مقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلََاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمََا تَوْفِيقِي إِلََّا بِاللََّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
صدق الله العظيم (سورة هود: 88)
لقد تعرض القرآن الكريم باعتباره الركيزة الأساسية للإسلام لهجمات كثيرة من الذين كتبوا ضد الإسلام، سواء فى الشرق أو فى الغرب وكان ذلك بدءا من النصف الثانى للقرن الأول الهجرى / السابع الميلادى، حتى الآن.(1/3)
بسم الله الرّحمن الرّحيم {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلََاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمََا تَوْفِيقِي إِلََّا بِاللََّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
صدق الله العظيم (سورة هود: 88)
لقد تعرض القرآن الكريم باعتباره الركيزة الأساسية للإسلام لهجمات كثيرة من الذين كتبوا ضد الإسلام، سواء فى الشرق أو فى الغرب وكان ذلك بدءا من النصف الثانى للقرن الأول الهجرى / السابع الميلادى، حتى الآن.
ولقد بدأ يوحنا الدمشقى حوالى (750650تقريبا) هذا الهجوم بتوجيه عدة انتقادات على النسق العام للقرآن ثم تبعه فى ذلك «أثيميوس زيجابينوس» فى كتابه «العقيدة الشاملة».
لكن أول هجوم مفصل على القرآن كان فى أعمال نيكيتاس البيزنطى فى مقدمة كتاب «نقد الأكاذيب الموجودة فى كتاب العرب المحمديين» ولا نعرف شيئا عن حياته سوى أنه ذاعت شهرته فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر حيث كان مجادلا لاذعا ضد الإسلام وكذلك ضد الكنيسة الأرثوذكسية الإرمينية التى انتقدها فى كتاب «دحض الكنيسة الإرمينية» وكذلك ضد الكنيسة الكاثوليكية فى روما «علم القياس الأساسى».
ولكن أكبر هجوم جدلى على القرآن والإسلام هو ما قام به امبراطور بيزنطة چان كنتاكوزين فى كتابيه «ضد تمجيد الملة المحمدية»، «ضد الصلوات والتراتيل المحمدية» كان هذا الهجوم فى الشرق وباللغة اليونانية، وهناك هجوم على القرآن باللغة السريانية والإرمينية والعربية.
وبسقوط القسطنطينية فى يد المسلمين (1453)، توقف الهجوم البيزنطى على القرآن والإسلام، وتولت أوربا المسيحية الأمر من بعد، فبدأ الكاردينال نيقولا دى كوزا (14641401) مسيرة الهجوم الجديدة، وكان بتوجيه من البابا بيوس الثانى كتب نيقولا كتاب «نقد وتفنيد الإسلام» وكذلك رسالة هجاء فى القرآن تحت عنوان «غربلة القرآن» وقسم هذه الرسالة إلى ثلاثة كتب.
فى الكتاب الأول زعم إثبات حقيقة الإنجيل استنادا إلى القرآن، وفى الكتاب الثانى عرض وتوضيح للمذهب الكاثوليكى وفى الكتاب الثالث زعم
بعض التناقضات فى القرآن وقد نشرت هذه الكتب مطبعة بلياندر فى بال بسويسرا سنة (1543).(1/5)
فى الكتاب الأول زعم إثبات حقيقة الإنجيل استنادا إلى القرآن، وفى الكتاب الثانى عرض وتوضيح للمذهب الكاثوليكى وفى الكتاب الثالث زعم
بعض التناقضات فى القرآن وقد نشرت هذه الكتب مطبعة بلياندر فى بال بسويسرا سنة (1543).
وقام عدد من الآباء الدومينيكانيين والجزويت بنشر كتب هاجموا فيها القرآن والإسلام ومنهم:
دينيس فى كتابه «حول الخداع المحمدى» كولون (1533م).
ألفونس سينا فى كتابه «التحصين الإيمانى» (ت 1491م).
چان دى تيريكريماتا فى كتابه «بحث للرد على الأخطاء الرئيسية الخادعة لمحمد» روما (1606).
لويس فييف فى كتابه «الإيمان المسيحى الحقيقى ضد المحمديين» بال (1543).
ميشيل نان فى كتابه «الكنيسة الرومانية اليونانية فى الشكل والمضمون للدين المسيحى ضد القرآن والقرآنيين دفاعا وبرهانا» باريس (1680).
ولكن أشد الكتب هجوما على القرآن والإسلام ما كتبه «لوودقيجو مراش» (17001612) فى كتاب «عالم النص القرآنى» نشر فى بادوا سنة (1698)، وهو كتاب فى مجلدين من الحجم الكبير عنوان المجلد الأول «مقدمة فى دحض القرآن»، وقد نشر هذا الكتاب متفرقا فى أربعة أجزاء سنة (1961م)، وفيه تناول مراش حياة محمد حسب المصادر العربية، وتناول المجلد الثانى النص العربى للقرآن مع ترجمة لاتينية وشرح النواحى الغامضة فى النص ثم نقده وتفنيده، وكان مراش يعرف السريانية والعربية والعبرية.
ولقد كتب نللينو دراسة حول مصادر المخطوطات العربية التى قام عليها عمل لودوقيچومراش حول القرآن، ويمكننا القول أن عمل مراش هذا كان الأساس ونقطة الانطلاق للدراسات الجادة فى أوروبا عن القرآن وهو عمل حافل بالأخطاء والمجادلات الساذجة اللامعقولة، وللأسف تكررت نفس هذه الأخطاء وهذه التجاوزات فى كل الدراسات المتصلة بالقرآن والتى قام بها المستشرقون الأوروبيون خلال القرنين التاليين لظهور كتاب مراش.(1/6)
حقا، فإنه بداية من منتصف القرن التاسع عشر يبذل هؤلاء المستشرقون كل ما فى وسعهم ليبدوا موضوعيين فى كتاباتهم وفى جعل كتاباتهم أكثر دلالة وأكثر جدية وموضوعية، وأكثر تدقيقا فى المنهج اللغوى، لكن دون فائدة، ذلك لأن الدوافع الداخلية التى تضطرم بالحقد فى قلوبهم ضد الإسلام وكتاب الإسلام المقدس ونبى الإسلام ظلت كما هى بل ازدادت تأججا.
وبرغم أن هؤلاء الكتاب قد توفرت لهم أدوات فهم اللغات منذ بداية القرن الأخير حتى يومنا هذا، إضافة إلى توافر نشر المخطوطات، إلا أنهم أصروا على تقديم نظرياتهم الخاطئة، من خلال تصوراتهم الزائفة للقضايا الوهمية التى طرحوها حول القرآن وطرحوا نتائج زائفة توصلوا إليها.
ومن أجل ذلك تصدينا فى كتابنا هذا لفضح هذه الجرأة الجهولة الحمقاء عند هؤلاء المستشرقين حول القرآن، ونبدأ بتسجيل بعض الملاحظات العامة:
1 - إن معرفة هؤلاء المستشرقين للغة العربية من الناحية الأدبية أو الفنية يشوبها الضعف، ويمكن القول أن هذه الملاحظة تخصهم جميعا تقريبا.
2 - إن معلوماتهم جميعا المستقاة من مصادر عربية جزئية ناقصة وضحلة وغير كافية، وهم يرمون بأنفسهم فى مغامرة طرح فرضيات خطيرة وخاطئة يعتقدون أنهم أول من توصل إليها، دون تكليف أنفسهم عناء التقصى لدى تلك المصادر عن نفس المعضلات التى يثيرونها، إذ تطرق الكتاب المسلمون فى حقيقة الأمر لهذه الفرضيات واعترضوا عليها.
3 - إن ما يحرك بعض المستشرقين دافع الضغينة والحقد على الإسلام، مما يفقدهم الموضوعية ويعمى بصيرتهم بطريقة أو بأخرى، وهذا ينطبق خاصة على هيرشفيلد هوروفيتز، سبير.
4 - لقد ذهب بعض من السطحيين إلى الإعلان بأعلى صوته أن فى القرآن انتحال وتقليد وسرقة، معتمدين على تشابه لا أساس له. وهذا ما قام به مستشرقون مثل: جولد تسيهر شفالى مرجوليوث، ونتحفظ نوعا ما فيما
يتعلق بنولدكة الذى يتبرأ نوعا ما من مؤلفه «تاريخ القرآن» عند ما رفض إعادة طبعه تاركا المستشرق شفالى يقوم بهذه المهمة، فطبع الكتاب ثانية وأصبح يعرف بكتاب نولدكه شفالى.(1/7)
4 - لقد ذهب بعض من السطحيين إلى الإعلان بأعلى صوته أن فى القرآن انتحال وتقليد وسرقة، معتمدين على تشابه لا أساس له. وهذا ما قام به مستشرقون مثل: جولد تسيهر شفالى مرجوليوث، ونتحفظ نوعا ما فيما
يتعلق بنولدكة الذى يتبرأ نوعا ما من مؤلفه «تاريخ القرآن» عند ما رفض إعادة طبعه تاركا المستشرق شفالى يقوم بهذه المهمة، فطبع الكتاب ثانية وأصبح يعرف بكتاب نولدكه شفالى.
5 - لقد كان بعضا من هؤلاء المستشرقين مدفوعا بالتبشير والتعصب المتحفز، مثلما هو الأمر بالنسبة للمستشرق وليم موير وزويمر.
ولن نعالج بطبيعة الحال فى هذا الكتاب كل القضايا التى أثارها المستشرقون بصدد القرآن، فلم نتطرق إلا لتلك القضايا التى بدت لنا أكثر أهمية، كما حصرنا بحثنا فى الفترة ما بين منتصف القرن التاسع إلى منتصف القرن العشرين.
ومنهجنا فى بحثنا هذا هو المنهج الوثائقى والموضوعى الواضح، وهدفنا كشف القناع عن العلماء المزعومين الذين قدموا الضلال والخداع لشعب أوروبا ولغيره من الشعوب الأخرى.
لكننا فى نفس الوقت نؤكد أن القرآن يخرج دائما منتصرا على منتقديه.
د. عبد الرحمن بدوى(1/8)
د. عبد الرحمن بدوى
الفصل الاول
ماذا يعنى الوصف «أمى» الذى يطلق على النبى محمد صلى الله عليه وسلم؟(1/9)
أحد الكلمات المثيرة للجدل فى ترجمة المصطلحات القرآنية كلمة «أمى» خاصة حين يوصف بها النبى صلى الله عليه وسلم.
وفى الواقع أن هذه الكلمة فى القرآن تنطبق على النبى، فى الآيات الآتية:
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرََاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهََاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبََاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبََائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلََالَ الَّتِي كََانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).
2 - قال الله تعالى: {قُلْ يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللََّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَكَلِمََاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2).
وتطلق كلمة «أمى» على الأميين فى الآيات القرآنية:
1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيََاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتََابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كََانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} (3).
2 - قال الله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلََّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ وَاللََّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبََادِ} (4).
3 - قال الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطََارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: (157156).
(2) سورة الأعراف، الآية: (158).
(3) سورة الجمعة، الآية: (2).
(4) سورة آل عمران، الآية: (19).(1/11)
{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينََارٍ لََا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلََّا مََا دُمْتَ عَلَيْهِ قََائِماً ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ قََالُوا لَيْسَ عَلَيْنََا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1).
4 - قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لََا يَعْلَمُونَ الْكِتََابَ إِلََّا أَمََانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلََّا يَظُنُّونَ} (2).
ننظر أولا إلى الحالة الأولى وهى كلمة «أمى» التى تصف النبى محمدا (صلى الله عليه وسلم) ونجد أن التفسير الأكثر اعتمادا لدى مفسرى القرآن الكريم واللغويين هو ما جاء فى لسان العرب «محمد (صلى الله عليه وسلم) نبى الله وصف بأنه أمى لأن الأمة العربية لم تكن تعرف القراءة ولا الكتابة فأرسل الله لهم رسولا من أنفسهم لا يقرأ ولا يكتب وكانت هذه إحدى معجزاته حيث كان يتلو عليهم كتاب الله مباشرة من الوحى الذى يبلغه عن الله عز وجل دون تغيير أو تبديل كلماته، بينما كان الخطيب من العرب يعتمد على الإضافة أو الحذف فى أى خطاب يعيده مرة أخرى ولقد اقتضت حكمة الله أن يظل كتابه محفوظا لا دخل لنبيه فيما نزل منه وأخبره عن الذين أرسلهم قبله وهو ما يتميز به عنهم، وأنزل عليه بمناسبة ذلك قول الله عز وجل: {وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتََابٍ وَلََا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتََابَ الْمُبْطِلُونَ} (3).
نستنتج من هذا الاستشهاد ما يلى:
1 - أن النعت (أمىّ) تعنى من لا يقرأ ولا يكتب.
2 - أنها من كلمة «أمة» وتعنى أمة العرب حيث كانت هذه الأمة فى مجملها أمية، ولسان العرب يؤكد هذه الفكرة أكثر بقوله: «كان العرب يسمون بالأميين لأن الكتابة كانت لديهم نادرة أو غير موجودة» واستشهد بالحديث النبوى الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت إلى أمة أمية».
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: (75).
(2) سورة البقرة، الآية: (78).
(3) سورة العنكبوت، الآية: (48).(1/12)
3 - معنى أخر يورده لسان العرب للفظ (أمىّ) و (أميون) وهو معنى ينطبق أكثر على الأمم، أى الحالة الثانية التى ذكرناها قبل ذلك ويستشهد هنا برأى العالم اللغوى الكبير أبى إسحاق الزجاج المتوفى فى (3جمادى الثانى سنة 311هـ / 924925م)، الخامس والعشرين من سبتمبر سنة (923م)، حيث يقول الزجاج: «الأمى هو الذى يظل كما ولدته أمه»، أى: لم يتعلم الكتابة فهو أمى لأن الكتابة صنعة مكتسبة وهو فى هذه الحالة ظل كما ولدته أمه وتبعا للمعنى فإن كلمة «أمى» جاءت من كلمة «أم» ونحن هنا أمام أصلين لهذه الصفة «أمى».
الأصل الأول: أمى مصدرها من أمه.
الأصل الثانى: أمى مصدرها من الأم.
وكلا الأصلين للكلمة يمكن أن يقبل من الناحية النحوية وليس هناك مشكلة فى هذا الصدد، ولكن من ناحية المعنى هناك اختلاف كبير ينشأ عن استخدامنا للأصل الأول أو الأصل الثانى لأن الأصل الثانى للكلمة «أمى مشتقة من الأم» يسمح لنا أن نقصد بكلمة أمى من لا يقرأ ولا يكتب، أما الأصل الأول للكلمة «أمى مشتقة من أمة» فلا يسمح لنا أن نقصد بهذه الكلمة من لا يقرأ ولا يكتب.
ولذلك فإن الذين يظنون أن معنى كلمة أمى التى يوصف بها النبى صلى الله عليه وسلم أنه ينتمى إلى الأمة العربية يخدعون أنفسهم لأنه من الزيف أن نقول: إن الكتابة كانت نادرة أو غير موجودة عند العرب ومن ناحية أخرى فإن كثيرا من الأمم كانت على نفس شاكلة الأمة العربية فى هذه الحالة لماذا إذن حصر هذا النعت على الأمة العربية لتختص به وحدها دون سواها، خاصة أنه يمكن الاعتراض على هذا استنادا إلى الآيات التى استدللنا بها فى الحالة التى ورد فيها لفظ (أمىّ) و (أميون) للدلالة على الأمم، حيث أن الأمر يتعلق بأمم كثيرة متعارضة أو موازية مع أمتى التوراة (اليهود) والإنجيل والمسيحيين، أى أهل الكتاب بصفة عامة.(1/13)
* أولا: آراء المستشرقين:
نعرض الآن لآراء المستشرقين الأوروبيين حول معنى كلمة أمى وأميون:
من أوائل الذين تناولوا هذه القضية سبرنجر فى كتابه «حياة وعقيدة محمد» برلين سنة (1861م) وذلك من ثلاث زوايا.
1 - فى الجزء الأول (ص 301) «لقد كان أهل الجزيرة العربية قبل محمد منقسمين إلى أهل الكتاب والوثنيين وكان أهل الكتاب يتشكلون من اليهود والنصارى والصابئين وهم القبائل التى لها وحى منزل فيما لم يكن للوثنيين أى شىء من ذلك».
2 - الجزء الثانى (ص 224) أمى تساوى وثنى.
3 - الجزء الثالث (402401) «يزعمون أن أمى تعنى الإنسان الذى يستطيع القراءة لكنه لا يستطيع الكتابة وهذا الرأى يعتمد على آية فهمت خطأ فى القرآن الكريم فى سورة البقرة وهى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لََا يَعْلَمُونَ الْكِتََابَ إِلََّا أَمََانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلََّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتََابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هََذََا مِنْ عِنْدِ اللََّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا يَكْسِبُونَ} (1)، وعلى أى حال فإن هذه الآية حرفت عن معناها حيث يقول ابن إسحاق: إن كلمة أميين والتى ترجمتها بمعنى قراء وهى توجد فى آيات أخرى من القرآن بهذا المعنى وتعنى أيضا قراءة ويعتبر معنى الآية التى استشهد بها سبرنجر ومنهم أميون لا يستطيعون الكتابة وإنما القراءة أى أن (الأمانى) تعنى القراءة ونجد البغوى يفسر معنى أمانى بمرادفها فيقول:
«أمانى تعنى الأحاديث المفتعلة» ويذهب أبو عبيدة فى تفسيره بعيدا حيث يقول: «الأمانىّ» أشياء محفوظة عن ظهر قلب تتلى بغير كتاب ولقد فسر الفراء الأمى بقوله: «الأميون هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب».
البراهين التى ساقها «سبرنجر» تستدعى الملاحظات التالية:
1 - البرهان الأول باطل لأن سبرنجر لم يعتمد على وثيقة فلو وجدنا
__________
(1) سورة البقرة، الآية: (7978).(1/14)
نصا جاهليا من عصر ما قبل الإسلام يؤيد تلك التفرقة بين أهل الكتاب والأميين (الوثنيين) لما كان هناك مشكلة، ولكن سبرنجر أوقع نفسه فى حلقة مفرغة.
2 - القول الثانى كون كلمة أمى تعنى وثنى، فهذا فرض سار عليه كل من فنسنك هورفيتز وبلاشير ورودى باريت وآخرون غيرهم.
3 - القول الثالث ويتعلق بالرأى القائل: إن (الأمىّ) هو الذى يقرأ ولا يكتب»، وهو رأى ينسب إلى الإمام الشيعى جعفر الصادق (انظر المرجع فى المقال «أمىّ» فى كتاب إدوارد وليم القاموس العربى الإنجليزى لندن أدنبرة (18931863).
لننتقل بعد هذا للمستشرق فنسنك وهورفيتز: 1أما عن فنسنك فإنه يؤكد فى مقال نشره فى مجلة «الشئون الشرقية» من الصفحة (2) إلى (19) أن كلمة «أمى» تقال لوصف غير أهل الكتاب وهو نفس المعنى الذى حدده سبرنجر قبله بأكثر من خمسين عاما ولكنه أضاف أن كلمة «أمىّ» مشتقة من أمة بمعنى شعب وثنى «عرقى» ويتوافق مع الكلمة العبرية «جويم» وردد فنسنك نفس الرأى فى كتابه «العقيدة الإسلامية» كمبردج (1932) صفحة (60)، والجديد عنده هو المقارنة بين الكلمة العربية «أمة» والكلمة اليهودية «جويم».
كلمة «جويم» موجودة فى التوراة «سفر التكوين» (14: 1) فى عبارة «تدعال ملك جويم وتدعال كان أحد أربع ملوك شنوا الحرب ضد الملك برشاع فى وادى الأردن ومن الممكن أن يكون (تدعال) هو نفس الملك المشهور هتييتى تودها، أما معنى كلمة «جويم» تطلق على شعوب الإمبراطورية الحيثية وكذلك تطلق «جويم» على منطقة أعلى الزاب ففي كتاب يشوع كان أحد الملوك الكنعانيين الذين غلبهم يشوع اسمه ملك جويم الجلجال كما جاء فى الترجمة الإخائية باسم «ملك جلجال الغريب» القاموس الموسوعى للتوراة جويم تورنهدت بريولس (1896م)، وعلى العموم
فكلمه جويم فى العبرية تعنى الأمم، ويمكن أن تكون ترجمة للكلمة الأكادية «عومان» انظر الموسوعة اليهودية جويم (683).(1/15)
كلمة «جويم» موجودة فى التوراة «سفر التكوين» (14: 1) فى عبارة «تدعال ملك جويم وتدعال كان أحد أربع ملوك شنوا الحرب ضد الملك برشاع فى وادى الأردن ومن الممكن أن يكون (تدعال) هو نفس الملك المشهور هتييتى تودها، أما معنى كلمة «جويم» تطلق على شعوب الإمبراطورية الحيثية وكذلك تطلق «جويم» على منطقة أعلى الزاب ففي كتاب يشوع كان أحد الملوك الكنعانيين الذين غلبهم يشوع اسمه ملك جويم الجلجال كما جاء فى الترجمة الإخائية باسم «ملك جلجال الغريب» القاموس الموسوعى للتوراة جويم تورنهدت بريولس (1896م)، وعلى العموم
فكلمه جويم فى العبرية تعنى الأمم، ويمكن أن تكون ترجمة للكلمة الأكادية «عومان» انظر الموسوعة اليهودية جويم (683).
وهكذا نرى أن كلمة جويم لم تكن واضحة لدى اليهود ولا معروفة عند العرب قبل الإسلام إذن افتراض فنسنك مزيف بصورة كاملة.
2 - كذلك بحث هورفيتز عن مقابل عبرى آخر تناول القضية فى اثنين من كتبه.
* «الأسماء اليهودية ومشتقاتها فى القرآن» حولية كلية الاتحاد العبرى المجلد الثانى أوهايو (1925م) طباعة أوفست هيلدشيم.
* «مباحث قرآنية» برلين وليبزج (1926).
ويدعى هورفيتز وهو عالم متحيز ويحمل نوايا سيئة تجاه الإسلام يدعى أن (أمىّ) تعنى وثنى، ولذلك فهو يترجم التعبير العبرى «أمة هاعولام» بمعنى «شعوب العالم فى مقابل شعب إسرائيل».
ولكن من السهل علينا تفنيد هذا الرأى الفاسد (فأمىّ) لا تعنى وثنى والنبى صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بأنه نبى أمى وهو يجادل اليهود، ومن المستحيل والمخالف للواقع أن يصف النبى (صلى الله عليه وسلم) نفسه بأنه (أمىّ) وهو يقصد كافرا أو وثنيا لأن بهذا المعنى تكون صفة أمى فيها نوع من الإهانة.
* أيضا هل كان فرانتس بول) (محقا فى قوله: «إنه لمن المثير للدهشة أن يقتبس محمد بن اليهود كلمة فى لغتهم تعنى الاحتقار» (حياة محمد ترجمة ألمانية هيلدبرج سنة 1955م)، وحسب قول بول فان تعبير أمى مشتق من أمة والتى تقابل اللفظ اليونانى لايكوس (علمانى) ويرى «بول» أن محمدا كان يعرف فن القراءة والكتابة لكن الكتب المقدسة لدى اليهود والنصارى لم تكن مفهومة بالنسبة له، وهذا القول يطابق الواقع، فلقد أوضحه القرآن غير مرة إن نقل محمد لعبادات أو قصص توراتية تكشف عن إهانات كان من المستحيل أن تورد لو كان محمد يستطيع قراءة الكتابة التوراتية.(1/16)
إذا «فبول» يرى أن محمدا كان يعرف القراءة والكتابة ولكنه فقط لم يقرأ التوراة مباشرة وإلا لما كان من الممكن أن يهان لمرات عديدة فى نقله أو تسجيله لعبارات أو قصص توراتية وحسب قول بول فإن محمدا لم يكن يعرف التوراة والأناجيل إلا من خلال الذين علموها له.
ولكى نوضح ذلك فكيف نفسر كلمة «أمى» حسب رأى «بول» بأنها مشتقة من أمة بمعنى شعب، أى: أنها تعنى غير دينى أى: أن محمد رجل غير عالم بالأمور الدينية أى: جاهل دينيا وفيما يتعلق بنبى مؤسس دين فإن هذا الوصف مثير للسخرية إذ كيف يمكن أن يصف النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه أمام اليهود والنصارى بأنه رجل جاهل بالمسائل الدينية ولذلك نرى «بول» أكثر عبثية من فنسك وهورفيتز.
* كتب نللينو) (حول الموضوع مقالا صغيرا نشر بعد موته ضمن أعماله الكاملة (الأعمال والمخطوطات المنشورة وغير المنشورة) المجلد الثانى فى روما (1940م) صفحة (6560) تحت عنوان «معانى المفردات القرآنية».
«أمى» ذلك اللفظ المنطبق على محمد وكذلك الأميين حيث يؤيد الرأى القائل بأن أمى مشتقة من الأمة العربية، وهذا هو الرأى الذى وجدناه فى لسان العرب لابن منظور ولكنه أورده مبتسرا دون أن يوضح أن العرب لم يكونوا فى مجملهم يعرفون الكتابة أو القراءة ويرى نللينو أن «أمى» تأخذ بعدا عرقيا أو متعصبا للقومية.
ورأى «نللينو» لا يمكن أن يقبل على أى حال لأنه قائم على فرضية خاطئة تماما وهى أن محمدا مرسل فقط إلى الأمة العربية كما كان موسى مرسلا إلى شعب إسرائيل وعيسى مرسلا إلى أمة فلسطينية (ما هى لا أحد يعرف) ان خطأ تلك الفرضية المتعصبة يبدوا واضحا للعيان وذلك لأن:
(أ) النبى محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل فى سنة (628م) خطابات إلى ملوك العالم الأربعة فى عهده وهم: هرقل الثانى إمبراطور بيزنطة، وكسرى أنو شروان ملك الفرس، والمقوقس حاكم مصر، وملك الحبشة وهذا يوضح بجلاء أن
محمدا (صلى الله عليه وسلم) كانت رسالته عالمية لكل أمم العالم ولو كان نبيا مرسلا فقط إلى الأمة العربية لما فكر فى إرسال هذه الرسائل الأربع إلى حكام العالم المعروفين فى ذلك الوقت يدعوهم إلى اعتناق الإسلام هم وشعوبهم.(1/17)
(أ) النبى محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل فى سنة (628م) خطابات إلى ملوك العالم الأربعة فى عهده وهم: هرقل الثانى إمبراطور بيزنطة، وكسرى أنو شروان ملك الفرس، والمقوقس حاكم مصر، وملك الحبشة وهذا يوضح بجلاء أن
محمدا (صلى الله عليه وسلم) كانت رسالته عالمية لكل أمم العالم ولو كان نبيا مرسلا فقط إلى الأمة العربية لما فكر فى إرسال هذه الرسائل الأربع إلى حكام العالم المعروفين فى ذلك الوقت يدعوهم إلى اعتناق الإسلام هم وشعوبهم.
(ب) يؤكد القرآن بوضوح أن النبى محمدا (صلى الله عليه وسلم) مرسل إلى الجنس البشرى كله:
قال الله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا كَافَّةً لِلنََّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلََكِنَّ أَكْثَرَ النََّاسِ لََا يَعْلَمُونَ} (1).
قال الله تعالى: {مََا أَصََابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللََّهِ وَمََا أَصََابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنََاكَ لِلنََّاسِ رَسُولًا وَكَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً} (2).
قال الله تعالى: {قُلْ يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللََّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَكَلِمََاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3).
إذا ليس ثمة ريب فى أن النبى محمدا (صلى الله عليه وسلم) رسول من الله عز وجل إلى كل البشر دون تفرقة بسبب الجنس أو القومية أو الحدود أو اللغة واللون
إن عالمية الرسالة المحمدية حقيقة ثابتة لا مراء فيها.
* ثانيا تفسيرنا:
فى ضوء تلك الحقيقة الثابتة نطرح تفسيرنا لكلمة «الأمىّ» التى تنطبق على النبى محمد (صلى الله عليه وسلم).
إن كلمة «أمىّ» صفة نسب من كلمة «أمم» جمع «أمة» وكما يوضح علم الصرف فإنه لكى ننسب إلى اسم جمع لا بدّ أن «نرده» إلى المفرد «أمة».
إذا فى رأينا أن كلمة «أمى» المشتقة من «أمم» فى الجمع المردودة إلى أمة فى المفرد تعنى عالمى وصالح وموجه لكل «الأمم».
__________
(1) سورة سبأ، الآية: (28)
(2) سورة النساء، الآية: (79)
(3) سورة الأعراف، الآية: (158)(1/18)
إذا النبى الأمى هو النبى المرسل والموجه إلى كل «الأمم» أو بمعنى أصح النبى العالمى.
أما عن الأميين «بالجمع» التى وردت أربع مرات فى القرآن الكريم (1)
تعنى البشر من مختلف الأمم أو كل الأمم.
وفى ضوء هذا التفسير يمكن أن نفهم المواضع الأربعة التى أوضحناها كالتالى:
1 - قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لََا يَعْلَمُونَ الْكِتََابَ إِلََّا أَمََانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلََّا يَظُنُّونَ} (2).
وتفسير هذه الآية أن من بين الأمم من لا يفهمون الكتاب إلا بطريقة جزئية ومزيفة.
وأن الله عز وجل أرسل إلى الأمم رسولا من بينهم أى إنسانا من البشر ليس مجسدا كما يقول النصارى وليس شخصا فوق البشر كما يقول اليهود، وتفسيرنا ينطبق بشكل «تام» على المواضع الأربعة التى يوجد بها لفظة أميين فى القرآن الكريم.
وتبدو للعين مباشرة عبثية التفسير الذى يجعل من (الأميين) مرادفا للوثنيين (سبرنجر فنسنك بلاشير إلخ) خاصة عند ما نقرأ الآية الكريمة (78) من سورة البقرة {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لََا يَعْلَمُونَ الْكِتََابَ إِلََّا أَمََانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلََّا يَظُنُّونَ} لأن هذه الآية ستكون حشوا لا فائدة منه.
فالأميون لا يعرفون الكتب المقدسة، ومن هنا لا يعقل لومهم على فعل كهذا وإلا لكان من الممكن أن نلوم المسيحى لأنه لا يعرف الكتابات البوذية وهكذا ختاما نرى أن كلمة «أمى» المنطبقة على النبى محمد صلى الله عليه وسلم تعنى «عالمى» مرسل إلى جميع الأمم، وكلمة «أميين» تعنى الأمم كل الأمم.
وربما كان من المفيد أن نتتبع تاريخ هذه الكلمة «أمىّ» واستعمالها لدى الشعراء والناثرين على الأقل خلال القرون الخمسة الهجرية الأولى، وسوف نرى إلى أى مدى كان لها معنى «الذى لا يجيد القراءة والكتابة».
__________
(1) سورة البقرة، آية: (78)، وآل عمران، آية: (20، 75)، والجمعة، آية: (2).
(2) سورة البقرة، آية: (78).(1/19)
الفصل الثانى «الموازاة الخاطئة بين القرآن والعهد القديم»(1/21)
منذ قرون عديدة والبحث مستمر عن مصادر توراتية أو شبه توراتية فى القرآن (وهى التلمود فيما يتعلق باليهودية والأناجيل فيما يتعلق بالمسيحية)، ولكن بداية من القرن التاسع عشر أصبح لهذا البحث سمات تبدو علمية وخصصت منشورات وكتب لهذا الموضوع منها ما هو محدود الانتشار، ومنها ما هو واسع الانتشار، وتنقسم هذه الدراسات إلى قسمين:
أولا كتب أو دراسات ذات اتجاه يهودى أو متعلقة باليهودية.
ثانيا كتب أو دراسات ذات اتجاه مسيحى أو متعلقة بالمسيحية.
* كتب ذات نزعة يهودية ونذكر منها:
1 - إبراهام جيجر: «ماذا أخذ محمد من النصوص اليهودية؟» بون سنة (1833م) ط 2ليبزج سنة (1902م) إعادة طبع (1969).
2 - هيرشفيلد: 1العناصر اليهودية فى القرآن برلين (1878م).
مقالة فى شرح القرآن ليبزج سنة (1886م).
أبحاث جديدة فى فهم وتفسير القرآن لندن سنة (1902م).
3 - سيدرسكى: أصل الأساطير الإسلامية فى القرآن باريس سنة (1933م).
هاينريش سبرنجر: (قصص الإنجيل فى القرآن) باريس، ط 5، برلين وليبزج (1929).
هورفيتز: (بحوث قرآنية) برلين وليبزج سنة (1926م).
الأسماء اليهودية ومشتقاتها فى القرآن حوليات الكلية العبرية، المجلد الحادى عشر سنة (1925م)، صفحة (227145م).
6 - إسرائيل شابيرو: الحكايات التوراتية فى أجزاء القرآن برلين (1907م).
* الكتب ذات التوجه المسيحى التى يمكن أن نذكر منها:
1 - ريتشارد بيل: أصل الإسلام فى بيئته المسيحية لندن سنة (1926م)، وأعيد طبعه سنة (1968م).
مقدمة فى القرآن أندنبرج سنة (1953م).(1/23)
2 - تور أندريا: أصل الإسلام والمسيحية أوبسلو سنة (1926م).
وسنقوم الآن بتحليل منهج هذه الكتب.
يؤكد كل هؤلاء الكتاب أن محمدا صلى الله عليه وسلم باعتباره مؤلفا للقرآن اقتبس أغلب القصص وعددا كبيرا من الصور البيانية وكذلك الحكم والأمثال من الكتب المقدسة أو شبه المقدسة لدى اليهود والنصارى.
ولكى نفترض صحة هذا الزعم، فلا بد أن محمدا كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية، ولا بدّ أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل نصوص التلمود والأناجيل المسيحية ومختلف كتب الصلوات وقرارات المجامع الكنسية وكذلك بعض أعمال الأدباء اليونانيين وكتب مختلف الكنائس والمذاهب المسيحية.
هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاء الكتاب وهو كلام لا برهان عليه.
إن حياة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل ظهور رسالته وبعدها معروفة للجميع على الأقل فى مظاهرها الخارجية ولا أحد قديما أو حديثا يمكن أن يؤكد أن النبى محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان يعرف غير العربية إذا كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدعون!
اعتراض ساقط آخر مما قاله هؤلاء الكتاب وهو يعتمد على الصياح بالقول أن فى القرآن انتحالا ويحدث ذلك عند ما يذكر القرآن حقيقة عامة ذكرت فى الكتب المقدسة اليهودية والنصرانية وقبل ذلك وكأنه يجب على القرآن الكريم حتى يكون بريئا من أى انتحال أن يقول أشياء مخالفة للعلم العام أو الرشاد.
فى كل مرة يجد هؤلاء الكتاب كلمة أو كلمتين متشابهتين بين القرآن وأى جزء من التوراة، فإنهم ينتهون إلى المطابقة بين القطعتين ويمكن أن يذهب بهم السخف إلى أبعد من ذلك ويعتبر هيرشفيلد أستاذ هذا الاتجاه العقيم العبثى.(1/24)
(مزاعم هيرشفيلد 1854م 1934م).
يرى هيرشفيلد أن هناك بعض المتشابهات بين القرآن والتوراة:
(1)
سورة الرحمن
الآية (5): {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبََانٍ}.
الآية (6): {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدََانِ}.
الآية (7): {وَالسَّمََاءَ رَفَعَهََا وَوَضَعَ الْمِيزََانَ}.
الآية (9): {وَالْأَرْضَ وَضَعَهََا لِلْأَنََامِ}.
سفر المزمور (136)
(العهد القديم) الآية (8) «الشمس لحكم النهار» الآية (9) «والكواكب لحكم الليل».
الآية (5): «الصانع السماوات بفهم».
الآية (6): «الباسط الأرض على المياه».
إننى أدعو من القارئ أن يتمعن فى النصين ويوضح لى وجه الشبه بينهما فى الواقع لا يوجد أى شبه بينهما، فالقرآن يتحدث هنا عن السمة الدائرية لحركة الشمس والقمر، بينما لا يذكر المزمور عن ذلك أى كلمة كذلك فالقرآن يؤكد أن الأعشاب والأشجار تسجد لله عز وجل، وهذه فكرة غائبة بالكلية فى المزمور. أيضا فإن المزمور يتحدث عن الحكمة التى بها خلق الله السموات، ولكن القرآن لا يتحدث إلا عن فعل الله فى رفع السماء من خلال الآية رقم (9) أكد القرآن أن الله وضع الأرض لصالح الإنسانية جمعاء، بينما تتحدث الآية (6) فى المزمور فقط عن ظاهرة جغرافية بسيطة وهى أن الأرض تتمدد فوق المياه.
إذن أين وجه الشبه بين القرآن والمزامير فى هذا النص، أى تهيؤات جعلت هيرشفيلد يؤمن بوجود وجه شبه أو ربما اقتباس هنا!
نفس التهيؤات المرضية هى التى جعلت هيرشفيلد يعتقد بوجود تشابه، سورة النحل والمزمور (104).(1/25)
(2)
(أ) سورة النحل
الآية (2): {يُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى ََ مَنْ يَشََاءُ مِنْ عِبََادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنَا فَاتَّقُونِ}.
المزمور (104)
الآية (4): «الصانع ملائكته رياحا وخدامه نارا ملتهبة».
تحدث القرآن الكريم فى سورة النحل، الآية (2) عن إرادة الله عز وجل المطلقة فى أن يختار من بين الناس من عباده شخصا يؤدى المهمة النبوية الشريفة، وأن الله ينزل عليه ملكا مثل جبريل عليه السلام لينقل له أمر الله فى هذا الموضوع على العكس فإن الآية (4) فى المزمور (104) لا تتحدث إلا عن ظواهر جوية وطبيعية!!.
ونواصل رحلتنا مع هيرشفيلد ومع التشابه المزعوم بين سورة النحل والمزمور 104:
(ب) سورة النحل
الآية (3): {خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعََالى ََ عَمََّا يُشْرِكُونَ}.
المزمور (104)
الآية (2): «اللابس النور كثوب الباسط السماوات كشقة».
الآية (5): «المؤسس الأرض على قواعدها».
أسأل نفسي مرة أخرى بكثير من الدهشة، كيف استخلص هيرشفيلد وجود علاقة بين النصين اللذين قارن بينهما؟
أن الآية القرآنية تتحدث عن حكمة الله وقدرته فى خلق السموات والأرض فى انسجام تام دون أن تقع الأولى على الثانية مما يثبت أنه لا إله إلا الله واحد أحد لا شريك له.
وفى المقابل لا يتحدث المزمور إلا عن سذاجة نادرة فالسماوات مثل البساط والأرض قائمة على قواعد ثابتة.(1/26)
(ج) سورة النحل
الآية (10): {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرََابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}.
المزمور (104)
الآية (3): «المسقف علاليه بالمياه الجاعل السحاب مركبة الماشى على أجنحة الريح».
إنه لمن الواضح أن النصين يتحدثان عن شيئين مختلفين، فالقرآن يتحدث عن النعمة العظيمة المسداة إلى الناس حتى يستطيعوا أن يعيشوا هم وأنعامهم وتلك النعمة هى المطر الذى ينزله الله عز وجل من السماء، بينما يتحدث المزمور عن المنازل والوسائل التى يستخدمها الله.
إذن ليس ثمة علاقة بين الموضوعين المتناولين ومن ناحية أخرى فإن آية المزمور مجسمة ومادية ومن المستحيل أن يكون لها صدى فى القرآن، لأنها صورة شنيعة مخالفة لما عليه المفهوم الإسلامى والقرآن لله عز وجل.
(د) سورة النحل
الآية (11): {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنََابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرََاتِ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
المزمور (104)
الآية (14): «المنبت عشبا للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان لإخراج خير من الأرض».
الآية (15): «وخمر تفرح قلب الإنسان لإلماع وجهه أكثر من الزيت وخبز يسند قلب الإنسان».
يتحدث القرآن الكريم عن المطر الذى ينبت الحبوب والزيتون والنخيل بينما يتحدث المزمور عن الله مباشرة ويؤخر نعمة الخمر، بينما لم يتحدث القرآن مطلقا عن الخمر تلك التى تحى قلوب البشر وتلمع وجوههم وهو كلام يخالف مخالفة صريحة ما قاله الله عز وجل فى قرآنه الكريم فى سورة البقرة، الآية (219): {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ وَإِثْمُهُمََا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذََلِكَ يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمُ الْآيََاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}.(1/27)
وكذلك فى سورة المائدة، الآية (90): {إِنَّمََا يُرِيدُ الشَّيْطََانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدََاوَةَ وَالْبَغْضََاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللََّهِ وَعَنِ الصَّلََاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
إذن فالنصان بمعنى أصح ليس بينهما علاقة بل انهما مختلفان تمام الاختلاف، وعلاوة على ذلك فإن المزمور يتحدث فقط عن النباتات بوجه عام بينما القرآن الكريم يتحدث عن نباتات محددة وهى الزيتون والنخيل والأعناب.
(هـ) سورة النحل
الآية (14): {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهََا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوََاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
المزمور (104)
الآية (25): «هذا البحر الكبير الواسع الأطراف هناك دبابات بلا عدد صغار حيوان مع كبار.
الآية (26): «هناك تجرى السفن لوياثان هذا خلقته ليلعب فيه.»
أن النصين يتحدثان عن البحر ولكن بطريقة مختلفة تماما، فالقرآن الكريم يتحدث عن النعم المتعلقة بالبحر كالأسماك ويعدها كنعم منحها الله عز وجل للبشر، بينما يكتفى المزمور بوصف البحر بالفكاهة فى قوله إن الله خلق التمساح ليلعب فى البحر.
(و) سورة النحل
الآية (38): {وَأَقْسَمُوا بِاللََّهِ جَهْدَ أَيْمََانِهِمْ لََا يَبْعَثُ اللََّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى ََ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلََكِنَّ أَكْثَرَ النََّاسِ لََا يَعْلَمُونَ}.
الآية (65): {وَاللََّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَأَحْيََا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}.
الآية (70): {وَاللََّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفََّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى ََ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لََا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللََّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
المزمور (104)
الآية (29): «تحجب وجهك فترتاح تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود».(1/28)
أى تهيؤات دفعت هيرشفيلد ليعتقد بأن هذه الآيات الأربعة الغنية بالأفكار إنما هى صدى لهذه الكلمات القليلة من المزمور (104)، الآية (29).
إن القرآن الكريم هنا يتناول قضية بعث الموتى ويعلن أن ذلك ممكن ما دامت الأرض تعود حية بعد موتها بفعل نزول المطر بمشيئته سبحانه وتعالى أما المزمور فلا يتحدث إلا عن أن الله يرسل العاصفة على البشر ويموتون إن القرآن الكريم يتحدث عن بعث الموتى، بينما يتحدث المزمور عن الموت مطلقا فالقرآن والمزمور هنا مختلفان كلية أو على الأقل يتحدثان عن أشياء مختلفة كلية.
(ز) سورة النحل
الآية (42): {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى ََ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
المزمور (104)
الآية (27): «كلها إياك تترجى لترزقها قوتها فى حينه».
إن النصين لا يتحدثان عن نفس الشيء القرآن الكريم يتحدث عن الصبر والإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى، بينما يتحدث المزمور عن الأمل الذى عند الناس فى أن يمنحهم الله غذاءهم فى الوقت الذى يريده ويتحدث القرآن عن المثل العليا والفضائل التى يجب أن يتحلى بها المؤمنون، بينما لا يفكر المزمور إلا فى حاجات البطون.
(ح) سورة النحل
الآية (49): {وَلِلََّهِ يَسْجُدُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ مِنْ دََابَّةٍ وَالْمَلََائِكَةُ وَهُمْ لََا يَسْتَكْبِرُونَ}.
المزمور (104)
الآية (33): «أغنى للرب فى حياتى أرنم لإلهى ما دمت موجودا».
ليس هناك علاقة بين النصين، لأن القرآن الكريم هنا يتحدث عن كل المخلوقات فى السموات وفى الأرض وكذلك عن الملائكة ويؤكد أنهم كلهم يسجدون لله عز وجل، وفى المزمور فرد واحد فقط هو الذى يمدح الله
بينما فى القرآن كل الخلق يمدحونه سبحانه يا لها من فردية فى المزمور ويا لها من عالمية فى القرآن.(1/29)
(ط) سورة النحل
الآية (50): {يَخََافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ}.
المزمور (104)
الآية (34): «فيلذ له نشيدى وأنا أفرح بالرب».
نفس الأنانية (فى المزمور) والخشوع والطاعة والتواضع فى القرآن.
(ى) سورة النحل
الآية (61): {وَلَوْ يُؤََاخِذُ اللََّهُ النََّاسَ بِظُلْمِهِمْ مََا تَرَكَ عَلَيْهََا مِنْ دَابَّةٍ وَلََكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ لََا يَسْتَأْخِرُونَ سََاعَةً وَلََا يَسْتَقْدِمُونَ}.
المزمور (104)
الآية (35): «لتبد الخطاة من الأرض والأشرار لا يكونوا بعد باركى يا نفس الرب».
هنا يوضح القرآن الكريم لماذا لا يعاقب الأشرار فى الدنيا، بينما يطلب المزمور على العكس من ذلك أن يختفى المذنبون من على الأرض وأن يفنى الكافرون حالا إن سياق القرآن مختلف تماما عن سياق المزمور.
(ك) سورة النحل
الآية (79): {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرََاتٍ فِي جَوِّ السَّمََاءِ مََا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللََّهُ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
المزمور (104)
الآية (12): «فوقها الماء طيور السماء تسكن».
الآية (17): «حيث تعيش هناك العصافير أما اللقلق فالسرو بيته».
إن القرآن الكريم هنا يتحدث عن آية من آيات الله وهى أن الطير يسبح فى جو السماء بقدرته المطلقة سبحانه وتعالى عكس قانون الجاذبية الأرضية، بينما يوضح المزمور أن الطيور تتهادى قريبا من مصادر المياه وتعيش بين أوراق الشجر دون أية إشارة إلى تلك القدرة الإلهية التى توجه الطيور فى السماء.(1/30)
هذه الأمثلة تكفى لتوضيح الطريقة التى تصرف بها وفهمها هيرشفيلد فى كتابه «بحوث جديدة فى فهم وتفسير القرآن» لندن سنة (1902م) لقد زعم وجود أوجه شبه وتماثل، بينما فى الحقيقة لا يوجد شىء من ذلك.
