمته الأخلاق السريّة (1) المجتمعة فيه.
13 - الأهتم السعدي (2):
ولو أني أشاء كنبت نفسي ... وعاداني شواء أو قدير (3)
ولاعبني على الأنماط لعس ... عليهن المجاسد والحرير (4)
ولكني إلى تركات قوم ... هم الرؤساء والنبل البحور
14 - فضيل: ما عشق الرياسة أحد إلا حسد وبغي وطغى.
وعنه: من عشق الرياسة لم يفلح.
وعنه: لا يطلب الرياسة أحد إلا طلب عيوب الناس ومساوئهم، وكره أن يذكر عنده أحد بخير.
وعنه: ما كثر (5) تبع أحد إلا كثرت شياطينه.
15 - إبراهيم بن أدهم: كن ذنبا ولا تكن رأسا، فإن الذنب ينجو، والرأس يهلك.
__________
(1) السريّة: الفاضلة.
(2) الأهتم السعدي: هو سنان بن سمي بن سنان بن خالد السعدي التميمي كان من أشراف بني سعد في الجاهلية وفرسانهم ويعرف بابن الأشد.
راجع ترجمته في الأغاني 15: 75.
(3) الشواء: هو اللحم المشوي أو المعد للشوي والقدير هو ما يطبخ في القدر.
(4) الأنماط: جمع نمط وهو نوع من البسط التي تفرش والمجاسد الأثواب الضيقة الملاصقة للجسد.
(5) التبع: الخدم والحشم.(4/7)
16 - كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج (1) لا يسأله عن مسألة هيبة له.
17 - في مالك بن أنس:
يأتي الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان (2)
هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان
18 - خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.
19 - النبي صلّى الله عليه: قدموا قريشا ولا تتقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها.
20 [شاعر]:
إن قريشا وهي من خير الأمم ... لا يضعون قدما على قدم
21 - عبد الله بن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده، فيوقف بين يديه، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.
22 - قال رجل لقتيبة بن مسلم: أتيناك لا نرزؤك ولا ننكؤك (3) ولكن نسألك جاهك. فقال: سألتم أثقل الأمور عليّ، والله إنا لنعطي أموالنا وقاية لوجوهنا.
23 - محمد بن عبد السلام البغدادي:
واسوءة لامرىء شبيبته ... في عنفوان وماؤه خضل
راض بقوت المعاش متضع ... على تراث الآباء يتكل
__________
(1) ثلاث حجج: ثلاث سنين.
(2) نواكس الأذقان مطأطئو الرؤوس.
(3) رزأ: يقال رزأ الرجل ماله أصاب منه شيئا مهما كان أي أنقصه ونكأ فلانا حقّه أي قضاه إياه ونكأ الجرح أزال قشره قبل أن يبرأ.
لا حفظ الله ذاك من رجل ... ولا رعاه ما أطت الإبل (1)
كلا وربي حتى يكون فتى ... قد نهكته الأسفار والرحل
مصمم يطلب الرياسة أو ... يضرب فتكا بفعله المثل
حتى متى تخدم الرجال ولا ... تخدم يوما لأمك الهبل (2)
24 - أبو هريرة: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا.(4/8)
__________
(3) رزأ: يقال رزأ الرجل ماله أصاب منه شيئا مهما كان أي أنقصه ونكأ فلانا حقّه أي قضاه إياه ونكأ الجرح أزال قشره قبل أن يبرأ.
لا حفظ الله ذاك من رجل ... ولا رعاه ما أطت الإبل (1)
كلا وربي حتى يكون فتى ... قد نهكته الأسفار والرحل
مصمم يطلب الرياسة أو ... يضرب فتكا بفعله المثل
حتى متى تخدم الرجال ولا ... تخدم يوما لأمك الهبل (2)
24 - أبو هريرة: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا.
25 - كان شبيب بن شيبة إذا ذكر عمرو بن عبيد تمثل:
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء (3) وهو قريب
26 - أراد عاصم الخروج إلى البصرة، فقال للشعبي: ألك حاجة؟
قال: إذا أتيتها فبلغ الحسن سلامي، قال: ما أعرفه، قال: انظر إلى أجمل رجل في عينك، وأهيبهم في صدرك، فأقرئه عني السلام.
27 - هو أنور من ليلة البدر، وأشهر من يوم بدر.
28 - الحسن: لقد صبحت أقواما، إن الرجل لتعرض له الكلمة من الشهرة، لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه، فما يمنعهم منها إلا مخافة الشهرة.
29 - فضيل: كان إذا جلس إليه أربعة أو أكثر قام مخافة الشهرة.
30 - ابن سيرين: لم ينمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بي البلاء حتى أخذ بلحيتي، وأقمت على المصطبة، وقيل هذا ابن سيرين.
31 - كان أيوب السختياني يخفي زهده، وما رئي أحد أشد تبسما في
(1) أطّت الإبل: أي صوّتت.
(2) لأمّه الهبل: دعاء عليه.
(3) العوراء: النقيصة.(4/9)
وجوه الرجال منه، ودخلوا عليه فإذا على فراشه مجلس أحمر، فرفعوه فإذا خصفة (1) محشوة بليف، وكان يقوم الليل، فإذا كان من آخر الليل يرفع صوته، يوهم أنه قام تلك الساعة. وكان يقول أهلكت المعرفة (2)، والله إني أخاف أن أكون بها شقيّا.
32 - معمر (3): رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض، فقلت: ما هذا؟ قال: إنما كانت الشهرة فيما مضى في تذبيلها، واليوم الشهرة في تقصيرها. وكان يقول للخياط: إقطع وأطل، فإن الشهرة اليوم في القصر.
33 - النمري (4):
يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز
أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على خز (5)
34 - ذكرت البيوتات عند هشام بن عبد الملك فقال: البيت ما كان له سالفة، ولاحقة، وعماد حال، ومساك دهر. فإذا كان كذلك فهو بيت قائم.
أراد بالسلفة ما سلف من شرف الآباء، وباللاحقة ما لحق من شرف
__________
(1) خصفة: القفّة تعمل من الخوص للتمر وغيره.
(2) المعرفة: الشهرة وأن يكون الإنسان معروفا.
(3) معمر: هو معمر بن راشد الأزدي الحداني من أهل البصرة كان صديقا لأيوب السختياني مات باليمن سنة 152أو سنة 154. كان من ثقات الحديث وكان فقيها حافظا.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 4: 154وطبقات ابن سعد 5: 397وتهذيب التهذيب 10: 243.
(4) النمري: هو منصور بن الزبرقان وقيل منصور بن سلمة بن شريك النمري:
أبو القاسم من بني النمر بن قاسط. شاعر من الجزيرة الفراتية. تقدم عند الرشيد ثم انقلب الرشيد عليه لنميمة من العتابي مات النمري نحو سنة 190هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 12: 2416والشعر والشعراء 736والأعلام 8: 238.
(5) الدحض: المكان الذي صار مزلقة.(4/10)
الأبناء، وبعماد الحال الثروة، وبمساك الدهر الجاه عند السلطان.
35 - اصطنع أنوشروان رجلا، فقيل له: أنه لا قديم له. فقال:
اصطناعنا إياه بيته وشرفه.
36 - لي همة لو غرقت الدنيا فيها ما طلبت إلا بالغاصة، ولو كانت الليل ما تنفس فيها الصبح.
37 [شاعر]:
ولي همة اسمو بها وعزيمة ... تبلغني أعلى من السرطان (1)
إذا النفس لم تبعثك في طلب العلى ... فتلك من الأموات لا الحيوان
38 - الأمير الصليحي (2):
ولي همة تعلو على كل همة ... ولي أمل يعلو على كل آمل
ولي صرخة تعلو على كل صرخة ... صليحية ليست بهبش القبائل (3)
39 - قيل للعتابي: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا تكون له غاية دون الجنة.
40 - يقال: فلان بعيد المنزعة، أي الهمة.
41 - أتى دكين الشاعر عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف يستنجز وعدا كان وعده إياه، قال: فقال لي يا دكين إن الله وضع بين جنبيّ نفسا
__________
(1) السرطان: البرج الرابع في دائرة البروج وأول أبراج الصيف حيث تبلغ الشمس فيه أقصى إزاحتها الظاهرية نحو الشمال فيتشد الحر فيه. (عوالم ونجوم) نجيب زبيب.
(2) الأمير الصليحي: هو علي بن محمد بن علي الصليحي أحد الذين ملكوا اليمن بالحزم والقوة نشأ في بيت علم وسيادة فقيها تواقا للرياسة ومقداما وشاعرا فصيحا.
قتله سعيد الأحول وهو في طريقه إلى الحج سنة 473هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 368وبلوغ المرام ص 24وشذرات الذهب 3: 346.
(3) الهبش: المجمع من كل قبيلة.(4/11)
نزّاعة إلى معالي الأمور (1)، نزعت إلى إمارة المدينة فرزقتها. ونزعت إلى إمارة الحجاز فنالتها، فنزعت إلى الخلافة فلما حظيت بها قالت هي الفوز بالدنيا كلها، فتاقت إلى الآخرة وترقّت بهمتها إلى الجنة، وما رزأت من أموال المسلمين شيئا، وما عندي إلا لفا درهم، فأعطاني ألفا وقال:
خذها بارك الله لك فيها، فابتعت بها إبلا، وسقتها إلى البادية، فرمى الله في أذنابها بالبركة، ورزقني ما ترون.
42 - يقال: همته ترمي به وراء سنه مرمى بعيدا.
43 - بعضهم: إني لأعشق الشرف كما يعشق الجمال.
44 - قال معاوية لعرابة بن أوس (2): أنت الذي يقول لك الشماخ (3):
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلي الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
فيم سدت قومك؟ قال: والله ما أنا بأكرمهم حسبا، ولا بأفضلهم نسبا، ولكني أعرض عن جاهلهم، وأسمح لسائلهم، فمن عمل عملي فهو مثلي، ومن زاد فهو أفضل مني، ومن قصر فأنا أفضل منه، قال معاوية: هذا والله الكرم والسؤدد.
__________
(1) نزّاعة: تواقه ومعالي الأمور كبارها.
(2) عرابة بن أوس: هو عرابة بن أوس بن فيظي بن عمرو الأوسي الأنصاري من سادات المدينة الأجواد المشهورين قدم الشام أيام معاوية وله معه أخبار.
راجع ترجمته في أمل الآمل 2: 94خزانة البغدادي 1: 455والأعلام 5: 13.
(3) الشمّاخ: هو الشماخ بن ضرار بن حرملة الذبياني الغطفاني شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام أسلم وشهد القادسية وغزا أذربيجان توفي في أيام عثمان سنة 32هـ. جمع بعض شعره في ديوان مطبوع.
راجع ترجمته في الأغاني 8: 97والكامل للمبرد 2: 28والأعلام 3: 252.(4/12)
45 - مخرمة بن عبد الملك (1): ما رأيت من العلماء أهيب من الشافعي من بعيد، ولا أبرّ وأكرم منه من قريب.
46 - هو في عيش غريض (2) وجاه عريض.
