كم حجّة في الدّين خضت غمارها، ... هدر الفنيق تخمّطا وصيالا (1)
بسنان رمحك، أو لسانك موسعا ... طعنا يشقّ على العدا وجدالا
إن نكّس الإسلام بعدك رأسه، ... فلقد رزي بك موئلا ومآلا
واها على الأقلام بعدك إنّها ... لم ترض غير بنان كفّك آلا
أفقدن منك شجاع كلّ بلاغة، ... إن قال جلّى في المقال وجالا
من لو يشا طعن العدا برؤوسها، ... وأثار من جريالها قسطالا (2)
سلطان ملك كنت أنت تعزّه، ... ولربّ سلطان أعزّ رجالا
إنّ المشمّر ذيله لك خيفة، ... أرخى وجرّر بعدك الأذيالا
ما كنت أخشى أن تزلّ لحادث ... قدم جعلت لها الرّكاب قبالا (3)
دفع الزّمان لك النوائب دفعة، ... وتصوّب الوادي إليك، فسالا
يا شامتا بالسّيف أغمد غربه، ... كم هبّ مندلق الغرار وصالا (4)
إن طوّح الفعّال دهر ظالم، ... فلقد أقام وخلّد الأفعالا
طلبوا التّراث، فلم يروا من بعده ... إلّا علا، وفضائلا، وجلالا
هيهات فاتهم تراث مخاطر، ... حفظ الثّناء، وضيّع الأموالا
قد كان أعرف بالزّمان وصرفه، ... من أن يثمّر، أو يجمّع مالا
مفتاح كلّ ندى وربّ معاشر، ... كانوا على أموالهم أقفالا
كان الغريبة في الأنام، فأصبحوا ... من بعد غارب نجمه أمثالا
قرم، إذا كحلت به ألحاظها ... شوس القروم تقطّع الأبوالا (5)
وإذا تجايشت الصّدور بموقف ... حبس الكلام وقيّد الأقوالا
__________
(1) الفنيق: الفحل تخمطا: تكبرا الصيال: السطو.
(2) الجريال: الدم القسطال: الغبار.
(3) القبال: زمام بين الاصبع الوسطى والتي تليها في النعل.
(4) مندلق الغرار: السيف الخارج من غمده من دون أن يسل.
(5) القرم: السيد الشجاع الشوس: النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيّظا.(2/185)
بصوائب كالشّهب تتبع مثلها، ... ورعال خيل يتّبعن رعالا (1)
من فاعل من بعده كفعاله، ... أو قائل من بعده ما قالا
سمع يرفّع للسّؤال سجوفه، ... ويحجّب الأهزاج والأرمالا (2)
يا طالبا من ذا الزّمان شبيهه، ... هيهات كلّفت الزّمان محالا
إنّ الزّمان أضنّ بعد وفاته ... من أن يعيد لمثله أشكالا
وأرى الكمال جنى عليه، لأنّه ... غرض النّوائب من أعير كمالا
صلّى الإله عليك من متوسّد، ... بعد المهاد، جنادلا ورمالا
كسف البلى ذاك الجمال المجتلى، ... وأجرّ ذاك المقول الجوّالا
ورأيت كلّ مطيّة قد بدّلت ... من بعد يومك بالزّمام عقالا
طرح الرّجال لك العمائم حسرة ... لمّا رأوك تسير أو إجلالا
قالوا، وقد فجئوا بنعشك سائرا: ... من ميّل الجبل العظيم، فمالا
وتبادروا عطّ الجيوب، وعاجلوا ... عضّ الأنامل يمنة وشمالا (3)
ما شقّقوا إلّا كساك، وألّموا ... إلّا أنامل نلن منك سجالا
من ذا يكون معوّضا ما مزّقوا، ... ومعوّلا لمؤمّل وثمالا (4)
فرغت أكفّ من نوالك بعدها، ... وأطال عظم مصابك الأشغالا
أعزز عليّ بأن يهزّك طالب ... فتضنّ، أو تلوي النّوال مطالا
أو أن تبدّل من يؤمّك زائرا، ... بعد التّهلّل، عندك استهلالا (5)
أو أن يناديك الصّريخ لكربة، ... حشدت عليه، فلا تجيب مقالا
يا شافي الأدواء كيف جهلته ... داء رماك به الزّمان عضالا
__________
(1) الرعال: القطعة من الخيل.
(2) السّمع: المسموع الكلمة، الذي يسمع له الأهزاج والأرمال: ضرب من الغناء والموسيقى.
(3) عطّ الجيوب: شقّها.
(4) الثمال: الغياث.
(5) التهلل: تلألؤ الوجه بشاشة الاستهلال: رفع الصوت بالبكاء.(2/186)
يا كاشف الأمحال كيف رضيته ... لمقيل جنبك منزلا ممحالا
قد كنت آمل أن أراك، فأجتني ... فضلا، إذا غيري جنى أفضالا
وأفيد سمعك مقولي وفضائلي، ... وتفيدني أيّامك الإقبالا
وأعدّ منك لريب دهري جنّة، ... تثني جنود خطوبه فلّالا (1)
وطواك دهرك غير طيّ صيانة، ... وأعاد أعلام الهدى أغفالا
قبر بأعلى الرّيّ شقّ ضريحه، ... لأعزّ حقّره الرّدى إعجالا
إن يمس موعظة الرّجال فطالما ... أمسى مهابا للورى ومهالا
لتسلّب الدّنيا عليه، فإنّها ... نزعت به الإحسان والإجمالا (2)
ورعاه من أرعى البريّة سيبه، ... وسقاه من أسقى به الآمالا
صبرا يا علي
(الكامل)
نظم الشاعر هذه القصيدة معزيا أبا سعد علي بن محمد بن أبي خلف عن أخت له توفيت.
إلّا يكن نصلا فغمد نصول، ... غالته أحداث الزّمان بغول
أو لا يكن بأبي شبول ضيغم، ... تدمى أظافره، فأمّ شبول
تلك الغمامة كان بارق خالها، ... لو أنست الأيّام، غير مخيل (3)
كنّا نؤمّل أن نجلّي صوبها، ... عن أخضر غضّ الجنى مطلول
لولا طلاب النّصل يورق عوده، ... بات النّساء سدى بغير بعول (4)
__________
(1) جنّة: ترس.
(2) تسلب: تحد.
(3) الخال: سحاب لا يخلف مطره المخيل: السحاب لا مطر فيه.
(4) النصل: وردت في نسخة أخرى النسل.(2/187)
ولربّما بكي الفقيد لنفسه، ... أو للمطامع فيه والتّأميل
أترى بما نغترّ من أيّامنا، ... ونطيل من أمل لهنّ طويل
أبوردها المطروق، أو بنعيمها ال ... ممذوق، أم ميعادها الممطول (1)
نرجو البقاء، كأنّنا لم نختبر ... عادات هذا العالم المجبول
لو أنّ غير يد الزّمان تريعني، ... وتفلّ حدّ معاشري وقبيلي
للويت من دون المذلّة جانبي، ... وجررت عن دار الهوان ذيولي
لكنّ سلطان اللّيالي غالب ... عزمي، وقطّاع عليّ سبيلي
قدرت فذلّ لها العزيز مهابة، ... ليس الذّليل لقادر بذليل
وهو الزّمان يبيح كلّ ممنّع، ... ويغضّ من طمحات كلّ جليل (2)
من بين مجروح بحدّ نيوبه، ... يدمى، وبين مبضّع مأكول
أعدى جذيمة بالرّدى وعدا على ... ردفي جذيمة مالك وعقيل (3)
واستنزل الأذواء عن نجواتهم، ... فغدوا ذوي ضرع وطول خمول (4)
وحدا بآل المنذرين، فودّعوا ... بالحيرة البيضاء كلّ مقيل
وسطا على أبناء قيصر سطوة، ... أمما، فأجلت عن دم مطلول (5)
وأعاد إيوان المدائن محرما، ... عريان من برد العلى المسدول
واستلّ منه مالكيه، ودونهم ... عدد الدّراري من قنا وخيول
وهوى بتيجان الجبابرة الألى، ... عن كلّ مطرور الغرار صقيل (6)
بلّت مفارقهم دما، ولطالما ... عرفوا بمسك فوقهنّ بليل (7)
__________
(1) الممذوق: المشوب بكدر الممطول: المؤجّل.
(2) الطمحات: الطموح، ارتفاع البصر الى الشيء.
(3) جذيمة: هو الأبرش ملك الحيرة ردفاه مالك وعقيل: نديماه.
(4) الأذواء: هم ملوك اليمن التبابعة النجوات، جمع نجوة: مرتفع من الأرض الضرع: الضعف.
(5) الأمم: القصد المطلول: المهدور.
(6) المطرور: المسنون الغرار: حد السيف.
(7) عرفوا: سطع عرفهم، رائحتهم الطيبة.(2/188)
أو بعد ما رفعوا القباب وخوّلوا ... في ظلّ ممتنع المقام ظليل (1)
من كلّ أغلب كان يحسب عهده ... في العزّ والعلياء غير محيل
ويظنّ أن لو طاولته منيّة، ... لأبى إباء المصعب المعقول (2)
أو لو طغى غرب الفرات لردّه ... متقطّعا، وأقام مدّ النّيل
نزل القضاء به، فعاد كأنّه ... لم يغن أمس بطارق ونزيل
صبرا جميلا يا عليّ، فربّما ... صبر الفتى، والصّبر غير جميل
لو كنت أعلم أنّ وجدا نافع، ... لقدحت فيك بزفرة وغليل
وجعلت تصعيب المصاب معظّما ... من شأنه بدلا من التّسهيل
لكنّها الأقدار يمضي حكمها ... أبدا على الأصعوب والأذلول
ولربّما ابتسم الفتى وفؤاده ... شرق الجنان برنّة وعويل (3)
ولربّما احتمل اللّبيب مموّها ... عضّ الزّمان ببشره المبذول
وغطى على تلك الجراح، كأنّه ... ما آب منه بغارب مخزول (4)
__________
(1) خوّلوا: رعوا أغنامهم.
(2) المصعب: الفحل المكرّم.
(3) شرق الجنان: ممتلئ القلب.
(4) غطى: ستر الغارب: الكاهل المخزول: المقطوع.(2/189)
نغالب الليالي
(الوافر)
كانت «تقيّة» بنت سيف الدولة الحمداني قد انتقلت من الشام الى مصر وتوفيت هناك. وكانت من أفاضل نساء قومها، ومن المعجبات بشعر الشريف الرضي، حتى انها التمست نسخة عن ديوانه. ولما ورد الخبر بوفاتها في شهر رمضان من سنة 399حزن الرضي ووضع هذه القصيدة.
نغالب ثمّ تغلبنا اللّيالي، ... وكم يبقى الرّميّ على النّبال
ونطمع أن يملّ من التّقاضي ... غريم ليس يضجر بالمطال
أتنظر كيف تسفع بالنّواصي ... ليالينا، وتعثر بالجبال (1)
يحطّ السّيل ذروة كلّ طود ... رهونا بالجنادل والرّمال (2)
هي الأيّام جائرة القضايا، ... وملحقة الأواخر بالأوالي
يمنّين الورود، فإن دنونا ... ضربن على الموارد بالحبال
نطنّب للمقام قباب حيّ، ... ويحفزنا المنون إلى الرّحال
ونسرح آمنين، وللمنايا ... شبا بين الأخامص والنّعال (3)
وبينا المرء يلبسها نعيما، ... تهجّر ضاحيا بعد الظّلال (4)
نعى النّاعون واضحة المحيّا، ... ألوف البيت ذي العمد الطّوال
__________
(1) تسفع بالنواصي: تقبض عليها فتجتذبها.
(2) طود: جبل رهونا، جمع رهن: هو ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك.
(3) الشبا، جمع شباة: العقرب ساعة تولد، وحد كل شيء الأخامص:
جمع أخمص.
(4) يلبسها: يعيش معها تهجّر: سار الى الهاجرة ضاحيا: مائتا.(2/190)
من البيض العقائل من معدّ، ... بنين قبابهنّ على الجلال
نعوا ظبة لأبيض مشرفيّ، ... قديم الطّبع عاديّ الصّقال (1)
لسيف الدّولة العربيّ فيها ... صنيع القين قام على النّصال (2)
إذا ما الفحل أنجب ناتجاه، ... فقد ضمن النّجابة للسّخال (3)
وما طابت غوادي المزن إلّا ... أطبن وقائع الماء الزّلال
قصاير في بيوت العزّ تنمّى ... مناسبها إلى المجد الطّوال (4)
وكلّ عقيلة للجود تمسي ... عطول الجيد حالية الفعال
كأنّ خدورها أصداف يمّ، ... محصّنة ضممن على لآل
طهرن نباهة، وبررن طولا، ... وهنّ وراء معدود الحجال (5)
غلبن على جمال الخلق حتّى ... تركن الخلق منسيّ الجمال
لها نسب العتاق مردّدات ... إلى الغايات أيّام النّضال
تعدّ النّوق من شرف فحولا ... إذا انتسبت إلى العود الجلال (6)
عمائر من ربيعة أنزلتهم ... أعالي المجد أطراف العوالي
هم الرّأس الذي رفعت معدّ ... قديما لا يطأطأ للفوالي
فحول المجد جعجعها المنايا، ... وأسلمها الزّمام إلى العقال (7)
ولم يك عزّهم إلّا اختلاسا، ... كصفق باليمين على الشّمال
كقومك لا يعيد الدّهر قوما، ... ومثل أبيك لا تلد اللّيالي
أريقت في قبورهم اللّواتي ... ببطن القاع أذنبة النّوال (8)
__________
(1) ظبة: حد السيف، حد السنان العادي: القديم.
(2) القين: الحدّاد.
(3) النجابة: الأصالة السخال، جمع سخل: ولد الشاة.
(4) القصاير، جمع قصيرة: المحجّبة التي لا تخرج من بيتها.
(5) الحجال، جمع حجلة: موضع يعد للعروس.
(6) العود: المسن من الإبل الجلال: العظيم.
(7) جعجعها: حبسها على مكروهها.
(8) الأذنبة، جمع ذنوب: الدلو العظيمة النوال: العطاء.(2/191)
لقد رسّت حفائرهم جميعا ... على هام المكارم والمعالي (1)
سقى تلك القبور، فإنّ فيها ... سقاة العاجزين عن البلال
بأيد تحبس الأوراد عزّا، ... وتأمن من ملاطمة السّجال (2)
غمائم للرّعود بها أزيز، ... رغاء العود رازمت المتالي (3)
كحمحمة الأداهم أقبلوها ... ليالي الورد مائلة الجلال (4)
فسقّى عهد دارهم حياها، ... وحيّا بالنّعامى والشّمال (5)
إذا ابتدرت نساؤهم المساعي، ... فما ظنّي وظنّك بالرّجال
كيف يسلو الفؤاد
(البسيط)
ما بعد يومك ما يسلو به السّالي، ... ومثل يومك لم يخطر على بالي (6)
وكيف يسلو فؤاد هاض جانبه ... قوارع من جوى همّ وبلبال (7)
يا قلب صبرا، فإنّ الصّبر منزلة، ... بعد الغلوّ إليها يرجع الغالي
ولا تقل سابق لم يعد غايته، ... فما المقدّم بالنّاجي، ولا التّالي
__________
(1) رسّت: حفرت، دسّ فيها.
(2) الأوراد، جمع ورد: الماء الذي يورد السجال، جمع سجل: الدلو العظيمة.
(3) العود: المسن من النياق رازمت: جمعت المتالي: الفصال، جمع فصيل.
(4) الحمحمة: صوت الفرس الأداهم، جمع أدهم: الفرس الأسود.
(5) النعامى: ريح الجنوب.
(6) يومك: الضمير عائد إلى صديق له توفي وهو يرثيه في هذه القصيدة.
(7) يسلو: يتعزى، ينسى هاض: كسر.(2/192)
نقص الجديدين من عمري يزيد على ... ما ينقصان على الأيّام من حالي
دهر تؤثّر في جسمي نوائبه، ... فما اهتمامي، إذا أودى بسريالي (1)
نغترّ بالحفظ منه، وهو يختلنا، ... كما يغرّ ذبول الجمرة الصّالي (2)
مضى الذي كنت في الأيّام آمله ... من الرّجال، فيا بعدا لآمالي
قد كان شغلي من الدّنيا، فمذ فرغت ... منه يدي زاد طول الوجد أشغالي
تركته لذيول الرّيح مدرجة، ... ورحت أسحب عنه فضل أذيالي
كأنّني لم أدع في الأرض، يوم ثوى ... مودّعا، شطر أعضائي وأوصالي
ما بالي اليوم لم ألحق به كمدا، ... أو أنزع الصّبر والسّلوان من بالي
عواطف الهمّ ما تنفكّ ترجع لي ... من ذاهب وجديد الوجد من بال
ما شئت من والد يودي ومن ولد، ... يمضي الزّمان بآسادي وأشبالي
بالمال طورا وبالأهلين آونة، ... ما أضيع المرء بعد الأهل والمال
أليح منه رويدا، أو على عجل، ... لو كان ينفع إروادي وإعجالي (3)
ما أعجب الدّهر، والأيّام دائبة، ... تسعى على عمد نحوي وتسعى لي
نحبّها، وعلى رغم نودّعها، ... إلى المنون، وداع الصّارم القالي
كم أنزل الدّهر من علياء شاهقة، ... وشال من قعر نائي الغور منهال
وكم هوى بعظيم في عشيرته، ... مطعام أندية طعّان أبطال
عال على نظر الأعداء يلحظهم ... لواحظ الصّقر فوق المربإ العالي (4)
لئن ترامت بك الأعواد معجلة ... عن الدّيار إلى مزورّة الخالي (5)
فليس حيّ من الدّنيا على ثقة، ... والدّهر أعوج لا يبقى على حال
فلا يسرّك إكثاري ولا جدتي، ... ولا يغمّك إقتاري وإقلالي
__________
(1) السربال: القميص، الدرع.
(2) الصالي: طالب الدفء.
(3) الارواد: التمهّل، ضد الإعجال.
(4) المربأ: المرقبة.
(5) المزورّة: المقبوضة.(2/193)
أرى يقين المنى شكّا فأرفضه، ... ما أشبه الماء في عينيّ بالآل
قبّحت، يا دار، من دار نغرّ بها، ... فأنت أغدر مظعان ومحلال
شر اللباس
(البسيط)
في هذه القصيدة يعزي الشاعر صديقا له عن بنت توفيت له عقب أخرى.
نخطو وما خطونا إلّا إلى الأجل، ... وننقضي، وكأنّ العمر لم يطل
والعيش يؤذننا بالموت أوّله، ... ونحن نرغب في الأيّام والدّول
يأتي الحمام فينسى المرء منيته، ... وأعضل الدّاء ما يلهي عن الأمل
ترخي النّوائب من أعمارنا طرفا، ... فنستعزّ، وقد أمسكن بالطّول (1)
لا تحسب العيش ذا طول فتركبه، ... يا قرب ما بين عنق اليوم والكفل
نروغ عن طلب الدّنيا، وتطلبنا ... مدى الزّمان بأرماح من الأجل (2)
سلّى عن العيش أنّا لا ندوم له، ... وهوّن الموت ما نلقى من العلل
تدعو المنون جبانا لا غناء له، ... محلّأ عن ظهور الخيل والإبل (3)
ويسلم البطل الموفي بسابحة، ... مشيا على البيض والأشلاء والقلل (4)
يقودني الموت من داري فأتبعه، ... وقد هزمت بأطراف القنا الذّبل
والمرء يطلبه حتف، فيدركه ... وقد نجا من قراع البيض والأسل
__________
(1) الطول: الحبل.
(2) نروغ: نحيد.
(3) المحلأ: الممنوع.
(4) الموفي: المشرف، المقبل.(2/194)
ليس الفناء بمأمون على أحد، ... ولا البقاء بمقصور على رجل
يبكي الفتى وكلام النّاس يأخذه، ... والدّمع يسرح بين العذر والعذل
وفي الجفون دموع غير فائضة، ... وفي القلوب غرام غير متّصل
تعزّ ما اسطعت، فالدّنيا مفارقة، ... والعمر يعنق، والمغرور في شغل (1)
ولا تشكّ زمانا أنت في يده ... رهن فما لك بالأقدار من قبل
عاد الحمام لأخرى بعد ماضية، ... حتّى سقاك الأسى علّا على نهل
من مات لم يلق من يحيا يلائمه، ... فكن بكلّ مصاب غير محتفل
وكلّ باك على شيء يفارقه ... قسرا، فيقتصّ من ضحك ومن جذل
ما أقرب الوجد من قلب ومن كبد، ... وأبعد الأنس من دار ومن طلل
العقل أبلغ من عزّاك من جزع، ... والصّبر أذهب بالبلوى من الأجل
سقى الإله ترابا ضمّ أعظمها ... مجلجل الودق مجرورا على القلل (2)
ولا يزال على قبر تضمّنها ... برقا يشقّ جيوب العارض الهطل
وكلّما اجتاز ريعان النّسيم به ... لم يوقظ التّرب من مشي على مهل
يا أرض! ما العذر في شخص عصفت به ... بين الأقارب والعوّاد والخول (3)
أردت أن تحجب البيداء طلعته، ... ألم يكن قبل محجوبا عن المقل؟
جسم تفرّد بالأكفان يجعلها ... مذ طلّق العمر أبدالا من الحلل
وغرّة كضياء البدر لامعة، ... صار التّراب بها أولى من الكلل (4)
شرّ اللّباس لباس لا نزوع له، ... والقبر منزل جار غير منتقل
للموت من قعدت عنه ركائبه، ... ومن سرى في ظهور الأينق البزل (5)
__________
(1) يعنق: يطول.
(2) المجلجل: المصوت الودق: المطر.
(3) العوّاد: الذين يعودون المريض، يزورونه الخول: الحشم والخدم.
(4) الكلل: الستور الرقيقة يتوقى بها البعوض.
(5) الأينق: النياق البزل، جمع بازل: الناقة أو الجمل في سن البلوغ.(2/195)
ما يدفع الموت عن بخل ولا كرم، ... ولا جبان ولا غمر ولا بطل (1)
وما تغافلت الأقدار عن أحد، ... ولا تشاغلت الأيّام عن أجل
لنا بما ينقضي من عمرنا شغل، ... وكلّنا علق الأحشاء بالغزل
ونستلذّ الأماني، وهي مروية، ... كشارب السّمّ ممزوجا مع العسل
نؤمّل الخلد، والأيّام ماضية، ... وبعض آمالنا ضرب من الخطل (2)
وحسب مثلي من الدّنيا غضارتها، ... وقد رضينا من الحسناء بالقبل
هذا العزاء وإن تحزن فلا عجب، ... إنّ البكاء بقدر الحادث الجلل
وكيف نعذل من يبكي لميّته ... ونحن نبكي على أيّامنا الأول
بقيت محاسن فعله
(الكامل)
ما التامت الأرض الفضاء على فتى ... كمحمّد من بعده أو قبله
عمري لقد فنيت محاسن وجهه ... فيها، وقد بقيت محاسن فعله
زادت مناقبه انتشارا بعده، ... وحديثه، فكأنّه في أهله
حسبنا الله
(الرجز)
إن أشر الخطب فلا روعة، ... أو عظم الأمر، فصبر جميل
ليهون المرء بأيّامه، ... إنّ مقام المرء فيها قليل
__________
(1) الغمر: الكريم، الواسع الخلق.
(2) الخطل: الخطأ.(2/196)
هل نافع نفسك أذللتها ... كرامة البيت وعزّ القبيل
إنّا إلى الله، وإنّا له، ... وحسبنا الله، ونعم الوكيل
شهيّ اللّمى
(الطويل)
خليليّ! هل لي لو ظفرت بنيّة ... إلى الجزع من وادي الأراك سبيل
وهل أنا في الرّكب اليمانيّ دالج، ... وأيدي المطايا بالرّجال تميل (1)
وفي سرعان الرّيح لي لو علمتما ... شفاء، ولو أنّ النّسيم عليل
وفي ذلك السّرب الذي تريانه، ... أحمّ غضيض النّاظرين كحيل (2)
شهيّ اللّمى عاط إلى الرّكب جيده، ... ختول لأيدي القانصين مطول (3)
وكم فيه من خوّ اللّثاث كأنّما ... جرى ضرب ما بينها وشمول (4)
تجلّلن بالرّيط اليماني، كأنّما ... ضممن غصونا مسّهنّ ذبول (5)
علقناك، يا ظبي الصّريم، طماعة، ... أعندك من نيل لنا، فتنيل؟
أنل نائلا، أو لا تثنّ بنظرة، ... فإنّي بالأولى، الغداة، قتيل
وإنّي، إذا اصطكّت رقاب مطيّكم، ... وثوّر حاد بالرّفاق عجول (6)
__________
(1) دالج: مدلج، سائر ليلا.
(2) الأحم: الأسود.
(3) اللمى: سمرة أو سواد مستحسن في باطن الشفة عاط: رافع الختول:
الخداع المطول: المسوّف بوعده.
(4) الخو: العسل اللثاث، جمع لثة: مغرز الأسنان الضرب: العسل الشمول: الخمر.
(5) الريط، جمع ريطة: ملاءة من نسيج واحد، كل ثوب لين ورقيق.
(6) ثوّره: جعله يثور، هيّجه.(2/197)
أخالف بين الرّاحتين على الحشا، ... وأنظر أنّي ملتم، فأميل (1)
أحنّ وتجريني على الشّوق قسوة، ... ألا غال ما بيني وبينك غول
وما ذادني ذكر الأحبّة عن كرى، ... ولكنّ ليلي بالعراق طويل (2)
في ثوب الظلام
(البسيط)
وربّ يوم أخذنا فيه لذّتنا، ... من الزّمان، بلا خوف ولا وجل
كنّا نؤمّله في الدّهر واحدة، ... فجاءنا بالذي يوفي على الأمل
وربّ ليل منعنا من أوائله ... إلى الصّباح جواز النّوم بالمقل
بتنا ضجيعين في ثوب الظّلام كما ... لفّ الغصينين مرّ الرّيح بالأصل
طورا عناقا كأنّ القلب من كثب ... يشكو إلى القلب ما فيه من الغلل (3)
وتارة رشفات لا انقضاء لها، ... شرب النّزيف طوى علّا على نهل (4)
وكم سرقنا، على الأيّام، من قبل، ... خوف الرّقيب كشرب الطائر الوجل
__________
(1) الملتمي، من التمى لونه: تغيّر.
(2) ذادني: دفع عني، أبعدني.
(3) من كثب: من قرب الغلل، جمع غلة: العطش الشديد.
(4) النزيف: من عطش حتى يبست عروقه وجف لسانه العل: الشرب تباعا النهل: أول الشرب.(2/198)
أنت حلول
(الكامل)
غيري عن الودّ الصّريح يحول، ... عمر الزّمان، وغيرك المملول
أتظنّ أنّي بالقطيعة راغب ... هيهات وجهك بالوفاء كفيل
وكذا الصّديق، إذا أراد قطيعتي، ... ظنّ الظّنون، وقال: أنت ملول
كبر الملول
(الكامل)
ومقبّل كفّي وددت بأنّه ... أومى إلى شفتيّ بالتّقبيل
جاذبته فضل العتاب، وبيننا ... كبر الملول، ورقّة المملول
ولحظت عقد نطاقه، فكأنّما ... عقد الجمال بقرطق محلول (1)
جذلان ينفض من فروج قميصه ... أعطاف غصن البانة المطلول (2)
ليلة وصل
(الطويل)
وقد كنت آبي أن أذلّ لصبوة ... وأن تملك البيض الحسان عقالي
خميصا من الأشجان لا يوضع الهوى ... بقلبي، فلا اجتاز الغرام ببالي (3)
__________
(1) القرطق: ثوب كالقباء، ثوب يلبس فوق الثياب، وهو من ملابس العجم.
(2) المطلول: الذي عليه الطل أي النّدى.
(3) خميصا: نحيلا يوضع: يسرع.(2/199)
إلى أن تراءى السّرب بين غزالة ... ترنّح في ثوب الصّبا، وغزال (1)
فلمّا التقينا كنت أوّل واجد ... ولمّا افترقنا كنت آخر سالي (2)
وليلة وصل بات منجز وعده ... حبيبي فيها، بعد طول مطال
شفيت بها قلبا أطيل غليله، ... زمانا، فكانت ليلة بليالي
فيا زائرا، لو أستطيع فديته ... بأهلي، على عزّ القبيل، ومالي (3)
الضيف الأبيض
(السريع)
في سنة 383كان الشريف الرضي في الثالثة والعشرين من عمره وقد لاحظ في شعر رأسه بياضا فنظم هذه القصيدة.
عجلت، يا شيب، على مفرقي، ... وأيّ عذر، لك أن تعجلا
وكيف أقدمت على عارض ... ما استغرق الشّعر، ولا استكملا
كنت أرى العشرين لي جنّة، ... من طارق الشّيب، إذا أقبلا (4)
__________
(1) السّرب: القطيع من الظباء أو النساء.
(2) واجد: متألم من الحب السالي: الذي نسي، تعزّى.
(3) القبيل: الأهل، القبيلة.
(4) الجنّة: الترس.(2/200)
فالآن سيّان ابن أمّ الصّبا، ... ومن تسدّى العمر الأطولا
يا زائرا ما جاء حتّى مضى، ... وعارضا ما غام حتّى انجلى
وما رأى الرّاؤون من قبلها، ... زرعا ذوى من قبل أن يبقلا (1)
ليت بياضا جاءني آخرا ... فدى بياض كان لي أوّلا
وليت صبحا ساءني ضوءه ... زال، وأبقى ليله الأليلا (2)
يا ذابلا صوّح فينانه، ... قد آن للذّابل أن يختلى (3)
حطّ برأسي يققا أبيضا، ... كأنّما حطّ به منصلا (4)
هذا، ولم أعد بحال الصّبا، ... فكيف من جاوز، أو أوغلا
من خوفه كنت أهاب السّرى، ... شحّا على وجهي أن يبذلا
فليتني كنت تسربلته، ... في طلب العزّ ونيل العلى
قالوا: دع القاعد يزري به، ... من قطع اللّيل وجاب الفلا
قد كان شعري ربّما يدّعي ... نزوله بي قبل أن ينزلا
فالآن يحميني ببيضائه ... أن أكذب القول، وأن أبطلا
قل لعذولي اليوم نم صامتا، ... فقد كفاني الشّيب أن أعذلا
طبت به نفسا، ومن لم يجد ... إلّا الرّدى أذعن واستقبلا
لم يلق من دوني له مصرفا، ... ولم أجد من دونه موئلا
__________
(1) أبقل الزرع: ظهر، نبت.
(2) الأليل: الشديد السواد.
(3) صوّح: تناثر، وأراد شعره فينانه: ما فيه من أفنان يختلى: يجز.
(4) اليقق: القطن، كل ما هو شديد البياض.(2/201)
غريم مماطل
(الطويل)
أحبّك بالطّبع البعيد من الحجى، ... وأقلاك بالعقل البريء من الخبل (1)
فأنت صديقي إن ذهبت إلى الهوى ... وأنت عدوّي إن رجعت إلى العقل
وسيّان عندي من طواني على جوى ... يعذّب قلبي، أو طواني على دخل (2)
وما الحبّ إلّا ذلّة واستكانة ... لمولى أرى إعزازه، ويرى ذلّي
ولو أنّني خيّرت من أمنح الهوى، ... لما اخترت أن أهوى هوى ومعي عقلي
ولم يحسن الصّبّ التّقاضي ودونه ... غريم مسيء لا يملّ من المطل (3)
أثلاث القاع
(الطويل)
أيا أثلاث القاع كم نضح عبرة ... لعيني، إذا مرّ المطيّ بذي الأثل
ويا عقدات الرّمل كم لي أنّة، ... إذا ما تذكّرت الشّقيق من الرّمل (4)
ويا ظعنات الحيّ يوم تحمّلوا، ... عقرت، وأفنى الله نسلك من إبل (5)
ويا ظبيات الجزع يسنحن غدوة، ... لقد طلّ من ترشقن بالأعين النّجل
ويا بانة الوادي أدمعي في الهوى ... أبرّ حيا، أم ما سقاك من الوبل؟
عوائد من ذكراك يرقصن في الحشا، ... وأضرمن ما بين الذّؤابة والنّعل (6)
__________
(1) الحجى: العقل، الفطنة أقلاك: أبغضك الخبل: الفساد.
(2) الدخل: الداء، الريبة.
(3) المطل: المماطلة، التسويف.
(4) عقدات الرمل: ما تعقد منه.
(5) الظعنات: الجمال التي يظعن بها، يسافر عليها تحمّلوا: رحلوا.
(6) العوائد، جمع عائدة: ما يعود إلى نفس الانسان من الذكريات.(2/202)
أهلا بعينيه
(الطويل)
نظم هذه الأبيات على لسان صديق أصاب حبيبا له بعينه.
أصبت بعيني من أصاب بعينه ... فؤادي، ولم يعقل دمي يوم طلّه (1)
لقد ثأرت عيني بقلبي، ولم يكن ... حلالا له من مهجتي ما استحلّه
فأهلا بعينيه، وإن طلّتا دمي، ... فكم مالك لم يرزق العبد عدله
وبعدا لعيني لم أصابته بالأذى، ... وألّا تلقّت واقع السّوء قبله
فيا ظالما تستحسن النّفس ظلمه، ... ويا قاتلا يستعذب القلب قتله
ليهنك أنّ النّفس تمنحك الهوى ... جميعا، وأنّ القلب عندك كلّه
يا قاتل
(السريع)
سهمك مدلول على مقتلي، ... فمن ترى دلّك يا قاتل
ليس لقلبي ثائر يتّقى، ... وليس في سفك دمي طائل
مطلتني حين ملكت الحشا، ... ألا وقلبي لي يا ماطل
قد رضي المقتول كلّ الرّضا، ... يا عجبا لم غضب القاتل
__________
(1) يعقل: يؤدي العقل، الدية طله: أهدره.(2/203)
الشوق والأمل
(البسيط)
وجّه الرضي هذه الأبيات إلى الملك بهاء الدولة، في آخر كتاب كتبه إليه وهو بفارس.
وما تلوّم جسمي عن لقائكم، ... إلّا وقلبي إليكم شيّق عجل (1)
وكيف يقعد مشتاق يحرّكه ... إليكم الحافزان: الشّوق والأمل
فإن نهضت فما لي غيركم وطر، ... وإن قعدت فما لي غيركم شغل
لو كان لي بدل ما اخترت غيركم، ... فكيف ذاك، وما لي غيركم بدل
وكم تعرّض لي الأقوام قبلكم ... يستأذنون على قلبي فما وصلوا
لا يرضي الوشاة
(الكامل)
لا تحسبيه، وإن أسأت به، ... يرضي الوشاة، ويقبل العذلا
لو كنت أنت، وأنت مهجته، ... واشي هواك إليه ما قبلا
كيف ارتحالي
(الطويل)
سليمان! دلّتني يداك على الغنى، ... وأجريت لي عزما أغرّ محجّلا
__________
(1) تلوّم: انتظر، تريّث شيّق: كثير الشوق.(2/204)
مددت بضبعي جاهدا، فعقدت لي ... مصادا بأعنان السّماء ومعقلا (1)
وعلّيتني حتّى ظننت بأنّني ... سأعبر من عرض المجرّة جدولا
فكيف ارتحالي عنك غير مزوّد، ... ويا ربّ زاد لا يبلّغ منزلا
ولا سير إلّا أن أشدّ حقيبة، ... أرى ضمنها من ضامر الزّاد أبحلا (2)
وإلّا، فزوّدني ودادك إنّني ... أسلّ على جيش الطّوى منك منصلا
فما صرت حرب الدّهر حتّى رأيته ... يحارب من أمسى وأصبح مرملا (3)
وكنت، إذا ما ناكرتني بلدة، ... فزعت إلى الجرد العناجيج والملا (4)
ومن كان مهجورا كما أنا فيكم، ... فما يستحي الأيّام أن تتبدّلا
يا بني جشم
(الرمل)
أوعيدا، يا بني جشم، ... ننقض الأطناب والحللا (5)
وطرادا في ململمة، ... تستبيح الخيل والإبلا (6)
__________
(1) الضبع: العضد، ومددت بضبعي: أغثتني وأعنتني المصاد: مكان الصيد المعقل: الملجأ.
(2) الحقيبة: الوعاء الذي يضع فيه المسافر زاده الأبحل: الفقر الشديد.
(3) المرمل: الفقير، الجائع.
(4) ناكرتني: جهلتني فزعت: لجأت، أسرعت العناجيج، جمع عنجوج:
الجيد من الخيل والإبل الملا: الصحراء.
(5) بنو جشم: أحياء من مضر واليمن ننقض: نهدم الأطناب، جمع طنب: حبل تشد به الخيمة الحلل، جمع حلة: محلة القوم.
(6) الململمة: الكتيبة المجموعة.(2/205)
ونزاعا لا ورود له، ... يعجم الحوذان والنّفلا (1)
ستراني مسي ثالثة، ... لا أضيف الهمّ إن نزلا
وخفيري في غياهبها ... سابح ضمّنته الأملا (2)
طرب للصّوت تحسبه ... عربيّا يعشق الغزلا
سوف يغشى أرضكم أسد ... يفرس الأيّام والدّولا
لا ينام السّيف في يده، ... ويرى في بابل رجلا (3)
إنّما الدّنيا لمقتدر، ... أين ألقى قوله فعلا
رب قول لا يقال
(مجزوء الكامل)
لا تعذلنّي في السّكو ... ت، فربّ قول لا يقال
كم صامت متوقّع ... أنّى يعنّ له المقال
إنّ التّحمّل نطفة ... أبدا، يرنّقها السّؤال
ما كنت أرغب في الحيا ... ة، وليس لي عزّ ومال
لي، لو علمت، إلى ذرى ال ... علياء آمال طوال
__________
(1) النزاع: الخصام يعجم: يعض، يمضغ الحوذان والنفل: نوعان من النبات تستسيغهما الإبل.
(2) خفيري: حارسي.
(3) بابل: بلدة في العراق الرّجل: الراجل، من يمشي على رجليه.(2/206)
منزل في القلب
(البسيط)
وقائل لي: هذا الطّود مرتحل، ... وهل يخفّ على الأيّام محمله؟
لا يبعد الله من غالت ركائبه ... صبري، وقلقل من دمعي تقلقله
يطيّب النّفس أنّ النّفس تتبعه، ... وكيف يرحل من في القلب منزله
قصدت العلى
(الطويل)
قصدت العلى، والمكرمات سبيل، ... وطلّابها، لولا الكرام، قليل
وكلّ فتى لا يطلب المجد أعزل ... وكلّ عزيز لا يجود ذليل (1)
صبغت الأماني بالمعالي، فلم تحل، ... على أنّ ألوان الظّنون تحول
فأين كموسى، والرّماح شوارع ... إلى الطّعن، والبيض الرّقاق تجول
إذا جرّ أذيال العوالي لمعرك، ... فإنّ جلابيب التّراب ذيول
أخو عزمات لا يكفكف عزمه ... حذار الأعادي، والدّماء تسيل
ولا يستكنّ الرّوع في طيّ قلبه، ... ولا يصحب الصّمصام، وهو كليل
فكلّ فلاة من نوالك لجّة ... وكلّ مكان من رماحك غيل (2)
__________
(1) الأعزل: أراد به الأعزل من الخير، أي البعيد.
(2) النوال: العطاء لجة: بحر.(2/207)
القرب داعية الملال
(الوافر)
عصينا فيك أحداث اللّيالي، ... وطاوعنا المكارم والمعالي
وفيك رجمت أحشاء الأعادي ... بأطراف الذّوابل والنّصال (1)
وعذت بجانبيك من الرّزايا، ... معاذي في الهواجر بالظّلال
دعوتك يوم دافع عنك نحري ... جنايات الصّوارم والعوالي
فما خلب النّوائب منك برقا ... يدلّ على الوفاء، إذا بدا لي (2)
وما هول الفؤاد من التّصافي، ... بعيد من فؤاد فيه خالي
ولم أعلم كعلم بني زماني، ... بأنّ القرب داعية الملال
وأنّك حين تطمع في نضالي، ... وتعلم أنّ لي سبق النّضال
كماش في الهياج بلا حسام، ... وساع في الظّلام بلا ذبال (3)
وإنّي في زماني من رجال ... مزاج ودادهم ماء التّقالي (4)
شمال المال تعلو عن يميني، ... ويمنى المجد تقصر عن شمالي
أقول لهمّتي لمّا أبت لي ... معاتبة الملول على الوصال
أعاتبه لعلّ العتب يشفي، ... وإن كان الزّعيم بكسف بالي
ولو لم يبلغ العتبى بقول، ... لعاتبناه بالبيض الصّقال
رأى العذّال بذل المال طبعي، ... وأسباب الشّجاعة من خلالي
فلم أعذل على خوض المنايا ... ولم أعتب على بذل النّوال
أبت هممي تسيغ الماء صفوا، ... إذا ما الذّلّ حام على الزّلال
أذمّ على العلى ظلما لأنّي ... أعلّ بمائها ظمأ السّؤال
__________
(1) الذوابل والنصال: الرماح والسيوف.
(2) خلب: أخلف.
(3) الهياج: القتال الذبال، جمع ذبالة: الفتيلة.
(4) التقالي: التباغض.(2/208)
وما زلن العواطل كلّ يوم ... من العلياء يذممن الحوالي (1)
ولمّا ماطلت بالحرب سعد ... سننّا الموت فيها بالمطال
أثرنا في قبائلها عجاجا، ... تركنا منه أثرا في الهلال (2)
فمن يهدي لآل تميم عتبي، ... مقيما في ذرى الأسل الطّوال
منحتكم الوداد، فلم تودّوا، ... فألقيت الملام على فعالي
ولست بباسط كفّي لأنّي ... أرى الأفلاك تقصر عن منالي
أشبع الصارم
(الكامل)
إن لم أطع همما، وأعص عواذلا، ... قلبت صوامتها عليّ مقاولا
وأجيع أعياسا، وأشبع صارما، ... وأعلّ خرصانا، وأظمئ صاهلا (3)
ولربّ مصحوب شرقت بلؤمه، ... فلفظته قبل الإساغة عاجلا
ولّيته زجّ القناة موزّعا، ... فكأنّما أعملت فيه عاملا
ومنحته أروى القوافي عاتبا، ... فاكتنّ في جنبيه سمّا قاتلا (4)
وكسوت من مور الملام جنانه ... قبل العقاب، فصار فيه جنادلا (5)
وهززت أغصان المخاوف دونه، ... فاجتاز يحسبها ظبى وذوابلا (6)
__________
(1) العواطل: اللواتي لا يلبسن الحلي، عكسها الحوالي.
(2) الأثر (بالسكون): أراد الأثر بالفتح، فسكن لضرورة الشعر.
(3) الأعياس: العيس، الإبل البيضاء الخرصان: الرماح.
(4) أروى القوافي: أكثرها ريا أكتن: خبّأ.
(5) المور: الغبار المضطرب، التراب تثيره الريح الجنادل: الحجارة.
(6) الظبى: السيوف، جمع ظبة الذوابل: الرماح الليّنة.(2/209)
طال المطال
(الكامل)
وجد القريض إلى العتاب سبيلا، ... فثنى معاذرك الوعور سهولا
ما لي أحرّك من وفائك ساكنا، ... وأهزّ منك إلى الصّفاء كليلا
طال المطال بردّ ودّ لم يزل ... عندي مصونا فيكم مبذولا
فإلى متى ينشي عتابك هبوة، ... وتشنّها قالا عليّ وقيلا (1)
في كلّ يوم غارة ما تنقضي، ... إلّا وتثني سيفه مفلولا
إنّ الّذي قصد المدائح غلّة، ... أحرى بأن يجد الهجاء غليلا
كم من نظام قد نثرن هواجسي ... حتّى نظمت العذر فيه فصولا
وقصائد سدّدتهنّ أسنّة، ... وشهرتهنّ قواضبا ونصولا
جعلت لرقراق السّرور جداولا، ... نحو القلوب، وللهموم سبيلا (2)
أم المنى حامل
(المتقارب)
كتب الشريف الرضي هذه القصيدة إلى بعض أصدقائه وقد وعده في أمر رجل طلب مساعدته فأخّر وماطل.
لعمرك ما جرّ ذيل الفخا ... ر إلّا ابن منجبة باسل
جريء يشيّعه قلبه، ... كما شيّع اللهذم العامل (3)
__________
(1) الهبوة: الغبار.
(2) الرقراق: الصافي العذب.
(3) اللهذم: السنان النافذ.(2/210)
ينال من الطّعن ما يشتهي، ... ويأخذ منه القنا الذّابل (1)
وها أنا ذا غرض بالزّمان، ... فلا عيش يألفه العاقل (2)
وكلّ سرور أرى أنّه ... خضاب على لمّتي ناصل
إذا أنا أمّلت قال الزّما ... ن: أورق حبلك يا حابل (3)
ولا بدّ من أمل للفتى، ... وأمّ المنى أبدا حامل
ودهر يتابع أحداثه، ... كما تابع الطّلق النّابل
فذاك، أبا حسن، في السّما ... ح من لا يلمّ به السّائل
لئيم تملّس منه العلى، ... ويأنف من يده النّائل (4)
فمثلك من لا يني وبله، ... إذا استمطر البلد الماحل (5)
فما هزئت بقراك الضّيوف، ... ولا ذمّ منزلك النّازل
وكم لك من همّة يستطيل ... بها العضب والأزرق العاسل (6)
ووعد تنفّره بالعطا ... ء كالعام أزعجه القابل
وأفوه بادرته بالمقال، ... وقد لجّج الذّرب القائل (7)
فرجّع في حلقه غصّة، ... كما رجّع الجرّة البازل (8)
لك الخير، وعدك لا يقتضى ... وإن حال من دونه حائل
__________
(1) القنا الذابل: الرمح الليّن.
(2) الغرض، من غرض منه: مل بالزمان: الباء بمعنى من.
(3) الحبل (بسكون الباء): أصلها الحبل (بفتح الباء) وسكن للضرورة:
شجر العنب الحابل: الصائد بالحبالة.
(4) تملس: تتفلّت.
(5) لا يني وبله: لا يخف مطره.
(6) العضب: السيف القاطع الأزرق العاسل: الرمح المضطرب.
(7) الأفوه: الواسع الفم لجّج: خاض اللجّة الذرب: الفصيح، الحاد اللسان.
(8) الجرّة: ما يفيض به البعير فيأكله ثانية.(2/211)
ولا ضير بعد مجيء الغما ... م، إن أبطأ الوابل الهاطل
ومطل الكريم سريع الزّوا ... ل، كالظّلّ ريعانه زائل (1)
وأنت، وإن كنت بحر السّما ... ح، فخير مواهبك العاجل
وما صدق وعدك إلّا حلى ... مكرّمة، جيدها عاطل
خمر صافية
(مجزوء الكامل)
راح يحول شعاعها ... بين الضّمائر والعقول
فكأنّها في كأسها، ... واللّيل منسحب الذّيول
ماء الهجير مرقرقا، ... في سرّة الظّلّ الظّليل (2)
مهجة مبذولة
(الطويل)
سأبذل دون العزّ أكرم مهجة، ... إذا قامت الحرب العوان على رجل (3)
وما ذاك أن النّفس غير نفيسة، ... ولكن رأيت الجبن ضربا من البخل
وما المكرهون السّمهريّة في الطّلى ... بأشجع ممّن يكره المال في البذل (4)
__________
(1) ريعانه: أوّله.
(2) السرة: مستقر الماء.
(3) المهجة: النفس، بقية الروح العوان: التي قوتل فيها مرّة بعد أخرى.
(4) السمهرية: الرماح الطلى: الأعناق.(2/212)
وجه كظهر المجن
(المنسرح)
زللت في وقفتي على طلل ... بال، فمن عاذري من الزّلل؟
لمّا تأمّلت قبح صورته، ... رجعت أبكي دما على أملي
وجه كظهر المجنّ مشترق ال ... حسن، وأنف كغارب الجمل
قوارص لفظ
(المتقارب)
أبيعك بيع الأديم النّغل، ... وأطوي ودادك طيّ السّجل (1)
وأنفض ثقلك عن عاتقي، ... فقد طال ما أدتني يا جبل (2)
قوارص لفظ كحزّ المدى، ... وشذّان لحظ كوقع الأسل (3)
تبدّلت منّي، ولو ساءني ... لقلت إذا لا هناك البدل
فكيف، وكنت على السّاعدي ... ن جامعة، وعلى الجيد غلّ (4)
وما عطل المرء يزري به، ... إذا كان طوق وريديه صلّ (5)
نصبت الحبالة لي طامعا، ... لقد خاب ظنّك يا محتبل
__________
(1) الأديم: الجلد النغل: الفاسد السجل: الكتاب.
(2) أدتني: أجهدتني.
(3) الشذان: ما تفرّق من الحصى، استعارة للنظر المتوزع النافذ الأسل:
الرماح.
(4) الجامعة: الغل، لأنها تجمع اليدين الى العنق الغل: طوق من حديد يجعل في العنق.
(5) الوريدان: عرقان في العنق الصل: الحيّة.(2/213)
ولم تدر أنّي جريّ الوثوب، ... إذا الحبل مرّ بجنبي نصل
وأمّلت ما عكسته الخطوب ... سفاها أجرّك هذا الأمل
لقد كدت أن تستزلّ الأديب، ... ولكن تحامل سمع أزلّ (1)
أفخرا، فحسبي بما قد أطا ... ل باعي وأنزلني في القلل (2)
وإنّ أذلّ الأذلّين من ... يريع ببضع النّساء الدّول (3)
حملت بقلبي حمل الجموح، ... كما قطع الصّعب ليّ الطّول (4)
نجوت، ومن ينج من مثلها ... يعش آمنا بعدها من زلل
وغادرت غيري تحت الهوا ... ن يضرب ضرب عراب الإبل (5)
جهل الزمان
(الوافر)
أصر الشريف الرضي على الاستعفاء من النقابة فأعفي وأعطيت لمن طلبها. فنظم في ذلك هذه القصيدة في ذي القعدة سنة 384.
تطاط لها، فيوشك أن تجلّى ... وولّ جنون دهرك ما تولّى
ولا تكل الزّمان إلى عتاب، ... فلا يدري الزّمان أساء أم لا
خبوط باليدين يشتّ شملا ... جميعا، بالنّوى، ويلمّ شملا
__________
(1) السّمع: ولد الذئب من الضبع الأزل: الخفيف الوركين.
(2) القلل: القمم.
(3) يريع: يخيف البضع: من الثلاث الى التسع.
(4) اللّي: الفتل الطول: الحبل يشد به قائمة الدابة ويمسك طرفه، وترسل لترعى.
(5) العراب: الإبل الكريمة.(2/214)
يعرّي الغارب الأعلى ويحذي ... عظيم العزّ والخطر الأظلّا (1)
فقدتك من زمان كلّ فقد، ... وفعلك ما أخسّ وما أذلّا
أمثلي يستضام وما ترى لي، ... إذا عرض العيان، بنيك مثلا؟
فحسبك قد حملت على مطيق ... شآك تجلّدا، وشجاك حملا (2)
محمّد طال ما شمّرت فيها، ... فدونك فاسحب الذّيل الرّفلّا (3)
ونم مستودعا صونا وأمنا، ... فقد أسلفتها جزعا وذلّا
فإن أتبعت هذا الأمر لهفا، ... فإنّك أعزب الثّقلين عقلا (4)
يراه المستغيرّ عليّ طوقا، ... فيغبطني به، وأراه غلّا
وما حطّ الأعادي لي محلّا، ... ولكن حطّ عنّي الدّهر كلّا (5)
فإن أخذوا الأقلّ من المعالي، ... فقد تركوا من الصّون الأجلّا
خذوا منّي بذي جلب ثقال، ... بعيد أن يخفّ وأن يزلّا (6)
هوت أمّ الخطوب إلى التّساقي، ... وقد أفنيتها نهلا وعلّا
وكيف يضائل الحدثان منّي ... وقد ضاءلته حتّى اضمحلا (7)
سجيّة مستميت لا يبالي، ... من العليا يعطّل أم يحلّى
أنا الرّجل الذي علمت نزار، ... أجلّ مغارسا وأعزّ نجلا
أمرّ على لهى الأضداد طعما، ... وأنفذ في طلى الأعداء نبلا (8)
__________
(1) الخطر الأظل: الخطر الداني.
(2) شآك: سبقك.
(3) الرفل: الطويل الذيل.
(4) أعزب: أبعد الثقلان: الانس والجن.
(5) الكل: الثقب، التعب.
(6) ذو الجلب الثقال: الجيش العظيم الجلبة، الذي يثقل زحفه لكثرته.
(7) حدثان الدهر: مصائبه يضائل: يصغر.
(8) اللهى، جمع لهاة: لحمة مشرفة على الحلق في مؤخر الفم الطلى:
الأعناق.(2/215)
أليس أبي أبي حسبا وفخرا، ... وباعا واسعا، وعلى، ونبلا؟
وقبلك أوقر الأيّام مجدا، ... وأوضع بالعلى حتّى أكلّا (1)
فإن يقعد فقد طلب المعالي ... فعلّقها، وأوصلها، وملّا
ونفسي ما علمت، ولي جنان، ... أبى لي أن أهان وأن أذلّا
فلم آسي وقد أحرزت مجدا ... كفاني ما يبلّغني المحلّا
إذا خلت المنازل للمولّي، ... فيا سرعان ما عزل المولّى
وبينا أن يقولوا قد تملّى ... بها، حتّى يقولوا ما تملّى
بمالك نلتها، وكفاك عارا، ... فألّا نلتها بالمجد ألّا؟!
فمن وجد الطّريق إليّ صعبا، ... فقد وجد الطّريق إليك سهلا
وهل في ذاك إلّا أن يقولوا: ... تسبّب مكثر غلب المقلّا
وما لك مطعم فيها، لأنّي ... تركت عليك فضلا قد أظلّا
تهلّل، إذ أصبت بها حبيبي، ... ولو غيري أصيب بها استهلّا (2)
شفى بلباسها غلّا قديما، ... وعدت بنزعها، فشفيت غلّا
فإن يك نالها، فلقد أنفنا، ... فأرخصنا بقيمتها، وأغلى
فلم يك جوده في ذاك جودا، ... ولم يك بخلنا في ذاك بخلا
فما المغبون إلّا من تولّى، ... وما المغبوط إلّا من تخلّى
اشتر العز
(مجزوء الرمل)
اشتر العزّ بما بي ... ع فما العزّ بغال
بالقصار الصّفر، إن شئ ... ت أو السّمر الطّوال
__________
(1) أوقر: حمل حملا ثقيلا.
(2) استهل: رفع صوته بالبكاء.(2/216)
ليس بالمغبون عقلا ... من شرى عزّا بمال
إنّما يدّخر الما ... ل لحاجات الرّجال
والفتى من جعل الأم ... وال أثمان المعالي
غزال مماطل
(الهزج)
بحيث انعقد الرّمل ... غزال دأبه المطل
جرور للمواعيد، ... فلا منع، ولا بذل
ولو صرّح باليأس، ... أبى وجدي أن أسلو
لئن آيسني الصّدّ، ... لقد أطمعني الدّلّ (1)
له عينان تبرى من ... هما للأعين النّبل
سواء بهما الإحيا ... ء للواجد، والقتل
أمنك الظّعن الغادو ... ن زمّت لهم الإبل
كما أشرقت الدّوم ... ضحى، أو طلع الرّقل (2)
جلا عنها طراق اللّي ... ل، واقلولى بها الهجل (3)
وفيها القضب الرّيّا ال ... نّدى، والقضب الجذل (4)
ألّا لله كم ترش ... ق فينا الأعين النّجل
وتصبينا ديار الح ... يّ إن ساروا وإن حلّوا
فذي الدّار، إذا تغنى، ... وذي الدّار، إذا تخلو
__________
(1) آيسني: حملني على اليأس.
(2) الدوم: شجر يشبه النخل الرقل، جمع رقلة: النخلة الطويلة.
(3) طراق: تتابع اقلولى: انكمش الهجل: المطمئن من الأرض.
(4) الجذل: ما عظم من أصول الشجر.(2/217)
خلعنا طاعة الحبّ، ... فلا عهد ولا إلّ (1)
إذا ما نفع الجهل، ... فإنّ الضّائر العقل
فإمّا ترينّي اليو ... م يبلوني الّذي يبلو
صراعا للزّمان العو ... د أغلوه كما يغلو (2)
تقيت الشّوك بالنّعل، ... فشاكت قدمي النّعل
فقد أنهز بالثّقل، ... إذا ما عظم الثّقل (3)
وأنزو نزوة الباز ... ل لا يبركه الحمل (4)
فقد ينهتك الحيّ، ... وفيه البيض والذّبل (5)
وقد ينتصر الواحد ... لا مال، ولا أهل
يضام العدد الكثر، ... ويأبى العدد القل
أخلّائي ببغداد ... جنى دونكم الرّمل
وحالت دون لقياكم ... زحاليف القنا الزّلّ (6)
لقد كنت شديد الضّ ... نّ أن ينقطع الحبل
وأن ينصدع الشّع ... ب الذي لوئم، والشّمل
ولكنّي رعيت الأر ... ض ما طاب لي البقل
وعجّلت النّوى لمّا ... فشا اللأواء والأزل (7)
ومن أنزله خصب ال ... رّبى أظعنه المحل
ولا عار على المات ... ح أن يغلبه السّجل (8)
__________
(1) الإل والعهد: الوفاء.
(2) العود: القديم.
(3) أنهز: أنهض.
(4) أنزو: أقفز البازل: البعير البالغ الذي برز نابه.
(5) البيض والذبل: السيوف والرماح.
(6) الزحاليف، جمع زحلوفة: كل منحدر مملّس يتزلج عليه الصبيان.
(7) اللأواء والأزل: الضيق والشدّة.
(8) الماتح: الذي يستقي الماء من البئر السجل: الدلو العظيمة.(2/218)
نداماي على الهمّ ... سقى عهدكم الوبل
وحيّاكم بريّاه، ... جديد النّور مخضلّ (1)
تذكّرتكم، والدّم ... ع لا وبل ولا طلّ
فما أخلفكم جار ... من الماقين منهلّ
وفي الأيّام ما يسلي، ... ولكن أين ما يسلو
أبى لي طاعة الضّيم ... مضاء القلب والنّصل
وإنّي من مناجيب ... لهم أنف، إذا ذلّوا
لئن عدت إلى الضّيم، ... فلا رحب، ولا سهل
وإن جزت عن العزّ، ... فلا جاوزني الذّلّ
هي البيداء والظّلما ... ء والنّاقة والرّحل
شراء الموت للعزّ ... ببيع الضّيم لا يغلو
وإنّ الجانب الوعر ... عليّ الجانب السّهل
عز بسيف
(الرجز)
أغرّ أيّامي منّي ذا الطّلل، ... وأنّها ما حمّلتني أحتمل
وأنّني بقيّة البزل الأول، ... قد يجسر العود على طول العمل (2)
شيب وما جزت الثّلاثين نزل ... نزول ضيف ببخيل ذي علل
يصرف عنه السّمع إن رغا الجمل، ... ولا يقول إن أناخ: حيّ هل (3)
كأنّه لمّا طرا على عجل ... سواد نبت عمّه بياض طلّ (4)
__________
(1) النّور: الزهر الأبيض المخضل: الندي.
(2) يجسر: يجترئ، يقدم على العمل العود: المسن من الإبل.
(3) حي هل: هلم.
(4) طرا: خرج فجأة.(2/219)
يجيء بالهمّ، ويمضي بالأجل، ... فأوه إن حلّ، وواها إن رحل
أبدل من الشّباب لا بدل، ... سرعان ما رقّ الأديم ونغل (1)
هل ينفعنّي في الوهاد والقلل ... مدّ العلابيّ من النّوق الذّلل (2)
في فتية عوّدهم جوب السّبل ... أن يشربوا ماءهم على المقل (3)
ينضون باللّيل غلالات الكسل، ... ويستسلّون الكرى من المقل (4)
إذا دعوا للطّعن والخطب جلل ... حسبت أيديهم من القنا الذّبل
يبقون آثارا من الطّعن نجل ... من كلّ فوهاء كما ضغّ الوعل (5)
يطمع في حاملها السّمع الأزلّ، ... يقول من عاينها من الوجل (6)
كذا الطّعان لا عمى ولا شلل ... في كلّ يوم أنا مخماص الأصل (7)
آكل بالميس غوارب الإبل، ... أهدم ما يبني السّنام والكفل (8)
بين عجاريف العنيق والرّمل، ... مشتملا برد الجنوب والشّمل (9)
وطالعا مع الشّميط ذي الشّعل، ... وغاربا مع الظّلام والطّفل (10)
تعرّضا للرّزق والرّزق أشلّ، ... وشنج الكفّ، إذا قيل بذل
__________
(1) البدل: الخلف الأديم: الجلد نغل: فسد.
(2) العلابي، جمع علباء: عصب في العنق.
(3) المقل: الحصى يقسم عليه الماء في السفر، فتوضع الحصاة في الاناء ثم يصبّ عليه ما يغمر الحصاة.
(4) ينضون: يخلعون، ينزعون.
(5) النجل: سعة العين الفوهاء: الواسعة الفم الضغ: من الضغضغة وهي أن يتكلم الرجل فلا يبيّن كلامه.
(6) السّمع: ولد الذئب من الضبع الأزل: السريع.
(7) المخماص: الضامر الأصل، جمع أصيل: العشي.
(8) الميس: الرحل المصنوع من خشب الميس.
(9) العجاريف، من العجرفة والعجرفية: السرعة في المشي العنيق: المنبسط من السير الرمل: الهرولة.
(10) الشميط: الصبح الطّفل: الظلمة.(2/220)
رد ما سقاك الدّهر علّا ونهل، ... وما حذتك النّائبات، فانتعل
ما دمت جثّاما على نضو الإبل ... مسوّفا في كلّ يوم بالرّحل (1)
من لم يعان الغزو لم يعط النّفل، ... قد انقضى العمر وأنت في شغل (2)
فاجسر على الأهوال إن كنت رجل، ... ونل بأطراف القنا ما لم ينل
من طلب العزّ بغير السّيف ذلّ، ... وامش إلى المجد ولو على الأسل
وانج من الهون كما ينجو البطل، ... من لم يئل من بعدها فلا وأل (3)
أيام الشباب
(الوافر)
لحبّ إليّ بالدّهناء ملقى ... لأيدي العيس واضعة الرّحال
مناخ مطلّحين تقاذفتهم ... غريب الحاج والهمم العوالي (4)
أراحوا فوق أعضاد المطايا، ... قد افترشوا زرابيّ الرّمال (5)
فبين ممضمض بالنّوم ذوقا، ... وبين مقيّد بعرى الكلال (6)
إلى أن روّع الظّلماء فتق ... أغرّ كجلحة الرّجل البجال (7)
فقاموا يرتقون على ذراها ... سلاليم المعالق والجبال
وأرقني دعاء الورق فيها، ... على جرح قريب الاندمال
__________
(1) جثاما: ملازما المكان النضو: المهزول من الأبل.
(2) النفل: الغنيمة.
(3) يئل: ينجو.
(4) المطلّحون: المتعبون الحاج: جمع حاجة.
(5) زرابي: بسط.
(6) الممضمض: الذي دب النعاس في عينيه الكلال: التعب.
(7) الجلحة: انحسار الشّعر البجال: الشيخ الكبير، السيد العظيم.(2/221)
تذكّرني بسالفة اللّيالي، ... وسالفة الغزالة والغزال
وأيّام الشّباب مساعفات، ... جمعن لنا وأيّام الوصال
كأنفاس الشّمول كرعت فيها ... على ظمإ وأنفاس الشّمال
أقول لها، وقد رنّت مراحا، ... لبالك يا حمامة غير بالي
تباعد بيننا من قيل شاك ... تعلّق بالغرام، وقيل سالي
تريع إلى درادق عاطلات، ... وهنّ بعيد آونة حوالي (1)
لها صنع يطول على طلاها، ... قلائد لا تفصّل باللآلي (2)
عوار لا تزال الدّهر حتّى ... تجلّلها بريط غير بالي (3)
وكلّ أزيرق قصرت خطاه، ... كشيخ الحي طأطأ للعوالي (4)
مراحك قبل طارقة المنايا، ... وقبل مردّ عادية اللّيالي
مطاله يبلي
(الرجز)
أقول، والهمّ زميل رحلي، ... يعرقني مطاله ويبلي (5)
ولا أرى من زمني ما يسلي، ... من يشتري مني جميع فضلي (6)
بساعة من عيش أهل الجهل، ... كنت أرى العقل نفاق مثلي
فصار أدنى ضائر لي عقلي
__________
(1) تريع: ترجع الدرادق: الأطفال، جمع دردق.
(2) الصنع: الثوب الذي يصنع طلاها: أعناقها.
(3) الريط، جمع ريطة: ثوب من قطعة واحدة.
(4) الأزيرق، مصغر أزرق: البازي.
(5) الزميل: الرديف يعرقني: يأكل لحمي مطاله: تسويفه.
(6) يسلي: ينسي، يعزّي.(2/222)
طال هزي
(الطويل)
لقد طال هزّي من قوائم معشر ... كلال الظّبى لم أرض من بينها نصلا (1)
رجال، إذا ناديتهم لصنيعة، ... وجدتهم ميلا عن الجود أو عزلا (2)
إذا جشّموا النّزر القليل رأيتهم ... يعجّون من لؤم وما حمّلوا ثقلا (3)
على النّفس أثني بالملام لأنّني ... نحلت وسوم الخيل أحمرة غفلا (4)
وحمّلت أمطاء البكار مآربي، ... ولمّا أحمّلها المصاعب والبزلا (5)
يشيع لئيم القوم ذو الجهل لؤمه، ... ويستر بعض اللّؤم من صحب العقلا
ألا ربّما أرقي اللّئيم، فينثني، ... وأعضلني من يجمع اللّؤم والجهلا (6)
حبالى بموعود العطاء تجرّمت ... شهورا وأعواما وما طرقوا حملا (7)
تواصوا بمطل الوعد ثمّ تجاسروا ... على اللّؤم حتى جانبوا الوعد والمطلا
ذنابى قصار لا يزيدون بسطة، ... وإن ركبوا يوما ظننتهم رجلا
فشتّان أنتم والمسيلون للجدا، ... إذا عدم العام النّدى روّضوا المحلا (8)
يكونون للوبل الغماميّ إخوة، ... فإن ضنّ عن أوطانه خلفوا الوبلا
يبيتون غرثى يعلكون سياطهم، ... وقد طردوا عنّا المجاعة والأزلا (9)
__________
(1) الظبى: السيوف، جمع ظبة.
(2) ميلا: بعيدين، ساقطين، مائلين.
(3) جشموا: كلفوا من مشقة يعجّون: يصيحون.
(4) نحلت وسوم الخيل أحمرة غفلا: بدّلت الجياد الأصيلة النبيهة بالحمير المغفلة.
(5) الأمطاء، جمع مطا: الظهر البزل، جمع بازل: البعير الذي طلع نابه.
(6) أعضلني: ضيّق علي، أزعجني.
(7) الحمل: الجنين الذي تحمله المرأة.
(8) الجدا: العطاء الندى: العطاء، الخصب.
(9) غرثى، من غرث: جاع الأزل: الداهية.(2/223)
حياض معان الماء غادية الحيا، ... يدلّ عليها الخابطان، إذا ضلّا (1)
يذودون عنها للغريب سوامهم، ... ولو أنّهم شاؤوا القذى وردوا قبلا
إذا سالموا لم يمنعوا النّصف طالبا ... وإن طاعنوا الأقران لم يعرفوا العدلا
إذا فغرت شوهاء من جانب العدا ... على غير نذر لقّموها القنا الذّبلا (2)
ثقال بأيديهم، خفاف كأنّما ... أطاروا إلى الأعداء من روسها نخلا
كأنّ طروق الحيّ يخرج منهم، ... إذا غضبوا، الدّاء المجنّة والخبلا
إذا ما دعوا خلت الرّياح عواصفا، ... تهيل ثرى من جانب الغور أو رملا
ينادي الفتى باللّيل موقد ناره، ... حباب القرى، ظاهر لها الحطب الجزلا (3)
ويا راعي الكوماء للسّيف ظهرها، ... فضع عن بوانيها الحويّة والرّحلا (4)
فأولاء قومي لا الذين مقالهم ... لباغي النّدى أو طارق اللّيل: لا أهلا
تعرّضت للعرّيض
(الطويل)
إذا رابني الأقوام بعد ودادة، ... لبست القلى نعلا بغير قبال (5)
وأغبطت رحل الهمّ في ظهر عزمة ... مواشكة من عجرف ونقال (6)
وما كنت إن فارقت حيّا ذممته، ... بطول نزاعي أو تحنّ جمالي
__________
(1) معان الماء: ظاهره الخابطان: السائران ليلا على غير هدى.
(2) فغرت: فتحت فاها الشوهاء: صاحبة الشدقين الواسعين النذر: العلم.
(3) حباب القرى: طعام الضيافة الجزل: السريع الاشتعال.
(4) الكوماء: الناقة العظيمة السنام البواني: الأضلاع الحويّة: كساء محشو حول السنام.
(5) القلى: البغض القبال: زمام النعل.
(6) النقال: الاسراع في السير.(2/224)
إذا علموا منّي علاقة وامق، ... فلا يأمنوا يوما نزاعة سالي (1)
أأذهب عن قوم كرام أعزّة، ... إلى جذم قوم عاجزين بخال (2)
كمن بادل الإجلاء في العين بالقذى، ... وآب بداء لا يطبّ عضال
ينازعني الأحساب مستضعف القوى، ... له عن رهان المجد أيّ عقال
إذا مغرم غادى اتّقاه بعرضه ... أمام يديه، واتّقيت بمالي
يمدّ يدا مخبولة لينالني، ... وقد أعجز الأيدي الصّحاح منالي
تعرّضت للعرّيض حتى علقته، ... بأظفور أقنى ذي ندى وظلال (3)
ومن لم يدع إيقاد نار بقرّة، ... فلا بدّ يوما أن يجيء بصالي (4)
وإنّي على بعد برمي قوارصي، ... لأرغب جرحا من رميّ نبالي (5)
يشكّك فيّ النّاظرون: أفلّه ... غرار مقالي أم غرار نصالي؟
لئن أطمع الأقوام حلمي، فربّما ... أخافهم، بعد الأمان، صيالي
وليس قبوع الصّلّ مانع وثبه، ... إذا نال منه والغ بمنال (6)
تريني الدل
(الوافر)
غدت عرسي تجرّم لي ذنوبا، ... وذنبي عندها ذنب المقلّ
تريني الدّلّ عمدا، وهو فرك، ... وهيهات الفروك من المدلّ (7)
__________
(1) وامق: محب النزاعة: ما نزعته بيدك وألقيته.
(2) الجذم: الأصل.
(3) العرّيض: الذي يتعرض للناس أظفور أقنى: ظفر عقاب.
(4) القرّة: البرد الصالي: طالب الدفء.
(5) قوارصي: كلامي المؤلم الجرح الرغيب: الواسع.
(6) القبوع: التواري الوالغ: الكلب.
(7) الدل: تدلل المرأة الفرك: البغض بين الزوجين.(2/225)
هززت المواضى
(الطويل)
أبى الله أن تأتي بخير، فترتجى ... فروع لئام قد ذممنا أصولها
إذا الدّار من قبل العفاء نبت بنا، ... فكيف نرجّي للمقام طلولها
هززت المواضي فانثنت عن ضرائبي، ... فما أربي في أن أهزّ كليلها
إذا قيل: بيت الفخر كنتم ضيوفه ... وإن قيل: دار اللّؤم كنتم حلولها
وقولة خزي فيكم تستفزّني، ... وأعلم أن لا بدّ من أن أقولها
لا تقربنّ الغاب
(الطويل)
وذي ضغن معسولة كلماته، ... ومسمومة تترى إلى القلب نبله (1)
عركت بحلمي جهله، فكددته ... عراكا إلى أن مات حلمي وجهله
ركبت ظراب اللّابتين على الحفا، ... وغيرك لم تسلم عليهنّ نعله (2)
لقد أوعر النّهج الذي أنت خابط، ... فقف سالما حيث انتهى بك سهله (3)
لأشفي مريض الودّ بيني وبينكم، ... وعاود نكسا بعد برء مبلّه (4)
وكان الأذى رشحا فقد صار غمرة، ... وأوّل أعداد الكثير أقلّه
نهيتك عن شعب عسير ولوجه ... بذي الرّمث قد أعيا على النّاس صلّه (5)
__________
(1) الضغن: الحقد تترى: تتجه.
(2) الظراب، جمع ظرب: ما نتأ من حجارة اللابتان، مثنى لابة: الأرض ذات الحجارة السوداء.
(3) الخابط: الضارب في الليل على غير هدى.
(4) المبل، من أبل من مرضه: شفي.
(5) الرمث: نوع من النبات، وهو هنا اسم موضع.(2/226)
وبيت كلصب الأري لا تستطيعه ... صدور الطّوال الزاعبيّات نحله (1)
فلا تقربنّ الغاب يحميه ليثه، ... ودع جانبا وعرا على من يحلّه
كأنّ على الأطواد من نزع بيشة، ... رصيد طريق ضلّ من يستدلّه (2)
تلفّع في ثني عباء مشبرق، ... أصابيغ ألوان الدّماء تبلّه (3)
قصاقصة ما بات إلّا على دم، ... تمضمض منه عرسه ثمّ شبله (4)
أخو قنص كفّاه كفّة صيده، ... إذا جاع يوما والذّراعان حبله
يشقّق عن حبّ القلوب بمخصف ... أزلّ كما جلّى عن الرّمح نصله (5)
كخارز مقدود الأديم رأيته ... يبين عن الإشفى وطورا يغلّه (6)
قليل ادّخار الزّاد يعلم أنّه ... متى ما يعاين مطعما، فهو أكله
تصدّع عن همهامة الخيل والقنا ... صياحك في أعقاب طرد تشلّه (7)
له وقفة المجزاع ثمّ تجيزه ... حفيظة مجموع على الرّوع شمله (8)
ومستوقدات من لظى العار أجّجت ... لها حطبا لا ينقضي الدّهر جزله (9)
تورّدها قوم، فطاحوا جهالة، ... وكان عقال المرء عنهنّ عقله
وطوق من المخزاة فيكم عقدته، ... ألا إنّ عقد العار يعجز حلّه
مضغتكم بالذّمّ، ثمّ لفظتكم، ... وما كلّ لحم يعجب المرء أكله
__________
(1) اللصب: الشق الصغير في الجبل الأري: العسل الزاعبيات: الرماح.
(2) بيشة: مأسدة على طريق اليمامة رصيد الطريق: السبع يترصد.
(3) تلفّع: التحف المشبرق: المقطع، الممزق.
(4) القصاقصة: الغليظ، وهو نعت للأسد تمضمض، تتمضمض: لا تحتمل ما يزعجها.
(5) المخصف: مخرز الاسكافي.
(6) الأديم: الجلد يبين: يفارق الإشفى: المثقب يغلّه: يدخله.
(7) الهمهامة: القطيع تشلّه: تطرده.
(8) المجزاع: الكثير الخوف الروع: القلب.
(9) الجزل: الحطب اليابس والسريع الاشتعال.(2/227)
شغلت بكم قولي، وعندي بقيّة، ... وقد يردف الظّهر الذي آد حمله (1)
فلا تفتقد خلّا يسوءك بعضه، ... وإن غاب يوما عنك ساءك كلّه
إذا شئت أن تبلوا أمرأ كيف طبعه ... فدعه، وسائل قبلها كيف أصله
تغير القلب
(البسيط)
تغيّر القلب عمّا كنت تعرفه ... أيّام قلبي دار منك محلال
وأدبر الودّ ما بيني وبينكم، ... وللمودّات إدبار وإقبال
ما كنت صبّا فما في النّاس لي بدل، ... وإن سلوت فكلّ النّاس أبدال
لوم وعذر
(الطويل)
ولمّا بدا لي أنّ ما كنت أرتجي ... من الأمر ولّى، بعد ما قلت أقبلا
تلوّمت بين اللّوم والعذر ساعة، ... كذي الورد يرمى قبل أن يتبدّلا
فلمّا رأيت الحلم قد طار طيرة، ... ولم أر إلّا أن ألوم وأعذلا
رجعت أولّي عاثر الجدّ لومها، ... فلا قام بين العاثرين ولا علا
ألعّنه مستثنيا من عنانه، ... كردّك في الغمد الكهام المفلّلا (2)
وأعفيت من لومي أمرأ ما وجدته ... مليما، ولا بابا عن الجود مقفلا
لجدّي إذا باللّوم أولى من الحيا، ... ومن ذا يلوم العارض المتهلّلا (3)
__________
(1) آد: اشتد وقوي.
(2) الكهام: السيف الكليل المفلل: المثلّم.
(3) العارض المتهلل: الغيم المتراخي والماطر.(2/228)
أطعني ولا تقبل
(المتقارب)
أشمّ ببابل بوّ الصّغار، ... ولو أنا بالرّمل لم أفعل (1)
وألقى التحيّات من معشر، ... كما ارتجم الحيّ بالجندل
وأنزل في القوم أقلالهم، ... ولولا الحضارة لم أنزل (2)
ولو كنت راكب هذا الجواد ... بوادي القرينة لم أرحل (3)
ولو مدّ لي طنب بالفلا، ... حماني لداغ القنا الذّبّل
وأسرة عزّ طوال القنا، ... إذا نزل الذّلّ قالوا: ارحل
مهجّنة أصطلي نارها، ... وعزّ على الرّجل المصطلي
ولو شوّر السّيف في مثلها، ... لقال: أطعني ولا تقبل (4)
فلو كنت من شاهديها رأي ... ت هويّ الرّؤوس على الأرجل
مقام يدنّس عرض الأبيّ، ... ويلعب بالقلّب الحوّل (5)
ولو كنت ذا همّة حرّة، ... لرحّلني الضّيم عن منزلي
وكيف تقلّب ذي همّة، ... وقد لزّ بالقرن الأطول (6)
أآبى، ولا حدّ أسطو به، ... وأين الإباء من الأعزل
ترى الجاهليّة أحمى لنا، ... وأنأى عن الموقف الأرذل
فلولا الإله وتخوافه، ... رجعنا إلى الطّابع الأوّل (7)
__________
(1) بابل: اسم موضع في العراق البو: جلد يحشى تبنا لتعطف عليه الناقة اذا مات ولدها الصغار: الذل الرمل: اسم موضع.