وهذا يثبت أنه كان ضحية لهوس مرضى سببه ذلك التعصب الأعمى المختلط بالزهو والغرور إنه يصل بهذا السخف إلى نهاية حين يقرر أن القرآن وهو نص الإسلام المكتوب ليس إلا تحريفا للتوراة، «المرجع السابق» المقدمة صفحة (11).
إننا نجد أيضا ذلك العمى المرضى فى مقالة «العناصر اليهودية فى القرآن» برلين (1878)، وكذلك فى كتابه «مساهمات حول تفسير القرآن» ليبزج (1886م)، ولذلك فهذه الكتب لا تستحق أن ندرسها.
ونستعرض الآن رأى بعض العلماء فى أعمال هيرشفيلد.
(أ) قال «سيدرسكى» بعد أن عرض عناوين كتب هيرشفيلد «للأسف، فإن هذا العالم لم يضف أى شىء يذكر فيما يتعلق بأصل الأساطير القرآنية» «أصول الأساطير الإسلامية» باريس (1933م) صفحة (2) رقم (1).
(ب) فى الجزء الثانى من كتابه «القرآن تعليق وتحليل» «شتوتجارت» (1971م) صفحة (12) يحدد «رودى باريت» كتاب هيرشفيلد «بحوث حديثة» صفحة (101، 103) حول الحروف الموجودة فى أوائل بعض السور، لكن مرجعه ليس دقيقا، لأنه فى صفحة (142141)، وليس فى صفحة (101، 103)، حيث تناول هيرشفيلد قضايا الجذور، ويذكر رأيا آخر لهيرشفيلد فيما يتعلق بكلمة حطة فى سورة البقرة، الآية (58)، {وَإِذْ قُلْنَا: ادْخُلُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهََا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطََايََاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}.
يقول هيرشفيلد: ربما تكون كلمة حطة مأخوذة من صيغة الاعتراف بالذنب التى تعود إلى المشناة «يوما»، ولكن باريت لا يعلق على رأى هيرشفيلد ذلك الرأى الخاطئ، لأن المشناة فى الموضوع الذى استشهد به لا توجد بها
كلمة حطه أو كلمة لها نفس المعنى أو النطق أو قريبا منه مما يؤكد مرة أخرى أن هيرشفيلد يقول أى شىء دون أدلة أو وثائق يستند إليها. ويدلى «باريت» فى صفحة (2019) من كتابه «القرآن تعليق وتحليل» بآراء أخرى «لسبير» وهى متعلقة بتفسير كلمة «حطه» والتى ما يزالون يتشبثون بأنها كلمة عبرية أو محرفة عن كلمة عبرية.(1/31)
يقول هيرشفيلد: ربما تكون كلمة حطة مأخوذة من صيغة الاعتراف بالذنب التى تعود إلى المشناة «يوما»، ولكن باريت لا يعلق على رأى هيرشفيلد ذلك الرأى الخاطئ، لأن المشناة فى الموضوع الذى استشهد به لا توجد بها
كلمة حطه أو كلمة لها نفس المعنى أو النطق أو قريبا منه مما يؤكد مرة أخرى أن هيرشفيلد يقول أى شىء دون أدلة أو وثائق يستند إليها. ويدلى «باريت» فى صفحة (2019) من كتابه «القرآن تعليق وتحليل» بآراء أخرى «لسبير» وهى متعلقة بتفسير كلمة «حطه» والتى ما يزالون يتشبثون بأنها كلمة عبرية أو محرفة عن كلمة عبرية.
وفى التفاسير الإسلامية كلمة «حطة» معناها باعتبارها عربية: اغفر لنا ذنوبنا أو «حط عنا أوزارنا» كما أن «بلاشير» يترجمها صراحة بكلمة «العفو».
إن سبيير يزعم أن كلمة «حطة» هى تحريف للكلمة العبرية «حطنو»، الآية (40) من الكتاب الرابع لموسى «سفر العدد» حيث يقول غدا فى الصباح الباكر ينطلقون نحو قمة الجبل قائلين إننا مستعدون أن ننطلق نحو المكان الذى حدده الله لأننا أذنبنا» ومع أن هذه الآية تطابق المعنى المقصود، فإن سبيير يقول «إن محمدا ظن أن اليهود الذين رفضوا أن يدخلوا الأرض المقدسة قد قصدوا» بهذه الكلمة معنى ثانويا بمقتضاه عضدوا رأيهم السابق «أرسى حطة»: «الأرض الحنطة» إذا كان يمكن أن يقول الإسرائيليون حطانوا ولكن دون أن يقصدوا المعنى الحقيقى ولكن يقصدون فاكهة تلك الأرض المقدسة وليس أمر الله سبيير «الخطابات التوراتية فى القرآن» صفحة (733).
ولكن تفسير «سبيير» هذا متعنت ومعقد ومن الصعب أن يكون حقيقيا إنه يعتمد على القول بأن الإسرائيليين عند ما كانوا فى مواجهة الأرض المقدسة
كان موسى قد أرسل أناسا يستطلعون تلك البلاد وعند رجوعهم من مهمتهم وصفوا تلك البلاد وأحسوا بالذنب لكذبهم.
«وفى الغد منذ الصباح الباكر سينطلقون نحو قمة الجبل قائلين إننا مستعدون للمسير نحو المكان الذى أراده الرب، لأننا أخطأنا «حطانو» ولكن بدلا من أن يقصدوا بتلك الكلمة معناها الحقيقى فإنهم قرنوها بمعنى آخر حسب لوم محمد كما يقول سبيير وفكروا فى كلمة «حطة» بمعنى قمح يا له من
تفسير رائع ذلك الذى يفترض أن محمدا كان عالما ممتازا بالعبرية وإلا من أين له بلوم الإسرائيليين؟(1/32)
«وفى الغد منذ الصباح الباكر سينطلقون نحو قمة الجبل قائلين إننا مستعدون للمسير نحو المكان الذى أراده الرب، لأننا أخطأنا «حطانو» ولكن بدلا من أن يقصدوا بتلك الكلمة معناها الحقيقى فإنهم قرنوها بمعنى آخر حسب لوم محمد كما يقول سبيير وفكروا فى كلمة «حطة» بمعنى قمح يا له من
تفسير رائع ذلك الذى يفترض أن محمدا كان عالما ممتازا بالعبرية وإلا من أين له بلوم الإسرائيليين؟
وإذا كان قد أخذه من يهود المدينة، إذا فماذا يوضح لنا هذا اللوم فى الأدب اليهودى!! وكل هذه البراعة الكاذبة من أجل توضيح افتراض خاطئ وهو أن كلمة «حطه» ذات أصل عبرى.
إنه يختلق أكذوبة ويصبح ضحية لتلك الأكذوبة وهو مجبر أن يوضح بكل الوسائل حقيقة أكذوبته المزعومة.
هذا هو سلوك العلماء المزعومين ولكنها النتيجة المنطقية لتلك الآراء المبتسرة التى يدلى بها الباحثون اليهود فى محاولة للبحث عن آثار عبرية يهودية فى القرآن الكريم.
وحتى هورفيتز فى كتابه «الأسماء اليهودية الحقيقية» صفحة (54)، يعترف أن التفسير الذى يعرضه هيرشفيلد وسيدرسكى لا يعد كافيا.
وفى النهاية نؤكد هذه الدراسات الثلاث «لهيرشفيلد» والتى خصصها للعلاقة بين القرآن الكريم والكتاب اليهودى المقدس ليس لها قيمة لأنها قائمة على أوجه شبه فرضية وآراء مبتسرة ومقدمات لا أساس لها وتفتقر كلية إلى الفهم وتعويضا ومكافأة له عن تلك الصفحات أصبح هيرشفيلد أستاذا بجامعة لندن سنة (1924م).
ثانيا: كلير مون جانو
(تشبيه النور [سورة النور الآية 35]).
نتعرض الآن لأوجه شبه أخرى ساقها مجموعة من علماء المستشرقين:
* د. ب ماكدونالد: مادة الله (موسوعة الإسلام) الطبعة الأولى.
* ر بيل: جذور الإسلام صفحة (115).
* كلير مون جانو «المصباح وشجرة الزيتون فى القرآن» مجلة تاريخ الأديان العدد (81) سنة (1920)، صفحة (259213).(1/33)
* سبيير: «القصص الإنجيلية فى القرآن» صفحة (4306662).
* فر بهل سبيير: حول المقارنات والتشبيهات فى القرآن «المجلة الشرقية»، العدد (2) سنة (1924م)، صفحة (111).
وهذه الآيات تتحدث عن مثل النور الإلهى الموصوف فى سورة النور، الآية (35)، قال الله تعالى: {اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ الْمِصْبََاحُ فِي زُجََاجَةٍ الزُّجََاجَةُ كَأَنَّهََا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبََارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لََا شَرْقِيَّةٍ وَلََا غَرْبِيَّةٍ يَكََادُ زَيْتُهََا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نََارٌ نُورٌ عَلى ََ نُورٍ يَهْدِي اللََّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشََاءُ وَيَضْرِبُ اللََّهُ الْأَمْثََالَ لِلنََّاسِ وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
إن هذه الآية هى مرجع معظم الصوفية المسلمين وهى أساس كل مذاهب الإشراق فى الإسلام.
نستعرض كيف شرح العلماء المذكورون آنفا هذه الآية حسب زعمهم.
(أ) ماكدونالد: يقول إنه حسب السياق يبدو أن فى الآية اقتباسا من التقاليد المسيحية فى الكنائس والأديرة وفى هذه الحالة فإن الصورة مأخوذة من الهيكل المغشى بالنور، وبهذا تكون التعبيرات القرآنية مرتبطة ب «نور العالم» فى الإنجيل ونور النور فى شهادة الإيمان واليقين بالناسوت وما يدل عليه، وهذا التفسير يستدعى بعض التحفظات.
1 - أن الأنوار التى على الهيكل فى الكنيسة كثيرة أما الآية القرآنية فلا تتكلم إلا عن نور واحد عظيم يملأ السموات والأرض.
2 - فى إعلان العقيدة الذى ذكره ماكدونالد كتب: «أن الله نور من نور» أما فى القرآن الكريم فالآية تقول: {نُورٌ عَلى ََ نُورٍ} أى نور خالص وهكذا فالمعنى مختلف بين النصين.
3 - لقد درج شعراء الجاهلية مثل (امرؤ القيس) على وصف مصابيح الرهبان التى يهرب منها النور وكأنه يتسلل من وحدة الاعتكاف والعزلة، ولم
يكن النبى محمد ليستعير هذا التشبيه السائد آنذاك ويصف النور الإلهى لأن ذلك يكون بمثابة الكفر.(1/34)
3 - لقد درج شعراء الجاهلية مثل (امرؤ القيس) على وصف مصابيح الرهبان التى يهرب منها النور وكأنه يتسلل من وحدة الاعتكاف والعزلة، ولم
يكن النبى محمد ليستعير هذا التشبيه السائد آنذاك ويصف النور الإلهى لأن ذلك يكون بمثابة الكفر.
نؤكد لهذه الأسباب الثلاثة أن طرح ماكدونالد خاطئ.
ويزعم «كلير مون جانو» وجود مشابهة بين هذه الآية ومقطوعة من كتاب زكريا «العهد القديم» (4/ 31) حيث يقول: «ملك لم يتكلم عاد إلى ليوقظني كما لو كان شخص ينبه شخصا من نومه (2)» وسألنى ماذا ترى؟
فأجبته «عندى رؤية رأيت مشكاة من الذهب بخزانة فى الجزء العلوى وفى أعلاه سبع مصابيح وسبع أسنة لهذه المصابيح (3) ومن جانيها زيتونتان الأولى عن يمين الخزان والأخرى عن يساره (4) وواصلت كلامى سائلا الملك الذى كان يكلمنى ماذا يعنى ذلك؟ ثم قلت: لا يا إلهى. فقال لى: «هذه المصابيح السبعة تعنى عيون الرب التى تكلأ الأرض» ثم سألته ماذا تعنى الزيتونتان على يمين وشمال المشكاة؟ (4)، فقال: هؤلاء الرجلان الموكلان بالزيت».
ولكننا لا نجد بصراحة علاقة أو تشابه بين مقطوعة كتاب زكريا والآية القرآنية.
ففي كتاب زكريا تتحدث المقطوعة عن مشكاة من الذهب مرفوعة على حامل من سبعة مصابيح ولها زيتونتان إحداهما على اليمين والأخرى على اليسار، بينما لا يوجد كلمة من هذا الكلام فى الآية القرآنية.
إن مجرد الكلام عن سبعة مصابيح يتعارض كلية مع معنى الآية القرآنية التى تتحدث عن مصباح واحد فقط، لأن الله واحد وليس سبعة وتتحدث عن زيتونة واحدة وليس عن اثنتين وهذه الزيتونة ليست شرقية ولا غربية، لأنها روحانية والروحانى لا يحده مكان ولا اتجاه.
لقد شعر «كلير مون جانو» بعد ذلك بالفرق الشاسع بين مقطوعة زكريا والآية القرآنية، فحاول التخفيف من التقارب المتعسف الذى زعمه بين النصين وذلك بقوله: «إذا كان محمد قد استعار النمط اليهودى المسيحى فى تمثيله،
فإنه يبدو أنه كان بعيدا عن السياق الذى تناول ذلك النمط فيما يتعلق بشكل مصدر الضوء والذى حظى عنده بمكانة مهمة فى التحليل، فالمشكاة ذات السبعة مصابيح فى رؤية زكريا قد اختفت «المرجع السابق صفحة (236)، ولكن ماذا يبقى إذا من السبعة مصابيح فى رؤية زكريا؟ لا شىء فيما عدا ذكر المصباح ومجرد ذكر المصباح لا يكفى مطلقا لافتراض علاقة الاستعارة بين مقطوعة زكريا والآية القرآنية.(1/35)
لقد شعر «كلير مون جانو» بعد ذلك بالفرق الشاسع بين مقطوعة زكريا والآية القرآنية، فحاول التخفيف من التقارب المتعسف الذى زعمه بين النصين وذلك بقوله: «إذا كان محمد قد استعار النمط اليهودى المسيحى فى تمثيله،
فإنه يبدو أنه كان بعيدا عن السياق الذى تناول ذلك النمط فيما يتعلق بشكل مصدر الضوء والذى حظى عنده بمكانة مهمة فى التحليل، فالمشكاة ذات السبعة مصابيح فى رؤية زكريا قد اختفت «المرجع السابق صفحة (236)، ولكن ماذا يبقى إذا من السبعة مصابيح فى رؤية زكريا؟ لا شىء فيما عدا ذكر المصباح ومجرد ذكر المصباح لا يكفى مطلقا لافتراض علاقة الاستعارة بين مقطوعة زكريا والآية القرآنية.
ثم هذا الاستطراد العقيم الذى يسوقه كلير مون جانو فى موضوع مصادر النور التى توجد فى الكاتدرائيات القبطية وكنائس بيت المقدس، صفحة (238) لا دليل عليه لأنه يعترف بنفسه أن محمدا ما وطئت قدمه بيت المقدس كزائر أو حاج صفحة (243)، ولأنه مجرد من الحجة فإنه يعتمد على القول بأن تميما الدارى قد أعلم محمدا بموضوع التقاليد والكنائس المسيحية وليؤكد هذا الأمر فإنه زعم أن تميما الدارى كان له أثر على نفسية محمد وأفعاله صفحة (247)، وأن تميما الدارى كان بالتأكيد أحد المعلمين الذين استعان بهم محمد ليشرحوا له ليس فقط العقائد ولكن أيضا العادات والتقاليد وخدمة الكنيسة والطقوس المتعلقة بالمسيحية الشرقية صفحة (248).
على أى شىء يعتمد كلير مون جانو ليزعم تلك المزاعم الخيالية؟
على لا شىء لأنه لا يعطينا أى مصدر ولا بين لنا أى حجة منطقية.
أن ما قاله جانو مجرد توهمات صنعها خيال تائه.
ثالثا: (هورفيتز 19311874م):
1 «أيّام الله»
* قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا مُوسى ََ بِآيََاتِنََا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمََاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيََّامِ اللََّهِ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِكُلِّ صَبََّارٍ شَكُورٍ} (1).
* قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ} (2).
__________
(1) سورة إبراهيم، الآية (55).
(2) سورة الجاثية، الآية (14).(1/36)
* تطابق آخر يزعمه هورفيتز فى كتابه «دراسات قرآنية» صفحة (22) بين أيام الله عبارة ميلهامت ياحوا «سفر العدد 21الآية 14»، وفى ذلك يقول كما تذكر السورة رقم 110)، والآية (19) بالتعاليم التى أخذها شعيب عن أسلافه، فإن سورة إبراهيم الآية (5) تأمر موسى بأن يذكر قومه بأيام الله وهى تعبير معناه حسب السياق آلاء وعقوبات الله وهذا التعبير يمثل تقريبا لملحمة ياحوا فى «سفر العدد» (142)، وهو تعبير جاء فى صيغة «أيام العرب».
كيف توصل هورفيتز إلى هذا التطابق؟ لا أحد يدرى ولا هو نفسه شرح ذلك.
وهذه هى مقطوعة سفر العدد «لهذا ذكرنا فى تاريخ حروب الرب ملحمة يا هواه» المقطوعة الباقية من مجملها وهى النصوص الملحمية اليهودية.
وهذه المقطوعة تساعد فى توضيح ما نذكره، الآية (5)، وللعلم فإن أرون يمثل حدود مملكة مؤاب من الشمال، ولا تحكى أى معركة للرب.
إذا فهى لا تتكلم عن أى يوم مفرد من أيام الله.
إذا فكيف يمكن لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يقتبس هذه المقطوعة حسب ما يفترض هورفيتز فى مصطلح وفكرة «أيام الله».
هل كان محمد على علم بمحتوى تاريخ حروب الرب والتى لا يعلم أى عالم يهودى عنها شيئا والتى لم يبق منها سوى هذه المقطوعة البسيطة من الآية (14)، الجزء الحادى والعشرون من سفر العدد؟ يا له من زيغ وضلال ولكن هورفيتز ظل دائما أستاذ هذا الضلال.
فى التفاسير والقواميس العربية «أيام العرب» تعنى الحروب والصراعات والمعارك.
وفى هذا المعنى يقال: عالم متبحر فى أيام العرب تعنى أنه يعرف حروب العرب.(1/37)
أما أيام الله فى الآية (5) سورة إبراهيم {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيََّامِ اللََّهِ} معناها ذكرهم بنعم الله التى منحها لهم فى بعض الأيام، وبالنقم التى أنزلها لمعاقبتهم كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود.
ويقول الفراء: «هذا يعنى خوفهم وذكرهم بما حدث لقوم عاد وثمود وأقوام أخرى فليحذروا العذاب الذى حل بغيرهم وليطلبوا المغفرة».
بينما يشرح مجاهد الآية هكذا «لم يكونوا يأملون فى نعم الله «أيام الله».
إذا أيام الله هنا بمعنى نعم الله، وعن أبىّ بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم «وذكرهم بأيام الله هذه الأيام هى نعم الله وابن منظور «لسان العرب» مادة (يوم)، إذا فتغير أيام الله لدى علماء المعاجم العرب ليست لها علاقة بأيام العرب فأيام الله عندهم هى نعمه ونقمه والتى يقلبها مثل الأيام.
إذا فليست هناك مشابهة لعدم وجود التعاقب فى الحالتين للأيام الكونية من ناحية ونعم ونقم الله عز وجل من ناحية أخرى.
وهذا تفسير واضح وبسيط إذا لماذا نبحث عن أصل فى كتاب مفقود ومذكور ضمنا فى سفر العدد؟.
2 - الكلمات المشتقة:
فى نشرته الصغيرة التى تقع فى (83) صفحة تحت عنوان «أسماء الأعلام اليهودية والاشتقاقات فى القرآن».
5291، 4691=.
=، يحاول هورفيتز أن يثبت أن الكلمات القرآنية (المؤتفكات أمر أمانة بارك تبارك بهيمة مثانى خلاق درس رب العالمين سكينة صدقة أزر قيوم كفارة ماعون منهاج جبار أحبار ربانيين سفك الدماء قدوس سورة نبوة بعير عبادة بور صديق جنات عدن علييون تزكى) كلمات مشتقة من العبرية، وأن محمدا تعلمها من اليهود فى مكة وخاصة يهود المدينة.(1/38)
لكننا نلاحظ عكس هذا الاستنباط العشوائى أن:
(أ) كل من العربية والعبرية لغتان ساميتان ونتيجة لذلك فبينهما كثير من الظواهر العامة والمتشابهة.
إذا فوجود ألفاظ فى القرآن الكريم مشتركة بين العربية والعبرية لا يستلزم بالضرورة أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قد اقتبسها من يهود عصره، بل يمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجدت فى اللغة العربية قبل عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوقت طويل، وأصبحت جزءا أساسيا من ثروة اللغة العربية.
(ب) وإذا قلنا: إن تاريخ اللغة العربية قبل الإسلام كان مجهولا تقريبا بسبب عدم وجود نصوص أدبية متطورة، فإنه من المستحيل أن نحدد من اقتبس هذه الألفاظ المشتركة من الآخر العربية أم العبرية؟
ولأننا ليس لدينا من عصور ما قبل الإسلام إلا بعض القصائد التى يثار جدل حول صحتها إن لم يكن مشكوكا فيها وبعض الكتابات القصيرة جدا والتى تتناول موضوعات لا يعتمد عليها. إذا فليس من الممكن أن نقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم اقتبس هذه الألفاظ المشتركة مباشرة من يهود عصره.
تكفى هاتان الحجتان فيما نعتقد لإثبات فشل محاولة هورفيتز.
نتناول الآن بعضا من هذه الكلمات لنوضح إلى أى مدى كان القول بأنها مشتقات عبرية تفسيرا متعسفا.
أولا «خلاق نصيب»:
قال الله تعالى: {فَإِذََا قَضَيْتُمْ مَنََاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللََّهَ كَذِكْرِكُمْ آبََاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنََا آتِنََا فِي الدُّنْيََا وَمََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ} (1).
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللََّهِ وَأَيْمََانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولََئِكَ لََا}
__________
(1) سورة البقرة، آية (20).(1/39)
{خَلََاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلََا يُكَلِّمُهُمُ اللََّهُ وَلََا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَلََا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ} (1).
يزعم هيرشفيلد أن هذا النموذج موجود فى المشنا () أبحاث جديدة صفحة (114).
ويضيف هيرشفيلد «مع أن شكل الكلمة العربية ملفت للنظر، فالألف الطويلة تجعل احتمال أن تكون هذه الكلمة مشتقة من الآرامية أكثر من احتمال كونها مشتقة من العبرية، وفى الواقع أن الآرامية عرفت الكلمة فى شكل ولذلك يفترض أن يكون محمد قد عرف هذه الكلمة أولا فى أشكالها المركبة مثل) (تارجوم إيستر 3425).
. نتيجة لذلك ومن خلال وسيط يهودى تم النقل ففي الواقع كان المسيحى الفلسطينى يعرف كلمة بمعنى نصيب، ولكن الكلمة لم تكن ساعتها مستخدمة لتدل على أى علاقة بالحياة الآخرة «هورفيتز (أسماء الأعلام اليهودية) صفحة (199198) صفحة (5554) (ناخدروك).
حسب قول هيرشفيلد فإن محمدا كان يعرف المشنا وبالتالى العبرية وحسب قول هورفيتز لا بدّ أن محمدا كان يعرف الترجوم وبالتالى الآرامية!! هل هذا معقول؟
يكفى أن نلقى نظرة على لسان العرب، مادة «خلق» لنعرف أن الكلمة بمعنى حظ أو نصيب وعند حسان بن ثابت الذى نظم قصائد قبل أن يعرف النبى محمد صلى الله عليه وسلم كلمة خلاق كلمة عربية شائعة قبل الإسلام.
لماذا إذا نذهب بعيدا لنبحث عن الكلمة فى اللغة العبرية فى «المشنا» أو فى الآرامية فى «الترجوم» إن القضية تتلخص فى الآتى:
__________
(1) سورة آل عمران، آية (77).(1/40)
الكلمة العبرية = = والكلمة العربية خلاق لهما أصل مشترك ومعناها نصيب هذا كل ما فى الأمر.
ثانيا «بعير»:
قال الله تعالى: {وَلَمََّا فَتَحُوا مَتََاعَهُمْ وَجَدُوا بِضََاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قََالُوا يََا أَبََانََا مََا نَبْغِي هََذِهِ بِضََاعَتُنََا رُدَّتْ إِلَيْنََا وَنَمِيرُ أَهْلَنََا وَنَحْفَظُ أَخََانََا وَنَزْدََادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذََلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} (1).
قال الله تعالى: {قََالُوا نَفْقِدُ صُوََاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جََاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (2).
وهذا نفس الحال بالنسبة لكلمة «بعير» سورة يوسف، آيات (65، 72)، يزعم المستشرق دفوراك فى كتابه «تقارير الاجتماعات الأكاديمية فى فيينا قسم الفلسفة والتاريخ المجلد 109صفحة (522)» أن كلمة بعير مشتقة من الكلمة العبرية بعير الموجودة فى سفر التكوين (45:
17)، وزايد هورفيتز قائلا: «بناء على هذا الرأى فإن الكلمة الموجودة فى النص العبرى أو الترجوم أو المشنا طرقت أذن محمد ثم ظلت محفورة فى ذاكرته، ولكنه خلال هذه العملية أعطاها المعنى العربى بعير بمعنى جمل بدلا من أن يستخدم الكلمة جمل أو ناقة فى القرآن أن استخدام بعير بدلا من جمل على عكس حمار مثلا، لأنه سهل التفسير حسب الاعتبار التالى:
وهو أن الحمار فى نظر العرب لم يكن يحظى بمكانة المطايا مثل تلك الجمال أو الإبل صفحة (193192) (4948) تاخدروك.
فى سفر التكوين (17: 45) قال فرعون ليوسف: «قل لإخوتك أن يضعوا الأحمال على دوابهم ويذهبوا بها إلى أرض كنعان» وبالنسبة لكلمة دوابهم فالأصل العبرى بعيرهم.
__________
(1) سورة يوسف، آية (65).
(2) سورة يوسف، آية (72).(1/41)
بينما فى لسان العرب تحت كلمة بعير نجد أن الكلمة تعنى:
أالجمل القوى.
ب تعنى معنى الحمار.
ويسوق فى هذا الموضوع مجادلة بين الفيلسوف الكبير ابن خالويه ومنافسة الشاعر الكبير المتنبى فى حضور الأمير سيف الدولة.
فقد سأل ابن خالويه المتنبى ما هو معنى كلمة بعير فى القرآن الكريم؟
تحير المتنبى وهنا شرح له ابن خالويه كلمة بعير فقال: «إن كلمة بعير تعنى الحمار لأن يعقوب وابنه يوسف كانوا يعيشون فى أرض كنعان ولم تكن فى أرض كنعان إبل وكانوا يحملون أثقالهم على حمير، وقد قال الله عز وجل: {قََالُوا نَفْقِدُ صُوََاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جََاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (1).
والمعنى حمل حمار، ولذلك قال مقاتل بن سليمان فى تفسيره: قد جاء فى مزامير داود البعير بمعنى كل الدواب جملة وجاء فى حديث جابر استغفر لى النبى صلى الله عليه وسلم بالليل خمسا وعشرين مرة ليلة البعير، كان الوقت ليلا حينما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جابر جملا حينما كانا فى رحلة.
مقاتل بن سليمان توفى سنة (115هـ 767م)، كتب تفسيرا للقرآن فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى يبدو أن له مخطوطة فى المتحف البريطانى برقم (6333)، فسر كلمة بعير بمعنى حمار.
ومن ناحية أخرى يذكر لسان العرب بيتا من الشعر لأحد لصوص البادية زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضى الله عنه (3523هجريا) واسمه يزيد بن الصقيل العقيلى وذكرت فى بيت شعر كلمة بعير بصيغة الجمع.
ومن ناحية ثالثة فإن حديث جابر يشتمل على كلمة بعير «ليلة البعير».
هذه الحجج الأدبية الثلاثة تؤكد أن كلمة بعير عربية وجدت قبل الإسلام وكانت مشهورة وتعنى: إما الجمل أو الحمار.
__________
(1) سورة يوسف، آية (72).(1/42)
إذا ما جدوى أن ندعى أن محمدا صلى الله عليه وسلم اقتبسها من سفر التكوين (17 45).
إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن أول من استعمل هذه الكلمة فى العرب.
ثالثا «بهيمة»:
قال الله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللََّهَ يَحْكُمُ مََا يُرِيدُ} (1).
قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنََافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللََّهِ فِي أَيََّامٍ مَعْلُومََاتٍ عَلى ََ مََا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعََامِ فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْبََائِسَ الْفَقِيرَ} (2).
قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنََا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللََّهِ عَلى ََ مََا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعََامِ فَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (3).
يزعم هورفيتز فى كتابه «الأسماء اليهودية» صفحة (193، 194) «ناخدروك» أنه ربما كانت كلمة بهيمة مشتقة من الكلمة العبرية «بهيمة» ويقول على ما يبدو فإن كلمة بهيمة لم تكن موجودة فى الشعر الجاهلى.
ونلاحظ على العكس من هذه الافتراضات ما يلى:
(أ) أن كلمة «بهيمة» تأتى فى القرآن الكريم دائما مصاحبة لكلمة «الأنعام» فلو كانت كلمة بهيمة مشتقة من العبرية بمعنى الأنعام، لكان ذلك تكرارا لا فائدة منه ولا جدوى ولكن فى الحقيقة كلمة بهيمة فى اللغة العربية تعنى ذات لون واحد وليس مختلطا به أى لون آخر، ويمكن أن يكون هذا اللون أسود أو أبيض ولكن الكلمة عامة تطلق على الأنعام ذات اللون الأسود «انظر لسان العرب».
__________
(1) سورة المائدة، آية (1).
(2) سورة الحج، آية (28).
(3) سورة الحج، آية (34).(1/43)
كما تستخدم الكلمة استعارة بمعنى «خالص نقى» كما فى أحاديث كثيرة ساقها لسان العرب.
(ب) حتى لو لم تكن هذه الكلمة موجودة فى الشعر الجاهلى وهو ما لم نتحقق منه بعد وللأسف فإن قاموس فيشر لم يطبع بعد بسبب خطأ الجهلاء والحمقى الذين كانوا وما يزالون أعضاء فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة
لم يعد ذلك مفيدا على أى حال، فإن الكلمة استعملت مرات كثيرة فى أحاديث النبى محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى «خالصا» أو ذو لون واحد أى أنها صفة وليست أبدا موصوفا.
رابعا «سورة»:
قال الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنََافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمََا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللََّهَ مُخْرِجٌ مََا تَحْذَرُونَ} (1).
قال الله تعالى: {وَإِذََا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللََّهِ وَجََاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقََالُوا ذَرْنََا نَكُنْ مَعَ الْقََاعِدِينَ} (2).
قال الله تعالى: {وَإِذََا مََا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زََادَتْهُ هََذِهِ إِيمََاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزََادَتْهُمْ إِيمََاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (3).
قال الله تعالى: {وَإِذََا مََا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى ََ بَعْضٍ هَلْ يَرََاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لََا يَفْقَهُونَ} (4).
قال الله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنََاهََا وَفَرَضْنََاهََا وَأَنْزَلْنََا فِيهََا آيََاتٍ بَيِّنََاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (5).
__________
(1) سورة التوبة، آية (64).
(2) سورة التوبة، آية (68).
(3) سورة التوبة، آية (124).
(4) سورة التوبة، آية (127).
(5) سورة النور، آية (1).(1/44)
قال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلََا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذََا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتََالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى ََ لَهُمْ} (1).
نولدكه «تاريخ القرآن» صفحة (24)، «مساهمة جديدة» صفحة (26).
كان المستشرق نولدكه أول من ادعى أن كلمة «سورة» مشتقة من الكلمة العبرية «شورة») (، ولكن هذه الكلمة تعنى: خط، نسق، سطر، صف ولا تعنى جزءا من كتاب.
إذا فافتراض نولدكه مزيف وخيالى بالكلية.
وهناك افتراض آخر وهو افتراض هيرشفيلد «أبحاث جديدة» صفحة (2) ملحوظة (6)، صفحة (113)، ملحوظة (8)، الذى يدعى أن كلمة سورة هى قراءة «محرفة» للكلمة الآرامية سيدرا وهو افتراض رفضه هورفيتز نفسه بقوله: «لا يمكن أن يعتبر ذلك صحيحا» هناك اختلاف بين علماء اللغة العربية حول أصل كلمة «سورة».
فمنهم من قال إن سورة بمعنى فاصل.
ومنهم من قال إن سورة بمعنى منزلة عالية، ولكن كل هذه التفسيرات ليست كافية، وهكذا تظل المشكلة بلا حل من جانب العلماء الأوروبيين ومن جانب العلماء العرب القدامى.
خامسا «مثانى»:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (2).
قال الله تعالى: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً مَثََانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ ذََلِكَ هُدَى اللََّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشََاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَمََا لَهُ مِنْ هََادٍ} (3).
__________
(1) سورة محمد، آية (20).
(2) سورة الحجر، آية (87).
(3) سورة الزمر، آية (23).(1/45)
كذلك كلمة «مثانى» تبقى مشكلتها بلا حل يزعم المستشرق د. هـ مولر فى كتابه «الأنبياء وأوجه مصداقيتهم» صفحة (42، 46)، ملحوظة (2) أن المثانى هى الأساطير والسبع مثانى هى السبع أساطير: لموسى، إبراهيم، نوح، صالح، لوط، وشعيب.
ولكن من الملاحظ عكس هذا الافتراض وهو أن القرآن الكريم يحتوى على قصص كثير عن الأنبياء السابقين، فلماذا تقيد مولر بهؤلاء؟
وحتى نولدكه نفسه رفض هذا التفسير وطابق رأيه التفسير الشائع عند المفسرين المسلمين وهو أن السبع المثانى هى السبع آيات لسورة الفاتحة «إضافات وتنقيحات»، صفحة (261)) (.
وقد بحث جيجر) (عن أصل كلمة مثانى فى الكلمة اليهودية «مثنيا» بمعنى «سنه» فى الجمع حسب اللغة العربية، ولكن هذا لا يفسر السبع المثانى حتى يمكن أن يتفق مع رأى د. هـ مولر الذى بينا خطأه قبل ذلك.
وليس هناك اتفاق بين المفسرين المسلمين حول معنى أو اشتقاق كلمة مثانى، ويلخص لسان العرب هذه الآراء كما يلى:
«المثانى فى القرآن هى التى تتكرر مرة بعد أخرى. ويقال أيضا: إنها فاتحة الكتاب التى تشتمل على سبع آيات، وقد سميت مثانى لأنها تتكرر فى كل ركعة. ويقال أيضا: إن المثانى هى سبع سور أولاها البقرة، وأخرها براءة (التوبة). وقيل أيضا: هى السور التى تشتمل على أقل من مائتى آية، ويقال المثانى هى القرآن كله ويثبت ذلك بيت من الشعر لحسان ابن ثابت.
فمن للقوافى بعد حسان وابنه ... ومن للمثانى بعد زيد بن ثابت
ويقول أبو عبيد: إن المثانى فى كتاب الله عز وجل ثلاثة أشياء:
1 - الله سبحانه وتعالى سمى القرآن كله مثانى فى الآية: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً مَثََانِيَ}.(1/46)
2 - وسمى فاتحة الكتاب مثانى فى الآية: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}.
3 - يسمى القرآن مثانى لأن القصص والأخبار تتكرر فيه مرتين والقرآن يسمى أيضا مثانى لأن كل آية من آيات الرحمة مصحوبة بآية من آيات العذاب «لسان العرب مادة ثنى».
وهكذا نرى كم هى متباينة تلك التفسيرات التى قالها مفسرو القرآن وعلماء اللغة المسلمون.
وفى هذا الصدد أشير إلى أن التصويب المقترح من نولدكه لشطر بيت أبى الأسود الدؤلى فى قصيدته التى يرثى فيها الإمام عليا «نولدكه مجلد (18) صفحة (236)» هو تصويب خاطئ.
وشطر البيت ومن قرأ المثانى والمئينا، ويقترح نولدكه تصحيح الكلمة الأخيرة إلى «مبينا» بطريقة يقترحها فى كل آيات القرآن المشتملة على لفظ المثانى. ولكن كما رأينا فى الاستشهاد الذى سقناه من «لسان العرب» فإن الكلام عن «مئين» وليس «مبين» وكل التفسيرات المتعلقة بكلمة «مئين» تعنى «مائتين».
رابعا: «هاينريش سبيير»:
كان هاينريش سبيير تلميذا لجوزيف هورفيتز وأراد أن يواصل بحوث أستاذه القرآنية لأنه أدرك أن القرآن يحتوى على أكثر مما كان يجب اعتقاده وذلك فى مجلد بعنوان «المقدمة».
ولذلك قام بدراسة واسعة تقع فى (509) صفحة عنوانها «القصص الإنجيلية فى القرآن»، الطبعة الأولى سنة (1931م)، والطبعة الثانية سنة (1961م) حيث زعم أننا لا يهمنا إلا ذلك الموضوع الأخير فقط.
وسوف نسوق بعضا من فرضيات سبيير فى هذا الصدد حتى نبين إلى أى مدى كان بعيدا عن الحقيقة ويعتمد على المبالغة ويفتقر إلى الدقة تماما مثل هارفيج هيرشفيلد.(1/47)
(أ) مثل الجنتين:
قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنََا لِأَحَدِهِمََا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنََابٍ وَحَفَفْنََاهُمََا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمََا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهََا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنََا خِلََالَهُمََا نَهَراً * وَكََانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقََالَ لِصََاحِبِهِ وَهُوَ يُحََاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مََالًا وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ قََالَ مََا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هََذِهِ أَبَداً * وَمََا أَظُنُّ السََّاعَةَ قََائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى ََ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهََا مُنْقَلَباً * قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ وَهُوَ يُحََاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرََابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوََّاكَ رَجُلًا *} {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي وَلََا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلََا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مََا شََاءَ اللََّهُ لََا قُوَّةَ إِلََّا بِاللََّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا وَوَلَداً * فَعَسى ََ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} {خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهََا حُسْبََاناً مِنَ السَّمََاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مََاؤُهََا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ََ مََا} {أَنْفَقَ فِيهََا وَهِيَ خََاوِيَةٌ عَلى ََ عُرُوشِهََا وَيَقُولُ يََا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللََّهِ وَمََا كََانَ مُنْتَصِراً} (1).
يؤكد سبيير أنه عثر على أصل هذا المثل فى جزء من كتاب التلمود المتعلق بسفر اللاويين السفر الثالث من العهد القديم، ولنثبت أنه ليس هناك علاقة بين هذا النص القرآني والميدراش المذكور، نقدم لكم النص الكامل لهذا الأخير كما جاء فى الترجمة الإنجليزية،.،، 1591، 492392
«الربىّ عزريا باسم ر. جودا ابن سيمسون قال: يمكن مقارنة هذا بذلك الملك الذى امتلك بستانا يتخلله صف من شجر التين وصف من العنب وصف من الرومان وصف من التفاح، فأجره لشخص ورحل، بعد زمن عاد الملك ليزور بستانه ويفرح بما طرحه من ثمار فوجده مكسوا بالأشواك أحضر مقصلة ليزيل كل هذا، وإذ هو كذلك وجد وردة وردية اللون شم رائحتها فهدأ مزاجه، وقال الملك: «سينجو البستان بفضل هذه الوردة» مثلما ينجو العالم كله بفضل التوراة.
__________
(1) سورة الكهف، الآيات (4332).(1/48)
بعد ستة وعشرون جيلا نظر القديس إلى عالمه ليرى ما طرحه من ثمار، فلم يجد إلا ماء فى ماء جبل إينوش كان فى ماء، وجبل الطوفان كان ماء فى ماء، وجبل الشتات كان ماء فى ماء، فأحضر مقصلة لقطعها كما قيل «الرب بالطوفان جلس ويجلس الرب ملكا إلى الأبد» فرأى وردة وردية واحدة إسرائيل أخذها وشم رائحتها فأعطى الوصايا العشر وهدى مزاجه لما قالوا «كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له» الخروج 24: 7، فرد الرب قائلا: إن البستان سينجو ومن أجل التوراة وإسرائيل سينجو العالم».
كما نرى فليست هناك علاقة مطلقا بين التشبيه القرآنى وهذه الميدراش لا فى التعبير ولا فى المحتوى ولا فى الفائدة التى نخرج بها منهما.
إن العنصر الوحيد المشترك بين الاثنين هو كلمة «جنة بستان» وبقية النصين مختلف تماما.
إنه لمن العبث أن نفترض أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم اقتبس من نص يؤكد أن العالم محمى بفضل التوراة وإسرائيل.
إن النص القرآنى يؤكد فكرة الثقة المطلقة، فالمؤمن الحقيقى يجب أن يؤمن بقضاء الله والخضوع بينما يزعم شعب إسرائيل أن إسرائيل ستحمى بقية شعوب العالم.
أى تذبذب فى دفع هاينريش سبيير إلى إيجاد تشابه أو بمعنى أصح اقتباسا بين النصين؟
إن حالته مثل حالة هيرشفيلد تحتاج إلى علاج نفسى.
وعلى نفس المنوال يسير فى الجزء المخصص للمثل فى القرآن صفحة (438426) فرانس بول الذى لم يكن أسعد حظا فى تصفحه لإنجيل لوقا الإصحاح الثانى عشر، (16) ليوضح مصدر التمثيل القرآنى.
ولكن ماذا يوجد فى إنجيل لوقا؟ يوجد المثل الآتى:
«كان هناك رجل غنى أنبت أرضه بوفرة (17) وتساءل فى نفسه ماذا سوف
أفعل؟ هذا ما سأفعله: سوف أهدم هذه الصوامع وأبنى بدلا منها صوامع أكبر وسوف أجمع كل غلالى وثروتى (19) وسأقول لنفسى: يا نفسى إنك تمتلكين ثروة تكفيك لسنوات عديدة. اهدئى يا نفسى وكلى واشربى واحتفلى (20) فقال له الرب: أيها الأحمق فى هذه الليلة سوف تعيد التساؤل مع نفسك وتقول عن كل ما جمعته أين سيذهب (21)، وهكذا كان يكنز المال لنفسه بدلا من أن يغتنى من أجل الرب».(1/49)
«كان هناك رجل غنى أنبت أرضه بوفرة (17) وتساءل فى نفسه ماذا سوف
أفعل؟ هذا ما سأفعله: سوف أهدم هذه الصوامع وأبنى بدلا منها صوامع أكبر وسوف أجمع كل غلالى وثروتى (19) وسأقول لنفسى: يا نفسى إنك تمتلكين ثروة تكفيك لسنوات عديدة. اهدئى يا نفسى وكلى واشربى واحتفلى (20) فقال له الرب: أيها الأحمق فى هذه الليلة سوف تعيد التساؤل مع نفسك وتقول عن كل ما جمعته أين سيذهب (21)، وهكذا كان يكنز المال لنفسه بدلا من أن يغتنى من أجل الرب».
فى هذا المثل من الإنجيل ليست هناك جنة وليس هناك إشارة إليها حتى فى الآية الأخيرة أنها تدين البخل واكتناز المال وتحض على الصدقة والبر، وهذا ليس موجود فى معنى المثل القرآنى.
ولهذا يجب أن نتساءل لماذا يفترض أشخاص مثل هيرشفيلد أو سبيير أو بول هذا التقارب الذى يبدو زيفه واضحا لمن يتصفحه عن قرب؟
ونعطى كذلك بعض الأمثلة الأخرى على هذه الخزعبلات هاينريش سبيير.
(ب) سورة فاطر:
قال الله تعالى: {وَمََا يَسْتَوِي الْأَعْمى ََ وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمََاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمََا يَسْتَوِي الْأَحْيََاءُ وَلَا الْأَمْوََاتُ إِنَّ اللََّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشََاءُ وَمََا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (1).
وحتى يجد مصدرا مزعوما لهذه الآيات القرآنية الكريمة ساق سبيير تسع آيات من العهد القديم وخمس آيات من العهد الجديد ملتقطا كلمة «من» كل هذه الآيات الأربعة عشر مختلفة تماما فى مصادرها وبعيدة جدا عن بعضها البعض وجمعها كلها ليشكل ما يزعم أنها أصل! لا يمكن أن يكون هناك أكثر سخفا وشططا منه.
فماذا تقول الآيات الإنجيلية التى أشار إليها:
سفر التكوين، الإصحاح 8، الآية 22: «مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء، ونهار وليل لا تزال».
__________
(1) سورة فاطر، الآيات (2219).(1/50)
سفر الخروج، الإصحاح 4، الآية 11: «فقال له الرب من صنع الإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى أما هو أنا الرب».
سفر المزامير، الإصحاح 12، الآية 4: «نور أشرف فى الظلمة للمستقيمين هو حنان ورحيم وصديق».
سفر المزامير، الإصحاح 15، الآية 1817: «ليس الأموات يسبّحون الربّ ولا من ينحدر إلى الأرض السكوت (18)، أما نحن فنبارك من الأرض إلى الدهر».
سفر يوئيل، الإصحاح الثاني، الآية 31: «تتحول الشمس إلى الظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف».
سفر إشعياء، الإصحاح 5، الآية 20: «ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما».
جمع سبيير كلمات متناثرة من هذه المقاطع التسعة وهى الظلمات، النور، الأموات، الأحياء، وأعتقد أنه توصل إلى أصل الآية 19من سورة فاطرة، يا له من غبا ويا لها من إهانة موجعة للعلم.
(ج) سورة الزمر:
قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكََاءُ مُتَشََاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيََانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلََّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لََا يَعْلَمُونَ} (1).
يرجع سبيير إلى المشنا آبوت (الآباء) (11، 13، 14): «كلمهم قائلا: ارحلوا وانظروا أى طريق مستقيم يجب أن يسلكه الإنسان فقال وسنا رفيق صالح وقال يوشع: جار صالح. فقال لهم: ارحلوا أو انظروا أى طريق ضال يجب أن يتجنبه الإنسان فأجابه يوسنا: قرين السوء، وأجابه يوشع: جار السوء.