47 - الشعبي: كانت درة عمر (3) أهيب من سيف الحجاج، ولما جيء بالهرمرزان ملك خوزستان أسيرا إلى عمر لم يزل الموكل به يقتفي أثر عمر حتى عثر عليه بالمسجد نائما متوسدا درته. فلما رآه الهرمزان قال:
هذا والله الملك الهني عدلت فأمنت فنمت: والله إني خدمت أربعة من ملوكنا الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحدا منهم هيبتي لصاحب هذه الدرة.
48 - الأخطل في عبد الملك بن مروان:
وترى عليه إذا العيون رمقنه ... سيما التقيّ وهيبة الجبار
49 - تذاكر أشراف الجاهلية في مجلس فيه عبد الله بن الزبير فقال:
إن كنتم لا بد فاعلين فاذكروا عبد الله بن جدعان، فما اقتسم الشرف إلا بعده.
50 - أصاب الناس بالبصرة مجاعة، فكان ابن عامر يغذي عشرة آلاف ويعشي مثلهم، حتى تجلّت (4) الأزمة. فكتب إليه عثمان يجزيه خيرا، وأمر له بأربعمائة ألف معونة له على نوائبه، وكتب إليه: لقد رفعك السؤدد إلى مكان لا يناله إلا الشمس والقمر، فتوّخ (5) أن يكون ما أعطيت لله، فإنه لا شرف إلا ما كان فيه وله.
51 - قال رجل لفضيل: عظني، قال: كن ذنبا ولا تكن رأسا حسبك.
__________
(1) مخرمة بن عبد الملك لم نقع له على ترجمة.
(2) الغريض: الطري يقال لحم غريض والعيش الغريض الهني الرخي.
(3) الدّرة بالكسر عصا كانت للخليفة عمر يحملها ويضرب بها.
(4) تجلت الأزمة: أنفرجت.
(5) توخّى: يقال توخى الأمر: تعمدّه وتطلّبه دون سواه.(4/13)
الباب الستون العلم، والحكمة، والأدب، والكتاب، والقلم، وما اتصل بذلك وناسبه
1 - عن معاذ بن جبل: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تعلموا العلم، فإنّ تعلّمه لله خشية، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه عبادة، والبحث عنه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والمحدّث في الخلوة، والجليس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل على السّراء، والمعين على الضراء، والزين عند الإخلاء (1)، والسلاح على الأعداء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة، وفي الهدى أئمة، تقتفى آثارهم (2)، ويتقدى بأفعالهم، وينهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تستغفر لهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والأرض وخزائنها، لأن العلم حياة القلب من الجهل، ونور الأبصار ومصابيحها في الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى، ومجالسة الملوك في الدنيا، ومرافقة الأبرار في الآخرة.
__________
(1) الخل: الصديق الودود.
(2) تقتفي آثارهم: تتّبع.(4/15)
والفكر في العلم يعدل (1) الصيام، ومذاكرته تعدل القيام، وبالعلم توصل الأرحام، وتفصّل الأحكام، وبه يعرف الحلال والحرام. وبالعلم يعرف الله ويوحّد، وبالعلم يطاع ويعبد. والعلم أمام العقل هو قائده، يرزقه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء (2).
2 - عنه عليه السّلام: يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء، يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر، ولغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة. ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشره بالجنة. ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة.
3 - علي عليه السّلام: أقل الناس قيمة أقلهم علما. وعنه: قيمة كل امرىء ما يحسنه (3).
4 - موسى عليه السّلام، قال: يا إلهي من أحب الناس إليك؟ قال: عالم يطلب عالما.
5 - كان يقال: تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظا، فلئن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم.
6 - أنس بن أبي إياس (4):
يقولون أقوالا ولا يعرفونها ... ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
__________
(1) عدله: ساواه.
(2) لم نجد هذا الحديث لمعاذ بن جبل لا في الصحاح السنّة ولا في مسند أحمد بن حنبل ولا الموطأ ولا الدارمي. وقد ورد بعض منه في الجزء الثاني من العقد الفريد ص 215.
(3) ورد هذا الحديث في نهج البلاغة 4: 18.
(4) أنس بن أبي إياس: هو أنس بن أبي إياس بن زنيم بن عمرو بن جابر الكناني شاعر حاذق مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام مات نحو سنة 60هـ.
راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف 55والحيوان للجاحظ 5: 255والأعلام 1: 365(4/16)
7 - بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم (1) للأزمان. والنحو للسان.
8 - أعرابي: لا تقل فيما لا تعلم فتتهم فيما تعلم.
9 - الخليل: من الأبواب ما لو شئنا أن نشرحه حتى يستوي في علمه القوي والضعيف لفعلنا، ولكننا نحب أن يكون للعالم مزية.
10 - فيلسوف: أضرع (2) لمن فوقك في العلم، ولمن دونك في الجهل.
11 - أبو الحسن الجرجاني الخطيب (3): المتكلمون لسان الشرع، وسيف الدين، وبحر العلم، بهم ضرب الدين بجرانه (4). وبحججهم قهرت الطاغية، وبكلامهم حرس الملك، ولولا كتبهم واستنباطهم لكان هذا الأمر مزعزع الدعائم، محلول الشكائم (5). وقد علم أن الدهري ومن عداه من ذوي البدع المزخرفة، والمذاهب المختلفة، لا يزال ضاحكا مهتزا ما دام مكلمه ومناظره حشويا (6)، فإذا طلع متكلم عبس واكفهر، وضاق به ذرعا وانجحر (7).
__________
(1) النجوم للأزمان: يقصد به علم الفلك.
(2) اضرع: من ضرع وتضرّع بمعنى تقرب إليه في روغان.
(3) أبو الحسن الجرجاني الخطيب: هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني كان من العلماء بالأدب وله شعر حسن توفي بنيسابور سنة 392هـ من كتبه: الوساطة بين المتنبي وخصومه وتفسير القرآن وتهذيب التاريخ وله رسائل كثيرة مدونة كما كان جيّد الخط.
راجع ترجمته في الأعلام: 5: 114والبداية والنهاية 11: 331واليتيمة 4: 3.
(4) الجران: مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره ويضرب هذا المثل للدلالة على الثبوت والاستقرار حيث أن البعير عند ما يضرب بجرانه فإنه يبرك على الأرض ويثبت
(5) الشكيمة من اللجام: هي الحديدة المعترضة في فم الفرس.
(6) الحشوية: طائفة تمسك أتباعها بالظواهر وذهبوا إلى التجسيم.
(7) انجحر الضب أو السبع ألجأه أن يدخل الجحر.(4/17)
12 - أبان بن تغلب: الإسناد في العلم كالعلم في المرط (1).
13 - ثعلب: وددت أن الليل نهار حتى لا ينقطع عني أصحابي.
14 - قال رجل لهشام بن الحكم: أنت أعلم الناس بالكلام، قال:
كيف؟ ولم تكلمني، قال: رأيت كل حاذق يزعم أنه ناظرك وغلبك، فلولا أنك عندهم الغاية لما فخروا بذلك.
15 - عمر بن عبد العزيز: ما شيء، كنت أحب علمه إلا علمته، إلا أشياء كنت أسمعها وأسأل عنها فبقي جهلها.
16 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله.
17 - قيل لابن شبرمة، وكان كوفيا: أنتم أروى للحديث أم أهل البصرة؟ فقال: نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
18 - العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره.
19 - سئل الشعبي عن مسألة فقال لا علم لي بها، فقيل: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم تستح منه الملائكة حين قالت {لََا عِلْمَ لَنََا} (2).
20 - عنه عليه السّلام: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلا، وروي: كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وعنه: بين العالم والعابد مائة درجة، بين كل درجتين حضر الجواد
__________
(1) أسند العلم: نسبه وأرجعه إلى قائله وراويه والمرط بالكسر كساء من خز أو صوف أو كتان والمرط أيضا هو كل ثوب غير مخيط.
(2) في هذا أشار: إلى الآية الكريمة رقم 109من سورة المائدة: والتي تقول: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللََّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مََا ذََا أُجِبْتُمْ قََالُوا لََا عِلْمَ لَنََا إِنَّكَ أَنْتَ عَلََّامُ الْغُيُوبِ}.(4/18)
المضمر (1) سبعين سنة.
21 - علي رضي الله عنه: الحكمة ضالة (2) المؤمن، فالتقفها ولو من أفواه المشركين (3).
22 - منصور بن عمار: لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع، ولا آخذ عليها ثمنا إلّا فهم القلوب.
23 - استفتى أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فأفتاه عنها. فقال:
أعن قدوة؟ قال: نعم، عن رسول الله، فقال: استسمنت القدوة، فاء الله لك بالرشد.
24 - علي رضي الله عنه: خذ الحكمة أين كانت؟ فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلج (4) في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن.
25 - الخليل: يرتع الجهل بين الحياء والكبر في العلم.
26 - سمع شعبة صرير الميل في الألواح فغضب وقال: أما تحفظون حديثا واحدا!.
والله لا حدثت اليوم إلّا ضريرا. فقال له رجل: يا أبا بسطام، قد سمعنا اليمين، فهل تتسامح معنا بأعور؟ فضحك وحدث، وكفر عن يمينه.
__________
(1) حضر الجواد المضمر: الحضر بالضم عدو ذو وثب والمضمّر من الخيل هو الذي يضمّر لسباق وغزو والتضمير إعطاء العلف بكمية قليلة كي لا يسمن (كاتباع نظام الحمية عند الإنسان) ومدة التضمير كانت أربعين يوما.
(2) الضالة: الشيء المفقود الذي تسعى وراءه.
(3) ورد هذا القول في نهج البلاغة 4: 18بهذا الشكل (الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق).
(4) لجلج لجلجة: تردد في الكلام.(4/19)
27 - قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: مثل ماذا؟ قال: قال رسول الله: للفرس سهمان وللرجل سهم، قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وأشعر رسول الله وأصحابه البدن (1)، وقال أبو حنيفة: الأشعار مثلة: وقال: البيان بالخيار ما لم يتفرقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار. وكان عليه السّلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا، وأقرع بين أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.
28 - نظر الخليل في فقه لأبي حنيفة، فقيل له: كيف تراه؟ قال:
أرى جدا في طريق جد، ونحن في هزل وطريق هزل.
29 - أتى أبو حنيفة رحمه الله إلى حماد يطلب الفقه، فقال: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا حتى ينفتق (2) لك العلم، ففعل ففقه حتى أشير إليه بالأصابع.
30 - كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: ما أتانا عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم وما أتانا عن التعابعين فنحن رجال وهم رجال.
31 - سأل الأعمش أبا حنيفة عن مسائل، فقال: من أين لك هذا؟
قال: مما حدثنا به، فقال: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
32 - وكان أبو يوسف إذا سئل عن مسألة أجاب فيها وقال: هذا قول أبي حنيفة، ومن جعله بينه وبين ربه فقد استبرأ لدينه.
