الجزء الاول
المقدمة
: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
الزمخشري (538467هـ)
نسبه:
هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، أبو القاسم، الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان.
ولد يوم الأربعاء السابع والعشرين من رجب سنة 467هـ بزمخشر من قرى خوارزم في عهد السلطان جلال الدين والدنيا أبي الفتح ملكشاه، الذي ازدهرت في عهده التجارة والصناعة، وزهت الآداب والفنون، وكان يعاونه في إدارة شؤون المملكة نظام الملك (قتل سنة 485هـ). وهو أقدر وزراء الإسلام في عصره.
عصره:
عاش الزمخشري في فترة ضعف الخلافة العباسية وانحلالها، وعاصر من الخلفاء العباسيين:
1 - عبد الله المقتدي بالله ابن محمد بن القائم (487467هـ).
2 - أحمد المستظهر بالله ابن المقتدي (512487هـ).
3 - الفضل المسترشد بالله ابن المستظهر (529هـ).
4 - المنصور الراشد بالله ابن المسترشد (529هـ).
5 - محمد المقتفي بالله ابن المستظهر (555529هـ).(1/5)
4 - المنصور الراشد بالله ابن المسترشد (529هـ).
5 - محمد المقتفي بالله ابن المستظهر (555529هـ).
وتعاقب في الاستيلاء على السلطة والنفوذ في بغداد كل من آل بويه والأتراك السلاجقة، وظهرت دولة الخوارزمية، من خراسان إلى ما وراء النهر، ثم الدولة الفاطمية في مصر والشام (567297هـ) ودولة المرابطين في المغرب والأندلس (541448هـ) ثم كانت الحملة الصليبية التي انتهت بسقوط مدينة القدس سنة 492هـ.
عاش الزمخشري في مجتمع يسوده الدين الإسلامي وتسيطر فيه اللغة العربية لكنه لم يخل من أقليات غير إسلامية لم تتخلّ عن تراثها الخاص وشخصيتها التقليدية ومزاجها المختلف ممّا أدّى إلى ظهور عادات لم يألفها المسلمون كانت سبقتها مناخات أسهمت في خلقها حركة الترجمة والتيارات الثقافية التي انعكست بمجملها على الفكر الديني في الإسلام وخروجه من بيئته الحضارية الخاصة واشتباكه بحضارات مجاورة كان لها تأثيرها المتفاوت في ظهور العديد من الفرق الإسلامية ممّا أدّى إلى كثير من الفتن والمحن التي أضعفت حركة التجارة وهدّدت الأمن والاستقرار فانتشرت الفوضى وعمّ الاضطراب الإجتماعي.
وعلى الرغم من هذه الحالة المزرية التي عاشها الزمخشري كانت تلوح في الأفق حركات علمية ونهضات أدبية تجلّت في بناء المدارس بتشجيع من بعض الملوك والأمراء والوزراء، والإهتمام بالكتب والمكتبات، والإنصراف إلى حلقات التدريس في المساجد ومجالس الجدل والمناظرات، وظهور علماء وأدباء أفذاذ كانوا أئمة في العلوم النقلية والعقلية، في القراءات والتفسير والحديث وعلوم التاريخ واللغة والجغرافيا والرحلات والفلسفة والشعر والأدب والمنطق ناهيك عن الفقه والفقهاء الذين كان لهم دور كبير في تفصيل المذاهب وتطويرها وتهذيبها.
اسرته:
نشأ الزمخشري في عصر ازدهرت فيه الآداب والعلوم حيث بسط فيه
نظام الملك حمايته ورعايته للعلماء والأدباء وأهل الفضل في قرية زمخشر ضمن عائلة فقيرة تقية ورعة نالت قسطاً من العلم والأدب على ما يظهر لنا من أبيات الزمخشري الآتية التي يرثي بها أباه:(1/6)
نشأ الزمخشري في عصر ازدهرت فيه الآداب والعلوم حيث بسط فيه
نظام الملك حمايته ورعايته للعلماء والأدباء وأهل الفضل في قرية زمخشر ضمن عائلة فقيرة تقية ورعة نالت قسطاً من العلم والأدب على ما يظهر لنا من أبيات الزمخشري الآتية التي يرثي بها أباه:
فقدته فاضلًا فاضت مآثره ... العلم والأدب المأثور والورع
لم يأل ما عاش جداً في تقاه يرى ... إنّ الحريص على دنياه منخدع
صام النهار وقام الليل وهو شج ... من خشية الله كابي اللون ممتقع
من المروءة في علياء متّسع ... صدراً وإن لم يكن في المال متّسع
وفي وفيات الأعيان، أن إحدى رجليّ الزمخشري كانت ساقطة بسبب قساوة الثلج وشدّة البرد، وفي أنباه الرواة أنه لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن سبب قطع رجله فقال: «دعاء الوالدة، وذلك إني في صباي أمسكت عصفوراً وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدتي لذلك وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سن الطلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي وعملت عليّ عملًا أوجب قطعها».
وعلى الإجمال فأسرة الزمخشري كانت أسرة متدينة ملتزمة بآداب الشرع وتعاليمه وهو ما أشاد به هو نفسه في الأبيات التالية:
هات التي شبهت ظلماً بشمس ضحى ... لو عارضتها لغطّتها بإشراق
استغفر الله أني قد نسبت بها ... ولم أكن لحميّاها بذوّاق
ولم يذقها أبي قبلًا ولا أحداً ... من أسرتي واتفاق الناس مصداقي
مراحل حياته:
إذا كانت كتب التاريخ الأدبي قد أهملت أخبار الزمخشري ببعض مراحل حياته، فهو نفسه قد سدّ هذا النقص وسجّل بشعره أحداث حياته ومنها نعرف أنه نشأ فقيراً في قريته زمخشر ثم انتقل إلى بخارى أو خوارزم لطلب العلم عندما بلغ سنّ الطلب فأخذ علوم عصره من منابعها الوافرة
الصافية، ونعرف من شعره أنه فقد، في مرحلة التحصيل العلمي هذه، والده الذي كان يعينه فقال من قصيدة:(1/7)
إذا كانت كتب التاريخ الأدبي قد أهملت أخبار الزمخشري ببعض مراحل حياته، فهو نفسه قد سدّ هذا النقص وسجّل بشعره أحداث حياته ومنها نعرف أنه نشأ فقيراً في قريته زمخشر ثم انتقل إلى بخارى أو خوارزم لطلب العلم عندما بلغ سنّ الطلب فأخذ علوم عصره من منابعها الوافرة
الصافية، ونعرف من شعره أنه فقد، في مرحلة التحصيل العلمي هذه، والده الذي كان يعينه فقال من قصيدة:
وإن ممّا قراني حسرة وأسى ... وضاقني الكرب من جرّاه والوجع
أن عاقني شحط دار عن تفقّده ... حتى مضى وهو عن ذكراي ملتذع
يا حسرتا إنني لم أرو غلّته ... وغلّتي بزمان فيه نجتمع
قد كنت أشكو فراقاً قبل منقطعاً ... وكيف لي بعده بالعيش منقطع
هذه المرحلة، مرحلة التحصيل العلمي، كانت من أهم مراحل حياته العلمية الحافلة، حيث نضج فيها عقله، وقويت ملكاته، ووضحت شخصيته، وحصّل الكثير من العلوم الإسلامية فنبغ في الأدب: شعره ونثره حيث طارت فيها شهرته، فاتّصل بالملوك والوزراء ورجالات الدولة يمدحهم ويتقرّب إليهم لينال منصباً يضمن له المال والجاه لكنه مني بالخيبة وتحسّر من هذه الدنيا التي تضع العالم وترفع الجاهل فقال:
يا حسرتا من لي بصفقة رابح ... في متجر والفضل رأس المال
يا ويح أهل العلم كيف تأخروا ... والسّبق كل السّبق للجهّال
فإلى إلهي المشتكى وبصنعه ... دون الأنام منوطة آمالي
بعد أن تكاملت شخصية الزمخشري العلمية، بدأ بتطوير صلاته الإجتماعية التي بدأها بالتقرب من رجالات الدولة ثم أتبعها برحلاته إلى مكة واليمن وأكثر أنحاء الجزيرة والشام ليعود بعدها إلى وطنه وقد استفاد من أهل العلم والفضل وأفاد، ونستخلص من شعره أنه عاش في هذه الفترة حياة استقرار نسبي فتزوّج، غير أنه لم يوفّق في زواجه فقال:
تزوّجت لم أعلم وأخطأت لم أصب ... فيا ليتني قد متّ قبل التزوّج
فوالله ما أبكي على ساكني الثرى ... ولكنني أبكي على المتزوّج
وقد استبدل مكتبه وتلاميذه بالحياة الزوجية فقال:
وحسبي تصانيفي وحسبي رواتها ... بنين بهم سيقت إليّ مطالبي
ولعلّ الزمخشري لم يجد في وطنه ما تتوق إليه نفسه فتوجه ثانية، نحو سنة 516هـ إلى بيت الله الحرام ليؤدي فريضة الحج وليقضي البقية الباقية من عمره بجوار بيت الله، وفي طريقه إليه نظم قصيدته الرائيّة التي تنضح بالزهد والتقوى والتنسّك والتمسّك بحبل الله فقال من قصيدة:(1/8)
وحسبي تصانيفي وحسبي رواتها ... بنين بهم سيقت إليّ مطالبي
ولعلّ الزمخشري لم يجد في وطنه ما تتوق إليه نفسه فتوجه ثانية، نحو سنة 516هـ إلى بيت الله الحرام ليؤدي فريضة الحج وليقضي البقية الباقية من عمره بجوار بيت الله، وفي طريقه إليه نظم قصيدته الرائيّة التي تنضح بالزهد والتقوى والتنسّك والتمسّك بحبل الله فقال من قصيدة:
سيري تماضر حيث شئت وحدّثي ... إني إلى بطحاء مكة سائر
حتى أنيخ وبين أطماري فتىً ... للكعبة البيت الحرام مجاور
والله أكبر رحمةٍ، والله أك ... ثر نعمةٍ، وهو الكريم القادر
يا من يسافر في البلاد منقباً ... إني إلى البلد الحرام مسافر
إن هاجر الإنسان عن أوطانه ... فالله أولى من إليه يهاجر
سأروح بين وفود مكّة وافداً ... حتى إذا صدروا فما أنا صادر
حسبي جوار الله حسبي وحده ... عن كل مفخرةٍ يعدّ الفاخر
لقد استقرّ الزمخشري في مكة يصنف ويؤلف الكتب ويدرسّ بين زمزم والمقام والحقيقة أن هذه المرحلة من حياته تعدّ مرحلة عطاء وإنتاج حيث كتب أشهر مؤلفاته وأنفعها، بعد أن تغيّرت نفسيته الطموحة الحاقدة الثائرة إلى نفس مطمئنة راضية قد انبسط عليها سلطان الدين الإسلامي ونقّى طبيعتها وصفّى مزاجها من كل حقدٍ وغيّ وتهالكٍ على المجد معتبراً نفسه بأنه لم يخلق إلّا للدين الإسلامي ولم يعش إلّا لخدمته، فتحلّق حوله فتيان مكة ورحّب به الأمير أبو الحسن علي بن حمزة بن وهاس ومدّ له يد العون بعد أن عرف قدره، وقصده طلاب العلم من أرجاء العالم الإسلامي يأخذون عنه حتى قال قائلهم:
أمكّة هل تدرين ماذا تضمّنت ... بمقدم جار الله منك الأباطح
به وإليه العلم ينمي وينتهي ... وفيه لأرباب العلوم المناجح
محطّ رحال الفاضلين فلم يزل ... يحطّ إليه الرّحل غاد ورائح
ولكن، على الرغم من الهدوء النفسي، وعلى الرغم من مجاورته بيت الله، وأمنه عاديات الزمن، وما حقّقه من آمال بمكة، بقي الزمخشري
يحن إلى وطنه ويرغب في العودة إليه، فقد نسي ما لاقاه من مرّ العيش، فوطنه الذي لم تتفتّح فيه برعمة واحدة من أماليه وأمانيه، هو وطنه الذي تتوق إليه نفسه ويخلد فيه إلى الراحة والسكينة. وتخبرنا كتب التراجم أن الزمخشري بعد أن طالت إقامته بمكة من رحلته الثانية عاود الحنين إلى وطنه مرّة أخرى، ولكن هذه المرّة عاد إليه شيخاً كهلًا ليصبح فخر خوارزم ومرجع العلماء بعد أن علت شهرته في أنحاء العالم الإسلامي.(1/9)
أمكّة هل تدرين ماذا تضمّنت ... بمقدم جار الله منك الأباطح
به وإليه العلم ينمي وينتهي ... وفيه لأرباب العلوم المناجح
محطّ رحال الفاضلين فلم يزل ... يحطّ إليه الرّحل غاد ورائح
ولكن، على الرغم من الهدوء النفسي، وعلى الرغم من مجاورته بيت الله، وأمنه عاديات الزمن، وما حقّقه من آمال بمكة، بقي الزمخشري
يحن إلى وطنه ويرغب في العودة إليه، فقد نسي ما لاقاه من مرّ العيش، فوطنه الذي لم تتفتّح فيه برعمة واحدة من أماليه وأمانيه، هو وطنه الذي تتوق إليه نفسه ويخلد فيه إلى الراحة والسكينة. وتخبرنا كتب التراجم أن الزمخشري بعد أن طالت إقامته بمكة من رحلته الثانية عاود الحنين إلى وطنه مرّة أخرى، ولكن هذه المرّة عاد إليه شيخاً كهلًا ليصبح فخر خوارزم ومرجع العلماء بعد أن علت شهرته في أنحاء العالم الإسلامي.
وفاته:
أقام الزمخشري بخوارزم بعد رجوعه من مكة المكرّمة إلى أن توفّاه الله ليلة عرفة سنة 538هـ بجرجانية، وكان قد أوصى بأن تكتب على قبره هذه الأبيات:
يا من يرى مدّ البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى عروق نياطها في نحرها ... والمخّ في تلك العظام النّحّل
اغفر لعبدٍ تاب من فرطاته ... ما كان منه في الزمان الأول
شيوخه:
تتلمذ الزمخشري على أعلام مشهورين في الفكر الإسلامي استقى من مناهلهم، ولم يأنف، حتى وهو شيخ، أن يجلس جلسة الطالب المستزيد مع ما وصل إليه من مكانة علمية عظيمة. وكان من أبرز شيوخه:
محمود بن جرير الضبي الأصفهاني: درس عليه النحو والأدب.
الشيخ أبو الحسن علي بن المظفّر النيسابوري الضرير: أخذ عنه الأدب.
الشيخ السديد الخياطي: أخذ عنه الفقه.
ركن الدين محمد الأصولي: أخذ عنه الأصول.
شيخ الإسلام أبو منصور نصر الحارث، وأبو سعد الشقاني النيسابوري، والمحدث أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله البطر: أخذ عنهم الحديث.
ونعلم من كتب التراجم أن الزمخشري قد تنقّل في بلاد كثيرة يتلّقى العلم والأدب حتى أصبح إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب متفنناً في علوم شتّى حتى طارت شهرته في الآفاق، ولكن هذه الكتب لا تذكر الشيوخ الذين درس عليهم في هذه البلاد الكثيرة التي تنقل فيها. لكن بعض هذه الكتب ذكرت أنه قرأ في مكة كتاب سيبويه على عبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد الله اليابري المتوفّى سنة 518هـ. وبعضها الآخر ذكر أنه قرأ بعض كتب اللغة، حين مروره ببغداد سنة 533هـ وهو عائد إلى وطنه في رحلته الثانية إلى مكة، على أبي منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد الجواليقي المتوفّى سنة 539هـ، وهو من أقران الزمخشري. واستفاد كذلك من الشريف أبي الحسن علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس العلوي الذي بنى له منزلًا على «باب أجياد» ولقي منه ترحيباً وحفاوة ورعاية وإكراماً، كما استفاد هو الآخر من الزمخشري أيضاً.(1/10)
شيخ الإسلام أبو منصور نصر الحارث، وأبو سعد الشقاني النيسابوري، والمحدث أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله البطر: أخذ عنهم الحديث.
ونعلم من كتب التراجم أن الزمخشري قد تنقّل في بلاد كثيرة يتلّقى العلم والأدب حتى أصبح إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب متفنناً في علوم شتّى حتى طارت شهرته في الآفاق، ولكن هذه الكتب لا تذكر الشيوخ الذين درس عليهم في هذه البلاد الكثيرة التي تنقل فيها. لكن بعض هذه الكتب ذكرت أنه قرأ في مكة كتاب سيبويه على عبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد الله اليابري المتوفّى سنة 518هـ. وبعضها الآخر ذكر أنه قرأ بعض كتب اللغة، حين مروره ببغداد سنة 533هـ وهو عائد إلى وطنه في رحلته الثانية إلى مكة، على أبي منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد الجواليقي المتوفّى سنة 539هـ، وهو من أقران الزمخشري. واستفاد كذلك من الشريف أبي الحسن علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس العلوي الذي بنى له منزلًا على «باب أجياد» ولقي منه ترحيباً وحفاوة ورعاية وإكراماً، كما استفاد هو الآخر من الزمخشري أيضاً.
تلامذته:
ذكر السمعاني أن كثيرين من طلاب العلم تتلمذوا على الإمام الزمخشري وأصبحوا بعد ذلك أئمة في اللغة والأدب وعلوم الدين، فقد روى عنه: أبو المحاسن إسماعيل بن عبد الله الطويلي بطبرستان وعبد الرحيم البزار بابيورد، وأبو عمر عامر بن الحسن السمار بزمخشر، وأبو سعيد أحمد بن محمود الشاشي بسمرقند، وأبو طاهر سامان بن عبد الملك الفقيه بخوارزم.
ومن تلاميذه: علي بن محمد العمراني الخوارزمي، ومحمد بن أبي القاسم بايجوك، وأبو يوسف يعقوب بن علي بن محمد بن جعفر البلخي أحد الأئمة في النحو والأدب.
وكان ممن استجازه، أو أجازهم لرواية كتبه:
الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي وكان حافظاً مكثراً لم يكن في آخر عمره في عصره مثله ومحمد بن عبد الملك البلخي، وهو
المعروف بالأديب رشيد الوطواط، كان بارعاً في النظم والنثر وأبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي، والسيدة أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن الشعري.(1/11)
الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي وكان حافظاً مكثراً لم يكن في آخر عمره في عصره مثله ومحمد بن عبد الملك البلخي، وهو
المعروف بالأديب رشيد الوطواط، كان بارعاً في النظم والنثر وأبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي، والسيدة أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن الشعري.
عقيدته ومذهبه:
نشأ الزمخشري متحمساً للإعتزال، مجاهراً به، فقد كان إذا قصد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول، يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له:
أبو القاسم المعتزلي بالباب. وفي ديوان الأدب، أنه كان حنفي المذهب معتزاً بمذهبه ولذلك نراه حين تقدّم به الزمن وغمرته موجة اليأس والزهد والقناعة ينقل كتبه كلها إلى مشهد أبي حنيفة ويقفها عليه ولا يبقي معه إلّا كتاب الله المبين:
وأسند ديني واعتقادي ومذهبي ... إلى حنفاء اختارهم وحنائفا
حنيفية أديانهم، حنفيّة ... مذاهبهم لا يبتغون الزعانفا
ويختلف الزمخشري الحنفي عن الزمخشري المعتزلي، فهو متسامح مع مخالفيه في مسائل الفقه، ولم يمنعه كونه حنيفاً أن يتقبّل مذاهب الآخرين، وعلى العكس مع مخالفيه في العقيدة حيث سلك معهم أسلوب التقريع والتسفيه والتجريح.
أخلاقه:
كان الزمخشري أبيّ النفس شديد الإعجاب بها، يأنف الضيم، ويدافع عن آرائه ومعتقداته، وكان متواضعاً جمّ الأدب، على حظ كبير من التدين والزهد والبعد عن الشبهات والعزوف عن الدنيا حتى أن بعض مؤرخيه لم يجدوا فيه مطعناً إلّا الإعتزال، اضطرته ظروفه المعيشية الصعبة في فترة حياته الأولى إلى التكسّب بشعره فمدح واستمنح بعض الملوك والأمراء، لكنه حين وعى مغبّة صنعه آثر العزلة وأخذ على نفسه الميثاق بأن لا يطأ عتبة سلطان.
وكان الزمخشري لفضله ودينه شديد الحب للعرب يرى أنهم خير أمّة
أخرجت للناس ويجهر بتفضيلهم على سائر الأمم، عظيم الإنكار على الشعوبيين يردّ عليهم ويسفّه آراءهم.(1/12)
وكان الزمخشري لفضله ودينه شديد الحب للعرب يرى أنهم خير أمّة
أخرجت للناس ويجهر بتفضيلهم على سائر الأمم، عظيم الإنكار على الشعوبيين يردّ عليهم ويسفّه آراءهم.
ثناء العلماء عليه:
قال القفطي: كان الزمخشري ممن يضرب به المثل في علم الأدب والنحو واللغة، صنّف التصانيف في التفسير وغريب الحديث والنحو وغير ذلك، ودخل خراسان وورد العراق، وما دخل بلداً إلا اجتمعوا عليه وتلمذوا له واستفادوا منه، وكان علّامة الأدب ونسّابة العرب، أقام بخوارزم تضرب إليه أكباد الإبل وتحطّ بفنائه رحال الرجال وتحدى باسمه مطايا الإبل.
وقال الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي: كان الزمخشري أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وأكثرهم اكتساباً واطلاعاً على كتبها، وبه ختم فضلاؤهم.
وقال ابن خلكان في ترجمته: هو الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، كان إمام عصره من غير مدافع، تشدّ إليه الرحال في فنونه.
وقال السيوطي: كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء وجودة القريحة متفنناً في كل علم.
مصنّفاته:
قدم الزمخشري للمكتبة الإسلامية مؤلفات قيمة غلب عليها النحو واللغة والأدب والأمثال والمواعظ مع مصنّف واحد في كل من التفسير والحديث والفرائض والفقه والأصول. وقد ذكرت له المصادر إثنين وخمسين مصنفاً ذكر منها ياقوت تسعة وأربعين أتبعها بقوله: وغير ذلك.
وقد وصل إلينا كثير من هذه المصنفات، طبع بعضها ولا يزال البعض الآخر منها غير مطبوع. ومن هذه المصنفات:
أساس البلاغة. وهو معجم يهتم بالإستعارة والمجاز.
أطواق الذهب (أو النصائح الصغار) وهو مائة مقالة في الوعظ والنصائح والحكم.(1/13)
أساس البلاغة. وهو معجم يهتم بالإستعارة والمجاز.
أطواق الذهب (أو النصائح الصغار) وهو مائة مقالة في الوعظ والنصائح والحكم.
أعجب العجب في شرح لامية العرب.
الأمالي في كل فن.
الأمكنة والجبال والمياه والبقاع المشهورة في أشعار العرب.
الأنموذج. وهو كتاب صغير في النحو اختصره من المفصّل.
تسلية الضرير.
تعليم المبتدىء وإرشاد المهتدي. وهو عبارة عن جمل مفردة عربية وترجمتها بالفارسية للناشئين.
جواهر اللغة.
خصائص العشرة الكرام البررة.
ديوان التمثيل.
ديوان الرسائل.
ديوان الزمخشري.
ديوان الشعر.
رؤوس المسائل (في الفقه الخلافي بين المذهبين الحنفي والشافعي).
ربيع الأبرار ونصوص الأخبار (هذا هو الكتاب الذي بين أيدينا وسيأتي الكلام عنه).
الرسالة الناصحة.
سوائر الأمثال.
شافي العي (من كلام الشافعي رحمه الله تعالى).
شرح أبيات كتاب سيبويه.
شرح بعض مشكلات المفصل.
شرح مقامات الزمخشري (وهو كتاب النصائح الكبار).
شقائق النعمان في حقائق النعمان (مناقب أبي حنيفة رحمه الله).
صميم العربية.(1/14)
شقائق النعمان في حقائق النعمان (مناقب أبي حنيفة رحمه الله).
صميم العربية.
ضالة الناشد في علم الفرائض.
الفائق (في غريب الحديث).
القسطاس.
القصيدة البعوضية (وأخرى في مسائل الغزالي).
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (في التفسير)، وقد بلغ هذا التفسير في نفوس العلماء مبلغاً عظيماً حتى وصلت شروحه وتعليقاته ومختصراته والردود عليه بما يربو على ستة وثلاثين مصنفاً.
الكشف في القراءات.
متشابه أسامي الرواة.
المحاجاة في الأحاجي والاغلوطات.
مختصر الموافقة بين أهل البيت والصحابة.
مسألة في حكمة الشهادة.
المستقصى (في أمثال العرب).
معجم الحدود (في الفقه).
المفرد والمركب أو المؤلف.
المفصل في تعليم النحو.
مقامات الزمخشري.
مقدمة الأدب (معجم عربي فارسي).
المنهاج (في أصول الفقه).
نزهة المستأنس.
النصائح الصغار والبوالغ الكبار.
نكت الأعراب في غريب الإعراب (في غريب إعراب القرآن).
نوابغ الكلم (مجموعة حكم وأقوال).(1/15)
كتاب ربيع الأبرار:
صنّف الزمخشري كتاب «ربيع الأبرار» بعد أن صنّف كتابه «الكشاف عن حقائق التنزيل» الذي فرغ منه بمكة المكرمة سنة 528هـ. قال الزمخشري في مقدمة كتاب ربيع الأبرار:
«هذا كتاب قصدت به إجمام خواطر الناظرين في الكشاف عن حقائق التنزيل، وترويح قلوبهم المتعبة بإجالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه، والتنفيس عن أذهانهم المكدودة باستيضاح غوامضه وخفاياه، وأن تكون مطالعته ترفيهاً لمن ملّ، والنظر فيه إحماضاً لمن اختلّ، فأخرجته لهم روضةً مزهرة، وحديقةً مثمرة، متبّرجةً بزخارفها، ميّاسةً برفارفها، تمتّع برايع زهرها، وتلهي بيانع ثمرها، وتقرّ العيون بآنف مرآها، وتفعم الأنوف بعبق ريّاها، وتلذّ الأفواه بطيب جناها، وتستنصت الآذان إلى خرير مائها الفياض، وتطبى النفوس إلى برد ظلّها الفضفاض، وتميل الأعطاف بغصونها الأماليد، وطيورها المستملحة الأغاريد، نزهة المستأنس، ونهزة المقتبس، من خلا به استغنى عن كل جليس، ومن أنس به سلا عن كل أنيس. أين من طيب ندامه نديماً مالك وعقيل، وأين من دلّ غزله كثيرّ عزّة وجميل إن أردت السمر فيا له من سمير، وإن طلبت الخبر فقد سقطت على خبير، وإن بغيت العظات المبكية ففيه ما يشرق بالدمع أجفانك، أو الملح المضحكة ففيه ما يفرّ بضاحكة أسنانك».
والكتاب مرتب على ثمان وتسعين بابا، في موضوعات مختلفة كان الزمخشري يجمع ما يتصل بكل موضوع من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم ما ورد عنه في أقوال الصحابة ويتبعه بأقوال التابعين والعباد والزهاد والنساك، والحكماء من العرب والفرس، والشعراء إن وجد شعرا بمعناه، وأقوال أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، وكان يسرد قصصا مسلّية وأخبارا متّصلة بتاريخ العرب وملوكهم وخلفائهم وأمرائهم وقوادهم ومغنّيهم وشعرائهم تجمل بالمتأدبين معرفتها والإطلاع عليها إذ كانت منتخلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها ومأخوذة من مظانّها، ومنقولة عن أهل الخبرة بها. وباختصار فإن
ما جاء في هذه الأبواب من موضوعات مهمة يعتبر ذخيرة من الأخبار عن جميع منامي حياة العرب الإجتماعية تقريبا استطاع الزمخشري أن ينتقيها لنا في دقّة الوصف وبساطة التعبير وسهولة الصياغة وروعة التصوير، خالية من كل فحش وسخف، فإذا هي صورة صادقة عن أساليب الحياة المعيشية عند العرب في عصري الجاهلية والإسلام، وهي، بهذا التنّوع في الموضوعات، تدلّ دلالة واضحة على سعة ثقافة الزمخشري واطلاعه الواسع الشامل على ثقافة العرب وغيرهم من الأمم.(1/16)
والكتاب مرتب على ثمان وتسعين بابا، في موضوعات مختلفة كان الزمخشري يجمع ما يتصل بكل موضوع من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم ما ورد عنه في أقوال الصحابة ويتبعه بأقوال التابعين والعباد والزهاد والنساك، والحكماء من العرب والفرس، والشعراء إن وجد شعرا بمعناه، وأقوال أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، وكان يسرد قصصا مسلّية وأخبارا متّصلة بتاريخ العرب وملوكهم وخلفائهم وأمرائهم وقوادهم ومغنّيهم وشعرائهم تجمل بالمتأدبين معرفتها والإطلاع عليها إذ كانت منتخلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها ومأخوذة من مظانّها، ومنقولة عن أهل الخبرة بها. وباختصار فإن
ما جاء في هذه الأبواب من موضوعات مهمة يعتبر ذخيرة من الأخبار عن جميع منامي حياة العرب الإجتماعية تقريبا استطاع الزمخشري أن ينتقيها لنا في دقّة الوصف وبساطة التعبير وسهولة الصياغة وروعة التصوير، خالية من كل فحش وسخف، فإذا هي صورة صادقة عن أساليب الحياة المعيشية عند العرب في عصري الجاهلية والإسلام، وهي، بهذا التنّوع في الموضوعات، تدلّ دلالة واضحة على سعة ثقافة الزمخشري واطلاعه الواسع الشامل على ثقافة العرب وغيرهم من الأمم.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الزمخشري نقل في هذا الكتاب عن بعض كتبه وبخاصة ديوان المنظوم، وديوان المنثور اللذين لا نعرف إذا كانا كتابين مستقلّين أم أن ديوان المنظوم هو ديوان شعره، وديوان المنثور هو ديوان الرسائل؟ وكذلك فقد نقل في هذا الكتاب عن كتبه: الرسالة الناصحة، والنصائح الصغار، ونوابغ الكلم وغيرها، وعندما ينقل من هذه الكتب يقول: قال جار الله، وقال الفقير إليه، وقال ابن أخت خالتي، وقال عبد الله الفقير إليه، وقال المصنّف وغيرها من العبارات التي يريد بها نفسه.
وقد ذكر كتاب ربيع الأبرار في كثير من كتب المؤرخين وأصحاب التراجم، فهو في وفيات الأعيان: ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، وهو في إرشاد الأديب لياقوت: ربيع الأبرار في الأدب والمحاضرات، وهو في تاريخ الأدب العربي ل بروكلمان: ربيع الأبرار، وفي تكملته: ربيع الأبرار فيما يسرّ الخواطر والأفكار.
ولربيع الأبرار مختصرات ومنتخبات. فقد اختصره المولى محي الدين بن الخطيب قاسم بن يعقوب المتوفىّ سنة 940هـ. وسمّاه: روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ورتّبه على خمسين روضة، كما انتخبه آخر وسماه: أنوار الربيع، واختصره غيره وسماه: نفحات أزهار ربيع الأبرار.
وعلى الإجمال فربيع الأبرار من الكتب المهمة التي تتناول الشعر
والتاريخ والأدب وكل أصناف العلوم، ومطالبتنا لمؤلفه بأن يذهب أبعد ممّا ذهب إليه في تنظيم موسوعته وفي تيسير تناولها قد لا تكون في محلّها لأن ربيع الأبرار تجربة رائدة قصد منها الزمخشري تهذيب النفوس والإفادة من التراث الصالح للسلّف الصالح.(1/17)
وعلى الإجمال فربيع الأبرار من الكتب المهمة التي تتناول الشعر
والتاريخ والأدب وكل أصناف العلوم، ومطالبتنا لمؤلفه بأن يذهب أبعد ممّا ذهب إليه في تنظيم موسوعته وفي تيسير تناولها قد لا تكون في محلّها لأن ربيع الأبرار تجربة رائدة قصد منها الزمخشري تهذيب النفوس والإفادة من التراث الصالح للسلّف الصالح.
لقد آثرت عدم ذكر المراجع التي أخذت عنها وأفدت منها أثناء شرح هذا الكتاب، فأهل العلم والتحقيق والتدقيق أقدر منّي على استيعاب ما يشاؤون من المصادر والمراجع، وهم لذلك في غنى عن إدلالي عليهم بكثرة مراجعي وتنّوعها، وإذا كان لا بدّ من ذكر أهمها فهي نسخة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العراقية المطبوعة من هذا الكتاب التي كانت أهدتنا إياها مشكورة مؤسسة الأعلمي وكلّفتنا شرحها وترجمة أعلامها، هذه المؤسسة التي ما زالت رائدة في اكتشاف كنوز المسلمين وإحياء تراثهم المجيد ونشره بأفضل الطرق وأقلّ التكاليف.
آملا أن أكون وفّقت في شرح هذا الكتاب، والله الموفّق والمستعان.
عبد الأمير علي مهنا بيروت 1992(1/18)
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرّحمن الرّحيم هو حسبي ونعم الوكيل الحمد لله الذي استحمد إلى عباده بموجبات المحامد، مما أسبغ عليهم من نعمه البوادي العوائد، حمدا ملء ذات الرجع (1)، وطلاع ذات الصدع (2)، إلى أن يبلغ رضاه، ويقضي موجب حقه ومقتضاه.
والصلاة على النبي المرسل رحمة للعالمين المبتعث قدوة للعالمين أدحض (3) بآياته حجج المبطلين، ومحق بمعجزاته شبه المعطلين (4)،
__________
(1) الرجع: المطر لأنه يرجع مرّة بعد مرّة. وفي التنزيل العزيز: والسماء ذات الرجع.
ويقال: ذات النفع، والأرض ذات الصّدع.
قال ثعلب: ترجع بالمطر سنة بعد سنة. وقيل: ذات الرجع ذات المطر لأنه يجيء ويرجع ويتكرّر.
راجع اللسان مادة رجع.
(2) الصدع: الشقّ في الشيء الصلب وجمعه صدوع. وفي التنزيل العزيز: والأرض ذات الصدع قال ثعلب: هي الأرض تنصدع بالنبات. وتصدّعت الأرض بالنبات:
تشقّقت. وانصدع الصبح: إنشقّ عنه الليل.
راجع اللسان مادة صدع.
(3) أدحض الحجة: أبطلها. قال تعالى: حجّتهم داحضة.
(4) المعطلون: هم الدهريون، الذين عطّلوا المصنوعات عن صانعها وقالوا ما حكاه الله عنهم: {مََا هِيَ إِلََّا حَيََاتُنَا الدُّنْيََا نَمُوتُ وَنَحْيََا وَمََا يُهْلِكُنََا إِلَّا الدَّهْرُ}.
ومعطّلة العرب على أصناف:
منهم صنف أنكروا الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني.
ومنهم صنف أقروا بالخالق وابتداء الخلق والإبداع، وأنكروا البعث والإعادة.
ومنهم صنف أقروا بالخالق وابتداء الخلق ونوع من الإعادة. وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الدار الآخرة، وحجّوا إليها ونحروا لها الهدايا وقرّبوا القرابين وتقرّبوا إليها بالمناسك والمشاعر وأحلّوا وحرّموا، وهم الدّهماء من العرب.(1/19)
والرضوان على من طاب وطهر من عشيرته وأهل قرابته، وهاجر ونصر من أحبته وصحابته، ومن كاشف دونه العجم والعرب، حتى كشف عن وجهه الكرب، والرحمة على من ابتعهم بإحسان، وعلى علماء الملة الحنيفية (1)
في كل زمان.
وهذا كتاب قصدت به إجمام (2) خواطر الناظرين في الكشاف عن حقائق التنزيل (3)، وترويح قلوبهم المتعبة بإجالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه، والتنفيس عن أذهانهم المكدودة (4) باستيضاح غوامضه وخفاياه، وأن تكون مطالعته ترفيها لمن ملّ، والنظر فيه إحماضا (5) لمن راجع الملل والنحل للشهرستاني (بتحقيقنا) 2: 583582طبعة دار المعرفة.
__________
(1) الحنيف: المسلم الذي يستقبل قبلة البيت الحرام على ملّة إبراهيم عليه السّلام. وقيل: من كان على دين إبراهيم فهو حنيف عند العرب، وكان عبدة الأوثان في الجاهلية يقولون: نحن حنفاء على دين إبراهيم، فلما جاء الإسلام سمّوا المسلم حنيفا، ومعنى الحنيفيّة في اللغة الميل والمعنى أن إبراهيم حنف إلى دين الله ودين الإسلام، وإنما أخذ الحنف من قولهم رجل أحنف ورجل حنفاء، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها بأصابعها.
(2) إجمام: إراحة. والجمام: (بالفتح) الراحة. يقال: أجمّ نفسك يوما أو يومين أي أرحها.
(3) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: هو كتاب في تفسير القرآن الكريم للزمخشري. ألّفه في مكة المكرّمة وهو مطبوع ومن أشهر كتبه، لا تزال نسخة الأصل الأولى التي نقلت من السواد محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني.
(4) المكدودة: المتبعة.
(5) الإحماض: الإفاضة في ما يؤنس من حديث. الإنتقال من الجدّ إلى الهزل.
وسيرد، بعد قليل، عن ابن عباس أنه كان يقول عند ملله: أحمضوا. فيخوضون عند ذلك في الأخبار والأشعار.(1/20)
اختلّ، فأخرجته لهم روضة مزهرة، وحديقة مثمرة، متبرجة بزخارفها، مياسة برفارفها (1)، تمتع برايع زهرها، وتلهي بيانع ثمرها، وتقر العيون بآنق مرآها، وتفعم الأنوف بعبق رياها، وتلذ الأفواه بطيب جناها، وتستنصت الآذان إلى خرير مائها الفياض، وتطبى (2) النفوس إلى برد ظلها الفضفاض، وتميل الأعطاف بغصونها الأماليد (3)، وطيورها المستملحة الأغاريد، نزهة المستأنس، ونهزة (4) المقتبس (5)، ومن خلا به استغنى عن كل جليس، ومن أنس به سلا عن كل أنيس. أين من طيب ندامه (6) نديما مالك وعقيل (7)، وأين من دلّ غزله كثير عزة (8) وجميل (9). إن أردت
__________
(1) رفّ النبات رفا ورفيفا وارتفّ: اهتزّ نضاره.
(2) تطبي النفوس: تستميلها.
(3) الغصون الأماليد: الناعمة. ورجل أملود، وامرأة أملود وأملودة وملداء: ناعمة والملدان: إهتزاز الغصن ونعمته.
(4) النّهزة: الفرصة تجدها من صاحبك. يقال: فلان نهزة المختلس، أي هو صيد لكل أحد. ومنه حديث الدحداح: وانتهز الحقّ إذا الحقّ وضح. أي قبله وأسرع إلى تناوله. والمناهزة: المبادرة.
(5) المقتبس: المستفيد.
(6) الندام: جمع نديم وهو الصاحب والرفيق على الشراب، وتجمع لفظة نديم أيضا على ندماء وندمان.
(7) مالك وعقيل: أخوان وهما ابنا فارج بن مالك بن كعب. كانا من خاصة ملك الحيرة جذيمة الأبرش وكانت منازله ما بين الأنبار وهيت وعين التمر وأطراف البرّ والقطقطانة. يضرب بهما المثل في طول الصحبة لأنهما، على ما قيل، نادما الملك أربعين سنة في خبر طويل رواه صاحب الأغاني (15: 302) بتحقيقنا) طبعة دار الكتب العلمية.
قال متمم بن نويرة يرثي أخاه:
وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فلّما تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
والبيتان من قصيدة مطلعها:
لعمري وما دهري بتأبين مالك ... ولا جزع ممّا أصاب فأوجعا
وقد ورثت بهما السيدة عائشة عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبيش وهو جبل بأسفل مكة، وقيل إنه اسم موضع.
راجع: زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده (ص 145وهو من تأليفنا).
(8) كثير عزّة:
هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي، أبو صخر: شاعر، متيّم مشهور. من أهل المدنية. أكثر إقامته بمصر. وفد على عبد الملك بن مروان فرفع مجلسه، كان في نفسه شمم وترفّع. يقال له ابن أبي جمعة وكثير عزّة والملحي نسبة إلى بني مليح وهم قبيلته. كان شاعر أهل الحجاز في الإسلام وفي المؤرخين من يذكر أنه من غلاة الشيعة. أخباره مع عزّة بنت حميل الضمرية كثيرة. كان عفيفا في حبه وتوفي بالمدينة سنة 105هـ. راجع الأعلام للزركلي 5: 219وفيه مصادر ترجمته.
(9) جميل: 82هـ 701م.
هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، أبو عمرو: شاعر، من عشاق العرب افتتن ببثينة، من فتيات قومه فتناقل الناس أخبارهما. شعره يذوب رقّة أقلّ ما فيه المدح، وأكثره في النسيب والغزل والفخر. قصد عبد العزيز بن مروان في مصر فأكرمه وأمر له بمنزل أقام فيه قليلا ومات سنة 82هـ. راجع الأعلام 2: 138 والوفيات: 1: 115وابن عساكر: 3: 395.(1/21)
السمر فياله من سمير، وإن طلبت الخبر فقد سقطت على خبير، وإن بغيت العظات المبكية ففيه ما يشرق (1) بالدمع أجفانك أو الملح (2)
المضحكة ففيه ما يفر (3) بضاحكه أسنانك.
مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات، فساعة فيها يناجي ربه، وساعة فيها يحاسب نفسه، وساعة فيها يفضي إلى إخوانه الذين يصدقونه عن عيوب نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات وإجماما للقلوب.
__________
(1) يشرق بالدمع أجفانك: يملأها.
(2) الملحة: الكلمة المليحة والجمع ملح.
(3) يفر: يكشف. وافترّ: تلألأ. والفرّة: الإبتسام. والأفرّ: الحسن الثغر والإبتسام.(1/22)
وعن علي (1) رضي الله عنه: اجموا هذه القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان، وفي رواية: إن هذه النفوس تمل، وهذه القلوب تدثر، فابتغوا لها طرائف الحكم وملاهيها.
وعن ابن عباس (2) إنه كان يقول عند ملله: أحمضوا فيخوضون عند ذلك في الأخبار والأشعار.
وعن قسامة بن زهير (3): روحوا القلوب تع (4) الذكر.
وعن سلمان الفارسي (5): أنا احتسب نومتي كما أحتسب قومتي (6)
__________
(1) علي: هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي. 40هـ 661م.
أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء وأول الناس إسلاما بعد خديجة.
(2) ابن عباس. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس:
حبر الأمة، الصحابي الجليل. ولد بمكة ونشأ في عصر النبوّة فلازم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وشهد مع الإمام علي الجمل وصفّين وكفّ بصره في آخر عمره فسكن الطائف وتوفي بها سنة 68هـ. له في الصحيحين وغيرهما 1160 حديثا.
قال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام والعربية والأنساب والشعر.
راجع الأعلام 4: 95.
(3) قسامة بن زهير: من رواة الحديث. روى عن أبي موسى الأشعري وروى عنه قتادة والجريري والبصريون. قيل إنه من الصحابة، وقيل إنه من تابعي أهل البصرة، اشترك مع عتبة بن غزوان في فتح الأبلة سنة 13هـ. كنيته أبو المنهال. قال عنه ابن حجر في الإصابة (الترجمة 1097): غير منسوب ذكره أبو معشر الدولابي في الصحابة ولم يخرج له شيئا. راجع الطبري 1: 2384وتاج العروس مادة: قسم.
(4) وعى الحديث: قبله وتدبّره وحفظه وفهمه. وتع جواب الطلب مجزوم بحذف حرف العلة من آخره.
(5) سلمان الفارسي: توفي سنة 36هـ.
صحابي، من مقدميهم. كان يسمي نفسه سلمان الإسلام. قصد بلاد العرب فلقيه ركب من بني كلب فاستخدموه ثم استعبدوه وباعوه فاشتراه رجل من قريظة فجاء به إلى المدينة. علم بخبر الإسلام فقصد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بقباء وسمع كلامه ولازمه أياما. أعانه المسلمون على شراء نفسه من صاحبه فأظهر إسلامه. كان قوي الجسم صحيح الرأي عالما بالشرائع وغيرها. وهو الذي دلّ المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب حتى اختلف عليه المهاجرون والأنصار كلاهما يقول: سلمان منّا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سلمان منّا أهل البيت. وسئل عنه الإمام علي فقال: امرؤ منّا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف. وجعل أميرا على المدائن فأقام فيها إلى أن توفي. كان إذا خرج عطاؤه تصدّق به، ينسج الخوص ويأكل خبز الشعير من كسب يده. له ستون حديثا. راجع الأعلام 3: 112111.
(6) ويقال: أنا احتسب نومتي من قومتي.(1/23)
وعن أردشير بن بابك (1): إن للآذان مجة، وللقلوب ملة، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.
وعن بعض العرب: روحوا الأذهان كما تروحون الأبدان.
وعن آخر: نفسك راحلتك، إن رفهتها اضطلعت (2) وإن نفهتها (3)
انقطعت.
أسأل الله أن يجعل جميع ما تصوره أفكارنا في النفوس، وتسطره أيدينا في الطروس (4)، مبتغي به وجهه، متوخي فيه رضوانه، مأمونا معه سخطه، مرجوا عنده غفرانه، إنه المولى المولي (5) كل حظ جسيم، الموري زناد كل خير عميم.
__________
(1) أردشير بن بابك: مؤسس الدولة الساسانية، ملك من سنة 226م إلى سنة 241.
كان محمود السيرة مظفرا في حروبه منصورا لا تردّ له راية. مدّن المدن وكوّر الكور، ورتّب المراتب وعمّر البلاد. دان له أهل الحيرة والأنبار. أخبار حروبه كثيرة في كتب الأدب وله ترجمة طويلة في تاريخ ابن الأثير 1: 380.
(2) اضطلعت: قويت.
(3) نفهتها: أتعبتها.
(4) الطروس: الصحائف والكتب.
(5) المولي كل حظ: المعطي كل نصيب.(1/24)
الباب الأول الأوقات وذكر الدنيا والآخرة
1 - الحسن (1): يا ابن آدم إلى متى هذا التسويف، فإنك ليومك ولست لغدك، فإن يكن غد لك فكس (2)، كما كست في يومك، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطته في يومك. لقد أدركت أقواما ما كان أحدهم أشح (3) على عمره منه على درهمه ولا ديناره.
2 [شاعر]:
__________
(1) الحسن:
هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد سيرد كثيرا في أجزاء هذا الكتاب تحت هذا الاسم وهو تابعي، كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه. وهو أحد العلماء الفقهاء النسّاك. ولد بالمدينة وشبّ في كنف الإمام علي بن أبي طالب. كان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم لا يخاف في الحقّ لومة. له مع الحجاج بن يوسف مواقف. ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه: إني قد ابتليت بهذا الأمر فانظر لي أعوانا يعينونني عليه. فأجابه الحسن: أما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة، فلا يريدونك، فاستعن بالله. أخباره كثيرة، وله كلمات سائرة توفي سنة 110هـ. راجع الأعلام 2: 226.
(2) كاس يكيس كيسا وكياسة: عقل وفطن وظرف. والكياسة هي تمكين النفس من استنباط ما هو أنفع. وكس فعل أمر.
(3) أشح: أبخل، والشحّ: البخل.(1/25)
ولا تزج (1) فعل الصالحات إلى غد ... لعلّ غدا يأتي وأنت فقيد
3 - فرعون التميمي (2): قل من احتلب خلف (3) الزمان إلا رمح (4)
بقدم الحدثان (5).
4 - نزل النعمان بن المنذر (6): تحت شجرة ليلهو، فقال له عدي (7): أيها الملك أتدري ما تقول هذه الشجرة، ثم أنشأ يقول:
رب ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالا بعد حال (8)
__________
(1) لا تزج: لا تؤخّر. والفعل مجزوم بلا الناهية.
(2) فرعون التميمي: لم نعثر في المراجع التي بين أيدينا على علم بهذا الاسم.
(3) الخلف: حلمة ضرع الناقة.
(4) رمحته الدابة: رفسته. ورمحه يرمحه رمحا: طعنه بالرّمح فهو رامح. ورمح الفرس والبغل والحمار وكل ذي حافر: ضرب برجله، وقيل: ضرب برجليه جميعا، والاسم الرّماح.
(5) الحدثان: كناية عن الليل والنهار. وحدثان الدهر: صروفه ونوائبه.
(6) النعمان بن المنذر: 608م. هو النعمان بن المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن عدي بن نصر اللخمي من أشهر ملوك الحيرة في الجاهلية. كنيته أبو قابوس، وهو ممدوح النابغة الذبياني، وحسّان بن ثابت، وحاتم الطائي، وصاحب قصة وفود العرب على كسرى، وصاحب يومي البؤس والنعيم، وقاتل عبيد بن الأبرص الشاعر في يوم بؤسه، وقاتل عديّ بن زيد.
(7) عديّ: هو عديّ بن زيد بن حماد بن زيد العبادي التميمي شاعر، من دهاة الجاهليين. هو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، اتخذه في خاصته وجعله ترجمانا بينه وبين العرب فسكن المدائن. تزوج هندا بنت النعمان بن المنذر ووشى به أعداء له إلى النعمان بما أوغر صدره فسجنه وقتله في سجنه بالحيرة سنة 35ق. هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 220وخزانة الأدب 1: 186184والنجوم الزاهرة 1: 249.
(8) البيتان، ضمن أبيات، في الأغاني وردت في قصة تنصر النعمان. قال أبو الفرج:
خرج النعمان يتنزّه بظهر الحيرة ومعه عديّ بن زيد، فمّر على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها، فقال له عديّ بن زيد: أبيت اللعن أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال:
لا، فانصرف وقد دخلته رقة، فمكث بعد ذلك يسيرا، ثم خرج خرجة أخرى فمرّ على تلك المقابر ومعه عديّ، فقال له: أبيت اللّعن، أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا، قال: فإنها تقول:
من رآنا فليحدّث نفسه ... أنه موف على قرن زوال
وصروف الدهر لا يبقى لها ... ولما تأتي به صمّ الجبال
ربّ ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
والأباريق عليها فدم ... وجياد الخيل تردي في الحلال
عمروا دهرا بعيش حسن ... آمني دهرهم غير عجال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال
وكذاك الدهر يرمي بالفتى ... في طلاب العيش حالا بعد حال
قال الصولي في خبره: فرجع النعمان فتنصرّ. غير أن صاحب الأغاني انتقد الخبر وقال عنه إنه مختلط. راجع الأغاني 2: 126 (بتحقيقنا) دار الكتب العلمية.(1/26)
فتنغص على النعمان يومه.
5 - قيل لبعضهم أيما أطيب الخريف أم الربيع؟ قال: الربيع للعين والخريف للفم.
6 - أنشد ابن الأعرابي (1):
يا سبعة كلهم أخوان ... ليسوا يموتون وهم شبان
لم يرهم في موضع إنسان
هي أيام الجمعة (2).
7 - الخليل (3): الأيام ثلاثة، معهود، ومشهود، وموعود. أراد
__________
(1) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي، أبو عبد الله: راوية، ناسب. علّامة باللغة، من أهل الكوفة. كان أحول. أبوه مولى للعباس بن محمد ابن علي الهاشمي. وابن الأعرابي ربيب المفضّل بن محمد صاحب المفضليات.
مات بسامراء سنة 231هـ له تصانيف كثيرة. راجع ترجمته في الأعلام 6: 131 ووفيات الأعيان 1: 492وتاريخ بغداد 5: 288.
(2) أيام الجمعة: أي أيام الأسبوع السبعة.
(3) الخليل: هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، أخذه من الموسيقى وكان عارفا بها، وهو أستاذ سيبويه النحوي. ولد ومات بالبصرة وعاش فقيرا صابرا.
له كتاب «العين» في اللغة وغيره كثير. توفي سنة 170هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان: 1: 172ونزهة الجليس 1: 80.(1/27)
الأمس واليوم والغد.
8 - أعرابي: من أفاده الدهر أفاد منه.
9 - ابن السماك (1): الدنيا من نالها مات منها، ومن لم ينلها مات عليها.
10 - موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (2).
إذا أنا لم أقبل من الدهر كلما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
11 - قيل لابن جريج (3) كم صيفكم بمكة؟ قال ثلاثة عشر شهرا.
__________
(1) ابن السماك: 183هـ.
هو محمد صبيح بن السماك مولى بني عجل. كان راوية للحديث وواعظا. قيل إنه وعظ الرشيد مرّة فغشي عليه. روى عن هشام بن عروة وطبقته، وروى عنه أحمد، وابن نمير. راجع حلية الأولياء 8: 204.
(2) موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن من شعراء الطالبيين، له رواية للحديث، من سكان المدنية وهو القائل:
تولّت بهجة الدنيا ... فكل جديدها خلق
وخان الناس كلّهم ... فما أدري بمن أثق
رأيت معالم الخيرا ... ت سدّت دونها الطرق
فلا حسب ولا نسب ... ولا دين ولا خلق
وهو أخو محمد وإبراهيم ابني عبد الله، قتلهما أبو جعفر المنصور، وظفر به، فضربه وعفا عنه. سكن بغداد وعاش إلى أيام الرشيد، وله خبر معه، ونسله كثير.
توفي نحو سنة 180هـ. راجع مقاتل الطالبيين 397390ولسان الميزان 6: 123 وتاريخ بغداد 12: 25.
(3) ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد وأبو خالد فقيه الحرم المكي. كان إمام أهل الحجاز في عصره. وهو أول من صنّف التصانيف في العلم بمكة. رومي الأصل من موالي قريش، مكي المولد والوفاة. قال الذهبي: كان ثبتا لكنه يدلّس. توفي سنة 150هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 122وابن خلكان 1: 286.(1/28)
12 [شاعر]:
وإني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنه مقرونة بمعايبه
إذا سرني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من غمه في عواقبه
13 - عن علي رضي الله عنه: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع.
14 - حكيم: الدنيا تطلب لثلاثة أشياء: للغنى، والعز، والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع استغنى، ومن قل سعيه استراح.
15 - قال الحسن (1) لعلي: أما ترى حب الناس للدنيا، قال: هم أولادها، أفيلام المرء على حب والدته؟.
16 - علي رضي الله عنه: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من أحدهما بعدت من الآخر.
وعن علي رضي الله عنه: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله.
17 - بكر بن عبد الله المزني (2): المستغني عن الدنيا بالدنيا
__________
(1) الحسن: هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو محمد (50هـ 670م) خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم وثاني الأئمة الأثني عشر عند الإمامية. ولد في المدينة المنورة وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو أكبر أولادها وأوّلهم. كان عاقلا حليما محبا للخير فصيحا من أحسن الناس منطقا وبديهة. قيل:
كان معاوية يوصي أصحابه باجتناب محاورة رجلين هما: الحسن بن علي وعبد الله بن عباس لقوة بداهتهما. حجّ عشرين حجة ماشيا. توفي مسموما. كانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام وإليه نسبة الحسنيين كافة. كان نقش خاتمه: «الله أكبر وبه أستعين» توفي منه 50هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 295.
(2) بكر بن عبد الله المزني:
كان من خيار التابعين يعيش عيش الأغنياء ويجالس الفقراء والمساكين. روى الحديث وسمع من أنس بن مالك وابن عمر وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن معقل، ومعقل بن يسار. حلية الأولياء 2: 422.(1/29)
كالمطفي النار بالتبن.
18 - إبراهيم بن اسماعيل (1): العجب لمن يغتر بالدنيا وإنما هي عقوبة ذنب.
19 - الأصمعي (2): سمعت أبا عمرو بن العلاء (3) يقول: كنت أدور في ضيعة لي سمعت من يقول:
وإن امرأ دنياه أكبر همّه ... لمستمسك منها بحبل غرور (4)
فجعلته نقش خاتمي.
20 - ناسك: صاحب الدنيا مسكين يأكلها لمّا، ويوسعها ذما.
21 - الحسن: قال: لرجل كيف طلبك للدنيا؟ قال: شديد.
قال: فهل أدركت منها ما تريد؟ قال: لا. قال: فهذه التي تطلبها لم
__________
(1) إبراهيم بن إسماعيل:
ذكر في تذكرة الحفاظ 2: 243واللباب 1: 73على أنه من حفاظ الحديث توفي في طوس نحو سنة 290هـ وله مسند كبير. وهناك أكثر من علم بهذا الاسم.
(2) الأصمعي:
هو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان. نسبته إلى جدّه أصمع. مولده ووفاته في البصرة.
كان كثير التطواف في البوادي يقتبس علومها ويتلقى أخبارها ويتحف بها الخلفاء فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. كان الرشيد يسمّيه شيطان الشعر. تصانيفه كثيرة. توفي سنة 216هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 162وابن خلكان 1: 288.
(3) أبو عمرو بن العلاء:
هو زبّان بن عمار التميمي المازني البصري. من أئمة اللغة والأدب وأحد القرّاء السبعة. ولد بمكة ونشأ بالبصرة ومات بالكوفة. قال الفرزدق:
ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمّار
قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر، وكانت عامة أخباره عن أعراب أدركوا الجاهلية. توفي سنة 154هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 41وفوات الوفيات 1: 164وابن خلكان: 1: 386والذريعة 1: 318.
(4) وفي نسخة:
وإن الذي يعطي رياء وسمعة ... كمثل الذي صلّى بغير طهور(1/30)
تدرك منها ما تريد فكيف التي لم تطلبها؟ (1).
22 - أعرابي: أطيب الزمان ما قرت به العينان.
23 - وهب (2): بينما ركب يسيرون هتف بهم هاتف (3):
ألا إنما الدنيا مقيل لرائح ... قضى وطرا من حاجة ثم هجرا
24 - قيل لحكيم: ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقل من أن يكون لها مثل.
25 - أعرابي: خرجت في ليلة حندس (4) قد ألقت على الأرض أكارعها (5)، فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالأذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض ضبعيه (6).
26 - قال رجل:
تطاول الليل لا تسرى كواكبه ... أم حار حتى رأيت النجم حيرانا
__________
(1) في نسخة:
ومنه أخذ أبو هلال العسكري:
أراك تطلب دنيا لست تدركها ... فكيف تدرك أخرى لست تطلبها
والحسن هو الحسن البصري الذي تقدّمت ترجمته.
(2) وهب:
هو وهب بن منبه الأبناوي الصنعاني الذماري، أبو عبد الله مؤرخ، كثير الأخبار عن الكتب القديمة، عالم بأساطير الأولين ولا سيما الإسرائليات. يعد في التابعين.
أصله من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن. أمّه من حمير. ولد ومات بصنعاء وولّاه عمر بن عبد العزيز قضاءها. وفي «طبقات الخواص» أنه صحب ابن عباس ولازمه ثلاث عشرة سنة. توفي سنة 114هـ. راجع ترجمته في شذارات الذهب 1: 150وابن سعد 5: 395والأعلام 8: 125.
(3) كانت الهواتف قد كثرت في العرب، وكان أكثرها أيام ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإن من حكم الهواتف أن تهتف بصوت مسموع وجسم غير مرئي. راجع أخبار الهواتف عند العرب في المستطرف للأبشيهي الباب التاسع والخمسون.
(4) ليلة حندس: ليلة شديدة الظلام.
(5) الأكارع: الأطراف.
(6) الضبع: ما بين الأبط إلى نصف العضد وهما ضبعان.(1/31)
فأجابه آخر:
ما طال ليل ولا حارت كواكبه ... ليل المحب طويل كيف ما كانا
27 [قال شاعر]:
كأنما الليل الطويل بها ... قصرا وطيبا قبلة الخلس (1)
28 - علي بن عبيدة (2): عين الدهر تطرف بالمكاره والخلائق بين أجفانه.
29 - قيل لراهب: متى عيدكم؟ قال: كل يوم لا أعصي الله فيه فهو يوم عيد.
[و] قيل لزاهد: أي خلق الله أصغر؟ قال: الدنيا إذ كانت لا تعدل عنده جناح بعوضة. فقال السائل: ومن عظم هذا الجناح كان أصغر منه.
30 - أراد بعض الأعراب السفر في أول السنة فقال: إن سافرت في المحرم كنت جديرا أن أحرم، وإن رحلت في صفر خشيت على يدي أن تصفر، فأخر السفر إلى شهر ربيع. فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل، فقال: ظننته من ربيع الرياض فإذا هو من ربع (3) الأمراض.
31 [شاعر]:
وإن امرأ قد جرب الدهر لم يخف ... تقلّب عصريه لغير لبيب
__________
(1) خلس الشيء خلسا: سلبه بمخاتلة وعاجلا. والخلسة: الفرصة المناسبة.
(2) علي بن عبيدة:
هو علي بن عبيدة الريحاني، كاتب من البلغاء الفصحاء. كان له اختصاص بالمأمون العباسي. صنّف كتبا سلك بها نهج الحكمة واتهم بالزندقة. له مع المأمون أخبار. من كتبه «المعاني» و «الخصال» و «صفة العلماء» و «الأجواد». توفي سنة 219هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 310والنجوم الزاهرة 2: 231.
(3) ربع الأمراض: هي ما نسميه اليوم مرض الملاريا. والرّبع في الحمى: إتيانها في اليوم الرابع، وذلك أن يحمّ يوما ويترك يومين لا يحمّ ويحمّ في اليوم الرابع، وهي حمّى ربع وقد ربع الرجل فهو مربوع ومربع. اللسان مادة ربع.(1/32)
32 [آخر]:
الآن أدبني الزمان ومن يكن ... مستمليا أخباره يتأدب
33 [آخر]:
الدهر لم تركد رحاه ساعة ... متلون ذو ألسن ووجوه
34 [آخر]:
يقولون إن العام أخلف نوؤه (1) ... وما كل عام روضة وغدير
35 - عن أبي زيد الأنصاري (2): دخلت على أبي الدقيش (3) وهو مريض، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا
__________
(1) النوء: النوء سقوط نجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق. والأنواء ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلّها. يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته وكلاهما معلوم مسمّى. وانقضاء هذه الثمانية والعشرين كلها مع انقضاء السنة. ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول مع استئناف السنة المقبلة. وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا: لا بدّ من أن يكون عند ذلك مطر أو رياح فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم فيقولون مطرنا بنوء الثريا أو الدبران أو السماك
وهذه الأنواء هي منازل القمر ينزل كل ليلة في منزلة منها وهي السرطان، والبطين، والنجم، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطّرف، والجبهة، والخراثان، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانى، والاكليل، والقلب، والشولة والنعائم، والبلدة، وسعد الذبائح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، والحوت. وكما يقال مطرنا بنوء كذا، يقال: سقينا بنوء كذا.
(2) أبو زيد الأنصاري: هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري (215هـ 830م) أحد أئمة الأدب واللغة، من أهل البصرة ووفاته بها. كان يرى رأي القدرية وهو من ثقات اللغويين. الأعلام 3: 92.
(3) أبو الدقيش: من الأعراب الذين كانوا يقصدون البصرة ويتصلون بعلماء اللغة فيسألهم هؤلاء عن غريبها. راجع تاج العروس مادة دقش.(1/33)
أجد، وأنا في زمان سوء من وجد لم يجد، ومن جاد لم يجد.
36 - قيل للحسن (1): يا أيا سعيد أما رويت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار خلقه؟ قال: بلى قيل فما بال زمن عمر بن عبد العزيز (2)؟ قال: لا بد للناس من تنفيس.
37 [شاعر]:
قد اغتدي والليل في حريمه ... معكسرا في الغر من نجومه (3)
والصبح قد نشم في أديمه ... يدعه بضفتي حيزومه (4)
دع الوصي في قفا يتيمه
38 - الجاحظ (5): يوم النيروز (6) أسن من يوم المهرجان (7) بعمر طويل، لأن النيروز قبل الطوفان في ملك جم (8)، وهو اليوم الذي ابتدأ فيه
__________
(1) الحسن: هو الحسن البصري، تقدمت ترجمته.
(2) عمر بن عبد العزيز أبو حفص، الخليفة الصالح، والملك العادل، من ملوك الدولة المروانية الأموية بالشام. ولي الخلافة بعهد من سليمان سنة 99هـ وسكن الناس في أيامه، فمنع سبّ الإمام علي بن أبي طالب (وكان من تقدمه من الأمويين يسبونه على المنابر). توفي سنة 101هـ. راجع ترجمته في الأعلام 5: 50وفوات الوفيات 2: 105والشذرات 1: 119.
(3) النجوم الغر: المتلألئة. والأغر: الأبيض الوجه.
(4) يقال: نشم الثور أي كان فيه نقط سود ونقط بيض فهو نشم. وأديم الليل. ظلمته.
والحيزوم: وسط الصدر والجمع حيازم وحيازيم.
(5) الجاحظ: هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ توفي سنة 255هـ كبير أئمة الأدب ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة.
مات والكتاب على صدره. الأعلام 5: 74.
(6) النيروز والنوروز عند الفرس: أول يوم من السنة الشمسية وهو يوم الفرح عموما. من عادة عوام الفرس فيه رفع النار في ليلته ورش الماء في صبيحته وللملوك فيه عادات.
(7) المهرجان: اسم عيد من أعياد الفرس، يقع في السادس والعشرين من تشرين الأول من شهور السريان، وفي السادس عشر من شهور الفرس، وهذا الأوان وسط زمان الخريف وهو ستة أيام ويسمون اليوم السادس المهرجان الأكبر.
(8) جم: أحد ملوك الفرس الأوائل.(1/34)
في كيس موضع بأصبهان (1) كان عميقا جدا، كل من وقع فيه لم يقدر على الخروج منه، والمهرجان في زمان أفريدون (2)، وهو اليوم الذي قيد فيه الضحاك (3) في جبل دنياند فاتخذه عيدا.
39 - أبو السمط (4) في المتوكل (5):
__________
(1) أصبهان: مدينة من مدن فارس المشهورة. منهم من يفتح الهمزة، ومنهم من يكسرها. راجع معجم البلدان 4: 206.
(2) أفريدون: هو أفريدون بن أثغيان، وهو من ولد جمشيد. وقد زعم بعض نسّابة الفرس أن نوحا هو أفريدون الذي قهر الضحّاك وسلبه ملكه، وزعم بعضهم أن أفريدون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم الذي ذكره الله في كلامه العزيز. أمّا باقي نسّابة الفرس فإنهم ينسبون أفريدون إلى جمشيد الملك، وكان بينهما عشرة آبء كلهم يسمّى أثغيان خوفا من الضحاك. وأفريدون أول من ذلّل الفيلة وامتطاها ونتج البغال واتخذ الإوزّ والحمام وعمل الترياق وردّ المظالم وأمر الناس بعبادة الله والإنصاف والإحسان وردّ على الناس ما كان الضحاك غصبه من الأرض، وهو أول من نظر في علم الطبّ. ولم يزل أفريدون يتبع من بقي بالسواد من آل نمرود والنبط وغيرهم حتى أتى على وجودهم ومحا أعلامهم وكان ملكه خمسمائة سنة.
(3) الضحّاك: هو بيوراسب وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك. وأهل اليمن يدّعون أن الضحاك منهم. وأنه أول الفراعنة، كان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل، والفرس تذكر أنه منهم. زعم أهل الأخبار أنه كان ساحرا فاجرا. قال هشام ابن الكلبي: ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون، والله أعلم، ألف سنة نزل السواد في قرية يقال لها برس قرب الكوفة وسار بالجور والعسف، وبسط يده في القتل، وكان أول من سنّ الصلب والقطع، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم وأول من تغنىّ وغنّي له. قال: وبلغنا أن الضحاك هو نمرود، وأن إبراهيم، عليه السّلام، ولد في زمانه. وتزعم الفرس أن الضحاك كان غاصبا، غصب أهل الأرض بسحره وخبثه وهوّل عليهم بالحيّتين اللّتين كانتا على منكبيه، قيل إنهما لحمتان طويلتان كانتا تضطربان فيذبح من أجلهما الصبيان فتسكنان. راجع أخباره في الكامل في التاريخ لابن الأثير 1: 74.
(4) أبو السمط:
هو مروان بن يحيى (أبي الجنوب) بن مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة توفي نحو 240هـ وال، من الشعراء. يلّقب غبار العسكر لبيت قاله، ويعرف بمروان الأصغر تمييزا له عن جدّه. قال المرزباني: سلك سبيل جدّه في الطعن على آل الإمام علي بن أبي طالب مع قلّة حظه من جيّد الشعر. حسنت حاله عند المتوكل فنادمه وقلّده المتوكل اليمامة والبحرين وطريق مكة. مدح المأمون والمعتصم والواثق. الأعلام 7: 209والمزرباني 399وابن خلكان 2: 90.
(5) المتوكل: هو جعفر (المتوكل على الله) بن محمد (المعتصم بالله) بن هارون الرشيد أبو الفضل توفي سنة 247هـ خليفة عباسي. بويع بعد وفاة أخيه الواثق سنة 232هـ.
الأعلام 2: 127.(1/35)
بدولة جعفر حسن الزمان ... لنا في كل يوم مهرجان
جعلت هويتي لك فيه وشيا ... وخير الوشي ما نسج اللسان
40 - جحظة البرمكي (1):
وليل في كواكبه حران ... فليس لطول مدته انتهاء (2)
عدمت تبلج الإصباح فيه ... كأن الصبح جود أو وفاء (3)
41 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أصبحت الدنيا همه وسدمه (4) نزع الله الغنى من قلبه، وصيّر الفقر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن أصبحت الآخرة همه وسدمه نزع الله الفقر من قلبه، وصير الغنى نصب عينيه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
42 - مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرتان، إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
43 - المسيح عليه السّلام: أنا الذي كفأت الدنيا على وجهها، فليس لي
__________
(1) جحظة البرمكي:
هو أحمد بن جعفر بن موسى بن الوزير يحيى بن خالد بن برمك، أبو الحسن توفي سنة 324هـ: نديم أديب مغن، من بقايا البرامكة، من أهل بغداد، كان في عينيه نتوء فلقبه ابن المعتز بجحظة فلزمه اللقب. كان كثير الرواية للأخبار متفننا في فنون العلم. الأعلام 1: 107ومعجم الأدباء 1: 383وابن خلكان 1: 41.
(2) حرن بالمكان: لزمه ولم يفارقه. وحرن البغل: وقف ولم ينقد، وحران الكواكب:
كناية عن طول الليل.
(3) بلج الصبح: أشرق وأضاء.
(4) السّدم: الحزن والهمّ.(1/36)
زوج تموت، ولا بيت يخرب.
44 - وهب بن منبه: الدنيا غنيمة الأكياس (1)، وحسرة الحمقى.
45 - يحيى بن معاذ (2): الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئا فيجيء في طلبك فيأخذك.
وعنه: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
46 - النبي عليه السّلام: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه.
47 - علي بن الحسين السجاد (3): الدنيا سبات (4)، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث (5).
__________
(1) كاس يكيس كيسا وكياسة: ظرف وفطن. الكيس: العقل والظرف والفطنة.
(2) يحيى بن معاذ: أبو زكريا، واعظ، زاهد، من أهل الريّ. أقام ببلخ ومات في نيسابور سنة 258هـ من كلماته السائرة:
اجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس: العلماء الغافلين، والقراء المداهنين، والمتصوّفة الجاهلين. الأعلام 8: 172وصفة الصفوة 4: 71وطبقات الصوفية 114107.
(3) علي بن الحسين السجّاد:
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الملقب بزين العابدين:
رابع الأئمة الأثني عشر عند الإمامية، يضرب به المثل في الحلم والورع. أحصي بعد موته عدد من كان يقوتهم سرا، فكانوا نحو مئة بيت. قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السرّ إلّا بعد موت زين العابدين. وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين معاشهم ومآكلهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلا إلى منازلهم توفي سنة 94هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 277والوفيات: 1: 320وابن سعد 5: 156وصفة الصفوة 2: 52.
(4) السبات: النوم أو أوّله.
(5) الضغث من الخبر والأمر: ما كان مختلطا لا حقيقة له والجمع أضغاث. وأضغاث أحلام: أي أحلام مختلطة ملتبسة لا يصحّ تأويلها لاختلاطها. وكلام ضغث: لا خير فيه.(1/37)
48 - كان الحسن (1) يتمثل كثيرا بقول نهشل بن حري (2):
وما الدنيا بباقية لحي ... ولا حي على الحدثان باقي
49 - قيل لمحمد بن واسع (3) إنك لترضى بالدون (4). قال إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا.
50 - فرقد (5): اتخذوا الدنيا ظئرا (6)، واتخذوا الآخرة أما، ألم تروا إلى الصبي إذا ترعرع وعقل رمى بنفسه على أمه، وترك ظئره.
51 - هرم بن حبّان (7): ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم، ولا عصى
__________
(1) الحسن: هو الحسن البصري:
(2) نهشل بن حري: نحو 45هـ نحو 665م.
هو نهشل بن حري بن ضمرة الدارمي، شاعر مخضرم. أسلم ولم ير النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحب الإمام علي في حروبه. كان من خير بيوت بني دارم. الأعلام 8: 49.
(3) محمد بن واسع: 132هـ 741م.
هو محمد بن واسع بن جابر الأزدي، أبو بكر: فقيه ورع من الزهاد، من أهل البصرة، عرض عليه قضاؤها فأبى. من ثقات أهل الحديث. قال الأصمعي: لما صافّ قتيبة بن مسلم الترك وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة ينضنض بإصبعه نحو السماء، قال: تلك الأصبع أحب إليّ من مئة ألف سيف. توفي سنة 123هـ. راجع ترجمته في الأعلام 7: 133وتهذيب التهذيب 9: 499وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 161159.
(4) الدون: القليل.
(5) فرقد:
هو فرقد السبخي، أبو يعقوب، من رواة الحديث الزهّاد. كان معاصرا للحسن البصري، يحسن قراءة التوراة توفي سنة 131هـ. راجع ميزان الإعتدال 3: 345.
(6) الظئر: المرضعة العاطفة على ولد غيرها والجمع أظؤر وظؤار
(7) هرم بن حبان: بعد 26هـ بعد 647م.
هو هرم بن حبان العبدي الأزدي، من بني عبد القيس، قائد، فاتح، من كبار النسّاك من التابعين. كان أمير بني عبد القيس في الفتوح. ولي بعض الحروب في أيام عمر وعثمان بأرض فارس. حاصر «بوشهر» سنة 18ودخلها. بعثه عثمان بن أبي العاص أمير البحرين إلى قلعة بجرة (قلعة الشيوخ) فافتتحها عنوة سنة 26. مات في إحدى غزواته توفي بعد سنة 26هـ. راجع الأعلام 8: 82.(1/38)
الله كريم.
52 [شاعر]:
ولم أر مثل الليل جنّة فاتك ... إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك (1)
53 [آخر]:
ماذا يريني الليل من أهواله ... أنا ابن عم الليل وابن خاله (2)
إذا دجا دخلت في سرباله ... لست كمن يغرق من خياله (3)
54 - يزيد الرقاشي (4): أيامك ثلاثة، يومك الذي ولدت فيه، ويوم نزولك قبرك، ويوم خروجك إلى ربك، فياله من يوم قصير خبىء له يومان طويلان.
55 - اجتمعت عند رابعة (5): عدة من الفقهاء والزهاد، فذموا الدنيا، وهي ساكتة، فلما فرغوا قالت لهم: من أحب شيئا أكثر من ذكره، إمّا بحمد وإما بذم، فإن كانت الدنيا في قلوبكم لا شيء فلم تذكرون لا شيء؟.
56 [شاعر]:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر (6)
__________
(1) الجنّة: السّترة والجمع جنن.
(2) قوله: أنا ابن عم الليل وابن خاله: كناية عن شدة بأسه واعتداده بنفسه.
(3) دجا الليل: أظلم.
(4) يزيد الرقاشي: 161هـ.
هو يزيد بن أبان الرقاشي البصري، أبو عمرو، من زهاد البصرة ويعدّ من التابعين.
راو عابد. ميزان الإعتدال 4: 418.
(5) رابعة:
هي رابعة بنت إسماعيل العدوية، أم الخير، مولاة آل عتيك، البصرية: صالحة مشهورة. لها أخبار في العبادة والنسك ولها شعر. توفيت بالقدس سنة 135هـ. قال ابن خلّكان: وقبرها يزار وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى الطور الأعلام 3: 10ووفيات الأعيان 1: 182والدرّ المنثور 202.
(6) ضاره الأمر يضيره ضيرا: أضرّ به.(1/39)
57 - كان زبيد اليامي (1) وعلقمة (2) وجماعة من الزهاد إذا كان يوم النيروز أو المهرجان إعتكفوا في مساجدهم، وقالوا: اللهم إن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم وجورهم، اللهم وإنا اعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا.
58 - أهدى النعمان بن المرزبان جد أبي حنيفة الفالوذج إلى علي رضي الله عنه يوم النيروز، فقال: نورزونا كل يوم. وقيل يوم المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم.
59 - داوود الطائي (3): إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة بعد مرحلة، حتى تنتهي بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب، والأمر أعجل من ذاك، وكأنك قد بغتك.
وعنه: لا تمهر الدنيا دينك، فأن من أمهر الدنيا دينه زفت إليه الندم.
وسأله رجل أراد أن يتعلم الرمي، فقال: إن الرمي حسن، ولكنها أيامك فانظر بم تقطعها.
__________
(1) زبيد اليامي:
هو زبيد بن الحارث اليامي. تابعي، محدّث ثقة، فيه تشيّع توفي سنة 126هـ.
راجع ميزان الإعتدال 2: 66.
(2) علقمة:
هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمداني. تابعي، كان فقيه العراق. ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وروى الحديث عن الصحابة ورواه عنه كثيرون.
توفي بالكوفة سنة 62هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 276وتذكرة الحفاظ 1: 45.
(3) داود الطائي:
هو داود بن نصير الطائي، أبو سليمان، من أئمة المتصوفين. كان في أيام المهدي العباسي. أصله من خراسان ومولده بالكوفة. أخذ عن أبي حنيفة وغيره. اعتزل في آخر أيامه الناس ولزم العبادة إلى أن مات سنة 165هـ. له أخبار مع أمراء عصره وعلمائه. الأعلام 2: 335ووفيات الأعيان 1: 177. وحلية الأولياء 7: 335.(1/40)
60 - الثوري (1): إذا أردت أن تعرف الدنيا، فانظر في يد من هي.
61 - عمر بن ذر الهمداني (2): أمس واليوم أخوان نزل بك أحدهما، فأسات نزله وقراه (3) فرحل عنك وهو ذام، ثم نزل بك أخوه، فقال: إمح إساءتك إلى أخي بإحسان إلي، فما أخلقك إن ألحقتني في الإساءة بأخي إن تعطب بشهادتنا عليك.
62 - محمد بن سوقة (4): مثل الدنيا والآخرة ككفتي الميزان بقدر ما ترجح إحداهما تخف الأخرى.
63 [شاعر]:
صبحتهم والفجر ينفض رأسه ... قد همّ بالأسفار أو لم يسفر
والليل منهزم الظلام يشلّه ... ضوء كناصية الحصان الأشقر (5)
64 - البعيث (6):
__________
(1) الثوري:
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله. أمير المؤمنين في الحديث.
كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. راوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم فأبى. ثم طلبه المهدي فتوارى. مات في البصرة مستخفيا سنة 161هـ. من كلامه: ما حفظت شيئا فنسيته. راجع الأعلام 3: 104وابن النديم 1: 225وابن سعد 6: 257.
(2) عمر بن ذر الهمداني:
هو عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني المرهبي، من رجال الحديث، من أهل الكوفة. كان رأسا في الإرجاء فاختلفوا في صحة حديثه. توفي سنة 153هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 444والأعلام 5: 46.
(3) القرى: طعام الضيف.
(4) محمد بن سوقة: من أتباع التابعين في الكوفة. كان تاجرا يبيع الخزّ. راجع تاج العروس مادة سوق، وحلية الأولياء 5: 3.
(5) الناصية: شعر مقدّم الرأس إذا طال جمع نواص وناصيات. ونواصي الناس:
أشرافهم.
(6) البعيث:
هو خداش بن بشر بن خالد، أبو زيد التميمي، خطيب، شاعر، من أهل البصرة. كانت بينه وبين جرير مهاجاة دامت نحو أربعين سنة. توفي بالبصرة سنة 134هـ. راجع الأعلام 2: 302.(1/41)
تطاول هذا الليل حتى كأنه ... إذا ما مضى تثنى عليه أوائله
65 - ابن الدمينة (1):
نهاري نهار الناس حتى إذا دنا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالأحاديث والمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع (2)
66 - ابن دريد (3):
يا ليل لا تبح الإصباح حوزتنا ... ولتحم جانبه أعناقك السود (4)
67 - بنى ملك من بني إسرائيل مدينة فتنوّق (5) في بنائها، ثم صنع
__________
(1) ابن الدمينة:
هو عبد الله بن عبيد الله بن أحمد، من بني عامر بن تيم الله، من خثعم، أبو السريّ، والدمينة أمّه، شاعر بدوي من أرق الناس شعرا. أكثر شعره الغزل والنسيب والفخر، وهو من شعراء العصر الأموي. اغتاله مصعب بن عمرو السلولي وهو عائد من الحج في تبالة سنة 130هـ. له ديوان شعر. الأعلام 4: 102.
(2) البيتان من قصيدة مطلعها:
أقمت على زمّان يوما وليلة ... لأنظر ما واشي أميمة صانع
والبيت الثاني جاء أولا في الأغاني وروايته:
أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ...
ورواية البيت الأول في الأغاني:
نهاري نهار الناس حتى إذا دنا ... لي الليل هزّتني إليك المضاجع
راجع الأغاني 17: 105.
(3) ابن دريد:
هو محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، أبو بكر، من أئمة اللغة والأدب. كانوا يقولون: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء. وهو صاحب المقصورة التي مدج بها آل ميكال. اتصل بالمقتدر العباسي فأجرى عليه في كل شهر خمسين دينارا فأقام في بغداد إلى أن توفي سنة 321هـ. الأعلام 6: 80.
(4) الحوزة: الناحية.
(5) تنوّق في ملبسه أو مطعمه أو أموره: تجوّد فيها وتأنّق.(1/42)
للناس طعاما، ونصب على باب المدينة من يسأل عنها، فلم يعبها أحد، إلا ثلاثة عليهم الأكسية، فأنهم قالوا: رأيا عيبين، فسألهم، فقالوا:
تخرب ويموت صاحبها. فقال: هل تعلمون دارا تسلم من هذين العيبين؟
قالوا: نعم، الآخرة، فخلى ملكه وتعبد معهم زمانا، ثم ودعهم، فقالوا: هل رأيت منا ما تكرهه؟ قال: لا، ولكن عرفتموني فأنتم تكرمونني، فأصحب من لا يعرفني.
68 - ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها.
69 - مجاهد (1): ما من يوم من أيام الدنيا يمضي إلا قال: الحمد لله أراحني من الدنيا وأهلها، ثم يطوى ويختم حتى يكون الله هو الذي يفض خاتمه.
70 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا عظمت أمتي الدنيا نزع منها هيبة الإسلام.
71 - الفضيل (2): لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حلالا لا أحاسب عليها في الآخرة، لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها، يخاف أن تعيب ثوبه.
وعنه: تجيء الدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها وبهجتها، فتقول:
يا رب اجعلني لأخس عبادك. فيقول: لا أرضاك له دارا، لست بشيء، فكوني هباء منثورا.
__________
(1) مجاهد: 104هـ 722م.
هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم، تابعي مفسّر من أهل مكة، أخذ التفسير عن ابن عباس. يقال إنه مات وهو ساجد. الأعلام 5: 278.
(2) الفضيل:
هو الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي، أبو علي. شيخ الحرم المكي، من أكابر العباد الصلحاء. كان ثقة في الحديث، أخذ عنهم خلق منهم الإمام الشافعي، توفي بمكة سنة 187هـ. من كلامه: من عرف الناس استراح.
الأعلام 5: 153.(1/43)
وعنه: لو كانت لك، فقيل: دعها ويوسع لك في قبرك أما كنت فاعلا؟ أو قيل لك: دعها وتسقى شربة في عطش يوم القيامة، أما كنت فاعلا؟.
وعنه: جمع الخير كله في بيت، جعل مفتاحه الزهد في الدنيا.
وجمع الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا.
وعنه: لأن أطلب الدنيا بالطبل والمزمار أحب إلي من أن أطلبها بديني.
وعنه: لأن يطلب الرجل الدنيا بأقبح ما تطلب به أحسن من أن يطلبها بأحسن ما تطلب به الآخرة.
72 - في الحديث: قال الله تعالى يا دنيا مرّي لعبدي المؤمن، ولا تحلولي (1) له.
73 - كان ابن عيينة (2) يتمثل بهذين البيتين:
دنيا تناولها العباد ذميمة ... شيبت بأكره من نقيع الحنظل (3)
وبنات دهر لا تزال صروفها ... فيها وقائع مثل وقع الجندل (4)
74 - احتضر عابد فقال: ما تأسّفي على دار الأحزان والهموم
__________
(1) أحلولى الشيء وتحلّى واستحلى: وجده حلوا. واحلولى الشيء: صار حلوا.
(2) ابن عيينة: 198هـ 184م.
هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي، أبو محمد، محدّث الحرم المكي، من الموالي. كان حافظا ثقة، واسع العلم، كبير القدر. كان أعور وحجّ سبعين سنة. له «الجامع» في الحديث، وكتاب في التفسير. الأعلام 3: 105.
(3) الحنظل: نبات يمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ لكنه أصغر منه جدا، ويضرب المثل بمرارته.
(4) بنات الدهر: كناية عن المصائب. قال المتنبي في وصف الحمّى:
أبنت الدهر عندي كلّ بنت ... فكيف وصلت أنت من الزحام
وصروف الدهر: نوائبه. والجندل: الصخر القاسي.(1/44)
والخطايا والذنوب، وإنما تأسّفي على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله.
75 - إبراهيم بن أدهم (1): فرغ قلبك من ذكر الدنيا، يفرغ عليك الرضا إفراغا.
76 [شاعر]:
هذه الدنيا وإن سرّ ... ت قليلا من قليل
إنما العيش جوار الل ... هـ في ظل ظليل
حيث لا تسمع ما يؤ ... ذيك من قال وقيل
77 - كفاك منغصا (2) للدنيا أن الله يعصى فيها.
78 - وقفت أعرابية على قوم فقالت: تيسروا للقاء الله فإن هذه الأيام تدرجنا أدارجا (3).
79 - إسماعيل بن عبد الله القسري: اعتذر إليّ رجل في آخر يوم من شعبان فقال: والله فإني في غبرة (4) يوم عظيم، وتلقاء ليلة تغبر على أيام عظام، ما كان ما بلغك.
__________
(1) إبراهيم بن أدهم:
هو إبراهيم بن أدهم بن منصور التميمي البلخي أبو إسحاق، زاهد مشهور. كان يلبس في الشتاء فروا لا قميص تحته ولا يتعمّم في الصيف ولا يحتذي، يصوم في السفر والإقامة وينطق بالعربية الفصحى لا يلحن. كان إذا حضر مجلس سفيان الثوري وهو يعظ أوجز سفيان في كلامه مخافة أن يزل. أخباره كثيرة فيها اضطراب.
توفي سنة 161هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 2: 197والبداية والنهاية 10: 135والأعلام 1: 31.
(2) نغّص الله عليه العيش، ونغّص عيشه: كدّر عيشه. والنغصة: ما يمنع من تتميم المراد.
(3) درج القوم واندرجوا: انقرضوا وماتوا. ويقال: درج ودرّج وأدرج الكتاب: طواه ولّفه.
(4) الغبر، جمع غبرات: البقية من الشيء.(1/45)
80 - الموصلي (1): قال لي جعفر بن يحيى البرمكي (2): بكرّ عليّ فقلت: أنا والصبح فرسا رهان (3).
81 - المستورد (4): عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم ترجع.
82 - خطب الحجاج (5) فقال: إن الله أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا مؤونة الدنيا، فليته كفانا مؤونة الآخرة، وأمرنا بطلب الدنيا، فقال الحسن (6): ضآلة المؤمن عند فاسق فليأخذها.
__________
(1) الموصلي:
هو إبراهيم بن ماهان (أو ميمون) بن بهمن. الموصلي التميمي بالولاء، أبو إسحاق النديم. أوحد زمانه في الغناء واختراع الألحان. شاعر، من ندماء الخلفاء. فارسي الأصل من بيت كبير في العجم. جعله هارون الرشيد من ندمائه وخاصته. مرض في بغداد فعاده الرشيد. أخباره كثيرة في كتب الأدب وخاصة في الأغاني. كان ينظم الأبيات ويلحّنها ويغّنيها توفي سنة 188هـ. راجع ترجمته في الأعلام 1: 58.
(2) جعفر بن يحيى البرمكي:
هو جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، أبو الفضل، وزير الرشيد العباسي، واحد مشهوري البرامكة ومقدميهم. كان هارون الرشيد يدعوه: أخي. فانقادت له الدولة يحكم بما يشاء فلا ترد أحكامه إلى أن نقم الرشيد على البرامكة نقمته المشهورة فقتله في مقدمتهم سنة 187هـ ثم أحرق جثّته بعد سنة. الأعلام 2: 130وراجع مقدمة كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد» طبعة دار الفكر اللبناني.
(3) قوله: أنا والصبح فرسا رهان: كناية عن السرعة. أي أنه سيبكّر عليه قبل طلوع الصباح.
(4) المستورد:
هو المستورد بن شداد بن عمرو القرشي الفهري: صحابي، من أهل مكة، سكن الكوفة مدّة وشهد فتح مصر وتوفي بالإسكندرية، له سبعة أحاديث منها حديثان في صحيح مسلم. توفي سنة 45هـ. راجع ترجمته في الأعلام 7: 215والإصابة ت 7930.
(5) الحجاج:
هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو محمد: قائد، داهية، سفّاك، خطيب. كان في شرطة روح بن زنباع ثم ولّاه عبد الملك بن مروان أمر عسكره فقتل عبد الله بن الزبير ثم ولّاه عبد الملك على مكة والمدينة والطائف ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيه فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة. بنى مدينة واسط ومات فيها. أخباره كثيرة متفرقة في كتب الأدب والتاريخ توفي سنة 95هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 168وابن عساكر 4: 48والمسعودي 2: 119103.
(6) الحسن: هو الحسن البصري. تقدمت ترجمته.(1/46)
83 - أبو العتاهية (1):
أصبحت والله في مضيق ... هل من دليل على الطريق
أف لدنيا تلعّبت بي ... تلعّب الموج بالغريق
84 - كان علي رضي الله عنه يتمثل:
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع (2)
85 - أنس (3) رضي الله عنه: إن الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي (4) ليجزي.
__________
(1) أبو العتاهية:
هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي (من قبيلة عنزة) بالولاء، أبو إسحاق: شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع. يعدّ من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. أشتهر في الزهد والحكمة. اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم. توفي سنة 211هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 309 والذريعة 1: 318.
(2) فرج الشيء فرجا وفرّجه: فتحه. والفروجة الواحدة منها التفرجة: الفتحة بين الإصبعين. وفروج الأصابع: فتحاتها.
(3) أنس:
هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم البخاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة أو أبو حمزة. صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخادمه. روى عنه رجال الحديث 2286حديثا وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة. توفي سنة 93هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7: 10.
(4) يبتلي: يختبر.(1/47)
86 - الحسن: أهينوا الدنيا فأنها أهنأ ما تكون لكم أهون ما تكون عليكم.
87 - ابن عيينه (1): أوحى الله إلى الدنيا: من خدمك فأتعبيه، ومن خدمني فاخدميه.
88 - قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إذا جعت ضعفت، وإذا شبعت وقع على البهر (2) فقال: يا ابن أخي، هذه دار ليست توافقك، فاطلب دارا غيرها.
89 - علي رضي الله عنه: الدنيا دار ممر إلى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها (3)، ورجل ابتاعها فأعتقها (4).
وعنه: أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل (5) فيه المنايا، مع كل جرعة شرق (6)، وفي كل أكلة غصص، لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى.
90 - أنس، رفعه (7): إن الله يعطي الدنيا على نية الآخرة ولا يعطي الآخرة على نية الدنيا
91 - علي بن الحسين: من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن
__________
(1) ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة. تقدمت ترجمته.
(2) بهر وانبهر: انقطع نفسه من السعي الشديد فهو بهير ومبهور. والبهر: انقطاع النفس من الاعياء ويقال: بهرا له: أي نفسا له.
(3) أوبق النفس: أهلكها. يقال: فلان يركب الموبقات: أي المهالك. ويفعل الموبقات: أي المعاصي.
(4) أعتق النفس: أصلحها وأخرجها من الرق والعبودية.
(5) تنتضل: تتبارى. ونضله نضلا: سبقه وغلبه في النضال وباراه في رمي السهام.
(6) شرق: غصّة.
(7) قوله: أنس، رفعه: أراد أنس بن مالك، ورفعه: أي رفع الحديث ونسبه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.(1/48)
زكريا (1) أهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل في طست (2) من ذهب. فيه (3) تسلية لحر فاضل يرى الناقص الدنيء يظفر من الدنيا بالحظ السني، كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة.
92 - سئل زاهد عن الدنيا فقال: جمة (4) المصائب، رنقة (5)
المشارب، لا تمتع صاحبا بصاحب.
93 - علي رضي الله عنه: وإن جانب منها أعذوذب (6) وحلا، أمر منها جانب فأوبأ (7).
94 - ثابت بن معبد (8): الدنيا كذنب العقرب في آخرها سمها وحمتها (9).
95 - المأمون (10): لو سئلت الدنيا عن نفسها، لما وصفتها إلا بما قال أبو نواس (11):
__________
(1) يحيى بن زكريا، والنصارى تسميه يوحنّا المعمدان: هو النبي يحيى بن زكريا عليه السّلام.
(2) الطست: إناء من نحاس لغسل الأيدي والجمع طسوت.
(3) قوله «فيه»: الضمير يعود على الخبر المروي.
(4) جمة المصائب: كثيرتها.
(5) رنقة المشارب: كدرتها. يقال: رنق الماء أي كدر فهو رنق ورنق.
(6) اعذوذب: صار عذبا.
(7) أوبأ: صار وبئا. والوباء جمع أوبئة: كل مرض عام.
(8) ثابت بن معبد:
هو ثابت بن معبد المحاربي حدّث عن مسعر. ذكره الذهبي في ميزان الإعتدال 1: 367.
(9) حمة العقرب: إبرتها التي تلسع فيها وتقذف منها السمّ.
(10) المأمون: 218هـ 833م.
هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، أبو العباس: سابع الخلفاء من بني العباس في العراق. الأعلام 4: 142.
(11) أبو نواس: 198هـ 814م.
هو الحسن بن هانىء بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء. شاعر العراق في عصره. الأعلام 2: 225.(1/49)
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق (1)
96 - عيسى عليه السّلام: من ذا الذي يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا.
97 - محمد بن يحيى الواسطي (2): ما عرف الله حق معرفته من آثر طاعة الشيطان على طاعته، وما عرف الآخرة حق معرفتها من آثر الدنيا عليها.
98 - بشر بن الحارث (3): اجعل الآخرة رأس مالك، فما أتاك من الدنيا فهو ربح.
99 - ابن مسعود (4): عنه عليه السّلام: لا تسبوا الدنيا، فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر.
__________
(1) من قصيدة له في الزهد:
أيا ربّ وجه في التراب عتيق ... ويا ربّ حسن في التراب رقيق
وفيها يقول:
أرى كل حيّ هالكا وابن هالك ... وذا نسب في الهالكين عريق
فقل لقريب الدار إنك ظاعن ... إلى منزل نائي المحل سحيق
راجع ديوانه ص 621طبعة دار الكتاب العربي.
(2) محمد بن يحيى الواسطي: من رجال القرن الثالث الهجري ذكره صاحب تاريخ واسط ص 60وقال: هو محمد بن يحيى بن ضريس. كان من رجال الحديث رواه بسنده عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(3) بشر بن الحارث: 227هـ 841م.
هو بشر بن الحارث بن علي بن عبد الرحمن المروزي، أبو نصر المعروف بالحافي: من كبار الصالحين. له في الزهد والورع أخبار، من أهل مرو. سكن بغداد وتوفي فيها. الأعلام 2: 54.
(4) ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن:
صحابي من أكابرهم فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وهو من السابقين إلى الإسلام وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. وكان خادم رسول الله الأمين وصاحب سرّه. توفي سنة 32هـ. راجع ترجمته في الإصابة ت 4955وصفة الصفوة 1: 154وحلية الأولياء 1: 124.(1/50)
وعنه عليه السّلام: إذا قال الرجل لعن الله الدنيا، قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه.
100 - ومنه (قول الشعر):
يقولون الزمان زمان سوء ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
101 - ابن الرومي (1):
انظر إلى الدهر هل فاتته بغيته ... في مطمح النسر أو في مسبح النون (2)
102 - محمد بن بشير (3):
أرى كل مغرور تمنّيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل (4)
103 - الحسن: لقد وقذتني (5) كلمة سمعتها من الحجاج، قيل:
وإن كلام الحجاج ليقذك؟ قال: نعم، سمعته يقول على هذه الأعواد:
إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن يطول عليها حزنه.
104 - أنس: عنه عليه السّلام: عرضت علي الأيام، فإذا يوم الجمعة كهيئة المرآة، وإذا فيها نكتة (6) سوداء، فقلت لجبريل: ما هذه؟ قال:
__________
(1) ابن الرومي: هو علي بن العباس بن جريج، أو جورجيس، الرومي، أبو الحسن:
شاعر كبير من طبقة بشار والمتنبي. قيل: إن القاسم بن عبد الله (وزير المعتضد) دسّ له السمّ فمات فيه سنة 283هـ. راجع مقدمة ديوانه (من تحقيقنا) طبعة دار الهلال.
(2) النون: الحوت.
(3) في الأغاني شاعران بهذا الاسم أحدهما من شعراء الدولة الأموية والثاني من الشعراء المحدثين.
(4) القابل: اسم للعام الذي بعد العام الحاضر.
(5) وقذتني الكلمة: تركتني عليلا. والوقذ في الأصل: شدّة الضرب. يقال: وقذه يقذه وقذا: ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت. والوقيذ والموقوذ: الشديد المرض والغم. راجع اللسان مادة وقذ.
(6) النكتة: النقطة السوداء في الأبيض أو البيضاء في الأسود. والنكتة هنا شبه الوسخ في المرآة والجمع نكت ونكات.(1/51)
هي الساعة تقوم يوم الجمعة.
105 - في حديث عبد الرحمن الأنصاري (1): إن من اقتراب الساعة كثرة المطر وقلة النبات، وكثرة القراء وقلة الفقهاء، وكثرة الأمراء وقلة الأمناء. وفي حديث أنس: وأن تتخذ المساجد طرقا.
106 - وفي حديث أبي هريرة (2): لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي الذي أنجو.
107 - الحسن: ما ظنك بأقوام قاموا لله على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أجوافهم جوعا، صرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية، قد أنى (3) مرها، واشتد نضجها.
108 - وعن الخدري (4): أنه قال: ما أطوله (5)؟ فقال عليه السّلام:
__________
(1) عبد الرحمن الأنصاري: ذكره الطبراني في المعجم الكبير وسمّى أباه ولكنه لمّا ساق حديثه لم يقع فيه إلّا عن عبد الرحمن الأنصاري. أما ابن الأثير فزاد على الطبراني أن ذكر اسم جدّه فقال عبد الرحمن بن عمرو بن غزية (ظنّه غيره). راجع الإصابة الترجمة 5176طبعة دار الفكر.
(2) أبو هريرة: هو عبد الرحمن بن ضخر الدوسي الملقب بأبي هريرة. صحابي، حافظ للحديث راو له. قدم المدينة ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بخيبر فأسلم سنة 7هـ.
قيل إنه روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم 5374حديثا. ولي إمرة المدينة مرة، ثم ولّاه عمر على البحرين وعزله. توفي في المدينة سنة 59هـ. راجع الكنى ت 1179وصفة الصفوة 1: 285
(3) أني مرها: دنا وقرب وحضر.
(4) الخدري: هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد:
صحابي، كان من ملازمي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. غزا اثنتي عشرة غزوة. قال الزركلي: له 1170حديثا. توفي سنة 74هـ. راجع تهذيب التهذيب 3: 479وابن عساكر 6: 108.
(5) قوله: ما أطوله: الضمير كناية عن يوم القيامة.(1/52)
والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاته المكتوبة.
109 - وعن أبي هريرة، رفعه (1): يهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب.
110 - داود بن أبي هند (2): للعبد من الله يوم القيامة خمسون موقفا، كل موقف ألف سنة.
111 - إن الليل والنهار خزانتان ما اودعتهما ادتاه، وإنهما يعملان فيك، فاعمل فيهما.
112 - علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ساهل الدهر ما ذل قعوده (3).
وعنه رضي الله عنه: الدنيا قد نعت إليك نفسها، وتكشفت لك عن مساوئها، فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها، وتكالبهم عليها، فإنهم كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر (4) بعضها على بعض، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها، نعم معقلة، وأخرى مهملة، قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها.
113 - كتب عبد الملك إلى الحجاج أن صف لي الدهر، فكتب إليه: أمس كأن لم يكن، وغد كأن قد (5)، ويوم يستطيله البطالون
__________
(1) قوله: «رفعه» الضمير يعود إلى الحديث. أي رفع الحديث ونسبه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(2) داود بن أبي هند ويعرف بداود القارىء. مفتي البصرة. كان راوية. حلية الأولياء 3: 92.
(3) القعود من الإبل: ما أمكن أن يركب وأدناه أن تكون له سنتان ثم هو قعود إلى أن يثني فيدخل في السنة السادسة ثم هو جمل. وفي حديث أبي رجاء: لا يكون الرجل متّقيا حتى يكون أذل من قعوده.
(4) هرّ الكلب: صات دون نباح. وهر الكلب الضيف: نبحه.
(5) قوله: كأن قد: أي كأنه قد تحقّق ثم أصبح كأن لم يكن.(1/53)
فيقصرونه بالملاهي وفيه يتزود العاقل لمعاده.
114 - عيسى عليه السّلام: إني أرى الدنيا في صورة عجوز هتماء (1)، عليها من كل زينة، قيل لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم كثرة، قيل: أماتوا عنك أم طلقوك؟ قالت: بل قتلتهم كلهم، قيل: فتعسا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف لا يكونون منك على حذر!!.
115 - ابن أبي عيينة (2):
ما راح يوم على حي ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرة فيه إن اعتبرا (3)
116 - كان الحسن بن علي عليه السّلام كثيرا ما ينشد:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... إن اغترارا بظل زائل حمق
117 - النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له، ويطلب شهواتها من لا فهم له، وعليها يعادي من لا علم له، وعليها يحسد من لا فقه له، ولها يسعى من لا يقين له.
118 - مالك بن دينار (4): اتقوا السحّارة (5)، فأنها تسحر قلوب العلماء.
__________
(1) هتم فاه يهتمه هتما: ألقى مقدّم أسنانه. والهتم: إنكسار الثنايا من أصولها خاصة والهتماء من النساء: التي انكسرت أسنانها.
(2) ابن أبي عيينة: هو محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة. قال صاحب الأغاني: شاعر مطبوع ظريف غزل، أكثر أشعاره في هجاء ابن عمه خالد. من شعراء الدولة العباسية من ساكني البصرة. راجع الأغاني (بتحقيقنا) 20: 85طبعة دار الكتب العلمية.
(3) ابتكر فلانا: أتاه بكرة. وبكر بكرا إلى الشيء: عجل.
(4) مالك بن دينار: 131هـ 748م. هو مالك بن دينار البصري، أبو يحيى. من رواة الحديث. كان ورعا يأكل من كسبه ويكتب المصاحف بالأجرة. توفي بالبصرة سنة 131هـ. راجع الأعلام 5: 260.
(5) السحّارة: التي تسحر بمفاتنها وهي هنا كناية عن الدنيا.(1/54)
من كان في قلبه شعبة من الإيمان فلا يركن إلى التسويف.
119 [شاعر]:
المرء مرتهن بسوف وليتني ... وهلاكه في السوف والليت
120 - آخر:
أتت دون ذاك الدهر أيام جرهم ... وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب (1)
غنوا زمنا مثل الثريا اجتماعهم ... فقد بددوا في كل شرق ومغرب
121 - من كان دنياه همه، كثر في الدنيا والآخرة غمه.
122 - إن يوما أسكر الكبار، وشيب الصغار لشديد.
123 - الدهر تنهس (2) أراقمه (3)، وتفرس (4) ضراغمه (5)، وتوثق حبائله، وتوبق (6) مخاتله (7).
124 - ديك الجن (8):
__________
(1) جرهم: حيّ من اليمن نزلوا مكة وتزوج فيهم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام، وهم أصهاره ثم ألحدوا في الحرم فأبادهم الله تعالى.
وعنقاء مغرب: إنما هو للأمر العجيب النادر وقوعه. وعنقاء مغرب: طائر لا وجود له، ولهذا قيل: المستحيلات ثلاثة هي: الغول، والعنقاء، والخلّ الوفي.
(2) نهست الحية فلانا: نهشته.
(3) الأراقم: جمع أرقم وهو ذكر الحية الخبيث.
(4) فرس الأسد فريسته: اصطادها ودقّ عنقها.
(5) الضراغم: جمع ضرغم وهو الأسد الضاري.
(6) وبق: هلك، وتوبق: تهلك.
(7) المخاتلة: الخداع. يقال: ختله ختلا وخاتله مخاتلة: خدعه.
(8) ديك الجن: هو عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب الكلبي الملقب ديك الجن. شاعر مشهور. أصله من سليمة ومولده بمدينة حمص. من شعراء الدولة العباسية. لم يفارق الشام ولا رحل إلى العراق ولا إلى غيره منتجعا بشعر، ولا متصديا لأحد. كان يتشيّع تشيعا حسنا وله مراث في الحسين عليه السّلام. شعره في غاية الجودة توفي سنة 235هـ. راجع مقدمة ديوانه (بتحقيقنا) طبعة دار الفكر اللبناني.
والبيتان في ديوانه (ص 172من مقطوعة مطلعها:
تمتّع من الدنيا فأنك فان ... وإنك في أيدي الحوادث عان
لا تنضرنّ اليوم لهوا إلى غد ... ومن لغد من حادث بأمان(1/55)
وإني رأيت الدهر يلعب بالفتى ... يقلّبه حالان مختلفان (1)
فأما الذي يمضي فأحلام نائم ... وأما الذي يبقى له فأماني
125 - علي رضى الله عنه: ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر!!.
126 - أنس: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الأيام فقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، لأن قريشا مكرت فيه في دار الندوة (2). ويوم الأحد يوم غرس وعمارة، لأن الله ابتدأ فيه خلق الدنيا. ويوم الأثنين يوم سفر وتجارة لأن شعيبا (3) عليه السّلام سافر فيه وأتجر فربح. ويوم الثلاثاء يوم دم، لأن حواء حاضت فيه، وأراق ابن آدم دم أخيه، ويوم الأربعاء يوم نحس مستمر، لأن الله غرق فيه فرعون، وأهلك عادا وثمود (4). ويوم الخميس يوم قضاء الحوائج، والدخول على السلاطين، لأن إبراهيم عليه السّلام دخل فيه على الملك فأكرمه وقضى حوائجه وأهدى إليه هاجر (5)، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح لأن الأنكحة كانت تعقد فيه.
127 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا أدلكم على ساعة من ساعات الجنة، الظل فيها ممدود، والرزق فيها مقسوم، والرحمة فيها مبسوطة، والدعاء فيها
__________
(1) رواية الديوان في هذا البيت:
فإني رأيت الدهر يسرع بالفتى ... وينقله حالين يختلفان
(2) إشارة إلى خبر اجتماع الملأ من قريش في دار الندوة وتشاورهم في أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقتله بناء لرأي أبي جهل بن هشام وتزكية هذا الرأي من إبليس الذي دخل عليهم بهيئة شيخ خليل، ثم خروج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واستخلافه عليا على فراشه. راجع تفاصيل الخبر في سيرة ابن هشام 2: 482طبعة دار المعرفة.
(3) راجع قصص الأنبياء لابن كثير ص 143طبعة دار الفكر عمان. والكامل في التاريخ لابن الأثير 1: 157طبعة دار صادر.
(4) عاد وثمود: من القبائل البائدة وراجع أخبار فرعون في قصص الأنبياء ص 203.
(5) هاجر: هي أم إسماعيل عليه السّلام.(1/56)
مستجاب؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
128 - علي رضي الله عنه: مر النبي عليه السّلام بعائشة قبل طلوع الشمس وهي نائمة، فحركها برجله وقال: قومي لتشاهدي رزق ربك، ولا تكوني من الغافلين. إن الله يقسم أرزاق العباد بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
129 - أنس: عنه عليه السّلام: لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إليّ من أن أعتق نسمة من ولد إسماعيل.
130 - ابن مسعود: عنه عليه السّلام: مالي وللدنيا، إنما مثلها ومثلي كمثل راكب قال (1) في ظل شجرة في يوم صائف، ثم راح وتركها.
131 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: واحذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت (2).
132 - الحسن: والذي نفسي بيده لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه، لا يبالون أشرّقت الدنيا أم غربت، أذهبت إلى ذا أم ذهبت إلى ذا.
133 - ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فيما يبكيه منها وإنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا أستهل كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يهدد (3)
__________
(1) قال يقيل قيلا وقائلة وقيلولة ومقالا ومقيلا: نام في القائلة أي منتصف النهار.
والقائل: النائم في القائلة (الظهيرة).
(2) هاروت وماروت: الملكان اللذان أرسلا إلى بابل ليعلما أهلها السحر ابتلاء لهم، ووردت قصتهما في سورة البقرة.
(3) استهلّ الصبي: رفع صوته بالبكاء عند الولادة. وكذا كل متكلّم رفع صوته فقد استهل. راجع الأبيات وشرحها في ديوان ابن الرومي (بشرحنا) طبعة دار ومكتبة الهلال.(1/57)
134 - أعرابي: يا بني إن الدنيا تسعى على من يسعى لها، فالهرب منها قبل العطب فيها، فقد والله آذنت (1) ببين (2)، وانطوت على حين (3).
135 - سئل ابن عباس كيف كان يعرف نوح أوقات الصلاة في السفينة؟ فقال: أعطاه الله خرزتين: بيضاء كبياض النهار، وسوداء كسواد الليل، فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد تلك، على قدر الساعات الأثنتي عشرة.
136 - قبيصة بن جابر (4) رضي الله عنه: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة (5) أرنب.
137 - يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا خمر الشيطان، فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى نادما خاسرا.
138 - لقمان (6): بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا.
139 - ليلة المتوكل (7) مثل في ليلة سرور يصاب منها صاحبها،
__________
(1) آذن فلانا الأمر وبالأمر: أعلمه به.
(2) البين: الفراق.
(3) الحين: (بفتح الحاء): الهلاك.
(4) قبيصة بن جابر: هو قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي: تابعي. من رجال الحديث الفصحاء الفقهاء. يعد في الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة. وهو أخو معاوية من الرضاعة. توفي سنة 69هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 344والجرح التعديل 3: 125.
(5) نفج الأرنب نفجا ونفوجا: ثار وعدا. ونفجت الريح: هاجت.
(6) لقمان: هو لقمان بن باعورا. كان عليما حكيما، يعرف بلقمان الحكيم، وهو غير لقمان بن عاد الذي عاش، كما قيل، عمر سبعة نسور. ثمار القلوب 97.
(7) المتوكل: هو جعفر (المتوكل على الله) بن محمد (المعتصم بالله) بن هارون الرشيد، أبو الفضل، خليفة عباسي. وتوفي سنة 247هـ.
وليلة المتوكل هي الليلة التي اغتيل فيها بسامراء بإغراء ابنه المنتصر. ولبعض الشعراء هجاء في المتوكل لهدمه قبر الحسين وما حوله سنة 236هـ. راجع الأعلام 2: 127وتاريخ بغداد 7: 165ومروج الذهب 2: 288والطبري 11: 26.(1/58)
وكانت ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. قتله باغر التركي بمواطأة ابنه المنتصر في مجلس الشرب.
140 - قال أبو القاسم الزعفراني (1):
كم آمن متحصن في جوسق ... قد بات منه بليلة المتوكل (2)
141 - زمن البرامكة (3) مثل في الحسن وكثرة الخير والخصب، قال
__________
(1) أبو القاسم الزعفراني: شاعر عراقي كان مع حسن ديباجة شعره وكثرة رونق كلامه واختلاط ما ينظمه بأجزاء النفس لنفاسته لين قشرة العشرة، ممتع المؤانسة، حلو المذاكرة جامعا آداب المنادمة عارفا بشروط المعاقرة، حاذقا بلعب الشطرنج. اتصل بالصاحب بن عباد ونادم عضد الدولة وأخاه فخر الدولة. يتيمة الدهر 3: 352342 طبعة دار الباز.
(2) في يتيمة الدهر للثعالبي كثير من قصائد الزعفراني وفيها قصيدة لامية، ربما كان هذا البيت منها، والقصيدة من غرر قصائده قالها في فخر الدولة مطلعها:
لو عاينت عيناك بركة زلزل ... ونزلت من عرصاتها في منزل
ومنها:
وغدوت مخمورا جنيت هوى إلى ... حجر الجواري غدوة المتغزّل
فسرحت بين قدودها وخدودها ... ونهودها طرف الشجى المتأمل
وثويت في قفر بشاطىء دجلة ... ما بين مزمار وعود معمل
وسباك صوت خرير ماء سائح ... وشجاك تغريد الحمام المهدل
قد ألقت الدنيا أزمتها إلى ... ملك الملوك على بن أبي علي
فاطرب سرورا بالزمان وحسنه ... واشرب على إقبال دولة مقبل
والقصيدة طويلة. والجوسق: القصر ويجمع على جواسق وجواسيق.
(3) البرامكة: هم أسرة فارسية أنتجت أول الوزراء الفرس للخلافة. ولفظة برمك ليست إسما لشخص، إنما تدل على رتبة وراثية خاصة برئيس الكهان بمعبد نوبهار بمدينة بلخ الخراسانية. قال عمر بن الأزرق الكرماني: كانت البرامكة أهل شرف على وجه الدهر ببلخ قبل ملوك الطوائف وكان دينهم عبادة الأوثان فوصفت لهم مكة وحال الكعبة بها وما كانت قريش ومن والاها من العرب يأتون إليها ويعظمونها فاتخذوا بيت النوبهار مضاهاة لبيت الله الحرام ونصبوا حوله الأصنام وزينوه بالديباج والحرير وعلقوا عليه الجواهر النفسية وكان حول البيت 360مقصورة يسكنها خدامه وسدنته وقوّامه وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك لتشبيههم البيت بمكة يسمون سادنه برمكة، فكان كل من ولي منهم السدانة برمكا. راجع معجم البلدان 5: 307 (مادة نوبهار) طبعة صادر.(1/59)
الجماز (1): أتونا بمائدة كأنها زمن البرامكة.
142 - وقال صالح بن طريف (2):
يا بني برمك واها لكم ... ولأيامكم المقتبللة
كانت الدنيا عروسا بكم ... فهي اليوم ثكول أرملة
143 - وقال آخر:
ولّى عن الدنيا بنو برمك ... فلو تولى الخلق ما زادا
كأنما أيامكم كلها ... كانت لأهل الأرض أعيادا
144 - وقال أبو منصور الثعالبي (3) في أبي العباس خوارزم شاه (4):
__________
(1) الجماز: هو محمد بن عمرو بن حماد وهو ابن أخت سلم الخاسر، شاعر، ماجن من أهل البصرة. راجع الأغاني والمرزباني وتاريخ بغداد 3: 120.
(2) صالح بن طريف: هو أبو الصيداء، مولى بني ضبة، كان ورعا، اختاره أشرس عامل خراسان سنة 110هـ داعيا للإسلام ماوراء النهر. راجع الطبري.
(3) أبو منصور الثعالبي: هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، من أئمة اللغة والأدب.
من أهل نيسابور. كان فرّاء يخيط جلود الثعالب فنسب إلى صناعته. اشتغل بالأدب والتاريخ فنبع وصنّف الكتب الممتعة وأشهرها يتيمة الدهر. توفي سنة 429هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 4: 163.
(4) خوارزم شاه: هو مأمون بن مأمون. قال ابن الأثير: وفي هذه السنة (387هـ) توفي مأمون بن محمد صاحب خوارزم والجرجانية، فلما توفي اجتمع أصحابه على ولده عليّ وبايعوه، واستقرّ له ما كان لأبيه، وراسل يمين الدولة محمود بن سبكتكية وخطب إليه أخته فزوجه إلى أن مات علي وقام بعده أخوه أبو العباس مأمون بن مأمون (صاحب الترجمة) واستقر في الملك قتله أمراء دولته غيلة سنة 407هـ. ابن الأثير 9: 132طبعة دار صادر.(1/60)
رعى الله مأمون بن مأمون الذي ... رعاياه منه في زمان البرامك
ولا برحت أيامه بفعاله ... وإنعامه المنشور غر المضاحك (1)
145 - لما قال عبد الملك بن مروان: تمكنا من أم خنّور (2)، لم يعش بعدها إلا أسبوعا، وهي كنية الدنيا، وأصلها في الضبع فشبهت بها لأكلها الناس، كما قيل للسنة الضبع، وخنّور عند الكوفيين كسفّود، وعند البصرين خنّور كعجّول.
146 - لابن الرومي:
لابني سمير صروف غير غافلة ... يحسن نقضا كما أحسن إمرارا (3)
هما الملوان (4):
147 - توفيت خديجة (5) رضي الله عنها وأبو طالب (6) في عام واحد
__________
(1) غرّ غرا وغرارة: صار شريفا. والأغرّ: الكريم الأفعال.
(2) رواية لسان العرب 4: 259مادة خنر: «أم خنّور: الدنيا، قال عبد الملك بن مروان، وفي رواية أخرى سليمان بن عبد الملك: وطئنا أمّ خنّور بقوة، فما مضت جمعة حتى مات» ثم قال: وأم خنّور: مصر، وأم خنّور الضبع والبقرة، وقيل:
الداهية، وأم خنّور: الصحاري
(3) ابنا سمير: كناية عن الحدثان أي الليل والنهار، ويقال لهما، الجديدان، ويقال لهما أيضا الملوان. والسمير: كناية عن الدهر.
(4) الملوان: الليل والنهار، قال الشعر:
نهار وليل دائم ملواهما ... على كل حال المرء يختلفان
وقيل: الملوان طرفا النهار. قال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان
واحدها ملا مقصور. ويقال: لا أفعله ما اختلف الملوان، وأقام عنده ملوة من الدهر وملوة وملوة وملاوة وملاوة وملاوة أي حينا وبرهة من الدهر.
(5) خديجة: هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، من قريش: زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الأولى وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة. ولدت بمكة ونشأت في بيت شرف ويسار توفيت سنة 3ق. هـ. راجع الأعلام 2: 302وراجع ترجمتها وأخبارها في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده» طبعة مؤسسة عز الدين.
(6) أبو طالب توفّي سنة 3ق هـ. هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش:
والد الإمام عليّ وعم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكافله ومربّيه ومناصره. كان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم ومن الخطباء العقلاء الأباة. نشأ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيته وسافر معه إلى الشام في صباه. ولما أظهر الدعوة إلى الإسلام همّ أقرباؤه (بنو قريش) بقتله فحماه أبو طالب وصدهم عنه فدعاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الإسلام مولده ووفاته بمكة. الأعلام 4: 166وابن سعد 1: 75وابن الأثير 2: 34.(1/61)
لسنة ست من الوحي، فسمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك العام عام الحزن.
148 - في عام ثمانين من الهجرة وقع بمكة سيل عظيم، ذهب بالإبل عليها الحمولة فقيل له عام الحجاف.
149 - ركوب الكوسج (1) عبارة عن دخول آذرماه (2). وأصله أن إنسانا كوسجا كان يتناول في أول يوم من هذا الشهر بعض الأدوية المسخنة، ويطلى ببعض الأطلية الحارة، ويخرج في ثوبواحد، وهي عادة في بغداد وفارس، قال المرادي:
قد ركب الكوسج يا صاح ... فانزل على المزمر والراح (3)
وانعم بآذرماه عينا وخذ ... من لذة العيش بمفتاح
150 - وقال غيره:
قد ركب الكوسج فانزل على ... غمس لحى الفتيان بالراح
يا صاح آذار يقول انتظر ... أن أذر الدنيا بلا صاحي
151 - أردشير بن بابك: لا تركنن إلى الدنيا فإنها لا تبقي على أحد، ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها.
152 - علي رضي الله عنه: أهل الدنيا كركب يسار (4) بهم وهم نيام.
__________
(1) الكوسج: معرّب كوزة بالفارسية وهو الذي لا شعر على عارضيه.
(2) آذرماه: شهر اذار. وماه معناه الشهر.
(3) الراح: اسم للخمرة.
(4) يسار: مضارع مجهول من الفعل سار بمعنى مشى.(1/62)
153 [شاعر]:
ما الدهر في صرفه وجاري ... طوريه إلا أبو براقش (1)
يجني على أهله كما قد ... جنت على أهلها براقش (2)
154 - علي رضي الله عنه: وأحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة (3)، وليست بدار نجعة (4)، دار هانت على ربها، فخلط خيرها بشرها، وحلوها
__________
(1) برقش، بالكسر: طائر صغير متلّون يسميه أهل الحجاز الشرشور ويسميه صبيان الأعراب أبا براقش، قيل: أبو براقش طائر يتلون ألوانا شبيه بالقنفذ أعلى ريشه أغبر وأوسطه أحمر وأسفله أسود فإذا انتفش تغيّر لونه ألوانا شتى. لسان العرب 6: 265 (مادة برقش).
(2) براقش: قيل إنها اسم كلبة، واسم امرأة لقمان، واسم ابنه ملك قديم.
وعن أبي عبيدة قال: براقش اسم كلبة نبحت على جيش مرّوا ولم يشعروا بالحي الذي فيه الكلبة، فلما سمعوا نباحها علموا أن أهلها هناك فعطفوا عليهم فاستباحوهم، فذهبت مثلا، ويروى هذا المثل: على أهلها تجني براقش، يضرب لمن يعمل عملا يرجع ضرره إليه.
وعن الشرقي بن القطامي قال: براقش امرأة لقمان بن عاد، وكان بنو أبيه لا يأكلون لحوم الإبل فأصاب من براقش غلاما فنزل لقمان على بني أبيها فأولموا ونحروا جزورا إكراما له، فراحت براقش بعرق من الجزور فدفعته لزوجها لقمان فأكله، فقال: ما هذا؟ ما تعرّقت مثله قط طيّبا! فقالت براقش: هذا من لحم جزور، قال: أو لحوم الإبل كلّها هكذا في الطيب؟ قالت: نعم، ثم قالت له: جمّلنا واجتمل، فأقبل لقمان على إبلها وإبل أهلها فأشرع فيها وفعل ذلك بنو أبيه، فقيل: على أهلها تجني براقش، فصارت مثلا.
وقال أبو عبيدة: براقش اسم امرأة وهي إبنة ملك قديم خرج إلى بعض مغازيه واستخلفها على ملكه فأشار عليها بعض وزرائها أن تبني بناء تذكر به، فبنت موضعين يقال لهما براقش وقعين، فلما قدم أبوها قال لها: أردت أن يكون الذكر لك دوني، فأمر الصنّاع الذين بنوهما بأن يهدموهما، فقالت العرب: على أهلها تجني براقش.
(3) المنزل القلعة: الذي لا يدوم.
(4) النجعة عند العرب: المذهب في طلب الكلأ في موضعه إذا أعشبت البلاد. ويستعار فيما سوى ذلك فيقال: فلان نجعتي أي أملي على المثال. قال صاحب اللسان: وفي حديث علي، كرم الله وجهه: ليست بدار نجعة. ويقال: انتجعنا فلانا إذا أتيناه نطلب معروفه. اللسان مادة نجع.(1/63)
بمرها، لم يصفها لأوليائه، ولم يضن بها على أعدائه.
155 - ابن الحنفية (1): من كرمت عليه نفسه هانت عليه دنياه.
156 - ابن يوسف البصري المعروف بالخاطىء:
دنيا دنت من جاهل وتباعدت ... عن كل ذي أدب له حجر
بالت على أربابها حتى إذا ... وصلت إليّ أصابها الأسر (2)
157 - ذم الدنيا رجل عند علي رضي الله عنه، فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، دار نجاة لمن فهم عنها، دار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه.
رجوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا الذي يذمها، وقد آذنت ببينها (3)، ونادت بفراقها، ونعت نفسها، وشبهت بسرورها السرور، وببلائها البلاء، ترغيبا وترهيبا. فيا أيها الذام لها، المعلل نفسه، متى خدعتك الدنيا؟ ومتى استذمت إليك (4)؟ أبمصارع آبائك في البلى، أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟.
158 [شاعر]:
إذا نلت يوما صالحا فانتفع به ... فأنت ليوم السوء ما عشت واجد
159 - عبيد الله بن عبد الله بن ظاهر (5):
__________
(1) ابن الحنفية: هو محمد بن علي بن أبي طالب. الهاشمي القرشي، أبو القاسم.
أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام. وهو أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية ينسب إليها تمييزا له عنهما، كان واسع العلم ورعا. أخبار قوته وشجاعته كثيرة. توفي سنة 81هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 42وحلية الأولياء 3: 174.
(2) الأسر: إحتباس البول.
(3) آذنت ببينها: أعلمت بفراقها.
(4) استذم المرء: فعل ما يذمّ عليه.
(5) عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: يعرف بابن طاهر، أمير، من الأدباء الشعراء. ولي شرطة بغداد وكان مهيبا رفيع المنزلة عند المعتضد العباسي، اشتهر في الهندسة والموسيقى وحسن الترسّل. توفي سنة 300هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 273وتاريخ بغداد 10: 340.(1/64)
كفاك عن الدنيا الدنية مخبرا ... علو مواليها وحط كرامها
وإن رجال الغز تحت مداسها ... وإن عبيد الغز فوق سنامها (1)
160 - سمّت العرب سنة المائة من التاريخ سنة الحمار من حديث حمار عزيز (2).
161 - وقيل لمروان بن محمد (3): مروان الحمار لأن بني مروان استكملت مائة عام على رأسه (4).
162 - واشترى رجل حمارا فوجده مسنا، فقال أرى هذا الحمار ولد قبل سنة الحمار.
__________
(1) مدس الأديم يمدسه مدسا: دلكه، والمداس: الآلة التي يداس بها ويضرب.
والغزّ: جنس من الترك. والسنام: حدبة في ظهر البعير والجمع أسنمة. يريد الشاعر أن يقول في هذين البيتين إن الدنيا خادعة لا تدوم على حال وعلى الإنسان ألّا يأمن جانبها لأنها نتغيرة كما قال الشاعر:
ما بين طرفة عين وانتباهتها ... يغيّر الله من حال إلى حال
(2) العزيز: من أنبياء إسرائيل. قيل: إنه كان له جمار فمات. وبعد مرور مائة سنة مع موته أحياه الله من جديد.
(3) مروان بن محمد: هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، أبو عبد الملك، ويعرف بالجعدي وبالحمار. آخر ملوك بني أمية في الشام. في أيامه قويت الدعوة العباسية. قتل في بوصير سنة 132هـ، من أعمال مصر، قتله فيها عامر أو عمرو بن إسماعيل المرادي الجرجاني وحمل رأسه إلى السفّاح العباسي. يقال له الجعدي نسبة إلى مؤدبه «الجعد بن درهم» خلافته إلى أن بويع السفاح خمس سنين وشهر، وإلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر. الأعلام 7: 209والمسعودي 2: 155والنجوم الزاهرة 1: 196واليعقوبي 3: 76.
(4) في الأعلام للزركلي (7: 209): يقال له «الحمار» أو «حمار الجزيرة» لجرأته في الحروب.(1/65)
163 - طلاق الدنيا مهر الآخرة، وطلاق الآخرة مهر (1) الدنيا.
164 - معاوية: أصبحنا في زمان عنود (2)، ودهر شديد، يعد المحسن فيه مسيئا، والمسيء محسنا.
165 - أبو فراس الحمداني (3):
مددنا علينا الليل والليل راضع ... إلى أن تجلّى رأسه بمشيب (4)
ولاح لنا ضوء الصباح كأنه ... مبادي نصول في عذار خضيب (5)
166 - أطيب من ساعة الأوبة (6) على المسافر، وبرد الليل على المساير.
167 - يوم يثقل فيه الخفيف إذا هجم، ويخف الثقيل إذا هجر، أريد يوم الوصل.
__________
(1) المهر: الصداق، وهو ما يجعل للمرأة من المال تنتفع به شرعا وتنفقه معجلا أو مؤجلا والجمع مهور ومهورة.
(2) العنود: المائل عن القصد والجمع عند. وعند عن الطريق أو القصد: مال وعدل.
وعند الرجل: خالف الحقّ وهو عارف به فهو عنيد.
(3) أبو فراس الحمداني: هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي: أمير، شاعر، فارس، وهو ابن عمّ سيف الدولة. كان الصاحب بن عباد يقول: بدىء الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس له وقائع كثيرة قاتل بها بين يدي سيف الدولة الذي قلّده منبج وحرّان. جرح في معركة مع الروم فأسروه سنة 351هـ فامتاز شعره في الأسر برومياته. توفي سنة 357هـ. راجع ترجمته في شذرات الذهب 3: 24واليتيمة 1: 22.
(4) البيت الأول كناية عن طول الليل.
(5) النصل: حديدة الرمح والسهم والسكين، وربما سمّي السيف نصلا والجمع نصال ونصول وأنصل.
والعذار: جانب اللحية أي الشعر الذي يحاذي الأذن. والعذار: ما سال من اللجام على خدّ الفرس والجمع عذر. والخضيب: الملوّن بالخضاب والكناية في البيت واضحة.
(6) الأوبة: الرجوع. يقال: آب من السفر أوبا ومآبا: رجع فغهو آئب جمع أوب وأيّاب وأواب.(1/66)
168 - أقبل الربيع براحة الجنان ورائحة الجنان (1).
169 - أبو بكر الخوارزمي (2): رب فعل يصاب به وقته فيكون سبة.
170 - صبح العذاب ثمود يوم الأحد (3). وفي الحديث: نعوذ بالله من شر يوم الأحد، وإياكم والشخوص يوم الأحد، فإن له حدا كحد السيف.
171 - وكتب يزيد (4) إلى عبيد الله بن زياد (5) أن يوجه عبد الله بن خازم (6) إلى خراسان لمعونة سلم بن زياد (7)، فقال عبيد الله أخرجوه يوم
__________
(1) الجنان: القلب. والجنان: جمع جنّة وهي الفردوس الأرضي أو السماوي، والحديقة ذات الشجر والرياحين، وتجمع أيضا على جنّات.
(2) أبو بكر الخوارزمي. توفي سنة 383هـ. هو محمد بن العباس الخوارزمي، أبو بكر. كاتب مشهور، وشاعر عالم، كان ثقة في اللغة ومعرفة الأنساب. كانت بينه وبين البديع الهمذاني محاروات وعجائب نقل بعضها ياقوت في معجم الأدباء. وأورد ابن خلكان والثعالبي طائفة من أشعاره وأخباره. الأعلام 6: 183وبغية الوعاة 51 ومعجم الأدباء 1: 101.
(3) عن أنس قبل ثلاث صفحات أن الله أهلك عادا وثمود يوم الأربعاء.
(4) يزيد: هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي: ثاني ملوك الدولة الأموية في الشام. ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 60هـ. وفي أيامه كانت فاجعة المسلمين بالسبط الشهيد الحسين بن علي سنة 61هـ. خلع أهل المدينة طاعته سنة 63هـ توفي سنة 64هـ. راجع ترجمته في اليقعوبي 2: 215والأعلام 8: 189.
(5) عبيد الله بن زياد: هو عبيد الله بن زياد بن أبيه، وال فاتح. ولّاه عمه معاوية خراسان سنة 53هـ ثم نقله إلى البصرة أميرا عليها سنة 55هـ، كانت فاجعة مقتل الحسين على يده. قتله ابن الأشتر في خازر من أرض الموصل. وكان خصوم ابن زياد يدعونه ابن مرجانة وهي أمّه. توفي سنة 67هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 193والطبري 6: 166وعيون الأخبار 1: 229.
(6) عبد الله بن خازم: هو عبد الله بن أسماء بن الصلت السلمي البصري. أحد غربان العرب والإسلام. اشترك في الفتوح وتولى إمرة خراسان لبني أمية. تهذيب التهذيب 5: 194.
(7) سلم بن زياد: هو سلم بن زياد بن أبيه: أمير، من آل زياد، كنيته أبو حرب. كان جوادا. ولّاه يزيد بن معاوية خراسان سنة 61هـ فذهب إليها، وغزا سمرقند. توفي بالبصرة سنة 73هـ. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 1: 190وابن عساكر 6: 235.(1/67)
الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع أبدا، فأحس ابن خازم فتعلل حتى لم يخرج إلا حين زاغت (1) الشمس، وقال: قولوا له: ذهب حد الأحد.
172 - قال لمزبد (2) أخ له: أحب أن تخرج معي وتصل جناحي في حاجة، فقال هذا يوم الأربعاء، قال: فيه ولد يونس بن متى، قال:
لا جرم (3) قد بانت له بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته، حتى حصل على ورق القرع. قال: وفيه ولد يوسف، قال: فما أحسن ما فعل به أخوته، حتى طال حبسه وغربته. قال: وفيه أوحي إلى إبراهيم، قال:
فما كان أبرد الأتون (4) الذي كان فيه حتى خلصه الله منه. قال: ففيه نصر الله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الأحزاب، قال: أجل بأبي وأمي، ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر. والأربعاء عندهم مشؤوم، والذي لا يدور أشأم.
173 - وعن ابن عباس يرفعه (5): آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر.
174 [شاعر]:
لقاؤك للمكبر فأل سوء ... ووجهك أربعاء لا يدور
175 - إقبال الدنيا كإلمامة ضيف، أو سحابة صيف، أو زيارة طيف.
__________
(1) زاغت الشمس: مالت.
(2) مزبد: هو مزبد المدني، صاحب النوادر، يضرب به المثل في الهزل. راجع ترجمته في فوات الوفيات 2: 303.
(3) لا جرم: أي لا بدّ ولا محالة، وقيل: معناه حقا. والعرب تقول: لا جرم لآتينّك، لا جرم لقد أحسنت، فتراها بمنزلة اليمين.
(4) الأتون: موقد نام الحمّام، ما يقام من الحجارة فتوقد فيه النار إلى أن تصير الحجارة كلسا، والجمع أتن وأتانين.
(5) يرفعه: أي يرفع الحديث. نسبه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.(1/68)
716 [شاعر]:
ومن غالب الأيام فاعلم بأنه ... سينكص عنها لاغبا غير غالب (1)
177 - بعض العرب في داود بن يزيد بن حاتم بن المهلب (2):
فتى ترهب الأموال من ظل كفه ... كما يرهب الشيطان من ليلة القدر
178 - الأصمعي: كنت شاكيا فقال لي الرشيد: كيف بت؟
فقلت: بليل النابغة يا أمير المؤمنين. فقال: إنا لله، هو والله قوله:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب (3)
179 - ليلة الميلاد: مثل في الطول، قال أبو نواس:
ليلة كاد يلتقي طرفاها ... قصرا وهي ليلة الميلاد
وذلك لما تلاقي فيها المطلوقة من التعب، وقيل هي الليلة التي ولد فيها عيسى بن مريم.
180 - ليلة الغدير (4): معظمة عند الشيعة، محياة فيهم
__________
(1) نكص عن الأمر: أحجم عنه فهو ناكص. يقال: نكص على عقيبه: أي رجع عمّا كان عليه. واللّاغب: الضعيف الأحمق. يقال: لغب لغبا ولغوبا: تعب وأعيا أشد الإعياء.
(2) داود بن يزيد بن حاتم بن المهلب: من أبناء المهلب بن أبي صفرة: أمير. استخلفه أبوه على أفريقيا فتولاها بعد وفاته سنة 170هـ فأحسن تدبيرها. تولى إمرة مصر ثم ولاه الرشيد السند سنة 184هـ توفي سنة 205هـ، راجع ترجمته في الأعلام 2: 336والنجوم الزاهرة 2: 75والولاة والقضاة 133.
(3) مطلع قصيدة للنابغة الذبياني مدح فيها عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج حين لجأ إليه في الشام. وكليني: دعيني واتركيني. وهم ناصب: أي منهك.
وقوله بطيء الكواكب: كناية عن طول الليل. وبعد هذا البيت:
تطاول حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يرعى النجوم بآئب
والنابغة: هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جناب، أبو إمامة، شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز. توفي نحو 18ق هـ نحو 604م. الأعلام 3: 54.
(4) الغدير: هو غدير خم، واد بين مكة والمدينة عند الجحفة، عنده خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق من حيث دار وهذا الحديث أخرجه علماء الشيعة والسنة ويعرف بحديث الغدير.(1/69)
بالتهجد (1)، وهي الليلة التي خطب فيها رسول الله بغدير خم على أقتاب (2) الإبل، وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه.
181 - ليلة الهرير: ليلة من ليالي صفين كثر فيها القتلى، كلما قتل قتيل كبر علي رضي الله عنه، فبلغت تكبيراته سبع مائة، وسادت مثلا في الشدة.
182 - سئل ابن عباس عن النيروز لم اتخذوه عيدا؟ فقال: لأنه أول السنة المستأنفة، وآخر السنة المنقطعة، فكانوا يستحبون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطرف (3) والهدايا، فاتخذه الأعاجم سنة، وكان الملك لا يقبل من أهل الخراج إلا السكر، وهو أول يوم من فرودين ماه (4).
183 - أعرابي: لقد صغّر فلان في عيني عظم الدنيا في عينه.
184 - ذكر أعرابي الدنيا فقال: حسبك من فسادها أن أسنمة (5)
توضع، وأخفافا ترفع، والخير يطلب عند غير أهله، والفقر يدخل في غير محله.
185 - الحسن (6): المؤمن في الدنيا غريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها.
وعنه: يا ابن آدم إنما أنت عدد، إذا مضى يوم مضى بعضك.
__________
(1) التهجّد: الصلاة في الليل.
(2) الأقتاب: جمع قتب وهو الرحل أو ما يجعل على ظهر البعير كالسرج.
(3) الطرف: المستحدث العجيب.
(4) أول شهر من تقويم الفرس.
(5) الأسنمة: جمع سنام وهو حدبة في ظهر البعير.
(6) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.(1/70)
186 - سلام بن مسكين (1): قال لنا الحسن: يا معشر الشباب عليكم بطلب الآخرة، فقد والله رأينا أقواما طلبوا الآخرة فأصابوا الدنيا وأصابوا الآخرة، ووالله ما رأينا من طلب الدنيا فأصاب الآخرة.
وعنه: ليس يوم تأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم، يقول: يا أيها الناس إني يوم جديد، وعلى ما يعمل فيّ شهيد، وإني لو قد آبت شمسي لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.
187 - الأستاذ أبو بكر (2):
لبسوا الدجى لبس الغراب سواده ... وغدوا لطيّتهم بكور غراب (3)
188 - ليلة الفرزدق (4) مثل في ليالي الخلعاء. بات الفرزدق عند ديرانية، فأكل طفيشلها (5) بلحم خنزير، وشرب خمرها، وفجر بها، وسرق كساءها، ثم قال لله در ابن المراغة، يعني جريرا (6)، حيث يقول:
وكنت إذا نزلت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا (7)
__________
(1) سلام بن مسكين: من ثقات البصريين كان يذهب إلى القدر. ميزان الإعتدال 2: 181.
(2) أبو بكر: هو أبو بكر الخوارزمي، تقدمت ترجمته.
(3) الطية: النيّة، والحاجة.
(4) الفرزدق: هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، شاعر من أهل البصرة وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر.
توفي في بادية البصرة سنة 110هـ. راجع رغبة الآمل من كتاب الكامل 1: 114 وابن خلكان 2: 196وغيرهما.
(5) الطفيشل: لعله نوع من الأكل أو المرق.
(6) جرير: هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، من تميم.
كان هجاء مرّا. ولد سنة 28هـ وتوفي سنة 110هـ.
(7) من قصيدة لجرير يهجو فيها الفرزدق مطلعها:
ألا حيّ الديار بسعد إني ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا
راجع ديوان جرير ص 280طبعة دار الكتب العلمية.
أما رواية الخبر في الأغاني فهو مختلف عمّا هو مثبت هنا: فعن سعيد بن همام اليمامي قال: شرب الفرزدق شرابا باليمامة وهو يريد العراق فقال لصاحب له: إن الغلمة قد آذنتني ففتش لي عن امرأة فاجرة لأنكحها. قال: من أين أصيب لك هاهنا امرأة فاجرة؟ قال: فلا بدّ لك أن تحتال. قال: فمضى الرجل إلى قرية قريبة وترك الفرزدق ناحية، فقال: هل من امرأة قابلة هنا، فإن معي امرأتي وقد أخذها الطلق.
فبعثوا معه امرأة فأدخلها على الفرزدق، وكان قد غطاه، فلما دنت منه واثبها وقضى حاجته ثم ارتحل مبادرا وقال: كأني بابن الخبيثة يعني جريرا لو قد بلغه الخبر قد قال: (البيت) قال: فبلغ جريرا الخبر، فهجاه بهذا الشعر.
راجع كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 72طبعة دار الكتب العلمية.(1/71)
189 - أبو الفرج الببغا (1):
زمن الورد أطيب الأزمان ... وأوان الربيع خير أوان
190 - يوم عبيد (2) مثل في اليوم المنحوس، وكان قد تصدى عبيد ابن الأبرص للنعمان في يوم بؤسة الذي لا يفلح من لقيه، كما لا يخيب من لقيه في يوم نعيمه. قال أبو تمام:
من بعد ما ظن الأعادي أنه ... سيكون لي يوم كيوم عبيد
191 - أيام العجوز: زعموا أن عجوزا دهرية كاهنة من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع في آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم يكترثوا لقولها، وجزوا أغنامهم واثقين بإقبال الربيع، فأذاهم ببرد شديد أهلك الزرع والضرع، فقالوا أيام العجوز وبرد العجوز. وقيل: هي عجوز كان
__________
(1) الببغا: هو عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومي أبو الفرج المعروف بالببغاء. من الشعراء المشهورين والكتبة المترسلين من أهل نصيبين. نادم الملوك والرؤساء واتصل بسيف الدولة، وتوفي سنة 398هـ. راجع تاريخ بغداد 11: 11وابن خلكان 1: 298.
(2) عبيد: هو عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدي، من شعراء الجاهلية الدهاة وهو أحد شعراء المعلقات. وفد على النعمان بن المنذر في يوم بؤسه فتقله نحو سنة 35قبل الهجرة. راجع ترجمته في جمهرة أشعار العرب والشعر والشعراء والأغاني 22: 85طبعة دار الكتب العلمية وفيها شرح واف لخبر مقتل عبيد.(1/72)
لها سبعة بنين، فسألتهم أن يزوجوها وألحت. فقالوا لها: ابرزي للهواء سبع ليال حتى نزوجك، ففعلت والزمان شتاء كلب، فماتت في السابعة فنسبت إليها الأيام. وقيل: هي الأيام السبعة التي أهلك فيها عاد. وقيل:
الصواب أيام العجز وهي آخر الشتاء.
192 - يقال: بقل وجه النهار وطر شاربه.
193 - أبو العتاهية:
يا عاشق الدنيا يغرك وجهها ... ولتندمنّ إذا رأيت قفاها
194 - آخر:
أتى دون حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب (1)
إذا ذر قرن الشمس علّلت بالأسى ... ويأوي إلي الحزن حين تغيب (2)
لعمر كما إن البعيد لما مضى ... وإن الذي يأتي غدا لقريب (3)
195 - عام ابن عمار عند أهل مكة في كثرة الخير. وهو أحمد بن عمار بن شادي البصري، وزير المعتصم، كان من علية الناس، استعفى عن الوزارة، وقال نويت المجاورة بمكة، فوصله المعتصم بعشرة آلاف دينار، ودفع إليه عشرين ألف دينار ليفرقها ثمّ، وأن لا يعطي إلا هاشميا أو قرشيا أو أنصاريا، فقال: فمن منعته من غيرهم استذممت إليه. فقال:
فهذه خمسة آلاف دينار ففرقها في هؤلاء. فكان أهل مكة يقولون: ما رأينا مثل عام ابن عمار.
__________
(1) يقال: بقل وجه الغلام: أي خرج شعره. وبقل المكان: أنبت بقله فهو باقل وبقل وبقيل.
(2) النكب: المصيبة والجمع نكوب وذرّ قرن الشمس: طلع. وقرن الشمس: أول ما يبدو منها
. (3) قوله: إن الذي يأتي غدا لقريب، كالمثل: إن غدا لناظره قريب، وأول من قال ذلك قراد بن أجدع الشاعر في قصة له مع النعمان بن المنذر والبيت:
فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإنّ غدا لناظره قريب
راجع الخبر مفصّلا في مجمع الأمثال للميداني 1: 70طبعة دار القلم.(1/73)
196 - إبراهيم بن العباس (1):
وليلة إحدى الليالي الزهر ... لم تك غير شفق وفجر
حتى تجلت وهي بكر الدهر
197 - أبو حية النميري (2):
ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى مما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا
198 - الخليل (3) في ليلة:
وما هي إلا ليلة بعد يومها ... وحول إلى حول وشهر إلى شهر
مطايا يقربن البعيد من الردى ... ويدنين أشلاء الأنام إلى القبر (4)
ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوتر (5)
199 - حكيم: أعلم الناس بالدهر أقلهم تعجبا من أحداثه.
200 [شاعر]:
من كان خلوا من التأديب سربله ... كر الليالي على الأيام تأديبا
201 - علي رضي الله عنه: والله لدنياكم أهون في عيني من
__________
(1) إبراهيم بن العباس: هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول، أبو إسحاق: كاتب عراقي مشهور، أصله من خراسان. كان كاتبا للمعتصم والواثق والمتوكل مات بسامراء سنة 243هـ. راجع ترجمته في معجم الأدباء 1: 261وأمراء البيان 244.
(2) أبو حيّة النمري: هو الهيثم بن الربيع بن زرارة من بني نمير، شاعر راجز من أهل البصرة، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. توفي في آخر خلافة المنصور سنة 158هـ. ترجمته في الشعر والشعراء 299وخزانة البغدادي والأغاني.
(3) الخليل: هو الخليل بن أحمد. تقدمت ترجمته.
(4) أشلاء: جمع شلو وهو العضو من أعضاء اللحم. وأشلاء الإنسان: أعضاؤه بعد البلى والتفرق.
(5) وتر فلانا: أصابه بظلم أو مكروه. والوتر: الإنتقام أو الظلم فيه، وهو أيضا الفرد.(1/74)
عراق (1) خنزير في يد مجذوم (2).
202 - أبو حفص الشطرنجي (3):
وما مر يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره ألا بكيت على أمس
203 - معاوية: أبو بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه، وأما أنا فقد تضجعت (4) فيها ظهرا لبطن.
204 - في النصائح (5): يا دنيا، كم لك من أكباد جرحى، ومن أجفان قرحى، تفجعا للمصيوب (6) من فراقك، على رؤوس عشاقك، على أن نكاياتك لا تحصى، وشكاياتهم عدد الحصى.
205 - أنس (7): ما من يوم ولا ليلة، ولا شهر ولا سنة، إلا والذي قبله خير منه، سمعت ذلك من نبيكم.
206 - يونس بن ميسرة (8): ما لنا لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه، ولا ولىّ عنا زمان إلا بكينا عليه (9).
__________
(1) العراق: العظم أكل لحمه.
(2) جذم جذما: صار أجذم، وهو المقطوع اليد أو الأصابع. والمجذوم المصاب بداء البرص الذي يسبب تساقط اللحم والأعضاء.
(3) أبو حفص الشطرنجي: شاعر، أديب، كان أبوه من موالي المنصور العباسي، وكان منقطعا إلى عليّة بنت المهدي. توفي سنة 210هـ.
(4) ضجع واضطجع: وضع جنبه بالأرض.
(5) النصائح: اسم كتاب وهو من مصنّفات المؤلف الزمخشري، وسيرد ذكره في الأجزاء التالية.
(6) المصيوب: المفجوع.
(7) أنس: هو أنس بن مالك تقدمت ترجمته.
(8) يونس بن ميسرة: من التابعين الزهاد من أهل دمشق. كان راويا، أعمى، قتل سنة 132هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 5: 322.
(9) هذا يفسّر قول الشاعر:
ربّ يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه(1/75)
207 - ما يومي من فلان بواحد، يراد: ما الشر علي منه من جهة واحدة.
208 - علي رضي الله عنه: ما أصف من دنيا أولها عناء، وآخرها فناء. في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها آتته، ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته.
209 - تولى خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المعروف بابن مطيرة المدينة (1) لهشام بن عبد الملك سبع سنين، فقحط (2) الناس حتى جلا أهل البوادي إلى الشام، فقيل: سنيات خالد، لا أعاد الله أمثالها، وضرب بها المثل كما ضرب بسني يوسف.
210 - أبو هريرة، يرفعه: إن الله يغفر ليلة النصف من شعبان لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن لأخيه.
211 - ابن عباس، يرفعه: إن أفضل الأيام عند الله يوم النحر (3) ثم يوم القر، هو يوم الرؤوس عند أهل الحجاز.
212 - رأى الحسن ناسا يوم عيد الفطر يضحكون ويلعبون، فقال:
إنما جعل الصوم مضمارا لعباده ليستبقوا إلى طاعته، ولعمري لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه، ومسيء بإساءته عن تجديد ثوب، وترطيل (4) شعر.
213 - سعيد بن جبير (5) عن ابن عباس: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة، وليأتين عليها مئون من السنين ليس عليها موحد.
__________
(1) كان ذلك سنة 114هـ. ولّاه هشام بن عبد الملك وعزله عنها سنة 118هـ.
(2) قحط العام: احتبس فيه المطر وأجدب فهو قاحط. وأقحط الناس: لم يمطروا.
(3) يوم النحر: اليوم العاشر من ذي الحجة سمي كذلك لنحرهم فيه. ونحر البهيمة ذبحها من نحرها.
(4) رطّل الشعر: ليّنه بالدهن وأرخاه ومشّطه وأرسله.
(5) سعيد بن جبير: تابعي، حبشي الأصل، أخذ العلم عن ابن عباس وابن عمر، قتله الحجاج بواسط سنة 95هـ فقال الإمام أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيدا وما على وجه الأرض أحد إلّا وهو مفتقر إلى علمه، وفي آخر ترجمته في وفيات الأعيان أنه كان يلعب بالشطرنج استدبارا. وفيات الأعيان 1: 204والطبري 8: 93وفيه:
مقتله سنة 94هـ.(1/76)
214 - وعن كعب (1): الدنيا ستة آلاف سنة.
215 - استغنم تنفس الأجل، وامكان العمل، واقطع ذكر المعاذير والعلل، فأنك في أجل محدود، وعمر غير ممدود.
216 - في ديوان المنظوم (2):
سرتك دنياك وألهاك ددك ... يوشك أن تنغص عن ذاك يدك (3)
في قبضة القضاء ملقى مقودك ... لا تغترر أن يتراخى موعدك
إن لم يصب يومك لم يخطىء غدك
217 - عيسى عليه السّلام: يا طالب الدنيا لتبر، تركك لها أبرّ، وعنه:
من بنى على موج البحر دارا، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا. وعنه: من خبث الدنيا أن الله عصي فيها، وأن الآخرة لا تنال إلا بتركها.
218 - قيل لراهب: كيف سخت نفسك عن الدنيا؟ فقال: علمت أني أخرج منها كارها، فأحببت أن أخرج منها طائعا.
219 - دخل عمر على رسول الله وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر منه. فقال: مالي وللدنيا، ما
__________
(1) كعب: هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري، أبو إسحاق. كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن، وأسلم في زمن أبي بكر، وقدم المدينة في دولة عمر فأخذ عنه الصحابة وغيرهم. سكن حمص وتوفي فيها عن مئة وأربع سنين. ترجمته في الإصابة ت 7498والنجوم الزاهرة 1: 90وغيرهما من الكتب.
(2) ديوان المنظوم: اسم كتاب للمؤلف الزمخشري، سيرد ذكره (مع كتاب آخر اسمه ديوان المنثور) في الأجزاء التالية من هذا الكتاب.
(3) الددّ: اللهو واللعب، ولامه واو محذوفة ويقال فيه أيضا الددا بإثبات واو وقلبها ألفا.
والدد أيضا: الحين، يقال: مضى دد من الدهر. والددن: اللهو واللعب.(1/77)
مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها.
220 - علي، رفعه، من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي عشرة أيام غرر (1) زهر لا تشاكلهن أيام الدنيا.
221 - إسحاق الخاركي (2):
ولا تبق في وقت السلامة ساعة ... تفوتك لم تسعد بها وتمتّع
فأنك لاق كلما شئت ليلة ... ويوما يغصان العيون بأدمع
222 - خالد بن الطيفان الدارمي:
فما الدنيا بباقية لحي ... ولا حي على الدنيا بباقي
223 - ابن ميادة (3):
وما أنس ملأ شياء (4) لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل (5)
__________
(1) الأغر: الحسن، الأبيض من كل شيء.
(2) إسحاق الخاركي: شاعر كان في أيام المأمون، من خارك وهي جزيرة في وسط البحر الفارسي. راجع معجم البلدان لياقوت الحموي.
(3) ابن ميادة: هو الرمّاح بن أبرد بن ثوبان الذبياني الغطفاني المضري، أبو شرحبيل، وميّادة أمه. قيل: إسم أبيه يزيد، وجدّه ثريان. وهو شاعر رقيق هجاء من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. توفي سنة 149هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 4: 212وتهذيب ابن عساكر 5: 328.
(4) ملأشياء: أراد من الأشياء، والعرب تحذف نون «من» الجارّة إذا اضطرّت إلى ذلك في الشعر، ومنه قول ذي الأصبع العدواني:
أجعل مالي دون الدنا غرضا ... وما وهى ملأمور فانصدعا
أراد «من الأمور» فحذف النون وهمزة الوصل، وقد استعمل أبو الطيب المتنبي في شعره مثل ذلك في قوله:
نحن قوم ملجن في زيّ ناس ... فوق طير لها شخوص الجبال
أراد «من الجن» فحذف نون «من» وألف الوصل من «الجن» وهذا كثير في شعر العرب المحتجّ بشعرهم.
(5) المكحلة والمكحل: ما يجعل فيه الكحل. والكحل: الأثمد، وكل ما وضع في العين يستشفى به ويزيّن.(1/78)
تمتع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الشهور الأطاول (1)
224 - أبو مسهر الدمشقي المحدث (2):
أف لدنيا ليست تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني
عيني لحيني تدير مقلتها ... تريد ما سرها لترديني (3)
225 - مسلم بن الوليد الأنصاري (4):
حسبى بما أدت الأيام تجربة ... يسعى عليّ بكاسيها الجديدان (5)
دلت على عيبها الدنيا وصدقها ... ما استرجع الدهر فيما كان أعطاني
226 - مزاحم بن الحارث العقيلي (6):
__________
(1) أطاول: جمع الأطول وهو اسم تفضيل.
(2) أبو مسهر الدمشقي: هو عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي، من حفّاظ الحديث، يقال له ابن أبي دارمة. كان شيخ الشام وعالمها بالحديث والمغازي وأيام الناس.
امتحنه المأمون العباسي وأكرهه على أن يقول القرآن مخلوق فامتنع فحمل إلى السجن ببغداد فأقام نحوا من مئة يوم ومات. ولادته سنة 140هـ ووفاته سنة 218هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 269وتاريخ بغداد 11: 72.
(3) الحين (بفتح الحاء): الهلاك والموت، وترديني: تهلكني.
(4) مسلم بن الوليد الأنصاري: المعروف بصريع الغواني، شاعر غزل، هو أول من أكثر من البديع وتبعه الشعراء فيه، وهو من أهل الكوفة، نزل بغداد فأنشد الرشيد العباسي قوله:
وما العيش إلّا أن تروح مع الصبي ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل
فلقبه بصريع الغواني، فعرف به. قلّده ذو الرياستين مظالم جرجان وقبره فيها معروف. توفي سنة 208هـ. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 2: 186والمرزباني 372.
(5) الجديدان: الليل والنهار.
(6) مزاحم بن الحارث العقيلي: شاعر غزل بدوي. كان في زمن جرير والفرزدق. توفي سنة 120هـ. راجع طبقات فحول الشعراء 583.(1/79)
وددت على ما كان من سرف الهوى ... وغي الأماني أن ما شئت يفعل
فترجع أيام مضين وعيشة ... علينا وهل يثنى من الدهر أول
227 - علي رضي الله عنه: واعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل.
أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الأذهان (1). فتاهم عارم (2)، وشايبهم آثم، عالمهم منافق، وقارئهم مماذق (3). لا يعظم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيهم فقيرهم.
228 - من سالت من عينه قطرة يوم الجمعة قبل الرواح (4)، أوحى الله إلى الملك صاحب الشمال: إطو صحيفة عبدي، فلا تكتب عليه خطيئة إلى مثلها من الجمعة الأخرى.
229 - إياك وهم الغد، وارض للغد برب الغد.
230 - أبو ذر رضي الله عنه: يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه. يعني: إذا كنت في أول النهار بخير لم تزل فيه إلى آخره.
231 - قال لقمان لابنه لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك، ولا تتركها تكون كلا (5) على الناس.
232 - فضيل (6): لأن أعاني هول المطلع ولا أشهد القيامة أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمل عمر بن الخطاب.
233 - علي رضي الله عنه قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته:
__________
(1) أدهنه إدهانا: خدعه وختله وأظهر له خلاف ما يضمر.
(2) عارم: سيّء الخلق.
(3) ماذقه مماذقة: لم يخلص له الودّ.
(4) الرواح: العشيّ أو من الزوال إلى الليل ويقابله الصباح.
(5) الكلّ: الهمّ. وصار كلا: أي لا ولد له ولا والد.
(6) فضيل: هو فضيل بن عياض. تقدمت ترجمته.(1/80)
أيها الناس اتقوا الله، فما خلق أمرؤ عبثا فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو (1)، وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته، كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته.
234 - حذيفة (2) رضي الله عنه: ليس خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولا من ترك الدنيا للآخرة، ولكن من أخذ من هذه وهذه.
235 - سأل معاوية ضرار بن ضمرة الشيباني عن علي رضي الله عنه فقال: أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء العجول (3)، ويقول: يا دنيا يا دنيا، إليك عني إليّ تعرضت، أم إليّ تشوقت، لا حان حينك، هيهات هيهات، غريّ غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد وطول الطريق، وبعد السفر وعظيم المورد.
236 - مر محمد بن واسع بقوم فقيل: هؤلاء الزهاد، فقال ما خطر الدنيا حتى يحمد من زهد فيها.
237 - لقمان: يا بني كما تنام كذلك تموت وكما تستيقظ كذلك تبعث.
__________
(1) لغا الرجل عن الطريق: حاد عنه. ولغا في قوله: أخطأ وتكلّم عن غير روّية وتفكّر.
(2) حذيفة: هو حذيفة بن حسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله. صحابي، من الولاة الشجعان. كان صاحب سرّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنافقين. ولما ولي عمر سأله: أفي عمالي أحد من المنافقين؟ فقال: نعم، واحد. قال: من هو؟ قال: لا أذكره.
وحدث حذيفة بهذا الحديث بعد حين فقال: وقد عزله عمر كأنما دلّ عليه. ولّاه عمر على المدائن فتوفي فيها سنة 36هـ وله في كتب الحديث 225حديثا. راجع ترجمته في الإصابة وأسد الغابة وابن عساكر 4: 93.
(3) العجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها الثكلى والجمع عجل وعجائل ومعاجيل. اللسان مادة عجل.(1/81)
238 - وعن علي رضي الله عنه: ألا وأن الدنيا قد ولت حذاء فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة (1) الإناء، ألا وأن الآخرة قد أقبلت، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة، وإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
239 - قيل لعابد: لم تركت الدنيا؟ قال: لأني أمنع من صافيها، وامتنع من كدرها.
240 - وقيل لآخر: خذ حظك من الدنيا فإنك عنها راحل، قال:
الآن وجب أن لا آخذ حظي منها.
241 - قال عبد الملك بن مروان: ولدت في شهر رمضان، وفطمت في شهر رمضان، وختمت القرآن في شهر رمضان، وأتتني الخلافة في شهر رمضان، وأخاف أن أموت في شهر رمضان، فلما دخل شوال وأمن مات.
242 - ما عهدت ليلة مات فيها خليفة، وقام خليفة، وولد خليفة، إلا الليلة التي مات فيها الهادي (2)، وقام الرشيد (3)، وولد المأمون (4).
__________
(1) الصبابة: بقية الماء، ونحوه في الإناء والجمع صبابات.
(2) الهادي: هو موسى (الهادي) بن محمد (المهدي) بن أبي جعفر المنصور، أبو محمد، خليفة ولد بالري سنة 114هـ وولي بعد وفاة أبيه سنة 169هـ. مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر. مات خنقا ودفن في بستانه بعيسى آباذ سنة 170هـ. راجع ابن الأثير 6: 3629واليعقوبي 3: 136والمرزباني 379.
(3) الرشيد: هو هارون (الرشيد) بن محمد (المهدي) بن المنصور العباسي، أبو جعفر، خامس خلفاء الدولة العباسية. ولد بالري. ولايته 23سنة وشهران وأيام. توفي في سناباذ من قرى طوس سنة 193هـ. راجع ترجمته في البداية والنهاية 10: 213 واليعقوبي 3: 139وابن الأثير 6: 69.
(4) المأمون: هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، أبو العباس سابع الخلفاء من بني العباس ولد سنة 170هـ، وولي الخلافة بعد خلع أخيه الأمين سنة 198هـ. وتوفي سنة 218هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد لابن الخطيب 10: 183والمسعودي 2: 247.(1/82)
الباب الثاني السماء والكواكب وذكر العرش والكرسي
1 - عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رفع طرفه إلى السماء، فقال: تبارك خالقها، ورافعها، وممهدها، وطاويها طي السجل. ثم رمى ببصره إلى الأرض فقال: تبارك خالقها، وواضعها وممهدها وطاحيها (1).
2 - ابن مسعود: بين السماء والأرض مسيرة خمس مائة عام، وبين كل سماء إلى السماء الأخرى مسيرة خمس مائة عام، وبين الكرسي والسماء السابعة مسيرة خمس مائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمس مائة عام، والعرش فوق الماء، وكذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك (2): أن العرش غير الكرسي. وعن الحسن: العرش والكرسي واحد. قالوا: الغرض في خلق العرش والكرسي أن يرى بهما اقتداره وعظمته، وأن ينعبد ملائكته بحملهما، والطواف بهما، وجعلهما قبلة، كما وضع في الأرض البيت ليقصد ويطاف به، ويتوجه إليه في الصلاة.
__________
(1) الطحا: المنبسط من الأرض. وطحا الأرض بسطها ووسّعها.
(2) الضحاك: هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، كان يؤدب الأطفال. توفي سنة 105هـ. راجع تاريخ الخميس 2: 318.(1/83)
وهو متعال عن المكان، وهو خالق الأمكنة، وكان ولا مكان. ومن فضل حملة العرش أن الملائكة مأمورون بالغد والرواح إليهم للتسليم عليهم، تفضيلا لهم على سائر ملائكته. وأمر حملة العرش بالاستغفار لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
3 - أبو حازم (1): لا يكون ابن آدم في الدنيا على حال إلا ومثاله في العرش على تلك الحال، فقال بعض من سمعه: فنظر الله إليك وأنت مطيع أو عاص أعظم من مثالك على العرش، ولو نظر إليك وجوه أهل الأرض لأحببت أن يروك على ما تحب، وأن لا يروك على ما تكره، فكيف برب العزة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
4 - في ديوان المنظوم:
باتت تقلبني الهموم مقلبا ... في الفطرة العلوية الأفكارا
فلك يدور على الأنام وأنه ... سيدور أحقابا وكم قد دارا
شهب سوار وهي في تسيارها ... تقص القوي وتقصب الأعمارا (2)
5 - نظر أعرابي في سبعة وعشرين من رمضان إلى الهلال فقال:
الحمد لله الذي أنحل جسمك كما أخمصت (3) بطني.
6 - بعض المنجمين: مواليد الأنبياء بالسنبلة (4) والميزان، وكان طالع النبي صلّى الله عليه وسلّم الميزان. وقال ولدت بالسماك، وفي حساب المنجمين أنه السماك الرامح (5).
7 - امرؤ القيس:
__________
(1) راجع الإصابة ص 239والإستيعاب 4: 1626.
(2) تقص القوي: تضعفه وتذلّه، يقال: وقص الشيء أي كسره.
(3) خمص بطنه: فرغ وضمر. وخميص الحشى: ضامر البطن.
(4) السنبلة: برج في السماء.
(5) السماكان: كوكبان نيّران يقال لأحدهما السماك الرامح لأن أمامه كوكبا صغيرا يقال له راية السماك ورمحه، وللآخر السماك الأعزل لأن ليس أمامه شيء.(1/84)
إذا ما الثريا في السماء تعرضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصل (1)
8 - ذو الرمة (2):
وردت اعتسافا والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق
9 - آخر:
كأن الثريا فيه درّ تقاربت ... مساقطه من سلكه فتجمعا
10 - قيل لابن دكين (3): ما الدليل على أن المشتري سعد؟ قال:
حسنه.
11 - أوحى الله إلى عيسى عليه السّلام أن كن للناس في الحلم كالأرض تحتهم، وفي السخاء كالماء الجاري، وفي الرحمة كالشمس والقمر، فإنهما يطلعان على البر والفاجر.
12 - الشمس تسميها صعاليك (4) العرب قطيفة المساكين، ولذلك تكنى أم شملة قال قائلهم:
__________
(1) هذا البيت من معلقة امرىء القيس المشهور ومطلعها: قفا نبك وأثناء الوشاح:
ثناياه. والمفصّل: الذي فصل بين كل خرزتين منه بلؤلؤة. وقد زعموا في شرح هذا البيت أنه لم يرد الثريا وإنما أراد الجوزاء لأن الثريا لا تتعرض مع أن لها اعتراضا عند السقوط فإنها تأخذ وسط السماء كما يأخذ الوشاح وسط المرأة. راجع شرح معلّقته في كتب الأدب المعروفة وفي ديوانه.
(2) ذو الرمة: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر، أبو الحارث، شاعر امتاز بإجادة التشبيه، عشق ميّة المنقرية واشتهر بها. ولد سنة 77هـ. وتوفي بأصبهان، وقيل بالبادية سنة 117هـ. راجع ترجمته في معاهد التنصيص 3: 260 وخزانة الأدب 1: 51.
(3) ابن دكين: هو الفضل بن دكين بن حماد التيمي، أبو نعيم، محدث حافظ من أهل الكوفة. من شيوخ البخاري ومسلم، وفي أيامه امتحن المأمون الناس في مسألة القول بخلق القرآن. ولد سنة 130هـ وتوفي سنة 219هـ. راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير حوادث سنة 219.
(4) الصعلوك: المسكين.(1/85)
يا شمس با قطيفة المساكين ... قربك الله متى تعودين
13 - مناط العيوق (1) ومناط الثريا مثل في الاستبعاد، قال:
وأقرب من هذا الذي قد أردته ... مناط الثريا من يد المتناول
14 - نظر أعرابي إلى القمر حين طلع فأبصر به الطريق، وقد خاف أن يضل، فقال: ما عسيت أن أقول، إن قلت حسنك الله فقد فعل، وإن قلت رفعك الله فقد فعل.
15 - يقال عند طلوع الشمس: سبحان من صورك ودورك ونورك، وإذا شاء كورك (2).
16 - نظر أبو قصيصة ما جن من أهل الحجاز إلى هلال رمضان فقال: قد جئتني بقرنيك قطع الله أجلي أن لم أقطعك بالأسفار.
17 [شاعر]:
بد أن بنا وابن الليالي كأنه ... حسام جلت عنه القيون صقيل (3)
فما زلت أفني كل يوم شبابه ... إلى أن أتتك العيس وهو ضئيل
18 - أدخل رجل إصبعيه في حلقي مقراض، وقال لمنجم: أيش ترى في يدي؟ فقال: خاتمي حديد.
19 - فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة، فوجه إلى ابن ماهان (4)، فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحك منه، فاغتاظ وقال:
__________
(1) العيوق: نجم يتلو الثريا ولا يتقدّمها.
(2) قوّر الشيء: قطعه من وسطه خرقا مستديرا.
(3) القين: الحداد جمع قيون، ويطلق أيضا على كل صانع.
(4) ابن ماهان: هو علي بن عيسى بن ماهان، من كبار القادة في عصر الرشيد والأمين العباسيين. وهو الذي حرّض الأمين على خلع المأمون من ولاية العهد. قتله قائد جيش المأمون طاهر بن الحسين في الريّ سنة 195هـ. راجع ترجمته في البداية والنهاية 10: 226(1/86)
هل في الدار جارية تسمى فضة؟ قالوا: نعم، فقال: فضة أخذت الفضة، فكان كما قال.
20 - صلب منجم، فقيل: هل رأيت هذا في نجمك؟ فقال:
رأيت رفعة ولكن لم أعلم أنها فوق خشبة.
21 - قال أبو حنيفة الدينوري (1) في كتاب الأنواء: المنكر هو نسبة الأمر إلى الكواكب وأنها هي المؤثرة، فأما من نسب الأثر إلى خالق الكواكب، وزعم أنه ضربها أمارة (2)، ونصبها أعلاما على ما يحدثه ويجدده في كل أوان بمشيئته الربانية فلا جناح (3) عليه.
22 - المأمون: علمان نظرت فيهما وأنعمت فلم أرهما يصحان، النجوم والسحر.
وللمأمون:
والله ما تختلف النجوم ... وتضرب الشمس فلا تقوم
وقمر في فلك يعوم ... إلا لأمر شأنه عظيم
تقصر دون علمه العلوم
23 - في ديوان المنظوم:
وأطلب من الله السعادة في الذي ... ترجو وخل الكوكب المسعودا
إن الكواكب فوق عجزك عجزها ... من أين تمنح غيرهن جدودا
24 - قيل لأعرابي: ما أعلمك بالنجوم! قال: ومن الذي لا يعلم أجذاع بيته.
25 - وقيل لأعرابية: أتعرفين النجوم؟ فقالت: سبحان الله، أما
__________
(1) أبو حنيفة الدينوري: هو أحمد بن داود بن ونند. له كتب في كل علم وفن. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 25.
(2) الأمارة: العلامة.
(3) جناح: إثم.(1/87)
نعرف أشياخنا وقوفا علينا كل ليلة.
