المجلد الأول
المقدّمة
لا شكّ أن للبلاغة العربيّة أهميّتها وضرورتها لكلّ من الناقد والأديب والمتخصّص في ميدان اللغة العربيّة وآدابها. ولا يخفى ما للبديع، وهو العلم الذي لا غنى عنه لتتألّف البلاغة العربيّة، من أهميّة لا تقلّ عمّا لعلم البيان وعلم المعاني من أهميّة، وهو الفنّ الذي تناوله ابن حجّة الحمويّ في خزانة الأدب هذه، وذلك من خلال فنّ «البديعيات».
ولمّا كان ابن حجّة الحمويّ يجمع في بديعيّته بين تضمين ألفاظ البيت، ما يشير إلى نوع المحسّن اللفظيّ أو المعنويّ الذي بناه عليه، وبين رقّة الشعر وجمال النظم وسلاسته، مقتديا بعزّ الدّين الموصلّي وصفيّ الدّين الحلّيّ اللذين سبقاه إلى نظم «البديعيات»، فقد زاد بذلك عليهما، إذ جمع في بديعيّته مئة وسبعة وأربعين نوعا من المحسّنات البلاغية اللفظيّة والمعنويّة، وله الفضل في تسمية أنواع عديدة، منها:
التصدير، والالتزام وغيرهما. وربّما كان «شرحه» (1) لبديعيّته أهمّ من البديعيّة نفسها، إذ إنّه جعله شرحا مطوّلا، حوّله فعلا إلى «خزانة أدب» أودعها كثيرا من علمه ومعرفته ونوادره وطرائفه، والمساجلات الأدبية التي نشأت في عصره (القرن التاسع الهجريّ)، فغدت خزانته موسوعة تجمع بين اللغة والأدب والبلاغة والنقد والشعر والنثر والتاريخ والتراجم. حتى ليمكن اعتبارها أيضا مرجعا خاصّا مهمّا لشعراء العصرين الأيّوبيّ والمملوكيّ فضلا عن كونها مرجعا عامّا له قيمته العلمية والأدبية، وأثره البالغ في الكتب الأدبية والبلاغية والنقديّة التي تلته.
إلّا أنّ هذا كلّه كان مخطوطا أو مطبوعا دون تحقيق، تنازعته أقلام النسّاخ، والآن تتنازعه دور الطباعة ودور المخطوطات، دون أن يعمد أحد حتّى الآن إلى تحقيقه
__________
(1) سأبيّن قيمة هذا الكتاب العلمية، وأثره في قسم الدراسة.(1/5)
تحقيقا علميّا أو إلى تقديمه بشكله الصحيح كما وضعه المؤلّف للإفادة منه، مع العلم أنّ لهذا الشرح أهميّة كبيرة لدارسي الأدب والبلاغة والنقد واللغة، وللمتخصّص باللغة العربية وآدابها بشكل عامّ.
ثم إنّ الطبعات المختلفة لهذا الكتاب، لم تعتمد إجمالا التحقيق السليم بمعناه العلميّ، وأبسط دليل على ذلك أنّ أيّا من تلك الطبعات لم تشر إلى أيّة نسخة أصليّة مخطوطة اعتمدت عليها، كما أنّ هذه الطبعات لم تعتمد مبدأ التحقيق من حيث المقارنة بين نسختين مخطوطتين على الأقلّ، للتحقّق من ورود المعلومات في النسخ جميعها بصيغة واحدة أو متطابقة، ولو وجدت بين هذه الطبعات أيّة طبعة محقّقة (1)
لهذا الكتاب الضخم، لما أقدمت على تحقيقه، ولما كان هناك أيّ داع لتكبّد مشقّات التحقيق ومخاطره.
وهذا ما دفعني إلى تحقيق هذه «الخزانة» لعلّها تنقل من مستوى المخطوطات المغمورة إلى مستوى المطبوعات «المحقّقة» المنشورة، فتعمّ الفائدة ويتحقّق بذلك الهدف من تأليفها، ولا سيّما إذا علمنا أنّ الدراسات البلاغيّة باتت اليوم نادرة إذا ما قورنت بالدراسات الصرفية والنحويّة، ولا سيّما الدراسات التي تتناول العصرين المملوكيّ والأيّوبي بناحية من نواحيهما.
ولهذا كان من أهمّ أهداف التحقيق تحقيق الأهداف التالية:
تحقيق هذا الكتاب الضخم تحقيقا، وكشف اللثام عن وجهه، وإعداده ليكون بين أيدي طلبة العلم، مرجعا للدراسة البلاغية ومصدرا تاريخيّا وأدبيّا، وهذا من حقّ العلم على كلّ منّا، ما دمنا نهدف إلى استقصاء المصادر والمراجع المفيدة، وإقامة الدراسة على أسس قويّة ودعائم متينة.
الإسهام في بيان الشخصية المملوكية في تاريخ العلوم الأدبية والبلاغية، فإن هذه الخزانة تتناول البديع عامّة من خلال البديعيات وشرحها، ومن خلال بحر غزير من شواهد القرآن والحديث والشعر والأمثال والأقوال. وبتحقيق هذه الخزانة قد
__________
(1) ومن ينظر في طبعة دار ومكتبة الهلال بشرح عصام شعيتو، وهي غير محققة، يجد الكثير من الأخطاء في الشرح وفكّ الكلمات والتصحيف والتحريف وغيرها، وقد نبّهت إلى تلك الأخطاء في حواشي هذا الكتاب.(1/6)
تفتح نافذة كبيرة على عصر ابن حجّة على صعيد الناحيتين البلاغية والأدبية.
الإسهام في بعث جانب من جوانب ذلك العصر المديد الذي يعتبر أسوأ العصور حظّا وأقلّها عناية من حيث اهتمام الباحثين به.
المشاركة في إحياء المصنّف بإحياء هذا المصنّف، لما يمثّله مع بعض ناظمي البديعيات وشرّاحها من اتّجاه بلاغيّ أدبيّ يميل إلى الدراسة الفنيّة التطبيقيّة، وإن كان يعمد أحيانا إلى إصدار أحكام نقديّة انفعاليّة، إلّا أنه بعيد عن الدراسة الفلسفية التجريديّة.
وضع ابن حجّة موضعه بين علماء البلاغة عامة، وعلماء البديع خاصّة، ممّن سبقه وممن لحقه، وبيان ما له من أصالة وتقليد وأثر وتجديد، وإظهار ما لكتابه هذا من قيمة وأثر على صعيد الأدب واللغة والنقد والبلاغة.
خدمة اللغة العربية وأدبها بإثارة أحد الكنوز الدفينة للتراث الأدبيّ البلاغيّ المكتوب والمغمور، محقّقا تحقيقا علميّا مستندا إلى قواعد تحقيق المخطوطات.
إظهار أهميّة الخزانة في البلاغة العربية والأدب العربيّ، إذ هي «مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبيّة، ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر» (1) العصرين الأيّوبيّ والمملوكيّ، لكفاه.
إبراز الأثر الكبير الذي تركته هذه الخزانة عند من جاء بعد ابن حجّة الحمويّ من ناظمي البديعيّات وشارحيها، كعائشة الباعونيّة، وجلال الدين السيوطيّ، وصدر الدين بن معصوم المدنيّ، وعبد الغني النابلسيّ، الذين لم يبلغوا ما بلغه ابن حجّة في شرحه لبديعيّته من توسيع وتفصيل وشرح، حتى غدا شرحه «خزانة» بكلّ ما لهذه الكلمة من دلالة على السّعة والشرح المسهب، بالإضافة إلى إلمام ابن حجة بكلّ ما سبقه إليه صفيّ الدين الحلّيّ وعزّ الدّين الموصليّ وغيرهما من ناظمي البديعيّات، كتضمين ألفاظ البيت ما يشير إلى نوع المحسّن اللفظيّ والمعنويّ، ورقّة الشعر وجمال النظم.
تبيان ما أضافه ابن حجّة على من سبقوه إلى علم البديع من شواهد وتسميات
__________
(1) من تفريظ أحمد بن حجر العسقلاني على النسخة «ك».(1/7)
للأنواع اللفظيّة والمعنويّة، وبهذا يكون قد فاق أبرز ناظمين سبقاه إلى نظم البديعيّات هما: عزّ الدين الموصلّيّ، وصفيّ الدين الحلّيّ، بالإضافة إلى شرحه المسهب لبديعيّته حتّى غدت فعلا «خزانة أدب» اسما على مسمّى، فيها الكثير من علم ابن حجّة ومعرفته ونوادره وطرائفه البلاغيّة والأدبيّة وغيرها، كما تعكس خزانته المساجلات الأدبية التي دارت في عصره، وكان لها أكبر الأثر في تحريك عجلة النقد الأدبيّ الفنيّ، كما تضمّنت الكثير من اللغة والنقد والشعر والنثر والتاريخ والتراجم والمناظرات على أنواعها.
إحياء علم البديع من جديد عن طريق إحياء أثر كبير هامّ من آثاره، ولا سيّما إذا علمنا أنّ علم البلاغة عامّة والبديع خاصّة قد أهملت دراسته لأسباب كثيرة منها:
1 - تكلّف بعض الكتّاب والأدباء «البديع» وزخرفتهم المصطنعة حتّى بدا هذا العلم على غير حقيقته البديعة.
2 - لجوء الكتبة ورجال الصحافة والمنشئين عموما إلى الكتابة العلميّة الجافّة، والتي توصل المعلومة إلى المتلقّي من أقرب طريق، فابتعد القارئ عن التذوّق الجماليّ الفنّيّ للكلمة والعبارة، ومن ثمّ ابتعد عن التذوّق الأدبيّ، نظرا إلى ما لعلم البديع من علاقة بالجمال والفنّ والأدب.
وهذا الإهمال لدراسة علم البديع في بعض جوانبه يدفعني إلى القول: إنّ علم الصرف قد وضع على نار التأليف حتى نضج واحترق، وعلم النحو قد نضج ولمّا يحترق، أمّا علم البلاغة فلمّا ينضج ولم يحترق.
ولا ننسى ما لعلم البديع من أثر بالغ في الأدب شعرا ونثرا، أو ما له من علاقة كبيرة بالفنّ والجمال اللفظيّ والمعنويّ، حتى أطلق «البديع» في بداية الأمر على كلّ أقسام البلاغة.
ولعلّ أهمّ «جديد» في هذا البحث هو التحقيق ذاته، لتحقيق الإفادة المرادة منه والأهداف الآنفة الذكر. ويتمثّل هذا الجديد أيضا بنقطتين:
أتزويد المكتبة العربيّة للمرّة الأولى ب «خزانة الأدب» محقّقة تحقيقا علميّا رصينا، لعلّها تكون بهذا إنجازا أدبيّا لغويّا بلاغيّا كبيرا، ومصدرا مهمّا لشعراء العصرين الأيوبيّ والمملوكيّ الذين لم يرد أدبهم في غير هذه الخزانة، وذلك بعد أن
نزعت عنها ثوب الظلام الماضي البالي، وألبستها من ثياب هذا العصر ما يجعلها، إلى حدّ مقبول، قريبة من متناول طلّاب العلم، مقبولة، دانية قطوفها لتؤتي أكلها من يشاء.(1/8)
أتزويد المكتبة العربيّة للمرّة الأولى ب «خزانة الأدب» محقّقة تحقيقا علميّا رصينا، لعلّها تكون بهذا إنجازا أدبيّا لغويّا بلاغيّا كبيرا، ومصدرا مهمّا لشعراء العصرين الأيوبيّ والمملوكيّ الذين لم يرد أدبهم في غير هذه الخزانة، وذلك بعد أن
نزعت عنها ثوب الظلام الماضي البالي، وألبستها من ثياب هذا العصر ما يجعلها، إلى حدّ مقبول، قريبة من متناول طلّاب العلم، مقبولة، دانية قطوفها لتؤتي أكلها من يشاء.
ب إظهار آراء ابن حجّة الحمويّ واجتهاداته وإضافاته وجديده ودوره في علم البديع، وذلك بالمقارنة مع من سبقه إلى هذا المضمار، مشيرة إلى من أتى بعده كصدر الدين بن معصوم الحسينيّ المدنيّ، وعبد الغني النّابلسيّ، وغيرهما ممّن تأثّر به تأثّرا كبيرا، كلّ ذلك بمنهج وصفيّ تحليليّ نقديّ مقارن.
خطّة هذا البحث ومنهجه:
وقد قسّمت هذا البحث إلى قسمين:
أالقسم الأوّل: يدور في دائرة «البديع والبديعيات»، وذلك لبيان منزلة المؤلّف بين علماء البلاغة ولا سيّما أصحاب هذا الفنّ، وإظهار مرتبة «بديعيّته وشرحها» بين تلك البديعيات والكتب التي تناولت هذا الموضوع، بالإضافة إلى ذكر آراء ابن حجّة واجتهاداته وإضافاته ودوره في علم البديع، وذلك بمقارنة كتابه هذا بغيره من كتب البديعيات، من خلال منهج يعتمد على الوصف والاستقراء والنقد والتحليل لاستخلاص ما تميّز به عن غيره في موضوع البديع والبديعيّات.
وتتلخّص خطّة هذا القسم بعرض فصل في علم البديع من حيث فائدته وموقف النقّاد منه، وعلاقته بغيره، ونشأته وتطوّره حتى عصر ابن حجة، وإفراد فصول أخرى في البديعيات، ونشأتها، وتطوّرها، وأهدافها، وشروطها، وموضوعها، وأثرها، وأسماء ناظميها، وعرض لأهمّها وأبرزها مع التركيز على دراسة بديعية ابن حجّة دراسة مقارنة تحليلية، لإبراز أهمّيتها وأهميّة «شرحها» والجديد الذي أتت به على صعيد البديع وغيره، وأثرها في الأدب والبلاغة والنقد واللغة، وما قاله العلماء والنقّاد فيها وفي «شرحها» وما أخذ عليها وعلى شرحها من مآخذ، منهية هذا القسم بخاتمة أبيّن فيها ما تميّز به هذا الكتاب عن غيره ممّا تناول موضوع البديع والبديعيّات، وعارضة فيها ملخّصا لأهمّ النتائج التي توصّلت إليها في هذا البحث.
ب القسم الثاني: يتناول كتاب «خزانة الأدب وغاية الأرب» بالتحقيق، اعتمادا على النسخ المخطوطة والمراجع اللازمة على اختلافها.(1/9)
أمّا منهج التحقيق وخطواته فتتلخّص بما يلي:
بعد جمع النسخ، رتّبتها تبعا لأهميّة كلّ منها وقيمتها (1)، فاعتمدت منها أوفرها قيمة، وأفضلها مرتبة، وأصحّها نصّا، وأكثرها دقّة، وهي كما سيأتي النسخة ذات الرقم (5971)، التي رمزت إليها ب «ك»، لتكون الأساس الأوّل والأصل الأمّ، لتحقيق كتاب «خزانة الأدب وغاية الأرب» ولإثبات نصّه، مؤثرة هذه النسخة المخطوطة على النسخ الأربع التي تليها، لما تميّزت به عنها من تمام وجودة في الخطّ، وصحّة ودقّة في الضّبط، ولما تعرّضت له من معارضات ومقارنات ومقابلات بالأصل المنقولة منه، وبنسخ أخرى، ولما عليها من قراءات ومطالعات وتقاريظ، ولقدم عهدها وقربه من تاريخ التأليف، ثم تليها النسخة «د»، فالنسخة «و»، فالنسخة «ب»، ثم المطبوعة «ط» كنسخة متأخّرة.
ثمّ عمدت إلى معارضة هذه النسخ الخمس، بعد أن رمزت إلى كلّ منها بحرف، وشدّدت على مقابلتها ومقارنتها بعضها ببعض، بكلّ تأنّ ورويّة ودقّة وأمانة، فلم أترك شاردة أو واردة إلّا وأخذت بناصيتها، وذلك لإيماني بأنّ التحقيق أمانة جليلة وأمر خطير، يحتاج من الجهد والطاقة، والعناية والدقّة، إلى أكثر ممّا يحتاج التأليف.
ولقد كان اجتماع هذه النسخ لديّ (المخطوطة والمطبوعة) عنصرا مساعدا على ترجيح الرواية الصحيحة للكتاب، وقد جهدت لإثبات ما هو منه وحذف ما ليس منه، مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية، حرصا على أمانة النصّ العلمية، ولا سيّما أن الإشارة إلى موضع الإثبات والحذف قد تكون مفيدة فتعين القارئ على تفهّم النصّ من جهة أخرى، كما حاولت تخليص النصّ ممّا لحق به من التصحيف والتحريف، وتصحيحه من الأخطاء، وتقويم ما اعوجّ منه، وتهذيب ما اختلّ، وإثبات الرواية الصحيحة، أو ما اعتقدتها صحيحة، في المتن وغيرها في الحاشية.
ولمّا كان الهدف من التحقيق هو إحياء التراث الفكريّ وإظهاره على الملأ صحيحا سليما تامّا أو أقرب ما يكون إلى ما خطّه قلم المؤلّف في نسخته البكر، وفاء
__________
(1) تكمن قيمة النسخ وأهميتها في اعتبارات كثيرة منها: القدم، والصحّة، وو سيأتي الكلام على أوصاف هذه النسخ وأهميتها.(1/10)
للتراث، واعترافا بما قدّم السّلف، كان لزاما عليّ أن أحترم النصّ فأخرجه كما وضعه المؤلّف دون المساس بجوهره، إلّا بما تقتضيه أصول القواعد الإملائية المعروفة وقواعد النصوص، ولهذا جاء تقويمي للاعوجاج وتهذيبي للمختلّ فيه مترافقا مع كثير من الدقّة والحذر، ولو كانت هذه النسخ مكتوبة بخطّ المؤلّف لما تجرّأت على تقويم أو تهذيب، لأنّها تدلّ على ثقافة المؤلّف ومعرفته ودرايته بيد أنّ كلّ ما امتدّت إليه يدي بالتصحيح هو الأخطاء اللغوية والإملائية، وما عثرت عليه من جمل غير مستقيمة، فقوّمتها بما يلائمها من النسخ الأخرى، أو بما يلائم السياق من زيادة كلمة أو حرف واضعة الزيادة بين حاصرتين «[]»، ومشيرة إلى كلّ ذلك في الحاشية.
وقد التزمت في هذا التحقيق منهجا واضحا تتلخّص خطواته بما يلي:
توثيق اسم الكتاب واسم مؤلّفه.
قمت بمعارضة نصوص الكتاب في نسخه المختلفة، مثبتة ما ورد في الأصل في المتن، وما خالف هذا الأصل أثبتّه في الحاشية، منبّهة على ذلك، إلّا إذا كان ما ورد في الأصل يفسد المعنى أو أصابه تحريف أو تصحيف من الناسخ، فأثبتّ مكانه ما ورد صحيحا في النسخ الأخرى، مع الإشارة إلى كلّ تلك الفروق في الحاشية حتى تكون لها فائدة.
اعتنيت بضبط النصّ بالشكل، وخاصّة في أبيات البديعيّات، ومواضع الاستشهاد من القرآن الكريم والحديث الشريف، والشعر، والأمثال، والأقوال، ومواضع اللبس والغموض.
كتبت النصّ بدقّة وأناة، وفق القواعد الإملائيّة المتداولة.
نظمت النصّ على شكل فقرات، وراعيت ما يتطلّبه من وضع علامات الوقف والترقيم، كالنقاط والفوارز وعلامات الحذف والاستفهام والتأثّر، والتابعيّة، والشرطة، والقوسين والمزدوجين والحاصرتين، والمزهّرين والنجمة، كلّ في مكانه الخاصّ به.
رقّمت أبيات بديعية ابن حجّة الحموي، في أوّل باب كلّ نوع بديعيّ.
كما أهملت ذكر أسماء بحور البديعيات كلّها، إذ إنّ كونها من البحر البسيط شرط من شروط البديعيّات، كما سيأتي في قسم الدراسة.(1/11)
وضعت الأنواع البديعيّة، في أوّل كلّ باب، كعناوين في رأس الصفحة، وقد أبرزتها بحرف كبير.
استعملت القوسين «()» لحصر بعض الشروحات الواردة في الكتاب، وأرقام الحواشي وما يقابلها في المتن، وأسماء بعض المراجع والمصادر الواردة بعد قول أو تفسير في الحاشية وخصّصت المزدوجين ««»» بالأحاديث والأمثال والأقوال المنقولة بنصّها، والفروق بين النسخ، وبعض أسماء الكتب والمصطلحات الواردة في المتن، وبعض الرموز الواردة في الحاشية.
وقصرت استعمال الحاصرتين «[]» على الزيادات في المتن وفي الحاشية المنقولة بنصّها من هوامش النسخ، أو لحصر كلمة «كذا» أحيانا في الحاشية وفي حصر أسماء بحور الشعر، وخصّصت استعمال المزهّرين «» بالآيات القرآنية لتمييزها عن غيرها من الأقوال، وأشرت بالنجمة « ... » في الحواشي إلى حاشية العناوين، وما
قد يختلط ترقيمه بأرقام الحواشي.
وضعت «/» شرطة مائلة في نهاية كلّ صفحة من صفحات المخطوطة الأمّ في المتن، مشيرة إلى رقمها في الهامش المقابل لها، وقد أضفت إلى الرقم حرف «أ» وهو يعني الوجه الأوّل منها، أو حرف «ب» وهو يعني الوجه الثاني منها.
فصلت بين المتن والحاشية بخطّ صغير، مقسّمة الحاشية إلى قسمين عموديّين، بعد كتابتها بحرف أصغر من حرف المتن.
أشرت إلى ما في حواشي النسخ، ورمزت أحيانا كثيرة إلى كلمة هامش ب «هـ» مثل: «هـ ك»، وأعني بها هامش النسخة «ك» واعتبرت ما جاء في حواشي هذه النسخ على أنّه من نسخ أخرى، وأشرت إلى ذلك في الحاشية.
عنيت بالشواهد الواردة في الكتاب، سواء أكانت قرآنية أم حديثا شريفا أم شعرا أم نصف بيت أم مثلا سائرا، فضبطتها بالشكل، وبحثت عنها في أماكنها ومظانّها، وأشرت في الحاشية إلى تلك الأماكن، واجتهدت في تبيين مواطن الخلل العروضي في الشعر إن وجد، ونسبة كل بيت غير منسوب إلى قائله، فأشرت إلى صفحة وروده في ديوانه إن وجد، وفي غيره من المصادر التي استشهدت به، وصحّحت نسبة الأبيات المنسوبة إلى غير أصحابها، وأكملت أنصاف الأبيات من
مصادرها، مع الإشارة إلى اختلاف رواية الشعر، معتمدة على النسخ والدواوين، كلّ ذلك بهدف توثيق الشاهد بمصادره التي قد تعين طلبة العلم على الرجوع إليها لاستكمال البحث أو معرفة مكان الشاهد.(1/12)
عنيت بالشواهد الواردة في الكتاب، سواء أكانت قرآنية أم حديثا شريفا أم شعرا أم نصف بيت أم مثلا سائرا، فضبطتها بالشكل، وبحثت عنها في أماكنها ومظانّها، وأشرت في الحاشية إلى تلك الأماكن، واجتهدت في تبيين مواطن الخلل العروضي في الشعر إن وجد، ونسبة كل بيت غير منسوب إلى قائله، فأشرت إلى صفحة وروده في ديوانه إن وجد، وفي غيره من المصادر التي استشهدت به، وصحّحت نسبة الأبيات المنسوبة إلى غير أصحابها، وأكملت أنصاف الأبيات من
مصادرها، مع الإشارة إلى اختلاف رواية الشعر، معتمدة على النسخ والدواوين، كلّ ذلك بهدف توثيق الشاهد بمصادره التي قد تعين طلبة العلم على الرجوع إليها لاستكمال البحث أو معرفة مكان الشاهد.
اضطررت إلى استعمال أكثر من نسخة لبعض المصادر، مع ذكر دار النشر أو المحقّق إن وجد، أو الطبعة في الحاشية، وما لم أذكر معهما ذلك تكن النسخة الأخرى المذكورة في فهرس المصادر.
اختصرت في التخريج والشرح وتبيين خلافات النسخ ما استطعت إلى ذلك سبيلا، كي لا أثقل الحاشية بزيادات لا فائدة منها.
شرحت في الحاشية بعض الألفاظ والمصطلحات والعبارات وبعض الأعلام الواردة في نصوص الشواهد للحاجة إليها في فهمها، معتمدة على المعاجم المختصّة.
كتبت في الحاشية بعض الاستدراكات في الشرح والتصويب.
أبقيت على معظم الرموز التي استخدمها النسّاخ، وكتبتها في الحاشية مع الكلمات المشار بها إليها، وقد ذكرت معاني هذه الرموز بعد وصف المخطوطات، وأدخلت بعضها مع الكلمة المشار إليها ضمن مزدوجين إذا كان مكتوبا فوقها في النسخ، ووضعت الحرف الموضّح الموجود فوق الكلمة أو تحتها بعد * نجمة ضمن قوسين، مثل: «التغاير» (* غ)، وأعني أنّ الحرف «غ» تحت «الغين» من الكلمة.
ثم قمت بوضع الفهارس الفنيّة المختلفة التي تسهّل على طالب العلم البحث والمقارنة (1).
وقد قدّمت لهذين القسمين بمدخل تناولت فيه ابن حجّة وآثاره الأدبيّة بالترجمة والتعريف، ومهّدت لخزانته بدراسة بسيطة اقتصرت فيها على توثيق اسم الكتاب وذكر موضوعه ومصادره، ودوافع ابن حجة لوضعه وأهدافه، ومنهجه في تأليفه وشرحه، وإظهار قيمته العلمية وتاريخ تأليفه. كما تكلّمت على مخطوطات هذه الخزانة من حيث وصفها وطريقة نسخها، ملحقة بها صورا ونماذج من صفحاتها لتكون شاهدا عليها.
__________
(1) انظر الفهارس الفنيّة.(1/13)
مصادر التحقيق والدراسة:
أثناء مقابلة النسخ وبعدها، عمدت إلى الانتفاع بكتب كثيرة، كنت أجد فيها تصحيحات عجيبة لتحريفات أعجب، وقعت في خزانة الأدب. ولكثرة الكتب التي رجعت إليها، واختلافها، سواء كان ذلك في التحقيق أو في الدّراسة، حاولت تقسيمها إلى مجموعات ليظهر في كلّ مجموعة نوع المادّة التي أفدتها منها:
أالمجموعة الأولى: كتب التحقيق ومناهجه، وإعداد البحوث الجامعية:
ولقد أفدت من هذه المجموعة فائدة كبيرة في قواعد التحقيق ومناهجه، ومعالجة مشاكله، فأطلعتني بعد جمع النسخ على كيفية تنظيمها وترتيبها، وطرق تحقيقها والغاية من هذا التحقيق والوسيلة التي تحقّق تلك الغاية، ومنهجية الحواشي والتقديم والفهرسة، وأذكر من هذه المجموعة على سبيل المثال، لا الحصر: «كيف تكتب بحثا أو منهجية البحث» للدكتور إميل يعقوب، و «قواعد تحقيق المخطوطات» للدكتور صلاح الدين المنجّد، و «تحقيق النصوص ونشرها» لعبد السلام محمد هارون، وأصول كتابة البحث وقواعد التحقيق» للدكتور مهدي فضل الله، و «:»
لميشال بود، و «المنهجية في الأطروحة الجامعية» للدكتور محمد زيعور، و «إعداد الأطروحة الجامعية» للدكتور كمال اليازجي.
ب المجموعة الثانية: الكتب البلاغية والأدبية:
ولقد وجدت في هذه الكتب مادّة غزيرة لتصحيحات كثيرة في النصوص والشعر وتخريج الشواهد المعتمدة في قسم التحقيق، ومادّة أغزر في موضوع البديع والبديعيّات في قسم الدراسة. ومن كتب هذه المجموعة على سبيل المثال: «نظم الدّرّ والعقيان في محاسن الكلام» لمحمّد بن عبد الله التنسيّ، و «تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن» لابن أبي الأصبع المصريّ، و «شرح الكافية البديعية» لصفيّ الدين الحلّيّ، و «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار» لعبد الغني النابلسيّ، و «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى» لمحمّد بن جابر الأندلسيّ، و «الإيضاح في علوم البلاغة» لجلال الدين القزوينيّ، و «العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده» لابن رشيق القيروانيّ، و «كتاب البديع» لابن المعتزّ،
و «الحجّة على من زاد على ابن حجّة» لعثمان الجليليّ، و «البديعيات في الأدب العربيّ» لعلي أبو زيد، و «ابن حجّة الحموي شاعرا وناقدا» للدكتور محمود الربداوي وغيرها من الكتب التي عثرت عليها ممّا ذكره ابن حجة في شرحه، بالإضافة إلى كتاب ابن حجّة نفسه بنسخه الخمس.(1/14)
ولقد وجدت في هذه الكتب مادّة غزيرة لتصحيحات كثيرة في النصوص والشعر وتخريج الشواهد المعتمدة في قسم التحقيق، ومادّة أغزر في موضوع البديع والبديعيّات في قسم الدراسة. ومن كتب هذه المجموعة على سبيل المثال: «نظم الدّرّ والعقيان في محاسن الكلام» لمحمّد بن عبد الله التنسيّ، و «تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن» لابن أبي الأصبع المصريّ، و «شرح الكافية البديعية» لصفيّ الدين الحلّيّ، و «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار» لعبد الغني النابلسيّ، و «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى» لمحمّد بن جابر الأندلسيّ، و «الإيضاح في علوم البلاغة» لجلال الدين القزوينيّ، و «العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده» لابن رشيق القيروانيّ، و «كتاب البديع» لابن المعتزّ،
و «الحجّة على من زاد على ابن حجّة» لعثمان الجليليّ، و «البديعيات في الأدب العربيّ» لعلي أبو زيد، و «ابن حجّة الحموي شاعرا وناقدا» للدكتور محمود الربداوي وغيرها من الكتب التي عثرت عليها ممّا ذكره ابن حجة في شرحه، بالإضافة إلى كتاب ابن حجّة نفسه بنسخه الخمس.
ج المجموعة الثالثة: القرآن الكريم وكتب الحديث النبويّ الشريف:
لقد أكثر ابن حجّة من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم، باعتباره ذروة البلاغة وعروتها الوثقى، وأتبع تلك الشواهد بأخرى من الحديث الشريف، لذا كان لزاما عليّ أن أعود إلى المصحف الشريف لتخريج الآيات، موضع الاستشهاد، وتنقيتها من شوائب التحريف والتصحيف، كما رجعت إلى كتب الحديث المعروفة لتخريج الأحاديث النبويّة والتحقّق من صحّتها، وقد اعتمدت في كثير منها على «موسوعة أطراف الحديث النبويّ الشريف» لمحمّد السعيد زغلول.
د المجموعة الرابعة: الدّواوين الشعريّة وشروحها والمختارات الشعرية:
إنّ أهمّ ميّزة تميّز بها كتاب ابن حجّة الحمويّ هي كثرة الشواهد ولا سيّما الشعريّة، حتى ليمكن اعتباره كتابا في شواهد البلاغة الشعرية، وهذا ما دفع معاصره أحمد بن حجر العسقلانيّ إلى تقريظ كتابه بقوله: «ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار فإنّ مالكه مرتفع عنه كلفة العارية» (1)، كما أن ابن حجة لم يدع عصرا إلّا وأخذ من شواهد شعره بقدر، وكان لشعراء العصر المملوكيّ عنده حصّة الأسد، فقد أفرد زاوية في كتابه لكلّ شاعر عرفه أو تتلمذ على شعره، وما ساعده في ذلك أن شواهد البلاغة ليست مقيّدة بعصر دون آخر، وهذا ما دفعني أثناء التخريج والتحقيق إلى أن أعود لمعظم دواوين الشعراء (من العصور: الجاهليّ، والإسلاميّ، والأمويّ، والعباسيّ، والأيّوبيّ، والمملوكيّ) (2)، حتى بلغت الدواوين والمجموعات الشعرية التي عدت إليها مئتين ونيّفا أهمّها، على سبيل المثال: ديوان صفيّ الدين الحلّيّ، وديوان المتنبيّ،
__________
(1) الصفحة الأولى من النسخة «ك» قبل صفحة العنوان.
(2) بعض الشعراء من العصرين المتأخّرين لم أعثر على دواوين أو كتب أخرى تحوي شعرهم فكان كتاب ابن حجة المصدر الوحيد لشعرهم.(1/15)
وديوان الصادح والباغم لابن الهبّارية، وديوان الصبابة لابن أبي حجلة، وديوان ابن نباتة المصريّ، وديوان الشابّ الظريف، وديوان عبد العزيز الأنصاري، وديوان ابن حجر العسقلانيّ، ولزوميات أبي العلاء وديوانه، وديوان ابن حجّة نفسه المعروف ب «جنى الجنّتين» (1). وقد اعتمدت في أماكن غير قليلة في تخريج هذه الشواهد على «المعجم المفصّل في شواهد اللغة العربية» للدكتور إميل يعقوب، ولا سيّما في أشعار عصور الاحتجاج وعلى موسوعة الشعر العربي الموجودة على (.) وهي تحوي أكثر من خمسمئة ألف بيت من الشعر العربيّ، منذ العصر الجاهليّ حتى العصر الحديث.
هـ المجموعة الخامسة: كتب الأمثال والحكم النثرية:
لقد أرجعت الأمثال الواردة من القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف والشعر إلى مصادرها. أمّا الأمثال التي وردت من غير هذه المصادر فقد خرّجتها من كتب الأمثال والحكم، وقد اعتمدت في كثير منها على «موسوعة أمثال العرب» للدكتور إميل يعقوب، وكتب الأمثال التي اعتمد عليها في إعداد هذه الموسوعة، ومنها:
«الألفاظ الكتابية» للهمذاني، و «أمثال العرب» للمفضّل الضبّيّ، و «الأمثال النبوية» لمحمد الغرويّ، وتمثال الأمثال لأبي المحاسن الشيبيّ، و «جمهرة الأمثال» لأبي هلال العسكري، و «الدّرّة الفاخرة في الأمثال السائرة» لحمزة بن الحسن الأصفهانيّ، و «مجمع الأمثال» للميدانيّ، و «المستقصى في أمثال العرب» للزّمخشريّ.
والمجموعة السادسة: المعاجم:
لقد اعتمدت في كثير من بحثي على معاجم مختلفة، منها ما يتعلّق بما سبق، كالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبويّ، والمعجم المفصّل في شواهد اللغة العربية، وموسوعة أمثال العرب.
ومنها المعاجم اللغويّة التي استفدت منها كثيرا في شرح بعض الألفاظ الغامضة
__________
(1) وقد حصلت على هذا الديوان، وهو مخطوط (81ورقة) في دار الكتب المصرية بالقاهرة، بواسطة الدكتور محمد ربيع، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة جرش بالأردنّ. وسيأتي الكلام على هذا الديوان أثناء الكلام على آثار ابن حجة ومصنّفاته الأدبية.(1/16)
والعامّية والدخيلة التي كانت سائدة حتّى العصر المملوكيّ، وأبرزها: «لسان العرب» لابن منظور، و «تاج العروس» لمرتضى الزبيدي، و «القاموس المحيط» للفيروز آبادي، و «المعجم الوسيط» لمجمع اللغة العربية، ومعجم المعرّبات الفارسيّة في اللغة العربيّة» للدكتور محمد ألتونجي.
ومنها المعاجم البلاغيّة التي شرحت المصطلحات البلاغية، وأهمّها: «معجم المصطلحات البلاغية وتطوّرها» للدكتور أحمد مطلوب، و «معجم البلاغة العربية» للدكتور بدوي طبانة، و «المعجم المفصّل في علوم البلاغة» للدكتورة إنعام فوّال عكاري.
ومنها المعاجم التي تناولت أسماء الكتّاب والأدباء والشعراء وكتبهم بالترجمة والتعريف، وأبرزها: «الأعلام» للزركلي، و «كشف الظنون» لحاجي خليفة، و «إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون» و «هدية العارفين» لإسماعيل باشا، و «معجم الأدباء» لياقوت الحمويّ، و «معجم المطبوعات العربية والمعربة» ليوسف إليان سركيس.
ومنها معاجم البلدان والأماكن، مثل: «معجم البلدان» لياقوت الحموي، و «معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع» لعبد الله بن عبد العزيز البكريّ، ومنها المعاجم المتخصّصة الأخرى التي استأنست بالرجوع إليها، مثل: معجم لغة الفقهاء لمحمد روّاس قلعجي وحامد صادق قنيبي، و «معجم المصطلحات العلمية العربية للكنديّ وغيره»، للدكتور فايز الداية، و «معجم الحيوان» الذي أعددته سابقا ونلت عليه شهادة دبلوم الدراسات العليا.
ولست أغمط سائر المجموعات حقّها، ولا سيّما الكتب العامّة التي اشتركت مع كتب المجموعات السابقة في إقالة حجر العثرة من طريق هذه الخزانة لتتقدّم إلى الظهور، وقد مسحت عنها غبار الزمن، وأفلتت من براثن الضياع والنسيان.
وإذا جاز لي أن أتحدّث عمّا اعترضني من صعوبات في تحقيق هذه الخزانة ودراستها فإنّي أقولها صريحة بيّنة: إنّ «التحقيق» بعد التجربة والمعاناة لم يكن بالعمل السهل، كما كنت أظنّ قبل، بل ما أصدق الجاحظ بقوله فيه: «ولربّما أراد مؤلّف الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حرّ
اللفظ وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص، حتّى يردّه إلى موضعه من اتّصال الكلام» (1).(1/17)
وإذا جاز لي أن أتحدّث عمّا اعترضني من صعوبات في تحقيق هذه الخزانة ودراستها فإنّي أقولها صريحة بيّنة: إنّ «التحقيق» بعد التجربة والمعاناة لم يكن بالعمل السهل، كما كنت أظنّ قبل، بل ما أصدق الجاحظ بقوله فيه: «ولربّما أراد مؤلّف الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حرّ
اللفظ وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص، حتّى يردّه إلى موضعه من اتّصال الكلام» (1).
فقد كان «التحقيق» لديّ، بما للكلمة من معنى، بذل عناية وجهد كبيرين للوصول إلى الحقيقة، سواء كان ذلك في تحقيق عنوان الكتاب واسم مؤلّفه أو في تحقيق متنه حتى يظهر بقدر الإمكان مقاربا لنصّ مؤلفه. ولعلّ أبرز تلك الصعوبات بدأت أثناء قراءتي للمخطوطات نظرا إلى ما في الخطّ القديم من إهمال لبعض النقط والإعجام، ومن إشارات كتابيّة لم أستطع فهمها إلّا بعد الممارسة والاطلاع، وهذا ما حدا بي إلى تعلّم قواعد الخطّ القديم بأنواعه والاطلاع عليها، بالإضافة إلى تصحيف النسّاخ وتحريفهم وأخطائهم الخطّية والإملائية والنحويّة.
ثمّ بدأت الصعوبات والعوائق تكبر، ولعلّ أبرزها: ضبط النصّ وتحريره، وعزو الأشعار إلى قائليها وتخريجها، ولا سيّما أشعار العصر المملوكيّ، وقد بلغت من الكثرة ما يوازي نصف الكتاب، فقد ذكر ابن حجّة زوايا كاملة من شعر شعراء عصره ما لم أجد لها ديوانا أو مصدرا إلّا كتابه هذا، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى كثرة ما تعرّضت له الكتب آنذاك من نكبات وإحراق وضياع على أيدي أهل الجهل من المغول والتتار وغيرهم ممّن ساهموا في فقدان قسم كبير من مصادر التراث المملوكيّ إلّا أنّي لم آل جهدا في التفتيش والبحث والتنقيب عنها في بطون أمّهات الكتب، ولم أضنّ بجهد أو بوقت في سبيل تحقيق الغاية المتمثّلة بتحقيق «خزانة الأدب وغاية الأرب».
وبعد هذا، أقول: أن ليس من أحد يستطيع أن يخرج هذا الكتاب من الظلمات إلى النور مبرّأ كلّ البراءة من العيب، سليما كلّ السلامة من التحريف، فهذا عصر قد انقطعت كما يرى عبد السلام محمد هارون (2) دونه الرواية، وأوصد أمامه بعض أبواب العلم، واختفى عن الناس فيه كثير من أعلام الثقافة العربية في ذاك العصر إلّا أنّني لست ممّن يدّعي العصمة أو يخال فيه السلامة، ولكن حسبي أنّي بذلت فيه غاية الجهد، والتزمت جانب الأمانة، فلم أتصرّف بأيّ حرف إسقاطا أو زيادة إلّا استأذنت
__________
(1) الحيوان 1/ 79وتحقيق النصوص ونشرها (عبد السلام هارون) ص 5352.
(2) الحيوان 1/ 38.(1/18)
القارئ ونبّهته إلى ما فعلت، وجعلت من دأبي في الدراسة والتحقيق أن أشير إلى المصادر، دالّة على مواضع الاستشهاد فيها بذكر أرقامها، ليطمئنّ القارئ ويكون شريكا في النظر والتأمّل.
هذا بالإضافة إلى ندرة الأبحاث التي تناولت «البديعيّات» بالدراسة، وعساني أكون بهذا الجهد سددت ثغرة في الدراسات العربية، ولا سيّما البلاغيّة، وما آمله أن يقدّم فائدة علميّة متواضعة إلى الباحث العربيّ ويحقّق ولو ذرّة من النفع لطلبة العلم في ميدانه. وبهذا لا أدّعي أنّني اخترعت شيئا جديدا كلّ الجدّة، بل حقّقت كتابا لعلّ فيه كثيرا من الجدّة والطرافة والتسهيل والفائدة. وعسى أن أكون قد أصبت في عملي هذا بعض الإصابة، أو وفّقت بعض التوفيق في تحقيق هذا الأثر البلاغيّ والأدبيّ.
وأخيرا لا يسعني هنا إلا أن أردّد مع شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني:
يا سيّدا طالعه ... إن راق معناه فعد
وافتح له باب الرّضا ... وإن تجد عيبا فسد (1)
وحسبي بهذا أنّني سعيت، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ََ (40) ثُمَّ يُجْزََاهُ الْجَزََاءَ الْأَوْفى ََ} (41) (2). والله الموفّق إلى ما فيه الخير والسّداد.
__________
(1) الرجز في ديوانه ص 75وأنس الحجر ص 47.
(2) النجم: 4139.(1/19)
مدخل: ابن حجّة الحمويّ وخزانته
يعتبر ابن حجّة الحمويّ من أعيان المئتين الثامنة والتاسعة، إذ ولد في بداية الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري، وتوفّي بعد بداية الثلث الثاني من القرن التاسع الهجري، وقد أدرك من العمر ما يقارب السبعين سنة، عاش سبع عشرة سنة منها في ظلّ الدولة المملوكيّة الأولى الممتدّة بين العامين 648هـ. و 784هـ.، وثلاث وخمسين منها في ظلّ الدولة المملوكيّة الثانية الممتدّة بين العامين 784هـ. و 923هـ. وقد واكبت هذه الفترة اعتلاء المماليك الشراكسة العرش وبسط مملكتهم على البلاد الشامية والديار المصريّة، فامتدّوا بها جنوبا حتّى غطّت بظلّها جزءا لا يستهان به من شبه الجزيرة العربية، كما امتدّت نحو الشمال فشملت قسما غير يسير من شبه جزيرة الأناضول. وكان هذا متزامنا مع ضعف الخلافة العباسيّة التي انتقلت إلى القاهرة منذ أكثر من قرن، وقد توارت خلف ظلال السلطنة، وبذلك أضحت الخلافة تمثّل التقليد القديم للسلطة الروحيّة دون أن تمتدّ قوّتها إلى السلطة الدنيوية، بعد أن كانت مدبّرة لشؤون الرعية، في العصور السابقة. وقد أتيح آنذاك لابن حجة أن يعاصر مجموعة من الخلفاء العباسيّين والسلاطين المماليك الذين لعبوا دورا خطيرا في حياة الأمّة العربية على مختلف الأصعدة: السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، فانعكست في شعره ونتاجه الذي حمل في طيّاته صدى كبيرا لها.
وكتابه هذا «خزانة الأدب وغاية الأرب»، أو «شرح البديعية المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»»، هو الأثر الأوّل والأضخم والأهمّ بين آثاره البلاغية الثلاثة (1)، وتكمن أهميّة هذا الأثر في كونه كتابا في البلاغة العربيّة يقدّم صورة للفكر البلاغيّ العربي
__________
(1) وهي: «خزانة الأدب وغاية الأرب»، و «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة»، و «كشف اللّئام عن وجه التورية والاستخدام».(1/20)
في عصره، وفي كونه خزانة للأدب العربيّ إذ «هو مجموع أدب قل أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبيّة» (1).
لهذا، ولغيره من الأسباب التي بيّنتها في مقدّمة هذا البحث، عكفت على هذا الكتاب، تحقيقا ودراسة، أملا في أن أخرجه قريبا من الأصل الذي وضعه مؤلّفه، أو أن أحقّق بذلك غاية الأرب التي سعى إليها ابن حجّة في «خزانة الأدب»، فتثبت «حجّته» وتكتمل لتصبح مشكورة مبرورة عند أهل العلم والأدب.
وتحقيقا لاستكمال العمل العلميّ، عرضت في هذا المدخل نبذة عن حياة ابن حجّة وترجمته وآثاره، وأتبعتها بنبذة أخرى عن خزانته ونسخها ثم أفردت قسما في دراسة موضوع هذا الكتاب المتمثّل ب «البديعيّة وشرحها» والأنواع البديعية والبلاغيّة التي ضمّنتها، وقد صدّرت هذا القسم بفصل عن البديع، وقيمته، ونشأته وتطوّره، وأتبعته بفصول أخرى تتناول البديعيات نشأة وتطوّرا ومضمونا وأثرا، واضعة «بديعيّة» ابن حجّة الحمويّ في ميزان المقارنة والتحليل لإبراز أهميّتها وأهمية «شرحها» وأثرهما في الأدب والنقد والبلاغة.
1 - ترجمة ابن حجّة الحمويّ (767هـ. 837هـ.):
أاسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن عليّ بن عبد الله ابن حجّة (بالكسر) الحمويّ الحنفيّ القادريّ الأزراريّ، أبو المحاسن، تقيّ الدين، ملك المتأدّبين، منشئ دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية والممالك الإسلاميّة، أحد كبار أعلام الشعر والأدب في القرن الثامن والقرن التاسع هـ.، رئيس الأدباء وإمام أهل الأدب في عصره (2).
عرف أبو بكر ب «ابن حجّة» لكونه حجّ مرّة إلى الدّيار المقدّسة، وب «الحمويّ» نسبة إلى المدينة المسمّاة «حماة» حيث ولد، وهي من المدن المشهورة في سوريّا،
__________
(1) من تقريظ معاصره أحمد بن حجر العسقلاني على كتابه هذا.
(2) الأعلام 2/ 67وحسن المحاضرة 1/ 274والضوء اللامع 11/ 5653وشذرات الذهب 7/ 219وهدية العارفين 5/ 731وتاريخ الأدب (فروخ) 3/ 839والبدر الطالع 1/ 165164وتاريخ حماة ص 153ومعجم المطبوعات 1/ 76وصفحات العناوين، وما قبل المتن في النسخ المخطوطة لخزانة الأدب وغاية الأرب.(1/21)
حتّى غدا اسم «ابن حجّة الحمويّ» علما عليه فاشتهر به كما عرف ب «الحنفيّ» نسبة إلى المذهب الفقهيّ المعروف، وهو أحد المذاهب الأربعة.
أمّا كونه عرف ب «القادريّ» فنسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلانيّ، مؤسّس الطريقة القادريّة، وهو أحد كبار مفكّري الصوفيّة في زمانه (561471هـ.) (1).
وأمّا كونه يعرف ب «الأزراريّ»، فذلك لاتّخاذه عمل الحرير وعقد الأزرار صناعة له في صباه (2). وكان من عادة أهل العصر أن يتلقّبوا باسم يضيفونه إلى كلمة «الدين» فيقرنونه بأسمائهم، فاختار لنفسه لقب «تقيّ الدين» ليكون له من لقبه نصيب، وكأنّهم لم يكتفوا بالعلم المطلق على الشخص، حتى راحوا يلحقون به المذهب الذي ينتمي إليه، والحرفة التي يحترفها واللقب الذي ينمّ عن صفة أو مزيّة، والكنية التي تدلّ على تفاؤل بالبنوّة، أو صفة لعلّه يتّصف بها.
أمّا بالنسبة لنسبه فلم تذكر كتب التراجم أكثر من اسم أبيه وجدّه، حتّى أنّ معاصريه وأصدقاءه من المؤرخين، كابن حجر العسقلانيّ، لم يذكروا له فوق ذلك نسبا، وما كانوا ليبخلوا بذلك على من يحبّ الاستزادة من أسماء أجداده لو كانت لديهم معرفة به أكثر، ويبدو أن ابن حجة كان شمسا بالنسبة لبقية أفراد أسرته، فما إن أشرق اسمه في سماء التاريخ والأدب حتّى عرف التاريخ أسماءهم بفضله، كما لم يعرف أنّه ترك ذرّيّة بعده حتّى يتّصل بهم حبل الأدب (3).
الاضطرابات في اسمه ونسبه:
لقد أجمع معظم كتب التراجم والتاريخ والأدب على أنّ اسم هذا المؤلّف هو «أبو بكر» وكنيته «أبو المحاسن»، وأنّ أباه هو «علي بن عبد الله» وأنّ «ابن حجّة» هو الاسم الذي اشتهر به (4) إلّا أن بعض الكتب أورد في اسمه ونسبه شيئا من الاضطراب.
__________
(1) الأعلام 4/ 47وديوان ابن حجة ورقة 9أ، 17ب، 74أ.
(2) الأعلام 2/ 67والضوء اللامع 11/ 53ومعجم المطبوعات 1/ 76.
(3) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 40.