ولكن ليست هناك علاقة بين النصين! فالمثل القرآنى يعنى «الرجل الذى
__________
(1) سورة الزمر، الآية (29).(1/51)
يعبد آلهة عديدة تتنازع فيه هل يمكن أن نقارنه بالمؤمن الذى يعبد الله وحده كما أوضح بلاشير (ترجمة القرآن باريس 1957م ص 492) إذا فالمثل القرآنى يتناول الفرق الجوهرى بين المؤمن الموحد وبين من يؤمن بتعدد الآلهة
بينما تتناول المقطوعة المأخوذة من (الآباء) (1311، 14) الأخلاق وليست لها علاقة بأصول الدين. إذا ليس هناك أى علاقة بين المثل القرآنى والنص المشنانى ويبدو أن سبيير لم يفهم المعنى القرآنى على الإطلاق.
(د) نشير أخيرا إلى الجدل المثار حول عبارة «محمد هو خاتم النبيين»:
قال الله تعالى: {مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ وَلََكِنْ رَسُولَ اللََّهِ وَخََاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكََانَ اللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (1).
وحتى يشرح هذا التعبير «خاتم» يعود هيرشفيلد إلى الإصحاح سفر حجى الأصحاح (2)، آية (23)، ويقول فى تفسيره فى المرتبة الثانية والعشرين (242) (أبحاث جديدة ص 23).
ماذا يقول السفر (2)، الآية (23)؟.
«فى ذلك اليوم يقول رب الجنود أخذك يا زر بابل عبدى ابن سألتيئيل يقول الرب وأجعلك كخاتم، لأنى قد اخترتك يقول رب الجنود».
ويضيف هيرشفيلد أن كلمة خاتم وردت كذلك فى سفر الملوك الأول فى الإصحاح 21الآية 8 «ثم كتبت رسائل باسم آخاب وختمتها بخاتمه» أى بمعنى الختم، أما فى سفر التكوين الإصحاح 38الآية 8، فجاءت بمعنى الختم المعلق بعناية فى الصدر وذكرت كذلك فى سفر إرميا الإصحاح 22الآية 24بمعنى الختم الذى يحمل فى اليد من شدة الحرص عليه.
«حتى أنا، يقول الرب: ولو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتما على يدى اليمنى فإنى من هناك أنزعك» وهو نفس المدلول الذى ورد فى سفر حجى، فالمقصود بكلمة خاتم هو أن الله قال لحجى أنه اختار زر بابل كخادم قيم».
ويشرح هورفيتز فى كتابه «دراسات قرآنية» صفحة (53)، أن تعبير خاتم
__________
(1) سورة الأحزاب، آية (40).(1/52)
النبيين معناه «المصدق للنبيين» مثل الخاتم الذى يشهد بصحة مكتوب أو وثيقة.
وعلى هذا التفسير تكون مهمة محمد هو التصديق مثل الموثق فيصدق فقط ويشهد بصحة الرسالات المنزلة على الرسل الذين سبقوه.
وفى هذه الحالة كيف يستطيع محمد أن يشهد ويصدق لرسل مختلفين وكتب مقدسة متباينة وأحيانا محرفة؟
ومع ذلك فاسبيير يوافق الرأى السابق لهورفيتز (سبيير: الخطابات التوراتية» صفحة (422، 423).
ولكن كلا التفسيرين «أثيرا»، «شاهدا» غير مقبولين.
والتفسير الوحيد المقبول أو المتفق مع استعمال اللغة العربية وهو أن «خاتم» معناها «الأخير» نقول: خاتم القوم أو خاتمتهم ومعناها أخرهم، والخاتم من كل شىء أخر أجزائه «لسان العرب، مادة ختم».
وأحد أسماء النبى محمد صلى الله عليه وسلم الخاتم أى أنه خاتم النبيين الذين أرسلوا ويجب أيضا أن ننظر إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى يؤكد بكل ثقة:
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللََّهِ الْإِسْلََامُ} (1).
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2)
فمن المنطق إذا أن يعتبر محمد (صلى الله عليه وسلم) خاتم النبيين لأن الإسلام عند الله هو الدين الحق.
ذلك المفهوم الذى يقرر أن النبى محمدا (صلى الله عليه وسلم) نبى الإسلام ورسالته خاتمة الرسالات تقرره أحاديث مختلفة يؤكد فيها أنه أخر الأنبياء حيث يقول عليه أفضل الصلاة والسلام «أنا خاتم النبيين».
البخارى كتاب المناقب الحديث 18.
مسلم كتاب الفضائل الحديث 22.
__________
(1) سورة آل عمران، آية (19)
(2) سورة آل عمران، آية (85)(1/53)
أبو داود كتاب الفتن.
الترمذى كتاب الفتن الحديث 43.
الدارمى كتاب المقدمة الحديث 8.
ابن حنبل الباب الثانى (412398)، والباب الثانى (24879)، والباب الرابع (81، 84، 127، 128)، والخامس (278).
إن أكثر حديث مشترك فى الصيغة بين هذه الأحاديث هى «مثلى ومثلى الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنه فجعل الناس يزرونه ويعجبون به ويقولون لو وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين». إذا فبالنسبة لمحمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه ما من شك فى أنه يعتبر خاتم وأنه لن يأتى نبى بعده لأن صرح النبوة قد اكتمل به.(1/54)
الفصل الثالث معنى كلمة «فرقان»(1/55)
كلمة أخرى من كلمات القرآن الكريم حاول كثير من المستعربين المتحيزين ضد الإسلام إثبات أصل يهودى ومسيحى لكلمة «فرقان» التى ذكرت فى القرآن الكريم ست مرات فى الست آيات التالية.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنََا مُوسَى الْكِتََابَ وَالْفُرْقََانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1).
2 - قال الله تعالى {شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنََّاسِ وَبَيِّنََاتٍ مِنَ الْهُدى ََ وَالْفُرْقََانِ} (2).
3 - قال الله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرََاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنََّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقََانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيََاتِ اللََّهِ لَهُمْ عَذََابٌ شَدِيدٌ وَاللََّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقََامٍ} (3).
4 - قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللََّهِ وَمََا أَنْزَلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا يَوْمَ الْفُرْقََانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعََانِ وَاللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (4).
5 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََا مُوسى ََ وَهََارُونَ الْفُرْقََانَ وَضِيََاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} (5).
6 - قال الله تعالى: {تَبََارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقََانَ عَلى ََ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعََالَمِينَ نَذِيراً} (6).
__________
(1) سورة البقرة، الآية (53).
(2) سورة البقرة، الآية (185).
(3) سورة آل عمران، الآية (3، 4).
(4) سورة الأنفال، الآية (41).
(5) سورة الأنبياء، الآية (48).
(6) سورة الفرقان، الآية (1).(1/57)
وقد ترجم بلاشير كلمة فرقان فى الآيات الستة بمعنى «إنقاذ»، وهناك ثلاثة من المستشرقين اليهود وهم: جيجر فى كتابه «ماذا اقتبس محمد من اليهودية» صفحة (99) سنة (1902م)، وهيرشفيلد فى كتابه «بحوث جديدة فى القرآن» صفحة (68) سنة (1902م)، وهورفيتز فى كتابه «بحوث القرآن» صفحة (76، 77) سنة (1926م)، وقد تخيل هؤلاء الثلاثة أن كلمة «فرقان» هى الكلمة العبرية المعربة وأصلها بيركى» «ويؤكد مرجليوث» «فى كتابه «موسوعة الدين والأخلاق» حين يقول: إن «بيركى» أبوت مقتبسة من كتاب الآباء، وهو كتاب من المشنا يحتوى على الأمثال والحكم الدينية والأخلاقية للحكماء والعلماء اليهود والآباء من عهد سمعون العادل» «نحو (330) قبل الميلاد وحتى كتابه المشنا (220م) «إبراهام المالح القاموس الجديد الكامل عبرى فرنسى» ويقع فى خمسة فصول يختلف الفصل الأخير عن الأربعة السابقين شكلا ومضمونا.
فالحكم التى فيه مجهولة المؤلف فيما عدا المقطوعات الأخيرة بينما فى الفصول الأربعة نجد الحكم مزيلة بأسماء قائليها، وإن أعظم شىء فى هذه المقالة أنها تتحدث عن اليهودية بشكل واضح انطلاقا من حقيقة أنها متضمنة فى كتاب الصلوات القديم كجزء من شعائر خدمة الرب بعد ظهيرة يوم السبت خلال شهور الصيف «الموسوعة اليهودية» المجلد الأول صفحة (81، 82) نيويورك ولندن سنة (1901م).
ومن خلال هذه المعلومات نجد أنه من المستحيل كما هو واضح أن تكون كلمة فرقان تعنى الحكم المسماة «بيركه» وذلك للأسباب الآتية:
(أ) مؤلفى الحكم معرفون بالاسم وليس من بينهم موسى ولا هارون فكيف إذن استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن ينتحل هذه (البيركى) من موسى أو من هارون عليهما السلام.
(ب) محتوى (البيركى) لا يمكن أبدا أن يعتبر كتابا مقدسا مثل التوراة أو الإنجيل أو بالأحرى القرآن.(1/58)
(ج) اعتراف هورفيتز نفسه أنه لو كانت كلمة (بيركى)» «تنطبق على الآيات (1، 4) فإنها لا تنطبق على الآيات الأربع الأخرى ولذلك فإن كل من اعتقد أن كلمة (فرقان) تعنى (بيركى) عندهم حماقة نادرة وهوس مرضى جعلهم يتخيلون أنها جاءت من العبرية أو اليهودية.
ونستعرض الآن بعض المستشرقين المسيحيين الذين تناولوا هذه القضية ومن بينهم:
* نولدكه فى كتابه «إسهامات جديدة فى العلوم اللغوية السامية» صفحة (10) سنة (1910م).
* ليدسبارسكى فى». «صفحة (90، 92) سنة (1922م).
* شفالى فى». .. «صفحة (134) سنة (1898م).
وكذلك كتاب «تاريخ القرآن» صفحة (34) ملحوظة (1).
* أ. ى فنسنك فى «دائرة المعارف الإسلامية» الطبعة الأولى.
* ر. بيل «أصول الإسلام فى بيئته المسيحية» صفحة (118) سنة (1926م)، «مدخل إلى القرآن» صفحات (225، 229) سنة (1938م).
* آرثر جيفرى «الألفاظ الأجنبية فى القرآن» باردوا صفحة (225، 229) سنة (1953م)، والقاسم المشترك فى ترجمتهم هو أن كلمة «فرقان» هى:
الشكل العربى للكلمة السريانية «فرقانا»» «، والكلمة اليهودية الآرامية «فرقان»» «التى تعنى إنقاذ بالمعنى المسيحى، ولقد ترجم بلاشير» «نفسه أن كلمة فرقان بمعنى «إنقاذ»، وكذلك رودى باريت فى ترجمته للقرآن «القرآن شتوتجارت» سنة (1962م) حيث ترجمها بمعنى «إنقاذ»» «ومن المفيد أن نلاحظ أن ر. بيل فى ملاحظته عن كلمة «فرقان» فى كتابه الذى نشره بعنوان «مدخل إلى القرآن» صفحة (136، 138) أدنبرج سنة (1953م) يخلط بين التفسير الذى ساقه المفسرون المسلمون وهو فرقان بمعنى: تفرقة، وتفسير الكتاب المسيحى الذى
يدعى أن كلمة فرقان جاءت من الكلمة السريانية فرقانا بمعنى «إنقاذ»، وهذا الخلط غير اللائق يصيب بحثه بالغموض حيث يقول: «ربما يكون مصدر الكلمة قد اشتق من المصادر المسيحية ولكن محمدا كان يجب أن يوفق بينها وبين الجذر العربى (فرق) ومعناه ببساطة التفرقة بين جماعة المتدينين وبين الكافرين وكذلك الأمر أيضا فى حالات الوحى إذ لليهود التوراة وللمسيحيين الإنجيل، وكذلك للمسلمين كتابهم وهو القرآن» ولذلك فقد فسر الآية (41) سورة الفرقان هكذا: أن نصر «بدر» لم يكن فقط خلاصا لفئة قليلة من المسلمين الذين خرجوا مع محمد لاعتراض القافلة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الجيش ولكنه كان تفرقة نهائية بين اتباع محمد وكفار مكة، ولقد صار الفريقان بعد سفك الدماء أعداء.(1/59)
الشكل العربى للكلمة السريانية «فرقانا»» «، والكلمة اليهودية الآرامية «فرقان»» «التى تعنى إنقاذ بالمعنى المسيحى، ولقد ترجم بلاشير» «نفسه أن كلمة فرقان بمعنى «إنقاذ»، وكذلك رودى باريت فى ترجمته للقرآن «القرآن شتوتجارت» سنة (1962م) حيث ترجمها بمعنى «إنقاذ»» «ومن المفيد أن نلاحظ أن ر. بيل فى ملاحظته عن كلمة «فرقان» فى كتابه الذى نشره بعنوان «مدخل إلى القرآن» صفحة (136، 138) أدنبرج سنة (1953م) يخلط بين التفسير الذى ساقه المفسرون المسلمون وهو فرقان بمعنى: تفرقة، وتفسير الكتاب المسيحى الذى
يدعى أن كلمة فرقان جاءت من الكلمة السريانية فرقانا بمعنى «إنقاذ»، وهذا الخلط غير اللائق يصيب بحثه بالغموض حيث يقول: «ربما يكون مصدر الكلمة قد اشتق من المصادر المسيحية ولكن محمدا كان يجب أن يوفق بينها وبين الجذر العربى (فرق) ومعناه ببساطة التفرقة بين جماعة المتدينين وبين الكافرين وكذلك الأمر أيضا فى حالات الوحى إذ لليهود التوراة وللمسيحيين الإنجيل، وكذلك للمسلمين كتابهم وهو القرآن» ولذلك فقد فسر الآية (41) سورة الفرقان هكذا: أن نصر «بدر» لم يكن فقط خلاصا لفئة قليلة من المسلمين الذين خرجوا مع محمد لاعتراض القافلة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الجيش ولكنه كان تفرقة نهائية بين اتباع محمد وكفار مكة، ولقد صار الفريقان بعد سفك الدماء أعداء.
ومن العبث فى هذا التفسير أنه يدعى أن النبى محمدا (صلى الله عليه وسلم) استعار الكلمة السريانية (بوركانا)» «ولكنه غير معناها إلى الكلمة العربية (فرق)،لماذا لا يأخذ مباشرة المصدر العربى إذا كان يقصده؟ ثم هل هناك أية وثيقة توضح أن الكلمة السريانية (بوركانا) كانت مشهورة أو حتى معروفة فقط فى الوسط الذى عاش فيه النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وخالطه حتى يستعيرها ويغير معناها حسب اللفظ العربى المشابه لها فى النطق؟.
إن هذه الأسباب كافية لدحض أطروحة المستشرق ريتشارد بيل وخطأ الذين ساروا على نهجه م. وات «محمد فى المدينة» صفحة (160)، رودى باريت «موسوعة الإسلام» الطبعة الثانية.
تفسيرنا
أولا: أنه من الغباء نسبة كلمة «فرقان» إلى الكلمة العبرية) (التى تعنى فصول.
ثانيا: أن الآراء التى ترد كلمة «فرقان» إلى الكلمة السريانية بوركانا) (: الإنقاذ تعد هى الأخرى ضربا من الغباء.(1/60)
يبقى أن نتبنى المعنى والاشتقاق التى اتفق عليه مفسرو القرآن وعلماء فقه اللغة العرب والمسلمون، وقد لخص كازيميرسكى بعد اطلاعه على المعاجم العربية آرائهم كالآتى:
* (فرقان):
1 - مصدر الفعل: فرق.
2 - كل ما يدل على التفريق، الفرق بين الخير والشر، بين المشروع واللامشروع، ويوم (الفرقان) هو يوم التمييز، إنه يوم معركة بدر، أول انتصار لمحمد على الكفار.
3 - أى كتاب مقدس (لأهل الكتاب) مثل الإنجيل وخاصة القرآن، واستنادا على هذا نقترح التفسير الآتى:
أن «فرقان» مصدر الفعل فرق معناه: التمييز بين الخير والشر، بين المشروع واللامشروع وبالقياس نجد أن كلمة «فرقان» تدل على معيار التمييز بين الخير والشر، وأخيرا الكتاب المقدس هذا المعيار ويعبر عنه.
لنطبق إذن هذا التفسير على الآيات القرآنية الست سنجد الآتى:
أولا: فى الآيات 53من سورة البقرة، 48من سورة الأنبياء، تدل كلمة «فرقان» على التمييز بين الخير والشر والحلال والحرام.
ثانيا: أن المراد من كلمة «فرقان» فى الآيتين 4من سورة آل عمران، والآية 1من سورة الفرقان هو القرآن.
ثالثا: والمقصود من الآيتين 185من سورة البقرة، 41من سورة الأنفال التمييز بين الخير والشر وبين الحق والباطل فى الدين.
وبالتالى نرفض أن يعطى لهذه الكلمة تفسيرا من نوع الإنقاذ) (أو ما يعادلها باللغات الأخرى مثل) (بالألمانية.(1/61)
الفصل الرابع «الافتراضات الخيالية لمرجليوث»(1/63)
دافيد صموئيل مارجليوث (1858م 194م) من الواضح أن الأسماء الثلاثة أسماء يهودية، وهو ينحدر من عائلة يهودية، وكلمة مرجليوث تعنى بالعبرية يتكلم، ومن بين أقدم الأعضاء المعروفين فى هذه العائلة: يعقوب فون رينسبورج المتوفى ما بين (1499، 1522) الذى كان حاخام رينسبوج، حاليا رانيسبون) (فى ألمانيا وعين ابنه صموئيل زعيما للمجتمع اليهودى فى بولونيا ومن قبل سيجسمنود الأول.
ولد دافيد صموئيل مرجليوث فى سنة (1858م) وكان الطفل الأول لحزقيال مرجليوث الذى اعتنق المسيحية وأصبح راهبا مسيحيا، وقد اعتنق دافيد المسيحية مثل والده وأصبح قسيسا فى سنة (1899م)، ولكنه ظل يهوديا بالقلب والروح واهتم كذلك بالدراسات اليهودية التى نذكر من بينها الكتب التالية:
1 - شرح كتاب (دانيال) لمؤلفه يافث بن على نشر وترجمة دافيد صموئيل مرجليوث سنة (1899م).
2 «مكانة الإكليرلية فى الأدب السامى» سنة (1890م).
3 «أصل العبرية فى الإكليروس» سنة (1899م).
4 «العلاقات بين العرب وبنى إسرائيل قبل ظهور الإسلام» سنة (1921م)، وطبع فى سنة (1924م).
لقد جند صموئيل مرجليوث نفسه طول حياته عدوا عنيدا ضد الإسلام، ودفعه تعصبه العنيف إلى عرض مزاعم شديدة الغرابة لم يكن القصد منها سوى الهجوم على الرسول محمد (صلى الله عليه وسلّم) والحط من رسالته.
وسوف نكشف هنا بعض هذه المزاعم التى رفض قبولها مستشرقون آخرون.
أولا «أصل كلمة مسلم»:
أول هذه الادّعاءات الغريبة هى الادّعاء بأن كلمة (مسلم) تعنى فى الأساس واحد من أتباع مسيلمة مدعى النبوة، والمعروف فى السنة النبوية
الشريفة باسم الكذاب، وقد أدلى مرجوليوث بهذا الرأى المتعصب فى مقال نشر فى جريدة المجمع الملكى الآسيوى لندن صفحة (476)، وقد رد عليه تشارلزج. ليل وهو مستعرب إنجليزى كبير فى نفس المجلة صفحة (771) سنة (1903م).(1/65)
أول هذه الادّعاءات الغريبة هى الادّعاء بأن كلمة (مسلم) تعنى فى الأساس واحد من أتباع مسيلمة مدعى النبوة، والمعروف فى السنة النبوية
الشريفة باسم الكذاب، وقد أدلى مرجوليوث بهذا الرأى المتعصب فى مقال نشر فى جريدة المجمع الملكى الآسيوى لندن صفحة (476)، وقد رد عليه تشارلزج. ليل وهو مستعرب إنجليزى كبير فى نفس المجلة صفحة (771) سنة (1903م).
وقد فند رأيه ورد عليه ردا لاذعا فلم يكرر مرجوليوث هذا الهذيان مرة أخرى فى كتبه التالية، إننى لأتساءل كيف يمكن أن يرتكب مرجليوث وهو فى الخامسة والأربعين من عمره هذا الخطأ ألم يقرأ القرآن أبدا؟ ألم يقرأ السيرة النبوية؟ ألم يقرأ أى كتاب عن تاريخ الإسلام؟، كيف يمكن أن تشتق الصفة «اسم الفاعل» مسلم من اسم مسيلمة؟، لو كان يعرف حدا أدنى من اللغة العربية لعلم أن النسبة إلى مسيلمة هى مسيلمى وليس مسلم ولكن تعصبه أعماه.
ثانيا «فرقان» و «بيركى أبوت»
لقد رأينا فى الباب السابق عبث المطابقة بين فرقان وبيركه، وقد كان مرجوليوث ضحية موافقته لسابقه هيرشفيلد الذى تخيل فى كتابه «بحوث جديدة فى فهم وتفسير القرآن» لندن (1902م) أن كلمة فرقان هى المقابلة لكلمة بيركى وهى عنوان مجموعة من الحكم التى ألفها حاخامات اليهود.
ثالثا «حول إبراهيم»:
وذلك فى مقال تحت عنوان «محمد موسوعة الأديان والأخلاق» المجلد (8) صفحة (871، 880) أيدنبرج سنة (1915م) وقد ساق مرجوليوث عددا من الأحكام الواهية التى لا تستند على أية وثائق تاريخية ونستعرض أولا ما يتعلق بإبراهيم.
(أ) يزعم أنه من غير المحتمل أن يكون اسم إبراهيم معروفا فى مكة قبل أن يقوله محمد صلى الله عليه وسلّم.
أما وقد فعل ذلك فقد اصطدم بأرض صلبة، لأن أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى كانوا متفقين على وجود علاقة بين إبراهيم وقبائل شمال شبه الجزيرة العربية، ولكن بما أنه كان هناك يهود ونصارى فى مكة قبل الإسلام كما
يعترف بذلك مرجليوث نفسه، فكيف إذا لن يدخل اليهود والنصارى اسم إبراهيم إلى مكة قبل الإسلام ولماذا انتظروا مجىء محمد صلى الله عليه وسلّم حتى يكون اسم إبراهيم معروفا فى مكة؟ إن عبثية افتراض مرجليوث تبدو واضحة للعيان.(1/66)
أما وقد فعل ذلك فقد اصطدم بأرض صلبة، لأن أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى كانوا متفقين على وجود علاقة بين إبراهيم وقبائل شمال شبه الجزيرة العربية، ولكن بما أنه كان هناك يهود ونصارى فى مكة قبل الإسلام كما
يعترف بذلك مرجليوث نفسه، فكيف إذا لن يدخل اليهود والنصارى اسم إبراهيم إلى مكة قبل الإسلام ولماذا انتظروا مجىء محمد صلى الله عليه وسلّم حتى يكون اسم إبراهيم معروفا فى مكة؟ إن عبثية افتراض مرجليوث تبدو واضحة للعيان.
(ب) زعم أيضا أن ملة إبراهيم كانت معروفة لدى الصابئة فى حران) (، ثم أضاف قائلا: (يبدو أن الحرانيين كانوا يسمون» «بمعنى وثنيين، وكان يعرفهم بذلك جيرانهم النصارى، وربما يفسر هذا غموض كلمة حنيف التى أطلقها القرآن على دين إبراهيم، واعتبرها مرادفا لكلمة مسلم).
هذان الافتراضان لا أساس لهما من الصحة وهما:
1 - إن عبادة إبراهيم وجدت فى حران.
2 - إن النصارى كانوا يطلقون على الحرانيين اسم الحنفاء، لقد أطلق مرجليوث هذه الدعاوى دون أن يستند إلى أية مصادر، ومن ناحية أخرى فلا يثبت أى مصدر أيا من هذين الافتراضين اللذين اختلقهما مرجليوث من خياله السقيم.
رابعا «صلاة المسلمين أثناء الحروب» و «تاريخ الفاتحة»:
(أ) لقد وقع مرجوليوث فيما يثير الضحك حينما ادعى أن شعائر صلاة الإسلام مرتبطة بالتدريبات العسكرية التى لم تكن معروفة قبل ظهور الجيش.
(ب) ويتوصل مرجوليوث من ذلك إلى أن (الفاتحة) التى لا بد من قراءتها فى كل صلاة نزلت بعد الهجرة بينما لم يؤسس محمد جيشا قبل الهجرة.
ولكن هذا ادعاء طفولى وعبثى طفولى لأنه من السخف أن نعتبر شعائر الصلاة مثل التدريبات العسكرية، وعبثى لأن القول بأن الفاتحة سورة مدنية يعنى بالضرورة أن سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلّم) وأصحابه لم يكونوا يؤدون الصلاة قبل الهجرة بينما الثابت فى كتب الحديث أن النبى محمدا (صلى الله عليه وسلّم) أكد أنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب «انظر البخارى باب الأذان الحديث (93)، والترمذى باب الصلاة الحديث (63)، النسائى افتتاح حديث (24)، ابن ماجة كتاب الصلاة باب افتتاح القراءة حديث (2)».(1/67)
ولهذا فمن المؤكد فى المصادر الإسلامية أن الفاتحة من أقدم السور القرآنية إن لم تكن أقدمها على الإطلاق «الديار بكرى، (الخامس) السيوطى، (الإتقان) صفحة (54)».
لكن مرجليوث توصل إلى تاريخ متأخر لسورة الفاتحة معتمدا على تفسير خاطئ للآية الأخيرة من هذه السورة، وهو أن المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى.
«وبما أن معارك محمد واليهود لم تبدأ إلا بعد الهجرة، وكذلك عداؤه مع النصارى لم يبدأ إلا بعد السنوات التالية للهجرة، ولذلك يقول مرجليوث فى المرجع السابق صفحة (875) إن الفاتحة نزلت فى زمن متأخر من زمن النبوة كما أوضح بلاشير فى ترجمته للقرآن صفحة (29).
«وهذا التفسير لا يعتمد لوجود النفى فى التعبير الثانى «ولا الضالين»، وفى الحقيقة أن الموضوع متعلق بغير المؤمنين بصفة عامة».
حتى رودى باريت) (فى كتابه «القرآن تعليق وشرح» صفحة (12) يؤكد أن هذه الترجمة وهى: أن المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى تحديد يصعب تبريره.
وكذلك س. د. جواتين) .. (فى دراسته «الصلاة فى الإسلام دراسات فى التاريخ والتعاليم الإسلامية» صفحة (82، 84) ليدن (1966م).
وهو يؤكد أن الفاتحة كانت تستعمل بنصها فى كل صلاة قبل الهجرة بزمن طويل، ونلاحظ أيضا فى هذا الصدد أن ما ذكره جولد تسهير من أن الفاتحة هى القداس الأبوى» «عند المسلمين هو زعم كاذب بالكلية فليس هناك علاقة بين الصيغتين إن لم تكن كل منهما معارضة للأخرى.
(أ) فالفاتحة تؤكد هيمنة الله على العالم، وعلى اليوم الآخر بينما القداس الأبوى يكتفى بتمجيد اسم الله.(1/68)
(ب) الفاتحة توكد وحدانية الله بينما يؤكد القداس الأبوى أبوه الله (أبانا).
(ج) الفاتحة تؤكد خضوع الإنسان وخشوعه لأنه محتاج إلى عون الله، بينما يأمر القداس الله فيقول: «امنحنا اليوم الخبز الذى نحتاجه واغفر خطايانا فى حقك كما غفرنا نحن خطايا الذين أخطئوا فى حقنا»، يا له من غرور وصلف فى حق الله، إنهم يكلمونه وكأنهم مساوون له فمثلا يقولون:
«لا تعرضنا للغواية! هل هنا صلاة أم أمر أم إنذار؟».
من الواضح مخالفة روح الفاتحة لروح القداس الأبوى المسيحى، إذا من أين لجولدتسيهر ومن ساروا على خطاه دون تفكير مثل بلاشير أن يؤكد أن الفاتحة هى القداس الأبوى فى الإسلام، إن مرجليوث يخالف الحقيقة ويخادع حين يقول: إن الدعاء الذى يتفق مع القداس الأبوى هو الفاتحة.
خامسا «الصوم وتحريم الخمور»:
نتيجة لتأثره بفكره النظام العسكرى، فإن مرجوليوث أراد أن يشرح التعاليم والمحرمات فى الإسلام بهذه الفكرة.
ففي رأيه أن الصوم فى رمضان هو نظام عسكرى، فمن ناحية يعود المحاربين على تحمل الحرمان، ومن ناحية أخرى يدرب على التحول من الليل إلى النهار «المرجع السابق».
ولكن لو كان هذا هو السبب الذى شرع محمد الصوم لأجله فلماذا فرض الصوم على غير المحاربين مثل النساء والصغار؟.
وكذلك يدعى مرجوليوث أن تحريم الخمر فى القرآن {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ وَإِثْمُهُمََا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذََلِكَ يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمُ الْآيََاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (1)، {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطََانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)، يبدو أنه يعود إلى نظام عسكرى
__________
(1) سورة البقرة، الآية (219).
(2) سورة المائدة، الآية (90).(1/69)
وهذا ما يؤكد صدق فكرة و. ج بلجريف فى كتابه «شرق ووسط الجزيرة العربية» صفحة (428) لندن سنة (1865م)، وهذا السلوك المحرم هو بالتأكيد ضد مقصد المسيحية (المرجع السابق).
ولكن كلا الرأيين رأى مرجليوث ورأي بالجراف لا يقيمان اعتبارا لتدرج تحريم الخمر والظروف التى شرحتها باستفاضة تفاسير المسلمين للقرآن وبعض كتب الفقه التى تكلمت عن هذا التحريم وظروفه والتى لم تدخل فى حسابها لا النظام العسكرى ولا مخالفة المسيحية، ويكفى الرجوع إلى هذه التفاسير وإلى كتب الفقه.
سادسا «التحريم الخاص بالأكل».
فيما يتعلق بتحريم بعض الأطعمة يؤكد مرجليوث أن محمدا اعتمد تحريم الخنزير واللحم البشرى عوضا عن النظام المفصل للأطعمة المحرمة، والذى يحظى بمنزله بارزة فى شريعة موسى والمعتمد من مجلس أورشليم القدس، وأقتبس محمد أصل هذه المحرمات مما كان موجودا فى تلك التعاليم (المرجع السابق) صفحة (8756).
ولكن هذا القول غير دقيق فإذا نظرنا إلى ما يقوله كتاب «وقائع الحواريين» (215، 220) ونظرنا إلى قرار مجلس أورشليم حيث كان يحضر بولس وبرنابا من جهة، والحواريون الموجودون فى أورشليم من جهة أخرى لوجدنا نص القرار كالآتى: «أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم» وحتى حين نتصفح نص هذا الخطاب فإن أحدا لم يترجم كلمة الدم بما تعنيه وهو قاتل الإنسان، «العهد الجديد 25» ترجمة مسكونيه صفحة (403) سنة (1979م)، يقول: إن المحرم فى هذا النص هو فقط المنخنقة ودم الحيوانات، هل يشتمل النص الأصلى على لحم الخنزير؟، لقد اخترع مرجوليوث هذا الزعم ليخدم قضيته وقضية اليهود بصفة عامة، وحتى مع هذا الاختلاف، فإن هذا لا يخدم ما أكده دون دليل لأن القرآن قد حدد المحرمات بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمََا أَكَلَ السَّبُعُ إِلََّا مََا ذَكَّيْتُمْ وَمََا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلََامِ ذََلِكُمْ فِسْقٌ} (1).(1/70)
ولكن هذا القول غير دقيق فإذا نظرنا إلى ما يقوله كتاب «وقائع الحواريين» (215، 220) ونظرنا إلى قرار مجلس أورشليم حيث كان يحضر بولس وبرنابا من جهة، والحواريون الموجودون فى أورشليم من جهة أخرى لوجدنا نص القرار كالآتى: «أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم» وحتى حين نتصفح نص هذا الخطاب فإن أحدا لم يترجم كلمة الدم بما تعنيه وهو قاتل الإنسان، «العهد الجديد 25» ترجمة مسكونيه صفحة (403) سنة (1979م)، يقول: إن المحرم فى هذا النص هو فقط المنخنقة ودم الحيوانات، هل يشتمل النص الأصلى على لحم الخنزير؟، لقد اخترع مرجوليوث هذا الزعم ليخدم قضيته وقضية اليهود بصفة عامة، وحتى مع هذا الاختلاف، فإن هذا لا يخدم ما أكده دون دليل لأن القرآن قد حدد المحرمات بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمََا أَكَلَ السَّبُعُ إِلََّا مََا ذَكَّيْتُمْ وَمََا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلََامِ ذََلِكُمْ فِسْقٌ} (1).
نرى إذن أن قائمة اللحوم المحرمة فى القرآن أكثر تفصيلا من الحالتين اللتين حرمهما مجلس أورشليم «وقائع الحواريين الجزء (15) صفحة (20)».
من الواضح أيضا أن قائمة اللحوم التى حرمها القرآن تختلف عن تلك المحرمة عند النصارى أو بالأحرى التى حرمها موسى وهى الجمل والأرنب وكل ذى ظفر والسمك بدون قشر بينما يعتبرها الإسلام حلالا.
ونغض الطرف عن تلك الأحكام الذاتية غير الموضوعية التى أطلقها مرجوليوث فى نفس مقالة «فى موسوعة الدين والأخلاق» المجلد (8) صفحة (880871) سنة (1915م) أدنبرج، حيث إنها تخرج عن نطاق ما نحن بصدده هنا ناهيك عن أنها تكشف عن تعصب أعمى.
__________
(1) سورة المائدة، الآية (3).(1/71)
الفصل الخامس «إجناس جولدتسيهر والقياس الخاطئ بين الإسلام واليهودية»(1/73)
كتب إجناس جولدتسيهر) ((1850م 1920م) مقالا عن الإسلام فى «الموسوعة اليهودية» الجزء السادس ص (651، 659) نيويورك ولندن (1904م) حيث بحث بالأخص عن الأصل اليهودى للمفاهيم والتعاليم الإسلامية المختلفة، فلنرى بالتفصيل مزاعمه فى هذا الموضوع:
1 - إله إسرائيل وإله الإسلام:
لقد أكد بداية أن المفهوم التوحيدى للإله والذى عارض به محمد الوثنية العربية يتفق فى مادته مع مفهوم التوحيد فى العهد القديم (المرجع السابق ص 625).
(أ) هذا الزعم خاطئ، لأن إله العهد القديم هو فقط إله إسرائيل، وإسرائيل اختارها الرب «سفر الخروج (6419) والتثنية (4، 20، 32، 9، 70، 41، 8، 9، 43، 21) وإله الإسلام على عكس ذلك هو {رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1)، دون تفرقة شعب عن شعب، ولم يصطف شعبا بوجه خاص.
(ب) إله إسرائيل هو الأب «أشعياء، إصحاح (63، 16)، وإجماع (64، 7)» بينما الله فى الإسلام {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (2).
ولذلك فقد كان «باينتش» على حق حين قال فى كتابه «التوحيد عند إسرائيل والشرق القديم»: إن التوحيد اليهودى هو توحيد قومى، أما التوحيد الإسلامى فعالمى.
2 - الصوم اليهودى والصوم الإسلامى:
يزعم جولدتسيهر ومن بعده فنسنك «دائرة المعارف الإسلامية» أن محمدا قد أخذ الصوم عن اليهودية. وهذا قول خاطئ لما يلى:
__________
(1) الفاتحة، الآية (2).
(2) الإخلاص، الآية (3).(1/75)
(أ) لأن الصوم اليهودى مرتبط بأحداث معينة فى التاريخ اليهودى، وهو مقتصر على يوم واحد هو الذى أمرتهم شريعة موسى بصومه، وهو يوم الغفران «سفر الأوليين الإجماع السادس عشرا آية (29)» ويأتى بعد ذلك صوم بعض أيام أخرى متفرقة هى أيام الأسر، وهى مخصصة للصوم إحياء لذكرى النكبات التى حلت باليهود «سفر زكريا إجماع (8) آية (9)» وهذه الأيام هى: صوم الشهر الرابع «تموز» والشهر الخامس «آب» والشهر السابع «تشرين» والشهر العاشر «شباط»، ويبدأ الصوم من طلوع الشمس وينتهى بظهور أول نجوم الليل فى المساء فيما عدا صوم يوم الغفران والتاسع من «آب» والذى يستمر من المساء حتى المساء التالى، وخلال الصوم يمتنعون فقط عن الأكل والشرب، وهكذا نرى أن الصوم اليهودى لا يتشابه إطلاقا مع الصوم الإسلامى لما يأتى:
(أ) الصوم الإسلامى يستغرق شهرا كاملا هو شهر رمضان، وليس يوما واحدا، أو يوما وليلة كما هو الحال عند اليهود.
(ب) الصوم الإسلامى ليس مرتبطا بأية أحداث فى التاريخ الإسلامى ولا أية نكبات قد حلت بالمسلمين، ولكنه ركن أساسى من أركان الإسلام الخمسة، وشعيرة أصلية، وعلى عكس ذلك فإن الصوم اليهودى صوم اتفاقى وليس مفروضا إلا حين تتعرض الأمة اليهودية للاضطهاد، وليس عند ما تعيش فى سلام «س. هـ» (18) «الموسوعة اليهودية الجزء (5) ص (347)»، إن الصوم كشعيرة دينية كان موجودا فى كثير من الأديان التى سبقت اليهودية، وكان يتخذ أشكالا كثيرة وأهدافا كثيرة، فقد كان فعلا من أفعال التوبة، أو الكفارة، كما كان عملا من أعمال التطهير ووسيلة لتقوية الشعائر السحرية، كما كان أخيرا تعبيرا عن الحداد وبعيدا عن الحديث عن البدائيين، كان الصوم فى مصر وسيلة غفران الذنوب، وكان الصوم فى بابل شعيرة منظمة بهدف التوبة كما توضح ذلك مزامير التوبة عند البابليين، ويصف التائب الصوم بأنه لا يأكل فى خلاله ولا يشرب الماء، وهو فى أيام محدودة لا سيما فى فترات الأحزان والنوائب، حيث يجب القيام بصيام خاص «انظر: بو سلمان البابلى
ليبزج (1885م) ص (34) ما سبرا «فجر البابلية بوسطن (1898م) ص (688320)».(1/76)
(ب) الصوم الإسلامى ليس مرتبطا بأية أحداث فى التاريخ الإسلامى ولا أية نكبات قد حلت بالمسلمين، ولكنه ركن أساسى من أركان الإسلام الخمسة، وشعيرة أصلية، وعلى عكس ذلك فإن الصوم اليهودى صوم اتفاقى وليس مفروضا إلا حين تتعرض الأمة اليهودية للاضطهاد، وليس عند ما تعيش فى سلام «س. هـ» (18) «الموسوعة اليهودية الجزء (5) ص (347)»، إن الصوم كشعيرة دينية كان موجودا فى كثير من الأديان التى سبقت اليهودية، وكان يتخذ أشكالا كثيرة وأهدافا كثيرة، فقد كان فعلا من أفعال التوبة، أو الكفارة، كما كان عملا من أعمال التطهير ووسيلة لتقوية الشعائر السحرية، كما كان أخيرا تعبيرا عن الحداد وبعيدا عن الحديث عن البدائيين، كان الصوم فى مصر وسيلة غفران الذنوب، وكان الصوم فى بابل شعيرة منظمة بهدف التوبة كما توضح ذلك مزامير التوبة عند البابليين، ويصف التائب الصوم بأنه لا يأكل فى خلاله ولا يشرب الماء، وهو فى أيام محدودة لا سيما فى فترات الأحزان والنوائب، حيث يجب القيام بصيام خاص «انظر: بو سلمان البابلى
ليبزج (1885م) ص (34) ما سبرا «فجر البابلية بوسطن (1898م) ص (688320)».
وما دام الصوم كان يمارس قبل ظهور اليهودية بآلاف السنين، فبأى حق يدعى جولدتسيهر أن محمد أخذه عن اليهودية كما لو كانت اليهودية أول من اخترع الصوم، ولكنه دوما نفس الابتسار ونفس الفكرة المتسلطة هى التى جعلته يرى ذلك هو ومن على شاكلته من اليهود، كما أن سوء النية يظهر عنده حين وضع الكلمة العبرية «صوم» بين قوسين بعد اللفظ العربى «صيام» ولو كان أكثر ذكاء لقال: «صوم» بدلا من صيام حيث إنها تقترب من الكلمة؟؟؟ العبرية ليوضح أن اللفظ العربى هو تماما منقول عن الكلمة العبرية.
3 - القبلة:
يزعم جولدتسيهر أن محمدا جعل بيت المقدس قبلة فى الصلاة أولا ليكسب مودة اليهود لأنه فى المدينة كان يعتمد على مساندة اليهود ذوى المكانة العالية، لأنه لديهم يعتبر النبى المنتظر، وآخر رسل الله الموجود فى كتبهم «المرجع السابق» ص (65)، ولما لم يحصل على تأييد اليهود غير القبلة متجها إلى البيت الحرام فى مكة، هذا الرأى الشائع عند كثير من المستشرقين أمثال:
«فييل ص (90)، موير الجزء (3) ص (45)، هـ. جريم: محمد (1) ص (71) ليون كيتانى ص (466)، فربوهى ص (212)» يفتقر إلى أسس سليمة حيث يمكن أن نأخذ عليه الملاحظات الآتية:
(أ) لا نعرف على وجه الدقة ماذا كانت القبلة فى مكة قبل الهجرة، وهناك ثلاثة آراء فى هذا الموضوع:
1 - القبلة كانت الكعبة «الطبرى: تفسير الطبرى الجزء الثانى، (4) البيضاوى، تفسير سورة البقرة (193).
2 - كانت القبلة دائما بيت المقدس «تفسير الطبرى الجزء الثانى (3، 8) تاريخ الطبرى الجزء الأول ص (1230) البلاذرى: الفتوح (2) طبعة جويج».(1/77)
3 - كان محمد قبل الهجرة يقف فى صلاته بحيث يرى أمامه على اليمين الكعبة وبيت المقدس «ابن هشام السيرة ص (190، 228).
ويؤيد كل من سبرنجر فى كتابه «حياة محمد وعلمه، الجزء (3) ص (46) ملحوظة» (2) وفنسنك فى كتابه «محمد واليهود فى المدينة ليدن (1903م) ص (108) الاحتمال الثانى، وهو أن القبلة كانت فى مكة قبل الهجرة هى بيت المقدس، وإذا كان الأمر كذلك فمن الخطأ أن نفترض أن محمدا اتخذ بيت المقدس قبلة ليتقرب إلى اليهود لأنه فى مكة قبل الهجرة لم يكن فى حاجة لذلك، ولم يدخل فى علاقة مع اليهود إلا فى المدينة.
وفى رأينا أن ما يفسد هذا الرأى هو الآتى:
(أ) القول بأن محمدا غير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فى رجب من السنة الثانية للهجرة، كما جاء فى ابن هشام طبعة فستنفيلد) (ص (381) وابن سعد «الطبقات الكبرى» م (10) ص (261)، الطبرى «تفسير الطبرى» ج (2) ص (3)، أو فى شعبان من نفس العام كما جاء فى «تفسير الطبرى الجزء الثانى ص (30) وابن الأثير الجزء الثانى ص (98)» غير سليم لأن الآيات القرآنية التى تحدثت عن هذا الموضوع لم تتحدث عن الرجوع إلى قبلة قديمة ولكنها تقول فقط {سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ مِنَ النََّاسِ مََا وَلََّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كََانُوا عَلَيْهََا قُلْ لِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1)، {وَمََا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهََا إِلََّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى ََ عَقِبَيْهِ} (2)، {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضََاهََا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللََّهُ بِغََافِلٍ عَمََّا يَعْمَلُونَ} (3).
__________
(1) سورة البقرة، الآية (142).
(2) سورة البقرة، الآية (143).
(3) سورة البقرة، الآية (144).(1/78)
(ب) ومن ناحية أخرى فإن الكعبة فى مكة قبل الهجرة كانت أيضا معبد الوثنية العربية وهى تتأهب لتكون قبلة الإسلام الوليد الذى جاء ليقضى على الوثنية ولا تلائم فى النهاية أن تكون قبلة للصلاة لهذا التجمع الجديد، وكان الأمر يستلزم هذا البعد الكبير عن مكان الكعبة حتى يقضى على هذا الانطباع ولا نرى الكعبة كمكان رفيع للوثنية، ولكن كأكبر قلاع الإسلام المقدسة.
(ج) ونضيف أيضا هنا أن الإسلام وهو دين إبراهيم وإبراهيم مؤسس الكعبة، ولذلك كان من الطبيعى جدا أن يتحول المسلمون فى صلاتهم إلى الكعبة.
نعتقد أن هذه البراهين تكفى لدحض قضية من أقاموا علاقة أيا كانت بين اختيار بيت المقدس قبلة فى البداية، ورأى محمد فى اليهود، أو التجمعات النصرانية فى الجزيرة العربية كما زعم أيضا فريدريش شفالى فى «تاريخ القرآن» ص (175، 176) ناخدرك.
ولذلك فالقول بأن القبلة قبل الهجرة كانت بيت المقدس شىء ولكن القول بأن محمدا أخذ هذه الشعيرة من اليهود شىء آخر تماما، صحيح أن اليهود يتجهون فى صلاتهم شطر بيت المقدس «ارو (8، 44، 48) سفر دانيال (6، 2)» وأن كل إسرائيلى فى صلاته يتوجه نفس الوجهة «يس بار (17، 5)» ولكن السبب الذى من أجله توجه النبى محمد صلى الله عليه وسلّم إلى المسجد الأقصى خلال العهد المكى، هو أن الكعبة لم تكن قد طهرت من الأصنام، أو كادت ولذلك كان المسجد الأقصى هو أنسب قبلة، وقد تحدثت أول آية فى سورة الإسراء عن المسجد الأقصى، صحيح أنه ليس هناك اتفاق على تحديد المسجد الأقصى، ولكن التفسير الإسلامى فى عمومه يحدده بيت المقدس.
وقد انعقد الإجماع على أن هذه الآية مكية، وأن رحلة الإسراء كانت من مكة إلى بيت المقدس.