26 - أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: بينا رجل مستلق ينظر إلى النجوم والسماء، فقال: والله إني لأعلم أن لك خالقا وربا، اللهم اغفرلي، فنظر الله إليه فغفر له.
27 - زيد بن يحيى (1):
كنا عند مالك بن دينار فمرّ بنا خليفة البهراني فسلم على مالك، فقال: عظنا يا أبا عبد الله، فقال: يا أبا يحيى، إنك والله إن عرفت الله حق معرفته أغناك ذلك عن كل كلام وموعظة، أبا يحيى، إن المؤمنين لم يعبدوا إلههم عن رؤية: إنما عبدوه عن دلالة، إنهم والله لما نظروا إلى اختلاف الليل والنهار، ودوران هذا الفلك، وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد، ومجاري هذه البحار والأنهار، علموا أن لذلك صانعا ومدبرا لا يعزب (2) عنه مثقال ذرة من أعمال خلقه في السماوات والأرض، فعبدوا الله بدلائله على نفسه، عبادة أنضت (3) الأبدان، وأحالت الألوان، كتى كأنما عبدوه عن رؤية. فهم في الدنيا حية قلوبهم، ميتة جوارحهم، إلا عند الذكر والمناجاة والنهوض إلى طاعته، فبكى مالك بكاء شديدا، ثم قام عشيته لم يتكلم بشيء.
28 - ابن المعتز:
في ليلة أكل المحاق هلالها ... حتى تبدى مثل وقف العاج (4)
والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج
__________
(1) زيد بن يحيى: هو زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي. محدّث، صاحب رأي. توفي سنة 207هـ.
(2) عزب: بعد وغاب وخفي فهو عازب.
(3) أنضى البعير انضاء: هزله. والنضو: المهزول من الحيوان.
(4) المحاق: آخر الشهر القمري. وقيل ثلاث ليال من آخره.(1/88)
29 - ابن الطثرية (1):
إذا ما الثريا في السماء كأنها ... جمان وهى من سلكه فتبددا
30 - عن أبي برزة (2): خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه وهم يتفكرون في الخالق، فقال: تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق، فإنه لا يحيط به الفكر، تفكروا أن الله خلق السماوات سبعا، والأرضين سبعا، وثخانة كل أرض خمس مائة عام، وثخانة كل سماء خمس مائة عام، وما بين كل سمائين خمس مائة عام، وفي السماء السابعة بحر عمقه مثل ذلك كله، فيه ملك لم يجاوز الماء كعبه.
31 - ذو النون المصري (3) سمع شخصا قائما على جبل وسط البحر يقول: سيدي سيدي، أنا خلف البحور والجزائر، وأنت الملك الفرد بلا حاجب ولا زائر، من الذي أنس به فاستوحش، ومن الذي نظر إلى آيات قدرتك فلم يدهش. أما في نصبك السماء ذات الطرائق، ونظمك الفلك فوق رؤوس الخلائق، ورفعك العرش المحيط بلا عاتق، وإجرائك الماء بلا سائق، وإرسالك الريح بلا عائق، ما يدل على فردانيتك. أما السماوات فتدل على منعتك، وأما الفلك فيدل على حسن صنعتك، وأما الرياح فتنتشر من نسيم بركاتك، وأما الرعود فتصوت بعظيم آياتك، وأما
__________
(1) ابن الطثرية: هو يزيد بن سلمة بن سمرة، من بني قشير بن كعب، من عامر بن صعصعة، شاعر مطبوع، من شعراء بني أمية. كنيته أبو المكشوح، ونسبته إلى أمه من بني طثر وفي اسم أبيه خلاف. كان حسن الشعر، حلو الحديث متلافا للمال، صاحب غزل وظرف وشجاعة وفصاحة. قتل سنة 126هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 392.
(2) أبو برزة: هو فضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي. صحابي. شهد مع الإمام علي قتال أهل النهروان. مات بخراسان سنة 65هـ. ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 446.
(3) ذو النون المصري: هو ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المصري. من الزهّاد المشهورين من أهل مصر. اتهمه المتوكل بالزندقة. توفي بالجيزة سنة 245هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان 2: 437.(1/89)
الأرض فتدل على تمام حكمتك، وأما الأنهار فتفجر بعذوبة كلماتك، وأما الأشجار فتخبر بجميل صنائعك، وأما الشمس فتدل على تمام بدائعك.
32 - كان الرجل في بني إسرائيل إذا عبد الله ثلاثين سنة ظللته غمامة، ففعل ذلك الرجل فلم تظلله. فشكا إلى أمه، فقالت: لعلك أذنبت في هذه السنين ذنبا، قال: لا، قالت: فهل رفعت طرفك إلى السماء وأنت غير مفكر فيها؟ قال: نعم، قالت: من هاهنا أتيت.
33 [شاعر]:
كأن الثريا والصباح يكدها ... مصابيح رهبان دنت لخمود
34 - قال الأصمعي لأعرابي: أين منزلك؟ قال: من وراء اليمن بطالعين، يريد بشهرين.
35 - افتقدت امرأة أحد الكبار خاتما، فوجهت إلى أبي معشر (1)، فقال: خاتم الله أخذه. فتعجبت من قوله، ثم طلبته فوجدته في أثناء ورق المصحف.
36 - أبو بكر الخالدي (2):
وتنقبت بخفيف غيم أبيض ... هي فيه بين تخفر وتبرج (3)
كتنفس الحسناء في المرآة قد ... كملت محاسنها ولم تتزوج
__________
(1) أبو معشر: هو جعفر بن محمد بن عمر البلخي، من أصحاب الحديث، من العلماء المشهورين في علم الفلك. أصله من بلخ وأقام زمنا في بغداد ومات بواسط سنة 272هـ وقد جاوز المئة عام. راجع ترجمته في الفهرست 1: 277.
(2) أبو بكر الخالدي: هو محمد بن هاشم بن وعلة. من أهل البصرة، من خواص سيف الدولة الحمداني، كان شاعرا أديبا مشهورا، نسبته إلى الخالدية من قرى الموصل، وقيل نسبته إلى جده خالد. توفي سنة 381هـ. راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 170.
(3) تنقّبت: لبست النقاب وهو الخمار. وتبرّجت المرأة: أظهرت زينتها ومحاسنها والخفر: الحياء.(1/90)
37 - آخر:
ولاحت الشعرى وجوزاؤها ... كمثل زج جره رامح (1)
38 - في نوابغ الكلم: شيع الحسنة بحسن الجزاء، فما أحسن الشعرى خلف الجوزاء (2).
39 - لا خير في بني الزمان ما طلع المرزمان (3). لا بد مع ذا من ذيا، والدبران (4) تلو الثريا.
40 - ابن المعتز:
وأرى الثريا في السماء كأنها ... قدم تبدّت من ثياب حداد
41 - تقول الروم: لولا ضجة أهل الروم وأصواتهم لسمع الناس صوت وجوب (5) الشمس في المغرب.
42 - في النصائح الصغار: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب، متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا في حكمة مدبرها، قبل أن يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر.
43 - وفيها: الشهم الحذر، بعيد مطارح الفكر، غريب مسارح النظر، لا يرقد ولا يكرى (6)، إلا وهو يقظان الذكرى، يستنبط العظة من الملمح الخفي، يستخلص العبرة من الطرف القصي، فإذا نظرت إلى بنات
__________
(1) الشعري: الكوكب الذي يطلع في الجوزاء وطلوعه في شدة الحرّ. والزجّ: الحديدة التي في أسفل الرمح ويقابله السنان. والزج أيضا: نصل السهم والجمع زجاج وأزجّة وزججه. ورمحه: طعنه بالرمح، والرامح: ذو الرمح. والسماك الرامح: نجم.
(2) الجوزاء: برج من بروج السماء.
(3) المرزمان: مرزما الشعريين، وهما نجمان، أحدهما في الشعرى والآخر في الذراع.
(4) الدبران: منزل للقمر وهو مشتمل على خمسة كواكب في برج الثور.
(5) وجوب الشمس: غيابها. ويقال: وجب القلب: أي خفق ورجف واضطرب.
(6) كرى الرجل: نعس فهو كر وكريان وكريّ.(1/91)
نعش (1) فاستجلب عبرتك، وإذا رأيت بني نعش فاستحلب عبرتك، وأعلم أن من الجوائز أن تروح غدا مع الجنائز.
44 - النعش أربعة كواكب مربعة، إثنان منها الفرقدان، والبنات هي الثلاثة، فالذي في الطرف القائد، والأوسط العناق، والذي يلي النعش الحوت، والأوسط يليه كويكب صغير جدا يكاد يلصق به، يقال له:
السهى، والصيدق، ونعيش، والناس يمتحنون به أبصارهم، فمن ضعف بصره لم يره. وروي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك، ويقال: بنات نعش، وبنو نعش، وآل نعش.
45 [شاعر]:
وهل حدثت عن أخوين داما ... على الأيام إلّا ابني شمام (2)
وألا الفرقدين وآل نعش ... خوالد ما تحدث بانصرام
46 - عن شيخ من العرب أنه سرى برفيق له فتعب، فقال لرفيقه:
هذا الجدي فاضبط الأمر به، وأراه السمت (3) حتى أغفى على راحلته، ثم انتبه وقد جار به عن القصد، فقال: ما صنعت ويلك؟ فقال: إنه والله اختلط بالجدي جداء كثيرة، فلم أدر أيها هو.
47 [شاعر]:
جعلت سهيلا مجعل السيف بعدما ... تنكر بالدهنا علي المعارف (4)
__________
(1) بنات نعش الكبرى: هي سبعة كواكب تشاهدها جهة القطب الشمالي وبقربها سبعة أخرى تسمى بنات نعش الصغرى.
(2) ابنا شمام: وشمام اسم جبل لباهلة بالعالية له رأسان في أعلاه يسميان ابني شمام.
(3) السّمت: الطريق الواضح: والسمت: نقطة في الفلك ينتهي إليها الخط الخارجي من مركز الكرة الأرضية على إستقامة قامة الشخص، ويقابله سمت القدم أو الرّجل.
(4) سهيل: نجم بهيّ، طلوعه على بلاد العرب في أواخر القيظ. والدهناء: من ديار بني تميم، وهي سبعة أجبل من الرمل في عرضها، بين كل جبلين شقيقة وهي من أكثر بلاد الله كلأ مع قلة مياه، وإذا أخصبت الدهناء ربّعت العرب. راجع معجم البلدان مادة دهن.(1/92)
يعني طعنت في الجنوب، جاعلا سهيلا عن يساري، فإن شق السيف اليسار.
48 - كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ربما يخرج من الليل، فينظر في آفاق السماء، فيقول: سبحانك هجعت العيون، وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم. لا يواري عنك ليل ساج (1)، ولا سماء ذات أبراج، ولا أرض ذات مهاد، ولا بحر لجي، ولا ظلمات بعضها فوق بعض، تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل. اللهم فكما أولجت الليل في النهار والنهار في الليل فأولج عليّ وعلى أهل بيتي الرحمة، لا تقطعها عني ولا عنهم أبدا.
49 - كان المأمور بن مكربة الحارثي (2) يقول، وكان نصرانيا: نهار يجول، وليل يزول، وشمس تجري، وقمر يسري، وسحاب مكفهر، وبحر مسبطر (3)، وجبال غبر، وسحاب خضر، وخلق يمور، بعض في بعض، بين سماء وأرض، ووالد يتلف، وولد يخلف، ما خلق الله هذا باطلا. وإن بعد ما ترون لثوابا عقابا، وحشرا ونشرا (4)، ووقوفا بين يدي الجبار. فقالوا له: وما الجبار؟ فقال: الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
50 - محمد بن عبد الله الكاتب (5):
كأن الثريا صدر باز محلق ... سما حيث لا يبدو له غير جؤجؤ (6)
حكمت طبقا فيروزجيا أديمه ... نثرت عليه سبع حبات لؤلؤ
__________
(1) سجا الليل: سكن.
(2) المأمون بن مكربة الحارثي. كان معاصرا لأكثم بن صيفي، يقال إنه أدرك الإسلام.
(3) البحر المسبطر: الواسع.
(4) يوم النشر: هو يوم القيامة.
(5) محمد بن عبد الله الكاتب: كان شاعرا، وله رسالة في ذم الزمان. راجع مجمع الآداب 1: 315المجلد الرابع.
(6) الجؤجؤ من الطائر والسفينة: الصدر جمع جآجىء.(1/93)
51 - هرّدان العليمي (1) دليل يزيد بن المهلب (2) حين هرب من سجن.
52 - عمر بن عبد العزيز:
وقوم هم كانوا الملوك هديتهم ... بظلماء لم يبصر بها ضوء كوكب
ولا قمر إلا ضئيل كأنه ... سوار حناه صائغ سور مذهب (3)
53 - التهامي (4):
وللثريا ركود فوق أرحلنا ... كأنها قطعة من فروة النمر (5)
54 - يقول العرب: كان سهيل والشعريان مجتمعة، فانحدر سهيل فصار يمانيا، وتبعته العبور (6) فعبرت إليه المجرة، وأقامت الغميصاء (7)
__________
(1) هردان العليمي: شاعر شامي دمشقي. هو دليل يزيد بن المهلب إلى العراق حين هرب من سجن عمر بن عبد العزيز فأخطأ به الطريق فضربه فقال هردان:
وسوء ظني بالأخلّة أنني ... وجدت يزيد دون ما كان يزعم
فظنّ رويدا بالصديق ولا تكن ... بما عنده مستيقنا سوف تعلم
وقال أيضا: وقوم هم كانوا البيتان. راجع معجم الشعراء 488.
(2) يزيد بن المهلب: هو يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، أبو خالد. أمير، من القادة الشجعان الأجواد. ولي خراسان بعد وفاة أبيه سنة 83هـ، وعزله عبد الملك ابن مروان بعد ست سنين. كان الحجاج يخشى بأسه. ولد سنة 53هـ. وقتل في العقر بين واسط وبغداد سنة 102هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 264 وخزانة البغدادي 1: 105.
(3) رواية هذا البيت في معجم الشعراء:
ولا قمر إلّا ضيئلا كأنه ... سوار حشاه صانع السور مذهب
(4) التهامي: هو علي بن محمد بن نهد، أبو الحسن. شاعر مشهور. توفي سنة 416هـ راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 4: 263.
(5) الأرحل: جمع رحل: وهو ما يوضع على ظهر البعير كالسرج.
(6) العبور: من الكواكب النيّرة، سمّيت عبورا لأنها عبرت المجرّة، وهي شامية.
(7) الغميصاء، ويقال الرميصاء: من منازل القمر، وهي في الذراع أحد الكوكبين، وأختها الشعرى العبور، وهي التي خلف الجوزاء، سمّيت الغميصاء بهذا الاسم لصغرها وقلة ضوئها من غمص العين، لأن العين إذا رمصت صغرت. راجع اللسان مادة غمص.(1/94)
فبكت حتى غمصت (1).
55 - الحسن بن وهب (2): سمرت البارحة على وجه السماء، وعقد الثريا ونطاق الجوزراء فلما انتبه الصبح نمت، فلم استيقظ إلا بعد أن لبست قميص الشمس. لعله غلس (3) بصلاته ثم نام، وإن لم فقد فصح كلامه، وأفحم إسلامه.
56 - قالوا: إن العرش يهتز لثلاثة أشياء: لارتكاب الكبيرة، ولفتح اللسان بكلمة الإخلاص، ولموت المؤمن التقي.
57 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ (4).
58 - اختلفوا في البيت المعمور وفي مكانه، فقال قوم: هو البيت الذي بناه آدم أول ما نزل إلى الأرض، فرفع إلى السماء في أيام الطوفان، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. والملائكة تسميه الضراح بالضاد المعجمة لأنه ضرح عن الأرض إلى السماء، ومنه نية ضرح وطرح:
بعيدة. قال ابن الطفيل (5) سمعت عليا، وسئل عن البيت المعمور،
__________
(1) غمصت العين: أطبقت جفنيها.
(2) الحسن بن وهب: من معاصري أبي تمام. كان كاتبا وشاعرا. توفي نحو سنة 250هـ. ورثاه البحتري. راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 132.
(3) في الحديث: كان يصلّي الصبح بغلس الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
(4) سعد بن معاذ: صحابي من الأبطال، من أهل المدينة، شهد أحدا وثبت فيها. رمي بسهم يوم الخندق فمات من أثر جرحه ودفن بالبقيع وعمره سبع وثلاثون سنة. وحزن عليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم توفي سنة 5هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 3: 2 والإصابة الترجمة 3197.
(5) ابن الطفيل: هو عبد الله بن الطفيل البكالي، نسبة إلى بني بكال، بطن من حمير.
كان مع الإمام علي في صفين، راجع نهج البلاغة 1: 494.(1/95)
فقال: ذاك الضراح، بيت بحيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم القيامة. ويقال له: الضريح أيضا، ومن قال الصراح فهو اللحن (1) الصراح.
59 - وعن الحسن وابن عباس: أنه البيت الذي بمكة، معمور بمن يطوف به.
60 - وعن محمد بن عباد بن جعفر (2) أنه كان يستقبل القبلة ويقول: واحبذا بيت ربي، ما أحسنه وأجمله، هذا والله البيت المعمور.
وقيل: هو في السماء الدنيا، وقيل: في الرابعة، وقيل: في السادسة، وقيل: في السابعة.
61 - وعن جعفر بن محمد (3) عن آبائه هو تحت العرش.
62 - في نوابغ الكلم: أن الذي سخر الفلك في الماء، هو الذي سير الفلك (4) في السماء.
63 [شاعر]:
ولاح سهيل من بعيد كأنه ... شهاب ينجّيه من الريح قابس (5)
64 - أعرابي:
لقد سرني أن الهلال (6) غدية ... غدا وهو محقور الخيال دقيق
أضرت به الأيام حتى كأنه ... سوار لواه باليدين رقيق
فقمت أعزيه وقد رق عظمه ... وقد حان من شمس النهار شروق
ألا في سبيل الله إنك هالك ... وإني بأن أبكي عليك حقيق (7)
__________
(1) اللحن: الخطأ.
(2) محمد بن عباد بن جعفر: من رواة أهل مكة. أمّه زينب بنت عبد الله السائب بن أبي السائب المخزومي. راجع طبقات ابن سعد.
(3) جعفر بن محمد: هو جعفر بن محمد بن الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، الهاشمي القرشي، أبو عبد الله، الملقب بالصادق. سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان من أجلاء التابعين وله منزلة رفيعة في العلم. أخذ عنه جماعة منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك. لقب بالصادق لأنه لم يعرف الكذب قطّ. له أخبار مع الخلفاء من بني العباس وكان جريئا عليهم صداعا بالحق. ولد بالمدينة سنة 80هـ. وتوفي فيها سنة 148هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 94والأعلام 2: 126.
(4) الفلك: السفينة. والفلك: مدار النجوم.
(5) القابس: طالب النار.
(6) الهلال المحقور: الصغير، الذليل على التشبيه.
(7) حقيق: جدير.(1/96)
وإنك قد عطشتني وتركتني ... وفي الصدر من طول الغليل حريق
وإني لشهر الصوم إذ مر شاكر ... وإنك يا شوال لي لصديق
65 - قال ابن عباس لرجل طلق امرأته عدد نجوم السماء: يكفيك منها هقعة الجوزاء. وهي رأس الجوزاء. ثلاثة كواكب صغار مثفاة، وتسمى الأثافي (1).
66 - علي رضي الله عنه: أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء وسكاك الأهواء، فأجاز فيها ماء متلاطما تياره (2)، متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع (3) القاصفة، فأمرها برده، وسلها على شده، وقربها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق (4)، والماء من فوقها دفيق (5). ثم أنشأ سبحانه ريحا أعقم مهبها، وأدام مربّها (6)، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله على آخره، وساجيه على مائره، حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه
__________
(1) الأثافي: هي في الأصل أحجار ثلاثة توضع عليها القدر.
(2) شدّة جريان الماء في البحر أو النهر يسمّى التيّار.
(3) ريح زعزع: شديدة.
(4) الفتق: ما انفرج واتّسع من الأماكن. والفتيق: ما ينفتق.
(5) الماء الدفيق: الكثير الدفق، الغزير.
(6) مربّ الريح: مكانها.(1/97)
في هواء منفتق، وجو منفهق (1)، فسوى منه سبع سماوات، جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وسقفا محفوظا، وسمكا (2) مرفوعا، بغير عمد يدعمها، ولا دسار (3) ينتظمها، ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجا مستطيرا، وقمرا منيرا، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر (4).
67 - وعنه رضي الله عنه: وكان من اقتدار جبروته، وبدائع لطيف صنعته أن جعل من ماء اليم الزاخر المتراكم المتقاصف يبسا جامدا، ثم فطر منه أطيافا ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها، فاستمسكت بأمره، وقامت على حده، يملها الأخضر المثعنجر (5)، والقمقام (6) المسخر، قد ذل لأمره، وأذعن لهيبته، ووقف الجاري منه لخشيته.
68 - في ديوان المنثور: الله الذي رفع السماء بغير عمد وسمكها، وسوى في أديمها الأخضر حبكها، فطرها ملساء سالمة من الفطور، خالية من وقوع الخلل فيها على مر العصور، ثم زينها بنيران لا تزال سيارة، في أفلاك لا تنفك دوارة، من شمس وقمر يدأبان الليل والنهار، يطردان الظلمات ويجلبان الأنوار، ومن نجوم يرجم بها ضلال الجن من العفاريت (7)، ويرجم بها ضلال الأنس في السباريت (8)، لكل كوكب تسخير في تسييره، ولكل فلك تدبير في تدويره، لو اطلع النظار على ما دبر من عجيب تدبيرها، واستوضحوا ما قدر من بديع تقديرها، لأطفأت
__________
(1) منفهق: ممتلىء ومتّسع. يقال: فهق الغدير بالماء يفهق فهقا: امتلأ. وأفهقه:
ملأه.
(2) السّمك: السقف أو أعلى البيت، وهنا بمعنى السماء.
(3) الدسار: المسمار وجمعه دسر. وكل ما سمّر فقد دسر.
(4) الرقيم المائر: الفلك المتدافع.
(5) المثعنجر: المكان الأكثر ماء في البحر.
(6) القمقام: البحر.
(7) العفريت: هو الخبيث من الجن.
(8) السباريت: المفازات والصحاري، جمع سبروت.(1/98)
الحيرة عقولهم الثواقب، وردت الروعة أذهانهم ذواهب. آيات بما خمنها نطق، بألسنة كلها طلق ذلق. تدعو إلى فاطرها بحيّهل، وتقول أهلا بمن أدرك المهل.
69 - أبو حفص الضرير من بني كليب بن يربوع:
وكنا إذا شيطان تغلب رامنا ... قصفنا عليه من كواكبنا نجما
فنهلكه إنا كذلك لم تزل ... كواكبنا تفني شياطينكم رجما
70 - قالوا: الحكمة في الكسوف إن الله تعالى ما خلق خلقا إلا قيض له تغييرا وتبديلا، ليستدل بذلك على أن له مغيرا ومبدلا، ولأن النيرين (1) يعبدان من دون الله، فقضى الله عليهما الكسوف (2) وسلب النور، ليعلم أنهما لو كانا معبودين لدفعا عن أنفسهما ما يغيرهما، ويدخل النقص عليهما.
71 - ويروى أن الشمس انكسفت يوم مات إبراهيم (3) بن مارية (4)،
__________
(1) النيّران: كناية عن الشمس والقمر.
(2) الكسوف يكون للشمس، والخسوف يكون للقمر. فالكسوف هو عدم وصول نور الشمس إلى جزء من الأرض ويتم ذلك عندما يعترض القمر سبيل نور الشمس ويمنعه من الوصول إلى قسم من الأرض.
أما الخسوف فهو عدم وصول نور الشمس إلى القمر. ويحدث ذلك إذا اعترضت الأرض سبيل نور الشمس ومنعته من الوصول إلى القمر الذي تحجه عندئذ الأرض بظلّها الممدود فوق سطحه. وللكسوف والخسوف شروط.
(3) إبراهيم: هو إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وأمّه مارية القبطية كان المقوقس صاحب الإسكندرية بعث بها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سنة سبع من الهجرة. توفي يوم الثلاثاء لعشر ليال خلوان من ربيع الأول في السنة العاشرة من الهجرة ودفن بالبقيع، ويروى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في خبر موته: يا إبراهيم إنّا لا نغني عنك من الله شيئا، ثم ذرفت عيناه ثم قال: يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وإن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنّا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون. تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب. راجع ترجمته مفصلة في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده». طبعة مؤسسة عزّ الدين ص 369.
(4) مارية: هي مارية بنت شمعون القبطية، أم إبراهيم، من سراري النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولدت في قرية حفن من كورة أنصنا بمصر. راجع ترجمتها مفصلة في المصدر السابق.(1/99)
فقالوا انكسفت الشمس لموته، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم هذا فافزعوا (1) إلى الصلاة والدعاء حتى تنجلي.
72 - الوليد بن جميع (2): رأيت عكرمة (3) يسأل رجلا عن حساب النجوم، والرجل يتحرج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: هو علم عجز الناس عنه، ولوددت أني علمته، وعن ابن عباس علم من علوم النبوة، وليتني كنت أحسنه.
73 - وعن علي رضي الله عنه: من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن إزداد به إيمانا ويقينا، ثم تلا: {إِنَّ فِي اخْتِلََافِ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} (4).
74 - وعن ميمون بن مهران (5): إياكم والتكذيب بالنجوم، فإنه علم من علم النبوة.
75 - علي رضي الله عنه: يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في
__________
(1) فزع إليه: لجأ واحتمى.
(2) الوليد بن جميع: هو الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري. من أهل الكوفة. أخرج له مسلم في صحيحه. راجع ميزان الإعتدال 4: 337.
(3) عكرمة: هو عكرمة بن عبد الله البربري المدني، مولى عبد الله بن عباس، تابعي ولد سنة 25هـ. كان عالما بالتفسير والمغازي، روى عنه كثيرون. توفي سنة 105هـ. راجع تهذيب التهذيب 7: 263وميزان الإعتدال 2: 208.
(4) الآية كاملة: {إِنَّ فِي اخْتِلََافِ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ وَمََا خَلَقَ اللََّهُ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}.
(5) ميمون بن مهران الرقي: قاض فقيه ولد سنة 37هـ. استعمله عمر بن عبد العزيز على خراج الجزيرة وقضائها. كان كثير العبادة. توفي سنة 117هـ. راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 93والمحبر 478وفيه أنه «من أشراف المعلمين وفقهائهم، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز».(1/100)
محاق (1) الشهر، وإذا كان القمر في العقرب (2). ويروى أن رجلا قال له:
إني أريد الخروج في تجارة، وذلك في محاق الشهر، فقال: أتريد أن يمحق (3) الله تجارتك؟ استقبل هلال الشهر بالخروج.
76 - قال ابن عباس لعكرمة مولاه: أخرج فانظر كم بقي من الليل.
فقال: إني لا أبصر النجوم. فقال ابن عباس: نحن نتحدى بك فتيان العرب، وأنت لا تبصر النجوم. وقال: وددت أني أعرف «الهفت دوازده» يريد النجوم السبعة السيارة والبروج الأثني عشر (4).
77 - قال معاوية لدغفل بن حنظلة (5) العلامة، حين ضمه إلى يزيد: علمه العربية، والأنساب والنجوم.
78 - قال عمر للعباس وهو يستسقى (6): يا عم رسول الله كم بقي من نوء (7) الثريا؟ فإن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا.
__________
(1) المحاق: آخر الشهر القمري. وقيل ثلاث ليال من آخره.
(2) العقرب: برج في السماء.
(3) محق الله الشيء: نقصه وذهب ببركته.
(4) النجوم السبعة السيارة هي: المريخ والزهرة وعطارد والقمر والشمس والمشتري وزحل. أما البروج الإثنا عشر فهي: الحمل والثور والجوزاء (بروج ربيعية) والسرطان والأسد والسنبلة (بروج صيفية). والميزان والعقرب والقوس (بروج خريفية) والجدي والدلو والحوت (بروج شتوية) فالبروج الستة الأولى هي بروج شمالية وعالية، أما البروج الستة الثانية فهي بروج جنوبية منخفضة.
(5) دغفل بن حنظلة: هو دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة الذهلي الشيباني. يسمّى نسابة العرب. قيل اسمه حجر ولقبه دغفل. تولى تعليم يزيد بن معاوية وغرق يوم دولاب (بفارس) في وقعة مع الأزارقة. توفي سنة 65هـ. راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 1: 328والكامل لابن الأثير.
(6) استسقى: طلب السقيا. والإستسقاء: لغة طلب السقي، وشرعا هو أن يطلب الإنسان من الله تعالى على وجه الخصوص إنزال المطر عند شدة الحاجة إليه، وعند الأطباء هو تجمع سوائل مصلية في تجويف أو أكثر من تجاويف الجسد أو في خلاياه.
(7) النوء: النجم إذا مال للغروب وقد تقدم شرحه مفصّلا.(1/101)
79 - كانت الأكاسرة إذا أراد أحدهم طلب ولد أمر بإحضار المنجم، ويخلو مع المطلوب منها الولد. فساعة يقع الماء في الرحم أمر خادما على باب البيت بضرب طست (1) بيده، فإذا سمعها المنجم أخذ الطالع بالأسطرلاب (2).
80 - كان علماء بني إسرائيل يسترون من العلوم علمين: علم النجوم وعلم الطب، فلا يعلمونهما أولادهم، لحاجة الملوك إليهما، لئلا يكونا سببا في صحبة الملوك والدنو منهم فيضمحل دينهم.
81 - الحارث بن كلدة (3): إياكم والقعود في الشمس، فأن كنتم لا بد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم (4) أربعين يوما، ثم أنتم وهي سائر السنة.
82 - أبو محمد أبو حنيفة الدينوري: قد سجعت العرب في النجوم أسجاعا، بما أدركه طول تجريبهم، وأحكم علمها الماضي، وورثها الباقي، فسارت متواترة (5) محفوظة، وهي أشد الأمم تفقدا لذلك، وعناية به، لأن جلهم قطان بواد، وسكان عذوات (6) قفار، أهل عمد سيارة، تباع غيث، قليل على غيره تعويلهم، فأبصارهم إلى السماء طامحة، وبنواحيها موكلة، يطبيهم (7) البرق إذا لمع، والغيث إذا وقع، والماء إذا
__________
(1) الطست: وعاء من نحاس.
(2) الاسطرلاب: جهاز لمعرفة الوقت وتحديد إبعاد النجوم وحركاتها كان يستعمله الفلكيون قديما.
(3) الحارث بن كلدة الثقفي: مولده قبل الإسلام وبقي حتى أيام معاوية واختلفوا في إسلامه. كان طبيب العرب في عصره، حكيما مشهورا من أهل الطائف. تعلم الضرب على العود بفارس واليمن. توفي سنة 50هـ. راجع ترجمته في طبقات الأطباء 1: 109والمؤتلف والمختلف وله فيه شعر.
(4) النجم: أراد الثريا.
(5) متواترة: تجيء الواحدة بعد الأخرى وينقلها جيل عن جيل.
(6) العذوات: الأرض الكريمة المنبت جمع عذاة.
(7) يطبيهم: يستميلهم.(1/102)
نقع، ويظعنهم (1) الحر إذا وهج، ويجهدهم البرد إذا ركد، فهم بين نجعة (2) وحضور. لهم في كل ريح تهب، وكوكب يطلع، ونجم ينوء، أمر مسهر أو منيم، يحميهم الغفلة، ويمنعهم التضييع، وما يبلغنا عن أمة في ذلك ما بلغنا عنهم. ففي الناس أمم غيرهم أهل عمد (3) وبواد، وما في أحد منهم علم الحساب الذي أوغلوا إلى لطائف دقائقه، وأدركوه على حقائقه، فلم يسبقوا به، ولم يدركوا فيه.
83 - قال فقيههم: إذا طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء.
إذا طلع الدبران توقدت الحزان (4) واستغرت الذبان، ويبست الغدران.
إذا طلعت الجوزاء، توقدت المعزاء (5)، وأوفى على عودة الحرباء، وكنست (6) الظباء، وعرقت العلباء (7)، وطاب الخباء.
إذا طلع الذراع (8)، حسرت الشمس القناع، وأشعلت الأفق الشعاع، وترقرق السراب (9) بكل قاع (10).
إذا طلعت الشعرى، نشف الثرى، وأجن الصرى (11)، وجعل صاحب النخل يرى.
__________
(1) ظعن: سار ورحل.
(2) النجعة: طلب الكلأ في مواضعه وهي اسم من النجوع.
(3) أهل عمد: أي أعراب.
(4) الحزان: جمع حزن وهو ما غلظ من الأرض.
(5) المعزاء: الأرض ذات الحجارة.
(6) كنس الظبي: دخل في كناسة وهو بيته.
(7) العلباء: عروق ممتدة في العنق.
(8) الذراع: نجوم في السماء على شكل الذراع وهما ذراعان.
(9) السراب: ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماء تنعكس فيه البيوت والأشجار.
(10) القاع: أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام جمع قيعان.
(11) أجنّ الصرى: أجن: فسد. والصرى: اللبن.(1/103)
إذا طلعت الجبهة (1)، تحانت «الولهة (2)، وتنازت (3) السفهة.
إذا طلع سهيل، طاب الليل، وحذي النيل، وامتنع القيل (4)، وللفصيل الويل، ورفع كيل، ووضع كيل.
إذا طلعت الصرفة (5)، احتال كل ذي حرفة، وجفر كل ذي نطفة، وامتير على الماء زلفة.
إذا طلعت العوّاء (6)، ضرب الخباء، وطاب الهواء، وكره العراء، «وشنن (7) السقاء.
إذا طلع السماك، ذهبت العكاك (8)، وقل على الماء اللكاك (9).
إذا طلعت الزبانى (10)، أحدثت لكل ذي عيال شانا، ولكل ذي ماشية هوانا، وقالوا كان وكانا، فاجمع لأهلك ولا توانى.
إذا طلع الأكليل (11)، هبت الفحول، وشمرت الذيول، وخيفت السيول.
__________
(1) الجبهة: أربعة أنجم ينزلها القمر ويقال لها جبهة الأسد.
(2) وله ولها: اشتد حزنه. والواله والوالهة: من اشتد حزنهما والجمع ولهة.
(3) تنازت: نزا بعضها على بعض أي وثب وتقال للبهائم وخاصة للحمر.
(4) القيل: النوم في القيلولة.
(5) الصرفة: منزل من منازل القمر نجم واحد نيّر تلقاء الزبرة: والعرب تقول: الصرفة ناب الدهر لأنها تفترّ عن البرد أو عن الحرّ في الحالتين. قال ابن كناسة. سمّيت بذلك لانصراف البرد وإقبال الحرّ. وقال ابن بري: صوابه أن يقال سمّيت بذلك لانصراف الحرّ وإقبال البرد. اللسان مادة صرف.
(6) العوّاء: خمسة كواكب تطلع في ذنب البرد وتسمى طاردة البرد.
(7) شنن السقاء واستشن: صار خلقا. وتشانّ الجلد: يبس وتشنّج. والسقاء: وعاء من جلد للماء واللّبن جمع أسقية وأسقيات.
(8) العكاك: فورة الحرّ.
(9) اللكاك: الزحام.
(10) الزبانى: كوكب نيّر، وهما كوكبان ينزلهما القمر.
(11) الأكليل: رأس برج العقرب، وهو من منازل القمر.(1/104)
إذا طلع القلب (1)، جاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في كرب، ولم تكن البخل إلا ذات ثوب.
إذا طلع الهراران (2)، هزلت السمان، واشتد الزمان، ووحوح (3)
الولدان.
والهراران قلب العقرب والنسر يطلعان معا.
إذا طلعت الشولة (4)، أخذت الشيخ البولة، وقيل شتوة زولة، أي عجيبة.
إذا طلع سعد السعود (5)، ذاب كل جمود، واخضر كل عود، وانتشر كل مصرود (6).
إذا طلع الحوت (7)، خرج الناس من البيوت.
84 - ابن المعتز:
كأن الثريا في أواخر ليلها ... تفتح نور أو لجام مفضض
__________
(1) القلب: كوكب نيّر من منازل القمر. والقلوب أربعة: العقرب، الأسد، الثور، الدبران.
(2) الهراران: نجمان. قال ابن سيدة: الهراران النّسر الواقع وقلب العقرب. (اللسان مادة هرر).
(3) وحوح: قال حو، كلمة تقال عند إشتداد البرد.
(4) الشولة: إحدى منازل القمر في برج العقرب، كوكبان نيّران.
(5) السعد والسعود: كلاهما سعود النجوم، وهي الكواكب التي يقال لكل واحد منها سعد كذا، وهي عشرة أنجم كل واحد منها سعد: أربعة منها منازل ينزل بها القمر، وهي: سعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية، وهي في برجي الجدي والدلو، وستة لا ينزل بها القمر وهي: سعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الهمام وسعد البارع وسعد مطر، وكل سعد منها كوكبان بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع وهي متناسقة. (اللسان مادة سعد).
(6) المصرود: الذي أصابه البرد.
(7) الحوت: اسم برج من بروج السماء.(1/105)
85 - دكين (1):
وقد تعاللت ذميل العنس ... بالسوط في ديمومة كالترس (2)
إذ عرج الليل بروج الشمس
86 - قتادة (3): بلغني أن رسول الله كان إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد، ثلاث مرات، آمنت بالذي خلقك، ثلاث مرات، الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا.
87 - أبو هريرة، يرفعه: إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه الظل، فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم.
88 - أمية بن أبي الصلت (4):
تأمل صنع ربّك غير شك ... بعينك كيف تختلف النجوم
دوائب في النهار فما تراها ... وتمسي مسي ليلتها تعوم
فما تجرى سوابق ملجمات ... كما تجري ولا طير تسوم
هو المجرى سوابقها سراعا ... كما حبس الجبال فما تريم
يا نعم عيني بربي إنه صنع ... وعالم بالذي نعيا به حكم
إلى السماء تأمل كيف بنيتها ... وكل شيء بناه الله ملتئم
__________
(1) دكين: هو دكين بن رجاء الفقيمي. راجز: توفي سنة 119هـ.
(2) العنس: الناقة القوية. وذميل العنس: سيرها السريع. والديمومة: المفازة الواسعة.
(3) قتادة: هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز. كان مفسرا ضريرا أكمه، عالما بالحديث واللغة وأيام العرب. ولد سنة 61هـ. وتوفي بواسط في الطاعون سنة 118هـ. راجع ترجمته في نكت الهميان 230وإرشاد الأريب 6: 202.
(4) أمية بن أبي الصلت: شاعر جاهلي من أهل الطائف، وهو ممّن حرموا الخمر على أنفسهم ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية. قدم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكة وسمع منه آيات من القرآن. مات بالطائف سنة 5هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 3: 115 والخميس 1: 412وفيه وفاته سنة 2هـ.(1/106)
صاغ السماء فلم يخفض مواضعها ... لم ينتقص علمه جهل ولا سأم
زينت بحليتها في الدهر إذ رفعت ... كزاهر الروض لا يخفى به سحم (1)
كأن صفحتها ماويّة جليت ... تنجاب عن ليطها الأرواح والرهم (2)
89 - طال بكاء طاووس (3) بالليل، فرأى القمر طالعا من أبي قبيس (4)، فقال: ورب هذه البنية (5)، إن هذا القمر يبكي من خشية الله ولا ذنب له، وتلا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية: (سورة الحج: 18) فلم يستثن من هؤلاء أحدا، وقد استثنى ابن آدم فقال: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذََابُ} (سورة الحج: 18)، والذي كان أحقهم بالشكر هو أكثرهم.
90 - تبع بن الأقرن (6) من ملوك اليمن.
منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس (7)
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت بالنس
__________
(1) سحم سحما: أسودّ فهو أسحم جمع سحم.
(2) الماوية: المرآة. والليط: القشر: والأرواح: جمع ريح. والرّهم: جمع رهمة:
المطرة الضعيفة الدائمة.
(3) طاووس: هو طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني بالولاء. تابعي، أصله من الفرس، ولد باليمن سنة 33هـ. كان متفقها في الدين متقشفا في العيش. توفي حاجا بالمزدلفة سنة 106هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 160وحلية الأولياء 4: 3.
(4) أبو قبيس: اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقّيها، وقعيقعان من غربّيها. قيل سمّي باسم رجل من مذحج كان يكنّى أبا قبيس لأنه أول من بنى فيه قبّة. راجع معجم البلدان: 1: 80مادة «أبو».
(5) البنية: الكعبة.
(6) تبع بن الأقرن: من ملوك حمير وهو جدّ أبي حسان بن أسعد أبي كرب الحميري، وتبّع لقب الملك الأكبر من ملوك حمير مثل كسرى عند الفرس
(7) الورس: نبات كالسمسم يصبغ به.(1/107)
91 - ابن الرومي:
أعلم الناس بالنجوم بنو نو ... بخت علما لم يأتهم بالحساب (1)
بل بأن شاهدوا السماء سموا ... بترقّ في المكرمات الصعاب
ساوروها بكل علياء حتى ... بلغوها مفتوحة الأبواب
92 - لما قدم المأمون بغداد وصل الناس على قدر مراتبهم، وأغفل عبد الله بن أبي سهل بن نوبخت المنجم. فقال:
أصبت وأخطأ فيك كلّ منجم ... فقرّب من أخطأ وكنت المبعدا (2)
فلو أنهم كانوا أصابوا بما قضوا ... وكنت الذي أخطأ القضاء لما عدا
93 - أراد علي رضي الله عنه الخروج إلى الخوارج، فأراد تثبيطه ناظر في النجوم، فقال: أيها الناس، إياكم وتعلم النجوم، إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو إلى الكهانة (3)، المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله، ورجع مظفرا.
94 - قرب إلى علي بن الحسين رضي الله عنه ظهوره في يوم ورده، فوضع يده في الإناء ليتوضأ، ثم رفع رأسه فنظر إلى السماء والقمر والكواكب، ثم جعل يفكر في خلقها، حتى أصبح وأذن المؤذن، ويده في الإناء.
__________
(1) بنو نوبخت: أسرة اشتهرت بعلم الفلك وحساب النجوم كانت في بغداد في القرن الثالث الهجري.
(2) أخطا: أصلها أخطأ فحذف الهمزة للتسهيل.
(3) الكهانة: حرفة الكاهن وهو من يدّعي معرفة الأسرار أو أحوال الغيب.(1/108)
الباب الثالث السحاب والمطر والثلج والرعد والبرق وما يتصل بذلك من ذكر الاستمطار وغيره
1 - عن رقيقة بنت أبي صيفي (1)، وكانت لدة (2) عبد المطلب بن هاشم: تتابعت على قريش سنوّ جدب أقحلت الضرع (3)، وأرقت العظم، فبينا أنا راقدة، اللهم أو مهوّمة (4)، ومعي صنوي (5)، إذا أنا بهاتف صيت (6)، يصرخ بصوت صحل (7)، يقول: يا معشر قريش: إن هذا النبي المبعوث منكم، قد أظلتكم أيامه، وهذا أبان نجومه، فحيهلا بالحيا (8) والخصب، ألا فانظروا منكم رجلا وسيطا عظاما جساما، أبيض،
__________
(1) رقيقة بنت أبي صيفي: هي التي حذّرت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حين تآمرت قريش على قتله، فتحول الرسول عن فراشه وبات علي مكانه. عمّها عبد المطلب بن هاشم جدّ الرسول وهي أسنّ منه.
(2) اللّدة: الترب، السماوي لك في العمر.
(3) الضرع للشاء والبقر كالثدي للنساء.
(4) مهوّمة: نائمة نوما خفيفا.
(5) صنوي: شقيقي.
(6) صيّت: شديد الصوت. والهاتف: من تسمع صوته ولا تراه وكانت الهواتف قد كثرت عند العرب أثناء حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(7) الصوت الصحل: الذي فيه بحّة.
(8) الحيا: المطر.(1/109)
بضا أوطف (1) الأهداب، سهل الخدين، أشم العرنين (2)، له فخر يكظم عليه (3)، وسنة تهدي إليه، ألا فليخلص هو وولده، وليدلف (4) إليه من كل بطن رجل، ألا فليشنوا (5) عليهم من الماء، وليمسوا من الطيب، وليطوفوا بالبيت سبعا، ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته، ألا فليستسق الرجل، وليؤمن القوم، ألا فغثتم إذن ما شئتم وعشتم. قالت: فأصبحت علم الله مذعورة، قد قف (6) جلدي، ودله (7) عقلي. فقصصت رؤياي فذهبت في شعاب (8) مكة. فو الحرمة والحرم، إن بقي أبطحي ألا قال:
هذا شيبة (9) الحمد، فتنامت إليه رجالات قريش، وانقض إليه الناس من كل بطن رجل، فشنوا ومسوا واستلموا وطوفوا، ثم رتقوا أبا قبيس، وطفق القوم يدفون (10) حوله ما أن يدرك سعيهم مهلة، حتى قروا بذروة (11)
الجبل، واستكفوا جنابيه (12)، فقام عبد المطلب فاعتضد (13) ابن ابنه محمدا فرفعه على عاتقه (14)، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب (15)، ثم
__________
(1) وطف يوطف وطفا: كثر شعر حاجبيه وعينيه فهو أوطف جمع وطف.
(2) العرنين: الأنف.
(3) يكظم عليه: يمسك به.
(4) يدلف إليه: يقبل عليه.
(5) شنّ الماء: صبّه.
(6) قفّ الجلد: يبس. وقف الشعر: قام لشدّة الفزع.
(7) دله القعل: وله.
(8) الشعاب: جمع شعب وهو الطريق في الجبل.
(9) شيبة الحمد: قيل اسم عبد المطلب هو شيبة.
(10) يدفون حوله: يسرعون. ودفف ودافّ: أسرع.
(11) ذروة الجبل: أعلاه.
(12) جنابيه: حواليه.
(13) اعتضد: أخذه بعضده. والعضد هو من المرفق إلى الكتف والجمع أعضاد وأعضد.
(14) العاتق: ما بين المنكب والعنق والجمع عواتق وعتق.
(15) أيفع أو كرب: شارف الإحتلام أو قارب. واليفاع: المرتفع من كل شيء.(1/110)
قال: لاهمّ (1): سادّ الخلة (2)، وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلم، مسؤول غير مبخّل، وهذه عبداؤك وإماؤك، بعذرات (3) حرمك، يشكون إليك سنتهم (4) التي أذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم، وأمطرن علينا غيثا مغدقا مريعا (5)، فوالكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجة (6). فسمعت شيخان (7) قريش وجلتها عبد الله بن جدعان (8)
وحرب بن أمية (9) وهشام بن المغيرة (10) يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء.
2 - وفي ذلك أقول:
__________
(1) لاهمّ: أي اللهمّ.
(2) الخلة: الحاجة.
(3) عذرات الحرم: أفنيتها.
(4) السنة: الأرض المجدبة التي أكل نباتها. القحط.
(5) غيث مريع: أي مخصب.
(6) الثجيج: السيل.
(7) شيخان: جمع شيخ.
(8) عبد الله بن جدعان: أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية. كانت له جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب فوقع فيها صبي فغرق وهو الذي خاطبه أمية بن أبي الصلت بأبيات اشتهر منها قوله:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك؟ إن شيمتك الحياء
أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل النبوة. وأخباره كثيرة. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 537.
(9) حرب بن أميّة: كنيته أبو عمرو. من قضاة العرب الجاهلية وهو جدّ معاوية بن أبي سفيان بن حرب. شهد حرب الفجار وتوفي سنة 36ق. هـ. راجع ترجمته في المحبر 132واليعقوبي 1: 215.
(10) هشام بن المغيرة: هو هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي القرشي، من سادات العرب في الجاهلية. كانت قريش وكنانة ومن والاهم يؤرخون بثلاثة أشياء: بناء الكعبة، وعام الفيل، ثم بموت هشام. شهد حرب الفجار رئيسا لبني مخزوم. راجع ترجمته في المحبر 139والأزمنة والأمكنة 2: 270.(1/111)
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلّوذ المطر (1)
فجاء بالماء وسمّي له سبل ... ثجا فعاشت به الأنعام والشجر (2)
3 - أنس: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع (3).
وهلك الشاء (4)، فادع الله أن يسقينا. فمد يده ودعا، وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح وأنشأت سحابا ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عزاليها (5). فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى. فقام إليه ذلك الرجل فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه، فتبسم رسول الله ثم قال: حوالينا ولا علينا. فرأيت السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل.
4 - وعن عائشة: أنه خرج حين بدا حاجب الشمس، فصعد على المنبر، وكبّر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن أبان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم. ثم قال: اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين. فأنشأ الله سحابا، فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله. فلم يأت مسجده حتى سالت السيول. فلما رأى سرعتهم إلى الكن (6) ضحك حتى بدت نواجذه (7)، وقال: أشهد أن
__________
(1) شيبة: اسم عبد المطلب كما سبق وذكرما. والحيا: المطر، واجلوّذ المطر: دام مع السرعة، وقيل امتد وقت تأخره وانقطاعه. (اللسان مادة جلذ).
(2) الوسمي: مطر الربيع الأول. والسيل: اسم للمطر. وثجّ الماء: سال.
(3) الكراع: الخيل والسلاح.
(4) الشاء: جمع شاة وهي الواحدة من الضأن والمعز والظباء والبقر
(5) أرسلت السماء عزاليها: كناية عن إنهمار المطر. والعزلاء: مصب الماء من القربة ونحو ذلك.
(6) الكن: وقاء كل شيء وستره.
(7) النواجذ: أقصى الأضراس وهي أربعة. وقوله ضحك حتى بدت نواجذه كناية عن الإستغراق في الضحك.(1/112)
الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله.
5 - وروي أنه قال في استسقاء: اللهم: اسقنا وأغثنا، اسقنا غيثا مغيثا، وحيا (1) ربيعا، وجدا طبقا (2) غدقا مغدقا، مونقا عاما، هنيئا مريئا. مريا مريعا، مربعا مرتعا، وابلا سابلا (3)، مسبلا مجللا (4)، ديما (5)
درارا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث (6) غيثا، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وانزل علينا في أرضنا سكنها.
اللهم: انزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحيي به بلدة ميتا، واسقه مما خلقت لنا أنعاما وأناسي كثيرا.
6 - خرج عمر يستسقي بالعباس: فقال: اللهم أنا نتقرب إليك بعم نبيك، وبقية آبائه، وكبر رجاله، فإنك تقول، وقولك الحق: {وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ} الآية: (سورة الكهف: 18)، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقد دلونا به إليك مستشفعين ومستغفرين. ثم أقبل على الناس فقال: استغفروا ربكم أنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا.
7 - قال الراوي: ورأيت العباس: وقد طال عمره، وعيناه تنضحان، وسبائبه (7) تجول على صدره، وهو يقول: اللهم أنت الراعي لا
__________
(1) الحيا: المطر.
(2) جدا جدوا عليه: أعطاه الجدوى أي العطيّة. والجدا هنا بمعنى المطر العام. وقوله جدا طبقا: أي دائما ومستمرا يغطي وجه الأرض. والغدق: الغامر. والمري:
المروي.
(3) نقول أسبل المطر: هطل. والسبل: المطر النازل من السحاب قبل أن يصل إلى الأرض والسابل مثل الوابل: أي المطر الشديد.
(4) المجلل: العام.
(5) الديم: المطر الدائم الساكن دون برق أو رعد.
(6) المطر الرائث: الخفيف المبطىء.
(7) السبائب: جمع سبيبة وسبيب وهي الخصلة من الشعر.(1/113)
تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير (1)، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى. اللهم فاغثهم بغثيانك من قبل أن يقنطوا (2) فيهلكوا فإنه لا ييأس إلا القوم الكافرون.
فنشأت طريدة (3) من سحاب، وقال الناس: ترون ترون، ثم تلامت واستتمت، ومشت فيها ريح، ثم هوت ودرّت (4)، فو الله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء، وقلصوا المئزر (5)، وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه، ويقولون هنيئا لك ساقي الحرمين.
8 - عبد الواحد بن عوف بن الريان الطهوي:
بخبث كأنّ المسك يعرو عراره ... إذا هبصت فيه الرياح العواصف (6)
وكل سماكيّ أهابت به الصبا ... فجن له عود من الرعد شارف (7)
إذا شم أنف الليل أرمض وسطه ... سنا كابتسام العامرية شاغف (8)
9 - قال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما كان أفصحها، سألتها:
كيف كان المطر عندكم؟ فقالت: غثنا ما شئنا.
10 - كف بصر معقر بن حمار البارقي (9)، فسمع يوما صوت راعد،
__________
(1) قوله ضرع الصغير: أي أصبح ضعيفا ونحيفا.
(2) قنط قنطا: أي يئس.
(3) طريدة من سحاب: قطعة منه.
(4) درّت السماء: صبّت المطر بغزارة.
(5) المئزر: كل ما سترك والجمع مآزر.
(6) الخبت: ما اطمأن واتسع من الأرض والجمع أخبات وخبوت. ويعرو عراره: يلمّ ببهاره الطيّب. وهبصت فيه الرياح: سارت سريعا.
(7) سماكي: صفة للسحاب المحذوف. والصبا: ريح مهبها جهة الشرق يقابلها الدبور. والعود: المسن من الإبل والشاء جمع عودة. والشارف بهذا المعنى.
(8) أرمض: أحرق. يقال: رمض النهار اشتدّ حرّه. والسنا: الإشراق واللّعمان.
والإبتسام الشاغف: الذي يصيب شغاف القلب. وشغاف القلب غلافه.
(9) معقر بن أوس بن حمار بن الحارث البارقي الأزدي، شاعر يماني جاهلي. كان حليف بني نمير بن عامر. شهد يوم جبلة قبل الإسلام وله شعر في ذلك اليوم. قال الزركلي في الأعلام: «وهو صاحب البيت المشهور من قصيدة طويلة».
وألقت عصاها واستقرّت بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
وكفّ بصره في أواخر عمره. توفي سنة 45ق. هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 7: 270وخزانة البغدادي 2: 290.(1/114)
ومعه بنت تقوده، فقال لها: ما ترين؟ فقالت: أرى سحماء (1) عقاقة (2)
كأنها حولاء (3) ناقة. فقال لها وائلي بي (4) إلى جانب قفلة (5) فأنها لا تنبت إلا بمنجاة من السيل.
11 - عروة الصعاليك (6):
ألم تأرق لبرق بات يسري ... بأكناف الأراكة مستطير (7)
يكشف عائذا بلقاء ينفي ... ذكور الخيل عن ولد صغير
12 - قيل لجمعة (8): أي السحاب أحسن؟ قالت: سحاب ملتف أسحم (9) رجاف مسف (10) يكاد يمسه من قام بالكف.
__________
(1) امرأة سحماء: سوداء. والأسحم هو الأسود.
(2) عقاقة: حامل.
(3) الحولاء للناقة كالمشيمة للمرأة.
(4) وائل: طلب النجاة. وقوله وائلي بي: أي اسرعي.
(5) القفل: شجر بالحجاز يضخم ويتخذ النساء من ورقه غمرا يجيء أحمر واحدته قفلة.
وقيل هي شجرة بعينها تهيج في وغرة الصيف فإذا هبّت البوارح بها قلعتها وطيّرتها في الجو. (اللسان مادة قفل).
(6) عروة الصعاليك: هو عروة بن الورد بن زيد العبسي. يلقب بعروة الصعاليك (والصعاليك من الشعراء مصطلح كان يطلق في الجاهلية على من كان ديدنهم شنّ الغارات وقطع الطرق وهم ثلاثة أصناف) من شعراء الجاهلية وفرسانها وأجوادها.
توفي نحو سنة 30ق. هـ. راجع ترجمته في جمهرة أشعار العرب، وارجع أصناف الصعاليك في معجم المصطلحات العربية ص 225.
(7) الأراك: شجر معروف مجتمع يستظلّ به. وأراك: واد قرب مكة. راجع معجم البلدان 1: 135مادة «أراك».
(8) جمعة: اسم امرأة.
(9) السحاب الأسحم: الأسود.
(10) سفّ السحاب أو الطائر: مرّ على وجه الأرض.(1/115)
13 - أعرابي:
سحابة صادقة الأنواء ... تجر حضنيها على البطحاء (1)
بدت بنار وثنت بماء ... تثني بها الأرض على السماء
تجمع بين الضحك والبكاء
14 - وقف أعرابي على قوم فقال: بدء شأني، والذي الجأني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد ثوى عنا، ثم تكرفأ (2) السحاب، وشصا الرباب (3)، فادلهم سيّقه (4)، وارتجس (5) ريّقه، وقلنا هذا عام باكر الوسمي (6)، محمود السمي (7) ثم هبت له الصبا (8) فاحزالت (9)
طخاريره (10)، وتقزّع كرفئه (11) متناسرا (12)، ثم تتابع لمعان البرق، حيث تشيمه (13) الأبصار، وتحده الأنظار، ومرت الجنوب (14) ماءه، وفوض الحي لئمين نحوه فسرحنا فيه المال (15)، وكان وخما وخيما، أشف (16)
__________
(1) البطحاء: الأرض.
(2) تكرفأ السحاب: ركب بعضه بعضا.
(3) الرباب: السحاب الأبيض. وشصا الرباب: ارتفع في الجوّ.
(4) السيّق من السحاب: المطرود بالريح.
(5) ارتجس: رعد بشدة.
(6) الوسمي: مطر الربيع الأول.
(7) السميّ: المطر.
(8) الصبا: ريح مهبّها جهة الشرق ويقابلها الدبور.
(9) احزالت: ارتفعت.
(10) طخارير السحاب: الرقيق منه.
(11) تفزّع كرفأ السحاب: تقشع المتراكب منه.
(12) السحاب المتناسر: المنقطع.
(13) تشيم الأبصار السحاب: تراقب موقع قطره.
(14) مرّت الجنوب ماءه: اسقطته. والجنوب هي ريح مهبّها جهة الجنوب.
(15) المال: الإبل
(16) أشف المال: أضعف الإبل.(1/116)
المال، وأضفّ الحال (1)، فبقينا لا تستر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبة (2).
15 - وفي ذلك يقول شاعرنا:
ومن يرع بقلا من سويقة يغتبق ... قراحا ويسمع قول كل صديق (3)
أي العدل، يقولون قد نهيناك.
16 - التنوخي (4):
ورعدة كقارىء متتعتع ... أو خاطب لجلج لما أن خطب (5)
كأسد يزأر أو جنادل ... تصطك أو أمواج بحر يصطخب (6)
17 - أعرابي:
أتتنا داحية (7) في ليل ساقط الرواق، منقطع النطاق، تنظف (8) منه آذان المعزى إلى الصباح.
__________
(1) أضف الحال: أرّقها.
(2) القتوبة: الناقة التي توضع الأقتاب على ظهرها. والأقتاب جمع قتب وهو الرّحل كالسرج وغيره.
(3) سويقة: مواضع كثيرة في بلاد العرب، منها موضع قرب المدينة يسكنه آل الإمام علي بن أبي طالب. قال نصيب:
وقد كان من أيامنا بسويقة ... وليلاتنا بالجزع ذي الطلح مذهب
إذا العيش لم يمرر علينا ولم يحل ... بنا بعد حين ورده المتقلّب
والقراح: الماء الخالص.
(4) التنوخي: هو أبو القاسم على بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم.
أديب، شاعر، قاص، عالم بأصول المعتزلة. ولد بأنطاكية سنة 278هـ. وتوفي بالبصرة سنة 342هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 77واليتيمة 2: 105.
(5) تعتع في قراءة القرآن: تردّد في قراءته وتبلّد لسانه. والتعتعة: الحركة العنيفة.
ولجلج في كلامه: تردّد.
(6) الجنادل: جمع جندل وهو الصخرة القاسية.
(7) قوله داحية: أراد سحابة داحية أي عظيمة مسترخية.
(8) تنظف: هنا بمعنى تقطر.(1/117)
18 - كتب جحظة إلى ابن المعتز: كنت على المصير إلى الأمير، فانقطع شريان الغمام، فقطعني عن الإلمام. فكتب إليه: لئن قطعني السرور بك، لم يفتني بكلام والسلام.
19 - يقول الدهاقين (1): مطر الربيع ماء كله. يريدون نفع كله، وذلك أن الماء حياة كل شيء، فمطر الربيع تحيا به الأرض، ولا يضيع منه شيء كما تضيع أمطار سائر الفصول.
20 - أنشد الجاحظ:
خليلي لا تستلما العام وادعوا ... به كل يوم أن يصوب ربيع (2)
حيا لبلاد أقحل المحل عودها ... وجبرا لعظم في شظاه صدوع (3)
بمستنضد غر النشاص كأنها ... جبال عليهن النسور وقوع (4)
عسى أن يحل الحي جرعاء وابل ... وعلّ النوى بالظاعنين تريع (5)
أفي كل عام زفرة مستجدة ... تضمنها مني حشا وضلوع
21 - قال بعض الحكماء الذين وقفوا على تابوت إسكندر: انظر إلى حلم النائم كيف انقضى، وإلى سحاب الصيف كيف انجلى؟.
22 - وللصاحب (6): سحابة الصيف أثبت من قولك، والخط في
__________
(1) الدهاقين: جمع دهقان وهو التاجر، ورئيس الإقليم. والدهقنة: رئاسة الإقليم.
(2) الصوب: العطاء على التشبيه بصوب المطر. وصاب المطر: أنصبّ ونزل. وقوله يصوب ربيع: أي ينصب المطر فيطلع الربيع وينبت.
(3) الحيا: المطر. وأقحل: أمحل وأيبس. والمحل: إنحباس المطر ويبس الأرض من الكلأ.
(4) السحاب المستنضد: المتراكم بعضه فوق بعض. والنشاص: السحاب، والغر والأغر: الأبيض.
(5) الجرعاء والجمع أجارع: الأرض الغليظة الكثيرة الحصى. والوابل: المطر الشديد.
وظعن الحي: ارتحل.
(6) الصاحب بن عبّاد: هو إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني، وزير غلب عليه الأدب. استوزره مؤيد الدولة ابن بويه الديلمي ثم أخوه فخر الدولة. لقب بالصاحب لصحبته مؤيد الدولة من صباه فكان يدعوه بذلك. ولد في الطالقان من أعمال قزوين وإليها نسبته وتوفي بالري ونقل إلى أصبهان فدفن فيها. توفي سنة 385هـ. راجع ترجمته في معجم الأدباء 2: 273وابن الوردي 1: 312.(1/118)
الماء أبقى من عهدك.
23 - مطر مصر مثل في نافع يستضر به، لأن مصر لا تمطر، فإن مطرت ضرها المطر، ولذلك يكرهه أهلها أشد الكراهية، فرحمة الله المجللة للخلق كلهم عذاب لهم. وفيهم:
وما خير قوم تجدب الأرض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر (1)
24 - في وصف غيث: غثنا ما شئنا، فشبعنا وروينا، قد أرخت السماء عزاليها (2)، واثعنجرت (3) بصوب (4) مآقيها، فغمر الماء الزّبى (5)، ونقع (6) من الصدى (7)، ولبست الأرض قناعها الأخضر (8)، ونضت (9)
شعارها الأغبر (10)، وعاضنا الغض العميم (11)، من المصوح (12) الهشيم، وجزأنا بالرطب المخضوم (13)، من اليابس المقضوم. فعاشت العاملة
__________
(1) القطا: جمع قطاة طائر في حجم الحمام يعيش في الصحراء وهو ألوان متعدّدة.
(2) أرخت السماء عزاليها: أمطرت مطرا غزيرا وقد تقدم شرح هذه العبارة بالتفصيل.
(3) اثعنجرت السماء: صّب ماءها.
(4) الصوب: المطر.
(5) الزبى: الروابي. وفي المثل: بلغ السيل الزّبى.
(6) نقع: روي حتى شبع.
(7) الصدى: العطش.
(8) القناع الأخظر: كناية عن الربيع وكثرة العشب.
(9) نضا الثوب: نزعه.
(10) شعار الأرض الأغبر: كناية عما كانت عليه قبل الربيع من القحل والجدب والقحط.
(11) الغض العميم: النبات الملتف الكثير.
(12) المصوح: اليبس.
(13) جزأنا بالرطب المخضوم: اكتفينا بأكل الرطب، والرطب هو الرخص والناعم من الغصن والعشب وغيره. والرطب أيضا البسر.(1/119)
والماشية، وهاجت الآبية والعاشية (1)، وارتجعت رذايا (2) المطايا، ما أخذت منها المخارم والثنايا، وأنشأت تسترد بمشافرها، ما سلبها جذاب البرى (3) بمناخرها. سائمة في العميم الكث، من الطبّاق والشث (4)، وسارحة في المراح الفسيح، من القيصوم والشيح (5)، فنحن في سوابغ من النعم، نرتع فيها رتعة النعم. قد عز عندنا أن يستضيف ضيفا كريم، واستغنى أن يسترضع لئيم. وأترعت الجفان (6) رذما، واستحال القرم (7)
بشما (8)، وحالت البطنة دون الفطنة. ومنع الطعام عن تراجع الكلام.
فلو أن قسا (9) بيننا لخرس، أو دغفلا (10) لأبلس (11). وكأن الشاعر أرادنا بقوله:
أتانا وما داناه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل (12)
__________
(1) العاشية: الضعيفة البصر، والآبية: المستعصية.
(2) الرذايا: جمع رذية وهي الناقة المتعبة.
(3) البرى: جمع برة وهي حلقة تكون في أنف البعير للتذليل.
(4) الطباق والشث: نوعان من الشجر.
(5) القيصوم والشيح: نوعان من النبت.
(6) الجفان: جمع جفنة وهو وعاء كبير يوضع فيه الطبيخ. والجفان الرذم: الممتلئة.
(7) القرم: الذي يشتهي الأكل.
(8) البشم: الذي أكل حتى شبع.
(9) قس: هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، من بني أياد، أحد حكماء العرب، من كبار خطبائهم في الجاهلية. كان أسقف نجران ويقال إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا وأول من قال في كلامه «أمّا بعد». أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ورآه في عكاظ. توفي نحو سنة 23ق. هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 27والمرزباني 338.
(10) دغفل: هو دغفل بن حنظلة تقدمت ترجمته.
(11) أبلس: تحيّر وانكسر وحزن.
(12) سحبان وائل: هو سحبان بن زفر بن إياس الوائلي من باهلة. خطيب يضرب به المثل في البيان. يقال «أخطب من سحبان» و «أفصح من سحبان». اشتهر في الجاهلية وعاش زمنا في الإسلام. أسلم في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يجتمع به. له شعر قليل وأخبار. توفي سنة 54هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 65.
فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل (1)
25 - ابن المعتز (2):(1/120)
__________
(12) سحبان وائل: هو سحبان بن زفر بن إياس الوائلي من باهلة. خطيب يضرب به المثل في البيان. يقال «أخطب من سحبان» و «أفصح من سحبان». اشتهر في الجاهلية وعاش زمنا في الإسلام. أسلم في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يجتمع به. له شعر قليل وأخبار. توفي سنة 54هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 65.
فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل (1)
25 - ابن المعتز (2):
ما زال يضرب وجه الأرض وابلها ... حتى وقت خدها الغدران والخضر
26 [شاعر]:
كأن ابن غاب غاب في حجراتها ... فغمغم من بعد الزئير وهمهما
27 - أعرابي: إذا عددت من ناحية مائة برقة، احتملت على الثقة.
28 - البستي (3):
لا ترج شيئا خالصا نفعه ... فالغيث لا يخلو من العيث
29 - كشاجم (4):
يا رحمة الله التي قد أصبحت ... دون الأنام علي سوط عذاب
30 - السري (5):
(1) باقل: هو باقل الأيادي، جاهلي يضرب بعيّه المثل. قيل اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فمرّ بقوم، فسألوه بكم اشتريته، فمدّ لسانه ومدّ يديه (يريد أحد عشر) فشرد الظبي وكان تحت إبطه. والمثل «أعيى من باقل» مشهور. راجع ترجمته مجمع الأمثال 1: 329وشرح المقامات 1: 253.
(2) ابن المعتز: هو عبد الله بن المعتز. خليفة عباسي كان أديبا شاعرا توفي سنة 296هـ.
(3) البستي: هو أبو الفتح علي بن محمد بن الحسن بن يوسف بن محمد بن عبد العزيز البستي، شاعر، كاتب. ولد ببست قرب سجستان. توفي سنة 400هـ. وفي تاريخ وفاته خلاف. راجع ترجمته في يتيمة الدهر 4: 204وطبقات السبكي 4: 4.
(4) كشاجم: هو محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك، أبو الفتح، شاعر، أديب، من أهل الرملة بفلسطين، هندي الأصل، كان من شعراء سيف الدولة. توفي سنة 360هـ. راجع ترجمته في شذرات الذهب 3: 37ومعجم المطبوعات 1561.
(5) السري: هو السري بن أحمد بن السري الكندي، أبو الحسن، شاعر، أديب، من أهل الموصل. أقام مدة عند سيف الدولة بحلب، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد.
عمل في الوراقة. توفي فقيرا سنة 366هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 201.(1/121)
وعارض أكلأ منه بارقا ... كالنار شبت في ذرى طود أشم (1)
كأنه نشوان جرّ ذيله ... فكلما ريع انتضى عضبا خددم (2)
31 - إذا عم المطر الأرض حتى لا يكون فيها فتق، قالوا: أرض منضوحة. الأصمعي: إذا وقع الغيث فنجع (3) ورؤي تباشير خيره قيل:
رأينا أرض بني فلان غب المطر واعدة حسنة.
32 - وقالوا: البلاد تختلف، فمنها الأنيث (4) الممراح فلا يلتاث (5)
نباته، ومنها المصلاد (6) الجحد (7) فلا ينبت إلا بعد لأي (8).
33 - ابن الرقاع:
سما في الصبا حتى إذا ما تنصبت ... شماريخه واجتاب من ليله درعا (9)
تبعج ثجاجا من المزن لم يدع ... أباطح ألا يطردن ولا تلعا (10)
34 - ابن الأعرابي: قال أبو المجيب، وكان أعرابيا من بني ربيعة ابن مالك: لقد رأيتنا في أرض عجفاء، وشجر أعشم، في قف (11) غليظ،
__________
(1) العارض: السحاب: والطود: الجبل الضخم. وذرى الطود: أعلاه.
(2) العضب: السيف القاطع.
(3) نجع الغيث: صلح وأنبتت الأرض.
(4) الأنيث من الأمكنة: اللين السهل المنبات.
(5) يلتاث النبات: يكثر ويلتف بعضه على بعض.
(6) المصلاد من الأمكنة: خلاف الأنيث، الغليظ.
(7) الجحد من الأمكنة: اليابس لا خير فيه.
(8) قوله لا ينب إلّا بعد لأي: أي بصعوبة.
(9) الشماريخ من الرطب: العثكال عليه بسر، ومن الكرمة العنقود عليه عنب.
والشماريخ هنا كناية عن السحاب. واجتاب: لبس. والدرع: القميص.
(10) تبعّج السحاب: أنزل مطرا غزيرا. والثجاج: الغزير الدفق.
(11) القفّ: يبيس أحرار البقول وذكورها، وقيل: ما ارتفع من الأرض وصلبت حجراته.(1/122)
وجادة غبراء. فبينا نحن كذلك إذ أنشأ الله غيثا من السماء، مستكفا نشوءه، مسيلة عزاليه، عظاما قطره، جوادا صوبه، زاكيا هطله، أنزله الله رزقا لنا، فنعش به أموالنا، ووصل طرقنا، وإنا لبنوطة (1) بعيدة ما بين الأرجاء، فاهر معّ مطره، حتى رأيتنا وما نرى غير السماء والماء وصهوات الطلح، فضرب السيل النعاف (2)، وملأ الأودية وزعبها (3)، فما لبثنا إلا عشرا حتى رأيتها روضة تندى.
35 - رابعة القيسية (4): ما سمعت الآذان إلا ذكرت منادي يوم القيامة، وما رأيت الثلج إلا ذكرت تطاير الصحف، وما رأيت الجراد إلا ذكرت الحشر.
36 - كشاجم في وصف الثلج:
راحت به الأرض الفضاء كأنها ... من كل ناحية بثغرك تضحك
37 - الصاحب (5):
فكأن السماء صاهرت الأر ... ض فكان النثار من كافور (6)
38 - آخر:
وأصبح مبيض الثلوج كأنه ... على سروات الأكم فن مندف (7)
__________
(1) النوطة: المكان الذي في وسطه شجر وطرفاه لا شجر فيهما وهو مرتفع عن السيل.
وقيل هو المكان المرتفع عن الماء مطلقا.
(2) النعاف: المكان المتدرج في الصعود والهبوط جمع نعف.
(3) زعب الأدوية: خيراتها النباتية.
(4) رابعة القيسية: هي رابعة بنت إسماعيل، قالت عنها صاحبة «الدرّ المنثور» إنها كانت من الصالحات تصوم الدهر، وهي غير رابعة العدوية.
(5) هو الصاحب بن عباد تقدمت ترجمته.
(6) النثار: ما ينثر في العرس على الحاضرين. والكافور: نبت طيّب الرائحة.
(7) سروات الأكم: منحدرات التلال. وندفت السماء بالثلج أي رمت به، والندف:
طرق القطن بالمندف.(1/123)
39 - كتب ابن بسام (1) إلى أخيه، وكان يلقب بالثلج.
أهداك قوم لي فآليت لا ... أذوق شيئا منك أو تحضر
فأنت ملفوف إلى أن تجي ... يذيبك الحر وما تشعر (2)
40 - سيف الدولة (3):
وقد نسجت أيدي الجنوب مطارفا ... على الأرض دكنا والحواشي على الأرض (4)
وطرزها قوس السحاب بأصفر ... إلى أحمر في أخضر إثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض (5)
41 - في ديوان المنظوم:
تسببت الثلوج بحر صدري ... فلا ثلجت صدور للثلوج
أقول أنا ابن قيس لا براح ... إذا قالوا ألست على الخروج
42 - آخر:
أبرد من برد الكوانين ... زيارة الراجل في الطين (6)
__________
(1) ابن بسام: (غير ابن بسّام الأندلسي صاحب الذخيرة) هو علي بن محمد بن نصر بن منصور أبو الحسن، شاعر هجاء، أديب، عالم بالأخبار، ولد ببغداد سنة 230هـ.
هجا والده وجماعة من الوزراء. توفي سنة 303هـ. راجع ترجمته في البداية والنهاية 11: 125وفوات الوفيات 2: 83.
(2) تجي: تأتي، حذف الهمزة للضرورة والتسهيل.
(3) سيف الدولة: هو علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي أمير حلب ممدوح المتنبي ولد بميّا فارقين سنة 302هـ. كان شاعرا. توفي بحلب سنة 356هـ. راجع ترجمته وفيات الأعيان 1: 364.
(4) هذه الأبيات معروفة أنها لابن الرومي وليست لسيف الدولة. راجع ديوان ابن الرومي (بتحقيقنا) طبعة دار ومكتبة الهلال. والجنوب: ريح مهبّها جهة الجنوب.
والمطارف: جمع مطرف وهو رداء من خزّ ذو أعلام.
(5) الخود: المرأة الشابة والجمع خود وخودات، وقيل هي الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفا.
(6) الكوانين: أراد كانون الأول وكانون الثاني.
لا يصلح التسليم يوم الندى ... ألا لأصحاب البراذين (1)
43 - الخدري: عنه عليه السّلام: يوشك أن تظهر الصواعق، حتى أن الرجل ليأتي القوم فيقول: من صعق منكم؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان.(1/124)
__________
(6) الكوانين: أراد كانون الأول وكانون الثاني.
لا يصلح التسليم يوم الندى ... ألا لأصحاب البراذين (1)
43 - الخدري: عنه عليه السّلام: يوشك أن تظهر الصواعق، حتى أن الرجل ليأتي القوم فيقول: من صعق منكم؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان.
44 - زعموا أن الصاعقة تقع في حانوت الصيقل (2) فتذيب السيوف وتدع الأغماد على شبيه بحالها. وتقع على الرجل ومعه دراهم فتسيل الدراهم.
45 - كانوا في الجاهلية الجهلاء، وهي الأولى، إذا تتابعت عليهم الأزمات، وركد عليهم البلاء، واشتد الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار (3)، جمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها، وثنن (4) عراقيبها السلع والعشر (5)، ثم صعدوا بها في جبل وعر، وأشعلوا فيها النار، وضجوا بالدعاء والتضرع. وكانوا يرون أنه من أسباب السقيا.
وقال الودك الطائي:
لا درّ دوّ رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر (6)
(1) البراذين: جمع البرذون وهو ضرب من الدواب يخالف الخيل العراب، عظيم الخلقة غليظ الأعضاء.
(2) الصيقل: هو الذي يصقل السيوف.
(3) الاستمطار: الدعاء لطلب المطر.
(4) الثنن: جمع ثنة الشعرات في مؤخر رسغ الدابة.
(5) السلع والعشر: جاء في اللسان (مادة سلع) السّلع: نبات، وقيل شجر مرّ ومنه المسلّعة، كانت العرب في جاهليتها تأخذ خطب السلع والعشر في المجاعات وقحوط القطر فتوقر ظهور البقر منها، وقيل: يعلّقون ذلك في أذبابها ثم تلعج النار فيها يستمطرون بلهب النار المشبه بسنى البرق، وقيل: يضمرون فيها النار وهم يصعّدونها في الجبل فيمطرون.
(6) البقر: جمع أبقر. وبيقور: اسم للجمع.(1/125)
لو أن المسلمين اقتبسوا منه أن يخرجوا يوم الاستسقاء مع الصدقات، يتقربون بها الله أيام دعائهم، لكان حسنا جميلا، وما أظنهم يفعلون، وليتهم يخرجون تائبين، غير مصرين. ولكنهم كالبقر مع إسلامهم، وأولئك كانوا يتقربون بالبقر أمام تضرعهم مع جاهليتهم.
46 - أنس: أصحابنا ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطر، فخرج فحسر ثوبه عنه حتى أصابه. فقلنا يا رسول الله: لم صنعت هذا؟ فقال: لأنه حديث عهد بربه.
47 - بعض الأعراب:
مطرنا فلما أن روينا تهادرت ... شقائق فيها رائب وحليب (1)
ورامت رجال من رجال ظلامة ... وعدت ذحول بيننا وذنوب (2)
ونصت ركاب للصبا فتروحت ... ألا ربما هاج الحبيب حبيب
وطئن فناء الحي حتى كأنه ... رجا منهل من كرهن لحيب (3)
بني عمنا لا تعجلوا ينضب الثرى ... قليلا ويشفي المشرفين طبيب
فلو قد تولى النبت وامتيرت القرى ... وحنت ركاب الحي حين تؤوب (4)
وصار غبوق الخود وهي كريمة ... على أهلها ذو جدتين مشوب (5)
وصار الذي في أنفه خنزوانة ... ينادي إلى هاد الرحا فيجيب
أولئك أيام تبين للفتى ... أكاب سكيت أم أشم نجيب (6)
__________
(1) الشقائق: سحائب تبعّجت بالأمطار الغدقة. والشقيقة: المطرة المتّسعة لأن الغيم انشقّ عنها.
(2) الذحول: جمع ذحل وهو الحقد وقيل الثأر.
(3) اللّحيب من الإبل: القليلة لحم الظهر.
(4) تؤوب: ترجع.
(5) الغبوق: ما يشرب بالعشي خلاف الصبوح. والخود: الشابة الناعمة. وقوله ذو جدتين: أي صار الشراب ذا لونين. ومشوب: مخلوط.
(6) كاب: عثر. وسكيت: آخر ما يجيء من الخيل في الحلبة. وأشم الفرس: مرّ رافعا رأسه أي جاء سابقا.(1/126)
48 - ابن عباس يرفعه: المطر مزاجه (1) من الجنة، فإذا كثر المزاج كثرت البركات وأن قل المطر، وإذا قل المزاج قلت البركات وإن كثر المطر.
عمار (2)، يرفعه: مثل أمتي كالمطر، يجعل الله في أوله خيرا، وفي آخره خيرا.
49 - أبو هريرة، يرفعه: أمطر على أيوب عليه السّلام جراد من ذهب، فجعل يلتقط، فأوحى الله إليه: يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى يا رب، ولا غنى بي عن فضلك.
50 - نظر مدني إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم الإجابة. فقال: لو كان دعاؤهم مجابا ما بقي على الأرض معلم.
خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... بحرية قمن بها السفح (3)
فانجابت السحب التي نشأت ... فكأنما خرجوا ليستصحوا
51 - قيل لمالك بن دينار: يا أبا يحيى أدع الله أن يسقينا. فقال:
أتستبطئون المطر؟ قالوا: نعم. قال: لكني والله استبطىء الحجارة.
52 - الحزبنل الزهيري من كلب:
__________
(1) المزاج: ما أسس عليه البدن من الطبائع والأحوال الصحيّة أو المرضيّة والجمع أمزجة.
(2) عمّار: هو عمّار بن ياسر بن عامر الكناني، أبو اليقظان: صحابي من الولاة الشجعان. وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به. شهد بدرا واحدا والخندق وبيعة الرضوان وهو أول من بنى مسجدا في الإسلام، بناه في المدينة وسماه قباء.
ولّاه عمر الكوفة. شهد الجمل وصفين مع الإمام علي وقتل في الثانية وعمره ثلاث وتسعون سنة. ولد سنة 57ق هـ. وتوفي سنة 37هـ. راجع ترجمته في الإستيعاب بهامش الإصابة 2: 469والإصابة ت 5706.
(3) القمن: السريع.(1/127)
وبات يمج الماء من متخيل ... تمخض قصرا والرياح قوابله
حيا لبلاد الله فالماء مرسل ... على الضلع فالمستاف حلّت محامله (1)
فلما أماتت برقة الشمس ثوبت ... برعد الضحى أعجازه وكواهله
53 - السكب المازني (2):
إذا الله لم يسق إلّا الكرام ... فأسقى بيوت بني حنبل
ملثا أحم مسف الرّباب ... هزيم الصلاصل والأزمل (3)
كأن الرباب دوين السحاب ... نعام يعلق بالأرجل
54 - علي رضي الله عنه: اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدائر (4) السنين، وأخلفتنا مخايل (5) الجود (6). فكنت الرجاء للمستيئس، والبلاغ للملتمس. ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك السوام (7)، فانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق (8)، والربيع المغدق (9)، والنبات المونق، اللهم سقيا منك تعشب بها نجادنا، وتجري
__________
(1) ضلع: اسم موضع. قيل هما ضلعان: ضلع بني مالك وضلع بني شيصبان. راجع معجم البلدان مادة ضلع.
(2) السكب المازني: هو زهير بن عروة بن جهلمة بن حجر بن خزاعي المازني، شاعر جاهلي من أشراف بني مازن وفرسانهم. والسكب لقب له، لقوله «برق يضيء خلال البيت أسكوب» اشتهر بمغاضبة بينه وبين عشيرته ومفارقته لهم إلى غيرهم من بني تميم ثم تشوّقه إليهم بقصيدة منها:
ميامين صبر لدى المعضلات ... على موجع الحدث المعضل
راجع أخباره في الأغاني والتاج 1: 300واسم جده فيه حلمة.
(3) المطر الملث: الدائم. والهزيم: صوت الرعد. والصلاصل: المصوت بترجيع.
والأزمل: الصوت المختلط. والرباب، بالفتح: سحاب أبيض واحدته ربابة.
(4) حدرته السنة: حطّته.
(5) المخايل: السحب يتخلّلها البرق والرعد ولا تمطر.
(6) المطر الجود: الغزير.
(7) السوام: الماشية والإبل الراعية والجمع سوائم.
(8) المنبعق: المنشق بالمطر.
(9) الربيع المغدق: الكثير الخصب.(1/128)
بها وهادنا، وأنزل علينا سماء مخضلة مدارا، يدافع الودق (1) منها الودق، ويحفز (2) القطر منها القطر.
55 - أمّ الغطريف العنبرية:
فليت سماكيا يحار ربابه ... يقاد إلى أهل الغضا بزمام (3)
فتشرب منه جحوش وتشيمه ... بعيني قطامي أغر سمام (4)
56 - أعرابي:
وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا (5)
فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربا (6)
57 - الوليد بن سريع مولى عمرو بن حريث (7): وجهني الجراح بن عبد الله (8) من العراق إلى سليمان بن عبد الملك (9)، فخفت أن يسألني عن
__________
(1) الودق: المطر.
(2) يحفز: يدفع.
(3) الغضا: أرض في ديار كلاب كانت بها وقعة لهم. والغضا: واد بنجد. راجع معجم البلدان 4: 205طبعة دار صادر.
(4) القطامي: الصقر: والأغر. الأبيض. والسمام: اللطيف.
(5) الجدب: القحط.
(6) أصاخ له وإليه: أصغى واستمع. والحيا: المطر.
(7) عمرو بن حريث: أبو سعيد، ولد قبل الهجرة بسنتين، صحابي، ولي أمر الكوفة لزياد ثم لابنه عبد الله ومات فيها سنة 85هـ. راجع ترجمته في نسب قريش 333 والإصابة الترجمة 5810.
(8) الجراح بن عبد الله: أبو عقبة ولد بدمشق. ولي البصرة وخراسان وسجستان، وتولّى أرمينية وأذربيجان. استشهد غازيا بمرج أردبيل سنة 112هـ. راجع ترجمته في الطبري وابن الأثير.
(9) سليمان بن عبد الملك بن مروان: خليفة أموي ولد سنة 54هـ. ولي الخلافة سنة 96هـ. توفي في دابق سنة 99هـ. راجع ترجمته في اليعقوبي 3: 36والطبري 8: 126.(1/129)
المطر. فأني لأسير بالسماوة (1) إذا أنا بأعرابي من كلب في شملة (2)، فقلت: يا أعرابي هل لك في درهمين؟ قال: أني والله حريص عليها، فما سببهما؟ قلت: تصف لي المطر. قال: أتعجز أن تقول: أصابتنا سماء تعقد منه الثرى، واستأصل منه العرق، وامتلأت منه الحفر، وقاءت منه الغدران، وكنت في مثل وجار (3) الضبع حتى وصلت إليك. فلما قدمت على سليمان قال: هل كان وراءك من غيث؟ فقلت ذلك، فضحك وقال: هذا كلام ما أنت بأبي عذره، فقلت صدق فوك يا أمير المؤمنين، اشتريته والله بدرهمين، فضحك وقال: أصبت وأحسنت. فأمر بجائزتي، ثم زادني ألفي درهم مكان الدرهمين.
__________
(1) السماوة: بلدة على نهر الفرات كانت تابعة لولاية بغداد ثم فصلت عنها وألحقت بلواء المنتفك وهو من ألوية البصرة، تسلكها قبائل العرب فتمتار منها الحبوب والصوف والجلود. (راجع دائرة المعارف للبستاني).
(2) الشملة: كساء واسع يشتمل به.
(3) الوجار: بيت الضبع.(1/130)
الباب الرابع الهواء والريح والنسيم والحر والبرد والظل
1 - محمد بن علي رضي الله عنهما (1): ما هبت الريح ليلا ولا نهارا إلا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقعد، وقال: اللهم إن كان بك اليوم سخط على أحد من خلقك بعثتها تعذيبا له، فلا تهلكنا في الهالكين. وإن كنت بعثتها رحمة فبارك لنا فيها.
فإذا قطرت قطرة قال: رب لك الحمد، ذهب السخط، ونزلت المرحمة.
2 - هبت ببغداد ريح عاصف، جاءت بما لم تأت به ريح قط فألفي المهدي (2) ساجدا يقول: اللهم احفظ فينا نبيك، ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، وإن كنت يا رب أخذت العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك، يا
__________
(1) محمد بن علي زين العابدين بن الحسين الطالبي الهاشمي القرشي، أبو جعفر الباقر، خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان ناسكا عابدا، له في العلم وتفسير القرآن آراء وأقوال، ولد بالمدينة سنة 57هـ، وتوفي بالحميمة ودفن بالمدينة سنة 114هـ.
راجع ترجمته في التذكرة 1: 117وتهذيب التهذيب 9: 350والوفيات 1: 450.
(2) المهدي: هو محمد بن المهدي بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. ثالث الخلفاء العباسيين ولد بإيذج من كور الأهواز سنة 127هـ. وتوفي في ماسبذان سنة 169هـ. راجع ترجمته في الوافي بالوفيات 3: 300.(1/131)
أرحم الراحمين. فلما أصبح تصدق بألف ألف درهم، وأعتق مائة رقبة، وأحج مائة رجل. وفعلت الخيزران (1) وجلة خاصته وقواده مثل ما فعل.
فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا: أخصب من صبيحة ليلة الظلمة.
3 - مطرف (2) رحمه الله: لو حسبت الريح عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض.
4 - الصبا (3) موصوفة بالطيب والروح، لانخفاضها عن برد الشمال، وارتفاعها عن حر الجنوب (4).
5 - السري الموصلي:
معان كأنفاس الرياح بسحرة ... تمر بنّوار الرياض فتعبق (5)
6 - آخر:
أما ترى الجو يجلي في مسمكة ... والأرض تختال في أبرادها القشب (6)
__________
(1) الخيزران: زوجة المهدي العباسي وأم ابنيه الهادي وهارون الرشيد. يمانية الأصل، أخذت الفقه عن الإمام الأوزاعي وكانت من جواري المهدي، أعتقها وتزوجها ولمّا مات وولي ابنها الهادي انفردت بكبار الأمور فحاول الهادي منعها من ذلك وسعى في عزل أخيه الرشيد من ولاية العهد فأرسلت إليه بعض جواريها وهو مريض فجلس على وجهه حتى مات خنقا وولي بعده الرشيد. توفيت سنة 173هـ. راجع ترجمتها في الطبري 10: 52والنجوم الزاهرة 2: 72والبداية والنهاية 10: 163.
(2) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الجرشي العامري، أبو عبد الله، زاهد، تابعي، راو للحديث. توفي بالبصرة سنة 87، وفي سنة وفاته خلاف راجع ترجمته في حلية الأولياء 2: 195وتهذيب التهذيب 10: 173.
(3) الصبا: ريح مهبّها جهة الشرق، يقابلها الدبور.
(4) الشمال والجنوب: ريحان.
(5) النور: الزهر الأبيض الواحدة نورة والنوّار: النور للزهر المذكور الواحدة نوّارة.
(6) أبراد الأرض القشب: كناية عن أزهارها ورياحينها وأعشابها الخضراء. والأبراد:
جمع برد وهو الثوب. والقشب: الجديد.
إذا ألح حسام البرق مؤتلقا ... في الومض جد خطيب الرعد في الخطب
والريح وسنى خلال الروض دانية ... فما يراع لها مستيقظ الترب (1)
7 - نسيم الريح نسيب الروح.(1/132)
__________
جمع برد وهو الثوب. والقشب: الجديد.
إذا ألح حسام البرق مؤتلقا ... في الومض جد خطيب الرعد في الخطب
والريح وسنى خلال الروض دانية ... فما يراع لها مستيقظ الترب (1)
7 - نسيم الريح نسيب الروح.
8 - مرض غسان بن عباد (2) حين ولي الرقة فما كان ينجح فيه دواء، فقال طبيبه: أبو عباد مرضه سببه الهواء، فبعث إلى بغداد فحمل الهواء فكان يفتح كل يوم في وجهه جرابا حتى برىء.
9 - أبو حنيفة الدنيوري: بعض الرياح أقل هبوبا من بعض، فالدبور (3) قليلة الهبوب، وكذلك الشمال الليل هي أقل هبوبا من الجنوب. وقلما تهب الشمال وهي إذا ضرب الليل ضعفت أو سقطت، ولذلك تقول العرب في أحاديثها: إن الجنوب قالت للشمال إن لي عليك فضلا، أنا أسري وأنت لا تسرين. فقالت الشمال إن الحرة لا تسري.
10 [شاعر]:
تمنين الطلاق وأنت عندي ... بعيش مثل مشرقة الشمال
يعني بعيش طيب، فإن المشرقة الشمالية يعد لها التقاء الحر والروح عليها.
11 - حر تصلّى فيه الحزباء (4) ولا تصلى فيه الحرباء (5).
(1) وسنى: ناعسة.
(2) غسان بن عباد: هو غسان بن عباد بن أبي الفرج، ابن عم الفضل بن سهل والحسن بن سهل وزير المأمون. ولي خراسان والسند والرقة. توفي بعد سنة 216هـ. راجع المستجاد من فعلات الأجواد للتنوخي 156والكامل في التاريخ حوادث سنة 201 وما بعدها.
(3) الدبور: ريح يقابلها الصبا.
(4) الحزباء: الأرض الغليظة.
(5) الحرباء: ضرب من الزحافات تتلوّن في الشمس ألوانا مختلفة، يضرب بها المثل في التقلّب جمع حرابي.(1/133)
12 - عمر بن أبي ربيعة المخزومي (1):
ويوم كتنور الطواهي سجرته ... وألقين فيه الجزل حتى تضرما (2)
قذفت بنفسي في أجيج سمومه ... وبالعنس حتى ابتل مشفرها دما (3)
سمعها أخوه الحارث (4) قال: الله أكبر قد أخذت في فن آخر، فلما سمع:
أؤمل أن ألقى من الناس عالما ... بأخباركم أو أن ألمّ مسلما
قال: إنك لفي ضلالك القديم.
13 - حر يشبه قلب الصب (5)، ويذيب دماغ الضبّ (6).
14 - علي رضي الله عنه: توقوا البرد في أوله، وتلقوه في آخره، فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار، أوله يحرق، وآخره يورق.
15 - رأى الأصمعي رجلا يختال في أزيّر (7) في يوم قرّ (8)، فقال له: من أنت يا مقرور؟ قال: أنا ابن الوحيد أمشي الخيزلي (9) ويدفئني حسبي.
16 - سئل رجل عريان عما يجد في يوم قرّ، فقال: ما علي منه
__________
(1) عمر بن أبي ربيعة: أبو الخطاب. ولد سنة 23هـ. شاعر الغزل في الحجاز. توفي سنة 93هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 216والوفيات 1: 353.
(2) سجر التنور: أشعله. والجزل: الغليظ من العود وغيره.
(3) العنس: الناقة القوية والجمع عنس وعنوس.
(4) الحارث: هو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي أخو عمر. تابعي، من وجوه أهل مكة، كان خطيبا، ولي البصرة في أيام ابن الزبير، راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 144.
(5) الصبّ: العاشق وذو الولع الشديد.
(6) الضبّ: حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون ذنبه كثير العقد.
(7) أزير: تصغير إزار، والإزار هو كل ما سترك.
(8) اليوم القر: البارد.
(9) يمشي الخيزلى والخوزلي: يتبختر.(1/134)
كبير مؤونة، قيل: كيف؟ قال: دام بي العري فاعتاد بدني ما تعتاده وجوهكم.
17 - قيل لأعرابي: ما أشد البرد، فقال: إذا صفت الخضراء (1)، ونديت الغبراء (2)، وهبت الجربياء (3).
18 - دخل أبو العيناء (4) على ابن عبد الرحمن بن خاقان (5) في يوم شات، فقال: كيف تجد هذا اليوم؟ فقال: تأبى نعماؤك أن أجده.
19 - أعرابي: أصبحت الشمال تتنفس الصعداء.
20 - هبت ريح شديدة فقيل: قامت القيامة. فقال زبدة المخنث:
هذه قيامة على الريق بلا خروج الدجال ولا دابة الأرض ولا طلوع المهدي (6) نسأل الله بركة قدومه.
__________
(1) الخضراء: كناية عن السماء.
(2) الغبراء: كناية عن الأرض.
(3) الجربياء: هي ريح الشمال.
(4) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر، شاعر، أديب، من الظرفاء السريعي الجواب. ولد بالأهواز سنة 191هـ وتوفي بالبصرة سنة 283هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 123والديارات 52ووفيات الأعاين 1: 504.
(5) عبد الرحمن بن خاقان: هو أخو يحيى بن خاقان وعم الوزير عبد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل.
(6) المهدي: هو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، ولد ليلة نصف شعبان سنة 255هـ في سامراء، وفي سفينة البحار للقمي وصف ليلة مولده، لا يزال حيا وسيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطا وعدلا وينصر الله به دينه، وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة وخرّجها أكابر المحدثين وخرّج أحاديث المهدي من المعاصرين السيد سابق في كتابه «العقائد الإسلامية» واعتبر أنّ فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها. وكتب الشيعة أيضا أخرجت أحاديث المهدي على كثرتها حتى قيل إنه لم يرو عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أكثر ممّا روي عنه في أحاديث المهدي. راجع ترجمته في سفينة البحار 2: 700.(1/135)
21 - أبو الحسن الطوسي (1) صاحب الأصمعي:
هجم الشتاء ولا أم ... لك إلا رواية العربية
وقميصا لو هبّت الريح لم تب ... ق على عاتقي منه بقية
22 - كان للمتوكل بيت مال يسميه بيت مال الشمال كلما هبت الريح شمالا تصدق بألف درهم.
23 - القاضي التنوخي:
وليلة ترك البرد البلاد بها ... كالقلب أشعر يأسا فهو مثلوج
فأن بسطت يدا لم تنبسط خصرا ... وأن تقل فيقول فيه تثبيج (2)
فنحن فيها ولم نخرس ذوو خرس ... ونحن فيها ولم نفلج مفاليج
24 - قيل لأعرابي: ما أعددت للبرد؟ قال: طول الرعدة (3).
فنظمه ابن سكرة الهاشمي (4):
قيل ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدة
قلت دراعة عري ... تحتها جبة رعدة
25 - آخر:
إني لأرجو أن تموت الريح ... فاقعد اليوم واستريح
هو قول ذرّاء ودّ أن تهدأ الريح فيهدأ من الذراية (5).
__________
(1) أبو الحسن الطوسي: هو علي بن عبد الله الطوسي، كان من تلاميذ الأصمعي.
راجع فهرست ابن النديم.
(2) ثبج الكلام: لم يبّينه.
(3) الرعدة: الاضطراب يكون رملأ البرد والفزع وغيره.
(4) ابن سكرة: هو محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي، أبو الحسن، من ولد علي بن المهدي العباسي، شاعر من أهل بغداد. وهو صاحب البيتين المشهوريين:
«جاء الشتاء وعندي من حوائجه» توفي سنة 385هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 526. وفي يتيمة الدهر 3: 293وفيها شعر وافر.
(5) الذراية: هي تنقية الحنطة من التبن في الريح، والذرّاء هو الذي يقوم بهذه المهمة.(1/136)
26 - تقول العرب: أبرد الأيام الأحص (1) الورد، والأزبّ (2)
الهلّوف (3). فالأحص الورد: المصحي الذي تصفر شماله وتحمر آفاقه.
والأزب الهلوف: الذي تهب نكباؤه، ويكثر جهامه وقتامه من قولهم لحية هلّوفة كثيرة كبيرة.
وكلّ البرد الأيدي بالنحور، وأجمد الريق على الثغور.
قد أخضر الوجه لو جعلت ضحى ... نارا تأجج فوق الوجه ما احترقا
27 - الجاحظ: الماء ليس يجمد للبرد فقط، فقد تكون الليلة باردة جدا ولا تجمد الماء، وتجمد التي هي أقل بردا منها، وقد يختلف جمود الماء في الليلة الساكنة وذات الريح.
قال: وقد أخبرني من لا ارتاب بخبره أنهم كانوا في جبل يستغنون فيه عن لبس المبطنات، ومتى صبوا الماء في إناء من زجاج جمد من ساعته، فليس جمود الماء بالبرد فقط، ولا بد من شركة ومقادير، واختلاف جواهر ومقابلات، كسرعة البرد في بعض الأدهان وإبطائه عن بعض، وكاختلاف عمل البرد في الماء المغلي والمتروك على حاله، وقد رأيت أنا بالبادية الماء قد بلغ به البرد إلى حد ما كدت أطيق أن أباشره بثغري حصرا، وهو مع ذلك على حالة لم يعمل فيه الجمود. وربما جمد ماء جيحون (4) حتى بلغ غلظ الجمد فيه قيد ذراع فصاعدا، وشربه سهل لذيذ، لا يتكره الشارب أن يعبه عبا.
28 - تقول العرب: الشتاء ذكر، والصيف أنثى، وذلك لقسوة الشتاء وشدته، ولين الصيف وهونه. ومن عادتهم أن يذكروا كل صعب
__________
(1) اليوم الأحص: البارد كثيرا.
(2) الأزب: الكثير الشّعر، وهو هنا تشبيه بالشيطان، لأن الأزب من اسماء الشياطين.
(3) اليوم الهلوف: الذي يكثر فيه الغيم.
(4) جيحون: اسم نهر في بلاد التركستان ويعرف بجريان وينضم إليه أنهار عديدة. راجع معجم البلدان 2: 196.(1/137)
قاس، قالوا: داهية مذكار، أذا كانت ذات مخاوف وإفزاغ، ويوم باسل ذكر. قال:
فإنك قد بعثت عليك نحسا ... شقيت به كواكبه ذكور
جعلها ذكورا لكون نحسها أفظع وأشد. والصيف وأن تلظى قيظه (1)، وحمي صلاؤه (2)، فهو بالقياس إلى الشتاء وهوله هين عندهم، لما يلقونه من البرح والبؤس الشديد، ولذلك قالت أم الحسن حين سئلت أيما أشد الشتاء أم الصيف؟ ومن يجعل الأذى كالزمانة (3)؟ وروي: وما جعل البئيس إلى الأذية! ولذلك تجدهم لا يعدون أن يصفوا أوار (4)
الصيف، فإذا صاروا إلى الشتاء وعجوا من وطئه عجيجا، ونوهوا باسم من آسى فيه وواسى، وأوقد نويرة، وبذل طعيما.
29 - ابن المعتز:
والريح تجذب أهداب الإزار كما ... أفضى الشفيق إلى تنبيه وسنان (5)
وله:
ونسيم يبشر الأرض بالقطر كذيل الغلالة المبلول ووجوه البلاد تنتظر الغيث انتظار المحب رجع الرسول 30أبو الفتح البستي:
سبحان من خص الفلز بعزة ... والناس مستغنون عن أجناسه (6)
وأذل أنفاس الرياح وكل ذي ... نفس فمفتقر إلى أنفاسه
__________
(1) القيظ: شدّة الحرّ، صميم الصيف والجمع أقياظ وقيوظ.
(2) الصلاء: النار أو العظيم منها.
(3) الزمانة: العاهة.
(4) أوار الصيف: شدّة لهيبه.
(5) وسن يوسن وسنا وسنة: أخذه ثقل النوم أو اشتدّ نعاسه.
(6) الفلز: جواهر الأرض.(1/138)
31 - يقال للبرد المستطاب: برد الورد، وهو برد الربيع. كما يقال للبرد الكريه: برد العجوز. ويقال: إن برد الربيع مونق، وبرد الخريف موبق (1).
32 - ابن خالويه (2):
إذا همذان اعتادها البرد وانقضى ... برغمك أيلول وأنت مقيم (3)
فعينك عمشاء وأنفك سابل ... ووجهك مسود البياض بهيم (4)
وأنت أسير برد تمشّى تعلة ... على السيف تحبو مرة وتقوم
بلاد إذا ما الصيف أقبل جنة ... ولكنها عند الشتاء جحيم
33 - هاج برد يحول بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره.
34 - لما خلع المستعين (5) قيل له: اختر بلدا تحله، فاختار البصرة، فقيل: هي حارة، فقال: أترونها أحر من فقد الخلافة! 35المأمون: من مروءة الرجل أن يوجد منه رائحة الطرفاء أيام الشتاء.
__________
(1) الخريف الموبق: المهلك.
(2) ابن خالويه: هو الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبد الله، لغوي، من كبار النحاة أصله من همدان. كانت له مع المتنبي مجالس وله مباحث عند سيف الدولة الذي عهد إليه بتأديب أولاده. توفي بحلب سنة 370هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان: 267واليتيمة 1: 76وهو فيه الحسن بن خالويه.
(3) همذان: من أشهر مدن فارس فتحها المغيرة بن شعبة في سنة 24من الهجرة.
راجع معجم البلدان 5: 410.
(4) الأنف السابل: الذي نبت عليه الشعر.
(5) المستعين: هو أحمد بن محمد بن المعتصم بن هارون الرشيد، أبو العباس. من خلفاء الدولة العباسية في العراق. ولد بسامراء وبويع بها بعد وفاة المنتصر ابن المتوكل سنة 248هـ. توفي سنة 252هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 5: 84 والنجوم الزاهرة 2: 335وشذرات الذهب 2: 124.(1/139)
رائحة الطرفاء (1) رائحة الظرفاء.
36 - أبو حنيفة الدينوري: قيل للعواء (2) عواء البرد، لأن البرد مسترعف بها، فإذا هي طلعت لم يأت إلا وهي منه في شباب، إلى أن يتناهى في بركي الشتاء.
وقال: لا يزال البرد راكدا يفري الفريّ (3)، والثريا ترتقي، حتى إذا رئيت عشاء قد قممت، والشعريان (4) قد استقلتا، وطلعت نثرة الأسد (5)، فذلك حين وقعت عقارب البرد وتناهى قرصه وشدته.
37 - تقول العرب: إذا رأيت الشعريين، يحوزهما الليل، فهناك لا يجد القرّ (6) مزيدا.
وحوز الليل إياهما أن يكونا في حيزه فتطلعا بعد غروب الشمس، وتغيبا قبل طلوعها، فلا يكون للنهار فيهما نصيب، وذلك من لدن طلوع الهرارين (7) إلى أن ينوء الذراع (8). وهو أخلص صميم الشتاء وأصرحه.
__________
(1) الطرفاء: شجر وهي أصناف منها الأثل.
(2) العوّا: اسم نجم، مقصور يكتب بالألف، وهي مؤنثة من أنواء البرد. قيل: إذا طلعت العواء وجثم الشتاء طاب الصلاء وهي أربعة كواكب ثلاثة مثفّاة متفرقة والرابع قريب منها كأنه من الناحية الشامية وبه سمّيت العوّاء كأنه يعوي إليها من عواء الذئب.
(3) فرى الشيء: قطعه وشقّه. والفريّ: المشقوق، العجيب.
(4) الشعرى: كوكب نيّر يطلع عند شدّة الحرّ، وهما شعريان، الشعرى العبور والشعرى الغميصاء.
(5) النثرة: كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب حيال كوكبين، تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر وهي في علم النجوم من برج السرطان. والعرب تقول: إذا طلعت النثرة قنأت البسرة أي داخل حمرتها سواد وطلوع النثرة على إثر طلوع الشعرى. والنثرة في الأصل طرف الأنف وبه سمّي النجم الذي يقال له نثرة الأسد.
(6) يقال: يوم قرّ وليلة قرة: أي بارد وباردة.
(7) الهراران: كوكبان هما النسر الواقع وقلب العقرب.
(8) الذراع: نجم من نجوم الجوزاء على شكل الذراع. وقيل: الذراع ذراع الأسد وهما كوكبان نيّران ينزلهما القمر.(1/140)
38 - ويقولون: إذا أمسى النجم قم راس، فليله فتى وفاس.
يعنون أن الفتى يحتطب فيها بالفأس، لأنه لا بد له من الصلاء (1).
39 - الأصمي: رأيت أعرابيا قد حفر قرموصا (2) وقعد فيه في أول الشتاء، فقلت: ما صيرك إلى هذا؟ قال: شدة البرد، وأنشأ يقول:
أيا رب هذا البرد أصبح كالحا ... وأنت بصير عالم لا تعلم
لئن كنت يوما ما جهنم مدخلي ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
40 - قيل لأعرابي في الشتاء: أما تصلّي: قال: البرد شديد، وما عليّ كسوة أصلّي فيها، وقال:
إن يكسني ربي قميصا وريطة ... أصلّ وأعبده إلى آخر الدهر (3)
وإن لا يكن إلا بقايا عباءة ... مخرقة مالي على البرد من صبر
41 - كلما كان الساتر أشد اكتنازا، كان الظل أشد سوادا. وليس يكون ظل أبرد ولا أشد سوادا من ظل جبل.
42 - في ديوان المنظوم:
شتاء تقلص الأشداق منه ... وبرد يجعل الولدان شيبا
وأرض تزلق الأقدام فيها ... فما تمشي بها إلا دبيبا (4)
وفيه:
أقبلت يا برد بوجه أجرد ... يفعل بالأوجه فعل المبرد
أظلّ في البيت كمثل المقعد ... منقبضا تحت الكساء الأسود
__________
(1) الصلاء: النار أو العظيم منها، وقيل: وقودها.
(2) القرموص والجمع قراميص: حفرة واسعة الجوف ضيقة الرأس يستكن فيها من البرد.
(3) الريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ونسيجا واحدا. وقيل كل ثوب يشبه الملحفة والجمع ريط ورياط.
(4) دبّ دبا ودبيبا: مشى كالحية أو على اليدين والرجلين كالطفل.(1/141)
لو قيل لي أنت أمير البلد ... فهات للبيعة كفا تعقد
لكنت كالأقطع لم أخرج يدي (1)
43 - عائشة (2): ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته (3)، إنما كان يبتسم. وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه.
فقلت: يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية. فقال: يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض (4) ممطرنا.
44 - أبو هريرة: سمعت رسول الله يقول: الريح من روح الله.
45 - ابن عباس: إن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء، رحمة بالمساكين.
46 - أنس: يرفعه: استعينوا على قيام الليل بقائلة (5) النهار، واستعينوا على صيام النهار بسحور الليل، واستعينوا على حر الصيف بالحجامة (6)، واستعينوا على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب.
47 - الخدري، يرفعه: إذا كان يوم حار. فإذا قال الرجل: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم! اللهم أجرني من حر جهنم، قال الله
__________
(1) الأقطع: المقطوع اليد.
(2) عائشة: السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي. راجع ترجمتها في كتابنا «زوجات النبي وأولاده» طبعة مؤسسة عزّ الدين.
(3) اللهوات: جمع لهاة وهي اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم وتجمع أيضا على لهيات ولها ولهاء.
(4) العارض: السحاب.
(5) القائلة: منتصف النهار، الظهيرة.
(6) الحجامة: الحلاقة. والحجامة: المداواة والمعالجة بالمحجم وهو شيء كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيّجا ويجذب الدم بقوة.(1/142)
لجهنم: إن عبدا من عبيدي قد استجارني من حرك، وأنا أشهدك أني قد أجرته. وإذا كان اليوم شديد البرد، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم! اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله لجهنم: إن عبدا من عبيدي استجارني من زمهريرك، وإني أشهدك أني قد أجرته. قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده.
48 - بابي بن دكين:
إذا الريح من قصد العقيق تنسّمت ... ونحن بمجراها شفى النفس طيبها (1)
فيا جبلي غوري تهامة خلّيا ... نسيم الصبا يخلص إليّ هبوبها
فإن الصّبا ريح إذا ما تنفست ... على كبد حرى تجلت كروبها
49 - يحيى بن ذي الشامة المعيطي (2):
جاء الشتاء وليس عندي درهم ... وبمثل ذلك قد يصاب المسلم
لبس العلوج خزوزها وفراءها ... وكأنني بفناء مكة محرم (3)
50 - أبو صفوان بن عوانة: وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها.
51 - محمد بن عبد العزيز (4): البرد عدوّ للدين.
__________
(1) العقيق: اسم موضع بناحية المدينة فيه عيون ونخل. وقيل هما عقيقان: الأكبر هو ما يلي الحرّة، والأصغر ما سفل عن قصر المراجل. راجع معجم البلدان 4: 139.
(2) يحيى بن ذي الشامة المعيطي: هو محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
ذكره المرزباني: في معجم الشعراء وقال: ولّاه يزيد بن عبد الملك الكوفة وهو القائل يرثي مسلمة بن عبد الملك من أبيات:
ضاق صدري فما يحنّ جواكا قال المرزباني: وقد رثى عبد الله بن مروان وابنه الأصبع. راجع معجم الشعراء ص 416.
(3) العلوج: جمع علج: الرجل الشديد، وقيل الكافر من العجم. والخزوج: من أنواع الحرير.
(4) هناك عدة أعلام بهذا الاسم منها اليشكري المروزي، والعمري، والراسي البصري، والجرمي وغيرها. راجع كتب التراجم.(1/143)
52 - جليس عيسى عليه السّلام في ظل خباء (1) عجوز فقالت: من الذي جلس في ظل خبائنا؟ قم يا عبد الله. فقام فقعد في الشمس فقال: لست أنت أقمتني، إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئا.
53 - وقع (2) أعرابي إلى أرض أصبهان في أيام الربيع، فاستطاب الهواء، وأنس بالأشجار، فلما جاء الشتاء قحلت الأشجار، وثلجت الأقطار، فجعل يرتعد من البرد وتخفق أحشاؤه، فقال:
بأصبهان شعثت أموري ... لما تقضى الصيف ذو الحرور (3)
ورمت الآفاق بالهرير ... وللثلج مقرونا بزمهرير (4)
جاءت بشر مجنب عافور ... لولا شعار البرة البرور
أم الكبير وأبي الصغير ... لم يدف مقرور من التخصير
والشمس فيها فرح المقرور
البرة: الشمس، والمجنب: الكثير، والعافور: المهلك، من قولهم:
وقع في عاثور شر، وعافور شر.
54 - كان علي عليه السّلام يخرج في الشتاء، والبرد شديد في إزار ورداء خفيفين. وفي الصيف في القباء (5) المحشو والثوب الثقيل لا يبالي، فقيل له، فقال: قال رسول الله يوم خيبر حين أعطاني الراية، وكنت أرمد، فتفل في عيني، اللهم أكفه الحر والبرد فما آذاني بعد حر ولا برد.
__________
(1) الخباء: ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للسكن والجمع أخبية.
(2) وقع إلى أرض أصبهان: صار فيها.
(3) شعثت أموري: تفرّقت. والحرور: الحرّ.
(4) الهرير: صوت الكلب دون النباح من قلّة صبره على البرد.
(5) القباء: ثوب يلبس فوق الثياب والجمع أقبية.(1/144)
الباب الخامس النار وأنواعها وأحوالها، وذكر نار جهنم وأهوالها والسراج والشمعة ونحو ذلك
1 - أبو هريرة: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم رجل من أهل النار، فتنفس فأصابهم نفسه، لأحرق المسجد ومن فيه.
2 - قال نبي الله عليه الصلاة والسلام لجبرائيل: مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.
3 - أنس، يرفعه: إن أدنى أهل النار عذابا الذي تجعل له نعلان، يغلي منهما دماغه في رأسه.
4 - وعنه عليه الصلاة والسلام: ليلة أسري بي سمعت هدة (1)، فقلت: يا جبرائيل ما هذه الهدة؟ قال: حجر أرسله الله من شفير جهنم، فهو يهوي منذ سبعين خريفا، بلغ قعرها الآن.
5 - الخدري (2): عنه عليه السّلام في قوله تعالى: {وَهُمْ فِيهََا}
__________
(1) الهدة: المرة من هد، صوت غليظ.
(2) الخدري: هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري، أبو سعيد. من صحابة الرسول توفي في المدينة سنة 74هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 479 وابن عساكر 6: 108.(1/145)
{كََالِحُونَ} (1) تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته.
6 - عبيد بن عمير الليثي (2): إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبي إلّا خرّ ترعد فرائصه (3)، حتى أن إبراهيم ليجثو على ركبتيه، فيقول:
رب لا أسألك إلا نفسي.
7 - الخدري: عنه عليه الصلاة والسلام: لو ضرب بمقمع (4) من مقامع الحديد الجبل لفتت فعاد غبارا.
8 - ابن عباس: لو أن قطرة من الزقوم (5) قطرت في الأرض لأمرت على أهل الأرض معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه وشرابه، ليس له طعام غيره.
9 - الحسن (6): إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار أنهم أعجزوا الرب، ولكن إذا طفا بهم اللهب أرسبتهم في النار. ثم خر الحسن مغشيا عليه، ثم قال ودموعه تحادر (7): يا ابن آدم نفسك، نفسك، فإنما هي نفس واحدة، إن نجت نجوت، وإن هلكت لم ينفعك من نجا.
10 - كل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار يسير.
__________
(1) المؤمنون: الآية 104وتمامها: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.
(2) عبيد بن عمير الليثي: هو عبيد بن عمير بن قتادة بن سعيد بن عامر الليثي، أبو عاصم، قاضي أهل مكة، توفي سنة 68هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 71.
(3) الفرائص: جمع فريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف أو بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع.
(4) المقمع والمقعمة: خشبة أو حديدة يضرب بها الإنسان ليذل والجمع مقامع.
(5) الزقوم: شجرة في جهنّم منها طعام أهل النار.
(6) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.
(7) حدر حدرا وحدورا: نزل.(1/146)
11 - طاووس (1): لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة، فلما خلقتم سكنت.
12 - مطرف (2): إنكم تذكرون الجنة وقد حال ذكر النار بيني وبين أن أسأل الله الجنة.
13 - منصور بن عمار (3). مروي (4) سكن البصرة: يا من الكلمة تقلقه، والبعوضة تسهره، أمثلك يقوى على وهج السعير، أو يطبق صفحة خده على لفح سمومها (5)، ورقة أمعائه على خشونة ضريعها (6)، ورطوبة كبده على تجرع غساقها (7)؟
14 - قيل لعطاء السلمي (8): أيسرك أن يقال لك: قع في النار فتحترق فتذهب فلا تبعث؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو طمعت أن يقال لي ذلك، لظننت أن أموت فرحا قبل أن يقال لي قع فيها.
15 - رابعة القيسية (9): قال مالك بن دينار: أتيتها وإذا هي تقول:
كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب أما كان لك عقوبة ولا
__________
(1) طاووس. هو طاووس بن كيسان الخولاني.
(2) مطرف: هو مطرف بن عبد الله الجرشي.
(3) منصور بن عمّار: هو منصور بن عمّار الواعظ. من الزهاد المشهورين، أصله من خراسان، سكن البصرة. وعظ ببغداد والشام ومصر. راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 4: 187.
(4) مروي: نسبة إلى مرو. هناك مرو الشاهجان: من أشهر مدن خراسان ومرو الروذ وهي مدينة قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة أيام وهي على نهر عظيم فلهذا سمّيت بذلك. راجع معجم البلدان 5: 112.
(5) السموم: الريح الحارة جمع سمائم.
(6) الضريع: العوسج الرطب.
(7) الغساق: ما يغسق ويسيل من جلود أهل النار وصديدهم من قيح ونحوه.
(8) عطاء السلمي: من زهاد أهل البصرة. قتل مع ابن الأشعث في ثورته سنة 83هـ.
راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 18.
(9) رابعة القيسية: هي رابعة بنت إسماعيل وهي غير رابعة العدوية. تقدمت ترجمتها.(1/147)
أدب غير النار؟.
16 - كانت حمدة بنت الخراساني وكانت بلهاء تبكي وتتضرع في ليلة كسوف وتقول: يا رب عذبني بكل شيء، ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالج، إرمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار.
17 - سمعت بعض البحارة بمكة يصف القرش (1) وتعرضه للجلبة (2)، وأن الركاب فيها يتمحلون بكل محال في دفعه وطرده، من الطعن بالنيازك، والضرب بالمعاول، فما تعمل فيه حيلة قط، فإذا أخرجوا النار في المشعلة، فقبل أن يدنوها منه، ذهب في الدنيا حذرا من النار.
18 - الحسن: والله ما يقدر العباد حرها (3). ذكر لنا لو أن رجلا كان بالمشرق وجهنم بالمغرب، ثم كشف عن غطاء منها، لغلت جمجمته، ولو أن دلوا من صديدها (4) صبت في الأرض ما بقي على وجه الأرض شيء فيه روح إلا مات.
19 - عن غلام الأحنف بن قيس (5): إن عامة صلاة الأحنف بالليل كان الدعاء، وكان يضع المصباح قريبا منه، فيضع إصبعه عليه فيقول:
إحس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟.
20 - هشام بن الحسن الدستوئي (6)، من أصحاب الحسن، كان لا يطفىء سراجه بالليل، فقال له أهله: إنّا لا نعرف الليل من النهار.
__________
(1) القرش: هو سمك القرش ويعرف بكلب البحر يقطع الحيوان في الماء بأسنانه كما يقطع السيف.
(2) الجلية: نوع من السفن.
(3) الضمير في حرّها يعود على جهنم.
(4) الصديد: القيح المختلط بالدم.
(5) الأحنف بن قيس: أبو بحر ولد سنة ثلاث قبل الهجرة وتوفي بالكوفة سنة 72هـ.
تقدمت ترجمته.
(6) هشام بن الحسن الدستوئي: زاهد، ورع روى الحديث عن الأئمة الأعلام. توفي سنة 152هـ. راجع حلية الأولياء 6: 278والطبقات 7: 2.(1/148)
فقال: إني إذا أطفأت السراج ذكرت ظلمة القبر فلم يأخذني النوم.
21 - قال الفضيل (1) لابنه علي بعد صلاة الفجر: أتدري ما قرأ الإمام من قوله تعالى: {فِيهِنَّ قََاصِرََاتُ الطَّرْفِ} (2)؟ فقال: شغلني عنه قوله: {هََذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} (3).
22 - قرىء عند عمر رضي الله عنه: {سَرََابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرََانٍ} (4)، وثم أعرابي فانتحب، وقال: والله يا أمير المؤمنين لقد رأيتني أهنأ (5) البعير بالقطران فيهرج (6) البعير، فكيف بابن آدم؟.
23 - يعلى بن منية (7): عنه عليه السّلام: تقول جهنم للمؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي.
24 - أنس: عنه عليه السّلام: من أسرج في مسجد سراجا لا تزال الملائكة تستغفر له، ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج.
25 - وهب بن منبه: كان يسرج في كل ليلة في البيت المقدس ألف قدنيل، وكان يخرج من طور سيناء زيت مثل عنق البعير (4) صاف يجري، حتى ينضب في القناديل من غير أن تمسه الأيدي. وكانت تنحدر
__________
(1) الفضيل: هو الفضيل بن عياض تقدمت ترجمته.
(2) سورة ر الرحمن، الآية: 56وتمامها: {فِيهِنَّ قََاصِرََاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلََا جَانٌّ}.
(3) سورة الرحمن، الآية: 43.
(4) سورة إبراهيم، الآية: 50.
(5) هنأ الإبل: طلاها بالهناء أي القطران.
(6) هرج البعير: جرى وأسرع في عدوه.
(7) يعلى بن منية: هو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي الحنظلي. أول من أرّخ الكتب. وهو صحابي من الولاة أسلم بعد الفتح وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. يقال إنه حمل عائشة على الجمل الذي كان تحته في وقعة الجمل.
قال ابن الأثير: ثم صار من أصحاب الإمام علي. توفي سنة 37هـ. راجع ترجمته في أسد الغابة 5: 128وتهذيب التهذيب 11: 399.(1/149)
من السماء نار بيضاء تسرج بها القناديل. وكان القربان والسرج بين ابني هارون شبر وشبير، فأمرا أن لا يسرجا بنار الدنيا، فاستعجلا يوما فأسرجا بنار الدنيا، فوقعت النار، فأكلت ابني هارون، فصرخ الصارخ إلى موسى عليه السّلام، فجاء يدعو، يقول: يا رب إن ابني هارون أخي قد عرفت مكانهما مني. فأوحي إليه: يا ابن عمران هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني، فكيف بأعدائي؟.
26 - والظباء، والرتلان، والأسود، والوحوش، كلها تعشى (1) إذا رأت النار بالليل، وتحدث لها فكرة فيها، ونظر إليها، والصبي الصغير كذلك، والضفادع تنق فإذا رأت النار سكتت.
27 - قال أحمد بن يوسف الكاتب (2): أمرني المأمون أن أكتب إلى أهل الأمصار في الإزدياد من المصابيح، فلم ينفتح لي ما أكتب، فرأيت في النوم قائلا يقول لي: فإن فيها إضاءة للمجتهدين، وأنسا للسابلة (3)، ودفعا لمكامن الريب عن بيوت الله.
28 - الصنوبري (4) في الشمعة:
مجدولة في قدها ... حاكية قد الأسل (5)
كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل
__________
(1) عشا النار وإلى النار: رآها ليلا فقصدها. وعشا عشوا: ساء بصره بالليل والنهار أو أبصر بالنهار ولم يبصر بالليل فهو عش وأعشى.
(2) أحمد بن يوسف الكاتب: هو أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء، وزير، من أهل الكوفة، استوزره المأمون بعد أحمد بن أبي خالد الأحول توفي ببغداد سنة 213هـ. راجع ترجمته في الوزراء والكتاب 304.
(3) السابلة: المارون على الطريق المسلوكة.
(4) الصنوبري: هو أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي الحلبي الأنطاكي.
شاعر، كان يحضر مجالس سيف الدولة. توفي سنة 334هـ. راجع ترجمته في البداية والنهاية 11: 119وفوات الوفيات 1: 61.
(5) الأسل: نبات دقيق الأغصان شديد الليونة والملامسة.(1/150)
29 - شرب نقيل عند رجل، فلما أمسى لم يأته بالسراج، فقال:
أين السراج؟ قال: الله تعالى يقول: {وَإِذََا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قََامُوا} (1)، فقام فخرج.
30 [شاعر]:
وفحم كأيام الوصال فعاله ... ومنظره في العين يوم صدود
كأن لهيب النار بين خلاله ... بوارق لاحت في عمائم سود
31 - أبو ثروان الأعرابي (2): ضفنا فلانا، فلما طعمنا، أتونا بالمقاطر فيها الجحيم يهص زخيجها (3) فألقى عليها المندلي (4). أي بالمجامر (5) فيها الجمر.
وشقراء غبراء الفروع منيفة إذا شبهوا الحسناء قالوا كأنها.
شجر يحمل نارا: هو الشمع. كأنها نخلة بلا سعف تحمل جمارة من النار.
32 [شاعر]:
وحية في رأسها درة ... تسبح في بحر قصير المدى
إذا تناءت فالعمى حاضر ... وإن دنت بان طريق الهدى
يعني فتيلة المصباح.
33 - يقال: ما من شجر إلا تقدح منها النار إلا العناب، ولذلك اختاره القصارون لكذينقاتهم (6).
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 20.
(2) أبو ثروان الأعرابي: من بني عكل كان يعلم في البادية. راجع الفهرست لابن النديم ص 52.
(3) يهص زخيجها: الهصيص: اللمعان. والزخيج: البريق.
(4) المندلي: نسبة إلى المندل. والمندل هو عود طيّب الرائحة.
(5) المجامر: ما يوضع فيه الجمر مع البخور أو المندل يتبخّر به.
(6) كذينقات: جمع كذينق (فارسي معرب) وهو مدقّ القصارين الذي يدق عليه الثوب.(1/151)
34 - لما قتل المأمون ابن عائشة (1) قال:
أنا النار في أحجارها مستكنة ... متى ما يهجها قادح تنضرّم
35 - وعن ابن الأعرابي: أن الوحي: الملك. فقيل له: لم سمي بذلك؟.
فقال: لأنه يفعل فعل الوحي، وهو من أسماء النار.
36 - لما زوج آدم عليه السّلام بناته من بنيه، وتناسلوا، وتمت عدتهم مائة نفس، وقيل: بلغت مساكنهم مائة، اجتمعوا وأوقدوا نارا، واتخذوا ذلك اليوم عيدا، فسماه أهل فارس السذق (2).
37 - زعموا أن ببلاد سقلية ولوقانية جبالا فيها عيون تنبع منها النار، تضيء للسيارات البعيدة، لا يطفئها شيء، وإن حمل منها إنسان شعلة قبس إلى موضع آخر لم تقعد.
38 - مروا بالغاضري (3) وهو قاعد عند قبر رجل من بني أبي معيط (4)، فقيل له: ما تصنع هاهنا؟ قال: اصطلي بناره. وذلك لما روى أبو العيزار: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لما انصرف من بدر، وبلغ الصفراء، أمر بضرب عنق عقبة بن أبي معيط (5). فقال: يا محمد أقتل
__________
(1) ابن عائشة: هو إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم. حبسه المأمون بالمطبق وعندما أراد الفرار قتله وصلبه سنة 210هـ. راجع ابن الأثير 6: 132.
(2) السذق: ليلة الوقود (فارسي معرب).
(3) الغاضري: كان معاصرا لأشعب وعاش إلى أيام المنصور. عاش في المدينة يطرف أهلها بالنوادر. قيل: كان من أحمق الناس. له نادرة مع الحسن بن زيد أمير المدينة. راجع ابن النديم 435والبخلاء 210.
(4) أبو معيط: هو أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وعقبة بن أبي معيط ابنه وكان شديد الأذى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قتله الإمام علي سنة 2هـ.
(5) عقبة بن أبي معيط: هو عقبة بن أبان بن ذكوان. كنيته أبو الوليد، كان، كما تقدم، شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة. أسروه يوم بدر وقتلوه ثم صلبوه. وهو أول مصلوب في الإسلام. راجع الروض الأنف 2: 76وابن الأثير 2: 27.
وكتب التاريخ تثبيت أن المترجم له قتل بعرق الظبية وليس في الصفراء.(1/152)
من بين قريش؟ فقال عمر: حن قدح لس منها، لأن أبا معيط كان علجا (1) من أهل صفورية (2) من الأردن، قدم به أبو عمرو بن أمية بن عبد شمس مكة فادعاه. فقال: يا محمد من للصبية فقال: النار.
39 - ذكر أعرابي نار قرى (3) فقال: تلك والله نار قديمة الولاء، يطير لها مع كل ريح رماد، تضيء لها البلاد، ويحيا بها العباد.
40 - أعرابي:
أوقد فإن الليل ليل قرّ ... والريح يا ياسر ريح صرّ (4)
عسى يرى نارك من يمر ... إن جلبت ضيفا فأنت حرّ
41 - كان السلطان يأمر بإيقاد النيران على أم خرمان (5)، وهي رابية بين ملتقى البصرة وحاج الكوفة، ليستأنسوا إلى ضوئها. قال:
يا أم خرمان ارفعي الوقودا ... تري رجالا وجمالا قودا (6)
فقد أطالت نارك الخمودا ... أمت أم لا تجدين عودا
وقال:
يا أم خرمان ارفعي ضوء اللهب ... إن الدقيق والسويق قد ذهب (7)
فكم بين من بلغت به الشفقة على الإسلام إلى طلب إيناس الحاج،
__________
(1) العلج: الرجل الضخم، وقيل: الضخم من العجم.
(2) صفورية: كورة وبلدة من نواحي الأردن، قرب طبرية، راجع معجم البلدان 3: 414.
(3) القرى: طعام الضيف.
(4) الليل القرّ: البارد. والصر والصرّة: البرد.
(5) خرمان جبل على ثمانية أميال من العمرة، وعليه علم ومنظرة كان يوقد عليها لهداية المسافرين ومنها يعدل أهل البصرة عن طريق أهل الكوفة. راجع معجم البلدان 2: 361.
(6) الجمل الأقود: الطويل العنق والظهر.
(7) السويق: الناعم من دقيق الحنطة والشعير جمع أسوقة.(1/153)
بإيقاد النار في مخترقهم، وبين من أدته القسوة إلى أن أجج نيران الفتن حتى سد مسالك طرقهم. اللهم إنا نعوذ بك من الجور بعد الكور (1)، ونسألك الخلاص من أمراء الجور.
42 - حبس أبو دلامة (2) على الشراب، فكتب إلى المنصور (3):
أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها ضوء السراج (4)
وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت من النطف النضاج (5)
أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأني بعض عمال الخراج (6)
فاستدعاه واستنشده، وأمر له بألف درهم. فلما خرج قال له الربيع (7): فهمت يا أمير المؤمنين قوله بنار الله؟ قال: فهمت قال: ما عني بها إلا الشمس. فرد، فقال: يا عدو الله ما عنيت بنار الله قال: نار الله الموقدة التي تطلع على فؤاد من أخبرك. فضحك منه، وأمر له بألف أخرى.
__________
(1) نعوذ بك من الجور بعد الكور: أي من النقص بعد الزيادة. والكور: الزيادة.
(2) أبو دلامة: هو زيد بن الجون الأسدي بالولاء، شاعر من أهل الظرف والدعابة نشأ بالكوفة ثم اتصل بالخلفاء من بني العباس. كان يتّهم بالزندقة. توفي سنة 161هـ.
راجع طرائفه في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» طبعة دار الكتب العلمية وراجع ابن خلكان 1: 190.
(3) راجع الخبر مفصلا في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني ص 43».
(4) قبله:
أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي
وفي طرائف الأصفهاني: «لهب» السراج.
(5) النطف: الماء الصافي قلّ أو كثر.
(6) وقبله:
تهش لها القلوب وتشتهيها ... إذا برزت ترقرق في الزجاج
(7) الربيع: هو أبو الفضل الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة كيسان، حاجب المنصور العباسي ثم وزيره. توفي سنة 169هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 185وتهذيب ابن عساكر 5: 308.(1/154)
43 - الجاحظ: لما هدم خالد بن الوليد العزى (1) رمته بالشرر، حتى أحرقت عامة فخذه. وما أشك أنه كان للسدنة حيلة وكمين. ولو رأيت ما للهند في بيوت عباداتهم من هذه المخاريق لعلمت أن الله قد منّ على المسلمين بالمتكلمين الذين نشأوا فيهم. وذكر احتيال رهبان كنيسة الرها (2) بمصابيحها، حتى أن زيت قناديلهم يتوقد من غير نار في بعض ليالي أعيادهم.
44 - طائر يقال له السمندل (3) يقع في النار فلا يحترق ريشه.
45 - وعن المأمون: لو أخذ الطحلب (4) فجفف في الظل ثم سقط في النار لم يحترق.
46 - أبو إسحاق النظام (5): الجمر في الشمس ألهب (6)، وفي ألفيء أشكل (7)، وبالليل أحمر.
47 - كانوا يوقدون نارا عند التحالف، فيدعون الله بحرمان منافعها، وإصابة مضارها على من ينقض العهد، ويخيس (8) بالعقد، ويقولون في الحلف: الدم الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شدا، وطول الليالي إلا مدا، ما بل بحر صوفة، وما أقام رضوى بمكانه.
__________
(1) العزّى: من أصنام قريش وبني كنانة.
(2) الرهاء: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام سمّيت باسم الذي استحدثها وهو الرهاء بن البلندى بن مالك بن دعر. قيل بناها الملك سلوقس. راجع معجم البلدان 3: 106.
(3) السمندل: طائر إذا انقطع نسله وهرم ألقى نفسه في الجمر فيعود إلى شبابه. وقيل:
هو دابة يدخل النار فلا تحرقه. اللسان مادة سمندل.
(4) الطحلب: خضرة تعلو الماء المزمن والقطعة طحلبة.
(5) النظّام: هو إبراهيم بن سيار بن هانىء البصري. إمام المعتزلة. توفي سنة 231هـ. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 2: 234وتاريخ بغداد 6: 97.
(6) ألهب: أغبر يشوبه سواد.
(7) أشكل: مختلط الألوان.
(8) خاس بالعهد: نقضه وخانه.(1/155)
وكذلك إذا استحلفوا على شيء أوقدوها، وطرحوا فيها الملح والكبريت، فإذا تغيضت واستشاطت، قالوا: هذه النار قد تهددتك، فإن كان مبطلا نكل (1)، وأن كان بريئا حلف. وتسمى الهولة (2)، وموقدها المهول. قال أوس (3):
إذا استقبلته الشمس صدّ بوجهه ... كما صدّ عن نار المهول حالف
وكانوا يوقدون نارا خلف مسافر لا يحبون رجوعه. وكانوا يقولون:
أبعده الله وأسحقه، وأوقد نارا إثره، ومنه قول بشار (4):
صحوت وأوقدت للجهل نارا ... ورد عليك الصبا ما استعارا
أي طردت الجهل ورفضته، وعبر عن ذلك بإيقاد النار خلفه.
وكانوا إذا توقعوا جيشا أوقدوا نارا ليلا على جبلهم، ليبلغ الخبر أصحابهم وربما أوقدوا نارين. قال الفرزدق:
ضربوا المصانع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفتا على النيران
48 - نار الحرتين (5) ببلاد عبس، تسطع من الحرة بالليل، وربما بدرت منها العنق (6) فتأتي على كل شيء. وهي بالنهار دخان ينور، فبعث
__________
(1) نكل عن كذا أو من كذا: نكص وجبن.
(2) الهولة: نار التهويل، ما يفزّع به الصبيّ.
(3) أوس: هو أوس بن حجر بن مالك التميمي، شاعر تميم في الجاهلية، وهو زوج أم زهير بن أبي سلمى. عمّر طويلا وتوفي قبيل الإسلام. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 235وشعراء النصرانية 2: 49.
(4) بشار: هو بشار بن برد العقيلي. ولد بالبصرة سنة 95هـ وكان ضريرا. شاعر مولّد أدرك الدولتين الأموية والعباسية. كان هجاء متهتّكا. مات ضربا بالسياط ودفن بالبصرة. راجع ترجمته في معاهد التنصيص 1: 289والشعر والشعراء 291.
(5) الحرّة: الأرض ذات حجارة نخرة سود كأنها أحرقت بالنار. والحرار في بلاد العرب كثيرة أكثرها حوالي المدينة إلى الشام. راجع معجم البلدان 2: 250245.
(6) العنق: قطعة من النار تخرج منها.(1/156)
الله ابن سنان العبسي (1) وهو أول نبي بعث من ولد إسماعيل، قد قدمت ابنته على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبسط لها رداءه، وقال: بنت نبي ضيعه قومه، وسمعت قل هو الله أحد، فقالت: كان أبي يتلوها فحفر تلك النار بئرا فأدخلها فيها والناس ينظرون، ثم اقتحم فيها حتى غيبها. قال:
كنار الحرتين لها زفير ... يصم مسامع الرجل السميع
49 - قال الجاحظ: أحسن ما قالوا في نار القرى قول الأعشى (2):
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق (3)
تشب لمقرورين (4) يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داج عوض لا نتفرق
__________
(1) خالد بن سنان العبسي: حكيم من أنبياء العرب في الجاهلية. كان في أرض بني عبس يدعو الناس إلى دين عيسى. قال ابن الأثير: من معجزاته أنّ نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها وكادوا يدينون بالمجوسية فأخذ خالد عصاه ودخلها ففرقها وطفئت وهو في وسطها. أقول هي النفط لا ريب، والرواة مجمعون على أن خالدا دخل نارا فانطفأت، واختلفوا في مكانها، وهناك روايات بأن النار كانت تخرج من بئر وقالوا:
لم يكن في بني إسماعيل نبيّ غيره قبل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ووفدت ابنته على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فبسط لها رداءه وأجلسها عليه وقال: ابنة نبيّ ضيّعه أهله. وفي حديث قال لها: مرحبا بابنة أخي.
راجع ترجمته في الإصابة 1: 466وابن الأثير 1: 131وتاريخ الخميس 1: 199 وفيه: كان خالد بعد المسيح بثلاثمائة سنة. أقول: إن صحّ هذا فالوافدة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من حفيداته.
(2) الأعشى: هو ميمون بن قيس بن جندل. شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات. لقب بالأعشى لضعف بصره وكان يسمّى صنّاجة العرب. أدرك الإسلام. مولده ووفاته في قرية منفوحة باليمامة فيها داره وبها قبره. توفي سنة 7هـ. راجع ترجمته في جمهرة أشعار العرب 29والمرزباني 401.
(3) اليفاع: المشرف من الأرض والجبل، وقيل: هو قطعة منهما فيها غلظ، وقيل: هو التل المشرف.
(4) المقرور: الذي أصابه القرّ أي البرد.(1/157)
قالوا: أحسن منه قول الحطيئة (1):
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
ثم قال: ما كان ينبغي أن يمدح بهذا البيت إلا خير أهل الأرض، وعلى أني أعجب بمعناه أكثر من عجبي بلفظه وطبعه ونحته وسبكه. يعني أنه مطبوع غير مصنوع متعمل، منحوت من الأبن (2) والزوائد الفاضلة، مسبوك كما تسبك الفضة في جودة بيانه ونظمه، حيث جود في تعشو وإيقاعه حالا، وقوله خير نار وما فيه من التجريد، ولم يقل تجدها خير نار، وجمع بين الخيرين.
[وكانوا] يوقدون النار يهولون بها على الأسد، فإذا عاينها حدق إليها واستهالها فتشغله عن السابلة (3). ومر ناس بوادي السباع (4) فعرض لهم سبع، فأوقدوا نارا، وضربوا على الطاس الذي معهم فأحجم عنهم.
50 - يقال لنار العرفج (5) نار الزحفتين، لأن صاحبها لا يزال يزحف إليها وعنها لسرعة «اتقادها وانطفائها.
51 - وقيل لأعرابي: ما بال نسائكم رسحا (6)؟ فقال أرسحهن عرفج النار.
__________
(1) الحطيئة: هو جرول بن أوس بن مالك العبسي، أبو مليكة، شاعر، من الفحول المخضرمين. كان هجاء لم يكد يسلم من لسانه أحد. هجا أمّه وأباه وهجا نفسه.
توفي نحو سنة 45هـ. راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 99والشعر والشعراء 110.
(2) الأبن: العقد في العود، جمع أبنة.
(3) السابلة: السائرون على الطرق المسلكوة.
(4) وادي السباع: بين البصرة ومكة، وهو الوادي الذي قتل فيه الزبير بن العوام. اغتاله ابن جرموز. راجع معجم البلدان 5: 343.
(5) العرفج: نبت سهلي سريع الإنقياد واحدته عرفجة طيبة الريح لها زهرة صفراء. راجع لسان العرب مادة عرفج.
(6) الأرسح: من كان قليل لحم العجز والفخذ.(1/158)
52 - جمرات العرب عبس وضبة ونمير (1)، سميت بجمرات النار.
53 - قال أبو حية النميري:
وهم جمرة ما يصطلى الناس نارهم ... توقد لا تطفى لريب الدوائر
وقال أيضا:
لنا جمرات ما على الأرض مثلها ... ثلاث فقد جرّبن كل التجارب
نمير وعبس تتقى نقماتها ... وضبة قوم بأسهم غير كاذب
إلى كل قوم قد دلفنا بجمرة ... لها عارض جون قوي المناكب (2)
54 - في ديوان المنظوم:
ما جمرة إلا تنافس جمرة ... يستوقد الضبي نار فخارها
يسمو إليها نسبة فيزيدها ... خطرا ينيف على مدى أخطارها
فمتى تصدع جمرة أو تنطفي ... فلما ترى من فخر تلك وعارها (3)
ومنّى الجميع منال وطأة أخمص ... منه ليرفع ذاك من مقدارها
وبأن أصابت جمرة النار المنى ... زهيت على جمراتها وجمارها
وأذاتها كانت لتجميش هوى ... ومحبة ليست لأجل ضوارها (4)
__________
(1) الجمرة: القبيلة لا تنضم إلى أحد فيها ثلاثمائة فارس وقيل: ألف وجمرات العرب: بنو الحرث بن كعب وبنو نمير بن عامر وبنو عبس. وكان أبو عبيدة يقول:
هي أربع جمرات، ويزيد فيها بني ضبية بن أدّ وكان يقول: ضبة أشبه بالجمرة من بني نمير ثم قال: فطفئت منهم جمرتان وبقيت واحدة، طفئت بنو الحرث لمحالفتهم نهدا وطفئت عبس لانتقالهم إلى بني عامر بن صعصعة يوم جبلة، وقيل: جمرات معدّ ضبّة وعبس والحرث ويربوع سموا بذلك لجمعهم. وقال أبو عبيدة: جمرات العرب ثلاث: بنو ضبة بن أدّ، وبنو الحرث بن كعب وبنو نمير بن عامر. وقيل غير ذلك. راجع التفاصيل في لسان العرب مادة جمر.
(2) دلف: تقدم ودنا: والعارض. الجبل. والجون من الخيل والإبل: الأدهم الشديد السواد والكناية هنا واضحة.
(3) تصدع: تتفرّق، تنشق. وتنطفي: أي تحالف غيرها من القبائل وحذف الهمزة للتسهيل.
(4) التجميش: المغازلة. وضار يضور ضورا: جاع شديدا. وضاره الأمر: أضرّ به.(1/159)
55 - قالوا: ألقي رجل في ماء راكد في شتاء بارد، في ليلة من الحنادس (1)، لا قمر ولا ساهور (2)، فما زال حيا وهو في ذلك بارز جامد ما دام ينظر إلى نار تجاه وجهه. فلما طفئت طفىء. وإنما قيل لا قمر ولا ساهور، لأن القمر والطوق الذي يستدير حوله، يزعمون أنه كاسر من برد الليل.
56 - قالوا: النيران ثلاث: نار تأكل وتشرب، وهي نار الحمى، تأكل اللحم وتشرب الدم. ونار تأكل ولا تشرب، وهي نار الدنيا. ونار لا تأكل ولا تشرب، وهي نار جهنم.
57 - أنس: من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوء.
58 - أبو طالب المأموني (3):
وقائمة بين الجلوس على شوى ... ثلاث فما تخطو بهن مكانا (4)
على رأسها نجل لها لم تجنه ... حشاها ولا علّته قطّ لبانا (5)
تسدد في أعلاه كل عشية ... لشق جلابيب الظلام سنانا
__________
(1) حندس الليل: أظلم. والحندس: الليل الشديد الظلمة والجمع حنادس.
والحنادس: تطلق على ثلاث ليال مظلمة من آخر كل شهر.
(2) الساهور: دارة القمر.
(3) أبو طالب المأموني: هو عبد السلام بن الحسين المأموني، أبو طالب: شاعر، من العلماء بالأدب يتّصل نسبه بالمأمون العباسي. ولد وتعلم في بغداد. اتصل بالصاحب بن عباد ومدحه ثم ذهب إلى نيسابور وبخارى واتصل بابن المهدي وابن المستكفي.
قال الثعالبي: «رأيت المأموني ببخارى سنة 382وكان يسمو بهمّته إلى الخلافة ويمنّي نفسه في قصد بغداد بجيوش تنضم إليه من خراسان لفتحها» ثم ذكر أنه عاجلته المنيّة بعلّة الإستسقاء ومات قبل أن يبلغ الأربعين سنة 383هـ. راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 273واليتمية 4: 11284والأعلام 4: 5.
(4) الشوى: القوائم جمع شواة. والشوى: الأطراف.
(5) لم تجنه: لم تستره. وعلته: سقته.(1/160)
هي المنارة (1)، وله في الشمعة:
وطاعنة جلباب كل دجنة ... بماضي سنان في ذؤابة ذابل (2)
تجود على أهل النديّ بنفسها ... وما فوق بذل النفس جود لباذل (3)
وله فيها:
ومجدولة مثل رأس القنا ... ة تعرت وباطنها مكتسي
فنحن من النور في أسعد ... وتلك من النار في أنحس (4)
59 - مر عليّ على المساجد في شهر رمضان فيها القناديل فقال:
نورّ الله على عمر بن الخطاب في قبره كما نور علينا مساجدنا.
60 - أمية بن أبي الصلت في صفة جهنم:
تحش بجندل صم صلاب ... كأن الضاحيات لها قضيم (5)
غداة يقول بعضهم لبعض ... ألا يا ليت أمكم عقيم
فلا تدنو جهنم من بري ... ولا عدن يطالعها الأثيم (6)
وهم يطفون كالأقذاء فيها ... لئن لم يرحم البر الرحيم (7)
61 - أبو محمد المكي في الرشيد لما فتح هرقلة (8):
__________
(1) المنارة: الشمعة ذات السراج.
(2) الدجنة: الظلمة.
(3) أهل الندى: أهل الكرم والجود. والباذل: المعطي.
(4) السعد: اليمن ونقيض النحس جمع أسعد وسعود. وسعود النجوم: هي كواكب عشرة يقال لكل واحد منها سعد. ونحس: طالع الإنسان، ضد سعد. والنحسان: زحل والمرّيخ. والسعدان: المشتري والزهرة.
(5) حشّ النار: أوقدها وحرّكها بالمحشّ وهو حديد تحرّك بها النار. والجندل: الصخر العظيم. والجندل الصم: الصلب القاسي. والضاحيات: كناية عن الهشيم.
والقضيم. ما يقضم من الطعام.
(6) البري: الذي لا ذنب له، حذف اهمزة للتسهيل.
(7) الأقذاء: القش جمع قذى.
(8) هرقلة: مدينة ببلاد الروم سميت بهرقلة بنت الروم بن الينفر بن سام بن نوح عليه السّلام كان الرشيد غزاها بنفسه ثم اقتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمي بالنار والنفط حتى غلب أهلها. راجع معجم البلدان.(1/161)
هوت هرقلة لما أن رأت عجبا ... جواثما (1) ترتمي بالنفط والقار
كأن نيراننا في جنب قلعتهم ... مصقلات (2) على أرسان قصار
62 - عبيد بن أيوب العنبري (3)، أبو المطراب، من لصوص الحجاز:
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفار
63 - عباءة بن يزيد بن جعشم (4):
كأن لم يقل يوما يزيد بن جعشم ... لنار الندى إرفع سناها وأوقد
وأذك سنا نار الندى علّ ضوءها ... يجيء بمقو أو طريد مشرّد
فباتت على علياء نار ابن جعشم ... تشب لغوريّ وآخر منجد (5)
وبات الندى والجود يصطليانها ... حليفي كريم واجد غير مجحد (6)
64 - ما هبط جبرائيل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا وهو محزون مغموم، فقال له في ذلك. فقال: يا محمد لما وضعت المنافيخ على جهنم، أورثت قلبي الحزن والغم.
__________
(1) في معجم البلدان: جوّ السما (5: 398).
(2) في معجم البلدان: مصبّغات: وهي الثياب المصبوغة. والإرسان: الحبال والقصّار: المبيّض للثياب.
(3) عبيد بن أيوب العنبري: من صعاليك العصر الأموي، أباح السلطان دمه فهرب في مجاهل الأرض واستصحب الوحوش وأنس بها وذكرها في أشعاره. كان يزعم أنه يرافق الغول والسعلاة ويبايت الذئاب والإفاعي. كتب الدكتور نوري القيسي «عبيد بن أيوب العنبري، حياته وما بقي من شعره» في مجلة المورد العراقية العدد 2من المجلد 3ص 136121. راجع ترجمته في الأعلام 4: 188والشعر والشعراء 305.
(4) عباءة بن يزيد بن جعشم. ذكره المزرباني في معجم الشعراء وذكر له هذه الأبيات.
(5) غوري ومنجد: أراد السائر في المنحدر من الأرض والمرتفع.
(6) مجحد: فقير.(1/162)
65 - علي رضي الله عنه: لقد رأيت عقيلا (1) وقد أملق (2)، حتى استماحني من برّكم صاعا، وما رأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم (3)، وعاودني مؤكدا، وكرر عليّ القول مرددا، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقا طريقتي. فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف (4) من ألمها، وكاد أن يحرق من مسها، فقلت له:
ثكلتك الثوكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها (5) جبارها لغضبه. أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟.
وعنه: واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم فأنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا، فرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء (6) تحرقه، فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيج حجر، وقرين شيطان. أعلمتم أن مالكا إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبته، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعا من زجرته. أيها اليفن (7) الكبير، الذي قد
__________
(1) عقيل: هو عقيل بن عبد مناف (أبي طالب) بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، كنيته أبو يزيد، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها. صحابي بقي على الشرك إلى أن كانت وقعة بدر. وأسلم بعد الحديبية هو أخو الإمام عليّ وجعفر لأبيهما وكان أسنّ منهما. برز اسمه في الجاهلية وكان في قريش أربعة يتحاكم الناس إليهم في المنافرات: عقيل (صاحب الترجمة) ومخرمة، وحويطب، وأبو جهم. عمي في أواخر أيامه وتوفي في أول أيام يزيد. وقيل: في خلافة معاوية نحو سنة 60هـ.
راجع ترجمته في الإصابة ت 5630. والبيان والتبيين 1: 174والأعلام 4: 242.
(2) أملق: انفق ماله حتى افتقر.
(3) العظلم: عصارة شجر لونه كالنيل أخضر إلى الكدرة. وليل عظلم: مظلم.
(4) الدنف: المريض المقبل على الموت.
(5) أسجر النار: أوقدها.
(6) الرمضاء: الأرض الحارّة.
(7) اليفن: الشيخ الفاني.(1/163)
لهزه القتير (1)، كيف أنت إذا اقتحمت أطواق النار بعظام الأعناق، وتشبثت الجوامع حتى أكلت لحوم السواعد.
66 - خرج عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (2) إلى معاوية فكلمه في أمر أخيه محمد (3) فأنبه، وكتب إلى معاوية بن خديج (4) بإطلاقه، ودس كتابا بإحراقه، فأحرق بالنار. فكانت عائشة رضي الله عنها لا تأكل الشواء، ولا تراه إلا بكت.
67 - سأل معاوية من يطعم بمكة؟ فقيل عبد الله بن صفوان (5)، فقال: تلك نار قديمة.
68 - أوحى الله إلى موسى: لا تستوقد بالبيت المقدس بنار، حتى أنزل عليك بنار من السماء، فسأله هارون أن يجعلها له ففعل، فجعلها
__________
(1) لهزه القتير: القتير، أول طلوع الشيب. ولهزه: فشا فيه.
(2) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: أمّه أم رومان أم عائشة. تأخر إسلامه. قيل:
أسلم في هدنة الحديبية وقيل: أسلم يوم الفتح. أنكر على معاوية دعوته إلى بيعة يزيد وتوفي سنة 52هـ. راجع ترجمته في الإصابة ت 5143.
(3) محمد: هو محمد بن أبي بكر الصديق، كان ربيب الإمام علي، إذ تزوج أمّه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبي بكر. كان مع الإمام علي يوم الجمل وصفين. قتله معاوية ابن حديج سنة 38هـ. راجع ترجمته في تاريخ الخميس 2: 238.
(4) معاوية بن حديج: هو معاوية بن خديج بن جفنة بن قنبر، أبو نعيم الكندي ثم السكوني، أمير، صحابي، ولّاه معاوية إمرة جيش جهّزه إلى مصر، وكان الوالي عليها محمد بن أبي بكر الصديق (المترجم له أعلاه) من قبل الإمام علي بن أبي طالب فقتل محمدا وأخذ بيعة أهل مصر لمعاوية. ثم ولي إمرة مصر ليزيد وتوفي بها سنة 52هـ. راجع ترجمته في الإعلام 7: 260وهو فيه معاوية بن «حديج».
(5) عبد الله بن صفوان: هو عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، رئيس مكة وابن رئيسها. شجاع، من أصحاب عبد الله بن الزبير، حارب معه الحجاج بن يوسف. ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقتل بمكة يوم مقتل ابن الزبير (73هـ) فبعث الحجاج برأسه إلى عبد الملك بن مروان. راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير حوادث سنة 73هـ وشذرات الذهب 1: 80وفيه: لما حجّ معاوية قدم له ابن صفوان ألفي شاة.(1/164)
هارون لابنيه، فعجلا فاستوقدا بنار، فنزلت من السماء نار فأخذتهما، وذهب هارون لتخليصهما. فقال موسى: دع ربي يبلغ فيهما نقمته، فأوحى الله إليه هكذا أفعل بمن عصاني من أوليائي فكيف بأعدائي.
69 - عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (1): لما نصب الحجاج المنجنيق (2) على البيت، وفيه ابن الزبير جعلت الصواعق تقع من كل جانب. فقال الحجاج لا تهولنكم إنما هي صواعق تهامة. قال محمد فأنا نظرت إليهم وهم فوق أبي قبيس (3) إذ أقبلت صاعقة من السماء كأنها محراق فطحنتهم.
70 - عون بن عبد الله (4): مثل الناس مثل الخشب، ما صلح منه لشيء انتفع به، وإلا أوقد به، ومن كان فيه خير لقي خيرا، وإلا ألقي في النار.
__________
(1) هو من أهل المدينة، كان راويا للحديث. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 172.
(2) المنجنيق: آلة حربية ترمي بها القذائف.
(3) أبو قبيس: هو اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقيّها وقيقعان من غربيّها، قيل سمّي باسم رجل من مذحج كان يكنّي أبا قبيس لأنه أول من بني فيه قبّة. راجع معجم البلدان 1: 80.
(4) عون بن عبد الله: هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي: خطيب، راوية، ناسب، شاعر. سكن الكوفة فاشتهر فيها بالعبادة والقراءة. كان يقول بالإرجاء ثم رجع. خرج مع ابن الأشعث ثم هرب، وصحب عمر بن عبد العزيز في خلافته وتوفي نحو سنة 115هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 178وتهذيب التهذيب 8: 171وحلية الأولياء 4: 240.(1/165)
الباب السادس الأرض والجبال والحجارة والحصى وجواهر الأرض والمفاوز وذكر الرجفة والخسف
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة.
2 [شاعر]:
الأرض مضجعنا وكانت أمنا ... فيها معايشنا وفيها نقبر
3 - ابن عباس: إن في الأرض الثانية خلقا وجوههم وأبدانهم كوجوه بني آدم وأبدانهم، وأفواههم كأفواه الكلاب، وأرجلهم وآذانهم كأرجل البقر وآذانها، وشعرهم كصوف الضأن، ولا يعصون الله طرفة عين، ليلنا نهارهم ونهارنا ليلهم.
4 - ابن مسعود: عنه عليه السّلام في قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} (1) أرض بيضاء نقية كأنها الفضة، لم يسفك عليها دم حرام، ولم تعمل عليها خطيئة.
5 - خطب الحجاج فقال: إن الله خلق آدم وذريته من الأرض، وأمشاهم على ظهرها، فأكلوا من ثمارها، وشربوا من أنهارها، وهتكوا
__________
(1) سورة إبراهيم، الآية: 48.(1/167)
أطباقها بالمساحي والمرود (1)، فإذا ردهم الله إلى الأرض أكلت لحومهم كما أكلوا ثمارها، وشربت دماءهم كما شربوا ماءها، ومزقت أوصالهم كما هتكوا أطباقها.
6 - كان بعض العلماء إذا تلا قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيََاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (2) قال: أشهد أن السماوات والأرض وما فيها آيات تدل عليك وتشهد لك بما وصفت من نفسك، كل يؤدي عنك الحجة، ويقر لك بالربوبّية، موسوم بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك الذي تجليت به لخلقك، فوسمت من معرفتك القلوب بما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم الاحتجاب، فهي على اعترافك بك شاهدة أنك لا تحيط بك الصفات، ولا تدركك الأوهام فإن حظ الفكر منك الاعتراف بك والتوحيد.
7 - الجاحظ: كان فضل الرقاشي (3) سجاعا في قصصه، وكان عمرو بن عبيد وهشام بن حسان (4) يحضرانه، ومن كلامه: سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا.
8 - يعلي بن منية: عنه عليه السّلام، من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها في المحشر.
__________
(1) المساحي: ما يمسح به، والمسحاة أيضا شبيهه بالمرّ تستعمل لجرف الأرض وحفرها. والمرود: ما تستعمل لدفع السفن.
(2) سورة الذاريات، الآية: 20.
(3) فضل الرقاشي: هو الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، أبو عيسى: واعظ، من أهل البصرة. كان من أخطب الناس، متكلما قاصا مجيدا. وهو رئيس طائفة من المعتزلة تنسب إليه. كان قدريا ضعيف الحديث، سجّاعا في قصصه. توفي نحو سنة 140هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 290وتهذيب التهذيب 8: 283 والأعلام 5: 151.
(4) هشام بن حسان: حافظ، من الخشبية (فريق من الجهمية) عالم بأحاديث الحسن البصري. توفي سنة 146هـ. راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 154والبيان والتبيين 1: 291وتهذيب التهذيب 11: 39.(1/168)
9 - يقال: أرض حصان من ملامسة الحيا، أي جدبة.
ماله في الأرض مربض عنز، إذا نفوا عنه ملك شيء من العقار.
10 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: التمسوا الرزق في خبايا الأرض.
11 - وعن مصعب (1): كان عروة بن الزبير (2) يقول لي: إزرع مالك من أرض، أما تسمع قول الشاعر:
أقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا (3)
تبغ خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا
سيعطيك ماء واسعا ذا مثابة ... إذا ما مياه الناس غارت تدفقا
وكان ابن شهاب الزهري (4) يتمثل بها، ويدعي أنها له، والصحيح
__________
(1) مصعب: هو مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، أبو عبد الله، أحد الولاة في صدر الإسلام. ولاه أخوه عبد الله البصرة سنة 67هـ فقصدها وضبط أمورها وقتل المختار الثقفي. سيّر إليه عبد الملك بن مروان جيشا بقيادة أخيه محمد فكانت بينهما وقعة عند دير الجاثليق (على شاطىء دجيل من أرض مسكن) فطعنه زائدة بن قيس السعدي (أو عبيد الله بن زياد بن ظبيان) فقتله. ولد سنة 26هـ وتوفي سنة 71هـ. راجع ترجمته في الطبري حوادث سنة 71وما قبلها، ومثله الكامل لابن الأثير. والأعلام 7: 247.
(2) عروة بن الزبير: أبو عبد الله، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، كان عالما بالدين، لم يدخل في شيء من الفتن. انتقل إلى البصرة ثم إلى مصر وعاد إلى المدينة فتوفي فيها سنة 93هـ. وهو أخو عبد الله بن الزبير لأبيه وأمّه. وبئر عروة بالمدينة منسوبة إليه. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 216وصفة الصفوة 2: 47.
(3) الرقمتان: قريتان بين البصرة والنباج بعد ماوية تلقاء البصرة وبعد حفر أبي موسى تلقاء النباج وهما على شفير الوادي، وهما منزل مالك بن الريب المازني. والرقمتان:
روضتان بناحية الصمّان ذكرهما زهير بن أبي سلمى. وقيل غير ذلك. والرقمة بالأصل هي مجتمع الماء في الوادي. راجع التفاصيل في معجم البلدان 3: 58وما يليها.
(4) ابن شهاب الزهري: هو محمد بن شهاب الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري. فقيه، حافظ، تابعي من أهل المدينة توفي سنة 124هـ. وهو أول من دون الحديث.(1/169)
أنها لعمر بن أبي الحدير البلوي.
12 - لما بلغ عمر رضي الله عنه أن نازلة البصرة اتخذوا الضياع، وعمروا الأرضين، كتب إليهم لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها. قالوا: شحمة الأرض موضع الريع منها.
13 - الزرع لا يبلغ النهاية إلا ببركتين: بركة السماء بأن تسقيه من مائها، وبركة الأرض بأن تربيه من ترابها.
14 - زياد بن أبيه: أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا.
15 - لا ضيعة على من له ضيعة.
16 - إبراهيم بن إسحاق المصعبي (1): كيمياء الملوك العمارة، ولا تحسن بهم التجارة.
17 - الضيعة إن تعهدتها ضعت، وإن لم تتعهدها ضاعت.
18 - قال مدني لمزبد (2): أريد أن أشتري عنان جارية أبي العراقيب، قال: ويلك ومن أين لك ثمنها؟ قال: أبيع قطيعة جدي، قال: وأي قطيعة كانت لجدك؟ والله إن كان ملك جدك إلا قطيعة الرحم.
19 - في الحديث: إن الجفاء والقسوة في الفدادين (3)، هم الأكرة (4)، من الفديد الجلبة، لأنهم يفدون في سوق البهائم.
20 - الضياع مدارج (5) الهموم، وكتب الوكلاء سفاتج (6) الغموم.
__________
(1) إبراهيم بن إسحاق المصعبي: هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي. من أمراء الدولة العباسية. راجع أخباره في تاريخ الطبري وابن الأثير.
(2) مزبد: هو مزبد المدني: نشأ بالمدينة عابثا وانتقل إلى العراق في أيام المهدي.
(3) الفدادين: أراد المكارين والجمالين والرعيان لغلظ أصواتهم وجفائهم.
(4) الأكرة: جمع أكر وهو الفلاح والزارع.
(5) المدارج: الوسائل والطرق.
(6) سفاتج جمع سفتجة وهي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالا قراضا يأمن به من خطر الطريق.(1/170)
21 - في ديوان المنظوم:
قد أصبحت جارتي تجهلني ... غداة أصبحت بايعا أرضي
فقلت ما صفقتي بخاسرة ... أبيع أرضي واشتري عرضي
22 - قيل لجعفر بن محمد (1): لم يكلب الناس على الطعام في الغلاء؟ قال: لأنهم بنو الأرض، فإذا أقحطت (2) أقحطوا، وإذا أخصبت أخصبوا.
23 - ابن الرقاع العاملي (3) يصف حمارا وأتانا:
يتعاوران من الغبار ملاءة ... بيضاء مخملة هما نسجاها (4)
تطوى إذا علوا مكانا جاسيا ... وإذا السنابك أسهلت نشراها (5)
24 - قصد مخنث جبل لكام (6) ليتعبد، فلما صعد فيه أعيا، فقال:
واشماتتي يوم أراك كالعهن (7) المنفوش. واللكام جبل يمتد من حمص ودمشق ويسمى ثمّ لبنان، إلى أن يتصل بجبال أنطاكية (8) والمصيصة (9)
ويسمى ثم اللكام. وبه يسكن الأبدال (10) يقال: هم تسعون كلما توفي
__________
(1) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق تقدمت ترجمته.
(2) أقحطت الأرض: أجديت ويبس زرعها ونباتها.
(3) ابن الرقاع: هو عديّ بن الرقاع. تقدمت ترجمته.
(4) اعتور القوم الشيء: تعاطوه وتداولوه.
(5) السنابك: جمع سنبك وهو طرف الحافر.
(6) اللّكام: هو الجبل المشرف على أنطاكيا وبلاد ابن ليون والمصيصة وطرسوس وتلك الثغور. راجع معجم البلدان 5: 22.
(7) العهد: القطن.
(8) أنطاكية: مدينة شامية قديمة.
(9) المصيصة: مدينة قرب طرسوس في بلاد الشام. كانت من الثغور المشهورة في الإسلام وقد رابط بها الصالحون قديما، كانت ذات سور وخمسة أبواب، وهي مسماة فيما زعم أهل السيّر باسم الذي عمرها وهو مصيصة بن الروم بن اليمن بن سام بن نوح عليه السّلام. والمصيصة أيضا: قرية من قرى دمشق قرب بيت لهيا. راجع معجم البلدان 5: 144.
(10) الأبدال: هم، كما في لسان العرب، قوم من الصالحين بهم يقيم الله الأرض، أربعون في الشام وثلاثون في سائر البلاد، لا يموت منهم أحد إلّا قام مكانه آخر، ولذلك سمّوا أبدالا، وواحد الأبدال العبّاد بدل وبدل. وقيل: الواحد بديل. وقد روى ابن شميل بسنده حديثا عن الإمام علي أنه قال: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق. (اللسان مادة بدل).(1/171)
واحد قام بدل مكانه. وإنما يرحم الله عباده وينظر لهم بدعائهم. قال:
وجاور بلاد الشام لبنان إنها ... معادن أبدال إلى منتهى العرج (1)
25 - وقال أبو دلف الخزرجي (2):
وجاورت الملوك ومن يليهم ... كما جاورت أبدال اللكام
26 - حرة بني سليم (3) إحدى الأعاجيب، فهي سوداء، وأهلها بنو سليم سود مثلها، ومن نزل بها من غير بني سليم أسود، ويتخذون المماليك من الصقالبة (4) الروام فتقلبهم الحرة والذين يلدون فيها من أولادهم إلى السواد. وكل ما فيها من الأنعام والخيل والوحوش إلى
__________
(1) لبنان: جبل مطل على حمص يجيء من العرج الذي بين مكة والمدينة حتى يتصل بالشام فما كان بفلسطين فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل، وبدمشق سنير، وبحلب وحماه وحمص لبنان ويتّصل بأنطاكية والمصيصة فيسمى هناك اللكام. والى بحر الخزر فيسمى هناك القبق. معجم البلدان 5: 11.
والعرج: بين مكة والمدينة. والعرج قرية جامعة في واد من نواحي الطائف وإليها ينسب العرجي الشاعر. والمقصود هنا العقبة التي بين مكة والمدينة على جادة الحاج وجبلها متصل بجبل لبنان. راجع معجم البلدان 4: 99.
(2) لم أعثر في المراجع التي بين يديّ على علم بهذا الاسم، إنما هناك أبو دلف العجلي المتوفى سنة 226وهو القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل من بني عجل.
كان أمير الكرخ وسيّد قومه.
(3) الحرّة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار والجمع حرّات. وحرّة بني سليم سمّيت بسليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وتسمى أيضا أم صبّار وفيها معدن الدهنج، وهو حجر أخضر يحفر عنه كسائر المعادن وهذه الحرّة (مع حرّة ليلى وحرّة شوران) في عالية نجد (راجع معجم البلدان 2: 246).
(4) الصقالبة: جيل حمر الألوان صهب الشعور تتاخم بلادهم بلاد الخزر وبعض بلاد الروم.(1/172)
السواد. قال الجاحظ: وذلك مثل بلاد الترك ترى كل شيء فيها تركي المنظر، يدبرون الرماد والقلى (1) فيستحيل حجارة سودا تعمل منها الأرحاء (2).
27 - يقول أهل طوس (3): قد ألان الله لنا الحجارة، كما ألان لداود الحديد، يعنون الحجارة التي تتخذ منها البرام (4).
28 - ثالثة الأثافي (5) قطعة من الجبل يضم إليها حجران فتكون أثافي القدر. وهي مثل في الشدة، يقال: رماه بثالثة الأثافي. قال علقمة بن عبدة (6):
وكل قوم وإن عزّوا وإن كرموا ... عريفهم بأثافي الشرّ مرجوم (7)
وكان يقال لجرير والفرزدق والأخطل لتهاجيهم أربعين سنة أثافي الشر
__________
(1) القلى: مادة تغسل بها الثياب تؤخذ من رماد الغضا والرمث حين يحرق رطبا ويرش بالماء فتنعقد قليا.
(2) الأرحاء: حجارة الطاحون.
(3) طوس: مدينة بخراسان تسمى الآن مشهد الرضا. فيها قبر الإمام علي بن موسى الرضا. كانت تشتمل على بلدتين يقال لإحداهما الطابران وللأخرى نوقان ولهما أكثر من ألف قرية فتحت في أيام الخليفة عثمان. وبطوس آثار أبنية إسلامية جليلة وفيها أيضا قبر هارون الرشيد. راجع معجم البلدان 4: 49.
(4) البرام: جمع برمة وهي قدر تنحت من الحجارة وتجمع أيضا على برم.
(5) الأثافي: جمع أثفية الحجر الذي توضع عليه القدر. ويقال رماه الله بثالثة الأثافي، أي رماه الله بالجبل أي الداهية مثل الجبل والمعنى أنهم إذا لم يجدوا ثالثة من الأثافي أسندوا قدورهم إلى الجبل.
(6) علقمة بن عبدة: هو علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس. من الشعراء الجاهليين من الطبقة الأولى. كان معاصرا لامرىء القيس وله معه مساجلات. توفي نحو سنة 20 ق هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 247وخزانة البغدادي 1: 565وفيه أنه كان لعلقمة ابن اسمه علي يعد من المخضرمين أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره.