(4) النسخة ب ص 2قبل المتن، ج 2من مخطوطة خزانة الأدب وغاية الأرب.(1/22)
قال إسماعيل باشا في «هديّة العارفين» (1): ابن حجّة الحمويّ هو «عليّ بن عبد الله تقيّ الدين أبو بكر الحمويّ الأديب الحنفيّ الشهير بابن حجّة» متوهّما أن «أبا بكر» هو الكنية، وأنّ «عليّا» اسم له ثمّ انتقل هذا اللبس إلى كتب أخرى منها:
«المنتخب من المخطوطات العربية في حلب» (2)، و «خزانة الأدب وغاية الأرب» بشرح عصام شعيتو (3) ولعلّ هذا الخطأ مردّه إلى أنّ المترجم لم يكن على علم بأنّ لابن حجّة كنية هي «أبو المحاسن»، وقد وردت في صفحة العنوان من «شرح تقديم أبي بكر»، وذلك في النسختين «ك»، و «و» ثمّ إنّ كتب التراجم الأخرى قد بيّنت أنّ اسمه «أبو بكر» وليس له اسم سواه.
وقد عرّض أبو بكر نفسه باسمه في ديوانه، إذ قال (من البسيط):
قد سمّيت «أبا بكر» وتسميتي ... عند الرسول لها والله تنويل (4)
وقال في مكان آخر من ديوانه (من الطويل):
ولكن «أبو بكر» ليرجو محمّدا ... عساه بهذا الإسم يوم الظّما يسقى (5)
وهناك لبس آخر في اسم جدّه، فقد انتهى نسبه في معظم الترجمات ب «عبد الله» إلّا أنّ يوسف إليان سركيس قد أنهى نسبه ب «حجّة»، فقال: ابن حجة الحمويّ هو «تقيّ الدين أبو بكر بن عليّ بن محمّد بن حجّة القادريّ الحنفيّ المعروف بابن حجّة الحمويّ» (6)، مستبدلا «محمّدا» ب «عبد الله»، وحاذفا همزة «ابن» بين «محمد» و «حجّة» معتبرا «حجّة» اسم علم ينتهي به نسب أبي بكر، ولعلّ الاسم «محمّدا» قد انفرد معجم المطبوعات باستبدال الاسم «عبد الله» به (7) أمّا بالنسبة لحذف همزة «ابن» بين اسمين علمين، فقد وردت كذلك في النسخ المخطوطة لخزانة الأدب وغاية الأرب، في الصفحة الأخيرة من النسخة ب (1)، وصفحات العناوين من النسخ: ب (2)، ك، و.
أمّا بالنسبة لاسمه «ابن حجّة»، فقد أجمعت معظم الترجمات على أنها بكسر
__________
(1) هدية العارفين 5/ 731.
(2) المنتخب من المخطوطات العربية في حلب ص 244.
(3) خزانة الأدب وغاية الأرب، بشرح عصام شعيتو 1/ 15.
(4) ديوانه ورقة 74أ.
(5) ديوانه ورقة 75أ.
(6) معجم المطبوعات 1/ 76.
(7) معجم المطبوعات 1/ 76.(1/23)
الحاء، نسبة إلى الشهر القمريّ المعروف ب «ذي الحجّة» إلّا أنّ بكري شيخ أمين أوردها بفتح الحاء «ابن حجّة» (1)، ولعلّه يقصد أنه سمّي باسم المرّة من «حجّ»، ولعلّه يكون على صواب في ذلك لما ورد من أقوال ابن حجّة نفسه ما يؤيّد ذلك، إذ قال في ديوانه «جنى الجنّتين» (من البسيط):
و «بابن حجّة» لمّا حجّ واحدة ... لبيته صار يدعى وهو مشكور (2)
كما قال (من البسيط):
يرجو «ابن حجّة» أن لو حجّ ثانية ... بحيث ينشدها والدّمع مسبول (3)
ولعلّ «ابن حجّة» بالكسر خطأ مشهور تغلّب على الصحيح.
وقال السخاوي فيه: «ويعرف ب «ابن حجّة» بالكسر باسم الشهر» (4)، إلّا أنّ النواجيّ قال: «فهو إنّما يعرف قديما بين الزّجّالة والموّالة ب «ابن حجّة» نسبة إلى أمّه، ولكنه نكر الآن، وإلى ذلك أشار زين الدين بن الخرّاط بقوله [من مجزوء الكامل]:
إنّ «ابن حجّة» ما له ... أبدا أب يعزى بعلمه
لو لم يكن ولد الزّنا ... ما كان معروفا بأمّه» (5)
إلّا أنّ ابن حجّة نفسه نفى هذا المعنى بما أورده من تفسير لاسمه في بعض قصائده إذ يقول (من السريع):
لو لم أزر بيتكم لم أكن ... ب «حجّة» أعرف بين الأنام (6)
ب مولده ونشأته:
ولد ابن حجّة الحمويّ في مدينة «حماة» السوريّة، وهي من أهمّ المدن عراقة في بلاد الشام، تلك المدينة التي منحته النسبة إليها، فعرف ب «الحمويّ» حتى أصبح هذا
__________
(1) البلاغة العربية في ثوبها الجديد البديع ص 23.
(2) ديوانه ورقة 9أ.
(3) ديوانه ورقة 74أ.
(4) الضوء اللامع 11/ 53.
(5) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 40.
(6) ديوانه ورقة 17ب.(1/24)
علما عليه، وذلك في سنة 767هـ. ثمّ نشأ وترعرع ومات فيها (1).
إلّا أنّ اضطرابا في تاريخ مولده قد سجّله عبد الحيّ بن العماد الحنبليّ في «شذرات الذهب» بقوله: إنه ولد بحماة سنة 777هـ، إلّا أنّ هذا التاريخ لم يبد صحيحا لأمور عدّة:
أنظم قصيدة كافيّة يعارض بها كافيّة ابن نباتة، وكافيّة القيراطيّ وكافيّة صفيّ الدين الحلّيّ، يمدح بها القاضي برهان الدّين بن جماعة، وقد أرسلها إليه قبل وفاته سنة 790هـ.، وأسلوبها في المعارضة يدلّ على إمكانات أدبية رفيعة لا تصدر عن شخص لم يبلغ من العمر سوى ثلاث عشرة سنة، وهذا يرجّح أنّ عمره عام 790هـ.،
كان ثلاثا وعشرين سنة.
ومطلع تلك القصيدة (من البسيط):
طربت عند سماع وصف مغناك ... فكيف لو كان هذا عند مغناك (2)
ب كتب رسالة سنة 791هـ. في دمشق، إثر الكارثة التي أنزلها بها الملك الظاهر برقوق، وكان في طريقه من القاهرة إلى حماة، تحت اسم «ياقوت الكلام فيما ناب أهل الشام»، وقد أرسل بهذه الرسالة لابن مكانس في مصر، وأسلوبها يدلّ على تمرّسه باللغة العربية وإتقانه لها، وهذا أيضا يرجّح أنّ عمره عام 791هـ. لم يكن أربع عشرة سنة.
ج أشار بشكل صريح إلى عمره في قصيدة نظمها سنة 818هـ.، يقول فيها (من الكامل):
إن جاء نظمي قاصرا عن وصفه ... عذرا فهذي نشطة الخمسين
ونعم كبرت وبان عجزي إنّما ... كانت مسرّات اللّقا تصبيني (3)
وهذا يعني أنّ مولده كان في هذا العام قد تجاوز الخمسين (4)، وأنّ تاريخ مولده هو عام 767هـ.
__________
(1) الأعلام 2/ 67ومعجم المطبوعات 1/ 76وهدية العارفين 5/ 731وشذرات الذهب 7/ 219.
(2) ديوانه ورقة 36ب.
(3) ديوانه ورقة 39أ.
(4) يرجّح عصام شعيتو في شرحه لخزانة الأدب ص 15أن تكون ولادته سنة 768هـ.(1/25)
د لقد ذكر معاصرو ابن حجّة في تواريخهم أنّه ولد سنة 767هـ.، وهذا يطمأنّ إليه أكثر من التاريخ الذي ذكره ابن العماد الحنبليّ لأنّه متأخّر عن ابن حجّة.
أمّا عن نشأته فهو ككلّ طفل ينحدر من أسرة مسلمة، أخذت أسرته تنشئه على حفظ القرآن الكريم، وتعلّم اللغة العربية ومعارفها وآدابها، فتزوّد في تلك الفترة بكنز كبير من الصور البلاغية المتمثّلة في إعجاز القرآن الكريم، ثمّ إنّ حياة الفقر والفاقة التي عاشها لم تثنه عن العلم والتحصيل فما إن صار يافعا حتى راح يشتغل بالحرير وعقد الأزرار وقد اكتسب من عمله وعلمه خبرة وثقافة واسعتين، وكأنه قد مزج خبرته التي اكتسبها من تنسيق الأزرار وانسجام الخيوط الحريرية وعقدها، بما ثقفه من صور بلاغية اكتسبها من القرآن الكريم، فخرج له نتيجة ذلك أدب مزخرف منمّق، وذوق يميل إلى جناس الأدب وطباقه ومقابلته، متأثّرا بما كان يروقه في مهنته من تجانس الخيوط وتطابق الألوان وتضادّها، إذ زرعت في ذوقه وحسّه بذور فنّ البديع الذي أينع وأثمر أشهى الثمار عند ما بلغت شاعريّته أوجها، فكان له من الشعر فيما بعد «جنى الجنتين، والثمرات الشهيّة من الفواكه الحمويّة والزوائد المصريّة» ومن الأدب كتابه الذي قعّد به قواعد الفنّ البديعيّ المزخرف والذي سمّاه «شرح تقديم أبي بكر»، والمعروف الآن باسم «خزانة الأدب وغاية الأرب».
ج شيوخه:
لم تذكر كتب التراجم والأدب شيئا عن أسماء شيوخه وأساتذته في فترة نشأته الأولى إلّا أنّه عندما شبّ ومال للاشتغال بالعلم والأدب، أخذ ينهل العلم والأدب من مصادرهما في عصره، فتردّد على الشيخين شمس الدين الهيتيّ (1) وعزّ الدين الموصليّ (2)، وهما من شيوخ البديع والبلاغة والفقه، فقرأ عليهما في الأدب وفنونه، وسمع كثيرا من علمهما وأدبهما، ثمّ أكثر من ملازمة شيخه قاضي القضاة علاء الدين
__________
(1) شمس الدين الهيتيّ: لعلّه علي بن محمد ابن عبد الحميد الهيتيّ البغداديّ ثمّ الدمشقيّ الصالحيّ، فقيه عراقيّ الأصل، سكن دمشق، وتوفّي في الصالحيّة عام 900هـ. عن عمر يناهز التسعين. (الأعلام 5/ 10). وقد ورد في شرح عصام شعيتو لخزانة الأدب ص 15: شمس الدين الهيتيّ الحسنيّ النجويّ.
(2) عز الدين الموصلي (789000هـ.): هو عليّ بن الحسين بن عليّ، شاعر وأديب، من أهل الموصل أقام مدّة في حلب وسكن دمشق، وتوفي فيها. (الأعلام 4/ 280).(1/26)
القضاميّ الحنفيّ (1) ملازمة طويلة في حماة، حافظا ودّه، بيد أنّه لم يحفظ ودّ شيخه عزّ الدين الموصليّ، فلمّا سافر ابن حجّة من حماة إلى طرابلس، وقضى فيها وقتا قليلا، تاقت نفسه إلى شيخه القضاميّ وإلى موطنه، فكتب إليه (من الطويل):
بوادي حماة الشام عن أيمن الشطّ ... وحقّك نطوي شقّة الهمّ بالبسط (2)
وقد كان الشيخ القضاميّ غاية في معرفة الشعر وإدراك معانيه الدقيقة، إلّا أنه إذا نظمه قصّر فيه (3) ولهذا طالما كان ابن حجّة يعرض شعره عليه لينقّحه له ويهذّبه.
وكان ابن حجّة يكنّ الودّ نفسه لشيخه الآخر القاضي أبي بكر بن الخيثميّ الحنفيّ (4)، وأرسل له من طرابلس أيضا قصيدة يعبّر فيها عن حنينه إليه وإلى مسقط رأسه، رغم علوّ القدر الذي حازه في طرابلس، يقول في تلك القصيدة (من الطويل):
وإن كان قدري في طرابلس علا ... وقد لقيتني وهي باسمة الثّغر
فإنّ فراق الإلف والخلّ والهوى ... وفقد الحمى والأهل صعب على الحرّ
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وحزت بها ما حزت من رفعة القدر
وإن كنت فيها قد أصبت بغبطة ... من الدهر إنّي قد صفحت عن الدهر
__________
(1) ورد في ديوانه «جنى الجنتين» ورقة 34أ 34ب أنّ اسم شيخه هذا هو: «قاضي القضاة علاء الدين بن القاضي الحنفيّ»، وهو علاء الدين أبو الحسن علي الحنفيّ الشهير ب «ابن القضاميّ» من مواليد عام 740هـ.، كان بارعا في النحو والفقه والأدب والإنشاء، وكتب لابن البارزيّ. (الضوء اللامع 5/ 539).
(2) ديوانه ورقة 34ب.
(3) الضوء اللامع 5/ 155.
(4) ورد في ديوانه «جنى الجنتين» ورقة 33أ، أن اسم شيخه هذا هو «تقيّ الدين بن الجهينيّ
وهو من أجدى مشايخه»، وهو أبو بكر تقيّ الدين الخيثمي الحنفي الحمويّ، كان غاية في الفضل وعلوم الأدب، وكان ابن حجة يراسله من مصر وطرابلس ويمدحه بقصائده. (تاريخ حماة ص 155وجنى الجنتين ورقة 33أ). وقد ورد اسمه في شرح عصام شعيتو لخزانة الأدب ص 15: «تقيّ الدين بن الحسنيّ الحنفيّ».(1/27)
لأنّ «أبا بكر» أمامي وحبّه ... غدا سنّتي وهو المقدّم في الذّكر (1)
وكان في بداية تردّده على مشايخه ينظم الأزجال والمواليا والموشّح، ولم يكن قد تمكّن بعد من اللّغة والتعبير، لذا فإنه عندما صلب عوده وبلع أشدّه، راجع ما كتب ونظم في مبادئ عمره، فوجده دون الكمال فأعاد نظره فيها، وبهذا يكون ابن حجّة بدأ يرشد نفسه بنفسه.
لقد كان هؤلاء الشيوخ بعض من تلقّى عنهم ابن حجة ثقافته الدينية والعلمية والأدبية، أمّا إذا كان لا بدّ من ذكر علاقاته مع أصدقائه الذين كان لهم بعض التأثير في ثقافته لمراسلتهم ومكاتبتهم، فلا بدّ من الرجوع إلى ابن حجّة نفسه يحدّثنا عنهم، ويبيّن لنا علاقته الأدبية بهم، إذ يقول: «وممّن أدركتهم وحاضرتهم وكتبوا إليّ وكتبت إليهم من أهل مصر والشام: الشيخ زين الدين بن العجميّ، عين كتاب الإنشاء الشريف بالشام المحروس، والشيخ علاء الدين بن أيبك، والشيخ جلال الدين ابن خطيب داريّا، والشيخ شمس الدين المزيّن، والشيخ شرف الدين عيسى العالية، والشيخ جمال الدين عبد الله السوسيّ، أدركته بمصر ولكن ما حاضرته، والشيخ شمس الدين العطّار، أدركته أيضا بمصر وما حاضرته، والصاحب فخر الدين بن مكانس، حاضرته وأنشدته وأنشدني، وكتب إليّ وكتبت إليه، والشيخ شمس الدين المتّينيّ، رحمه الله تعالى، بالغ في الخدمة بالديار المصرية، وأمّا سيّدي أبو الفضل ابن أبي الوفاء، قدّس الله روحه، فإنّي أدركته بالديار المصريّة، وسمعت نظمه، ولكن ما تمثّلت بحضرته. والفرقة التي أطال الله بقاءها، وأمست قواعد بيوت الأدب بها قائمة، وختمت بها هذه الطريقة، وأخلصوا بالعمل ففازوا بالحالين بحسن الخاتمة، أبقاهم الله للمسلمين، منهم: مولانا قاضي القضاة إمام الحفّاظ وشيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ، متّع الله الإسلام والمسلمين في هذا العصر بحياته، والشيخ بدر الدين الدمامينيّ، والشيخ بدر الدين البشتكيّ، والقاضي مجد الدين بن مكانس (ابن فخر الدين)، درجوا بالوفاة إلى رحمة الله» (2).
ويجب ألّا ننسى أن ابن حجة كان قد تتلمذ على شعراء عصره، بل على
__________
(1) ديوانه ورقة 33ب 34أ.
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 42. وانظر خزانة الأدب 3/ 368366.(1/28)
دواوينهم، أمثال صفيّ الدين الحلّيّ، وجمال الدين ابن نباتة (1) وذلك قبل أن يطّلع على شعر المتنبّي وغيره.
د تلاميذه:
لقد كان النواجيّ من أهمّ تلامذته إلّا أنّه تنكّر له بعد إعجابه به لما عرف عن ابن حجّة من إعجاب بنفسه وبشعره، وليس غريبا منه تنكّره لأستاذه، فقد كان ابن حجة نفسه متنكّرا لأستاذه الشيخ عزّ الدين الموصليّ في كثير من مواقفه. وقد بلغ من شدّة تحامل النواجيّ على أستاذه ابن حجّة أن ألّف في مثالبه وسرقاته كتابا سمّاه «الحجّة في سرقات ابن حجّة»، كما أنّ هناك كتابا لمجهول ولعلّه للنواجيّ نفسه، تناول كتب ابن حجّة بالنقد، وهو: «إقامة الحجة على ابن حجّة» (2).
هـ رحلاته وأعماله:
ولد ابن حجة الحمويّ وترعرع في حماة ومدح أعيان أهل بلده من شيوخ علم وقضاة ونوّاب وكتّاب، ولمّا صلب عوده وبلع أشدّه في نظم القصيد، دخل الشام ومدح قاضيها القاضي برهان الدين بن جماعة بقصيدته الكافيّة، وأرسلها إليه قبل وفاته عام 790هـ.، ولمّا أعجبته جاء تقريظ حسن ممّن سمعوا بها، فارتاح قلبه لأوّل امتحان يجتازه شعره ثمّ دخل بها القاهرة سنة 791هـ. وعليها تقريظ عدد كبير من الأدباء والشعراء، فوقف عليها فخر الدين بن مكانس وابنه مجد الدين فقرّظاها أيضا، ثمّ مدحهما وفي هذه الفترة تعرّف على مجموعة من كبار أهل العلم في القاهرة، على رأسهم العلّامة ابن خلدون الذي قدم من المغرب ومدحه بقصيدة كافيّة ثانية مطلعها (من الطويل):
رضيع الهوى يشكو فطام وصالك ... فداوي قتيل الحبّ يا ابنة مالك (3)
كما التقى بشهاب الدين أحمد بن حجر العسقلانيّ أكثر من مرّة، حيث سمع من نظمه كثيرا، كما سمع منه معظم شرحه على البديعيّة التي نظمها على طريقة شيخه عزّ الدين الموصليّ، وسمع جملة من إنشائه.
لم تطل إقامة ابن حجة في القاهرة حتى عاد إلى بلاده قاصدا حماة، وعرّج في
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 236.
(2) «ابن حجّة شاعرا وناقدا» ص 52والبديعيات في الأدب العربي ص 225.
(3) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 43.(1/29)
طريقه على دمشق ليراها محاصرة من قبل الملك الظاهر برقوق بعد أن فرّ من سجنه في قلعة «الكرك»، وقد أحرقها وانتقم من أهلها، فدخلها ابن حجّة في شوّال سنة 791هـ.، ورثى لها وكتب رسالة إلى ابن مكانس في مصر تحت عنوان: «ياقوت الكلام في ما ناب أهل الشام»، ثمّ تابع طريقه إلى حماة وقضى فيها فترة طويلة يشتغل بالعلم والمطالعة والبحث والتأليف.
ثم عاد إلى دمشق وألقى عصا الترحال فيها، ومدح قاضي القضاة علاء الدين بن أبي البقاء الشافعيّ بقصيدة رائيّة، وذلك في الخامس والعشرين من رمضان عام 799هـ.، ومطلعها (من البسيط):
إغراء لحظك مالي منه تحذير ... ولا لتعريف وجدي فيك تنكير (1)
ثمّ إن دمشق لم تكن البلد الوحيد الذي أكثر ابن حجة من الترداد إليه، بل كان يمرّ إلى حمص، بين دمشق وحماة، حيث كان يعرف فيها المقرّ المخدوميّ أمين الدين الحمصيّ الذي انتقل فيما بعد من ديوان توقيع حمص إلى صحابة ديوان الإنشاء في دمشق، فطلب ابن حجّة إلى أبوابه العالية في دمشق صانعا معه يدا بيضاء، ولمّا أبى، وجد عليه المقرّ الأميني الحمصيّ إثر كلام نقل إليه عن ابن حجّة ثبت فيما بعد عدم صحّته.
ثمّ يعاود ابن حجة الشوق إلى مصر فيرحل إليها سنة 801هـ.، حيث التقى بالشيخ زين الدين بن العجميّ فيتبادلان سماع القصائد والمواليا (2) إلّا أن إقامته في مصر لم تطل حتى عاد إلى بلاد الشام، عام 802هـ.، حيث يمّم ناحية طرابلس الشام، وكان له فيها بعض أصدقائه من القضاة، أمثال القاضي شرف الدين مسعود قاضي القضاة الشافعيّة في طرابلس، وفي ذلك العام خرج نائب دمشق «تنم الحسنيّ» على طاعة السلطان الناصر فرج بن برقوق بمؤازرة نوّاب البلاد الشامية: حلب وطرابلس وصفد، وقاموا بمحاولة انفصالية، انهزم بعدها «ابن المؤمني» وهو من أنصار السلطان في طرابلس (3)، فركب البحر برفقة القاضي شرف الدين مسعود وابن حجّة الحموي متّجهين نحو القاهرة، معتبرين أنفسهم لاجئين سياسيين لدولة السلطان
__________
(1) ديوانه ورقة 8ب.
(2) خزانة الأدب 1/ 436435.
(3) النجوم الزاهرة 12/ 19.(1/30)
في الديار المصرية، بعد أن طاردتهم القوى الانفصالية في طرابلس. وبعد أن استقرّ ابن حجّة في القاهرة كتب لبدر الدين الدمامينيّ رسالة يصف فيها معاناته تحت عنوان «الرسالة البحريّة» ثم حال الانفصاليون بينه وبين بلده حماة وأصدقائه فيها، أمثال القاضي ناصر الدين بن البارزيّ، صاحب ديوان الإنشاء الشريف في حماة، ولم يطل تشوّقه إلى حماة ومن فيها، حتى عاد إليها، وكتب له أن يرى الشام سنة 803هـ.،
بعد حريقها للمرّة الثانية على يد تيمور لنك، إلّا أنّ جزعه لم يكن كما كان المرّة السابقة، إذ أنّ مسقط رأسه حماة كانت هي أيضا قد تعرّضت لاجتياح تيمور لنك فخسر كتبا كثيرة عبثت بها أيدي التتار، فانصرف إلى وصفها ووصف دمشق وما ألمّ بهما من دمار وخراب في القصيدة التي مدح بها عمر بن الهدباني، نائب حماة سنة 803هـ.
ثم توجّه بعد ذلك إلى حلب، وتعرّف على نائبها «علّان» الذي أصبح إمامه في حلب، ولكن السلطان عندما غضب على علّان أرسل له شيخا المحموديّ نائب دمشق، فهرب «علّان» واختفى ابن حجّة في حلب (1)، وكان في ركاب المحموديّ كاتب سرّه صدر الدين بن الأدميّ صديق ابن حجّة، وكان قد علم بمكان اختفائه، فكتب إليه صدر الدين يطلب لقاءه (من المتقارب):
قصدنا حماة فلم نلق من ... أردنا فلم نرع عهدا وإلّا
وجئنا إلى حلب خلفه ... فإن كان فيها اجتمعنا وإلّا (2)
فكتب إليه ابن حجّة الجواب (من المتقارب):
أمولاي والله حال الجريض ... دون القريض الذي قد تولّى
وأرجو، وقد عفت هذي البلاد، ... خلاصي بالصّدر منها وإلّا (3)
ثمّ توجّه متنكرا في خدمته إلى دمشق.
وفي سنة 809هـ، يرسل قصيدة من حماة إلى دمرداش الحاكميّ يمدحه فيها بمناسبة انتصاره على الفرنجة الذين هاجروا ثغر طرابلس، ثمّ يتوجّه إلى دمشق حيث شرع في ممارسة الكتابة الديوانية، فيكتب سنة 810صداق السلطان الملك الناصر
__________
(1) خزانة الأدب 2/ 325324.
(2) خزانة الأدب 2/ 325.
(3) خزانة الأدب 2/ 325.(1/31)
على بنت «كمشبغا» الظاهريّ الحمويّ، كما كتب بتعيين صديقه قاضي القضاة صدر الدين بن الآدميّ الحنفيّ بقضاء قضاة الحنفيّة بدمشق فيتّخذها مقرّا له. وفي سنة 812هـ. يلتقي ابن حجّة في دمشق بالمؤرّخ الأديب أبي العبّاس المقريزيّ وفي عام 813هـ.، ينزل به الدهر وبأصدقائه نكبة في دمشق نفسها فيختفي على أثرها هو وصديقه صدر الدين عن الأنظار، إلّا أنّ ابن حجة لاختفائه عن الأنظار ولانصرافه عن مسرح السياسة انقطع للأدب، واعتكف في دمشق فترة حقّق خلالها رغبة صديقه صدر الدين بن الأدميّ فألّف أرجوزة سمّاها «تغريد الصادح» (1). ومن ثمّ يذهب ابن حجّة إلى حلب سنة 814هـ.، حيث يطلعه الشيخ بدر الدين بن الضعيف على رسالة عاطلة فقرّظها بتقريظ عاطل (2).
وفي عام 815هـ، اعتلى شيخ المحموديّ في القاهرة سدّة السلطنة (3)، وقرّب منه جماعة ممّن حضروا معه من البلاد الشاميّة، فرقاهم إلى وظائف رفيعة، منهم: المقرّ الزيني عبد الباسط بن خليل، والمقرّ الناصريّ محمد بن البارزيّ الذي نوّه عند الملك المؤيّد شيخ المحموديّ بابن بلده تقيّ الدين ابن حجة (4)، فاستدعاه الملك المؤيّد عام 815هـ.، وشرّفه بأن يكون كاتبا في ديوان الإنشاء في مصر (5)، وهكذا استقرّ ابن حجّة في ديوان الإنشاء في القاهرة، جانيا ثمرات صداقاته القديمة، مفتتحا بذلك صفحة جديدة من حياة الاستقرار. وفي القاهرة باشر عدة أنظار، وأثرى حتى صار يعدّ من الأعيان، ورافق الملك المؤيّد في حلّه وترحاله. وعندما رافقه في رحلته إلى بلاد الروم، وصف تلك الرحلة برسالة أرسلها إلى الديار المصريّة طالبا من الملك المؤيّد ألّا يقرأها إلّا قاضي القضاة ابن حجر العسقلاني، فقرئت سنة 816هـ. في الجامع المؤيّدي والأزهر (6). وفي عودته من بلاد الروم إلى القاهرة مرّ ببلاد الشام دون أن يعرّج على حماة، فبقي في نفسه شوق إليها، وما إن عزم ابن البارزيّ على السفر إلى بلده حماة سنة 818هـ. حتّى أرسل معه أشواقه في قصيدته النونيّة التي مطلعها (من الكامل):
__________
(1) خزانة الأدب 2/ 189180.
(2) خزانة الأدب 4/ 351348.
(3) بدائع الزهور ص 313.
(4) الصفحة الثانية من «ب» قبل المتن، الجزء الأوّل.
(5) ثمرات الأوراق ص 143.
(6) بدائع الزهور ص 313.(1/32)
خلّ التّعلّل في حمى يبرين ... فهوى حماة هو الذي يبريني (1)
ثمّ يرحل مرّة أخرى مع الملك المؤيّد إلى بلاد الروم، وذلك سنة 820هـ.، ثم يعودان إلى حلب حيث يكتب عدّة ردود وأجوبة عن الملك المؤيّد إلى الأمصار الإسلاميّة، ثم يعود إلى القاهرة ويسكن في الجيزة، وممّا يؤثر عنه أنه جعل بيته ملتقى للأدباء والأصدقاء، وكتب على مدخله (من الوافر):
مددت على الطريق مديد ظلّي ... ليجتمع الصديق مع الصديق (2)
وفي سنة 823هـ. يفجعه الدهر بموت صديقه ووليّ نعمته الأوّل ناصر الدين بن البارزيّ فيرثيه، ثمّ يختار الملك المؤيّد مكانه كاتبا لسرّه ابنه كمال الدين، وفاء لحقّ أبيه، إلّا أنّ علاقة ابن حجّة به لم تستمرّ طويلا، إذ أنّ كمال الدين ابن البارزيّ كان يصغي لكلام الوشاة والخصوم، فيقلّل من منزلته التي حظي بها عند والده، وما إن تأزّمت تلك العلاقة بينهما حتى أعرض ابن حجة عنه وانصرف إلى مدح ابن مزهر معرّضا بكمال الدين بن البارزيّ.
ثمّ لمّا تقلّد علم الدين بن الكويز صحابة دواوين الإنشاء تنكّر لابن حجّة، الذي سجّل بيده مرسوم تقليده، وكتب صداقه عندما أصهر لابنة البارزي، وذلك لأنه سخر منه ببيتين من الشعر (من المنسرح):
العلم ابن الكويز قال: معي ... لطف وظرف حواهما الكرم
وقامتي بانة مهفهفة ... فقلت: لا بانة ولا علم (3)
ثم تتوالى النكبات على ابن حجّة الحمويّ، ففي سنة 824هـ. انتقل الملك المؤيّد إلى الرفيق الأعلى، فأخذ نجم ابن حجّة بالتراجع، ولا سيّما بعد أن أزرى به ابن الكويز، وطمع به الشعراء المعاصرون، وراح معظمهم يهجوه أمثال ابن الخرّاط وابن العطّار والبدر البشتكيّ (4)، إلّا أنّ ابن حجّة استمرّ في ديوان الإنشاء رغم وفاة ابن الكويز سنة 826هـ.، ورغم استمرار نجمه في الهبوط، فقد استمرّ في الديوان ينشئ للملك المظفّر ابن الملك المؤيّد، ومن بعده أنشأ للملك الظاهر، ثم لابنه
__________
(1) ديوانه ورقة 38أ.
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 49.
(3) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 49.
(4) الضوء اللامع 11/ 53.(1/33)
الملك الصالح وأخيرا للملك الأشرف بارسباي، الذي كتب ابن حجة في زمانه سنة 827هـ. تقليد ابن حجر بقضاء قضاة الشافعيّة.
ومكث ابن حجة بالديار المصريّة إلى أن رحل عنها إلى بلده حماة سنة 830هـ.
حيث ضجر من المقام في مصر بعد أن فجعه الدهر بأغلى من لديه فيها: ابن البارزيّ والملك المؤيّد، ثم أتبعهما بثالث وهو فلذة كبده ابنه «محمد» الذي لم يبلغ من العمر أربع سنوات (1). ومهما يكن من أمر فإنّ ابن حجّة عاد إلى بلده ولازم الاشتغال بالعلم (2)، حيث أتمّ تأليف كتابه «تأهيل الغريب» سنة 835هـ وفي هذا الوقت عاد كمال الدين بن البارزيّ إلى ديوان الإنشاء، فطمح ابن حجّة الحمويّ للعودة إلى مصر لولا أن كان له القدر بالمرصاد. وفي هذا العام لقيه ابن حجر العسقلاني في حماة إذ توطّدت علاقتهما واشتدّت أواصر المودّة بينهما، وسمع كثيرا من نظمه ومن شرحه.
ووفاته:
في الخامس والعشرين من شعبان عام 837هـ. بدأ المرض يدبّ في جسمه، فاجتمع عليه البرديّة والحمّى، وأوديا بحياته بعد عمر ناهز السبعين. وقال إنه أوصى أن يكتب على قبره بجانب المسجد الذي ساعد الله فيه على إنشاء خطبته (من الرجز):
يا غافر الزّلّات يا من عفوه ... ينهل بالرّحمة من فوق السّحب
بيتك قد جاورته بحفرة ... وأنت قد أوصيت بالجار الجنب (3)
وقيل: إنه دفن في تربة باب الجسر، وبني على قبره قبّة، بقيت جدرانها إلى نهاية القرن الثالث عشر، فعمل له بعض الناس حجارة على لحده حفر عليها أن هذا القبر قبر الغزاليّ، والعامّة الآن يزورونه باسم الغزاليّ، ويجهلون أنه ابن حجّة، على أنّ الغزاليّ دفن في مدينة «طوس» ولا يعرف حماة (4).
__________
(1) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 50.
(2) الضوء اللامع 11/ 53.
(3) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 51.
(4) تاريخ حماة ص 153و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 51والأعلام 2/ 67 والصفحة التي قبل المتن في النسخة المخطوطة ب (2) من خزانة الأدب.(1/34)
ز ثقافته:
أخذ ابن حجّة الحمويّ من كلّ علم بطرف، وذاع صيته واشتهر علمه فأصبح ملك المتأدّبين، وإمام الأدباء، شاعر الإسلام، ورئيس دواوين الإنشاء، وأشهر كتّاب عصره المتفنّنين.
ابن حجّة الشاعر والأديب: لقد عانى ابن حجّة النظم في فترة مبكّرة من حياته، وكان أوّل نظمه في الزجل والمواليا، إذ لم يكن قد ملك ناصية اللغة أو زمام حذاقة التعبير، كما لم يكن لديه، في تلك الفترة، الزاد الأدبي الذي يسعفه على نظم القريض وتعاطي فنّ القصيد إلّا أنّه بالرغم من ذلك، فقد توفّرت لديه الحوافز والمشاعر الوجدانية التي دفعته إلى أن يعبّر عن أحساسيسه ووجدانه، قبل أن تنضج قريحته أو تستكمل أداة التعبير، وذلك من خلال فنّ الزجل والمواليا، وهو ظاهرة فنّية شعبية تقوم على اللغة العامية، وسيلة التعبير السائدة آنذاك بين عامّة الشعب. وما إن تقدّم في عمل الأزجال والمواليا، حتّى أقبل على نظم القصيد، كما يقول السخاوي (1): وقال ابن العماد الحنبليّ:
«وعانى عمل الحرير يعقد الأزرار، وينظم الأزجال، ثم مال إلى الأدب، ونثر ونظم» (2). ولقد حاول ابن حجّة أن يرفع من قدر فنّ الزجل، فقال في شرح البديعية: إن الشيخ شمس الدين بن الصائغ قد أورد في شرحه ل «البردة» شيئا من محاسن الزجل، واستشهد فيه (3) وما إنّ اشتدّ ساعد ابن حجّة في هذا الفنّ وطال باعه حتى أصبح إماما فيه، وقد ألّف فيه كتابا سمّاه «بلوغ الأمل في فنّ الزّجل».
وبعد أن اشتدّ ساعده في نظم الزجل، وتمكّن من اللغة والأدب، انتقل إلى نظم الشعر وحذق القصيد، فانصرف إلى تحبير القصائد، وكانت أوّل محاولة شعريّة له تلك القصيدة الكافية التي مدح بها قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، ومطلعها (من البسيط):
طربت عند سماع وصف مغناك ... فكيف لو كان هذا عند مغناك (4)
والجدير بالذّكر أنّ هذه القصيدة عارض بها ابن حجّة قصائد كبار شعراء العصر
__________
(1) الضوء اللامع 11/ 53.
(2) شذرات الذهب 7/ 219.
(3) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 316.
(4) ديوانه ورقة 36ب.(1/35)
المملوكيّ كجمال الدين بن نباتة، والقيراطيّ، وصفيّ الدين الحلّيّ وقد لاقت استحسانا لافتا من كبار شعراء عصره وأدبائه، فراحوا يقرّظونها نثرا وشعرا في كلّ من مصر والشام فمن الذين قرّظوها له علاء الدين بن أيبك، والشيخ محمود الشافعي خطيب الدهشة بحماة، والقاضي فتح الدين الشهيد ابن الشهيد، وأبو بكر بن العجميّ، وفخر الدين بن مكانس، ومحمد بن الأنصاري الحنفي، وجمال الدين يوسف، ومحمود الأنطاكيّ، وبدر الدين بن قاضي أذرعات، وعبد الرحمن بن خلدون.
ثمّ إنّ تلك التقاريظ على هذه القصيدة أعطت ابن حجّة الشهادة على تجربته العلنية الأولى في الشعر، ما دفعه لحملها، لا إلى ابن جماعة في دمشق وحسب، بل لحملها إلى مصر حيث قرّظها له آخرون، ثمّ إنّ القصائد التي ردّ بها على تلك التقاريظ، رسّخت قدمه في فنّ القريض وشهدت لشاعريّته بالقوّة، وفتحت له آفاقا جديدة من الصداقات هناك بين صفوف الأدباء والفقهاء والقضاة وأرباب الأقلام.
وممّا يجدر ذكره أيضا أنّ ابن حجّة، حتى تلك الفترة لم يكن قد اطّلع على شعر المتنبّي، بل كان شعر ابن نباتة وشعر صفيّ الدين الحلّيّ هما أوّل شعر اطّلع عليه وثقفه وتبصّر فيه (1) ويبدو أن صحبته الطويلة لديوانيهما غرست فيه مجموعة من ميزات شعرهما في الصورة والتركيب والطريقة، حتى تمكّنت منه فلم يعد قادرا على التفلّت من سلطانها، حتّى بعد أن اطلع على ديوان المتنبّي ويبدو أنّ صداقته القديمة لديوان ابن نباتة ظلّت تشدّه نحو الطريقة النباتيّة، حتى اتّخذها المثل الأعلى له في نظمه ونثره، فجعلت منه تلميذا مخلصا بحقّ لابن نباتة (2). وهذا يعني أنّ شاعريّة ابن حجّة قد ساهم في نضجها عاملان: أوّلهما الزجل، وثانيهما تتلمذه على ابن نباتة قبل تتلمذه على المتنبّي، إلّا أنّ شاعريّته قد نضجت على الطريقة النباتية واستقرّت عليها.
ولا ننسى أنّ أولى قصائده التي نظمها في مطلع حياته بعد قصيدته الكافية، القصيدة الرائية التي نظمها في المقرّ الأشرف «تمريغا» الأفضليّ، كافل المملكة الحمويّة، ومطلعها (من البسيط):
الله أكبر جيش الظلم قد كسرا ... والحمد لله جيش العدل قد نصرا (3)
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 236.
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 92.
(3) ديوانه ورقة 26أوخزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 236.(1/36)
أمّا أنواع نظمه فقد تراوحت بين الزجل المواليا والموشّح والدّوبيت والمخمّس والمشطّر والمضمّن.
أمّا الزجل، فقد سبق الكلام عليه، ويدور موضوعه غالبا حول الغزل، ولعلّ من أهم آثاره في الزجل هو كتابه «بلوغ الأمل في فن الزجل» (1). وأمّا الموشّح، فقد نظمه ابن حجّة مبكّرا، وهو يتراوح بين منزلة الشعر الرصين والنظم المتّصف بوحدة القافية والوزن، وبين الزجل القريب إلى العامية منه إلى الفصحى.
ويؤكد لنا ذلك ابن حجّة بقوله في موشّح يمدح به قاضي القضاة عليّ بن القضاميّ: «وهذا الموشّح نظمته بحماة المحروسة في مبادئ العمر، ورياحين الشبيبة غضّة، ولمّا طلبت إلى الأبواب الشريفية المؤيدية، سنة 815هـ. ووصلت إلى الديار المصرية وجدته ملحّنا وأهل مصر يلهجون به، وبتلحينه كثيرا» (2).
وأمّا الدوبيت، فأبسط تعريف له أنّه بيتان من الشعر، الأوّل مصرّع، والثاني ينتهي بقافية الأوّل نفسها، وفي ديوانه عشرات المقاطع من ذلك (3).
ولمّا كان ابن حجّة يمثّل الأديب في عصره أفضل تمثيل، فلا بدّ أن نراه يتفنّن في النثر كما يتفنّن في الشعر، إذ إنّ ذوق العصر واتجاهه النقدي كان لا يعتبر الأديب أديبا إلّا إذا أكثر في التأليف نثرا ونظما، فقد جاب ابن حجة في تأليفه آفاق الدنيا، وألمّ بكل لون من ألوان الثقافة، سواء كان في الأدب أو التاريخ أو السيرة أو النقد، أو الشعر، أو البلدان أو الحيوان أو النبات أو الجماد، وإذا أنشأ النثر صبّ في قوالبه كل ما أسعفته به ثقافته من اطّلاع على أنواع البديع من تورية وسجع وغيرهما وإذا نظم كان بالإضافة إلى القصيدة ينظم في كلّ أنواع النظم السائدة في عصره، فكان ينظم الشعر المرجّز والمخمّس والمشطّر والمضمّن.
أمّا التخميس فهو أن يأخذ الشاعر بمعارضة قصيدة مشهورة أعجب بها، فيأخذ كلّ بيت من القصيدة المخمّسة ويمهّد لها بثلاثة أشطر من شعره، وقد فعل ذلك ابن حجّة في تخميسه لبردة البوصيري، وعينيّة السهيليّ، وقصيدة الكيلاني التي سمّاها
__________
(1) الضوء اللامع 11/ 53.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 461. وانظر الموشّح في ديوانه ورقة 45أ 45ب.
(3) انظر ديوانه ص 80أ 80ب.(1/37)
بعد تخميسها ب «رشف المنهلين» وميميّة الفيّوميّ (1).
وأمّا التشطير والتضمين فهو أن يأخذ الشاعر بشطر من أشطر شاعر آخر ويضمّنه في قصيدته، كما فعل ابن حجّة في تشطير بعض قصائد المتنبي وتضمينها في شعره (2).
إلّا أنّ هذه الأنواع من النظم وإن كانت تدلّ على ضعف في الشاعر وكسل فكريّ لديه وهروب من الابتكار، فهي تدلّ على عنصر قوّة عند الشاعر، وهو شدّة الحبك بين الأبيات المضمّنة في المشطّرات أو المخمّسات والأبيات الأصيلة، فيتلاحم المعنى في البيت الواحد بشطريه وكأنّه لشاعر واحد، ولا يخلو هذا الحبك من حذق وبراعة ودقّة في استخدام الألفاظ وتتابع المعاني ليجيء بعضها آخذا برقاب بعض.
ولقد عرف ابن حجّة الحمويّ جميع الفنون الشعريّة التي كانت سائدة عند الشعراء الذين سبقوه والذين عاصروه، فأخذ يمثّلها في شعره أفضل تمثيل، بل أخذ من كل فنّ من فنون عصره بطرف، فكان في شعره المديح والنسيب والوصف والهجاء والرثاء والاعتذار
وأوّل هذه الأغراض التي برع فيها ابن حجّة هو المدح، الذي استأثر بالقسط الأكبر من شعره حتى ليكاد يشمل ثلاثة أرباع شعره حتى ظن صاحب «هديّة العارفين» أن ديوانه «جنى الجنتين» هو شعره الذي قاله في المدح (3). إلّا أن للمدح النبويّ عنده قصائد رائعة ومطوّلات بديعة، ولقد جهد ابن حجّة في معارضة قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، بقصيدة لاميّة مطلعها (من البسيط):
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول (4)
إلّا أن الفرق بين القصيدتين واضح جليّ، فقصيدة كعب رصينة، محكمة النسج، متينة التراكيب، دقيقة العبارة، أمّا قصيدة ابن حجّة فمفعمة بالتورية، حافلة بالجناس والطباق، محشوّة بالتضامين التي أخذها من قصيدة كعب ذاتها، ومطلعها (من البسيط):
__________
(1) انظر ديوانه ورقة 45ب 57أ.
(2) انظر ديوانه ورقة 45أ 45ب.
(3) هدية العارفين 5/ 731.
(4) ديوانه ص 26.(1/38)
في قتلتي لعيون الشّهل تشهيل ... وما لموتي عند الخدّ تقبيل (1)
ويقول فيها (من البسيط):
من ذا الذي يرتضي نيل الورى وله ... «من الرسول بإذن الله تنويل» (2)
ولابن حجّة قصائد أخرى في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فبالإضافة إلى القصيدة اللامية التي عارض بها كعب بن زهير، نظم ثلاث قصائد أخرى، إحداها الميميّة المضمومة التي سمّاها «أمان الخائف» أو «أمان الخائفين من أمّة سيّد المرسلين»، ومطلعها (من الطويل):
شدت بكم العشّاق لمّا ترنّموا ... فغنّوا وقد طاب المقام وزمزم (3)
وثانيها الميميّة المكسورة وهي «البديعية»، ومطلعها (من البسيط):
لي في ابتدا مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهلّ الدمع في العلم (4)
وثالثها القافيّة، ومطلعها (من الطويل):
أغرّد في أفنان وجدي بكم عشقا ... فلا تذكروا من بعد تغريدي الورقا (5)
وهذه القصائد كما تبدو من مطالعها قد حافظت على الأسلوب التقليدي في قصائد المديح، من حيث استهلالها بالنسيب إلّا أنّ ابن حجّة يريد أن يكون ذاك النسيب محتشما وقورا متناسبا مع جلال قدر الممدوح، فرسم للشعراء منهج الغزل الذي تستهلّ به القصائد النبويّة، إذ يقول: «إنّ الغزل الذي يصدر به المديح النبويّ يتعيّن على الناظم أن يحتشم فيه، ويتأدّب، ويتضاءل ويتشبب مطربا بذكر سلع ورامة وسفح العقيق والعذيب والغوير ولعلع وأكناف حاجر، ويطرح ذكر محاسن المرد، والتغزّل في ثقل الأرداف، ورقّة الخصر، وبياض الساق، وحمرة الخدّ، وخضرة العذار، وما أشبه ذلك، وقلّ من يسلك هذا الطريق من أهل الأدب» (6) إلّا أنّ معظم معانيه في المديح النبويّ كانت مكرّرة في كلّ قصيدة من قصائده تلك.
ولم يكن المديح النبويّ كلّ شعر ابن حجّة المدحيّ، فقد كان له مدائح أخرى
__________
(1) ديوانه ورقة 73أ.
(2) ديوانه ورقة 73ب.
(3) ديوانه ورقة 7أ.
(4) ديوانه ورقة 3ب.
(5) ديوانه ورقة 74ب.
(6) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 344342.(1/39)
قد نظمها لأغراض أخرى، ولا سيّما أنّ المديح كان لديه، كغيره من شعراء عصره، وسيلة من وسائل الارتزاق أو وسيلة من وسائل الشهرة والانطلاق إلّا أنّ عناصر هذا المدح ظلّت قديمة تتناول الكرم والعطاء وتشبيه الممدوح بالبحر، بالإضافة إلى القيم الدينيّة، كما كان أغلب الذين مدحهم ابن حجّة من أرباب الأقلام، فمدح فيهم إتقان صناعة القلم، وحذق اليراع يستأثر بالكثير من شعره.
وقد تناول ابن حجة فنّا آخر في أدبه، نثره وشعره، هو فنّ التهاني، وهو نوع من شعر المدح الذي يلقى في المناسبات السعيدة والمفرحة. ومن هذه التهاني ما قاله بمناسبة شفاء الملك المؤيّد من مرضه في قصيدة مطلعها (من البسيط):
الحمد لله زال البؤس والألم ... وعوفي العدل والمعروف والكرم
حتّى نسيم الصّبا المعتلّ صحّ بكم ... وصار من بعد ضعف عنده شمم (1)
أمّا الفخر فقد كان مختلفا عند ابن حجّة عند عند غيره، فقد كان ابن حجّة كثير الاعتداد بنفسه وبشعره، حتى انسلخ فخره عن كلّ القيم القديمة، فلا أصل عريق يعتدّ به، ولا شجاعة لديه يفتخر بها كأبي فراس والمتنبي، ولا غنى وفير يسمو به إلى مرتبة حاتم الطائيّ وغيره، فأخذ يفتخر باسمه وبما يمتلكه من حذق للشعر وتفوّق في النثر وحبك للقصائد وإحكام للترسّل، وغير ذلك من قيم مشابهة، ومن ذلك قوله (من الطويل):
فإن كنت سيف الدولة اليوم إنّني ... أنا المتنبّي الآن في معجز الشعر (2)
ومن فخره باسمه قوله (من البسيط):
فقل لخصمي: أبو بكر له ثبت الت ... تقديم دع شيعة في الغبن قد ماتوا (3)
وهذا الفخر أدّى إلى أن ينبري كثيرون لهجائه.
وكان لفنّ الوصف نصيب في شعر ابن حجّة ونثره، كبعض الفنون الأخرى، فلم تخل منه قصائده ورسائله، إلّا أن أوصافه تلك تتّصف بالسّطحية، كما أنّها لم تكن موضوعا قائما بذاته، بل كانت تمرّ مرورا سريعا في معرض مدحه أو نسيبه، وأكثر
__________
(1) ديوانه ورقة 39أ.
(2) ديوانه ورقة 25ب.
(3) ديوانه ورقة 71ب.(1/40)
أوصافه مادّيّ ملموس، كأن يشبّه ممدوحه بالبحر أو الأسد أو الحسام، إلّا أن معظم أوصافه المرئيّة التي نالت عناية كبيرة من شعره في معرض المدح وصف القلم وما يتّصل به من الكتابة وأدواتها، وذلك بحكم عمله ككاتب في دواوين الإنشاء، أو بحكم عمل ممدوحيه، إذ إنّ معظمهم كان من رجال القلم والكتابة.
كما نالت طبيعة بلاد الشام التي عاش فيها، وبلاد الكنانة (مصر) التي زارها وأقام فيها، حظّا وافرا من أوصافه، فوصف من حماة طبيعتها ونواعيرها وعاصيها ورياضها وثمارها وأزهارها وأنهارها وأطيارها، كما وصف من مصر رباها وهرمها ونيلها وأرضها وأهلها وجمال طبيعتها.
كما أنّ أوصافه في نسيبه لم تخرج عن الوصف السطحيّ الظاهريّ متناولا بذلك الخال والعارض والخدّ والوجه والعين والشّعر. ومن الجدير بالذكر أنّ رسالته النثرية التي أرسلها لابن مكانس في وصف حريق الشام على يد الظاهر برقوق، تعتبر نموذجا جيّدا في الأوصاف الدقيقة والصّور الغنيّة. إلّا أنّ هذا النسيب ذاته لم يكن عند ابن حجّة سوى مطيّة لكثير من فنونه الشعريّة، يسوقه دائما في مطالع القصائد، ومذهبه في ذلك مذهب غيره من الشعراء، وقليلة هي المعاني الغزلية الجديدة عنده، ثمّ إنّ معظم نسيبه كان حلو الألفاظ رسلها، قريب المعاني سهلها، غير كزّ ولا غامض، رطب المكسر شفّاف الجوهر، يطرب الحزين ويستخفّ الرصين.