وهنا يثور سؤال: أى قدس يقصد، القدس السماوية، أو القدس الأرضية الموجودة فى فلسطين؟ وهذا سؤال عبثى «طرحه بلاشير فى ترجمة
القرآن ص (306)، وذلك لأن القدس السماوية وهم اخترعته كتابات يهودية متأخرة متعلقة برؤيا القديس يوحنا «ايتى هن (2990) ليبين أن هناك قدسا أبديا شيده الله فى السماء وسوف يكون الملاذ الأخير للمؤمنين، وهو نوع من الفردوس «سبير. رؤيا القديس يوحنا. بار (204)، (4) اسردا (8، 52)، حيث توجد شجرة الحياة وهى فى العهد الجديد تنشبث بأمل السلام، وهى كذلك مذكورة فى «رؤيا القديس يوحنا (21، 10)» هكذا: «لقد نقلنى بالروح على قمة جبل عال كبير، وأشار إلى المدينة المقدسة، القدس التى تنزل من السماء من عند الله ويؤكد بلاشير «المرجع السابق» هذا الافتراض الخيالى وهو أن «المسجد الأقصى» يعنى «القدس السماوية» ولكنه يزعم «أن بعد فترة طويلة عند ما إن خلفاء بنى أمية بدمشق أرادوا أن يحرروا مكة من امتيازها كعاصمة دينية ووحيدة للإسلام فلم يعد تعبير «المسجد الأقصى» يعنى «القدس السماوية» ولكن مدينة يهودا نفسها».(1/79)
وهنا يثور سؤال: أى قدس يقصد، القدس السماوية، أو القدس الأرضية الموجودة فى فلسطين؟ وهذا سؤال عبثى «طرحه بلاشير فى ترجمة
القرآن ص (306)، وذلك لأن القدس السماوية وهم اخترعته كتابات يهودية متأخرة متعلقة برؤيا القديس يوحنا «ايتى هن (2990) ليبين أن هناك قدسا أبديا شيده الله فى السماء وسوف يكون الملاذ الأخير للمؤمنين، وهو نوع من الفردوس «سبير. رؤيا القديس يوحنا. بار (204)، (4) اسردا (8، 52)، حيث توجد شجرة الحياة وهى فى العهد الجديد تنشبث بأمل السلام، وهى كذلك مذكورة فى «رؤيا القديس يوحنا (21، 10)» هكذا: «لقد نقلنى بالروح على قمة جبل عال كبير، وأشار إلى المدينة المقدسة، القدس التى تنزل من السماء من عند الله ويؤكد بلاشير «المرجع السابق» هذا الافتراض الخيالى وهو أن «المسجد الأقصى» يعنى «القدس السماوية» ولكنه يزعم «أن بعد فترة طويلة عند ما إن خلفاء بنى أمية بدمشق أرادوا أن يحرروا مكة من امتيازها كعاصمة دينية ووحيدة للإسلام فلم يعد تعبير «المسجد الأقصى» يعنى «القدس السماوية» ولكن مدينة يهودا نفسها».
* * *الشريعة الإسلامية والهلاخا (الشريعة) اليهودية
أخيرا، يسوق جولدتسيهر فى نفس مقاله فى «الموسوعة اليهودية» الجزء الرابع ص (665)» ادعاء وهو «تأثير الشريعة اليهودية على الشريعة الإسلامية» ولكن لم يحدد من هذا التأثير إلا طريقة ذبح حيوانات الأكل وغسل الميت قبل وضعه فى اللحد.
ولكن تغسيل الميت شعيرة قائمة منذ الأزمنة القديمة وحتى عند البدائيين «انظر موسوعة الدين والأخلاق ج (4) ص (417) أدنبرج (1911م) «غسل الأبدان»، إذا ليست هذه شريعة اخترعها اليهود.
أما عن ذبح الأنعام بغرض أكلها فتلك عملية معقدة جدا عند اليهود وبسيطة جدا عند المسلمين، فعند اليهود يجب أن يقوم «دشاهوت» أي رجل مكلف بممارسة عملية الذبح حسب الطقوس، ولا يسمح للنساء حسب مقتضيات التلمود بممارسة هذه المهنة «انظر يوره دياه (1، 1)) ((1، 1)
وشاهوت متقيد بالمحاذير الآتية: أن لا يكون مدمنا للمشروبات الروحية «شولهان أروك، يوره دياه (1، 8)»، أن لا يكون متهما باللامبالاة فى واجباته «المرجع السابق» (14)، أن لا يكون فاجرا، ومذنبا حسب القانون، وألا ينتهك حرمه السبت «السابق (51)» «الموسوعة اليهودية، ج (11) ص (113) نيويورك ولندن (1905م).(1/80)
أما عن ذبح الأنعام بغرض أكلها فتلك عملية معقدة جدا عند اليهود وبسيطة جدا عند المسلمين، فعند اليهود يجب أن يقوم «دشاهوت» أي رجل مكلف بممارسة عملية الذبح حسب الطقوس، ولا يسمح للنساء حسب مقتضيات التلمود بممارسة هذه المهنة «انظر يوره دياه (1، 1)) ((1، 1)
وشاهوت متقيد بالمحاذير الآتية: أن لا يكون مدمنا للمشروبات الروحية «شولهان أروك، يوره دياه (1، 8)»، أن لا يكون متهما باللامبالاة فى واجباته «المرجع السابق» (14)، أن لا يكون فاجرا، ومذنبا حسب القانون، وألا ينتهك حرمه السبت «السابق (51)» «الموسوعة اليهودية، ج (11) ص (113) نيويورك ولندن (1905م).
وفى الإسلام على عكس ذلك لا يوجد شىء من كل هذا، لا رجل بعينه مختصا بعملية ذبح الأنعام، ولا أية مؤهلات معينة فيمن يذبح، والشيء الوحيد الذى يجب مراعاته أثناء الذبح هو ذكر اسم الله تعالى فى بدايته حتى تتحاش أن تكون الأضحية قد ذبحت من أجل صنم أو إله غير الله عز وجل، وأن يقطع الحلقوم والمريء، وهذه ليست عادة خاصة باليهودية.
نرى إذا أن الحالتين المذكورتين كحالات تأثير من الشريعة اليهودية على الشريعة الإسلامية لا يحال فيها لإثبات تأثير أى من الشريعتين على الأخرى، ولن يفيد جولدتسهير فى شيء أن يضع ألفاظ الذبح فى العربية بجانب مثيلاتها فى العبرية، أو العكس فلن ينطلى هذا الأمر على أحد، لأن مفهوم اللفظ العربى يختلف كلية عن مفهوم اللفظ العبرى، وهكذا يرجع إليه جولدتسيهر فى أحيان كثيرة.
وهو يستعمل أيضا نفس الوسيلة فى سوق أشياء كثيرة دون ذكر مصدرها، فهو يقول فى «المرجع السابق ص (656أ): «يحكى أن عائشة زوجة الرسول قد تلقت فكرة عذاب القبر» «من امرأة يهودية ثم ضمها محمد إلى تعاليمه «من أين أتى بهذه القصة؟ هو نفسه لم يقل ونحن بدورنا لا نعلم عنها شيئا، ولذلك فهى لا تستحق أن يقام لها وزن، «انظر فنسنك المنظومة الإسلامية ص (117، 119)».
على أية حال يجب أن نعترف له أنه كان أكثر وسطية من مستشرقين آخرين أمثال الفريد فون كريمر فى كتابه «تاريخ حضارة المشرق تحت حكم الخلفاء» الجزء الأول صفحات (255225) وقد ذهب بعيدا فزعم أن صياغة القانون
المدنى الإسلامى تأثرت بالشريعة التلمودية الحاخامية، وقد لاحظ «جولدتسيهر» فى هذا الموضوع أن هناك شكا تشرعيا فى حالات كثيرة من هذه المقارنات، ويمكن أن نتساءل عما إذا كان القانون الرومانى هو الذى أثر على تطور الشريعة الإسلامية، وهل يشك فى ذلك أم لا؟ على اعتبار أنه المصدر المباشر الذى اقتبس منه الفقهاء المسلمون «المرجع السابق ص (657)»، ولكن هذا يعود بنا إلى معركة أخرى أشد خطورة ساهم فيها قبل ذلك بدراسة سطحية، كما أعترف هو نفسه وعنوانها «دراسة محمدية» الجزء الثانى ص (75) ملحوظة (2) وعنوانها باللغة المجرية «حول بدايات علم الفقه الإسلامى» بودابست (1884م)، المعهد المجرى أكاديمية العلوم، وقد وعد باستئذانها من جديد، وهو وعد لم ينجزه على ما يبدوا وقد أعطى أمثلة على هذا التشابه بين القواعد الفقهية الإسلامية واليهودية حيث جعل المصدر الأصلى هو القانون اليهودى وهى:(1/81)
على أية حال يجب أن نعترف له أنه كان أكثر وسطية من مستشرقين آخرين أمثال الفريد فون كريمر فى كتابه «تاريخ حضارة المشرق تحت حكم الخلفاء» الجزء الأول صفحات (255225) وقد ذهب بعيدا فزعم أن صياغة القانون
المدنى الإسلامى تأثرت بالشريعة التلمودية الحاخامية، وقد لاحظ «جولدتسيهر» فى هذا الموضوع أن هناك شكا تشرعيا فى حالات كثيرة من هذه المقارنات، ويمكن أن نتساءل عما إذا كان القانون الرومانى هو الذى أثر على تطور الشريعة الإسلامية، وهل يشك فى ذلك أم لا؟ على اعتبار أنه المصدر المباشر الذى اقتبس منه الفقهاء المسلمون «المرجع السابق ص (657)»، ولكن هذا يعود بنا إلى معركة أخرى أشد خطورة ساهم فيها قبل ذلك بدراسة سطحية، كما أعترف هو نفسه وعنوانها «دراسة محمدية» الجزء الثانى ص (75) ملحوظة (2) وعنوانها باللغة المجرية «حول بدايات علم الفقه الإسلامى» بودابست (1884م)، المعهد المجرى أكاديمية العلوم، وقد وعد باستئذانها من جديد، وهو وعد لم ينجزه على ما يبدوا وقد أعطى أمثلة على هذا التشابه بين القواعد الفقهية الإسلامية واليهودية حيث جعل المصدر الأصلى هو القانون اليهودى وهى:
(أ) الاستصلاح فى الفقه الإسلامى تيفون هاعلام فى القانون اليهودى.
(ب) الاستصحاب فى الفقه الإسلامى فى القانون الرومانى.
(ج) القاعدة الفقهية التى تقول: القاضى لا يحكم بعلمه فى الفقه الإسلامى تقابلها القاعدة التلمودية.
وهذا درس فى الحذر يلقيه جولدتسيهر والذى كان من الجدير به أن يكمله ولكن للأسف كما أوضحنا طوال هذا الفصل فإنه لم يكمل منه إلا النذر اليسير.(1/82)
الفصل السادس «الصابئون فى القرآن»(1/83)
أحد أصعب مشاكل ترجمة القرآن هو مفهوم كلمة «الصابئون»، ذلك الاسم الذى ذكر ثلاثة مرات فى الآيات الآتية:
1 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالصََّابِئُونَ وَالنَّصََارى ََ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صََالِحاً فَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1).
2 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالنَّصََارى ََ وَالصََّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صََالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2).
3 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالصََّابِئِينَ وَالنَّصََارى ََ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللََّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ إِنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (3).
ونستعرض الآن آراء مختلف المستشرقين الذين حاولوا شرح معنى الصابئين:
أولا سبرنجر وهو يعتقد أن معنى الصابئين مقابل كلمة الحنيفيين، وهو نفس رأي ج. بدرسون) («دراسات شرقية، برون، كمبردج (1923م) ص (366)».
وفى رأينا فإن هذا الرأي فاسد لما يلى:
(أ) كما يؤكد الشهرستانى فى الملل والنحل ص (116) بترز يونيسكو (1986م) أن الحنفاء عكس الصابئين، وكل من الديانتين مختلفة عن الأخرى ومعارضة لها، والحنيفيون هم أتباع إبراهيم بينما الصابئون هم عبدة الكواكب، وهى عبادة حاربها إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى: {فَلَمََّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى ََ كَوْكَباً قََالَ هََذََا رَبِّي فَلَمََّا أَفَلَ قََالَ لََا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (4)، وقال الله تعالى: {فَلَمََّا رَأَى الشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي هََذََا أَكْبَرُ فَلَمََّا أَفَلَتْ قََالَ يََا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمََّا تُشْرِكُونَ} (5).
__________
(1) سورة المائدة، آية (69).
(2) سورة البقرة، آية (62).
(3) سورة الحج، آية (17).
(4) سورة الأنعام، آية (76).
(5) سورة الأنعام، آية (78).(1/85)
(ب) لا يوجد أى شىء فى القرآن يقول: إن للصابئين كتابا مقدسا بينما كان لإبراهيم عليه السلام صحف قال الله تعالى: {صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ} (1)، قال الله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمََا فِي صُحُفِ مُوسى ََ وَإِبْرََاهِيمَ الَّذِي وَفََّى} (2).
ثانيا يؤكد هورفيتز «دراسات قرآنية» ص (121)» إن الصابئين هم أو مجمل طوائف المعمدين، ويطور هانزهنرش شيدر هذا الرأي فى مجلد «عالم الشرق» العدد الرابع ص (290)، شتوتجارت (1949م)، ويقول:
«لقد سمع محمد وهو فى مكة عن المعمدين البابليين وهم الصابئون المذكورون فى القرآن ثلاث مرات، وهى كلمة ترجع إلى الشكل البابلى الآرمى للكلمة التى تعنى «غطس فى الماء، عمد «صبا الكلمة السريانية صبا».
ونفس الرأي نجده عند ر. بيل «أصل الإسلام ص (60)».
ثالثا يقول كاراديفو) (فى مقال بعنوان «القرآن ومكانته فى قاموس أصول اللاهوت الكاثوليكى» مج (3) ج (2)، (1778م) باريس، (1923م)».
«إن بقية الشريعة المحمدية مقتبسة من مصادر يهودية مسيحية، أو من مجموعة، مقتبسة من المذهب التأليهى وكثير من هذه التعاليم يحمل اسم الصابئين، وقد عرف الأدب العربى نوعين من الصابئين: أولئك الذين ذكرهم القرآن وأولئك الذين كانوا يسكنون «حران» وقد كانت هذه التعاليم تستخدم فى عبادة الكواكب والوضوء، وقد عد محمد الصابئين ضمن أهل الكتاب أى ضمن الأمم التى لها كتب مقدسة، وعلى ما يبدوا فقد تلقى عنهم تطور مذهب النبوة وأساطير الأنبياء، وعادات الوضوء، وقد هب ضد عبادة الكواكب، وأما عن وصف الفردوس والأهمية التى أولاها للملائكة والجن فيتضح فيه تأثير التعاليم الفارسية».
__________
(1) سورة الأعلى، الآية (19).
(2) سورة النجم، الآية (36، 37).(1/86)
يجدر بنا أن نوضح هنا أن نص كاردى فو ملىء بالخلط كالتالى:
(أ) الخلط بين الطوائف المعمدنية وبين من يعبدون الكواكب.
(ب) الخلط بين التعميد والتعاليم المعمادية والوضوء المطلوب لكل صلاة فى الإسلام.
(ج) الخلط بين قصص الأنبياء فى القرآن، وقصص الأنبياء المحكى فى كتب المعمادنين المقدسة وخاصة كتابهم الكبير «الجنزا») (.
لندع إذا جانبا افتراضات كاردى فو ونلتفت فقط إلى الآراء الموجودة فى الباب بعالية.
كون النبى محمد صلى الله عليه وسلّم قد سمع عن المندائية فهذا أمر محتمل، ويمكن أن يكون قد عرفها من سلمان الفارسى الذى كان على دراية بالتعاليم الدينية المنتشرة فى بلده الأصلية «فارس» «انظر ماسينيون سلمان باك باريس (1930م) ترجمتنا لها إلى العربية، القاهرة (1937م) تحت عنوان «شخصيات قلقة فى الإسلام» إذا اسم الصابئين أتى من كلمة «ماس بوتا» بمعنى تخمر فى الماء، وهو شعيرة أساسية عند المندائيين.
ولكن من الصعب أن ينتشر هذا المصطلح بالعربية، لأن فى العربية كلمة «صبا» تعنى أساسا «تخلص من»، ثم تعنى استعارة «تخلص من دين ليعتنق دينا آخر، واسم الفاعل منها «صابئ» وجمع المذكر السالم «صابئون»، وكذلك يشرح أبو اسحاق معنى كلمة «صابئين» فى القرآن بمعنى: الذين تركوا دينهم واعتنقوا دينا آخر «انظر الزبيدى تاج العروس، مادة صبأ ج (1) ص (307) مطبعة الكويت» ولكن من أية منطقة جاءت؟
من اليهود أم من النصارى، وكما قال: ك كولب فى مقال نشر فى الموسوعة تحت عنوان «الدين منذ فجر التاريخ حتى الوقت الحاضر جزء (4) مادة «معمد» ص (711) يقول: «أصل المندائيين يستلزم البحث بين التعاليم المعمدانية الموروثة من اليهود والنصارى وهم طوائف موجودون فى المناطق الحدودية بين سوريا وفلسطين، وهذا ينطبق على اللفظ النعتى «صب» بدلا
من «مد» ليشير إلى «الغمر فى الماء» وذلك بواسطة مراجع خاصة بتاريخ المنشقين اليهود الذين انفصلوا عن اليهودية.(1/87)
من اليهود أم من النصارى، وكما قال: ك كولب فى مقال نشر فى الموسوعة تحت عنوان «الدين منذ فجر التاريخ حتى الوقت الحاضر جزء (4) مادة «معمد» ص (711) يقول: «أصل المندائيين يستلزم البحث بين التعاليم المعمدانية الموروثة من اليهود والنصارى وهم طوائف موجودون فى المناطق الحدودية بين سوريا وفلسطين، وهذا ينطبق على اللفظ النعتى «صب» بدلا
من «مد» ليشير إلى «الغمر فى الماء» وذلك بواسطة مراجع خاصة بتاريخ المنشقين اليهود الذين انفصلوا عن اليهودية.
ولو عولنا على الأصل العربى، فإن كلمة الصابئين يكون معناها المنشقين الذين خرجوا من الدين اليهودى أو المسيحى ليكونوا دينا آخر، ويجب الآن أن نعلم أى دين انشق عن اليهودية أو المسيحية؟.
من ناحية أخرى، هل هم الصيباويون الذين أشار إليهم القديس «ابيفان» على أنهم طائفة سامرية أسبق من المسيحية، وأنهم يتفقون بلا شك مع «المعمدين اليومين» لأن هناك كتابا آخرين كثيرين، وخاصة من اللغة اليونانية كانوا قد ظهروا قبل المسيح فى المناطق القريبة من الأردن، مثل الهلينين هـ. أ.
رابعا (22، 5) كوتست أبوست جيروم هيريس، أبيفان، (8، 19، 5) محادثة بوستين (50)، كما أن التقاليد التلمودية تصفهم بأنهم «المعمودون الصباحيون» «بيراكلوث (2)»!، أتا باردى فى قاموس أصول الدين الكاثوليكى، مجلد (9) الجزء الثانى (1814م) وعلى ذلك فهم منفصلون عن اليهودية.
وقد جعلهم الشهرستانى ضمن القدماء أيضا حيث أكد أن الصابئين كانوا موجودين فى زمن إبراهيم ص (631).
ويمكننا هنا أن نذكر مختلف تفسيرات مفسرى القرآن المسلمين وعلماء اللغة لهذه الكلمة كالتالى:
(أ) فى «مختار الصحاح للجوهرى» الصابئون هم طائفة من أهل الكتاب.
(ب) فى التهذيب للأزهرى الصابئون هم قوم يشبه دينهم دين النصارى ويزعمون أنهم على دين نوح
(ج) فى تفسير البيضاوى يقول: «الصابئون هم عباد الملائكة وقيل عبدة الكواكب، وقد خصص الشهرستانى فى كتابه «الملل والنحل قسما كبيرا جدا للصابئين من ص (203) إلى (251) طبعة وكاتون لندن (1846م) ويحتوى الكتاب كله على (458) صفحة».(1/88)
وقد عرض فى هذا الفصل مذهبهم فى شكل مجادلة بين الصابئين والحنيفيين وهم أتباع إبراهيم عليه السلام وقد خرج من هذه المناقشة بأن الصابئين يقيمون دينهم على أساس من الروحانيات، والتى هى الوسائط بين الله الخالق العاقل والخالى من كل صفة من صفات الخلق وبين البشر، وهذه الروحانيات خالصة من كل الاعتبارات، فى المادة والفعل والحالة فى المادة لأنها خالصة من أى شىء مادى أو أى حركة ذاتية، أو أى تغير مزاجى، وحسب تعاليم أساتذتهم الأوائل أجدامون، وهرمس، وسطائهم عند الله الذى هو رب الأرباب وإله الآلهة، وحتى يتعلقوا بهذه الروحانيات فإنهم يأخذون على عاتقهم تطهير أنفسهم من الرغبات الطبيعية وتطهر أخلاقهم من الرجس، وإذا تطهروا على هذا النحو استطاعوا أن ينصرفوا إلى شئونهم ليلتمسوا بعد ذلك عفو الله «الشهرستانى ص (203، 204) ونرى من خلال عرض الشهرستانى أن ديانة الصابئين متأثرة بالثنائية الفارسية ولكن هذا يخرج بنا عن سياق الحديث.
ولكن لو كان الصابئون متأثرين بالثنائية الفارسية فالقرآن يميز بينهم وبين المجوس بصراحة فى القرآن كما تشهد الآية (17) من سورة الحج، والتى ذكرناها فى بداية هذا الفصل.
وعلى هذا يجب أن نتساءل هنا لماذا قال القرآن عنهم {مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صََالِحاً فَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1)، {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (2)، تماما كما تحدث عن اليهود والنصارى؟ هل هم أيضا من أهل الكتاب هؤلاء الصابئون؟ فبينما لم يحدثنا القرآن عن عنوان كتابهم عين لنا عناوين كتب اليهود والنصارى «التوراة والإنجيل»، وما كان من الممكن أن يذكر القرآن كتاب «الجنزا» «الكنز فى العربية»، لأن هذا الكتاب لم يكن قد جمع إلا فيما بعد فى القرنين السابع والثامن الميلادى،
__________
(1) سورة المائدة، آية (69).
(2) سورة البقرة، آية (62).(1/89)
ويقال أيضا أنه لم يجمع أو يحرر من قبل، الصابئين إلا لينهضوا أمام سلطة المسلمين باعتبارهم ضمن أهل الكتاب وتكون لهم نفس معاملة اليهود والنصارى فى الإسلام.
ومن ناحية أخرى لا يعترف الصابئون بالأنبياء لأن الأنبياء بشر لهم كل الصفات البشرية، ويقول: الشهرستانى ص (204)، تقول الصابئة: إن الأنبياء مثلنا فى النوع ولهم نفس شكلنا ونشاركهم فى المادة، وهم يأكلون ما نأكل ويشربون ما نشرب ولهم نفس هيئتنا، إنهم بشر مثلنا فلماذا إذا نطيعهم؟
{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخََاسِرُونَ} (1)، وتلك هى قضيتهم «المرجع السابق» إذا كانت هذه قضيتهم فيما يتعلق بالنبوة فكيف يضعهم محمد على قدم المساواة مع اليهود والنصارى؟، وبمراجعة الآية (34) من سورة المؤمنون لماذا يقول الليث «انظر رقم (1) ذكره الأزهرى فى «التهذيب» والفيروزآبادي فى «القاموس» يقول الليث: يزعم الصابئون أنهم على دين نوح، لأنهم بعد عرض قصة نوح، يتحدث القرآن عن جيل تال لقوم نوح أرسل إليهم رسول دعاهم إلى عبادة الله، ولكن قومه رفضوا الانصياع لنعمه ولم يؤمنوا قائلين: {مََا هََذََا إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمََّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَشْرَبُ مِمََّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخََاسِرُونَ} (2).
وهناك جمة ثانية تعارض أن الصابئين المقصودين فى آيات «المائدة (69) والبقرة (62)» هم الذين يدعون أنهم على دين نوح، لأن القرآن نعى عليهم بينما قال خيرا عن المقصودين فى الآيتين «المائدة (69) والبقرة (62).
وعلى ذلك تكون مشكلة تحديد الصابئين المقصودين فى هاتين الآيتين وأية الحج (17) قد أصحبت معقدة جدا، لأنهم ليسوا هم الصابئة الذين وصفهم الشهرستانى ولا أتباع نوح حسب رأى الليث عند الأزهرى والفيروزآبادي.
__________
(1) سورة المؤمنون، آية (34).
(2) سورة المؤمنون، آية (33، 34).(1/90)
فليسوا هم المعمدون كما زعم هورفيتز وآخرون، لأن عقائد وشعائر المعمدين ما كان يمكن أن يقبلها النبى محمد صلى الله عليه وسلّم مثل: عبادة الكواكب، ورفض النبوة، والقول بالتثنية وعبادة الكون وشعائر التعميد، فهل من الممكن والحال هذه أن يمدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم الصابئين أو من على شاكلتهم ما داموا لا يعملون خيرا؟.
وبالرجوع إلى ج. باردى «قاموس أصول اللاهوت الكاثوليكى (9، 2) (1814م) فى التعاليم التى سماها القديس ابيفان «نصائح هيريس ص (6) مجلد (41، 244) الصيباوية كلمة غامضة لأن ابيفان لم يقل شيئا عن عقيدة بهذه التعاليم ولكنه تحدث فقط عن تغييرهم تواريخ بعض الأعياد اليهودية، وعلاوة على ذلك يخلط باردى دون دليل بينهم وبين معمدى حران الذين تحدث عنهم ابيفان فى الفصل السابع عشر والنذارين الذين تحدث عنهم فى الفصل الثامن عشر ص (41، 255، 259) ومع خلطه بين هذه الطوائف اليهودية الثلاثة لم يتوصل إلى تبرير الثناء على الصابئين فى القرآن.
هل يجب إذا أن نيأس من أن نجد حلا لمشكلة الصابئة فى القرآن؟ نعم وهذا ختام قولنا.(1/91)
الفصل السابع «الرسل فى القرآن»(1/93)
من بين الآراء الخيالية فنسنك وما أكثرها ما يلى:
«إن فكرة الرسل المرسلين إلى مختلف الأقوام يمكن أن تكون قد وصلت إلى محمد عن طريق قنوات مسيحية مثل تلك الخطة المذكورة فى طريقة نشر المسيحية عبر العالم، والفرق يكمن فى حقيقة أنه لا محمد ولا المنهج الإسلامى يعرفان شيئا عن الرسل الاثنى عشر «المنظومة الإسلامية» ص (203) كامبردج (1933م).
إننى لأتساءل بداية لماذا يكون النبى محمد (صلى الله عليه وسلّم) قد تعلم فكرة الرسل المبشرين المرسلين إلى مختلف الأقوام إلا من خلال الطرق المسيحية؟ ألا توجد فكرة الرسل المبشرين المرسلين إلى أقوام لدى اليهود أيضا؟.
لقد تكررت هذه الفكرة فى عدة مواضع من العهد القديم:
1 - فى سفر الملوك الأول، الأصحاح 14، الآية 6، 7: «أنا مرسل إليك يقول فاسى اذهبى قولى ليربحام، هكذا قال الرب إله إسرائيل من أجل أنى قد رفعتك من وسط الشعب وجعلتك رئيسا على شعبى إسرائيل».
2 - فى سفر إشعياء، الأصحاح، الآية 8، 9: «ثم سمعت صوت السيد قائلا من أرسل ومن يذهب من أجلنا فقلت ها أنا ذا أرسلنى فقد أذهب وقل لهذا الشعب».
ويقابل كلمة الرسول باللغة العبرية كلمة شالو) (، وقد ترجمت إلى الإغريقية بكلمة) (.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الكلمة أبستلس) (لها عدة استعمالات ومعانى فى العهد القديم.
1 - فى إنجيل متى (10، 2)، وإنجيل مرقس (6، 30)، وإنجيل لوقا (6، 13) المقصود منها الرسل الاثني عشر الذين لم يشر إليهم القرآن مطلقا باعتراف فنسنك (حيث لم يرد سوى اسم الجنس الحواريون).
2 - أما فى إنجيل لوقا (11، 49) فإن كلمة أبستلس) (
يشار بها إلى رسل الله «لذلك أيضا قالت حكمة الله إنى أرسل إليهم أنبياء ورسلا».(1/95)
2 - أما فى إنجيل لوقا (11، 49) فإن كلمة أبستلس) (
يشار بها إلى رسل الله «لذلك أيضا قالت حكمة الله إنى أرسل إليهم أنبياء ورسلا».
3 - فى الرسالة الثانية إلى أهل كورنتس (238)، والرسالة إلى أهل فيلبى (2، 25) يقصد بها مبعوثى الكنيسة، ولو كان فعلا لمحمد أن يطلع على فكرة الرسل المبعوثين للشعوب لفعل ذلك متأثرا باليهود وليس بالمسيحيين!.
ولا نريد أن نقول إن محمدا أخذ فكرة رسل الله عن أحدهما دون الآخر، ولكن على العكس، فإننا نريد أن نؤكد أنه لم يتعلمها من أى منهما.
والدليل أن مفهوم رسل الله مختلف تماما عن «شالوه» العبرية عن) (الإغريقية، إنه مختلف عن الشالوه عند اليهود لأن الرسول ليس فقط مبعوث من عند الله لإعلان أو نقل أمر، ولكن يجب أن تكون له مهمة تستغرق حياته وهى إعلان دين بتبليغ كتاب مقدس، إنه أكثر من مجرد نبى لأن النبى لا يأتى بكتاب مقدس، ولذلك يقول علماء التوحيد المسلمون: إن الفرق بين الرسول والنبى يكمن فى أن الرسول هو من أرسله الله بدين جديد وكتاب مقدس، هو المعبر عن هذا الدين، بينما النبى هو الذى ليس له مهمة إلا البشارة والإنذار، بينما كلمة (الشالوه) العبرية تعنى المرسل إلى شخص بعينه، لكن كلمة رسول فى الإسلام تعنى المرسل إلى أمة، وفيما يتعلق بالرسول فى الأناجيل والكنيسة المسيحية بصفة عامة، فإن الرسل الاثنى عشر ليسوا مرسلين من قبل الله «الأب» ولكن من قبل السيد المسيح، وهذا هو أول فرق بينهم وبين الرسل فى الإسلام، والفرق الثانى هو أن أيا من هؤلاء الحواريين الاثنى عشر لا يحمل أى كتاب خاص، ولكن كلا منهم بلا تفرقة يبشر بنفس الدين ويبلغ نفس الخبر، إذا فمعنى الرسل فى الإسلام مختلف تماما عن معنى الحواريين فى المسيحية، وهذا يشرح لماذا لم يسم القرآن الحواريين الاثنى عشر «رسل» «جمع رسول» فلم يكونوا إلا تلاميذ للمسيح، وحواريون مفرد حوارى، وحسب رأى نولدكه «كلمة حوارى مقتبسة من الكلمة الإثيوبية (نولدكه مقاله حول علم اللغات السامية
ص (49)» وفى المعاجم العربية، توجد تفسيرات مختلفة، والمقبول منها هو ما يؤكد أن الحوارى هو المخلص أو الأمين جدا، ويسوق كلاما للنبى محمد يقول فيه: الزبير بن العوام ابن عمتى حوارى، ومن أهل بيتى، أى أنه أحد الأقربين إلى من بين أصحابى أو من بين المؤمنين، أو مساعدى «معينى تاج العروس، المجلد الثانى ص (103) ط. الكويت» ولذا أطلق على المؤمنين بمحمد الحواريين، ويقال أيضا الحوارى هو: النصير عامة، أو الصديق الحميم، أو المؤمن «المرجع السابق»، وفى هذا المعنى استعملت كلمة حواريين فى القرآن لتعنى المؤمنين بعيسى المسيح، وذلك فى {فَلَمََّا أَحَسَّ عِيسى ََ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قََالَ مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ قََالَ الْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصََارُ اللََّهِ آمَنََّا بِاللََّهِ وَاشْهَدْ بِأَنََّا مُسْلِمُونَ} (1).(1/96)
والدليل أن مفهوم رسل الله مختلف تماما عن «شالوه» العبرية عن) (الإغريقية، إنه مختلف عن الشالوه عند اليهود لأن الرسول ليس فقط مبعوث من عند الله لإعلان أو نقل أمر، ولكن يجب أن تكون له مهمة تستغرق حياته وهى إعلان دين بتبليغ كتاب مقدس، إنه أكثر من مجرد نبى لأن النبى لا يأتى بكتاب مقدس، ولذلك يقول علماء التوحيد المسلمون: إن الفرق بين الرسول والنبى يكمن فى أن الرسول هو من أرسله الله بدين جديد وكتاب مقدس، هو المعبر عن هذا الدين، بينما النبى هو الذى ليس له مهمة إلا البشارة والإنذار، بينما كلمة (الشالوه) العبرية تعنى المرسل إلى شخص بعينه، لكن كلمة رسول فى الإسلام تعنى المرسل إلى أمة، وفيما يتعلق بالرسول فى الأناجيل والكنيسة المسيحية بصفة عامة، فإن الرسل الاثنى عشر ليسوا مرسلين من قبل الله «الأب» ولكن من قبل السيد المسيح، وهذا هو أول فرق بينهم وبين الرسل فى الإسلام، والفرق الثانى هو أن أيا من هؤلاء الحواريين الاثنى عشر لا يحمل أى كتاب خاص، ولكن كلا منهم بلا تفرقة يبشر بنفس الدين ويبلغ نفس الخبر، إذا فمعنى الرسل فى الإسلام مختلف تماما عن معنى الحواريين فى المسيحية، وهذا يشرح لماذا لم يسم القرآن الحواريين الاثنى عشر «رسل» «جمع رسول» فلم يكونوا إلا تلاميذ للمسيح، وحواريون مفرد حوارى، وحسب رأى نولدكه «كلمة حوارى مقتبسة من الكلمة الإثيوبية (نولدكه مقاله حول علم اللغات السامية
ص (49)» وفى المعاجم العربية، توجد تفسيرات مختلفة، والمقبول منها هو ما يؤكد أن الحوارى هو المخلص أو الأمين جدا، ويسوق كلاما للنبى محمد يقول فيه: الزبير بن العوام ابن عمتى حوارى، ومن أهل بيتى، أى أنه أحد الأقربين إلى من بين أصحابى أو من بين المؤمنين، أو مساعدى «معينى تاج العروس، المجلد الثانى ص (103) ط. الكويت» ولذا أطلق على المؤمنين بمحمد الحواريين، ويقال أيضا الحوارى هو: النصير عامة، أو الصديق الحميم، أو المؤمن «المرجع السابق»، وفى هذا المعنى استعملت كلمة حواريين فى القرآن لتعنى المؤمنين بعيسى المسيح، وذلك فى {فَلَمََّا أَحَسَّ عِيسى ََ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قََالَ مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ قََالَ الْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصََارُ اللََّهِ آمَنََّا بِاللََّهِ وَاشْهَدْ بِأَنََّا مُسْلِمُونَ} (1).
وتكفى بعض الإشارات لتوضيح الأهمية القصوى لفكرة الرسل فى القرآن وهى:
(أ) ذكرت كلمة رسول (146) مرة فى القرآن وأغلبها يتعلق بالنبى محمد صلى الله عليه وسلّم.
(ب) كلمة «رسوله» أى محمد «رسول الله» وردت (84) مرة، ورسولنا (4) مرات.
(ج) مفهوم رسول فى الإسلام أكثر أهمية منه فى اليهودية والنصرانية، ولذلك فمن العبث أن نعقد مقارنة فى هذا الموضوع بين المسيحية والإسلام والأكثر عبثا أن نزعم أن الرسول استعار مصطلح رسل من المسيحية.
__________
(1) سورة آل عمران، آية (52).(1/97)
الفصل الثامن «قراءة هللينية خيالية للقرآن»(1/99)
لقد رأينا كيف أن المستشرقين أمثال «هيرشفيلد جولدتسيهر وهورفيتز وتورى» قد قرءوا القرآن قراءة يهودية، وأن آخرين أمثال «موير وبيل وآرنز» قد قرءوه قراءة مسيحية، أو يهودية مسيحية، ومن باب السخرية فإننا نريد أن نعارضهم فى هذا الفصل، فماذا يمكن أن يقول هيللنى يقرأ القرآن بطريقته، إنه يمكن أن يقول الآتى:
لقد اقتبس القرآن كثيرا من الأفكار والتعاليم اليونانية وأهمها الآتى:
(أ) من أرسطو، استعار مفهوم الفضيلة «كوسط بين طرفين»، فالله يقول فى القرآن متحدثا عن الأمة الإسلامية: {«وَكَذََلِكَ جَعَلْنََاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (1).
ولقد أوضح علماء الأصول المسلمون هذه السمة الوسطية للإسلام، وما يزالون يوضحون أنها علامة مميزة وهامة فى الإسلام، والإسلام يحافظ دائما على التوسط بين الطرفين فى قانون أخلاقه، وفى مفهومه الفقهى وعقائده وشعائره وهكذا، وكذلك يقول الله عن الإسلام كأمة أو دين {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنََّاسِ} (2).
(ب) لقد مجد القرآن الإسكندر الأكبر فى ستة عشر آية فى سورة الكهف من آية (83) إلى (98) تحت اسم مستعار هو «ذو القرنين» وقد وصف بأنه شخص ما {إِنََّا مَكَّنََّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنََاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} وقد ذهب حتى مغرب الشمس، فكان ملكا قويا جدا أرهب الظالمين وكافأ بشكل أجمل {مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً} (3)، وهو الذى بنى جسرا بين الأشرار يأجوج ومأجوج من جهة والمؤمنين من جهة أخرى، إذا فالإسكندر الأكبر هو الملك المثالى والعادل.
(ج) ذكرت أسطورة سيزيف فى القرآن، وفى الواقع فإن سيزيف هذا كما
__________
(1) سورة البقرة، آية (143).
(2) سورة آل عمران، آية (110).
(3) سورة الكهف، آية (88).(1/101)
ورد فى «الأوديسا» الجزء الثانى (593)، محكوم عليه بالعذاب الآتى:
فهو مجبر على تحريك صخره بطريقة متواصلة من أسفل الجبل حتى قمته ثم تسقط الصخرة فيأتى بعد ذلك وهو مجبر بشكل سرمدى على تكرير تلك العملية.
وفى القرآن نجد هذا العذاب وقد صب على إنسان كافر فى الآية {كَلََّا إِنَّهُ كََانَ لِآيََاتِنََا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} (1).
(د) فى القرآن نقرأ {وَجَعَلْنََا مِنَ الْمََاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (2)، و {وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ} (3).
وهذه نفس فكرة طاليس «(562640) ق. م» والذى يؤكد أن الماء أصل كل شىء فى الكون، وأنه الدعامة الأساسية (ولأنها طبيعته تحيط به من كل جانب): والرطب منه مصدر الحياة، وهو المخصب والضرورى للإنبات.
(هـ) فى القرآن يقول الله تعالى {اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (4)، {نُورٌ عَلى ََ نُورٍ} (5)، وفى الأفلوطونية الحديثة وخاصة عند مؤسسها أفلوطين (270204) م يعتبر النور هو المبدأ الأول، وكل الكون انعكاس لهذا المبدأ، وهو نور ينبثق من نور، والكون كله إنارة على اعتبار أنه ينتقل من درجة إلى أخرى من النور المتلقى عن الواحد الأحد.
والآيتان القرآنيتان المذكورتان بعالية سيكونان موضوع التأمل الضوئى الفلسفى عند دراسة الإشراقيين التى أسسها السهروردى المقتول (1191م)؟.
(و) {وَقََالُوا مََا هِيَ إِلََّا حَيََاتُنَا الدُّنْيََا نَمُوتُ وَنَحْيََا وَمََا يُهْلِكُنََا إِلَّا الدَّهْرُ وَمََا لَهُمْ بِذََلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلََّا يَظُنُّونَ} (6).
__________
(1) سورة المدثر، آية (1716).
(2) سورة الأنبياء، آية (30).
(3) سورة النور، آية (45).
(4) سورة النور، آية (35).
(5) سورة النور، آية (35).
(6) سورة الجاثية، آية (20).(1/102)
ويمكن أن نعترض أن فى ذلك اقتباسا من الأبيقورين فبالنسبة لهم المهم هو الحياة التى يعيشونها، ولا يعنى الموت بالنسبة لهم شيئا، وما يأتى بعد الموت لا يهمهم فى شىء، إذا فلننتهز الملذات التى تقدمها لنا حياتنا العاجلة فليس هناك خلود ولا بعث بعد الموت، فحسب قولهم فالنفس هى فى حقيقتها جسم، ولا يجب أن تكون غير ذلك، وهى مكونة من ذرات، وعند ما يخترم الموت هذه الذرات لا يبقى منها شىء، وكما يقول أبيقور: «الموت لا يعنى عندنا شيئا لأننا عند ما نكون أحياء فلا موت، وعند ما يأتى الموت لا يكون لنا وجود، والإنسان المتشبث بالخوف من الموت والحياة الأخرى سوف يقدر تماما ملذات الحياة الفانية، والتى لم يعد لها خلود «ديوجن ليرس (5، 4، 19)» وعند أبيقور الآلهة مكونون من ذرات لطيفة جدا، ويعيشون فى عدد لا متناهى، وفى أنواع لا متناهية توجد فى العالم، وهم لا يهتمون إلا بسعادتهم فقط «الطبيعة الإلهية (2، 51).
وكون القرآن يقتبس من الأبيقوريين دليل على أن هذا المذهب كان له معتنقون فى الجزيرة العربية، فى زمن عقائدهم، ولا بد أنهم اعتنقوا هذا المذهب دون أن يعلموا مؤلفه وهو ما يحدث كثيرا فى تاريخ البشرية.
ولكننا نتوقف عن هذا الجزء من معارضتنا، وإلا فإن هذا الهللينى سيقع فى نفس الأخطاء التى ارتكبها أتباع هيرشفيلد وأتباع جولدتسيهر وأتباع هوروفيتز والآخرون.(1/103)
الفصل التاسع «هل للبسملة مصدر فى العهد القديم»(1/105)
يزعم نولدكه شفالى فى «تاريخ القرآن المجلد الأول ص (116)) 1، 611 (أن الصيغة التى تبدأ بها كل سورة فى القرآن فيما عدا سورة براءة) («التوبة» جاءت مقتبسة من اللغة المستعملة فى الإنجيل، ثم يحد من هذا الزعم مضيفا «ويرد هذا الاستخدام صراحة مرتبطا بكلمات دالة على الأفعال ومرتبطا تارة بعبارات كمثل «بسم الله» و «قل» وكذلك فى المواضع الموجودة فى (1) اصحاح (3) آية (17) التى تعرض استخداما مطلق للصيغة.
وفى الملحوظة (3) يذكر الأصل العبرى «بسم باوا» فى العهد القديم، والأصل الإغريقى فى العهد الجديد.
ولكنى عبثا بحثت فى العهد القديم فلم أجد عن صيغة «بسم باوا» كصيغة للصلاة ومناجاة الله كمعنى البسملة فى القرآن.
وفى الحقيقة إن بسم باوا مستعملة فى العهد القديم فى موضع واحد هو:
سفر الملوك الأصحاح 118، الآية 24 «ثم تدعون باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الرب يهوا».
إنه لمن الواضح أنه ليس هناك أى تشابه مع البسملة، كل ما يقال هنا «ادع إلهك وأنا سأدعو إلهى، إنه من الحماقة أن نجد فى هذه الآية التوراتية أصل البسملة التى تقول «بسم الله الرحمن الرحيم».
وهناك آية تورانية أخرى استعمل فيها التعبير بسم باوا ولكن ليس بمعنى النداء، وإنما فقط بمعنى: بعون باوا، وهى أية (45) من سفر صموئيل الأول الأصحاح 17 «قال داود لفلسطين: «تأتينى أنت مسلحا بسيف ورمح وحربة، وأنا آتيك مسلحا باسم الرب»، وهذا هو معنى» «فى مواضع كثيرة من العهد القديم، أيوب (1، 21) المزامير، وهذا فيما يتعلق بدعوى أصل البسملة فى العهد القديم.
أما فيما يتعلق بالعهد الجديد، فإن افتراض نولدكه شفالى أكثر كذبا فهو يرجع البسملة إلى هذه الآية من رسالة القديس بولس إلى أهل كورنثا الآية
17 - من الأصحاح الثالث حيث يقول: «وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين لله والأب به».(1/107)
أما فيما يتعلق بالعهد الجديد، فإن افتراض نولدكه شفالى أكثر كذبا فهو يرجع البسملة إلى هذه الآية من رسالة القديس بولس إلى أهل كورنثا الآية
17 - من الأصحاح الثالث حيث يقول: «وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين لله والأب به».
ويجب أن نتساءل: ما هى العلاقة بين هذه الآية للقديس بولس والبسملة؟
الإجابة واضحة: ليس هناك أية علاقة فالآية تسير فى اتجاه معاكس لمعنى البسملة.
ولكن تعنت كل من نولدكه وشفالى لا يتوقف، فهم يواصلون قولهم:
«وطبقا لهذا النمط فإن الموضعين الوحيدين فى القرآن يرجعان إلى مصادر يهودية غير معروفة بغض النظر عن عناوين السور التى توجد فيها البسملة».
ولكنهم لا يذكرون أى مصدر يهودى مما يدل على ادعائهم الذى لا أساس له من الصحة، لهذا لم يورد كاراديفو) (فى «فصل البسملة» ووالس). (فى «فصل القرآن» زعم نولدكه شفالى المغلوط ضمن مقالات موسوعة الإسلام «الطبعة الثانية») 2 (.(1/108)
الفصل العاشر «فشل كل محاولة لترتيب زمانى للقرآن»(1/109)
لقد تعددت وتنوعت محاولات العلماء المسلمين، القدامى، وكذلك المستشرقين الأوربيين المحدثين لترتيب سور القرآن حسب تاريخ نزولها.