33 - عبد الله بن داود (3): لا يتكلم في أبي حنيفة إلا أحد رجلين:
__________
(1) أشعر البدن: جعل لها علامة بشق جلدها أو بطعنها حتى يظهر الدم والبدنة من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة فتنحر بها.
(2) انفتق له العلم: انكشف له.
(3) عبد الله بن داود: هو عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الهمذاني الشعبي كوفي الأصل ولد سنة 121هـ كان من ثقات رجال الحديث وكان عابدا ناسكا مات سنة 213هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 199.(4/20)
إمّا حاسد لعلمه، وإما جاهل لا يعرف قدر جهله.
ونيل من أبي حنيفة فقال ابن داود: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: قال رسول الله يأتيكم أهل اليمن، هم أرق قلوبا، وألين أفئدة، يريد أقوام أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم.
34 - وكان الثوري إذا سئل عن مسألة دقيقة قال: لا يحسن أن يتكلم فيها إلا رجل قد حسدناه، ونعي إلى شعبة [فقال] بعد ما استرجع (1): لقد طفىء عن أهل الكوفة أضواء نور أهل العلم، أما أنهم لا يرون مثله أبدا.
35 - وفي ديوان المنثور: وتدّ الله تعالى الأرض بالأعلام المنيفة، كما وتد الحنيفية بعلوم أبي حنيفة. الأئمة الجلة الحنيفة أزمة الملة الحنيفية.
36 - الجود والحلم حاتمي وأحنفي، والدين والعلم حنيفي وحنفي (2).
37 - الشرائع بمسائلها، والشرايع بمسايلها (3).
38 - علي رضي الله عنه: من نصّب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم (4).
__________
(1) استرجع: قال إنا لله وإنا إليه راجعون.
(2) حاتمي نسبة إلى حاتم الطائي وأحنفي إلى الأحنف بن قيس السعدي. والحنيفي الذي يميل إلى الإسلام والحنفي الذي يقلّد أبا حنيفة.
(3) الشرائع الأولى جمع شريعة وهي ما سنّ الله تعالى من الدين وأمور الصوم والصلاة والحج والزكاة وغير ذلك. والشرايع الثانية جمع شريعة أيضا وهي الأمكنة التي ينحدر إلى الماء منها والمسايل جمع مسيل وهو المكان الذي فيه الماء.
(4) نهج البلاغة 4: 16.(4/21)
39 - حكيم: تصفح طلاب حكمك كما تتصفح طلاب حرمك.
40 - لا تلبسوا اللئام ملابس الحكم، فإن أجسادهم أخشن من أن تتزين ببرودها، ورقابهم أذل من أن تتحلى بعقودها.
41 - بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري (1):
فلئن سألت ليخبرنك عالم ... والعلم ينفع أهله ما كانا
42 [خر]:
إني رأيت الناس في عصرنا ... لا يطلبون العلم للعلم
إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغشم والظلم
43 - محمد بن خازم:
وذو اللب وقّاف لدى كلّ مشكل ... ولا خير في التقليد حتى تفهما
44 - العلم علمان: علم يرفع، وعلم ينفع، فالرافع هو الفقه في الدين. والنافع هو الطب.
45 - رئي واصل بن عطاء رحمة الله عليه يكتب من فتى حديثا، فقيل له: أتكتب من هذا؟ فقال: أما أني أحفظ له منه، ولكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة، ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم.
46 - نظر مزبد إلى امرأته تصعد في الدرجة فقال: أنت طالق إن صعدت، وطالق إن وقفت، وطالق إن نزلت. فرمت بنفسها من حيث كانت. فقال لها: فداك أبي وأمي! إن مات مالك احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.
__________
(1) بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري: هو بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الخزرجي الأنصاري لم نقع له على ترجمة. وإنما ورد ذكره في المؤتلف والمختلف ص 61كما ذكره صاحب الأغاني 15: 27دون أن يترجم له.(4/22)
47 - كان المزني (1) إذا فاتته صلاة صلّى خمسا وعشرين صلاة تطوعا، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة (2) جلوسك مع أصحابك أفضل منها، لأن صلاتك لا تعدوك، وتعليمك يعدوك إليهم، فتعم بركاته، وتثمر عاقبته، قال: صدقت، ولكني أجمع بين الأمرين، ألقي عليهم المسألة فيعلمون فكرهم فيها، وأنا آخذ في تطوعي. قال: ولكنك لو ألقيت عليهم المسألة، وأقبلت بوجهك إليهم لكنت معينا لهم على استخراجها. قال: هو كما قلت.
48 - بقي أبو يوسف على باب الرشيد حولا لا يصل إليه، حتى وقعت واقعة، وهي أن الرشيد كان يهوى جارية لزبيدة، وحلفت أن لا تبيعها إياه ولا تهبها. فأعضلت على الفقهاء الفتيا. فسأل الربيع أن يعلمه بمكانه، ففعل، فقال: يا أمير المؤمنين، أفتيك وحدك أم بحضرة الفقهاء، ليكون الشك أبعد، واليقين أقعد؟ فاحضروا، فقال: المخرج منها أن تهب لك نصفها وتبيعك نصفها، فصدقوه. ثم قال: أريد أن أطأها اليوم. فقال: اعتقها ثم تزوجها فسري عنه، وعظم أمره عنده.
49 - قال رجل لأفلاطون: كيف قويت على جمع هذا العلم كله؟
قال: أفنيت من الزيت في السراج أكثر من الشراب الذي شربته في عمري كله.
__________
(1) المزني: هو إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل أبو إبراهيم المزني من أهل مصر ولد سنة 175هـ كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة. من كتبه الجامع الكبير والجامع الصغير والمختصر والترغيب في العلم مات سنة 264هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 71والانتقاء ص 110.
(2) محمد بن إسحاق بن خزيمة: هو محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي أبو بكر كان فقيها مجتهدا عالما بالحديث ولد بنيسابور سنة 223وتوفي فيها سنة 311هـ له أكثر من 140مؤلفا.
راجع ترجمته في طبقات السبكي 2: 130وطبقات الحفاظ للسيوطي.(4/23)
50 - أحمد بن حرب (1): أبو حنيفة في العلماء كالخليفة في الأمراء.
51 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أفضلكم أفضلكم معرفة.
52 - جالينوس: سن أهل أثينة: إن من لم يعلم ولده لم يجب له على ولده حق الأبوة.
53 - قال أبو عمرو بن العلاء: لم أزل أتلطف حتى التقي الخليل وابن المقفع، فرأيت أعجب اثنين، يخبر كل واحد منهما بما في ضمير صاحبه وكأنه قد اطلع على ما في نفسه. فتناظرا مليا في فنون ثم افترقا.
فسألت الخليل عن ابن المقفع فقال: ما رأيت مثله! إلا أن لسانه أكبر من معرفته. وسألت ابن المقفع عنه فقال: لم أر مثله إلا أن معرفته أكبر من لسانه.
54 - تكثّر من العلم لتفهم، وتقلل منه لتحفظ.
55 [شاعر]:
استودع العلم قرطاسا فضيعه ... فبئس مستودع العلم القراطيس
56 - محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (2): كفاك من علم الدين ما لا يسع جهله وكفاك من علم العربية أن تروي الشاهد والمثل.
__________
(1) أحمد بن حرب: هو أحمد بن حرب بن عبد الله بن سهل بن فيروز الزاهد النيسابوري كان متعبدا طاهر النسك توفي سنة 234هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 4: 108وميزان الاعتدال 1: 89وتهذيب التهذيب 1: 23.
(2) محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: هو محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي والد السفاح والمنصور وإبراهيم الإمام ولد بالحميمة من أرض الشراة سنة 62هـ. وأقام بها وأقام بالدعوة سرا إلى بني العباس سنة 100هـ كان عاقلا حليما راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 454وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 133وأخباره في كتب التاريخ.(4/24)
57 - لما أراد الإسكندر المضي إلى أقاصي البلاد قال لارسطاليس:
أوصني. قال: عليك بالعلم فاستنبط منه ما يحلو بألسنة الناطقين، ويحلو بآذان، السامعين تنقد لك الرعية من غير حرب.
58 - كان المهدي يشتهي الحمام، فدخل عليه غياث بن إبراهيم المحدث (1) وهو مع الحمام. فقيل له: حدث أمير المؤمنين، فحدث بقوله عليه السّلام: لا سبق إلا في خف أو حافر، وزاد فيه: أو جناح. فأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما ولى قال: أشهد أنه قفا كذاب على رسول الله ولكنه أراد أن يتقرب إلي لولعي بالحمام، فذبحها كلها. وما أفلح غياث بعد ذلك.
59 - حكيم: قوت الأجساد المطاعم والمشارب، وقوت العقل الحكمة والعلم.
60 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: تعلموا العلم، وتعلموا له السكينة والحلم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلهكم.
وعنه: ليس الملق (2) من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم.
61 - علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوانح والأركان.
62 - قيل لكسرى: أيحسن بالشيخ التعلم؟ قال: من كان الجهل يقبح به فإن العلم ليحسن به.
__________
(1) غيّاث بن إبراهيم المحدث: هو غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي من رواة الحديث كان يضع الحديث فتركوه.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 323وميزان الاعتدال 3: 337.
(2) الملق: ملق له: تودد إليه وتذلل له وأبدى له بلسانه من الإكرام والود ما ليس في قلبه.(4/25)
63 - العلم والعمل قرينان كاقتران الروح والجسد، لا ينتفع بأحدهما إلا مع الآخر.
64 [شاعر]:
قد أدبر الأمر حتى ظل محتبيا ... أبو جبيرة يغنى وابن شداد (1)
65 - كان يزيد بن زريع (2) إذا سمع أصحاب الحديث يخوضون في أبي حنيفة رحمه الله وكيف عظم شأنه قال: هيهات، طارت بفتياه البغال الشهب.
66 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: هلاك أمتي في شيئين، ترك العلم، وجمع المال.
77 - حكيم: علم المرء بأنه لا يعلم أفضل علمه.
68 - الخليل: كنت إذا لقيت عالما أخذت منه وأعطيته.
69 - قطع ظهري من الناس اثنان: عالم فاسق يصد عن علمه بفسقه، وجاهل ناسك يدعو إلى جهله بنسكه.
70 - سأل رجل رسول الله عن أفضل الأعمال فقال: العلم بالله، والفقه في دينه، وكررهما عليه. فقال: يا رسول الله، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم؟ فقال: إن العلم لينفعك معه قليل العمل، وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل.
71 - المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح (3).
72 - عيسى عليه السّلام: من علم وعمل وعلم عد في الملكوت الأعلى
__________
(1) لم نتوصل إلى معرفة قائل هذا البيت كما إننا لم نقع على ترجمة لأبي جبيرة وابن شداد هذين.
(2) يزيد بن زريع: هو يزيد بن زريع العيشي وقيل التميمي أبو معاوية البصري الحافظ كان من ثقات رجال الحديث وكان علم البصرة وريحانتها.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 11: 325وطبقات ابن سعد 2/ 7: 44.