أمّا الرثاء فلم نجد منه عند ابن حجّة إلّا النزر القليل، ومن المستغرب جدّا أن صديقه الحميم ناصر الدين بن البارزي الذي مدحه بأكثر من ثلاث قصائد، لم يظفر منه بقصيدة رثاء واحدة، والأغرب من ذلك أنّه كان له ابن اسمه «محمد» اختطفته يد المنون ولم يكتمل عمره أربع سنوات، ومع ذلك لم يقل فيه قصيدة رثاء واحدة أو لعلّ ابن حجة أودع رثاءه مصنّفا مستقلا وضاع مع غيره من الكتب الضائعة (1). إلّا أنّ هناك نوعا آخر من الرثاء عند ابن حجّة، وإن كان قليلا، هو رثاء المدن التي أغار عليها الطامعون فنهبوها وسلبوها وقوّضوا ما بها من حضارة، فممّا قاله في رثاء دار السعادة في حماة (من الكامل):
دار السعادة كان قد حلّ الشّقا ... فيها وجاورها زمان أسود
__________
(1) «ابن حجة الحمويّ شاعرا وناقدا» ص 151.(1/41)
واليوم ينشد مذ حللت بربعها ... «أهلا بعيش أخضر يتجدّد» (1)
كما رثا ابن حجّة دمشق بقوله (من الكامل):
هذي دمشق الشام عين بلادنا ... وعلى محاسنها الخناصر تعقد
قد صيّرتها المغل قاعا صفصفا ... هذا ومنها نارهم لا تخمد (2)
كما أنّ شعر ابن حجّة لم يخل من الشوق والحنين بحكم تنقّله بين حماة وطرابلس ودمشق ومصر، فقال معاتبا الدهر (من الكامل):
قرّرت لي طول الشتات وظيفة ... وجعلت دمعي في الخدود مرتّبا
وأذقتني فقد الأحبّة والهوى ... والأهل والأوطان في زمن الصّبا (3)
كما نجد في شعر ابن حجّة نوعا آخر من الحنين والتشوّق، وهو الحنين إلى أماكن تقع في أرض الحجاز كالجزع والعقيق وبارق وطيبة وحاجر، ولعلّ هذا الحنين هو حنين تقليديّ درج عليه أكثر الشعراء في قصائدهم المدحية، أو لعلّ صورة تلك الأماكن ظلّت في ذاكرته منذ أن زارها في حجّته.
وقد عرف شعر ابن حجّة نوع الاعتذار والعتاب والاستعطاف، فيقول ابن حجة:
«إنّ المقرّ المخدوميّ الأمينيّ الحمصيّ لما انتقل من توقيع حمص إلى صحابة ديوان الإنشاء بدمشق، فقصد نقلتي من حماة إلى أبوابه العالية بعد أن كانت كؤوس الإنشاء دائرة بيننا، وقد نقل إليه كلام عنّي تحقّق بعد ذلك عدم صحّته، فكتب إليه هذه القصيدة منها (من الخفيف):
حبّكم فرضنا وسيف جفاكم ... قد غدا في بعادنا مسنونا (4)
أمّا عتابه فكان في ثلاث: عتاب الأصدقاء والخلّان، وعتاب الحبيب، وعتاب الدهر. فمن عتاب الأصدقاء قوله (من الخفيف):
من بأسياف هجرهم كلّمونا ... ما عليهم لو أنّهم كلّمونا (5)
__________
(1) ديوانه ورقة 27ب.
(2) ديوانه ورقة 27ب.
(3) ديوانه ورقة 36أ.
(4) ديوانه ورقة 13أ.
(5) ديوانه ورقة 12ب.(1/42)
ومن عتاب الحبيب قوله (من البسيط):
عتابته ودموعي غير جارية ... لأنّ دمعي من طول البكا نشفا
فقال: لم أرو وكف الدّمع قلت له: ... حسيبك الله يا بدر الدّجى وكفى (1)
ومن عتاب الدهر قوله (من الكامل):
قرّرت لي طول الشتات وظيفة ... وجعلت دمعي في الخدود مرتّبا (2)
أمّا الاستعطاف فكان لابن حجّة منه نصيب في شعره، ومنه ما استعطف به الأمير علاء الدين الطشلاقيّ الذي كان نائبا لقطيّة، يسأله حسن التخلّص من ذلك المكان الذي حجز فيه دون المرور بين مصر والشام، فيقول (من الكامل):
مولاي عبدك ملّ من طول السّرى ... فعسى برأيك أن يكون مدبّرا
لكن سمعت بأنّ مصرا جنّة ... أضحى لها النيل المعظّم كوثرا
فاسمح برؤيتها ويا ربّ الندى ... بالله لا تجعل جوابي: «لن ترى» (3)
كما عرف شعر ابن حجّة أغراضا أخرى منها: الألغاز والأحاجي، الذي كان للفراغ الذي عاشه الشعراء في تلك الفترة دور كبير في نظمه، إلّا أنّ ابن حجّة لم يكن لديه الفراغ الكافي للإكثار منه، وما كان كتبه لولا حبّ المطارحة وحبّ التفكّه، وهو نوع يقوم على التصحيف والتحريف والعكس والتجنيس، وقد دخل إلى علم البديع حتّى أفسده بعد أن صار ضربا من ضروبه. ويبدو أنّ ابن حجّة كان من الذين تعاطوا الخمرة وعاقروها إذ وردت في شعره فقال (من الرجز):
حيّا بها عاصرها في كأسها ... مشرقة باسمة كالثّغر
وقال: هذي تحفة في عصرنا ... قلت: اسقنيها يا إمام العصر (4)
أمّا الهجاء، فلم يصلنا من شعر ابن حجّة فيه إلّا بضعة أبيات، رغم ما كان من خصومة بينه وبين شعراء عصره أمثال يحيى بن العطّار، وزين الدين بن الخرّاط. ومن هجاء ابن حجّة في صفيّ الدين الحليّ (من السريع):
__________
(1) ديوانه ورقة 42أ 42ب.
(2) البيت سبق تخريجه.
(3) ديوانه ورقة 23ب 24أ.
(4) ديوانه ورقة 41أ.(1/43)
قالوا: صفيّ الدين أشعاره ... ما للورى في ظرفها ممشى
أهكذا إنشاؤه مسكر ... قلت لهم: والله ما أنشا (1)
ثمّ إنّ أدب ابن حجّة قد خلا تماما من «الحكمة»، وهذا لا يعني أنه عدوّ لها، بل كان ولوعا بها وقد ذكرها في خزانته تحت عنوان «إرسال المثل»، وقال في تعريفه:
«إرسال المثل نوع لطيف في البديع» (2)، ولعلّ أدبه، شعرا ونثرا، لم يستوعب هذا الفنّ لانصرافه إلى إعمال العقل في اقتناص التورية والجناس والطباق وغيرها من ألوان البديع، حتّى خلا معظم أدبه، ليس من الحكمة وحسب، بل من الصورة الشعريّة الرائعة، والتأليف الشعريّ الجميل الذي يقرّب الكلام المنطوق من الشعور وجمال التعبير، وروعة التصوير وجلال الفنّ ورونق الإبداع.
ومن ينظر في خصائص أدبه الأسلوبية يجد للتورية فيه عناية كبيرة، إذ راح يفرط في اقتناصها حتى غدت مذهبه ومذهب من سار على نهجهم أمثال القاضي الفاضل وجمال الدين بن نباتة، واتّسع باب التورية عنده حتى شمل جوانب مختلفة من القرآن الكريم والحديث الشريف والنحو والبلاغة واللغة والعروض والفقه والمنطق، والشعر، والقصص التاريخيّ وغيرها (3).
ومن سمات شعره حسن المطلع وحسن التخلّص وحسن الختام في القصيدة الواحدة (4). وأبرز مثال على ذلك قصيدته الكافيّة التي قالها في مدح برهان الدين بن جماعة (5).
بالإضافة إلى ذلك نجد لاختيار ابن حجّة لقافيته أسبابا منها:
اسم الممدوح، والمعارضة، وتضمينه بيتا من شعر شاعر معيّن، ورغبته في استمداد كلمات تصلح لأن تكون قوافي من قصيدة مشابهة.
ومن السمات الأسلوبية الشائعة في شعر ابن حجّة إكثاره من استعمال القسم والجارّ والمجرور والظرف وغيرها من الزوائد التي يهدف منها إلى إقامة الوزن،
__________
(1) ديوانه ورقة 79ب.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 125.
(3) انظر باب «التورية» في خزانة الأدب وغاية الأرب.
(4) انظر باب «براعة الاستهلال» وباب «حسن التخلّص» وباب «حسن الختام» في خزانة الأدب وغاية الأرب.
(5) ديوانه ورقة 36ب 37ب.(1/44)
فيجانب بها أحيانا شروط البلاغة.
كما أنّ للتكرار مجالا واسعا في شعر ابن حجّة، سواء كان تكرارا لما قاله شعراء عصره، أو تكرارا لما جاء في شعره في أماكن متعدّدة، وإن دلّ هذا على شىء فإنما يدلّ على كسل فكريّ ظاهر عنده، وعجز عن الابتكار والإبداع. بالإضافة إلى ذلك فقد حفل أدبه بلوازم مهنته كمنشئ في ديوان الإنشاء، فيأتي على ذكر السطر، والصفحة، والنقط والإشكال والإعجام والكتابة والضبط والنسخ والتصحيح
ومن خصائص شعره كثرة المقطّعات الصغيرة، حتى لتكاد تبلغ ثلث ديوانه (1).
ومن أهم المميزات السائدة في شعره إكثاره من الضرورات الشعرية حتى لقد بلغت في ديوانه «جنى الجنّتين» ثلاثمئة وخمسا وعشرين ضرورة، قد أحصاها تلميذه النواجيّ في ما عاد إليه من شعره منها صرف ما لا ينصرف، ومدّ المقصور، وقصر الممدود، وعدم فكّ الإدغام في آخر الفعل المسند إلى ضمير رفع متحرك، بل يسير على ما سارت عليه العامة من إضافة ياء بين الإدغام والضمير (2).
ولإبراز منزلة ابن حجّة الأدبية والشعريّة بين أدباء عصره وشعرائه لا بدّ من النظر في مجمل الظواهر التي اشترك بها شعراء العصر، وأهمّها: ظاهرة التصنّع بل الإغراق والتطرّف فيه، وظاهرة المعارضات، ولا سيّما لقصائد الشعراء الكبار كالمتنبّي (3)
وظاهرة السرقات الشعريّة، وظاهرة تبادل التقاريظ فمن خلال تلك الظواهر تبدو منزلة ابن حجّة الكلّية ألا وهي أنه شاعر أديب من أحسن أدباء قرنه، ومن أوسط شعراء عصره.
ابن حجّة الناقد: لقد عرف الأدب العربيّ النقد منذ العصر الجاهليّ، وإن كانت أحكامه أحكاما عابرة، إلّا أنه أخذ يتّسع في العصر العباسيّ، حتى تسرّبت إليه عناصر أخرى كالبلاغة فامتزجت به، وقد ظنّ النقّاد الأوائل أنها من صميم النقد ولوازمه، وهي في الحقيقة من مشوبات النقد ومشوّهاته ومن هنا راح ابن حجّة الناقد يمزج النقد بالبلاغة في كثير من مؤلّفاته وهذا لا يعني أنّه لم يترك لنا آراء نقديّة خالصة، بل يكاد يعتبر ناقد
__________
(1) انظر ديوانه ورقة 72ب، 78أ 81أ.
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 183.
(3) وانظر خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 178.(1/45)
القرن التاسع الوحيد، ويمثّل اتجاه النقد في قرنين سابقين وعدّة قرون لا حقة، وإن كانت آراؤه في النقد البلاغيّ أكثر منها في النقد الأدبيّ الخالص، بل إنّ النقد الأدبي الخالص لم يرد عنده إلّا في ثنايا حديثه عن النقد البلاغيّ الذي اتّسع بفعل علم البلاغة. وقد اطّلع ابن حجّة على كثير من المؤلّفات البلاغية ولا سيّما البديعيّة التي ألّفت منذ القرن الثاني حتى عصره، ولمّا أتيح له أن يصنّف «شرحه» على بديعيّته المسمّاة ب «تقديم أبي بكر» كان قد اطلع على أنواع البديع وأجناسه وألوانه في تلك المؤلّفات، وقد أعجب ببعضها فاستقى مادّة شرحه وشواهده منها، ولم يعجب ببعضها الآخر فأعرض عنها، وكان في إقباله على بعضها وإعراضه عن بعضها الآخر متمتّعا بذوق الناقد البلاغيّ الذي يأخذ من هذا المؤلّف لسبب، ويدع رأي ذاك لسبب، ويصوّب رأي فلان ويخطّئ رأي آخر، ويستحسن رأي زيد ويستهجن رأي عمرو، كلّ ذلك بأسلوب الناقد البديعيّ، وقد ناقش في مصنّفه هذا الأنواع البديعيّة نوعا نوعا وعلّق عليها، وخرّج الآراء البلاغية وأحكام سابقيه من ناظمي البديعيات، ونقد ما قدّموه من شعر وآراء بلاغية. وإذا كان يستفيض في الشرح رغبة منه في التفريع والتقسيم والتنويع، فإنّه كان يلغي بعض الأنواع الفرعية التي لا يستلطفها ذوقه، ومما يدلّ على ذلك قوله: «وذكر صاحب الإيضاح للتفريع قسما ثانيا لم يذكره غيره، ولا نسج على منواله أصحاب البديعيّات فألغيته أيضا، والشيخ زكيّ الدين بن أبي الإصبع اخترع قسما ثالثا، ولكن وجدت هذا النوع الذي نحن بصدده أحلى في الأذواق وأوقع في القلوب، وعلى سننه مشى أصحاب البديعيات، فألغيت أيضا ما اخترعه ابن أبي الإصبع» (1). ولم يكن ابن حجّة مجرّد مقتف لآراء البلاغيّين في تسميتهم للأنواع، بل كان ينتقد كبار البلاغيّين لوقوعهم في سقطات ليس من ورائها شديد فائدة، ففي باب «المراجعة» يبيّن لنا أنه لولا المعارضة لما ذكر هذا النوع في بديعيّته لأنّه نوع تافه (2).
ومن هذه الأنواع البديعية التي أنف من الاستفاضة في شرحها في بديعيّته:
التفصيل، وعتاب المرء نفسه، وتشابه الأطراف، والمماثلة، والتصدير (3) وبعد
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 244.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 197.
(3) انظر كلّا في بابه من خزانة الأدب وغاية الأرب.(1/46)
هذا فكتابه «خزانة الأدب وغاية الأرب» يعتبر كتاب بلاغة لتضمّنه البديعية وشرحها وكان ابن حجّة إذا أراد نظم النوع البديعيّ وشرحه، رجع فيه إلى العديد من كتب البلاغة، مقارنا بين تعريفات البلاغيين له، وما ذكره أصحاب البديعيات، ثمّ يستخلص لنفسه رأيا في تعريف هذا النوع وذاك، مشيرا إلى مخترعه أو السابق إلى معرفته، كلّ ذلك بأسلوب الناقد البلاغيّ البديعيّ فمن ينظر في باب «الاشتقاق» مثلا يستدلّ على منهجه في النقد والشرح (1)، وعلى مدى سعة ثقافته البلاغيّة التي جعلت منه ناقدا بلاغيّا مميّزا، بل ناقدا بديعيّا، يعتمد في نقده على ذوق بديعيّ اكتسبه من خلال اطلاعه الكبير على كتب البلاغة، وفنون البديع، ومن خلال ممارسته الطويلة للقراءة والكتابة، نظما ونثرا، بأسلوب البديع. ومن الكتب التي كانت تنمّ عن ذوق ابن حجّة النقديّ والبلاغيّ، كتابه «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة» الذي وضعه لرفع التهمة المغرضة عن كتابه «شرح تقديم أبي بكر»، بل جاء مختصرا له، جمع فيه أبيات البديعيات الثلاث وعرّف كل نوع من الأنواع البديعية، معتمدا على المقارنة التي اتخذها وسيلة للوصول إلى إثبات حسن صنعه وتفوّقه على عميدي فنّ البديعيات الحليّ والموصليّ.
ومن كتبه التي حاولت أن تكشف عن جانب كبير من معركة النقد بين أنصار اللفظ وأنصار المعنى، كتابه «كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام»، ولا سيّما بعد أن عمد البلاغيون إلى تقسيم الأنواع البديعية في النقد إلى قسمين: قسم سام راق تنضوي تحته التورية والاستخدام والتشبيه والاستعارة وغيرها ممّا يتصل بالمعنى، وقسم سافل منحطّ تنضوي تحته أنواع الجناس والطباق وما شابههما، وقد ظهرت من خلال هذا الكتاب شخصية ابن حجّة النقديّة إذ راح يقارن بين أبيات في الجناس وأخرى في التورية، فيرجّح التورية على الجناس منتصرا لأنصار مذهب التورية والمعنى على أنصار مذهب الجناس واللفظ.
أمّا إذا أردنا الاطلاع على آراء النقد الأدبيّ عند ابن حجّة، فإننا نجدها مبثوثة في مؤلّفاته الأدبية عامّة وآثاره البلاغيّة خاصّة، ولا سيّما في شرحه لبديعيّته الذي حوى أحكاما نقديّة كثيرة تدلّ على ذوق صاحبها، وعلى مدى تذوّقه للأدب وتعبيره عنه،
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 6563.(1/47)
وكان بوسع ابن حجّة أن يكثر من هذه الآراء لولا أنّ عنايته بالاستكثار من الشواهد صرفته عن التعمّق في النقد.
ومن آراء ابن حجّة النقديّة النظريّة رأيه في أنّ الدربة والمراس ودوام قراءة الأدب وحفظ الشعر لتكوين الملكة الأدبيّة، يخلق ملكة مكسوبة ترفد الملكة الأدبية الموهوبة في صناعة الأدب شعرا ونثرا، فالشاعريّة عنده لا بدّ من أن يرفدها الذوق السليم والذهن الصافي والتمييز الصحيح، وقد أورد قصّة قصيرة في خزانته تؤيّد رأيه النقديّ هذا، إذ قال: «وهنا نكتة لطيفة تؤيّد هذا النقد، اتفق أن الشيخ نور الدين علي ابن سعيد الأندلسيّ الأديب المشهور الذي من نظمه قوله [من مخلع البسيط]:
واطول شوقي إلى ثغور ... ملأى من الشهد والرحيق
عنها أخذت الذي تراه ... يعذب من شعري الرقيق (1)
لمّا ورد إلى هذه البلاد، اجتمع بالصاحب بهاء الدين زهير، وتطفّل على موائد طريقته الغراميّة، وسأله الإرشاد إلى سلوكها فقال له: «طالع ديوان الحاجريّ والتلعفريّ، وأكثر المطالعة فيهما وراجعني بعد ذلك» فغاب عنه مدة وأكثر من مطالعة الديوانين ثم اجتمع به بعد ذلك، وتذاكرا في الغراميّات، فأنشده الصاحب بهاء الدين زهير في غضون المحاضرة: «يا بان وادي الأجرع» وقال:
أشتهي أن يكمّل لي هذا المطلع، ففكر قليلا وقال: «سقيت غيث الأدمع». فقال: والله حسن، ولكن الأقرب إلى الطريق الغراميّ أن تقول: «هل ملت من طرب معي» (2).
وقد اتخذ ابن حجّة من هذه النكتة درسا جعله يطبّق آراءه النقدية على نفسه، فعمد إلى ديوان صفيّ الدين الحلي وديوان جمال الدين بن نباتة وأكثر من مطالعتهما ثم عمد إلى ديوان المتنبي فطالعه، حتى اكتسب من الحليّ رقّة سحره، ومن النباتيّ أحكام طريقته، كما كان لشعر المتنبي عنده أثر كبير.
ولم يكتف ابن حجّة بالموهبة والمراس والدربة لصقل الشاعريّة، بل يطلب من الشاعر أن يرجع إلى شعره بعد نظمه فينقّحه ويهذّبه مستعينا بأهل النقد والذوق، وقد طبّق هذا المبدأ على نفسه أوّلا، فقد كان ينظم البيت ثم يهدمه ثم يعيد بناءه حتى يعبّر
__________
(1) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 327.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 328327.(1/48)
تمام التعبير عمّا يريد، وإذا عجز عن ذلك هرع إلى ناصر الدين البارزيّ ليشير عليه بآرائه النقديّة وإرشاداته التهذيبيّة كما كان يأخذ برأي تلميذه النواجيّ في كثير من نظمه، ولم يكتف ابن حجّة بتطبيق ذلك على الشعر، بل تجاوزه إلى النثر، ولهذا فقد فتح بابا في خزانته تحدّث فيه عن «التهذيب والتأديب» وخصّه بالشعر والنثر (1).
ومن آرائه النقديّة الجيّدة محاولة تفسيره للشعر بأنّه ابن بيئته وصدى لعصره، محاولا التماس العذر للشاعر القديم عند استمداده صوره الشعرية من معطيات بيئته، سواء أكانت هذه المعطيات منسجمة مع الذوق المعاصر أم غير منسجمة. ومن آرائه النقديّة أنه أباح الاستشهاد بكلام المحدثين في علوم البلاغة من معان وبيان وبديع، بل لا يرى مانعا من الاستشهاد في ذلك بشعر المعاصرين وزجلهم ونثرهم (2). كما يرى ابن حجّة الحمويّ أنّ ظاهرة السرقات الشعرية أصبحت من المسلّمات في عصره، فلا بدّ إذا من قبولها وإقرارها لشيوعها، ولا سيّما أن الشاعر السارق لم يعد يخجل لسرقته، بل كان أجرأ على الاعتراف بالسرقة عمّا كان عليه الشعراء الأوائل، فهذا ابن الورديّ يقول (من الوافر):
وأسرق ما استطعت من المعاني ... فإن فقت القديم حمدت سيري
وإن ساويت من قبلي فحسبي ... مساواة القديم وذا لخيري
وإن كان القديم أتمّ معنى ... فذلك مبلغي ومطار طيري
وإنّ الدّرهم المضروب باسمي ... أحبّ إليّ من دينار غيري (3)
وقد أكثر ابن حجّة من الحديث عن السرقة، مجيزا السرقة بالمعنى دون اللفظ، كما تتبّع سرقات معاصريه وبيّنها، كسرقات ابن نباتة من الوداعيّ، وسرقات الصفديّ من ابن نباتة (4).
ومن آرائه المصيبة في النقد أخذه بعين الاعتبار الحالة النفسيّة للمخاطب، ولا سيّما في مطلع القصيدة، إذ يقول فيه: «أوّل شيء يقرع الأسماع، ويتعيّن على ناظمه النظر في أحوال المخاطبين والممدوحين، وخطاب الملوك في حسن الابتداء هو
__________
(1) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 3/ 172.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 314.
(3) ديوانه ص 264و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 222.
(4) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 353.(1/49)
العمدة في حسن الأدب» (1). إلّا أنّه يؤخذ عليه في نقده أنه كان أحيانا إذا أحبّ شاعرا أثنى عليه وإن غضب على آخر تحامل عليه في نقده، كما فعل في ثنائه على أغلب أصحاب التورية أمثال جمال الدين بن نباتة والمتنبي والوداعيّ والقاضي الفاضل، وفي تحامله على أصحاب الجناس وعلى رأسهم صلاح الدين الصفديّ، وابن العطّار وابن الخرّاط. كما أن هناك ظاهرة أخرى تعكس لنا ذوقة الأدبيّ والنقديّ، ألا وهي ظاهرة الاختيار في الأدب والبلاغة، لما فيه من روح نقديّة إذ تجمع المتشابه من الأدب في باب، والمتشابه من شواهد البلاغة في باب آخر.
إلّا أنّ ما يميّز ابن حجّة عن غيره من النقّاد أنّه راح يطبّقها على نثر الآخرين وشعرهم كما طبّقه على شعره ونثره، فمن ينظر في شرحه لبديعيته يجد فيه نزوعه إلى هذا التطبيق الذي يدلّ على فكره النقديّ الجانح إلى التعليل وحسن الاختيار، والتماس الأسباب للمسبّبات والمعرفة في فقه الألفاظ وتدبّر معانيها وأمثلة ذلك كثيرة في شرحه، منها ما ورد في باب «براعة الاستهلال»، وباب «التخيير»، وباب «الانسجام» (2) ومن أمثلته النقديّة التطبيقية اشتراطه أن يكون الغزل في مطالع المدائح النبويّة محتشما ينسجم مع جلال الممدوح وقدره، وهذا ما كان قد طبّقه على مدائحه وراح يطبّقه على شعر الآخرين الذين أخلّوا بهذه الشروط (3). ومن آرائه في النقد التطبيقي التي تدلّ على دقّة في النظر وحصافة في الرأي قوله في باب «مراعاة النظير»: «فإنّهم عابوا على أبي نواس قوله (من المجتثّ):
وقد حلفت يمينا ... مبرورة لا تكذّب
بربّ زمزم والحو ... ض والصّفا والمحصّب (4)
فالحوض هنا أجنبيّ من المناسبة لأنّه ما يلائم «المحصّب» و «الصّفا» و «زمزم»، وإنّما يناسب «الصراط» و «الميزان»، وما هو منوط بيوم القيامة» (5).
ومهما يكن من أمر تلك الآراء النقديّة، فإنّ لابن حجّة فضلا في امتداد علم النقد
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 311.
(2) انظر كلّا في بابه من خزانة الأدب وغاية الأرب.
(3) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 342 347.
(4) ديوانه ص 80وخزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 339.
(5) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 339.(1/50)
في هذه العصور رغم اندماجه وتلاشيه في ثنايا البلاغة عامّة، وكتب البديع خاصّة، كما أنّ له الفضل في تقييم نتاج شعراء عصره بقيم نقديّة هي أقرب ما تكون إلى النقد الصحيح في عصر يكاد يخلو من النقاد ذوي الذوق السليم، فكان ابن حجّة ناقدا يتلاءم مع عصره ومع قيمة الأدب الذي ساد فيه. ويرى محمود الربداوي أن لا غرابة في أن يصل النقد في ذاك العصر إلى الدرجة التي وصل إليها، ذلك أنّ الشاعر هو نفسه الناقد، والناقد هو الشاعر، ولا يسعنا إلّا أن نقول للشاعر: «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم» (1).
ح شخصيّته وأقوال النّاس فيه:
لعلّ أوّل صفة تتميز بها شخصية ابن حجّة هي العصاميّة، إذ لم يكن ينحدر من أسرة عريقة، أو ذات منزلة في العلم والأدب، بل كان كلّ ما فعله أبواه له أن علّماه القرآن الكريم، ثم دفعا به إلى العمل في مهنة الحرير وعقد الأزرار، إلّا أن نفسه أبت عليه ذلك، وسمت إلى الاشتغال بالعلم والأدب، فراح يثقّف نفسه بنفسه ويتردّد إلى أهل العلم وشيوخ الأدب، ويرحل من قطر إلى قطر، ويتعرّف على أرباب الأقلام والمثقفين كالقضاة والكتّاب والأدباء حتى حذق الأدب وثقفه، كل ذلك بفضل عصاميّته التي أصبح بها جديرا بالاحترام والتقدير. وقد أكسبه تنقّله بين الأمصار صفة أخرى وهي أنه بات جوّاب الآفاق، يحبّ الرحلة من بلد إلى آخر، ويملّ الإقامة في مكان واحد مدّة طويلة، وقد دفعت به هذه الصفة إلى حبّ المغامرة، فعانى الاختفاء أكثر من مرّة في دمشق وحلب، وهرب مرّة من طرابلس إلى مصر، وتشدّد في التنكّر لخصومه حتى سدّدوا له نبالهم وأفحشوا فيه القول، إلّا أنه لم يعبأ بهم.
ومن أهمّ صفاته التي تؤخذ عليه أنّه كان معجبا بنفسه معتدّا بها فخورا بتفكيره، مزهوّا بشعره، وقد جرّه ذاك الإعجاب وهذا الفخر إلى الحظّ من قدر الآخرين والازدراء بهم، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فصفيّ الدين الحليّ وشعره وإنشاؤه ليس بشيء في نظره، وابن الكويز ليس من الأعلام برأيه، ولعلّ ازدراءه بالآخرين يبلغ مداه عندما يقرظ قصيدة لشاعر أو رسالة لأديب، أو حتّى بيتا واحدا من الشعر، أو صورة بديعة، أو نوعا من أنواع البديع ورد عند أحد الشعراء. وعندما يصل إلى
__________
(1) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 229.(1/51)
تقريظ شعره أو نثره يبلغ الذروة في الزهو والإعجاب بنفسه، فهو متنبّي عصره، وشاعر الدنيا، وهو عسكريّ الصناعتين (1)، فتراه يقول (من الطويل):
فإن كنت سيف الدولة اليوم فإنّني ... أنا المتنبّي الآن في معجز الشعر (2)
ويقول في مكان آخر (من الكامل):
أنا شاعر الدنيا ومدحك شاهدي ... وسمعت في الإنشا بديع رسائلي
والغير إن قاسوه بي من جهلهم ... حاشاك قسّ ما يقاس بباقل (3)
وممّا قاله مزريا بصفيّ الدين الحليّ (من الرجز):
قالوا: صفيّ الدين أشعاره ... ما للورى في ظرفها ممشى
أهكذا إنشاؤه مسكر ... قلت لهم: والله ما أنشا (4)
ومما قاله في هجاء العلم بن الكويز (من المنسرح):
العلم بن الكويز قال معي ... لطف وظرف حواهما الكرم
وقامتي بانة مهفهفة ... فقلت: لا بانة ولا علم (5)
إلى غير ذلك ممّا جلب له في أواخر حياته الكثير من الخصومات والمتاعب، حتى انبرى الكثيرون لهجائه، كيحيى بن العطّار الذي جمع هجاءه له في مصنّف سمّاه «حوائج العطار في عقر الحمار»، وزين الدين بن الخراط الذي أودع هجاءه في مصنّفه «سوط العذاب على شرّ الدوابّ»، وغيرهما ممّن راحوا يمعنون في الحطّ من قدره وقدر شعره ونثره، فممّا قاله أحدهم (من البسيط):
زاد ابن حجّة بالإسهال من فمه ... وصار يسلح منثورا ومنظوما
وظنّ أن قد تنبّا في ترسّله ... لو صحّ ذلك قطعا كان معصوما (6)
__________
(1) انظر ديوانه «جنى الجنتين» ورقة 3ب.
(2) ديوانه ورقة 25ب.
(3) ديوانه ورقة 58أ.
(4) ديوانه ورقة 79ب وخزانة الأدب 3/ 521.
(5) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 166وخزانة الأدب 3/ 521.
(6) خزانة الأدب وغاية الأرب بشرح عصام شعيتو 1/ 16و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 166165.(1/52)
ولم يكتف خصومه بذلك، بل لقد تنكّروا له ولا سيّما تلاميذه، بعد أن كانوا معجبين به لفترة طويلة من الزمن، فراحوا يتتبّعون مثالبه ويظهرونها، وعلى رأسهم تلميذه النواجيّ الذي تناوله في كتابه «الحجّة في سرقات ابن حجّة»، وقد أخذ فيه على عاتقه أن يتتبّع سرقاته في ديوانه المسمّى ب «جنى الجنتّين»، إذ يقول: «حتّى أنه قال مرارا في ملأ من أصحابه: «إنّ مملكة مصر لم يصر لها حالة إلّا به»، وقال مرّة:
«لو شئت كلّ وظيفة لولّيتها، ولكني، والله، لو أعطيت الخلافة ما رضيتها» ونادى بباب الجامع الأزهر على رؤوس الأفاضل والأماثل: كلّ من في المشرق والمغرب تحت خفّي ونازل» (1). ولم يكن النواجيّ هو البادئ في تنكّره لأستاذه، بل كان ابن حجّة قد سبقه بدوره إلى تنكّره لأستاذه عز الدين الموصليّ، ومن يطّلع على خزانته يجد بوضوح كم مرّة صبّ لواذع كلمه على بديعيّة شيخه، مسفّها رأيه مزريا به، فقيّض له الله من ينقّب عن مثالبه وسرقاته ويؤلّف فيها كتابا.
إلّا أنّه كان رغم ذلك إماما عالما في الأدب، طويل النفس في النظم والنثر، وقد قال عنه السخاوي: «كان إماما عارفا بفنون الأدب، متقدّما فيها، حسن الأخلاق والمروءة، مع بعض زهو وإعجاب، ومداومة على خضب لحيته بالحمرة إلى أن أسنّ» (2)، كما ذكره ابن خطيب الناصريّة فقال: «الإمام الأريب البليغ الفاضل الناظم الناثر إمام أهل الأدب في زمنه» (3).
وقد قرّظه ابن حجر العسقلاني في ثنايا تقريظه لشرح بديعيته قائلا: «أشهد أنّ أبا بكر مقدّم على أنظاره، ولا أعدل في هذه الشهادة من أحمد، وأجزم برفعة قدره على كلّ من انتصب لهذا الفنّ ولا أبلغ من حاكم يشهد، لقد بلغ أشدّه في البلاغة واستوى، وثبت رشده عند غواة الأدب» (4).
وكان لابن حجر في ابن حجّة تقاريظ أخرى. كما وصفه أحد المؤرّخين فقال:
__________
(1) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 52.
(2) الضوء اللامع 11/ 53والأعلام 2/ 67و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 52.
(3) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 52.
(4) هذا التقريظ في آخر النسخة ب (ج 2) من «شرح البديعية»، بعد المتن، وسيأتي أثناء الكلام على «شرح بديعيته» في قسم الدراسة.(1/53)
«الإمام البارع والعالم الأريب، رئيس أدباء العصر، وأعرفهم بفنون الشعر» (1) وقال السخاويّ أيضا: «ونظمه ونثره يفوقان الوصف» (2). وقال ابن حجر: «نعم الرّجل كان» وقال المقريزيّ: «كان فيه زهو وإعجاب بنفسه، وعلمه الأدب، ونظمه كثير، وهو أحد أدباء العصر المكثرين المجيدين، وله في الأدب مصنّفات» (3). ويذكر ابن العماد الحنبليّ في «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» أنّ الحافظ ابن حجر سئل:
من شاعر العصر؟ فقال: «تقيّ الدين بن حجّة» (4). وقال محمد بن عليّ الشوكانيّ في «البدر الطالع»: وله يد طولى في النظم والنثر مع زهو وإعجاب، وقد يأتي في نظمه بما هو حسن، وبما هو في غاية الركّة والتكلّف» (5).
ومع هذا كلّه فقد كان ابن حجّة واسع الثقافة العربية، غزير الاطّلاع، شاعرا، على قدر كبير من المعرفة بألوان الشعر التي سادت عصره، وناقدا بلاغيّا وكاتبا مجلّلا ومؤلّفا مكثرا في مختلف ضروب التأليف.
2 - آثاره ومصنّفاته الأدبيّة:
بلغت تركة ابن حجة الأدبية ما يزيد على ثلاثين أثرا ومصنّفا، بعضها من إنتاجه النثري والشعريّ، وبعضها الآخر من مختاراته الشعريّة والنثريّة، وهي بين مفقود ومخطوط ومطبوع (6)، تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الآثار النثريّة، والآثار الشعريّة، والآثار البلاغية النقديّة.
أالآثار النثريّة:
لقد ترك ابن حجّة الحمويّ العديد من الآثار النثرية، منها الآثار الإنشائية الخاصّة التي كتبها في مناسبات مختلفة، وتشمل الرسائل الإخوانية الصغيرة ك «الرسالة البحريّة» (7) التي بعث بها إلى بدر الدين الدّمامينيّ، ورسالة «ياقوت الكلام
__________
(1) الضوء اللامع 11/ 53.
(2) الضوء اللامع 11/ 53.
(3) الضوء اللامع 11/ 53.
(4) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 7/ 219.
(5) البدر الطالع في محاسن من بعد القرن السابع 1/ 164.
(6) كتبه المطبوعة أربعة هي: «بلوغ الأمل في فنّ الزجل» و «ثمرات الأوراق» و «كشف اللثّام عن وجه التورية والاستخدام» و «خزانة الأدب وغاية الأرب».
(7) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 369 وثمرات الأوراق ص 134.(1/54)
فيما ناب أهل الشام» (1) التي بعث بها إلى فخر الدين بن مكانس، ورسالة «السكّين» (2)، ورسالة «وفاء النيل» (3) كما تشمل الرّسائل الديوانيّة الكبيرة ككتاب «قهوة الإنشاء» (4) الذي جمعه تلميذه النواجيّ بإذن منه.
ومنها المؤلّفات والمصنّفات النثريّة التي لم تقتصر على إنشائه الخاص، بل تميّزت بالجمع من الكتب والمصنّفات الأخرى التي سبقته والتي عاصرته، ولا يزيد نثره فيها عن أكثر من عبارات الجمع والربط بين مواضيع هذه المؤلّفات.
وهذه المؤلّفات هي:
«ثمرات الأوراق في المحاضرات» (5): أو «ثمرات الأوراق فيما طاب من نوادر الأدب وراق» (6) وقد أودع فيه ابن حجّة حصيلة ثقافته الغزيرة واطلاعه الواسع، ومن يتصفّح هذا المؤلّف يدرك وفرة الكتب التي اطّلع عليها وعلى رأسها «درّة الغوّاص» لأبي محمد القاسم بن علي الحريريّ، وكتاب «الأذكياء» لابن الجوزي، وكتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان، بالإضافة إلى حوالي أربعين كتابا أتى فيه على ذكرها.
__________
(1) انظر ثمرات الأوراق ص 148. وهذه الرسالة يسميها البعض «ياقوت الكلام في أيام الشام» أو «ياقوت الكلام في نار الشام»، أو «رسالة لابن مكانس». وانظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 54.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 374.
(3) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 307.
(4) انظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 76والأعلام 2/ 67وهدية العارفين 5/ 731و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 55.
(5) طبع هذا الكتاب بالمطبعة الوهبية في القاهرة سنة 1300هـ.، 1882م وفي مكتبات أخرى، منها: في مكتبة الخانجي سنة 1971م وسنة 1987م، وفي دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1983م وفي مكتبة مصطفى البابي الحلبيّ سنة 1952م، وسنة 1953م وفي المطبعة العامرة في القاهرة سنة 1873م. وقد كلفت وزارة الثقافة من اختار بعض طرائفه وطبع بعنوان «المختار من ثمرات الأوراق». انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 55والأعلام 2/ 67وهدية العارفين 5/ 731ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 76.
(6) طبع بهذا العنوان سنة 1990م، وهو جزءان في مجلد واحد.(1/55)
«أزهار الأنوار» (1): وهو مجموعة من الطرائف والنوادر القديمة والمعاصرة التي استقاها من مطالعاته الكثيرة، وبعضها مكرر في «ثمرات الأوراق» ومصنفات أخرى.
«مجرى السّوابق» (2): جمع فيه ابن حجّة كلّ ما استطاع من نثر أو شعر في موضوع وصف الخيل المسوّمة، وقد كرّر بعض ما جاء فيه في كتابه «تأهيل الغريب».
«تأهيل الغريب النثريّ» (3): و «تأهيل الغريب» هو مصنّف نفيس، يقسم إلى قسمين: «تأهيل الغريب الشعريّ» و «تأهيل الغريب النثريّ» وسيأتي الكلام عليه في الكلام على «تأهيل الغريب الشعريّ».
«بلوغ المرام من سيرة ابن هشام والروّض الأنف والأعلام» (4): وهو كتاب تاريخ وسيرة أكثر منه كتاب أدب، لخّص فيه ابن حجة أشهر السّير التي كتبت عن الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، وخاصّة «سيرة ابن هشام»، و «الروض الأنف» للسّهيليّ، و «الأعلام» للقرطبيّ.
«بلوغ المراد من الحيوان النبات والجماد» (5): وهو مؤلّف موسّع في الحيوان والنبات والجماد، نحا فيه ابن حجّة نحو الدّميريّ في كتابه «حياة الحيوان الكبرى» وزاد عليه في المضمون والمنهج والترتيب.
«ملتقطات ابن حجّة» (6): وهو كتاب يتحدّث عن الخليقة والمخلوقات.
ب الآثار الشعريّة:
أمّا آثاره الشعريّة فهي تتراوح بين أربعة أنواع: إنتاجه الشعريّ، ومختاراته من
__________
(1) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 56.
(2) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 56.
(3) انظر الأعلام 2/ 67و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 57، 80. والكتاب مطبوع في المطبعة الوهبية سنة 1882م.
(4) انظر الأعلام 2/ 67و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 57.
(5) انظر الأعلام 2/ 67وهدية العارفين 5/ 731و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 57.
(6) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 58.(1/56)
الدواوين، وكتب المعارضات، والمختارات العامّة.
أإنتاجه الشعريّ:
وهو يشمل على ديوانه، أو «جنى الجنّتين»، و «الثمرات الشهيّة من الفواكه الحمويّة والزوائد المصريّة»، بالإضافة إلى أربعة آثار أخرى هي: «تخميس السّهيلي»، و «رشف المنهلين»، و «أمان الخائف»، و «تفصيل البردة» (1).
وقد اضطرب مؤرّخو الأدب في تعيين ديوان ابن حجّة، فأخطأ بعضهم ونسب إليه أكثر من ديوان، بل وأخطأ في التسمية فقد ذكر له السخاوي «الزوائد المصريّة» و «الثمرات الشهيّة من الفواكه الحمويّة»، و «جنى الجنّتين»، و «ديوان شعر بديع» (2)، ومثل ذلك ورد في هديّة العارفين إذ ذكر المؤلّف أنّ له ديوان شعر بديعا، وله «جنى الجنتين» في مديح أشعاره (3). وفي الواقع أن ديوانه هو «جنى الجنّتين» نفسه، والدليل قوله في خطبة الديوان: «وبعد، فهذه أوراق في رياض الأدب زاهرة، وقد قرع السنّ قارع الأربعين، وسمّيتها «جنى الجنّتين» لأني راعيت فيها بحدائق نثري زهر المنثور، ورخّصت بجواهر نظمي قيمة الناظم لدرر البحور» (4) ثمّ أتى فيما بعد مجموعة من النّسّاخ حاولوا جمع كلّ ما قاله من شعر بعد سنّ الأربعين، وأضافوه إلى ما جمعه هو، فأطلقوا عليه تارة اسم الديوان، وتارة اسم «جنى الجنتين» وتارة يسمّونه في المقدّمة «جنى الجنّتين» وفي الخاتمة «الثمرات الشهيّة من الفواكه الحموية والزوائد المصرية»، وقد بيّن تلميذه النواجيّ أن اسم «الزوائد المصرية» كان لزيادة قصائد عدّة على ديوانه كان قد قالها في الملك المؤيّد في مصر وأمّا اسم «الثمرات الشهيّة من الفواكه الحموية» فهي أيّة قصيدة من ديوانه باعتباره «جنى الجنّتين» من باب التورية.
أمّا الآثار الشعرية الأربعة فهي لا تعدو أسماء قصائد له في ديوانه، وهي:
«تخميس السهيليّ» التي خمّس بها قصيدة السهيليّ العينيّة، و «رشف المنهلين» التي
__________
(1) هذه الآثار الأربعة هي قصائد طويلة موجودة في ديوانه «جنى الجنتين». وسيأتي الكلام عليها.
(2) الضوء اللامع 11/ 53.
(3) هدية العارفين 5/ 731.
(4) جنى الجنّتين ورقة 3أ 3ب و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 60.(1/57)
خمّس بها قصيدة عبد القادر الكيلاني، و «أمان الخائف» أو «أمان الخائفين من أمّة سيّد المرسلين»، وهي في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، و «تفصيل البردة» التي خمّس بها بردة البوصيريّ (1).
ب مختاراته من الدواوين:
اختار ابن حجّة من دواوين الشعراء الذين أعجبوه شيئا من أشعارهم وجعله في مصنّفات، فقد اختار من شعر ابن الهباريّة في كتابه المسمّى «الصادح والباغم» من أرجوزته الطويلة، بعض الحكم، ونظمها مع بعضها، وسمّاها «تغريد الصادح» (2)، كما اختار من ديوان برهان الدين القيراطيّ أحسنه وسمّاه «تحرير القيراطيّ»، وأعجب بتوريات الشيخ عبد العزيز الأنصاري، شيخ شيوخ حماة، فجمعها وأودعها زاوية من كتابه «كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام»، كما جعل لها زاوية في «خزانة الأدب وغاية الأرب» وسمّاها «زاوية شيخ الشيوخ» (3).
ج كتب المعارضات:
ويمثّل هذا النوع من آثاره الشعريّة كتابان «بيوت العشرة»، و «قبول البيّنات» أمّا «بيوت العشرة» فهو مجموعة من معارضات شعره مع شاعر آخر هو ابن نباتة، وقد ذكر ابن حجّة فيه خمس قصائد من غرر قصائد ابن نباتة، ثم اختار من شعره هو خمس قصائد في معارضتها، وأطلق على القصائد العشر اسم «بيوت العشرة». وأمّا «قبول البيّنات» فهو يختلف عن «بيوت العشرة»، إذ إنّه يحتوي على ثلاث قصائد شعريّة، إحداها تائية جمال الدين بن نباتة، والثانية تائية برهان الدين القيراطيّ، والثالثة تائية ابن حجّة، وكلّ تائيّة منها معارضة لسابقتها، وحاول ابن حجّة في هذه المعارضة أن يحرز قصب السبق على سابقيه، فكان له ذلك بحكم لصديقه ابن حجر العسقلانيّ وحكم آخر لصديقه ابن الجزريّ كما تكلّم هذا المصنّف على بقيّة من نظم «التائيّات» (4).
__________
(1) وانظر «ابن حجة شاعرا وناقدا» ص 59وهدية العارفين 5/ 731.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 189180.
(3) خزانة الأدب وغاية الأرب، باب «التورية» وكشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام ص 33وانظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 67.
(4) انظر هدية العارفين 5/ 731و «ابن حجة شاعرا وناقدا» ص 68.(1/58)
د المختارات العامّة:
ومن أبرز آثاره الشعرية وأنفسها في هذا الباب هو كتابه «تأهيل الغريب» وقد جمع فيه من كلّ روضة زهرة لشعراء قدامى ومعاصرين، وقسّمه إلى قسمين: «تأهيل الغريب الشعريّ»، و «تأهيل الغريب النثريّ» (1) وقد عني ابن حجّة في الأول بجمع المتشابه من غريب كلّ فنّ وتأهيله مع بعضه، حتّى أضحى كتابه مجموعة من المختارات الشعرية والنثريّة تربطها أحيانا رابطة التشابه، وتندرج تحت عنوان واحد، صنفت في مجموعة من الأبواب وختم الكتاب بمجموعة كبيرة من الأشعار جرت مجرى الأمثال.
أمّا «تأهيل الغريب النثريّ» فهو تأهيل للغريب في الإنشاء، إذ جمع فيه مجموعة من المراسيم والتقاليد التي أنشأها في ديوان الإنشاء، بالإضافة إلى مجموعة تقاريظ قرّظ بها فقهاء عصره كافيّته، وبعض شعره، ثمّ أتبعها بفصل في الإجازات الأدبية (2).
ثمّ يأتي كتابه «بلوغ الأمل من فنّ الزجل» (3)، وهو الأثر الثاني من آثاره الزجليّة إذ إنّ الأثر الأوّل هو مجموعة أزجاله المنثورة في كتبه المختلفة (4).
ج الآثار البلاغيّة النقديّة:
هذه الآثار تتمثّل في «شرح بديعيّته»، و «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة»، و «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام».
أمّا «شرح بديعيّته المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»» أو «خزانة الأدب وغاية الأرب» فهو، كما يدلّ عليه اسمه، شرح لبديعيّة نظمها في مدح الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، معارضا بها بديعيّة عزّ الدين الموصليّ وبديعية صفيّ الدين الحليّ، وبديعية العميان، وقد ضمّنها أنواع البديع وشرحه هذا لبديعيته «مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه
__________
(1) الأعلام 2/ 67ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 7776.
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 80، 82.
(3) طبع هذا الكتاب محققا في دار إحياء التراث العربي، سنة 1974. (159صفحة).
(4) هدية العارفين 5/ 731وانظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 82، 94.(1/59)
يستغني عن غيره من الكتب الأدبية» (1)، لما فيه من ثقافة ابن حجّة البلاغية والأدبية المنوّعة، حتى يمكن القول: إنّه كتاب بلاغة وأدب ونقد وطرائف ونوادر وشعر ونثر. وسيأتي الكلام مفصّلا على «شرح بديعيّته» هذا في قسم الدراسة، بعد الحديث عن البديع والبديعيات.
أمّا الأثر الثاني من آثاره البلاغية النقديّة، فهو «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة» (2): وهو كتاب مختصر ل «شرح البديعية»، جمع فيه ابن حجّة أبيات البديعيات الثلاث، وعرّف كل نوع من الأنواع البديعية وكان رائده المقارنة بين هذه البديعيّات للوصول إلى نتيجة تدلّل على حسن صنيعه، وتفوّقه على عميدي فنّ البديعيّات آنذاك الحلّيّ والموصليّ ولا سيّما بعد أن راح معاصروه يرمونه بالسرقة والاتباع والتطفّل على موائد أصحاب البديعيات الذين جاؤوا قبله، فأخذوا ينعتون كتابه ب «تأخير أبي بكر» (3).
أمّا ثالث هذه الكتب البلاغية النقدية فهو كتابه «كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام» (4)، الذي يعتبر نسخة مطابقة لما جاء عن «التورية» في «شرح البديعيّة»، وقد ألّفه ابن حجّة معارضا به مصنّف الصفديّ المسمّى ب «فضّ الختام عن التورية والاستخدام»، فتكلّم فيه على أنواع التورية وأقسامها وشواهدها، وأصحابها، معرّضا ب «الجناس» وأصحابه معتبرا إيّاه من أنواع الفراغ، ومرجّحا «التورية» عليه، كما لمّح إلى ظاهرة طريفة، وهي علاقة التورية بمهنة هؤلاء الشعراء الذين استغلّوا مهنتهم في سبيل التورية والاستخدام، أمثال أبي الحسين الجزار، والسراج الورّاق، وشمس
__________
(1) انظر الصفحة الأولى قبل العنوان في النسخة «ك» من مخطوطة «شرح تقديم أبي بكر» وكشف الظنون 1/ 233.