أولا: الترتيب لدى المسلمين:
اتفق العلماء المسلمون الذين ناقشوا هذه القضية على تقسيم السور القرآنية إلى فترتين المكى والمدنى، ولكنهم وضعوا قوائم مختلفة نوعا ما عن هاتين الحقبتين لنرى معا هذه القوائم وفقا للترتيب الزمنى الذى اختاره واضعوها:
1 - يعطى ابن النديم فى الفهرست، القائمة الزمنية الآتية:
(أ) العهد المكى:
العلق (96) آيات (1) إلى (5)، القلم (68)، المزمّل (73)، المدثّر (74)، المسد (111)، التكوير (81)، الأعلى (87)، البينة (94)، النصر (193)، الفجر (89)، الضحى (93)، الليل (92)، العاديات (100)، الكوثر، التكاثر، الماعون، الفيل، الإخلاص، الفلق، الناس (ويرى البعض أن هذه السورة مدنية» النجم، عبس، القدر، والشمس، البروج، التين، قريش، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات، ق، البلد، الرحمن، الجن، يس، المص «الأعراف» (وقيل هى سورة مدنية)، الفرقان، فاطر، مريم، طه، الواقعة، الشعراء، النحل، القصص، الإسراء، هود، يوسف، يونس، الحجر، الصافات، لقمان (آخر هذه السورة مدنية)، الأنبياء، الزمر، الجاثية، الأحقاف، الذاريات، الغاشية، الكهف (آخرها مدنى)، الأنعام (وفيها آيات مدنية)، نوح، إبراهيم، السجدة، الطور، الملك، البلد، المعارج، النبأ، النازعات، الانفطار، الانشقاق، الروم، العنكبوت، المطففين، القمر، الطارق.
(ب) العهد المدنى:
البقرة، الأنفال، الأعراف، آل عمران، الممتحنة، النساء، الزلزلة، الحديد، محمد، الرعد، الطارق، الطلاق، البينة، الحشر، النصر،
النور، الحج، المنافقون، المجادلة، الحجرات، التحريم، الجمعة، التغابن، الصف، الفتح، المائدة، التوبة «إلا الآيات (128، 129، 110) فمدنية.(1/111)
البقرة، الأنفال، الأعراف، آل عمران، الممتحنة، النساء، الزلزلة، الحديد، محمد، الرعد، الطارق، الطلاق، البينة، الحشر، النصر،
النور، الحج، المنافقون، المجادلة، الحجرات، التحريم، الجمعة، التغابن، الصف، الفتح، المائدة، التوبة «إلا الآيات (128، 129، 110) فمدنية.
ونرجع هذه القائمة إلى الزهرى عن محمد بن النعمان بن بشير.
2 - عمر بن محمد بن عبد الكافى «الخطوط، ليدن، رقم (674) فرنر».
(أ) العهد المكى:
العلق، القلم، المزمل، المدثر، المسد، التكوير، الأعلى، الليل، الفجر، الضحى، الشرح، العصر، العاديات، الكوثر، التكاثر، الماعون، الكافرون، الفيل، الفلق، الناس، الإخلاص، النجم، عبس، القدر، الشمس، البروج، التين، قريش، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات، ق، البلد، الطارق، القمر، ص، الأعراف، الجن، يس، الفرقان، فاطر، مريم، طه، الواقعة، الشعراء، النمل، القصص، الإسراء، يونس، هود، يوسف، الحجر، الأنعام، الصافات، لقمان، الزمر، غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، الذّاريات، الغاشية، الكهف، النحل، نوح، إبراهيم، الأنبياء، المؤمنون، السجدة، الطور، الملك، الحاقة، المعارج، النبأ، النازعات، الانفطار، الانشقاق، الروم، العنكبوت، المطففين.
(ب) العهد المدنى:
البقرة، الأنفال، آل عمران، الأحزاب، الممتحنة، النساء، الزلزلة، الحديد، محمد، الرعد، الرحمن، الإنسان، الطلاق، البينة، الحشر، النصر، النور، الحج، المنافقون، المجادلة، الحجرات، التحريم، الجمعة، التغابن، الصف، الفتح، المائدة، التوبة «براءة».(1/112)
وبين هاتين القائمتين بعض الاختلاف:
(أ) فى العهد المكى:
من (96) إلى (87) نفس الشيء «الترتيب».
من (94) «القائمة الأصل» إلى (90) نفس الترتيب.
من (19) إلى (34) تقريبا نفس الترتيب.
من (32) إلى (18) نفس الترتيب.
(ب) العهد المدنى:
نفس الترتيب بالضبط بين القائمتين.
ولكن القائمتين لم تشرحا لنا على أى أساس استند فى هذا الترتيب التاريخى.
3 - القوائم الأخرى الموجودة فى «الإتقان» للسيوطى وكتاب «المبانى» وهى لا تختلف عن القائمتين المذكورتين إلا فى بعض التغيرات كالآتى:
(أ) فى «المبانى» رقم (3) اختلف فى سورة الضحى أمكية هى أم مدنية.
(ب) فى قائمة موجودة فى «الإتقان» ومسنده إلى عكرمة تضع سورة الدخان بعد سورة غافر، وسورة آل عمران بعد سورة البقرة، وتعتبر سورة المطففين أول سورة مدنية.
(ج) القائمة رقم (4) فى «المبانى» والمسندة إلى سعيد بن المسيب عن على عن النبى صلى الله عليه وسلّم تضع سورة الضحى قبل سورة المزمل، وسورة الرحمن بعد سورة الشرح، وسورة العاديات بعد سورة الفيل، وسورة الحج قبل سورة الشمس، وسورة الحاقة قبل سورة النور، وتعتبر سورة الرعد أول سورة مدنية، وسور الواقعة، والعاديات، والفلق، والناس آخر سور العهد المكى.(1/113)
وقد اتبع كتاب الطبعة الحكومية المصرية للمصحف والصادرة سنة (1342هـ) (1924م) الترتيب الآتى:
(أ) السور المكية:
العلق، القلم «ما عدا الآيات (17، 33، 48، 50) فمدنية»، المزمل «ما عدا الآيات (10، 11، 20) فمدنية»، المدثر، الفاتحة، المسد، التكوير، الأعلى، الليل، الفجر، الضحى، الشرح، العصر، العاديات، الكوثر، التكاثر، الماعون، الكافرون، الفيل، الفلق، الناس، الإخلاص، النجم، عبس، القدر، الشمس، البروج، قريش، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات «إلا الآية (48) فمدنية»، ق «إلا الآية (38) فمدنية»، البلد، الإنسان، القمر «إلا الآيتين (54، 56) حتى الأعراف «إلا الآيتين (163، 170) فمدنيتان»، الجن، يس «إلا الآية (45) فمدنية» الفرقان «إلا الآيتين (68، 70) فمدنيتان»، فاطر، مريم «إلا الآيتين (58، 71) فمدنيتان»، طه «إلا الآيتين (130، 131) فمدنيتان»، الواقعة «إلا الآيتين (71، 72) فمدنيتان»، الشعراء «إلا الآيات (197، 224، 227) فمدنية» النمل، القصص، «إلا الآيتين (52، 55) فمدنيتان»، يونس «إلا الآيات (40، 94، 95، 68) فمدنية»، هود «إلا الآيات (12، 17، 114) فمدنية» يوسف «إلا الآيات (1، 2، 3) فمدنية»، الحجر، الأنعام «إلا الآيات (20، 23، 91، 114، 141، 151، 152، 153) فمدنية» الصافات، لقمان «إلا الآيات (27، 28، 29) فمدنية» سبأ «إلا الآية (56، 57) فمدنيتان، فصلت، الشورى «إلا الآيات (23، 24، 27) فمدنية»، الزخرف «إلا الآية (54) فمدنية»، الدخان، الجاثية، «إلا الآية (14) فمدنية»، الأحقاف «إلا الآيات (10، 15، 35) فمدنية»، الذاريات، الغاشية، الكهف «إلا الآيات (28، 83، 101) فمدنية» النحل «إلا الآيتين (28، 29) فمدنيتان» الأنبياء، المؤمنون، السجدة «إلا الآيتين (16، 20) فمدنيتان»، الطور، الملك، المعارج، النبأ، النازعات،
الانفطار، الانشقاق، الروم «إلا الآية (17) فمدنية»، العنكبوت «إلا الآيات من (1) إلى (11) فمدنية»، المطففين.(1/114)
العلق، القلم «ما عدا الآيات (17، 33، 48، 50) فمدنية»، المزمل «ما عدا الآيات (10، 11، 20) فمدنية»، المدثر، الفاتحة، المسد، التكوير، الأعلى، الليل، الفجر، الضحى، الشرح، العصر، العاديات، الكوثر، التكاثر، الماعون، الكافرون، الفيل، الفلق، الناس، الإخلاص، النجم، عبس، القدر، الشمس، البروج، قريش، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات «إلا الآية (48) فمدنية»، ق «إلا الآية (38) فمدنية»، البلد، الإنسان، القمر «إلا الآيتين (54، 56) حتى الأعراف «إلا الآيتين (163، 170) فمدنيتان»، الجن، يس «إلا الآية (45) فمدنية» الفرقان «إلا الآيتين (68، 70) فمدنيتان»، فاطر، مريم «إلا الآيتين (58، 71) فمدنيتان»، طه «إلا الآيتين (130، 131) فمدنيتان»، الواقعة «إلا الآيتين (71، 72) فمدنيتان»، الشعراء «إلا الآيات (197، 224، 227) فمدنية» النمل، القصص، «إلا الآيتين (52، 55) فمدنيتان»، يونس «إلا الآيات (40، 94، 95، 68) فمدنية»، هود «إلا الآيات (12، 17، 114) فمدنية» يوسف «إلا الآيات (1، 2، 3) فمدنية»، الحجر، الأنعام «إلا الآيات (20، 23، 91، 114، 141، 151، 152، 153) فمدنية» الصافات، لقمان «إلا الآيات (27، 28، 29) فمدنية» سبأ «إلا الآية (56، 57) فمدنيتان، فصلت، الشورى «إلا الآيات (23، 24، 27) فمدنية»، الزخرف «إلا الآية (54) فمدنية»، الدخان، الجاثية، «إلا الآية (14) فمدنية»، الأحقاف «إلا الآيات (10، 15، 35) فمدنية»، الذاريات، الغاشية، الكهف «إلا الآيات (28، 83، 101) فمدنية» النحل «إلا الآيتين (28، 29) فمدنيتان» الأنبياء، المؤمنون، السجدة «إلا الآيتين (16، 20) فمدنيتان»، الطور، الملك، المعارج، النبأ، النازعات،
الانفطار، الانشقاق، الروم «إلا الآية (17) فمدنية»، العنكبوت «إلا الآيات من (1) إلى (11) فمدنية»، المطففين.
(ب) العهد المدنى:
البقرة «إلا الآية (281) فنزلت فى حجة الوداع»، الأنفال «إلا الآيتين (20، 26) فمدنيتان»، آل عمران، الأحزاب، الممتحنة، النساء، الزلزلة، الحديد، محمد «إلا الآية (13) فنزلت فى الطريق إلى الهجرة»، الرعد، الرحمن، الإنسان، فاطر، البينة، الحشر، النور، الحج، المنافقون، المجادلة، الحجرات، التحريم، التغابن، الصف، الجمعة، الفتح، المائدة، التوبة «إلا الآيتين (128، 129) فمدنيتان»، النصر.
كما رأينا فإن هذا الترتيب موافق تماما لقائمة ابن عبد الكافى «القائمة المذكورة سلفا».
نجد فى خاتمة هذه الطبعة المصرية المؤلفين، وعلى رأسهم خلف الحسينى شيخ المقارئ المصرية، وهو يعترف صراحة ويقول: «وأخذ بيان مكيه ومدنيه من الكتب المذكورة، وكتاب أبى القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافى، وكتب القراءات، والتفسير على خلاف فى بعضها»، إذا فإنهم لم يبذلوا أى جهد شخصى فى هذا المجال، حتى الإشارة «المذكورة بين قوسين على رأس كل سورة بعد ذكر رقمها» إلى الآيات المذكورة بعد ذلك فى السور مأخوذة من «الإتقان فى علوم القرآن» للسيوطى، ومن بعض التفاسير القرآنية الأخرى، باختصار إن عمل هذه اللجنة يفتقد كلية إلى التأصيل وهو نقل خالص.
لماذا حاول المسلمون أن يرتبوا سور القرآن حسب النزول منذ وفاة النبى محمد صلى الله عليه وسلّم؟ وذلك لسبب هام جدا وهو معرفة الناسخ من المنسوخ، لأن التشريع الإسلامى الذى نزل على النبى صلى الله عليه وسلّم مر بمراحل وهذا التحول اقتضى أحيانا إلغاء قاعدة ما، واستبدالها بأخرى مختلفة عنها حسب درجات متفاوتة، وقد أصبحت معرفة الناسخ من المنسوخ علما ذا أهمية بالغة فى الشريعة الإسلامية لأنه على هذه المعرفة تتوقف قرارات عملية ذات أهمية
قصوى فى مسار الحياة العملية للمسلمين، وقائمة الكتب التى كتبت فى هذا الموضوع منذ القرن الثالث الهجرى إن لم يكن قبل ذلك طويلة جدا، والنسخ معترف به فى القرآن فى هذه الآيات:(1/115)
لماذا حاول المسلمون أن يرتبوا سور القرآن حسب النزول منذ وفاة النبى محمد صلى الله عليه وسلّم؟ وذلك لسبب هام جدا وهو معرفة الناسخ من المنسوخ، لأن التشريع الإسلامى الذى نزل على النبى صلى الله عليه وسلّم مر بمراحل وهذا التحول اقتضى أحيانا إلغاء قاعدة ما، واستبدالها بأخرى مختلفة عنها حسب درجات متفاوتة، وقد أصبحت معرفة الناسخ من المنسوخ علما ذا أهمية بالغة فى الشريعة الإسلامية لأنه على هذه المعرفة تتوقف قرارات عملية ذات أهمية
قصوى فى مسار الحياة العملية للمسلمين، وقائمة الكتب التى كتبت فى هذا الموضوع منذ القرن الثالث الهجرى إن لم يكن قبل ذلك طويلة جدا، والنسخ معترف به فى القرآن فى هذه الآيات:
(أ) {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1).
(ب) {وَإِذََا بَدَّلْنََا آيَةً مَكََانَ آيَةٍ وَاللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا يُنَزِّلُ قََالُوا إِنَّمََا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لََا يَعْلَمُونَ} (2).
(ج) {فَيَنْسَخُ اللََّهُ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللََّهُ آيََاتِهِ وَاللََّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3).
إذا فالنسخ يعنى:
(أ) إما الإلغاء، أو المحو كما فى سورة الحج آية (52).
(ب) أو معناه التبديل كما فى سورة النحل آية (101).
وفيما يتعلق بالنسخ فإن سور القرآن تنقسم إلى أربعة أقسام:
1 - قسم ليس فيه أى نسخ، وهو يشتمل على (43) سورة هى: الفاتحة، يوسف، يس، الحجرات، الرحمن، الحديد، الصف، الجمعة، التحريم، الملك، الحاقة، نوح، الجن، المرسلات، النبأ، النازعات، الانشقاق، البروج، الطارق، الأعلى، الفجر، وحتى نهاية القرآن ما عدا التين، العصر، الكافرون.
2 - قسم فيه ناسخ ومنسوخ ويشتمل على (25) سورة وهى: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الحج، النور، الفرقان، الشعراء، الأحزاب، سبأ، غافر، الشورى، الذاريات، الطور، الواقعة، المجادلة، المزمل، المدثر، التكوير، التكاثر.
__________
(1) سورة البقرة، آية (106).
(2) سورة النحل، آية (101).
(3) سورة الحج، آية (52).(1/116)
3 - قسم فيه ناسخ فقط «بدون منسوخ» ويشتمل على ست سور:
الفتح، الحشر، المنافقون، التغابن، الطلاق، الانفطار.
4 - القسم الرابع ويشتمل على الأربعين سورة الباقية، وفيه منسوخ فقط ولمزيد من التفاصيل انظر الإتقان مج (3) ص (62، 77) القاهرة (1967م) مطبعة أبو الفضل إبراهيم.
والغريب أن نجد فى نفس السورة ءاية منسوخة، وءاية ناسخة مثلا فى سورة الأحزاب نسخة الآية (50) بالآية (52).
ويؤكد السيوطى أن هناك اختلافا كبيرا بين العلماء فيما يخص عدد الآيات الناسخة والمنسوخة وقد ألف قصيدة بغرض تعليمى ليدلى برأيه فى هذا الموضوع «انظر الإتقان مج (3) ص (68) نفس الطبعة» ولنغلق هذا الباب المتعلق بالنسخ والذى ما ذكرناه هذا إلا لنؤكد أنه كان الشغل الشاغل لعلماء المسلمين منذ وفاة النبى صلى الله عليه وسلّم وهم يحاولون أن يرتبوا سور القرآن حسب النزول.
ثانيا: الترتيب لدى المستشرقين:
بينما نجد أقدم قائمتين لترتيب القرآن حسب النزول غير مقرونتين بما يبررهما نجد المستشرقين الأوربيين المعاصرين قد حاولوا أن يقيموا جهودهم فى هذا الموضوع على أسباب خارجية وداخلية.
1 - نولدكه:
كانت أول محاولة جادة لترتيب سور القرآن زمنيا هى التى قام بها نولدكه فى عمله الهام «تاريخ القرآن»، جوتنجن» (1860)) 0681 (وهو عمل قائم على النقد الداخلى وموجه أولا إلى:
(أ) الحديث.
(ب) الكتب التاريخية «سيرة ابن هشام، تاريخ الطبرى، اليعقوبى».(1/117)
(ج) الكتب المتعلقة بأسباب النزول.
والنقد الداخلى يأخذ فى الاعتبار ما يلى:
(أ) أسلوب اللغة وخصوصيات اللغة وطرق التعبير بها.
(ب) المذاهب القائمة على تطور الرسالة النبوية.
(ج) موقف النبى صلى الله عليه وسلّم من اليهودية والنصرانية والوثنية العربية، وتتلخص نتيجة هذه الأبحاث فى الآتى:
(أ) يجب بداية أن نفرق كما فعل العلماء المسلمون بين عهدين كبيرين:
العهد المكى والعهد المدنى.
(ب) ثم فى العهد المكى نفسه يميز نولدكه بين ثلاث فترات.
1 - الفترة الأولى وتشتمل على سور قصيرة جدا، أو قصيرة تتسم الآيات فيها بالتصوير والإيقاع القوى، واتباع السجع «الفواصل» وتنتمى إلى هذه الفترة السور الآتية: العلق، المدثر، المسد، قريش، الكوثر، الهمزة، الماعون، التكاثر، الفيل، الليل، البلد، الشرح، الضحى، القدر، الطارق، الشمس، الانفطار، التكوير، النجم، الانشقاق، العاديات، النازعات، المرسلات، النبأ، الغاشية، الفجر، القيامة، المطففين، الحاقة، الذاريات، الطور، الواقعة، المعارج، الرحمن، الإخلاص، الكافرون، الفلق، الناس.
2 - الفترة الثانية وتكثر فيها قصص الأنبياء السابقين وتبدأ العقائد فى الظهور مع إشارات من الطبيعة ومن التاريخ المقدس، وتصبح السور أكثر طولا وكثير من الآيات تفتتح بكلمة «قل» ويبدأ ظهور كلمة «الرحمن» كاسم لله والسور التى تنتمى إلى الفترة الثانية المكية هى: القمر، الصافات، نوح، الإنسان، الدخان، ق، طه، الشعراء، الحجر، مريم، ص، يس، الزخرف، الجن، الملك، المؤمنون، الأنبياء، الفرقان، النمل، القصص.(1/118)
3 - فى الفترة المكية الثالثة لم يعد يظهر اسم «الرحمن» فى السور وتكرر قصص الأنبياء السابقين إلى حد الملل.
وينتمى إلى هذه الفترة السور الآتية: السجدة، فصلت، الجاثية، النحل، الروم، هود، إبراهيم، يوسف، غافر، القصص، الزمر، العنكبوت، لقمان، الشورى، يونس، سبأ، فاطر، الأعراف، الأحقاف، الأنعام، يوسف.
والفترة الثانية الكبيرة هى العهد المدنى حيث قاد النبى فى المدينة أمة مكونة على أحسن وجه، ولهذا تزخر السور بالتشريع والقوانين الصادرة باسم الله، وتتحاشى صياغة هذه القوانين كل المحسنات البلاغية، وأصبح السجع أقل مراعاة، والخطاب بيا أيها الناس أصبح أكثر قدرة واستبدل بيا أيها الذين أمنوا، وأصبح التاريخ الحقيقى للأمة الإسلامية خلال إقامة الرسول بالمدينة ليس كثير من الآيات المنزلة فى هذه الفترة المدنية، ولذلك أصبح من الأكثر سهولة ترتيب الآيات حسب النزول.
وتنتمى لهذه المرحلة السور الآتية:
البقرة، البينة، التغابن، الجمعة، الأنفال، الحجر، آل عمران، الصف، الحديد، النساء، الرحمن، الطلاق، الحشر، الأحزاب، المنافقون، النور، المجادلة، الحج، الفتح، الإنسان، الممتحنة، النصر، الحجرات، التوبة، المائدة.
ومما يؤخذ على هذا الترتيب التاريخى الملاحظات الآتية:
1 - التقسيم الثلاثى للفترة المكية والذى يعرضه نولدكه سبقه فيه جوستاف فايل فى كتابه «الفتوحات الحربية التاريخية فى القرآن، ط.
أ (1844م) ط. ثانية بلفيلد (1878م)، 1، 8781 وهذا هو الترتيب التاريخى الذى يقدمه فايل:(1/119)
(أ) الفترة المكية الأولى:
العلق، المدثر، المزمل، قريش، المسد، الأحزاب، التكوير، القلم، الأعلى، الليل، الفجر، الضحى، الشرح، العصر، العاديات، الكوثر، التكاثر، الماعون، الكافرون، الفيل، الفلق، الناس، الإخلاص، عبس، القدر، الشمس، البروج، البلد، التين، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات، الطارق، المعارج، النبأ، النازعات، الانفطار، الانشقاق، الواقعة، الغاشية، الطور، الحاقة، المطففين، الزلزلة.
(ب) الفترة المكية الثانية:
الفاتحة، الذاريات، يس، ق، القمر، الدخان، مريم، طه، الأنبياء، المؤمنون، الفرقان، الملك، الصافات، ص، الزخرف، نوح، الرحمن، الحجر، الإنسان.
(ج) الفترة المكية الثالثة:
الأعراف، الجن، فاطر، النمل، القصص، الإسراء، يونس، هود، يوسف، الأنعام، لقمان، سبأ، الزمر، غافر، السجدة، الشورى، الجاثية، الكهف، النحل، إبراهيم، فصلت، الروم، العنكبوت، الرعد، التغابن.
1 - عدد السور فى كل فترة:
(أ) فايل (45) نولدكه (48).
(ب) فايل (20) نولدكه (21).
(ج) فايل (26) نولدكه (21).
المجموع / فايل (91) نولدكه (90).
2 - الترتيب التاريخى فى كل فترة يختلف بين ويل ونولدكه:
فالنسبة للفترة المدنية، فالترتيب عند ويل الآتى: البقرة، البينة، الجمعة،
الطلاق، الحج، النساء، الأنفال، محمد، الحديد، آل عمران، الحشر، النور، المنافقون، الأحزاب، الفتح، النصر، الصف، الممتحنة، المجادلة، الحجرات، التحريم، التوبة، المائدة. والمجموع الكلى (23) سورة بينما المجموع عند نولدكه (24) لأنه يضيف إليهم سورة التغابن، فيما يضعها ويل فى نهاية الفترة المكية الثالثة، ولكنها فى القائمتين الإسلاميتين «لابن النديم، وابن عبد الكافى» ضمن السور المدنية، وحتى الترتيب التاريخى يختلف بين ويل ونولدكه.(1/120)
فالنسبة للفترة المدنية، فالترتيب عند ويل الآتى: البقرة، البينة، الجمعة،
الطلاق، الحج، النساء، الأنفال، محمد، الحديد، آل عمران، الحشر، النور، المنافقون، الأحزاب، الفتح، النصر، الصف، الممتحنة، المجادلة، الحجرات، التحريم، التوبة، المائدة. والمجموع الكلى (23) سورة بينما المجموع عند نولدكه (24) لأنه يضيف إليهم سورة التغابن، فيما يضعها ويل فى نهاية الفترة المكية الثالثة، ولكنها فى القائمتين الإسلاميتين «لابن النديم، وابن عبد الكافى» ضمن السور المدنية، وحتى الترتيب التاريخى يختلف بين ويل ونولدكه.
3 - كما لاحظ ريتشارد بيل فى «مقدمة فى القرآن ص (103) إيدنبرج (1953م)). 3591301 («
إن هذا أمر مشكوك فيه، أيضا لأنه لو كان استعمال الرحمن كاسم علم كما زعم نولدكه مقتصرا على منتصف العهد المكى، فإنه حين يقرر ذلك لا يستند إلى شىء موثق ليسقط عمدا فى الخطأ».
وفى الواقع، ليس هناك أى سبب يبرر عدم ورود اسم الرحمن خلال فترة معينة من إقامة النبى فى مكة. فلا القرآن ولا السنة يتحدثان عن أى سبب يقود محمدا إلى فعل ذلك، فكون اسم الرحمن ليس موجودا فى عدد معين من السور لا يبرر أبدا أن نجعل منها مجموعة تشكل فترة مكية ثالثة، ولو كان هناك باعث على تحاشى استعمال اسم «الرحمن» فى الفترة المكية لكان من المفروض أن نجد صدى له فى القرآن أو السنة، ومعارضه الحزب المكى لاستعمال هذا الاسم فى صلح الحديبية، فى ذو القعدة من السنة السادسة الهجرية «مارس (8، 6)، هذا الاعتراض محمول على البسملة بصفة عامة باعتباره صفة مميزة للإسلام.
3 - فيما يخص الأسلوب، فلو كان مفيدا فى التمييز بين الفترات الطويلة فلن يفيد فيما يتعلق بالتمييز بين التتابع التاريخى للسور فى فترة قصيرة، فى الواقع إن كل الفترة المكية لا تعطى إلا (12) سنة (622610)، فبأى حق ندعى إذا التمييز بين أسلوب كاتب خلال (12) سنة فقط؟ ناهيك عن
استطاعتنا التمييز فى تلك الفترة بين ثلاث فترات قصيرة، فلموضوع التمييز ظروف كثيرة.(1/121)
3 - فيما يخص الأسلوب، فلو كان مفيدا فى التمييز بين الفترات الطويلة فلن يفيد فيما يتعلق بالتمييز بين التتابع التاريخى للسور فى فترة قصيرة، فى الواقع إن كل الفترة المكية لا تعطى إلا (12) سنة (622610)، فبأى حق ندعى إذا التمييز بين أسلوب كاتب خلال (12) سنة فقط؟ ناهيك عن
استطاعتنا التمييز فى تلك الفترة بين ثلاث فترات قصيرة، فلموضوع التمييز ظروف كثيرة.
إنه من الشطط إن لم يكن من الكذب أن نزعم استطاعتنا ترتيب السور تاريخيا فى الفترة المكية حسب الأسلوب.
2 - هـ جريم) (:
بعد محاولة نولدكه (1880م) تأتى محاولة هـ. جريم فى كتابه «محمد» «مونستر (1892م) (95) ج (2) ص (250، 27).
= = = 592981= والفكرة الرئيسية لترتيبه هى تطور الموضوعات الدينية: التوحيد، البعث، واليوم الآخر الخ» وهو يركز خصوصا على العهد المدنى، ويعتمد أساس ترتيب نولدكه فيما يتعلق بالفترة المكية والمقسمة أيضا إلى ثلاث فترات قصيرة، ولكنه يختلف عنه فى النقاط الآتية:
(أ) فى الفترة القصيرة الأولى لا يورد سور: الذاريات، الطور، النجم، الرحمن، الواقعة، الفاتحة، القدر، الكافرون، الإخلاص» ولكنه يضع السور من الذاريات حتى الواقعة فى الفترة الثانية، وسور الفاتحة، والقدر، والكافرون، والإخلاص فى الفترة الثالثة.
(ب) يعتبر سورة إبراهيم ضمن الفترة الثانية إلا الآيتين (38، 32) فمدنيتان، وكذلك سور الرعد، ق، والقمر.
(ج) سورة الإنسان عنده تنتمى إلى الفترة الأولى.
(د) كل سور الفترة الثانية الأخرى عند نولدكه مدرجة ضمن الفترة الثالثة عند جريم.
(د) يوجد بين الاثنين خلاف فيما يتعلق بتوضيح الآيات الموجودة فى السور المشار إليها على أنها نزلت فى تاريخ متأخر عن بقية السورة.(1/122)
(هـ) عند نولدكه (9) سور مكية و (24) مدنية، عند جريم (92) سورة مكية و (22) مدنية.
(ز) الفترة الثالثة مختصرة جدا، كما رأينا، عند جريم لأنه حسب رأيه فإنها تتكلم خاصة عن وقوع اليوم الآخر والعذاب الواقع على الكافرين.
3 - المستشرق وليام موير» «
: فى الجزء الثانى من كتابه «حياة محمد» ص (132، 183، 318، 320) وأيضا فى كتابه «القرآن: تكوينه وتعاليمه» (1896م) ص (73، 47) يقسم وليام موير السور المكية إلى خمسة مراحل.
(أ) المرحلة الأولى قبل بعثة النبى.
(ب) أقدم السور حتى أول ظهور رسمى لرسالته.
(ج) من أول ظهور رسالته حتى السنة السادسة من البعثة (616) ميلادية.
(د) من السنة السادسة حتى العاشرة.
(هـ) من السنة العاشرة حتى الهجرة (622) ميلادية.
وبعد (93) سورة مكية، و (21) سورة مدنية والترتيب التاريخى كالآتى.
1 - العهد المكى:
العلق، العاديات، الشرح، الشمس، قريش، الفاتحة، القارعة، التين، التكاثر، الهمزة، الانفطار، الليل، الفيل، الفجر، عبس، الانشقاق، الطارق، النصر، البروج، المطففين، النبأ، المرسلات، الإنسان، القيامة، المعارج، الكافرون، الإخلاص، الرحمن، الواقعة، الملك، النجم، السجدة، الزمر، النازعات، القمر، سبأ، لقمان، الحاقة، القلم، فصلت، نوح، الطور، ق، الجاثية، الصافات، الروم، النور، الحجر، الذاريات، الأحقاف، الجن، فاطر، يس، مريم، الكهف، النحل، الشورى، غافر، ص، الفرقان، طه، الزخرف، يوسف، هود، يونس، إبراهيم، الأنعام، التغابن، القصص، المؤمنون، الحج، الأنبياء، الاسراء، النحل، الرعد، العنكبوت، الأعراف، الفلق، الناس.(1/123)
2 - العهد المدنى:
البقرة، محمد، الحديد، الأنفال، المجادلة، الطلاق، البينة، الجمعة، الحشر، النور، المنافقون، الفتح، الصف، النساء، آل عمران، المائدة، الأحزاب، الممتحنة، التحريم، الحجرات، التوبة.
والفروق بين هذا الترتيب وترتيب نولدكه هى:
(أ) سبع سور من الفترة المكية الأولى عند نولدكه نقلوا إلى الفترة الرابعة عند موير.
(ب) ثمانى سور من الفترة الثانية نقلوا إلى الفترة الخامسة عند موير.
وكما لاحظ كل من «نولدكه، شفالى، تاريخ القرآن ص (73) ليبزج (1909م)، فإن الخطأ الرئيسى لموير هو زعمه تحديد ترتيب نزول السور فى كل مرحلة فيما يعترف بنفسه أنه لم ينجح بصورة تامة فى هذه المحاولة، وفى الواقع إنه حين قسم العهد المكى كله إلى مراحل بدلا من ثلاث فترات صغرى فإنه يعتبر قد زاد المشكلة تعقيدا، وعلى العكس يعترف نولدكه أن الترتيب الذى يعرضه ترتيب تقريبى.
4 - ريجيس بلاشير» «:
يعتمد ريجيس بلاشير فى ترجمته للقرآن «باريس (1949م 1951م) نفس ترتيب نولدكه وشفالى فيما عدا نقطتين غير مؤثرتين:
(أ) يضع بلاشير سورة الذاريات وسورة القلم فى بداية الفترة الثانية بينما مكانهما عند نولدكه وشفالى فى نهاية الفترة الأولى.
(ب) سورة يوسف عند بلاشير مدرجة ضمن الفترة الثالثة بينما عند نولدكه وشفالى مدرجة ضمن الفترة الثانية.
(ج) تتابع السور فى الفترة الأولى فى ترجمة بلاشير يختلف عن الهيكل الذى اعتمده المستشرقان الألمانيان «نولدكه شفالى» وشرح بلاشير أن هذا الاختلاف منشؤه أنه وجد بين الناس تقسيم السور إلى مجموعات لكل سورة منها فكرة مشابهة للأخرى ثم وضع سلسلة التتابع بحيث تتسق مع تطور الدعوة الناشئة «والقرآن (2) ص (6) باريس (1949م).(1/124)
ويصل تعسف ريجيس بلاشير إلى ذروته حين يقسم بعض السور إلى أجزاء حسب تواريخ مختلفة دون الاستناد على أى أسباب أو معلومات تاريخية ثانية.
وحسب التقسيم المدقق الذى قام به، فإننا نجد أن عدد السور عنده يصبح (16) سورة بدلا من (14) كما هو معلوم لدى العالم الإسلامى والمستشرقين.
ومع أن نفس نص القرآن عند بلاشير هو نص القرآن عند كل العالم، إلا أنه قسم سورتى «العلق، والمدثر» كل منهما إلى سورتين.
(أ) سورة العلق من آية (1) إلى (5) تصبح نص رقم (1) فى ترتيب بلاشير، ومن (6: 19) جعل منها نص رقم (32) أى نص مستقل».
(ب) سورة المدثر الآيات من (1) إلى (7) تصبح نص رقم (2)، ومن (8) إلى (55) نص مستقل تحت رقم (36).
5 - ريتشارد بل:
آخر مستشرق نذكره فى هذا الموضوع هو ريتشارد بل، فقد ناقش القضية فى الفصل السادس من كتابه «مقدمة فى القرآن ايدنبرج» (1953م) تحت عنوان «الترتيب التاريخى للقرآن» وبعد أن استعرض محاولة نولدكه، والتى اعتبرها الأكثر قبولا وكذلك محاولة وليام موير، وجريم، وهـ.
هيرشفيلد، وريجيس بلاشير اعترف أنه من الممكن الشك فى امكانية ترتيب كامل للقرآن حسب النزول (103).
وكذلك يعتقد أن أفضل قرار يمكن اتخاذه هو عرض مبادئ عامة، ووضع تصور يمكن أن يدمج فيه نظم القرآن.
وأوضح المبادى الآتية:
1 - فى غياب المرجعية التاريخية للأحداث فإن الأسلوب يمكن أن يكون معيارا مفيدا لتحديد تاريخ تقريبى ثم يعترف أن هذا المعيار صعب استعماله.(1/125)
2 - اختيار معيار آخر أكثر صدقا وهو تركيب الجمل، وهنا يعترف أيضا أن هناك متوافقات ونوادر يمكن أن تقودنا إلى الخطأ.
وبعد أن أضعف بنفسه المعايير التى اقترحها، يجادل فى أولية سورتى العلق والقلم واللذان يعلم كل الكتاب المسلمين وكذلك المستشرقون أنهما أول وثانى سورتين من سور الوحى وحجته فى ذلك «إن طريقة الحديث فى هاتين السورتين تتفق أكثر مع المفهوم اللاحق لبعثة النبى أكثر ما تتفق مع التصورات البدائية لمحمد حيث أن لم يكن عنده فى البداية أية فكرة عن الملائكة، ولكن هذا محض خطأ لأن عقيدة الألوهية قبل الإسلام كانت خاصة بفكرة الملائكة وكذلك اليهودية وأيضا المسيحية واللذان كان لهما أتباع فى الجزيرة العربية، كانوا يستدعون الملائكة بصفة مستمرة، كيف إذا نقول أن محمدا فى البداية لم يكن عنده أى فكرة عن الملائكة؟ ولنستعرض بعضا من عبث ريتشارد بيل:
(أ) كلمة نبى كلمة مدنية.
(ب) أصبح إبراهيم نبيا فى المدينة فقط.
(ج) إسلام، مسلم، والاستعمال الدينى لكلمة أسلم تنتمى إلى العهد المدنى، ولكن هذه القضايا كاذبة، لأن كلمة نبى موجودة فى السور المكية الآتية: الأنعام، الأعراف، الفرقان، الزخرف، مريم، الروم، وإبراهيم كنبى مذكور فى السور المكية الآتية: الأنعام، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر، النحل، مريم، الأنبياء، الشعراء، العنكبوت، ص، الشورى، الزخرف، الذاريات، النجم، الأعلى، وكلمات إسلام مسلم «والجمع مسلمون» موجودة فى (21) سورة مكية ولو طبقت هذه القواعد نستخلص من العهد المكى (44) سورة نضيفها على العهد المدنى، وهذا هو العبث بعينه عند كل الباحثين.(1/126)
الخاتمة
هذه هى المحاولات التى قام بها علماء المسلمين والمستشرقون (1)، لترتيب سور القرآن حسب النزول ولكنها تعتبر محاولات يشوبها الفشل، ولكن محاولات الكتاب المسلمين أقل شططا لأنها تكتفى بتقسيم السور إلى عهدين المكى والمدنى، ومع ذلك فإن ترتيب السور افتراض يفتقر فى كل مرة إلى المصادر التاريخية.
ونعتقد وتؤكد ذلك بعض القصص (2)، أن القرآن قد رتب فى كتاب واحد فى حياة النبى لما يأتى:
(أ) أكدت السنة والتفاسير القرآنية على الآيات المدنية الموجودة فى السورة المكية المتقدمة ومن المفروض أن هناك جمعا للسورة مرتب بالفعل وفيه يوضح بعد ذلك الآيات التى نزلت بالمدينة والتى تكمل أو تعدل بعض الأفكار الموجودة فى السور السابقة، على سبيل المثال سورة الشعراء التى تحتوى فى النهاية على أية (227) التى أضيف فى المدنى لتستثنى من إدانة الشعراء المسلمين الذين كانوا يدافعون عن النبى صلى الله عليه وسلّم أمثال: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك «انظر تفسير الطبرى أسباب النزول للسيوطى» وكذلك الطبعة المصرية الرسمية توضح فى صدر السورة الآيات المدنية الموجودة فى السور المكية التى نزلت قبل ذلك «انظر ص (122، 123) الزركشى البرهان ص (199، 263)» وفيه يعطينا الإحصاء الكامل لذلك.
(ب) هذا القرآن المجموع خلال حياة النبى صلى الله عليه وسلّم لا بدّ أنه نقل على جلود،
__________
(1) انظر «مقدمة القرآن» ريتشارد بيل ص (110، 113) وضع جدول جمع فيه كل هذه المحاولات مقارنة.
(2) انظر «الزركشى البرهان» ج (1) ص (256، 151) القاهرة (1957م).(1/127)
والقرآن يتكلم عن الكتابة المتقوشة {كِتََابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} (1)، وقد ذكر الشعراء الجاهليون فى مواضع كثيرة الجلود والرقاع التى يكتب عليها، ويحكى أن المعلقات السبع أو العشر كتبت على الجلود «أو البردى» وعلقت فى جوف الكعبة، وكل هذا يثبت استعمال الجلود أو «البردى» وأنه كان منتشرا فى مكة والمدينة والجزيرة العربية بصفة عامة.
ولو عارض أحد فى قصة أن زيد بن ثابت قد جمع القرآن من قطع الورق والأحجار، وسعف النخيل، وعظام وأكتاف الإبل، وعظام وأذرع الماشية وجلودها، فإننى أرد بأن ذلك يشبه الوثائق التى تساعد فى تجميع نص معين حتى لا يندثر، وهذا بالضبط مشابه لما نفعله اليوم بعمل طبعة محققة على مخطوطات كاملة، فنجمعها مع الاستشهادات والأوراق المبعثرة الخ.
فيما يتعلق بالتقسيم الثلاثى للعهد المكى فيجب أن نشير إلى أن هذا ليس فقط ما ذهب إليه. ح. ويل ثم نولدكه هم أول من زعمه، ولكنه مقترح أيضا من أحد أقدم علماء المسلمين وهو أبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب النيسابورى فى كتابه «التنبيه إلى أفضل العلوم القرآن» حيث يقول:
«إن احدى أشرف العلوم القرآنية هو نزوله، ومواضعه وترتيب ما نزل بمكة ابتدائه ووسطه ونهايته، وترتيب ما نزل بالمدينة «ذكره الزركشى فى البرهان فى علوم القرآن (1) ص (192) القاهرة (1957م) ط. محمد أبو الفضل إبراهيم» إذا ففضل السبق فى الترتيب الثلاثى لسور العهد المكى يعود لقول أبى القاسم الحسن النيسابورى وليس إلى ويل أو نولدكه، فقط يبدوا أن أبو الحسن النيسابورى أو الزركشى قد ذكره فى الفصل التالى ولكنه لم يميز فى عده للسور فى الترتيب التاريخى للسور المكية بين الفترات الثلاث التى ذكرها ص (193) وجاء ترتيبه كالآتى: «أول سورة نزلت بمكة هى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} «العلق» ثم {ن وَالْقَلَمِ} «القلم»، ثم {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}
«المزمل» وهو يعد (85) سورة مكية ثم بعد (9) سورة مدنية أولها البقرة
__________
(1) سورة الطور، آية (32).(1/128)
وترتيبه موافق لترتيب عمر بن محمد بن عبد الكافى المذكور ص (121) يترتب على ذلك أنه لا فايل ولا نولدكه ولا لمن تبعهم أفكار جديدة فى مجال ترتيب سور القرآن الكريم حسب النزول، فالفصل التاسع من الجزء الأول ص (20919) للزركشى يكفينا لنقتنع بذلك قناعة كافية، وفى النهاية يجدر بنا أن نتأمل ونتعلم هذا الدرس الجميل فى التواضع والذى بلغه لنا الزركشى ج (1) ص (192) وهو «لا غبار على الاختلاف بشأن بعض السور مكية هى أم مدنية، وأن يكون لذلك مردوده ودليله».(1/129)
الفصل الحادى عشر مشكلة الألفاظ الأعجمية فى القرآن(1/131)
لقد أثيرت مسألة الألفاظ غير العربية فى القرآن منذ القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى) حيث دخل الفقهاء المسلمون فى مجادلات واسعة بين مؤيد ومعارض.
(ا) فمن بين الذين ينفون وجود مثل هذه الكلمات نجد الشافعى (ت 204هـ / 820م)، وهو مؤسس المذهب الفقهى الشافعى، وأبو عبيدة (ت 210هـ / 825م) عالم فقه اللغة، ومحمد بن جرير الطبرى (ت 310هـ / 923م)، وهو المؤرخ العظيم وأشهر مفسرى القرآن، وأبو بكر الطيب الباقلانى (ت 403هـ / 1014م)، وهو الفقيه الأشعرى، وأبو الحسن ابن فارس (ت 395هـ / 1005م) عالم فقه اللغة، وقد بنى هؤلاء قضيتهم على آيتين قرآنيتين هما {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (1) و {وَلَوْ جَعَلْنََاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقََالُوا لَوْلََا فُصِّلَتْ آيََاتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (2).
وقالوا أيضا إنه لو كان العرب غير قادرين على الإتيان بنصوص مشابهة للقرآن فكان من الممكن أن يحتجوا بأن القرآن يحتوى على لغات لا يفهمها العرب.
(ب) ومن بين الذين قالوا بأن القرآن يشتمل على كلمات غير عربية نذكر فى المقام الأول عبد الله بن عباس (ت 68هـ / 688م)، وتلميذه عكرمة (ت 105هـ / 723م)، ثم أبو موسى الأشعرى (ت 42هـ / 662م)، وقد أثبتوا أن فى القرآن ألفاظا غير عربية ووضعوا لها قائمة.
وقد تقيد المنكرون بشيء بديهى وهو أن هذه الكلمات الموجودة فى تلك القائمة موجودة فى القرآن وفى بعض اللغات الأخرى التى ذكرها مخالفوهم، والمنكرون يشرحون هذا التوافق قائلين مثل الطبرى هذه الأمثلة جاءت من احتمال توافق لغات أخرى مختلفة فى التعبير عن شىء ما بمحض الصدفة
__________
(1) سورة يوسف، آية (2).
(2) سورة فصلت، آية (44).(1/133)
وتسمية الأشياء بكلمات مشابهة، وأن العرب والفرس والأحباش (مثلا) يستخدمون نفس اللفظ للتعبير عن نفس الشيء (ذكره الزركشى فى البرهان ج 1ص 289القاهرة 1957)، ويوافق أبو عبيدة رأى ابن فارس (ذكره الزركشى المرجع السابق ص 289).
ولكن ابن عطية (ت 546هـ / 1151م)، عارض هذا الرأى فى مقدمة كتابه «حول تفسير القرآن» (1) (ص 277) حيث يقول: «إن تفسير الطبرى وهو أن اللغتين متوافقتان فى نفس الكلمة بعيد عن الحقيقة، وفى الواقع إن اللغة الأولى فيها الكلمة «الأصل»، والثانية فيها الكلمة «المشتقة» فى أغلب الحالات ونحن لا نثبت إمكانية التوافق، ولكنه يحدث فى قليل من الحالات وبطريقة استثنائية» (ذكره الزركشى فى المرجع السابق ص 290).
ويوفق أبو عبيدة القاسم بن سلام (ت 224هـ / 839م) بين الرأيين حيث يقول: «وعندى أن الرأى الصحيح هو القول بالرأيين: فالحقيقة أن الكلمات (المتشابهة بين العربية واللغات الأخرى) أصلها أعجمى كما قرر ذلك الفقهاء»، ولكنها وصلت إلى العرب وهم بدورهم عربوها وحولوها من اللغات الأخرى إلى لغتهم، وبهذا أصبحت عربية.
وحين نزل القرآن كانت هذه الكلمات قد اختلطت بلغة العرب فمن قال إن هذه الكلمات عربية فهو على حق ومن قال إنها كلمات أعجمية فهو أيضا على حق (ذكره الزركشى المرجع السابق ص 290).
ويصل ابن فارس الذى استشهد برأى أبو عبيدة القاسم بن سلام فى كتابه «الصاحبى» (ص 29) إلى نفس التسوية.