(2) أقلالهم: كبارهم، أرفع مكان بينهم.
(3) القرينة: اسم موضع.
(4) شوّر: من المشاورة.
(5) القلّب الحول: البصير بتقليب الأمور وتحويلها.
(6) لز: شد القرن: الحبل.
(7) الطابع: السجية، الطبع.(2/229)
يا غريمي
(السريع)
إيّاك عنه عذل العادل، ... قلب الفتى في شغل شاغل
دعني ومن يسلبني مهجتي، ... ما أطلب العون على قاتلي
ويا غريمي بعقيق الحمى، ... حصلت من حقّي على الباطل
يعجبني مطل غريم الهوى ... لطول تردادي إلى الماطل
وطارق للشّيب حيّيته، ... سلام لا الرّاضي ولا الجاذل (1)
أجرى على عودي ثقاف الهوى، ... جري الثّقافين على الذّابل (2)
واعدني عقر مراحي له، ... لا درّ درّ الشّيب من نازل (3)
فاليوم لا زور ولا طربة، ... نام رقيبي، وصحا عاذلي
يا راكب الوجناء مصبوبة ... على الملا كالصّدع العاقل (4)
كأنّما يرمي جلاد الصّفا، ... بأوب رجلي ذرع جافل (5)
راعت حصى نجد بأخفافها ... بعد التزامي بثرى بابل
أبلغ قويما كثروا قلّة، ... بعد مضيّ السّلف الرّاحل
كانوا صفاء الكأس، ثمّ انجلوا ... من البواقي عن قذى ثافل (6)
زال نجوم، عرفوا بعدهم، ... وفي التّفاني نبه الخامل
ضرورة حمت على وردكم، ... لمّا خطاني مطر الوابل
__________
(1) الجاذل: الفرحان.
(2) الثقاف: ما تقوم به الرماح الذابل: الرمح الليّن.
(3) المراح: شدّة الفرح والنشاط.
(4) الوجناء: الناقة الشديدة الملا: الفلاة الصدع: الفتي القوي العاقل:
الصاعد.
(5) الجلاد: الصلاب الصفا: الصخرة الملساء الأوب: حركة القوائم ذرع: ولد البقرة الوحشية.
(6) ثافل: مستقر، باق.(2/230)
لا يركب النّاهق ذو أربة، ... إلّا إذا ردّ عن الصّاهل
أغمدتموني بعد صقل الشّبا، ... إغماد لا الماضي ولا القاصل (1)
وحاجة السّيف إلى ضارب، ... يوم المنايا، لا إلى صاقل
لا تحسن النّيقة في قاطع ... من ليس للقاطع بالحامل (2)
آليت أن أحدو بأعراضكم ... حدو أبي عروة بالجامل
وسوف أحمي لكم ميسما ... ينبش منه وبر البازل (3)
إذا انبرى للجلد أبقى له ... علطا من الزّور إلى الكاهل (4)
أطواق عار إن تقلّدتها ... حسدت منها عنق العاطل (5)
أرسلها هزلا وأرمي بها ... ما بلغ الجدّ من الهازل
يعشو إليها كلّ ذي ناظر، ... كالنّار فوق الشّرف القابل
قول كأنياب صلال النّقا، ... تشاك منه قدم النّاعل
أسرع في النّاس، إذا قلته، ... من خبر السّوء إلى النّاقل
لا تنكروا السّيل، إذا كنتم ... على طريق اللّجب الهاطل (6)
قل لأبي العوّام مستدفعا ... به جماح القدر النّازل
يا نجوة الخائف من دهره، ... ويا ثقاف الخطل المائل (7)
جذبت حبلي من يدي قاطع، ... فامدد له منك يدي واصل
هيهات ما غيمك بالمنجلي، ... يوما، ولا ظلّك بالزّائل
__________
(1) الشبا، جمع شباة: حد كل شيء القاصل: القاطع.
(2) النيقة: التجوّد، التنوّق. يقال: تنيّق في مطعمه وملبسه أي تجوّد وتكارم القاطع: السيف.
(3) الميسم: المكواة البازل: الجمل الذي برز نابه.
(4) العلط: الوسم.
(5) العنق العاطل: الذي لا حلى فيه.
(6) اللجب الهاطل: الغيم الماطر.
(7) الثقاف: التقويم الخطل: الالتواء.(2/231)
ولا خضاب العهد أعطيته، ... إن نصل الأقوام، بالنّاصل (1)
ما كنت لمّا طلبت دعوتي ... سمعك بالواني، ولا الغافل (2)
قمت قيام الرّمح في نصرتي، ... مرافد اللهذم بالعامل (3)
هبني خسأت الخطب عنّي، وما ... قدّرت إلّا أنّه آكلي
كم غرّني غيرك من ناصر، ... أبطأ، والمبطئ كالخاذل
أطمعني، حتّى إذا جئته، ... كان سراب البلد الماحل
تعذّب الآمال في ظلّه، ... وتنثني عنه بلا طائل
من كلّ ملبوس على غرّة، ... لبس مطال السّقم الآزل (4)
مموّج الأخلاق لا محسن، ... ربّ يد الجود، ولا باخل
كالعير في عانة ذي طخفة، ... لا طالب النّسل ولا عازل (5)
واندما إن لم أكن سامعا ... مشورة الصّلّ أبي وائل
قالوا: ورأي المرء من عقله، ... ويذهب الرّأي عن العاقل
أغلوطة لا نهض من عثرها، ... قد سبق السّهم يد النّابل
__________
(1) الناصل: الخارج من الخضاب.
(2) الواني: المتعب.
(3) مرافد: معاون اللهذم: سنان الرمح العامل: قصبة الرمح.
(4) الآزل: الشديد.
(5) العير: الحمار العانة: القطيع من حمر الوحش الطخفة: اسم جبل، وذو الطخف: أسود الأنف العازل: ضد طالب النسل.(2/232)
لواذع القائل
(الكامل)
جمحت بك الجاهات في غلوائها ... سفها، فغضّ من العنان قليلا (1)
واحذر لواذع قائل متغطرف، ... أمسى يسنّ لسانه ليقولا (2)
بفواقر تدع الرّؤوس أميمة، ... وقوارع تدع العزيز ذليلا (3)
قد كان عرضك في الصّوان بطيّه، ... فلئن أبيت ليغدون مبذولا (4)
إنّ العباب، إذا تغطغط، أو طمى، ... جعل الجبال، وإن علون، مسيلا (5)
أديم الود
(الطويل)
وقالوا: أسغها! إنّما هي مضغة ... بفيك أبا الغيداق ترب وجندل
صدفت بوجهي لا بقلبي عنكم، ... ويصدف قلب المرء والوجه مقبل
رجعنا على الأعقاب، فيما يسرّنا، ... نجرّ إلى ما لا نودّ ونعتل
صحاح أديم الودّ لا عيب فيهم، ... سوى ما يقول الجادب المتعلّل (6)
فزعت إلى الأبدال بعد فراقهم، ... فأعوزني، يا عمرو، من أتبدّل (7)
__________
(1) جمحت: أسرعت الغلواء: أول الشباب.
(2) المتغطرف: المتكبر.
(3) الفواقر: السيوف أميمة: مشدوخة، مفلّقة.
(4) الصوان: ما تصان فيه الثياب.
(5) العباب: الماء الكثير، السيل الكثير تغطغط: ارتفع موجه طمى: علا.
(6) الجادب: العائب.
(7) فزعت الى الأبدال: لجأت إلى التغيير.(2/233)
خلق رقيق
(الرجز)
لبّاك مشزور القوى ذيّال، ... أغلب قوّال النّدي فعّال (1)
من قبل أن تدعو به الآمال، ... إن قال لم تقعد به الفعال
ينيل جودا فوق ما ينال، ... خلق رقيق ماؤه زلال
كالخمر إلّا أنّه حلال، ... المال يفنى والثّناء المال
تبقى العلى، وتذهب الرّجال
التعاليل
(مجزوء الرمل)
إنّ غرب الدّهر مصقول، ... وغرار الجدّ مسلول (2)
ورداء الفجر منسحب، ... ونطاق اللّيل مسدول
وحواشي الجوّ ناصلة، ... والدّجى بالصّبح مطلول
وثنايا اليوم يضحكها ... من قدوم العيد تقبيل
شهدت فينا مخائله: ... أنّ هذا الصّوم مقبول
فأطع حكم السّرور، وإن ... زخرفت فيه الأضاليل
وتعلّل بالمدام له، ... إنّما الدّنيا تعاليل
__________
(1) المشزور: المفتول الذيّال: الطويل الذيل الندي: النادي.
(2) الغرب: السيف الغرار: الحد.(2/234)
سل الهضب
(الطويل)
سل الهضب ما بين الهضاب الأطاول: ... متى ريع يوما قبلها بالزّلازل
وهل خضدت تلك الرّماح لغامز، ... وهل أكثبت تلك النّجوم لنائل (1)
مضى النّجباء الأطولون، وخلّفوا ... قصار الخطا عن كلّ مجد ونائل
رست قبورهم
(مجزوء الكامل)
رسّت قبورهم على ... هام المكارم والمعالي (2)
فكأنّما هرق النّدى ... فيهنّ أذنبة النّوال (3)
منهم وراء التّرب أم ... ثال الصّوارم والعوالي
أترى المنايا كيف جل ... ن بذلك الحيّ الحلال؟
أرمي بالنوال
(الطويل)
تكلّفني عذر البخيل، ولي مال، ... ملامك! لا يذهب بك القيل والقال
فعندك إكثاري إذا كنت مكثرا، ... وعندي إقلالي، إذا كان إقلال
وإنّي لأرمي بالنّوال مسافة ... من الجود لا يسطيعها الرّجل النّال (4)
__________
(1) أكثبت: دنت.
(2) رسّت: حفرت.
(3) الأذنبة، جمع ذنوب: الدلو.
(4) النال: الجواد، الكريم.(2/235)
تقارعنا
(الوافر)
تقارعنا على الأحساب حتّى ... توادعنا، فكلّ غير آل
فكانت بين قومكم وبيني ... خماشات بأطراف العوالي (1)
يا سعد
(الكامل)
يا سعد سعد الخيل والإبل، ... إدفع صدور الأينق البزل
أوما رأيت العيس آخذة ... لك أهبة الإدلاج والعمل (2)
رسول الردى
(الطويل)
ألا حيّ ضيف الشّيب إنّ طروقه ... رسول الرّدى قدّامه، ودليله
وقد كان يبكيني لشعري نزوله، ... فقد صار يبكيني لعمري رحيله
__________
(1) الخماشات، جمع خماشة: الخداشة، الجرح الصغير.
(2) الإدلاج: سير الليل.(2/236)
وقائع من دماء
(الوافر)
وقد تركت صوارمهم بحجر ... وقائع من دماء بني عقال
وما ضلّت ضلالهم بحجر ... سقيطة جندل بين الرّجال
معترك الوصل
(الطويل)
ومعترك للوصل يجلى عجاجه ... ببطحاء قوم عن قتيل وقاتل (1)
وأكثر ما يلقى به غبّ نومه، ... سقاط اللآلي أو فصوم الخلاخل (2)
شمّروا
(الخفيف)
وإذا ما دعوا، وقد نشط الرّو ... ع، خيول العدا من الأجلال (3)
شمّروا يطلبون ناشئة الصّو ... ت خناذيذ كالجذوع الطّوال (4)
__________
(1) العجاج: الغبار.
(2) الفصوم: الكسور، الانقطاع.
(3) الأجلال، جمع جل: هو للدابة كالثوب للانسان.
(4) الخناذيذ، جمع خنذيذ: الشجاع.(2/237)
رايتي التوحيد
(السريع)
أصبحت لا أرجو، ولا أبتغي ... فضلا، ولي فضل هو الفضل
جدّي نبيّ، وإمامي أبي، ... ورايتي التّوحيد والعدل
عاذلان
(الكامل)
يا عاذلان أسأتما العذلا، ... لا مرحبا بكما، ولا أهلا
أعذلتما من لم يملّ هوى، ... وتركتما عذل الذي ملّا
ولحوتما المقتول من كمد، ... وعذلتما من طرّق القتلا (1)
لو أنّ غير دمي ذهبت به ... لم تسألي قودا ولا عقلا (2)
خطوب
(الخفيف)
رائعات أخفّهنّ ثقيل، ... وخطوب أدقّهنّ جليل
ورزايا تهفو لهنّ حلوم، ... راسيات وتستزلّ عقول
__________
(1) طرّقه: جعله طريقا له.
(2) القود: القصاص العقل: الدية.(2/238)
تذارعن بالأيدي
(الطويل)
تذارعن بالأيدي من الغور بعد ما ... تقدّم عرنين من اللّيل مائل (1)
فما عمّمتها الشّمس حتّى رأيتها ... بنجد تساميها النّجاد القوابل (2)
__________
(1) تذارعن: قطعن بسرعة العرنين: أول الشيء.
(2) القوابل، جمع قابلة: المتهيئة للقبول.(2/239)
قافية الميم
داء الحب قديم
(الطويل)
تذكّرت، بين المأزمين إلى منى، ... غزالا رمى قلبي وراح سليما (1)
لئن كنت أستحلي مواقع نبله، ... فإنّي ألاقي غبّهنّ أليما
أصاب حراما ينشد الأجر غدوة، ... فما عاد مأجورا وعاد أثيما
فلو كان قلبي بارئا ما ألمته، ... ولكنّ أسقاما أصبن سقيما
إذا بلّ من داء أعادت له المها ... نكاسا، إذا ما عاد عاد مقيما (2)
يظنّونني استطرفت داء من الهوى، ... وهيهات، داء الحبّ كان قديما (3)
قنصت بجمع شادنا فرحمته، ... وأخفق قنّاص يكون رحيما (4)
أأغدو مهينا بالحبائل ساعة ... غزالا على قلبي، الغداة، كريما
تراءت لنا بالخيف نفح لطيمة، ... سرت عنك إلّا عبقة ونسيما (5)
__________
(1) المأزمين: مضيق بين مكة ومنى.
(2) بلّ: نجا من مرضه النكاس: الوقوع في المرض بعد الشفاء منه.
(3) استطرفت: استحدثت.
(4) الجمع: فخ يصاد بواسطته.
(5) اللطيمة: وعاء المسك.(2/240)
ولم أر مثل الماطلات عشيّة، ... ذوات يسار ما قضين غريما
فلا يبعد الله الذي كان بيننا ... من العهد إلّا أن يكون ذميما
حبيبي أعجمي
(الطويل)
قال الشريف الرضي هذه الأبيات في وصف غلام أعجمي.
حبيبي ما أزرى بحبّك في الحشا، ... ولا غضّ عندي منك أنّك أعجم
وعابك عندي العائبات ظوالما، ... وإنّي، إذا طاوعتهنّ، لأظلم
بنفسي من يستدرج اللّفظ عجمة ... كما يمضغ الظّبي الأراك ويبغم (1)
يا ليلة السفح
(البسيط)
يا ليلة السّفح ألّا عدت ثانية، ... سقى زمانك هطّال من الدّيم (2)
ماض من العيش لو يفدى بذلت له ... كرائم المال من خيل ومن نعم (3)
لم أقض منك لبانات ظفرت بها، ... فهل لي اليوم إلّا زفرة النّدم
فليت عهدك، إذ لم يبق لي أبدا، ... لم يبق عندي عقابيلا من السّقم (4)
__________
(1) يبغم: يصيح بأرخم ما يكون من صوته.
(2) السفح: اسم موضع الديم، جمع ديمة: مطر يدوم في سكون.
(3) النّعم: الإبل والشاء.
(4) العقابيل، جمع عقبولة: بقيّة العلّة.(2/241)
تعجّبوا من تمنّي القلب مؤلمه، ... وما دروا أنّه خلو من الألم
ردّوا عليّ لياليّ التي سلفت، ... لم أنسهنّ ولا بالعهد من قدم
أقول للّائم المهدي ملامته: ... ذق الهوى وإن اسطعت الملام لم
وظبية من ظباء الإنس عاطلة ... تستوقف العين بين الخمص والهضم (1)
لو أنّها بفناء البيت سانحة ... لصدتها وابتدعت الصّيد في الحرم
قدرت منها بلا رقبى ولا حذر ... على الذي نام عن ليلي، ولم أنم
بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى، ... يلفّنا الشّوق من فرع إلى قدم
وأمست الرّيح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الرّيط واللّمم (2)
يشي بنا الطّيب أحيانا، وآونة ... يضيئنا البرق مجتازا على أضم (3)
وبات بارق ذاك الثّغر يوضح لي ... مواقع اللّثم في داج من الظّلم
وبيننا عفّة بايعتها بيدي، ... على الوفاء بها والرّعي للذّمم
يولّع الطّلّ بردينا، وقد نسمت ... رويحة الفجر بين الضّال والسّلم (4)
وأكتم الصّبح عنها، وهي غافلة، ... حتّى تكلّم عصفور على علم (5)
فقمت أنفض بردا ما تعلّقه ... غير العفاف، وراء الغيب والكرم
وألمستني، وقد جدّ الوداع بنا، ... كفّا تشير بقضبان من العنم (6)
وألثمتني ثغرا ما عدلت به ... أري الجنى ببنات الوابل الرّذم (7)
__________
(1) عاطلة: خالية من الحلي الخمص: الضمور الهضم: لطف الخصر وضمور البطن.
(2) الريط، جمع ريطة: ثوب من قطعة واحدة اللمم، جمع لمة: شعر الصدغين.
(3) يشي: ينم أضم: واد في المدينة المنورة.
(4) يولع: يجعل فيه لمع بياض الضال والسلم: من الشجر.
(5) علم: جبل.
(6) العنم: شجرة لها ثمر أحمر يشبه به البنان المخضوب.
(7) الأري: العسل الرذم، جمع رذوم: السائل من كل شيء.(2/242)
ثمّ انثنينا، وقد رابت ظواهرنا، ... وفي بواطننا بعد من التّهم
يا حبّذا لمّة بالرّمل ثانية، ... ووقفة ببيوت الحيّ من أمم (1)
وحبّذا نهلة من فيك باردة، ... يعدي على حرّ قلبي بردها بفمي
دين عليك، فإن تقضيه أحي به، ... وإن أبيت تقاضينا إلى حكم
عجبت من باخل عنّي بريقته، ... وقد بذلت له دون الأنام دمي
ما ساعفتني اللّيالي بعد بينهم ... إلّا بكيت ليالينا بذي سلم
ولا استجدّ فؤادي في الزّمان هوى ... إلّا ذكرت هوى أيّامنا القدم
لا تطلبنّ لي الأبدال بعدهم، ... فإنّ قلبي لا يرضى بغيرهم
اغتنام الأوقات
(الطويل)
نظمنا نظام العقد ودّا وألفة، ... وكان لنا البتّيّ سلك نظام (2)
أخي وابن عمّي وابن حمد فإنّه ... تباريح قلبي خاليا وغرامي (3)
وسادسنا الأزديّ ما شئت من أب ... جواد ومن جدّ أغرّ همام
أحاديث تستدعي الوقور إلى الصّبا، ... وتكسو حليم القوم ثوب عرام (4)
فنضحي لها طربى بغير ترنّم، ... ونمسي لها سكرى بغير مدام
تعالوا نولّ اللّائمين تصامما، ... ونعص على الأيّام كلّ ملام
ونغتنم الأوقات إنّ بقاءها ... كمرّ غمام، أو كحلم منام
من الله أستبقي صفاء يضمّنا، ... وطاعة أيّام ودار مقام
وأستصرف الأعداء عنّا، فإنّنا ... مذ اليوم أغراض لكلّ مرام
__________
(1) الأمم: العودة.
(2) البتّي: بائع البت، وهو الطيلسان من خز ونحوه.
(3) التباريح: التوهج.
(4) العرام: الحدة والنشاط.(2/243)
لا ونعم
(مجزوء السريع)
ألمع برق أم ضرم ... بين الحرار والعلم
تضحك عن وميضه ... لمّاعة من الدّيم
كما استشبّ ناره ... قين بضال وسلم (1)
قد هدلت شفاهها ... على القنان والأكم (2)
تهدر عن رعودها ... هدر الفنيق ذي القطم (3)
لها فساطيط على ... ذرى الرّوابي وخيم (4)
أشيمه لفتية ... تضرّعوا على اللّمم (5)
قد سوّروا أكفّهم ... بليّ أطراف الخطم (6)
وجلّلوا ميس الرّحا ... ل بالشّعور والجمم (7)
أوقظهم، وللكرى ... فيهم خبال ولمم (8)
كأنّما يجذبهم ... من الرّقاب والقمم
من كلّ معروق العظا ... م أملس ولّى الزّلم (9)
__________
(1) القين: الحدّاد الضال والسلم: من الشجر.
(2) هدلت: أرخيت القنان: القمم.
(3) الفنيق: الفحل المكرم من النياق لا يؤذى ولا يركب القطم: الهيجان.
(4) فساطيط، جمع فسطاط: بيت من الشعر.
(5) تضرعوا: تقربوا اللّمم، جمع لمة: جماعة الأصحاب في السفر.
(6) سوّروا أكفهم: ألبسوها الأساور الخطم، جمع خطام: كل ما وضع في أنف البعير ليقاد به.
(7) الجمم، جمع جمة: مجتمع شعر الناصية.
(8) الخبال: البله اللمم: طرف من الجنون.
(9) العظم المعروق: المجرّد من اللحم الزّلم: الظلف، وأراد هنا القوائم على التشبيه بالأزلام وهي السهام.(2/244)
يلوك فوه مضغة ... ضعيفة عن الكلم
إذا أراد قول لا، ... من سكره قال: نعم
والرّكب في مضلّة، ... لا نضد، ولا علم (1)
ما انتعلت بأرضها ... خفّ بعير أو قدم
أقول لمّا أن دنا ... من المصاب وعزم (2)
يا برق إن صبت الحمى ... فلا تصب إلّا بدم
على ديار معشر ... خانوا العهود والذّمم
تجهّموا ضيف العلى ... وامتهنوا زور النّعم (3)
من كلّ راعي أمّة ... أجهل من راعي غنم
ما بينهم في المكرما ... ت نسب ولا رحم
وما بهم إلى النّدى ... لا ظمأ ولا قرم (4)
كم أذكروني معشرا ... كانوا قرارات الكرم
ما حملت أمثالهم ... يوما غوارب النّعم (5)
كم فيهم لمطرد ... من وزر ومعتصم (6)
كانوا، إذا الخطب دجا ... وجلجلت إحدى الغمم (7)
مأمنة من الرّدى، ... ونجوة من العدم
إذا هم تيقّظوا ... فيها، فقل للجار: نم
هم وسموا ما أغفل ال ... نّاس على طول القدم
__________
(1) النضد: صخور بعضها فوق بعض يهتدى بها في السفر علم: جبل.
(2) المصاب: مكان نزول المطر، والصوب هو المطر.
(3) تجهّموا: عبسوا، استقبلوا بوجه عابس امتهنوا: ابتذلوا.
(4) القرم: الشهوة إلى اللحم.
(5) غوارب، جمع غارب: الكاهل، ما بين السّنام والعنق النّعم: الإبل.
(6) الوزر: الملجأ المعتصم، من اعتصم بالشيء: التجأ إليه وامتنع به.
(7) الغمم، جمع غمة: الحزن، الشدّة.(2/245)
إذا أذمّوا ضمنوا ... على الزّمان ما اجترم (1)
وأمّنوا حتّى على ال ... قلوب من طارق همّ
أهل النّصول والقنا ... والمعطيات في اللّجم
والسّامر الهبهاب في ... الظّلماء والشّرب العمم (2)
جنّ، إذا تعانق ال ... أبطال بالبيض الخذم (3)
في حيث لا يلذّنا ... معتنق وملتزم
من كلّ مطويّ على ... عظيمة من الهمم
من عشقه يوم الوغى ... يرى الطّعان في الحلم
محتمل الأعباء لا ... يجرّها من السّأم
عفّ، فإن لم يحمه ال ... ضّيم سوى الظلم ظلم
صاحت بهم على الرّدى ... مسمعة على الصّمم
وانتزعت من عزّهم ... تلك العماد والدّعم
باطشة بلا يد، ... واعظة بغير فم
وقبل ما كبّت لها ... قباب عاد وإرم (4)
فاليوم مرمى دارهم ... لا كثب ولا أمم (5)
قل للعدوّ هربا: ... قد زخر الوادي وطمّ
وشافهت أمواجه ... ذرى القلال والأطم (6)
ومن يكن تحت مج ... رّ السّيل يوما لا يقم
__________
(1) أذموا: أجاروا، جعلوا في ذممهم.
(2) السامر: المحادث ليلا، وأراد به النجم الهبهاب: المتلألئ العمم:
الكثير.
(3) البيض الخذم: السيوف القاطعة.
(4) كبّت: صرعت، ذللت.
(5) الكثب: القرب الأمم: القصد، القرب.
(6) القلال: التلال الأطم: الحصون.(2/246)
تسومني الضّيم، لقد ... نفخت في غير ضرم
أما علمت أنّه ... من كان حرّا لم يضم
أبالمخازي أبدا ... مدرّع وملتثم
ثياب عار أبدا ... فضفاضة على القدم
تجزيك في الصّبح وتس ... تغني بها عن الظّلم
قبّحت من خلائق ... لئيمة، ومن شيم
يريد جهلا أن يسي ... ء عامدا ولا يذمّ
هيهات أعيا ما يري ... د قبله على الأمم
سيّان من قبّل عض ... وا منكم ومن عذم (1)
ومن سما بهامكم ... إلى العلى ومن وقم (2)
جوامحا في العار لا ... بقيا ولا رعي ذمم
أحرجتني، فهاكها ... بنت عناق والرّقم (3)
واللّيث لا يخرج إ ... لّا محرجا من الأجم
كلذعة الميسم في ... شواظ نار وضرم (4)
والحيّة الرّقطاء تر ... دي أبدا بغير سمّ
حقّا على أعراضكم ... تعطّها عطّ الأدم (5)
فاستنشقوها نفحة، ... تجدع مارن الأشمّ (6)
تقرض من جنوبكم ... طمّ اللّمام بالجلم (7)
__________
(1) عذم: عض.
(2) وقم: قهر وأذل.
(3) أحرجتني: ألجأتني مكرها العناق: الشدّة والخيبة الرقم: الداهية.
(4) الميسم: المكواة الشواظ: لهب لا دخان فيه.
(5) تعطها: تشقّها الأدم: الجلد.
(6) تجدع: تقطع المارن: الأنف الأشم: السيّد ذو الأنفة.
(7) تقرض: تقطع الطم: الجز اللمام، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين الجلم: المقص.(2/247)
كأنّما تضرب في العر ... ض الأعزّ بالقدم (1)
مذكورة ما بقيت ... من غير عقد لرتم (2)
ترى على عاري العظا ... م وسمها، وهي رمم
فلو نزعت الجلد كا ... ن رقمها كما رقم
كم جرّدت شفارها ... لحم فتى بلا وضم (3)
خابطة لا تتّقي ... صدم أخ ولا ابن عمّ
تبيت من سماعها ... تئنّ من غير ألم
لتندمنّ بعدها، ... هيهات، حين لا ندم
كم سقم منك أتى ... على عقابيل سقم (4)
سلكت في محجّة ... لا نهجا ولا لقم (5)
صلعاء لا يعطى الهدى ... دليلها، فلا جرم (6)
__________
(1) القدم، جمع قدوم: آلة قاطعة في النجارة.
(2) عقد الرتم: هو أن يعقد المرء في إصبعه خيطا ليتذكر حاجة أو أمرا، جمع رتمة ورتيمة.
(3) الوضم: خشبة يوضع فوقها اللحم عند تقطيعه.
(4) العقابيل: بقايا السقم.
(5) المحجة: الطريق النهج: الواضح اللقم: معظم الطريق أو وسطه.
(6) الصلعاء: الأرض لا نبات فيها لا جرم: لا محالة، لا بد.(2/248)
الركب الحرام
(مجزوء الرمل)
كتب الشريف هذه القصيدة إلى الملك قوام الدين، وفيها يذكره بوعد قطعه له، وذلك في شوال من سنة 397.
زار، والرّكب حرام، ... أوداع أم سلام؟
طارقا، والبدر لا يح ... فزه إلّا الظّلام
بين جمع والمصلّى، ... ريم سرب لا يرام
وحلول ما قرى نا ... زلهم إلّا الغرام
بدّلوا الدّور، فلمّا ... نزلوا القلب أقاموا
يا خليليّ اسقياني، ... زمن الوجد سقام
وصفا لي قلعة الرّك ... ب وللّيل مقام
من ألال حفزوا العي ... س كما ريع النّعام (1)
فزفير، ونشيج، ... وعجيج، وبغام (2)
ومنى، أين منى م ... نّي، لقد شطّ المرام (3)
هل على جمع نزول، ... وعلى الخيف خيام
يا غزال الجزع لو كا ... ن على الجزع لمام (4)
أحسد الطّوق على جي ... دك، والطّوق لزام
__________
(1) ألال: جبل بعرفات حفزوا: دفعوا.
(2) الزفير: مدّ النفس النشيج: الاجهاش بالبكاء العجيج: الصيام البغام: صوت الظباء والإبل.
(3) شط: بعد المرام: الهدف، الغاية.
(4) اللّمام، جمع لمة: الصاحب والمؤانس في السفر.(2/249)
وأعضّ الكفّ إن نا ... ل ثناياك البشام (1)
وأغار اليوم إن م ... رّ على فيك اللّثام
أنا عرّضت فؤادي، ... أوّل الحرب كلام
أن جعلت القلب مرمى ... كثرت فيه السّهام
من يداوي داء أحشا ... ئك، والدّاء عقام (2)
يا غياث الخلق! أيّا ... مك في الأيّام شام (3)
غرر واضحة الأع ... لام، والدّهر ظلام
أنت للدّنيا وللدّي ... ن مساك ونظام
وبهاء، وضياء، ... وغياث، وقوام
إنّ أعداءك لمّا ... قادهم ذاك الزّمام
ورأوا أنّ طريق ال ... مجد وعر وإكام
واستطالوا الغاي حتّى ... جرجر الثّلب العبام (4)
سلّموا الثّقل إلى العو ... د، فما ناء، وقاموا (5)
مقرم إن قيد للور ... د، وقد حرّ اللّطام (6)
حبس الأوراد بالغ ... لّة، والحيّ قيام (7)
ليس بدر إن بغى أ ... وّل من عزّ الحمام (8)
__________
(1) البشام: شجر طيب الرائحة.
(2) عقام: عديم النفع.
(3) شام: علامة مميّزة.
(4) الثلب: البعير المنكسرة أسنانه من الكبر العبام: العاجز، الثقيل.
(5) العود: المسن من الإبل ناء: نهض بمشقة وثقل، عجز.
(6) المقرم: البعير المكرم لا يحمل عليه اللطام: ملاطمة الإبل بعضها بعضا عند التزاحم على شرب الماء.
(7) الأوراد، جمع ورد: الإشراف على الماء الغلة: العطش.
(8) البدر: السيد عزّ: غلب الحمام: الموت.(2/250)
جامح أقعصه من ... قائم العضب لجام (1)
كان ممّن أسكرته، ... أمس هاتيك المدام
ونجا من زحمة المو ... ت، وللموت زحام
طافيا تقذفه الغم ... رة، والماء جمام
منزع النّبلة قد طا ... ر بها الرّيش اللّؤام
عجمة طوّحها المر ... ضاخ، والعجم رمام (2)
وإلى اليوم قذى نا ... ظره ذاك القتام (3)
قدّر العاجز أنّ الغي ... ل يخليه الهمام (4)
كان في معطسه الرّغ ... م، وفي فيه الرّغام (5)
أترى لم يكفه ما ... لقي الخيل الطّغام (6)
لا حديث القوم منس ... يّ، ولا العهد قدام
جاش واديك، فسال ال ... سّيل، والقوم نيام
راكبا ظهرا من الغ ... يّ، مسيم ومسام (7)
خطم الأوّل، والآ ... خر يبغيه الخطام (8)
شمّه رئبال غاب، ... أوّل الفرس شمام (9)
__________
(1) أقعصه: قتله العضب: السيف.
(2) عجمة: صخرة طوّحها: رماها، فتتها المرضاخ: حجر يكسر به النوى الرمام: العظام البالية.
(3) القتام: الغبار.
(4) الغيل: الأجمة، غاب الأسد الهمام: الأسد.
(5) المعطس: الأنف الرغام: التراب.
(6) الطغام: أوغاد الناس.
(7) أسام الإبل: أخرجها الى المرعى أسامه: رماه بنظرة. وقد أراد هنا سامه الخسف: أذله.
(8) الخطام: ما يوضع في أنف البعير ليقاد به.
(9) رئبال: أسد الفرس، من فرسه: قتله.(2/251)
يا دليل المجد إن ض ... لّ عن المجد الكرام
والّذي يرعي بدار ال ... عزّ، والنّاس بهام
لي مواعيد، ووعد ال ... غيب عقد وزمام
لويت عنّي، فيا لل ... نّاس! هل ضنّ الغمام (1)
حبس القطر بأرضي، ... وأرى الجوّ يغام
إنّما اللّوم لجدّي، ... ما على الغيث ملام
قد تيقّظتم لأمري، ... لكن الجدّ ينام
وعتاب القوم إلّا ... بالمعاريض خصام
عجبا كيف نبا اليو ... م بكفّيّ الحسام
لا ذراعي رخوة الحب ... ل، ولا السّيف كهام (2)
موضع الذّمّ زماني، ... وخلاك اليوم ذام
أيّها الزّارع سقيا، ... فبذا الزّرع أوام (3)
إنّما غرسك نبع، ... ومن الغرس ثمام (4)
عد بما عوّدتني، من ... ك أياديك الجسام
ثمّ دم ما حسن العي ... ش، وما طاب الدّوام
آمرا تخدمك ال ... أيّام طوعا والأنام
إنّما الأقدار جند ... لك، والدّهر غلام
__________
(1) هل ضن الغمام: هل بخل الغيم بمطره؟ وفي ذلك إشارة إلى عدم إنجاز الوعد.
(2) كهام: كليل، لا يقطع.
(3) الأوام: العطش.
(4) النبع والثمام: نبتتان.(2/252)
بعض النقص تمام
(الوافر)
وجّه هذه القصيدة إلى الملك قوام الدين وفيها يعزيه عن ابنة له توفيت وكان الخليفة القادر بالله قد عقد عليها. وقد كتبها في شهر ربيع الآخر من سنة 400.
لهان الغمد ما بقي الحسام، ... وبعض النّقص، آونة، تمام
إذا سلك العلى سلمت قواه، ... فلا جزع، إذا انتقص النّظام
وأهون بالمناكب يوم يبقى ... لنا الرّأس المقدّم والسّنام
وما شكوى المناهل حين تمسي ... مغيّضة، إذا بقي الغمام (1)
وهل هو غير فذّ أخلفته ... لك العلياء، والنّعم التؤام (2)
وما شرر تطاوح عن زناد، ... بمفتقد، إذا بقي الضّرام (3)
أفق، يا دهر، من أمسيت تحدو، ... وقد منع الخزامة والزّمام (4)
قدعت مبرّز الحلبات يغدو ... جموحا، لا ينهنهه اللّجام (5)
ولودا مثل ما خالست منه، ... وأنت بمثله أبدا عقام
من القوم الّذين أقام فيهم ... عداد المجد والعدد اللهام (6)
إذا سلموا، فقد سلم البرايا، ... وإن فقدوا، فقد فقد الأنام
__________
(1) مغيّضة: قليلة الماء.
(2) الفذ: الفرد أخلفته: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو شيء يستعاض:
أخلف الله عليك أي رد عليك مثل ما ذهب.
(3) تطاوح: تناثر، ترامى.
(4) منع: أصبح منيعا قويا الخزامة: حلقة يشد فيها الزمام.
(5) قدعت: كبحت ينهنهه: يكفكفه.
(6) اللهام: العدد الكثير والجيش العظيم.(2/253)
لهم كرم تزيّده المعالي، ... إذا لؤم المعاشر، أو ألاموا
وأيّام من الإحسان بيض، ... لهم نسب إلى العليا قدام (1)
مراجحة، وأصبية ملوك، ... إليهم يعقد النّادي الكرام (2)
وكلّ معمّم بالمجد قضّى ... به ذمم العلاء أب همام
ربا بين الصّوارم والعوالي، ... فجاء كأنّ توأمه الحسام
يروع سوامه بالسّيف، حتّى ... تمنّى أن أسرّتها اللّئام (3)
معاشر للسّوائم في ذراهم ... أمان الطّير آمنها الحرام
يذمّ اللّؤم عندهم عليها، ... وليس لجارهم أبدا ذمام
وحادثة لها في العظم وقر، ... كفضّ السّنّ ليس له التئام (4)
كفى بعتاتها، والموت دان، ... وقد قعد الرّجال بها وقاموا (5)
فقل للحائن المغرور أمسى ... بمارنك الرّغامة والرّغام (6)
أتعلم من تخاطر، أو تسامي ... غرورا ما أراك به المنام
فخلّ عن الطّريق لسيل طود ... تحدّر لا يخاض ولا يعام
ألم يقنعك بالأهواز منه ... قطار، غيم عارضه القتام (7)
بأربق حطّ عارضه وأجلى ... عن الأعداء والأعداء هام (8)
وأرسلها تخبّ بدار زين ... عباب اليمّ لجّ به التطام
__________
(1) قدام: قديم. وقد وردت في نسخة أخرى: لهن إلى العلى نسب قدام.
(2) مراجحة: ذوو عقول راجحة، حلماء النادي: مجلس القوم.
(3) السوام: الإبل الراعية.
(4) الوقر: الصدع، الأثر الفض: الكسر.
(5) عتاتها: خصامها.
(6) الحائن: الأحمق المارن: الأنف الرغام: التراب.
(7) الأهواز: اسم منطقة قطار، جمع قطر: ما يقطر القتام: الغبار الأسود.
(8) أربق: اسم بلدة هام: قرية باليمن.(2/254)
يملن من اللّغوب كما تهادى ... نساء الحيّ يثقلها الخدام (1)
وكنّ، إذا رمين إلى عدوّ ... طلبن أمام حتّى لا أمام
ولست لحاصن إن لم تروها ... مواقر، حملها بيض ولام (2)
توقّص تحتها القلل الرّوابي، ... وتجدع من حوافرها الإكام (3)
بنقع يظلم الإصباح منه، ... على بيض يضيء بها الظّلام (4)
تفارط بالقنا متمطّرات ... كما فاجاك بالدّوّ النّعام (5)
حذار له، فبعد اليوم يوم ... له شرر، وبعد العام عام
وما ترك الرّماء قصور باع، ... ولكن كي تراش له السّهام (6)
فمنه البيض ماضية، ومنكم، ... يد الدّهر، المفارق واللّمام
لنا تحت الصّفائح كلّ يوم، ... مقيم لا يريم ولا يرام (7)
كرائم من قلوب أو عيون ... عليهنّ الجنادل والرّجام (8)
صموت لا يجاب لهنّ داع ... أرنّ، ولا يردّ له سلام (9)
فدم ما طاب للباقي بقاء، ... وما حسن التلّوّم، والدّوام
فلا كشف الضّياء على اللّيالي، ... ولا عدم الغياث ولا القوام
يكون لك التّقدّم في المعالي، ... وفي الأجل التّأخّر والمقام
وكان لنا أمامك كلّ نقص ... يكون من الرّدى ولك التّمام
__________
(1) اللغوب: التعب الخدام: الخلاخيل، جمع خدمة.
(2) حاصن: امرأة عفيفة محصّنة مواقر: محملة اللام: الدروع، جمع لامة.
(3) توقص: تكسر.
(4) النقع: الغبار البيض، جمع بيضة: الخوذة.
(5) تفارط: تقتل فاجاك: فاجأك، هجم بغتة الدو: الفلاة.
(6) تراش: تصلح، يوضع لها الريش وتهيّأ للرماية.
(7) يريم: يبرح.
(8) الجنادل والرجام: الحجارة الكبيرة والصغيرة، وهي توضع فوق القبر.
(9) أرن: صاح.(2/255)
ابن الطاهرين
(الكامل)
في هذه القصيدة يرثي الشاعر والده ذا المناقب أبا أحمد الحسين الموسوي، وقد توفي ليلة السبت لخمس ليال بقين من جمادى الأولى سنة 400وله من العمر سبعة وتسعون عاما.
وسمتك حالية الرّبيع المرهم، ... وسقتك ساقية الغمام المرزم (1)
وغدت عليك من الحيا بمودّع ... لا عن قلى، ومن النّدى بمسلّم
قد كنت أعذل قبل موتك من بكى، ... فاليوم لي عجب من المتبسّم (2)
وأذود دمعي أن يبلّ محاجري، ... فاليوم أعلمه بما لم يعلم (3)
لا قلت بعدك للمدامع كفكفي ... من عبرة ولو انّ دمعي من دمي
إنّ ابن موسى، والبقاء إلى مدى، ... أعطى القياد بمارن لم يخطم (4)
ومضى رحيض الثّوب غير مدنّس، ... وقضى نقيّ العود غير موصّم (5)
وحماه أبيض عرضه وثنائه، ... ضمّ اليدين إلى بياض الدّرهم
وغني عن الدّنيا، وكان شجى لها، ... إنّ الغنيّ قذى لطرف المعدم
ملأ الزّمان منائحا وجرائحا، ... خبطا ببؤسى في الرّجال وأنعم
واستخدم الأيّام في أوطاره، ... فبلغن أبعد غاية المستخدم
اليوم أغمدت المهنّد في الثّرى، ... ودفنت هضب متالع ويلملم (6)
__________
(1) المرهم: المخصب المرزم: الرعد الشديد.
(2) أعذل: ألوم.
(3) أذود: أدفع، أسوق.
(4) المارن: الأنف أو طرفه يخطم: يوضع له زمام.
(5) الرحيض: المغسول موصم: مصدوع.
(6) متالع ويلملم: جبلان.(2/256)
وغدت عرانين العلى وأكفّها ... من بين أجدع بعده أو أجذم (1)
متبلّج كرما إذا سئل الجدا، ... مطر النّدى أمما، ولم يتغيّم (2)
جذلان تطلع منه أندية العلى ... وجها كريم الخدّ غير ملطّم
يرمي المغارم بالتّلاد، وينثني ... ثلج الضّمير، كأنّه لم يغرم (3)
الواهب النّعم الجراجر عادة، ... من ذي يدين إذا سخا لم يندم (4)
جاءت بها حمر الرّبيع مشيدة، ... حمراء تحسبها عروق العندم (5)
متبقّلات باللّديد ورامة ... بين القنا المنزوع والمتلهذم (6)
بيدي أغرّ يردّ ألوية القنا، ... غبّ الوقائع، يعتصرن من الدّم
ويقول للنّفس الكريمة: سلّمي ... يوم اللّقاء، ولا يقول لها: اسلمي
هتف الحمام به فكان وصاته ... بذل الرّغائب واحتمال المغرم (7)
هل يورث الرّجل الكريم إذا مضى ... إلّا بواقي من على وتكرّم
يأبى النّدى ترك الثّراء على الفتى، ... ويقلّ ميراث الجواد المنعم
ملأت فضائلك البلاد، ونقّبت ... في الأرض يقذفها الخبير إلى العمي
فكأنّ مجدك بارق في مزنة، ... قبل العيون، وغرّة في أدهم
أنعاك للخيل المغيرة شزّبا ... خبط المغار بهنّ من لم يجرم (8)
كالسّرب أوجس نبأة من قانص ... فمضى يلفّ مؤخّرا بمقدّم (9)
__________
(1) الأجدع: المقطوع الأنف الأجذم: المقطوع اليد.
(2) الأمم: الغزارة، الوضوح في العطاء.
(3) التلاد: المال الموروث.
(4) النّعم: الابل الجراجر: الضخام.
(5) العندم: خشب نبات يصبغ به.
(6) متبقلات: يطلبن رعي البقل اللديد: ماء لبني أسد رامة: موضع بالبادية المتلهذم: المقطوع.
(7) الوصاة: الموصى به.
(8) شزب، جمع شازب: خشن، ضامر.
(9) السرب: القطيع من الظباء أوجس: أحسّ النبأة: الصوت الخفي.(2/257)
واليوم مقذ للعيون بنقعه، ... لا يهتدي فيه البنان إلى الفم (1)
لم يبق غير شفافة من شمسه ... كمضيق وجه الفارس المتلثّم
من خائض غمر الدّماء يبلّه، ... بلّ النّدى مطر القنا المتحطّم
أو ناقش من جلده شوك القنا ... عن كلّ فاغرة كشدق الأعلم (2)
أو مفلت حمة السّنان نجت به ... روعاء لا تدع العذار لملجم (3)
ينزو به الفرع الكذوب ويتّقي ... مرّ الحديث بكلّ يوم أيوم (4)
ويروعه وصف الشّجاع لطعنة ... من ذابل أو ضربة من مخذم (5)
حتّى يظنّ الصّبح سيفا منتضى، ... أهوى إليه مع الكميّ المعلم (6)
ومقاوم عرض الكلام بروده ... فيهنّ بين معضّد ومسهّم (7)
أغضى لها المتشدّقون وسلّموا ... لهدير شقشقة الفنيق المقرم (8)
بالرّأي تقبله العقول ضرورة، ... عند النّوائب لا بكيف ولا لم (9)
حمل العظائم والمغارم ناهضا ... ومضى على وضح الطّريق الأقوم
حتّى إذا أرمى الجذاب ملاطه، ... وأوى الزّمام لأنفه والملطم (10)
طرح الوسوق فلم يدع من بعده ... عند العظيمة حاملا للمعظم
__________
(1) القذى: ما يقع في العين فيؤذيها النقع: الغبار.
(2) فاغرة: فاتحة فاها الأعلم: مشقوق الشفة العليا.
(3) الحمة: السم.
(4) ينزو: يطمح الأيوم: الشديد.
(5) ذابل: رمح مخذم: سيف قاطع.
(6) الكمي: لابس السلاح المعلم: الذي عليه علامات الحرب.
(7) المعضد: ثوب له أعلام في موضع العضد المسهّم: الثوب المخطط.
(8) المتشدقون: الذين يلوون أشداقهم للتفصح المقرم: الذي لا يذلّل.
(9) لم: لم، كسر حرف الميم للضرورة.
(10) الملاط: جانبا السنام الملطم: موضع اللطم، الخد.(2/258)
كالنّقض قد عرك الدّؤوب صفاحه ... عرك الضّباع من العنان المؤدم (1)
رقد الملوك بحزم أبلج رأيه ... فلق لعاشية العقول النّوّم
تنفضّ عنه النّائبات كأنّها ... وبر الموقّع نشّ تحت الميسم (2)
كانوا إذا قعد البكار بثقلهم ... قالوا لذا العود الجلال: تقدّم (3)
عمري لقد قذفوا الكروب بفارج ... منه وقد رجموا الخطوب بمرجم (4)
فكأنّما قرعوا القنا بعتيبة، ... ولقوا العدا بربيعة بن مكدّم
رقّاء أضغان يسلّ شباتها، ... حتّى يغيّر طبع سمّ الأرقم (5)
سبع وتسعون اهتبلن لك العدا، ... حتّى مضوا وغبرت غير مذمّم (6)
لم يلحقوا فيها بشأوك بعد ما ... أملوا، فعاقهم اعتراض الأزلم (7)
إلّا بقايا من غبارك أصبحت ... غصصا وأقذاء لعين، أو فم
إن يتبعوا عقبيك في طلب العلى، ... فالذّئب يعسل في طريق الضّيغم (8)
هل من أب كأبي لجرح ملمّة ... أعيا، وشعب عظيمة لم يلأم (9)
إنّ الخطوب الطّارقات فجعننا ... بحمى الأبيّ، وجنّة المستلئم (10)
__________
(1) النّقض: المهزوم من السير وشدّته الدؤوب: الجد، التعب المودّم:
السمر.
(2) نشّ: غلى، نضب الميسم: المكواة الموقّع: البعير الذي أثر الوبر في ظهره.
(3) العود: المسن من الإبل الجلال: العظيم
(4) المرجم: الشديد.
(5) الشباة: إبرة العقرب.
(6) اهتبلن: اغتنمن.
(7) الشأو: السبق، الغاية والأمد الأزلم: الدهر الكثير البلايا.
(8) يعسل: يسرع ويضطرب في عدوه ويهز رأسه.
(9) الشعب: الصدع يلأم: يصلح.
(10) الجنة: الوقاية، الترس المستلئم: اللابس لأمته أي درعه.(2/259)
بممهّل في الغابرين مؤخّر، ... ومحفّز في السّابقين مقدّم (1)
الطّاهر ابن الطّاهرين ومن يكن ... لأب إلى جذم النّبوّة يعظم (2)
من معشر تخذوا المكارم طعمة، ... ورووا من الشّرف الأعزّ الأقدم
من جائد، أو ذائد، أو عاقر، ... أو ماطر، أو منعم، أو مرغم (3)
وفروا على المجد المشيد همومهم، ... وتهاونوا بالنّائل المتهدّم
عيص ألفّ تقابلت شعباته ... في المجد، شجر مقوّم لمقوّم (4)
يتعاورون المكرمات ولادة، ... من بين جدّ في المكارم وابنم (5)
قد قلت للحسّاد حين تقارضوا ... حرق القلوب جوى وحرق الأرّم (6)
لا تحسدوا المترادفين على العلى، ... والغالبين على السّنام الأكوم (7)
والطّاعنين بكلّ جدّ مدعس، ... والماطرين بكلّ نيل مرزم (8)
لكم الفضول، إذا تكون وقيعة، ... أو غارة، ولهم صفيّ المغنم
عطرون ما لأنوفكم من طيبهم ... بين المجامع غير شمّ المرغم (9)
يتساندون إلى على عاديّة، ... ومكارم قدم، ومجد قشعم (10)
متزيّدين إلى السّؤال، وعندكم ... أمّ العظاء، مفذّة لم تتئم (11)
فتعلّقوا عجب المذلّة، واتركوا ... رفع العيون إلى البناء الأعظم (12)
__________
(1) المحفّز: المدفوع.
(2) الجذم: الأصل.
(3) ذائد: دافع.
(4) العيص: منبت خيار الشجر شجر مقوم لمقوم: أي ربط مقوّم بمقوم.
(5) يتعاورون: يتداولون الابنم: الابن، والميم زائدة.
(6) حرق الأزم: العض على الأصابع غيظا.
(7) الأكوم: المرتفع.
(8) المدعس: الطعان النيل: السحاب المرزم، من أرزم الرعد: اشتد.
(9) المرغم: الأنف.
(10) عادية: قديمة ثابتة القشعم: المسن، القديم.
(11) المفذة: التي تلد واحدا، عكس التي تتئم.
(12) العجب: أصل الذنب.(2/260)
تلك الأسود، فمن يجرّ فريسها، ... أم من يمرّ بغابها المتأجّم
حطّت بأطراف البلاد قبورهم، ... رقم النّجوم، سقوف ليل مظلم (1)
وكفاك من شرف القبيل بأن ترى ... بدد القبور لمنجد، أو متهم (2)
عدّوا جبالا للعلاء، وإن غدوا ... أمشاج مجد في رمائم أعظم (3)
وضعت بتلك صفايحا وضرايحا، ... أثقال أوطف بالرّعود مزمزم (4)
وسقت ثراهنّ الدّموع مرشّة، ... فغنين عن قطر الغمائم والسّميّ (5)
جدث ببابل أشرجت رجماته ... طبقا على مطر النّدى المتهزّم (6)
ضمن السّماحة في ملاث إزاره، ... والمجد في نوّاره المتكمّم (7)
لا تحسبن جدثا طواه ضريحه ... قبرا، فذاك مغار بعض الأنجم
أعريت ظهري للعدا، ولو اتّقى ... بزهاء مزدحم العديد عرمرم (8)
وكشفت للأيّام عورة مقتلي، ... حتّى رددن عليّ بعدك أسهمي
قد كنت ما بيني وبين سهامها، ... فاليوم لا يخطين شاكلة الرّمي (9)
هل تسمعنّ من الزّمان ظلامتي ... فيما جنى، وإلى الزّمان تظلّمي
قل للنّوائب لا أقيلك عثرة، ... فتشزّني لوقائعي، واستسلمي (10)
__________
(1) رقم النجوم: أي أنهم كالنجوم التي تمتاز عن سواها بالبريق.
(2) القبيل: الجماعة المنجد: الذي يقصد بلاد نجد المتهم: الذي يقصد تهامة.
(3) الأمشاج، جمع مشيج: المخلوط الرمائم: البالية.
(4) الأوطف: السحاب المسترخي لكثرة مائه.
(5) السّمي، جمع سماء: المطر.
(6) أشرجت: أدخل بعضها في بعض الرجمات: حجارة تنصب على القبر الطبق: الغطاء.
(7) ملاث إزاره: مداره.
(8) العرمرم: الكثير العدد.
(9) الشاكلة: الخاصرة الرمي: المرمى.
(10) تشزّني: اشتدي وانتصبي في الخصومة.(2/261)
لا تصفحنّ عن الملمّ إذا جنى، ... وإذا المضارب أمكنتك، فصمّم
فالغمر من ترك الجزاء على الأذى، ... وأقام ينظر عذرة من مجرم (1)
ومحوكة كالدّرع أحكم سردها ... صنع فأفصح في الزّمان الأعجم
عضّلتها زمنا لأطلب كفؤها، ... وزففتها لك نعم بعل الأيّم (2)
إنّي نزلت، وكنت غير مذلّل، ... بيت المهان وأنت عين المكرم
رشتم سهمي
(الرمل)
وضع الشريف هذه القصيدة في مدح الملك قوام الدين، وفيها يشكره على ما أنعم به عليه، وقد أرسلها إليه إلى أرجان في رمضان سنة 400.
أعلى الغور تعرّفت الخياما، ... ولدار الحيّ ملهى ومقاما (3)
منزل من آل ليلى لم يدع ... ولع الدّهر به إلّا رماما (4)
حبّذا الدّار، وإن لم يلقنا ... قاطن الدّار بها إلّا لماما
من رأى البارق في مجنوبة، ... هبّة البارق قد راع الظّلاما (5)
كلّما أومض من نحو الحمى ... أقعد القلب من الشّوق وقاما
ما على ذي لوعة نبّهه ... بارق من قبل الغور، فشاما (6)
__________
(1) الغمر: من لا يجرّب الأمور.
(2) الأيّم: من لا زوج لها.
(3) الغور: اسم موضع.
(4) رماما: عظاما بالية، بقايا.
(5) المجنوبة: التي هبت بها ريح الجنوب.
(6) شام: ظهر.(2/262)
يا خليليّ انظرا عنّي الحمى، ... إنّ طرف العين بالدّمع أغاما
طال ما استسقوا لعيني دمعها ... أينما استسقيت للدّار الغماما
أخلق الرّبع، وأثواب الهوى ... مستجدّات ولوعا وغراما
آه من برق على ذي بقر، ... نبّه الشّوق على القلب وناما (1)
كم رعينا العيش فيه ناضرا، ... ووردنا أوّل الحبّ جماما (2)
وغريمي صبوة قد قضيا ... بعض دين الشّوق ضمّا ولزاما (3)
يا قوام الدّين قدها صعبة، ... لم تكن تتبع من قبل الزّماما
أنت فينا هضبة الله التي ... زادها قرع المقادير التئاما
ويد للدّهر موهوب لها، ... إن أساء الدّهر يوما وألاما (4)
ما يضرّ القوم أوقظت لهم ... أن يكونوا عن حمى العزّ نياما
منبت تحرز عن أعراقه ... حسب لا يقبل العار قداما (5)
إرث آباء علوا، فاقتعدوا ... عجز المجد، وأعطوك السّناما (6)
أمطروا الجود مضيئا بشرهم، ... فرأيناهم شموسا وغماما
شغلوا قدما عن النّاس العلى، ... ورموا عن ثغر المجد الأناما
معشر تمّوا، فلم ينثلموا، ... ثلم الأقمار ينظرن التّماما
كحميّا الطّود رأيا وحجا، ... ورماح الخطّ غربا وقياما (7)
أفرج المجد لهم عن بابه، ... ولقي الأعداء ضعفا وزحاما
__________
(1) ذي بقر: اسم واد.
(2) الجمام: الكثير.
(3) اللزام: العناق.
(4) ألام: أتى بما يلام عليه.
(5) تحرز: تحرس الأعراق: الأصول القدام: القديم.
(6) العجز: مؤخر الشيء السنام: أعلاه.
(7) حميا الطود: قوة الجبل وشدته الخط: موضع باليمامة تنسب إليه الرماح الغرب: الحد.(2/263)
غائب مثلك من شهّاده، ... ما قضى العمر ولا ذاق الحماما
لم يعش من عاش مذموما ولا ... مات أقوام، إذا ماتوا كراما
يعظم النّاس، فإن جئنا بكم، ... كنتم الرّاعين، والنّاس سواما (1)
أولم ينه العدا في أربق ... لجب قاد الجماهير العظاما (2)
لججا يلغط فيهنّ القنا، ... لغط الأوراد دفعا ولطاما (3)
يوم ولّى قومه في هوّة ... مستغرّ دمر الجيل الطّغاما (4)
مستعيرا هامهم يحسبها ... جفنات الحيّ ينقلن الطّعاما (5)
شهد الرّوع، فلم يعط القنا ... نهز الطّعن ولم يرض الحساما (6)
ونجا الغاوي يفدّي مهره، ... خزي الموقف قد ليم ولاما
طرح الدّرع ذميما واتّقى ... بمطاه الطّعن شمّا وعراما (7)
يستزيد الطّرف حتّى لو رأى ... مهلة الواقف قد ألقى اللّجاما (8)
خلفة وطفاء يمريها الرّدى ... مطر الطّعن رذاذا ورهاما (9)
دأبها في دار زين تنتحى، ... شلّة الطّارد بالدّوّ النّعاما (10)
__________
(1) السوام: الإبل الراعية.
(2) أربق: اسم بلدة بفارس.
(3) اللجج: معظم الماء يلغط: يحدث أصواتا مبهمة الأوراد: الإبل الواردة للشرب.
(4) الطغام: الأوغاد المستغر: الآتي على غرّة، على غفلة.
(5) جفنات، جمع جفنة: قصعة.
(6) الروع: القلب.
(7) شما: تكبرا عراما: شراسة وشدّة.
(8) الطرف: الكريم من الخيل.
(9) الخلفة الوطفاء: الناقة الكثيرة الشعر، استعارها للسّحاب يمريها: يمسح ضرعها لتدر الرهام: المطر الدائم.
(10) الشلّة: الطرد الدو: الفلاة.(2/264)
بتن بالشّدّ يخرّقن الثّرى، ... دلج اللّيل، ويرقعن القتاما (1)
خلت أيديهنّ في معزائها، ... أنمل الولدان يفلين اللّماما (2)
جاذبت فرسانها أعناقها، ... كلّما نهنهن طالبن أماما (3)
وليالي السّوس صبّحت بها، ... صائحا يسقي دم الطّعن مداما (4)
تضمن الأعناق للسّيف، إذا ... أخفر السّيف على الدّرع الذّماما
رشتم سهمي، وضاعفتم له، ... عقب النّعماء والرّيش، اللّواما (5)
كلّ يوم نعم مشفوعة، ... لاحقات، وتوال وقدامى
أصبحت عندي ولودا ناتجا، ... يوم تغدو نعم القوم عقاما
مثل رشق النّبل إلّا جرحها، ... تبرد الغلّ، وتستلّ الأواما (6)
كلّما شيّخ عندي ضيفها، ... رجّعته جدد الطّول غلاما
يا جزت عنّي الجوازي معشرا ... ملكوا الورد، فأعطوني الجماما
جئتهم في جفوة الدّهر، فلا ... أوصدوا الباب ولا لطّوا القراما (7)
ضرب العزّ عليهم بيته، ... ثمّ ألقى الرّحل فيهم، وأقاما
وعمرتم آمني ريب الرّدى، ... يمطل الخطب بكم عاما فعاما
كلّما خفّ إليكم حادث، ... غلّط النّهج ولم يعط المراما
ما رأينا سلكها من غيركم ... جمع النّشر، ولا ضمّ النّظاما
لا طوت عنّا اللّيالي من غدا ... للورى غيثا، وللدّين قواما
كلّما رحّلت اليوم فتى، ... نوب الأيّام زادتك مقاما
__________
(1) أي يرقعن الغبار المتمزق بما يثرنه من الغبار في سيرهن ليلا، مخرقات للتراب بأخفافهن.
(2) المعزاء: الأرض الصلبة اللمام، جمع لمة: الشعر المحاذي للأذنين.
(3) نهنهن: كفكفن وزجرن.
(4) السوس: اسم بلدة في الأهواز.
(5) رشتم سهمي: ألزقتم عليه الريش اللوام: اللوم.
(6) الأوام: العطش.
(7) لطوا: أغلقوا القرام: الستر الأحمر.(2/265)
يا من رأى البرق
(السريع)
كتب الرضي هذه القصيدة إلى الملك قوام الدين، وفيها يطلب أن يعفى من تدبير أعمال أوكلت اليه، وذلك في ذي القعدة سنة 400.
يا من رأى البرق على الأنعم ... يطوي بساط الغسق المظلم (1)
محمرّة منه كفاف الدّجى، ... نضح جراح الفرس الأدهم
قام نساء الحيّ يقبسنه ... نارا من الإيماض لم تضرم
تطاول المنجد ضنّا به، ... وقد عطا للبلد المتهم (2)
حتّى رمى الإصباح في ليلة، ... لفّت إزار الرّجل المحرم
لا جاز مغناهم بذات النّقا ... قطر الغوادي وطلال السّمي (3)
ولّوا على قلبي عنيف الجوى، ... يعاقب القلب، ولم يجرم
الله في طرف بكم دامع، ... دام، وقلب بكم مغرم
لا يتعب العاذل في حبّهم، ... قد ذهب السّهم بقلب الرّمي
عيني مع اليقظى غراما بهم، ... وعين من يلحى مع النّوّم
لولا قوام الدّين ما استوسقت ... أعناقها في السّنن الأقوم (4)
ولا رأينا النّجم ذا خفية، ... من قارع الحافر والمنسم
يغير للمجد، إذا غيره ... أغار للسّلّة والمغنم (5)
__________
(1) الأنعم: اسم موضع.
(2) المنجد: القاصد نجدا عطا: رفع المتهم: القاصد تهامة.
(3) الغوادي: الغيوم الصباحية السمي، جمع سماء: المطر.
(4) استوسقت: اجتمعت الأعناق: الجماعة من الناس والرؤساء السّنن:
الطرق.
(5) السّلة: السرقة.(2/266)
لا يصحب الأغماد من لم تزل ... سيوفه في حلل من دم
لله نعل حذيت في العلى ... أخمص ذاك العارض المرزم (1)
يودّ لو أصبح شسعا لها، ... نجاد عنق الملك الأعظم (2)
بنوا على مضطربات القنا، ... بناء عزّ غير مستهدم
تشبّ بالمندل نيرانهم، ... لطارق اللّيل، ولم يظلم (3)
لا يدفع الأضياف منهم إلى ... ممنون زاد وقرى معتم (4)
قلّت عيون النّاس عن نيلهم، ... فعوّذوا من أعين الأنجم
أساود تنتجها في العلى ... أسد إلى أمثالها تنتمي
فيخرج الأرقم من ضيغم، ... ويخرج الضّيغم من أرقم (5)
سمّيت الغبراء في عهدهم ... حمراء من طول قطار الدّم
تحمرّ منها كلّ مخضرّة، ... كأنّ لا نبت سوى العندم
كلّ فتى يفضح أطواقه، ... وجه مضيء الجيد والملطم (6)
للبشر في ديباجه لامع، ... طراز عصب اليمن المعلم (7)
قوم رباط الخيل في دورهم، ... كالبهم في غامد أو يقدم (8)
من كلّ محبوك القرا محصف ... أمرّ فتل الرّسن المبرم (9)
__________
(1) العارض المرزم: الغيم الشديد الرعد.
(2) الشّسع: زمام النعل النجاد: حمائل السيف.
(3) المندل: عود طيب.
(4) الممنون: المقطوع المعتم: البطيء.
(5) الأرقم: الحيّة الضيغم: الأسد.
(6) الملطم: الخد.
(7) الديباج: ثوب موشى العصب: من برود اليمن المعلم: المطرّز.
(8) البهم، جمع بهمة: الضأن والمعز والبقر غامد ويقدم: من القبائل.
(9) القرا: الظهر المحصف: الشديد الركض أمرّ: أحكم فتله.(2/267)
كأنّه ينظر مستوجسا ... ربيئة قام على مخرم (1)
متى أراها كذئاب الغضا، ... تحرّض الهائب بالمقدم (2)
أعنّة الفرسان أعرافها، ... عجلى عن المسرج والملجم
من فارس يحمل أسد الشّرى ... لملتقى يوم ردى أيوم (3)
ترمي جبال الثّلج من قدحها ... نار الوغى بالشّرر المضرم
أرعن قد كدّر ماء الحيا ... في مزنه بالرّهج الأقتم (4)
يوم يودّ القرن لو أنّه ... يزيد في الرّمح من المعصم (5)
كم قلّة ممتنع طودها ... إلّا على ذي الجدد الأعصم (6)
قد أمست الخيل ضيوفا بها ... للوعل العاقل والقشعم (7)
ثلّمتها كيدا، وكم شابكت ... أيدي المقادير ولم تثلم
يخال باقي روق أطوادها ... باقي أنياب فم الأهتم (8)
قد ينفذ الحلم على غرزة ... بمحفظات الغادر المجرم (9)
وطول نزف النّغب يفنى به ... غمر جمام الغدق المفعم (10)
__________
(1) مستوجسا: مستمعا الصوت الخفي ربيئة: عين مراقبة المخرم:
أنف الجبل.
(2) الهائب: الخائف.
(3) أيوم: شديد.
(4) الأرعن: الأحمق الرهج: الغبار والسحاب بلا ماء الأقتم: الأسود.
(5) القرن: الشجاع، صاحب الكفاية في الشجاعة.
(6) القلّة: أعلى الجبل الجدد: العلامات الأعصم: الوعل في قوائمه سواد وبياض.
(7) الوعل: تيس الجبل العاقل: الصاعد القشعم: النسر العتيق.
(8) الرّوق: القرن الأهتم: المتكسّر الأسنان.
(9) الغرزة: الجهل.
(10) النزف: رشح الماء النغب: شرب الطائر الغدق: الماء الكثير المفعم: المملوء.(2/268)
أقدم للحين، ويا ربّما ... أجلى الوغى، والغنم للمحجم (1)
يسلم كعب الرّمح مستأخرا، ... ويوقع الإقدام باللهذم (2)
ما كان إقداما، ولكنّه ... تسرّع العير على الضّيغم (3)
ولّى، وقد أردف هدّارة، ... يقظى على اللّيل لغوط الفم (4)
لا يؤمنن، بعد كلال الشّبا، ... كم صائل بالسّاعد الأجذم (5)
قد يهلك النّسر، وفي ريشه ... عون الرّدى الجاري مع الأسهم
يثمّر المال، ويأبى الغنى، ... إلّا من الذّابل والمخذم
لا يدخر الضّيغم من قوته، ... ما يدخر النّمل من المطعم
لا تستشر غيرك في كيّها، ... قد بلغ الدّاء إلى الميسم (6)
واخطب على سيفك بكر العلى، ... فقد تملّأت من الأيّم (7)
حسامك النّصر، فصمّم به، ... ودرعك الإقبال، فاستلئم (8)
لا يصلح النّاس لأربابهم، ... غير بياض السّيف والدّرهم
يا ملبسي النّعمى التي أورقت ... عودي مرارا وكست أعظمي
ومطلعي في رأس عاديّة ... تخسأ طرف الجذع الأزلم (9)
نزع العلى عنّي كإلباسها، ... والغنم بالبذلة كالمغرم
__________
(1) الحين: الهلاك المحجم: المتأخر، المتردد عن الاقدام.
(2) اللهذم: القاطع من الرماح والسيوف.
(3) العير: الحمار الضيغم: الأسد.
(4) اللغوط: الكثير الجلبة والأصوات المبهمة.
(5) الشّبا، جمع شباة: حد كل شيء قاطع الأجذم: المقطوع اليد أو الأنامل.
(6) الميسم: المكواة.
(7) الأيّم: التي لا زوج لها.
(8) استلئم: إلبس لأمتك أي درعك.
(9) العادية: البناء القديم المنيع تخسا طرفه: تجعله كليلا الجذع الأزلم:
الدهر الشديد البلايا.(2/269)
أكرم عنها، وبها مرّة، ... كلاهما عندي من الأنعم
وكيف نوم المرء من تحته، ... دون الكرى مضطرب الأرقم
بين خصافي نعله شوكة ... إن شدّد الوطء عليها دمي
فاملك بها رقّي وحرّر بها ... عنقي، ورقّ الحرّ للمنعم
وحز بها ما بقي العمر لي ... صفاء قلبي، وصفايا فمي
غوثك منها يا غياث الورى، ... قد ثقل العبء على المهرم
صونوا بها عرضي ووجهي معا، ... صونهما في الزّمن الأقدم
لا تحسبوا أنّي، على جرأتي، ... أحجمت حتّى ضاق لي مقدمي
ما لان عودي في يدي غيرها، ... يوما، ولا خار على معجم (1)
عطفا علينا أن يقول امرؤ: ... إنّ علوق المجد لم ترأم (2)
يخدع بالشّهد مذاق الفتى، ... وربّما آل إلى العلقم
عظيمة ناديت من ثقلها ... بالبازل النّاهض بالمعظم (3)
عادات إحسانك أمثالها، ... قد لؤم الدّهر بها، فاكرم
وطل وصل واعف وهب وانتقم ... وابق ودم واعل وثب واسلم
__________
(1) خار: ضعف المعجم: من عجم العود إذا عضه ليعرف صلابته.
(2) العلوق: الناقة التي تعطف على غير ولدها لم ترأم: لم تحن.
(3) البازل: الجمل الذي برز نابه، البالغ.(2/270)
ندى ودم
(البسيط)
نظم الشريف الرضي هذه القصيدة بفارس، وفيها يمدح فخر الملك.
أحقّ من كانت النّعماء سابغة ... عليه من أسبغ النّعمى على الأمم (1)
وأجدر النّاس أن تعنو الرّقاب له ... من استرقّ رقاب النّاس بالنّعم (2)
إذا سما فإلى العلياء نهضته ... وإن مشى فعلى الأعناق والقمم
لله أمّ تلقّته براحتها، ... ماذا تلقّت إلى الدّنيا من الكرم
في صبية للمعالي كان أولعهم ... بالمكرمات، وألقاهم إلى الدّيم
كم غبت عنه، وما غابت مكارمه، ... ونمت عنه بآمالي، ولم ينم
لا يتبع المال أنفاسا مصاعدة، ... ولا يعير العطايا زفرة النّدم
يا ممرضا بالمساعي قلب حاسده، ... على العلى، ومداوي الفقر والعدم
أقبلتها بسياط العزم تحفزها ... للطّعن، لا بعراك العذر واللّجم (3)
من دومة بجبال الغور حاملة ... حقائب الموت للأعداء والنّقم (4)
على قطاهنّ صدّارون عن نهل ... من القواضب ورّادون للقحم (5)
طريدة للعلى جلّى، فأدركها ... بعد المطال، جناح الأجدل الضّرم (6)
أقام سوق المساعي، وهي بائرة، ... مجال عزمك بين السّيف والقلم
ففي النّزال يد حمراء من علق ... وفي النّوال يد بيضاء من كرم (7)
أعيا الرّجال وإن عزّوا وإن كرموا، ... مكان كفّيك فيها من ندى ودم
__________
(1) سابغة: كاملة، وافية، فائضة.
(2) تعنو: تخضع.
(3) تحفزها: تدفعها العذر، جمع عذار: ما سال على الخد من اللجام.
(4) الحقائب، جمع حقيبة: الرفادة في مؤخرة ظهر البعير.
(5) القطا: مقعد الرديف من ظهر الدابة القحم: عظائم الأمور.
(6) الأجدل: الصقر الضرم: الجائع.
(7) العلق: الدم النوال: العطاء.(2/271)
حرم الله
(الطويل)
لكم حرم الله المعظّم لا لنا، ... وبطحاؤه والأخشبان وزمزم (1)
وما ردّ شعب المأزمين على منى، ... وجمع، وما وارى السّتار المحرّم (2)
لئن لم تصبّحكم بها مستغيرة، ... كصكّة أنف المرء يتبعها الدّم
ولد المجد له
(الرجز)
في هذه القصيدة يشكر الشاعر الملك قوام الدين على النعوت الجديدة التي أسبغها عليه، وذلك في ذي القعدة سنة 401.
ثوّرتها تنتعل الظّلاما، ... لا نقو أبقين ولا سلامى (3)
قودا، إذا اللّيل بها ترامى، ... مرقن من ظلمائه سهاما
ترجّع الحنين والبغاما، ... شكوى المريض ماطل السّقاما (4)
أعلقتها من النّدى زماما، ... لا واهن العقد، ولا رماما
أي غياث الخلق والقواما، ... إنّ بأرجان لنا غماما (5)
ها أوشكي أن تردي الحماما ... غمرا، يزيد لجّه التطاما
__________
(1) الأخشبان: جبلان في مكة وهما أبو قبيس والأحمر زمزم: بئر في مكة.
(2) المأزمان: مضيق بين مكة ومنى جمع: اسم موضع.
(3) النقو: كل عظم له مخ السلامى: عظام صغار في اليد والرجل.
(4) البغام: من بغمت الناقة: قطعت الحنين ولم تمدّه.
(5) إي غياث: هكذا وردت ومعها يختل الوزن، والأصح: أيا غياث.(2/272)
إن ناطح الأكراد والأرواما، ... يروّح الإحسان والإنعاما (1)
إذا الرّجال روّحوا الأنعاما، ... قوّم درء الدّين فاستقاما (2)
قد ولد المجد له تماما، ... إذا رأينا الملك الهماما
نرى سريرا يحمل الأناما، ... والسّؤدد القدامس القداما (3)
إنّ على أعواده الضّرغاما ... تخدج من هيبته السّلامى (4)
تعنو الملوك حوله إعظاما، ... نستكثر اليوم له القياما (5)
أسدا تراها عنده بهاما، ... شلّت يد الجاذب ماذا راما (6)
من بازل قد منع الخطاما، ... وأعجز الوراك والزّماما (7)
لا يعرف الرّحل له سناما، ... ولّى الأعادي منكبا حطّاما
يوم الضّغاط يأمن الزّحاما، ... من معشر تفرّعوا الأعلاما (8)
مطاولا مجدهم الأيّاما، ... حلّوا القصور البيض والآطاما
يخالطون الشّرب والمداما، ... والعازفات الغرّ والنّدامى
كرائما لاقينهم كراما، ... حتّى إذا يوم الرّدى أغاما
محتزما قد لبس القتاما، ... رأيتهم ضراغما تسامى
على الجياد تعلف الإلجاما ... في البيد لا ظلّ، ولا خياما
غدوا يبارون بها النّعاما، ... مرابعين الحامل الهماما (9)
__________
(1) يروح: يراوح بين أمرين.
(2) روّحوا: ردوا الإبل إلى المراح الأنعام: الإبل الراعية الدرء: العوج.
(3) القدامس: الشديد القدام: القديم.
(4) تخدج: تنقص السّلامى: عظم مجوّف.
(5) تعنو: تخضع، تنحني.
(6) البهام، جمع بهمة: اولاد الضأن والمعز والبقر.
(7) الوراك: الموضع الذي يجعل عليه الراكب رجله إذ تعبت.
(8) تفرعوا الاعلام: تسلقوا الجبال.
(9) مرابعين، من رابعة الحمل: رفع معه العدل بالمربعة على ظهر البعير، والمربعة خشبة تستعمل لدعم الحمل.(2/273)
من كلّ أقنى ينفض اللّجاما، ... كالنّصل إلّا الفوق واللّؤاما (1)
إن قعد الخطب إليه قاما، ... حتّى يروّي الرّمح والحساما
يقظان مذ ذمّ الكرى ما ناما، ... قد بعثوه شائما، فشاما (2)
من مقبس المجد لهم ضراما ... جاء به يضطرم اضطراما
حلّوا الحبى بلّغتم المراما، ... سعي كفى الآباء والأعماما
كم قلّدوني النّعم الجساما، ... سوابغا ترفع لي الأعلاما
أمطوني الغارب والسّناما، ... وطال ما غاظوا بي الأقواما (3)
وجدّدوا الأحقاد والأوغاما، ... هم قدّموني في العلى أماما (4)
وأخّروا عن غايتي الإقداما، ... فذّا من النّعماء أو تؤاما
كالسّلك ضاعفت به النّظاما، ... إلى م مدّ بحركم إلى ما؟
ملئتم النّعماء والدّواما، ... عاما على رغم العدا، فعاما
تماطلون القدر والحماما، ... شمل الثّريّا ضمن المقاما
طوق الهلال لا يرى انفصاما، ... لا روّع الدّهر لكم سواما (5)
يوما، ولا فضّ لكم نظاما، ... حتّى يلاقي يذبل شماما (6)
__________
(1) الأقنى: المرتفع الأنف الفوق: موضع الوتر من السهم اللؤام: السهم الذي عليه ريش.
(2) الشائم، من شام مخايل الشيء: تطلع نحوه مليا، وشام البرق: نظر إلى سحابته ليعلم أين تمطر.
(3) الغارب: ما بين السنام والعنق.
(4) الأوغام: الحروب، الضغائن.
(5) السوام: الماشية الراعية.
(6) يذبل وشمام: جبلان.(2/274)
خذ حياتي
(المنسرح)
كتب هذه الأبيات الى الملك قوام الدين وقد نالته علّة.
يا دهر! ماذا الطّروق بالألم، ... حام لنا عن بقيّة الكرم
إن كنت لا بدّ آخذا عوضا، ... فخذ حياتي ودع حيا الأمم (1)
لا درّ السّقام كيف رمى ... طبيب آمالنا من السّقم
الجارية السوداء
(الطويل)
أسرف بعض حاضري مجلس الشريف الرضي في استحسان وصف ابن الرومي للجارية السوداء، فارتجل الرضي هذه القصيدة.