(2) انظر هدية العارفين 5/ 731.
(3) كان ابن حجة قد سمّى بديعيته «تقديم أبي بكر» وشرحها، فسمّي شرحها «شرح تقديم أبي بكر»، أو «خزانة الأدب وغاية الأرب»، أو «شرح بديعية ابن حجة» وسيأتي الكلام مفصّلا على ذلك أثناء الكلام على خزانته.
(4) هدية العارفين 5/ 731والأعلام 2/ 67ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 77. وقد طبع هذا الكتاب في المطبعة الإنسية في بيروت، سنة 1895م، وفي مطبعة الجوائب سنة 1880م.(1/60)
الدين المزّين، ويحيى الخبّاز الحمويّ، ونصير الدين الحمّامي. ثمّ أنهى كتابه هذا بتعريف الاستخدام تعريفا سريعا وقد رفعه فوق مرتبة التورية في البديع.
د آثاره المفقودة: (1)
ذكر بعض المترجمين لابن حجّة جملة من مصنّفاته وآثاره ما زالت مفقودة، لعلّ يد الدهر عبثت بها فغيّبتها عن الأنظار، وهي عشرة، بعضها في التاريخ، وأكثرها في الأدب عامة والشعر خاصّة.
فما كان منها في التاريخ فهو «السيرة الشيخيّة»، ولعلّ هذا الكتاب يشتمل على الأحداث السياسيّة والتاريخيّة التي أسهم فيها بل رسم خطوطها الملك المؤيّد «شيخ المحموديّ» الذي عاش ابن حجّة في كنفه.
وأمّا ما كان منها في الأدب فهو الكتب التالية:
«رفع الالتباس عن بديع الاقتباس»: ولعلّ هذا المؤلّف هو الرابع من آثاره البلاغيّة، وقد ذكره في باب «الاقتباس» من خزانته.
«لزقة البيطار في عقر ابن البيطار»: وهو من شعره الهجائيّ، الذي قاله في ابن العطّار الذي ألّف في هجاء ابن حجّة كتابا سمّاه «حوائج العطّار في عقر الحمار».
«بروق الغيث على الغيث الذي انسجم في شرح لاميّة العجم» (2): وهو مؤلّف تحدّى به ابن حجّة كتاب الصفديّ «الغيث المسجّم في شرح لاميّة العجم» لما وجده من نقص وأخطاء.
«حديقة زهير» (3): ولعلّ هذا المؤلّف مجموعة مختارات من شعر بهاء الدين زهير، اختاره ابن حجّة على نسق مختاراته من دواوين معاصريه من الشعراء، ك «تحرير القيراطيّ»، و «زاوية شيخ الشيوخ»، و «تغريد الصادح».
«بياض النبات» و «قطر النباتين»: وهما مؤلّفان لابن حجّة، لعلّ الأوّل منهما
__________
(1) وانظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 8785.
(2) معجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 76وهدية العارفين 5/ 731. والغريب أن عصام شعيتو أشار إلى أن هذا الكتاب مطبوع دون أي معلومات أخرى عنه.
(3) الأعلام 2/ 67.(1/61)
مجموعة مختارات من أجود شعر ابن نباتة، على نسق «تحرير القيراطيّ» ولعلّ الثاني منهما مجموعة قصائد مختارة من شعر ابن نباتة وشعر ابن حجّة نفسه.
«ناضج قلاقس»: ولعلّ هذا المؤلّف أيضا مختارات من شعر ابن قلاقس، صنّفه ابن حجّة على عادته في الاختيار من دواوين شعراء العصر.
«لطائف التلطيف»: لعلّ ابن حجّة حاكى بهذا المؤلّف كتاب الأبشيهي «المستطرف في كل فنّ مستظرف»، فوضع فيه مجموعة من الطرائف والقصص القصيرة والحكايات اللطيفة، والنكت والفكاهات ومختارات شعرية ونثريّة،
وقد يكون شبيها بكتابه «أزهار الأنوار» أو ب «ثمرات الأوراق في المحاضرات».
«الفواكه الجنيّة في نوادر الملوك والأبيات الأدبية» (1): ولعل هذا المؤلّف وضع على نسق سابقه، كما يدلّ عليه اسمه.
3 - كتابه المسمّى ب «خزانة الأدب وغاية الأرب»:
أوّلا: الكتاب:
أتوثيق اسم الكتاب:
اسم الكتاب الكامل هو: «خزانة الأدب وغاية الأرب»، أو «شرح تقديم أبي بكر»، أو «شرح بديعيّة أبي بكر»، أو «شرح البديعية المسمّاة»، ب «تقديم أبي بكر»، وقد اختلفت النسخ المخطوطة والمطبوعة في هذه التسميات، حتى إنّ بعضهم أخطأ في الاستدلال على الاسم الحقيقيّ لها.
يقول محمود الربداويّ في كتابه «ابن حجّة الحمويّ شاعرا وناقدا» (2): «اسم الكتاب الحقيقيّ «تقديم أبي بكر»، وقد نصّ المؤلّف (3) على هذه التسمية مرّتين في أوّل الكتاب وفي كلّ مرّة يقول: «وسمّيته تقديم أبي بكر» (4) وهذه التسمية هي
__________
(1) هدية العارفين 5/ 731.
(2) كتابه ص 193.
(3) يعني به ابن حجة الحمويّ.
(4) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305، 349والعجيب في الأمر هنا أن هذه العبارة وردت على الشكل التالي: «
فجاءت بديعية وسمّيتها «تقديم أبي بكر»» وهذا يدل على استقراء ناقص من قبل محمود الربداوي!!!(1/62)
التي اعتمدها كلّ الذين ترجموا له وتحدّثوا عن آثاره منذ القرن التاسع الهجريّ حتى الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري، وكلّ مخطوطات هذا المصنّف التي وجدناها أو سمعنا بها تحمل اسم «تقديم أبي بكر»، ولكننا عندما التقينا بأوّل نسخة مطبوعة للكتاب، وجدناها تحمل اسم «خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحمويّ»، وهي النسخة التي طبعت في بولاق سنة 1273هـ.، وقد استغربنا هذه التسمية اللصيقة بالكتاب، ثم سارت كلّ النسخ التي طبعت فيما بعد على هذه التسمية فطبعت أيضا ببولاق سنة 1291هـ. باسم «خزانة الأدب وغاية الأرب»».
ويقول عمر فرّوخ في كتابه «تاريخ الأدب العربي» (1): إنّ ابن حجّة الحموي قد صنع «لبديعيّته هذه شرحين: شرحا موجزا سمّاه «تقديم أبي بكر»، وشرحا مطوّلا هو كتاب «خزانة الأدب وغاية الأرب»».
ويقول علي أبو زيد في كتابه «البديعيات في الأدب العريب» (2): ««تقديم أبي بكر»: وهي البديعية وشرحها»، ثم قال في مكان آخر: إنّ كلتا التسميتين «تقديم أبي بكر» و «خزانة الأدب وغاية الأرب» هما لشرح بديعيته المطوّل.
ومن خلال البحث تبيّن أنّ هؤلاء لم يميّزوا بين اسم البديعية المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»، وشرحها المسمّى ب «شرح تقديم أبي بكر» أو «شرح البديعيّة» أو «خزانة الأدب وغاية الأرب». كما أخطأوا بالاستدلال على اسم الكتاب سواء كان ذلك من قول ابن حجّة، أو من قول الذين ترجموا له، أو من عناوين النسخ المخطوطة. فقد قال ابن حجّة الحمويّ في خطبة كتابه «خزانة الأدب وغاية الأرب» في تسمية بديعيّته: «ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع هذا الالتزام فجاءت بديعيّة وسمّيتها «تقديم أبي بكر»» (3) كما أنّ جميع من ترجم له اتّفقوا على أنّ القصيدة البديعية هي «تقديم أبي بكر»»، وأنّ شرحها هو «خزانة الأدب وغاية الأرب» أو «شرح تقديم أبي بكر» (4) ثمّ إنّ
__________
(1) تاريخ الأدب العربي (فروخ) 3/ 840.
(2) كتابه ص 93، 95.
(3) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305، 349وفي ترجمة ابن حجة لمحمد بن طولون، ص 2 قبل المتن من النسخة ب، الجزء الأول من الخزانة.
(4) وانظر معجم أعلام شعراء المدح النبوي ص 48والمدائح النبوية ص 208، 228ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 77. وانظر المصادر الواردة عند ترجمته.(1/63)
صفحات عناوين المخطوطة بنسخها الخمس تبيّن بوضوح الأسماء والعناوين التي تداولتها الخزانة، وهي تخالف ما ذهب إليه هؤلاء، ففي صفحة العنوان من الجزء الأوّل من النسخة «ب» ذي الرقم (3561) وفي غلافها ورد: «شرح ابن حجة لبديعيّته» وفي صفحة العنوان من الجزء الثاني من النسخة «ب» ذي الرقم (3562) ورد: «شرح البديعيّات» وفي النسخة «د» ذات الرقم (1053) ورد: «كتاب شرح البديعيّة» وفي النسخة «ك» ذات الرقم (5971) ورد «كتاب شرح البديعية المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»» وفي النسخة «و» ذات الرّقم (7713) ورد «كتاب شرح البديعية» أمّا في نسخة بولاق المطبوعة سنة 1273هـ. والنسخة المعادة سنة 1291هـ. فقد ورد «خزانة الأدب وغاية الأرب» ثمّ تبعتها النسخة المطبوعة بشرح عصام شعيتو وغيرها بهذا العنوان.
أمّا الشّرح المختصر للبديعية أو الموجز، الذي أشار إليه عمر فروّخ فهو بعنوان «ثبوت الحجّة على الحلّيّ والموصليّ لابن حجّة» وليس بعنوان «تقديم أبي بكر» وهو بمثابة كتاب مختصر ل «شرح تقديم أبي بكر».
أمّا لماذا طغى اسم «خزانة الأدب وغاية الأرب» على غيره من الأسماء، فجاءت به النسخ المطبوعة وأغفلته النسخ المخطوطة، فلعلّ ذاك يعود إلى فقدان هذا الاسم بفقدان إحدى النسخ التابعة لهذا الكتاب التي من المحتمل أن تكون النسخ المطبوعة قد أخذت العنوان عنها.
أمّا محمود الربداوي فيرى في معرض توثيقه لاسم الكتاب أنّ هذا الاسم اللصيق «خزانة الأدب وغاية الأرب» لم يكن من تسميات ابن حجّة، إذ يقول في كتابه «ابن حجة الحمويّ شاعرا وناقدا»: «ومن خلال البحث تبيّن لنا أنّ الذي حوّر اسم الكتاب هو الشيخ نصر الهوريني، فالذي أرجّحه أنه استثقل اسمه الحقيقيّ «تقديم أبي بكر» وسمّاه «خزانة الأدب وغاية الأرب»، ودليلنا على ذلك أنّ النسخة الأولى المطبوعة عاصرت الهوريني، إذ طبعت سنة 1273هـ قد حملت تعليقات وحواشي بخطّ الشيخ نصر الهورينيّ نفسه، ففي الصفحة 570 (1) منها كتب الحاشية التالية: «يقول الفقير نصر أبو الوفا الهورينيّ: قابلت هذه الخزانة المطبوعة على نسخة مكتوبة
ولدى التحقيق منها وجدت [أنّها] تحمل اسم «تقديم أبي بكر»» وعلى هذا يكون
__________
(1) يقصد بهذه الصفحة الأخيرة من طبعة بولاق.(1/64)
مبتدع التسمية هو الشيخ أبو الوفا نصر الهورينيّ، وربّما شاركه في الابتداع المشرفون على مطبعة بولاق آنذاك، وأخصّ منهم بالذكر «إبراهيم عبد الغفّار» الذي وصف نفسه في الصفحة 570من هذه النسخة المطبوعة بأنّه «محرّر مبانيها، ومهذّب مجانيها»، وقال بعد قليل: «وقد بذلت الجهد في تنميقها، والتحرّي في ميدان تحقيقها» ثم ألزم نفسه بنظم قصيدة ختم بها هذا التقديم، وأرّخ لسنة طبعه، وذكر اسم «خزانة الأدب» في هذه القصيدة مرّتين، فقال [من الرجز]:
أبدر تمّ زان حسنا أوجه ... فسرّ لكن ما أراه أوجه
أم جنّة تبسّمت أزهارها ... أم هذه «خزانة ابن حجّة»
قال لسان حالها مؤرّخا: ... «هي المنى «خزانة ابن حجّة»» (1)
سنة 1273
ولو افترضنا أنّ «إبراهيم عبد الغفّار» هو الذي ابتدع هذا الاسم «خزانة الأدب» للتسهيل، أو كان من جملة «تنسيقاته» كما قال فيها، فمن حقّ الشيخ الهورينيّ أن يشير إلى هذه التسمية اللصيقة من جملة حواشيه على المطبوعة، وخاصة أنّ الإشارة تتعلّق بعنوان المصنّف، وهو أبرز شيء فيه، وله من الإشارات ما هو تافه، وسكوته عن تصحيح العنوان المبتدع، رغم مقابلته لها على نسخة لا تحمل اسم «خزانة الأدب»، يجعل تهمة ابتداع هذه التسمية تلاحقه وتقترب منه لتلتصق به أكثر من التصاقها بإبراهيم عبد الغفّار غفر الله له وللشيخ نصر على هذا الصنيع» (2).
ولعلّ سكوت الشيخ نصر الهوريني عن تصحيح العنوان، وتصريح إبراهيم عبد الغفار باسم «خزانة الأدب» مرّتين في أرجوزته يرجّحان أن يكون هذا العنوان من العناوين المفقودة بفقدان النسخ التابعة لهذا الكتاب والتي من الممكن أن يكون قد اطلع عليها كلّ منهما، كما أنّ هذا الاسم «خزانة الأدب وغاية الأرب» ليس ببعيد عن تسميات ابن حجّة لكتبه، إذ عرفت عنه أمثال هذه السجعات في تسمية كتبه، مثل: «كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام»، و «بلوغ المرام من سيرة ابن هشام والروض الأنف والأعلام»، و «بلوغ المراد من الحيوان والنبات والجماد»، و «بلوغ الأمل في فنّ
__________
(1) انظر الأرجوزة كاملة في حاشية الصفحة الأخيرة من «خزانة الأدب وغاية الأرب».
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 194193.(1/65)
الزجل»، و «الثمرات الشهيّة من الفواكه الحمويّة والزوائد المصريّة» (1).
وبناء على ذلك يكون «تقديم أبي بكر» اسما للبديعيّة، و «شرح تقديم أبي بكر» أو «شرح البديعية» أو «خزانة الأدب وغاية الأرب» اسما لشرحها، وقد آثرت الإبقاء على العنوان الأخير، باعتباره أكثر انتشارا وشيوعا، ولا سيّما بعد أن صدرت طبعتان بهذا العنوان.
وما لا شكّ فيه أن هذا الكتاب من تأليف ابن حجّة نفسه، ويبدو ذلك في صفحات عناوين النسخ المخطوطة والمطبوعة، ومقدّمة كتابه ومضمونه، وخاتمته، وتراجم المعاصرين والمحدثين له وقد سمّى ابن حجة بديعيّته «تقديم أبي بكر» ليبيّن فكرة تقدّمه على عميدي نظّام البديعيات، في ذاك العصر، صفيّ الدين الحلّيّ وعزّ الدين الموصليّ، وقد أشار إلى ذلك في آخر الخطبة من هذا الكتاب بقوله:
«فاستخار الله مولانا المقرّ الناصريّ ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحليّ برقّة السّحر الحلال فيحكم لي بالسّبق فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال وسمّيتها «تقديم أبي بكر» علما أنه لا يسمع من الحلّيّ والموصليّ في هذا «التقديم» مقال» (2).
وبناء على هذا يكون اسم البديعية «تقديم أبي بكر» نسبة إلى اسمه، ويكون اسم هذا الكتاب الضخم الذي شرحها فيه «شرح تقديم أبي بكر» الذي يعتبر بالفعل خزانة للأدب وغاية للأرب. إلّا أنّ ابن حجّة ما إن أنجز هذا «التقديم» و «شرحه» حتى انبرى له الحسّاد من أدباء عصره وسلقوه بألسنة حداد، واتّهموه بالسّرقة والاتباع والتطفّل على موائد أصحاب البديعيات الذين جاؤوا قبله، فأخذوا ينعتون «تقديمه» ب «تأخير أبي بكر»، فعمد إلى رفع التهمة عنه بتأليف كتاب آخر يثبت فيه فكرة تقدّمه ب «تقديمه» على الحليّ والموصليّ، فكان هذا المصنّف هو «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة» الذي يعتبر شرحا مختصرا لبديعيّته المسمّاة ب «تقديم أبي بكر» وقد سمّاه بعض المتأخّرين «الشرح الصغير» (3).
__________
(1) وانظر معجم شعراء المدح النبوي ص 48ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها ص 225 وعلم البديع (عبد العزيز عتيق) ص 65.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305، 350.
(3) وانظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 204، 206.(1/66)
ب موضوع الكتاب ومصادره:
إنّ «خزانة الأدب وغاية الأرب» أو «شرح تقديم أبي بكر» هو كتاب بلاغة بشكل عامّ وكتاب بديع بشكل خاصّ، لتضمّنه «البديعيّة» لابن حجة و «شرحها»، وما اقتضاه هذا الشرح من تعريفات بلاغية وحدود، رجع ابن حجّة فيها إلى ما يزيد على مئة مصنّف في البلاغة وغيرها، ذكرها في ثنايا شرحه (1)، فيسمّيها ويسمّي مؤلّفها تارة، ويكتفي باسمها أو باسم مصنّفها تارة أخرى، وكان ينقل منها بعض المناقشات البلاغيّة التي كانت تدور بين البلاغيين حول نقطة ما، وبعض الحدود البلاغية، ثم يعمد إلى مقارنة هذه الحدود للنوع البديعيّ ببعضها، ويرجع إلى ما ذكره أصحاب البديعيات قبله، ثمّ يستخلص لنفسه رأيا في تعريف الأنواع البديعيّة.
ولم تكن «الخزانة» مقتصرة على البلاغة وتعريفات الأنواع البلاغية وتسميتها، بل كانت خزانة أدب تزخر بكلّ ما ألمّت به ثقافة ابن حجّة من ضروب وألوان، فالمطّلع على هذا «الشرح» يجد نفسه متنقّلا بين الأدب والبلاغة والنقد والطرفة والتراجم، حتى صدقت فيه شهادة ابن حجر العسقلانيّ بقوله: «هو مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين للضرب بها على غير أهلها، فإنّ مالكه مرتفع عنه كلفة العارية» (2) (3).
وقد بنيت هذه «الخزانة» في موضوعها على أسس تتمثّل في ذكرها للنوع البديعيّ، وبيت البديعية، وشواهد من القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف، وشواهد شعرية من مختلف العصور الأدبية، وأخرى نثريّة، ولمحات نقديّة، وفنون مختلفة، بالإضافة إلى ذكر أبيات البديعيات المعارضة.
ج الدّوافع والأهداف لوضع هذا الكتاب:
لا مجال هنا لذكر الدوافع والأهداف التي حدت بابن حجّة لنظم بديعيّته «تقديم
__________
(1) سيأتي الكلام على هذه البديعية وشرحها في مكانها من قسم الدراسة.
(2) وانظر فهرس الكتب الواردة في المتن.
(3) هذه الشهادة مأخوذة من الصفحة الأولى قبل العنوان في النسخة «ك» ذات الرقم (5971).(1/67)
أبي بكر»، إذ ستأتي في مكانها من قسم الدراسة، إلّا أنّه لا بدّ من ذكر بعض الدّوافع والأهداف التي حدت به إلى وضع هذا الشرح الضخم لبديعيّته، فقد سعى كغيره من شرّاح البديعيّات إلى شرح بديعيّته مدفوعا بعدّة دوافع منها:
أحدها: أن يجري على عادة الأغلبيّة وسنّة الشعراء لتوضيح الأنواع البلاغيّة المقصودة في بديعيته.
وثانيها: مجاراة المشهورين في عرض ما يحملونه من ضروب الأدب وفنونه، لما يزخر به صدره من ثقافة واسعة ومعارف متنوّعة ومخزون ثقافيّ وأدبيّ، وهذا ما دفعه إلى الإكثار من الشواهد والاستفاضة في الشرح رغبة في التفريع والتقسيم والتنويع.
وثالثها: الرغبة في التأليف البلاغي والبديعيّ في عصر غلبت على كتاباته ظاهرة التصنيف والتأليف والتسابق في وضع الشروح، لتكون مجالا لاستيعاب ما عجزت عن استيعابه البديعية الملتزمة بالقافية والبحر، ولا سيّما إذا توفّرت الشاعرية إلى جانب التأليف.
ورابعها: السعي إلى الشهرة، والرغبة في المعارضة، وإظهار البراعة في استبعاد بعض الآراء وتقريب بعضها الآخر، وحبّ الظهور والتكثّر والتقدّم والتفوّق، وهذه من صفات شخصية ابن حجّة. وقد يعود ذلك لمهنته ككاتب في ديوان الإنشاء، وما تتطلّبه هذه المهنة من براعة في تملّك ناصية الإنشاء والتعبير بالاطلاع على البديع، ليتمكن الكاتب من حسن التصرّف بالألفاظ، إذ إنّ سمة العصر هي العناية بالألفاظ أكثر من العناية بالمعاني، فهدف إلى أن يكون في شرحه هذا فائدة تفيد الكاتب والمنشئ في صنعته. ولعلّ رغبة المقرّ الأشرف محمد بن البارزيّ في معارضة ابن حجّة ببديعيته لعزّ الدين الموصليّ وصفي الدين الحليّ هي نفسها التي دفعته إلى شرح هذه البديعيّة لتكون فائدتها أكبر ونفعها أعمّ (1).
د منهج ابن حجة في تأليف هذا الكتاب وشرحه:
لقد جمع ابن حجّة في بديعيّته التي شرحها محاسن بديعيّة الحليّ بما فيها من رقّة السحر الحلال، ومحاسن فكرة الموصليّ بالتزام ذكر اسم النوع، محاولا استبعاد كل
__________
(1) انظر خطبة خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 306304.(1/68)
المآخذ التي أخذت عليهما متّبعا في شرحه المنهج العلميّ الذي يعتمد على أداء الحقائق والدقّة في البحث والاستقصاء والإفادة، والمنهج الأدبي الذي جلّ غايته التأثير والتذوّق، فكان يعمد إلى نظم البيت البديعيّ أوّلا ثم إلى ذكر النوع البديعيّ الذي ضمّنه، فيعرّفه، ويناقش تعاريف السابقين له، ويغيّر اسمه إن لم يرق له أو يلغيه، أو يفرّع نوعا منه، أو يضمّه إلى فرع آخر، أو يضع لذلك الفرع اسما يحدّده، أو يفرّق بين أنواع تشابهت، ويعمل على إثبات ذلك بأسلوب أدبيّ يثير الانفعالات وينشّط الأذهان، وذلك بعرض الحقائق كما أدركها، فكان أسلوبه جامعا بين الإفادة والتأثير بالعبارة العلميّة الأدبيّة التي توقفنا على مواطن الجمال في النصّ أو حقائق علميّة فيه.
وقد اتّجه ابن حجّة في منهجه اتجاهين: اتّجاها علميّا منطقيا كلاميّا، وآخر أدبيّا وجدانيّا فأخذ من الاتجاه العلميّ تحديد الأنواع البلاغيّة والبديعية وتعريفاتها من غير مبالغة، وفرض الأسئلة العقلية واستنتاج النتائج المنطقية، كما أخذ من الاتجاه الأدبيّ والوجدانيّ الإكثار من الشواهد القرآنيّة وشواهد الحديث الشريف، والشواهد الشعريّة والنثريّة، ونقدها وتحليلها تحليلا تطبيقيّا يهذّب الذّوق وينمّي العاطفة، ويرهف الحسّ وكانت هذه الشواهد تتبع في «شرحه» التعريف بالنوع البديعيّ مباشرة.
ولعلّ أهم ما يميّز منهجه في شرح بديعيّته هو الإكثار من الشواهد من مختلف العصور الأدبية، فهو بعد أن يشرح النوع البديعيّ ويتناول شواهد عليه من القرآن الكريم والحديث الشريف، والشعر القديم وشعر المولّدين، يقف وقفة طويلة عند شعر المتأخّرين من معاصريه، ويحشد لهم ولنفسه نماذج كثيرة من الشعر والنثر، بل يتجاوز ذلك ليستشهد بالزجل والدوبيت والمواليا إلّا أنه كان في استشهاده ببعض أدب معاصريه يميل إلى التزلّف والتملّق لبعض الشخصيات البارزة في زمانه، كما فعل في استشهاده ببعض المواليا التي نظمها زين الدين بن العجميّ (1). وقد أدّت كثرة الشواهد في «شرحه» إلى أن يظهر ضخما، فقد كان ابن حجّة، على سبيل المثال، يستشهد بالبيت أو البيتين على ظاهرة أو نوع بديعيّ، ثم يتبع ذلك بقوله:
«وأعجبني من هذه القصيدة قوله كذا»، فيورد عدة أبيات، وتذكّره هذه الأبيات
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 436.(1/69)
بقصيدة أخرى فيذكرها أو يذكر بعضها، ولعلّ كثرة شواهد البلاغة في هذا العصر سمة غالبة لكثرة المشتغلين بالبلاغة الذين فتحوا باب الاستشهاد البلاغيّ على مصراعيه، كما أنّ المتأخّرين في عصر ابن حجّة وقبله بقرون قد أسرفوا إسرافا كبيرا في البديع، ما جعل شعرهم مرتعا خصبا للشواهد البديعيّة عند النقّاد والبلاغيّين، ولا ننس أنّ حبّ الإكثار والتدليل على سعة الثقافة لدى ابن حجّة وعامل الذوق عنده ساهم إلى حدّ كبير في الإكثار من الشواهد في شرحه، هذا عدا رغبته في التفريع والتقسيم والتنويع.
ثمّ إنّ المعارضة هي السمة الأبرز في منهجه، إذ كثيرا ما كان يبقي على أنواع بديعية من أجل المعارضة، كان يأنف من الاستفاضة في شرحها.
وقد اتبع ابن حجّة في ترتيب أنواع البديع المنهج نفسه الذي اتّبعه الحلّيّ، فبدأ بذكر «براعة الاستهلال»، ثم أتبعها بذكر «الجناس» وأنواعه إلى أن وصل في آخر بديعيّته وشرحها إلى ذكر «حسن الختام» وكان إذا أراد نظم النوع البديعيّ وشرحه رجع في الشرح إلى العديد من كتب البلاغة، وإلى ما ذكره أصحاب البديعيات، ثم يستخلص لنفسه رأيا في تعريف كل نوع، مشيرا إلى مخترعه أو السابق إلى معرفته أحيانا، وذلك بأسلوب الناقد البلاغيّ الذي يذكر الأنواع ويعرّفها ويعرّج عليها بالنقد فكثيرا ما تتخلّل شرحه هذا لمحات نقديّة وفنون مختلفة، قبل أن ينهي الشرح لكلّ نوع بالكلام على أبيات البديعيات المعارضة.
هـ قيمته العلميّة:
تكمن قيمة هذا الكتاب في مضمونه وموضوعه، إذ حوى البديعيّة وشرحها، وثلاث بديعيات أخرى قام ابن حجّة بمعارضتها ودراستها وشرحها، وما اقتضاه هذا الشرح من تعريفات وحدود لأنواع البديع، التي بلغت عنده مئة وسبعة وأربعين نوعا بديعيّا، رجع ابن حجّة فيها إلى ما يزيد على مئة كتاب كان قد ذكرها في ثنايا خزانته، وقد نقل منها بعض الحدود البلاغية والمناقشات الطريفة والمفيدة التي كانت تدور بين البلاغيين آنذاك، بالإضافة إلى ما أودعه من ثقافته الواسعة التي جمعت إلى البلاغة والأدب وفنون الإنشاء، النقد والطرفة والخبر، وما حفظه من آراء بعض النّقاد والبلاغيين الذين ضاعت كتبهم مع الزمن، وما نقله من آثار بعض الأدباء الذين فقدت كتاباتهم مع ما فقد من التراث العربيّ آنذاك، فكان هذا الكتاب مصدرا مهمّا
لهؤلاء وهؤلاء. وفي «شرح بديعيّته» من الفوائد اللغوية والأدبية والبلاغية والنحوية والتاريخية وغيرها، فنون أكثرها من المستملح المستطرف المستطاب.(1/70)
تكمن قيمة هذا الكتاب في مضمونه وموضوعه، إذ حوى البديعيّة وشرحها، وثلاث بديعيات أخرى قام ابن حجّة بمعارضتها ودراستها وشرحها، وما اقتضاه هذا الشرح من تعريفات وحدود لأنواع البديع، التي بلغت عنده مئة وسبعة وأربعين نوعا بديعيّا، رجع ابن حجّة فيها إلى ما يزيد على مئة كتاب كان قد ذكرها في ثنايا خزانته، وقد نقل منها بعض الحدود البلاغية والمناقشات الطريفة والمفيدة التي كانت تدور بين البلاغيين آنذاك، بالإضافة إلى ما أودعه من ثقافته الواسعة التي جمعت إلى البلاغة والأدب وفنون الإنشاء، النقد والطرفة والخبر، وما حفظه من آراء بعض النّقاد والبلاغيين الذين ضاعت كتبهم مع الزمن، وما نقله من آثار بعض الأدباء الذين فقدت كتاباتهم مع ما فقد من التراث العربيّ آنذاك، فكان هذا الكتاب مصدرا مهمّا
لهؤلاء وهؤلاء. وفي «شرح بديعيّته» من الفوائد اللغوية والأدبية والبلاغية والنحوية والتاريخية وغيرها، فنون أكثرها من المستملح المستطرف المستطاب.
وقال محمود رزق سليم في هذا «الشرح»: «وما عليك إلّا أن تجمع تعريفاته البلاغيّة ومعها المثل أو المثلان، ثمّ تنحّيهما جانبا عن بقية «الخزانة» لتبدو لك بقيّتها مسرحا وضيئا متألّقا مليئا بجولات الأديب الذي فاضت صوره بالأدب اللباب، وسنح خاطره بالنقدات العذاب، وفيها ما فيها من حسن اختيار وسهولة عرض ودقّة تتابع وجمع للمتفرّق المتقارب» (1). وهذا يفيد أن ابن حجّة في خزانته لم يتخذ من البديع والبلاغة إلّا مطيّة يتوسّل بها التحليق على أجنحتها فيسير في رياض حوت من كلّ فنّ لونا ومن كلّ لون زهرة ومن كلّ زهرة شذا.
وقد تمثّلت قيمة هذه «الخزانة» بما حوته من أنواع البديع والبلاغة، وبكثرة الشواهد من القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف، وبغزارة الشواهد من الشعر من مختلف العصور الأدبية، وشواهد النثر، وشروحها، واللمحات والمناقشات النقديّة، والكثير من الأمثال العربيّة، والتراجم والأخبار، وفنون مختلفة أخرى، بالإضافة إلى البديعيات الثلاث التي عارضها وشرحها. ولعلّ هذه الخزانة من أوائل الكتب التي فتحت مجالا أمام شرّاح البديعيّات بأن يضمّنوا شروحهم بديعيات أخرى كادت تكون مفقودة لولا ذكرها في هذه الشروح. ولعلّ أوجز قول في قيمة هذا الكتاب ما كتبه معاصر ابن حجة، أحمد بن حجر العسقلاني، في الصفحة الأولى قبل العنوان في النسخة «ك» ذات الرقم (5971): «هو مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين، للضرب بها على غير أهلها، فإنّ مالكه مرتفع عنه كلفة العارية، وهذا وحده مقصود لكلّ حاذق منصف».
كما أنّ قيمة هذا «الشرح» مرتبطة بقيمة البديعية الّتي شرحها، وبما حوته من أنواع البديع والبلاغة، وأسلوب النظم والتورية باسم النوع، وبأثرها الذي تركته في الأدب والنقد والبلاغة والمؤلّفات المنبثقة عنها (2) وفي ذلك «قال البدر البشتكيّ في
__________
(1) عصر سلاطين المماليك 6/ 165.
(2) سيأتي الكلام على أثر هذه البديعية وقيمتها في مكانه من قسم الدراسة.(1/71)
ابن حجة: نظم ابن حجّة في البديع قصيدة غنيّة عن «التلخيص» و «الإيضاح»، و» (1). إلّا أن شرح ابن حجّة لبديعيّته كان أهمّ من البديعية نفسها، إذ إنّه جعله شرحا مطوّلا، حوّله فعلا إلى «خزانة الأدب» أودعها كثيرا من علمه ومعرفته ونوادره وطرائفه، والمساجلات الأدبية التي نشأت في عصره، والتي كان لها أكبر الأثر في تحريك عجلة النقد الأدبي الفنّي، فغدت خزانته موسوعة تجمع بين اللغة والأدب والبلاغة والنقد والشعر والنثر والتاريخ والتراجم حتى ليمكن اعتبارها أيضا مرجعا خاصّا لشعراء العصرين الأيوبيّ والمملوكيّ زيادة على كونها مرجعا عامّا لا غنى عنه لطلبة العلم في مختلف الدراسات الأدبية والبلاغية والنقديّة.
وتاريخ تأليف «خزانة الأدب وغاية الأرب»:
جاء في آخر النسخ المخطوطة «د،، ك، و» أنّ المصنّف قال: كان الفراغ من هذا المصنّف المبارك في شهر ذي القعدة الحرام سنة ستّ وعشرين وثمانيمئة. وجاء في النسخة المطبوعة «ط» أنّ المصنّف قال: فرغت من تأليف هذا الكتاب في شهر ذي الحجّة الحرام سنة ستّ وعشرين وثمانيمئة. وفي كل الأحوال لقد أجمعت هذه النسخ المخطوطة للخزانة وغيرها من كتب التراجم على أنّ الانتهاء من تأليف هذا الكتاب كان في سنة ستّ وعشرين وثمانيمئة للهجرة، أي قبل وفاة ابن حجّة بإحدى عشرة سنة تقريبا، إلّا أنّه لم يعلم بالضبط متى بدأ ابن حجّة بتأليف هذا الكتاب بل صرّح في كتاب «تأهيل الغريب النثريّ» (2) في إجازة لصدر الدين محمد بن هبة الله البارزيّ أن يروي تصانيفه الأدبية، ومن ضمنها «البديعية»، و «شرحها»، رغم الفارق الزمنيّ بين الانتهاء من تأليفه الكتاب ووفاته.
ثانيا: المخطوطة:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على أربع نسخ خطّية، حصلت عليها مصوّرة، ثلاث منها في مكتبة الظاهرية بدمشق (3)، والرابعة في مكتبة الأوقاف الشرفيّة
__________
(1) هذا القول ورد في صفحة العنوان من النسخة «د».
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 8180.
(3) وهي ذوات الأرقام: (35623561)، و (5971)، و (7713).(1/72)
الإسلامية في حلب، وهي وقف مدرسة الأحمدية بمدينة حلب (1)، وقد نقلت جميعها إلى مكتبة الأسد بدمشق (2) كما استعنت بالنسخة المطبوعة ببولاق سنة 1273هـ.، والنسخة المعادة سنة 1291هـ. (3).
والمخطوطة تقسم إلى جزءين: الجزء الأول يشمل الخطبة وأنواع البديع ابتداء من باب «حسن الابتداء وبراعة الاستهلال» إلى باب «التوجيه» ضمنا، حيث جاءت هذه العبارة: «هذا آخر الجزء الأوّل من نسخة المصنّف أعذب الله موارد آدابه» والجزء الثاني يشمل الأنواع الباقية ابتداء من باب «عتاب المرء نفسه» إلى باب «حسن الختام» ضمنا، وقد جمع الجزءان في بعضها في مجلّد واحد، دون الإشارة إلى نهاية الجزء الأوّل.
أأوصاف النسخ:
1 - النسخة الأولى ذات الرقم (5971)، وقد رمزت إليها بالحرف «ك»:
لقد اعتبرت هذه النسخة الأمّ لكونها الأقدم، وقد قوبلت بالأصل (4)، وهي الأقرب في النّسخ من زمن التأليف، إذ صنّف ابن حجّة كتابه سنة 826هـ. وكان الانتهاء من نسخ هذه النسخة سنة 848هـ. والانتهاء من مقابلتها بالأصل سنة 854هـ. (5) ثمّ مرّت هذه النسخة بمقابلات عدّة وقد أشير إلى ذلك في هوامشها فجاء في الورقة 4ب: «بلغ مقابلة بحمد الله في روضة قابونيّة في جمادى الآخرة سنة 1320هـ.» وفي الورقة 6ب: «بلغ مقابلة، ولله الحمد والمنّة، وبلغ مقابلة أيضا بحمده تعالى وعونه في قصر بني البكريّ، وفّقهم الله ورضي عن جدّهم وسلالته المباركة، وقد أديرت علينا قهوتهم البكريّة وسلافتهم السكّريّة، وذلك في قرية القابونيّة المحروسة، يوم الجمعة في جمادى الآخرة سنة 1330هـ» وفي الورقة
__________
(1) وهي ذات الرقم (1053).
(2) وقد حصلت على الجزء الثاني من النسخة «ب» مصوّرا عن ميكرو فيلم من مكتبة الأسد.
(3) وقد استأنست بالنسخة المطبوعة في المطبعة الخيرية بمصر سنة 1304هـ. وبالنسخة المطبوعة بشرح عصام شعيتو، في دار ومكتبة الهلال ببيروت سنة 1987م.
(4) ولعل العبارة التي وردت فيها بعد انتهاء باب «التوجيه»: «هذا آخر الجزء الأول من نسخة المصنّف» دليل كاف على أنها نقلت وقوبلت بالنسخة التي وضعها المؤلّف.
(5) انظر الصفحة الأخيرة المرفقة من النسخة «ك».(1/73)
68 - ب: «بلغ مقابلة من جزء مكتتب بخطّ شمس الدين محمد النواجيّ» (1).
وفي الورقة الأخيرة: «بلغ مقابلة بالأصل المنقول منه، ولله الحمد والمنّة، والحمد لله وحده، وما رأيت على حاشيته وليس عليه «صح» فاعلم أنه من غير هذا الكتاب، وما رأيت عليه «صح» فاعلم أنّه منه، وكان ذلك في العشرين [من] شهر ذي قعدة الحرام سنة أربع وخمسين وثمانيمئة، على يد كاتبه، غفر الله له ولوالده ولجميع المسلمين، آمين». كما أنّ في هذه النسخة أكثر من خمسين ورقة قد أشير في هوامشها إلى أنّ هذه النسخة قد قوبلت بالأصل.
وفي متن الورقة 75أ: «هذا آخر الجزء الأوّل من نسخة المصنّف، أعذب الله موارد آدابه»، وهذا يدلّ على أنّها منسوخة أو منقولة عن النسخة التي وضعها المؤلّف، وقد عاد ناسخها إليها فقابلها بالأصل المنقولة منه. أمّا الناسخ فهو كاتبها كما ورد في آخرها: «علي بن الجناب المرحوم السيفيّ سودون بن عبد الله الإبراهيمي الحنفيّ».
وأمّا من طالع هذه النسخة فهو محمد بن محمد بن أحمد المصريّ الشافعيّ، فقد جاء في صفحة العنوان منها: «طالعه واستفاد منه داعيا لمالكه بأن يقلّده باب السعادة في المراتب، وبلّغه ما يؤمّله ويرجّيه من المآرب، بمحمّد وآله وصحبه، ورحم الله تعالى مؤلّفه آمين. قاله محمد بن محمد بن أحمد المصري الشافعيّ، عفا الله عنه، وغفر له وللمسلمين جميعا». وقد ورد تعليق يؤيد ذلك في هامش الورقة 14ب، مختوما بالعبارة التالية: «قاله محمد بن محمد المصريّ الشافعيّ».
وفي صفحة العنوان نفسها مطالعات أخرى (2) غير واضحة. وما يدلّ على جدارة هذه النسخة بتقدّمها على ما يليها من النسخ أنّها منقولة عن النسخة التي قرّظها معاصر ابن حجة، شيخ الإسلام، شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلانيّ، ففي الورقة الأولى منها، قبل صفحة العنوان، كتب الناسخ:
__________
(1) محمد النواجيّ هو تلميذ ابن حجة، وكان من أخلص تلاميذه قبل أن يتحامل عليه. ولعل هذا الجزء المكتتب بخطه هو الأصل الذي نقلت عنه هذه النسخة، أو أن هذه النسخة قد قوبلت بنسخة المصنّف قبل أن تقابل بنسخة تلميذه.
(2) انظر صفحة العنوان من هذه النسخة.(1/74)
«الحمد لله ورأيت على ظهر النسخة التي كتبت منها هذه النسخة خطّ شيخنا وسيّدنا الإمام العالم العلامة حافظ العصر وحيد الدهر أبي الفضل شهاب الدين بن حجر الشافعيّ ناظر الأحكام الشرعية بالديار المصريّة والممالك الإسلامية، فسح الله في أجله، ما نصّه: «الحمد لله وقفت على هذه النسخة من هذا «الشرح» فوجدتها في غاية الحسن من غاية الصحّة وجودة الكتابة ولطافة الحجم، وقد كنت سمعت غالب الكتاب من منشئه وكتبت عليه، حسب اقتراحه عليّ، تقريظا مناسبا له لا يحضرني الآن، وفي الجملة: هو مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين للضرب بها على غير أهلها فإنّ مالكه مرتفع عنه كلفة العارية، وهذا وحده مقصود لكلّ حاذق منصف، والله يهدي من يشاء». وكتبه أحمد بن علي بن حجر الشافعيّ عابدا مصلّيا مسلّما مجلّلا».
ثمّ إنّ معظم التعليقات المكتوبة في هوامش هذه النسخة نقلها الناسخ من خطّ ابن حجر العسقلانيّ نفسه، ومثال على ذلك ما ورد في هوامش الأوراق التالية:
12 - أ، 14أ، 15أ، 16أ، 16ب، 17ب، 21ب، 23ب، 38أ، 58أوغيرها وقد أشرت إليها في أماكنها من الحاشية. وتقع هذه النسخة في جزءين يضمّهما مجلد واحد يحوي 227صفحة مزدوجة، من القطع الكبير، وينتهي الجزء الأوّل منها في أواخر الصفحة 75أأمّا أبعاد الورقة فيها بصفحتيها فهي 36سم 27سم، ومتوسّط مسطرتها 31سطرا (2)، وكلّ سطر يتضمن 17كلمة تقريبا، وهي مرقّمة ترقيما حديثا. أمّا الهوامش فتتراوح أبعادها المحيطة بالمتن بين 5و 3سم و 4سم.
وقد كتبت هذه النسخة بخطّ التعليق (الفارسيّ)، وهي واضحة الخطّ بنسبة 95، مع بعض التحريك في الأبيات الشعريّة، إلّا أنّ أبيات البديعيات فيها قد كتبت بخطّ عريض كبير مع بعض الشكل، ثمّ إنّ متن هذه النسخة قد تعرّض في أماكن من أوراقها لبعض المحو والتآكل والتصحيف والتحريف والأخطاء الخطّيّة والإملائيّة والنحويّة، كما تعرّض لبعض الخلط بين النثر والشعر أمّا الهوامش فقد حوت العناوين مكتوبة بخطّ عريض جميل، والتعقيبات التي ثبتت في آخر كلّ صفحة لتدلّ على أوّل الكلمة في الصفحة التالية، ومن ثمّ على تتابع النصّ، بالإضافة إلى
التعليقات والتصحيحات والإشارات والشروحات والاستطرادات واختلافات النسخ التي قوبلت بها ورموز التصحيح والاختلاف، والاستدراكات والمتمّمات من نسخ أخرى، وقد كتبت الهوامش ما عدا العناوين بخطّ صغير.(1/75)
وقد كتبت هذه النسخة بخطّ التعليق (الفارسيّ)، وهي واضحة الخطّ بنسبة 95، مع بعض التحريك في الأبيات الشعريّة، إلّا أنّ أبيات البديعيات فيها قد كتبت بخطّ عريض كبير مع بعض الشكل، ثمّ إنّ متن هذه النسخة قد تعرّض في أماكن من أوراقها لبعض المحو والتآكل والتصحيف والتحريف والأخطاء الخطّيّة والإملائيّة والنحويّة، كما تعرّض لبعض الخلط بين النثر والشعر أمّا الهوامش فقد حوت العناوين مكتوبة بخطّ عريض جميل، والتعقيبات التي ثبتت في آخر كلّ صفحة لتدلّ على أوّل الكلمة في الصفحة التالية، ومن ثمّ على تتابع النصّ، بالإضافة إلى
التعليقات والتصحيحات والإشارات والشروحات والاستطرادات واختلافات النسخ التي قوبلت بها ورموز التصحيح والاختلاف، والاستدراكات والمتمّمات من نسخ أخرى، وقد كتبت الهوامش ما عدا العناوين بخطّ صغير.
أمّا عنوان هذه النسخة فهو: «كتاب شرح البديعية المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»»، تأليف الإمام العالم العلّامة، فريد دهره ووحيد عصره، أبي المحاسن تقيّ الدين، ملك المتأدّبين، أبي بكر بن حجّة الحنفيّ القادريّ الحمويّ، منشئ دواوين الإنشاء الشريف، تغمّده الله برحمته»، وقد كتب هذا العنوان بترتيب هرميّ جميل مقلوب.
وبذلك تعتبر هذه النسخة أتمّ النسخ التي عثرت عليها، وأوثقها وأجودها.
2 - النسخة الثانية ذات الرقم (1053)، وقد رمزت إليها بالحرف «د»:
وتأتي هذه النسخة بعد الأولى من حيث الأهميّة والقدم، فتاريخ نسخها قريب من عهد التأليف، وقد جاء في الصفحة الأخيرة منها: «وافق الفراغ من نسخ هذه النسخة المباركة في يوم الثلاثاء المبارك، وهو السادس والعشرين [كذا] من شهر رجب الفرد الحرام، سنة أربع وثمانين وثمانيمئة، وحسبنا الله ونعم الوكيل». أمّا الناسخ فغير معروف. وأمّا من نظر في هذه النسخة فهو الحسين بن عبد ابن محمد النصيبيني، فقد جاء في صفحة العنوان منها: «نظر فيه داعيا لمالكه بطول [العمر] وعلوّ المجد والارتقاء الحسين بن عبد ابن محمد النصيبيني القرشيّ العثمانيّ الحلبي نزيل مكّة المشرّفة عام 968هـ.، أحسن الله خاتمته». وفي صفحة العنوان نفسها مطالعة أخرى، وتملّكات مختلفة، منها: «ممّا ساقه سائق القدر إلى نوبة العصر الفقير إليه شيخنا ابن الدرويش، أحمد الكشني الحلبي سنة 1041هـ».
ويليها تملّك آخر، وهو: «الحمد لله، المنّة لله تعالى أحسن الله عزّ وجلّ وله الحمد والمنّة، تملّك هذا الكتاب المبارك على أقلّ عبيده قدرا، وأحوجهم إلى فيض رحمته سرّا وجهرا، إبراهيم بن أبي الحرس عبد الرحمن المعروف بابن النزول الحلبي العلوانيّ الحنفيّ، عامله الله بلطفه الخفيّ، وأجرى عليه عوائد برّه الوفيّ، وذلك في شهر ربيع الثاني في نهاية سنة إحدى وخمسين وألف (1051هـ.)، أحسن الله ختامها وتمّم نظامها، ابتعته من الدّرويش أحمد الكشنيّ هو وكتاب آخر منه بعشرة غروش أميرية، وله الحمد والمنّة ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) أكمل صلاة وسلام، وعلى
آله وصحبه وسلّم وشرّف وعظّم وكرّم». وفي الصفحة الأولى قبل المتن منها مطالعة غير واضحة مؤرّخة «بمكّة المشرّفة عام 985هـ.».(1/76)
ويليها تملّك آخر، وهو: «الحمد لله، المنّة لله تعالى أحسن الله عزّ وجلّ وله الحمد والمنّة، تملّك هذا الكتاب المبارك على أقلّ عبيده قدرا، وأحوجهم إلى فيض رحمته سرّا وجهرا، إبراهيم بن أبي الحرس عبد الرحمن المعروف بابن النزول الحلبي العلوانيّ الحنفيّ، عامله الله بلطفه الخفيّ، وأجرى عليه عوائد برّه الوفيّ، وذلك في شهر ربيع الثاني في نهاية سنة إحدى وخمسين وألف (1051هـ.)، أحسن الله ختامها وتمّم نظامها، ابتعته من الدّرويش أحمد الكشنيّ هو وكتاب آخر منه بعشرة غروش أميرية، وله الحمد والمنّة ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) أكمل صلاة وسلام، وعلى
آله وصحبه وسلّم وشرّف وعظّم وكرّم». وفي الصفحة الأولى قبل المتن منها مطالعة غير واضحة مؤرّخة «بمكّة المشرّفة عام 985هـ.».
وتقع هذه النسخة في مجلّد ضخم يحوي 232صفحة مزدوجة من القطع الكبير، أما أبعاد الصفحة الواحدة فيها فهي 29سم 20سم، ومتوسط مسطرتها 35 سطرا، وكلّ سطر يتضمن 17كلمة تقريبا، وهي مرقّمة ترقيما قديما. أمّا الهوامش فتبلغ أبعادها المحيطة بالمتن 3سم. وقد كتبت هذه النسخة بخطّ التعليق (الفارسيّ)، وهي واضحة الخطّ بنسبة 95، مع بعض التحريك في أبيات البديعيات والأبيات الشعرية الأخرى، غير أنّ أبيات البديعيات فيها كتبت بخطّ عريض كبير، ثمّ إن متن هذه النسخة قد تعرّض في أماكن من أوراقها لبعض المحو والتآكل والتصحيف والتحريف والأخطاء، كما تعرّض لبعض الخلط بين النثر والشعر أما الهوامش فقد تضمّنت العناوين مكتوبة بخطّ عريض، والتعقيبات التي ثبتت في آخر كل صفحة لتدلّ على أوّل الكلمة في الصفحة التالية، إلّا أنّها تكاد تخلو من التعليقات والاستدراكات والمتمّمات والتصحيحات والإشارات التي عرفتها النسخة الأولى.