(7) عريف القوم: سيّدهم وهو القيّم لمعرفته بسياسة القوم. والعريف أيضا النقيب وهو دون الرئيس والجمع عرفاء.(1/173)
وللبديع (1):
ولي جسد كواحدة المثاني ... له كبد كثالثة الأثافي (2)
29 - عن الأخفش (3): ذكر رؤبة (4) رجلا فقال: هو من بنات المسجد يعني الحصى. أراد أنه كالشيء الجماد.
30 - ابن طبطبا (5):
بأبي الذي قلبي عليه حبيس ... مالي سواه من الأنام أنيس
لا تنكروا أبدا مقارنتي له ... قلبي حديد وهو مغناطيس
31 - كان أبو حامد المروروذي (6) إذا سمع تراجع المتكلمين (7) في
__________
(1) البديع: هو بديع الزمان أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني. شاعر من أئمة الكتّاب اشتهر بمقاماته. ولد بهمذان سنة 358هـ. ومات في هراة مسموما سنة 391هـ راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 3: 471والأعلام 1: 112.
وروضات الجنات 1: 66.
(2) المثاني: الآيات.
(3) الأخفش: هو علي بن سليمان بن الفضل: نحوي من أهل بغداد. أقام بمصر حتى سنة 300هـ ثم عاد إلى بغداد وتوفي بها سنة 315هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 332وبغية الوعاة 338.
(4) رؤبة: هو رؤبة بن عبد الله العجاج، أبو محمد، ارجز، من الفصحاء المشهورين من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. أخذ عنه أعيان أهل اللغة وكانوا يحتجون بشعره. توفي سنة 145هـ. ولما مات قال الخليل بن أحمد: دفنا الشعر واللغة والفصاحة. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 187.
(5) ابن طبطبا: هناك ثلاثة شعراء يقال عنهم: ابن طباطبا وهم: محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن المتوفى سنة 322هـ. وأحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم نقيب الطالبيين بمصر المتوفى سنة 345هـ. ويحيى بن محمد بن القاسم بن محمد العلوي المتوفى سنة 478هـ.
(6) أبو حامد المروروذي: هو أحمد بن عامر بن بشر بن حامد المولود بمرو الروذ. من فقهاء الشافعية توفي بمرو الروذ سنة 362هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 18ومرآة الجنان 2: 275.
(7)» المتكلّمون: العالمون بأصول الدين والفقه والعقائد.(1/174)
مسائلهم، ورأى ثباتهم على مذاهبهم، بعد طول جدالهم يتمثل بهذه الأبيات:
ومهمه فيه السراب يلمح ... دليله بحره مطوح (1)
يدأب فيه القوم حتى يطلحوا ... ثم يظلون كأن لم يبرحوا
كأنما أمسوا بحيث أصبحوا
32 - أنشدني بعض الحجازيين:
وبتنا بقرواحية لا ذرا لها ... من الريح إلا أن ألوذ بكور (2)
فلا الصبح يأتينا ولا الليل ينقضي ... ولا الريح مأذون لها بسكور (3)
33 - أرض يحار فيها الدليل الفهري، ويضل فيها القطا الكدري (4):
ورب خرق كأن الله قال له ... إذا طوتك ركاب القوم فانتشر (5)
34 - أنشد أبو عبيدة (6):
__________
(1) المهمه: المفازة، الصحراء الواسعة. والسراب: ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماء تنعكس فيه البيوت والأشجار وغيرها ويضرب به المثل في الكذب والخداع.
(2) القرواحية: الصحراء الواسعة القاحلة. والذرا: الستر. وألوذ: أحتمي.
والكور: الرحل أو ما يوضع على ظهر الدابة كالسّرج.
(3) سكور الريح: هدوؤها وسكونها.
(4) القطا: طائر بحجم الحمام يعيش في الصحراء وهو على أنواع. والقطا الكدري:
نوع منه أغبر اللون، أصفر الحلق، في ظهره رقش.
(5) الخرق: المفازة الواسعة تنخرق فيها الرياح.
(6) أبو عبيدة: هو معمّر بن المثنى. عالم باللغة والأدب، كان يبغض العرب وله فيهم وفي مثالبهم أكثر من كتاب ولما مات لم يحضر جنازته أحد. ولد بالبصرة سنة 110هـ وتوفي سنة 209هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 13: 252وبغية الوعاة 395.(1/175)
بئسا قرينا يفن هالك ... أمّ عبيد وأبو مالك (1)
كنية المفازة والجوع.
35 - قيل لأعرابي: كيف تصنعون بالبادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلا ليرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى.
36 - قيل لأعرابي: ما أصبركم على البدو! قال: كيف لا يصبر من طعامه الشمس، وشرابه الريح لقد خرجنا في إثر قوم قد تقدمونا بمراحل، ونحن حفاة، والشمس في قلّة (2) السماء، حيث انتعل كل شيء ظله، وما زادنا إلا التوكل، وما مطايانا إلا الأرجل حتى لحقنا بهم.
37 - عبيد (3):
لعمرك إني والظليم بقفرة ... لمشتبها الأهواء مختلفا النجر (4)
خليلا صفاء بعد طول عداوة ... ألا يا لتقليب القلوب وللدهر
38 - اجتمع السرو (5)، والنوك (6)، الخصب، والوباء، والمال، والسلطان، والصحة والفاقة (7) بالبادية فقالوا: إن البادية لا تسعنا، فقالوا نتفرق في الآفاق فقال السرو: أنا منطلق إلى اليمن، فقال النوك: وأنا معك وقال الخصب: أنا إلى الشام، فقال الوباء: أنا معك وقال المال: أنا
__________
(1) اليفن: الشيخ الهالك الكبير. وفي كلام الإمام عليّ: أيها اليفن الذي قد لهزه القتير. القتير: الشيب. (راجع اللسان مادة يفن).
(2) القلة: أعلى الرأس والجبل وكل شيء.
(3) عبيد: هو عبيد بن الأبرص. تقدمت ترجمته.
(4) الظليم: ذكر النعام. والنجر: الأصل.
(5) السرو: الشرف والرفعة والمروءة.
(6) النّوك: الحمق. والأنوك: الأحمق.
(7) الفاقة: الحاجة والفقر.(1/176)
إلى العراق، فقال السلطان: أنا معك وقالت الفاقة: مالي حراك، فقالت الصحة: أنا معك. فبقيت الفاقة والصحة بالبادية.
39 - أعرابي (1):
لضأن ترتعي الدكداك حولي ... أحبّ إليّ من بقر عكوف (2)
وكلب ينبح الأضياف ليلا ... أحبّ إليّ من ديك هتوف
وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف (3)
وشرب لبينة وتطيب نفسي ... أحبّ إليّ من أكل الرغيف
ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشفوف (4)
40 - للنوشادر (5) أصل موجود، وقد يصعدون الشعر ويدبرونه حتى يستحكم استحكام النوشادر ولا يغادر شيئا من عمله، وهو من خصائص سمرقند (6).
وللمرداسنج (7) أصل، ويدبرون الرصاص فيستحيل مرداسنجا.
وللتوتيا (8) أصل، ويدبرون النحاس فيستحيل توتيا.
__________
(1) هذه الأبيات لميسون بنت بحدل، وهي ميسون بنت بحدل بن أنيف، من بني حارثة ابن جناب الكلبي، أم يزيد بن معاوية. شاعرة، كانت بدوية ثقلت عليها الغربة عن قومها لمّا تزوجت بمعاوية في الشام فسمعها تقول هذه الأبيات فطلّقها وأعادها إلى أهلها. وكانت حاملا بيزيد (في رواية) أو أخذته معها رضيعا فنشأ في البريّة فصيحا.
ونقل البغدادي في خزانة الأدب أن معاوية لمّا طلّقها قال لها: كنت فبنت. فأجابته:
ما سررنا إذ كنا ولا أسفنا إذ بنّا. توفيت نحو سنة 80هـ. راجع ترجمتها في المحبر 21والكامل لابن الأثير 4: 4.
(2) الدكداك: هو بطن من الأرض مستو والجمع دكادك.
(3) الأرواح: جمع ريح.
(4) هذه الأبيات مثبتة في خزانة الأدب تختلف روايتها وتزيد عنها.
(5) النوشادر: نوع من الملح يحضر وهو نوعان طبيعي وصناعي.
(6) سمرقند: يقال لها بالعربية سمران، بلد معروف مشهور، قيل إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر وهو قصبة الصّغد. راجع معجم البلدان 3: 246.
(7) مرداسنج: هو المرتك منه ما يعمل من الرمل. راجع مفردات ابن البيطار.
(8) التوتيا: تكون في المعادن. راجع طريقة استخراجها في مفردات ابن البيطار.(1/177)
الملح الكشي (1) من خصائص سعد (2) سمرقند، يكون أحمر، فإذا دق كان أشد بياضا من غيره.
41 - افتتح هشام بن عمرو (3) القندرهار (4) فوجد سارية من حديد طولها مائة ذراع، ثلاثون منها في الأرض: فسأل عنها، فقيل: قدم تبع (5)
بلادنا ومعه أبناء فارس فافتتحوها، وقالوا لا نجاوز هذه البلاد أبدا، وعمدوا إلى سيوفهم فضربوها حديدة واحدة فهي هذه.
42 - قيل لأعرابي: صف الزلزلة، فقال: كأنها فرس انتفض ثم راجع.
43 - عمر (6): عنه عليه الصلاة والسلام: إذا جار الحاكم قلّ المطر، وإذا غدر بالذمة ظفر العدو، وإذا ظهرت الفاحشة كانت الرجفة.
44 - أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: لتقمص (7) بكم قماص البكر (8)، يعني الأرض ورجفتها.
__________
(1) كشّ: اسم قرية قريبة من جرجان.
(2) سعد: عروق طيّبة الريح.
(3) هشام بن عمرو: هو هشام بن عمرو بن عمود بن بسطام التغلبي الوائلي. عرف بصاحب السند، وافتتح كشمير والملتان والقندهار وبنى مسجدا في الأخيرة، وعاد إلى بغداد سنة 157هـ معزولا وتوفي بعد ذلك. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 2: 16.
(4) قندهار: مدينة من بلاد السند أو الهند مشهورة في الفتوح. راجع معجم البلدان 4: 402.
(5) تبّع: هو تبّع الحميري، حسان بن أسعد أبي كرب من أعظم تبابعة اليمن. عاش في القرية العاشر قبل الهجرة أو قبل ذلك. كان كثير الغارات. يقال إنه اتخذ مدينتي مأرب وظفار لسكناه، الأولى للشتاء والثانية للصيف وثار عليه جماعة فقتلوه. راجع ترجمته في التيجان 297وفيه أنه قضى على قبائل جديس باليمامة بعد طغيانهم على طسم وقتله أخوه عمرو في مؤامرة عليه مع بعض قادة حمير.
(6) عمر: هو الخليفة عمر بن الخطاب.
(7) لتقمص: لتنفر وتضرب برجليها.
(8) البكر: الفتى من الإبل.(1/178)
45 - كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد. فإنه بلغني أن هذا الرجف شيء يعاقب الله به خلقه، وقد كتبت إلى الأجناد أن يخرجوا فيتوبوا إلى الله من ذنوبهم وخطاياهم، ومن استطاع أن يقدم بين يدي مخرجه صدقة فليفعل.
46 - عن علي رضي الله عنه أنه قال لما زلزلت الأرض: ما أسرع ما أخزيتم!.
47 - وعن كعب (1): لعله عمل عليها من الخطايا فتزلزلت غضبا للرب.
48 - وعن ابن مسعود (2) أن الأرض زلزلت على عهده فقال: كنا نرى الآيات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بركات. وأنتم ترونها تخويفا.
49 - جرير بن عبد الله (3) نزل قطربّل (4) فقال أي نهر هذا؟ فقيل:
دجلة، قال: وهذا؟ قالوا: دجيل (5)، قال: يجتمع فيها جبابرة أهل الأرض فيخسف بها، فلهي أشد رسوخا في الأرض من سكة الحديد في الأرض الخوارة (6).
50 - في الحديث: تنكبوا الغبار فمنه تكون النسمة (7) أي الربو.
__________
(1) كعب: هو كعب الأحبار تقدمت ترجمته.
(2) ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود. تقدمت ترجمته.
(3) جرير بن عبد الله: هو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك البجلي الشهيد. بعثه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى ذي الخلصة فهدمها. سكن الكوفة ثم قرقيسيا وتوفي سنة 54هـ.
وقيل سنة 51هـ.
(4) قطربل اسم قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر، كانت منتزها للبطالين وحانة للخمارين وقد أكثر الشعراء من ذكرها. راجع معجم البلدان 4: 371.
(5) دجيل: اسم نهر مخرجه من أعلى بغداد بين تكريت وبينها مقابل القادسية دون سامّراء يسقي كورة واسعة وبلادا كثيرة ثم تصب فضلته في دجلة. وهناك نهر آخر بهذا الاسم في الأهواز حفره أردشير بن بابك أحد ملوك الفرس وليس هو المقصود هنا. راجع معجم البلدان 2: 443.
(6) الأرض الخوّارة: الضعيفة الرخوة.
(7) النسمة: ضيق التنّفس.(1/179)
51 - وعن الحجاج: إتقوا الغبار فأنه سريع الدخول، بطيء الخروج.
52 - حكيم: أرفق بالعدو كما ترفق بزجاج الشام إلى أن تجد الفرصة فإما أن تضرب به الحجر فتفضه (1)، وأما أن تضربه بالحجر فترضه (2).
53 - قال أبو عبيدة (3): ما ينبغي أن يكون مثل النظام (4)، سألته وهو صبي عن عيب الزجاج فقال: سريع الكسر، بطيء الجبر (5).
54 - جرير:
صدع الظغائن يوم بنّ فؤاده ... صدع الزجاجة ما لذاك تداني
55 - كان للواثق (6) غلام بدوي فصيح، فازدحم الناس عليه يوما يكتبون فقلب طرفه فقال: «إن تراب قعرها لمنتهب» وذلك أن البئر العذبة الماء يخرج ترابها طيبا، فيتناهبه الصبيان سرورا به، ومضوا إلى الحي يبشرونهم.
56 - كتب كشاجم: كنت أعزك الله، من المحل الجريب، والبلد
__________
(1) فض الحجر: كسره.
(2) رض الشيء يرضّه رضا: دقّة بقوة.
(3) أبو عبيدة: هو معمّر بن المثّنى. تقدمت ترجمته.
(4) النظّام: هو إبراهيم النظام شيخ المعتزلة تقدمت ترجمته.
(5) قال الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودّها ... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
(6) الواثق: هو هارون (الواثق بالله) بن محمد (المعتصم بالله) بن هارون الرشيد العباسي، من خلفاء الدولة العباسية بالعراق. ولد ببغداد وولي الخلافة سنة 227هـ فامتحن الناس في خلق القرآن وسجن جماعة. شغل نفسه بمنحنة الناس في الدين فأفسد قلوبهم. مات في سامرا بعلّة الإستسقاء. ولادته سنة 200هـ. ووفاته سنة 232هـ. راجع ترجمته في الأعلام 8: 62وابن الأثير 7: 10والمرزباني 484 وتاريخ بغداد 14: 15.(1/180)
الفقر الذي أنا به غريب عن سلامة الجوارح والحواس. إلا حاسة التمييز، فإنها لو صحت لما اخترت المقام بهذه المفازة (1).
بلاد كأن الجوع يطلب أهله ... بذحل إذا ما الصيف صرت جنادبه (2)
57 - الفرزدق (3):
لكسرى كان أعقل من تيميم ... عشية فرّ من أرض الضباب
فأسكن نسله ببلاد ريف ... وأشجار وأنهار عذاب
فصار بها الملوك بنو أبيه ... وصرنا نحن أمثال الكلاب
فلا رحم الإله صدى تميم ... فقد أزرى بنا في كل باب (4)
58 - في دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي.
قال وكيع (5): يعني الخسف.
59 - أبو العطاف الغنوي:
__________
(1) المفازة: الصحراء الواسعة لا ماء فيها ولا شجر.
(2) الذحل: الثأر. والجنادب جمع جندب ضرب من الجراد تسمية العامة القبوط.
(3) الفرزدق: هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي، الشاعر المشهور. توفي سنة 110هـ. راجع ترجمته في رغبة الآمل من كتاب الكامل 1: 114وابن خلكان 2: 196وخزانة البغدادي 1: 105.
(4) الصدى: جسد الإنسان بعد موته. وقيل: كان أهل الجاهلية يذكرون أن طائرا يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه فإذا قتل أقبل يصوت على قبره حتى يدرك بثأره. وقوله فلا رحم الإله صدى تميم: دعاء لعدم الأخذ بالثأر.
(5) وكيع: هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان. ولد بالكوفة سنة 129هـ وكان محدث أهل العراق في عصره. توفي بفيد راجعا من الحج سنة 197هـ.
راجع ترجمته في الجواهر المضية 2: 208وطبقات الحنابلة 1: 391. وهناك قاض آخر يسمى وكيع هو محمد بن خلف بن حيان بن صدقة الضبي، أبو بكر وهو قاض وباحث وعالم بالتاريخ والبلدان توفي سنة 306هـ.(1/181)
أقول لميمون وقد حن حنة ... إلى الريف واغمرت عليه الموارد (1)
سيكفيك ذكر الريف ضب ومذقة ... وبيت بو عساء الجنينة فارد (2)
وريح بنجد طيب نسماتها ... وأسود من ماء العذيبة بارد (3)
60 - أنف الكلب الأسدي:
إني نزلت إليك من جبل ... دون السماء صمحمح صلد (4)
أعلاه ذو شوك وأسفله ... ميثاء ملعبه من الأسد (5)
61 - علي رضي الله عنه حين جاء نعي الأشتر (6): مالك وما مالك! لو كان جبلا لكان فندا (7) لا يرتقيه الحافر ولا يوفي عليه الطائر.
62 - عبد الصمد بن المعذل (8) في نخل باعه:
__________
(1) أغمرت: كثرت.
(2) الضب: حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون ذنبه كثير العقد. والمذقة: الطائفة من اللبن الممزوج بالماء. والوعساء الفارد: البعيد المنفرد عنه غيره.
(3) الماء الأسود: الكثير. والأسودان: الماء واللّبن. والعذيبة: ماء قريب من المدينة (راجع معجم البلدان).
(4) الجبل الصمحمح: العظيم العالي.
(5) الأرض الميثاء: اللّينة السهلة.
(6) الأشتر: هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي، أمير، من كبار الشجعان كان رئيس قومه. سكن الكوفة وشهد اليرموك وذهبت عينه فيها وشهد يوم الجمل وأيام صفين مع الإمام عليّ الذي ولّاه على مصر فقصدها فمات في الطريق فقال عليّ: رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله. له شعر جيّد يعدّ من الشجعان الأجواد العلماء الفصحاء. توفي سنة 37هـ. راجع ترجمته في الإصابة ت 8343وتهذيب التهذيب 10: 11ودائرة المعارف 2: 210.
(7) الفند: الرأس العظيم من الجبل. وقيل: المنفرد من الجبال.
(8) عبد الصمد بن المعذل: هو عبد الصمد بن المعذّل بن غيلان بن الحكم العبدي، من بني عبد القيس، أبو القاسم. من شعراء الدولة العباسية. ولد ونشأ في البصرة.
كان هجاء شديد العارضة سكّيرا، خميّرا. توفي نحو سنة 240هـ راجع ترجمته في الأعلام 3: 11وفوات الوفيات 1: 277.(1/182)
فارقتني ذخيرة من عقار (1) ... ذكّرتني تفرق الأحباب
وسواء بيع الرقاب من الما ... ل إذا بعتها وضرب الرقاب
63 - عبد الله الفقير إليه (2):
قد أصبحت جارتي تجهلني ... غداة أصبحت بائعا أرضي
فقلت ما صفقتي بخاسرة ... أبيع أرضي وأشتري عرضي
64 - وهب هشام (3) للأبرش (4) ضيعة، فسأله عنها، فقال: لا عهد لي بها، فقال: لولا أن الراجع في هبته كالراجع في قيئه، لأخذتها منك، أما سمعت أنه إنما سميت الضيعة لأنها تضيع إذا تركت، وأن ثلاثا تحسن بالشريف: خدمة الوالد، وخدمة الضيعة، وخدمة الضيف.
65 - كان عروة بن الزبير (5) يقول: أشتهي أن اتخذ مالا (6) قريبا، أدخل المغتسل فأفيض الماء، ثم آمر الغلام فيجني لي من رطبه، فلا يجف رأسي حتى أوتى به، فلما اشترى المقتربة ظفر بذلك.
66 - عن بعض أهل الكتب: من باع أرضا أو دارا ورثها عن أبيه دعت عليه طرفي النهار.
__________
(1) العقار: الخمرة.
(2) عبد الله الفقير إليه: هو الزمخشري مؤلف هذا الكتاب والشعر له.
(3) هشام: هو الخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان. ولد في دمشق سنة 71وبويع له سنة 105هـ. كان بخيلا وهو الذي وجّه من قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة.
توفي بالرصافة سنة 125هـ. أخباره كثيرة في كتب التاريخ.
(4) الأبرش: هو الوليد بن عمر بن جبلة الكلبي. كان كاتبا لهشام المترجم له أعلاه.
(5) عروة بن الزبير: أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ولد سنة 22هـ وتوفي بالمدينة سنة 94هـ.
(6) مال: بستان بناحية المدينة في مكان يسمّى مجاح.(1/183)
الباب السابع الماء والبحار والأودية والأنهار والعيون والآبار وما اتصل بذلك وناسبه من ذكر السفن والسباحة وغيرها
1 - علي رضي الله عنه: سئل كيف كان حبكم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا، وآبائنا، وأمهاتنا، وأبنائنا، ومن برد الشراب على الظمأ.
2 - ولبعض الأعراب:
حديثك أشهى فاعلمي لو أناله ... إلى النفس من برد الشراب على الظمأ
3 - استسقى الشعبي (1) على مائدة قتيبة بن مسلم (2)، فقال: يا أبا عمرو أي الشراب أحب إليك؟ فقال: أعزه مفقودا، وأهونه موجودا. فقال قتيبة: إسقوه الماء.
4 - علي رضي الله عنه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سيد طعام الدنيا
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شرحبيل، وقيل عبد الله بن عبد ذي كبار، أبو عمرو: شاعر، تابعي، عالم، راو من أهل الكوفة ولد سنة 19هـ. نادم عبد الملك بن مروان واستقضاه عمر بن عبد العزيز وتوفي سنة 103هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 4: 310وتهذيب التهذيب 5: 65.
(2) قتيبة بن مسلم: هو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي أبو حفص أمير فاتح ولد سنة 49هـ وغزا في أيام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد خراسان وخوارزم وسجستان وتوفي سنة 96هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 428والأعلام.(1/184)
والآخرة اللحم، وسيد شراب الدنيا والآخرة الماء، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر.
5 - كان أبو العتاهية عند بعض الملوك في جماعة من الشعراء، فشرب رجل ماء وقال: برد الماء وطابا. فقال أبو العتاهية: أجيزوا (1)
فأطرقوا متفكرين، فقال: سبحان الله ما هذا الإطراق:
برد الماء وطاب ... حبذا الماء شرابا
6 - مر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (2) بعبد الحميد بن علي القرشي، فاستبقاه، فسقاه سويق (3) لوز بطبرزذ (4) فقال:
شربت طبرزذا بغريض مزن ... كذوب الثلج خالطه الرضاب (5)
فقال عبد الحميد:
وما إن ماؤنا بغريض مزن ... ولكن الملاح بكم عذاب
وما إن بالطبرزذ طاب ولكن ... بمسك هكذا طاب الشراب
وأنت إذا وطئت تراب أرض ... يطيب إذا مشيت بها التراب
لئن نداك يطفي المحل عنها ... وتحييها أياديك الرطاب (6)
__________
(1) المقصود بالإجازة أن يتمّوا ما بدأ ويبنوا عليه.
(2) من شجعان الطالبيين وأجوادهم وشعرائهم، طلب الخلافة في أواخر دولة بني أميّة سنة 127هـ بالكوفة وبايع له بعض أهلها وأتته بيعة المدائن ثم قاتله والي الكوفة فتفرّق عنه أصحابه سنة 128هـ فخرج إلى المدائن حتى انتهى به الأمر إلى هراة فقتل خنقا بأمر أبي مسلم الخراساني سنة 129هـ. راجع مقاتل الطالبين 161وابن الأثير حوادث سنة 127.
(3) السويق: الناعم من دقيق اللوز أو الحنطة. والسويق: الخمر.
(4) الطبرزد: السكر (فارسي معرب).
(5) الغريض: كل أبيض طري، وهنا الماء الصافي. والمزن: السحاب أو ذو الماء منه.
(6) الأيادي الرطاب: الناعمة.(1/185)
7 - رأى بدوي بهمذان شرب الماء بالجمد، فسئل بالدو (1) عن أعجب ما رأى: فقال رأيت قوما يشربون الحديد، فعرف بعضهم الأمر فقال: شرب الجليد في الخزف الجديد ألذ من بلاد الصعيد.
8 - سقي حجازي ببغداد ماء مزملا (2)، فقال: هذا ماء مخدوم.
9 - جامع بن عمرو بن مرخية (3):
ووجدي بها أزمان ذي ألبان إذ لها ... أمير له صدر علي سليم
كما وجدت بالماء حرى يلفها ... إلى الورد حر وادق وسموم (4)
10 - ابن السماك: كم من داع إلى الله فار من الله، وكم من قارىء لكتاب الله ينسلخ من آيات الله، وكم من مبرد له الماء والحميم يغلي له.
11 - أم فروة (5):
وما ماء مزن أيّ ماء تقوله ... تحدّر من غرّ طوال الذوائب (6)
بمنعرج أو بطن واد تحدرت ... عليه رياح الحزن من كل جانب
نفى نسم الريح القذى عن متونه ... فما إن به عيب يكون لشارب (7)
بأطيب ممن يقصر الطرف دونه ... تقى الله واستحياء ما في العواقب (8)
12 - مخنث: لعن الله بغداد، لا يشرب ماؤها حتى يصلب،
__________
(1) الدو: أرض خاوية على طريق البصرة إلى صعدت إلى مكة. راجع معجم البلدان.
(2) الماء المزمّل: الموضوع في المزملة ليبرد. والمزملة: الجرّة.
(3) جامع بن عمرو بن مرخية: شاعر حجازي كان معاصرا لسعيد بن المسيّب. راجع فهرست الأغاني في ترجمة عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
(4) وادق: شديد الحرارة. والسموم: الريح الحارة.
(5) أم فروة: لم نقف لها على ترجمة. وهذه الأبيات منسوبة لعاتكة المرية. راجع كتابنا معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام ص 168طبعة دار الكتب العلمية.
(6) رواية الأبيات في معجم النساء الشاعرات مختلفة في بعض ألفاظها عما هي عليه هنا.
(7) في المعجم: نفت جرية الماء.
(8) في المعجم: واستحياء بعض العواقب.(1/186)
ونبيذها حتى يضرب.
13 - إذا اجتهدوا في تشبيه امرأة، وصفتها بالجمال والصفاء والبياض والبركة، قالوا: كأنها ماء السماء، ومنه قالوا: المنذر ابن ماء السماء (1).
14 - الجاحظ: من الماء يكون النّشج (2) والبرد والثلج، فيجمع الحسن في العين، والكرم في البياض والصفاء وحسن الموقع في النفس.
15 - المأمون: في الماء البارد ثلاث: يلذ، ويهضم، ويخلص الحمد. وكان يقول: شرب الماء بالثلج أدعى إلى إخلاص الحمد.
16 - كان الصاحب (3) يقول عند شرب الماء الجمد:
قعقعة الثلج بماء عذب ... تستخرج الحمد من أقصى القلب
ثم يقول: اللهم جدد اللعن على يزيد (4).
17 - أبو هفان:
لو كنت نوءا كنت نوء المرزم ... أو كنت ماء كنت ماء زمزم (5)
__________
(1) المنذر ابن ماء السماء: هو المنذر بن امرىء القيس الثالث ابن النعمان بن الأسود اللخمي وماء السماء أمّه (وهي ماوية بنت عوف ويقال بل هي أخت كليب ومهلهل سميت ماء السماء لحسنها) ثالث المناذرة ملوك الحيرة وما يليها من جهات العراق في الجاهلية. يلقّب بذي القرنين ملك بعد أبيه سنة 514م. وهو باني قصر الزوراء في الحيرة وباني الغريين بظاهر الكوفة. وقيل: خو صاحب يومي البؤس والنعيم. قتل في يوم حليمة في موضع يقال له عين أباغ وراء الأنبار وتوفي نحو سنة 60ق هـ. راجع ترجمته في تاريخ سني ملوك الأرض ص 70وابن خلدون 2: 265.
(2) النشج: مجرى الماء والجمع أنشاج.
(3) الصاحب: هو الصاحب بن عبّاد. تقدمت ترجمته.
(4) يزيد: هو يزيد بن معاوية. في أيامه كانت فاجعة المسلمين بالسبط الشهيد الحسين بن عليّ سنة 61هـ.
(5) النوء: سقوط نجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق والأنواء ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلّها.
والمرزم: نجم من نجوم المطر وهما مرزمان أحدهما في الشّعرى والآخر في الذراع.
وزمزم: بئر عند الكعبة.(1/187)
18 - الأعشي (1):
فما أنت من أرض الحجون ولا الصفا ... ولا لك حظ الشرب من ماء زمزم (2)
19 - قيل إن بابك بن ساسان (3) بلغه مكان البيت وإلى من تفضى النبوة، فصار إلى البيت وشرب من ماء زمزم، وزمزم حولها فسميت لزمزمته، وهي كلام متتابع مع حركة، من قولهم: سمعت زمزمة الرعد، وهو تتابع صوته، قال:
زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك في سالفها الأقدم
20 - أعرابي:
وما وجد ملواح من الهيم حلئت ... عن الماء حتى جوفها يتصلصل (4)
تحوم وتغشاها العصيّ وحولها ... أقاطيع أنعام تعلّ وتنهل (5)
بأكثر منيّ غلّة وتعطفا ... إلى الورد إلا أنني أتجمل (6)
__________
(1) الأعشى: هو أعشى قيس تقدّمت ترجمته.
(2) الجحون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. وقال السكري: مكان من البيت على ميل ونصف: وقيل: هو الجبل المشرف الذي بحذاء مسجد البيعة على شعب الجزارين. (راجع معجم البلدان 2: 225).
والصفا والمروة: جبلان من بطحاء مكة والمسجد. أما الصفا فمكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود والشمعر الحرام بين الصفا والمروة.
(3) بابك بن ساسان: هو جدّ ملوك الأسرة الساسانية وهم ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس. وهي الأسرة التي انقرضت باستيلاء العرب المسلمين على بلادهم.
(4) الملواح: العطشان: والهيم بمعنى الملواح. وحلئت عن الماء: حيل بينها وبينه.
ويتصلّل: يحدث صوتا فيه ترجيع.
(5) علّه علا: سقاه تباعا. وتنهل: ترتوي. وقطيع: جمع أقاطيع على غير قياس.
(6) الغلّة: شدّة العطش.(1/188)
21 - في بلاد مهرة (1) ركية (2) خسيف لا يبلغ قعرها، يسقط فيها الجمل فيرسب ثم لا يطفو، يقال لها أم عرام وتقول مهرة لكل ميؤس منه: غالته أم عرّام.
22 - وهب بن منبه: البحار المعروفة سبعة: بحر الهند، والسند، والشام، وأفريقية، وأندلس، والروم، والصين.
23 - الحمد لله الذي جعل بين البحرين حاجزا، وصير الخلق عن إدراكه عاجزا.
24 - قال أعرابي لأخيه: هل لك أن ننتجع أحساء رملات نجد علّنا نجد بها ريا، قال: ذاك ماء مطلب (3) لا ينال إلا بشق ولعل المحلىء (4)
يذود الحوّم (5) عنه.
25 - أعرابي: من طال رشاؤه (6) كثر متحه (7).
26 - جاء مزبد (8) إلى بئر ليستقي، فإذا الحبل معقد، فقال: ليس هذا حبلا، هذا سبحة عجوز.
27 - أعرابي:
يزعزع الدلو وما تزعزعه ... تكفيه من جمع البنان إصبعه
يكاد آذان الدلاء تتبعه
__________
(1) مهرة: بلاد تنسب إليها الإبل. وقيل: هي قبيلة لها مخلاف باليمن. راجع معجم البلدان 5: 234.
(2) الركية: البئر.
(3) الماء المطلب: البعيد.
(4) المحلّي: الذي يحول بينها وبين الماء.
(5) الحوّم: جمع حائم أي الظمآن ويقال للحيوان.
(6) الرشاء: حبل الدلو.
(7) المتح: استخراج الماء بالدلو من البئر.
(8) مزبد: هو مزبد المديني. تقدمت ترجمته.(1/189)
28 - الأصمعي: الفرات ودجلة رائدا أهل العراق لا يكذبان، قال الأصمعي فهما الرائدان والرافدان.
29 - قيل لرجل: أبلعني ريقي، فقال: بلعتك الرافدين.
30 - حفر زياد (1) نهرا بالبصرة فأشهد فتح الماء إليه معقل بن يسار (2) صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبركا به، فنسب النهر إلى معقل، وترك نهر زياد.
وقيل: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
31 - كان طاووس رحمه الله لا يسقي فرسه من نهر حفرته المرونية.
32 - بينا غيلان بن خرشة (3) يسير مع ابن عامر إذ ورد على نهر أم عبد الله (4) فقال ابن عامر: ما أنفع هذا النهر لأهل هذا المصر! فقال غيلان: أجل والله أيها الأمير، إنهم ليستعذبون منه، وتفيض مياههم إليه، ويتعلم صبيانهم فيه العوم، وتأتيهم ميرتهم (5) فيه، ثم ساير بعد ذلك زيادا، فقال زياد: ما أضر هذا النهر بأهل هذا المصر! فقال: أجل والله
__________
(1) زياد: هو زياد بن أبيه، خطيب، بليغ، داهية. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره. ألحقه معاوية بنسبه سنة 44هـ. توفي سنة 53هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان 2: 493والذريعة 1: 331.
(2) معقل بن يسار: هو معقل بن يسار بن عبد الله المزني، صحابي أسلم قبل الحديبية وشهد بيعة الرضوان. في سنة وفاته خلاف، قيل إنه توفي سنة 65هـ. راجع ترجمته في الإصابة 6: 126.
(3) غيلان بن خرشة: كان من أصحاب المتنبئة سجاح كما ذكره الطبري. قيل: كان في البصرة مع أبي موسى الأشعري أثناء ولايته عليها ثم انتفض عليه.
(4) عبد الله: هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة الأموي، أبو عبد الرحمن. ولد بمكة وولي البصرة في أيام عثمان سنة 29هـ. كان فاتحا مشهورا. شهد وقعة الجمل مع عائشة ولم يحضر وقعة صفين. مات بمكة سنة 59هـ ودفن بعرفات.
راجع ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 2: 266وطبقات ابن سعد 5: 30والبدء والتاريخ 5: 109.
(5) الميرة: الطعام.(1/190)
أيها الأمير: تنز منه دورهم، ويغرق فيه صبيانهم، ويبعضون (1) به ويبرغثون (2).
33 - جابر بن رألان (3):
أيا لهف نفسي كلما التحت لوحة ... إلى شربة من ماء أحوض مأرب (4)
بقايا وطاف أودع الغيم صفوها ... مصقلة الأرجاء زرق الجوانب (5)
ترقرق دمع المزن فيهن والتقت ... عليهن أنفاس الرياح الجنائب (6)
34 - حكى الجاحظ عن جعفر بن سعيد (7) الخلاف موكل بكل شيء حتى قذاة (8) الكوز، إن أردت أن تشرب الماء جاءت إلى فيك، وإن صوّبت رأس الكوز لتخرج رجعت وهي مثل في كل محقر مؤذ. وساب بعضهم فقال: يا قذاة الكوز، ويا أضر من تموز، وأبرد من العجوز، ويا درهما لا يجوز.
35 - أبو نواس يصف سفينة:
فكأنها والماء ينطح صدرها ... والخيزرانة في يد الملّاح
__________
(1) يبعضون: يأتيهم البعوض ويؤذيهم.
(2) يبرغثون: تأتيهم البراغيت وتؤذيهم.
(3) جابر بن رألان: لعله جابر بن رألان السنبسي، شاعر من طيء. راجع حماسة أبي تمام.
(4) الإلتياح: العطش وكذلك اللوحة. ومأرب: اسم بلدة تاريخية مشهورة كانت باليمن وهي بين حضرموت وصنعاء، بينها وبين صنعاء أربعة أيام وهي مدينة بلقيس ينسب إليها سدّ مأرب. راجع معجم البلدان 5: 34.
(5) الوطاف: السحب تدلّت ذيولها.
(6) الرياح الجنائب: التي مهبّها الجنوب.
(7) جعفر بن سعيد: من بخلاء الجاحظ كان حاجب أيوب بن جعفر، اتصل بعمرو بن مسعدة وزير المأمون. اشتهر بالفكاهة والظرف. راجع كتب الجاحظ: البخلاء، والحيوان، والبيان والتبيين.
(8) القذاة: جمع قذى، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تبن أو قش أو غير ذلك. والكوز: الأبريق الصغير.
جون من العقاب تبتدر الدجى ... يهوي بصوت واصطفاق جناح (1)
36 - الأخطل (2):(1/191)
__________
(8) القذاة: جمع قذى، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تبن أو قش أو غير ذلك. والكوز: الأبريق الصغير.
جون من العقاب تبتدر الدجى ... يهوي بصوت واصطفاق جناح (1)
36 - الأخطل (2):
ولو أبصرتني دعد في وسط زورق ... وقد هاجت الأرواح من كل جانب (3)
ونفسي على مثل السنان مقيمة ... لما أحدثت في الماء أيدي الجنائب (4)
إذن لرأت مني كئيبا متيما ... يحن إليها عند تلك النوائب
ويذكر منها وصلها وحديثها ... على حالة تنسي لقاء الحبائب
37 - قيل لأبي هاشم الصوفي: فيم كنت! قال: في تعليم ما لا ينسى، وليس لشيء من الحيوان عنه غنى: قيل وما هو؟ قال: السباحة.
38 - قال عبد الملك (5) للشعبي (6): علم ولدي العوم، وخذهم بقلة النوم، فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم.
ولقد غرقت سفينة فيها جماعة من قريش، فلم يعطب ممن كان يسبح إلا واحد، ولم ينج ممن كان لا يحسن السباحة إلا واحد.
39 - أبو سعيد الرستمي وقد ذكر الجداول:
كأن بها من شدة الجري جنة ... فقد ألبستهنّ الرياح سلاسلا
(1) الجون: اسم يطلق على الأبيض والأسود.
(2) الأخطل: هو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو، من بني تغلب، أبو مالك، شاعر مصقول الألفاظ، حسن الديباجة. اشتهر في عهد بني أمية بالشام وأكثر من مدح ملوكهم. وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير، والفرزدق والأخطل. ولد سنة 19هـ في أطراف الحيرة وكان مسيحيا. وتوفي سنة 90هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 189وخزانة البغدادي 1: 219.
(3) الأرواح: جمع ريح.
(4) الجنائب: الرياح تهب من الجنوب.
(5) عبد الملك: أراد عبد الملك بن مروان.
(6) الشعبي: أراد أراد عامر بن شراحيل الشعبي وقد تقدمت ترجمته.(1/192)
قيل لرسطاليس (1): ما الأشياء التي ينبغي للإنسان أن يقتنيها؟ قال:
التي إن غرقت به سفينة سبحت معه (2).
40 - كان لإسحاق الموصلي (3) غلام يستقي له، فقال له يوما: يا فتح ما خبرك؟ قال: خبري أني لا أرى في الدار أحدا أشقى مني ومنك:
قال: كيف؟ قال: لأنك تطعمهم الخبز، وأنا أسقيهم الماء فضحك وأعتقه ووهب له البغلين.
41 - كان شريح (4) لا يقبل قول من يركب البحر، ويقول هذا لم يحفظ نفسه على نفسه، كيف يحفظ أمور المسلمين عليهم.
42 - ابن أبي عيينة (5):
ولا بد للماء في مرجل ... على النار موقدة أن يفورا
43 - المعري (6):
__________
(1) رسطاليس: هو أرسطو، تلميذ أفلاطون، فيلسوف يوناني، قضى مع الإسكندر زمنا يعلّمه. توفي سنة 322ق. م.
(2) أراد العلوم العقلية.
(3) إسحاق الموصلي: هو إسحاق بن إبراهيم بن ميمون الموصلي، أبو محمد. مغن مشهور، عالم بعلوم الدين والكلام واللغة والموسيقى، شاعر يروي الشعر. كان من أشهر ندماء الخلفاء. ولد ببغداد سنة 155هـ، وتوفي سنة 235هـ. راجع ترجمته في الأغاني (بشرحنا طبعة دار الكتب العلمية) 5: 278وسمط اللآلي 137والوفيات 1: 65.
(4) شريح: هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو امية. من أشهر القضاة والفقهاء في صدر الإسلام. يمني. ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية، واستعفى في أيام الحجاج. كان ثقة في الحديث مأمونا في القضاء له باع في الأدب والشعر. عمّر طويلا ومات بالكوفة سنة 78هـ. راجع ترجمته في الشذرات 85والطبقات 6: 90والوفيات 1: 224.
(5) ابن أبي عيينة: هو أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. شاعر عاصر الخلفاء: المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون. راجع ترجمته في الأغاني (الفهرست) وطبقات الشعراء 288.
(6) المعري: هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري. شاعر فيلسوف ولد بمعرّة النعمان سنة 363هـ. وتوفي سنة 449هـ. راجع ترجمته في معجم الأدباء 1: 181ودائرة المعارف الإسلامية 1: 379.(1/193)
يمسي ويصبح كوزنا من فضة ... ملأت فم الصادي كسور دراهم (1)
44 - أنس (2)، عنه عليه الصلاة والسلام: من حفر بئر ماء شربت منها كبد حرى من الإنس أو السباع أو الجن أو الطيور فله أجر ذلك إلى يوم القيامة ومن بنى مسجدا كمفحص (3) قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة.
45 - أنس، عنه عليه الصلاة والسلام: سبعة للعبد تجري بعد موته: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو بنى مسجدا، أو أورث مصحفا، أو ترك ولدا صالحا يدعو له أو صدقة تجري له بعد موته (4).
46 - بين حصن منصور وكيسوم (5) من بلاد مضر نهر عظيم لا يتهيأ خوضه، لأن قراره رمل سيال، يقال له سنجة (6) وعليه قنطرة هي طاق واحد من الشط إلى الشط، وبينهما مائتا خطوة، من حجر مهندم، طول الحجر عشرة أذرع في ارتفاع خمسة.
__________
(1) الصادي: الظمآن.
(2) أنس: هو أنس بن مالك: تقدمت ترجمته.
(3) المفحص: الموضع الذي تفحص القطاة التراب عنه لتبيض فيه. جمع مفاحص.
(4) راجع الحديث في «وهج الفصاحة في أدب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «لعلاء الدين الأعلمي ص 471فالرواية فيه فيها اختلاف في بعض الألفاظ.
(5) كيسوم: قرية مستطيلة من أعمال سميساط فيها حصن كبير على تلعة كانت لنصر بن شبث تحصّن فيه من المأمون حتى ظفر به عبد الله بن طاهر فأخرجه ثم أحدث فيها بعد ذلك مياها وبساتين. راجع معجم البلدان 4: 497.
(6) سنجة: (بفتح أوله وسكون ثانية) قال الأديبي: هو نهر عظيم لا يتهيأ خوضه لأن قراره رمل سيّال كلما وطئه الإنسان برجله سال به فغرّقه وهو يجري بين حصن منصور وكيسوم وهما من ديار مضر وعلى هذا النهر قنطرة عظيمة هي إحدى عجائب الدنيا.
ويروى صنجة بالصاد. راجع معجم البلدان 3: 265264.(1/194)
47 - ابن أبي عيينة:
أنظر وفكر فيما تطيف به ... إن الأريب الفمكر الفطن
من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها السفن
48 - أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا أنا بمسك أذفر (1)، فقلت: ما هذا يا جبرائيل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله.
49 - بكر بن عبد الله المزني: مثلنا ومثل الحسن (2) كمثل سفينة بحرية عظيمة وقراقير (3) تلوذ بها، فمتى تغرق السفينة تهلك القراقير، ومتى يذهب الحسن من بين أظهرنا يذهب العلم.
50 - علي عليه السّلام في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (4)
قال: الرطب والماء البارد.
51 - تنازع أبو نبقة بن الوراس (5) مولى خزاعة وأبو هاشم الباهلي على جسر بغداد فدفعه في الماء فأخرج بعد جهد، وقال:
فمن مبلغ عليا خزاعة أنني ... قذفت بعبد الباهليين في الجسر
__________
(1) ذفر الشيء: ظهرت رائحته واشتدّت طيبة.
(2) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.
(3) قراقير: جمع القرقور وهو السفينة الطويلة الصغيرة.
(4) سورة التكاثر، الآية: 8.
(5) أبو نبقة بن الوراس: ذكره المرزباني فقال: كان أبو هشام يعبر الجسر على دجلة بمدينة السلام فلقيه عليه أبو نبقة الحسين بن الوراس مولى خزاعة وكان شاعرفا فتكلّما وعاتبه أبو نبقة على هجائه آل المهلب ثم اتخذا وتلاطما فدفع أبو نبقة أبا هاشم فرمى به إلى دجلة فبادر إليه قوم من الملاحين وأصحاب الزواريق فأخرجوه وتشبث به وكان على أحد الجانبين المسيب بن زهير الضبي وعلى الآخر نصر بن مالك الخزاعي فقال أبو نبقة ارفعونا إلى نصر وقال أبو هشام ارفعونا إلى المسيب ففرق الناس بينهما فقال أبو نبقة: (البيتين) راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 216.
قذفت به كي يغرق العبد عنوة ... فجاش به من لؤمه زبد البحر
52 - عارض منذر بن مصعب بن الزبير (1) بمال له، فقال أخوه خالد بن مصعب (2):(1/195)
__________
(5) أبو نبقة بن الوراس: ذكره المرزباني فقال: كان أبو هشام يعبر الجسر على دجلة بمدينة السلام فلقيه عليه أبو نبقة الحسين بن الوراس مولى خزاعة وكان شاعرفا فتكلّما وعاتبه أبو نبقة على هجائه آل المهلب ثم اتخذا وتلاطما فدفع أبو نبقة أبا هاشم فرمى به إلى دجلة فبادر إليه قوم من الملاحين وأصحاب الزواريق فأخرجوه وتشبث به وكان على أحد الجانبين المسيب بن زهير الضبي وعلى الآخر نصر بن مالك الخزاعي فقال أبو نبقة ارفعونا إلى نصر وقال أبو هشام ارفعونا إلى المسيب ففرق الناس بينهما فقال أبو نبقة: (البيتين) راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 216.
قذفت به كي يغرق العبد عنوة ... فجاش به من لؤمه زبد البحر
52 - عارض منذر بن مصعب بن الزبير (1) بمال له، فقال أخوه خالد بن مصعب (2):
خليلي أبا عثمان ما كنت تاجرا ... أتأخذ أنضاحا بنهر مفجر (3)
أتأخذ أنضاحا قليلا فضولها ... إلى المهذ يوما أو إلى عين عسكر (4)
53 - عبد الله بن عامر بن كريز:
بكى صاحبي لما رأى الفلك قربت ... ليركب فيها فوق ذي لجج غمر (5)
وحنّ إلى أهل المدينة حنة ... بمصر وهيهات المدينة من مصر
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نفر فرارا من جهنم والبحر (6)
54 - ابن المعتز:
وإني على إشفاق عيني من العدى ... لتجمح مني نظرة ثم أطرق
كما حلئت عن برد ماء طريدة ... تمد إليها جيدها وهي تفرق (7)
وله:
ما وجد صاد في الحبال موثّق ... بماء مزن بارد ومصفق (8)
(1) هو منذر بن الزبير أخو مصعب وليس منذر بن مصعب كما ذكر الزمخشري.
(2) هو خالد بن الزبير أخو مصعب وليس خالد بن مصعب كما ذكر الزمخشري.
(3) الأنضاح: الأحواض الصغيرة.
(4) لم نستطع الوقوف على المكانين المذكورين في هذا البيت. وعسكر اسم لأكثر من بلدة. راجع معجم البلدان 4: 123.
(5) الفلك: السفينة.
(6) هذه الأبيات تذكرنا بأبيات امرىء القيس التي قالها وهو متوجّه إلى قيصر ملك الروم مستنجدا به على ردّ ملكه إليه والإنتقام من بني أسد، وهي:
بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذر
(7) حلئت الطريدة عن الماء: حيل بينها وبين الماء.
(8) الصادي: الشديد العطش.(1/196)
بالريح لم يطرق ولم يرنق ... جادت به أخلاف دجن مطبق (1)
في صخرة أن تر شمسا تبرق ... فهو عليها كالزجاج الأزرق
صريح غيث خالص لم يمذق ... ألا كوجدي بك لكن أتقي (2)
صولة من أن هم بي لم يفرق
55 - عبدة بن جناح العكلي (3):
صبحن وردا والحصى لم يرمض ... عذب الجمام طاميا بالعرمض (4)
56 - كان ثقيف (5) يحفر عين وج بيده بالصخرة ويقول:
فأرميها بجلمود ... وترميني بجلمود (6)
فأحييها وتحييني ... وكل هالك مودي
57 - أم حرام (7): عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين.
__________
(1) الدجن: الغيم المطبق المظلم والجمع دجن ودجون. وقوله لم يرنق: أي لم يكدّر.
(2) لم يمذق: لم يمزج. والوجد: شدة الحب.
(3) لم نقف له على ترجمة في المراجع المتيسّرة لنا.
(4) لم يرمض الحصى: لم تشتدّ حرارته. والماء الجم: الكثير. والماء الطامي:
المرتفع. والعرمض: هو الطحلب يكون على وجه الماء.
(5) ثقيف: هو كما في الأعلام 2: 100: ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، من عدنان، جدّ جاهلي النسبة إليه ثقفي قيل اسمه قسيّ وثقيف لقبه. كانت منازل بنيه في الطائف وكان صمنهم في الجاهلية «اللّات» مبنيا على صخرة في الطائف هدمه خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة. راجع القاموس مادة ثقف واليعقوبي 1: 212وجمهرة الأنساب 254.
(6) وجّ: الطائف وقيل: اسم واد بالطائف راجع معجم البلدان 5: 361.
(7) أم حرام: هي أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام من بني عدي بن النجار.
تزوجها عبادة بن الصامت. كانت من الواتي أسلمن، تخرج مع الغزاة وتشهد الوقائع. توفيت في قبرس أثناء فتحها سنة 27هـ ودفنت هناك. راجع الإصابة وطبقات ابن سعد.(1/197)
58 - عبد الله بن عمرو (1)، يرفعه: لا تركب البحر إلا حاجا، أو معتمرا، أو غازيا في سبيل الله، فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا.
59 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت أم سليم (2)، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت له أختها أم حرام: يا رسول الله ما أضحكك؟ قال:
رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرّة. وروي: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثج (3) هذا البحر ملوكا على اسرّة، فقالت: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم.
فتزوجها عبادة بن الصامت (4)، فغزا في البحر، فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها، فصرعتها، فاندقت عنقها. وذلك بقبرص زمن معاوية.
60 - أعرابية: ما ماء غمامة بكر تدلت عليه الرياح في قفر بأنقع
__________
(1) عبد الله بن عمرو: هو عبد الله بن عمرو بن العاص، من قريش، صحابي، من النسّاك، من أهل مكة. كان يكتب في الجاهلية ويحسن السريانية. أسلم قبل أبيه.
كان كثير العبادة استأذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أن يكتب ما يسمع منه فأذن له. كان يشهد الحروب والغزوات ويضرب بسيفين. حمل راية أبيه يوم اليرموك وشهد صفين مع معاوية. عمي في آخر حياته واختلفوا في مكان وفاته. ولد سنة 7ق هـ وتوفي سنة 65هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد والأعلام 4: 111والإصابة الترجمة 4838وصفة الصفوة 1: 270وفيه «مات بالشام، وزعم قوم أنه مات بمكة ويقال بالطائف ويقال بمصر».
(2) أم سليم: هي الرميصاء بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام من بني النجار وهي أم أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. شهدت غزوة حنين مع زوجها زيد بن سهيل الذي خطبها بعدما قتل زوجها مالك. كانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى. توفيت نحو سنة 30هـ. راجع الإصابة.
(3) ثج البحر: لجّته ومعظم مائه.
(4) عبادة بن الصامت: هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، صحابي من الموصوفين بالورع، شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد، وكان أحد النقباء. وهو أول من ولي القضاء بفلسطين ومات بالرملة أو ببيت المقدس. ولد سنة 38ق هـ وتوفي سنة 34هـ. راجع ترجمته في حسن المحاضرة 1: 89والأعلام 3: 258.(1/198)
للضمآن من ريق صخر.
61 - أثخنت الحارث بن هشام المخزومي (1) الجراح في وقعة اليرموك، فاستسقى ماء، فلما تناوله نظر ألى عكرمة بن أبي جهل (2)
صريعا، فقال للساقي إمض به إلى عكرمة ليشرب أولا فأنه أشرف مني، فمضى به إليه فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتا (3)، فرجع إلى عكرمة فوجده ميتا.
62 - المأموني (4) في كوز أخضر:
وبديعة للريم منها جيدها ... تتحير الأبصار في إبداعها
كخريدة في مرط خز أخضر ... رفعت يدا لتردّ فضل قناعها (5)
63 - كان حكيم بن حزام (6) يشرب كل يوم شربة ماء لا يزيد
__________
(1) الحارث بن هشام المخزومي: هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو عبد الرحمن، صحابي شهد بدرا مع المشركين فانهزم فعيّره حسان بن ثابت بأبيات فاعتذر بأبيات هي أحسن ما قيل في الإعتذار من الفرار. كان من المؤلفة قلوبهم وهو أخو أبي جهل. توفي في طاعون عمواس سنة 18هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 158والإصابة 1: 293وابن عساكر 4: 5.
(2) عكرمة بن أبي جهل: قاوم المسلمين يوم الفتح ثم أسلم وحسن إسلامه. كان أبوه من أشد الناس عداوة للنبي. قتل شهيدا يوم أجنادين في خلافة أبي بكر سنة 13هـ.
وعمره 62سنة. راجع ترجمته في رغبة الآمل 7: 224والإصابة ت 5640.
(3) الحارث بن هشام توفي في طاعون عمواس كما ذكر الزركلي ولم يمت في وقعة اليرموك.
(4) المأموني: لعله عبد السلام بن الحسين المتوفى سنة 383هـ.
(5) الخريدة: الشابة الحييّة الحسناء. والمرط: كل ثوب غير مخيط، أو كساء يؤتزر به.
(6) حكيم بن حزام هو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى، أبو خالد، صحابي، قرشي وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين. مولده بمكة (في الكعبة) شهد حرب الفجار وكان صديقا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل البعثة وبعدها. عمّر طويلا، قيل 120 سنة وكان من سادات قريش في الجاهلية والإسلام عالما بالنسب. أسلم يوم الفتح وفيه الحديث يومئذ: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن». توفي بالمدينة سنة 54هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 447 والإصابة 2: 349.(1/199)
عليها، وقد عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، فلما بلغ مائة سنة أخذ يشرب شربتين حتى مات. قال مصعب ابن عثمان: دعا حكيم غلامه بالماء، وقد كان شرب، فقال: يا مولاي قد شربت شربتك، فقال: وإن فأقام على شربتين كل يوم.
63 - حملت إلى عثمان رضي الله عنه، يوم الدار، أداوة (1) من ماء، فشقها رجل من الخارجين عليه وقال: لا يذوق البارد أبدا فقال عثمان: اللهم اقتله عطشا، فخرج مع الغزاة فأصابه عطش، وبينهم وبين الماء عقبة، فذهبوا إليه، وما كان به مشي، فاستقوا وأتاه رجل يركض بالأدواة فصادفه ميتا.
64 - أتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بابنه عبد الله بن عامر، وهو غلام قد تحرك ابن خمس أوست، فقال يا رسول الله حنكه، فقال: إن مثله لا يحنك، وأخذه فتفل في فيه، فجعل يتسوغ ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويتلمظه، فقال عليه الصلاة والسلام: إنه لمسقي. فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء وله السقايات بعرفة، وله النباج (2)، والجحفة (3)، وبستان ابن عامر (4).
65 - عن كعب الأحبار (5): أن الخضر بن عاميل (6) ركب في نفر
__________
(1) الإداوة: وعاء من جلد يوضع فيه الماء ليبرد.
(2) النباج: هو على طريق البصرة يقال له نباج بني عامر وهو بحذاء فيد. والنباج استنبط ماءه عبد الله بن عامر بن كريز، شقّق فيه عيونا وغرس نخلا وولده به وساكنه رهطه بنو كريز ومن انضمّ إليهم من العرب، راجع معجم البلدان 5: 256255.
(3) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل وهي ميقات أهل مصر والشام. بينها وبين غدير خمّ ميلان. راجع معجم البلدان 2: 111.
(4) بستان ابن عامر: قريب من الجحفة المحدّدة أعلاه.
(5) كعب الأحبار: تقدّمت ترجمته.
(6) الخضر: نبي معمّر، محجوب عن الأبصار، باق إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة، وعليه الجماهير، واتفاق الصوفية وإجماع كثير من الباحثين والصالحين.
أنكر حياته البخاري وابن مبارك وابن الجوزي، وكل استدلّ بأمور كثيرة. وفي الفتوحات المكيّة لابن عربي: قد ورد النقل بما ثبت بالكشف من تعمير الخضر عليه السّلام وبقائه وكونه نبيا وأنه يؤخر حتى يكذب الدجّال، وأنه في كل مائة سنة يصير شابا.
راجع تاج العروس والفتوحات المكية الباب التاسع والعشرون.(1/200)
من أصحابه حتى بلغ بحر الهوكند وهو بحر الصين، فقال لهم: دلوني، فدلوه أياما وليالي، ثم صعد، فقالوا: ما رأيت؟ فقال: استقبلني ملك فقال: أيها الآدمي الخطاء إلى أين؟ فقلت: أردت أن أنظر عمق هذا البحر، قال: وكيف وقد هوى فيه رجل من زمن داود فلم يبلغ ثلث قعره إلى الساعة، وذلك منذ ثلاثمائة سنة.
66 - زمزم هزمة (1) جبرائيل أنبطها (2) مرتين مرة لآدم فلم تزل كذلك حتى انقطعت عند طوفان نوح، ومرة لإسماعيل.
67 - وعن بتيع (3): سيقال لهذا النيل إذهب راشدا حتى يحفر فيه الآبار.
68 - وعن عبد الله بن عمر (4): إني لأعلم السنة التي يخرجون فيها
__________
(1) بئر هزيملة: إذا خسفت وكسر جبلها ففاض الماء الروّاء. وجاء في الحديث في زمزم: إنها هزمة جبرائيل عليه السّلام، أي ضرب برجله فانخفض المكان فنبع الماء.
وقيل: معناه أنه هزم الأرض أي كسر وجهها عن عينها حتى فاضت بالماء الرواء.
وزمزم: هي البئر المباركة المشهورة. قيل: سميت زمزم لكثرة مائها. وقيل: بل سميت زمزم لزمزمة جبرائيل عليه السّلام وكلامه عليها. ولها أسماء كثيرة هي: زمزم، وزمّم، وزمّزم وزمازم، وركضة جبرائيل، وهزمة جبرائيل، وهزمة الملك، والهمزة والركضة بمعنى، وهو المنخفض من الأرض، والغمزة بالعقب في الأرض يقال لها هزمة، وهي سقيا الله لإسماعيل عليه السّلام، والشبّاعة، وشباعة، وبرّة ومضنونة، وتكتم، وشفاء سقم وطعام طعم، وشراب الأبرار، وطعام الأبرار، وطيّبة. ولها فضائل كثيرة.
(2) نبط الماء: نبع.
(3) بتيع: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(4) عبد الله بن عمر: لعلّه عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن.
صحابي توفي بمكة سنة 73هـ. أو لعلّه عبد الله بن عمرو بن العاص الذي تقدمت ترجمته. وهناك أكثر من علم بهذا الاسم، راجع كتب التراجم.(1/201)
من مصر، قيل له: أيخرجنا عدو؟ قال: لا، ولكن نيلكم هذا يغور، فلا تبقى فيه قطرة، حتى يكون فيه الكثبان من الرمل، وتأكل سباع الأرض حيتانه.
69 - قال عمر بن عبد العزيز لزهرة بن معبد: أين تسكن؟ قال:
أسكن فسطاط (1) مصر، فقال: وأين أنت من طيبة (2)؟ ولا أريد المدينة، وإنما أريد الإسكندرية، ولولا ما أنا فيه لأحببت أن يكون بها منزلي.
70 - سقي أبو الجهم بن عطية (3) سويق اللّوز عند المنصور فمات، وكان يتهم بممالئة أبي مسلم (4)، فقال المنصور:
تجنب سويق اللوز لا تقربّنه ... فشرب سويق اللّوز أودى أبا جهم
__________
(1) فسطاط: كل مدينة فسطاط، ومنه قيل لمدينة مصر التي بناها عمرو بن العاص الفسطاط. راجع معجم البلدان 4: 261ففيه تفسير واشتقاق وسبب بناء الفسطاط.
(2) طيبة: (بالفتح ثم السكون) اسم لمدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقال لها طيبة وطابة من الطيب وهي الرائحة الحسنة لحسن رائحة تربتها وقيل: من طيب العيش فيها. راجع التفاصيل في معجم البلدان 3: 53.
(3) أبو الجهم عطية: هو مولى باهلة. كان عينا لأبي مسلم على السفّاح. وهو من دعاة العباسيين المعروفين. راجع كتاب الوزراء للجهشياري.
(4) أبو مسلم: هو أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية.(1/202)
الباب الثامن الشجر والنبات والفواكه والرياحين والبساتين والرياض وذكر الجنة
1 - أسامة بن زيد (1): سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في ذكر الجنة: ألا مشترى لها! هي ورب الكعبة ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، ونهر يطّرد، وزوجة لا تموت، مع حبور ونعيم، ومقام الأبد.
2 - الخدري (2)، يرفعه: إن الله جل ذكره لما حوط حائط الجنة، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وغرس غرسها، قال لها: تكلمي، فقالت:
قد أفلح المؤمنون، فقال تعالى: طوبى لك منزل الملوك.
3 - جابر (3)، عنه عليه الصلاة والسلام: إذا دخل أهل الجنة
__________
(1) أسامة بن زيد: هو أسامة بن زيد بن حارثة، من كنانة عوف. صحابي جليل. ولد بمكة ونشأ على الإسلام. هاجر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة وأمّره رسول الله قبل أن يبلغ العشرين من عمره فكان مظفرا موفقا. ولد سنة 7ق هـ وتوفي في الجرف في آخر خلافة معاوية سنة 54هـ. راجع ترجمته في الأعلام 1: 291وطبقات ابن سعد 4: 42وتهذيب ابن عساكر 2: 391.
(2) الخدري: هو أبو سعيد الخدري الأنصاري. تقدمت ترجمته.
(3) جابر: هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري. صحابي، روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وروى عنه جماعة من الصحابة. له ولأبيه صحبة. غزا تسع عشرة غزوة. ولد سنة 16ق هـ. وتوفي سنة 78هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 104 والإصابة 1: 213وذيل المذيل 22.(1/203)
الجنة، قال الله تعالى: أتشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: يا ربنا، وما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر.
4 - زيد بن أرقم (1): قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده أن أحدكم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب قال: فإن الذي يأكل تكون له الحاجة، والجنة طيب لا خبث فيها قال: عرق يفيض من أحدهم كرشح المسك فيضمر بطنه.
5 - عتبة بن غزوان (2) رضي الله عنه: لقد بلغني أن المصراعين من مصاريع الجنة بعدما بينهما مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ (3) بالزحام.
6 - دخل داود عليه السّلام غارا من غيران بيت المقدس فوجد حزقيل (4)
يعبد ربه، وقد يبس جلده على عظمه، فسلم عليه، فقال: أسمع صوت شبعان ناعم، فمن أنت؟ قال: داود! قال: الذي له كذا وكذا امرأة، وكذا وكذا أمة؟ قال: نعم، وأنت في هذه الشدة قال: ما أنا في شدة ولا أنت في نعمة، حتى ندخل الجنة.
7 - الأصمعي: احتضر أعرابي، فقيل له: أبشر بالجنة وروحها فقال:
__________
(1) زيد بن أرقم: هو زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري: صحابي. غزا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سبع عشرة غزوة وشهد صفين مع الإمام علي ومات بالكوفة سنة 68هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 56وتهذيب التهذيب 3: 394وخزانة البغدادي 363.
(2) عتبة بن غزوان: هو عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب الحارثي المازني، أبو عبد الله. ولد سنة 40ق. هـ. وهو باني مدينة البصرة، صحابي، قديم الإسلام.
شهد بدرا والقادسية ومصّر البصرة. توفي سنة 17هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 201وابن سعد 3: 69وتهذيب الاسماء 1: 319.
(3) كظيظ: ممتلىء. ومكان كظيظ بالمارة: ضيّق لكثرة المارة فيه.
(4) حزقيل: هو النبي حزقيل، من أنبياء بني إسرائيل.(1/204)
قد بشروني بالجنان وروحها ... ولكسر بيتي عند نفسي أطيب
يا ليت حظي بالجنان وروحها ... بيت بصحراء الغبيط مطنب (1)
8 - جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، ونهر الأبلة (2)، وشعب بوّان (3)، وسغد سمرقند (4).
قال أبو بكر الخوارزمي (5): قد رأيتها كلها، فكان فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على غيرهن، كأنها الجنة صورت على وجه الأرض.
9 - البحتري (6):
يمسي السحاب على أجبالها فرقا ... ويصبح الغيث في صحرائها بددا
__________
(1) الغبيط: اسم واد ومنه صحراء الغبيط في كتاب ابن السكيت في قول امرىء القيس:
وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المحمّل
وفي كتاب نصر: وفي حزن بني يربوع، وهو قف غليظ مسيرة ثلاث في مثلها وهو بين الكوفة وفيد. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 186.
والمطنّب: المشدود بالطّنب وهي الجبال.
(2) الأبلّة: بلدة على شاطىء دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة.
(3) الشعب: مسيل الماء في بطن الأرض له جرفان مشرفان وأرضه بطحة. وشعب بوّان: بأرض فارس بين أرّجان والنوبندجان وهو أحد متنزهات الدنيا. المشتهرة بالحسن وكثرة الأشجار وتدفق المياة وكثرة أنواع الطيور والفواكه.
قال المسعودي: وذكر اختلاف الناس في فارس فقال: ويقال إنهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح عليه السّلام، وبوّان هذا هو الذي ينسب إليه شعب بوّان من أرض فارس. راجع معجم البلدان 1: 503.
(4) سمرقند: يقال لها بالعربية سمران، بلد معروف مشهور قيل إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر وهو قصبة السّغد مبنية على جنوبي وادي السغد مرتفعة عليه. والسّغد: ناحية كثيرة المياه نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار مونقة الرياض والأزهار ملتفة الأزهار خضرة الجنان فيها قرى كثيرة بين بخارى وسمرقند وقصبتها سمرقند.
راجع معجم البلدان 3: 248و 3: 222.
(5) أبو بكر الخوارزمي: تقدمت ترجمته.
(6) البحتري: هو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي، من كبار الشعراء العباسيين.
توفي بمنبج سنة 284هـ.(1/205)
فلست تبصر إلّا واكفا خضلا ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا (1)
10 - بستان خضر وماء خصر (2).
11 - الحسن (3): ثلاث تجلو البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن.
12 - وصف أعرابي أجمة (4) فقال: مناقع نز، ومراعي أوز، قصبها يهتز، ونبتها لا يجز.
13 - في وصف النخلة:
أما تراها وإلى استوائها ... وحسنها في العين وامتلائها
لا ترهب الذئب على أطلائها ... وإن أحاط الليل من ورائها
14 - نخلتا حلوان (5) كانتا بعقبة حلوان من غرس الأكاسرة، ضرب بها المثل في طول الصحبة، قال مطيع بن إياس (6) فيهما:
__________
(1) وكف الدمع والماء: سال. وخضل الغصن: ندي وابتهلّ فهو خضل.
(2) خصر الماء: أصبح باردا.
(3) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري.
(4) الأجمة: الشجر الكثير الملتف.
(5) حلوان: كانت مدينة عامرة في العراق وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال.
قيل سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. أمّا نخلتا حلوان فأول من ذكرهما في شعره مطيع بن إياس الليثي. قال صاحب الأغاني أخبرني مطيع بن إياس أنه كان مع سلم بن قتيبة بالريّ فلما خرج إبراهيم بن الحسن كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته مع البريد. قال مطيع:
وكانت لي جارية يقال لها جوذابة كنت أحبّها فأمرني بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجارية فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتتّبعتها نفسي فنزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية واشتقت إليها فأنشدت أقول:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكياني من ريب هذا الزمان
راجع بقية الأبيات والتفاصيل في معجم البلدان 2: 292.
(6) مطيع بن إياس: شاعر مولده ومنشأه بالكوفة، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. مدح الوليد بن يزيد ونادمه في العصر الأموي وانقطع في الدولة العباسية إلى جعفر بن المنصور فكان معه إلى أن مات. كان صديقا لحمّاد عجرد الشاعر وحمّاد الراوية. ولّاه المهدي العباسي الصدقات بالبصرة وتوفي فيها سنة 166هـ.
راجع ترجمته في معجم الشعراء للمرزباني ص 480وتاريخ بغداد 13: 225 والأعلام 7: 255.(1/206)
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيالي من ريب هذا الزمان (1)
واعلما إن علمتما أن نحسا ... سوق يلقاكما فتفترقان (2)
15 - وقال حماد عجرد (3):
جعل الله نخلتي قصر شيرين فداء لنخلتي حلوان (4)
جئت مستعدا فلم تسعداني ... ومطيع بكت له النخلتان
__________
(1) رواية معجم البلدان: «وابكياني» من ريب هذا الزمان.
(2) رواية المعجم: واعلما إن «بقيتما» أن نحسا. وبقية الأبيات في المعجم:
واعلما أن ريبه لم يزل يف ... رق بين الالآف والجيران
ولعمري لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أن نحسا ... سوف يأتيكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي ... بفراق الأحباب والخلّان
غير أني لم تلق نفسي كما لا ... قيت من فرقة ابنة الدّهقان
جارة لي بالريّ تذهب همي ... ويسلّي دنوّها أحزاني
فجعتني الأيام أغبط ما كذ ... ت، بصدع للبين غير مدان
وبزعمي أن أصبحت لا تراها ال ... عين منّي، وأصبحت لا تراني
(3) حماد عجرد: هو حمّاد بن عمر بن يونس بن كليب السوائي، أبو عمرو، شاعر، من الموالي، من أهل الكوفة. من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ولم يشتهر إلّا في العباسية. نادم الوليد بن يزيد الأموي وقدم بغداد في أيام المهدي. كانت بينه وبين بشّار بن برد أهاج فاحشة. قتل غيلة في الأهواز، ويقال: دفن إلى جانب قبر بشار سنة 161هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 272ووفيات الأعيان:
1: 165والشعر والشعراء 302ولسان الميزان 2: 349.
(4) قصر شيرين: قرب قرميسين بين حلوان وهمذان في طريق بغداد إلى همذان وفيه أبنية عظيمة شاهقة وهي إيوانات كثيرة متصلة وخلوات وخزائن وقصور وعقود ومتنزهات وأروقة وميادين. راجع معجم البلدان 3: 358ففيه تفاصيل قصة بنائه. وفي المعجم 2: 293جعل الله سدرتي قصر شيرين(1/207)
16 - قال حماد بن إسحاق بن إبراهيم (1):
أيها العاذلان لا تعذلاني ... ودعاني مع البكاء دعاني (2)
وابكيا لي فأنني مستحق ... منكما بالكباء أن تسعداني
إنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من جواه وأنتما تعلمان (3)
17 - ولما وصل المهدي، في شخوصه إلى الري (4)، إلى عقبة حلوان استطاب الموضع فنزل، فأنشد بيتي مطيع (5)، فتطير منهما، فحلف ليفرقن بينهما فكتب إليه المنصور: يا بني، أقسمت عليك أن لا تكون النحس الذي يلقاهما. ويقال أن حسنة، جارية له، قالت له ذلك فأمسك، ثم أن الرشيد في مسيره احتاج إلى الجمّار (6)، لحرارة ثارت به، فأخذت جمّارة إحداهما فجفت، فلم تلبث صاحبتها أن تبعتها.
18 - قال عمر (7) رحمه الله لرجل من أهل الطائف: الحبلة (8)
أفضل أم النخلة؟.
__________
(1) رواية معجم البلدان 2: 293وروى حماد عن أبيه لبعض الشعراء في نخلتي حلوان.
(2) رواية المعجم: ودعاني «من الملام» دعاني.
(3) رواية المعجم: من «هواه» وأنتما تعلمان
(4) الريّ: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا إفتتحها العرب سنة 20هـ. راجع معجم البلدان 3: 116.
(5) مطيع: هو مطيع بن إياس الشاعر، تقدمت ترجمته.
(6) الجمّار: شحم النخل واحدته جمّارة أي شحمته التي في قمة رأسه تقطع قمّته ثم تكشط عن جمّارة في جوفها بيضاء كأنها قطعة سنام ضخمة وهي رخصة تؤكل بالعسل.
(7) أراد الخليفة عمر بن الخطّاب.
(8) الحبلة: شجرة العنب. وحبلة عمرو: ضرب من العنب بالطائف بيضاء محدّدة الأطراف متداحضة العناقيد. وفي الحديث: لا تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة وهي القضيب من شجر الأعناب أو الأصل.(1/208)
فقال عبد الرحمن بن محصن الأنصاري (1): الزبيب إن آكله أضرس، وإن أتركه أغرث (2)، ليس كالصقر (3) في رؤوس الرقل (4)، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، خرفة (5) الصائم، وتحفة الكبير، وصمتة (6) الصغير، وخرسة (7) مريم (8)، وتحترش به الضباب (9)
من الصلعاء (10).
19 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أكرموا عمتكم النخلة.
20 - وعن علي رضي الله عنه: إن أول شجرة استقرت على الأرض النخلة، فهي عمتكم أخت أبيكم.
21 - وعنه عليه الصلاة والسلام: العجوة (11) من الجنة، وهي شفاء من السّم.
22 [شاعر]:
من الواردات القاع بالماء تستقى ... بأذنابها قبل استقاء الحناجر
23 - أنشد الأصمعي:
__________
(1) لم نقف على علم بهذا الاسم.
(2) أغرث: أجوع. والغرث: أيسر الجوع وقيل: شدّته وقيل: هو الجوع عامة.
(3) الصقر: دبس التّمر.
(4) الرقل: النخل الطويل واحدته رقلة.
(5) خرفة الصائم: أي ثمرته. والخرفة: الثمرة التي تجنى في الخريف.
(6) صمتة الصغير: أي ما أعطي من الثمر للصغير حتى يسكت.
(7) الخرسة: طعام النفساء.
(8) مريم: هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السّلام.
(9) تحترش به الضباب: الضباب جمع ضب شبيه بالحرذون. وتحترش به الضباب: تهيّج لتصطاد.
(10) الصلعاء: كناية عن المفازة والصحراء الواسعة التي لا ينبت فيها شيء تشبّه بالرأس الأصلع.
(11) العجوة: نوعة من التمر.(1/209)
وبات يروّي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل (1)
24 - وقال عمارة بن عقيل (2):
عجبت لتغريسي نوى النخل بعدما ... طلعت من السبعين أو كدت أفعل
وأدركت ملء الأرض ناسا فأصبحوا ... كأهل ديار قوضوا فتحملوا
وما نحن إلا رفقة قد ترحلت ... وأخرى تقضي حاجها ثم ترحل
25 - قال أبو هريرة: مر عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعي أغراس، فقال: ألا أدلك على أغراس أفضل منها، قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فليس منها كلمة تقولها إلا غرس الله لك بها شجرة.
26 - أبو أيوب الأنصاري (3)، عنه عليه الصلاة والسلام: ليلة أسري بي مر بي إبراهيم عليه السّلام فقال: مر أمتك أن يكثروا من غرس الجنة فإن أرضها واسعة، وترتبها طيبة قلت: ما غرس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) الفسيل: واحدته فسيلة وهي النخلة الصغيرة تقطع من الأمّ فتغرس.
(2) عمارة بن عقيل: هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي، شاعر، مقدّم فصيح من أهل اليمامة. كان يزور خلفاء بني العباس فيجزلون صلته وبقي إلى أيام الواثق وعمي قبل موته. وهو من أحفاد جرير الشاعر.
كان النحويون في البصرة يأخذون عنه وهو القائل:
بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدا ... وإن عدتم أثنيت والعود أحمد
ولد سنة 182وتوفي سنة 239هـ. راجع ترجمته في معجم الشعراء المرزباني 247وفي طبقات الشعراء لابن المعتز 150والأعلام 5: 37.
(3) أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة من بني النجار، صحابي شهد أكثر المشاهد. كان شجاعا. عاش إلى أيام بني أمية وكان يسكن المدينة فرحل إلى الشام. ولما غزا يزيد القسطنطينية في خلافة أبيه معاوية صحبه أبو أيوب غازيا فحضر الوقائع ومرض فأوصى أن يوغل به في أرض العدوّ فلما توفي دفن في أصل حصن القسطنطينية سنة 52هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 295وطبقات ابن سعد 3: 49والإصابة 1: 405.(1/210)
27 - غرس معاوية (1) نخلا بمكة في آخر خلافته فقال: ما غرستها طمعا في إدراكها، ولكن ذكرت قول الأسدي (2):
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ... ولا تكون له في الأرض آثار
28 - أعرابي: أتانا فلان بتمر كأعناق الورلان (3)، توحل فيه الأسنان.
29 - آخر:
ويل لبرني الجرين منّي ... إذا التقت تمرته وسني (4)
تقول سني للنواة طني
30 - يقول أهل المدينة: التمر البردي (5) أحسن من العقيان (6) في صدور القيان (7).
31 - يقول أهل البدو: إذا ظهر البياض قل السواد، وإذا ظهر السواد قل البياض.
السواد: التمر، والبياض اللبن يعنون إذا كثر الحيا (8) والخصب،
__________
(1) معاوية: هو معاوية بن أبي سفيان. ولد بمكة سنة 20ق. هـ وتوفي في دمشق سنة 60هـ.
(2) هناك أكثر من شاعر يقال له الأسدي (منسوب إلى بني أسد) راجع كتب التراجم.
(3) الورلان: جمع ورل، دابة على خلقة الضبّ إلّا أنه أعظم منه يكون في الرمال والصحاري يأكل العقارب والحيات والحرابي والخنافس والنساء يتسمّنّ بلحمه.
(اللسان مادة ورل).
(4) البرني: نوع من أنواع التمر الجيّد. والجرين: الموضع الذي يجمع فيه التمر إذا صرم.
(5) التمر البردي: نوع من أنواع التمر الجيّد.
(6) العقيان: الذهب الخالص.
(7) القيان: جمع قينة وهي الأمة المغنّية.
(8) الحيا: المطر.(1/211)
وفشا اللبن والأقط (1)، قل التمر في تلك السنة، وبالعكس، أي لا يجتمعان.
وتقول الفرس: إذا زخرت (2) الأدوية كثر التمر، وإذا اشتدت الرياح كثر الحب.
32 - أبو هريرة، يرفعه: نعم سحور المؤمنين التمر.
33 - مرض حسان (3) عند جبلة بن الأيهم الغساني (4)، فقال له: ما تشتهي؟ قال: ما لا تقدر عليه قال: ما هو؟ قال: رطيبات محلقنات (5)
من بنات ابن طاب (6).
34 - كانت ملوك الفرس تأمر برفع الحلواء أيام الرطب، والأشنان (7)
__________
(1) الأقط والإقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل والقطعة منه إقطة. قال ابن الأعرابي: هو من ألبان الإبل خاصة.
(2) زخرت الأودية: طمت وتملّأت.
(3) حسان: هو حسّان بن ثابت شاعر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.
كان من سكان المدينة. اشتهرت مدائحه في الغسانيين وملوك الحيرة قبل الإسلام وعمي قبيل وفاته. لم يشهد مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مشهدا لعلّة أصابته. قال أبو عبيدة:
فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي في النبوّة، وشاعر اليمانيين في الإسلام. وكان شديد الهجاء. توفي سنة 54هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 175وتهذيب التهذيب 2: 247
(4) جبلة بن الأيهم الغساني: هو جبلة بن الأيهم بن جبلة الغساني من آل جفنة، آخر ملوك الغساسنة في بادية الشام. عاش زمنا في العصر الجاهلي وقاتل المسلمين في دومة الجندل سنة 12هـ. وحضر وقعة اليرموك سنة 15هـ وهو على مقدمة عرب الشام من لخم وجذام وغيرهما. في جيش الروم وانهزم الروم وجبلة معهم. ثم أسلم وهاجر إلى المدينة وارتدّ فيها وخرج إلى بلاد الروم. وفي رواية البلاذري أنه ارتد في الشام.
توفي سنة 20هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 111وفتوح البلدان 141وخزانة البغدادي 2: 242.
(5) يقال: حلقن البسر إذا بلغ الأرطاب ثلثيه.
(6) ابن طاب: نوع من تمر المدينة منسوب إلى رجل من أهلها هو ابن طاب.
(7) الشنين: اللبن يصب عليه الماء. ولبن شنين: محض صبّ عليه ماء بارد.(1/212)
أيام البطيخ، والرياحين أيام الورد.
35 - النظام (1): مدحوا عنده النخلة فقال: صعبة المرتقى، بعيدة المهوى (2)، خشنة المس، قليلة الظل.
36 - ترك أهل المدنية غراس العجوة (3)، لما كانت لا تطعم إلا بعد أربعين سنة.
37 - سئل أرعابي عن أرض له فقال: إن تقبل عليها فهي أوفر من الرمانة، وإن تدعها فهي أمنع من أست (4) النمر.
38 - ابن المعتز:
ما يحسن الرمان يجمع حبه ... في قشرة إلا كما نحن
39 - الأعيرج الخثعمي (5).
طاب له مأكلّه ومشربه ... حديقة فيها ثمار تعجبه
يكثر فيها موزه ورطبه ... يلقاه منه حين يجنى أطيبه
بعيد ما يجتنيه منه أقربا
تمثل بها هشام بن عبد الملك للنّضر بن شميل (6) عند عرضه إليه كتاب الواحدة.
__________
(1) النظّام: هو إبراهيم بن سيّار النظّام. تقدمت ترجمته.
(2) بعيدة المهوى: كناية عن طولها وعلوّها.
(3) العجوة: هو تمر المدينة خاصة.
(4) الإست: المؤخرة، العجيزة.
(5) الأعيرج الخثعمي: لم يرد في كتب التراجم التي بين أيدينا.
(6) النضر بن شميل: هو النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن.
ولد بمرو سنة 122هـ (من بلاد خراسان) وانتقل إلى البصرة مع أبيه سنة 128فأقام زمنا وعاد إلى مرو فولي قضاءها. اتصل بالمأمون العباسي فأكرمه وقرّبه. توفي بمرو سنة 203هـ. راجع ترجمته في الأعلام 8: 33. وابن خلكان 2: 161والمزهر 2: 232وجمهرة الأنساب 200.(1/213)
40 - الخليل (1):
ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت ... عن المعاطش واستغنت بسقياها (2)
فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها ... ومال بالنخل والرمان أعلاها (3)
41 - قال عيسى عليه السّلام حين نزل دمشق الغوطة: إن تعدم الغني أن يجمع فيها كنزا، فلن تعدم المسكين أن يشبع منها خبزا.
42 - اجتمع في التفاحة الصفرية الدرية، والحمرة الذهبية، والبياض الفضي، تلذها من الحواس ثلاث: العين لحسنها، والأنف لعرفها، والفم لطعمها.
43 - جالينوس (4): أجود الأشياء لتركيب رداءة المزاج الحار، الكائن في الرأس مع غثيان النفس، وقلة الاستمراء بعد الطعام، التفاح.
44 - وصفت شيرين (5) لأبريويز (6)، لطيب النكهة، التفاح على الريق. التفاح جمع ألوان قوس قزح، فلو انحل التفاح واسترق لكان قوسا، ولو استكنف القوس وانعقد لكان تفاحا.
45 - بعث أحدهم إلى جاريته تفاحة، وكتب إليها: قد بعثت إليك بتفاحة تحكي بحمرتها وجنتك، وبعذوبتها ريقك، وبرائحتها نكهتك، وبملاحتها صورتك.
__________
(1) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي. تقدمت ترجمته.
(2) المعطش: ميقات العطش والجمع معاطش.
(3) الطلح: شجر من شجر العضاه واحدته طلحة.
(4) جالينوس: طبيب يوناني من أمهر الأطباء ولد بعد زمان المسيح بتسع وخمسين سنة ومات وعمره سبع وثمانون سنة
(5) شيرين: اسم امرأة من بنات الملوك.
(6) أبريويز: هو كسرى الثاني خسرو بن هرمز بن أنوشروان. يقال إنه قاتل النعمان بن المنذر ملك الحيرة. استولى على بيت المقدس سنة 614م. وفي عهده كانت وقعة ذي قار. قتله ابنه قباذ بعد حكم دام 38سنة.(1/214)
تفاحة جاءت إلى وامق ... تحكي لنا وصف مجليها (1)
ما مسها طيب ولكنها ... طيبة من كف مهديها
46 - علي بن الجهم: دخلت على المتوكل وبين يديه تفاحة معضوضة، أهدتها له بعض جواريه، فقال: قل فيها قبل جلوسك، ولك بكل بيت ألف دينار فقلت:
تفاحة جرحت بالثغر من فمها ... أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
جاءت بها ظبية من عند غانية ... نفسي من السوء والآفات تفديها
لو كنت ميتا ونادتني بنغمتها ... إذن لأسرعت من لحدي ألبيها
بيضاء في حمرة علّت بغالية ... كأنها قطعة من خد مهديها (2)
فأمر لي بأربعة آلاف دينار، وبأربع خلع.
47 - أبو موسى الأشعري: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة (3)، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها.
48 - ابن الرومي:
كأنكم شجر الأترج طاب معا ... حملا ونورا وطاب العود والورق
49 - محمد بن عبد الله بن طاهر (4) في الأترج:
__________
(1) الوامق: المحب. والمقة المحبة.
(2) الغالية: ضرب من الطيب.
(3) الأترجة: نوع من الثمر شبيه بالليمون إلّا أنه أكبر حجما.
(4) محمد بن عبد الله بن طاهر: هو محمد بن عبد الله بن طاهر الخزاعي، أبو العباس، أمير حازم، من الشجعان، من بيت مجد ورئاسة ولي نيابة بغداد أيام المتوكل العباسي وتوفي بها سنة 253هـ. راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير حوادث سنة 251والأعلام 6: 222والمرزباني 436.(1/215)
جسم لجين قميصه ذهب ... ركب فيه بديع تركيب (1)
فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب
50 - طلحة بن عبيد الله (2): دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي يده سفرجلة، فقال: دونكها يا طلحة، فأنها تجم (3) الفؤاد.
51 [شاعر]:
سفرجلة تحكي ثدي النواهد ... لها عرف ذي فسق وصفرة زاهد
52 - كسر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سفرجلة، وناول منها جعفر بن أبي طالب (4) وقال: كل، فأنه يصفي اللون ويحسّن الولد.
53 - جعفر بن محمد (5): ريح الملائكة ريح الورد، وريح الأنبياء ريح السفرجل، وريح الحور ريح الآس (6).
__________
(1) قميص الأترج: كناية عن القشرة الخارجية.
(2) طلحة بن عبيد الله: هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي، أبو محمد صحابي، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة. شهد أحدا وثبت مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. كان جوادا كريما قتل يوم الجمل سنة 36هـ. ودفن بالبصرة. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 7: 71والبدء والتاريخ 5: 82.
(3) تجمّ الفؤاد: تريحه.
(4) جعفر بن أبي طالب: صحابي هاشمي من شجعانهم يقال له جعفر الطيّار وهو أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. كان أسنّ من علي بعشر سنين وهو من السابقين إلى الإسلام أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لدار الأرقم ويدعو فيها. حضر وقعة مؤنة بالبلقاء فنزل عن فرسه وقاتل، ثم حمل الراية وتقدّم صفوف المسلمين فقطعت يمناه فحمل الراية باليسرى فقطعت أيضا فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيدا وفي جمسه نحو تسعين طعنة ورمية فقيل: إن الله عوضه عن يديه جناحين في الجنة. توفي سنة 8هـ. راجع ترجمته في الإصابة 1: 237وصفة الصفوة 1: 205.
(5) جعفر بن محمد: هو الإمام جعفر الصادق. تقدمت ترجمته.
(6) الآس: شجر يعرف بالريحان واحدته آسة ويعرف حبّه عند العامة بالحنبلاس (حب الآس).(1/216)
54 - اجتاز جحا (1) بقوم وفي كمّه خوخ فقال: من أخبرني ما في كمي فله أكبر خوخة فيه، فقالوا: خوخ. فقال: والله ما قال لكم إلا من أمه ساقطة.
55 - أنشد الأصمعي:
أكمثرى يزيد الحلق ضيقا ... أحب إليك أم تين نضيج (2)
وقال: قيل لابن ميادة (3) أتعرف الكمثرى؟ فلم يعرفه لأنه أعرابي ثم فكر فقال: ما لهم قاتلهم الله يقولون الأكم أثرى، ليست والله بأثرى ولا كرامة.
56 - مر بشر بن الحارث بالفواكه فقال: مقطوعة ممنوعة.
57 - الجاحظ: كانوا لا يتخذون بين يدي قصورهم إلا السدر (4)
للغلة والظل والحسن، فجعلوا شجر التوت بدله فهو أسرع وأنضر ورقا، وظله أشد سوادا، وأحسن حسنا مع غلة كريمة.
58 [شاعر]:
استعمل الصبر إن الناس في مهل ... قد صيروا ورق الفرصاد ديباجا (5)
59 - الجاحظ: الطير يأكل التوت فتذرقه (6) فينبت من ذرقه الشجر.
__________
(1) جحا: هو دجين بن ثابت بن دجين، أبو الغصن البصري. قيل: كانت أمّه خادمة لأم أنس بن مالك. وقال السيوطي: إن غالب ما يحكى عنه من الحكايات المضحكة لا أصل لها. راجع تاج العروس.
(2) المكثّرى: شجر واحدته كمثراة وهي الإجاصة.
(3) ابن ميادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان الذبياني الغطفاني المضري. وميّادة أمّه.
شاعر هجاء من مخضرمي الدولتين، كان متعرّضا للشر يسبّ الشعراء. قصد الخلفاء والأمراء ومدحهم. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 298وابن عساكر 5: 328.
(4) السّدر: شجر النبق جمع سدور.
(5) الفرصاد: التوت أو حمله. وقيل: صبغ أحمر.
(6) ذرق الطير: سلحه.(1/217)
60 - الناجم (1):
أنظر إلى الروض النضير ... فإنه للعين مسرّه
فكأن خضرته السماء ... ونهره فيه المجرّه
61 - النامي (2):
وكأنما الروض السماء ونهره ... فيه المجرة والكؤوس الأنجم
62 - آخر:
فلم أر شيئا كان أحسن منظرا ... من النور يجري دمعه وهو يضحك
63 - آخر:
نشاوى تثنيها الرياح فتنثني ... فيلثم بعض بعضها ثم ترجع (3)
يريد تثنى الأغصان بالريح.
سلاسل من زبرجد حملت ... من ذهب أحمر قناديلا (4)
يريد النارنج (5) في شجره.
64 - الموصلي (6):
__________
(1) الناجم: هو أبو عثمان الناجم. راوية ابن الرومي. توفي سنة 314هـ. راجع ترجمته في الوفيات 1: 500وفوات الوفيات 1: 170.
(2) النامي: هو أحمد بن محمد الدارمي المصيصي، أبو العباس: شاعر رقيق الشعر من أهل المصيصة. كان واسع الإطلاع في اللغة والأدب. كانت له مع المتنبي معارضات اقتضاها إجتماعهما في حلب وقربهما من سيف الدولة، لأن منزلته عند سيف الدولة كانت كمنزلة المتنبي عنده. توفي بحلب سنة 399هـ. راجع ترجمته في يتيمة الدهر 1: 164وابن خلكان 1: 38.
(3) كناية عن الأغصان المتمايلة.
(4) الزبرجد: حجر كريم يشبه الزمرّد أشهره الأخضر والجمع زبارج.
(5) النارنج: ضرب من الليمون تعرفه العامة «بليمون بوصفير».
(6) الموصلي: هو إسحاق بن إبراهيم النديم. تقدمت ترجمته.(1/218)
لقد نطق الدرّاج (1) بعد سكوته ... ووافى كتاب الورد أني مقبل
65 - مر كسرى بوردة ساقطة فقال: أضاع الله من أضاعك، ونزل فأخذها وقبلّها، وشرب في مكانها سبعة أيام.
66 - إبراهيم الخواص (2): إذا جاءت أيام الورد أمرضني علمي بكثرة من يعصى الله.
67 - مسلمة بن سلم الكاتب (3) في الورد:
زائر يهدي إلينا ... نفسه في كل عام
حسن الوجه ذكي ... الريح لفق للمدام
68 - آخر:
أما ترى الورد قد باح الربيع به ... من بعد ما مر حول وهو اضمار
وكان في خلع خضر فقد خلعت ... إلا عرى أغفلت منها وأرزار
69 - أبو عامر الجرجاني (4):
يقولون تب والورد وافى رسوله ... فقلت اسكتوا لا يسمعنّ رسوله
70 - المصنف:
وردت مقدمة الربيع بشيرة ... بالورد لولا الورد ضاع ورودها
__________
(1) الدرّاج: طائر شبيه بالحجل وأكبر منه أرقط بسواد وبياض قصير المنقار يطلق على الذكر والأنثى والجمع دراريج واحدته درّاجة.
(2) إبراهيم الخواص: هو إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل. ولد في سامراء. وهو من أقران الجنيد، صوفي، توفي في جامع الريّ سنة 219هـ. راجع طبقات الشعراني 1: 83وتاريخ بغداد 6: 7.
(3) مسلمة بن سلم: هو مسلمة بن سلم كاتب خزيمة بن خازم التميمي ولي البصرة أيام الرشيد. قال المرزباني ص 373: قال مسلمة:
إن من لديك جميعا ... من معرّة الشعراء
وأثبت له هذان البيتان. ورواية البيت الثاني: حسن الوجه «زكي» الريح
(4) أبو عامر الجرجاني: لم نقف له على ترجمته.(1/219)
وكأن أيام الربيع خرائد ... وكأنما الورد الجنى خدودها (1)
71 - المتوكل: أنا ملك الناس، والورد ملك الرياحين، فكل واحد منا أولى بصاحبه.
72 - كان أنوشروان يعجبه الورد، ويفضله على سائر الرياحين، فابتنى قبة سماها الكلشان (2)، زخرفها بالذهب، ورصعها بالجواهر، وزينها بالتصاوير، وحفها بالتماثيل، وجعل في أعاليها فتوحا ينثر عليه منها الورد.
73 - ابن سكرة الهاشمي (3):
للورد عندي محل ... لم يدن منه محلّ
كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل
إن غاب عزّوا وتاهوا ... حتى إذا آب ذلوا
74 - البحتري:
وقد نبه النيروز في غلس الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوّما
يفتقها برد الندى فكأنه ... يبث حديثا كان قبل مكتما
75 - كان ظهر الكوفة ينبت الشيح (4)، والقيصوم (5)،
__________
(1) الخرائد: جمع خريدة وهي الحسناء الحيّية.
(2) الكلشان: الورد (فارسية).
(3) ابن سكرة: هو محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي، أبو الحسن، من ولد علي بن المهدي العباسي، شاعر كبير من أهل بغداد. له ديوان شعر في أربعة مجلدات يربي على خمسين ألف بيت. وهو صاحب البيتين: «جاء الشتاء وعندي من حوائجه». توفي سنة 385هـ. راجع الأعلام 6: 225.
(4) الشيح: نبات سهلي يتخذ من بعضه المكانس وهو من الأمرار له رائحة طيبة وطعم مرّ وهو مرعى للخيل والنّعم ومنابته القيعان والرياض.
(5) القيصوم: ما طال من العشب وهو كالقيعون، والقيصوم من نبات السهل.(1/220)
والخزامى (1)، والأقحوان، والشقر (2)، وهو الشقائق وكانت العرب تسميه خد العذراء، فمر النعمان (3) فقال: من نزع منه شيئا فأنزعوا كتفه فحميت ونسبت إلى النعمان. (4)
76 - وفي ديوان المنظوم:
بوجهك أظهر البشر اللواتي ... دعين شقائقا لابن الشقيقة (5)
والشقيقة أم النعمان.
77 - قال عبد قيس بن جفاف البرجمي (6) وقيل النابغة:
حدثوني بني الشقيقة ما يم ... نع فقعا بقرقر أن يزولا (7)
78 - آخر:
كأن شقائق النعمان فيها ... ثياب قد روين من الدماء
79 - الأخيطل (8):
__________
(1) الخزامى: نبت زهره من أطيب الأزهار.
(2) الشّقر: شقائق النعمان، ويقال: نبت أحمر واحدتها شقرة.
(3) النعمان: هو النعمان بن المنذر.
(4) رواية كتابنا طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني 257لسبب تسمية شقائق النعمان وردت على الشكل التالي:
عن عمارة بن قابوس قال: لقيت أبا زبيد الطائي فقلت له: يا أبا زبيد هل أنيت النعمان بن المنذر؟ قال: أي والله لقد أتيته وجالسته. قال: قلت، فصفه لي.
فقال: كان أحمر أزرق أبرش قصيرا، وما رأيت أحدا قط كان أشدّ عزا منه، وكان ظهر الكوفة ينبت الشقائق فحمى ذلك المكان فنسب إليه فقيل شقائق النعمان.
(5) الشقيقة: هي الشقيقة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهي أم النعمان بن امرىء القريس صاحب قصر الخورنق وهو النعمان الأكبر.
(6) عبد قيس بن خفاف البرجمي: أبو جبيل من بني عوف بن حنظلة من البراجم.
والبيت في معجم الشعراء للمرزباني.
(7) بنو الشقيقة: قبيلة من ذهل بن شيبان أمهم الشقيقة بنت عباد بن زيد بن عمرو بن ذهل بن شيبان. والفقع: أردأ أنواع الكمأة. والقرقر: الأرض المنخفضة الليّنة.
(8) الأخيطل: هو محمد بن عبد الله بن شعيب. شاعر من أهل الأهواز. من بني مخزوم مدح عبد الله بن طاهر. راجع معجم الشعراء والبيتان فيه.(1/221)
هذي الشقائق قد أبصرت حمرتها ... مع السواد على قضبانها الذلل
كأنها دمعة قد غسلت كحلا ... جاءت به وقفة في وجنتي خجل
80 - مهرم بن خالد العبدي (1):
سقيا لأرض إذا ما بتّ نبهني ... بعد الهدو بها قرع النواقيس
كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس
81 - قد حلّت يد المطر أزرار الأنوار، وأذاع لسان الغيم أسرار الأزهار.
82 - المطوعي (2):
أو ما ترى نور الخلاف كأنه ... لما بدا للعين نور وفاق (3)
أيدي سنانير ولكن نشرها ... يسعى بفأر المسك في الآفاق (4)
83 - كأن نور شجر الخلاف أكف سنانير بلا خلاف.
84 - وعدك في الخلاف كأنه شجر الخلاف، يريك نضارة المنظر، ثم لا يجنيك شيئا من الثمر.
85 - ابن الرومي:
فغدا كالخلاف يورق للع ... ين ويأبى الأثمار كل إباء
86 - آخر:
وأحسن ما في الوجوه العيون ... وأشبه شيء بها النرجس
__________
(1) مهرم بن خالد العبدي: لم نقف له على ترجمة.
(2) المطوعي: هو أبو حفص عمر بن علي المطوعي. من شعراء اليتيمة. كان بخدمة الأمير الفضل بن ميكال بنيسابور.
(3) الخلاف: نوع ضعيف من الصفصاف.
(4) الفأر: وعاء المسك ويسمى نافجة.(1/222)
87 - كانت بقرية كشمر (1) من رستاق (2) بست (3) سروة من سرو الأزاد (4) من غرس يستاسف (5) لم ير مثلها في حسنها، وطولها، وعظمها، وأظلالها فرسخا وكانت من مفاخر خراسان فجرى ذكرها عند المتوكل، فأحب أن يراها، فلما لم يتقدر له المسير إليها كتب إلى طاهر بن عبد الله (6) وأمره بقطعها، وحمل جذعها وأغصانها في اللبود (7)، على الجمال، لتنصب بين يديه حتى يبصرها: فأنكر عليه ذلك، وخوف الطيرة، فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين. وحكي أن أهل الناحية ضمنوا مالا جليلا على إعفائها فلم ينفع فقطعت، وعظمت المصيبة، وارتفع الصياح والبكاء عليها ورثاها الشعراء، وقال علي بن الجهم:
قالوا سرى لسبيله المتوكل ... فالسرو يسري والمنية تنزل
ما سربلت إلا لأن أمامنا ... بالسيف من أولاده متسربل
فجرى الأمر على ذلك، وقتل المتوكل قبل وصول السروة إليه.
88 - يحيى بن ماسويه (8): إذا باشرت الورد والخضر فأطل تأملها، فأن فيه جلاء ظلمة البصر، ورفع غشاوة السدر (9).
89 - قيل لبزرجمهر: كيف صار العشب أشد خضرة من الزرع؟
__________
(1) كشمر: من قرى نيسابور ينسب إليها أبو حاتم الوراق. راجع معجم البلدان 4: 463.
(2) رستاق: كلمة معربة بمعنى الناحية التي هي طرف الإقليم.
(3) بست: مدينة نزهة بين سجستان وغزنين وهراة. راجع معجم البلدان.
(4) الأزاد: الحر (فارسية).
(5) يستاسف: ملك فارسي كان منزله ببلخ يسمى أيضا كيشتاسب.
(6) طاهر بن عبد الله: هو طاهر بن عبد الله الخزاعي. كان واليا لخراسان مدة ثماني عشرة سنة وتوفي فيها سنة 248. راجع دول الإسلام للذهبي 1: 117.
(7) اللبود: البساط من صوف، ما يجعل على ظهر الفرس تحت السرج.
(8) يحيى بن ماسويه: طبيب، مترجم، كان شماسا. توفي بسامراء سنة 243هـ في خلافة المتوكل.
(9) سدر بصره سدرا فهو سدر: لم يكد يبصر.(1/223)
قال: لأن الأرض أم لما أنبتت، وظئر (1) لما استودعت.
90 - علي بن محمد الثعلبي في الياسمين:
خيري ورد أتى على طبق ... يا حسن إشراقه على طبقه
قد نفض العاشقون ما صنع ال ... شوق بألوانهم على ورقه
فصفرة اللون ما تفارقه ... وريح عرف الحبيب من عرفه (2)
91 - بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، وتحية، وفاكهة، وإدام مقنع، وخبيص مهيأ، ودواء للمثانة، وحرض (3) للغمر (4)
والزهومة (5)، ومذهب لرائحة النورة (6) عند الإستحمام. وكوز لمن عسر عليه ما يشرب فيه، وهاضوم الثقيل من الطعام.
92 - اجتمع ببغداد عشرة فتية على لهو، فبعثوا أحدهم في حاجة، فرجع وفي يده بطيخة يشمها ويقبلها، فقال: جئتكم بفائدة، وضع بشر الحافي يده على هذه البطيخة فاشتريتها بعشرين درهما تبركا بموضع يده فأخذها كل واحد منهم يقبلها ويضعها على عينه فقال بعضهم: ما الذي بلغ بشرا قالوا: تقوى الله والعمل الصالح، قال: فإني أشهدكم أني تائب إلى الله، وأني داخل في طريقة بشر فوافقوه على ذلك، وخرجوا إلى طرسوس (7) واستشهدوا.
__________
(1) الظئر: المرضعة.
(2) العرف: الرائحة الطيبة.
(3) الحرض: شجر الأشنان وقيل دقاقه.
(4) الغمر: زنخ اللحم.
(5) الزهومة: رائحة لحم نتن.
(6) النورة: حجر الكلس ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره ويستعمل لإزالة الشعر.
(7) طرسوس: مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم، بينها وبين أذنة ستة فراسخ، فيها قبر المأمون عبد الله بن الرشيد جاءها غازيا فأدركته منيته فمات. راجع معجم البلدان 4: 28.(1/224)
93 - بطيخة خشنة المس، ثقيلة الرس (1)، عريضة الفلس (2).
94 - في وصف البطيخ: أسر شهدا وأذاع عنبرا.
95 - أنشد الجاحظ لرجل من بني نمير في امرأته وكانت حضرية:
لعمري لأعرابية بدوية ... تظل بروقي بيتها الريح تخفق
أحب إلينا من ضناك ضفنة ... إذا وضعت عنها المروايح تعرق (3)
كبطيخة البستان ظاهر جلدها ... صحيح ويبدو داؤها حين تفلق (4)
96 - كشاجم (5):
وطيب أهدى لنا طيبا ... فدلنا المهدى على المهدي
لم يأتنا حتى أتتنا له ... روائح أغنت عن الند (6)
بظاهر أخشن من قنفذ ... وباطن ألين من زبد (7)
كأنما تكشف منه المدى ... عن زعفران شيب بالشهد (8)
97 - دار البطيخ (9) تباع فيها أنواع الفواكه والرياحين، ونسبت إلى البطيخ لفضله على سائر الفواكه، وتلاشيها عنده. قال ابن لنكك (10):
كدار بطيخ تحوي كل فاكهة ... وما اسمها الدهر إلا دار بطيخ
__________
(1) الرس والمسّ بمعنى واحد.
(2) الفلس: القشرة.
(3) ضناك: الضخمة العجيزة. والضفنة: الضخمة الرخوة.
(4) تفلق: تشقّ.
(5) كشاجم: هو أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك. تقدمت ترجمته.
(6) النّد: عود طيب الرائحة يتبخّر به.
(7) القنفذ: دويبة ذات ريش حادّ في أعلاه يقي به نفسه إذ يجتمع مستديرا تحته وهو أنواع كثيرة.
(8) شيب: خلط. والشهد: العسل.
(9) دار البطيخ: اسم مكان ببغداد في بلدة سامراء.
(10) ابن لنكك: هو محمد بن جعفر البصري، أبو الحسن. ولنكك: أعيرج تصغير أعرج. (فارسي) كان معاصرا للمتنبي وهجاه. توفي نحو سنة 360هـ. راجع ترجمته في اليتيمة 2: 116.(1/225)
منعها الصرف للعلمية والتأنيث كقولهم ابن دأية (1).
98 - وقال الجاحظ: أكبر الدور غلة ثلاث: دار البطيخ بسر من رأى (2)، ودار الزبير بالبصرة، ودار القطن (3) ببغداد.
99 - ذكرت نونية ابن الرومي في الوزير أبي الصقر (4) عند عبد الله بن طاهر (5) فقال: في دار البطيخ. وهي التي أولها:
أجنت لك الوجد أغصان وكثبان ... فيهن نوعان تفاح ورمان (6)
وفوق ذينك أعناب مهدلة ... سود لهن من الظلماء ألوان (7)
وتحت هاتيك عناب تروع به ... أطرافهن قلوب القوم قنوان (8)
غصون بان عليها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل البان (9)
100 - محمد بن مقاتل (10)، وكان متخذلقا، مر في طريق فأصاب
__________
(1) ابن دأية: من أسماء الغراب.
(2) سامراء: لغة في سرّمن رأى، مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة، كان الرشيد حفر نهرا عندها سمّاه القاطول وأتى الجند وبنى عنده قصرا ثم بنى المعتصم أيضا هناك قصرا ووهبه لمولاه أشناس، فلما ضاقت بغداد عن عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع على خاطره فجاءه وبنى عنده سرّ من رأى.
(3) دار القطن: محلة ببغداد قريبة من الكرخ.
(4) أبو الصقر: هو إسماعيل بن بليل وزير المعتمد العباسي سنة 265هـ.
(5) عبد الله بن طاهر: هو عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق الخزاعي.
جواد. ولد سنة 182هـ. فرباه المأمون وجعل له إمارة الشام ثم مصر. أبوه قائد المأمون وقاتل الأمين. توفي سنة 230هـ راجع ترجمته في تاريخ بغداد 9: 483.
(6) الأغصان والكثبان والتفاح والرمان: كناية عن القامة والعجيزة والخدود والنهود عند المرأة.
(7) الأعناب المهدّلة: كناية عن خصلات الشعر المسترسلة.
(8) العناب: كناية عن رؤوس الأصابع، وقوله قنوان: أي كالعناقيد.
(9) البان: شجر مستقيم طويل تشبه به النساء. راجع ديوانه (بشرحنا) فالرواية فيه فيها بعض الاختلاف في بعض الألفاظ.
(10) محمد بن مقاتل: هناك أكثر من علم بهذا الأسم. راجع كتب التراجم.(1/226)
رجله قشر البطيخ، فقال: من قذر مسعاتنا بقشور البطاطيخ أطال الله تعسه.
101 - أعرابي: البطيخ لي مخنّة، أي آكله الساعة بعد الساعة لا أصبر عنه، يقال: خن الشيء يخنّه إذا أكله بسرف (1).
102 - في ديوان المنظوم:
وفعيل الفواكه من يجده ... فلا يعوزه فعيل الحديد (2)
وإلّا كان كالرامي تصدّى ... له صيد بلا قوس عتيد
103 - قال كردوس بن مزينة (3):
سكين كردوس جاء اليوم خاطبكم ... فانكحوه من البطيخ أملحها
فأجابه مصنف الكتاب:
جاؤوا بأحسنها مسا وأثقلها ... رسا وأعرضها فلسا فانكحها
104 - حمل البازنج (4) من خوارزم (5) إلى مرو (6) للمأمون على البريد، فاستطابه جدا، واشتهى أن يجتنيه غضا من منابته، فتقدم بحمل بزره إلى مرو ليزرع بها، فأمر بنقل التراب على الجمال من خوارزم، ثم يحمل الماء من جيحون، فلم يأت كما ظن، فعلم أن الطيب من قبل الهواء.
105 - كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب الدباء (7)، وعن أنس: رأيت
__________
(1) السرف: تجاوز الحدّ والإعتدال. ضد القصد.
(2) فعيل الفواكه: أي فعل الفواكه في الإنسان. وفعيل الفواكه هنا كناية عن البطيخ.
(3) كردوس بن مزينة: لم نعثر له على ترجمة.
(4) البازنج: اسم للبطيخ.
(5) خوارزم وجحيون: في فيب بلاد فارس. راجع معجم البلدان 2: 397و 196.
(6) مرو: مدينة فارسية قريبة من مرو الشاهجان العظمى وهي أشهر مدن خراسان راجع معجم البلدان 5: 112.
(7) الدبّاء: المستدير من القرع.(1/227)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتتبع الدباء من حوالي الصفحة فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ.
106 - الجاحظ: إن الحيات تكره السذاب (1)، ولا تقيم بمكان يكون فيه. وقيل في مسلم بن الوليد صريع الغواني:
فما ريح السذاب أشدّ بغضا ... من الحيات منك إلى الغواني
107 - استوصف رجل طبيبا، فأشار عليه بالكرفس (2)، فسأله عن فعله، فقال: يفتح السدد، فقال: لا كان الله لك، أنا إلى سد الفتح أحوج.
108 - معّمر (3): قطعت في ثلاث مجالس، لم أجد لذلك علة إلا الإكثار من الباذنجان.
109 - قيل في الأترجة: سبيكة ذهب متضوعة.
110 - لما خرج نوح من السفينة زرع الحبلة (4). وكانت لأنس حبلة تحمل كرّا (5)، وكان يسميها: أم العيال.
111 - عنه عليه الصلاة والسلام: لا تسموا العنب الكرم، فأن الكرم الرجل المسلم ولكن قولوا: حدائق الأعناب.
112 - الأسدي (6):
__________
(1) السذاب: نبات ورقة كالصعتر ورائحته كريهة مرّ الطعم حادّ.
(2) الكرفس: بقلة تؤكل (والكلمة من الدخيل).
(3) معمّر: هو معمر بن عباد السلمي، صاحب فرقة المعمرية من المعتزلة من أهل البصرة، توفي سنة 215هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان 6: 71.
(4) الحبلة: الكرم.
(5) الكرّ: مكيال لأهل العراق يساوي ستين قفيزا أو أربعين أردبا.
(6) البيتان في كتاب الحيوان 4: 465هما للمرار بن منقذ الحنظلي من بني تميم.(1/228)
وكأن أرحلنا بجوّ محصب ... بلوى عنيزة من مقيل الترمس (1)
في حيث خالطت الخزامى عرفجا ... يأتيك قابس أهلها لم يقبس (2)
يعني بلغ من رطوبة أغصانها أنه إذا حك بعضها ببعض لم تقدح.
113 - برمة النحوي (3):
أما ترى الروض قد لاحت زخارفه ... ونشرت في رباه الريط والحلل (4)
واعتمّ بالأرجوان النبت منه فما ... يبدو لنا منه إلا مونق خضل (5)
والنرجس الغص ترنو من محاجره ... إلى الورى مقل تحيا بها مقل (6)
114 - بعض الأعراب:
وفي المقل إن لم يدفع الله شّره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض (7)
115 - أبو حنيفة الدينوري: النبات كله يجمعه الشجر والعشب، فالشجر: ما ارتفع على ساق، وقاوم الشتاء، وكان له خشب، وأورقت أفنانه كل عام والعشب: ما خالف ذلك ثم ينقسم العشب قسمين:
__________
(1) الأرحل: جمع رحل وهو ما يوضع على ظهر البعير كالسرج. والجوّ: منخفض من الأرض. والمحصب: الكثير الحصى. واللوى: منقطع الرمل. وعنيزة: اسم مكان بين البصرة ومكة (معجم البلدان 4: 163). والمقيل: المكان الذي يتجمع فيه الماء.
والترمس: ماء لبني أسد. وقيل: موضع قرب القنان من أرض نجد (معجم البلدان 2: 27).
(2) الخزامى: نبت زهره من أطيب الأزهار. والعرفج: ضرب من النبات سهليّ سريع الإنقياد واحدته عرفجة وهو ليّن أغبر له ثمرة خشناء كالحسك. والقابس: طالب النار.
(3) برمة النحوي: هو محمد بن جعفر الصيدلاني. أديب شاعر، وهو صهر أبي العباس المبرد. راجع معجم الشعراء.
(4) الريط والحلل: كناية عن الأزهار الملونة.
(5) المونق الخضل: المنعش المبتلّ بالندى.
(6) المقل: العيون.
(7) ينزو: يثب.(1/229)
بقلا وجنبة، فالبقل أضعفه، وهو ما يبيد فرعه وأصله، فيكون نباته من بزره والجنبة أقوى من البقل، وهو ما باد فرعه وبقي أصله، فكان نباته في أرومته (1) ولذلك سمي جنبة لأنه في جنبة عن البقل والشجر. البقل أحرار وذكور، فأحراره ما رق وعتق، وذكوره ما غلظ منه. وينقسم المرعى إلى خلّة وحمض، فالحمض ما فيه ملوحة، والخلة بخلافه والحمض يرخي بطون الإبل، ويفتق لحومها ويطيل أوبارها، وينقشها، ويغلظها، ويكثر عليه شربها والخلة للإبل كالخبز، والحمض كالأدم، فإذا عاقبت بينهما كان أفضل ما يكون.
116 - يقال: هم في مثل حدقة البعير، وفي مثل حولاء الناقة (2)
إذا كانت أرضهم معشبة. وعام أوطف وأغرل وأقلف (3)، إذا كان مخصبا.
والأرض وراءنا سنة، إذا كانت مجدبة وأرضون سنوات.
117 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحنّاء سيد رياحين الجنة. وعنه عليه الصلاة والسلام: سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم، وسيد رياحين أهل الجنة الفاغية، وهي نور الحناء.
118 - وعن أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعجبه الفاغية. وأحب الطعام إليه الدباء (4).
119 - قال مدني لامرأته: أيما أحب إليك التمر أم ذلك الأمر؟
قالت: يا حبيبي، التمر ما أحببته قط.
120 - بعثوا رائدا، فجاء وقال: عشب ثعد معد (5)، كأنه أسوق (6)
__________
(1) الأرومة: أصل الشجرة.
(2) الحولاء للناقة: كالمشيمة للمرأة. وقوله في مثل حولاء الناقة أراد الخصب.
(3) عام أوطف: أي كثير الخيرات ومثله أغرل وأقلف.
(4) الدباء: المستدير من القرع.
(5) العشب الثعد: الرطب الرخص وكذلك المعد.
(6) أسوق: جمع ساق.(1/230)
نساء بني سعد.
121 - يقولون في البر: كأنه قطع الأوتار، وبراية الذهب، وفلق الزجاج، وأفواه النغران (1)، وأنت مثل الجوز يمنع خيره صحاحا، ويعطي خيره حين يكسر.
122 - يقولون إذا سقطت النثرة (2) نظرت الأرض بإحدى عينيها، وإذا سقطت الجبهة (3) نظرت بكلتا عينيها. ومعنى نظرت بإحدى عينيها:
اجترأت الأرض على النبات فأطلعت ونظرت بكلتي عينيها:
سخنت ولانت، فازدادت جرأة على البنات، وظهر في حد الشتاء انكسار.
123 - الحمّى في أصول النخل.
124 - من الصنوبر يستخرج القطران، ومن الأرزن (4) الزفت، بأن توقد النار بقربه، فإذا أصابه الحر عرق وسال في ضروب من العلاج.
125 - الأنعام تدخل الرياض فتجتنب مواضع السموم بطباعها، وتخطاها ولا تلتفت الفتها، فلا تغلط الإبل إلا في البيش (5) وحده، ولا الخيل إلا في الدفلى.
126 - يقال للتمر: أبو عون، وللرطب: أبو السمح، وللتين: أبو
__________
(1) النغران: فرخ العصفور الصغير.
(2) النثرة: هو، كما في التهذيب، كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب حيال كوكبين تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر، وهي في علم النجوم من برج السرطان. (اللسان مادة نثر).
(3) الجبهة: عبارة عن أربعة كواكب منزلها القمر يقال لها جبهة الأسد. (اللسان مادة جبه).
(4) الأرزن: شجر صلب تتّخذ منه عصيّ صلبة. قال ابن بري لشاعر:
أعددت للضيفان كلبا ضاريا ... عندي وفضل هراوة من أرزن
(5) البيش: نبت ببلاد الهند وهو سمّ (اللسان مادة بيش) وهو في تاج العروس: نبات كالزنجبيل رطبا يابسا وربما نبت فيه سمّ قتال لكل حيوان.(1/231)
لقمان، وللريحان: أبو النضر، وللنرجس: أبو العيناء، وللجوز: أبو القعقاع.
127 - يقال: أعظم بركة من نخلة مريم، وكانت العجوة (1). قال صاحب المسالك (2): هي ببيت المقدس، غرست منذ أكثر من ألفي سنة، وهي منحنية.
تفاحة شامية ... من كف ظبي غزل
ما خلقت إذ خلقت ... إلا لأجل القبل
كأنما حمرتها ... حمرة خدّ خجل
128 - قيل لأعرابي ألف الحضر وخصبه: أما تخرج إلى البادية؟
فقال: أما ما استلقى السعدان (3) فلا. يريد أبدا، لأن السعدان لا ينبت إلا مستلقيا.
129 - محمد بن عبد الله بن طاهر (4) في الورد:
كأنهنّ يواقيت يطيف بها ... زبرجد وسطه شذر من الذهب (5)
__________
(1) العجوة: تمر المدينة.
(2) المسالك: أراد كتاب «المسالك والممالك في عجائب اليمن وجزيرة العرب» مؤلفه حسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المعروف بابن الحائك، وهو مؤرخ وعالم بالأنساب والفلك والأدب. ولد ونشأ بصنعاء وتوفي سنة 334هـ. راجع ترجمته في بغية الوعاة 217وإرشاد الأريب 3: 9والأعلام 2: 179.
(3) قوله: أما ما استلقى السعدان فلا. أراد القول: لا أريد أبدا. والسعدان في الأصل: شوك النخل، أو نبت ذو شوك كأنه فلكة يستلقي فينظر إلى شوكه كالحا إذا يبس ومنبته سهول الأرض وهو من أطيب مراعي الإبل ما دام رطبا. والعرب تقول:
أطيب الإبل لبنا ما أكل السعدان. والمثل ذكره صاحب اللسان وزاد: سئلت امرأة تزوّجت عن زوجها الثاني: أين هو من الأول؟ فقالت ل مرعى ولا كالسعدان فذهبت مثلا، والمراد بهذا المثل أن السعدان من أفضل مراعيهم.
(4) محمد بن عبد الله بن طاهر: تقدمت ترجمته.
(5) الزبرجد: حجر كريم يشبه الزمرّد أشهره الأخضر جمع زبارج.(1/232)
130 - أبو هريرة يرفعه: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (1).
131 - في ديوان المنثور: لسيدي، أدام الله عزه، سروان: سرو ثابت، وسرو نابت (2) زين بالأول سببه الموروث، وبالثاني سببه المحروث، دامت رفعة ذاك على بقاء الدهور والأزمنة، كما دامت خضرة هذا في جميع فصول السنة والمقترح عليه أن يهدي لي من أدناهما، فإن همتي تنخفض عن استهداء أسناهما.
132 - وفيه: يروى عن ابن أخت خالتي، رضي الله عنه (3): من تناول من ثمار حديقتي ثمرة، كساه الله من رحمته نمرة (4)، ومن أكل من أعنابها حبة، ألبسه الله من مغفرته جبة (5)، وقد عرفت رغبة سيدي في اكتساب هذه الأثواب. فاتحفته من ذلك بما هو خفيف قليل، إلا أنه في ميزان البركة ثقيل.
133 - عن هند بنت الجون (6) نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيمة خالتي أم معبد (7)، فقام من رقدته، ودعا بماء فغسل يديه، ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة، وجاءت بثمر
__________
(1) سورة الواقعة، الآية: 30.
(2) سروان: مثنى السرو، فالسرو الثابت هو الشرف والرفعة. أمّا السرو النابت فهو شجر قويم الساق حسن الهيئة الواحدة سروة.
(3) ابن أخت خالته: يعني هو نفسه، أي الزمخشري المؤلف.
(4) النمرة: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب فيها سواد وبياض والجمع أنمار كأنها أخذت من لون النمر.
(5) الجبّة: ثوب واسع يلبس فوق الثياب.
(6) هند بنت الجون: لم نقف لها على ترجمة.
(7) أم معبد: هي عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ بن ربيعة الخزاعية وهي أخت حبيش بن خالد. نزل عليها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين هاجر إلى المدينة وحلب شاة لها ليلة خروجه من الغار فشرب من لبنها هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله بن أريقط. كانت امرأة برزة قدمت إلى المدينة وأسلمت. راجع الإصابة 8: 281.(1/233)
كأعظم ما يكون، في لون الورس، ورائحة العنبر، وطعم الشهد، ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا بري، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا در لبنها، فكنا نسميها المباركة وينتابنا من البوادي من يستسقي بها، ويزود منها حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، وصغر ورقها، ففزعنا، فما راعنا إلا نعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم أنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضرتها، فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك، فكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط (1)، وقد ذبل ورقها، فبينا نحن فزعين إذ أتانا خبر مقتل الحسين رضي الله عنه، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت. والعجب كيف لم يشهر أمر هذه الشجرة كما شهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص.
134 - علي عليه السّلام، رفعه: لما أسري بي إلى السماء، أخذ جبرائيل بيدي، فأقعدني على درنوك (2) من درانيك الجنة، ثم ناولني سفرجلة، فأنا أقلبها إذا انفلقت، فخرجت منها جارية حوراء، لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد فقلت: من أنت؟ قالت: الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أسفلي من مسك، ووسطي من كافور، وأعلاي من عنبر عجنني بماء الحيوان (3)، قال الجبار:
كوني، فكنت، خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
135 - علي، رفعه: كلوا التمر على الريق، فإنه يقتل الديدان في البطن، وروي عنه: كلوا الرمان فليس منه حبة تقع في المعدة إلا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوما.
__________
(1) العبيط: الذبيحة تنحر وهي سمينة فتيّة من غير علّة جمع عبط وعباط.
(2) الدرنوك: الطنفسة.
(3) ماء الحيوان: ماء الحياة.(1/234)
وروي عنه: كلوا العنب حبة حبة، فإنه أهنأ وأمرأ.
وروي عنه: إذا طبختم فاكثروا القرع فإنه يسكن قلب الحزين.
136 - كعب بن الأشرف (1):
رب خال لي لو أبصرته ... سبط المشية أباء أنف
ليّن الجانب في أقربه ... وعلى الأعداء سمّ كالذعف (2)
ولنا بئر رواء عذبة ... من يردها باناء يغترف
ونخيل في تلاع جمة ... تخرج الطلع كأمثال الأكف (3)
137 - أحمد بن سليمان بن وهب (4):
حفت بسرو كالقيان تلفحت ... خضر الحرير على قوام معتدل
فكأنها والريح حين تميلها ... تبغي التعانق ثم يدركها الخجل
138 - حازم بن عروة اليربوعي: هجا العلاء بن صباغ نخلا له فقال:
يا أيها القائل قولا تكثره ... والكذب شرّ القول حين تأثره
__________
(1) كعب بن الأشرف: هو كعب بن الأشرف الطائي من بني نبهان، شاعر جاهلي كانت أمّه من بني النضير فدان باليهودية. وكان سيدا في أخواله. يقيم في حصن له قريب من المدينة ما زالت بقاياه إلى اليوم يبيع فيه التمر والطعام. أدرك الإسلام ولم يسلم.
وأكثر من هجو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم والتشبيب بنسائهم. أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بقتله فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة سنة 3هـ. راجع ترجمته في الروض الأنف 2: 123والأعلام 5: 225.
(2) الذعف: السمّ الذي يقتل من ساعته.
(3) الطّلع من النخل: شيء يخرج كأنه نغلان مطبقان والحمل بينهما منضود، أو ما يبدو من تمرته في أول ظهورها.
(4) أحمد بن سليمان بن وهب: كاتب شاعر من أهل بغداد، تقلّد أعمالا مهمة منها النظر في جباية الأموال. توفي سنة 285هـ. راجع إرشاد الأريب 1: 136.
قد عبت جبارا بهيجا منظره ... دهما كجنح الليل حين تبصره (1)
وقال:(1/235)
__________
(4) أحمد بن سليمان بن وهب: كاتب شاعر من أهل بغداد، تقلّد أعمالا مهمة منها النظر في جباية الأموال. توفي سنة 285هـ. راجع إرشاد الأريب 1: 136.
قد عبت جبارا بهيجا منظره ... دهما كجنح الليل حين تبصره (1)
وقال:
الله أعطاني ليبلو شكري ... حدائقا من أمهات التمر (2)
من كل قنواء دلوح الوقر ... فهي تسامى ببنات نضر (3)
كأن أثناء البرود الحمر ... بين خوافيها الرواء الخضر
139 - مروان بن سعيد المهلبي (4):
مرت بنا إبل تهوى إلى هجر ... بالتمر خسران ما تهوى به الإبل (5)
140 - خالد بن المهاجر الزهري:
ولما نزلنا منزلا طله الندى ... أنيقا وبستانا من النور حاليا
أجدّ لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا (6)
141 - فضّل خليد عينين (7) الهجري الفرزدق على جرير، فقال:
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... متى كان حكم الله في كرب النخل
فأجابه خليد بقوله:
أعيرتنا نخلا كثيرا وقرية ... وودّ أبوك الكلب لو كان ذا نخل
وأي نبي كان من غير قرية ... وهل تعرف الأحكام إلا مع الرسل
(1) الدهمة: السواد. ودهما: أسود.
(2) يبلو الشكر: يختبره.
(3) القنواء: مؤنث قنا. وقنا لون الشيء: كان أحمر قانيا. والقنا أيضا: العذق وهو من النخل كالعنقود. وشجرة دلوح: مثقلة بالأثمار. والوقر: الحمل الثقيل.
(4) مروان بن سعيد المهلبي: هو مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة. من أهل البصرة. كان غلاما للخليل بن أحمد حاذقا بالنحو توفي سنة 190هـ. راجع ترجمته في بغية الوعاة 390.
(5) هجر: قرية من قرى المدينة. وهجر: بلد معروف بالبحرين.
(6) البيتان في شرح الحماسة (3: 275) منسوبان لأبي بكر بن عبد الرحمن الزهري.
(7) شاعر لم نقف له على ترجمة.(1/236)
142 - كان عمر بن كيسية النهدي (1)، وهو الذي يقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسها من نقب ولا دبر (2)
اغفر له اللهم إن كان فجر
مع أبي موسى الأشعري في قتال أهل تستر (3)، فمر بقراح (4) بطيخ، فمديده ليأخذ منه، فمنع وحبس، فقال:
أفي بطيخة ركبوا إلينا ... فظل لنا بهم يوم عصيب
وظل بنات أعوج ملجمات ... لها في كل قنطرة نحيب (5)
وظلوا حابسيّ إلى جدار ... يقول أميرهم هلا تتوب
143 - علي رضي الله عنه في وصيته: وأن لا تبيع من نخل هذه القرى ودية (6) حتى تشكل أرضها غراسا. قال الرضي (7): المراد أن الأرض يكثر فيها غراس النخل، حتى يراها الناظر على غير الصفة التي عرفها بها، فيشكل عليه أمرها، ويحسبها غيرها.
144 - كرب بن أخشن العميري:
__________
(1) عمر بن كيسية النهدي: هو الذي طلب من عمر بن الخطاب أن يحمله عندما نقبت ناقته فرفض عمر واتّهمه بالكذب وحلف على ذلك فقال هذا الرجز.
(2) نقب خفّ البعير: رقّ من طول السير. والدبر: القرح يكون في الدابة.
(3) تستر: مدينة بخوزستان فتحها المسلمون سنة 17هـ مشهورة بأنهارها وأعظمها نهر تستر وهو الذي بنى عليه سابور الملك شاذروان بباب تستر حتى ارتفع ماؤه إلى المدينة لأن تستر على مكان مرتفع من الأرض وهذا الشاذروان من عجائب الأبنية. (راجع معجم البلدان 2: 29).
(4) القراح من الأرض: المعدّة للزرع. وقوله قراح بطيخ: أي زرعت بطيخا.
(5) الخيل الأعوجية منسوبة إلى فحل يقال له أعوج. يقال: هذا الحصان من بنات أعوج. وأعوج فحل كريم تنسب إليه الخيل الكرام.
(6) لا تبع ودية: أي لا تبع نخلة صغيرة. والوديّ: صغار الفسيل واحدته وديّة.
(7) الرضي: هو الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى. كان شاعرا كاتبا بليغا ولد ببغداد سنة 359هـ. وتوفي فيها سنة 406هـ. راجع الوفيات 2: 2والذريعة 7: 16(1/237)
القارح النهد الطويل الشوى ... والنثرة الحصداء والمنصل (1)
والضرب في أقيال ملمومة ... كأنما لامتها الأعبل (2)
خير لمن يطلب كسب الغنى ... من جنة يشتقها جدول (3)
حين زها سامق جبارها ... واعتم فيها القضب والسنبل (4)
145 - دخل عمرو بن معاذ التميمي (5) الملقب بمسكة على المهدي، فأنشده:
أنتم جمارة من هاشم ... والكرانيف سواكم والخشب (6)
فأعطاه ألف دينار.
146 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: في كل ورقة من الهندباء (7) وزن حبة من ماء الجنة. ومن أكل جرجيرا (8)، ثم بات، بات الجذام (9) يتردد في جوفه.
147 - بكى شيخ حجازي ليلته يردد قوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا}
__________
(1) الفرس القارح: الفتي الذي استتم الخامسة. والنهد: القوي. والشوى:
الأطراف. والنثرة: الدرع. والمنصل من الحبال والدروع: المصنوع جيدا.
والأبيات الأربعة في معجم الشعراء للمرزباني.
(2) الأقيال: الملوك. جمع قيل: والملمومة: المجتمعة. واللأمة: الدرع وهنا حففت الهمزة للتسهيل. والأعبل: صفة للجبل الغليظ الوعر.
(3) الشاعر هنا يفضل الحروب على العمل في الزراعة.
(4) هنا يصف الشاعر نخلا. فالسامق الجبار: النخل الطويل. وزها النخل: ظهرت فيه الصفرة والحمرة. واعتم النبت: طال. والقضب: الرطبة. والسنبل: نبات طيب الرائحة.
(5) عمرو بن معاذ التميمي: شاعر بصير ذكره المرزباني في معجمه.
(6) الجمارة: الجماعة. والكرانيف واحدته كرنافة وهي أصل السعفة الغليظ الملتزق بجذع النخلة.
(7) الهندباء: نوع من البقل الزراعي تقول له العامة «العلت».
(8) الجرجير: بقلة معروفة تنبت على الماء وتؤكل وهي على أنواع منها الحريف والقليل الحرافة.
(9) الجذام: داء كالبرص يسبب نساقط اللحم والأعضاء.(1/238)
{السَّمََاوََاتُ وَالْأَرْضُ} (1) ويبكي فقيل له: لقد أبكتك آية ما يبكى عند مثلها، فقال: وما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم؟.
148 - أتي يوسف بن أسباط (2) بباكورة (3) مرة، فقلبها ثم وضعها بين يديه ثم قال: إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، إنما خلقت لننظر بها إلى الآخرة.
149 - علي رضي الله عنه: ألا حرّ يدع هذه اللماظة (4) لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها. وعنه فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الناس من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها، ولذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب في عساليجها (5) وأفنانها، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها تجني من غير تكلف فتأتي على منية مجتنيها، ويطاف على نزالها في أفنية قصورها بالاعسال المصفقة، والخمور المروقة قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار (6)، وأمنوا نقلة الأسفار.
150 - يزيد بن الخضراء الأشهلي (7):
تبدلت لما أخرجتني عشيرتي ... بخيبر فتيان الوطيح الأكارما (8)
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 133.
(2) يوسف بن أسباط: كان زاهدا عابدا، شيباني كوفي نزل قرية بين حلب وإنطاكية وحدّث عن عامر بن شريح وسفيان الثوري. وكان لا يأكل إلّا الحلال. توفي سنة 195هـ. راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 4: 462وتهذيب التهذيب 11: 407.
(3) الباكورة: أول ما يدرك من الفاكهة جمع بواكير وباكورات.
(4) اللماظة: بقية الطعام في الفم. واللّماظة: الفصاحة وطلاقة اللسان. ولمظ لمظا:
أخرج لسانه بعد الأكل أو الشرب فمسح به شفتيه.
(5) العساليج: جمع عسلوج وهو الغصن الطريّ من الشجر والكرم.
(6) دار القرار: كناية عن الآخرة.
(7) يزيد بن الخضراء الأشهلي: لم نقف له على ترجمة.
(8) خيبر: الموضع المذكور في غزاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي ناحية قريبة من المدينة لمن يريد الشام يطلق على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون وأسماء حصونها:
حصن ناعم، والقموص حصن أبي الحقيق وحصن الشّق، وحصن النطاة: وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة، وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود الحصن. فتح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الحصون كلّها في سنة سبع للهجرة وقيل سنة ثمان.
راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 409.
ونخلا تدب العين تحت أصوله ... كحرة ليلى في عراض سلالما (1)
151 - قال الرشيد لابن السماك (2) عظني، قال: احذر يا أمير المؤمنين أن تصير إلى جنة عرضها السماوات والأرض فلا يكون لك فيها موضع قدم.(1/239)
__________
راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 409.
ونخلا تدب العين تحت أصوله ... كحرة ليلى في عراض سلالما (1)
151 - قال الرشيد لابن السماك (2) عظني، قال: احذر يا أمير المؤمنين أن تصير إلى جنة عرضها السماوات والأرض فلا يكون لك فيها موضع قدم.
152 - مالك بن دينار: جنات النعيم من جنات الفردوس، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة قيل: ومن يسكنها؟ قال: الذين هموا بالمعاصي، فلما ذكروا عظمة الله راقبوه.
153 - فضيل (3): لو بزقت الحوراء (4) في سبعة أبحر لأعذبتهن.
إبراهيم بن أدهم: سبانا إبليس من الجنة بخطيئة، فهل للسبي من راحة حتى يرجع إلى المكان الذي سبي منه؟.
154 - حكى الضبي معلم المعتز (5): كان ببغداد مؤذن إذا لاحت له
(1) حرّة ليلى: هي لبني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن غطفان يطؤها الحاج في طريقهم إلى المدينة. وعن بعضهم أن حرّة ليلى من وراء وادي القرى من جهة المدينة فيها نخل وعيون. معجم البلدان 2: 247.
(2) ابن السماك: هو محمد بن صبيح بن السماك. تقدمت ترجمته.
(3) فضيل: هو الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي. تقدمت ترجمته.
(4) امرأة حوراء: بيّنة الحور والحور أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها. وقيل: الحور: شدة سواد المقلة في شدّة بيياضها في شدّة بياض الجسد. وقيل للنساء حور العين لأنهن شبّهن بالظباء.
(5) المعتز: هو محمد بن جعفر بن محمد بن هارون الرشيد. خليفة عباسي ولد في سامراء سنة 232هـ. بويع سنة 235هـ. أيامه فتن. خلع نفسه ومات معذّبا سنة 255هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 2: 185والمرزباني 446.(1/240)
وردة انغمس في لجة قصفه إلى أن يمضي زمن الورد، وكان يقول:
يا صاحبيّ اسقياني ... من قهوة خندريس (1)
على جنيّات ورد ... يذهبن همّ النفوس
ما تنظران فهذا ... وقت لحث الكؤوس
فبادروا قبل فوت ... لا عطر بعد عروس
فإذا لم تبق وردة أقبل إلى مسجده وهو يقول:
تبدلت من ورد جنيّ ومسمع ... شهيّ ومن لهو وشرب مدام
أذانا واخباتا ولوما لمعشر ... أرى منهم المامة بحرام
وذلك دأبي أو أرى الورد طالعا ... فأترك أصحابي بغير إمام
وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذن فيه من يشا بسلام (2)
155 - عبد الله بن جعفر (3): رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل القثاء بالرطب.
156 - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (4): سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الكمأة (5) من المن، وماؤها شفاء للعين.
__________
(1) الخندريس: الخمر المعتّقة. قال ابن دريد: أحسبه معربا سميت بذلك لقدمها ومنه حنطة خندربس للقديمة.
(2) من يشا: أراد من يشاء بحذف الهمزة للتهسيل.
(3) عبد الله بن جعفر: ويسمّى بحر الجود، هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي. ولد بالحبشة وهو أول من ولد بها من المسلمين. كان في جيش الإمام علي في صفين. توفي سنة 80هـ. راجع المحبر 148.
(4) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: صحابي، أحد العشرة المبشرة بالجنة ولد بمكة سنة 22ق. هـ. شهد المشاهد كلّها إلّا بدرا لأنه كان في مهمّة أرسله بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولّاه أبو عبيدة دمشق. توفي بالمدينة سنة 51هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 3: 275وصفة الصفوة 1: 141وتهذيب ابن عساكر 6: 127.
(5) الكمأة: نبات يقال له أيضا شحم الأرض يوجد في الربيع تحت الأرض وهو أصل مستدير كالقلقاص لا ساق له ولا عرق لونه يميل إلى الغبرة.(1/241)
157 - جابر بن عبد الله (1): كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمر الظهران (2)
ونحن نجني الكباث (3)، فقال: عليكم بالأسود منه، فقلنا: يا رسول الله كأنك رعيت الغنم، فقال نعم، وهل نبي ألا وقد رعاها؟.
158 - لعبد الله الفقير إليه (4):
إن كان عقلك موصوفا برجحان ... فاعمل بما خط في مضراب رجحان
أراد خفاء العمل. قرىء على مضراب مغنية اسمها رجحان:
غضي جفونك يا عيون النرجس ... حتى أفوز بنظرة من مؤنسي
159 - في ديوان المنظوم:
أبطا علينا الربيع الناعم الخضل ... ونحن نشتاقه شوقا له غلل (5)
فجاء مستحييا من طول غيبته ... وإنما ورده في خده خجل
160 - سمع هشام (6) نفض الزيتون في بستانه فقال: القطوه لقطا ولا تنفضوه فتفقأ عيونه، وتكسر غصونه.
161 - كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه، وأذن للناس في أكله وحمله، وردد: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
__________
(1) جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الخزرجي الأنصاري. توفي سنة 78هـ. تقدمت ترجمته.
(2) مرّ الظهران: موضع قريب من مكة له ذكر في الحديث. والظهران هو الوادي.
(راجع التفاصيل في معجم البلدان 5: 104).
(3) الكبات: تمر الأراك متى نضج ويكون عناقيد. والأراك: شجر معروف وهو شجر السّواك يستاك بفروعه واحدته أراكة وهي شجرة خضراء ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوّارة العود تنبت بالغور.
(4) عبد الله الفقير إليه: أراد هو نفسه أي الزمخشري مؤلف الكتاب.
(5) أبطا: بحذف الهمزة للتهسيل أي تأخر.
(6) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان من خلفاء بني أمية في الشام. تقدمت ترجمته.(1/242)
162 - إبراهيم بن حمزة الزبيري (1): كنا متنزهين بالعقيق (2)، فمر بنا غلام يحمل حملين من عنب وتين، فقلنا له أنخ يا غلام، فأخذنا حاجتنا، فقلنا له: أتعرفنا؟ قال لا، قلنا: فلم تركتنا نأخذ؟ قال: أمرني مولاي إذا مررت بأحد له هيئة أن لا أمنعه.
163 - بريدة (3)، رفعه: سيّد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية (4).
164 - الحسن بن علي: حباني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وسلم بكلتا يديه وردا وقال: أما إنه سيد رياحين الجنة سوى الآس (5)
165 - عبد الله بن عمران (6) مصر أطيب الأرض ترابا، وأبعدها خرابا.
__________
(1) إبراهيم بن حمزة الزبيري: هو إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام المدني. قال عنه ابن حبان أنه من ثقات رجال الحديث توفي بالمدينة سنة 230هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5: 327وتهذيب التهذيب 1: 116.
(2) العقيق: مكان بناحية المدينة وهما عقيقان. العقيق الأكبر والعقيق الأصغر (راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 139).
(3) بريدة: هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي. غزا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مغازيه. كان في البصرة عندما مصّرت ثم خرج عنها في خلافة عثمان إلى خراسان غازيا. توفي بمرو سنة 63هـ في خلافة يزيد بن معاوية. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 431.
(4) الفاغية: الرائحة الطيبة. وقيل: ورد كل ما كان من الشجر له ريح طيبة لا تكون لغير ذلك. وقيل: نور الحنّاء خاصة وهي طيبة الريح تخرج أمثال العناقيد وينفتح فيها نور صغار فتجتنى ويربّب بها الدهن. وفي حديث أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تعجبه الفاغية.
(5) الآس: شجر يعرف بالريحان واحدته آسة ويعرف حبّه عند العامة بالحنبلاس (حب الآس).
(6) عبد الله بن عمران: هناك أكثر من علم بهذا الاسم. راجع كتب التراجم.(1/243)
166 - حدث أبو العميس (1) عن القاسم (2) قال: مد الفرات فقذفت برمانة مثل البعير، قال: فتحدث أهل الكتاب أنها من الجنة.
__________
(1) أبو العميس: هو عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي. كوفي. راو للحديث. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 97.
(2) القاسم: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. أحد الفقهاء السبعة في المدينة المنورة ولد في المدينة سنة 37هـ. توفي بقديد حاجا معتمرا سنة 107هـ. راجع ترجمته في نكت الهميان 33ووفيات الأعيان 1: 418.(1/244)
الباب التاسع البلاد والديار والأبنية وما يتصل بها من ذكر العمارة والخراب وحب الوطن
1 - ابن عباس رضي الله عنه: ما أعلم على وجه الأرض بلدة تدفع فيها بالحسنة مائة إلا مكة، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلى فيها ركعة مائة ركعة غير مكة ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يتصدق فيها بدرهم فيكتب له ألف درهم إلا مكة ولا أعلم على وجه الأرض بلدة هي مأوى الأبرار ومصلى الأخيار غير مكة ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس منها شيء إلا وفيه تكفير للخطايا إلا مكة ولا أعلم بلدة يحشر منها الأنبياء غير مكة ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم من روح الجنة ما ينزل بمكة.
والمراد بفضل البقاع والأوقات أن ثواب عمل الطاعة فيها أكثر من ثواب من عمل في غيرها، لما علم الله من صلاح المكلفين في ذلك.
2 - وعن عبد الله بن عمرو (1): أن الحرم محرم في السماوات السبع، مقداره من الأرض والهواء إلى العرش.
3 - وهيب بن الورد (2): كنت ذات ليلة في الحجر أصلي، فسمعت
__________
(1) هو عبد الله بن عمرو بن العاص المتوفّى سنة 39هـ. تقدمت ترجمته.
(2) وهيب بن الورد: هو وهيب بن الورد بن أبي الورد المخزومي، بالولاء، أبو أميّة، من العباد الحكماء، من أهل مكة ووفاته بها (153هـ). كان من أقران إبراهيم بن أدهم. وكان سفيان الثوري إذا حدث الناس في المسجد الحرام وفرغ قال: قوموا إلى الطيب! يعني وهيبا. له أخبار وكلمات مأثورة. راجع ترجمته في الأعلام 8: 126وحلية الأولياء 8:: 14(1/245)
كلاما بين الكعبة والأستار، إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل من الطائفين حولي، من تفكههم بالحديث، ولغوهم، ولهوهم لئن لم ينتهوا لأنتفضنّ انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه.
4 - ابن مسعود (1): ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل إلا مكة وتلا قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحََادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ} (2).
5 - ابن عباس: لئن أذنب سبعين ذنبا بركبة (3) أحبّ إليّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة. وركبة منزل بين مكة والطائف.
6 - قال سفيان (4): والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل:
خراسان، فقال: مذاهب مختلفة، وآراء فاسدة قيل: فالشام، قال:
يشار إليك بالأصابع، أراد الشهرة قيل: فالعراق، قال: بلد الجبابرة، قيل: فمكة، قال: تذيب الكيس والبدن.
7 - في الحديث: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع، فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة.
8 - وعن علي، رفعه: قال الله إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي
__________
(1) ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي. تقدمت ترجمته.
(2) سورة الحاج، الآية: 25.
(3) ركبة: واد من أودية الطائف. هي بين مكة والطائف. وفي كتاب فضائل مكة لأبي سعيد المفضل بن محمد بن تميم الجندي الهمداني بإسناد له أن عمر بن الخطاب قال: لئن أخطىء سبعين خطيئة بركبة أحبّ إليّ من أن أخطىء خطيئة واحدة بمكة.
راجع معجم البلدان 3: 63.
(4) سفيان: هو سفيان الثوري المتوفى سنة 161هـ. تقدمت ترجمته.(1/246)
فخربته، ثم أخرب الدنيا على أثره.
9 - من خصائص الحرم أن الذئب يريغ (1) الظبي، فإذا دخله كف عنه، وأنه لا يسقط على الكعبة حمام إلا وهو عليل، وأنه إذا حاذى الكعبة عرقة (2) من طير انفرقت فرقتين ولم يعلها طائر منهما، وأنه إذا أصاب المطر الباب الذي من شق العراق كان الخصب بالعراق تلك السنة، وكذلك كل شق، وإذا عمّ جوانب البيت عمّ الخصب كل البلاد، وأن حصى الجمار يرمى به منذ حج الناس على طوال الدهر وهو على مقدار واحد، ولولا موضع الآية لكان كالجبال. ومن سنة أهل الحرم أن كل من علا الكعبة من عبيدهم فهر حر، لا يجمعون بين عز علوها وبين ذلة الرق. وبمكة صلحاء لم يدخلوا الكعبة قط تعظيما لها.
10 - النميري الثقفي (3):
تشتو بمكة زينب ... ومصيفها بالطائف
أكرم بتلك مواقفا ... وبزينب من واقف
11 - جاء الإسلام ودار الندوة (4) بيد حكيم بن حزام (5) فباعها من معاوية بمائة ألف درهم، فقال له عبد الله بن الزبير: بعت مكرمة قريش؟
قال: ذهبت المكارم إلا من التقوى، يا ابن أخي إني اشتريت بها دارا
__________
(1) يريغ الظبي: يخادعه ويطلبه على وجه المكر.
(2) العرقة من الطير: الصفّ.
(3) النميري الثقفي: هو محمد بن عبد الله بن غير بن خرشة الثقفي، من شعراء الغزل في العصر الأموي ولد في الطائف. كان كثير التشبيب بزينب أخت الحجاج. وعندما طلبه الحجاج هرب النميري إلى اليمن ثم استجار بعبد الملك بن مروان فأجاره وعفا عنه الحجاج على ألّا يعود إلى ما كان عليه. توفي نحو سنة 90هـ. راجع ترجمته في الأعلام 6: 220.
(4) دار الندوة: بمكة أحدثها قصيّ بن كلاب بن مرّة لما تلمك مكة، وهي دار كانوا يجتمعون فيها للمشاورة، وجعلها بعد وفاته لابنه عبد الدار بن قصيّ.
(5) حكيم بن حزام: هو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ.(1/247)
بالجنة، أشهدك أني جعلت ثمنها في سبيل الله (1).
12 - البقاع تشرف وتفضل بمقام الصالحين الأخيار، ولقد شرف الله بيت المقدس بمقام الأنبياء، والمدينة بهجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه رضي الله عنهم.
وبلغنا أن عيسى بن مريم عليه السّلام تكون هجرته إذا نزل من السماء إلى المدينة، فيستوطنها حتى يأتيه الأمر من الله. روى أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: إذا أهبط الله عيسى من السماء فإنه يعيش في هذه الأمة ما شاء الله، ثم يموت بمدينتي هذه، ويدفن إلى جانب قبر عمر، فطوبى لأبي بكر وعمر فأنهما يحشران بين نبيين.
13 - عائشة عنه عليه الصلاة والسلام: فتحت البلاد كلها بالسيف، إلا المدينة فأنها فتحت بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
14 - وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الإيمان ليأرز (2) إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها (3).
15 - محمد بن قيس بن مخرمة (4) يرفعه: من مات في أحد الحرمين (5) بعثه الله يوم القيامة آمنا.
__________
(1) راجع الخبر في معجم البلدان 2: 423. وفيه: بعت مكرمة آبائك وشرفهم، فقال حكيم، ذهبت المكارم إلّا التقوى، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزقّ خمر وقد بعتها بمائة ألف درهم وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله تعالى، فأيّنا المغبون؟.
وقال ابن الكلبي: دار الندوة أول دار بنت قريش بمكة وانتقلت بعد موت قصيّ إلى ولده الأكبر عبد الدار ثم لم تزل في أيدي بنيه حتى باعها عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار من معاوية بن أبي سفيان فجعلها دار الإمارة.
(2) يأرز إلى المدينة: ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.
(3) الجحر: بيت الحيّة.
(4) محمد بن قيس بن مخرمة: هو محمد بن قيس بن مخرمة بن عبد الملك بن عبد مناف بن قصي المطلبي القرشي. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو صغير فعدّه جماعة من الصحابة. راجع ترجمته في الإصابة 6: 155.
(5) الحرمان: مكة والمدينة.(1/248)
16 - شعيا عليه السّلام (1) قال: اصبري أوري شلم (2) فانه سيأتيك راكب يعني عيسى بن مريم، ثم يأتيك راكب البعير، يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وهي أرض بيت المقدس. قال الأعشى (3):
وطوفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوري شلم
ويقال لها فلسطين وأرض المحشر، والقرية المحفوظة، ومدينة الجنة.
17 - سأل عمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي البقاع خير وأي البقاع شر؟
فقال: لا أدري، فسأل جبرائيل عن ذلك فقال: لا أدري، فقال: سل ربك، فسأله فقال: خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق.
18 - كان أبو مسلم الخولاني (4) يكره الجلوس في المساجد، ويقول: المساجد مجالس الكرام.
19 - أبو هريرة: من بني مسجدا من مال حلال بنى الله له بيتا في الجنة.
20 - أنشدت بمكة حرسها الله:
بنى مسجدا لله من غير حله ... فكان بحمد الله غير موفق (5)
21 - دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فإذا فتية من الأنصار يذرعون
__________
(1) شعيا: آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل. وهو سعيا بن أمصيا والشين لغة فيه.
(2) أوري شلم: اسم بيت المقدس (معرب بن العبرية).
(3) الأعشى: هو ميمون بن قيس، الشاعر الجاهلي المشهور.
(4) أبو مسلم الخولاني: هو عبد الله بن ثوب، تابعي، من الفقهاء الزاهدين. أصله من اليمن. أدرك الجاهلية وأسلم. قدم المدينة في خلافة أبي بكر ثم هاجر إلى الشام وتوفي فيها سنة 62هـ. راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 209واللباب 1: 395.
(5) في نسخة بعد هذا البيت:
كمطعمة الرمان من كسب فرجها ... فويحك لا تزني ولا تتصدّقي(1/249)
المسجد بقصبة، قالوا: نريد أن نعمر مسجدك، فأخذ القصبة فرمى بها، وقال: خشيبات وثمامات (1) وعريش كعريش موسى والشأن أقرب من ذلك.
22 - عائشة: عنه عليه الصلاة والسلام: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغضها إليه أسواقها.
23 - من كان في المسجد فلم ير أنه في صلاة لم يفقه.
24 - أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: لكل شيء قمامة، وقمامة المسجد لا والله، ويلي والله.
25 - معاذ (2) يرفعه: من علق قنديلا في المسجد صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل، ومن بسط فيه حصيرا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يتقطع ذلك الحصير.
26 - مالك بن دينار (3): إن المنافقين في المساجد كالعصافير في القفص.
27 - عنه عليه السّلام: من ألف المسجد ألفه الله، وعنه: يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، فلا تجالسوهم، فليس لله بهم حاجة.
__________
(1) الثمام: نبت ضعيف لا يطول واحدته ثمامة.
(2) معاذ: هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي، جليل، كان عالما بالحلال والحرام، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. أسلم وهو فتى، وآخى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين جعفر بن أبي طالب. شهد العقبة مع الأنصار السبعين. وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعثه رسول الله بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن. ولد سنة 20ق هـ وتوفي سنة 18هـ بناحية الأردن ودفن بالقصير المعيني (بالغور). ومن كلام عمر: لولا معاذ لهلك عمر، ينوّه بعلمه. راجع ترجمته في الإصابة ت 8039 وأسد الغابة 4: 376وحلية الأولياء 1: 228والأعلام 7: 258.
(3) مالك بن دينار البصري المتوفى سنة 131هـ. تقدمت ترجمته.(1/250)
وعنه: قال الله تعالى: إن بيوتي في أرض المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره.
وعنه عليه الصلاة: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان.
28 - سعيد بن المسيّب (1): من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فما حقه أن يقول إلا خيرا.
29 - في الحديث: الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش.
30 - النخعي (2): كانوا يرون أن المشي في الليلة المظلمة إلى المسجد موجبة (3).
31 - سأل رجل من سمرقند فضيلا (4): أيما أحب إليك أن أجار بمكة أو آتي الشام؟ فقال: ما تبالي أن تكون بالشاش (5) بعد أن تكون تقيا.
__________
(1) سعيد بن المسيب المتوفى سنة 94هـ. تقدمت ترجمته.
(2) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي. تابعي. كان صالحا حافظا للحديث، من أهل الكوفة. مات مختفيا من الحجاج. قال فيه الصفدي: فقيه العراق، كان إماما مجتهدا له مذهب. ولد سنة 46هـ وتوفي سنة 96هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 6: 188والأعلام 1: 80. وتهذيب التهذيب.
(3) موجبة: أي توجب الرحمة والمغفرة.
(4) سمرقند: تقدمت تحديدها، وكذلك تقدمت ترجمة فضيل بن عياض المتوفى سنة 187هـ.
(5) الشاش: بلدة واقعة وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك خرج منها العلماء ونسب إليها خلق من الرواة والفصحاء. وقال ابن الفقيه: من سمرقند إلى زامين سبعة عشرا فرسخا، وزامين مفرق الطريقين إلى الشاش والترك وفرغانة، فمن زامين إلى الشاش خمسة وعشرون فرسخا. وقال البشاري: الشاش كورة قصبتها بنكث. راجع التفاصيل في معجم البلدان 3: 309.(1/251)
32 - عن علي الأزدي (1): سألت ابن عباس عن الجهاد فقال:
ألا أدلك على ما هو خير؟ تبني مسجدا يعلم الناس فيه القرآن، وسنن الرسول، والفقه في الدين.
33 - لبني عدي بن عبد مناة (2): مسجد بالبصرة ينتاب وينزل به، يقال إن جمل عائشة عقر في موضعه فابتنى على ذلك، فقال رجل منهم يهجوهم:
قوم كرام غير ما أنهم ... سطوتهم تعدو على جارهم
ليس لهم فخر سوى مسجد ... به تعدوا فوق أطوارهم
لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم
34 - علي رضي الله عنه: كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي (3)، تعركين بالنوازل، وتركبين بالزلازل، وإني لأعلم أنه ما أراد
__________
(1) علي الأزدي: هو علي بن عبد الله الأزدي، تابعي، من رواة الحديث، كان يختم القرآن في رمضان كل ليلة. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 358.
(2) عديّ بن عبد مناة: هو عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة، من مضر، من عدنان، جدّ جاهلي، سكن بعض بنيه اليمامة واشتهر منهم بعد الإسلام ذو الرّمة الشاعر وبينه وبين عدّي اثنا عشر أبا، في رواية ابن حزم، ومن عقبه أبو رفاعة، عبد الله بن الحارث بن عبد الله: صحابي، سكن البصرة وقتل بكابل، وآخرون. راجع جمهرة الأنساب 189والتاج 10: 237وانظر معجم قبائل العرب 765وسماه القلقشندي في نهاية الأرب 290وعنه السويدي في سبائك الذهب 23 «عدي بن زيد مناة».
(3) الأديم العكاظي: المنسوبة إلى عكاظ. كان يحمل إليها فيباع فيها. وعكاظ نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء وبه كانت أيام الفجار. وقيل: عكاظ بين نخلة والطائف وذو المجاز خلف عرفة ومجنّة بمرّ الظهران، وهذه أسواق قريش والعرب، ولم يكن فيه أعظم من عكاظ. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 142.(1/252)
بك جبار سوءا إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل.
35 - جهم بن خلف المازني (1) في المفضل الضبي (2):
أنت كوفي ولا يحفظ ... كوفي صديقا
لم يكن وجهك يا كو ... فيّ للخير خليقا
36 - كان عمر رضي الله عنه إذا ذكر الكوفة قال: كنز الإيمان، وجمجمة العرب، ورمح الله الأطول.
37 - قيل لأبي عبيدة (3): البصرة أحب إليك أم الكوفة؟ قال: لو دلني أحد على البصرة لدفعت إليه الكوفة مجازاة له.
38 - علي رضي الله عنه لأهل البصرة: أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء، خفت عقولكم، وسفهت حلومكم، وأنتم غرض لنابل، وأكلة لآكل، وفريسة لصائل (4).
وعنه: كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة (5)، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، أحلامكم دقاق (6)، وعهدكم شقاق (7) ودينكم نفاق وماؤكم زعاق (8)، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك
__________
(1) جهم بن خلف المازني: لم نقف له على ترجمة.
(2) المفضل الضبي: هو المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي، أبو العباس.
عالم بالشعر والأدب وأيام العرب، من أهل الكوفة. صنّف للمهدي العباسي كتاب المفضليات وسمّاه «الإختيارات». توفي سنة 178هـ. راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 195ولسان الميزان 6: 81.
(3) أبو عبيدة: هو معمّر بن المثنّى التيمي بالولاء المتوفي سنة 209هـ. تقدمت ترجمته.
(4) صاله الجمل يصول صيالا وصوالا وهو جمل صؤول، وهو الذي يأكل راعيه ويواثب الناس فيأكلهم.
(5) أتباع البهيمة: كناية عن الجمل، جمل عائشة.
(6) أحلامكم دقاق، وقيل أخلاقكم، يصفهم باللؤم.
(7) عهدكم شقاق: يصفهم بالغدر.
(8) ماؤكم زعاق: أي مالح.(1/253)
برحمة ربه وأيم الله لتغرقن بلدتكم كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ (1) سفينة، أو نعامة جاثمة، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها.
39 - وصف رجل صنعاء فقال: بلغ من طيب ترابها أن الرجل يسجد فلا يشتهي أن يرفع رأسه.
40 - قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها؟ قال:
خروجي منها.
41 - قال أبو العتاهية (2) لبدوي: هل لك في أرض الريف والخصب أرض العراق؟ فقال: لولا أن الله أرضى بعض العباد بشر البلاد لما وسع خير البلاد جميع العباد.
42 - كريب بن سلمة الجعفي (3):
إذا نحن جاوزنا دمشق ووجهت ... صدور المطايا للعراق المشرق (4)
فأحبب به دارا إلينا ومنزلا ... إذا نحن جاورنا بلاد الخورنق (5)
43 - الجاحظ في ذكر العراق: موضع التميمة، وواسطة القلادة، به تلاحقت الطبائع، وصرحت عن اللب الأصيل، والخلق الجميل.
44 - ابن زريق الكاتب (6):
__________
(1) جؤجؤ السفينة: صدرها. راجع الخطبة في شرح نهج البلاغة 1: 83.
(2) أبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم بن سويد الغزي بالولاء. تقدمت ترجمته.
(3) كريب بن سلمة الجعفي: هو كريب بن سلمة بن يزيد الجعفي. قال المرزباني في معجم الشعراء: أقبل كريب من الشام يريد العراق وذكر له هذين البيتين.
(4) المطايا: جمع مطية وهو كل ما يركب من الحيوان.
(5) بلاد الخورنق: كناية عن العراق. والخورنق: قصر كان بظهر الحيرة وقد اختلفوا في بانيه فقال الهيثم بن عديّ: الذي أمر ببناء الخورنق النعمان بن امرىء القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن الحارث بن عمرو بن لخم بن قحطان، ملك ثمانين سنة وبنى الخورنق في ستين سنة. راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 401.
(6) ابن زريق الكاتب: هو أبو محمد بن زريق الكوفي. كاتب، من شعراء اليتيمة.(1/254)
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا وذلك شيء دونه الياس
هيهات بغداد الدنيا بأجمعها ... عندي وسكان بغداد هم الناس
45 - يقال لأهل العراق ملائكة الأرض، للطافة أخلاقهم، وخفة أرواحهم. قال ملائكة الأرض أهل العراق وأهل الجبال شياطينها.
46 - وكان أبو إسحاق الزجاج (1) يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية. وقال أبو الفرج الببغاء (2): هواؤها أغذى من كل هواء، وماؤها أعذب من كل ماء، ونسيمها أرقّ من كل نسيم، ونعيمها أكثر من كل نعيم، وهي من الأقليم الإعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل موطن الأكاسرة في سالف الأيام، ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام.
47 - وكان أبو الفضل ابن العميد إذا امتحن رجلا من أهل العلم سأله عن بغداد، فإن وجده متنبها على خصائصها، وعن الجاحظ فإن رآه منتسبا إلى مطالعة كتبه، رجح في عينه، وإلا لم يعبأ به. ولما رجع الصاحب (3)
من بغداد سأله، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد.
48 - وفي ديوان المنظوم:
أفاضل الدنيا وإن برزوا ... لم يبلغوا غاية أستاذها
أما ترى أمصارها جمة ... ولا ترى مصرا كبغداذها (4)
قالوا: ومن عجيب شأنها وهي موطن الخلفاء أنه لا يموت بها خليفة.
__________
(1) أبو إسحاق الزجاج: هو إبراهيم بن السري بن سهل. عالم بالنحو واللغة. ولد ببغداد سنة 241هـ. كانت له مناقشات مع ثعلب وغيره وتوفي سنة 311هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 6: 89ووفيات الأعيان 1: 11.
(2) أبو الفرج الببغاء: هو عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومي. تقدمت ترجمته.
(3) الصاحب: هو الصاحب بن عباد. تقدّمت ترجمته.
(4) بغداد: لغة في بغداد.(1/255)
49 - قال عمارة بن عقيل (1):
أعانيت في طول من الأرض أو عرض ... كبغداد دارا إنها جنة الأرض
قضى ربها أن لا يموت خليفة ... بها إنه ما شاء في خلقه يقضي
ولما فرغ المنصور (2) من بنائها في سنة ست وأربعين ومائة أمر نوبخت المنجم أن يأخذ طالعا، فوجد المشتري في القوس، فحكم بظهور فضلها على سائر البلاد فسر المنصور بذلك، وقرأ: {ذََلِكَ فَضْلُ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ وَاللََّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (3) ثم قال: وخصلة أخرى أنه لا يموت بها خليفة أبدا.
50 - الخورنق بناه النعمان بن امرىء القيس الأكبر، بناه كسرى لبهرام جور (4)، وكان كسرى (5) قد جعل بهرام في حجره، فأمر ببنائه له، لأن الأطباء اجتمعوا على أنه أطيب مكان هواء بالعراق.
51 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: دخل إبليس العراق فقضى حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ.
52 - بلغ خراج مصر في بعض الأزمنة أربعة آلاف ألف دينار.
53 - قال هشام بن عبد الملك (6) لأخيه محمد:
__________
(1) عمارة بن عقيل المتوفى سهة 239هـ. تقدمت ترجمته.
(2) المنصور: هو الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور المتوفى سنة 158هـ. راجع ترجمته في البدء والتاريخ 6: 90واليعقوبي 3: 100وتاريخ الخميس 2: 324.
(3) سورة الحديد، الآية: 21.
(4) هو بهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذو الأكتاف، وهو الملك الرابع عشر من الملوك الساسانيين.
(5) كسرى: لقب الملك عند الفرس مثل قيصر عند الروم والنجاشي عند الحبشة وخاقان عند الترك والجالوت عند البربر وتّبع عند حمير
(6) هشام بن عبد الملك بن مروان: من ملوك الدولة الأموية في الشام. ولد في دمشق وبويع فيها بعد وفاة أخيه يزيد سنة 105هـ. توفي سنة 125هـ. راجع ترجمته في الطبري 8: 283وتاريخ الخميس 2: 318والأعلام 8: 86.(1/256)
أبعد قرى مصر تبوأت ظلة ... ستعلم غدوا أي بيعك أربح
فرحت بأن فارقت مصر وأهلها ... ومصر بأن فارقتها منك أفرح
54 - من أقام بالموصل حولا وجد في قوته فضلا، ومن أقام بالأهواز (1) حولا، وهو ذو فراسة (2)، وجد فيها نقصانا.
55 - الأهواز ينسب إليها السكر والديباج والخر (3)، يقال: ديباج تستر (4)، وخز السوس (5) وهما من الأهواز. قال كشاجم (6) في وصف روض:
كأن الذي دبجت تستر ... وطرزت السوس فيه نشر
65 - وأنشدت:
تمشي كما رنّحت ريح يمانية ... غصنا من البان غضا طلّه الديم (7)
في حلة من طراز السوس معلمة ... تمحو بأذيالها ما أثر القدم
57 - وقال أبو نصر العتبي (8): اللهمّ في وخز النفوس أثر السوس (9)
في خز السوس (10).
58 - دخل الرشيد، منبج (11) فقال لعبد الملك بن صالح
__________
(1) الأهواز: سبع كور بين البصرة وفارس لكل كورة منها اسم يجمعها الأهواز.
(2) فرس بالعين فراسة: ثبت النظر وأدرك الباطن من نظر الظاهر.
(3) الخزّ: الحرير.
(4) تستر: أعظم مدينة بخوزستان.
(5) السوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه السّلام راجع معجم البلدان 3: 280.
(6) كشاجم: هو محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك. تقدمت ترجمته.
(7) البان: نوع من الشجر تشبه به قامات النساء. وطلّه: أصابه الطل أي الندى. والديم جمع ديمة: المطر الذي يدوم خفيفا ساكنا.
(8) العتبي: لعلّه: محمد بن عبد الله المتوفى سنة 228هـ. صاحب كتاب الخيل.
(9) السوس: جمع سوسة وهي الحشرة المعروفة.
(10) السوس: البلدة التي تقدم تحديدها وهي في خوزستان.
(11) منبج: مدينة كبيرة واسعة ذات خيرات كثيرة وأرزاق واسعة، كان عليها سور مبنيّ بالحجارة محكم، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ بينها وبين حلب عشرة فراسخ.
راجع معجم البلدان 5: 205.(1/257)
الهاشمي (1)، وكان لسان بني العباس، هذا البلد مقر لك، قال: يا أمير المؤمنين هو لك، ولي بك قال: كيف منازلك به؟ قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل غيرهم قال: كيف صفة مدينتك هذه؟ قال: عذبة الماء، طيبة الهواء، قليلة الأدواء قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله، وأين بها عن الطيب، وهي تربة حمراء، وسنبلة صفراء، وشجرة خضراء، وفياف فيح (2)، بين قيصوم (3) وشيح (4) قال الرشيد: هذا الكلام، والله أحسن منها.
59 - كسكر (5) إحدى كور السواد (6) من طساسيج (7) دجلة والفرات ينسب إليها الدجاج المسمن، ربما بلغت الواحدة وزن الجدي والحمل.
__________
(1) عبد الملك بن صالح الهاشمي: هو عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس. أمير من بني العباس ولاه الهادي إمرة الموصل سنة 169هـ وعزله الرشيد سنة 171هـ ثم ولّاه المدينة والصوائف وولّاه مصر مدة قصيرة فلم يذهب إليها وولاه دمشق فأقام فيها أقل من سنة، وبلغه أنه يطلب الخلافة فحبسه ببغداد سنة 187هـ. ولما مات الرشيد أطلقه الأمين وولاه الشام والجزيرة سنة 193هـ فأقام بالرقة أميرا إلى أن توفي سنة 196هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 159وفوات الوفيات 2: 12.
(2) الفيافي الفيح: الصحاري الوساعة.
(3) القيصوم: ما طال من العشب وهو من نبات السهل.
(4) الشيح: نبات سهلي يتخذ من بعضه المكانس وهو من الأمرار، له رائحة طيبة وطعم مرّ وهو مرعى للخيل والنّعم ومنابته القيعان والرياض.
(5) كسكر: كورة واسعة تنسب إليها الفراريج الكسكرية كانت قصبتها سابور ثم واسط.