ولا مثل ليلي بالشّقيقة والهوى، ... يضمّ إلى نحري غزالا منعّما (2)
خلوت بكالغصن المرنّح فتّحت ... أعاليه غبّ القطر نورا مكمّما
وأبيض برّاق النّظام كأنّه ... حصى برد لو أنّه نقع الظّما (3)
فسقيا لألمى ذي غروب تخاله ... غزالا رعى بالنّيّ مردا وعظلما (4)
__________
(1) الحيا: الخصب والمطر، وفي القول كناية عن الكرم.
(2) الشقيقة: الفرجة المعشبة بين جبلين.
(3) النظام: الأسنان نقع: سكن، هدأ.
(4) الألمى: المسود الشفة النّي: السّمن، وقد يكون اسم موضع المرد:
ثم الأراك العظلم: نبت يصبغ به.(2/275)
ولا نعم الحمر الشّفاه كأنّما ... تبطّن داء، أو ولغن بها دما
أحبّك يا لون الشّباب، لأنّني ... رأيتكما في القلب والعين توأما
سواد يودّ البدر لو كان رقعة ... بجلدته، أو شقّ في وجهه فما
لبغّض عندي الصّبح ما كان مشرقا، ... وحبّب عندي اللّيل ما كان مظلما
سكنت سواد القلب إذ كنت شبهه، ... فلم أدر من عزّ من القلب منكما (1)
وما كان سهم الطّرف لولا سواده ... ليبلغ حبّاب القلوب إذا رمى
إذا كنت تهوى الظّبي ألمى فلا تعب ... جنوني على الظّبي الذي كلّه لمى (2)
طول الغرام
(السريع)
يا قلب ما أطول هذا الغرام، ... يوم نوى الحيّ، ويوم المقام
في القرب ليّان ديون الهوى، ... وفي نوى الدّار رجيع السّقام (3)
مقيمة عندك أشجانهم، ... ولا يلاقونك إلّا لمام
لم ينقعوا الظّمآن من غلّة، ... ولم يبالوا طرب المستهام (4)
متى تفيق اليوم من لوعة، ... وأنت نشوان بغير المدام؟
صبابة، والحيّ قد قوّضوا ... عن جانب الغور عماد الخيام (5)
سقى المغاني بجنوب النّقا ... ماء المآقي، ثمّ ماء الغمام (6)
وزائر زار على نأيه، ... بعد الأسى عاد بعيد الغرام
__________
(1) من عز: من عجز.
(2) لمى: سواد مستحسن في الشفة.
(3) الليّان: المطل، التسويف.
(4) ينقعون: يسكّنون، يروون العطش طرب: حزن.
(5) قوّضوا: نزعوا الأعواد والأطناب، وقد وردت في نسخة أخرى: قعقعوا.
(6) المغاني، جمع مغنى: منزل النقى: المكان المرمل، وقد وردت أيضا:
الحمى.(2/276)
أمنزل عند عقيق الحمى، ... ومضجع عندي بأعلى الشّآم؟
زيارة زوّرها خاطري، ... ما أقنع النّفس بزور المنام
خدائع أغضي على علمها، ... لعلّها تنقع هذا الأوام (1)
يا قاتل الله الغواني لقد ... سقينني الطّرق بعيد الجمام (2)
أعرضن عنّي حين ولّى الصّبا، ... واختلج الهمّ بقايا العرام (3)
وشاعت البيضاء في مفرقي، ... شعشعة الصّبح وراء الظّلام (4)
سيّان عندي أبدت شيبة ... في الفود أو طبّق عضب حسام (5)
ألقى بذلّ الشّيب من بعدها ... من كنت ألقاه بدلّ الغلام (6)
ترى جميم الشّيب لمّا ذوى ... يراجع العظلم بعد الثّغام (7)
كم جدن بالأجياد لي والطّلى، ... فاليوم يبخلن بردّ السّلام (8)
وكنت إن أقبلت أسمعنني ... قعاقع الحلي وراء القرام (9)
أيّام أغدو والصّبا مقودي، ... أسلس للقائد طوع الزّمام
في فتية تحسبهم لثّموا ... على العرانين بدور التّمام (10)
تخال أثوابهم في القنا ... من شطط الخلق ومطّ القوام (11)
__________
(1) الأوام: الحر.
(2) الماء الطرق: الذي خوضته الابل وبالت فيه الجمام: الماء الكثير.
(3) اختلج: انتزع بقايا العرام: بقايا اللحم من العظم.
(4) شعشعة الصبح وراء الظلام: كنّي عن الشيب بالصباح وعن سواد الشعر بالظلام.
(5) الفود: الشعر المحاذي للأذنين.
(6) الدل: التدلل.
(7) جميم الشيب: كثيره الثغام: نبات جبلي إذا ابيض أمسى يشبه الشيب.
(8) الطلى: الأعناق.
(9) قعاقع الحلي: أصواتها القرام: الستر الأحمر.
(10) العرانين: الأنوف.
(11) الشطط: تجاوز القدر المط: المد.(2/277)
إذا دعوا والورد مستوبل، ... دفّوا إلى الطّعن دفيف النّعام (1)
وظاهروا النّقع على زعفهم، ... ورجّلوا بالدّم سود الجمام (2)
وصاحب في الحيّ جثّامة، ... معانق الخفض، بطيء القيام
لبّاسة للعار لا يأنف ال ... ذّلّ، ولا يألم حرّ اللّطام
قد عاقد العجز على أنّه ... يهون في الضّيم بطول الملام
لا يعقد المئزر في حادث، ... ولا يرى النّصر، ولو بالكلام
ناب، إذا جرّبته في العدا، ... وهو على عنقي ماض هذام (3)
إذا رأى وطفاء علويّة ... أيقظني شائم برق ونام (4)
من معشر شبّوا على إحنتي، ... وأوجروا بغضي عند الفطام (5)
أقارب، إن وجدوا غمرة، ... راشوا إلى قلبي مرط السّهام (6)
ويعرقوني بالأذى كلّما ... لان لهم مسّي عرق العظام (7)
جوارهم مثل نسيم الصّبا، ... وغيبهم مثل أجيج الضّرام
سماؤهم تشمس بي كلّما ... أظلم جوّ، وبجودي تغام
سيذكروني إن نبا جانب ... من العدا، وانحلّ عقد الزّمام
وأصحرت أعراضهم للأذى، ... تصرد فيهنّ نبال المرام (8)
من لهم مثلي، إذا استزلقت ... أقدامهم يوم ذليل المقام
__________
(1) دفّوا: أسرعوا.
(2) النقع: الغبار الزغف: الدروع الجمام، جمع جمة: مجتمع شعر الرأس.
(3) الهذام: السيف القاطع.
(4) الوطفاء: السحابة المسترخية الجوانب لكثرة مائها.
(5) الإحنة: الحقد أوجروا: أرضعوا، أشربوا.
(6) غمرة الشيء: شدّته ومزدحمه المرط من السهام: ما لا ريش فيه.
(7) يعرقني: يعرّيني من اللحم، واستعملت هنا بالمعنى المجازي عرق العظام:
تعريتها من اللحم.
(8) أصحرت: برزت الى الصحراء لا يسترها شيء تصرد: تخطئ، تنفذ.(2/278)
من لهم مثلي، إذا أصبحوا ... بعارض يهضب بيضا ولام (1)
وشلّت الأرماح من أرضهم، ... طرد الغواني بعد طرد السّوام (2)
والخيل تستلدغ شوك القنا، ... في يوم لا ظلّ بغير القتام (3)
كأنّها سيل مضيق له ... دون الثّنايا زجل وازدحام (4)
لأطعمنّ اللّيل عيديّة، ... ضابعة تكسو البرى باللّغام (5)
مثل نعام الدّوّ هاها به ... مع الدّجى بارق حيّ ركام (6)
آليت لا أحفل في نصّها ... إن مرج الغرض ورثّ الخطام (7)
فوق ذراها كصدور القنا ... مخلصة من كلّ عاب وذام (8)
علّي ألاقي بعد إطراده ... حظّي أو أبلغ بعض المرام
يا دهر كم تحدو بذي نقبة ... معترق النّيّ أجبّ السّنام (9)
بصفحتيه جلب قرّفت، ... من اللّيالي، وكلوم دوام (10)
__________
(1) عارض: غيم يهضب: يمطر لام: دروع، وبيض: سيوف.
(2) شلّت: طردت السوام: الابل الراعية.
(3) القتام: الغبار.
(4) الثنايا، جمع ثنية: العقبة، الطريق الصاعدة والصعبة الزجل: الجلبة.
(5) العيدية: الناقة المنسوبة إلى العيدي بن مهرة بن حيدان الضابعة: ذات أضباع أي أعضاد تبرز خلال السير البرى: التراب اللغام: لعاب الجمل.
(6) الدو: الفلاة هاها: دعاها للعلف أو زجرها ركام: متراكم. وقد وردت لفظة غيم بدل حي في نسخة أخرى.
(7) نصها: سيرها القوي مرج: قلق الغرض: الحزام.
(8) عاب وذام: عيب وذم.
(9) النقبة: أول الجرب المعترق: قليل اللحم الني: الشحم أجب:
مقطوع.
(10) جلب، جمع جلبة: القشرة تعلو الجرح قرفت: قشرت كلوم دوام:
جراح دامية.(2/279)
قد أغبط الميس على عقره ... مع نقب المنسم عاما، فعام (1)
في كلّ يوم ناشد همّة ... أضلّها العاجز في ذا الأنام
يعضّ كفّيه على حظّه، ... ويسأل الدّهر حظوظ اللّئام
يجرّ طمري عدم فيهما، ... معذّل يفعل فعل الكرام (2)
لا ضائع في الدّهر من ذلّة، ... ولا خذول الرّجل يوم الزّحام (3)
لو أنصف الدّهر لأوفى به ... على رقاب من رجال وهام
وما انتفاع المرء يمسي له ... جدّ وراء، وطلاب أمام
وكان راعي كلّ ترعيّة ... في النّاس، أو كان إمام الإمام (4)
لعمر الطير
(الوافر)
هذه القصيدة مرثية لبعض أصدقاء الشاعر، وكان هذا الصديق قد قتله رجل من بني تميم.
لعمر الطّير، يوم ثوى ابن ليلى، ... لقد عكفت على لحم كريم
وإنّ قنا العدا ليردن منه ... دما لم يجر في عرق لئيم
كأنّ الرّمح يصدر منه عدوا ... عن الأجميّ ذي اللّبد الكليم (5)
__________
(1) الميس: التبختر، الخيلاء العقر: أثر الحز في قوائم الجمل أو ظهره النقب: رقة خف البعير المنسم: خف البعير.
(2) الطمر: الثوب الخلق والكساء البالي.
(3) الخذول: الرجل الذي لا تساعده رجلاه على السير لضعفه.
(4) الترعية: الرعاية الجيّدة.
(5) الأجمي، نسبة إلى الأجمة: الشجر الكثير الملتف ذي اللبد: الأسد.(2/280)
وأقسم أنّ ثوبك، يا ابن ليلى، ... لمجموع على عرض سليم
رزئتك كالوذيلة لم تمتّع ... بها، بعد الوجود، يد العديم (1)
تنام، وتترك الأضغان يقظى ... خماشات الذّوابل في تميم (2)
إذا نزعوا الملابس أذكرتهم ... دخول يديه آثار الكلوم
ومن مطل الدّيون أعدّ صبرا ... على عنت المطالب والغريم (3)
تداعت لي بمصرعه اللّيالي، ... وأوعبت النّوائب في أديمي (4)
ونابت رأسي الوفرات حتّى ... تطأطأ، حنوة الرّجل الأميم (5)
وتقترن القوارع في جناني، ... قران النّبل في الغرض الرّجيم (6)
أأجزع إن حطمن حجاز أنفي، ... وهنّ يقصن أعناق القروم (7)
وما لي لا أراع، وقد رمتني ... يد الجلّى بقارعة التّميمي (8)
أحنّ إليه، واللّقيا ضمار، ... حنين العود للوطن القديم (9)
وأنشده، وأعلم أين أمسى، ... مطالا للبلابل والهموم
كأدماء القرا نشدت طلاها، ... وما وجدان جازية بغوم (10)
__________
(1) الوذيلة: قطعة الفضة المجلوة.
(2) الخماشات: الجراح.
(3) العنت: المشقّة.
(4) أوعب الشيء: أخذه بأجمعه الأديم: الجلد.
(5) الأميم: الذي أصيب في أم رأسه.
(6) الغرض: الهدف الرجيم: الشرير.
(7) يقصن: يكسرن القروم: الأسياد الشجعان، جمع قرم.
(8) التميمي: إشارة إلى متمم بن نويرة التميمي، والقارعة هي المصيبة أي مقتل أخيه مالك، قتله خالد بن الوليد في حرب أهل الردّة.
(9) ضمار: لا ترجى عودتها العود: المسن من الإبل.
(10) الأدماء: الظبية البيضاء نشدت: طلبت طلاها: ولدها الجازية:
البقرة الوحشية البغوم: التي تصيح لولدها بصوتها الرخيم.(2/281)
تطيع اليأس ثمّ تعود وجدا ... إليه، بالمقصّة والشّميم (1)
يعارضني بذكرك كلّ شيء، ... عداد الدّاء غبّ على السّليم
أجدّك أن ترى بعد ابن ليلى ... طعانا بين رامة والغميم (2)
ولا نقعا يثور على مغير، ... ولا بيتا يظلّ على مقيم
ولا لجّ الصّهيل مسوّمات ... مججن دما على علك الشّكيم (3)
جعلن ثياب بذلتها الدّياجي، ... وقسطلها غمادا للنّجوم (4)
ولا أسلا إسنّتها ظماء، ... منعن منابت الكلإ العميم
ولا عودا من الأحساب يمسي ... نقيّ اللّيط من عقد الوصوم (5)
فكان كلبدة الضّرغام عزّا، ... إذا ذلّ الموقّع للخصوم
إذا أرعى بأرض لم تجده ... يشارك في الجمام وفي الجميم
أأرجو للحواضن كابن ليلى، ... أحلت، إذا، على بطن عقيم
موتوا كراما
(المتقارب)
نظم الشريف هذه القصيدة في مدح الخليفة الطائع لله، ويعاتبه على تأخير الإذن له في لقائه بمجلس خاص، وذلك في سنة 379.
ضربن إلينا خدودا وساما، ... وقلن لنا: اليوم موتوا كراما
ولا تبركوا بمناخ الذّليل، ... يرحّله الضّيم عاما، فعاما
__________
(1) المقصة، من قص أثره: تتبعه الشميم: الشم.
(2) رامة والغميم: موضعان.
(3) المسوّمات: الخيول المعلمة الشكيم، جمع شكيمة: حديدة اللجام المعترضة في فم الفرس.
(4) البذلة: الثوب الدياجي: الظلمات القسطل: الغبار.
(5) الليط: قشر القصب الوصوم: العقد في العود، جمع وصم.(2/282)
إلى كم خضوع لريب الزّمان، ... قعودا، ألا طال هذا مناما
ولا أنف تحمي لهذا الهوان، ... ولا قلب يأنف هذا المقاما
فإن رابكم ما يقول النّصيح، ... فسالوا القنا، واستشيروا الحساما (1)
وأدنوا العليق إلى المقربات، ... تقل لكم ليس إلّا اللّجاما (2)
تيقّظتم لدفاع الخطوب، ... فلم تتركون الأعادي نياما
ألسنا بني البيض من هاشم ... أعزّ جنابا وأوفى ذماما
وما تفتلينا المنايا غلاما ... يؤمّل إلّا افتلينا غلاما (3)
لنا كلّ مغترب في العلا ... ء لا يطرق الحيّ إلّا لماما
وقد كان إن شمّ ضيما أبى، ... فمن أين علّم هذا الشّماما
إلى الطّائع العدل أعملته ... نّ سوم القطا يدّرعن الظّلاما (4)
كأنّي أروع بها جنّة، ... إذا التبست بالدّجى، أو نعاما (5)
يقول الرّفاق، إذا رجّعت ... من الأين جرجرة أو بغاما (6)
لك الله جعجع بأنضائهنّ ... تعفّ السّنام وتنق السّلامى (7)
إلى أين خلفي أثني العنان، ... إذا ما وجدت أمامي إماما
إذا ما أنخنا إلى ابن المطيع ... حمدنا السّرى وأطلنا المقاما (8)
__________
(1) سالوا: اسألوا مسهّلة.
(2) المقربات: يقال فرس من مقربات الخيل أي التي يقرب مربطها ومعلفها لكرامتها.
(3) تفتلينا، من افتلاه: عزله عن الرضاعة، فطمه.
(4) أعملتهن: سقتهن السوم: السرعة القطا، جمع قطاة: طائر كالحمام.
(5) الجنة: الجن.
(6) الأين: التعب الجرجرة: صوت يردده البعير البغام: من بغمت الناقة:
قطعت الحنين ولم تمده.
(7) جعجع: أنخ الأنضاء، جمع نضو: المهزول تعف، من عفاه: محاه تنق، من نقى العظم: استخرج مخه.
(8) حمدنا السرى: شكرنا سير الليل الذي أوصلنا الى غايتنا. وفي القول تذكير بالمثل: عند الصباح يحمد القوم السرى.(2/283)
إمام ترى سلك آبائه، ... بعيد الرّسول، إماما إماما
يعدّ لعليائه هاشما، ... إذا ما الأذلّاء عدّوا هشاما
من الرّاكزين الرّماح الطّوا ... ل، والرّافعين العماد العظاما
إذا ما بنوا بيت أكرومة ... أطالوا السّموك ومدّوا الدّعاما (1)
مع الشّمس قد فرشوه نجوما ... من العزّ أو ظلّلوه غماما
كأنّك تلقى بدورا تضيء، ... إذا طلعوا، أو قروما تسامى (2)
هم استيقظوا وحدهم للخطوب، ... فقاموا بها، وأناموا الأناما
لهم نسب كاشتباك النّجوم ... ترى للمناقب فيه ازدحاما
مضيء كشعشعة المشرفيّ، ... ينفي الظّلام، ويأبى الظّلاما (3)
يزرّ السّماح عليه الشّفوف، ... ويلبسه العزّ بيضا ولاما (4)
عليه من المصطفى لامع ... يميط الأذى ويجلّي القتاما (5)
إذا أنشأوا للعدا عارضا ... أسال بواديهم، أو أغاما
وباتوا قد اكتحلوا بالطّعان، ... وقد رجّلوا بالنّجيع الجماما (6)
وطارت بقلبهم المقربا ... ت تركب أعقابهن القداما (7)
__________
(1) السموك، جمع سمك: السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله.
(2) قروم، جمع قرم: السيد العظيم.
(3) المشرفي: السيف، نسبة الى مشارف وهي مجموعة قرى في بلاد الشام الظّلام: الظلم.
(4) الشفوف: الأثواب الرقيقة البيض، جمع بيضة: الخوذة اللام، جمع لأمة: درع.
(5) يميط: ينحّي، يبعد القتام: الغبار.
(6) رجلوا: سرحوا النجيع: الدم الجمام، جمع جمة: مجتمع شعر الرأس.
(7) المقربات: يقال فرس من مقربات الخيل أي التي يقرب مربطها ومعلفها لكرامتها.(2/284)
وقد طوّح الألمعيّ العنان ... من الرّوع، والأعوجيّ الحزاما (1)
كأنّ الرّماح بأعجازها، ... يمانية تستهلّ الغماما (2)
شواح من الطّعن أفواهها، ... كما جرّت النّاصحون الجلاما (3)
رموا في بيوتهم جمرة، ... أطالوا القعود لها والقياما
إذا ذكروا الوتر حزّوا الرّقاب، ... وإن ذكروا العفو جزّوا اللّماما (4)
علاؤك أعظم من أن يرام، ... ومجدك أمنع من أن يضاما
وأنت المعظّم في هاشم، ... إذا ما بدا بادؤوه قياما
وأخلوا له معشبات العلا ... ء يرعى الجميم ويسقى الجماما (5)
مشيت البراح، وراج الذّلي ... ل يوصد بابا، ويرخي قراما (6)
وما كنتم، الدّهر، إلّا الرّعاة، ... ولا سائر الخلق إلّا السّواما
حلفت بها كقسيّ النّبا ... ع تحسب أعناقهنّ السّهاما
كحافلة المزن آنستها ... مسمّحة في قياد النّعامى (7)
وكلّ فنيق إلى ناقة ... يساقطها زبدا، أو لغاما (8)
وكلّ ابن ليل على مقرم، ... إذا ما ونى زاغ منه الزّماما (9)
__________
(1) الألمعي: الذكي، المتوقد الذهن، وهو هنا اسم فرس، وكذلك الأعوجي وكان لبني هلال.
(2) يمانية: بروق يمانية تستهل: تستمطر.
(3) شواح أفواهها: فاتحات أفواهها الناصحون: الخياطون الجلام، جمع جلم: المقص.
(4) الوتر: الثأر، الظلم اللمام، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين.
(5) الجميم: الكثير من كل شيء الجمام، جمع جم: معظم الماء.
(6) البراح: الأرض الواسعة القرام: الستر الأحمر والرقيق.
(7) النّعامى: ريح الجنوب.
(8) الفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب اللغام: لعاب البعير.
(9) ابن ليل: مسافر ليلا المقرم: البعير لا يحمل عليه ولا يذلل زاغ:
جذب.(2/285)
وللرّحل لحيان في دفّه، ... إذا اجلوّذ اللّيل لاك السّناما (1)
يبيت كأنّ به أولقا، ... من السّير، أو خابلا، أو عداما (2)
يؤدّي أشيعث جمّ الهموم، ... حراما يزاول أرضا حراما
كنصل اليمانيّ أبلى القراب، ... وما أضمر الغمد منه كهاما (3)
يبيّن للمجد في وجهه ... سفورا، ولم ينض عنه اللّثاما
وكبّ الهديّ لأذقانه، ... يؤمّ به زمزما والمقاما (4)
تخال النّجيع لهذا صدارا، ... إذا ما جرى، ولهذا زماما (5)
لأنتم أعزّ على مهجتي ... من الماء ينقع منه الأواما (6)
وإنّي، وإن كنتم في البلا ... د، أنأى ديارا وأبدى خياما
أليس أبوكم أبي، والعروق ... تخلّط لحمي بكم والعظاما
نبتنا معا، فالتقينا عروقا، ... بأرض العلى، واختلطنا رغاما (7)
إذا عمّم المجد هاماتكم، ... كفاني لوثا به واعتماما (8)
لئن كان شخصي في غيركم، ... فإنّ لقلبي فيكم مقاما
وإنّ لساني لكم والثّناء، ... وإنّ ولوعي بكم والغراما
وكنت زمانا أذود الملوك ... عن السّلك رقرقت فيه النّظاما
أريد الكرامة لا المكرمات ... ونيل العلى لا العطايا الجساما
__________
(1) اللحيان، مثنى لحي: عظم الحنك الذي عليه الأسنان الدف: الجنب اجلوّذ الليل: ذهب.
(2) الأولق: الجنون الخابل: الجني العدام: الفقر، الفقدان.
(3) الكهام: الكليل.
(4) كبّ: قلب، صرع الهدي: ما يهدي إلى الحرم يؤم: يقصد.
(5) النجيع: الدم الصدار: ثوب يغطي الصدر.
(6) الأوام: العطش الشديد.
(7) الرغام: التراب.
(8) اللوث: عصب العمامة.(2/286)
فحوزوا العقائل عن خاطري، ... إلى م أماطل عنها إلى ما؟ (1)
لقد طال عتبي على ناظر ... رأى بارقا غير دان، فشاما
إلى كم أجدّد وجدي بكم، ... وأعلق منكم حبالا رماما (2)
أزيد معاقدها مرّة، ... وتأبى العلائق إلّا انجذاما (3)
وإنّي أعوذ بكم أن يعود ... حبابي قلى، وثنائي ملاما (4)
فهل صافق، فأبيع العرا ... ق غير غبين وأشري الشّآما؟ (5)
إذا لم أزر مطلع المكرما ... ت قد أخذ البدر فيه التّماما
فألبس عطفيّ ذاك الجلال، ... وأورد عينيّ ذاك الهماما
فما أحفل الخطب من بعدها ... إذا جلّ بل لا أبالي الحماما
أتروى الغرائب من وردكم، ... وذودي على جانبيه يظامى (6)
فلا تنكروا قلعة من فتى، ... أقام على مطلكم ما أقاما (7)
سلام، إذا لم يكن لقية، ... وإنّ يدا أن تردّوا السّلاما!
رب أخ
(الرجز)
ربّ أخ لي لم تلده أمّي، ... ينفي الأذى عنّي، ويجلو همّي
ويصطلي دوني بالملمّ، ... إذا دعيت اشتدّ ماضي العزم
كأنّ ما قال مناد باسمي
__________
(1) العقائل، جمع عقيلة: الكريمة المنحدرة.
(2) رمام، من رم الحبل رماما: بلي.
(3) مرّة: فتلا انجذام: انقطاع.
(4) الحباب: الحب، والحباب: المحبة القلى: البغض.
(5) صافق: ضارب يده على يدي من أجل الدلالة على الاتفاق في عملية البيع.
(6) الذود: هو من الإبل من الثلاثة الى العشرة.
(7) القلعة: ما لا يدوم من المال.(2/287)
أشكو
(مجزوء السريع)
لا أشتكي ضرّي من ال ... نّاس، وهم من أعلم
إنّ إلها مسّ بال ... ضّرّ جواد منعم
أشكو الّذي يرحمني ... إلى الّذي لا يرحم
الغني الجبان
(الكامل)
قد يبلغ الرّجل الجبان بماله ... ما ليس يبلغه الشّجاع المعدم
لا تخدعن عنه فربّ ضريبة ... ينبو الحسام بها ويمضي الدّرهم
الحب الدخيل
(الطويل)
ولي كبد من حبّ ظمياء أصبحت ... كذي الجرح ينكى بعد ما رقأ الدّم (1)
أصاب الهوى قلبا بعيدا من الهوى، ... وما كلّ من يبغي السّلامة يسلم
أجمجم عن عوّاد قومي علّتي، ... وحبّكم ذاك الدّخيل المجمجم (2)
__________
(1) الظمياء من الشفاه: الذابلة في سمرة، ومن العيون الرقيقة الأجفان ينكى: يقشر قبل أن يبرأ رقأ: خف، سكن.
(2) أجمجم: أخفي في صدري.(2/288)
أبا نزار
(الرجز)
أبا نزار تفسد القوم النّعم، ... غفّلك الوجد، وزكّاني العدم (1)
ترمّم المال، وبالعرض ثلم، ... إنّي، إذا راحت على الحيّ النّعم
راح على بيتي الثّناء والكرم، ... لا سلم المال، إذا العرض سلم
قد كنت ناديتك، والأمر أمم، ... أما ترى خلف عقابيل الظّلم (2)
لوث خمار الصّبح في رأس العلم ... نفسك إنّ الخيل بالقوم زيم (3)
انج فعن لفتتك الرّمح الأصمّ، ... ناشدتك الله وتحنان الرّحم
وقلت حد عن منهج غير لقم، ... فلم تطعني، ربّ رأي متّهم (4)
سمعك واع، وبعقلك الصّمم، ... حتّى لقيت خطفة البازي الضّرم (5)
أمّ الدّهيم حاملا بنت الرّقم، ... أمرّها المقدار إمرار الوذم (6)
أفلتّ منها بعد إنشاب القدم، ... وبعد ما ضاق عليك المزدحم (7)
منفلت الأظفور من شقّ الجلم، ... أقسمت بالبيت الحرام والحرم (8)
وبالملبّين غدوا شعث اللّمم، ... على رذايا من وجى ومن سأم (9)
__________
(1) غفّلك: صيّرك غافلا الوجد: الغنى زكاني: طهرني، أصلحني، جعلني زكيا أي ناميا طيبا العدم: الفقر.
(2) أمم: قريب خلف: مبنيّة على الضم لانقطاعها عن الاضافة عقابيل:
شدائد.
(3) زيم: متفرقة.
(4) اللقم: معظم الطريق.
(5) الضّرم: الجائع.
(6) أم الدهيم: الداهية الرقم: الداهية أمرّها: فتلها الوذم: السيور التي بين أذني الدلو.
(7) إنشاب: تعليق.
(8) الجلم: المقص، المقرض.
(9) اللمم: الشعر المجاور للأذنين الوجى: الحفا.(2/289)
يطلعن من أجبال رضوى وخيم ... بها وقار بعد ما كان لمم (1)
وما جرى بالخيف من دمع ودم، ... يوم يطير النّاس غربان الجمم (2)
حيث ترى تلك المجالي والقمم، ... يمسين غربانا، ويغدون رخم (3)
والمستجار بعد ذا والملتزم ... تلقى به لأمم بعد أمم (4)
مفترقا لا عن قلى ومصطدم ... صكّ المجيل زلما بعد زلم (5)
لأصدعن عرضك صدعا لا يلم، ... عطّا كما عطّ الفزاريّ الأدم (6)
دبيب نار القين طارت في الفحم، ... أقرع فيه بشبا طعن وذمّ (7)
نهز الدّلاء تلتقي، والماء جمّ، ... ويل إذا، يوم النّطاح، للأجمّ (8)
كم يلبث الأصل على ضرب القدم، ... عرّضت منّي لبصير بالقيم (9)
حامي الأوار منضج إذا وسم، ... آسي الحفيظات، إذا الدّاء ألمّ
عاجل أدواء العروق، فحسم ... حثحثة الذّئب عوى من القرم (10)
آنس وهنا نسم ريح، فنسم، ... ماض على اللّيل، إذا لم ير شمّ
من أسقم النّاس رموه بالسّقم، ... ومن رمي بالموقظات لم ينم
كم ضاف رحلي منكم طارق همّ، ... بتّ له أخطم دائي وأزمّ
__________
(1) رضوى: اسم جبل اللّمم: الجنون.
(2) الجمم: الشعر الطويل.
(3) الرخم، جمع رخمة: نوع من النسور.
(4) المستجار: طالب الحماية.
(5) قلى: بغض المجيل: الذي يجيل ويوجّه سهام المسير الزلم: السهم.
(6) العط: الشق الفزاري: الذي يشق الثوب أو الجلد.
(7) القين: الحدّاد الشبا، جمع شباة: إبرة العقرب.
(8) الأجم: الذي لا قرن له.
(9) القدم، جمع قدوم: آله للنجر.
(10) حسم الداء: قطعه الحثحثة: الاضطراب القرم: الجوع.(2/290)
توجّس اللّيث استراب بالأجم، ... أهدر عن شقشقة العود القطم (1)
حتّى رميت، ربّ نبل عن كلم ... إنّ هموم القلب أعوان الهمم
قد يقدع المرء وإن كان ابن عمّ، ... ويقطع العضو الكريم للألم (2)
لألزمن، إن لم يغيّبك الرّجم، ... لهزمتيك عاقرا من اللّجم (3)
يسيل ذفراك دما، وما ظلم ... موارد الجهل مصادر النّدم (4)
نفحة عار مثلها نفثة سمّ، ... تشمّها بمارن غير أشمّ (5)
إذا وعاها ضاحك القوم وجم، ... يخافها، وما جنى ولا جرم
خذها حروبا كأهاضيب الدّيم، ... لا عزّ منّا اليوم من ألقى السّلم (6)
إن كنت حرّا غير مغموز الشّيم، ... فقل لنا من العبيد والقزم؟
جاءت به مخداجة غير متمّ، ... لها الرّزايا، ولبطنها العقم (7)
لا تنشر الداء
(الطويل)
وكم صاحب كالرّمح زاغت كعوبه، ... أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما (8)
تقبّلت منه ظاهرا متبلّجا، ... وأدمج دوني باطنا متجهّما
__________
(1) الشقشقة: شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه إذا هاج العود: المسن من الإبل القطم: الهائج.
(2) يقدع: يكف.
(3) الرجم: القبر اللهزمتان: عظمان ناتئان في اللحيين، تحت الأذنين.
(4) الذفرى: عظم نافر وراء الأذن.
(5) مارن: أنف أشم: مرتفع.
(6) الأهاضيب، جمع أهضوبة: الدفعة من المطر السلم: السلم، الاستسلام.
(7) المخداجة: التي ألقت ولدها قبل تمامه.
(8) الغمز: التليين.(2/291)
فأبدى كروض الحزن رقّت فروعه، ... وأضمر كاللّيل الخداريّ مظلما (1)
ولو أنّني كشّفته عن ضميره ... أقمت على ما بيننا اليوم مأتما
فلا باسطا بالسّوء، إن ساءني، يدا، ... ولا فاغرا بالذّمّ، إن رابني، فما
كعضو رمت فيه اللّيالي بفادح، ... ومن حمل العضو الأليم تألّما
إذا أمر الطّبّ اللّبيب بقطعه، ... أقول عسى ضنّا به، ولعلّما (2)
صبرت على إيلامه خوف نقصه، ... ومن لام من لا يرعوي كان ألوما
هي الكفّ مضّ تركها بعد دائها، ... وإن قطعت شانت ذراعا ومعصما
أراك على قلبي، وإن كنت عاصيا، ... أعزّ من القلب المطيع وأكرما
حملتك حمل العين لجّ بها القذى، ... ولا تنجلي يوما ولا تبلغ العمى
دع المرء مطويّا على ما ذممته، ... ولا تنشر الدّاء العضال فتندما
إذا العضو لم يؤلمك إلّا قطعته ... على مضض لم تبق لحما، ولا دما
ومن لم يوطّن للصّغير من الأذى، ... تعرّض أن يلقى أجلّ وأعظما
يا عذولي
(الخفيف)
يا عذوليّ! قد غضضت جماحي، ... فاذهبا حيث شئتما بزمامي
بعد لوثي عمامة الشّيب اختا ... ل ببردي بطالة وعرام (3)
خفّضت نزوة الشّباب، وحال ال ... همّ بين الحشا وبين الغرام (4)
غالطوني عن المشيب، وقالوا: ... لا ترع! إنّه جلاء الحسام
__________
(1) الحزن: موضع لبني يربوع كثير الرياض الخداري: المظلم.
(2) الطّب: الطبيب.
(3) البطالة: التفرغ، عدم القيام بأي عمل العرام: الأذى.
(4) نزوة: حماسة، طيش.(2/292)
أيّها الصّبح زل ذميما فما أظ ... لم يومي من بعد ذاك الظّلام
أرمضت شمسك المنيرة فود ... يّ، فمن لي بظلّ ذاك الغمام (1)
قلت: ما أمن من على الرّأس منه ... صارم الجدّ في يد الأيّام
إنّ ذنبي إلى الغواني، بشيبي، ... ذنب ذئب الغضا إلى الآرام (2)
كنّ يبكين قبله من وداعي، ... فبكاهنّ بعده من سلامي
أم المكارم
(الطويل)
تألّق نجديّ، كأنّ وميضه ... قواعد رضوى أو مناكب ريم (3)
أقول له، لمّا تفارط صوبه: ... وراءك قد ألقحت كلّ عقيم (4)
تبعّق حتّى خلت أنّ بعاقه، ... على عدم الجدوى، أكفّ تميم (5)
أتيتهم، والجدب قد عضّد القرا، ... ولا عهد للباغي النّدى بكريم (6)
فما استحضروا العلّات وهي كريمة، ... ولا أطرقوا من روعة ووجوم
هم ضمنوا اللأواء، والأزل راكد ... على مقعد من عسرهم ومقيم (7)
فما ولدت أمّ المكارم مثلهم، ... كراما ولم تغلط لهم بلئيم
__________
(1) أرمضت: أحرقت الفودان: جانبا الرأس.
(2) الغضا، جمع غضاة: شجر ملتف الآرام: الغزلان البيض، جمع رئم.
(3) رضوى: اسم جبل ريم: اسم موضع.
(4) تفارط: نزل صوبه: مطره.
(5) تبعّق: اندفع بقوة البعاق: السيل.
(6) عضد: قطع القرا: الظهر.
(7) اللأواء: الشدة.(2/293)
غرامي
(الطويل)
عطون بأعناق الظّباء، وأشرقت ... وجوه عليها نضرة ونعيم (1)
أمطن سجوفا عن خدود نقيّة ... صفا بشر منها ورقّ أديم (2)
شفوف على أجسادهنّ رقيقة، ... ودرّ على لبّاتهنّ نظيم (3)
يجلن خلاخيل النّضار، وملؤها ... بواديّ غيل بينهنّ عميم (4)
تأطّر أغصان الأراك أمالها، ... وقد رقّ جلباب الظّلام، نسيم (5)
غرامي جديد بالدّيار وأهلها، ... وعهدي بهاتيك الطّلول قديم
يقولون: ما أبقيت للعين عبرة، ... فقلت: جوى، لو تعلمون، أليم
أيسمح جفني بالدّموع وأغتدي ... ضنينا بها؟ إنّي إذا للئيم
ولو بخلت عيني، إذا لعسفتها، ... فكيف ودمع النّاظرين كريم (6)
__________
(1) عطون: رفعن الرؤوس والأيدي.
(2) أمطن: نحين، أبعدن السجوف، جمع سجف: الستر البشر، جمع بشرة: ظاهر الجلد أديم: جلد.
(3) اللبات، جمع لبة: موضع القلادة من الصدر.
(4) بوادي: ظاهرة الغيل: الساعد الممتلئ عميم: مجتمع، كثير.
(5) تأطّر: تثنّي.
(6) عسفتها: ظلمتها، أخذتها بالقوة.(2/294)
الخلافة بي يديك
(الكامل)
وضع الرضي هذه القصيدة في مدح الخليفة الطائع لله، وفيها يشكره على ما أسداه إلى أبيه من الجميل عند دخوله إليه بعد عودته من فارس سنة 376.
هي سلوة ذهبت بكلّ غرام، ... والحبّ نهب تطاول الأيّام
ولقد نضحت من السّلوّ وبرده ... حرّ الجوى فبردت أيّ ضرام
من بعد ما أظمى الغليل جوانحي، ... وأطال من ملل الزّلال أوامي (1)
نشز الجنيب على ثنيّات الهوى، ... ونجوت مرميّا إليّ زمامي (2)
سلوان لا أعطي الجآذر لفتة، ... أو نظرة إلّا بعين لمام (3)
نفض الصّبابة خاطري وجوانحي، ... وأبى المذلّة منزلي ومقامي
والحبّ داء يضمحلّ كأنّما ... ترغو روازحه بغير لغام (4)
لا يدّع العذّال نزع صبابتي، ... بيدي حسرت عن الغرام لثامي
قد كانت الصّبوات تعسف مقودي، ... فالآن سوف أطيل من إجمامي (5)
هيهات يخفضني الزّمان، وإنّما ... بيني وبين الذّلّ حدّ حسامي
لا أرتضي بالماء إلّا جمّة، ... ولربّ طافحة بغير جمام
__________
(1) الأوام: العطش الشديد.
(2) نشز: ارتفع الجنيب: الغريب الثنيّات: العقبات، المرتفعات، جمع ثنية.
(3) السلوان: النسيان الجآذر: الغزلان، كناية عن النساء لمام: من حين الى آخر.
(4) الروازح: الساقطات من التعب اللغام: اللعاب.
(5) تعسف: تأخذ بقوة الإجمام: البقاء من دون قيد.(2/295)
وأصدّ عن ماء القليب، وماؤه ... في حيّز الإكراب والأوذام (1)
ولقد لبست من القناعة جبّة ... تضفو عليّ، ولا تبين لذام (2)
كم ذلّل العدم العزيز، وعظّمت ... نفحات هذا المال غير عظام
ما همّ من حرم الثّراء إذا سما، ... وأحظّ من شرف ومن إعظام
شحب الزّمان عليّ بعد غضارة، ... وإذا نقضت فقد قضيت تمامي (3)
وجرى الثّقاف على أوائل صعدتي، ... فاقتصّ من طربي وفضل عرامي (4)
عنّي إليك، فما الوصال بنافع ... من لا يعذّب قلبه بغرام
ما كنت أسمح بالسّلام لمعرض، ... وعلى أمير المؤمنين سلامي
ملك سما حتّى تحلّق في العلى، ... وأذلّ عرنين الزّمان السّامي (5)
يا ابن القماقم والغطارفة الألى، ... قمم العلى ودعائم الإسلام (6)
الطّود أيّهم، والسّماء عريضة، ... واليوم أيوم، والقلمّس طام (7)
سيماء مشتهر، وقلب مشيّع، ... وأناة مقتدر، ورأي إمام (8)
أمر الخلافة في يديك، وإنّما ... هي عقبة تقضى بكلّ همام
__________
(1) القليب: البئر الحيز: المكان الاكراب: الملء الأوذام: السيور في أذني الدلو.
(2) تضفو: تطول الذام: الذم.
(3) شحب: تغير لونه من هزال أو جوع الغضارة: النعمة، الخصب.
(4) الصعدة: القناة المستوية، وكني بها عن جسمه وقامته العرام: الشّدة، القوّة.
(5) العرنين: الأنف.
(6) القماقم، جمع قمقام: السيد الكثير الخير الغطارفة: جمع غطريف:
السيد الشريف والسخي.
(7) الطود أيهم: الجبل صعب أيوم: شديد القلمّس: البحر الطامي:
العالي.
(8) مشيّع: شجاع.(2/296)
قد كان جدّك عصمة العرب الألى، ... والآن أنت لهم من الإعدام
حفظوا أياديك الجسام، وإنّما ... وصّوا بحفظ الخيل والأنعام
بالطّائع الهادي الإمام أطاعني ... أملي، وسهّل لي الزّمان مرامي
من معشر ما فيهم إلّا فتى، ... أو جائد، أو ذائد، أو حام
قوم، إذا عزموا الغوار تراجعوا ... يتقاسمون ضراغم الآجام (1)
لا يستقرّ المال فوق أكفّهم، ... كالسّيل يزلق عن ذرى الأعلام
البيت ذو العمد الطّوال يظلّهم، ... بين القنا، والحامل الهمهام (2)
يفديك كلّ مزنّد ومعرّد، ... يوم الوغى، ومطاول ومسام (3)
ومبخّل أعطى القليل، وربّما ... سمحت حروف التّاء للتّمتام (4)
أثر النّدوب بصفحتيه ونحره، ... لصفا مراد، أو سهام مرام
طلب الغنى لا للحباء، ولا النّدى، ... ما كلّ عار جاء للإحرام
أحسود ذي النّور المبين على العلى، ... إربع على ظلع، وأنفك دام (5)
إمّا تنازعه العلاء، فإنّه ... قرم يخاطره بويزل عام (6)
ولربّ قرن فات أطراف القنا، ... حتّى أخذت عليه بالأقلام
وولعت في جدّ الحديث وهزله، ... ولع القواضب بالطّلى والهام (7)
في فيلق جمّ الذّوابل والظّبى، ... مثر من الإسراج والإلجام (8)
متدفّق القطرين يرجف نقعه، ... بعصائب الرّايات والأعلام (9)
__________
(1) الغوار: الغارات.
(2) الهمهام: الأسد.
(3) المزنّد: البخيل المعرّد: الهارب.
(4) التمتام: الذي يتردد في لفظ التاء.
(5) أربع على ظلع: تمكث وانتظر.
(6) قرم: سيّد شجاع يخاطره: يباريه بويزل، مصغر بازل: البعير برز نابه.
(7) القواضب: السيوف الطلى: الأعناق.
(8) فيلق: جيش الذوابل والظبى: الرماح والسيوف.
(9) النقع: الغبار.(2/297)
فكأنّه، والنّقع فوق رواقه، ... سيل يساير مستطيل غمام
ما زلت تكشفه بمصقول القرا، ... والخيل بين مغيرة وصيام (1)
قلقلت من أعطافه، فكأنّما ... فجّرت ينبوعا على الأقدام
طرف يتيه على اللّجام تكبّرا، ... فتكاد تركبه بغير لجام
ويد تصول على الحسام شجاعة، ... فتكاد تبسطها بغير حسام
والطّعن يرجع بالقنا، وصدورها ... خطّاطة خلف الجياد دوام
حمر الكعوب، كأنّما ألوى بها ... نضخ من الشيّان والعلّام (2)
إيها، وأنت حيا إلى أوطانه، ... دفع الزّمان بمعرق وشآم
هذا الحسين، وقد جذبت بضبعه ... جذبا يمرّ قرائن الأرحام
أعطيته محض المودّة والهوى ... وغرائب الإعزاز والإكرام
ورددته بالقول ليس بخلّب ... في عقبه، والوعد غير جهام (3)
متناولا طرف الفخار يجرّه، ... ويقود مصعبه بغير زمام
لمّا رآك رأى النّبيّ محمّدا ... في بردة الإجلال والإعظام
ورأى بمجلسك المعرّق في العلى ... حرم الرّجاء وقبّة الإسلام
أوسعت من خطواته في موقف ... متغلغل بتضايق الأقدام
ورفعت ناظره إليك مسلّما ... في أيّ أبّهة وأيّ مقام
ومن القلوب سواكن وخوافق، ... ومن العيون غوامض وسوام
قرّبت من فمه أنامل راحة ... معروفة بالنّقض والإبرام
وخصصته بالبشر منك، وإنّما ... بشر الإمام قرابة الإنعام
برّ الأقارب والأباعد واجب، ... وأحقّ بالنّعمى بنو الأعمام
لا تشمتنّ به الأعادي بعد ما ... عرضوا من الأحقاد والأوغام (4)
__________
(1) القرا: الظهر صيام: ممسكة عن السير.
(2) النضخ: أثر الطيب في الثوب الشيان والعلّام: من أنواع الطيب.
(3) الخلّب: الكاذب الجهام: السحاب لا ماء فيه.
(4) الأوغام، جمع وغم: الحقد الثابت في الصدر.(2/298)
هي قولة لا يستطاع رجوعها، ... كالسّهم يخرج عن بنان الرّامي
والقول يعرض كالهلال، فإن مشى ... فيه الفعال، فذاك بدر تمام
ولربّ فاعل فعلة لا تنثني، ... لو رام رجعتها بكلّ مرام
وكذا الملوك تقوّضوا واستصعبوا ... تقويض ما رفعوا من الآطام (1)
وغدا سنان ابن المشلّل عاجزا ... عن نقض ما علّى من الأهرام
وكذاك عمرو ذو المعابل فاته، ... بعد اضطراب النّزع، ردّ سهام (2)
ويل لمغرور عصاك، فإنّه ... متعرّض لمخالب الضّرغام
هيهات طاعتك النّجاة وحبّك ال ... تّقوى وشكرك أفضل الأقسام
فاسلم، أمير المؤمنين، لغبطة ... معقودة بذوائب الأعوام
وتملّ أيّام البقاء، ولا تزل ... تطغى بشكرك ألسن الأقوام
نفس يحرّمها الحمام مهابة، ... ليس النّفوس على الرّدى بحرام
فالله يعلم أنّ نورك لم يزل ... مستهزئا بالظّلم والإظلام
والمجد يخبر عن فعالك أنّه ... يدلي إليه بحرمة وذمام
فاسمع، أمير المؤمنين، فإنّما ال ... أسماع أبواب إلى الأفهام
القول في الإطراء غير مبلّد، ... والشّكر للنّعماء غير عقام
جاءتك محصدة القوى حبّارة، ... تستعبد الأرواح في الأجسام (3)
من لي بإنشاديكها في موقف ... أعتدّه شرفا مدى أيّامي
لا أدّعي فيه الغلوّ، وإنّما ... يوفي على قلل الرّجال كلامي
__________
(1) تقوضوا: ذهبوا التقويض: التهديم الآطام: القصور، جمع أطم.
(2) ذو المعابل: ذو النصول العريضة.
(3) محصدة: محكمة الصنع حبارة: سارة، من الحبور.(2/299)
أمير المؤمنين
(الوافر)
وضع الشريف الرضي هذه القصيدة في مدح الخليفة الطائع لله.
أمير المؤمنين بثثت فينا ... صنائع بعضها خطر عظيم
وما اقتعد العلى إلّا شجاع، ... ولا بلغ المنى إلّا كريم
لمثلك تحرز المال اللّيالي، ... وأولى النّاس بالعدم اللّئيم
وأنت حميتنا من كلّ ضيم، ... وقد ضربت على الطّمع الخصوم (1)
أنفت بنا على قمم الأعادي، ... وكاد الجدّ يدرك ما يروم
خلائق منك نعرفها يقينا، ... وكلّ فتى بشيمته عليم
فداؤك كلّ منتحل المعالي، ... يقطّع دونه النّسب الصّميم
بأخلاق كما دجت اللّيالي، ... وأحساب كما نغل الأديم (2)
وآخر هزّ عطفيه اغترارا ... بحلمك يوم يفتقد الحليم
تبلّج فيه وسمك، والمطايا ... تغلغل في حواركها الوسوم (3)
وكم فوق البسيطة من شريف ... أغرّ الوجه، شيمته بهيم
لك الجبل الممنّع إن تسامى ... عدوّ لا ينام ولا ينيم
جذبت عن المطيع زمام عزّ ... أطاع الوخد منه والرّسيم (4)
سما بك خير آباء، ولكن ... مضوا طلقا، ومجدهم مقيم
دعوتك، يا إمام، ومن ورائي ... سفيه الرّأي يعذل، أو يلوم
__________
(1) ضريت: تعودت، أولعت.
(2) نغل: فسد الأديم: الجلد.
(3) الوسم: الأثر، العلامة تغلغل: تدخل الحوارك: الكواهل، مفردها حارك.
(4) الوخد والرسيم: ضربان من العدو.(2/300)
وحسبي أن تعيش على اللّيالي ... سليما، لا يطلّقك النّعيم
فإنّ العيش، ما جرّدت منه، ... حمام، والصّحيح به سقيم
رجوتك، والرّجاء يمدّ باعي، ... وأنت لكلّ مكرمة حميم
وإنّي، إن دعوتك للمعالي، ... لأعلم أيّ بارقة أشيم
وقبلك ضاع حقّي في اللّيالي، ... كما ضاع الغريب، أو اليتيم
ونعماء شقيت بها، ولكن ... غدا حظّي من الرّيح السّموم
ومن لي أن أراك، ولي مقام ... بدارك لا أزول، ولا أريم (1)
وما لي لا أصول على الأعادي، ... وأعلم أنّ دارك لي حريم
تداركني صنيعك، والأماني ... تفلّل من جوانبها الهموم
ولولا ما أنلت مشت برحلي ... نقيب الخفّ حليتها الكلوم (2)
وإلطاف تساقط منك وهنا ... عليّ، كما تهوّرت النّجوم (3)
أعدت سواد أيّامي بياضا، ... وأيّام الورى بيض وشيم (4)
وقد عطفت عليّ بنات دهري، ... كما عطفت على السّقب الرّؤوم (5)
ومنك تولّت الأنواء ريّي، ... وطبّق أرضي الكلأ العميم
فلا غرضت سنوك من اللّيالي، ... وعمر عدوّ مجدك لا يدوم (6)
تذوب على منازلك الغوادي، ... ويركض في حدائقك النّسيم
__________
(1) رام المكان: برحه.
(2) نقيب الخف: رقيقته.
(3) وهنا: ليلا.
(4) الشيم: السود.
(5) السقب: ولد الناقة الرؤوم: الناقة التي تعطف على ولدها.
(6) غرضت: ضجرت، ملّت.(2/301)
غيث وربيع
(الكامل)
هذه القصيدة المدحية وجهها الشاعر إلى الخليفة الطائع لله سنة 380.
لله ثمّ لك المحلّ الأعظم، ... وإليك ينتسب العلاء الأقدم
ولك التّراث من النّبيّ محمّد، ... والبيت والحجر العظيم وزمزم
ما ناقلت ركب الرّكاب إلى منى، ... وأراق من علق الدّماء الموسم
خطر من الدّنيا يجلّ وسورة ... تعلو، وقدر زائد يتقدّم (1)
تمضي الملوك وأنت طود ثابت، ... ينجاب عنك متوّج ومعمّم
ما ذاك إلّا أنّ غربك منهم ... أمضى، وأنّ علوّ مجدك أعظم
إنّ الخلافة مذ نهضت بعبئها، ... هدأ الضّمير بها، ونام النّوّم
قد كان منبرها تضاءل خيفة، ... واستلّ منه الهزبريّ الأعظم (2)
حتّى تخمّط منك فوق سراته، ... والأرض راجفة، فنيق مقرم (3)
لله أيّ مقام دين قمته، ... والأمر مردود القضيّة مبرم
فكأنّما كنت النّبيّ مناجزا ... بالقول أو بلسانه تتكلّم
أيّام طلّقها المطيع، وأوحشت، ... مذ زال عن ذا الغاب ذاك الضّيغم
فمضى، وأعقب بعده متيقّظا ... سجلاه بوسى في الزّمان وأنعم (4)
كالغيث يخلفه الرّبيع، وبعضهم ... كالنّار يخلفها الرّماد المظلم
لا تهتدي نوب الزّمان لدولة، ... الله فيها والنّبيّ وأنتم
شرفا بني العبّاس مدّ رواقه ... وعلى تساندها القنا والأنجم
__________
(1) الخطر: الشرف السورة: المنزلة.
(2) الهزبري، نسبة الى الهزبر: الأسد.
(3) تخمّط: اضطرب في مشيه السراة: الظهر المقرم: البعير الكريم.
(4) سجلاه، مثنى سجل: الدلو العظيمة.(2/302)
كم مهمه لبست إليك ركابنا، ... والأرض برد بالمنون مسهّم (1)
حتّى تراعفت المناسم والذّرى، ... فسواء الأعلى دما والمنسم (2)
هنّ القسيّ من النّحول، فإن سما ... طلب، فهنّ من النّجاء الأسهم
يضمنّ أمرا ما تضمّن مثله، ... أيّام أيّام الجديل وشدقم (3)
في حيث لا ورد العطاء مصرّد، ... أبدا، ولا فعل الزّمان مذمّم (4)
وأنا النّذير لمارق يمّمته ... من ضوء نار، للطّغاة مضرّم
حمراء جاهلة الشّرار مهولة ... للنّاظرين لها دخان أدهم (5)
وململم يرمي العدوّ بركنه، ... ماض كفهر المنجنيق ململم (6)
في معرك فقد التّكلّم تحته، ... للرّوع، إلّا أزمل وتغمغم (7)
كثر الحديد به، فبعض يتّقي ... كلم الطّعان بها وبعض يكلّم
من كلّ ضاحكة القتير كأنّها ... برد أعاركه الشّجاع الأرقم (8)
وطويل سالفة السّنان يؤوده ... خطل الكعوب وفي الضّلوع يقوّم (9)
ومرقرق الغربين، إلّا كلفة ... ممّا يطبّق دائما ويصمّم (10)
في فتية ركبوا العلى من هاشم، ... يرمون أقطار العدوّ كما رموا
__________
(1) المهمه: المفازة مسهم: مخطط.
(2) تراعفت: نزفت.
(3) الجديل وشدقم: فحلان مشهوران.
(4) مصرّد: مقطع.
(5) أدهم: أسود.
(6) الفهر: الحجر المنجنيق: آلة ترمى بها الحجارة في الحرب.
(7) الأزمل: الصوت المختلط.
(8) القتير: الدرع الشجاع الأرقم: الحيّة المرقطة.
(9) الخطل: يقال رمح خطل أي طويل مضطرب.
(10) الغربين: الحدّين الكلفة: الحمرة يطبّق: يقطع ويبين ما في داخل الجسم.(2/303)
يجري الحياء الغضّ في قسماتهم، ... في حين يجري في أكفّهم الدّم
فإذا غضبت، فأنت أنت شجاعة ... توفي على عضب الرّدى، وهم هم
بحمائل الملك الجليل مقلّد، ... وبخاتم النّبإ العظيم مختّم
وعظمت قدرا أن يروقك مغنم، ... أو أن يصرّ على بنانك درهم
هي راحة ما تستفيق من النّدى، ... أبد الزّمان، وبدرة لا تختم
ملك تلاعب بالهوى عزماته، ... بعدا به عمّا يقول اللّوّم
عال على نظر الزّمان مبرّأ ... ممّا يمنّ به الزّمان ويثلم
بينا يضيء على الزّمان، فينجلي، ... حتّى يغير على الضّياء، فيظلم
النّفع والإضرار شغل لسانه، ... ليراش عاف، أو يضعضع مجرم (1)
ويروح عنه وليّه وعدوّه: ... هذا يزيد غنى، وهذا يعدم
فعلى المقارب مطلع متبلّج، ... وعلى المجانب عارض متجهّم
في كلّ يوم خالع متأخّر ... يردى، وجدّ غالب متقدّم
وفتوح أمصار تروح وتغتدي ... عفوا إليك، وغيرها يتجشّم
لولاك لم يك مثلها ما يرتقى ... علوا، ولم يك مثلها ما يغنم
ما كان يومي دون مدحك أنّني ... صبّ بغير جلال وجهك مغرم
لكنّها نفس تصان لتنتضى، ... وتجمّ من طول المقال، فتفعم (2)
أنت العلى، فلقصدها ما أقتني ... من جوهر، ولمدحها ما أنظم
ما حقّ مثلي أن يضاع، وقوله ... باقي العماد على الزّمان مخيّم
وأجلّ ما أبقى الرّجال فضيلة ... تمتاحها أذن، ويودقها فم (3)
وأنا القريب قرابة معلومة، ... والعرق يضرب والقرائب تلحم
إنّي لأرجو منك أن سيكون لي ... يوم أغيظ به الأعادي أيوم (4)
__________
(1) يراش: ينال خيرا العافي: المحتاج، طالب المعروف.
(2) تنتضى: تسل، تجرّد تجمّ: تترك تفعم: تملأ.
(3) تمتاحها: تنتزعها، تفهمها يودقها: يمطرها.
(4) أيوم: شديد.(2/304)
وأنال عندك رتبة مصقولة ... إن عاين الأعداء رونقها عموا
إنّي، وإن ضرب الحجاب بطوده ... أو حال دونك يذبل ويلملم (1)
لأراك في مرآة جودك مثلما ... يلقى العيان النّاظر المتوسّم
ولقد أطاعك من عليّ ناصح ... ماضي الجنان، إذا أظلّك، مغرم
يرضيك ظاهره، وبين ضلوعه ... قلب، بما يدني إليك، متيّم
فاشدد يديك به يدم لك ناقض ... فيما يؤدّ من الأمور ومبرم (2)
علما أقول بديهة ورويّة، ... ويضلّ عندك قائل لا يعلم
شعرا أثير به العجاج بسالة، ... كالطّعن يدمي، والقنا يتحطّم
وفصاحة، لولا الحياء لهجّنت ... أعلام ما قال الوليد ومسلم
وخطابة للسّمع في جنباتها ... شغل يعوق عن الذي يترنّم
فعلى م يطلب غايتي متسرّعا، ... غلق الجنان، أقول ما لا يفهم (3)
هيهات أقعدك الحضيض مؤخّرا ... عنّي، وجاورني السّها والمرزم (4)
أزداد فكرا في الزّمان، فإصبعي ... لنواجذي، أبد اللّيالي ترأم (5)
وأرى الحليم ينال من إعراضه، ... ويسلّ مقوله السّفيه، فيعظم
يقتاد مخشيّ الرّجال مراده ... عفوا، ويظلم كلّ من لا يظلم
قلب يسيغ الحادثات، وعنده ... عزم على نوب الزّمان مصمّم
يا دهر! دونك قد تماثل مدنف، ... واقتصّ مهتضم، وأورق معدم
إنّي عليك، إذا امتلأت حميّة، ... بندى أمير المؤمنين محرّم
ومذ ادّرعت عطاءه وفناءه، ... أرمي ويرميني الزّمان، فأسلم (6)
وإذا الإمام أعار قلبي همّة، ... فالأمر أمري، والمعاطس ترغم
__________
(1) يذبل ويلملم: جبلان على مرحلة من مكة المكرمة.
(2) يؤد: يثقل مبرم: ضد النقض والناقض.
(3) غلق الجنان: مغلق القلب.
(4) السها والمرزم: نجمان.
(5) ترأم: تألف وتلزم.
(6) أدرعت: لبست الدرع.(2/305)
مخوّل النعم
(مجزوء الكامل)
في هذه القصيدة يمدح الشاعر الملك بهاء الدولة، وقد كتبها إليه وهو بواسط في جمادى الآخرة سنة 388.
أترى ديار الحيّ بال ... جزعين باقية الخيام
أم فرّقتهم خلفة ال ... أيّام، أو نجع الغمام (1)
ماذا على الرّكبان لو ... حيّوا طلولك بالسّلام
أو بلّغوا عن واجد ... لفّ الضّلوع على الغرام
دار وصلت بها الهوى، ... وقطعت أقران الملام
وبلوت من سكر الشّبا ... ب أجنّ من سكر المدام
أيّام أنظر في معا ... طف شملتي نظر القطامي (2)
وأروح قائد فتية ... سود الغدائر والجمام
سقيا لأزمان بها ... كنت الملقّب بالغلام
قد قلت للرّكب الهجو ... د على الأماعز والإكام (3)
هبّوا، فقد تتيقّظ ال ... أجداد للقوم النّيام
زمّوا المطيّ وأحلسوا ... منها على الدّبر الدّوامي (4)
ودعوا نواظرها من ال ... إرقال تعمى باللّغام (5)
__________
(1) الخلفة: الاختلاف النجع: تتبع الغيث بحثا عن الكلأ.
(2) شملتي: ما اشتمل به، ألتف به القطامي: الصقر.
(3) الهجود: النيام الأماعز، جمع معزاء: الأرض الغليظة.
(4) أحلسوا، من أحلس البعير: غطاه بالحلس وهو كساء على ظهر البعير تحت البرذعة الدبر، جمع دبرة: قرحة الدابة.
(5) الارقال: السير السريع اللغام: اللعاب.(2/306)
حتّى تنيخوا في حمى ... صعب المراقي والمرامي (1)
ملك الملوك به يرا ... وح بين عفو وانتقام
ما إن أبالي من ورا ... ئي بعد أن يضحي أمامي
كاللّيث يقتنص الرّجا ... ل ولا يغير على السّوام (2)
يظمي الرّواء، إذا سطا، ... وإذا سخا أروى الظّوامي
القائد الجرد العتا ... ق يجلن في بيض ولام (3)
من كلّ ذي خصل مرا ... ح السّوط مكدود اللّجام (4)
ومسوّم الرّايات يخ ... فق في الجماهير العظام
ومخوّل النّعم الجسا ... م ونازع النّعم الجسام
إنّ الجياد على المرا ... بط تشتكي طول الجمام (5)
ترمي بأعينها إلى ... البلد اليماني والشّآم
يصهلن من شوق إلى ... قطع المفاوز والموامي (6)
ومصرّة الآذان تر ... قب وثبة بعد القيام
فاصدم بها ثغر العدا، ... بجوانب اللّجب اللهام (7)
يحملن أسد الغاب قد ... عقدوا الدّوابر باللّمام (8)
مستلئمين بها كأ ... نّ رؤوسهم بيض النّعام (9)
__________
(1) المراقي: السلالم، المصاعد.
(2) السوام: الإبل الراعية.
(3) الجرد: الخيول الأصيلة، وأراد الفرسان لام، تخفيف لأم: دروع.
(4) الخصل: الشعر المجتمع المراح، من الاراحة: المكدود، المتعب.
(5) الجمام: الراحة.
(6) الموامي، جمع موماة: المفازة الواسعة.
(7) اللهام: الجيش العظيم.
(8) اللمام، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين.
(9) مستلئمين: لابسي الدروع بيض النعام: كناية عن الخوذ البيضاء.(2/307)
من كلّ هفّاف القمي ... ص أشمّ معروق العظام (1)
ماض كأنّ ذراعه ... من قائم العضب الحسام
يغدون في فيح الفلا، ... متجارحين من الزّحام (2)
يتفيّؤون عجاجة ... كجآجئ الغيم الرّكام (3)
حتّى تقود من المطا ... لب كلّ ممنوع الزّمام
لا تغررنّك من عد ... وّك رمية من غير رام
أشلى بها الضّرغام ح ... تّى هبّ من طيب المنام (4)
هي عنده سبب الشّبا ... ب، وعندنا سبب الفطام
أنّى يقرطس ذو العمى ... غرض المرامي بالسّهام (5)
هيهات أن تطأ الذّئا ... ب مرابض اللّيث الهمام
أين النّجوم من الحصى ... أين النّضار من الرّغام (6)
غلبت على كرم المعا ... رق فيه أخلاق اللّئام
فذوت نضارته، وغص ... نك دونه ريّان نام
طلب العلى خبطا، فض ... لّ ضلال عاشية الظّلام
يحدو بها سفها، وقد ... علقت يمينك بالخطام (7)
يا كاشف الكرب المل ... مّ، وكافي الدّاء العقام
بلّغت غايات المنى، ... وورثت أعمار الأنام
__________
(1) معروق العظام: كناية عن نحول الجسم.
(2) فيح الفلا: الأرض الواسعة.
(3) عجاجة: كتلة من الغبار الجآجئ، جمع جؤجؤ: الصدر الركام:
المتراكم.
(4) أشلى بها: دعابها.
(5) يقرطس: يصيب.
(6) الرغام: التراب.
(7) الخطام: الزمام في أنف البعير.(2/308)
فاسلم على غيظ الزّما ... ن، ودم على رغم الحمام
وتهنّ بالتّحويل غي ... ر محوّل عن ذا المقام
متملّيا بالعمر يع ... طيك الرّدى عقد الذّمام (1)
لا زلت تلبس كلّ عا ... م واعد ببلوغ عام
لو كان شيء دائما ... بشّرت ملكك بالدّوام
الفطام
(مخلع البسيط)
وليلة ما خلصت منها ... إلى خفوق ولا منام (2)
يفعل فيها ضياء وجهي ... ما يفعل البدر في الظّلام
عفت بها الخمر، وهي تجلى، ... والكأس محطوطة اللّثام
وحاش للبدر، وهو وجهي، ... يخطب شمسا من المدام
غيري من الخمر في رضاع، ... أرغب عنه إلى الفطام
أبا هرم
(المتقارب)
أبا هرم أنحها، إنّني ... سأمطرها عن قليل دما
ولا تشمخنّ بأنف الأبيّ، ... فأولى لأنفك أن يرغما
وإنّك يوم تنزّى عليّ ... وتبغي لي المؤيد الصّيلما (3)
__________
(1) الذمام: الحرمة.
(2) الخفوق: تحريك الرأس من النعاس.
(3) المؤيد: الأمر العظيم، الداهية الصليم: الأمر الشديد.(2/309)
كمن صارع الأسد المستغي ... ر في الغاب، أو ساور الأرقما (1)
بدأت، فعقّبت في المعضلات، ... وكنت أرى البادئ الأظلما
وما كنت أرمي بسهم العقو ... ق إلّا امرأ صابني إذ رمى
قذفتك في التّيه من بعد ما ... سلكت بك السّنن الأقوما (2)
وقد كان أشرق جوّي عليك، ... ولكن لظلمك ما أظلما
فقف حيث أنت، فما كلّ من ... بغى أن يطول ويسمو سما
ولا من تقدّم نال العلى ... رخيصا، ولكنّ من قدّما
سأبعثها ظبة تختلي ال ... خصائل، أو تعرق الأعظما (3)
فدونكها قاصفا عاصفا، ... من الشّرّ، أو عارضا مرزما (4)
قوارص تنثر نظم الدّروع، ... وتستنزل البطل المعلما (5)
فمن كان يسقيك ريّ الجنى، ... فإنّي سألعقك العلقما
ومن كان يلقاك مستسلما، ... فإنّي ألاقيك مستلئما (6)
أتطمع؟
(الطويل)
أتطمع أن ألقي إليك مقادتي، ... ولي مارن ما مرّنته الخزائم (7)
وتكثر بالأمر العظيم تهدّدي، ... ومنّي تنفضّ الأمور العظائم
وقد عجم الأقوام بعدك صعدتي، ... فما أثّرت فيها النّيوب العواجم (8)
__________
(1) الأرقم: الحيّة.
(2) السنن: الطريق.
(3) ظبة: سيف تعرق الأعظم: تنزع عنها اللحم.
(4) العارض المرزم: الغيم الشديد الرعد.
(5) قوارص الكلام: المؤلم منه المعلم: الذي عليه علامات الحرب.
(6) المستلئم: لابس اللأمة، الدرع.
(7) مارن: أنف الخزائم، جمع خزامة: ما يوضع على جانب أنف البعير.
(8) عجم: عض بالأسنان لاختبار الصلابة الصعدة: القناة المستوية.(2/310)
أأبقى
(الطويل)
أأبقى على نضو الهموم كأنّما ... سقتني اللّيالي من عقابيلها سمّا (1)
وأكبر آمالي من الدّهر أنّني ... أكون خليّا لا سرورا ولا همّا
أكرّ أحاديث المطامع ضلّة، ... وألقح من هذي المنى أبطنا عقما
فلا جامعا مالا، ولا مدركا على، ... ولا محرزا أجرا، ولا طالبا علما
بأرجوحة بين الخصاصة والغنى، ... ومنزلة بين الشّقاوة والنّعمى (2)
أبا مطر
(الوافر)
أبا مطر، وجذمك من معدّ، ... كذات العرّ في السّرح السّليم (3)
سراة أديم هذا الحيّ فهر، ... وبعض القوم زعنفة الأديم (4)
قناة نحن أملسها، وأنتم ... مكان العاب منها والوصوم (5)
وما وضعتك حاضنة، ولكن ... تمطّق فوك من لبن لئيم (6)
إذا المنتاج لم ينجب فتاها، ... فليس الفضل إلّا للعقيم (7)
__________
(1) عقابيلها: شدائدها.
(2) الخصاصة: الفقر.
(3) جذمك: أصلك ذات العر: الناقة المصابة بالجرب السرح: الماشية.
(4) الزعنفة: طرف الجلد كاليدين والرجلين الأديم: الجلد.
(5) العاب: العيب الوصوم: العار.
(6) تمطق: تذوّق.
(7) المنتاج: الكثير النتاج.(2/311)
قالوا
(البسيط)
قالوا: رجوت النّدى منه بلا سبب، ... فقلت: هل سبب أقوى من الكرم
وسيلتي، أنّه غيث، ولي ظمأ، ... وإن ظمئنا توسّلنا إلى الدّيم (1)
قرعت بابك لا أخشى تمنّعه، ... فإن تمنّع لم أعذل ولم ألم
لم أرم بالظّنّ إلّا من يصدّقه، ... ولا توخيت إلّا موضع النّعم
ما الذّنب للمزن جازتني مواطره، ... وإنّما الذّنب للأرزاق والقسم (2)
اذا أرعدوا
(الطويل)
إذا أرعدوا يوما لنا بوعيدهم، ... على النّأي، أبرقنا لهم بالصّوارم
ويوما على الأهواز كانت جياده ... تودّج في لبّاتها باللهاذم (3)
قضى وطرا منها الحمام، وما اشتفى ... حسامك فيه من قراع الجماجم
طود تصدع
(البسيط)
في كلّ يوم أنوف المجد تصطلم، ... وتستزلّ لأركان العلى قدم (4)
طود تصدّع من صمّاء شاهقة، ... تنبو من العزّ عن أقطاره القدم (5)
جوائف من جراح الدّهر بالغة ... إلى القلوب، ولا يجري لهنّ دم (6)
__________
(1) الديم: الغيم الماطر.
(2) المزن: المطر.
(3) اللهاذم، جمع لهذم: القاطع والنافذ من الأسنة.
(4) تصطلم: تستأصل، تقطع.
(5) القدم، جمع قدوم: آلة للنجر.
(6) جوائف، جمع جائفة: الطعنة تبلغ الجوف.(2/312)
الراكب المتلثّم
(الكامل)
وكأنّما أولى الصّباح، وقد بدا ... فوق الطّويلع، راكب متلثّم
وأذاع بالظّلماء فتق واضح، ... كالطّعنة النّجلاء يتبعها الدّم
ترحلنا الأيام
(الطويل)
ترحّلنا الأيّام، وهي تقيم، ... ويجرح فينا الخطب، وهو سليم
ويبقى على ريب الزّمان لهنّه ... على ذي اللّيالي هيّنا لكريم (1)
بعثت بها
(الوافر)
بعثت بها معرّقة الهوادي، ... وقعن إلى المدى وقع السّهام (2)
فمن شهب كغرّان المساعي، ... ومن دهم كأخلاق اللّئام (3)
__________
(1) لهنّه: لأنه.
(2) معرقة، من عرق العظم: نزع ما عليه من اللحم الهوادي: الأعناق.
(3) غران، من أغر: الأبيض من كل شيء.(2/313)
اعقل قلوصك
(البسيط)
أعقل قلوصك بالأجراع من إضم، ... حيث استسيغ النّدى واستلفظ اللّوم (1)
تلقى على الماء بيضا من بني ثعل، ... ديباج أوجههم بالبشر مرقوم
عماد أبياتهم سمر الرّماح، ومن ... أطنابها الخيل تعطو والأناعيم (2)
كأن أيديها
(الرجز)
كأنّ أيديها بوادي الرّمام، ... بين جفافي جندل أو أرام (3)
أنامل الولدان يفلين الهام
سود النواظر
(المتقارب)
وسود النّواظر حمر الشّفا ... هـ، تحسبهنّ ولغن الدّما
قريب لألوانهنّ الشّقي ... ق، مفتضح عندهنّ اللّمى
__________
(1) القلوص: الناقة الفتية اللوم: اللؤم مسهّلة.
(2) تعطو: ترفع الرأس واليدين الأناعيم: جمع جمع للنعم، أي الإبل.
(3) الرمام: البقل حفافي: جوانب أرام: جبل.(2/314)
ربما رد عنك
(الخفيف)
ربّما ردّ عنك سهم المرامي، ... عاكس من عوائق الأيّام
حابس الفيل بالمغمّس، والأح ... بوش يزجرنه قدام قدام (1)
كل يوم
(الخفيف)
كلّ يوم يجبّ منّي سنام، ... وتداعى لثلمي الأيّام (2)
واقفا كلّ موقف تتهاوى ... دونه، أو تزلزل الأقدام
اتقوا بذلة العيون
(الخفيف)
إتّقوا بذلة العيون، فغابوا، ... وبآرائهم يربّ الأنام (3)
إنّ من خاضت النّواظر فيه ... لحر أن تخوضه الأقدام
__________
(1) المغمس: موضع على طريق الطائف الأحبوش: جماعة أبرهة وهم، عند العرب، أصحاب الفيل، والأحبوش كذلك هم الأحباش قدام:
اسم فعل بمعنى: أقدم.
(2) يجب: يقطع الثلم: الخلل، الشق.
(3) بذلة العيون: العيون المبتذلة البعيدة عن الحشمة يرب: يساس.(2/315)
الجد يعلم
(الخفيف)
يعلم الجدّ أنّني لا أضام، ... ومجيري من الزّمان همام
لحماني أغرّ، شيمته الك ... رّ، ونصل حليّه الإحرام
ربّ قول نمي إليّ، وعزمي ... غافل، والهموم عنّي نيام
وتعرّفت قائليه، ولكن، ... آه لو كان في يميني حسام
كيف تخدي إليهم الذّبّل السّم ... ر، وتعدى عليهم الأقلام (1)
دون أن أقبل المذلّة للع ... زّ إباء ونخوة وعرام (2)
وطعان تندقّ فيه العوالي، ... وضراب يزوّر منه الحمام (3)
لست أدري ماذا يقول لساني، ... وفمي للمقال فيه ازدحام
وكأنّ الحمام فينا جنيب، ... يتبع العيش، والزّمان زمام (4)
فاصرف الهمّ، إنّما العيش يوم، ... ودع القول إنّما الدّهر عام
أيّها العاجز المكدّر وردي، ... ربّما عرّفتك تلك الجمام (5)
فانتفق في الوجار، واقعد ذليلا، ... قد كفاك الجلّى رجال قيام (6)
بيني وبين الصوارم
(المنسرح)
بيني وبين الصّوارم الهمم، ... لا ساعد في الوغى ولا قدم
لا تسبريني بغرب عذلك لي، ... فما لجرحي من النّدى ألم (7)
__________
(1) تخدي: تسرع الذبل السمر: الرماح الليّنة.
(2) العرام: الحدّة والشراسة.
(3) يزورّ: يميل، يتنحّى.
(4) جنيب: غريب.
(5) الجمام: معظم الماء.
(6) انتفق في الوجار: ادخله الوجار: جحر الضبع الجلّى: الأمور العظيمة.
(7) السبر: امتحان عمق الجرح الغرب: حد كل شيء.(2/316)
وخائف في حماي قلت له: ... كلّ ديار وطئتها حرم
يعجبني كلّ حازم الرّأي لا ... يطمع في قرع سنّه النّدم
إن قام خفّت به شمائله، ... أو سار خفّت بوطئه القدم
ولا أحبّ الغلام متّهما، ... يشقّ جلباب سرّه الكلم
صدر كصدر الحسام ليس له ... سرّ بنضح الدّماء منكتم
صفّت نطاف المنى فقلت لها: ... ما أجنت في ديارنا النّعم (1)
تجري اللّيالي على حكومتنا، ... وفي الزّمان النّعيم والنّقم
تلعب بالنّائبات أنفسنا، ... كأنّها في أكفّنا زلم (2)
وليلة خضتها على عجل، ... وصبحها بالظّلام معتصم
تطلّع الفجر من جوانبها، ... وانفلتت من عقالها الظّلم
كأنّما الدّجن، في تزاحمه، ... خيل لها من بروقه لجم (3)
ما زالت العيس تستهلّ بنا، ... واللّيل في غرّة الضّحى غمم (4)
فاض على صبغة الظّلام بنا ... شيب من الصّبح والرّبى لمم (5)
يا زهرة الغوطتين تبخل بالبش ... ر، وما مسّ أرضك العدم (6)
كم فيك من مهجة معذّبة، ... هجيرها بالنّسيم يلتطم (7)
ومن غصون، على ذوائبها ... يزلق طلّ الرّياض والدّيم
وفتية علّموا القنا كرما، ... فأصبحت من ضيوفها الرّخم (8)
__________
(1) أجنت: تغيّرت.
(2) الزلم: السهم.
(3) الدجن: الظلمة. يشبه تزاحم الظلمات بالخيل والبروق باللجم.
(4) لقد شبه سيلان الظلام على الأرض بسيلان الشعر على الجبهة والقفا، حتى يضيق.
(5) الربى: التلال اللمم، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين.
(6) الغوطتان، مثنى غوطة: احداهما لبني بكر والثانية بأرض طي.
(7) مهجة: نفس هجيرها: حرها.