(3) ورد هذا القول في عيون الأخبار 2: 124.(4/26)
عظيما. قال القاضي الإمام أبو يوسف عبد السّلام بن محمد بن عبد السّلام القزويني (1) رحمه الله: فإذا كان عظيما في ملكوت السماء مع كون الملأ الأعلى أغنياء عنه في دينهم فما أولاه في هذا الطمش (2) الأسفل بأن يعظم مع أنهم محاويج (3) إليه، وعيال عليه. وكان رحمه الله وغفر له إذا سلم في صلاته قال: اللهم اغفر لأبي حنيفة، اللهم اغفر لأبي حنيفة. وما قال هذا القول، ودعا هذا الدعاء إلا لأنه عريف من عرفاء الدين الرصين، وعريق من عرقاء العلم الأصيل، ولولا ذلك لمرّ على هذا الحديث مرور غيره ممن لا يأبه لنحو هذه اللطائف، التي لا يعقلها إلا أوحدي في طبقة الشيوخ، موصوف بينهم بالرسوخ.
وكانت العرب تقول للعالم العامل المعلم: الشارع الرباني.
73 - أبو حنيفة رحمه الله: إني لأدعو الله لحماد فأبدأ به قبل أبوي.
74 - قال ابن كناسة (4)، وقيل ابن داود البلاذري. (5)
__________
(1) القاضي الإمام أبو يوسف عبد السّلام: هو عبد السّلام بن محمد بن يوسف بن بندار أبو يوسف القزويني شيخ المعتزلة في عصره. كان إماما. أقام بمصر أربعين سنة وسكن طرابلس الشام وكان محترما في الدول حسن العشرة صاحب نادرة توفي ببغداد سنة 488هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 5: 156ودول الإسلام 2: 12ولسان الميزان 4: 11.
(2) الطمش: الناس يقال ما أدري أي الطمش هو معناه أي الناس هو (اللسان).
(3) محاويج: محتاجون.
(4) ابن كناسة: هو محمد بن كناسة وكناسة هو عبد الله بن عبد الأعلى بن عبيد الله المازني الأسدي أبو يحيى. شاعر من شعراء الدولة العباسية كوفي المولد والمنشأ ولد سنة 123هـ وهو ابن أخت الزاهد إبراهيم بن أدهم. كان عالما بالعربية وأيام الناس توفي سنة 207هـ.
راجع ترجمته في الأغاني 13: 337. وتهذيب التهذيب 9: 258والأعلام 7: 92.
(5) ابن داود البلاذري: هو جابر بن داود البلاذري جد البلاذر المؤرخ الشاعر الأديب وكل ما نعرفه عن جابر بن داود البلاذري أنه كان كاتبا للخصيب صاحب مصر. ولم نقع له على ترجمة.
راجع كتاب الوزراء للجهشياري وأرشاد الأريب 5: 92والفهرست لأبن النديم.(4/27)
ما من روى أدبا فلم يعمل به ... فيكف عادية الهوى بأديب
ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أفعاله أفعال غير مصيب
75 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من سلك طريقا يلتمس علما سلك به طريق الجنة.
76 - الشعبي: ليتني أفلت من علمي كفافا لا عليّ ولا لي.
77 - الخليل: العلوم أقفال، والسؤالات مفاتيحها.
وعنه: زلة العالم مضروب بها الطبل (1)، وزلة الجاهل يخفيها الجهل.
عمرو بن عبيد: لو كان العلم صورة ينظر إليها ما نظر الناس إلى شيء أحسن منها.
78 - الخدري عنه عليه السّلام: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: يا نبي الله، وما رياض الجنة؟ قال: خلق الذكر.
79 - قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: إذا استطعت أن لا يكون أحدا أسعد بما سمع منك فافعل.
80 - كان مالك بن أنس إذا أراد أن يتحدث توضأ، وسرح لحيته، وجلس في صدر مجلسه بوقار وهيبة، تعظيما لحديث رسول الله. ودخل إليه ليلة بعد ما أوى إلى فراشه قريبه إسماعيل بن أبي أويس (2) ليحدثه،
__________
(1) مضروب بها الطبل: أي أنها تسمع وتعرف لدى القاصي والداني ويقابلها: زلة الأمير بلقاء.
(2) إسماعيل بن أبي أويس: هو إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن إدريس ابن مالك بن مالك بن أنس محدّث مكثر من الحديث. مات سنة 220هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 310وميزان الاعتدال 1: 222.(4/28)
فقام وتوضأ وفعل نحو ذلك وحدثه. ثم نزع ثيابه وعاد إلى فراشه.
وأراد الرشيد أن يسمع منه الموطأ مع ابنيه، فاستخلى المجلس، فقال: إن العلم إذا منع منه العامة لم ينتفع به الخاصة، فأذن للناس فدخلوا.
81 - وهب: كان أهل العلم يضنون (1) بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه، ويبذلون لهم دنياهم، وأهل العلم اليوم بذلوا علمهم لأهل الدنيا، فزهدوا فيه، وضنوا عليهم بدنياهم.
وهب: إبذل علمك لمن يطلبه، وادع إليه من لا يطلبه، وإلّا فمثلك مثل من أهديت إليه فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت.
كتب وهب إلى مكحول: أما بعد فقد بلغني أنك أصبت بما ظهر من علم الإسلام محبة من الله وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنعك من الأخرى. والسّلام.
82 - كان ملك يقتل الناس على أكل لحم الخنازير، فأتي بعالمهم معهم، وقد دّس له الشرطي لحم جدي فلم يأكل، وقال: خفت أن يفتتن بي الناس ويحتربوا بسببي، وقتل.
83 - وهب: إن للعلم طغيانا كطغيان المال.
84 - طاووس: ما حمل العلم في مثل قراب (2) الحلم.
85 - مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
__________
(1) يضنون بعلمهم: يبخلون.
(2) قراب: غمد: حيث يحفظ.(4/29)
وعنه: إذا طلبت العلم لتعمل به كثّرك (1) العلم، وإذ طلبته لغير العمل لم يزدك إلا فقرا.
وقال: مثل قراء هذا الزمان كرجل نصب فخا، فوقع عصفور قريبا منه، فقال للفخ: ما غيبّك في التراب؟ قال: التواضع، قال: فلم اختفيت؟ قال لطول العبادة، قال: فما هذا الحب المصبوب؟ قال:
أعددته للصائمين. قال: نعم الجار أنت. فلما غابت الشمس أخذ العصفور الحبة فخنقه الفخ فقال: إن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير في العبادة.
وقال: يا حملة القرآن ما زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
86 - عن محمد بن واسع: أخبرت أن قوما دخلوا النار، فقال لهم أهلها: ما لكم؟ آذيتمونا بريحكم! قالوا: نحن قوم جعل الله في أجوافنا علما فلم ننتفع به.
87 - سميط بن عجلان (2): يعمد أحدهم فيقرأ القرآن، ويطلب العلم، حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمّها إلى صدره، وحملها فوق رأسه، فنظر إليه أحد ثلاثة: امرأة ضعيفة، وأعرابي جاف، وأعجمي جاهل، فقالوا: هذا أعلم بالله منا. لو لم ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا، فرغبوا في الدنيا وجمعوها، فمثله كمثل الذي قال الله: {وَمِنْ أَوْزََارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلََا سََاءَ مََا يَزِرُونَ} (3).
__________
(1) كثّرك: بمعنى أغناك.
(2) سميط بن عجلان: لم نقع له على ترجمة.
(3) جزء من الآية الكريمة رقم 25من سورة النمل: وتمامها {لِيَحْمِلُوا أَوْزََارَهُمْ كََامِلَةً يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَمِنْ أَوْزََارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلََا سََاءَ مََا يَزِرُونَ}.(4/30)
88 - بديل بن ميسرة (1): من أراد بعلمه وجه الله أقبل الله بوجهه ووجوه العباد إليه، ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله عنه وجهه ووجوه العباد.
89 - معاوية بن قرة: إذا دخلت المسجد فرأيت الرجل يجلس وحده فاجلس إليه، وإذا رأيته يحب أن يجلس إليه، ويقال حلقة فلان، فلا تجلس، ولا تنعم له عينا.
90 - واصل بن عطاء: من أتى عليه يوم لم يزدد فيه علما فهو في نقصان. وكان عيسى بن حاضر (2) يقول: رحم الله أبا حذيفة (3)، فما رأيته إلّا معلما أو متعلما.
وقالت أخت عمرو بن عبيد وكانت تحته (4): كان واصل إذا جنه الليل صف قدميه يصلي، ولوح ودواة موضعان بين يديه، فإذا مرت به آية من كتاب الله فيها حجة على أهل الإلحاد والبدعة كتبها، ثم عاد في صلاته، كان ذلك دأبه حتى لحق بربه.
91 - قال شبيب بن شيبة: ما رأيت في غلمان محمد بن الحنفية أكمل من عمرو بن عبيد فقيل له: متى اختلف عمرو بن عبيد إلى ابن الحنفية؟ فقال: إن عمرا غلام واصل، وواصل غلام محمد.
92 - الحسن: لقيت أقواما من أصحاب رسول الله يقولون: من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. والعامل بغير علم كالسائر على غير
__________
(1) بديل بن ميسرة: هو بديل بن ميسرة العقيلي البصري من ثقات رواة الحديث توفي سنة 130هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 424وطبقات ابن سعد 2/ 7ص 9.
(2) عيسى بن حاضر: أحد رجال المعتزلة من تلامذة واصل بن عطاء.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 30725والحيوان 1: 327.
(3) أبو حذيفة: هو واصل بن عطاء الغزال وكنيته أبو حذيفة.
(4) الضمير في تحته: يعود إلى واصل بن عطاء فقد كانت زوجته.(4/31)
طريق، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم.
93 - عيسى عليه السّلام: كيف يكون من أهل العلم من يسار به إلى آخرته وهو يقبل على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟.
94 - أيوب السختياني: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء.
95 - مالك بن دينار: رحم الله مطرا (1) كان عبد العلم. يريد مطر بن طهمان الوراف قال محمد بن مسلم بن أبي الوضاح (2): خرج إليّ المهدي يوما وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي خطب فضل الرقاشي. وخرج يوما وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي مسائل عمرو بن عبيد. وقال: هذان الكتابان بخط المنصور.
96 - منصور بن عمار: إنه وجد رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم فأكلها، فرأى كأنه قيل له: قد فتح الله عليك باب الحكمة لاختزانك الرقعة.
97 - أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن ورد العتكي: لأن أزني ثلاثين مرة أحب إليّ من أن أقول قال فلان، ولم أسمع منه. وقال: لأن أخرّ (3)
__________
(1) مطر: هو مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء الخراساني السلمي سكن البصرة وكان من رواة الحديث ولكن كان فيه ضعف في الحديث على حد قول ابن سعد. مات سنة 125هـ وقيل سنة 129هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وميزان الاعتدال 4: 126وتهذيب التهذيب 10: 167.
(2) محمد بن مسلم بن أبي الوضاح: هو محمد بن مسلم بن أبي الوضاح توفي في خلافة موسى الهادي.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 253وطبقات ابن سعد 7/ 2: 71.