ويقال إن حدّ كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النهروان إلى أن تصب دجلة في البحر، كلّه من كسكر فتدخل فيه على هذا البصرة ونواحيها ومن مشهور نواحيها: المبارك، وعبدسي، وميسان. راجع معجم البلدان 4: 461.
(6) السواد: رستاق العراق وضياعها التي فتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب.
وحدّ السواد من حديثة الموصل إلى عبادان طولا، ومن العذيب إلى حلوان عرضا.
(7) الطساسيج: النواحي.(1/258)
60 - قال (1):
لنا سمك نكبّبه مشهّر ... وعند غلامنا جنب مبزر (2)
وفرّوجان قد رعيا زمانا ... لباب البر في أبيات كسكر (3)
وينسب إليها الجداء والسمك الصحناة (4).
61 - كان الرشيد يقول لموسى الكاظم بن جعفر (5): يا أبا الحسن خذ فدك (6) حتى أردها عليك، فيأبى، حتى ألح عليه فقال: لا آخذها إلا
__________
(1) قيل إن البيتين للشاعر عمران بن حطان بن السدوسي المتوفى سنة 84. ترجمته في الإصابة ت 6871وخزانة البغدادي 2: 436.
(2) نكبّبه: نجعله كبابا وهو المشوي من اللحم والسمك وغيره. ومشهر: مشهور والجنب: أراد شقّ الشاة. والجنب المبزّر: المخلوط بالتوابل.
(3) البرّ: القمح. وكسكر: تقدم تحديدها وتعريفها.
(4) الصحناة: أدام يتخذ من صغار السمك.
(5) موسى الكاظم بن جعفر: هو موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أبو الحسن، سابع الأئمة الاثني عشر، عند الإمامية. كان من سادات بني هاشم، ومن أعبد أهل زمانه، وأحد كبار العلماء الأجواد، ولد في الأبواء (قرب المدينة) وسكن المدينة، فأقدمه المهدي العباسي إلى بغداد ثم ردّه إلى المدينة. وبلغ الرشيد أن الناس يبايعون للكاظم فيها، فلّما حج مرّ بها سنة 179هـ فاحتمله معه إلى البصرة وحبسه عند واليها عيسى بن جعفر سنة واحدة ثم نقله إلى بغداد فتوفي فيها سجينا، وقيل:
قتل سنة 183. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 131وابن خلدون 4: 115 والبداية والنهاية 10: 183والأعلام 7: 321.
(6) فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، أفاءها الله على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلّا ثلث واشتدّ بهم الحصار راسلوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسألونه أنه ينزلهم على الجلاء وفعل وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. نحلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى ابنته فاطمة فلما توفي الرسول طالبت بها فاطمة فلم تعطها إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فكتب إلى عاملة بالمدينة يأمره بردّ فدك إلى ولد فاطمة فكانت في أيديهم، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فكان هو القيّم عليها يفرّقها في بني علي بن أبي طالب، فلما ولي المنصور قبضها عنهم، فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون فجاءه رسول الله بني علي بن أبي طالب فطالب بها فأمر أن يسجّل لهم بها، فكتب السجل وقرىء على المأمون. راجع معجم البلدان 4: 238وراجع تفاصيل قصة هذه القرية في كتاب «فدك في التاريخ» لمحمد باقر الصدر طبعة دار التعارف 1983م 1403هـ.(1/259)
بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: يا أمير المؤمنين إن حددتها لم تردها، قال: بحق جدك ألا فعلت، قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: هيه، قال: والحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه، قال: والحد الثالث أفريقية، فاسود وجهه وقال: هيه، قال: والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية، قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي قال موسى: قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردها. فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى أمره يحيى بن خالد (1). فأراه بثرة خرجت في كفه وقال: هذه علامة أهل بيتنا قد ظهرت بي، وأنا أقضي عن قرب، فقد كفيت أمري. فتركه يحيى ومات بعد أيام.
62 [شاعر]:
وإني وأرضا أنت فيها ابن معمر ... كمكة لم يطرب لأرض حمامها
إذا اخترت أرضا للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يغلظ علي مقامها
63 - كان يقال للبصرة خزانة العرب، وقبة الإسلام، لانتقال قبائل العرب إليها، واتخاذ المسلمين لها وطنا ومركزا. قال:
بنت قبة الإسلام قيس لأهلها ... ولو لم يقيموها لطال التواؤها
__________
(1) يحيى بن خالد: هو يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل. مؤدّب الرشيد العباسي ومربيه. ولد سنة 120هـ قلّده الرشيد شؤون الدولة فعلا شأنه وشأن أولاده إلى أن نكب الرشيد البرامكة فقبض عليه وسجنه في الرقة إلى أن مات سنة 190هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 128وراجع قصة نكبة البرامكة في كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد» طبعة دار الفكر اللبناني.(1/260)
ثم لما بنى المنصور بغداد، وصارت دار الخلافة، ومصّت أموال الدنيا مصا، سميت مدينة السلام، وقبة الإسلام. وعن الكسائي (1) أن عمر قال كنز الإسلام، والكنز القبة على السرير، فغيره الناس إلى قبة الإسلام.
64 - للخليل بن أحمد في ظهرة البصرة مما يلي قصر أنس (2).
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... من منزل حاضر إن شئت أو بادي
ترفا به السفن والظلمان حاضرة ... والضب والنون والملاح والحادي (3)
65 - بنى علي بن عيسى بن جعفر الهاشمي قصره على نهر ابن عمر بالبصرة، فقال له ابن المعذل (4): بنيت أحسن بناء، بأوسع فضاء، على أصفى ماء، وأرق هواء، بين صواري ورعاء، وحيتان وظباء. فقال: والله لبناء كلامك أحسن من بنائي، ووصله.
66 - لا تبنى المدن إلا على الماء والكلأ والمحتطب.
67 - يقال: إن أصبهان من بناء ذي القرنين (5)
__________
(1) الكسائي: هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن.
إمام في النحو واللغة والقراءة. من أهل الكوفة. ولد في إحدى قراها وتعلم بها وقرأ النحو بعد الكبر وتنقّل في البادية وسكن بغداد وتوفي بالري سنة 189عن سبعين عاما. وهو مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين. راجع ترجمته في غاية النهاية 1: 535وابن خلكان 1: 330وتاريخ بغداد 11: 403.
(2) أنس: هو أنس بن مالك. تقدمت ترجمته.
(3) ترفا به السفن: بحذف الهمزة (ترفأ) للتسهيل. ورفأ السفينة: أدناها من الشطّ.
والمرفأ من البحر: مرسى المراكب والسفن والجمع مرافىء. والظلمان: جمع ظليم وهو ذكر النعام. والضب: من الزواحف شبيه بالحرذون. والنون: الحوت.
(4) ابن المعذّل: هو عبد الصمد بن المعذل بن غيلان العبدي من بني عبد القيس.
تقدمت ترجمته.
(5) ذو القرنين: اختلف المؤرخون فيمن يكون. راجع تاج العروس (مادة قرن) ودائرة معارف فريد وجدي. وراجع تفسير سورة الكهف فقد ورد ذكره في القرآن الكريم.(1/261)
68 - قال ابن طباطبا لأبي علي بن رستم، وقد هدم شيئا من سور أصبهان ليزيده في داره:
وقد كان ذو القرنين يبني مدينة ... فأصبح ذو القرنين يهدم سورها
على أنه لوحكّ في صحن داره ... بقرن له سيناء زعزع طورها (1)
لو قال: فأصبح ذو القرنين فكان أوقع وأمتن، ولعل الرواة حرفوه فإن قوله ذو قرون يومىء إليه، قال:
أيها الهادم سورا ... هدمه عين الجنون
ليس يوهى سور ذي القر ... نين إلا ذو قرون
وسائل عن بلاد الري قلت له ... أنا ابن بلدتها لا بل أنا البلد
69 - يقال: أنا ابن بلدتها، وأنا ابن بجدتها أي العالم بها.
70 - وفي ديوان المنظوم:
تفاءلت إذ ألقيت رحلي بالريّ ... وبشرت أحشاء صوادي بالري
فلما رأيت الريّ لا ينقع الصدى ... علمت بأن الفأل كان من الغي
71 - وصف بعضهم بلاد الهند فقال: بحرها در، وجبالها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر.
72 - جور (2) من كور فارس مخصوصة بالورد الذي هو مثل، يقال:
__________
(1) الطور: الجبل.
(2) جور: مدينة بفارس بينها وبين شيراز عشرون فرسخا، نزهة طيّبة، والعجم تسميها كور. قال ابن الفقيه: بنى أردشير بن بابك ملك ساسان مدينة جور بفارس وكان موضعها صحراء فمرّ بها أردشير فأمر ببناء مدينة هناك وسماها أردشير خرّة وسمتها العرب جور. فتحها عبد الله بن عامر وهي مشهورة بالورد الأحمر الصافي وهو الورد الجوري. راجع معجم البلدان 2: 181.(1/262)
ورد جور، والورد الجوري، كما قيل بنفسج الكوفة، ومنثور (1) بغداد، وزعفران (2) قم (3)، ونيلوفر (4) السيروان (5) ونارنج (6) الصيمرة (7)، واترج (8)
طبرستان (9)، ونرجس جرجان (10).
73 - قال عبد الله بن سليمان (11) في نهاوند (12): أرضها الزعفران، وسماؤها الفاكهة، وحيطانها الشهد.
__________
(1) المنثور: نبات ذو زهر ذكيّ الرائحة. الواحدة منثورة.
(2) الزعفران: نبات أصفر الزهر له أصل كالبصل والجمع زعافر.
(3) قم: مدينة فارسية مشهورة.
(4) نيلوفر: ضرب من النبات ينبت في المياه الراكدة له أصل كالجزر وساق أملس يطول بحسب عمق الماء فإذا ساوى سطح الماء أورق وأزهر.
(5) السيروان: بلد، أو كورة، بالجبل. راجع معجم البلدان 3: 296.
(6) النارنج: ضرب من الليمون تعرفه العامة «بليمون بوصفير».
(7) الصيمرة: بلد بين ديار الجبل وديار خوزستان.
(8) الأترج: ثمر تسميه العامة الكباد وهو من جنس الليمون يقال له أيضا الترنج.
(9) طبرستان: هي بلاد واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، خرج من نواحيها من لا يحصى كثرة من أهل العلم والأدب والفقه والغالب على هذه النواحي الجبال، فمن أعيان بلدانها: دهستان، وجرجان، واستراباذ، وآمل وهي قصبتها. وطبرستان في البلاد المعروفة بمازندران. وهذه البلاد مجاورة لجيلان وديلمان، وهي بين الريّ وقومس والبحر وبلاد الديلم والجبل. راجع معجم البلدان 4: 13.
(10) جرجان: مدينة كبيرة بين طبرستان وخراسان على واد عظيم فتحها سويد بن مقرن صلحا سنة 18هـ. قيل: إن أول من أحدث بناءها يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة وقد خرج منها خلق من الأدباء والعلماء والفقهاء والمحدثين. معجم البلدان 2: 119.
(11) عبد الله بن سليمان: هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأردي السجستاني، كان إمام أهل العراق، ومن كبار حفاظ الحديث. ولد بسجستان سنة 230هـ وتوفي ببغداد سنة 316هـ. راجع ترجمته في الوفيات 1: 214وميزان الإعتدال 2: 43.
(12) نهاوند: مدينة في قبلة همدان بينهما أربعة عشر فرسخا. إفتتحها المسلمون سنة 19هـ وبها كانت واقعة نهاوند المشهورة سنة 21هـ حيث انهارت بعدها دولة الأكاسرة وسماها المسلمون فتح الفتوح. يقال إنها من بناء نوح عليه السّلام. راجع التفاصيل في معجم البلدان 5: 313.(1/263)
74 - وقال عمرو بن الليث (1) في نيسابور (2): حجرها الفيروزج (3)، وترابها النفال (4)، وحشيشها الريباس (5).
75 - وقال الحجاج لعامله على أصبهان: قد وليتك بلدة حجرها الكحل، وذبانها النحل، وحشيشها الزعفران.
76 - استطاب إسماعيل بن أحمد (6) نيسابور فقال: نعم البلد لولا، قيل: كيف؟ قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطنها على ظاهرها، ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها.
77 - يزعم أهل فارس أن إبراهيم عليه السّلام كان من أهل إصطخر (7)، من
__________
(1) عمرو بن الليث: هو عمرو بن الليث، الصفار، ثاني أمراء الدولة الصفارية. ولي بعد وفاة مؤسس الدولة أخيه يعقوب بن الليث سنة 265هـ وأقرّه المعتمد العباسي على أعمال أخيه كلّها وهي: خراسان وأصبهان وسجستان والسند وكرمان فأقام ست سنوات ثم عزله المعتمد سنة 271هـ فامتنع ورضي عنه المعتمد سنة 276هـ فولّاه شرطة بغداد وكتب اسمه على الأعلام. وولاه المعتضد خراسان بعد وفاة المعتمد سنة 279هـ وأضاف إليه الريّ ثم ولاية ما وراء النهر. توفي سنة 289.
راجع ترجمته في الكامل لابن الأثير 7: 170وابن خلدون 4: 326والأعلام 5: 84.
(2) نيسابور: مدينة بين الريّ وسرخس وهي ذات فضائل جسمية، معدن الفضلاء ومنبع العلماء. فتحها المسلون في أيام عثمان بن عفان بواسطة الأمير عبد الله بن عامر بن كريز في سنة 31صلحا وبنى بها جامعا، وقيل إنها فتحت أيام عمر على يد الأحنف ابن قيس وإنما انتفضت في أيام عثمان فأرسل إليها عبد الله عامر ففتحها ثانية. راجع التفاصيل في معجم البلدان 5: 331.
(3) الفيروزج والفيروز: حجر كريم.
(4) النفال: نبت من أحرار البقول زهره أصفر طيب الرائحة تسمن عليه الخيل والوحدة منه نفلة.
(5) الريباس: نوع من النبت له عساليج غضة، حامض الطعم ينبت في الجبال الباردة.
(6) إسماعيل بن أحمد: هو إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان ثاني أمراء الدولة السامانية فيما وراء النهر ولد بفرغانة سنة 234هـ. ولّاه المعتضد العباسي خراسان وتوفي سنة 295هـ راجع ترجمته في شذرات الذهب 2: 219وابن الأثير 8: 2 واللباب 1: 523.
(7) إصطخر: بلدة بفارس. هي من أعيان حصون فارس ومدنها وكورها. وفي بعض الأخبار أن سليمان بن داود عليه السّلام كان يسير من طبرية إليها من غدوة إلى عشية وبها مسجد يعرف بمسجد سليمان. وبين اصطخر وشيراز اثنا عشر فرسخا. راجع التفاصيل في معجم البلدان 1: 211.(1/264)
قرية تسمى أندران، سميت لأنه رمي به في النار ثمة، وقالوا: له فيها مسجد أرضه صخرة واحدة صماء، وفي الصخرة أثر ركبتيه وكفيه وأصابعه، وأن الناس يعظمونه، ويقصدونه من البلاد البعيدة، وتصلّي فيه صلاة العيد وعلى رأس فرسخ منه تل عظيم، طوله فرسخ، قد لبد أعلاه وصلب، فإذا كشط عنه فهو رماد أبيض لين كأنه منخول، يستشفى به ويكذبون من زعم أنه من أهل كوثى (1)، وإنما خرج من فارس ونزل كوثي. وبأصطخر مسجد سليمان وكذلك بشيراز (2).
78 - مما يحكى من بلاهة أهل طوس (3) أنهم رفعوا إلى الرشيد قصة، يسألونه فيها أن يحول لهم مكة إلى بلدهم.
79 - قال الحجاج للغضبان بن القبعثري (4) كيف تركت أرض كرمان (5)؟ قال: ماؤها وشل (6)، وسهلها جبل، ولصها بطل، وثمرها
__________
(1) كوثى: بسواد العراق في أرض بابل وهما كوثيان إحداهما كوثى الطريق والأخرى كوثى ربّى وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السّلام وبها مولده وبها طرح إبراهيم في النار. فتحها سعد بن أبي وقاص بعد القادسية. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 487.
(2) شيراز: بلدة عظيمة مشهورة في وسط بلاد فارس بينها وبين نيسابور مائتان وعشرون فرسخا وهي قصبة بلاد فارس، وهي ممّا استجدّت عمارتها واختطاطها في الإسلام، وبها جماعة من التابعين مدفونون في أرضها. راجع معجم البلدان 3: 380.
(3) طوس: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ. بها قبر عليّ بن موسى الرضا وبها أيضا قبر هارون الرشيد. راجع معجم البلدان 4: 48.
(4) الغضبان بن القبعثري: من زعماء مروانية أهل العراق. إستجاب لدعوة عبد الملك في خذلان مصعب بن الزبير وشرط عليه أصبهان. وأوفده الحجاج بكتاب قطري بن الفجاءة واشترك في ثورة أهل البصرة على الحجاج سنة 75هـ فحبسه الحجاج ثم أطلقه بأمر من عبد الملك بن مروان. راجع التاج 3: 479.
(5) كرمان: ولاية مشهورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، فشرقّيها مكران ومفازة ما بين مكران، والبحر من وراء البلوص، وغربّيها أرض فارس، وشماليّها مفازة خراسان، وجنوبيّها بحر فارس ولها في حدّ السيرجان دخلة. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 454.
(6) الماء الوشل: القليل.(1/265)
دقل (1)، إن كثر الجيش بها جاعوا، وإن قلوا ضاعوا.
80 - الصين موصوفة بالصناعات الدقيقة، والتصاوير العجيبة، يفصل مصورهم بين ضحك الشامت والخجل والهازىء والمسرور.
81 - يقولون: أهل الدنيا كلهم عمي إلا أهل بابل فإنهم عور.
82 «تبت (2) بناها تبع وسماها باسمه فلكنته الترك، ويقال: من أقام بقصبتها إعتراه سرور ما يدري سببه، ولا يزال متبسما ضاحكا حتى يخرج.
83 - في نهاوند واعتدال هوائها:
نزلت عن برد أرض ... زادها البرد عذابا
وعلت عن حرّ أخرى ... تلهب النار التهابا
مزجت حرا ببرد ... فصفا العيش وطابا
84 - لم تزل مكة حرسها الله أمنا ولقاحا (3)، قال حرب بن أمية (4):
__________
(1) الدّقل: أردأ الثمر.
(2) تبت: بلد بأرض الترك المتاخمة لبلاد الصين. وقيل هي مملكة متاخمة لمملكة الصين ومتاخمة من إحدى جهاتها لأرض الهند ومن جهة المشرق لبلاد الهياطلة ومن جهة المغرب لبلاد الترك. راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 10.
(3) قال صاحب اللسان: قوم لقاح وحيّ لقاح: أي لم يدينوا للملوك ولم يملكوا ولم يصبهم في الجاهلية سباء، وقال:
لعمر أبيك والأنباء تنمي ... لنعم الحيّ في الجلّى رياح
أبوا دين الملوك فهم لقاح ... إذا هيجوا إلى حرب أشاحوا
(4) حرب بن أميّة: هو حرب بن أميّة بن عبد شمس، من قريش، كنيته أبو عمرو: من قضاة العرب في الجاهلية ومن سادات قومه. وهو جدّ معاوية بن أبي سفيان بن حرب. كان معاصرا لعبد المطلب بن هاشم وشهد حرب الفجار ومات بالشام.
وتزعم العرب إن الجن قتلته بثأر حية. توفي سنة 36ق. هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 172. والمحبر 132واليعقوبي 1: 215.(1/266)
أبا مطر هلمّ إلى صلاح ... أبا مطر هديت بخير عيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم ... وتأمن أن يزورك ربّ جيش
وتنزل بلدة عمرت لقاحا ... فتكنفك الندامى من قريش (1)
85 - صلاح: علم لمكة. وكتب بعض الجبابرة إلى أهل مكة يطلب منهم الأتاوة (2). فكتب إليه عبد المطلب (3):
إنّا أناس لا ندين بأرضنا ... عضّ الرسول ببظر أم المرسل (4)
86 - الإيوان (5) من بغداد على مرحلة، بناه كسرى أبرويز في نيف وعشرين سنة، طوله مائة ذراع، في عرض خمسين، في سمك مائة من الآجر (6) الكبار والجص، وثخن الأزج (7) خمس آجرات، وطول الشرف (8)
__________
(1) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان 5: 184.
وقال حرب بن أمية ودعا الحضرمي إلى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب بن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب:
أبا مطر هلمّ إلى الصلاح ... فيكفيك الندامى من قريش
وتنزل بلدة عزّت قديما ... وتأمن أن يزورك ربّ جيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم ... أبا مطر هديت بخير عيش
ثم عاد ياقوت ونسب هذه الأبيات إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية مع بعض الاختلاف في بعض الألفاظ. راجع معجم البلدان 3: 419 (صلاح).
(2) الأتاوة: الضريبة.
(3) عبد المطلب: هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جدّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(4) البظر: ما بين الإسكتين من فرج المرأة، وهي هنة لم تخفض. يقال: يا ماصّ بظر أمّه، ويا عاضّ بظر أمّه، ويا ابن مقطعّة البظور. والعرب تطلق هذا اللفظ (بظر) في معرض الذمّ.
(5) الإيوان: هو إيوان كسرى أبرويز في المدائن، وقد تقدمت ترجمة أبرويز.
(6) الآجرة والجمع آجر: ما يبنى به من الطين المشوي وتسميه العامة القرميد.
(7) الأزج: بيت يبنى طولا ويقال له بالفارسية أو ستان.
(8) الشرفة من القصر ما أشرف من بنائه والجمع شرف.(1/267)
خمس عشرة ذراعا. ولما بنى المنصور بغداد أحب أن ينقضه، ويبني بنقضه فاستشار خالد بن برمك (1) فنهاه، وقال: هو آية الإسلام، من رآه علم أن من هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبي، وهو مصلى علي بن أبي طالب، والمؤونة في نقضه أكثر من الإرتفاق به. فقال: أبيت إلا ميلا إلى العجم فهدمت ثلمة فبلغت النفقة عليها مالا كبيرا، فأمسك فقال له خالد: أنا الآن أشير بهدمه لئلا يتحدث بعجزك عنه، فلم يفعل.
87 - وتذاكر حذيفة (2) وسلمان (3) رضي الله عنهما أمر الدنيا، فكان من أعجب ما ذكرا أن أعرابيا من غامد كان يرعى حوله شويهات له، فإذا كان الليل آواها إلى سرير رخام في الإيوان كان يجلس عليه أبرويز.
قال البختري:
حضرت رحلي الهموم فوجّه ... ت إلى أبيض المدائن عنسي (4)
وكأن الإيوان من عجب الصّن ... عة جون في جنب أرعن مرسي (5)
__________
(1) خالد بن برمك: أبو البرامكة وأول من تمكن منهم في دولة بني العباس. كان أبوه برمك من مجوس بلخ. كان قحطبة بن شبيب يستشيره فحل منه محل الوزير. وبعد وفاة السفّاح قلّده المنصور بلاد فارس وأمّره على الموصل. وجّهه المهدي مع ابنه هارون الرشيد في صائفة سنة 163هـ ومات بعدها سنة 163هـ. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 542.
(2) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان المتوفى سنة 36هـ. تقدمت ترجمته.
(3) سلمان: هو سلمان الفارسي المتوفى سنة 36هـ. تقدمت ترجمته.
(4) العنس: البازل الصلبة من النوق لا يقال لغيرها وجمعها عناس وعنس. وقيل:
العنس: الناقة القوية. وأبيض المدائن: كناية عن القصر الأبيض لكسرى. والأبيات من قصيدة للبحتري يصف فيها إيوان كسرى.
(5) الجون: اسم يطلق على الأبيض والأسود. ورواية الديوان: 1: 193 «جوب» والجوب: الترس والأرعن: الأحمق. ورواية الديوان: جلس بدل مرسي.
والجلس: الغليظ. والأرعن هنا كناية إما عن البناء العظيم أو عن جبل ضخم في جنب الإيوان كأنه ترس في استدارته.
لم يعبه أن بزّ من بسط الدي ... باج واستلّ من ستور الدّمقس (1)
مشمخرا تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس (2)
ليس يدري أصنع إنس لجن ... سكنوه أم صنع جن لإنس
غير أني أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس (3)
88 - الأوائل من الأمم لما علموا من جهة النجوم أن آفة سماوية تصيبهم وهي الطوفان بنوا في صعيد مصر أهراما بالحجارة، على رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة، ليحترزوا بها، وجعلوا الهرمين أرفع منها كلها وهما على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع طولا، في أربعمائة ذراع عرضا، والأساس زائد على جريب (4)، مبني بحجارة المرمر والرخام، غلظ كل حجر عشرة أذرع إلى ثمان، مهندم لا يستبين هندامه إلا لحادّ البصر، وحجارتها منقولة من مسافة أربعين فرسخا، من موضع يعرف بذات الحمام فوق الإسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهواء صنوبريا حتى ترجع ذروتهما إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وشكلهما التربيع، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما، منقور فيهما بالمسند كل سحر وطب وطلسم، وفيه إني بنيتهما، فمن ادعى قوة في ملكه فليهدمهما، فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما، وكان يجمع يوسف عليه السّلام فيهما الطعام. وقالوا: لا يعرف من بناهما. قال المتنبي (5):(1/268)
__________
والجلس: الغليظ. والأرعن هنا كناية إما عن البناء العظيم أو عن جبل ضخم في جنب الإيوان كأنه ترس في استدارته.
لم يعبه أن بزّ من بسط الدي ... باج واستلّ من ستور الدّمقس (1)
مشمخرا تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس (2)
ليس يدري أصنع إنس لجن ... سكنوه أم صنع جن لإنس
غير أني أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس (3)
88 - الأوائل من الأمم لما علموا من جهة النجوم أن آفة سماوية تصيبهم وهي الطوفان بنوا في صعيد مصر أهراما بالحجارة، على رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة، ليحترزوا بها، وجعلوا الهرمين أرفع منها كلها وهما على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع طولا، في أربعمائة ذراع عرضا، والأساس زائد على جريب (4)، مبني بحجارة المرمر والرخام، غلظ كل حجر عشرة أذرع إلى ثمان، مهندم لا يستبين هندامه إلا لحادّ البصر، وحجارتها منقولة من مسافة أربعين فرسخا، من موضع يعرف بذات الحمام فوق الإسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهواء صنوبريا حتى ترجع ذروتهما إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وشكلهما التربيع، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما، منقور فيهما بالمسند كل سحر وطب وطلسم، وفيه إني بنيتهما، فمن ادعى قوة في ملكه فليهدمهما، فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما، وكان يجمع يوسف عليه السّلام فيهما الطعام. وقالوا: لا يعرف من بناهما. قال المتنبي (5):
(1) البزّ: الثياب من الكتّان أو القطن. والديباج: الثوب الذي سداه ولحمته حرير.
والدّمقس: الحرير الأبيض.
(2) مشمخر: طويل عال. ورضوى: جبل بالمدينة. وقدس: جبل، وهو قدس الأبيض وقدس الأسود.
(3) يك: أصلها يكن وحذفت النون للتخفيف. والنكس: المقصّر عن غاية الكرم.
(4) الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة، والقفيز ثمانية مكاكيك عند أهل العراق وهو من الأرض قدر مائة وأربع وأربعين ذراعا.
(5) المتنبي: هو أحمد بن الحسين المتوفى سنة 354هـ. والبيتان من قصيدة يرثي بها أبا شجاع فاتك مصر سنة 350هـ.
ومطلعها:
الحزن يقلق والتجمل يردع ... والدمع بينهما عصيّ طيّع(1/269)
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع (1)
أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع (2)
وسمّى البحتري بانيهما فقال:
ولا كسنان بن المشلّل عندما ... بني هرميها من حجارة لابها (3)
89 - منارة (4) الإسكندرية مبينة على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس في بطن أرض البحر، وطولها أربعمائة وخمسون ذراعا، وهي غاية ما يمكن رفعه في الهواء، وفيها ثلاثمائة وخمسون بيتا، وكانت في أعلاها مرآة كبيرة يرى فيها الناظر قسطنطينية، وبينهما عرض البحر. وكلما جهز ملك الروم جيشا أبصر فيها، فوجه ملك الروم إلى بعض الخلفاء أن في الثلث الأعلى منها كنوزا لذي القرنين فهدموه، فلم يجدوا شيئا، وعلم أنها حيلة في إبطال الطلسم في المرآة.
90 - الرها (5): بلد من عمل حران، نسبت إليه كنيسة الرها (6)،
__________
(1) تتخلّف: تتأخر.
(2) الهرمان: بناءان عظيمان في مصر وهما الأكبر بين ثلاثة يقال إن باني الأول خوفو والثاني خفرع وهما من الأسرة الرابعة. وفي الديوان البيت الثاني مقتدم على الأول.
(3) البيت من قصيدة للبحتري (الديوان 1: 353) يمدح بها أبا عيسى بن صاعد مطلعها:
معاد من الأيام تعذيبنا بها ... وإبعادها بالإلف بعد اقترابها
واللّاب، الواحدة لابة: الحرّة من الأرض وتكون ذات حجارة سود.
(4) منارة الإسكندرية: قيل إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت ريّا. وقيل:
بل عمرتها ملكة من ملوك الروم يقال لها قلبطرة وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حتى جاءت به إلى مدينتها وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا. راجع تفاصيل أخبار بناء منارة الإسكندرية في معجم البلدان 1: 187.
(5) البرها: تعرف الآن بأورفه والنسبة إليها أورفلي.
(6) الرهاء: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام سمّيت باسم الذي استحدثها وهو الرهاء ابن البلندي بن مالك بن دعر. راجع معجم البلدان 3: 106.(1/270)
وهي متخذة على رؤوس أربعة أعمدة من رخام، بطيقان معقودة بينها، وفيها العجائب من التزاويق، والتصاوير، والطلسمات، والقناديل التي تشتعل من غير إشعال.
91 - مسجد دمشق بناء المروانية (1)، كان كل خليفة يزيد فيه زيادة، حتى تناهى حسنه، وعدم نظيره، وهو منقش الحيطان والسقوف، والأعمدة مرصعة كلها بالجواهر مذهبة، قال بعض شيوخها: لم يفتني منذ عقلت فيه صلاة، ولم أدخله إلا وقعت عيني من محاسنه على شيء لم تقع عليه قبل.
92 - سمع خالد بن عبد الله القسري (2) قول رجل من موالي الأنصار:
ليتني في المؤذنين نهاري ... إنهم يبصرون من في السطوح
فيشيرون أو تشير إليهم ... بالهوى كل ذات دلّ مليح (3)
فأمر بحط المنار. ففيه يقول الفرزدق:
بنى بيعة فيها الصليب لأمه ... ويهدم من كفر منار المساجد (4)
92 - جرير بن حازم الجهضمي (5):
__________
(1) المروانية: أراد ملوك الأمويين من أولاد مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الخليفة الأموي. وإليه ينسب «بنو مروان» ودولتهم المروانية. توفي سنة 65هـ.
(2) خالد بن عبد الله القسري: ولد سنة 66هـ. ولّاه عبد الملك مكة سنة 89، ثم ولّاه هشام بن عبد الملك العراقين سنة 105. سجنه يوسف بن عمر الثقفي وعذّبه ثم قتله سنة 126هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 169والبيان والتبيين 1: 309.
(3) الدلّ: الغنج والتّثني.
(4) البيعة: مكان العبادة عند اليهود والنصارى.
(5) جرير بن حازم الجهضمي: هو جرير بن حازم بن عبد الله بن شجاع الجهضمي الأزدي. ولد بالبصرة سنة 85هـ، راو، توفي سنة 175هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 69.(1/271)
عمرت فأحسنت العمارة فاغتنم ... عمارة دار الحق في غابر العمر
94 - في الحديث: أن جبرائيل صلوات الله عليه ذكر مدينة يقال لها فاخرة (1)، وهي بالفارسية بخارى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لم سميت فاخرة؟ قال: لأنها تفخر على المدائن يوم القيامة بكثرة الشهداء، ثم قال: اللهم بارك في فاخرة، وطهر قلوبهم بالتقوى، واجعلهم رحماء على أمتي. فيقال: ليس أحد أرحم على الغرباء منهم.
95 - الحسن قال: ما فعل الجناحان؟ قيل: وما هما؟ قال:
سمرقند وخوارزم، هما جناحا الإسلام، وما داما حصن الإسلام.
96 - كتب الحجّاج إلى قتيبة (2) بالعود إلى خوارزم، فقال: إنها شديدة الكلب، قليلة السلب.
97 - أنشد الفراء (3):
يقولون إن الشام يقتل أهله ... فمن لي وإن لم آته بخلود
تغرب آبائي فهلّا صراهم ... من الموت أن لم يشتموا وجدودي (4)
98 - النابغة:
وقد أعددت للحدثان عقلا ... لو أنّ المرء تنفعه العقول (5)
__________
(1) فاخرة: اسم سمّيت به بخارى بما وراء النهر في بعض الأخبار لأنه روي أنه بعث إليها أيوب النبي، عليه السّلام، فدعا لها بالخير فصارت بذلك فاخرة على غيرها. راجع معجم البلدان 4: 224.
(2) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي المتوفى سنة 96هـ.
(3) الفرّاء: هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي. ولد بالكوفة سنة 144هـ. كان عالما بالنحو واللغة والأدب، عهد إليه المأمون بتربية ولديه. توفي في طريق مكة سنة 207هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 228ومفتاح السعادة 1: 144.
(4) صراه عن الخطر: دفعه عنه ووقاه منه.
(5) الحدثان: مصائب الدهر، وقيل: توالي الليل والنهار.(1/272)
يريد الحصون.
99 - رأى حكيم مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء، لا موضع الرجال.
100 - سأل عثمان رضي الله عنه بعض من وفد عليه عن حصن بناحية هراة (1) فقال:
محلقة دون السماء كأنها ... غمامة صيف زلّ عنها سحابها (2)
فما تبلغ الأروى شماريخها العلى ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها (3)
وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها
أرى الناس يبنون الحصون وإنما ... بقية آجال الرجال حصونها
101 - أبو عبيدة (4): أحبت العرب أن تشارك العجم في البنيان، وتنفرد بالشعر، فبنوا غمدان (5)، وكعبة نجران (6)، وحصن
__________
(1) هراة: مدينة عظيمة مشهورة من أمهّات مدن خراسان. وهراة أيضا: مدينة بفارس قرب إصطخر كثيرة البساتين والخيرات، يقال إن نساءها يغتلمن إذا أزهرت الغبيراء كما تغتلم القطاط. راجع معجم البلدان 5: 396.
(2) محلقة دون السماء: كناية عن علوّ الحصن، والغمامة: السحابة.
(3) الأروى: جمع أروية، ضأن الجبل تستعمل للذكر والأنثى. والشماريخ: رؤوس الجبال.
(4) أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى المتوفى سنة 209هـ.
(5) غمدان: قال ياقوت في معجم البلدان 4: 210: إن ليشرح بن يحصب أراد اتخاذ قصر بين صنعاء وطيوة فبني على أربعة أوجه: وجه أبيض ووجه أحمر ووجه أصفر، ووجه أخضر، وبني في داخله قصرا على سبعة سقوف بين كل سقفين منها أربعون ذراعا، وكان ظلّه إذا طلعت الشمس يرى على عينان وبينهما ثلاثة أميال، وجعل في أعلاه مجلسا بناه بالرخام الملون وجعل سقفه رخامة واحدة، وصيّر على كل ركن من أركانه تمثال أسد من شبه كأعظم ما يكون الأسد فكانت الريح إذا هبّت من ناحية تمثال من تلك التماثيل دخلت من دبره وخرجت من فيه فيسمع له زئير كزئير السباع وكان يأمر بالمصابيح فتسرج في ذلك البيت ليلا فكان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق فإذا أشرف عليه الإنسان من بعض الطرق ظنّه برقا أو مطرا ولا يعلم أن ذلك ضوء المصابيح. وقد هدم قصر غمدان في أيام عثمان بن عفّان.
(6) كعبة نجران: قال ياقوت في معجم البلدان 5: 268: كعبة نجران بيعة بناها بنو عبد المدان بن الديّان الحارثي على بناء الكعبة وعظّموها مضاهاة للكعبة وسمّوها كعبة نجران، كان فيها أساقفة معتمّون وهم الذين جاؤوا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعاهم إلى المباهلة. ذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمّونها كعبة نجران وكانت على نهر بنجران.(1/273)
مارد (1)، والأبلق الفرد (2).
102 - عن عمر رضي الله عنه: لا تستقيم إمارة للعرب ما دام فيها غمدانها.
103 - المنذر بن ماء السماء (3): حصون العرب الخيل والسلاح.
104 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: يا أبا الحسن لا تسكن الرستاق (4)
فإنها حظيرة من حظائر جهنم، صبيها عارم (5)، وشابها شاطر، وشيخها
__________
(1) حصن مارد: هو حصن بدومة الجندل، وفيه وفي الأبلق قالت الزبّاء وقد غزتهما فامتنعا عليها: تمرّد مارد وعزّ الأبلق فصارت مثلا لكل عزيز ممتنع. راجع معجم البلدان 5: 38.
(2) الأبلق الفرد: قال ياقوت في معجم البلدان 1: 75: الأبلق هو حصن السموأل بن عادياء اليهودي، وهو المعروف بالأبلق الفرد، مشرف على تيماء بين الحجاز والشام على رابية من تراب فيه آثار أبنية من لبن لا تدلّ على ما يحكى عنها من العظمة والحصانة وهو خراب، وإنما قيل له الأبلق لأنه كان في بنائه بياض وحمرة وكان أول من بناه عادياء أبو السموأل اليهودي ولذلك قال السموأل.
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلّما شئت استقيت
رفيقا تزلق العقبان عنه ... إذا ما نابني ضيم أبيت
وأوصى عاديا قدما: بأن لا ... تهدّم يا سموأل ما بنيت
(3) ابن ماء السماء: هو المنذر بن امرىء القيس الثالث بن النعمان بن الأسود اللخمي وماء السماء أمّه. تقدمت ترجمته.
(4) رستاق: كلمة معرّبة بمعنى الناحية التي هي طرف الإقليم، وهو موضع فيه مزارع وقرى وبيوت مجتمعة ويجمع على رساتق. وهو لأهل الجبال مثل الكورة لأهل العراق والطسوج لأهل الأهواز والجند لأهل الشام والمخلاف لأهل اليمن.
(5) الصبي العارم: الشرس. وفي حديث عاقر الناقة: فانبعث لها رجل عارم أي خبيث شرّير.(1/274)
جاهل، والمؤمن عندهم كجيفة الحمار.
105 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: سكان الكفور (1) كسكان القبور.
106 - علي رضي الله عنه: واسكن الأمصار العظام، فأنها جماع المسلمين، واحذر منازل الغفلة والجفاء، وقلة الأعوان على طاعة الله، وإياكم ومقاعد الأسواق، فإنها محاضر الشيطان، ومعاريض الفتن.
107 - فرقد السبخي (2): لم يبعث نبي قط من مصر من الأمصار، وإنما بعثوا من القرى، لأن أهل الأمصار أهل السواد والريف، وأهل القرى أرق.
108 - أبو تمام (3):
لم آتها من أي وجه جئتها ... إلّا حسبت بيوتها أجداثا
بلد الفلاحة لو أتاها جرول ... أعني الحطيئة لا غتدى حرّاثا (4)
تصدى بها الأذهان بعد صقالها ... وترد ذكران العقول إناثا
109 - مكتوب في الإنجيل: الحجر الواحد في الحائط من الحرام عربون الخراب.
110 - أبو عمرو بن العلاء (5): بنيت سيلحون (6) مدينة باليمن في
__________
(1) الكفور: القرى النائية. جمع كفر والكلمة سريانية.
(2) فرقد السنجي: هو أبو يعقوب فرقد السنجي الزاهد المتوفى سنة 131هـ.
(3) أبو تمام: هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي. ولد في قرى حوران سنة 188هـ وتوفي في الموصل سنة 231هـ. راجع ترجمته في شذرات الذهب 2: 72ودائرة المعارف الإسلامية 1: 320والوفيات 1: 121.
(4) جرول: هو جرول بن أوس بن مالك العبسي أبو ملكية المعروف بالحطيئة. شاعر مخضرم. كان هجّاء عنيفا لم يكد يسلم من لسانه أحد حتى أنه هجا أمّه وأباه ونفسه. توفي نحو سنة 45هـ. راجع ترجمته في الوفيات 1: 99والشعر والشعراء 110وخزانة البغدادي 1: 409.
(5) أبو عمرو بن العلاء: من أئمة اللغة والأدب وهو أحد القرّاء السبعة ولد بمكة سنة 70هـ وتوفي بالكوفة سنة 154هـ. راجع ترجمته في طبقات النحويين والذريعة 1: 318والشريشي 2: 251.
(6) سيلحون: حصن عظيم بأرض اليمن كان للتبابعة ملوك اليمن. ذكر أنه بني في سبعين سنة وقيل إن الشياطين هي التي بنته وبنت كذلك بينون، وصرواح، ومرواح.
راجع معجم البلدان.(1/275)
ثمانين سنة على أيدي الملوك، وبراقش ومعين (1) بناهما العامة بغسالات أيديهم، فلا يرى لسيلحون أثر ولا عيثر (2)، وهما قائمتان سالمتان. قال عمرو بن معدي كرب (3):
دعانا من براقش أو معين ... فأسمع واتلأبّ بنا مليع (4)
111 - وهب (5): وجدت في كتب الأنبياء: من استغنى بأموال الفقراء جعلت عاقبته الفقر، وأي دار بنيت بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب.
112 - جحظة (6):
لقد أصبحت في بلد خسيس ... أمصّ به ثماد الرزق مصّا (7)
رأيت المجد إحسانا وجودا ... فصار المجد آجرا وجصّا (8)
__________
(1) براقش ومعين: حصنان باليمن. كان بعض التبابعة أمر ببناء سلحين فبني في ثمانين عاما وبني براقش ومعين بغسالة أيدي صنّاع سلحين. قال: ولا ترى لسلحين أثرا وهاتان قائمتان. راجع معجم البلدان 1: 364.
(2) العيثر: الأثر الخفي.
(3) عمرو بن معدي كرب: شاعر من فرسان العرب المعدودين. أسلم ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام فشهد اليرموك والقادسية في أيام أبي بكر. وقيل إنه شهد الفتوح ومات سنة 28هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 143وطبقات ابن سعد 5: 385والإصابة ت: 5972والأعلام للزركلي.
(4) اتلأبّ: استقام. والمليع: المستوي من الأرض. وبراقش ومعين حصنان باليمن تقدم الحديث عنهما. ورواية معجم البلدان 5: 160 «ينادي» من براقش أو معين ورواية اللسان (مادة برقش) فأسرع واتلأبّ بنا مليع.
(5) وهب: هو وهب بن منبه الأنباري الصنعاني الذماري المؤرخ المتوفّى سنة 114هـ.
تقدمت ترجمته.
(6) جحظة: هو أحمد بن جعفر جحظة البرمكي الأديب النديم المتوفى سنة 324هـ.
تقدمت ترجمته.
(7) الثماد من الرزق: القليل منه. والثماد في الأصل: الحفر يكون فيها الماء القليل.
(8) الآجر: ما يبنى به من الطين المشوي، وتسميه العامة القرميد. والجصّ: ما تطلى به البيوت من الكلس وتسميه العامة الجفصين وهو أيضا ما يطبخ فيصير كالحجارة فيبنى به (معرّب).(1/276)
113 - رأى الحسن قصر الحجاج بواسط فقال: يعمد أحدهم إلى قصر يشيده، وقد حف به ذبان طمع، وفراش نار، فيقول انظروا! قد نظرنا يا أفسق الفاسقين، أما أهل الدنيا فغروك، وأما أهل الآخرة فمقتوك.
114 - إزدحم الناس على درجة الحسن فتحركت، وكانت رثة، فصاح بهم ابنه، فقال الحسن: مه! ثم قال: لولا أن حان من الدنيا ارتحال، وإلى الآخرة انتقال، لجددنا لكم البناء، شوقا إلى لقائكم، وحبا لحديثكم، وما على الدرجة نشفق لكن عليكم، فأربعوا (1) على أنفسكم.
115 - عن مالك بن دينار أنه حضر رجلا يبني دارا، وهو يعطي الأجراء الدراهم، فمد يده فأعطاه درهما، فطرحه في الطين، فتعجب الرجل وقال: كيف طرحت الدرهم في الطين؟ فقال مالك: أعجب منه أنك طرحت كل دراهمك في الطين، يعني ضيعتها في البناء.
116 - قتادة (2)، من منع زكاة ماله سلط الله عليه الطين.
117 - علي رضي الله عنه: عاد العلاء بن زياد الحارثي (3) فرأى سعة داره فقال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج، وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري (4) فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد
__________
(1) أربعوا على أنفسكم: ارفقوا بها وكفوّا.
(2) قتادة: هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز. كان مفسرا حافظا عالما بالعربية وأيام العرب والنسب يدلّس في الحديث. ولد سنة 61هـ ومات بواسط في الطاعون سنة 118هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 351والوفيات 1: 427والتذكرة 1: 115.
(3) العلاء بن زياد الحارثي: كان من أشراف البصرة وقد عاده الإمام علي بعد وقعة الجمل.
(4) القرى: طعام الضيف. وتقري الضيف: تطعمه القرى.(1/277)
بلغت بها الآخرة.
118 - سئل النخعي (1) عن البناء فقال: وزر ولا أجر، فقيل: بناء لا بد منه، فقال: لا أجر ولا وزر.
119 - سلمة الأحمر (2): دخلت قصر الرشيد فقلت:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة ... فليت قبرك بعد الموت يتسع
فجعل هارون يبكي.
120 - مر الحسن بقصر فقال: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لأوس، فقال: على ودّ أوس أن له في الآخرة بدله رغيفا.
121 - كان نوح عليه السّلام في بيت من شعر ألفا وأربعمائة سنة، فكلما قيل له: يا رسول الله لو اتخذت بيتا من طين تأوي إليه، قال: أنا ميت غدا فتاركه، فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا.
122 - عمر رضي الله عنه: لي على كل خائن أمينان: الماء والطين. أي إذا شرع العامل في إنباط العيون وبناء الدور علمت أنه جمع المال واحتجنه (3).
123 - قال رجل للحسن: بنيت دارا أحب أن تدخلها وتدعو الله، فدخلها فنظر إليها ثم قال: أخربت دارك، وعمرت دار غيرك، غرك من في الأرض، ومقتك من في السماء.
124 - مر الحسن بدار بعض المهالبة (4) فقال: رفع الطين، ووضع الدين.
__________
(1) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد بن قيس المتوفى سنة 96هـ. تقدمت ترجمته.
(2) سلمة الأحمر: هو سلمة بن صالح الأحمر. كان قاضيا في واسط ولم يوثّقوه. راجع ميزان الإعتدال 2: 190.
(3) احتجن المال: ضمّه إلى نفسه واحتواه وحجزه.
(4) المهالبة: أسرة المهلّب بن أبي صفرة أمير البصرة المتوفى سنة 83هـ.(1/278)
125 - كان لشقيق (1) خصّ (2) يكون هو ودابته فيه، فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه.
126 - حدث الأصمعي الرشيد أنه كان بالبصرة فتى له كوخ من قصب، كان يغشاه الفتيان، فإذا أطربهم سمره، قال بعضهم: غدا علي ألف آجرة (3)، والآخر: علي الجص، والثالث: علي أجرة البناء، فيصير كوخه قصرا من ساعته ثم يصبح فلا يرى شيئا فقال:
إذا ما طابت الأسمار قالوا ... غدا نبني بآجرّ وجصّ (4)
وكيف يشيّد البنيان قوم ... يزجون الشتاء بغير قمص (5)
فاستضحك الرشيد وقال: يا أبا سعيد لكنا نبني لك قصرا لا تخاف فيه ما خاف الفتى، ثم أمر له بألفي دينار.
127 - قال الحجاج لإسماعيل بن الأشعث، وكان محمقا، كيف ترى قصري؟ قال: أرى قصرا استعظم المؤونة على من أراد هدمه.
128 - أنشد الجاحظ:
كأن قصور القوم ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك
يدل عليها مستطيرا بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرقة تبكي
129 - أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: بئس بيت الرجل المسلم بيت العروس، يذكر الدنيا وينسى الآخرة.
__________
(1) شقيق: هو شقيق بن إبراهيم بن علي الأزدي البلخي. كان زاهدا بخراسان استشهد في غزوة كولان بما وراء النهر سنة 194هـ وكان من كبار المجاهدين. راجع ترجمته في الأعلام 3: 171وطبقات الصوفية 61ولسان الميزان 3: 151.
(2) الخصّ: البيت من قصب أو شجر جمع أخصاص وخصوص وخصاص.
(3) الآجرة: القرميدة. تقدم شرحها.
(4) الأسمار: أحاديث الليل والمنادمة.
(5) القمص: النفور والتقلب.(1/279)
130 - دار أصلها في التخوم، وفرعها في النجوم.
131 - قيل لأعرابية: أين منزلك؟ قالت: أغيب في الليل إذا عسعس (1)، وأنقلب في النهار إذا تنفس، ثم اتخذت منزلا فسئلت عنه، فقالت:
فأما على كسلان وان فساعة ... وأما على ذي حاجة فقريب
132 - محمد بن واسع: قدمت مكة فسمعت سالم بن عبد الله بن عمر (2) عن أبيه عن جده عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من دخل السوق فقال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة. فقدمت خراسان فقلت لقتيبة بن مسلم: جئتك بهدية، فحدثته بالحديث، فكان يركب في موكبه حتى يأتي السوق، فيقولها ثم ينصرف.
133 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إياكم والأسواق، فإن الشيطان قد باض بها وفرخ.
134 - وقيل للشعبي (3): أين فرخ إبليس؟ قال: في الأسواق، قيل: وكيف؟ قال: لأن في الأسواق ما يسره من البخس، والتطفيف، والغش، والخيانة، والمدح، والذم بغير حق، وخلف الوعد، ومطل (4)
الحقوق، والتعاون على الأباطيل.
135 - سوق العروس ببغداد مجمع الطرائف، ولذلك نسبت إلى
__________
(1) عسعس الليل: أظلم.
(2) سالم بن عبد الله بن عمر: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عمير، أمّه بنت كسرى. أحد فقهاء المدينة السبعة، توفي فيها سنة 106هـ راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 50وطبقات ابن سعد 5: 144.
(3) الشعبي: هو عامر بن شراحيل، أبو عمرو المتوفى سنة 103هـ. تقدمت ترجمته.
(4) مطل الحق والوعد: سوّفه ولم يبّر به.(1/280)
العروس، لاحتفال الناس في تجهيزها. وكان بو بكر الخوارزمي إذا وصف جارية قال: كأنها سوق العروس. وكأنها العافية في البدن، وكأنها مائة ألف دينار.
136 - النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: سأله رجل عن الأشراط (1)، فقال: تقارب الأسواق، قال: ما معنى تقارب الأسواق؟ قال: أن يشكو الناس بعضهم إلى بعض قلة إصابتهم.
137 - قالوا: لذة الدنيا في الغناء، والزناء، والبناء.
138 - أبو هريرة يرفعه: نعم البيت الحمّام يدخله الرجل المسلم، لأنه إذا دخله سأل الله الجنة، واستعاذ من النار.
139 - الحسن بن علي. كانوا يستحبون إذا خرجوا من الحمام أن تتبين آثاره عليهم.
140 - أبو موسى الأشعري، رفعه: أول من دخل الحمّام ووضعت له النورة (2) سليمان عليه السّلام، ولما وجد حرها قال: أوه أوه من عذاب الله، أوه أوه قبل أن لا تنفع أوه أوه.
141 - عمر رضي الله عنه: نعم البيت الحمّام، يذهب بالدرن، ويذكّر بالنار.
142 - علي رضي الله عنه: بئس البيت الحمّام، يبدي العورة، ويذهب بالحياء.
143 - حمام منجاب (3) بالبصرة، كانت إليه وجوه الناس
__________
(1) الأشراط: العلامات. وأشراط الساعة (نهاية الدنيا) علاماتها.
(2) النورة: حجر الكلس ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره ويستعمل لإزالة الشعر.
(3) منجاب: هو منجاب بن راشد بن أصرم الضبّي. قال الثعالبي ينسب إلى امرأة يقال لها منجاب وفيه يقول الشاعر:
يا ربّ قائلة يوما وقد تعبت ... كيف السبيل إلى حمام منجاب(1/281)
لطيبه، وكان فيها حمّام آخر يعرف بحمّام طيبة، فقال لها شاعر: ما الذي تجعلني لي إن حولت وجوه الناس إلى حمامك؟ قالت: ألف درهم.
فقال:
حمّام طيبة لا حمام منجاب ... حمّام طيبة سخن واسع الباب
فأقبل الناس إليه.
144 - وصف لرجل حمّام بالطيب، فقال: ما قامت النساء عن حمّام أطيب من حمّام أصحاب الحناء.
145 - بدوي دخل حمّاما فاستطابه، فقال لصاجبه:
إن حمّامك هذا ... غير مذموم الجوار
ما رأينا قبل هذا ... جنة في وسط نار (1)
146 - كان ابن قريعة القاضي (2) في مجلس الوزير المهلبي (3)، فنوول رقعة فيها: ما يقول القاضي في رجل دخل الحمّام، وجلس في الأبزن (4)، فخرجت منه ريح، فتحول الماء زيتا. فتخاصم هو والحمّامي، وادعى كل واحد أنه يستحق الزيت كله. فكتب: قرأت هذه الفتيا الطريفة، في هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثا باطلا،
__________
(1) كناية عن الشعور باللذة والإنتعاش أثناء الإغتسال في الحمام الحارّ.
(2) ابن قريعة القاضي: هو محمد بن عبد الرحمن. كان قاضيا من أهل بغداد، اشتهر بسرعة البديهة في الجواب. اختص بالوزير المهلبي ونادم عز الدولة ابن بويه. ولد سنة 302هـ وتوفي سنة 367هـ راجع ترجمته في الوفيات 1: 517والوافي 3: 227.
(3) الوزير المهلبي: هو الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون الملقب بذي الوزارتين:
استوزره معز الدولة بن بويه ثم المطيع العباسي فاجتمعت له وزارة الخليفة ووزارة السلطان. كان حازما وكريما. توفي في طريق واسط سنة 352هـ. راجع ترجمته في اليتيمة 2: 81والوفيات 1: 142.
(4) الأبزن: حوض من نحاس يستنقع فيه الرجل وهو معرب. (اللسان مادة بزن).(1/282)
وكذبا ماحلا، وإن كان كذلك فهو من أعاجيب الزمان، وبدايع الحدثان، فالجواب وبالله التوفيق: أن للضارب نصف الزيت بحق وجعائه (1)، وللحمامي نصف الزيت بقسط مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله، وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولا يدخله في أغذيته والله أعلم بالصواب.
147 - الحسن: الأسواق موائد الله في الأرض، من أتاها أصاب منها.
148 - بني الحجاج قصره، فقال له رستم الدهقان (2): أيها الأمير أكسه وحلّه، أراد التجصيص والنقش.
149 - أعرابي: ارتحلت عنه ربات الخدور، وأقامت به رواحل القدور.
150 - كان يزيد بن عبد الملك (3) يطوف في المواضع التي كانت فيها حبابة (4) فتمثلت له وصيفة:
كفى حزنا بالهائم الصبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا (5)
__________
(1) الوجعاء: الدّبر.
(2) الدهقان: رئيس الإقليم جمع دهاقنة ودهاقين. والدهقان: التاجر.
(3) يزيد بن عبد الملك: هو يزيد بن عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي ولد في دمشق سنة 71هـ وولي الخلافة سنة 101هـ. كان ميّالا إلى الملذّات ويعرف بيزيد الناقص. توفي في أربد بالأردن سنة 105هـ. راجع ترجمته في الوزراء والكتاب 56 ورغبة الآمل 1: 60والأعلام للزركلي.
(4) حبابة: هي جارية يزيد بن عبد الملك، فغنية، أديبة، روت الشعر وقرأت القرآن أخذت الغناء عن ابن سريج وابن محرز ومالك ومعبد، وعن جميلة وعزّة الميلاء وكانت تسمى العالية فاشتراها يزيد بن عبد الملك بأربعة آلاف دينار وسمّاها حبابة فغلبت على عقله وشغل بها ولمّا ماتت حزن عليها ومات بعدها بأربعين يوما. توفيت سنة 105هـ. راجع أخبارها مفصّلة في كتابنا «أخبار النساء في كتاب الأغاني» طبعة مؤسسة الكتب الثقافية.
(5) الصب: الذي تيّمه الحب والمنازل القفر: الخالية.(1/283)
151 - آخر:
وكلّ سلامة تعد المنايا ... وكلّ عمارة تعد الخرابا
152 - آخر:
منازل ألّاف أتى الدهر دونها ... وما الدهر والالّاف إلّا كذلك (1)
153 - ابن الرقاع (2):
فابكي إذا بكت المنازل أهلها ... معذورة وظلمت إن لم تفعلي
أهلا كراما لن يحلك مثلهم ... في ذا الزمان ولا الزمان المقبل
154 - محمد بن عبد الله النميري:
غشي المنازل بالسليل فهاجه ... ربع تبدلّ غيره أحبابه (3)
ولقد تراه للقتول وأهلها ... جارا تمس بيوتهم أطنابه (4)
155 - قال غلام رفيع الأسدي (5):
__________
(1) ألفه: أنس به وأحبّه فهو إلفه والجمع ألّاف وأليفة جمع ألائف وآلفة جمع ألّاف.
والاسم: الألفة.
(2) ابن الرقاع: هو عديّ بن زيد بن مالك بن عديّ بن الرقاع العاملي، كان شاعرا معاصرا لجرير والفرزدق من أهل دمشق مات فيها نحو سنة 95هـ. راجع ترجمته في رغبة الآمل 5: 212.
(3) السليل: العرصة التي بعقيق المدينة. وقيل: السليل والسلّان: الأودية راجع معجم البلدان 3: 243.
(4) الأطناب: جمع طنب وهو الحبل الذي يشدّ به سرادق البيت.
(5) في معجم الشعراء للمرزباني 123: «رقيع بالقاف بن أقرم الأسدي كذا وجدته في غير موضع وهو في كتاب بني أسد رفيع بالفاء الوالبي واسمه عمار بن عبيد بن حبيب أخو بني أسامة بن والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد»: شاعر إسلامي في أول أيام معاوية وهو القائل من قصيدة:
فقد أعطيت فوق الغواني محبة ... جنوب كما خير الرياح جنوبها
إذا هي هبّت زادت الأرض بهجة ... وبالسعد والبشرى يكون هبوبها(1/284)
ليت الديار التي تبقى فتحزننا ... كانت تبين إذا ما أهلها بانوا
ينأون عنا ولا تنأى مودتهم ... فالقلب فيهم رهين حيث ما كانوا (1)
فقال مولاه: والله إني لأستحي أن أقول شعرا بعد هذا.
156 - دخل رجل على الحجاج فقال ما عندك؟ قال: علم ألسنة الطير، فإذا هامتان (2) تجاوبتا فقال: ما تقولان؟ قال: تخطب إحداهما بنت الأخرى، فتقول لها لا أزوجك إلا بأربع مئة قصر منيف قال: أين تجد ذلك؟ قال: ما دام مثلك حيا لا نعدمه قال: كيف؟ قال: إنك تقتل الخيار وتعطل الديار.
157 - أعرابي:
ألم تعلما أن المصلّى مكانه ... وبطن العيقيق ذا الظلال وذا البرد (3)
وأن به لو تعلمان أصائلا ... وليلا رقيقا مثل حاشية البرد
158 - لكثير (4):
__________
(1) شبيه قول الشاعر:
أحبة القلب مهما داركم بعدت ... فإنّ رسمكم باق بإنساني
فكلّ أرض لكم قد أصبحت وطنا ... لا شكّ في أنها أرضي وأوطاني
(2) الهامة: اسم طائر. كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره، تقول: اسقوني اسقوني! فإذا أدرك بثأره طارت. وقال أبو عبيدة:
أما الهامة فإن العرب كانت تقول إن عظام المتوى، وقيل أرواحهم، تصير هامة فتطير. وقيل: كانوا يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت الصّدى فنفاه الإسلام ونهاهم عنه.
(3) العقيق: بناحية المدينة فيه عيون ونخل وهما عقيقان: الأكبر وهو ما يلي الحرّة ما بين أرض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل ومما يلي الحمى ما بين قصور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عثمان إلى قصر المراجل ثم اذهب بالعقيق صعدا إلى منتهى البقيع. والعقيق الأصغر ما سفل عن قصر المراجل إلى منتهى العرصة. معجم البلدان 4: 139.
(4) كثير: هو كثير عزّة المتوفّى سنة 105هـ. تقدمت ترجمته.(1/285)
لعمرك إن الجزع أمسى ترابه ... من الطيب كافورا وعيدانه رندا (1)
وأصبح ماء الشعب خمرا وأصبحت ... جلاميده مسكا وأوراقه وردا (2)
وما ذاك إلا أن مشت في عراصه ... عزيزة في سرب وجرّت به بردا (3)
159 - محمّق (4) إلى أبيه: كتابي هذا ولم يحدث علينا بعدك إلا خير والحمد لله، إلا أن حائطنا وقع فقتل أمي وأختي وجاريتنا، ونجوت أنا والحمار والسنّور، فعلت إن شاء.
160 - أعرابي: لا تجف أرضا فيها قوابلك، ولا تنأ بلدا فيه قبائلك. بلد فيه قوابلي وقبائلي.
161 - ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى عبد الرزق.
162 - عمر: عمر الله البلدان بحب الأوطان.
163 - كما أن لحاضنتك حق لبنها، فلأرضك حرمة وطنها.
164 - العرب: حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك.
165 [شاعر]:
وكنا ألفناها ولم تك مألفا ... وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها ... هواء ولا ماء ولكنها وطن
166 - أعرابي: رملة حضنتني أحشاؤها، وأرضعتني أحساؤها.
167 - كانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه، وتستسفه، وتطرحه في الماء إذا شربته.
__________
(1) الجزع: منعطف الوادي. وهناك جزع بني كوز وجزع بني حماز وجزع الدواهي.
راجع معجم البلدان 2: 134. والرند: نبات من شجر البادية طيب الرائحة يشبه الآس.
(2) الشعب: الطريق في الجبل. والجلاميد: الصخور جمع جلمود.
(3) العرصة: المكان المتّسع أمام الدار.
(4) المحمّق: القليل العقل.(1/286)
وأنشد لرجل من بني ضبة:
نسير على علم بكنه مسيرنا ... وغفّة زاد في بطون المزاود (1)
ولا بد في أسفارنا من قبيضة ... من الترب ننشاها لحب الموالد (2)
168 - الهند: حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك، إذ كان غذاؤك منها وغذاؤهما منه.
169 - الفرس: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة، كما تغرس الولادة في القلب رقة.
170 - ميلك إلى مولدك من كرم محتدك (3).
171 - أيمن بن خريم (4) لما أجلى ابن الزبير (5) بني أمية عن المدينة:
__________
(1) كنه الشيء: حقيقته. والغفة: البلغة من العيش. والمزاود: الأوعية التي يحمل فيها الماء ليبرد.
(2) قبيضة: تصغير قبضة. وقبيضة من الترب: ملء كفّنا. ونشي: شمّ. والموالد:
كناية عن الأوطان.
(3) المحتد: الأصل.
(4) أيمن بن خريم: هو أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي، شاعر، كان من ذوي المكانة عند عبد العزيز بن مروان بمصر ثم تحول عنه إلى أخيه بشر بن مروان بالعراق. كان يشارك في الغزو وله رأي في السياسة. عرض عليه عبد الملك بن مروان مالا ليذهب إلى الحجاز ويقاتل ابن الزبير فأبى وقال:
ولست بقاتل رجلا يصلّي ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعليّ وزري ... معاذ الله من سفه وطيش
وكان يرى اعتزال الفتن ويقول:
إنّما يسعرها جاهلها ... حطب النار، فدعها تشتعل
وكان به برص، وهو ابن خريم الصحابي، توفي نحو سنة 80هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 2: 35والشعر والشعراء 314. وفي معجم ياقوت:
أيمن بن خزيم.
(5) ابن الزبير: هو عبد الله بن الزبير بن العوام المتوفى سنة 65هـ.(1/287)
كأنّ بني أمية حين راحوا ... وعري من منازلهم صرار (1)
شماريخ الجبال إذا تردّت ... بزينتها وجادتها القطار (2)
172 - لولا حب الوطن لخرب بلد السوء.
173 - قيل في بني عمير الليثي (3) من كنانة، ودارهم بالبصرة بالقرب من الجامع، وهي مذكورة:
بنو عمير مجدهم دارهم ... وكلّ قوم لهم مجد
كأنهم فقع بدوية ... ليس لهم قبل ولا بعد
174 - ابن عمر (4): كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قليل الخطوات في السوق، وكان يقول إذا خطا فيها: اللهم إني أعوذ بك من شر السوق، وأعوذ بك من الفسوق، وأعوذ بك من كل صفقة خاسرة، ومن كل يمين كاذبة.
175 - قال رجل: لا يكون البنيان قرية حتى ينبح فيها كلب ويصقع (5) ديك: فقال آخر: بل لا تكون قرية حتى يكون فيها حائك ومعلم، فقال له: ويحك إذا صارت إلى هذا فهي مدينة.
176 - ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم.
177 - كان الحسن يقعد عند المنارة العتيقة في آخر المسجد.
178 - ابن مسعود: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليلة أسري بي إلى السماء
__________
(1) صرار: هي الأماكن المرتفعة التي لا يعلوها الماء، وصرار: اسم جبل، وماء قرب المدينة، راجع معجم البلدان 3: 398.
(2) شماريخ الجبال: رؤوسها وأعاليها. والقطار: جمع قطر وهو المطر.
(3) عمير الليثي: هو عمير بن عطية الليثي: تابعي من أهل البصرة من أصحاب عمر بن الخطاب. راجع الطبقات 1: 7: 90.
(4) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. تقدمت ترجمته.
(5) صقع الديك: صاح.(1/288)
رأيت في السماء الرابعة قصرا مزخرفا، حواليه قناديل من نور، فقلت: يا جبرائيل ما هذا القصر المزخرف؟ قال: يا محمد هذا رباط تستفتحه أمتك بأرض خراسان حول جيحون (1) قلت: يا جبرائيل وما جيحون؟ قال:
نهر يكون بأرض خراسان، من مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامة شهيدا من قبره، قلت: يا جبرائيل ولم ذاك؟ قال: يكون لهم عدو يقال لهم الترك، شديد كلبهم، قليل سلبهم، من وقع في قلبه فزعة منهم قام يوم القيام شهيدا من قبره مع الشهداء.
179 - أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: طوبى لمن بات ليلة في خوارزم (2). وطوبى لمن وقع عليه غبار خوارزم، وطوبى لمن صلى ركعتين في خوارزم.
180 - عن الحسن: مدينة بالمشرق يقال لها خوارزم، على شاطىء نهر يقال له جيحون، ملعون الجانبين، ألا وإن تلك المدينة محفوفة مكفوفة بالملائكة، تهدي إلى الجنة العروس إلى بيت زوجها، يبعث الله من مقبرتها مائة ألف شهيد، كل شهيد منهم يعدل شهيد بدر.
181 - وعن مكحول (3): مدينة بخراسان يقال لها خوارزم، ما داموا كفارا فالمسلمون منهم في شدة وتعب، فإذا أسلموا كانوا جناحا من أجنحة المسلمين، وترسا من ترستهم.
182 - وقيل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد ما تقول في الرباط وراء جيحون؟ فقال: لأن أنام على الفراش وراء جيحون، يعني أنوي به
__________
(1) جيحون: تقدم تحديها وتعريفها.
(2) خوارزم: ناحية فيما وراء النهر. كانت قصبتها العظمى الجرحانية وقد يطلق اسم خوارزم على قصبتها. راجع معجم البلدان 2: 395.
(3) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل. أصله من فارس ومولده بكابل. فقيه من حفّاظ الحديث. استقرّ بدمشق وتوفي فيها سنة 112هـ. راجع ترجمته في الوفيات 2: 122وتاريخ الإسلام للذهبي 3: 198.(1/289)
الرباط، أحب إلي من الطواف بهذا البيت من السنة إلى السنة صائما قائما، ومن ألف حجة متتابعة.
183 - وعن ابن عمر: أنه سأل رجلا من أهل خوارزم عن بلاده، فوصف له أن الرجل منا يغسل وجهه، فيصير الماء على وجهه ثلجا، فقال: بشّر تلك الوجوه بالجنة.
184 - وقد عدد ابن سمقة (1) الكاتب فضائلها فقال: ولخوارزم فضائل لا يوجد مثلها في سائر الأقطار وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار هي ثغر من ثغور الإسلام، قد اكتنفها أهل الشرك، وأطافت بها قبائل الترك، فغزو أهلها معهم دائم، والقتال فيما بينهم قائم، قد أخلصوا في ذلك بيانهم، وأمحضوا فيه طوياتهم، وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات، ومنحهم الغلبة في كافة الوقعات، ثم حصنها الله بجيحون، بواد عسير المعبر بعيد المسالك، غزير الماء كثير المهالك، فلا يتوغلها متوغل إلا خاطر بمهجته، ولا يسلك منافذها سالك إلا كان على يأس من سلامته وأهلها أهل بسالة، وقلوب جرية، ونفوس أبية قد فشا (2) عنهم ذلك فجبن العدو عن مكافحتهم، وفشل عن مناوشتهم، وفيهم الرمي بالنشاب لا تخطئهم إصابة، ولا تكاد تسقط لأحد منهم نشابة، مع استقلالهم بأنواع السلاح، من السيوف والرماح ولهم السداد والديانة، وعندهم الوفاء والأمانة، وضمائرهم نقية طاهرة، ورغباتهم في أصناف الخير ظاهرة، ودينهم؟؟؟ الأخيار، ومقت (3) الأشرار، والإحسان إلى الغرباء، والتعطف على الضعفاء وخصائص أخر لا يستقصى ولا تعد ولا تحصى ومما اختصت به أنواع الرقيق الروقة (4) والخيل الهماليج (5)
__________
(1) ابن سقمة: لم نستطع الوقوف على ترجمة له في مراجعنا.
(2) فشا الحديث: شاع وتناقله الناس.
(3) مقت الأشرار: كرههم.
(4) الروقة: المعجب.
(5) الهماليج من الدواب: السريع.(1/290)
الفرهة (1)، وضروب الضواري من البزاة والصقور، وأجناس الوبر (2) وألوان الثياب، وثمارها أطيب الثمار وأشهاها، وألذها وأحلاها، وأمرأها وأنماها في الأبدان وهواؤها أصح هواء، وماؤها أعذب ماء، لأنه يجري من عيون عذبة، على ترب طيبة، وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله إلا في الجنة.
185 - ولقد أحسن ابن سمقة، في جميع ما نمقه، ولكنه أخل برأس فضائلها، وهو ما رزقته من المذهب السديد، مذهب أهل العدل والتوحيد (3)، مع الباطشين فيه بقوة السواعد، الرامين عنه بالنبل الصوارد (4)، والشاقين في دقايقه الشعر، المطيرين عن نخر (5) أعدائه النعر (6)، وذلك في كل زمان، وخاصة في زماننا هذا، فقد أزهر فيها ما شاء من السرج، وأطال فيها ألسنة الحجج.
186 - عبد الله بن عمر، يرفعه: ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمّامات، فلا يدخلها الرجال إلا بالأزر (7)، وامنعوها النساء، إلّا مريضة أو نفساء.
187 - دخل نسوة من الشام على عائشة فقالت: ممن أنتن؟ قلن:
من الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمّامات؟
قلن: نعم، قالت: أما أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من إمرأة
__________
(1) الخيل الفرهة: النشيطة والفعل فره.
(2) الوبر: دويبة كالسنّور لكنها أصغر منه وهي قصيرة الذنب والأذنين. جمع وبور ووبار والوبر: للإبل والأرانب ونحوها كالصوم للغنم والجمع أوبار.
(3) أهل العدل والتوحيد: هم المعتزلة. العدل عندهم هو نفي القدر، والتوحيد عندهم نفي الصفات والدفاع عن وحدانية الله.
(4) النبل الصوادر: النافذة.
(5) النخر: جمع نخرة وهي مقدّم الأنف.
(6) النعر: الجهل.
(7) الأزر: جمع إزار وهو كل ما يسترك، شبيه بالملحفة.(1/291)
تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله.
188 - من كلام حنيف الحناتم (1) المضروب به المثل في الأبالة (2):
من قلظ الشرف (3)، وتربع الحزن (4)، وتشتى الصمان (5)، فقد أصاب المرعى.
189 - ورد بن ورد (6):
وإن القليب الفرد من أيمن الغضا ... ليحلو لناء ذكره ويطيب (7)
تفوقت درات الصبا في ظلاله ... إلى أن أتاني بالفطام مشيب
وله:
ألا أيها الصمد الذي كنت مرة ... نحلّك سقّيت الأهاضيب من صمد (8)
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد وفي بعد
__________
(1) حنيف الخناتم: من أشدّ الناس إتقانا في رعيّتها وأعلمهم بها، وهو أحد بني حنتم بن عدي بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة ويقال له الحناتم.
(2) الأبالة: الحذق برعي الإبل والشاء.
(3) قاظ الشرف: أقام به زمن القيظ: والشرف: كبد نجد راجع معجم البلدان 3: 336.
(4) الحزن: هو ما فيه خشونة من الأرض وغلظ. وحزن: طريق بين المدينة وخيبر.
راجع معجم البلدان 2: 254.
(5) الصمّان: أرض غليظة دون الجبل فيها ارتفاع وقيعان واسعة. كانت الصمان قديما لبني حنظلة والحزن لبني يربوع والدهناء لجماعتهم والصمان متاخم للدهناء. وقيل غير ذلك. راجع معجم البلدان 3: 423.
(6) ورد بن ورد: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(7) القليب: البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوي. وهناك أكثر من مكان بهذا الاسم. راجع معجم البلدان 4: 394.
والغضا: من شجر البادية يشبه الأثل وهو من أجود الوقود وأبقاه نارا. والغضا:
أرض في ديار بني كلاب، وهو أيضا واد بنجد. راجع معجم البلدان 4: 205.
(8) الصمد: المرتفع الغليظ من الأرض. والصمد أيضا ماء للضباب وقيل للرباب قريب من واد بحزن بني يربوع.
ومنزلتي بلحاء من بطن واسط ... ومن ذي السليل كيف حالكما بعدي (1)
تتابعت الأنواء سحا عليكما ... أما لكما بالمالكية من عهد (2)
190 - قبيصة بن عمرو المهلبي في البصرة:(1/292)
__________
(8) الصمد: المرتفع الغليظ من الأرض. والصمد أيضا ماء للضباب وقيل للرباب قريب من واد بحزن بني يربوع.
ومنزلتي بلحاء من بطن واسط ... ومن ذي السليل كيف حالكما بعدي (1)
تتابعت الأنواء سحا عليكما ... أما لكما بالمالكية من عهد (2)
190 - قبيصة بن عمرو المهلبي في البصرة:
لأحسن من بطن الرصافة منزلا ... وميدانها فالكرخ فالدّور فالجسر (3)
ربائع لا يبلسن والريح ريدة ... قياما ولا يطبعن للوابل الهمر (4)
إذا ما كساهنّ الربيع رياطه ... تأرجن مسكا أو تضاحكن عن درّ (5)
191 - أخو يزيد بن خذاق (6):
أبى القلب أن يأتي السدير وأهله ... وإن قلّ عيش بالسدير غرير (7)
به البقّ والحمّى وأسد خفية ... وعمرو بن هند يعتدي ويجور (8)
(1) بلحاء: اسم مكان لم نقف على ذكر له في مراجعنا. والسليل: مجرى الماء في الوادي.
(2) الأنواء: النجم المنذر بالمطر. وسح الماء: صبّه صبا متتابعا غزيرا.
والمالكية: قرية على باب بغداد وأخرى على الفرات بالعراق. راجع معجم البلدان 5: 43.
(3) الرصافة: هناك رصافة البصرة ورصافة بغداد وغيرهما. راجع معجم البلدان 2: 46 والكرخ: من محالّ بغداد. والدّور: سبعة مواضع بأرض العراق من نواحي بغداد.
راجع معجم البلدان 2: 481. والجسر: هو الذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس قرب الحيرة ويعرف أيضا بيوم قس الناطق. راجع معجم البلدان 2: 140.
(4) الربائع: الرياض جمع ربيعة. الريح ريدة: أي لينّة الهبوب. ويطبع: يملأ:
والوابل الهمر: المطر المنصب بغزارة.
(5) الرياط: جمع ريطة وهي الملاءة. وهنا كناية عن الأزهار والرياحين المنتشرة بكثرة.
(6) يزيد بن خذاق: ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص 198ولم يترجم له ولم نقف على ترجمة لأخيه.
(7) السدير: موضع معروف بالحيرة. وقيل: قصر قريب من الخورنق كان النعمان الأكبر اتخذه لبعض ملوك العجم. قيل: سمّي السدير لكثرة سواده وشجره. راجع معجم البلدان 3: 201. والعيش الغرير: الهنيء.
(8) عمرو بن هند: هو عمرو بن المنذر اللخمي، ملك الحيرة في الجاهلية. عرف بنسبته إلى أمّه هند (عمّه امرىء القيس الشاعر) تمييزا له عن أخيه عمرو الأصغر (ابن أمامة) أما نسبه فهو: عمرو بن المنذر الثالث ابن امرىء القيس بن النعمان بن الأسود، من بني لخم، من كهلان، يلقّب بالمحرّق الثاني لإحراقه بعض بني تميم في جناية واحد منهم اسمه سويد الدارمي، قتل ابنا (أو أخا) صغيرا لعمرو. ملك بعد أبيه، واشتهر في وقائع كثيرة مع الروم والغسانيين وأهل اليمامة. وهو صاحب صحيفة المتلمّس وقاتل طرفة بن العبد الشاعر. في أيامه ولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واستمر ملكه خمسة عشر عاما. قتله عمرو بن كلثوم الشاعر أنفة وغضبا لأمه في خبر طويل، وكان ذلك نحو سنة 45ق. هـ. راجع ابن خلدون 2: 265وابن الأثير 1: 154 والمرزباني 205.(1/293)
192 - أنوشروان (1): لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار.
193 - مرو (2): أسسها أفراسياب (3)، وبنى بعضها كيخسرو (4)
وأتمها الإسكندر، وسمرقند أسسها كيكاوس (5) بن قباذ وفرغ منها ابنه سياوخش (6).
194 - نسا (7): بناها فيروز بن يزدجرد (8) وكان يقال لها: شهران (9)
فيروز.
__________
(1) أنوشروان: من ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس ويعرف بالملك العادل.
(2) ومرو: من أشهر مدن خراسان وهي مرو الشاهجان وتسمى مرو الكبرى.
(3) أفراسياب: ثامن ملك من ملوك الفرس، وهو تركي.
(4) كيخسر: ثالث ملك من ملوك الطبقة الثانية من الفرس.
(5) كيكاوس: ثاني ملك من ملوك الطبقة الثانية من ملوك الفرس ولقبه نمرود.
(6) سياوخس: ابن كيكاوس وهو باني مدينة القندهار من أرض السند كما ذكر المسعودي في مروج الذهب.
(7) نسا: مدينة بخراسان، بينها وبين سرخس يومان وبينها وبين مرو خمسة أيام وبين نيسابور ستة أو سبعة أيام وهي مدينة وبئة جدا وقد خرج منها جماعة من أعيان العلماء. راجع التفاصيل في معجم البلدان 5: 281.
(8) فيروز بن يزدجرد: هو الملك السابع عشر من ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس وهم الساسانية.
(9) شهران فيروز: هي مدينة فيروز المتقدّم ذكره.(1/294)
195 - جابر (1)، يرفعه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة تشرب عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمّام.
196 - الحزم ترك الحمّام إذ لا تخلو من عورة مكشوفة ولا سيما من تحت السرّة إلى العانة (2).
197 - وعن بشر بن الحارث: ما أعنف رجلا لا يملك إلا درهما دفعه ليخلى له الحمّام.
198 - ورؤي ابن عمر وجههه إلى الحائط، وقد عصب عينيه بعصابة (3).
199 - وعن بعضهم: لا بأس بدخول الحمّام، ولكن بإزارين إزار للعورة، وإزار للرأس يتقنّع به والسنة (4) أن يرفع رجله اليسرى عند الدخول وأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
200 - وقالوا: يكره دخول الحمّام بين العشائين، وقريبا من المغرب. ويكره للرجل أن يعطي امرأته أجرة الحمّام فيكون معينا لها على المكروه.
201 - أول قرية بنيت على وجه الأرض بعد الطوفان قرية بناها نوح عليه السّلام ومعه ثمانون نفسا حين خرج من السفينة فسميت ثمانين (5).
__________
(1) جابر: هو جابر بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة 78هـ. تقدمت ترجمته.
(2) العانة: الشعر الذي ينبت فوق أعضاء التناسل لدى الرجال والنساء.
(3) أراد أنه كان في الحمّام.
(4) السنة: العادة.
(5) ثمانين: بليدة عند جبل الجودي قرب جزيرة ابن عمر التغلبي فوق الموصل، كان أول من نزله نوح عليه السّلام لما خرج من السفينة ومعه ثمانون إنسانا فبنوا لهم مساكن بهذا الموضع وأقاموا به فسمّي الموضع بهم، ثم أصابهم وباء فمات الثمانون غير نوح عليه السّلام. راجع معجم البلدان 2: 84.(1/295)
202 - هفت هزار (1) بيت بالبصرة مبني بأساطين الساج (2)، بناه سياه رئيس أساورة (3) يزدجرد وكان ختنه (4) على ابنته، أسلم في أيام عمر رضي الله عنه، بالبصرة مع خاصته، وهم سبعة آلاف، فبناه وكان يطعمهم فيه بكرة وعشيا.
203 - عمل الشياطين لسليمان مدينة من قوارير، كانت الريح تحملها إذا خرج إلى الغزو وفيها حشمه (5) وأهل بيته، وكانت ألف ذراع في عشرة آلاف ذراع.
204 - من أبنية الفرس الشيربهار (6)، كانت سدنته (7) يغلقون ألفا وأربع مائة باب كل عشية.
205 - ونوبهار بلخ (8) بناه أجداده خالد بن برمك (9)، عارضوا به الكعبة، وكانوا يطوفون به، ويحجه أهل مملكتهم، ويلبس الحرير، وكان
__________
(1) هفت هزار: سبعة آلاف (فارسية).
(2) الساج: شجر عظيم صلب الخشب: الواحدة ساجة والجمع سيجان. وأساطين الساج: أعمدة الساج.
(3) الأساورة: قوم من العجم نزلوا البصرة قديما.
(4) ختنه وخاتنه: تزوج إليه وصاهره. والختن: زوج الإبنة. والختنة: أم الزوجة.
(5) حشم الرجل: خدمه وعياله، من يغضبون له أو يغضب لهم من أهل وعبيد وجيرة.
(6) الشيربهار: من معابد الفرس القديمة.
(7) السّدن: الخادم. وسدنة الكعبة: خدّامها. والسدانة: الخدمة.
(8) نوبهار بلخ: بلخ مدينة مشهورة بخراسان. ونوبهار بناء مشهور للبرامكة فيها. وتفسير النوبهار: البهار الجديد لأن نو الجديد وكانت سنتهم إذا بنوا بناء حسنا كلّلوه بالريحان، وتوخوا عند بنائه أول ريحان يطلع في ذلك الوقت فلما بنوا ذلك البيت جعلوا عليه أول ما يظهر من الريحان وكان البهار فسمّي نوبهار لذلك، وكانت الفرس تعظمه وتحج إليه وتهدي له وتلبسه الثياب وتنصب على أعلى قبّته الأعلام وكان حول البيت ثلاثمائة وستون مقصورة يسكنها خدامه وقوّامه وسدنته وكان على كل واحد من سكان تلك المقاصير خدمة يوم لا يعود إلى الخدمة حولا كاملا. وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك لتشبيههم البيت بمكة يسمون سادنه برمكة. وكانت ملوك الهند والصين وكابل شاه وغيرهم من الملوك تدين بذلك الدين وتحج إلى هذا البيت وكانت سنّتهم إذا هم وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ويقبلوا يد برمك، وجعلوا للبرمك ما حول النوبهار من الأرضين سبعة فراسخ في مثلها وجميع أهل ذلك الإقليم عبيد له يحكم فيهم ما يريد وصيروا للبيت وقوفا كثيرة وضياعا عظيمة سوى ما يحمل إليه من الهدايا التي تتجاوز الحدّ وكل ذلك يصل إلى برمك الذي يكون عليه. فلم يزل عليه برمك بعد برمك إلى أن افتتحت خراسان في أيام عثمان بن عفان فتحها عبد الله بن عامر بن كريز وأنفذ قيس بن الهيثم إلى بلخ فدخلها وخرّب النوبهار. راجع التفاصيل حول هذا البناء في معجم البلدان 5: 307.
(9) خالد بن برمك: تقدمت ترجمته.(1/296)
بيتا عظيما، حوله أروقة، وثلاثمائة وستون مقصورة يسكنها خدامه وقوامه، وكان من يليه يسمى برمكا يعني والي مكة، وانتهت البرمكة إلى أبي خالد ابن برمك، فأسلم على يد عثمان رضي الله عنه، وسماه عبد الله.
206 - عبد الله بن عمرو (1): مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وأمي نطين حائطا لنا، وروي: نعالج خصا لنا قد وهى (2)، فقال: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذاك.
207 - أنس: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبة مشرفة، فسأل عنها، فقيل:
لفلان الأنصاري، فجاء فسلم عليه، فأعرض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه فقالوا خرج فرأى قبتك، فهدمها حتى سواها بالأرض، فأخبر بذلك فقال: أما أن كل بناء وبال على صاحبه إلّا مالا إلّا مالا (3).
208 - خالد بن عبد الله المهاجر الزهري:
أضحت منازلكم بمكة منكم ... قفرا وأصبحت المعالم خالية
لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ... قد كنتم زيني بها وجماليه
__________
(1) عبد الله بن عمرو بن العاص: تقدمت ترجمته.
(2) الخص: البيت من قصب أو شجر. ووهى الخص: أصبح ضعيفا.
(3) يريد القول: إلّا ما لا بدّ منه.(1/297)
209 - داود بن علي الكاتب (1):
ألم تقو منكم منى فالجمار ... فزمزم فالحجر الأسود (2)
ولو فاز بالخلد حي إذا ... لفاز به المصطفى أحمد
210 - خالد الزبيدي (3):
أيا جبلي سنجار ما كنتما لنا ... مقيظا ولا مشتى ولا متربّعا (4)
فأجابه دثار النمري:
أيا جبلي سنجار هلا دققتما ... بركتيكما أنف الزبيدي أجمعا
211 - عبد الله بن المقفع (5):
__________
(1) داود بن علي الكاتب: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(2) منى: بليدة على فرسخ من مكة تعمر أيام موسم الحج وعلى رأس منى من نحو مكة عقبة ترمى عليها الجمرة يوم النحر. راجع معجم البلدان 5: 198.
والجمار: اسم موضع بمنى، وهو موضع الجمرات الثلاث، سميت بذلك حيث رمى إبراهيم الخليل عليه السّلام إبليس فجعل يجمر من مكان إلى مكان أي يثب.
وزمزم: البئر المشهورة المباركة. سميت زمزم لكثرة مائها ولها أسماء كثيرة. راجع معجم البلدان 3: 148147.
والحجر الأسود: قال عبد الله بن العباس: ليس في الأرض شيء من الجنة إلّا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة. والحجر الأسود في الجدار وذرع ما بين الحجر الأسود إلى الأرض ذراعان وثلثا ذراع وهو في الركن الشمالي من الكعبة. راجع قصة هذا الحجر المبارك في معجم البلدان 2: 223.
(3) خالد الزبيدي اليمني: شاعر إسلامي مقل: راجع إرشاد الأريب 11: 21.
(4) سنجار: مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة بينها وبين الموصل ثلاثة أيام وهي في لحف جبل عال. يقولون: إن سفينة نوح عليه السّلام لمّا مرّت به نطحته فقاح نوح: هذا سنّ جبل جار علينا فسمّيت سنجار. وقيل غير ذلك. راجع معجم البلدان 3: 262.
والمقيظ والمشتى والمتربع: أي الإقامة في الصيف والشتاء والربيع.
(5) عبد الله بن المقفّع: أصله فارسي. ولد في العراق سنة 106هـ. وقتله أمير البصرة سفيان بن معاوية المهلبي سنة 142هـ. كان ولي كتابة الديوان للمنصور العباسي.
راجع ترجمته في أخبار الحكماء 148ولسان الميزان 3: 366.(1/298)
إن كنت لا تدّعي مجدا ومكرمة ... إلا بقصرك لم تنهض بأركان
سام الرجال بما تسمو الرجال به ... تلك المكارم لا تشييد بنيان
212 - عبد الله بن السمط (1):
حيّ نجدا ومن بأكناف نجد ... والخيام التي بها طال عهدي
ليت شعري هل الخيام كما ك ... ن على العهد أم تغيرن بعدي
213 - عبيد بن قرط الأسدي (2):
لعمري لقد حذرت قرطا وجاره ... ولا ينفع التحذير من ليس يحذر
نهيتهما عن نورة أحرقتهما ... وحمّام سوء ماؤه يستسعر (3)
214 - ابن الرومي وقد أريد على بيع منزله:
ولي وطن آليت أن لا أبيعه ... وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا (4)
فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها جسد إن غاب غودرت هالكا
وحبّب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضّاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وله:
بلد صبحت به الشبيبة والصبا ... ولبست ثوب العيش وهو جديد
__________
(1) عبد الله بن السّمط: لم نقف على ترجمة في مراجعنا.
(2) عبيد بن قرط الأسدي: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(3) النورة: حجر الكلس ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره ويستعمل لإزالة الشعر.
(4) شرخ الشباب: أوّله.(1/299)
215 - علي بن محمد الورزنيني (1) صاحب الزنج، لما هرب من داره في اليوم الذي قتل فيه:
عليك سلام الله يا خير منزل ... خرجنا وخلّفناه غير ذميم
فإن تكن الأيام أحدثن فرقة ... فما أحد من ريبها بسليم
216 - طلب المهدي من بكار بن رباح المدني منزله إلى جانب دار العجلة بأربعة آلاف دينار، فقال: ما كنت لأبيع جوار أمير المؤمنين بشيء فأعطاه أربعة آلاف دينار، وترك له منزله.
217 - إذا زاد البناء على ستة أذرع نادى مناد من السماء: يا أفسق الفاسقين أين تريد؟.
218 - علي رضي الله عنه: ليس بلد بأحق بك من بلدك. خير البلاد ما حملك.
219 - بنى رجل من عمال علي بناء فخما، فقال: أطلعت الورق (2)
رؤوسها، إن البنى لتصف لك الغنى.
220 - بعضهم: ذهبت بأم الحسام وابنتها، وهي امرأتي، إلى بستان لي، فنظرت إلى صهريج (3) فقعدت عليه، وأرسلت فيه رجليها،
__________
(1) علي بن محمد الورزنيني: هو صاحب الزنج. قيل هو علي بن محمد بن عبد الرحيم، وقيل هو علي بن عبد الرحيم. ادّعى أنه علي بن محمد بن أحمد الحسيني العلوي الطالبي في أيام المهتدي العباسي سنة 255هـ فالتفّ حوله أهل البصرة وغيرهم من رعاعها، وبلغ جيشه 350ألف مقاتل بعدما استولى على الأبلّة وواسط واشتدّت فتنته التي عرفت بفتنة الزنج حتى ظفر به الموقف بالله في أيام المعتمد فقتله وبعث برأسه إلى بغداد سنة 270هـ. راجع أخباره في كتب التاريخ وفي الكامل لابن الأثير 7: 206والطبري 11: 174ودول الإسلام 1: 126. وورزنين المنسوب إليها إحدى قرى الريّ. قال ياقوت: من أعيان قرى الريّ كالمدينة 5: 371.
(2) الورق: الدراهم: المضروبة، وقيل: الفضة.
(3) الصهريج: حوض الماء.(1/300)
وهو يطفح بالماء، والنخل يظلله، فقلت: ألا تطوفين معنا على النخل نجني ما طاب؟ قالت: هذا أعجب إلي فدرنا ساعة، ثم انصرفنا، وهي تخضخض (1) رجليها في الماء، وتحرك شفيتها، ودمعها يجري، وتقول:
أقول لأدنى صاحبيّ أسرّه ... وللعين دمع يحدر الكحل ساكبه (2)
لعمري لنهي باللوى نازح العذى ... نقي النواحي غير طرق مشاربه (3)
أحبّ إليّ من صهاريج ملئت ... للعب فلم تملح إليّ ملاعبه
فيا حبذا نجد وطيب ترابه ... إذا هضبته بالعشي هواضبه (4)
وريح صبا نجد إذا ما تنسّمت ... ضحى أو سرت جنح الظلام جوانبه
بأجرع ممراح كأن رياحه ... سحاب من الكافور والمسك شائبه (5)
221 - لما غزا اسفنديار (6) بلاد الخزر (7) اعتل بها، فقيل له: ما تشتهي؟ قال: شمة من تربة بلخ (8)، وشربة من ماء واديها.
222 - واعتل سابور ذو الأكتاف (9) بالروم، وكان أسيرا، فقالت له بنت الملك، وقد عشقته، ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء دجلة، وشميما
__________
(1) تخضخض رجليها: تحركهما.
(2) حدر الدمع: نزل. والكحل: ما تكتحل به العينان وهو حجر معروف.
(3) النهي: غدير الماء. والعذى: هو الزرع والكلأ الذي يسقى من المطر خاصة.
والطرق: الماء العكر الذي بالت فيه الإبل.
(4) الهواضب: المطر الغزير الذي يستمر. وهضبته: مطرته.
(5) الكافور: نبت طيّب الرائحة.
(6) اسفنديار: هو كما ذكره المسعودي اسفنديار بن كشتاسب بن بهراسب من ملوك الفرس الأوائل الذين كانوا يسكنون بلخ.
(7) الخزر: هي بلاد الترك خلف باب الأبواب المعروف بالدّربند قريب من سدّ ذي القرنين. وقيل: الخزر اسم إقليم من قصبة تسمّى إتل، وإتل اسم لنهر يجري إلى الخزر من الروس وبلغار راجع معجم البلدان 2: 367.
(8) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. تقدم تحديدها وتعريفها.
(9) سابور ذو الأكتاف: هو سابور الثاني بن هرمز، الملك التاسع من ملوك الدولة الساسانية سمي ذا الأكتاف لأنه كان يخلع أكتاف الأسرى.(1/301)
من تراب إصطخر (1)، فأتته بعد أيام بماء وقبضة من تراب، وقالت: هذا من ماء دجلة، ومن تربة أرضك، فشرب واشتم بالوهم، فنقه (2) من علته.
223 - لما أشرف الإسكندر أوصى أن تحمل رمته (3) في تابوت ذهب إلى بلد الروم، حبا لوطنه.
224 - الجاحظ: رأيت المتفلسف من البرامكة (4) إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتداوى به.
225 - لما أدركت يوسف الوفاة أوصى بحمل رمته إلى مقابر آبائه فمنع أهل مصر أولياءه، فلما بعث موسى وأهلك فرعون حملها إلى مقابرهم فقبر يوسف علم بأرض بقرية تسمى حسامى (5).
226 - في الحديث المرفوع: من سعادة العبد أن يقدر رزقه في بلده وحال سكونه، ومن شقاوته أن يجعل رزقه في غير بلده، أو في حال سياحة.
__________
(1) إصطخر: من أعيان حصون فارس ومدنها وكورها. معجم البلدان 1: 211.
(2) نقه من علّته: شفي منها.
(3) الرمّة: ما بلي من العظام.
(4) البرامكة: أسرة فارسية من بلخ. تولّى أبناؤها الوزارة في عهد العباسيين. عظم شأنهم وقرّبوا الشعراء واشتهروا بالكرم. نقم عليهم هارون الرشيد ونكبهم. منهم:
خالد بن برمك (تقدمت ترجمته) خدم السفّاح، ويحيى بن خالد مؤدب هارون الرشيد ووزيره، والفضل بن يحيى أخو الرشيد بالرضاعة ومؤدّب الأمين. توفي سجينا بالرقة، وجعفر بن يحيى، قرّبه الرشيد ثم انقلب عليه لأسباب غير واضحة وقتله في نكبة مشهورة تعرف بنكبة البرامكة.
راجع الأسباب التي جعلت الرشيد ينكب البرامكة في مقدمة كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد» طبعة دار الفكر اللبناني.
(5) لم نقف على بلدة بهذا الاسم في مراجعنا.(1/302)
227 - لما بنى السفاح (1) مدينة الأنبار (2) قال لعبد الله بن الحسن (3):
يا أبا محمد كيف ترى؟ فتمثل:
ألم تر حوشبا أمسى يبني ... قصورا نفعها لبني بقيلة (4)
يؤمّل أن يعمّر عمر نوح ... وأمر الله يطرق كلّ ليلة
ثم انتبه فقال: أقلني (5) فما اعتمدت سوءا ولكن خطر ببالي فقال: لا أقالني الله إن بت في عسكري. وأخرجه إلى المدينة وتمثل بقوله: أريد حياته ويريد قتلي، وبقوله:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظا وينوي من سفاهته كسري (6)
وكلمه فيه المنصور (7) فقال: والله لا يخنقه أحد سواه وهو يكلمني فيه.
__________
(1) السفّاح: هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
المعروف بأبي العباس السفّاح. من خلفاء بني العباس. ولد بالحميمة في السراء (بين الشام والمدينة) سنة 104هـ. بويع بالخلافة بالكوفة سنة 132هـ. وصف بالشدة والبطش وتوفي بالأنبار سنة 136هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 10: 46.
(2) الأنبار: مدينة على الفرات، غربي بغداد. قيل: سميت كذلك لأنه كان يجمع بها أنابير الحنطة والشعير والقتّ والتبن وكان يقال لها الأهراء فلما دخلتها العرب عرّبتها فقالت الأنبار. فتحت في أيام أبي بكر الصديق سنة 12هـ على يد خالد بن الوليد.
راجع معجم البلدان 1: 258257.
(3) عبد الله بن الحسن: هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد. ولد في المدينة سنة 70هـ كانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز. حبسه المنصور عدة سنوات ونقله إلى الكوفة فمات سجينا فيها سنة 145هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 7: 354وتاريخ بغداد 9: 431.
(4) بنو بقيلة: بطن من الحيرة.
(5) يقال: أقال الله عثرته: أي صفح عنه.
(6) شبيه قول الشاعر:
أعلّمه الرماية كل يوم ... فلمّا اشتدّ ساعده رماني
(7) المنصور: هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، أبو جعفر ثاني خلفاء بني العباس. ولي الخلافة سنة 136هـ وتوفي بنواحي مكة سنة 158هـ. ودفن في المجون. راجع ترجمته في تاريخ بغداد وفوات الوفيات 1: 232هـ.(1/303)
228 - شكا خالد بن الوليد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضيق منزله فقال:
إرفع البناء في السماء وسل الله السعة.
229 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل من أهل مكة: أتبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة؟ فأبى، فأعاد عليه، فأبى، فبلغ عثمان رضي الله عنه فلم يزل بالرجل حتى اشترى داره بعشرة آلاف دينار، وضمن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيتا في الجنة.
230 - أصابت الربيع بن زياد الحارثي (1) نشابة في جبهته يوم فتحت مناذر (2)، فكانت تنتقض عليه في كل سنة، فعاده علي رضي الله عنه في داره، وهي أول دار خطت بالبصرة، فجال ببصرة فقال: ما كنت ترجو بهذا كله؟ وما هذا البناء يا ربيع؟ أما لو وسعت بها على نفسك في آخرتك، ثم قال: بلى أراها تزيدك من الله قربة، تصل فيها القريب وتقري (3) فيها الضعيف، ويأتي إليك فيها الضنيك قال: وما الضنيك يا أمير المؤمنين؟ قال: الفقير.
231 - كان يقول جعفر بن أبي طالب لأبيه: با أبت أني لأستحي أن أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على مثله فكان يقول له أبوه: إني لأرجو
__________
(1) الربيع بن زياد الحارثي: من بني الديّان، من الأمراء الفاتحين، أدرك عصر النبوة، وولي البحرين، وقدم المدينة في أيام عمر وولّاه عبد الله بن عامر سجستان سنة 29هـ ففتحت على يديه، له مع عمر بن الخطاب أخبار. كان شجاعا تقيا. توفي سنة 53هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 14والإصابة 1: 504.
(2) مناذر: هما بلدتان بنواحي خوزستان، مناذر الكبرى ومناذر الصغرى. قال أهل السّير: ووجّه عتبة بن غزوان حين مصّر البصرة في سنة 18هـ سلمى بن القين وحرملة ابن مريطة كانا من المهاجرين مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهما من بلعدوية من بني حنظلة ونزلا على حدود ميسان ودستميسان حتى فتحا مناذر وتيري في قصة طويلة. راجع معجم البلدان 5: 199
(3) القرى: طعام الضيف. وتقري الضيف: تطعمه.(1/304)
أن يكون فيك خلف من عبد المطلب.
232 - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أتى الشيطان العراق فقضى حاجته فيهم، ثم انصرف إلى الشام فطردوه، ثم أتى مصر فباض فيهم وفرخ ونشر عفريته (1).
233 - عبد الله بن عمر: وادخلوا مصر فأصيبوا من خيرها، وأخرجوا منها إلى غيرها، ولا تغتسلوا بطينها، فإنه يميت القلب، ويذهب بالغيرة.
234 - دخل عبد الله الرومي (2) على أم طلق (3) في بيتها، فإذا سمكه قصير كاد يصيب رأسه، فقال: ما أقصر سمك بيتك! قالت: أما علمت ما كتب عمر بن الخطاب؟ كتب: لا تطيلوا بنيانكم فإنه من شرار آثامكم (4).
235 - عن بكر بن عبد الله المزني (5): أن يهوديا أسلم، وكان يقال له يوسف، وقد قرأ الكتب، فمر بدار مروان بن الحكم (6) فقال: ويل لأمة محمد من هذه الدار، ثلاثا.
__________
(1) قيل في منازل ورتب الشيطنة: إذا خبث الجنيّ قيل له شيطان، فإن زاد على ذلك في الخبث قيل له مارد، فإن زاد على ذلك قيل له عفريت. وعفريتة الرأس: شعره الذي يقشعرّ عند الفزع.
(2) عبد الله الرومي: راو، روى عن عثمان، وأبي هريرة، وأم طلق، وعنه علي بن مسعدة الباهلي. راجع تهذيب التهذيب 6: 90.
(3) أم طلق: أدركت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم ترو عنه. ذكرها ابن سعد في الطبقات 8: 357.
(4) رواية الطبقات: حدثنا ابن الرومي قال: دخلت على أم طلق في بيتها، فإذا سقف بيتها قصير. فقلت: ما أقصر سقف بيتك يا أمّ طلق! قالت: إن عمر كتب إلى عماله أن لا تطيلوا بناءكم، فإن شرّ أيامكم يوم تطيلون بناءكم.
(5) بكر بن عبد الله المزني: كان من خيار التابعين. روى الحديث وسمع من أنس بن مالك وابن عمر وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن معقل، ومعقل بن يسار. يجالس الفقراء ويعيش عيش الأغنياء. راجع حلية الأولياء 2: 422.
(6) مروان بن الحكم: هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ولد بمكة سنة 2هو بويع بالخلافة سنة 64هـ ومات بدمشق سنة 65هـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 91.(1/305)
236 - تشاجر رجلان في قصر، فأنطق الله لبنة من الزاوية فقالت:
إعلما أني كنت إنسانا مثلكما ألف سنة، ثم متّ فكنت رميما ألف سنة، ثم كنت حيا ثلاثمائة سنة، ثم كسرت فصرت ترابا، فضربت لبنة فوضعت في بناء هذا القصر منذ ثلاثمائة سنة، فحياء لكما بعدما سمعتما أن تشاجرا وتأخذا بتلابيبكما (1).
237 - تزوج فقير غنية، فضاق صدرها لضيق بيته، فقال لها:
قومي، فقامت فلم يمس رأسها السقف، فقال لها: هبي أن سطحه يقرب السماء فما ينفعك إذا لم يمس رأسك؟ ثم قال لها: نامي، فنامت فلم تمس قدماها الجدار، فقال: هبي الجدار عند جبل قاف (2) فما ينفعك بعد أن لم تمسه «قدماك؟ فقالت حسبي حسبي، رضيت.
238 - قال المأمون لأبي عباد (3): يا ثابت بم تستدل على حمق الرجل؟ قال: إذا رأيته يبغض البطيخ الرمستي ويؤثر الشاهلوج (4) عليه علمت أنه أحمق، والرستمي كذلك. فدخل الرستمي فقال له: ما تقول في البطيخ؟ قال: يفسد المعدة، ويلطخها ويرقها، ويرخي العصب، ويرفع البخار إلى الرأس، وتغثى (5) [منه النفس]، قال: لم أسألك عن فعله، إنما سألتك أشهي هو مستلذ؟ قال: لا، قال: فما تقول في الشاهلوج؟ قال: ما قال فيه كسرى فإنه سمّاه سيد أجناسه، فالتفت المأمون إلى أبي عباد وقال: الرجل الذي كنا في حديثه من تلامذة كسرى في الرقاعة.
__________
(1) أخذ بتلابية: أمسكه بثيابه عند نحره يريد مخاصمته ومشاجرته.
(2) قاف: مذكور في القرآن الكريم وقد ذهب المفسّرون إلى أنه الجبل المحيط بالأرض وأن أصول الجبال كلّها من عرق جبل قاف بينه وبين السماء مقدار قامة رجل وتسميه القدماء البرز. راجع معجم البلدان 4: 298.
(3) أبو عبّاد: هو كاتب المأمون.
(4) الشاهلوج: اسم للإجّاص الأبيض.
(5) غثت النفس: فسدت وتهيّأت للقيء.(1/306)
الباب العاشر الملائكة والانس والجن والشيطان وقبيله (1)
وما ناسب ذلك من ذكر الأنبياء والأمم من العرب والعجم
1 - كانت الملائكة تصافح عمران بن الحصين (2) وتعوده، ثم افتقدها، فقال: يا رسول الله إن رجالا كانوا يأتونني، لم أر أحسن وجوها ولا أطيب أرواحا منهم، ثم انقطعوا عني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
أصابك جرح فكنت تكتمه؟ فقال: أجل ثم أظهرته قال: كان ذاك، قال: أما لو أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت. وكان ذلك جرحا أصابه في سبيل الله.
2 - الحسن ووهب: الملائكة في زمن إدريس (3) كانت تصافح الناس وتكلمهم، لصلاح أهل الزمان حتى كان زمن نوح فانقطع ذلك.
3 - عرج بعمل إدريس عليه السّلام إلى السماء فغلب عمل جميع أهل
__________
(1) قبيل الشيطان: جماعته.
(2) عمران بن الحصين: هو عمران بن حصين بن عبيد، من علماء الصحابة، أسلم عام خيبر سنة 7هـ وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. ولّاه زياد قضاء البصرة وتوفي بها سنة 52هـ وهو ممّن اعتزل حرب صفين. راجع ترجمته في الأعلام 5: 70وتذكرة الحفاظ 1: 28وتهذيب التهذيب 8: 125.
(3) إدريس: هو إدريس النبي عليه السّلام اختلف في المكان الذي ولد فيه وتاريخ ولادته وعمّن أخذ العلم قبل النبوة.(1/307)
الأرض، فاستأذن ملك من الملائكة ربه في مؤاخاته فأذن له، فقال له إدريس: هل بينك وبين ملك الموت إخاء؟ فقال: نعم، ذاك أخي من بين الملائكة. والملائكة يتآخون كما تتآخى بنو آدم.
4 - سعيد بن المسيب (1): الملائكة عليهم السّلام ليسوا بذكور ولا إناث، ولا يتوالدون، ولا يأكلون ولا يشربون والجن يتوالدون، وفيهم ذكور وإناث ويموتون. والشياطين ذكور وإناث، يتوالدون، ولا يموتون بل يخلدون في الدنيا كما خلد إبليس. إبليس هو أبو الجن (2).
5 - وقيل: الملائكة خلقوا من الهواء، والشياطين من النار (3).
6 - أبو ذر (4)، رفعه: إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت (5) السماء وحق لها أن تئط، فما فيها موضع شبر إلا فيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.
__________
(1) سعيد بن المسّيب: هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد، تابعي، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة. كان زاهدا فقيها محدثا ورعا. ولد سنة 13هـ. وتوفي سنة 94هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 102.
(2) الجن عند العرب أنواع متعدّدة منها إبليس. قيل: كان من الجن الذين نفوا من الأرض. كان صغيرا فتشبّه بالملائكة فكان معها فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا إلّا إبليس. وقيل: إنه كان من الملائكة من طائفة يقال لهم الجن فعصى وكفر فمسخه الله شيطانا ملعونا، وقيل: هو أبو الجن. وأولاد إبليس الذين خلقوا في البدء خمسة هم: تبر، والأعور، ومسوط، وداسم، وزلنبور، وأصيف إليهم لاقيس، وولهان. وكان اسم إبليس عزرائيل فلّما لعن سمي إبليس لأنه أبلس أي أبعد من رحمة الله. كان اسمه قبل ذلك الحارث وقيل: يافل وكنيته أبو مرّة.
(3) خلق الله الجن للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها، وقيل: خلق الله الجن قبل آدم بنحو ألفي سنة، وكان خلقهم من مارج من نار. والمارج: لهب النار. ففي سورة الرحمن، الآية: 15وخلق الجان من مارج من نار. وفي سورة الحجر، الآية: 27والجان خلقناه من قبل من نار السموم.
(4) أبو ذر: هو أبو ذر الغفاري، جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد. صحابي جليل.
كان كريما صادقا لا يخزن من المال قليلا ولا كثيرا، سكن دمشق وكان همّه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم. توفي سنة 32هـ. راجع ترجمته في ذيل المذيّل 37والذريعة 1: 316.
(5) أطّت السماء: سمع لها صوت عال. وأطّ يئطّ أطيطا: صوّت.(1/308)
وروي: ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك، واضع جبهته ساجد لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات (1) تجأرون إلى الله والله لوددت أني كنت شجرة تعضد (2).
7 - يزعم أهل الكتاب أن الله خلق حملة العرش، فجعل قرار أقدامهم على الأرض السابعة، ثم خرجوا في هواء ما بين ذلك، حتى خرجوا في هواء ما بين السماء والأرض، ثم في هواء ما بين السماوات السبع، ثم أصعدوا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله.
وزعموا أنهم أربعة: ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة أسد، وملك في صورة نسر. وزعموا أن لكل منهم في جبهته أربعة أوجه: وجه رجل، ووجه ثور، ووجه أسد، ووجه نسر.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: فإذا كان يوم القيامة أيدّهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية. وقيل الذي في صورة رجل هو الذي يشفع لبني آدم في أرزاقهم والذي في صورة ثور هو الذي يشفع للبهائم في أرزاقها، والذي في صورة أسد هو الذي يشفع للسباع في أرزاقها، والذي في صورة نسر هو [الذي] يشفع للطير في أرزاقها.
8 - عبد الرحمن بن سابط (3): يدبر أمر الدنيا أربعة: جبرائيل،
__________
(1) الصعدات: فناء باب الدار.
(2) تعضد: تقطع. والمعضد: ما يقطع به الشجر.
(3) عبد الرحمن بن سابط: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة بن عمرو بن أهيب بن حذافة بن جمج، ثقة كثير الحديث توفي سنة 118هـ. راجع تهذيب التهذيب 60: 180.(1/309)
وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل فأما جبرائيل فعلى الرياح والجنود، وأما ميكائيل فعلى النبات والقطر، وأما ملك الموت فعلى قبض الأنفس، وأما إسرافيل فينزل إليهم بما يأمرون.
9 - أنس بن مالك: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا نبي الله من هؤلاء الذين استثنى الله فقال: جبرائيل وميكائيل وملك الموت فيقول الله لملك الموت: يا ملك الموت من بقي؟ وهو أعلم، فيقول: سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام بقي جبرائيل وميكائيل وملك الموت، فيقول: يا ملك الموت خذ نفس ميكائيل. فيأخذها، فيقع في صورته التي خلقه الله فيها مثل الطود (1) العظيم ثم يقول، وهو أعلم، يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام، بقي جبرائيل وملك الموت، فيقول: يا ملك الموت مت، فيموت فيبقى جبرائيل، وهو من الله بالمكان الذي ذكر لكم، فيقول الله: يا جبرائيل إنه لا بد أن يموت أحدنا، فيقع ساجدا يخفق بجناحيه يقول: سبحانك ربي وبحمدك، أنت القائم الدائم الذي لا يموت، وجبرائيل الفاني الهالك الميت، فيأخذ الله روحه فيقع على ميكائيل. إن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على الظرب (2) من الظراب.
10 - في بعض الكتب: أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة:
فجناحان يلفون بها أجسادهم، وجناحان يطيرون بها في الأمر من أمور الله، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله.
11 - علي رضي الله عنه: خلق سبحانه لاسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقا بديعا، ملأ بهم فروج فجاجها، وحشا
__________
(1) الطود: الجبل الضخم.
(2) الظرب: الجبل.(1/310)
بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حضائر القدس. وسترات الحجب، وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيح الذي تستك منه الأسماع، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفاوتات، أولي أجنحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون (1) ما ظهر في الخلق من صنعه، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به، بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، جعلهم فيما هناك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع أخبات السكينة، وفتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده، ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده، لم تثقلهم موصرات الآثام، ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولن تعترك الظنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة إلا حن فيما بينهم، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها (2) على قلوبهم. منهم من هم في خلق الغمام الدلج (3)، وفي عظم الجبال الشمخ، وفي قترة الظلام الأيهم (4)
ومنهم من قد خرقت أقدامهم تحوم الأرض السفلى، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية، قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته، وقطعهم الأيقان به إلى الوله إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية
__________
(1) انتحل وتنحّل الشعر أو القول: ادعاه لنفسه وهو لغيره.
(2) الرين: الطبع والدنس.
(3) الدلج: الأسود. والدلج: الساعة من آخر الليل.
(4) الظلام الأيهم: الشديد السواد.(1/311)
من محبته، وتمكّنت من سويداء قلوبهم وشيجة (1) خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم، ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم، ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصبا في تعظيم حسانتهم، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم، ولم تجف لطول المناجاة أسلات (2) ألسنتهم، ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار (3) إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، لا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات، قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا (4) في جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد، ولا تشعبتهم مصارف الريب، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا وني ولا فتور، وليس في أطباق السماوات موضع أهاب إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حاقد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
وعنه كرم الله وجهه: فتق ما بين السماوات العلا، فملأهن أطوارا
__________
(1) الوشيجة: عروق الأذنين. وقيل غير ذلك. راجع اللسان مادة وشج.
(2) أسلات، الواحدة أسلة: رأس اللسان.
(3) جأر إلى الله جأرا وجؤارا: رفع صوته بالدعاء. تضرّع.
(4) ينوا: يقنطوا، وتفترهممهم ويتعبوا.(1/312)
من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة (1) لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون (2) تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، ولا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، لا يجدونه بأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر (3).
وعنه كرم الله وجهه: أسكنتهم سماواتك، ورفعتهم عن أرضك، هم أعلم خلقك بك، وأخوفهم لك، وأقربهم منك، لم يسكنوا الأصلاب، ولم يضمنوا الأرحام ولم يخلقوا من ماء مهين، ولم يشتعبهم ريب المنون، وإنهم على مكانهم منك، ومنزلتهم عندك، واستجماع أهوائهم فيك، وكثرة طاعتهم لك، وقلة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك، لحقروا أعمالهم، ولأزروا على أنفسهم، ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حقّ عبادتك، ولم يطعيوك حق طاعتك.
12 - عابد: طرحنا الحشمة فيما بيننا وبين حفظتنا طرح من لا يؤمن أنهم معه يعلمون ما يقول وما يفعل.
13 - ويروى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: وقيل لعمر بن عبد العزيز:
__________
(1) السدنة: الخدمة.
(2) تلّفع الرجل بالثوب: اشتمل به وتغطّى به.
(3) راجع شرح ابن أبي الحديد.(1/313)
ومن الناس من يعيش شقيا ... جيفة الليل غافل اليقظة
إن من كان ذاء حياء ودين ... راقب الله واتقى الحفظة
أنما الناس سائر وميقم ... فالذي سار للمقيم عظة (1)
14 - أبو العالية (2): الكردبيون سادة الملائكة، منهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل.
15 - في الكروبي ثلاث مبالغات: الكروب أبلغ من القرب وأقصر مسافة، يقال كربت الشمس أن تغرب، بمعنى كادت، وفعول بناء مبالغة، وياء النسب التي في نحو الأحمري.
16 - يقال لجبرائيل طاووس الملائكة.
17 - شبث بن ربعي (3): قال لي المختار بن أبي عبيد (4): هل لك
__________
(1) راجع حلية الأولياء 5: 320فالرواية فيها اختلاف في الألفاظ والتقديم والتأخير وهي منسوبة إلى عمر بن عبد العزيز.
(2) أبو العالية: هو ربيع بن مهران البصري. يعدّ من ثقات التابعين في رواية الحديث.
جاهلي، أدرك الإسلام وأسلم بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لسنتين. سكن البصرة وتوفي نحو سنة 90هـ. راجع تهذيب التهذيب 3: 284.
(3) شبث بن ربعي: هو شبث بن ربعي التميمي اليربوعي، أبو عبد القدوس، شيخ مضر وأهل الكوفة في أيامه. أدرك عصر النبوة، ولحق بسجاح المتنبئة، ثم عاد إلى الإسلام. ثار على عثمان وكان ممّن قاتل الحسين ثم ولي شرطة الكوفة. وخرج مع المختار الثقفي ثم انقلب عليه. توفي بالكوفة. قال البلاذري: ولآل شبث بقية فيها. توفي نحو سنة 70هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 154والإصابة ت 3950وميزان الإعتدال 1: 440والتاج 1: 627.
(4) المختار بن أبي عبيد: هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي من أهل الطائف.
كان مع الإمام علي بالعراق وسكن بعده البصرة يعدّ من الثائرين على بني أميّة وأحد الشجعان الأفذاذ. انقطع إلى بني هاشم وتزوج عبد الله بن عمر الخطاب أخته صفية بنت أبي عبيد. تتبّع قتلة الحسين فقتل منهم شمر بن ذي الجوشن الذي باشر قتل الحسين، وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة. وعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي حاربه. وأرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكر كثيف إلى عبيد الله بن زياد، الذي جهّز الجيش لحرب الحسين فقتل ابن زياد، وقتل كثيرين ممن كان لهم ضلع في تلك الجريمة. توفي سنة 67هـ. راجع ترجمته في الأعلام 7: 192 والإصابة ت 8547والفرق بين الفرق 3731وابن الأثير 4: 82. والقاموس:
كيسان لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب إليه «الكيسانية» الطائفة المشهورة.(1/314)
أن أريك جبرائيل؟ فأدخلني بيتا في جوف بيت، فإذا أنا بشيخ على سرير قد سقط حاجباه على عينيه، فوثبت عليه، فجعلت أنتف لحيته، فصاح دقني دقني. والدقن بالنبطية اللحية.
18 - بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجبرائيل يتحدثان، تغير وجه جبرائيل حتى عاد كأنه كركمة (1)، وذلك من خشية الله.
عنه عليه الصلاة والسلام: يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن عليه مسحة ملك يعني جرير بن عبد الله البجلي.
19 - عن عبد الله بن مسعود أنه رأى رجالا من الزط (2) فقال: هؤلاء أشبه من رأيت بالجن في ليلة الجن (3).
20 - تقول الأعراب: ربما نزلنا بجمع كثير، ورأينا خياما وقبابا وناسا، ثم فقدناهم من ساعتنا، يعتقدون أنهم الجن، وأن تلك خيامهم وقبابهم.
__________
(1) كركمة: هي الزعفران.
(2) الزطّ: هم حفاظ الطرق وهم جنس من السند يقال لهم جتّان، وقيل: هم جيل من أهل الهند. والأزط: المستوي الوجه، والمعوج الفك، وفي اللسان (مادة زطط) الزط السبابجة قوم من السند بالبصرة.
(3) ليلة الجن: عن علقمة بن قيس قال: قلت لعبد الله بن مسعود: من كان منكم مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة الجن؟ فقال: ما كان معنا أحد فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة فقلنا: إغتيل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أو استطير فانطلقنا نطلبه في الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء فقلنا: يا رسول الله أين كنت؟ لقد أشفقنا عليك، وقلنا له: بتنا بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك فقال لنا: إنه أتاني داعي الجن فذهبت أقرؤهم القرآن فذهب بنا وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم فأمّا أن يكون صحبة منّا أحد فلا. راجع الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي 20: 5251طبعة مؤسسة الأعلمي.(1/315)
21 - ورأيت للأعاريب من الأعاجيب في باب الجن ما لا يوصف ويقولون من الجن جنس صورته على نصف صورة الإنسان، واسمه شق (1)، يعرض للمسافر إذا كان وحده فربما أهلكه. ويزعمون أن علقمة ابن صفوان (2) لقيه، فتضاربا فخرا ميتين، وأن علقمة وحرب بن أمية (3) من قتلى الجن. قالوا وقالت الجن:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر (4)
__________
(1) الشق: من الجن المتشيطنة من أشباه الإنسان على شكل نصف آدمي يعرض للمسافرين وأنواع الجن كثيرة منها: إبليس. قيل هو أبو الجن، والتابع ويسمى أيضا القرين والخابل وهو الذي يسبب الصرع والجنون للإنسان. والدلهاب قيل إنه يوجد في جزائر البحار، والرئي وهو جنّي يخصّ بإلهاماته المتفوقين من الإنس فيلقي إليهم الأخبار ويسمّى العرّاف، والسعلاة وهي خبيثة تعترض المسافرين وتوقع بهم وتوجد عادة في الغياض، والشق، والشيطان وهو العامل على كل خطيئة وعبقر، وعفريت، والغدّار الذي يلحق الإنسان ويوقع به، والغول وهي التي تتغوّل للإنسان أي تتلوّن فتضله عن الطريق وتهلكه. ذكر المسعودي أن عمر بن الخطاب ضربها بسيفه في بعض أسفاره قبل الإسلام. والمارد وهو خبيث مؤذ، والمسخ وهو مخلوق في صورة شنيعة، النسناس الذي يشبه الشق في تكوينه له وجه كوجه الإنسان وشعرات في ذقنه ذقنه ومثل الثدي في صدره، والهاتف الذي يهتف بالإنسان فيسمع صوته ولا يراه وقد يتجسّم له بعد هتافه بأشكال مختلفة، والهاجس الذي يوسوس للإنسان فيشوّش أفكاره ويكون سببا لثقل همومه وإقلاق خواطره.
(2) علقمة بن صفوان بن أميّة، هو جدّ مروان بن الحكم. واجهه شقّ عندما كان ذاهبا في الجاهلية يريد مالا له بمكة. راجع هذا الخبر وما قال كل منهما للآخر شعرا في كتاب الحيوان للجاحظ 6: 206.
(3) هو حرب بن أمية بن عبد شمس، جدّ معاوية بن أبي سفيان بن حرب وهو الذي علّم قريش الكتابة. شهد حرب الفجار ومات بالشام. راجع أخباره في المسعودي 3: 326.
(4) سعد بن عبادة تقدّمت ترجمته. وفي خبر موته أن سعد بن عبادة تخلّف عن بيعة أبي بكر وخرج من المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بحوران من أرض الشام بسنتين ونصف مضتا من خلافة عمر وذلك سنة خمس عشرة. وقيل: سنة أربع عشرة، وقيل: بل مات سعد بن عبادة في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة ولم يختلفوا أنه وجد ميتا في مغتسله وقد أحضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون شخصه:
نحن قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده
رميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده
راجع الإستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البرّ على هامش الإصابة 2: 4.(1/316)
قالوا: والدليل على أنه من شعر الجن أن أحدا لا يقدر أن ينشده ثلاث مرات متصلة من غير أن يتتعتع، ويقدر على تكرار أشق بيت من أبيات الإنس عشر مرات من غير تتعتع.
وقالوا: قتلت الجن سعد بن عبادة بن دليم وسمعوا الهاتف يقول:
قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده
رميناه بسهمي ... ن فلم نخطىء فؤاده
واستهووا عمرو بن عدي اللخمي (1) الملك الذي يقال فيه: شب عمرو عن الطوق، ثم ردوه على جذيمة الأبرش (2) بعد سنين.
واستهووا عمارة بن الوليد بن المغيرة (3) ونفخوا في إحليله (4) فصار مع الوحش.
__________
(1) عمرو بن عدي اللخمي: هو عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة اللخمي. أول من ملك العراق من بني لخم في الجاهلية. تولى بعد مقتل خاله خذيمة الأبرش وانتقم من قاتلته الزباء. كانت إقامته في الحيرة. وقيل غير هذا في ترجمته. راجع النويري 15: 316والتيجان 252والأعلام للزركلي.
(2) جذيمة الأبرش: هو جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم التنوخي القضاعي، ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق. جاهلي: عاش عمرا طويلا. كان يقال له الوضّاح والأبرش لبرص فيه غزا الشام والجزيرة وحارب ملكها عمرو بن الظرب أبا الزباء فقتله فجمعت الزباء الجند في تدمر واستعدّت ثم راسلت جذيمة فقتلته في حيلة نحو سنة 366هـ. راجع قصة مقتل جذيمة والزباء في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 368364طبعة دار الكتب العلمية.
(3) عمارة بن الوليد: هو عمارة بن الوليد بن مغيرة المخزومي، أخو خالد بن الوليد.
راجع تفاصيل الخبر في كتاب الأغاني (الفهرست) وراجع الحيوان للجاحظ 6: 206 وراجع سيرة ابن هشام.
(4) الإحليل: مخرج البول من الإنسان.(1/317)
وروا عن عبد الله بن فائد (1)، يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم خرافة رجل من عذرة استهوته الشياطين، وسمع من يقول: هذا حديث خرافة، فقال: لا وخرافة حق.
ويزعمون أن الطاعون (2) طعن من الشياطين، ويسمون الطاعون رماح الجن قال الأسدي للحارث الغساني (3):
لعمرك ما خشيت على أبيّ ... رماح بني مقيدة الحمار (4)
__________
(1) راجع الحيوان للجاحظ: 1: 301و 6: 210.
(2) الطاعون: وباء معروف، والمعروف في كتب التاريخ أن الطاعون الجارف وقع بالبصرة سنة 69هـ وهو سابع طاعون في الإسلام. فالأول كان على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والثاني هو طاعون عمواس في عهد عمر، والثالث بالكوفة زمن أبي موسى الأشعري، والرابع بالكوفة أيضا في زمن المغيرة بن شعبة، والخامس هو الطاعون الذي مات فيه زياد، ثم الطاعون في مصر سنة 66، ثم الطاعون الجارف سنة 69، والطاعون الثامن بالشام سنة 79، ثم الطاعون التاسع وهو طاعون القينات سنة 86وسمي بذلك لأنه بدأ بالنساء، وكان بالشام وواسط والبصرة، ثم طاعون غراب بالشام سنة 127.
(3) الحارث الغسّاني: هو الحارث بن جبلة بن الحارث الرابع بن حجر الغساني. أشهر أمراء بني جفنة في بادية الشام وأعظمهم شأنا. وهو الذي حارب المنذر (أمير الحيرة) وانتصر عليه في شهر نيسان 528م. واشترك في قمع ثورة السامريين بفلسطين سنة 529م. وكان عاملا للرومان ورقّاه الأمبراطور يوستنيان إلى رتبة ملك وبسط سلطته على قبائل عربية كثيرة للوقوف بها أمام غارات اللخميين، عمّال الفرس في الحيرة وبادية العراق. توفي سنة 55ق هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 153 ونولدكه، في «أمراء غسان» والعرب قبل الإسلام 192.
(4) مقيدة الحمار: هي الحرّة من الأرض لأنها تعقل الحمار فكأنها قيد له. وبنو مقيدة الحمار: كناية عن العقارب لأنها تألف الحمار. وقيل غير ذلك. راجع اللسان لابن منظور. وقيل إن مقيدة الحمار لقب لتماضر والدة عمرو وعمير ابني حذار.
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك حار (1)
22 - إذا قالوا: جنة عبقر (2) قصدوا بهذه النسبة زيادة الخبث والعرام (3).(1/318)
__________
(4) مقيدة الحمار: هي الحرّة من الأرض لأنها تعقل الحمار فكأنها قيد له. وبنو مقيدة الحمار: كناية عن العقارب لأنها تألف الحمار. وقيل غير ذلك. راجع اللسان لابن منظور. وقيل إن مقيدة الحمار لقب لتماضر والدة عمرو وعمير ابني حذار.
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك حار (1)
22 - إذا قالوا: جنة عبقر (2) قصدوا بهذه النسبة زيادة الخبث والعرام (3).
قال حاتم الطائي:
عليهن فتيان كجنة عبقر ... يهزون بالأيدي الوشيج المقوما (4)
ومن ثم قال بعض العرب: ظلمني فلان ظلما عبقريا. وقال: ظلم لعمر الله عبقري.
وقال عليه السّلام: فلم أر عبقريا يفري فريه.
يقال للشعراء كلاب الجن، قال عمرو بن كلثوم (5):
وقد هرت كلاب الجن منا ... وشذبنا قتادة من يلينا (6)
وذلك لزعمهم أن الشياطين تلقي الشعر على أفواهم وسموا الملقي تابعة ورئيا (7).
23 - قال جرير:
إني ليلقى على الشعر مكتهل ... من الشياطين إبليس الأباليس
(1) حار: ترخيم حارث.
(2) عبقر: موضع كانت العرب تزعم أنه كثير الجن.
(3) العرام: الشراسة والشدّة والقوّة. وعرم الصبيّ: أشر وبطر وفسد والعرم: الجاهل.
(4) الوشيج: ضرب من البنات، وهو من الجنبة. والوشيجة: عرق الشجرة.
(5) عمرو بن كلثوم: شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات. مطلع معلقته:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
وهو قاتل عمرو بن هند ملك الحيرة في قصة طويلة. مات في الجزيرة الفراتية نحو سنة 40ق هـ. راجع ترجمته في الأعلام 5: 84وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 287 وتهذيب التهذيب 8: 92.
(6) هرّ الكلب: صات. وقيل: صات دون نباح.
(7) تقدّم ذكر أنواع الجن ومنها التابع والرئيّ(1/319)
سمعوا توابعهم بأعلام قالوا كان للأعشى (1) مسحل، ولعمرو بن قطن جهنام (2) وللفرزدق عمرو، ولبشار شنقناق (3).
24 - يقال للخلعاء والمجان جند إبليس، قال:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقت ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي
25 - كان في زمن الحجاج (4) رجل يعرف يعبد الله بن هلال مشعبذ (5)، وكان يدعي أن إبليس يتراءى له ويطلعه على أسراره، فسمي بصديق إبليس، فقال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص (6): أخبرني عبد الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس، فقال: وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن!!! فعجب من قوة جوابه.
__________
(1) الأعشى: هو أعشى قيس، ميمون بن قيس بن جندل توفي سنة 7هـ. تقدمت ترجمته.
(2) عمرو بن قطن جهنان: من بني سعد بن قيس بن ثعلبة وهو الذي هاجى أعشى قيس وفيه يقول الأعشي:
دعوت خليلي مسحلا ودعوا له ... جهنام جذعا للهجين المدمّم
ومسحل شيطان الأعشى فيما يقال. ومن قول جهنام:
أمجاع تزعم لو أنني ... لقيت ابن حواء ما ضرني
بلى أن يد قبضت خمسها ... عليك مكانا من الأمكن
راجع معجم الشعراء ص 203.
(3) شنقناق: رئيس من رؤساء الجن. راجع كتاب الحيوان للجاحظ 6: 225.
(4) الحجاج: هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي المشهور. ولد سنة 40هـ وتوفي سنة 95هـ.
(5) كان يقول: إن إبليس يتراءى له ويصادقه ويكاتبه ويطلعه على أسراره. راجع ثمار القلوب للثعالبي ص 75والحيوان للجاحظ 1: 190.
(6) يحيى بن سعيد بن العاص: هو يحيى بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة القرشي الأموي. من ثقات رواة الحديث. راجع كتاب الحيوان للجاحظ 6: 170.(1/320)
26 - يقال للشعر رقى (1) الشيطان، قال جرير في عمر بن عبد العزيز:
رأيت رقي الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وكذلك كل ما يتكلم به من كلمات الخلابة (2) والتجميش (3)، قال:
ماذا تظن بسلمى إذ يلم بها ... مرجّل الرأس ذو بردين وضاح
خز عمامته حلو فكاهته ... في كفه من رقى إبليس مفتاح
27 - لما بلغ عبد الله بن الزبير خبر فتك عبد الملك بن مروان بعمرو ابن سعيد (4) الأشدق قال في خطبته: «بلغنا أن أبا الذبان (5) قتل لطيم الشيطان (6)، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون» (7).
يقال لمن به لقوة لطيم الشيطان وكان عمرو ملقوا.
28 - عن أبي عبيدة (8): قدمت على الفضل بن الربيع حين استوزر، فضحك إلي واستدناني، ثم سألني وألطف بي، واستنشدني، فأنشدته عيون أشعار جاهلية، فقال: قد عرفت أكثرها، وأريد من ملح الشعر فأنشدته، فطرب لها، ثم دخل رجل في زي الكتّاب فأقعده إلى جانبي،
__________
(1) الرقى: جمع رقية وهي العوذة. والرقية أن يستعان للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية في زعمهم.
(2) خلبت المرأة قلب الرجل: أخذته وذهبت به بألطف القول.
(3) التجميش: المغازلة بقرص ولعب.
(4) عمرو بن سعيد: هو عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي المعروف بالأشدق. ولد سنة 3هـ. كان والي مكة والمدينة في أيام معاوية وابنه يزيد. قتله عبد الملك سنة 70هـ. راجع ترجمته في الإصابة 6850والوفيات 2: 118ومعجم الشعراء 231.
(5) أبو الذبّان: كناية عن عبد الملك بن مروان لرائحة كريهة كانت في فمه.
(6) لطيم الشيطان: كناية عمن يكون في وجهه لقوة وهي مرض يعوج منه الشدق.
(7) اقتباس من القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 129.
(8) أبو عبيدة: هو عمر بن المثنى. تقدمت ترجمته.(1/321)
وقال له: أتعرفه؟ قال: لا، قال: هذا علّامة أهل البصرة أبو عبيدة، وأقدمناه لنستفيد من عمله، فشكر له الرجل، ودعا له، وقال: إني كنت مشتاقا إليك، وقد سئلت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفكها؟ قلت:
هات، قال: قال الله تعالى: {طَلْعُهََا كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّيََاطِينِ} (1) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف. فقلت هو على كلام العرب، أما سمعت قول امرىء القيس:
أتقتلني والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال (2)
وهم لم يروا الغول، ولكن لما كان أمر الغول (3) يهولهم أوعدوا به، فاستحسنه الفضل والرجل، واعتقدت منه أن أضع كتابا في نحو ذلك، فعملت فيه كتابي الذي سميته «كتاب المجاز» (4).
29 - يقال: أدركته أصابع الشيطان إذا تكبر بعد العمل (5)، وقالوا:
من ولاه السلطان صبعه الشيطان (6)، قال:
قد كنت أكرم صاحب وأبرّه ... حتى دهتك أصابع الشيطان
__________
(1) سورة الصافات، الآية: 65.
(2) المشرفي: السيف المنسوب إلى مشارق الشام وهي قرى للعرب قريبة من بلاد الروم. ومسنونة زرق: كناية ان نصال الرماح. وزرق: صافية مجلّوة. وأغوال:
قال أبو عبيد: الأغوال همرجة (التباس واختلاط) من همرجة الجن وإنما أراد التهويل. قال المبّرد: لم يخبر صادق أنه رأى الغول.
والبيت من قصيدة لامرىء القيس هي قرينة معلقته في الجودة مطلعها:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
راجع ديوانه ص 122طبعة دار الكتب العلمية.
(3) الغول: من أنواع الجن التي ذكرناها. وتصديقا لما قاله المبرّد في الهامش المذكور أعلاه فقد قيل: المستحيلات ثلاثة هي: الغول، والعنقاء، والخلّ الوفيّ.
(4) كتاب المجاز: هو مجاز القرآن.
(5) العمل: الولاية.
(6) صبعه الشيطان: أي أدركته أصابعه.(1/322)
جذ الآله بنانها وأبانها ... كم غيرت خلقا من الإنسان (1)
30 - أبو مرة (2)، وأبو قترة (3) وأبو الجن كنى إبليس، قال ابن الحجاج (4):
فما تلاقينا سوى مرة ... حتى أتى الشيخ أبو مرة
31 - قالوا: الشيخ النجدي الذي ظهر إبليس على صورته، فأشار على قريش بأن يكونوا سيفا واحدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم كانت كنيته أبا مرة فكني به إبليس.
32 - وقال الفرزدق:
ألا ربما أن تبت أوضع ناقتي ... أبو الجن إبليس بغير خطام (5)
33 - علي رضي الله عنه: اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكا فباض وفرخ في صدورهم، ودرج في جحورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه.
34 - عمر بن عبد العزيز قال: إن رجلا سأل ربه أن يريه موقع الشيطان من قلب ابن آدم، فرأى فيما يرى النائم جسد رجل ممهى يرى داخله من خارجه، وأرى الشيطان في صورة ضفدع، له خرطوم كخرطوم
__________
(1) جذّ بنانها: قطع إصبعها.
(2) أبو مرّة: كنية إبليس.
(3) أبو قترة: كنية إبليس.
(4) ابن الحجاج: هو الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج البغدادي.
كان شاعرا: كاتبا من كتاب العصر البويهي، غلب عليه الهزل. اتصل بالوزير المهلبي وعضد الدولة وابن العميد وابن عباد. توفي بقرية النيل سنة 391هـ. راجع تاريخ بغداد 8: 14والوفيات 1: 155واليتيمة 3: 211. واسمه في بعض المصادر:
الحسن بن أحمد.
(5) أوضع الناقة: حملها على سرعة السير.(1/323)
البعوضة، قد أدخله من منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله خنس (1).
35 - ممهى قلب مموه، مجعول ماء في رقته وشفيفه، وقيل مصفى أشبه المها وهو البلور.
36 - علي بن الحسين: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتكفا فأتته صفية (2)
فحدثته فلما انصرفت قام عليه الصلاة والسلام يمشي معها، فمرّ به رجلان من الأنصار فسلما ثم مضيا، فدعاهما فقال: إن هذه صفية بنت حيي قالا: يا رسول الله وهل نظن بك إلّا خيرا؟ قال: فأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد خشيت عليكما.
37 - أبو هريرة يرفعه: ما من رجل يخرج من بيته إلا وعلى بابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فأن خرج في طاعة الله تبعه الملك برايته حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج فيما يكره الله تبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع.
38 - بريدة (3): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنه لحيى (4) سبعين شيطانا.
__________
(1) خنس: استخفى. وخنس عنه: تأخر وتنحىّ وانقبض.
(2) صفية: هب ينت حيي بن أخطب بن سعيه بن عامر بن عبيد من بني النضير من سبط هارون بن عمران عليه السّلام. أمّها برّة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل من بني قريظة أخوة النضير، تزوّجها سلّام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري فقتل عنها يوم خيبر. أعتقها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتزوجها. توفيت في خلافة معاوية سنة خمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين. راجع ترجمتها مفصّلة في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده» ص 243.
(3) بريدة: هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المتوفى بمرو سنة 63هـ. تقدمت ترجمته.
(4) في مسند الإمام أحمد بن حنبل 5: 350حتى يفك عنها لحي (لعل صوابه لحي) سبعين شيطانا.(1/324)
39 - شرب أبو جندل (1) الخمر بالشام فحبس عنه أبو عبيدة بن الجراح عطاءه فكتب إليه عمر: أما بعد فإنني لا أخالك إلا وقد كنت عونا للشيطان على أخيك، فإذا أتاك كتابي هذا فرد عليه عطاءه. وكتب إلى أبي جندل: {حم تَنْزِيلُ الْكِتََابِ مِنَ اللََّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غََافِرِ الذَّنْبِ وَقََابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقََابِ} (2).
40 - ابن عباس: أتاه رجل فقال: نذرت أن أبيت على قعيقعان (3)
عريانا حتى أصبح، فقال ابن عباس: انظروا إلى هذا، أراد الشيطان أن يكشف عورته ثم يضحك منه هو وأصحابه، إنطلق فالبس ثيابك ثم صلّ عليه حتى تصبح.
41 - قال رجل للفضل بن مروان (4): إن فلانا يقع فيك قال:
لأغيظن من أمره، يغفر الله لي وله قيل من أمره؟ قال: الشيطان.
42 - مكحول (5): إن الرجل يعمل العمل في السر، فيطلبه الشيطان حتى يتحدث به، فيمحي من السر ويكتب في العلانية، ثم يطلبه الشيطان حتى يرائي به، فيمحي ويكتب عليه.
43 - قوط الملائكة: صدع في صخرة عظيمة قرب آمد (6)، تخرج
__________
(1) لعله أبو جندل بن سهيل من أهل الشام.
(2) سورة غافر، الآيات: 31.
(3) قعيقعان: اسم جبل بمكة. قيل: إنّما سمّي بذلك لأن قطوراء وجرهم لما تحاربوا قعقعت الأسلحة فيه، وقيل: لأن جرهم كانت تجعل فيه قسيّها وجعابها ودرقها فكانت تقعقع فيه. راجع معجم البلدان 4: 379.
(4) الفضل بن مروان: شيخ من طيّاب (جمع طيب) الكوفيين وأغنيائهم. راجع كتاب الحيوان للجاحظ 3: 27.
(5) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل، فقيه الشام المتوفى سنة 112هـ. تقدمت ترجمته.
(6) آمد: مدينة في ديار بكر. فتحت سنة عشرين من الهجرة. راجع معجم البلدان.
والصدع في الصخرة: الشق فيها.(1/325)
منه عين خوّارة (1).
44 - القوط بلسانهم الفرج:
45 - أبو يحيى كنية ملك الموت، ويقال: أصابت فلانا حراب أبي يحيى إذا احتضر والحراب: مثل في مقدمات الموت.
46 - ليس شيء مما له رجلان يلد حيوانا إلا الإنسان وحده.
47 - علي رضي الله عنه في وصف اختلاف الناس: إنما فرق بينهم مبادي طينهم، وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ (2) أرض وعذبها، وحزونة (3)
تربة وسهلها، فهم حسب قرب أرضهم يتقاربون، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون، قتام الرواء ناقص العقل مادّ القامة قصير الهمة، وزاكي العمل قبيح المنظر، وقريب القعر بعيد السبر، ومعروف الضريبة (4) منكر الجليبة (5)، وتائه القلب متفرق اللّب، وطليق اللسان حديد الجنان (6).
وعنه كرم الله وجهه: جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنها (7) بالماء حتى خلصت، ولاطها (8) بالبلة حتى لزبت (9)، فجعل منها صورة ذات أحناء (10) ووصول، وأعضاء
__________
(1) العين الخوّارة: المنخفضة بين نشزين. وخوّرت الأرض: ارتخت من كثرة المطر فساح ترابها. وعين خوّارة: يسمع لمياهها صوت وقيل غير ذلك راجع اللسان مادة خور.
(2) الأرض السبخة: المالحة.
(3) الحزن من الأرض: ما صلب منها وخشن وغلظ.
(4) الضريبة: السجيّة والطبيعة.
(5) الجليبة: ما يتكلّفه الإنسان من الخلق ويستجلبه.
(6) الجنان: القلب.
(7) سنّ التربة بالماء: ملسها.
(8) لاط الحوض بالطين: طيّنه، والبلّة من البلل.
(9) لزبت: ثبتت والتصقت.
(10) الأحناء: جمع حنو وهو الجانب.(1/326)
وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها (1) حتى صلصلت (2)، لوقت معدود، وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها (3)، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، وبين الأذواق والمشام، والألوان والأجناس، معجونا بطينته الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، والمساءة (4) والسرور.
وعنه: تمور في بطن أمك جنينا، لا تحير دعاء، ولا تسمع نداء، ثم أخرجت من عقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وحرك عند الحاجة مواضع طلبك.
48 - ابن إسحاق (5): يقال خلق الله آدم، ثم وضعه ينظر إليه أربعين عاما قبل أن ينفخ فيه الروح، حتى عاد صلصالا كالفخار ولم تسمه نار.
وعن ابن عباس وغيره: ثم أخذ ضلعا من أضلاعه، من شقه الأيسر، وآدم نائم لم يهبب من نومته حتى خلق منه حواء، فلما هب رآها إلى جانبه فقال: لحمي ودمي وزوجي فسكن إليها.
49 - وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنما خلقت المرأة من ضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن رفقت بها استمعت بها وفيها عوج.
__________
(1) أصلدها: أمتنها.
(2) صلصلت: أصبحت يابسة كالصلصال.
(3) يختدمها: يجعلها في خدمته.
(4) المساءة: خلاف السرور.
(5) ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق. كان أخباريا قدريا. ولد بالمدينة المنوّرة ويعدّ من أقدم مؤرخي العرب. سكن بغداد ومات بها سنة 151هـ. راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 3: 21ودائرة المعارف الإسلامية 1: 81والأعلام للزركلي.(1/327)
50 - وعن مجاهد (1): خلقت من قصيراه (2).
51 - كان على عهد كسرى رجل يقول: من يشتري مني ثلاث كلمات بألف دينار؟ فيطنز به (3) حتى اتصل خبره بكسرى فطلبه وأحضر المال، فقال الرجل: ليس في الناس كلهم خير، فقال كسرى: زه (4)، قال: ولا بد منهم، قال: زه، قال فألبسهم على قدر ذلك، قال: زه قال: قد استوجبت المال فخذه، فأبى، فقال فلم طلبته؟ قال: كنت أحب أن أرى من يشتري الحكمة بالمال.
52 - قال عدي بن زيد العبادي وكان نصرانيا من أهل الحيرة:
قضى لستة أيام خلائقه ... وكان آخر شيء صور الرجلا
فأخذ الله من طين فصورّه ... لما رأى أنه قد تم واعتدلا
دعاه آدم صوتا فاستجاب له ... فنفّخ الروح في الجسم الذي جبلا
ثمت أورثه الفردوس يعمرها ... وروجه ضلعه من جنبه جعلا
ثمت لم ينهه عن غير واحدة ... من شجر طيب إن شم أو أكلا
فعمدا للتي عن أكلها زجرا ... بأمر حواء إذ لم تحذر الدغلا
كلاهما خاط إذ بزا لباسهما ... من أورق التين ثوبا لم يكن غزلا (5)
53 - ابن إسحاق (6): كان مهبطهما على جبل يقال له داسم (7)، من أرض الهند بين الدهنج والمندل (8)، وهما قريبان، ومن تربة هذا الجبل
__________
(1) مجاهد: هو مجاهد بن جبر، تابعي، مفسّر، توفي بمكة سنة 103هـ. تقدمت ترجمته.
(2) قصيراه: يعني قصيري آدم: والقصيرة: الضلع.
(3) يطنز به: يسخر. والطنز: السخرية.
(4) زه: كلمة تقال عند إستحسان الشيء ومثلها مه أو مه.
(5) بزّا: سلبا. ويلاحظ الركالة في هذه الأبيات وليس من المستبعد أن تكون موضوعة.
(6) ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق. تقدمت ترجمته قبل قليل.
(7) داسم: لم نجده في معاجم البلدان.
(8) مندل: بلد بالهند منه يجلب العود الفائق الذي يقال له المندلي. أمّا الدهنج فلم نجده في معاجمنا.(1/328)
خلق آدم فيما يقال. وكان آدم يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت بقابيل بن آدم وتوأمته. فلم تجد عليهما وحما ولا وصبا (1) ولا طلقا حين ولدتهما ولا دما لطهرة الجنة، فلما أصابا المعصية وأهبطهما إلى الأرض حملت بهابيل وتوأمته فوجدت الوحم والوصب والطلق والدم.
54 - عبد الحميد الكاتب (2): الناس أخياف (3) مختلفون، وأطوار متباينون، فمنهم علق (4) مضنّة (5) لا يباع، وغلّ (6) مظنة (7) لا يبتاع.
55 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: خزائن الخير والشر مفاتيحها الرجال. الناس كلاب، فإذا وجدت سلوقيا (8) فاحتفظ به.
56 - مقاتل (9): من الأنبياء أربعة أحياء: إثنان في السماء عيسى
__________
(1) الوصب: التعب.
(2) عبد الحميد الكاتب: هو عبد الحميد بن يحيى بن سعد العامري. كاتب مشهور.
سكن الشام واختص بمروان بن محمد آخر ملوك الأمويين بالشام. قتل ببوصير في مصر سنة 132هـ. راجع ترجمته في الوفيات 1: 301والوزراء والكتاب 72.
(3) الأخياف من الناس: المختلفون في الأشكال والأخلاق، وقيل: من كانت أمّهم واحدة وآباؤهم شتّى.
(4) العلق: النفيس من كل شيء، والعلق: المال الكريم.
(5) المضنّة: البخل. يقال: هذا الشيء علق مضنة أي نفيس يبخل به.
(6) الغل: القيد.
(7) المضنة: التهمة.
(8) سلوق: قرية باليمن تنسب إليها الكلاب السلوقية. قال القطامي:
معهم ضوار من سلوق كأنها ... حصن تجول تجرّر الأرسانا
وفي كتاب ابن الفقيه: سلوق هي مدينة اللّان، تنسب إليها الكلاب السلوقية وقال ابن الحائك وهو يذكر اليمن: سلوق كانت مدينة عظيمة بأرض الجديد واسم بقعتها اليوم حسل الزينة، وهي آثار مدينة قديمة يوجد فيها خبث الحديد وقطاع الفضة والذهب والحلي وإليها تنسب الدروع السلوقية والكلاب السلوقية. راجع معجم البلدان 3: 242.
(9) مقاتل: هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن من أعلام المفسّرين. أصله من بلخ. انتقل إلى البصرة ودخل بغداد فحدّث بها. كان متروك الحديث. توفي بالبصرة سنة 150هـ. راجع ترجمته في الأعلام 6: 281والوفيات 2: 112وميزان الإعتدال 3: 196.(1/329)
وإدريس وإثنان في الأرض والخضر فالياس في البر، والخضر في البحر، وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه، ويحجان كل عام، ولا يراهما إلا من شاء الله، وأكلهما الكرفس والكمأة.
57 - كان يقال: اختص الله العرب بأربع: العمائم تيجانها، الحبى (1) حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها.
58 - علي رضي الله عنه في وصف الترك: كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان (2) المطرقة ويلبسون السرق (3) والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل، حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور (4).
59 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم.
60 - أبو هريرة، يرفعه: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين، ذلف الأنف، كأن وجوههم المجان المطرقة.
61 - الكلاب تقول: في الناس من هو أكلب منا، ولكن سبق الاسم لنا.
62 - أبو الدرداء (5) يقول: اتقوا واحذروا الناس، فأنهم ماركبوا ظهر
__________
(1) احتبى بالثوب احتباء: اشتمل به. جمعه بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. والحبوة (بالفتح والضم) ما يحتبي به أي يشتمل به من ثوب أو عمامة والجمع حبى وحبى.
(2) المجنّ: الترس وهو من الجنّة أي السترة.
(3) السرقة: الشقّة من الحرير والجمع سرق.
(4) راجع نهج البلاغة.
(5) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك، بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي. صحابي:
ولّاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب. وهو أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. مات بالشام سنة 32هـ راجع الأعلام وصفة الصفوة وحلية الأولياء 1: 308.(1/330)
بعير إلا أدبروه (1)، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
63 - علي، رفعه: يقول الله: يا ابن آدم ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم الموصوف لأسرعت إلى مثته (2).
64 - كان أبو مسلم الخولاني (3) يقول: كان الناس ورقا لا شوك فيه، وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه.
65 - الأوازاعي (4): لو لم تكن جنة ولا نار إلا أنهما داران، دار فيها الملائكة، والمرسلون، والصديقون، والشهداء، والصالحون، ودار فيها إبليس، والشياطين، وفرعون، وهامان (5)، وقارون (6)، فمع من تريد أن تكون؟.
66 - أبو سليمان (7): شيطان الجن أهون علي من شيطان الإنس،
__________
(1) دبر البعير دبرا: أصابته الدبرة والدبرة هي قرحة الدابة تحدث من الرحل ونحوه والجمع دبر وأدبار.
(2) المقت: الكره.
(3) أبو مسلم الخولاني: هو عبد الله بن ثوب الخولاني الفقيه التابعي المتوفى سنة 62هـ تقدمت ترجمته.
(4) الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي. إمام الديار الشامية في الفقه والزهد. ولد في بعلبك سنة 88هـ. ونشأ في البقاع وسكن بيروت وتوفي بها سنة 157هـ. راجع ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات، القسم الأول من الجزء الأول 298والشذرات 1: 241والأعلام 3: 320.
(5) هامان: وزير فرعون: ذكره القرآن الكريم في سورتيّ القصص وغافر.
(6) قارون: كان من قوم موسى فأتاه الله مالا عظيما فبغى ذكره القرآن الكريم في أكثر من سورة.
(7) أبو سليمان: هو عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي المذحجي الداراني، كان زاهدا من أهل داريا بغوطة دمشق. له أخبار في الزهد. توفي في بلده سنة 215هـ.
راجع حلية الأولياء 9: 254وتاريخ داريا 51.(1/331)
شيطان الإنس يتعلق بي فيدخلني في المعصية، وشيطان الجن إذا تعوذت منه خنس عني.
67 - قيل لراهب: ما الذي علا بك في هذه الصومعة؟ قال: وثبت وثبة الأكياس (1) من فخ إبليس.
68 - شكى رجل إلى أبي سليمان الوسواس، قال: إذا أحسست به فافرح، فإنك إن فرحت انقطع عنك، إنه لا شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإن اغتممت زادك منه.
69 - علي رضي الله عنه: الناس منقوصون مدخولون إلّا من عصم الله، سائلهم متعنت، ومجيبهم متكلف، يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط، ويكاد أصلبهم عودا تنكأ اللحظة، وتحيله الكلمة (2).
وعنه في ذكر إبليس: إعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله، فعدو الله أمام المتعصبين، وسلف المتكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادّرع (3) لباس التعزز، وخلع رداء التذلل، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره، ووضعه بترفعه، فجعله في الدنيا مدحورا، وأعد له في الآخرة سعيرا، ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رداؤه، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه، لفعل، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة، ولكن
__________
(1) الكيّس: الظريف الفطن، الحسن الفهم والأدب والجمع أكياس.
(2) راجع نهج البلاغة.
(3) ادّرع: لبس الدرع وهو قميص من زرد الحديد يلبس وقاية من سلاح العدوّ ودرع المرأة: قميصها أو ثوب تلبسه في بيتها.(1/332)
الله سبحانه يبتلي (1) خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالاختبار لهم، ونفيا للإستكبار عنهم، وإبعادا للخيلاء منهم فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، ولا ندري أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ كلا ما كان الله ليدخل إلى الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا، إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين (2).
70 - في متعصب للعجم:
يصيخ لكسرى حين يسمع ذكره ... بصماء عن ذكر النبي صدوف (3)
ويعجبه أخبار كسرى ورهطه ... وما هو في أعلاجهم بشريف (4)
71 - قال معاوية للأحنف (5): صف لي الناس وأوجز، قال: رؤوس رفعهم الحظ، وأكتاف عظمهم التدبير، وأعجاز شهرهم المال، وأذناب ألحقهم بهم الأدب ثم الناس بعدهم أشباه البهائم، إن شبعوا ناموا، وإن جاعوا استاموا (6).
72 - في نكاذبهم: الضب قاضي الطير والبهائم، ويقولون: إنها اجتمعت إليه أول ما خلق الإنسان، فوصفوه له، فقال: تصفون خلقا ينزل الطير من السماء، ويخرج الحوت من الماء، فمن كان ذا جناح فليطر، ومن كان ذا مخلب فليحفر.
__________
(1) ابتلى الله خلقه: اختبرهم.
(2) راجع نهج البلاغة.
(3) صاخ إليه: استمع منصتا. وصدف عنه: أعرض وصدّ وانصرف.
(4) رهط الشخص: جماعته. والأعلاج جمع علج وهو الغليظ من العجم.
(5) الأحنف: هو الأحنف بن قيس سيّد تميم المتوفى سنة 72هـ. تقدمت ترجمته.
(6) استاموا: رعوا. والسّوم: الرعي.(1/333)
73 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من عباده خيرتان (1)، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس.
74 - وكان يقال لعلي بن الحسين ابن الخيرتين لأن أمه سلافة كانت من ولد يزدجرد.
75 - الحسن: عربي مقتصد أحب إلي من مولى مجتهد.
76 - ابن عباس: يأجوج ومأجوج (2) شبر وشبران وثلاثة أشبار، وهم ولد آدم.
77 - كانت الصحابة يقولون: إن الشياطين ليجتمعون على القلب كما يجتمع الذباب على القرحة، فإن لم تذب وقع الفساد.
78 - عبد الله بن عمر: ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس.
79 - لما خلق آدم جاء النسر إلى الحوت فقال: رأيت اليوم خلقا لينزلني من وكري، وليخرجنك من البحر.
80 - أبو هريرة، رفعه: إن الله خلق الخلق أربعة أصناف:
الملائكة، والشياطين، والإنس، والجن، ثم جعل هؤلاء عشرة أجزاء:
فتسعة منهم الملائكة، وجزء واحد الشياطين والجن والإنس، ثم جعل الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن وجزء واحد الإنس.
__________
(1) الخيرة: اسم من اختار يقال: اختراه الله وفي الحديث: محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم خيره الله من خلقه.
(2) يأجوج ومأجوج: أمّة أو أمم عظيمة كانت قاطنة في أقاصي شمال اسيا من معمورة الأرض في الزمن القديم. كانت محاربة معروفة بالمغازي والغارت. ذكر بعضهم أن يأجوج ومأجوج هم الأمم التي كانت تشغل الجزء الشمالي من آسيا وتمتد بلادها من التبت والصين إلى المحيط المتجمد الشمالي وتنتهي غربا بما يلي بلاد تركستان، ونقل ذلك عن فاكهة الخلفاء وتهذيب الأخلاق لابن مسكويه ورسائل أخوان الصفاء.
ويقال إن يأجوج ومأجوج يعنيان المغول، وقيل غير ذلك.(1/334)
الباب الحادي عشر الأنفة والاباء والحمية والإجارة والإغاثة والنصرة والذب عن الحريم والغيرة وغير ذلك
1 - لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة، أراد أن يتألف أبا سفيان (1) ويريه كرم القدرة فقال: من دخل الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقال أداري يا رسول الله أداري؟ قال: نعم دارك.
2 - وعن أبي المظفر ناصر بن ناصر الدين أنه لما فتح سرخس (2)
قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، يعني أبا سفيان القاضي السرخسي، فاستحسنها الناس منه.
3 - علي رضي الله عنه: من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل أشداء الباطل.
وعنه: من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن
__________
(1) أبو سفيان: رئيس قريش ووالد معاوية. تقدمت ترجمته.
(2) سرخس: مدينة قديمة من نواحي خراسان وهي بين نيسابور ومرو في وسط الطريق بينها وبين كل واحدة منهما ستّ مراحل. ة قيل: سمّيت باسم رجل من الذّعار في زمن كيكاوس سكن هذا الموضع وعمرّه ثم تمّم عمارته وأحكم مدينته ذو القرنين الإسكندر. راجع معجم البلدان 3: 208.(1/335)
المكروب (1).
4 - أخرج كنانة بن الربيع العبشمي (2) زينب بنت رسول الله (3) صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى المدينة فعرض لها هبار بن الأسود (4) فرماه كنانة بسهم وأفلت وقال:
عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت محمد (5)
ولست أبالي ما بقيت ضجيجهم ... إذا اجتمعت يوما يدي بالمهند (6)
5 - نزل الحارث بن عبد المطلب بن هاشم (7) بقوم فقروه (8)، فأغير على بعضهم، فركب في نفر معه فاستنقذهم وقال:
نادتهم حين صمّوا عن مناشدتي ... صمّ القنا زعزعت أطرافه الخرق
__________
(1) المكروب: المحزون الذي أصابته مصيبة. والكرب: الحزن.
(2) كنانة بن الربيع: هو كنانة بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف وهو أخو أبي العاص بن الربيع زوج السيدة زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(3) زينب: هي زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمّها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي وهي أكبر بنات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولدت سنة ثلاثين من مولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولما بلغت سن الزواج طلبتها هالة بنت خويلد من أختها خديجة بنت خويلد لابنها أبي العاص بن الربيع فزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي العاص وذلك قبل نزول الوحي عليه وكانت أول بنات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تزوّج. توفيت سنة ثمان من الهجرة.
راجع التفاصيل عن حياتها في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده» ص 349طبعة مؤسسة عزّ الدين.
(4) هبار بن الأسود: هو هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي. كان ممّن يؤذي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهله في مكة. أسلم واستشهد في وقعة أجنادين سنة 13هـ راجع ترجمته في الإصابة وابن الأثير.
(5) إخفاري: نقض عهدي.
(6) المهند: اسم للسيف. والبيتان في سيرة ابن هشام ورواية السيرة: ما حييت «عديدهم» بدل ضجيجهم.
(7) عبد المطلب بن هاشم: هو الحارث بن عبد المطلب بن هاشم. عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(8) القرى: طعام الضيف: وقروه: أطعموه.
وكم ترى يوم ذاكم من مولولة ... إنسان مقلتها في دمعها غرق (1)
6 - خرج قيس بن زهير (2) في زمن الجدب ممتارا (3)، فبصر بنار فأمها (4)، ثم أبت نفسه ذل المسألة، فصار إلى شجرة ذات سم فأكل من ورقها، ثم مال إلى الوادي فنام في الشمس ومات.(1/336)
__________
(8) القرى: طعام الضيف: وقروه: أطعموه.
وكم ترى يوم ذاكم من مولولة ... إنسان مقلتها في دمعها غرق (1)
6 - خرج قيس بن زهير (2) في زمن الجدب ممتارا (3)، فبصر بنار فأمها (4)، ثم أبت نفسه ذل المسألة، فصار إلى شجرة ذات سم فأكل من ورقها، ثم مال إلى الوادي فنام في الشمس ومات.
7 - عمرو بن براقة الهمداني (5):
متى تجمع القلب الذكي وصارما ... وأنفا حميا تجتنبك المظالم (6)
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم
8 - ابن أبي فنن (7):
جعلتك حصنا دون كل ملمة ... تخاوص عيناها ويصرف نابها (8)
فلبيت لمّا أن دعوت مشمرا ... ولا خير في ذي دعوة لا يجابها
9 - أعرابي:
قوض خيامك والتمس بلدا ... ينأى عن الفاشيك بالظلم (9)
أو شدّ شدة بيهس فعسى ... أن يتقوك بصفحة السلم (10)
(1) إنسان العين: ما يرى في سوادها أو هو سوادها. والمقلة: العين.
(2) قيس بن زهير: هو قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة. رئيس قبيلة عبس. أمير، داهية، شجاع. اشتهر في حرب داحس والغبراء كان مع بني فزارة وذبيان. توفي في عمان سنة 10هـ. راجع التبريزي 1: 106وخزانة البغدادي 3: 536.
(3) خرج ممتارا: أي خرج يطلب الميرة وهي الطعام.
(4) أمّ النار: قصدها.
(5) عمرو بن براقة الهمداني: هو عمرو بن منبه بن شهر بن نهم وبراقة أمّه. شاعر من صعاليك العرب. راجع المؤتلف والمختلف للآمدي.
(6) الصارم: اسم للسيف.
(7) ابن أبي فنن: هو أحمد بن أبي فنن مولى بني هاشم وأبو فنن كنية أبيه. راجع الحيوان 5: 448.
(8) تخاوص عيناها: تنظر بمؤخرتهما. وصرف بأنيابه: حرّكها فسمعت لها أصوات.
(9) تقوّض البناء: انهدم، وقوّض خيامك: أتركها وارتحل.
(10) بيهس: من صفات الأسد، مشتق منه.(1/337)
10 - علي رضي الله عنه: وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لا تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا.
11 - استنصر سبيع بن الخطيم التيمي زيد الفوارس الضبي (1) فنصره فقال:
نبهت زيدا فلم أفزع إلى وكل ... رب السلاح ولا في الحيّ مغمور (2)
سالت عليه شعاب الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير (3)
12 - عبد الله بن أبي الهداد (4) في ثابت بن يحيى (5) وزير المأمون:
إذا ما زمان السوء مال بركنه ... علينا عدلناه بإحسان ثابت
كريم يفوت الناس مجدا وسؤددا ... وليس الذي نرجوه منه بفائت
13 - كلم عمر بن عبد العزيز أمويا أمه مرية (6) فقال: قبّح الله شبها غلب عليك من بني مرة، فبلغ عقيل بن علفة المري (7) وهو بجنفاء (8)،
__________
(1) زيد الفوارس: هو زيد بن حصين بن ظرار بن رديم الضبي. كان من أبطال يوم بزاخة. قتل في جبل الأمرار، قتله المسلبان: عمرو وأبو عمرو ابنا عبد العزّى.
راجع المفضليات 448والإشتقاق لابن دريد 23.
(2) الوكل: الذي يوكل أمره إلى غيره.
(3) الشعاب: جمع شعب وهو الحيّ العظيم. وفي المؤتلف والمختلف للآمدي:
«براق» الحي.
(4) عبد الله بن أبي الهداد: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(5) ثابت بن يحيى: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(6) مرية: نسبة إلى قبيلة مرّة وهي من قيس عيلان.
(7) عقيل بن علفة المري: هو عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية، اليربوعي المرّي الضبابي الذبياني، أبو العميس، من الشعراء المقلّين المجيدين، من شعراء الدولة الأموية، توفي نحو سنة 100هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 242وخزانة البغدادي 2: 278وسرح العيون 223.
(8) جفناء: موضع بين خيبر وفيد. وجنفاء أيضا: بين الربذة وضرية من ديار محارب على جادة اليمامة إلى المدينة. راجع معجم البلدان 2: 172.(1/338)
من المدينة على أميال. فقدم على عمر بدير سمعان (1) فقال: بلغني أنك غضبت على فتى من بني أبيك فقلت قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، وأنا أقول: قبح الله الأم طرفيه. فقال عمر: دع ذا وهات حاجتك، قال: لا والله مالي حاجة غيرها وولى راجعا، فقال عمر: سبحان الله! من رأى مثل هذا الشيخ؟.
14 - سعد بن قرط العبقسي (2):
ولما رأيت الموت لا ستر دونه ... يحوم على هامات بكر بن وائل (3)
عطفت عليهم مهرة أعوجية ... وناديت عبد القيس دون القبائل
فجاؤوا كأسد الغاب في مرجنة ... لها ذمرات بالقنا والمناصل (4)
ففرجت عن بكر وكانت بحالة ... مخنقة للقوم ذات غوائل
لأني وبكرا من ربيعة في الذرى ... إذا حصل الأقوام أهل الفضائل
15 - قدم مكة في الجاهلية قيس بن نشبة السلمي ابن عم العباس بن مرداس (5) بإبل له فباعها من أبي خلف الجمحي (6) فمطله (7) الثمن، فجعل قيس يطوف في مجالس قريش ويقول:
__________
(1) دير سمعان: بنواحي دمشق في موضع نزه وبساتين محدقة به وعنده قصور ودور وعنده قبر عمر بن عبد العزيز. وروي أن صاحب الدير دخل على عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه بفاكهة أهداها له فأعطاه ثمنها، فأبى الديراني أخذه فلم يزل به حتى قبض ثمنها، ثم قال: يا ديراني إني بلغني أن هذا الموضع ملككم، فقال:
نعم، فقال: إني أحبّ أن تبيعني منه موضع قبر سنة فإذا حال الحول فانتفع به، فبكى الديراني وحزن وباعه فدفن به. راجع معجم البلدان 2: 517.
(2) سعد بن قرط العبقسي: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(3) الهامات: الرؤوس.
(4) المرجنة والمرجحنّة: الكتيبة الكثيرة العدد. والمناصل: جمع منصل وهو السيف.
(5) العباس بن مرداس: هو العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي، من مضر، أبو الهيثم: شاعر، فارس، من سادات قومه. أمّه الخنساء الشاعرة. أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم قبيل فتح مكة. كان من المؤلفة قلوبهم ويدعي فارس العبيد وهو فرسه. كان بدويا قحا لم يسكن مكة ولا المدينة كان ينزل في بادية البصرة وبيته في عقيقها. توفي نحو سنة 18هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 267وشرح شواهد المغني 44والتهذيب 5: 130.
(6) أبو خلف الجمحي: هو أبيّ بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي. كان كثير الأذى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شديد العداوة للإسلام. قتله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيده في وقعة أحد. مات بسرف على ستة أميال من مكة سنة 3للهجرة.
(7) المطل: التسويف.(1/339)
يا آل فهر كيف هذا في الحرم ... وحرمة البيت وأخلاق الكرم
أظلم لا يدفع عني من ظلم
فأمره العباس بن مرداس أن يستنصره بالعباس بن عبد المطلب (1)
ففعل، فاستخرج له حقّه وقال:
رعيت لقيس حقّه وذمامه ... وأوليت فيه الرغم من كان راغما
سأمنعه ما دمت حيا وإن أمت ... أحض عليه للتناصر هاشما
فقال ابن قيس لابن عباس (2) في الإسلام:
أحبكم في الجاهلية والدي ... وفي الدين كنتم عدتي ورجائيا
فصرت بحبي منكم غير مبعد ... لديكم وأصبحت الصديق المصافيا
وآليت لا أنفك أحدو قصيدة ... تمدّ بها بزل الجمال الهواديا (3)
16 - وفد زياد الأعجم (4) على المهلب بن أبي صفرة (5) وهو يقاتل
__________
(1) العباس بن عب دالمطلب: عم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدمت ترجمته.
(2) ابن عباس: هو عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدمت ترجمته.
(3) البازل: هو البعير الذي استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه. سمّي بازلا من البزل وهو الشقّ، وذلك أن نابه إذا طلع يقال له بازل لشقّه اللحم عن منبته شقا.