أمّا عنوان هذه النسخة فهو: «كتاب «شرح البديعية» تأليف إمام الأدباء، رئيس دواوين الإنشاء، تقيّ الدين أبي بكر بن حجّة الحمويّ، تغمّده الله تعالى برضوانه، آمين» وكتب هذا العنوان بترتيب هرميّ مقلوب.
3 - النسخة الثالثة ذات الرقم (7713)، وقد رمزت إليها بالحرف «و»:
وتأتي هذه النسخة بعد الأولى من حيث الأهمية، دون القدم، إذ لم يذكر تاريخ نسخها، إلّا أنها كتبت في زمن بعد وفاة المصنّف لما ذكر في عنوانها: «تغمّده الله بالرحمة والرضوان»، وهذا يعني أن ابن حجة كان متوفّيا عند نسخ هذه النسخة بالإضافة إلى حداثة الخطّ وقد أشير في بعض هوامشها إلى أنّها قوبلت بنسخة أخرى، فجاء في الورقة 96ب، والورقة 135أ: «بلغ مقابلة على نسخة قرئت على المصنّف» وفي الورقة 143أ، والورقة 156أ، والورقة 180أ: «بلغ مقابلة على نسخة قوبلت على المصنّف» وفي الورقة 170أ: «بلغ مقابلة على نسخة قرئت على
المؤلّف، وقوبلت وهو ماسك لنسخته». أمّا الناسخ وتاريخ النسخ فغير معروفين، ولم يرد فيها ما يدلّ على مطالعة أو نظر إلّا أنه ذكر فيها تملّك نصّه: «لمالكه حمزة ظافر، 1206هـ.» وتملّك آخر نصّه: «ملكه أفقر الورى وأحقرهم يحيى الحسيني الجالقيّ، غفر له». بالإضافة إلى تملّك آخر غير واضح.(1/77)
وتأتي هذه النسخة بعد الأولى من حيث الأهمية، دون القدم، إذ لم يذكر تاريخ نسخها، إلّا أنها كتبت في زمن بعد وفاة المصنّف لما ذكر في عنوانها: «تغمّده الله بالرحمة والرضوان»، وهذا يعني أن ابن حجة كان متوفّيا عند نسخ هذه النسخة بالإضافة إلى حداثة الخطّ وقد أشير في بعض هوامشها إلى أنّها قوبلت بنسخة أخرى، فجاء في الورقة 96ب، والورقة 135أ: «بلغ مقابلة على نسخة قرئت على المصنّف» وفي الورقة 143أ، والورقة 156أ، والورقة 180أ: «بلغ مقابلة على نسخة قوبلت على المصنّف» وفي الورقة 170أ: «بلغ مقابلة على نسخة قرئت على
المؤلّف، وقوبلت وهو ماسك لنسخته». أمّا الناسخ وتاريخ النسخ فغير معروفين، ولم يرد فيها ما يدلّ على مطالعة أو نظر إلّا أنه ذكر فيها تملّك نصّه: «لمالكه حمزة ظافر، 1206هـ.» وتملّك آخر نصّه: «ملكه أفقر الورى وأحقرهم يحيى الحسيني الجالقيّ، غفر له». بالإضافة إلى تملّك آخر غير واضح.
وتقع هذه النسخة في مجلّد ضخم يحوي 277صفحة مزدوجة، من القطع الكبير، أما أبعاد الصفحة الواحدة فيها فهي 25سم 5، 17سم، ومتوسّط مسطرتها 37سطرا، وكلّ سطر يتضمّن 14كلمة تقريبا، وهي مرقّمة ترقيما حديثا.
أمّا الهوامش فتتراوح أبعادها المحيطة بالمتن بين 3سم و 4سم. وقد كتبت هذه النسخة بخط نسخيّ، وهي واضحة الخطّ بنسبة 95تقريبا، مع بعض الشكل، في أبيات البديعيات والأبيات الشعريّة الأخرى، إلّا أنّ أبيات البديعيات فيها كتبت بخطّ عريض كبير، ثم إن متن هذه النسخة قد تعرّض في أماكن من أوراقها لبعض المحو والتآكل والتصحيف والتحريف والأخطاء، كما تعرّض لبعض الخلط بين النثر والشعر أما الهوامش فقد تضمّنت بعض العناوين التي ذكر معظمها في المتن مكتوبة بخطّ عريض، والتعقيبات التي ثبتت في آخر كلّ صفحة لتدلّ على أوّل الكلمة في الصفحة التالية، وبعض الاستدراكات والمتمّمات والتصحيحات والإشارات الأخرى. أمّا عنوان هذه النسخة فهو: كتاب «شرح البديعية» تأليف الشيخ الإمام العلامة، فريد دهره ووحيد عصره، أبو المحاسن، تقيّ الدين، أبو بكر بن حجة الحنفيّ القادريّ الحمويّ، تغمّده الله بالرحمة والرضوان»، وقد كتب بخطّ هرميّ جميل مقلوب.
4 - النسخة الرابعة ذات الرقمين (35623561)، وقد رمزت إليها بجزءيها بالحرف «ب»:
الجزء الأوّل منها رقمه (3561)، والجزء الثاني رقمه (3562). وهذه النسخة بجزءيها حديثة النسخ، فقد جاء في الصفحة الأخيرة من الجزء الأوّل: «في غرّة شهر ربيع الأوّل من شهور سنة اثنتين وعشرين وألف هجرية» وفي الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني: «كان الفراغ من هذا الكتاب وهو «شرح البديعيات» لابن حجة الحموي الحنفيّ، نهار الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة من سنة اثنتين وعشرين بعد الألف من الهجرة النبويّة». أمّا الناسخ فهو محمّد بن محمّد
الهريريّ الحلبيّ (1). وقد نظر فيها وأخذ على مؤلّفها مأخذا (2)، حافظ محمد علي العظميّ كما جاء في الصفحة الأولى قبل المتن من الجزء الأول: «نظر فيه الفقير حافظ محمّد العظميّ، غفر له»، وذلك سنة 1230هـ. وقد طالع هذه النسخة أيضا خليل بن محمد إمام الجامع الشريف الأمويّ، وجاء ذلك في الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني بقوله: «محمد يولي محمد نعم لما تشرّفت بتملّك هذا السفر والذي قبله من تركة الفاضل العالم الشيخ رمضان بن الشيخ موسى العطيفي، طالعته مطالعة من استفاد من درر بحره دررا، ومن جواهر فوائده غررا، وأنا الفقير الحقير خليل بن محمد إمام الجامع الشريف الأموي، غفر لهما». وممن نظر فيها أيضا الشيخ مصطفى بن محمد البرهانيّ الداغستانيّ في ربيع الثاني سنة 1232هـ.(1/78)
الجزء الأوّل منها رقمه (3561)، والجزء الثاني رقمه (3562). وهذه النسخة بجزءيها حديثة النسخ، فقد جاء في الصفحة الأخيرة من الجزء الأوّل: «في غرّة شهر ربيع الأوّل من شهور سنة اثنتين وعشرين وألف هجرية» وفي الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني: «كان الفراغ من هذا الكتاب وهو «شرح البديعيات» لابن حجة الحموي الحنفيّ، نهار الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة من سنة اثنتين وعشرين بعد الألف من الهجرة النبويّة». أمّا الناسخ فهو محمّد بن محمّد
الهريريّ الحلبيّ (1). وقد نظر فيها وأخذ على مؤلّفها مأخذا (2)، حافظ محمد علي العظميّ كما جاء في الصفحة الأولى قبل المتن من الجزء الأول: «نظر فيه الفقير حافظ محمّد العظميّ، غفر له»، وذلك سنة 1230هـ. وقد طالع هذه النسخة أيضا خليل بن محمد إمام الجامع الشريف الأمويّ، وجاء ذلك في الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني بقوله: «محمد يولي محمد نعم لما تشرّفت بتملّك هذا السفر والذي قبله من تركة الفاضل العالم الشيخ رمضان بن الشيخ موسى العطيفي، طالعته مطالعة من استفاد من درر بحره دررا، ومن جواهر فوائده غررا، وأنا الفقير الحقير خليل بن محمد إمام الجامع الشريف الأموي، غفر لهما». وممن نظر فيها أيضا الشيخ مصطفى بن محمد البرهانيّ الداغستانيّ في ربيع الثاني سنة 1232هـ.
والشيخ شمس الدين محمّد بن طولون، كما جاء في الورقة الثانية قبل المتن من الجزء الأوّل وفي هذه الورقة ترجمة لابن حجّة الحمويّ، ومأخذ عليه (3) لمصطفى البرهاني بخطّ محمد بن طولون وفي آخر الجزء الثاني من هذه النسخة جاء تقريظ العلّامة أحمد بن حجر العسقلانيّ، في «شرح البديعية» وتقريظ العلّامة بدر الدين الدماميني في «البديعية» قبل أن يشرحها ابن حجّة (4).
ومما جاء من تملّكات في الصفحة الثانية قبل المتن من الجزء الأوّل، وفي صفحة العنوان من الجزء الثاني:
«من كتب الفقير خليل بن محمّد إمام الجامع الشريف الأمويّ، غفر لهما».
و «وقف هذا الكتاب جناب الوزير المعظم والمشير المعجّم صاحب الخبرات والميراث جناب الحاج أسعد باشا والي الشام وأمين الحاج علي موسى، والده المرحوم الحاج إسماعيل باشا، وشرط الواقف المرقوم أن لا مخرج من مكانه».
«وهذا الكتاب من كتب من كتب، وهو العبد الفقير الدروس محمد بن محمد الهريريّ الحلبيّ».
و «الحمد لله تعالى ملكه من فضل الله تعالى ولطفه الخفي عبده الفقير الحقير
__________
(1) انظر الصفحة الأخيرة من هذه النسخة.
(2) سيأتي نص هذا المأخذ في مكانه من قسم الدراسة.
(3) سيأتي نصّ هذا المأخذ في مكانه من قسم الدراسة.
(4) سيأتي نصّ هذين التقريظين في مكانهما من قسم الدراسة.(1/79)
رمضان بن موسى العطيفيّ الحنفيّ، غفر الله تعالى له ولوالديه ولجميع المسلمين أجمعين آمين».
و «في نوبة العبد الحقير السيّد محمد عاصم الفلاقنسيّ في غرة سنة 1126هـ.،
عفي عنه».
وتقع هذه النسخة في جزءين كبيرين، يتضمّن الجزء الأوّل منها 240صفحة مزدوجة، والجزء الثاني 228صفحة مزدوجة، من القطع الكبير، وينتهي الجزء الأوّل منها ببيت بديعيّة صفيّ الدين الحلّيّ الذي قاله في «المبالغة»، ثمّ بدأ به الجزء الثاني أمّا أبعاد الورقة في هذه النسخة بصفحتيها فهي 32سم 24سم، ويتراوح متوسّط مسطرتها بين 21سطرا و 24سطرا (2)، في كلّ سطر 12كلمة تقريبا وهي مرقّمة ترقيما حديثا. أمّا الهوامش فتتراوح أبعادها المحيطة بالمتن بين 3سم و 5، 3سم. وقد كتبت هذه النسخة بالخطّ الفارسيّ السريع الخالي من الشكل، وهي نسخة معجمة مصحّحة تامّة، واضحة الخطّ بنسبة 95، دون أن يميّز الخطّ الذي كتبت فيه أبيات البديعيات عن غيرها ثم إن في متن هذه النسخة بعض المحو والتصحيف والتحريف والأخطاء، كما تعرّض لبعض الخلط بين النثر والشعر أمّا الهوامش فقد حوت العناوين والتعقيبات الدالّة على تتابع النصّ، وتكاد تخلو ممن التعليقات والشروحات والإشارات والاستدراكات التي عرفتها النسخة الأولى.
أمّا العنوان في هذه النسخة فهو: «شرح البديعيات» (1) ويظهر ذلك في آخر الجزء الأوّل منها في قول الناسخ: «آخر الجزء الأوّل من شرح البديعيات للعلامة الشيخ تقيّ الدين أبي بكر ابن حجة الحمويّ» وفي أوّل هذا الجزء، في الصفحة الأولى قبل المتن ورد: «شرح ابن حجّة لبديعيته» وعنوان الجزء الثاني من هذه النسخة: «الجزء الثاني من شرح البديعيّات، للشيخ تقيّ الدين أبي بكر بن حجة الحمويّ»، وفي آخر هذا الجزء ورد: «كان الفراغ من هذا الكتاب، وهو «شرح البديعيات» لابن حجّة الحمويّ الحنفيّ». وقد كتب عنوان الجزء الثاني بترتيب هرميّ مقلوب.
__________
(1) قد انفردت هذه النسخة عن غيرها بهذا العنوان، وهو صحيح إذ إن ابن حجة شرح فيه بديعيته والبديعيات التي عارضها.(1/80)
5 - النسخة الخامسة، وهي المطبوعة، وقد رمزت إليها بالحرف «ط»:
وهي النسخة المطبوعة ببولاق سنة 1273هـ وقد أعيدت طباعة هذه النسخة، كما هي، ببولاق أيضا سنة 1291هـ.، وطبعت في هامشها رسائل بديع الزمان الهمذانيّ، ثمّ طبعت في المطبعة الخيريّة بمصر سنة 1304هـ.، وفي هامشها الرسائل المذكرة آنفا، وشرح البديعية المسمّاة ب «الفتح المبين في مدح الأمين» للسيّدة عائشة الباعونية كما طبعت هذه الخزانة في دار القدموس الحديث سنة 1885م.
وقد أشرف على إخراج الطبعة الأولى وتصحيحها إبراهيم عبد الغفّار، كما ورد في الصفحة 570منها، فوصف نفسه بأنه «محرّر مبانيها ومهذّب مجانيها» ثم قال: «وقد بذلت الجهد في تنميقها والتحرّي في ميدان تحقيقها»، فأتمّ تصحيحها، وذلك تحت إدارة محمّد سعيد باشا، في مطبعة بولاق (1).
وهذا ما يؤهّل هذه النسخة لأن تكون أصلا من أصول التحقيق (2). وتقع طبعة بولاق في مجلّد ضخم مؤلّف من 571صفحة من القطع الكبير، أمّا أبعاد الصفحة فيها فهي 26سم 19سم، ومتوسّط مسطرتها 33سطرا، وكلّ سطر يحوي 14 كلمة تقريبا. أمّا الهوامش فتتراوح أبعاد بين 2سم في الهامش االأعلى والأسفل و 5 سم في الهامش الأيمن والأيسر. وقد طبعت هذه النسخة طباعة قديمة، وهي تشبه المخطوطة إلى حدّ كبير، إذ إنّها غير محقّقة، إلّا أنّها أوضح خطّا، وإن يكن فيها بعض الغموض والمحو في بعض الكلمات، وهي خالية تماما من الشكل، وقد حصرت أبيات البديعيات والعناوين فيها بين قوسين، دون أن يميّز في الخطّ بينها وبين غيرها.
وفي أوّل هذه الطبعة فهرس بأسماء الأنواع البديعية حسب ورودها في الكتاب، وتبلغ مئة واثنين وأربعين عنوانا. أمّا الهوامش فقد حوت بعض العناوين بعد ذكرها
__________
(1) يقول محمود الربداوي في كتابه «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 194193: إنه رأى هذه النسخة المطبوعة قد حملت تعليقات وحواشي بخطّ الشيخ نصر الهوريني، أبي الوفاء وهذا يعني أن هذه النسخة قد قوبلت بنسخة مكتوبة وصحّحت قبل وبعد طباعتها للمرّة الأولى.
(2) اعتمدت طبعة بولاق أصلا من أصول التحقيق، واستأنست بطبعة المطبعة الخيرية، وطبعة دار ومكتبة الهلال، اللتين نقلتا عن طبعة بولاق، دون أن أعتمدهما من أصول التحقيق.(1/81)
في المتن، وبعض الإشارات والتعليقات والشروحات والاستدراكات والتصحيحات، وإن كانت قليلة جدّا (1).
أمّا عنوان هذه الطبعة فهو: «هذه «خزانة الأدب وغاية الأرب» للعالم الأديب، واللوذعيّ الأريب، الشيخ تقيّ الدين، أبي بكر ابن حجّة الحمويّ» (2).
ولم تكن طبعة المطبعة الخيرية في القاهرة، أو طبعة دار القدموس الحديث المطابقة لها وهما تتضمّنان 467صفحة، بأفضل من طبعة بولاق، فهما غير محقّقين كسابقتهما، ولهذا عمدت إلى الاستئناس بهما دون أن أعتمدهما أصلا من أصول التحقيق.
كما اخترت طبعة أخرى للاستئناس، وهي الطبعة الأولى الصادرة عن دار ومكتبة الهلال في بيروت، بشرح عصام شعيتو سنة 1987م، وهي أكثر وضوحا من سابقتيها، إلّا أنها أكثر أخطاء وأقلّ عناية، ولم يكن هدف الشارح فيها أن يحقّقها، بل أن ينشرها، وقد مهّد للكتاب وقدّم له بكلمة موجزة حول تطوّر علم البديع حتى عصر ابن حجّة، معرّفا ب «خزانة الأدب» وعمله فيه، وقدّم بعض الملاحظات حول الكتاب، كما عرّف بالكاتب وحياته وعمله ومؤلّفاته، منهيا الجزءين فيها بفهرس للمحتويات حسب ورودها في مكانها من الكتاب. بيد أنّ هذه الطبعة لم تحقّق، كما أسلفت، إذ لم يشر الناشر فيها إلى مقارنتها بنسخة ما، كما أنّه لم يتحقّق من صحّة ما ورد فيها، ما دفعه في أماكن كثيرة (3) إلى أن يبقي على الخطأ، أو أن يقع في خطأ آخر أثناء ترجيحه لمعلومة ما، ثمّ إنّ هذه الطبعة تفتقر إلى الفهارس الفنيّة التي يتوجّب أن يتضمّنها كلّ كتاب محقّق منشور لتيسير الاستفادة منه.
وتقع هذه الطبعة في مجلّدين كبيرين، يتضمّن الجزء الأوّل منهما 480صفحة، والجزء الثاني 509صفحة، من القطع الكبير، أمّا أبعاد الصفحة فيها فهي 27سم 19سم ومتوسّط مسطرتها 29سطرا، وكلّ سطر يحوي 14كلمة تقريبا. أمّا
__________
(1) أما الطبعة المعادة طباعتها سنة 1291هـ.، فقد حوت في هامشها رسائل بديع الزمان الهمذانيّ.
(2) انظر «توثيق اسم الكتاب» الذي مرّ قبل قليل.
(3) سيأتي الكلام على هذه الطبعة أثناء الكلام على الباعث لاختيار هذا الموضوع.(1/82)
الهوامش فتتراوح أبعادها بين 2و 3سم. وقد طبعت هذه النسخة طباعة حديثة بخطّ النسخ العاديّ وهي خالية تماما من الشكل، وقد كتبت أبيات البديعيات بخطّ المتن، بعد أن كتب عنوان كلّ نوع بديعيّ في أعلى الصفحة منفصلا عمّا قبله.
وإذا نظرنا في علاقة كلّ من هذه النسخ المخطوطة والمطبوعة فيما بينها نجدها تختلف حول نقاط كثيرة اختلافا واضحا، وإن التقى بعضها أحيانا حول بعض النقاط ومن ينظر في حواشي الكتاب بعد التحقيق يجد بوضوح أماكن الالتقاء والاختلاف بين هذه النسخ.
وقد اعتمدت مبدأ القدم في ترتيب هذه النسخ، ومن ثمّ المقابلات والمعارضات والسماعات والضبط الدقيق والتصحيحات والمطالعات والتقاريظ، وكان من حسن حظّ النسخة الأولى أنّها جمعت كلّ هذه الاعتبارات، في حين أنّ النسخ التي تليها كانت تتفاوت فيما بينها وتقلّ عن هذه في مطابقتها لبعض هذه الاعتبارات.
ب الطريقة التي اتّبعها نسّاخ هذه الأصول في نسخهم:
ألقد ليّن النسّاخ الهمزة في نسخهم، مثل: «ملايمة، جيت، نشو، مليّة»
بدل «ملائمة، جئت، نشء، مليئة».
ب وضعوا فوق بعض الحروف المهملة نقط الإعجام دون ضرورة لها، مثل:
«أهذابه، شاذن، المذاعبة، ذوبيت، السغدي، لله ذرّك». كما حرموا بعض الحروف من نقط الإعجام والشكل، مثل: «هاربا وهارئا».
ج أبقوا الإدغام على حاله أثناء الإسناد، مثل: «عدّيت» بدل «عددت».
د كانوا أحيانا يزيدون ألفا للفعل المضارع المعتل الآخر، ويحذفونها بعد واو الجماعة، مثل: «يجلوا، أرجوا، لم ينظمو».
هـ فصلوا الأعداد المركّبة، مثل: «ثماني مئة، ثلاث مئة».
وخلط بعض النسّاخ بين الألف الممدودة والألف المقصورة، مثل: «رما، دعى، سعا، سمى».
ز استبدل بعضهم المدّة بالهمزة في كثير من الكلمات، مثل: «الاستثنآ، المآ، جآ» بدل: «الاستثناء، الماء، جاء».
ح حذف النسّاخ الألف من الكلمات المشهورة، مثل: «إبراهيم، الحرث،
معوية، ثلث، ثلثاء، إسحق، هرون، مرون».(1/83)
ح حذف النسّاخ الألف من الكلمات المشهورة، مثل: «إبراهيم، الحرث،
معوية، ثلث، ثلثاء، إسحق، هرون، مرون».
ط أخطأ النسّاخ في كتابة معظم الكلمات المهموزة، والأسماء الستّة، والأفعال المسندة إلى جمع، مثل: «قال امرئ القيس، للأديب أبو بكر، لم تنظم العميان أبياتهم».
ي فكّ بعضهم المدّة في الكلمة، مثل: «المأاقي».
ك كتب بعضهم التاء الطويلة قصيرة، والقصيرة طويلة، مثل: «وفات، الثقاة» بدل «وفاة، الثقات».
ل حذف بعضهم واو الجماعة بعد واو أخرى، مثل: «جاؤا».
م تركوا الياء دون نقطتين في أغلب الكلمات المنتهية بها، ووضعوها في أماكن لا ضرورة لها، مثل: «المتنبى، الهوي».
ن خلطوا في كتابة كلمة «ابن»، إذ أثبتوا الهمزة أحيانا وحذفوها أحيانا أخرى دون مسوّغ.
س خلطوا بين الحروف المتشابهة في اللفظ أو الشكل، مثل: «ضهروا، الظفائر، النكثة، النمروذ، شجع، زخائر» بدل «ظهروا، الضفائر، النكتة، النمرود، سجع، ذخائر».
ع رسم بعضهم تنوين الضمّ أحيانا بشكل ضمّة تليها إشارة فاصلة، مثل:
«انجذاب».
ف ترك بعضهم كتابة همزة القطع فوق كرسيّها، مثل: «يسال». كما خلطوا بين الهمزة المكسورة وغيرها، مثل: «إتباع، أتباع».
ص أخطأ بعضهم في رسم بعض الحروف فاضطرّوا إلى توضيحها في المتن أحيانا والهامش أحيانا أخرى بكتابة الحرف الصحيح تحتها أو فوقها، مثل: «التغاير» بكتابة «غ» تحت الغين أو فوقها.
ق أهمل بعضهم عمل حروف الجزم، مثل: «لم يسعى».
ر خلط بعضهم في أماكن قليلة بين الشعر والنثر، فأشاروا قبل الأسطر المسجوعة ب «شعر» أو «بيت»، وأهملوا وضع هاتين الكلمتين قبل أو بعد بعض أبيات
الشعر، فأعطوا الشعر شكل النثر، والنثر شكل بيت من الشعر.(1/84)
ر خلط بعضهم في أماكن قليلة بين الشعر والنثر، فأشاروا قبل الأسطر المسجوعة ب «شعر» أو «بيت»، وأهملوا وضع هاتين الكلمتين قبل أو بعد بعض أبيات
الشعر، فأعطوا الشعر شكل النثر، والنثر شكل بيت من الشعر.
ش عمد النسّاخ إلى وضع رموز في المتن والهامش (1)، بعضها يتعلّق بالنصّ والخطّ، وبعضها الآخر يتعلّق بالتصحيحات والتوضيحات والإشارات والتعليقات والأدعية المعهودة، والوقف، والفراغ والحواشي وغيرها من الأمور الأخرى.
وفي ما يلي جدول بهذه الرموز ومعانيها:
«إلخ»: لاختصار الكلام ودلالة على حذفه.
«اه»، «انتهى»: نهاية الفقرة أو الموضوع.
«ح»، «حش»، «حع»، «حاشية»: للدلالة على الحاشية المكتوبة.
«خ»، «خ»: الكلمة من نسخة أخرى، أو دليل خلاف بين النسخ.
«رح»: رحمه الله.
«س»: للدلالة على أنّ الكلمة من طائفة ما سبقها.
«ض»: الضبّة في الكلمة تمريض، أيّ أن الكلمة صحيحة نقلا وخطأ في ذاتها، كما في النسخة «و».
«ص»، «صوابه»: تصحيح وتصويب من الناسخ في الهامش. أما إن وردت «ص» في المتن، ولا سيّما في المطبوعة فهي تعني «صلى الله عليه وسلم».
«صح»: الكلمة من المتن في الأصل، وليست من نسخة مختلفة.
«ض»، «ظ»: الكلمة غير واضحة، أو هناك فراغ مكان الكلمة.
«ل»: الكلمة في الهامش توضيح لما في المتن وبيان لها.
«م»: الكلمة مشكوك في مكانها.
«م م»: إحدى الكلمتين مقدّمة على الأخرى ويجب تأخيرها.
«ن»: الكلمة في الهامش توضيح لما في المتن وبيان لها.
«بيان»: الكلمة في الهامش توضيح لما في المتن.
__________
(1) بعض هذه الرموز كانت تكتب إلى جانب الكلمة، وما كان يكتب فوقها، فقد أدخلته معها بين مزدوجين.(1/85)
«بيت»: قبل بيت البديعية أو بعدها، كما في النسخة «ب».
«شعر»: قبل الشعر، كما في النسخة «ب».
«قاموس»: شرح لكلمة غامضة، كما في النسخة «د».
«لعلّه»: ترجيح برأي الناسخ أو المقابل، أو المصحّح.
«من إلى»: زيادة جملة سهوا أو خطأ، وجب حذفها.
«لا إلى»: زيادة جملة سهوا أو خطأ، وجب حذفها، كما في النسخة «و».
«»: إشارة «»، علامة الإلحاق إلى سقط موجود في الهامش.
«» فوق الكلمة: يعني شطبها.
«» تحت الكلمة: يعني شطبها أثناء النسخ.
حرف تحت حرف أو فوقه ضمن الكلمة: توضيح للحرف المركّب في الكلمة، مثل «المعاني» وقد أشير تحت العين منها ب «ع».
«» فوق الحرف وتحته: إشارة إلى روايته بلفظين، أو أن أحد الشكلين تصحيح للآخر، مثل: «ينظم»، فوق الياء نقطتان.
«.» فوق الحرف وتحته: إشارة إلى روايته بلفظين، أو أنّ أحد الشكلين تصحيح للآخر، مثل: «بقيّ»، فوق الباء نقطة.
«» تحت السين: إشارة إلى أنها ليست شينا.
كتابة كلمة فوق أخرى أو تحتها: دلالة على أنّها سقطت من الناسخ أثناء النسخ فأعاد كتابتها فوق الكلمة أو تحت الكلمة المجاورة لها.
«()»: لحصر بيت البديعيّة، والعناوين، وما يراد إبرازه، كما في النسخة «ط».
«*»: مكان النقطة أو الفاصلة بين الأسجاع، وبين شطري البيت لتمييزه عن النثر، كما في النسخة «ط».
«،»: بين شطري البيت، أو في أوله وآخره، كما في النسخة «ب»، والنسخة «د».(1/86)
«.»: نقطة كبيرة: وتعني ما تعني «،».
«»، «»: وتعنيان ما تعني «،».
«»: بين شطري البيت، ولا سيّما في البديعيات. وحصر بعض العناوين، ولا سيّما في النسخة «ب».
«» فوق بداية السطر: للدلالة على بدايته.
«»: قبل بداية الشعر، كما في النسخة «د».
مدّ قاعدة اللام في «قال»، و «قلت»، و «قوله» وما اشتقّ منها: للدلالة على ابتداء القول، ولا سيّما قبل الشعر، كما في النسخة «ب».
ج زيادات في أوائل النسخ وأواخرها ليست من الأصل (1):
ما ورد في ك:
ورد في الصفحة الأولى قبل صفحة العنوان: تقريظ لهذه النسخة، وقد مرّ نصّه أثناء وصفها. وبعده:
«للمزيّن الدمشقيّ الرئيس شمس الدين [من الوافر]:
بنى سلطاننا برقوق جسرا ... به أضحت رعيّته مطيعه
مجاز في الحقيقة للبرايا ... وأمر بالسّلوك على الشّريعه»
كما ورد في هذه الصفحة زيادات أخرى غير واضحة.
وفي صفحة العنوان:
«الحمد لله مستحقّ الحمد:
ولد الولد المبارك أحمد ولد كاتب هذه النسخة علي بن سودون يوم السبت قرب الظهر من ذلك اليوم الموافق الثامن عشر من شعبان المكرم عام ثماني وخمسين وثمانمئة (858هـ.) أنشأه الله نشئا صالحا، وتوفّي في ثاني عشر شوال سنة ستين
__________
(1) أما الزيادات التي في هوامش النسخ، فقد ذكرتها في مكانها من حواشي الكتاب، لعلاقتها المباشرة، أو غير المباشرة، بالنصّ. وأعني ب «الزيادات» هنا ما ليس من المتن وما ليس بتملّك أو «تقريظ» أو «مذمّة».(1/87)
وثمانمئة (860هـ.)، تغمّده الله برحمته».
وفي ورقة العنوان أيضا، الصفحة «أ» منها، مقطع صغير يتضمّن ثلاثة عشر بيتا من الشعر، فيها بعض الغموض، وهو:
«الحمد لله ربّ العالمين نبيّه وأوليائه هذه الأبيات ذكرها المصنّف في أواخر الكتاب:
قال البهاء زهير [من المنسرح]:
كلّمني والمدام في فمه ... قد نفحت من حباب مبسمه
وراح كالغصن في تمايله ... سكران يشتطّ في تحكّمه
بالله يا برق هل تحدّثه ... عن نار قلبي وعن تضرّمه
وهل نسيم الصّبا يبلغه ... رسالة من فمي إلى فمه
عجبت من بخله عليّ وما ... يذكره الناس من تكرّمه
هم علّموه فصار يهجرني ... ربّ خذ الحقّ من معلّمه
[ديوانه ص 309308].
وغيره [من السريع]:
يا أيّها الرّاضي بأحكامنا ... لا بدّ ما تحمد عقبى الرضا
فوّض لنا وإبق مستسلما ... فالراحة العظمى لمن فوّضا
وإن تعلّقت بأسبابنا ... فلا تكن عن اللقا معرضا
فإنّ فينا حلما باقيا ... من كلّ ما يأتي وما قد مضى
لا ينعم المرء بمحبوبه ... حتّى يرى الخيرة فيما قضى
ومن قصيدة [من مخلّع البسيط]:
وحقّكم بعد إذ حصلتم ... فكلّ من فاد لا أبالي
فما علا عادم أجاجا ... وعنده أعين [ال] زلال»
وفي الصفحة الأخيرة قال الناسخ «وما ألطف قول سيّدنا شهاب الدين بن حجر [من الرجز]:(1/88)
يا سيّدا طالعه ... إن راق معناه فعد
وافتح له باب الرّضا ... وإن تجد عيبا فسد»
ما ورد في د:
في صفحة العنوان زيادة غير واضحة، نصّها:
«الحدس: الظنّ والتخمين والتوهيم في معاني الكلام».
وفيها أيضا [من المواليا]:
«بشرطه لعب الحشا للهادى ... وما أرى النبع يشرط
لكن أرى عقد سهادي ... عقدا بشرط وتمو عقد صحيح
وفيه:
قد اشترط الفتيان قبلي شرطه ... وقال اتغنى قلت فيك واه
ولم يرض حتى قال كن عند ناظري ... ليملكني بالطرف والشرط اس»
وفي الصفحة الأولى التي تليها مقدّمة، وقصيدة عينيّة من أربعين بيتا، لأبي الحسن بن زريق الكاتب البغداديّ الشاعر، منها [من البسيط]:
«ودّعته وبودّي أن يعاجلني ... وشك الحمام وأني لا أودّعه
ومن غدا لابسا ثوب النعيم بلا ... شكر عليه فعنه الله ينزعه»
ويليها بيتان من الشعر لبعضهم.
وفي الصفحة الثانية التي تليها قصيدة ابن زيدون المشهورة «أضحى التنائي» وفيها تسعة وأربعون بيتا.
ولم يرد في «و» شيء من هذه الزيادات.
ما ورد في ب:
ورد في الصفحة الأولى قبل المتن من الجزء الأوّل مقطع من مآخذ محمد علي العظميّ على ابن حجّة وبديعيّته وكتابه، وسيرد هذا المقطع في «المآخذ» كاملا في مكانه من قسم الدراسة وهذه الصفحة مكرّرة.
وتليها صفحة في ترجمة ابن حجّة الحموي، وهذا نصّها: «ترجمة ابن حجّة:
أبو بكر بن علي بن عبد الله الحمويّ المعروف بابن حجة، بكسر الحاء المهملة وتشديد الجيم، الإمام الأديب الكاتب المفنن، شاعر الإسلام، تقيّ الدين، ولد تقريبا سنة سبع وستين [وسبعمائة] بحماة، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار، فتولّع بالأدب واشتغل فيه على الشيخ علاء الدين القضاميّ، وتعاطى النظم فتولّع أوّلا بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل زمانه، ونظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده، ودخل الشام، فمدح البرهان بن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافيّة طنّانة أعجبته، فطاف بها على فقهاء عصره فقرظوها له، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة، والشمس من فضلائها، تقريظا، فكتب له عليها [ابن] جماعة، ودلّ على مجد الدين بن مكانس، فمدحه وطارح والده، وكتب له على القصيدة، ثم عاد إلى بلاده، فصادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق، بعد أن خرج من الكرك، وكان أميرا مهوّلا، فعمل فيه رسالة طويلة كاتب بها ابن مكانس، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها، وله قصيدة في علاء الدين بن أبي البقاء قاضي دمشق، ومدح أمين الدين الحمصيّ كاتب السرّ حينئذ وغيرهما، ثم قدم إلى القاهرة في الأيّام المؤيّديّة، فراج أمره، وعظم قدره، وشاع ذكره. ونوّه به كاتب السرّ ناصر الدين البارزيّ، فرسم بأن يتولّى إنشاء ما يحتاج إليه في الديوان، فاشتهر وبعد صيته وباشر عدّة أنظار، فأثرى وصار يعدّ من الأعيان، وعمل في طول الدولة المؤيديّة من إنشائه مجلّدين في الوقائع، ودخل مع المؤيّد بلاد الروم، فلمّا مات المؤيّد وابن البارزي باشر في أيّام علاء الدين داود بن الكوفي الإنشاء، ولم تمش أحواله كما كانت فتقلق في إقامته بالقاهرة وتفقد ما لفّه، فتوجّد إلى بلاده حماة في سنة ثلاثين وثمانيمئة، فأقام بها ملازما للاشتغال في العلوم إلى أن مات وكان عزم على المجيء إلى القاهرة لمّا ولي الكمال البارزيّ كتابة السرّ، فلم يتهيّأ له ذلك، وصنّف مصنّفات عديدة، وله رسائل ومقاطيع بديعة، وديوان شعر بديع، وعمل بديعية مناقضا للصفيّ الحلّيّ على طريقة شيخه العزّ الموصليّ من التورية باسم النوع البديعيّ في البيت، وهي بديعة في زمانها وبابها، وسمّاها «تقديم أبي بكر»، وهي تسمية بديعة في معناها للاتفاق في اسمه واسم الصدّيق، رضي الله تعالى عنه، وشرحها في ثلاث مجلّدات أبدع فيه ما شاء فترض [فقرّظ] له عليه جماعة من العلماء، منهم شيخ الإسلام ابن حجر وأطنب في ذلك، ومن ذلك قوله: «أشهد أنّ أبا بكر تقدّم على أنظاره، ولا أعدل في هذه
الشهادة من أحمد، وأجزم برفعة قدره على من انتصب لهذا الفنّ، ولا أبلغ من حاكم يشهد، انتهى» وجمع مجاميع آخر مخترعه، وله كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام، وكان أحد أدباء العصر المكثرين المجيدين، طويل التفنّن في النظم والنثر، حسن الأخلاق والمروءة، ملازما للخضاب بالحمرة حتى أسنّ وهو على ذلك، وفيه زهو وإعجاب، وحدّث بشيء من نظمه جمع من الفضلاء، ومات في خامس عشرين [الخامس والعشرين من] شعبان سنة سبع وثلاثين وثمانيمئة (837هـ.)، رحمه الله تعالى. انتهى».(1/89)
وتليها صفحة في ترجمة ابن حجّة الحموي، وهذا نصّها: «ترجمة ابن حجّة:
أبو بكر بن علي بن عبد الله الحمويّ المعروف بابن حجة، بكسر الحاء المهملة وتشديد الجيم، الإمام الأديب الكاتب المفنن، شاعر الإسلام، تقيّ الدين، ولد تقريبا سنة سبع وستين [وسبعمائة] بحماة، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار، فتولّع بالأدب واشتغل فيه على الشيخ علاء الدين القضاميّ، وتعاطى النظم فتولّع أوّلا بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل زمانه، ونظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده، ودخل الشام، فمدح البرهان بن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافيّة طنّانة أعجبته، فطاف بها على فقهاء عصره فقرظوها له، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة، والشمس من فضلائها، تقريظا، فكتب له عليها [ابن] جماعة، ودلّ على مجد الدين بن مكانس، فمدحه وطارح والده، وكتب له على القصيدة، ثم عاد إلى بلاده، فصادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق، بعد أن خرج من الكرك، وكان أميرا مهوّلا، فعمل فيه رسالة طويلة كاتب بها ابن مكانس، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها، وله قصيدة في علاء الدين بن أبي البقاء قاضي دمشق، ومدح أمين الدين الحمصيّ كاتب السرّ حينئذ وغيرهما، ثم قدم إلى القاهرة في الأيّام المؤيّديّة، فراج أمره، وعظم قدره، وشاع ذكره. ونوّه به كاتب السرّ ناصر الدين البارزيّ، فرسم بأن يتولّى إنشاء ما يحتاج إليه في الديوان، فاشتهر وبعد صيته وباشر عدّة أنظار، فأثرى وصار يعدّ من الأعيان، وعمل في طول الدولة المؤيديّة من إنشائه مجلّدين في الوقائع، ودخل مع المؤيّد بلاد الروم، فلمّا مات المؤيّد وابن البارزي باشر في أيّام علاء الدين داود بن الكوفي الإنشاء، ولم تمش أحواله كما كانت فتقلق في إقامته بالقاهرة وتفقد ما لفّه، فتوجّد إلى بلاده حماة في سنة ثلاثين وثمانيمئة، فأقام بها ملازما للاشتغال في العلوم إلى أن مات وكان عزم على المجيء إلى القاهرة لمّا ولي الكمال البارزيّ كتابة السرّ، فلم يتهيّأ له ذلك، وصنّف مصنّفات عديدة، وله رسائل ومقاطيع بديعة، وديوان شعر بديع، وعمل بديعية مناقضا للصفيّ الحلّيّ على طريقة شيخه العزّ الموصليّ من التورية باسم النوع البديعيّ في البيت، وهي بديعة في زمانها وبابها، وسمّاها «تقديم أبي بكر»، وهي تسمية بديعة في معناها للاتفاق في اسمه واسم الصدّيق، رضي الله تعالى عنه، وشرحها في ثلاث مجلّدات أبدع فيه ما شاء فترض [فقرّظ] له عليه جماعة من العلماء، منهم شيخ الإسلام ابن حجر وأطنب في ذلك، ومن ذلك قوله: «أشهد أنّ أبا بكر تقدّم على أنظاره، ولا أعدل في هذه
الشهادة من أحمد، وأجزم برفعة قدره على من انتصب لهذا الفنّ، ولا أبلغ من حاكم يشهد، انتهى» وجمع مجاميع آخر مخترعه، وله كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام، وكان أحد أدباء العصر المكثرين المجيدين، طويل التفنّن في النظم والنثر، حسن الأخلاق والمروءة، ملازما للخضاب بالحمرة حتى أسنّ وهو على ذلك، وفيه زهو وإعجاب، وحدّث بشيء من نظمه جمع من الفضلاء، ومات في خامس عشرين [الخامس والعشرين من] شعبان سنة سبع وثلاثين وثمانيمئة (837هـ.)، رحمه الله تعالى. انتهى».(1/90)
وتليها صفحة في ترجمة ابن حجّة الحموي، وهذا نصّها: «ترجمة ابن حجّة:
أبو بكر بن علي بن عبد الله الحمويّ المعروف بابن حجة، بكسر الحاء المهملة وتشديد الجيم، الإمام الأديب الكاتب المفنن، شاعر الإسلام، تقيّ الدين، ولد تقريبا سنة سبع وستين [وسبعمائة] بحماة، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار، فتولّع بالأدب واشتغل فيه على الشيخ علاء الدين القضاميّ، وتعاطى النظم فتولّع أوّلا بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل زمانه، ونظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده، ودخل الشام، فمدح البرهان بن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافيّة طنّانة أعجبته، فطاف بها على فقهاء عصره فقرظوها له، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة، والشمس من فضلائها، تقريظا، فكتب له عليها [ابن] جماعة، ودلّ على مجد الدين بن مكانس، فمدحه وطارح والده، وكتب له على القصيدة، ثم عاد إلى بلاده، فصادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق، بعد أن خرج من الكرك، وكان أميرا مهوّلا، فعمل فيه رسالة طويلة كاتب بها ابن مكانس، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها، وله قصيدة في علاء الدين بن أبي البقاء قاضي دمشق، ومدح أمين الدين الحمصيّ كاتب السرّ حينئذ وغيرهما، ثم قدم إلى القاهرة في الأيّام المؤيّديّة، فراج أمره، وعظم قدره، وشاع ذكره. ونوّه به كاتب السرّ ناصر الدين البارزيّ، فرسم بأن يتولّى إنشاء ما يحتاج إليه في الديوان، فاشتهر وبعد صيته وباشر عدّة أنظار، فأثرى وصار يعدّ من الأعيان، وعمل في طول الدولة المؤيديّة من إنشائه مجلّدين في الوقائع، ودخل مع المؤيّد بلاد الروم، فلمّا مات المؤيّد وابن البارزي باشر في أيّام علاء الدين داود بن الكوفي الإنشاء، ولم تمش أحواله كما كانت فتقلق في إقامته بالقاهرة وتفقد ما لفّه، فتوجّد إلى بلاده حماة في سنة ثلاثين وثمانيمئة، فأقام بها ملازما للاشتغال في العلوم إلى أن مات وكان عزم على المجيء إلى القاهرة لمّا ولي الكمال البارزيّ كتابة السرّ، فلم يتهيّأ له ذلك، وصنّف مصنّفات عديدة، وله رسائل ومقاطيع بديعة، وديوان شعر بديع، وعمل بديعية مناقضا للصفيّ الحلّيّ على طريقة شيخه العزّ الموصليّ من التورية باسم النوع البديعيّ في البيت، وهي بديعة في زمانها وبابها، وسمّاها «تقديم أبي بكر»، وهي تسمية بديعة في معناها للاتفاق في اسمه واسم الصدّيق، رضي الله تعالى عنه، وشرحها في ثلاث مجلّدات أبدع فيه ما شاء فترض [فقرّظ] له عليه جماعة من العلماء، منهم شيخ الإسلام ابن حجر وأطنب في ذلك، ومن ذلك قوله: «أشهد أنّ أبا بكر تقدّم على أنظاره، ولا أعدل في هذه
الشهادة من أحمد، وأجزم برفعة قدره على من انتصب لهذا الفنّ، ولا أبلغ من حاكم يشهد، انتهى» وجمع مجاميع آخر مخترعه، وله كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام، وكان أحد أدباء العصر المكثرين المجيدين، طويل التفنّن في النظم والنثر، حسن الأخلاق والمروءة، ملازما للخضاب بالحمرة حتى أسنّ وهو على ذلك، وفيه زهو وإعجاب، وحدّث بشيء من نظمه جمع من الفضلاء، ومات في خامس عشرين [الخامس والعشرين من] شعبان سنة سبع وثلاثين وثمانيمئة (837هـ.)، رحمه الله تعالى. انتهى».
ونقلت من خطّ المرحوم الشيخ شمس الدين محمد بن طولون رحمه الله تعالى:
وبعد هذه الترجمة، في الصفحة نفسها، مأخذ بخطّ الشيخ شمس الدين محمد ابن طولون، وسيرد هذا المأخذ كاملا في مكانه من قسم الدراسة.
وقبل هذه الترجمة بيتان من الطويل، غير منسوبين:
«إلهي أنا العبد المسيء وليس لي ... سواك إذا ما الحبس قد زاد كربه
وحسبي حبّ الهاشميّ وآله ... وأصحابه، فالمرء مع من يحبّه
وفي صفحة العنوان من الجزء الثاني «ب» (من السريع):
«أقسم بالله على مسلم ... أبصر خطّي حيث ما أبصره
أن يدعو الرحمن لي مخلصا ... في العفو والتوبة والمغفره»
ومن مجزوء الرجز:
«من منّ من منّ به ... من النوال الأرحب
على فقير عفوه الش ... شمس الهريري الحلبي»
وفي آخر هذا الجزء الثاني، قبل التملّك الأخير، تقريظ لابن حجر العسقلانيّ في «شرح» ابن حجة، وتقريظ آخر لبدر الدين الدمامينيّ في «بديعيّة» ابن حجّة قبل شرحها وسيرد الكلام عليهما في مكانهما من قسم الدراسة.(1/91)
ما ورد في ط:
جاء في صفحة العنوان ما كتب بخطّ حديث:
«يقصد ابن حجّة بقوله «العميان» هنا شمس الدين بن جابر النحويّ الشهير بالأعمى والبصير» (1).
__________
(1) الصواب أن شمس الدين بن جابر اشتهر ب «الأعمى» أما «البصير» فهو صديقه الرعيني الذي كان يملي ابن جابر تآليفه عليه ليكتبها. (الحلّة السّيرا في مدح خير الورى ص 18).(1/92)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/93)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/94)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/95)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/96)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/97)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/98)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/99)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/100)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/101)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/102)
القسم الأوّل البديع والبديعيّات(1/103)
الفصل الأوّل: علم البديع ونشأته
احتلّ البديع مكانة مرموقة منذ القدم عند العرب أدباء ونقّادا وبلاغيين، لما رأوا فيه من جمال يضفيه على العبارة النثرية أو البيت الشعريّ، كما وجدوا منه ألوانا تزخر بها الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، فتسنّم ذروة البلاغة حتى اعتبره بعضهم من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، لما له من أثر في جلال المعاني وجمال الألفاظ إلّا أن الشعراء والكتّاب في عصر التجديد قد فتنوا به وأفرطوا فيه ومنحوه كلّ اهتمامهم، سواء أكان المعنى مفتقرا إليه أم مستغنيا عنه، فوقعوا في عيوب كثيرة من التكلّف والتعسّف، كانوا في غنى عنها، فصار البديع معهم مسلكا وعرا يؤدّي إلى الإغراب والتعمية بدلا من أن يكون وسيلة لتحلية الألفاظ وتحسينها، أو لكشف المعاني وإبرازها.
ثم شرع العلماء يضيفون إلى ألوان البديع ألوانا تعدّ بالمئات فاختلطت عليهم ولم يعودوا يعرفون الأصل من الفرع فيها، فراحوا يطلقون على كلّ معنى اسما من أسماء البديع، حتى انحرف عن مساره، وأصبح عبئا ثقيلا في نظر النقّاد المحدثين، فدعوا إلى التخلّص منه والتخلّي عنه، أو التخفيف منه ما استطيع إلى ذلك سبيلا، متناسين ما كان له من مكانة مرموقة عند النقّاد الأقدمين عندما كان يقع للشعراء عفوا دون تكلّف، وقد ظنّوا أن العلّة في فساد البديع في العصور المتأخّرة، تعود إلى البديع ذاته، ولو أمعنوا النظر النقديّ في ذلك لوجدوا أن العلّة تعود إلى سوء استخدام الشعراء لألوانه والإفراط فيها حتى صار البديع عندهم غاية لا وسيلة، إذ عظّمه بعضهم حتّى أسلك فنونه في قصائد دعيت ب «البديعيّات»، وألّفوا فيه شروحا واحتفلوا به أيّ احتفال، ما دفع البعض إلى أن ينعت العصر الذي ساد وشاع فيه بعصر الانحطاط أو الانهيار، وهو عصر كان، وما زال أسوأ العصور حظّا من حيث اهتمام الباحثين به، إذ لا يزال نتاجه أو معظم نتاجه مدفونا تحت غبار الزمن وخيوط العنكبوت، وكانت من نتاج هذا العصر تلك «البديعيات» وشروحها، وما تضمّنته من فنون البديع.
إلّا أنّ هذه «البديعيات» بما تضمّنته لم تنل حظّها من الدراسة على غرار غيرها من
المجموعات الشعرية التي نالت حظّا وافرا من جهود الدارسين حتى بلغت الذّرى وقاربت الكمال عمقا وعددا، مثل «المعلّقات»، و «المفضّليّات»، و «الروميات»، و «اللزوميات» وغيرها بل إنّ البعض قد وقف منها ومن أصحابها موقفا سلبيّا فقال:(1/105)
إلّا أنّ هذه «البديعيات» بما تضمّنته لم تنل حظّها من الدراسة على غرار غيرها من
المجموعات الشعرية التي نالت حظّا وافرا من جهود الدارسين حتى بلغت الذّرى وقاربت الكمال عمقا وعددا، مثل «المعلّقات»، و «المفضّليّات»، و «الروميات»، و «اللزوميات» وغيرها بل إنّ البعض قد وقف منها ومن أصحابها موقفا سلبيّا فقال:
«منذ القرن السابع الهجريّ، وقد رمي الشعر العربيّ بجماعة مهمّتها جمع ألوان البديع، وسلكوا في جمعها مسالك التكلّف، ووجهوا همّتهم إلى رصّ ألوانه ضاربين صفحا عمّا ينبغي أن يراعى في الشعر من مقتضيات أهمها إبراز المعنى وتجلية الغرض، وجاؤوا بشعر مؤلف من تفعيلات وموازين لا يروق لفظها ولا يفهم معناها، وسمّوا تلك القصائد بالبديعيات» (1).