(3) خرّ من السماء: سقط منها.(4/32)
من السماء أحب إليّ من أن أقول لشيء لم أسمعه قال فلان. وكان يقول:
أن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم، فهل أنتم منتهون؟.
98 - كعب: أوحى الله إلى موسى عليه السّلام: تعلم الخير وعلمه، فإني منّور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم.
99 - مر الحسن بأبي عمرو بن العلاء، وحلقته متوافرة، والناس عكوف (1)، فقال من هذا؟ قالوا: أبو عمرو بن العلاء، فقال: لا إله إلا الله، كاد العلماء أن يكونوا أربابا (2).
100 - هشام بن عبد الملك: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
101 - سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك كان أجهل ما يكون.
102 - سلام بن مسكين: سمعت أيوب يقول: لا خبيث أخبث من قارىء فاجر.
103 - الخدري عنه عليه السّلام: شر الناس رجل فاجر يقرأ كتاب الله لا يرعوي على شيء منه.
104 - سئل الثوري: العلم أفضل أم الجهاد؟ فقال: ما أعلم شيئا أفضل من العلم إذا صحت فيه النية، فقيل: يا أبا عبد الله، ما النية في العلم؟ قال: يريد الله ربه والدار الآخرة. وكان إذا لقي الشيخ سأله: هل سمعت من العلم شيئا؟ فإذا قال: لا، قال: لا جزاك الله تعالى عن الإسلام خيرا.
__________
(1) الناس عكوف ملازمون يقال عكف الناس حوله وبه أي استداروا.
(2) كاد العلماء أن يكونوا أربابا: ينسب هذا القول إلى الأحنف بن قيس.(4/33)
105 - أفلاطون: ليس كل إنسان بإنسان، إلا من كان في علمه وأدبه إنسانا.
106 - فضيل: كان العلماء ربيع الناس، إذا رآهم الفقير لم يسره أنه غني، وإذا رآهم المريض لم يسره أنه صحيح.
107 - الحسن: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أخوف ما أخاف على أمتي زلات العلماء، وميل الحكماء، وسوء التأويل.
وعنه: ثان العلماء بركبتيك (1)، ولا تمارهم فيمقتوك (2).
108 - أنس: عنه عليه السّلام: ألا أخبركم بأجود الأجواد؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الله أجود الأجواد، وأنا أجود ولد آدم، وأجودكم من بعدي رجل علم علما فنشره، يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل.
109 - الثوري: كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون.
110 - فضيل: هما عالمان: عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا.
وعنه: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وشحوا على دينهم، وأعزوا هذا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله تعالى، إذا لخضعت لهم رقاب الجبابرة. وانقاد لهم الناس فكانوا لهم تبعا.
ولكنهم ابتذلوا أنفسهم، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا، فهانوا وذلوا، ووجدوا لغامز (3) فيهم مغمزا. فإن لله وإنا إليه راجعون، أعظم بها مصيبة!.
__________
(1) ثان العلماء بركبتيك: قد تكون زاحم العلماء بركبتيك.
(2) ولا ثمارهم: ما ير مما يرة عارضه: حكى حركاته وسكناته وفعل مثل ما يفعل.
(3) غمز فيهم: يقال غمز به وعليه: طعن عليه وسعى به شرا.(4/34)
111 - وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، وقد أحسن كل الإحسان، كأنما نسجت في طراز حسان (1):
ولم اقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيرّته لي سلما
فإن قلت جد العلم كاب فإنما ... كباحين لم يحرس حماه وأسلما (2)
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فذل ودنسوا ... محّياه بالأطماع حتى تجهما
112 - من لم يتعلم في صغره لن يتقدم في كبره.
113 - عيسى عليه السّلام: لا تطرحوا الدرّ تحت أرجل الخنازير.
114 - فضيل: شر العلماء من يجالس الأمراء، وخير الأمراء من يجالس العلماء.
وعنه: لو علمت أن رجلا يريد الحديث لله تعالى لأتيته في منزله وحدثته.
115 - أبو هريرة: عنه عليه السّلام: إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا (3).
وينجو العالم منها بعلمه.
116 - كتب غيلان بن مسلم الدمشقي (4) إلى أخ له: أما بعد فأفرغ إلى العلم، ولا تفرغ منه، فإن العلم مسكن العاقل الذي عنه يصدر وإليه يرد.
__________
(1) نسجت في طراز حسان: جاءت على الوتيرة التي نظم عليها حسان بن ثابت الأنصاري.
(2) جد العلم كاب: من كبا بمعنى نقص وتغيّر.
(3) نسفها نسفا: دكها وأبادها.
(4) غيلان بن مسلم الدمشقي: هو أبو مروان غيلان بن مسلم الدمشقي كان من بلغاء الكتاب وقد عدّه الجاحظ مساويا لأبن المقفع وسهل بن هارون وعبد الحميد الكاتب.
راجع ترجمته في لسان الميزان 4: 424وميزان الاعتدال 3: 338والبيان والتبيين: 1: 235.(4/35)
117 - بشر بن الحارث المروزي: أدّوا زكاة هذا الحديث: قالوا:
يا أبا نصر، كيف؟ قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
118 - لقمان لابنه: جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء.
وعنه: يا بني صرّ (1) علمك كما تصر نفقتك، فلا تحدث به حتى تجد له موضعا.
119 - كان أبو حنيفة رحمه الله ينشد كثيرا:
من طلب العلم للمعاد ... فهو له أفضل العتاد
ويا لخسران طالبيه ... لنيل فضل من العباد
120 - فضيل (2): أشدهم خشية لله أعلمهم به.
121 - تشاجر قوم في مسجد البصرة، والمسجد مشحون برجالات العرب، فرضوا بالحسن البصري، وتحاكموا إليه. فقال الأحنف: كاد العلماء يكونوا أربابا، وكل لم يوطّد بعلم فإلى ذل يصير.
122 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم.
123 - من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
124 - الزهري (3): تعلّم سنة خير من عبادة سنتين.
125 - قال أعرابي لعلي رضي الله عنه: رجحان النفوس في ضمائرها. فقال: صدقت يا أعرابي، قيمة كل امرىء ما يحسنه.
وعنه عن رسول الله: أقل الناس قيمة أقلهم علما.
__________
(1) صرّ: وضع في الصرّة أحكم ربطها.
(2) هو فضيل بن عياض تقدمت ترجمته.
(3) هو محمد بن شهاب الزهري تقدمت ترجمته.(4/36)
126 - كان ابن مسعود إذا رأى طالبي العلم قال: مرحبا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلم، خلقان (1) الثياب، جدد القلوب، ريحان كل قبيلة.
127 - أبو بكر بن عياش (2): كنا عند الأعمش (3) ونحن صبيان نكتب الحديث، فمر صديق له فقال: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يحفظون عليك دينك.
128 - علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه، يغضب إذا نسب إليه.
129 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أتى الله أحدا علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحدا.
130 - أبو عبيدة (4): من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي.
جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية، ويظهر حقيقة ما يعلمه بما يعمله.
131 - ثمرة الأدب العقل الراجح، وثمرة العلم العمل الصالح.
132 - لحديثه سلاسل يقاد بها. أي أسانيد.
133 - الحسن: قال له رجل: إني اجتهد أن أقوم الليل فلا أقدر، وأن أتصدق فلا أقدر فقال: بئس ما أثنيت على نفسك! عليك بمجالسة العلماء، فان صدأ القلوب لا يصقله إلا العلم.
__________
(1) خلقان الثياب: اهتراؤها.
(2) هو عبد الله بن عياش المنتوف تقدّمت ترجمته.
(3) الأعمش: هو سليمان بن مهران تقدّمت ترجمته.
(4) أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى تقدمت ترجمته.(4/37)
134 - عمر رضي الله عنه: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وأنا شاهد فقال: يا رسول الله، إذا حضرت الجنازة وحضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهده؟ قال: إذا كان مع الجنازة من يتبعها ويدفنها فإن حضور مجلس العالم لأفضل من حضور ألف جنازة.
135 - الحسن: إنما أنزل الله هذا القرآن ليتفكروا فيه، ويعملوا به.
فاتخذ قوم تلاوته عملا، يقول الرجل: قد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا. والله لقد أسقطه كله.
136 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: العالم والمتعلم في الأجر سواء، يأتيان يوم القيامة كفرسي رهان (1).
137 - عمر: عنه عليه السّلام: على باب الجنة شجرة تحمل ثمارا كثدي النساء، تخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب، والناس عطاش.
138 - ابن مسعود: من تعلم بابا من العلم ليعلمه الناس إبتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا.
139 - ابن عمر: من تعلم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل.
كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة.
140 - إنما كان الأنبياء أفضل من العلماء لأنهم أكثر علما، لأن النفع بعلومهم أعظم، ومن ثم كان نبينا أفضلهم، لأن المنفعة بدعوته كانت أعظم منها بدعوتهم.
141 - أنس (2): عنه عليه السّلام: ويل لأمتي من علماء السوء، يتخذون العلم تجارة يبيعونها بيعا، لا أربح الله تجارتهم.
__________
(1) كفرسي رهان: خيل الرهان التي يراهن على سباقها.
(2) هو أنس بن مالك. تقدمت ترجمته.(4/38)
142 - قال عمار بن زياد (1) للثوري: لئن سلمت من مجلسك ما أعلم أحدا في المصرين (2) مثلك.
143 - كان ثابت البناني (3) يقول إذا أفتى: قد جعلت رقبتي جسرا للناس، ثم ترك الفتوى.
144 - أبو عبد الرحمن العطوي المتكلم (4):
فوحق البيان يعضده البر ... هان في مأقط ألد الخصام
ما رأينا سوى الحبيبة شيئا ... جمع الحسن كله في نظام
لو قال: سوى الشريعة لكان أحسن.
145 - علي رضي الله عنه لسائل سأله عن معضلة: سل تفقها ولا تسل تعنتا، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت.
146 - فساد الخلق من ضعف عالم.
147 - أنس: عنه عليه السّلام: أخلصوا الله أعمالكم، وأعزوا الإسلام.
قالوا: يا رسول الله، وكيف نعز الإسلام؟ قال: بالحضور عند العلماء
__________
(1) لعل عمار بن زياد هذا هو عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري أحد الأولياء وكنيته أبو اليقظان. كان أحد ثقات رجال الحديث مات سنة 182هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 168وتهذيب التهذيب 7: 405أو لعله عمار ابن يوسف الضبي أبو عبد الرحمن الكوفي كان ثقة ثبتا متعبدا.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 271وميزان الاعتدال 3: 165.
(2) المصرين هما الكوفة والبصرة.
(3) ثابت البناني هو ثابت بن أسلم البناني البصري تقدمت ترجمته.
(4) أبو عبد الرحمن العطوي المتكلم: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي عطية العطوي الكناني من شعراء الدولة العباسية ولد ونشأ بالبصرة وكان يميل إلى مذهب الاعتزال نال حظوة عند المتوكل على الله العباسي مات نحو سنة 250هـ.