(4) زياد الأعجم: هو زياد بن سليمان، أبو أمامة العبديّ، مولى بني عبد القيس، من شعراء الدولة الأموية، جزل الشعر، فصيح الألفاظ، كانت في لسانه عجمة فلقّب بالأعجم. ولد ونشأ في أصفهان وانتقل إلى خراسان فكسنها وطال عمره ومات فيها نحو سنة 100هـ. كان هجاء، وكان الفرزدق يتحاشى أن يهجو بني عبد القيس خوفا منه. يقال: إنه شهد فتح إصطخر مع أبي موسى الأشعري وله وفادة على هشام بن عبد الملك. امتدح عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. راجع ترجمته في الأعلام 3: 54والشعر والشعراء 165وخزانة البغدادي 4: 193.
(5) المهلب بن أبي صفرة: المتوفى سنة 83هـ. تقدمت ترجمته.(1/340)
الأزارقة بتوّج (1) فأكرمه وأنزله على ابنه حبيب (2)، وقال له أحسن قراه (3)، فبينا هما في بستان إذ غنّت حمامة على فنن، فطرب لها زياد، فقال له حبيب: إنها فاقدة إلف كنت أراه معها، فقال زياد: هو أشد لشوقها، وأنشأ يقول:
تغني أنت في ذممي وعهدي ... وذمة والدي أن لا تضاري (4)
فإنك كلما غرّدت صوتا ... ذكرت أحبتي وذكرت داري
فأما يقتلوك طلبت ثأرا ... لأنك يا حمامة في جواري
فضحك حبيب ودعا بجلاهق (5) فرماها، فسقطت ميتة (6)، فنهض زياد مغضبا وقال: أخفرت أبا بسطام ذمتي وقتلت جاري، فشكا إلى
__________
(1) توّج: مدينة بفارس قريبة من كازرون شديدة الحرّ لأنها في غور من الأرض ذات نخل وبناؤها باللّبن بينها وبين شيراز إثنان وثلاثون فرسخا يعمل فيها ثياب كتّاب تنسب إليها. فتحت في أيام عمر بن الخطاب في سنة 18أو 19هـ وأمير المسلمين مجاشع ابن مسعود. راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 56.
(2) حبيب: هو حبيب بن المهلب بن أبي صفرة. كانت له ولاية كرمان. قتل في موقعة العقر سنة 102هـ. راجع ترجمته في جمهرة الأنساب 348ومروج الذهب 5: 350.
(3) أحسن قراه: أهتم بن وأطعمه. والقرى: طعام الضيف. وقراه: أطعمه.
(4) تضاري: تضرّ. وضاره الأمر: ضرّه. ورواية الأغاني لهذه الأبيات فيها اختلاف ببعض الألفاظ.
(5) الجلاهق: البندق، ومنه قوس الجلاهق وأصله بالفارسية جله وهي كبّة غزل والكثير جلها، وبها سمّي الحائك.
(6) رواية الأغاني:
فلله عينا من رأى كقضيّة ... قضى لي بها قرم العراق المهلّب
رماها حبيب بن المهلّب رمية ... فأثبتها بالسّهم والسّهم يقرب
إلى آخر الأبيات. وهذا يدل على أن حبيبا قتلها بالسهم وليس بالجلاهق.(1/341)
المهلب، فغضب وقال لحبيب: أما علمت أن جار أبي أمامة جاري، وذمته ذمتي، والله لألزمنك دية (1) الحر والعبد، وأخذها من ماله، ودفعها إلى زياد، فقال:
فلله عينا من رأى كقضية ... قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ... من الطير إذ يبكي شجاه ويندب
فرفع خبره إلى الحجاج فقال: لشيء ما سودت العرب المهلب، ويروى: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.
17 - سقط الجراد قريبا من بيت أبي حنبل جارية بن مر (2)، فجاء الحي فقالوا: نريد جارك، فقال: أما إذ جعلتموه جاري فو الله لا تصلون إليه فأجاره (3) حتى طار من عنده، فسمي مجير الجراد وفي ذلك يقول هلال بن معاوية الثعلبي (4).
وبالجبلين لنا معقل ... صعدنا إليه بصمّ الصعاد (5)
ملكناه في أوليات الزمان ... من قبل نوح ومن قبل عاد (6)
ومنّا ابن مر أبو حنبل ... أجار من الناس رجل الجراد
وزيد لنا ولنا حاتم ... غياث الورى في السنين الشداد
__________
(1) الدية: ما يعطى من المال بدل نفس القتيل والجمع ديات.
(2) جارية بن مرّ: هو جارية بن مر بن عدي بن مر بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن طيء. كان معاصرا لحاتم الطائي، وهو أول من أجار الجراد وأجار خيل امرىء القيس وإبله ومنع منها المنذر بن ماء السماء. راجع الإشتقاق لابن دريد 392.
(3) أجاره: أغاثه وأنقذه ومنع عنه الأذى.
(4) هلال بن معاوية الثعلبي: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(5) الصعاد: القناة المستوية جمع صعدة. وقيل: هي نحو من الألّة، والألّة أصغر من الحربة. (راجع اللسان مادة صعد).
(6) عاد: من القبائل البائدة.(1/342)
18 - كتب عثمان رضي الله عنه إلى علي عليه السّلام يوم الدار (1): أما بعد فقد بلغ السيل الزبى (2)، وبلغ الحزام الطبيين (3)، فأقبل إليّ، كنت لي أم عليّ.
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق
19 - زهير الأزدي (4):
كفوه وذادوا بالوشيج وراءه ... تميم وأهل السر من غطفان (5)
ولو بسواهم كان إذ شاط لحمه ... أناخ لقد زلت به القدمان (6)
وله:
فإن كنت تبغي للظلامة مركبا ... ذلولا فإني ليس عندي بعيرها (7)
نشأت عسيرا لا تلين عريكتي ... ولا يستقر فوق ظهري كورها (8)
__________
(1) يوم الدار: هو اليوم الذي حوصر فيه الخليفة عثمان بن عفان في داره وطلب منه أن يخلع نفسه فلم يفعل فبقي محاصرا أربعين يوما.
(2) الزبى: جمع زبية وهي الرابية لا يعلوها الماء، فإذا بلغها السيل كان جارفا مجحفا.
وبلغ السيل الزبى: يضرب مثلا لمن جاوز الحدّ راجع مجمع الأمثال للميداني 1: 91.
(3) الطبيان: مثنى طبي وهو الواحد من أطباء الضرع وهي حلمات الضرع التي فيها اللبن. وجاوز الحزام الطبيين: كناية عن المبالغة في تجاوز حدّ الشرّ والأذى لأن الحزام إذا انتهى إلى الطبيين فقد انتهى إلى أبعد غاياته فكيف إذا جاوزه؟ (راجع اللسان مادة طبي).
(4) زهير الأزدي: لم نقف له على ترجمة في معاجمنا.
(5) الوشيج: الألفة. يقال: وشّج الله بينهم توشيجا. والواشجة: الرّحم المشتبكة المتصلة. وغطفان: حيّ من قيس عيلان وهو غطفان بن سعد بن قيس عيلان.
(راجع اللسان مادة غطف).
(6) شاط لحمه: احترق. وشاط دم فلان أي ذهب. وأشاط اللحم: فرّقه.
(7) المركب: الدابة التي تركب. والمركب الذلول: السهل الإنقياد. جمع أذلة وذلل.
(8) العريكة: النفس والخلق والطبيعة والجمع عرائك. والكور: رحل البعير.(1/343)
20 - علق (1) عيينة بن أسماء الغزاري (2) جارية، فشكا وجده (3) بها إلى أخيه مالك بن أسماء (4)، وكان مالك أوجد بها منه فقال:
أعيين هلّا إذ شغفت بها ... كنت استعنت بفارغ العقل
أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل (5)
21 - أراد النعمان بن المنذر قتل الفظ بن مالك الغساني (6) حين هجاه فاستوهبه عمرو بن معدي كرب فقال الفظ:
تداركني من مذحج خير مذحج ... وسيف أبي قابوس يستقطر الدما
وكنت الذي تثنى الخناصر باسمه ... وكنت إلى دفع المنية سلّما
22 - يغار عليه من ظله، ويحسد قميصه على مماسة جسده.
23 - كان لعبد العزيز بن أبي دلف (7) جارية يرى الدنيا بعينيها (8)
__________
(1) علق جارية: أحبّها.
(2) عيينة بن أسماء الفزاري: هو عيينة بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر وهو أخو هند بنت أسماء التي تزوجها الحجاج بن يوسف. كان من سادات أهل الكوفة ذكره أبو الفرج في الأغاني.
(3) الوجد: الوله وشدّة العشق.
(4) مالك بن أسماء: هو أخو عيينة المتقدم ذكره أعلاه. كان شاعرا غزلا من أشراف الكوفة تقلّد خوارزم وأصبهان للحجاج بن يوسف ذكره أبو الفرج في الأغاني (راجع الفهرست) وراجع الشعر والشعراء 304.
(5) المستغاث إليه في شغل: يريد القول إنه هو أيضا يحب الجارية وإنه مشغول عنك فيها.
(6) الفظ بن مالك الغساني: شاعر جاهلي. ذكره المرزباني فقال: هجا النعمان بن المنذر فأراد النعمان قتله أو قطع لسانه ثم وهبه لعمرو بن معدي كرب الزبيدي.
ورواية المرزباني في البيت الثاني:
وكنت الذي يثنى الختام باسمه ... وكنت إلى دفع المنية سلّما
والأبيات الأخر التي هجا بها النعمان وهي:
أرى النعمان يدني من عصاه ... مخافته ويبعد من أطاعا
وكيف يخاف من أشجاه قوم ... فلم يغضب ولم ينضج كراعا
فليت لنابه ملكا سواه ... يبخلنا ويعطينا المتاعا
فإن الحي من لخم وعمرو ... لئام الناس كلّهم طباعا
إذا أمنوا حسبتهم أسودا ... وعند الروع تحسبهم ضباعا
راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 318.
(7) عبد العزيز بن أبي دلف: هو عبد العزيز بن أبي دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي من بني عجل بن لجيم من بكر بن وائل. كان أبوه أحد قواد المأمون.
(8) قوله: يرى الدنيا بعينيها: أي هو معجب لها وبجمال عينيها.(1/344)
فضرب عنقها وقال: خفت أن أموت من حبها، فتنام هي بعدي تحت غيري.
24 - زوّج عمر بن عبد العزيز بنتا له، فقال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك (1): علمي هذه الصبية ما كنت تعلمين، أي ما كنت أعجب به منك، قالت: أو ما تغار؟ قال: إنما الغيرة في الحرام، فأما الحلال فلا، أبعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي وفاطمة لا تعجلا حتى أدخل عليكما.
25 [شاعر]:
قالوا قليل عدده ... من غار قل ولده
26 - سمع الحجاج قول عيينة بن الحكم الخلجي:
خلت البصرة من أقذائها ... وخلونا بالرعابيب الخرد (2)
وكان جميلا غزلا، فسيره عن البصرة إلى خراسان.
27 - علي رضي الله عنه: ما زنى غيور قط. وعنه غيرة المرأة كفر، وغيرة الرجل إيمان.
28 - الخليع البصري (3):
__________
(1) أي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان.
(2) الرعابيب: جمع رعبوبة وهي من النساء البيضاء الطويلة. والخرد: جمع خريدة وهي من النساء الحيّية الناعمة التي لم تمسّ. وقيل غير ذلك.
(3) الخليع البصري: هو الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي، أبو علي، شاعر، من ندماء الخلفاء. قيل: أصله من خراسان. ولد ونشأ بالبصرة سنة 162هـ. وتوفي ببغداد سنة 250هـ. اتصل بالأمين العباسي ونادمه ومدحه. ولمّا ظفر المأمون خافه الخليع فانصرف إلى البصرة حتى صارت الخلافة للمعتصم فعاد فمدحه ومدح الواثق. وأبو النواس متّهم بأخذ معانيه في الخمر. راجع ترجمته في الأعلام 2: 239وتهذيب ابن عساكر 4: 297وتاريخ بغداد 8: 54.(1/345)
وموشّج نازعت فضل وشاحه ... وكسوته من ساعديّ وشاحا
ترك الغيور يعط جلدة وجهه ... وأمال أعطافا عليّ ملاحا
29 - قالت بنت النعمان بن بشير (1) لروح بن زنباع (2): إنك لغيور، فقال: إن المرء العاقل لحقيق (3) أن يغار على حمقاء ورهاء (4) مثلك، لا يأمن أن تأتي بولد من غيره فتقذفه في حجره.
30 - المأمون: الغيرة بهيمية، وضرب من البخل.
31 - ابن المدبر (5) في عبيد الله بن يحيى بن خاقان (6):
__________
(1) بنت النعمان بن بشير: هي حميدة بنت النعمان بن بشير الأنصاري، كانت شاعرة هجت أزواجها: الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة، وروح بن زنباع الجذامي ثم الفيض بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل عمّ يوسف بن عمر فولدت منه ابنة وتزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي. راجع ترجمتها وشعرها في الهجاء في الأغاني (بشرحنا) 16: 60طبعة دار الكتب العلمية.
(2) روح بن زنباع: هو روح بن زنباع بن روح بن سلامة الجذامي، أبو زرعة، أمير فلسطين وسيد اليمانية في الشام وقائدها وخطيبها وشجاعها. كان عبد الملك بن مروان يقول: جمع روح طاعة أهل الشام ودهاء أهل العراق وفقه أهل الحجاز. له مع عبد الملك أخبار توفي سنة 84هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 34والإصابة ت 2707وتهذيب ابن عساكر 5: 337.
(3) لحقيق: أي لجدير.
(4) الورهاء: الخرقاء الحمقاء. ووره يوره ورها: حمق فهو أوره.
(5) ابن المدبّر: هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الله الضبيّ. شاعر من الكتاب المترسلين من أهل بغداد. استوزه المعتمد العباسي. توفي ببغداد سنة 279هـ. راجع معجم الأدباء 1: 226والوزراء والكتاب للجهشياري 102.
(6) عبيد الله بن يحيى بن خاقان: هو أبو الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ولد سنة 209هـ وتوفي سنة 263هـ. استوزره المتوكل والمعتمد. راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 1: 146وشذرات الذهب 2: 147.(1/346)
معاذي وجاري وجهك اليوم أنه ... هو الوجه من يبغي به النجح ينجح
وعدلك مبسوط وأمنك شامل ... وحلمك من ثهلان أوفى وأرجح
32 - نوح بن عمرو بن حوي السكسكي في مولى دفع عنه:
ومولى دفعت الضيم عنّي بشخصه ... وأبيض من ماء الحديد مجرب
فأقدم والرمح الطويل بكفه ... وعرد عني يوم ذاك بنو أبي (1)
وكرّ حفاظا خشية العار مقدما ... وصمم تصميم الحسام المشطب (2)
فقام بحق الروع يوم جلاده ... حسامان ركابا قرى المتهيب
أراد بالحسامين مولاه وسيفه الذي ذب به عنه.
فمولاك لا تفقد نوالك إنه ... شريكك في الهيجا وناصرك الأبي
33 - موسى بن حكيم العيشمي (3):
دعاني عوف دعوة فأجبته ... ومن ذا الذي يدعي لنائبة بعدي
فلو بي بدأتم قبل من دعوتم ... لفرجت عنكم كل نائبة وحدي
إذا ما عدو غاظني ثم أجحفت ... به نكبة حلّت رزيته حقدي
34 - محمد بن أحمد بن سوار الطائي (4):
وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكن مروانا يغار على القدر (5)
__________
(1) عرّد عني: أعرض وفرّ.
(2) كرّكرا: رجع وعطف وفرّ. ورجل مشطّب: في وجهه أثر من ضرب السيف ونحوه.
(3) موسى بن حكيم العيشمي. ذكره المرزباني في معجمه ص 378وذكر له الأبيات ورواية البيت الثاني:
فلو بي بدأتم قبل من «قد» دعوتم ... لفرّجت عنكم كل نائبة «تعدي»
أما البيت الثالث فروايته:
إذا المرء ذو البلوى وذو الضغن أجحفت ... به نكبة حلّت رزيئته حقدي
(4) محمد بن أحمد بن سوار الطائي: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(5) العرس: زوجة الرجل.(1/347)
35 - هجا الفرزدق ذا الأهدام الكلابي (1)، فقال الفرزدق:
ونبّئت ذا الأهدام يعوي ودونه ... من الشام زراعاتها وقصورها
فعاذت أمه بقبر غالب (2) فقال:
عجوز تصلّي الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها
36 - اتقى لفح النار، بالكبريت والقار (3) إذا اسغاث بمن يستضر به.
ويقال: استكف النار بالحلفاء (4).
37 - أبو عزة القشيري (5):
لو كنت من رهط الأصمّ بن مالك ... أو الخلعاء أو زهير بني عبس
إذا دافعت عني يد مضرية ... ولم يرهب الجاني الذي جر بالأمس
38 - سراقة بن مرداس السلمي (6) أخو العباس (7)، وقد جاور غنيا (8)
فحمدهم:
__________
(1) ذو الأهدام الكلابي: هو متوكل بن عياض بن حكم بن طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب وقيل: اسمه نافع بن سدادة الضبابي. راجع النقائض ص 513و 907.
(2) غالب: هو غالب بن صعصعة بن ناجبة المجاشعي أبو الفرزدق الشاعر. كان جوادا من وجوه تميم يلقب بابن ليلى. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ووفد على الإمام علي. توفي نحو سنة 40هـ. راجع ترجمته في الإصابة ت 6933والمحبر 142ورغبة الآمل 3: 41.
(3) القار: الزفت وهو الذي تطلي به السفن.
(4) الحلفاء: نبت أطرافه محددة كأنها سعف النخل والخوص ينبت في مغايض المياه الواحدة حلفة وحلفاء
(5) أبو عزّة القشيري. لم نقف له على ترجمة.
(6) سراقة بن مرداس السلمي: لم أقف له على ترجمة.
(7) العباس: هو العباس بن مرداس السلمي، أمّه الخنساء المتوفى سنة 18هـ. تقدمت ترجمته.
(8) غني: اسم قبيلة من قيس عيلان والنسبة إليها غنوي.(1/348)
كأني من رماح بني غنيّ ... بخيسة أسد عثّر أو يريم (1)
وأسقى من غنيّ في زجاج ... يضيء شعاعه وجه النديم
39 - عبيد الله بن زياد حين أجارته الأزد بعد يزيد بن معاوية:
فقل للأزد دارك خير دار ... وزندك في العلا أورى زناد (2)
جزيتم عن عبيد الله خيرا ... وقبل بني زياد عن زياد
حللتم داره فمنعتموه ... بسمر الخط والبيض الحداد (3)
وكنتم عند ظني حين ضاقت ... عليّ برحبها سعة البلاد
40 - بعث ملك الحبشة إلى عبد المطلب يأمره بأن يدين له، وكانت مكة لقاحا (4)، فقال:
إنا أناس لا ندين بأرضنا ... عضّ الرسول ببظر أم المرسل (5)
__________
(1) عثّر: اسم موضع وهو مأسدة كثيرة الأسد تعدّ من أعمال زبيد. راجع معجم البلدان 4: 85.
ويريم: حصن باليمن بيد عبد علي بن عواض في جبل تيس. معجم البلدان 5: 435.
(2) الأزد: تجمع قبائل وعمائر كثيرة في اليمن. وأزد: أبو حيّ من اليمن وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبا. يقال: أزد شنوءة وأزد عمان، وأزد السراة.
والزند: العود الأعلى الذي تقدح به النار. وورى الزند: خرجت ناره فهو وار.
(3) سمر الخط: هي الرماح المنسوبة إلى الخطّ وهو مرفأ للسفن بالبحرين حيث تباع الرماح الخطيّة.
(4) قوله لقاحا: يقال: قوم لقاح وحيّ لقاح أي لم يدينوا للملوك ولم يملكوا ولم يصبهم في الجاهلية سباء. قال بعضهم:
أبوا دين الملوك وهم لقاح ... إذا هيجوا إلى حرب أجابوا
(5) البظر: الهنة التي تكون بين بين شفري فرج المرأة. يقال: يا ماصّ بظر أمّه، ويا عاضّ بظر أمّه. والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم، وهو سبّ كان يجري على ألسنتهم قديما. وقد تقدم هذا البيت في الباب التاسع (85) والرواية فيه: كتب بعض الجبابرة إلى أهل مكة يطلب منهم الأوتاوة، فكتب إليه عبد المطلب:
(البيت).(1/349)
41 - الرسول صلّى الله عليه وسلّم: من ذب عن عرض أخيه كان ذلك له حجابا من النار.
42 - محرز بن نجدة الخفاجي (1):
إذا القوم ساموني يدا لا أريدها ... أبي خلق لي يمنع الضيم أشوس
وإني متى أركب سوى الحق خطة ... منوع رضا القوم المعادين أليس
43 - كان أبو سفيان (2) إذا نزل به جار قال له: يا هذا إنك قد اخترتني جارا، واخترت داري دارا، فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبي على أهله ويوشك أن يكون هذا من الأسباب الموصلة إلى أن شرف بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
44 - أصابت أهل البادية قحمة (3) شديدة فخرج الفرزدق إلى الوليد ابن عبد الملك وامتدحه بقصيدة فيها:
وكم من مناد والشريفان دونه ... إلى الله يشكو والوليد مفاقره (4)
وقالوا أغثنا إن بلغت بدعوة ... لنا عند خير الناس إنك زائره
__________
(1) محرز بن نجدة الخفاجي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 406وفيه:
إذا القوم ساموني التي لا أريدها ... إلى خلق لي يمنع الضيم أشوس
أبى وإن أعطيت في الحق خصلة ... منوع رضا القوم المعادين أليس
قريب بعيد يعلم الناس أنني ... إذا ما رموا بي جارة القوم مردس
قال: الأليس: الذي لا يقوم له شيء من شجاعته.
والمردس: الحجر الذي يرمى به. يريد أنه كالحجر في الصلابة.
(2) أبو سفيان: هو صخر بن حرب أبو معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي تقدمت ترجمته.
(3) القحمة: السنة الجدبة.
(4) الشريف: واد بنجد: والشرف كبد نجد والشريف جبل إلى جانبه يفصل بينهما التسرير فما كان مشرقا فهو شريف وما كان مغربا فهو الشرف. والشريف أيضا:
حصن من حصون زبيد باليمن. والمفاقر: وجوه الفقر راجع معجم البلدان 3: 341.(1/350)
فقال له الوليد حاجتك؟ قال: تملأ لي إبلا قمحا، وإبلا زيتا، وإبلا دراهم، فأقرها في أهل البوادي، من بابك إلى اليمامة، وتكتب إلى عمالك كلما نفد منها شيء أعيد لي ففعل، فقسم الفرزدق ذلك حتى انتهى إلى اليمامة.
45 - لما حبس خالد بن عبد الله (1) عمر بن هبيرة (2)، ونقب له السجن فهرب، قصد إلى مسلمة (3) بالشام، وقد كان بينهما تباعد، وذلك أن عمر كان قد احتال حتى عزل مسلمة عن العراق وولي مكانه، فدخل عليه وهو قائل، فانتبه فقال: ابن هبيرة؟ قال: نعم.
وإذا يصيبك والحوادث جمة ... حدّث حداك إلى أخيك الأوثق
فركب مسلمة إلى هشام (4) من ساعته، فقال: يا أبا سعيد ما أعملك إلينا؟ فقال: يا أمير المؤمنين أكان أحد من قريش يمد يده إلى شيء إلا نمد إليه أيدينا؟ قال: لا والله قال: فهل نلنا ذلك إلا بالوفاء؟ قال:
أجل فقال: إن عمر بن هبيرة لجأ إلي فجعلت [له] ذمة الله وذمة أمير المؤمنين عبد الملك وذمتك وذمتي، قال أجرنا من أجرت، قال: فرد عليه
__________
(1) خالد بن عبد الله: هو خالد بن عبد الله القسري أمير العراق المتوفى سنة 126هـ.
تقدمت ترجمته.
(2) عمر بن هبيرة: هو عمر بن هبيرة بن سعد بن عدي الفزاري أبو المثنّى، أمير من الدعاة الشجعان. كان رجل أهل الشام. شارك في مقتل مطرف بن المغيرة المناوىء للحجاج. غزا الروم. وولّاه يزيد بن عبد الملك إمارة العراق وخراسان فكانت إقامته بالكوفة. حبسه خالد بن عبد الله القسري في سجن واسط وتوفي نحو سنة 110هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 5: 68والكامل لابن الأثير 5: 37.
(3) مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. كان ابن أمة. من أمراء وقادة بني أمية له فتوحات مشهورة. توفي سنة 120هـ. راجع ترجمته في نسب قريش ودول الإسلام 1: 62.
(4) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي المتوفى سنة 125هـ.
تقدمت ترجمته.(1/351)
ماله، فأمر له بمائة ألف، وانصرف مسلمة وضم إليه خمسين ألفا وحمله.
46 - وفد يحيى بن عروة بن الزبير (1) على عبد الملك فذكر حاجبه عبد الله بن الزبير فنال منه، فضرب وجهه حتى أدمي أنفه، فقال له عبد الملك من فعل بك؟ قال: يحيى، قال: أدخله وكان متكئا فجلس، وقال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين عمي عبد الله كان أحسن جوارا لعمتك منك لنا، والله إن كان ليوصي أهل ناحيته أن لا يسمعوها قدعا، وإن كان يقول لها من سب أهلك فسبي أهله أنا والله المعم المخول تفرقت العرب عن عمي وخالي، وكنت كما قال الأول:
يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها تقدّما
فرجع عبد الملك إلى متكئه، ولم يزل يعرف فيه الإكرام ليحيى. هو من جهة أمه أموي، أمه بنت الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك.
47 - قال ابن الزبير في خطبته بعد قتل مصعب (2): والله لوددت أن الأرض قاءتني (3) عنده حين لفظ غصته، وقضى نحبه.
خذيه فجريه ضباع وقضقضي ... عظام امرىء قد غاب بالأمس ناصره
48 - لما وجّه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة (4) لاستباحة أهل المدينة
__________
(1) يحيى بن عروة بن الزبير: هو يحيى بن عروة بن الزبير بن العوّام الأسدي وهو ابن أخي عبد الله بن الزبير. عالم من أعيان المدينة، له شعر وأمّه عمّة عبد الملك بن مروان. توفي نحو سنة 114هـ. راجع ترجمته في الأعلام 8: 156ونسب قريش 246وجمهرة الأنساب 215وتهذيب التهذيب 11: 258.
(2) مصعب: هو مصعب بن الزبير والي العراق. تقدمت ترجمته.
(3) قاء ما أكله يقيء قيئا: ألقاه من فمه.
(4) مسلم بن عقبة: هو مسلم بن عقبة بن رباح المري. قائد من الدهاة القساة في العصر الأموي. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وشهد صفين مع معاوية وقلعت بها عينه. ولّاه يزيد بن معاوية قيادة الجيش الذي أرسله للإنتقام من أهل المدينة بعد أن أخرجوا عامله فغزاها وآذاها وأسرف فيها قتلا ونهبا (في وقعة الحرّة) فسماه أهل الحجاز مسرفا. مات سنة 63هـ ونبش قبره وصلب في مكان دفنه. راجع ترجمته في الأعلام 6: 222 والإصابة ت 8416والطبري 7: 14.(1/352)
ضمّ علي بن الحسين إلى نفسه أربع مائة منافية (1) بحشمهن يعولهن إلى أن تقوّض جيش مسلم، فقالت امرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي مثل ذلك التريف (2).
__________
(1) منافية: أي امرأة منافية نسبة إلى عبد مناف جدّ الهاشميين والأمويين.
(2) التريف: النهمة ورغد العيش.(1/353)
الباب الثاني عشر الإخاء، والمحبة، والصحبة، والإلف وما يقع بين الإخوان من الجفوة، والمصارحة وذكر الحب والبغض في الله والجوار
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أكثروا من الإخوان، فإن ربكم حيي كريم يستحي أن يعذب عبده بين إخوانه يوم القيامة (1).
وعنه عليه الصّلاة والسّلام: من نظر إلى أخيه نظرة المودة، ولم يكن في قلبه عليه إحنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه (2).
2 - علي رضي الله عنه: من كان له صديق حميم فإنه لا يعذب، ألا ترى كيف أخبر الله عن أهل النار {فَمََا لَنََا مِنْ شََافِعِينَ وَلََا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} (3).
علي رضي الله عنه: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته ووفاته.
وعنه: أعجز الناس من عجز على إكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.
__________
(1) لمزيد من الإطلاع على الأحاديث النبوية الشريفة التي تبدأ بلفظ «أكثر» راجع «وهج الفصاحة في أدب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم» تأليف علاء الدين الأعلمي ص 337.
(2) راجع الحديث في «وهج الفصاحة» المتقدم ذكره ورقمه 3057ص 600.
(3) سورة الشعراء، الآيتان: 100و 101.(1/355)
3 - عمر رضي الله عنه: ثلاث يثبتن الود لك في صدر أخيك: أن تبدأه بالسّلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
4 [شاعر]:
تكثر من الإخوان ما استطعت إنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور
فليس كثيرا ألف خلّ وصاحب ... وإنّ عدوا واحدا لكثير
5 - حكيم: سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشا (1).
6 - ابن عرفة:
حسبي بقلبك شاهدا لي في الهوى ... والقلب أعدل شاهد يستشهد
7 - كتب رجل إلى أخ له: إنك من جوارحي يميني، ومن سوانحي (2) يقيني.
وكتب آخر: ما انفككت عن ودك، ولا انفركت عن عهدك.
8 - كان عمر بن عبد العزيز ينشد:
وإذا أخ لي حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرفق
إنّي لأمنح من يواصلني ... مني صفاء ليس بالمذق (3)
والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله يفزع إلى العرق (4)
9 - علي رضي الله عنه: الصديق من صدق غيبه.
__________
(1) الرشوة: ما يعطى لإبطال حقّ أو إحقاق باطل والجمع رشى ورشى.
(2) السانح: الذي يأتي من جانب اليمين ويقابله البارح وهو الذي يأتي من جانب اليسار. والعرب تتيمّن بالسانح وتتشاءم بالبارح، والجمع سوانح.
(3) يواصلني: ضدّ يهاجرني ويصارمني. ومذق الودّ: شابه بكدر ولم يخلصه.
والمذّاق: من كان ودّه غير خالص.
(4) تبله: تختبره. ويفزع: يلجأ. والعرق: الأصل.(1/356)
10 - الأصمعي: دخلت على الخليل (1) وهو جالس على حصير صغير، فأشار عليّ بالجلوس، فقلت: أضيق عليك، فقال: مه (2) إن الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين، وإن شبرا في شبر يسع متحابين.
11 - الخليل: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.
12 - قال رجل لابن المقفع: أنا بالصديق آنس مني بالأخ، قال:
صدقت، الصديق نسيب الروح، والأخ نسيب الجسم.
13 - قال محمد بن علي الباقر (3): أيدخل أحدكم في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير والدراهم؟ قالوا: لا، قال: فلستم بإخوان إذن.
14 - إبراهيم بن العباس (4):
فأنت مني النفس من بينهم ... وأنت الحبيب وأنت المطاع
فما منك أن بعدوا وحدة ... ولا منهم ان بعدت اجتماع
15 - كاتب:
ثلاثة أصفيتهم إخائي ... كأنهم كواكب الجوزاء
__________
(1) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 170هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) مه: اسم فعل مبني على السكون بمعنى انكفف، وقد يقال مه.
(3) هو خامس الأئمة عند الإمامية الإثني عشرية. توفي سنة 114هـ. تقدّمت ترجمته.
والأئمة الإثنا عشر هم: علي بن أبي طالب، الحسن بن علي الزكي، الحسين بن علي الشهيد، علي بن الحسين السجّاد، محمد بن علي الباقر، جعفر بن محمد الصادق، موسى بن جعفر الكاظم، عليّ بن موسى الرضا، محمد بن علي الجواد، عليّ بن محمد الهادي، الحسن بن علي العسكري، محمد بن الحسن المهدي.
(4) إبراهيم بن العباس: هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول، أبو إسحاق، أصله من خراسان، كان كاتب المعتصم والواثق والمتوكل. تنقّل في الأعمال والدواوين إلى أن مات (سنة 243هـ) متقلدا ديوان الضياع والنفقات بسامراء. كان شاعرا مشهورا. راجع ترجمته في معجم الأدباء 1: 261وابن خلكان 1/ 9والمسعودي 2/ 299والأعلام 1: 45.
عطارديون يرون رائي ... كأنما أهواؤهم أهوائي (1)
16 - أعرابي: ودك عندي لا ينضى (2) ملبوسه، ولا يتوى (3)
محروسه، ولا يذوى (4) مغروسه.(1/357)
__________
(4) إبراهيم بن العباس: هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول، أبو إسحاق، أصله من خراسان، كان كاتب المعتصم والواثق والمتوكل. تنقّل في الأعمال والدواوين إلى أن مات (سنة 243هـ) متقلدا ديوان الضياع والنفقات بسامراء. كان شاعرا مشهورا. راجع ترجمته في معجم الأدباء 1: 261وابن خلكان 1/ 9والمسعودي 2/ 299والأعلام 1: 45.
عطارديون يرون رائي ... كأنما أهواؤهم أهوائي (1)
16 - أعرابي: ودك عندي لا ينضى (2) ملبوسه، ولا يتوى (3)
محروسه، ولا يذوى (4) مغروسه.
17 - جعفر بن محمد (5): صحبة عشرين يوما قرابة.
18 - قال رجل لضيغم العابد: أشتهي أن أشتري دارا في جوارك حتى ألقاك، قال: المودة التي يفسدها تراخي اللقاء مدخولة.
19 - كتب رجل إلى أخ له: أما بعد فإن كان إخوان الثقة كثيرا فأنت أولهم، وإن كانوا قليلا فأنت أوثقهم، وإن كانوا واحدا فأنت هو.
20 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أخاه فليعلمه (6).
21 - ابن مسعود رضي الله عنه: ما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب.
22 - حكيم: من ودك لأمر ولى مع إنقضائه.
23 - كاتب: دع رجلي ورجلك في نعل ما وسعهما القبال (7).
24 - أعرابي: المودة بين السلف ميراث بين الخلف.
25 - حافظ على الصديق ولو في الحريق.
(1) عطارديون: نسبة إلى عطارد وهو نجم من السيارات أقربها من الشمس.
(2) نضى الثوب: نزعه. وأنضى الثوب وانتضاه: أبلاه.
(3) يتوى: يهلك. والتّوى: الهلاك.
(4) يقال: ذوى النبات: أي ذبل ونشف ماؤه.
(5) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق. سادس الأئمة الإثني عشر عند الإماميّة. توفي سنة 148هـ. تقدّمت ترجمته.
(6) راجع الأحاديث النبوية الشريفة التي تبدأ ب «من أحبّ» في «وهج الفصاحة في أدب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم» ص 576.
(7) القبال من النعل: زمامها وهو الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها.(1/358)
26 - قال ظريف لأخيه: لو كنت معك في جوف فقاعة (1) ما باليت.
27 - أعرابي: دع مصارمة أخيك، وإن حثا التراب في فيك (2).
28 - عرض رجل بآخر وأنشد:
صديقك لا يثني عليك بطائل ... فماذا عسى فيك العدو يقول
فقال:
وحسبك من لؤم وخبث طوية ... بأنك عن غيب الصديق سؤول (3)
29 - مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس (4):
أخوك الذي إن تجن يوما عظيمة ... يبت ساهرا والمستذيقون رقّد (5)
تمت إلى الأقصى بثديك كله ... وأنت على الأدنى صروم مجدّد
30 - شريح بن عمران اليهودي (6):
__________
(1) الفقّاعة: واحدة الفقاقيع وهي نفّاخات تعلو الماء. والفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة.
(2) صارمه مصارمة: قاطعه. وحثا التراب: صبّه. والحثي: ما غرف باليد من التراب وغيره.
(3) الطويّة: السجيّة والطبيعة.
(4) مسافر: هو مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، من سادات بني أميّة وأجوادهم في الجاهلية. كان شاعرا مقلا. في أخباره اضطراب. وفد على النعمان بن المنذر فأكرمه وجعله في خاصة ندمائه. مات من حب صعبة بنت الحضرمي، وقيل: هند بنت عتبة نحو سنة 10ق. هـ. ورثاه أبو طالب بن عبد المطلب. راجع ترجمته في الأعلام 7: 213، والروض الأنف 1: 102 والمحبّر 137.
(5) عظيمة: أي جناية عظيمة. «وتجن»: مجزوم وهو فعل الشرط و «يبت»: مجزوم وهو جواب الشرط. و «إن» هي أداة الشرط الجازمة.
(6) لم نقف على ترجمة له إنما هناك شريح بن السموأل. راجع أخباره في الأغاني (بشرحنا) 22: 125طبعة دار الكتب العلمية.(1/359)
آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا
وأشرب بكأسهم وإن ... شربوا بها السمّ الثميلا (1)
31 - الخليل: رغبتك في الزاهد فيك ذل نفس، وزهدك في الراغب فيك قصر همة.
32 - قارب إخوانك في خلائقهم تسلم من بوائقهم (2).
33 - اعتذر رجل إلى صاحبه من تأخر اللقاء فقال: أنت في أوسع عذر عند ثقتي، وفي أضيق عذر عند شوقي.
34 - علي رضي الله عنه: ينبىء عن كل امرىء دخيله.
35 - عبد الله بن شداد بن الهادي (3) يوصي ابنه: لا توأخ أحدا حتى تعاشره، وتتفقد موارد أمره ومصادره، فإذا استطبت العشرة، ورضيت الخبرة، فآخه على إقالة (4) العثرة، والمواساة في العسرة، وكن كما قال أبو يزيد العدوي (5):
أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمنّ أمورهم وتفقد (6)
فإذا ظفرت بذي الديانة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد
فإذا يزلّ، ولا محالة، زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فازدد
__________
(1) السمّ الثمال والمثمّل والثميل: المنقع أي الذي أنقع أياما حتى اختمر وأصبح قاتلا.
(2) البائقة: الشرّ والظلم والغشمة. وفي الحديث: ليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه. أو: ليس المؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه. راجع «وهج الفصاحة في أدب النبي» لعلاء الدين الأعلمي ص 554. والبائقة أيضا: الداهية.
(3) عبد الله بن شداد بن الهادي: تابعي. قيل: ولد على عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وشهد مع الإمام علي يوم النهروان. قتل يوم دجيل سنة 81هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب والبيان والتبيين.
(4): يقال: أقال الله عثرته: أي صفح عنه.
(5) أبو يزيد العدوي: لم نقف له على ترجمة في مراجعنا.
(6) ابل الرجال: اختبرهم.(1/360)
36 - فلان يتحسى مرار الإخوان، ويسقيهم عذبه.
37 - قيل لحكيم: ما الصديق؟ قال: إنسان هو أنت إلّا أنه غيرك.
38 - المأمون: الإخوان على ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء الذي يحتاج إليه، وطبقة كالنفس لا تمكن الحياة إلّا به.
39 - المعتز بالله:
إن الصديق له حقوق جاوزت ... حدّ القرابة للنسيب الأقرب
40 - قس بن ساعدة (1): تقاربوا بالمودة، ولا تتكلوا على القرابة.
41 - هرمز (2): شرط الصديق أن لا يضن عليك بماله، فإن ضن عليك بماله فهو بنفسه أضن.
42 - لا يباع الصديق الألوف بالألوف (3).
43 - حكيم: أكرم الخيل أجزعها من السوط، وأكيس (4) الصبيان أشدهم بغضا للكتاب، وأكرم الصفايا (5) أشدها حنينا إلى أوطانها، وأكرم
__________
(1) قسّ بن ساعدة: هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، من بني إياد، أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية. كان أسقف نجران، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه «أمّا بعد». كان يفد على قيصر الروم زائرا فيكرمه ويعظمه. وهو معدود من المعمرين، طالت حياته وأدركه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل النبوّة ورآه في عكاظ وسئل عنه بعد ذلك فقال: يحشر أمة وحده توفي نحو 23ق. هـ. راجع ترجمته في الأعلام 5: 196والبيان والتبيين 1: 27والمرزباني 338.
(2) هرمز: اسم ملك من ملوك الفرس.
(3) الألوف: الكثير الألفة. وألفه: أنس به وأحبّه. والألوف: جمع ألف.
(4) الصبيّ الكيس: الظريف الفطن. والكياسة: تمكين النفس من استنباط ما هو أنفع
(5) الصفايا: جمع الصفيّة وهي الناقة الغزيرة اللبن.(1/361)
المهارى (1) أشدها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلفهم للناس.
44 - المتنبي (2):
خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصّبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا (3)
45 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطأون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون (4).
46 - بعض السلف: أبذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك (5) ومحضرك، ولعدوك عدلك وإنصافك.
47 - علي رضي الله عنه: الغريب من ليس له حبيب.
48 - قيل لحكيم: من أبعد الناس سفرا؟ قال: من سافر في إبتغاء الأخ الصالح.
49 - لا شيء أوحش من الوحدة، والوحدة آنس من شرار الإخوان.
50 - كان مع مالك بن دينار كلب، فقيل له: يا أبا يحيى ما هذا؟
قال: هذا خير من جليس السوء.
51 - قال فضيل (6) للثوري (7): دلني على جليس أجلس إليه.
__________
(1) المهارى: جمع المهرية والإبل المهرية المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من عرب اليمن، قالوا إنها كانت لا يعدل بها شيء في سرعة جريانها.
(2) من قصيدة للمتنبي قالها يمدح بها كافور الإخشيدي سنة 346هـ مطلعها:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
راجع ديوان المتنبي 2: 202طبعة دار الكتب العلمية.
(3) أي لو عدت شابا لفارقت الشيب باكيا لألفي إيّاه.
(4) راجع الأحاديث النبوية الشريفة التي تبدأ ب «ألا أخبركم» في «وهج الفصاحة» ص 338طبعة مؤسسة الأعلمي.
(5) الرفد: العطاء.
(6) فضيل: هو فضيل بن عياض المتوفى بمكة سنة 187هـ. تقدّمت ترجمته.
(7) الثوري: هو سفيان الثوري المتوفى في البصرة سنة 161هـ. تقدّمت ترجمته.(1/362)
قال: تلك ضالة لا توجد.
52 - عمرو بن ميمون (1): قدم علينا معاذ بن جبل فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى حثوت عليه التراب بالشام.
53 [شاعر]:
ألا قبّح الرحمن كلّ مماذق ... يكون أخا في الخفض لا في الشدائد (2)
54 - لقمان (3): يا بني: إيّاك وصاحب السوء، فإنه كالسيف يعجبك منظره، ويقبح أثره.
55 - علي رضي الله عنه في وصيته: أحمل نفسك في أخيك عند صرامه على الصلة، وعند صدوده على اللطف، وعند جحوده على البذل، وعند تباعده على الدنو، عند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى لكأنك له عبد ولا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها، إن بدا لك يوما ما، ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس بأخ من ضيعت حقه.
56 [شاعر]:
أخ طاهر الأخلاق عذب كأنه ... جنى النحل ممزوجا بماء غمام (4)
يزيد على الأيام فضل مودة ... وشدة إخلاص ورعي ذمام (5)
57 - الجارود العبدي (6) ملك البحرين وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع
__________
(1) عمرو بن ميمون: من ثقات التابعين. سكن الكوفة وكان ورعا. توفي سنة 74هـ وقيل: سنة 75هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 4: 148.
(2) المماذق: الذي لا يخلص الودّ. يقال: مذق الودّ: شابه بكدر ولم يخلصه.
(3) لقمان: هو لقمان الحكيم. تقدّمت ترجمته.
(4) الغمام: السحاب والقطعة منه غمامة.
(5) الذمام: الحقّ والحرمة.
(6) الجارود العبدي: هو بشر بن عمرو بن حنش بن المعلّى العبدي. كان ملكا على البحرين. أدرك الإسلام ووفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه جماعة من قومه من النصارى فأسلم فأكرمه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وثبت على إسلامه أيام الردّة. قتل شهيدا يوم سهرك سنة 20هـ. وقيل: بنهاوند سنة 21هـ. راجع تاريخ الإسلام للذهبي 2: 44.(1/363)
رهطه بني جذيمة (1) فأسلم وقال:
فإن لا تكن داري بيثرب فيكم ... فإني لكم عند الإقامة والنهض (2)
أصالح من صالحت من ذي عداوة ... وأمنح من أمسى على بغضكم بغضي
58 - مرس السعدي (3):
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلون ألوانا علي خطو بها
إذا عبت منه خصلة فهجرته ... دعتني إليه خصلة لا أعيبها
59 - معاوية بن عبد الله بن جعفر (4) في يزيد بن معاوية:
إذا مذق الأخوان بالغيب ودّهم ... فسيّد أخوان الصفاء يزيد
60 - لقمان (5): ثلاثة لا تعرفهم إلّا عند ثلاثة، الحليم عند الغضب، والشجاع عند الخوف، والأخ عند حاجتك إليه.
61 - قيل لبعض قضاة البصرة: إن فلانا يعضهك (6)، فقال لكني أجعل صداقته سترا لقلبي عن قبول سيئته، فبلغ المأمون فقال: هذا والله عين الضن بالصداقة.
62 [شاعر]:
__________
(1) جذيمة: قبيلة من عبد القيس كانت بناحية الخطّ من البحرين.
(2) يثرب: مدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. لمّا نزلها سمّاها طيبة وطابة وسميت مدينة الرسول لنزوله بها. راجع معجم البلدان 5: 430.
(3) مرس السعدي: لم نقف له على ترجمة.
(4) معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي. شاعر من شعراء المدينة. توفي نحو سنة 110هـ. راجع نسب قريش 83والمرزباني 394.
(5) لقمان: هو لقمان الحكيم. تقدّمت ترجمته.
(6) فلان يعضهك: يكذب ويقول عنك ما ليس فيك. وعضهه عضها: بهته.(1/364)
إحذر مودة ماذق ... شاب المرارة بالحلاوة
يحصي الذنوب عليك أي ... ام الصداقة للعدواة
63 - الزبرقان بن بدر (1)، وروي لعمرو بن الأهتم المنقري (2):
ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
فأصبح باقي الود بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهر فيه العجايب
64 - عبيد الله بن عبد الله بن طاهر (3):
ألم تر أن المرء تدوى يمينه ... فيقطعها عنه ليسلم سائره
فكيف تراه بعد يمناه صانعا ... بمن ليس منه حين تدوى سرائره
65 - علي رضي الله عنه: حسد الصديق من سقم المودة.
66 - كان رجل يقول: اللهمّ اكفني بوائق (4) الثقات، اللهمّ احفظني من الصديق.
67 - ذكر خالد بن صفوان (5) شبيب بن شبيبة (6) فقال: ذلك رجل
__________
(1) الزبرقان بن بدر: هو الزبرقان بن بدر التميمي السعدي، اسمه الحصين ولقب بالزبرقان (من أسماء القمر). صحابي ولّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صدقات قومه. شاعر، هجاه الحطيئة فشكاه إلى عمر بن الخطاب. توفي نحو سنة 45هـ بعد أن كفّ بصره. راجع ترجمته في ذيل المذيل 32وخزانة البغدادي 1: 531.
(2) عمرو بن الأهتم: هو عمرو بن سنان بن سمى التميمي المنقري، من أهل نجد. كان شاعرا خطيبا. وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم، وهو الذي قال عنه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد أن أعجبه كلامه، إن من البيان لسحرا. اشتهر بالشجاعة والفروسية وتوفي سنة 57هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 27والمرزباني 211والشعر والشعراء 240.
(3) عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، ويعرف بابن طاهر: الأمير، الشاعر، الأديب المتوفي سنة 300هـ تقدّمت ترجمته.
(4) بوائق: جمع بائقة وهي الشرّ والظلم والغشمة والداهية.
(5) خالد بن صفوان: هو خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري. من أهل البصرة. كان يعارض شبيب بن شبيبة لاجتماعهما على الصناعة. جالس عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك وأدرك خلافة السفّاح وحظي عنده. توفي نحو سنة 133هـ بعد أن كفّ بصره.
راجع ترجمته في نكت الهميان 148وأمالي المرتضى 4: 17.
(6) شبيب بن شبيبة: هو شبيب بن شبيبة بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري، من أهل البصرة. نادم الخلفاء وجالس الفقراء وتوفي نحو سنة 170هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 1: 441وثمار القلوب 22والبيان والتبيين 1: 27.(1/365)
ليس له صديق في السر، ولا عدو في العلانية.
68 - قيل لحكيم: أي الكنوز خير؟ فقال: أما بعد تقوى الله فالأخ الصالح: إن أكرم أخواني علي من كثرت أياديّ عنده.
69 - قيل لخالد بن صفوان: أيما أحب إليك أخوك أم صديقك؟
قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقا.
70 - إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك.
71 - قيل لروح بن زنباع (1): ما معنى الصديق؟ قال: لفظ لا معنى له.
72 - الصديق الفاضل من أحب صديق صديقه. كل مودة عقدها الطمع حلها اليأس.
73 - القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق عوضا من ذي الرحم المدبر.
74 - الفضل بن مروان (2): السؤال عن الأخوان لقاء.
__________
(1) روح بن زنباع، أمير فلسطين المتوفى سنة 84هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الفضل بن مروان: هو الفضل بن مروان بن ماسرجس، وزير، كان حسن المعرفة بخدمة الخلفاء، جيّد الإنشاء. أخذ البيعة للمعتصم ببغداد بعد وفاة المأمون سنة 218هـ. وكان المعتصم في بلاد الروم فاستوزره نحو ثلاث سنوات واعتقله ثم أطلقه فخدم بعده جماعة من الخلفاء.
ولد سنة 170هـ. وتوفي سنة 250هـ. راجع ترجمته في الأعلام 5: 151 والوفيات 1: 414والوزراء والكتاب والنجوم الزاهرة 2: 233.(1/366)
75 - قال علقمة بن لبيد العطاردي (1) لابنه إذا نازعتك نفسك صحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن عركت به مؤونة مانك إصحب من إن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة (2) سدها، وإن رأى منك حسنة عدها إصحب من يتناسى معروفه عندك، ويتذكر حقوقك عليه.
76 [شاعر]:
إذا كان ذواقا أخوك مصارما ... موجهة في كل أوب ركائبه
فخلّ له ظهر الصديق ولا تكن ... مطية رحال كثير مذاهبه
آخر:
وإني إذا ساء الصديق طويته ... كطيّ اليماني ثم قلّ له نشري
77 - قال رجل لمطيع بن أياس: قد جئتك خاطبا، قال: لمن؟
قال: لمودتك، قال: قد انكحتك إياها، وجعلت الصداق ألا تقبل في مقالة قائل.
78 - حكيم: ليكن اختيارك من الأشياء جديدها، ومن الأخوان أقدمهم.
79 [شاعر]:
صديق حضارة وصديق عين ... وليس لمن تغيب بالصديق
آخر:
رجل صديق ما بدت لك عينه ... فإذا تغيب فاحترس من دعلج (3)
__________
(1) علقمة العطاردي: هو علقمة بن عمرو بن الحصين بن لبيد التميمي الدارمي العطاردي، ذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة 156هـ. راجع تهذيب التهذيب.
(2) الثلمة: الخلل.
(3) الدعلج: من أسماء الذئب (اللسان: مادة دعلج).(1/367)
80 - أمرؤ القيس (1):
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... وقرّت به العينان بدّلت آخرا
كذلك جدّي لا أصاحب صاحبا ... من الناس إلّا خانني وتغير (2)
81 - أبو يزيد بن أبي ثمامة العبدي (3):
أتزعم أنني أهوى خليلا ... سواك على دنوّ أو بعاد
جحدت إذا موالاتي عليا ... وقلت بأنني مولى زياد
82 - طرفة (4):
أصرمت حبل الوصل أم صرموا ... يا صاح بل صرموا الحبال هم (5)
إن اللئام كذاك خلتهم ... كانوا إذا أحببتهم سئموا
83 - كعب بن زهير:
إذا ما خليل لم يصلك فلا تقم ... بتلعته واعمد لآخر واصل
84 - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (6) أستاذ الزهري (7) قال
__________
(1) من قصيدة قالها امرؤ القيس وهو متوجه إلى ملك الروم مستنجدا به على ردّ ملكه إليه والإنتقام من بني أسد، ومطلعها:
سما بك شوق بعد ما كان أقصرا ... وحلّت سليمى بطن قو فعرعرا
(2) معنى البيتين: أن الدهر لا يبقي على صاحب أرتضيه ولهذا فما أزال في استبدال الأصحاب واختيار أكثرهم موافقة لي. وليس هذا إلّا من معاكسة الدهر وكذلك جدّي (حظي) فلا أختار صاحبا وأجعله موضع ثقتي وراحة نفسي إلّا خانني وتغيّر عليّ.
(3) أبو يزيد بن أبي ثمامة العبدي: لم نقف له على ترجمة.
(4) طرفة: هو طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي المشهور. تقدّمت ترجمته.
(5) أصرمت: قطعت. وقوله: يا صاح: ترخيم صاحب.
(6) عبيد الله بن عبد الله بن مسعود: هو مفتي المدينة وأحد الفقهاء السبعة فيها. تابعي، فقيه، شاعر، مؤدب عمر بن عبد العزيز. في سنة وفاته اختلاف. قيل توفي سنة 98هـ وقيل سنة 102بعد أن فقد بصره. راجع ترجمته في الوفيات 1: 271وصفة الصفوة 2: 57ونكت الهميان 198.
(7) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري. تابعي فقيه، حافظ، من أهل المدينة، وهو أول من دون الحديث. ولد سنة 58هـ. وتوفي سنة 124هـ. راجع ترجمته في معجم الشعراء 413وغاية النهاية 2: 262وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 136.(1/368)
فيه وقد انقطع عنه:
إذا شئت أن تلقى صديقا مصافيا ... لقيت وأخوان الصفاء قليل
85 - لم ير الناس أعجب حالا من الكميت (1) والطرماح (2) كان الكميت عدنانيا عصبيا، وشيعيا من الغالية (3)، ومتعصبا لأهل الكوفة، والطرماح قحطانيا عصبيا، وخارجيا من الصفرية (4)، ومتعصبا لأهل الشام،
__________
(1) الكميت: هو الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، أبو المستهل، شاعر الهاشميين من أهل الكوفة، اشتهر في العصر الأموي وكان عالما بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها، ثقة في علمه وهو من أصحاب الملحمات. أشهر شعره الهاشميات.
قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم. كان فارسا شجاعا سخيا. ولد سنة 60هـ وتوفي سنة 126هـ.
راجع ترجمته في شرح شواهد المغني 13وجمهرة أشعار العرب 187والمرزباني 347.
(2) الطرماح: هو الطرماح بن حكيم بن الحكم، من طيء، شاعر إسلامي فحل ولد ونشأ في الشام، وانتقل إلى الكوفة فكان معلما فيها. اعتقد مذهب «الشراة» من الأزارقة، واتصل بخالد بن عبد الله القسري فكان يكرمه ويستجيد شعره. كان هجاء معاصرا للكميت صديقا له، لا يكادان يفترقان. توفي نحو سنة 125هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 27وتهذيب ابن عساكر 7: 52والشعر والشعراء 228.
(3) الغالية: هؤلاء هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبهوا واحدا من الأئمة بالإله، وربما شبهوا الإله بالخلق وهم على طرفي الغلو والتقصير، وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية ومذاهب التناسخية. وبدع الغلاة محصورة في أربع: التشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ ولهم ألقاب، وبكل بلد لقب، فيقال لهم بأصبهان: الخرّمية والكوذية، وبالريّ: المزدكية والسنباذية، وبأذربيجان: الدوقلية، وبموضع المحمّرة وبما وراء النهر: المبيضة. راجع الملل والنحل للشهرستاني (من تحقيقنا) 1: 204طبعة دار المعرفة.
(4) الصفرية: هم أصحاب زياد بن الأصفر. خالفوا الأزارقة والنجدات والإباضية في أمور منها: أنهم لم يكفروا القعدة عن القتال إذا كانوا موافقين في الدين والإعتقاد. ولم بسقطوا الرجم ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم في النار.
وقالوا: التقية جائزة في القول دون العمل. وقالوا غير ذلك. راجع التفاصيل في المرجع المذكور أعلاه 1: 159.(1/369)
وبينهما من المخالصة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط، ولم يكن بينهما صرم ولا جفوة وقيل لهما: علام تصادقتما؟ قالا على بغض العامة!!!.
86 - وللكميت:
إذا قبضت نفس الطرماح أخلقت ... عرى المجد واسترخي عنان القصائد
87 - ونحوه تزوج السيد الحميري (1) ببنت الفجاءة (2) واتفاقهما عمرهما.
88 - قال أسماء بن خارجة الفزاري (3): إذا قدمت المودة سمج الثناء فنظمه من قال:
إذا صفت المودة بين قوم ... ودام ولاؤهم سمج الثناء
89 - قيل لخالد بن صفوان: أي أخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يسد خللي، ويغفر زللي، ويقبل عللي.
__________
(1) السيد الحميري: هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ. شاعر إمامي متقدّم، كان يتعصّب لبني هاشم تعصبا شديدا وأكثر شعره في مدحهم. ولد في «نعمان» واد قريب من الفرات على أرض الشام قريب من الرحبة، ونشأ بالبصرة وعاش مترددا بينها وبين الكوفة. ومات ببغداد، وقيل بواسط، وكان يشار إليه في التصوّف والورع. توفي سنة 173هـ. راجع ترجمته في روضات الجنات 1: 28 والذريعة 1: 333وسفينة البحار 1: 336.
(2) بنت الفجاءة: لعلّها أخت قطري بن ألفجاءة رئيس الخوارج.
(3) أسماء بن خارجة: هو أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري، تابعي من رجال الطبقة الأولى من أهل الكوفة. توفي سنة 66هـ.
راجع ترجمته في تذهيب الكمال 420والسمط الثمين 173وتاريخ الإسلام 3:
133.(1/370)
90 - أبو الحسن بن فضال النحوي (1)، وقد أحسن ودل على فضله:
وأخوان حسبتهم دروعا ... فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صغت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي
91 - العتابي (2).
تودّ عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك إن الرأي عنك لعازب (3)
وليس أخي من ودّني رأي عينه ... ولكن أخي من صدّقته المغايب
92 - قال لأبي داود السجستاني المحدّث (4) صاحب له: استمد من محبتك؟ قال: لا، فانخزل الرجل حياء فقال له: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستيذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان.
93 - إياك وكثرة الأخوان فإنه لا يؤذيك إلّا من تعرف.
94 [شاعر]:
جزى الله عنا الخير من ليس بيننا ... ولا بينه ود ولا نتعارف
فما سامنا خسفا ولا شفنا أذى ... من الناس إلّا من نود ونألف
__________
(1) ابن فضال النحوي: هو علي بن فضال بن علي بن غالب المجاشعي القيرواني. كان إماما في النحو واللغة من أهل القيروان. توفي ببغداد سنة 479هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان 4: 249وإرشاد الأريب 5: 289.
(2) العتّابي: هو كلثوم بن عمرو بن أيوب العتّابي التغلبي، من أهل الشام. كان ينزل قنسرين وسكن بغداد ومدح هارون الرشيد ورمي بالزندقة توفي سنة 220هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 488والشعر والشعراء 350.
(3) عازب: بعيد.
(4) داود السجستاني: هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني.
محدّث مشهور ولد سنة 202هـ وتوفي بالبصرة سنة 275هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6: 244والوفيات 1: 214.(1/371)
95 - شبيب بن شيبة: أخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، وهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء.
96 - قرع باب أحد السلف صديق له بالليل، فنهض إليه وبيده كيس وسيف، وهو يسوق جارية له، ففتح الباب وقال: قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال، وعدو فهذا السيف، وأيمة (1) فهذه الجارية.
97 - أبو زبيد الطائي (2):
وأغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
آخر:
فما منك الصديق ولست منه ... إذا لم يعنه شيء عناك
98 - أنشد السيرافي (3):
كم لك في بغداد من صديق ... حتى إذا جاء كساد السوق
باعك بالصاع (4) من الدقيق
99 - قيل للعتابي: نراك زاهدا في استطراف الأخوان قال: إني لم أحمد تالدهم (5).
__________
(1) الجارية الأيمة: التي فقدت زوجها.
(2) أبو زبيد الطائي: هو المنذر بن حرملة الطائي. عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام ولم يسلم. استعمله عمر على صدقات قومه وكان نصرانيا. كان يفد على عثمان فيقرّ به ويدني مجلسه. عمّر طويلا ومات بالكوفة نحو سنة 60هـ. قيل: دفن بالبليخ (نهر بالرقة) إلى جانب قبر الوليد بن عقبة. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 4: 107 وتهذيب ابن عساكر 4: 108والشعر والشعراء 260.
(3) السيرافي: هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي. ولد في سيراف سنة 284هـ وتعلم فيها وتفقّه في عمان وسكن بغداد فتولى نيابة القضاء. كان معتزليا متعففا لا يأكل إلّا من كسب يده. والده مجوسي اسمه بهزاد توفي سنة 368هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 341وبغية الوعاة 221.
(4) الصاع: هو المكيال.
(5) الصديق التالد: القديم.(1/372)
100 - كاتب صديقك كما تكاتب حبيبك، فإن غزل الصداقة أرق من غزل الصبابة.
101 - الأصدقاء بمنزلة النار، قليلها متاع، وكثيرها بوار.
102 - كان علي بن الجهم (1) يمدح أبا تمام ويطنب (2) فقيل له:
لو كان أخاك ما زدته على هذا المدح، فقال: ألا يكن أخا في النسب فإنه أخ بالأدب والدين والمروءة، أما سمعتم ما خاطبني به:
إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد (3)
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد
أو يختلف نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
103 - مرّ بخالد بن صفوان صديقان، فعرج عليه أحدهما وطواه الآخر فقال: عرج علينا هذا لفضله، وطوانا ذاك لثقته.
104 [شاعر]:
إذا أنكرت أحوال الصديق ... فلست من التجنب في مضيق
طريق كنت تسلكه زمانا ... فأسبع فاجتنبه إلى طريق (4)
105 - يوسف بن صبيح الكاتب (5): يقال فلان ناصح الجيب إذا كان أمينا.
__________
(1) علي بن الجهم: من الشعراء الذين اختصّوا بالمتوكل العباسي. نفاه المتوكل إلى خراسان ثم انتقل إلى حلب توفي سنة 249. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 11: 367والوفيات 1: 349.
(2) أطنب في المدح: أكثر وزاد.
(3) التليد والتالد: القديم وعكسه الطارف. يقال: الطريف والطارف من المال: أي المستحدث وهو خلاف التالد والاسم الطرفة. والعرب تقول: ما له طارف ولا تالد ولا طريف ولا تليد.
(4) أسبع الطريق: كثرت فيه السباع.
(5) يوسف بن صبيح: هو يوسف بن صبيح الكاتب مولى بني عجل. كان يسكن سواد الكوفة وهو يعدّ من كتّاب الدواوين. كتب لبني أميّة ثم لعبد الله بن علي عم السفاح والمنصور ثم كتب في ديوان أبي جعفر المنصور. راجع ترجمته في الوزراء والكتاب للجهشياري 1480.(1/373)
106 [شاعر]:
وما كنت أدري أن مثلك ينثني ... على جيب خوان الصديق مريب
فراق أخ يعطي المودة حقها ... أضر وأبلى من فراق حبيب
107 - قال أعرابي لصاحب له: قطعت أوصالي إذا صرمت وصالي.
108 - قال رجل لآخر: إني لأودّك، قال: إنني لأجد رائد ذلك.
109 - رجل لمحمد بن واسع: إني أحبك في الله، قال اللهمّ إني أعوذ بك من أن أحب فيك وأنت لي مبغض.
110 - مسلم بن يسار (1): ما من عمل إلّا وأخاف أن يكون قد دخله ما أفسده إلّا الحب في الله، ومرضت مرضا فلم أجد شيئا أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم، ولا أحبهم إلّا لله.
111 - البراء بن عازب (2)، عنه عليه السّلام: أتدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ فعددنا شرائع الإسلام كلها، فلما رآنا لا نصيب قال: أوثق عرى الإيمان أن يحب الرجل في الله ويبغض في الله.
__________
(1) مسلم بن يسار: هو مسلم بن يسار البصري. من رواة الحديث. كان ثقة فاضلا عابدا ورعا زاهدا. أدرك جماعة من الصحابة. توفي سنة 108هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 140.
(2) البراء بن عازب: هو البراء بن عازب بن الحارث الخزرجي. كان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وغزا معه خمس عشرة غزوة. جعله عثمان أميرا على الريّ، وعاش إلى أيام مصعب بن الزبير فسكن الكوفة وتوفي سنة 71هـ. راجع ترجمته في نكت الهميان 124وطبقات ابن سعد 4: 80.(1/374)
112 - موسى بن هلال (1): قال ثابت البناني (2): ليزيدك لي حبا قرابتك من مذعور وهو مذعور.
113 - ابن الطفيل القيسي الزاهد (3): كان يقول أبو جعفر المنصور: ما تلذذت بشيء تلذذي بمصادقة عمرو بن عبيد (4)، ثم وليت هذا الأمر فهجرني، فو الله لساعة منه أحب إليّ مما أنا فيه كنت إذا أعسرت ملأ قلبي بأنس القناعة، وإذا اغتممت آنسني بنيل الثواب، ثم أنشأ يقول:
حب الصديق إذا كانت مودته ... في الله فرض على العلامة الفطن
ما إن يكون كعمرو صاحب أبدا ... في كل أمر أخي رشد ولم يكن
ملء الفؤاد من الآداب ذو فكر ... تنبيك آثاره عن فعله الحسن
إذا تتعتع قوم في حديثهم ... أجدى الحديث لهم من مقول لسن (5)
114 - يونس بن عبيد (6) من أصحاب الحسن: شيئان ليس في الأرض أقل منهما ولا يزدادان إلّا قلّة: درهم حلال يوضع في حق، وأخ يسكن إليه في الإسلام.
__________
(1) موسى بن هلال: هو موسى بن هلال العبدي. كان راويا صالح الحديث. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 4: 225.
(2) ثابت البناني: هو ثابت بن أسلم البناني، من عبّاد أهل البصرة يقرأ القرآن في كل يوم وليلة. يعدّ من حفاظ الحديث. توفي سنة 127هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 2: 318وميزان الاعتدال 1: 362.
(3) ابن الطفيل القيسي: لم نقف له على ترجمة.
(4) عمرو بن عبيد: هو عمرو بن عبيد بن باب التميمي بالولاء البصري. شيخ المعتزلة في عصره وفقيهها وأحد الزهاد المشهورين. توفي بمران قرب مكة سنة 144ورثاه المنصور العباسي. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 23وميزان الاعتدال (6) 2: 294والحور العين 110.
(5) المقول: اللسان.
(6) يونس بن عبيد: هو يونس بن عبيد بن دينار العبدي، من أهل البصرة من أصحاب الحسن البصري، ومن حفاظ الحديث الثقات. توفي سنة 139هـ. راجع ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 5: 318والبيان والتبيين 2: 220.(1/375)
115 - محمد بن واسع: إن القلب إذا أقبل إلى الله أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
116 - عبد الله بن المبارك (1): إذا سمعت الرجل ينال من أبي حنيفة لم أتمالك أن أجالسه أو أراه، مخافة أن تنزل آية من آيات الله فتعجل بي معه.
117 - عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا.
118 [شاعر]:
إذا صاحبا وصل بحبل تجاذبا ... فلن يلبثا بالجذب أن يقطعا الحبلا
119 - آخر:
لي صديق هو عندي عوز ... من سداد لا سداد من عوز
120 - آخر:
وأخي أنت ولا تنفعني ... لا أخا للمرء إلّا من نفع
121 - الأعمش (2): أدركت أقواما، لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين، فإذا لقيه لم يزده على كيف أنت؟ وكيف حالك؟ ولو سأله شطر (3) ماله أعطاه ثم أدركت آخرين، إذا لم يلق الرجل منهم أخاه
__________
(1) عبد الله بن المبارك: هو عبد الله بن المبارك الحنظلي التميمي المروزي. ولد سنة 118هـ وسكن خراسان. يعدّ من كبار الحفاظ. كان يجمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر والزهد والورع والغزو والفروسية والشجاعة. توفي بهيت سنة 181هـ منصرفا من غزو الروم. راجع ترجمته في مفتاح السعادة 2: 112وشذرات الذهب 1: 295.
(2) الأعمش: هو سليمان بن مهران. ولد يوم عاشوراء سنة 61هـ بالكوفة. كان عالما بالفرائض. قيل: لم ير السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدّة حاجته وفقره. توفي بالكوفة سنة 148هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 9: 30وحلية الأولياء 5: 46.
(3) شطر المال: نصفه.(1/376)
يوما، سأله حتى عن الدجاجة في البيت (1)، ولو سأله حبة من ماله لمنعه.
122 - مجاهد (2): لو لم يكن لك من الصاحب الصالح إلّا أن حياءه يمنعك من معصية الله كفاك.
وعنه: كان يقال: لا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له.
123 - أحب فقير غنيا في الله، ثم سأله حاجة ثلاث مرّات فرده، والفقير لا يتغير عن محبته فقال له في ذلك، فقال يا أخي إنما أحببتك في الله، فلم يفسد ما بيني وبينك شيء من الدنيا فقاسمه الرجل شطر ماله.
124 - ابن المبارك (3): من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث: ظلم الغضب، وظلم الهفوة وظلم الدالة.
وعنه: من كانت لأخيه المسلم في قلبه مودة فلم يعلمه فقد خانه.
125 - من رضي بصحبة من لا خير فيه، لم يرض بصحبته من فيه خير.
126 - أخوة أولي الألباب أدوم من أخوة أولي الإكتساب.
127 - كان أشعب الطماع (4) إذا حدث عن عبد الله بن عمر قال:
__________
(1) قوله: سأله حتى عن الدجاجة في البيت: كناية عن إظهار الإهتمام بأموره الخاصة جدا.
(2) مجاهد: هو مجاهد بن جبر شيخ القراء والمفسّرين المتوفّى بمكة سنة 103هـ.
تقدّمت ترجمته.
(3) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك الذي تقدّمت ترجمته قبل قليل.
(4) أشعب: هو أشعب بن جبير. يضرب به المثل في الطمع. نشأ في المدينة وتولت تربيته عائشة بنت عثمان. كان ظريفا يجيد الغناء ويقرأ القرآن. وقيل: إن أمّه كانت مولاة لعائشة وقيل: كانت مولاة لأبي سفيان بن حرب وأن ميمونة أمّ المؤمنين أخذتها معها لمّا تزوجها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فكانت تدخل إلى أزواج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيستظرفنها، ثم إنها فارقت ذلك وصارت تنقل أحاديث بعضهن إلى بعض وتغري بينهن فدعا عليها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فماتت. وامرأة أشعب بنت وردان، ووردان هو الذي بنى قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين بنى عمر بن عبد العزيز المسجد. أدرك أشعب زمن عثمان. وقيل: كان في داره حين حصر يلتقط السهام. توفي سنة 154هـ. راجع ترجمته وأخباره في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني» ص 307.(1/377)
حدثني عبد الله، وكان يبغضني في الله.
128 - وذكر رجل لجعفر البرمكي مودته إياه فقال: لبث قلوبنا حتى ترى أعيننا.
129 - قال رجل للعرجي (1): جئتك أخطب إليك مودتك. فقال:
لا حاجة بك إلى الخطبة، قد جاءتك زنى فهو ألذ لها وأحلى.
130 - قال الحجاج لابن القريّة (2) ما الكرم؟ قال: صدق الإخاء في الشدة والرخاء.
131 - أوصى عبد الملك بن مروان أولاده بالتآلف والتعاضد، وتمثل بقول عبد الأعلى القرشي (3):
__________
(1) العرجي: هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفّان، وهو صاحب البيت المشهور:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
كان شاعرا غزلا من أهل مكة. لقّب بالعرجي لأنه كان يسكن قرية «العرج» بالطائف، وكان مشغوفا باللهو. صحب مسلمة بن عبد الملك في وقائعه بأرض الروم. سجنه والي مكة محمد بن هشام ومات في سجنه نحو سنة 120هـ. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 47ونسب قريش 1: 416.
(2) ابن القرية: هو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي. كان أعرابيا أميا يتردد إلى عين التمر. أوفد الحجاج إلى عبد الملك بن مروان ثم إلى ابن الأشعث حيث التحق به وشهد معه وقعة دير الجماجم بظاهر الكوفة فلما انهزم ابن الأشعث سيق إلى الحجاج أسيرا فأمر به فضربت عنقه سنة 84هـ. راجع ترجمته في تاريخ الإسلام 3: 234وابن عساكر 3: 216.
(3) عبد الأعلى القرشي: لم نقف له على ترجمة.(1/378)
إن القداح إذا جمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد (1)
عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالكسر والتوهين للمتبدد (2)
132 - علي رضي الله عنه: يهلك فيّ رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط. وروي: محب غال، ومبغض قال (3).
وعنه رضي الله عنه حين توفي سهل بن حنيف الأنصاري (4) مرجعه من صفين، وكان من أحب الناس إليه: لو أحبني جبل لتهافت.
وعنه عليه السّلام القلوب وحشية فمن تألفها أقبلت عليه.
133 - تقول العرب: لولا هلك الأنام. يعني أنهم يتآنسون ويتعايشون، ولولا ذلك لأهلكتهم الوحشة. يقال واءمه، وافقه.
134 - وعن بعضهم: كان عندنا فروج وحمام، فكان يأنس بالحمام، فجئنا بدراج (5) فترك الحمام إليه، ثم جئنا بفروج فلزم الفروج، ثم جئنا بدجاجة فصار إليها فذكرت قول عبد بني فزارة (6): إن الوئام شرع في جميع الطمش (7)، لا تقرب العنز الضأن ما وجدت المعز.
__________
(1) القداح: جمع قدح وهو السهم قبل أن ينصل ويراش. والأيّد: القوي.
(2) هذان البيتان شبيه قول الشاعر:
كونوا جميعا يا بنيّ إذا اعترى ... خطب ولا تتفرّقوا أفرادا
تأبى العصيّ إذا اجتمعن تكسّرا ... وإذا افترقن تكسّرت آحادا
(3) قال: مبغص. قلا الرجل قلاء: أبغضه.
(4) سهل بن حنيف الأنصاري: هو سهل بن حنيف بن وهب الأوسي الأنصاري. صحابي آخى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين علي بن أبي طالب. استخلفه الإمام علي على البصرة بعد وقعة الجمل ثم شهد صفين معه. توفي بالكوفة سنة 38هـ. راجع ترجمته في الإصابة.
(5) الدراج: طائر شبيه بالحجل وأكبر منه أرقط بسواد وبياض قصير المنقار يطلق على الذكر والأنثى واحدته دراجة والتاء للوحدة لا للتأنيث.
(6) عبد بني فزارة: لم نقف له على ترجمة.
(7) الطمش: الناس.(1/379)
135 - قال رجل لشهر بن حوشب (1): إني أحبك فقال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤونتي على غيرك؟.
136 - كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أما بعد فإنك سالم والسلام، فلم يدر، فنبه على أنه أراد قول عبد الله بن عمر في إبنه سالم:
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم
137 - وعن أبي العباس محمد بن يزيد (2): قلت للعتبي (3): كنت أحب أن أعرف موقعي من قلبك قال: موقع سالم، يعني سالم بن عبد الله، وقد كان يكلف به حتى يقبله وهو شيخ، ويقول: شيخ يقبل شيخا، وسالم مولى هشام، وكتب الصاحب (4) في الوصالة ببعض الفقهاء:
والأخ الفقيه وسميي وصفيي، وهو عندي كسالم وسالم (5)، بل كالسلامة، فهي أخص موقعا، وأشرف موضعا، والسلام.
138 - وللمصنف (6):
__________
(1) شهر بن حوشب الأشعري: شامي الأصل، من رجال الحديث. كان قارئا فقيها.
يضرب المثل بخريطته وهي كيس يوضع فيه المال قيل إنه رافق رجلا من أهل الشام فسرقها منه فقال فيه الشاعر:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القرّاء بعد يا شهر
توفي سنة 112هـ. راجع ترجمته في عيون الأخبار 2: 138وثمار القلوب 133.
(2) محمد بن يزيد: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي المعروف بالمبّرد.
إمام العربية في زمانه وأحد أئمة الأدب والأخبار. ولد بالبصرة سنة 210هـ. وتوفي ببغداد سنة 286هـ. راجع ترجمته في طبقات النحويين 108ولسان الميزان 5:
430.
(3) العتبي: هو محمد بن عبيد الله بن عمرو العتبي. كان أديبا من أهل البصرة حسن الشعر توفي سنة 228. راجع ترجمته في الوفيات 1: 522وشذرات الذهب 2: 65.
(4) الصاحب: هو الصاحب إسماعيل بن عباد المتوفي سنة 385هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) قوله: كسالم وسالم: أراد سالم بن عبد الله بن عمر وسالم مولى هشام.
(6) المصنّف: هو الزمخشري محمود بن عمر مؤلف هذا الكتاب.(1/380)
مكانك من عيني وقلبي سالم ... وما أنت إلّا سالم لي وسالم
139 - الصاحب:
ونحرت الود بالهجر كما تذكى الجزور (1)
إن أم الصدق في الحب لمقلاة نزور
140 - آخر:
أخو ثقة يسرّ بحسن حالي ... وإن لم تدنه منيّ قرابه
أحبّ إليّ من ألفي قريب ... بنات صدورهم لي مسترابه (2)
141 - آخر:
بنفسي من هواه أخي وتربي ... وحبّيه رضيع بنات قلبي (3)
142 - آخر:
تغربت أسأل من عنّ لي ... من الناس هل من صديق صدوق (4)
فقالوا عزيزان لا يوجدان ... صديق صدوق وبيض الأنوق (5)
143 - كتب رجل إلى صديق له: كتبت تشكو جفائي إياك بتأخري عن لقائك، وذلك إيثارا مني لاستدامة مودتك على سروري بالأنس بك، مخافة استدعاء الملالة، بكثرة الزيارة فتركت ما أحب فيك إلى ما أكره منك، والسلام.
144 - تقول للخصيص: أنت أول العقد وواسطة العقد (6).
__________
(1) ذكى الجزور: ذبحها. والجزور كل ما يذبح من النوق أو الغنم.
(2) بنات صدورهم: كناية عن نواياهم.
(3) الترب: هو الرفيق المشابه في السنّ.
(4) عن له الشيء: خطر بباله وظهر أمامه.
(5) الأنوق: الرخمة، وهي طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع.
وقيل: المستحيلات ثلاث هي: الغول، والعنقاء، والخلّ الوفيّ.
(6) العقد: ما عقد من البناء. والعقد: خيط ينظم به الخرز ونحوه يحيط بالعنق.(1/381)
145 - أبو بكر الخوارزمي: لا خير في حب لا تحتمل أقذاؤه، ولا يشرب على الكدر ماؤه، وإنما العشرة مجاملة والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف، ولا تحتمل الحساب والصرف.
146 - العلاء بن سعد الحداد الكوفي (1):
ومن الناس من يريك ودادا ... صافيا شربه بلا تكدير
فإذا ما رأيته قلت هذا ... لي ذخر ورأس مال كبير
فإذا ما طلبت منه فتيلا ... لحق الود باللطيف الخبير
147 - أبو الأسد نباتة التميمي (2):
أغدو على مال بسطام فأنهبه ... كما أشاء فلا تثنى إلي يدي
حتى كأني بسطام إذا اجترحت ... يداي فيه وبسطام أبو الأسد
148 - أنا استمسك من وده بالعروة الوثقى، وأرجع من ولائه إلى كنف لا أضل فيه ولا أشقى.
149 - صديقك من ساعدك في أطوارك وقدم سعيه في أوطارك (3).
150 - ذمام (4) ودادك عندي لا يخفر (5)، وإن أتيت بما لا يغفر.
151 - هو شعلة من زنده (6)، وشعبة من رنده (7).
152 - كان يقال: من لم يؤاخ إلّا من لا عيب فيه قل صديقه
__________
(1) العلاء بن سعد الحداد الكوفي: لم نقف له على ترجمة.
(2) أبو الأسد نباته التميمي: لم نقف له على ترجمة.
(3) الأوطار: جمع وطر وهو الحاجة والبغية.
(4) الذمام: الحقّ والحرمة.
(5) لا يخفر: لا يغدر.
(6) الزند: العود الأعلى الذي تقتدح به النار والزندة العود الأسفل الذي فيه الفرضة فإذا اجتمعا قيل الزندان.
(7) الرند: نبات من شجر البادية طيّب الرائحة يشبه الآس.(1/382)
ومن لم يرض من صديقه إلّا بإيثاره (1) إياه على نفسه دام سخطه ومن عاتب صديقه على كل ذنب كثر عدوه.
153 - شريك بن عبد الله (2): إنما الرجل بأخوانه، فإذا ذهب أخوان الرجل ذهب الرجل.
154 - كان يقال: العيش الذي لا يمل مناجاة الصديق.
155 - أعرابي: أعجز الناس من قصر في طلب الأخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.
156 - كان يقال: الحبيب من تحبّب لا من تنسّب.
157 - عمر رضي الله عنه: احذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله.
158 [شاعر]:
إذا رأيت ازورارا من أخي ثقة ... ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني (3)
فإن صددت ازورارا كي أكافئه ... فالعين غضبى وقلبي غير غضبان
159 - عمران بن عصام العنزي (4):
عذيري من أخ إن أدن شبرا ... يزدني من تباعده ذراعا (5)
__________
(1) الأثرة: اختصاص المرء نفسه بأحسن الشيء دون غيره. حبّ النفس المفرط.
(2) شريك بن عبد الله: هو شريك بن عبد الله بن الحارث النخعي الكوفي القاضي. كان عالما بالحديث والفقه. تولّى قضاء الكوفة سنة 153وواسط سنة 155. ولد ببخارى سنة 95هـ وتوفي بالكوفة سنة 177هـ. راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 214 والبداية والنهاية 10: 171.
(3) أزورارا: ميلا. ومال عن صديقه: حاد عنه وتركه.
(4) عمران بن عصام: هو عمران بن عصام العنزي. وعنزة قبيلة من بني أسد. كان شاعرا، خطيبا، شجاعا. له أخبار مع الحجاج بن يوسف. والحجاج هو الذي قتله بسبب خروجه مع ابن الأشعث عليه. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 48.
(5) العذير: النصير والعاذر.
أبت نفسي له إلّا وصالا ... وتأبى نفسه إلّا انقطاعا
160 - المهلب (1): ما السيف الصارم بكف الشجاع بأعز له من الصديق.(1/383)
__________
(5) العذير: النصير والعاذر.
أبت نفسي له إلّا وصالا ... وتأبى نفسه إلّا انقطاعا
160 - المهلب (1): ما السيف الصارم بكف الشجاع بأعز له من الصديق.
161 - الهند: من كتم السلطان نصحه، والأطباء علته، والأخوان بثه (2)، فقد خان نفسه.
162 - ليس من الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك.
163 - الشعبي (3): كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطأهم عداوة، مثل الكوز (4) من الفضة يبطىء انكساره، ويسرع انجباره ولئام الناس أبطأهم مودة وأسرعهم عداوة، مثل كوز الفخار، يسرع إنكساره، ويبطىء إنجباره.
164 - كان يقال: صحبة بليد نشأ مع الحكماء أحب إليّ من صحبة لبيب نشأ مع الجهلاء.
165 - الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول لأخ له: يا أخي إن الصديق يحول بالجفاء عدوا، والعدو يحول بالصلة صديقا، وإني أراك رطب اللسان (5) بعيوب أصدقائك، فلا تزدهم في أعدائك.
166 - قيل لرجل: ما لذة الدنيا؟ قال: تواصل بعد اهتجار (6)، وتصاف بعد اكتدار (7).
(1) المهلّب: هو المهلّب بن أبي صفرة الأمير القائد المتوفى سنة 83هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) بثّه: حزنه الشديد.
(3) الشعبي: هو عامر بن شراحيل الشعبي. تابعي توفي سنة 103هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الكوز: الابريق الصغير يكون عادة من الفخّار.
(5) رطب اللسان: يتحدث على سجيّته.
(6) الاهتجار: من الهجر، خلاف التواصل، والتواصل: التحابب ودوام الصحبة.
(7) الاكتدار: من الكدر، خلاف التصافي. والتصافي: الإخلاص في الود والصداقة.(1/384)
167 - عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أستاذ ابن شهاب الزهري (1)
يقول له بعد أن انقطع عنه:
إذا شئت أن تلقى صديقا مصافيا ... لقيت وأخوان الصفاء قليل
وله:
وإني امرؤ من يؤتني الود يلفني ... وإن نزحت دار به دائم الوصل (2)
لعمرك إني ما ينال مودتي ... من الناس إلّا مسلم كامل العقل
168 - أبو حمران السلمي (3):
كفى حزنا إن الصديق إذا اقتنى ... غنى صدّ حتى لا يقال صديق
فليت صديقا يفسد المال ودّه ... إلى يوم يلقاه الحمام مضيق (4)
169 - قال المنصور (5) لإسحاق بن مسلم العقيلي (6): أنا أحب إليك أم مروان؟ قال: ذاك إليك، إن أحسنت إلي فوق إحسانه كنت أحب إلي منه.
170 - أوصى أعرابي بنيه: عاشروا الناس معاشرة، إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم خنوا عليكم. من الخنين، وهو صوت يسمع من أنف الباكي، ومنه حديث خالد فخنوا يبكون.
171 - قال الله لموسى عليه السّلام: يا موسى اعلم أن كل صديق لا يواتيك على مسرتك فهو عدو لك.
__________
(1) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، المتوفى سنة 124هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) يؤتني الود يلفني: يصفني الود يلقني. ويلفني: مضارع مجوم.
(3) أبو حمران السلمي: لم نقف له على ترجمة.
(4) الحمام: الموت.
(5) المنصور: هو أبو جعفر الخليفة العباسي.
(6) إسحاق بن مسلم العقيلي: من قواد مروان بن محمد وهو الذي استشاره المنصور في قتل أبي مسلم الخراساني فأشار به عليه. راجع البيان والتبيين 3: 367.(1/385)
172 - كان إبراهيم عليه السّلام إذا ذكر زلته غشي عليه، وسمع اضطرابه من ميل فقال له جبريل: يا خليل الله، الخليل يقريك السلام ويقول:
هل رأيت خليلا يخاف خليله؟ فقال: يا جبريل، كلما ذكرت الزلة نسيت الخلة (1).
173 - أوس بن حارثة (2): أحق من شركك في النعيم شركاؤك في المكاره.
ومنه قول أبي تمام:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يلقاهم في المنزل الخشن
174 - قيس بن الخطيم (3):
سأصفيك ودي في الحياة فإن أمت ... يودك عظم في التراب دفين
175 - أنس: كان عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، قال: أعلمته؟ قال: لا، قال:
أعلمه فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له.
176 - أبو ذر: قال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع
__________
(1) الخلّة: الصداقة والمحبة.
(2) أوس بن حارثة: من رؤساء طيء في الجاهلية، كان معاصرا لحاتم الطائي هجاه بشر بن أبي خازم فنذر ليحرقنه إن قدر عليه فقدر عليه فخلّى عنه وأكرمه فجعل بشر مكان كل قصيدة هجاء قصيدة مدح. تنسب إليه كلمات سائرة.
ترجمته في الشعر والشعراء 97والحيوان 5: 293.
(3) قيس بن الخطيم: هو قيس بن الخطيم بن عديّ الأوسي، أبو يزيد. كان شاعر الأوس وأحد فرسانها في الجاهلية. أول ما اشتهر به تتّبعه قاتلي أبيه وجدّه حتى قتلهما وقال في ذلك شعرا، وكذلك له شعر كثير في وقعة «بعاث» التي كانت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة. أدرك الإسلام وتريّث في قبوله فقتل قبل أن يدخل فيه. شعره جيّد وفي الأدباء من يفضّله على شعر حسان. توفي نحو سنة 2ق. هـ. راجع ترجمته في جمهرة أشعار العرب 123والمرزباني 320.(1/386)
أن يعمل كعملهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت فأعادها أبو ذر، فأعادها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
177 - أنس: رأيت أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه، قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به، ولا يعمل بمثله، فقال عليه السّلام: المرء مع من أحب.
178 - أبو الدرداء (1)، عنه عليه الصّلاة والسّلام: حبك الشيء يعمي ويصم.
179 - أنس، يرفعه: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وروي: فإن مرّت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وروي فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار.
180 - أبو خراش السلمي (2): سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه.
181 - أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: تفتح أبواب السماء كل يوم إثنين وخميس، فيغفر في ذلك اليوم لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلّا من بينه وبين أخيه شحناء (3)، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا.
182 - عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه هجر بعض نسائه أربعين يوما، وابن
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك المتوفى سنة 32هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو خراش السلمي: هو حدرد بن أبي حدرد بن عمير. ساق ابن الأثير نسبه إلى أسلم. روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثا في الهجرة. راجع الإصابة 1: 331والتهذيب 2: 217.
(3) الشحناء: البغضاء.(1/387)
عمر (1) هجر إبنا له إلى أن مات.
183 - قيل للمغيرة بن شعبة (2): إن بوابك يأذن لأصحابه قبل أصحابك، فقال: إن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور (3) والجمل الصؤول (4) فكيف بالرجل العقول (5)؟.
184 - عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار:
أنّى يكون أخا أو ذا محافظة ... من كنت من غيبه مستشعرا وجلا
إذا تغيب لم تبرح تظن به ... سوءا وتسأل عما قال أو فعلا
185 - بعض القرشيين:
إذا ما كنت متخذا خليلا ... فلا تجعل خليلك من تميم
بلوت صميمهم والعبد منهم ... فما أدنى العبيد من الصميم (6)
186 - عبد الله بن العباس الطالبي (7):
علي لأخواني رقيب من الصفا ... تبيد الليالي وهو ليس يبيد
يذكر فيهم في مغيب ومشهد ... فسيان عندي غيّب وشهود
187 - دع مصارمة أخيك وإن حثا التراب في فيك.
188 - يحي بن علي المنجم (8):
__________
(1) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب المتوفى سنة 73. تقدّمت ترجمته.
(2) المغيرة بن شعبة: هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، صحابي، قائد، من دهاة العرب المشهورين. ولد في الطائف وتوفي بالكوفة سنة 50هـ. وهو أول من وضع ديوان البصرة وأول من سلّم عليه بالأمرة في الإسلام.
راجع ترجمته في المحبر 124وذيل المذيل 15والمرزباني 328.
(3) عقر الكلب الولد: عضّه. والكلب العقور: الشديد العقر.
(4) الصؤول: الشديد العضّ.
(5) العقول: النبيه العاقل، صيغة مبالغة من عقل.
(6) بلوت صميمهم: اختبرت خالصهم.
(7) عبد الله بن العباس الطالبي: لم نقف له على ترجمة.
(8) المنجم: هو يحيى بن علي بن يحيى بن أبي منصور، أبو أحمد، كان شاعرا مطبوعا، راجزا أديبا، نديما، متكلما من فضلاء المعتزلة ومن رواة الحديث. له مع المعتضد حوادث ونوادر. ولد ببغداد سنة 241هـ. وتوفي بها سنة 300هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 230ومرآة الجنان 2: 237والفهرست 143.(1/388)
وإذا لم يكن إخاؤك في الله فعقد الإخاء ليس بباق 189لآخر:
لو قيل لي خذ أمانا ... من أعظم الحدثان
لما أخذت أمانا ... إلّا من الأخوان
190 - آخر:
وإذا جفوت قطعت منك منافعي ... والدر يقطعه جناء الحالب
191 - عبيد الله بن عبد الله بن طاهر الملقب بنينويه (1):
عذيري من الإنسان لا أن جفوته ... وفى لي ولا إن كنت طوع يديه
إذا أنا لم أرغب إليه استمالني ... ويرغب عني إن رغبت إليه
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
192 - قال المأمون: من يأخذ عني الخلافة ويعطيني هذا الصاحب.
193 - غسلان العنبري (2):
ولا تهن للصديق تكرمه ... نفسك حتى تعد من خوله (3)
يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله
194 - آخر:
__________
(1) عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي المتوفى سنة 300هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) غسلان العنبري: لم نقف له على ترجمة ولعلّه غيلان العنبري.
(3) الخول: العبيد والإماء وغيرهم من الحاشية. وهو يستعمل بلفظ واحد للجميع.(1/389)
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكنّ أخوان الصفاء الذخائر
195 - في ديوان المنثور: محك المودة والإخاء حال الشدة دون الرخاء. أنتم الأوداء الأعزاء ما لم يصبكم داء وعزّاء (1)، كونوا حنفاء لله، حلفاء في الله.
196 - في ديوان المنظوم:
كيف أرجو من الصديق وفاء ... فسد الأصدقاء إلّا الأقلّ
لم يصح الأقل أيضا فقل لي ... هل لحر على البسيطة خلّ (2)
وفيه:
قل لباغي الصديق رمت عزيزا ... ما أقل الصديق فوق المقلّة (3)
لو علمت الزمان والناس علما ... مثل علمي لما رضيت بخلة (4)
وكذا السائمات لو علمته ... لأبت أن تذوق طعما لخلة (5)
197 - محمد بن عبد الله النميري:
غشى المنازل بالسليل فهاجه ... ربع تبدّل غيره أحبابه (6)
ولقد تراه للقبول وأهلها ... جارا تمس بيوتهم أطنابه (7)
198 - مسكين الدارمي (8):
__________
(1) العزّاء: السنة الشديدة.
(2) الخل: الصديق الوفي، قيل: هو من المستحيلات الثلاث (منها الغول والعنقاء).
(3) المقلّة: الأرض.
(4) الخلة: الصداقة.
(5) السائمات: الماشية والإبل الراعية. والخلّة: ما فيه حلاوة من النبات والجمع خلل.
(6) السليل والسلّان: الأودية: والسليل أيضا: العرصة التي بعقيق المدينة. راجع معجم البلدان 3: 243.
(7) الأطناب: جمع طنب وهو الحبل الذي يشدّ به السرادق.
(8) مسكين الدارمي: هو ربيعة بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي. من أهل العراق، كان شاعرا معاصرا للفرزدق. له أخبار مع معاوية. توفي سنة 89هـ. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 4: 204وتهذيب ابن عساكر 5: 300.(1/390)
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي ينزل القدر
ماضرّ جار لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي الخدر (1)
199 - معاوية بن عمرو العقيلي (2):
بنيّ بني معاوية بن عمرو ... وكان أبوكم برا وفيّا
فأوصيكم بضيف أو بجار ... يجاوركم فقيرا أو غنيّا
200 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره.
وعنه عليه الصلاة والسّلام: جار السوء في دار المقامة قاصمة الظهر.
وعنه: من جهد البلاء جار سوء معك في دار مقامة، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها وأفشاها.
201 - داود عليه السّلام: اللهمّ إني أعوذ بك من مال يكون عليّ فتنة، ومن ولد يكون عليّ ربا، ومن حليلة (3) تقرب المشيب من قبل المشيب، وأعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه، إن رأى خيرا دفنه، وإن سمع شرا طاربه.
202 - ابن مسعود، يرفعه: والذي نفسي بيده لا يسلم العبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ويأمن جاره بوائقه. قالوا: وما بوائقه؟ قال: غشمه وظلمه.
__________
(1) شبيه قول الشاعر:
وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
(2) معاوية بن عمرو العقيلي: من ولد المنتفق بن عامر بن عقيل، كان أبوه مع معاوية بن أبي سفيان. راجع معجم الشعراء للمرزباني.
(3) الحليلة: العرس وهي زوجة الرجل.(1/391)
203 - النخعي (1): كانوا يكرهون مجاورة الأغنياء.
204 - لقمان: يا بني حملت الحجارة والحديد، فلم أر أثقل من جار السوء.
205 [شاعر]:
ألا من يشتري دارا برخص ... كراهة بعض جيرتها تباع
506 - الأصمعي: جاور أهل الشام الروم، فأخذوا عنهم خصلتين: اللؤم وقلّة الغيرة، وجاور أهل البصرة الخزر (2) فأخذوا عنهم خصلتين الزنى وقلّة الوفاء.
وجاور أهل الكوفة أهل السواد (3) فأخذوا عنهم خصلتين السخاء والغيرة.
207 - كان يقال: من تطاول على جاره حرم بركة داره.
208 - كان عبد الله بن أبي بكرة (4) ينفق على من حول داره، وعلى أهل أربعين دارا من كل جهة من جهاتها الأربع، وكان يبعث إليهم بالأضاحي والكسوة، ويقوم لمن تزوج منهم بما يصلحه، ويعتق في كل عيد مائة رقبة، سوى ما يعتق في سائر السنة.
209 - باع أبو الجهم العدوي (5) داره بمائة ألف درهم، ثم قال:
__________
(1) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران. تابعي من أهل الكوفة. كان فقيها وإماما مجتهدا له مذهب. مات متخفيا من الحجاج سنة 96هـ.
راجع ترجمته في حلية الأولياء 4: 219وطبقات القرّاء 1: 29.
(2) الخزر: ضيق العين، والخزر: طائفة من الناس خزر العيون، ومنه بحر الخزر وهو بحر قزوين.
(3) السواد: رستاق العراق وضياعها التي فتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب.
وحدّ السواد من حديثة الموصل إلى عبادان طولا، ومن العذيب إلى حلوان عرضا.
(4) عبد الله بن أبي بكرة: هو أحد أولاد أبي بكرة الأربعين وهو من أغنياء أهل البصرة.
راجع المعارف 125والحيوان 4: 479.
(5) أبو الجهم العدوي: هو أبو الجهم بن حذيفة بن عانم بن عامر بن عبد الله بن عوف.
يقال إن اسمه عامر أو عبيد. من معمري قريش. حضر بناء الكعبة مرتين، وهو أحد الأربعة الذين تولوا دفن عثمان. قيل إنه توفي سنة 60هـ. وقيل غير ذلك. راجع الإصابة والبيان والتبيين وطبقات ابن سعد 5: 333.(1/392)
فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص (1)؟ قالوا: هل يشترى جوار قط؟
قال: ردوا عليّ داري وخذوا مالكم، ما أدع جوار رجل إن قعدت سأل عنيّ، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني جائحة فرج عني.
فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه مائة ألف درهم.
210 - الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى. وجاءته امرأة محتاجة وقالت: أنا جارتك، قال: كم بيني وبينك؟ قالت: سبعة أدؤر (2) فنظر الحسن فإذا تحت فراشه سبعة دراهم فأعطاها وقال: كدنا نهلك.
211 - كان كعب بن مامة (3) إذا جاوره رجل قام له بما يصلحه وأهله، وحماه ممن يقصده، وإن هلك له شيء أخلفه عليه، وإن مات وداه. فجاوره أبو دواد الإيادي (4) فزاده على عادته. فكانت العرب إذا
__________
(1) سعيد بن العاص: هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية. كان صحابيا من الأمراء الفاتحين وهو أحد الذين تولوا كتابة المصحف لعثمان. ولّاه عثمان الكوفة وولاه معاوية المدينة. وفي المؤرخين من يخلط أخباره بأخبار جده سعيد بن العاص لاشتراك الاسمين. توفي سنة 53هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 6:
131 - وتاريخ الإسلام للذهبي 2: 266.
(2) أدؤر: جمع دار، مؤنثة وقد تذكر وهي المحل والمسكن وتجمع أيضا على دور وديار وأدور وأدوره وديارة وأدوار ودورات وديارات ودوران وديران.
(3) كعب بن مامة: هو كعب بن مامة بن عمرو بن ثعلبة الأيادي: يضرب به المثلفي الكرم والإيثار. يقال: أجود من كعب بن مامة. وهو صاحب القصة المشهورة في الإيثار:
«إسق أخاك النمري» قال أبو عبيدة: أجواد العرب ثلاثة: كعب بن مامة، وحاتم طيء، وهرم بن سنان، لم يعرف له تاريخ وفاة. راجع أمثال الميداني 1: 109 والأزمنة والأمكنة 2: 221وجمهرة الأنساب 308.
(4) أبو دواد الايادي: هو أبو دواد، جارية بن الحجاج الإيادي أو حنظلة بن الشرقي.
يضرب به المثل بالسخاء وحسن الجوار، يقال: جار كجار أبي دواد. كان شاعرا كثير الوصف للخيل. راجع أخباره في البيان والتبيين 1: 119وخزانة الأدب 4:
190.(1/393)
حمدت جارا قالوا كجار أبي دواد. قال قيس بن زهير:
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي دواد
وتعلم منه أبو دواد فكان يفعل بجاره فعل كعب به.
212 - استعرض أبو مسلم صاحب الدولة (1) فرسا محضيرا فقال لأصحابه: لم يصلح هذا؟ فذكروا السباق، وصيد حمر الوحش والنعام، واتباع المنهزم، فقال: ما صنعتم شيئا، ما يصلح إلّا للفرار من جار السوء.
213 - سأل سليمان بن علي (2) خالد بن صفوان عن إبنيه جعفر (3)
ومحمد (4)، فقال: كيف أحمادك جوارهما؟ فتمثل بقول يزيد بن مفرغ الحميري (5):
__________
(1) أبو مسلم: أراد أبو مسلم الخراساني. والدولة: هي دولة بني العباس.
(2) سليمان بن علي: هو سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. كان أميرا على البصرة في أيام السفاح وبقي فيها إلى أن عزله المنصور سنة 139هـ.
توفي سنة 142هـ. يعدّ من الأجواد الممدوحين. راجع الطبري 9: 179ودول الإسلام للذهبي 1: 73وتهذيب ابن عساكر 6: 281وفوات الوفيات 1: 177 والأعلام 3: 130.
(3) جعفر بن سليمان بن علي: كان في أيام الرشيد، وقد زاره الرشيد في بيته في البصرة. راجع كتاب المعارف 164والحيوان للجاحظ.
(4) محمد بن سليمان بن علي: هو الذي قيل إن الرشيد زوّجه أخته العباسة بنت المهدي سنة 172ثم نقم عليه بعد ذلك. ولد بالحميمة من أرض البلقاء سنة 122وتوفي بالبصرة سنة 173هـ. كان غنيا نبيلا. راجع ترجمته في الوافي بالوفيات 3: 121 والنجوم الزاهرة 2: 47وتاريخ بغداد 5: 219.
(5) يزيد بن مفرّغ الحميري: هو يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري، أبو عثمان، شاعر غزل وهو الذي وضع «سيرة تبّع وأشعاره» وكان من أهل تبالة واستقرّ بالبصرة. كان هجّاء مقذعا وله مديح. وهو صاحب البيت الشائع، من قصيدة أوردها المرصفي:
العبد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه الملامة
وفد على مروان بن الحكم فأكرمه وصحب عبّاد بن أبيه ولم يظفر بخيره فهجاه.
حبسه عبيد الله بن زياد فسقي مسهلا وأركب حمارا وطيف به في أسواق البصرة واتّسخ ثوبه من المسهل فقال:
يغسل الماء ما صنعت وشعري ... راسخ منك في العظام البوالي
قيل: كان ابن مفرغ يكتب هجاءه لعباد على الجدران فلما ظفر به عبيد الله ألزمه محوه بأظافره. توفي في الكوفة سنة 69هـ. وورد اسمه في كثير من المصادر «يزيد بن ربيعة» وفي بعضها «يزيد بن مفرغ» راجع ترجمته في الأعلام 8: 183 وخزانة البغدادي 2: 212والوفيات 2: 289.(1/394)
سقى الله دارا لي وأرضا تركتها ... إلى جنب داري معقل ويسار
أبو مالك جار لها وابن مرثد ... فيا لك جاري ذلة وصغار
214 - عبد الله بن عمر ذبح شاة فقال: أأهديتم لجاري اليهودي؟
فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
215 - جابر بن عبد الله يرفعه: الجيران ثلاثة: فجار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق. فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له، له حق الإسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم وأدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار (1) قدرك إلّا أن يقتدح له منها (2).
216 - أبو جحيفة (3): جاء رجل إلى النبي عليه الصّلاة والسّلام
__________
(1) القتار: الدخان أو البخار الذي ينبعث من القدر أثناء الطبخ، أو دخان الشواء.
(2) اقتدح من القدر: غرف مما فيها.
(3) أبو جحيفة: هو وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة بن حبيب بن سوادة بن عامر بن صعصعة. قدم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في أواخر عمره وحفظ عنه، ثم صحب عليا بعده وولاه شرطة الكوفة. كان الإمام علي يسميه وهب الخير. توفي سنة 64هـ وقال الواقدي: مات في ولاية بشر على العراق. راجع الإصابة وطبقات ابن سعد 6: 233.(1/395)
يشكو جاره، فقال: إطرح متاعك على الطريق، فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس؟ قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنونني، فقال: قد لعنك الله قبل الناس، قال: فإني لا أعود فجاء الذي شكا إليه فقال:
إرفع متاعك فقد كفيت.
217 - أبو هريرة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار النادي يتحول.
218 - قالوا: الجيران خمسة: الجار الصنارة (1) السيء الجوار، والجار الدمث (2) الحسن الجوار، والجار اليربوعي (3) المنافق، والجار البراقشي (4) المتلون في أفعاله، والجار الحسدلي (5) الذي عينه تراك وقلبه يرعاك.
219 - عيسى عليه السّلام: تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالتباعد منهم، والتمسوا رضاه بسخطهم.
220 - أنس يرفعه: ما تحاب رجلان في الله قط إلّا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه.
221 - رأى علي رضي الله عنه قوما حول داره، فسألهم، فقيل:
__________
(1) الرجل الصنارة: السيّء الخلق.
(2) الرجل الدمث: اللّين الخلق غير الجافي.
(3) الرجل اليربوعي: نسبة إلى اليربوع، نوع من الفأر قصير اليدين طويل الرجلين والجمع يرابيع. والرجل المنافق: الذي يظهر خلاف ما يبطن.
(4) البراقشي: نسبة إلى أبي براقش وهو طائر يتغيّر لونه ألوانا شتّى ويقال للمتلّون من الناس: أبو براقش.
(5) والحسدلي: نسبة إلى حسدل وهو القراد الماص للدم. والكناية هنا واضحة.(1/396)
هؤلاء شيعتك، قال: مالي لا أرى عليه سيما (1) الشيعة! قال: وما سيما شيعتك؟ قال: خمص (2) البطون من الطوى (3)، يبس الشفاه من الظما، عمش (4) العيون من البكا.
222 - من كان يريد رضا ربه يسخط نفسه، ومن لم يسخط نفسه لم يرض ربه.
223 - علي رضي الله عنه رفعه: ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلّا وله جار يؤذيه.
224 - إبراهيم بن نعيم الغامدي (5):
لبست جديد ثوب الدهر حتى ... كساني الدهر أسمال الثياب (6)
متى تحسب صديقك لا يقلوا ... وان تخبر يقلوا في الحساب
225 - إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الكاتب:
أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأقضي للصديق على الشقيق (7)
أفرق بين معروفي ومنّي ... وأجمع بين مالي والحقوق (8)
وإن ألفيتني حرا مطاعا ... فإنك واجدي عبد الصديق
226 - السيد ابن محمد الحميري (9):
__________
(1) السيما: العلامة. يقال: سيماهم في وجوههم.
(2) خامص البطن: ضامره.
(3) الطوى: الجوع.
(4) عمش العيون: ضعف البصر مع سيلان دمع العينين.
(5) إبراهيم بن نعيم الغامدي: لم نقف له على ترجمة.
(6) أسمال الثياب: الثياب البالية الرثة.
(7) الذمام: الحق والحرمة.
(8) منّ عليه بما صنع: ذكر وعدّد له ما فعله له من الخير مثل أن يقول له: أعطيتك كذا وفعلت لك كذا، وهو تكدير وتعبير تنكسر منه القلوب.
(9) السيد الحميري: هو إسماعيل بن محمد الحميري. تقدّمت ترجمته.(1/397)
إني امرؤ حميري حين تنسبني ... جدي رعين وأخوالي ذوو يزن (1)
ثم الولاء الذي أرجو النجاء به ... يوم القيامة للهادي أبي حسن (2)
وله:
وإذا الرجال توسلوا بوسيلة ... فوسيلتي حبي لآل محمد
وله:
مه لا تلومن في أبي حسن ... فلست عن حبه بمشتغل (3)
رست له بين أضلعي مقة ... لو زالت الراسيات لم تزل (4)
إذا تبدلت بعده بدلا ... فلا تهنأت ذاك من بدل
__________
(1) ذو رعين: يريم ذو رعين بن سهل بن زيد الجمهور، جدّ جاهلي يمني. بنوه عدة بطون كانت تسكن مخلاف «جيشان» قال الهمداني: ومن جيشان كان مخرج القرامطة باليمن، ومن الجند، ويسكن مخلاف جيشان بطون من يريم ذي رعين.
راجع صفة الجزيرة طبعة ليدن 102والأعلام 8: 179.
وذكر عمرو بن معد يكرب في شعر قاله لعمر بن الخطاب وقد خفقه عمر بالدرة لكلام دار بينهما فقال:
أتضربني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
وذو يزن: ملك من ملوك حمير، تنسب إليه الرماح اليزنية، وإبنه سيف بن ذي يزن الذي قتل الحبشة وطردهم من اليمن وهو الذي بشّر بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل مبعثه.
ورواية الأغاني (من شرحنا 7: 283طبعة دار الكتب العلمية):
إن تسأليني بقومي تسألي رجلا ... في ذروة العزّ من أحياء ذي يمن
حولي بها ذو كلاع في منازلها ... وذو رعين وهمدان وذو يزن
والأزد أزد عمان الأكرمون إذا ... عدّت مآثرهم في سالف الزمن
(2) رواية الأغاني:
ثم الولاء الذي أرجو النجاة به ... من كبّة النار للهادي أبي حسن
وهذه الأبيات لها قصة طريفة. راجعها في المصدر الذي تقدم ذكره.
(3) مه: وقد يقال مه: اسم فعل مبني على السكون بمعنى انكفف.
(4) رست: ثبتت. والمقة: المحبة. والفعل: ومق بمعنى أحبّ. والراسيات:
الجبال.(1/398)
وله:
أيا رب إني لم أرد بالذي به ... مدحت عليا غير وجهك فارحم
227 - صالح بن علي الهاشمي (1):
وليس ذكر لك عن خاطر ... بل هو موصول بلا فصل
228 - أبو يعقوب إسحاق بن حسان بن قوهي الخريمي (2):
إذا لبسوا عمائمهم ثنوها ... على كرم وإن سفروا أناروا
يبيع ويشتري لهم سواهم ... ولكن بالطعان هم تجار
إذا ما كنت جار بني خريم ... فأنت لأكرم الثقلين جار (3)
إذا غضبوا تحطمت العوالي ... وإن وهبوا تدفقت البحار (4)
229 - ابن عبد السلام الرصافي (5):
إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها ... فكم تلبث النفس التي أنت قوتها
230 - دهام بن هانىء العقيلي (6):
__________
(1) صالح بن علي الهاشمي: هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، عمّ السفّاح والمنصور ولد بالشراة من أرض البلقاء سنة 96هـ. له وقائع مع الروم. توفي سنة 151هـ. راجع ترجمته في الولاة والقضاة 97ودول الإسلام 1: 79.
(2) إسحاق بن حسان بن قوهي: أصله من خراسان. كان شاعرا وقائدا جليلا وسيدا شريفا. أبوه خريم الموصوف بالناعم. راجع ترجمته في معاهد التنصيص 1: 252 وطبقات ابن المعتز 293.
(3) الثقلان: الإنس والجنّ، والثقلان: كتاب الله وعترة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال في آخر عمره: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي. والعترة آل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. سمّيا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل، وأصل الثقل أن العرب تقول لكل شيء نعيس خطير مصون ثقل فسمّيا ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما.
(4) العوالي: الرماح.
(5) في معجم الشعراء للمرزباني (456) محمد بن عبد السلام البغدادي.
(6) دهام بن هانىء العقيلي: لم نقف له على ترجمة.(1/399)
تقول ظعينتي أبرقت فاظعن ... وبعض البرق يخلف في البلاد (1)
أغيثا تبتغين وراء أني ... جعلتك جارة لبني الرقاد (2)
هم قوم من بني جعدة، يعني أن جوارهم يغني عن الغيث.
231 - زبينا النصراني الرسعني (3):
إذا تاه الصديق عليك كبرا ... فته كبرا على ذاك الصديق (4)
وإن سلك العرام به طريقا ... فسر عرما سوى ذاك الطريق (5)
وأرخص قدر من إن سيم رخصا ... بقدرك باعه في كل سوق
فإيجاب الحقوق لغير راع ... حقوقك رأس تضييع الحقوق
232 - أبو زيد الأنصاري النحوي (6):
إذا أنت لم تعف عن صاحب ... أساء وعاقبته إن عثر
بقيت بلا صاحب فاحتمل ... وسمه الوفاء إذا ما غدر
233 - الكامل الأوسي سويد بن الصامت (7):
__________
(1) الظعينة: الزوجة ما دامت في الهودج. وظعن: ارتحل.
(2) بنو الرقاد: بطن من بني جعدة وهم حيّ من قيس.
(3) زبينا النصراني الرسعني: لم نقف له على ترجمة.
(4) تاه: تكبّر.
(5) العرام: الأشر والبطر. وقيل: العرم: الجاهل.
(6) أبو زيد الأنصاري: هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري. من ثقات اللغويين ولد بالبصرة سنة 119هـ. وتوفي فيها سنة 215هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 207وجمهرة الأنساب 352.
(7) الكامل الأوسي سويد بن الصامت: هو سويد بن الصامت بن خالد بن عطية بن حوط بن الأوس أمه ليلى بنت عمرو النجارية أخت سلمى بنت عمرو، أم عبد المطلب بن هاشم فهو ابن خالة عبد المطلب. شاعر من أهل المدينة. سمّوه الكامل لشرفه ونسبه. عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام وهو شيخ ولقيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في سوق ذي المجاز ودعاه إلى الإسلام. قتل يوم بعاث. راجع الإصابة.(1/400)
ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري (1)
مقالته كالشهد ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه ... نميمة غش تبتزي عقب الظهر (2)
تبيّن لك العينان ما القلب كاتم ... ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر
فرشني بخير طالما قد بريتني ... فخير الموالي من يريش ولا يبري (3)
234 - علي رضي الله عنه: لو ضربت خيشوم (4) المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو حببت الدنيا بحمأتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني وذلك أنه فضى فانقضى على لسان النبي الأمي أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق.
235 - صعصعة بن معاوية السعدي (5) عم الأحنف (6):
لعلي عندي مزية حب ... وأحب الصدّيق والفاروقا
ولعثمان مشرب من فؤادي ... لم يكن آجنا ولا مطروقا (7)
لا أرى بعضهم لبعض عدوا ... بل أرى بعضهم لبعض صديقا
236 - عبد الله بن إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس المطلبي (8):
__________
(1) يفري الكذب: يختلقه.
(2) البزاء: هو إنحناء في الظهر ودخول الظهر وخروج الصدر. وعقب الظهر: عصبه.
(3) راش السّهم: ألزق عليه الريش. والمريش من السهام: ما ألصق عليه ريش ليحمله في الهواء كما يحمل الطائر. والسهم المبريّ: الذي قد أتمّ بريه ولم يرش ولم ينصل. وفلان لا يريش ولا يبري: أي لا يضرّ ولا ينفع.
(4) الخيشوم: أقصى الأنف جمع خياشيم.
(5) صعصعة بن معاوية السعدي: هو صعصعة بن معاوية بن حصين، من بني سعد بن زيد مناة بن تميم. له صحبة وقيل: بل كان في ولاية الحجاج على العراق. راجع الإصابة وتهذيب التهذيب 4: 423.
(6) الأحنف: هو الأحنف بن قيس المتوفى سنة 72هـ. تقدّمت ترجمته.
(7) الماء الآجن: الفاسد. والمطروق: الضعيف.
(8) عبد الله بن إسحاق: من رواة الحديث. راجع ميزان الاعتدال 2: 392.(1/401)
شهد الله أن ديني حق ... لست تنصابة ولا رافضيا (1)
وأحب الشيخين شيخي قريش ... لست أبرأ ممن يكون رضيا
وبهذا سمي تنصابة.
237 - عائد الكلب (2):
ولقد تدوم لذي الصفاء مودتي ... وإذا تلون كنت ذا ألوان
إني كذاك إذا تلوّن صاحبي ... داويته بالصد والهجران
238 - أبو الأسود الكندي (3):
أمفندي في حب آل محمد ... حجر بنيك فدع ملامك أو زد
من لم يكن بحبالهم متمسكا ... فليعترف بولادة لم ترشد (4)
239 - دعبل الخزاعي (5):
بأبي وأمي سبعة أحببتهم ... لله لا لعطية أعطاها
بأبي النبي محمد وصفّيه ... والطيبان وبنته وابناها (6)
__________
(1) التنصابة أو الناصبة: وهم الذين يبغضون الإمام عليّ وهم طائفة الخوارج. والرافضة هم الذين تركوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك. كانوا بايعوه ثم رفضوه.
(2) عائد الكلب: هو لقب عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير. لقب بعائد الكلب لقوله:
ولقد مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
(3) أبو الأسود الكندي: لم نقف له على ترجمة.
(4) الولادة التي لم ترشد: أراد النكاح غير الصحيح.
(5) دعبل الخزاعي: هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي. ولد سنة 148هـ. كان بذيء اللسان صديقا للبحتري وكان يتشيّع. هجا الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق. مات في «الطيب» بين واسط وخوزستان سنة 246هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 178وتاريخ بغداد 7: 382.
(6) صفي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو علي بن أبي طالب. والطيبان: حمزة وجعفر. وبنته: أراد فاطمة. وإبناها: أراد الحسن والحسين، صلوات الله عليهم أجمعين.(1/402)
الطيبان: حمزة وجعفر رضي الله عنهما.
240 - عمرو بن حكيم بن معية (1):
خليلي أمسى حب خرقاء عامدي ... ففي القلب منه وقرة وصدوع (2)
ولو جاورتنا العام خرقاء لم نبل ... على جدبنا أن لا يصوب ربيع (3)
241 - أبو قحافة أبو الصدّيق (4):
اذهبي يا لهو فاستمعي ... خبريه بالذي فعلا
وسيله في ملاطفة ... لم وصلناه فما وصلا
242 - مروان بن محمد السروجي (5)، أموي شيعي:
يا بني هاشم بن عبد مناف ... أنني منكم بكل مكان
أنتم صفوة الإله ومنكم ... جعفر ذو الجناح والطيران (6)
وعلي وحمزة أسد الله ... وبنت النبي والحسنان
__________
(1) عمرو بن حكيم بن معيّة التيمي: قال المرزباني (ص 240) هو شاعر إسلامي من بني ربيعة الجوع، قال:
هل تعرف الدار من أم وهب ... إذ هي خود عجب من العجب
تقتل كل ذي زوج وعزب
(2) خرقاء: اسم حبيبته. والوقر: الصدع في الساق والنقرة في العظم وغيره.
(3) صابت السماء الأرض: جاءتها بالمطر. وصاب المطر: انصبّ ونزل.
(4) أبو قحافة: هو عثمان بن عامر بن عمرو التيمي والد أبي بكر الصديق. توفي سنة 14هـ. راجع الإصابة ونكت الهميان.
(5) مروان بن محمد السروجي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء (ص 399) وقال: إنه من بني أمية من أهل سروج بديار مضر، كان شيعيا وهو القائل: (الأبيات).
(6) جعفر ذو الجناح والطيران: أراد جعفر الطيّار وهو جعفر بن أبي طالب (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قطعت يمناه وهو يقاتل في وقعة مؤته بالبلقاء فحمل الراية باليسرى، فقطعت أيضا، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيدا وفي جسمه نحو تسعين طعنة ورمية، فقيل: إن الله عوّضه عن يديه جناحين في الجنة. قال حسان بن ثابت:
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... بمؤتة، منهم ذو الجناحين جعفر(1/403)
فلئن كنت من أميّة إني ... لبريء منها إلى الرّحمن
243 - نمير بن عداء الطائي (1):
ألا ليت حظي من جميلة أنها ... مساكنة لي لا عليّ ولا ليا
244 - مالك بن أنس (2): من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس له في الفيء (3) نصيب.
245 - العوام بن حوشب (4): أدركت من أدرك صدر هذه الأمة، يقولون: حدثوا الناس بمحاسن أصحاب محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تأتلف عليهم القلوب، ولا تحدثوهم بالذي شجر (5) بينهم فتحرشوا (6) الناس عليهم.
246 - قال رجل لأبي سليمان (7): إن فلانا وفلانا ما يقعان على قلبي. قال: ولا قلبي، لعلهما أتيا من قبلي وقبلك، ليس فينا خير فما نحب الصالحين.
__________
(1) نمير بن عداء الطائي: ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف (ص 194) ولم يترجم له.
(2) مالك بن أنس المتوفي سنة 179. تقدّمت ترجمته.
(3) الفيء: الغنيمة. وهو ما حصل للمسلمين من أموال الكفّار من غير حرب ولا جهاد.
وأصل الفيء الرجوع، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم ومنه قيل للظلّ الذي يكون بعد الزوال فيء لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق.
(4) العوام بن حوشب: هو العوام بن حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني الواسطي. توفي سنة 148هـ.
(5) شجر الأمر بين الناس يشجر شجرا: تنازعوا فيه. وشجر بين القوم إذا اختلف الأمر بينهم.
(6) تحرّشوا الناس عليهم: تغروهم.
(7) أبو سليمان: هو عبد الرحمن بن ألاحمد بن عطية العنسي المذحجي الداراني، كان زاهدا مشهورا من أهل داريا (قرية بغوطة دمشق) توفي سنة 215هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 10: 248والوفيات 1: 276وفي حلية الأولياء 9: 262أن الرجل الذي قال له هذا هو أحمد بن أبي الحواري.(1/404)
247 - كانت بالكوفة عجوز لها ابن شاب، فانقطع إلى سفيان (1)
فقالت: يا بني إني عرفت في ليلك صحبة سفيان.
248 - أخوك الذي يعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
249 - لو أن إنسانا ربط مع أسد ثلاثة أيام لاستأنس به.
250 - علي رضي الله عنه: أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة فأصدقاؤك:
صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك، وأعداؤك: عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك.
وعنه: يا بني إياك ومصادقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر، فإنه يبيعك بالتافه، وإياك ومصادقة الكذاب، فإنه كالسراب (2) يقرب عليك البعيد، ويبعد عنك القريب.
251 - الحاجة إلى الأخ المعين (3) كالحاجة إلى الماء المعين (4).
252 - قال رجل لابن الزيات (5): إني أتوسل إليك بالجوار، وأسألك العطف والرقة. فقال: أما الجوار فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للنساء والصبيان.
__________
(1) سفيان: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري. تقدّمت ترجمته.
(2) السراب: ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماء تنعكس فيه البيوت والأشجار وغيرها. يضرب به المثل في الكذب والخداع.
(3) الأخ المعين: المساعد.
(4) الماء المعين: العذب.
(5) ابن الزيات: هو محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة، من العقلاء الدهاة، ومن الكتّاب الشعراء. تولّى الوزارة أيام المعتصم والواثق. نكبه المتوكل ببغداد وتوفي سنة 232هـ. راجع ترجمته في أمراء البيان وخزانة البغدادي 1: 215.(1/405)
253 - الشعبي (1): ما لقينا من علي بن أبي طالب! إن أحببناه قتلنا، وإن أبغضناه هلكنا.
254 - المتصوفة: أصحبوا الله، فإن لم تستطيعوا فاصحبوا من يصحب الله، لتوصلكم بركات صحبته إلى صحبة الله.
255 - طاووس (2): مثل أصحاب رسول الله مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها.
256 - كان أبو بكر وعمر حليتيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يتزين بهما في يوم عيد أو وفد إن قدم عليه، أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره.
257 - قيل لعلي بن الحسين كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه.
258 - حدّث شريك بن عبد الله في دار المهدي بفضائل لعلي بن أبي طالب، فقال له رجل كوفي: يا أبا عبد الله، جئت اليوم بالدر بهذه الأحاديث فقال: كيف لا أحدث بفضائل رجل كان يشبه بعمر بن الخطاب فقال الكوفي: عجبت أن تأتي بخير!!.
259 - إلتقى أخوان في الله فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله، قال: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله فقال: والله يا أخي لو علمت منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلم من نفسي.
260 - عبد الله بن إدريس (3): أبو بكر رضي الله عنه ثاني إثنين في
__________
(1) الشعبي: هو عامر بن شراحيل المتوفى سنة 103هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) طاووس: هو طاووس بن كيسان الخولاني المتوفى سنة 102هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي: كان من أعلام حفاظ الحديث، وكان فاضلا ورعا أراد هارون الرشيد توليته القضاء فامتنع تورعا، ووصله فردّ عليه صلته وسأله أن يحدّث إبنه فقال: إذا جاءنا مع الجماعة حدّثناه. فقال: وددت أني لم أكن رأيتك.
فقال: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك. كان مذهبه في الفتيا مذهب أهل المدينة. ولد عبد الله بن إدريس سنة 120هـ. وتوفي سنة 192هـ. راجع ترجمته في الأعلام 4: 71وتذكرة الحفاظ 1: 259وتاريخ بغداد 9: 415.(1/406)
الإسلام، وثاني إثنين في الغار، وثاني إثنين في المشورة يوم بدر، وثاني إثنين في القبر، وثاني إثنين في الخلافة، وثاني إثنين في الجنة.
261 - أبو حيان الدارمي (1):
أقدمه والله فضله على ... صحابته بعد النبي المكرم (2)
بلا بغضة والله مني لغيره ... ولكنه أولاهم بالتقدم
262 - ابن عباس: لما اختصني عمر بن الخطاب قال لي أبي:
هذا الرجل قد اختصك دون من ترى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاحفظ عني ثلاثا: لا يجربن عليك كذبا، ولا تعب عنده أحدا، ولا تفشين له سرا. قال عكرمة (3): فقلت كل واحدة منها خير من ألف فقال: بل من عشرة آلاف.
263 - الثوري (4): ما بحثنا أحدا يتناول أبا بكر وعمر إلّا وجدنا ذلك أيسر عمله.
264 - قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علمني شيئا يحبني عليه الله والناس قال: أما الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا، وأما الذي يحبك الناس عليه فإن تنبذ إليهم ما في يدك.
265 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
266 - قال بنو إسرائيل لموسى عليه السّلام: إن التوراة كبيرة فاختر لنا منها
__________
(1) أبو حيّان الدارمي: لم نقف له على ترجمة.
(2) أقدّمه: الضمير يعود إلى علي بن أبي طالب.
(3) عكرمة: هو عكرمة بن عبد الله البربري المتوفى سنة 105هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق المتوفى سنة 161هـ. تقدّمت ترجمته.(1/407)
شيئا ما يمكن حفظه، فقال: ما تحبون أن يصحبكم به الناس فاصحبوهم به. يعني أن هذه الكلمة هي الإختيار من التوراة.
268 - الوليد بن عبد الملك: كان أبي يقول: الحجاج جلدة ما بين عيني، وأما أنا فأقول: الحجاج جلدة وجهي كله.
268 - لم أبخل بخلتي عليك لما طلبتها، ولم أعضل مودتي عنك حين خطبتها. أحببت أن يطلع على سويداء قلبي، فيعلم أن إخلاصي له مشرق الصفحة، أملس الجلدة.
269 [شاعر]:
وكانت رياح الشام يكرهن مرة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب
مثل في الحب بعد البغض.
270 - فلان مملوك رفيقه، وخادم صديقه. أودك مودة حرّة وأبغض عدوك بغضة مرّة. الشد بالقد أسهل من مصاحبة الضد.
271 [شاعر]:
كيف يصفى لك الوداد صديق ... يخرج الذم مخرج الاشفاق
272 - ابتدأتني بلطف من غير اجترام (1)، فأطمعني أولك في اخائك، وأيسأني آخرك من وفائك، فسبحان من لو شاء، كشف الغطاء فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.
273 [شاعر]:
أنا كالمرآة ألقى ... كل وجه بمثاله
مثل في التحبب إلى كل أحد.
274 [شاعر]:
__________
(1) اجترم إليه وعليه: أذنب. واجترم لأهله: اكتسب.(1/408)
هو في وجهك مرآ ... ة ومن خلفك مقراض (1)
275 - آخر:
صاننا الله وإيّا ... كم عن الود المرقع
276 - أبو فرعون العدوي (2):
كفاني الله شرك يا ابن عمي ... فأما الخير منك فقد كفاني
نظرت فلم أجد أشفى لغيظي ... من أني لا أراك ولا تراني
277 - سهيل بن أبي صالح (3): كنت مع أبي بمنى (4) فمر عمر بن عبد العزيز، فجعل الناس يثنون عليه ويدعون له، فقلت لأبي: إني أرى الله يحب عمر، قال: وكيف ذلك! قلت: أرى الناس يثنون عليه فقال: بأبيك أنت! سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أحب الله عبدا قال: يا جبرائيل إني لأحب فلانا فأحبوه، فينادي جبرائيل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، ويلقى على أهل الأرض فيحب.
278 - قال عمر بن عبد العزيز لأبيه: يا أبت مالك إذا خطبت مرّرت فيها مستجفرا (5) لا تكفف ولا توقف، حتى إذا صرت إلى ذكر عليّ تلجّج (6) لسانك وامتقع لونك واختلج (7) بدنك. قال: أو قد رأيت ذلك يا
__________
(1) المقراض: المقصّ.
(2) أبو فرعون العدوي: لم نقف على ترجمة له. وقد ذكر ابن سعد في طبقاته (375) أبا فرعون الساسي.
(3) سهيل بن أبي صالح السمان: من رواة الحديث المشهورين. توفي في ولاية أبي جعفر المنصور سنة 138هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 263.
(4) منى: بليدة على فرسخ من مكة على رأسها من نحو مكة عقبة ترمى عليها الجمرة يوم النحر، ومنى شعبان بينهما أزقة والمسجد في الشارع الأيمن ومسجد الكبش بقرب العقبة. راجع معجم البلدان 5: 198.
(5) مستجفرا: ممتلئا فمك كلاما. والإستجفار: الانتفاخ.
(6) تلجّج لسانك: اضطرب.
(7) اختلج: انتفض بحركة اضطرارية.(1/409)
بني!! أما أن هؤلاء الحمير لو يعلمون من عليّ ما نعلم ما اتبعنا منهم رجلان.
279 - عمر بن عبد العزيز: أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله.
280 - قال هشام (1) للأبرش (2): كيف تكون أخص الناس بي وأنت أخص الناس بمسلمة (3)؟ فتمثل الأبرش:
أواخي رجالا لست أخبر بعضهم ... بأسرار بعض إنّ صدري واسع
281 - عمرو بن العاص: إذا كثر الإخاء كثر الغرماء، أراد بالغرماء الحقوق.
282 - مسلم بن يسار (4): مرضت مرضة، فنظرت في عملي فلم أجد أوثق من قوم كنت أحبهم، ولا أحبهم إلّا في الله.
283 - وكان مطرف (5) يقول لأصحابه: لو كنت راضيا عن نفسي لقليتكم، ولكني لست عنها براض.
284 - الحر لو مشى في حاجة أخيه عرض الأرض، لم ير أنه أدى الفرض.
__________
(1) هشام: هو هشام بن عبد الملك بن مروان.
(2) الأبرش: هو سعيد بن وليد، الأبرش الكلبي. تقدّمت ترجمته.
(3) مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.
(4) مسلم بن يسار: ويقال له مسلم المصبح لأنه كان يسرج مصابيح المسجد. كان ناسكا من ثقات رواة الحديث والتابعين، من مشاهير فقهاء البصرة. توفي سنة 108هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 2: 290وتهذيب التهذيب 10: 140.
(5) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير المتوفى سنة 87هـ. تقدّمت ترجمته.(1/410)
الباب الثالث عشر التأديب والتعليم والتثقيف والسياسة وذكر المعلمين والمقومين، والضرب والقيد والحبس والنكال ونحو ذلك
1 - عائشة رضي الله عنها: ما ضرب النبي صلّى الله عليه وسلّم مملوكا قط ولا غيره، إلّا في سبيل الله ولا انتصر قط لنفسه إلّا أن يقيم حدا (1) من حدود الله.
2 - وعنه عليه الصلاة والسلام: علق سوطك حيث يراه أهلك.
جاء الإسلام وأن جفنة (2) العباس لتدور على فقراء بني هاشم، وأن درّته (3) طلقة لسفائهم، فكان يقال: هذا السؤدد، يشبع جائعهم ويؤدّب سفيههم.
3 - لقمان الحكيم: ضرب الوالد الولد كالسماد في الزرع.
4 - قال رجل للشعبي: إذا حدثت فلا تكذب. فقال له: ما أحوجك إلى محدرج (4) شديد الفتل، لين الهز، أصلع الرأس، عظيم
__________
(1) الحد: والجمع حدود وهي الأمور التي بيّن الله تحريمها وتحليلها، وأمر أن لا يتعدّى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها، ومنع من مخالفتها. وحدّ القاذف ونحوه: أقام عليه ذلك. راجع التفاصيل في لسان العرب (مادة حدد).
(2) الجفنة: القصعة الكبيرة.
(3) الدرّة: العصا.
(4) المحدرج: السوط الفتول المحكم.(1/411)
الثمرة، يؤخذ من عجب الذنب (1) إلى مغرز العنق، فيوضع منك على مثل ذلك، فتكثر له رقصاتك من غير جذل. قال: وما هذا يا أبا عمرو؟
قال: شيء لنا فيه أرب (2)، ولك فيه أدب.
5 - ضرب يزيد غلاما، فقال له معاوية: كيف طاوعك قلبك على بسط يدك إلى من لا يقدر على رفعها إليك؟ فما ضرب يزيد غلاما بعد.
6 - ضرب عثمان رضي الله عنه ابن حنبل الجمحي (3) وسيره إلى خيبر (4)، وحبسه في القموص (5) فقال:
إلى الله أشكو لا إلى الناس ما عدا ... أبا حسن غلا شديدا أكابده
بخيبر في قعر القموص كأنها ... جوانب قبر أعمق اللحد لا حده
7 - العتابي (6): أبرز لهم غرة السيف ذي الشطب (7)، وهامة الجرز (8) ذي الشعب (9)، وجمع لهم العصي حزما، والسياط رزما.
__________
(1) عجب الذنب: أصله ويكون عند رأس العصعص.
(2) الأرب: الحاجة.
(3) ابن حنبل الجمحي: هو عبد الرحمن بن حنبل. كان شاعرا هجّاء. هجا عثمان فحبسه بخيبر فأطلق بوساطة عليّ حيث شهد معه الجمل ثم صفّين وهناك استشهد سنة 37هـ. راجع الإصابة والطبري والكامل لابن الأثير 3: 125.
(4) خيبر: الموضع المذكور في غزاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، يطلق هذا الاسم على الولاية التي تشمل على سبعة حصون ومزارع ونخل وأسماء حصونها: حصن ناعم وعنده قتل مسعود بن مسلمة والقموص وهو حصن أبي الحقيق اليهودي، وحصن الشقّ، وحصن النطاة، وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة، وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود الحصن، ولكون هذه البقعة تشتمل على الحصون سمّيت خيابر، وقد فتحها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كلّها في سنة سبع للهجرة وقيل سنة ثمان.
(5) القموص: أحد حصون خيبر السبعة التي تقدم ذكرها وهو لأبي الحقيق اليهودي.
(6) العتّابي: هو كلثوم بن عمر العتابي. تقدّم ترجمته.
(7) شطب السيف: الخطوط التي تظهر في متنه واحدتها شطبة.
(8) هامة الجرز: أراد عمود الحديد.
(9) الشعب: الأطراف.(1/412)
8 - كتب معاوية إلى مروان أن أضرب عبد الرحمن بن الحكم (1)
وعبد الرحمن بن حسان (2) حدا. فضرب أخاه أربعين وابن حسان ثمانين.
فقيل له: ألا ترفع ما صنع بك إلى معاوية؟ قال: ولم وقد أقامني مقام الذكر الحر وأقام أخاه مقام الأمة الأنثى؟.
9 - علوان بن جندل النميري (3) في قتيبة بن مسلم:
عجبت لعبد باهليّ مؤمّر ... على الناس يرضي من يشاء ويغضب
يقيم حدود الله فيهم وإنه ... لجاني حدود ليس عنهن مذهب
10 - فضيل (4): رب ضربة لليتيم أنفع له من الخبيص (5) تلقمه إياه.
11 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله: بلغني أن قبلك قوما يشتمون أبا بكر وعمر، فمن قامت عليه بينة فاضربه ضرب الرجل المستطيل (6) في عرض أخيه وهو عنه ساكت.
__________
(1) عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. هو أخو مروان بن الحكم. كان شاعرا يهاجي عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت. كان حاضرا عند يزيد لما جيء إليه برأس الحسين، ورآه عبد الرحمن فبكى وقال من أبيات:
سمّية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل
فشتمه يزيد وأسكته. ولما ادعى معاوية زيادا، قال له من أبيات:
أتغضب أن يقال أبوك عفّ ... وترض أن يقال أبوك زاني
توفي نحو سنة 70هـ. راجع ترجمته في الأعلام 3: 305وفوات الوفيات.
(2) عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاري الخزرجي: شاعر، ابن شاعر، كان مقيما في المدينة وتوفي فيها. أمّه أخت مارية القبطيّة. في تاريخ وفاته خلاف. حدّد تاريخ ولادته الزركلي سنة 6للهجرة وتاريخ وفاته 104هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 162والجمحي 125والإصابة 6199.
(3) علوان بن جندل النميري: لم نقف له على ترجمة.
(4) فضيل: هو فضيل بن عياض العابد المتوفى سنة 187هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) الخبيص: نوع من الحلوى تكون من تمر وسمن.
(6) الرجل المستطيل: المعتدي.(1/413)
12 - لقمان: لئن يضربك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب.
ضربهم ضرب غرائب الإبل، وضرب المضبب (1) أستاه المسامير (2)، وضربا تغمض دونه الأحداق.
غشاهم نبعا (3) وسلما (4) حتى تركهم رفاتا (5) ورمما (6). قطع أوساطهم بأطراف السياط حتى أقامهم على سواء الصراط. السياط تمشق (7)
في ظهورهم وتعبث بصدورهم.
13 - في نوابغ الكلم: الصبي لا بد له من تثقيف وإن كان من قريش أو ثقيف، والأرض لا بد لها من عرة (8) وإن كانت أرضا حرة.
14 - علي بن عاصم الأصبهاني (9):
ضرب إلفي بيدي ... خانت يميني عضدي
فاقتصّ لما اغرورقت ... مقلته من كبدي
__________
(1) المضبّب: الذي يضبّب الخشب كالنجار وغيره.
(2) أستاه المسامير: حلقاتها التي يضرب عليها. والإست في الأصل: هي حلقة الدّبر أو العجز.
(3) النبع: نوع من الشجر تتّخذ منه القسيّ والسهام ينبت في الجبال قال دريد بن الصمّة:
وأصفر من قداح النبع فرع ... به علمان من عقب وضرس.
راجع التفاصيل في لسان العرب (مادة: نبع).
(4) السّلم: واحدته سلمة وهي شجرة ذات شوك يدبغ بورقها وقشرها.
(5) الرفات: الحطام.
(6) الرّمم: العظام البالية.
(7) تمشق السياط: تمتدّ.
(8) عرّة الأرض: سمادها.
(9) علي بن عاصم الأصبهاني: هو علي بن عاصم العنبري الأصبهاني. كان شاعرا مجيدا يسكن الجبل. ذكره المرزباني في معجم الشعراء وذكر الأبيات وفيها بعض الاختلاف في بعض الألفاظ. راجع طبقات ابن المعتز ومعجم الشعراء.(1/414)
فلا أقلت بعدها ... سوطي من الأرض يدي
15 - خرج موسى الهادي (1) على جلسائه مهموما منتقع اللون، فسألوه، فقال: لم أر كالدنيا وصحبتها، لا أطول هموما، ولا أعظم بلية!! لبابة بنت جعفر بن أبي جعفر قد عرفتهم موقعها مني، كلمتني بالادلال، فلم يكن لها عندي احتمال، ولا عندها أقصار، فضربتها فسكتوا جميعا، فقال ابن دأب (2): يا أمير المؤمنين إنك لم تأت منكرا، ولم تفعل بذيئا، قد كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يؤدبون نساءهم، هذا الزبير بن العوام (3) حواري (4) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وابن عمته، وفضله فضله، وثب على امرأته أسماء بنت الصديق (5) أخت عائشة، وهي أفضل
__________
(1) موسى الهادي: هو موسى (الهادي) بن محمد (المهدي) بن أبي جعفر المنصور، أبو محمد، من خلفاء الدولة العباسية ببغداد. ولد بالريّ سنة 144هـ. وولّي بعد وفاة أبيه سنة 169هـ. وكان غائبا بجرجان فأقام أخوه الرشيد بيعته.
واستبدّت أمّه الخيزران بالأمر. وأراد خلع أخيه هارون (الرشيد) من ولاية العهد وجعلها لابنه جعفر، فلم تر أمّه ذلك فزجرها فأمرت جواريها أن يقتلنه فخنقنه. ودفن في بستانه بعيسى آباذ. مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر. كان له معرفة بالأدب والشعر. توفي سنة 170هـ. راجع ترجمته في الأعلام 7: 327والمرزباني 379واليعقوبي 3: 136 وابن الأثير 6: 29.
(2) ابن دأب: هو عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب الليثي البكري الكناني، أبو الوليد.
كان خطيبا، شاعرا، عالما بالأنساب، راوية. من أهل المدينة. اشتهر بأخباره مع المهدي العباسي. وحظي عند الهادي حظوة لم تكن لأحد. واتّهم بوضع الشعر وأحاديث السّمر، ونسبتها إلى العرب. قال ابن قتيبة: له عقب بالبصرة. توفي سنة 171هـ. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 6: 104والبيان والتبيين 1: 30ولسان الميزان 4: 408والتاج 1: 242.
(3) الزبير بن العوّام: هو صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأحد العشرة المبشرين بالجنة. كان شجاعا. قتله ابن جرموز غيلة بوادي السباع قرب البصرة سنة 36هـ راجع ترجمته في صفة الصفوة 1: 132وحلية الأولياء 1: 89.
(4) حواري رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أصحابه.
(5) أسماء بنت الصديق: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر، من قريش، صحابية، من الفضليات. آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة. وهي أخت عائشة لأبيها، وأم عبد الله بن الزبير. شهدت اليرموك مع إبنها عبد الله وزوجها الزبير بن العوام. كانت تقول الشعر. عاشت مئة سنة وهي محتفظة بعقلها. سمّيت ذات النطاقين لأنها صنعت للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم طعاما حين هاجر إلى المدينة، فلم تجد ما تشدّه به، فشقّت نطاقها وشدّت به الطعام. توفيت سنة 73هـ.
راجع ترجمتها في طبقات ابن سعد 8: 182وراجع شعرها في كتبانا «معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام» ص 14طبعة دار الكتب العلمية.(1/415)
نساء زمانها، فضربها في شيء عتب فيه عليها، حتى كسر يدها، وكان سبب فرقتها، وذلك أنها استغاثت بولدها، فأغاثها الله بعبد الله، فقال:
هي طالق إن حلت بيني وبينها، فلم يقلع. وهذا كعب بن مالك الأنصاري (1) أخو الزبير، آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما، عتب على امرأته، وكانت من المهاجرات الأول، فضربها حتى حال بنوها بينه وبينها فقال:
ولولا بنوها حولها لخبطتها ... كخبطة فروج ولم أتلعثم
فسرّي (2) عن الهادي، وطابت نفسه، وأمر له ببدرة (3) وثلاثين ثوبا.
16 - الحّ رجل من المتظلمين على أحمد بن الخصيب (4)، وهو راكب إلى المنتصر (5)، فركله فقيل فيه:
__________
(1) كعب بن مالك: هو كعب بن مالك بن عمرو بن القين الخزرجي الأنصاري، كان صحابيا من شعراء المدينة المشهورين. اشتهر في الجاهلية وكان في الإسلام من شعراء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. كان مع عثمان، ولما قتل قعد عن نصرة عليّ. توفي سنة 53هـ. وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته. راجع نكت الهميان 231وخلاصة تهذيب الكمال 273.
(2) سرّي عن الهادي: أي طابت نفسه.
(3) البدرة: الكيس يكون فيه دراهم.
(4) أحمد بن الخصيب: هو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخصيب. جدّه الخصيب بن عبد الحميد صاحب مصر، من أهل الأنبار، كان كاتب عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وكان بليغا مترسلا شاعرا أديبا. راجع ترجمته في فهرست ابن النديم.
(5) المنتصر: هو محمد المنتصر بالله بن جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد، من خلفاء الدولة العباسية. ولد بسامراء سنة 223. قتل أباه سنة 247هـ وبويع له بالخلافة. توفي سنة 248هـ. راجع فوات الوفيات 2: 184.(1/416)
قل للخليفة يا ابن عم محمد ... أشكل وزيرك إنه ركّال (1)
17 - قال أحمد بن نصر (2): قدم إلي مجوسي لأضربه فقال: يا هذا اضرب بقدر ما تقوى عليه يريد القصاص في الآخرة، فتركته وتركت عمل السلطان.
18 - لطمه لطم المتنفش (3)، هو البعير يشاك (4) فيضرب بيده الأرض.
19 - أدبه بزجرك وهذبه بهجرك.
20 - قيس بن الهيثم السلمي (5)، وضربه الحجاج:
ليس بتعزير الأمير خزاية ... عليّ إذا ما كنت غير مليم (6)
21 - قدم حمزة العدوي (7) السارق إلى معاوية فأمر بقطع يده فقال:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها ... بعفوك من عار عليها يشينها
فلا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا ما شمال فارقتها يمينها
__________
(1) شكل الدابة: قيّدها بالشكال. والشكال: القيد. وركل الدابة: ضربها برجل واحدة.
(2) أحمد بن نصر: هو أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم. كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، اجتمع حوله خلق كثير عزموا على الوثوب ببغداد، قتله الواثق بيده لامتناعه عن القول بخلق القرآن سنة 231هـ. وبعث برأسه إلى بغداد فنصب فيها ست سنوات، وجسده بسامراء. راجع ترجمته في طبقات الحنابلة 45وصفة الصفوة 2: 205.
(3) نتفش البعير: ضرب بخفّه الأرض لشيء يدخل فيه.
(4) يشاك البعير: يدخل في خفّه الشوك.
(5) قيس بن الهيثم السلمي: لم نقف له على ترجمة.
(6) التعزير: التأديب بالضرب. والمليم: الملام.
(7) حمزة العدوي: لم نقف له على ترجمة.
فلو قد أتى الأخبار قومي لقلصت ... إليك المطايا وهي خوص عيونها (1)
فأبطل الحد عنه، فهو أول حد أبطل في الإسلام.(1/417)
__________
(7) حمزة العدوي: لم نقف له على ترجمة.
فلو قد أتى الأخبار قومي لقلصت ... إليك المطايا وهي خوص عيونها (1)
فأبطل الحد عنه، فهو أول حد أبطل في الإسلام.
22 - خطب علي رضي الله عنه أهل الكوفة، ودعا للجهاد، فقال أربد الفزاري (2): والله لانجيبك فضربه قوم من همدان حتى مات.
فوداه (3) علي من بيت المال. وقال علاقة بن عركي التميمي (4):
معاذ إلهي أن تكون منيّتي ... كما مات في سوق البراذين أربد (5)
تعاوره همدان خصفا نعالها ... إذا رفعت عنه يد وضعت يد (6)
23 - كان معلم أنوشروان يضربه بلا ذنب، ويأخذه بأن يمسك الثلج في يده حتى تكاد كفه تسقط: فآلى لئن ملكت لأقتلنه فلما ملك هرب، فأمنه فأتاه فسأله عن الضرب ظلما، فقال: لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذبني به؟ قال: ستعرف ذلك فغزا فأصبحوا في غداة باردة، فلم يقدروا على توتير قسيهم (7)، فوترها لهم، فقاتل وظفر، فعرف مراد مؤدبه.
24 - الكميت (8):
أقول له إذا ما جاء مهلا ... وما مهل بواعظة الجهول
(1) قلّصت المطايا: استمرت في سيرها، والعيون الخوص، الغائرة.
(2) أربد الفزاري: لم نقف له على ترجمة.
(3) ودى القاتل القتيل: أعطى وليّه ديته. والدية: ما يعطى من المال بدل نفس القتيل.
(4) علاقة بن عركي التميمي: لم نقف له على ترجمة.
(5) البراذين: جمع برذون: وهو ضرب من الدواب يخالف الخيل العراب، عظيم الخلقة غليظ الأعضاء.
(6) التعاور: التداول مرّة بعد مرّة.
(7) وتر القوس والقسّي: علّق عليها وترها. والوتر: شرعة القوس ومعلّقها.
(8) الكميت: هناك ثلاثة شعراء بهذا اللقب وهم: الكميت بن زيد، والكميت بن ثعلبة، والكميت بن معروف وكلّهم من بني أسد. راجع كتب التراجم.(1/418)
25 - قيل لبعض المجوس: ما أحكم شيء في كتابكم؟ قال:
نحتك الحجارة بغير فأس، وإذا بتك الحديد بغير نار أهون من رياضة مستصعب قد جفا عن التقويم.
26 - من التعذيب تأديب الذيب. تنبو المعاول عن صفاته (1) وتعجز المقاول عن صفاته. من لم يصلحه الطالي (2) أصلحه الكاوي. ليس كبح الصعب الشرس إلّا باللجام الشكس (3).
27 - السلامي (4):
يحلو بأفواه الأنامل صفعه ... حتى كأن قذاله من سكر (5)
28 - قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك قال هم أمناؤنا على أنفسنا، فإذا أخفناهم كيف نأمنهم؟.
29 - قال أبو نؤاس: دخلت على عنان (6) جارية الناطفي، وقد ضربها مولاها وهي تبكي، فقلت:
__________
(1) الصفاة: الحجر. وقوله: تنبو المعاول عن صفاته أي قويّ شجاع لا يجرؤ أحد على الإساءة إليه.
(2) الطالي: الذي يطلي ويدهن.
(3) الشكس والشرس بمعنى والاستعمال هنا على سبيل المجاز.
(4) السلامي: هو محمد بن عبد الله بن محمد المخزومي القرشي، أبو الحسن. من شعراء العراق المشهورين. ولد في الكرخ سنة 336هـ. اتصل بالصاحب بن عبّاد فأكرمه ثم اتصل بعضد الدولة بشيراز فحظي عنده. مات رقيق الحال سنة 393هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 2: 335ومرآة الجنان 2: 446.
(5) القذال: ما بين الأذنين من مؤخر الرأس جمع قذل وأقذلة.
(6) عنان: شاعرة مستهترة من أذكى النساء وأشعرهن. كانت جارية لرجل يدعى «الناطفي» من أهل بغداد، وهي من مولدات اليمامة، وقيل المدينة، اشتهرت ببغداد. وكان العباس بن الأحنف يهواها. لها أخبار معه ومع أبي نواس وغيرهما ماتت بخراسان سنة 226هـ. راجع أخبارها وشعرها في كتابنا «معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام» ص 195.(1/419)
إن عنانا أرسلت أدمعا ... كاللؤلؤ المرفض من خيطه (1)
فأشارت عنان إلى مولاها وقالت:
فليت من يضربها ظالما ... تجف يمناه على سوطه
فقال مولاها: هي حرة لوجه الله إن ضربتها ظالما أو غير ظالم.
30 - قال الحجاج للحكم بن المنذر بن الجارود (2): أنت الذي يقول لك الشاعر:
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود (3)
أنت الجواد بن الجواد المحمود
قال: نعم قال: لأجعلن سرادقك السجن. فأنشأ الحكم يقول:
متى ما أكن في حبس أروع ماجد ... فإني على ريب الزمان صبور
فلو كنت أخشى الحبس والقيد لم ... أجب دعاءك إذ كان الدعاء غرور
وقد عشت دهرا لا أخوّف بالتي ... تخاف ولا يسطو علي أمير
فخلّى سبيله ثم اعتل عليه بعد فحبسه حتى مات في حبسه.
31 - المعتضد (4): لا أخرج عدوي من حبسي إلّا إلى قبره.
32 - محمد بن هارون بن مخلد (5):
__________
(1) رواية الأغاني (من شرحنا) 23: 92و 11: 288:
بكت عنان فجرى دمعها ... كالدرّ إذ ينسلّ من خيطه
(2) الحكم بن المنذر بن الجارود: هو الحكم بن المنذر بن الجارود العبدي رئيس عبد القيس بالبصرة. راجع ترجمته في الإصابة 1: 266والطبري والأغاني.
(3) السرادق: كل ما أحاط بالبناء. الخباء. وبيت مسردق: وهو أن يكون أعلاه وأسفله مشدودا كلّه بالحبال والأطناب.
(4) المعتضد: هو أحمد بن طلحة بن جعفر بن المعتصم بن الرشيد. بويع بالخلافة سنة 271هـ وتوفي سنة 289هـ.
(5) هارون بن مخلد: هو محمد بن هارون بن مخلد. أخو ميمون بن هارون الراوية.
ذكره المرزباني وذكر له هذه الأبيات ولم يذكر تاريخ وفاته.(1/420)
يعز علينا أن نزورك في الحبس ... ولم نستطع نفديك بالمال والنفس
فقدنا بك الأنس الطويل وعطّلت ... مجالس كانت منك تأوي إلى أنس
لئن سترتك الجدر عنا فربما ... رأينا جلابيب السحاب على الشمس (1)
33 - أنشد الجاحظ لصقلاب المعلم (2):
وكيف يرجى العقل والحزم عند من ... يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل
وأنشد:
فإن كنت قد بايعت مروان طائعا ... فصرت إذا بعد المشيب معلما
وفارقت قومي مؤثرا لعدوهم ... وأصبحت فيهم ذاهل العقل مفحما
34 - آخر:
جمعت الذي لو كان يؤلم من أذى ... فيشكي لهانت عنده أم ملدم (3)
غباوة أصحاب الحديث ونوكهم ... وبذخ المغني في جنون المعلم (4)
35 - رأى زهير بن نعيم (5) رجلا معه ابنه فقال: أهذا ابنك؟ قال:
نعم قال: احذر لا يراك وأنت تعصي الله فيجترىء عليك.
36 - أنشد ابن الأعرابي (6):
وليس بتعزير الأمير خزاية ... عليّ ولا عار إذا لم يكن حدا (7)
__________
(1) جلابيب السحاب: كناية عن قطع الغيوم المختلفة الأشكال.
(2) صقلاب المعلم: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين (1: 248) مع اختلاف في بعض ألفاظ بيت الشعر.
(3) أم ملدم: كنية الحمّى.
(4) النوك: الحمق. والأنوك: الأحمق.
(5) زهير بن نعيم: هو زهير بن نعيم البابي السلولي. نزيل البصرة. كان زاهدا من العباد المتقشّفين. أصيب ببصره في آخر عمره. توفي في خلافة المأمون. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 353وحلية الأولياء 10: 147.
(6) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد المتوفّى سنة 231هـ. تقدّمت ترجمته.
(7) تعزير الأمير: تأديبه دون بلوغ الحدّ الشرعي.
ولا الحبس إلّا ظل بيت دخلته ... ولا السوط إلّا جلدة صادفت جلدا
37 - لما تزوج شريح (1) زينب زارتها أمها بعد سنة، فقالت له: لم يضم الرجل إلى نحره شرا من ورهاء (2)، وإنما زينب من النساء، فإن رابك منها شيء فالسوط، فضحك ثم قال:(1/421)
__________
(7) تعزير الأمير: تأديبه دون بلوغ الحدّ الشرعي.
ولا الحبس إلّا ظل بيت دخلته ... ولا السوط إلّا جلدة صادفت جلدا
37 - لما تزوج شريح (1) زينب زارتها أمها بعد سنة، فقالت له: لم يضم الرجل إلى نحره شرا من ورهاء (2)، وإنما زينب من النساء، فإن رابك منها شيء فالسوط، فضحك ثم قال:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم أضرب زينبا
وكل محب يمنح الود إلفه ... ويعذره يوما إذا هو أذنبا
38 - الخطيم العكلي (3):
يقول لي السجان وهو يسوقني ... إلى السجن لا تجزع فما بك من بأس
وما البأس إلّا أن يصدق كاذب ... ويترك عذري وهو أضحى من الشمس
وشيّبني أن لا تزال عظيمة ... يجيء بها غيري ويرمى بها رأسي
39 - مروان بن أبي حفصة (4):
إن يحبسوني فالكريم يحبس ... إني لسامي الناظرين أشوس (5)
مصابر حين تجيش الأنفس ... عرضي نقي وأديمي أملس
40 - الخولاني (6):
إن السياط تركن لإستك منطقا ... كمقالة التمتام ليس بمعرب (7)
(1) شريح: هو شريح بن الحارث الكندي المتوفّى سنة 78هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الورهاء: المرأة الحمقاء.
(3) الخطيم العكلي: لم نقف له على ترجمة.
(4) مروان بن أبي حفصة: هو مروان بن سليمان بن يحي بن أبي حفصة. شاعر نشأ في اليمامة في العصر الأموي وانتقل إلى بغداد في العهد العباسي. كان يتقرّب إلى الرشيد بالطعن على العلويين. مات ببغداد سنة 182هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 295.
(5) الرجل الأشوس: الشجاع.
(6) الخولاني: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 1: 38وذكر البيت دون أن يترجم له.
(7) الإست: العجز، وقيل: حلقة الدّبر.(1/422)
41 - يقال للرجل إذا سود وجهه وشهر: أخرجوه في أم محمد لأنهم يصيحون حواليه يا أم محمد أبصري نقش كان من شهر في الزمن الأول اسمه محمد وقيل له ذلك فشاع. والمراد بالنقش السواد. والتجبيه: أن يجعل وجهه قبل دبر الدابة إذا حمم (1) من الجبهة.
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لليهود: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من العقوبة على من أحصن (2)؟ قالوا:
يجبه.
42 - محمد بن صبيح بن السماك الواعظ: يا ابن آدم أنت في حبس، مذ كنت أنت في الصلب محبوس، ثم تخرج إلى الرحم فتكون محبوسا، ثم تخرج إلى السرير والقماط فتكون محبوسا، ثم تنشأ فتصير في الكتّاب (3) في حبس، ثم تكبر فتصير محبوسا في الكد على العيال، ثم تصير في القبر محبوسا، فاطلب لنفسك الراحة بعد الموت حتى لا تكون أيضا في حبس.
43 - ابن أبي عيينة (4):
يتغنى القيد في رجليه ألوان الغناء
باكيا لارقأت عيناه من طول البكاء (5)
44 - كان باليمامة أعرابي وال على الماء، فإذا اختصم إليه إثنان، وأشكل عليه القضاء، حبسهما حتى يصطلحا، ويقول: دواء الليس (6)
الحبس.
__________
(1) حمم: سوّد وجهه بالفحم.
(2) أحصن الرجل: تزوّج.
(3) الكتّاب: المكان الذي يتعلم فيه الصبيان.
(4) ابن أبي عيينة: هو محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة. تقدّمت ترجمته.
(5) رقأ الدمع أو الدم: جفّ وانقطع.
(6) تليّس الرجل: كان ذا شدّة.(1/423)
45 - حبس خالد بن عبد الله القسري الكميت بن زيد، وكانت امرأته تختلف إليه في ثياب وهيأة، فلبس يوما ثيابها وخرج، فقال:
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... على الرغم من تلك النوابح والمشلي (1)
عليّ ثياب الغانيات وتحتها ... صريمة عزم أشبهت سلة النصل (2)
46 - كان خالد (3) يعذبه يوسف بن عمر (4) فمر به الفرزدق وهو منصوب للضرب فقال: وطد قدميك (5) في الأرض، وانصب جنبيك، وأعضض على أضراسك، فإنه أسهل لما يمر بدفتيك. قال ففعلت فوجدت راحة.
47 - أقام عامل على دهقان عونين (6)، وأمرهما بنتف سباله (7)، فقال: لم تفعل هذا أصلحك الله؟ فقال: حتى تصحح خراجك، وخراج أهل بيتك، وخراج شركائك، فلما طال عليه رفع رأسه إلى العونين فقال:
انتفا على بركة الله.
48 - حبس الرشيد أبا العتاهية (8) فكتب إليه أبياتا، فوقع: لا بأس
__________
(1) القدح: قطعة من الخشب كانت تستعمل في الميسر. وابن مقبل هو عمرو بن أبي مقبل وقدحه كان يخرج دائما فائزا. والنوابح: هي الكلاب. والمشلي: المغري.
راجع الثعالبي في المضاف.
(2) الصريمة: العزم وإحكام الأمر. والنصل: حديدة السيف.
(3) خالد: هو خالد بن عبد الله القسري المتوفّى سنة 126هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) يوسف بن عمر: هو يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم الثقفي. من ولاة بني أميّة.
كان يضرب به المثل في التيه والحمق يسلك سبيل الحجاج في الأخذ بالشدّة والعنف، كان مهيبا جبارا ظلوما. وفي مختصر البلدان «سوق يوسف» في الحيرة منسوب إليه. توفي سنة 127هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 360وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 191والأعلام 8: 243.
(5) وطد الرجل قدميه: ثبّتهما وفعل الأمر: طد.
(6) العون: الشرطي. والدهقان: التاجر، وقيل: رئيس الإقليم.
(7) السبال: جمع سبلة وهي مقدم اللّحية.
(8) أبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم الشاعر المشهور. توفي سنة 211هـ.(1/424)
عليك فكتب إليه:
أمين الله إن الحبس بأس ... وقد وقّعت ليس عليك بأس
49 - آخر:
تمنيت أن تحيا حياة هنية ... وأن لا ترى مدّ الزمان بلابلا (1)
رويدك هذي الدار سجن وقلّما ... يمر على المسجون يوم بلا بلا (2)
50 - ذاك حامل درّة (3)، وآخذ على كتاب الله أجره. أي معلم.
51 - كان معلم يقعد أبناء المياسير في الظل، وأبناء الفقراء في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة ابزقوا على أهل النار.
52 - قال عتبة بن أبي سفيان (4) لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلّمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهدّدهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا بعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكل على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك.
53 - وقال عبد الملك للشعبي (5) حين أخذ بتعليم ولده: علّمهم الصدق كما تعلّمهم القرآن، وجنّبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة (6)،
__________
(1) بلابل الصدر: همومه ووساوسه.
(2) بلاء (الكلمة الأخيرة) بحذف الهمزة للتسهيل: مصيبة ومرض.
(3) الدرّة: العصا.
(4) عتبة بن أبي سفيان: هو عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس.
أخو معاوية ولد في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وشهد حرب الجمل مع عائشة وفقئت عينه.
ولّاه معاوية مصر وتوفي في الإسكندرية سنة 44هـ. راجع ترجمته في نسب قريش 125والنجوم الزاهرة 1: 122.
(5) الشعبي: هو عامر بن شراحيل. تقدّمت ترجمته.
(6) الرعة: من الورع: وهو الإبتعاد عن الإثم والكفّ عن الشبهات والمعاصي.(1/425)
وأقلّهم أدبا وعلما وجنّبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة واحف شعورهم (1)
تغلظ ذنوبهم، واطعمهم اللحم تصح عقولهم، وتشد قلوبهم، وتصقل رؤوسهم وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا ومرهم أن يستاكوا (2) عرضا، ويمصوا الماء مصا، ولا يعبوا عبا (3) فإن احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الغاشية (4)، فيهونوا عليهم.
54 - وقال آخر: لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك العلم في السمع، وإزدحامه في الوهم، مضلة للفهم.
55 - أبو بردة بن نيار (5): سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحل لأحد أن يضرب أحدا فوق عشرة أسواط، إلّا في حد من حدود الله (6).
56 - كلم شمعل التغلبي (7) عبد الملك كلاما لم يرضه فرماه عبد الملك بجرز (8) فخدش وهشم فقال شمعل:
أمن حذفة بالجرز منه تباشرت ... عداتي فلا عار عليّ ولا نكر
وإن أمير المؤمنين وعتبه ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر
__________
(1) حفّ الرجل شاربه: حلقه وقصّه. واستعمله هنا بصيغة الأمر.
(2) يستاكوا: ينظّفوا أسنانهم بالمسواك، وهو العود الذي يستعمل لهذه الغاية.
(3) عبّ الماء: شربه دون تنفّس.
(4) غاشية الرجل: خدمه وزوّاره وأصدقاؤه الذين ينتابونه.
(5) أبو بردة بن نيار: هو هاني بن نيار بن عمرو بن عبيد البلوي حليف الأنصار. هو خال البراء بن عازب. شهد مع الإمام عليّ حروبه كلّها، وتوفي سنة 42هـ وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته. راجع ترجمته في الإصابة 7: 17والتهذيب.
(6) حدود الله: الأمور التي نهى عنها وجعل لمن يرتكبها قصاصا شرعيا وقد تقدم شرح الحدود.
(7) شمعل التغلبي: اختلف في إسمه. كان نصرانيا. وقال أبو الفرح: دخل على بعض خلفاء بني أمية. وطالبه هشام أن يسلم فأبى. راجع أخباره في الأغاني وابن الأثير.
(8) الجرز: العمود من الحديد.(1/426)
57 - ضم عبد العزيز (1) إلى ابنه صالح بن حسان (2)، فأغضبه وصيف له، فقال: أعظك الله بكذا، ولا يكنى فنفر منها صالح واشمأز، فرأى ذلك عمر في وجهه فقال: لا أعود ولن يسمعها مني. فقال صالح: أرأيت لو أن رجلا قال لعبد العزيز في مجلسه: يا عبد العزيز خذ هذه الحشفة (3) فادخلها في إست (4) هذا الكلب، أترى أنه قد أساء وقصر بعبد العزيز؟ فقال: سبحان الله!! ومن يقول له ذلك؟ قال صالح: فالله، والله، أحق وأحق أن يعظم ويوقر من خلقه. قال صالح: فما رأيت بعد تلك السقطة منه ما أكره، وما رأيت أحدا الله أجل في صدره من عمر.
58 - كان لعامر بن عبد الله بن الزبير (5) ابن لم يكن يرضى سيرته فحبسه، وقال: لا أخرجك حتى تحفظ كتاب الله فأرسل إليه: يا أبت قد حفظت كتاب الله فأخرجني فأرسل إليه: لا بيت خير من بيت جمعت فيه كتاب الله فأقم. فما أخرج إلّا لجنازة عامر، ولقد دخل شابا وأخرج شيخا.
59: اشترى طلحة بن عبد الله بن عوف (6) مهريا (7) بثلاثين دينارا، فانقلب بالبائع إلى داره لينقد له الثمن، وقد وضع له الغداء، فقال: كل، فأبى وقال: عجل لي حقي، فقال: والله لا أعطيك الثمن أو
__________
(1) عبد العزيز: هو عبد العزيز بن مروان المتوفى سنة 85هـ. وهو والد الخليفة عمر بن عبد العزيز.
(2) صالح بن حسّان: هو مؤدب عمر بن عبد العزيز. كان راويا وقد صعفوه.
(3) الحشفة: أراد التمر.
(4) الإست: العجز والمؤخرة، وقيل: حلقة الدّبر.
(5) عامر بن عبد الله بن الزبير: كان عابدا فاضلا له أحاديث يحتجّ بها. مات قبل هشام أو بعده بقليل. ومات هشام سنة 125هـ. راجع صفة الصفوة 84.
(6) طلحة بن عبد الله بن عوف: قاض، ولي قضاء المدينة وتوفي بها سنة 97هـ وهو ابن 72سنة. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 19.
(7) المهري: أي البعير المنسوب إلى قبيلة مهرة بن حيدان من قضاعة.(1/427)
تأكل فغضب وانصرف، فقيل له: هو النجاشي الحارثي (1)، فرده فأعطاه الجمل والدنانير فقال النجاشي: بأبي أنت وأمي والله ما عوتب عتيق خيل قط إلّا أعتب (2).
60 - لما كبر عبد الله بن جدعان (3) أخذت بنو تيم على يده، ومنعوه أن يعطي ماله، فإذا أتاه السائل قال: أدن مني فيلطم وجهه، ثم يقول اذهب فاطلب لطمتك أو ترضى منها فيطالبه الرجل بلطمته، فترضيه بنو تيم من ماله، وذلك عنى ابن الرقيات (4) بقوله في قصيدة يذكر فيها سادات قريش:
والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء
61 - لبعض ولد نهيك بن أساف الأنصاري (5) في الحكم بن المطلب المخزومي (6):
__________
(1) النجاشي الحارثي: هو قيس بن عوف بن مالك. سمّي النجاشي لأن لونه كان يشبه لون الحبشة، أمّه من الحبشة قيل: نسب إليها. وهو من أشراف العرب إلّا أنه كان فاسقا. كان مع عليّ فجلده لشرب الخمر فهرب ألى معاوية ومدحه. توفي سنة 40هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 115والإصابة 1: 195.
(2) أعتب: أرضاه بعد العتاب.
(3) عبد الله بن جدعان: أخباره كثيرة في كتاب الأغاني، يعتبر من أجواد العرب المشهورين في الجاهلية، أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل النبوّة وأخبار جفنته التي وقع فيها صبيّ مشهورة: راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 4: 76والأغاني (بشرحنا) 8: 340وخزانة البغدادي 3: 537.
(4) ابن الرقيّات: هو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك. كان مقيما بالمدينة، وكان شاعرا أكثر شعره في الغزل والنسيب وله مدح. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 212وشرح الشواهد 47وخزانة البغدادي 3: 265.
(5) نهيك بن أساف الأنصاري: ذكره ابن حجر في الإصابة 6: 256.
(6) الحكم بن المطلب: هو الحكم بن المطلب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم المخزومي. كان ساعيا على بعض صدقات المدينة وكان كريما. راجع تاج العروس 5: 527والأغاني.(1/428)
خليلي إن الجود في السجن فابكيا ... على الجود إذ شدّت عليه مرافقه
ترى عارض المعروف في كل ليلة ... وكل ضحى يستن في السجن بارقه (1)
إذا صاح كبلاه طفا فيض بحره ... لزوّاره حتى ترام غرائقه (2)
62 - كانت بوجه عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر شجة (3)
يستحسنها الناس، فكان النساء يخططن في وجوههن بالغالية (4) على مثال شجة عبد الحميد.
63 - أخذ علي رضي الله عنه رجلا من بني أسد في حد، فاجتمع قومه ليكلموا عليا، وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم، فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عينا فدخلوا إليه، فرحب بهم، وقال لهم معروفا، وسألوه، فقال: لا تسألوني شيئا أملكه إلّا أعطيتكم فخرجوا وهم راضون، يرون أنهم قد أنجحوا فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتي، وحكوا له قوله فقال ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فافعلوه، فأخرجه عليّ فحده (5)، ثم قال: هذا لله لست أملكه.
64 - جاء رجل من الأنصار واضعا خشبة على منكبه، فقال يا رسول الله أين هؤلاء الذين لم يصدقوا ربهم حتى حلف لهم، قال: {فَوَ رَبِّ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (6) قال: ما تصنع بهم؟
قال: أضربهم بخشبتي هذه.