(8) الرخم، جمع رخمة: طائر من نوع النسور.(2/317)
تكاد إن أشرفت جباههم ... تضيء منها الشّعور واللّمم (1)
وكيف يخفيهم الظّلام، وفي ... جحافل اللّيل منهم رثم (2)
إنّ يمين الحسين تنصفني، ... إن جار أعداؤها وإن ظلموا
لا يطمع الذّلّ في جوار فتى ... تلمع فيه الصّوارم الخذم (3)
يثبت في كفّه الحسام كما ... يعثر في غير كفّه الكرم
إذا تخطّى عجاجة زحفا ... آراؤه، والرّماح تنهزم (4)
تضحك عن وجهه غياهبها، ... كأنّه بالهلال ملتثم
فشقّها والحديد مطّرد، ... وخاضها والضّراب مضطرم
واستلّ أسيافه محرّشة، ... فاستلبتها الرّقاب والقمم (5)
إذا المذاكي باحت محازمها، ... واضطرمت في شدوقها اللّجم (6)
وقّرها، والرّماح طائشة، ... وكفّها، والسّيوف تزدحم (7)
إذا ذبول الشّفاه شمّرها ... في الغمرات الحفاظ والسّأم (8)
قلّص عن ثغره مضاحكه، ... كأنّه في العبوس مبتسم
إذا خمار الظّلام لثّمه، ... تساقطت عن قميصه التّهم
كأنّه من سرور يقظته، ... بشّره بالمدائح الحلم
إذا استطالت همومه سكرت ... في كفّه البيض وانتشى القلم
وإن سرى أسفرت صوارمه، ... والتثمت بالحوافر الأكم
__________
(1) أشرفت: وردت في نسخة أخرى أشرقت.
(2) الرثم: بياض حول شفتي الجواد.
(3) الصوارم الخذم: السيوف القاطعة.
(4) عجاجة: كتلة الغبار.
(5) القمم: الرؤوس.
(6) المذاكي: الخيول.
(7) وقّرها: حمّلها طائشة: حائدة عن الهدف.
(8) شمرها: أرسلها الغمرات: الشدائد الحفاظ: الدفاع عن المحارم.(2/318)
ما ضجّ من طول مطله أمل، ... ولا اشتكته العهود والذّمم
لو فطنت بالقرى سوائمه، ... لما مشت تحت وفده النّعم (1)
يعارض الخيل، في عرضنتها، ... قرم إلى نهب لحمها قرم (2)
واسع خرق الضّمير حيث سرى، ... تبحبحت في مراده الهمم
كأنّما بيضه ضراغمة، ... غمودها في الكتائب الأجم
لارتشف الخمر، وهو يلفظها، ... لو انّ ما تضمر الكؤوس دم
إنّ العدا عن غروبه طلعوا، ... وبعد ما غار سيفه نجموا
ما ألموا للوعيد فيك شبا ال ... طّعن، وبعد المصائب الألم (3)
يا مخرس الدّهر عن مقالته، ... كلّ زمان عليك متّهم
شخصك، في وجه كلّ داجية ... ضحى، وفي كلّ مجهل علم
إلى أبي أحمد صدعت بها ... قلب الدّجى والضّمير يضطرم
بزّ زهيرا شعري، وها أنا ذا ... لم أرض في المجد أنّه هرم (4)
ليلة غاب بدرها
(السريع)
لا عادت الكأس عليل النّسيم ... بعدي، ولا فضّت ختام الهموم
في ليلة غاب معي بدرها، ... وحاربتها في الظّلام النّجوم
لا سحب النّشوان من ذيله ... فيها، ولا درّت عليها الكروم
__________
(1) القرى: الضيافة السوائم والنعم: الإبل الراعية.
(2) العرضنة: المشية النشيطة القرم: الفحل القرم: شديد الشهوة الى اللحم.
(3) الشبا، جمع شباة: حد كل شيء.
(4) بزّ: غلب زهير: الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى.(2/319)
غبت، وشوقي عندها حاضر، ... شيّعه القلب وراء الحريم
جاء وجلباب الدّجى شاحب، ... وعاد والجوّ صقيل الأديم (1)
لو أنّ قلبي مطلق في الحشا، ... جرى إليها في عنان النّسيم
يا ليلة تكسر ألحاظها، ... كأنّها مكحولة بالغيوم
كم ليلة مثلك أنضيتها، ... والرّاح تزجى من إزار النّديم (2)
يكاد من حسن، إذا زرتها، ... تحدث برءا في الهلال السّقيم
في مجلس قوّم أعطافه، ... تقارب الوصل وقرب النّعيم
يجلو عليّ الكأس من خدرها ... أبيض سامي الفرع نامي الأروم (3)
تعلّق الحسن بأطرافه، ... فمال، والأغصان لا تستقيم
موقّر الشّيمة إن جاذبت ... مقاله، يوم الجدال، الخصوم
في حيث تنزو عذبات الحبا ... بالقوم، حتّى تستطير الحلوم (4)
يقرضني الودّ على نأيه، ... وعند قرب الدّار نعم الحميم
حلّأني الأعداء عن ورده، ... وبي إلى الماء نزاع مقيم (5)
أذاد أن أرفل في أرضه، ... ويرتعي ذاك الجناب العميم (6)
إن دفعوا ظمئي، فيا ربّما ... ذادت عن الماء الحقاق القروم (7)
__________
(1) الأديم: السماء، ما يظهر من السماء والأرض.
(2) أنضيتها: أبليتها تزجى: تدفع، وقد وردت: ترخى.
(3) الأروم: الأصول.
(4) تنزو: تثب عذبات، جمع عذبة: الطرف من كل شيء الحبا، جمع حبوة: ما يحتبى به الحلوم: العقول.
(5) حلأني: أبعدني ورده: شربه.
(6) أذاد: أمنع أرفل: أجر ذيلي تبخترا الجناب: الفناء العميم: الكثير.
أي كثير من الناس يرتعون ذلك الفناء وهو ممنوع.
(7) ذادت: منعت الحقاق: هو من الإبل ما طعن في السنة الرابعة القروم، جمع قرم: البعير المكرم لا يحمل ولا يذلل.(2/320)
من بعد ما مدّت حيازيمهم ... على قلوب داميات الكلوم (1)
في كلّ يوم تنتضى منهم ... قوارص تعقر حلم الحليم (2)
أحيت شآبيب الحيا منزلا ... مات لنا فيه الزّمان القديم (3)
أيّام يغدو الرّوض مستبشرا، ... ونجتلي تلك الرّبى والرّسوم
كم صبغ الدّهر قميص الثّرى، ... وعاد رقّ الأرض ضاحي الوشوم (4)
والدّهر في أبياتنا جؤذر، ... فالآن أضحى وهو ليث شتيم (5)
أيّام نزجي من مواعيدنا ... ضراغما تفرس عدم العديم
تنظر في أثناء أوطاننا، ... لقاح جود للرّجاء العقيم
لي في حواشي البرق أنس، فلا ... أدري أأغضي دونه أم أشيم
أخاف من سطوة شؤبوبه، ... وبيننا من دجنه هضب ريم (6)
أجفو مغانيه، وما بيننا ... لا يغضب النّاقة فيه الرّسيم (7)
وكنت لا أبرح أوطانه، ... مطنّبا بين الضّحى والصّريم (8)
أسلب في الجري إلى ربعه، ... سنطلة الذّئب وشأو الظّليم (9)
يا دين قلبي لك من لوعة، ... تعاود القلب عداد السّليم (10)
قل لغريمي بديون الهوى: ... يا حبّذا منك مطال الغريم
ذممت دهرا لم يزل صرفه ... يطرقني وفد الفعال الذّميم (11)
__________
(1) الحيازيم، جمع حيزوم: ما استدار من الظهر والبطن الكلوم: الجروح.
(2) القوارص: الكلام المؤلم.
(3) شآبيب الحيا: دفعات المطر.
(4) الوشوم: أراد به النبات على التشبيه بالوشم الضاحي: الظاهر.
(5) الجؤذر: ولد البقر الوحشية الليث الشتيم: الأسد العابس.
(6) الشؤبوب: الدفعة من المطر دجنة: ظلامه هضب ريم: مطر دائم.
(7) المغاني، جمع مغنى: المنزل الرسيم: ضرب من العدو.
(8) مطنّبا: مقيما الصريم: الليل.
(9) السنطلة: الطول الشأو: الغاية الظليم: ذكر النعام.
(10) الدين: الداء.
(11) يطرقني: يأتيني ليلا.(2/321)
أرى الأسى إن جلّ خطب الأسى ... أسمح من طبع العزاء اللّئيم
والقرب في الودّ، على نأينا، ... أحسن من قرب العدا بالجسوم
أكرم ودّي دون خطّابه، ... أن يصل الحبل بغير الكريم
بنو عامر
(الطويل)
بني عامر ما العزّ إلّا لقادر ... على السّيف لا تخطو إليه المظالم
ضجيع الهوينا يغلب الخصم رأيه، ... وأكبر سلطان الرّجال الخصائم
أرى إبل العوّام تحدى على الطّوى، ... وتأكل حوذان الطّريق المناسم (1)
وتظمى على الإغذاذ أشداق خيله، ... وتشرب من أفواههنّ الشّكائم (2)
يحاول أمرا يرمق الموت دونه، ... لقد زلّ عنه ما تروم المراوم
أقام يرى شمّ النّسيم غنيمة، ... ولا بدّ يوما أن تردّ الغنائم
وتعجبه غرّ البروق يشيمها ... سراعا، إذا مرّت عليها الغمائم
أمسّح عرنين الظّلام بعرعر، ... ومن دونه خدّ من اللّيل ساهم (3)
ولي بين أخفاف المراسيل حاجة، ... ستصحب، والأيّام بيض نواعم (4)
تحاربني في كلّ شرق ومغرب، ... وأكبر ظنّي أنّها لا تسالم
__________
(1) العوّام: الإبل السريعة الطوى: الجوع الحوذان: نبات زهره أحمر تحبّه الإبل المناسم، جمع منسم: خف البعير.
(2) الإغذاذ، من أغذ السير: أسرع الشكائم، جمع شكيمة: الحديدة المعترضة في فم الفرس.
(3) عرنين الظلام: أنف الظلام، كناية عن أواخره عرعر: اسم موضع ساهم: متغير.
(4) المراسيل: النياق السهلة الركوب ستصحب: ستنقاد، من أصحب.(2/322)
أقول، إذا سالت مع اللّيل رفقة ... تقاذفها حتّى الصّباح المخارم (1)
دعي جنبات الواديين، فدونها ... أشمّ طويل السّاعدين ضبارم (2)
إذا همّ لم تقعد به عزماته ... وإن ثار لا تعيا عليه المطاعم
كأنّ على شدقيه ثغرا وراءه ... ذوابل من أنيابه وصوارم
فما جذب الأقران منه فريسة، ... ولا عاد يوما أنفه وهو راغم
يرى راكب الظّلماء في مستقّرة، ... وتستنّ منه في العرين الغماغم (3)
نمرّ وراء اللّيل نكتمه السّرى، ... وقد فضحتنا بالبغام الرّواسم (4)
له كلّ يوم غارة في عدوّه، ... تشاركه فيها النّسور القشاعم (5)
كأنّ المنايا إن توسّد باعه، ... تيقّظ في أنيابه، وهو نائم
وما اللّيث إلّا من يدلّ بنفسه، ... ويمضي، إذا ما بادهته العظائم
وما كلّ ليث يغنم القوم زاده، ... إذا خفقت تحت الظّلام الضّراغم
شوق الى الآرام
(الكامل)
وضع الشريف هذه القصيدة في مدح والده، وأنفذها إليه قبل دخوله بغداد بأيام على يد أصحابه.
شوق يعرّض لا إلى الآرام، ... وجوى يخادعني عن الأحلام
ومقيل صبر شذّبته يد الهوى، ... في غير ما طرب ولا استغرام (6)
__________
(1) المخارم، جمع مخرم: الطريق في الجبل.
(2) أشم: عالي الأنف والرأس ضبارم: أسد.
(3) راكب الظلماء: المسافر العرين: مأوى الأسد الغماغم، جمع غمغمة:
أصوات.
(4) السّرى: السير ليلا البغام، من بغمت الناقة: إذا قطعت صوت الحنين ولم تمدّه الرواسم: الإبل تسير الرسيم: ضرب من العدو.
(5) القشاعم: المسنّة.
(6) شذبته: فرّقته.(2/323)
بل في انتزاع المجد من سكناته ... بمطالب تسطو على الأيّام
ومناقب تبقى، ويفنى أهلها، ... إذ كلّ عيش فرصة لحمام
لعذرت من في المجد يمرض فكره، ... وتكنّ فيه بواطن الآلام
يا راكبا تخدي به عيرانة ... سرح تشقّ جلابب الآكام (1)
خوصاء تحسب عينها ماويّة، ... نظرت بها الفلوات شخص غمام (2)
جار كأنّ ربابه متعلّم ... شيم الرّياح الهوج في الإقدام (3)
أقر السّلام فتى تخاوص هيبة ... عنه عيون تحيّتي وسلامي (4)
سيف صقيل أغمدته عداته، ... فاستلّ، وهو، من الأعادي، دام
ما ضرّه من أن يشام وما اقتنى ... صدأ يشبّه نصله بكهام (5)
إن غبت عنّا فالقلوب حواضر، ... في حيث أنت، نوازع الأوهام
ونفوسنا مرضى تشبّث منكم ... بثنا يطهّرها من الأسقام
يا أيّها ذا النّدب دعوة مدنف، ... علقت ضمائره بكلّ غرام (6)
لمّا ذكرتك عاد قلبي شوقه، ... فبكين عنه مدامع الأقلام
خلّفتني زرعا، فطلت، وإنّما ... ذاك الغرار نمي إلى الصّمصام (7)
كم مدحة لي في علاك، كأنّما ... تفترّ عن خلق الغمام الهامي
أكدت عليّ الأرض من أطرافها، ... وتدرّعت بمدارع الإظلام (8)
وعهدتها خضراء كيف لقيتها ... أبصرت فيها مسرحا لسوامي (9)
__________
(1) العيرانة: الناقة النشيطة السرح: السريعة.
(2) خوصاء: صغيرة العينين، وهي صفة مستحبة في النياق ماوية: مرآة.
(3) الرباب: السحاب الأبيض الهوج، جمع هوجاء: الريح العاتية.
(4) تخاوص، تتخاوص: تغض.
(5) يشام: يغمد الكهام: الكليل.
(6) الندب: السريع إلى الفضائل.
(7) زرعا: ولدا، ومراعاة لزرع قال: طلت أي نموت.
(8) أكدت: أجدبت.
(9) سوامي: إبلي الراعية.(2/324)
أشكو، وأكتم بعض ما أنا واجد، ... فأعاف أن أشكو من الإعدام
وإذا ظفرت من المناقب بالمنى ... أهونت بالأرزاق والأقسام
جاءتك تحدوها يدا ذي فاقة، ... وهي السّفين له إلى الإنعام
فاعرف له ما متّ من شعري به، ... فلقد أتاك بحرمة وذمام (1)
هو الدهر
(المتقارب)
هو الدّهر فينا خليع اللّجام، ... فطورا يغير، وطورا يحامي
وإنّي أروّعه بالودا ... ع، حتّى يخادعني بالسّلام
فمن عرف العيش خبّت به ... عزائمه في طريق الحمام (2)
أريد من الدّهر حظّ الجبا ... ن، لا قدر حظّ الشّجاع الهمام
فأيّ منى لم يسمها نوالي، ... وأيّ على لم يطأها اعتزامي (3)
قطعت مفازة هذا الرّجاء، ... ولكنّ جدّي بعيد المرام
أخفّض عزمي عن رتبة، ... أبلّغها بالحظوظ السّوامي
لعا لمناي، وإن لم تصب، ... فما عثرت برجاء اللّئام (4)
وما احتشمت من يديّ النّصو ... ل، إلّا مهزّة نصل كهام (5)
أما عانقتني صدور السّيوف، ... أما قبّلتني نصول السّهام
ألم يشرب الصّبر قلبي، ولا ان ... ثنى مرحا، والعوالي ظوامي
__________
(1) متّ: أقام علاقة.
(2) خبّت: أسرعت الحمام: الموت.
(3) يسمها، من سام السلعة: طلب ابتياعها.
(4) لعا: كلمة تقال للعاثر يدعى له بها لينتعش.
(5) كهام: كليل، لا يقطع.(2/325)
ألم أسر في ليلها، والعجا ... ج يلحم بين الرّعيل اللهام (1)
أكلّل بالطّعن يوم النّزال ... خدودا تشفّ لغير اللّطام (2)
إذا عصفر الخوف ماء الوجوه، ... رآها من الدّم حمر الوسام
عدوّي أقع على ذلّة، ... فكم زلّ من أخمص عن مقامي (3)
شمخت عليّ بأنف رأي ... ت معطسه داميا من زمامي
وأصبحت تعطو بعين الأبيّ، ... وذفراك مقروحة من لجامي (4)
تروم ابتزازي فضلي، وذاك، ... إذا، فكّ أطواق ورق الحمام
أما يحلم الدّهر في فتية، ... أماتوا الملام بجهل المدام
عقار يلاحظ منها الكؤو ... س أفواهنا بجفون دوام (5)
وأيّامنا من خمار الشّباب ... نشاوى تجرّ ذيول العرام (6)
أعيذك من خجلات الهوى، ... إذا رمقته عيون الملام
وأن يرشف الهجر ماء الوصال ... وأن يهتك العذر سجف الذّمام (7)
منحتك صدق وداد يتوق ... إلى رنقه كلّ هذا الأنام (8)
وكم ليلة قبل أثكلتها ... وأثكلتها فيّ طيف المنام
إلى أن بدا فجرها مسفرا، ... يمزّق عنها فضول اللّثام
تخادعنا نفحات النّسيم، ... إذا عبقت بحواشي الظّلام
__________
(1) العجاج: الغبار الرعيل: القطعة من الخيل اللهام: العدد الكثير والجيش العظيم.
(2) تشف: ترق.
(3) أقع: فعل أمر بمعنى ارتد إلى الوراء أخمص: باطن القدم.
(4) تعطو: تتطاول الذفرى: العظم النافر وراء الأذن.
(5) عقار: خمر.
(6) الخمار: ألم الرأس من جراء السكر، استعيرت للإشارة الى طيش الشباب العرام: الأذى.
(7) السجف: الستر الذمام: الحرمة.
(8) الرنق: الحسن والبهاء.(2/326)
وقد شملته شفوف الشّمال، ... ورصّع قطريه قطر الرّهام (1)
تثور إليه سوام اللّحاظ، ... وتسرح من حسنه في مسام (2)
ولو وجد الزّهر وجدي عليك ... لاصفرّ فيه خدود الثّغام (3)
ذعرت الهموم بخطّارة، ... تسيل بها في قلوب الإكام (4)
تلثّم منسمها بالدّماء، ... إذا ما اطمأنّ، بقرع السّلام (5)
خلطت بمنسمها في الثرى ... على الرّكض ميسم أيدي النّعام (6)
وأنكحت أخفافها سيرها ... لعزم ولود وأمر عقام
تخايل بين غريريّة ... زوافر تكسو الثّرى باللّغام (7)
وماء وردت على كورها، ... وعرّجت عنه قتيل الأوام (8)
مريض المشارع ممّا تريق ... عليه الرّياح دموع الغمام (9)
يخيّل لي أنّ نجم السّما ... ء يرعد في صفو تلك الجمام (10)
وطفل الدّجى في حجور البلا ... د يطعم بالفجر مرّ الفطام (11)
تزاحم أنجمه للأفو ... ل، والبدر في إثر ذاك الزّحام
__________
(1) الشفوف: الثياب الرقيقة الرهام: المطر الخفيف.
(2) السوام (في الأصل): الإبل الراعية المسامي: المراعي.
(3) الثغام: شجر أبيض الزهر، جمع ثغامة.
(4) الخطارة: الناقة التي تخطر في سيرها.
(5) السلام: الحجارة.
(6) الميسم: الأثر.
(7) تخايل، تتخايل: تتبختر الغريرية: الإبل المنسوبة إلى غرير وهو فحل الزوافر: التي تزفر من ثقل الحمل اللغام: اللعاب.
(8) كورها: حملها الأوام: العطش الشديد.
(9) المشارع، جمع مشرعة: مورد الشرب.
(10) الجمام: معظم الماء، جمع جم.
(11) طفل الدجى: أول الليل، وقد عمد إلى مراعاة النظير بين طفل ويطعم والفطام.(2/327)
ويهماء بالقيظ محجوبة ... تطالعنا في هبوب السّهام (1)
تعقّل شارد وهج الهجير ... في جوّها بخيوط السّهام (2)
وبكر من القطر حتّى كأنّ ... ما افتضّها غير غيم جهام (3)
مماطلة ركبها بالورو ... د إلّا إذا حان ورد القطامي (4)
قطعت، وكالئتي همّة، ... إذا أسمع الرّعب قالت: صمام (5)
وملتهب السّرد عاري الرّما ... ح مرتعد البيض دامي الحوامي (6)
قليل حيا الرّمح عند الطّعان، ... وقور الجواد سفيه الحسام
تطرّز شمس الضّحى بيضه، ... إذا انفرجت عنه سجف القتام (7)
إذا سار، فالشّمس مستورة ... ووجه الثّرى بارز الحدّ دام
حللت حبى نقعه بالطّرا ... د لمّا احتبى فرسي بالحزام (8)
وإنّي شقيق الوغى والنّدى، ... رضيع لبان المعالي الجسام
إذا مضر ظلّلتني القنا، ... وسالت قبائلها من أمامي
لبست بها جنّة لا يف ... ضّ مسرودها بنبال المرامي (9)
__________
(1) اليهماء: الفلاة السهام: الحر، حر السموم ووهج الصيف.
(2) السّهام: أشعة الشمس.
(3) الجهام: الغيم لا مطر فيه.
(4) القطامي: الصقر.
(5) كالئتي: حافظتي صمام: اسم فعل بمعنى تصاموا في السكوت.
(6) السرد: الدروع البيض: السيوف الحوامي: حوافر الخيل.
(7) السجف: الستار القتام: الغبار.
(8) الحبى، جمع حبوة: ما يحتبى به، ما يلبس من عمامة أو غيرها النقع:
الغبار.
(9) الجنّة: الترس مسرودها: حلقاتها.(2/328)
يا بني جشم
(مجزوء الوافر)
لأمر يا بني جشم ... حبست الماء في الأدم (1)
وقلقلت الجياد دوا ... مي الأشداق باللّجم
وأزعجت القطا الوسنا ... ن بالمخطومة الرّسم (2)
تفلّت في الدّياجي عن ... عقال الأين والسّأم (3)
وتقرو كلّ مجهلة، ... بلا نضد ولا علم (4)
وكم ليل رقدت به ... خليّا من يد السّقم
ونار بتّ أرمقها ... كليّ الرّيح بالعلم (5)
ألمت بها، وموقدها ... شفاء الدّاء من ألمي
وأين ضرامها ممّا ... بأحشائي من الضّرم
قرير العين بالأحبا ... ب أرعى روضة الحلم
وإمّا أن يراني العز ... م بين ضمائر الخيم
وإمّا شاردا في البيد ... حشو حيازم الظّلم (6)
فدى عزمي وصدقي ك ... لّ معتزم ومتّهم
وكلّ مشيّع يصبو ... إلى المأثورة الخذم (7)
__________
(1) الأدم: وعاء من جلد.
(2) القطا، جمع قطاة: طير يشبه الحمام المخطومة: الناقة التي تقاد من خطمها الرسم: حسن السير.
(3) الأين: التعب.
(4) تقرو: تقصد، تتبع نضد: حجارة تنصب في المجاهل لإرشاد المسافر العلم: ما ينصب في الطريق ليهتدى به.
(5) العلم: الراية.
(6) الحيازم، جمع حيزوم: وسط الصدر.
(7) المشيّع: الشجاع المأثورة: السيوف الخذم: القاطعة.(2/329)
إذا بعد الكلام دنت ... عليّ مسافة الكلم
ولي خلقان ما صلحا ... لغير السّيف والقلم
وأيّ خميلة شرقت ... على الأيّام من شيمي (1)
أزاهير ترفّع عن ... قبول مواهب الدّيم (2)
نسيم نشره عبق ... يجرّ سوالف النّعم
أنا ابن البيض، والبي ... ض الظّبى، والخيل والنّعم (3)
وكلّ مطهّم تنبو ... حوافره من الأكم (4)
وكلّ مثقّف يحت ... لّ حيث مواطن الهمم (5)
وكلّ مهنّد يست ... نّ في الأعناق والقمم
وكلّ أغرّ قد شرقت ... خلائقه من الكرم (6)
ضروب حيث تعثر شف ... رة الصّمصام باللّمم (7)
وطعّان، إذا ما النّق ... ع عصفر ثوبه بدم
وقومي الضّامنون الأم ... ن إن هجموا على حرم
إذا ما خائف غلبت ... عليه سطوة العدم
قروه بعدما عقدوا ... عليه تمائم الذّمم (8)
إلى أن تكشف المكتو ... م عن خدّاعة التّهم
وأصبح من أسرّ الغ ... يّ معتذرا من الجرم
__________
(1) الخميلة: الموضع الكثير الشجر.
(2) الديم: المطر.
(3) الظبى: السيوف النعم: الإبل الراعية.
(4) المطهّم: الجواد التام الصفات.
(5) المثقّف: الرمح المقوّم.
(6) شرقت: زهت.
(7) اللمم، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين.
(8) قروه: أطعموه التمائم، جمع تميمة: العوذة، ما يعلق في عنق الصبي لردّ العين.(2/330)
وصارت غاية المغت ... رّ جانحة إلى النّدم
وصرّح كلّ قول عن ... غرور الحلف والقسم
أمانيّ استركّت ك ... لّ صبّار على الألم (1)
كفاك بأنّ عرضك من ... طروق العار في ذممي
وذلك عصمة منّي ... بحبل غير منجذم (2)
وحسبك أن يفلّ شبا ... ة هجوك أشعر الأمم (3)
صل اليأس
(المتقارب)
أما آن للدّمع أن يستجمّ، ... ولا للبلابل أن لا تلمّ؟ (4)
فتلهو عزائمنا بالخطوب، ... وتهزأ أجفاننا بالحلم
فإنّا بنو الدّهر ما نستفي ... ق من نشوة الهمّ حتّى نهمّ
ولا نصحب اللّيل حتّى نخال ... كواكبه في الفيافي بهم (5)
ولا بدّ من زلّة للفتى ... تعرّفه كيف قدر النّعم
فحسن العلى بعد حال الخضوع، ... وطيب الغنى بعد حال العدم
أأرجو المعالي بغير الطّلاب، ... ومن أين يحلم من لم ينم
إذا صال بالجهل قلب الجهو ... ل فاعذر فما كلّ جهل لمم (6)
رأى الدّهر يعصف بالفاضلين، ... فحبّ من النّقض أن يغتنم
__________
(1) استركت: استضعفت.
(2) غير منجذم: غير منقطع.
(3) شباة حد.
(4) يستجم: يجتمع البلابل: الوساوس والهموم تلم: تأتي.
(5) البهم، جمع بهمة: أولاد الضأن والمعز والبقر.
(6) لمم: جنون.(2/331)
ستقبرني الطّير كيلا أكون ... سواء وأمواته في الرّجم (1)
أذمّ رجالا بترك المديح، ... وبعض السّكوت عن المدح ذمّ
صل اليأس وانهض بعبء الخطوب، ... فما يثقل الظّهر إلّا الهرم
ولا تهجر العزم عند المشيب، ... فليس عجيبا بهمّ يهمّ
ومنّي في ثوب هذا الزّما ... ن عضب، إذا ما سطا أو عزم
وما حلية البيض صوغ اللّجين، ... ولكن حلاها دماء القمم (2)
أمرخي ذؤابة ذاك الهجير ... على منكبي مجهل أو علم (3)
أرحنا نرح وترات المطيّ، ... فإنّ بها ما بنا من ألم (4)
ويا أهيفا رمقته العيون، ... ورفّت عليه قلوب الأمم
تضرّم خدّاه حتّى عجبت ... لعارضه كيف لم يضطرم
لئن لم تجد طائعا بالنّوال، ... لقد جاد عنك الخيال الملمّ
ومثلك ظالمة المقلتين ... تلاقى الجمال عليها وتمّ
لها في الحشا حافز كلّما ... جرى الدّمع دلّ عليه ونمّ
أقول لها، والقنا شرّع، ... ويرغم من قومها من رغم
لنا دون خدرك نجوى الزّفير، ... ومجرى الدّموع وشكوى الألم
وإلّا فقرع صدور القنا، ... ووقع الظّبى وصليل اللّجم
ونقبلها كذئاب الرّدا ... هـ، تمري علالتهنّ الجذم (5)
دفعن على غفلات الظّنو ... ن يمضغن مضغ العليق الحكم (6)
__________
(1) الرجم: القبر.
(2) البيض: السيوف القمم: الرؤوس.
(3) مجهل: مفازة العلم: ما ينصب في الطريق ليهتدى به.
(4) الوترات، جمع وترة: عظم رخص في أعلى الأذن، حرف المنخر، عصبة تحت اللسان.
(5) الرداه، جمع ردهة: الحفرة في أعلى الجبل تمري: تستخرج العلالة:
جري الفرس الجذم: السياط المتقطعة الأطراف.
(6) الحكم، جمع حكمة: ما أحاط بحنك الجواد من لجامه.(2/332)
إلى أن تلطّمهنّ النّسا ... ء بالخمر دون طريق الحرم
أجب أيّها الرّبع تسآلنا، ... فلست على بعدهم متّهم
فكيف، وأنت مريض الطّلول، ... ضجيع البلا، ونجيّ السّقم
كأنّك لم يعتنقك النّسيم، ... ولا مال نحوك قطر بفم
ولا نشرت فيك تلك الرّياح ... غدائر من مزنة أو جمم (1)
تنثّر فيك سحاب الحيا، ... فطوّق جيدك لمّا انتظم (2)
ودرّت عليك ثديّ الغمام، ... كأنّ رباك سقاب الدّيم (3)
ثرى يرمق الغيث عن مقلة ... بها رمد من رماد الحمم (4)
ومن أين تعرفك اليعملا ... ت، والدّمع في خدّها مزدحم (5)
ولكن أحسّت بأعطانها، ... وأوطانها في اللّيالي القدم (6)
أحنّ إليك، وتأبى المطيّ ... بخدّ ترابك أن يلتطم
وخرق تدافعه المقربا ... ت خوفا وتنفر منه الرّسم (7)
تجلّلت فيه رداء الظّلام، ... وسرت، وحاشيتاه الهمم
على كلّ خطّارة لم تزل ... تجاذبنا السّير، حتّى انفصم (8)
خرقنا مع الشّمس تلك الفلاة، ... وجبنا مع اللّيل تلك الأكم
صلينا بجمرة ذاك الهجير، ... وعدنا بفحمة هذي العتم
__________
(1) الغدائر: الذوائب الجمم، جمع جمة: مجتمع شعر الرأس.
(2) الحيا: المطر.
(3) السقاب: أولاد النياق ساعة تولد، جمع سقب.
(4) الحمم: الفحم وكل ما يحترق.
(5) اليعملات: النياق.
(6) الأعطان: مبرك الإبل.
(7) الخرق: الفلاة الواسعة المقربات: الخيل التي يقرب مربطها ومعلفها لكرامتها الرسم: ضرب من السير.
(8) خطّارة: ناقة تخطر في سيرها.(2/333)
كأنّ مناسمها في السّرى ... تلاعب بين الحصى بالزّلم (1)
ومال النّهار بأخفافها، ... إلى أدعج بالدّجى مدلهمّ (2)
زحمن بنا اللّيل في ثوبه، ... فكادت مناكبه تنحطم
نعانق بيضا كأنّ الصّدا ... بأطرافها شحبة، أو غمم (3)
وقد لمعت من حواشي الغمود ... كما نصلت أنمل من عنم (4)
وقلّص عنّا قميص الظّلام، ... فكان بأنف الدّياجي شمم
ويوم يرفّ عليه الرّدى ... بأجنحة المصلتات الخذم (5)
متى انسلّ لحظ ذكاء به، ... فأجفانه قادمات الرّخم (6)
عليّ طعان يردّ الجوا ... د بالدّم ألمى مكان الرّثم (7)
وأيد تجيل قداح الرّماح، ... وباع المعرّد عنها برم (8)
قلوب كأسد الشّرى الضّاريات، ... وأحشاؤهم دونها كالأجم
فما ترشف الماء إلّا اعتلالا ... ولا تجرع الماء إلّا قرم (9)
إذا حسروا قال سيف الحمام ... وأعطافه علقا تنسجم (10)
__________
(1) المناسم، جمع منسم: خف البعير الزلم: الظلف أو السهم الذي لا ريش له.
(2) أدعج: أسود مدلهم: مظلم.
(3) الشحبة، من الشحوب: تغير اللون الغمم: سيلان شعر الرأس.
(4) العنم: شجرة لها ثمرة حمراء يشبّه بها البنان المخضوب.
(5) المصلتات: السيوف المجردة الخذم: القاطعة.
(6) ذكاء: اسم علم للشمس القادمات: الريش في مقدم جناح الطائر الرخم، جمع رخمة: طائر كبير من نوع النسر.
(7) ألمى: مسود الشفة الرثم: بياض في الرأس.
(8) المعرّد: الهارب البرم: الذي لا يحضر الميسر لبخله ولؤمه.
(9) قرم: الشهوة إلى أكل اللحم، وقد استعارها للشهوة إلى الماء.
(10) قال سيف الحمام: تكلم أعطافه: أعطاف السيف العلق: الدم تنسجم: تنصب.(2/334)
أللطّعن تهتك هذي النّحور، ... وللضّرب تكشف هذي القمم
إذا صحبوا الدّم في الباترات، ... فلا صحبوا ماءهم في الأدم
مضوا ما طوى العذل من جودهم ... ولا أتبعوا المال عضّ النّدم
وسالت لمجدهم غرّة، ... تكاد تكون حجال القدم
قد استحيت السّمر من طعنهم، ... فكادت لإفراطه تحتشم
هو الطّعن يفترّ منه الجواد، ... ولو كان ذا مرح لابتسم (1)
ردي أحمر الماء، قبّ الجياد، ... فأبيض غدرانه للنّعم (2)
غناء ظبانا عويل النّساء، ... وقرع قنانا لطام اللّمم (3)
أليس أبونا أعزّ الورى ... جنابا، وأكرم خالا وعمّ
كأنّك تلقى به السّمهريّ، ... إذا مدّ يوم وغى، أو أتم (4)
يقدّ، إذا ما نبا العاجزون، ... وضرب الظّبى غير ضرب القدم (5)
أسرّة كفّيه عمر الزّمان، ... جداول ماء الرّدى والكرم
فإمّا تفيض بغمر النّوال ... على المعتفين، وإمّا بدم (6)
تعوّذ من خوفه العاصفات، ... إذا عصفت في حماه الأشمّ
وكان، إذا رام خدع العلى، ... تقنّصها، والعوالي خطم (7)
يقي كلّ شيء، فلو يستطي ... ع غدا لخدود الأعادي لثم (8)
__________
(1) يفتر: يبتسم المرح: النشاط. أي أنه عبوس لشدة الطعن لأنه لو كان مرحا لكان مبتسما.
(2) قب: ضامرة النعم: الإبل الراعية.
(3) الظبى، جمع ظبة: حد السيف، اللمم، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين.
(4) السمهري: الرمح.
(5) يقد: يقطع القدم، جمع قدوم: آلة للنجر.
(6) الغمر: الكثير المعتفين: المحتاجين.
(7) تقنصها: تصيدها العوالي: الرماح الخطم، جمع خطام: الزمام.
(8) لثم: جمع لثام.(2/335)
ويرضى، إذا قيل يا ابن النّجاد، ... ويدعو الجياد بنات الحزم (1)
فتى لو أذمّ على صبحه ... لما جاز في الضّوء أمر الظّلم (2)
وأهيف، إن زعزعته البنا ... ن أمطر في الطّرس ليلا أحمّ (3)
يشيب، إذا حذّفته المدى، ... وتخضب لمّته لا هرم (4)
وتنطف عن فمه ريقة ... سويداء تقتل من غير سمّ
له شفتان، فلو كانتا ... لسانا لما بان عنه الكلم
وربّتما ظنّها الخائفون ... لسان فم الأرقم ابن الرّقم (5)
له سبتة بين لهبي صفا، ... يقولون نام، ولمّا ينم (6)
وأنت ابنة الفكر قابلتنا ... بعقد لجيد العلى منتظم
تروقين أسماعنا في النّشيد، ... كأنّك من كلّ لفظ نغم
خبر من الغور
(الطويل)
ألا خبر عن جانب الغور وارد، ... ترامى به أيدي المطيّ الرّواسم (7)
وإنّي لأرجو خطوة لوذعيّة، ... تجيب بنا داعي العلى والمكارم (8)
__________
(1) النجاد: حمائل السيف.
(2) أذم: أخذ له على الذمة أي الأمان والعهد.
(3) الأهيف: السيف أحم: أسود.
(4) حذفته: قطعت أطرافه المدى: الشفرات، جمع مدية.
(5) الأرقم: الحيّة الخبيثة الرقم: الداهية.
(6) السبتة: النومة اللهب: الفرجة بين جبلين الصفا: الحجارة، جمع صفاة.
(7) الرواسم: ضرب من السير.
(8) لوذعية: ذكية، خفيفة.(2/336)
نداوي بها من زفرة الشّوق أنفسا ... تطلّع ما بين اللهى والحيازم (1)
وإنّي، على ما يوجب الدّهر للفتى، ... ولو سامه حمل الأمور العظائم
مقيم بأطراف الثّنايا، صبابة، ... أسائل عن أظعانكم كلّ قادم
وأرقب خفّاق النّسيم، إذا حدا ... من الغرب أعناق الرّياح الهواجم
بنات السّرى، هذا الذي كان قلبه ... يسومك أن تصلي بنار العزائم
ومن كلّ وضّاح الحسام مشمّرا ... إذا شحبت فينا وجوه المظالم
يمسّح أضغان العدوّ، وإنّما ... يقبّل ثغرا من ثغور الأراقم (2)
إذا شهد الحرب العوان تدافعت ... صدور المواضي في الطّلى والجماجم (3)
وعفّر فرسان العدا، ودماؤهم ... جوامد ما بين اللّحى والعمائم (4)
حدا فقده كلّ العيون إلى البكا، ... فقطّع أرسان الدّموع السّواجم
وما خطرت منه على المجد زلّة، ... فيقرع في آثارها سنّ نادم
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... ألاطم أعناق الرّبى بالمناسم
وهل تقذف البيداء رحلي إليكم، ... تنفّس عن ليلي أنوف المخارم (5)
ولا بدّ أن ألقى العدا في خميلة ... من الخيل تولى بالقنا والصّوارم (6)
__________
(1) اللهى، جمع لهاة: اللحمة المشرفة على الحلق الحيازم، جمع حيزوم:
الصدر.
(2) الأراقم: الحيّات الخبيثة.
(3) الحرب العوان: التي قوتل فيها مرة بعد مرة الطلى: الأعناق.
(4) عفّر: مرّغ بالتراب.
(5) المخارم: أنوف الجبال، الطريق الوعر، أوائل الليل.
(6) الخميلة: الشجر الكثيف.(2/337)
لولاك
(الطويل)
ألا ليت أذيال الغيوث السّواجم ... تجرّ على تلك الرّبى والمعالم
ولولاك ما استسقيت مزنا لمنزل، ... فأحمل فيه منّة للغمائم
ويا ربّ أرض قد قطعت تشقّ بي ... جيوب الملا أيدي المطيّ الرّواسم (1)
وليل طويل الباع قصّرت طوله ... إليك، وقد ألقى يدا في المخارم (2)
وعيس خطت عرض الفلا بر حالنا ... تزعزع في الأعناق رقش التّمائم (3)
إذا فاح ريعان النّسيم رأيتها ... إلى الجانب الغربيّ عوج الخياشم
يسير بها مستنجد بعصابة ... أناملها ملويّة بالقوائم
تباري نجوم اللّيل بالبيض والقنا ... وضوء بدور هامها في العمائم
حقيق بأن لا يهتك الدّهر ثوبه ... عن العار كأس من عجاج الملاحم (4)
فأين من الدّهر استماع ظلامتي، ... إذا نظرت أيّامه في المظالم
فهل نافعي أن ينصر المجد عزمتي ... على هذه العلياء، والمال ظالمي
أنا الأسد الماضي على كلّ فعلة، ... تمشّي شفار البيض فوق الجماجم
وفي مثلها أرضيت عن عزمي المنى، ... وصافحت أطراف القنا والصّوارم
ولم أدر أنّ الدّهر يخفض أهله، ... إذا سكنت فيهم نفوس الضّراغم
وما العيش إلّا فرحة إن هجرتها ... سطوت على الدّنيا بسطوة حازم
سأصبر حتّى يعلم الصّبر أنّني ... ملكت به دفع الخطوب الهواجم
وآخذ ثاري من زمان تعرّضت ... مغارمه بيني وبين المغانم
__________
(1) الرواسم، من رسمت الإبل رسيما: ضرب من السير الملا: الصحراء.
(2) المخارم: أوائل الليل.
(3) عيس: نياق تزعزع: تحرّك الرقش: المزينة التمائم، جمع تميمة:
ما يعلق في الأعناق لطرد العين.
(4) العجاج: الغبار الملاحم: المواقع الهائلة.(2/338)
وما نام إغضاء عن الدّهر صارمي، ... ولكنّني أبقي على غير راحم
وإن أنا أهلكت الزّمان فما الذي ... يصدّع عزمي في صدور العظائم
وركب سروا، واللّيل ملق جرانه ... على كلّ مغبرّ المطالع قاتم (1)
حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها، ... فصار سراهم في صدور العزائم
تريهم نجوم اللّيل ما يبتغونه ... على عاتق الشّعرى وهام النّعائم (2)
وغطّى على الأرض الدّجى فكأنّنا ... نفتّش عن أعلامها بالمناسم
وفتية صدق من قريش، إذا انتدوا ... أروك عطاء المال ضربة لازم (3)
إذا طردوا في معرك المجد قصّفوا ... رماح العطايا في صدور المكارم
وإن سحبوا خرصانهم لكريهة ... تصدّع صدر الأرض عن قلب واجم (4)
وتثبت في عليا معدّ غصونهم، ... ثبات بنان في قلوب البراجم (5)
أيسمح لي هذا الزّمان بصاحب ... طويل نجاد السّيف من آل هاشم (6)
إذا أنا شيّعت الحسام بكفّه ... مضى عزم مشبوح الذّراع ضبارم (7)
وإن ضافه الهمّ النّزيع رمى بها ... نزائع لا يعلفن غير الشّكائم (8)
ولست بمستصف سوى كلّ خائض ... إلى كلّ بحر بالقنا متلاطم
أنامله في الحرب عشر أسنّة، ... ولكنّها في الجود عشر غمائم
__________
(1) سروا: مشوا ليلا جرانه: أثقاله.
(2) الشعرى: كوكب، وهما شعريان: الشعرى العبور والشعرى العميصاء النعائم: من أماكن القمر.
(3) انتدوا: سئلوا الندى.
(4) الخرصان: الأسنة الواجم: الممسك عن الكلام لحزنه.
(5) البراجم: مفاصل الأصابع.
(6) طويل نجاد السيف: كناية عن طول القامة.
(7) مشبوح الذراع ضبارم: الأسد العظيم الجسيم.
(8) النزائع: النجائب من الإبل الشكائم، جمع شكيمة: حديدة اللجام المعترضة في فم الجواد.(2/339)
طموح، إذا غضّ الشّجاع لحاظه، ... وأطرق عن برق الظّبى كلّ شائم
أعاذل ما سمعي للومك مرتعا، ... إذا كان مصروفا إلى غير لائم
أبثّك عن ليل تعسّفت متنه ... كأنّي أمشي في متون الأراقم (1)
يخيّل لي أنّ النّجوم ضمائر ... تقلقل فيه خشية من عزائمي
لقيت ظلام اللّيل في لون مفرقي، ... وفارقته والصّبح في لون صارمي
أجوّب آجام المنايا، وأسدها ... تروّعني من بينها بالهماهم
وبيني وبين القوم من آل يعرب ... ضغائن تثنيني زهيد المطاعم (2)
إذا ما جنوا من مالهم ثمر العلى، ... جنيت المعالي من غصون اللهاذم (3)
أغرّ بني فهر وعيد مجاشع، ... وأيّ وعيد بعد وقع الصّوارم
أيوعدنا من عطّل البيض والقنا، ... وأقسم لا ينجو بغير الهزائم
عشيّة خضنا بالضّوامر ليلهم، ... وفي كلّ جفن منهم طيف حالم
نريهم صدور السّمر بين نحورهم، ... فما استيقظوا إلّا بقرع الحلاقم
كأنّ الكرى يقتصّ من طول نومهم ... فيسهر منه بالقنا كلّ نائم
وكلّ غلام خالط البأس قلبه، ... يقطّع أقران الأمور الغواشم
ونحن دلفنا للأراقم فتية ... يضيفون أطراف القنا في الحيازم (4)
تطلّع من خلف العجاج كأنّما ... تطالعهم منها عيون القشاعم
إذا اشتجر الضّرب الدّراك تمطّقت ... إلى الطّعن أفواه النّسور الحوائم (5)
وولّوا على الخيل العتاق كأنّهم ... تزاحم غيم العارض المتراكم
تفيض عيون الطّعن بالدّم منهم، ... ويغلبها فيض العيون السّواجم
__________
(1) تعسّفت: خبطت على غير هداية الأراقم: الحيّات الخبيثة.
(2) زهيد: نصبه بنزع الخافض، أي عن زهيد.
(3) اللهاذم، جمع لهذم: السيف القاطع.
(4) دلفنا: قطعنا الحيازم، جمع حيزوم: ما اكتنف الحلقوم من جانب الصدر.
(5) اشتجر: اشتبك الدراك: المتتابع تمطقت: تذوقت.(2/340)
هذي الرماح
(البسيط)
هذي الرّماح عصيّ الضّال والسّلم، ... لولا مطاعنة الآراء والهمم (1)
إنّ الذّوابل والأقلام أرشية ... إلى العلى، لملوك العرب والعجم (2)
ليس السّيوف عن الأقلام مغنية، ... الفري للسّيف، والتّقدير للقلم
كالكوكب انتشرت منه ذوائبه، ... وموقد النّار يذكيها على أضم (3)
أو كالشّجاع تمطّى بعد هجعته ... يرخي لسانا كغرب اللهذم الخذم (4)
غرّان ما اجتمعا إلّا لمنصلت ... على الحوادث صبّار على الألم
لهاشم غرر تلقى لسائلها ... طلّاعة من ثنايا البأس والكرم
وخضخض السّجل في قعر القليب فلم ... ينزح له غير مكتوم من الوذم (5)
وأصبح البرق يخفي حرّ صفحته ... عن المرابع، أو يبرا من الدّيم
وأجدب القوم واضطرّت أكفّهم، ... وإن تطهّرن من إثم، إلى الزّلم (6)
وقلّ عند كرام الحيّ نائلهم ... حتّى جلا يوم نحر منزل البرم (7)
وكلّ سائمة باتت تمسّحها ... كفّ المسيم غدت لحما على وضم (8)
وصوّح النّبت حتّى كاد من سغب ... فيهم يصوّح نبت الهام واللّمم (9)
__________
(1) الضال والسلم: من أنواع الشجر.
(2) أرشية: حبال، جمع رشاء.
(3) أضم: جبل.
(4) الشجاع: ضرب من الحيّات غرب: حد اللهذم الخذم: السيف القاطع.
(5) السّجل: الدلو القليب: البئر المكتوم: الخرز الذي لا ينضح منه الماء الوذم: سيور أذني الدلو.
(6) الزلم: السهم.
(7) البرم: الذي لا يشترك في الميسر لبخله.
(8) السائمة: الماشية المسيم: الراعي الوضم: خشبة اللحام.
(9) صوح: تشقق وتناثر السغب: الجوع اللمم، جمع لمة: الشعر المجاور للأذنين.(2/341)
كانوا السّحائب ترمي من كنائنها ... مقاتل المحل كالمثعنجر الرّذم (1)
أرغت معدّ وأثغى من يناضلها، ... ومن يقايس بين الشّاء والنّعم
دنيا ترشّف عيشي، وهي كالحة ... غضبى، وأبسم فيها بادي الكظم (2)
كالخمر يعبس حاسيها على مقة، ... والكأس تجلو عليه ثغر مبتسم
الجدّ لا يقتضي إسماع ملهية، ... والهزل يكمن في الأوتار والنّغم
وما ابن غيل تذيع الموت طلعته، ... إذا تطلّع غضبانا من الأجم (3)
يجلو دجى شدقه عن صبح عاصلة ... مطرورة كشبا المطرورة الخذم (4)
يوما بأقدم منّي في ململمة ... شعواء تعرف بالعقبان والرّخم (5)
واليوم قطّع قرع البيض حبوته ... عن العجاج وخيل الله في الحرم (6)
إذا العوالي على أشداقها هجمت ... أعدى اللّمى بالدّم الجاري على الرّثم (7)
والطّعن ينتجع الأجساد أنفسها، ... والضّرب يبخل بالبقيا على القمم
وربّ ليل كأنّ النّار مقلته، ... والكلب يسمعه النّائي عن الصّمم
سهرته، والأماني ترتقي فكري، ... حتّى تطلّع من همّي إلى هممي
أراقب الضّيف أن يرعى مطيّته ... وبيننا منكب عال من الظّلم
أوحى الظّلام إلى الإصباح أنّ فتى ... أسرى وما خدعته لذّة الحلم
على جماليّة توفي الزّمام خطا، ... تكاد تسبقه من خفّة الرّسم (8)
__________
(1) المثعنجر: وسط البحر الرذم: السائل.
(2) الكظم: الكرب والغم.
(3) ابن غيل: الأسد.
(4) العاصلة: أراد أنيابه العوجاء مطرورة: محددة شبا: حد الخذم:
القاطعة.
(5) الململمة: الكتيبة الشعواء: المتفرقة لكثرتها.
(6) البيض: السيوف الحبوة: ما يحتبى به العجاج: الغبار.
(7) العوالي: الرماح الرثم: بياض في طرف أنف الفرس.
(8) الرسم: نوع من السير.(2/342)
حرف تبوّع بي في كلّ مجهلة، ... كأنّني راكب منها على علم (1)
تلقي الأجنّة قتلى في مسالكها، ... دياتها في رقاب القصد والأمم
متى تنسّم مسّ السّوط جلدتها، ... زافت كما زاف عنق المصعب القطم (2)
تطغي الخطام، إذا ما البرّ صافحه ... تيّار بحر بأيدي العيس ملتطم (3)
هوجاء ما التفتت يوما على ألم ... من السّياط ولا حنّت إلى قرم (4)
إذا جذبت لذكر السّير مقودها ... كأنّما جذبتها سورة اللّمم (5)
ما يطلب الدّهر والأيّام من رجل ... يعوذ بالحمد إشفاقا على النّعم
إذا اقتضته الأماني بعض موعده ... غطّى بستر العطايا عورة العدم
من مدّ معصمه مستعصما بيدي ... عصمته بإخاء غير منجذم
ومن أشيّعه يأمن لوائمه، ... ولو رموه بجرّاح من الكلم
ولو هتكت حجاب الغيب لا فتضحت ... أجفان كلّ مريب اللّحظ متّهم
كفى الذي سبّني أنّي صبرت له، ... فاستنصر العذر واستحيا من الحرم
بردي عفيف إذا غيري لفجرته ... كانت مناسج برديه على التّهم
أنا زهير، فمن لي في زمانك ذا ... ببعض ما افترقت عنه يدا هرم
إذا العدوّ عصاني خاف حدّ يدي، ... وعرضه آمن من هاجرات فمي
جعلت سمعي على قول الخنا حرما، ... فأيّ فاحشة تدنو إلى حرم
يكاد أنفي إذا ما استاف مرتبة ... من التّواضع ينضو خلعة الشّمم (6)
جدّي النّبيّ، وأمّي بنته، وأبي ... وصيّه، وجدودي خيرة الأمم
__________
(1) الحرف: الناقة الضامرة العقيمة تبوع: تمد باعها.
(2) زافت: تبخترت المصعب: الفحل الصعب القطم: الهائج.
(3) الخطام: الزمام العيس: النياق.
(4) الهوجاء: السائرة في خفة كأن بها جنونا القرم: في الأصل شدّة الشهوة الى اللحم واستعارها هنا لشهوة المرعى.
(5) السورة: الحدّة، الشدّة اللمم: طرف من الجنون.
(6) استاف: شم ينضو: يخلع الشمم: علو الأنف، الشموخ.(2/343)
لقصدنا تتمطّى كلّ راقصة ... هوجاء تخبط هام الصّخر والرّجم (1)
بكلّ أشعث منقدّ القميص، إذا ... جدّ النّجاء به عن أطيب الشّيم
لنا المقام، وبيت الله حجرته ... في المجد ثابتة الأطناب والدّعم
ومولدي طاهر الأثواب تحسبني ... ولدت في حجر ذاك الحجر والحرم
قال الضمير
(مجزوء الكامل)
قال الضّمير بما علم: ... أنت المحكّم فاحتكم
خجل ينمّق عذره، ... والعذر شاهد من ندم
لا تلزمنّي زلّة، ... سفهت عليّ بها القدم
فلقلّما غضبت على ... أشبالها أسد الأجم
هل أنت إلّا البدر يط ... رف ضوءه مقل الظّلم
صافحت راحته، وحش ... وبنانها عبق الكرم
فكأنّما جذبت يدي ... بذؤابتي سيل العرم (2)
جاءت كأنّ بعطفها ... خجل المحول من الدّيم (3)
حطّت إليك من الضّما ... ئر في رشاء من ندم
__________
(1) تتمطى: تتمدد الهوجاء: الناقة المسرعة في خفة الرجم: الحجارة.
(2) العرم: السيل الذي لا يطاق دفعه.
(3) المحول من الديم: السحب غير الماطرة.(2/344)
عجزنا
(الوافر)
عجزنا عن مراغمة الحمام، ... وداء الموت مغرى بالأنام
وما جزع الجزوع، وإن تناهى، ... بمنتصف من الدّاء العقام
وأين نحور عن طرق المنايا، ... وفي أيدي الرّدى طرف الزّمام
نوائب ما أصخن إلى عتاب ... يطول ولا خدرن على ملام (1)
هي الأيّام تأكل كلّ حيّ، ... وتعصف بالكرام وباللّئام
وكلّ مفارق للعيش يلقى ... كما لقي الرّضيع من الفطام
وكم ليد النّوائب من صريع ... بداء السّيف أو داء السّقام
فمن ورد المنيّة عن وفاة ... كآخر عاثر العرنين دام
ولو أمن الجبان من المنايا، ... لأغمد سيفه البطل المحامي
وما يغترّ بالدّنيا لبيب ... يفرّ من الحياة إلى الحمام
تنافر ثمّ ترجع بعد وهن ... رجوع القوس ترمح بالسّهام
خطوب لا أجمّ لها جوادي، ... وعزم لا أحطّ له لثامي (2)
رأيت الموت يبلغ كلّ نفس ... على بعد المسافة والمرام
سواء إن شددت له حزيمي، ... زماعا، أو حللت له حزامي (3)
عزاءك ما استطعت، فكلّ حزن ... يؤول به الغلوّ إلى الأثام (4)
وعمر المرء ينقص كلّ يوم، ... ولا عمر يقرّ على التّمام
وما تنجي الدّموع من المنايا، ... فترسلها بأربعة سجام
__________
(1) أصخن: استمعن خدرن: فترن.
(2) أجم جواده: ترك ركوبه.
(3) الزماع: الخوف.
(4) الأثام: العقوبة.(2/345)
وكنّا عند مختلف اللّيالي، ... وكرّ الدّهر عاما بعد عام
إذا أخذ الرّدى منّا رجعنا ... إلى صبر يشرّد بالغرام
وكان الصّبر يقبض كلّ وجد، ... كما قبض الصّباح من الظّلام
وفي حسن العزاء لنا مجير، ... يخلّصنا من الكرب العظام
أساكنة التّراب، وكلّ حيّ ... جديرن أن يغيّب في الرّجام (1)
تقنّصك الرّدى عرضا وأمسى ... يجاذبك المسير عن المقام
ولجلج من نعاك، وكلّ ناع ... يجمجم أو يلجلج في الكلام
وكلّ حشى عليك كأنّ فيه ... سنان الرّمح أو طرف الحسام
أيا قبرا تقسّم كلّ صبر، ... وقلقل عبرة المقل الدّوامي
أقامت فيك ماجدة حصان ... كماء المزن من بيض الخيام
تطرّقك النّسيم من الخزامى، ... ودرّت فيك أنواء الغمام
وأصبحت الشّفاه عليك فوضى ... تهافت بالتّحيّة والسّلام
فما بكت الحمام عليك إلّا ... كما غنّتك أصوات الحمام
ألا لله كلّ فتى أبيّ ... عزيز الأنف يغضب للذّمام
يجير من الزّمان، إذا تغاوى، ... بصبر للنّوائب واعتزام (2)
وأيّام تفلّل من غروبي ... على مضض وتنقص من عرامي
تلاعب بي أماما أو وراء، ... طراد الشّيخ يلعب بالغلام
براني الدّهر سهما ثمّ ولّى، ... فجرّدني من الرّيش اللّؤام
وها أنا ذا أبثّك كلّ بيت ... رقيق النّسج رقراق النّظام
__________
(1) الرجام، جمع رجم: القبر.
(2) تغاوى: تكلّف الغي، ضد الرشد.(2/346)
لله جيد
(مجزوء الكامل)
لله جيد ما تم ... هّد غير أحشاء المكارم
فتطوّق العلياء، وه ... وقريب عهد بالتّمائم
نيطت بعطفيه حما ... لات المغانم والمغارم (1)
ألبستني نعما
(الكامل)
ألبستني نعما على نعم، ... ورفعت لي علما على علم
وعلوت بي حتّى مشيت على ... بسط من الأعناق والقمم
فلأشكرنّ نداك ما شكرت ... خضر الرّياض، صنائع الدّيم
فالحمد يبقي ذكر كلّ فتى، ... ويبين قدر مواقع الكرم
والشّكر مهر للصّنيعة إن ... طلبت مهور عقائل النّعم
نهنه عتابك
(البسيط)
نهنه عتابك إلّا إن هفا جرم، ... بعض العتاب على الإخلاص متّهم (2)
ما لي أقول، فلا تصغي بسامعة، ... تصامم بك عن ذا القول أم صمم؟
رفقا بأنفك لا تشمخ على مضر، ... وانظر بعينك من زمّوا ومن خطموا
__________
(1) نيطت: علقت حمالات، جمع حمالة: الدية، الغرامة.
(2) نهنه: كفكف هفا: ارتكب هفوة جرم: أراد مجرما.(2/347)
فلست أوّل من راقت له حلل ... ولست أوّل من راحت له نعم
من أضمر الصّدّ عمّن ليس يضمره ... بغيا، مشى في نواحي سرّه النّدم
من أنهضته لقطع الودّ عذرته، ... كان المذمّم منه الكفّ والقدم
من ساء ظنّا بمن يهواه فارقه، ... وحرّضته على إبعاده التّهم
متى تهجّم غدرا سرّ عهدكم، ... فإنّ عهدي على غدر بكم حرم
يصدّ عنّي من ودّي له صدد، ... ولا أؤمّ الذي ودّي له أمم (1)
سقى الله
(الطويل)
قليل من الخلّان من لا تذمّه، ... وكثر من الأعداء من أنت همّه
وغير بعيد منك ناء تزوره ... وغير قريب قاطن لا تؤمّه
مصافيك في الأيّام أنفك أنفه، ... إذا جلّ ما تلقى، ورغمك رغمه
ألا ليت بين الحيّ لم يقض يومه، ... وليت ظليع الذّود لم يبر سقمه (2)
وليت أديم الأرض يعرى كما اكتسى ... من النّاس أو يعفو كما بان رسمه
فماذا الورى ممّن يراد بقاؤه، ... ولا الموت معذول إذا جار حكمه
تباشر عيني فيهم ما يسوءها، ... ويلقى جناني منهم ما يغمّه
سقى الله قلبا بين جنبيّ ريّه، ... وما نافع قلبي من الماء جمّه
ولكنّ مشتاقا، إذا بلغ المنى ... تقضّى أوام القلب أو زال وغمه (3)
أما علم الغادون والقلب خلفهم، ... يضمّ زفيرا يصدع الصّلد ضمّه
بأنّ وميض البرق ما لا أشيمه ... وأنّ نسيم الرّوض ما لا أشمّه
__________
(1) الأمم: القرب.
(2) الظليع: الذي يغمز في مشيه الذود: هو من الإبل من الثلاثة الى العشرة.
(3) الوغم: الحقد الثابت.(2/348)
وربّ وميض نبّه الشّوق ومضه ... وربّ نسيم جدّد الوجد نسمه
أضعت الهوى حفظا لحزمي، وإنّما ... يصان الهوى في قلب من ضاع حزمه
وطيف حبيب راع نومي خياله، ... وعرّفني طول اللّيالي ملمّه (1)
وما زارني إلّا ليخجل طيبه ... نسيم الصّبا أو يفضح اللّيل ظلمه (2)
تطلّع من أرجاء عيني دمعها، ... وما كاد لولا الوجد ينقاد سجمه (3)
ألا هل لحبّ فات أولاه رجعة، ... وإن زاد عندي أو تضاعف اسمه
ليالي أسري في أصيحاب لذّة ... ومخّ الدّجى رار، وقد دقّ عظمه (4)
وأغدو على ريعان خيل تلفّها ... صدور القنا والنّقع عال أحمّه (5)
رأيت الفتى يهوى الثّراء، وعمره ... يرى كلّ يوم زائدا منه عدمه
عقيب شباب المرء شيب يخصّه، ... إذا طال عمر أو فناء يعمّه
طليعة شيب بعدها فيلق الرّدى، ... برأسي له نقع، وبالقلب كلمه
أغالط عن نفسي حمامي، وإنّما ... أداري عدوّا مارقا فيّ سهمه (6)
وليس يقوم المرء يوما بحجّة، ... إذا حضر المقدار، والموت خصمه
وأولى بمن يستخلف الدّهر بعده ... على صرمه أن يودع الأرض صرمه (7)
فوا عجبا للمرء، والداء خلفه، ... ومن حوله الأقدار والموت أمّه (8)
يسرّ بماضي يومه، وهو حتفه، ... ويلتذّ ما يغذى به، وهو سمّه
ورود من الآجال لا يستجمّنا، ... وورد من الآمال لا نستجمّه (9)
__________
(1) الملم: الآتي.
(2) ظلمه: بريق أسنانه.
(3) سجمه: قطره وسيلانه.
(4) رار: ذئب.
(5) الريعان: هو أول كل شيء.
(6) مارقا، من مرق السهم أي خرج من الجانب الآخر.
(7) الصرم: الجماعة.
(8) أمّه: قصده، أمامه.
(9) يستجمنا: يتركنا.(2/349)
إلى كم أذود السّيف عن هام عصبة، ... أما فيهم من يطعم السّيف لحمه
وعندي عال من دم الجوف شربه، ... وماضي الظّبى من أسود القلب طعمه (1)
أقول لغرّ بي: لففت بضيغم ... يؤدّ الأعادي خطفه ثمّ حطمه (2)
فدع هضبة منّا بنى الله سمكها، ... فإنّ بناء الله يعييك هدمه
ومن عجب الأيّام أنّي محسّد، ... أعادى على ما يوجب الودّ حكمه
وليس الفتى من يعجب النّاس ماله، ... ولكنّه من يعجب النّاس علمه
تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه، ... وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه
أساء جوار الذّلّ منّي ابن همّة ... إذا همّ واطى بين رأييه همّه (3)
ولو غير قلبي ضمّ ذا العزم شقّه، ... ولكنّه لا يقتل الصّلّ سمّه
وأبلج لا يرضى عن العجز رأيه، ... تمدّ على أضوى من البدر لثمه (4)
إذا خلع اللّيل النّهار سمت به ... مآرب مضّاء على ما يهمّه
وكم في نزار من نهيض نجيبة، ... إذا سلّ عضبا سابق الضّرب عزمه
أنيس بلقيان الحروب كأنّما ... تمطّت به في ناشر النّقع أمّه (5)
إذا ضرع الأقوام من سوء نكبة ... جلاها قويم الأنف فيها أشمّه (6)
رفيع بيوت المجد كالجدّ جدّه، ... فخارا، وفي العلياء كالخال عمّه
مهيب وقار الجانبين أبيّه، ... ومخول مجد الوالدين معمّه
فمن خائف عند اللّيالي نجيره، ... ومن شعث بين المعالي نلمّه (7)
وإنّي لدفّاع بي العزم والمنى، ... إلى كلّ ليل يعقد الطّرف نجمه
__________
(1) العالي: الرمح الظبى، جمع ظبة: حد السيف.
(2) الغر: الشاب لا تجربة له يؤد: يثقل الحطم: الكسر.
(3) واطى: واطأ، وافق.
(4) لثمه، جمع لثام: ما كان حول الأنف وبعض الوجه من ستر.
(5) تمطّت به أمه: أراد ولدته.
(6) ضرع: ذل
(7) الشعث: التفرق، انتشار الأمر.(2/350)
وما تستدلّ النّجم عيناي في الدّجى ... ضلالا، ولكن مثل عينيّ جرمه
شددنا بأيدي العيس كلّ ثنيّة، ... ومن دونها جون القرا مدلهمّه (1)
ومنخرق لا يقطع الطّرف عرضه، ... ولا ينزوي عن أعين الرّكب خرمه (2)
توهّمت عصف الرّيح بين فروجه ... يسرّ إلى سمعي مقالا يصمّه
وجيش يسامي كلّ طود عجاجه، ... ويفترّ عنه كلّ واد يضمّه
تخطّف أبصار الأعادي سيوفه، ... وتملأ أسماع القبائل لجمه
إذا سار صبحا طارد الشّمس نقعه، ... وإن سار ليلا طبّق الأرض دهمه (3)
تراجع حمرا من دم الضّرب بيضه، ... وتنجاب شقرا من دم الطّعن دهمه (4)
صدمنا به الجبّار في أمّ رأسه، ... وكان شفاء الرّأس ذي الدّاء صدمه
وما ضاقت الأقطار من دون فوته ... ظبانا، ولكن أوبق العبد ظلمه (5)
عذيري ممّن ذمّ عهدي، وقد نبا ... مرارا، وقلبي وادع لا يذمّه
تجرّم لمّا لم يجد لي زلّة، ... وأقصدني باللّوم، والجرم جرمه
تعمّدت بعدي عنه من غير سلوة، ... ليعلمني يوم النّوى كيف طعمه
وأجممته لا عن غناء، وإنّما ... لأشربه في حرّ خطب أجمّه (6)
وإنّي، وإن والى على القلب حربه، ... لمنتظر أن يعقب الحرب سلمه
ولا تيأسن من عفو حرّ، فإنّما ... تحلّمه باق، إذا ضاع حلمه
أأطمع أن أنساك يوما، وإنّما ... هواك ضجيع القلب منّي وحلمه
يقرّ بعيني منظر أنت قيده، ... ويعتاق قلبي مطلب أنت غنمه
وأنت الفتى لا عاجز عن فضيلة، ... وغير قليل من معاليه قسمه (7)
__________
(1) العيس: النياق الجون: الأسود القرا: ظهر الأكمة مدلهمة: مظلمة.
(2) المنخرق: المفازة الواسعة تنخرق فيها الرياح خرم الجبل: أنفه.
(3) دهمه: مفاجأته.
(4) دهمه، جمع أدهم: أسود.
(5) ظبانا: سيوفنا أوبق العبد: هربه.
(6) أجممته: تركته يجتمع.
(7) القسم: الخلق والعادة.(2/351)
تجاوز بعمد واعف، فالعتب إن يدم ... على الخلّ يفسد ظنّ قلب ووهمه
أرى آخر الخلّان ودّا يسوءني، ... ويمدح عندي أوّلا طال ذمّه
على أنّني راض بما جرّ هجره، ... وهل أنا إلّا القلب يلتاث جسمه (1)
لي عزيمة
(الطويل)
في هذه القصيدة يهنئ الوزير أبا منصور محمد بن الحسن بن صالح بالمهرجان سنة 378.
بعادا لمن صاحبت غير المقوّم، ... وبعدا لكلّ الرّيّ إلّا من الدّم
إذا ظلم لم أمض فيها عزيمة، ... فساعة ليلي مثل حول مجرّم (2)
ومن شغفي بالطّعن أغدو، وذابلي ... إذا قلّ جرم مال بي في التّجرّم (3)
وما أنا ممّن يقبل الطّعم قلبه، ... ولم تعلم الأرماح من أين مطعمي
سأقدم لا مستعظما ما لقيته، ... توسّع لي في الرّوع أو ضاق مقدمي (4)
فقد فجع الماضي لبيدا بأربد، ... وعزّي قبلي مالك من متمّم (5)
وعزم أعاطيه العوالي وحاجة ... رميت بها ما بين أرض ومنسم (6)
وليس الفتى إلّا الّذي إن رأيته ... رأيت غنيّ النّفس في ثوب معدم
قليل مقام بين أهل وثروة، ... كثير طلوع بين واد ومخرم (7)
__________
(1) يلتاث: يلتف، يقوى.
(2) مجرّم: تام.
(3) الجرم: الخطأ والذنب التجرّم: التهمة بالذنب.
(4) الرّوع: القلب أو موضع الفزع منه.
(5) لبيد العامري: أحد شعراء الجاهلية ومن أصحاب المعلقات أربد: أخوه قتلته صاعقة مالك بن نويرة: قتل فبكاه أخوه متمم.
(6) المنسم: الطريق.
(7) المخرم: أنف الجبل.(2/352)
أمطّلع يومي عليّ، ولم أخض ... دماء الأعادي بالوشيج المقوّم (1)
ولم أجهد السّيف الطّويل نجاده، ... أمام الظّبى، والنّقع بالنّقع يرتمي (2)
وليس شفاء النّفس إلّا مثقّف ... يعدّ ليوم بالغبار ملثّم
وكم لي من رمّاحة تزعج الحصى ... بوابلها في معلم بعد معلم (3)
إذا الله لم ينصر حسامي على العدا، ... فما أنا إلّا عرضة المتهضّم (4)
وإن هو نجّى من فم الموت مهجتي ... نجوت، وإلّا كنت أوّل مطعم
أبيت، ولي في كلّ أرض عزيمة ... تزعزع أعناق المطيّ المحزّم (5)
ومستوصيات بالذّميل كأنّما ... يدارس إدآب الجديل وشدقم (6)
ترى كلّ حمراء الملاط كأنّما ... تخلّج في آماقها عرق عندم (7)
بخفّ كشدق الأعلم استصعبت به ... على ظلّ عنق ذي عثانين مرجم (8)
كأنّ الغلام الضّرب في الرّحل ريشة ... خفت فوق زور من ظليم مصلّم (9)
إذا أوجست حسّ القطيع وراءها ... ألاحت بخيشوم كريم وملطم (10)
__________
(1) الوشيج: الرماح.
(2) النجاد: حمائل السيف الظبى: السيوف النقع: الغبار.
(3) الرماحة: القوس الشديدة بوابلها: بسهامها المنصبة كالمطر معلم الشيء: ما يستدل به.
(4) المتهضّم: الظالم، الغاصب.
(5) المحزّم: المشدود الحزام، ذكره مراعاة للفظ المطي ولا لمعناه.
(6) الذميل: السير اللين الإدآب: الجد والتعب والعادة الجديل وشدقم:
فحلان من الإبل كانا للنعمان بن المنذر وبهما يضرب المثل.
(7) الملاط: الجنب تخلّج: اضطرب، تحرك عندم: نوع من النبات.
(8) الأعلم: المشقوق الشفة العليا العثانين، جمع عثنون: شعرات تحت حنك البعير المرجم: الذي يرجم الأرض بحوافره.
(9) الضرب: الماضي في الأمور والخفيف اللحم خفت: خفيت المصلم:
المقطوع الأذنين.
(10) أوجست: سمعت القطيع: السوط ألاحت: أشارت الخيشوم:
أقصى الأنف الملطم: مكان اللطم، الخد.(2/353)
تخيّل من فضل الزّمام ابن رملة ... له نهشات في مكان المخطّم (1)
طلعن على ليل بنا ووصلنه ... بأبلج لمّاع الجواشن معلم (2)
ومن جعل القلب الجريء دليله، ... فكلّ ظلام عنده غير مظلم
بليت، وأبلاني زماني، بعصبة ... يخوضون بي في كلّ غيب مرجّم (3)
مذاييع للسّرّ المصون، وليتهم ... أذاعوه طلق البرد لمّا ينمنم (4)
قليل حديث مارق غير مكثر، ... وبدء مقال وارد من متمّم (5)
زمان الأذى عش فيه تشج بأهله، ... وتغض على ذلّ، ومت فيه تعظم (6)
على أنّني لا غالب الرّأي بالهوى، ... ولا قائل للشّوق إن ضلّ يمّم (7)
ولا قاطع بالظّنّ ما كنت واصلا، ... وربّ مغيظ قاطع بالتّوهّم
وإنّي ممّا آلف الجدّ باخل ... بثغري فما يدري امرؤ أين مبسمي
فراق من الأحباب أمضى من الرّدى، ... وأقطع للأقران من غرب مخذم
لك الله من واد تورّكن عرضه، ... ونقّبن فيه عن عرار وعظلم (8)
يبارين نفّاح الخزامى عشيّة، ... بأطيب من ريح الخزامى وأنعم
أغالب دمعي ثمّ يغلب جاريا، ... ومن لم يسل دمعا على الحبّ يظلم
وما ذكرتك النّفس إلّا وضمّها ... إلى القلب باع الموجع المتألّم
__________
(1) ابن رملة: الثعبان.
(2) الجواشن، جمع جوشن: الصدر المعلم، من أعلم الفرس: علّق عليها صوفا ملونا في الحرب.
(3) المرّجم: الذي لا يقف على حقيقة.
(4) ينمنم: يزخرف وينقش ويزيّن.
(5) المارق، من مرق السهم: نفذ.
(6) تشجى: تحزن وتطرب.
(7) يمم: أقصد.
(8) تورّكن: اعتمدن على أوراكهن العرض: الجانب العرار والعظلم:
ضربان من النبات.(2/354)
خليليّ ليس الدّمع عنّي بدافع ... ولوع غرام كالحريق المضرّم
وهل أنا إلّا ربّ نفس معارة، ... وقلب معار للجوى والتّألّم
إذا ما جوادي مرّ بي في ديارها، ... تقاضى زفيري دائبا بالتّحمحم (1)
أحنّ، ولا يرمى حنيني بتهمة، ... وأدنو، ولا يعزى دنوّي بمأثم
وما منظر الحسناء عندي برائق، ... ولا نيلها والقرب عندي بمغنم
إلى كم تصبّاني الغواني، وبينها ... وبيني عفاف مثل طود يلملم (2)
وإنّي لمأمون على كلّ خلوة، ... أمين الهوى والقلب والعين والفم
وغيري إلى الفحشاء إن عرضت له ... أشدّ من الذّؤبان عدوا على الدّم
ومن كان إنعام الوزير حبيبه ... أغار الغواني بين بكر وأيّم (3)
أبيت بها هادي الحشا في نوائب ... يبيت لها غيري بقلب مقسّم (4)
وحيد العلى لا ينتجي غير نفسه ... إذا عنّ خطب أو دنا يوم مغرم (5)
ومنتصر يرعى بحلم حقوده، ... ويطرد أضغان العدا بالتّكرّم
إذا عظم الطّلّاب لم يثن كفّه ... وإن طال نطق القوم لم يتجهّم
يزمّ إلى العافين أعناق ماله، ... ومال رجال مقرم لم يخطّم (6)
كثير ارتياح القلب في عقب جوده، ... إذا جائد ألقى يدا في التّندّم
سريع، إذا داعي الطّعان دعا به، ... غدا طاعنا قبل العدا في التّلوّم
وما همّ إلّا قعقع البيض بالظّبى، ... وردّ القنا يجري على كلّ معصم (7)
__________
(1) الزفير: إخراج النفس ومدّه التحمحم: تردد صوت الفرس في صدره.
(2) يلملم: شامخ، وهو اسم جبل على مرحلتين من مكة المكرمة وباتجاه اليمن.
(3) الأيّم: من لا زوج لها.
(4) المقسم: الذي تقسمته الهموم.
(5) ينتجي: يناجي.
(6) يزم: يشد العافون: المحتاجون، طالبو المعروف المقرم: البعير المكرم لا يحمّل ولا يذلل.
(7) البيض، جمع بيضة: الخوذة الظبى: السيوف، جمع ظبة.(2/355)
ولا ركز إلّا أن تمير زجاجها ... عواملها فضل النّجيع المحرّم (1)
وكلّ صباح شاحب من عجاجة، ... وشائع برد بالعوالي مسهّم (2)
إذا عنّ جود قيل: دفّاع وابل ... وإن عنّ روع قيل: تقحيم ضيغم
يشنّ وجوه البيد في كلّ مسلك ... بجرّ العوالي والرّعيل المسوّم (3)
فعال جريّ لا يزال مدافعا ... إلى المجد، طلّاعا إلى كلّ معظم
ولكنّه بالعزّ والمجد والعلى ... أحقّ وأولى من سماء بأنجم
أتته، ولم يمدد يدا في طلابها، ... وما انقاد من قاد العوالي بمخطم (4)
ولو لم يقرّ الغابطون بمجده، ... أقرّوا على رغم بفضل التّقدّم
وما كذب الحسّاد للبدر ضائرا، ... وليس يضرّ الذّمّ غير المذمّم
وحيّ حلال قد ذعرت بكبّة ... من الخيل، لا ترعى ذماما لمحرم (5)
على حين حاصرت الظّلام إليهم، ... بأرعن يردي في الحديد المنظّم (6)
وما افترّ يوم قطّ إلّا لقيته ... بوجه جليّ، أو بكفّ مغيّم
إذا مارق لاقاك غضّ عنانه، ... وردّ أظافير القنا لم تقلّم
وربّ نسيب للرّماح مغامر، ... خفيف الشّوى عاري الجناحين أعلم (7)
إذا هزّ يوما للغوار رأيته ... أنمّ إلى الأرواح من كلّ لهذم (8)
__________
(1) الركز، من ركز الرمح: غرزه في الأرض يمير: يأتي بالميرة، يجلب الطعام الزجاج، جمع زج: الحديدة في أسفل الرمح ويقابلها السنان العوامل: الرماح النجيع: الدم.