على أى حال، فالرأى الأرجح هو رأى بن عطية والذى يقول فى مقدمة كتابه حول «التفسير القرآنى» (ص 277) إن توضيح هذا التوافق بين (الألفاظ
__________
(1) الجامع المحرر الوجيز فى تفسير القرآن العزيز» 412،. «.(1/134)
العربية وغيرها) يأتى من أن العرب والذين نزل القرآن الكريم بلغتهم كان لهم اختلاط باللغات الأخرى عن طريق التجارة والرحلتين السنويتين للقرشيين، ورحلات الرحالين مثل رحلة أبى عمر إلى الشام، ورحلة عمر بن الخطاب، ورحلة عمرو بن العاص، وعميرة بن الوليد إلى الحبشة، ورحلة الأعشى إلى حران واختلاطه بالمسيحيين هناك حيث السيادة للغة العربية، وبهذه الوسائل اقتبس العرب كلمات أعجمية وغير بعضها بحذف بعض الحروف منها وقد قاموا بتخفيف ثقل عجميتها، واستعملوا هذه الكلمات فى أشعارهم وأحاديثهم وانتهى الأمر بها أن أصبحت لها نفس السمت العربى الخالص فاستعملوها فى خطبهم، وبهذه الحالة استعملها القرآن: إذا فالحقيقة أن هذه الكلمات ليست عربية، ولكن العرب عربوها واستخدموها وأصبحت عربية بهذا المعنى وبهذه الكيفية. (مقتبس أيضا من الزركشى المرجع السابق 1ص 289).
فهذا توفيق سديد ومقبول.
* قائمة الزركشى (ت 794هـ / 1391م)
نعرض هنا قائمة الزركشى للكلمات الأعجمية والتى ذكرها من غير ترتيب فى كتابه «البرهان» الجزء الأول (ص 288، 289)، ولكننا نصنفها هنا هكذا:
(أ) من اللغة اليونانية:
1 - طفق يفعل الشيء.
2 - قسط وقسطاس العدل
3 - رقيم المائدة.
3 - سرىّ النهر الصغير
(ب) من اللغة الفارسية:
1 - استبرق وهى فى الفارسية استبره القماش الغليظ.(1/135)
2 - سجل الكتاب، الدفتر.
(ج) من العبرية:
1 - هدنا توبنا.
2 - طأها ضع رجلك يا رجل!.
3 - أليم موجع.
(د) من السريانية:
1 - طور الجبل.
(هـ) من النبطية:
1 - سينين الجميل، الطيب.
(و) من الأمهرية:
1 - ناشئة من القيام أثناء الليل.
2 - كفلين مرتين.
3 - قسورة الأسد.
4 - مشكاة طاقة للنور.
5 - درى مضىء.
(ز) من الهندية:
1 - سندس ستاره ناعمة.
(ح) من اللغة القبطية:
1 - الآخرة (لله الآخرة) الأولى.
2 - وراءهم أمامهم.
3 - يم بحر.(1/136)
4 - بطائنها خارجها.
(ط) من لغة المغرب:
1 - مهل دردى الزيت.
2 - يشار ينضج حتى أخره.
3 - إناه (غير ناظرين إناه) الأحزاب (53): طهو.
4 - أب عشب *.
المجموع الكلى (25) لفظا غير عربية.
وهذه القائمة تثير عدة تساؤلات أهمها:
أولا: أول سؤال يثور فيما يتعلق بموضوع هذه القائمة هو: ما لغة المغرب هذه؟ فى مناقشة السيوطى لهذه الكلمة «المهل» فى كتابه («الاتقان» ص 325طبعة 41952: ج أص 140القاهرة، 1935) يوضح أن لسان أهل المغرب لغة البربر أو اللغة البربرية («الاتقان» ص 323كالكوتا 41852ج 1ص 139القاهرة 1935).
ويسميها لسان أهل الإفريقية، ولكن أرثر جيفرى فى كتابه («الكلمات الأجنبية فى القرآن» ص 31بارودا 1938) يعتقد أنه من السخف الظن أن بعض عناصر المفردات البربرية قد دخل اللغة العربية فى فترة ما قبل الإسلام أو فى فترة نزول القرآن.
كل ما يمكن أن يقال هو أن هذه الكلمات كانت ألغازا بالنسبة للعلماء فى عصرهم وأن عبارة «بلسان أهل المغرب أو بلغة البربر تعتبر تغطية لإخفاء جهلهم».
ثانيا: والسؤال الثانى هو: لماذا ساق ابن عباس وعكرمة وأبو موسى الأشعرى وغيرهم هذه القائمة بالألفاظ غير العربية إذا لم يكونوا يعرفون اللغات الأعجمية التى منها اشتق أصل هذه الكلمات؟ هل استعانوا بأناس
يعرفون مثل هذه اللغات الأعجمية؟ يبدو أن الجواب بنعم لأن الجذور التى أعطوها لبعض الكلمات صحيحة مثلا فى المجموعة الأولى الكلمتان «قسط وقسطاس»، فى الواقع إن قسطاس ومشتقها قسط مأخوذة عن الكلمة اليونانية ومعناها: قاض كما أوضح قولرز فى) 6 ((633)، أو من اليونانية (المأخوذة من اللاتينية بمعنى مقياس رومانى كما أوضح منجانا «التأثير السريانى على أسلوب القرآن» فى نشره 1927).(1/137)
ثانيا: والسؤال الثانى هو: لماذا ساق ابن عباس وعكرمة وأبو موسى الأشعرى وغيرهم هذه القائمة بالألفاظ غير العربية إذا لم يكونوا يعرفون اللغات الأعجمية التى منها اشتق أصل هذه الكلمات؟ هل استعانوا بأناس
يعرفون مثل هذه اللغات الأعجمية؟ يبدو أن الجواب بنعم لأن الجذور التى أعطوها لبعض الكلمات صحيحة مثلا فى المجموعة الأولى الكلمتان «قسط وقسطاس»، فى الواقع إن قسطاس ومشتقها قسط مأخوذة عن الكلمة اليونانية ومعناها: قاض كما أوضح قولرز فى) 6 ((633)، أو من اليونانية (المأخوذة من اللاتينية بمعنى مقياس رومانى كما أوضح منجانا «التأثير السريانى على أسلوب القرآن» فى نشره 1927).
ولكن الكلمات الثلاثة الأخرى التى زعموا أنها مشتقة من اليونانية ليس لها أى تفسير جذرى، ومن العجيب أن هذه الكلمات الثلاثة: طفقا رقيم سرى ليس لها صفات الكلمات البربرية مما قد يدفع إلى اعتبارها أعجمية، بل على العكس فإن الكلمات الثلاثة لها أوزان عربية خالصة فماذا دفع هؤلاء العلماء أن يحاولوا إيجاد أصل أعجمى لها؟
فيما يتعلق بكلمة «رقيم» فهل لأنها مستخدمة فى سياق قصة أهل الكهف فعلموا أنها كلمة شائعة فى بلاد الروم (بيزنطه).
وهذا لا ينطبق على الكلمتين الأخريين طفق سرى: فالأولى تتعلق بآدم وحواء بعد أن أخطأ، والثانية تتعلق بقصة مريم حين كانت على وشك وضع ولدها عيسى.
ثالثا: السؤال الثالث: لماذا بالتالى نسى هؤلاء العلماء أن يشيروا إلى كلمات لها طابع أعجمى واضح مثل تلك الكلمات التى من أصل يونانى وهى:
دينار (آل عمران 68).
درهم (يوسف 20). (دراخمه عملة اليونان).
قنطار (آل عمران 14، 75، النساء 20).
ابليس (البقرة 22، الأعراف 61الخ).(1/138)
سيما (البقرة 273، الأعراف 46، محمد 30، الفتح 29، الرحمن 41):.
صراط (ذكرت 25مرة فى القرآن).
قرطاس (الأنعام 7، 91).
رابعا: السؤال الرابع: (لماذا لما يدحض فخالفوا القول بوجود كلمات أعجمية فى القرآن قول هؤلاء الذين اثبتوا هذه الكلمات موضحين لهم أن هذه الكلمات التى زعموا أنها من اليونانية أو من غيرها ليست كذلك) وقد كان المترجمون الذين يعرفون اليونانية والسريانية فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى كثيرين وفي متناول علماء اللغة العرب فلماذا لم يدعهم هؤلاء إلي تقى ودحض قضية معارضيهم الذين يقولون بوجود كلمات أعجمية يونانية وسريانية فى القرآن؟
وإذا تصفحنا بقية المجموعات من ب إلى ط فستلاحظ الآتى:
1 - فى المجموعة (ب) اشتقاق الكلمتين صحيح.
2 - فى المجموعة (ح) اشتقاق الكلمات الثلاث خاطئ.
3 - فى المجموعة (د) اشتقاق كلمة طور صحيح.
4 - فى المجموعة (هـ) اشتقاق كلمة «سينين» غير صحيح لأنه يبدو أن «سينين» (1) هو تعديل كلمة سينى وهو تعديل اقتضته الفواصل.
5 - كلمة مشكاة هو فقط الصحيح أما الكلمات الأربعة الأخرى فاشتقاقها خاطئ (أنظر جيفرى الألفاظ الأجنبية فى القرآن ص 32، 266).
6 - فى المجموعة (ز) «سندس مشتقة من الفارسية حيث رأى فرايتاج «المعجم» و (دفوراك (الكلمات الأجنبية 72) بينما يرى فرانكل (الكلمات
__________
(1) سورة التين، آية (11).(1/139)
الأجنبية 400) أنها مشابهة للكلمة اليونانية (الزى الذى كانوا يلبسونه فى التقاليد الباخوسية المتعلقة باخوس إله الخمر).
7 - أما عن المجموعة (ح) المشتقة من القبطية فما يتعلق بالكلمات 1، 2، 4يدعو إلى السخرية أما كلمة «يم» فهى موجودة فى اللغة المصرية وفى اللغة القبطية (أنظر جفرى ص 293).
8 - أما عن المجموعة (أ) المشتقة من لغة المغرب أى البربر فليس هناك ما يقال عنها.
* قائمة السيوطى (ت 911هـ / 1505م) وهى حسب الترتيب الأبجدى:
أباريق من الفارسية.
أب (عشب) لغة المغرب.
ابلعى يبلع بالأمهرية.
أخلد يستريح بالعبرية.
أرائك سرائر بلغة إبراهيم.
آذر (مخطئ) لغة إبراهيم.
أسباط: (قبائل) عبرية.
إستبرق رداء خشن بالفارسية.
أسفار (كتب) سريانية.
إصرى (وصيتي بالنبطية).
أكواب (كئوس بالنبطية).
إل (اسم الله بالنبطية).
أليم (من لغة الزنوج فى رأى ابن الجوزى، ومن اللغة العبرية فى رأى شيده الله).(1/140)
إناه (طهوه) فى اللغة البربرية.
أواه (مقنع فى اللغة الحبشية) «رأى ابن عباس»، ورحيم باللغة الحبشية فى رأى عمرو بن شرحبيل وكثير الصلاة فى رأى الواسطى الذى قال إنه مأخوذ عن العبرية.
أواب (كثير التسبيح بالمسبحة) «حبشية».
الأولى والآخرة قبطية.
بطائنها قبطية.
بعير (حمار) فى العبرية.
تنور (قرن) فارسية.
تبور (تبير) قبطية.
تحت (فى الآية المتعلقة بمريم «فناداها من تحتها» ومعناها: بطن بالنبطية.
الجبت (اسم الشيطان) من الحبشية.
جهنم النار فى الفارسية والعبرية.
حرم واجب فى الحبشية.
حصب وقود النار فى لغة الزنوج.
حطه «قولوا الحق أى تكلموا حقا فى العبرية.
حواريين الغسالون بالنبطية.
حوب خطيئة فى الحبشية.
درست فى العبرية.
درى مضىء فى الحبشية.
دينار نقود بالفارسية.(1/141)
راعنا سبه بالعبرية.
ربانيون حاخامات بالسريانية والعبرية.
ربيون ألف بالسريانية.
الرحمن وهو بالعبرية بحرف الخاء عند المبرد وثعلب.
الرسّ البئر فى الفارسية «أجامى»؟.
الرقيم باليونانية (حبل) شيده الله كتاب أبي القاسم.
رمزا بتحريك الشفاه عبرية.
الروم البيزنطيون.
زنجبيل فارسية.
السجل فى الحبشية بمعنى (الرجل) عند ابن عباس والكتاب عند ابن جنى وقال البعض إنها كلمة فارسية.
سجيل كلمة فارسية مكونة من: حجر وطين ويقول أبو حاتم: «كتاب الزينة» إن هذا اسم أعجمى.
سرادق فى الفارسية سايرده ومعناها ستارة البيت.
سريا نهر فى السريانية أو القبطية، أو اليونانية عند شيده الله.
سفرة قراء فى القبطية.
سقر النار فى الفارسية.
سجدا برءوس مغطاة فى السريانية.
سكرا عنبا فى الحبشية.
سلسبيل ذكر الجوالقى فى الأجامى أنها كلمة فارسية.
سنا ذكرها ابن حجر لكن لم يذكرها أحد غيره.
سندس فارسية عند الجوالقى ولكن شهيد الله يرى أنها هندية.(1/142)
سيدها زوجها فى اللغة القبطية.
سينين جميل فى القبطية.
سناء حسن فى القبطية.
شطر فى (شطر المسجد) ومعناها جهة وهى حبشية.
شهر سريانية.
الصراط طريق وسبيل يونانية.
صرهن قطعهن إلى أجزاء نبطية.
صلوات تراتيل اليهود عبرية.
طه يا رجل بالنبطية أو بالحبشية.
طفقا شرع يونانية «شيده الله».
طوبى اسم الجنة حبشية.
طور جبل بالسريانية أو القبطية.
طوى ليلا أو اسم رجل فى العبرية.
عبدت فى «عبدت بنى إسرائيل» بمعنى قتلوا قبطية.
عدن (جنات عدن) ومعناها مزارع الكرم بالسريانية أو اليونانية وحسب تفسير جوابير.
العرم معناها بالحبشية النافورة.
غساق بارد أو آسن بالتركية.
فردوس الجنة باليونانية أو فروع العنب بالنبطية.
فوم (قمح) باليونانية.
قراطيس عند الجوالقى كلمة غير عربية.
قسط عدل باليونانية.(1/143)
قسطاس عدل باليونانية أو ميزان باليونانية أيضا.
قسورة أسد بالحبشية عند ابن عباس.
قطنا كتابنا بالقبطية.
قفل بالفارسية.
قمل عبرية أو سريانية.
قنطار عند الثعالبى فى فقه اللغة هذه كلمة يونانية معناها، وزن اثنى عشرة.
القيوم الذى لا ينام باللغة السريانية.
كافور فارسية.
كفّر (عنا) أمح عنا بالنبطية أو العبرية.
كفلين مرتين بالنبطية.
كنز فارسية.
كورت غمست فارسية.
لينة شجرة نجيل فى لغة يهود يثرب.
متكأ برتقال مر بالحبشية.
مجوس (عبدة زرادشيتون)، وهى كلمة غير عربية عند الجوالقى.
مرجان كلمة غير عربية عند الجوالقى.
مسك فارسية.
مشكاة كوه بالحبشية.
مقاليد مفاتيح بالفارسية.
مرقوم مكتوب عبرية.
مزجاة ذات قيمة منخفضة، فارسية أو قبطية.(1/144)
ملكوت ملك قبطية.
مناص مهرب قبطية.
منسأة عصا بالحبشية.
مهل دردى الزيت عبرية.
ناشئة سهر الليل حبشية.
ن بالفارسية «أتون» أفعل ما تريد.
هدنا تبنا عبرية.
هودا كلمة غير عربية (يهود).
هون «يمشون على الأرض هونا» ومعناها عقلاء سريانية أو عبرية.
هيت لك تعال قبطية أو سريانية أو حورانية أو عبرية.
وراء أمام قبطية.
ورده يقول الجوالقى أنها كلمة غير عربية.
وزر حيل أو ملجأ يلجأ قبطية.
ياقوت فارسية.
يجور «إنه ظن أن لن يجور» ومعناها يرجع حبشية.
يس يا رجل حبشية
يصدون يصيحون حبشية.
يصهر يطهو جيدا، لغة أهل المغرب أو اللغة القبطية عند شيده الله
اليم البحر، سريانية (ابن قتيبة) عبرية (ابن الجوزى) قبطية (شيده الله).
اليهود كلمة غير عربية معربة من أصل عبرى.(1/145)
المجموع 119كلمة غير عربية
ويتباهى السيوطى بأنه أول من جمع هذا العدد من الكلمات غير العربية الموجودة فى القرآن ويقول أيضا إن القاضى تاج الدين ابن السبكى قد وضع شعرا 27كلمة ثم ابن حجر وقد وضع قصيدة أخرى تحوى 24كلمة ووضع السيوطى قصيدة أيضا تحتوى على كل الباقى من الكلمات الأعجمية المذكورة فى القرآن أى حوالى ما يربو على 60كلمة أو فى النهاية تحتوى هذه القصائد الثلاث على أكثر من مائة كلمة وذكر السيوطى القصائد الثلاثة كاملة فى (الاتقان ج 1ص 140، 141، القاهرة 1935) ووضعها بنفس الوزن والقافية.
ويخبرن السيوطى أيضا أنه وضع كتابا بكامله مخصصا لهذا الموضوع بعنوان «المهذب فيما وقع فى القرآن من المعرب»
وهذه قائمة بما قام به المستشرقون من دراسات حول هذا الموضوع:
دفوراك: «حول الكلمات الأجنبية فى القرآن» فينا 1885.
دفوراك: «مساهمة حول مشكلة الكلمات الأجنبية فى القرآن» ميونخ 1884.
س. فرانكل: «المفردات العربية القديمة الأصلية والمحولة عن الأصل فى القرآن» ليدن 1880.
س. فرانكل: «الكلمات الأجنبية الآرامية فى اللغة العربية» ليدن 1886.
س. فرانكل: «الخليط فى القرآن» 56، 71.
هـ. جريم حول بعض أنواع الكلمات المسندة إلى جنوب الجزيرة العربية فى القرآن، 26، 1912.
أرثر جيفرى. «الكلمات الأجنبية فى القرآن المعهد الشرقى» «بارودا 1938.(1/146)
أ. منجانا: «التأثير السريانى على أسلوب القرآن»، نشره رينالدز 1927.
اقتراحاتنا
لقد بذل هؤلاء الكتّاب جهودا كبيرة لتفسير اشتقاق عدد كبير من الألفاظ الأجنبية التي احتواها القرآن ونجدهم أحيانا يقترحون عدة اشتقاقات لكلمة واحدة.
ونقترح عليكم الآن تصحيحا لبعض التخمينات التى قاموا بها وتكملة لقوائمهم.
لقد اكتشفنا مصدرا آخر تناسوه تماما ألا وهو اللغة اللاتينية، فقد كان للروم حضورا فى الجزيرة العربية خلال السبع قرون التى سبقت ظهور الإسلام وإن كانت اليونانية منتشرة بشكل واسع بين شعوب هذه المنطقة، فإنه لا يمكن إنكار أن اللغة الرومانية كانت متواجدة بقدر جعلها تدخل فى نسيج اللغة المحلية.
وعلينا أن نشير هنا أن كلمة «رومية» تدل على اليونانية واللاتينية على حد سواء.
ولهذا يتعين علينا البحث فى هاتين اللغتين كلما ذكر الزركشى أو السيوطى فى قوائمهما عن أصل اللفظ رومِِيّ، وتوصلنا باتباع هذا المنهج إلى النتائج التالية:
1 - قسط، قسطاس:
نعتقد أن هذين اللفظين وهما فى الحقيقة لفظ واحد، ليسا من أصل يونانى ولم يشتقا من كلمة قاضى أقترح ذلك فولر، 1، 36، ولا من كلمة اليونانية كذلك، وهي مكيال روماني مثلما اقترحه مينجانا، حيث أكد مفسرو القرآن، وجاء فى القائمتين أن كلمة قسطا أو قسطاس تعني بالرومية: العدالة فلا كلمة قاضى ولا كلمة مكيال تؤدى إلى هذا المعنى.(1/147)
لهذا نقترح أن أصل هذين اللفظين القرآنيين يعود إلى الكلمة اللاتينية أو (العادل عدالة) فهذه الكلمة تنطبق تماما مع اللفظين القرآنيين، خاصة لو نطقنا القاف كألف مثل ما هو جاري عليه فى اللهجة العامية، وشكل الكلمتين قسط وقسطاس مرده إلى ترك أو حذف الحركة الأخيرة فى الكلمة اللاتينية، وهى ظاهرة معتادة فى تعريب الألفاظ اليونانية واللاتينية (مثلا كلمة سقراط تعرب أحيانا بالحركة سقراطيس، وأحيانا أخرى بدونها لتصبح سقراط).
2 - برج:
هذه الكلمة التى تجاهلها جيفرى وآخرون ترجع إلى الكلمة اللاتينية، التى تعنى الحصن المنيع، والتى استعملها الكاتب العسكرى فيجيتيوس ريناتوس خلال حياته ما بين القرن الرابع والخامس بعد الميلاد فى كتابه. 01.
3 - الكهف:
هذا اللفظ الذى تشير إليه القوائم ما هو إلا اشتقاق من الكلمة اللاتينية 3،،.
4 - قنطار:
أنها كلمة لاتينية أصلها (مكيال قدره 100رطل)، تحولت بعد ذلك إلى كلمة أو، ومنها الكلمة الفرنسية.
5 - صراط:
وهى الكلمة اللاتينية بمعنى طريق معبد أو طريق كبير (أتروبيوس «نهاية القرن الرابع»: مختصر التاريخ الرومانى ط ريل 1887، 9، 15، سان أوجستين الخطيب ط. مايو 9، 21)(1/148)
تبقى ثلاث كلمات من التى أوضح الزركشى فى قائمتيه أنها رومية والسيوطى عن شهيد الله وهم طفقا رقيم سرى، وشهيد الله هو اسم عرف به «عزيزى بن عبد الملك» صاحب كتاب «البرهان في مشكلات القرآن»، وقد كان فقيها وخطيبا مات فى بغداد عام (449هـ / 1100م)، وليس هناك أى شخص آخر بنفس الكنية، وليس بإمكاننا أن نجد أصلا يونانيا أو لاتينيا لهذه الكلمات، ففيما يتعلق بكلمة رقيم يجب أن نشير إلى أنها ترجمت بأشكال متنوعة عند مفسرى القرآن المسلمين فقيل هى اسم كلب [الكهف آية: 9]، وقيل هى اسم مكان فى جهة قريبة من الكهف، وأما عند المستشرقين فإن تورى) (يعتقد أن هذه الكلمة تحريف لكلمة امبراطور بيزنطه (251249)، والذى خلال حكمه لجأ هؤلاء الشبان المسيحيون السبعة إلى كهف قريب من «إيفاز»، ويفترض هوروفيتز فى (دراسات قرآنية ص 95) أن الرقيم كتابه مكتوبة على جدار الكهف وهو افتراض خاطئ تماما مثل افتراض نورى (فى دراسات شرقية مقدمة إلى إ ج براون 1922ص 457، 459)، أما بالنسبة للفعل طفق والذى اشتق منه المثنى (طفقا) فهو فى المعاجم العربية من أفعال المقاربة إذا فما الذى دفع شهيد الله أن يبحث له عن أصل يونانى؟
ونقول نفس الشيء عن الكلمة الثالثة «سرى» فقد فهمت على أنها صفة بمعنى، رائع، بهى، جميل، ولكن فى المعاجم العربية لها معنى آخر هو «جدول ماء تحت النخل لريه» (القاموس الفرنسى العربى كازي ميرسكى)، وهذا هو المعنى الذى تعطيه قائمنا الزركشى والسيوطى والذى دفع شهيد الله إلى الاعتقاد بأن أصله يونانى أو لاتينى، وفى لسان العرب لابن منظور نقرأ:
السرى هو النهر ويقول ثعلب أيضا هو «الجدول أو السيل الذى يروى النخيل والجمع أسرية وسريان ذكره سيبويه، وقال ابن عباس سرى هو الجدول، وهذا رأى اللغويين، وقد ذكر أبو عبيد البيت الذى يصف فيه لبيد نخيلا مزروعا حول ماء النهر وهو:
سحق يمتعها الصفا وسريه ... عمّ نواعم بينهن كروم
وهذا البيت يؤكد أن كلمة سرى دخلت إلى اللغة العربية قبل الإسلام بمعنى جدول تحت النخل يسقيه.(1/149)
سحق يمتعها الصفا وسريه ... عمّ نواعم بينهن كروم
وهذا البيت يؤكد أن كلمة سرى دخلت إلى اللغة العربية قبل الإسلام بمعنى جدول تحت النخل يسقيه.
ولقد بحثنا عبثا عن كلمة إغريقية أو لاتينية تشابه فى الكتابة كلمة سرى بمعنى جدول فوجدنا فى اليونانية الكلمات وفى اللاتينية.
ولا تتشابه أى من هذه الكلمات الإغريقية أو اللاتينية مع الكلمة العربية سرى، وربما كانت الكلمة الإغريقية واللاتينية الأقرب بين هذه الكلمات، ولكنهما بعيدتان على أى حال عن الكلمة العربية على الأقل عن افتراض التحويل أو التحريف.(1/150)
الفصل الثانى عشر حول النداء القرآنى «يا أخت هارون»(1/151)
(أ) رولاند) (ودفاعه عن الإسلام:
على هامش دراستى عن الدين عند كانط (المجلد الرابع فى تناولنا لمذهبه)، وجدت نفسى منقادا لدراسة المصادر التى شكلت هذا الفيلسوف فيما يخص الإسلام والذى خصه بكثير من الجوانب فى كتبه (1)، ومن أجل ذلك اهتممت بعمل أدريان رولاند الذى (ولد فى هولندا الشمالية 1676، ومات فى أوترخت 1718)، وخاصة عمله (الديانة المحمدية، الطبعة الأولى سنة 1705طبعة أولى. ثانيه سنة 1717) (2).
لقد شدنى فى هذا الكتاب اعتداله وعمقه ورأيه الموضوعى جدا تجاه الإسلام والنبى محمد صلى الله عليه وسلّم بعد هذا الطوفان العظيم من المهاجمين الذين تتابعوا من القرن الثالث عشر وحتى من قبله وإلى نهاية القرن السابع عشر (3).
كما كتب أدريان رولاند فى رسالة إهداء إلى أخيه بيار رولاند (المحامى فى امستردام) كان متعجبا من أنه لو كان الإسلام كما وصفه هؤلاء المهاجمين المسيحيون الأوربيون فليس من المعقول أن كثيرا من الناس يمكن أن يعتنقوا دينا عبثيا ولا يمكن أن يفهم أن اتباع محمد كلهم أغبياء وحمقى، كما أنه ليس مسموحا لنا أن نشك ونحن نرجع إلى آثار وكتابات هذه الملة والتى أخرجت عبقريات وعظماء لم ير العالم مثيلا لها في أى شعب آخر إن لم نقل أن العرب والذين ولدوا بفضل هذا الدين امتلكوا ناصية العلم والفنون
__________
(1) إيمانويل كانط) (الأعمال الكاملة.
(2) أدريان رولاند) (الدين المحمدى. كتاب فى جزءين يعرض الأول لأصول الدين المحمدى للقانون العربى المطبوع، وشعر لاتينى وملاحظات توضيحية والثانى يناقش كذب الافتراءات على محمد، برودلت 1705.
(3) أنظر العرض القصير جدا ولكنه مفيد لنورمان دانيال بعنوان: الإسلام والغرب، ايرنبرج 1958: 8591.(1/153)
الجميلة لقرون عديدة لا سيما القرن العاشر بينما ترك المسيحيون كل شىء يذبل ويموت ويتبلد فى غربنا» (1).
وقد اهتم بدراسة الدين الإسلامى فى المصادر العربية مما سمح له أن يفهم الإسلام بطريقة مختلفة تماما عن الصورة الراسخة فى الغرب ويقول فى هذا الصدد: «يجب أن أعترف بكامل اليقين بعد دراسة عقلانية للديانة المحمدية أننى وجدت لمحمد وجها مختلفا تماما عن الذى قالوه عنه مما ولد عندى الرغبة فى تعريف العالم به وبالألوان التى تناسبه (2).
وحين غاص فى هذه العقلية وصل رولاند إلى نتائج وأحكام عن الإسلام كانت أدق وأضبط ألف مرة من التى قالها الكتاب المعاصرون ولو أحسن هؤلاء صنعا لرجعوا إلى أحكام رولاند قبل أن يدلوا بكثير من أقوالهم.
وكان رولاند كاثوليكيا ولكنه لم يبحث عن حقيقة الإسلام من منطلق أن البابويين يقارنون البروتستانت بالمسلمين، بل كان دافعه كما يقول هو: «البحث عن الحقيقة حيثما وجدت، إن إغلاق الباب أمام الأكاذيب من كل صوت مهمة جديرة بالثناء فى كل وقت، إذ تكشف للناس عن ديانة منتشرة غير محرفة لا تثقلها سحب الغيبة والتغليظ ديانة تظهر للناس بشكلها الحقيقى الذى يلقن فى معابد ومدارس المحمديين، من هذا المنطلق فقط يمكننا إذن مهاجمتها بنجاح. وإن لم نستطع تدميرها فإننا نستطيع على الأقل تدمير وجودها فى فكرنا».
وهو يسوق مزاعم مشابهات بين اللوثريين (البروتستان أتباع مارتن لوثر)، والمحمديين لخصها فى الدرس التالى.
1 - يفتخر محمد بأنه عنده وحده الإنجيل الصحيح مما يعنى التأكيد بالتمسك بالعهد القديم والجديد واستبعاد ما عداه ونفس الشيء عند لوثر الذى تجرأ بالقول أن ألمانيا قبله لم يكن لها إنجيل
__________
(1) ص 163هـ.
(2). ..(1/154)
2 - الإسلام ينقسم إلى 70فرقة، وكذلك الإنجيليون (اسم يطلقه البروتستانت على أنفسهم).
3 - أمر محمد بألا يحكم على الأمور إلا بمقياس كتبه وكذلك المارقون أى اتباع لوثر.
4 - اختصر محمد من الصوم عشرة أيام وجعله شهرا قمريا واحدا هو رمضان أما لوثر فلم يغير الصوم فقط بل ألغاه وألغى كذلك كل أنواع الصوم.
5 - استبدل محمد بالأحد يوم الجمعة أما اللوثريون من جانبهم فقد ألغوا كل نوع من الاحتفال بالأعياد.
6 - حطم محمد الصور بينما دنسها وداسها اللوثريون.
7 - سخر محمد من عبادة كل القديسين وكذلك أتباع لوثر.
8 - لم يسمح محمد بالتعميد بينما اعتبره كالقان أمرا غير ضرورى.
9 - يتخذ المحمديون كثيرا من الزوجات كما يشاءون دون قيد ويقر هذا السلوك «بوسر» و «وأولمدورب».
10 - المسلمون ينكرون أهمية الأعمال الصالحة لغير من قام بها واللوثريون يؤكدون «أفضل أعمالنا هى الذنوب».
11 - أخيرا يرفض محمد حرية الإرادة وكذلك يقرر اللوثريون (الترجمة السابقة ص 115، 117المقدمة 5ط 1717).
من المفيد أن نذكر فى هذه المحاولة للمقارنة بين الإسلام والبروتستانتية بعض الكتاب المسلمين المعاصرين أو المحدثين (1)، والذين تخيلوا أنهم قاموا باكتشاف عظيم حين أشاروا إلى أوجه شبه بين الإسلام والبروتستانتية! وهذه المقارنة التى قام بها دوم مارتينو فيفالدو والتى استشهد بها رولاند صحيحة إلى حد ما إذا أخذنا الإسلام والبروتستانتية بصوره
__________
(1) مثلا الشيخ محمد عبده فى رسالة التوحيد والشيخ أمين الخولى فى رسالة لمؤتمر الأديان المنعقد فى مدينة ليدن 1934(1/155)
مجمله أى دون تمييز الآراء الفردية فى داخل كل من الدينين، ولكنها على أى حال تثير الملاحظات الآتية:
(أ) حسب معرفتنا لم يقسم أى مؤرخ للبروتستانتية الطوائف اللوثرية إلى 70طائفة بالتأكيد يمكن لفيفالدو أن يعدّ منها ما يشاء، ولكن الرقم 70لا يمكن حسب علمى أن يكون عددا «لتنوع الكنائس البروتستانتية» كما هو مذكور فى حديث النبى محمد صلى الله عليه وسلّم الشهير «تفترق أمتى إلى سبعين فرقة (وقيل 71، 72، 73) كلها فى النار إلا التى عليها أنا وأصحابى».
(ب) فيما يتعلق بالنقطة (9) فإننا نعرف أن لوثر نفسه يبرر تعدد الزوجات ورأيه فى قضية كارلشتات 4251وخاصة فى قضايا هنرى السادس ولاند جراف توضح مفهومه عن تعدد الزوجات (1) وهو قائم على أن التعدد مذكور مرارا في العهد القديم على أنه مشروع كما أن العهد الجديد لم يدنه صراحه، أما كالفن فقد أدان تعدد الزوجات وفسر حالة البطارقة فى العهد القديم بأنها امتياز من الله لشرههم (أنظر تعليقه على سفر التكوين 4، 19، ج. 23ص 99)، أما بوسر فأفكاره عن الزواج بصفة عامة تستحق الدراسة عن كتب.
(ج) أما عن النقطة الأخيرة والتى تتعلق بحرية الإرادة فهى تصف بدقة مذهب الأشاعرة وأهل السنة بصفة عامة فى موضوع حرية الإرادة.
وهنا لا يدحض رولاند ما عرضه فيفالدو ولكنه يرد بوجود وجه شبه أخر بين المحمديين والكاثوليك وهو ما استخلصه من كلام بيبالدو نفسه وهو يكشف نقاط الالتقاء بين الإسلام والكاثوليكية، ويقول حسب ما ورد عند
__________
(1) أنظر فى هذا الموضوع:
(أ) ستراف) («مارتن لوثر»: فى الزواج.
(ب) زالفيلد) (: لوثر وتعاليمه عن الزواج.
(ج) كريستيانى) (: لوثر واللوثرية الدراسة السابقة (ص 207، 255، باريس 1909).(1/156)
بوردروك ند أن «هناك كثير من الأشياء يقترب فيها المحمديون منا نحن المسيحيين الكاثوليك».
أولا: أنهم يعبدون الإله الحق وليسوا وثنيين وإن كانوا لا يعتبرون المسيح ابنه الحقيقى فإنهم على أى حال يقدرونه ويعتبرونه نبيا عظيما وآخر أنبياء بنى إسرائيل ويعترفون أنه ولد من روح الله ومن عذراء البتول دون تدخل أى رجل وأنه أخذ من الله القدرة على عمل معجزات مثل شفاء كل مرض وكل عاهة وطرد الشياطين وإحياء الموتى ويقبلون بصفة عامة كل ما ورد عنه فى أناجيلنا، وعلاوة على ذلك فهم يعتقدون أن عيسى نفسه والذى يسمون «يسوع» أنه يعلم وعلم أيضا كل أسرار القلوب وكل الكتب وكل حكمه موسى وكل الأخلاق وكل ما يفعل الناس فى منازلهم وكل ما يدخرون فى خزائنهم إنهم يعتقدون كذلك أنه احتقر الثروات ووبخ على كل ألوان الطمع المقيتة وقهر كل نوع من أنواع الجهر بالخطيئة.
والمحمديون علموا من معلمهم أن مريم البتول حياها جبريل بقوله هذه الكلمات «يا مريم إن الله اصطفاك على كل النساء وعلى كل أمهات الأطفال والرجال، وقد وضعك موضع الشرف بين الرجال والملائكة المقربين فى جنته.
إنهم يؤمنون أيضا أنه ما من أحد إلا للشيطان عليه سبيل إلا المسيح وأمه مريم يا لها من شهادة ثمينة وتثير الإعجاب حقا فيما يخص المفهوم النقى لأطهر وأكرم نفس عذراء.
وعلاوة على ذلك فهم يرتلون مزامير داود مثلنا تماما نحن المسيحيين، وعند ما يزورون قبر نبيهم يرون أنهم غير مخلصين كما ينبغى إذا لم يحيوا قبر السيدة العذراء.
وأخيرا إن أراد يهودى أن يدخل فى دينهم فإنهم يلزمونه قبل أى شىء أن يؤمن بالمسيح وعلى ذلك يسألونه أو تؤمن بأن عيسى المسيح ولد من عذراء بنفخ الله أو روح الله وأنه آخر أنبياء بنى إسرائيل فإن رد بالإيجاب أصبح محمديا (الترجمة السابقة ص 7121119فى الأصل اللاتينى).(1/157)
ويعلق رولاند على هذا التقارب بطريقة ساخرة وهو يقول لبيبالدو:
«بطريقتك الجميلة هذه تكون النتيجة أننا جميعا محمديون (ص 118ترجمة، 7أصل لاتينى).
وتجد أن فيفالدو يلوى عنق الآيات القرآنية ليصل إلى إثبات هذا التقارب ولنتفحص ذلك عن قرب:
(أ) عند ما يستخلص من الآية 42من سورة آل عمران {يََا مَرْيَمُ إِنَّ اللََّهَ اصْطَفََاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفََاكِ عَلى ََ نِسََاءِ الْعََالَمِينَ} فالنتيجة أن القرآن يرسخ المفهوم الطاهر لمريم.
(ب) حين يزعم أن المحمديين يتلون مزامير داود مثل المسيحيين فهذا محض زيف لأن المحمديين لا يتلون هذه المزامير ولا يعرفونها ولا حتى أنها تتلى عند المسيحيين، إن القرآن لم يحدد إلا اسم «الزبور» وهو الكتاب المقدس الذى نزل على داود مثل التوراة التى نزلت على موسى والإنجيل المنزل على عيسى.
(ج) يختلق فيفالدو الأكاذيب حين يزعم أن المسلمين حين يزورون قبر نبيهم؟؟؟ يجدون أنهم لم يخلصوا كما ينبغى إن لم يزوروا قبر السيدة العذراء لأن المسلمين بداية لا يعرفون أين يوجد قبر مريم وبالأحرى فإن قبر مريم ليس قريبا من المدينة حيث يوجد قبر النبى محمد، من أين إذا جاء فيفالدو بهذا البرهان الفاسد؟
(د) وما يقوله فيما يخص اعتناق أى يهودى للإسلام وما يتحتم عليه من الاعتراف أولا بأن عيسى المسيح ولد من عذراء بنفخ الله أو روح الله فهذا استدلال بسيط منشؤه أن كل مسلم يجب أن يعتقد بكل ما جاء فى القرآن إذا فعند اعتناق الاسلام يجب على كل يهودى يريد أن يسلم أن يؤمن بأن كل ما جاء فى القرآن حق ولكن بطريقة مجملة وليس بتفضيل شىء مما جاء فى القرآن على شىء آخر.
(هـ) أما عن القضايا الأخرى فيما يخص موضوع المسيح فإن فيفالدو يعتبر إلى حد كبير قريبا من الحقيقة.(1/158)
وكان من الضرورى أن ننتظر بعد ذلك أن دون ماريتنيو ألفونسو فيفالدو بعد أن قام بهذا التقريب بين المحمديين والكاثوليك لم يجد أى عقبة فى أن يقرأ كل منهما الكتاب المقدس عند الآخر ولكن على العكس فى نفس الكتاب «قنديل من الذهب فى كنيسة الرب يسوع المسيح»، يؤكد أن كتاب محمد لا ينبغى أن يقرأ بل على العكس ينبغى أن يهان ويسخر منه ويلقى فى النيران حتى لا نجده فى أى مكان (استشهد به رولاند الترجمة السابقة ص 125).
ولكن رولاند له رأى آخر مخالف تماما لهذا الرأى ليس لأنه يقدر القرآن والإسلام فهو فى هذه النقطة ليس أقل عنفا تجاه الإسلام من «بيبالدو»، ولكنه يرحب بقراءة القرآن حتى يعرف الدين الإسلامى بطريقة جيدة حتى يستطيع أن يهاجمه بعد ذلك بكثير من النجاح وأن يتغلب عليه فى جميع النواحى (الترجمة السابقة ص 226)، واعتمادا على قضيته فإنه يستشهد بكلام «مراكشى» المترجم الشهير للقرآن الذى يؤكد فى بداية مقدمته أن الدين الإسلامى احتفظ بكل ما هو أكثر عقلانية واحتمالا فى المسيحية وبكل ما يبدو فى نظرنا موافقا لقانون وسنة الطبيعة وقد استبعد من عقيدته جميع ألوان الغموض الموجودة فى الإنجيل والتى تبدو لنا غير معقولة وغير مفهومة كما أنه استبعد من الأخلاق كل المبادئ المتزمتة والتى يصعب على الناس تطبيقها مما جعل الوثنيين اليوم يشعرون أنهم أكثر ميلا إلى التنكر لوثنيتهم واعتناق الإسلام بصدر رحب واعتناق الشريعة المحمدية أكثر من الشريعة الإنجيلية.
وفى كتابه «دحض القرآن» يقول «مراكشى» أيضا وبمنتهى الوضوح:
«لقد اعتقدت دائما أن القرآن والإنجيل حين يعرضان على غير المؤمنين فإنهم يفضلون القرآن على الإنجيل ويجب أن لا نشك فى أن كتاب محمد لا يقدم للعقل أفكارا يصعب على العقل فهمها لا سيما العقل الفاسد وعدو الغموض فمثلا لا يوجد إلا إله واحد حكيم وقدير، خالق الأشياء كلها ومدبرها، ومخالف للحوادث، ويجب أن يصلى له بخشوع وخضوع، وأن يكون الإنسان متسامحا مع الفقراء، ويؤدى مناسك الحج، ويطهر بدنه بالصيام، ويحافظ على العدل والوسطية وطيبة القلب والشفقة، وكذلك كل الفضائل
السهلة الأخرى، فلا يجوز أن يؤذى إنسان بل يجب أن يحمى من السرقة والقتل والزنا وأى جريمة أخرى أيا كانت، ويجب أن يحتقر كل ما فى الدنيا باعتباره عابر وغير ثابت ويستمسك فقط بالأعمال الصالحة التى لن يضيع أجرها وسيكون لنا فى النهاية يوم نعود فيه إلى الله لنجزى على ما فعلنا:(1/159)
«لقد اعتقدت دائما أن القرآن والإنجيل حين يعرضان على غير المؤمنين فإنهم يفضلون القرآن على الإنجيل ويجب أن لا نشك فى أن كتاب محمد لا يقدم للعقل أفكارا يصعب على العقل فهمها لا سيما العقل الفاسد وعدو الغموض فمثلا لا يوجد إلا إله واحد حكيم وقدير، خالق الأشياء كلها ومدبرها، ومخالف للحوادث، ويجب أن يصلى له بخشوع وخضوع، وأن يكون الإنسان متسامحا مع الفقراء، ويؤدى مناسك الحج، ويطهر بدنه بالصيام، ويحافظ على العدل والوسطية وطيبة القلب والشفقة، وكذلك كل الفضائل
السهلة الأخرى، فلا يجوز أن يؤذى إنسان بل يجب أن يحمى من السرقة والقتل والزنا وأى جريمة أخرى أيا كانت، ويجب أن يحتقر كل ما فى الدنيا باعتباره عابر وغير ثابت ويستمسك فقط بالأعمال الصالحة التى لن يضيع أجرها وسيكون لنا فى النهاية يوم نعود فيه إلى الله لنجزى على ما فعلنا:
فالطيبون سيجدون فى السماء نعيما مقيما وما يشتهون وسيذوق الأشرار فى جهنم عذابا لا نهاية له.
كل هذه المبادئ وكثير غيرها تنتشر فى القرآن بطريقة مفهومة وواضحة أكثر من المبادئ الإنجيلية، ومن ناحية أخرى إذا سمع أحد الوثنيين كلام أحد المبشرين أن الإله الحق الواحد الذى يتكلم عنه هو واحد وثلاثة وأن الإله حل في رجل وأنه فقير وأنه عانى وصلب ومات ودفن وكان هو نفسه معجزة، وفى سر القربان المقدس أن سر التوبة ضرورى مطلقا وأن الزواج الآحادي لا بد منه وأن الرباط المقدس لا يفصم، وأن الحياة يجب أن تكون صليبا متصلا، وأنه يجب أن يحسن الإنسان حتى إلى أعدائه، وأن السعادة الحقة تكمن فى أشياء لا تراها العين، ولم تسمعها الأذن، ولم تخطر على قلب الإنسان، وحكم أخرى مشابهة تكون فى متناول السماع الإنسانى أو تكون صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة بالنسبة لحياتنا وحماقتنا الطبيعية فأى وثنى سيسمع هذه الأشياء ويقارنها بمذهب القرآن أنظر إلى أى جهة سيتوجه؟»، أن أنه سيتوجه حتما ناحية الإسلام ويضيف «رولاند» «إن مراكشى يعلن صراحة أنه لا يؤمن أن الإنجيل الذى يعرض بهذه الطريقة على الناس يمكن أن يجتذب إليه أتباعا، ويقول إن غير المؤمنين يفضلون محمد ويعتنقون دينه من كل قلوبهم» (الترجمة السابقة ص 227، 231).
هذه الموضوعية فى أقوال «مراكشى» (1) تستحق الإشادة فعرضه للعقائد الإسلامية واضح ودقيق ويخلو من الأحكام المسبقة ومن الضرورى أن نركز
__________
(1) لوفيكو مراكشى: (17001612)، عالم لاهوت ومستعرب درس المراجع العربية ومن أهم أعماله «المقدمة فى دحض القرآن»، وقد كتب مقدمة لترجمته للقرآن تحت عنوان «القرآن نص عالمى».(1/160)
على رأى المراكشى هذا لأنه قد دأب على تقديمه بطريقة مختلفة لأنهم لم يكونوا يقرءونه مباشرة من عمله ولكن يكررون كل ما ذكره السابقون مع اختلاق للأكاذيب.
نعود الآن إلى رولاند الذى يشرح لماذا يجب أن نقرأ المصادر الإسلامية من أجل فهم الديانة الإسلامية حتى وإن انتهى الأمر بتنفيذها.