65 - شهد رجل عند عمر بن عبد العزيز فقال له: من يعرفك؟
__________
(1) العارض: السحاب وهنا كناية عن كثرة المعروف. وقوله يستن بارقه: أي يسيل ويكثر.
(2) الكبل: القيد. وترام غرائقه: تطلب.
(3) الشجة: أثر الجرح.
(4) الغالية: أخلاط من الطيب.
(5) حدّه: أقام عليه الحدّ أي القصاص الشرعي.
(6) سورة الذاريات، الآية: 23.(1/429)
قال: مولاي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله (1)، فسأل إبراهيم فقال: ما أعلم خصلة من خصال السوء إلّا وهي فيه، إلّا أنه يأخذ جلدتكم هذه فيستكمل بها خصال السوء. أراد السوط وأن يكون عريفا (2).
__________
(1) إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله: ولد سنة 36هـ، استعمله ابن الزبير على خراج الكوفة. كان شريفا نبيلا. توفي سنة 110هـ. راجع تهذيب التهذيب 1: 153.
(2) العريف: الشرطي. والعريف في الأصل هو سيّد القبيلة ودون الرئيس.(1/430)
الباب الرابع عشر البخت وذكر الإقبال والإدبار والسعد والنحس واليمن والشؤم والنكد والخيبة والفلج والرزق والحرمان
1 - ثوبان (1) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ألا ترى أن آدم كان في الجنة في عيش رغد، فأخرج منها إلى الدنيا بالمعصية التي كانت منه.
2 - موسى عليه السّلام قال في مناجاته: يا رب لم ترزق الأحمق وتحرم العاقل؟ فقال: ليعلم العاقل أنه ليس في الرزق حيلة لمحتال.
3 - كان أبو نافع مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا مجدودا (2)، إذا اشترى شيئا غلا من يومه، وإذا باعه رخص من يومه، فقيل لكل مبخوت: له بخت أبي نافع.
4 - قسم عمر رضي الله عنه قسما، فأمر لرجل بلقحة (3)، فاتبعها فصيلان لها، فردهما، فقال عمر: دعها، ثم تمثل بقول علقمة بن
__________
(1) ثوبان: هو ثوبان بن بجدد، مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اشتراه الرسول ثم أعتقه فخدمه إلى أن مات. كان صحابيا مشهورا لا يسأل أحدا شيئا. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 31والإصابة 1: 212.
(2) التاجر المجدود: هو التاجر المحظوظ وسترد لفظة «الجدّ» بمعنى الحظ كثيرا في هذا الباب.
(3) اللّقحة: الناقة الغزيرة اللّبن.(1/431)
عبدة (1).
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه ... أنّى توجه والمحروم محروم
5 - علي رضي الله عنه: عيبك مستور ما أسعدك جدّك.
وعنه: شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق، فإنه أخلق بالغنى، وأجدر بإقبال الحظ.
6 - أبو ذر (2): عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع (3).
7 - قيل لبزرجمهر (4): تعال فنناظر في القدر، فقال: وما أصنع بالمناظرة!! رأيت ظاهرا دل على باطن، رأيت أحمق مروزقا، وعالما محروما، فعلمت أن التدبير ليس إلى العباد.
8 - المتقدم في الحذق متأخر في الرزق.
9 [شاعر]:
والمرء يرزق لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
10 - فيلسوف: إفراط العقل مضر بالجد.
11 - ابن دريد (5): أوضح الدلائل على ضعف الرجل في صناعته
__________
(1) علقمة بن عبدة: هو علقمة بن عبدة بن النعمان بن ناشرة بن قيس بن تميم. وهو الذي يقال له علقمة الفحل. كان شاعرا مجيدا معاصرا لامرىء القيس وله معه مساجلات. توفي نحو سنة 20ق. هـ. راجع ترجمته في معاهد التنصيص 1: 175وشعراء النصرانية 498.
(2) أبو ذّر: هو أبو ذرّ الغفاري، جندب بن جنادة. صحابي مشهور توفي سنة 32هـ.
(3) اللّكع: هو اللئيم، وتأتي بمعنى العبد.
(4) بزرجمهر: حكيم الفرس المشهور.
(5) ابن دريد: هو محمد بن الحسن بن دريد الأزدي. من أئمة اللغة والأدب. ولد بالبصرة سنة 223وانتقل إلى عمان ثم عاد إلى البصرة. حظي عند المقتدر العباسي. توفي سنة 321هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 497وخزانة البغدادي 1: 490.(1/432)
أن يكون محظوظا منها لأنك لا تكاد تجد متناهيا في حرفته (1) إلّا وجدته متناهيا في حرفته (2).
12 - قيل لأفلاطون (3): لم لا تجتمع الحكمة والمال قال: لعزة الكمال.
13 - حكيم: استأذن العقل على الحظ فحجبه، فقال: أتحجبني وأنا خير منك؟؟ فقال: وأنت ما تساوي إذا لم أكن معك؟ قيراط من حظ خير من كرّ (4) عقل.
14 - أبو الشيص (5):
من الناس ناس لا تنام جدودهم ... وحظي ولا كفران لله نائم
15 - حرفة الأدب أعدى من الجرب.
16 - ابن المبارك (6): لو لم نزهد في الدنيا إلّا لأنها في أيدي الأنذال، لكان ينبغي لنا أن نزهد فيها.
17 - بزرجمهر: وكّل الله الحرمان بالعقل، والرزق بالجهل، ليعلم أن لو كان الرزق بالحيلة لكان العاقل أعلم بوجوه مطلبه، والاحتيال لمكسبه.
__________
(1) الحرفة: المهنة التي بواسطتها يكسب الإنسان رزقه.
(2) الحرفة: الحرمان.
(3) أفلاطون: فيلسوف يوناني توفي سنة 347ق. م.
(4) الكرّ: مكيال قيل إنه أربعون أردبا وقيل غير ذلك.
(5) أبو الشيص: هو محمد بن رزين. كان شاعرا مطبوعا من أهل الكوفة معاصرا لأبي نواس ومسلم بن الوليد. انقطع إلى أمير الرقّة عقبة بن جعفر الخزاعي فأغناه عقبة عن سواه. قتله خادم لعقبة سنة 196هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 346 وطبقات ابن المعتزّ 72وفوات الوفيات 2: 225.
(6) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك. تقدّمت ترجمته.(1/433)
18 - التقى ملكان فتساءلا فقال أحدهما: أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي وقال الآخر: أمرت بإهراقة زيت أشتهاه فلان العابد.
19 - دخل يحيى بن أكثم (1) على المأمون، وفيه بعض الرثاثة، فسأله عن حاله، فأنشأ يقول:
صفت الدنيا لأولاد الزنا ... ولمن يحسن ضربا وغنا
وهي للحرّ مخاض كدر ... غبن الحر لعمري غبنا
فأمر له بمال ابنتنى به سوق يحيى ببغداد.
20 - العتابي (2):
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
وإنني واجد في الناس واحدة ... الرزق والنوك مقرونان في سبب (3)
وخصلة قلّ فيها من يخالفني ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
21 - قالت أم الاسكندر في دعائها له: رزقك الله حظا تخدمك به ذوو العقول، ولا رزقك عقلا تخدم به ذوي الحظوظ.
22 - قال أبو هفان (4): كان مروان بن أبي الجنوب (5) من المرزوقين
__________
(1) يحيى بن أكثم: هو يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي المروزي. كان قاضيا عالي الشهرة. ولد بمرو سنة 159هـ. تولى قضاء البصرة ثم قضاء بغداد. استولى على قلب المأمون فحظي عنده. عزله المعتصم عن القضاء فلزم بيته، ثم ردّه المتوكل إلى عمله ثم عزله سنة 240هـ. توفي بالربذة (من قرى المدينة) سنة 242هـ.
راجع ترجمته في أخبار القضاء لوكيع 2: 161وتاريخ بغداد 4: 191وثمار القلوب 122.
(2) العتّابي: هو كلثوم بن عمرو المتوفي سنة 220هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) النوك: الحمق. والأنوك: الأحمق.
(4) أبو هفّان: هو عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي العبدي. شاعر من أهل البصرة كان راوية وعالما بالأدب. سكن بغداد وأخذ عن الأصمعي. كان متهتّكا. توفي سنة 257هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان 3: 249.
(5) مروان بن أبي الجنوب: هو مروان بن يحيى بن مروان بن سليمان بن أبي يحيى بن أبي حفصة. شاعر. كان يطعن، كجدّه، على آل علي بن أبي طالب.
حسنت حاله عند المتوكل ومدح المأمون والمعتصم. توفي نحو سنة 240هـ. راجع وفيات الأعيان.(1/434)
بالشعر مع تخلفه فيه، أعطاه المتوكل مائتي ألف دينار من ورق وذهب وكسوة، وقلده اليمامة والبحرين وطريق مكة، واختصه بمنادمته، وكان لا يزال يكرمه ويخلع عليه (1).
23 - ابن طيفور (2):
وما الشعر إلّا السيف ينبو وحدّه ... حسام ويفري وهو ليس بذي حد (3)
ولو كان بالإحسان يرزق شاعر ... لأجدى الذي يكدي وأكدى الذي يجدي (4)
24 - كان المعتمد على الله ابن المتوكل يقول الشعر المكسور فيكتب بالذهب، ويغني به المغنون.
25 - علي رضي الله عنه: الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور.
26 - فلان يكالب الرزق، ويغالب القدر، وليس ينال إلّا ما قدر له.
27 - سأل عمر رضي الله عنه الصحابة: من أغبط الناس عيشا؟
فقال أبو الدرداء: من تحت التراب، قد واجه الحساب، وأمن العقاب، واستحق الثواب فقال عمر: ليجتهد البلغاء أن يزيدوا فيها حرفا.
28 - فلان لو غرس الشوك لأثمر العنب.
__________
(1) يخلع عليه: يقدم له الهدايا والثياب.
(2) ابن طيفور: هو أحمد بن طيفور الخراساني. ولد سنة 204هـ. كان أسرق الناس لنصف بيت وثلث بيت. صنّف كتبا كثيرة وله شعر قليل وهو والد عبيد الله بن أحمد بن طيفور المتوفّى سنة 315هـ. توفي سنة 280هـ. راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 1: 80وتاريخ بغداد 4: 211.
(3) نبا السيف: كلّ وارتدّ ولم يقطع. ويفري: يقطع ويشقّ.
(4) يكدي: يتسوّل.(1/435)
29 - فلان يقدح زندا شحاحا.
30 [شاعر]:
غرست غروسا كنت أرجو لحاقها ... وآمل يوما أن تطيب جناتها
فإن أثمرت لي غير ما كنت أرتجي ... فلا ذنب لي إن حنظلت نخلاتها
31 - لو انتهى إلى عذب فرات صار أجاجا (1)، أو أخذ ياقوتا انقلب في كفه زجاجا.
32 - سعد المطر (2)، قال الجاحظ: قيل له ذلك لأنه كان ملقى من المطر، أي يلقى الأذى من المطر، وهو الذي يقول:
أما الثياب فلا يغررك إن غسلت ... صحو يدوم ولا شمس ولا قمر
33 - وممن مني بذلك مولى آل سليمان، جلس على طريق الناس، وقد رجعوا من الاستمطار وقد سقوا، فقال: ليس بي إلّا سرورهم بالإجابة، وما مطروا إلّا لأني غسلت ثيابي اليوم، ولم أغسلها قط إلّا جاء الغيم والمطر فليخرجوا غدا فإن مطروا فإني ظالم:
ولو أني أردت غسل ثيابي ... في حزيران عاد يوما مطيرا
34 - الهيثم بن القاسم الخثعمي (3):
قد يرزق الأحمق المرزوق في دعة ... ويحرم الأحوذيّ الأرحب الباع (4)
كذا السوام تصيب الأرض محرمة ... والأسد منزلها في غير إمراع (5)
والناس من كان ذا مال وسائمة ... مدّوا إليه بأبصار وأسماع
__________
(1) الماء الأجاج: المالح.
(2) سعد المطر: لم نقف له على ترجمة.
(3) الهيثم بن القاسم الخثعمي: لم نقف له على ترجمة.
(4) الأحوذي: الخبير بالأمور.
(5) السّوام: الماشية والإبل الراعية. والسوام: الطير.(1/436)
35 - الخنوت (1):
تعرى المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالحازم الجلد
36 - أرسطو طاليس: حركة الإقبال بطيئة، وحركة الإدبار سريعة، لأن المقبل كالصاعد من مرقاة إلى مرقاة، والمدبر كالمقذوف به من علو إلى سفل.
37 - طويس المخنث (2) مثل في الشؤم. ولد ليلة توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفطم ليلة توفي أبو بكر، وبلغ الخنث يوم قتل عمر، وتزوج يوم قتل عثمان، وولد له ليلة قتل في صبيحتها علي بن أبي طالب عليه السّلام. وكان يقول: يا أهل المدينة ما دمت بين ظهرانيكم فتوقعوا خروج الدجال، فإن مت فأنتم آمنون.
38 - للبستي (3):
وصير طوس معقله فكانت ... عليه طوس أشأم من طويس
39 - كان ببغداد كاتب ظريف، إلّا أنه لم يستكتبه أحد إلّا سلط عليه الدمار، فتحاموه تطيرا منه فطلب نصر بن منصور بن بسام (4) كاتبا فاضلا، فقيل: أصبناه لك لولا قيل، ولولا قيل، هو مشؤوم قال: لا
__________
(1) الخنوت: هو توبة بن مضرس بن عبد الله بن عباد بن زيد مناة بن تميم. كان شاعرا محسنا. أمّه رميلة بنت عوف بن علقمة الحداني. قتل أخواه فأدرك الأخذ بثأرهما وبقي يبكيهما طيلة حياته. راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف للآمدي.
(2) طويس: هو عيسى بن عبد الله. ولد بالمدينة سنة 11هـ وهو أول من غنّى فيها غناء يدخل في الإيقاع. كان يجيد النقر على الدفّ. يضرب به المثل في الشؤم. توفي سنة 92هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 400.
(3) البستي: هو علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن عبد العزيز، أبو الفتح.
ولد في بست من مدن سجستان وإليها نسبته. كان شاعرا وكاتبا. ارتفعت مكانته عند الأمير سبكتكين. مات ببخارى سنة 400هـ. راجع ترجمته في طبقات السبكي 4: 4 واليتيمة 4: 305.
(4) نصر بن منصور بن بسام: من رجال الدولة العباسية. راجع الطبري حوادث 220هـ.(1/437)
عدوى ولا طيرة، إئتوني به، فبرّه واستكتبه، فما مضت أيام أن برسم (1)
نصر ومات. فقال ابن عائشة (2) فيه:
آخر قتلاه إذا حصلوا ... نصر بن منصور بن بسام
وكان بالسيف يلاقيهم ... فصار يلقاهم ببرسام
40 - ونظيره حاجب عبيد الله:
يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح
وبدأت تخدم رابعا لتبيره ... رفقا به فالشيخ شيخ صالح
يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح (3)
41 - أمر عبد الملك بن مروان بضرب عنق خارجي، فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا جزائي منك. قال: كيف؟ قال: والله ما خرجت معه إلّا نظرا لك، وتقربا إليك، فإني ما صحبت أحدا إلّا هزم وقتل وصلب، ولكوني عليك مع غيرك خير لك من مائة ألف معك، فضحك وأطلقه.
42 - يزيد بن محمد المهلبي (4):
__________
(1) برسم الرجل: أصيب بالبرسام وهو مرض يقال له ذات الجنب، التهاب في الغشاء المحيط بالرئة.
(2) ابن عائشة: هو عبيد الله بن محمد بن حفص بن معمر التيمي. كان أديبا عالما بالحديث والسيرة من أهل البصرة. توفي سنة 228هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 10: 314والبيان والتبيين 1: 102.
(3) السّعد والسّعود: سعود النجوم، وهي الكواكب التي يقال لكل واحد منها سعد كذا، وهي عشرة أنجم كل واحد منها سعد: أربعة منها منازل ينزل بها القمر وهي: سعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وهي في برجي الجدي والدلو، وستة لا ينزل بها القمر وهي: سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر. قال ابن كناسة: سعد الذابح كوكبان متقاربان سمي أحدهما ذابحا لأن معه كوكبا صغيرا غامضا يكاد يلزق به فكأنه مكب عليه يذبحه، والذابح أنور منه قليلا.
(4) يزيد بن محمد المهلبي: هو يزيد بن محمد بن المهلّب بن المغيرة، من ولد المهلّب بن أبي صفرة. كان شاعرا محسنا راجزا من الرواة الندماء، من أهل البصرة. نادم المتوكل العباسي. توفي ببغداد سنة 259. راجع ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب 14: 348ورغبة الآمل 5: 137.(1/438)
وإذا جددت فكل شيء نافع ... وإذا حددت فكل شيء ضائر (1)
43 - عبد الله بن أبي الشيص (2):
أظن الدهر قد آلى فبرّا ... بأن لا يكسب الأموال حرّا
44 - ابن الحجاج (3):
خاطر يصفع الفرزدق في الشعر ... ونحو يصك وجه الكسائي (4)
غير أني أصبحت أضيع في القو ... م من البدر في ليالي الشتاء
45 - الحمدوني (5):
ما ازددت من أدبي حرفا أسرّ به ... إلّا تبدلت حرفا تحته شوم (6)
إن المقدم في الدنيا بصنعته ... أنّى توجه منها فهو محروم (7)
46 - المنتصر بن المتوكل (8):
__________
(1) جددت: أصابك الجدّ وهو الحظ. وحددت: أصابك الحدّ وهو التقتير في الخير والرزق.
(2) عبد الله بن أبي الشيص: كان شاعرا منقطعا إلى محمد بن طالب، وكانت به لوثة لأن السوداء غلبت عليه فاختلط. ذكره أبو الفرج في الأغاني وذكره ابن المعتز في طبقات الشعراء 364وذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء 726.
(3) ابن الحجاج: هو الحسين بن أحمد المتوفى سنة 391هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الكسائي: هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء الكوفي، أبو الحسن. إمام في اللغة والنحو والقراءة. ولد في الكوفة وتعلم بها وقرأ النحو بعد الكبر. هو مؤدب الرشيد العباسي وإبنه الأمين. أصله من أولاد الفرس. له تصانيف كثيرة. توفي سنة 189هـ. راجع ترجمته في غاية النهاية 1: 535وطبقات النحويين 138.
(5) الحمدوني: هو محمد بن أحمد الحمدوني. راجع يتيمة الدهر 3: 129.
(6) شؤم: بحذف الهمزة للتخفيف والتسهيل. خلاف الفأل.
(7) أنّى توجه: أي كيف توجّه.
(8) المنتصر: هو الخليفة محمد المنتصر المتوفّى سنة 248هـ. تقدّمت ترجمته.(1/439)
متى ترفع الأيام من قد وضعنه ... وينقاد لي دهر عليّ جموح
أعلل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروح
47 - قطع على رجل (1) فلقيه صديق له فقال: أحسبك جئت بخفي حنين (2). فقال: يا سيدي تلقّاني حنين في الطريق فأخذ الخفين من رجلي وتركني حافيا.
48 - إذا أقبل البخت باضت الدجاجة على الوتد وإذا أدبر انشق الهاون بالثمد (3).
49 - أبو علي العدوي من أهل أرزن (4):
العقل ليس بمسعد خلقا إذا ... ما عال حتى يسعد المقدور
وحكومة الأيام يسعد جاهل ... فيها ويشقى البارع النحرير (5)
50 - أيامه متبعة هواه، ولياليه قيام بما يهواه. مطعم الغنم يفلق الصخر جده.
__________
(1) قطع على رجل: أراد القول قطع الطريق على رجل.
(2) خفّا حنين: ساوم أحد الأعراب حنينا (إسكافي من أهل الحيرة) على خفّين (الخفّ:
الحذاء لكنه لم يشترهما بعد جدل طويل، فغاظ حنينا جدل الأعرابي فقام وعلّق أحد الخفّين في طريق الأعرابي، ثم سار وطرح الآخر وكمن له. فلما مرّ الأعرابي ورأى أحد الخفّين قال: ما أشبه هذا بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته. فتقدّم، ورأى الخفّ الثاني مطروحا فندم على تركه الأول فنزل وعقل ناقته ورجع إلى الأول.
فذهب حنين بناقته ورجع الأعرابي إلى الحي وليس معه إلّا الخفّان. فقال له قومه:
ما الذي جئت به من سفرك؟ فقال: جئتكم بخفّي حنين.
يضرب هذا المثل عند الرجوع بالخيبة. راجع كتابنا «طرائف من التراث العربي» ص 212طبعة دار الكتاب اللبناني.
(3) الثمد: الماء القليل الذي لا مادّ له، وقيل غير ذلك. راجع اللسان مادة ثمد.
(4) أرزن: موضع بأرض فارس قرب شيراز. وهي علم لأماكن متعدّدة. راجع معجم البلدان 1: 150.
(5) النحرير: البارع الخبير بالأمور.(1/440)
51 - الأعشى:
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة ينبع لأوريت نارا (1)
رجع بحمر النعم (2) موقرة ببيض النعم (3).
52 - قطع جعفر بن سليمان (4) رزق إبراهيم بن هرمز البصري (5)، فكتب إليه:
إن الذي شق فمي ضامن ... للرزق حتى يتوفاني
حرمتني خيرا قليلا فماذا ... زادك في مالك حرماني
53 - حكيم: أسعد الناس من كان القضاء له مساعدا، وكان لمساعدته إياه أهلا.
54 - كعب بن جعيل (6):
وكنت كمرتاد بمنقاره الثرى ... فصادف عين الماء إذ يترسم
55 - آخر:
وثنيت آمالي على أدراجها ... وصرفت خائبة وجوه رجائي
ورجعت عنك بما يعود بمثله ... راجي السراب بقفرة بيداء (7)
__________
(1) الصفاة: الحجر العريض الأملس: وينبع: مكان بين مكة والمدينة، وقيل في تحديده غير ذلك. راجع معجم البلدان 5: 450. وأوريت: أشعلت.
(2) حمر النعم: هي الإبل السائمة.
(3) بيض النعم: جمع نعمة وهي ما أنعم عليك به من رزق وغيره.
(4) جعفر بن سليمان: هو جعفر بن سليمان بن علي. ذكره ابن قتيبة في كتاب المعارف 164والجاحظ في الحيوان. راجع الفهرست، كان في أيام الرشيد، وقيل إن الرشيد زاره في داره.
(5) إبراهيم بن هرمز: لم نقف له على ترجمة.
(6) كعب بن جعيل: هو كعب بن جعيل بن قمير بن عجرة التغلبي، شاعر مخضرم، كان شاعر معاوية وأهل الشام كما ذكر المرزباني. توفي نحو سنة 55هـ.
راجع ترجمته في معجم الشعراء 344والشعر والشعراء 543.
(7) السراب: هو ما يشاهد نصف النهار عند اشتداد الحرّ تخاله ماء وليس بماء يضرب به المثل في الكذب والخداع. والقفرة: المفازة والصحراء.(1/441)
56 - رجعت آمالهم خاسئة على أذنابها، ناكصة (1) على أعقابها.
57 - كتب أبو مسلم إلى إبراهيم الإمام (2) بهرب نصر بن سيار (3)
فتمثل بقول خداش بن زهير (4):
وما برحت بكر تثوب وتدعي ... ويلحق منهم أولون وآخر
لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت ... عماية يوم شره متظاهر
وما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضّت سليم وعامر
وكانت قريش يفلق الصخر جدها ... إذا أوهن الناس الجدود العواثر
58 - كانت لكثير بن الصلت القرشي (5) دار بالمدينة، ما كانت دار تساويها، فطلبها معاوية، فقال ما إلى بيعها سبيل وفيها مائة مخمرة (6)، فحرمه معاوية عطاءه، وكانت له عليه مائة ألف، فكتب إلى مروان (7) أن
__________
(1) نكص على عقبيه: رجع عمّا كان عليه. ونكص عن الأمر: أحجم عنه فهو ناكص.
(2) إبراهيم الإمام: هو إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، إمام الدعوة العباسية قبل ظهورها. ولد سنة 82هـ، وهو الذي وجّه أبا مسلم الخراساني إلى خراسان ليتولّى أمر الدعوة فيها. قتله مروان بن محمد في السجن سنة 131هـ. راجع ترجمته في الطبري 9: 132وابن الأثير 5: 158.
(3) نصر بن سيّار: هو نصر بن سيّار بن رافع بن حرّي بن ربيعة الكناني، أمير من الدهاة الشجعان، كان شيخ مضر بخراسان ووالي بلخ. ولي إمرة خراسان سنة 120هـ.
ولّاه هشام بن عبد الملك. قويت الدعوة العباسية في أيامه فكتب إلى بني مروان يحذّرهم وينذرهم. مات بساوة سنة 131هـ. راجع ترجمته في الأعلام 8: 23 وابن الأثير 5: 148.
(4) خداش بن زهير: هو خداش بن زهير العامري، شاعر جاهلي. قال أبو عمرو بن العلاء: خداش أشعر من لبيد وأبى الناس إلّا تقدمة لبيد. يقال إن قريشا قتلت أباه في حرب الفجار. راجع طبقات فحول الشعراء 119وجمهرة الأنساب 108.
(5) كثير بن الصلت: كان اسمه قليلا فسمّاه عمر بن الخطاب كثيرا. ولي القضاء لعثمان في المدينة وولي كتابة الرسائل لعبد الملك. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8:
419.
(6) مخمرة: ذات خمار والخمار هو ما تغطّي به المرأة وجهها.
(7) مروان: هو مروان بن الحكم والي المدينة.(1/442)
يطالبه بها، فضاق عليه الأمر، فكتب إلى معاوية يستعطفه، وصار إلى سعيد بن العاص يستعينه على الدين فأصبح ذات يوم وقد ورد عليه كتاب معاوية بالإفراج عنه وبمائة ألف لعطائه، وحملت إليه من دار سعيد مائتا ألف، فأحاط به الفلاح من كل وجه وضرب المثل بغداة كثير، فقيل لقيته غداة كثير.
59 - العباس بن ريطة الرعلي (1):
وأهلكني أن لا يزال يكيدني ... أخو حنق في القوم حران ثائر
وذلك ما جرّت علينا رماحنا ... وكل امرىء يوما به الجد عاثر
60 - آخر:
يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه
61 - آخر:
كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد ... يرمى فيحرزه من ليس بالرامي
62 - آخر:
إن الأمور إذا دنت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر
63 - آخر:
وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنها الأقدار تعطي وتحرم (2)
64 - آخر:
إذا كبا بالفتى زمان ... لم يغن حزم ولا حذار
__________
(1) العباس بن ريطة الرعلي: الريطة أمّه، والرعلي: نسبة إلى رعل بطن من بني سليم. والبيتان لأنس بن العباس بن ريطة الرعلي كما في معجم الشعراء للمرزباني.
(2) الفتح بن خاقان: وزير المتوكل العبّاسي. كان أديبا شاعرا. أجتمعت له خزانة كتب حافلة. قتل مع المتوكل سنة 247هـ. راجع فوات الوفيات 2: 123والمرزباني 318وفهرست ابن النديم.(1/443)
65 - آخر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجني عليه إجتهاده
66 - الحسن: وكّل الله الحرمان بالعقل، ووكل الرزق بالجهل، ليعتبر العاقل فيعلم أن الرزق ليس بالعقل.(1/444)
الباب الخامس عشر تبدل الأحوال واختلافها وتبدل الدول وانقلابها ووقوع الفتن والنوائب وعزل الولاة وسوء عواقبهم ونحو ذلك
1 - عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكون عليكم أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوان خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيفة، أهواؤهم مختلفة، يفتح الله عليه فتنة غبراء مظلمة، فيتهوكون فيها (1) كما تهوكت اليهود، فوالذي نفسي بيده لينتقضن الإسلام عروة عروة، حتى يقال لا إله إلّا الله.
2 - علي رضي الله عنه في صفة فتنة: تكيلكم بصاعها (2)، وتخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملّة، قائم على الضلة، فلا يبقى يومئذ منكم إلّا ثفالة (3) كثفالة القدر، أو نفاضة (4) كنفاضة العكم (5)، تعرككم عرك الأديم (6)، وتدوسكم دوس الحصيد، وتستخلص المؤمن
__________
(1) التهوّك: التهوّر والتحيّر وقلّة الرويّة.
(2) الصاع: أربعة أمداد عند أهل المدينة وثمانية أرطال عند أهل الكوفة. والمدّ: رطل وثلث. (راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 25).
(3) الثفالة: الخثارة.
(4) النفاضة: ما يسقط من المنفوض كالغبار والقش وغير ذلك.
(5) العكم: الثوب وعدل الثياب.
(6) عرك الأديم: دلك الجلد.(1/445)
منكم استخلاص الطير الحبة البطينة (1) من بين هزيل الحب.
وعنه: إذا غضب الله على أمة غلت أسعارها، ولم تربح تجارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها، وغلبها شرارها.
3 - اختلف في مفتاح الفتن، فقيل: مقتل عثمان، وقيل مقتل الحسين، في مجلس الوزير عبيد الله بن سليمان (2)، فحكم الحسن بن علي الكاتب (3) فقال: الأمر في ذلك أقرب متناولا من أن يقع لأحد فيه شك، انظروا أشدهما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو الأشد على المسلمين.
فقال الوزير: لله درك من صادع بالحق، حاكم بالعدل.
4 - بعضهم: بينا هذه الدنيا ترضع بدرّتها، وتصرح عن زبدتها، وتلحف فضل جناحها، وتغر بركود رياحها، إذ عطفت عطف الضروس (4)، وضرحت ضرح الشموس (5)، وأراقت ما حلبت من النعيم فالفائز من لم يغر بنكاحها، واستعد لو شك طلاقها.
5 - الشعبي: لا تذهب الدنيا حتى يصير العلم جهلا، والجهل علما.
6 - سديف (6) في خطبة: قد صار فيؤنا دولة بعد القسمة، وامامتنا
__________
(1) الحبة البطينة: التي لها بطن وهي الناضجة الممتلئة.
(2) عبيد الله بن سليمان: هو عبيد الله بن سليمان بن وهب الحارثي، وزير المعتمد العباسي ثم المعتضد. توفي سنة 288هـ. راجع الوزراء والكتاب للجهشياري.
(3) الحسن بن علي الكاتب: لم نقف له على ترجمة.
(4) الضروس: صفة للناقة وهي الشرسة السيئة الخلق.
(5) ضرحت ضرح الشموس: رمحت رمح الضروس.
(6) سديف: هو سديف بن إسماعيل بن ميمون. شاعر حجازي من أهل مكة كان متعصبا لبني هاشم أيام دولة الأمويين. قتل بإيعاز من المنصور العباسي، قتله عبد الصمد بن علي عامل المنصور على مكة وذلك سنة 146هـ. ويقال إنه دفن حيا. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 647وتهذيب ابن عساكر 6: 66.(1/446)
غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثا بعد الإختيار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف (1) بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة اللهمّ وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهيته، وحرف وليده، واستجمع طريده، وضرب بجرانه اللهمّ فأتح له من الحق يدا حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره.
7 - إهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي:
لعمر أبيك فلا تجزعي ... لقد ذهب الخير إلّا قليلا
وقد فتن الناس في دينهم ... وخلى ابن عفان شرا طويلا
8 - أبو العتاهية:
يعمر بيت بخراب بيت ... يعيش حي بتراث ميت
9 - كان معاوية يقول: معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان لم يأت.
10 - عن شيخ من همدان: بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع (2)
بهدايا فمكثت حولا لا أصل إليه، ثم أشرف إشرافة من كوة له فخر من حول القصر سجدا. ثم رأيته بعد، وقد هاجر إلى حمص، يشتري اللحم بدرهم، ويسمطه (3) خلف دابته. وهو القائل:
أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها في عناء وأذى
__________
(1) المعازف: جمع معزف وهو آلة من آلات الطرب كالطنبور والعود والقيثارة.
(2) ذو الكلاع: هو ذو الكلاع الأصغر الحميري. من ملوك اليمن المعروفين بالأذواء.
كان في أواخر العصر الجاهلي ولمّا ظهر الإسلام أسلم. قدم المدينة وشهد اليرموك ثم سكن حمص وكان مع معاوية في صفين، قتل بها سنة 37هـ. راجع ترجمته في الإصابة 2: 183وتهذيب ابن عساكر 5: 266.
(3) سمطه: علّقه على السموط وهي السيور تعلّق في مؤخر السرج وتشدّ بها حوائج الأعراب.
إن صفا عيش امرىء في صبحها ... جرعته ممسيا كأس القذى (1)
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشا قيل ذا
11 - كانت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود (2) فسبقها، فاشتد على الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام:(1/447)
__________
(3) سمطه: علّقه على السموط وهي السيور تعلّق في مؤخر السرج وتشدّ بها حوائج الأعراب.
إن صفا عيش امرىء في صبحها ... جرعته ممسيا كأس القذى (1)
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشا قيل ذا
11 - كانت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود (2) فسبقها، فاشتد على الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام:
إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من هذه الدنيا إلّا وضعه.
12 - أنس: ما من يوم ولا ليلة، ولا شهر ولا سنة، إلّا والذي قبله خير منه سمعت ذلك من نبيكم صلّى الله عليه وسلّم.
13 - يونس بن ميسرة (3): لا يأتي علينا زمان إلّا بكينا منه، ولا تولى عنا زمان إلّا بكينا عليه. ومنه قوله:
رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه
14 - ونحوه قول المشرف المصري (4):
أبكي إلى لقياهما حتى إذا ... دنوا إلي بكيت من لقياهما
15 - أبو العتاهية:
يا صاحب الدنيا المحب لها ... أنت الذي ما ينقضي تعبه
إنّ استهانتها بمن صرعت ... لبقدر ما تعلو به رتبه
(1) القذى: الوسخ والقش وغير ذلك ممّا يقع في العين. وهنا كناية عن الكأس المرّة أراد بها المصيبة.
(2) القعود من الإبل: البكر.
(3) يونس بن ميسرة: عابد من أهل الشام. كان يقرىء في مسجد دمشق. أدرك معاوية وروى عنه كثيرون، يعدّ من الثقات. قتل سنة 132هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 5: 250وتهذيب التهذيب 11: 448.
(4) المشرف المصري: قال المرزباني في معجم الشعراء: كان على عهد المهدي بمصر، ومدح علي بن سليمان بن علي وغيره. وفي الأصل المشرك المصري وليس في مراجعنا من هو بهذا الأسم.(1/448)
16 - عبد الله بن خنيق الأنطاكي (1): ما بقي على وجه الأرض مستوحش منه، أولهم أنا.
17 - مر أبو سفيان (2) بعد إسلامه بأحد، فقيل له: أي يوم لك ههنا!! فقال: والآن لو وجدت رجالا.
18 - إذا كان آخر الزمان قام القريع (3) بصفع البابغان (4):
19 - وجد في صندوق عبد الله بن الزبير صحيفة فيها مكتوب: إذا كان الحديث خلفا (5)، والمقيت (6) إلفا، وكان الولد غيظا، والشتاء غيضا، وغاض الكرام غيضا، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفر، في جبل قفر، خير من ملك بني النضر (7).
20 - إسماعيل بن عمّار الأسدي (8):
بكت دار بشر شجوها إذ تبدّلت ... هلال بن مرزوق ببشر بن غالب
__________
(1) عبد الله بن خنيق الأنطاكي: ولعلّه عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي كما جاء في معجم البلدان.
(2) أبو سفيان: هو والد معاوية بن أبي سفيان. تقدّمت ترجمته.
(3) القريع: نوع من الطير من الجوارح يصيد الجرذان وفراخ الطيور.
(4) البابغان: هو الببّغاء الطائر المعروف الذي يردّد كلام الإنسان ويقتنى في البيوت في قفص.
(5) الحديث الخلف: الرديء.
(6) الحديث المقيت: البغيض.
(7) النضر: هو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، من بني نزار، من عدنان، جدّ جاهلي، من سلسلة النسب النبوي. كنيته أبو يخلد وقيل: إسمه قيس، ولقّب بالنضر لجماله. بنوه قبائل وبطون كثيرة. كانت مساكنهم حول مكة وما والاها. وفي النسّابين من يرى أنه هو «قريش». أمّه: برة بنت مر بن أد. راجع الكامل لابن الأثير 2: 10والطبري 2: 188وسبائك الذهب 10وجمهرة الأنساب 17010.
(8) إسماعيل بن عمار الأسدي: لم نقف له على ترجمة.
وما هي إلّا كالعروس تنقّلب ... على رغمها من هاشم في محارب (1)
21 - نصر بن سيّار حين جاشت خراسان بالمسودّة (2):(1/449)
__________
(8) إسماعيل بن عمار الأسدي: لم نقف له على ترجمة.
وما هي إلّا كالعروس تنقّلب ... على رغمها من هاشم في محارب (1)
21 - نصر بن سيّار حين جاشت خراسان بالمسودّة (2):
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الشر مبدؤه كلام
وقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام (3)
22 - بعض العلوية:
أرى نارا تشب بكل واد ... لها في كل ناحية شعاع
وقد نامت بنو العباس عنها ... وباتت وهي آمنة رتاع (4)
كما رقدت أمية ثم هبت ... لتدفع حين ليس بها دفاع
23 - كتب مفلس على فص خاتمه: أصبر فالدهر دول.
24 - سقراط: إذا رأت العامة منازل الخاصة حسدتها، وتمنّت أمثالها فإذا رأت مصارعها بدا لها (5)، واغتبطت بحالها.
25 - وإنما الدنيا دول، كراحل فيها نزل، أو نازل قيل رحل.
(1) بنو محارب: قبائل كثيرة منهم محارب بن عمر بن عبد القيس.
(2) نصر بن سيّار: تقدّمت ترجمته. والمسوّدة: هم الذين اتخذوا السواد شعارا لهم وهم الذين قاموا بأمر الدعوة العباسية.
(3) قال نصر هذه الأبيات عندما قويت الدعوة العباسية، بعث بها إلى مروان بالشام يحذّره وينذره من خطر المسودة.
(4) رتع في المكان: أقام وتنعّم وأكل فيه وشرب ما شاء في خصب وسعة ورغد فهو راتع جمع رتاع.
(5) بدا لها: أي جدّ لها رأي. والبداء: هو أن يبدو لك شيئا ما تريد فعله ثم يتغيّر رأيك فيه فتفعل غير ما كنت عزمت فعله سابقا. والبداء عند الشيعة الإمامية هو المحو والإثبات كما هو مفهوم الآية الكريمة: {يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتََابِ}.(1/450)
26 - قيل لابن الجهم (1) بعدما صودر: أما تفكر في زوال نعمتك؟
قال: لا بد من الزوال، فلأن تزول نعمتي وأبقى خير من أن أزول وتبقى.
27 - أنشد السيرافي (2) لابن الأعرابي (3):
عن الأيام عدّ فعن قليل ... ترى الأيام في صور الليالي
28 - علي رضي الله عنه: ما قال الناس لشيء طوبى، إلّا وقد خبأ الدهر له يوم سوء.
29 - من كلام الجاهلية الأولى: كل مقيم شاخص (4)، وكل زائد ناقص.
30 - ابن المعتز: تذل الأشياء للتقدير، حتى يصير الهلاك في التدبير.
31 - عقدوا ألوية الفتنة، واطلقوا عقال البدعة.
32 - بشار بن برد (5): لقد كنت في زمان، وأدركت أقواما لو احتفلت الدنيا ما تحملت إلّا بهم، وإني لفي زمان ما أرى عاقلا حصيفا، ولا فاتكا ظريفا، ولا ناسكا عفيفا، ولا جوادا شريفا، ولا خادما نظيفا، ولا جليسا خفيفا ولا من يساوي على الخبزة رغيفا.
33 - العباس بن عبد المطلب (6):
__________
(1) ابن الجهم: هو علي بن الجهم المتوفّى سنة 249هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) السيرافي: هو الحسن بن عبد الله السيرافي المتوفّى سنة 361هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد المتوفّى سنة 231هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) كل مقيم شاخص: أي كل مقيم ذاهب، خلاف مقيم.
(5) بشار بن برد: هو الشاعر الضرير المتّهم بالزندقة. مات ضربا بالسياط سنة 167هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 112وطبقات ابن المعتزّ 21والموشّح 246.
(6) العباس بن عبد المطلب: عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام. وكانت له سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام. توفي في المدينة سنة 32هـ وعمره 83سنة. راجع ترجمته في أسد الغابة وصفة الصفوة 1: 203.(1/451)
إذا مجلس الأنصار خفّ بأهله ... وحلّت بواديهم غفار وأسلم (1)
فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت تعلم
34 - حماد الراوية (2): شاهدنا في هذا المسجد، يعني مسجد الكوفة، قوما كانوا إذا خلعوا الحذا وعقدوا الحبى، وناشوا أطراف الحديث، أخبروا السامع وأخرسوا الناطق.
35 - كتب أبو العيناء (3) إلى عبيد الله بن سليمان في نكبته: قد علمت أطال الله بقاك أن الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور، لأن اللئيم يزيد من النعمة لؤما، ولا تزيد المحنة الكريم إلّا كرما، هذا متكل على رازقه، وذا يسيء الظن بخالقه.
36 - كتب معاوية إلى زياد: اعزل حريث بن جابر (4): فإني ما أذكر فتنة صفين إلّا كانت حزازة (5) في صدري. فكتب إليه: خفض عليك يا أمير المؤمنين، فقد بسق حريث بسوقا لا يرفعه عمل، ولا يضعه عزل.
37 - وروي أنه كتب إليه: أنظر رجلا يصلح لثغر الهند فولّه، فكتب زياد: إن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة (6)، فكتب معاوية: بأي يومي الأحنف بن قيس نكافيه،
__________
(1) غفار: قبيلة من كنانة. وأسلم: بطن من خزاعة.
(2) حمّاد الراوية: هو حماد بن سابور بن المبارك، أبو القاسم. ولد بالكوفة سنة 95هـ، أصله من الديلم. كان من أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها.
وهو الذي جمع السبع الطوال (المعلقات). كان يرمى بالزندقة. قيل: كان يقول الشعر الجيّد ويضيفه إلى الشعراء المتقدّمين، وهو أول من لقّب بالراوية. ولد سنة 95هـ وتوفّي سنة 155هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 271ووفيات الأعيان 1: 164.
(3) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم المتوفّى سنة 283هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) حريث بن جابر: لم نقف له على ترجمة.
(5) الحزازة: وجع في القلب من غيظ ونحوه أو كل ما حزّ في القلب أو الصدر فآلمه.
(6) سنان بن سلمة: من أهل المدينة. تولّى إمارة البحرين وروى الحديث عن عمر بن الخطاب توفي في آخر ولاية الحجاج. راجع طبقات ابن سعد.(1/452)
أبخذلان أم المؤمنين، أم بسعيه علينا يوم صفين؟ فوجه سنانا. فكتب إليه: إن الأحنف قد بلغ من الشرف ومن الحلم والسؤدد ما لا ترفعه الولاية ولا يضعه العزل.
38 - أنشد هشام بن عروة (1) لزيد بن عمرو بن نفيل (2):
إذا كان الخطاء أقل ضرا ... وأنفع في الخطوب من الصواب
وكان النوك يلحق بالثريا ... وكان العقل يدفن في التراب (3)
وعطّلت المكارم والمعالي ... وأغلق دون ذلك كل باب
وأقصي كل ذي حسب ودين ... وقرّب كل مهتوك الحجاب
وولّي بعضهم حربا وخرجا ... وولّي بعضهم فصل الخطاب
فما أحد أظن بما لديه ... من المتحرج المحض اللباب
39 - مطرف (4): لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك، ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم (5)، وسوء منقلبهم.
40 - شيخ من بني تميم: ما أسرع انتقالهم وما هم فيه، ثم بكى وقال: إن عمرا قصيرا يستوجب صاحبه النار مشؤوم على صاحبه.
__________
(1) هشام بن عروة: هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوّام. ولد في المدينة المنورة سنة 61هـ. وهو من أئمة الحديث. كان من خاصة المنصور. توفي في بغداد سنة 146هـ. راجع ترجمته في نسب قريش 241وشرح ألفيّة العراقي 1: 182 ومرآة الجنان 1: 302.
(2) زيد بن عمرو بن نفيل: هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزّى العدوي، ابن عم عمر بن الخطاب، حكيم جاهلي، كان عدوا لوأدالبنات. توفي قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بخمس سنوات. راجع الإصابة وخزانة البغدادي 3: 99.
(3) النوك: الحمق.
(4) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير المتوفى سنة 89هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) سرعة ظعنهم: سرعة إرتحالهم وزوالهم.(1/453)
41 - مر بعضهم على قصر خرب فقال: ذهبت أعمارهم، وبقيت أعمالهم.
42 - لما قتل عامر بن إسماعيل (1) مروان بن محمد، ونزل في داره، وقعد على فرشه، دخلت عليه عبدة بنت مروان (2) فقالت: يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فرشه، وأقعدك عليها، لمبلغ في عظتك إن عقلت.
43 - مالك بن دينار (3): مررت على قصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن:
ألا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يذهب بساكنك الزمان
ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب، وثمّة عجوز فقالت: يا عبد الله قد والله دخلها الحزن، وذهب بأهلها الزمان.
44 - أبو العتاهية:
لئن كنت بالدنيا بصيرا فإنما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
45 - عبد الملك بن عمير (4): رأيت رأس الحسين عليه السّلام بين يدي
__________
(1) عامر بن إسماعيل: قائد، كان في جيش عبد الله بن علي في وقعة الزاب، قصد مصر في طلب مروان بن محمد. راجع ابن الأثير والطبري.
(2) عبدة بنت مروان: لم نقف لها على ترجمة.
(3) مالك بن دينار: من رواة الحديث، كان ورعا يكتب المصاحف بالأجرة. توفي بالبصرة سنة 130هـ وفي سنة وفاته خلاف. راجع ترجمته في حلية الأولياء 2:
357 - والوفيات 1: 440والتهذيب 10: 14.
(4) عبد الملك بن عمير: هو عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة. ذكره ابن حبان في ثقات رواة الحديث. روى عن كثيرين وروى عنه كثيرون. توفّي سنة 136وعمره 103سنوات. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 411.(1/454)
ابن زياد (1) في قصر الكوفة، ثم رأس ابن زياد بين يدي المختار (2)، ثم رأسه بين يدي مصعب (3)، ثم رأسه بين يدي عبد الملك. قال سفيان (4):
فقلت له: كم كان بين أول الرؤوس وآخرها؟ قال: إثنتا عشرة سنة.
46 - كانت للنعمان بن المنذر بن ماء السماء وهو النعمان الأصغر الذي قتله أبرويز تحت أرجل الفيلة قبل مبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسنتين، وولّي مكانه إياس بن قبيصة (5) بنتان قد ترهبتا: هند صاحبة دير هند (6)
بنته بظاهر الكوفة، والحرقة (7) وحين فتح خالد بن الوليد عين التمر (8)، سأل عن الحرقة، فأتاها وسألها عن حالها فقالت: لقد طلعت علينا الشمس وما من شيء يدب حول الخورنق (9) إلّا تحت أيدينا، ثم غربت وقد رحمنا كل من يدور به، وما من بيت دخلته حبرة (10) إلّا دخلته عبرة وأنشأت تقول:
__________
(1) ابن زياد: هو عبيد الله بن زياد. تقدّمت ترجمته.
(2) المختار: هو المختار بن أبي عبيد الثقفي. تقدّمت ترجمته.
(3) مصعب: هو مصعب بن الزبير بن العوام. تقدّمت ترجمته.
(4) سفيان: هو سفيان الثوري. تقدّمت ترجمته.
(5) إياس بن قبيصة: كان من أشراف طيّ وفصحائها وشجعانها في الجاهلية. ولّاه كسرى أبرويز الحيرة ثم عزله وولّى النعمان بن المنذر أبا قابوس، ثم أعاده أبرويز بعد قتل النعمان. توفي سنة 40ق. هـ. راجع ترجمته في شعراء النصرانية 135والعرب قبل الإسلام 212.
(6) دير هند: هو دير هند الصغرى بنت النعمان بن المنذر توفيت نحو سنة 74هـ. كان بظاهر الحيرة. راجع التفاصيل في معجم البلدان وفي معجم ما استعجم للبكري.
(7) الحرقة: قيل: هي أخت هند بنت النعمان، وقيل: هي هند نفسها وحرقة لقب لها. راجع شعرها والتفاصيل عنها في كتابنا «معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام» ص 260.
(8) عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة. راجع معجم البلدان 4: 176.
(9) الخورنق: قصر كان بظهر الحيرة. تقدّم التعريف به. وراجع معجم البلدان 2: 401.
(10) الحبرة: الفرح والسرور والنعمة.(1/455)
بينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن منهم سوقه نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف (1)
وأتت سعد بن أبي وقاص (2) في جوار لها في مثل زيها، فقال: سعد قاتل الله عدي بن زيد كأنه ينظر إليها حيث يقول:
إن للدهر صرعة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا
قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمنا مسرورا
ثم أكرمها وأحسن جائزتها فلما قامت قالت: أحييك تحية أملاكنا بعضهم بعضا: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولا نزع عن عبد صالح نعمة إلا جعلك سببا لردها عليه، فلقيها النساء وقلن: ما فعل بك الأمير؟
فقالت:
حاط لي ذمتي وأكرم وجهي ... إنما يكرم الكريم الكريما (3)
47 - دخل أبو الأملاك (4) رضي الله عنه على أبي الذبان (5) في يوم قر (6)، وهو على فرش كاد يغيب فيها، فقال يا ابن عباس إني لأحسب اليوم أصبح باردا، قال: أجل وإن ابن هند عاش في مثل ما ترى أربعين سنة، عشرين أميرا وعشرين خليفة، ثم هو ذاك على قبره ثمامة (7) نابتة.
__________
(1) تقلب تارات بنا وتصرف: أي لا تدوم على حال.
(2) سعد بن أبي وقاص: هو صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولد بمكة سنة 23ق. هـ. وشهد المشاهد كلّها وكان قائد جيش الفتح في القادسيّة. توفي في قصره بالعقيق سنة 55هـ. راجع ترجمته في الإصابة 3: 83وحلية الأولياء 1: 92.
(3) وردت هذه الرواية في الديارات، ومعجم البلدان، وزهر الآداب مع اختلاف في بعض الألفاظ، وراجع الأغاني (بشرحنا 24: 63) طبعة دار الكتب العلمية.
(4) أبو الأملاك: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أو إبنه علي بن عبد الله. كنّي أبا الأملاك لأنه بشّر بأن أبناءه سيملكون الدنيا.
(5) أبو الذبّان: لقب عبد الملك بن مروان. لقّب بذلك لتقيّح أسنانه ونتن فمه وحوم الذبّان حوله.
(6) اليوم القرّ: البارد.
(7) الثمامة: شجر، واحدته ثمامة وهي على أنواع، تتّخذ منها المكانس ويظلّل بخوصها المزاد فيبرد الماء. وقيل: الثمام: نبت ضعيف له خوص يسدّ به خصاص البيوت.(1/456)
48 - قال الأصمعي: بلغني أن عبد الملك بن مروان ومحمد بن جبير بن معطم (1) مرا بقبر معاوية، فإذا عليه ثمامة تهتز.
49 - كان محمد بن عبد الله بن طاهر (2) في قصره على دجلة ينظر، فإذا هو بحشيش على وجه الماء، في وسطه قصبة على رأسها رقعة، فدعا بها فإذا فيها:
تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقل له خير ما ساتعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
فما انتفع بنفسه مدة.
50 - نبغ بعد الخمول، ونجم بعد الأفوال، فاستطار سناه (3) ثم خبا، ونهض به القضاء ثم كبا.
51 - الخثعمي (4):
__________
(1) محمد بن جبير بن مطعم: من تابعي أهل المدينة، ذكره ابن حبان في الثقات. كان عالما بأحاديث قريش. قيل إنه توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك. راجع طبقات ابن سعد 5: 151وتهذيب التهذيب 9: 91.
(2) محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي. ولد سنة 209وولي نيابة بغداد أيام المتوكل وله في فتنة المعتز بالله أخبار كثيرة. كان شاعرا أديبا جوادا. توفي ببغداد سنة 253هـ. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 2: 340والمحبر لابن حبيب 372.
(3) استطار سناه: تألّق ضوؤه.
(4) الخثعمي: خثعم: هو خثعم بن أنمار بن أراش، من كهلان، من قحطان، جدّ جاهلي. كانت منازل بنيه في سروات اليمن والحجاز. صنمهم في الجاهلية «ذو الخلصة» وكانوا يدعون مكانه «الكعبة اليمانية» يشاركهم فيه بنو بخيلة. وافترق أبناء خثعم في الآفاق أيام الفتح. ومن قبائل خثعم: شهران، وناهس، وكود، وأكلب.
والمنتسبون إلى خثعم من الشعراء: حجل بن عمرو، وعمرو بن أبي الفوارس، وعباس بن حنيفة. ولم يتبيّن لنا من قائل هذين البيتين.(1/457)
خنازير ناموا عن المكرمات ... فنبههم قدر لم ينم
فيا قبحهم عندما خولوا ... ويا حسنهم في زوال النعم
52 - لا تكن ممن يحسن ما نقصت قدرته فإذا قدر قصر، ويحمل ما انقبضت يده فإذا انبسطت تغير.
53 [شاعر]:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
54 - الدهر إذا أتى بسجواء سجسج (1) تعقبها بنكباء زعزع (2).
55 [شاعر]:
وكذاك شرب العيش فيه تلون ... بيناه عذب إذ تحول آجنا
56 - يحي بن خالد (3): أعطانا الدهر فأسرف، ثم عطف علينا فقصف.
57 [شاعر]:
فيا لنعيم ساعدتنا صدوره ... وخاست بنا أكفاله والروادف
58 - استبدل من الطيب خبيثا، واستعاض من التذكير تأنيثا.
59 - تكدر من مناهله (4) ما صفا، وتقلص من حواشيه ما ضفا (5).
__________
(1) يقال: ريح سجواء، وريح سجسج: أي ساكنة. ويقال: ليلة سجواء وساجية إذا كانت ساكنة البرد والريح والسحاب. قال ابن الرومي:
يا حبذا ليل أيلول إذا بردت ... فيه مضاجعنا والريح سجواء
راجع ديوانه (بشرحنا وتحقيقنا 1: 29) طبعة دار ومكتبة الهلال.
(2) الريح النكباء الزعزع: هي كل ريح انحرفت ووقعت بين ريحين، وهي التي تهلك الماشية وتحبس المطر وتكون شديدة.
(3) يحيى بن خالد: هو يحيى بن خالد بن برمك. تقدّمت ترجمته.
(4) المناهل: جمع منهل وهو المورد وموضع الشرب.
(5) ضفا الثوب وغيره: طال.(1/458)
60 [شاعر]:
أزل ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع (1)
61 - بعضهم: رأيت إبراهيم بن المهدي في هذه الدار، يعني في دار الخلافة، في خمس طبقات: رأيته في أيام الرشيد والمأمون في طبقة الخلطاء، ثم رأيته خليفة، ثم رأيته في مرتبة العامة، ثم رأيته في مرتبة الندماء، ثم رأيته في أيام المعتصم في مشايخ بني هاشم.
62 - أنشد إسحاق الموصلي إبراهيم بن المهدي حين حبس:
هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوما تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السماك ويوما تخفض العالي
فما أمسى حتى وردت عليه الخلع من المأمون ورضي عنه.
63 - إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير.
64 - الراضي بالله (2): عند تقلب الأحوال تعرف جواهر الرجال.
65 - زمام العافية بيد البلاء، ورأس السلامة تحت جناح العطب.
66 - كان طاووس (3) رحمه الله إذا قدم مكة نزل بصديق له، فقال ذات يوم: يا أبا عبد الرحمن، إن الدنيا أقبلت علينا حتى لو اشترينا ترابا لربحنا فيه، ولو أن البيضة سقطت من السطح لم تنكسر فقطع النزول به. فأتاه الرجل بعد ذلك فقال: إن الدنيا قد أدبرت عنا فنزل به فسأله
__________
(1) سليمان: هو النبي سليمان بن داود عليه السّلام.
(2) الراضي بالله: هو محمد بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد، الراضي بالله، أبو العباس. خليفة عباسي، تفككت عرى الدولة في أيامه. مات ببغداد سنة 329هـ ودفن بالرصافة وكان مولده سنة 291هـ.
راجع ترجمته في مروج الذهب (بشرحنا 4: 342طبعة مؤسسة الأعلمي) والبداية والنهاية 11: 196.
(3) طاووس: هو طاووس بن كيسان. تقدّمت ترجمته.(1/459)
الرجل، فقال: إني رأيت الله قد أدبر عنكم فأدبرت. ثم رأيت الله قد أقبل عليكم فأقبلت.
67 - نحن في زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب، فإذا ذكرنا الأحياء ماتت.
68 - عبيد الله بن الحر (1):
تبيت النشاوى من أمية نوما ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها (2)
وما ضيع الإسلام إلّا قبيلة ... تأمر نوكاها ودام نعيمها (3)
وأضحت قناة الدين في كف ظالم ... إذا اعوج منها جانب لا يقيمها
69 - ابن الرقاع (4):
زالت قضاعة عنها بعدما سكنت ... بها سنين فصارت أهلها مضر
70 - آخر:
كانت على سالف الأيام مقبلة ... يحلها من سراة الناس خيار
فأدبرت منذ صار العلج يسكنها ... وللمنازل إقبال وإدبار (5)
71 - من عجائب نوائب الدنيا قطع يد أبي علي بن مقلة (6)، ثم قطع لسانه، ثم مراسلته القاطع وهو الراضي بالله بعد ذلك في أن
__________
(1) عبيد الله بن الحر: هو عبيد الله بن الحر بن عمرو الجعفي. من بني سعد العشيرة.
كان من أصحاب عثمان، فلما قتل عثمان انحاز إلى معاوية ولم يشهد فاجعة الحسين. مات غريقا سنة 69هـ وكان شاعرا فحلا. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 296والجمحي 59.
(2) الطفّ: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه.
(3) النوكى: الحمقى. والأنوك: الأحمق.
(4) ابن الرقاع: هو عديّ بن الرقاع العاملي. تقدّمت ترجمته.
(5) العلج: الضخم من رجال العجم.
(6) ابن مقلة: هو محمد بن علي المتوفّى سنة 328هـ. تقدّمت ترجمته.(1/460)
يستوزره، وإطماعه في تصحيح المال الذي قطع بسببه، وإظهاره للاقتدار على الكتبة (1) بحيلة يحتالها بيمينه أو بيساره.
72 - ومن عجائب اتفاقاته أنه قلّد الوزارة ثلاث دفعات، لثلاثة من الخلفاء: المقتدر (2) والقاهر (3) والراضي وسافر في عمره ثلاث سفرات:
إثنتين إلى شيراز، وواحدة إلى الموصل ودفن ثلاث مرّات: دفن في دار السلطان، ثم سأل أهله تسليمه إليهم فنبش، ودفنه إبنه أبو الحسين في داره، ثم نبشته جهته (4) المعروفة بالدينارية، فدفنته في دارها بقصر أم حبيب (5)، ويروى له:
بعت ديني لهم بدنياي حتى ... حرموني دنياهم بعد ديني
__________
(1) الكتبة: الكتابة.
(2) المقتدر: هو الخليفة المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن طلحة ولد ببغداد سنة 282هـ. وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفي سنة 295هـ. خلع سنة 296هـ لأنه كان ضعيفا وقتل سنة 320هـ.
راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 3: 233وتاريخ الخميس 2: 345.
(3) القاهر: هو الخليفة القاهر بالله محمد بن أحمد المعتضد بن طلحة الموفق العباسي.
ولد سنة 287هـ وبويع بالخلافة سنة 317هـ فأقام يومين وخلع وسجن، ثم بويع وخلع وحبس وسملت عيناه وتوفي ببغداد سنة 339هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1: 339.
(4) الجهة: لفظة تطلق على أميرات البيت المالك.
(5) أم حبيب: من بنات هارون الرشيد. كان قصرها في الجانب الشرقي من بغداد مشرفا على شارع الميدان. وولد للرشيد من البنات: سكينة وأمّها قصف وهي أخت القاسم، وأم حبيب (صاحبة القصر) وأمّها ماردة وهي أخت أبي إسحاق المعتصم، وأروى أمّها حلوب، وأم الحسن أمّها عرابة، وأم محمد وهي حمدونة، وفاطمة وأمّها غصص واسمها مصفّى، وأم أبيها أمّها سكّر، وأم سلمة أمّها رحيق، وخديجة أمّها شجر وهي أخت كريب، وأمّ القاسم أمّها خزف، ورملة أم جعفر أمّها حلي، وأم علي أمّها أنيف، وأم الغالية أمّها سمندل، وريطة أمّها زينة. وكان الرشيد مزواجا تزوج ست نساء ومات عن أربع مهائر. راجع زواجة وأسماء زوجاته وما ولد له من الأولاد والبنات في مقدمة كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد» ص 2120طبعة دار الفكر اللبناني.
ليس بعد اليمين لذة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني
73 - عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن عمل وقلّده جعفرا (1)
فكتب يحيى (2) إلى الفضل: قد رأى أمير المؤمنين أن تحول الخاتم من شمالك إلى يمينك فأجاب الفضل: سمعا لأمير المؤمنين وطاعة، وما انتقلت عني نعمة صارت إلى أخي.(1/461)
__________
(5) أم حبيب: من بنات هارون الرشيد. كان قصرها في الجانب الشرقي من بغداد مشرفا على شارع الميدان. وولد للرشيد من البنات: سكينة وأمّها قصف وهي أخت القاسم، وأم حبيب (صاحبة القصر) وأمّها ماردة وهي أخت أبي إسحاق المعتصم، وأروى أمّها حلوب، وأم الحسن أمّها عرابة، وأم محمد وهي حمدونة، وفاطمة وأمّها غصص واسمها مصفّى، وأم أبيها أمّها سكّر، وأم سلمة أمّها رحيق، وخديجة أمّها شجر وهي أخت كريب، وأمّ القاسم أمّها خزف، ورملة أم جعفر أمّها حلي، وأم علي أمّها أنيف، وأم الغالية أمّها سمندل، وريطة أمّها زينة. وكان الرشيد مزواجا تزوج ست نساء ومات عن أربع مهائر. راجع زواجة وأسماء زوجاته وما ولد له من الأولاد والبنات في مقدمة كتابنا «الطرب والنشيد في مجالس هارون الرشيد» ص 2120طبعة دار الفكر اللبناني.
ليس بعد اليمين لذة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني
73 - عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن عمل وقلّده جعفرا (1)
فكتب يحيى (2) إلى الفضل: قد رأى أمير المؤمنين أن تحول الخاتم من شمالك إلى يمينك فأجاب الفضل: سمعا لأمير المؤمنين وطاعة، وما انتقلت عني نعمة صارت إلى أخي.
74 - كتب عامل إلى المصروف به (3): قد قلّدت العمل بناحيتك فهنأك الله تجدد ولايتك، وأنفذت خليفتي بخلافتك، فلا تحله من هدايتك، إلى أن يمن الله بزيارتك. فأجابه: ما انتقلت عني نعمة صارت إليك، ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك، وإني لأجد صرفي ولاية ثانية، وصلة من الوزير وافية، لما أرجو لمكانك من حسن الخاتمة، ومحمود العاقبة، والسلام.
75 - إبراهيم بن عيسى الكاتب (4) في إبراهيم بن المدبر (5):
لتهن أبا إسحاق أسباب نعمة ... مجددة بالعزل والعزل أنبل
شهدت لقد منوا عليك وأحسنوا ... لأنك يوم العزل أعلى وأفضل
76 - الدورقي (6):
لا بد يا نفس من سجود ... في زمن السوء للقرود
(1) جعفر: هو جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك. تقدّمت ترجمته.
(2) يحيى: هو يحي بن خالد بن برمك. تقدّمت ترجمته.
(3) المصروف به: أراد المصروف من عمله.
(4) إبراهيم بن عيسى الكاتب: لم نقف له على ترجمة.
(5) إبراهيم بن المدبّر: هو وزير المعتمد العباسي. توفي ببغداد سنة 279هـ. متقلدا ديوان الضياع للمعتضد. راجع الطبري 11: 341ومعجم الأدباء 1: 226.
(6) الدورقي: هو محمد بن الدورقي مولى عبد الله بن مالك بن يزيد الخزاعي. شاعر، رقيق الشعر لكنه بذيء اللسان. راجع ترجمته في طبقات ابن المعتز ومعجم الشعراء 391.
هبت لك الريح يا ابن وهب ... فخذ لها أهبة الركود (1)
77 - أدخل عمرو بن الليث إلى بغداد على فالج (2) كان أهداه إلى المعتضد فقال أبو علي بن الفهم (3):(1/462)
__________
(6) الدورقي: هو محمد بن الدورقي مولى عبد الله بن مالك بن يزيد الخزاعي. شاعر، رقيق الشعر لكنه بذيء اللسان. راجع ترجمته في طبقات ابن المعتز ومعجم الشعراء 391.
هبت لك الريح يا ابن وهب ... فخذ لها أهبة الركود (1)
77 - أدخل عمرو بن الليث إلى بغداد على فالج (2) كان أهداه إلى المعتضد فقال أبو علي بن الفهم (3):
ألم تر هذا الدهر كيف صروفه ... تكون يسيرا مرة وعسيرا (4)
وحسبك بالصفار نيلا وعزة ... يروح ويغدو للجيوش أميرا
حباهم بأجمال ولم يدر أنه ... على جمل منها يقاد أسيرا
78 - حطمة بن قندش الطائي (5) يرثي أخاه:
وكان زئير الأسد لا يستفزني ... فلما مضى بصبصت عند النوائح (6)
79 - علي رضي الله عنه: وأيم الله ما كان قوم قط في خفض من عيش فزال عنهم إلّا بذنوب اجترموها، لأن الله تعالى ليس بظلّام للعبيد ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا (7) إلى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد.
وعنه: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها (8)، عطف الضروس (9) على ولدها، وتلا قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوََارِثِينَ} (10).
(1) ابن وهب: لعله يريد أحمد بن سليمان بن وهب. كان كاتبا شاعرا من أهل بغداد.
(2) الفالج: الجمل الضخم ذو السنامين.
(3) أبو علي بن الفهم: لم نقف له على ترجمة.
(4) صروف الدهر: مصائبه.
(5) حطمة بن قندش الطائي: لم نقف له على ترجمة.
(6) بصبصت: تملّقت بذلّ.
(7) فزع إلى ربّه: لجأ إليه.
(8) الشماس: خلاف العطف.
(9) الناقة الضروس: التي تعضّ حالبها.
(10) سورة القصص، الآية: 5.(1/463)
80 - محمد بن سليمان الجرمي (1) في زوال أمر محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر (2):
من كان يدري أن مثل محمد ... يغتاله ريب الزمان الأنكد
وهو الفتى لولاه ما افترع الندى ... عذر المكارم والعلى والسؤدد
81 - نفر الطائي (3):
ألا قالت بهيسة ما لنفر ... أراه غيرت منه الدهور (4)
وأنت كذاك قد غيرت بعدي ... وكنت كأنك الشّعرى العبور (5)
82 - هانىء بن مسعود الذهلي (6):
إن كسرى عدا على الملك النعما ... ن حتى سقاه أم الرقوب (7)
__________
(1) محمد بن سليمان الجرمي: كان في خدمة محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، فلما زال أمره على يد يعقوب الصفار قال محمد بن سليمان: البيتين راجع معجم الشعراء للمرزباني ص 454وهو فيه محمد بن سليمان «الحرمي».
(2) عبد الله بن طاهر: هو محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، أمير خراسان وليها بعد أبيه سنة 248هـ. توفي سنة 298هـ. راجع ترجمته في الوفيات 3: 165ودول الإسلام 1: 143.
(3) نفر الطائي: هو نفر بن جحدر بن ثعلبة، جد الطرماح بن حكيم.
(4) بهيسة: اسم امرأة.
(5) الشعرى: كوكب نيّر يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه يكون في شدّة الحرّ. تقول العرب: إذا طلعت الشعرى جعل صاحب النحل يرى. وهما الشعريان: العبور التي في الجوزاء، والغميصاء التي في الذراع، تزعم العرب أنهما أختا سهيل. (راجع التفاصيل في لسان العرب مادة شعر).
(6) هانىء بن مسعود الذهلي: هو هانىء بن مسعود بن عمرو الذهلي الشيباني. من سادات العرب في الجاهلية وهو الذي استودعه النعمان بن المنذر أهله وسلاحه وماله فلما طلبها منه كسرى امتنع من تسليمها فكانت وقعة ذي قار راجع التفاصيل في جمهرة الأنساب 304والطبري والكامل لابن الأثير 1: 171.
(7) أم العرقوب: كناية عن الموت والهلاك.
كل ملك وإن تصعّد يوما ... بأناس يعود للتصويب (1)
83 - المشرف المصري (2) في بني الأطروش الماذرائيين (3):(1/464)
__________
(7) أم العرقوب: كناية عن الموت والهلاك.
كل ملك وإن تصعّد يوما ... بأناس يعود للتصويب (1)
83 - المشرف المصري (2) في بني الأطروش الماذرائيين (3):
أما تراهم وقد حطوا براذعهم ... عن أتنهم واستبدوا بالبراذين (4)
وعرّجوا عن مشارات البقول إلى ... دور الملوك وأبواب السلاطين (5)
84 - علي رضي الله عنه: قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدبارا، والشر إلّا إقبالا، والشيطان في هلاك الناس إلّا طمعا فهذا أوان قويت عدته، وعمت مكيدته، وأمكنت فريسته أضرب بطرفك حيث شئت فهل تنظر إلّا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفرا، أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا، أو متمردا كأن بسمعه عن سمع الواعظين وفرا، أين خياركم وصلحاؤكم، وأين أحراركم وسمحاؤكم، وأين المتورعون في مكاسبهم، والمتنزهون في مذاهبهم؟ أليس قد ظعنوا (6) جميعا عن هذه الدنيا الدنية، والعاجلة المنغصة، وهل خلفتم إلّا في حثالة (7) لا تلتقي بذمهم الشفتان، استصغارا لقدرهم، وذهابا عن ذكرهم، فإنا لله وإنا إليه
(1) التصويب: الإنحدار.
(2) المشرف المصري: في الأصل «المشرك» وفي معجم الشعراء للمرزباني «مشرف» المصري. قال إنه شاعر كان على عهد المهدي ومدح علي بن سليمان بن علي وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك.
(3) الماذرائيون: نسبة إلى ما ذرايا. قال الحموي في معجم البلدان 5: 24: هي قرية فوق واسط من أعمال فم الصلح مقابل نهر سابس.
(4) البردعة والبرذعة: كساء يلقى على ظهر الحمار. والأتن: جمع أتان وهي أنثى الحمار. والبراذين: جمع برذون وهو نوع من الدواب التركية غليظ الأعضاء يستعمل للأحمال الثقيلة. راجع التفاصيل حول هذا الحيوان في رسائل الجاحظ (بتحقيقنا 2: 135و 2: 239كتاب البغال) طبعة دار الحداثة.
(5) مشارات: جمع مشارة وهي مساحة محدودة من الأرض (2500متر) تكون صالحة للزراعة.
(6) ظعنوا: ارتحلوا.
(7) حثالة الشيء: بقيّته الرديئة. وحثالة الناس هم الأنذال اللؤماء.(1/465)
راجعون ظهر الفساد فلا منكر مغير، ولا زاجر مزدجر، أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده، هيهات لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلّا بطاعته.
85 - الحارث بن عبد الله بن الحشرج الجعدي (1) في زمن أبي مسلم:
أبيت أرعى النجوم مرتفقا ... إذا استقلت تجري أوائلها (2)
من فتنة أصبحت مجللة ... قد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن ... بالشام كل شجاه شاغلها
فالناس في كربة تكاد لها ... تنبذ أولادها حواملها
يغدون منها في ظل مبهمة ... عمياء تغتالهم غوائلها (3)
86 - أحيحة بن الجلاح الأوسي (4):
وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول
وما تدري إذا ألقحت شولا ... أتلقح بعد ذلك أم تحيل (5)
ألقح فلان وأحال: إذا لقحت إبله وحالت.
وما تدري إذا أجمعت أمرا ... بأي الأرض يدركك المقيل
__________
(1) الحارث بن عبد الله بن الحشرج الجعدي: لم نقف له على ترجمة.
(2) مرتفقا: متكئا على مرفقه وهي الوسادة أو المخدّة.
(3) المبهمة العمياء: كناية عن المفازة والصحراء الواسعة. والغوائل: جمع غائلة وهي الداهية.
(4) أحيحة بن الجلّاح: شاعر، كان سيّد الأوس في الجاهلية مرابيا كثير المال. توفي قبل هاشم بن عبد مناف نحو سنة 130ق. هـ. وتزوج هاشم زوجة أحيحة وهي سلمى بنت عمرو العدوية فولدت له عبد المطلب جدّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، راجع خزانة البغدادي 2: 23.
(5) الشول: الناقة التي رفعت ذيلها للّقاح. والحائل: كل أنثى لا تحمل، ومن الإبل التي لا تلقح.(1/466)
87 - عزل أحمد بن الخصيب (1)، فقال بغا (2): أبطرته النعمة، فعالجته النقمة. وقال الحسن بن مخلد (3): لئن دخل مدخلا لا يشبهه، لقد خرج مخرجا يشبهه. وقال إبراهيم بن حمدون (4): طالت السفالة في دولته، وطلعت المروءة بزولته.
88 - كان يعقوب بن داود (5)، وزير المهدي من أكرم الناس وأعفهم، وأمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأكثرهم خيرا، فأزال نعمته بأن جاء علوي. فقتله، وألقاه في بئر، وبنى عليها قبة فبقي فيها خمس عشرة سنة، أيام خلافته وخلافة الهادي وصدرا من خلافة الرشيد، حتى أخرجه الله برحمة قذفها في قلب الرشيد وكان السبب فيه أنه حمل ذات ليلة بنية له على عاتقه، فتذكر حمل يعقوب إياه على عاتقه في صباه، فرق له، ورمى إليه بخاتم الوزارة فأباها، واستأذنه في المجاورة، فأذن له، فمات بمكة رحمه الله.
89 - كشاجم (6).
يا معرضا عني بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبله
__________
(1) أحمد بن الخصيب: من كتّاب الدواوين أيام الواثق والمتوكل والمستعين.
(2) بغا: نذكر ثلاثة بهذا الاسم: بغا الصغير وبغا الكبير وكانا قائدين ثم بغا الشرابي والثلاثة كانوا في عهد أحمد بن الخصيب الذي تقدّمت ترجمته.
(3) الحسن بن مخلد بن الجراح: ولد سنة 209هـ وتقلّد عدة مناصب. كان من كتاب الدواوين في بغداد وتولّى ديوان الضياع للمتوكل، وكان وزيرا للمعتمد سنة 263هـ.
حبسه أحمد بن طولون بانطاكية فمات فيها سنة 269هـ. راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 1: 374.
(4) إبراهيم بن حمدون: لم نقف له على ترجمة.
(5) يعقوب بن داود بن عمر السلمي بالولاء: كان يكتب لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنّى واستوزره المهدي سنة 163هـ. ثم حبسه في المطبق إلى أن أخرجه الرشيد سنة 175هـ. فاقدا بصره. توفي بمكة سنة 187هـ.
راجت ترجمته في نكت الهميان 309ومرآة الجنان 1: 417.
(6) كشاجم: هو الشاعر محمود بن الحسين المتوفّى سنة 360هـ. تقدّمت ترجمته.
هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلّا انحطاط المنزله
90 - آخر:(1/467)
__________
(6) كشاجم: هو الشاعر محمود بن الحسين المتوفّى سنة 360هـ. تقدّمت ترجمته.
هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلّا انحطاط المنزله
90 - آخر:
من لم يذق غير الزمان وصرفه ... فليمس معتبرا بهذا البائس
هذا ربيعة فاعرفوه باسمه ... كان الأمير فصار كلب الحارس
كلب الحارس مثل في ساقط ينتمي إلى ساقط.
91 - لا تقوم الولاية بذل العزل.
92 - ابن المعتز:
وذل العزل يضحك كل يوم ... وينعر في قفا الوالي المدل
93 - ألقى الدهر عليهم الكلكل (1)، وشرب وأكل. اللئيم إذا ولي اهتبل (2)، وإذا عزل ابتهل (3) عادت سهول أموره حزونا (4)، وذلول عيشه حرونا (5).
94 - وقع الصاحب (6) على رقعة عامل: إذا احتجنا إليك صرّفناك (7)، وإلّا صرفناك (8).
95 - أبو بكر الخوارزمي (9) في معزول: الحمد لله الذي ابتلى في الصغير، وهو المال، وعافى في الكبير، وهو الجمال.
(1) الكلكل: الصدر. وكلكل الدهر: مصائبه وهمومه.
(2) اهتبل: اغتنم الفرصة.
(3) ابتهل: تذلّل.
(4) الحزون من الأرض: الخشنة الغليظة والكناية هنا واضحة.
(5) الذلول: السهل الإنقياد خلاف الحرون.
(6) الصاحب: هو إسماعيل الصاحب بن عبّاد المتوفّى سنة 385هـ. تقدّمت ترجمته.
(7) صرّفناك: وجّهناك للعمل.
(8) صرفناك: استغنينا عن خدماتك.
(9) الخوارزمي: هو محمد بن العباس المتوفّى سنة 383هـ. تقدّمت ترجمته.(1/468)
96 [شاعر]:
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمّل
97 - والمال حظ ينقص ثم يزيد، وظل ينحسر ثم يعود. وفلان المولّى يوم يعزل، والمصون ساعة يبتذل، والكبير بنفسه وإن انفرد عن غيره، والمستأنس بفضله وإن استوحش من دهره.
98 [شاعر]:
إن الأمير هو الذي ... يضحى أميرا يوم عزله
إن زال سلطان الولا ... ية فهو في سلطان فضله
99 - آخر:
الدهر ذو حول والمرء ذو حيل ... فافزع إلى جبل أو فانتظر حولا (1)
100 - آخر:
ما من مسيء وإن طالت إساءته ... إلّا ستكفيه يوما ما مساعيه
101 - كتبت حظية (2) إبراهيم بن المهدي إليه في الحبس، تستأذنه في برطلة (3) الموكلين به، حتى تصل إليه، فكتب إليها:
إذا أنت أزمعت الرواح فقل لها ... قد انقطعت عني وعنك المزاير
أرادت رجوع اللهو بعد انصرافه ... ولم تدر ماذا أحدثته المقادر
فإن أعص ريعان الشباب فربما ... أطعت إليه الجهل والحلم وافر
يغر الفتى مر الليالي سليمة ... وهن به عما قليل عوائر
فأخذت الرقعة، وأوصلت إلى المأمون، فبكى وأمر بتسهيل إذنها عليه.
__________
(1) الدهر ذو حول: أي قادر. وقوله: أو فانتظر حولا: أي تغيّرا.
(2) الحظية: السريّة المكرّمة عند ملك أو أمير والجمع حظايا.
(3) برطلة الموكلين: رشوتهم. والبرطيل: الرشوة.(1/469)
102 - لما زفت بنت عبد الله بن جعفر على الحجاج نظر إليها، وعبرتها تجري على خديها، فقال: ممّ بأبي وأمي؟ قالت: من شرف اتضع، وضعة شرفت.
103 - قال عبيد بن شرية (1)، وقد أتى عليه مائتان وعشرين سنة، وقد سأله معاوية عما رأى من القرون: أدركت الناس يقولون: ذهب الناس.
104 - سوار بن الأسعر (2) في وكيع بن أبي سود (3) حين قتل قتيبة بن مسلم:
فإن نلت خيرا أو أصبت إمارة ... إلى بعض شهر أو يكون إلى شهر
فسقت وكم من فاسق قد رأيته ... أصاب ثراء ثم عاد إلى فقر
105 - شعية بن غريض اليهودي (4):
__________
(1) عبيد بن شرية: راوية من المعمرين، أول من صنّف الكتب من العرب. هو من الحكماء الخطباء في الجاهلية. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واستحضره معاوية من صنعاء إلى دمشق فسأله عن أخبار العرب الأقدمين وملوكهم فحدّثه فأمر معاوية بتدوين أخباره فأملى كتابين سمّي أحدهما «كتاب الملوك وأخبار الماضين» والثاني «كتاب الأمثال» وعاش إلى أيام عبد الملك بن مروان وتوفي نحو سنة 67هـ.
راجع ترجمته في فهرست ابن النديم 89والمعمرين والوصايا 39والأعلام 4: 189.
(2) سوار بن الأسعر: لم نقف له على ترجمة.
(3) وكيع بن أبي سود: هو وكيع بن حسان بن أبي سود التميمي. كان شجاعا مقداما فيه هوج، كما قال ابن الأثير، وهو الذي قتل قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان حين أعلن قتيبة خلع سليمان بن عبد الملك سنة 96هـ. راجع ترجمته في الطبري حوادث سنة 69وكذلك ابن الأثير.
(4) شعية بن غريض اليهودي: هو أخو السموأل، من بني قريظة، كان شاعرا وهو القائل:
ألا إني بليت وقد بقيت ... وأنى أن أعود كما عنيت
إذا لم يهتد حلمي نهاني ... وأسأل ذا البيان إذا عميت
ولا ألحى على الحدثان قومي ... على الحدثان ما تبنى البيوت
راجع المؤتلف والمختلف للآمدي ص 143والإصابة وتاج العروس (مادة سعى).(1/470)
إن امرأ أمن الحوادث وارتجى ... طول الحياة كضارب بقداح
إن أمس قد سدت عليّ مذاهبي ... أو أمس قد جمدت عليّ لقاحي
فلقد أجر الخصم يخشى درؤه ... وأرد حد جماحه بجماحي (1)
106 - نابغة بني شيبان عبد الله بن المخارق (2):
ما من أناس وإن عزّوا وإن كثروا ... إلّا يشد عليهم شدة الذيب
حتى يصيب على عمد خيارهم ... بالنافذات من النبل المصابيب
إني رأيت سهام الموت صائبة ... لكل حتف من الآجال مكتوب
من يلق بؤسا يصبه بعده فرج ... والناس بين أخي روح ومكروب (3)
101 - عبد الله بن عروة بن الزبير (4):
ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... هشّوا إليّ ورحّبوا بالمقبل
وبقيت في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهاوشت بالمنزل (5)
108 - عبد الوهاب الشلمغاني (6):
__________
(1) قوله: أرد جماحه بجماحي: أي غلبته بغلبتي.
(2) عبد الله بن المخارق: كان شاعرا نصرانيا من شعراء الدولة الأموية، مدح عبد الملك بن مروان وابنه الوليد. راجع شعره في المؤتلف والمختلف للآمدي ص 192.
(3) قوله: بين أخي روح ومكروب: أي بين إنسان مرتاح وآخر مهموم.
(4) عبد الله بن عروة بن الزبير: من ثقات رواة الحديث، كما قال الزبير بن بكّار، كان شاعرا ولد سنة 45هـ. وقيل بلغ من العمر ستا وتسعين سنة. راجع تهذيب التهذيب 5: 319.
(5) ولغ الكلب وكل ذي خطم: شرب ماء أو دما بطرف لسانه.
(6) الشلمغاني: نسبة إلى شلمغان: وهي ناحية من نواحي واسط الحجاج ينسب إليها جماعة من الكتّاب والشعراء ذكرهم ياقوت في معجم البلدان (3: 359) ولم يذكر عبد الوهاب هذا، ولم نقف له على ترجمة.(1/471)
فأحسن إن وليت بلا إساة ... فقد ناداك بالنصح الأريب
وإن الدهر ليس بذي وفاء ... وفي عطفاته العجب العجيب (1)
109 - عاصم الهلالي (2):
أضحت بجيلة من فوقي مسلطة ... خطب جليل لعمري شأنه عجب (3)
يا ليتني متّ لم تظفر بجيلة بي ... كذلك الدهر بالإنسان ينقلب
110 - محمد بن عتاب الكاتب (4) في جعفر بن محمود (5) لما صرف عن وزارة المعتز:
في غير حفظ الله يا جعفر ... زلت فزال الشرّ والمكر
كنت كثوب زانه طيّه ... حينا فأبدى عيبه النشر
111 - ذل العزل يضحك من تيه الولاية. نسخ فلان بفلان: إذا ولي مكانه.
112 - الفرزدق:
بكت المنابر من فزارة شجوها ... فاليوم من قسر تضج وتجزع
وبنو أمية أضرعونا للعدا ... لله درّ ملوكنا ما تصنع
قالهما حين عزل عمر بن هبيرة بخالد بن عبد الله القسري.
113 - منصور الفقيه (6):
__________
(1) عطفان الدهر: تغيّره من حال إلى حال.
(2) عاصم الهلالي: هو عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، راجع ما قاله الجاحظ في البيان والتبيين 1: 355والمرزباني في معجم الشعراء 272.
(3) بجيلة: حيّ من اليمن من معد.
(4) محمد بن عتاب الكاتب: كان أبوه من قواد المتوكل ثم المنتصر والمعتزّ. وكان محمد يألف أحمد بن الخصيب قبل وزارته. قال المرزباني: له رسائل حسان. وفي الطبري وابن الأثير أنه قتل سنة 262هـ.
(5) جعفر بن محمود: كان وزير المعتز سنة 251هـ وصرف عن الوزارة سنة 255هـ.
(6) منصور الفقيه: هو منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي. كان شاعرا ضريرا خبيث اللسان في الهجو. أصله من رأس العين بالجزيرة، مدح المعتزّ وسكن مصر وبها مات سنة 306وقيل: سنة 304. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 7: 158 والمرزباني 273ونكت الهميان 297.(1/472)
قل لمصر إذا ترحّ ... لت عنها مودعا
يا حمى ما خطا ... به الليث إلّا مروعا
قل لنا ما الذي أعا ... دك للذئب مرتعا
أهلاك الحماة أم عجزهم أم هما معا 114ركب الأصمعي حمارا دميما، فقيل له: أبعد براذين (1)
الخلفاء تركب هذا؟ فقال متمثلا:
ولما أبت إلّا أطرافا بودها ... وتكديرها الشرب الذي كان صافيا
شربنا برنق من هواها مكدر ... وكيف يعاف الرنق من كان صاديا (2)
115 - آخر:
أرى فتنة هاجت وباضت وفرّخت ... ولو تركت طارت إليك فراخها
116 - كثّير (3):
فما ورق الدنيا بباق لأهله ... ولا شدة البلوى بضربة لازم (4)
117 - آخر:
ربّ قوم غبروا من عيشهم ... في سرور ونعيم وغدق (5)
__________
(1) براذين: جمع برذون: نوع من الدواب التركية، غليظة الأعضاء، تستعمل للأحمال الثقيلة.
(2) الرنق: التكدير. وصاديا: ظمآن.
(3) كثّير: هو كثّير عزّة تقدّمت ترجمته وقد توفّي سنة 105هـ.
(4) تقول العرب: ما هذا بضربة لازب: أي ما هذا بلازم واجب. واللّازب: الثابت.
وصار الشيء ضربة لازب أي لازما. قال النابغة:
ولا تحسبون الخير لا شرّ بعده ... ولا تحسبون الشرّ ضربة لازب
(5) أغدق العيش: اتّسع. وأغدقت الأرض: أخصبت.(1/473)
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق
118 - أعرابي: هنا غناء لولا أنه فناء، وعلاء لولا أنه بلاء، وبقاء لولا أنه شقاء.
119 - قد يكدي الجاد ويكل الحاد.
120 - محمد بن يحيى الأسدي (1):
وآمن نكبات الدهر قلت له ... وأجهل الناس بالأيام آمنها
لا تغفلن ورحى الأيام دائرة ... فكم ترى غافلا دقت طواحنها (2)
121 - ولّى المتوكل حمدون بن إسماعيل (3) موضع الزئبق وهو الشيز (4) من أرض أذربيجان فقال:
ولاية الشيز عزل ... والعزل عنها ولايه
فولّني العزل عنها ... إن كنت بي ذا عنايه
122 - دخل سعيد بن خالد بن أسيد (5) على سليمان بن عبد الملك، وكان جوادا، إن لم يجد شيئا كتب على نفسه صكا حتى يوسر، فتمثل له سليمان (6):
إني سمعت مع الصباح مناديا ... يا من يعين على الفتى المعوان
__________
(1) محمد بن يحي الأسدي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 438وقال:
«متوكلي يقول»:
ليت الكرى عاود العينين بائنه ... لعلّ طيفا لها في النوم يلقاني
أو ليت أن نسيم الريح يبلغها ... عني مضاعف أسقامي وأحزاني.
(2) رحى الأيام: كناية عن متاعبها ومصائبها. والرحى: هي الطاحون.
(3) حمدون بن إسماعيل: نديم إبراهيم بن المهدي ونديم المعتصم والواثق والمتوكل.
ذكره أبو الفرج في الأغاني.
(4) شيز: قال ياقوت في معجم البلدان 3: 383هي ناحية بأذربيجان من فتوح المغيرة ابن شعبة صلحا وقصبة هذه الناحية أرمية كان المتوكل قد ولّى عليها حمدون بن إسماعيل النديم فكرهها وكتب إليه: (البيتان).
(5) سعيد بن خالد بن أسيد: ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان 6: 170وذكر شيئا عن حياته فانظره هناك.
(6) سليمان: هو سليمان بن عبد الملك بن مروان المتوفّى سنة 99هـ. تقدّمت ترجمته.(1/474)
ثم قال حاجتك؟ قال: ديني قال: كم هو؟ قال ثلاثون ألف دينار قال: لك دينك ومثلاه وعشرة آلاف، فأمر له بمائة ألف دينار.
فلما ولي هشام أتى بنو سعيد هشاما فقالوا: إن أبانا قد تركنا وما في قريش أحوج منا، فحجر (1) عليه وأجرى عليه في كل يوم شاة، فقال: ويلكم زيدوني أبلغكم أني بازي.
123 - عدي بن زيد العبادي:
أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيام بل أنت جاهل مغرور من رأيت المنون أخلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير (2)
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور (3)
أم بنو الأصفر الكرام ملوك الأر ... ض لم يبق منهم مذكور (4)
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجري إليه والخابور (5)
شاده مرمرا وجلّله كلسا فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد الملك عنه فبابه مهجور
__________
(1) حجره: منعه. وحجر عليه الأمر: حرّمه. وحجر عليه القاضي: منعه من التصرف بماله.
(2) المنون: الموت. وفي لسان العرب (مادة: منن) «عزين» بدل خلدن.
(3) سابور الجنود وهو ابن أردشير وسابور ذو الأكتاف هو سابور بن هرمز وكلاهما من ملوك العجم قبل كسرى أنوشروان: (ياقوت 2: 268).
(4) رواية الأغاني (بشرحنا 2: 131):
وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... وم لم يبق منهم مذكور
(5) الحضر: اسم مدينة بإزاء تكريت في البرية. وأخو الحضر: هو الضيزن بن معاوية بن العبيد السليحي القضاعي، ملك جاهلي قديم كانت تخافه أقيال العرب وملوكها.
يقال إنه باني الحضر في الجزيرة، قتله فيه سابور ذو الأكتاف. والخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة. يصب في الفرات وفيه من أبيات أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف(1/475)
وتبين رب الخورنق إذ أشرف يوما وللهدى تفكير (1)
سره حاله وكثرة ما يملك والبحر معرضا والسدير (2)
فارعوى قلبه وقال وما غبطة حيّ إلى الممات يصير (3)
ثم بعد الفلاح والملك والإمّة وارتهم هناك القبور (4)
ثم أضحوا كأنهم ورق جفّ فألوت به الصبا والدبور (5)
124 - أثنى رجل على مصعب بين يدي عبد الملك فقال: هو كما قلت:
ولكنه رام التي لا ينالها ... من القوم إلّا كل خرق معمم (6)
أراد أمورا لم يردها إلهه ... فخر صريعا لليدين وللفم
125 - ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس (7) المدينة، فأحسن السيرة ثم عزل، فاجتمع إليه أهلها فاستعبر وقال: أيكم ينشدني قول دراج (8)
الضبي:
__________
(1) رواية الأغاني: «وتذكر» ربّ الخورنق والخورنق: قصر بظاهر الحيرة تقدّم ذكره وتعريفه.
(2) رواية الأغاني: سرّه «ماله»،. والسدير: اسم قصر تقدّم ذكره وتعريفه.
(3) رواية الأغاني: وارعوى قلبه «فقال»
(4) الإمّة: النعمة. قال الأعشى:
ولقد جررت لك الغنى ذا فاقة ... وأصاب غزوك إمّة فأزالها
والإمّة بالكسر: العيش الرخيّ. يقال: هو في إمّة من العيش وآمة أي في خصب.
(5) رواية الأغاني: ثم «صاروا» كأنهم وألوت به: ذهبت به. والصبا: ريح مهبّها جهة الشرق ويقابلها الدّبور.
(6) الخرق: الفتى الظريف. والمعمّم: الذي أسندت إليه أمور العامّة.
(7) عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس: استعمله يزيد بن عبد الملك على المدينة حين تولى الخلافة سنة 101هـ وجمع له مكة والمدينة سنة 103هـ. ثم عزله عنهما سنة 104هـ. ولم يكن حسن السيرة كما يذكر الزمخشري فكتب التاريخ تذكر أنه آذى الأنصار فهجاه الشعراء وذمّه الصالحون. راجع الكامل لابن الأثير 5: 114والطبري 8: 173.
(8) دراج الضبي: لم نقف له على ترجمة.(1/476)
فلا السجن أبكاني ولا القيد شفّني ... ولكنني من خشية الموت أجزع (1)
بلى إن قومي قد أخاف عليهم ... إذا متّ أن يعطوا التي كنت أمنع
أم والله ما بكائي جزعا من العزل، ولا أسفا على الولاية، ولكني أخاف أن يلى هذه الوجوه من لا يعرف لها حقها.
126 - كتب الأمين (2) إلى طاهر (3): من عبد الله محمد أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين، سلام عليك، أما بعد فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلى هتك الستور، وكشف الحرم، ولست آمن أن يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد، لشتات إلفتنا، واختلاف كلمتنا، وقد رضيت أن تكتب لي أمانا لأخرج إلى أخي، فإن تفضل علي فأهل لذاك، وإن قتلني فمروة (4) كسرت مروة، وصمصامة (5) قطعت صمصامة، ولئن يفترسني السبع أحب إلي من أن ينبحني الكلاب.
فلما قرأه قال: الآن حين انخرم (6) عنه مراقه وفساقه، وبقي مخذولا مفلولا (7) يلوذ بالأمان!! لا والله أو يجعل في عنقه ساجورا (8) ويقول: قد نزلت على حكمك.
127 - للأمين (9):
يا نفس قد حق الحذر ... أين الفرار من القدر
كل امرىء مما يخا ... ف ويرتجيه على خطر
من يرتشف صفو الزما ... ن يغصّ يوما بالكدر (10)
__________
(1) شفه القيد: آلمه وأوهنه.
(2) الأمين: هو الخليفة محمد الأمين. تقدّمت ترجمته.
(3) طاهر: هو طاهر بن الحسين الخزاعي. تقدّمت ترجمته.
(4) المروة: جمع مرو وهي حجارة صلبة تعرف بالصوّان تقدح منها النار.
(5) الصمصامة: السيف القاطع.
(6) انخرم: ذهب.
(7) المفلول: المهزوم.
(8) الساجور: الطوق الذي يوضع في عنق الكلب.
(9) تقدّم أنه الخليفة العباسي محمد الأمين.
(10) أي أن هذه الدينا لا تدوم على حال وهي في النهاية إلى زوال.(1/477)
الجزء الثانى
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
الباب السادس عشر الجزاء والمكافأة وما ناسب ذلك من ذكر العوض والخلف ونحوه
1 - قدم وفد النجاشي (1) على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام يخدمهم، فقيل: يا رسول الله لو تركتنا كفيناك، قال: هكذا كانوا يصنعون بأصحابي.
2 - ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: قام عيسى عليه السّلام في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل لا تظلموا، ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم عند ربكم.
3 - وقف سائل عند علي رضي الله عنه فقال لأحد ولديه: قل لأمك هاتي درهما من ستة دراهم، فقالت: هي للدقيق، فقال: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون ما في يد الله أوثق مما في يده، فتصدق بالستة. ثم مرّ به رجل يبيع جملا، فاشتراه بمائة وأربعين، وباعه بمائتين، فجاء بالستين إلى فاطمة، فقالت ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان أبيك من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
4 - عبد الوهاب بن الصباح الكاتب المدائني (2):
ولولا النهى لاحت بأعناق معشر ... مياسم ينثى عارها في المواسم (3)
__________
(1) النجاشي: لقب ملك الحبشة.
(2) عبد الوهاب بن الصباح الكاتب المدائني: لم نقف له على ترجمة.
(3) النهى: جمع النهية العقل سمّي به لأنه ينهى عن القبيح وعن كل ما ينافي العقل.
ومياسم جمع ميسم وهو الأمارة والعلامة. وينثى: يبث وينشر.
وبعض انتقام المرء يزري بعرضه ... وإن لم يقع إلّا بأهل الجرائم
وما كل ذي قرض يجازى بمثله ... ألا إنما تجزى قروض الأكارم
وذكر ذنوب الوغد ترفع قدره ... وإن عبثت أطرافه بالمظالم (1)
وله:(2/5)
__________
ومياسم جمع ميسم وهو الأمارة والعلامة. وينثى: يبث وينشر.
وبعض انتقام المرء يزري بعرضه ... وإن لم يقع إلّا بأهل الجرائم
وما كل ذي قرض يجازى بمثله ... ألا إنما تجزى قروض الأكارم
وذكر ذنوب الوغد ترفع قدره ... وإن عبثت أطرافه بالمظالم (1)
وله:
وكم معتد طاشت سفاهة رأيه ... به فنزا في البغي بعد حران (2)
وكلت إلى ريب الزمان جزاءه ... وأكرمت عنه صولتي فجزاني
5 - الأوزاعي (3): جاءه جار له، فقال: هذا عيد وما عندنا شيء، فقال لامرأته: أعطيه ما معك، فقالت: معي نيف وعشرون درهما فأشاطره، فقال اعطيه كلها عسى الله أن يبعث بخير منها. فإذا رجل يدق الباب، فأذن له، فقال: إني كنت عبدا لأبيك ابتعت فاكتسبت هذه الدنانير وهي نيف وعشرون دينارا، فقال: أنت حر. ثم قال لامرأته: كيف رأيت صنع الله، أعطى بكل درهم دينارا وأعتق نسمة.
6 - يزيد بن خالد بن عروة بن الورد العبسي (4):
وكان أخي إذا ما عز مال ... وكنت عياله دون العيال
فما لي لا أجازيه بوفري ... لنسل أصبحوا في قل مال
7 - حاجب بن زرارة (5):
(1) الوغد: اللئيم الخبيث الخسيس.
(2) نزا: تحرك ووثب. وحران: امتناع.
(3) الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي المتوفّى سنة 157هـ.
تقدّمت ترجمته.
(4) يزيد بن خالد بن عروة بن الورد العبسي: لم نقف له على ترجمة.
(5) حاجب بن زرارة: هو حاجب بن زرارة بن عدس الدارمي التميمي، من سادات العرب في الجاهلية كان رئيس تميم، وهو الذي رهن قوسه عند كسرى على مال عظيم ووفى به. حضر يوم شعب جبلة (من أيام العرب المعروفة) قبل 19أو 17سنة من مولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأدرك الإسلام وأسلم. بعثه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على صدقات بني تميم، فلم يلبث أن مات نحو سنة 3هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 153 والإصابة 1: 273والأغاني (راجع الفهرست).(2/6)
ومثلي إذا لم يجز أحسن سعيه ... تكلم نعماه بفيها فتنطق
نظيره {ثُمَّ يُجْزََاهُ الْجَزََاءَ الْأَوْفى ََ} (1).
8 - علي رضي الله عنه: عاقب أخاك بالإحسان إليه، وأردد شره بالإنعام عليه.
وعنه: أزجر المسيء بثواب المحسن.
وعنه: من لم يعط باليد القصيرة لم يعط باليد الطويلة.
9 - الشافعي رحمه الله تعالى اجتاز بمصر في الحذائين. فسقط سوطه، فقام إنسان فأخذ سوطه فمسحه فناوله، فقال لغلامه: كم معك؟
قال: عشرة دنانير، قال: أعطه، واعتذر إليه.
10 - محمد بن الحصين الهباري (2):
ثكلتني التي تؤمل إدرا ... ك العلا بي وعاجلتني المنون
إن تولى بظلمنا عبد عمرو ... ثم لم تلفظ السيوف الجفون (3)
11 - علي رضي الله عنه: رد الحجر من حيث جاء، فإن الشر لا يدفعه إلّا الشر.
12 - قدم زياد على معاوية بهدايا فيها سفط (4) جوهر، فأعجب به معاوية، فقال زياد: دوخت لك العراق، جبيت لك برها، ووجهت إليك بحرها، فقال يزيد: وإن تفعل ذلك يا زياد فإنّا نقلناك من ثقيف إلى
__________
(1) سورة النجم، الآية: 41.
(2) محمد بن الحصين الهباري. ذكره المرزباني ولم يترجم له.
(3) رواية المرزباني في معجم الشعراء 417: لم «يلفظ» والجفون غمد الشيوف.
(4) السفط: ما يعبأ فيه الجوهر والطيب وما أشبهه من أدوات النساء جمع أسفاط.(2/7)
قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن عبيد (1) إلى حرب بن أمية (2). فقال معاوية: حسبك فداك أبوك.
13 - استنشد عبد الملك عامرا الشعبي، فأنشده لغير شاعر حتى أنشده لحسان (3):
من سره شرف الحياة فلا يزل ... في عصبة من صالحي الأنصار
البائعين نفوسهم لنبيهم ... بالمشرفي وبالقنا الخطار (4)
الناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الأبصار
فقال أنصاري: يا أمير المؤمنين استوجب عامر الصلة قبل المسألة، له علي ستون من الإبل، كما أعطينا حسان يوم قالها، فقال عبد الملك:
وله علي ستون ألفا وستون من الإبل.
14 - قيل لبزرجمهر: أي شيء نلته أنت به أشد سرورا؟ قال:
قوتي على مكافأة من أحسن إلي.
15 - وسئل الإسكندر: عن أفضل ما سره من مملكته، فقال:
اقتداري على أن أكثر الإحسان إلى من ثبتت إلي منه حسنة.
16 - أسر زفر بن الحرث النفيلي (5) القطاميّ التغلبي (6)، فمنّ عليه
__________
(1) عبيد: هو عبيد الثقفي الذي تبنّى زيادا ثم ألحقه معاوية بأبي سفيان «وهو الذي يقال له زياد بن أبيه».
(2) حرب بن أميّة: هو والد أبي سفيان صخر بن حرب وجدّ معاوية. تقدّمت ترجمته.
(3) حسان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري. شاعر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم المشهور عاش عمرا طويلا في الجاهلية والإسلام. لم يشهد مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مشهدا، قيل لعلّة أصابته.
توفي سنة 54هـ بعد أن فقد بصره. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 1: 111 وحسن الصحابة 17.
(4) المشرفي: كناية عن السيف. والخطار: الرمح يهتزّ لجودة عوده.
(5) زفر بن الحارث: هو زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ النفيلي الكلابي. تابعي.
من قيس، شهد صفين مع معاوية، وشهد مرج راهط مع الضحاك بن قيس، وكان شاعرا. توفي في خلافة عبد الملك في بضع وسبعين. راجع خزانة البغدادي.
(6) القطامي: هو عمير أو عمرو بن شييم بن عمرو بن عبّاد التغلبي، كان شاعرا غزلا من نصارى تغلب في العراق وأسلم. توفي قبل سنة 110هـ. راجع ترجمته في طبقات الشعراء 121والمرزباني 228وجمهرة الأنساب 288.(2/8)
وأطلقه، فمدحه بقصيدتيه الدالية والعينية اللتين هما غرة شعره، وفي إحداهما، وهي الدالية:
من مبلغ زفر القيسي مدحته ... عن القطامي قولا غير أفناد
فإن قدرت على يوم جزيت به ... والله يجعل أقواما بمرصاد
فقال زفر: لا أقدرك الله على ذلك اليوم، وقال في الأخرى: وهي العينية:
فلم أر منعمين أقل منّا ... وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل ... أبت أخلاقهم إلّا اتساعا (1)
17 - أمر أنو شروان أن يكتب على ناووسه (2) حين احتضر: ما قدمناه من خير فعند من لا يبخس الثواب، وما كسبناه من شر فعند من لا يعجز عن العقاب.
18 - عبد الرحمن بن سعيد بن يزيد بن عمرو بن نفيل (3):
إن تقتلونا يوم حرة واقم ... فنحن على الإسلام أول من قتل (4)
__________
(1) البيض الوجوه: كناية عن كرمهم.
(2) الناووس: حجر منقور تجعل فيه جثة الميت. كان يستعمل قديما.
(3) عبد الرحمن بن سعيد: لم نقف له على ترجمة.
(4) حرّة واقم: إحدى حرّتي المدينة وهي الشرقية وفيها كانت وقعة الحرّة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية في سنة 63وأمير الجيش من قبل يزيد مسلم بن عقبة المرّي وسموه لقبيح صنيعه مسرفا، قدم المدينة فنزل حرّة واقم وخرج إليه أهل المدينة بحاربونه فكسرهم وقتل من الموالي خمسة آلاف رجل ومن الأنصار ألفا وأربعمائة ومن قريش ألفا وثلاثمائة ودخل جنده المدينة فنهبوا الأموال وسبوا الذّرية واستباحوا الفروج وحملت منهم ثمانمائة حرّة وولدن وكان يقال لأولئك الأولاد أولاد الحرّة. وفي قصة الحرّة حديث طويل وذو شجون، كانت بعد قتل الحسين، ورمي الكعبة بالمنجنيق من أشنع ما جرى في أيام يزيد.
ونحن قتلناكم ببدر أدلة ... وإبنا بأسلاب لنا منكم نفل (1)
فإن ينج منا عائذ البيت سالما ... فما نالنا منكم وإن شفنا جلل (2)
19 - علي رضي الله عنه: ليس شيء بشر من الشر إلّا عقابه، وليس شيء بخير من الخير إلّا ثوابه، وكل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.(2/9)
__________
(4) حرّة واقم: إحدى حرّتي المدينة وهي الشرقية وفيها كانت وقعة الحرّة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية في سنة 63وأمير الجيش من قبل يزيد مسلم بن عقبة المرّي وسموه لقبيح صنيعه مسرفا، قدم المدينة فنزل حرّة واقم وخرج إليه أهل المدينة بحاربونه فكسرهم وقتل من الموالي خمسة آلاف رجل ومن الأنصار ألفا وأربعمائة ومن قريش ألفا وثلاثمائة ودخل جنده المدينة فنهبوا الأموال وسبوا الذّرية واستباحوا الفروج وحملت منهم ثمانمائة حرّة وولدن وكان يقال لأولئك الأولاد أولاد الحرّة. وفي قصة الحرّة حديث طويل وذو شجون، كانت بعد قتل الحسين، ورمي الكعبة بالمنجنيق من أشنع ما جرى في أيام يزيد.
ونحن قتلناكم ببدر أدلة ... وإبنا بأسلاب لنا منكم نفل (1)
فإن ينج منا عائذ البيت سالما ... فما نالنا منكم وإن شفنا جلل (2)
19 - علي رضي الله عنه: ليس شيء بشر من الشر إلّا عقابه، وليس شيء بخير من الخير إلّا ثوابه، وكل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.
وعنه: أحسنوا في عقب غيركم تحفظوا في عقبكم.
20 - الطرماح (3):
أسرناهم وأنعمنا عليهم ... وأسقينا دماءهم الترابا
فما صبروا لبأس عند حرب ... ولا أدوا لحسن يد ثوابا
21 - جذيمة بن عوف الأنماري (4) ضربه أثال بن لجيم (5)
فجذمه (6)، فسمي: جذيمة، وضرب هو أثالا فحنف (7) رجله فسمي حنيفة، وقال:
إن تكن خنصري بانت فإني ... بها حنفت حاملتي أثال
22 - والبة بن الحباب الأسدي (8):
(1) نفل: زيادة.
(2) عائذ البيت: هو عبد الله بن الزبير بن العوام. وشفنا: نقصنا.
(3) الطرماح: هناك أكثر من شاعر بهذا اللّقب. راجع كتب التراجم.
(4) جذيمة الأنماري: هو جذيمة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.
(5) أثال بن لجيم: هو أثال بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهم قوم مسيلمة الكذاب. راجع تاج العروس 6: 78.
(6) جذمه: قطعه. ومعنى جذيمة المقطوع اليد أو الأنامل.
(7) حنف رجله: أمالها.
(8) والبة بن الحباب: شاعر غزل ماجن من أهل الكوفة وهو أستاذ أبي نواس توفي نحو سنة 170هـ. راجع ترجمته في الموشح للمرزباني ولسان الميزان 6: 216.(2/10)
إن كان يجزى بالخير فاعله ... شرا ويجزى المسيء بالحسن
فويل تالي القرآن في ظلم الليل وطوبى لعابد الوثن.
23 - نفيع بن صفار الكوفي (1) للأخطل:
أبا مالك لا يدرك الوتر بالخنا ... ولكن بأطراف المثقفة السمر (2)
قتلتم عميرا لا تعدّون غيره ... وكم قد قتلنا من عمير ومن عمرو
إذا أكره الخطي فيهم تجشأوا ... شريحين من لحم الخنازير والخمر (3)
24 - الحصين بن الحارث العدوي (4):
لعل الله يمكن من سليم ... تميما والدوائر قد تدور
فندرك ثأرنا منهم ونشفى ... أحاحا قد تضمنه الصدور (5)
25 - عمرو بن العاص:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ... به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح صفقة ... أخذت بها شيخا يضر وينفع
26 - قدم المعذل البكري (6) على المهلب (7) فقال لمن حضره: يا معشر الأزد هذا الذي يقول:
جزى الله فتيان العتيك وإن نأت ... بيّ الدار عنهم خير ما كان جازيا (8)
__________
(1) نفيع بن صفار الكوفي: لم نقف له على ترجمة.
(2) الوتر: الثأر. والخنا: الفحش في القول. والمثقفة السمر: كناية عن الرماح.
(3) الخطي: الرمح المنسوب إلى الخطّ وهو مرفأ للسفن بالبحرين حيث تباع الرماح.
والشريحة: القطعة.
(4) الحصين بن الحارث العدوي: لم نقف له على ترجمة.
(5) الأحاح: الغيظ.
(6) المعذل البكري: أحد بني قيس بن ثعلبة، إسلامي، مدح النهاس بن ربيعة العتكي بأبيات أربعة أولها هذا البيت.
(7) المهلب: هو المهلّب بن أبي صفرة. تقدّمت ترجمته.
(8) عتيك: حيّ من العرب وهم فخذ من الأزد ينسب إليهم المهلّب.(2/11)
فجمعوا له خمسين وصيفا، وأعطاه المهلب خمسين وصيفا.
27 - عبد الله بن أمية المخزومي (1):
ألم تر أن العبد يشتم ربه ... فيترك حينا ثم يهشم حاجبه
وإنّا لقوم ما تطلّ دماؤنا ... ولا يتعالى صاعدا من نحاربه (2)
28 - كان كثير بن شهاب الحارثي (3) أميرا على الري (4)، فضرب عبد الله بن الحجاج بن محصن الذيباني (5) في الخمر، فاغتال الأمير ليلا، فضربه على وجهه ضربة وقال:
من مبلغ أفناء قيس أنني ... أدركت طائلتي من ابن شهاب (6)
أدركته ليلا بعقوة داره ... فضربته قدما على الأنياب (7)
هلا خشيت وأنت عاد ظالم ... بقصور أبهر سطوتي وعقابي (8)
__________
(1) عبد الله بن أميّة المخزومي: ذكره ابن المعتزّ في الطبقات ص 322فراجعه هناك.
(2) تطلّ دماؤها: تهدر.
(3) كثير بن شهاب الحارثي: كان موصوفا بالبخل. استعمله المغيرة على الريّ، وأقوّه زياد على الكوفة. يقال إنه الذي قتل الجالينوس يوم القادسية. مات قبل ظهور المختار في الكوفة. راجع ترجمته في الإصابة 5: 293والطبري حوادث سنة 51هـ.
(4) الريّ: مدينة مشهورة بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا. معجم البلدان 3: 116.
(5) عبد الله بن الحجاج بن محصن الذيباني: هو عبد الله بن حجاج بن محصن بن جندب الجماش الذيباني. كان شاعرا فاتكا. راجع الكامل لا بن الأثير 3: 414وهو فيه عبد الله بن الحجاج التغلبي وراجع الإصابة 5: 293.
(6) أدركت طائلتي: أدركت ثأري. وفي معجم البلدان: أدركت «مظلمتي».
(7) عقوة الدار: فناؤه.
(8) أبهر: مدينة مشهورة بين قزوين وزنجان وهمذان من نواحي الجيل. ينسب إليها كثير من العلماء والفقهاء المالكية. فتحها البراء بن عازب سنة 24هـ في أيام عثمان.
راجع التفاصيل في معجم البلدان 1: 8382.(2/12)
29 - شهد أبو دلامة (1) عند قاضي الكوفة، فهمّ برد شهادته فقال:
إن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوا عني ففيهم مباحث
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم يوما كيف تلك النبائث (2)
30 - عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب (3)
سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعل عليه بالقراميد والسكب (4)
فأبهمه من بعد حرس وحقبة ... وقد هزه أهل المشارق والغرب (5)
فلما رأى البنيان تم سحوقه ... وآض كمثل الطود ذي الباذخ الصعب (6)
وظن سنمّار به كلّ حبوة ... وفاز لديه بالمودة والقرب (7)
فقال اقذفوا بالعلج من رأس شاهق ... فهذا لعمرو الله من أعجب الخطب (8)
__________
(1) أبو دلامة: هو زند بن الجون المتوفى سنة 164هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) النبائث: جمع نبيثة وهي تراب البئر والنهر.
(3) الأبيات مذكورة في معجم البلدان عدا الثالث منها ولم تنسب لشاعر معروف. راجع معجم البلدان 2: 401.
وسنّمار هو باني الخورنق القصر المشهور بظهر الحيرة، بناه للنعمان بن امرىء القيس، فكان يبني السنتين والثلاث ويغيب الخمس سنين وأكثر من ذلك وأقلّ، فيطلب فلا يوجد. ثم يأتي فيحتجّ فلم يزل يفعل هذا الفعل ستّين سنة حتى فرغ من بنائه، فصعد النعمان على رأسه فأعجب به وبالمناظر الجميلة أمامه، وحواليه وقال: ما رأيت مثل هذا البناء قطّ! فقال له سنمار: إني أعلم موضع آجرّة لو زالت لسقط القصر كلّه، فقال النعمان: أيعرفها أحد غيرك؟ قال: لا، قال: لا جرم لأدعنّها وما يعرفها أحد. ثم أمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطّع فضربت العرب به المثل. راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 403401.
(4) رواية معجم البلدان: سوى «رمّه» البنيان «ستّين» حجّة والسكب: الرصاص.
(5) أبهمه: أصمته. والحرس: الزمن الطويل. والبيت غير موجود في معجم البلدان.
(6) آض: عاد. ورواية معجم البلدان: وآض كمثل الطود «والشامخ» الصعب.
والطود: الجبل العظيم.
(7) رواية المعجم: «فظن» سنمار
(8) العلج: العظيم من رجال العجم. ورواية المعجم: فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه(2/13)
31 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: تواضع للمحسن إليك وإن كان عبدا حبشيا، وانتصف ممن أساء إليك وإن كان حرا قرشيا.
32 - الجاحظ: من قابل الإساءة بالإحسان فقد خالف الله في تدبيره.
33 - سليمان بن قتة (1):
إذا افترقت قيس جبرنا كسيرها ... وتقتلنا قيس إذا النعل زلت
34 - كان لملك وزير إذا صبحه قال بعد التسليمة: سيجزى المحسن بإحسانه، وستكفيك المسيء إساءته، لا يخل بذلك، وكان معظما عند الملك، فحسده حاسد، فكاده بأن أضافه وأطعمه ثوما، ثم قال للملك: قد فضحك من تؤثره بغاية الإعظام في بلدك، وشهرك بالبخر (2)، فلما صبحه غطى فمه لرائحة الثوم، فحسب الملك أن ذلك لبخره، فكتب إلى رأس الشرط كتابا أمره فيه أن يقطع رأسه ويسلخه ويملأ جلده تبنا، وختمه، وكانت عادته أن يكتب بيده كتب الجوائز العظام، فلما خرج به حسب الحاسد أنه كتاب جائزة فقال: أنا أحمل كتابك وأحصل ما فيه، فدفعه إليه، ففعل فيه ما أمر به فيه، فلما جاء الوزير مصبحا على عادته أحس الملك بالأمر، فقال: هل كان بينك وبينه شيء؟ قال: لا، إلّا أنه أضافني وأطعمني الثوم، وغطيت فمي لذلك، فقال: صدقت إن المحسن سيجزى بإحسانه، والمسيء ستكفيه إساءته.
35 - قدم مرزبان (3) من مرازبة الفرس على أبي عبيد الله (4) وزير المهدي فقال: ولّيت علينا رجلا، إن وليته وأنت تعرفه فما خلق الله رعية
__________
(1) سليمان بن قتة: هو سليمان بن حبيب المحاربي شاعر، كان صديقا لأسد بن عبد الله القسري والي خراسان، رثاه حين توفي سنة 120هـ، وهو من بني تيم بن مرّة. وقتة هي أم سليمان. راجع الزبيدي 1: 571والطبري حوادث سنة 120هـ.
(2) البخر: الرائحة الكريهة التي تخرج من الفم.
(3) المرزبان عند الفرس: الرئيس جمع مرازبة. والمرزبة عندهم الرئاسة.
(4) أبو عبيد الله: هو أبو عبيد الله معاوية بن عبد الله بن يسار. كان يتولّى الخراج للمنصور العباسي وصار كاتبا للمهدي وهو وليّ عهد، ولما تقلّد المهدي الخلافة سنة 159هـ قلّده وزارته ودواوينه. كان حاذقا بليغا. راجع الوزراء والكتاب للجهشياري.(2/14)
أهون عليك منّا، وإن لم تعرفه فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره وسلطك على ملكه، فدخل الوزير على المهدي وخرج فقال: هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه، فقال: أصلحك الله إن على باب كسرى ساجة (1)
منقوشة بالذهب مكتوبا عليها: العمل للكفأة، وقضاء الحقوق على بيوت الأموال. فأمر بعزله.
36 - المدائني (2): رأيت رجلا يطوف بين الصفا والمروة على بغلة، ثم رأيته راجلا في سفر، فقلت له، فقال: ركبت حيث يمشي الناس، فكان حقا على الله أن يرجلني حيث يركب الناس.
37 - قيل لمعاوية: إن أبا مسلم الخولاني (3) يطوف ويبكي على الاسلام، فقال له: سمعت أنك تطوف وتبكي على الإسلام، فقال:
نعم، وما اسمك؟ قال: معاوية، قال: يا معاوية إن عملت خيرا جزيت خيرا، وإن عملت شرا جزيت شرا، إنك لو عدلت بين أهل الأرض ثم جرت على واحد منهم مال جورك بعدلك.
38 - ساوم هشام بجارية، فاستام بها صاحبها سوما كثيرا، وأبى هشام أن يزيده على عشرة آلاف، فخرج بها وأهل المجلس يرون ما بهشام من فرط العجب بها، فتبعه الأبرش (4) فلم يزل به حتى أخذها بثلاثين ألفا
__________
(1) ساجة: والجمع ساج وهو خشب يجلب من الهند.
(2) المدائني: هو علي بن محمد بن عبد الله، راوية، مؤرخ من أهل البصرة ولد سنة 135هـ وسكن المدائن فنسب إليها. توفي في بغداد سنة 225هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 54وكتاب الحيوان للجاحظ 5: 189.
(3) أبو مسلم الخولاني: هو عبد الله بن ثوب الخولاني المتوفّى سنة 62هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الأبرش: هو الوليد بن عمر بن جبلة الكلبي، كتاب هشام بن عبد الملك. تقدّمت ترجمته.(2/15)
وأهداها إلى هشام، وحظيت عنده، فلم يلبث هشام حتى أتته الأموال من ضياعه، وذلك قبل الخلافة، ففرقها في أهله وفي حشمه، وبقيت عنده مائة وعشرون ألفا، فدعا بامرأته أم حكيم وعبدة، فاستشارهما فيم يصرّفها، فقالت أم حكيم: إن أحق الناس بها أم ولدك، تعني نفسها، وولدك، قال: قد أخذتما حقكما، وقالت عبدة، وكانت من آل أبي سفيان، أحق الناس به من جاد عليك بما بخلت به على نفسك، فقال هشام: أشهد أنك ممن أنت منه، فلما استقل (1) المال على الحمالين قال: هذا الآن أجمل، إنه في صلة الأخ ومكافأته أحسن منه في ثمن جارية.
39 - أمر الحسن بن علي لرجل من جيرانه بألفي درهم، فقال:
جزاك الله خيرا يا ابن رسول الله، فقال: ما أراك أبقيت لنا من المكافأة شيئا.
__________
(1) استقلّ المال: حمله.(2/16)
الباب السابع عشر الجهل والنقص والخطأ والتصحيف والتحريف واللحن وما أشبه ذلك
1 - معاذ بن جبل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنتم على بينة من أمركم، ما لم يظهر منكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب الدنيا.
2 - لحن رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أشهد أن الذي خلقك وخلق عمرو بن العاص لواحد.
3 - سئل الأوزاعي عن رجل يسمع حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه لحن أيقيمه؟ قال: نعم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يلحن.
4 - حدث محدّث: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تشقيق (1) الخطب، فقال ملاح: يا قوم كيف نصنع والحاجة ماسة؟ وإنما هو تشقيق الخطب.
5 - قيل في خالد بن عبد الله القسري:
بل السراويل من خوف ومن جزع ... واستطعم الماء لما همّ بالهرب
وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشقيق في الخطب
6 - سهل بن عبد الله (2): حرام على الناس أن يعبدوا الله بالجهل.
__________
(1) تشقيق الخطب: إخراجها أحسن مخرج.
(2) سهل بن عبد الله: هو سهل بن عبد الله بن يونس التستري. إمام صوفي ولد بتستر من كور الأهواز بخوزستان سنة 200هـ وتوفي سنة 283هـ. راجع ترجمته في طبقات الصوفية 206والوفيات 1: 218.(2/17)
7 - نفور العلم من الجاهل أشد من نفور العالم من الجهل.
8 - وصف رجل فقيل: يغلط من أربعة أوجه: يسمع غير ما يقال، ويحفظ غير ما يسمع ويكتب غير ما يحفظ، ويحدث بغير ما يكتب.
9 - سأل المأمون ثمامة (1) ما جهد البلاء؟ فقال: عالم يجري عليه حكم جاهل، قال: من أين قلت هذا؟ قال: حبسني الرشيد، ووكل مسرورا (2)
بي، فضيق علي الأنفاس، ثم قرأ يوما: والمرسلات فقال: ويل يومئذ للمكذّبين (3) فقلت: إن المكذّبين هم الرسل ويحك، فقال: كان يقال إنك قدري فما صدقت، لا نجوت إن نجوت، فعانيت الموت يا أمير المؤمنين.
10 - الناشىء (4) في داود بن علي الأصبهاني (5):
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري
11 - رسطاليس (6): العاقل يوافق العاقل، والجاهل لا يوافق
__________
(1) ثمامة: هو ثمامة بن أشرس النميري. معتزلي له صلة بالرشيد والمأمون. توفي سنة 213هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 61ولسان الميزان 2: 83.
(2) مسرور: هو خادم الرشيد، وفي تاريخ بغداد: سلام الأبرش بدل مسرور.
(3) للمكذبين: قرأها بفتح الذال.
(4) الناشىء: هو عبد الله بن محمد الأنباري، شاعر عالم بالأدب والدين والمنطق وهو غير الناشىء الأصغر علي بن عبد الله المتوفّى سنة 366هـ. توفي الناشىء سنة 293هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 263وتاريخ بغداد 10: 92.
(5) هو داود بن علي الأصبهاني المولود بالكوفة سنة 201هـ. تنسب إليه الطائفة الظاهرية، انتهت إليه رئاسة العلم في بغداد وكان من المجتهدين في الإسلام. توفي ببغداد سنة 270هـ. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 1: 321ولسان الميزان 2:
422، وفيه: قيل له الأصبهاني لأن أمّه أصبهانية، وكان عراقيا.
(6) رسطاليس: هو الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس أو أرسطو.(2/18)
العاقل ولا الجاهل، ومثال ذلك: المستقيم الذي ينطبق على المستقيم، فأما المعوج فإنه لا ينطبق على المعوج ولا على المستقيم.
12 - قال بدوي لابنه: يا بني كن سبعا خالسا (1)، أو ذئبا خانسا (2)، أو كلبا حارسا، وإياك أن تكون إنسانا ناقصا.
13 - الخليل: ما أقبح اللحن بالمتقعر (3).
14 - أعرابي: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب.
15 - أبو سعيد السيرافي (4): رأيت متكلما ببغداد بلغ به نقصه في العربية أنه قال في مجلس مشهور: إن العبد مضطر بفتح، والله مضطر بكسرها، وزعم: أن القائل الله مضطر بالفتح كافر. فانظر أين ذهب به جهله، وإلى أي رذيلة أداه نقصه.
16 - وصف بعضهم قوما فقال: والله للحكمة أزل عن قلوبهم من المداد عن الأديم الدهين.
17 - مر عمر رضي الله عنه على رماة غرض (5) فسمع بعضهم يقول لصاحبه: أخطيت وأسيت (6)، فقال: مه فإن سوء اللحن أشد من سوء الرماية.
18 - تضجر عمر بن عبد العزيز من كلام رجل، فقال شرطي على رأسه: قم فقد أوذيت (7) أمير المؤمنين، فقال عمر: أنت والله أشد أذى بكلامك هذا منه.
__________
(1) السبع الخالس: المخاتل، الذي ينتهز الفرص.
(2) الذئب الخانس: المختبىء المتواري.
(3) المتقعّر: المتكلّم بأقصى حلقه.
(4) أبو سعيد السيرافي: هو الحسن بن عبد الله السيرافي المتوفّى سنة 368. تقدّمت ترجمته.
(5) الغرض: الهدف المقصود بالرمي.
(6) أخطيت وأسيت: يريد القول: أخطأت وأسأت.
(7) أوذيت: يريد القول آذيت.(2/19)
19 - قرىء على ثعلب (1) من كتاب بخط ابن الأعرابي خطأ فرده، فقيل: نغيره؟ فقال دعوه ليكون عذرا لمن أخطأ.
20 - قيل لشريح (2): أيضحى بالضبي (3)؟ قال: وما عليك لو قلت: أيضحى بالظبي؟ قال: إنها لغة بالكسر، قال: وما عليك لو قلت أنها لغة؟ قال: قد تعثر الجواد بالتأنيث، قال شريح: قد ذهب العتاب.
21 - قال غلام لأبيه: يا أبة، قد علمت أن الرمادية (4) هم الذين يبولون في الرماد، فما القدرية (5)؟ قال: يا بني، هي الذين يخرون في القدور.
22 - قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، أنا أفسي في ثوبي وأصلّي فيه، هل يجوز؟ قال: نعم، لا أكثر الله في المسلمين مثلك.
23 - الجهل أخصب رحلا والأدب أحضر محلا (6).
24 - سمع الأصمعي رجلا عند الملتزم (7) يقول: يا ذي الجلال
__________
(1) ثعلب: هو أحمد بن يحي بن زيد بن سيار الشيباني، إمام الكوفيين في النحو واللغة كان راوية للشعر، محدّثا. ولد ببغداد سنة 200هـ. وتوفي سنة 291هـ.
راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 2: 214وبغية الوعاة 172والوفيات 1: 30.
(2) شريح: هو شريح بن الحارث الكندي. كان قاضيا توفي سنة 78هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) الضبي: يريد القول: الظبي وهو الغزال.
(4) الرمادية: ليس بين الفرق الإسلامية فرقة بهذا الإسم، ذكرها المؤلف ليدل على جهل السائل.
(5) القدرية: هو مذهب في علم الكلام الإسلامي يرى أصحابه أن الإنسان حرّ مختار في أفعاله وإلّا لبطل الثواب والعقاب. وكان على رأس هذا المذهب في العصر الأموي (13240هـ الحسن البصري، وقد انبثق منه مذهب الاعتزال.
(6) الرحل: ما يوضع على ظهر البعير كالسرج. والمحل: الأرض لا مرعى بها، ولعلّ الصواب: الجهل أحصب رحلا والأدب أخصب محلا.
(7) الملتزم: ما بين الركن والباب من البيت الحرام.(2/20)
والإكرام، فقال: من كم تدعو؟ قال من سبع سنين دأبا فلم أر الإجابة، فقال: إنك تلحن في الدعاء فأنّى يستجاب لك؟ قل: يا ذا الجلال والإكرام، ففعل فأجيب.
25 - البردخت (1):
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل العود عما تتبع (2)
تتبع لحنا في كلام مرقش ... وخلقك مبني على اللحن أجمع (3)
26 - قرأ عبد الله بن أحمد بن حنبل (4) في الصلاة: اقرأ باسم ربك الذي خلق (5)، فقيل له: أنت وأبوك في طرفي نقيض، زعم أبوك أن القرآن ليس بمخلوق، وأنت تزعم أن الرب مخلوق.
27 - قال رجل للحسن: ما تقول لرجل مات وترك أبيه وأخيه؟
فقال: ترك أباه وأخاه، فقال فما لأخاه وما لأباه؟ فقال: فما لأخيه وما لأبيه؟ فقال الرجل أراك كلما طاوعتك خالفتني.
28 - قال أبو عبيدة (6): قال لي أبي: إذا كتبت كتابا فالحن فيه فإن الصواب حرفة، والخطأ أنجح.
29 - قال سعيد بن سلم (7): دخلت على الرشيد فبهرني وملأ
__________
(1) البردخت: لقب علي بن خالد الضبي العكلي أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. هجا جريرا والكميت بن زيد. والبردخت معناها الفارغ بالفارسيّة.
(2) هذا الشعر ورد منسوبا لأكثر من شاعر. راجع الشعر والشعراء 601والوساطة 15 والعقد الفريد 2: 481والبيان والتبيين 2: 215. وثيل العود: قضيب الجمل.
(3) مرقش: هو المرقش الأكبر عوف بن سعد.
(4) عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان من حفاظ الحديث من أهل بغداد. ولد سنة 213هـ وتوفي سنة 290هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 9: 375وتهذيب التهذيب 5: 141.
(5) خلق: بالضم والكسر.
(6) أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى.
(7) سعيد بن سلم: كان من قواد الدولة العباسية مقربا من موسى الهادي. تولى الموصل للرشيد سنة 172هـ. ثم الجزيرة سنة 180هـ وأرمينية سنة 182هـ كان عالما بالحديث. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 7: 74.(2/21)
قلبي، فلما لحن خف عليّ أمره
30 - حدث المأمون عن هشيم (1) يرفعه: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد (2) من عوز، فقال النضر بن شميل (3) صدق يا أمير المؤمنين هشيم فإنه حدثنا عوف (4) يرفعه: كان فيها سداد (5) من عوز.
وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا، وقال: كيف قلت؟ قلت: السداد ههنا لحن، وإنما لحن هشيم وكان لحانه فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال:
أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي (6) يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال: قبح الله من لا أدب له، ثم وصلني بخمسين ألفا.
31 - دخل خالد بن صفوان الحمام، فسمع رجلا يقول لابنه، وهو يريد أن يعرف خالدا بلاغته، أبدأ بيداك وثن برجلاك (7)، ثم قال: يا ابن
__________
(1) هشيم: هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي. ولد سنة 105هـ.
كان محدّث بغداد، وقيل: كان يدلّس. أصله من بخارى. توفي سنة 183هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 257وطبقات المدلّسين 18.
(2) قرأها: سداد (بفتح السين) ومعناه الاستقامة والقصد، والصواب من القول والفعل.
(3) النضر بن شميل: هو النضر بن شميل خرشة بن يزيد بن كلثوم المازني التميمي النحوي اللغوي. ولد بمرو سنة 122هـ. اتصل بالمأمون العباسي فقرّبه وأكرمه وتوفي بمرو سنة 204هـ. راجع ترجمته في طبقات النحويين للزبيدي 53وغاية النهاية 2: 341.
(4) عوف: هو عوف بن أبي جميلة العبدي المعروف بالأعرابي. ولد سنة 59هـ وتوفي سنة 147هـ. راو معروف. راجع تهذيب التهذيب 8: 166.
(5) سداد: ما سددت به خللا. وسداد من عوز: ما يسدّ الحاجة.
(6) العرجي: هو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان الأموي القرشي، أبو عبد الله. كان شاعرا غزلا وفارسا معدودا. توفي نحو سنة 120هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 478وشرح الشواهد 176والخزانة 1: 47.
(7) يريد القول: ابدأ بيديك وثن برجليك.(2/22)
صفوان، هذا كلام قد ذهب أهله، فقال خالد: بل ما خلق الله له أهلا.
32 - أبو عبيدة: لا تردن على أحد خطأ في حفل، فإنه يستفيد منك ويتخذك عدوا.
33 - من ليس يدري ما يريد فكيف يدري ما تريد.
34 - إبراهيم بن سيابة (1):
إذا ما منحت الجاهل الحلم لم تزل ... إليك بجهل منك تهوى ركائبه
وإن عقاب الجاهلين لذاهب ... بفضلك فانظر أي ذا أنت راكبه
35 - علي رضي الله عنه: الناس أعداء ما جهلوا.
36 - قيل لبزرجمهر: لم لا تعاتبون الجهلة؟ فقال: لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا.
قال رجل لخالد بن صفوان: ما لي إذا رأيتكم تتذاكرون وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ إنسان.
كلّم أبا مسلم بعض قواده فلحن، فقال: ألا تنظر في العربية، فقال: بلغني أنه من نظر فيها قلّ كلامه قال: ويحك لئن يقلّ كلامك بالصواب خير من أن يكثر بالخطأ.
قال بشر المريسي (2): قضى الله لكم الحوائج على أحسن وجه
__________
(1) إبراهيم بن سيابة: مولى بني هاشم، كان شاعرا خليعا طيب النادرة. توفي سنة 278هـ. راجع البيان والتبيين 1: 405والمنتظم 5: 119. وراجع الأغاني والأعلام للزركلي.
(2) بشر المريسي: هو أبو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة، من أهل بغداد.
كان فقيها معتزليا عارفا بالفلسفة وكان يرمى بالزندقة تفقّه على أبي يوسف القاضي.
قيل: كان أبوه يهوديا قصّارا صباغا، توفي سنة 218هـ. راجع تاريخ بغداد 7: 56 والوفيات 1: 91والنجوم الزاهرة 2: 228.(2/23)
وأهنؤها (1). فقال قاسم التمار (2) هو جائز على قوله:
إن سليمي والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها
فكان إصحاح قاسم أندر من لحن بشر.
37 - قال معبد بن وهب (3): حملني رجل إلى بيته، فجعلت لا آتي بحسن إلّا خرجت إلى أحسن منه، وهو لا يرتاح، ولا يحفل لما رأى مني، ثم قال: يا غلام شيخنا شيخنا، فلما رآه هش (4) إليه، فاندفع الشيخ يغني:
سلّور في القدر ويلي علوه ... جا القط أكله ويلي علوه (5)
فجعل الرجل يصفق ويضرب برجليه، وكاد يخرج من جلده، فانسللت فما رأيت عملا أضيع، ولا شيخا أجهل.
38 - قال أبو عمرو: قال جبلة بن مخرمة (6) كنا عند جد النهر، فقلت: جدة النهر (7)، فما زلت أعرفها فيه.
39 - ذروة بن جحفة الكلابي (8):
وما تدري كهول بني كليب ... إذا نطقت أتخطى أم تصيب
__________
(1) وأهنؤها: بضم الهمزة.
(2) قاسم التمّار: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 4: 13والبخلاء 198.
(3) معبد بن وهب: مولى بني مخزوم، مغن مشهور بارع. كان أديبا فصيحا، أخباره كثيرة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. مات في عسكر الوليد بن يزيد سنة 126هـ. راجع ترجمته وأخباره في الأغاني (بشرحنا 1: 43و 14: 115).
(4) هش إليه: ارتاح وتبسّم.
(5) السلّور: السمك الجرّيّ بلغة أهل الشام. وقوله: ويلي علوه: لعلّها كلمة عامية أو لهجة خاصة تفيد: عليّ. والخبر مذكور في الأغاني 1: 6463.
(6) جبلة بن مخرمة: هو جبلة بن مخرمة بن زهرة أخو المسور.
(7) الجدّة: الشاطىء أو الساحل.
(8) ذروة بن جحفة الكلابي: لم نقف على ترجمة له.(2/24)
40 - سمع بعضهم أن برذون فلان قد نفق (1)، فقال: والهفاه كنت أرجو أن يكسد فيخسر. ظن أنه من نفاق السلعة.
41 - سمع رجل من ينشد:
وكان أخلائي يقولون مرحبا ... فلما رأوني معدما مات مرحب
فقال: مرحب (2) لم يمت، قتله علي عليه السّلام.
42 - قيل للنسابة البكري (3): يا أبا ضمضم، آدم من أبوه؟ فحمله استقباح الجهل عنده على أن قال: آدم بن المضاء بن الحملج، وأمه صاعدة بنت فرزام. فتضاحكت به العرب.
43 [شاعر]:
إذا ما أتيت الجاهلين بحكمة ... فلم يعرفوها أنزلوها على هجر
الهجر بالفتح هو الهذيان. أدنس شعار المرء جهله.
44 - العتابي: مجالسة الجاهل مرض العقل.
45 - أبو الأسود الدؤلي (4): إذا أردت أن تعذب عالما فاقرن به جاهلا.
__________
(1) نفق البرذون: مات. والبرذون نوع من الدواب كالبغل.
(2) مرحب: يهودي له ذكر في يوم خبير قتله علي بن أبي طالب.
(3) النسابة البكري: لعلّه أحمد بن عبد الله بن محمد، لم يكن يوثق بروايته قال فيه الذهبي: واضع القصص التي لم تكن قط. ونعته بالكذاب الدجّال. ولم يذكر وفاته ولا عصره. قال شارح مجاني الأدب: توفي في أواسط القرن الثالث للهجرة. وذكر الزركلي أنه توفي في حدود سنة 250هـ راجع الأعلام الزركلي 2: 7271.
(4) أبو الأسود الدؤلي: هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل. تابعي، كان شاعرا فقيها من الأمراء الشجعان ولي إمارة البصرة في أيام الإمام علي. وهو أول من نقّط المصحف. توفي بالبصرة سنة 69هـ.
راجع ترجمته في صبح الأعشى 3: 161والذريعة 1: 314ودائرة المعارف الإسلامية 1: 307.(2/25)
46 - قال رجل لأعرابي: كيف أهلك، بكسر اللام، فقال الأعرابي تفحم (1) صلبا إن شاء الله.
47 - زاهد: لئن أعربنا في كلامنا حتى ما نلحن، فقد لحنا في أعمالنا حتى ما نعرب.
48 - دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله يلحنون ويربحون.
49 - كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند، فقال لرجل، ما اسمك؟ فقال: عبد الله، بالنصب، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الرحمن، بالجر، فأمر بضربه فقال: بسم الله، فقال دعوه فلو كان تاركا لتركه تحت السياط.
50 - كتب كاتب الأشعري (2): من أبو موسى، فكتب إليه عمر:
أنظر كاتبك فاجلده سوطا. وروي: أقسمت عليك لما ضربت كاتبك سوطا.
51 - كان الوليد بن عبد الملك لحّانة، فقرأ في خطبته: يا ليتها كانت القاضية بالرفع، فقال أخوه سليمان: عليك.
52 - التصحيف قفل ضل مفتاحه.
53 - كتب بريد أصبهان إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: أن فلانا يلبس الخرلخّية (3)، ويجلس للنساء في الطرقات، فكتب محمد إلى يحيى بن هرثمة (4)، وكان والي أصبهان، أشخص إلي فلانا وجر لحيته،
__________
(1) تفحم: تسود وجهك بالفحم.
(2) الأشعري: هو عبد الله بن قيس، أبو موسى. تقدّمت ترجمته.
(3) الخرلخية: لم نهتد إلى شرح هذه اللفظة، فلعلّها عاميّة.
(4) يحيى بن هرثمة: قائد من قواد الدولة العباسية. ولي طريق مكة للمتوكل سنة 233هـ، وكان من القواد أيام المستعين والمعتز. وكان من أتباع محمد بن عبد الله بن طاهر، راجع الطبري وابن الأثير.(2/26)
فصحف الذي قرأ عليه الكتاب فقرأ: وجزّ لحيته، فجزها وأشخصه آية.
54 - قال رجل للحسن: يا أبو سعيد، قال: أين غذيت؟ قال:
بالأبلة (1)، قال: من هناك أتيت.
55 - عمرو بن زعبل التميمي (2):
وإن عناء أن تفهم جاهلا ... فيحسب جهلا أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
56 - قال رجل للحسن: أنا أفصح الناس. قال: لا تقل. قال فخذ علي كلمة واحدة (3). قال: هذه واحدة.
57 - قرع رجل باب نحوي، فخرج ولد له فقال: يا صبي أباك أبيك أبوك ههنا؟ قال لا لي لو.
58 - ابن السماك (4): أعقل الناس محسن خائف، وأجهلهم مسيء آمن. ذو النون المصري (5): من جهل قدره هتك ستره.
59 - حدث شريك (6)، فقال عافية القاضي (7): ما سمعنا بهذا الحديث، فقال شريك وما يضر عالما إن جهل جاهل.
__________
(1) الأبلّة: بلدة على شاطىء دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة.
(2) عمرو بن زعبل التميمي: لم نقف له على ترجمة.
(3) كلمة واحدة: بالضمّ والتنوين.
(4) ابن السماك: هو محمد بن صبيح العجلي الزاهد. المتوفّى سنة 183هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) ذو النون المصري: هو ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المتوفّى سنة 245هـ. تقدّمت ترجمته.
(6) شريك: هو شريك بن عبد الله النخعي المتوفّى سنة 177هـ. تقدّمت ترجمته.
(7) عافية القاضي: هو عافية بن يزيد بن قيس بن عافية، القاضي الأودي الكوفي.
استقضاه المهدي العباسي سنة 161هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 60.(2/27)
60 - قال رجل للحسن: ما أراك تلحن. قال: يا ابن أخي إني سبقت اللحن.
61 - كان الوليد بن يزيد (1) يلعب بالشطرنج، فاستأذن عليه رجل من ثقيف فسترها (2)، ثم سأله عن حاله وقال له: أقرأت القرآن؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين قد شغلني عنه أمور وهنات، قال: أفتعرف الفقه؟
قال: لا والله، قال: أتروي من الشعر شيئا؟ قال: ولاش فكشف عن الشطرنج وقال: شاهك، فقال له عبد الله بن معاوية: مه (3) يا أمير المؤمنين، قال: اسكت فما معنا أحد.
62 - علي رضي الله عنه: ربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
63 - بعضهم في أبي العيناء (4): ما رأيت رجلا لا يحسن شيئا أشدّ ادعاء لكل شيء منه.
64 [شاعر]:
يتعاطى كل شيء ... وهو لا يحسن شيئا
65 - آخر:
عرضناه على السبك ... فعرّضناه للهتك
66 - حارثة بن بدر الغداني (5):
__________
(1) الوليد بن يزيد: هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ولد سنة 88هـ. وولي الخلافة سنة 125هـ. كان محبا للهو عالما بالموسيقى له أصوات وله شعر رقيق. نقم الناس عليه وقتلوه في قصر النعمان بن بشير سنة 126هـ. مكث في الخلافة سنة وثلاثة أشهر. راجع أمالي المرتضى 1: 128والوزراء والكتّاب 68والأغاني.
(2) سترها: الضمير يعود إلى رقعة الشطرنج.
(3) مه: اسم مبني على السكون بمعنى انكفف وقد يقال: مه.
(4) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم المتوفّى سنة 283. تقدّمت ترجمته.
(5) حارثة بن بدر الغداني: هو حارثة بن بدر بن حصين الغداني التميمي. من التابعين، من أهل البصرة. له أخبار في الفتوح، وهو الذي قاتل الخوارج بنواحي الأهواز فهزموه فلما أراد العودة إلى البصرة مات غرقا ومن معه في سفينة سنة 65هـ. راجع ترجمته في المؤتلف والمختلف 99وابن عساكر 3: 430.(2/28)
إذا ما قتلت الشيء علما فقل به ... ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
المنتمون إلى العلوم كثيرة ... إن حصلوا أفناهم التحصيل
67 - دقائق خفية لا يراها الغبي، ولطائف غامضة لا يعرفها إلّا الذكي.
68 - يقال للغالط: تكسرت قواريرك.
69 - في نوابغ الكلم: العجب ممن يكبر غلطه ثم يكثر لغطه (1).
70 - من لا يجد أثر ذلة المعصية في قلبه، ولا مس نقص الجهل في عقله، فليس ممن ينزع عن ريبة، ولا يكترث لفصل بين حجة وشبهة.
71 - ادعى رجل إلى العرب، فقيل له مرة، وهو قاعد في الشمس وقد ثارت به المرّة (2). والله إنّك لتشبه العرب، فقال: ألي يقال هذا؟
وأنا والله حرباء تنضبه (3)، يشهد لي سواد لوني، وغؤور عيني، وحبي للشمس.
72 - ابن أبي ليلى (4): سايرت شاميا فمر بحمال فأخذ منه رمانة، ثم تصدق بها على فقير، فتعجبت منه، فقال: أخذتها فكانت سيئة، ثم
__________
(1) اللّغط: الجلبة والضجيج.
(2) المرّة: المرارة، وتسمّى الصفراء.
(3) في المثل: كأنّه حرباء تنضبة: أي داهية. والحرباء: الدويبة المتلونة. والتنضب: شجر له شوك قصار تألفه الحرابي واحدته تنضبة تقطع منها العمد للأخبية.
(4) ابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن أبي ليلى بن بلال بن بلبل بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري الأوسي. ولد في خلافة عمر وروى عن عدد من الصحابة وتوفّي يوم الجماجم سنة 82هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6: 260.(2/29)
تصدقت بها فكانت عشر حسنات.
73 - جهل أبي جهل (1) مثل.
74 - قال ابن الحجاج (2):
عادية السن بطش سورتها ... أجهل في الرأس من أبي جهل (3)
كناه المسلمون بذلك، وكانت قريش تكنيه أبا الحكم. قال حسان (4):
الناس كنوه أبا حكم ... والله كناه أبا جهل
75 - الإستطالة (5) لسان الجهل، كم من عاقل أخره عقله وجاهل صدره جهله. نزت به البطنة (6) ونأت عنه الفطنة.
76 - حدث معبد بن خالد العدواني (7) وكان دميما: وفدنا معشر عدوان على عبد الملك فقدموا رجلا منا وسيما فقال ممن؟ فقال من عدوان، فأنشد:
__________
(1) أبو جهل: هو عمر وبن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي. كان شديد العداء والإيذاء للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في بدء ظهور الإسلام. قتل في بدر الكبرى سنة 2هـ.
راجع أخباره في سيرة ابن هشام وعيون الأخبار 1: 230.
(2) ابن الحجاج: هو الحسين بن أحمد بن الحجاج. تقدّمت ترجمته.
(3) هذا البيت في وصف الخمرة. والخمرة العادية: القديمة نسبة إلى عاد من القبائل المنقرضة. وسورة الخمرة: حدّتها.
(4) حسّان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري، شاعر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، تقدّمت ترجمته.
(5) الاستطالة: التكبّر.
(6) البطنة: تخمة الطعام.
(7) معبد بن خالد العدواني: كان واليا على العراق لخالد القسري. وهو من التابعين توفّي سنة 118هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 10: 221.(2/30)
عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضا ... فلم يرعوا على بعض
ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض
ثم قال له إيه، فقال: لا أحفظها، وكنت خلفه فقلت:
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
فقال له: من الحكم؟ فقال لا أدري: فقلت: عامر بن الظرب (1)، فقال: من قائل الشعر؟ قال: لا أدري، فقلت: ذو الأصبع (2)، فقال:
لم قيل له ذو الأصبع؟ قال: لا أدري، قلت نهشته أفعى فقطعت إصبعه، فقال له: ما كان اسمه؟ قال: لا أدري، قلت: حرثان بن الحارث، فقال عبد الملك: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة دينار، فقال لي: في كم أنت؟ فقلت في ثلاثمائة، فقال: اجعلوا عطاء هذا لهذا وعطاء هذا لهذا.
فاتصرفت وعطائي سبعمائة وعطاؤه بثلاثمائة.
77 - وقف رجل على مجلس الحسن فقال: اعتمر أخرّج أبادر، فقال الحسن: كذبوا عليه ما كان ذاك. أراد السائل: أعثمن أخرج أبا ذر (3).
78 - قال المعتصم لطباخه: حاسب رشيد، قال: مقراض، أراد:
__________
(1) عامر بن الظرب: هو عامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ العدواني. من حكام العرب في الجاهلية. يقال له: ذو الحلم، معمّر، ممّن حرّم الخمر. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 213والمجبّر 135.
(2) ذو الإصبع: هو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة العدواني. شاعر، فارس، من قدماء الشعراء في الجاهلية. له غارات ووقائع مشهورة. يعدّ من المعمرّين.
راجع أخباره مفصلة في الأغاني.
(3) يريد عثمان بن عفّان، أخرج أباذر الغفاري عنه إلى الربذة.(2/31)
جاشت رسيذاي أي أدرك غذاؤك بالفارسية، وأراد بمقراض: لا.
79 - يبس في شفتيه: أي تيس في سفينة. عدّ ستة تتصل: أي عدسية ببصل (1). شوا بخبز: أي بيتوا بخير. ثقب لو لو بطرف: أي ثقيل ولو تظرف.
80 - غاب عن الصاحب (2) ندماؤه ليلة فقال: سمسم، أراد بيت من يتم.
81 - وكان نقش خاتم ابن العميد (3): شيخ أشقر، أي: تب تنج أنب تفز.
82 - قرأ الحجاج يوما: إنّا من المجرمون منتقمون، فقالوا: لحن الأمير، فأنشد:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
83 - الأعمش (4): سمعت الحجاج على منبر الكوفة يقول: يا معشر الحمراء (5) تخلفتم عن الغزو، وجلستم على الكراسي، وتبردتم تحت الظلال، فلا يمر بكم مار إلّا قلتم ما الهبر ما الهبر (6)، والله لأهبرنكم (7) بالسيف هبرا أشغلكم به عن الأخبار.
84 - تكلم رجل عند عبد الله بن عباس فأكثر الخطأ، فدعا بغلام له فأعتقه، فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ فقال: إن لم يجعلني مثلك.
__________
(1) عدسية ببصل: نوع من الطعام.
(2) الصاحب: هو الصاحب بن إسماعيل بن عبّاد. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن العميد: هو محمد بن الحسين المتوفّى سنة 360هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) الأعمش: هو سليمان بن مهران المتوفّى سنة 148هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) الحمراء: أراد العجم لغلبة الشقرة عليهم.
(6) ما الهبر، ما الهبر: أراد: ما الخبر ما الخبر.
(7) لأهبرنكم: لأقطّعنكم. وهبر اللحم: قطعه.(2/32)
85 - شهد سلمى الموسوس (1) عند جعفر بن سليمان على رجل فقال: هو أصلحك الله ناصبي، رافضي، قدري، مجبر، يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان. فقال له جعفر: لا أدري على أي شيء أحسدك أعلى علمك بالمقالات (2) أم على معرفتك بالأنساب؟ قال: أصلح الله الأمير ما أخرجت من الكتّاب حتى حذقت هذا كله.
86 - أكثم بن صيفي (3): ويل لعالم أمرّ من جاهل.
87 - حضر مجلس الأعمش قوم ليسمعوا الحديث، فقال ما اليوم؟
فقال رجل منهم الاثنين، فقال: الاثنين، ارجعوا فأعربوا كلامكم ثم أطلبوا الحديث.
88 - رأى الحجاج لحنا في كتاب كاتبه فأمر بقطع إصبعه.
89 - وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز كتابا فوجده ملحونا فأحضره وضربه درّة.
90 - قال سيحان بن الحسين (4) حضرت مجلس محمد بن سلام (5)
__________
(1) الموسوس: لم نقف له على ترجمة.
(2) المقالات: المذاهب جمع مقالة.
(3) أكثم بن صيفي: هو أكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية التميمي، حكيم العرب في الجاهلية، وأحد المعمرين، عاش زمنا طويلا وأدرك الإسلام، وقصد المدينة في مئة من قومه يريدون الإسلام فمات في الطريق ولم ير النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم من بلغ المدينة من أصحابه وهو المعنيّ بالآية الكريمة {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهََاجِراً إِلَى اللََّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ}.
توفي نحو سنة 9هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 2: 6والإصابة 1: 113وجمهرة الأنساب 200.
(4) سيحان بن الحسين: لم نقف له على ترجمة.
(5) محمد بن سلام الجمحي: أمام في الأدب، من أهل البصرة ولد سنة 150هـ. ومات ببغداد سنة 232هـ. راجع ترجمته في إرشاد الأريب 7: 130واللباب:
1: 236.(2/33)
فلحن المستملي، فأخذت عليه. فتداخله من ذلك، فقال له محمد:
شيطان يجيئني في مسك (1) الرجال صبي مثله يأخذ عليك، ثم زجره.
91 - سمع رجل يقرأ: الأكراد أشد كفرا ونفاقا، فقيل له: قل ويحك الأعراب، فقال: كلهم يقطعون الطريق.
92 - التقط أعرابي اسمه موسى كيسا، ثم دخل مسجدا يصلي فيه، فقرأ الإمام {وَمََا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يََا مُوسى ََ} (2) فرمى إليه بالكيس وقال: والله إنك لساحر.
93 - حكيم: بعد الجاهل من أن يلتحم به الأدب كبعد النار من أن تشتعل في الماء.
94 - مر بالأوقص المخزومي (3) وهو قاضي مكة، ولم ير مثله في عفافه ونبله وظرفه مع زهده، سكران بالليل وهو نائم في جناح له، والسكران يتغنى:
عوجي علينا ربة الهودج ... إنك إن لم تفعلي تحرجي (4)
فأشرف عليه وقال: يا هذا شربت حراما، وايقظت نياما، وغنّيت خطأ، خذه عني، وأصلحه له.
95 - قامت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أبا غفر حفص الله لك، فقال: ويحك ما تقولين؟ قالت: صلعت من فرقتك (5).
__________
(1) المسك: الجلد.
(2) سورة طه، الآية: 17.
(3) الأوقص المخزومي: هو محمد بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي المكي قاضي مكة. توفي سنة 169هـ. راجع ترجمته في الأغاني وتاج العروس 4: 446.
(4) هذا البيت من أبيات للعرجي ذكرها أبو الفرج في الأغاني 1: 393طبعة دار الكتب العلمية.
(5) تريد القول: يا أبا حفص غفر الله لك، وفرقت من صلعتك.(2/34)
96 - الأصمعي: عن بعض الرواة قلت للشرقي بن القطامي (1) ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فكذبت له فقلت: كانوا يقولون:
ما كنت ولواكا ولا بزونك ... رويدك حتى يبعث الحق باعثه
فإذا به يحدث به في المقصورة يوم الجمعة.
97 - ابن عمار الثقفي الملقب بالغرير (2):
أعيرتني النقصان والنقص شامل ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وأقسم أني ناقص غير أنّني ... إذا قيس بي قوم كثير تقللوا
ولو منح الله الكمال ابن آدم ... لخلده والله ما شاء يفعل
98 - قيل لعبد الأعلى القاص (3): لم سمي العصفور عصفورا؟
قال: لأنه عصى وفرّ، قيل: فالطفشيل (4)؟ قال: لأنه طفا وشال، قيل:
فالقلطي (5)؟ للكلب، قال: لأنه قلّ ولطىء (6)، قيل: فالسلوقي؟ قال:
لأنه يسل (7) ويلقى.
99 - سئل رجل عن النسبة إلى الغة فقال: ما أبين الجواب وأظهر الحق، أما سمعتم قول الله تعالى: إنك لغوي مبين.
100 - قال الجماز (8): سمعت سائلا يقول: من يعطيني قطعة حبا
__________
(1) الشرقي بن القطامي: هو الوليد بن حصين بن حمال الكلبي. كان عالما يالأدب والنسب من أهل الكوفة. كان صاحب سمر. له أخبار مع المنصور العباسي. راجع ترجمته في لسان الميزان 2: 142واللباب 2: 17.
(2) ابن عمار الثقفي الملقب بالغرير: لم نقف له على ترجمة.
(3) عبد الأعلى القاص: ذكره الجاحظ في الحيوان 1: 107.
(4) الطفشيل: نوع من الطعام تباينت الآراء في كيفية صنعه.
(5) الكلب القلطي: القصير.
(6) لطىء الكلب بالأرض: لصق بها.
(7) يسلّ: يسرق.
(8) الجماز: هو محمد بن عمرو. تقدّمت ترجمته.(2/35)
للأمينين جبرائيل ومعاوية.
101 - لحن خالد بن صفوان عند عبد الملك فقال: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه.
102 - ولحن آخر عند سليمان (1) فقال: اللحن في الكلام أقبح من النقبة في الديباج.
103 - قال الجاحظ: قلت مرة: إذا شممت النرجس فنكسه فإنه أكثف لرائحته وأذكى، فسمع ذلك مني شيخ من عدول القضاة فقال: والله لأشهدن عليك بالزندقة، فكان سبب خروجي من البصرة.
104 - يقال للجهل أم الرذائل.
105 [شاعر]:
أبا جعفر إن الجهالة أمها ... ولود وأم العقل جداء حائل (2)
106 - قال الشعبي لرجل: ممن أنت؟ قال: من بنو عبد الله بن زيد، فقال: لو كنت من بني عبد الله لقلت من بني عبد الله.
107 - الزبير بن بكار (3): وفدت على المتوكل فقال لي أدخل على عبد الله بن المعتز، فدخلت وهو صبي، فسألني عن الحجاز واستنشدني، ثم نهضت فعثرت فسقطت، فقال يا زبير:
وكم عشرة لي باللسان عثرتها ... تفرق من بعد اجتماع من الشمل
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
__________
(1) سليمان: هو سليمان بن عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.
(2) يقال: أعوام جداء: أي ماحلة. والحائل: كل أنثى لا تحمل.
(3) الزبير بن بكار: كان عالما بالأنساب وأخبار العرب، ولد في المدينة سنة 172هـ.
وتولى قضاء مكة فتوفي فيها سنة 256هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 468 وآداب اللغة 2: 192.
فعثرته من فيه تذهب نفسه ... وعثرته بالرجل تبرأ على مهل (1)
108 - كان خالد بن صفوان يحدث بلال بن أبي بردة ويلحن، فقال: أتحدثني حديث الخلفاء، وتلحن لحن السقاءات؟ فتعلم الإعراب.(2/36)
__________
وتولى قضاء مكة فتوفي فيها سنة 256هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 8: 468 وآداب اللغة 2: 192.
فعثرته من فيه تذهب نفسه ... وعثرته بالرجل تبرأ على مهل (1)
108 - كان خالد بن صفوان يحدث بلال بن أبي بردة ويلحن، فقال: أتحدثني حديث الخلفاء، وتلحن لحن السقاءات؟ فتعلم الإعراب.
109 - قال الحجاج لثقفي: أين تركت الجند؟ قال: تركتهم يخنقون بعارضين، قال: لعلل تريد: يعرضون بخانقين (2)، قال: نعم اللهمّ لا تخانق في باركين، يعني لا تبارك في خانقين. ونظر رجل إلى إبريق نظيف فقال: ما أبرق أنظيفكم.
110 - أبو حاتم (3): قال الأصمعي: الزوج للذكر والأنثى بغير تاء، وتلا قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (4)، فقيل له: فقد قال ذو الرمة (5):
أذو زوجة بالمصر أم ذو قرابة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا
فقال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن هذا فقال: إن ذا الرمة طال ما أكل الخل والبقل في حوانيت البصرة، يريد أنه قد تحضر.
111 - قال جار الله (6) وأنشد ابن الأعرابي (7) لأبي فرعون (8):
(1) تبرأ: بحذف الهمزة للتسهيل: تشفى.
(2) خانقين: بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد بينها وبين قصر شيرين إلى حلوان ستة فراسخ. راجع معجم البلدان 2: 340.
(3) أبو حاتم: هو أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم الجشمي.
كان إماما في علوم اللغة والقرآن والشعر من أهل البصرة. توفي سنة 255هـ. وقيل غير ذلك. راجع ترجمته في بغية الوعاة 256وآداب اللغة 2: 185.
(4) سورة البقرة، الآية: 35، وسورة الأعراف، الآية: 19.
(5) ذو الرمّة: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، صاحب ميّة المنقرية، شاعر يمتاز باجادة التشبيه. توفي باصبهان وقيل بالبادية سنة 117هـ وله أربعون سنة. راجع ترجمته في الموشّح 170والشعر والشعراء 437.
(6) قوله: جار الله: يعني نفسه (الزمخشري مؤلف الكتاب).
(7) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد. تقدّمت ترجمته.
(8) أبو فرعون: لم نقف له على ترجمة.(2/37)
وزوجتي تأكل أكل الدب ... بنيها كالفرعل الأزب (1)
وقال الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
ولكن لغة القرآن تلحق الفصيح بالتأتاء (2) إن أقدم على إلحاق هذه التاء.
112 - قال أمير لأعرابي، وقد رأى معه ناقة فأعجب بها، هل أنزيت (3) عليها؟ قال: نعم أيها الأمير قد أضربتها (4)، قال: قد أضربتها، قد أحسنت حين أضربتها، نعم ما صنعت حين أضربتها، قال: فجعل يرددها، فعلمت أنه يريد أن ينقف (5) بها لسانه.
113 - سوادة (6) عن أبي جعفر (7): من فقه الرجل عرفانه اللحن.
__________
(1) الفرعل: ولد الضبع. والأزبّ: الكثير الشعر أو الوبر.
(2) التأتاء: الذي يكرّر لفظ التاء عند الكلام لعيب في النطق.
(3) يقال: نزا الفحل على الأنثى: وثب عليها للنسل. والنزو: السفاد.
(4) يقال: ضرب الفحل الناقة وأضربتها الفحل إذا نزا عليها.
(5) ينقف اللسان: يصقل.
(6) سوادة: هو سوادة بن أبي الجعد. ذكره ابن حبان في الثقات. راجع تهذيب التهذيب 4: 266.
(7) أبو جعفر: هو محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تقدّمت ترجمته.(2/38)
الباب الثامن عشر الجنون، والحمق، والسفه، والغفلة، والحزن، والعجلة وترك الأناة، والفضول، والدخول فيما لا يعني، والعبث
1 - أنس رضي الله عنه: مرّ رجل برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رجل:
يا رسول الله هذا مجنون، فأقبل عليه فقال: أقلت مجنون؟ إنما المجنون المقيم على المعصية، ولكن هذا مصاب.
2 - كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولون: كونوا بلها كالحمام.
وكان الرجل منهم يدعو لصاحبه فيقول: أقل الله فطنتك.
3 - عيسى صلّى الله عليه وسلّم: عالجت الأكمه (1) والأبرص فأبرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني.
4 [شاعر]:
لكل داء دواء يستطب به ... إلّا الحماقة أعيت من يداويها
5 - كان شريح (2) يقول: لئن أزاول (3) الأحمق أحب إليّ من أن أزاول نصف الأحمق، قيل: يا أبا أمية ومن نصف الأحمق؟ قال: الأحمق المتعاقل.
__________
(1) الأكمه: الأعمى المولود أعمى.
(2) شريح: هو شريح بن الحارث الكندي. تقدّمت ترجمته.
(3) أزاول: أعامل.(2/39)
6 - علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلّا وفيه حمقة (1) فيها يعيش.
7 - الأحنف: إني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في عقلي.
8 - المبرد (2): دخلت دير هزقل (3) فرأيت مجنونا مربوطا، فدلعت لساني في وجهه، فنظر إلى السماء وقال: لك الحمد والشكر، من حلوا ومن ربطوا؟ ودير هزقل موضع للمجانين يربطون فيه ويعالجون، يقال للذي تجنّن (4) كأنه من دير هزقل.
9 - قيل لمجنون: عدّ لنا مجانين البصرة، قال: كلفتموني شططا، أنا على عد عقلائها أقدر (5).
10 - قيل لأعرابي: أيسرك أنك أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟
قال لا، قيل ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي عليها، أبقى أحمق.
11 [شاعر]:
عذلوني على الحماقة جهلا ... وهي من عقلهم ألذ وأحلى
حمقي قائم بقوت عيالي ... ويموتون إن تعاقلت هزلا
12 - اصطحب أحمقان في طريق، فقال أحدهما: تعال نتمنّ فإن الطريق يقطع بالحديث، فقال أحدهما: أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع
__________
(1) الحمقة: من الحمق قلّة العقل أو فساد فيه.
(2) المبرّد: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي. إمام العربية ببغداد في زمانه. ولد بالبصرة سنة 210هـ وتوفي ببغداد سنة 286هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 380وطبقات النحويين 108.
(3) دير هزقل: هو دير مشهور بين البصرة وعسكر مكرم اتخذ لإيواء المجانين.
راجع أخبار هذا الدير وأخبار المجانين في كتاب «عقلاء المجانين» للنيسابوري (بشرحنا ص 274) طبعة دار الفكر اللبناني.
(4) تجنّن: أصابته الجنة.
(5) أراد أن المجانين فيها كثيرون.(2/40)
برسلها (1) ولحمها وصوفها، ويخصب معها رحلي، ويشبع معها أهلي، قال الآخر: وأنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتي عليها، فقال: ويحك أهذا من حق الصحبة، وحرمة العشرة؟ وتلاحما واشتدت الملحمة بينهما، فرضيا بأول من يطلع عليهما حكما، فطلع عليهما شيخ على حمار بين زقين من عسل، فحدثاه، فنزل عن الحمار، وفتح الزقين حتى سال العسل في التراب، ثم قال: صب الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين.
13 - بكر بن المعتمر (2): إذا كان العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من الحمق يتقدم في الأمور، فإن العاقل أبدا متوان، متوقف، متخوف.
14 - قال رقبة بن مصقلة (3): ما أذلني قط إلّا غلام مصاب بالكوفة، قال لي: رأيتهم شبهوك بي فسرني ذلك لك.
15 - الفرات بن حيان (4): في هجاء حسان (5)، وقيل هي لأبي سفيان بن الحارث (6):
__________
(1) الرسل: اللبن.
(2) بكر بن المعتمر: ذكره الطبري وقال: أحد كتاب الأمين، كتب له كتابا إلى المأمون سنة 193هـ.
(3) رقبة بن مصقلة: كان ثقة مأمونا فيه دعابة. توفي سنة 129هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 286.
(4) الفرات بن حيّان: هو فرات بن حيان بن ثعلبة بن عبد العزّى بن حبيب الربعي اليشكري ثم العجلي. كان ممن هجا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم أسلم وحسن إسلامه ومدح الرسول. كان يسكن الكوفة وله عقب فيها. راجع ترجمته في الإصابة 5:
204.
(5) حسّان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو سفيان بن الحارث: هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخوه في الرضاعة. كان ممّن يؤذي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويهجوه.
أسلم في الفتح وثبت مع النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتوفي في خلافة عمر قبل سنة 15هـ وقيل غير ذلك.(2/41)
أبوك أب سوء وخالك مثله ... ولست بخير من أبيك وخالكا
يصيب وما يدري ويخطىء ومادرى ... وكيف يكون النوك إلّا كذلكا (1)
16 - جابر بن عبد الله: كان رجل متعبد في صومعة، فمطرت السماء وأعشبت الأرض، فرأى حماره يرعى في ذلك العشب، فقال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري، فبلغ ذلك بعض الأنبياء، فهمّ أن يدعو عليه، فأوحي إليه: ان لا تدع عليه، فإني أجازي العباد على قدر عقولهم.
17 - وهب بن منبه: خلق ابن آدم أحمق، ولولا حمقه ما هنأه عيش.
قيل لأعرابي: يا مصاب، قال: أنت أصوب مني، أي أجن. وفي عقله صابة (2).
18 - يقال: هو سليم الصدر، معدود في أهل الجنة، هو ذو حمق وافر وعقل نافر. ليس معه من العقل إلّا ما يوجب حجة الله عليه. لو كان في بني إسرائيل فامروا بذبح بقرة ما ذبح غيره. عقله منه على سفر.
19 [شاعر]:
يظن بأن الخمل في القطف ثابت ... وأن الذي في داخل التين خردل
20 - هو ذو بصيرة بلهاء عند تشابه النوائب، وتجربة عمياء عند تأمل العواقب.
21 - يقال للأبله السليم القلب: هو من بقر الجنة، لا ينطح ولا يرمح (3)، وللأحمق المؤذي: من بقر سقر (4).
__________
(1) النوك: الحمق. والأنوك: الأحمق.
(2) الصابة: الجنة.
(3) رمحت البقرة، والدابة: رفست.
(4) سقر: اسم لجهنّم.(2/42)
22 - كان يقال: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
23 - خطب هند ابنة عتبة (1) رجلان: سهيل بن عمرو (2) وأبو سفيان بن حرب (3)، فألقى إليها أبوها صفيتهما، فاختارت أبا سفيان لعقله ودهائه، وحمقت سهيلا فقال:
نبئت هندا ضلّل الله رأيها ... تمادت وقالت وصف أهوج مائق (4)
وما هوجي يا هند إلّا سجية ... أجرّ بها ذيلي لحسن الخلائق (5)
ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولا طمت بالطحاء في كل شارق (6)
24 - فلان أعطى مقولا ولا يعطى معقولا (7)، للأحمق البين الحمق.
__________
(1) هند بن عتبة: هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، صحابية قرشية، عالية الشهرة. وهي أم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. تزوّجت أباه بعد مفارقتها لزوجها الأول الفاكه بن المغيرة المخزومي، في خبر طويل من طرائف أخبار الجاهلية. كانت فصيحة جريئة صاحبة رأي تقول الشعر الجيّد. وأكثر ما عرف من شعرها مراثيها لقتلى بدر من مشركي قريش قبل أن تسلم. وقفت بعد وقعة بدر (في وقعة أحد) ومعها بعض النسوة يمثّلن بقتلى المسلمين ويجدعن آذانهم وأنوفهم وتجعلها هند قلائد وخلاخيل، وترتجز في تحريض المشركين والنساء من حولها يضربن الدفوف، ثم كانت ممّن أهدر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم دماءهم يوم فتح مكة وأمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة. أعلنت إسلامها وشهدت اليرموك وحرّضت على قتال الروم وتوفيت سنة 14هـ. راجع ترجمتها في طبقات ابن سعد 8: 170وخزانة البغدادي 1: 556والروض الأنف 2: 277والأعلام 8: 98.