(2) الوشائع: الزخارف المسهم: المخطط.
(3) العوالي: الرماح الرعيل: القطعة من الخيل المسوم: المرعي.
(4) المخطم: الخطام، الزمام في الخطم أي الأنف.
(5) الكبّة: جماعة الخيل.
(6) الأرعن: الأهوج من الخيل أو الإبل يردي: يرجم الأرض بحوافره.
(7) المغامر: الملقي بنفسه في الغمرات الشّوى: الأطراف الأعلم:
المشقوق الشفة العليا.
(8) الغوار: الغارة اللهذم: القاطع من الرماح والسيوف.(2/356)
يسرّك في فلّ الصّوارم والقنا، ... ويرضيك في ردّ اللهام العرمرم (1)
له ريقة تجري بما شاء ربّه، ... كما حال سمّ بين أنياب أرقم
أمالىء أيّام النّدى كلّ عارض، ... ومالىء أيّام الوغى كلّ ملجم
تهنّ قدوم المهرجان، فإنّه ... إليك على الأيّام ينمى وينتمي (2)
وما زار هذا العيد إلّا صبابة ... إليك بقلب طامح الوجد مغرم
أتى يستفيد الجود منك ويجتلي ... محاسنه من ثغرك المتبسّم
فلا عار أن تستنجد الكأس راحة ... أضرّ بها حمل الجراز المصمّم (3)
أراك بعين لا يسوءك لحظها، ... وأرعاك بالودّ الذي لم يذمّم
وفي نظري عنوان ما بين أضلعي، ... وربّ لحاظ نائب عن تكلّم
وكم نظرة تستوهب القول في فمي ... تكلّف نطقي في جواب المكلّم
ولست ولو خادعتني عن مطالبي ... مطاوع عذّالي عليك ولوّمي
وأكرم مأمول وأشرف ماجد ... جواد متى يندب إلى الجود يقدم
أعيذك أن تظمي فتى كان طرفه ... عقيدا لبرق العارض المترنّم
ومن غرّه مال رضي ببشاشة، ... وعادم ماء قانع بالتّيمّم
ألا إنّ شعري فيك يبقى وغيره ... تطير به أيدي اللّيالي وترتمي
وتعقد طرفي منك في كلّ نظرة ... طلاقة بدر بالمعالي معمّم
ولولاك ما فاقت ببغداد ناقتي، ... ولا كنت إلّا لاحقا بالمقطّم (4)
وأولى بلاد بالمقام من الدّنا ... بلاد متى ينزل بها الحرّ يغنم
مدحت أمير المؤمنين، وإنّه ... لأشرف مأمول وأعلى مؤمّم
__________
(1) اللهام: العدد الكثير العرمرم: الشديد.
(2) المهرجان: عيد الفرس، وهي كلمة فارسية مركبة من مهر أي محبّة وجان أي الروح، فيكون معناها: محبة الروح.
(3) الجراز: السيف المصمم: الماضي.
(4) فاقت الناقة: اجتمعت الفيقة، أي اللبن، في ضرعها المقطّم: اسم موضع.(2/357)
فأوسعني قبل العطاء كرامة، ... ولا مرحبا بالمال إن لم أكرّم
وإنّي، إذا ما قلت في غير ماجد ... مديحا، كأنّي لائك طعم علقم
وإنّ رجائي زين ملّة هاشم ... لنعمى، وحسبي من جواد ومنعم
فكن شافعي يوما إليه لعلّه ... يريش العواري من نبالي وأسهمي
أغار على عليائه من مقصّر ... يقول ولم يرزق مقالي ولا فمي
فإن شاء فالوسم الذي قد عرفته، ... مبين لعين النّاظر المتوسّم (1)
أرواحنا دين
(الكامل)
يعزي الشاعر، في هذه القصيدة، الوزير أبا منصور محمد بن الحسن بن صالح عن والدته، وقد توفيت سنة 378.
هي ما علمت فهل تردّ همومها؟ ... نوب أراقم لا يبلّ سليمها (2)
أرواحنا دين، وما أنفاسنا ... إلّا قضاء، والزّمان غريمها
فلأيّ حال تستلذّ نفوسنا ... نفحات عيش لا يدوم نعيمها
يمضي الزّمان ولا نحسّ كأنّه ... ريح تمرّ ولا يشمّ نسيمها
لم يشفع الدّهر الخؤون لمهجة ... في العمر إلّا عاد وهو خصيمها
وكأنّما الدّنيا الغرورة بردة ... بيدي بلى، ويروقنا تسهيمها (3)
والأرض دار لا يلذّ نزيلها، ... عمر الزّمان، ولا يذيم مقيمها (4)
__________
(1) الوسم: الأثر.
(2) يبل: يبرأ سليمها: لديغها.
(3) تسهيمها: تخطيطها.
(4) يذيم: يعاب.(2/358)
كم باع أبّاء تفلّ بطونها، ... وأديم جبّار يقدّ أديمها (1)
قبر على قبر لنا، وأواخر ... يلقى رميم الأوّلين رميمها
إنّ الوزير، وإن تطرّقه الرّدى، ... وعدا عليه من الخطوب ذميمها
مستلئم لقيته، أو لم تلقه ... بنوائب، بيض المنون وشيمها (2)
الدّمع أعظم من تحارب جرأة، ... فانظر لعين ما أبيح حريمها
وتعزّ، إنّ من العزاء شجاعة، ... وأعزّ ما عزّى نفوسا خيمها (3)
بمكارم غرّ الوجوه تنيلها، ... ومقاوم غلب الرّقاب تقومها
كم ذاهب أبكى النّواظر مدّة ... ومضى، وطاب لمقلة تهويمها (4)
أو ثغر محزون تبسّم سلوة، ... والعين لمّا يرق بعد سجومها (5)
إنّي لأرجو أن يكون مقامها ... في حفرة خضل الغمام نديمها
من كلّ غادية سلافة بارق، ... ومن الرّياض رطيبها وعميمها
في رفقة لا يستطيل سفيهها ... أبدا، ولا يدري المقال حليمها
مثل الكبير من الرّجال صغيرها، ... يبلى، وكالعبد الذّليل زعيمها
ما ضرّ راحلة، وأنت وراءها، ... من أن يكون على المنون قدومها
تركتك طودا لا يرام وجمرة ... لا تصطلى ويدا يذلّ مضيمها
هل خبّرت لمّا أتت بك ما الذي ... في مهدها، أو ما يضمّ حزيمها (6)
أم هل درت أنّ الحسام جنينها ... طلقا، وأنّ أبا العلاء فطيمها
وكأنت فلتلد النّساء نباهة، ... أو لا، فمنجبة النّساء عقيمها
صبرا فما اعتاض المصاب كصبره ... شيئا، إذا غمر القلوب همومها
__________
(1) أبّاء: صاحب الإباء أديم: جلد.
(2) مستلئم: لابس اللأمة أي الدرع شيمها: سودها.
(3) الخيم: السجية والطبيعة.
(4) التهويم: هز الرأس من النعاس، النوم القليل.
(5) سجومها: دموعها.
(6) الحزيم: مكان شد الحزام.(2/359)
في الذّاهب الموروث سلوة وارث، ... وأمرّ ما ورث الرّجال غمومها
ما ساجلتك من المقاول عصبة ... إلّا وضلّ مقالها وغريمها
إن قيل إقدام، فأنت شجاعها، ... أو قيل إعطاء، فأنت كريمها
هذا، وكم لك من عزائم جمّة ... في كلّ حادثة تضيء نجومها
وتهزّ أحشاء البلاد بضمّر ... يرد الطّعان أغرّها وبهيمها
غرثى ينازعها النّجاء نجائب، ... قد هلّلت بعد الرّواء جرومها (1)
إن كان رزؤك ذا جسيما، فالذي ... ينمى إليك من الأمور جسيمها
ولأنت أنجد صابر لملمّة، ... وأعزّ من ينجاب عنه أرومها
للنّائبات من الرّجال جريئها، ... يوم اللّقاء، وللعظيم عظيمها
نفس تتوق الى النجوم
(الوافر)
أرى نفسي تتوق إلى النّجوم، ... سأحملها على الخطر العظيم
وإنّ أذى الهموم على فؤادي ... أضرّ من النّصول على أديمي
وإنّي، إن صبرت ثنيت قلبي ... على طرف من البلوى أليم
ولي أمل كصدر الرّمح ماض، ... سوى أنّ اللّيالي من خصومي
ويمنعني المدام طروق همّي، ... فما يحظى بها إلّا نديمي
وما أوفت على العشرين سنّي، ... وقد أوفى على الدّنيا غريمي
ونجوى قد شهدت وعدت ألقي ... عنان فمي إلى قلب كتوم (2)
وهول يرعد النّسيان منه، ... ركبت معارض الجدّ المروم (3)
__________
(1) غرثى: جائعة النجاء: الإسراع النجائب: النياق الكريمة الجروم، جمع جرم: الجسد.
(2) النجوى: السر.
(3) النّسيان، مثنى نسا: عرق من الورك الى الكعب.(2/360)
إذا ما حاجة قضيت بسيفي، ... شكرت لها يد اللّيل البهيم
ويعرفني العدوّ بوقع رمحي ... إذا ما الوجه موّه بالسّهوم (1)
وما لي همّة إلّا المعالي، ... وذبّ الضّيم عن نسب صميم
وقود الخيل تركع من وجاها ... وقد غلب النّجيع على الكلوم (2)
تصبّح في الطّلى بدراك طعن ... كرمح الشّول زغن عن المسيم (3)
ويذهلها، إذا التقت العوالي، ... ضرام الطّعن عن مضغ الشّكيم
وكلّ نحيلة كالسّهم تصمي ... عرانين الأماعز والخروم (4)
تريني الشّمس أوّل من يراها، ... وآخر شأوها طلق الظّليم
وحثّ العيس تستلب الفيافي، ... بإملاء الذّميل على الرّسيم (5)
جزعن اللّيل، والآفاق خلس، ... كأنّ نجومها نغل الأديم (6)
وأبلج مثل فرق الرّأس نهج ... قطعن وما قلقن من السّؤوم
وماء قد تخفّر بالدّياجي، ... عن الطّرّاق والسّلم المقيم (7)
وردن، ولا دلاء لهنّ إلّا ... مشافرهنّ في الورد الجموم (8)
وعدن، وقد وهى سلك الثّريّا، ... وكرّ الصّبح في طلب النّجوم
وقد لاحت لأعيننا ذكاء ... وراء الفجر كالخدّ اللّطيم (9)
__________
(1) السهوم: العبوس.
(2) الوجى: الحفا النجيع: الدم الكلوم: الجراح.
(3) الدراك: المتوالي الرّمح، من رمحته الدابة: رفسته الشول: الإبل مرّ على حملها سبعة أشهر المسيم: الراعي.
(4) الأماعز: الأراضي الغليظة الخروم، جمع خرم: أنف الجبل.
(5) العيس: النياق الاملاء، من أملى البعير: أرخى له ووسع في قيده الذميل والرسيم: ضربان من العدو.
(6) جزعن: قطعن خلس: أراد اختلاط النور بالظلمة نغل الأديم: فاسده.
(7) تحفّر: تحرز، استجار السلم: نوع من الشجر.
(8) الجموم: الكثير الماء.
(9) ذكاء: اسم علم للشمس.(2/361)
ومختلط النّدى أرج الخزامى ... رطيب ذوائب الكلإ العميم
أبحت حريمه إبلي، فأمست ... تغير شفاههنّ على الجميم
ألا هل أطرق السّمرات يوما ... بريء القلب من عنت الهموم؟ (1)
وألصق بالنّقا كبدي، ويهفو ... إليّ من النّقا ولع النّسيم
وأطلق عقلها بربى تراها ... من الأنواء ضاحكة الوشوم (2)
أرى الأيّام عادية علينا، ... ببيض من نوائبها وشيم (3)
يضلّ نفوسنا داء عقام، ... فيسلمنا إلى أرض عقيم
ونتبع بالدّموع، وأيّ دمع ... يجير، ولو أقام على السّجوم
ويفردنا الزّمان، بلا قريب ... يذمّ من الزّمان ولا حميم
ونلقى قبل لقيان المنايا ... رماح الدّاء تطعن في الجسوم
فلو كانت خصوصا سرّ قوم، ... ولكنّ العناء على العموم
ويكثر مطلي الغرماء، إلّا ... إذا راح الرّدى، وغدا غريمي
رأيت المال يرفع من سفيه، ... وعدم المال ينقص من حليم
فليت كريم قوم نال عرضي، ... ولم يدنس بذمّ من لئيم
يلوم، وقد ألام، وشرّ شيء ... إذا لاقاك لوم من مليم
أشبّ، لأحرق الأعداء، لحظي، ... فيرجعني إلى الإغضاء خيمي (4)
أبى لي الذّمّ آباء تساموا ... إلى عنقاء طيّبة الأروم (5)
إذا اشتملوا على الأعداء عادوا، ... وقد غمروا الضّغائن بالحلوم
ألا من مبلغ الأحياء أنّي ... قطعت قرائن الزّمن القديم
__________
(1) السمرات، جمع سمرة: نوع من الشجر، وهو هنا اسم موضع.
(2) الوشوم، جمع وشم: أول طلوع النبات.
(3) شيم: سود.
(4) خيمي: سجيّتي، طبعي.
(5) إلى عنقاء، أي إلى هضبة عنقاء: مرتفعة طويلة الأروم: الأصول، جمع أرومة.(2/362)
وأنّي قد أبيت مقام رحلي ... بوادي الرّمث أو جبل الغميم (1)
وعن قرب سيشغلني زماني، ... برعي النّاس عن رعي القروم (2)
وما لي من لقاء الموت بدّ، ... فما لي لا أشدّ له حزيمي
سألتمس العلى إمّا بعرب ... يروّون اللهاذم أو بروم (3)
ولو أنّي أعنت بآل عكل ... رغبت عن الذّوائب من تميم (4)
حذاركم بني الضّحّاك أنّي ... إلى الأمر الذي تومون أومي
فلا تتعرّضوا بذراع عاد ... مدلّ عند خيسته شتيم (5)
فإن تك مدحة سبقت فإنّي ... بضدّ نظامها عين الزّعيم (6)
وقافية تخضخض ما ترامت ... به الأيّام في عرض اللّئيم
تردّد ما لها ممّن يعيها، ... سوى الإطراق منها والوجوم
لها في الرّأس سورات يطاطي ... لها الإنسان كالرّجل الأميم (7)
ليعلم من أناضل أنّ شعري ... يطالع بالشّقاء وبالنّعيم
__________
(1) وادي الرمث: اسم موضع الغميم: واد بين الحرمين على مرحلتين من مكة المكرمة.
(2) القروم، جمع قرم: البعير المكرم لا يحمّل ولا يذلل.
(3) اللهاذم: الأسنة القاطعة.
(4) آل عكل: قوم ضعاف الذوائب: الأسياد.
(5) العادي: الأسد المدل: الشجاع خيسته: غابته الشتيم: العابس.
(6) الزعيم: الكفيل.
(7) سورات، جمع سورة: غضب الأميم: الذي أصيب في أم رأسه.(2/363)
بياض في عذار
(الطويل)
رأت شعرات في عذاري طلقة، ... كما افترّ طفل الرّوض عن أوّل الوسمي (1)
فقلت لها: ما الشّعر سال بعارضي، ... ولكنّه نبت السّيادة والحلم
يزيد به وجهي ضياء وبهجة، ... وما تنقص الظّلماء من بهجة النّجم
الحياة ظل
(البسيط)
في هذه القصيدة يرثي الشاعر الملك أبا الفوارس شرف الدولة ابن عضد الدولة، وقد توفي في جمادى الآخرة سنة 379.
هل كان يومك إلّا بعد أيّام، ... سبقت فيها بإنعام وإرغام
وهل أزالك عن هذا سوى قدر ... تناول الأسد من غيل وآجام
إنّ المنايا مغرّات لأنفسنا، ... وإن أمدّت بأعوام وأعوام
نسعى بأقدامنا عنها فتدركنا، ... سبق الجياد وما تسعى بأقدام
ما لي بطيّ اللّيالي غير مكترث، ... وما ورائي منها كان قدّامي
أظنّ شخص الرّدى فردا فأحذره، ... والموت أكبر من ظنّي وأوهامي
إنّ الحياة، وإن غرّت مخائلها، ... ظلّ، وإنّ المنى أضغاث أحلام
نامي البقاء إلى الذّاوي تراجعه، ... كلّا، ولا يرجع الذّاوي إلى النّامي
أبا الفوارس ما أعلى يدا عصفت ... من المنون بأعلى عزّك السّامي
إنّ المنيّة ما زالت مفوّقة، ... حتّى رمتك، ولا عدوى على الرّامي
__________
(1) الوسمي: مطر الربيع.(2/364)
كرّت، فلم تثنها بالسّمر مشرعة، ... ولم ترعها بإسراج وإلجام (1)
ألّا اتّقيت بما سوّمت من عدد، ... وما تعلّمت من نقض وإبرام (2)
هيهات ألقى حمام كلّ مارنة ... تدمى، وأبطل موت كلّ إقدام
تملي المقادير أعمارا، وتنسخها، ... ويضرب الدّهر أيّاما بأيّام
فمن كمين ردى تسري عقاربه، ... ومن طلوع برايات وأعلام
أين السّرير وقد قام السّماط له، ... إجلال أروع عالي القدّ بسّام (3)
أين الجياد تنزّى في أعنّتها، ... يطلبن يوما قطوبا وجهه دام
أين الفيول كأنّ الممتطين لها ... على ذوائب أطواد وأعلام
أين الوفود على الأبواب مذكرة ... بالفرط من مجد أخوال وأعمام
أين المراتب، والدّنيا على قدم، ... موقوفة بين أرماح وأقلام
مضى ولم يغن ما عدّدت عنه، ولا ... كسب العلى واجتناب اللّوم والذّام
وعاد أعظم من في جيشه جرة، ... وليس يملك إلّا عضّ إبهام (4)
وكان أقطع من صمصامة ظبة ... فينا وأمضى مضاء منه في الهام (5)
لم يجر يوما بأطراف العراق دما، ... إلّا وراع دماء القوم بالشّام
وكان إن حاف عدم ثمّ عذت به ... ملأت أرضك من خيل وأنعام
يحنو رحم مجفوّة، ويرى ... قطع الرّقاب ولا قطعا لأرحام (6)
تبكي الرّكاب وقد ردّت أزمّتها، ... فالرّكب ما بين إعوال وإرزام (7)
اليوم يرتاح من كانت أضالعه ... على قوادم أحقاد وأوغام
__________
(1) مشرعة: مرفوعة ومسدّدة.
(2) العدد، جمع عدة: ما أعددته لحوادث الدهر من مال وسلاح.
(3) السماط: صف القوم.
(4) الجرة: الشجاعة، الجرأة.
(5) الصمصامة: السيف الظبة: حد السيف الهام: الرؤوس.
(6) حاف: جار، ظلم.
(7) الإرزام، من أرزم الرعد: اشتد صوته.(2/365)
يموت قوم، فلا يأسى لهم أحد، ... وواحد موته حزن لأقوام
سقى الحيا منك أوصالا مفرّقة ... فيها مجامع إجلال وإعظام
غيثان: ذا جامد تخفى مخائله ... عن العيون، وذا بادي الذّرى هامي (1)
لله درّك من غرّاء أحرزها ... موسومة قلب ضرغام لضرغام
قد كدت أعقلها لولا محافظة ... على يد سلفت منه وإنعام
أعاد عزّ أبي غضّا وخوّله ... ما شاء من بذل إعزاز وإكرام
وكنت أجممته للعزّ أطلبه، ... وإنّما كان للمقدور إجمامي (2)
ودون ما تشتهيه النّفس متعبة، ... إنّ اللآلي وراء الأخضر الطّامي (3)
فاذهب كما ذهب البدر استبدّ به، ... برغم أعيننا، جلباب إظلام
فما لدارك منّا غير مقلية، ... ولا لقربك منّا غير إلمام (4)
لكم أرجاء زمزم
(الوافر)
يمدح الشريف الخليفة الطائع لله ويطلب منه الاذن للقائه ويهنئه بشهر رمضان سنة 380.
متى أنا قائم أعلى مقام ... ولاق نور وجهك بالسّلام
ومنصرف، وقد أثقلت عطفي ... من النّعماء والمنن الجسام (5)
ولي أمل أطلت الصّبر فيه، ... لو انّ الصّبر ينقع من أوامي (6)
__________
(1) الذرى: الدمع المصبوب الهامي: السائل بكثرة.
(2) أجممته: تركته، من أجمّ الماء اذا تركه يجتمع.
(3) الأخضر الطامي: البحر الهائج.
(4) الإلمام: النزول.
(5) المنن، جمع منة: الإحسان.
(6) ينقع: يسكن أوامي: عطشي.(2/366)
وما خفت النّوائب ترتمي بي، ... وقد أقعى بجامحها لجامي (1)
أيعرقني الطّوى والرّوض حال، ... ويغلبني الظّما والبحر طام؟ (2)
ولي قربى رؤوم كنت أرجو ... يمينك أن تقرّب لي مرامي
وباب الإذن منّي، كلّ يوم ... يقعقع بالقوافي والنّظام
لكم أرجاء زمزم والمصلّى ... وبطحاء المشاعر والمقام
وأنتم أطول العظماء طولا، ... وأندى في المحول من الغمام
وأبعد موطنا من كلّ عار، ... وأمنع جانبا من كلّ ذام
وأجرى عند مختلف العوالي، ... وأفلج عند معترك الخصام (3)
بآباء مضوا، وهم عوار ... من القول المهجّن والملام
وأمّات درجن على اللّيالي، ... وهنّ أصحّ من بيض النّعام
وعزّ لا يزعزع بالرّزايا، ... وطود لا يضعضع بالزّحام
وفخر شامخ العرنين عال، ... ومجد طائر العزمات سام
تسيل إليهم أيدي المطايا، ... بكلّ أشمّ معروق العظام (4)
يغلّبن البعاد على التّداني، ... ويؤثرن المسير على المقام
ويعلفن الذّميل، ولا سبيل ... إلى الغدران والنّطف الطّوامي (5)
وينصل ليلها عن كلّ عنس ... غضيض الطّرف فاترة البغام (6)
أحفّت من جوانبها الفيافي، ... وساقط نحضها خوض الظّلام (7)
__________
(1) أقعى فرسه: رده جامحها: الفرس المتغلب على راكبه، الذاهب لا ينثني.
(2) أيعرقني الطوى: أيضعفني الجوع.
(3) أفلج: أظفر.
(4) معروق العظام: كناية عن النحول وعدم الترهل.
(5) الذميل: السير اللين النطف: الماء الصافي.
(6) ينصل: يذهب صباغه العنس: الناقة الصلبة البغام، من بغمت الناقة:
قطعت حنينها ولم تمدّه.
(7) أحفت من جوانبها: أخذت منها نحضها: لحمها.(2/367)
تناخ بمالئ الدّنيا نوالا، ... وصادع بيضة الملك الهمام (1)
ببأس مثل غرب السّيف ماض، ... وجود مثل ماء المزن هام
وصولات أمرّ من المنايا ... على بشر، ألذّ من المدام
أمير المؤمنين، وأنت أولى ... بغايات الفخار من الأنام
وأنت مملّك شرقا وغربا، ... حريم الأرض والبلد الحرام
أجب صوتي إليك، فكلّ ملك ... يلذّ على مسامعه كلامي
وجرّدني تلاق الدّهر منّي ... بمسموم مضاربه حسام
ولا تتغاضينّ عن القوافي، ... فقد أربت على طول الجمام (2)
وإنّي نعم دامغ كلّ قرن ... يرادي بالعداوة، أو يرامي
ودافع كلّ داهية نآد، ... وقائد كلّ ذي لجب لهام (3)
لعلّي بالغ أمري ولاق ... منى نفسي من النّعم العظام
وأمرا منك يحذره الأعادي، ... فيلحظه بأجفان دوام
فأعينهم لبغضته غواض، ... وهنّ لعظم منظره سوام
تهنّ قدوم صومك، يا إماما، ... يصوم على الزّمان من الأثام
إذا ما المرء صام من الدّنايا، ... فكلّ شهوره شهر الصيام
ألان جذبت من أيدي اللّيالي ... عناني، واشتملت على زمامي
فما أخشى الزمان، ولو تلاقت ... يداه من ورائي أو أمامي
ولا سيما وقد أمسى عليّ ... ظهيري، والسّفير إلى إمامي (4)
__________
(1) البيضة: الخوذة.
(2) أربت: زادت الجمام: الراحة.
(3) النآد: الداهية، وهي من باب إضافة المعنى الى نفسه.
(4) علي والسفير: جبلان.(2/368)
حلفت
(الطويل)
يمدح الشاعر والده ويهنئه بعيد الفطر سنة 381.
حلفت بها صيد الرّؤوس سوام، ... طوال الذّرى يمددن كلّ زمام (1)
بكلّ غلام حرّم النّوم هزّة ... إلى بلد نائي المزار حرام
لأستمطرنّ العزّ نفسا مريغة ... ورود علاء، أو ورود حمام (2)
وأستنزلنّ المجد من قذفاته ... ولو كان أعلى يذبل وشمام (3)
مللت مقامي غير شكوى خصاصة، ... وإنّي لأمر ما أملّ مقامي (4)
نزاعا عن الدّار التي أنا عندها ... كثير لبانات طويل غرام (5)
صريع هموم يحسب النّاس أنّني ... لما أخذت منّي صريع مدام
نوائب أيّام نسرن خصائلي، ... مغالبة، حتّى عرقن عظامي (6)
ودون ولوج الضّيم فيّ ذوابل، ... طوال بأيدي منجبين كرام
وإنّ زماني يوم يحرق نابه ... أعاذمه حتّى يمدّ عذامي (7)
وكم يستفزّ الذّلّ قلب ابن همّة، ... له أمل نائي المدى مترام
يذاد عن الماء الذي فيه ريّه، ... ويرمي إلى الغدران مقلة ظامي
وتعرض غرّات العلى، وهو كانع، ... فيلحظها شزرا بعين قطامي (8)
__________
(1) صيد الرؤوس: رافعة الرؤوس كبرا.
(2) مريغة: طالبة الورود: الشرب.
(3) القذفات: رؤوس الجبال يذبل وشمام: جبلان.
(4) الخصاصة: الفقر.
(5) لبانات: حاجات، جمع لبانة.
(6) نسرن، من نسر البازي الطائر: نتف لحمه بمنسره.
(7) حرق نابه: حكّه حتى سمع له صريفه عاذمه: بادله اللوم أو الشتيمة.
(8) كانع: متشنج القطامي: الصقر.(2/369)
ولست براض عن منازل جمّة ... أمرّ بها في الأرض مرّ لمام
سوى منزل حصباء أرضي بجوّه ... نجوم، وأظلال الغمام خيامي
فذاك مكاني، إن أقمت بمنزل، ... وإلّا ففي أيدي الطّلاب زمامي
خفيف على ظهر الجواد تسرّعي، ... ثقيل على هام الرّجال قيامي
خليليّ رودا باليفاع، فأشرفا ... على قلل بالأبرقين سوام (1)
لبرق كتلويح الرّداء يشبّه ... تضايق مرنان الرّعود ركام
تربّض أن يلقي بنجد بعاعه ... وساق إلى البيضاء عير غمام (2)
زفته النّعامى، فاستمرّ جمامه، ... تجفّل سربي ربرب ونعام (3)
يضيء إلى الرّبع الذي كنت آلفا ... به برء أسقامي وبلّ أوامي (4)
منازل كان الطّرف يرتاح بينها ... لخضر جميم، أو لزرق جمام (5)
سقى تربها حتّى استثار خبيئه ... سقيط رذاذ دائم ورهام (6)
وراقت بها الأنواء كلّ صبيحة، ... ورقّت بها الأرواح كلّ ظلام
تضمّ رجالا كالرّماح، إذا دعوا ... إلى الحرب لفّوا نارها بضرام
لهم عدد جمّ من البيض والقنا، ... وزافرة باللّيل ذات بغام (7)
إذا غضبوا جاشت ربى الأرض منهم ... ببيض، وبيض كالنّجوم ولام (8)
__________
(1) رودا، من راد الأرض: تفقد ما فيها من المراعي والمياه اليفاع: التل الأبرقان: موضعان في اليمامة.
(2) بعاعه: ما فيه من مطر البيضاء: الأرض عير غمام: قوافل السحب.
(3) زفته: ساقته، طردته النعامى: ريح الجنوب الربرب: قطيع الغزلان.
(4) أوامي: عطشي.
(5) الجميم: النبت الكثير الجمام: الماء الكثير.
(6) الرذاذ: المطر الخفيف الرهام: المطر.
(7) الزافرة: الناقة التي تزفر في سيرها البغام: هو أن تقطع الناقة حنينها ولا تمدّه.
(8) البيض: الخوذ اللام: الدروع، جمع لأمة.(2/370)
بأيّ سراة أحمل الخطب إن عرا، ... وقد جبّ منهم غاربي وسنامي (1)
وكانوا دروعي إن رمتني ملمّة، ... ونبلي إن رامى العدا وسهامي
ولولا ابن موسى ما اعتصمت بجنّة، ... ولا علقت كفّي بعقد ذمام (2)
ملاذي إن أعطي الزّمان مقادتي، ... معاذي إن جرّ العدوّ خطامي
من القوم ما زرّوا الجيوب على الخنا، ... ولا قرعت أسماعهم بملام
سريعون إن نودوا ليوم كريهة، ... جريئون إن قيدوا ليوم خصام
لهم شرف آب على النّاس أقعس، ... وفضل عديد للعدوّ لهام (3)
نجومهم في العزّ غير غوارب، ... وأجدادهم في المجد غير نيام
يهاب بهم مستلئمين إلى الرّدى ... على عارفات بالطّعان دوام (4)
عناجيج قد طوّحن كلّ حقيبة ... من الرّكض واستهلكن كلّ لجام (5)
نزائع ما تنفكّ تفري صدورها ... جيوب ظلام، أو ذيول قتام (6)
يخالطن بالفرسان كلّ طريدة، ... ويبلغن بالأرماح كلّ مرام
أحاسد ذا الضّرغام دونك فاجتنب ... بوادر مقدام الجنان محامي
حذارك من ليث ترى حول غيله ... سواقط أيد للرّجال، وهام
له العدوة الأولى التي تحطم القنا، ... وتجلي الأعادي كلّ يوم مقام
هنيئا لك العيد الجديد، ولا تزل ... تخلّص من عام يمرّ وعام
تلثّمت من فضل العفاف عن الهوى، ... نجاء من الدّنيا، أعزّ لثام
__________
(1) السراة: الظهر جب: قطع الغارب: الظهر.
(2) الجنة: الترس، الوقاية.
(3) أقعس: منيع، ثابت اللهام: الجيش العظيم.
(4) مستلئمين: لابسين الدروع.
(5) العناجيج: جياد الخيل طوّحن: ألقين في الهواء، ضيعن الحقيبة:
ما يرفد في مؤخر الحمل.
(6) النزائع: النجائب القتام: الغبار.(2/371)
وخالفت في ذا الصّوم سنّة معشر ... صيام، عن العوراء غير صيام
ألا إنّني غرب الحسام الذي ترى ... وغارب هذا الأرعن المتسامي (1)
كلانا له السّبق المبرّ إلى العلى، ... وإن كان في نيل العلاء إمامي
وما بيننا يوم الجزاء تفاوت ... سوى أنّه خاض الطّريق أمامي
صبر معشر
(الكامل)
ما إن رأيت كمعشر صبروا ... لقوارع اللّزبات والأزم (2)
بسطوا الوجوه وفي ضلوعهم ... حرق الجوى ومآلم الكلم
جمحت بهم خيل الأسى فثنوا ... أعناقها بأعنّة الحزم
الراضون بالذل
(الرمل)
قعد الرّاضون بالذّلّ فقم، ... إنّما الماضي إذا همّ عزم
ما مقامي غير ممضي نيّة ... دائبا أهدر كالفحل السّدم (3)
أعرض الآمال مشغوفا بها، ... ثمّ أنساها إذا الخطب ألمّ
طال لبثي سادرا في غمّة، ... وقديما كنت فرّاج الغمم (4)
لا ألوم الهمّ إن لازمني، ... فهموم المرء يبعثن الهمم
__________
(1) غرب الحسام: حدّه الغارب: الكاهل الأرعن: الجبل الطويل.
(2) اللزبات، جمع لزبة: الشدة، القحط الأزم، جمع أزمة: الشدة والضيق.
(3) الفحل السدم: الجمل الهائج.
(4) السادر: المتحير الغمّة: الحزن.(2/372)
لست بالواني، ولكنّي فتى ... ظلمته نائبات، فانظلم (1)
وزمان شرّع أنيابه، ... أبدا، يعرقنا عرق السّلم (2)
المعازيل كرام عنده ... والمناجيب كملفوظ العجم (3)
خضع الدّهر لنا ثمّ نبا، ... وكذا الدّهر إذا ساف عذم (4)
أنا من أبنائه في معشر ... يتواصون بإخفار الذّمم
إن طواني الغيب عن ألحاظهم ... مزّقوا عرضي تمزيق الادم
لا يلاقوني إلّا خائضا ... أخطم الأقوال منهم وأزمّ (5)
إن تراني مطرقا عن سورة ... كقبوع الصّلّ أغضي وأرمّ (6)
فهمومي ساعيات جهدها، ... ليس كلّ السّعي يوما بالقدم
قد يجيب العزّ من أقعده ... عن طلاب العزّ خوف وعدم
ويجيب الطّالب المثري، وقد ... يدرك الشّأو أخو العجز الهرم
أبقت الأيّام منّي صعدة، ... تزبن العاجم عنها إن عجم (7)
وإذا زعزعها الدّهر سمت ... لدنة تنمي على طول القدم
لست للزّهراء إن لم ترها ... كوعول الهضب يعجمن اللّجم (8)
تستجنّ البيد من فرسانها ... بين بغداد إلى أرض الحرم (9)
__________
(1) الواني: المتعب.
(2) يعرقنا: يجرد لحمنا السلم: شجر ذو شوك.
(3) المعازيل: من لا رماح لهم، جمع معزال العجم: النوى.
(4) ساف وعذم: عض.
(5) أزم: أضع الزمام.
(6) السورة: الحدة، الغضب قبوع الصل: هو أن تجمع الحية نفسها وتدخل رأسها في عنقها أرم: أسكت.
(7) الصعدة: القناة المستوية تزبن: تصدم العجم: مختبر العود بأسنانه ليعلم صلابته.
(8) الزهراء: الكتيبة يعجمن: يلكن.
(9) تستجن: تجن.(2/373)
بعجاج يملأ الأفق دجى ... وطعان يخضب الأرض بدم
شرّعا تفترّ عن أعناقها ... قلل القور وغيطان الأكم
كالرّدى أقدم، والغيث همى، ... والدّجى طبّق، والسّيل هجم
حاملات كلّ غضبان به ... من لمام الغيظ مسّ ولمم (1)
كالصّقور الغلب ألحاظهم ... كالجذى يلمعن من خلف اللّثم (2)
بدّدوا ما جمع البأس لهم ... بأنابيب العوالي في الكرم
لست بالعاذر جدّي إن هوى، ... وجدودي في العلى أعلى الأمم
وبناني خلقت أطرافها ... عقبا للرّمح، طورا، والقلم (3)
لا يرى مثلي إلّا طالبا ... ذروة المنبر أو قعر الرّجم (4)
طامح الرّأس على أعواده، ... أو على عالية الرّمح الأصمّ
خطّة: إمّا علاء، أو ردى، ... معجلي أن أقرع السّنّ النّدم
بن من النّاس بعزّ وعلى، ... ستساويهم غدا بين الرّمم
هبني الرّمح بكفّي فارس ... بطل أكرهه حتّى انحطم
هبني العضب ذليقا حدّه ... ثلّم البيض ضرابا وانثلم (5)
أتراني دون من رام العلى ... في اللّيالي منذ عاد وإرم
ودنيّ ضارع عن أمره ... أخذ العرب بتيجان العجم
كم أب لي جدّ في إحرازها ... يحرق النّاب عليها وابن عمّ
طلبوها فهوى بعضهم، ... ورمى بعض إليها فغنم
صبروا فيها على كلّ أذى، ... ولقوا من دونها كلّ ألم
إن يكن ملك، فمثلي ناله، ... أو يكن حتف، فإنّي لم ألم
__________
(1) لمم: جنون.
(2) الجذى، جمع جذوة: الجمرة الملتهبة.
(3) عقبا: متعاقبا، أي يتعاقب على أطراف بنانه الرمح والقلم.
(4) الرجم: القبر.
(5) العضب: السيف القاطع.(2/374)
إنّما يهلك منّي ماجد ... يولغ السّيف عراقيب النّعم (1)
ناقص الأموال في بذل النّدى، ... زائد الخطو إلى ضرب القمم
نحن قوم قسم الله لنا ... بالرّزايا، ورضينا بالقسم
إنّما قصّر من آجالنا ... أنّنا نأنف من موت الهرم
نصف عيش المرء حلم، والذي ... يعقل العاقل منه كالحلم
تأبى الليالي
(المجثث)
في هذه القصيدة يذكر الرضي تعتب الوزير أبي القاسم علي بن أحمد المعروف بالبرقوهي لأمر بلغه فأوحشه، وهو يصف أفعاله ويستصوب رأيه.
تأبى اللّيالي أن تديما ... بؤسا لخلق، أو نعيما
ونوائب الأيّام يطرق ... ن الورى بيضا وشيما (2)
والدّهر يوجف فيه معو ... جّ الطّريق ومستقيما (3)
والمرء بالإقبال يب ... لغ وادعا خطرا جسيما
وينال بغيته، وما ... أنضى الذّميل ولا الرّسيما (4)
وإذا انقضى إقباله ... رجع الشّفيع له خصيما
__________
(1) العراقيب، جمع عرقوب: هو من الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها النعم: الإبل الراعية.
(2) الشيم: الأسود.
(3) يوجفه: يجعله يعدو عدوا سريعا.
(4) أنضى: أهزل الذميل والرسيم: نوعان من العدو.(2/375)
بينا يسيغ شرابه، ... حتّى يغصّ به وجوما (1)
وهو الزّمان إذا نبا ... سلب الذي أعطى قديما
كالرّيح ترجع عاصفا، ... من بعد ما بدأت نسيما
يستكهم العضب القطو ... ع، ويزلق الرّمح القويما (2)
ويعود بالرّأس الطّمو ... ح العين مطراقا أميما (3)
كم ذابل قاد الجيا ... د القبّ يعلكن الشّكيما (4)
كعواسل الذّؤبان يذرع ... ن الأماعز والخروما (5)
ومجمّر للجيش قد ... نسيت ضوامره الجموما (6)
قلق على الأنماط ح ... تّى يدرك الثّار المنيما (7)
لا يصدر الرّايات ح ... تّى يعتصرن دما جموما (8)
عصف الحمام به، وف ... رّق ذلك الجمع العميما
ورمى به غرض الرّدى، ... عريان قد خلع النّعيما
زال الوزير، وكان لي ... وزرا أجرّ به الخصوما
فالآن أغدو للعدا ... ونبالها غرضا رجيما
سدّ العلى، وأنار لا ... فظّ القضاء، ولا ظلوما
حتّى، إذا لم يبق إ ... لّا أن يلام وأن يليما
__________
(1) الوجوم: العبوس والامساك عن الكلام.
(2) يستكهم العضب: يجعل السيف القاطع كليلا.
(3) الأميم: المصاب برأسه.
(4) الذابل: الرمح اللين القب، جمع أقب: الجواد الضامر.
(5) العواسل: المضطربة من سيرها يذرعن يمددن الأيدي في السير الأماعز: الأراضي الغليظة الخروم، جمع خرم: أنف الجيل.
(6) جمّر الجيش: حبسه في أرض العدو الجموم: الراحة.
(7) الأنماط، جمع نمط: ضرب من البسط.
(8) الجموم: المتجمع.(2/376)
طرح العناء على اللّئا ... م مجانبا ومضى كريما
لم يعتقله الحبس مم ... تهنا، ولم يعزل ذميما
أفنى العدا، وقضى المنى، ... وبنى العلى، ونجا سليما
الحامل العبء الذي ... أعيا المصاعب والقروما (1)
سئموه، فاحتمل المغا ... رم لا ألفّ، ولا سؤوما (2)
أنقاهم جيبا، إذا ... عدّوا، وأملسهم أديما
وجه كأنّ البدر شا ... طره الضّياء، أو النّجوما
لو قابل اللّيل البهي ... م لمزّق اللّيل البهيما
يجلو الهموم، وربّ وج ... هـ إن بدا جلب الهموما
خلص النّجيّ مشاورا ... قلبا على النّجوى كتوما (3)
ومنبّها عزما، إذا ... ما هزّ لم يوجد نؤوما
في الأمر يتّهم القري ... ب عليه، والخلّ الحميما
حتّى سما، فحدا بها ... بزلاء ناجية سعوما (4)
كان العظيم، وغير بد ... ع منه إن ركب العظيما
خطط يجبّنّ المش ... جّع، أو يسفّهن الحليما
والحرّ من حذر الهوا ... ن يزايل الأمر الجسيما
ويليح من خوف الأذى ... فرقا، ويدّرع الكلوما (5)
والضّيم أروح منه مط ... رور الظّبى بلغ الصّميما
بعثوا سواك لها فكا ... ن مبلّدا عنها مليما
__________
(1) القروم: الفحول.
(2) الألفّ: العاجز، البطيء.
(3) النجي: حامل الأسرار.
(4) البزلاء: الناقة التي برز نابها الناجية: السريعة السعوم: التي تسير السعم وهو ضرب من السير.
(5) يليح: يظهر.(2/377)
والعاجز المأفون أق ... عد ما يكون إذا أقيما (1)
فسقى بلادك حيث كن ... ت المزن منبعقا هزيما (2)
فلقد سقى خدّيّ ذك ... رك دمع عينيّ السّجوما
ورعتك عين الله مق ... لاق الرّكائب، أو مقيما
انا ابن الألى
(الطويل)
من الرّكب ما بين النّقا والأناعم ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم (3)
وجوه كتخطيط الدّنانير لاحها، ... مع البيد، إضباب الهموم اللّوازم (4)
كأنّ القطاميّات فوق رحالهم، ... سوى أنّها تأبى دنيّ المطاعم (5)
على مصغيات للأزمّة ساقطت ... من النّيّ ما بين الذّرى والمناسم (6)
ذكرناكم، والعيس تهوي رقابها، ... وأيماننا مبلولة بالقوائم (7)
فأضعفنا عن حمل أسيافنا الهوى، ... ونقّض منّا مبرمات العزائم
إذا هزّنا الشّوق اضطربنا لهزّه ... على شعب الرّحل اضطراب الأراقم
وخفّت قلوب من رجال كما هفت ... نزائع طير غدوة بالقوادم
فمن صبوات تستقيم لمائل ... ومن أريحيّات تهبّ بنائم
__________
(1) المأفون: الضعيف الرأي والعقل.
(2) منبعقا: مندفعا بقوة هزيما: راعدا.
(3) النقا والأناعم: موضعان الادلاج: السير ليلا.
(4) الأضباب، من أضب اليوم: صار ذا ضباب.
(5) القطاميات، جمع قطامي: الصقر.
(6) الني: الشحم، السمن المناسم: الطرق، جمع منسم.
(7) تهوي: تسرع.(2/378)
وفي الجيرة الغادين كلّ ممنّع ... يشير إلينا عن بروق المباسم
ويجلو لنا لمع الغمام وبشره، ... وأين لنا منه بجود الغمائم
صفحن إلينا عن خدود أسيلة، ... دنوّ العواطي من ظباء الصّرائم (1)
ورفّعن أطراف السّجوف فصرّحت ... عن الوجد أدواء القلوب الكواتم (2)
وكيف تراهنّ العيون، وإنّما ... شغلن المآقي بالدّموع السّواجم
يعاطين إعطاء الذّلول طماعة، ... ويصددن صدّات الجياد القوادم
تزوّدن منّا كلّ قلب ومهجة، ... وزوّدننا للوجد عضّ الأباهم
خليليّ هل زال الأراك وقد عفت ... مغارز أعناق اللّوى والمخارم
وكيف أعالي الرّمل منذ تحدّبت ... عليها الزّباني بالغمام الرّوائم (3)
أحبّ ثرى أرض أقام بجوّها ... حبيب إلى قلبي، وإن لم يلائم
وأستشرف الأعلام حتّى تدلّني ... على طيبها مرّ الرّياح الهواجم
وما أنسم الأرواح إلّا لأنّها ... تجوز على تلك الرّبى والمعالم
برغمي أنزلت الهوى عند مانع، ... ودمت على عهد امرئ غير دائم
كأنّي أداري مهرة عربيّة، ... تحايد عنّي من مناط الشّكائم (4)
وهذا، وما ابيضّ السّواد، فكيف بي ... إذا الشّيب أمسى ليلة من عمائمي
وكنت أرى أنّ الشّباب وسيلة، ... لمثلي، إلى بيض الخدود النّواعم
أنا ابن الألى إن ما دعوا يوم معرك ... أمدّوا أنابيب القنا بالمعاصم
من القوم تعلو في المجامع منهم ... مناصب أعناق رزان الجماجم
مليئون في يوم القضاء إذا انتدوا ... بجدع القضايا من أنوف المظالم
__________
(1) العواطي، جمع عاطية: الظبية تتطاول من الشجر لتتناول منه.
(2) السجوف: الأستار.
(3) الزباني، جمع زبون: الناقة التي تزبن حالبها أي تدفعه عنها.
(4) المناط: موضع التعليق الشكائم، جمع شكيمة: حديدة اللجام المعترضة في فم الفرس.(2/379)
وإن منعوا النّصف اقتضوه وأفضلوا ... على النّصف بالأيدي الطّوال الغواشم (1)
إذا نزلوا بالماحل استنبتوا الرّبى، ... وكانوا نتاجا للبطون العقائم
قروا في حياض المجد واستدرعوا القنا ... إلى نيل أعناق الملوك القماقم (2)
يسيرون بالمسعاة لا السّعي بالخطى، ... ويرقون بالعلياء لا بالسّلالم (3)
وما منهم إلّا امرؤ شبّ ناشئا ... على نمطي بيضاء من آل هاشم
فتى لم تورّكه الإماء، ولم تكن ... أعاريبه مدخولة بالأعاجم (4)
إذا همّ أعطى نفسه كلّ منية، ... وقعقع أبواب الأمور العظائم
وما اتّخذوا إلّا الرّماح سرادقا، ... ولا استنوروا إلّا بضوء اللهاذم (5)
وما فيهم من يقسم القوم أمره، ... ولا ضارع ينقاد طوع الخزائم (6)
ولا واهن إن عضّه الأمر هابه، ... وألقى مقاليد الذّليل المسالم
يبيت على خور الحشايا، وغيره ... على ظهر جمّاح من اللّيل عارم (7)
لنا عفوات الماء من كلّ منهل، ... موارد آساد العرين الضّراغم (8)
أبى العزم إلّا وثبة في ظهورها، ... إذا أثقلت أعناقها بالمغارم
عوابس إن قلّقن يوما لغاية، ... هتمن بنا روق الرّبى والمخارم (9)
وكيف أخاف اللّيل أنّى ركبته، ... وبيني وبين اللّيل بيض الصّوارم
__________
(1) النّصف: الانصاف الغواشم: الظوالم والغواصب.
(2) قرى الماء في الحوض: جمعه القماقم: الأسياد.
(3) المسعاة: المكرمة.
(4) تورّكه: تجعله على أوراكها، أي تربيه.
(5) السرادق: ما يمد فوق البيت اللهاذم: الأسنة القاطعة.
(6) الخزائم، جمع خزامة: حلقة من شعر تجعل في أنف البعير يشد فيها الزمام.
(7) الخور: المنخفض من الأرض الحشايا: الفرش المحشوّة.
(8) عفوات الماء: صفوته.
(9) هتمن: كسرن الروق: القرن المخارم: جمع مخرم: أنف الجبل.(2/380)
وجمع، إذا هزّوا اللّواء تجاوبت ... جوانبه من أزمل وزمازم (1)
له لغط من اصطكاك رماحه، ... تنقّ عواليها نقيق العلاجم (2)
وتحسبه ممّا تضايق واقفا، ... وما ردّ من غرب الجياد الصّلادم (3)
به كلّ هفّاف القميص شمردل ... تفرّج عن وجه نقيّ المقادم (4)
بطعن كما انعطّ الأديم أرقّه ... تعاور أيدي الخارزات الخوازم (5)
وتعرف في عرنينه المجد ساهما، ... على عقب الإدلاج، أو غير ساهم
لويت إلى ودّ العشيرة جانبي، ... على عظم داء بيننا متفاقم
ونمت عن الأضغان حتّى تلاحمت ... جوائف هاتيك النّدوب القدائم
وقلّمت أظفاري، وكنت أعدّها ... لتمزيق قربى بيننا والمحارم
وروّحت حلمي بعد ما غرّبت به ... ذنوب بني عمّي غروب السّوائم
وأوطأت أقوال الوشاة أخامصي، ... وقد كان سمعي مدرجا للنّمائم
وسالمت لمّا طالت الحرب بيننا ... إذا لم تظفّرك الحروب، فسالم
وقد كنت أصميهم بعوز نوافذ ... تئنّ لها الأعراض يوم الخصائم (6)
صوائب من نبل العداوة لم تزل ... تعطّ قلوبا من وراء الحيازم (7)
__________
(1) الأزمل: الصوت المختلط الزمازم: الأصوات البعيدة التي لها دوي.
(2) اللغط: الأصوات المبهمة تنق: تصيح كالضفادع العلاجم، جمع علجوم: ذكر الضفادع.
(3) غرب: حدة الصلادم: الصلبة الحوافر، جمع صلدم.
(4) الهفاف: الرقيق الشفاف الشمردل: الفتى الحسن الخلق تفرج:
تكشف مقادم الوجه: ما استقبلت منه.
(5) انعط الأديم: انشق الجلد تعاور: تداول الخارزات، من خرزه:
ثقبه بالمخرز وخاطه الخوازم، من خزم النعل: جعل لها خزامة وهي سير رقيق يخزم، أي يجمع بين أقسام الحذاء.
(6) العور، جمع عوراء: الكلمة القبيحة.
(7) تعط: تشق.(2/381)
سيرضون منّي عن أياد كوامل ... ومن قبل ما نيلوا بأيد كوالم
قضيت بهم حقّ الحفائظ مدّة، ... ولا بدّ أن أقضي حقوق المكارم
فإن عاودوا رجمي بغيب، فإنّها ... جنادل عندي ملء كفّ المراجم
وكم عجموني، فانسللت مهذّبا، ... وأتّر عودي في النّيوب العواجم
وبي يستسيغ الرّيق قوم، وإنّني، ... إذا شئت، من قوم شجا في الحلاقم
إذا لم يكن إلّا الحمام، فإنّني ... سأكرم سمعي عن مقال اللّوائم
وألبسها حمراء تضفو ذيولها ... من الدّم بعدا عن لباس الملاوم
فمن قبل ما اختار ابن الاشعث عيشه ... على شرف باق رفيع الدّعائم
فطار ذميما قد تقلّد عارها، ... بشرّ جناح يوم دير الجماجم (1)
وجاءهم يجري البريد برأسه، ... ولم يغن إيغال به في الهزائم
وقد حاص من خوف الرّدى كلّ حيصة، ... فلم ينج، والأقدار ضربة لازم (2)
وهذا يزيد بن المهلّب نافرت ... به الذّلّ أعراق الجدود الأكارم (3)
وقال، وقد عنّ الفرار أو الرّدى، ... لحى الله أخزى ذكرة في المواسم
وما غمرات الموت إلّا انغماسة، ... ولا ذي المنايا غير تهويم نائم (4)
رأى أنّ هذا السّيف أهون محملا ... من العار يبقى وسمه في المخاطم
وما قلّد البيض المباتير عنقه ... سوى الخوف من تقليدها بالأداهم (5)
فعاف الدّنايا وامتطى الموت شامخا، ... بمارن عزّ لا يذلّ لخاطم (6)
__________
(1) دير الجماجم: موضع قرب الكوفة كانت فيه وقعة بين الحجاج وابن الأشعث، هزمه الحجاج فيها.
(2) حاص: عدل وحاد.
(3) يزيد: هو ابن المهلب بن أبي صفرة، عامل لبني أمية، حارب هو وولداه يزيد والمغيرة الخوارج.
(4) التهويم: تحريك الرأس من أثر النعاس.
(5) المباتير: القواطع الأداهم: القيود.
(6) المارن: الأنف.(2/382)
وقد حلّقت خوف الهوان بمصعب ... قوادم أبّاء كريم المقاوم (1)
على حين أعطوه الأمان، فعافه، ... وخيّر، فاختار الرّدى غير نادم
وفي خدره غرّاء من آل طلحة، ... علاقة قلب للنّديم المخالم (2)
تحبّب أيّام الحياة، وإنّها ... لأعذب من طعم الخلود لطاعم
ففارقها والملك لمّا رآهما ... يجرّان إذلال النّفوس الكرائم
ولمّا ألاح الحوفزان من الرّدى ... حداه المخازي رمح قيس بن عاصم (3)
وغادرها شنعاء إن ذكرت له ... من العار طاطا رأس خزيان واجم (4)
لذاك مني بعد الفرار أميّة ... بشقشقة لوثاء من آل دارم (5)
وسلّ لها سلّ الحسام ابن معمر ... فكرّ على أعقاب ناب بصارم
تورّد ذكري كلّ نجد وغائر، ... وألجم خوفي كلّ باغ وظالم
وهدّد بي الأعداء في المهد لم يحن ... نهوضي، ولم أقطع عقود تمائمي (6)
وعندي يوم لو يزيد ومسلم ... بدا لهما لاستصغرا يوم واقم (7)
على العزّ مت لا ميتة مستكينة، ... تزيل عن الدّنيا بشمّ المراغم
وخاطر على الجلّى خطار ابن حرّة، ... وإن زاحم الأمر العظيم، فزاحم
__________
(1) مصعب: هو مصعب بن الزبير أخو عبد الله بن الزبير.
(2) غراء من آل طلحة: هي عائشة بنت طلحة، وكانت زوج مصعب بن الزبير، اشتهرت بأدبها وجمالها المخالم: المصادق.
(3) ألاح: أعرض الحوفزان: أحد أبطال العرب المشهورين قيس بن عاصم: من كبار سادات العرب وأبطالها.
(4) شنعاء: زوج الحوفزان.
(5) الشقشقة: هدير الفحل اللوثاء: المسترخية، البطيئة دارم: هي من تميم.
(6) التمائم، جمع تميمة: ما يعلق في عنق الصبي لرد العين. وقوله: لم أقطع عقود تمائمي: كناية عن أنه كان بعد فتيا.
(7) واقم: حصن بالمدينة المنوّرة.(2/383)
قافية النون
الدهر المخوف
(الرجز)
تأمل أن تفرح في دار الحزن، ... وتوطن المنزل في دار الظّعن
هيهات يأبى لك جوّال الرّدى، ... لبث المقيمين، وخوّان الزّمن
لا تصحبن دهرك، إلّا خائفا ... فراق إلف ونبوّا عن وطن (1)
وكن إلى نبأة كلّ حادث ... كالفرس الأروع صرّار الأذن (2)
قام به الخوف، ولم يرض بأن ... قام على أربعة حتّى صفن (3)
خف شرّها، آمن ما كنت لها، ... إنّ الضّنين لمكان للظّنن
نحن مع الأيّام في وقائع ... من المقادير وغارات تشنّ
إنّ رماح الدّهر يلقين الفتى ... بغير عرفان الدّروع والجنن (4)
داخلة بين القرينين، وإن ... لزّا على الدّهر بإمرار القرن (5)
ما استأخرت شدّاتها عن معشر ... بعد قطين الله، أو آل قطن (6)
__________
(1) النبو: البعد.
(2) صرار الأذن، من صرّ الفرس أذنه: نصبها للاستماع.
(3) صفن الفرس: قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابع.
(4) الجنن، جمع جنّة: الترس، الوقاية.
(5) لزّا: قرنا، ألصقا الامرار: الفتل.
(6) قطين الله: أهل مكة المكرمة آل قطن: أراد قطن النار أي أقام على نار المجوس.(2/384)
ولا نبت أطرافها عن حجر ... من مضر ذات القوى، ولا اليمن
رمت بني ساسان عن مربعهم ... رمي المغالي آمن الطّير الثّكن (1)
واستلبت تاج بني محرّق، ... بعد قياد الصّعب من آل يزن
وصدّعت غمدان عن مرضومة، ... جوبك بالمقراض أثواب الرّدن (2)
وآل مروان غطاهم موجها، ... لمّا نزت بآل مروان البطن (3)
ثمّ بنو القرم العتيكيّ، وقد ... ردّوا يزيد العار مخلوع الرّسن
لاقى خبيب ويزيد روقها ... من غيبة ماطرها القنا اللّدن
أبوا إباء البزل فاقتادتهم ... من المقادير مطاعات الشّطن
ألّا ذكرت، إن طلبت أسوة، ... ما يضمن الأسوة للقلب الضّمن (4)
يوم بني الصّمّة في عرض اللّوى، ... ويوم بسطام بن قيس بالحسن
ويوم خوّ أسلمت عتيبة ... خصاصة الدّرع الذي كان أمن (5)
أوجره رمح ذؤاب طعنة ... تلغط لغط الأعجميّ لم يبن (6)
وبالكديد ملتقى ربيعة ... تحمي بعيد الموت آبار الظّعن (7)
كأنّني لم تبك قبلي فارسا ... عين، ولا حنّ فتى قبلي وأنّ (8)
__________
(1) المغالي، جمع مغلاة: السهم يرمى به إلى أقصى الغاية الثكن، جمع ثكنة: السرب من الحمام.
(2) غمدان: قصر باليمن مرضومة: صخرة جوبك: قطعك الردن:
الغزل والخز.
(3) البطن: الأشر، المتموّل، من همّه بطنه.
(4) الضمن: العاشق، المبتلي.
(5) الخصاصة: كل خلل في باب أو برقع أو نحوهما، والخصاصة: الشيء القليل.
(6) أوجره: طعنه بالرمح اللغط: الكلام المبهم.
(7) الكديد: ما بين الحرمين الشريفين الظعن، جمع ظعينة: الهودج فيه امرأة.
(8) أنّ: توجّع.(2/385)
هل كان كلّ النّاس إلّا هكذا: ... ذو شجن باك لباك ذي شجن
سائل بقومي لم نبا الدّهر بهم ... عن غير ضغن ورماهم عن شزن (1)
لم راشهم ريش السّهام للعدا، ... ثمّ براهم بالرّدى بري السّفن (2)
وكيف أمسوا حفنات من ثرى، ... من بعد ما كانوا رعانا وقنن (3)
سوم السّفا طاحت به في مرّها ... زفازف الرّيح وبوغاء الدّمن (4)
هم أجلسوا على الصّفاح والذّرى ... إذ رضي القوم بما تحت الثّفن (5)
لهم على النّاس، وما زال لهم ... مشارف الرّأس على جمع البدن
عماعم لمّا تزل أسيافهم ... عماعم الصّيد وأقياد البدن (6)
بالقدم الأولى إلى شأو العلى، ... والأذرع الطّولى إلى عقد المنن (7)
كيف أماني للمرامي بعدهم ... من نوب الدّهر، وقد زال المجنّ
الدّاخلين البيت باباه القنا، ... على الخناذيذ الطّوال والحصن (8)
والفالقين الصّبح عن مغيرة، ... لها من النّقع ظلام مرجحنّ (9)
والضّاربين الهام في مشعلة، ... لها بلا نار ضرام ودخن (10)
__________
(1) الشزن: الإعياء الشديد.
(2) السّفن: كل ما ينحت به.
(3) الرعان، جمع رعن: أنف يتقدم الجبل، أشار بها الى رفعة المقام القنن: الجبال.
(4) السوم: مر الرياح السفا: التراب زفازف الريح: الرياح الشديدة الهبوب البوغاء: التراب الثائر.
(5) الثفن: داء في الثفنة وهي الركبة ومجتمع الساق والفخذ.
(6) العماعم: الجماعة المتفرقة الصيد، جمع أصيد: الذي يرفع رأسه كبرا، الأسياد البدن، جمع بدنة: الناقة المسمّنة، وهي من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى الى مكة.
(7) الشأو: الغاية، الأمد.
(8) القنا: الرماح الخناذيذ، جمع خنذيذ: رأس الجبل المشرف، والحصن.
(9) النقع: الغبار مرجحن: ثقيل.
(10) المشعلة: من أشعل الخيل في الغارة أي أطلقها الدخن: الدخان.(2/386)
كم فاض في أبياتهم منتجع ... يقرن بالنّعمى وقرن في قرن (1)
إذا تنادوا للّقاء فيلق ... تداولوا الأعناق من أسر ومنّ
ما درنت أعراضهم من الخنا، ... ولا انجلت أسيافهم من الدّرن (2)
كلّ عظيم منهم محجّب ... تأذن أبواب الغنى إذا أذن
ذو نسب تستخجل الشمس به ... أصفى على السّائغ من ماء المزن
له القدور الضّامنات للقرى، ... مبارك البزل الجرار بالعطن (3)
من كلّ دهماء لها هماهم، ... تلقّم البازل جمعا كالفدن (4)
إنّ العشار لا تقي من سيفه ... دماءها، عام الجدوب باللّبن (5)
أما ترى هذا الصّفيح المجتلى ... يدرجنا درج الزّميل الممتهن (6)
كأنّما النّاس به من ذاهب ... وواهب يجري على ذاك السّنن
مزبورة تطوى على أشطارها، ... يبطن باديها ويبدو ما بطن (7)
ما أعجب النّاس الذي نسكنه ... يجمع ما بين الوهاد والقنن
بين عظامي ملك وسوقة ... لم يدر ما العزّ ونام ويفن (8)
لو علم النّاظر يوما ما هما ... أفظعه الخطب، وقال: من ومن
__________
(1) المنتجع: طالب المعروف القرن: الكفؤ بالشجاعة القرن: الحبل يجمع بين بعيرين.
(2) درنت: اتسخت الدرن: الدم.
(3) الجرار: المجترة العطن: مبرك الإبل.
(4) الجمع: القبضة من الشيء الفدن: المسمن من الإبل، والفدن أيضا هو البناء المشيّد.
(5) العشار، جمع عشراء: هي التي مضى على حملها عشرة أشهر.
(6) الصفيح: وجه السماء يدرجنا: يقرضنا الزميل: الجبان الممتهن:
المحتقر.
(7) المزبورة: البئر المردومة بالحجارة.
(8) اليفن: الشيخ الكبير.(2/387)
أقسمت لا أنساهم ما طلعت ... حمراء من خدر ظلام ودجن
إمّا بكاء بالدّموع ما جرت، ... أو بالفؤاد إن أبى الدّمع وضنّ
أنكرت أفراح الزّمان بعدهم، ... من طول بلواي بروعات الحزن
زدن الرّزايا، فنقصن دفعة، ... ووطّن القلب عليها، فاطمأنّ
قل للزّمان: ارحل بهم من بازل ... واحمل على غاربه، فقد مرن
نعوه
(المتقارب)
يرثي الرضي هنا أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج الشاعر المشهور علي البديهة. وقد توفي بمصر في جمادى الآخرة سنة 391وحمل تابوته الى بغداد، وكانت بينهما صداقة.
نعوه على ضنّ قلبي به، ... فلله، ماذا نعى النّاعيان
رضيع ولاء له شعبة ... من القلب فوق رضيع اللّبان
بكيتك للشّرّد السّائرا ... ت تعبق ألفاظها بالمعاني
مواسم تعلط منها الجباه، ... بأشهر من مطلع الزّبرقان (1)
جوائف تبقى أخاديدها ... عماقا وتعفو ندوب الطّعان (2)
تبضّ إلى اليوم آثارها ... بأحمر من عاند الطّعن قاني (3)
__________
(1) تعلط: توسم الزبرقان: القمر.
(2) الجوائف: جمع جائفة: الطعنة تبلغ الجوف تعفو: تمحى آثارها الندوب، جمع ندبة: أثر الجرح الباقي على الجلد.
(3) تبض: تسيل العاند: العرق لا ينزف.(2/388)
قعاقعهنّ تشنّ الحتوف، ... إذا هنّ أوعدن لا بالشّنان (1)
وما كنت أحسب أنّ المنون ... تفلّ مضارب ذاك اللّسان
لسان هو الأزرق القعضبيّ، ... تمضمض من ريقة الأفعوان (2)
له شفتا مبرد الهالكيّ، ... أنحى بجانبه غير واني (3)
إذا لزّ بالعرض مبراته ... تصدّع صدع الرّداء اليماني (4)
يرى الموت أن قد طوى مضغة، ... ولم يطو إلّا غراري سنان (5)
فأين تسرّعه للنّضال، ... وهبّاته للطّوال اللّدان
يشلّ الجوائح شلّ السّياط، ... ويلوي الجوانح ليّ العنان (6)
فإن شاء كان حران الجماح، ... وإن شاء كان جماح الحران (7)
يهاب الشّجاع غذاميره، ... على البعد منه، مهاب الجبان (8)
وتعنو الملوك له خيفة، ... إذا راع قبل اللّظى بالدّخان (9)
وكم صاحب كمناط الفؤاد، ... عناني من يومه ما عناني
قد انتزعت من يديّ المنون، ... ولم يغن ضمّي عليه بناني
فزل كزيال الشّباب الرّطي ... ب، خانك يوم لقاء الغواني
ليبك الزّمان طويلا عليك، ... فقد كنت خفّة روح الزّمان
__________
(1) القعاقع: صوت السلاح عند تحريكه تشن: تفرق، توزع الحتوف، جمع حتف: الموت الشنان: القرب البالية.
(2) الأزرق: النصل القعضبي: الشديد الأفعوان: ذكر الحيّات.
(3) الهالكي: الحداد انحى: اعتمد.
(4) لزّ: ألصق، تصدع، انشق.
(5) الغرار: حد السيف أو الرمح.
(6) الجوائح: الشدائد، جمع جائحة الجوانح: أضلاع الصدر، جمع جانحة، وقد جانس بين اللفظتين.
(7) الحران: وقوف الدابة في المكان لا تبرحه الجماح، من جمح الفرس:
استعصى ركوبه.
(8) الغذامير: الغضب، جمع غذمرة.
(9) تعنو: تخضع.(2/389)
ريب الزمان
(الرجز)
أصيب بهاء الدولة بوعكة ثم زالت عنه، فوضع الشاعر في ذلك هذه القصيدة.
أقول، والأقدار ترتمينا، ... والدّهر لا يحفل ما لقينا:
ما بال قلبي يطلب الحنينا ... وجد القرين افتقد القرينا
وما لدمعي يقرب الشّؤونا، ... قد كاد أن يطّلع الجفونا (1)
من خبر لا جاءنا يقينا، ... بأنّ عين الكرم اليمينا
تقذى، وقد أقرّت العيونا، ... قلوبنا أسمعننا الأنينا
وقمن يا آمالنا، فابكينا، ... هيهات يلقى من زمان لينا
لا نهضت عن مثله السّنونا، ... أعيا العقيم أن ترى البنينا
يا من لنا اليوم نلاقي الهونا، ... يؤمّنا بعدك أو يأبونا (2)
أم من على أيّامنا يعدينا، ... ويعكس السّهم إلى رامينا (3)
أم من يعيد النّعم العزينا، ... جوافلا تشجر بالقنينا (4)
شجر المداري القطط الدّهينا، ... الله يا ريب الزّمان فينا (5)
أبق على الدّنيا وحاب الدّينا، ... ما لك لا تنظرنا الدّيونا
__________
(1) يقرب الشؤون: يقربها للامتلاء الشؤون، جمع شأن: مجرى الدمع يطلع الجفون: يتدفق منها.
(2) يؤمّنا: يتخذنا أما يأبونا: يتخذنا أبا.
(3) يعدينا: ينصرنا.
(4) النعم: الماشية العزين: الجماعات المتفرقة تشجر: تتشابك القنين، الواحدة قنة: رأس الجبل.
(5) المداري: الأمشاط القطط: الشعر المجعّد الدهين: المدهون.(2/390)
تأخذ منّا كلّ ما تعطينا ... لا غضت ذاك الثّغب المعينا (1)
يا ليته يوقى، ولا وقينا، ... بين يديه، نرد المنونا
لا كان ما نحذر أن يكونا
أسقى دموعي
(البسيط)
في هذه القصيدة يصف الرضي اليوم الذي قبض فيه على الخليفة الطائع لله، وخروجه من داره سليما وقد سلبت ثياب أكثر القضاة والأشراف وامتهنوا، ويذم الزمان. وكان ذلك في شعبان سنة 381.
لواعج الشّوق تخطيهم وتصميني، ... واللّوم في الحبّ ينهاهم ويغريني (2)
ولو لقوا بعض ما ألقى نعمت بهم، ... لكنّهم سلموا ممّا يعنّيني
وبالكثيب إلى الأجزاع نازلة ... علقت منها بوعد غير مضمون (3)
ما سوّغوني برد الماء مذ حظروا ... عليّ برد اللّمى والشّوق يظميني (4)
يا منشظ الشّيح والحوذان من يمن، ... حيّيت فيك غزالا لا يحيّيني (5)
ترى الغريم الذي طال اللّزوم له ... في الحيّ موّل من بعدي فيقضيني؟
إنّ الخليّ، غداة الجزع، عيد به ... إلى ضمير معنّى اللّبّ مفتون
لولا ظباء معاطيل سنحن لنا ... ما كان يذهل عن عقل وعن دين (6)
__________
(1) غضت، من غاض الماء: نقص الثغب: غدير الماء المعين: الجاري.
(2) تصميني: تصيبني.
(3) الأجزاع، جمع جزع: منعطف الوادي.
(4) سوغوني: أساغوا غصتي وأزالوها حظروا: منعوا.
(5) منشظ، من نشظ النبات: ظهر الشيح والحوذان: نوعان من النبات.
(6) معاطيل: لم يكن عليهن حلي سنحن: برزن من على اليمين.(2/391)
قد كاد ينجو بجدّ من عزيمته، ... فعارضته عيون الرّبرب العين (1)
ماء النّقيب، ولو مقدار مضمضة، ... شفاء وجدي، وغير الماء يشفيني (2)
ونشقة من نسيم البان فاح بها ... جنح من اللّيل تجري في العرانين
أسقى دموعي إذا ما بات في سدف ... صرير أثل بداريّا يغنّيني (3)
وصاحب وقذ التّهويم هامته، ... ناديته، ورواق اللّيل يؤويني (4)
فقام قد غرغرت في رأسه شده، ... يمضي على الكره أمري، أو يلبّيني (5)
لا غرّ قومك، كم نوم على ضمد ... سقما ولو بطرير الغرب مسنون (6)
وضاربات بلحييها على أضم ... من اللّغوب نحاف كالعراجين (7)
أبلى أزمّتها بعد المدى، وغدت ... من الوجى بين معقول ومرسون (8)
مغرورقات المآقي كلّما نظرت ... برقا يضيء كفاف الغرّ والجون (9)
هيهات بابل من نجد لقد بعدت، ... على المطيّ، مرامي ذلك البين (10)
سلني عن الوجد إنّي، كلّ شارقة، ... يريشني الوجد، والأيّام تبريني
من لي ببلغة عيش غير فاضلة ... تكفّني عن قذى الدّنيا وتكفيني
__________
(1) الربرب: قطيع بقر الوحش العين، جمع عيناء: المرأة الجميلة الواسعة العينين.
(2) النّقيب: موضع بين تبوك وعمان.
(3) السدف: الظلمة الأثل: نوع من الشجر داريا: قرية بالشام.
(4) وقذ التهويم: غلبه النعاس التهويم: هز الرأس من النعاس.
(5) غرغر: صاح بصوت فيه بحّة الشدة: الحيرة.
(6) الضمد: الحقد والغيظ والظلم الطرير: المحدد الغرب: الحد.
(7) لحييها، مثنى لحي: عظم الحنك الذي عليه الأسنان أضم: حقد، حسد اللغوب: التعب العراجين، جمع عرجون: عنقود العنب المأكول.
(8) الوجى: الحفا معقول ومرسون: مربوط.
(9) الكفاف، جمع كفة: حرف الشيء الغر: البيض الجون: السود.
(10) البين: الناحية، القطعة من الأرض التي تكون بقدر مد البصر.(2/392)
أخيّ، من باع دنياه وزخرفها ... بصونه، كان عندي غير مغبون
قالوا: أتقنع بالدّون الخسيس، وما ... قنعت بالدّون بل قنّعت بالدّون
إذا ظننّا وقدّرنا جرى قدر ... بنازل غير موهوم ومظنون
أعجب لمسكة نفس بعد ما رميت ... من النّوائب بالأبكار والعون (1)
ومن نجائي، يوم الدّار، حين هوى ... غيري ولم أخل من حزم ينجّيني
مرقت منها مروق النّجم منكدرا، ... وقد تلاقت مصاريع الرّدى دوني (2)
وكنت أوّل طلّاع ثنيّتها، ... ومن ورائي شرّ غير مأمون
من بعد ما كان ربّ الملك مبتسما ... إليّ، أدنوه في النّجوى ويدنيني
أمسيت أرحم من أصبحت أغبطه، ... لقد تقارب بين العزّ والهون
ومنظر كان بالسّرّاء يضحكني، ... يا قرب ما عاد بالضّرّاء يبكيني
هيهات أغترّ بالسّلطان ثانية، ... قد ضلّ ولّاج أبواب السّلاطين
ما للحمام غدا، فاعتام زافرتي، ... واختار ما كان يعطيني ويمطيني (3)
خلّى عليّ مرارات الحيا، ومضت ... أحداثه بالمطاعيم المطاعين
يشجّعون عليّ الدّهر إن جبنت ... خطوبه، وتوقّى أن يناديني
إذا رأوا مدّه نحوي يدا وضعوا ... فيها عظام جلاميد لترميني
أقارب لم يزل بي شرّ عرقهم، ... عرق من اللّؤم يعديهم ويعدوني
تملّحوا بي كأنّي حمضة قطعت، ... لا بدّ بعد مدى أن يستمرّوني (4)
عزوا إليّ نصابا بعد تشظية، ... وألصقوا بي أديما بعد تعييني (5)
هبوا أصولكم أصلي على مضض، ... ما تصنعون بأخلاق تنافيني؟
أعطاكم السّجل قبل النّهر غرفته، ... فارضوا بروق جمامي واستجمّوني (6)
__________
(1) المسكة: الرأي، العقل الوافر، ومسكة النفس أيضا: البقية منها.
(2) المنكدر: المنقض.
(3) اعتام: اختار زافرتي: عشيرتي يمطيني: يركبني الدابة.
(4) الحمضة: المالح والمر من النبات يستمروني: يستمرئوني أي يستسيغوني.
(5) التشظية: التفريق.
(6) السّجل: الدلو العظيمة.(2/393)
كم الهوان كأنّي بينكم جمل، ... في كلّ يوم قطيع الذّلّ يحدوني
لا تأمننّ عدوّا لان جانبه، ... خشونة الصّلّ عقبى ذلك اللّين
واحذر شرارة من أطفأت جمرته، ... فالثّار غضّ، وإن بقّي إلى حين
أنّى تهيب بي البقيا وأتبعها، ... فلم أباق بها من لا يباقيني (1)
توقّعوها، فقد شبّت بوارقها ... بعارض كصريم اللّيل مدجون
إذا غدا الأفق الغربيّ مختمرا، ... من الغبار، فظنّوا بي وظنّوني
لتنظرنّي مشيحا في أوائلها، ... يغيب بي النّقع أحيانا ويبديني
لا تعرفوني إلّا بالطّعان، إذا ... أضحى لثامي معصوبا بعرنيني
إقدام غضبان كظّته ضغائنه، ... فمال يخلط مضروبا بمطعون (2)
فإن أصب، فمقادير محجّزة، ... وإن أصب، فعلى الطّير الميامين
أسل بدمعك
(البسيط)
أسل بدمعك وادي الحيّ، إن بانوا، ... إنّ الدّموع على الأحزان أعوان
لا عذر بعد تنائي الدّار من سكن ... لمدّعي الوجد لم يدمع له شان (3)
حيّ الطّوالع من نجد تصونهم، ... عن النّواظر، أنماط وكيران (4)
رموا جيوب المطالي عن ميامنهم، ... وشيحة الحزن يسراهم، ونجران (5)
__________
(1) تهيب: تزجر.
(2) كظّته: ملأته.
(3) الشان: مجرى الدمع.
(4) الأنماط، جمع نمط: ثوب يطرح على الهودج الكيران، جمع كور:
الرحل.
(5) الجيوب، جمع جيب: مدخل في الأرض المطالي، جمع مطلى: مسيل ضيق شيحة: اسم ماء قرب حلب نجران: اسم موضع.(2/394)
سارت بقلبك في الأحشاء زفرته، ... واستوقفتك بأعلى الرّمل أظعان
لمّا مررنا على تلك السّروب ضحى، ... نضت إلى الرّبع أجياد وأعيان (1)
من كلّ غيداء قد مال النّعيم بها، ... كما تخايل بالبردين نشوان
كأنّما انفرجت عنهم قبابهم، ... يوم الأنيعم، آجال وصيران (2)
مستشرفات يعرّضن الخدود لنا، ... كما تشوّف صوب المزن غزلان
لا يذكر الرّمل إلّا حنّ مغترب، ... له بذي الرّمل أوطار وأوطان
نهفو إلى البان من قلي نوازعه، ... وما بي البان بل من داره البان
أسدّ سمعي، إذا غنّى الحمام به، ... ألّا يبيّن سرّ الوجد إعلان
وربّ دار أولّيها مجانبة، ... وبي إلى الدّار أطراب وأشجان
إذا تلفّتّ في أطلالها ابتدرت ... للعين والقلب أمواه ونيران
كلم بقلبي أداويه ويقرفه ... طول ادّكاري لمن لي منه نسيان (3)
لا للّوائم إقصار بلائمة ... عن العميد، ولا للقلب سلوان
على مواعيدهم خلف، إذا وعدوا، ... وفي ديونهم مطل وليّان
هم عرّضوا بوفاء العهد آونة، ... حتّى إذا عذّبوني بالمنى خانوا
لا تخلدنّ إلى أرض تهون بها، ... بالدّار دار، وبالجيران جيران
أقول للرّكب، قد خوّت ركابهم ... من الكلال، ومرّ اللّيل عجلان (4)
مدّوا علابيّها، واستعجلوا طلبا، ... إذا رضي بالهوينا معشر هانوا (5)
نرجو الخلود، وباقينا على ظعن، ... والدّار قاذفة بالزّور، مظعان
إن قلّص الدّهر ما أضفاه من جدة، ... فصنعة الدّهر إعطاء وحرمان (6)
__________
(1) السروب: الطرق، جمع سرب نضت: سبقت.