فهذه «البديعيات»، على الرغم ممّا حملته من أثر في البلاغة والأدب والنقد واللغة، لم يعكف على دراستها دراسة جادّة رصينة إلّا نفر قليل جدّا من الباحثين، فأعطوها ما تستحقّ من عناية واهتمام (2).
1 - علم البديع وقيمته:
يطلق لفظ «البديع»، في اللغة، على الغريب العجيب، أو الجديد المخترع الذي ينشأ على غير مثال سابق، يقال: بدع الشيء يبدعه بدعا إذا أنشأه وبدأه، وابتدع الشيء إذا اخترعه من غير مثال. و «البديع» يطلق لمعان عدّة فيقال: هذا بديع أي محدث عجيب فيكون من صفة المفعول، ويكون أيضا من صفة الفاعل بمعنى «المبدع»، ومنه «البديع» في أسماء الله الحسنى لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها من غير مثال (3)، فجاء في قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذََا قَضى ََ أَمْراً فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (17) (4). وجاء في الحديث الشريف بمعنى الزقّ الجديد والحلو والطيّب لقوله، (صلى الله عليه وسلم): «إنّ تهامة كبديع العسل حلو أوّله حلو آخره» (5)، وذلك لطيب هوائها الذي لا يتغيّر كما أنّ العسل لا يتغيّر.
__________
(1) البديع في ضوء أساليب القرآن ص 202.
(2) من هؤلاء الأستاذ علي أبو زيد، وقد أعدّ دراسة بعنوان: «البديعيات في الأدب العربي»، وقد نال بها شهادة الماجستير من كلية الآداب في جامعة دمشق.
(3) لسان العرب 8/ 76 (بدع) ونظم الدرّ والعقيان ص 51والعمدة 1/ 420.
(4) البقرة: 117.
(5) لسان العرب 8/ 7 (بدع) والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 107106.(1/106)
وقد ذكر الجاحظ أنّ مصطلح «البديع» أطلقه الرواة على المستطرف الجديد من الفنون الشعريّة وعلى بعض الصور البيانيّة التي يأتي بها الشعراء في أشعارهم فتزيدها حسنا وجمالا، إذ قال معلّقا على بيت الأشهب بن رميلة (من الطويل):
هم ساعد الدهر الذي يتّقى به ... وما خير كفّ لا تنوء بساعد (1)
«قوله: «هم ساعد الدهر» إنما هو مثل، وهذا الذي تسمّيه الرواة «البديع»» (2)
ومن هنا كانت بداية المعنى الاصطلاحيّ ل «البديع».
أمّا البديع، في الاصطلاح، فهو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام المطابق لمقتضى الحال المعلومة كيفيّة طرقه في الدلالة وضوحا وخفاء (3). وقال ابن خلدون: «هو النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق، إمّا بسجع يفصله، أو تجنيس يشابه بين ألفاظه، أو ترصيع يقطع أوزانه، أو تورية عن المعنى المقصود بإيهام معنى أخفى منه، لاشتراك اللفظ بينهما، أو طباق بالتقابل بين الأضداد، وأمثال ذلك» (4).
ويتّضح من هذا المعنى أن «العلم بوجوه تحسين الكلام» لا يسمّى بديعا إلّا بشرطين: أن يكون ذلك الكلام مطابقا لمقتضى الحال، وأن تكون كيفيّات طرق دلالته معلومة الوضوح والخفاء، فالشرط الأوّل هم علم المعاني، والشرط الثاني هو علم البيان، فلو عدم أحد هذين الشرطين من الكلام لم يكن العلم بوجوه تحسين ذلك الكلام بديعا، ولكان البديع كتعليق الدرّ على أعناق الخنازير (5). وبهذا يعني أنّ نسبة علم البديع إلى علمي المعاني والبيان كنسبة المركّب إلى مفرداته، وليس كنسبة التابع إلى المتبوع، والعرض إلى الجوهر، فكما أنّ المركب لا يستقيم وجوده إلّا بوجود مفرداته كذلك البديع لا يستقيم إلّا بوجود المعاني والبيان، ثمّ إنّ أهمّ هذه الفنون الثلاثة هو علم المعاني وأخصّها علم البديع، لأنّه متركّب من الفنّين الآخرين وزيادة وعلم البيان متوسّط بينهما، فهو مشتمل على المعاني مندرج تحت البديع،
__________
(1) البيان والتبيين 4/ 55.
(2) البيان والتبيين 4/ 55.
(3) نظم الدر والعقيان ص 51والإيضاح ص 287.
(4) مقدمة ابن خلدون ص 342.
(5) نظم الدر والعقيان ص 52وكشف الظنون 1/ 232.(1/107)
فكلّ بديع مستلزم للمعاني والبيان لأنّهما جزآه، وكل بيان مستلزم للمعاني لأنها جزؤه، وليست المعاني مستلزمة للبيان ولا للبديع إذ توجد بدونهما، وذلك في كلام طابق مقتضى الحال، ولم تعلم كيفية طرق دلالته ولا وجوه تحسينه، ولا البيان مستلزم للبديع إذ يوجد بدونه في كلام طابق مقتضى الحال وعلمت كيفية طرق دلالته ولم تعلم وجوه تحسينه، وهذا يعني أن المعاني والبيان بالنسبة إلى البديع كالحيوان والنطق بالنسبة إلى الإنسان، إذ لا بديع بدونهما كما لا إنسان بدون حياة ونطق.
والمعاني بالنسبة إلى البيان كالحيوان بالنسبة إلى النطق، فتوجد المعاني بلا بيان كما يوجد الحيوان بلا نطق ولا يوجد البيان بلا معان كما لا يوجد النطق بدون الإنسان (1)، الذي هو البديع. فالبديع إذا، ليس مجرد حلية، وإنما هو مرتبط بالمعنى، وفصل البيان عن البديع نوع من الافتعال.
يتّضح ممّا سبق أنّ البلاغة لا تحصل إلّا لمن استكمل العلوم الثلاثة: المعاني وهو علم يحترز به من الخطأ في خواصّ التركيب المعنويّ، والبيان وهو علم يبحث في طرق دلالة المعاني ويحترز به عن تعقيدها، والبديع وهو علم يبحث في وجوه تحسينها (2). وهذا يعني أنّ علم البديع، كعلمي المعاني والبيان، يعرف به التحسين الذاتيّ (المعنى)، بالقدر الذي يعرف به التحسين العرضيّ (اللفظ).
بالإضافة إلى ذلك فإن علم البديع يهدف إلى إظهار رونق الكلام حتى يلج الأذن بغير إذن، ويتعلّق بالقلب من غير كدّ، بل هو علم يهدف إلى اكتشاف عناصر الجمال الأدبيّ في الكلام الأدبي الرفيع، شعرا ونثرا، وسبر أعماق الإبداع وتحديد معالمه وتربية القدرة على الإحساس به، إلّا أنّ الباقلّانيّ يرى أن لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه، وإن كانت نظرته إلى البديع شاملة، وذلك لأنّ هذا الفنّ ليس فيه ممّا يخرق العادة ويخرج عن العرف بل يمكن استدراكه بالتعلّم والتدرّب (3). ومهما يكن، فالبديع يبقى وجها من وجوه الإعجاز، أو على أقلّ تقدير فهو باب من أبواب البراعة، وجنس من أجناس البلاغة.
__________
(1) نظم الدر والعقيان ص 5352.
(2) نظم الدر والعقيان ص 54.
(3) إعجاز القرآن ص 159، 162.(1/108)
2 - موقف النقّاد من البديع:
وقف النّقّاد من البديع وأهله موقفين متباينين: موقف علماء انداح زمنهم من القرن الخامس الهجريّ إلى القرن الرابع عشر، أحبّوا البديع وألوانه، ولا سيّما ما احتوى صورة مبتكرة، ونمّ عن رشاقة، وتوشّح بأسلوب عذب رفيع، فإنه كان يخلب ألبابهم ويسلب عقولهم، سواء جاء بصورة جناس أو تورية أو غير ذلك، فالفنون البديعية جميعها عندهم سواء طالما كانت تملك مسحة من الجمال، أمّا إذا وجدوا فيها شيئا من التكلّف فكانوا لا يعبأون بها.
أمّا الموقف الثاني فهو موقف معظم النقّاد المعاصرين، فقد وقفوا موقفا متشنّجا من البديع وأهله وعصره وأدبه شعره ونثره، إذ إنهم رفضوا كلّ ما جاء به العصران المملوكيّ والعثماني وأواخر العصر العباسيّ قبلهما، دون أن يفرّقوا بين الفنون البديعية، وبين الشعراء، وبين الإنتاج الأدبيّ، وبين من نجح في ذلك ومن أخفق، وبين ما جاء عفوا وما جاء متكلّفا (1)، ذلك لأنّ كثرة الإفراط في البديع في تلك الفترة خلقت في صفوف هؤلاء ضجّة كبيرة وفي نفوسهم اشمئزازا عظيما، حتى غدت كثرة الإفراط في البديع مشكلة مطروحة على طاولة النقد منذ عهد ابن المعتز، إذ كثر الإفراط فيه على يد بشّار ومسلم بن الوليد وأبي نواس ومن سلك مسلكهم ولعلّ ابن المعتز هو أوّل من نبّه إلى هذه المشكلة بانتقاده لأبي تمام إذ قال: «ثمّ إن حبيب ابن أوس الطائيّ من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرّع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف» (2). ويرى ابن المعتزّ أن لا مانع من أن يقول الشاعر في قصيدته البيت والبيتين من هذا الفنّ، وكان يستحسن ذلك منه إذا أتى نادرا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل (3). ثمّ صار أبو تمام حديث الناس، ورماه النقاد بإفساد الشعر، فقال الآمدي: «إنّ أوّل من أفسد الشعر مسلم بن الوليد، وإن أبا تمام تبعه فسلك في البديع مذهبه فتحيّر فيه»، وقيل عن شعره بأن ثلثه كان إغراقا في طول طلب الطباق والتجنيس والاستعارات، وإسرافا في التماس هذه الأبواب وتوشيح شعره بها حتى صار كثيرا ممّا أتى به من المعاني لا
__________
(1) انظر البلاغة العربية في ثوبها الجديد ص 6.
(2) كتاب البديع ص 1ونظم الدر والعقيان ص 5655.
(3) كتاب البديع ص 1ونظم الدر والعقيان ص 56.(1/109)
يعرف ولا يعلم غرضه فيها إلّا بعد الكدّ والفكر وطول التأمّل (1). ثمّ وقف القاضي علي بن عبد العزيز الجرجانيّ (2) وعبد القاهر الجرجانيّ (3) موقفا سلبيّا من إفراط أبي تمام في بديعه، وتبعهما ابن رشيق في ذلك (4). ويرى التّنسيّ أن الجناس، وإن اعتبره أشرف أنواع البديع، كثيرا ما يصاحبه التكلّف، ولذلك تجنّبه الفحول من متقدّمي الشعراء (5). ويتّفق في هذا الذوق الأدبيّ بعض المغاربة والمشارقة على السواء، فهم يحذّرون من الإفراط في البديع، إلّا أنّ ابن أبي الأصبع المصريّ يرى أنّ كثرة البديع لا تشين الكلام إذا استعمل قلّة أو كثرة، فقد أورد في كتابه «بديع القرآن» آية عدد ألفاظها سبع عشرة، واستخرج منها واحدا وعشرين ضربا من البديع، وهي قوله تعالى: {وَقِيلَ يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمََاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظََّالِمِينَ} (44) (6)، ويعقب على ذلك بأنّ في كل لفظة بديعا وبديعين (7)، معتبرا أن البديع يشمل علوم البلاغة كلّها من معان وبديع وبيان.
وليس ابن أبي الأصبع هو وحده الذي استخرج هذه الكثرة من ضروب البديع دليلا على أن الكثرة أو القلّة ليست سببا في الحسن أو القبح، وإنما التكلّف هو الذي يهوي بمنزلة البديع العالية، فهذا النويريّ يرى أنّ الإبداع هو «أن يؤتى في البيت الواحد من الشعر أو القرينة الواحدة من النثر بعدّة ضروب من البديع بحسب عدد كلماته أو جمله، وربّما كان في الكلمة الواحدة المفردة ضربان من البديع، ومتى لم تكن كل كلمة بهذه المثابة، فليس بإبداع» (8).
وهذا الباقلانيّ في مقارنته بين البحتري وأبي تمام يرى أن الأوّل قد أحسن في إفراطه، والثاني كان إفراطه قبيحا (9).
إذا، فالتكلّف أو الكثرة المتكلّفة التي يلجأ إليها صاحبها ليظهر مدى قدرته على رصف المحسّنات دون فائدة، هي التي تفسد البديع، كما تفسد البيان والمعاني
__________
(1) الموازنة 1/ 135ونظم الدرّ والعقيان ص 56.
(2) الوساطة ص 19.
(3) أسرار البلاغة ص 11.
(4) العمدة 1/ 228227.
(5) نظم الدر والعقيان ص 56، 195.
(6) هود: 44.
(7) بديع القرآن ص 342340.
(8) نهاية الأرب 7/ 175.
(9) إعجاز القرآن ص 162.(1/110)
والأدب كلّه، إذ لا يمكن لألفاظ ميتة أن تحيي معنى أو فكرة. ثم إنّ كثرة البديع كانت هي المجال الأكبر لمدرسة التجديد، أو مدرسة البديع، فنشأت الخصومات، وكان النقّاد ما بين مفتون به وساخط عليه. قال القاضي الجرجاني: «إنّ جلّ الأدباء والنقّاد رأوا في الافتنان في الحلية اللفظية المجال الأكبر للتجديد، إيمانا منهم بأنّ الأولين استغرقوا المعاني أو أتوا على معظمها، ولم يتركوا إلّا ما استهين به أو صعب الوصول إليه، فلم يبق أمام المحدثين شيء يولعون به إلّا البديع والحلية اللفظية، فكان الإبداع والإغراب منحصرا في هذا الميدان، وتبعهم النقاد ما بين مفتون به وساخط عليه» (1).
وإذا كان البديع عند النقاد القدامى قد ظفر بحفاوة بالغة فاعتبر دليلا على كمال البراعة وإتقان الصناعة حتى عدّة قوم من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، فقد اختلفت الرؤية عند النقاد والدراسين المعاصرين، لأن الشعر لم يعد يكتب لينشد على الخلفاء في القصور أو الجماهير في الأسواق، وإنما يكتب ليقرأ، فنأخذ منه حصيلة فكريّة أو صورة اجتماعية، أو شحنة انفعالية ممّا لا يحتاج إلى تزويق أو تجميل، فقد غدا البديع صورة ترى، لا نغما يسمع، لذلك نظر النقّاد المعاصرون إلى البديع نظرة استخفاف وازدراء بخلاف نظرتهم إلى علمي المعاني والبيان، وغدا البديع برأيهم محسنات لفظية عقيمة، حوّلت مجرى الأدب العربيّ كله إلى زخارف لفظيّة خاوية من كل معنى عميق، أو إحساس صادق (2).
3 - البديع وجمال اللفظ والمعنى:
إن اللغة العربية بقسميها الشعر والنثر، عندما تصاغ بأسلوب أدبيّ، تتميز بالجمال والكمال، وتمثّل قمّة الإبداع، لما تملكه من غنى عظيم في مفرداتها، وإتقان محكم في تراكيبها، وزخرف أخّاذ في أساليبها وأشكالها، وجمال موسيقيّ في لفظها وجرسها. وما يؤكد جمالها ويشهد بموسيقيّتها ذاك السجع في نثرها، وتيك القافية في شعرها، وتلك الفواصل في قرآنها كلّ ذلك ينبئ عن التماثل بين كلماتها والمشاكلة بين ألفاظها والانسجام بين عباراتها. ولعلّ أبرز ما يميّز جمال اللغة العربية وموسيقيّتها ما فيها من ألوان بديعية معنوية ولفظيّة، تظهر من خلال
__________
(1) الوساطة ص 208.
(2) انظر فن البديع ص 2928.(1/111)
الكلمة ومثيلتها، أو الكلمة وضدّها، إذ تلحظ الأضداد في الطباق والمقابلة كما تلحظ المماثلة في الجناس والمشاكلة في سياق سلس لا تنافر فيه ولا اضطراب وهذا ما دفع العرب إلى الزهو والمباهاة بلغتهم في مواجهة الشعوبية، فرصدوا ألفاظهم وجمعوا أشعارهم، وقصروا الجمال في اللفظ والمعنى على كلامهم دون غيرهم، فهذا الجاحظ يقول: «والبديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة وأربت على كلّ لسان» (1).
وهذا ما يفسّر معنى الجمال ب «البديع» فقد كان العربيّ يتذوّق جمال الألفاظ في لغته وتراكيبها، ويفتنّ بجمالها وسحرها، فكلّما حسن الكلام عنده وعذب، التصق بالأسماع واتصل بالقلوب، ولا سيّما إذا ترجم المعنى الشريف بلفظ شريف، وعبر عنه بكلام سلس رشيق. ولهذا راح العربي يدقّق في اختيار ألفاظه ويتأنّق في تركيب عبارته، ويخلع عليها من الحسن ما يرفع من شأنها ويعلي من قدرها، فنراه يردّد النظر في الكلام بعد أن يفرغ منه، ويشرع في تهذيبه وتنقيحه، نظما كان أو نثرا، وذلك في سبيل الوصول إلى أدب جميل لفظا ومعنى وهذا ما كان يفعله زهير بن أبي سلمى في العصر الجاهلي، والفرزدق في العصر الأمويّ، ليكون الكلام آخذا بعضه بأعناق بعض متلاحما سليما مستحسنا متّسقا. فالبديع إذا، ليس ترفا في الأسلوب الأدبيّ أو حلية بمثابة الفضول يستغنى عنها، حتى يكون تابعا لعلمي البيان والمعاني، بل هو في مقدّمتهما يقوم بدوره في أداء المعنى وتحسينه من خلال اللفظ الحسن، فيقف جنبا إلى جنب مع الصور البيانيّة والمعاني وهذا ما جعل البعض يطلق عليه وعلى أنواعه اسم المحسّنات، مقسّما بعضها إلى محسّنات معنويّة وبعضها الآخر إلى محسّنات لفظيّة.
وفي القرآن الكريم كثير من أنواع البديع: كالجناس، والطباق، والمقابلة، والطيّ والنشر، والعكس والتبديل، وغيرها من الأنواع البديعية التي لم تكن فضولا من القول، ولم تأت لمجرد الزينة، وإنّما دعاها المعنى دون غيرها من الألفاظ ليكون له جلاء وبيان وفضل وتأثير. ولهذا كان للبديع دور كبير في تجميل المعنى بالقدر الذي يكون به اللفظ جميلا مستحسنا.
__________
(1) البيان والتبيين 4/ 56.(1/112)
وما يؤكّد اتصال جمال المعنى بالبديع قول عبد القاهر الجرجانيّ، وهو يتّجه ببصره إلى المعنى أثناء تناوله التجنيس: فالقبيح من الجناس هو الذي لم يزدك على أن أسمعك حروفا مكررة، تروم لها فائدة فلا تجدها إلّا مجهولة منكرة، والحسن منه هو الذي يعيد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنّه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها، وبهذا المعيار يعدّ التجنيس من حلى الشعر ومذكورا في أقسام البديع، ففضل التجنيس مرهون بنصرة المعنى، إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه مستحسن ولما وجد فيه إلّا معيب مستهجن (1).
فالحسن والقبح في البديع ليس مردّه إلى اللفظ عند عبد القاهر، إذ إنّ الألفاظ ليس لها نصيب من الحسن، وإنّما العبرة بالمعنى الذي لا ينشأ إلّا عن النظم أو الأسلوب، فلذلك يميّز بين تجنيس قبيح وتجنيس حسن. وكما ينكر عبد القاهر التكلّف في البديع والولع به، فإنّه ينكر أن يتطلبه المعنى ثم نغفل عن ذكره، لأن المعنى هو الذي يقود إليه ويستشرف له، فإهماله في هذه الحالة شبيه بتكلّفه حين لا يدعو إليه المعنى، وإذا توافرت المحسّنات البديعية مع حسن النظم، يكون قد وقع الحسن من الجهتين، ووجبت له المزيّة بكلا الأمرين. وتراه يقول: «وعلى الجملة، فإنك لا تجد تجنيسا مقبولا، ولا سجعا حسنا، حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه، وحتى تجده لا تبتغي به بدلا، ولا تجد عنه حولا (2).
فالبديع عند عبد القاهر إذا، لا يستقلّ باللفظ دون المعنى، وإنّما يذوب داخل النظم أو الأسلوب ليضيف إلى جماله جمالا، فيعمل عمل السحر في الكلام. فعلم البديع إذا، هو العلم الذي تعرف به المحسّنات الجمالية المعنويّة واللفظيّة، التي لم تلحق بعلم المعاني ولا بعلم البيان. والمحسّنات الجمالية المعنوية منه: هي ما يشتمل عليه الكلام من زينة جمالية قد يكون بها أحيانا تحسين وتزيين في اللفظ أيضا، والمحسّنات الجمالية اللفظية منه: هي ما يشتمل عليه الكلام من زينة جمالية لفظية، قد يكون بها تحسين وتزيين في المعنى.
4 - البديع بين الأدب والفنّ:
لا شكّ أن الصلة متينة بين البلاغة بأقسامها الثلاثة: المعاني والبيان والبديع،
__________
(1) أسرار البلاغة ص 54.
(2) أسرار البلاغة ص 7.(1/113)
من جهة، وبين الأدب من جهة أخرى، إذ هي تستمدّ كامل شواهدها منه، وصلتها به كصلة الأدب بالتاريخ الذي يسجّل طرق الحياة الأدبية، إذ إنّ الأدب هو مسرح لعناصر البلاغة، لا يمكنها أن تظهر إلّا من خلاله. ومن الجدير بالذكر أن البديع كأثر فنّي موجود في الأدب العربي منذ عرف للعرب أدب، ففي شعر الجاهليين وخطابتهم وأمثالهم وحكمهم ووصاياهم نماذج من فنون البديع مبثوثة في سطور آدابه، إلّا أنّ هذه الألوان من البديع كانت تقع للشاعر أو الخطيب في أثناء نظمه للشعر أو تحبيره للخطبة عفوا دون قصد أو تقعّر، ولم يكن للبديع عنده عناية كبيرة أو صغيرة في تدبيج كلامه أو تنقيحه أما في القرآن الكريم فقد كان الهدف مخاطبة عقول الأمة والتأثير في وعيها، فإن جاءت الصورة البديعية في ثناياه زادته خيرا على خير، وإن لم تأت لم تنقص من بلاغته شيئا، ولكن إذا اتّجهنا ببصرنا نحو أدب القرن الثالث الهجريّ وجدنا العناية بالبديع تصبح مقصودة لذاتها، وغدا الشاعر يقتنصها ويعنى بها أكثر من عنايته بالمعنى نفسه، ولهذا أخذ الأديب يتجه اتجاها لفظيّا أكثر من أن يتّجه اتّجاها معنويّا كما هو المقصود من رسالة الأدب، فتحوّل الأدب بذلك إلى فنّ يجمع فنون البديع بدلا من أن يكون البديع وسيلة غايته الأدب، وخير مثال على ذلك تلك القصائد المسمّاة ب «البديعيات» والتي تدور في موضوعها الأساسي حول مديح الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، فقد تحوّلت في موضوعها هذا من المديح إلى فنّ استعراضيّ يشمل أنواع البديع ما حسن منه وما قبح، اللفظيّ والمعنويّ، متّخذة من المديح النبويّ مطيّة ووسيلة إلى غاية لم تكن في الأصل مقصودة بذاتها.
ويتضح مما سبق أن البديع كأثر فنّيّ كان موجودا منذ وجد الأدب، ولكن وجوده كعلم للبديع فيه التعريفات والحدود والتقسيمات والتفريعات تأخّر إلى ما بعد صدر الإسلام بقرون. وقد تنبّه الشعراء بصفة خاصّة إلى الأثر الذي يتركه هذا البديع فأولعوا به واستخدموه في أشعارهم باعتباره وسيلة للوصول إلى هذه الغاية، فقد استعمله بشار بن برد، ومسلم ابن الوليد، وابن الروميّ، والبحتريّ، حتى أصبح غاية في ذاته على يد أبي تمام. ومن هنا راح الشعراء يتفنّنون في صبغ أشعارهم بالصبغة البديعية، كما تفنّن الكتّاب في توشية عباراتهم بالزينة اللفظية، فكانت غايتهم أن يقولوا كلاما حسنا بديعا في أسلوب شائق جميل، يأتي عفوا بلا تكلّف، فاجتمعت لديهم صور بيانية من تشبيه واستعارة وكناية، إلى جانب محسّنات بديعيّة من جناس
وطباق ومقابلة، بعضها يؤازر بعضا، فأطلق عليهم النقاد شعراء البديع، كما أطلقوا على أداتهم في التعبير اسم «البديع»، وأصبحت السمة المميّزة لعصر التجديد الذي استهلّه بشار، ومسلم ابن الوليد، وأبو نواس، ثم أبو تمام، هي البديع، فتغيّر بذلك وجه الشعر تغيّرا كاملا، وغدا البديع من مميزات الشعر وحسناته وليس من سيّئاته، ولا سيّما عند أصحاب مدرسة التجديد برئاسة أبي تمام، إذ كانت هذه المدرسة صاحبة مذهب في الشعر، فأفرطت في توشيته بالزخارف اللفظيّة والمحسنات البديعيّة، فخرجت عن مدرسة عمود الشعر التي يمثّلها البحتري، وأدّت إلى ظهور علم جديد هو علم البديع، وبهذا غدا الشعر عند العرب فنّا أو صناعة لها قوانينها التي تتحكّم في الشكل والإطار الخارجيّ، لذلك كان اهتمام العرب بالجمال الشكليّ لا يقلّ عن اهتمامهم بالمضمون، فتحوّل مجرى الأدب العربيّ في عهد التجديد إلى زخارف لفظية خالية من كلّ معنى عميق أو إحساس صادق إلّا أنّ الشكل لم يكن دائما قليل الجدوى، فهو من خصائص الشعر، إذ إنّ الذي يميّز الفنّ عن غيره هو الشكل، فلو انهار الشكل، لم يعد الفنّ فنّا، فالمحسّنات البديعية إذا، لا تكون في يد الأديب الماهر مجرّد ألفاظ خاوية عقيمة من كل معنى، وإنّما تتحوّل على يديه إلى شيء ذي قيمة عظيمة إذا أحسن استخدامها، وأتى بها لتؤدّي دورا في إفادة المعنى، فيزداد الأدب بها شرفا وفضيلة. ولعلّ النقاد في عصرنا الحديث قد زهدوا في البديع وهاجموا أصحابه لما انتهى إليه حال الشعر العربي قبل حركة البعث الحديثة على يد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما ممن أنقذ الشعر العربي من تلك الهوّة السحيقة التي تردّى فيها منذ أواخر العصر العباسيّ إلى حركة البعث الحديثة (1).(1/114)
ويتضح مما سبق أن البديع كأثر فنّيّ كان موجودا منذ وجد الأدب، ولكن وجوده كعلم للبديع فيه التعريفات والحدود والتقسيمات والتفريعات تأخّر إلى ما بعد صدر الإسلام بقرون. وقد تنبّه الشعراء بصفة خاصّة إلى الأثر الذي يتركه هذا البديع فأولعوا به واستخدموه في أشعارهم باعتباره وسيلة للوصول إلى هذه الغاية، فقد استعمله بشار بن برد، ومسلم ابن الوليد، وابن الروميّ، والبحتريّ، حتى أصبح غاية في ذاته على يد أبي تمام. ومن هنا راح الشعراء يتفنّنون في صبغ أشعارهم بالصبغة البديعية، كما تفنّن الكتّاب في توشية عباراتهم بالزينة اللفظية، فكانت غايتهم أن يقولوا كلاما حسنا بديعا في أسلوب شائق جميل، يأتي عفوا بلا تكلّف، فاجتمعت لديهم صور بيانية من تشبيه واستعارة وكناية، إلى جانب محسّنات بديعيّة من جناس
وطباق ومقابلة، بعضها يؤازر بعضا، فأطلق عليهم النقاد شعراء البديع، كما أطلقوا على أداتهم في التعبير اسم «البديع»، وأصبحت السمة المميّزة لعصر التجديد الذي استهلّه بشار، ومسلم ابن الوليد، وأبو نواس، ثم أبو تمام، هي البديع، فتغيّر بذلك وجه الشعر تغيّرا كاملا، وغدا البديع من مميزات الشعر وحسناته وليس من سيّئاته، ولا سيّما عند أصحاب مدرسة التجديد برئاسة أبي تمام، إذ كانت هذه المدرسة صاحبة مذهب في الشعر، فأفرطت في توشيته بالزخارف اللفظيّة والمحسنات البديعيّة، فخرجت عن مدرسة عمود الشعر التي يمثّلها البحتري، وأدّت إلى ظهور علم جديد هو علم البديع، وبهذا غدا الشعر عند العرب فنّا أو صناعة لها قوانينها التي تتحكّم في الشكل والإطار الخارجيّ، لذلك كان اهتمام العرب بالجمال الشكليّ لا يقلّ عن اهتمامهم بالمضمون، فتحوّل مجرى الأدب العربيّ في عهد التجديد إلى زخارف لفظية خالية من كلّ معنى عميق أو إحساس صادق إلّا أنّ الشكل لم يكن دائما قليل الجدوى، فهو من خصائص الشعر، إذ إنّ الذي يميّز الفنّ عن غيره هو الشكل، فلو انهار الشكل، لم يعد الفنّ فنّا، فالمحسّنات البديعية إذا، لا تكون في يد الأديب الماهر مجرّد ألفاظ خاوية عقيمة من كل معنى، وإنّما تتحوّل على يديه إلى شيء ذي قيمة عظيمة إذا أحسن استخدامها، وأتى بها لتؤدّي دورا في إفادة المعنى، فيزداد الأدب بها شرفا وفضيلة. ولعلّ النقاد في عصرنا الحديث قد زهدوا في البديع وهاجموا أصحابه لما انتهى إليه حال الشعر العربي قبل حركة البعث الحديثة على يد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما ممن أنقذ الشعر العربي من تلك الهوّة السحيقة التي تردّى فيها منذ أواخر العصر العباسيّ إلى حركة البعث الحديثة (1).
كما أنّ خروج البديع في تلك الفترة عن دائرته المرسومه له، وغلبة التكلّف عليه، أحاله إلى صنعة عقيمة لا يؤدّي دورا في المجال الأدبيّ بصفة عامة، والفنّ الشعريّ بصفة خاصّة، بل أصاب الأدب العربي بتدهور لعدة قرون، فدمّر الذوق الأدبيّ، وغدا، من حيث لا يدري أصحابه، إلى عامل من عوامل القبح بعد أن كان من عوامل الجمال.
ومهما يكن، فإن البديع هو «أحد علوم الأدب الستّة، وذلك أنّك إذا نظرت في
__________
(1) فن البديع ص 31.(1/115)
الكلام العربي إمّا أن تبحث عن المعنى الذي وضع له اللفظ وهو علم اللغة، وإمّا أن تبحث عن ذات اللفظ بحسب ما يعتريه من الحذف والقلب والبدل وغير ذلك وهو علم التصريف، وإمّا أن تبحث عن المعنى الذي يفهم من الكلام المركّب بحسب اختلاف أواخر الكلم وهو علم العربية، وإمّا أن تبحث عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال بحسب الوضع اللغويّ وهو علم المعاني، وإمّا أن تبحث عن طرق دلالة الكلام إيضاحا وخفاء بحسب الدلالة العقلية وهو علم البيان، وإمّا أن تبحث عن وجوه تحسين الكلام وهو علم البديع» (1).
5 - أقسام علم البديع:
قال محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسيّ: «اعلم أن الطّيبيّ وغيره نصّوا على أن أنواع البديع تتعلّق ببابين: باب الفصاحة وباب البلاغة. فما كان منها متعلّقا بالمعنى أو بالمعنى واللفظ معا فهو من باب البلاغة. وما كان منها متعلّقا باللفظ فهو من باب الفصاحة. فهي ثلاثة أقسام: قسم يتعلّق بالمعنى فقط كالتورية وتجاهل العارف وما جرى مجراهما ممّا لا تعلّق له باللفظ. وقسم يتعلّق باللفظ فقط كالتجنيس وردّ العجز على الصدر ونحوهما ممّا لا تعلّق له بالمعنى. وقسم يتعلّق باللفظ والمعنى كالمطابقة والمقابلة وما أشبههما ممّا لكلّ واحد من اللفظ والمعنى فيه حظّ. وأسقط صاحب الإيضاح هذا القسم وجعل البديع قسمين: قسم يتعلّق باللفظ وقسم يتعلّق بالمعنى وهو الأبين» (2).
وقيل: إنّ أوّل من قسّم المحسّنات البديعيّة إلى ثلاثة أنواع هو بدر الدين بن مالك الطائيّ، وهي عنده:
نوع راجع إلى الفصاحة اللفظية، وهو أربعة وعشرون فنّا منها: الترديد والتعطيف وردّ العجز على الصدر والتشطير والترصيع
نوع راجع إلى الفصاحة ويختص بإفهام المعنى وتبيينه، وهو تسعة عشر فنّا منها: حسن البيان والإيضاح والمذهب الكلاميّ والتبيين والتتميم والتقسيم
__________
(1) نظم الدرّ والعقيان ص 55وخزانة الأدب ص 1/ 314.
(2) نظم الدر والعقيان ص 5554.(1/116)
نوع راجع إلى الفصاحة المختصة بتحسين الكلام وتزيينه ومن فنونه: اللفّ والنشر، والتفريق والجمع والتورية وحسن الابتداء وحسن الخاتمة (1)
إلّا أنّ السكاكيّ كان أوّل من قسّم هذه المحسّنات البديعية إلى قسمين إذ قال:
«وإذ تقرّر أنّ البلاغة بمرجعيها، وأن الفصاحة بنوعيها، ممّا يكسو الكلام حلّة التزيين، ويرقّيه أعلى درجات التحسين، فها هنا وجوه مخصوصة كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام، فلا علينا أن نشير إلى الأعرف منها، وهي قسمان: قسم يرجع إلى المعنى، وقسم يرجع إلى اللفظ» (2).
ثم درج البلاغيون بعد السكّاكيّ إلى تقسيم المحسنات البديعية إلى نوعين:
1 - المحسّنات المعنويّة: وهي ما تزيد المعنى حسنا، إمّا بزيادة تنبيه على أمر، أو بزيادة التناسب بين أجزاء الكلام، فبعض هذه المحسنات المعنويّة، لا تخلو من تحسين اللفظ، بل هي التي يكون التحسين فيها راجعا إلى المعنى أوّلا وبالذات، ويتبعه تحسين اللفظ ثانيا وبالعرض. ويعرف هذا النوع من الآخر بأنّه لو غيّر اللفظ بما يرادفه لبقي المحسّن كما كان قبل التغيير، كما في الطباق.
2 - المحسّنات اللفظيّة: وهي ما تزيد الألفاظ حسنا، وإن كانت لا تخلو من تحسين المعنى، بل هي التي يكون التحسين فيها راجعا إلى اللفظ أوّلا وبالذات، ويتبعه تحسين المعنى ثانيا وبالعرض. وما يميّز هذا النوع عن الأوّل أنّه لو غيّر أحد اللفظين بما يرادفه لزال ذلك المحسّن، كما في الجناس.
وهذا التقسيم لتلك المحسّنات البديعيّة إلى لفظية ومعنوية إنّما هو تقسيم مفتعل لم يحالفه التوفيق، وذلك كمن يفصل الجسم عن الروح، أو الروح عن الجسم، إذ إن جمال الألفاظ لا يكون إلّا بتعلّقها بالمعاني، وحسن المعاني لا وجود له دون تركيب لفظيّ، فلا بدّ إذا من نظرة تكامليّة فنيّة إلى الكلام، إذ إنّ الجمال الحقيقيّ له لا يكون إلّا من قبل اللفظ والمعنى معا، وهذا ما أكّده عبد القاهر الجرجانيّ في نظرته إلى العلاقة بين اللفظ والمعنى فما دام المعنى حسنا تبعه لفظ حسن يؤدّيه، وما دام اللفظ حسنا فلا يعبّر به إلّا عن معنى حسن، فالحسن المعنويّ واللفظيّ
__________
(1) المصباح ص 75.
(2) مفتاح العلوم ص 200ونظم الدرّ والعقيان ص 31.(1/117)
مشترك بين المحسّنات المعنويّة واللفظيّة، بغضّ النظر عمّا إذا كان في أحدهما قدر أكبر من الآخر. ثمّ إن التكلّف في تقسيم المحسّنات إلى لفظية ومعنويّة يلغيه الاضطراب الذي وقع فيه علماء البلاغة في تقسيم الكلام إلى بيان وبديع، فوضعوا الحدود للفرق بينهما دون أن يلتزموا بها عند التطبيق، وهذا الاضطراب مردّه إلى تداخل البيان الذي يختصّ بالمعنى بالبديع الذي يختص باللفظ، وهذا يؤكّد أن البلاغة لا تحصل إلّا لمن استكمل العلوم الثلاثة، كما أنّه ليس بمقدور أحد أن يفصل بين المعاني والألفاظ، وهذا ما دفع البعض إلى وضع الاستعارة والمجاز والتدبيج والكناية وتجاهل العارف والتشبيه وما أشبه ذلك في باب البيان حينا وباب البديع حينا آخر.
6 - علم البديع والبلاغة:
كانت الألوان البديعية تأتي في الشعر القديم والنثر عفو الخاطر دون تكلّف أو إعمال للفكر، بل كانت ممّا يستدعيه المعنى استدعاء، تصدر عن الشعراء فطرة وسليقة، وقد زخرت النصوص القديمة والمخضرمة بتلك الصور دون أن يعرف أصحابها أسماءها أو أقسامها.
وجاء العصر العباسيّ بحضارة جديدة سواء على صعيد الحياة الماديّة أو العقلية والفكريّة، فأمدّت الشعر بالخيال الخصب، والفكر العميق، والمعنى الدقيق، ولوّنته بألوان بديعة من التشبيه والاستعارة، وصبغته بأصباغ زاهية من الثقافة والفلسفة، ومزجته بحكمة الهنود وأدب الفرس.
وقد تنبّه الشعراء العباسيّون منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجريّ إلى ما في شعر القدماء من طرائف «الصنعة» البديعيّة، فتناولوا البديع تارة مقتصدين كالبحتري وابن المعتز، وتارة تناولوه مفرطين كأبي تمام، وهذا ما جعل الجاحظ يضيف إلى معنى الجدّة والطرافة للبديع الاستعمال العلمي وذلك في روايته لقول الأشهب بن رميلة (من الطويل):
هم ساعد الدهر الذي يتّقى به ... وما خير كفّ لا تنوء بساعد
فقال: «قوله: «هم ساعد الدهر»، إنما هو مثل، وهذا الذي تسمّيه الرواة
«البديع» (1). ثم قال: «والبديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كلّ لسان، والراعي كثير البديع في شعره، وبشّار حسن البديع، والعتّابيّ يذهب في شعره في البديع مذهب بشّار» (2).(1/118)
هم ساعد الدهر الذي يتّقى به ... وما خير كفّ لا تنوء بساعد
فقال: «قوله: «هم ساعد الدهر»، إنما هو مثل، وهذا الذي تسمّيه الرواة
«البديع» (1). ثم قال: «والبديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كلّ لسان، والراعي كثير البديع في شعره، وبشّار حسن البديع، والعتّابيّ يذهب في شعره في البديع مذهب بشّار» (2).
وهذا يعني أن الجاحظ كان قد أطلق لفظ «البديع» على طريف الاستعارة في «ساعد الدهر»، ويروي ذلك عن الرواة، أي رواة الشعر، فالتسمية ليست له، بل هي لرواة الأدب، وظهرت أوّل ما ظهرت على لسان الشعراء. ويؤكد هذا ابن المعتز في كتابه «البديع»، إذ ذكر أن هذه التسمية من وضع الرواة والشعراء المولّدين، فقال في مقدّمة كتابه «البديع»: «قد قدّمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم وأشعار المتقدّمين من الكلام الذي سمّاه المحدثون «البديع» ليعلم أنّ بشّارا ومسلما وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم، لم يسبقوا إلى هذا الفنّ ولكنّه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمّي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه» (3).
وقد أطلق ابن المعتز هذا المصطلح «البديع» على الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، وردّ العجز على الصدر، والمذهب الكلاميّ وكان أوّل من جمعها تحت اسم «البديع» في كتابه المذكور، ولعلّ محاولته هذه هي أول محاولة علميّة جادّة في ميدان «علم البديع».
ومن هنا نرى أن الجاحظ وابن المعتز قد التقيا في إطلاق مصطلح «البديع» على فنون البلاغة المختلفة بأنواعها. ثم خطا خطوتهما قدامة بن جعفر الذي يرى أن ألوان البديع هي البلاغة، وفي ذروة الحسن منها (4) وأبو هلال العسكري (5)، وإن كان هذا الأخير قد أخذ عنده مدلول «البديع» في التخصّص، والابتعاد قليلا عن علوم البلاغة الأخرى إلّا أنّ مصطلح «البديع» ظلّ يتّسع في القرون الستّة الأولى للهجرة لكلّ أنواع علوم البلاغة بحسب وضعها الأخير: «المعاني والبيان والبديع» عند علماء البلاغة كابن سنان الخفاجي وعبد القاهر الجرجاني وغيرهما، إلى أن جاء السكاكي
__________
(1) البيان والتبيين 4/ 55.
(2) البيان والتبيين 4/ 5655.
(3) كتاب البديع ص 1.
(4) نقد الشعر ص 38.
(5) كتاب الصناعتين ص 267.(1/119)
فكان أوّل من فصل بين علم البيان وعلم المعاني، ثم أشار إلى أنّ هناك وجوها أو محسّنات، كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام، وهي قسمان:
قسم يرجع إلى المعنى وقسم يرجع إلى اللفظ (1). وهذا يعني أن «علم البديع» ما زال عنده مشتركا مع علمي المعاني والبيان.
ثم جاء بدر الدين بن مالك فسمّى هذه الوجوه التي ترجع إلى المعنى واللفظ «علم البديع» فكان أوّل من أطلق هذا المصطلح على هذه المحسّنات البديعية (2)، وقسّمها ثلاثة أقسام، كما رأينا سابقا.
إلّا أنّ أبا الفرج الأصبهانيّ ذكر أنّ الشاعر العباسيّ مسلم بن الوليد كان أوّل من أطلق هذا المصطلح، إذ قال: «وهو، فيما زعموا، أوّل من قال الشعر المعروف ب «البديع»، وهو لقّب هذا الجنس البديع واللطيف، وتبعه فيه جماعة، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائيّ، فإنّه جعل شعره كلّه مذهبا واحدا فيه (3).
ثمّ جاء الخطيب القزويني وفصل «البديع» فصلا تامّا عن البلاغة التي جعلها محصورة في المعاني والبيان، فأخذ معه «البديع» المعنى العلميّ الذي بقي سائدا إلى الآن وهو عنده ضربان:
ضرب يرجع إلى المعنى وضرب يرجع إلى اللفظ، إلّا أنّه جعله تابعا لعلمي المعاني والبيان، لا ينفصل عنهما (4).
ومهما يكن من أمر تبعية البديع لغيره من علوم البلاغة أو عدم تبعيته لها، فهو ما يزال متسنّما ذروة البلاغة حتى عدّه قوم أنه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم وما انفصال علوم البلاغة عن بعضها إلّا افتعال، بل إن ألوان البديع هي في الصميم من البلاغة، وقد سبق أن بيّنت أنّ البلاغة لا يمكن أن تحصل إلّا لمن استكمل العلوم البلاغية الثلاثة، ولقد كان الزمخشري على حقّ حين سمّى «البيان» و «البديع» ب «علم البيان» في كثير من كلامه مقتديا في ذلك بقول عبد القاهر الجرجاني الذي جعل «البيان» و «البديع» كلمتين مترادفتين (5).
__________
(1) مفتاح العلوم ص 200.
(2) المصباح ص 75.
(3) الأغاني 19/ 36.
(4) الإيضاح ص 287والتلخيص ص 347.
(5) بديع القرآن ص 2726.(1/120)
7 - نشأة علم البديع وتطوّره حتى زمن ابن حجّة الحموي:
سبق أن أشرت إلى أن البديع كأثر فنّي كان موجودا في الأدب العربي منذ وجد الأدب، إلّا أنه كان سليقة لدى الأدباء العرب، ولم يكونوا يعرفونه بهذا الاسم، وإنما كانوا يطبّقونه في شعرهم وخطابتهم وأمثالهم وحكمهم ووصاياهم منذ العصر الجاهليّ أيّام كانوا يجتمعون في الأسواق والأندية الأدبية كالمربد وعكاظ، فنجد في أدبهم نماذج مختلفة من فنون البديع مبثوثة في ثناياه بطريقة عفويّة، لا تقعّر فيها ولا تكلّف، وقد ينظم الشاعر منهم القصيدة في شهر وينقّحها ويهذّبها في أشهر دون أن يكون للبديع أيّة عناية في تدبيجها وتنقيحها، أو في نقدها وتصحيحها، فكان الشعراء يتناشدون أمام زهير والنابغة ليحكما على جودة شعرهم أو رداءته، من خلال روايتهما له بمنظار هذا العلم، وإن لم يكونا قد عرفاه بعد كعلم له حدوده ومصطلحاته الخاصّة به.
وإذا انتقلنا إلى القرآن الكريم مع مجيء الإسلام نجد نصوصه في ذروة البلاغة من حيث معناها: «إصابة المعنى والقصد إلى الحجّة»، و «حسن الإشارة وإيضاح الدلالة»، فخير الكلام «ما ظرفت معاليه، وشرفت مبانيه، والتذّت به آذان سامعيه» (1)، إذ إنّ الهدف من القرآن الكريم مخاطبة عقول الأمة والتأثير في وعيها، فإن جاءت الصورة البديعيّة في التعبير زادته خيرا على خير، وإن لم تأت فيه لم تنقص من بلاغته شيئا.
وإذا ولّينا وجوهنا شطر الأدب في بداية القرن الثالث الهجريّ وجدنا العناية بالبديع تكبر، وتصبح الألوان البديعية مقصودة لذاتها بدلا من أن تكون وسيلة، وغدا الأديب أو الشاعر يقتنصها أينما وجدها ويعنى بها أكثر من عنايته بالمعنى، فأخذ يتّجه اتّجاها لفظيّا أكثر من أن يتّجه اتجاها معنويّا، كما هو المقصود من رسالة الأدب عادة.
إلّا أنّ علم البلاغة، كغيره من العلوم التي نشأت بهدف بيان إعجاز القرآن الكريم وتيسير فهمه للعناصر غير العربية خاصة، أخذ يتطوّر ويتوضّح، حتى صار علما قائما بذاته، يعرف بعلم البلاغة التي تشمل اليوم العلوم الثلاثة: المعاني والبيان والبديع.
__________
(1) أدب المجالسة وحمد اللسان ص 67، 69، 70.(1/121)
ويبدو أنّ هذا العلم «البلاغة» كان أعسر العلوم، ولكنه كان ألصقها بفهم المعجز من كتاب الله العزيز، والمبدع من أدب العرب، وإذا تتبّعنا تطوّره وجدنا أنه بلغ أوجه، أو كاد، في قرون عدة قبل عصر ابن حجّة، واتّسع كثيرا وتفرّع منه علم بلغ ذروته في عصر ابن حجّة، وهو «علم البديع»، ولا سيّما عندما أسهم فيه نظّام البديعيّات وشرّاحها بالإضافة إلى المؤلّفين في البلاغة والعلوم المتّصلة بها.
ولا بدّ من أن نذكر أنّ علوم البلاغة هذه، قد مرّت قبل أن تتوضّح حدودها وتستقرّ مصطلحاتها، بمرحلة كان يطلق فيها على علم البلاغة اسم «علم البديع» الذي هو أحد أنواعها الثلاثة، إذ إنّه لم يعرف كعلم للبديع له تعريفاته وحدوده وتقسيماته وتفريعاته إلّا بعد صدر الإسلام بقرون. يقول الجاحظ في نشأة البديع وفي أوّل من افترعه في كتابه البيان والتبيين: «ومن الخطباء الشعراء ممّن كان يجمع الخطابة والشعر الجيّد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن: كلثوم بن عمرو العتّابيّ، وكنيته أبو عمرو، وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلّف مثل ذلك من شعراء المولّدين، كنحو منصور النّمريّ، ومسلم بن الوليد الأنصاريّ وأشباههما.
وكان العتّابيّ يحتذي حذو بشّار في البديع، ولم يكن في المولّدين أصوب بديعا من بشّار وابن هرمة» (1).
وفي قول الجاحظ ما يدلّ على أن «البديع» نشأ في الأدب العربي منذ اختلاط الفكر والجهود بين العرب والفرس، وذلك بدليل اختلاط الأسماء العربية (العتابيّ والنمري وابن هرمة) مع الأسماء الفارسيّة (بشّار وابن الوليد)، وهذا يبيّن أنّ البديع مذهب عباسيّ تضافرت فيه جهود مجموعات مختلفة من الشعراء العرب والفرس، وإن كان العباسيون يردّونه إلى مصادر عربية خالصة، كما ورد في قول الجاحظ:
«والبديع مقصور على العرب» (2).
إلّا أنّه جاء في العمدة: إنّ مسلم بن الوليد هو أوّل من تكلّف البديع من المولّدين وأخذ نفسه بالصنعة وأكثر منها، ولم يكن في الأشعار المحدثة قبله إلّا النبذ اليسيرة (3). وجاء في الأغاني أنّه أوّل من أطلق هذا المصطلح، ووضع مصطلحات
__________
(1) البيان والتبيين 1/ 51.