(2) سهيل بن عمرو: هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي، خطيب قريش وأحد ساداتها في الجاهلية. أسره المسلمون يوم بدر وافتدي. هو الذي تولى أمر الصلح بالحديبية يعدّ من المؤلفة قلوبهم. مات بالطاعون في الإمام سنة 18هـ. راجع ترجمته في الإصابة 3: 146.
(3) أبو سفيان: هو صخر بن حرب والد معاوية. تقدّمت ترجمته.
(4) الأهوج: الأحمق: والمائق: الغبيّ.
(5) الهوج: الجنون. والسجيّة: الطبيعة.
(6) القلوص: الناقة الفتيّة. وقوله في كل شارق: أي في كل صباح.
(7) المقول: اللسان. والمعقول: العقل.(2/43)
25 - أهل بغداد: فلان الساعة سقط من المحمل. يريدون أنه غبي، شبهوه بالخراساني الوارد عليهم، لم يخبر أحوال بلدهم.
26 - كتب سعد (1) إلى عمر رضي الله عنه: أني أصبت فيما أفاءه (2) الله على رسوله صندوقا من ذهب عليه قفل من ذهب، فلم افتحه، وإن رجلا أعطى به، طمعا فيما فيه، مالا كثيرا. فكتب إليه أن بعه منه، فإني أحسبها حمقة من حمقات العجم، ففعل. ففتحه المشتري فأصاب فيه حريرا مدرجا، فجعل يكشفه حتى أفضى إلى درج ففتحه، فإذا فيه كتاب، فأتى بعض من يقرأ بالفارسية، فقرأ فإذا فيه: لتسريحة اللحية من ناحية الحلق أنفع من ألف تسريحة إلى خلف، فاستقال (3) مشتريه، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إلى سعد: أن استحلفه أكان مقيلنا لو أصاب فيه كنزا أكثر مما تأمل؟ فسئل الرجل، فقال: ما كنت لأقيلكم، فلم يقيلوه.
27 - حارثة بن بدر الغداني في زياد (4):
الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير
28 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن وقّاف، والمنافق وثّاب.
29 - قال آدم عليه الصلاة والسلام لولده: كل عمل تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة، فإني لو وقفت لم يكن أصابني ما أصابني.
30 - وقع ذو الرياستين (5): إن أسرع النار إلتهابا أسرعها خمودا،
__________
(1) سعد: هو سعد بن أبي وقاص. تقدّمت ترجمته.
(2) الفيء: الغنيمة وهو ما حصل للمسلمين من أموال الكفّار من غير حرب ولا جهاد وأصل الفيء الرجوع.
(3) استقال: طلب فسخ البيع.
(4) زياد: هو زياد بن أبيه والي العراق. تقدّمت ترجمته.
(5) ذو الرياستين: هو الفضل بن سهل السرخسي وزير المأمون، ولد بسرخس سنة 154هـ كان مجوسيا وأسلم سنة 190هـ. قلّده المأمون الوزارة وقيادة الجيش فلقّب بذي الرياستين الحرب والسياسة. قتل سنة 202هـ. وهو عمّ بوران بنت الحسن بن سهل التي تزوجها المأمون. راجع ترجمته في الوزراء والكتّاب والوفيات والمرزباني(2/44)
فتأن في أمرك.
31 - ابن المقفع: من أدخل نفسه فيما لا يعنيه ابتلي فيه بما يعنيه.
32 - أعرابية: إن أخي من رطاته لا يعرف لطاته من قطاته.
الرطاة: الحماقة، والرطي: الأحمق، واللطاة: الجبهة، والقطاة: مقعد الردف من الدابة.
33 - قال رجل لامرأة كان يحبها: أنا والله لك مائق (1)، أراد:
وامق (2)، فقالت: لست والله لي وحدي بمائق، أنت والله مائق للخلق كله.
34 - قال رجل لزهير البابي (3): ألا توصي لي بشيء؟ فقال:
احذر لا يأخذك الله وأنت على غفلة.
35 - من ورد عجلا صدر (4) خجلا.
36 - بينا ابن عمر رضي الله عنه جالس إذ جاءه أعرابي فلطمه، فقام إليه وافد بن عبد الله (5) فجلد به الأرض. فقال ابن عمر: ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه.
37 - مطرف (6): ما من أحد إلّا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه، إلّا أن بعض الحمق أهون من بعض.
__________
(1) المائق: الأحمق.
(2) الوامق: المحب. والمقة: المحبة. والفعل ومق.
(3) زهير البابي: هو زهير بن نعيم البابي السلولي نزيل البصرة. كان زاهدا متعبدا متقشفا. أصيب ببصره في آخر عمره. توفي في خلافة المأمون.
راجع ترجمته في اللباب 1: 102وحلية الأولياء 10: 347.
(4) صدر: رجع.
(5) وافد بن عبد الله: راجع تهذيب التهذيب 11: 106.
(6) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير. تقدّمت ترجمته.(2/45)
الباب التاسع عشر الجوابات المسكتة، ورشقات اللسان وما يجري من الاستدراك والاعتراض، والتبكيت، والمماراة، واللجاج، والجدل
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يعدي شيء شيئا. فقال أعرابي: يا رسول الله إن النقبة (1) تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فما أجرب الأول؟.
2 - لما أخذ عمر رضي الله عنه في التوجه إلى الشام قال له رجل:
أندع مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: أدع مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لصلاح أمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقد هممت أن أضرب رأسك بالدرة (2) حتى لا تجعل الرد على الأئمة عادة فيتخذها الأجلاف سنّة.
3 - اجتاز عمر بن الخطاب بصبيان يلعبون، فهربوا إلّا عبد الله بن الزبير، فقال له عمر: لم لا تفر مع أصحابك؟ قال: لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقا فأوسع عليك.
4 - رضي الله عنه: قال له يهودي: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم!! فقال له: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.
__________
(1) النقبة: أول ما يبدو من مرض الجرب.
(2) الدرّة: السوط.(2/47)
5 - رفع رجل رجلا إلى علي رضي الله عنه وقال: إن هذا زعم أنه احتلم على أمي، فقال: أقمه في الشمس فاضرب ظله.
6 - قال رجل لجعفر بن محمد (1): ما الدليل على الله؟ ولا تذكر لي العالم والعرض والجوهر، فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل عصفت بكم الريح حتى خقتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاحين؟ قال: نعم، قال: فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟ قال: نعم، قال: فإن ذاك هو الله، قال الله تعالى: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلََّا إِيََّاهُ} (2)، و {إِذََا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} (3).
7 - سئل علي رضي الله عنه عن مسافة ما بين الخافقين، فقال:
مسيرة يوم للشمس.
8 - قال رجل لآخر: والله ما أمل الحديث، فقال: إنما يمل العتيق.
9 - مرت بالوليد بن عبد الملك خيل لعبد الله بن يزيد بن معاوية (4)، فعبث بها وأصغره، فشكا ذلك أخوه خالد (5) إلى عبد الملك فقال: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذََا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهََا} (6)، فقال خالد: {وَإِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ}
__________
(1) جعفر بن محمد: هو جعفبر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تقدمت ترجمته.
(2) من سورة الإسراء، الآية: 67.
(3) من سورة النحل، الآية: 53.
(4) عبد الله بن يزيد الأكبر أمه كلثوم بنت عبد الله بن عامر وهو الأسوار. قتله عبد الملك وعبد الله بن يزيد الأصغر أمه من بني كلب. راجع ابن الأثير.
(5) خالد: هو خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: كان شاعرا خطيبا فصيحا جيد الرأي كثير الأدب، وهو أول من ترجم كتب النجوم والكيمياء. توفي في دمشق سنة 90هـ. راجع البيان والتبيين للجاحظ 1: 178والوفيات 1: 242.
(6) سورة النمل، الآية: 34.(2/48)
{قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا} (1) الآية، فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلمني؟ وقد دخل علي فما أقام لسانه لحنا، فقال خالد: أفعلى الوليد تعول؟ فقال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان، فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد، فقال عبد الملك: اسكت فو الله ما تعد في العير ولا في النفير (2)، فقال خالد: ويحك من في العير والنفير غير جدي أبو سفيان صاحب العير، وعتبة بن ربيعة (3) صاحب النفير؟ ولكن لو قلت: غنيمات وحبيلات والطائف ورحم الله عثمان، قلنا: صدقت.
وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أطرد الحكم بن أبي العاص، وهو جد عبد الملك، فلجأ إلى الطائف، فكان يرعى غنيمات، ويأوي إلى حبلة وهي الكرمة، ثم رده عثمان حين أفضت الخلافة إليه.
10 - شهد أعرابي عند معاوية بشيء كرهه، فقال معاوية: كذبت، فقال: الكاذب والله متزمل (4) في ثيابك. فقال معاوية وتبسم: هذا جزاء من عجل.
__________
(1) من سورة الإسراء، الآية: 16.
(2) العير: القافلة، وقيل: الإبل التي تحمل الميرة لا واحد لها من لفظها. والنفير:
الجماعة من الناس. ونفير قريش: الذين كانوا نفروا إلى بدر ليمنعوا عير أبي سفيان. وقوله: ما تعد في العير ولا في النفير: قيل هذا المثل لقريش من بين العرب، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لما هاجر إلى المدينة ونهض منها لتلقّي عير قريش سمع مشركو قريش بذلك فنهضوا ولقوه ببدر ليأمن عيرهم المقبل من الشام مع أبي سفيان، فكان من أمرهم ما كان، ولم يكن تخلّف عن العير والقتال إلّا زمن أو من لا خير فيه، فكانوا يقولون لمن لا يستصلحونه لمهمّ: فلان لا في العير ولا في النفير.
فالعير ما كان منهم مع أبي سفيان، والنفير ما كان منهم مع عتبة بن ربيعة قائدهم يوم بدر.
(3) عتبة بن ربيعة: هو والد هند أم معاوية بن أبي سفيان، كان أحد سادات قريش في الجاهلية وكان خطيبا موصوفا بالرأي والحلم وهو الذي توسط في حرب الفجار بين هوازن وكنانة وأرضى الفريقين. قتل في وقعة بدر سنة 2هـ. راجع ترجمته في الروض الأنف 1: 121ورغبة الآمل 2: 205ونسب قريش 152.
(4) المتزمّل: الملفّف بثيابه. يكنّى به عن المقصّر المتهاون.(2/49)
11 - أنشد كثير (1) عبد الملك فقال للأخطل: كيف ترى؟ فقال:
حجازي مجوع مقرور (2)، فدعني أضغمه (3) لك. فسأل عنه كثير فقال له: هلّا ضغمت الذي يقول (4):
لا تطلبن خؤولة في تغلب ... فالكلب أكرم منهم أخوالا
والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حكّ استه وتمثّل الأمثالا
فسكت فما أجابه بحرف.
12 - أتي الحجاج بامرأة خارجية، فلم تنظر إليه، فقيل لها، فقالت: لا أنظر إلى من لا ينظر الله إليه.
13 - قال عمر رضي الله عنه لأبي مريم الحنفي (5): والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم، قال: أتمنعني حقا؟ قال: لا، قال: فلا بأس، إنما يأسي على فقدان الحب النساء.
14 - دخل يزيد بن أبي مسلم (6) صاحب شرطة الحجاج على سليمان بن عبد الملك بعد موت الحجاج، فقال سليمان: قبح الله رجلا أجرك رسنه وخرب لك أمانته، قال يا أمير المؤمنين: رأيتني والأمر لك وهو عني مدبر، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لاستكبرت مني ما استصغرت، واستعظمت منيّ ما استحقرت، فقال سليمان: أترى الحجاج استقر في
__________
(1) كثّير: هو كثّير بن عبد الرّحمن الخزاعي. يقال له: كثّير عزّة. تقدّمت ترجمته.
(2) المقرور: الذي أصابه البرد. والقرّ: البرد.
(3) دعني أضغمه: أي دعني أعضّه.
(4) هو الشاعر جرير بن عطية الخطفي.
(5) أبو مريم الحنفي: كان من أصحاب مسيلمة الكذاب وهو الذي قتل زيد بن الخطاب في وقعة اليمامة. قيل إنه تاب وأسلم. راجع الإصابة 1: 120.
(6) يزيد بن أبي مسلم: هو يزيد بن دينار الثقفي، مولى الحجاج وكاتبه. استخلفه الحجاج على الخراج بالعراق. ولّاه يزيد بن عبد الملك على أفريقية سنة 101هـ فقتل هناك سنة 102هـ. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة 1: 245والبيان والتبيين 1: 395والوفيات 2: 276.(2/50)
جهنم؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا تقل، فإن الحجاج وطألكم المنابر وأذل لكم الجبابرة، وهو يجيء يوم القيامة عن يمين أبيك وعن يسار أخيك، فحيث كانا كان.
15 - استمع معاوية على يزيد (1) ليلة، فسمع غناء أعجبه، فلما أصبح قال: من كان ملهيك البارحة؟ قال: ذاك ابن خاثر (2)، قال: إذن فاخثر (3) له من العطاء.
16 - قال الرشيد لسعيد بن سلم من بيت قيس في الجاهلية؟ قال:
يا أمير المؤمنين بنو فزارة، قال: فمن بيتهم في الإسلام؟ قال: الشريف من شرفتموه، قال: صدقت، أنت وقومك.
17 - مر نصر بن سيار بأبي الهندي (4)، وكان شريفا، وهو يميل سكرا، فقال: أفسدت شرفك، فقال أبو الهندي: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان.
18 - أنشد بشار قول كثّير:
ألا إنما ليلي عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكف تلين
قال: لله أبو صخر!! أيجعلها عصا ثم يعتذر إليها، والله لو جعلها
__________
(1) يزيد: هو يزيد بن معاوية أبن أبي سفيان. تقدّمت ترجمته.
(2) ابن خاثر: يريد القول: سائب خاثر. وهو سائب بن يسار فارسي الأصل من أهل المدينة. مغن، وهو أول من غنّى في الإسلام الغناء العربي المتقن وهو أستاذ معبد المغنّي المشهور وأستاذ ابن سريج وعزّة الميلاء. كان منقطعا إلى عبد الله بن جعفر.
قتل في وقعة الحرّة سنة 63هـ. راجع ترجمته مفصّلة في الأغاني وتهذيب ابن عساكر 6: 62والأعلام.
(3) أخثر له من العطاء: أي زده وأكثر له.
(4) أبو الهندي: هو عبد الله بن ربعي بن شبث بن ربعي الرياحي. كان شاعرا من مخضرمي الدولتين. كان منهوما بالشراب، أكثر شعره في وصف الخمرة. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 572وأنساب الأشراف 11: 913وعيون التواريخ حوادث سنة 130.(2/51)
عصا مخ، أو عصا زبد لكان قد هجنها بذكر العصا، ألا قال كما قلت:
وبيضاء المحاجر من معد ... كأن عظامها من خيزران
19 - بكى سفيان بن عيينة يوما، فقال له يحيى بن أكثم: ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: بعد مجالستي [أصحاب] أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بليت بمجالستكم. فقال له يحيى، وكان حدثا، فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمجالستك بعد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام أظن السلطان سيحتاج إليك.
20 - سئل ابن عمر (1): هل كان يلتفت النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة؟
فقال: لا ولا في غير الصلاة.
21 - تكلم صعصعة (2) عند معاوية فعرق، فقال أبهرك القول؟
فقال: إن الجياد نضاحة بالماء.
22 - حدّث الحسن البصري بحديث، فقال له رجل: عمن؟
فقال: وما تصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته.
23 - قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يتفرقع، قال: لا تخف إنما يسبح قال: أخاف أن تدركه رقة فيسجد.
24 - تناظر أبو عمر وبن العلاء وعمر وبن عبيد في الوعيد، فأنشد أبو عمرو:
لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختشي من صولة المتهدد (3)
__________
(1) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. تقدّمت ترجمته.
(2) صعصعة: هو صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي. له شعر، شهد صفين مع الإمام علي وله مع معاوية مواقف. توفي بالكوفة نحو سنة 60هـ. وقيل غير ذلك في خبر وفاته. راجع الإصابة 3: 259وتهذيب ابن عساكر 6: 423.
(3) الصولة: الغضب الشديد.
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فقال له عمرو صدقت، تمدح العرب بالوعد دون الإيعاد وتمدح بالوفاء بهما لتصرف المعاني وأنشد:(2/52)
__________
(3) الصولة: الغضب الشديد.
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فقال له عمرو صدقت، تمدح العرب بالوعد دون الإيعاد وتمدح بالوفاء بهما لتصرف المعاني وأنشد:
إن أبا خالد لمجتمع الرأ ... ي شريف الأفعال والبيت
لا يخلف الوعد والوعيد ولا ... يبيت من ثأره على فوت
25 - وأنشد السيرافي (1) لأبي وجزة السعدي (2) في نحو ذلك:
صدّق إذا وعد الرجال وأوعدوا ... فأحثّ بادرة وأوفى موعد
26 - ولبعض الأسديين وهو جاهلي:
أنا الصاب إن شورست يوما وأنّني ... جنى النحل إن سومحت إلّا لآكل (3)
بسيط يد بالعرف والنكر إن أقل ... بوعد وإيعاد أقل قول عاسل
صؤول على الصعب المنوع وممسك ... عرامي على الواهي القوي المتضائل (4)
إذا سنة حالت بأزم تلقحت ... بمعروفنا حتى ترى غير حائل (5)
27 - قالت عجوز لزوجها: أما تستحي أن تزني ولك حلال طيب؟
قال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا.
28 - قيل لمزبد (6): هل في بيتك دقيق؟ قال: لا، ولا جليل.
29 - قال رجل لغلامه: هات الطبق، واغلق الباب، قال: هذا
(1) السيرافي: هو الحسن بن عبد الله السيرافي. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو وجزة السعدي: هو يزيد بن عبيد السلمي السعدي، كان شاعرا مجيدا، راويا مقرئا، وكان منقطعا لآل الزبير، وهو أول من شبّب بعجوز. مات في المدينة سنة 130هـ. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 2: 150والتهذيب 11: 349.
(3) الصاب: نوع من الشجر عصارته شديدة المرارة. وشورست: عوكست.
(4) صؤول: ساط وقاهر. والعرام: الأذى والشراسة.
(5) السنة: القحط. والأزم: الشدة. والحائل: الأنثى التي لا تلد والحديث هنا عن جدب الأرض وقحطها.
(6) مزبد: هو مزبد المدني الظريف الفكه، تقدّمت ترجمته.(2/53)
خطأ، بل أغلق الباب وآتي بالطعام، فقال الرجل: أنت حر لعلمك بالحزم.
30 - كان الرشيد يلعب الصوالج (1) فقال ليزيد بن مزيد الشيباني (2): كن مع عيسى (3)، فأبى فقال: أتأنف ويحك أن تكون معه؟
فقال: يا أمير المؤمنين إني حلفت يمينا ألا أكون عليك في جد ولا هزل.
31 - عرض بلال بن أبي بردة الجند، فمر به نميري ومعه رمح قصير فقال: يا أخا نمير، أنت [ليس] كما قيل:
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار
فقال: أصلح الله الأمير ما هو لي وإنما استعرته من رجل من الأشعريين.
32 - مدح أبو مقاتل الضرير (4) الحسن بن زيد (5) بقصيدة أولها:
__________
(1) الصولجان: العصا المعقوفة الرأس.
(2) يزيد بن مزيد الشيباني: كان واليا بأرمينية وأذربيجان واليمن، وهو الذي قتل الوليد بن طريف الشيباني الشاري رئيس الخوارج بأمر من الرشيد العباسي، وهو ابن أخي معن بن زائدة. كان شجاعا كريما. توفي ببردعة سنة 185هـ. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 2: 283وجمهرة الأنساب 307.
(3) عيسى: هو عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور. وهو الذي حمل كتاب الأمين العباسي إلى أخيه المأمون بخراسان يطالبه فيه أن يتنازل عن ولاية العهد لابنه موسى بن محمد الأمين فلم يستجب المأمون لذلك. راجع الطبري وابن الأثير 5:
215 - والمعارف لابن قتيبة 162وتاريخ بغداد 11: 152والاسم في بعض المصادر فيه اختلاف.
(4) أبو مقاتل الضرير: لم نقف له على ترجمة.
(5) الحسن بن زيد: هو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ظهر بطبرستان واستولى على الريّ ونيسابور وجرجان وغيرها من البلاد. وكان جوادا عالما بالفقه والعربية. استمرت ولايته تسع عشرة سنة. توفي سنة 270هـ. وتولّى أخوه محمد بن زيد مكانه.
راجع الكامل لابن الأثير 7: 407وكتب التراجم، والأعلام 2: 191.(2/54)
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الهادي ووجه المهرجان (1)
فكره الحسن افتتاحه بلا، فقال أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من كلمة التوحيد، وأولها لا.
33 - قال موسى بن قيس المازني (2): قلت لأبي فراس المجنون (3)، أنت النهار كله ماش، أفتشكي بدنك الليل؟ قال:
إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع
فقلت: يا أحمق أسألك عن حالك وتنشدني الشعر، قال: أجبتك يا مجنون، قلت: أتقول لي هذا وأنا سيد من سادات الأنصار فقال:
وإن بقوم سودوك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
ثم لطم عينه، ومر وهو يقول: هكذا يكون الجواب المقشر.
34 - قيل لسقراط: إن الكلام الذي قلته لم يقبل، فقال: ليس يلزمني أن يقبل، إنما يلزمني أن يكون صوابا.
35 - قال الاسكندر لابنه يا ابن الحجامة، فقال: أما هي فأحسنت التخير، وأما أنت فلا.
36 - وقال أعرابي لابنه: أسكت يا ابن الأمة، فقال له: والله لهي أعذر منك حيث لم ترض إلّا حرا.
37 - قال خالد القسري لابن هبيرة: فررت مني فرار العبد يا أبا المثنى، قال: حين نمت عني نوم الأمة يا أبا الهيثم.
38 - تنبأ رجل في زمن المنصور، فقال له المنصور: أنت نبي سفلة، فقال: جعلت فداك كل إنسان يبعث إلى شكله.
__________
(1) المهرجان: اسم عيد للفرس.
(2) موسى بن قيس المازني: لم نقف له على ترجمة.
(3) أبو فراس المجنون: لم نقف له على ترجمة.(2/55)
39 - قال ملك لوزير: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدمه، قال: أدب يتحلى به، قال: فإن عدمه، قال:
فمال يستره، قال: فإن عدمه، قال: فصاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد.
40 - قال عبد الملك لأعرابي: الناقة إذا كانت تمنع الحلب قوّمتها العصا، فقال: إذن تكفأ (1) الإناء وتكسر أنف الحالب.
41 - علي رضي الله عنه: إذا أزدحم الجواب خفي الصواب.
42 - غنّى إبراهيم (2) الرشيد، فقال له: أحسنت أحسن الله إليك، فقال: يا أمير المؤمنين إنما يحسن الله إلي بك، فأمر له بمائة ألف درهم.
43 - قال معاوية لعقيل (3): ما أبين الشبق (4) في رجالكم يا بني هاشم!! قال: لكنه في نسائكم أبين يا بني أمية.
44 - حضر أبو عبد الرّحمن الحنفي (5) ورجل من المجبرة مجلس والي البصرة، فأتي بطرار (6) أحول، فقال الوالي للمجبر: ما ترى فيه؟
قال: يضرب خمس عشرة درّة، وسأل أبا عبد الرحمن، فقال: ثلاثين، خمس عشرة لطره، وخمس عشرة لحوله، فقال: يا أبا عبد الرحمن أضربه على الحول؟ قال: نعم، إذا كانا جميعا من خلق الله، فما جعل الضرب على الطرّ أحق من جعله على الحول؟.
45 - كان بالكوفة رجل يحدّث عن بني إسرائيل ويكذب، فقال له
__________
(1) كفأ الإناء: أماله وقلبه ليصبّ ما فيه.
(2) إبراهيم: هو إبراهيم الموصلّي. تقدّمت ترجمته.
(3) عقيل: هو عقيل بن أبي طالب. تقدّمت ترجمته.
(4) الشبق: شدّة الشهوة للجماع.
(5) أبو عبد الرحمن الحنفي: لم نقف له على ترجمة.
(6) الطرار: السارق (النشّال).(2/56)
الحجاج بن حنتمة (1): ما اسم بقرة بني إسرائيل؟ قال حنتمة! فقال رجل من ولد أبي موسى (2) في أي الكتب وجدت هذا؟ قال: في كتب عمرو بن العاص التي جدع بها أبا موسى.
46 - قال المتوكل لأبي العيناء: إلى متى تمدح الناس وتذمهم؟
قال: ما أحسنوا وأساؤا.
47 - قال ابن مكرم (3) لأبي العيناء: بلغني أنك مأفون (4): قال:
مكذوب عليّ وعليك.
48 - نظر رئيس إلى أبي هفان (5) وهو يسار (6) رجلا فقال: فيم تكذبان؟ قال: في مدحك.
49 - رأى أعرابي أبا هفان فقال: من هذا؟ فقال ابن محرز الكاتب: شيخ لنا مصاب، فقال أبو هفان: نعم يا ابن أخي، هذا.
50 - سأل المأمون أبا يونس (7) فقيه مصر عن رجل اشترى شاة فضرطت فخرجت منها بعرة فقأت عين رجل، على من الدية؟ قال: على البائع، قال: ولم؟ قال: لأنه باع شاة في استها منجنيق (8)، ولم يبرأ من العهدة.
__________
(1) راجع الخبر في البيان والتبيين للجاحظ 4: 19.
(2) أبو موسى: هو أبو موسى الأشعري. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن مكرم: هو محمد بن مكرم البصري. كان بينه وبين أبي العيناء مزاح وظرف.
راجع ترجمته في طبقات ابن المعتزّ والديارات 84.
(4) المأفون: الناقص العقل. وفي طبقات ابن المعتز أن المتوكل قال يوما لأبي العيناء:
«بلغني أنك مأبون». والمأبون هو الذي تفعل فيه الفاحشة. راجع طبقات ابن المعتزّ ص 414.
(5) أبو هفّان: هو عبد الله بن أحمد المهزمي. تقدّمت ترجمته.
(6) تسارّ القوم: تناجوا وأطلع بعضهم بعضا على سرّما. وسارّه. كلمه بسرّ.
(7) أبو يونس: هو سليم بن جبير ويقال ابن جبير الدوسي. من رواة الحديث الفقهاء في مصر توفي سنة 123هـ راجع تهذيب التهذيب 4: 166.
(8) المنجنيق: آلة حربية كانت ترمى بها الحجارة.(2/57)
51 - قال عبيد الله بن يحيى (1) لأبي العيناء: كيف الحال؟ قال:
أنت الحال، فانظر كيف أنت لنا، فأحسن صلته.
52 - قال رجل لأعرابي: أتجلب التمر إلى هجر (2)؟ فقال: نعم، إذا أجدبت أرضها، وعاوم (3) نخلها.
53 - قال المتوكل للفتح بن خاقان (4)، وقد خرج وصيف الخادم في أحسن زي، يا فتح أتحبه؟ قال: أنا لا أحب من تحب، وإنما أحب من يحبك.
54 - سمع مجنون رجلا يقول: اللهمّ لا تأخذنا على غفلة، فقال:
إذن لا يأخذك أبدا.
55 - اشترى إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس (5)
غلاما فصيحا، فطلبه الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين لم أشتر إلّا لك، فقال له الرشيد: إن مولاك قد وهبك لي، فقال: يا أمير المؤمنين: ما زلت ولا زلت، قال: فسّر، قال: ما زلت لك وأنا في ملكه، ولا زلت عن ملكه وأنا لك، فأعجب به الرشيد وقدمه.
__________
(1) عبيد الله بن يحيى: وزير المتوكل والمعتمد. ولد سنة 209هـ. كان كريما مخلطا.
توفي سنة 263هـ. راجع ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية 1: 146ودول الإسلام للذهبي 1: 125.
(2) هجر: مدينة. وهي قاعدة البحرين. وقيل: هجر بلاد قصبتها الصفا بينها وبين اليمامة عشرة أيام وبينها وبين البصرة خمسة عشر يوما على الإبل، وهجر اسم علم على عدّة أماكن. راجع معجم البلدان 5: 393.
وقال ابن الأثير: هجر بلد معروف بالبحرين مشهورة بكثرة وبائها. وفي حديث عمر: عجبت لتاجر هجر وراكب البحر، أي تاجرها وراكب البحر سواء في الخطر.
(3) عاوم النخل: حمل سنة ولم يحمل أخرى.
(4) الفتح بن خاقان: أديب شاعر فارسي الأصل، وزير المتوكل العباسي. تقدّمت ترجمته.
(5) إسحاق بن عيس بن عباس: كان أمير المدينة المنورة سنة 167هـ أيام المهدي، وكان في بغداد حين قتل الأمين سنة 198هـ.(2/58)
56 - قال المعتصم للفتح بن خاقان وهو صبي: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص (1)؟ لفص في يده، قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه.
57 - كان لعمران بن حطان (2) زوج جميلة، وكان هو قصيرا دميما، فقالت له ذات يوم: إعلم أني وإياك في الجنة، قال: كيف؟ قالت:
لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأنا بليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة.
58 - اجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن البصري (3) في دار الرشيد، فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: فقليله خير أم كثيره؟ قال: قليله، قال: ما رأيت خيرا قطّ إلّا والإزدياد منه خير إلّا خيرك هذا، فإن قليله خير من كثيره.
59 - اعترض رجل المأمون فقال: أنا رجل من العرب قال: ليس ذاك بعجب، قال: وإني أريد الحج، قال: الطريق أمامك نهج (4)، قال: وليست لي نفقة، قال: قد سقط عنك الفرض، قال: إني جئتك
__________
(1) الفصّ: ما يركّب في الخاتم من الأحجار الكريمة.
(2) عمران بن حطان: هو عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني الوائلي، أبو سماك، من أهل البصرة، كان رأس القعدة من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم.
أدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم. كان شاعرا مغلقا مكثرا وهو القائل من قصيدة:
حتى متى لا نرى عدلا نعيش به ... ولا نرى لدعاة الحقّ أعوانا؟
توفي سنة 84هـ. راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 5: 70والإصابة الترجمة 6877والكامل للمبرّد 2: 121وميزان الإعتدال 2: 276.
(3) يحيى بن عبد الله البصري: هو حفيد الحسن البصري. لم نقف له على ترجمة.
(4) النهج: الطريق الواضح.(2/59)
مستجديا لا مستفتيا، فضحك وبرّه.
60 - قال الخياط (1) المتكلم: ما قطعني إلّا غلام، قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: إنى أقف فيه قال: فما تقول فى ابنه يزيد؟ قلت: العنه قال: فما تقول فمين يحبه؟ قلت: العنه قال: أفترى معاوية كان لا يحب ابنه؟.
61 - دخلت أم أفعى العبدية (2) على عائيشة فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت إبنا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار؟ قالت:
فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الكبار عشرين ألفا؟ قالت خذوا بيد عدوة الله.
62 - قيل لبلال (3): من سبق؟ قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قيل:
سألناك عن الخيل قال: وأنا أجيبكم عن الخير (4).
63 - قال رجل لأبي الهذيل (5): ما الدليل على حدوث العالم؟
قال: الحركة والسكون، قال: الحركة والسكون من العالم، فكأنك
__________
(1) الخياط: هو أبو الحسين بن أبي عمرو الخياط رئيس الفرقة الخياطية من معتزلة بغداد. راجع التفاصيل في الملل والنحل للشهرستاني 2: 89بتحقيقنا طبعة دار المعرفة.
(2) أم أفعى العبدية: لم نقف لها على ترجمة.
(3) بلال: هو بلال بن رباح الحبشي، مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخازنه على بيت ماله.
من مولدي السراة، وأحد السابقين للإسلام. شهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولما توفي رسول الله أذن بلال، ولم يؤذّن بعد ذلك. وأقام حتى خرجت البعوث إلى الشام فسار معهم. توفي في دمشق سنة 20هـ. راجع ترجمته في الأعلام 2: 73 وابن سعد 3: 169وصفة الصفوة 1: 171وتاريخ الخميس 2: 245.
(4) راجع الخبر في عيون الأخبار 2: 37والبيان والتبيين للجاحظ 2: 282.
(5) أبو الهذيل: هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي. من أئمة المعتزلة، اشتهر بعلم الكلام.، ولد بالصرة سنة 135هـ، وتوفي بسامراء سنة 235هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 366ونكت الهميان 277والتبصير في الدين 62.(2/60)
قلت: الدليل على حدوث العالم العالم، دلّ على حدوث العالم بغير العالم، فقال أبو الهذيل: إن جئتني بسؤال من غير العالم جئتك بجواب من غير العالم.
64 - قال الأشعث بن قيس (1) لشريح: يا أبا أمية لعهدي بك وإن شأنك لشأوين، فقال: يا أبا محمد تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها من نفسك.
65 - زحمت مدينة رجلا فقال: المستعان بالله منكن، ما أكثر كن؟
فقالت: يا هذا نحن على الكثرة وأنتم تبتغون ما وراء ذلك، فليت شعري لو كان فينا قلّة ماذا كنتم تعملون؟
66 - دخل رجل على ابن ميادة (2) وبين يديه كتاب فقال: ما هذا؟
فقال: كتاب عملته مدخلا إلى التوراة، قال: الناس ينكرون هذا، قال:
الناس كلهم جهال قال: فأنت ضدهم؟ قال: نعم، قال: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلا عندهم، قال: صدقت، قال: فقد بقيت جاهلا بإجماع، والناس جهال بقولك وحدك.
67 - خطب معاوية فقال: إن الله يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلََّا عِنْدَنََا}
__________
(1) الأشعث بن قيس، هو الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أمير كندة في الجاهلية. كان مع سعد بن أبي وقاص في حروب العراق. وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جمع من قومه فأسلم.
أقام في المدينة. ومن المؤرخين من يسميه معد كرب. توفي سنة 40هـ وعمره 63سنة.
راجع ترجمته في ثمار القلوب 69وتاريخ بغداد 1: 196والإصابة 1: 50.
(2) ابن ميادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان الذبياني الغطفاني، أبو شرحبيل ويقال له أبو حرملة. اشتهر بابن ميادة وهي أمه. شاعر مخضرم من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان مقامه بنجد. توفي سنة 149هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 5: 321والتبريزي 3: 159.(2/61)
{خَزََائِنُهُ، وَمََا نُنَزِّلُهُ إِلََّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (1) فعلام يلومونني إذا قصرت في عطياتكم؟ فقال الأحنف: إنّا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله من خزائنه، فجعلته أنت في خزانتك وحلت بيننا وبينه.
68 - قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول (2)، وأنا أبسط قامة.
69 - قال رجل لعبد الملك: تزوجت امرأة وتزوج إبني أمها فارفدني، قال: إن أخبرتني ما قرابة أولادكما إذا ولدتا فعلت، فقال: يا أمير المؤمنين هذا حميد (3) قلّدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنها، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر، فسأله، فقال:
والله ما قدمتني على العلم ولا نصبتني له، وقدمتني على العمل بالسيف والطعن بالرمح، ألا أني أجيب عنها، ثم أقبل على الرجل فقال: يا ابن المعروكة (4) كان أحدهما عما للآخر والآخر خالا له. فانخزل الرجل، فقال عبد الملك: أجاب وأصاب وجهلت وانخزلت ولكنك تستحق ما طلبت بامتحاننا إياك وصبرك علينا.
70 - قال المنتصر لأبي العيناء: ما أحسن الجواب؟ قال: ما أسكت المبطل وحير المحقّ.
71 - عمرو بن عتبة (5): تعريف الجاهل أيسر من تقرير المنكر.
__________
(1) سورة الحجر، الآية: 21.
(2) أطول: بمعنى أفضل وأيسر.
(3) حميد: هو حميد بن حريث بن بحدل الكلبي. من قواد مروان بن الحكم ومن قواد عبيد الله بن زياد. اتخذه عبد الملك صاحبا له. راجع الطبري وابن الأثير.
(4) المعروكة: هي المرأة الفاجرة.
(5) عمرو بن عتبة: هو عمرو بن عتبة بن فرقد السلمي الكوفي. كان من العبّاد الزهاد.
ذكره ابن حبان في ثقات رواة الحديث. استشهد بتستر في خلافة عثمان. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8: 75.(2/62)
72 - قال داود (1) إلهي كن لابني سليمان كما كنت لي، فأوحي إليه يا داود قل لابنك سليمان يكون لي كما كنت لي، حتى أكون له كما كنت لك.
73 - قال أبو العتاهية لابن مناذر (2): كم تقول في اليوم من الشعر؟
قال: الخمسة أو الثلاثة فقال أبو العتاهية: لكني أقول المائة والمائتين، فقال ابن مناذر: أجل إنك تقول:
يا عتب مالي ولك ... يا ليتني لم أرك (3)
وأنا أقول:
ستظلم بغداد وتجلو لنا الدجى ... بمكة ما عشنا ثلاثة أقمر
إذا نزلوا بطحاء مكة أشرقت ... بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر
وما خلقت إلّا لجود أكفهم ... وأقدامهم إلّا لإعواد منبر
ولو أردت مثله لطال عليك الدهر.
74 - دخل محمد بن عيسى برغوث (4) على أبي الهذيب (5) وهو متكىء فلم يتحرك له، فتوهم من حضر أنه لم يعرفه، فسأله عن سبع عشرة مسألة، فأجابه عنها جواب مثله، فلما نهض قال: إن مسائلنا هذه لتقصع (6) البراغيث قصعا، فعرفوا أنه عرفه.
__________
(1) داود: هو النبي داود عليه السّلام.
(2) ابن مناذر: هو محمد بن مناذر اليربوعي بالولاء. أصله من عدن أو البصرة. شاعر كثير النوادر والأخبار غلب عليه اللهو والمجنون وأخرج من البصرة لهجائه أهلها.
تنسّك في مكّة ثم تهتّك ومات فيها سنة 198هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 747ولسان الميزان 5: 390وعصر المأمون 2: 400.
(3) يريد القول: إن مثل هذا الشعر لا معنى له. وعتب: اسم امرأة.
(4) محمد بن عيسى بن برغوث: لم نقف له على ترجمة.
(5) أبو الهذيل: هو محمد بن الهذيل العلّاف. تقدّمت ترجمته.
(6) قصع البرغوث والقملة بظفره: قتلها.(2/63)
75 - دخل جرير على الوليد (1) وعنده ابن الرقاع (2) فقال الوليد لجرير: تعرف هذا؟ قال: لا، قال: هو ابن الرقاع، قال: شر الثياب ما كانت فيه الرقاع، قال: إنه من عاملة، قال: عاملة ناصبة، قال: ما تريد من رجل يمدح أحياء بني أمية ويؤبن موتاها؟ والله لئن هجوته لأركبنه عنقك. فخرج جرير وابن الرقاع وراءه، فقال: أيها الناس كدت أخرج إليكم وهذا القرد على عنقي.
76 - قال المتوكل يوما: أتعلمون لماذا عتب الناس على عثمان:
فقال بعض جلسائه: لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام أبو بكر على المنبر دون مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمرقاة، ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة، فلما ولي عثمان صعد ذروة المنبر، فقعد في مقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنكر المسلمون ذلك. فقال عبادة (3): يا أمير المؤمنين ما أحد أعظم مّنة عليك، ولا أسبغ معروفا من عثمان، قال: كيف ويلك؟ قال: لأنه صعد ذروة المنبر، ولولا ذلك لكان كلما قام خليفة نزل عن مقام من تقدمه مرقاة فكنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء (4).
77 - ولى المنصور سليمان بن راميل (5) الموصل، وضم إليه ألفا من العجم، فقال: قد ضممت إليك ألف شيطان تذل بهم الخلق، فعانوا في نواحي المواصل، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان، فأجاب:
{وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا} (6)، فضحك المنصور، وأمده بغيرهم.
__________
(1) الوليد: هو الوليد بن عبد الملك بن مروان. تقدّمت ترجمته.
(2) ابن الرقاع: هو عديّ بن الرقاع العاملي. تقدّمت ترجمته.
(3) عبادة: هو عبادة المخنّث، كان يصاحب المأمون في بعض أسفاره، ثم صار من ندماء المتوكل. راجع الكامل لابن الأثير 7: 55والأغاني لأبي الفرج.
(4) جلولاء: ناحية من نواحي السواد في طريق خراسان. وجلولاء أيضا: مدينة مشهورة بافريقية فيها آثار وفيها عين ثرّة في وسطها وهي كثيرة الأنهار كان فتحها عبد الملك بن مروان. راجع معجم البلدان 2: 156.
(5) سليمان بن راميل: لم نقف له على ترجمة ولعلّه سليمان بن برمك.
(6) سورة البقرة، الآية: 102.(2/64)
78 - كان ليزيد بن عبد الملك أخ من أمه يقال له مروان، فشتمه الوليد ذات يوم، فأراد أن يرد عليه، فقال له يزيد: أخوك وإمامك وأسن منك، ووضع يده على فم مروان، فقال: يا أخي قتلتني ورددت في جوفي كلمة هي أحر من النار، فمات مروان من حرقة ترك الجواب.
79 - نزل مخنث في نهر ليغتسل، فجاء قوم من آل أبي معيط (1)
يرمونه، فقال: لا ترموني فلست بنبي.
80 - قال المنصور لبعض أهل الشام: ألا تحمدون الله إذ رفع عنكم الطاعون منذ وليناكم؟ فقال الشامي: إن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون، فسكت، ولم يزل يطلب له العلل حتى قتله.
81 - أخذ يعقوب بن الليث (2) رجلا من أهل سجستان (3) موسرا فأفقره، فدخل عليه بعد مدة، فقال له: كيف أنت الساعة؟ قال: كما كنت قديما، قال: وكيف كنت قديما؟ قال: كما أنا الساعة، فأطرق وأمر له بعشرة آلاف ألف.
82 - حج معاوية فتلقته قريش بوادي القرى (4)، والأنصار بأبواب المدينة، فقال: يا معشر الأنصار ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريش؟
قالوا: لم يكن لنا دواب، قال: فأين النواضح (5)؟ قال الغمر بن عجلان:
أنضيناها (6) يوم بدر، في طلب أبي سفيان وأصحابه، فسكت مفحما.
فلما دخل المدينة قال: أين زيد بن ثابت (7)؟ قالوا عليل أصابه سلس
__________
(1) أبو معيط: هو أبان بن ذكران بن أميّة.
(2) يعقوب بن الليث: هو يعقوب بن الليث الصفّار. تقدّمت ترجمته.
(3) سجستان: من أعظم مدن خراسان. راجع معجم البلدان 3: 190.
(4) وادي القرى: هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى. فتحها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة سبع عنوة ثم صولح أهلها على الجزية. راجع معجم البلدان 5: 345.
(5) النواضح: الدواب التي يستقى عليها.
(6) أنضى الدابة: أتعبها.
(7) زيد بن ثابت: هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي. صحابي ولد بالمدينة سنة 11ق. هـ. كان كاتب الوحي من القضاة المشهورين. كان ابن عباس على جلالة قدره وسعة علمه يأتيه في بيته للأخذ عنه. توفي سنة 45هـ. راجع ترجمته في صفة الصفة 1: 296.(2/65)
البول فقال: عليّ به، فقال: ما منعك من تلقي؟ قال: علتي، قال:
ليس كذا، ولكن غرك ما قيل في زيد بن ثابت كاتب الوحي، قال: بلى، حيث لم يأمنك الله ورسوله، فأفحم.
83 - أمر بلال بن أبي بردة بإخراج مجنون من الحبس، ليضحك منه، فقال له: أتدري لم دعوتك؟ قال: لا، قال: لأسخر منك، فقال المجنون غير منكر: فقد حكم المسلمون حكمين فسخر أحدهما من الآخر. فخجل بلال وأطلقه.
84 - شكا رجل إلى كسرى بعض عماله وأنه غصبه ضيعة، فقال:
قد أكلتها أربعين سنة فما عليك أن تتركها على عاملي سنة!! قال: أيها الملك وما عليك أن تسلم ملكك إلى بهرام (1) فيأكله سنة!! فأمر أن يوجأ (2) في عنقه. فقال: أيها الملك دخلت بمظلمة وأخرج بمظلمتين، فأمر برد ضيعته وقضاء حوائجه.
85 - حبس عمر وبن العاص عن جنده العطاء، فقام إليه رجل حميري فقال: أصلح الله الأمير اتخذ جندا من حجارة لا يأكلون ولا يشربون، قال: اسكت يا كلب، قال: إن كنت كذلك فأنت أمير الكلاب. فأطرق عمرو وأخرج أرزاقهم.
86 - قال علي رضي الله عنه لابن عباس حين بعثه إلى الخوارج:
لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا.
87 - سأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية، قال: خلّلها،
__________
(1) بهرام: اسم ملك من ملوك الساسانيين.
(2) يقال: وجأ عنقه بالسكين أي ضربه بها.(2/66)
قال: أتخوف أن لا نبلها، قال: إن تخوفت فانقعها من أول الليل.
88 - روى الشعبي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تسحروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثم يضعها في فيه. فقال رجل في المجلس:
أي الأصابع؟ فتناول الشعبي إبهام رجله وقال هذه.
89 - قال رجل ليعقوب فقيه سجستان: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر للغسل إلى أين أتوجه، إلى القبلة أم إلى غيرها؟ قال: أفضل ذلك أن يكون وجهك إلى ثيابك التي تنزعها. وسأله آخر: إذا شيعنا جنازة فقدامها أفضل أن نمشي أم خلفها؟ قال: اجهد أن لا تكون عليها وامض حيث شئت.
90 - جاء رجل إلى الشعبي فقال: أصاب ثيابي التوت، قال:
اغسله، قال: بم أغسله؟ قال: بالخل والأنجذان (1).
91 - تذاكروا سوء سيرة الحجاج، فقال رجل: امرأته طالق إن غفر الله للحجاج، فقيل له: حلفت على غيب فسل عن يمينك، فاختلفوا عليه، وقالوا: تجنب امرأتك، فسأل عمر وبن عبيد فقال: شد يديك بامرأتك، فإن غفر الله للحجاج ذنوبه لم يتعاظمه أن يغفر لك هذا الذنب الواحد. وروي فإن يغفر الله للحجاج فما ذنبك في جنب ذنبه إلّا شوى (2).
92 - سأل طاهر بن الحسين أبا النبيه (3) منذ كم دخلت العراق؟
قال: منذ عشرين سنة، وأنا أصوم منذ ثلاثين سنة. فقال طاهر سألناك عن مسألة فأجبت عن ثلاث (4).
__________
(1) الأنجذان: نوع من النبات مقاوم للسموم مدرّ للبول محدر للطمث. راجع تاج العروس مادة نجذ.
(2) الشوى: الأمر اليسير أو الحقير.
(3) أبو النبيه: لم نقف له على ترجمة.
(4) كذا في الأصل.(2/67)
93 - غزا محمد بن واسع خراسان مع قتيبة (1) فرعوا الزرع، وأخذ هو بعنان فرسه يتخلل به الأودية، فقال له دهقان (2) القرية: أنت الذي أهلكتني، فقال: كيف؟ قال: لولاك لهلك هؤلاء.
94 - دخل محمد بن واسع على قتيبة وعليه جبة صوف، قال لم لبستها؟ قال: أكره أن أقول زهدا فأزكي نفسي، أو أن أقول فقرا فأشكو ربي.
95 - كان الحسن يقول: لا توبة لقاتل المؤمن متعمدا، فدس إليه عمرو بن عبيد رجلا وقال: قل له: لا يخلو من أن يكون مؤمنا أو كافرا أو منافقا أو فاسقا، فإن كان مؤمنا فإن الله تعالى يقول: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللََّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} (3)، وإن كان كافرا فإنه يقول: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (4)، وإن كان منافقا فإنه يقول:
{إِنَّ الْمُنََافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النََّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا} (5)، فقال للرجل من أين لك هذا؟ قال: شيء اختلج في صدري، قال: محال، اصدقني، فقال: عمرو بن عبيد. فقال الحسن:
عمرو وما عمرو!! إذا قام بأمر قعد به، وإذا قعد بأمر قام به، ورجع.
96 - قال سليمان بن علي (6) أمير البصرة لعمرو بن عبيد: ما تقول في أموالنا التي نصرفها في سبل الخير؟ فأبطأ عمرو في الجواب، يريد به وقار العلم، ثم قال: إن من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن
__________
(1) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان. تقدّمت ترجمته.
(2) الدهقان: رئيس الأقليم، والدهقان: التاجر.
(3) سورة التحريم، الآية: 8.
(4) سورة الأنفال، الآية: 48.
(5) سورة النساء، الآيتان: 145و 146.
(6) سليمان بن علي: هو سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس. تقدّمت ترجمته.(2/68)
من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غدا. فقال: نحن أحسن ظنا بالله منكم، فقال: أقسم على الأمير بالله عزّ وجلّ، هل تعلم أحدا كان أحسن ظنا بالله من رسوله؟ قال: لا، قال: فهل علمته أخذ شيئا قط من غير حله، ووضعه في غير حقه؟ قال: اللهمّ لا، قال:
حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
97 - قيل لإياس بن معاوية (1): لم تعجل بالقضاء؟ قال: كم لكفك من إصبع؟ قال خمس قال: عجلت، ثم قال: لم يتعجل من قال بعد ما قتل النسيء علما.
98 - أبو العيناء: ما رأيت أفصح لسانا، ولا أحضر حجة من ابن أبي داود (2)، قال له الواثق: رفعت فيك رقعة فيها كذب كثير، قال: ليس بعجيب أن أحسد بمنزلتي عند أمير المؤمنين فيكذب علي، قال: وزعموا أنك وليت القضاء رجلا أعمى، قال: بلغني إنما عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، وأمرته أن يستخلف، قال: وفيها أنك أعطيت شاعرا ألف دينار، قال: دون ذاك، وقد أثاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كعبا (3)، وقال في آخر: اقطعوا لسانه عني، وهذا شاعر طائي مصيب محسن، لو لم ارع له إلّا قوله فيك للمعتصم:
__________
(1) إياس بن معاوية: هو قاضي البصرة المتوفى سنة 122هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) ابن أبي داود: هو أحمد بن أبي دواد بن جرير بن مالك الأيادي. ولد سنة 160هـ اتصل بالمأمون والمعتصم والواثق وحظي عندهم. كان من المعتزلة، ورأس فتنة القول بخلق القرآن. فلج في أول خلافة المتوكل سنة 233هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 4: 141ووفيات الأعيان 1: 22والنجوم الزاهرة 2: 300.
(3) كعب: هو كعب بن زهير بن أبي سلمى. شاعر مخضرم من أهل نجد. هجا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وشبّب بنساء المسلمين فأهدر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم دمه، فجاءه مستأمنا وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة «بانت سعاد» فعفا عنه النبي وخلع عليه بردته. توفي سنة 26هـ.
راجع ترجمته في خزانة البغدادي 4: 11وعيون الأثر 2: 208.(2/69)
فاشدد بهارون الخلافة إنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
فقال الواثق: قد وصلته بخمسمائة دينار.
99 - سئل الشعبي عن شيء فقال: لا أدري، فقيل: ألا تستحي وأنت فقيه العراقيين (1)!! فقال: الملائكة لم تستح إذ قالت: {سُبْحََانَكَ لََا عِلْمَ لَنََا إِلََّا مََا عَلَّمْتَنََا} (2).
100 - حفص بن غياث (3): خرج علينا الأعمش (4) يوما فقال: هل تدرون ما قالت الأذن؟ قلنا: وما قالت؟ قال: قالت لولا أني أخاف أن أقمع بالجواب لطلت كما طال اللسان، قال حفص: فكم من كلمة غاظني صاحبها منعني جوابها قول الأعمش.
101 - خاصمت امرأة زوجها إلى شريح فبكت، فقال الشعبي:
أظنها مظلومة، فقال: إن إخوة يوسف جاؤا أباهم عشاء يبكون وكانوا ظالمين.
102 - شقيق بن إبراهيم البلخي (5): قال لي إبراهيم بن أدهم:
أخبرني عما أنت عليه، قلت: إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت،
__________
(1) العراقيين: البصرة والكوفة.
(2) سورة البقرة، الآية: 32.
(3) حفص بن غياث: هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ولد سنة 117هـ ولي قضاء بغداد الشرقية للرشيد العباسي ثم ولّاه قضاء الكوفة.
كان من الفقهاء الثقات. توفي بالكوفة سنة 194هـ. راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 337وميزان الاعتدال 1: 266.
(4) الأعمش: هو سليمان بن مهران الأعمش. تقدّمت ترجمته.
(5) شقيق البلخي: هو شقيق بن إبراهيم بن علي الأزدي. من مشاهير المشايخ الزهاد المتصوفين في خراسان. استشهد في غزوة كولان فيما وراء النهر سنة 194هـ.
راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 226وحلية الأولياء 8: 58.(2/70)
قال: هكذا تفعل كلاب بلخ (1)، فقلت: فكيف تعمل أنت؟ قال: إذا رزقت آثرت، وإذا منعت شكرت.
103 - أنشد كثير (2) سكينة (3):
فما للنوى لا بارك الله في النوى ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
فقالت: إنه لبيت حسن، ولكن لو أفلتت عليه شاة لأكلته.
104 - قال نهار بن توسعة (4):
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الغنى والعزف بعد المهلب
فلما غزا قتيبة (5) الصغد (6) وأصاب من السبي ما لم ير مثله، قال لنهار: أنت القائل ألا ذهب الغزو، فما هذا؟ قال: هو الحشر.
105 - قيل لحكيم: مالك تدمن امساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ قال: لأعلم أني مسافر.
__________
(1) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. راجع التفاصيل في معجم البلدان 1: 480479.
(2) كثيّر: هو كثّير المعروف بكثّير عزّة. تقدّمت ترجمته.
(3) سكينة: هي السيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، كانت نبيلة شاعرة كريمة من أجمل النساء، تجالس الأجلّة من قريش وتجمع إليها الشعراء فيجلسون بحيث تراهم ولا يرونها، وتسمع كلامهم فتفاضل بينهم وتناقشهم وتجيزهم. كانت إقامتها ووفاتها بالمدينة و «الطرّة السكينيّة» منسوبة إليها. توفيت سنة 117هـ. راجع ترجمتها في وفيات الأعيان 1: 211. والأعلام 3: 106وطبقات ابن سعد 8:
348.
(4) نهار بن توسعة: هو نهار بن توسعة بن أبي عبان، من بني بكر بن وائل، شاعر بكر في خراسان، كان مقربا من المهلب بن أبي صفرة ورثاه عند موته سنة 83هـ توفي بعد سنة 83هـ. راجع ترجمته في أمالي القالي 2: 194.
(5) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي. تقدّمت ترجمته.
(6) الصغد: كورة فيما وراء النهر قصبتها سمرقند. راجع معجم البلدان.(2/71)
106 - أنشد رجل غرارة (1) شعرا رديا ثم قال: تراني مطبوعا؟
قال: أي والله على قلبك.
107 - أخذ الحكم بن أيوب الثقفي (2) عامل الحجاج إياس بن معاوية فشتمه وقال: أنت خارجي منافق، ائتني بمن يكفل بك، قال: ما أجد أعرف بي منك، قال: وما علمي بك وأنا شامي وأنت عراقي!! قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟ فضحك وخلى سبيله.
108 - دخل شريك بن الأعور (3) على معاوية، وكان دميما (4)، فقال له: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك، فقال: وإنك معاوية وما معاوية إلّا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن أمية وما أمية إلّا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ وخرج وهو يقول:
أيشتمني معاوية بن حرب ... وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يمن ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان (5)
__________
(1) غرارة: لم نقف له على ترجمة.
(2) الحكم بن أيوب الثقفي: هو الحكم بن أيوب بن الحكم بن عقيل الثقفي ابن عم الحجاج وزوج أخته. كان واليا على البصرة. قتله صالح بن عبد الرحمن الكاتب بأمر من سليمان بن عبد الملك نحو سنة 97هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 4: 389والبيان والتبيين 4: 80.
(3) شريك بن الأعور: هو شريك بن الأعور الحارثي من أهل البصرة. استخلفه ابن عامر على الصطخر فبنى فيها المسجد المعروف بمسجد اصطخر. كان من كبار شيعة الإمام علي. شهد معه صفين. وكان اشترك في فتح فارس مع عبد الله بن عامر سنة 31هـ. توفي سنة 60هـ. راجع أخباره في الطبري والكامل لابن الأثير.
(4) الدميم: القبيح الخلقة.
(5) الضراغمة: جمع ضرغام، من أسماء الأسد.
يعيّر بالدمامة من سفاه ... وربات الخدور من الغواني (1)
ذوات الحسن والريبال جهم ... شتيم وجهه ماضي الجنان (2)
109 - قال أبو يوسف (3) رحمه الله لبعض من اعترض في كلامه:(2/72)
__________
(5) الضراغمة: جمع ضرغام، من أسماء الأسد.
يعيّر بالدمامة من سفاه ... وربات الخدور من الغواني (1)
ذوات الحسن والريبال جهم ... شتيم وجهه ماضي الجنان (2)
109 - قال أبو يوسف (3) رحمه الله لبعض من اعترض في كلامه:
لست من أرض هذا، فإذا ذكر مثل هذا فاستأسر ولا تستأسد.
110 - حجة لا يهتدي تاركها، ومحجة (4) لا يضل سالكها 111 [شاعر]:
طعنت بالحجة الغراء ثغرته ... ورمح غيرك فيه العي والخطل
112 - ضاع عجاجه، وكعم بحجاجه (5). فلان كعيم الحجة. هذه حجة لي مسرح في ردها عليك، وعكسها إليك. أتى بكلمة مجمجمة (6)، وحجة ملجلجة (7).
113 - لما توجهت عليك الحجة كابرت، ولما وضح لك الحق تضاجرت. فرط في الحجاج، وأسرع في اللجاج.
114 - قال ابن شبرمة (8) لرجل: أنت والله حجة خصمك، وسلاح
(1) ربات الخدور: كناية عن النساء.
(2) الريبال والرئبال: من أسماء الأسد. والجهم: الكريه الوجه. وشتيم الوجه:
كريهه.
(3) أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي القاضي صاحب أبي حنيفة. ولد بالكوفة سنة 113. ولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد وهو أول من دعي قاضي القضاة. كان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. توفي ببغداد سنة 182هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 14: 242ووفيات الأعيان 2: 303.
(4) الحجة: الدليل. والمحجّة: الطريق المستقيم.
(5) كعم فم البعير: شدّه حتى لا يعضّ. والحجاجة: المجادلة.
(6) الكلمة المجمجمة: غير البيّنة.
(7) الحجة الملجلجة: غير المستقيمة.
(8) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن حسّان بن المنذر الضبي القاضي الفقيه المولود سنة 72هـ. تولّى قضاء الكوفة للمنصور العباسي، وكان شاعرا حسن الخلق جوادا. مات سنة 144هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 98وتهذيب التهذيب 5: 250.(2/73)
عدوك، وفريسة قرنك، ونقصان في عدد أهلك.
115 [شاعر]:
بخوع الفتى بالحق أحسن في النهى ... وأولى به من أن يلج يباطل (1)
وأحسن بمثلي أن يراجع رشده ... بترك لجاج في مماراة جاهل
116 - المبطل مخصوم (2) وإن غلب، والمحق فالج (3) وإن خصم.
117 - أعرابي في وصف متناظرين: أول مجلسهم اشطاح (4)، وآخره اصطلاح.
118 - أعذر وإن حمض الجواب (5)، فرب منتفع بحامض.
119 - كأني استفزّ بالحداء عودا (6)، وأهز بالنداء طودا (7).
120 - قيل لبعض الحكماء: ما الأشياء الناطقة الصامتة؟ قال:
الدلائل المخبرة، والعبر الواعظة.
121 - وهب بن منبه: صحب رجل عالما سبعمائة فرسخ، ثم سأله عن سبع كلمات، قال له: أخبرني عن السماء وما أثقل منها، وعن الأرض ما أوسع منها، وعن الحجر ما أقسى منه، وعن النار ما أحر منها،
__________
(1) البخوع: الطاعة.
(2) المخصوم: المغلوب في الخصام.
(3) الفالج: الظافر المنتصر.
(4) اشطاح: استرسال وتباعد.
(5) حمض الجواب: لم يكن محببا والاستعمال هنا مجازيّ.
(6) العود: المسنّ من الإبل.
(7) الطود: الجبل الضخم العالي.(2/74)
وعن البحر ما أغنى منه، وعن اليتيم ما أضعف منه، وعن الزمهرير ما أبرد منه؟ فقال الحكيم: البهتان أثقل من السماوات، والحق أوسع من الأرض، وقلب الكافر أقسى من الحجر، وقلب القانع أغنى من البحر، وجشعة الحريص أحر من النار، ونمائم الوشاة أضعف من اليتيم، واليأس من القريب أبرد من الزمهرير.
122 - سئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى منه بالكفاف، فقيل له: ما تقول في الذباب؟ فقال: إن اشتهيته فكله.
123 - قيل لهشام بن الحكم (1): أترى الله، في فضله وعدله وكرمه، كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا؟ قال: قد والله فعل، ولكن لا نستطيع أن نتكلم.
124 - ادعى رجل الفقه، وبسط على باب داره البواري (2)، وقعد للفتوى، واحتف به الناس فجاء رجل فقال: يا فقيه ما تقول فيمن أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم؟ فقال: يحتجم (3)، فقال: أقعدت فقيها أم طبيبا؟ فقال: لك طبيبا ولغيرك فقيها.
125 - ادعى رجل أنه من كندة، فقيل له: من أيها أنت؟ فلم يدر ما يقول فقال: يا سبحان الله! أهذا موضع هذا السؤال عافاك الله؟.
126 - سمع الحجاج أن الناس يقولون إنه من بقية ثمود (4)، فقال في خطبته: أتزعمون أني من بقية ثمود، والله يقول: {وَثَمُودَ فَمََا}
__________
(1) هشام بن الحكم: هو هشام بن الحكم الشيباني بالو لاء، ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد. كان شيخ الإمامية في وقته. انقطع إلى يحيى بن خالد البرمكي، ولما نكب البرامكة استتر. توفي بالكوفة نحو سنة 190هـ ويقال إنه عاش إلى خلافة المأمون. راجع البيان والتبيين 1: 64ولسان الميزان 6: 194.
(2) البواري: جمع بارية وهي حصير تنسج من القصب.
(3) الحجامة: المداواة والمعالجة بالمحجم وهو آلة كالكأس تفرغ من الهواء وتوضع على الجلد فتحدث فيه تهيجا وتجذب الدم أو المادة بقوة.
(4) ثمود وعاد: من القبائل البائدة.(2/75)
{أَبْقى ََ} (1)، صدق الله وكذبتم أنتم.
127 - قال عبد الله بن خازم (2) لقهرمانه (3): إلى أين تمضي يا هامان؟ قال: أبني لك صرحا، فعجب من جوابه، لأنه أشار إلى أنه فرعون، إن كان هو هامان.
128 - سمع إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (4) رحمه الله يحيى بن أكثم يغض من جده فقال: ما هذا جزاؤه منك؟ قال: حين فعل ماذا، قال: حين أباح النبيذ، ودرأ (5) الحد عن اللوطي.
129 - وهب بن منبه: استعمل علينا ابن الزبير رجلا منا دميما يلقب عجوز اليمن، فقدمت على ابن الزبير وعنده عبد الله بن خالد بن أسيد (6)
فقال لي: يا أبا عبد الله كيف عجوز اليمن؟ فأعادها مرارا، فلما أكثر قلت: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، فما فعلت عجوز قريش؟
قال: ومن عجوز قريش؟ قلت: أم جميل (7) حمالة الحطب، فضحك
__________
(1) سورة النجم، الآية: 51.
(2) عبد الله بن خازم: هو عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي البصري، أحد غربان العرب في الإسلام، له فتوحات وغزوات. ولي إمرة خراسان لبني أمية مدة عشر سنوات وفي أيامه كانت حركة ابن الزبير. قتله بنو تميم وأرسلوا رأسه إلى عبد الملك بن مروان سنة 72هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 7: 376 والمحبر 221وخزانة البغدادي 3: 658.
(3) القهرمان: أمين الملك والأمير.
(4) إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: من القضاة العلماء، ولي قضاء الجانب الشرقي من بغداد وقضاء البصرة والرقة. مات شابا سنة 212هـ.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 290وميزان الاعتدال 1: 226.
(5) درأ: خلاف أباح.
(6) عبد الله بن خالد بن أسيد: هو عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة بن عبد شمس الأموي. كان من المقرّبين من عثمان. ولي فارس من قبل زياد في خلافة معاوية. راجع الإصابة 4: 61.
(7) أم جميل: (حمّالة الحطب) هي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان وعمّة معاوية وزوجة أبي لهب بن عبد المطلب. كانت ممن يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكة وكانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث يمرّ فأنزل الله فيها وفي زوجها: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مََا أَغْنى ََ عَنْهُ مََالُهُ وَمََا كَسَبَ، سَيَصْلى ََ نََاراً ذََاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهََا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}.
راجع سيرة ابن هشام 1: 355طبعة دار المعرفة.(2/76)
ابن الزبير، وقال لخالد: أسأت السؤال وأحسن الجواب. عيّرة برجل من قومه، فخيل أنه يسأل عن بلقيس (1) وكانت من اليمن، فأجاب بأنها أسلمت مع سليمان، وعيّره بعجوز قومه التي هي حمالة الحطب، ودفع عن الرجل الدفع الحسن، فلله عقولهم ما أثقبها!! أما تراه كيف غالط، وكيف أبعد عن أميره المذمة على الطريقة الجميلة.
130 - كتب ملك الروم إلى المعتصم يتهدده، فأمر بجوابه، فعرضت عليه الأجوبة فلم يرضها، فقال للكاتب أكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد فقد قرأت كتابك، والجواب ما تر لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، والسلام.
131 - دخل اين مكرم (2) على أبي العيناء عائدا فقال: ارتفع فديتك، فقال: رفعك الله إليه، أي أماتك.
__________
(1) بلقيس: هي بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل، من بني يعفر بن سكسك، من حمير، ملكة سبأ، يمانية من أهل مأرب. أشير إليها في القرآن الكريم ولم يسمّها.
وليت بعهد من أبيها (في مأرب) وطمع بها ذو الأذعار (عمر وبن أبرهة) صاحب غمدان، فزحف عليها فانهزمت ورحلت مستخفية بزيّ أعرابي إلى الأحقاف فأدركها رجال ذي الأذعار فاستسلمت، وأصابت منه غرّة في سكر فقتلته ووليت أمر اليمن كلّه. وظهر سليمان بن داود النبي الملك الحكيم وتزوجها وأقامت معه سبع سنين وأشهرا وتوفيت فدفنها بتدمر، وانكشف تابوتها في عصر الوليد بن عبد الملك وعليه كتابة تدل على أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من ملك سليمان، ورفع غطاء التابوت فإذا هي غضّة، لم يتغيّر جسمها، فرفع ذلك إلى الوليد فأمر بترك التابوت في مكانه وأن يبنى عليه بالصخر. راجع ترجمتها في التيجان 137وتاريخ الخميس 1: 249ونهاية الأرب 14: 134.
(2) ابن مكرم: هو محمد بن مكرم. تقدّمت ترجمته.(2/77)
132 - اعترض رجل جارية رقاصة فقال: هل في يدك صناعة؟
قالت: لا، ولكن في رجلي.
133 - دخل شاعران على المأمون، فقال لأحدهما: ممن؟
قال: من ضبة، فأطرق، فقال: يا أمير المؤمنين من ضبة الكوفة لا من ضبة البصرة (1)، وسأل الآخر فقال: من الأشعريين، فقال: أنت أشعر أم صاحبك؟ فقال: ما ظننت أن هاشميا يحكّم أشعريا بعد أبي موسى، فضحك وقال: أعطوا الضبي ألف دينار لفطنته، وللأشعري ألفا لنادرته.
134 - أغار أنس بن مدركة الخعثمي (2) على سرح قريش في الجاهلية فذهب به، فقال له عمر رضي الله عنه في خلافته: لقد اتبعناك تلك الليلة فلو أدركناك!! فقال: لو أدركتني لم تكن للناس خليفة.
135 - كان يقال: أحضر الناس جوابا من لم يغضب.
136 - الأصمعي: من علامة الأحمق الإجابة قبل استقصاء الاستماع.
مرت امرأة بمجلس بني نمير فقال رجل منهم هي رسحاء (3) فقالت:
يا بني نمير، لا قول الله سمعتم، ولا قول الشاعر أطعتم، قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ} (4)، وقال الشاعر، فغض الطرف إنك من نمير (5).
__________
(1) وإنما أطرق المأمون لأن ضبة كانوا ممّن حاربوا الإمام عليّ وبقوا منحرفين عن الهاشميين، والمأمون هاشمي.
(2) أنس الخثعمي: سيد خثعم وفارسها في الجاهلية. أدرك الإسلام فأسلم وسكن الكوفة. كان شاعرا من المعمرين عاش 154سنة. قتل في صفّين. يقال له أنس بن مدرك (أو مدركة) بن كعب الخثعمي ثم الأكلبي.
راجع ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
(3) المرأة الرسحاء: التي قلّ لحم عجزها وفخذيها.
(4) سورة النور، الآية: 30.
(5) الشاعر هو جرير يهجو به النميري والبيت هو:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا(2/78)
137 - تقدم إياس بن معاوية وهو غلام خصما له وكان شيخا إلى قاضي الشام، فقال له: أتتقدم شيخا كبيرا؟ قال: الحق أكبر منه! قال:
اسكت، قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: لا أظنك تقول حقا حتى تقوم، قال: لا إله إلّا الله، فخبر القاضي عبد الملك بخبره، فقال اقض حاجته الساعة، وأخرجه من الشام، لا يفسد علي الناس.
138 - تفاخر أموي وأنصاري، فقال الأموي: توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأكثر عماله بنو أمية، بمكة عتاب بن أسيد (1)، وعلى البحرين أبان بن سعيد بن العاص (2) وعلى اليمن خالد بن سعيد بن العاص (3) وعلى نجران أبو سفيان (4)، فقال الأنصاري: صدقت، ولكنهم حالفوا أهل الردة على هدم الإسلام، فكأنما ألقمه حجرا.
139 - دخل معن بن زائدة على المنصور يقارب خطوه، فقال:
كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، قال: وإنك لتتجلد، قال: لأعدائك، قال: وإن فيك بقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين.
__________
(1) عتاب بن أسيد: هو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس. صحابي أسلم يوم فتح مكة. استعمله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على مكّة مخرجه إلى حنين سنة 8هـ وكان عمره 21سنة. توفي سنة 23هـ. راجع ترجمته في الإصابة 4: 211 وشذرات الذهب 1: 26.
(2) أبان بن سعيد بن العاص: صحابي، كان شديد الخصومة للإسلام ثم أسلم سنة 7هـ. بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة 9هـ عاملا على البحرين. قيل إنه مات في خلافة عثمان. راجع ترجمته في الإصابة وحسن الصحابة 221.
(3) خالد بن سعيد بن العاص: صحابي، لزم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلّي معه، وآذته قريش، فهاجر إلى الحبشة وعاد سنة 7هـ فغزا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكتب له وبعثه صلّى الله عليه وآله وسلّم عاملا على اليمن. استشهد في وقعة مرج الصفر قرب دمشق سنة 14هـ. راجع ترجمته في الإصابة 1: 406وطبقات ابن سعد 4: 67.
(4) أبو سفيان: هو صخر بن حرب. تقدّمت ترجمته.(2/79)
140 - علي رضي الله عنه، أرسل إليه أهل البصرة كليبا الجرمي (1)
بعد يوم الجمل، ليزيل الشبهة عنهم في أمره، فذكر ما علم أنه على الحق، ثم قال له: بايع، فقال: حتى أرجع إليهم، إني رسول القوم، فلا أحدث حدثا دونهم، فقال: أرأيت الذين وراءك لو أنهم بعثوك رائدا تبتغي له مساقط الغيث، فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنت صانعا؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الماء والكلأ، قال: فامدد إذن يدك، قال كليب: فو الله ما استطعت أن امتنع عند قيام الحجة عليّ، فبايعته.
141 - قال ابن عباس لأبي الأسود الدؤلي (2): لو كنت جملا لكنت ثقالا (3)، فقال: يا ابن عباس لو كنت راعي ذلك الجمل ما أرويته من ماء، ولا أشبعته من كلأ.
142 - دخل رجل من محارب (4) على عبد الله بن يزيد الهلالي (5)
فقال: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب ما تركونا ننام!! يعني الضفادع لقول الأخطل:
تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري (6)
ضفادع في آناء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
فقال المحاربي: أصلحك الله إنهم أضلوا برقعا البارحة فكانوا في طلبه، يريد قول القشيري (7):
__________
(1) كليب الجرمي: لم نقف له على ترجمة.
(2) أبو الأسود الدؤلي: هو ظالم بن عمرو المتوفّى سنة 69هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) الجمل الثقّال: البطيء السير.
(4) محارب: اسم قبيلة.
(5) عبد الله بن يزيد الهلالي: كان عاملا على أرمينية. راجع البيان والتبيين 2: 181.
(6) لا تريش ولا تبري: أي لا تنفع ولا تضرّ.
(7) القشيري: لعله الصمة القشيري المتوفى نحو سنة 95هـ. وهو الصمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرّة، من مضر، من شعراء العصر الأموي. راجع الأعلام 3: 209 و 5: 198.(2/80)
لكل هلالي من اللؤم جبة ... ولا بن يزيد جبة وبراقع (1)
143 - أبو عثمان الناجم (2):
أبي لي أن أجيبك أن قدري ... أبى لي أن أنازعك الكلاما
144 - قال الفرزدق: ما استقبلني أحد بمثل ما استقبلني به نبطي (3)، قال: أأنت الفرزدق الذي يمدح الناس ويهجوهم ويأخذ أموالهم، قلت: نعم، قال: أنت في الكنيف (4) من قدمك إلى أنفك، قلت: لم حاشيت العينين؟ قال: حتى ترى هوان (5) نفسك، فبهت.
145 - كتب عون (6) إلى محمد بن عبد الملك (7):
قد بعثنا بتحفة البستان ... بكر ما قد جنى من الريحان
ياسمينا ونرجسا قد بعثنا ... وبعثنا شقائق النعمان (8)
فأجابه:
عون رضّ الإله من فيك أقصا ... هـ وأدناه يا عييّ اللسان
__________
(1) البرقع: ما تستر به المرأة وجهها.
(2) الناجم: هو محمد بن سعيد المصري. كان يمدح وهب بن إسماعيل بن عياش الكاتب. راجع المرزباني 459.
(3) النبطي: السرياني. والنبط: قوم من العجم كانوا ينزلون بين العراقين ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم، ومنه يقال: كلمة نبطية أي عامية.
(4) الكنيف: المرحاض.
(5) الهوان: الذلّ.
(6) عون: لم نقف له على ترجمة.
(7) محمد بن عبد الملك: لم نقف له على ترجمة. ولعلّه محمد بن عبد الملك الزيات الوزير الكاتب.
(8) شقائق النعمان: نبات أحمر الزهر مبقّع بنقط سوداء الواحدة شقيقة النعمان. راجع سبب التسمية في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني».
حشو بيتين قد وقد فإلى كم ... قدّك الله بالحسام اليماني
146 - قال رجل لأبي نواس: ولاك أمير المؤمنين على القردة والخنازير، قال: فاسمع وأطع لأنك من رعيتي.(2/81)
__________
(8) شقائق النعمان: نبات أحمر الزهر مبقّع بنقط سوداء الواحدة شقيقة النعمان. راجع سبب التسمية في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني».
حشو بيتين قد وقد فإلى كم ... قدّك الله بالحسام اليماني
146 - قال رجل لأبي نواس: ولاك أمير المؤمنين على القردة والخنازير، قال: فاسمع وأطع لأنك من رعيتي.
147 - دخل معن بن زائدة على المنصور، فقال له: هيه يا معنى تعطي مروان بن أبي حفصة مائة ألف على قوله:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا إلى شرف بنو شيبان
قال: كلا، إنما أعطيته على قوله:
ما زلت يوم الهاشمية معلما ... بالسيف دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند وسنان
قال أحسنت يا معن:
148 - كان الجهجاء (1) يدعي الخلافة بجنونه فأدخل على الرشيد، فقال له جعفر بن يحيى: هو أمير الحباقين (2) يزعم أنه أمير المؤمنين، فقال لو كنت كذلك لكنت أوسع إمرة من صاحبك لأن الحباق عام والإيمان خاص، فقال هارون: لأضربنك حتى تقر بالزندقة، فقال: هذا خلاف قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمرت أن أضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى أقر بالكفر.
149 - عن الشعبي: حضرت عبد الله بن الزبير وهو يخطب بمكة فقال في آخر خطبته: والله لو كانت الرجال تصرف لصرفتكم تصريف الذهب بالفضة، أما والله لوددت أن لي بكل رجلين منكم رجلا من أهل الشام، بل بكل خمسة، بل بكل عشرة، فما بكم يدرك الثار، ولا بكم يمنع الجار. فقام إليه رجل من أهل البصرة فقال: ما نجد لنا ولك مثلا إلّا
(1) الجهجاء: لم نقف له على ترجمة.
(2) حبق: ضرط. والحباقون: الذين يكثرون من الضراط.(2/82)
قول الأعشى (1):
علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيري وعلق أخرى ذلك الرجل (2)
علقناك، وعلقت أهل الشام، وعلق أهل الشام بني مروان، فما عسينا أن نصنع؟ قال الشعبي: فما سمعت بجواب أحضر منه ولا أحسن.
150 - قال جعفر بن سليمان لأعرابي، رآه في إبل قد ملأت الوادي، لمن هذه الإبل؟ قال: لله في يدي.
151 - قيل لبعض السلف: إذا كان الله واسع الرحمة فلم يعاقب عباده بذنوبهم؟ قال: رحمته لا تغلب حكمته.
152 - وفد ابن أبي محجن (3) على معاوية، فقام خطيبا فأحسن، فحسده فأراد أن يكسره، فقال: أنت الذي أوصاك أبوك بقوله:
إذا متّ فادفني إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
فقال: بل أنا الذي يقول أبي:
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته ... وسائل الناس ما جودي وما خلقي
أعطي الحسام غداة الروح حصته ... وعامل الرمح أرديه من العلق
ويعلم الناس أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق (4)
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
153 - كتب ابن المعتز إلى علي بن مهدي الكسروي (5):
__________
(1) الأعشى: هو أعشى قيس. تقدّمت ترجمته.
(2) يقال علقت فتاة وعلقت بي: أي أحببتها وأحبّتني.
(3) أبو محجن: هو عبد الله بن حبيب بن عمرو بن عمير شاعر من أهل الطائف، يعدّ من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام. كان شجاعا يدمن شرب الخمر. راجع طبقات ابن سلام 250.
(4) سرات القوم: أشرافهم. وفي الشعر والشعراء: القوم أعلم أني من سراتهم
(5) علي بن مهدي الكسروي: من رواة الأخبار له أخبار مع عبد الله بن المعتز. ذكر المرزباني في معجم الشعراء وذكر هذا الخبر.(2/83)
أبا حسن أنت ابن مهدي فارس ... فرفقا بنا لست ابن مهدي هاشم
وأنت أخ في يوم لهو ولذة ... ولست أخا عند الأمور العظائم
فأجابه علي:
أيا سيدي إن ابن مهدي فارس ... فداء ومن يهوى لمهدي هاشم
بلوت أخا في كل أمر تحبه ... ولم تبله عند الأمور العظائم (1)
وإنك لو نبهته لملمّة ... لأنساك صولات الأسود الضراغم (2)
154 - في وصية علي رضي الله عنه: إياك أن تجمع بك مطية اللجاج.
155 - رمى المتوكل عصفورا فلم يصبه، فقال ابن حمدون (3)
أحسنت، قال: كيف أحسنت؟ قال: إلى العصور.
156 - عاد شريح زياد بن أبيه، فلما خرج قيل له: كيف تركته؟
قال: تركته يأمر وينهى، خيل أنه صحيح يقوم بإمارته آمرا ناهيا، وإنما أراد أنه مشف، يأمر بتنفيذ وصاياه، وينهى عن النوح عليه.
157 - عبد الله بن الحسن بن الحسن (4): المراء (5) يفسد الصداقة القديمة، يحل العقدة الوثيقة، وهو أمتن أسباب القطيعة.
__________
(1) بلوت أخا: اختبرته.
(2) الملمة: الأمر المهم. والضراغم: جمع ضرغم اسم للأسد.
(3) ابن حمدون: هو محمد بن حمدون نديم المتوكل العباسي، كان مغنيا صديقا لإسحاق الموصلي عاش إلى أيام المعتضد. راجع الطبري حوادث سنة 284هـ وراجع الأغاني لأبي الفرج.
(4) عبد الله بن الحسن بن الحسن: أمّه فاطمة بنت الحسين بن علي، عابد له هيبة.
حبسه المنصور من أجل إبنيه محمد النفس الزكية وإبراهيم. توفي سجينا في الكوفة سنة 145هـ وكانت ولادته سنة 70هـ. راجع ترجمته في الإصابة 5: 133ومقاتل الطالبيين 128.
(5) المراء: الكذب والمداهنة.(2/84)
158 - لما أنشد كثيّر (1) عبد الملك قوله:
على ابن أبي العاصي دلاص حصينة ... أجاد المسدي سردها وأذالها (2)
يؤود ضعيف القوم سرد قتيرها ... ويستضلع القرم الأشم احتمالها (3)
قال عبد الملك: هلا قلت كما قال أخو بني ثعلبة (4):
وإذا تجيء كتيبة ملموسة ... خرساء يخشى الذائدون نزالها
كنت المقدم غير لابس جنة ... بالسيف تضرب معلما أبطالها (5)
فقال: إني وصفتك بالحزم، ووصف الأعشى صاحبه بالخرق.
159 - علي رضي الله عنه: إذا ازدحم الجواب خفي الصواب.
160 [شاعر]:
ما أحر السؤال يرحمك الله ولكن أحر منه الجواب 161قال عمر بن عبد العزيز لسالم السندي (6): أسرّك ما وليت أم ساءك؟ قال: سرني للناس وساءني لنفسك، قال: فإني نخوف أن أكون أوبقت نفسي، قال: ما أحسن حالك إن كنت تخاف، وإنما أخاف أنك لا تخاف، قال: عظني، قال: إن أبانا قد أخرج من الجنة بخطيئة واحدة.
162 - قال علوي لأبي العيناء (7): أتبغضني وقد أمرت بالصلاة
__________
(1) كثيّر: هو كثيّر عزّة الشاعر المعروف. تقدّمت ترجمته.
(2) الدلاص: الأملس الليّن: أذال الشيء: جعل له ذيلا، أي أطاله.
(3) القتير: رؤوس المسامير في الدرع. ويؤود: يصعب عليه، يثقل. والقرم: السيّد العظيم.
(4) أخو بني ثعلبة: هو أعشى قيس ميمون بن قيس المتوفّى سنة 7هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) الجنّة: السترة، الترس وكل ما وقى من السلاح
(6) سالم السندي: لم نقف له على ترجمة.
(7) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن مخلد. تقدّمت ترجمته.(2/85)
عليّ؟ تقول صلى الله على محمد وآله، قال: إني أقول الطيبين الأخيار، فتخرج أنت.
163 - قال عبد الملك لأعرابي: لا تحسن أن تطّاف (1)، قال: يا أمير المؤمنين، إني لأطيل المشي حتى أتوارى كراهة أن أرى، واستدبر الريح، وأجتنب القبلة، واستر بالنجوة وأفج أفجاج الثعلب، وأتمسح بالحجر والمدر، وأجتنب الروثة والرّمة (2)، قال: إنك نبيل أصيل.
164 - قال أبو العيناء: ما قطعني أحد قبل المهتدي (3)، قال:
بلغني أنك تغتاب الناس، قلت: يبطل ما قيل عني شغلي بعيني قال:
ذاك والله أشد لنغطيك على أهل العافية.
165 [شاعر]:
إن كنت جاهلة فاستخبري خبري ... هل أصدر الأمر لا يسطاع بالحيل
وهل أرد شبا خصمي بحاسمة ... تكفي الألد حجاج الخصم بالجدل (4)
166 - فيه لدد وله مدد.
167 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم.
168 - وعنه عليه الصلاة والسلام: لا خير في المراء وإن كان في حق.
169 - أبو حيان (5): إن الخصم متى كان الهوى مركبه، والعناد
__________
(1) إطّاف: تغوّط.
(2) الرمة: العظام البالية.
(3) المهتدي: هو محمد المهتدي بن هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد. خليفة عباسي. بويع له بعد خلع المعتز سنة 255هـ. قتله الترك سنة 256هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 347والوفيات 2: 270.
(4) شباة السيف: حدّه. والحاسمة: القاطعة. والألدّ: الخصيم.
(5) أبو حيّان التوحيدي: هو علي بن محمد بن العباس. فيلسوف، متصوف، معتزلي.
قيل: كان زنديقا. ولد بشيراز وصحب ابن العميد والصاحب بن عبّاد. توفي نحو سنة 400هـ. أحرق كتبه بنفسه. راجع ترجمته في طبقات السبكي 1: 2ودائرة المعارف الإسلامية 1: 333.(2/86)
مطلبه، فلن يفلح معه، ولو خرجت اليد بيضاء، وانقلبت العصاحية.
170 - قاول عثمان بن مسعود العبسي (1) حضين بن المنذر الرقاشي (2) بحضرة قتيبة بن مسلم فغلبه حضين وقال:
فإن تك قد لاقيت مني شكيمة ... فما يوم عيسى من رقاش بواحد
171 - عاتبت أم جعفر (3) الرشيد في إيثار المأمون على محمد (4)، فوجه إليهما خادمين حصيفين يقولان لكل واحد في الخلوة: ما تفعل بي إذا استخلفت؟ فقال محمد: أقطعك أغنيك، ورمى المأمون الخادم بدواة، وقال: يا ابن اللخناء (5)، أتسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؟ إني لأرجو أن نكون جميعا فداء له. فقال الرشيد: كيف ترين؟ ما أقدم ابنك إلّا متابعة لرأيك وتركا للحزم.
__________
(1) عثمان بن مسعود العبسي: لم نقف له على ترجمة.
(2) حضين بن المنذر الرقاشي: شاعر من سادات ربيعة، كانت معه راية عليّ يوم صفّين دفعها إليه وهو ابن تسع عشرة سنة وهو المقصود بالقول:
لمن راية سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل قدمها حضين تقدما.
من أبيات تنسب للإمام عليّ. راجع المؤتلف والمختلف 87وتاج العروس مادة حضن وخزانة البغدادي 2: 90.
(3) أم جعفر: هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور، زوجة هارون الرشيد، وبنت عمه.
وهي أم الأمين العباسي، أسمها «أمة العزيز» وغلب عليها لقبها زبيدة، وإليها تنسب «عين زبيدة» في مكة: جلبت إليها الماء من أقصى وادي نعمان شرقيّ مكة. تزوّج بها الرشيد سنة 165هـ. ولما مات، وقتل إبنها الأمين، اضطهدها رجال المأمون فكتبت إليه تشكو حالها فعطف عليها وجعل لها قصرا في دار الخلافة. توفيت ببغداد سنة 216هـ. راجع ترجمتها في وفيات الأعيان 1: 189وتاريخ بغداد 14: 433 والنجوم الزاهرة 2: 213.
(4) محمد: هو محمد الأمين ولد الرشيد.
(5) اللخناء: هي المرأة المنتنة التي تبعث من مطاوي جسدها رائحة كريهة.(2/87)
172 - دخل زبيري الهوى على عبد الملك بعد قتل عبد الله (1)، فقال له: أليس قد ردك الله على عقبيك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أو من رد إليك فقد رد على عقبيه؟ فسكت عبد الملك، واستحيا وأمر له بمال.
173 - قال عمر بن عبد العزيز لرجل من أهل الشام: كيف عمالكم قبلكم؟ قال: يا أمير المؤمنين إذا طابت العين عذبت الأنهار.
174 - أخذ الحجاج ابن الحنفية (2) بمبايعة عبد الملك، قال: إذا اجتمع الناس عليه كنت كأحدهم، قال: لأقتلنك، قال: أو لا تدري؟
قال: وما لا أدري؟ قال: حدثني أبي: أن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة، له في كل لحظة ثلاثمائة وستون قضية، فلعله يكفنيك في قضية من قضاياه. فارتعد الحجاج وانتفض وقال: لقد لحظك الله فاذهب حيث شئت. فكتب الحجاج بحديثه إلى عبد الملك، ووافق ذلك كتاب ملك الروم إليه يتهدده، فكتب عبد الملك إلى قيصر بحديث محمد، فكتب إليه قيصر: هيهات هيهات، هذا كلام ما أنت بأبي عذره، هذا كلام لم يخرج إلّا من نبي، أو من أهل بيت نبوة.
175 - استدرك على إياس بن معاوية ثلاث، قيل له تسرع في الجواب، وتجالس الدون من الناس، وتلبس الدون من الثياب، فقال:
خمسة أكثر أم ستة؟ قالوا: ستة، قال: أسرعتم في الجواب، قالوا:
ومن يشك في ذا؟ قال: فأنا لا أشك في الدقيق كما لا تشكون في الجليل، ولئن أجالس من يرى لي أحب إلي من أن أجالس من أرى له، ولئن ألبس ثوبا يقيني خير من أن ألبس ثوبا أقيه.
__________
(1) عبد الله: هو عبد الله بن الزبير بن العوّام. تقدّمت ترجمته.
(2) ابن الحنفيّة: هو محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين، أمّه خولة بنت جعفر الحنفية، ينسب إليها تمييزا له عنهما. ولد سنة 21هـ في المدينة. كان واسع العلم ورعا شجاعا. توفي بالمدينة، وقيل بالطائف سنة 81هـ.
راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 42وحلية الأولياء 3: 174.(2/88)
176 - كتب قيصر إلى معاوية يسأله عن ثلاث: عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أول قطرة دم وقعت في الأرض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة، فلم يعلم ذلك إلّا الحسن بن علي، قال: ظهر الكعبة، وشبر حراء (1)، وأرض البحر حين ضربه موسى.
177 - خالف ناس من قريش معاوية فقال: لقد هممت أن أبعث إليهم من يأتيني برؤوسهم، فقام إليه ابن قيس (2) فقال: لو فعلت ذلك لقطعنا أعدادها من رؤوس بني أبي سفيان، فقال معاوية: أنت يا غراب،!! فقال: إن الغراب يدب إلى الرخمة (3) حتى ينقف رأسها.
فضحك معاوية وسكت.
178 - قال أبو طالب للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أتدري ما يأتمر بك قومك؟
قال: نعم، قال: من أخبرك؟ قال: ربي، قال: نعم الرب ربك فاستوص به خيرا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا أستوصي به خيرا. أراد الطاعة.
179 - أنشد أبو الخطاب عمر بن عامر السعدي (4) قصيدته التي أولها:
يا خير من عقدت كفاه حجزته ... وخير من قلدته أمرها مضر
فقال الهادي (5): إلّا من، فقال سعيد بن سلم (6): أراد من
__________
(1) حراء: جبل قرب مكة كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يتعبد فيه قبل البعثة. أو شبر: القربان والعطيّة. ولعلّ المقصود: جبل حرّاء.
(2) ابن قيس: لعله عبد الله بن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب. كان قاضيا على المدينة في أيام الحجاج بن يوسف.
(3) الرخمة: طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع.
(4) عمر بن عامر السعدي: شاعر أعرج، يخافه الناس بسبب بادرة لسانه.
راجع أخباره في طبقات ابن المعتز 132وتاريخ الخلفاء 110.
(5) الهادي: هو موسى الهادي بن محمد المهدي الخليفة العباسي. تقدّمت ترجمته.
(6) سعيد بن سلم الباهلي. تقدّمت ترجمته.(2/89)
في هذا الزمان، وقد أفكر الشاعر فقال:
إلّا النبي رسول الله إن له ... فضلا وأنت بذاك الفضل تفتخر
فقال: الآن أصبت وأحسنت، وأمر له بخمسين ألفا.
وكان سعيد يقول: والله إني لأرجو أن يغفر الله للهادي فيرحمه لما رأيته منه.
180 - أنشد العماني (1) الرشيد قوله حين عقد للأمين والمأمون:
قل للآمين المقتدي بأمه ... ما قاسم بدون ما ابني أمه
وقد رضيناه فقم فسمه
فقال الرشيد: لم يرض أن يعقدها جلوسا حتى جعلنا قياما، قال:
إنه قيام عازم، لا قيام قائم.
181 - ونحوه أن الفرزدق أنشد سعيد بن العاص بالمدينة وهو واليها:
ترى الغر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا (2)
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال له مروان (3): لم ترض أن تجعلنا قعودا ننظر إليه حتى جعلتنا قياما، فقال له الفرزدق: إنك من بينهم يا أبا عبد الملك لصافن (4).
__________
(1) العماني: هو محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة الحنظلي الدارمي. كان شاعرا راجزا من مخضرمي الدولتين، وكان مقربا من الرشيد العباسي.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 5: 270والموشح 298.
(2) الأغر: الأبيض الوجه، كناية عن الشرف والكرم. والجحاجح: جمع جحجح وهو السيّد السّمح الكريم.
(3) مروان: هو مروان بن الحكم بن العاص الخليفة الأموي. تقدّمت ترجمته.
(4) الرجل الصافن: هو الذي يجمع بين قدميه.(2/90)
182 - عن الأصمعي: كان فهم الرشيد فهم العلماء، أنشده العماني في قوله في صفة الفرس قوله:
كأن أذنيه إذا تشرفا ... قادمة أو قلما محرفا
فقال له: دع كأن وقل تخال، حتى يستوي (1).
__________
(1) قوله حتى يستوي: أي حتى يستوي الكلام لأن خبر كأن جاء منصوبا في عجز البيت وحقّه الرفع فإذا وضعنا «تخال» مكان «كأن» استقام الكلام.(2/91)
الباب العشرون الجنايات والذنوب وما يتعلق بها من العقود والعقاب والاعتذار والتنصل والتوبة
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: من لم يقبل من متنصل، صادقا كان أو كاذبا، لم يرد عليّ الحوض.
وعنه عليه الصلاة والسلام: تجافوا لذوي الهيآت عن زلاتهم.
وعنه: أن الله يحب أن يعفى عن زلة السري.
2 - الأشعري عنه عليه الصلاة والسلام: يد الله مبسوطتان لمسيء الليل ليتوب بالنهار ولمسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
3 - الحسن رفعه: إن إبليس قال: وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام الروح في جسده، فقال الرب جلّ جلاله: وعزتي لا أمنعه التوبة ما لم يغرغر بنفسه.
4 - قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني أذنبت ذنبا، قال: استغفر ربك، قال: وإني أتوب ثم أعود، قال: كلما أذنبت فتب واستغفر ربك حتى يكون الشيطان هو الحسير.
5 - وروي أن حبيب بن الحارث (1) قال له: إني مقراف (2)
__________
(1) حبيب بن الحارث: هاجر إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم وبقي إلى أيام عمر. راجع الإصابة 1: 319.
(2) الرجل المقراف للذنوب: الذي يكثر من اقتراف الذنوب.(2/93)
للذنوب، قال: فتب إلى الله يا حبيب، فقال: إني أتوب ثم أعود، فقال: كلما أذنبت فتب حتى قال: عفو الله أكبر من ذنوبك يا حبيب.
6 - أنس عنه عليه السّلام: المؤمن مثل السنبلة يستقيم أحيانا ويميل أحيانا.
7 - الحسن يرفعه: إن المؤمن ليذنب الذنب فيدخله الجنة، فقالوا: يا نبي الله، كيف يدخله الجنة؟ قال يكون نصب عينيه، تائبا عنه، مستغفرا منه، حتى يدخل الجنة.
8 - علي رضي الله عنه: سمعت أبا بكر، وهو الصادق، يقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضأ فأحسن وضوءه وصلّى واستغفر من ذنبه إلّا كان حقا على الله أن يغفر له، لأنه يقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللََّهَ} (1) الآية.
9 - عمر رضي الله عنه: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة.
وعنه: أعقل الناس أعذرهم للناس.
وعنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
10 - علي رضي الله عنه: العفو زكاة الظفر.
وعنه: إذا أنا مت من ضربته (2) هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
11 - مسلم بن الوليد الأنصاري في المأمون:
يغدو عدوك خائفا فإذا رأى ... أن قد قدرت على العقاب رجاكا
__________
(1) سورة النساء، الآية: 110.
(2) قوله: إذا أنا متّ من ضربته، أراد ضربة عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام عليّ.(2/94)
12 - الجرجرائي الكاتب (1):
خل أتى ذنبا إلي وإنني ... لشريكه بالذنب إن لم أغفر
13 - اعتذر رجل إلى يحيى بن خالد (2) فأساء، فقال يحيى: ذنبك يستغيث من عذرك.
14 [شاعر]:
إذا كان وجه العذر ليس بواضح ... فإن اطراح العذر خير من العذر
15 - التجني رائد الصرم (3)، فاصفح الصفح الجميل قبل الرضا بلا عتاب.
16 - سخط الرشيد على حميد الطوسي (4) فدعا له بالسيف والنطع (5)، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: والله هيا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت لأنه لا بد منه، وإنما بكيت أسفا على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط عليّ، فضحك وعفا عنه وقال: إن الكريم إذا خادعته انخدعا.
17 - أمر زياد (6) بضرب عنق رجل فقال: أيها الأمير إن لي بك حرمة، قال: وما هي؟ قال: إن أبي جارك بالبصرة، قال: ومن أبوك؟
__________
(1) الجرجرائي الكاتب: هو محمد بن الفضل الجرجرائي. وزير المتوكل والمستعين منسوب إلى جرجرايا بلد بين واسط وبغداد. كان شاعرا أديبا فاضلا توفي سنة 251هـ.
راجع معجم البلدان: «جرجرايا».
(2) يحيى بن خالد: هو يحيى بن خالد بن برمك الوزير. تقدّمت ترجمته.
(3) الصرم: المقاطعة.
(4) حميد الطوسي: هو حميد بن عبد الحميد الطوسي. من قوّاد الرشيد العباسي والأمين والمأمون توفي سنة 210هـ. راجع أخباره في الطبري والكامل لأبن الأثير.
(5) النطع: بساط من الجلد يوضع تحت المحكوم عليه بالقتل.
(6) زياد: هو زياد بن أبيه. تقدّمت ترجمته.(2/95)
قال: نسيت اسم نفسي فكيف اسم أبي؟ فرد زياد كمّه إلى فيه، وعفا عنه.
18 - ضرب أبو الجحش الأعرابي (1) غلمانا للمهدي، فاستعدوا عليه، فقال: اجترأت على غلماني فضربتهم؟ فقال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك، ضرب بعضنا بعضا، فعفا عنه.
19 - غضب الاسكندر على شاعر فأقصاه، وفرّق ماله في الشعراء، فقيل له في ذلك، فقال: أما اقصائي له فلجرمه، وأما تفريقي ماله في أصحابه فلئلا يشفعوا فيه.
20 - أعرابي: اجعل لي وكيلا من نفسك يقوم عندك بعذري، ويخاصمك أنّى كرّمك في أمري.
21 - أعرابي: هذا مقام من لا يتكل عندك على المعذرة، بل يعتمد منك على المغفرة.
22 - منصور الفقيه (2):
لا يوحشنّك مني ... ما كان منك إليّا
أنتم على كل حال ... أعز خلق عليا
23 - قيل لحكيم: العمل بالبر أفضل، أم إجتناب الإثم؟ فقال:
ترك العمل بالبر أعظم الإثم، واجتناب الإثم أعظم البر.
24 - أمر الحجاج بقتل رجل فقال: أسألك بالذي أنت غدا بين يديه أذل موقفا مني بين يديك اليوم أالا عفوت عني، فعفا عنه.
25 - لما ضرب الحجاج أعناق أصحاب الأشعث (3) أتي برجل من
__________
(1) أبو الجحش الأعرابي: لم نقف له على ترجمة.
(2) منصور الفقيه: هو منصور بن إسماعيل التميمي المصري الفقيه الضرير. ذكره المرزباني وقال: كان بينه وبين الناشىء مهاجاة. راجع المرزباني 373.
(3) الأشعث: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي. تقدّمت ترجمته.(2/96)
بني تميم بآخرتهم فقال: والله يا حجاج لئن كنا أسأنا في الذنب ما أحسنت في العفو، فقال: أف لهذه الجيف، أما كان فيهم من يحسن مثل هذا، وعفا عنه.
26 - زياد: إن الإمرة تذهب الحفيظة (1)، فمن كان مسيئا فليرجع، ومن كان محسنا فليزدد، وقد كان بيني وبين قوم هنات (2)، وقد جعلت ما كان من سوء التي تحت قدمي، ودبر أذني، فلو بلغني أن أحدكم قد أخذه السل من بغضي ما هتكت له سترا، ولا كشفت له قناعا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره.
27 - وقع بين عبد الملك بن مروان وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد (3) منازعة فغلبه عبد الرحمن، فقيل لي أشكه إلى عمك ينتقم لك منه، فقال: مثلي لا يشكو، ولا أعد انتقام غيري لي انتقاما، فلما استخلف قيل له في ذلك فقال: حقد السلطان عجز.
28 - رضي عيسى بن فرخانشاه (4) عن المبرد (5) بعد أن غضب عليه فقال له: أنا أعزّك الله، لولا تجرع مرارة الغضب، ما التذذت بحلاوة الرضا، ولا يحسن مدح الصفو إلّا عند الكدر، ولقد أحسن في هذا البحتري حيث يقول:
ما كان إلّا مكافأة وتكرمة ... هذا الرضا وامتحانا ذلك الغضب
__________
(1) الحفيظة: الغضب.
(2) هنات: أشياء.
(3) عبد الرحمن بن خالد بن الوليد: تابعي من أهل المدينة. كان واليا على حمص أيام عثمان وشهد صفين مع معاوية. قتله ابن أثال الطبيب بأمر من معاوية بحمص سنة 46هـ. راجع ترجمته في الإصابة 5: 68وتاريخ الطبري.
(4) عيسى بن فرخانشاه: من أهل دير قنى. تولّى ديوان الخراج أيام المستعين وكان من كتّاب الديوان أيام المتوكل. كان شاعرا أديبا. ذكره المرزباني في معجم الشعراء 261. وراجع الطبري وابن الأثير.
(5) المبّرد: هو محمد بن يزيد المبرّد. تقدّمت ترجمته.
وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سبب ما مثله سبب
هذي مخايل برق خلفه مطر ... وذاك وريّ زناد خلفه لهب
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فقال له عيسى: أطال الله بقاك، وأحسن عنا جزاك، فأنت كما قال أبو نواس:(2/97)
__________
(5) المبّرد: هو محمد بن يزيد المبرّد. تقدّمت ترجمته.
وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سبب ما مثله سبب
هذي مخايل برق خلفه مطر ... وذاك وريّ زناد خلفه لهب
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فقال له عيسى: أطال الله بقاك، وأحسن عنا جزاك، فأنت كما قال أبو نواس:
من لا نعد العلم إلّا ما عرف ... كنا متى نشاء منه نغترف
رواية لا تجتنى من الصحف
وأنا أصل البحتري لتمثلك بشعره.
29 - قال المنصور لجرير بن عبد الله (1) وكان واجدا (2) عليه، تكلم بحجتك، قال: لو كان لي ذنب لتكلمت بعذري، وعفو أمير المؤمنين أحب إليّ من براءتي.
30 - الحسن: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به.
31 - كان إبراهيم بن المهدي يقول: والله ما عفا عني المأمون تقربا إلى الله، وصلة للرحم، ولكن له سوق في العفو فكره أن تكسد بقتلي.
32 - اعتذر رجل إلى ابن أبي خالد (3) فأساء، فقال لأبي عباد (4):
ما تقول فيه؟ قال: يوهب له جرمه، ويضرب لعذره أربعمائة.
33 - إن العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم.
34 - عاتب محمد بن زبيدة (5) أبا نواس في شيء، فقال: يا أمير
(1) جرير بن عبد الله: لم نقف له على ترجمة.
(2) وجد عليه: غضب.
(3) ابن أبي خالد: هو أحمد بن يزيد الأحول. كان كاتب المأمون ووزيره.
راجع ترجمته في الوزراء والكتّاب للجهشياري.
(4) أبو عبّاد: هو ثابت بن يحيى كاتب المأمون، شاعر، كان يهاجي دعبل الخزاعي.
(5) محمد بن زبيدة: هو الخليفة محمد الأمين بن هارون الرشيد.(2/98)
المؤمنين تمام العفو ألا تذكر الذنب.
35 - غضب الرشيد على عبد الله بن مالك (1)، ثم اتضحت له براءته فعفا عنه وكان عبد الله يرى فيه بعض الإنقباض، فقيل له: إن عبد الله يشكو أثرا باقيا من تلك النبوة، فقال: إنا معشر الملوك إذا غضبنا على أحد من بطانتنا ثم رضينا عنه بقي لتلك الغضبة أثر لا يخرجه ليل ولا نهار.
36 - النعمان بن المنذر:
تعفو الملوك عن العظيم ... من الذنوب لفضلها
ولقد تعاقب في اليسير ... وليس ذاك لجهلها
إلّا ليعرف فضلها ... ويخاف شدة نكلها
37 - كتب معاوية إلى عقيل بن أبي طالب يعتذر إليه من شيء جرى بينهما: من معاوية بن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب، أما بعد يا بني عبد المطلب فأنتم والله فروع قصي ولباب عبد مناف وصفوة هاشم، فأين أحلامكم الراسية، وعقولكم الكاسية، وحفظكم الأواصر (2)، وحبكم العشائر؟ ولكم الصفح الجميل، والعفو الجزيل، مقرونان بشرف النبوة، وعز الرسالة، وقد والله ساء أمير المؤمنين ما كان جرى، ولن يعود لمثله إلى أن يغيب في الثرى.
فكتب إليه عقيل:
صدقت وقلت حقا غير أني ... أرى أن لا أراك ولا تراني
ولست أقول سوءا في صديقي ... ولكني أصدّ إذا جفاني
__________
(1) عبد الله بن مالك: قائد عباسي كان يتولّى الشرطة للمهدي والهادي. كان مع الرشيد في غزو الروم، ثم كان من قادة المأمون، ولّاه الرشيد طبرستان والريّ وهمذان سنة 189هـ.
(2) الأواصر: القرابة.(2/99)
فركب إليه معاوية، وناشده في الصفح، وأجازه بمائة ألف درهم، حتى رجع.
38 - عثمان بن خريم (1) في الرشيد:
أغثني أمير المؤمنين بنظرة ... تزول بها عني المخافة والأزل (2)
ففضلك أرجو لا البراءة أنه ... أبى الله إلّا أن يكون لك الفضل
وإلّا أكن أهلا لما أنت أهله ... فأنت أمير المؤمنين له أهل
39 - استبطأ رجل أخا له فقال في الاعتذار إليه: لا تستبطئني في حقك، فو الله لو علمت أن نومي أهنأ من نومك لاحتلت في أن أوثرك به.
40 - عمر بن عبد العزيز: إن أباكم قد أخرج من الجنة بذنب واحد، وإن ربكم وعد على التوبة خيرا، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل.
41 - الأحنف: الكامل من عدت هفواته.
42 - أيوب السختياني (3): لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان:
الغنى عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم.
43 - الخليل بن أحمد: أقبح التحول أن يتحول المرء من ذنب إلى غير توبة.
44 - كان النخعي (4) يكره أن يعتذر إليه، ويقول: أسكت معذورا، فإن المعاذير يحضرها الكذب.
__________
(1) عثمانبن خريم: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 2: 110.
(2) الأزل: الضيق.
(3) أيوب السختياني: هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري. كان ثقة، ثبتا في الحديث، من عبّاد الناس وخيارهم. توفي سنة 131هـ. راجع ترجمته. في حلية الأولياء 3: 3والبيان والتبيين 1: 192.
(4) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد. تقدّمت ترجمته.(2/100)
45 - أوحى الله إلى بعض أنبيائه: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني.
46 - سئل فضيل (1) عن الفتوة (2) فقال: الصفح عن عثرات الأخوان.
47 - إبراهيم بن أدهم: أطلب لأخيك المعاذر من سبعين بابا، فإن لم تجد له عذرا فاعذره أنت.
48 - أحمد بن عاصم الأنطاكي العابد (3): هذه غنيمة باردة (4):
أصلح ما بقي يغفر لك ما مضى.
49 - اعتذر رجل إلى أبي عبيد الله (5) كاتب المهدي فأكثر، فقال له: ما رأيت عذرا أشبه باستئناف ذنب من هذا العذر.
50 - كتب الموصلي (6) إلى الفضل بن الربيع (7) وقد وجد عليه (8):
إن لكل ذنب عفوا وعقوبة، فذنوب الخاصة عندك مغفورة، وأما مثلي من العامة فذنبه لا يغفر، فعاقبني باعراض لا يؤدي إلى مقت، والسلام.
51 - كتب أبو دلامة (9) إلى أبي جعفر (10) من السجن:
__________
(1) فضيل: هو فضيل بن عياض الزاهد. تقدّمت ترجمته.
(2) الفتوّة: النجدة.
(3) أحمد بن عاصم الأنطاكي: كان عابدا زاهدا من أقران بشر الحافي والسري السقطي راجع ترجمته في حلية الأولياء 9: 280وطبقات الشعراني 1: 97.
(4) الغنيمة الباردة: التي تأتي بلا تعب.
(5) أبو عبيد الله: هو معاوية بن عبد الله بن يسار الكاتب الوزير. تقدّمت ترجمته.
(6) الموصلي: هو إبراهيم الموصلي أبو إسحاق المغني المشهور. تقدّمت ترجمته.
(7) الفضل بن الربيع: هو وزير الرشيد والأمين. تقدّمت ترجمته.
(8) وجد عليه: غضب.
(9) أبو دلامة: هو زند بن الجون، من أهل الظرف والدعابة. مات سنة 161هـ.
راجع أخباره ونوادره في كتابنا «طرائف الأصفهاني في كتاب الأغاني ص 30».
(10) أبو جعفر: هو أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي.(2/101)
وقد كانت تحدثني ذنوبي ... بأني من عذابك غير ناجي
على أني وإن لاقيت شرا ... لعفوك بعد ذاك الشر راجي
52 - أعرابي: إن الله أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد، والظمآن الوارد، والعقيم الوالد.
53 - الحسن: لو علم الله من عبد يقبضه على غير التوبة، أن لو عمره عمر الدنيا تاب إليه، ما اختلسه دون توبته.
الحسن: إذا حدثتك نفسه بالخطيئة أو واقعتها، فعجل التوبة إلى الله منها والفزع إليه (1) فيها، والاستغفار له منها، تجده قريبا مجيبا.
وعنه: لا تتمنّ المغفرة بغير توبة، ولا الثواب بغير عمل، ولا تغتر بالله، فإن الغرة بالله أن تتمادى في سخطه، وتترك العمل بما يرضيه، وتتمنى عليه مع ذلك مغفرته، فتغرك الأماني حتى يحل بك أمره.
54 - علي رضي الله عنه: كل مفتن تواب.
55 - سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كََانَ لِلْأَوََّابِينَ غَفُوراً} (2). قال: الأواب التواب يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
56 [شاعر]:
أسوّف توبتي خمسين حولا ... وظني أن مثلي لا يتوب
57 - علي رضي الله عنه: لا خير في الدنيا إلّا لأحد رجلين:
محسن يزداد كل يوم إحسانا، ومسيء يتدارك بالتوبة. عنه ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة.
58 - الحسن: ابن آدم ما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة فأغلق دونك
__________
(1) فزع إليه: لجأ إليه واحتمى.
(2) سورة الإسراء، الآية: 25.(2/102)
باب التوبة، فأنت تعمل في غير معمل.
59 - زفر بن الحارث الكلابي:
ولم تر مني نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبيّ ورائيا
أيذهب يوم واحد إن أسأته ... بصالح أيامي وحسن بلائيا
60 - ابن المسيب: (1) يرفعه: إذا تاب العبد إلى الله فتاب عليه أنسى الحفظة ما علموا، وقال للأرض ولجوارحه اكتمي عليه مساوئه، ولا تظهري عليه أبدا.
61 - وعنه عليه الصلاة والسلام: المستغفر باللسان دون القلب كالمستهزىء بربه.
62 - فضيل: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
63 - ثمامة (2): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا.
64 - بكى الحسن (3) ذات ليلة حتى أبكى أهله، فقيل: فكرت في نفسي فقلت: وما يدريك يا حسن لعلك قد أذنبت ذنبا، مقتك الله عليه مقتا، لا يريد مراجعتك أبدا.
65 - سهل بن سعد (4): عنه عليه الصلاة والسلام: إياكم ومحقرات الذنوب فإن محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء هذا بعود وجاء هذا بعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب مما يزدريها صاحبها فتهلكه.
__________
(1) ابن المسيب: هو سعيد بن المسيب، فقيه المدينة. تقدّمت ترجمته.
(2) ثمامة: هناك أكثر من راو بهذا الاسم. راجع كتب التراجم.
(3) الحسن: هو الحسن بن يسار البصري. تقدّمت ترجمته.
(4) سهل بن سعد: هو سهل بن سعد بن مالك الخزرجي الأنصاري. توفي سنة 91هـ.
قال الواقدي: عاش مائة سنة. راجع الإصابة 3: 140.(2/103)
66 - ابن عمر (1): كان رأس عمر على فخذي في مرضه، فقال:
ضع رأسي على الأرض، فقلت: وما عليك لو كان على فخذي!! فقال:
ضع رأس عمر على الأرض لا أم لك، فقال: ويل لي إن لم تغفر لي.
67 - العتبي (2) عن أبيه عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا فأراد سفرا فقال: يا بني تألفوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد بالشكر عليها، واعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، وأعطى شيء لما سئلت، فاحملوها على مطية لا تبطىء إذا ركبت، ولا تسبق وان تقدمت عليها، نجا من هرب من النار، وأدرك من سابق إلى الخير. فقال الأصاغر من ولده، يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة.
68 - صالح غلام أبي تمام الطائي يخاطب مولاه:
إذا عاقبتني في كل ذنب ... فما فضل الكريم على اللئيم
فإن تكن الحوادث برحت بي ... فإن الصبر يعصف بالهموم
69 - التجني وجه القطيعة.
70 - تاب مما لا تحسن مفارقته، وعاد إلى ما لا تجمل به مفارقته.
71 - احترش (3) بتمهيد عذره ضبا جاثما في صدره (4).
72 - فلان لطيف التوصل، حسن التنصل.
73 - مات حقدي بحياة عذرك.
74 - اجعل ما توليه رضى لا تراضيا، وإغضاء لا تغاضيا.
__________
(1) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. تقدّمت ترجمته.
(2) العتبي: هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو. شاعر وأديب من أهل البصرة. توفي سنة 228هـ.
(3) احترش الصيد: هيّجه لصيده.
(4) الضب: الحقد.(2/104)
75 - أغضى على صفاته، وعطف بحلمه وأناته.
76 - فلان لا يخدش وجه عفوه بتثريب (1).
77 - جحود الذنب ذنبان.
78 - عرفت ما اعترفت به من تقصيرك، فوجدت الاعتراف أوكد معاذيرك.
79 - قعد في مدارج نفسه، يناقشه في الكلم، ويحاسبه على الحلم.
80 - هو منزوع الرحمة من قلبه، يرى العفو مغرما، والسطو مغنما.
81 - ضاق نطاق الاحتمال عما أتاه.
82 - لا يسلمنك الاغترار بعواطفنا إلى التعرض لعواصفنا.
83 - عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر.
84 - كسع (2) ذنوبه بالاستغفار.
85 - حكيم: تجنب صغار الخطايا، فمن العود إلى العود ثقلت ظهور الحطابين، ومن الهفوة إلى الهفوة كثرت ذنوب الخطائين، ورب خطوة يسيرة عادت همة كبيرة، كغصن صار دوحة، وشعبة صارت أيكة (3)، وقضيب صار غيلا (4).
86 - عقوبة الجاهل نكال للعاقل.
__________
(1) التثريب: اللّوم.
(2) كسع ذنوبه: طردها وأزالها.
(3) الأيك: الشجر الكثير الملتفّ الواحدة أيكة.
(4) الغيل: الأجمة، الشجر الكثير الملتفّ.(2/105)
87 - الربيع بن خيثم (1): لو كانت الذنوب تفوح ما جلس أحد إلى أحد.
88 - علي رضي الله عنه: أنفتر عن الواضحة وقد علمنا الذنوب الفاضحة.
89 - عبيد الله بن معمر القرشي (2) في معاوية:
إذا أنت لم ترخ الإزار تكرما ... على الكلمة العوراء من كل جانب (3)
فمن ذا الذي نرجو لحقن دمائنا ... ومن ذا الذي نرجو لحمل النوائب
90 - أنشد الجاحظ:
وعوراء من قيل امرىء قد رددتها ... بسالمة العينين طالبة عذرا
ولو أنني إذ قالها قلت مثلها ... أو أكبر منها أورثت بيننا غمرا (4)
فأعرضت عنها وانتظرت به غدا ... لعل غدا يبدي لمنتظر أمرا
لأخرج ضبا كان تحت ضلوعه ... أقلم أظفارا أطال لها الحضرا
91 - أنوشروان (5): وجدنا للعفو من اللذة ما لم نجده للعقوبة.
92 - ربما وفي ظنين (6) وهفا (7) أمين.
93 - النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: عفو الملوك بقاء الملك، رواه ابن الكلبي (8)
__________
(1) الربيع بن خيثم: في تقريب التقريب: الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله الثوري الكوفي. تابعي، عابد.
(2) عبيد الله بن معمر القرشي: ذكره المرزباني في معجم الشعراء. كان من أجواد قريش ولّاه عثمان قيادة جيش الفتح في أطراف اصطخر. استشهد هناك سنة 29هـ.
(3) الإزار: كل ما يستر.
(4) الغمر: الحقد والضغينة.
(5) أنوشروان: هو الملك كسرى.
(6) الظنين: المتّهم.
(7) هفا: زلّ وأخطأ.
(8) ابن الكلبي: هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن عبد الحارث بن عبد العزّى الكلبي. مفسّر، نسّابة. أصحاب الحديث يضعّفونه وينسبونه إلى الكذب. توفي بالكوفة سنة 146هـ. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 2: 61والمعارف لابن قتيبة 233.(2/106)
عن أبي صالح (1).
94 - في بعض الكتب: أن كثرة العفو زيادة في العمر. وأصله قوله تعالى: {وَأَمََّا مََا يَنْفَعُ النََّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (2).
بليغ: تاب توبة قيد إليها بخزامة (3) الاضطرار، لا بحزامة الإختيار (4).
95 - هجا دعبل (5) المأمون بقوله:
إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرّفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد
96 - وكاتبه أبا عباد (6) بقوله:
وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد (7)
فقيل للمأمون فقال: من جسر أن يهجو أبا عباد، على نزقه وعجلته، جسر أن يهجوني، على تأني وعفوي. وأنشد المأمون أبا عباد هجاءه، فأنشده أبو عباد ما هجاه به، فضحك وقال: فإني قد عفوت عنه فلا تعرضن له، ولك في أسوة حسنة ثم قال: سبحان الله!! أما يستحي
__________
(1) أبو صالح: هو أبو صالح باذان مولى أم هانىء بنت أبي طالب. روى عن علي وابن عباس وغيرهم. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 1: 416.
(2) سورة الرعد، الآية: 17.
(3) الخزامة: حلقة من الشعر توضع في ثقب أنف البعير يشدّ بها الزمام.
(4) الحزامة: الحزم.
(5) دعبل: هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي. تقدّمت ترجمته.
(6) أبو عبّاد: هو ثابت بن يحيى. تقدّمت ترجمته.
(7) دير هزقل: هو دير مشهور بين البصرة وعسكر مكرم، اتّخذ هذا الدير لإيواء المجانين.(2/107)
دعبل من الكذب؟ متى كنت خاملا وبدرّ الخلافة غذيت، وفي حجرها ربيت، خليفة وابن خليفة وأخو خليفة؟.
97 - علي رضي الله عنه: أعظم الذنوب ما استخف به صاحبه.
98 - الحسن: إن العبد ليصيب الذنب ليلا فيصبح وعليه مذلته.
99 - قال يزيد بن مزيد: أرسل إلي الرشيد ليلا يدعوني، فأوجست منه خيفة، فقال: أنت القائل أنا ركن الدولة، والثائر لها، والضارب أعناق بغاتها؟ لا أم لك!! أي ركن لك، وأي ثائر أنت؟ وهل كان منك إلّا نفجة (1) أرنب رعبت قطاة (2) جثمت بمفحصها (3)؟ قلت يا أمير المؤمنين ما قلت هذا، إنما قلت: أنا عبد الدولة، والفائز بها، فأطرق وجعل ينحل غضبه عن وجه، ثم ضحك، فقلت: أسر من هذا قولي:
خلافة الله في هارون ثابتة ... وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
إرث النبيّ لكم من دون غيركم ... حق من الله في القرآن مسطور
فقال: يا فضل (4)، أعطه مائتي ألف درهم قبل أن يصبح.
100 - عفا المأمون عن إبراهيم بن المهدي، ثم قال: لو علم أهل الجرائر لذّتي في العفو ما ارتكبوها.
وعنه: لو عرف الناس رأيي في العفو لما تقربوا إليّ إلّا بالجنايات، ومنه أخذ من قال:
تبسطنا على الآثام لما ... رأينا العفو من ثمر الذنوب
101 - معاوية: إني آنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه
__________
(1) نفج الأرنب: ثار وعدا.
(2) القطاة: نوع من الطير يعيش في الصحراء.
(3) المفحص: الموضع الذي تفحص القطاة التراب عنه لتبيض فيه.
(4) فضل: هو الفضل بن يحيى البرمكي.(2/108)
حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي.
102 - إبراهيم بن المهدي قال للمأمون: يا أمير المؤمنين، ذنبي أعظم من أن يحيط به عذر، وعفوك أعظم من أن يتعاظمه ذنب.
103 - يزدجرد (1): الملك الحازم من يؤخر العقوبة في سلطان الغضب.
104 - سمع راهب رجلا يستغفر فقال: مه، فقال: كيف أصنع؟
قال: ينبغي للعبد إذا ذكر ذنبا أن ييبس لسانه على حنكه من خشية الله.
105 - كان أبو عاصم الأسلمي (2) هجا الحسن بن زيد (3)، فلما تقلّد المدينة للمنصور طلبه، فأتاه في يوم قعد فيه للأعراب فقال:
ستأتي مدحتي الحسن بن زيد ... ويشهد لي بصفين القبور (4)
قبور لو بأحمد أو علي ... يلوذ مجيرها حفظ المجير
هما أبواك من وضعا فضعه ... وأنت برفع من رفعا جدير
فقال له: من أنت؟ قال الأسلمي، قال: إذن حياك الله، وبسط له رداءه، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
106 - خرج محمد بن البعيث بن حلبس الربعي (5) على المتوكل، فأخذه وحبسه، فهرب من الحبس وعاد إلى ما كان عليه، فجيء به وقدم لتضرب عنقه، فقال له المتوكل يا محمد، ما حملك على ما صنعت؟
__________
(1) يزدجرد: من ملوك الأسرة الساسانية، الطبقة الرابعة، وهم ثلاثة بهذا الاسم. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 105104طبعة دار المناهل.
(2) أبو عاصم الأسلمي: لم نعثر له على ترجمة.
(3) الحسن بن زيد: هو الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. تولى المدينة للمنصور سنة 150هـ. وعزله عنها سنة 155هـ.
(4) أراد أن جدّه قتل مع الإمام عليّ بصفّين.
(5) الربعي: خرج على المتوكّل بعد أن هرب من سجنه سنة 234، وهو صاحب قلعة شاهي ويكدر في أذربيجان.(2/109)
قال: الشقوة يا أمير المؤمنين، وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه، وإن لي بك لظنّين: أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك، وهو العفو:
تضاءل ذنبي عند عفوك قلّة ... فمنّ بعفو منك فالعفو أفضل (1)
ولم أتوسم غير ما أنت أهله ... وأنت بي خير الفعالين تفعل
فعفا عنه.
107 - عيسى عليه السّلام: راكبا الكبيرة والصغيرة سيان. قيل: كيف؟
قال: الجرأة واحدة، وما عفّ عن الدرة (2) من سرق الذرة.
108 - وقع جعفر بن يحيى في رقعة متنصل، تقدّمت لك طاعة، وظهرت لك نصيحة، وكانت بينهما نبوة، ولن تغلب سيئة حسنتين.
109 - كتب اليزيدي (3) إلى المأمون في الاعتذار:
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
110 - جنى زيد (4) أخو علي بن موسى الرضا (5)، فقال له: يا زيد
__________
(1) تضاءل ذنبي: ضعف.
(2) الدرّة: اللؤلؤة العظيمة.
(3) اليزيدي: هو إبراهيم بن يحيى بن المبارك. كان أديبا، شاعرا، من ندماء المأمون. من أهل البصرة. سكن بغداد وتوفي سنة 225هـ.
راجع ترجمته في إرشاد الأريب 1: 360ونزهة الألباب 223.
(4) زيد: هو زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويعرف بزيد النار. ولي لأبي السرايا إمارة الأهواز والبصرة، مات فيه أيام المستعين نحو سنة 250هـ. راجع ترجمته في مقاتل الطالبين 534وجمهرة الأنساب 55.
(5) علي بن موسى الرضا: هو علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام الثامن من أئمة الاثني عشرية. ولد بالمدينة سنة 153. زوّجه المأمون إبنته وضرب اسمه على الدينار والدرهم. توفي في طوس سنة 203هـ. راجع اليعقوبي 1: 321ووفيات الأعيان 1: 321.(2/110)
لعله سرّك قول أهل دار البطيخ (1) بالكوفة: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار، أتدري لمن ذلك؟ إنما هو للحسن والحسين، والله يا زيد لئن كانا بطاعتهما وطهارتهما يدخلان الجنة، وتدخلها أنت بمعصيتك، إنك لخير منهما.
111 - وجد المتوكل على قبيحة (2)، فدخلت عليه وعليها عصابة مكتوبة عليها:
إليك فؤادي تائب متنصل ... وعفوك والانصاف منك مؤمل
إذا اخضر طلح الهجر من سقي سخطكم ... رأيت سماء العين بالدمع تهطل (3)
فقال: قبلنا عذرك، ووهبنا جرمك.
112 - رقى عتبة بن أبي سفيان المنبر في مرض موته فقال: يا أهل مصر، قد تقدّمت لي فيكم عقوبات، كنت يومئذ أرجو الأجر فيها، وأنا اليوم أخاف الوزر منها، فليتني لم أكن اخترت دنياي على معادي، ولم أصلحكم بفسادي، وأنا استغفر الله منكم، وأتوب إليه فيكم، وقد شقي من هلك بين عفو الله ورحمته.
113 - أمر مصعب بن الزبير بقتل رجل من أصحاب المختار (4)، فقال: ما أقبح بي أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رب سل مصعبا فيم قتلني؟ قال: أطلقوه، قال: أيها الأمير اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض، قال: قد أمرت لك بمائة ألف درهم قال: فإني أشهد الله
__________
(1) دار البطيخ: اسم سوق يباع فيه البطيخ.
(2) قبيحة: هي أم ولد الخليفة المتوكل وأم ولده المعتزّ. ولفظة «قبيحة» من الأضداد وهي المرأة الرائعة الجمال. كانت غنية. توفيت سنة 264هـ. راجع أخبارها في الطبري والكامل لابن الأثير.
(3) الطلح: شجر من شجر العضاه. الواحدة طلحة كثيرة الورق شديدة الخضرة.
(4) المختار: هو المختار بن أبي عبيد الثقفي. تقدّمت ترجمته.(2/111)
وأشهد الأمير أن لابن الرقيات (1) نصفها، قال: ولم؟ قال: لقوله:
إنما مصعب شهاب من الله تجلّت عن وجهه الظلماء ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء
يتقي الله في الأمور وقد أفلح من كان دينه الاتقاء فضحك وقال: أرى فيك موضعا للصنيعة، وأمره بلزومه.
114 - العفو الذي يقوم مقام العتق ما سلم من تعداد السقطات، وتخلص من ذكر الفرطات.
115 - قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان (2) ما بينهما من الإساءة.
116 - أعرابي: يا بنيّ إيّاك وما سبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فلست بموسع عذرا كل من أسمعته نكرا.
117 - كعب بن جعيل كان شاعر معاوية يمدحه ويذم عليا عليه السّلام فقال:
ندمت على شتم العشيرة بعد ما ... مضى واستتبّت للرواة مذاهبه (3)
فأصبحت لا أستطيع رد الذي مضى ... كما لا يرد الدرّ في الضرع حالبه
118 - محمد بن يزداد (4):
أعيرتني ذنبا وأذنبت مثله ... قضاء لعمري فاعلمن عجيب
على أنني استغفر الله تائبا ... وأنت مصر لا أراك تتوب
119 - قال رجل لرابعة (5): إني قد عصيت الله أفترينه يقبلني؟
__________
(1) ابن الرقيات: هو الشاعر عبيد الله بن قيس الرقيات المتوفّي نحو سنة 85هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) محق الإساءة: محاها.
(3) استتبّ الأمر: استقام.
(4) محمد بن يزداد: هو أبو عبد الله بن يزداد بن سويد المروزي. وزير المأمون العباسي، كان شاعرا من كتّاب الإنشاء في الدولة العباسية. توفي بسامراء سنة 230هـ. راجع ترجمته في التنبيه والاشراف 304والنجوم الزاهرة 2: 258.
(5) رابعة: هي رابعة بنت إسماعيل العدوية. لها أخبار في النسك والعبادة ولها شعر في ذلك. توفيت بالقدس سنة 135هـ، وقبرها هناك على رأس جبل يسمّى الطور.(2/112)
قالت: ويحك، إنه يدعو المدبرين عنه، فكيف لا يقبل المقبلين إليه؟.
120 - علي رضي الله عنه: ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني في عزلة عنه، إلّا أن تتجنى، فتجنّ ما بدا لك، والسلام.
وعنه: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.
وعنه: أقيلوا (1) ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر منهم عاثر إلّا ويده بيد الله يرفعه.
121 - فروخ الطلحي (2):
ما زلت بالعفو للذنوب ... وإطلاق لعان بجرمه غلق (3)
حتى تمنى البراء أنهم ... عندك أمسوا في القد والحلق
122 - حميد اليشكري (4):
أبا خالد ما كنت أول مذنب ... صفحت بحلم عنه يا ابن المهلب
فإن تعف عني تعف عني بقدرة ... وإن تكن الأخرى فقد ضاق مذهبي
123 - أبو حاذم المدني (5): ويحك يا أعرج!! ينادى يوم القيامة:
__________
(1) يقال: أقال الله عثرته: أي صفح عنه.
(2) فروخ الطلحي: يقال له فرخ الزنا، اسمه يعقوب بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله. والبيتان يرويان لأبي دهبل الجمحي. راجع المرزباني 504.
(3) العاني: الأسير. يقال: غلق الرهن: أي لم يقدر راهنه على تخليصه من يد المرتهن في الموعد المشروط فصار ملكا للمرتهن. كان ذلك في الجاهلية. وغلق هنا صفة للعاني.
(4) حميد اليشكري: ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ولم يترجم له وذكر له بعض الأبيات.
(5) أبو حازم المدني: هو سلمة بن دينار القاضي. كان قاضي أهل المدينة من العباد الزهاد، من ثقات رواة الحديث. مات سنة 144هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 4: 144.(2/113)
يا أهل خطيئة كذا، فتقوم معهم، ثم ينادى: يا أهل خطيئة أخرى، فتكون معهم، فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة.
124 - ابن سيرين (1): إني لأعرف الذنب الذي حمل عليّ الدين، قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس.
125 - بو سليمان الداراني (2): قلّت ذنوبهم فعلموا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فلا ندري من أين نؤتى.
126 - معتمر بن سليمان (3) عن أبيه: إذا أصاب الرجل الذنب أصبح وعليه مذلته.
127 - أبو الدرداء (4): الشرك قتل، والمعاصي جراحات.
128 - زهير بن نعيم (5): لأن يتوب رجل أحب إليّ من أن يرد الله عليّ بصري.
129 - لما حل بداود (6) الموت، وكان وسم خطيئة على يده، رفعها إلى بصره وهو يقول لملك الموت: اقبضني ويدي هكذا.
130 - ثمامة بن أشرس المتكلم حبسه الرشيد بسبب البرامكة،
__________
(1) ابن سيرين: هو محمد بن سيرين الأنصاري بالولاء. ولد بالبصرة سنة 33هـ. كان إمام وقته في علوم الدين. اشتهر بالورع وتعبير الرؤيا. استكتبه أنس بن مالك وتوفي بالبصرة سنة 110هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 5: 331والوافي بالوفيات 3: 146.
(2) أبو سليمان الداراني: هو عبد الرحمن بن أحمد. تقدّمت ترجمته.
(3) معتمر بن سليمان: هو معتمر بن سليمان بن طرفان التيمي البصري. كان محدّث البصرة في عصره. ولد سنة 106هـ. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 10: 227.
(4) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك. تقدّمت ترجمته.
(5) زهير بن نعيم: هو زهير بن نعيم البابلي السلولي. نزيل البصرة. مات في خلافة المأمون.
(6) داود: هو النبي داود عليه السّلام.(2/114)
فكتب إليه من الحبس:
عيد مقر ومولى سست نعمته ... بما يحدّث عنه البدو والحضر
أو قرته نعما أتبعتها نعما ... طوارفا تلدا في الناس تشتهر (1)
ولم تزل طاعتي بالغيب ظاهرة ... ما شابها ساعة غش ولا غير
فإن غفرت فشيء كنت أعهده ... أو انتصرت فمن مولاك تنتصر
131 - لما انصرف الجحاف بن حكيم (2) من وقعة بني تغلب، ندم على ما فعل هو وقومه، وكانوا قد قطعوا أثداء النساء، وقتلوا الأطفال في المهود فحجوا وجعلوا يطوفون ويقولون اللهمّ اغفر لنا وما نراك تفعل.
فسمعهم ابن عمر فقال: يا هؤلاء قنوطكم من رحمة الله أعظم من إجرامكم.
132 - كان الداراني يقول: إن خطيئة تغم قلب صاحبها لمباركة، إنما البلاء من يعصي ولا يغتم، وما عمل داود قط عملا كان أنفع له من خطيئته، ما زال خائفا منها هاربا، حتى لحق بربه.
133 - دخل قوم على فضيل بمكة فقال: من أين أنتم؟ قالوا: من خراسان، قال: اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أن العبد، لو أحسن الإحسان كله، وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين.
134 - بينا داود عليه السّلام جالسا على باب داره جاء رجل فاستطال (3)
عليه، فغضب له إسرائيلي كان معه، فقال: لا تغضب، فإن الله إنما سلطه عليّ لجناية جنيتها فدخل فتنصل إلى ربه، فجاء الرجل يقبل رجليه، ويعتذر إليه.
__________
(1) أوقرته: حمّلته حملا ثقيلا.
(2) الجحاف بن حكيم: هو الجحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس من بني سليم بن منصور. ذكره أبو الفرج في كتاب الأغاني وذكر له بعض الأخبار.
(3) استطال عليه: غضب وتكبّر وأبدى الشدّة في المعاملة.(2/115)
135 - واستطال رجل على أبي معاوية الأسود (1) وأسمعه شرا، فقال: استغفر الله، وأعوذ بالله من الذنب الذي سلّطك به عليّ.
136 - أبو نؤاس:
أفنيت عمرك والذنوب تزيد ... والكاتب المحصي عليك شهيد
كم قلت لست بعائد في سوءة ... ونذرت فيها ثم أنت تعود
137 - قال أبو بكر الهذلي (2) للمنصور، وأراد أن يعاقب أهل البصرة، يا أمير المؤمنين بلغني أنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا ليقم من كانت له على الله دالة، فلا يقوم إلّا أهل العفو، قال: فإني أشهدك أني قد عفوت عنهم.
138 - سمع جبرائيل إبراهيم خليل الرّحمن يقول: يا كريم العفو، فقال: أو تدري يا إبراهيم ما كرم عفوه؟ قال: لا يا جبرائيل، قال: إن عفا عن السيئة كتبها حسنة.
139 [شاعر]:
أإن سمتني ذلا فعفت حياضه ... سخطت ومن يأب المذلة يعذر
إسحاق مولى المهلب (3):
فأين الفضل منك فدتك نفسي ... عليّ إذا أسأت كما أسأت
140 - كان النميري (4) يشبب بزينب أخت الحجاج، فخافه فهرب،
__________
(1) أبو معاوية الأسود: ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء وقال: كان من الزهاد العباد، وكان معاصرا للفضيل بن عياض. راجع الحلية 8: 271وما بعدها.
(2) أبو بكر الهذلي: هو عبد الله بن سلمى. كان بيّنا خطيبا صاحب أخبار وآثار. روى عن الحسن وابن سيرين وأبي المليح الهذلي وغيرهم. توفي سنة 167هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 12: 45.
(3) إسحاق: مولى المهلّب بن أبي صفرة. لم نقف له على ترجمة.
(4) النميري: هو محمد بن عبد الله بن نمير. من شعراء العصر الأموي وهو الذي أكثر التشبيب بزينب أخت الحجاج بن يوسف.(2/116)
فطلبه فلم يقدر عليه، فلم يشعر إلّا وهو واقف بين يديه ينشده:
فها أنذا طوّفت شرقا ومغربا ... فجئت وقد طوفت كل مكان
فلو كانت العنقاء منك تطير بي ... لخلتك إلّا أن تصد تراني (1)
141 - سئل سعيد بن جبير: من أعبد الناس؟ فقال: رجل اجترح الذنوب، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله.
142 - فضيل (2): لو شممتم رائحة ذنوبي ما قاربتموني.
143 - معاوية: إني لا أحمل السيف على من لا سيف معه، وإن لم يكن إلّا كلمة يشتفي بها مشتف جلعتها تحت قدمي ودبر أذني.
144 - جرى بين شهرام المروزي (3) وبين أبي مسلم صاحب الدعوة كلام فقال له شهرام: يا لقيط (4)، ثم ندم قأقبل عليه متنصلا، فقال أبو مسلم: لسان سبق، ووهم أخطأ، وإنما الغضب شيطان، وأنا جرأتك على نفسي بطول احتمالي لك، وقد عفوت عنك، فقال شهرام: إن عفو مثلك لا يكون غرورا، وألحّ في الإعتذار، فقال أبو مسلم: يا عجبا!! كنت تسيء وأنا أحسن، أفأسيء حين أحسنت؟.
145 - يزيد بن الطفيل وقد تاب عن الخرابة (5) وقتل في سبيل الله:
ألا قل لأصحاب المخابض أهملوا ... فقد تاب مما تعلمون يزيد (6)
وإن أمرأ ينجو من النار بعدما ... تزوّد من أعمالها لسعيد
146 - فضيل: قال إبليس يا رب إن الخليقة تحبك وتبغضني،
__________
(1) العنقاء: طائر لا وجود له. ويقال: عنقاء مغرب: وهو للأمر العجيب النادر وقوعه.
(2) فضيل: هو فضيل بن عياض العابد الزاهد. تقدّمت ترجمته.
(3) شهرام المروزي: لم نقف له على ترجمة.
(4) اللقيط: المولود الذي ينبذ.
(5) الخرابة: سرقة الإبل خاصة. والخارب: سارق الإبل.
(6) المخابض: مشاور النحل.(2/117)
وتطيعني وتعصيك، فقال سبحانه وتعالى، وهو الغفور الرّحيم، لأغفرن لهم طاعتهم إياك ببغضهم لك، ولأغفرن لهم معصيتهم إياي بحبهم إياي.
147 - عمر رضي الله عنه: يا ابن آدم لا يلهك الناس عن نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار سادرا (1) فإنه محفوظ عليك ما علمت، إذا أسأت فأحسن، فإني لم أر شيئا أشد طلبا، ولا أسرع دركا، من حسنة حديثه لذنب قديم.
148 - عمر بن عبد العزيز:
فلولا النهي ثم التقى خشية الردى ... لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى لا ترى ... له صبوة أخرى الليالي الغوابر (2)
149 - مدح شاعر محمد بن عبدوس (3) فقال: ما أن أعطيك شيئا من مالي فلا، ولكن اذهب فاجن جناية حتى لا آخذك بها.
150 - تغيظ (4) عبد الملك على رجل فقال: والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن، فلما صار بين يديه قال رجاء بن حيوة (5): يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت، فاصنع ما أحب الله، فعفا عنه.
__________
(1) السادر: المتحيّر الذي لا يهتّم لشيء.
(2) الغوابر: البواقي.
(3) محمد بن عبدوس: هو محمد بن عبدوس بن عبد الله الكوفي الجهشياري من أهل الكوفة. كان حاجبا للوزير علي بن عيسى ثم للوزير حامد بن العباس في خلافة المقتدر بالله. ولي إمارة الحج العراقي سنة 317هـ. مات ببغداد مستترا سنة 331هـ. راجع النجوم الزاهرة 3: 279. والوافي 3: 207.
(4) تغيّظ: غضب.
(5) رجاء بن حيوة: هو رجاء بن حيوة بن جرول الكندي، أبو المقدام، شيخ أهل الشام في عصره. من الوعاظ الفصحاء العلماء. كان ملازما لعمر بن عبد العزيز في عهدي الإمارة والخلافة. استكتبه سليمان بن عبد الملك. وهو الذي أشار على سليمان باستخلاف عمر. وله معه أخبار. توفي سنة 112هـ. راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 3: 17وتذكرة الحفاظ 1: 111وتهذيب التهذيب 3: 265وحلية الأولياء 5: 170.(2/118)
الباب الحادي والعشرون الحياء والسكوت، وقلّة الاسترسال، والعزلة، والستر والخمول، وسلامة الجانب، والتواضع، وهضم النفس ونحو ذلك
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء، وعنه عليه الصلاة والسلام: الحياء شعبة من الإيمان. وعنه: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
2 - أبو هريرة رضي الله عنه، رفعه: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار.
3 - علي رضي الله عنه: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
4 - أبو موسى الأشعري: إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة (1) فأحني صلبي حياء من ربي.
5 - عبد الواحد بن زيد (2): ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون.
6 - كان عتبة الغلام (3) يدخل في الصلاة في مئزر، فيخرج وقد
__________
(1) الجنابة: النجاسة.
(2) عبد الواحد بن زيد: من الزهاد البكائين العبّاد، كان يحضر مجالس مالك بن دينار.
راجع البيان والتبيين للجاحظ 1: 364ولسان الميزان 4: 80وراجع ابن النديم.
(3) عتبة الغلام: هو عتبة بن أبان بن سمعة، من أصحاب عبد الواحد بن زيد ويحيى الواسطي ومخلّد بن الحسين وعطاء السلمي. وكان من نسّاك أهل البصرة وزهادهم.
مات شهيدا قرب أدنة. راجع تفاصيل أخباره في حلية الأولياء 6: 226.(2/119)
تصبب عرقا فقيل له في ذلك، فقال: حياء من ربي.
7 - الأسود بن يزيد (1): إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل ذنب فيعفو له عنه، وهو يستحي أن ينظر في وجهه أيام حياته، فالله أحق أن يستحيا منه.
8 - النظّار الفقعي (2):
يعيش المرء ما استحيا كريما ... ويبقى العود ما بقي اللحاء (3)
وما في أن يعيش المرء خيرا ... إذا ما المرء فارقه الحياء
9 - أعرابي: لا يزال الوجه كريما ما غلب حياؤه، ولا يزال الغصن نضيرا ما بقي لحاؤه.
10 - آخر: الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء.
11 - آخر: رونق صحيفة الوجه عند الحياء كفرند (4) صفيحة السيف عند الجلاء.
12 - آخر: ما المتبختر في وشي ردائه بأحسن من المتقارب في قيد حيائه.
13 - رسطاليس: من استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده.
14 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: رحم الله امرأ ملك فضل لسانه، وبذل فضل ماله.
__________
(1) الأسود بن يزيد: هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ابن أخي علقمة بن قيس.
من ثقات رواة الحديث. كان فقيها زاهدا. توفي بالكوفة سنة 74هـ. راجع ترجمته في الإصابة 1: 108وصفة الصفوة 3: 11والتهذيب 1: 342.
(2) النظار الفقعي: لم نقف له على ترجمة.
(3) اللّحاء: هو قشر العود.
(4) فرند السيف: جوهره ووشيه وهو ما يرى فيه شبه مدبّ النمل أو شبه الغبار والجمع فرائد.(2/120)
15 - وقال عقبة بن عامر (1): يا رسول الله ما النجاة؟ قال: يا عقبة أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك.
16 - أبو الدرداء (2): أنصف من فيك أذنيك، فإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تقول.
17 - كان رجل يحضر مجلس أبي يوسف (3) كثيرا ويطيل السكوت، فقال له يوما: مالك لا تتكلم، ولا تسأل عن مسألة؟ قال: أخبرني أيها القاضي متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فتبسم وتمثل ببيت جرير:
وفي الصمت ستر العبي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما
18 - وهب (4): إذا كان في الصبي خلقان: الحياء والرهبة طمع في شده.
19 - عمران بن حصين (5) رفعه: الحياء خير كله.
20 [شاعر]:
ما إن دعاني الهوى لفاحشة ... إلّا نهاني الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
__________
(1) عقبة بن عامر: ذكره ابن حجر في الإصابة (4: 251) وقال: شهد العقبة الأولى وبدرا وأحدا وشهد الخندق وسائر المشاهد واستشهد باليمامة سنة 12هـ.
(2) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك صاحب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم توفي سنة 32هـ، تقدّمت ترجمته.
(3) أبو يوسف: هو أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم. توفي سنة 182هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) وهب: هو وهب بن منبه المؤرخ المتوفّى سنة 114هـ. تقدّمت ترجمته.
(5) عمران بن حصين: هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي. صحابي فقيه. استقضاه عبد الله بن عامر. ثم زياد. توفي بالبصرة سنة 52هـ.
راجع ترجمته في الإصابة 5: 26وصفة الصفوة 1: 283.(2/121)
21 - الكاتب العبرتاي (1):
وإني لأغضى من رجال على القذى ... مرارا وما من هيبة لهم أغضي
ولكنني أقني الحياء تكرما ... وأكرم عن أدناس عرضهم عرضي
22 - الخمول أخو العدم، والشهرة أم الكون.
23 - قيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة!! قال: أنا جليس ربي، إذا شئت أن يناجيني قرأت كتبه، وإذا شئت أن أناجيه صليت.
24 - علي رضي الله عنه: إذا تمّ العقل نقص الكلام.
25 - واصل بن عطاء (2): لأن يقول الله لي يوم القيامة: هلا قلت، أحب إلي من أن يقول لي: لم قلت؟ لأنه إذا قال لي: لم قلت؟ طالبني بالبرهان، وإذا قال لي: هلا قلت! فليس ذاك يريد.
26 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن من أمنه الناس.
27 - نزل النعمان (3) برابية فقال له رجل: لو ذبح رجل إلى أي موضع كان يبلغ دمه من هذه الرابية؟ فقال: المذبوح والله أنت، ولأنظرن إلى أين يبلغ دمك؟ فقال بعض الحاضرين: رب كلمة تقول لصاحبها دعني.
28 - تحدّثوا عند الأوزاعي، وفيهم أعرابي من بني عليم بن جناب (4)
__________
(1) الكاتب العبرتاي: لم نقف له على ترجمة.
(2) واصل بن عطاء: هو رأس المعتزلة. ولد بالمدينة سنة 80هـ. كان يجلس إلى حلقة الحسن البصري وهو الذي قال إن الفاسق لا مؤمن ولا كافر وإنما هو في منزلة بين المنزلتين فطرده الحسن عن مجلسه فاعتزل عنه وجلس إليه عمرو بن عبيد، فقيل لهما ولأتباعهما معتزلون. وهو الذي نشر مذهب الاعتزال توفي سنة 131هـ. راجع ترجمته في المقريزي 2: 345وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 311.
(3) النعمان: هو النعمان بن المنذر اللخمي من ملوك الحيرة في الجاهلية توفي سنة 608م.
(4) عليم بن جناب: هو أخو زهير بن جناب. راجع تاج العروس 8: 407.(2/122)
لا يتكلم، فقيل له: بحق ما سميتم خرس العرب، أما تحدث!! فقال:
إن الحظ للمرء في أذنه، وإن الحظ في لسانه لغيره، فقال الأوزاعي: لقد حدّثكم فأحسن.
29 - أعرابي: رب وحدة أنفع من جليس، ووحشة أمتع من أنيس.
30 - إبراهيم النظام (1):
وإذا تأمل في الزجاجة ظلّه ... جرحته لحظة مقلة الظل
31 - أبو بكر الطائي الكاتب (2):
رق حتى خلته ملكا ... خارجا عن جملة البشر
فعيون الوهم تجرحه ... بخفي اللحظ والنظر
32 - أعرابي: رب منطق صدع جمعا، وسكوت شعب صدعا.
33 - قالت امرأة لزوجها: مالك إذا خرجت إلى أصحابك تطلقت وتحدثت، وإذا دخلت تعقدت وأطرقت؟ قال: لأني أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي.
34 - قيل لعروة أخي مرداس (3): لم لا تحدثنا ببعض ما عندك من
__________
(1) إبراهيم النظام: هو إبراهيم بن يسّار النظام، من أئمة المعتزلة توفي سنة 231هـ.
تقدّمت ترجمته.
(2) أبو بكر الطائي الكاتب: لم نقف له على ترجمة.
(3) عروة ومرداس إبنا أدية نسبا إلى أمّهما وهما خارجيان. عروة أول من قال «لا حكم إلّا لله» وسيفه أول ما سلّ من سيوف أباة التحكيم.
حضر حرب النهروان فكان أحد الناجين منها. عاش إلى زمن معاوية فجيء به إلى زياد بن أبيه فسأله عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية. قتله عبيد ار بن زياد سنة 58هـ.
أما أخوه أبو بلال مرداس بن أديّة فكان مع الإمام علي في صفين وأنكر التحكيم ولم يستحل قتال عليّ وأهل القبلة. قتله ابن زياد سنة 61هـ، وهو يعتبر أول رئيس للصفرية من الخوارج.
راجع الترجمة في أخبار الخوارج والطبري 6: 271والبيان والتبيّين 2: 65.(2/123)
العلم؟ قال: أكره أن يميل قلبي باجتماعكم إلي حب الرياسة، فأخسر الدارين (1).
35 - وكان قتادة (2) يقول: لولا حب الحسن (3) الرياسة لمشى على الماء.
36 - وكان أبو معاوية الضرير (4) يقول: فيّ خصلتان ما يسرني بهما رد بصري: قلّة الإعجاب بنفسي، وخلو قلبي من اجتماع الناس إليّ.
37 - عمر رضي الله عنه: خذوا بحظكم من العزلة.
38 - بشر بن منصور (5): ما جلست إلى أحد، ولا جلس إليّ، فقمت من عنده، أو قام من عندي، إلّا علمت أني لو لم أقعد إليه، ولم يقعد إلي، لكان خيرا لي.
39 - مكحول (6) رفعه: من ستر مخزاة على المؤمن ستره الله يوم القيامة.
__________
(1) الداران: الدنيا والآخرة.
(2) قتادة: هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي البصري. محدّث، عابد، زاهد، من أهل البصرة. كان رأسا في العربية وأيام العرب. ولد سنة 61هـ. وتوفي بواسط في الطاعون سنة 118هـ.
راجع ترجمته في طبقات المدلسين 16وإرشاد الأريب 6: 202.
(3) الحسن: هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري. تقدّمت ترجمته.
(4) أبو معاوية الضرير: هو محمد بن خازم التميمي السعدي بالولاء. كان كثير الرواية وربّما يدلّس وكان رئيس المرجئة في الكوفة. قيل: مات سنة 113هـ وقيل: مات سنة 195هـ.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 242وتهذيب التهذيب 9: 137.
(5) بشر بن منصور: هو بشر بن منصور السلمي أو السليمي البصري. من خيار أهل البصرة وعبادهم، ومن ثقات رواة الحديث. فقد بصره، وتوفي سنة 180هـ.
راجع ترجمته في الحلية في ترجمة سفيان، وراجع تهذيب التهذيب 1: 459.
(6) مكحول: هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل، فقيه الشام في عصره. توفي سنة 112هـ. تقدّمت ترجمته.(2/124)
40 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: أعجب الناس إليّ منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويعمر ماله، ويحفظ دينه، ويعتزل الناس.
وعنه عليه الصلاة والسلام: إن أغبط الناس مؤمن خفيف الحاذ (1)، ذو حظ من صلابة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان عيشه كفافا فصبر على ذلك، ثم عجلت منيته فقل تراثه، وقلّت بواكيه.
41 - جاء عمر بن سعد (2) إلى أبيه فقال: أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك وإبلك، والناس يتنازعون الملك؟ فضرب سعد وجهه وقال: ويلك دعني فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله يحب العبد التقي الخفي.
42 - صعد حسان (3) على أطم (4) من آطام المدينة فنادى: يا صباحاه!! فاجتمعت الخزرج فقالوا: ما عندك؟ قال: قلت بيت شعر فأحببت أن تسمعوه، قالوا: هات، قال:
وإن امرأ أمسى وأصبح سالما ... من الناس إلّا ما جنى لسعيد
43 - عبد الله بن عمر رفعه: ليس أحد أحب إلى الله من الغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرارون بدينهم، يجمعون إلى عيسى بن مريم.
__________
(1) خفيف الحاذ: أي قليل المال والعيال. والحاذ: الظهر.
(2) عمر بن سعد: هو عمر بن سعد بن أبي وقاص. ولّاه ابن زياد قتال الحسين بن عليّ فكانت فاجعة كربلاء. قتل بإيعاز من المختار الثقفي سنة 66هـ.
راجع طبقات ابن سعد 5: 125وكتب التراجم.
(3) حسّان: هو حسّان بن ثابت الأنصاري. تقدّمت ترجمته.
(4) الأطم: الحصن.(2/125)
44 - لما بنى سعد بن أبي وقاص منزله بالعقيق (1)، قيل له: تركت مجالس أخوانكم وأسواق الناس، ونزلت العقيق، فقال: رأيت أسواقهم لاغية، ومجالسهم لاهية، فوجدت الاعتزال فيما هناك عافية.
45 - الربيع بن خثيم (2) تفقهوا ثم اعتزلوا، وتعبدوا.
46 - قيل لابن المبارك (3): لو أتيت هذا الرجل فأمرته ونهيته، لعل الله أن ينفع بك، فقال: من اعتزلهم فقد أمرهم ونهاهم.
47 - كان العمري وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر (4)
صلبا مهيبا، فاعتزل وسكن البادية، وكان ملازما للمقابر، ومعه كتاب، وكان يقول: ما من شيء أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من الوحدة، فكتب إليه مالك بن أنس: إنك قد بدوت، فلو سكنت بقرب مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأجابه: حملني على ذلك بغضي لجوار مثلك، إنك لم يطلع الله عليك وأنت متغير الوجه فيه.
48 - قيل للاحنف: بأي شيء سدت قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء ما شربته.
49 - واصل بن عطاء: كان يأتي مجلس الحسن في أوائل الناس وينصرف في أواخرهم، وهو زام (5) لا يتكلم فيه بكلمة قط.
__________
(1) العقيق: بناحية المدينة وهما عقيقان: الأكبر وهو ما يلي الحرة بين أرض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل. والعقيق الأصغر هو ما سفل عن قصر المراجل إلى منتهى العرصة. وفي بلاد العرب أربعة أعقّة وهي أودية عادية شقّتها السيول. راجع التفاصيل في معجم البلدان 4: 139138.
(2) الربيع بن خثيم. تابعي. توفّي سنة 63هـ (أو 61هـ) تقدّمت ترجمته.
(3) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك. تقدّمت ترجمته.
(4) عبد الله بن عمر: هو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، زاهد مدني من ثقات رواة الحديث. توفي سنة 184هـ. وله 66سنة، راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 302.
(5) زامّ: مغلق الفم.(2/126)
50 - كان عمرو بن عبيد (1) لا يكاد يتكلم، فإذا تكلم لم يكد يطيل.
51 - النخعي (2): إنما يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال.
52 - ابن عون (3): ثلاث أرضاها لنفسي ولأخواني: الأولى أن يتعلم المسلم القرآن ويقرأه ويتدبره، والثانية أن يسأل عن السنة ويتبعها جهده، والثالثة أن يدع هؤلاء الناس.
53 - حماد بن زيد (4) الذي يقول فيه ابن المبارك:
أيها الطالب علما ... إيت حماد بن زيد
اقتبس منه علوما ... ثم قيّدها بقيد
كان يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فتكلم رجل فغضب حماد وقال:
يقول تعالى: {لََا تَرْفَعُوا أَصْوََاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (5)، وأنا أقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنتم تتكلمون.
54 - سفيان بن عيينة (6): قال لي بشر بن منصور السلمي: يا ابن عيينة أقل من معرفة الناس، فإنه أقل لفضيحتك غدا.
55 - النخعي: كانوا يتعلمون السكوت كما يتعلمون الكلام.
__________
(1) عمرو بن عبيد: شيخ المعتزلة في عصره وأحد الزهاد المشهورين. توفي بمران قرب مكّة سنة 144هـ. راجع تاريخ بغداد 12: 166والوفيات 1: 384.
(2) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن عون: هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري. ولد سنة 66هـ وكان كثير الحديث زاهدا ورعا ذا فضل. توفي سنة 151هـ. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 346وصفة الصفوة 3: 228.
(4) حماد بن زيد: هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي. ولد سنة 98هـ بالبصرة كان كثير الحديث حافظا ثقة. فقد بصره وتوفي سنة 179هـ. راجع ترجمته في نكت الهميان 147والحلية 6: 257واللباب 1: 36.
(5) سورة الحجرات، الآية: 2.
(6) سفيان بن عيينة: محدّث الحرم المكي. توفي سنة 198هـ. تقدّمت ترجمته.(2/127)
56 - علي بن هشام بن فرخسرو (1):
لعمرك إن الحلم زين لأهله ... وما الحلم إلّا عادة وتحلّم
إذا لم يكن صمت الفتر من فدامة ... وعي فإن الصمت أهدى وأسلم
57 - موسى بن طريف (2): اجتهد في كتمان الخير فإنه يرق قلبك، وإن أمكنك فكن بين قوم لا يعرفونك، ولا يكن نصيبك من الدنيا أن تقول جالست فلانا، وناظرت فلانا، فإن ذلك يقسي القلب.
58 - صحب رجل الربيع بن خثيم فقال: إني لأرى الربيع لا يتكلم منذ عشرين سنة إلّا بكلمة تصعد، ولا يتكلم في الفتنة، فلما قتل الحسين قالوا: ليتكلمن اليوم، فقالوا له: يا أبا يزيد قتل الحسين، فقال: أوقد فعلوا، اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، ثم سكت. وكان يقول: إن العبد إن شاء ذكر ربه وهو ضام شفتيه.
59 - قال الثوري (3) لأخ له: أبلغك شيء مما تكره عمن لا تعرف؟
قال: لا، قال: فأقلّ من معرفة الناس، فإن معرفة الناس ما أبقت لي حسنة.
وعنه: ما رأيت للإنسان خيرا من أن يدخل في جحره، فقال يونس (4): ينبغي اليوم أن يدخل في قبره.
60 - وكتب إلى عباد بن كثير (5): عليك بالخمول فإنه زمان
__________
(1) فرخسرو: لم نقف له على ترجمة.
(2) موسى بن طريف: لم نقف له على ترجمة ولعلّه موسى بن طلحة بن عبيد الله المتوفى سنة 103هـ.
(3) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق المحدّث. توفي سنة 161هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) يونس: هو يونس بن إسحاق عمرو بن عبد الله الهداني المتوفّى سنة 159هـ. كان من ثقات رواة الحديث.
(5) عبّاد بن كثير: يقال إنه كان فيه بله وغفلة. كان زاهدا متقشّفا مات ما بين الأربعين إلى الخمسين ومائة. راجع تهذيب التهذيب 5: 100.(2/128)
الخمول، وإياك والرياسة، فإن لها غورا لا تبصره إلّا السماسرة.
61 - قيل لمالك بن مغول (1): أما تستوحش في هذه الدار وحدك؟
قال: ما كنت أرى أن أحدا يستوحش مع الله (2).
62 - وهيب بن الورد (3): بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، والعاشر عزلة الناس.
63 - عتبة بن أبي لهب (4):
زعم ابن عمي أن حلمي ضرني ... ما ضر قبلي أهله الحلم
إنّا أناس من سجيتنا ... صدق الحديث ورأينا حتم
لبسوا الحياء فإن نظرت حسبتهم ... سقموا ولم يمسهم سقم
إني وجدت العدم أكبره ... عدم العقول وذلك العدم
والمرء أكبر عيبه ضررا ... خطل اللسان وصمته حكم
64 - علي رضي الله عنه: وذلك زمان لا ينجو فيه إلّا كل مؤمن نومة، إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد، أولئك مصابيح الهدى، وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح (5)، ولا المذاييع (6) البذر (7)، أولئك يفتح
__________
(1) مالك بن مغول: كان من ثقات رواة الحديث، من عبّاد أهل الكوفة، توفي سنة 159هـ. راجع تهذيب التهذيب 10: 22.
(2) قوله: ما كنت أرى أن أحدا يستوحش مع الله: كناية عن كثرة صلاته وعبادته.
(3) وهيب بن الورد: من أهل مكة. راو، عابد، زاهد، كان يتكلّم والدموع تقطر من عينيه. مات سنة 153هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 8: 140والبيان والتبيين 3: 171.
(4) عتبة بن أبي لهب: هو عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
زوّجه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إحدى بناته فطلّقها بأمر أمّه أم جميل (حمالة الحطب). افترسه أسد بدعاء من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. راجع أخباره في الأغاني.
(5) المساييح: أصحاب النميمة جمع مسياح.
(6) المذاييع: الذين لا يكتمون الأسرار. جمع مذياع.
(7) البذر: هو الذي يفشي الأسرار ويذيعها بين الناس. جمع بذور.(2/129)
الله لهم أبواب رحمته، ويكشف عنهم ضراء نقمته.
وعنه: اختزن رجل لسانه، فإن هذا اللسان جموح بصاحبه، والله ما أرى عبدا يتقي تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه، وإن لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب الكافر من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه، فإن كان خيرا أبداه، وإن كان شرا واراه، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه، ولا يدري ماذا له وماذا عليه، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم فلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله، وهو نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم فليفعل (1).
65 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه، فإنه يلقي الحكمة.
66 - أحيحة بن الجلاح:
والصمت أحسن بالفتى ... ما لم يكن عي يشينه
والقول ذو خطل إذا ... ما لم يكن لب يعينه
67 - فضيل (2): كان يقال: من استوحش من الوحدة، واستأنس بالناس، لم يسلم من الرياء.
68 - عمر رضي الله عنه: في العزلة راحة من خلطاء السوء.
69 - فضيل: إذا أقبل الليل فرحت، وقلت أخلو بربي، ولا أرى الناس، وإذا نظرت إلى الصبح استرجعت، وركبني شيء كراهة لقاء الناس.
__________
(1) راجع الخطبة في نهج البلاغة.
(2) فضيل: هو فضيل بن عياض الزاهد المتوفّى في مكّة سنة 187هـ. تقدّمت ترجمته.(2/130)
70 - وعنه: ما في الأرض أحد أشتهي أن أراه، ولا يقرع أحد بابي إلّا شق عليّ، إلّا رجلين، أراد ابن المبارك المبارك (1) والعمري (2).
وعنه: إني لا تخذ للرجل عندي يدا إذا لقيني لا يسلم عليّ، وإذا مرضت لا يعودني.
71 - سفيان بن عيينة: دخلنا على فضيل في مرضه فقال: ما جاء بكم؟ والله لو لم تجيئوا كان أحب إلي، ثم قال: نعم الشيء المرض لولا العيادة.
72 - النخعي (3): دخلت المسجد ليلا فوجدت فضيلا وحده خلف المقام فجئته، فقال: من هذا؟ قلت: إبراهيم، قال: ما جاء بك؟
تحب أن تغتاب، قلت: لا، قال: تحب أن تكذب؟ قلت: لا، قال:
تحب أن ترائي؟ وروي: تحب أن تتزين لي وأتزين لك؟ قلت: لا، قال: فقم عني.
73 - ابن عيينة: من حرم العقل فليصمت، فإن حرمها فالموت خير له.
وسمع رجلا يتكلم فقال: اسكت فما أزعم أن متكلما يبرأ من الرياء.
74 - قيل لفضيل: إن ابنك يقول: لوددت أني بالمكان الذي أرى الناس ولا يرونني، فقال: ويح علي! هلا أتمها فقال: لا أراهم ولا يرونني.
75 - الشافعي رحمه الله: الاسترسال إلى الناس مجلبة لقرناء السوء،
__________
(1) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك. تقدّمت ترجمته.
(2) العمري: هو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر المتوفّى سنة 184هـ.
تقدّمت ترجمته.
(3) النخعي: هو إبراهيم بن يزيد النخعي. تقدّمت ترجمته.(2/131)
والانقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط.
76 - إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن عليه بحفظ لسانك.
77 - محمد بن القاسم (1): قرىء على باب صنعاء: إن كانت العافية من شأنك، فسلط السكوت على لسانك.
78 - عبد الله بن أبي زكريا (2): عالجت العبادة، فلم أجد شيئا أشد من الصمت.
79 - أنس رفعه: طوبى لمن أمسك الفضل من قوله، وأنفق الفضل من ماله.
80 - عائشة رفعته: عجبت من ابن آدم، وملكاه على نابيه، فلسانه قلمهما، وريقه مدادهما، كيف يتكلم فيما لا يعنيه.
81 - ابن عمر رفعه: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله، فإن كثرة الكلام في غير ذكر الله قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي.
82 - ابن عباس: أخذ لسانه فقال: يا لسان قل خيرا تغنم وأمسك عن القبيح تسلم.
83 - عبد الكريم أبو أمية (3): تحفظ في بعض المنطق أحب إليّ من كثير من الصوم والصلاة.
__________
(1) محمد بن القاسم: لم نقف له على ترجمة.
(2) عبد الله بن أبي زكريا: فقيه من فقهاء أهل الشام. ثقة. قليل الحديث، صاحب غزو. مات في خلافة هشام سنة 117هـ. راجع تهذيب التهذيب 5: 218.
(3) عبد الكريم أبو أميّة: هو عبد الكريم بن أبي المخارق. روى عن أنس وطاووس ونافع وآخرين، وعنه عطاء ومجاهد وهما من شيوخه، وأبو حنيفة ومالك. ذكره الجاحظ في المعلمين. توفي سنة 127هـ.
راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 251والمعارف 238.(2/132)
84 - كان يقال: ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظا للسانه منه لموضع قديمه.
85 - لأن تكون أخرس عاقلا خير لك من أن تكون نطوقا جاهلا، ولكل شيء دليل ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت.
86 - النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذر: عليك بالصمت إلّا من خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون على أمر دينك، وفي الصمت سلامة من الندامة، وتلافيك ما فرطت فيه من صمتك أيسر من إدراك ما فاتك من منطقك.
87 - كتب سفيان (1) إلى عباد بن عباد (2): أما بعد، فإنك في زمان كان الصحابة يتعوذون أن يدركوه، ولهم من العزم ما ليس لنا ولا لك، ولهم من العلم ما ليس لنا، ولا لك، فعليك بالعزلة وقلّة المخالطة، وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك، والنجاة في تركهم.
88 - يقال: لسانه منه على بال. تمسك بأطراف السكوت، وقف مطية الكلام. هو جبان الوجه، أي حيي. تروح إلى بقاء عزك بالوحدة، ولا تتشوف إلى من تخلق عنده الجدة. ارفض الناس فكل مشغلة. من نطق في غير خير فقد لغا، ومن نظر في غير اعتبار فقد سها، ومن سكت في غير فكر فقد لها، لو أقرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك. لو رأيت ما في ميزانك ختمت على لسانك.
89 - الفيض بن أبي صالح (3) وزير المهدي في الوزير أبي
__________
(1) سفيان: هو سفيان الثوري. تقدّمت ترجمته.
(2) عبّاد بن عبّاد: كان ممّن غلب عليه التقشّف والعبادة. من فضلاء أهل الشام وعبادهم وزهادهم. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 97.
(3) الفيض بن أبي صالح: كان وزيرا للمهدي العباسي وكان جوادا ممدحا. راجع الطبري.(2/133)
عبيد الله (1):
فالصمت في غير عيّ من سجيته ... حتى يرى موضعا للرأي يستمع
لا يرسل القول إلّا في مواضعه ... ولا يخف إذا حل الحبى الجزع
90 - قالوا: ما احتنك رجل قط إلّا أحب الخلوة.
91 - أراد معاذ (2) الحج فطلب ثابت البناني (3) أن يصاحبه، فقال:
ويحك دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
92 - لما خرج يونس (4) من بطن الحوت طال صمته، فقيل له: ألا تتكلم!! فقال: إن الكلام صيرني في بطن الحوت.
93 - حكيم: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم.
94 - الصمت أخفى للنقيصة، وأنفى للغميصة (5).
95 [شاعر]:
أقلل من القول تسلم من غوائله ... وأرض السكوت شجا في الحلق معترضا (6)
96 - كان ربيعة الرأي (7) كثير الكلام، وكان يقول: الساكت بين النائم والأخرس.
__________
(1) أبو عبيد الله: هو معاوية بن عبيد الله بن يسّار. تقدّمت ترجمته.
(2) معاذ: هو معاذ بن العلاء بن عمّار المازني. من رواة الحديث الثقات.
(3) ثابت البناني: هو ثابت بن أسلم البناني. تقدّمت ترجمته.
(4) يونس: هو النبي يونس عليه السّلام.
(5) الغميصة: العيب والشنار.
(6) الشجا: هو كل ما اعترض في الحلق من عظم وغير ذلك.
(7) ربيعة الرأي: هو ربيعة بن فروخ مولى آل المنذر التيميين. كان خطيبا بليغا من الفقهاء والأمراء. مات بالأنبار سنة 136هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1:
152 - والمعارف 217.(2/134)
97 - كان يقال: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام، وإن السفيه إذا سكت عنه كان في اغتمام.
98 - قيل لرجل: بم سادكم الأحنف؟ فو الله ما كان أكبركم سنا، ولا بأكثركم شيئا، قال: بقوة سلطانه على نفسه.
99 - مطرف بن عبد الله: لو كنت راضيا عن نفسي قليتكم (1)، ولكني لست عنها براض.