(2) الأنيعم: اسم موضع الآجال، جمع إجل: قطيع بقر الوحش الصيران:
قطيع البقر، جمع صوار.
(3) كلم: جرح يقرفه: يقشّره.
(4) خوت: ضمرت بطونها الكلال: التعب.
(5) العلابي، جمع علباء: عصب العنق.
(6) الجدة: الغنى، القدرة.(2/395)
كم من غلام ترى أطماره مزقا، ... والعرض أملس والأحساب غرّان
إذا الفتى كان في أفعاله شوه، ... لم يغن إن قيل: إنّ الوجه حسّان
لا تطلب الغاية القصوى فتحرمها، ... فإنّ بعض طلاب الرّبح خسران
والعزم في غير وقت العزم معجزة، ... والازدياد بغير العقل نقصان
واجعل يديك مجاز المال تحظ به، ... إنّ الأشحّاء للورّاث خزّان
سيرعب القوم منّي سطو ذي لبد، ... له بعثّر أعراس وولدان (1)
لا يطعم الطّعم إلّا من فريسته، ... إن يعدم القرن يوما فهو طيّان (2)
ماشى الرّفاق يراعي أين مسقطهم، ... والسّمع منتصب والقلب يقظان
يستعجل اللّيلة القمراء أوبتها، ... إذا بنو اللّيل من طول السّرى لانوا
حتّى إذا عرّسوا في حيث تفرشهم ... نمارق الرّمل أنقاء وكثبان (3)
دنا كما اعتسّ ذو طمرين لمّظه ... من فضلة الزّاد، بالبيداء، ركبان (4)
ثمّ استقرّت به نفس مشيّعة، ... لها من القدر المجلوب معوان
فعاث ما عاث، واستبلى عقيرته، ... يجرّها مطعم للصّيد جذلان (5)
قرن إذا طلب الأوتار عن عرض، ... لم تفد منه دماء القوم ألبان (6)
وغلمة أخذوا للرّوع أهبته، ... لفّ البطون على الأعواد خمصان (7)
طارت بأشباحهم جرد مسوّمة، ... كأنّما خطفت بالقوم عقبان
من كلّ أعنق ملطوم بغرّته، ... كأنّه من تمام الخلق بنيان
يمدّ للجرس مثل الآستين، إذا ... خان التّوجّس أبصار وآذان (8)
__________
(1) عثّر: اسم مأسدة.
(2) يطعم: يأكل الطيان: الجوعان.
(3) عرّسوا: باتوا النمارق: البسط، استعارها للرمل.
(4) اعتس: طاف بالليل لمظه: أعطاه شيئا ليذوقه.
(5) عاث: أفسد العقيرة: الطريدة القتيلة.
(6) القرن: الكفؤ عن عرض: كيفما اتفق.
(7) الروع: القلب أو موضع الفزع منه الخمص: الجوع.
(8) الجرس: الصوت الخفي الآستين: أي أذنين كالآستين، مثنى آس التوجس: التسمّع الى الصوت.(2/396)
فاستمسكوا بنواصيها، وقد سقطت ... من غائر الجري ألباب وأرسان
كأنّما النّخل تزفيه يمانية، ... فاهت به ثمّ أعقاب وعيران (1)
كعمت فاغرة الثّغر المخوف بهم، ... يهفو بأيمانهم نبع ومرّان (2)
كأنّ غرّ المعالي في بيوتهم، ... بيض عقائل يحميهنّ غيران
يا فاقد الله بين الحيّ من يمن، ... أنساهم الحلم أحقاد وأضغان
إلى كم الرّحم البلهاء شاكية، ... لها من النّعي إعوال وإرنان (3)
حيرى يضلّونها ما بيننا ولها ... منّا على عدواء الدّار نشدان (4)
النّجر متّفق، والرّأي مختلف، ... فالدّار واحدة، والدّين أديان (5)
وثمّ أوعية الإحسان مكفأة، ... فوارغ، ووعاء الشّرّ ملآن (6)
إنّا نجرّهم أعراضنا طمعا ... في أن يعودوا إلى البقيا كما كانوا (7)
أنّى يتاه بكم في كلّ مظلمة، ... وللرّشاد أمارات وعنوان
ميلوا إلى السّلم، إنّ السّلم واسعة، ... واستوضحوا الحقّ، إنّ الحقّ عريان
يا راكبا ذرعت ثوب الظّلام به ... هوجاء، مائلة الضّبعين مذعان (8)
__________
(1) تزفيه: تستخفّه يمانية: ريح آتية من جهة اليمن فاهت به: نطقت به أعقاب، جمع عقب: مؤخر القدم. وقد تكون أعقاب جمع عقبة:
المرقى الصعب العيران: الجماعات المتفرقة من الجراد، وقد تكون عيران جمع عير: الحمار.
(2) كعمت: شددت فاها لئلا تعض النبع والمران: من الشجر.
(3) البلهاء: صفة للناقة الهادئة.
(4) العدواء: البعد النشدان: الطلب.
(5) النجر: الأصل والحسب.
(6) مكفأة: مكبوبة.
(7) نجرهم أعراضنا: نتركهم يصنعون ما يريدون.
(8) الهوجاء: الناقة المسرعة الضبعين: العضدين المذعان: المنقادة، السلسة.(2/397)
أبلغ على النّأي قومي إن حللت بهم، ... أنّي عميد بما يلقون أسوان
يا قوم إنّ طويل الحلم مفسدة، ... وربّما ضرّ إبقاء وإحسان
ما لي أرى حوضكم تعفو نصائبه، ... وذودكم، ليلة الأوراد، ظمآن (1)
مدفّعين عن الأحواض من ضرع، ... ينضو بهامكم ظلم وعدوان (2)
لا يرهب المرء منكم عند حفظته، ... ولا يراقب يوما وهو غضبان (3)
إنّ الألى لا يعزّ الجار بينهم، ... ولا تهاب عواليهم، لذلّان
كم اصطبار على ضيم ومنقصة ... وكم على الذّلّ إقرار وإذعان
وفيكم الحامل الهمهام مسرحه ... داج ومن حلق الماذيّ أبدان (4)
والخيل مخطفة الأوساط ضامرة، ... كأنّهنّ على الأطواد ذؤبان
الله الله أن يبتزّ أمركم ... راع، رعيّته المعزيّ والضّان
ثوروا لها، ولتهن فيها نفوسكم ... إنّ المناقب للأرواح أثمان
فمن إباء الأذى حلّت جماجمها ... على مناصلها عبس وذبيان (5)
وعن سيوف إباء الضّيم حين سطوا ... مضى بغصّته الجعديّ مروان (6)
فإن تنالوا، فقد طالت رماحكم، ... وإن تنالوا، فللأقران أقران
__________
(1) النصائب: حجارة تنصب حول الحوض ويسد ما بينها الذود: هو من الإبل ما بين الثلاث والعشر.
(2) الضرع: الذل والخضوع والاستكانة ينضو: يسلّ.
(3) الحفظة: الغضب والحمية.
(4) الحامل الهمهام: الأسد الماذي: السلاح من حديد الأبدان: الدروع.
(5) جلّت: عظمت.
(6) الجعدي مروان: هو مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة.(2/398)
الدهر ينصبني
(الكامل)
كان الملك بهاء الدولة قد خلع على الرضي خلعا جليلة القدر، ثم رفع قوم الى الملك أقوالا عن الرضي راح يعتب من أجلها. فكتب إليه من بغداد ينفي ما قيل عنه ويتنصل مما نسب إليه، وذلك في رمضان سنة 388.
ملك الملوك، نداء ذي شجن، ... لو شئت لم يعتب على الزّمن
الخطب هين مع صفائك لي، ... وإذا كدرت عليّ لم يهن
ألقى زماني باللّيان، ويل ... قاني الزّمان بجانب خشن
عدة على الأيّام أطلبها، ... والدّهر يفتلني ويمطلني
ما لي رأيت الدّهر ينصبني، ... ولغير وجد ما يؤرّقني (1)
وأبيت كالملسوع، في كبدي ... من شدّة الإقلاق، لا بدني
إنّي أتاني عنك، آونة، ... لذع يضيق بوقعه عطني (2)
وتنكّر بدرت بوادره ... من غير ذنب كان من لدني
أهدى إلى قلبي لواذعه، ... وأطار عنّي واقع الوسن
إنّي، وما رفع الحجيج له، ... عند الجمار، شعائر البدن
والبيت ذي الأستار يمسحه ال ... نّزّاع من شام ومن يمن
ما زلت عن سنن الحفاظ، وكم ... زال المعادي لي عن السّنن (3)
ستر الذي أظهرت من كرم، ... وطوى الذي أبديت من حسن
لم أوت من نصح ولا شفق، ... فالشّرّ والأعداء في قرن
__________
(1) ينصبني: يعاديني.
(2) يضيق عطني: يضيق ذراعي.
(3) السنن: الطريقة.(2/399)
إحباط أجري، مع زكا عملي، ... طرف من الخسران والغبن
إن كان لي ذنب، فلا نظرت ... عيني، ولا سمعت، إذا، أذني
أنسى بأيّ يد رددت يدي، ... لمّا نزعت إليك من وطني
ألبستني النّعماء في قفلي، ... وأنلتني العلياء في ظعني
ومن العجائب أنت بالإحسان تب ... نيني، وبالإعراض تهدمني
أنا عبد أنعمك التي نشطت ... أملي، وأنهض عزّها منني (1)
والحرّ، إمّا شئت تملكه، ... بالمنّ يملك، ليس بالثّمن
وغرستني بندى يديك، فلا ... تدع الزّمان يعيث في غصني
أيجرّني عن رعي أنعمه، ... من كان قبل أجرّه رسني
لا أتّقي طعن الخطوب، إذا ... لاقيتها، ورضاك من جنني (2)
لو رمت ليّ الجيد عنك لقد ... عطفته أطواق من المنن
لا تسمعن قول الوشاة، ومن ... غرس الأضالع لي على الإحن
يتطلّبون لي العيوب، وير ... موني بأفراد من الظّنن
النّقص أخّرهم على ظلع ... من غايتي، والفضل قدّمني
فالفرق ما بيني وبينهم، ... كالفرق بين العيّ واللّسن
إنّي أرى الأيّام مومضة ... لك عن بوارق عارض هتن (3)
فكأنّني بعداك قد حبطوا ... حبطا لما شبّوا من الفتن
وكأنّني بالهام قد جعلت ... منهم عمائم للقنا اللّدن
تبكي ديارهم كما بكيت ... مطموسة الأطلال والدّمن
فاسلم، بهاء الملك، ما سلمت ... عاديّة الأطواد والقنن
الوجه طلق، والبنان ند، ... والوعد نقد، والعطاء هني
سترى مخالصتي، وتخبرني ... طبعا على غير النّفاق بني
وإذا الزّمان رمى بنائبة، ... ونأى الأقارب فالتفت ترني
__________
(1) المنن، جمع منة: الضعف.
(2) جنني: ستري، وقايتي.
(3) العارض: الغيم الماطر.(2/400)
حزنا طاعة الدهر
(الهزج)
أما كنت مع الحيّ ... صباحا، حين ولّينا
وقد صاح بنا المجد: ... إلى أين، إلى أينا
إلى أن أدرك العرق، ... فثبنا، ثمّ لاقينا (1)
حمينا بالحفيظات، ... فقارعنا وحامينا (2)
فلا تسأل عن الكا ... س التي فيها تساقينا
تناكينا، فلّما غ ... لب الأمر، تباكينا
عن الحلم تحاجزنا، ... وبالضّغن تلاقينا (3)
ولولا أطّة الأرحا ... م، أعذرنا وأبلينا (4)
إذا ناشدت القربى، ... تباقينا، وأبقينا
بني أعمامنا! مهلا، ... سينأى بين دارينا
ويغدو رهج الرّوع ... لحاما بين غارينا
إذا ما ضرب النّقع ... على الحرب رواقينا (5)
عسى الأرحام تثنينا، ... إذا نحن تباغينا
تبالوا لتلاقونا، ... فإنّا قد تبالينا
فلم يلق لنا العا ... جم رعديدا ولا هينا (6)
لنا كلّ غلام هـ ... مّه أن يرد الحينا
__________
(1) العرق: أصل كل شيء، وهو الجبل الذي يصعب ارتقاؤه ثبنا: رجعنا.
(2) الحفيظات، جمع حفيظة: الحمية والغضب.
(3) الضغن: الحقد.
(4) أطة الأرحام: حنينها، صوتها.
(5) النقع: الغبار.
(6) الرعديد والهين: الجبان والذليل.(2/401)
يخال موفّيا نذرا، ... به، أو قاضيا دينا
حديد السّمع في حيث ... تكون الأذن العينا
غرار النّوم يجلو عن ... لحاظ الضّرم الرّينا (1)
إذا السّير حذا أيدي ال ... رّكاب الدّم والأينا (2)
أذات الطّوق! تجلو في ... هـ برّاق الطّلى لينا (3)
قفي أخبرك عن صبري ... إذا أوعدتني البينا
سلي عن هيئة السّيف ... شجاع القوم لا القينا (4)
لنا السّبق بأقدام ... إلى المجد تساعينا
تري زمجرة الآسا ... د همسا بين غابينا
إذا ساومنا الضّيم ... على الأعراض غالينا
وإن نازعنا الحقّ ... عنان المال ألقينا
إذا ما روّح الرّعيا ... ن، أعطينا وأمطينا
يظنّ المجتدي أنّا ... على الجود تواطينا (5)
ملكنا مقطع الرّزق، ... فأفقرنا، وأغنينا
وحزنا طاعة الدّهر، ... فأغضبنا، وأرضينا
متى لم يطع الجود ... سخونا، أو تساخينا
سراعا، فتفاقدنا ... جميعا، وتناعينا
إذا ما ثوّب الدّاعي ... إلى الموت، تداعينا
وما ينفعنا يوما، ... إذا نحن تفادينا
وما أعلمنا أنّا ... إلى الغاية أجرينا
__________
(1) غرار النوم: قليله يجلو: يكشف الضرم: الجائع الرّين: النعاس.
(2) حذاها الدم: ألبسها حذاء من الدم والتعب الأين: التعب.
(3) الطلى: الأعناق.
(4) القين: الحدّاد.
(5) المجتدي: طالب الحاجة.(2/402)
كل يوم رزيئة
(الخفيف)
يرثي الشاعر في هذه القصيدة صديقه من بني العباس، وهو أبو عبد الله ابن الإمام المنصوري، وقد توفي في جمادى الآخرة سنة 391.
ما أقلّ اعتبارنا بالزّمان، ... وأشدّ اغترارنا بالأماني
وقفات على غرور وأقدا ... م على مزلق من الحدثان
في حروب على الرّدى، وكأ ... نّا اليوم في هدنة مع الأزمان
وكفانا مذكّرا بالمنايا، ... علمنا أنّنا من الحيوان
كلّ يوم رزيئة في فلان، ... ووقوع من الرّدى بفلان
كم تراني أضلّ نفسا، وألهو، ... فكأنّي وثقت بالوخدان (1)
قل لهذي الهوامل: استوثقي لل ... سّير واستنشزي عن الأعطان (2)
واستقيمي قد ضمّك اللّقم النّه ... ج، وغنّى وراءك الحاديان (3)
كم محيد عن الطّريق وقد ص ... رّح خلج البرى وجذب العران (4)
ننثني جازعين من عدوة الدّه ... ر ونرتاع للمنايا الدّواني
جفلة السّرب في الظّلام وقد زع ... زع روعا من عدوة الذّؤبان
ثمّ ننسى جرح الحمام، وإن كا ... ن رغيبا، يا قرب ذا النّسيان (5)
كلّ يوم تزايل من خليط ... بالرّدى، أو تباعد من دان
__________
(1) الوخدان: الخطو الواسع.
(2) استنشزي: ابتعدي الأعطان، جمع عطن: مبرك الإبل.
(3) اللقم: معظم الطريق.
(4) الخلج: الجذب البرى: حلق يجعل في أنوف الجمال العران: عود يجعل في أنف البعير.
(5) رغيبا: واسعا.(2/403)
وسواء مضى بنا القدر الج ... دّ، عجولا، أو ماطل العصران (1)
يا لقومي لهذه الصّيلم الصّ ... مّاء عنّت، والنّازل الأرونان (2)
هل مجير بذابل، أو حسام، ... أو معين بساعد، أو بنان؟
مضرب من مضاربي، فلّه الدّه ... ر، وغصن أبين من أغصاني (3)
نسب ضارب إلى هاشم الجو ... د، وفرع نام إلى عدنان
حفرة أطبقت على واضح الأث ... واب في المجد طيّب الأردان
خلق كالرّبيع روّضه القط ... ر وصدرن صاف من الأضغان
وجنان ماض على روعة الخط ... ب، ونفس كثيرة النّزوان (4)
لازم شرعة الوفاء، يرى حف ... ظ التّصافي دينا من الأديان
شيّعوه بالدّمع يجري كما ش ... يّع غدوا بواكر الأضعان
كلّ عين قريحة تتلقّا ... هـ بواد من دمعها ملآن
قد مررنا على الدّيار خشوعا، ... ورأينا البنى، فأين الباني
وجهلنا الرّسوم ثمّ عرفنا، ... فذكرنا الأوطار بالأوطان
جمحت زفرة بغير لجام، ... وجرت دمعة بغير عنان
فالتفاتا إلى القرون الخوالي، ... هل ترى اليوم غير قرن فاني؟
أين ربّ السّدير والحيرة البي ... ضاء، أم أين صاحب الإيوان؟
والسّيوف الحداد من آل بدر، ... والقنا الصّمّ من بني الدّيّان
طردتهم وقائع الدّهر عن لع ... لع طرد السّفار عن نجران
والمواضي منآل جفنة أرسى ... طنبا ملكهم على الجولان
يكرعون العقار من فلق الإب ... ريز كرع الظّماء في الغدران (5)
__________
(1) الجد: المبالغ فيه العصران: الغداء والعشي، الليل والنهار.
(2) الصليم: الداهية، الأمر الشديد الأرونان: الصعب من الأيام.
(3) المضرب: السيف أبين: أزيل.
(4) النزوان: الوثوب.
(5) العقار: الخمر الابريز: الذهب الصافي.(2/404)
من أباة اللّعن الّذين يحيّو ... ن بها في معاقد التّيجان (1)
تتراءاهم الوفود بعيدا، ... ضاربين الصّدور بالأذقان
في رياض من السّماح حوال، ... وجبال من الحلوم رزان
وهم الماء لذّ للنّاهل الظّم ... آن بردا، والنّار للحيران
كلّ مستيقظ الجنان إذا أظ ... لم ليل النّوّامة المبطان (2)
يغتدي في السّباب غير شجاع، ... ويرى في النّزال غير جبان
ما ثنت عنهم المنون يد شو ... كاء، أطرافها من المرّان (3)
عطف الدّهر فرعهم، فرآه ... بعد بعد الذّرى قريب المجاني
وثنتهم بعد الجماح المنايا، ... في عنان التّسليم والإذعان
عطّلت منهم المقاري، وباخت ... في حماهم مواقد النّيران (4)
ليس يبقى على الزّمان جريء ... في إباء، وعاجز في هوان
لا شبوب من الصّوار، ولا أع ... نق يرعى منابت العلجان (5)
لا ولا خاضب من الرّبد يختا ... ل بريط أحمّ غير يمان (6)
يرتمي وجهة الرّئال، إذا آ ... نس لون الإظلام والإدجان (7)
وعقاب الملاع تلحم فرخي ... ها بإزليقة زلول القنان (8)
__________
(1) أباة اللعن: أراد بهم ملوك الحيرة الذين كانوا يحيونهم بقولهم: أبيت اللعن.
(2) النّوامة: الكثير النوم المبطان: من همه بطنه.
(3) المرّان: الرماح، نوع من الشجر تتخذ من عيدانه الرماح.
(4) المقاري: قدور الضيافة وقصاعها باخت النار: خمدت.
(5) الشبوب: من شب الفرس: رفع يديه، نشط، حرن الصوار: القطيع من بقر الوحش الأعنق: الطويل العنق العلجان نوع من النبات.
(6) الربدة: لون الغبرة الريط، جمع ريطة: ملاءة، ثوب واسع أحم: أبيض.
(7) الرئال: أولاد النعام، جمع رأل.
(8) الملاع: المفازة لا نبات فيها تلحم فرخيها: تطعمهما اللحم الأزليقة:
الأرض الملساء لا نبات فيها، أو الأرض الكثيرة الزلق القنان: التلال.(2/405)
نابلا، في مطامح الجوّ هاتي ... ك وذا في مهابط الغيطان (1)
لو لوى عنك رائع الخطب ذبّ، ... أو رمت دونك الحمام يدان
لوقتك الرّدى نفوس عزيزا ... ت، وأيد مليئة بالطّعان
ورجال، إذا دعوا غدوة الرّو ... ع، وقد خفّ جانب الأقران
شمّروا يطلبون ناشئة الصّو ... ت، خناذيذ كالقنيّ اللّدان
لا أغبّ الرّبيع تربك من نو ... ر هجان ومنظر إضحيان (2)
وحدا البرق، كلّ يوم، إليه ... عجل القطر بالنّسيم الواني
في جبال من الغمام كأنّ ال ... ليل يرمي رعانها برعان (3)
هزجات من البروق كأنّ ال ... بلق فيها مجرورة الأرسان (4)
بعد ما كنّ كالشّفوف تراه ... نّ خفيّات نقيّة الألوان
نشء مزن كأنّ في الأفق منه ... نفس القين في الحسام اليماني (5)
أو كماويّة الصّناع علاها ... صدأ اللّون بعد طول صيان (6)
لاحمت بينه الرّياح فأوفى ... كمجرّ الأنقاء والكثبان
تمتريه هوجاء من قبل الغو ... رين، نزع الدّلاء بالأشطان (7)
تحفز القطر كلّما جلجل الرّا ... عد حفز الحنيّة المرنان (8)
كعياب الدّروع أسمع ركض ال ... خيل فيها خشاخش الأبدان (9)
__________
(1) الغيطان، جمع غوط: المطمئن والواسع من الأرض.
(2) نور هجان: زهر أبيض الإضحيان: الذي لا غيم فيه.
(3) الرعان، جمع رعن: أنف يتقدم الجبل الطويل.
(4) هزجات: مصوتات البلق: الخيل التي فيها بياض وسواد.
(5) القين: الحداد.
(6) الماوية: المرآة الصناع: المرأة الحاذقة.
(7) تمتريه، من مرى الناقة: مسح ضرعها لتدر الهوجاء: الريح القوية الأشطان: الحبال، جمع شطن.
(8) تحفز: تدفع الحنيّة: القوس.
(9) العياب: القلوب.(2/406)
لو تراخت تلك الرّياح لأرسل ... ت رياح الزّفير والإرنان (1)
لو ونى ذلك الغمام، لأطلق ... ت مزاد الدّموع من أجفاني
فعليك السّلام من خاشع النّا ... ظر مستسلم لريب الزّمان
ينظر الدّهر بعد يومك والنّا ... س بعين وحشيّة الإنسان
ويرى الأنس لست من حاضريه ... وحشة، والجميع كالوحدان
معطيا للعدا به الواهن الضّا ... رع بعد الأنصار والأعوان
أذكرته أيّام هذا التّنائي ... ما مضى من أيّام ذاك التّداني
لم يكن غير قبسة الفرق العج ... لان ولّى ونهلة الظّمآن (2)
أصدقائي، أقاربي، وأخلّا ... ئي، قبيلي، وإخوتي، إخواني
فامض لا غرّني الزّمان بعهد ... في خليل، ولا بعقد ضمان
قد تخلّى النّفس الحبيبة بالرّغ ... م، وقد يبعد القريب الدّاني
صرف الطّرف عنك لا عن تقال، ... وأقلّ اللّقاء لا عن تواني (3)
تركت الصّبا
(مجزوء الوافر)
غزال ماطل ديني، ... بأجزاع الغديرين (4)
رهوني عندها تغلق ... بين الهجر والبين
ألا، لا شللا يا را ... مي القلب بنصلين
طريرين، وما مرّا ... على مطرقة القين (5)
__________
(1) الإرنان: الصياح.
(2) قبسة: شعلة، جذوة الفرق: الخائف.
(3) تقال: بغض.
(4) الأجزاع، جمع جزع، منعطف الوادي وجانبها.
(5) القين: الحداد.(2/407)
ألا يا نظرة أرسل ... تها بين الغبيطين (1)
أسأت اليوم للقلب، ... وأحسنت إلى العين
فعاد الطّرف بالفوز، ... وولّى القلب بالحين
فيا لله! كم تجر ... ح يا قلبي من عيني
ومن لوم الرّفيقين ... ومن بين الخليطين
صغا قلبي إلى الحلم، ... بلا قول العذولين
وخلّفت الصّبا خلفي ... منقاد القرينين
وما جزت الثّلاثين ... بعام، أو بعامين
فقل لي اليوم: ما عذر ... ك يا شيب العذارين
سلي بي جولة الخيل، ... وملتفّ العجاجين
وخطّار القنا، والمو ... ت مضروب الرّواقين (2)،
تري عزمي مثل السّي ... ف مشحوذ الغرارين
أجلّي النّقع قد صار ... لحاما بين غارين (3)
وأثني سنن الخيل ... بهبهاب السّرى لين (4)
بحيث تقطّع القربى ... على أيدي القريبين
ويشتقّ القنا الذّا ... بل ما بين الشّقيقين
ترى فيه القريبين ... من البغضا قرينين
رمت عندي يد الدّهر ... بخطب ليس بالهين
أرى الأيّام تحدو ... ني في شرّ الطّريقين
__________
(1) الغبيطين، مثنى الغبيط: الأرض المطمئنة.
(2) الرواق: سقف في مقدم البيت، الفسطاط.
(3) النقع: الغبار الغار: الكهف، البيت في السفح.
(4) السنن: النهج الهبهاب: السريع.(2/408)
كما أوضع، تحت المي ... س، موّار الملاطين (1)
أزجّي الحظّ كاللّاعب ... زحّافا على الأين
كما زجّيت الرّجزاء ... زحفا بعقالين (2)
وهذا الدّهر يثنين ... ي باللّيان عن ديني (3)
ويغدو ماتحا للضّ ... رع الواني بسجلين (4)
له نضح بروقيه، ... ولي نطح بروقين (5)
ترى صرف المقادير ... متى يصحو من الأين
وهيهات لقد أغل ... ق دون الرّزق بابين
فلا تطلب دواء الح ... ظّ قد أعيا الطّبيبين
وإن عاتبت هذا الدّه ... ر صار الذّنب ذنبين
وقد طلّ دم تطل ... به عند الجديدين
__________
(1) أوضع: أسرع الميس: الرحل المصنوع من خشب الميس الموّار:
المتحرك الملاطين: الجنبين.
(2) الرجزاء: المصابة بالرجز وهو داء يصيب الإبل في أعجازها.
(3) الليان: المماطلة.
(4) الماتح: الذي يستخرج الماء الضرع: المتذلل الواني: الضعيف السّجلين: الدولين.
(5) له: الضمير عائد إلى الضرع الروق (الاولى): الصافي من الماء الروق (الثانية): الداهية، فيقال: داهية ذات روقين، والروق هو القرن.(2/409)
فخرت قحطان
(الرمل)
ورد الشاعر خبر أن والده أضيف إلى لقبه بالطاهر لقب ذي المنقبتين، ولم يلقب به قبله أحد من الطالبين. فكانت هذه القصيدة.
فخرت قحطان أن كان لها ... ذو نواس وكلاع ورعين (1)
شرّف الأذواء فيها قبلنا، ... كلّ رحب الباع هطّال اليدين (2)
ثمّ ساوتها فخارا مضر ... بعليّ الطّاهر المنقبتين
شيمتا عزّ ومجد أغنتا ... عن أبي أحمد فينا والحسين
هل ترى جدّا كجدّي وأبي، ... أيّ مجد وثناء بعد ذين؟
نسب كالنّضر أمسى واسطا ... كلّ أنف من بني النّضر، وعين (3)
نيّر الأقطار قد ضوّأ ما ... بين جدّيّ الكريمين وبيني
ثابت في طينة المجد، إذا ... منصب أمسى زليق القدمين
بمناط النّجم يجري دونه ... بارق الأفق وضوء القمرين
زيّنت أفعالنا أحسابنا ... زينة اللهذم أنبوب الرّديني (4)
حسب ضاربة أعراقه ... بقرارات منى والمأزمين (5)
شامخ الأعناق، عاديّ الذّرى، ... ناضر العرق نضار الطّرفين
وبمجد النّفس فخري سابقا، ... فضلة الفخر بمجد الوالدين
__________
(1) ذو نواس وذو كلاع وذو رعين: من ملوك اليمن المعروفين بالأذواء.
(2) الأذواء: هم في الإسلام جذيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقتادة بن النعمان ذو العين لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم ردها فكانت أحسن عينيه ولم تعتل، وجاب بن المنذر ذو الرأي وغيرهم.
(3) النضر (الأولى): الذهب.
(4) اللهذم: القاطع الرديني: الرمح.
(5) المأزمان: مضيق قرب عرفة، وآخر بين منى ومكة المكرمة.(2/410)
في الحيرة
(الكامل)
خرج الشريف الرضي إلى الكوفة لزيارة مشهد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب. وعرج إلى الحيرة فطافها وتأمّل آثارها ورأى الظباء ترتع فيها، فنظم في ذلك هذه القصيدة سنة 392.
ما زلت أطّرق المنازل بالنّوى، ... حتّى نزلت منازل النّعمان
بالحيرة البيضاء حيث تقابلت ... شمّ العماد، عريضة الأعطان (1)
شهدت بفضل الرّافعين قبابها، ... وتبين بالبنيان فضل الباني
ما ينفع الماضين إن بقيت لهم ... خطط معمّرة بعمر فان
ورأيت عجماء الطّلول، من البلى، ... عن منطق، عربيّة التّبيان
باق بها حظّ العيون، وإنّما ... لا حظّ فيها اليوم للآذان
وعرفت بين بيوت آل محرّق ... مأوى القرى ومواقد النّيران (2)
ومناط ما اعتقلوا من البيض الظّبى، ... ومجرّ ما سحبوا من المرّان (3)
ورأيت مرتبط السّوابق للمها، ... ومعاقل الآساد للذّؤبان
الهاجمين على الملوك قبابهم، ... والضّاربين معاقد التّيجان
وكأنّ يوم الإذن يبرز منهم ... أسد الثّرى وأساود الغيطان (4)
ولقد رأيت بدير هند منزلا ... ألما من الضّرّاء والحدثان (5)
__________
(1) الحيرة: عاصمة المناذرة شم: مرتفعة الأعطان، جمع عطن: مبرك الإبل.
(2) آل محرق: نسبة الى محرق بن النعمان بن المنذر، وغيره من العرب يدعون آل محرق.
(3) المناط: موضع التعليق البيض الظبى: السيوف القاطعة المرّان: الرماح.
(4) الشرى: مأسدة مشهورة بأسودها الأساود: الحيّات، جمع أسود.
(5) دير هند: في الحيرة.(2/411)
أغضى كمستمع الهوان تغيّبت ... أنصاره، وخلا من الأعوان
بالي المعالم أطرقت شرفاته ... إطراق منجذب القرينة عان (1)
أو كالوفود رأوا سماط خليفة ... فرموا على الأعناق بالأذقان (2)
وذكرت مسحبها الرّياط بجوّه ... من قبل بيع زمانها بزمان (3)
وبما تردّ على المغيرة دهيه، ... نزع النّوار بطيئة الإذعان (4)
أمقاصر الغزلان غيّرك البلى، ... حتّى غدوت مرابض الغزلان
وملاعب الإنس الجميع طوى الرّدى ... منهم، فصرت ملاعب الجنّان (5)
من كلّ دار تستظلّ رواقها ... أدماء، غانية عن الجيران (6)
ولقد تكون محلّة وقرارة ... لأغرّ من ولد الملوك هجان (7)
يطأ الفرات فناءها بعبابه، ... ولها السّلافة منه والرّوقان (8)
ووقفت أسأل بعضها عن بعضها، ... وتجيبني عبر بغير لسان
قدحت زفيري فاعتصرت مدامعي، ... لو لم يؤل جزعي إلى السّلوان
ترقى الدّموع ويرعوي جزع الفتى، ... وينام بعد تفرّق الأقران
مسكيّة النّفحات تحسب تربها ... برد الخليع معطّر الأردان
وكأنّما نشر التّجار لطيمة ... جرت الرّياح بها على العقيان (9)
ماء كجيب الدّرع تصقله الصّبا، ... ونقا يدرّجه النّسيم الواني
__________
(1) القرينة: الناقة المقرونة بأخرى.
(2) الأذقان: جمع ذقن.
(3) الرياط، جمع ريطة: ثوب رقيق واسع.
(4) المغيرة: صفة لمحذوف تقديره الخيل المغيرة دهيه، من دهاه: أصابه بداهية، والضمير عائد إلى الخيل النّوار: المرأة النفور.
(5) الجنان: من الجن، عكس الانس.
(6) أدماء: ظبية أدماء أي سمراء.
(7) الهجان: الكريم الحسيب.
(8) عبابه: ماؤه العالي السلافة: الخمر الروقان: الصافي من الماء.
(9) اللطيمة: وعاء المسك العقيان: النبات المذهب.(2/412)
حلل الملوك رمى جذيمة بينها، ... والمنذرين، تغاير الأزمان (1)
طردا، كدأب الدّهر في طرد الألى، ... وإلى الحفائظ في بني الدّيّان
نعق الزّمان بجمعهم عن لعلع، ... وأقضّ منزلهم على نجران (2)
وكآل جفنة أزعجتهم نبوة، ... نقلت قبابهم عن الجولان (3)
وعلى المدائن جلجلت برعادها ... عركا لكلكلها على الإيوان (4)
وإلى ابن ذي يزن غدت مرحولة ... نفضت حويّتها على غمدان (5)
قصفت قنا جدل الطّعان وثوّرت ... بعد الأمان بعامر الضّحيان (6)
زفر الزّمان عليهم، فتفرّقوا، ... وجلوا عن الأوطار والأوطان
مسقط العلمين
(الكامل)
يا مسقط العلمين من رمل الحمى، ... لي عند ظبيتك النّوار ديون (7)
شرت الفؤاد رخيصة أعلاقه، ... ومضى يعضّ بنانه المغبون
__________
(1) جذيمة: هو جذيمة الأبرش المنذرين: المنذر الأول والمنذر الثاني، من ملوك الحيرة.
(2) لعلع: جبل بالبادية نجران: مدينة في اليمن.
(3) آل جفنة: الغساسنة نبوة: بعد الجولان: من بلاد الغساسنة.
(4) المدائن: مدائن كسرى الإيوان: إيوان كسرى المشهور الكلكل:
الصدر.
(5) ابن ذي يزن: سيف بن ذي يزن من ملوك اليمن الحيوية: كساء محشو حول سنام البعير غمدان: قصر لملوك اليمن يجمع بناؤه أربعة ألوان: الأحمر والأبيض والأصفر والأخضر، وفي داخله قصر بسبعة سقوف.
(6) عامر الضحيان: أحد فرسان العرب.
(7) النّوار: النفور.(2/413)
هيهات يتبعني إلى سلوانه ... قلب أصاب به الظّباء العين (1)
سنحت لنا في المشرقات عشيّة، ... ومن السّهام محاجر وعيون
لا العفّ عفّ حين يملك لبّه ... تلك اللّحاظ، ولا الأمين أمين
لو أنّ قومك نصّلوا أرماحهم ... بعيون سربك ما أبلّ طعين (2)
السوداء
(الوافر)
أذات الطّوق لم أقرضك قلبي ... على ضنّي به ليضيع ديني
كفاك حليّ جيدك أن تحلّي ... بأطواق النّضار، أو اللّجين
سكنت القلب حيث خلقت منه، ... فأنت من الحشى والنّاظرين
أحبّك أنّ لونك لون قلبي، ... وإن ألبست لونا غير لوني
عديني وامطلي، وعدي، فحسبي ... وصالا أن أراك وأن تريني
ولا تستهلكي بيديك قلبي، ... فإنّ القلب بينكم وبيني
سمعت لها حوارا كان فيه ... رجوع بلابلي ودنوّ حيني
فيا لك منطقا لو كان هجرا ... لسامعه تلقّي باليدين
كأنّ الظّبية الأدماء حارت ... إليّ بناعم العذبات لين
نظرتك نظرة لمّا التقينا ... على وجلين من هجر وبين
كأنّي قد نظرت سواد قلبي ... بوجهك ظاهرا لسواد عيني
__________
(1) سلوانه: نسيانه العين: الواسعة العينين.
(2) أبلّ: برئ.(2/414)
ذكرتك
(المتقارب)
ذكرتك ذكرة لا ذاهل، ... ولا نازع قلبه والجنان
أعاود منك عداد السّليم، ... فيا دين قلبي ماذا يدان (1)
عواطف من مقلقات الغرا ... م يوم دموعي بها أرونان (2)
ويأبى الجوى أن أسرّ الجوى، ... إذا ملئ القلب فاض اللّسان
وما خير عين خبا نورها، ... ويمنى يد جذّ منها البنان
فيا أثر الحبّ أنّى بقيت، ... وقد بان ممّن أحبّ العيان
وقالوا: تسلّ بأترابها، ... فأين الشّباب، وأين الزّمان؟
يا روض
(البسيط)
يا روض ذي الأثل من شرقي كاظمة، ... قد عاود القلب، من ذكراك، أديانا (3)
أمرّ بالرّكب مجتازا بذي سلم، ... لو ما شريتك بالأوطان أوطانا
شغلت عيني دموعا والحشى حرقا، ... فكيف ألّفت أمواها ونيرانا
أشمّ منك نسيما لست أعرفه، ... أظنّ ظمياء جرّت فيك أردانا
أشبهت أظعان ذاك الحيّ من يمن ... طيبا وحسنا وأغصانا وكثبانا
لو أستطيع لما سافتك سائفة، ... ولا جناك فتى رندا ولا بانا (4)
ألقاك والقلب صاف من رجيع هوى، ... وأنثني عنك بالأشواق نشوانا
__________
(1) العداد: وقت الموت السليم: اللديغ الدين: الداء.
(2) الارونان: الصعب، الشديد من كل شيء.
(3) أديان، جمع دين: داء.
(4) ساف: شح.(2/415)
ولا تداويت من قرح فرى كبدي ... ولا سقاني راقي الحيّ سلوانا
يقول صحبي، وقد أعياهم طربي: ... بعض الأسى إنّما أحببت إنسانا (1)
أين الخيام التي كنّا نلوذ بها ... بالأبرقين، وأين الحيّ مذ بانا
لا هجت لي قنصا من بعد بينهم، ... ولا ذعرت عن الأطلاء غزلانا (2)
أنسيتني النّاس، إذ أذكرتني بهم، ... يا مهديا لي تذكارا ونسيانا
يا طائر البان
(البسيط)
يا طائر البان غرّيدا على فنن! ... ما هاج نوحك لي يا طائر البان
هل أنت مبلغ من هام الفؤاد به؟ ... إنّ الطّليق يؤدّي حاجة العاني (3)
ضمانة ما جناها غير مقلته ... يوم الوداع فيا شوقي إلى الجاني (4)
مغفّل عن همومي في بلهنية، ... أرعى النّجوم، وطرفاه قريران (5)
ينأى ويدنو على خضراء مورقة، ... لعب النّعامى بأوراق وأغصان (6)
كالقرط علّق في ذفرى مبتّلة، ... بين العقائل قرطاها قليقان (7)
هيهات ما أنت من وجدي ولا طربي، ... ولا لقلبك أشجاني، وأحزاني
__________
(1) طربي: حزني الأسى: التعزية.
(2) القنص: الصيد الأطلاء، جمع طلى: ولد الظبي ساعة يولد.
(3) العاني: الأسير.
(4) الضمانة: الحب.
(5) البلهنية: رخاء العيش.
(6) النعامى: الريح الجنوبية.
(7) الذفرى: العظم البارز خلف الأذن مبتّلة: جميلة العقائل، جمع عقيلة: التامة الخلق.(2/416)
ولا نظرت إلى ماء على ظمإ، ... تبغي الورود وليس الورد بالدّاني
ولا فجعت وقد سارت ركائبهم ... يوم الغميم بغزلان كغزلان (1)
لولا تذكّر أيّامي بذي سلم، ... وعند رامة أوطاري وأوطاني
لما قدحت بنار الوجد في كبدي، ... ولا بللت بماء الدّمع أجفاني
نأى السرب
(المتقارب)
أذاع بذي العهد عرفانه، ... وعاود للقلب أديانه (2)
وأضرب سمع عن العاذلات ... لها شانها، وله شانه
وماطل قلبا بإبلاله ... مطال الغريم وليّانه (3)
أهاجك ذا الحيّ من وائل ... تحمّل للبين أظعانه
نأى السّرب عنك، وعهدي به ... تكنّس في القلب غزلانه (4)
لئن أوحش الرّبع حلّاله، ... لقد عمر القلب سكّانه
مررن غدوّا بروض الصّري ... م، راق من النّور ظهرانه (5)
فحنّ لإلمامهم أثله، ... ومال إلى قربهم بانه (6)
وما حملت مثل تلك البدو ... ر بين الذّوائب أغصانه
ولي ناظر بعد بين الخلي ... ط مات من الدّمع إنسانه
__________
(1) الغميم: اسم واد على مرحلتين من مكة المكرمة.
(2) الأديان، جمع دين: الداء.
(3) الإبلال: البرء الليان: المطل.
(4) تكنّسه: اتخذه كناسا، والكناس بيت الظبي.
(5) الصريم: اسم موضع النّور: الزهر الأبيض ظهران: جمع ظهر.
(6) الإلمام: النزول الأثل والبان: نوعان من الشجر.(2/417)
رواء من الماء آماقه ... ظماء من النّوم أجفانه
يروح بهم ساهرا طرفه، ... ويغدو لهم دامعا شانه (1)
يراخي الهوى، فأزيغ السّلوّ، ... قليلا، وتجذب أشطانه (2)
فأين من الدّاء إفراقه ... وأين من القلب سلوانه
فيا ظالما طيّبا ظلمه، ... كثيرا على القلب أعوانه
تبعت فؤادي إلى حبّه ... مطيعا، وإن لجّ عصيانه
يباع بسومك حبّ القلوب، ... وتغلق عندك أثمانه
وشرّ الإساءة من مالك ... أساء، وما نيل إحسانه
وقد كنت أشفق من ذا الصّدو ... د، مذ أودع القلب خوّانه (3)
ويا راكبا لجلجت نضوه ... ثنايا الغوير، ونجرانه (4)
يروّعه الصّبح إسفاره، ... ويؤنسه اللّيل إدجانه (5)
إذا منزل آن تعريسه، ... طواه على الأين ظعّانه (6)
تحمّل ألوكة حامي الضّلو ... ع، طال من البين إرنانه (7)
إلى الحيّ من يمن أنّهم ... ودائع قلبي وخلصانه
لنالوا من القلب ما لم ينل ... زعازع حيّ وشيحانه (8)
لأنتم أسنّة يوم الطّعان، ... إذا أسلم السّرح فرسانه (9)
__________
(1) الشان: مجرى الدمع.
(2) أريغ: أريد: أطلب الأشطان: الحبال.
(3) أودع: بمعنى ودع.
(4) لجلجت: رددت النضو: البعير المهزول ثنايا، جمع ثنية: عقبة الغوير: ماء لبني كليب نجران: مدينة باليمن.
(5) أسفاره: ظهوره، كما لو ان الصبح سفر عن وجهه إدجانه: ظلمته.
(6) تعريسه: نزوله ليلا الأين: الإعياء ظعانه: الراحلون فيه.
(7) ألوكة: رسالة إرنانه: صياحه.
(8) الزعازع، جمع زعزاعة: الكتيبة الكثيرة الخيل الشيحان: الحازم.
(9) السرح: الماشية.(2/418)
كأنّ الجياد، تسامى بكم، ... قنان الشّريف وعقبانه (1)
وهل زان تيجانه أسرة ... جباههم الغرّ تيجانه؟
وإنّ رباط بني مالك ... تقاد إلى الموت أرسانه
إذا الفيلق المجر أدلى له ... إلى قلب الذّمر مرّانه (2)
يكون سواكم عقابيله، ... وأنتم إلى الطّعن سرعانه (3)
وما كلّ أصل كريم العرو ... ق تأبى على الغمز عيدانه (4)
لكم كلّ جمع كما أقبلت ... تموّج بالنّحل غيرانه (5)
كأنّ أسنّته في القنا ... شرار ظبى البيض نيرانه
هل الموت إلّا إذا استجمعت ... كعوب القنيّ وأيمانه (6)
إذا دبّر الطّعن أوهمته، ... تنمّ إلى النّجم خرصانه (7)
لقد ضلّ عهدكم باللّوى، ... وطال بدمعي نشدانه
أناقشكم، ووراء النّقا ... ش أنف العلوق ورئمانه (8)
وأهجركم هجر مستعتب، ... وكم وامق طال هجرانه (9)
فأنأى وأقرب أوب الظّلي ... م ينتظر الطّعم رئلانه (10)
سيبعد عنكم على حسرة ... طويل جوى القلب أسوانه (11)
__________
(1) القنان: الجبال العقبان: الروابي.
(2) القلب، جمع قليب: البئر الذمر: الشجاع المران: الرماح.
(3) عقابيله: بقايا علّته سرحانه: أوائله المتقدمون.
(4) الغمز: العض والعصر.
(5) غيران، جمع غار: كهف، بيت في الجبل.
(6) القني: جمع قناة أيمانه: جمع يمين.
(7) الخرصان: الرماح القصيرة.
(8) العلوق: الناقة المتعلقة بولدها الرئمان: عطف الناقة على ولدها.
(9) الوامق: المحب.
(10) الأوب: الرجعة الظليم: ذكر النعام الرئلان، جمع رأل: ولد النعام.
(11) حسرة: وردت في نسخة أخرى جسرة الأسوان: الحزين.(2/419)
تبدّل بالمرء أحبابه، ... وتنبو على المرء أوطانه
إذا منزل راب سكّانه، ... من الأرض، حرّم إيطانه (1)
إذا كان صعبا تناسى الحنين ... إليكم، فهيهات نسيانه
وشيّبني، والصّبا وارق ... عليّ، وما انجاب ريعانه
حميم تقلّب أخلاقه، ... ومولى، تلوّن ألوانه
يا ظالمي
(الكامل)
يا ظالمي، والقلب ناصره، ... يجني عليّ له كما يجني
أجمعت هجري، والفراق معا، ... أوما اشتفيت بواحد منّي
لم أنس موقفنا، وقد طلعت ... كالشّمس تحت حواجب الدّجن
ترنو إليّ بعين مطفلة ... رعت النّوى ومساقط المزن
سهم وجدت له على كبدي ... ألما، وآلم صرفه عنّي
سمحت بكم نفسي على مضض، ... ولربّ سامحة على ضنّ
هيهات يعدل في قضيّته، ... قمر يدلّ بدولة الحسن
__________
(1) إيطانه: إقامته.(2/420)
ظبي رنا
(مجزوء السريع)
خرج الشريف من مكة المكرمة وتوجّه إلى مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ثم طلب عسفان في شهر محرم سنة 394. في هذه المناسبة نظم قصيدته:
أعاد لي عيد الضّنى ... جيراننا على منى
مواقف تبدل ذا الشّي ... ب شطاطا بحنى (1)
يقول من عاين ها ... تيك الطّلى والأعينا (2)
هذا غزال قد عطا، ... وذاك ظبي قد رنا (3)
وا لهفتا من واجد ... على الشّباب والغنى
من أجلها يرضى الغري ... ب بالبوادي وطنا
أنسى قنا مرّانها، ... موارن ذات قنا (4)
يلقى بها فوارس، ... لا يحفلون الجبنا
مجتمرات رحن عن ... رمي الجمار موهنا (5)
تروّح السّرب عن ال ... ورد، إذا اللّيل دنا
كم كبد معقورة ... للعاقرين البدنا (6)
__________
(1) الشطاط: حسن القوام الحنى: اللّي، العطف.
(2) الطلى: الأعناق.
(3) عطا الظبي: رفع رأسه ويديه متطاولا الى الشجر ليتناول منه.
(4) المران: نوع من الشجر تستخرج منه الرماح والقسي الموارن: أعالي الأنوف، جمع مارن القنا: ارتفاع طرف الأنف.
(5) موهنا: ليلا.
(6) البدن: جمع بدنة: هي من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم، تهدى إلى مكة المكرمة.(2/421)
بأعين تركنها ... على القلوب أعينا
وإنّما جعلنها ... لردّ قول ألسنا
يورق منهنّ الحصى ... حتّى يكاد يجتنى
ليهن من لم يفتتن، ... إنّا لقينا الفتنا
يخفي تباريح الهوى، ... وقد عنانا ما عنا
كما النّزوع عندكم، ... كذا النّزاع عندنا
يا صاحبي رحلي: قفا، ... فسائلا لي الدّمنا
بالغمر قد غيّرها ... صوب الغمام مدجنا (1)
وأمطرا دمعيكما ... ذاك الكثيب الأيمنا
الدّار عندي سكن، ... إذا عدمت السّكنا (2)
قالا: ومن أين رما ... ك الشّوق؟ قلت: من هنا
وصاحب نبّهته ... بعد اللّغوب والونى (3)
رمى الكرى في سمعه، ... فبعد لأي أذنا (4)
وقام كالمصعب ذي ال ... رّوق يجرّ الرّسنا (5)
فقلت: من معاقدي ... على الرّدى؟ قال: أنا
اتّق ما بي تتّقي، ... ولو أنابيب القنا
كلّ الظّبى حدائد، ... وقلّ منها المقتنى
وإنّما الصّون على ... قدر المضاء والغنا
وبارق أشيمه، ... كالطّرف أغضى، ورنا
__________
(1) الغمر: اسم موضع، وقد ورد الغمز صوب: مطر مدجنا: مظلما.
(2) السكن (الاولى): النار السكن (الثانية): ما يسكن إليه ويستأنس به.
(3) اللغوب: الإعياء الشديد الونى: التعب.
(4) لأي: إبطاء أذن: سمع.
(5) المصعب: الفحل الصعب المقادة الروق: الحسن المنظر.(2/422)
أو رمح محبوك القرا ... بات شموعا أرنا (1)
أيقظت عنه صاحبا ... ينجاب علويّ السّنا
فقلت: إيه نظرا، ... أما قضيت الوسنا؟
أين تقول صوبه؟ ... فقال لي: دون قنى (2)
ذكّرني الأحباب، وال ... ذّكرى تهيج الحزنا
أضامن أن لا يني ... يشوق قلبا ضمنا (3)
من بطن مرّ والسّرى ... تؤمّ عسفان بنا (4)
وبالعراق وطري، ... يا بعد ما لاح لنا
أشتاقهم، ومربخ ... إلى زرود بيننا (5)
يا ويح لي من شجني، ... أما مللت الشّجنا
رحّلني عن وطني، ... إنّي ذممت الوطنا
ما رابني من أبعدي ... ما رابني من الدّنى (6)
ولو وجدت مرقعا ... لبست ثوبي زمنا
أنّى، ومن يغلب بال ... رّقع أديما لخنا (7)
أقسمت بالمحجوج مر ... فوع العماد والبنى (8)
مثل سنام العود قد ... عالوا عليه الظّعنا
__________
(1) القرا: الظهر الشموع: اللاعب الأرن: النشيط.
(2) الصوب: القصد، الجهة، الهدف قنى: موضع باليمن.
(3) أضامن، من الضمن: العشق لا يني: لا يزال.
(4) بطن مر وعسفان: موضعان على مرحلتين من مكة المكرمة.
(5) مربخ: موضع رملي بالبادية زرود: اسم موضع.
(6) الدنى: الأقارب.
(7) أديم: جلد لخن: نتن.
(8) المحجوج: الكعبة.(2/423)
موضوعة صفاحه، ... وضع المطيّ الثّفنا (1)
والأسود الملموس قد ... جابوا عليه الرّكنا (2)
يلقى عليه مضر، ... بعد الصّفاء اليمنا
تحكّك الجرب على ال ... أجذال من مضّ الهنا (3)
لأقبلنّ معشرا ... تلك الطّوال اللّدنا (4)
تلمّظ الأصلال لج ... لجن إلينا الألسنا (5)
يطلبن وردي ظمإ: ... إمّا الرّدى، أو المنى
يصبح في أطرافها ... للقوم فقر وغنى
لقد أنى أن أحمل ال ... ضّيم بها لقد أنى
أبيض وبيضاء
(الطويل)
تضاجعني الحسناء والسّيف دونها، ... ضجيعان لي والسّيف أدناهما منّي
إذا دنت البيضاء منّي لحاجة، ... أبى الأبيض الماضي، فأبعدها عنّي
وإن نام لي في الجفن إنسان ناظر، ... تيقّظ عنّي ناظر لي في الجفن
أغرت فتاة الحيّ ممّا ألفته، ... أغلغله دون الشّعار من الضّن
وقالت: هبوه ليلة الخوف ضمّه، ... فما عذره في ضمّه ليلة الأمن
__________
(1) الثفن: جمع ثفنة: ما يلتصق بالأرض من أعضاء البعير إذا أنيخ.
(2) الأسود: الحجر الأسود جابوا: قطعوا الركن: ما يقوى به، الجانب الأقوى، العز والمنعة.
(3) الأجذال، جمع جذل: عود ينصب للبعير الجرب كي يحتك به المض:
اللذع الهنا: القطران.
(4) أقبله الشيء: جعله قبالته الطوال اللدن: الرماح اللينة.
(5) الأصلال، جمع صل: الحيّة، الداهية لجلجن: أدرن، حرّكن.(2/424)
ما كنت أدري
(الطويل)
وما كنت أدري الحبّ حتّى تعرّضت ... عيون ظباء بالمدينة عين (1)
فو الله ما أدري الغداة رميننا ... عن النّبع أم عن أعين وجفون (2)
بكلّ حشى منّا رميّة نابل، ... قويّ على الأحشاء، غير أمين
فررت بطرفي من سهام لحاظها، ... وهل تتلقّى أسهم بعيون
وقالوا: انتجع رعي الهوى من بلاده، ... فهذا معاذ من جوى وحنين
فيا بانتي بطن العقيق سقيتما ... بماء الغوادي بعد ماء شؤون (3)
أحبّكما، والمستجنّ بطيبة، ... محبّة ذخر بات عند ضنين (4)
جلون الحداق النّجل وهي سقامنا، ... ووارين أجيادا وسود قرون (5)
ولولا العيون النّجل ما قادنا الهوى ... لكلّ لبان واضح، وجبين (6)
يلجلجن قضبان البشام عشيّة، ... على ثغب من ريقهنّ معين (7)
ترى بردا يعدي إلى القلب برده، ... فينقع من قبل المذاق بحين (8)
تماسكت لمّا خالط اللّبّ لحظها، ... وقد جنّ منه القلب أيّ جنون
وما كان إلّا وقفة ثمّ لم تدع ... دواعي النّوى منهنّ غير ظنون
نصصت المطايا أبتغي رشد مذهبي، ... فأقلعن عنّي، والغواية دوني (9)
__________
(1) عين: واسعة.
(2) النبع: شجر تصنع منه القسي.
(3) ماء الشؤون: كناية عن الدمع، والشؤون مجاري الدموع.
(4) المستجن: المدفون طيبة: المدينة المنوّرة.
(5) الحداق النجل: الأعين الواسعة أجياد: أعناق القرون، جمع قرن:
الخصلة من الشعر.
(6) لبان: صدر.
(7) يلجلجن: يدرن في أفواههن البشام: شجر عطر يستاك بعيدانه الثغب: الغدير في ظل جبل لا تصيبه الشمس فيبرد ماؤه.
(8) يعدي: يجاوز.
(9) نصصت، من النص: استخراج أقصى ما عند الدابة من السير.(2/425)
ناديته
(البسيط)
وصاحب في أصيحاب أنخت به ... على زرود، وموج اللّيل يغشانا
ثنى الذّراع، وألقى فضل لمّته ... على الكثيب، خميص البطن طيّانا (1)
ناديته، بعد ما مال الجنوب به: ... أبا نعامة أبردنا قم الآنا (2)
فقام، والنّوم طرح في محاجره، ... لا يرسل الطّرف إلّا عاد وسنانا
مستأخر، ومطايا الرّكب سائرة، ... أحموقة، إنّ عقل المرء قد رانا (3)
يهوى الرّقاد كأنّ الرّمل أفرشه ... نمارق ابنة منظور بن زبّانا (4)
نفاثات الجنان
(الوافر)
وليس من الفراغ يثرن عنّي ... نفاثات يجيش بها الجنان
ولكن مهجة ملئت ففاضت، ... وضاق القلب، واتّسع اللّسان
__________
(1) خميص البطن: ضامره الطيان: الجوعان.
(2) الجنوب: الرياح الجنوبية.
(3) الأحموقة: الشديد الحماقة، فساد العقل ران: خبت.
(4) النمارق، جمع نمرقة: الوسادة منظور بن زبان: أحد سادات صدر الإسلام.(2/426)
يا رفيقي
(الرمل)
يا رفيقيّ قفا نضويكما، ... بين أعلام النّقا والمنحنى (1)
وانشدا قلبي فقد ضيّعته ... باختياري بين جمع ومنى
عارضا السّرب فإن كان فتى ... بالعيون النّجل يقضي، فأنا
إنّ من شاط على ألحاظها، ... ضعف من شاط على طول القنا (2)
تجرح الأعين فينا والطّلى، ... قاتل الله الطّلى والأعينا (3)
ثمّ كانت، بقباء، وقفة ... ضمنت للشّوق قلبا ضمنا (4)
وحديث كان من لذته، ... أحد يصغي إلينا أذنا (5)
غادروني جسدا تظهره ... لهم الشّكوى ويخفيه الضّنى
حبّذا منكم خيال طارق ... مرّ بالحيّ ولم يلمم بنا (6)
باخل بخل الذي أرسله، ... سئل النّيل، وما جاد لنا
سرحة أعجلها البين، وما ... لبس الظّلّ، ولا ذيق الجنى
ما رأت عيني مذ فارقتكم، ... يا نزول الحيّ، شيئا حسنا
__________
(1) نضويكما، مثنى نضو: الناقة الهزيلة.
(2) شاط: هلك.
(3) الطلى: الأعناق.
(4) قباء: موضع قرب المدينة الضمن: العاشق.
(5) أحد: جبل مشهور.
(6) طارق: آت ليلا يلمم: ينزل، يهتم.(2/427)
ما أسرع الأيام
(السريع)
يعزي الشريف في هذه القصيدة الوزير أبا علي الحسن بن أحمد عن ولد له توفي في محرم سنة 396.
ما أسرع الأيّام في طيّنا، ... تمضي علينا ثمّ تمضي بنا
في كلّ يوم أمل قد نأى ... مرامه عن أجل قد دنا
أنذرنا الدّهر، وما نرعوي، ... كأنّما الدّهر سوانا عنى
تعاشيا، والموت في جدّه ... ما أوضح الأمر وما أبينا (1)
والنّاس كالأجمال قد قرّبت، ... تنتظر الحيّ، لأن يظعنا
تدنو إلى الشّعب ومن خلفها ... مغامر يطردها بالقنا
إنّ الألى شادوا مبانيهم، ... تهدّموا قبل انهدام البنى
لا معدم يحميه إعدامه، ... ولا يقي نفس الغنيّ الغنى
كيف دفاع المرء أحداثها ... فردا، وأقران اللّيالي ثنى (2)
حطّ رجال وركبنا الذّرى، ... وعقبة السّير لمن بعدنا (3)
كم من حبيب هان من فقده ... ما كنت أن أحسبه هيّنا
أنفقت دمع العين من بعده، ... وقلّ دمع العين أن يخزنا
كنت أوقّيه، فأسكنته ... بعد اللّيان المنزل الأخشنا
دفنته، والحزن من بعده، ... يأبى على الأيّام أن يدفنا
يا أرض! ناشدتك أن تحفظي ... تلك الوجوه الغرّ، والأعينا
يا ذلّ ما عندك من أوجه، ... كنّ كراما أبدا عندنا
__________
(1) التعاشي: التجاهل.
(2) أقران الليالي: مقاومة الليالي الثنى: ما يعاد مرتين.
(3) حط: هبط العقبة: النوبة.(2/428)
والحازم الرّأي الذي يغتدي ... مستقلعا ينذر مستوطنا
لا يأمن الدّهر على غرّة، ... وعزّ ليث الغاب أن يؤمنا
كأنّما يجفل من غارة، ... ملتفتا يحذر أن يطعنا
أخيّ! جبرا لك من عثرة، ... لا بدّ للعاثر أن يوهنا (1)
إنّ التي آذتك من ثقلها، ... هلمّها، نحملها بيننا
ساقيتك الحلو، فلا بدعة ... إن أنا طاعمتك مرّ الجنى
سلبت ما أعجزنا ردّه، ... في قوّة السّالب عذر لنا
جناية الدّهر له عادة، ... فما لنا نعجب لمّا جنى
من كان حرمان المنى دأبه، ... فالفضل إن بلّغ بعض المنى
كم غارس أمّل في غرسه، ... فأعجل المقدار أن يجتنى
ما الثّلم في حدّك نقصا له، ... قد يثلم العضب، وقد يقتنى
يأبى لك الحزن أصيل الحجى، ... ويقتضيك الرّزء أن تحزنا
والأجر في الأولى وإن أقلقت، ... وربّما نستقبح الأحسنا
ذا الخلق الأعلى، فخذ نهجه، ... واترك إليه الخلق الأدونا
أبا عليّ! هل لأمثالها ... غيرك إن خطب زمان عنى (2)
فانهض بها، إنّك من معشر، ... إن جشّموا الأمر أبانوا الغنى
واصبر على ضرّائها، إنّما ... نغالب القرن إذا أمكنا (3)
__________
(1) يوهن، من الوهن: الضعف.
(2) عنى: حدث، نزل.
(3) القرن: الكفؤ في الشجاعة.(2/429)
قتيل غير الأغين
(الكامل)
يا صاحبيّ تروّحا بمطيّتي، ... إنّ الظّباء بذي الأراك سلبنني (1)
سيرا، فقد وقف الطّعين لما به ... مستسلما ونجا الذي لم يطعن
ما سرّني، وقنا اللّحاظ تنوشني، ... أنّي هناك قتيل غير الأعين
فوّض إليه
(الكامل)
قد قلت للرّجل المقسّم أمره: ... فوّض إليه تنم قرير العين
ردّ الأمور إلى العليم بغبّها، ... وتلقّ ما يعطيكه بيدين
الله أنظر لي من النّفس التي ... تغوى، وأرأف بي من الأبوين
عمدة الملك
(المتقارب)
وضع الرضي هذه القصيدة في مدح الموفق بالله أبي علي وزير بهاء الدولة، وفيها يهنئه بتلقيبه عمدة الملك ويذكر فتحه لفارس. وقد أنفذها إليه بفارس في صفر سنة 390.
ضلالا لسائل هذي المغاني، ... وغيّا لطالب تلك الغواني
وما أربي بسؤال الطّلو ... ل إلّا تذكّر ماضي زماني
__________
(1) تروحا: من روّح الإبل أي ردها إلى المراح.(2/430)
خليليّ إن جزتما ضارجا، ... فكرّا المطيّ، وردّا المثاني (1)
وعوجا عليّ أحيّ الدّيار، ... فإنّ الدّيار لمن تعلمان
سقاك، ولو بطما مهجتي، ... نجوم السّماك، أو المرزمان (2)
ولا زال جوّك في ناضر ... من النّور يحمده الرّائدان (3)
ليالي بين برود الشّبا ... ب منّي غصن رطيب المجاني
وقد رجّل البيض من لمّتي ... بطفل الأنامل بضّ البنان (4)
أفالآن لمّا أضاء المشيب، ... وأمسى الصّبا ثانيا من عناني
وقد صقل السّيف بعد الصّدا، ... وبان لظى النّار بعد الدّخان
يردّ الزّمان عليّ الهوى، ... ويطمع في هفوة من جناني
فقل للّيالي: ألا فاقصري، ... كفاني ما عند قلبي، كفاني
فإنّ الموفّق لي جنّة، ... أردّ بها كلّ رام رماني (5)
أغرّ هجان، وما المكرمات ... بطوعي لغير الأغرّ الهجان (6)
أيا عمدة الملك لا استهدمت ... ذراه، وأنت لها اليوم باني
وكيف يني الملك عمّا تروم، ... وسعيك من دونه غير واني (7)
شددت قواه إلى هضبة، ... أواخيّها كلّ عضب يماني (8)
__________
(1) ضارج: اسم موضع كرّا: اعطفا المثاني: ركبتا الدابة ومرفقاها.
(2) السماك: كوكب نيّر، وهما سماكان يقال لأحدهما السماك الرامح لأن أمامه كوكبا صغيرا يقال له راية السماك ورمحهه، وللآخر السماك الأعزل إذ ليس أمامه شيء المرزمان: نجمان.
(3) النّور: الزهر الرائدان، مثنى رائد: المرسل في طلب الكلأ.
(4) الطّفل: الرخص الناعم من كل شيء البض: الرخص.
(5) الجنّة: الترس، الستر، الوقاية.
(6) الهجان: الرجل الحسيب.
(7) يني: يتعب.
(8) الأواخي، جمع أخية: حبل تشد به الخيمة، وهو أيضا حبل يدفن في الأرض مثنيا فيبرز منه شبه حلقة تشد إليه الدابة.(2/431)
مآثر ثبّتّ أطنابها، ... على النّجم والقمر الإضحيان (1)
حدوت إلى فارس بالرّماح، ... بكرّ الرّدى يوم حرب عوان
وجردا تفالت أرسانها ... ليوم النّزال ويوم الرّهان
وأقبلتها كذئاب الغضى، ... تعاسل في الفيلق الأرجوان (2)
تلمّظ ألسنة السّمهر ... يّ، ما بين آذانها للطّعان
بأيدي جريّين لاكوا الحرو ... ب وارتضعوها ارتضاع اللّبان
بحيث ترى العزّ أمّ الشّجاع، ... وتقنع بالذّلّ أمّ الجبان
على كلّ معط عليّ السّيا ... ط لا يستردّ بغير العنان (3)
يكرّ إلى الطّعن سامي اللّبان، ... ويثني عن الطّعن دامي البنان
سرى يعجز النّجم عن طرقه، ... طويل إذا نام ليل الهدان (4)
وعزم يشاور حدّ الحسام، ... ويدنو، وقائمه غير داني
مواقف يذهل فيها الشّجاع، ... فما الظّنّ بالعاجز الهيّبان (5)
نثرت العدا بددا بعد ما ... نظمت الممالك نظم الجمان
وكم عصبة أوضعت في الضّلال، ... تنقّب عن يومها الأرونان (6)
جذبت عن الغيّ أرسانها، ... وقد شافهتها المنايا الدّواني
وأرسلتها بغرار الحسام، ... وخاطبتها بلسان السّنان (7)
فأعطتك آبي أعناقها ... تطيع المقاود بعد الحران
تشكّى موارنها في يديك ... مسّ الخشاش، وجذب العران
فضائل ألّفت أشتاتها، ... ولم تك موجودة بالعيان
__________
(1) القمر الأضحيان: القمر المضيء.
(2) تعاسل: تسارع الفيلق: الجيش.
(3) معط: منقاد.
(4) الهدان: الأحمق الثقيل.
(5) الهيّبان: الذي يخاف الناس، الجبان.
(6) الأرونان: الصعب.
(7) غرار الحسام: حدّه.(2/432)
فما القلم اللّدن في راحتيك ... بأولى من الأسلات اللّدان
لتهنك نعماء سربلتها، ... تقطّع عنها العيون الرّواني
على لقب بيّنت صدقه ... مناقبك الغرّ كلّ البيان
وألقاب قوم، إذا برتها ... تباين ألفاظها والمعاني (1)
فلا أرتجع العزّ معطيكه، ... ولا زلت من عثرة في أمان
ولازم ثوبيك صبغ العلى، ... كما لزمت صبغة الزّبرقان (2)
فما دمت، فالملك واري الزّنا ... د، صافي الموارد، عالي المباني
لقد نال من عزّك الأبعدون، ... وقرّب من شأنه غير شاني
فرشني أكن لك سهم النّضال، ... واغصب عليّ يدي من براني
وحك لي برد العلى ضافيا، ... أحك لك أمثاله من لساني
إذا كنت عوني فمن ذا الذي ... يثبّطني عن بلوغ الأماني
وأنت الزّمان، وأنّى يخي ... ب من كان مستشفعا بالزّمان
زمان الهوى
(الطويل)
في هذه القصيدة يمدح الشاعر أباه ويذم بعض أعدائه، وذلك سنة 374.
زمان الهوى ما أنت لي بزمان، ... ولا لك من قلبي أعزّ مكان
أبعد القباب اللّاء زلن عن الحمى ... أراعي الهوى في أربع ومغان
وسيري أمام الحيّ واللّيل حابس ... على الظّعن من جدل لنا ومثاني (3)
__________
(1) برتها: اختبرتها.
(2) الزبرقان: القمر.
(3) الجدل، جمع أجدل: الحسن المنظر المثاني: ركبتا الدابة ومرفقاها.(2/433)
وملتبس بالرّكب بادرت خلفه، ... ألوّح بالأردان، وهو يراني
وآخر هزّتني إليه ارتياحة، ... ومن دونه ذو صفصف ورعان (1)
تحمّلت سهما أوّلا من فراقه، ... فلمّا رآني لا أخور رماني (2)
أقول له، والدّمع يأخذ ناظري ... بأبيض من ماء الشّؤون، وقاني:
أترضى عن الدّنيا ومولاك ساخط، ... وتمضي طليقا وابن عمّك عاني؟
وفي ذلك الوادي الذي أنبت الهوى ... جنابان من نوّاره، أرجان
وماء تشيه الرّيح كلّ عشيّة، ... كما رقم البرد الصّبيغ يماني (3)
مررت بغزلان على جنباته، ... فأطلقن دمعي واختبلن جناني
وعاجلني يوم الرّفيقين في الهوى، ... عشيّة ما لي بالفراق يدان
يقولان أحيانا: بقلبك نشوة، ... وما علما أنّ الغرام سقاني
وكم غادر البين المفرّق من فتى ... يمسّح قلبا دائم الخفقان
ومنتزع من بين جنبيه زفرة، ... تخلّي دموع العين في الهملان
وما الحبّ إلّا فرقة بعد ألفة، ... وإلّا حذار بعد طول أمان
هو الشّغل استولى على كلّ مهجة، ... وألقى ذراعيه بكلّ جنان
سلوت الهوى والشّوق إلّا ذؤابة ... تراجع قلبي من نوى وتداني (4)
وصرت أرى أنّ الشّجون علاقة، ... تليق بقلب العاجز المتواني
فها أنا ذا لا أمتع العين بالكرى، ... وتأمل قود النّوم بعد حران
تقلّص عن مسّ النّعاس جفونها، ... كما قلّصت للبارد الشّفتان (5)
__________
(1) الصفصف: المستوي من الأرض الرعان، جمع رعن: أنف الجبل، الجبل الطويل.
(2) أخور: أضعف.
(3) تشيه، من الوشي: ترقمه، تزخرفه يماني: رجل يماني.
(4) سلوت: نسيت ذؤابة كل شيء: أعلاه.
(5) تقلّص: تتقبض وتنضم.(2/434)
تجمجم للأطماع في كلّ ليلة، ... وتقلع عن قلبي بغير بيان (1)
غرضت من العلياء وهي تطول بي، ... كما غرض المقصوص بالطّيران (2)
ولو شئت جلّى بي إلى غاية العلى ... جوادي، ولكنّي أردّ عناني
ومولى دعا غيري إلى ما يريده، ... ولو أنّني ممّن يجيب دعاني
وحاول أمرا يعصب الرّيق دونه ... بناجد مزؤود الفؤاد جبان (3)
ينازعني الشّحناء أنّى لقيته، ... ولو أنّني يوما حذرت رقاني (4)
وعوراء لم أنصت إليها، ولم أرد ... جوابا لها، والقول ليس بوان (5)
ولكنّني أغضيت عنها كأنّما ... أقول بسمعي، أو أعي بلساني
أرى السّرح أولى بي من الكور في الوغى، ... وما ناقتي إلّا فداء حصاني (6)
ولمّا تعاطينا النّزال انبرى لنا ... ملبّ على أعواده بلبان (7)
فسدّد رمحا لم يكن بمثقّف، ... وجرّد عضبا لم يكن بيماني
حذار، بني العنقاء، من متطاول ... إلى الحرب لا يخشى جناية جان
وداهية تصمي القلوب كأنّما ... تمطّر عن قوس من الشّريان (8)
فهذا وعيد سطوتي من ورائه، ... وعنوان ناري أن يبين دخاني
فلا يحسب الأعداء كيدي غنيمة، ... ولا أنّني في الشرّ غير معان
__________
(1) تجمجم: تخفي، تستر.
(2) غرض: ضجر، ملّ.
(3) يعصب الريق: يجف الناجد: الواضح المزؤود: المذعور.
(4) الشحناء: البغضاء رقاني، من الرقي: السحر.
(5) العوراء: الكلمة النابية أو الفعلة القبيحة الواني: الضعيف.
(6) الكور: رحل الناقة. والمعنى أن السرح، أي الجواد، أولى به يوم الحرب من الناقة، لأنه أجول وأعدى.
(7) الملب، من ألب الفرس: جعل له لببا وهو ما يشد من سيور السرج في صدر الدابة اللبان: جمع لبانة: الحاجة.
(8) تمطر: تسرع الشريان: شجر تصنع منه القسي.(2/435)
فإنّي بحمد الله أقوى على الأذى، ... وأنمى على البغضاء والشّنآن (1)
وأبيض من عليا معدّ، كأنّما ... تلاقى على عرنينه القمران
إذا رمت طعنا بالقريض حميته ... وإن رمت طعنا بالرّماح حماني
يجود، إذا ضنّ الجبان، بنفسه ... ويمضي، إذا ما زلّت القدمان
بصير بتصريف الأعنّة إن سرى ... ليوم نزال، أو ليوم رهان
ترامى به الأيّام، وهو مصمّم، ... كما يرتمي بالماتح الرّجوان (2)
إذا ما احتبى يوم الخصام كأنّما ... يحدّثنا عن يذبل وأبان (3)
أبا أحمد! أنت الشّجاع، وإنّما ... تجرّ العوالي عرضة لطعان
ولمّا غوى الغاوون فيك، وفرّجت ... ضلوع على الغلّ القديم حواني
نجوت عن الغمّاء، وهي قريبة، ... نجاء الثّريّا من يد الدّبران (4)
وغيرك غضّ الذّلّ من نجواته، ... وطامن للأيّام شخص مهان (5)
وحال الأذى بين المراد وبينه، ... كما حيل بين العير والنّزوان (6)
وكان كفحل البيت يطمح رأسه، ... فألقى على حكم الرّدى بجران (7)
وآخر راخى من قواك ببدعة، ... ستشرد في الدّنيا بغير عنان
فأشهد أن ما عرّقت فيه هاشم، ... ولا علّ يوما من لبان حصان (8)
__________
(1) البغضاء والشنآن: الحقد.
(2) الماتح: نازع الماء من البئر الرجوان: ناحيتا البئر، جمع رجا.
(3) يذبل وأبان: جبلان.
(4) الدبران: من منازل القمر، عدة نجوم: بجوار الثريا.
(5) طامن: سكن، خفض.
(6) العير: الحمار النزوان: الوثوب، مثل يضرب للعاجز عن أمر ما.
(7) الجران: مقدم عنق البعير. يقال: ألقى فلان على هذا الأمر جرانه، أي وطن نفسه عليه رأسه: منصوب على نزع الخافض، والمراد يطمح برأسه أي يشمخ.
(8) علّ: أشرب، أي أرضع لبان: صدر الحصان: المرأة العفيفة.(2/436)
إذا المرء لم يحفظ ذماما لقومه، ... فأحج به أن لا يفي بضمان (1)
ونازعك العلياء من آل غالب ... شعوب، ومن أدّ، ومن غطفان (2)
فوارس يلقون الرّدى بنفوسهم ... سراعا، ولا يدعون يا لفلان
ولو شئت لمّا طالعتك رماحهم، ... وأطرافها عوج إليك دواني
هرقت دماء ما لها، الدّهر، طالب، ... كما هرقت خرقاء قعب لبان (3)
وحيّ بثثت الخيل بين بيوتهم، ... وكانوا على أمن من الحدثان
أقمتهم من روعة عن شوائهم ... يمشّون بالأعراف كلّ بنان (4)
أأغضي على ضيم، وعزّك ناصري، ... وباعي طويل من وراء سناني؟
إذا، فعداني الضّيف في كلّ ليلة، ... وكبّت بأعجاز البيوت جفاني (5)
وما ارتاع مطلوب يكون وراءه ... بأغلب من آل النّبيّ هجان (6)
لك الخير لا أرضى بغيرك حاكما ... عليّ، ولا أعطي القياد زماني
وإن أطلب الضّخم اللّغاديد غايتي، ... فربّ جماد عدّ في الحيوان (7)
__________
(1) أحج به: أخلق به.
(2) آل غالب، أدّ، غطفان: اسماء قبائل.
(3) الخرقاء: الحمقان اللبان: جمع لبن.
(4) يمشون: يمسحون الأعراف: أعراف الخيول، الأصيلة منها.
(5) الجفان، جمع جفنة: القصعة.
(6) هجان: أصحاب أصل.
(7) اللغاديد، جمع لغدود ولغديد: ما أطاف بالفم من اللحم، أو الزوائد من اللحم في باطن الأذن.(2/437)
عناق الأماني
(الوافر)
يمدح الرضي في هذه القصيدة أبا سعد بن خلف ويهنئه بمهرجان 376.