وقد خصص فصلا من مقدمته الطويلة (ج 10) للإشارة إلى أهمية أن نعرف الإسلام مباشرة من مصادره المكتوبة لأن الكتب التى كتبها الأوربيون ناقصة ومزيفة ومليئة بالأكاذيب لقد هاجم كتابهم الدين المحمدى بأقل مما هاجموا أوهامهم ولهذا والقول لرولاند: سأعطى براهين ساطعة ستجد فيها كل هؤلاء الكتاب كأن لم يفعلوا شيئا فأحدهم يوظف كل تصوراته عن ما وراء الطبيعة ليوضح على عكس المسلمين أن الله ليس جسدا، ولكن روح وآخر يثبت بقوة أن الشياطين لا يمكن أن تكون أصدقاء الله ولكن أعدائه، وآخر يحاول أن يرينا أن الوضوء البدنى لا يفعل شيئا فى تطهير الروح، وأشياء أخرى مشابهة لذلك وعند ما يفكرون بحنق ويفقدون الصواب فى هذه النقاط يتصورون أنهم يدحضون بكثير من القوة المحمدية بينما لا محمد ولا أتباعه يضارون من هذه الآراء المطلقة بلا دليل عليها، ومن هنا فإنهم يهاجمون الصوفية، والتى يسمونها (الحماس الغبى) وفى الحقيقة إنهم لا يهاجمون إلا خيالات عقولهم هم (إن كتابنا المناهضين للمحمديين يشحذون عزائمهم بكثير من العناية والحيوية ليس ضد أعداء حقيقيين، ولكن ضد مخالفين وهميين وسيكون انتصارهم مضمونا ما دام لم ينازعهم أحد (الترجمة السابقة ص 157)، ولكن حتى نعرف الإسلام من مصادره الأصلية لا بد من معرفة اللغة العربية، وكذلك فإن معرفة اللغة العربية مفيدة فى شرح الكلمات الصعبة التى لا توجد إلا مرة واحدة فى الكتابة مثل الموجودة فى كتاب «جوب» سفر الأنبياء وكتب أخرى)، إنه يقصد بذلك أن الكلمات الآرامية الموجودة فى بعض مواضع التوراة يمكن أن تشرح بمساعدة اللغة
العربية، وذلك لعدم وجود الآرامية الآن، وإذا اعترض على ذلك بأن أى كلمة فى العربية لها معنى يختلف أحيانا عن معنى الكلمة المقابلة والمجانسة لها فى الآرامية والعبرية فإن «رولاند» يوضح ذلك فى بعض الأحيان كقاعدة عامة فإن نفس الكلمات فى العبرية والسريانية والعربية لها معان قريبة من بعضها البعض.(1/161)
وقد خصص فصلا من مقدمته الطويلة (ج 10) للإشارة إلى أهمية أن نعرف الإسلام مباشرة من مصادره المكتوبة لأن الكتب التى كتبها الأوربيون ناقصة ومزيفة ومليئة بالأكاذيب لقد هاجم كتابهم الدين المحمدى بأقل مما هاجموا أوهامهم ولهذا والقول لرولاند: سأعطى براهين ساطعة ستجد فيها كل هؤلاء الكتاب كأن لم يفعلوا شيئا فأحدهم يوظف كل تصوراته عن ما وراء الطبيعة ليوضح على عكس المسلمين أن الله ليس جسدا، ولكن روح وآخر يثبت بقوة أن الشياطين لا يمكن أن تكون أصدقاء الله ولكن أعدائه، وآخر يحاول أن يرينا أن الوضوء البدنى لا يفعل شيئا فى تطهير الروح، وأشياء أخرى مشابهة لذلك وعند ما يفكرون بحنق ويفقدون الصواب فى هذه النقاط يتصورون أنهم يدحضون بكثير من القوة المحمدية بينما لا محمد ولا أتباعه يضارون من هذه الآراء المطلقة بلا دليل عليها، ومن هنا فإنهم يهاجمون الصوفية، والتى يسمونها (الحماس الغبى) وفى الحقيقة إنهم لا يهاجمون إلا خيالات عقولهم هم (إن كتابنا المناهضين للمحمديين يشحذون عزائمهم بكثير من العناية والحيوية ليس ضد أعداء حقيقيين، ولكن ضد مخالفين وهميين وسيكون انتصارهم مضمونا ما دام لم ينازعهم أحد (الترجمة السابقة ص 157)، ولكن حتى نعرف الإسلام من مصادره الأصلية لا بد من معرفة اللغة العربية، وكذلك فإن معرفة اللغة العربية مفيدة فى شرح الكلمات الصعبة التى لا توجد إلا مرة واحدة فى الكتابة مثل الموجودة فى كتاب «جوب» سفر الأنبياء وكتب أخرى)، إنه يقصد بذلك أن الكلمات الآرامية الموجودة فى بعض مواضع التوراة يمكن أن تشرح بمساعدة اللغة
العربية، وذلك لعدم وجود الآرامية الآن، وإذا اعترض على ذلك بأن أى كلمة فى العربية لها معنى يختلف أحيانا عن معنى الكلمة المقابلة والمجانسة لها فى الآرامية والعبرية فإن «رولاند» يوضح ذلك فى بعض الأحيان كقاعدة عامة فإن نفس الكلمات فى العبرية والسريانية والعربية لها معان قريبة من بعضها البعض.
ويتكون كتاب رولاند من جزءين:
(أ) الجزء الأول هو طبعة من النص العربى لكتاب العقيدة مع ترجمة لاتينية وملاحظات توضيحية.
(ب) ويحتوى الجزء الثانى على توضيحات عن الديانة المحمدية جاء فى 41فقرة، يناقش فيها الآراء الخاطئة التى نسبت لمحمد.
(أ) العقيدة
لا يخبرنا «رولاند» عن المخطوط الذى استعمله فى طبعته ويكتفى بالقول:
«أنه وجد كثيرا من النظم المبسطة فى العقيدة المحمدية وكلها ذات وزن كبير ومن بينها ما ألفه علماء عرب مشهورون جدا ومن بينهم وقعت على هذا الكتاب الذى بدا لى أنه من أكثر الكتب قصرا وتركيزا فلم أجد ما يمنع من ترجمته إلى اللاتينية» (الترجمة السابقة ص 171).
ويبدأ النص العربى هكذا.
«الحمد لله الذى هدانا إلي الإيمان وجعلنا أهلا لدخول الجنان وسترا بيننا وبين خلود النيران والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلّم أفضل العباد الهادى إلى سبيل الرشاد وعلى آله وأصحابه الأمجاد صلاة متوالية متنامية إلى أبد الآباد.
أما بعد فهذا بيان صفة الإيمان ومعناه، اعلم أن الإيمان أول ركن من أركان الإسلام كما قال النبى صلى الله عليه وسلّم بنى الإسلام على خمسة أركان»، ثم ينتهى بفصل حول الحج هكذا.
«باب الحج: وأركان الحج خمسة الإحرام والنية: نويت أن أحج
وأحرمت به لله تعالى والوقوف بعرفة والحلق أو التقصير بمنى والطواف بالكعبة والسعى بين الصفا والمروة، تم الكتاب».(1/162)
«باب الحج: وأركان الحج خمسة الإحرام والنية: نويت أن أحج
وأحرمت به لله تعالى والوقوف بعرفة والحلق أو التقصير بمنى والطواف بالكعبة والسعى بين الصفا والمروة، تم الكتاب».
والمقالة قصيرة جدا 305سطر ستة كلمات متوسط فى السطر والنص العربى ينقسم إلى فصول بعد الجزء الأول الذى يعرض للجزء العقائدى فى الدين وبهذا الشكل سرد:
(أ) باب الطهارة.
(ب) باب الصلاة.
(ج) باب الزكاة.
(د) باب الصيام
(هـ) باب الحج
ويمكن أن نسمى الجزء الأول باب الإيمان وينقسم إلى الفصول الآتية:
(أ) فى الإيمان بصفة عامة.
(ب) الإيمان بالله.
(ج) الإيمان بالملائكة
(د) الإيمان بالرسل.
(هـ) الإيمان بالكتب.
(و) الإيمان باليوم الآخر
(ز) الإيمان بالقدر.
لقد اتبع رولاند النص والترجمة اللاتينية بملاحظات قيمة تشهد بمعرفة عميقة لبعض المصادر العربية والفارسية والتى كان أغلبها غير منشور فى عهده ويضع قائمة بالمخطوطات فى آخر كتابه من هذه المخطوطات 24من مكتبته الخاصة واثنان من مكتبة امستردام وأربعة من مكتبة سيكة الأستاذ العبرى فى كمبردج.(1/163)
(ب) التوضيحات:
الجزء الثانى من كتاب رولاند هو الأكثر قيمة والأكثر إفادة.
وهو مقسم إلى 40سؤال وإيضاح حول مذهب محمد فى ضوء الآراء التى قيلت عنه: «أولا عرض الرأى باسم قائليه ثم كشف خطأه وبالطبع يكون ذلك من أصل الخطأ نفسه وأفنده عن طريق حجج لا تقبل المناقشة ولا يكون هذا إلا بتنوع تلك المصادر وصلاحيتها وكلى أمل أن يكون المسيحيون فى المستقبل أكثر إنصافا من بعضهم البعض وكذلك تجاه أعداءهم وأن يتحفظوا فى تصديق كل ما يقال لهم من آراء وهمية منسوبة إلى محمد (الترجمة السابقة ص 69، ص 128فى الطبعة الثانية للأصل اللاتينى والتى سقناها تحت رمز.
وهذه هى عناوين تلك الإيضاحات:
1 - هل حقا يعتقد المسلمون هذا المبدأ «أن كل فرد يمكن أن يكون محفوظا فى دينه إذا عاش حياة خيرة؟
2 - هل يؤمن المحمديون بإله مجسم؟
3 - هل يؤمن المحمديون بأن الله يفعل الشر؟
4 - هل يعيد المحمديون كوكب الزهرة؟
5 - هل حقا يعيد المحمديون كل المخلوقات؟
6 - هل ينكر المحمديون العناية الإلهية؟
7 - هل يعتقدون أن الله نفسه صلى على محمد؟
8 - هل ينكر المحمديون الجحيم؟
9 - إلى أى قبلة يتجه المحمديون فى صلاتهم؟
10 - هل يتخيل المحمديون أن الوضوء يطهر دنس درن النفس؟
11 - هل فى مبادئ المحمديين ما يقول أن الشياطين أصدقاء الله ومحمد؟(1/164)
12 - هل هناك ملائكة إناث فى رأى المحمديين؟
13 - هل الملائكة الأبرار يمكن أن يخطئون حسب رأى محمد؟
14 - هل يقول المحمديون أن الشياطين لا يسمعون؟
15 - هل المحمديون من أتباع عالم اللاهوت أوربچين؟
16 - حول الفردوس عند محمد والسعادة الأبدية عند المحمديين؟
17 - هل ستنقذ النساء من النار حسب رأى المحمديين؟
18 - هل يذهب المحمديون إلى مكة لزيارة قبر محمد؟
19 - لماذا كان من المؤكد أن القرآن سمى مريم العذراء أخت موسى؟
20 - هل وضع القرآن هامان معاصر مردوخى فى عصر فرعون وموسى؟
21 - هل أنكر محمد أن يكون عيسى المسيح قد مات؟
22 - هل حملت مريم حتى تأكل التمر حسب رأى المسلمين؟
23 - هل الكلب حيوان نقى عند المحمديين؟
24 - هل يعتقد المحمديون أنه يجوز لهم حسب شريعتهم نقض المعاهدات مع غير المؤمنين؟
25 - هل يناقض مؤلف القرآن نفسه فى القرآن؟
26 - هل حقا يخلط محمد بين فرعون الذى ربى موسى وفرعون الذى اضطهد آخر شعب الله (اليهود) والذى غرق فى البحر الأحمر؟
27 - هل فعلا كان محمد سيف سيىء فى الجغرافيا بحيث وضع مكة ضمن بلاد الحموتين؟
28 - هل ناقض محمد نفسه فى القرآن فقال مرة أنه لا يعرف القراءة ومرة أنه يعرفها؟
29 - هل ناقض محمد نفسه أيضا حين قال مرة أنه يهدى الناس إلى طريق السلام ومرة أنه لا يعرف ماذا يكون هو وأتباعه؟(1/165)
30 - هل لا يذكر القرآن شيئا عن الإله الخالق والأبدى؟
31 - هل مسموح للمحمديين حسب شريعتهم أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء؟
32 - هل المحمديون لا يحتاطون لأى شىء وهم يغسلون وجوههم؟
33 - هل يعتقد المحمديون أن موسى فى عداد الملعونين؟
34 - هل لا يعترف المحمديون إلا بثلاثة أنبياء هم موسى وعيسى ومحمد؟
35 - هل يقول محمد أن الإنسان خلق من علق؟
36 - هل أنكر محمد خلود الروح؟
37 - هل يقول محمد أن من قتل العدو أو قتله العدو لا بد أنه ناج من النار؟
38 - هل صحيح ما يقال من أن محمدا قد ربى حماما كان يهدل عند أذنه حين تأتيه نوبة الصرع؟
39 - هل يؤمن المحمديون بتعدد العوالم؟
40 - هل أخذ محمد الختان عن اليهود فى عصره؟
(ج) ياكوب إيرهارت وتوضيحاته) (: ونحن نتتبع هذه العناوين نجد فيها قائمة كاملة بالأخطاء التى ارتكبها علماء اللاهوت المسيحيون الذى كتبوا ضد الإسلام من بداية القرآن السابع عشر حتى نهايته فبالمقارنة مع القائمة التى عرضها ياكوب إيرهارت (1) بعد 14عاما فى (1731) نجدها أكثر إلماما وأكثر علميه وأثرى. وفى الحقيقة إن كتاب يعقوب إرهارت مكون من الفصول الاثنى عشر الآتية:
__________
(1) إيضاحات حول الأخطاء الأساسية الغامضة فى تاريخ محمد الكاتب ياكوب ايرهارت.
.، ...
1 - محمد شخص عادى يأكل الطعام ويشرب الماء.(1/166)
__________
.، ...
1 - محمد شخص عادى يأكل الطعام ويشرب الماء.
2 - الهجوم على محمد من أناس لا يعلمون شيئا.
3 - الجهل باللغة العربية يؤدى إلى ارتكاب أخطاء بحق محمد.
4 - أخطاء جغرافية وتاريخية تتعلق بوطن محمد.
5 - عن محمد ونظم القرآن فى عهده.
6 - أخطاء ومغالطات فيما كتب عن محمد.
7 - ما قيل عن الاقتباس والانتحال.
8 - عن تأثير المعجزات.
9 - أخطاء تتعلق بقبر محمد.
10 - خيالات المحمدين.
11 - التصوير عند محمد وأمثلة عليه.
12 - عن الصرع عند محمد.
ونجد من خلال هذه العناوين أن هذا الكتاب لإيرهارت لا يتناول إلا جزءا صغير من الموضوعات التى عرضها رولاند، وفى المقابل فإنه يناقش بكثير من التفصيل بعض النقاط التى عالجها رولاند مثل الادعاء بوجود الصرع عند النبى، وهو يسوقه فى كثير من المواضع ويعتقد رودى أنها «مذهب رولاند» (ص 21)، وإيرهارت يتفق مع رولاند مؤكدا أن الجهل باللغة العربية سبب فى الجهل بأشياء تتعلق بمحمد صلى الله عليه وسلّم وهو يكرس الفصل الثالث لتوضيح هذه الحقيقة ويوضح أنه كم من الأخطاء ارتكبت بسبب الجهل باللغة العربية وهذه الأخطاء متعلقة بالكلمات: إسلام مسلم القرآن، فكلمة إسلام مرتبطة فى ذهنهم بكلمة سذاجة وتشرح كلمة (مسلمين وهى جمع مسلم فى الفارسية والتركية) تشرح هكذا: مسلمون ليست كلمة أصيلة ولكنها جاءت من كلمة حرب ثم جملها المحمديون لتدل على معنى إسلام النفس والروح وبذلك
جعل لها معنى لطيف وجميل (سال المخطوط اللايان كونستات وهيروزدل، الكتاب 2ص 92)، والأسخف من ذلك معنى كلمة القرآن الذى يفسرها شوستروس (هى 2، ص 41) حيث يؤكد أن القرآن خليط عشوائي غير منظم لأن القرآن مصطنع، والتعامل معه تعامل مع عمل يتسم بالفوضى مثل من يقوم بإصلاح الأحذية القديمة غير مسموح أن يقوم بعمل جيد ولا يستطيع. ولذلك يقوم بترقيع الأحذية القديمة، مرة بنعل قيم وأخرى بنعل جديد، مرة يرقعها من أعلى ومرة من أسفل وأخرى فى المنتصف كما يتعامل مع شخص معتوه».(1/167)
ونجد من خلال هذه العناوين أن هذا الكتاب لإيرهارت لا يتناول إلا جزءا صغير من الموضوعات التى عرضها رولاند، وفى المقابل فإنه يناقش بكثير من التفصيل بعض النقاط التى عالجها رولاند مثل الادعاء بوجود الصرع عند النبى، وهو يسوقه فى كثير من المواضع ويعتقد رودى أنها «مذهب رولاند» (ص 21)، وإيرهارت يتفق مع رولاند مؤكدا أن الجهل باللغة العربية سبب فى الجهل بأشياء تتعلق بمحمد صلى الله عليه وسلّم وهو يكرس الفصل الثالث لتوضيح هذه الحقيقة ويوضح أنه كم من الأخطاء ارتكبت بسبب الجهل باللغة العربية وهذه الأخطاء متعلقة بالكلمات: إسلام مسلم القرآن، فكلمة إسلام مرتبطة فى ذهنهم بكلمة سذاجة وتشرح كلمة (مسلمين وهى جمع مسلم فى الفارسية والتركية) تشرح هكذا: مسلمون ليست كلمة أصيلة ولكنها جاءت من كلمة حرب ثم جملها المحمديون لتدل على معنى إسلام النفس والروح وبذلك
جعل لها معنى لطيف وجميل (سال المخطوط اللايان كونستات وهيروزدل، الكتاب 2ص 92)، والأسخف من ذلك معنى كلمة القرآن الذى يفسرها شوستروس (هى 2، ص 41) حيث يؤكد أن القرآن خليط عشوائي غير منظم لأن القرآن مصطنع، والتعامل معه تعامل مع عمل يتسم بالفوضى مثل من يقوم بإصلاح الأحذية القديمة غير مسموح أن يقوم بعمل جيد ولا يستطيع. ولذلك يقوم بترقيع الأحذية القديمة، مرة بنعل قيم وأخرى بنعل جديد، مرة يرقعها من أعلى ومرة من أسفل وأخرى فى المنتصف كما يتعامل مع شخص معتوه».
ولهذا يتفق الكاتبان رولاند وإيرهارت على توضيح التأثير المشؤم لبعض اليونانيين الذين أشاعوا هذه الأكاذيب واختلقوها، هؤلاء اليونانيون هم البيزنطيون الذين طردوا من الإمبراطورية البيزنطية بعد سقوط القسطنطينية فى عام 1453، وبدافع من الثأر والكراهية نشروا عن الإسلام دين الترك الذين طردوهم أكاذيب محضة، ويسوق إرهارت فى هذا الصدد عبارة كروزيو فى «مقالات تاريخية حول موضوعات متعددة ص 21» «إننا اليوم أكثر ثقافة عما كنا فى القرون السابقة فى العقائد وفى مسار الحياة، وفيما يتعلق بالنبى محمد والأساطير التى نسخها اليونانيون قديما عن أصل الدين الإسلامى أصبحت محل شك بفضل شهادات قديمة (ص 47)، ويذكر من هؤلاء الإغريقى ثيوفون (ص 48).
ويتحدث عنهم رولاند بسخرية فبعد أن أوضح أن أول شىء سبب هذه الأخطاء فى حق الإسلام ومؤسسه هو أن الكتاب الغربيين لا يعرفون اللغة العربية ثم يقول: «هذا الجهل من جانب كتابنا الغربيين بالإضافة إلي الحماس الكاذب لبعض صغار اليونانيين الذين كانوا يعيشون بين المسلمين والذين بدلا من أن يعرفوهم ويدرسوهم ويدرسوا لغتهم المقدسة فإنهم ينسلون منذ زمن طويل بتقديمهم لنا بكل سوء فيه تغذية للكراهية والإحساس بالبغض تجاه الأعداء المنتصرين، بينما كان الحماس الدينى فى جانب آخر ولنتكلم بصراحة فإننا ليس لدينا عن الدين المحمدى إلا أكاذيب وهذا ما دفعنى لاتخاذ قرار
ليس فقط لقول الحقيقة باختصار فيما يخص (العقيدة)، ولكن أيضا لتصحيح بعض ما قيل من خطأ فى هذا الصدد (الترجمة السابقة ص 68، 69).(1/168)
ويتحدث عنهم رولاند بسخرية فبعد أن أوضح أن أول شىء سبب هذه الأخطاء فى حق الإسلام ومؤسسه هو أن الكتاب الغربيين لا يعرفون اللغة العربية ثم يقول: «هذا الجهل من جانب كتابنا الغربيين بالإضافة إلي الحماس الكاذب لبعض صغار اليونانيين الذين كانوا يعيشون بين المسلمين والذين بدلا من أن يعرفوهم ويدرسوهم ويدرسوا لغتهم المقدسة فإنهم ينسلون منذ زمن طويل بتقديمهم لنا بكل سوء فيه تغذية للكراهية والإحساس بالبغض تجاه الأعداء المنتصرين، بينما كان الحماس الدينى فى جانب آخر ولنتكلم بصراحة فإننا ليس لدينا عن الدين المحمدى إلا أكاذيب وهذا ما دفعنى لاتخاذ قرار
ليس فقط لقول الحقيقة باختصار فيما يخص (العقيدة)، ولكن أيضا لتصحيح بعض ما قيل من خطأ فى هذا الصدد (الترجمة السابقة ص 68، 69).
ح مريم يا أخت هارون:
الافتراضات الاربعة
من بين الأربعين سؤالا الذين أثارهم رولاند فى كتابه هناك السؤال 19:
هل صحيح ما جاء فى القرآن من أن العذراء أخت هارون؟ وهو السؤال الذى سنوضحه فيما يلى نظرا لأنه مثار إلى يومنا هذا، وقد جاء فى نص رولاند اللاتينى ما يمكن تلخيصه كالآتى:
(أ) يزعم أن محمدا يؤكد فى القرآن أن مريم أم السيد المسيح هى أخت هارون وموسى.
(ب) هذا الاتهام موجود أيضا عند يوحنا الدمشقى فى كتاب (الطوائف)، وقد كرره نيقولا دى كوزا فى كتابه «غربله القرآن» وكذلك جان أندروس فى كتابه «التعاليم المحمدية المبهمة»، وكذلك هورئبك واثيمويس زيجابينوس وكثيرون آخرون والذين يقدمون هذه المفارقة التاريخية على أنها ركيزة أساسية لينكروا على القرآن مصدره الإلهى.
(ج) يزعم رولاند أنه من المسموح أن نفترض أن محمدا كان جاهلا بالتاريخ وبالترتيب الزمنى لذلك خلط بين عصر موسى وعصر عيسى وساق فيه خطأ بعض الأساطير فى ظروف تاريخية مختلفة وبالإضافة إلى أنه سمى نفسه النبى الأمى.
(د) ولكن شىء آخر مؤكد: وهو أن القرآن سمى مريم فى الآية 28من سورة مريم أخت هارون فقال «يا أخت هارون».
(هـ) وإذا سألتنى: ولكن من هارون هذا؟ إن لم يكن أخا موسى؟
فأجيبكم: إن هذا مجرد تأويل قام به المسيحيون، فهو ليس تأويل محمد ولا تأويلى أنا. إن من المحتمل أن يكون لمريم أخ اسمه هارون لم يدون اسمه أى كاتب ولم يذكره سوى القرآن.
(و) وهناك افتراض آخر وهو أننا لن نجد بين المسلمين أناسا يقولون بأن مريم أخت موسى ظلت حية بمعجزة من الله من عهد موسى حتى عهد عيسى المسيح لتصبح أما له(1/169)
(ز) وهناك افتراض ثالث ذكره د / هربلوت فى «المكتبة الشرقية» (ص 583)، وهو أن مريم من عائلة عمران والد موسى وهارون لأنها تنحدر من جهة أمها حنة من عائلة هارون أى من العائلة الكهنوتية فيما يقول الإنجيل «الياصبات» قريبة «مريم» (أنظر لوقا 361)، وهى منحدرة من عائلة هارون (انظر، لوقا 1: 5) وهذا هو رأى بعض مفسرى القرآن المسلمين.
(ح) يضيف هؤلاء المفسرون أن عمران والد مريم كان ابن ماثان وبالتالى فهو عمران آخر غير والد مريم أخت موسى وحسب قولهم يكون عمران هذا هو المعروف عند المسيحيين «بيواقيم» زوج القديسة حنة ووالد مريم العذراء أم السيد المسيح إذا فهناك عمرانان الأول والد مريم أخت هارون وموسى والثانى والد أم السيد المسيح.
(ط) يذكر رولاند هذه الافتراضات الأربعة دون أن يرجح أيا منها لأنه ليس منها ما هو مؤكد ولكن المؤكد لديه أنه لا يمكن الطعن على القرآن بأنه قال أن مريم أم المسيح هى أخت موسى إذا فلا يمكن أن يستخرج أعداء القرآن والإسلام شيئا من هذا القول القرآنى «يا أخت هارون» وكل الاتهامات القائمة على هذه الآية محل شك ولا أساس لها من الصحة.
مناقشة هذه الافتراضات الأربعة
لو ناقشنا هذه الافتراضات الأربعة عن كثب فسنجد الآتى:
1 - الاحتمال الأول وهو أن مريم أم عيسى كان لها أخ يسمى هارون وأنه غير مذكور فى الوثائق المسيحية أو (اليهودية)، وأن القرآن وحده هو الذى ذكر اسمه، هذا الافتراض وإن كان غير مستحيل فى ذاته إلا أنه يفتقر إلى أى مستند آخر لإثباته.
2 - الافتراض الثانى وهو أن مريم أخت موسى وهارون عاشت كمعجزة لمدة أكثر من خمسة عشر قرنا لتصبح أم عيسى فهذا افتراض عبثى بلا شك.
وأيضا لم أجده بخط أى مفسر للقرآن، ويمكن أن نتساءل هنا لماذا يصنع
الله تلك المعجزة؟ إن القرآن لم يذكر اسم مريم هذه، أخت موسى ولم يشر حتى إليها.(1/170)
وأيضا لم أجده بخط أى مفسر للقرآن، ويمكن أن نتساءل هنا لماذا يصنع
الله تلك المعجزة؟ إن القرآن لم يذكر اسم مريم هذه، أخت موسى ولم يشر حتى إليها.
لماذا إذا ننسب إليها تلك المعجزة ونضيفها إلى ما ذكر من معجزات عن مريم أم عيسى؟ على أى وجه نوجه هذا الافتراض العبثى!
3 - الافتراض الثالث وهو أن مريم أم عيسى من عائلة عمران والد موسى وهارون هو الأكثر قبولا، ويستحق دراسة مفصلة وهو ما سنفصله بعد أن نذكر سريعا الافتراض الرابع.
4 - الافتراض الرابع وهو مثل الافتراض الأول حيث يفترض وجود «عمرانان»: أحدهما والد موسى، والثانى والد مريم أم المسيح والذى لا يذكره أى مصدر توراتى وكل من الافتراضين الأول والرابع بلا دليل (وأوجدتهما احتياجات القضية).
يبقى عندنا الافتراض الثالث وهو الذى سنقوم الآن بدراسته بعمق.
(أ) مريم تنحدر من سلالة هارون:
نبدأ بقضية العلاقة النسبية بين مريم أم المسيح وهارون ابن عمران وأخ موسى فعن طريق اليصابات، وتنطق بالعبرية اليشيا، زوجة زكريا وأم يوحنا المعمدان (يحيى) كانت من العائلة الكهنوتية فكانت إحدى المنحدرات من نسل هارون كما ذكر إنجيل القديس لوقا (51) «كان فى أيام هيرودس ملك يهود كاهن اسمه زكريا من طبقة أبيا وزوجته تنحدر من سلالة هارون واسمها اليصابات»، ويؤكد نفس الإنجيل أن اليصابات كانت قريبة مريم (361)، «وها هى اليصابات، ترتيك»، ومن ناحية أخرى يؤكد القديس هيوليت حسب قول كالكست هست أن أم مريم وأم اليصابات كانتا أختين واسم الأولى حنة والثانية صوبا ويؤكد (الميناجون وهو جدول الشهداء فى الكنيسة اليونانية) بنفس الطريقة علاقة النسب بين مريم واليصابات.
وحسب هذين المصدرين للقديس لوقا وهيبوليت. فإن مريم قريبة اليصابات وحسب هذا المصدر الأخير لهيولبيت فإنها ابنة خالتها كما
يؤكد لوقا نفسه ولا يعارضه أحد فى هذا الموضوع «أن اليصابات تنحدر من سلالة هارون ويمكن أن تكون النتيجة أن مريم وابنة خالتها تنحدر من نفس العائلة (هارون) سواء من ناحية الأب أو الأم فهذا لا يهم.(1/171)
وحسب هذين المصدرين للقديس لوقا وهيبوليت. فإن مريم قريبة اليصابات وحسب هذا المصدر الأخير لهيولبيت فإنها ابنة خالتها كما
يؤكد لوقا نفسه ولا يعارضه أحد فى هذا الموضوع «أن اليصابات تنحدر من سلالة هارون ويمكن أن تكون النتيجة أن مريم وابنة خالتها تنحدر من نفس العائلة (هارون) سواء من ناحية الأب أو الأم فهذا لا يهم.
(ب) عائلة عمران:
إذا كانت اليصابات ومريم تنحدران من عائلة هارون وهارون هو ابن عمران فمن حقنا أن نعتبر أن الثلاثة من عائلة عمران وكذلك أولادهم يوحنا المعمدان (يحيى) ويسوع المسيح (عيسى)، وهذا يشرح لماذا تكلم القرآن فى سورة آل عمران عن أم يحيى ومريم ويحيى وعيسى كعائلة واحدة هى عائلة عمران على اعتبار أنهم جميعا ينحدرون من نسل هارون.
لتطبق إذا هذا التفسير على المواضع التى ذكر فيها اسم عمران فى القرآن (ترجمة س بلاشير).
1 - سورة آل عمران آية 33، 34 {إِنَّ اللََّهَ اصْطَفى ََ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرََاهِيمَ وَآلَ عِمْرََانَ عَلَى الْعََالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهََا مِنْ بَعْضٍ وَاللََّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
2 - نفس السورة آل عمران آية 35 {إِذْ قََالَتِ امْرَأَتُ عِمْرََانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مََا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
3 - سورة التحريم آية 12 {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرََانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهََا فَنَفَخْنََا فِيهِ مِنْ رُوحِنََا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمََاتِ رَبِّهََا وَكُتُبِهِ وَكََانَتْ مِنَ الْقََانِتِينَ}.
وتتفق الآية الأولى مع تفسيرنا: فعائلة عمران (آل عمران) تشمل اليصابات زوجة زكريا، ويوحنا المعمدان (يحيى)، ومريم وابنها عيسى، وكذلك موسى وهارون وهم يكونون مجموعة فى مقابل آل إبراهيم (عائلة إبراهيم) المكونة منه وولديه إسماعيل وإسحاق والمنتسبين إليهم مباشرة (خاصة يعقوب وولده يوسف).
ويمكن أن نطبق الآية الثانية إذا قصد بالتعبير «امرأة عمران» معنى غير محدد أى امرأة من آل عمران أو يعد عمران هنا اسم عائلة وليس اسما لزوجها وبالتأكيد كان من السهل أن يقال «امرأة من عمران».(1/172)
ونفسر الآية الثالثة هكذا «مريم ابنة عمران» أى «ابنة من آل عمران».
وقد يسأل سائل ولماذا لم يذكر اسم مريم كاملا؟ ويمكن أن نجيب قائلين أن اسم والد مريم لم يذكر فى العهد الجديد وأقارب مريم لم يعرفوا إلا بالسماع وأقدم الكتابات التى تحكى قصتهم هى الأناجيل غير المعتمدة مثل إنجيل مولد مريم وإنجيل القديس سان چاك، العهد الجديد 1: 1 (ص 6713)، ويحكى فيه أن والد آن أم مريم كان كاهنا يعيش فى بيت لحم وأن حنه تزوجت من رجل يسمى يواكيم من الجليل وظل يواكيم هذا غير معروف، وبعض القديس جريحوار من نيس (أنظر 335، 395)، فهو يحكى هذه القصة أنها مأخوذة من قصة «غير معتمدة» وهى إنجيل القديس چاك، والذى كتب فى القرن الثانى (أنظر: قاموس الكتاب المقدس مج 4ج 1. 790)،
وإذا كان العهد الجديد لم يذكر اسم والد مريم فيحسن من باب أولى أن نتوقع أن لا يذكره القرآن فهو اسم غير معروف، وكل ما يعرف عنه أنه من آل عمران.
(ج) كيف نفسر عبارة: «يا أخت هارون»؟
بقى أن نشرح تعبير «يا أخت هارون» سورة مريم آية 28.
ولكن فى رأينا لم يعد الأمر سهلا، فقد ذكر رولاند حسب «المكتبة الشرقية» تفسير بعض المفسرين المسلمين والذين قالوا إن هذا التعبير يعنى «يا مريم المنحدرة من عائلة هارون المقدسة».
ولكن برغم صحة هذا التفسير فإن بعض المستشرقين دأبوا على ترديد نفس الاتهام العبثى كما فسرناه، حالا وقد ذكر بعضها يوحنا الدمشقى (حوالى 749675).
ولتكتمل لنا الصورة نستعرض بعض آراء هؤلاء المستشرقين:
1 - هربرت جريم: محمد (ج 2ص 9392منستير 1895).
«وفى تواصل فترة الشجرة أتم محمد اقتباساته من التعاليم المسيحية عن
طريق تعلمه من بعض الشخصيات «العهد الجديد» أمثال عيسى ومريم ويحيى وزكريا وهم من سلالة الأنبياء القديسين، وفى العهد المدنى عرف هؤلاء على أنهم مجموعة تشكل العائلة المقدسة تحت مسمى آل عمران وسورة آل عمران آية 30.(1/173)
«وفى تواصل فترة الشجرة أتم محمد اقتباساته من التعاليم المسيحية عن
طريق تعلمه من بعض الشخصيات «العهد الجديد» أمثال عيسى ومريم ويحيى وزكريا وهم من سلالة الأنبياء القديسين، وفى العهد المدنى عرف هؤلاء على أنهم مجموعة تشكل العائلة المقدسة تحت مسمى آل عمران وسورة آل عمران آية 30.
وتحت هذا المسمى ذكر سلسلة من المغالطات التاريخية حيث ساوى بين مريم أم عيسى ومريم أخت موسى وهارون وأيضا أبو هؤلاء الثلاثة عمران المذكور فى الإنجيل وعزاه إلى الأب الأصلى لتلك العائلة النبوية المقدسة لدى النصرانية.
2 - يوسف هورفيتز البحوث القرآنية يرلين وليزج 1926وذلك فى موضعين:
(أ) (ص 128) عمران كاسم لأبى مريم لم يذكر إلا فى العهد المدنى سورة التحريم آية 22، سورة ج 3 (آل عمران آية 30) وما بعدها تم الخلط والتداخل بينه وبين أبو مريم أخت موسى.
(ب) (ص 138، 139) مريم كأم عيسى ذكرت منذ الحقية الثانية للعهد المكى على سبيل المثال سورة مريم آية 16، 35، 23، 52، وسورة 43، آية 57وكابنة لعمران لم تذكر إلا فى سورة آل عمران آية 31وسورة التحريم آية 12.
وكلاهما يتبع العهد المدنى حيث ذكرت على أنها أخت هارون فى سورة مريم آية 28، وهكذا يعود الخلط بين مريم أخت موسى وهارون إلى عهد سابق ومحمد كان يستخدم نفس شكل النصوص الإغريقية للإنجيل فيما يخص مريم أم عيسى.
«وعرفت مريم فى النصوص السريانية (الدنيوية مريم وماريا) كأخت لموسى وهارون واعتبر الاثنان شخصا واحدا.
3 - وكان أ. ى فنسنك أكثر حذرا من هذين المستشرقين فى مقال بعنوان مريم فى موسوعة الإسلام (مج 3ص 359الطبعة الأولى) حيث ذكر أن العهدة على الآخرين وهذا ما كتبه:(1/174)
(أ) «يفترض أن اسم عمران الذى ينطبق بلا شك على الشكل التوراتى لاسم «عمران موسى وكذلك الشأن فى أن مريم أخذت لقب أخت هارون (سورة مريم آية 8) وهذا يؤدى إلى خلط بين مريم ومريم فى التوراة: يعتقد سال وجيروك وآخرون يظنون أن هذا الخلط مستحيل، وعلى أى حال فإن المسلمين يؤكدون لنا أن هناك مسافة زمنية مدتها 180سنة بين عمران التوراة وعمران والد مريم وزوجة عمران أم مريم وجدة عيسى لا نجد اسمها فى القرآن واسمها حنة فى المصادر المسيحية وكذلك فى المصادر الإسلامية وتذكر المصادر الإسلامية وحدها نسب حنة فتذكر أنها ابنة «فاقوذ» وأخت «إشباع» وهى اليصابات فى التوراة.
(ب) ص 360؟؟؟ «أما عن كلمات «يا أخت هارون» يمكن أن نضيف أنه حسب مصادر المفسرين فإن هارون هذا لم يكن أخا مريم ولكنه معاصر لها كان رجلا شريرا فقارنوها به أو أنه أخوها الرحيم بها.
4 - ريجيس بلاشير القرآن «ترجمة حسب ترتيب السور» مج 2 (باريس 1949) ملحوظة حول آية 28سورة مريم «يا أخت هارون» وفى سورة آل عمران آية 350» أم مريم تسمى «امرأة عمران»، وفى سورة التحريم آية 12 «مريم ابنة عمران»، مما يتعارض مع المصادر المسيحية التى تتمثل فى الأناجيل الغير معتمدة (وهى الوحيدة التى نعرفها فى هذا الصدد)، حيث يسمى والد مريم يواكيم، وهذا ما أطال مجادلة المسيحية ضد الإسلام وربما جعله أشد ضراوة ضد محمد: وفى الطبرى ص 59 «الاعتراض الذى ساقه مسيحيو نجران من أنهم وجدوا خلطا بين مريم أم عيسى والنبيه مريم أخت هارون التى تكلم عنها سفر الخروج، إصحاح 15آية 20 وسفر العدد إصحاح 12، آية 1والخاص بهذا الهجوم.
ويقترح القرآن أن نرى فى هارون المذكور هنا شخصية أخرى غير أخى موسى أو يكون المعنى يا أخت هارون أى المنحدرة من سلالة هارون، حول هذه القضية ونظر مريم «مج م ص 229، 230»
5 - رودى باريت: القرآن تعليق وتوفيق، فبرلج وكونيتا من
شتوتجارت الخ 1971ملحوظة حول آية 33سورة آل عمران وهو يكرر نفس الاتّهام بالخلط بين مريم ومريم، ثم يبحث عن تبسيط القضية والتقليل من أهميتها قائلا «لا ينبغى أن يخلط المربين نسب مريم فى العهد الجديد وبين مريم فى العهد القديم وهذا الموضوع يتعلق أساسا بالأسماء فلا يمكن أنه نناقشه فى الحقيقة قضية الخلط بين ماريا ومريام باعتبار أن محمدا اعتقد فى أى يوم أن عيسى بن مريم هو ابن أخت موسى وأنه فى زمانه من نفس الجيل فلم يعتقد محمد بذلك أبدا.(1/175)
5 - رودى باريت: القرآن تعليق وتوفيق، فبرلج وكونيتا من
شتوتجارت الخ 1971ملحوظة حول آية 33سورة آل عمران وهو يكرر نفس الاتّهام بالخلط بين مريم ومريم، ثم يبحث عن تبسيط القضية والتقليل من أهميتها قائلا «لا ينبغى أن يخلط المربين نسب مريم فى العهد الجديد وبين مريم فى العهد القديم وهذا الموضوع يتعلق أساسا بالأسماء فلا يمكن أنه نناقشه فى الحقيقة قضية الخلط بين ماريا ومريام باعتبار أن محمدا اعتقد فى أى يوم أن عيسى بن مريم هو ابن أخت موسى وأنه فى زمانه من نفس الجيل فلم يعتقد محمد بذلك أبدا.
ولكنه بعد هذا البرهان الصريح والواضح يرجع إلى نفس الاتّهام بالخلط حين يقول فى سطور تالية.
«ومن الملفت للنظر أنه فى نفس النص من سورة مريم آية (28) وما بعدها ذكرت مريم على أنها أم عيسى وأيضا أخت هارون وهذا يعنى أن الله برحمته أرسل هارون لمساعدة موسى أخيه آية 53وهنا ذكر هارون كأخ مريم وموسى.
وهذه الخاتمة كاذبة صراحه لأنه ليست هناك آية علاقة بين الآية 28 «يا أخت هارون» والآية 51التى تنتمى إلى قصة أخرى وهى قصة موسى التى تنفصل تماما عن هذه القصة «واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا» وفى الحقيقة إن ملاحظة رودى بارت غامضة تحض بالمتناقضات.
(هـ) الحلول الخمسة التى اقترحها المفسرون:
لو درسنا هذه البراهين الخمسة التى ذكرها العلماء فسنرى أن:
(أ) جريم وهورفيتز لم يفعلا شيئا سوى ترديد الطعن القديم وهو: الخلط بين مريم أم عيسى ومريم أخت موسى وهارون دون أى دليل إضافى ولا حتى الافتراضات الأربعة التى ذكرها رولاند منذ 1705والتى هى على أى حال غريبة جدا.
(ب) أما عن فنسنك فإنه يكتفى بعرض آراء الآخرين سواء منهم من وافق الطعن ومن خالفه فهو يسوق فى نفس الوقت رأى بعض مفسرى القرآن المسلمين.(1/176)
(ج) والجديد عند بلاشير هو أنه افترض أن هذا الطعن ربما كان فى حياة محمد ويرجع فى ذلك إلى الطبرى 59وهو مرجع لم أقف على تأكيده لأن الطبرى بالنسبة له يعنى (انظر شرح رموز الكتاب فى يديه مجلدا من ترجمته للقرآن)، التفسير إذا فهذا الرقم 59لا يدل على شىء، وفى الواقع يجب أن نعود إلى ما قاله الطبرى فى تعليقه على الآية 28من سورة مريم (ج 16 ص 5251. المطبعة الميمنية بالقاهرة).
فى الحقيقة يقول الطبرى: «أن لأهل التفسير آراء مختلفة فى سر مناداة مريم بيا أخت هارون، وحول من يكون هارون هذا والذى ذكره الله، وقال إنهم أكدوا على أن مريم أخته، ولم يقل أحد منهم يا أخت هارون بمعنى الصلاة لأن أهل الصلاة عندهم كانوا يسمون هارون ويؤكدون أن هارون هنا غير هارون أخى موسى وهذا الرأى ذكره الحسن عن عبد الرزاق ومعمر عن قتادة والذى أكد فى معرض حديثه عن «يا أخت هارون» أن هارون هذا كان رجلا تقيا فى بنى إسرائيل وكان اسمه هارون وقارنوه بها قائلين «يا أخت هارون» لأنها كانت تشبهه فى التقوى ويحكى بشر عن يزيد عن سعيد أن قتادة قال عن الآية «يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا» كانت مريم من عائلة معروفة بالتقوى والسمعة الطيبة ومعروف بين الناس أن المشهورين بالصلاح ينجبون صالحين وأن المشهورين بالفساد ينجبون فاسدين، وكان هارون هذا محبوبا فى قبيلته وهو ليس هارون أخو موسى ولكنه هارون آخر عند ابن سيرين وقد علمت أن كعب الأحبار قال في معرض حديثه «عن يا أخت هارون» أن المقصود ليس هارون أخو موسى فقالت له عائشة إنك تكذب» فقال: فرد كعب يا أم المؤمنين لو قال النبى ذلك فإنه أعلم به من غيره، ولكنى أرى بينهما ألف ومائتى سنة فسكتت عائشة وحكى لى يونس عن بن وهب أن بن زيد قال فى آية {«يََا أُخْتَ هََارُونَ»} هذا اسم يتفق مع أسماءكم وفى الحقيقة إن بين هارون ومريم أجيال كثيرة من الأمم.
وقال المغيرة بن شعبة بعثنى النبى صلى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران فقالوا لى ألا تقرءون
«يا أخت هارون» فأجبتهم بلى! فقالوا ألا تعلمون أن هناك فترة طويلة بين عيسى وموسى، أليس كذلك، فرجعت إلى رسول الله وقصصت له ما حدث فأجابنى: كان عليك أن ترد عليهم بأنهم كانت عندهم عادة أن يسموا الناس بأسماء أنبياءهم وقد يسمهم.(1/177)
وقال المغيرة بن شعبة بعثنى النبى صلى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران فقالوا لى ألا تقرءون
«يا أخت هارون» فأجبتهم بلى! فقالوا ألا تعلمون أن هناك فترة طويلة بين عيسى وموسى، أليس كذلك، فرجعت إلى رسول الله وقصصت له ما حدث فأجابنى: كان عليك أن ترد عليهم بأنهم كانت عندهم عادة أن يسموا الناس بأسماء أنبياءهم وقد يسمهم.
ويقول آخرون أن هارون (فى هذه الآية) هو هارون أخو موسى ومريم تسمى أخته لأنها منحدرة من سلالته: وفى الواقع إنه يقال لرجل من قبيلة تميم مثلا أخو تميم أو من مضر أخو مضر ويقول السدى إن مما يؤكد هذا الرأى فى موضوع «يا أخت هارون» كانت مريم من بنى هارون أخى موسى كما تقول يا أخا بنى فلان.
وقال آخرون: ولكن هارون هذا كان رجلا فاسقا ظاهر الفسوق فألحقوها به على سبل المشابهة.
ويقول أبو جعفر الطبرى: إن الرأى الصحيح هو المروى عن رسول الله والذى ذكرناه آنفا وهو أن مريم سميت أخت هارون نسبة إلى رجل من قومها».
وحسب نص الطبرى فإن الآراء فى «يا أخت هارون» يمكن أن تقسم إلى طائفتين:
(أ) رأى يقول أن هارون المقصود ليس هو أخو موسى.
(ب) ورأى آخر يرى أنه أخو موسى.
وفى الطائفة الأولى يمكن أن نميز بين ثلاثة آراء:
1 - رأى الذين يقولون أن هارون كان رجلا صالحا فى بنى إسرائيل وكان ينسبون إليه كل من هو معروف بالصلاح.