(2) البيان والتبيين 4/ 56.
(3) العمدة 1/ 229.(1/122)
أخرى لبعض الصور البيانية والمحسنات البديعية كالجناس والطباق (1). ثم جاء في المصدر نفسه: أنّ أوّل من فتق البديع من المحدثين هو بشّار بن برد، وابن هرمة وهو آخر من يستشهد بشعره من العرب. ثم اتبعهما مقتديا بهما كلثوم بن عمرو العتابيّ، ومنصور النمريّ، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس، ثم حبيب بن أوس الطائيّ، وأبو عبادة البحتري، وعبد الله بن المعتزّ، فانتهى علم البديع والصنعة إليه، وختم به، وقيل: إنّ بشّارا أبو المحدثين (2).
وشاع هذا اللون «البديع» في الأدب ولجّ المولّدون في اصطناعه وتباهوا بالسبق إليه ممّا حدا بالخليفة العبّاسيّ الشاعر ابن المعتزّ إلى أن يؤلّف «كتاب البديع» ليعلم أن بشّارا ومسلما وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفنّ، ولكن كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمّي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه، وليعرّف أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدّمين إلى شيء من أبواب البديع. ثم قال: «إنّ حبيب بن أوس الطائيّ من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرّع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض» (3).
يتّضح ممّا سبق أنّ أوّليّات «علم البديع» ظهرت في محاولة الشاعر العباسيّ مسلم ابن الوليد في إطلاقه هذا المصطلح على بعض الصور البيانية والمحسّنات البديعية، ثم جاء الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» ليطلق المصطلح نفسه على مختلف فنون البلاغة، وذلك ظاهر في تعليقه على بيت الأشهب بن رميلة حيث يسمّي الاستعارة بديعا، دون أن يحاول وضع مصطلحات وتعريفات لأنواع البديع، إذ إنّ اهتمامه عند الكلام عنها كان بتقديم الأمثلة والنماذج، لا بوضع القواعد إلّا أنّ أوّل من قام بوضع قواعد مستنبطة من الشعر ليكوّن منها علما مستقلّا قائما بذاته هو أحمد بن يحيى، ثعلب، وقد ألّف كتابا سمّاه «قواعد الشعر» جمع فيه أكثر الأنواع البديعيّة التي وجدها في زمانه، فتكلّم على التشبيه ولطافة المعنى (الكناية) والمطابقة،
كما أطلق لفظ «نعوت الشعر» على ما يسمّى اليوم بالجناس والتسهيم والإيغال
__________
(1) الأغاني 19/ 36وعلم البديع (عبد العزيز عتيق) ص 11.
(2) العمدة 1/ 229.
(3) كتاب البديع ص 1.(1/123)
والترصيع والإفراط في الصفة وائتلاف اللفظ مع المعنى.
ولعلّ أوّل محاولة علمية جادّة في مجال علم البديع تلك المحاولة التي قام بها ابن المعتزّ سنة 274هـ.، إذ كان السبّاق إلى جعل تلك الفنون تحت اسم «البديع» في كتاب خاصّ يحمل الاسم نفسه، فكان أوّل من فنّن منهج البلاغة ووسائل تحسين الأسلوب الأدبي، وأوّل من فتح الطريق أمام كثير من علماء البلاغة الذين استهوتهم هذه الصّنعة، فاستخرجوا أنواعا لا تحصى، وبذلك كان ابن المعتز واضع علم البديع، في أوّل كتاب يحمل معنى هذا العلم، وقد أشار إلى ذلك في كتابه بقوله:
«وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد» (1). وقد ضمّن ابن المعتزّ كتابه هذا الألوان البديعية التي سادت عصره، وهي ثمانية عشر نوعا، أطلق على الخمسة الأولى منها مصطلح «البديع»، وهي: الاستعارة، التجنيس، المطابقة، ردّ أعجاز الكلام على ما تقدّمها، والمذهب الكلاميّ وأطلق على الأنواع الأخرى مصطلح «محاسن الكلام والشعر»، وهي: الالتفات، الاعتراض، الرجوع، حسن الخروج، تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، تجاهل العارف، الهزل الذي يراد به الجدّ، حسن التضمين، التعريض والكناية، الإفراط في الصفة (2)، حسن التشبيه، إعنات الشاعر نفسه (3)، وحسن الابتداء، دون أن يبيّن سبب فصل أنواع البديع عن محاسن الكلام رغم أنّهما مصطلحان لموضوع واحد. هذا ولم يذكر ابن المعتز في كتابه من سبقه إلى بحث في قضايا البديع سوى الأصمعيّ الذي قال إنّ له بحثا في الجناس، والجاحظ الذي قال إنّه أوّل من سمّى «المذهب الكلاميّ». وهذا يعني أنّ معظم هذه الأنواع سبقه إليها من تقدّمه، أمّا الأنواع المبتكرة فهي: ردّ أعجاز الكلام على ما تقدّمها، تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، الهزل الذي يراد به الجدّ، تجاهل العارف، وإعنات الشاعر نفسه (لزوم ما لا يلزم).
ومن النقّاد الذين تلقّفوا محاولة ابن المعتزّ هذه معاصره الذي خلفه في أوائل القرن الرابع الهجريّ قدامة بن جعفر، إذ جمع من البديع أنواعا كثيرة بلغت عنده
__________
(1) كتاب البديع ص 58.
(2) المبالغة.
(3) لزوم ما لا يلزم.(1/124)
واحدا وثلاثين نوعا (1)، بعضها ممّا ذكره ابن المعتزّ وبعضها جديد، أوردها في كتابه «نقد الشعر»، إلّا أنه لم يسمّ هذه الأنواع بديعا، بل جعلها من محاسن الكلام ونعوته. وإذا كان ابن المعتز قد قصر كلامه على علم البديع، فإنّ قدامة قد جعل كتابه في نقد الشعر عامّة، وجاء تعرّضه فيه للمحسّنات البديعيّة كعنصر من العناصر التي تساعد الناقد في عملية نقد الشعر وإصدار الحكم عليه، متأثّرا إلى حدّ ما بالفكر اليونانيّ في تقسيم الأنواع البديعية وتنويعها وتحديدها وتفنينها.
وممّن ألّف في البديع معاصره إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب إذ وضع كتابا شاملا سمّاه «البرهان في وجوه البيان» وقد نسب خطأ إلى قدامة.
واستمرّ نشاط الباحثين في البديع، ولا سيّما ما يتّصل منه في إعجاز القرآن، وأشهر ما تركوه من بحوثهم البيانية والبلاغيّة كتاب «النكت في إعجاز القرآن» للرّمّانيّ، و «إعجاز القرآن» للباقلّانيّ، و «إعجاز القرآن» للقاضي عبد الجبار الأسد آبادي (2).
ثم يطالعنا قبل نهاية القرن الرابع الهجري كتاب «الصناعتين: الكتابة والشعر» لأبي هلال العسكريّ الذي عقد الباب التاسع منه «لشرح البديع والإبانة عن وجوهه وحصر أبوابه وفنونه»، فضمّ إلى البديع أنواعا وأخرج منه أنواعا أخرى، وبهذا يكون مدلول «البديع» قد أخذ عنده في شيء من التخصّص، وإن ظلّ يطلق على أنواع البلاغة بصورة عامّة. وقد جعل صور البديع في كتابه سبعا وثلاثين، في الباب التاسع خمس وثلاثون، وفي الباب العاشر اثنتان محاولا بذلك أن يحقّق هدفين: أحدهما أن يتمّ في شيء من التوسّع ما بدأه قدامة من بحث صناعة الشعر ونقده، وثانيهما ألّا يقف بالبحث الأدبيّ عند حدّ الشعر بل يتعدّاه إلى بحث صناعة الكتابة أو النثر بصفة عامة (3). وبهذا يعتبر كتابه امتدادا لمدرسة الجاحظ وسادّا النقص في «بيانه».
وتلخيصا لما سبق يظهر لنا أن أنواع البديع إلى عصر أبي هلال العسكري قد بلغت واحدا وأربعين نوعا، ثمانية عشر نوعا من اختراع ابن المعتز، وتسعة من اختراع قدامة، وأربعة عشر من زيادة أبي هلال العسكريّ.
__________
(1) انظر نقد الشعر ص 38وما بعدها ونظم الدر والعقيان ص 30.
(2) نظم الدر والعقيان ص 30.
(3) كتاب الصناعتين ص 267.(1/125)
وكانت نظرة الباقلّانيّ إلى البديع شاملة، وقد ذكر كثيرا من فنونه في كتابه «إعجاز القرآن» بلغت الثلاثين، إلّا أنّه رأى أن لا سبيل إلى معرفة الإعجاز من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه، وذلك لأنّ هذا الفنّ ليس فيه ممّا يخرق العادة ويخرج عن العرف، بل يمكن استدراكه بالتعلّم والتدرّب (1).
وإذا ما انتقلنا إلى القرن الخامس الهجري فإنّنا نلتقي بأديب مغربيّ اهتمّ بالشعر وآدابه اهتماما كبيرا، فنضج الإحساس الفنّي في كتابه «العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده»، وحظي البديع فيه بنصيب وافر من البحث والشرح. وما يلاحظ في كتابه أنّه أفرد أبوابا منه لمباحث البيان، وأخرى للمحسّنات البديعيّة، وهذا يدلّ على أنّه قد بدأ يستقرّ في أذهان النقّاد وأهل البلاغة أن «البيان» غير «البديع»، وإن خلطوا بين أنواع البيان والبديع وعند كلامه على البديع يفرّق بينه وبين المخترع، ثم يرى أنّ أوّل من جمع البديع هو ابن المعتزّ (2).
وقد جمع ابن رشيق في كتابه تسعة وعشرين نوعا من البديع، ورد بعضها عند من سبقه وزاد بعضها وقد بلغت الأنواع الجديدة عنده تسعة. وتتميز دراسة ابن رشيق لما ذكره من فنون البديع بأنها أكثر تفصيلا وإن كانت امتدادا لما ذكره من قبله، فهو يعرّف الفنّ البديعيّ ثم يتبعه بالشواهد من الشعر والنثر، وقلّما كان يعرض للشاهد بالشرح اعتمادا على فطنة القرّاء.
ثم أتى ابن سنان الخفاجي، ونظر في هذا الحشد من ألوان البديع، فرأى أن بعضها ينشأ من وضع الألفاظ في مواضعها، وبعضها ينشأ من مناسبة الألفاظ للمعاني، وإذا به في كتابه «سرّ الفصاحة» يعالج فنون البديع في سير حديثه عن حسن اللفظ وحسن المعنى، ويجعلها على نوعين: نوع يتعلّق بالألفاظ، وآخر يتعلّق بالمعاني، فكانت نظرته المتأمّلة هذه مدخلا للعلماء والمتأخرين أن يقسّموا البديع إلى محسّنات بديعية وأخرى معنويّة (3).
وتزدهر الدراسات البلاغية في القرن الخامس الهجريّ على يد عبد القاهر
__________
(1) إعجاز القرآن ص 159، 162.
(2) العمدة 1/ 415، 420.
(3) سر الفصاحة ص 110، 118وما بعدها.(1/126)
الجرجاني في كتابيه «أسرار البلاغة» و «دلائل الإعجاز»، حيث تهذّب عنده الإحساس الفنّيّ، فوضع نظرية علم المعاني في «دلائل الإعجاز» ونظرية علم البيان في «أسرار البلاغة». ولهذا يعتبر عبد القاهر الجرجانيّ بحقّ مؤسّس البلاغة العربية، والمشيّد لأركانها، والموضّح لمشكلاتها، والذي سار المؤلّفون من بعده على نهجه، وأتمّوا البنيان الذي وضع أسسه إلّا أنّ عبد القاهر لم يحاول وضع نظرية علم البديع كما فعل بالنسبة لعلمي المعاني والبيان، ورغم ذلك فقد تكلّم في أسرار البلاغة عن ألوان من البديع، ولكن كلامه عنه لم يكن لأغراض بديعيّة بمقدار ما هو لأغراض بيانيّة، وذلك أنه في «أسرار البلاغة» يحاول الكشف عن المعاني الإضافيّة التي تشتمل عليها الأساليب البيانية من تشبيه وتمثيل واستعارة ومجاز، فكانت رؤيته إلى علم البديع رؤية بعيدة في تحسينه الذاتيّ، إذ تحدّث عن الجناس والسجع، وعيّن موضعهما من الكلام، ومتى يأتي كلّ منهما مناسبا ومتى يكون نابيا، وراح يثبت أنّ الجمال فيهما لا يرجع إلى جمال الألفاظ من حيث هي، وإنّما يرجع إلى ترتيب المعاني في الذهن ترتيبا يؤثّر في النفس. إلّا أنّ الجرجانيّ لم يضف إلى من سبقه جديدا، ولكنّ بحثه لتلك الأنواع البديعية كان بطريقة جديدة، لأن استيعابه للبلاغة والجمال يخالف استيعاب من سبقه.
وما إن نصل إلى القرن السادس الهجري حتّى نلتقي بجار الله محمود بن عمر الزمخشري الذي قدّم في كتابه «الكشاف» صورة رائعة لتفسير القرآن، إذ اتّخذ الزّمخشريّ من آي الذكر الحكيم أمثلة وشواهد يوضّح بها كلّ ما استوعبه من قواعد عبد القاهر الجرجانيّ البلاغيّة، سواء ما اتّصل منها بعلم المعاني أو علم البيان، وبهذا يكون الزمخشريّ هو من أكمل قواعد الجرجانيّ بالإضافات الجديدة التي وفّق إليها. ورغم اعتبار الزمخشريّ رجل بيان لا رجل بديع، فقد استدعاه تفسيره البيانيّ في «الكشّاف» أن يشير إلى ما ورد في بعض آي الذكر الحكيم من فنون البديع.
ومن أعلام البديع في القرن السادس الهجري الوطواط رشيد الدين العمري، وأسامة بن منقذ.
أمّا الوطواط فقد ألّف كتابا في البلاغة الفارسية سمّاه «حدائق السحر في دقائق
الشعر»، وفي هذا الكتاب محاولة دقيقة لتطبيق فنون البديع العربيّ على الأدب الفارسيّ (1).(1/127)
أمّا الوطواط فقد ألّف كتابا في البلاغة الفارسية سمّاه «حدائق السحر في دقائق
الشعر»، وفي هذا الكتاب محاولة دقيقة لتطبيق فنون البديع العربيّ على الأدب الفارسيّ (1).
وأمّا الرجل الثاني أسامة بن منقذ فقد استعان ببحوث البديع السابقة، وتوسّع في بحث بعض الأنواع البديعيّة، وجمع أنواعا أكثر ممّن سبقه في كتابه «البديع في نقد الشعر» إذ اشتمل على خمسة وتسعين فنّا بلاغيّا كان له فيها فضل التصنيف والتبويب دون الإبداع والتجديد.
وفي القرن السابع الهجري نلتقي بسبعة من علماء البلاغة أولى كلّ منهم البديع وفنونه عناية خاصّة من هؤلاء فخر الدين الرازيّ، وقد اتجه إلى التأليف في البلاغة باعتبارها مدار الإعجاز في القرآن، فوضع فيها كتابه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز»، يهدف من خلاله إلى تنظيم وتبويب كل ما كتبه عبد القاهر الجرجاني في صورة إجماليّة مختصرة تنضبط فيها القواعد البلاغيّة وتنحصر فيها فروعها وأقسامها حصرا تامّا، كما أضاف إلى ذلك فنونا بديعيّة استمدّها من كتاب «حدائق السحر في دقائق الشعر» للوطواط ممّا أدّى إلى نوع من الخلط بين مباحث علم البديع ومباحث علمي المعاني والبيان، وبهذا لم يأت الرازي في كتابه بجديد.
ثم يأتي في العصر نفسه سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد السكّاكيّ واضع كتاب «مفتاح العلوم»، إذ أفرد القسم الثالث منه لعلمي المعاني والبيان وملحقاتهما من البلاغة والفصاحة، والمحسّنات البديعية اللفظية والمعنويّة. ويعتبر السكّاكي أوّل من أطلق مصطلح «علم المعاني» على المباحث التي بحثها فيه، وأوّل من أطلق على مباحث التشبيه والمجاز والكناية اسم «علم البيان»، وأوّل من حكم على «علم البيان» بأنّه متنزّل من «علم المعاني» منزلة المركّب من المفرد، كما أنّه أوّل من فرّق بين هذين العلمين على هذا الوجه من الدقّة والتحديد، إلّا أنّه لم يعرض لألوان البديع على أنها علم مستقلّ عن العلمين السابقين، بل جعلها مشاركة في تزيين الكلام بأبهى الحلل، والوصول به إلى أعلى درجات التحسين، وسمّاها وجوها ومحسنات، وكان أوّل من قسّمها إلى محسّنات لفظية ومعنوية (2)، مهتديا
__________
(1) ترجمه إلى العربية الدكتور إبراهيم الشواربي.
(2) مفتاح العلوم ص 200.(1/128)
بالخفاجيّ ثم جاء بدر الدين بن مالك صاحب كتاب «المصباح في علوم المعاني والبيان والبديع» وهو تلخيص لمفتاح السكاكيّ وأطلق على هذه الوجوه والمحسّنات مصطلح «علم البديع» فكان أوّل من هيّأ لأن تصبح البلاغة متضمنة ثلاثة علوم:
المعاني، والبيان، والبديع (1) إلّا أن السّكاكيّ لم يأت في كتابه «مفتاح العلوم» على كلّ المحسّنات البديعية التي كانت سائدة في عصره، بل اقتصر منها على ستّة وعشرين نوعا، لعلّها كانت في نظره أهمّ من غيرها من حيث التأثير في التحسين اللفظي والمعنويّ، كما أنه لم يضف إليها جديدا.
ويطالعنا في هذا القرن أيضا ضياء الدين بن الأثير صاحب كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، الذي قسّمه إلى مقدّمة في علم البيان ومقالتين، إحداهما في الصناعة اللفظية والثانية في الصناعة المعنويّة. وأوّل ما نلحظه في هذا الكتاب أنه لم ينظر إلى المحسّنات البديعية كعلم قائم بذاته كما فعلت مدرسة عبد القاهر والزمخشري والسكاكيّ ومن تأثّر بهم، وبالتالي لم يدرسها دراسة منفصلة عن البيان، بل يتوسّع في مفهوم علم البيان ليشمل مباحث علمي المعاني والبديع مجاريا في ذلك مدرسة الجاحظ التي اعتبرت أن «البيان» مرادف لكلمة «البلاغة».
ومن علماء هذا العصر أحمد بن يوسف التيفاشي المغربيّ صاحب مؤلف «البديع في علم البديع»، وقد أحصى فيه سبعين محسّنا من المحسّنات البديعيّة.
ويليه في هذا العصر زكيّ الدين بن أبي الأصبع المصريّ، وقد تناول البديع في كتابيه «بديع القرآن» و «تحرير التحبير»، وذكر أنّه وقف على أربعين كتابا في هذا الفنّ، استقى منها أنواع البديع المعروفة، وزاد عليها أنواعا أخرى، واستخرج عشرين نوعا جديدا، فأورد في «تحرير التحبير» مئة وخمسة وعشرين نوعا، وفي «بديع القرآن» مئة وتسعة من أنواع البديع وما يلاحظ عليه أنّه عالج فنون البديع متداخلة مع كثير من مباحث علمي المعاني والبيان، وقد طغى عليها التحليل المنطقيّ.
وكان علي بن عثمان الإربليّ معاصرا لابن أبي الأصبع المصريّ، وقد نظم قصيدة مدح وغزل من ستة وثلاثين بيتا في كلّ بيت منها نوع من أنواع البديع التي كانت شائعة في عصره، وقد وضع بإزاء كلّ بيت اسم المحسّن البديعيّ الذي تضمّنه،
__________
(1) المصباح ص 75.(1/129)
وتعدّ قصيدته هذه المحاولة الأولى في اتجاه النظم البديعيّ الذي أخذ يشيع بين الشعراء بدخولهم في ميدان البديع ينظمون فنونه في قصائد عرفت فيما بعد باسم «البديعيّات».
ومن أدباء المغاربة في هذا العصر حازم القرطاجنيّ صاحب كتاب «منهاج البلغاء وسراج الأدباء» وقد حاول تطعيم الذوق العربي بالفكر اليونانيّ.
ومع نهاية القرن السابع يطالعنا بدر الدين محمد بن جمال الدين بن مالك الطائيّ بكتابه «المصباح في علوم المعاني والبيان والبديع»، وهو تلخيص لكتاب «مفتاح العلوم» للسّكّاكيّ، وقد جرى فيه على رأيه في أن علمي المعاني والبيان يرجعان إلى البلاغة، وأن المحسّنات البديعية ترجع إلى الفصاحة، إلّا أنّه جعل «البديع» وإن كان تابعا لعلمي المعاني والبيان، علما مستقلّا بذاته سمّاه «علم البديع»، وبذلك مهّد الطريق أمام البلاغة لتصبح متضمّنة علوما ثلاثة: المعاني والبيان والبديع. وقد ذكر من المحسّنات البديعية أربعة وخمسين نوعا متأثّرا في ذلك برجال البديع في عصره، إلّا أنّه كان أوّل من قسّم هذه المحسّنات البديعية إلى قسمين: قسم يرجع إلى الإفهام والتبيين، وقسم يعود إلى التزيين والتحسين.
ثم انتقل علم البديع بهذا التجدّد والتطوّر إلى أحمد بن عبد الوهاب النويريّ، في القرن الثامن الهجري، وذلك في جمعه لهذه الأنواع في كتابه «نهاية الأرب» وقد أعمل فيها تفريعا وتنويعا دون أيّ تجديد واختراع.
ثم جاء بعده الخطيب القزويني بكتابيه «التلخيص» و «الإيضاح» وهذّب ما جاء به السكاكيّ مستنيرا بآراء الجرجاني والزمخشريّ، وفصل «البديع» فصلا تاما عن البلاغة التي جعلها محصورة في «المعاني» و «البيان»، جاعلا «البديع» ضربين:
أحدهما يرجع إلى المعنى، والآخر يرجع إلى اللفظ، وأدخل تحته كلّ الوجوه والمحسّنات التي ذكرها السكاكيّ، حتى أخذت علوم البلاغة على يديه وضعها الأخير، فتحدّدت موضوعاتها وانفصلت أقسامها «المعاني والبيان والبديع»، وعلى ذلك سارت الدراسة البلاغية إلى اليوم.
وقد ذكر الخطيب من البديع المعنويّ ثلاثين نوعا، ومن اللفظيّ سبعة أنواع، وذكر أثناءها أمورا ملحقة بها تصلح أن تعدّ أنواعا أخرى. وقد تناول العلماء كتابيه
«التلخيص» و «الإيضاح» بالشرح والتفسير، إلّا أنّهم لم يخرجوا عمّا رسمه وإن أضاف بعضهم فنونا أخرى كالسبكيّ.(1/130)
وقد ذكر الخطيب من البديع المعنويّ ثلاثين نوعا، ومن اللفظيّ سبعة أنواع، وذكر أثناءها أمورا ملحقة بها تصلح أن تعدّ أنواعا أخرى. وقد تناول العلماء كتابيه
«التلخيص» و «الإيضاح» بالشرح والتفسير، إلّا أنّهم لم يخرجوا عمّا رسمه وإن أضاف بعضهم فنونا أخرى كالسبكيّ.
وإذا كان البديع قد حصر في أنواع محدّدة على يد الخطيب القزويني فقد عاد فيما بعد لينتعش على يد خليل بن أيبك الصفديّ في كتابه «جنان الجناس»، إذ ذكر في المقدمة تسميته واشتقاقه وما يتعلّق به من تصريف حروف اللفظ، وتقديم بعض الأجزاء على بعض، وتوليده أقساما عديدة، فاستخرج ثلاثة عشر نوعا من الجناس وأورد الشواهد الشعريّة المناسبة لها.
ومن علماء القرن الثامن الهجري الذين جاؤوا قبل الصفديّ، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلويّ اليمنيّ، ومن آثاره المهمة في البلاغة كتابه «الطراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز»، إذ ضمّنه قواعد البلاغة عامّة سواء ما اتصل منها بالمعاني أو البيان أو البديع، وكلّ ما ذكره يحيى بن حمزة في كتابه عن علم البديع قد استوحاه من كتاب «المصباح في المعاني والبيان والبديع» لبدر الدين بن مالك وقد أورد فيه عشرين محسّنا لفظيا، وخمسة وثلاثين محسّنا معنويّا.
ومن هؤلاء معاصر يحيى بن حمزة، محمد بن عمرو التنوخيّ صاحب كتاب «الأقصى القريب في علم البيان» الذي اعتبر البلاغة فيه وحدة عضويّة مترابطة، متبعا بذلك طريقة ضياء الدين بن الأثير، إلّا أنه يختلف عنه في طريقة البحث والمعالجة، إذ اعتمد ابن الأثير في بحثه على الذوق الأدبيّ، أمّا هو فقد اعتمد على النحو والمنطق. ثم إنّ حظّ البديع من كتابه كان ضئيلا، كما أنه لم يفرّق فيه بين ما هو لفظيّ وما هو معنويّ، كما فعل بعض البلاغيين المتقدّمين عليه.
ثم يطالعنا، قبل انتهاء النصف الأوّل من القرن الثامن الهجريّ، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعيّ الدمشقيّ المعروف بابن قيّم الجوزيّة، في «كتاب الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن وعلوم البيان»، إذ أفرد القسم الأوّل منه للحديث عن الكناية والمحسّنات البديعية المعنويّة، فيحصي منها نحو ثمانين نوعا، وفي القسم الثاني منه يتناول الفصاحة وما يتعلّق بها من محسّنات بديعية لفظية، أحصى منها أربعة وعشرين نوعا، ولم يكن لابن قيّم الجوزيّة في كتابه هذا سوى فضل الجمع، وإن كان ينقصه بعض الترتيب والتبويب.(1/131)
وبعد فترة بسيطة جدّا انطلق علم البديع من قيوده النثرية إلى منظومات شعريّة، عرفت ب «البديعيات» (1) كانت قد مهّد لها علي بن عثمان الإربليّ في القرن السابع الهجري، وقد اشتهر من أصحابها صفي الدّين الحليّ، وابن جابر الأندلسيّ، وعز الدين الموصليّ في القرن الثامن الهجريّ، ثمّ ابن حجّة الحمويّ في القرنين الثامن والتاسع.
هذا، وقد ألّفت منذ أواسط القرن الثالث الهجريّ حتى القرن التاسع عشرات المؤلّفات في البديع، فتحدّثت عن أنواعه وأجناسه وفنونه وألوانه، وتفاوتت إيجازا وتفصيلا، وعندما أتيح لابن حجة أن يصنّف «شرحه على بديعيته» كان قد اطلّع على كثير من هذه المؤلّفات التي تناولت أنواع البديع.
وقد نشطت حركة التأليف في البلاغة وعلومها في عصر ابن حجّة، فوضعت كتب كثيرة في علوم المعاني والبيان والبديع، وبالرغم من أنّها لم تكن أكثر من شروح وتعليقات أو مختصرات للكتب التي ألّفت في القرون السابقة، إلّا أنّها كانت تعنى بالبديع عناية أكبر من تلك التي أولته إيّاها الكتب والمصنّفات المتقدّمة، حتى أفردت لفنّ البديع مؤلّفات خاصة، مثل «المطلب المنيع في أنواع البديع» لأبي البقاء الأحمديّ الشافعيّ. ثمّ امتدّت تلك العناية المفرطة بالتأليف في فنّ البديع إلى أبعد من ذلك، فقد شرع علماء البلاغة يؤلّفون الكتب، ليس في فنّ البديع المشتمل على عشرات الأنواع البديعية وحسب، بل ضيّقوا دائرة التأليف، فألّفوا كتبا في جزئيات علم البديع، أو في بعض أنواعه، فقصر بعض العلماء تأليفهم مثلا على نوع «التضمين»، كما فعل عبد الله بن سلامة الادكاويّ في كتابه «الدرّ الثمين في محاسن التضمين»، وألّف النواجيّ تلميذ ابن حجّة كتابا في بديع الاكتفاء سمّاه «الشفاء في بديع الاكتفاء»، وكان للجناس والتورية حصّة الأسد من مجهود المؤلّفين وتأليفهم البديعيّ، إذ تبارى علماء البديع في تأليفهم في هذين النوعين، فألّف أنصار الجناس كتبا فيه منها: «جنان الجناس» للصّفديّ، و «فكاهة الجليس في أنواع التجنيس» للقاياتيّ، و «إزالة الالتباس للتفريق بين الاشتقاق والجناس» لبدر الدين الحمدانيّ، كما ألّف أنصار التورية كتبا فيهما منها: «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام»
__________
(1) وسيأتي الكلام على أهم هذه البديعيات بالتفصيل في الفصل الخامس وما يليه من هذه الدراسة.(1/132)
لابن حجة الحمويّ، و «فضّ الختام عن التورية والاستخدام» للصفديّ، و «رائق التحلية في فائق التورية» لابن خاتمة الأنصاريّ، كما وضع السيوطيّ كتابا في بديع الاقتباس سمّاه «رفع الباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس» (1).
ومن ير هذه العناية بعلم البديع وأنواعه في ذلك العصر لا يستغرب نشوء فنّ شعريّ كان الهدف منه تقعيد قواعد البلاغة بصورة عامة وقواعد البديع وفنونه بصورة خاصّة، ذاك الفنّ هو فنّ البديعيّات الذي يأتي الكلام عليه في الفصول التالية. ومن هنا تتّضح العلاقة القائمة بين التأليف البديعيّ والبديعيّات، فصفيّ الدين مثلا نظم قصيدة نبويّة ضمّت ما عزم على تأليفه في علم البديع شرحها في ما بعد ضمن كتاب سمّاه «شرح الكافية البديعية».
__________
(1) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 187.(1/133)
الفصل الثاني: البديعيّات: نشأتها وتطوّرها
شهد القرن السابع الهجري لونا جديدا من التأليف في البلاغة عامة والبديع خاصّة على يد يحيى بن عبد المعطي الزواويّ المتوفي سنة (628هـ.)، ومن ثمّ على يد عليّ بن عثمان الإربليّ (المتوفّى سنة 670هـ.) (1)، معاصر ابن أبي الأصبع المصريّ، إذ نظم قصيدة مدح في شخص مجهول، من ستّة وثلاثين بيتا، في كلّ بيت منها نوع من أنواع البديع التي كانت شائعة في عصره، وقد وضع بإزاء كلّ بيت اسم المحسّن البديعيّ الذي تضمّنه، دون أن يسمّي قصيدته «بديعيّة» (2).
وتعتبر هذه القصيدة المحاولة الأولى في الاتجاه الذي أخذ بعد ذلك يشيع بين الشعراء بدخولهم في ميدان البديع ينظمون فنونه في قصائد مدح عرفت فيما بعد باسم «البديعيّات».
وقبل الكلام على هذه «البديعيات» لا بدّ من إظهار العلاقة بينها وبين المدائح النبويّة.
لقد كثرت المدائح في شخصيّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) منذ أن بعث هاديا ومبشّرا ونذيرا، وبرزت على يد المتصوّفين من الشعراء خاصة، إذ إنّها لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب رفيع من الأدب، لا يصدر إلّا عن قلوب مفعمة بالإيمان، ملأى بالإعجاب بشخصه الكريم. وقد نشأت هذه المدائح النبوية منذ أواخر العصر الجاهليّ، بدليل أنّ الأعشى مدح الرسول الكريم في السنة الثامنة للهجرة في قصيدة له مطلعها (من الطويل):
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السّليم المسهّدا (3)
وكذلك فعل كلّ من حسّان بن ثابت وكعب بن زهير، وشعراء كثيرون في صدر الإسلام والعصرين الأمويّ والعباسيّ إلى أن نشأ في العصر المملوكيّ حول
__________
(1) سيأتي الكلام عليهما في هذا الفصل.
(2) سيأتي تعريف «البديعيات» في الفصل التالي، بعد الكلام، في هذا الفصل، على «نشأتها وتطورها» إذ لم أجد لها تعريفا إلّا بعد ذكر خصائصها منذ نشأتها.
(3) ديوانه ص 100.(1/134)
مديح الرسول فنّ كبير، نما وازدهر ازدهارا كبيرا، وهو فنّ البديعيّات، وقد أكثر منه شعراء هذه الفترة، حتى لا يكاد شاعر يخلو شعره من بديعيّة يمدح فيها الرسول، إلّا أنّ هذه البديعيات لم تعد أثرا شعريّا فنّيّا وحسب، بل طغت عليها الناحية العلميّة لما حوته من فنون وصور بديعيّة.
إذا لم يكن مديح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحده كافيا لإنشاء القصيدة البديعيّة، رغم كونه أساسا في كيانها، إنّما أصبحت البديعيّة تضيف إلى المديح النبويّ ألوان البديع، مع المحافظة على البحر البسيط، والميم المكسورة رويّا، وطول القصيدة أبياتا.
ويبدو أنّ الذي فجّر ينبوع البديعيّات شاعر صوفيّ مصريّ من قرية «بوصير» من أعمال بني سويف، مغربيّ الأصل، من قبيلة صنهاجة، اسمه محمد بن سعيد بن حمّاد بن عبد الله الصّنهاجيّ الدولاصيّ ثمّ البوصيريّ، شرف الدين، المولود سنة 608هـ.، والمتوفّى في الإسكندرية سنة 694هـ. (1).
لقد نظم هذا الشاعر قصيدة في مديح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، من مئة وستّين بيتا (2)، عرفت ب «البردة» أو «البرأة»، مطلعها (من البسيط):
أمن تذكّر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم (3)
فكانت قصيدته فتحا كبيرا في باب المدائح النبويّة، ولجه الشعراء بعده، وأصبحت مثلا يحتذى ونهجا يسلكه المادحون. وأمّا عن سبب نظم هذه القصيدة فيقول البوصيري: «كنت قد نظمت قصائد في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) منها ما كان اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني فالج أبطل نصفي، ففكّرت في عمل قصيدتي هذه، فعملتها، واستشفعت بها إلى الله تعالى في أن يعافيني، وكرّرت إنشادها، ودعوت، وتوسّلت، ونمت، فرأيت النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، فمسح وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدت فيّ نهضة، فقمت
__________
(1) كشف الظنون 2/ 1331.
(2) كما وردت في الديوان ص 165وما بعدها وفي كشف الظنون 2/ 1331، «من مئة واثنين وستين بيتا».
(3) ديوانه ص 165.(1/135)
وخرجت من بيتي» (1)، ومنذ ذلك الوقت عرفت قصيدته ب «البردة»، كما عرفت ب «البرأة» لأنّ البوصيريّ برئ بسببها من علّته.
ثم انطلقت هذه القصيدة تجوب الآفاق، فانتشرت بين الناس أيّما انتشار، ونشأت حولها شروح كثيرة وتناولها المقلّدون والمعارضون والمشطّرون والمربّعون، والمخمّسون، حتى أصبحت مجالس الصوفيّة وحلقاتها لا تفتتح وتختتم إلّا بها (2). وذلك يعود لموضوع القصيدة أولا، ولسلاسة نظمها وعذوبته، ورقّة ألفاظها وجمال تراكيبها، وروعة موسيقاها وانسياب وزنها وخفّة قافيتها وجمال رويّها، بالإضافة إلى قصّة الرؤيا التي تحدّث عنها البوصيريّ.
ولمّا كان للبردة ذاك الانتشار وذاك الأثر، كان لا بدّ لها من أن تؤثّر في أوّل قصيدة بديعيّة تلتها على يد صفيّ الدين الحلّيّ. ومن يقارن بين «البردة» و «بديعية» الحلّيّ وبين دوافع كلّ منهما، يجد بسهولة متانة العلاقة بين المدائح النبويّة عامّة والبردة خاصة من جهة، وبين البديعيات من جهة أخرى.
فالبوصيري الذي يعتبر ممثّل المدائح النبوية، والحلّي الذي يعتبر ممثّل البديعيات، تعرّض كلّ منهما لمرض عضال ألجأهما قبل أن ينظما قصيدتيهما إلى الله تعالى متوسّلين بنبيّه آملين الشفاء كما أنّ كليهما قد برئ من مرضه بعد نظم القصيدة، ثمّ إنّ كليهما قد سلك سبيل الشعر في توسّله لله، وكلاهما نظم قصيدته من البحر البسيط، ورويّ الميم المكسورة، إلّا أنّ صفيّ الدين زاد على البوصيريّ بتضمينه قصيدته الفنون البديعيّة، وقد أشار إلى ذلك عبد الغني النابلسيّ في كتابه «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار» إذ قال: «فنظم قصيدة من بحر البسيط على قافية الميم، مدح فيها النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، مثل قصيدة الأبوصيري التي سمّاها «البردة»، جامعا فيها مئة وواحدا وخمسين نوعا من البديع، وإن عدّت أصناف التجنيس نوعا واحدا بلغ ذلك مئة وأربعين نوعا» (3).
كلّ هذه الاتفاقات بين الناظمين البوصيريّ والحليّ، وبين قصيدتيهما تدلّ على
__________
(1) فوات الوفيات للكتبي 3/ 368وكشف الظنون 2/ 13321331.
(2) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 21.
(3) نفحات الأزهار ص 3.(1/136)
وجود روابط متينة بين «المدائح النبويّة» و «البديعيات»، ثمّ بين هذه والتأليف البديعيّ.
والذي يتبادر إلى الذهن هو السؤال التالي: ما أسباب نشأة البديعيّات؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ البديعيّات لم تنشأ بين ليلة وضحاها، بل تضافرت حولها عوامل ودوافع عدّة وتفاعلت وتكاملت حتى أخرجتها إلى حيّز النور مكتملة الخلق سويّة ثمّ إنّ هذه الدوافع لم تتوقّف مع ظهور هذا الفنّ، بل استمدّت قوّتها من أعماق التراث والبيئة وانطلقت تحرّض على نشأته ليكون نتيجة طبيعيّة لها، واستمرّت ترافقه في كلّ أطواره تغذّيه وتنمّيه وتساعده على رحلته الطويلة في التراث العربيّ.
ومن يطّلع على نصوص البديعيات وما تضمّنته من إشارات، يجد أنّ هناك دوافع مكنونة وراءها وأسبابا متلازمة دفعت هذا الفنّ إلى الظهور والتقدّم والنضج. ولعلّ أهمّ هذه الدوافع:
أالرغبة في التأليف البلاغيّ عامّة والبديعيّ خاصّة:
فبدافع معرفة إعجاز القرآن الكريم وفهم ما ورد في آي الذكر الحكيم، نشطت حركة التأليف في البلاغة عامة، وفي البديع خاصّة، فهذا صفيّ الدين الحلّيّ ناظم أوّل بديعيّة يصرّح في مقدّمة شرحه لبديعيّته بأنه اعتزم على تأليف كتاب في البلاغة، وذلك انسجاما مع تلك الحركة الناشطة في التأليف البلاغيّ في عصره، لولا أنّ علّة لازمته فعدل عن تأليف كتاب في البلاغة إلى تأليف منظومة يجعلها بمثابة كتاب لقواعد فنّ البديع، فكانت غايته الأولى إذا تأليف كتاب يضمّ أنواع البديع التي وصل إليها والتي استخرجها من مطالعاته وقراءاته. ولنستمع إليه في مقدّمة شرحه لبديعيته يقول: «فإنّ أحقّ العلوم بالتقديم وأجدرها بالاقتباس والتعليم، بعد معرفة الله العظيم، معرفة حقائق كلامه الكريم وفهم ما أنزل في الذكر الحكيم، لتؤمن غائلة الشكّ والتوهيم، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بمعرفة علم البلاغة وتوابعها من محاسن البديع اللتين بهما يعرف وجه إعجاز القرآن فجمعت ما وجدت في كتب العلماء، وأضفت إليه أنواعا استخرجتها من أشعار القدماء، وعزمت أن أؤلّف كتابا يحيط بجلّها إذ لا سبيل إلى الإحاطة بكلّها، فعرضت لي علّة طالت مدّتها وامتدّت شدّتها، واتفق لي أن رأيت في المنام رسالة من النبيّ، عليه أفضل الصّلاة والسّلام، يتقاضاني المدح، ويعدني البرء من السقام، فعدلت عن تأليف الكتاب إلى نظم
قصيدة تجمع أشتات البديع وتتطرّز بمدح مجده الرفيع» (1). وإن دلّ قوله على شيء فإنّما يدلّ على الرغبة والعزم عنده على التأليف البديعيّ قبل كلّ شيء، ولولا تلك الرؤيا ربّما لم تكن فكرة نظم الأنواع البديعية في قصيدة قد خطرت بباله أو اختلجت في ذهنه وإن كان مسبوقا إلى مثل تلك الفكرة من قبل يحيى بن عبد المعطي الزّواوي وأمين الدين الإربليّ (2)، ثمّ دأب دأبه كلّ من سار بعده على نهجه، وما الأنواع الجديدة التي أتت بها البديعيات بعده إلّا دليل واضح على وجود تلك الرغبة عند غيره من ناظمي البديعيّات.(1/137)
فبدافع معرفة إعجاز القرآن الكريم وفهم ما ورد في آي الذكر الحكيم، نشطت حركة التأليف في البلاغة عامة، وفي البديع خاصّة، فهذا صفيّ الدين الحلّيّ ناظم أوّل بديعيّة يصرّح في مقدّمة شرحه لبديعيّته بأنه اعتزم على تأليف كتاب في البلاغة، وذلك انسجاما مع تلك الحركة الناشطة في التأليف البلاغيّ في عصره، لولا أنّ علّة لازمته فعدل عن تأليف كتاب في البلاغة إلى تأليف منظومة يجعلها بمثابة كتاب لقواعد فنّ البديع، فكانت غايته الأولى إذا تأليف كتاب يضمّ أنواع البديع التي وصل إليها والتي استخرجها من مطالعاته وقراءاته. ولنستمع إليه في مقدّمة شرحه لبديعيته يقول: «فإنّ أحقّ العلوم بالتقديم وأجدرها بالاقتباس والتعليم، بعد معرفة الله العظيم، معرفة حقائق كلامه الكريم وفهم ما أنزل في الذكر الحكيم، لتؤمن غائلة الشكّ والتوهيم، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بمعرفة علم البلاغة وتوابعها من محاسن البديع اللتين بهما يعرف وجه إعجاز القرآن فجمعت ما وجدت في كتب العلماء، وأضفت إليه أنواعا استخرجتها من أشعار القدماء، وعزمت أن أؤلّف كتابا يحيط بجلّها إذ لا سبيل إلى الإحاطة بكلّها، فعرضت لي علّة طالت مدّتها وامتدّت شدّتها، واتفق لي أن رأيت في المنام رسالة من النبيّ، عليه أفضل الصّلاة والسّلام، يتقاضاني المدح، ويعدني البرء من السقام، فعدلت عن تأليف الكتاب إلى نظم
قصيدة تجمع أشتات البديع وتتطرّز بمدح مجده الرفيع» (1). وإن دلّ قوله على شيء فإنّما يدلّ على الرغبة والعزم عنده على التأليف البديعيّ قبل كلّ شيء، ولولا تلك الرؤيا ربّما لم تكن فكرة نظم الأنواع البديعية في قصيدة قد خطرت بباله أو اختلجت في ذهنه وإن كان مسبوقا إلى مثل تلك الفكرة من قبل يحيى بن عبد المعطي الزّواوي وأمين الدين الإربليّ (2)، ثمّ دأب دأبه كلّ من سار بعده على نهجه، وما الأنواع الجديدة التي أتت بها البديعيات بعده إلّا دليل واضح على وجود تلك الرغبة عند غيره من ناظمي البديعيّات.
ب الرغبة في مدح النبيّ محمّد، (صلى الله عليه وسلم)، واتّحادها مع رغبة التأليف:
سبق أن أشرت إلى علاقة البديعيّات بالمدائح النبوية، وإذا رجعنا إلى القول السابق لصفيّ الدين الحلّيّ يتّضح لنا أنّ هناك سببين دفعا به إلى نظم بديعيته، وهي البديعيّة الأولى التي اجتمعت فيها الرغبة في مدح النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، والرغبة في التأليف البديعيّ، فكان كلّ منهما رديفا للآخر. ويلاحظ أنّ النازع الدينيّ قد سيطر على كلّ نظّام البديعيات فيما بعد، فجلّهم كان من الصوفيّة، كما سيطر على أصحاب البديعيات من النصارى الذين اعتمدوا هذا الفنّ في مرحلة متأخرة، وبهذا كانت هاتان الرغبتان متكاتفتين متلازمتين لتساعدا على ظهور هذا الفنّ واستمراره.
ج اجتماع الشاعريّة والتأليف عند ناظم البديعيّة:
إذا ما نظرنا نظرة عامة إلى ناظمي البديعيّات بدءا بصفيّ الدين الحليّ وانتهاء بآخرهم نستنتج أمرين هامّين:
أوّلا: أنّ ناظم البديعية شاعر متمرّس، عرك القوافي فانقادت له، واستحسن شعره الناس ورضوا عنه فوضعوه في المرتبة الأولى من القبول والإعجاب، فصفيّ الدين الحليّ، وعزّ الدين الموصلي، وشعبان الآثاري، وابن حجة الحمويّ، وعائشة الباعونية، وجلال الدين السيوطيّ، وعبد الغني النابلسيّ وغيرهم كانت لهم أشعار كثيرة إلى جانب بديعيّاتهم التي بلغت الذروة بين أغراضهم الشعريّة.
ثانيا: أنّ ناظم البديعية مؤلّف له مؤلّفات معروفة، ولولا اجتماع صفة التأليف عنده مع صفة الشاعرية لما أنتج بديعيّة مقبولة، ولربّما غدت مقدرته تلك كغيرها من
__________
(1) شرح الكافية البديعية ص 51، 54.
(2) سيأتي الكلام عليهما.(1/138)
الكتب المسطّرة. وما يشهد بذلك مؤلّفات صفيّ الدين الحليّ وابن حجة الحمويّ وعبد الغني النابلسيّ وغيرهم، وحسبهم ما ألّفوه من شروح حول بديعيّاتهم ليشهد لهم بقدرتهم على التأليف ولا سيّما في هذا الفنّ الطريف فكثيرا ما كان يعكف ناظم البديعية على بديعيته شرحا ودراسة لما تضمّنته من فنون البديع، ويقدّم بين يديها الأمثلة والشواهد الكثيرة، حتّى غدت شروحهم تلك معارض للأدب وخزائن للبلاغة العربية، وهذا يشهد بغزارة معارفهم وما يدخرون من علوم وفنون.
د المرض ورقّة العواطف عند ناظم البديعية المريض واجتماع ذلك مع الأسباب السابقة:
لقد اقتصر هذا السبب على صفيّ الدين الحليّ صاحب أوّل بديعيّة، وقد سبق الكلام على مرضه الذي طالت مدّته وامتدّت شدّته. وممّا لا ريب فيه أن المريض ذو روح شفافة رقيقة، يبحث عن دواعي شفائه أينما كانت، علّة يجد بصيص أمل بشفائه، فيتعلّق بحبال الهواء، تعلّق الغريق بعود قشّ وجده على سطح الماء، ولا سيّما إذا كان المرض عضالا، والمريض مؤمنا لا يقنط من رحمة ربّه، وهو يعلم حادثة جرت لمريض قبله، لجأ إلى الله متوسّلا بنبيّه، فوجد خيرا فالدوافع التي تعتلج في نفسه لا تقلّ عن تلك التي اختلجت في نفس البوصيريّ، وما كان لها من انعكاسات نفسيّة تجعله أقرب لأن يمتثل للشفاء، كما تجعل النفس أرقّ وأخشع على أعتاب خالقها. فهذا النفح الإيمانيّ وتلك الروح الشفافة الرقيقة، وحسّ الشاعر المرهف، بالإضافة إلى الشاعرية القويّة، والرغبة في المدح والتأليف، والمدّخر العلميّ الكبير تفاعلت فيما بينها مجتمعة في نفس الشاعر وساعدت على إبراز أوّل بديعيّة إلى حيّز الوجود.
هـ السعي إلى الشهرة، والرغبة في المعارضة، وحبّ الظهور والتكثّر:
ما إن ضربت بردة البوصيري في الآفاق حتى اجتمع حولها الشعراء وراحوا يقلّدونها ويعارضونها ويشطّرونها ويربّعونها ويخمّسونها ساعين من وراء ذلك إلى مجاراتها شهرة وقيمة ودورانا على الألسنة. وكان من هؤلاء الشعراء الشاعر المؤلّف الأديب صفيّ الدين الحلّيّ، إذ نظم قصيدة على غرار بردة البوصيريّ، مقتفيا خطاها في بحرها ورويّها وموضوعها، لم لا والعلّة واحدة، وقد أضاف إلى ذلك تضمين كل بيت من أبياتها نوعا من أنواع البديع، يكون البيت شاهدا له، فدخل بذلك إلى
الشهرة من بابها الواسع على صعيدي النظم والتأليف. ثمّ دأب معظم أصحاب البديعيات بعده دأبه فاقتفوا أثره في السعي وراء الشهرة والمعارضة، وحبّ الظهور والتكثّر. فهذا عزّ الدين الموصليّ، عندما رأى ما بلغته بديعيّة الصفيّ من الشهرة، عزم على معارضته بقصيدة مثلها، وأضاف إليها التورية في البيت باسم النوع البديعيّ إلى جانب كونه شاهدا له.(1/139)
ما إن ضربت بردة البوصيري في الآفاق حتى اجتمع حولها الشعراء وراحوا يقلّدونها ويعارضونها ويشطّرونها ويربّعونها ويخمّسونها ساعين من وراء ذلك إلى مجاراتها شهرة وقيمة ودورانا على الألسنة. وكان من هؤلاء الشعراء الشاعر المؤلّف الأديب صفيّ الدين الحلّيّ، إذ نظم قصيدة على غرار بردة البوصيريّ، مقتفيا خطاها في بحرها ورويّها وموضوعها، لم لا والعلّة واحدة، وقد أضاف إلى ذلك تضمين كل بيت من أبياتها نوعا من أنواع البديع، يكون البيت شاهدا له، فدخل بذلك إلى
الشهرة من بابها الواسع على صعيدي النظم والتأليف. ثمّ دأب معظم أصحاب البديعيات بعده دأبه فاقتفوا أثره في السعي وراء الشهرة والمعارضة، وحبّ الظهور والتكثّر. فهذا عزّ الدين الموصليّ، عندما رأى ما بلغته بديعيّة الصفيّ من الشهرة، عزم على معارضته بقصيدة مثلها، وأضاف إليها التورية في البيت باسم النوع البديعيّ إلى جانب كونه شاهدا له.