أمن شوق تعانقني الأماني، ... وعن ودّ يخادعني زماني؟
وما أهوى مصافحة الغواني، ... إذا اشتغلت بناني بالعنان (1)
عدمت الدّهر كيف يصون وجها ... يعرّض للضّراب وللطّعان
وأسفع لثّمته الشّمس ندب، ... أبينا أن يلقّب بالهجان (2)
وكم متضرّم الوجنات حسنا، ... إذا جرّبته، نابي الجنان
تعرّفني بأنفسها اللّيالي، ... وآنف أن أعرّفها مكاني
أنا ابن مفرّج الغمرات سودا، ... تلاقى تحتها حلق البطان (3)
وجدّي خابط البيداء حتّى ... تبدّى الماء من ثغب الرّعان (4)
قضى، وجياده حول العوالي، ... ووفد ضيوفه حول الجفان (5)
تكفّنه ظبى البيض المواضي، ... ويغسله دم السّمر اللّدان
نشرت على الزّمان وشاح عزّ، ... ترنّح دونه المقل الرّواني
خفيري في الظّلام أقبّ نهد، ... يساعدني على ذمّ الزّمان (6)
جواد ترعد الأبصار فيه، ... إذا هزأت برجليه اليدان
__________
(1) العنان: الزمام، الرسن.
(2) الأسفع: سواد مشرب بحمرة الهجان: الكريم الحسيب.
(3) البطان: الحزام الذي يجعل تحت بطن الدابة.
(4) الثغب: الغدير في ظل جبل لا تصيبه الشمس فيبرد ماؤه الرعان، جمع رعن: أنف الجبل.
(5) العوالي: الرماح العالية، الطويلة الجفان: القصاع، جمع جفنة.
(6) الأقب: الضامر النهد: الفرس الحسن الجميل.(2/438)
كأنّي منه في جاري غدير ... ألاعب من عناني غصن بان
حييّ الطّرف إلّا من مكرّ ... يبيّن من خلائقه الحسان
إذا استطلعته من سجف بيت ... ظننت بأنّه بعض الغواني (1)
سأطلع من ثنايا الدّهر عزما، ... يسيل بهمّة الحرب العوان (2)
ولا أنسى المسير إلى المعالي، ... ولو نسيته أخفاف الحواني (3)
وألطاف السّحاب لكلّ دار ... صحبنا ربعها خضل المغاني
وكنّا لا يروّعنا زمان، ... بما يعدي البعاد على التّداني
ونأنف أن تشبّهنا اللّيالي ... بشمس، أو سنا قمر هجان
فها أنا والحبيب نودّ أنّا ... تدانينا، ونحن الفرقدان
وليل أدهم قلق النّواصي، ... جعلت بياض غرّته سناني
وصبح تطلق الآجال فيه، ... وناظر شمسه في النّقع عاني (4)
عقدت ذوائب الأبطال منه ... بأطراف المثقّفة الدّواني
وشعث فلّهم طلب المعالي، ... وفلّوا كلّ منجرد حصان (5)
أقول لهم ثقوا بالله فيها، ... ففضل يد المعين على المعان
ولا تتعرّضوا بالعزّ، إنّي ... رأيت العزّ خوّار العنان
فما ركب العلى إلّا عليّ، ... ومسّح عطفها بعد الحران
سعى، والشّمس ترقى في أناة، ... فجاز، وسيرها في الجوّ وان (6)
رموا منك المدى، والخيل شعث ... بمصقول العوارض واللّبان
يد لم تخل من قصب العوالي، ... تزعزعهنّ، أو قصب الرّهان
__________
(1) السجف: الستر.
(2) العوان من الحرب: التي قوتل فيها مرة بعد مرة.
(3) الحواني: النياق التي تعطف على أولادها، جمع حانية.
(4) النقع: الغبار العاني: الأسير.
(5) فلّهم: كسرهم، فرّقهم.
(6) أناة: تمهّل، تأنّ.(2/439)
تركت لهم عيون الطّعن تدمى ... بمنخرط من التّامور قان (1)
وقد نصل الدّجى عن صدر يوم ... من الخرصان مخضوب البنان (2)
وأجساد تشاطرها المنايا، ... نفوسا، في ضراب أو طعان
هو الغمر الرّداء لعزمتيه ... بكلّ دفاع نائبة يدان (3)
وما نهض امرؤ بالحزم إلّا ... وصادف حلمه ملقى الجران (4)
يضمّ الخائف الظّمآن منه ... حمى يفترّ من برد الأماني
وتضحك ناره وضحا، إذا ما ... رغت نار القبائل بالدّخان
ويوم مثل شدق اللّيث جهم، ... يفلّ عن الجدال ظبى اللّسان (5)
سددت فروجه بالقول، حتّى ... مددت مشيّعا باع البنان (6)
وغيرك من تروّعه المعالي، ... وتخدعه أغانيّ القيان
إذا ذكر الصّوارم والعوالي، ... تعوّذ بالمثالث والمثاني
وإن طلب الذّحول تهضّمته، ... وباع دم الفوارس باللّبان (7)
أبا سعد! دعاء لو تراخت ... أوائله لعاقبها لساني
ظفرت بما اشتهيت من اللّيالي، ... وأعطيت المراد من الأماني
لكفّك فوزة القدح المعلّى، ... ومنها صولة العضب اليماني (8)
ولمّا خرّق الإظلام جبنا، ... خلعت عليه ثوب المهرجان
__________
(1) المنخرط، من انخرط الجسم: دق، وانخرط في المكان: دخل فيه مسرعا التامور: القلب أو الدم.
(2) الخرصان: الرماح، استعارها للإشارة إلى انبلاج الفجر لما فيها من لمعان.
(3) الغمر الرداء: الواسعة، كناية عن الكريم الواسع المعروف، السخي.
(4) الجران: يقال ألقى فلان على هذا الأمر جرانه إذا وطن عليه نفسه.
(5) جهم: عابس ظبى اللسان: حدّه، وظبى جمع ظبة استعارها للسان السليط.
(6) باع البنان: اليد الطويلة.
(7) الذحول، جمع ذحل: الثأر تهضمته: ظلمته وغصبته.
(8) القدح المعلى: من سهام الميسر العضب: السيف القاطع.(2/440)
إذا طردت رماح اللهو فيه، ... أرقن على الكؤوس دم القنان
وشرب قد نحرت لهم عقارا ... كحاشية الرّداء الأرجواني (1)
كأنّ الشّمس مال بها غروب، ... فأهوت في حيازيم الدّنان (2)
فصل بدم العقار دم الأعادي، ... وأصوات العوالي بالأغاني
فيوم أنت غرّته جواد، ... يبذّ بشأوه طلق القران (3)
جعلت هديّتي فيه نظاما ... صقيلا مثل قادمة السّنان
بلفظ فاسق اللّحظات تنمى ... محاسنه إلى معنى حصان (4)
وصلت جواهر الألفاظ فيه ... بأعراض المقاصد والمعاني
فجاءت غضّة الأطراف بكرا، ... تخيّر جيدها نظم الجمان
كأنّ أبا عبادة شقّ فاها، ... وقبّل ثغرها الحسن بن هاني (5)
اسقني
(مجزوء الرمل)
اسقني، فاليوم نشوان، ... والرّبى صاد وريّان
كفلت باللهو وافية ... لك نايات وعيدان
حاز وفد الرّيح، فالتطمت ... منه أوراق وأغصان
__________
(1) الشّرب: جماعة الشاربين العقار: الخمر.
(2) أي أن الخمر بدت لدى انصبابها في الكؤوس كأنها شعاع الشمس وقت الغروب.
(3) بذ: غلب الشأو: الغاية طلق القران: أراد فرسا غير مقيد القران: حبل يشد به الأسير أو يقاد به البعير.
(4) حصان: عفيف.
(5) أبا عبادة البحتري الحسن بن هاني: أبو نواس، وكلاهما شاعر مشهور.
يختم الشاعر قصيدته مشبها إياها بفتاة بكر تزف الى الممدوح.(2/441)
كلّ فرع مال جانبه، ... فكأنّ الأصل سكران
وكأنّ الغصن مكتسيا، ... من رياض الطّلّ عريان
كلّما قبّلت زهرتها، ... خلت أنّ القطر غيران
ومقيل بين أخبية ... قلته، والحيّ قد بانوا
في أصيحاب مفارشهم، ... ثمّ، أنقاء وكثبان (1)
عسكرت فيها السّحاب كما ... حطّ بالبيداء ركبان
فارتشفنا ريق سارية، ... حيث كلّ الأرض غدران
فاسقني، فالوصل يألفني ... إنّ يوم البين قرحان
قهوة ما زال يقلق من ... مجتناها المسك والبان
غير سمعي للملام، إذا ... ضجّ ساجي الصّوت مرنان (2)
ربّ بدر بتّ ألثمه ... صاحيا، والبدر نشوان
قدت خيل اللّثم أصرفها ... حيث ذاك الخدّ ميدان
لي غدير من مقبّله، ... ومن الصّدغين بستان
في قميص اللّيل عبقة من ... ظنّ أنّ الوصل كتمان
كيف لا تبلى غلائله، ... وهو بدر، وهي كتّان (3)
وندامى كالنّجوم سطوا ... بالمنى، والدّهر جذلان
كم تخلّت من ضمائرهم، ... ثمّ، ألباب وأذهان
خطروا، والخمر تنفضهم، ... وذيول القوم أردان
كلّ عقل ضاع من يقظ ... فهو في الكاسات حيران
إنّما ضلّت عقولهم، ... حيث يعييهنّ وجدان
فاختلس طعن الزّمان بها، ... إنّما الأيّام أقران
__________
(1) الأنقاء: جمع نقا: الرمل المتهدّل كثبان، جمع كثيب: تل مرمل.
(2) الساجي: الساكن المرنان: المصوّت.
(3) كان في اعتقاد العرب أن نور القمر يبلي الكتان إذا وقع عليه.(2/442)
قلبي مأمون
(الوافر)
حبيبي! هل شهود الحبّ إلّا اش ... تياق، أو نزاع، أو حنين؟
لقد آوى محلّك من فؤادي ... مكان، لو علمت به، مكين
إذا قدّرت أنّي عنك سال، ... فذاك اليوم أعشق ما أكون
فلا تخش القطيعة! إنّ قلبي، ... عليك اليوم، مأمون أمين
الفؤاد يطيعه
(الطويل)
جنى، وتجنّى، والفؤاد يطيعه، ... فيأمن أن يجنى عليه كما يجني
إلى كم تسيء الظّنّ بي متجرّما، ... وأنسب سوء الظّنّ منك إلى الضّنّ
وو الله لا أحببت غيرك واحدا، ... أليّة برّ لا تخاف، فنستثني (1)
فإن لم تكن عندي كسمعي وناظري، ... فلا نظرت عيني، ولا سمعت أذني
وإنّك أحلى في جفوني من الكرى، ... وأعذب طعما في فؤادي من الأمن
صبرا غريم الثأر
(الكامل)
صبرا غريم الثّأر من عدنان، ... حتّى تقرّ البيض في الأجفان (2)
أوما اتّقيت، وقد كفيت فوارسا ... يتجاذبون عوالي المرّان (3)
__________
(1) الأليّة: اليمين البر: الصادق في يمينه نستثني: أي أنه يستثني شيئا من يمينه خشية أن لا يصدق بها.
(2) البيض في الأجفان: السيوف في الأغماد.
(3) عوالي المران: عوالي الرماح.(2/443)
من كلّ ميّال العمامة، كفّه ... تلوي الرّداء على أغرّ هجان (1)
في كلّ يوم أو بكلّ مقامة، ... يتذاكرون مقاتل الفرسان
إذ لا يضيفون المعائب بينهم، ... وبيوتهم وقف على الضّيفان
الضّامنين لطيرهم مهج العدا، ... عن كلّ ضرب صادق وطعان
الرّاكبين الخيل تعرفها بهم ... تحت العجاج إذا التقى الخيلان
قوم إذا هطلت سحاب أكفّهم ... هطل الحيا، فتعانق القطران
وإذا حووا سبق القبائل خلّقوا ... غرر السّوابق بالنّجيع القاني (2)
وإذا رأيتهم على سرواتها، ... أبصرت عقبانا على عقبان (3)
أساد حرب لا ينهنهها الرّدى، ... تحت الظّبى، وأسنّة المرّان
يطأون خدّ التّرب وهو مضرّج ... من طعنهم بدم القلوب الآني (4)
يا آل عدنان الذين تبوّأوا ... في المجد كلّ ممنّع الأركان
أيديكم أري العباد وشريها، ... ومفاتح الأرزاق والحرمان (5)
وإليك عطّ بي الظّلام عذافر، ... متجلبب بالنّصّ والذّملان (6)
وإذا ترشّفه السّرى في جريه، ... لفظت يديه مكامن الغيطان
وكأنّ نورا منك عاق لحاظه، ... فأتاك لا يرنو إلى الغدران
كفّاك في اللأواء ينقع فيهما ... ظمأ المطامع، أو صدا الخرصان (7)
__________
(1) الهجان: طيّبوا بالخلوق، وهو ضرب من الطيب.
(2) خلقوا: طيّبوا بالخلوق، وهو ضرب من الطيب النجيع: الدم.
(3) سروات الخيل: ظهورها.
(4) مضرج: مخضب الآني: الحار.
(5) الأري: العسل الشري: الحنظل.
(6) عط الظلام: شقه العذافر: الشديد من الإبل النص والذملان: ضربان من السير.
(7) اللأواء: الشدّة الخرصان: الرماح الخفيفة والقصيرة.(2/444)
في ضمّر يخرجن من حلل الدّجى ... كالغضف خارجة من الأرسان (1)
قدم السّرور بقدمة لك بشّرت ... غرر العلى، وعوالي التّيجان (2)
فلقت ظبى الأسياف منك بعرجة، ... فيكاد ينهضها من الأجفان
وأتى الزّمان مهنّئا يحدو به ... غلّ المشوق، وغلّة اللهفان
قد كان هذا الدّهر يلحظ جانبي ... عن طرف ليث ساغب ظمآن (3)
فالآن حين قدمت عدن صروفه ... يرمقنني بنواظر الغزلان
يا منتهى الآمال بل يا محتوي ال ... آجال، بل يا أشجع الشّجعان
يا أفضل الفضلاء بل يا أعلم ال ... علماء، بل يا أطعن الأقران
يا قائد الجرد العتاق بهيبة، ... تغنيه عن لجم، وعن أرسان
يا ضارب الهامات، وهي نوافر، ... تشكو تفرّقها إلى الأبدان
يا طاعنا بالرّمح يرعف زجّه ... علقا، بمجّة عامل وسنان (4)
هذي القوافي واثقات أنّها ... من رحب جودك في أعزّ مكان
تاهت إليك على القريض فردّها، ... بنداك، تائهة على الأزمان
اليوم الصقيل
(البسيط)
وربّ يوم صقيل الوجه تحسبه ... مرصّعا بجباه المرّد العين
أتاك يقتاد عيدا في حقائبه ... زاد السّرور على الطّير الميامين (5)
__________
(1) الغضف: الكلاب المسترخية الآذان.
(2) القدمة: السابقة في الأمر.
(3) ساغب: جائع.
(4) الزج: الحديدة في أسفل الرمح العلق: الدم.
(5) الحقائب، جمع حقيبة: الرفادة في مؤخر الحمل.(2/445)
فالبس جلابيبه البيض التي شرفت، ... واخرج عن الصّوم من أثوابه الجون (1)
إليك يستنّ، والأحشاء يتبعها، ... عن غرب فكر بغرب الشّوق مقرون
جاءت تهنّيك بالودّ الذي علقت ... منّا الضّمائر لا يوم الشّعانين
اليوم ينصل
(البسيط)
اللّيل ينصل بين الحوض والعطن، ... والبرق يسدي برود العارض الهتن (2)
والجفن يفترّ عن طرف صحبت به ... إنسانه مثقل العطفين بالوسن
في ليلة أوعدت بالبين، فاختلست ... من العيون بقايا غبّر الوسن (3)
حتّى نظرت، ولي عين مؤرّقة، ... تقسّم الدّمع بين الرّبع والظّعن (4)
قنا آل فهر
(الطويل)
قنا آل فهر لا قنا غطفان، ... حمت أهلها من طارق الحدثان
بني عامر! ما لي وللدّهر بعد ما ... يشتّت بي عن صعدتي وحصاني (5)
__________
(1) الجون: السود.
(2) نصل من الشيء: خرج منه يسدي، من أسدى الثوب: أقام سداه، أي مد خيوطه، عكس اللحمة. أي أن البرق يبدو بلمعانه كأنه ينسل ثوب الغيم الماطر.
(3) الغبر: البقايا.
(4) المعنى أنه يقسم دمعه بين الربع والظعن التي رحلت بمن فيها من النساء.
(5) الصعدة: القناة المستوية.(2/446)
وقد كنت لا أصغي إلى السّلم ساعة، ... وأتبع داعي الحرب أين دعاني
دعوا صهوات الخيل تدمى وفرّقوا ... رجالا عن البغضاء والشّنآن (1)
فكم صاحب تدمى عليّ بنانه، ... ويظهر أنّ العزّ لثم بناني
يضمّ حشى البغضاء عند تغيّبي، ... ويجلو جبين الودّ حين يراني
مسحت بحلمي ضغنه عن جنانه، ... فلمّا أبى مسّحته بسناني
سبقت برميي قلبه، فأصبته، ... ولو لم أصبه عاجلا لرماني
صاحب الجدث
(الكامل)
يا صاحب الجدث الذي نفثت به، ... فاسترجعته برغمنا الأزمان
نبكيك لو يثنى بأدمعنا الرّدى، ... أو يرعوي لبكائنا الحدثان
أنزلت أقرب منزل منّا فلم ... بعد المدى وتعذّر اللّقيان
لولا هجير الدّمع، بل هجر الكرى، ... دفنتك في أحشائها الأجفان
على طريق مكة المكرمة
(الكامل)
يمدح الشريف هنا أباه ويذكر وقعة كانت له في بني غويث على طريق مكة المكرمة.
بمجال عزمي يملأ الملوان، ... وتضلّ فيه بوائق الأزمان (2)
عزم رضيع لبان أطراف القنا، ... فى حيث يرضع من نجيع لبان (3)
__________
(1) الشنآن: البغض.
(2) الملوان: الليل والنهار، مثنى ملا.
(3) لبان: لبن نجيع: دم لبان: صدر.(2/447)
كم من حشى خطب شققت ضميره، ... وأرقت في دمه دم الأضغان
واللّيل منخرق القميص عن الضّحى، ... قد كدت أرقعه بنقع حصاني
وكأنّ أنجمه وجوه خرائد، ... سترت من القسطال بالأردان (1)
وخرجت عن أعجازه من بعد ما ... جذب النّعاس عمائم الرّكبان
في مهمه صقل المحول متونه، ... لم يصد قطّ بوابل هتّان (2)
أرض حصان من ملامسة الحيا، ... والأرض تحمد منه غير حصان
ثمّ ارتمت بالغيث فيه غمامة، ... وسقت غليل الجدب بالتّهتان (3)
فطوى الحيا برد النّحول ونشّرت ... رمم الصّعيد غدائر الأغصان (4)
وكأنّ أنفاس الصّبا في حجرها، ... يسفحن دمع المزن في الحجران
دمعا، إذا ما فاض صوّر أعينا، ... حيث استقرّ به من الغدران
وتريك من أوراقهنّ أهلّة، ... تحت الغزالة، شرّد الغزلان (5)
ولكم عقدت عرى الخطاب بخطبة ... حلّت بفيصلها عرى الحدثان
لي همّة أقطعتها قصد القنا، ... في قصد يومي معرك ورهان
لو حاربت أفق السّماء لفرّقت ... بين الثّريّا فيه والدّبران (6)
عنوان بأسي أن يصول مهنّدي، ... وردى عدوّي أن يطول لساني
لا تجمعنّي والزّمان، فإنّه ... عود يحكّ جرانه بجراني (7)
__________
(1) القسطال: الغبار.
(2) مهمه: مفازة هتان: متساقط.
(3) التهتان: المطر الدائم. والمعنى أن هذه المفازة الماحلة لم يتردد فيها صوت وقع المطر.
(4) الحيا: المطر.
(5) تحت الغزالة: تحت الشمس.
(6) الدبران: القمر، احد مواقع القمر.
(7) العود: المسن من الإبل الجران: يقال ضرب بجرانه أي ثبت واستقر، وهو من المجاز المنقول من الكناية من قولهم: ألقى البعير جرانه إذا برك، وألقى فلان على هذا الأمر جرانه: ثبت عليه.(2/448)
إنّي لألحظ ذا الأنام مجانبا ... عن مقلة وحشيّة الإنسان
أسطو بجأش فتى يفرّق سيفه ... جيش الحمام، إذا التقى الجمعان (1)
من آل عدنان الّذين كفاهم ... أنّ ابن موسى من بني عدنان
النّازلين، إذا تقارعت القنا، ... والبيض خارجة عن الأجفان
يحشون أحشاء الوفاض، إذا هم اح ... تزموا بفضل ذوائب الشّجعان (2)
لبسوا العمائم، مذ رأوا أسيافهم ... أبدا تذلّ معاقد التّيجان
وإذا الحسين دعاهم بجيادهم ... حشدت إليه مصرّة الآذان
متواترات في الطّلوع مغيرة ... لفظ السّواغب من نوى قرّان (3)
ليث به سفك الطّعان دم القنا ... بدماء أهل الشّرك والطّغيان
لمّا فزعن من التّحطّم في الطّلى، ... جعل القلوب تمائم الخرصان (4)
لولاه ما طبعت ظبى لتقارع، ... أبدا، ولا قطعت قنا لطعان
لله يومك في غويث إنّه ... يوم به يشجى بنو غيلان
بالحصن، إذ دعت القنا خرصانها، ... وتحصّنت في أنفس الفرسان (5)
غاضت مياه وجوههم خوف الرّدى، ... فكأنّها فاضت إلى الأجفان
صبّحتهم بيد تطوّح بالظّبى، ... ويد تدقّ عوالي المرّان
لدنا تهزّ طعينها، فتخاله ... في الطّعن وثّابا إلى الأقران
قطّعت أنفاس الحمام بجريها، ... حتّى كبا في الهام والأبدان
فكأنّما الأرماح ضلّت في الوغى، ... حتّى انثنت تستاف كلّ جنان (6)
__________
(1) الجأش: النفس الوثابة.
(2) الوفاض، جمع وفضة: وعاء يحمل فيه الراعي أداته وزاده.
(3) السواغب: الجياع قرّان: قرية باليمامة.
(4) التمائم، جمع تميمة: تعويذة تعلّق في عنق الصبي لرد العين الخرصان:
الرماح.
(5) الخرصان (هنا)، جمع خرص: حلقة في الرمح.
(6) تستاف: تشم.(2/449)
والخيل تعثر بين أطراف القنا، ... مصبوغة بدم القلوب الآني
ستر السّهام فروجها، فكأنّما ا ... دّرعت إليك مدارع الظّلمان
لو أنّ أنفاس الرّياح تصاعدت ... في نقعها طارت مع العقبان
خضت الظّلام إليهم بسنابك ... خاضت قلوب مواقد النّيران (1)
وفريت وفرة ليلهم بصوارم ... وصلت عرى الإصباح باللّمعان
حسر الدّجى فنصبت أعناق العدا ... قبلا لنيل رواكع الشّريان (2)
فتركتهم صرعى بكلّ مفازة، ... وكأنّما صعقوا على الأذقان
تخفي النّسور بزفّها أجسادهم ... عن ناظر الرّيبال والسّرحان (3)
نبثت مناسرها الجراح، كأنّها ... بالنّبث تسبر وقع كلّ سنان (4)
حتّى رجعت بفتية قصفوا القنا، ... ورموا بكلّ حنيّة مرنان (5)
لو أمكنوا وصلوا بكلّ مثقّف ... يسم الطّلى في الطّعن، كلّ بنان
أسد برى الإسآد نحض جيادهم ... بالكرّ والتّضراب والتّطعان (6)
لو عقّدت بعضا ببعض في السّرى، ... كانت له بدلا من الأرسان
يهني بني عدنان وقعتك التي ... جذبت بضبع الدّين والإيمان (7)
لو لم تحلّ طلى الأعادي عقّدوا ... بعرى القلوب سبائب الأحزان
قدها، فغرّتها من الكلم الجني، ... وحجولها من صنعة ومعان (8)
هي نطفة رقرقتها من خاطري، ... بيضاء تنقع غلّة الظّمآن
__________
(1) السنابك: الحوافر.
(2) حسر: كشف الشريان: شجر تصنع من أغصانه القسي.
(3) الزّف: بسط الطائر جناحيه الريبال: الأسد السرحان: الذئب.
(4) نبثت: نبشت مناسرها: مناقيرها السبر: امتحان غور الجرح.
(5) الحنيّة: القوس.
(6) الإسآ: سير الليل كله النحض: اللحم.
(7) الضبع: العضد.
(8) قدها: احملها، والضمير للقصيدة.(2/450)
لون الشبيبة
(الكامل)
يمدح الرضي الخليفة الطائع لله ويشكره على هداياه، ويذكر نارا شبت في بعض دوره، وذلك سنة 378.
لون الشّبينة أنصل الألوان، ... والشّيب جلّ عمائم الفتيان (1)
نبت بأعلى الرّأس يرعاه الرّدى، ... رعي المطيّ منابت الغيطان
الشّيب أحسن، غير أنّ غضارة ... للمرء في ورق الشّباب الآني (2)
وكذا بياض النّاظرين، وإنّما ... بسوادها تتأمّل العينان
لهفي على زمن مضى، وكأنّني ... من بعده كلّ على الأزمان (3)
أفنيته طاغي العرام، كأنّما ... في أمّ رأسي نخوة السّكران (4)
يرجو الفتى خلس البقاء، وإنّما ... جارا حياة العمر مفترقان
متعرّض إمّا للون حائل ... بين الذّوائب، أو لعمر فان
ما لي وما للدّهر قلقل صرفه ... عزمي، وقطّع بينه أقراني
ورمى بشخصي حرّ كلّ مفازة، ... لا يستقلّ بها مطيّ جبان
متغربا لا أستجير بمنزل، ... فإذا نزلت، فعقلة الضّيفان (5)
سيفي رفيقي في البلاد، وهمّتي ... متعلّلي، وجوانحي خلّاني
يشكو الحبيب إليّ شدّة شوقه، ... وأنا المشوق، وما يبين جناني
وإذا هممت بمن أحبّ أمالني ... حصر يعوق وعفّة تنهاني (6)
__________
(1) النصل: النزع، يقال نصل شعره أي خرج من الخضاب.
(2) الآني، من أنى: حان، أدرك.
(3) الكل: العيال.
(4) العرام: الشراسة والأذى.
(5) عقلة الضيفان: المدة التي يعقل فيها الضيف دابته.
(6) الحصر: التضييق الحصر: ضيق الصدر.(2/451)
لله ما أغضت عليه جوانحي، ... والشّوق تحت حجاب قلبي عان
ما مرّ برق في فروج غمامة، ... إلّا وأعدى القلب بالخفقان
وإذا تحرّكت الرّياح تحرّكت ... بين الضّلوع غوامض الأشجان
أجممت لحظي عفّة وسجيّة، ... أن لا أجمّ البيض في الأجفان (1)
غيران دون العرض لا أسخو به، ... والعرض خير عقيلة الإنسان
وأذود عن سمعي الملام كأنّه ... عضو أخاف عليه حدّ سنان
لي يقظة الذّئب الخبيث، فإن جرى ... سفه، فعندي نومة الظّربان (2)
حدث على الأحباب لا أشكو الذي ... يشكو، ولا أنسى الذي ينساني
أشكو النّوائب، ثمّ أشكر فعلها، ... لعظيم ما ألقى من الخلّان
وإذا أمنت من الزّمان، فلا تكن ... إلّا على حذر من الإخوان
كم من أخ تدعوه عند ملمّة ... فيكون أعظم من يد الحدثان
لولا يقين القلب أنّك حبسه، ... لعصى وهمّ عليك بالعدوان
كم عمّمتني بالظّلام مطيّة ... بعد إعوجاج عمائم الرّكبان
واللّيل أعمى دون كلّ ثنيّة، ... والدّهر غير مغمّض الأجفان (3)
وكأنّ أنجمه أسنّة فيلق ... طلعت بها صمّ الكعوب دواني
بطل يعمّم بالحسام من الأذى ... إنّ السّيوف عمائم الشّجعان
قطع الهوينا، واستمرّ، وإنّما ... بعض التّوكّل في الأمور توان
ميت يهون على الفوارس فقده، ... من لا يرقّ عوالي المرّان
ما ضاق همّا كالشّجاع، ولا خلا ... بمسرّة، كالعاجز المتواني
يا راكب الهوجاء تغترف الخطى، ... طلق الظّليم، وغاية السّرحان
أبلغ أمير المؤمنين رسالة، ... روعاء، نافرة عن الأقران
أجزلت عارفتي وعوّدت العطا ... عقبي، وولّيت اليراع بناني (4)
__________
(1) أجممت: تركت.
(2) الظربان: دويبة كالهرة منتنة الرائحة.
(3) الثنية: طريق العقبة.
(4) العارفة: المعروف، العطاء.(2/452)
ما ضرّني أن لو بعدت عن الغنى ... أبدا، وأنّي من لقائك دان
ويسرّني أن لا يراني دائل، ... ومعظّم يوما، وأنت تراني
ذكراك آخر ما يفارق خاطري، ... ونداك أوّل وارد يلقاني
وإذا حططت عليك أقسمت المنى ... أن لا أميل ذوائب الكيران (1)
وتركت أيدي العيس غير مروعة ... من صفصف متعرّض ورعان (2)
وإذا الفتى بلغ المنى من دهره، ... عاف المسير، ولذّ بالأوطان
أنت المعين على مآرب جمّة، ... وجماح حادثة وريب زمان
والمستجار، إذا تصافحت القنا ... بصدورها، والتفّت الفئتان
متيقّظ لا القلب يفتر همّه ... يوما، ولا الجفنان ينعقدان
وكأنّما صرف الزّمان أعاره ... عيني قطاميّ برأس قنان (3)
لا يصحب الأيّام إلّا راغبا ... في وصلتي، أو سائلا عن شاني
في كلّ يوم يستثير عجاجة، ... هوجاء، راغبة على القيعان (4)
في فيلق تعمى الغزالة دونه، ... وتكوس خابطة بغير طعان (5)
متضايق غصّت به فيح الفلا، ... ضيق القلائد في رقاب غوان
وفوارسا يتسمّعون إلى العلى، ... نغمات كلّ حنيّة مرنان
مشقوا بأطراف القنا قمم العدا ... إنّ الرّماح مخاصر الفرسان
وإذا الغبار نهى العيون تدافعوا ... في الرّوع واتّكلوا على الآذان
أسد كأنّ على سنابك خيلهم، ... يوم اللّقاء، مسفّة العقبان (6)
__________
(1) الكيران، جمع كور: الرحل، الحمل.
(2) العيس: النياق الصفصف: الأرض المستوية الرعان: أنف الجبل أو الجبل الطويل.
(3) القطامي: الصقر القنان: القمم.
(4) الهوجاء: الريح القوية القيعان، جمع قاع: الأرض المنبسطة انفرجت عنها الجبال.
(5) الغزالة: الشمس تكوس: تمشي على ثلاث قوائم.
(6) السنابك: الحوافر مسفّة، من أسف الطائر: دنا من الأرض في طيرانه.(2/453)
ترعى الجماجم والجميم إزاءها، ... ودم الطّلى بدلا من الغدران (1)
لو شئت شتّتت الثّريّا شملها ... جزعا، وهمّ النّسر بالطّيران
ليس الحمائم بالبطاح، وحجرها ... بأعزّ ممّا نلته بأمان
عجبا لنار جاورتك خديعة ... في أيّ ناحية وأيّ مغاني
ما كان ذا إلّا تخمّط عارة، ... بدّلت من هبواتها بدخان (2)
ما ضرّ ليث الغاب نار أضرمت ... في غابه، ونجا بغير هوان
ومتى تهضّم ضيغم، وتولّعت ... بحيا الغيوث أنامل النّيران
وأنا ابن عمّك ما يسوك يسوءني ... عمر الزّمان، ومن رماك رماني
ماذا، فليس بضائري أن لم أكن ... لك جار بيت، أو رضيع لبان
ولأنت حسرة ذي الخمول وما درى ... أنّ الثّريّا حسرة الدّبران (3)
أنا حرب ضدّك فارضني حربا له، ... وارض السّنان مصمّما لطعان
وكفاك شكري أنّ برّك ظاهر ... عندي وما يخفى على الأعيان
وإذا سكتّ، فإنّ أنطق من فمي ... عنّي فم المعروف والإحسان
فاكفف سماحك واثن من غلوائه ... إنّ الغنى في بعض ما أعطاني (4)
فليشكرنّك ما شكرتك غالب، ... وذوائب الآباء من عدنان
ما مات من كثر الثّناء وراءه ... إنّ المذمّم ميّت الحيوان
هذا الإمام يذودني عن وجهه، ... ويسومني لقيا ذوي الشّنآن
متكلّفا أقتات بشر معاشر، ... لهم إليّ تشازر الغيران (5)
تتناتج الأحقاد بين ضلوعهم، ... ويزمّلون أجنّة الأضغان (6)
__________
(1) الجميم: النبات الكثير الطلى: الأعناق.
(2) التخمط: الالتطام الهبوات: الغبار، جمع هبوة.
(3) الدبران: القمر، أو أحد مواقعه.
(4) الغلواء: حماسة الشباب.
(5) التشازر: تبادل النظر الحاقد.
(6) يزملون: يخفون الأضغان: الأحقاد.(2/454)
وأنا الفقير، على غزارة جوده، ... فإذا أراد بي الغنى أدناني
لم آل جهدا في الثّناء، وإنّما ... غطّى بعرض نداه طول لساني
طمع المعادي أن يقرّبه، ومن ... صافى عدوّا لي، فقد عاداني
طلب العلى، وأبوه غير مهذّب ... بين الورى والأمّ غير حصان
ولأنت أولى أن تربّ صنائعا، ... كثرت بهنّ مطامع وأماني (1)
وإذا بقيت فقد شفيت من العدا ... قلبي، وأعطيت الأمان زماني
حيلة الخوّان
(الكامل)
ونمى إليّ من العجائب أنّه ... لعبت بعقلك حيلة الخوّان
وتملّكتك خديعة من قولة، ... غرّارة الأقسام والأيمان
حقّا سمعت، وربّ عيني ناظر ... يقظ تقوم مقامها الأذنان
أين الذي أضمرته من بغضه، ... وعقدته بالسّرّ والإعلان
أم أين ذاك الرّأي في إبعاده، ... حنقا، وأين حميّة الغضبان
سبحان خالق كلّ شيء معجب، ... ما فيكم من كثرة الألوان
يوم لذا، وغد لذاك، وهذه ... شيم مقطّعة قوى الأقران
فالآن منك اليأس ينقع غلّتي، ... واليأس يقطع غلّة الظّمآن (2)
فاذهب كما ذهب الغمام رجوته، ... فطوى البروق، وضنّ بالهتّان (3)
أوبعد أن أدمى مديحك خاطري ... بصقال لفظ، أو طلاب معاني
لا بارك الرّحمن في مال به ... يعدى البعيد على القريب الدّاني
__________
(1) ترب: تجمع.
(2) ينقع غلتي: يسكّن عطشي.
(3) ضن بالهتّان: بخل بالمطر.(2/455)
لي مثل ملكك لو أطعت تقنّعي، ... وذوو العمائم من ذوي التّيجان
ولعلّ حالي أن يصير إلى على، ... فالدّوح منبتها من القضبان
فاحذر عواقب ما جنيت فربّما ... رمت الجناية عرض قلب الجاني
أعطيتك الرّأي الصّريح، وغيره ... تنساب رغوته بغير بيان
وعرضت نصحي، والقبول إجازة، ... فإذا أبيت لويت عنك عناني
ولقد يطول عليك أن أصغي إلى ... ذكراك، أو يثني عليك لساني
جبلا نجد
(الطويل)
أيا جبلي نجد أبينا، سقيتما: ... متى زالت الأظعان، يا جبلان
أناديكما شوقا، وأعلم أنّه، ... وإن طال رجع القول، لا تعيان
أقول، وقد مدّ الظّلام رواقه، ... وألقى على هام الرّبى بجران
نشدتكما أن تضمراني ساعة، ... لعلّي أرى النّار التي تريان
وألقى، على بعد من الدّار، نفحة ... تذمّ على عيني من الهملان (1)
قفا صاحبيّ اليوم أسأل ساعة، ... ولا ترجعا سمعي بغير بيان
هل الرّبع بعد الظّاعنين كعهده، ... وهل راجع فيه عليّ زماني
وهل مسّ ذاك الشّيح عرنين ناشق، ... وهل ذاق ماء باللّوى شفتان
لقد غدر الأظعان يوم سويقة، ... ويدمى لذكر الغادرين بناني (2)
ولا عجب، قلبي، كما هنّ، غادر، ... على أنّ أضلاعي عليه حواني
لك الله هل بعد الصّدود تعطّف ... وهل بعد ريعان البعاد تداني
وما غرضي أنّي أسومك خطّة، ... كفاني قليل من رضاك كفاني
__________
(1) تذم: تأخذ الذمة الهملان: السيلان.
(2) سويقة: موضع ببطن مكة يسكنه آل الإمام علي بن أبي طالب.(2/456)
وعاذلة قرط لأذني عذلها، ... تلوم، وما لي بالسّلوّ يدان
أعاذلتي، لو أنّ قلبك كان لي، ... سلوت، ولكن غير قلبك عاني
ألا ليت لي من ماء يبرين شربة ... ألذّ لقلبي من غريض لبان (1)
أداوي بها قلبا على النّأي لم تدع ... به فتكات الشّوق غير حنان
ولولا الجوى لم أبغ إلّا مدامة، ... بطعن القنا، إبريقها الودجان (2)
إذا سكر العسّال من قطراتها، ... سقيت حميّاها أغرّ يماني (3)
ولي أمل لا بدّ أحمل عبئه، ... على الجرد من خيفانة وحصان (4)
وكلّ رعود الشّفرتين، كأنّه ... سنى البرق إمّا جدّ في اللّمعان
وأسمر هزهاز الكعوب، كأنّه ... قرا الذّئب مجبول على العسلان (5)
فإن أنا لم أركب عظيما فلا مضى ... حسامي ولا روّى الطّعان سناني
__________
(1) يبرين: موضع قريب من الاحساء الغريض: الأبيض الطري. وقد وردت رضيع مكان غريض في نسخة أخرى.
(2) الودجان، جمع ودج: عرق في العنق ينتفخ عند الغضب.
(3) العسّال: الرمح المهتز اليماني: السيف اليماني.
(4) الخيفانة: الجرادة شبهت بها الفرس لخفتها.
(5) القرا: الظهر العسلان الإضطراب والإهتزاز.(2/457)
أمين الله
(مجزوء الكامل)
دعا الخليفة الطائع لله الشريف الرضي إلى داره، فسار إليها في يوم الخميس لعشر ليال بقين من رمضان سنة 380. فاستقبله أفضل استقبال وقدم له الخلع السود، وزاد في إعظامه وإكرامه، وأجلسه في رتبة أبيه، وهي أجل المراتب في مجلسه. ثم انصرف وقد حملت معه عمامة خز سوداء، ودراعة خز دكناء، وقميص أبيض. فكتب هذه القصيدة يشكره على تتابع نعمه ويهنئه بعيد الفطر.
الآن أعربت الظّنون، ... وعلا على الشّكّ اليقين
وارتاحت الآمال في ... أطرافها جذل ولين
من غمّة كاللّيل شا ... ب لها الذّوائب والقرون (1)
واليوم بان لناظري ... ما أثمرت تلك الغصون
وتمطّت العشراء نا ... هضة، وقد علم الجنين (2)
ألآن لمّا امتدّ بي ... طوبى وأصحب لي القرين
وعضضت من نابي على ... جذم ونجّذني الشّؤون (3)
أغضي على خدع النّوا ... ئب أو تظنّ بي الظّنون
وعلى أمير المؤمني ... ن لموئلي جبل حصين
إنتاشني شلو النّوا ... زل، والنّوائب لي شجون (4)
وسطا بأيّامي، فقد ... جعلت عرائكها تلين
__________
(1) الذوائب والقرون: خصل الشعر.
(2) تمطّت: امتدت العشراء: التي مضى على حملها عشرة أشهر.
(3) الجذم: الأصل نجّذني: أحكمني الشؤون: الأمور.
(4) انتاشني: أخرجني الشلو: المسلوخ أكل منه شيء وبقيت منه بقية.(2/458)
وأضاء لي زمني، وأ ... يّام الفتى بيض وجون
ملكا بني العبّاس، فالرّا ... جي مقامكم غبين
أنتم لها إن هاب خ ... طّتها جبان، أو ظنين
ما فيكم إلّا أل ... دّ على عظائمها مرون
حتّى يزول فحولها ... منكم وقد دانوا ودينوا
عكفوا على العلياء ما ... فيهم على مجد ضنين
ينفون شائبها، كما ... عكفت على البيض القيون (1)
لهم الجياد مغذّة، ... ينتابها الحرب الزّبون (2)
وقنيصها لهم قرى، ... وظهورها لهم حصون
معتادة شرب الدّما ... ء، وعندها الماء المعين
غضبى، إذا لم يلق أع ... ينها ضريب أو طعين
يا من له الرّأي الزّني ... ق، ومن له الحلم الرّزين (3)
ومروّح الإبل الطّلا ... ح رمت بهنّ نوى شطون (4)
من بعد ما خشعت غوا ... ربها وقد قلق الوضين (5)
لك ذروة البيت المع ... ظّم، والأباطح والحجون (6)
أترى أمين الله إ ... لّا من له البلد الأمين
لله درّك حيث لا ... تسطو الشّمال ولا اليمين
والأمر أمرك لا فم ... يوحي، ولا قول يبين
لمّا رأيتك في مقا ... م يستطار به الرّكين
__________
(1) البيض: السيوف القيون، جمع قين: الحداد.
(2) الحرب الزبون: التي يزبن أي يدفع بعضها بعضا.
(3) الزنيق: المحكم.
(4) الطلاح: المهازيل شطون: بعيدة.
(5) الوضين: بطان عريض منسوج من شعر، وقد يكون من جلد.
(6) الأباطح: بطاح مكة الحجون: جبل قرب مكة المكرمة.(2/459)
واليوم أبلج تستضي ... ء له ظهور، أو بطون
ورأيت ليث الغاب مع ... ترضا، له الدّنيا عرين
أقدمت إقدام الّذي ... يدنو، وشافعه مكين
فلذاك ما ارتعد الجنا ... ن حيا ولا عرق الجبين
وسمت بفضلك غرّة ... تغضي لهيبتها الجفون
وامتدّ من نور النّب ... يّ عليك عنوان مبين
وجمال وجهك لي بني ... ل جميع ما أرجو ضمين
فأفيضت الخلع السّوا ... د عليّ ترشقها العيون
شرف خصصت به وقد ... درجت بغصّته القرون
وخرجت أسحبها ولي ... فوق العلى، والنّجم دون
جذلا، وللحسّاد من ... أسف زفير، أو أنين
وحملت من نعماك ما ... لا تحمل الأجد الأمون (1)
وكففتني عن معشر ... خطط المنى فيهم حزون
من كلّ جهم الصّفحتي ... ن كأنّ وجنته وجين (2)
هنّاك عيدك، سعده ... ما كان منه وما يكون
والعيد أن تبقى لك العل ... ياء، والحسب المصون
عزّ بلا كدر من الدّن ... يا، وبعض العزّ هون
وأرى العلى جدّاء، إ ... لّا أنّها لكم لبون (3)
حمدا لما تولي فإنّ الحم ... د للنّعماء دين
وبقيت طول الدّهر لا ... يجتاحك الأجل الخؤون
وعليّ منّك ضافيا، ... وعلى أعاديك المنون
__________
(1) الأجد: الناقة القوية الأمون: الموثقة الخلق.
(2) جهم: عابس الوجين: الأرض الغليظة.
(3) الجداء: الصغيرة الثدي الذاهبة اللبن اللبون: ذات اللبن.(2/460)
رثاء صديق
(الطويل)
وضع هذه القصيدة في رثاء صديق حميم له.
ألا مخبر، فيما يقول، جليّة ... يزيل بها الشّكّ المريب يقين
أسائله عن غائب كيف حاله، ... ومن نزل الغبراء كيف يكون
وما كنت أخشى من زماني أنّني ... أرقّ على ضرّائه وألين
إلى ان رماني بالّتي لا شوى لها، ... فأعقب من بعد الرّنين أنين (1)
معيني على الأيّام فجّعنني به، ... فما لي على أحداثهنّ معين
غلبن على علقي النّفيس فحزنه، ... وفارقني علق عليّ ثمين (2)
سمحت به إذ لم أجد عنه مدفعا، ... وإنّي على عذري به لضنين
وإنّ أحقّ المجهشين لعبرة ... ووجد، قرين بان عنه قرين
وما تنفع المرء الشّمال وحيدة، ... إذا فارقتها بالمنون يمين
تجرّم عام لم أنل منك نظرة، ... وحان، ولم يقدر لقاؤك، حين (3)
وكيف، وقد قطّعن منك علائقي، ... وسدّت شعوب بيننا ومنون (4)
أضبّ جديد الأرض دونك والتقت ... عليك رجام كالغياطل جون (5)
تجاور فيها هامدين تعطّلوا، ... ومن قبل دانوا في الزّمان ودينوا
مقيمين منها في بطون ضرائح، ... حوامل لا يبدو لهنّ جنين
__________
(1) لا شوى لها: لا بقيا لها.
(2) العلق: النفس من كل شيء.
(3) تجرم: انقضى.
(4) الشعوب: المنية.
(5) أضبّ: شمله الضباب الرجام: الحجارة الغياطل: الظلمات جون:
سود.(2/461)
أمرّ بقبر قد طواك صعيده، ... فأبلس حتّى ما أكاد أبين (1)
وتنفضّ بالوجد الأليم أضالع، ... وترفضّ بالدّمع الغزير شؤون (2)
فإلّا يكن عقر فقد عقرت له ... خدود، بأسراب الدّموع عيون (3)
ولا عجب أن تمطر العين فوقه، ... فإنّ سواد العين فيه دفين
توقّعي
(المنسرح)
توقّعي أن يقال قد ظعنا، ... ما أنت لي منزلا ولا سكنا
يا دار قلّ الصّديق فيك، فما ... أحسّ ودّا، ولا أرى سكنا
ما لي مثل المذود عن أربي، ... ولي عرام يجرّني الرّسنا (4)
ألين عن ذلّة، ومثلي من ... ولّى المقادير جانبا خشنا
معطّلا، بعد طول ملبثه، ... منازلا قد عمرتها زمنا
تلعب بي النّائبات واغلة، ... كما تهزّ الزّعازع الغصنا
أيقظن منّي مهنّدا ذكرا، ... إلى المعالي وسائقا أرنا (5)
كيف يهاب الحمام منصلت، ... مذ خاف غدر الزّمان ما أمنا
لم يلبس الثّوب من توقّعه الأم ... ر، إلّا وظنّه كفنا
أعطشه الدّهر من مطالبه، ... فراح يستمطر القنا اللّدنا
__________
(1) الصعيد: التراب أبلس: أتحير.
(2) الشؤون: مجاري الدمع.
(3) الاسراب: الطرق، المجاري.
(4) المذود: المدفوع العرام: الحدة، الشراسة يجرني الرسنا: يتركني أصنع ما أشاء.
(5) أرنا: ناشطا.(2/462)
لي مهجة لا أرى لها عوضا، ... غير بلوغ العلى، ولا ثمنا
وكيف ترجو البقاء نفس فتى ... ودأبها أن تضعضع البدنا
فيما مقامي على معطّلة، ... رنّق لي ماؤها وقد أجنا (1)
أكرّ طرفي، فلا أرى أحدا ... إلّا مغيظا عليّ مضطغنا
ينبض لي من لسانه أبدا ... نصال ذمّ تمزّق الجننا (2)
وكلّ مستنفر، ترائبه ... تحمل ضبّا عليّ قد كمنا (3)
إن مرّ بي لم أعج به بصرا، ... أو قال لي لم أمل له أذنا
من معشر أظهروا الشّجاعة في البخ ... ل، وعند المكارم الجبنا
بله عن المجد غير أنّهم ... قد شغلوا بالمغايب الفطنا
يستحقبون الملام إن ركبوا ... ويحملون الظّنون والظّننا (4)
نحن أسود الوغى، إذا قصف الطع ... ن قنا الخطّ في جوانبنا
ملتفّ أعياصنا إلى مضر ... أمرّ عيداننا لعاجمنا (5)
نجرّ ما شئت من لسان فتى ... إن هدرت ساعة شقاشقنا (6)
إنّ أبانا الذي سمعت به ... أسّس في هضبة العلى وبنى
ما ضرّنا أنّنا بلا جدة، ... والبيت والرّكن والمقام لنا
وهمّة في العلاء لازمة، ... تلزم صمّ الرّماح أيدينا
__________
(1) المعطلة: البئر الفارغة رنق: كدر أجن: تغير طعمه ولونه.
(2) ينبض، من أنبض الرامي القوس: جذب وترها لترن الجنن، جمع جنة:
الستر، الوقاية.
(3) الترائب: عظام الصدر، جمع تريبة الضب: الحقد الخفي.
(4) الظنن: التهم.
(5) أعياصنا: أصولنا، والأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس وهم:
العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص العاجم: المختبر.
(6) نجر: نمنع الكلام الشقاشق، جمع شقشقة: شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج.(2/463)
طلابنا المجد من ذوائبه، ... روّحنا بعد أن أضرّ بنا
نأخذ من جمّة العلى أبدا ... ما أخذ الضّرب من جماجمنا
سوف ترى أنّ نيل آخرنا ... من العلى فوق نيل أوّلنا
وأنّ ما بزّ من مقادمنا، ... يخلفه الله في عقائلنا (1)
ذلك ورد قذى لسابقنا، ... والآن يجلى القذى للاحقنا
دين على الله لا نماطله ال ... شّكر عليه، ولا يماطلنا
لأوقرنّ الرّكاب سائرة، ... عزما يكدّ الأبدان والبدنا (2)
حتّى تهاوى من اللّغوب وتس ... تنجد بعد المناسم الثّفنا (3)
حزّا إلى المجد من أزمّتها، ... ليس كحزّ الأعاجز الظّعنا
لأبلغ العزّ، أو يقال فتى ... جنت عليه يد الرّدى وجنى
ستعلمون
(الرجز)
ستعلمون ما يكون منّي ... إن مدّ من ضبعيّ طول سنّي (4)
أأدع الدّنيا، ولم تدعني، ... يلعب بي عناؤها المعنّي
ناطحة بالجمّ هام القرن، ... نطاح روق الجازئ الأغنّ (5)
وسعت أيّامي، ولم تسعني، ... أفضل عنها، وتضيق عنّي
__________
(1) بز: سلب، أخذ العقائل، جمع عقيلة: الكريمة المخدرة من النساء.
(2) لأوقرن: لأحملن البدن، جمع بدنة: هي كالأضحية من الغنم.
(3) اللّغوب: التعب الثفن، جمع ثفنة: الركبة.
(4) ضبعي: عضدي.
(5) الجم، جمع أجم: ما لا قرن له الجازئ: الثور الوحشي المجتزئ أي المكتفي بالعشب عن الماء الأغن: الذي يخرج صوته من خياشيمه.(2/464)
لم أنا مثل القاطن المبنّ، ... أسحب بردي ضرع وأفن (1)
ولي مضاء قطّ لم يخنّي، ... ضمير قلبي وضمير جفني
أحصل من عزمي على التّمنّي، ... وليتني أفعل، أو لو انّي
راض بما يضوي الفتى ويضني، ... أسّس آبائي وسوف أبني
قد عزّ أصلي، ويعزّ غصني، ... غنيت بالمجد، ولم أستغن
إنّ الغنى مجلبة للضّنّ، ... وللقعود والرّضا بالوهن
الفقر ينئي، والثّراء يدني، ... والحرص يشقي، والقنوع يغني
إن كنت غير قارح، فإنّي ... أبذّ جري القارح المسنّ (2)
جننت بأسا، والشّجاع جنّي، ... أثار طعن الدّهر في مجنّي (3)
يشهد لي أنّ الزّمان قرني، ... سوف ترى غبارها كالدّجن
قساطلا مثل غوادي المزن، ... تجري بضرب صادق وطعن (4)
جري عزالي المطر المستنّ، ... إن غبت يوما عنك فاطّلبني (5)
بين المواضي والقنا تجدني ... أمام جيش كجنوب الرّعن (6)
جون الذّرى أقود مرجحنّ، ... أنفض عنه نقعه بردني (7)
لتعرفنّي، ولتعرفنّي، ... أيّام أقني بالقنا، وأغني (8)
__________
(1) المبن، من أبن في المكان: أقام فيه الضرع: الذل الأفن: ضعف الرأي والعقل.
(2) أبذ: أغلب القارح: البعير الذي نبت نابه.
(3) المجن: الترس.
(4) قساطل، جمع قسطل: غبار.
(5) عزالي المطر: شدته.
(6) الرعن: الجبل الطويل، أنف الجبل.
(7) الجون: الأسود الذرى: الأعالي الأقود: الجبل الطويل المرجحن:
الثقيل الردن: الرمح.
(8) أقني بالقنا: ألزمها.(2/465)
أقرّ عين الفاقد المرنّ، ... عساي أنفي الضّيم، أو لعنّي (1)
كم صبر خافي الشّخص مستجنّ، ... منطمر من الأذى في سجن (2)
مرتهن بهمّة تعنّي، ... يا ليتها بنهضة فدتني
من قبل أن يغلق يوما رهني ... متى تراني والجواد خدني (3)
والنّصل عيني والسّنان أذني، ... وأمّي الدّرع، ولم تلدني
أجرّ فضل ذيلها الرّفنّ، ... ما احتبس الرّزق فساء ظنّي (4)
ولا قرعت من قنوط سنّي، ... يا أيّها المغرور لا تهجني
وعذ بإغضائي، واستعذني، ... واحذر عداء قاطع في ضمني
ينطق عنّي بلسان ضغني ... نبّهت يقظان قليل الأمن
مخرّق الثّوب بطعن اللّدن، ... يا دهر سيفي معقلي وحصني
والخوف يغري طلبي فخفني، ... يا ليت مقدورك لم يؤمنّي (5)
جنيت من قبل وسوف أجني، ... أثني يدي، والعزم أن أثنّي
تلاقى النّيران
(الوافر)
في هذه القصيدة يهنئ خاله أبا الحسين بن الناصر بمولود جاءه بعد بنت.
حقيق أن تكاثرك التّهاني، ... بأيمن أوّل وأعزّ ثاني
أرى بدرا أضاء بعقب شمس ... مباركة الطّلوع على القران
__________
(1) المرنّ: المصوت لعني: لعلّي.
(2) مستجن: مستتر، مختبئ.
(3) خدني: حبيبي، صديقي. يغلق رهني: يقال غلق الرهن في يد المرتهن، أي لم يقدر الراهن على فكاكه، وهو مثل يضرب لمن يقع في أمر لا يرجو خلاصا منه.
(4) الرفن: الطويل الذيل.
(5) يؤمّني: لم يوفر الأمان، والبيت غير سليم من جهة الوزن.(2/466)
وقال النّاس من عجب وعجب: ... تلاقى في السّماء النّيّران
هو الذّكر المرشّح للمعالي، ... وللبيض القواضب واللّدان
ستنظره، إذا اتّسعت سنوه، ... وأخرجه زمان عن زمان
ربيبا للصّوارم والعوالي، ... وتربا للمفاوز والرّعان (1)
طليق الكفّ في يوم العطايا، ... جريّ الرّمح في يوم الطّعان
ربيط الجأش طلّاع الثّنايا، ... إلى الغايات روّاغ العنان
مقارعة الذّوابل في الهوادي، ... أخفّ عليه من نغم القيان (2)
وأحسن عنده من كلّ ثغر، ... مضيء، رونق العضب اليماني
تراه أين خيّم في اللّيالي، ... عزيز الجار مورود الجفان
ينال المجد من عنق المذاكي، ... ويجني العزّ من طرف السّنان (3)
وليس جواده في النّقع إلّا ... طليعة كلّ يوم أرونان (4)
يربّى بين أحشاء المعالي، ... ويودع بين أجفان الأماني
وعاد حماك من ولع الغوادي ... عميم النّبت مغمور المغاني
يشيّعني بوصفك كلّ نطق، ... ويعرفني بمدحك من رآني
وليس الوصف إلّا بالتّناهي ... وليس القول إلّا بالبيان
سقاها
(الطويل)
سقاها، وإن لم يرو قلبي بيانها، ... وهل تنطق العجماء أقوى معانها (5)
ضمان على قلبي الوفاء لأهلها، ... وثمّ ظباء لا يصحّ ضمانها
__________
(1) الرعان، جمع رعن: أنف يتقدم الجبل، أو الجبل الطويل.
(2) الهوادي: الأعناق.
(3) العنق: ضرب من السير المذاكي: الخيول.
(4) الأرونان: الصعب.
(5) العجماء: البهيمة، وأراد هنا الدار أقوى: خلا معانها: منزلها.(2/467)
عرضن بما روّى الغليل اعتراضها، ... ولا قطع الدّمع اللّجوج اعتنانها (1)
وهل نافع أن يملأ العين حسنها ... إذا هي لم تحسن إلينا حسانها
تذكّرت أيّاما بذي الأثل بعدما ... تقضّى أواني في الصّبا وأوانها
يطيّب أنفاس الرّياح ترابها، ... ويخضلّ من دمع الغمائم بانها
ولمّا عطفت النّاظرين بلفتة ... إلى الدّار خلّى عبرة العين شانها (2)
ليالي تثنيني عواطف صبوتي ... إلى بدويّات تثنّى لدانها
ولا لذّة إلّا الحديث كأنّه ... لآل على جيداء واه جمانها
عفاف كما شاء الإله يسرّني، ... وإن سيء منه بكرها وعوانها (3)
أألآن لمّا اعتمّ بالشّيب مفرقي، ... وجلّى الدّجى عن لمّتي لمعانها
ونجّذني صرف الزّمان ووقّرت ... على الحلم نفسي وانقضى نزوانها
تروم العدا أن تستلان حميّتي، ... وقبلهم أعدى عليّ حرانها
أنا الرّجل الألوى الذي تعرفونه، ... إذا نوب الأيّام ألقي جرانها (4)
إذا كان غيري من قريش هجينها، ... فإنّي على رغم العدوّ هجانها (5)
وإن يك فخر أو نضال، فإنّني ... لها يدها طورا، وطورا لسانها
وإنّي من القوم الذين ببأسهم ... يذلّل من أيّامهم حدثانها
إذا غبّروا في الجوّ ضاق فضاؤه ... وإن نزلوا البيداء غمّت رعانها (6)
فوارس تجري بالدّماء رماحها، ... وتفهق بالنيّ الغريض جفانها (7)
__________
(1) اعتنانها: ظهورها.
(2) شانها: مجراها.
(3) العوان: هي من النساء من كان لها زوج.
(4) الألوى: الشديد الخصومة ألقي جرانها: ألقت ثقلها، وحملت النفس على الخصومة.
(5) الهجين: من كان أبوه عربيا وأمه أمة الهجان: الشريف، الحسيب.
(6) الرعان، جمع رعن: أنف الجبل والجبل الطويل.
(7) تفهق: تمتلئ النّي: الشحم الغريض: الطري جفانها: قصاعها، جمع جفنة.(2/468)
يثور، إذا أوفى الصّباح، عجاجها، ... ويعلو، إذا جنّ الظّلام، دخانها
وإنّي لوثّاب على كلّ فرصة ... تخيل على الرّائي، ويخفى مكانها
سبقت، وقفّيتم بكلّ طليعة ... على عقبي يلوي بها هدجانها (1)
وما كنت إلّا كالثّريّا تحلّقا، ... يدفّ على آثارها دبرانها (2)
عصائب ما استام الفخار وضيعها، ... ولا استأنف العزّ الجديد مهانها
إذا لحظتني أمسكت بأكفّها، ... عليّ، قلوبا دائما خفقانها
فلا هي يوما فيّ ينفذ كيدها، ... ولا ينجلي من غيّها شنآنها
يريد المعالي عاطل من أداتها ... وهيهات من محصوصة طيرانها (3)
دعوها لمن ربّاه مذ كان حجرها، ... وأرضعه حتّى استقلّ لبانها
ولا تخطبوها بالرّجاء، فما أرى ... تدنّس بالبعل الدّنيّ حصانها
رآني بهاء الملك سيفا عليكم، ... جريء الظّبى لا ينثني صلتانها (4)
فجرّدني من بعد طول صيانة، ... وإنّ مضرّا بالسّيوف صيانها
أفاض، بلا منّ، عليّ كرامة، ... ونقص الأيادي أن يزيد امتنانها
خرجت أجرّ الذّيل منها وقد نزت ... قلوب العدا منّي، وجنّ جنانها (5)
وليس على زهر الكواكب سبّة، ... إذا غضّ من أنوارها زبرقانها (6)
وقرّب لي وافي العذار تلبّست ... به خيلاء ما يزول افتنانها
ألا إنّ أصناف السّيوف كثيرة، ... وأقطعها هنديّها ويمانها
وكلّ أنابيب القناة شريفة، ... وأشرفها، لو تعلمون، سنانها
فكيف، وأنتم وثبة اللّيث إذ رمى ... تخمّطها في جمعكم واستنانها (7)
__________
(1) الهدجان: مشية الشيخ المسن.
(2) يدف: يمشي مشيا خفيفا الدبران: القمر، من منازل القمر.
(3) المحصوصة: المتناثرة الجناح، من الحاصة وهي داء يسقط الشعر.
(4) الظبى، جمع ظبة: حد السيف الصلتان: السيف المصلت، المجرد.
(5) نزت: وثبت، نفرت.
(6) السبّة: العار الزبرقان: القمر.
(7) تخمّطها: التطامها استنانها: اضطرابها.(2/469)
وكان يسوء السّامعين سماعها، ... فصار يهول النّاظرين عيانها
فمن مبلغ عنّي الجبان بأنّني ... أنا المورد الشّقراء يدمى لبانها
ولو لم تعن كفّي قناة قويمة، ... لأجرى ينابيع الدّماء بنانها
بلينا، ونحن النّاهضون إلى العلى، ... بزمنى يمنّيها الغرور زمانها (1)
ذئاب أرادت أن تعازز ضيغما، ... فطال على مرّ الزّمان هوانها
رأوا فترة منّا، فظنّوا ضراعة، ... وتلك بروق غرّهم شولانها (2)
فكيف تعرّضتم بغير نباهة، ... لصعبة عزّ في يديّ عنانها
فإن تعتطل يوما من الدّهر صعدتي، ... فقد طال في نحر العدوّ طعانها (3)
وإن تستجمّ النّائبات سوابقي، ... فمن قبل ما بذّ الجياد رهانها (4)
إلى الصابي
(الطويل)
كتب أبو إسحق الصابي إلى الرضي يشكو إليه زمنة عرضت له حتى صار يحمل في المحفة، وذلك في قصيدة مطلعها:
إذا ما تعدّت بي وسارت محفّة
لها أرجل يسعى بها رجلان.
فأجابه الرضي بهذه القصيدة.
ظمائي إلى من لو أراد سقاني، ... وديني على من لو يشاء قضاني
__________
(1) الزمنى: أصحاب العاهات.
(2) الفترة: الهدوء، الاستكانة الضراعة: الذل الشولان: الارتفاع.
(3) الصعدة: الرمح.
(4) بذّ: غلب. وقد وردت تستجر مكان تستجم في نسخة أخرى.(2/470)
ولو كان عندي معسرا لعذرته، ... ولكنّه، وهو المليء، لواني (1)
رمى مقتلي واسترجع السّهم داميا، ... غزال بنجلاوين تنتضلان
أأرجو شفاء منه، وهو الذي جنى ... على بدني داء الضّنى وشجاني
أبيت، فلم استسق من كان غلّتي، ... ولم أسترش من كان قبل براني (2)
مررت على تلك الدّيار، ووحشها ... دوان، ومن يحكين غير دواني
فأنكرت العينان، والقلب عارف، ... قليلا، ولجّا بعد في الهملان
عشيّة بلّتني الدّموع كأنّما ... رداواي بردا ماتح خضلان (3)
ضمنّ وصالي ثمّ ماطلن دونه، ... وإنّ ضمان البيض شرّ ضمان
أمنك طروق الزّور أيّة ساعة، ... وعيد خيال عاد أيّ أوان؟
ألمّ بعوج كالحنايا مناخة ... على جزع واد ذي ربى ومجاني (4)
وميل كخيطان الأراك ترنّحوا، ... فمن ذقن مستقبل بلسان (5)
ومالوا على البوغاء من كلّ جانب، ... عواطف أيدي توأم وثوان (6)
يقودهم منّي غلام غشمشم، ... معين على البأساء غير معان (7)
إذا انفرجت منه السّجوف لناظر ... تألّق نور من أغرّ هجان (8)
وإنّي لآوي من أعزّ قبيلة ... إلى نضد، أو جامل عكنان (9)
__________
(1) المليء: الغني، المقتدر لواني: مطلني.
(2) استرش، من استراش السهم: ألزق عليه الريش.
(3) رداواي: مثنى رداء الماتح: نازع الماء من البئر خضلان: مبتلان.
(4) ألمّ: نزل العوج: الإبل الضامرة.
(5) خيطان، جمع خوط: الغصن الناعم.
(6) البوغاء: التربة الرخوة التوأم: الذي يولد مع آخر في بطن واحد، فلقة التوأمين.
(7) الغشمشم: الذي يركب رأسه لا يثنيه شيء عن مراده.
(8) السجوف، جمع سجف: ستر هجان: حسيب، كريم.
(9) النضد: الشرف الجامل: أصحاب الجمال، الجمّال العكنان: الإبل الكثيرة.(2/471)
وإنّ قعودي أرقب اليوم أو غدا، ... لعجز، فما الإبطاء بالنّهضان
سأترك في سمع الزّمان دويّها، ... بقرعي ضراب صادق وطعان
وأخصف أخفافا بوقع حوافر ... إلى غاية تقضي منى، وأماني (1)
فإن أسر، فالعلياء همّي، وإن أقم، ... فإنّي على بكر المكارم باني
وإن أمض أترك كلّ حيّ من العدا ... يقول: ألا لله نفس فلان
أكرّر في الإخوان عينا صحيحة، ... على أعين مرضى من الشّنآن (2)
فلولا أبو إسحق قلّ تشبّثي ... بخلّ، وضربي عنده بجرّان (3)
هو اللّافتي عن ذا الزّمان وأهله، ... بشيمة لا وان، ولا متوان
إخاء تساوى فيه أنسا وألفة ... رضيع صفاء، أو رضيع لبان
تمازج قلبانا مزاج أخوّة، ... وكلّ طلوبي غاية أخوان
وغيرك ينبو عنه طرفي مجانبا، ... وإن كان منّي الأقرب المتداني
وربّ قريب بالعداوة شاحط ... وربّ بعيد بالمودّة داني (4)
لئن رام قبضا من بنانك حادث، ... لقد عاضنا منك انبساط جنان
وإن بزّ من ذاك الجناح مطاره، ... فربّ مقال منك ذي طيران (5)
وإن أقعدتك النّائبات، فطالما ... سرى موقرا من مجدك الملوان (6)
وإن هدمت منك الخطوب بمرّها، ... فثمّ لسان للمناقب باني
مآثر تبقى ما رأى الشّمس ناظر، ... وما سمعت من سامع أذنان
وموسومة مقطوعة العقل لم تزل ... شوارد قد بالغن في الجولان
وما زلّ منك الرّأي والحزم والحجى ... فنأسى، إذا ما زلّت القدمان
ولو أنّ لي، يوما، على الدّهر إمرة، ... وكان لي العدوى على الحدثان
__________
(1) خصف النعل: أطبق عليها مثلها.
(2) الشنآن: البغض.
(3) الضرب بجران: أراد الثبات والاستقرار.
(4) شاحط: بعيد.
(5) بزّ: سلب.
(6) الملوان: الليل والنهار.(2/472)
خلعت على عطفيك برد شبيبتي ... جوادا بعمري واقتبال زماني
وحمّلت ثقل الشّيب عنك مفارقي، ... وإن فلّ من غربي وغضّ عناني (1)
ونابت طويلا عنك في كلّ عارض ... بخطّ وخطو أخمصي وبناني
على أنّه ما انفلّ من كان دونه ... حميم يرامي عن يد ولسان
وما كلّ من لم يعط نهضا بعاجز ... ولا كلّ ليث خادر بجبان
وإنّك ما استرعيت منّي سوى فتى ... ضموم على رعي الأمانة حان
حفيظ، إذا ما ضيّع المرء قومه، ... وفيّ، إذا ما خوّن العضدان
من الله أستهدي بقاءك أن ترى ... محلّا لأسباب العلى بمكان
وأسأله أن لا تزال مخلّدا ... بملقى سماع بيننا وعيان
إذا ما رعاك الله يوما، فقد قضى ... مآرب قلبي كلّها، ورعاني
أسرة تنبت التيجان
(البسيط)
كتب إليه أبو إسحق إبراهيم بن هلال الصابي المذكور يمدحه، وأرسل مع القصيدة رقعة يعتذر فيها من تأخره عليه بسبب علته، ومطلع مدحيته:
أبا كل شيء قيل في وصفه حسن،
الى ذاك ينحو من كناك أبا الحسن
فأجابه عن هذه القصيدة على الروي عينه.
دع من دموعك بعد البين للدّمن، ... غدا لدارهم، واليوم للظّعن
هل وقفة بلوى خبت مؤلّفة ... بين الخليطين من شام ومن يمن (2)
__________
(1) فلّ: ثلم الغرب: الحد غض: خفض.
(2) خبت: موضع بالشام.(2/473)
عجنا على الرّكب أنضاء محزّمة، ... أثقالها الشّوق من باد ومكتمن (1)
موسومة بالهوى يدرى برؤيتها ... أنّ المطايا مطايا مضمري شجن
ثمّ انثنينا على يأس، وقد وجلت ... نواظر بمجاري دمعها الهتن
تروم ردّ نفوس بعد طيرتها ... على قوادم من وجد ومن حزن
تعريسة بين رملي عالج ضمنت ... بلّ الغليل لقلب الموجع الضّمن (2)
بتنا سجودا على الأكوار يحملنا ... لواغب قد لطمن الأرض بالثّفن (3)
أهفو إلى الرّيح إن هبّت يمانية، ... تحدو زعازعها عيرا من المزن (4)
أبى ضميري إلّا ذكره، وأبى ... تعرّض البرق إلّا أن يؤرّقني
شوق ألمّ، وما شوقي إلى أحد، ... سوى الذي نام عن ليلي وأيقظني
إن زاغ قلبي، فإنّ الهجر أحرجني، ... وإن صبرت، فإنّ اليأس صبّرني
وكم رمتني من الأقدار منبضة ... لم تثن باعي، ولم يحرج لها عطني (5)
ما كنت أعلم، والأيّام عالمة، ... أنّ اللّيالي تقاعيني لتنهشني (6)
قد أدمج الهمّ في عنقي حبائله، ... ولزّة الهمّ تنسي لزّة القرن (7)
إن يبل ثوبي، فإنّي أكتسي حسبي، ... أو تود خيلي، فإنّي أمتطي منني (8)
وأدخل البيت لم تأذن قعائده، ... على الحصان أمام القوم والحصن (9)
__________
(1) عجنا: وقفنا، ملنا أنضاء، جمع نضو: المهزول من الإبل.
(2) التعريس: نزول القوم آخر الليل للإستراحة الضمن: العاشق.
(3) الأكوار: الأحمال لواغب، من اللغب: الإعياء الثفن: ما مسّ الأرض من ركب البعير وأفخاذه.
(4) الزعازع: الرياح الشديدة العير: القافلة، الأمطار المتلاحقة.
(5) المنبضة: المصوّتة من القسي يحرج: يضيق العطن: مبرك الإبل.
(6) تقاعيني: تجالسني، من أقعى الرجل أي تساند الى ما وراءه.
(7) اللزّة، من لزه: شده وألصقه.
(8) تودى: تهلك منني، جمع منة: القوة.
(9) القعائد: النساء، لقعودهن في البيت.(2/474)
لا أطلب المال إلّا من مطالبه، ... ولا يفي لي بذل المال بالمنن
إنّ البخيل الذي قد بات يؤنسني، ... مثل الجواد الذي قد بات يمطلني
لقد تقدّم بي فضلي، بلا قدم ... أعظم بأمر على ذي السّنّ قدّمني
لا يبرح المجد مرفوعا دعائمه ... ما دام معتمدا منّا على ركن
من أسرة تنبت التّيجان هامهم، ... منابت النّبع في الأطواد والقنن (1)
المجد أنوط من كفّ إلى عضد ... فيهم، وأقوم من رأس على بدن (2)
من مبلغ لي أبا إسحق مألكة ... عن حنو قلب سليم السّرّ والعلن
جرى الوداد له منّي، وإن بعدت ... منّا العلائق، مجرى الماء في الغصن
لقد توامق قلبانا كأنّهما ... تراضعا بدم الأحشاء لا اللّبن (3)
مسوّد قصب الأقلام نال بها ... نيل المحمّر أطراف القنا اللّدن
إن لم تكن تورد الأرماح موردها، ... فما عدلت إلى الأقلام عن جبن
والطّاعن الطّعنة النّجلاء عن جلد، ... كالقائل القولة الغرّاء عن لسن
حار المجارون إذ جاروك في طلق، ... وأجفلوا عن طريق السّابق الأرن (4)
ضلّوا وراءك حتّى قال قائلهم: ... ماذا الضّلال، وذا يجري على السّنن
ما قدر فضلك ما أصبحت ترزقه، ... ليس الحظوظ على الأقدار والمهن
قد كنت قبلك من دهري على حنق، ... فزاد ما بك من غيظي على الزّمن
كم راشنا وبرانا، غير مكترث ... بما نعالج، بري القدح بالسّفن (5)
ألقى على آل وضّاح حويّته، ... وحكّ بركا على سيف بن ذي يزن (6)
__________
(1) النبع: نوع من الشجر، الأصل القوي.
(2) أنوط: أعلق.
(3) توامق قلبانا: تحابّا.
(4) الأرن: النشط.
(5) السفن: ما ينحت به.
(6) الحوية كساء محشو حول سنام البعير البرك: الصدر.(2/475)
عهدنا الدّرّ مسكنه أجاج، ... فكيف تبدّل الثّغب المعينا (1)
جنون المرشقات، غداة جمع، ... بأقتل من نبالك ما رمينا
ولم نر كالعيون ظبى سيوف ... أرقن دما، وما رمن الجفونا
عوائد من تذكّر آل ليلى، ... كأنّ لها على قلبي ديونا
أكاتمها، ففي الأحشاء منها ... مضيض بعدما بلغ الحنينا
فيا حادي السّنين قف المطايا، ... فهنّ على طريق الأربعينا
وإنّ الرّأس بعدك صوّحته ... بوارح شيبة، فغدا جبينا (2)
وكان سواده عيد الغواني، ... يعدن إلى مطالعه العيونا
أتاجرها، فأربح في التّصابي، ... وبعض القوم يحسبني غبينا
أهان الشّيب ما أعززن منه، ... وعزّ على العقائل أن يهونا
جنون شبيبة، ووقار شيب، ... خذا عنّي النّهى ودعا الجنونا
نرى الأيّام، وهي غدا سنون، ... وبالآحاد يبلغن المئينا
ستنبئنا النّوائب ما أرتنا ... من العجب العجيب بما ترينا
حلفت بملقيات النّيّ عوج، ... خوابط تطلب البلد الأمينا (3)
حوامل ناحلين على ذراها، ... حواني ينجذبن بمنحنينا
يسقّين الهجير على التّظامي، ... وينعلن الحرار، إذا وجينا (4)
كأنّ سياطها، ولها هباب، ... قلوع اليمّ زعزعت السّفينا
بكلّ معبّد القطرين ينضي ... مطال طريقه الأجد الأمينا (5)
__________
(1) الأجاج: الماء المالح الثغب: الغدير في ظل جبل لا تصيبه الشمس فيبرد المعين: الماء الجاري.
(2) صوحته: شققت شعره وأيبسته حتى سقط.
(3) الني: الشحم.
(4) الحرار: الأرض الحارة وجينا، من الوجى: الحفا.
(5) المعبّد: المطلي بالقطران ينضي: يهزل الأجد: الناقة القوية الأمين: المأمونة العثار.(2/476)
لقد أرضى قوام الدّين فينا ... وصاة الله والدّين اليقينا
رعانا بالقنا، ولقد ترانا، ... وأضبع ما نكون إذا رعينا (1)
أعاد ثقافنا حتّى استقمنا، ... ودلّ بنوره اللّقم المبينا (2)
تيقّظ، والعيون مغمّضات، ... وقلقل، والرّعيّة وادعونا (3)
وما عدم العلى كهلا وطفلا، ... وفي خرق الوليد ولا جنينا
من القوم الألى تبعوا المعالي، ... قران العود يتّبع القرينا (4)
أقاموا عن فرائسها اللّيالي، ... وردّوا عن مواردها المنونا
هم رفعوا، كما رفعت نزار، ... قباب على على كرم بنينا
نبقّي سائرات الدّهر فيهم، ... ويبقون اليد البيضاء فينا
فإن نثمر لهم شكرا طويلا، ... فهم غرسوا، وكانوا المورقينا
فقل للمصحرين دعوا الضّواحي، ... فإنّ اللّيث قد نزع العرينا (5)
ولا تتغنّموا منه قعودا ... يقيم لكم به الحرب الزّبونا (6)
ففي أغماده ورق قديم، ... يزيد على قراع الصّيد لينا (7)
قواضب لا يغبّ بها الهوادي ... فيعطيها الصّياقل والقيونا (8)
أليس وقاعه بالأمس فيكم ... سقى غلل الرّماح، وما روينا (9)
بأربق قد أدار لكم رحاها، ... مدار الطّود مرداة طحونا (10)
__________
(1) أضبع: أمد ضبعا، أي عضدا.
(2) ثقافنا: تقويتنا اللقم: الطريق.
(3) وادعون: ساكنون، هادئون.
(4) قران: المقرون بغيره القود: المسنّ من الإبل.