2 - ورأى الذين يقولون أنه رجل فاسق ظاهر الفسق أرادوا أن يقارنوا مريم به لأنهم افترضوا أنها زنت حين ولدت ولدا دون أن تتزوج.
3 - الرأى الذى يؤكد أن مريم كان لها أخ حقيقى يسمى هارون وكان رجلا صالحا فى بنى إسرائيل (وأثبت هذا الرأى الفخر الرازى فى تفسيره ج 4، ص 371).(1/178)
والطائفة الثانية التى تؤكد أن هارون فى تعبير «يا أخت هارون» هو أخو موسى الحقيقى يؤيد رأيهم بقولهم أنه تعبير لغوى استعارى بمعنى «منحدرة من سلالة هارون» كما نقول لرجل من تميم يا أخا تميم أو من مضر يا أخا مضر».
والرأي الأول أيده قتادة وكعب الأحبار وأبو زيد والمغيرة بن شعبة.
أما الرأى الثانى فإن الطبرى لم يحدد من يؤيدونه إلا أن ابن كثير فى تفسيره ج م ص 119يقول أنه رأى سعيد بن جبير.
ولكن الرأى الرابع؟؟؟ من الطائفة الثانية ذكره السدى.
ولكن ما هو رأى الطبرى إنه يقول أن الرأى الراجح هو المروى عن النبى وهو أن المقصود ليس هارون أخو موسى ولكنه رجل صالح من قوم مريم.
ولكن فخر الدين الرازى فى تعليقه على الآية 28من سورة مريم يؤكد العكس حيث يقول أن النبى قال أن هارون المقصود فى هذه الآية هو النبى هارون ومريم من ذريته «فالتعبير يا أخت هارون» يقصد به ببساطة مثل التعبير «يا أخا همذان» أى يا من أنت من هذه القبيلة (1) أما عما رواه الطبرى وعزاه إلى المغيرة بن شعبة عند ما بعث إلى أهل نجران فإننا نجد نفس القصة فى صحاح ثلاثة هى: صحيح مسلم والترمذى والنسائى (أنظر تفسير بن كثير مج د القاهرة 1954) من حديث عبد الله بن إدريس عن أبيه عن سماك وقال عنه الترمذى: حديث حسن صحيح غريب.
ولو صحت قصة المغيرة بن شعبة هذه فإنها يمكن أن تقلب كل معطيات قضيتنا:
(أ) لأنها تعنى أن الاتهام بالخلط التاريخى سيكون قد حدث والرسول ما يزال حيا.
(ب) ويكون يوحنا الدمشقى ما فعل غير ترديد اتهام قديم قبل قبله بمائة سنة
__________
(1) فخر الدين الرازى التفسير (مج 4ص 371ط بولاق القاهرة 8862).(1/179)
ولكن إذا صح أن هذا الاتهام وجه من قبل المسيحيين العرب فى حياة النبى محمد صلى الله عليه وسلّم فيمكن أن نتساءل بل يجب أن نتساءل لماذا اختلفت آراء المسلمين حول هذا الاتهام وقد عددنا من آرائهم عند الطبرى أربعة (ت 309هـ)، وسنرى آخرين، كيف يحدث هذا الاختلاف وقد أعطى النبى صلى الله عليه وسلّم الإجابة الوحيدة الصحيحة: ولم يكن أمام المسلمين إلا أن يذكروا تلك الإجابة إلى كل من يتجرأ ويسوق نفس الاعتراض.
بالتأكيد كان من الطبيعى أن يسوق المسيحيون واليهود من باب أولى هذا الاعتراض فور سماعهم هذه الآية 28من سورة مريم وآيتى آل عمران وقد نزلت كلها في العهد المدنى ولكن لم يصلنا شىء عن اعتراض المسيحيين أو اليهود فى المدينة، لماذا إذا يثير نصارى نجران زعمهم هذه المفارقة التاريخية؟
والقرآن الكريم الذى كان متأهبا للرد على اعتراضات اليهود والنصارى لماذا لم يذكر عن ذلك كلمة واحدة ولم يغير النص بآية ناسخة بدلا من الآية محل الطعن والخلاف؟
كل هذه التساؤلات تؤكد فى رأينا أن القصة والحديث المتعلق بها والذى رواه المغيرة بن شعبة غير صحيحة وأنها اختلفت لتؤكد لنصارى القرن الثانى والثالث الهجريين والذين أثاروا هذا الاتهام أنه اتهام فنده ودحضه النبى نفسه.
«حلنا للمشكلة»:
نرى أولا أن المشكلة لم تثر فى حياة النبى صلى الله عليه وسلّم بسبب بسيط وهو أن نصارى ومسيحى المدينة لم يروا فى الآية «يا أخت هارون» أى مشكلة لأنهم مهتمون أنها تعنى «يا منحدرة من نسل هارون» كما كانوا معتادين هم وغيرهم من العرب على هذه التعبيرات مثل «يا أخا بنى فلان بمعنى يا من انحدر من سلالة فلان ولم تكن قد أتت إلى مخيلتهم تلك الفترة الزمنية والتى ذكرها كثير من المستشرقين (1) من أن محمدا لم يكن يعرف أن بين هارون ومريم أم
__________
(1) من بين أحدث من قالوا بذلك نذكر موريس جودفروا ديمومبين فى كتابه «محمد» ص 384، 1957حيث حقق من غلواء زعمه حين تكلم بصفة الشرط فقال «قد يكون محمد قد ظن أن التوراة والانجيل نزلا فى نفس الفترة».(1/180)
عيسى فترة طويلة من الزمن وهو شىء لا يهم أحدا في المدينة في هذه الفترة وقد كان اليهود على الأقل هناك ليعرفوا كل الناس بذلك.
ومن جانبنا يمكن أن نضيف إلى الأمثلة التى ذكرها الطبرى لشرح معنى هذا التعبير «يا أخا فلان يا أخت فلان» الأمثلة الآتية:
1 - فى القرآن نقرأ فى سورة هود آية 50 {وَإِلى ََ عََادٍ أَخََاهُمْ هُوداً}، ولهذا يترجم بلاشير كلمة أخاهم بمعنى «ابن قبيلتهم» (ج، ص 441)، وهذا مثال واضح مأخوذ من القرآن نفسه ليوضح أن كلمة أخ أو أخت يمكن أن تستعمل بمعنى «عضو فى القبيلة أو واحد منهم».
2 - وفى خطبة مشهورة لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه فى كتاب نهج البلاغة يذكر بيتنا من الشعر مصدرا بقوله «كما قال أخو هوازن» ويقصد به دريد بن الصمة والذى كان من قبيلة هوازن.
3 - ويقال أحيانا عن الحجاج بن يوسف الثقفى «أخو ثقيف» لأنه من قبيلة ثقيف.
4 - ومن الشائع اليوم أيضا حتى فى مقالات الصحف والمجلات حين تعنف أحدا بهذه الألفاظ: «يا أخا العرب» بمعنى يا أحد أعضاء الأمة العربية.
ويمكن أن نجد الكثير والكثير من الأمثلة من هذا فى أعمال العرب فى كل العصور، ولهذا أكدنا فى بداية هذا الفصل أنه ليس هناك أسهل من أن تشرح تعبير «يا أخت هارون» بمعنى «يا منحدرة من سلالة هارون» لأن هذا التفسير لغوى واضح جدا لمن يعرف اللغة العربية جيدا ويعتاد على مصطلحاتها.
ولكن يمكن أن يثور هنا اعتراض قوامه: لماذا ينادى القرآن الكريم مريم فى هذا الموضوع بيا أخت هارون؟ والإجابة أن الأمر يستلزم توبيخا يوجه إلى مريم لأنها وضعت طفلا دون أن تتزوج وهذا التوبيخ يكون أكثر قسوة إذ كانت من عائلة مقدسة فكلمة «هارون» هنا جاءت لتذكرها بخطورة ما اقترفت من
الإثم، وهذا التوبيخ معبر جدا وبليغ جدا وهذا يتطابق مع البلاغة القرآنية والتى يعد الإيجاز أهم عناصرها.(1/181)
ولكن يمكن أن يثور هنا اعتراض قوامه: لماذا ينادى القرآن الكريم مريم فى هذا الموضوع بيا أخت هارون؟ والإجابة أن الأمر يستلزم توبيخا يوجه إلى مريم لأنها وضعت طفلا دون أن تتزوج وهذا التوبيخ يكون أكثر قسوة إذ كانت من عائلة مقدسة فكلمة «هارون» هنا جاءت لتذكرها بخطورة ما اقترفت من
الإثم، وهذا التوبيخ معبر جدا وبليغ جدا وهذا يتطابق مع البلاغة القرآنية والتى يعد الإيجاز أهم عناصرها.
إذا فنحن نؤيد أنه فى زمن النبى محمد صلى الله عليه وسلّم لم يثر قول «يا أخت هارون» أى مشكلة لا من جانب اليهود ولا النصارى ولا المسلمين من باب أولى لأنهم فهموه بهذا المعنى «أى يا منحدرة من نسل هارون»!
والذى يثير الدهشة حقا أنه لا الطبرى ولا فخر الدين الرازى أيدا هذا التفسير فالأول لا يؤكد هذا الرأى والثانى يفضل عليه الرأى الثالث وهو أن مريم كان لها أخ حقيقى يسمى هارون وكان رجلا تقيا من أتقياء بنى إسرائيل ووجه التعنيف إلي مريم مصحوبا باسمه «ليكون التوبيخ أكثر إيلاما لأن من كانت لها تلك القرابة وأخ مثل هذا الأخ تكون خطيئتها أكثر خطرا (1).
«الرأى الغريب للقرظى»:
ولكن ما لم يقله أحد من المفسرين وهو أغرب الآراء ما قاله محمد بن كعب القرظى وهو ينحدر من قبيلة يهودية بالمدينة طردها وشردها النبى صلى الله عليه وسلّم وهم بنو قريظة وهذا الأصل يشرح رأيه، ومحمد بن كعب القرظى هذا يزعم أن مريم هى «أخت هارون أما وأبا وهى أخت موسى وقد اتبعت نهج موسى وأتت بشريعته» وينهض ابن كثير (مج 3ص 119) للرد بقوة على هذا الرأى ويقول: «هذا الرأى بين الفساد لأن الله يقول فى كتابه أنه أرسل عيسى بعد الرسل مما يعنى أن عيسى كان آخر المرسلين وليس بعده إلا محمد وقد ثبت فى صحيح البخارى عن أبى هريرة أن نبى الله قال «أنا أولى من غيرى بعيسى ابن مريم فليس بينى وبينه نبى «وإن صح ما ادعاه محمد بن كعب القرظى فلن يكون بعده من الأنبياء إلا محمد ويكون قبل سليمان بن داود لأن الله قال: إن داود كان بعد موسى فى هذه الآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ََ إِذْ قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنََا مَلِكاً نُقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ} ثم
__________
(1) فخر الدين الرازى التفسير (مفاتيح الغيب) سورة مريم آية (28ص 371 طبعة. بولاق القاهرة).(1/182)
قص القصة حتى قوله تعالى: {وَقَتَلَ دََاوُدُ جََالُوتَ} (1)، ومما شجع القرظى على هذا الرأى ما وجد مكتوبا فى التوراة بعد خروج موسى وبنى إسرائيل من البحر وغرق فرعون وقومه فيقول القرظى «عندئذ قامت مريم ابنة عمران وأخت موسى وهارون النبيين بالضرب على الدف هى ونساء أخريات معها يسبحون الله ويشكرونه على فضله الذى أولاه بنى إسرائيل، ويعنى القرظى إذا أن مريم هذه أم عيسى، وهذا خطأ خطير جدا.
فى الحقيقة أن أم عيسى تسمى مريم وكانت هذه عادتهم وهى أن يسموا بأسماء أنبياءهم وصالحيهم.
ونص ابن كثير هذا هام فى كشفه لنا عن كاتب هذا الخلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى وهذا الكاتب ليس إلا محمد بن كعب القرظى، وهو يقتبس قصة مريم من سفر الخروج، صحاح 15آيات 2، 21، ونقرأ فيه:
«أخذت مريم النبيه أخت هارون وموسى الدف فى يدها وخرجت كل النساء فى أثرها بالدفوف يرقصن ومريم تنشد لهم «غنوا ليا والذى بعظمته قذف الفارس والفرسان فى البحر».
ولكن إذا كان القرظى على علم تام بالتوراة فكيف ينخدع بهذه الصورة ويخلط بين مريم أخت هارون وموسى ومريم أم عيسى؟ هذا ما لا يمكن فهمه.
ويمكن أن نتساءل هنا إذا لم يجب أن تفترض فى هذا الصدد أن القرظى ليس مصدر الرأى الذى عرضه رولاند في اتهامه بزعم وجود خلط بين المريمين (مريم ومريم) فإنه لا الطبرى ولا الفخر الرازى ذكرا هذا الرأى المنسوب إلى محمد بن كعب القرظى وهو المصدر الوحيد الذى وجدناه فيه ولد فى (701هـ / 1301م) توفى (774هـ / 1373م)، وبالطبع فهو متأخر جدا،
__________
(1) سورة البقرة، الآيات (246) (251).(1/183)
ولكننا لا نجد عنده التفسير بالمعجزة وهى امكانية أن تكون المريمان مريم واحدة هى أخت هارون والتى عاشت كمعجزة حتى الزمن الذى يجب أن يولد فيه عيسى ويرويه رولاند عن جاد جنولو فى كتابه «تقريظ الدين المسيحى ضد أحمد بن زين العابدين بن الفارس (ص 279) فيليب جاد جنولو (ماجليانو أبردز 1596، حوالى 1656)، وهو مستشرق إيطالى كان مدرسا للغة العربية فى جامعة روما وألف كتابا فى النحو العربى عنوانه «الأساسيات المختصرة للغة العربية» نشر فى 1642وقاموسا عربيا بعنوان «نظريات فى المعاجم العربية» وهو ما يزال مخطوطا، وقد كتب أيضا كتبا دفاعية مثل:
الدفاع عن الدين المسيحى 1631، وملاحظات ضد الدين المحمدى 1649 وساهم فى ترجمة التوراة إلى العربية (التوراة العربية 1671).
وما يهمنا هو «الدفاع عن الديانة المسيحية» والذى كتبه ردا على شخص يسمى أحمد بن زين العابدين الفارسى الأصفهانى، والذى كتب بالفارسية كتابات بعنوان «صاقل المرآة»، والذى كان بدوره حضا لكتاب بعنوان «مرآة مرئية الحق»، وقد نشره فى روما عام 1631وفى سنة 1637نشره متنوعا بترجمة عربية تحت هذا العنوان «إجابة القسيس الحقير فيليبس كورانولوس الراهب من رهبانية» يقال لها بلغه الفرنجى كلريكوس مينور، إلى أحمد الشريف بن زين العابدين الفارسى الأصفهانى.
والجزء الذى يهمنا فى الطبعة اللاتينية هو الآتى:
بعد أن عرض الطعن بوجود خلط بين المريمين (مريم ومريم)، ساق إجابة المسلمين فى هذه الكلمات:
«لقد وجدت عند المحمديين إجابة على هذه المفارقة التاريخية نقول إنها ليست مريمين ولكن مريم واحدة ظلت كمعجزة من زمن موسى حتى زمن عيسى المسيح لتحمل بالمسيح ويستشهدون فى ذلك بمصادر مسيحية حتى وقتنا هذا بهذه الطريقة على المفارقة التاريخية بالخلط بين المريمين، وحسب ألفاظه نفسها فإنه حتى لم يجد هذه الإجابة للمسلمين عند أحمد بن زين العابدين
الأصفهانى خصمه فهل وجدها فى مرجع عربى (أو فارسى)، أيا كان الأمر يمكن تأكيد ذلك لأنه لم يعطنا أى معلومات فى هذا الصدد، هل قرأ تفسير ابن كثير فى الموضع الذى ذكرناه؟ ولكن هذا الموضع لا يخبرنا عن بقاء إعجازى لمريم أخت هارون حتى زمن عيسى، هل كان هذا خلاصة لرأى ابن كعب القرظى؟ ولكن عمن أخذه؟ لا بد أنه أخذه عن مؤلف مسلم، لأن جاد جنولى يعزوه إلى المسلمين يجب علينا إذا أن نبحث فى جانب المؤلفين المسلمين لا سيما الذين كانوا يجادلون النصارى المدافعين عن دينهم.(1/184)
«لقد وجدت عند المحمديين إجابة على هذه المفارقة التاريخية نقول إنها ليست مريمين ولكن مريم واحدة ظلت كمعجزة من زمن موسى حتى زمن عيسى المسيح لتحمل بالمسيح ويستشهدون فى ذلك بمصادر مسيحية حتى وقتنا هذا بهذه الطريقة على المفارقة التاريخية بالخلط بين المريمين، وحسب ألفاظه نفسها فإنه حتى لم يجد هذه الإجابة للمسلمين عند أحمد بن زين العابدين
الأصفهانى خصمه فهل وجدها فى مرجع عربى (أو فارسى)، أيا كان الأمر يمكن تأكيد ذلك لأنه لم يعطنا أى معلومات فى هذا الصدد، هل قرأ تفسير ابن كثير فى الموضع الذى ذكرناه؟ ولكن هذا الموضع لا يخبرنا عن بقاء إعجازى لمريم أخت هارون حتى زمن عيسى، هل كان هذا خلاصة لرأى ابن كعب القرظى؟ ولكن عمن أخذه؟ لا بد أنه أخذه عن مؤلف مسلم، لأن جاد جنولى يعزوه إلى المسلمين يجب علينا إذا أن نبحث فى جانب المؤلفين المسلمين لا سيما الذين كانوا يجادلون النصارى المدافعين عن دينهم.
وقد ظن أن جاد جنولى نفسه أحد المجادلين الأوربيين قد اخترع هذه الاستشهادات فهى لا تبعد عن الروح التى كتب بها دفاعه، وفى الحقيقة لا نجد عنده إلا قليلا من المراجع من مصادر المسلمين: فهو مثلا يذكر (ص 97) من النص اللاتينى (ص 557) من الترجمة العربية كتابين غير معتمدين بعنوان «كتاب هاجر وكتاب تاريخ الإمام»، ويعزو إلي محمد كتابا بعنوان «تاريخ الأنوار» (ص 560ت عربية 3030أصل لاتينى)، ويزعم بطريقة أكثر عبثا أن محمدا صلى الله عليه وسلّم ألف كتابا يحتوى على 12ألف حديث فسأله بعض المسلمين إذا كانت كل أحاديث الكتاب صحيحة فأجاب أن ثلاثة آلاف فقط هى الصحيحة (ص 583ع 281لات)، فهو يخلط الأوراق هنا ويعتقد أن كتب السنة ألفها محمد بنفسه وأنها كانت موجودة ككتب مؤلفه فى زمن النبى نفسه.
إن جادينولو أستاذ اللغة العربية بجامعة روما كان جاهلا كما كان سيئ النية ولا يمكن أن نستخرج من كتابه «الدفاع عن الدين المسيحى» شيئا ذا بال.
(ج) ابن كثير وحجته اللغوية التاريخية:
لنقل بعض الكلمات عن القرظى صاحب الرأى الفريد الذى خلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى.
ويسمى أبا حمزة محمد بن كعب بن القرظى، وقد ذكر السمعانى نسبه
الكامل وهو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو بن إياس بن حيان بن قرظه ابن عمران بن عمير بن قريظة بن حارث، وهو من المدينة، وقد روى الأحاديث عن ابن عباس وابن عمرو وزيد بن الأرقم وكان من أعظم رجال المدينة فى علمى الحديث والفقه، ومات بالمدينة سنة 108أو 117 (1)، ولم يمكنا جمع مزيد من المعلومات عنه، وحتى نتعرف بدقة على اتجاهاته يجب أن ندرس الأقوال المنسوبة إليه فى تفسير القرآن حتى نرى إذا ما كانت هذه التفسيرات القرآنية مصطبغة بما يسمى «الإسرائيليات»، وهى القصص المأخوذة من التوراة أو من الأجادا أو من التلمود.(1/185)
ويسمى أبا حمزة محمد بن كعب بن القرظى، وقد ذكر السمعانى نسبه
الكامل وهو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو بن إياس بن حيان بن قرظه ابن عمران بن عمير بن قريظة بن حارث، وهو من المدينة، وقد روى الأحاديث عن ابن عباس وابن عمرو وزيد بن الأرقم وكان من أعظم رجال المدينة فى علمى الحديث والفقه، ومات بالمدينة سنة 108أو 117 (1)، ولم يمكنا جمع مزيد من المعلومات عنه، وحتى نتعرف بدقة على اتجاهاته يجب أن ندرس الأقوال المنسوبة إليه فى تفسير القرآن حتى نرى إذا ما كانت هذه التفسيرات القرآنية مصطبغة بما يسمى «الإسرائيليات»، وهى القصص المأخوذة من التوراة أو من الأجادا أو من التلمود.
على أى حال فإن رأيه فى مريم (مريام)، فند على الأقل من قبل ابن كثير كما أوضحنا آنفا لأنه يعتمد على مخالفة تاريخية واضحة حيث يعنى أن داود وسليمان جاءا بعد عيسى وهو ما يتعارض مع القرآن نفسه لأن القرآن يؤكد أن داود وسليمان جاءا بعد موسى كما أكده بن كثير فى الآيات 246 251من سورة البقرة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ََ} حتى {وَقَتَلَ دََاوُدُ جََالُوتَ} ترجمة بلاشير.
وحجة ابن كثير هذه والتى ساقها استنادا على القرآن نفسه ساقها أيضا جورج سال فى ملحوظة (2) حول سورة آل عمران بهذه الكلمات «إن عمران أو عمران اسم لشخصين مختلفين حسب مصادر المسلمين أحدهما كان والد موسى وهارون، والثانى كان والد مريم العذراء (الزمخشرى البيضاوى)، ولكن بعض الكتابات المسيحية تسميه يواقيم والمفسرون يعتقدون أنه أما الأول وإما الثانى هو المقصود بيواقيم فى هذا الموضع وعلى أى حال
__________
(1) أنظر السمعانى الأنساب. ط. د س مرجليوث ليدن 1912 (بدون ترقيم).
(2) القرآن والمسمى جملة «قرآن محمد» ترجم إلى الإنجليزية حديثا من الأصل العربى مع ملاحظات توضيحية مأخوذة من أكثر التفاسير اعتمادا تأليف جورج سال (ص 38) (من الترجمة) لندن 1734.(1/186)
فإن الشخص المقصود فى النص هو الثانى باتفاق وهو المذكور مع مريم أم عيسى والتى جاء اسمها مصحوبا بهارون (القرآن سورة مريم) وبنت أخرى كانت تسمى اشيا أو اليصابات تزوجت زكريا وكانت أم يوحنا المعمدان إذا فحسبما يقول المسلمون يكون عيسى ويحيى أو يوحنا المعمدان أولاد وخاله.
ومن شخصية الأسماء التى تخيلها الكتاب المسيحيون بصفة عامة وهى أن القرآن خلط بين مريم أم عيسى ومريم أو مريم أخت موسى وهارون فلو كانت هذه المفارقة التاريخية صحيحة لكفت وحدها لهدم الادّعاء بصحة هذا الكتاب (1) ولكن لأن محمدا قد يكون جاهلا بالتاريخ القديم وتسلسل أحداثه فقد ارتكب هذا الخطأ الفادح وحتى الآن لا أرى كيف يمكن أن نخرج ذلك من إطار كلمات القرآن.
ولا يتبع ذلك لأن شخصين لهما نفس الأسماء ليس بالضرورة أن يكونا نفس الشخص وعلاوة على ذلك فإن هذا الخطأ الذى لم يتأكد بعدد آخر من الأخطاء فى مواضع أخرى من القرآن فينتج من ذلك أن محمد كان يعرف جيدا بل ويتأكد أن موسى سبق عيسى بعصور عديدة ويؤكد المفسرون ذلك حيث يقولون بفاصل جعلوهما أتباع أشخاص مختلفين الأول ابن شيار إزهار (2) بن كاحاث بن لاوا، والثانى ابن ماثان (3)، ولكنهم عرضوا نسبه بطريقة غير دقيقة من لدن داود حتى كروم (4).
يمكن أن نلاحظ أن مريم العذراء تسمى فى القرآن (5) أخت هارون ولم
__________
(1) أنظر رولاند: محمد الحقيقى (ص 211) مراكشى (ص 115).
(2) الخروج 6، 18.
(3) الزمخشرى البيضاوى.
(4) رولاند (السابق 211).
(5) سورة مريم.(1/187)
تسم أخت موسى التى قد تكون ظلت حية بمعجزة منذ زمنه حتى زمن يسوع المسيح بغية أن تصبح أم عيسى (1).
هذا الرأى الحكيم فى مجمله والحافل بالمعلومات هو أكثر الآراء موضوعية ونجاحا من الناحية العلمية أكثر مما وجدنا بأقلام جريم وهورفيتز وفنسنك وجود فرواديمومبين وباريت ومستعربين آخرين كثيرين بعد قرنين من الزمان إن كاتب هذا النص حقق نجاحا إذا قسناه برولاند لأنه يتخذ موقفا ويدافع عن رأيه بحجج صحيحة منطقيا ولغويا مستفيدا من رولاند والمفسرين المسلمين أمثال «الزمخشرى فى الكشاف والبيضاوى فى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل).
ولا يمكن أن نحدد ما إذا كان سال قد قرأ الحجة الموجودة فى تفسير ابن كثير لأنه هو نفسه لم يذكر ذلك وقد يكون توصل إلى هذه الحجة بطريقة مستقلة.
__________
(1) ف. جادنيولو (ضد أحمد السابق ص 279).
(1). 972.
01 ..(1/188)
خاتمة
وبعد هذا الحديث المستفيض نصل إلى الخلاصة:
1 - إن العبارة القرآنية {يََا أُخْتَ هََارُونَ} مريم آية 28لا يعنى سوى «يا سليلة هارون» فالاتهام بالزنا والذى رمى به اليهود مريم أم المسيح أصبح أكثر شناعة قياسا إلى أنها من عائلة مقدسة، ويؤكد «لوقا» هذا النسب لأن مريم قريبة الياصبات أم يوحنا المعمدان، كما يؤكد هيوليت أن اليصابات بنت خالة مريم كما تؤكد المصادر المسيحية هذه القرابة.
2 - وبهذه الطريقة فهمه يهود ونصارى المدينة والجزيرة العربية، ومن وجهة النظر اللغوية فإن استعمال أخ أو أخت أو يا أخا أو يا أخت وبعدها اسم عشيرة أو قبيلة أو بلد يكون بمعنى يا سليل هذه العشيرة أو هذه القبيلة أو البلد وهو استعمال كان وما يزال شائعا فى تاريخ اللغة العربية، وقد أشار إليه الطبرى وتبعه كثير من المفسرين المسلمين، وقد ذكر لذلك أمثلة عديدة ونحن أيضا ذكرنا أمثلة أخرى من القرآن نفسه ومن كلام الكتاب الكبار وهى أمثلة تصل إلى حد الوفاء بالموضوع وأكثر.
3 - نعتقد أيضا أن تعبير «يا أخت هارون» لم يثر أية مشكلة فى حياة النبى وما ذكره مسلم والنسائى والترمذى مع تحفظ لما ذكره الطبرى فى موضوع الحوار الذى دار بين المغيرة بن شعبة الذى أرسله النبى إلى نجران وأهل تلك البلاد هو فى رأينا مختلق لتأييد أن هذا الاعتراض أجاب عنه النبى نفسه.
ومن ناحية أخرى مما ذكره الطبرى وأيده فخر الدين الرازى من أن مريم كان لها أخ يسمى هارون مرفوض لعدم استناده على أى معطيات تاريخية.
4 - ويمكننا أن نتساءل ما الذى جعل الأول يصيغ هذا الاتهام بالمخالفة التاريخية أو الخلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى؟ إن أول كاتب مسيحى ذكر ذلك هو يوحنا الدمشقى (ت 749)، وإذا لم يكن هو صاحب هذا الاتهام فيمكن أن نعزوه إلى مسيحى الشام فى نهاية القرن الأول
الهجرى والسابع الميلادى أو الثلث الأول من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، حيث جمعه يوحنا الدمشقى وأورده فى كتابه.(1/189)
4 - ويمكننا أن نتساءل ما الذى جعل الأول يصيغ هذا الاتهام بالمخالفة التاريخية أو الخلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى؟ إن أول كاتب مسيحى ذكر ذلك هو يوحنا الدمشقى (ت 749)، وإذا لم يكن هو صاحب هذا الاتهام فيمكن أن نعزوه إلى مسيحى الشام فى نهاية القرن الأول
الهجرى والسابع الميلادى أو الثلث الأول من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، حيث جمعه يوحنا الدمشقى وأورده فى كتابه.
5 - ومن خلال هذا يصبح هذا الاتهام واحدا من الاتهامات الموجهة دائما إلى القرآن والنبى محمد منذ القرن الثامن حتى يومنا هذا من قبل رجال دين وأيضا بعض العلماء فى مجادلاتهم ضد الإسلام ودراساتهم العلمية وملاحظاتهم.
6 - وحتى نجيب على ذلك بحديث المغيرة بن شعبة مختلق ومنتحل وأورده بعض المنتحلين والمؤرخين.
7 - وحجة أخرى غير الحجة «السنية» نجدها عند ابن كثير وهى حجة عقلية قائمة على النقد التاريخى وهى أنه من المستحيل أن يورد القرآن تلك المفارقة التاريخية وهذا الخلط بينما يحتاط للفارق الزمني فى آيات أخرى وهو الفارق بين زمن هارون وزمن مريم أم عيسى.
وهذه الحجة القاطعة تبعها جورج سال فى ملحوظة فى هذا الموضع من الترجمة الإنجليزية للقرآن والتى ظهرت فى 1734، ويؤكد أنه من المستحيل أن يقع القرآن فى هذا الخلط بين مريم أم عيسى ومريم أخت موسى وهارون لأن هذه المفارقة تكون حسب هذه الألفاظ متعارضة مع كثير من المواضع القرآنية ويبدوا فيها محمد على دراية تامة بأن موسى يسبق عيسى بعصور عديدة.
8 - إذا فمن الغريب جدا أن نجد جريم وهورفيتز وفنسنك وبلاشير وجود فروا ديمومبين وباريت، حتى وهم يتحفظون ويستعملون الشرط يكررون نفس الاتهام دون أى دليل ودون أن يتحملوا عناء مناقشة الحلول التى اقترحها المفسرون المسلمون وأيدها بعض الكتاب الأوربيين أمثال رولاند و چورچ سال وعندهم أن هذا الاتهام حكم مسبق لا دليل عليه.
ويمكن أن نفهم مثل هذا الموقف من قساوسة ورجال دين ومبشرين مثل يوحنا الدمشقى ونيكولا دى كوزى وجودنيولو وغيرهم، لكننا لا نفهمه عند ما يتعلق الأمر بعلماء يفترض فيهم الموضوعية وعدم الانحياز.(1/190)
الفصل الثالث عشر «قضية هامان»(1/191)
من أحد المشاكل التى أثارها منتقدو القرآن هى تلك المتعلقة بهامان والذى ذكر اسمه فى القرآن ست مرات كمساعد ووزير لفرعون وهذه هى الآيات التى ذكر فيها اسمه.
1 {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهََامََانَ وَجُنُودَهُمََا مِنْهُمْ مََا كََانُوا يَحْذَرُونَ}.
(1)
2 {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهََامََانَ وَجُنُودَهُمََا كََانُوا خََاطِئِينَ}.
(2)
3 {فَأَوْقِدْ لِي يََا هََامََانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى ََ إِلََهِ مُوسى ََ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكََاذِبِينَ}.
(3)
4 {وَقََارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهََامََانَ وَلَقَدْ جََاءَهُمْ مُوسى ََ بِالْبَيِّنََاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمََا كََانُوا سََابِقِينَ}.
(4)
5 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا مُوسى ََ بِآيََاتِنََا وَسُلْطََانٍ مُبِينٍ * إِلى ََ فِرْعَوْنَ وَهََامََانَ وَقََارُونَ فَقََالُوا سََاحِرٌ كَذََّابٌ}.
(5)
6 {وَقََالَ فِرْعَوْنُ يََا هََامََانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ * أَسْبََابَ السَّمََاوََاتِ فَأَطَّلِعَ إِلى ََ إِلََهِ مُوسى ََ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كََاذِباً}.
(6)
من هذه الآيات يتضح أن هامان لا بد أن يكون وزيرا لفرعون، ولهذا فإن قدامى مفسرى القرآن أكدوا أن هامان كان وزير فرعون مصر الذى كان له مع موسى قصة، والمشكلة الوحيدة التى تثور هنا فى هذه الآيات ما إذا كان هامان قد بنى فعلا هذا الصرح، فالبعض يؤكد أن الصرح قد بنى فعلا ويحكى أن هامان استدعى 50ألف بناء لإنجاز هذه المهمة حتى تم الصرح.
__________
(1) سورة القصص، آية (6).
(2) سورة القصص، آية (8).
(3) سورة القصص، آية (38).
(4) سورة العنكبوت، آية (39).
(5) سورة غافر، آيتى (23، 24).
(6) سورة غافر، آيتى (36، 37).(1/193)
وعندئذ صعد فرعون عليه ثم رمى السهم نحو السماء فتحولت إلى بقع من الدم وعندئذ قال فرعون: «لقد قتلت إله موسى»، بينما يرى بعض المفسرين الآخرين أن فرعون لم يبن هذا الصرح لأنه حسب قول الفخر الرازى أى شخص عاقل يستبعد أن يفكر فى صعود برج أيا كان ارتفاعه ليقترب من السماء، وفى الحقيقة أن من يصعد جبلا عاليا يرى السماء أبعد مما يراها من على الأرض، وأى رجل عاقل يعرف تماما أنه لا يمكن عمل سهم يلمس السماء، وكل من حاول القيام بعمل مثل هذا يعد مجنونا، فلا يمكن حسب الدين ولا حسب العقل أن نفسر هذه الآيات بطريقة يرفضها العقل بالضرورة، وكذلك يؤكد الرازى أن التفسير الأكثر تصديقا هو أن نقول أن فرعون أعطى تلميحا ببناء هذا الصرح لكنه لم يبنه فى الحقيقة، وقول فرعون بهذه الكلمات (يا هامان ابن لى صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات) «كان هذا من باب السخرية ليثبت أنه من المستحيل اثبات وجود إله موسى وإلا سيطلع إلى السماوات ليتأكد إن كان ذلك ممكنا وأى ارتفاع على أي برج حتى أعلى ارتفاع ممكن، وبهذا التفسير الرائع استطاع فخر الدين الرازى (1) أن يلقى الضوء على عبثية كلام فرعون.
ولكن لا أحد من المفسرين المسلمين أثار أية مشكلة فيما يتعلق بشخصية هامان وهذا يقتضى أنه لا أحد من النقاد المسيحيين أو اليهود للقرآن فكر فى إثارتها وإلا لوجدت إجابة واضحة من المدافعين المسلمين عن القرآن، وفى الواقع أنه لا أحد من المجادلين المسيحيين من لدن يوحنا الدمشقى حتى عصر النهضة أثار هذه المشكلة فيما يخص هامان (2) ولكننا نجد ذلك فقط فى المجادلات المسيحية الحديثة.
وحتى لا نذهب بعيدا فى تاريخ المجادلة المسيحية فى هذا الموضوع نكتفى
__________
(1) فخر الدين الرازى، تفسير القرآن القاهرة (ج 24ص 53)، وتوجد مسودة من أصله عند عبد الجبار، تنزيه القرآن (ص 310).
(2) عادل تيودور خورى علماء اللاهوت البيزنطيين والإسلام، لوقان 1969.(1/194)
بكلام تيودور نولدكه» «المستشرق الألمانى الشهير فى مقال نشر أولا فى الموسوعة البريطانية الطبعة التاسعة (مج 16ص 597 حوالى عام 1887) (1) حيث يقول: أكثر جهلاء اليهود لا يمكن أن يخلطوا بين هامان (وزير أحشويروش) وهامان وزير فرعون (لمحات السابق ص 30).
هذا البرهان القاطع لنولدكه يقتضى الملاحظات الآتية:
1 - من أى جهة زعم أن هامان فى القرآن هو نفس هامان المذكور فى سفر استر (15113، 7) المقرب من الملك أحشويروش ملك الفرس وزوج استر، فلا فى التوراة ولا فى الأساطير اليهودية الأجادية (2) ولا الأخرى فليس لهامان هذا قبله ببناء البرج الشهير ببابل (سفر التكوين الأصحاح 11، 91)، والذى يبدو أنه بنى بعد الطوفان بقليل وبعد نزول نوح ومن معه، ومن ناحية أخرى فإن عاصمة شوشن كانت قلعة شوش فى سوسيانا وهى فى أرض فارس أصلا وليست لها أية علاقة ببابل أو بابليون (سفر استر 1، 2 3)، وهامان هو ابن همداثا من بلاد الأجاجى (أسنير 14)، وهى بلاد قديمة مجهولة، إذا فالتوراة التى زعم أنها مصدر القرآن فى هذه القضية لا تربط هامان لا ببابل ولا ببرج بابل، من أين يأتى إذا الخلط إن وجد بين هامان وزير الملك أحشويروش وهامان المذكور فى القرآن؟
ولكن نولدكه لا يحاول إثبات قضيته التى لا برهان عليها وهو شىء مدهش من جانب رجل يشعر بأنه «عالم كبير» وأحد أعمدة الاستشراق!
2 - وإذا كان الأمر كما قال من أن أكبر جهلاء اليهود بالمدينة لم يخلط بين هامان وزير أحشويروش وهامان وزير فرعون ومحمد بالتأكيد قد سمع من فم هؤلاء الجهلاء اليهود هذا الاعتراض وصحح هذا الخطأ الكبير المزعوم وهذا الخطأ من المفترض أن لا يبقى فى النص القرآنى المنقول بعد ذلك، بينما هذا النص موجود فى القرآن منذ نزوله حتى اليوم.
إذا فافتراض نولدكه خطأ محض وعبث.
__________
(1) مذكور فى كتابه «لمحات من التاريخ الشرقى 1892ص، 21، 59».
(2) هي القسم التاريخى من العهد القديم الذي ينقسم إلى:
(4) الهالاخاة (العقيدة). (ب) الآجاداة (التاريخ).(1/195)
وافتراض آخر ليس أقل عبثا من هذا وهو افتراض موريس جودفروا ديمومبين، فبعد أن ذكر الآيات السابقة على هذا الشكل المختصر الآتى: «وقال فرعون يا هامان أوقد لى على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى» ثم قال هذه ذكرى نورانية ولا تخلو من خلط، فهامان هذا كان معروفا بأنه عدو لدود لليهود: وفى الآية القرآنية له صلة بفرعون وقارون أغنى رجل فى الأرض وهم ثلاثة مسهم الشيطان كما سجل الشعر العربى القديم (1).
هذا النص ليس واضحا لأنه يخلط بين الشخصيات الثلاثة ولا يحدد فى أى شىء يكون هذا الخلط الذى يتحدث عنه، وهو أقل وضوحا من نولدكه، ومن ناحية أخرى فإن القول بأن هامان كان معروفا بأنه عدو لدود لليهود لا يوضح لماذا اعتبر فى القرآن وزيرا لفرعون، فلقد كان لليهود أعداء آخرون ألد منه أيضا ومذكورون فى التوراة ولكن القرآن لم يذكر عنهم شيئا ومن باب أولى لم يلحقهم بفرعون.
إذا فكلام جود فرواديمومبين أكثر غباء أيضا وينم عن غموض مطبق فى تفكيره.
بعد أن بينا وجه الحق فى مزاعم نولدكه جود فرواديمومبين الآن ما هى تلك المشكلة الكاذبة فى موضوع هامان:
فى رأينا أن هامان المذكور فى الآيات القرآنية الستة المذكورة آنفا ليس اسم شخص ولكنه لقب للكاهن الأكبر لفرعون، فلقد علمنا من تاريخ مصر أن الكاهن الأعظم لأمون تقلد بدءا من الأسرة التاسعة عشر سلطة كبيرة من الفرعون انتهت بأنه سيطر على النيل الأعلى وأصبح قائد الجيوش ونائب ملك (كوش) والخازن الأعظم للامبراطورية والمسئول الأعلى عن أبنية الآلهة (2)
فى الواقع أصبح وزير فرعون فى كل الأعمال العامة والأموال (3)، ومن بين الألقاب التى أطلقت على الوزير بتاح حتب نذكر «مراقب جميع أعمال الملك» (المرجع السابق) إذا فالكاهن الأعظم لأمون كان يشغل منصب وزير فرعون.
__________
(1) موريس جودفروا ديمومبين محمد باريس (ص 360).
(2) أنظر أ. هـ برشتد، تاريخ مصر (ص 520).
(3) دوما حضارة مصر الفرعونية باريس 1965ص 158.(1/196)
واقترحت الآتى: اسم (هامان) فى القرآن موافق (اسم آمون)، والتقارب بين الاسمين سهل جدا لأن آمون ينطق أيضا «آمانا» (أنظر الموسوعة البريطانية ج 1ص 321ط 1932) ويقصد به اختصارا الكاهن الأعظم كما يعنى لقب «فرعون» ملك مصر فإن لقب هامان يعنى فى المصادر الشفوية وزير فرعون.
وبافتراضات هذا يتضح بجلاء وبسهولة القول بأن الذى فى القرآن وهو وزير فرعون الذى كانت له قصة مع موسى يسمى (هامان)، ولا توجد أى مشكلة هنا فى هذا الموضوع، وكل الانتقادات الموجهة فى هذا الصدد فاسدة ومغرضة.
ولكن نولدكه فى هذا الجزء من (لمحات ص 30) يبدو سيّئ الفهم، فبعد نقده المتعلق بهامان ومريم يقول «بالإضافة إلى هذه الأخطاء فهناك تحريفات متنوعة حسب المزاج وإحداها خطيرة جدا وتتعلق بمحمد نفسه فبناء على جهله بأى شىء خارج الجزيرة العربية فإنه يتكلم عن خصوبة مصر حيث المطر أحيانا لا يرى وأحيانا لا يفتقد، فالاعتماد على المطر يعد بديلا عن فيضان النيل [يوسف 49].
هذا النقد قبيح وسخيف ويتم على عن جهل مطبق لدى نولدكه الشهير جدا وعن جهل باللغة العربية وكذلك بشئون مصر:
1 - أولا الآية التى يستشهد بها هى بالنص هكذا {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ عََامٌ فِيهِ يُغََاثُ النََّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (1).
يغاث تعنى يسعف (2) وليس الكلام هنا صريحا عن المطر ولكن نولدكه وقع فى الخطأ بسبب مترجمين أوربيين للقرآن والذين ترجموا هذه الكلمة على حريتهم بدلا من أن يترجموها اعتمادا على بعض المفسرين المهتمين بشرح وتسهيل فهم النص مثل السيوطى وحتى هؤلاء المترجمين الأوربيين قرأهم نولدكه بشكل سيئ ومتسرع، فمثلا ترجم چورچ سال هذه الآية هكذا «ثم يأتى بعد ذلك عام سيمطر للناس مطرا غزيرا ويؤدى ذلك إلى أن يصنع الناس الخمر والزيت»، ثم تسرع فى ملحوظة تحت الصفحة ووجه نقدا من نوع
__________
(1) سورة يوسف، آية. 49.
(2) أنظر تفسير الرازى (مج 18ص 125، وأبو حيان مج 5ص 314)(1/197)
نقد نولدكه فيقول: «برغم أن بعض الكتاب القدامى كتب عن التناقض (أفلاطون وبوحب) فلو كانت تمطر غالبا فى الشتاء فى الدلتا وأحيانا تلاحظ تلوج تسقط على الإسكندرية مخالفة لما قاله (سنيكا)). 41 (،
وفى الصعيد عند شلالات النيل تمطر فى أحيان كثيرة، ومع ذلك يفترض البعض أن الأمطار المذكورة بقصد بها تلك التى تسقط على الحبشة أثناء فيضان النيل (1).
إن المصريين الذين يعيشون فى الدلتا والوجه البحرى يعرفون تماما أن الجو يمطر بغزارة فى الشتاء خلال شهر إلى أربعة شهور (من ديسمبر إلى مارس) وأن زراعة القمح والشعير والفول الخ تعتمد تقريبا على المطر الذى ينزل فى هذا الفصل، وأعرف تماما أن نولدكه لم يغادر أوربا ولم تطأ قدمة خلال حياته الطويلة (19311836)، أى بلد عربى أو إسلامى، فمن أين كانت مصادره للدراسات العربية والاسلامية! ولكن ألم يقرأ ترجمة القرآن لسال والمشهورة جدا فى القرن الثامن عشر، يبدو أنه يهذى إن خطأ نولدكه هنا مزدوجا: فهو لم يفهم النص العربى للآية (49) من سورة يوسف، ثم أنه يؤكد أنه فى مصر لا يرى المطر ولا يفتقد وهو خطأ عظيم لا يرتكبه أى طفل مصرى.
__________
(1) القرآن مترجم على الإنجليزية من الأصل العربى (چورج سال) وظهرت هذه الترجمة عام 1734.
متوسط المطر الذى يسقط على الإسكندرية وشمال الدلتا يقدر ب 206ملليمتر (8 بوصة)، وعلى القاهرة 33ملليمتر، أنظر سوجات، افريقيا لندن، هارب 1974(1/198)
المحتويات
الموضوع الصفحة
مقدمة المؤلف 5
الفصل الأول: ماذا يعني الوصف «أمى» الذى يطلق على النبى صلى الله عليه وسلّم 9
الفصل الثانى: الموازاة الخاطئة بين القرآن والعهد القديم 21
الفصل الثالث: معنى كلمة «فرقان» 55
الفصل الرابع: الافتراضات الخيالية لمرجوليوث 63
الفصل الخامس: إجناتس جولدتسهير والقياس الخاطئ بين الإسلام واليهودية 73
الفصل السادس: الصابئون فى القرآن 83
الفصل السابع: الرسل فى القرآن 93
الفصل الثامن: قراءة هللينية خيالية للقرآن 99
الفصل التاسع: هل للبسملة مصدر فى العهد القديم؟ 105
الفصل العاشر: فشل كل محاولة لترتيب زمانى للقرآن 109
الفصل الحادى عشر: مشكلة الألفاظ الأعجمية فى القرآن 131
الفصل الثانى عشر: حول النداء القرآنية «يا أخت هارون» 151
الفصل الثالث عشر: قضية هامان 191(1/199)