راجع ترجمته في سمط اللآلي 140والأعلام 7: 61وتاج اللعروس 10: 247.(4/39)
لتعلم العلم بالرد على أهل الأهواء (1)، فإن من رد عليهم وأراد به وجه الله فله عبادة أهل مكة منذ خلقت. قيل: يا رسول الله، فالمرائي (2) يؤجر بعمله؟ قال: إن الله قضى على نفسه أن من أعز الإسلام، أراد به وجه الله أو لم يرد. فقد حرم النار على وجهه.
148 - علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر على الجوارح والأركان.
149 - للعلم دالة يتسحب (3) بها الصغير على الكبير، والمملوك على المالك، ألا ترى أن الهدهد، وهو من محقرات الطير، قال لسليمان (4)، وهو الذي أوتي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده: أحطت بما لم تحط به (5).
150 - أبو عمرو بن العلاء: قيل لنا إن في دار فلان ناسا قد اشتملوا على سوء، وهم جلوس على خميرة (6)، وعندهم طنبور، فدخلنا فإذا فتى جالس وسط الدار، وأصحابه شيوخ وهم بيض اللحى، وهو يقرأ عليهم دفتر شعر، فقيل لنا: السوءة في ذلك البيت، فقلت: لا والله لا كشفت فتى أصحابه شيوخ وفي يده دفتر علم، ولو كان في ثوبه دم يحيى بن زكريا عليه السّلام.
151 - فقه العبادلة (7) مثل. وهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاص.
__________
(1) أهل الأهواء هم أهل النحل والمذاهب والملل.
(2) المرائي: المتظاهر بخير دون حقيقة.
(3) يتسحب: يختال ويدل.
(4) سليمان: هو سليمان بن داود النبي.
(5) وتمام الآية: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقََالَ أَحَطْتُ بِمََا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}.
(6) خميرة: حصيرة صغيرة.
(7) العبادلة هم: عبد الله بن مسعود عبد الله بن عباس عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص.(4/40)
152 - أشتهي أن أرى عالما زاهدا، وزاهدا عالما.
153 [شاعر]:
العلم نفس ذخر أنت ذاخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره (1)
أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال وآخره
154 - الدنيا بصفائح الزّبر، والدين بصحائف الزبر (2).
155 - علي رضي الله عنه قال لفتيان من قريش: يا بني ويا بني أخي إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع أن يحفظه فليكتبه.
156 - قيل لملك زال عنه ملكه: ما الذي سلبك ما كنت فيه؟ قال:
بثني العلم في غير أهله. ومنعه من أهله.
157 - عيسى عليه السّلام: لا تبثوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
158 - العلم أصون لنفسه من أن يتصدى إلا لعاشق له.
159 - حلية الخرائد (3) الحلق في ذفاريها، وحلية الدفاتر الحلق (4) في حواشيها. والمغاربة يقولون: الدرر في الطرر.
160 - وقيل لأبي بكر الخوارزمي (5) عند موته: ما تشتهي؟ قال:
النظر في حواشي الكتب.
__________
(1) تدرس الثانية بمعنى تمحى.
(2) صفائح الزّبر الألواح الحديدية الضخمة وصحائف الزبر هي صحف الكتب.
(3) الخريدة هي البكر من النساء التي لم تمس قط وقيل هي الخجول الطويلة السكون التي تخفض الصوت وليست بعانس.
(4) الحلق: جمع حلقة كل ما استدار من ذهب أو فضة وذفارى جمع ذفرى وهو العظم النافر خلف الأذن.
(5) أبو بكر الخوارزمي: هو محمد بن العباس الخوارزمي المتقدمة ترجمته.(4/41)
161 - عيسى عليه السّلام: ما أكثر الشجر! وليس كلها بمثمر، وما أكثر الثمار! وليس كلها بطيب، وما أكثر العلوم! وليس كلها بنافع، وما أكثر العلماء! وليس كلهم بمرشد.
162 - أقل الناس عذرا في القبيح من عرف قبحه.
163 - قيل لأنوشروان (1): ما بالكم لا تأخذون من العلوم شيئا إلا زادكم عليه حرصا؟ قال: لأنا لا نأخذ منه شيئا إلا ازددنا بعظم منفعته علما. قيل: فما بالكم لا تأنفون من أخذه من كل أحد؟ قال: لعلمنا أنه نافع من حيث أخذ.
164 - بطليموس الثاني (2): خذوا الدر من البحر، والذهب من الحجر، والمسك من الفارة، والحكمة ممن قالها.
165 - رسطاليس (3): الحكمة سلم العلو، فمن عدمها عدم القربة من ربه.
166 - في جاويدان خرد (4): أفضل ما أعطي العبد في الدنيا الحكمة، وفي الآخرة الرحمة.
167 - يحيى البرمكي: يا بني انتق من كل علم شيئا. فإن من جهل شيئا عاداه، وإني لأكره أن تكون عدوا لشيء من العلم.
__________
(1) هو كسرى ملك الفرس المعروف.
(2) بطليموس الثاني: أحد ملوك مصر في الفترة ما بين (246285) قبل الميلاد وكان حسن السياسة مكرما للعلماء بنى منارة الإسكندرية.
(3) رسطاليس: هو الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس ويخفف اسمه فيقال أرسطو.
(4) جاوبدان خرد: هو كتاب يشتمل على نصائح وآداب وأخلاق الإيرانيين قبل الإسلام وقد لخصه أحمد بن مسكويه في أيام المأمون العباسي وترجم هذا الملخص إلى العربية ونشر في الجزء الأول من أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ثم نشره عبد الرحمن بدوي في مصر باسم (الحكمة الخالدة).(4/42)
168 - قيل لأشعب (1): لو تركت النوادر ورويت الحديث لكان أنبل لك قال: والله لقد سمعت الحديث قيل: فحدثنا، قال: حدثني نافع (2) عن ابن عمر (3) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: خلتان (4) من كانتا فيه كان من خالصة الله. قالوا: هذا حديث حسن فهاتهما، قال: نسي نافع واحدة، ونسيت أنا الأخرى.
169 - صنع عيسى عليه السّلام للحواريين طعاما، فلما أكلوا وصاهم بفعله، قالوا: يا روح الله، نحن أولى أن نفعله منك، قال: إنما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلمون.
170 - قال شهر بن حوشب: حدثت الحجاج (5) حديثا، فقال: من حدثك به؟ قلت: محمد بن الحنفية (6)، فنكت بقضيبه ساعة، ثم قال:
أخذتها من عين صافية.
171 - حكيم: إن الله إذا استرذل عبدا حظر عليه العلم (7).
172 - ذو النون المصري (8): إياك أن تطلب العلم بالجهل قيل:
كيف يطلب العلم بالجهل؟ قال: إذا قصدت العالم في غير وقته، وتخطيت الرقاب، وتركت في طلبه حرمة الشيوخ، ولم تستعمل فيه السكينة والوقار وأدب النفس، فذلك طلب العلم بالجهل.
__________
(1) أشعب: هو أشعب بن جبير المشهور بالطمع. تقدمت ترجمته.
(2) نافع: هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أبو رويم المقرىء المدني أحد القراء السبعة المعروفين كان أسود البشرة حسن الخلق فيه دعابة. انتهت إليه رئاسة القراء.
في المدينة ظل يقرأ على الناس أكثر من سبعين سنة توفي بالمدينة سنة 169هـ.
(3) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب المتقدمة ترجمته.
(4) خلتان: خصلتان.
(5) الحجاج: هو الحجاج بن يوسف الثقفي المتقدمة ترجمته.
(6) ابن الحنفية: محمد بن الإمام علي بن أبي طالب.
(7) حظر عليه: منعه منه.
(8) ذو النون المصري: هو ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المصري المتقدمة ترجمته.(4/43)
173 - سئل أنوشروان: من أسوأ الناس حالا؟ فقال: عالم يجري عليه حكم جاهل.
174 - قال سقراط لطيماوس (1): لم لا تدوّن لنا حكمتك في الدفاتر؟ قال: ما أوثقك بجلود البهائم الميتة، وأشد تهمتك للجواهر الحية! فكيف رجوت العلم من معدن الجهل، ويئست منه من عنصر العقل؟.
سواء من أعطي الحكمة فجزع لفقد الذهب والفضة، ومن أعطي السلامة فجزع لفقد الألم والتعب. لأن ثمرة الحكمة السلامة والدعة (2)، وثمرة المال الألم والتعب.
175 - قيل لقتادة (3): أكان الحسن (4) يحتد عند المسألة؟ فقال: إن كان لطويل التبسم عند المسألة.
176 - الحسن: من استطاع منكم أن يكون إماما لحية، إماما لما وراء ذلك فليفعل، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك فيه نصيب.
177 - ابن المبارك (5): ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت مقدار عقله.
177 - مدح أعرابي رجلا فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
178 [شاعر]:
__________
(1) طيماوس: حكيم يوناني كان معاصرا لسقراط.
راجع ترجمته في تاريخ الحكماء للقفطي.
(2) الدعة: الهدوء والإطمئنان.
(3) قتادة: هو قتادة بن دعامة السدوسي المتقدمة ترجمته.
(4) الحسن: هو أبو سعيد بن يسار البصري.
(5) ابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المتقدمة ترجمته.(4/44)
لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمونون غيبا ومشهدا (1)
بلا كلفة نخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا
فإن قلت أحياء فلست بكاذب ... وإن قلت أموات فلست مفندا (2)
يريد الكتب.
179 - قرأ الكندي (3) كتابا وضعه ابن الجهم (4) فقال: هتك ستر العافية عن عقله.
180 - في ديوان المنظوم:
حبيبي من الدنيا الكتاب فليس لي ... إلى غيره ما بي إليه من الفقر
كلانا لضيق الروح بالروح مانح ... دنوا بلا بعد ووصلا بلا هجر
فكرسيّه حجري إذا كنت قاعدا ... وإن اضطجع أفرشه مستلقيا صدري
181 - نعم المحدث الدفتر.
182 - الجاحظ (5): الكتب توجد في كل مكان، وتقرأ بكل مكان، على تفاوت ما بين الأعصار، وتباعد ما بين الأمصار.
__________
(1) ألباء: ذو وعقول وألباب وفهم.
(2) فنّده: كذبه وخطأ رأيه.
(3) الكندي: هو يعقوب بن إسحاق الكندي المتقدمة ترجمته.
(4) ابن الجهم: هو أبو الحسن علي بن الجهم بن بدر من بني سامة أديب وشاعر رقيق الشعر من أهل بغداد كان معاصرا لأبي تمام. قرّبه المتوكل ثم غضب عليه فحبسه ثم نفاه إلى خراسان. مات سنة 249وهو في طريقه من بغداد إلى الشام إذ ما كاد يصل إلى نواحي حلب حتى هاجمه جماعة من أعراب كلب تمكنوا من قتله بعد أن ثبت أمامه مدة. كان الكذب صفة له مميزة حتى كرهه الناس وتحاموه. له ديوان شعر مطبوع.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 286وطبقات ابن المعتز ص 319 والأعلام 5: 77.