(5) المصحرون: الخارجون إلى الصحراء، أو القائمون فيها.
(6) الحرب الزبون: التي تزبن الناس أي تصدمهم.
(7) الورق: النصل الصيد، جمع أصيد: الرافع رأسه كبرا.
(8) يغب: يترك يوما ويجيء يوما الهوادي: الأعناق القيون: الحدادون.
(9) الغلل: العطش.
(10) أربق: قرية بفارس المرداة: أداة من حجر تكسر بها الحجارة.(2/477)
ومثلها أنشب الأظفار في مضر، ... ومرّ يحرق بالأنياب لليمن (1)
إن يدن قوم إلى داري فآلفهم، ... وتنأ عنّي، فأنت الرّوح في البدن
فالمرء يسرح في الآفاق مضطربا، ... ونفسه أبدا تهفو إلى الوطن
والبعد عنك بلاني باستكانهم ... إنّ الغريب لمضطرّ إلى السّكن
أنت الكرى مؤنسا طرفي وبعضهم ... مثل القذى مانع عيني من الوسن
كم من قريب يرى أنّي كلفت به ... يمسي شجاي وتضحي دونه شجني
وصاحب طال ما ضرّت صحابته، ... عكفت منه على أطغى من الوثن
مستهدف لمرامي العيب جانبه، ... يكاد ينعطّ برداه من الظّنن (2)
ذي سوءة إن ثناها محفل كثرت ... لها المضارب فوق الصّدر بالذّقن
إذا احتميت به أحمي على كبدي ... كيف اجتناني إذا أسلمنني جنني (3)
لا تجعلنّ دليل المرء صورته، ... كم مخبر سمج عن منظر حسن
إنّ الصّحائف لا يقريك باطنها ... نفس الطّوابع موسوما على الطّين
أشتاقكم ودواعي الشّوق تنهضني ... إليكم، وعوادي الدّهر تقعدني
وأعرض الودّ أحيانا فيؤنسني، ... وأذكر البعد أطوارا فيوحشني
هذا، ودجلة ما بيني وبينكم، ... وجانب العبر غير الجانب الخشن (4)
ومشرف كسنام العود ملتبس، ... كالماء لزّ بأضلاع من السّفن (5)
كالخيل ربّطن دهما في مواقفها، ... والبزل قطّرن بين الحوض والعطن (6)
قد جاءت النّفثة الغرّاء ضامنة ... ما يوبق النّفس من عجب ومن درن (7)
أنبطت من حسنها ماء بلا نصب، ... وحزت من نظمها درّا بلا ثمن (8)
__________
(1) يحرق بالأنياب: يسحقها.
(2) ينعط: ينشق الظنن: التهم.
(3) الجنن، جمع جنة: الوقاية.
(4) العبر: ما يقع غربي الفرات.
(5) العود: الناقة المسنة لزّ: ألزق.
(6) البزل: النياق العطن: مبرك الإبل حول الماء.
(7) النفثة: القصيدة.
(8) انبطت: استخرجت نصب: تعب.(2/478)
أنشدتها، فحدا سمعي غرائبها ... إلى الضّمير حداء الرّكب للبدن (1)
جازت إلى خاطري عفوا وخيّل لي، ... ممّا استبت أذني، أن لم تجز أذني
فاقتد إليك، أبا إسحق، قافية ... قود الجواد، بلا جلّ ولا رسن
كادت تقاعس لو ما كنت قائدها ... تقاعس البازل المجنوب في الشّطن (2)
تستوقف الرّكب إن مرّت معارضة ... تهدي عقيلتها العذراء من يمن
تواعد الخليط
(الوافر)
في هذه القصيدة يمدح الرضي الملك بهاء الدولة يهنئه بنيروز سنة 398.
تواعد ذا الخليط لأن يبينا، ... وزايلنا القطين، فلا قطينا (3)
وإنّي، والمواعد كاذبات، ... ليطمعنا خلاب الواعدينا (4)
نعنّى بالمطال من الغواني، ... وهان على المواطل ما لقينا
ونظمأ، والموارد معرضات، ... فنرجع بالغليل، وما سقينا
لهنّ الله كيف أصبن منّا ... نفوسا ما عقلن، وما ودينا (5)
لقين قلوبنا بجنود حرب ... تطاعن بالدّمالج والبرينا (6)
جلون لنا لآلئ واضحات، ... أضأن بها الذّوائب والقرونا (7)
__________
(1) البدن، جمع بدنة: ناقة تسمّن لتنحر في مكة المكرمة، الأضحية.
(2) تقاعس، تتقاعس: تتأخر المجنوب: المنقاد الشطن: الحبل.
(3) الخليط: المخالط القطين: المقيم.
(4) الخلاب: الخداع.
(5) عقله ووداه: دفع ديته.
(6) البرين، جمع برة: حلقة من سوار وقرط وخلخال.
(7) الذوائب والقرون: خصل الشعر.(2/479)
وجلجلها على الأهواز حتّى ... أعاد زئير أسدكم أنينا
وساخ، تقصّع اليربوع، غاو ... أثار بطعنها، فنجا طعينا (1)
أشيعث، رأسه بالبيض يفلى، ... ويغدو بالدّم الجاري دهينا
يذود رقابها، هيهات منها، ... وقد غلبت عصيّ الذّائدينا (2)
تولّع بالقنا، فتطاوحته، ... لداغ الدّبر، أيدي العاسلينا (3)
غدا يمري عفافتها، فأمسى ... يرى بالطّعن لقحتها لبونا (4)
ومن شرعت رماح الله فيه، ... درى أنّ السّوابغ لا يقينا (5)
وبتن على المطالع ملجمات، ... علائقها أنابيب القنينا (6)
على صهواتها أبناء موت، ... حواسر للرّدى ومقنّعينا
مجاذبة أعنّتها جماحا، ... هبطن قرارة وطلعن بينا (7)
وقعن بغارة، وطلبن أخرى، ... يماطلن الإقامة والصّفونا
تكفكف وهي في الغلواء تلقي ... إلى أرض العدا نظرا شفونا (8)
تلفّت جوّع الآساد فاتت ... فرائسها النّيوب، وقد دمينا
تحاذر في مرابطها وقوفا، ... وإن بلغ العدا أمدا شطونا
فلو ألجمن لا لغوار حرب، ... لقد ظنّ العدوّ بها الظّنونا
أما شهدوا ليالي السّوس منها، ... ومسحبها القنيّ بدار زينا (9)
__________
(1) ساخ: دخل تقصع اليربوع: دخوله قاصعاءه أي جحره.
(2) يذود: يدفع العصي: العاصي.
(3) تطاوحته: ترامت به لداغ الدبر: مثل لداغ النحل والزنابر العاسلين:
مشتاري النحل.
(4) العفافة: بقية اللبن اللقحة: الناقة الحلوب الغزيرة اللبن.
(5) السوابغ: الدروع الطويلة.
(6) الأنابيب، جمع أنبوب: طريق القنين: القمم.
(7) البين: المرتفع الغليظ.
(8) الغلواء: حماسة الشباب الشفون: الغيور.
(9) السوس: منطقة بالأهواز دار زينا: موضع قرب عدن.(2/480)
ومنثرها على هضبات بمّ، ... رياطا للعجاجة ما طوينا (1)
إذا رجع الغزيّ بهنّ حسرى، ... أعدن إلى الطّعان كما بدينا
لحقن طريدة لولا قناها ... لطال رواغها للطّاردينا
وعدن، وفي حقائبهنّ هام، ... لقين من الصّوارم ما لقينا
بقنّاص أصاب، وفي يديه ... حبائل قد مددن لآخرينا
نوائب ألقت الجلّى عليه، ... فقام بعبئهنّ وما أعينا
بسالة هانئ في حيّ بكر، ... وحنظلة الذي قطع الوضينا (2)
وهل يرضى المطول وفي الأعادي ... ديون للصّوارم ما قضينا
ألا جزت الجوازي اليوم عنّي ... جوادا، لا أغمّ ولا هجينا (3)
نماه أب ولود للمعالي، ... وأمّ أراقم تدهي البنينا (4)
من العظماء أطولهم عمادا، ... وأنداهم، إذا مطروا، يمينا
تبوّع بي إلى قلل المعالي، ... وخيّرني المعاقل والحصونا
فأرغم بي على رغم أنوفا، ... مضاغنة، وأقذى بي عيونا
تهنّ بمطلع النّيروز وأبلغ ... مطالع مثله حينا، فحينا
مرحّل كلّ نائبة مقيما، ... مذيلا للعدا، أبدا مصونا
تظفّر بالمآرب طيّعات، ... وبالآمال أبكارا وعونا (5)
وإنّ أحقّ منك بأن يهنّى، ... إذا مدّ البقاء لك، السّنونا
__________
(1) البم: بلد بكرمان الرياط، جمع ريطة: ملاءة من قطعة واحدة العجاجة: الغبار.
(2) هاني وحنظلة: رجلان من العرب الوضين: بطان عريض منسوج من سيور أو شعر أو جلد.
(3) الأغم: ما سال شعره حتى تضيق جبهته الهجين: ما كان من دم غير صاف.
(4) أم أراقم: الداهية.
(5) العون، جمع عوان: المرأة التي لها زوج.(2/481)
جناني شجاع
(الطويل)
بلغ الشريف أن قوما من أعدائه قالوا لبهاء الدولة:
قد جرت العادة بانشاد الخلفاء شعره، وانه انما يتكبر عليك بترك الانشاد لأنه لم ينشد قط ممدوحا، وهذه ميزة تفرد بها عن الشعراء. فوجه إليه هذه الأبيات.
جناني شجاع إن مدحت وإنّما ... لساني إن سيم النّشيد جبان (1)
وما ضرّ قوّالا أطاع جنانه، ... إذا خانه عند الملوك لسان
وربّ حييّ في السّلام، وقلبه ... وقاح، إذا لفّ الجياد طعان
وربّ وقاح الوجه يحمل كفّه ... أنامل لم يعرق بهنّ عنان
وفخر الفتى بالقول، لا بنشيده، ... ويروي فلان مرّة وفلان
قلبي سامع
(الطويل)
دعا بالوحاف السّود من جانب الحمى ... نزيع هوى، لبّيت حين دعاني (2)
تعجّب صحبي من بكائي وأنكروا ... جوابي لما لم تسمع الأذنان
فقلت: نعم، لم تسمع الأذن دعوة، ... بلى! إنّ قلبي سامع وجناني
ويا أيّها الرّكب اليمانون خبّروا ... طليقا بأعلى الخيف أنّي عاني (3)
عدوه لقائي، أو عدوني لقاءه، ... ألا ربّما دانيت غير مداني
__________
(1) الجنان: القلب.
(2) الوحاف، جمع وحفة: أرض مستديرة مرتفعة سوداء.
(3) الخيف: تلة بيضاء في الجبل الأسود الذي خلف أبي قبيس بمكة المكرمة.(2/482)
وما حائمات يلتقين من الصّدى ... إلى الماء قد موطلن بالرّشفان
يزيد لها بالخمس بين ضلوعها ... تنسّم ريح الشّيح والعلجان (1)
إذا قيل: هذا الماء، لم يملكوا لها ... معاجا، بأقران ولا بمثان (2)
بأظمى إلى الأحباب منّي، وفيهم ... غريم، إذا رمت الدّيون لواني
فيا صاحبي رحلي، أقلّا، فإنّني ... رأيت بليلى غير ما تريان
ويا مزجي النّضو الطّليح عشيّة، ... تراك ببطن المأزمين تراني (3)
وهل أنا غاد أنشد النّبلة التي ... بها عرضا ذاك الغزال رماني
فلم يبق من أيّام جمع إلى منى، ... إلى موقف التّجمير، غير أماني
يعلّل دائي بالعراق طماعة، ... وكيف شفائي، والطّبيب يماني!
لولا الذئاب
(الطويل)
أفي كلّ يوم لي عشار تسوقها ... رماح بني الغبراء سوق الظّعائن (4)
أحالوا عليها عاكسين رقابها، ... وطوا بهواديها مكان الفراسن (5)
إذا جزت في أبيات آل محلّم ... تراغين نحوي من وراء المعاطن (6)
__________
(1) الشيح والعلجان: ضربان من النبات.
(2) معاجا: مقاما الأقران: الحبال المثاني: الطاقات والقوى.
(3) مزجي: سائق النضو الطليح: المهزول والنشيط من الإبل مأزمان:
مضيق قرب عرفة.
(4) العشار: هي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر الغبراء: الأرض.
(5) وطوا: وطأوا مخففة الهوادي: الأعناق الفراسن: الأخفاف، جمع فرسن.
(6) محلّم: اسم رجل المعاطن: مبارك الإبل قرب الماء. في هذا البيت إشارة إلى قوم يسرقون شعره.(2/483)
تحنّ إلى ترعيّة لم يرد بها ... وبيء المراعي، والنّطاف الأواجن (1)
وخالسنيها كلّ أطلس خاتل ... خفيّ المرامي عن قسيّ الضّغائن (2)
وشرّ الأذى ما جاء من غير حسبة، ... وكيد المبادي دون كيد المداهن
وإنّ بلوغ الخوف من قلب خائف ... لدون بلوغ الخوف من قلب آمن
وخيل جررن النّقع في كلّ بلدة، ... وناقلن فيها بالطّوال الموارن (3)
حواها العدا عنّي، فأصبحن بالحمى ... عواطل من آبي عليق وصافن (4)
وثلّة حيّ قد أضبّ بأرضها ... ذؤالة إضباب الغريم المداين (5)
ولولا ذئاب العامريّ لشابهت ... بمكّة أسراب الحمام القواطن
لنا كلّ يوم منه ذئب عمرّد، ... دم الشّعر في أنيابه والبراثن (6)
متى تطلعوا نجدا أو الغور تفضحوا ... بوسم فشت نيرانه في المواطن
خطبتم إلى شمس الخدور فوارك ... وقد كنّ عندي في ثياب الحواضن (7)
خذوها فلو قرّنتموها ببرقة، ... قطعن إلى داري وثاق القرائن (8)
__________
(1) الترعية: رعاية الإبل الوبيء: ذو الوباء النطاف، جمع نطفة: الماء الصافي الأواجن، جمع آجنة: المتغيرة اللون والطعم.
(2) الأطلس: السارق، الخاتل، المخادع.
(3) النقع: الغبار الموارن: الأنوف، جمع مارن.
(4) الصافن: هو من الخيل ما قام على ثلاث قوائم وطرف القائمة الرابعة.
(5) الثلة: الجماعة من الناس أضبّ، من قولهم: أرض مضبّة أي كثيرة الضباب ذؤالة: اسم.
(6) العمرّد: الخبيث. وفي العجز إشارة أخرى إلى اختلاس شعره.
(7) الفوارك، جمع فارك: المرأة التي تبغض زوجها.
(8) البرقة: الدهشة، والبرقة موضع بالمدينة المنوّرة.(2/484)
أقوال الفتى تفنى
(السريع)
ومستهلّات كصوب الحيا، ... تبقى، وأقوال الفتى تفنى
منتصبات كالقنا لا نرى ... عيّا من القول ولا أفنا
قد حرم النّاظر من حسنها ... قائلها ما رزق الأذنا
لا يفضل المعنى على لفظه ... شيئا، ولا اللّفظ على المعنى
وصيّة
(الكامل)
ووصيّة خلفت لنا من حازم ... وطئ الزّمان سهولة وحزونا
لمّا تعذّر أن يبقّي نفسه، ... بقّى علينا رأيه المأمونا
أي المنازل
(البسيط)
أيّ المنازل نرضى بعدكم وطنا، ... هان الفراق فما نعنى بمن ظعنا
لقد سقوك بأطباء ملعّنة ... كأنّما كنت تسقى السّمّ لا اللّبنا
حيّ الطلول
(الكامل)
هذي المنازل فاضربي بجران، ... وتذكّري الأوطار بالأوطان
حيّ الطّلول كما تحيّي أهلها، ... إنّ الطّلول وأهلها سيّان(2/485)
السعي الهجين
(الوافر)
قصور الجدّ مع طول المساعي، ... وقول النّاس: لم ينجح فلان
أحبّ إليّ من سعي هجين، ... وإن بلغ العلى جدّ هجان
يذمّ لي الزّمان، إذا ألامت ... يداه، ولا يذمّ بي الزّمان
سبق الدهر
(الخفيف)
سبق الدّهر جدّكم في الرّهان، ... وعلت ناركم على النّيران
وجرى في عنانكم جامح الج ... دّ، مطولا يلوي بكلّ عنان
هبي لي
(الوافر)
هبي لي نيّ زورك والبواني، ... وأمّي مسقط النّجم اليماني (1)
فإنّك ما رعيت من الفيافي ... طويلا، ما رعيت من الأماني
بئس التحية
(الكامل)
بئس التّحيّة بيننا المرّان، ... وضراب يوم وقيعة وطعان (2)
بسطوا إليّ أناملا مغروسة ... في اللّؤم لم يعرق لهنّ عنان (3)
__________
(1) النّي: الشحم البواني: الأضلاع.
(2) المرّان: الرماح القوية اللدنة.
(3) العنان: الزمام.(2/486)
البرق
(المتقارب)
وبرق حدا المزن حدو الثّقال، ... يزجّي على الأين حينا فحينا (1)
كراعي العشار أحسّ الظّلام، ... فساق الهجائن بيضا وجونا (2)
__________
(1) يزجّي: يدفع الأين: التعب.
(2) العشار: النياق التي مضى على حملها عشرة أشهر الهجائن: النوق الجون: السود.(2/487)
قافية الهاء
إلى أين
(الطويل)
إلى أين مرمى قصدها وسراها، ... رمى الله من أخفافها بوجاها (1)
هو اليأس فليحبس هباب رقابها، ... كما كان مغرور الرّجاء حداها (2)
رأت لامعا، فاستشرقت لمضائه، ... ولو كان من مزن النّدى لشفاها
تدافعها الحيّ اللّئيم عماية، ... وأعرض طوع اللّؤم، وهو يراها
فماطل أصحاب الحياض ورودها، ... وأعتم أرباب المبيت قراها (3)
تلطّمها الأيدي القصار عن الرّقى، ... وخير من الرّيّ الذّليل صداها (4)
ترى كلّ ميلاء السّنام كأنّما ... من الطّود، إلّا زجوها وخطاها (5)
مناقلة تنجو بزجرة غيرها، ... وترهب سوط المرء راع سواها
تكاد من الإسراع تسبق أمّها، ... بمنتجها، قبل اللّقاح، أباها
تعود ولم تشرع بحوض ابن حرّة، ... ولا عريت عند الكرام ذراها (6)
رأين ديارا بين بصرى وجاسم ... مراعي ليوم لا تلسّ خلاها (7)
__________
(1) الوجى: الحفا.
(2) الهباب: النشاط.
(3) اعتموا قراها: أبطأوا به.
(4) الصدى: العطش.
(5) الزجو: السّوق.
(6) تشرع: تشرب.
(7) بصرى: بلدة بالشام جاسم: قرية بالشام تلس: تأخذ بطرف لسانها.(2/488)
نفوس لئام لا تحلّ عقودها، ... وأيدي جمود لا ينضّ صفاها (1)
ألا! لا تلوموا ظاعنا قذفت به ... فأجشرت في أوطانكم، وأعاها (2)
تحمّل عنها شرّ دار إقامة، ... إذا قيل: أيّ الأرض؟ قال: خلاها
فكم موحشات بالرّفاق أزاحها، ... ولمّة ليل بالمطيّ فلاها
كأنّ حماكم خطّة الخسف للفتى ... إذا سيمها الحرّ الكريم أباها
ولو بابن ليلى كان ملقى رحالها، ... لطرّق من حرّ النّضار ثراها
تبايتها فعلا، فكم من عظيمة ... أتيت بها مرحولة، وكفاها
حماك ملمّا منتضى لك حدّه، ... وداهية تشحو لضغنك فاها (3)
غداة أغامت بالعجاج سماؤها، ... ودارت على قطب الطّعان رحاها
إذا السّيل وإلى في الرّكاء سجاله، ... وأنبط، أنقوت النّدى، وأماها (4)
أرى شجرا طالت وقصّر ظلّها، ... فلا أورقت يوما وطال ذواها (5)
ولو جمعت لونين بذل شباكها ... لطالبها الرّاجي بمنع جناها
أضرّا ولؤما، لا أبا لأبيكم، ... سفاها لرأي العاجزين سفاها
نلوم أكفّ المحسنين، إذا جنت، ... فكيف بأيد لا ينال جداها
ضلالا لراجي نشطة من ربيعكم ... رمى الدّاء في أكلائكم فحماها (6)
وعين رجتكم أن تكونوا جلاءها، ... فكنتم على عكس الرّجاء قذاها
طلبتم ثنائي ثمّ عفتم سماعه، ... كمن خطب العذراء، ثمّ قلاها (7)
__________
(1) ينضّ: يسيل صفاها: صخرها.
(2) الجاشرية: الإبل المخرجة الى المرعى أعاه القوم: أصابت ماشيتهم العاهة.
(3) تشحو: تفتح فاها الضغن: الحقد.
(4) الركاء، جمع ركية: البئر ذات الماء السجال، جمع سجل: الدلو العظيمة أنقوت: اخترت أماه، من أماه الحافر: بلغ الماء، وأماهت السماء:
أنزلت ماءها.
(5) ذواها: ذبولها.
(6) الأكلاء، جمع كلأ: العشب.
(7) قلاها: بغضها.(2/489)
وما كلّ جيد موضع لقلائدي ... ولا قمن من صوغها وحلاها (1)
فلا تغررن عينيك يا خابط الدّجى ... قباب بناها اللّؤم حيث بناها (2)
ودار لئام إن رأى الرّكب سمتها ... تحايد عنها عامدا، وطواها (3)
مساو كنيران البقاع مضيئة، ... ونار ظلام لا يضيء سناها
ألا غيّياني بالدّيار، فإنّني ... أحبّ زرودا ما أقام ثراها
وبين النّقا والأنعمين محلّة ... حبيب لقلبي قاعها ورباها (4)
ونعمان، يا سقيا لنعمان، ما جرت ... عليه النّعامى بعدنا وصباها (5)
وللقلب، عند المأزمين وجمعها، ... ديون ومقضى خيفها ومناها (6)
وظبي بأطوار الجمار، إذا غدا ... رمى كبدا مقروحة ورماها
وغيداء لم تصحب سوى الشّمس أختها، ... ولا جاورت إلّا الغزال أخاها
وخلّة فرسان عيون ظبائها ... أمضّ جراحا منطعان قناها
هي الدّار لا دار بأكناف بابل، ... جدير بضيم النّازلين حماها
منازل ممنون على الرّكب زادها، ... نزور على كدّ المطال جداها (7)
فلا سقيت إلّا الصّوارم والقنا، ... ولا صاب إلّا بالدّماء حياها (8)
__________
(1) القمن: الخليق والجدير.
(2) خابط الدجى: السائر ليلا على غير هدى.
(3) السمت: الطريق.
(4) الأنعمان: واديان هما الأنعم وعاقل.
(5) نعمان: واد وراء عرفة هو نعمان الأراك النعامى: ريح الجنوب.
(6) المأزمان: مضيق قرب عرفة الخيف: غرة بيضاء في الجبل الأسود قرب مكة المكرمة منى: موضع بمكة المكرمة.
(7) ممنون: محسوب.
(8) الحيا: المطر.(2/490)
تلفتّ
(المتقارب)
تلفّتّ، والرّمل ما بيننا، ... وأعلام ذي بقر أو رباه (1)
فقلت على طربات الهوى: ... عسى الطّرف يبلغهم أو كراه
فما لقي الحبّ إلّا الجوى، ... ولا بلغ الطّرف إلّا قذاه (2)
بذكري أشمّ ثرى أرضه، ... على نأيه، وبقلبي أراه
عسى من رمى بالمحبّ الغري ... ر مرمى بعيدا يقضّي نواه
وتدنو الدّيار بسكّانها، ... تمنّي امرئ ما عراكم عراه
أصاح ترى البرق في لمعه، ... تخلّج أيم يلوّي مطاه (3)
وقالوا: سناه على رامة، ... ويا بعد موقفنا من سناه
دع القلب يأرق من ذكرهم، ... فقد ذاق من بينهم ما كفاه
فلا حطّ إلّا بهم رحله، ... ولا جاد إلّا عليهم حياه (4)
أحبك
(الوافر)
أحبّك ما أقام منى وجمع، ... وما أرسى بمكّة أخشباها (5)
وما رفع الحجيج إلى المصلّى، ... يجرّون المطيّ على وجاها (6)
__________
(1) ذو بقر: اسم واد.
(2) قذاه: القذى هو ما يقع في العين فيؤذيها.
(3) الأيم: الحيّة المطا: الظهر.
(4) حياه: مطره.
(5) الأخشبان: هما جبلا مكة المكرمة أبو قبيس والأحمر.
(6) رفعوا: أصعدوا، وجاها: حفاها.(2/491)
وما نحروا بخيف منى، وكبّوا ... على الأذقان مشعرة ذراها
نظرتك نظرة بالخيف كانت ... جلاء العين منّي بل قذاها
ولم يك غير موقفنا فطارت ... بكلّ قبيلة منّا نواها
فواها كيف تجمعنا اللّيالي ... وآها من تفرّقنا، وآها
فأقسم بالوقوف على ألال، ... ومن شهد الجمار، ومن رماها (1)
وأركان العتيق وبانييها، ... وزمزم والمقام ومن سقاها
لأنت النّفس خالصة، فإن لم ... تكونيها، فأنت إذا مناها
نظرت ببطن مكّة أمّ خشف ... تبغّم، وهي ناشدة طلاها (2)
وأعجبني ملامح منك فيها، ... فقلت أخا القرينة أم تراها؟
فلولا أنّني رجل حرام، ... ضممت قرونها ولثمت فاها (3)
طالب بني بويه
(الرجز)
وجه الرضي هذه القصيدة إلى بهاء الدولة بفارس في جمادى الآخرة سنة 394.
يا طالبا بني بويه! ... ما أنت من ذاك ولا إليه
إرث قوام الدّين عن أبيه، ... خلّ عنان الملك في يديه
مناضلا يذبّ عن ثغريه ... بديهة الصّلّ جلا نابيه (4)
يلجلج الموت بماضغيه، ... يكتلئ الدّين بناظريه (5)
__________
(1) الألال: جبل بعرفات.
(2) الخشف: ولد الظبي تبغّم: تصيح ناشدة: طالبة طلاها: ولدها.
(3) حرام: محرم.
(4) يذب: يدفع الصل: الحية.
(5) يلجلج: يردد يكتلئ: يحفظ، يحرس.(2/492)
كالمقضب اضطرّ إلى حدّيه، ... نجا الذي فاز بحجزتيه (1)
وضلّ مغرور بما لديه، ... يحتكّ بالعضب ومضربيه
شتّان من ينفض مذرويه، ... مخايلا، ينظر في عطفيه (2)
ما نقل الذّابل في كفّيه، ... ومن طوى المجد على غربيه
مرتقيا إلى ذؤابتيه ... إذا المقام لم يقم حوليه
قام به يركد في حاليه، ... لا يطرف الهول به جفنيه (3)
شوك القنا يلدغ أخمصيه ... قد قلت للطّالب غايتيه
أقع، فما غورك من نجديه، ... ما أنت والطّول إلى فرعيه (4)
سقط شرار طار عن زنديه، ... من يطلع اليوم ثنيّتيه (5)
قد سبق النّاس إلى مجديه، ... سبق الجواد بقلادتيه
في فلك العزّ إلى قطبيه، ... يمسي به ثالث نيّريه
أيّ فتى ينزع في سجليه ... قد ورد الماء بجمّتيه (6)
أما ترى الضّرغام في غابيه ... مزمجرا يفتل ساعديه
قد أنشب الفريس في ظفريه ... هيهات من يغلبه عليه
أقسمت بالبيت وبانييه، ... عظّم ما عظّم من ركنيه
ربّ منى وربّ مأزميه، ... وربّ من عجّ بوقفتيه (7)
عريان إلّا معقدي برديه، ... لقد وسمت الدّهر صفحتيه
__________
(1) المقضب: السيف القاطع الحجزتّان، مثنى حجزة: موضع شدّ الازار.
(2) المذروان: طرفا الالية وطرفا الرأس، وعبارة جاء ينفض مذروية تعني:
جاء باغيا مهددا.
(3) يركد: يسكن.
(4) أقع: اجلس أرضا.
(5) الثنية: طريق العقبة.
(6) سجلية، مثنى سجل: الدلو العظيمة.
(7) المأزمان: مضيق قرب عرفة.(2/493)
يقوده يوضع في عرضيه، ... قود الضّليع ملّ جاذبيه
قد أغبط الرّحل على دفّيه، ... حتّى رأينا نضح ذفرتيه (1)
يا نفس ضنّي بك أن تلقيه ... عساه يدعوك لأن تريه
لبّيه من داع دعا لبّيه
عاد الهوى
(مجزوء الكامل)
عاد الهوى بظباء م ... كّة للقلوب كما بداها
وخبت عليك منى تبا ... ريح الغرام وما زهاها (2)
طربا على طرب بها، ... يا دين قلبك من جواها (3)
إنّي علقت على منى ... لمياء يقتلني لماها (4)
راحت مع الغزلان قد ... لعبت بقلبي، ما كفاها
تبغي الثّواب، فمهجتي ... هذي القريحة من رماها
تزهو على تلك الظّبا ... ء فليت شعري من أباها
وقف الهوى بي عندها، ... وسرت بقلبي مقلتاها
بردت عليّ كأنّما ... طلّ الغمامة عارضاها
شمس أقبّل جيدها، ... يوم النّوى، وأجلّ فاها
وأذود قلبا ظامئا، ... لو قيل: وردك ما عداها
__________
(1) أغبط الرحل: أدامه على الدابة الدفان: الجانبان النضح: الرش الذفرة: النتن.
(2) خبت: سترت، أخفت، سكنت منى: منصوبة بنزع الخافض أي في منى.
(3) الدين: الداء الجوى: شدة الحزن من الشوق.
(4) اللمى: سمرة في الشفة مستحسنة.(2/494)
ولو استطاع لقد جرى ... مجرى الوشاح على حشاها
يا يوم مفترق الرّفا ... ق ترى تعود لملتقاها؟
قالت: سيطرقك الخيا ... ل من العقيق على نواها
فعدي بطيفك مقلة، ... إن غبت تطمع في كراها
إنّي شربت من الهوى ... حمراء صرّف ساقياها
يا سرحة بالقاع لم ... يبلل بغير دمي ثراها
ممنوعة، لا ظلّها ... يدنو إليّ، ولا جناها
أكذا تذوب عليكم ... نفسي، وما بلغت مناها
جسد يقلّب للضّنى، ... وأودّ لو أنّي فداها
أمسي لها متفقّدا، ... في العائدين، ولا أراها
واها، ولولا أن يلو ... م اللّائمون، لقلت: آها
أكبح النفس
(مجزوء الخفيف)
أكبح النّفس إن جمح ... ت إلى غاية بها
أنا مولى لشهوتي، ... وسواي عبد لها
لا يذلّ العزير إ ... لّا إذا رام مسّها
لو رأى المستغرّ ما ... ضرر اللهو ما لها
لمن الأسياف والقنا
(الطويل)
لمن بعده أسيافه وقناه، ... ومن يولع البيض الرّقاق سواه (1)
فقد كان يرجو أن ينال مناه، ... فخلّفني فردا، ونال رداه
__________
(1) يولع: يحب البيض: منصوبة بنزع الخافض، أي يولع بالسيوف.(2/495)
قافية الواو علق القلب
(الخفيف)
علق القلب من أطال عذابي، ... ورواحي على الجوى وغدوّي
وافترقنا في مذهب الحبّ شتّى ... بين تقصيره، وبين غلوّي
كان عندي أنّ الحبيب شقيقي، ... في التّصافي، فكان عين عدوّي
ساءني، مذ نأيت، نسيان ذكري، ... فاذكروني، ولو ذكرت بسوّ (1)
__________
(1) بسوّ: بسوء.(2/496)
قافية الياء
لديغ يبتغي راقيا
(الطويل)
نظم الشريف الرضي هذه القصيدة عند توجه الناس إلى الحج، وذلك في ذي القعدة من سنة 400.
أقول لركب رائحين: لعلّكم ... تحلّون من بعدي العقيق اليمانيا (1)
خذوا نظرة منّي فلاقوا بها الحمى، ... ونجدا وكثبان اللّوى والمطاليا (2)
ومرّوا على أبيات حيّ برامة ... فقولوا: لديغ يبتغي اليوم راقيا
عدمت دوائي بالعراق فربّما ... وجدتم بنجد لي طبيبا مداويا
وقولوا لجيران على الخيف من منى: ... تراكم من استبدلتم بجواريا
ومن حلّ ذاك الشّعب بعدي وراشقت ... لواحظه تلك الظّباء الجوازيا (3)
ومن ورد الماء الذي كنت واردا ... به ورعى الرّوض الذي كنت راعيا
فوا لهفتي كم لي على الخيف شهقة ... تذوب عليها قطعة من فؤاديا
صفا العيش من بعدي لحيّ على النّقا ... حلفت لهم لا أقرب الماء صافيا
فيا جبل الرّيّان إن تعر منهم، ... فإنّي سأكسوك الدّموع الجواريا
__________
(1) العقيق: اسم موضع.
(2) في هذا البيت مجموعة أسماء أمكنة.
(3) الجوازي: المستغنية عن الماء بالكلأ.(2/497)
ويا قرب ما أنكرتم العهد بيننا، ... نسيتم وما استودعتم الودّ ناسيا
أأنكرتم تسليمنا ليلة النّقا، ... وموقفنا نرمي الجمار لياليا
عشيّة جاراني بعينيه شادن ... حديث النّوى حتّى رمى بي المراميا
رمى مقتلي من بين سجفي عبيطه، ... فيا راميا لا مسّك السّوء راميا (1)
فيا ليتني لم أعل نشزا إليكم ... حراما ولم أهبط من الأرض واديا
ولم أدر ما جمع وما جمرتا منى، ... ولم ألق في اللّاقين حيّا يمانيا
ويا ويح قلبي كيف زايدت في منى ... بذي البان لا يشرين إلّا غواليا
ترحّلت عنكم لي أمامي نظرة، ... وعشر وعشر نحوكم لي ورائيا
ومن حذر لا أسأل الرّكب عنكم، ... فلا بدّ أن يلقى بشيرا وناعيا
وما مغزل أدماء تزجي بروضة ... طلا قاصرا عن غاية السّرب وانيا (2)
لها بغمات خلفه تزعج الحشى ... كجسّ العذارى يختبرن الملاهيا
يحور إليها بالبغام، فتنثني، ... كما التفت المطلوب يخشى الأعاديا (3)
بأروع من ظمياء قلبا ومهجة، ... غداة سمعنا للتّفرّق داعيا
تودّعنا ما بين شكوى وعبرة، ... وقد أصبح الرّكب العراقيّ غاديا
فلم أر يوم النّفر أكثر ضاحكا ... ولم أر يوم النّفر أكثر باكيا
من رأى
(مجزوء الخفيف)
من رأى أعينا حذف ... ن الدّموع الجواريا
قد عرفن السّهاد ح ... تّى نكرن اللّياليا
__________
(1) السجف: الستر العبيط: المشقوق، والعبيط هو الذي ينحر لغير علّة.
(2) المغزل: الظبية أدماء: بيضاء تعلوها غبرة تزجي: تسوق الواني:
المتعب.
(3) يحور: يرجع البغام: صوت الظباء.(2/498)
تتبع النّجم نظرة، ... والوميض اليمانيا
كلّ يوم يجدن رب ... عا من الحيّ خاليا
بدموع روائحا، ... ودماء غواديا
إن تر الطّرف دامعا، ... فاعلم القلب داميا
قل لواد على الثّو ... يّة: حيّيت واديا (1)
أين قوم عهدتهم ... يملؤون المقاريا (2)
لا يخلّي غديرهم ... عن حيا الماء ظاميا
لحّبوا المجد وابتنوا ... في المعالي مبانيا (3)
وثبوها، وغيرهم ... صعدوها مراقيا
معشر، إن بلوتهم ... غيبهم والمباديا
كرموا أنفسا عظا ... ما، وراقوا مجاليا
وملوك قادوا الرّؤو ... س مطيعا وآبيا
لا يبالون في القيا ... د الرّقاب العواصيا
وإذا اليوم قرّبوا ... للطّعان المذاكيا (4)
أعجلوا الملجمات، أو ... ركبوها عواريا
ورسوا في ظهورها ... يعلقون النّواصيا
كأسود الشّرى ركب ... ن الظّباء العواطيا (5)
وإذا ما غدا فم الشّم ... س بالنّقع راغيا
حفظوا عورة العلى، ... ورقوا للعواليا
__________
(1) الثوية: اسم موضع.
(2) المقاري: أوان تقرى بها الضيوف، جمع مقرى.
(3) لحّبوا: وطئوا.
(4) المذاكي: الخيل.
(5) العواطي: المتطاولة الى الشجر.(2/499)
كم رموا بالمطيّ تل ... ك الحزون الفيافيا (1)
يعسفون الذّرى ويع ... تسفون المواميا (2)
جمّلوا شحمة السّنا ... م، وقد كان واريا (3)
كلّ صلّ يبيت في ... مربإ النّجم رابيا (4)
زحمت منهم المنو ... ن الجبال الرّواسيا
لم تخف منهم القنا ... والدّروع الأواقيا (5)
قلل للعلاء عا ... دت ترابا وسافيا (6)
وعظام البلاء صا ... روا عظاما بواليا
ومضوا معقبين إر ... ثا من المجد باقيا
كلّما أحرزوا المكا ... رم شادوا المعاليا
فهم اليوم جيرة ... لا يجيبون داعيا
قرع الذّلّ منهم ... مارنا كان حاميا (7)
وأناخوا مناخ من ... لم ير، الدّهر، ساريا
طوّحتهم أيدي المنو ... ن الغيوب الأقاصيا
كنبال القاريّ ير ... مي بهنّ المراميا (8)
__________
(1) الحزون، جمع حزن: الأرض العالية الغليظة الفيافي، جمع فيفاء:
الصحراء.
(2) يعسفون ويعتسفون: يسيرون على غير طريق الموامي، جمع موماة:
المفازة.
(3) جمّلوا: أذابوا الواري: السمين.
(4) الصل: الحيّة المربأ: المرقبة.
(5) الأواقي: جمع واقية.
(6) سافيا: من سفت الريح التراب أي ذرته وحملته.
(7) المارن: الأنف.
(8) القاري: المنسوب إلى القارة وهم رماة من العرب مشهورون.(2/500)
كنت من مجدهم أح ... لّ الذّرى والرّوابيا
وإذا شئت زاحموا ... بالقنا من ورائيا
أقرضوني، من عزّهم، ... وازن القدر وافيا
فجزوا أن قضيتهم ... من يدي أو لسانيا
وإذا أعوز الجزا ... ء جزيت القوافيا
وأرى بعدهم موا ... مق قومي مراميا (1)
ورجالا قد أعبقوا ... بالبرود المخازيا
إن لقوني أصادقا، ... فارقوني أعاديا
ما ترى النّاس كالبها ... م يوقّعن ضاريا
كلّ يوم يجهّزو ... ن إلى الله غازيا
ويقودون ساليا ... عن قليل وناسيا
ريعة الذّود قد أم ... نّ على القرب حاديا
قد رجعنا ضواحكا، ... ومضينا بواكيا
وترى المرء إن رأى ... عارض الخطب رانيا
خافق الجأش ناظرا ... من يجيب الدّواعيا
فإذا انجاب ليله، ... وانجلى عنه ناجيا
طرح الهمّ جانبا، ... وتمنّى الأمانيا
ما لهذا الزّمان يل ... قي علينا المراسيا
كلّ يوم يجلو علي ... نا خطوبا عواديا
كم طوى بالرّدى صف ... يّا لقلبي مصافيا
ثالث النّاظرين ع ... زّا، وللنّفس ثانيا
صار بالدّمع آمرا ... فيه من كان ناهيا
أغتدي منه عاطلا، ... بعد ما كنت حاليا
عطّل الكأس لا تح ... سّ النّديم المعاطيا
__________
(1) الموامق: المحب.(2/501)
إن تفض عبرتي تجد ... كمد القلب باقيا
ربّما تعرف الجوى، ... وترى الدّمع غاليا
ما مقامي
(الخفيف)
ما مقامي على الهوان، وعندي ... مقول صارم وأنف حميّ
وإباء محلّق بي عن الضّي ... م كما راغ طائر وحشيّ
أيّ عذر له إلى المجد إن ذ ... لّ غلام في غمده المشرفيّ
ألبس الذّلّ في ديار الأعادي ... وبمصر الخليفة العلويّ
من أبوه أبي ومولاه مولا ... ي، إذا ضامني البعيد القصيّ
لفّ عرقي بعرقه سيّدا النّا ... س جميعا محمّد وعليّ
إنّ ذلّي بذلك الجوّ عزّ، ... وأوامي بذلك النّقع ريّ
قد يذلّ العزيز ما لم يشمّر ... لانطلاق وقد يضام الأبيّ
إنّ شرّا عليّ إسراع عزمي ... في طلاب العلى وحظّي بطيّ
أرتضي بالأذى ولم يقف العز ... م قصورا، ولم تعزّ المطيّ
كالّذي يخبط الظّلام، وقد أق ... مر من خلفه النّهار المضيّ
أترجو الخلد
(الوافر)
أتذهل بعد إنذار المنايا، ... وقبل النّزع أنبضت الحنايا (1)
__________
(1) أنبضت القوس وأنبضت بالوتر: جذبته وأرسلته لترن الحنايا، جمع حنية: القوس.(2/502)
رويدك لا يغرّك كيد دنيا، ... هي المرنان مصمية الرّمايا
فإنّك سالك منها طريقا ... تقطّع فيه أرقاب المطايا
أترجو الخلد في دار التّفاني، ... وأمن السّرب في خطط البلايا (1)
وتغلق دون ريب الدّهر بابا، ... كأنّك آمن قرع الرّزايا؟
وإنّ الموت لازمة قراه، ... لزوم العهد أعناق البرايا
لنا في كلّ يوم منه غاز ... له المرباع منّا والصّفايا (2)
بجيش لا غبار لحجرتيه، ... قليل الرّزء غرّار السّرايا (3)
مغير لا يفادي بالاسارى، ... وساب لا يمنّ على السّبايا
إذا قلنا أغبّ رأيت منه ... كميش الذّيل يطّلع الثّنايا (4)
غشوم النّاب تصرف ناجذاه، ... إذا أبقى أحال على البقايا (5)
يطيل غرورنا مهل الأماني، ... وننسى بعده عجل المنايا
وهذا الدّهر تحدوني يداه، ... حداء الطّلح بالإبل الرّذايا (6)
إذا ما قلت: روّح عقر ظهري ... من الإدلاج أغبط بالحوايا (7)
وإنّ النّائبات لها حماة، ... وإن كثر الرّقائب والرّبايا (8)
__________
(1) السرب: الطريق.
(2) المرباع: ما كان يأخذه الرئيس من الغنيمة وهو ربعها الصفايا: ما كان يصفيه الرئيس لنفسه قبل قسمة الغنيمة.
(3) الحجرة: الناحية السرايا، جمع سرية: القطعة من الجيش تسري ليلا.
(4) أغب: زار يوما بعد يوم كميش الذيل: مشمّره الثنايا، جمع ثنية:
العقبة في طريق الجبل.
(5) غشوم: ظلوم تصرف: تصوت.
(6) الطلح: المتعب الرذايا: المهازيل، جمع رذية.
(7) الادلاج: السير من أول الليل أغبط: أدام الحوايا، جمع حوية:
كساء محشو حول سنام البعير.
(8) الربايا: الطلائع، جمع ربيئة.(2/503)
أيعلم القبر
(الطويل)
مر الرضي أمام قبر إبراهيم بن هلال الصابي، في الجنينة ببغداد، فتذكر ما كان بينهما من صداقة ووضع هذه القصيدة.
أيعلم قبر بالجنينة أنّنا ... أقمنا به ننعى النّدى والمعاليا
حططنا، فحيّينا مساعيه أنّها ... عظام المساعي لا العظام البواليا
مررنا به، فاستشرفتنا رسومه، ... كما استشرف الرّوض الظّباء الجواريا
وما لاح ذاك التّرب حتّى تحلّبت ... من الدّمع أوشال ملأن المآقيا (1)
نزلنا إليه عن ظهور جيادنا، ... نكفكف بالأيدي الدّموع الجواريا
ولمّا تجاهشنا البكاء ولم نطق ... عن الوجد إقلاعا عذرنا البواكيا
أقول لركب رائحين: تعرّجوا ... أريكم به فرعا من المجد ذاويا
ألمّوا عليه عاقرين، فإنّنا ... إذا لم نجد عقرا عقرنا القوافيا
وحطّوا به رحل المكارم والعلى، ... وكبّوا الجفان عنده والمقاريا (2)
ولو أنصفوا شقّوا عليه ضمائرا، ... وجزّوا رقابا بالظّبى لا نواصيا
وقفنا، فأرخصنا الدّموع، وربّما ... تكون على سوم الغرام غواليا
ألا أيّها القبر الذي ضمّ لحده ... قضيبا على هام النّوائب ماضيا
هل ابن هلال منذ أودى كعهدنا ... هلالا على ضوء المطالع باقيا
وتلك البنان المورقات من النّدى ... نواضب ماء أو بواق كما هيا
فإن يبل من ذاك اللّسان مضاؤه، ... فإنّ به عضوا من المجد باقيا
يجيب الدّواعي جائدا ومدافعا، ... هناك مرمّ لا يجيب الدّواعيا (3)
__________
(1) الأوشال، جمع وشل: الماء القليل، ويعني هنا الدموع.
(2) الجفان، جمع جفنة: القصعة المقاري، جمع مقرى: إناء يقرى فيه الضيف.
(3) مرم: ساكت.(2/505)
وما كنت آبى طول لبث بقبره، ... لو انّي، إذا استعديته، كان عاديا
ترى الكلم الغرّات، من بعد موته، ... نوافر عمّن رامهنّ، نوائيا
هو الخاضب الأقلام نال بها على ... تقاصر عنها الخاضبون العواليا
معيد ضراب باللّسان لو انّه ... بيوم وغى فلّ الجراز اليمانيا (1)
مرير القوى نال المعالي واثبا، ... إذا غيره نال المعالي حابيا (2)
مضى لم يمانع عنه قلب مشيّع، ... إذا همّ لم يرجع عن الهمّ نابيا
ولا مسندوه بالأكفّ عن الحشى، ... على جزع، والمفرشوه التّراقيا (3)
ولا ردّ في صدر المنون براحة ... يردّ بها سمر القنا والمواضيا
خلا بعدك الوادي الذي كنت أنسه، ... وأصبح تعروه النّوائب واديا
أراحت علينا ثلّة الوجد ترتعي ... ضمائرنا أيّامها واللّياليا (4)
ولولاك كان الصّبر منك سجيّة ... تراثا: ورثناه الجدود الأواليا
رضيت بحكم الدّهر فيك ضرورة، ... ومن ذا الذي يغدو بما ساء راضيا
وطاوعت من رام انتزاعك من يدي، ... ولو أجد الأعوان أصبحت عاصيا
وطأمنت كيما يعبر الخطب جانبي، ... فألقى على ظهري وجرّ زماميا
ملأت بمحياك البلاد فضائلا، ... ويملأ مثواك البلاد مناعيا
كما صمّ عالي ذكرك الخلق كلّه، ... كذاك أقمت العالمين نواعيا
رثيتك كي أسلوك فازددت لوعة، ... لأنّ المراثي لا تسدّ المرازيا (5)
وأعلم أن ليس البكاء بنافع ... عليك، ولكنّي أمنّي الأمانيا
__________
(1) الجراز: السيف القاطع.
(2) حابيا: زاحفا. يقال حبا الصبى حبوا إذا زحف.
(3) التراقي، جمع ترقوة: مقدم الحلق في أعلى الصدر.
(4) الثّلة: جماعة الناس.
(5) المرازي: المصائب.(2/506)
الدهر الخائن
(الطويل)
أملتمسا منّي صديقا لنوبة، ... وأنت صديقي لا أرى لك ثانيا
لحا الله دهرا خانني فيه أهله ... وأحشمني حتّى احتشمت الأدانيا
فلست أرى إلّا عدوّا مكاشفا ... ولست أرى إلّا صديقا مداجيا
ليت حظي
(المتقارب)
أأنكر، والمجد عنوانيه، ... ومخبرتي عند أقرانيه (1)
ويعرف غيري بلا ميسم ... مبين، ولا غرّة ضاحيه (2)
ألا قاتل الله هذا الأنام، ... وقاتل ظنّي وآماليه
ودهرا يموّل زلّاته، ... ولا يدخر العدم إلّا ليه
إذا ما تماثلت من غصّة، ... أعاد المرار فسقّانيه
فيا ليت حظّي من ذا الزّما ... ن ردّ نوائبه الجاريه
زمان عدا العيّ أبناءه، ... فأفصح من ناطق راغيه
سؤالا، فهل يخبرن سالف ... من العيش قطّع أقرانيه
ألا أين ذاك الشّباب الرّطي ... ب، أم أين لي بيض أيّاميه
مشى الدّهر بيني وبين النّعي ... م ظلما، وغيّر من حاليه
نظرت، وويل امّها، نظرة ... ببيضاء في عارضي باديه
يقولون: داعية للشّباب ... فقلت: ولكنّها ناعيّه
__________
(1) المخبرة: العلم بالخبر.
(2) الميسم: أثر الوسم وهو العلامة ضاحية: بارزة.(2/507)
ألا قطع النّاس حبل الوفاء، ... وأولع بالغدر خلّانيه
وصرت أعدّد في ذا الزّمان ... صديقي أوّل أعدائيه
أضرّ الأنام لي الأقربون، ... وأعدى الورى لي جيرانيه
إلى كم أخفّض من عزمتي، ... وكم يأكل العضب أغماديه (1)
فلله عزمي لو أنّه ... على قدر عزمي سلطانيه
ستسمع بي شاردا في البلاد ... لأمر أغيّر إنسانيه
وقد أغتدي غرض النّائبا ... ت، لا يتّقى الرّوع إلّا بيه
نديما جذيمة لي في البلاد ... نديمان، والظّلمة الدّاجيه (2)
عليق جيادي شمّ النّسي ... م، والظّمء سائق أذواديه (3)
دفعن فمن مقلة بالدّمو ... ع ريّا، ومن مهجة صاديه
يطرن سوابك جعد اللّغام ... على القور والقلل السّاميه (4)
وفي كلّ يوم بلا غاية ... تقعقع للبين أعماديه (5)
وأزرق ماء كلون الزّجا ... ج، بالرّمل جمّته طاميه
سبقت إليه وفود القطا، ... فلله سيري وإغذاذيه (6)
وقد مال جلّ الدّجى، والصّباح ... كشقراء في جدد عاديه (7)
__________
(1) العضب: السيف القاطع.
(2) نديما جذيمة: هما مالك وعقيل إبنا فرج، وجذيمة: ملك الحيرة الملقب بالأبرش.
(3) أذواديه، جمع ذود: هو من الإبل ما بين الثلاث والعشر.
(4) السوابك، جمع سبيكة: القطعة من الفضة. شبّه الشاعر قطع اللغام، أي زبد أفواه الإبل، بقطع من الفضة في بياضها، تتطاير على الجبال وقممها.
(5) تقعقع: تصوّت.
(6) القطا، جمع قطاة: طائر يشبه الحمام إغذاذي: إسراعي في السير.
(7) جل الدجى: معظم الظلام الجدد: الطرق. شبه الصباح بفرس شقراء تعدو.(2/508)
أرى غمرة يتّقيها الرّجا ... ل محفوفة بالقنا طاغيه
سألقى بنفسي أهوالها، ... فإمّا العلاء أو الدّاهيه
أنوما ألذّ على ذلّة، ... ويعرى من الذّلّ أضداديه
وأرعى المنى دون أن أستشير ... قنا خالقا وظبى فاريه (1)
وأعزل ناء عن المكرمات ... يرى الموت من دون لقيانيه
مدحت فكان جزاء المديح ... قبول نظامي وأشعاريه
فصرّحت بالذّمّ حتّى ترك ... ت شنعاء من عرضه داميه
ولم أهجه بهجائي له، ... ولكن هجوت به القافيه
ألا ما أفيصح هذا الكلام، ... لو انّ له أذنا واعيه
فلا يذمم الأمل المستغرّ، ... ألا ربّما ضلّت الهاديه
وقد ينكل المستغير الشّجا ... ع حينا وتخطي اليد الدّاميه (2)
الدجى
(مجزوء الكامل)
ودجى هتكت قناعه، ... عن وجه طامسة خفيّه
تسري كواكبه إلى ال ... إصباح، واللّيل المطيّه
والنّجم وجه مقبّل، ... والبدر مرآة صديّه
__________
(1) الخالق: المقد، النافذ فارية: قاطعة.
(2) ينكل: يجبن تخطي: تخطئ.(2/509)
أراعي الشيب
(الطويل)
يمدح الشريف هنا الخليفة الطائع لله ويعاتبه على تأخيره في استدعائه وذلك في سنة 377.
أراعي بلوغ الشّيب، والشّيب دائيا، ... وأفني اللّيالي، واللّيالي فنائيا
وما أدّعي أنّي بريء من الهوى، ... ولكنّني لا يعلم القوم ما بيا
تلوّن رأسي، والرّجاء بحاله، ... وفي كلّ حال لا تغبّ الأمانيا (1)
خليليّ! هل تثنى من الوجد عبرة، ... وهل ترجع الأيّام ما كان ماضيا
إذا شئت أن تسلى الحبيب فخلّه ... وراءك أيّاما، وجرّ اللّياليا
أعفّ وفي قلبي من الحبّ لوعة، ... وليس عفيفا تارك الحبّ، ساليا
إذا عطفتني للحبيب عواطف، ... أبيت، وفات الذّلّ من كان آبيا
وغيري يستنشي الرّياح صبابة، ... وينشي على طول الغرام القوافيا (2)
وألقى من الأحباب ما لو لقيته ... من النّاس سلّطت الظّبى والعواليا (3)
فلا تحسبوا أنّي رضيت بذلّة، ... ولكنّ حبّا غادر القلب راضيا
رعى الله من ودّعته يوم دابق، ... وولّيت أنهى الدّمع ما كان جاريا (4)
وأكتم أنفاسي، إذا ما ذكرته، ... وما كلّ ما تخفيه، يا قلب، خافيا
فعندي زفير ما ترقّى من الحشى ... وعندي دموع ما طلعن المآقيا
مضى ما مضى ممّن كرهت فراقه، ... وقد قلّ عندي الدّمع إن كنت باكيا
ولا خير في الدّنيا إذا كنت حاضرا، ... وكان الذي يغرى به القلب نائيا (5)
__________
(1) تغب: تزور يوما وتترك يوما.
(2) يستنشي: يشم.
(3) الظبى، جمع ظبة: حد السيف العوالي: الرماح الطويلة.
(4) دابق: قرية بحلب، وفي الأصل اسم نهر.
(5) يغرى: يعلق.(2/510)
إذا اللّيل واراني خفيت عن الكرى، ... وأيدي المطايا جنح ليلي إزائيا
وما طال ليلي، غير أنّ علاقة ... بقلبي تستقري بعيني الدّراريا
ألا ليت شعري هل أرى غير موجع ... وهل ألقين قلبا من الوجد خاليا
بأيّ جنان قارح أطلب العلى، ... وأطمع سيفي أن يبيد الأعاديا
إذا كنت أعطي النّفس في الحبّ حكمها ... وأودع قلبي والفؤاد الغوانيا
ولم أدن من ودّ وقد غاض ودّه، ... ولكنّني داويته ببعاديا
تعمّدني بالضّيم حتّى شكوته، ... ومن يشك لا يعدم من النّاس شاكيا
وإنّي، إذا أبدى العدوّ سفاهة، ... حبست عن العوراء فضل لسانيا
وكنت إذا التاث الصّديق قطعته، ... وإن كان يوما رائحا كنت غاديا (1)
سجيّة مضّاء على ما يريده، ... مقضّ على الأيّام ما كان قاضيا
أرى الماء أحلى من رضاب أذوقه، ... وأحسن من بيض الثّغور الأقاحيا
وأطيب من داري بلادا أجوبها، ... إلى العزّ جوبي بالبنان ردائيا
وربّ منى سدّدت فيه مطالبي، ... وأيّ سهام لو بلغن المراميا
وهمّ سقيت القلب منه، وحاجة ... ركبت إليها غارب اللّيل عاريا (2)
وعارية الأيّام عندي نسيئة، ... أسأت لها قبل الأوان التّقاضيا (3)
أرى الدّهر غصّابا لما ليس حقّه، ... فلا عجب أن يستردّ العواريا
وما شبت من طول السّنين، وإنّما ... غبار حروب الدّهر غطّى سواديا
وما انحطّ أولى الشّعر حتى نعيته، ... فبيّض همّ القلب باقي عذاريا
أرى الموت داء لا يبلّ عليله، ... وما اعتلّ من لاقى من الدّهر شافيا (4)
فما لي وقرنا لا يغالب كلّما ... منعت أمامي جاءني من ورائيا (5)
__________
(1) التاث: أبطأ.
(2) الغارب: ما بين السنام والعنق.
(3) النسيئة: التأخير.
(4) يبل: يشفى، يبرأ.
(5) القرن: الشجاع الكفؤ.(2/511)
يحرّكني من مات لي بسكونه، ... وتجديد دهري أن أرى الدّهر باكيا
وأبعد شيء منك ما فات عصره، ... وأقرب شيء منك ما كان جائيا
ولست بخزّان لمال وإنّما ... تراث العلى والفضل والمجد ماليا
وإتلاف مالي عن حياتي ألذّ لي، ... ولا خير أن يبقى، وأصبح فانيا
وإنّي لألقى راحتي في تقنّعي، ... وفي طلب الإثراء طول عنائيا (1)
وإنّي إن ألقى صديقا موافقا، ... وذلك شيء عازب عن رجائيا (2)
وإنّ غريب القوم من عاش فيهم ... وليس يرى إلّا عدوّا مداجيا (3)
وأكثر من تلقاه كالسّيف مرهفا ... عليك وإن جرّبته كان نابيا
وما أنا إلّا غمد قلبي، فإن مضى ... مضيت، وما لي منّة في مضائيا
وما حملتني العيس إلّا مشمّرا ... لأخرق ليلا، أو لأقطع واديا
طوارح أيد في اللّيالي كأنّها ... تجاري إلى الصّبح النّجوم الجواريا
إذا ما رحلناها من الصّيف ليلة، ... فلا حلّ حتّى ينظر النّجم رائيا
طواهنّ طيّ السّير في كلّ مهمه، ... ورحن خماصا قد طوين المواميا (4)
مررن بميّاس الثّمام وحزنه ... خفافا كأطراف العوالي نواجيا (5)
وكم جاوزت من رملة ثمّ عاقر، ... وأخرى يضفّ الرّوض فيها الغواديا (6)
ومن نفر لا يعرف الضّيف كلبهم، ... ويسغب حتّى يقطع اللّيل عاويا (7)
تهاب النّدى أيديهم، فكأنّما ... تلاطم من بذل النّوال الأثافيا (8)
__________
(1) تقنعي: أخذي بالقناعة.
(2) عازب: بعيد، غائب.
(3) المداجي العدو المداهن والذي يخفي العداوة.
(4) المهمه: المفازة الموامي، جمع موماة: الفلاة الخماص: الجياع.
(5) الثمام: نوع من النبات الحزن: الأرض المرتفعة الغليظة.
(6) العاقر من الرمل: ما لا ينبت يضف: يجمع الغوادي: الأمطار الصباحية.
(7) يسغب: يجوع.
(8) الأثافي: حجارة الموقد.(2/512)
وأعلى الورى من وافق الرّمح باعه، ... وكان له في كبّة الخيل ساقيا (1)
وأشرفهم من يطلق الكفّ بالنّدى ... سخيّا، ببذل المال، أو متساخيا
وإنّ أمير المؤمنين لحابس ... ركابي أن أرمي بها ما أماميا
معيني على الأيّام إن غالبت يدي، ... وإن كنت معدوّا عليّ وعاديا
إذا شئت عنه رحلة حطّ جوده ... حقائب أذوادي وردّ المثانيا (2)
ولولاه ما انصانت لوجهي طلاوة، ... ولا كنت إلّا شاحب اللّون طاويا
جريئا أروع الوحش في كلّ ظلمة، ... وأخلط بالنّقع المثار الدّياجيا
هو السّيف إن أغمدته كان حازما ... وقورا، وإن جرّدته كان عاديا
له كلّ يوم معرك إن شهدته ... ترى قضبا عونا وهاما عذاريا (3)
يضمّ عليها جانب النّقع بالقنا، ... يبادرن قدّام السّيوف التّراقيا (4)
ويرسل في الأقران كلّ خفيّة، ... تخال بها طيرا من الرّيح هافيا (5)
ويثني جوادا من دم الطّعن ناعلا، ... ويزجي نجيبا من وجى السّير حافيا (6)
تسافه في الغارات أشداق خيلها ... على اللّجم حتّى تكرع الماء داميا
عظيم على غيظ الرّجال محسّد، ... غلوب، إذا ما جاذبوه المعاليا
تغاديه إلّا في حرام مغامرا ... وتلقاه إلّا عن نوال محاميا
__________
(1) الكبّة: جماعة الخيل.
(2) الحقائب، جمع حقيبة: وعاء يضع فيه المسافر زاده ويردفها وراء الحمل الأذواد، جمع ذود: هو من الإبل ما بين الثلاث والعشر المثاني:
ركبتا الدابة ومرفقاها.
(3) العون، جمع عوان: المرأة التي لها زوج العذاري، جمع عذراء: البكر.
استعار العون للسيوف التي تعودت قطع الهام، واستعار العذارى للهام أي الرؤوس.
(4) التراقي، جمع ترقوة: أعلى الصدر.
(5) الهافي، من هفا الطير: خفق بجناحيه.
(6) يزجي: يسوق الوجى: عجلة السير وشدته، والوجى هو الحفا أيضا.(2/513)
وما قصبات السّبق إلّا لماجد ... سعى فاحتوى دون الرّجال المساعيا
أيا علم الإسلام والمجد والعلى، ... رضيناك مهديّا لدين وهاديا
وما حملتك الخيل إلّا رددتها ... عن الرّوع حمرا بالدّماء قوانيا (1)
وشعث النّواصي يتّخذن دم الطّلى ... دهانا وأطراف العوالي مداريا (2)
وغيرك يقتاد الجياد لغارة، ... ويرجعها ملس الجلود كما هيا
وما الخيل إلّا أن تكون سوابقا ... وما الأسد إلّا أن تكون ضواريا
وتترك صبح الجهل يغبرّ ضوءه، ... ونقعك أخّاذ عليه الضّواحيا
بيوم طراد يصطلي القوم تحته ... بنار الحنايا والقنا والمواضيا (3)
وجرد يناقلن الرّماح عوابسا، ... ويرمين بالعدو القطا والحواميا
خوارج من ذيل الغبار كأنّها ... أنامل مقرور دنا النّار صاليا
بكلّ سنان لا يرى الدّرع جنّة، ... وكلّ حسام لا يرى البيض واقيا (4)
ولا سلم حتّى الجيش أفنيت جلّه ... ردى ورددت القافلين نواعيا
وما كلّ من أومى إلى العزّ ناله، ... ودون العلى ضرب يدمّي النّواصيا
إلى كم أمنّي النّفس يوما وليلة، ... وتعلمني الأيّام أن لا تلاقيا
وكم أنا موقوف على كلّ زفرة، ... عليل جوى، لو أنّ ناسا دوائيا
أيسنح لي روضا وأصبح عازبا، ... ويعرض لي ماء وأصبح صاديا
وما أنا إلّا أن أراك بقانع، ... وإن كنت جرّارا إليّ الأعاديا
تركت إليك النّاس طرّا وكلّهم ... يتوق إلى قربي ويهوى مقاميا
وفارقت أقواما كراما أكفّهم، ... وما ضقت عنهم في البلاد ملاقيا
ويمنعني من عادة الشّعر أنّني ... رأيت لباس الذّلّ بالمال غاليا
__________
(1) الروع: الخوف، كما تأتي بمعنى الحرب.
(2) الطلى: الأعناق المداري: الأمشاط.
(3) الحنايا: القسي القنا: الرماح المواضي: السيوف.
(4) جنة: سترا، ترسا البيض، جمع بيضة: خوذة المحارب.(2/514)
إذا لم أجد بدّا من السّيف شمته، ... وفقد ذلول أركب الصّعب ماشيا (1)
فإن كنت لا أعلو على عود منبر، ... فلست ألاقي غير مجدي عاليا
عليك سلام الله إنّي لنازع ... إليك، وإن لم أعط منك مراديا
ودمت دوام الشّمس والبدر في الدّنا، ... تجدّد أيّاما وتنضو لياليا (2)
__________
(1) شمته: شام السيف أي غمده الذلول: الناقة المطواعة.
(2) تنضو: تخلع، تبلي، تزيل.(2/515)
فهرس القوافي والمحتويات
1 - فهرس القوافي
قافية الفاء كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
خطفا: الخفيف: 42: 108
أضعافا: الكامل: 15: 2322
وقفوا: البسيط: 46: 85
يفوا: الطويل: 70: 1915
تجف: الكامل: 35: 2220
وحتوف: الخفيف: 16: 2423
موقفها: الكامل: 49: 3028
المطروف: الكامل: 39: 1311
تخافي: الوافر: 36: 1513
الشريف: الخفيف: 4: 24
وصدوف: الخفيف: 53: 2725
المناصف: الطويل: 53: 3431
واللّطف: البسيط: 13: 3534
قافية القاف الآماق: الرجز: 77: 4239(2/516)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
علوق: السريع: 46: 6663
مشتاق: الرجز: 6: 74
أريقه: مجزوء الرمل: 65: 4542
رقا: الطويل: 57: 6966
تشوقا: الطويل: 9: 75
وشرقا: المتقارب: 3: 76
برقا: المنسرح: 5: 78
ورقا: البسيط: 6: 7978
وضاقا: مجزوء الكامل: 7: 81
اشتياقا: المتقارب: 13: 8281
فتصدقا: الطويل: 6: 8382
رونقا: الطويل: 33: 8583
قلقا: المنسرح: 2: 88
مشتاقا: البسيط: 2: 88
ويغرق: الكامل: 38: 3936
ومشوق: الكامل: 74: 4946
أينقه: السريع: 46: 5250
والورق: البسيط: 8: 7069
المؤرّق: الطويل: 8: 7271
صديق: الطويل: 2: 75
السابق: السريع: 8: 76
مشفق: الكامل: 16: 7877
محلّق: مجزوء الخفيف: 3: 89
البوارق: الطويل: 2: 89
عشقوا: البسيط: 2: 89
لاحق: الطويل: 76: 5753
بصادق: مجزوء الخفيف: 27: 5857
بعارق: الطويل: 58: 6259(2/517)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
إسحق: الكامل: 16: 7170
باق: مجزوء الكامل: 6: 72
رواقي: الكامل: 9: 73
المشتاق: الخفيف: 6: 74
وانطلاقي: الخفيف: 36: 8179
الغيداق: الرجز: 30: 8685
الراقي: الرجز: 55: 8886
التلاقي: مجزوء الكامل: 3: 90
قافية الكاف وترك: الرمل: 5: 104
جناكا: الخفيف: 46: 9491
دركا: البسيط: 40: 9896
هواكا: الكامل: 13: 100
إليكا: مجزوء الكامل: 4: 101
ملك: البسيط: 5: 101
الشوابك: الطويل: 5: 102101
تعترك: المنسرح: 3: 102
ووراك: الطويل: 31: 104102
السوافك: الطويل: 22: 9694
مرعاك: البسيط: 18: 10099
قافية اللام جميل: الرجز: 4: 197196
السجل: المتقارب: 15: 214213
أحتمل: الرجز: 48: 221219
خيالا: الطويل: 35: 152150(2/518)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
وذلّا: المتقارب: 38: 154152
طويلا: مجزوء الكامل: 37: 176174
الأجبالا: الكامل: 111: 187180
تعجّلا: السريع: 19: 201200
طلّه: الطويل: 6: 203
العذلا: الكامل: 2: 204
محجّلا: الطويل: 9: 205204
والحللا: الرمل: 9: 206205
مقاولا: الكامل: 7: 209
سهولا: الكامل: 9: 210
تولّى: الوافر: 38: 216214
نصلا: الطويل: 23: 224223
أصولها: الطويل: 5: 226
أقبلا: الطويل: 7: 228
قليلا: الكامل: 5: 233
أهلا: الكامل: 4: 238
الذبل: الكامل: 71: 114110
وجمال: الطويل: 55: 117115
العلل: المنسرح: 53: 124121
منازل: مجزوء السريع: 84: 128124
الأوّل: الكامل: 74: 145141
قليل: الطويل: 64: 149145
والعذل: البسيط: 66: 164160
وطلولها: الطويل: 55: 168165
الطويل: الخفيف: 52: 171168
غليل: الطويل: 51: 174171
سبيل: الطويل: 13: 198197
المملول: الكامل: 3: 199(2/519)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
قاتل: السريع: 4: 203
عجل: البسيط: 5: 204
يقال: مجزوء الكامل: 5: 206
قليل: الطويل: 8: 207
محمله: البسيط: 3: 207
باسل: المتقارب: 21: 212210
المطل: الهزج: 43: 219217
نبله: الطويل: 25: 228226
محلال: البسيط: 3: 228
جندل: الطويل: 5: 233
فعّال: الرجز: 9: 234
مسلول: مجزوء الرمل: 7: 234
والقال: الطويل: 3: 235
ودليله: الطويل: 2: 236
الفضل: السريع: 2: 238
جليل: الخفيف: 2: 238
مائل: الطويل: 2: 239
أرحل: الكامل: 82: 109105
والأسل: البسيط: 50: 120118
والإبل: البسيط: 56: 132129
والمطال: المتقارب: 66: 137132
قليل: الطويل: 69: 141137
الرّحل: الكامل: 14: 150149
غافل: الرجز: 44: 157155
البوالي: الوافر: 51: 160157
والأمثال: الكامل: 6: 164
حيال: الرمل: 61: 180176
بغول: الكامل: 35: 189187(2/520)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
النبال: الوافر: 35: 192190
بالي: البسيط: 26: 194192
يطل: البسيط: 38: 196194
قبله: الكامل: 3: 196
وجل: البسيط: 7: 198
بالتقبيل: الكامل: 4: 199
عقالي: الطويل: 7: 200199
الأثل: الطويل: 6: 202
الخبل: الطويل: 6: 202
والمعالي: الوافر: 24: 209208
والعقول: مجزوء الكامل: 3: 212
رجل: الطويل: 3: 212
الزلل: المنسرح: 3: 213
بغال: مجزوء الرمل: 5: 217216
الرجال: الوافر: 17: 222221
ويبلي: الرجز: 7: 222
قبال: الطويل: 15: 225224
المقلّ: الوافر: 2: 225
أفعل: المتقارب: 15: 229
شاغل: السريع: 45: 232230
بالزلازل: الطويل: 3: 235
والمعالي: مجزوء الكامل: 4: 235
آل: الوافر: 2: 236
البزل: الكامل: 2: 236
الأجلال: الخفيف: 2: 237
وقاتل: الطويل: 2: 237
عقال: الوافر: 2: 237(2/521)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
قافية الميم والعلم: مجزوء السريع: 76: 248244
المقام: السريع: 57: 280276
العدم: الرجز: 72: 291289
أرام: الرجز: 3: 314
الهموم: السريع: 37: 322319
تلمّ: المتقارب: 82: 336331
فاحتكم: مجزوء الكامل: 9: 344
المكارم: مجزوء الكامل: 3: 347
عزم: الرمل: 45: 375372
سليما: الطويل: 11: 241240
ومقاما: الرمل: 54: 265262
سلامى: الرجز: 72: 274272
منعّما: الطويل: 11: 276275
كراما: المتقارب: 73: 287282
يتقوما: الطويل: 14: 292291
دما: المتقارب: 25: 310309
سمّا: الطويل: 5: 311
الدّما: المتقارب: 2: 314
نعيما: المجتث: 45: 378375
أعجم: الطويل: 3: 241
سلام: مجزوء الرمل: 61: 252249
تمام: الوافر: 43: 255253
وزمزم: الطويل: 3: 272
أعلم: مجزوء السريع: 3: 288
المعدم: الكامل: 2: 288
الدّم: الطويل: 3: 288(2/522)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
ونعيم: الطويل: 9: 294
عظيم: الوافر: 31: 301300
الأقدم: الكامل: 71: 305302
الخزائم: الطويل: 3: 310
قدم: البسيط: 3: 312
متلثّم: الكامل: 2: 313
سليم: الطويل: 2: 313
اللّوم: البسيط: 3: 314
الأيام: الخفيف: 2: 315
الأنام: الخفيف: 2: 315
همام: الخفيف: 12: 316
قدم: المنسرح: 48: 319316
المظالم: الطويل: 21: 323322
متّهم: البسيط: 9: 348347
همّه: الطويل: 68: 352348
سليمها: الكامل: 35: 360358
العظيم: الوافر: 54: 363360
الدّيم: البسيط: 28: 243241
نظام: الطويل: 9: 243
المرزم: الكامل: 89: 262256
المظلم: السريع: 70: 270266
الأمم: البسيط: 15: 271
الكرم: المنسرح: 3: 275
كريم: الوافر: 27: 282280
همّي: الرجز: 5: 287
بزمامي: الخفيف: 9: 293292
ريم: الطويل: 7: 293
الأيام: الكامل: 82: 299295(2/523)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
الخيام: مجزوء الكامل: 51: 309306
منام: مخلّع البسيط: 5: 309
السليم: الوافر: 5: 311
الكرم: البسيط: 5: 312
بالصوارم: الطويل: 3: 312
السهام: الوافر: 2: 313
الأيام: الخفيف: 2: 315
الأحلام: الكامل: 23: 325323
يحامي: المتقارب: 53: 328325
الأدم: مجزوء الوافر: 37: 331329
الرواسم: الطويل: 16: 337336
والمعالم: الطويل: 51: 340338
والهمم: البسيط: 51: 344341
بالأنام: الوافر: 36: 346345
علم: الكامل: 5: 347
الدّم: الطويل: 93: 358352
الوسمي: الطويل: 3: 364
وإرغام: البسيط: 38: 366364
بالسلام: الوافر: 38: 368366
زمام: الطويل: 49: 372369
والأزم: الكامل: 3: 372
العمائم: الطويل: 88: 383378
قافية النون الظعن: الرجز: 56: 388384
لقينا: الرجز: 29: 391390
ولّينا: الهزج: 28: 402401
أديانا: البسيط: 12: 416415(2/524)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
منى: مجزوء السريع: 55: 424421
يغشانا: البسيط: 6: 426
والمنحنى: الرمل: 12: 427
بنا: السريع: 33: 429428
سكنا: المنسرح: 36: 464462
قطينا: الوافر: 40: 481479
وحزونا: الكامل: 2: 485
ظعنا: البسيط: 2: 485
تفنى: السريع: 4: 485
فحينا: المتقارب: 2: 487
أعوان: البسيط: 68: 398394
ديون: الكامل: 6: 414413
والجنان: المتقارب: 7: 415
أديانه: المتقارب: 46: 420417
الجنان: الوافر: 2: 426
وريان: مجزوء الرمل: 24: 442441
حنين: الوافر: 4: 443
الأزمان: الكامل: 4: 447
اليقين: مجزوء الكامل: 51: 460458
يقين: الطويل: 18: 462461
معانها: الطويل: 47: 470467
جبان: الطويل: 5: 482
فلان: الوافر: 3: 486
وطعان: الكامل: 2: 486
الناعيان: المتقارب: 21: 389388
ويغريني: البسيط: 51: 394391
الزمن: الكامل: 37: 400399
بالأماني: الخفيف: 82: 407403(2/525)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
الغديرين: مجزوء الوافر: 34: 409407
ورعين: الرمل: 13: 410
النعمان: الكامل: 36: 413411
ديني: الوافر: 11: 414
البان: البسيط: 11: 417416
يجني: الكامل: 7: 420
منّي: الطويل: 5: 424
عين: الطويل: 14: 425
سلبنني: الكامل: 3: 430
العين: الكامل: 3: 430
الغواني: المتقارب: 48: 433430
مكان: الطويل: 63: 437433
زماني: الوافر: 58: 441438
يجني: الطويل: 5: 443
الأجفان: الكامل: 31: 445443
العين: البسيط: 5: 446445
الهتن: البسيط: 4: 446
الحدثان: الطويل: 8: 447446
الأزمان: الكامل: 53: 450447
الفتيان: الكامل: 79: 455451
الخوّان: الكامل: 17: 456455
جبلان: الطويل: 22: 457456
سنّي: الرجز: 60: 466464
ثاني: الوافر: 17: 467466
قضاني: الطويل: 46: 473470
للظعن: لبسيط: 93: 479473
دعاني: الطويل: 14: 483482
الظعائن: الطويل: 15: 484483(2/526)
كلمة القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
بالأوطان: الكامل: 2: 485
اليماني: الوافر: 2: 486
النّيران: الخفيف: 2: 486
قافية الهاء بوجاها: الطويل: 42: 490488
أخشباها: الوافر: 12: 492491
بداها: مجزوء الكامل: 22: 495494
بها: مجزوء الخفيف: 4: 495
رباه: المتقارب: 10: 491
سواه: الطويل: 2: 495
إليه: الرجز: 51: 494492
قافية الواو وغدوّي: الخفيف: 4: 496
قافية الياء اليمانيا: الطويل: 25: 498497
الجواريا: مجزوء الخفيف: 62: 502498
الحنايا: الوافر: 26: 504502
والمعاليا: الطويل: 34: 506505
ثانيا: الطويل: 3: 507
أقرانيه: المتقارب: 38: 509507
خفيّه: مجزوء الكامل: 3: 509
فنائيا: الطويل: 91: 515510
حميّ: الخفيف: 11: 502
وغيّ: الوافر: 4: 504(2/527)
2 - فهرس المحتويات
قافية الفاء 5
قافية القاف 36
قافية الكاف 91
قافية اللام 105
قافية الميم 240
قافية النون 384
قافية الهاء 488
قافية الواو 496
قافية الياء 497
فهارس
فهرس القوافي 516
فهرس المحتويات 528(2/528)