100 - العتابي (2): أما بعد فإن كان ما تطلبه من المعاش لك مقدورا فسيأتيك وإن سكت، وإن كان عنك مصروفا فلن يأتيك ولو تكلمت، فإن كان ذلك كذلك فآثر عزّ السكوت على ذل الكلام، والسلام.
101 - الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار أسيرا في وثاقها.
قد لزمت السكوت من غير عي ... وصحبت الفراش من غير علّه
وهجرت الأخوان لما أتتني ... منهم كل خطة مصمئلة (3)
فعلى أهل هذا الزمان جميعا ... ضعف قطر السماء من لعنة الله
102 - لما قال الله تعالى لنوح عليه السّلام، {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجََاهِلِينَ} (4)، قال نوح: استحييت من ربي فنكست رأسي أربعين سنة حياء من ذلك القول.
103 - اجتمع أربعة ملوك فتكلموا، فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرّة، وندمت على ما قلت مرارا (5)، وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت، وقال ملك الصين: ما لم أتكلم
__________
(1) قليتكم: بغضتكم.
(2) العتابي: هو كلثوم بن عمرو. تقدّمت ترجمته.
(3) المصمئلة: الداهية.
(4) سورة هود، الآية: 46.
(5) نظم هذا المعنى من قال:
الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
ما إن ندمت على سكوتي مرّة ... ولقد ندمت على الكلام مرارا(2/135)
بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتني، وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرّت وإن لم ترفع لم تنفع.
104 - أردوان الأكبر (1): كثر القبيح حتى قل الحياء منه.
105 - كان بهرام جور (2) قاعدا ليلة تحت شجرة، فسمع منها صوت طائر، فرماه فأصابه، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والإنسان!! لو حفظ هذا لسانه ما هلك! وقد نظمه من قال:
حفظ اللسان، فاحفظ اللسانا، ... قد يحفظ الطائر والإنسانا
106 - ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بما إن حكي عنه ضره، وإن لم يحك عنه لم ينفعه.
107 - علي رضي الله عنه: بكثرة الصمت تكون الهيبة.
108 - عمرو بن العاص: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل.
109 - لقمان: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك.
110 - ثلاثة يؤمرون بالسكوت: المراقي في جبل طويل، وآكل السمك، والمروّي في أمر جسيم.
111 - قال عبد الملك لأعرابي: تمنّ، قال: رزقا في سعة لا يكون
__________
(1) أردوان الأكبر: هو آخر ملوك الأشكانية وهم ملوك الطبقة الثالثة من ملوك الفرس.
يقال له: الأحمر. سموا الأشكانية لأنهم أولاد أشك بن دارا وهو أولهم. راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 104طبعة دار المناهل.
(2) بهرام جور: هو الملك الثالث عشر من الساسانيين ملوك الطبقة الرابعة، يأتي بعد يزدجرد (والده). راجع مفاتيح العلوم ص 105.(2/136)
بيني وبين أحد مطالبة، قال: ثم الخمول فإني رأيت الشر إلى ذوي النباهة سريعا، قال عبد الملك: ليت هذه الخلافة موركة (1) في عنقك وأني رزقت هذا.
112 [شاعر]:
تلحّف بالخمول تعش سليما ... وجالس كل ذي أدب كريم
113 - حكيم: من خلا بالعلم لم يستوحش من الخلوة.
114 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: رأس التواضع أن تبدأ بالسلام على من ألفيت، وأن ترضى بدون المجلس، وأن تكره أن تذكر بالبر والتقوى، وأن تدع المراء وإن كنت محقا.
115 - كلّم فضيل داود الطائي (2) في عزلته فقال: إن كان لك بدينك حاجة ففرّ من الناس فرارك من الأسد، ولقد جالستهم، اللهمّ غفرا، فأما صغيرهم فلا يوقّرك، وأما كبيرهم فيحصي عليك عيوبك.
116 - أصرم بن حميد الطائي (3):
أصم عن الكلم المحفظات ... وأحلم والحلم بي أشبه
وإني لأترك جلّ الكلام ... لئلا أجاب بما أكره
إذا ما اجتررت سفاه السفيه ... عليّ فإني أنا الأسفه
117 - علي رضي الله عنه: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعته، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة.
__________
(1) موركة: موضوعة. والفعل ورك. وورك الشيء: وضعه حيال وركه.
(2) الطائي: هو داود بن نصير الطائي، أبو سليمان، المتوفّى سنة 165 (أو 160).
تقدّمت ترجمته.
(3) أصرم بن حميد الطائي: لم نقف له على ترجمة.(2/137)
وعنه: لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل.
118 - قيل لعبد الله الراسبي (1): ما بقي مما تسرّ به؟ قال:
سرب (2) أخلو به فيه.
119 - رأى سفيان بن عيينة سفيان الثوري في المنام فقال له:
أوصني، قال: أقلل من معرفة الناس، ثلاث مرّات.
120 - كتب حكيم إلى أخ له: إياك والأخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك، فإنك إنما تنال الدنيا والآخرة بيومك، فإذا ذهب يومك فقد خسرت الدنيا والآخرة.
121 - وعن بعضهم: اللهمّ إني أعوذ بك من كل ما جاءني يشغلني عنك.
الخواص (3): إن العباد عملوا على أربع منازل: على الخوف، والرجاء، والتعظيم، والحياء، فأرفعها منزلة الحياء، لما أيقنوا أن الله يراهم على كل حال قالوا: سواء علينا رأيناه أو رآنا، فكان الحاجز لهم عن معاصيه الحياء منه.
122 - عابد: إن الله غيور، لا يحب أن يكون في قلب العبد أحد إلّا الله.
123 - سفيان: الزهد في الدنيا الزهد في الناس.
__________
(1) عبد الله الراسبي: هو عبد الله بن وهب الراسبي. بايعه الخوارج سنة 37، وهو الذي خرج على الإمام عليّ في أربعة آلاف. راجع التنبيه والإشراف 256والبيان والتبيين 1: 205.
(2) السرب: الحقير تحت الأرض.
(3) الخواص: هو سالم بن ميمون الخواص. عابد صالح من عبّاد أهل الشام. كان حيا سنة 213هـ. راجع اللباب 1: 391وحلية الأولياء 8: 277.(2/138)
124 - لبس مطرف بن عبد الله الصوف، وجلس مع المساكين، فقيل له، فقال: إن أبي كان جبارا، فأحببت أن أتواضع لربي، لعله يخفف عن أبي تجبره.
125 - مجاهد (1): إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي (2)، فرفعه على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه.
126 - أبو محمد التيمي (3) في الفضل بن سهل (4):
لعمرك ما الأشراف في كل بلدة ... وإن عظموا إلّا لفضل صنائع
ترى عظماء الناس للفضل خشعا ... إذا ما بدا والفضل لله خاشع
تواضع لما زاده الله رفعة ... وكل رفيع قدره متواضع
127 - أبو سليمان الداراني: ما رضيت عن نفسي طرفة عين، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما أحسنوا ذلك.
128 - مرّ فضيل بشيخ يحدّث، فقال: يا شيخ ليس أوان تحلّق وحديث، هذا أوان أخف شخصك واعمل.
129 - أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: إن أردت أن تسكن حضيرة
__________
(1) مجاهد: هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي التابعي المتوفّي بمكة سنة 103هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الجوديّ: هو جبل مطل على جزيرة ابن عمران في الجانب الشرقي من دجلة من أعمال الموصل، عليه استوت سفينة نوح عليه السّلام. راجع التفاصيل في معجم البلدان 2: 179.
(3) أبو محمد التيمي: هو عبد الله بن أيوب، من شعراء الدولة العباسية وأحد الخلفاء المجان. كان صديقا لإبراهيم الموصلي وإبنه إسحاق. اتصل بيزيد بن مزيد ثم مدح الفضل بن سهل الذي أوصله إلى المأمون فمدحه. راجع أخباره في الوزراء والكتاب للجهشياري 623وقد ذكر هذه الأبيات.
(4) الفضل بن سهل، وزير المأمون، يقال له ذو الرياستين. تقدّمت ترجمته.(2/139)
القدس، فكن في الدنيا وحيدا حزينا وحشيا، كالطائر الفرد الذي يرعى في القفار، ويأوي إلى رؤوس الأشجار، إذا جنّه الليل لم يأو مع الطير، استيناسا بربه، واستيحاشا من غيره.
130 - كتب يونس بن عبيد الله (1) إلى أخ له: إن نفسي قد ذلت لي بصيام هذا اليوم الشديد الحر، البعيد الطرفين، ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا يعنيني.
131 [شاعر]:
رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
132 - ابن المعتز:
ويضل صباغ الحياء بخده ... تعبا يعصفر تارة ويورد (2)
133 - محمد بن علي بن الحسين (3): لم يردد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طالبا عن شيء يملكه، ولا حمله الإستحياء على أن يسمح في غير ذلك، حتى لقد قال له قائل، في كبة شعر من الفيء: يا رسول الله أخذت هذه لأخيط بها برذعة (4) لجملي، فقال: أما نصيبي منها فهو لك، فطرحها الرجل في المقسم.
134 - أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلا من أبي سفيان وعيينة بن حصن (5)
__________
(1) يونس بن عبيد الله العمري. ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطىء. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 11: 442.
(2) العصفر: نبات يصبغ به الحرير وغيره. وعصفر الثياب: صبغها بالعصفر.
(3) محمد بن علي بن الحسين: هو الإمام محمد الباقر، أبو جعفر، خامس الأئمة عند الإماميّة الإثني عشرية. توفي سنة 114هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) البرذعة: كساء يلقى على ظهر الدابة.
(5) عيينة بن حصن: كان من المؤلفة قلوبهم، أسلم قبل الفتح، وارتدّ، ثم عاد إلى الإسلام. عاش إلى خلافة عثمان. قال عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا الأحمق المطاع (في قومه) راجع الإصابة 5: 56.(2/140)
وسهيل بن عمرو (1) مائة من الإبل، فقالوا: يا نبي الله تعطي هؤلاء وتدع جعيلا (2)؟ وهو رجل من بني غطفان، فقال: جعيل خير من طلاع الأرض مثل هؤلاء، ولكني أعطي هؤلاء أتألفهم، وأكل جعيلا إلى ما جعله الله عنده من التواضع.
135 - أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيه بصره وسمعه وقلبه ولسانه ويده، وإياكم والجلوس في هذه الأسواق فإنها تلغي وتلهي.
136 - محمد بن كناسة الأسدي (3):
في انكماش وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
137 - المخبل القيسي (4):
تبيّن طرفانا الذي في نفوسنا ... إذا استعجمت بالمنطق الشفتان
138 - الخدري: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
139 - ليلى الأخيلية (5):
__________
(1) سهيل بن عمرو: من المؤلفة قلوبهم. كان خطيب قريش في الجاهلية. تولّى أمر الصلح في الحديبية عن قريش مات بالطاعون في الشام سنة 18هـ. راجع الإصابة 3: 146.
(2) جعيل: هو جعيل بن سراقة الضمري. صحابي. ذكره ابن حجر في الإصابة 5:
56.
(3) محمد بن كناسة الأسدي: من شعراء الدولة العباسية، ولد في الكوفة سنة 123هـ.
كان امرأ صالحا، جاريته دنانير المغنيّة المشهورة. توفي سنة 207هـ. راجع كتاب الأغاني لأبي الفرج، وراجع البيان والتبيين للجاحظ 3: 57.
(4) المخبل القيسي: هو ابن شرحبيل بن حمل أحد بني بكر بن وائل. راجع المؤتلف والمختلف للآمدي 177.
(5) ليلى الأخيلية: هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب، من بني عامر بن صعصعة. شارعة فصيحة ذكية جميلة. اشتهرت بأخبارها مع توبة بن الحمير. لها أخبار مع عبد الملك بن مروان والحجاج، كان بينها وبين النابغة الجعدي مهاجاة.
رحلت إلى الريّ، فلما كانت في «ساوة» ماتت ودفنت هناك. توفيت نحو سنة 80هـ. راجع ترجمتها في فوات الوفيات 2: 141والنجوم الزاهرة 1: 193 والأعلام 5: 249.(2/141)
وتوبة أحيى من فتاة حيبة ... وأجرأ من ليث بخفان خادر (1)
140 - أشج عبد القيس (2): قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن فيك لخلقين يحبهما الله قلت: ما هما؟ قال: الحلم والحياء، قلت: قديما كان ذاك أو حديثا، قال: قديما، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله.
141 - رجل لعائشة رضي الله عنها: متى أكون محسنا؟ قالت: إذا علمت أنك مسيء، قال: فمتى أكون مسيئا؟ قالت: إذا ظننت أنك محسن.
142 - الصمت زين العاقل وستر الجاهل.
143 - يقول اللسان للجوارح كل صباح: كيف أنتنّ؟ فيقلن: بخير إن تركتنا.
144 - عمر بن عبد العزيز: إنه ليمنعني من كثير الكلام مخافة المباهاة.
145 - خرج عمر بن عبد العزيز متبعا جنازة، فقعد نجوة (3) فأتاه صبي يشكو ظلامة فأقعده إلى جنبه، وطشت (4) السماء فغطاه بثوبه.
__________
(1) خفان: موضع قرب الكوفة (وقيل: فوق القادسية) تكثر فيه الأسود. والأسد الخادر:
الملازم عرينه.
(2) أشج عبد القيس: هو المنذر بن عمرو. وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عام الفتح وقيل سنة عشر. راجع الإصابة 1: 50.
(3) النجوة: المكان العالي من الأرض.
(4) طشت السماء: أتت بالطشيش وهو المطر الضعيف.(2/142)
146 - قال ربيط (1) نبي إسرائيل: زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت.
147 - كان بعض العلماء يقول: إنّا نستحي من الأموات، كما نستحي من الأحياء.
148 - ابن مسعود رضي الله عنه: إن من رأس التواضع أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ من لقيت بالسلام.
149 - سأل بعض الصلحاء رجلا: هل بقي خلف من فلان؟ فقال:
بئس الخلف بقي منه، فوضع يده على لسانه، ودلكه على الحائط حتى دمي، وقال: إنما جاء هذا منك، ولو لاك لم يقع هذا المسلم في الغيبة.
150 - قيل لراهب في صومعته: ألا تنزل؟ قال: من مشى على وجه الأرض عثر.
151 - قال الله لموسى: هل تعرف لم كلمتك من بين الناس؟ قال:
لا يا رب، قال: لأني رأيتك تتمرغ في التراب بين يدي، كالكلب بين يدي صاحبه، تواضعا، فأردت أن أرفعك من بين الناس.
__________
(1) الربيط: الزاهد.(2/143)
الباب الثاني والعشرون الاحتيال، والكيد، والمكر، والنكر، والدهاء والخبث والخديعة والطر، وخبث الدخلة وفساد النية، ونحو ذلك
1 - كعب بن مالك كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد غزوة ورى بغيرها، وكان يقول: الحرب خدعة.
2 - المغيرة بن شعبة في عمر رضي الله عنه: كان والله أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع، وما رأيت مخاطبا له قط إلّا رحمته، كائنا من كان.
3 - أراد عمر رضي الله عنه قتل الهرمزان (1)، فاستسقى وأمسك القدح في يده، واضطرب، فقال عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه، فألقى القدح من يده، فأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف أمنتك؟ قال: قلت لا بأس عليك حتى تشربه، فقولك لا بأس أمان، ولم أشربه، فقال عمر: قاتلك الله: أخذت أمانا ولم أشعر.
4 - معاوية: إني لأكره النكارة (2) في الرجل، وأحب أن يكون عاقلا.
__________
(1) الهرمزان: قتله عبيد الله بن عمر حين قتل أبو لؤلؤة عمر لأنه قيل إن له ضلعا في قتله، ودفع عثمان ديته حين ولي الخلافة وأطلق عبيد الله. راجع الطبري ففيه ما يذكره الزمخشري بتفصيل أكثر.
(2) النكارة: الفطنة المقرونة بالدهاء والمخادعة.(2/145)
5 - دهاة العرب أربعة، وكلهم ولدوا بالطائف: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والسائب بن الأقرع (1).
6 - فلان يطر (2) من العريان كمه، ويخلع من الحافي نعله. الحاجة تفتح أبواب الحيل.
7 - قالت أم يوحنا (3) الذي عشق بنت الملك له: لا تقطع أملك من نيلها، فإن النجح مغلول بالطلب، والظفر مأسور بالصبر، والقدرة مقرونة بالحيلة.
8 - أعرابي: سكيت في بطش عفريت.
9 - عبد الله بن محمد بن عيينة:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن سيكون
يسعى اللبيب فلا ينال بسعيه ... وينال حظا عاجز ومهين
سيكون ما هو كائن في وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون
10 - زياد بن أبيه: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع فيه، ولكن العاقل الذي يحتال للأمور أن لا يقع فيها.
11 - قال الضحاك بن مزاحم (4) لنصراني: لو أسلمت، فقال: ما
__________
(1) السائب بن الأقرع: هو السائب بن الأقرع بن عوف بن جابر الثقفي. شهد فتح مهرجان ودخل دار الهرمزان، وهو الذي دلّ على خبيئة للهرمزان فيها سفط من جوهر، وشهد فتح نهاوند وقد بعثه عمر مع النعمان بن مقرن قاسما. استعمله عمر على المدائن وولي أصبهان ومات بها.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 58.
(2) طرّ الكم: شقّه.
(3) أم يوحنّا: لم نقف لها على ترجمة.
(4) الضحاك بن مزاحم: هو الضحّاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم، مفسّر. كان يؤدب الأطفال. ويقال: كان في مدرسته ثلاثة آلاف صبي.
قال الذهبي: كان يطوف عليهم على حمار. ذكره ابن حبيب تحت عنوان «أشراف المعلمين وفقهاؤهم». له كتاب في التفسير. توفي بخراسان سنة 105هـ.
راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 1: 471وتاريخ الخميس 2: 318والمحبر 475.(2/146)
زلت محبا للإسلام، إلّا أنه يمنعني منه حبي للخمر، فقال: أسلم واشربها، فلما أسلم قال له: قد أسلمت فإن شربتها حددناك، وإن ارتددت قتلناك، فاختر لنفسك، قال اختار السلامة، وحسن إسلامه.
12 - ما هو إلّا خديعة، وسراب بقيعة.
13 - وفد بلال بن أبي بردة على عمر بن عبد العزيز بخناصرة (1)، فسدك (2) بسارية المسجد يصلّي، فقال عمر للعلاء بن المغيرة: إن يكن سر هذا كعلانيته فهو رجل أهل العراقين غير مدافع، فقال العلاء: أنا آتيك بخبره، فقال له: قد عرفت مكاني من أمير المؤمنين، فإن أشرت بك على ولاية العراق ما تجعل لي؟؟ قال: عمالتي سنة، وهي عشرون ألف ألف، قال: فاكتب لي، فلما رآه عمر كتب إلى والي الكوفة:
أما بعد، فإن بلالا غرّنا بالله، فكدنا نغترّ، ثم سبكناه فوجدناه خبثا كله، فلا تستعن على شيء من عملك بأحد من آل أبي موسى.
14 - وكتب إلى عدي بن أرطأة (3): غرتني منك مجالستك القراء، وعمامتك السوداء، فلما بلوناك (4) وجدناك على خلاف ما أملناك، قاتلكم
__________
(1) خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنّسرين نحو البادية وهي قصبة كورة الأحصّ. بناها خناصرة بن عمرو بن كنانة ملك الشام. راجع معجم البلدان 2:
390.
(2) سدك بالشيء: لزمه.
(3) عديّ بن أرطأة: هو عديّ بن أرطأة الفزاري، أبو واثلة، أمير، من أهل دمشق.
كان من العقلاء الشجعان. ولّاه عمر بن عبد العزيز على البصرة سنة 99هـ. فاستمر إلى أن قتله معاوية بن يزيد بن المهلب بواسط في فتنة أبيه (يزيد) بالعراق. توفي سنة 102هـ.
راجع الأعلام للزركلي 4: 219والكامل للمبّرد 2: 149ورغبة الآمل 2: 26.
(4) بلوناك: اختبرناك.(2/147)
الله أما تمشون بين القبور.
15 [شاعر]:
فعودك من خدع مورق ... وواديك من علل مخصب
16 - من خدعك فتخادعت له فقد خدعته. من خدع من لا ينخدع فقد خدع نفسه.
17 - إياس بن معاوية: لست بخبّ (1)، والخب لا يخدعني.
18 - عمر رضي الله عنه: من تكلّم بالفارسية فقد خب، ومن خب ذهبت مروءته.
19 - دليت من السماء سلسلة في أيام داود عليه السّلام عند الصخرة التي في وسط بيت المقدس، فكان الناس يتحاكمون عندها فمن مد يده إليها وهو صادق نالها، ومن كان كاذبا لم ينلها، إلى أن ظهرت فيهم الخديعة، وذلك أن رجلا أودع رجلا جوهرة، فخبأها في عكازة له، وطلبها المودع فجحدها، فتحاكما، فقال المدعي: إن كنت صادقا فلتدن مني السلسلة، فمسها، ودفع المدعى عليه العكازة إلى المدعي وقال: اللهمّ إن كنت تعلم أني رددت الجوهرة فلتدن مني السلسلة، فمسها، فقال الناس: قد سوت السلسلة بين الظالم والمظلوم، فارتفعت السلسلة بشؤم الخديعة.
وأوحي إلى داود عليه السّلام أن احكم بين الناس بالبينة واليمين، فبقي ذلك إلى الساعة.
20 - أمية بن أبي الصلت كان داهية من دواهي ثقيف، وثقيف دهاة العرب، ومن دهائه ما هم به من ادعاء النبوة، ولذلك درس الكتب، وكان طلابة للعلم علامة، معروفا بالجولان في البلاد، راوية.
21 - المختار بن أبي عبيد الثقفي: قال ذات يوم لتنزلن من السماء
__________
(1) الخبّ: الخدّاع الغشّاش.(2/148)
نار دهماء فلتحرقن دار أسماء (1)، فذكر ذلك لأسماء بن خارجة فقال: أو قد سجع بي أبو إسحاق؟ هو والله محرق داري، فهرب من الكوفة. ومن حيله أنه كان له كرسي قديم، فغشاه بديباج، وقال: هذا من ذخائر علي بن أبي طالب، فضعوه في حومة القتال، فإن محله فيكم محل السكينة (2) في بني إسرائيل.
22 - ولما وجه إبراهيم بن الأشتر (3) إلى حرب عبيد الله بن زياد دفع إلى خاصته حماما بيضا ضخما وقال: إن رأيتم الأمر عليكم فارسلوها، وقال للناس: إني لأجد في محكم الكتاب، وفي اليقين والصواب، أن الله ممدكم بملائكة غضاب، تأتي في صور الحمام تحت السحاب، فلما كادت الدبرة تكون على أصحابه أرسل الحمام، فتصايح الناس: الملائكة الملائكة، فكروا حتى غلبوا، وقتل ابن زياد.
23 - عمران بن حطان:
أحلام نوم أو كظل زائل ... إنّ اللبيب بمثلها لا يخدع
__________
(1) أسماء: هو أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري. تابعي من رجال الطبقة الأولى. من أهل الكوفة بالعراق. كان سيّد قومه جوادا مقدما عند الخلفاء. قال له عبد الملك بن مروان: بم سدت الناس يا أسماء؟ فقال: هو من غيري أحسن! فعزم عليه، فقال: ما سألني أحد حاجة إلّا رأيت له الفضل عليّ. وزوّج ابنة له فقال يوصيها: يا بنيّة كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، ولا تدني منه فيملّك ولا تتباعدي عنه فيتغيّر عليك. توفي سنة 66هـ. راجع الأعلام للزركلي 1: 305.
(2) السكينة في بني إسرائيل: ما كان في التابوت من ميراث أنبياء بني إسرائيل وعصا موسى وعمامة هارون الصفراء. وقيل: هي طست من ذهب من الجنة كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء عليهم السّلام. وقيل غير ذلك.
(3) إبراهيم بن الأشتر: هو إبراهيم بن الأشتر النخعي. بايع المختار بن أبي عبيد على الطلب بدماء أهل البيت سنة 66هـ. كان حدثا شجاعا.
قتل بدير الجاثليق من مسكن وهو مع مصعب بن الزبير يقاتل أهل الشام سنة 71هـ.(2/149)
24 - ولى عبد الملك بن مروان بشرا (1) الكوفة، وكان شابا ظريفا غزلا، وبعث معه روح بن زنباع، وكان شيخا متورعا، فثقل على بشر مراقبته، فذكر ذلك عند نديم له، فتوصل إلى أن دخل بيته ليلا في خفية، وكتب على حائط قريبا من مجلسه:
يا روح من لبنيات وأرملة ... إذا نعاك لأهل المغرب الناعي
إنّ ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع
فاستوحش من ذلك، وخرج من الكوفة، وبلغ عبد الملك فحدّثه بذلك فاستغرب ضحكا وقال: ثقلت على بشر وأصحابه فاحتالوا لك.
25 - أتى معن بن زائدة بثلاثمائة أسير، فأمر بضرب أعناقهم، فقال أحدهم: أنشدك الله نحن عطاش، فسقوا ثم أمر بضرب أعناقهم، فقال:
أنشدك الله أن تقتل أضيافك، فقال: أحسنت، فأطلقهم.
26 - جحد رجل مال رجل، فاحتكما إلى إياس بن معاوية، فقال للطالب: أين دفعت إليه هذا المال؟ قال: عند شجرة بمكان كذا، قال:
فانطلق إلى الشجرة لعلك أن تتذكر كيف كان الأمر؟ فمضى وجلس خصمه، فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع الشجرة؟ فقال: لا بعد، قال: يا عدو الله أنت خائن، فقال: أقلني (2) أقالك الله، وأقر.
27 - ابن المقفع: إذا نزل بك مكروه فانظر: فإن كان لك حيلة فلا تعجز، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع.
28 - سئل معاوية عن أدهى العراق فقال: زياد (3) ومولاه سليم (4)
__________
(1) بشر: هو بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي. أمير، كان سمحا جوادا. ولي إمرة العراقين (البصرة والكوفة) لأخيه عبد الملك سنة 74هـ.
وهو أول أمير مات بالبصرة. توفي سنة 75هـ. راجع الأعلام 2: 55.
(2) يقال: أقال الله عثرته: صفح عنه.
(3) زياد: هو زياد بن أبيه. تقدّمت ترجمته.
(4) سليم: ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 1: 259.(2/150)
وكان له شيء يتضمخ به فيه الزعفران، إذا أراد الدخول على الأمراء، فقيل للداهي الخداع: معه أصفر سليم، يشبهونه بسليم في دهائه.
29 - بعض السلف: أين كيد الشيطان من كيد النساء؟ إن الله تعالى يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطََانِ كََانَ ضَعِيفاً} (1)، ويقول: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (2).
30 - ابن المعتز: من لم يتأمل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته إلّا على مقاتله.
31 - قبيصة بن جابر (3): لو أن مدينة لها سبعة أبواب، لا يخرج من باب منها إلّا بمكر ودهاء، لخرج المغيرة بن شعبة من أبوابها كلها.
32 [شاعر]:
لا تحقرني فربما نفذت ... في ردم بأجوج حيلة الجرذ
33 - الحيلة تجري مجرى القوة، لا بل هي ألطف غوصا.
34 - الشعبي: وجه بي عبد الملك إلى ملك الروم، فقال لي: أمن أهل بيت الخلافة أنت؟ قلت: لا، ولكني رجل من العرب، فكتب لي رقعة إلى عبد الملك، فقرأها فقال: أتدري ما فيها؟ قلت: لا؟ قال:
فيها العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف ولّوا أمرهم غيره؟ ثم قال: أتدري ما أراد بهذا؟ قلت: لا قال: حسدني عليك فأراد أن أقتلك فقلت: إنما
__________
(1) سورة النساء، الآية: 76.
(2) سورة يوسف الآية: 28.
(3) قبيصة بن جابر: هو قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي الكوفي، تابعي، من رجال الحديث الفصحاء الفقهاء. يعدّ في الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة. وهو أخو «معاوية» من الرضاعة. توفي سنة 69هـ.
راجع الأعلام 5: 188والجرح والتعديل: القسم الثاني من الجزء الثالث ص 125.(2/151)
كبرت عنده يا أمير المؤمنين لأنه لم يرك.
فرجع الكلام إلى ملك الروم فقال: لله أبوه ما عدا ما في نفسي.
35 - أراد المنصور أن يعقد للمهدي ويقدمه على عيسى بن موسى (1)، فأراده على ذلك، وأداره عليه، وكتب إليه، فأبى وأجاب بجواب عنيف في آخره:
خيرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إمّا صغار وإمّا فتنة عمم
وقد هممت مرارا أن أساقيكم ... كأس المنية لولا الله والرحم
ولو فعلت لزالت عنكم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النقم
فلما يئس منه قال لخالد بن برمك: إن كانت عندك حيلة فقدمها، فقد أعيتنا وجوه الحيل فقال: يا أمير المؤمنين ضم إليّ ثلاثين رجلا من كبار الشيعة، فمضوا إليه، فلم يزدد إلّا نبوا، فخرجوا، فقال لهم: ما الحيلة؟ فأعضلتهم، فقال: ما هي إلّا أن نخبر أمير المؤمنين أنه قد أجاب، ونشهد عليه إن أنكر قالوا: نفعل فصاروا إلى المنصور وقالوا: قد أجاب. وخرج التوقيع بالبيعة للمهدي، وكتب بذلك إلى الآفاق. وجاء عيسى فأنكر فشهدوا عليه بالإجابة. فكان المهدي يعرف ذلك لخالد، ويصف جزالة الرأي فيه.
36 - تغيظت عاتكة بنت يزيد بن معاوية (2) على عبد الملك وكانت امرأته، وكان من أشد الناس حبا لها، فحجبته وأغلقت بابها عليه فشق ذلك عليه وشكاه إلى خاصته، وأعيته الحيل فيها، وفي رضاها عنه فقال له عمرو بن هلال، وكان خصيصا بيزيد ومعاوية، مالي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك فأتى بابها، فخرجت إليه مولياتها ونساؤها،
__________
(1) عيسى بن موسى: هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
(2) عاتكة بنت يزيد بن معاوية: كانت أمّها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز.
تزوجها عبد الملك بن مروان وهي أم ولده يزيد بن عبد الملك الخليفة الأموي، ولها أخبار مع الشعراء. راجع الدرّ المنثور 324.(2/152)
فقال: قد عرفت الحرة مكاني من أمير المؤمنين، وقد وقع لي ما لا بد من أن أفزع إليها، قتل أحد ابني الآخر، وأراد الخليفة قتل الآخر به، وأنا الولي وقد عفوت، وهو لا يسمع قولي، وقد رجوت أن يحيى الله إبني على يديها، فقالت: فما أصنع مع غضبي عليه؟ فلم يزلن بها حتى خرجت إليه، وأخذت برجله فقبلتها فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى اصطلحا. وقال لعمرو: حكمك؟ قال: مزرعة بعبيدها وما فيها وألف دينار، وفرائض لولدي وأهل بيتي فقال: ذلك لك.(2/153)
الباب الثالث والعشرون الخير والصلاح، وذكر الأخيار والصلحاء وصفاتهم وأحوالهم، وما جاء فيهم وعنهم
1 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: الخير عادة، والشر لجاجة.
2 - صهيب (1) عنه عليه الصلاة والسلام: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
3 - سئل علي رضي الله عنه عن الخير فقال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم عملك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وان أسأت استغفرت الله ولا خير في الدنيا إلّا لرجلين: رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة،
__________
(1) صهيب: هو صهيب بن سنان بن مالك، من بني النمر بن قاسط، صحابي، من أرمي العرب سهما وله بأس. وهو أحد السبّاقين إلى الإسلام سبي وهو صغير، ثم اشتراه أحد بني كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمي ثم أعتقه، فأقام بمكة يحترف التجارة إلى أن ظهر الإسلام فأسلم وأصبح غنيا وأراد الهجرة إلى المدينة فمنعه مشركو قريش فترك لهم ماله، فبلغ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك فقال: ربح صهيب، ربح صهيب! وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلّها. ولد سنة 32ق. هـ. وتوفي سنة 38هـ.
راجع ترجمته في الأعلام 3: 210وطبقات ابن سعد 3: 161وابن عساكر 6:
446.(2/155)
ورجل يسارع في الخيرات.
وفي وصيته رضي الله عنه: لقاء أهل الخيرات عمارة القلوب.
وعنه: من كانت فيه خلة (1) من خلال الخير غفر الله له ما سواها لها.
وعنه: فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شر منه.
4 - حكيم: الخير يطلب أهله، كما يطلب طير الماء الماء.
5 - ابن عمر رضي الله عنه (2): سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة ألف بيت من جيرانه البلاء، ثم قرأ:
{وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ} الآية (3).
6 - من رأيت فيه خصلة من الخير فلا تفارقه فإنه يصيبك من بركاته.
7 - كان إبراهيم بن أدهم إذا نشط لعمل الخير ارتجز بقوله:
اجعل الله صاحبا ... ودع الشر جانبا
ألم تر أن سير الخير ريث ... وأن الشر صاحبه يطير (4)
8 - الربيع بن خثيم: ما خياركم اليوم بخيار ولكن خير من شر منهم.
9 - كان يجتمع في مجلس سفيان بن عيينة مائة ألف نفس، وكان يقول: أنا لكم مثل جبل أبي قبيس (5)، اصعدوا عليّ واطلعوا على التابعين.
__________
(1) الخلّة: الخصلة، والعادة.
(2) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(3) من سورة الحج، الآية: 40.
(4) ريث: بطيء.
(5) أبو قبيس: اسم الجبل المشرف على مكّة وجهه إلى قعيقعان ومكّة بينهما، أبو قبيس من شرقيّها، وقعيقعان من غربيّها، قيل سمّي باسم رجل من مذحج كان يكني أبا قبيس لأنه أول من بنى فيه قبّة. راجع معجم البلدان 1: 80.(2/156)
10 - علي رضي الله عنه: أين الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا صفا، بعض هلك، وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن القتلى، مره العيون (1) من البكاء، خمص (2) البطون من الطوى (3)، ذبل الشفاه من الظمأ، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك أخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، وأن نعض الأيدي على فراقهم.
وعنه: كان لي فيما مضى أخ في الله، كان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا، فإن قال بذّ القائلين، ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفا مستضعفا، فإن جاء الجد فهو ليث عاد، وصلّ (4) واد، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا، وكان لا يلوم أحدا على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلّا عند برئه، وكان يفعل ما يقول، ولا يقول ما يفعل، وكان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها، وتنافسوا فيها.
وعنه: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدرا، وأذل شيء نفسا، يكره الرفعة، ويشنأ (5) السمعة، طويل
__________
(1) مرهت عينه: فسدت وابيضّت بواطن أجفانه لترك الكحل فهو مره وأمره.
(2) الأخمص البطن: الضامر البطن.
(3) الطوى: الجوع.
(4) الصل: الحيّة الخبيثة.
(5) الشنأ: البغض.(2/157)
غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، سهل الخليقة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد.
وعنه: رحم الله عبدا سمع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزه هاد فنجا، راقب ربه، وخاف ذنبه، قدم خالصا وعمل صالحا، اكتسب مذخورا، واجتنب محذورا، ورمى غرضا، وأحرز عرضا، كابر هواه، وكذب مناه، جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، ركب الطريقة الغراء، ولزم الحجة البيضاء، اغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزود من العمل.
11 - مالك بن دينار: مثل المؤمن مثل اللؤلؤة، أينما ذهبت فحسنها معها.
12 - عبيد بن الأبرص:
الخير أبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد
13 - غير خيرك خير غيرك.
14 - أبو الدرداء (1): رحم الله لقمان، إنه ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال ولا جمال ولا حسب، كان عبدا حبشيا، مولى لداود عليه السّلام أعتقه، وكان رجلا سكيتا عميق النظر، بعيد الفكر، لم ينم نهارا قط، ولم يره أحد يتبول وينتخع أو يبزق، ومات له أولاد فلم يحزن عليهم، ويأتي أبواب الحكماء ليتفكر وينظر ويعتبر، فلذلك أوتي ما أوتي.
15 - نوف البكالي (2): سامرت عليا ذات ليلة، فأكثر النظر إلى
__________
(1) أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك بن قيس بن أميّة الأنصاري الخزرجي المتوفّى سنة 32هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) نوف البكالي: هو نوف بن فضالة الحميري البكالي، ذكره ابن حبان في الثقات وذكره خليفة في الطبقة الأولى من الشاميين. استشهد مع محمد بن مروان في الصائفة، عدّه البخاري في فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة.(2/158)
السماء، ثم قال: يا نوف، أنائم أنت؟ قلت: لا، بل أرمقك بعيني يا أمير المؤمنين، قال يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك الذين اتخذوا أرض الله بساطا، وماءها طيبا، وترابها فراشا، وجعلوا القرآن شعارا، والدعاء دثارا (1)، ورفضوا الدنيا رفضا على منهاج عيسى بن مريم.
16 - أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم مسكينا؟ قال أبو بكر:
أنا، قال فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبوبكر: أنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أجتمعن في أحد إلّا دخل الجنة.
17 - ابن عباس: وضع عمر على سريره، فكنفه الناس يدعون ويثنون، فقال عليّ: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى بمثل عمله منك.
18 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.
19 - وعنه عليه الصلاة والسّلام: يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة (2) الله، وأخذت أنت بحجزتي، أخذك ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يأمر بنا؟.
20 - عبد الله بن طاهر:
افعل الخير ما استطعت وإن ... كان قليلا فلن تحيط بكله
ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركا لأقله 21العوام بن حوشب (3): ما شبهت الحسن إلّا بنبيّ أقام في قومه ستين عاما.
__________
(1) الدثار: الثوب الذي يستدفأ به من فوق الشعار، وهو ما يتغطّى به النائم.
(2) الحجزة الاعتصام. وقوله: أخذت بحجزة الله، أي إلتجأت إليه واعتصمت به.
(3) العوام بن حوشب: هو العوام بن حوشب بن يزيد بن الحارث الشيباني الربعي. يعدّ من ثقات رواة الحديث. توفي سنة 148هـ. راجع تهذيب التهذيب 8: 163.(2/159)
22 - كان الحسن إذا أقبل فكأنما أقبل من دفن أمه، وإذا جلس فكأنما قدم لتضرب عنقه، وإذا تكلّم فكأنما النار على رأسه.
23 - الشعبي: ما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلّا مثل الفرس العربي بين المقاريف (1).
24 - قصد الحسن والشعبي ابن هبيرة (2)، فكان الشعبي يخف للحسن ويعاطيه (3)، فقال له ابنه: يا أبت أني أراك تصنع بذا الشيخ شيئا لم أرك تصنعه بأحد، قال: يا بني، قد أدركت سبعين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم أر أحدا أشبه بهم من هذا الشيخ.
25 - أبو بردة بن نيار (4) صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما رأيت أحدا، لم يصحب النبي صلّى الله عليه وسلّم، أشبه بمن صحبه من صاحبكم هذا، يعني الحسن، ولو أنه أدرك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لاحتاجوا إلى رأيه، وما سمع أحد كلامه إلّا إزدرى كلام غيره.
26 - قال أبو العباس السفاح لأبي بكر الهذلي (5): لم بلغ حسنكم ما بلغ؟ قال: جمع كتاب الله وهو ابن ثنتي عشرة سنة، لم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها، ولم يقلب درهما في تجارة قط، ولم يل عملا لسلطان، ولم يأمر بشيء حتى يفعله، ولم ينه عن شيء حتى يدعه، قال السفاح بهذا بلغ.
27 - وكانت أم سلمة (6) تخرجه إلى الصحابة وهو صغير فكانوا يدعون
__________
(1) المقاريف: جمع مقرف، وهو، من الخيل، ما كان أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي.
(2) ابن هبيرة: هو عمر بن هبيرة أمير البصرة. تقدّمت ترجمته.
(3) يعاطيه: ينقاد له ويتبعه.
(4) ابن نيار: هو هانىء بن نيار بن عمرو البلوي الأنصاري، كان حليفا للأنصار.
راجع ترجمته في الإصابة 6: 278.
(5) أبو بكر الهذلي: هو عبد الله بن سلمى. تقدمت ترجمته.
(6) أم سلمة: زوجة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، هي هند بنت أميّة، وقد اختلف في اسم أبيها، فقيل: سهل بن المغيرة بن مخزوم، وقيل: حذيفة، وذكر ابن سعد أن اسمه سهيل زاد الركب بن المغيرة. أمّا أمّها فهي عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة جذل الطعان بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. يرجّح أنها ولدت سنة 28ق. هـ. وماتت سنة 59هـ، وقيل سنة 62هـ وهي آخر أمهات المؤمنين موتا.
راجع أخبارها في كتابنا «زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأولاده» طبعة مؤسسة عزّ الدين ص 193.(2/160)
له، ودعا له عمر بن الخطاب فقال: اللهمّ فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
وسمعت عائشة كلامه فقالت: من هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء؟.
28 - قيل للمنصور: لا نعلم أحدا ينتحله أهل المذاهب كلها غير عمر بن عبد العزيز والحسن فقال: تلك نهاية الفضل.
29 - دخل محمد بن أبي علقمة (1) على عبد الملك بن مروان فقال:
من سيد الناس بالبصرة؟ فقال: الحسن، قال: مولى أو عربي؟ قال:
مولى، قال: ثكلتك أمك مولى ساد العرب؟ قال: نعم، قال: بم؟
قال: استغنى عما في أيدينا من الدنيا وافتقرنا إلى ما عنده من العلم، قال: صفه لي، قال: آخذ الناس بما أمر، وأنهاهم عما نهي عنه.
30 [شاعر]:
يظن الناس بي خيرا وإنّي ... كشرّ الناس إن لم تعف عني
31 - الجاحظ: كان الحسن يستثنى من كل غاية فيقال: فلان أزهد الناس إلّا الحسن، وأفقه الناس إلّا الحسن، وأنصح الناس إلّا الحسن، وأخطب الناس إلّا الحسن.
32 - بعضهم: عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس (2)، لأن عمر ملك
__________
(1) محمد بن أبي علقمة: لم نقف له على ترجمة.
(2) أويس: هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي. تابعي، ناسك، عابد. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره، وشهد صفين مع الإمام عليّ وقتل فيها سنة 37هـ. ومن الناس من ينكر وجوده. راجع ترجمته في حلية الأولياء وفيها أنه مات في غزو أذربيجان أيام عمر وراجع ميزان الاعتدال 129.(2/161)
الدنيا فزهد فيها، وأويس لم يملكها، فقيل: لو ملكها لفعل كما فعل عمر، فقال ليس من لم يجرب كمن جرب.
33 - موسى العجلي (1): ما رأيت أفقه ولا أورع في فقه من محمد بن سيرين، وكان المتمني إذا تمنى قال: يا ليتني في ورع ابن سيرين قال:
وأنت بالليل ذئب لا حريم له ... وبالنهار على سمت ابن سيرين (2)
34 - كان الحسن يقول في عامر بن عبد الله بن قيس العنبري (3): لو شاء الله أن يجعل الناس مثل عامر بن عبد الله لفعل.
35 - قال أنس في ثابت البناني: إن للخير مفاتيح، وإن ثابتا من مفاتيح الخير، وأوصى له بمثل نصيب ولده فأبي أن يأخذه. وما رؤي الحسن أوسع لأحد قط في مجلسه إلّا الثابت. وكان يقول: ما تركت في المسجد سارية إلّا ختمت القرآن عندها.
36 - مطرف (4) إن كان أحد من هذه الأمة ممتحن القلب كان مذعورا (5)، أراد قوله تعالى: {أُولََئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ}
__________
(1) موسى العجلي: لم نعثر له على ترجمة.
(2) السمت: هيئة أهل الخير. يقال: ما أحسن سمعت فلان.
(3) عامر بن عبد الله بن قيس العنبري: تابعي، عابد، زاهد، من أقرآن أويس القرني وأبي مسلم الخولاني. مات ببيت المقدس في خلافة معاوية نحو سنة 55هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 2: 87والبيان والتبيين 1: 83والإصابة الترجمة 6280.
(4) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير. تقدمت ترجمته.
(5) مذعور: هو مذعور بن الطفيل القيسي، عابد من أهل البصرة. راجع ترجمته في البيان والتبيين 3: 174وصفة الصفوة 3: 176.(2/162)
{لِلتَّقْوى ََ} (1). وهو مذعور بن الطفيل القيسي، وكان من الأخيار الأبرار، وقال معاوية: من جاء منكم يا أهل العراق فليكن مثل القيسي.
37 - كان حبيب الفارسي (2) من أخيار الناس، وهو الذي اشترى نفسه من ربه أربع مرّات بأربعين ألفا، كان يخرج البدرة (3) فيقول: يا رب اشتريت نفسي منك بهذه، ثم يتصدق بها.
38 - جاء أبو قلابة (4) إلى الحسن يستودعه كتبه، فقال: استودعها السيد الفتيان، يريد أيوب السختياني (5). وكان أيوب من أصحاب الحسن، وذكر عند أبي حنيفة رحمه الله فقال: رحم الله أيوب، رحم الله أيوب، لقد شاهدت منه مقاما عند منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أذكر ذلك المقام إلّا اقشعر جلدي.
39 - وقيل لأيوب: لم أقللت الحديث هن الحسن؟ فقال: كنت إذا قمت عن مجلسه قال هذا سيد الفتيان فتركته.
40 - سفيان الثوري: جهدت جهدي على أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما كان عليه ابن المبارك (6) فلم أقدر.
41 - كان الخليل بن أحمد النحوي من أزهد الناس وأعلاهم نفسا، وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له فلا يقبل، وكان يحج سنة ويغز وسنة حتى جاءه الموت.
__________
(1) سورة الحجرات، الآية: 3.
(2) حبيب الفارسي: هو محمد بن حبيب الفارسي من ساكني البصرة، كان زاهدا عابدا من أرقّ الناس بكاء. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان عابدا فاضلا ورعا تقيا من المجابين الدعوة.
(3) البدرة: عبارة عن كيس فيه عشرة آلاف درهم.
(4) أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد بن عمرو. تابعي، عدّوه في الطبقة الثانية من أهل البصرة، كان ثقة كثير الحديث. مات بالشام سنة 104هـ.
راجع امتاع الأسماع 1: 148.
(5) السختياني: هو أيوب بن أبي تميمة. تقدّمت ترجمته.
(6) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك. تقدّمت ترجمته.(2/163)
42 - ابن خارجة (1): جالست ابن عون (2) عشرين سنة فما أظن الملكين كتبا عليه شيئا.
43 - وقيل لعبد الله بن المبارك وقد سافر: أين تريد؟ قال: البصرة، قيل: من تقصد بالبصرة؟ قال: ابن عون، آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه.
44 - وقال معاذ بن العنبري (3): ما أتيت ابن عون قط إلّا ورجعت من عنده وأنا أعرف في الزيادة.
45 - قال ابن شبرمة (4) في كرز بن وبرة الحارثي (5) ومحمد بن طارق (6) وكانا أخوين في الله وكانا عابدين:
لو شئت كنت ككرز في عبادته ... أو كابن طارق حول البيت والحرم
قد حال دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا في طلاب المجد والكرم
46 - قال عبد الله بن المبارك أنشدتهما شعبة (7) حين قدمت البصرة،
__________
(1) ابن خارجة: هو عمرو بن خارجة بن المنتفق الأشعري. حليف أبي سفيان بن حرب. راجع تهذيب التهذيب 8: 25.
(2) ابن عون: هو عبد الله بن عون المتوفّى سنة 151هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) معاذ بن العنبري: هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسّان العنبري البصري. ولد بالبصرة سنة 119هـ وولي قضاءها للرشيد سنة 172هـ ثم صرفه عنها.
راجع ترجمته في تاريخ بغداد 13: 131والجرح والتعديل 4: 248.
(4) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي الفقيه. ولد سنة 72هـ وكان شاعرا عفيفا حازما عاقلا فقيها يشبه النساك.
مات سنة 144هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 89و 3: 146وتهذيب التهذيب 5: 250.
(5) كرز بن وبرة الحارثي: لم نقف له على ترجمة.
(6) محمد بن طارق: هو محمد بن طارق المكي. كان رجلا صالحا ثقة. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 9: 234.
(7) شعبة: هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي. من رجال الحديث حفظا ورواية وتثّبتا. ولد بواسط سنة 82هـ وكان عالما بالأدب والشعر. توفي بالبصرة سنة 160هـ. راجع ترجمته في حلية الأولياء 7: 144وذيل المذيل 104وتاريخ بغداد 9: 255.(2/164)
فاستعادنيهما فقلت: أبا بسطام ما تصنع بهما؟ فقال: لو كنت في بين يشكر أو في الخريبة (1) لجئتك فيها حتى أسمعهما.
وروى أنه غسل كرز (2) فلم يجد على جسده مثقال لحم.
47 - سلّم سلطاني (3) على حسان بن أبي سنان العابد (4)، فدعا له، فقيل، له، فقال: أو ما هو خير مني حين ظن أني خير منه؟.
48 - سعيد بن جبير: لو خيرت عبدا ألقى الله في مسلاخه (5)
لاخترت زبيدا، هو زبيد اليامي (6).
49 - قال الرشيد يوما لأبي يوسف: صف لي أخلاق أبي حنيفة، فقال: إن الله تعالى يقول: {مََا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلََّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (7)، فهو عند لسان كل قائل، كان علمي بأبي حنيفة أنه كان شديد الذبّ عن محارم الله أن تؤتى، شديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحب أن يطاع فلا يعصى، مجانب لأهل الدنيا في دنياهم، لا ينافس في عزها، طويل الصمت، دائم الفكر، على علم واسع، لم يكن مهذارا ولا ثرثارا، إن سئل بذولا للعلم والمال، مستغنيا بنفسه عن جميع الناس، لا
__________
(1) الخريبة: موضع خارج البصرة كانت فيه وقعة الجمل.
(2) كرز: هو كرز بن وبرة الحارثي لم نقف له على ترجمه.
(3) سلطاني: أي عامل من عمّال السلطان.
(4) حسّان العابد: هو حسّان بن أبي سنان البصري، عابد، كان يروي الحكايات عن أهل البصرة. راجع ترجمته في صفة الصفوة 2: 245ومجالس ثعلب 132.
(5) المسلاخ: الجلد.
(6) زبيد اليامي: هو زبيد بن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي، عابد، ورع، كان يصلّي الليل كلّه وكان علويا من ثقات رواة الحديث. مات سنة 122هـ.
(7) سورة ق، الآية: 18.(2/165)
يميل إلى طمع، بعيد الغيبة، لا يذكر أحدا إلّا بخير.
فقال الرشيد للكاتب: أكتب هذه الصفة، وادفعها لابني ينظر فيها.
50 - وعن محمد بن الحسن (1): كان أبو حنيفة واحد زمانه، لو انشقت عنه الأرض لا نشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والمواساة والورع.
51 - وعن مسعر (2): كان أبو حنيفة يقعد بعد صلاة الفجر لمذاكرة العلم إلى العشاء الآخرة، لا يحدث وضوءا ولا طعاما ولا نوما، إلّا خفقة خفيفة قبل الظهر فقلت: متى يفرغ للعبادة؟ فتعاهدته بعد العشاء الآخرة، فلما هدأ الناس انتصب في المسجد الليلة كلها، فلما كان السحر دخل منزله فتهيأ للصلاة.
52 - الشعبي: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت علقمة (3) والأسود (4).
53 - قال عون (5) لابنه: يا بني كن ممن الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.
__________
(1) محمد بن الحسن: هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولاء، أصله من قرية حرسته فى غوطة دمشق. ولد بواسط سنة 131ونشأ بالكوفة. ولي قضاء الرقة للرشيد. ثم عزله. كان فصيحا له كتب كثيرة في الفقه والأصول توفي بالريّ سنة 189هـ. راجع ترجمته في الفهرست لابن النديم 1: 203والجواهر المضيّة 1: 42وذيل المذيّل 107.
(2) مسعر: هو مسعر بن كدام بن ظهير الهلالي العامري الرواسي، من ثقات رواة الحديث، يقال له المصحف لعظم الثقة بما يرويه. كان مرجئا يقول الشعرتوفي بمكة سنة 152هـ. راجع تهذيب التهذيب 10: 113والكواكب الدرية 168 والمعارف 211.
(3) علقمة: هو علقمة بن قيس، تقدّمت ترجمته.
(4) الأسود: هو الأسود بن يزيد. تقدّمت ترجمته.
(5) عون: هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الزاهد، من أهل الكوفة. كان خطيبا وشاعرا وراوية يقول بالإرجاء ثم رجع عنه، له أخبار مع ابن الأشعث وعمر بن عبد العزيز. مات نحو سنة 115هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 3: 55والبيان والتبيين للجاحظ 1: 178.(2/166)
54 - حج وكيع بن الجراح أربعين حجة، ورابط في عبادان أربعين ليلة، وختم بها القرآن أربعين ختمة، وتصدق بأربعين ألفا، وروى أربعة آلاف حديث، وما رؤي واضعا جنبه.
55 - كان الرشيد يصلّي كل يوم مائة ركعة حتى فارق الدنيا، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وإذا حج أحج معه مائة من الفقهاء، وإن لم يحجج أحج ثلاثمائة بالنفقة السابغة.
56 - قرة بن هبيرة (1) في يوم شعب جبلة:
أنا الغلام الأعسر ... الخير في والشر
والخير في أكثر
57 - جميع بن عمير (2): دخلت على عائشة رضي الله عنها قلت: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: فاطمة:
قلت: إنما أسألك عن الرجال، قالت: زوجها، وما يمنعه؟ فو الله إن كان لصواما قواما، ولقد سالت نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده، فردها إلى فيه.
قلت: فما حملك على ما كان؟ فأرسلت خمارها على وجهها وبكت وقالت: أمر قضي علي.
58 - أبو هريرة: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى خالد بن الوليد متدليا من هرشى (3) فقال: نعم العبد خالد.
__________
(1) قرّة بن هبيرة: هو قرّة بن هبيرة القشيري قاتل عمران بن مرّة الشيباني. راجع تاج العروس (مادة قرّ).
(2) جميع بن عمير: هو جميع بن عمير بن عفاف التيمي الكوفي. كان من الشيعة.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2: 111.
(3) هرشى: هي ثنية في طريق مكّة قريبة من الجحفة يرى منها البحر. راجع معجم البلدان 5: 397.(2/167)
59 - خرج عيسى عليه السّلام على الحواريين، وعليه العباء، وعلى وجوههم النور، فقال يا أبناء الآخرة ما تنعم المتنعمون إلّا بفضل نعمتكم.
60 - وقف عمر بن عبد العزيز على عطاء بن أبي رباح (1)، وهو أسود مفلفل الشعر، يفتي الناس في الحلال والحرام، فتمثل بقوله: تلك المكارم لا قعبان (2) من لبن.
61 - قال عبد الملك لسعيد بن المسيب: صرت أعمل الخير فلا أسرّبه، وأعمل الشر فلا أساء به، فقال: الآن تكامل فيك الموت، يعني موت القلب.
62 - بدوي دخل المدينة، فلما خرج لقيه إنسان فقال: كيف تركت الناس؟ قال بخير، وإن استطعت أن تكون مثل المنكدر (3) فافعل.
63 - ابن مسعود في عمر: ما رأيته إلّا وكأن بين عينيه ملك يسدده.
64 - أبو رائحة (4) صلّيت مع علي رضي الله عنه، حتى إذا كانت الشمس قيد رمح قلب يده ثم قال: والله رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فما رأيت اليوم أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، بين أعينهم مثل ركب المعزى، لقد باتوا سجدا وقياما، يتلون كتاب الله، يراوضون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله ما كان القوم غافلين، ثم نهض فما
__________
(1) عطاء بن أبي رباح: هو عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان القرشي بالولاء. ولد في جند اليمن سنة 27هـ ونشأ في مكّة وأدرك عدا كبيرا من الصحابة وروى عنهم حتى انتهت إليه فتوى أهل مكة. كان ثقة فقيها عالما كثير الحديث. توفي سنة 114هـ راجع ترجمته في الأعلام وفيه مصادر ترجمته.
(2) القعب: القدح الضخم الغليظ، جمع قعبان.
(3) المنكدر: هو المنكدر بن عبد الله بن الهدير. صحابي من عباد المدينة. راجع ترجمته في الإصابة 6: 143.
(4) أبو رائحة: لم نقف له على ترجمة.(2/168)
رؤي بعد ذلك كاشرا جتى ضربه ابن ملجم عدو الله.
65 - سأل المنكدر عائشة رضي الله عنها فقالت: لو كانت عندي عشرة آلاف لبعثتها إليك. فلما خرج جاءتها عشرة آلاف، فبعثتها إليه، فاشترى منها جارية بألفي درهم، فولدت له محمدا وأبا بكر وعمر فكانوا عباد المدينة.
66 - أنشد الصلصال بن الدلهمس (1) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
تخير قرينا من فعالك إنما ... قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
وإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن ... بغير الذي يرضى به الله تشغل
ولن يصحب الإنسان من قبل موته ... ومن بعده إلّا الذي كان يعمل
ألا إنما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا عندهم ثم يرحل
67 - علي كرم الله وجهه: لو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منهما مخرجا.
68 - نظر راهبان إلى الحسن البصري فقال أحدهما لصاحبه مل بنا إلى هذا الذي كأن سمته سمعت المسيح، فعدلا إليه فألفياه مفترشا لذقنه وهو يقول: يا عجبا لقوم قد أمروا بالزاد وأوذنوا بالرحيل، وأقام أولهم على آخرهم!! فيا ليت شعري ما الذي ينتظرون؟.
69 - قيل لحكيم: ما غنمت من الحكمة؟ قال: أن صرت كالقائم على الشط أنظر إلى آخرين يتكفأون بين أمواج البحر.
70 - قال الرشيد لسفيان بن عيينة حين زار فضيلا: يا سفيان إن عز التقوى لا يزحمه منكبا إمرة ولا خلافة.
71 - المخبل السعدي:
__________
(1) الصلصال بن الدلهمس: هو الصلصال بن الدلهمس بن جندلة بن الحجب بن الأغرّ بن الغضنفر بن تيم بن ربيعة بن نزار أبو الغضنفر، قال ابن حبان له صحبة.
راجع ترجمته في الإصابة 3: 252.(2/169)
إني وجدت الأمر أرشده ... تقوى الإله وشره الإثم
72 - رؤي رجل بعرفات وبيده زبيبة وهو ينادي: ألا من ضاعت له زبيبة، فقيل له أمسك، فإن هذا من الورع الذي يمقت الله عليه.
73 - قال حكيم لولده: يا بني عليك بالنسك، فإن رأى الناس منك بخلا قالوا: مقتصد لا يحب الإسراف، وإن رأوا عيا قالوا: يكره أن يتكلم فيما لا يعنيه، وإن رأوا جبنا قالوا: لا يقدم على الشبهات.
74 - نظر عمر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرّة (1)
وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
75 - كان يحيى بن خالد يقول: إذا تقرّأ (2) الشريف تواضع، فأفشى السلام، وصافح العوام، وأنصف الضعفاء، وجالس الفقراء، وعاد المرضى، وشيع الجنائز، وإذا تقرّأ الوضيع أمر بالمعروف، ووعظ الشريف، وأخذ في الحسبة (3) وأم أهل محلته، واحتد على من ردّ عليه، ورأى أن له فضيلة على كل أحد.
76 - الزهادة في الدنيا قصر الأمل، لا أكل الغليظ، ولا شرب الوشل (4)، ولا لبس السمل.
77 [شاعر]:
من يتق الله فذاك الذي ... سيق إليه المتجر الرابح
لا يجتلي الحوراء من خدرها ... إلّا امرؤ ميزانه راجح
فاسم بعينك إلى نسوة ... مهورهن العمل الصالح (5)
__________
(1) الدرّة: السوط.
(2) تقرّأ: تنسّك وتفقّه.
(3) الحسبة: مراقبة الأسعار.
(4) الوشل: الماء القليل يتحلّب من صخر أو جبل.
(5) هذه الأبيات للشاعر أبي العتاهية.(2/170)
78 - علي رضي الله عنه: واعلموا أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا بدنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبارون المتكبرون، ثم انقلبوا منها بالزاد والمتجر المربح.
وعنه: اتق الله بعض التقى وإن قلّ، واجعل بينك وبين الله سترا وإن رق.
وعنه: اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن المشاهد هو الحاكم.
وعنه: الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى: {لِكَيْلََا تَأْسَوْا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ وَلََا تَفْرَحُوا بِمََا آتََاكُمْ} (1). ومن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.
79 - داود الطائي: ما أخرج الله عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلّا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.
80 - أبو عبد الله النباجي (2): تقوى المرء أنفع للمؤمنين من دعائه لهم.
81 - أكثر الناس في الزهد بين يدي الزهري (3) فقال: الزاهد من لم يغلب الحرام صبره، ولم يمنع الحلال شكره.
82 - قال رجل للعمري (4): عظني، فأخذ حصاة من الأرض فقال:
مثل هذا من الورع يدخل قلبك خير لك من حصاة أهل الأرض.
__________
(1) سورة الحديد، الآية: 23.
(2) أبو عبد الله النباجي: هو يزيد بن سعيد النباجي نسبة إلى النباج وهي قرية في بادية البصرة. سمع مالك بن دينار وروى عنه رجاء بن محمد بن رجاء البصري.
(3) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب. تقدّمت ترجمته.
(4) العمري: هو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر. تقدّمت ترجمته.(2/171)
3 - شميط بن عجلان (1): المتّقون أكياس، أكلوا صفو رزق الدنيا، وورثوا باقي نعيم الآخرة.
84 - حماد بن سلمة (2) في سليمان بن طرخان التيمي: كنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله.
85 - الثوري: اتقوا الله فإنما هي لحظة وقد تقوّض البيت.
86 - عمر بن عبد العزيز: عبد بطى بطين يتمنى على الله منازل الصالحين.
87 - قال رجل لزهير بن نعيم: ألك حاجة؟ قال: نعم، حاجتي أن تتقي الله فو الله لئن تتقي الله أحب إليّ من أن ينقلب هذا الحائط ذهبا.
88 - التقوى زمام الأفعال الصالحة، وإمام الأفعال الرابحة.
89 - من طلب مرضاة الله فيما ينتحيه، آتاه الله التوفيق من نواحيه.
90 - جعل لنفسه من دنياه نصيبا، وصير تقواه عليها رقيبا.
91 [شاعر]:
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
92 - سفيان: أربع لا يعبأ بهن: نسك المرأة، وزهد الخصي، وتوبة الجندي، وقراءة الحدث.
93 - عيسى عليه السّلام: الزهد ثلاث: المنطق، والصمت، والنظر، فمن كان منطقه في غير ذكر الله فقد لغا، ومن كان صمته في غير تفكر فقد لها، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها.
__________
(1) شميط بن عجلان: لم نقف له على ترجمة.
(2) حماد بن سلمة: هو حماد بن سلمة بن دينار البصري. كان من رجال الحديث، إماما في العربية، فقيها حافظا. راجع ترجمته في ميزان الإعتدال 1: 277وحلية الأولياء 6: 249.(2/172)
94 - مرحبا بالذي إذا جاء جاء الخير أو غاب غاب عن كل خير أي هو غائب عن الخير جاء الخير أو غاب.
95 - بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيت قبيحا من ناسك فالفظه، وإذا رأيت حسنا من فاتك فاحفظه.
96 - علي رضي الله عنه: كانت العلماء والحكماء والأتقياء يتكاتبون بثلاثة، ليس معهن رابعة، من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أحسن ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا.
97 - وعن ابن عون (1): كان أهل الخير إذا التقوا تواصوا بثلاث، وإذا غابوا تكاتبوا بها، وذكرهن.
98 - استأذن أبو ثابت (2) مولى علي رضي الله عنه على أم سلمة (3)، فقالت: مرحبا بك يا أبا ثابت، ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطيرها؟ قال: تبع عليا، قالت: وفقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.
99 - علي رضي الله عنه: لا تقل الخيرياء، ولا تتركه حياء.
100 - كتب الثوري (4) إلى أخ له: إياك وطلب المحمدة إلى الناس وحبها، فإن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا، وهو باب غامض من الزهد لا يعرفه إلّا السماسرة (5) من العلماء.
__________
(1) ابن عون: هو عبد الله بن عون المزني. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو ثابت: لم نقف له على ترجمة.
(3) أم سلمة: هي زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدّمت ترجمتها.
(4) الثوري: هو سفيان بن حبيب الثوري. تقدّمت ترجمته.
(5) السماسرة: جمع سمسار وهو الطبّ الحاذق الماهر بعمله العالم بالأمور.(2/173)
وعنه: ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، لأن الرجل يزهد في الأموال ويسلمها إذا نوزع، وإذا نوزع في الرياسة لم يسلمها.
101 - ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح: إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم (1)، وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو.
102 - أول من سلّ سيفا في سبيل الله الزبير (2)، وذلك أنه صاح أهل مكة ليلة فقالوا: قتل محمد، فخرج متجردا ومعه سيفه صلتا، فتلقاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: مالك يا زبير؟ فقال: سمعت أنك قتلت، قال:
فما أردت أن تصنع؟ قال: أردت والله أن استعرض أهل مكة، وروي:
أخبط بسيفي من قدرت عليه، فضمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأعطاه إزارا فاستتر به، وقال: أنت حواريي، ودعا له.
103 - الأوزاعي: كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة، لا يدخل بيت ماله منها درهم، كان يتصدق بها، وباع دارا له بستمائة ألف درهم، فقيل له: يا أبا عبد الله غبنت، قال: كلا والله لتعلمن أني لم أغبن، أشهدكم أنها في سبيل الله.
104 - وجاء عمرو بن جرموز (3) بسيفه (4) إلى علي رضي الله عنه فأخذه وقال: أما والله لرب كربة وكربة فرجها صاحب هذا السيف عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) جبير بن مطعم: هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي، صحابي من كبار النسابين. توفي بالمدينة سنة 59هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1:
303 - والإصابة 1: 235.
(2) الزبير: هو الزبير بن العوّام. تقدّمت ترجمته.
(3) عمرو بن جرموز: قاتل الزبير بن العوّام. راجع الطبري وابن الأثير أحداث سنة 36.
(4) بسيفه: الضمير هنا يعود إلى الزبير.(2/174)
105 - قال عمر بن عبد العزيز لابن أبي مليكة (1): صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه ترموم (2) على أصحابنا فتغشمروا عليه (3) فقال: والله ما رأيت جلدا قط ركب على لحم، ولا لحما على عصب، ولا عصبا على عظم، مثل جلده ولحمه وعصبه، ولا رأيت نفسا بين جنبين مثل نفس ركبت بين جنبيه، ولقد قام يوما إلى الصلاة، فمر حجر من حجارة المنجنيق (4) بين لحيته وصدره، فو الله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع. إن ابن الزبير كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها ولقد كان يركع ويسجد كأنه ثوب مطروح.
106 - كلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غلمة منهم عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير وعمر بن أبي سلمة (5)، فقيل: يا رسول الله لو بايعتهم فتصيبهم بركتك ويكون لهم ذكرا، فأتي بهم، فكأنهم تلعلعوا (6)، فاقتحم ابن الزبير أولهم فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: إنه ابن أبيه.
107 - جابر بن عبد الله جاء عبد الرحمن بن عوف يوما إلى عمر رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين أغثني بنفسك وبمن حضر من
__________
(1) ابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان.
كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له. مات سنة 110هـ، ويقال: مات سنة 117هـ.
ويقال غير ذلك. راجع تهذيب التهذيب 5: 306.
(2) ترمرم على أصحابنا: رماهم بكلام السوء.
(3) تغشمروا عليه: أتوه بالباطل. والغشمرة: ركوب الإنسان رأسه في الحق والباطل لا يبالي ما يصنع.
(4) المنجنيق: آلة كانت تستعمل لقذف الحجارة.
(5) عمر بن أبي سلمة: هو عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. ربيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولد بأرض الحبشة.
تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمّه أم سلمة بعد وفاة أبيه وشهد مع الإمام عليّ الجمل وولّاه البحرين وتوفي بالمدينة سنة 82هـ. راجع ترجمته في الإصابة 4: 280.
(6) تلعلعوا: صعفوا.(2/175)
المسلمين، قال عمر: وما ذاك؟ قال: جهزت ألف بعير إلى الشام، فيها مائتا مملوك يمتارون (1) لي ما قدروا عليه من أصناف التجارات، فلما قمت الليلة أصلّي وردي (2)، حدّثت نفسي، وقدرت الإبل كأنها قدّمت، وساومني التجار بما فيها فأضعفوا لي ما كنت أتمناه، فو الله ما أدري على ما أصبحت، على قرآن أم هذيان؟ فدونكها بأحمالها وأقتابها (3) وأحلاسها (4)
ومماليكها، فاجعلها في سبيل الله فلا حاجة لي فيما يشغلني عن عبادة ربي فحزر أهل الحزر فإذا هو دية ألف رجل.
108 - هبط جبرائيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد فقال: من حملك على ظهره؟ وكان حمله طلحة (5) على ظهره حتى استقل على الصخرة، قال: طلحة، قال: أقرئه السلام، وأعلمه أني لا أراه في هول من أهوال يوم القيامة إلّا استنقذته منه. ومن هذا على البحر وهو فرس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي تعجب الملائكة من فريه؟ قال: علي بن أبي طالب، قال:
إن هذه هي المواساة، قال يا جبرائيل إنه مني وأنا منه، قال: وأنا منكما، من هذا عن يمينك؟ قال: المقداد (6)، قال: إن الله يحبّه ويأمرك بحبه، من هذا الذي بين يديك ينفي عنك؟ قال: عمار (7)، قال: بشر عمار بالجنة، حرّمت النار على عمار، ملىء عمار إيمانا إلى مشاشه (8).
__________
(1) يمتارون: يجلبون الميرة وهي الطعام الذي يذخّره الإنسان.
(2) الورد: الجزء من القرآن يقرأه أو الجزء من الليل يصلّي فيه الإنسان لربّه.
(3) القتب: الرّحل، جمع أقتاب.
(4) الحلس: كل ما يوضع على ظهر الدابة تحت السرج أو الرّحل والجمع أحلاس.
(5) طلحة: هو طلحة بن عبيد الله التميمي الصحابي الجليل. تقدّمت ترجمته.
(6) المقداد: هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي: يقال له المقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبنّاه عندما هرب إلى مكّة. وهو أول من قاتل على فرس في سبيل الله، شهد بدرا وغيرها، توفي على مقربة من المدينة سنة 32هـ.
راجع الإصابة الترجمة 8185.
(7) عمّار: هو عمّار بن ياسر. تقدّمت ترجمته.
(8) المشاشة: رأس عظم المنكب: والمشاش: الطبيعة وقيل غير ذلك راجع اللسان مادة مشش.(2/176)
109 - رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد متدليا من هرشى، فقال نعم الرجل خالد بن الوليد.
110 - مر أبوذر (1) بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وجبرائيل معه في هيئة دحية (2)
يناجيه، فلم يسلم فقال جبرائيل: هذا أبوذر لو سلم لرددنا عليه، فقال:
أو تعرفه يا جبرائيل؟ فقال: والذي بعثك بالحق لهو في ملكوت سبع السماوات أشهر منه في الأرض، قال: بم نال هذه المنزلة؟ قال: زهده في هذا الحطيم (3) الفاني.
111 - لما قدم عمر الشام وقف على طور سينا (4) فأرسل البطريق عظيما لهم، وقال انظر إلى ملك العرب، فرآه على فرس، عليه جبة صوف مرقعة، مستقبل الشمس بوجهه، ومخلاته في قربوس (5) السرج، وعمر يدخل يده فيها فيخرج فلق خبز يابس، يمسحها من التبن ويلوكها، فوصفه للبطريق فقال: لا يدي لنا بمحاربة هذا، أعطوه ما شاء.
112 - دخل علي رضي الله عنه على عمر، وهو مسجى، فقال: ما على وجه الأرض أحد أحب إليّ أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى.
113 - قال معاوية لضرار بن ضمرة الكناني (6): صف لي عليا، فاستعفى، فألح عليه، فقال: أما إذ لا بد، فإنه كان والله بعيد المدى،
__________
(1) أبوذّر: هو أبوذّر الغفاري. تقدّمت ترجمته.
(2) دحية: هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعثه صلّى الله عليه وسلّم برسالته إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. نزل دمشق وشهد اليرموك ومات نحو سنة 45هـ. راجع طبقات ابن سعد 4: 184.
(3) الحطيم: جدار حجر الكعبة وقيل ما بين الركن وزمزم والمقام.
(4) طور سينا: الطور: الجبل المشرف على نابلس، وهو أيضا جبل مطل على طبرية ولعلّه المقصود هنا.
(5) القربوس: حنو السّرج أي قسمه المقوّس المرتفع من قدّام المقعد ومن مؤخّره وهما قربوسان والجمع قرابيس.
(6) هو ضرار بن ضمرة الضبابي كما في نهج البلاغة 4: 16.(2/177)
شديد القوى، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويعاقب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقربه لنا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه لعظمه، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتملل تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه يقول: يا دنيا إلي تعرضت، أم تشوفت؟ هيهات، هيهات، غري غيري، قد بعتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلّة الزاد ووحشة الطريق.
قال: فوكفت دموع معاوية ما يملكها على لحيته، وهو يمسحها، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها، فلا ترقأ عبرتها، ولا تسكن حرتها. ثم قام فخرج.
وخرج يوما من منزله فإذا قوم جلوس، قال: من أنتم؟ قالوا نحن شيعتك، قال: سبحان الله!! ما لي لا أرى عليكم سيما (1) الشيعة؟
قالوا: وما سيما الشيعة؟ قال: عمش العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، دبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين.
114 - حذيفة (2): ما منا أحد يفتش إلّا فتش عن جائفة (3) أو نقلة (4)
__________
(1) سيما: علامة.
(2) حذيفة: هو حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(3) الجائفة: الشنار والعيب.
(4) النقلة: النميمة.(2/178)
إلّا عمر وابن عمر.
115 - عون (1): إذا زرى أحدكم على نفسه فلا يقولن ما فيّ خير، فإن فينا التوحيد والإخلاص، ولكن ليقل: خشيت أن يهلكني ما فيّ من الشر.
116 - إسماعيل بن سالم (2) عن عامر (3): ما ضربت مملوكا قط، ولا حللت حبوتي إلى شيء يتدافع الناس ينظرون إليه قط، ولا مات ميت من قرابتي عليه دين إلّا أديته عنه.
117 - كان رجل في بني إسرائيل يعمل بالمرّ (4)، فأصاب المرّ أباه فقال: لا تنفعني يدي هذه بعد هذه أبدا فقطعها، فطلبه الملك ليبعثه مع بنت له إلى بيت المقدس، وألح عليه وعزم، فاستأجل حتى قطع مذاكيره (5)، وتعالج حتى برأ، وجعلها في حق وختم عليه، واستودعه الملك، فلما انطلق بها، وكانت امرأة مترفة، لم يأمن عليها فكان ينام إلى جنبها يحميها، فلما رجع قال له: بلغني أنك تنام عندها، فما بالك؟
فأطلعه على ما في الحق، وأبلى عذره، فقال: لا أرى للقضاء غيرك، فأبي، فلم يزل به حتى استقضاه، فأحمى مسمارا فاكتحل به مخافة أن يرى من يعرفه فيحيف له، فزكاه بنو إسرائيل وجلّ في عيونهم، فقال: يا رب إن قومي زكوني بما لا أدري أزكا عندك أم لا، فإن زكا عندك فرد عليّ بصري وذكري ويدي، فردها الله عليه.
118 - محمد بن معبد (6): أرسلني عمر بن عبد العزيز مع أسارى
__________
(1) عون: هو عون بن عبد الله بن عتبة. تقدّمت ترجمته.
(2) إسماعيل بن سالم: هو إسماعيل بن سالم الأسدي. ذكره ابن حبّان في الثقات وكانت عنده أحاديث الشيعة. راجع تهذيب التهذيب 1: 301.
(3) عامر: هو عامر بن شراحيل الشعبي. تقدّمت ترجمته.
(4) المرّ: المسحاة، آلة تستعمل للنكش وتمهيد الأرض.
(5) المذاكير: قضيب المرء وخصيتاه.
(6) محمد بن معبد: لم نقف له على ترجمة.(2/179)
الروم نفدي بهم أسارى المسلمين، فدخلت يوما على قيصر، وإذا هو جالس على الأرض، قد نزل عن سريره وهو مكتئب، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: وما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح عمر (1)، ثم قال: إني لست أعجب ممّن أغلق بابه وترهب، ولكن أعجب ممن كانت الدنيا في يده وزهد فيها، إني لأحسب لو كان أحد يحيي الموتى بعد عيسى ابن مريم لأحياهم عمر.
119 - كان داود صلوات الله عليه إذا ذكر عذاب الله تخلعت أوصاله، فلا يشدّها إلّا الأسر، فإذا ذكر رحمة الله رجعت أوصاله.
120 - كان سعيد بن جبير يقول: كان أصحاب عبد الله سرج هذه القرية، يعني الكوفة.
__________
(1) عمر: أراد عمر بن عبد العزيز كان يقال له: الرجل الصالح.(2/180)
الباب الرابع والعشرون الخلق وصفاتها، وذكر الحسن والقبح، والطول والقصر، والكبر والصغر، والسمن والهزال وغير ذلك
1 - نظرت عائشة رضي الله عنها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتبسمت، فقال لها: ممّ تبسمت يا عائشة؟ فقالت: تأملت وجهك، ولو كان أبو كبير الهذلي (1) رآك ما قال ما قال، فقال عليه الصلاة والسلام: وما قال؟
فأنشدت:
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل (2)
2 - أبو بكر رضي الله عنه: لقيه راهب فقال: صف لي محمدا كأني أنظر إليه، فإني رأيت صفته في التوراة والإنجيل، فقال: لم يكن حبيبي بالطويل البائن (3) ولا بالقصير، فوق الربعة (4)، أبيض اللون مشرب (5)
بالحمرة، جعد ليس بالقطط (6)، جمته (7) إلى شحمة أذنه، صلت
__________
(1) أبو كبير الهذلي: هو عامر بن الحليس. من شعراء الحماسة في الجاهلية. قيل أدرك الإسلام وأسلم. راجع ترجمته في خزانة البغدادي 3: 472وديوان الهذليين 2:
12.
(2) العارض: السحاب.
(3) البائن: الظاهر.
(4) الربعة: الوسيط القامة.
(5) مشرب بالحمرة: ممزوج.
(6) الشعر القطط: القصير المجعّد.
(7) الجمة: الناصية.(2/181)
الجبين (1)، واضح الخد، أدعج العينين (2)، أقنى الأنف (3) مفلج الثنايا (4)، وكأن عنقه إبريق فضة، وجهه كدارة القمر، فأسلم الراهب.
3 - وكان علي عليه السّلام يقول في نعته: لم يكن بالطويل الممغط (5)، ولا بالقصير المتردّد، كان ربعة من الرجال، ولم يكن بالجعد المقطط ولا بالسبط، ولم يكن بالمطهم (6) ولا المكلثم (7)، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش (8)
والكتد (9)، ششن الكف (10) والقدمين، دقيق المسربة (11)، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا.
4 - وعن أنس: كان أزهر، ليس بالآدم ولا بالأمهق (12).
5 - وقالت أم معبد (13): رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة (14)، ولم تزره صقلة (15) وسيما قسيما (16)،
__________
(1) صلت الجبين: واضحة.
(2) الدعج: سدّة السواد والبياض في العينين.
(3) الأنف الأقنى: المرتفع.
(4) مفلّج الثنايا: منفرجها. والثنايا: أسنان مقدّم الفمّ ثنتان من فوق وثنتان من أسفل جمع ثنية.
(5) الممغط: المفرط الطول.
(6) المطّهم: السمين، وقيل: النحيف.
(7) الوجه المكلثم: القصير الحنك الناتىء الجبهة مع خفّة اللحم.
(8) المشاش: طرف عظم المنكب.
(9) الكتد: مجتمع الكتفين.
(10) الكف الششن: الغليظ.
(11) المسربة: الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرّة.
(12) الأمهق: الشديد البياض.
(13) أم معبد: هي عاتكة بنت خالد. تقدّمت ترجمتها.
(14) الثجلة: عظم البطن.
(15) الصقلة: قلّة اللحم.
(16) القسيم: الجميل الحسن.(2/182)
في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف (1)، وفي عنقه سطع (2)، وفي لحيته كثافة، أزج أقرن (3)، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأجملهم من قريب، كأنما منطقه خرزات نظم ينحدرن، فصل لا نزر ولا هذر، ربعة لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين.
6 - عن أبي عمرو بن العلاء: أن قوما حجوا في الجاهلية، فرجعوا إلى شيخ لهم فقال: ما فعل رجل رأيته بعكاظ أعسر يسرا، لا يصارع أحدا إلّا لبج به الأرض (4)، ليكونن خير الناس. يعني عمر رضي الله عنه.
7 - أراد ملك الروم أن يباهي أهل الإسلام، فوجه إلى معاوية رجلين، طويلا، وأيّدا (5)، فدعا للطويل قيس بن سعد بن عبادة (6)، فنزع قيس سراويله، ورمى بها إليه، فنالت ثندؤته (7)، فأطرق مغلوبا، فليم قيس على التبذل بنزع السراويل فقال:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عاديّ نمته ثمود
وإني من القوم اليمانين سيد ... وما الناس إلّا سيّد ومسود
وبذ جميع الناس أصلّي ومنصبي ... وجسم به أعلو الرجال مديد
__________
(1) الوطف: كثرة الشعر مع استرخاء وطول.
(2) السطع: الطول.
(3) الأزج: الدقيق الحاجبين في طول. والقرن: التقاء الحاجبين.
(4) لبج به الأرض: رماه وصرعه.
(5) الأيّد: القويّ.
(6) قيس بن سعد بن عبادة: صحابي، كان بين يدي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بمنزلة الشرطي من الأمير. صحب عليا في خلافته فاستعمله على مصر سنة 36هـ. وكان مع الحسين بن علي. هرب من معاوية سنة 58هـ. مات في المدينة سنة 60هـ راجع ترجمته في الإصابة الترجمة 7179والمحبر 155وابن العبري 185.
(7) الثندؤة للرجل: بمنزلة الثدي للمرأة جمع ثناد.(2/183)
8 - وكان سناطا (1) فكانت الأنصار تقول: لوددنا أنا اشترينا له لحية بأنصاف أموالنا. ودعا للأيد محمد بن الحنيفة فخيره بين أن يقعد فيقيمه، أو يقوم فيقعده، فغلبه في الحالتين، فالنصرفا مغلوبين.
9 - وروي أن عليا رضي الله عنه لبس درعا فاستطالها، فقبض محمد بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على الموضع الذي حده له، ثم جبذها فقطعها.
ولقد زال المقام عن مكانه، فأراد الحجاج أن يرده برجله، فصاح به محمد، ثم أخذه بيده فرده، فقيل له: انتهز الحجاج وقد قتل ابن الزبير، فقال: والله لقد كنت عزمت أن رادني (2) أن اجتذب عنقه فأقطعها.
10 - نظر رسطاليس إلى ذي وجه حسن فاستنطقه فلم يحمده، فقال: بيت حسن لو كان فيه ساكن. وقال آخر: طست (3) ذهب فيه خل.
11 - قال حكيم لشاب قبيح الوجه حسن الأدب: قد عفت محاسن أدبك مقابح وجهك، وما أنصف أدبك وجهك، ولا وجهك أدبك.
12 - أعرابي: كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن أعناقهم أباريق الفضة، وكأن حواجبهم الأهلّة.
13 - بعض السلف: جمع الله البهاء والهوج في الطويل، والكيس (4)
والدمامة في القصير، وجمع الخير فيما بين ذلك.
14 - الجماز (5):
__________
(1) السناط: الخفيف العارضين، وقيل: الذي لا لحية له.
(2) قوله: عزمت إن رادني: أي إذا راجعني.
(3) الطست: الوعاء يكون من نحاس.
(4) الكيس: العقل والظرف والفطنة. والكيّس: الظريف الفطن.
(5) الجماز: هو محمد بن عمرو بن حمّاد مولى بني تميم. كان من أصحاب النوادر.
تقدّمت ترجمته.(2/184)
لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... ما كان إلّا دون قبح الجاحظ
وإذا المرأة جلت له تمثاله ... لم تخل مقتله بها من واعظ
رجل ينوب عن الجحيم بوجهه ... وهو العمى في عين كل ملاحظ
15 - الأصمعي: رأيت بدوية من أحسن الناس وجها لها زوج قبيح، فقلت: يا هذه أترضين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: يا هذا لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رضي الله.
16 - دخل محمد بن عباد (1) على المأمون فجعل يعممه بيده، وجارية على رأسه تبتسم، فقال المأمون: مم تضحكين؟ فقال ابن عباد:
أنا أخبرك يا أمير المؤمنين، تتعجب من قبحي وأكرامك لي فقال: لا تعجبي فإن تحت هذه العمّة مجدا وكرما.
17 [شاعر]:
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعراض غير حسان
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كل مصقول الحديد يماني
18 - كان عمر بن أبي ربيعة المخزومي يساير عروة بن الزبير، فقال له: أين زين المواكب؟ يريد إبنه محمد بن عروة (2)، وكان يلقب بذلك لجماله، فقال: هو أمامك، فركض يطلبه، فقال له عروة: أو لسنا أكفاء كراما نصلح لمحادثتك؟ فقال: بلى بأبي أنت وأمي، ولكني مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان، ثم قال:
إني امرؤ مولع بالحسن أتبعه ... لا حظّ لي فيه إلّا لذة النظر
__________
(1) محمد بن عبّاد: هو محمد بن عبّاد بن حبيب المهلبي. تولّى إمارة البصرة، وكان أثيرا عند المأمون العباسي. توفي سنة 214هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد والكامل للمبّرد 2: 25.
(2) محمد بن عروة. كان يضرب المثل بحسنه. رمحته الخيل في الشام حين أطلّ من سطح على خيل الوليد فوقع فمات.(2/185)
ثم مضى عمر حتى لحقه، وجعل عروة يضحك.
19 - كانت لبابة بنت عبد الله بن عباس (1)، وكانت من أجمل النساء، عند الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (2)، وكانت تقول: ما نظرت إلى وجهي في المرآة ثم انظر إلى وجه أحد إلّا رحمته من حسن وجهي، إلّا الوليد، فإني كنت متى أنظر إلى وجهي مع وجهه، رحمت نفسي من حسن وجهه.
20 - قال رجل الأحنف: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (3)!! قال: ما ذممت مني يا ابن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة، قال: لقد عبت علي ما لم أؤامر فيه.
21 - عبد الملك بن عمير (4): قدم علينا الأحنف الكوفة، أصلع الرأس، مراكب الأسنان، أشدق (5)، مائل الذقن، ناتىء الوجنة، باخق (6) العينين، حفيف العارضين، أحنف الرجل، ولكنه إذا تكلم جلّى نفسه.
22 - المخارق اليشكري (7):
__________
(1) لبانة بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب: زوجة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
(2) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: تولى المدينة لعمّه معاوية سنة 57هـ، وعزله يزيد سنة 60هـ. توفي بالطاعون سنة 64هـ. راجع ترجمته في نسب قريش 133ومرآة الجنان 1: 142.
(3) تسمع بالمعيدي خير من أن تراه: يضرب لمن خبره خير من مرآه: أول من قاله المنذر بن ماء السماء وكان يسمع بمشقّة بن ضمرة المعيدي ويعجبه ما يبلغه عنه فلما رآه، وكان كريه المنظر، قال: ان تسمع بالمعيدي خير من أنه تراه. فأرسلها مثلا.
(4) عبد الملك بن عمير: هو عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة القرشي. ذكره ابن حبان في الثقات. ولد سنة 33هـ. وتوفي سنة 136هـ. راجع ترجمته في البيان والتبيين 1: 56وراجع تهذيب التهذيب 6: 411.
(5) الأشدق: الواسع الفم.
(6) البخق: هو خسوف العين بعد العور.
(7) المخارق اليشكري: لم نقف له على ترجمة.(2/186)
وكنت أباهي الرائحين بلمتي ... فأصبح باقي نبتها قد تقضبّا
وقد ذهبت الا شكيرا كأنه ... على ناهض لم يبرح العش ازغبا (1)
23 - خرب القهنذز (2) فبرزت جماجم، فتصدعت جمجمة منها، فانتثرت أسنانها، فوزنت سنان منها فكان وزنها أربعة أرطال، فأتي بهما ابن المبارك فجعل يقلبها ويتعجب من عظمها، وقال:
إذا ما تذكرت أجسادهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا
24 - الأوقص المخزومي (3) قاضي مكة، كان عفيفا ظريفا، فكان يقول: قالت لي أمي، وكانت عاقلة، يا بني إنك خلقت خلقة لا تصلح معها مجامعة الفتيان، لأنك لا تكون مع أحد إلّا تخطتك العيون إليه، فعليك بالدّين، فإنه يرفع الخسيسة، ويتم النقيصة. فنفعني الله بكلامها.
25 - كان المتوكل أحسن الخلفاء العباسية وجها، وأبهاهم منظرا، قال المبرد: دخلت عليه، فقال: يا بصري أرأيت أحسن وجها مني؟
قلت: ولا أسمح راحة، ثم قلت:
جهرت بحلفة لا أتقيها ... لشك في اليمين أو إرتياب
بأنك أحسن الخلفاء وجها ... وأسمح راحتين ولا أحابي
26 - طاف علي بن عبد الله بن عباس بالبيت، وقد فرع (4) الناس، كأنه راكب وهم مشاة، وثم عجوز قديمة، فقالت: من هذا الذي فرع الناس؟ فأعلمت، فقالت: لا إله إلّا الله! إن الناس ليرذلون، عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض، ويروى: أن عليا كان إلى
__________
(1) الشكير من الشعر: الخفيف الضعيف.
(2) القهندز: القلعة العتيقة. والمقصود هنا قلعة مرو.
(3) الأوقص المخزومي: هو محمد بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي المتوفي سنة 169. تقدّمت ترجمته.
(4) فرع الناس: علاهم.(2/187)
منكب عبد الله، وعبد الله إلى منكب العباس، والعباس إلى منكب عبد المطلب.
27 - كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوق الربعة، ولم يكن بالطويل المشذب (1)، وكان إذا مشى مع الطوال طالهم.
28 - اللحية الطويلة عش البراغيث.
29 - ابن عباس يرفعه: من سعادة المرء خفة عارضيه.
30 - نظر يزيد بن مزيد الشيباني إلى رجل ذي لحية عظيمة، قد تلففت على صدره، وإذا هو خاضب، قال: إنك من لحيتك لفي مؤونة! قال: أجل، ولذلك أقول:
لها درهم للدهن في كل جمعة ... وآخر للحنّاء يبتدران
ولولا نوال من يزيد بن مزيد ... لصبّح في جافاتها الجلمان (2)
31 - رأى مزبد (3) رجلا كثير شعر الوجه فقال: يا هذا، خندق على هذا الوجه كيلا يتحول رأسا.
32 - قال سليمان بن عبد الملك ليزيد بن المهلب: أكره منك ثلاثا، قال: وما هي؟ قال: طيبك يرى، وطيب الرجال توجد له ريحة ولا يرى لونه، وخفك أبيض، وحق الخف أن يخالف لونه لون الثياب، وتكثر مس لحيتك. فغيّر الطيب والخف، ولم يدع مس لحيته، وقال: ما رأيت عاقلا يلم به أمر إلّا كان معوله على لحيته.
33 - قال المنصور يوما لعبد الله بن عياش المنتوف (4): قد نغصب
__________
(1) المشذب: الطويل وليس بكثير اللحم.
(2) الجلمان: ما يجزّ به.
(3) مزبد: هو مزبد المدني. تقدّمت ترجمته.
(4) المنتوف: هو عبد الله بن عياش بن عبد الله. كان صاحب رواية للأخبار والآداب وكان في صحابة أبي جعفر المنصور. توفي سنة 158هـ. راجع تاريخ بغداد 10: 14.(2/188)
إلي صورتك ونفرت، لئن نتفت شعرة من لحيتك لأقطعن يدك، فأعفاها حتى عفت، فكان عنده يوما يحدثه بأحاديث استحسنها، فقال: سلني حاجتك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، تقطعني لحيتي أعمل بها ما أريد.
فضحك وقال: قد فعلت.
34 - أنس: عرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل من أصحابه التزويج، وكان في وجهه دمامة، فقال: إذن تجدني كاسدا، فقال: إنك عند الله لست بكاسد.
35 - عون بن عبد الله: من كان في صورة حسنة، ومنصب لا يشينه، ووسع عليه في الرزق، كان من خالصة الله.
36 - ابن عباس رفعه: من آتاه الله وجها حسنا، واسما حسنا، وجعله في موضع غير شائن له من الحسب فهو من صفوة خلقه.
37 - وعنه عليه الصلاة والسّلام: ما حسن الله خلق عبد وخلقه إلّا استحيا أن يطعم لحمه النار.
38 - يقال للجميل المليح: هو مما عمل في طراز الله.
39 - حدق رجل النظر إلى وجه الأمين، فهم به بعض الخدم، فقال بعض الحضور: لا تلمه على النظر إلى زينة الله في عباده.
40 - وكان محمد (1) وأبو عيسى (2) من ولد الرشيد يوسفي زمانهما، وكان الرشيد يقول للمأمون: با عبد الله أحب المحاسن كلها لك، حتى أنه لو أمكنني أن أجعل وجه أبي عيسى لك لفعلت.
وقال يوما لأبي عيسى، وهو صبي، ليت جمالك لعبد الله، قال:
__________
(1) محمد: هو محمد الأمين بن هارون الرشيد الخليفة العباسي. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو عيسى: هو صالح بن الرشيد أمه أم ولد بربرية. كان يحسن قول الشعر والغناء.
ولّاه المأمون الكوفة سنة 204هـ وحج بالناس سنة 207هـ. توفي سنة 209وصلّى عليه المأمون.(2/189)
على أن حظه منك لي، فعجب من جوابه وضمه إليه.
41 [شاعر]:
ولو أنه في عهد يوسف قطعت ... قلوب رجال لا أكف نساء
42 - كثير (1):
ولو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها
43 - آخر:
للحسن في وجناته بدع ... ما أن يمل الدرس قارئها
44 - قيل لرجل من العرب: ما الجمال؟ قال: غؤور العينين، وإشراف الحاجبين، ورحب الأشداق، وبعد الصوت.
45 - كان مصعب بن الزبير، وكان من أجمل الرجال، جالسا بفنائه بالبصرة، فوقفت امرأة تنظر إليه، فقال: ما وقوفك عافاك الله؟ قالت:
طفىء مصباحنا فجئنا نقتبس من وجهك مصباحا.
46 - أراد كاتب أن يكتب جوازا لرجل وحش الصورة، فلم يقدر على تحليته لفرط دمامته، فكتب: يأتيك بهذا الجواز آية من آيات الله وندره، فدعه يذهب إلى نار الله وسقره (2).
47 - قال بعض الخلفاء: عرفت أن في وجه بختيشوع (3) قردية، فقال نديم له: الغلط من غيرك يا أمير المؤمنين، بل في وجه القرد بختيشوعية.
__________
(1) كثيّر: هو كثيّر عزّة. تقدّمت ترجمته.
(2) سقر: اسم جهنّم.
(3) بختيشوع: هو بختيشوع بن يوحنا بن بختيشوع الطبيب. خدم المقتدر العباسي والراضي. وكان طبيبا بارعا. توفي ببغداد سنة 329هـ.
راجع عيون الأنباء 2: 169.(2/190)
48 - قال رجل لمنصور بن الحسين الحلاج: إن كنت صادقا فيما تدعيه فامسخني قردا، فقال: لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغا منه.
49 - ابن الرومي في أبي الصقر (1):
له محيا جميل يستدل به ... على جميل وللبطنان ظهران
وقل من ضمنت خيرا طويته ... إلّا وفي وجهه للخير عنوان
50 - مر أبو الأسود الدؤلي بمجلس لبني قشير (2) فقال بعض فتيانهم:
كأن وجهه وجه عجوز قد راحت إلى أهلها بطلاقها.
51 - الجاحظ: ما خجلتني إلّا امرأة، حملتني إلى صانع فقالت: مثل هذا، فبقيت مبهوتا، فسألت الصائغ فقال: هي امرأة استعملتني صورة شيطان، فقلت: لا أدري كيف أصوره، قأتت بك فقالت مثله.
وقرع قوم عليه الباب، فخرج غلامه، فسألوه ما يصنع، فقال: هو ذا يكذب على الله، قيل كيف؟ قال: نظر في المرآة فقال: الحمد لله الذي خلقني فأحسن صورتي.
52 - كان يقال في الطويل البهاء، وفي القصير الكيس، وفي الربعة الخير كله.
53 - حج مخنث فرأى رجلا قبيح الوجه يستغفر، فقال: يا حبيبي ما أرى لك أن تبخل بهذا الوجه على جهنم.
54 - قال رجل للجماز (3): خرج بي دمل في أقبح موضع، قال:
كذبت، هوذا أرى وجهك ليس فيه شيء.
__________
(1) أبو الصقر: هو الوزير إسماعيل بن بلبل. تقدّمت ترجمته.
(2) بنو قشير: قبيلة من هوازن.
(3) الجماز: هو محمد بن عمرو البصري. تقدّمت ترجمته.(2/191)
55 - قالت امرأة بشار له: لو رأيت وجهك لائتزرت عليه كما تأتزر على عورتك.
56 - خرج رجل قبيح الوجه إلى اليمن فقال:
لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا
فيا شقاء بلدة ... أحسن من فيها أنا
57 - محمد بن ياقوت (1):
كتاب إلى الحسن توقيعه ... من الله في خده قد نزل
58 - آخر:
وكأن بهجته اكتست ... حسن الإقالة للذنوب
59 - العتبي (2): سرح المهدي لحيته وقبض عليها، فكأنه استصغرها، فأحس به أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين، إن لحيتك لجميلة أصيلة، لم تطل فتستسمج، ولم تصغر فتستقبح، بل خرجت بمقدار من صانع أحكم صنعتها، وأحسن نباتها، فمن رأى صاحبها أفلح. ومن طلب إلى حاملها أنجح، ثم قال:
لا تعجبن بلحية ... كث منابتها طويلة
يهوى بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب الحسيلة (3)
قد يرزق الشرف الفتى ... يوما ولحيته قليلة
فأعجب بكلامه ووصله.
60 - قال المنصور لا بن عياش المنتوف (4): لو تركت لحيتك، أما
__________
(1) محمد بن ياقوت: لم نقف له على ترجمة.
(2) العتبي: هو محمد بن عبد الله العتبي الإخباري. تقدّمت ترجمته.
(3) الحسيلة: واحد الحسيل أولاد البقر الأهلي.
(4) ابن عياش المنتوف: هو عبد الله بن عياش بن عبد الله. تقدّمت ترجمته.(2/192)
ترى عبد الله بن الربيع (1) ما أحسنه!! قال: يا أمير المؤمنين، والله لأنا أحسن منه، قال: يا سبحان الله وتحلف أيضا!! قال: إن لم تصدقني فاحلق لحيته، وأقمه إلى جانبي فانظر أينا أحسن.
61 - باع ولد للحسن اسمه عبد الله، وكان طويل اللحية، فرسا فاستغلاه المشتري، فوضع عنه الحسن مائة درهم، فقال عبد الله: هو يسألني أن أضع عنه خمسة أو عشرة، وأنت تضع عنه مائة!! فقال: يا بني إن كان الناس يعطون أجورهم على قدر لحاهم، فقد أعطيت منها حظا.
أراد استحماقة في رده عليه، واستكثاره المائة.
62 - عبيد الله بن إسحاق بن سلام المكاري (2):
وتكيد ربك في مغارس لحية ... الله يزرعها وكفك تحصد
تأبى السجود لمن يراك تمردا ... وترى العبيد الأرذلين فتسجد
63 - كان يقال: من تزوج امرأة، واتخذ جارية، فليستحسن شعرها، فإن الشعر الحسن أحد الوجهين.
64 - وكان ابن شبرمة (3) يقول: ما رأيت على رجل لباسا أحسن من فصاحة، ولا رأيت على امرأة لباسا أحسن من شعر.
65 - وعن عمر رضي الله عنه: إذا تمّ بياض المرأة مع حسن شعرها فقد تمّ حسنها، والعجيزة الوجه الثاني.
__________
(1) عبد الله بن الربيع: هو عبد الله بن الربيع بن عبيد الله بن عبد الله بن الربيع بن زياد الحارثي المداني، من أخوال أبي العباس السفّاح. ولّاه المنصور المدينة سنة 145هـ. عاش إلى أيام المهدي. راجع الطبري.
(2) عبيد الله بن إسحاق بن سلام المكاري: لم نقف له على ترجمة.
(3) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة القاضي الفقيه المتوفي سنة 144. تقدّمت ترجمته.(2/193)
66 - سأل المتوكل امرأته ريطة بنت العباس (1) أن تطم (2) شعرها وتتشبه بالمماليك، فأبت، فخيرها بين ذلك وبين الفراق، فاختارت الفراق، فطلقها. كان طم الشعر عندها أكبر الطامتين (3).
67 - طخيم بن عبد الله الأسدي (4) ... ، حلق شعره شرطي الكوفة
فقال:
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلط ... إذا أكّد الإيمان بالله برت
لقد حلقوا منها غدافا كأنه ... عناقيد كرم اينعت فاسبكرت
تظل العذارى حيث تحلق لمتي ... على عجل يلقطنها حيث خرت
68 - كان يزيد بن الطثرية (5) غزلا، ذا جمة فينانة (6)، وكان ثور أخوه كثير المال، فكان يأتي العطار فيقول: ادهني دهنة من إبل ثور، فأهلك مال أخيه، فاستعدى عليه السلطان، فأمره بحلق رأسه، فقال:
أقول لثور وهو يحلق لمتي ... بعقفاء مردود عليّ نصابها
ألا ربما يا ثور فرّق بينها ... أنامل رخصات حديث خضابها
فجاء بها ثور ترف كأنها ... سلاسل درع لينها وانسكابها
ورحت برأس كالصخيرة أشرفت ... عليها عقاب ثم طارت عقابها
69 - رأى فيلسوف سمينا فقال: ما أكثر عنايتك برفع سور حبستك.
__________
(1) ريطة بنت العباس: هي ريطة بنت العباس بن المأمون بن هارون الرشيد.
(2) طمّت شعرها: جزّته.
(3) الطامة: المصيبة.
(4) طخيم بن عبد الله الأسدي: ذكره صاحب الأغاني وقال: شرب طخيم الأسدي بالحيرة فأخذه العباس بن معبد المري وكان على شرط يوسف بن عمر فحلق رأسه فقال (وذكر الأبيات).
(5) يزيد بن الطثرية. والطثرية أمّه. كان شاعرا مطبوعا من شعراء الدولة الأموية. توفي سنة 126هـ. تقدّمت ترجمته.
(6) الجمة الفينانة: الناصية الكثيفة الطويلة. والفينان: الكثير الشعر.(2/194)
70 - رأى عمر رضي الله عنه رجلا يأنح (1) ببطنه من السمن، فقال: ما هذا؟ قال: بركة من الله، قال: بل هو عذاب يعذبك الله به.
71 - الربيع بن سليمان (2): سمعت الشافعي رحمه الله يقول: ما رأيت سمينا عاقلا إلّا محمد بن الحسن (3).
72 - الحسن: ترى أحدهم أبيض بضا، يملخ في الباطل ملخا (4)، ينفض مذرويه (5)، ويضرب أسدريه (6)، يقول: ها أنذا فاعرفوني، قد عرّفناك، فمقتك الله ومقتك الصالحون.
73 [شاعر]:
لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن ... لكنني أعشق السمر المهازيلا
إني امرؤ أركب المهر المضمر في ... يوم الرهان فدعني واركب الفيلا
74 - الشعبي في وفادته على عبد الملك: لما دخلت عليه صعّد فيّ البصر ثم صوبه، وقال: يا شعبي إني لأراك ضئيلا. قلت أصلح الله أمير المؤمنين، إني زوحمت في الرحم، وكان الشعبي توأما، فقال: لئن لطف المنظر فقد عظم المخبر.
75 - دخل الحسن في يوم صائف على الحجاج، وهو في بيت فيه
__________
(1) يأنح: يتنفّس بأنين من ثقل مرض أو تعب.
(2) الربيع بن سليمان: هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، صاحب الإمام الشافعي وراوي كتبه عنه، ولد بمصر سنة 174هـ وتوفي فيها سنة 270هـ.
وكان من رواة الحديث. راجع ترجمته في وفيات الأعيان 1: 183.
(3) محمد بن الحسن: هو محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة. تقدّمت ترجمته.
(4) يملخ في الباطل: يكثر فيه ويتمادى.
(5) ينفض مذرويه: أي يتهدّد. والمذروان هما المنكبان. وقيل هما اللحمتان اللتان في أعلى الفخذين.
(6) يضرب أسدريه: أي يتهدّر وهو فارغ لا يعتمد على شيء. والأسدران: المنكبان.(2/195)
الثلج والخلاف (1)، فقال له: اخلع قميصك، فجعل يعالج زره فأبطأ، فطأطأ رأسه يريد أن يتعاطاه بيده، ثم قال: يا أبا سعيد ما لي أراك منهوك الجسم، لعل ذلك من سوء ولاية، وقلّة نفقة، ألا نأمر لك بخادم لطيف، ونفقة توسع بها على نفسك! قال: إني من الله في سعة، وإني منه لفي عافية، ولكن الكبر والحر، فقال: لا والله، ولكن العلم بالله، والزهد فيما نحن فيه.
76 - قيل لأعرابي: أتعرف الجمال؟ قال: أي لعمري، قالوا: وما هو؟ قال: عظم الأنف، وسعة الشدق، وضخم القدمين والكفين.
77 - خطب رجل عظيم الأنف امرأة، فقال لها: قد علمت شرفي، وأنا كريم المعاشرة محتمل للمكاره، فقالت: ما أشك في احتمالك المكروه، مع حملك هذا الأنف منذ أربعين سنة.
78 - ابن الرقيات (2):
زعم ابن قيس وهو غير مكذب ... أن القباح بقوتهن عوال
إن القباح على الرجال رزية ... لا تنكحن قبيحة بقبال (3)
79 - سأل ابن قريعة القاضي (4) رجل عن حد القفا، يريد تخجيله، فقال: ما اشتمل عليه جربانك (5)، ومازحك فيه إخوانك، وأدبك عليه سلطانك، وباسطك فيه غلمانك، هذه حدود أربعة.
80 - كان واصل بن عطاء طويل العنق، فنظر إليه رجل يوما فقال:
__________
(1) الخلاف: نوع من شجر الصفصاف ويسمّى السوجر ينبت في أرض العرب.
(2) ابن الرقيات: هو الشاعر عبد الله بن قيس الرقيات. تقدّمت ترجمته.
(3) قبال النعل: زمامه، وهو الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
(4) ابن قريعة القاضي: هو محمد بن عبد الرحمن. وقريعة لقب جدّه. كان قاضيا من أهل بغداد. ولد سنة 302وكان مختصا بالوزير أبي محمد المهلبي توفي سنة 367هـ. راجع الوافي بالوفيات 3: 227.
(5) الجربان: جيب القميص، وطوقه.(2/196)
لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق وفيه يقول بشار:
عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... تكفرون رجالا كفروا رجلا
81 - قيل لعراقية ظريفة: ما بال شفتيك متشققة؟ فقالت: التين إذا حلا تشقق.
82 - تهمة مشاطة أم البنين: جلوت أم البنين بنت موسى بن عقال (1)
على زوجها عمرو بن الشريد (2) وكيل المهدي، وكانت النساء يتحدثن بجمالها، فعقربت (3) صدغيها، فوقع أحد الصدغين على خال في مؤخر خدها، فمدّت يدها إلى وجهها كأنها تميط عنه شيئا، فنحت صدغها، فبرز الخال كأنه هلال، تجلت عنه غمامة في ليلة مظلمة، فوثب عمرو إليها، فقبل موضع الخال، ثم دعا بكيس فيه دنانير، فوهب لي منه قبضة، ثم نثر الباقي على رأسها، وقال: يا تهمة، كتمتني أحسن شيء في وجهها، والله ما يسرني أن لي بدلا من هذا الخال وزارة أمير المؤمنين.
83 - يقال: طول الأذن دليل على طول العمر، قال:
بأغضف الأذن طويل العمر ... وأرنب الخلة تلو الدهر
84 - زعموا أن شيخا من الزنادقة قدم للقتل، فعدا إليه غلام فقال:
يا سيدي، زعمت أن من طالت أذنه طال عمره، فهوذا يقتلونك فقال:
إنما قتل لو تركوه.
85 - كانت في زمن الحسن فتاة عابدة اسمها بريرة، وكانت بكاءة، فقيل له: عظها فإنّا نخشى على عينيها، فقال لها: إن لعينيك عليك حقا فاتقي الله، فقالت: إن أكن من أهل النار فأبعد الله بصري، وإن أكن من
__________
(1) بنت موسى بن عقال: لم نقف لها على ترجمة.
(2) عمرو بن الشريد: لم نقف له على ترجمة.
(3) المعقرب: المعطوف، المعوجّ.(2/197)
أهل الجنة ليبدلني الله بهما خيرا. فبكى الحسن.
86 - إسحاق بن خلف (1) في قصير طويل اللحية:
ما شيت داود فاستضحكت من عجب ... كأنني والد يمشي بمولود
ما طول داود إلّا طول لحيته ... يظل داود فيها غير موجود
تكنه خصلة منها إذا نفخت ... ريح الشمال وجف الماء في العود
87 - الجاحظ: ما أكثر من يظن أن الصورة التي ترونها في الحدقة عند المقابلة ثابتة هناك، ويسمونها إنسان العين، وإنما هي صورتك عند نظرك فيها، كما تراها في المرأة.
88 - قالت امرأة من تغلب:
أنا إذا ما افتخرت تغلب ... منها لأناسى التي في الحداق
89 - أبو الحسن المغربي (2):
قلبي أسير في يدي مقلة ... ضيقة ضاق لها صبري
كأنها في ضيقها عروة ... ليس لها زر سوى السحر
90 - كان يقال: إذا رأيت طويلا عاقلا فاسجد له.
91 - في التوراة: إذا لم يكن القصير خبيثا فهو مسخ.
92 - نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة (3) فقال: يا هذا إني لأرى
__________
(1) إسحاق بن خلف: هو إسحاق بن خلف المعروف بابن الطبيب، طنبوري، له شعر، عاشر الشطار وسجن ومدح الملوك وتوفي سنة 240هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 10.
(2) أبو الحسن المغربي: هو علي بن الحسين المغربي الكاتب، كان من أصحاب سيف الدولة علي بن حمدان. استوزره سعد الدولة ابن سيف الدولة وأصبح من جلساء الحاكم الفاطمي. قتله الحاكم سنة 400هـ.
راجع ترجمته في الإشارة إلى من نال الوزارة 47.
(3) الكدنة: كثرة اللحم والشحم.(2/198)
عليك قطيفة من نسج أضراسك.
93 - عمر بن أبي ربيعة:
حسروا الأكمة عن سواعد فضة ... فكأنما انتضيت متون صوارم
94 - قال للقمان الحكيم سيده: اذبح لي شاة وائتني بأطيب مضغتين فيها فأتاه بالقلب واللسان، فسكت عنه ما سكت، ثم أمره بذبح شاة وقال: ألق أخبث مضغتين، فرمى بالقلب واللسان، وقال: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
95 - أبو سليمان الواسطي (1): إنما القلب بمنزلة المرآة، إذا جليت لم يمر بها شيء إلّا مثل فيها، وإذا صدئت لم يمثل فيها شيء.
96 - أبو اليمان (2) كان عندنا شيخ يزعمون أنه يعرف اسم الله الأعظم، فسألته، فقال: يا ابن أخي تعرف قلبك؟ قلت: نعم، قال: إذا رأيته قد رقّ وأقبل، فأسأل الله حاجتك، فذاك اسم الله الأعظم.
97 - رفع رجل من لحية مدني شيئا، فلم يدع له، فغضب وقال:
أما فيك ما تدعو لي بخير وقد أمطت عنك الأذى؟ قال: يا أخي لا تغضب، ما منعني أن أقول: صرف الله عنك السوء إلّا مخافة أن يصرف الله وجهك، فتبقى بلا وجه، وكان دميما.
98 - أسر سلمة بن مرّة الناموس (3) امرأ القيس بن النعمان اللخمي، وكان الناموس قصيرا مقتحما، واللخمي طويلا جسيما، فأبصرته بنت له، فقالت: أهذا القصير أسر أبي؟ فقال:
ألا زعمت بنت أمرىء القيس أنني ... قصير وقد أعيا أباها قصيرها
ورب طويل قد نزعت سلاحه ... وعانقته والخيل تدمى نحورها
__________
(1) أبو سليمان الواسطي: لم نقف له على ترجمة.
(2) أبو اليمان: هو عامر بن عبد الله ذكره الذهبي في ميزان الأعتدال 4: 581.
(3) الناموس: لم نقف له على ترجمة.(2/199)
ولو شهدتني يوم ألقيت كلكلي ... على شيخها ما اشتد مني نكيرها (1)
99 - لم يزل شقة بن ضمرة الأسدي (2) يغير على النعمان بن المنذر ينقص أطرافه، حتى عيل صبره، فبعث إليه أن لك ألف ناقة على أن تدخل في طاعتي، فوفد عليه، وكان صغير الجثة، فاقتحمته عينه فقال:
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: مهلا أيها الملك، إن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق بلسان، وإن صال صال بجنان (3)، وأنشأ يقول:
كم من قصير شديد القلب محتنك ... على العشيرد بالأفضال مشتهر
تنبو الحماليق عنه حين تبصره ... ما إن له في دهاس الأرض من أثر (4)
فإن وكلّت إليه لم يكن وكلا ... من الصلادمة المصقولة البتر (5)
يا أيها الملك المرجوّ نائله ... إني لمن معشر شمّ الذرى زهر
فلا تغرنّك الأجساد أن لنا ... أحلام عاد وإن كنا إلى القصر (6)
فكم طويل إذا أبصرت جثته ... تقول هذا غداة الروع ذو ظفر
فإن ألمّ به أمر فأفظعه ... رأيته خاذلا للأهل والزمر
فقال: صدقت، فهل لك علم بالأمور؟ فقال: إني لأنقض منها المفتول، وأبرم منها المسحول (7)، وأحيلها حتى تحول (8)، ثم أنظر فيها إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب، من لا ينظر في العواقب، قال:
فأخبرني ما السوأة السوآء، وما الداء العياء؟ قال: أما السوأة السوآء فالمرأة
__________
(1) الكلكل: الصدر.
(2) ضمرة الأسدي: لم نقف له على ترجمة.
(3) الجنان: القلب.
(4) الدهاس من الأرض: اللين.
(5) الصلادمة: جمع الصلدم: القوي، الصلب.
(6) عاد: من القبائل البائدة ومثلها ثمود.
(7) المسحول: غير المبروم من الغزل.
(8) حتى تحول: أي حتى تتحوّل.(2/200)
الصخابة الوثابة، البذية السبابة، التي تصخب من غير صخب، وتضحك من غير عجب، الكثير عيبها، المخوف غيبها، فأهلها منها في عناء، وزوجها منها في بلاء، إن كان مقلا (1) عيرته، وإن كان ذا مال غيرته، فأراح الله منها بعلها، ولا متع بها أهلها.
وأما الداء العياء فجار السوء إذا قاولته شتمك، وإن شاتمته بهتك، وإن غبت عنه سبعك، فإذا كان كذلك فخل له قرارك، وعجل منه فرارك وإن ضننت بالدار، فكن فيها كالكلب الهرار، وقر بالذل والصغار.
قال: فما العجز الظاهر والفقر الحاضر؟ قال: فأما العجز الظاهر فالرجل القليل الحيلة، اللزم للحليلة (2)، الذي يطيع قولها، ويحوم حولها، فإن غضبت ترضاها، وإن رضيت تفداها.
وأما الفقر الحاضر فالرجل الذي لا يشبع نفسه، وإن كان من ذهب حلسه (3).
قال: فانعت لي المرأة الصالحة، قال: لا ضرع (4) صغيرة، ولا عجوز كبيرة، عاشت في نعيم فأدركتها الفاقة، فخلائق كرم النعيم معها، وبؤس الفاقة فيها، خليعة مع زوجها، حصان من جارها، إذا اجتمعا كانا أهل دنيا، وإذا افترقا كانا أهل آخرة.
فتعجب من فصاحته وعقله، وقال: أنت ضمرة بن ضمرة فاقبض مالك، وأعلمنا شأنك، فإن أقمت آسيناك، وإن شخصت وصلناك، قال:
قرب الملك سناء ورفعة، فأكرمه وأعطاه الإبل، وجعله من ندمائه.
100 - قالوا: عظم الجبين يدل على البله، وعرضه على قلّة
__________
(1) المقلّ: الفقير.
(2) الحليلة: الزوجة.
(3) الجلس: ما يكون تحت سرج الدابة، وما يكون في البيت من حصير وغيره.
(4) قوله: لا ضرع: أي لا نحيفة.(2/201)
العقل، وصغره على لطف الحركة، واستدارته على الغضب. والحاجبان إذا اتصلا على استقامة دلا على تخيث واسترخاء، وإذا تزججا (1) منحدرين إلى طرف الأنف دلا على لطف وذكاء، وإذا تزججا نحو الصدغين دلا على طنز (2) واستهزاء.
والعين إذا كانت صغيرة الموق (3) دلت على سوء دخلة، وخبث شمائل، وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد، والعين المتوسطة دليل فطنة وحسن خلق ومروءة، والناتئة، على اختلاط عقل، والغائرة على حدة والتي يطول تحديقها على قحة وحمق، والتي يطول طرفها على خفة وطيش.
والشعر على الأذن يدل على جودة السمع، والأذن الكبيرة المنتصبة تدلّ على حمق وهذيان.
101 - مسلم بن الوليد:
فغطّت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع (4)
102 - كشاجم (5):
غذتها نعمة ولذيذة عيش ... فأنبت صدرها ثمر الشباب (6)
103 - الصابي (7):
__________
(1) تزجج الحاجبان: أصبحا دقيقين في طول.
(2) الطنز: الاستهزاء والسخرية.
(3) الموق: مجرى دمع العين.
(4) ثمار النحور: كناية عن النهود.
(5) كشاجم: هو محمود بن الحسين. تقدّمت ترجمته.
(6) ثمر الشباب: كناية عن النهدين.
(7) الصابي: هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الحزاني الصابي. أديب، تقلّد دواوين الرسائل والمظالم للمطيع العباسي ثم لمعزّ الدولة الديلمي. كان صلبا في دين الصابئة. ولد سنة 313هـ وتوفي سنة 384هـ. راجع ترجمته في يتيمة الدهر 2: 23والوفيات 1: 12.(2/202)
فقال شفاؤه الرمان ممّا ... تضمنه حشاه من السعير
فقلت لهم أصاب بغير قصد ... ولكن ذاك رمان الصدور
104 - السري الموصلي (1):
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها ... حقين دون مناط العقد من عاج (2)
105 - رأت عجوز طلحة (3) يوم الجمل فقالت: من هذا الذي وجهه كأنه الدينار الهرقلي، ثم رأت الزبير (4) فقالت: من هذا الذي كأنه أرقم (5) يتلمظ (6)، ثم رأت عليا فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر.
106 - بكر بن عبد الله: رحم الله امرأ كان قويا فأعمل قوته في طاعة الله، وكان ضعيفا فكف لضعفه عن معصية الله.
107 - وقال بزرجمهر: من يقو فليقو على طاعة الله، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله. قال ابن المقفع: ليجهد البلغاء أن يزيدوا في هذا حرفا.
108 [شاعر]:
تأملت أسواق العراق فلم أجد ... دكاكينها إلّا عليها المواليا
جلوسا عليها ينفضون لحاهم ... كما نفضت عجف البغال المخاليا (7)
109 - علي بن الجهم:
__________
(1) السري الموصلي: هو السري بن أحمد بن السري الكندي الموصلي، شاعر، أديب، توفي سنة 366هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الحقّ: وعاء العاج والجوهر وغبره.
(3) طلحة: هو طلحة بن عبد الله التميمي. تقدّمت ترجمته.
(4) الزبير: هو الزبير بن العوّام الأسدي. تقدّمت ترجمته.
(5) الأرقم: أخبث الحيّات.
(6) تلّمظ: أخرج لسانه بعد الأكل أو الشرب فمسح به شفتيه.
(7) عجف البغال: البغال المسنّة الهرمة.(2/203)
كنت أشتاق فما يحجزني ... عنك إلّا حاجز يحجبني
ناهد في الصدر غضبان على ... قبب البطن وطي العكن (1)
شاخصا ينظر إعجابا إلى ... غيد الجيد وحسن الذقن
يملأ الكف ولا يفضلها ... وإذا ثنّيته لا ينثني
110 - أبو جهمة الكوذي (2):
أنا أبو جهمة في جلد الأسد ... عليّ منه لبد بعد لبد
ململم الهامة مضبور الكتد (3)
111 - أجارت أم هانىء بنت أبي طالب الحارث بن هشام يوم الفتح، فدخل عليها عليّ، فأخذ السيف ليقتله، فوثبت فقبضت على يده، فلم يقدر أن يرفع قدميه من الأرض، وجعل يتفلت منها، ولا يقدر.
فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنظر إليها فتبسم، وقال: قد أجرنا من أجرت ولا تغضبي عليا فإن الله يغضب لغضبه، وقال: يا علي أغلبتك امرأة؟
فقال: يا رسول الله، ما قدرت أن أرفع قدميّ من الأرض، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: لو أن أبا طالب ولد الناس لكانوا شجعانا.
112 - أبو طلق عدي بن حنظلة التيمي (4) قال لامرأته ورآها تحتف بخيط كتان:
استعيني بقطرة من جمال ... هي خير من كل ما تصنعينا
ذاك أدنى للحسن من أن تحفي ... بخيوط الكتان منك الجبينا
__________
(1) عكن البطن: أطواؤها.
(2) أبو جهمة الكوذي: لم نقف له على ترجمة.
(3) الهامة: الرأس. ومضبور: مجموع. والكتد: مجتمع الكتفين.
(4) عديّ بن حنظلة التيمي: هو عائذ قريش. ذكره المرزباني في معجم الشعراء (ص 250) وفصّل نسبه ولم يترجم له.(2/204)
113 - أبو مطر البصري النضري (1): خرجت من باب المسجد، وعليّ إزار طويل، ربما عثرت به، وإذا بمن يناديني من خلفي: أي بني ارفع ذيلك فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربك، وخذ من شاربك إن كنت مسلما.
فنظرت فإذا هو عليّ رضي الله عنه.
114 - افتقد صالح بن كيسان عمر بن عبد العزيز في صلاة، فقال:
ما حبسك عن الصلاة؟ قال: كانت مرجّلتي (2) تسكن شعري، فقال وبلغ من حبك تسكين شعرك ما تتخلف له عن الصلاة فبلغ ذلك أباه، فأنفذ إليه من لم يكلمه حتى حلق شعره.
115 - كعب الأحبار (3): قسم الله الحسن عشرة أعشار، فأعطى آدم تسعة أعشار، ونصف العشر الباقي يوسف عليه السّلام، والنصف الآخر سائر الناس.
__________
(1) أبو مطر البصري النضري: ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 4: 574ولم يترجم له.
(2) المرجّلة: التي تسرّح الشّعر.
(3) كعب الأحبار: هو كعب بن مانع بن ذي هجن الحميري، من كبار علماء اليهود.
أسلم، وأخذ عنه الصحابة. توفي في حمص سنة 32هـ. تقدّمت ترجمته.(2/205)
الباب الخامس والعشرون الأخلاق، والعادات الحسنة والقبيحة، والغضب والرفق، والعنف والرقة، والقسوة، وخفة الروح، والثقل
1 - إبراهيم بن العباس (1): والله لو وزنت كلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمحاسن الناس لرجحت، وهي قوله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.
وعنه عليه السّلام: حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الملك، والملك يجره إلى الخير، والخير يجره إلى الجنة. وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان، والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار.
2 - الحسن بن علي (2): يرفعه: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وإنه ليكتب جبارا وما يملك إلا أهله.
3 - الأشعري (3): بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي وامرأة بين يديه،
__________
(1) إبراهيم بن العباس: هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول، كاتب العراق في عصره. ولد سنة 176هـ ومات بسامراء سنة 243هـ.
(2) الحسن بن علي: هو الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد، خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم، وثاني الأئمّة الإثني عشر عند الإمامية. ولد في المدينة المنورة سنة 3هـ وتوفي سنة 50هـ.
(3) الأشعري: هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار، أبو موسى الأشعري. صحابي من الولاة الفاتحين. ولد في زبيد باليمن، وتوفي سنة 44هـ، وفي سنة وفاته خلاف.(2/207)
فقلت: الطريق لرسول الله! فقالت: الطريق معترض، إن شاء أخذ يمينا، وإن شاء أخذ شمالا. فقال عليه السّلام: دعوها فإنها جبارة.
4 - بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب، والسيء الخلق أجنبي عند أهله.
5 [شاعر]:
إذا رام التخلق جاذبته ... خلائقه إلى الطبع القديم
6 - الأحنف (1): ألا أخبركم بالمحمدة بلا مرزئة، الخلق السجيح (2)
والكف عن القبيح، ألا أخبركم بأدوأ الداء: الخلق الدنيء واللسان البذيء.
7 - عنه عليه السّلام: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن.
8 - عبد الله بن عمرو (3): ثلاثة من قريش أحسن قريش أخلاقا، وأصبحها وجوها، وأشدها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم بحق أو باطل لم يكذبوك: أبوبكر الصديق أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان ابن عفان.
9 - ابن عباس: ورد علينا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة واليا، وكأن وجهه ورقة من ورق المصاحف، فوالله ما ترك فينا عانيا (4) إلا فكّه، ولا غريما إلا أدى عنه، ينظر إلينا بعين أرق من الماء، ويكلمنا
__________
(1) الأحنف: هو الأحنف بن قيس السعدي. ولد سنة ثلاثة قبل الهجرة، وشهد صفين مع الإمام علي، وتوفي بالكوفة سنة 72هـ.
(2) الخلق السجيح: اللطيف، الحسن.
(3) عبد الله بن عمرو: هو عبد الله بن عمرو بن العاص. صحابي. شهد صفين مع معاوية، وعمي آخر أيامه، توفي سنة 65هـ.
(4) العاني: الأسير.(2/208)
بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهدا لو كان من معاوية لذكرته به، تغدينا عنده يوما، فأقبل الخباز بالصحفة فعثر بالوسادة فندرت (1)
الصفحة من يده، فوالله ما ردّها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثل الغلام قائما ما معه من روحه إلا ما يقيم رجله، فقام فدخل فغير ثيابه، وأقبل إلينا تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخباز فقال: يا بائس! ما أرانا إلا قد روعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه الله تعالى.
10 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف (2)، ان قيد إنقاد، وأن أنيخ على صخرة استناخ.
11 - أبو رجاء العطاردي (3): من سره أن يكون مؤمنا ثبتا فليكن أذل من قعود (4) كل من مر به أرغاه.
12 - فضيل (5): لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إليّ من أن يصحبني عابد سيء الخلق. إن الفاسق إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه، والعابد إذا ساء خلقه ثقل عليهم ومقتوه.
13 [شاعر]:
كم عزيز أذله خرقه ... وذليل أعزه خلقه
__________
(1) ندرت الصحيفة من يده: سقطت.
(2) الجمل الأنف: الذي لا يمتنع على قائده في شيء.
(3) أبو رجاء العطاردي: هو عمران بن ملحان. أدرك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره. أسلم بعد الفتح قيل: عمر طويلا حتى بلغ 127سنة ومات قبل الحسن البصري. ومات الحسن سنة 110هـ.
راجع ترجمته في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب 8: 140.
(4) القعود من الإبل: ما يتّخذه الراعي في كل حاجة جمع أقعدة وقعد، وقعدان.
(5) فضيل: هو فضيل بن عياض العابد الصالح. ولد في سمرقند سنة 105هـ وتوفي بمكة سنة 187هـ.(2/209)
14 - العتابي (1):
وكم نعمة آتاكها الله جزلة ... مبرأة من كل شيء يذيمها
فسلطت أخلاقا عليها ذميمة ... تعاورنها حتى تفرى أديمها (2)
ولوعا وإشفاقا ونطقا من الخنا ... بعوراء يجري في الرجال نميمها (3)
وكنت امرأ لو شئت أن تبلغ المدى ... بلغت بأدنى نعمة تستديمها
ولكن فطام النفس أثقل محملا ... من الصخرة الصماء حين ترومها
15 - أخلاق الملوك مثل في التلون، قال:
ويوم كأخلاق الملوك ملون ... فصحو وتغييم وطل ووابل (4)
أشبهه إياك يا من صفاته ... دنو وإعراض ومنع ونائل (5)
16 - ابن همام السلولي (6):
أقرب الأشياء من أخلاقه ... كل لون لونت قوس قزح
17 - صالح بن عبد القدوس (7):
__________
(1) العتابي: هو كلثوم بن عمرو التغلبي العتابي. شاعر، مجيد، مدح هارون الرشيد ورمي بالزندقة. حظي لدى البرامكة. توفي سنة 220هـ. راجع فوات الوفيات 2:
139.
(2) تعاورنها: تداولنها.
(3) الخنا: الفحش في القول.
(4) الطل: الندى. والوابل: المطر الشديد.
(5) النائل: العطاء.
(6) ابن همام السلولي: هو عبد الله بن همام بن نبيشة بن رياح السلولي. شاعر إسلامي. كان يقال له العطّار لحسن شعره. مات نحو سنة 100هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 348وديوان الحماسة 2: 9.
(7) صالح بن عبد القدوس: كان شاعرا حكيما متكلما، له مع أبي الهذيل العلّاف مناظرات. اتّهم بالزندقة فقتله المهدي العباسي ببغداد نحو سنة 160هـ.
راجع ترجمته في فوات الوفيات 1: 191ونكت الهميان 171.(2/210)
قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجبا ... يد تشج وأخرى منك تأسوني
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل عنك تأتيني
هذان شيئان شتىّ بون بينهما ... فاكفف لسانك عن شتمي وتزييني
18 - لألف لجوج جموح (1) خير من واحد متلون.
19 - يشبه المتلون بأبي براقش (2) وأبي قلمون، فأبوا براقش طائر منقط بألوان النقوش يتلون في اليوم ألوانا، قال:
أن يغدروا أو يجنبوا أو ... يبسخوا لا يحلفوا
وغدوا عليك مرجلين ... أنهم لم يفعلوا
كأبي براقش كل لو ... ن لونة يتخيل
وأبو قلمون ضرب من ثياب حرير ينسج بالروم ومصر يتلون ألوانا قال:
أنا أبو قلمون ... من كل لون أكون
20 - وقال أبوبكر الخوارزمي (3):
والله لا فارقت كفي قفاه ولم ... ينسج أبو قلمون في نواحيه
__________
(1) الجموح: الأشر الذي ركب هواه.
(2) أبو براقش: طائر صغير أعلى ريشه أغبر وأوسطه أحمر وأسفله أسود فإذا انتفش تغيّر ألوانا شتّى، يشبه به الرجل المتلّون.
(3) أبوبكر الخوارزمي: هو محمد بن العباس الخوارزمي المتوفّى سنة 383هـ. تقدّمت ترجمته.(2/211)
21 - ويقال للطائش الذي لا ثبات له أبو رياح، تشبيها بتمثال فارس من نحاس بمدينة حمص، على عمود حديد فوق قبة بباب الجامع يدور مع الريح، ويمناه ممدودة، وأصابعها مضمومة إلا السبابة، إذا أشكل عليهم مهب الريح عرفوه به، فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه. والذي يعمل الصبيان من قرطاس على خشبه يسمى أبا رياح أيضا.
22 [شاعر]:
سريع العلوق إذا ما اشتهى ... سريع النزوع إذا ما علق
فبينا يرى عاشقا إذ صحا ... وبينا يرى صاحيا إذ عشق
23 - له خلق خلق وشأن شائن، وشيمة مشؤومة، وخيم (1)
وخيم (2).
24 - أبى الله لسيء الخلق التوبة، لأنه لا يخرج من ذنب إلا دخل في آخر لسوء خلقه.
25 - النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة يعذرون بسوء الخلق: المريض، والصائم، والمسافر.
26 - أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون، فإذا رسول الله قبض قفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: أنيس إذهب حيث أمرتك، والله لقد خدمته تسع سنين، وروي عشر سنين، ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت.
27 - أبو هريرة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس معنا في المجلس
__________
(1) الخيم: السّجيّة.
(2) الوخيم: الثقيل.(2/212)
ويحدثنا، فإذا قام قمنا قياما واحدا حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يوما، فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه (1) بردائه فحمر رقبته، وكان رداؤه خشنا، فالتفت فقال له الأعرابي: احملني على بعيريّ هذين فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك. فقال: لا واستغفر الله، لا واستغفر الله، لا واستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لأقيدكها، ثم دعا رجلا فقال له احمل له بعيريه هذين، على بعير شعيرا وعلى الآخر تمرا.
28 - جعل عمرو بن الأهتم لرجل ألف درهم على أن يسفّه الأحنف قلم يأل في شتمه والأحنف مطرق صامت، فأقبل يعض إبهاميه ويقول:
والله ما يمنعه من جوابي إلا هواني عليه، إلى أن أراد القيام إلى الغداء، فقال له: إن غداءنا قد حضر فانهض بنا إليه إن شئت، فإنك منذ اليوم تحدو بجمل ثقال (2).
29 - جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه، ولم تكن بمنصب (3) مرض، فأتاه وهو بمصر أمير عليها، فقال:
أردت أن أعرف أم الأمير، فقال: نعم، كانت امرأة من عنزة ثم بني عجلان تسمى ليلى وتلقب النابغة، اذهب فخذ فاجعل لك.
30 - وقال رجل لآخر: لو قلت واحدة لسمعت عشرا، فقال: لو قلت عشرا لما سمعت واحدة.
31 - سب رجل رجلا فلم يلتفت إليه، فقال له: إياك أعني، قال:
وعنك أعرض.
__________
(1) جبذه: جذبه.
(2) الجمل الثقال: البطيء الثقيل.
(3) المنصب: الأصل، وأم عمرو كانت سبية وقعت في سهم الفاكه بن المغيرة فبيعت بسوق عكاظ فاشتراها عبد الله بن جدعان للعاص بن سهم.(2/213)
32 - قال شامي: دخلت المدينة فرأيت رجلا على بغلة، لم أر أحسن لباسا منه ولا أفره مركبا (1)، فسألت عنه فقيل الحسن بن علي (2)، فأمتلأت له بغضا، فدنوت منه فقلت: أأنت ابن أبي طالب؟ قال: أنا ابن ابنه، قلت: فبك وبأبيك أسبهما، قال: أحسبك غريبا، قلت: أجل، قال: إن عندنا منزلا واسعا ومعونة على الحاجة ومالا نواسي به، فانطلقت وما على وجه الأرض أحب إليّ منه.
33 - سمّعت (3) ببعض الحكماء امرأة وهو صامت، فاشتد غيظها من سكوته، فصبت عليه غسالة الثياب على رأسه وعلى كتاب نفيس في يده، فرفع رأسه وقال: رأيتك من زمان تبرقين وترعدين حتى أمطرت الساعة.
34 - الحسن: إن أفضل رداء تردي به الحلم، وهو والله أحسن عليك من برد الحبر (4). وفيه نظر أبو تمام حيث قال:
رفيق حواشي الحلم لو أنّ حلمه ... بكفيك ما ماريت في أنه برد
وبهذا يلجم الغاض منه. كما وصفه المسيب بن علي (5) بالعذوبة والطيب قال:
وكالشهد بالراح أحلامهم ... وأحلامهم منهما أعذب
وكالمسك ترب مقاماتهم ... وترب قبورهم أطيب
__________
(1) قوله: أفره مركبا: أي أنشط دابّة.
(2) الحسن بن عليّ: هو الحسن بن علي بن أبي طالب.
(3) سمّعت امرأة ببعض الحكماء: أي فضحتهم وشهّرت بهم وقالت عنهم قولا لا يحمد.
(4) الحبر والحبير من الثياب: الناعم الجديد الموشّى. والحبرة: ضرب من برود اليمن.
(5) المسيب بن علي: هو المسيب بن علس بن مالك بن عمرو بن تمامة بن ربيعة بن نزار. شاعر جاهلي هو خال الأعشى ميمون بن قيس وكان الأعشى راويته. راجع ترجمته في جمهرة أشعار العرب 111وجمهرة الأنساب 275.(2/214)
وليس يلازم إذا شبّه الحلم في رجاحته بالجبل أن لا يشبه في حسنه بالبرد المحبر، وفي طيبه بالشهد مع الراح.
35 [شاعر]:
وإذا الجهول طمت به غلواؤه ... فاجعل له الحلم الرصين لجاما
36 - الحليم فدام السفيه (1):
37 - علي عليه السّلام: أول غرض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.
38 - أغضب زيد بن جبلة (2) الأحنف فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصيا (3) فقيل له: أين الحلم؟ قال: لو كان دوني أو مثلي لحلمت ورأوه يدق الرماح في الصدور في بعض أيام صفين، فقيل له: أين خلفت الحلم يا أبا بحر؟ قال: عند عقد الحبي (4).
39 - الحليم سليم، والسفيه كليم (5).
40 - ما تقلد امرؤ قلادة أحسن من حلم.
41 - الأحنف: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال.
42 - مسكين الدارمي (6):
__________
(1) الفدام: مصفاة صغيرة أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفّى بها ما فيه. والفدام أيضا: ما يوضع على فم البعير لمنعه من العضّ.
(2) زيد بن جبلة: هو زيد بن جبلة بن مرداس السعدي. كان أحد رؤساء وفد تميم إلى عمر. ولّاه عبد الله بن عامر الشرطة في البصرة. له ذكر في وقعة صفّين سنة 37هـ.
راجع ترجمته في الإصابة والبيان والتبيين.
(3) تناصيا: أخذ كل واحد منهما بناصية الاخر. والناصية: شعر مقدّم الرأس.
(4) احتبى بالثوب: اشتمل به. والحيوة: ما يحتبى به أي يشتمل به من ثوب أو عمامة.
(5) الكليم: المجروح.
(6) مسكين الدارمي: هو ربيعة بن عمرو بن أنيف بن شريح. كان شاعرا معاصرا للفرزدق، متصلا بزياد بن أبيه، له أخبار مع معاوية. مات سنة 89هـ. راجع ترجمته في تهذيب ابن عساكر 5: 300وإرشاد الأريب 4: 204.(2/215)
وعوراء من قيل امرىء قد رددتها ... بسالمة العينين طالبة عذرا
ولو أنني إذا قالها قلت مثلها ... أو أكبر منها أورثت بيننا غمرا (1)
فأعرضت عنه وانتظرت به غدا ... لعل غدا يبدي لناظره أجرا
لأنزع ضبا جاثما في فؤاده ... وأقلم أظفارا أطال بها حفرا (2)
43 - جاء الأحنف إلى باب بعض الأمراء فجلس ينتظر الإذن، فمرت به سقاءة فقالت: يا شيخ احفظ علي قربتي حتى أعود: فخرج الآذن بالإذن، فقال: إن معي وديعة، ولم يزل قاعدا حتى جاءت السقاءة.
وعنه: ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم (3)، فقال له رجل:
أنت أعز العرب، قال: الناس يرون الحلم ذلا.
44 - انتهى الشعبي إلى قوم في المسجد يذكرونه، فأخذ بعضادتي (4)
الباب وأنشد:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
وشتمه رجل فقال: إن كنت كاذبا فغفر الله لك، وإن كنت صادقا فغفر الله لي.
45 - محمد بن عجلان (5): ما شيء أشد على الشيطان من عالم معه حلم، ان تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم، يقول الشيطان إن
__________
(1) الغمر: الحقد والضغينة.
(2) الضبّ: ورم يكون في الصدر.
(3) حمر النعم: هي الإبل السائمة.
(4) عضادتا الباب: خشبتاه من ناحيتيه. والعضادة من الطريق: ناحيته.
(5) محمد بن عجلان: كان عابدا ناسكا فقيها من ثقات رواة الحديث، كانت له حلقة في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان يفتي. توفي بالمدينة سنة 148هـ.
راجع ترجمته في ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 156.(2/216)
سكوته أشد عليّ من كلامه.
46 - علي رضي الله عنه: من لان عوده كثف أغصانه (1).
47 [شاعر]:
إذا كنت تبغي شيمة غير شيمة ... طبعت عليها لم تطعك الضرائب
48 - آخر:
أصعب من نقل جبل ... نقل السجيات الأول
49 - عمر (2): ليت شعري متى أشفي غيظي؟ حين أقدر فيقال: ألا غفرت؟ أم حين أعجز فيقال: ألا صبرت؟.
50 - إبراهيم بن أدهم (3): أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فلم أجده.
51 - النبي عليه السّلام: إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترى إذا غضب حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه (4)، فمن وجد من ذاك شيئا فليلصق خده بالأرض.
52 - لقمان: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق،
__________
(1) راجع نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد 4: 337.
(2) عمر: هو عمر بن الخطاب.
(3) إبراهيم بن أدهم: هو إبراهيم بن أدهم بن منصور البلخي، زاهد توفي سنة 162.
تقدّمت ترجمته.
(4) الودج: عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة. ويقال في الجسد عرق واحد حيثما قطع مات صاحبه، وله في كل عضو اسم، فهو في العنق الودج والوريد أيضا، وفي الظهر النياط وهو عرق ممتد فيه، والأبهر وهو عرق مستبطن الصلب والقلب متصل به، والوتين في البطن، والنّسا في الفخذ، والأبجل في الرجل، والأكحل في اليد، والصافن في الساق. وجمع ودج: أوداج.(2/217)
وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
53 - ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أن سلما (1) ضربه بالسياط، فاستشاط وقال: أعليّ يجترىء سلم؟ والله لأجعلنه نكالا (2).
فأطرق جلساؤه، ثم هدأ غضبه وجعل يقرأ كتبا بين يديه، فقال ابن عياش (3)، وكان أجرأهم عليه،: يا أمير المؤمنين قد رأينا من غضبك على سلم ما شغل قلوبنا، وإن سلما لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت فلم يحتمل ذلك، وروي لنا عن جدك.
54 - عبد الله بن عباس رضي الله عنه: غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وغضب النبطي (4) في إسته (5)، فإذا خرى ذهب غضبه. فضحك المنصور وكف عن ذكر سلم.
55 - قيل لأعرابي: كيف وجدت فلانا؟ [قال]: بخير، زين الحلم، واسع العلم، إن فاخرته لم يكذب، وإن مازحته لم يغضب.
56 [راجز]:
__________
(1) سلم: هو سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي والي البصرة، وليها ليزيد بن عمر بن هبيرة في أيام مروان بن محمد ثم وليها في أيام المنصور العباسي. مات بالرّي سنة 149هـ. راجع ترجمته في عيون الأخبار 1: 260والنجوم الزاهرة 2: 11.
(2) نكل بفلان: صنع به صنيعا يحذّر غيره إذا رآه ويجعله عبرة له. والنكال: ما نكلت به غيرك.
(3) ابن عياش: هو عبد الله بن عياش بن عبد الله المعروف بالمنتوف. كان صاحب رواية للأخبار والآداب. توفي سنة 158هـ. راجع ترجمته في لسان الميزان 3: 322.
(4) النبط: جيل من الناس كانوا ينزلون القطائع بين العراقين أو سواد العراق وهم الأنباط وكان لهم في قديم الزمان دولة ومدينة.
(5) الإست: المؤخرة، الدّبر.(2/218)
أروع بسام وإن لم تعجب ... أقصى أكيليه له كالأقرب
إن يمزح القوم به لا يغضب
57 - عيسى عليه السّلام: يباعدك من غضب الله أن لا تغضب.
58 - وعن علي بن الحسين: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب.
59 - في التوراة: أذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فاصبر وأرض بنصرتي، فإن نصري لك خير من نصرتك لنفسك.
60 - بكر بن عبد الله المزني: اطفئوا الغضب بذكر جهنم.
61 - مورق العجلي (1): إنه لتأتي علي السنة ما أغضب، ووالله ما قلت في غضبي شيئا أندم عليه إذا رضيت.
62 - كان ابن عون (2) إذا غضب على إنسان وبلغ منه قال: بارك الله فيك. وكانت له ناقة كريمة عليه، فضربها الغلام فأندر عينها، فقالوا: إن غضب ابن عون فإنه يغضب اليوم، فقال للغلام: غفر الله لك.
63 - فضيل: بلغني أن لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن شفي غيظه بمعصية الله تعالى.
64 - قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي شيء أشد؟ قال: غضب الله، قال: فما يباعدني من غضب الله؟ قال: أن لا تغضب.
__________
(1) مورق العجلي: هو موّرق بن عبد الله العجلي: عابد. مات في ولاية عمر بن هبيرة على العراق بعد المائة. راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 7: 155وحلية الأولياء 2: 234.
(2) ابن عون: هو عبد الله بن عون المزني بالولاء. ولد سنة 66هـ وتوفي سنة 151هـ تقدّمت ترجمته.(2/219)
65 - أهدى مطيع بن إياس (1) إلى حماد عجرد (2) غلاما وكتب إليه:
قد بعثت إليك بغلام يتعلم عليه كظم الغيظ.
66 - أبو العتاهية:
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم ... عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب
67 - علي عليه السّلام: تجرع الغيظ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، ولا ألذ مغبة. وروي: ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ تكظمها.
68 - يقال للمغتاظ: بين جنبيه رضفة (3) تتقلى، ويقال: حرك خشاشه (4) أي أغضبه، ويقال: هرق (5) على جمرك، أي: سكن غضبك.
69 [شاعر]:
فتى إن يرض لم ينفعك شيئا ... وإن يغضب عليك فلا تبالي
70 - عبد الله بن عمرو (6): إياك وعزة الغضب فيضيرك إلى ذل الاعتذار.
__________
(1) مطيع بن إياس: شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. له أخبار مع الوليد بن يزيد، ومتّهم بالزندقة وهو صديق حماد عجرد وحماد الراوية. توفي بالبصرة سنة 166هـ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 13: 225ولسان الميزان 6: 51.
(2) حمّاد عجرد: هو حماد بن عمر بن يونس بن كليب السوائي. شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية من أهل الكوفة. نادم الوليد بن يزيد الأموي. كانت بينه وبين الشاعر بشّار أهاج فاحشة. قتل بالأهواز سنة 161هـ وقيل سنة 168هـ. ودفن إلى جانب قبر بشار بن برد. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 301ووفيات الأعيان 1: 165.
(3) الرّضف: عظام في الركبة كالأصابع المضمومة.
(4) الخشاش: الغضب.
(5) هرق الماء: صبّه.
(6) عبد الله بن عمرو: هو عبد الله بن عمرو بن العاص. تقدّمت ترجمته.(2/220)
وإذا ما عرتك في الغضب العزة فاذكر مذلة الاعتذار.
71 - يشبه الغضب الذي لا سبب له بغضب الجلاد، وقيل: ثلاث لا يعرف لهن أصل: غضب الجلاد، وفرحة القواد، وشقشقة (1) البعير الهائج.
72 - من أطاع الغضب أضاع الأدب.
73 - لقمان: إذا أردت أن تؤاخي أخا فاغضبه، فإن أنصفك وهو مغضب فآخه، وإلا فاحذره.
74 - أبو هريرة: ليس الشديد بالصرعة (2)، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
75 - ابن مسعود: كفى بالرجل إثما أن يقال له إتق له الله فيغضب ويقول: عليك بنفسك.
76 - الأحنف: قوة الحلم على الغضب أفضل من قوة الانتقام.
وقال: كنّا نعد المروءة الصبر على كظم الغيظ، ومن لم يصبر على كلمة سمع كلمات.
77 - كان علي بن بكار (3) إذا غزا لم يضحك، فقيل له: لم لا تضحك يا أبا الحسن؟ قال: إنما أغزو غضبا لله، والغضبان لا يضحك.
__________
(1) الشّقشقة: لهاة البعير ولا تكون إلّا للعربي من الإبل. وقيل: هو شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج والجمع الشقاشق. ومنه سمّي الخطباء شقاشق، شبّهوا المكثار بالبعير الكثير الهدر. وشقشق الفحل شقشقة: هدر.
(2) الصرعة: الغلاب في المصارعة.
(3) علي بن بكار: راو من ثقات رواة الحديث. كان زاهدا. سكن المصيصة مرابطا.
بكى حتى عمي. قتل شهيدا سنة 199هـ. وقيل غير ذلك في سنة وفاته. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 286.(2/221)
78 - سأل داود (1) سليمان (2) حين ترعرع عما هو أشد وقعا من الجمر فقال: البهتان عند الغضب.
79 - عروة بن محمد (3): كلمه رجل بكلام فغضب غضبا شديدا، فقام فتوضأ، ثم جاء فقال: حدثني أبي عن جدي عطية وكانت له صحبة:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
80 - عمر رضي الله عنه غضب يوما فدعا بماء فاستنشق وقال: إن الغضب من الشيطان، وهذا يذهب بالغضب.
81 - عروة بن محمد: لما استعملت على اليمن قال لي أبي:
أوليت؟ قلت: نعم، قال: فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض أسفل منك ثم أعظم خالقهما.
82 - غضب عمر بن عبد العزيز: فلما سكت غضبه فقال له ابنه عبد الملك: وأنت في الوضع الذي وضعك الله فيه، وولاك من أمر أمة محمد ما ولاك يبلغ بك الغضب ما أرى! قال: أو ما تغضب يا عبد الملك؟
قال: بلى، ولكن ما تنفع سعة بطني إذا أنا لم أرد فيه غضبي حتى يسكن.
83 - عروة بن محمد: مكتوب في الحكمة إياك وشدة الغضب فإن شدّة الغضب ممحقة (4) لفؤاد الحكيم.
__________
(1) داوود: هو داوود النبي عليه السّلام.
(2) سليمان: هو سليمان بن داوود النبي عليه السّلام.
(3) عروة بن محمد: هو عروة بن محمد بن عطية السعدي. راو له صحبة. ولّاه سليمان بن عبد الملك على اليمن وبقي عشرين سنة وخرج حين خرج ومعه سيف ومصحف. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 7: 187.
(4) ممحقة: قاتلة ومهلكة.(2/222)
84 - خيثمة (1): كانوا يقولون: إن الشيطان يقول: وكيف يفلتني ابن آدم؟ وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه، وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه.
85 - جعفر بن محمد (2): الغضب مفتاح كل شر.
الخدري (3) يرفعه: ألا أن بني آدم خلقوا على طبقات: منهم بطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء.
ألا وان خيرهم البطيء الغضب السريع الفيء، وشرهم السريع الغضب البطيء الفيء.
86 - كان يقال: اتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل.
87 - عبد الله (4): انظر إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب، وما علمك بأمانته إذا لم يطمع.
88 - سليمان بن داود لابنه: إياك وغضب الملك الظلوم فإن غضبه كغضب ملك الموت.
89 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكت غضبك فأخرجه فعاقبه على
__________
(1) خيثمة: هو خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي الكوفي. راو زاهد كان يصنع الطعام ويطعمه للقراء. أدرك عدة من أعلام الصحابة وروى عنهم. راجع ترجمته في حلية الأولياء 4: 113.
(2) جعفر بن محمد: هو جعفر الصادق، سادس الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية. ولد بالمدينة سنة 80هـ. وتوفي سنة 148هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) الخدري: هو أبو سعيد الخدري الصحابي: تقدّمت ترجمته.
(4) عبد الله: لم يتبيّن لنا حقيقة هذا الاسم الذي ينسب إليه هذا الخبر.(2/223)
قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة أسواط.
90 - كان زياد (1) إذا أغضبه رجل حبسه ثلاثة أيام ثم دعا به، فإن رأى عقوبة عاقبه، قال وإنما منعني من عقوبته أول يوم مخافة أن أكون عاقبته للغضب، وإن لم ير عليه عقوبة خلّى سبيله.
91 - حكيم: من أجاب شهوته وغضبه قاداه إلى النار.
92 - أمر عمر بن عبد العزيز غلامه بأمر فغضب، فقال له ابنه عبد الملك: ما هذا الغضب والاختلاط؟ فقال: إنك لمتحلم، قال: والله ما هو التحلم ولكنه الحلم، فقال عمر: لولا أن أكون زين لي من أمره ما يزين في عين الوالد من الولد لرأيت أنه أهل للخلافة.
93 - حاتم (2):
تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
متى ترق أضغان العشيرة بالأنى ... وكف الأذى يحسم لك الداء محسما
94 - قيل لا بن المبارك (3): أجمل لنا حسن الخلق في كلمة، قال:
ترك الغضب.
95 - المعتمر بن سليمان (4): كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه، فكتب ثلاث صحائف، فأعطى كل صحيفة رجلا، وقال للأول: إذا اشتد غضبي فقم إليّ بهذه الصحيفة، وقال للثاني: إذا سكن بعض غضبي فأعطنيها.
__________
(1) زياد: هو زياد بن أبيه. تقدمت ترجمته.
(2) حاتم: هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني. من الشعراء الفرسان في الجاهلية، وهو الذي يضرب بجوده المثل. توفي سنة 46ق. هـ.
راجع ترجمته في الشعر والشعراء 70وخزانة البغدادي 1: 444.
(3) ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك تقدّمت ترجمته.
(4) المعتمر بن سليمان: هو المعتمر بن سليمان بن طرخان. تقدّمت ترجمته.(2/224)
وقال للثالث: إذا ذهب غضبي فناولنيها وكان في الأولى: أقصر، ما أنت وهذا الغضب! لست بإله، إنما أنت بشر أوشك أن يأكل بعضك بعضا، فسكن بعض غضبه. وفي الثانية: إرحم من في الأرض يرحمك من في السماء، فسكن بعض غضبه.، وفي الثالثة: خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك. وروى أنه أنوشروان.
96 - وهب (1): قال راهب للشيطان أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم؟ قال: الحدة، إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة.
97 - أغلظ قرشي لعمر بن عبد العزيز فأطرق طويلا ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا.
98 - الحسن يرفعه: من بسط رضاه، وكف غضبه، وبذل معروفه، وأدى أمانته، ووصل رحمه، فهو في نور الله الأعظم.
99 - كان الشعبي أولع شيء بهذا البيت:
ليست الأحلام في حال الرضا ... إنما الأحلام في حال الغضب
100 - وعن المبرد أنه كتبه على ظهر. أحضر كتاب له (2) ليكون نصب عينيه.
101 - سعد بن أبي وقاص: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأناس يتجاذون مهراسا (3) فقال: أتحسبون أن الشدّة في حمل الحجارة، إنما الشدة في أن يمتلىء أحدكم غيظا ثم يغلبه.
__________
(1) وهب: هو وهب بن منبه المؤرخ الأنباري الصنعاني الذماري أبو عبد الله ولد بصنعاء سنة 34هـ. وتوفي سنة 114هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) كذا في الأصل. ولعلّ الصحيح! كتبه على ظهر كتاب أحضر له.
(3) يتجاذون مهراسا: يتبارون في رفع جرن.(2/225)
102 - معاذ بن أنس الجهني (1)، عنه عليه السّلام: من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور (2) شاء، وروي: ملأه الله أمنا وإيمانا.
103 - معاذ بن جبل (3): استب رجلا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إليّ أن أنفه يتمزع (4) من شدة غضبه، فقال: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب، فقلت:
وما هي يا رسول الله؟ قال: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم.
104 - الأحّنف: لقد مرت عليّ مائة هنة (5) كلها أطأطىء لها رأسي فتجوزني، ولو نصبت (6) لأحداهن لاصطلمتني (7).
105 - ابن السماك (8): أذنب غلام لأمرأة من قريش فأخذت السوط ومضت نحوه حتى إذا قاربته رمت بالسوط وقالت: ما تركت التقوى أحدا يشفي غيظه.
106 - الشعبي: الجهل خصم، والحلم حاكم. ولم يعرف قدر الأبهة من لم يجرعه الحلم غصص الغيظ.
107 - سقراط: لا تسوطن النار بالسكين، أي لا تهيج الغضبان.
__________
(1) معاذ بن أنس الجهني: صحابي، له رواية. كان بمصر والشام، وبقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان وغزا الصائفة في أيامه. راجع ترجمته في الإصابة 8031.
(2) الحور: كناية عن النساء. قيل للنساء حور العين لأنهنّ شبهن بالظباء.
(3) معاذ بن جبل: صحابي جليل أحد الستة الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم توفي سنة 81هـ. تقدّمت ترجمته.
(4) يتمزّع: يتقطّع ويتشقّق.
(5) الهنة: الشيء. وهنا الأمر الصعب.
(6) نصبت: تعبت واستسلمت.
(7) اصطلمتني: أهلكتني. والإصطلام: القطع من الأصل.
(8) ابن السمّاك: هو محمد بن صبيح بن السماك الزاهد الراوية. وعظ الرشيد مرّة فغشي عليه. توفي سنة 183هـ. تقدّمت ترجمته.(2/226)
108 - إذا غضب الرجل فليستلق، وإذا أعيا فليرفع رجليه.
109 - شتم رجل رجلا فسكت، فقيل له، فقال: أرأيت أن نبحك كلب أتنبحه؟ وإن رمحك (1) حمار أترمحه؟.
110 - رسطاليس: سوء العادة كموج لا يؤمن وثوبه.
111 - العادات قاهرات، فمن اعتاد شيئا في سره فضحه في علانيته.
112 - تكذب رجل من آل الحارث بن ظالم (2) فقال: والله لقد بلغني أن الحارث غضب يوما فانتفخ في ثوبه، فندر من عنقه أربعة أزرار فقأت أربع أعين من عيون جلسائه.
113 - قال أبوذر (3) لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟
قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعن مع الغيظ أجرا، أنت حر لوجه الله تعالى.
114 [قالوا]:
إذا ما حلمنا كان آخر حلمنا ... زيادة باع عن يد المتطاول
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى ... وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
تخشى بوادرهم وإن لم يغضبوا ... إن الأسود حليمها غضبان
وإذا الخنا نفض الحبى في مجلس ... ورأيت أهل الطيش قاموا فارفق (4)
__________
(1) رمحه الحمار: رفسه.
(2) الحارث بن ظالم: فاتك، كان في الجاهلية، نشأ يتيما، وشبّ وفي نفسه أشياء من قاتل أبيه خالد بن جعفر سيد بني عامر. تتبّعه حتى قتله. قتل الحارث في حوران سنة 22قبل الهجرة. راجع أخباره في أمثال الميداني 2: 42والمحبر 192وابن الأثير 1: 200والنويري 15: 348.
(3) أبوذرّ: هو أبوذرّ الغفاري جنادة بن جندب الصحابي المشهور. تقدّمت ترجمته.
(4) الخنا: الفحش في الكلام. والحبوة: جمع حبى: ما يشتمل به من ثوب أو عمامة.
له خلق على الأيام يصفو ... كما رقت على الزمن العقار (1)
115 - كان عيسى عليه السّلام لا يمر بملأ من بني إسرائيل إلا أسمعوه شرا وأسمعهم خيرا، فقال له شمعون (2) في ذلك، فقال: كل امرىء يعطي ما عنده.(2/227)
__________
(4) الخنا: الفحش في الكلام. والحبوة: جمع حبى: ما يشتمل به من ثوب أو عمامة.
له خلق على الأيام يصفو ... كما رقت على الزمن العقار (1)
115 - كان عيسى عليه السّلام لا يمر بملأ من بني إسرائيل إلا أسمعوه شرا وأسمعهم خيرا، فقال له شمعون (2) في ذلك، فقال: كل امرىء يعطي ما عنده.
116 - عمر رضي الله عنه: لو كان لنا مع إسلامنا أخلاق آبائنا لكنا.
117 - قال أبو العتاهية لابنه: يا بني إنك لا تصلح لمشاهد الملوك، قال: لم يا أبت؟ قال: لأنك حار النسيم، بارد المشاهدة، ثقيل الظل.
118 - الأحنف: نزلت في الثقلاء: {فَإِذََا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (3).
119 [شاعر]:
وصاحب أصبح من برده ... كالماء في كانون أو في شباط
ندماؤه من ضيق أخلاقه ... كأنه في مثل سم الخياط
نادمته يوما فألفيته ... متصل الصمت قليل النشاط
حتى لقد أوهمني أنه ... بعض التماثيل التي في البساط
120 - أبو مجلز (4): قلت لرجل مدني: كيف صار الثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟.
قال: لأن الحمل الثقيل يشارك فيه الجسد والروح في حمله، والرجل الثقيل ينفرد الروح بثقله.
(1) العقار: اسم للخمرة.
(2) شمعون: هو شمعون الصفا من الحواريين.
(3) سورة الأحزاب من الآية: 53.
(4) أبو مجلز: هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، كان عمر بن عبد العزيز يستشيره فيمن يتولّى خراسان. توفي سنة 109هـ. راجع البيان والتبيين 2: 43 وحلية الأولياء 3: 112.(2/228)
121 - وصف العباس بن الحسن العلوي (1) ثقيلا فقال: ما الحمام على الأصوار، والدين على الأقتار (2)، وشدة السقم في الأسفار ألا أخف من لقائه.
122 - وصف الجماز (3) ثقيلا فقال: كأن قيامه من عندنا سقوط جمرة من الشتاء.
123 [راجز]:
كأنه في الدار رب الدار ... أثبت في الدار من الجدار
أطفل من ليل على نهار
124 - رؤبة (4): الثقيل حمى باطنه. وقيل مجالسة الثقيل حمى الربع. إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.
125 - دخل ثقيل على مريض فقال: هل تعرفني؟ قال: سبحان الله! هل يخفى ثقلك على أحد؟.
126 - يقال: أثقل من نصف رحى، وأثقل من طلعة المعلم يوم السبت على صبية الكتاتيب (5).
__________
(1) العباس بن الحسن العلوي: هو العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب. أبو الفضل، من أهل المدينة. كان شاعرا فصيحا. قدم بغداد في أيام هارون الرشيد. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 12: 126.
(2) الأقتار: البخلاء الذين يضيّقون على أنفسهم.
(3) الجماز: هو محمد بن عمرو بن حماد بن بني تميم. كان من أصحاب النوادر.
تقدّمت ترجمته.
(4) رؤبة: هو رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمي السعدي. كان راجزا مشهورا من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية كانوا يحتجّون بشعره توفي في البادية سنة 145هـ. راجع ترجمته في الشعر والشعراء 230ووفيات الأعيان 1: 187ولسان الميزان 2: 494.
(5) الكتاتيب: جمع كتّاب وهو مكان تعليم الصبيان.(2/229)
127 - كيف لا تحمل الأمانة أرض حملته، وكيف احتاجت إلى الأمانة بعد ما أقلته؟.
128 - أنشد المدائني (1):
وما الفيل تحمله موقرا ... رصاصا بأثقل من معبد
129 - وكان أبو حنيفة رحمه الله يتمثل كثيرا بهذا البيت:
وما الفيل تحمله موقرا ... بأثقل من بعض جلاسنا
130 - دخل أبو حنيفة رحمه الله على الأعمش (2) فأطال الجلوس ثم قال: لعلّي ثقلت عليك! فقال: إني أستثقلك وأنت في منزلك، فكيف وأنت في منزلي؟.
131 [شاعر]:
أنت والله ثقيل ... وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسان ... وفي الميزان فيل
132 - ابن الرومي:
وثقيل كأنه ثقل دين ... تتعداه طالعا كل عين
حمل الله أرضه ثقليها ... وبراه علاوة الثقلين
133 - ما هو الأقذى (3) العين، وشجا (4) الحلق، وغصة الصدر، وأذى القلب، وحمى الروح.
__________
(1) المدائني: هو علي بن محمد أبو حسن المدائني المؤرخ الراوية المتوفّى سنة 225.
تقدّمت ترجمته.
(2) الأعمش: هو سليمان بن مهران القارىء الحافظ. توفي سنة 148هـ. تقدّمت ترجمته.
(3) الأقذى العين: الذي في عينه قذى وهي قشّة أو شعرة أو غير ذلك.
(4) الشجا: ما يعترض الحلق من عود أو حسكة أو غير ذلك.(2/230)
134 [شاعر]:
مجالسة المنقوص نقص وذلة ... فإياك والمنقوص إن كنت ذا فضل
ولا تك ذا ثقل على الناس واعتقد ... وإن خفّ منك الروح أنك ذو ثقل
135 - كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال: اللهم اغفر لنا وله وأرحنا منه.
136 - خاطر الحسن بن وهب (1) أبا العيناء (2)، وكان الخطر عشرة أرطال ثلج، فغلب الحسن فطلب الثلج، فلقيه أبو بكر بن إبراهيم بن عتاب فقال: الحسن بن وهب يحب لقاك، فذهب ودخل قبله وقال:
وجب علي عشرة أرطال ثلج، وجئتك بعدل منه، ثم نادى أدخل يا أبا بكر، فقال الحسن: أوفيت وزدت.
137 - ابن شبرمة (3): من الناس من يخف عليّ، ومنهم من يثقل كأنه على ظهري رحا البزر (4).
138 - قيل للأعمش (5): ما الذي أعمش عينيك؟ قال: النظر إلى الثقلاء.
139 - مطيع بن إياس:
__________
(1) الحسن بن وهب: هو الحسن بن وهب بن سعيد بن عمرو بن حصين الحارثي، وهو أخو سليمان بن وهب وزير المعتز والمهتدي. كان كاتبا وشاعرا استكتبه الخلفاء ومدحه أبو تمام. مات سنة 250هـ فرثاه البحتري.
راجع ترجمته في مرآة الجنان 3: 432وشذرات الذهب 4: 285.
(2) أبو العيناء: هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر. توفي سنة 283. تقدّمت ترجمته.
(3) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي. توفي سنة 144هـ.
تقدّمت ترجمته.
(4) الرحى: الطاحون (مؤنثة) جمع أرحية وأرحاء.
(5) الأعمش: هو سليمان بن مهران المتوفّى سنة 148هـ.(2/231)
قل لعباد أجبنا ... يا ثقيل الثقلاء
أنت في الصيف سموم ... وجليد في الشتاء
أنت في الأرض ثقيل ... وثقيل في السماء
140 - قال الرّشيد لبختيشوع (1): هل يحم الروح؟ قال: نعم من مجالسة الثقلاء، أما سمعت قول الحارث بن كلدة (2):
ولنا في الحي للمقت جبل ... راسخ في الطول راس قد مثل
تمرض الأرواح من رؤيته ... ويغشّيها نعاس وكسل
141 - دخل فرقد (3) ومحمد بن واسع على رجل يعودانه، فقال فرقد: بلغني أنه قيل يا رسول الله على من تحرم النار؟ فقال: على الهيّن اللين القريب السهل، فكتبه محمد بن واسع على ساقه.
142 - صالح المري (4) في قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا} (5)، قال: يلين القلوب بعد قسوتها.
143 - عبد الله الداراني (6): ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
__________
(1) بختيشوع: طبيب سرياني علت مكانته عند الخلفاء العباسين. مات ببغداد سنة 256هـ. تقدّمت ترجمته.
(2) الحارث بن كلدة: هو الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي. طبيب العرب في عصره.
كان شاعرا ذا حكمة، وهو من أهل الطائف. رحل إلى فارس واليمن وتعلّم الضرب على العود ومات سنة 50هـ. راجع ترجمته في طبقات الأطباء 1: 109وراجع بعض شعره في المؤتلف والمختلف للآمدي 172.
(3) فرقد: هو أبو يعقوب فرقد السبخي من زهّاد البصرة ورواتها. كان معاصرا للحسن البصري. مات سنة 131هـ. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 345.
(4) صالح المري: هو صالح بن بشير بن وادع المري. كان قاضيا، زاهدا، راويا.
توفي سنة 173هـ. راجع ترجمته في صفة الصفوة 3: 368وحلية الأولياء 6:
165.
(5) سورة الحديد، الآية: 17.
(6) عبد الله الداراني: نسبة إلى داريا من غوطة دمشق. لم نقف له على ترجمة.(2/232)
144 - أبوبكر رضي الله عنه: فاز بالمروءة من امتطى التغافل، وهان على القرناء من عرف باللجاج.
145 - عائشة رضي الله عنها: عنه عليه السّلام: إن الله عز وجل إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب رفق، وعنه عليه السّلام: يا عائشة إنه من أعطى حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة.
146 - جرير بن عبد الله: إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق، فإذا أحب الله تعالى عبدا أعطاه الرفق. ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا قد حرموا.
147 - أنس: إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف.
148 - علي رضي الله عنه: إن لم تكن حليما فتحلم فأنه قلّ من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.
وعنه: الجود حارس الأعراض، والحلم فدام السفيه (1).
149 - الحسن: الرفق يمن، وسوء الخلق شؤم.
150 - وكان يقال: خذوا بالناس اليسر، ولا تملوهم فإن المؤمنين رفقاء حلماء رحماء.
151 - استأذن رهط (2) من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فقالوا:
السام عليك، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال عليه السّلام: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟
__________
(1) الفدام: مصفاة صغيرة أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفّى بها ما فيه. والفدام أيضا ما يوضع على فم البعير لمنعه من العضّ. وقد تقدّم هذا الخبر بعبارة: الحليم فدام السفيه.
(2) الرهط: الجماعة، وقيل: عدد من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه، والرهط أيضا: قوم الرجل وقبيلته.(2/233)
قال: قد قلت وعليكم.
152 - عنه عليه السّلام: إذا هممت بأمر فعليك فيه بالتؤدة.
153 - سفيان بن عيينة: سمعت ابن أخت وهب (1) يقول: الرفق بني الحلم، وربما قال: الحلم بني الرفق.
154 - كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم! وما أحسن العلم يزينه العمل؟ وما أحسن العمل يزينه الرفق! وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم.
155 - الثوري: قال لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: هو أن تضع الأمور مواضعها، الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه، من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق ولا يصلح فيها إلا الشدة، كالجرح يعالج فإذا احتاجوا إلى الحديد لم يكن منه بد.
156 - عائشة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبدو إلى هذه التلاع، وأنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي: يا عائشة:
إرفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه، وروي كانت معه في سفره، وكانت على بعير صعب، فجعلت تصرفه يمينا وشمالا، فقال لها ذلك.
وعنها عنه عليه السّلام: من رفق بأمتي رفق الله به، ومن شقّ على أمتي شقّ الله عليه.
157 - أبو عون الأنصاري (2): ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلي جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها.
__________
(1) وهب: هو وهب بن منبّه الصنعاني. تقدّمت ترجمته.
(2) أبو عون الأنصاري: هو عبد الله بن أبي عبد الله، وقيل: أحمد بن عمير. راو ذكره ابن حبان في الثقات. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 12: 191.(2/234)