(5) الجاحظ: عمرو بن بحر.(4/45)
183 - فيلسوف: اعتقد لولدك كتب آداب تنعم أرواحهم، لا عقد أموال تعم أشباحهم (1).
184 - احتيج أن يكتب على المعتضد (2) كتاب، فكتب ابن ثوابة (3)
كما تكتب الصكاك (4): في صحة من عقله، وجواز من أمره. فعرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان (5) فقال: هذا لا يجب أن يكتب للخليفة وضرب عليه وكتب: في سلامة من جسمه وأصالة من رأيه. ومثل هذه الآداب لا تلمح إلا بدقيق من الألباب.
185 - تخلف سابق الحاج عن وقته، ثم رفع قصة إلى المأمون، فوشمها بتوقيعه، فخرجت، فلم يروا شيئا، حتى عثروا بعد طول تأمل على نقطة مضمومة إلى نقطة باء سابق. ولكن المحققين يأبون فقط هذا الحرف، ويخطئون ناقطه، ويصححون على المأمون توقيعه بوضع رقمة الهمزة موضع النقطة (6).
186 - نظر أعرابي إلى كتاب فقال: كواكب الحكم في ظلم اعداد.
__________
(1) اعتقد الكتب اشتراها: وعقد جمع عقدة وهي الضيعة واعتقد الضيعة اشتراها وتعم أشباحهم أي أجسامهم.
(2) المعتضد: واسمه أحمد بن طلحة بن جعفر المعتضد بالله العباسي.
(3) ابن ثوابة: هو أبو الحسن محمد بن جعفر بن ثوابة الكاتب من كتاب ديوان الرسائل كان فاضلا بليغا مات سنة 312هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 18: 96والأعلام 6: 297.
(4) الصكاك جمع صك وهو الوثيقة بمال أو نحوه. كانت الأرزاق تسمى صكاكا لأن الأمراء كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم وأعطياتهم كتبا.
(5) عبيد الله بن سليمان: هو عبيد الله بن سليمان بن وهب الحارثي المتقدمة ترجمته.
(6) كان المأمون الخليفة قد وضع نقطة إلى جانب نقطة باء سابق فأصبحت سايق مما يرفضه اللغويون فإذا كان اسم الفاعل من سبق سابق فإن اسم الفاعل ساق هو سائق وليس سايق كما وضع المأمون وصوابه سائق من السوق الذي أصله واو قلبت إلى همزة.(4/46)
187 - وقال آخر: خط الأقلام صور، هي في الأبصار سود، وفي البصائر بيض.
188 - نخرق كتاب سيبويه (1) في كم المازني (2) نيفا وعشرين مرة.
189 - الجاحظ في وصف الكتاب: متى رأيت بستانا يحمل في ردن، أو روضة تنقلب في حجر؟.
من لك بزائر إن شئت جعل زيارته غبا، وورده خمسا (3)؟ وإن شئت لزمك لزوم ظلك، وكان منك مكان بعضك. الكتاب هو الذي إن نظرت فيه نجح نفسك، وعمر صدرك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، ولو لم يكن من فضله عليك، وإحسانه إليك، إلا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارة بك، مع ما في ذلك من التعرض للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر، ومن عادة الخوض، ومن حضور ألفاظ الناس الساقطة، ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الردية، وجهالتهم المذمومة، لكان في ذلك السلامة، ثم الغنيمة.
ولعهدي بي وقد خرجت من الدار، وذلك في عصر الشبيبة، فلقيني أعرابي كانت به لوثة (4)، فشغلني ببعض الحديث، وقد حانت من بعض شيوخي حاجة إلى حضوري فلم أصادف، فلما حضرته سألني عن سبب لبثي (5)، ثم قال: العجب ممن يؤثر على مجالسات هؤلاء، وعدد جماعة
__________
(1) سيبويه: هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي وسيبويه لقبه الذي اشتهر به ومعناه بالفارسية رائحة التفاح. يعتبر سيبويه إمام النحاة وأول من بسط علم النحو.
ولد في نواحي شيراز سنة 148وصحب الخليل بن أحمد الفراهيدي وذهب إلى بغداد حيث اجتمع بالكسائي وناظره. توفي بالأهواز سنة 180هـ وفي سنة وفاته ومكانها خلاف وكان في حياته أنيقا. جميلا حلو المعشر.
(2) المازني: هو أبو عثمان بكر بن محمد المازني المتقدمة ترجمته.
(3) وورده خمسا: الخمس هو من أظماء الإبل وطريقته أن ترعى الإبل ثلاثة أيام وترد في اليوم الرابع بعد أن تكون قد عطشت تماما.
(4) لوثة: مس من الجنون.
(5) اللبث: الإقامة مع التراخي في الزمن.(4/47)
من كبار المصنفين، مجالسة مجنون، وصحيح ما قال: فإن مطالعة كتبهم هي مجالستهم على الحقيقة.
190 - رؤي شعر أبي الشمقمق (1) في جلود كوفية ودفتين طائفيتين (2)، وبخط رشيق، في يد إنسان، فقيل له: لقد ضيع دراهمه من تجود لشعر أبي الشمقمق. فقال: لا جرم والله إن العلم ليعطيكم على حسب ما تعطونه، ولو استطعت أن أودعه سويداء قلبي، أو اجعله مخطوطا على ناظري لفعلت.
191 - كتب الحمدوني (3) إلى أخ له، وكان قد حبس عليه دفاتره:
ما بال كتبي في يديك رهينة ... حبست على كر الزمان الأطول
إيذن لها في الإنصراف فإنها ... كنز عليه في الزمان معولي
فلقد تعنت حين طال ثواؤها ... طال الثواء على رسول المنزل
192 [آخر]:
لكل كلام موضع من كتابه ... كتنظيم درّ زينته الجواهر
فإن نظم العقد الذي فيه جوهر ... على غير ترتيب فما العقد فاخر
193 - الكتاب بستان والخط نرجسه.
194 - قال رجل من الأنصار للنبي عليه السّلام: إني لأسمع الحديث ولا أحفظه، فقال: استعن بيمينك. أي اكتبه.
195 - نظر المأمون إلى بعض ولده وهو ينظر في كتاب، فقال: يا بني، ما كتابك هذا؟ قال: بعض ما يشحذ الفطنة، ويؤنس من الوحشة.
فقال: الحمد لله الذي رزقني ذرية يرى بعين عقله أكثر مما يرى بعين وجهه.
__________
(1) أبو الشمقمق: هو مروان بن محمد الشاعر المتقدمة ترجمته.
(2) طائفيتين: نسبة إلى الطائف.
(3) الحمدوني: هو محمد بن أحمد الحمدوني المتقدمة ترجمته.(4/48)
196 [شاعر]:
كم كتاب كتبته ولم أق ... راه فبان اختلاله بقراته (1)
فإذا ما كتبت يوما ولو سط ... را فبث اللحاظ في جنباته
قد يرى الزاهد المصلي للفر ... ض مع الزهد مخطئا في صلاته
إذا كتبت كتابا فأعد النظر فيه، فإنما تختم على عقلك.
197 - ابن عباس (2) عنه عليه السّلام: من نظر في كتاب أخيه من غير أمره فإنما ينظر في نار.
198 - قال ابن الحجاج (3):
فقر وذل وخمول معا ... أحسنت يا جامع سفيان (4)
199 - قالوا: عبد الحميد بن يحيى بن سعيد الكاتب أول من نهج طرق الكتابة، وبسط من باع البلاغة، وكان مروان بن محمد (5) لا يرى الدنيا إلا به. ومن خصائص مروان: عبد الحميد الكاتب (6)، والبعلبكي
__________
(1) أقراه وقراته أصلهما أقرأه وقراءته مخففتان
(2) ابن عباس هو عبد الله بن عباس تقدمت ترجمته.
(3) ابن الحجاج هو الحسين بن أحمد الثيلي البغدادي المتقدّمة ترجمته.
(4) جامع سفيان: ورد هذا البيت مفردا في اليتيمة وهو مثل يضرب به لكثرة الإحاطة والجمع للمختلفات.
(5) مروان بن محمد: هو مروان بن محمد الجعدي آخر خليفة أموي. تقدمت ترجمته.
(6) عبد الحميد الكاتب: هو عبد الحميد بن يحيى بن سعد العامري المعروف بالكاتب عالم وأديب من أئمة الكتاب يضرب به المثل في البلاغة أختص بمروان بن محمد ولزمه. له رسائل تقع في نحو ألف ورقة طبع بعضها وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب ولما آل الأمر إلى العباسيين أبى أن يفارق مروان وبقي معه إلى أن قتلا معا في بوصير إحدى قرى مصر.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 60وفيات الأعيان 1: 307والوزراء والكتاب ص 8372.(4/49)
المؤذن (1)، وسلام الحادي (2)، وكوثر الخادم (3) وأشقر مروان (4)، وكل فرد غريب لم ير مثله.
200 - وقال البحتري (5):
لتفننت في الكتابة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد
201 - وقال أبو إسحاق الصابي (6):
أنسيتم كتبا شحنت فصولها ... بفصول در عندكم منضود
ورسائل نفذت إلى أطرافكم ... عبد الحميد بهن غير حميد
202 - وكان عبد الحميد يقول: إن كان الوحي ينزل على أحد بعد الأنبياء فعلى بلغاء الكتاب.
[وقال] اكرموا الكتاب فإن الله أجرى أرزاق الخلق على أيديهم، وقيل له: ما الذي خرجك في البلاغة؟ قال: حفظ كلام الأصلع، يعني عليا رضي الله عنه.
203 - أبو بكر الخوارزمي (7): يجب أن تجعل المنع صوانه، والعين
__________
(1) البعلبكي المؤذن: لم نقع له على ترجمة.
(2) سلام الحادي: أحد مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. حدا بالمنصور حين حج فأعطاه عشرة دراهم فقال له لقد حدوت بهشام بن عبد الملك فأعطاني ثلاثين فغضب المنصور وأمر باسترجاعها منه فأخذ سلام يتوسل إليه ليبقيها له فأبقاها بعد إلحاح شديد ولكنه اشترط عليه أن يحدو به ما دام في الحجاز دون مقابل.
راجع المزيد عنه في تاريخ الطبري 2: 191.
(3) كوثر الخادم: هو صاحب شرطة مروان بن محمد.
راجع تاريخ الطبرى 2: 191.
(4) أشقر مروان: لم نقع له على ترجمة.
(5) البحتري: هو أبو عبادة الوليد بن عبيد المتقدمة ترجمته.
(6) هو أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي المتقدمة ترجمته.
(7) أبو بكر الخوارزمي هو أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي المتقدمة ترجمته.(4/50)
بل القلب مكانه، فإن الغيرة على الكتب من المكارم، وهي أخت الغيرة على المحارم، وإني لأحسد على الورقة من لا أحسد على البدرة، وأغار على الأدب الكريم من المتأدب اللئيم.
204 - شاعر:
وأرثي له من موقف السوء عندي ... كرثيتي للطرف والعلج راكبه (1)
205 - وددت لو كان الأدب في جبهة الأسد، ولو أصبحت الكتب في أنياب الأسود ولو بيعت ورقة بدينار، وكتب دفتر بقنطار، فلا يتأدب إلا شجاع لي، ولا يخزن الدفاتر إلا جواد سخي.
206 - كتب ابن مقلة (2) كتاب هدنة بين المسلمين والروم، فهو في كنسية قسطنطينية، يبرزونه في الأعياد، ويعلقونه في جملة تزايينهم في أخص بيوت العبادات، يعجبون الناس من حسنه. وفيه قيل:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حولت مقلا
الدر من دره ذو صفرة حسدا ... والنور من نوره ذو حمرة خجلا
207 - وقال ابن الحجاج (3):
ظبي كأن جفونه ... في ضمنها هاروت مقله
__________
(1) الطرف الكريم الطرفين أي الأب والأم والكريمهما من غير الناس كالخيل ونحوها والعلج الرجل الضخم القوي من كفار العجم وبعضهم يطلقه على الكافر عموما.
(2) ابن مقلة: هو محمد بن علي بن الحسين بن مقلة أبو علي وزير من الشعراء والأدباء يضرب المثل بحسن خطه ولد ببغداد سنة 276هـ. استوزره المقتدر العباسي سنة 316هـ. ولكن سرعان ما انقلب عليه ونفاه إلى فارس سنة 318ثم استوزره القاهر سنة 320هـ ثم أتهمه بتدبير المؤامرة عليه ثم استوزره الراضي ثم نقم عليه فقطع يده ثم قطع لسانه وسجنه سنة 326هـ فمات في سجنه.
راجع ترجمته في الأعلام 7: 157. وفيات الأعيان 2: 61وثمار القلوب ص 167.
(3) ابن الحجاج: هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد النيلي البغدادي المتقدمة ترجمته.
وكأن خط عذاره ... في خده خط ابن مقله
208 - أمر بعض الملوك ثمانين حبرا بترجمة التوراة. وفرق بينهم ليأمن تواطؤهم على شيء. فكانت أصح التراجم، وصارت توارة الثمانين مثلا في الكتاب المصحح.(4/51)
__________
(3) ابن الحجاج: هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد النيلي البغدادي المتقدمة ترجمته.
وكأن خط عذاره ... في خده خط ابن مقله
208 - أمر بعض الملوك ثمانين حبرا بترجمة التوراة. وفرق بينهم ليأمن تواطؤهم على شيء. فكانت أصح التراجم، وصارت توارة الثمانين مثلا في الكتاب المصحح.
209 - من ألف كتابا أو قال شعرا فإنما يعرض عقله على الناس، فإن أصاب فقد استهدف، وإن أخطأ فقد استقذف (1).
210 - وقالوا: لا يزال المرء في نسخة من أمره ما لم يقل شعرا أو يؤلف كتابا.
211 - ما خلدت العلوم إلا بما دبر من تدوينها، والتصنيف في أفانينها، وإلا لكانت أنفاسا تمضي، ورياحا تجري، وأصواتا تفنى، وأجراسا لا تبقى. وذوت أفنانها، ولقل الغابر منها في أيدي الناس.
والثابت على مر الأحراس، ولشط على طالبيه الرقاد. وكبت على مقتبسيه الزناد. ولا ترى للعالم علما أدل منه في كنه فضله، وأفوه بما أوتي من فائز خصله، يربكه حبا ناطقا وهو رميم. وماثلا بين يديك وهو عديم.
212 - قيل لجحا: ما تعلمت في الكتاب؟ قال: ما أعياني شيء.
قيل: كيف تقسم أربعة دراهم على ثلاثة رجال؟ قال: للرجلين درهمين درهمين والثالث ليس له شيء.
(1) استقذف: استقذف الرجل رماه واتهمه بريبة.(4/52)
213 - أنشد أبو العيناء (1) للجاحظ:
يطيب العيش أن تلقى حكيما ... غذاه العلم والنظر المصيب
فيكشف عنك حيرة كل جهل ... وفضل العلم يعرفه الأريب
سقام الحرص ليس له شفاء ... وداء الجهل ليس له طبيب
214 - لحن خالد بن صفوان عند عبد الملك فقال: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه (2).
215 - وقال سليمان (3): اللحن في الكلام أقبح من النقبة (4) في الديباج.
216 - الخليل (5): لا يصل أحد إلى ما يحتاج إليه إلا بعلم ما لا يحتاج إليه.
217 - قال أبو شمر (6): فإذن قد صار ما لا يحتاج إليه مما يحتاج إليه.
218 - حب السلطان العلم يلقح الخواطر العقم.
__________
(1) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم المتقدمة ترجمته.
(2) اللحن في الكلام لحن في كلامه أو في القراءة: أخطأ في الاعراب وخالف وجه الصواب فهو لا حن ولحّان ولحّانة.
(3) سليمان يقصد به سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي المتقدمة ترجمته.
(4) النقبة في الثوب: الخرق فيه.
(5) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي المتقدمة ترجمته.
(6) أبو شمر: أبو شمر هو أحد أئمة القدرية المرجئة أحد تلاميذ معمر بن عباد السلمي صاحب فرقة المعمرية كان شيخا وقورا رزينا على حد قول الجاحظ وكان معروفا بالعلم والفهم والحلم.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 91. والحيوان 1: 38والفرق بين الفرق ص 91.(4/53)
219 - الشعبي (1): قدم عبد الملك فبعث إلى الرواة، وكان يحب الشعر، فما أتت عليّ سنة حتى رويت الشاهد والمثل وفضولا بعد ذلك.
وقدم مصعب (2)، وكان يحب النسب، فقعدت إلى النسابين فعلمته في سنة، وقدم الحجاج، وكان يدني على القرآن، فحفظته في سنة.
وروي عنه: دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألني عن اسمي، ثم قال: يا شعبي، كيف علمك بكتاب الله؟ قلت: عني يؤخذ قال: كيف علمك بالفرائض؟ قلت: إليّ فيه المنتهى.
قال: كيف علمك بالفقه؟ قلت: أنا صاحبه، قال: كيف علمك بأنساب الناس؟ قلت: أنا الفيصل فيها، قال: كيف علمك بالشعر؟
قلت: أنا ديوانه. فقال: لله أبوك! ففرض لي في ألفين، وعرفني على قومي. فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همدان، وخرجت وأنا سيدهم.
220 - الجاحظ: رؤساء المعتزلة المذكورون كلهم كان راوية عالما، إلا معمرا (3)، وكان بشر بن المعتمر (4) أرواهم للشعر خاصة.
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شراحيل الشعبي المتقدمة ترجمته.
(2) مصعب: هو مصعب بن الزبير المتقدمة ترجمته.
(3) معمر: هو معمر بن عباد السلمي أبو الأشعث صاحب فرقة المعمرية من المعتزلة من أهل البصرة سكن بغداد وناظر النظام وكان من تلاميذه. ومعمرّ بتشديد الميم توفي سنة 215هـ وكان من أعظم القدرية غلوا.
راجع ترجمته في لسان الميزان 6: 71واللباب 3: 161والأعلام 8: 190 وفهرست ابن النديم ص 147.
(4) بشر بن المعتمر هو أبو سهل بشر بن المعتمر صاحب البشرية من المعتزلة انتهت إليه رئاسة المعتزلة في بغداد وكان نخاسا في الرقيق. له شعر ومصنفات في الاعتزال مات سنة 210هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 2: 28وأمالي المرتضى 1: 131ومفاتيح العلوم ص 19.(4/54)
221 - السري الموصلي (1):
أخو حكم إذا بدأت وعادت ... حكمن بعجز لقمان الحكيم
ملكت خطامها فعلوت قسا ... برونقها وقيس بن الخطيم (2)
222 - بعض الرجاز في المأمون:
هل لك في أرجوزة ظريفة ... أظرف من فقه أبي حنيفة
الذئب والنعجة في سقيفة ... واللص والتاجر في قطيفة
223 - مولد:
متفقّه جمع الكلام ... إلى قياس أبي حنيفة
فأتاك يسعى للقضاء ... بلحية فوق الوظيفة
224 - كان يقال: أربعة لم يسبقوا ولم يلحقوا: أبو حنيفة في فقهه، والخليل (3) في نحوه، والجاحظ (4) في تأليفه، وأبو تمام (5) في شعره.
225 - مر عبد الحميد (6) بإبراهيم بن خالد (7)، وهو يكتب خطا رديئا، فقال: أطل جلفة قلمك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها، ففعل، فجاد خطه.
__________
(1) السري الموصلي: هو السري الرفاء الموصلي المتقدمة ترجمته.
(2) يقصد بذلك: قس بن ساعدة الأيادي وقيس بن ثابت بن الخطيم المتقدمة ترجمتهما
(3) الخليل: الخليل بن أحمد الفراهيدي.
(4) الجاحظ: عمرو بن بحر.
(5) أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي.
(6) عبد الحميد: هو عبد الحميد بن يحيى بن سعد الكاتب.
(7) إبراهيم بن خالد: لم نقع له على ترجمة. وإنما ورد هذا الحديث في تاريخ بغداد 5: 216على هذا الشكل: قال أحمد بن يوسف الكاتب رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطا رديا فقال لي: إن أردت أن يجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها وحرف قطتك وأيمنها.
والجلفة هي فتحة رأس القلم.(4/55)
226 - ابن المعتز (1) في صفة فرس:
وله أربع تراها إذا هم ... لج تحكي أنامل الحسّاب (2)
227 - ابن أبي البغل (3):
مداد مثل خافية الغراب ... وقرطاس كرقراق السراب
وأقلام كمرهفة الحراب ... وخط مثل موشي الثياب
وألفاظ كأيام الشباب
228 - أنا من بحاره مغترف، ومن ثماره مخترف (4).
229 - أبو الموج منصف بن خليفة (5):
جرى في ميادين البلاغة سابقا ... على طرف إحسان ميادينه الكتب
230 - البستي (6):
إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى ... وسيرته عدلا وأخلاقه حسنا
فبشّره أن الله أولاه فتنة ... تغشيّه حرمانا وتوسعه حزنا
231 - كانت اليونانية يورثون البنات العين والبنين الدين، وكانوا يقولون: الابن من المال إلا ما يكون عونا له على طلب العلم، وأطيعوه
__________
(1) ابن المعتز: هو عبد الله بن المعتز.
(2) هملج: هملج مشى مشية سهلة في سرعة وتبختر.
(3) ابن أبي البغل: هو أحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن أبي البغل. كان واليا على فارس سمي للوزارة سنة 310هـ ولكنه لم يستوزر وقد وصف بأنه فاجر لا يتقي الله وسماه الشاعر (الشيخ المعفف) في أبيات كتبت في رقعة وطرحت في الدار فيها.
من الوزير علينا ... حتى نقر ونعرف
أم ابن بسطام اعجل ... أم الشييخ المعفف
راجع ترجمته في تاريخ الطبري ص 1097340.
(4) اخترف الثمر: جناه.
(5) أبو الموج منصف بن خليفة. لم نقع له على ترجمة.
(6) البستي: هو أبو الفتح البستي المتقدمة ترجمته.(4/56)