وعندما وجد شعبان الآثاري شهرة تلك القصائد، لم يكتف بنظم بديعية واحدة، بل عمد إلى نظم ثلاث بديعيات: (الصغرى والوسطى والكبرى) بلغ مجموع أبياتها نحو ثمانيمئة وسبعين بيتا، وإنّما فعل ذلك ليدلّ على مقدرته على الزيادة والتكثّر، رغم ما في بديعيّاته من تكرار للألفاظ والتراكيب والمعاني.
أمّا ابن حجّة الحمويّ فقد صرّح في مقدّمة شرحه بمعارضة صفيّ الدين الحليّ وعزّ الدين الموصليّ معا، والبردة، فقد أراد أن يجمع مزايا القصائد الثلاث ليتفوّق عليها، فها هو يقول: «فهذه البديعية التي نسجتها على منوال طرح البردة، كان
محمد بن البارزي صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة هو الذي ثقّف لي هذه الصعدة وحلب لي ضرعها الحافل وما ذاك إلّا أنه وقف بدمشق المحروسة على قصيدة بديعية للشيخ عز الدين الموصليّ التزم فيها بتسمية النوع البديعيّ، وورّى بها من جنس الغزل، ليتميّز بذلك على الشيخ صفيّ الدين الحليّ لأنه ما التزم في بديعيته بحمل هذا العبء الثقيل، غير أنّ الشيخ عزّ الدين ما أعرب عن بناء بيوت أذن الله أن ترفع وربّما رضي في الغالب بتسمية النوع ولم يعرب عن المسمّى فاستخار الله مولانا الناصريّ، ورسم لي بنظم قصيدة أطرز حلّتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحليّ برقّة السحر الحلال وقد صار لي فكرة إلى الغايات سبّاقة، فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيّدا بتسمية النوع، وهو من ذلك محلول العقال، وسمّيتها «تقديم أبي بكر»» (1).
وهذا عبد الغني النابلسيّ أيضا، لاحظ شهوة الشهرة عند ابن حجّة وحبّه للظهور والتفوّق، فحاول أن ينال منه معقّبا على ذلك بقوله في مقدّمة «نفحات الأزهار على
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305.(1/140)
نسمات الأسحار»: «ثمّ جاء بعده العلّامة تقيّ الدين أبو بكر بن حجة الحموي
فعارضه وجاراه وزاحمه فيما اقترحه واجتراه، ولم يزد على ما ذكره من الأنواع شيئا، بل ربّما نقص عن ذلك معيبا بعض الأنواع بحسب ما اقتضته طبيعته ثم شرح قصيدته شرحا أخذ فيه بأذيال الإطالة وألبسه حلل السآمة والملالة» (1).
ثمّ تحدّث عن سبب نظمه لبديعيته: «فعند ما شاهدت هذه البديعيات الأربع (2)
وطفقت أرتع بخيول الأفكار في مسارحها وأربع، وتأمّلت ما نقلوه في شروحها من العبارات والشواهد، وما نبّهوا عليه من الأغراض والمقاصد، حركتني بواعث الأفكار وتجاذبتني أيدي الخواطر الإلهية إلى اقتحام هذا المضمار ونظمت هذه القصيدة الميميّة المسماة ب «نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار» على طريقة تلك القصائد» (3).
ثم عمد عبد الغنيّ النّابلسيّ إلى نظم بديعية أخرى مورّيا في أبياتها باسم النوع البديعي، وذلك ليبرز مقدرته الشعريّة وكفاءته العلميّة، وليزاحم الفحول في التفاخر والظهور والشهرة.
ودأب معظم أصحاب البديعيّات دأب هؤلاء، فكان دافعهم التقليد وحبّ الظهور والتكثّر والسعي وراء الشهرة والرغبة في المعارضة والتفوّق وقد حقّقت تلك البديعيات لأصحابها شهرة واسعة فحملت أسماءهم إلى كل أنحاء الممالك الإسلامية آنذاك، ثم تهافت الشعراء النصارى عليها فيما بعد، حتّى إن أولي الأمر من أرباب الأقلام وغيرهم، تعلّقوا بها، فهذا صاحب ديوان الإنشاء بالممالك الإسلاميّة محمّد ابن البارزي يرسم لابن حجة بنظم قصيدة بديعيّة، وذاك السلطان الملك الناصر أحمد ابن إسماعيل بن العباس يطلب من إسماعيل بن المقرئ أن ينظم مدحة نبويّة بديعيّة على طريقة الصفيّ الحليّ. وهكذا كان تشجيع أمثال هؤلاء مشجعا للشعراء ودافعا لهم يحثّهم على خوض هذا المضمار والتنافس عليه والنهل منه والسير في ركابه.
__________
(1) نفحات الأزهار ص 3.
(2) البديعيات الأربع التي شاهدها النابلسي هي: بديعيات الحلي والموصلي وابن حجة وعائشة الباعونية.
(3) نفحات الأزهار ص 3.(1/141)
وأثر المجتمع واجتماعه مع الأسباب السابقة:
ما إن انتشر فنّ البديعيات بين الناس حتى تقبّلوه واستبشروا به خيرا واحتفوا بأهله، وقد سبق أن أشرت إلى طلب أولي الأمر له والحضّ على نظمه، وهذا ممّا حدا بالشعراء إلى الإقبال عليه والإدلاء بدلوهم في منهله، علّهم يحظون بآذان الشعب وقلوبهم، ولا سيّما في وقت كان الشعراء فيه يعيشون عيشة الغرباء بين حكّام في غالبهم من غير العرب لا يجيدون فهم هذه اللغة وأساليبها، لبعد أذواقهم عن فهم البلاغة العربية، فكانت مرحلة تقرّب الأديب أو الشاعر من طبقات المجتمع الأخرى، ممّن يسمع ويفهم ويطرب لكلّ تعبير من تعابير العربية الفصيحة، وذلك ليستطيع الوصول إلى ذروة الشهرة بينهم، فيضمن لنتاجه الأدبيّ الرواج والفلاح، وكانت «البديعيات» عند معظم أصحاب البديعيات وسيلة اتّخذوها ليحققوا غاياتهم، ومجالا واسعا ينطلقون منه إلى حيّز الظهور والشهرة (1).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: متى نشأت «البديعيات»، وعلى يد من من الشعراء ولدت البديعية الأولى التي أطلقت عقال عشرات الشعراء فيما بعد لكي ينظموا في هذا الفنّ الجديد؟!!
لقد اختلف العلماء ومؤرّخو البلاغة ودارسو الأدب في تحديد أوّل بديعيّة، وبالتالي اختلفوا في تحديد أوّل بديعيّ سنّ للشعراء هذه السنّة الأدبيّة، ذلك لأن معرفة البدايات قد تكون من أعضل المشكلات، ولا سيّما في فنّ «البديعيّات» الذي تشعّبت بداياته، فتسعّبت الطرق إليها (2).
ومن خلال استقراء آراء هؤلاء العلماء والدارسين المتباينة يبدو أنّ مكان الأوّليّة يتنازعه أربعة من الشعراء، وهم: يحيى بن عبد المعطي الزواوي المتوفّى سنة
__________
(1) انظر «البديعيات في الأدب العربي» ص 3931.
(2) أضف إلى ذلك أن موضوع البديعيات لم يحظ بدراسة كاملة لمعظم جوانبه ولا سيما «بداياته»، إلّا على يد نفر قليل توقّفوا عنده قليلا في سياق أبحاثهم العامة، باستثناء باحث واحد كما أعتقد هو علي أبو زيد الذي قام بدراسة مفصلة لهذا الفن تقدم بها لنيل شهادة الماجستير من كلية الآداب في جامعة دمشق، تحت عنوان: «البديعيات في الأدب العربي».(1/142)
628 - هـ. وعلي بن عثمان أمين الدين الإربليّ المتوفّى سنة 670هـ. وصفيّ الدين الحليّ المتوفّى سنة 750هـ. ومحمد بن أحمد بن جابر الأندلسيّ المتوفّى سنة 779هـ.، ولكلّ من هؤلاء الدارسين حججه وبراهينه على رأيه، لذا كان لا بدّ من الفصل بين هؤلاء الأربعة، وإعطاء واحد منهم فقط حقّ الأوّلية والريادة، وتحديد مواقع الآخرين منه.
فزكيّ مبارك يعزو بكثير من الجزم نشوء أوّل بديعيّة إلى الشاعر محمّد بن جابر الأندلسيّ، إذ يرى أن «البديعيات» ما هي إلّا أثر من آثار «بردة» البوصيري، تمثّلت في بدء الأمر عند ابن جابر الأندلسيّ الذي أحبّ البردة وشغف بها، وقد شغل نفسه بمعارضتها «ولكن أيّ معارضة؟! لقد ابتكر فنّا جديدا هو «البديعيات»، وذلك أن تكون القصيدة في مدح الرسول، ولكن كلّ بيت من أبياتها يشير إلى فنّ من فنون البديع» (1)، ومطلع هذه البديعية (من البسيط):
بطيبة انزل ويمّم سيّد الأمم ... وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم (2)
وقد رأى معاصرو ابن جابر قيمة هذا الفنّ الجديد، فتقدّم صديقه أبو جعفر الرّعينيّ الإلبيري بشرح بديعيته، واعترف له بالسبق إذ قال في مقدمة هذا الشرح (3):
«نادرة في فنّها، فريدة في حسنها، تجني ثمر البلاغة من غصنها، وتنهل سواكب الإجادة من مزنها، لم ينسج على منوالها، ولا سمحت قريحة بمثالها» (4).
ولعلّ هذه المقدّمة هي التي أوهمت بعض الدارسين أن يجزم بأوليّة ابن جابر الأندلسيّ الأعمى، والذي تعرف بديعيّته ب «بديعيّة العميان»، رغم أنّ العلماء المعاصرين لابن جابر، والذين كانوا أصدقاءه، لم يذكروا له هذه الأولّية، وعلى رأسهم صلاح الدين الصفديّ، المتوفّى بعد صفيّ الدين الحلّيّ بأربع عشرة سنة، وكان أستاذا لابن جابر، وصديقا له وراويا لأخباره وأشعاره، ومع ذلك لم يذكر شيئا عن بديعيّة ابن جابر، ولعلّ هذا نظمها بعد وفاة صديقه الصفديّ، وهذا يعني أنّه
__________
(1) المدائح النبوية في الأدب العربي ص 169.
(2) الحلة السيرا في مدح خير الورى ص 28.
(3) المسمى ب «طراز الحلّة وشفاء الغلّة».
(الحلة السّيرا في مدح خير الورى ص 19).
(4) المدائح النبوية في الأدب العربي ص 168.(1/143)
نظمها بعد أن نظم صفيّ الدين بديعيّته، فتسقط الأوّلية بذلك عنه.
وبعد أن يعزو زكيّ مبارك ابتكار فنّ البديعيات لابن جابر، يعدّد أسماء الشعراء الذين نسجوا على منواله في صنع البديعيات، فيقول عند مروره على صفيّ الدين الحلّيّ: «وفي عصر ابن جابر وضع صفيّ الدين الحليّ المتوفّى سنة 750هـ. قصيدة سمّاها «الكافية البديعية في المدائح النبوية»، وأنشأ عز الدين الموصليّ المتوفّى سنة 789هـ. بديعيّته» (1).
وربما كان مبارك هو الوحيد في تقديمه ابن جابر على الحلّيّ في ريادة هذا الفنّ.
أما محمود الربداويّ في كتابه «ابن حجّة الحمويّ شاعرا وناقدا» (2) فيميل إلى اعتبار صفيّ الدين الحلّيّ أسبق من جابر في نظم أوائل البديعيات، مستدلّا على ذلك بأنّ الحلّيّ توفّي قبل ابن جابر بثلاثين سنة، وهذا السبب في رأيه ليس بمرجّح كاف، بل قدّم إلينا الأدلّة بذكر الأسباب التي حدت بالحليّ إلى تأليف بديعيته لعلّها تلقي ضوءا يساعد على ترجيح أسبقية الحلّيّ على ابن جابر الأندلسيّ، أمّا قضيّة الابتكار برأيه، فيرجّح أنها سابقة على كلّ من الشاعرين، كما سيأتي.
يقول محمود الربداويّ: «فالحليّ يذكر في مقدّمة شرحه لبديعيته بأنه اعتزم على تأليف كتاب في البلاغة، لولا أنّ علّة لازمته فعدل عن تأليف كتاب في البلاغة إلى تأليف منظومة يجعلها بمثابة كتاب لقواعد فنّ البديع» (3)، ثم يأتي بنصّ صفيّ الدين الحليّ (4)، ويعقّب عليه بقوله: «وقبل أن تتسرّع فتحكم على بعض النتائج من خلال هذه المقدّمة البسيطة لا بدّ لنا من استعراض بعض ما كتبه أيضا في مقدّمته تلك، لتعلم من أين استقى مادّة بديعيّته» (5) ثم يسرد قول الحلّيّ في مراجعته للكتب البلاغية السابقة له، ويخلص من ذلك كلّه إلى وضع الصفات العامة التي تتّصف بها البديعيات وهي: أنها نظمت في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، واختار لها الشاعر البحر البسيط وقافية الميم المكسورة مضمّنا كلّ بيت منها نوعا من أنواع البديع، وقد
__________
(1) المدائح النبوية في الأدب العربي ص 169.
(2) ص 188.
(3) ص 188.
(4) سبق نصّه في بدايات هذا الفصل أثناء الكلام على «أسباب نشأة البديعيات».
(5) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 189.(1/144)
يصرّح باسم هذا النوع أحيانا، وقد لا يصرح به أحيانا أخرى. وينطلق الربداوي من هذا ليقول: «فلو عدنا إلى كلّ من ابن جابر والحلّيّ، وطرحنا السؤال التالي: لماذا اختار ابن جابر بحر قصيدته من البسيط وقافيتها الميمية، ولماذا كانت مخصوصة بمدح الرسول؟؟ أظن أنه لا جواب عنده لهذا السؤال أللهمّ إلّا إذا أجاب بما أجاب به زكيّ مبارك من أن ابن جابر تأثّر بالبوصيري وقصيدته، ولكن هذه الأسئلة تحمل الإجابة في ثناياها من خلال مقدّمة الحليّ الآنفة الذكر، فالذي دفعه إلى مدح الرسول هو تلك الرؤيا التي رآها في منامه كما ذكر هو، وهذه الرؤيا التي رآها الحلّيّ في منامه تذكرنا فورا بمنام البوصيري وتقاضي الرسول المديح منه، فلا غرابة أن ينشط الحلّي بمعارضة البوصيري في قصيدة كقصيدته ما دامت دواعي النظم متشابهة، فلماذا لا يستريح الحليّ من البحث عن بحر وقافية وموضوع لقصيدته ما دام يعيش التجربة نفسها التي عاشها البوصيريّ، فكل ظروف الحليّ تشبه ظروف البوصيريّ، فلذا ما عليه إلّا أن يفرغ معانيه وأفكاره في قوالب مشابهة لمعاني كان غيره قد مرّ بها، وإذا كان ثمّة فرق بين الحلّيّ والبوصيريّ فهو في أنّ الحلّيّ ضمّن قصيدته أنواع البديع، وهذا أمر طالما فكر فيه الحلّيّ، وكان يودّ أن يؤلّف فيه كتابا لولا ما ألمّ به من مرض فمن كل هذا نستخلص نتيجة واحدة وهي أنّ الحلّيّ لديه من مسوّغات السبق في نظم البديعيات أكثر وأرجح مما لدى ابن جابر كما ذهب زكيّ مبارك ومن كل هذا نستطيع أن نحكم بأسبقيّة الحلّيّ على ابن جابر في نظم البديعيّة، ولكن لا نستطيع أن نقول أنّه أوّل من ابتكر فنّ البديعيات» (1).
ولم يكن هذا موقف الربداوي وحده، بل سبقه وشاركه فيه كثير من الباحثين، منهم ابن حجر العسقلانيّ، إذ قال: «ونظم «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى»، على قافية الميم، بديعية على طريقة الصفيّ الحلّيّ» (2)، كذلك فعل ابن حجّة الحمويّ في خزانته، إذ كان يقدّم بيت الصفيّ في الاستشهاد ثم بيت ابن جابر، ثمّ بيت الموصليّ. ودأب دأب ابن حجر وابن حجة كثيرون ممّن أرّخوا للأدب العربي عامّة، فوضعوا صفيّ الدين الحليّ في مقام الرّيادة والأسبقية، ويكاد يتّفق العلماء وجمهور الباحثين في الماضي والحاضر على أنّ صفيّ الدين أوّل من نهض بفنّ البديعيات،
__________
(1) الدرر الكامنة 3/ 430429.
(2) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 190.(1/145)
وحمل لواءه وحاز به قصب السبق، ويتمثل ذلك في بديعيّته التي سمّاها «الكافية البديعيّة في المدائح النبوية»، ومطلعها (من البسيط):
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... واقرا السلام على عرب بذي سلم (1)
ويبدو أن شيوع مصطلح «بديعية» و «بديعيات» لهذا النوع من القصائد مردّه إلى تسمية الحلّيّ لقصيدته: «الكافية البديعية». وبهذا تكون ولادة أوّل بديعيّة كاملة الإنشاء والتكوين على يد صفيّ الدين الحلّيّ.
ويقف بين الموقف الأوّل والثاني أحمد إبراهيم موسى صاحب «الصبغ البديعي» موقفا ثالثا، فيرى أنّ التحقيق في مسألة الأسبقية والابتكار معا على خلاف ما قرّره مبارك وجمهور الباحثين جميعا، فليس ابن جابر، كما ذهب مبارك، وليس صفيّ الدين الحلّيّ، كما جزم الجمهور بأوّل سابق إلى هذا الفنّ، بل كلاهما مسبوق بشاعر مصريّ، أشار إليه الكتبيّ في كتابه «فوات الوفيات» (2)، وهو علي بن عثمان بن علي ابن سليمان الإربليّ الصوفي الشاعر إذ نظم قصيدة مؤلّفة من ستّة وثلاثين بيتا ضمّن كل بيت فيها نوعا من البديع، ومطلعها (من الخفيف):
بعض هذا الدلال والإدلال ... حالي الهجر والتّجنّب حالي (3)
ويرى أحمد موسى في كتابه «الصبغ البديعي» أنّ أمين الدين الإربليّ السليمانيّ هو صاحب المحاولة الأولى في هذا الفنّ الجديد، وله الأسبقية فيه، وأنّ زكي مبارك مسرف في دعواه حينما زعم أن البديعيات متفرعة عن المدائح النبويّة، إذ رأى أن موضوع قصيدة السليمانيّ مدح غير نبويّ وقد استدلّ على أسبقيّة السليمانيّ بما جاء في كتاب ابن معصوم «أنوار الربيع في أنواع البديع» (4) وقد استخلص منه أنّ «للبديعيات ثلاثة أطوار: أمّا الأوّل: فهو طور التأليف، وقد كان ذلك على يد السليمانيّ المتوفّى سنة 670هـ.، في قصيدته البديعية التي نظمها على بحر الخفيف في المدح وعلى رويّ اللام. وأمّا الثاني: فقد كان على يد صفيّ الدين الحلّيّ
__________
(1) البيت في ديوانه ص 685وشرح الكافية البديعية ص 57ونفحات الأزهار ص 12.
(2) فوات الوفيات 2/ 118.
(3) انظر فوات الوفيات 2/ 118والصبغ البديعي ص 377و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 190.
(4) أنوار الربيع في أنواع البديع 1/ 31.(1/146)
المتوفّى سنة 750هـ.، فقد نظم بديعيته على بحر البسيط، وعلى رويّ الميم المكسورة، وفي مدح النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، جاعلا كلّ بيت منها مثالا لنوع من البديع أو أكثر، وفي هذا الطور يظهر أثر بردة البوصيريّ في الوزن والرويّ والغرض. وأمّا الطور الثالث: فقد كان على يد عزّ الدين الموصليّ المتوفّى سنة 789هـ. فقد حاكى الصفيّ فيما صنع وأربى عليه بالتزام التورية باسم النوع البديعي، فذهب بهذا الفنّ إلى أبعد غايات التكلّف والثقل، حتّى لم يستطع مجاراته إلّا القليل من أصحاب البديعيات» (1).
ويرى محمود رزق سليم في كتابه «عصر سلاطين المماليك» أنّ أوّل من نظم الشعر بهذا القيد هو أمين الدين السليمانيّ، غير أنّ الناظر في بديعيّته التي تقع في ستّة وثلاثين بيتا في الغزل والمدح، يحكم أن هذا الفنّ الشعريّ الوليد كان في بدئه لا يزال يحبو، أو كان ذرّة تتلمّس لنفسها وجودا ولمّا يتفجّر ما في باطنها من حياة (2).
وقد أشار شوقي ضيف في معرض حديثه عن نشأة البديعيات إلى بداية هذا الفنّ على يد أمين الدين السليماني الإربليّ، بقوله: «ولا نكاد نمضي بعد ابن أبي الأصبع حتى نجد علي بن عثمان الإربليّ ينظم قصيدة في مديح بعض معاصريه، مضمّنا كلّ بيت منها محسّنا من محسّنات البديع، وبإزاء كلّ بيت المحسّن الذي يشير إليه على كل حال تعدّ هذه القصيدة أوّل قصيدة عني ناظمها بأن يودع كل بيت من أبياتها محسّنا بديعيّا» (3).
وقد أشار محمود الربداوي إلى أسبقية الإربلي، بعد أن حكم بأسبقية الصفيّ على ابن جابر، بقوله: «ومن كل هذا نستطيع أن نحكم بأسبقية الحليّ على ابن جابر في نظم البديعية، ولكن لا نستطيع أن نقول إنّه أوّل من ابتكر فنّ البديعيّات ذلك لأننا نعلم أن شاعرا اسمه الشيخ علي بن عثمان بن علي بن سليمان أمين الدين السليمانيّ الإربليّ الصوفيّ قد نظم قصيدة لاميّة ضمّنها جملة من أنواع البديع، نوعا في كل بيت» (4).
__________
(1) الصبغ البديعي ص 379378.
(2) عصر سلاطين المماليك 6/ 158.
(3) البلاغة تطور وتاريخ ص 360.
(4) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 190.(1/147)
ويشير علي أبو زيد في كتابه «البديعيات في الأدب العربي» إلى أن الإربليّ قد سبق أيضا بمن نظم أنواع البديع في قصيدة، وإنّ اختلفت الطريقة التي سلكها كلّ من السابق والمسبوق، فالفكرة تكاد تكون واحدة، وهي حشد أنواع البديع في منظومة شعريّة، إذ نظم يحيى بن عبد المعطي الزواوي المتوفّى سنة 628هـ.، قصيدة مؤلّفة من أبيات، كلّ عدد منها مستقلّ في وزنه وقافيته، وذكر فيها أوّلا شواهد هذا البديع نظما، يذكر الشاهد ضمن بيت أو بيتين له، ثمّ يذكر بعد ذلك نظما اسم نوع البديع وحده». يقول المؤلف فيها (من الطويل):
وبعد فإنّي ذاكر لمن ارتضى ... بنظمي العروض المجتلى والقوافيا
أتيت بأبيات البديع شواهدا ... أضمّ إليها في نظيمي الأساميا (1)
وسمّى قصيدته هذه: «البديع في علم البديع» (2).
بعد هذا، لا بدّ من الوصول إلى تحديد أول ناظم ولدت البديعية الأولى على يده، وتحديد مواقع الآخرين منه.
فأما موقف مبارك فلا دليل يسانده إلّا ما اجتزأه من مقدّمة شرح الرّعينيّ لبديعية ابن جابر، وذاك لا يكفي ليكون دليلا كافيا على تقديم ابن جابر على صفيّ الدين الحلّيّ، متجاهلا بذلك ثلاثين عاما كانت بين وفاة الحلّيّ ووفاة ابن جابر.
ثمّ إنّ الحجج التي قدّمها محمود الربداوي وجمهور الباحثين، فيها من الإجماع على تقديم الحليّ على ابن جابر الأندلسيّ ما يكفي ويدعم الرأي القائل بتأخير هذا عن ذاك وحسب الحليّ من الأوّليّة أنه كان أوّل من سنّ سنّة بحر البسيط والقافية الميمية المكسورة ومدح الرسول منهجا لبديعيّة، وأوّل من أطلق على هذا الفنّ هذا الاسم في تسميته لبديعيّته «الكافية البديعية»، كما أنّ معظم الذين نظموا البديعيات في القرن الثامن الهجريّ وهم طليعة وروّاد نظّام البديعيات كانوا يعارضون الحلّيّ ويصرّحون بذلك، ولا يقولون أنّهم عارضوا ابن جابر، منهم: شهاب الدين أحمد العطّار المتوفّى سنة 794هـ.، صاحب البديعية المسمّاة «فتح الإلّي في مطارحة الحلّيّ» (3)، وشعبان الآثاري المتوفّى سنة 828هـ.، وصاحب البديعيّات الثلاث:
«بديع البديع في مدح الشفيع» وهي الصغرى، و «العقد البديع في مديح الشفيع»،
__________
(1) فهرس المخطوطات المصورة 1/ 409.
(2) البديعيات في الأدب العربي ص 68.
(3) كشف الظنون 2/ 1231.(1/148)
وهي الكبرى، و «عين البديع في مدح الشفيع»، وهي الوسطى (1)، كما عارضه وجيه الدين العلوي المتوفّى سنة 803هـ.، في بديعيّته المسمّاة «الجوهر الرفيع ووجه المعاني في معرفة أنواع البديع» (2).
بالإضافة إلى ذلك فإنّ صلاح الدين الصفدي المتوفّى بعد الحليّ بأربعة عشر عاما، وهو أستاذ ابن جابر وصديقه الذي طالما سمع أشعاره لم يأت في تآليفه على ذكر بديعية ابن جابر (3)، وهذا ما يرجّح أنّ ابن جابر نظمها بعد وفاة الحلّيّ، وأنّ للحلّيّ الأسبقية عليه في نظم هذا الفنّ.
وأمّا موقف أحمد إبراهيم موسى صاحب «الصبغ البديعيّ»، في جعل الأسبقية والابتكار لعليّ بن عثمان الإربليّ، فلا بدّ له من تدقيق، إذ لا يمكن اعتبار قصيدة الإربليّ بديعيّة، فصاحبها لم يبد لنا غاية أو مسوّغا يحمله على قصد تأليف فنّ جديد.
ثمّ إنّ ذكر اسم النوع بجانب كل بيت من أبيات قصيدته كما أشار إلى ذلك شوقي ضيف يرجّح أن يكون من صنع غيره، كابن شاكر الكتبي وهو أوّل من أشار إليه في كتابه «فوات الوفيات»، وما يقوّي هذا الترجيح أنّ العلّامة أحمد تيمور باشا عندما أشار إلى هذه القصيدة لم يشر إلى وجود اسم النوع بجانب البيت (4) ثم إنّ هذه القصيدة لم تملك من مقوّمات البديعيّة وشروطها إلّا شيئا واحدا وهو جعل كل بيت منها شاهدا على نوع من أنواع البديع، وهذا غير كاف ليجعل منها بديعيّة ثمّ إنّ أحمد إبراهيم موسى كان في قرارة نفسه أميل إلى اعتبار الاسم والريادة من حقّ صفيّ الدين الحلّيّ وبديعيته، لا من حقّ الإربليّ، وذلك في جعله الإربليّ وقصيدته في الطور الأوّل لنشوء البديعيات، وهو طور بدائيّ لم تخرج فيه هذه القصيدة عن طور الجنين لتكون خلقا سويّا.
وخير ما يقال في قصيدة الإربليّ ما قاله محمود رزق سليم من أنّ الناظر فيها «يحكم أنّ هذا الفنّ الشعريّ كان في بدئه لا يزال يحبو، أو كان ذرة تتلمّس لنفسها وجودا ولما يتفجر ما في باطنها من حياة» (5) وهذا ما أكّده محمود الربداوي في
__________
(1) هدية العارفين 5/ 417416وبديعيات الآثاري ص 19.
(2) الضوء اللامع 4/ 153.
(3) انظر نكت الهميان في نكت العميان ص 246244.
(4) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 6564.
(5) عصر سلاطين المماليك 6/ 158.(1/149)
قوله: «ومن كلّ هذا نستطيع أن نحكم بأسبقية الحلّيّ على ابن جابر في نظم البديعية، ولكن لا نستطيع أن نقول أنه أوّل من ابتكر فنّ البديعيات ذلك لأننا نعلم أنّ شاعرا اسمه الشيخ علي بن عثمان الإربلي الصوفيّ قد نظم قصيدة لاميّة ضمّنها جملة من أنواع البديع، نوعا في كل بيت» (1)، فهو يعترف للإربليّ بوضع حجر الأساس في ابتكار هذا الفنّ، إلّا أنه يضع الحلّيّ في مكان الريادة والتشييد والبناء لصرح هذا الفنّ في أوّل قصيدة يطلق عليها اسم «بديعيّة». ثمّ إن كلام ابن معصوم الذي أشار إليه أحمد إبراهيم موسى يوحي بأنّ الإربليّ هو أوّل من نظم قصيدة وأدخل فيها أنواع البديع، ولم يكن أوّل بديعيّ، ثمّ ناقش موقف الصفيّ مع ابن جابر كأول من نظم تلك القصائد على هذا النظام المتّبع في «البديعيات»، إذ يقول: «وأما نظم أنواع البديع على هذا الوزن والرويّ الذي نظم عليه الشيخ صفيّ الدين الحلّيّ فلا أتحقق أيضا أنّ الشيخ صفي الدين هو أوّل من نظم إليه، فإنه كان معاصرا للشيخ ابن جابر الأندلسيّ الأعمى ولا أعلم من السابق منهما إلى نظم بديعيته على هذا الأسلوب» (2).
وقد استدل علي أبو زيد على ريادة الحلّيّ على الإربليّ بأنّ الإربليّ لم يكن أوّل من نظم أنواع البديع، بل سبقه إلى ذلك يحيى بن عبد المعطي الزواويّ المتوفّى سنة 628هـ.، إلّا أنّ تلك المحاولات لم تجد نفعا، ولم تصبح البديعيّة معها خلقا سويّا إلّا على يد صفيّ الدين الحلّيّ (3).
وريادة صفيّ الدين أو أسبقيته على ابن جابر لا تعني بالضرورة أن يكون ابن جابر قد اطلع على بديعية الحليّ وجاراها، بل ربما كان كلّ منهما قد نظم بديعيته دون أن يطلع على صنيع الآخر، وذلك يعود لتشابه بعض الدوافع والعوامل والظروف المهيّئة لظهور مثل هذا الفنّ، وما يؤكد ذلك أنّ حسين بن سليمان الحلبي الطائي مثلا المتوفّى سنة 770هـ.، نظم قصيدة في سبعمئة بيت ضمّت أنواع البديع، سمّاها «زهر الربيع في علم البديع» (4)، دون أن يذكر أحد شيئا من أسبقيّته على ابن جابر.
__________
(1) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 190.
(2) أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم 1/ 3231.
(3) البديعيات في الأدب العربي ص 68.
(4) كشف الظنون 2/ 960.(1/150)
ومع هذا، يبقى صفيّ الدين الحلّيّ أوّل من نهض بفنّ البديعيّات، وحمل لواءه وحاز به قصب السّبق، وتبقى قصيدته هي البديعية الأولى التي أطلقت عقال عشرات الشعراء فيما بعد لكي ينظموا في هذا الفنّ الجديد.
وبعد هذا كلّه، أصبح يسيرا تقدير الزمن الذي نشأت فيه البديعية الأولى من خلال حياة ناظمها الأوّل، إذ كانت ولادته سنة 677هـ.، ووفاته سنة 750هـ. ويشير علي أبو زيد إلى ذلك بقوله: «وبما أنّه أشار إلى أنه نظم بديعيته بعد خوضه بحار العلم والمعرفة، وقراءة الجمّ الغفير من الكتب، وبما أنّ نظم البديعية يحتاج إلى مهارة في نظم الشعر وخبرة فائقة به، وذلك كلّه لا يتأتّى للمرء إلّا على مرور الأيام، والحياة الطويلة، فإنني أقدّر أن تكون أوّل بديعية ظهرت في النصف الأوّل للقرن الثامن الهجري، وفي عقده الخامس» (1).
وبظهور بديعية الحلّيّ، انطلق ركب البديعيات يمخر عباب التراث الأدبيّ في العالم العربي، ويسجّل على صفحاته معالمه وآثاره التي استمرّت إلى عهد قريب (مطلع القرن العشرين) على امتداد نحو سبعة قرون من عمر هذا التراث، وفي مختلف أصقاع الدولة العربية الإسلامية، حتى أضحى بين أيدينا ما يربو على مئة بديعية، كلها تمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتنظم في ثناياها فنون البديع، توارث فنّها الشعراء جيلا بعد جيل، فرغب فيها شعراء النصارى، ونظموا بديعيات في مدح السيد المسيح، عليه الصلاة والسلام، على غرار بديعيات المسلمين، كما انتقلت إلى لغات العالم الإسلاميّ، فنظم شعراء الأتراك بديعيات باللغة التركية، ونظم شعراء فارس أخرى باللغة الفارسيّة، ونظم أهل السند والهند بديعيات باللغة الأورديّة (2).
ولكن يبقى هناك سؤال يتبادر إلى الذهن، وهو: ما الهدف الأوّل من البديعيات، وكيف تطوّر ليصبح فنّا قائما بذاته؟!
من خلال الاطلاع على بدايات هذا الفنّ، يتبيّن لنا أن الهدف الرئيس من نشوء هذا الفنّ هو المدح، بل هو مديح رسول الله محمّد (صلى الله عليه وسلم).
ويؤكد هذا ما جاء في مقدّمة شرح البديعية الأولى لصاحبها صفيّ الدين الحليّ إذ
__________
(1) البديعيات في الأدب العربي ص 70.
(2) انظر البلاغة العربية في ثوبها الجديد (البديع) ص 22ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها ص 224.(1/151)
قال: «فجمعت ما وجدت في كتب العلماء وأضفت إليه أنواعا استخرجتها من أشعار القدماء، وعزمت أن أؤلّف كتابا يحيط بجلّها، إذ لا سبيل إلى الإحاطة بكلّها، فعرضت لي علّة واتفق لي أن رأيت في المنام رسالة من النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يتقاضاني المدح، ويعدني البرء من السقام فعدلت عن تأليف الكتاب إلى نظم قصيدة تجمع أشتات البديع» (1). فما عدوله عن تأليف كتاب في البديع إلّا لوجود هدف أوّل هو المديح الذي جعله يعدل عن الهدف الثاني (التأليف البديعي)، بل جعله يجمع بين الهدفين في وسيلة واحدة هي هذه القصيدة المنظومة، حتى صار التأليف البديعي ضمن قصيدة مدحيّة سنّة سنّها الصفيّ لمن أراد بعده أن ينظم فنون البديع في قصيدة شعريّة وهذا ما يفسّر تسمية قصيدته ب «البديعية» وإطلاق هذه التسمية على ما يليها من «البديعيات» مع ما تضمّنته من المقوّمات والشروط والصفات التي جاء بها لتكون قواعد لنظم البديعيّة.
وهذا ما يدلّ أيضا على أن قصيدة الزواويّ لم تسمّ «بديعيّة» وإن كانت مؤلّفة في علم البديع، ذلك لأنها لم تكن في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولم توافق بمواصفاتها مواصفات «البديعية» التي سنّها فيما بعد الصفيّ وهذا نفسه يدلّ على أنّ قصيدة الإربليّ لم تكن بديعيّة لأنّها كانت في مدح بعض معاصريه، وفق مواصفات أخرى وقيل: في موضوع غزليّ (2).
وهذا لا يعني أنّ كلّ قصيدة في مدح الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، هي «بديعية»، فقصيدة البوصيري وقصيدة كعب بن زهير قبله وغيرهما، لم يطلق عليهما اسم «بديعية» لعدم تعرضهما لأنواع البديع وفنونه.
وإذا كان الحلّيّ قد نهج نهج البوصيري في المديح، فإن شعراء البديعيات قد نهجوا نهج الصفيّ في المديح والتأليف البديعيّ المنظوم، حتى غدت بديعيّته محطّ أنظار جميع من أحبّ هذا الفنّ ونظموه، فراحوا يضعونها نصب أعينهم لمعارضتها والتأليف على نسقها وبهذا تحوّلت البديعية من قصيدة مدحية تتضمن علوم البديع إلى فنّ يجمع بين المدح وعلم البديع كشرط أساسيّ من شروطها، وهذا ما دفع
__________
(1) شرح الكافية البديعية ص 54.
(2) انظر فوات الوفيات 2/ 118ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها ص 224.(1/152)
البعض إلى أن يعرّفها بقوله: «فالبديعيات قصائد اشتمل كلّ بيت منها على لون أو أكثر من ألوان البديع، تمثيلا فقط، أو مضموما إليه التزام التورية باسمه، فهي منظومات في «البديع» تشبه ألفية ابن مالك في «النحو»، أو الشاطبية في «القراءات» (1)»، دون أن يشير إلى أن المديح شرط من شروط تسميتها.
ومهما يكن من أمر البديعيات فإنّ بابها قد فتح على مصراعيه أمام الشعراء، وقد كانت القرون الثلاثة من نشأتها الثامن والتاسع والعاشر قرون ازدهار وتطوّر لفنّ البديعيات، وقد كان ابن حجّة الحمويّ في واسطة عقد هذه القرون، فقبل عصره بقرن أي في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن ظهر فنّ البديعيات يحبو على يد علي بن عثمان الإربليّ، ثمّ نما وترعرع على يد كلّ من صفيّ الدين الحليّ وابن جابر الأندلسيّ وشهاب الدين أحمد العطار وعز الدين الموصليّ ووجيه الدين العلويّ وابن حجاج المعروف ب «عويس»، وفي القرن التاسع ظهرت بديعيات كل من ابن حجة الحمويّ وشعبان الآثاري وابن المقرئ، وفي القرن العاشر نظمت بديعيات كثيرة كانت تتفق في صفات رئيسة هي: أنها نظمت في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، على بحر البسيط، وقافية الميم المكسورة، بالإضافة إلى تضمين كل بيت فيها نوعا من أنواع البديع، وقد يصرّح باسم هذا النوع أحيانا، وقد لا يصرّح في الأحيان الأخرى.
ولو تمّ تجاوز البديعيتين الأوليين: بديعية الحلّيّ وبديعية ابن جابر، واتّجهنا مع تطوّر شكل البديعيات لوجدنا أنّ هناك شيئا جديدا قد طرأ عليها، وكان السابق إليه هذه المرّة هو عزّ الدين الموصليّ المتوفّى سنة 789هـ.، وهو التزام الشاعر بذكر اسم النوع البديعيّ في بيت البديعيّة ويمنحها الاسم، ثم يثني عليها بالشرح أو يشرحها غيره ويسمّي هذا الشرح اسما جديدا، لما في الشرح من ضرورة تلازم البديعيات لجلاء ما غمض فيها من أفكار اضطرّ إليها الشاعر أثناء معاناته لنظم البديعية.
فصفيّ الدين الحليّ سمّى بديعيته «الكافية البديعية في المدائح النبوية»، وشرحها هو وسمّى شرحه «النتائج الإلهيّة في شرح الكافية البديعية»، وكذلك ابن جابر سمّى بديعيته «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى»، وشرحها أبو جعفر وسمّى شرحه «طراز الحلّة وشفاء الغلّة»، وجاء عز الدين الموصليّ فنظم بديعية وشرحها واقترن اسمها
__________
(1) البديع في ضوء أساليب القرآن لعبد الفتاح لاشين ص 202.(1/153)
باسم شرحه: «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع»، ثم تلاه ابن حجّة الحموي فنظم بديعيته التي سمّاها «تقديم أبي بكر» وشرحها، وسمّى شرحه «شرح تقديم أبي بكر» وربّما كانت تسمية «خزانة الأدب وغاية الأرب» لها من تسمياته.
ثمّ تطوّرت عمليّة النظم عند الشاعر، فراح ينظم أكثر من بديعية، كما فعل شعبان الآثاري في نظمه ثلاث بديعيات في غرض واحد ووزن واحد وقافية واحدة، وكما فعل الحميديّ أيضا المتوفّى سنة 1005هـ.، إذ نظم بديعيتين، إحداهما على سنن البديعيات المعروفة، والأخرى تختلف عن سنن البديعيات بكونها على قافية الكاف، ومطلعها (من البسيط):
بديع حسنك أبدى من محيّاك ... براعة تستهلّ البشر للباكي (1)
وهذا الخروج على القافية الميمية المكسورة في بديعية الحميديّ ظاهرة جديدة يدعونا إلى الاستغراب، ولكنّ هذا الاستغراب سرعان ما يزول إذا تذكّرنا أن القصيدة الأولى التي نظمت في فنون البديع كانت للإربليّ على قافية اللام، ومن البحر الخفيف، وموضوعها مدح أحد معاصري الإربلي والغزل. كما أنّ هناك بديعيّة أخرى على رويّ الراء المضمومة للشيخ عبد علي بن ناصر بن رحمة الحوزي، مطلعها (من البسيط):
قلبي وطرفي منصوب ومكسور ... كلاهما مطلق منّا ومأسور (2)
ثمّ إنّ هناك بديعية أخرى شذت عن قاعدة البديعيات، وهي لابن حجاج المعروف ب «عويس»، وقد جعلها على غرار بديعية الصفيّ، إلّا أنها على رويّ الراء المكسورة، ومطلعها (من البسيط):
سل ما حوى القلب في سلمى من العبر ... فكلّما خطرت أمسى على خطر (3)
وكما خرجت بعض البديعيات على القافية الميمية المكسورة فإنّ بعض البديعيات الأخرى قد خرجت على مدح الرسول، إلى مدح غيره من الأشخاص، وهي مجهولة الناظم، مطلعها (من البسيط):
__________
(1) الصبغ البديعي ص 452و «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 192.
(2) سلافة العصر لابن معصوم ص 553546.
(3) شذرات الذهب 7/ 73والضوء اللامع 6/ 152151.(1/154)
عج بالطّلول وعج ربعا بقربهم ... يا حادي النّوق لي رحّب بحيّهم (1)
ومن السمات التي كانت تتّسم بها البديعيّات أنها كانت تحمل أسماء مسجوعة، وغالبا ما تكون السجعة ثنائية مثل: «الكافية البديعية في المدائح النبوية»، و «الحلة السّيرا في مدح خير الورى»، و «العقد البديع في مدح الشفيع»، و «بديع البديع في مدح الشفيع» و «الفتح الإليّ في مطارحة الحلّيّ»، فإذا شرحت اختار الشارح لشرحها اسما ينسجم في سجعته مع سجعة البديعية، فشرح الحميديّ على بديعيته «تلميح البديع في مدح الشفيع» سمّاه «فتح البديع»، وسمّى اختصاره «منح السميع» فأصبح الاسم الكامل لمختصر شرح البديعية بأربع سجعات، وهو: «منح السميع من فتح البديع على تلميح البديع في مدح الشفيع».
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ نظّام البديعيات وشرّاحها، لكونهم كانوا شعراء وأدباء وبلاغيّي عصرهم، جاءت شروح بديعيّاتهم معرضا من معارض الثقافة العامّة، إذ يتّخذ الشاعر منهم شرح بديعيته معرضا لعرض ثقافته الأدبية ومدّخراته من العلوم والشعر والنثر والقرآن والحديث، كما يتخذها مسرحا لإظهار براعته في استبعاد آراء وتقريب أخرى، مدلّلا بين حين وآخر على الجانب الآخر من ثقافته الأدبية باستعراض نماذج من شعره ومقارنتها مع مثيلاتها من الشعر المشابه، فلذا زخرت شروح البديعيات بالشواهد من شعر ونثر وتخريج للآراء البلاغية ومناقشة أحكام السابقين من نظّام البديعيات ونقد ما جاؤوا به من شواهد وآراء بلاغيّة وأحكام نقديّة.
__________
(1) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 193.(1/155)
الفصل الثالث: البديعيات: تعريفها، شروطها، موضوعها، أثرها وقيمتها
1 - تعريف البديعيات، شروطها، موضوعها:
على الرغم من انتشار هذا الفنّ الجديد بين الشعراء على مختلف أرجاء الدولة العربية الإسلاميّة، ولفترة طويلة من الزمن، يكاد أحدنا يدهش عندما يجد أنّ هذا الفنّ الذي طرأ على فنون الشعر العربي، لم يوضع له تعريف ولم تحدّد له أسس دقيقة ومواصفات مميّزة يلتزم بها الشاعر الذي يريد أن يمخر عبابه، أو يسير في ركابه، ومن هنا جاءت بعض البديعيات شاذّة عن جماعتها بميزة أو بأخرى، إلّا أنّ المستقرئ لجميع نصوص البديعيّات والجامع لأخبار ما فقد منها، يلحظ بوضوح أنّ هناك اتّفاقا شبه كامل على أسس ومبادئ محدّدة ومميّزة يتّصف بها هذا الفنّ على الرغم من فقدانه حدّا أو تعريفا. ولعلّ أوّل من أطلق مصطلح «بديعية» على هذا الفنّ الجديد هو صفيّ الدين الحليّ، الذي يعتبر كما أشرت سابقا أوّل من نهض بهذا الفنّ، وأرسى دعائمه، وحمل لواءه، وحاز به قصب السبق، ويبدو ذلك واضحا من خلال إطلاقه هذا الاسم على بديعيته، دون أن يظهر مصطلها ملزما، إذ سمّاها «الكافية البديعية في المدائح النبويّة» وإن دلّت هذه التسمية على شيء فإنما تدلّ على أنّ هذا المصطلح «البديعية» أطلق في أوّل الأمر ليعبّر عن صفة عامة طغت على القصيدة كونها استعرضت فنون البديع ضمن أبياتها، ثم انطلق من حدود تلك الصفة فيما بعد ليدخل في حدود مصطلح واضح المعالم لا يطلق إلّا على مثل تلك القصائد «البديعيّات»، فكان لتلك التسمية أثر كبير في شيوع هذا المصطلح.
إلّا أنّ هذا المصطلح لم يرسخ في أذهان الناس ونفوسهم كمصطلح حتى جاء ابن حجّة الحمويّ واستخدمه لأوّل مرّة، بعد صفيّ الدين الحليّ، قاصدا به ما وضع من أجله، وذلك في خطبة شرحه على بديعيّته، إذ قال: «فهذه «البديعيّة» التي نسجتها بمدحه، (صلى الله عليه وسلم)، على منوال طرح البردة وسمّيتها «تقديم أبي بكر» (1)
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305.(1/156)
ويبدو أنّ ابن حجّة هو أوّل من أرسى حدود هذا المصطلح، فانتشر، وعرفه الناس والشعراء والعلماء، وشرعوا يستخدمونه ويطلقونه على كلّ قصيدة تنتظم في سلك هذا الفنّ.
أقول هذا، لأنّ بديعيّا آخر قبله، وهو عزّ الدين الموصليّ، نظم بديعيّة عارض بها بديعيّة صفي الدين الحلّيّ، فنهج بها نهجه، وزاد عليه بالتورية باسم النوع ضمن البيت، ونظم أخرى خرج بها عن نهجه، فجعلها لاميّة على وزن «بانت سعاد» (1)
وبذلك كان عزّ الدين الموصليّ، أوّل من أضاف جديدا إلى فنّ البديعيّات بالتورية باسم النوع ضمن البيت، وأوّل من خالف قوانينها فنظمها على غير رويّ، وأوّل من سنّ نظم أكثر من بديعيّة من قبل شاعر واحد. ولعلّ خروج عز الدين على بعض ما سنّة الصفيّ في بديعيته، يدلّ دلالة واضحة على أنّ هذا المصطلح «البديعيّة» لم ير النور كمصطلح بلاغيّ حتّى جاء ابن حجّة الحمويّ وسنّه لمن بعده من شعراء البديعيات، وقد أحيا بذلك تسمية الحليّ لبديعيّته، بل لقد سقى تلك البذرة الحلّيّة لتصبح مصطلحا سويّا له معالمه ومميزاته، وإن لم يتجرّأ من يخوض في موضوعه أن يجعل له تعريفا واضحا مميّزا أو حدّا فاصلا ملتزما، على الرغم من انتشاره وسيرورته ومعرفته.
إذا لقد بقي هذا المصطلح «البديعيّة» متجاذبا بين كلّ من أراد أن يلقي نظرة على هذا الفنّ أو يدلي برأي فيه، حسب ما يراه كلّ من وجهة نظره أو جهة تخمينه، حتى لو أردت البحث عن مفهوم هذا المصطلح وملامحه عند العلماء والباحثين على مرور الزمن لوجدت في ذلك بعضا من الاختلاط والغموض، على الرغم من الاتّفاق حول المعالم الأساسيّة له.
فصفيّ الدين الحليّ رسم معالم «البديعيّة» من خلال كلامه عن مضمون قصيدته بقوله: «فعدلت عن تأليف الكتاب إلى نظم قصيدة تجمع أشتات البديع وتتطرّز بمدح مجده الرفيع فنظمت مئة وخمسة وأربعين بيتا في بحر «البسيط» تشتمل على مئة وواحد وخمسين نوعا من محاسنه وجعلت كلّ بيت مثالا شاهدا لذلك النوع» (2).
__________
(1) انظر الدرر الكامنة 3/ 112.
(2) شرح الكافية البديعية ص 5554.(1/157)
وبهذا يكون الصفيّ قد جعل قوام البديعية على أربعة:
أأن يكون موضوعها الأساسيّ مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم).
ب أن تكون قصيدة طويلة (إذ إن قصيدة الإربليّ بلغت ستة وثلاثين بيتا).
ج أن تنظم على البحر البسيط.
د أن يشتمل كلّ بيت منها على نوع بديعيّ أو أكثر، يكون البيت شاهدا عليه.
أمّا ابن حجّة الحمويّ فقد تجافى قلمه عن تعريف «البديعيّة»، ولعلّ معارضته لبديعية الحليّ وبديعية الموصليّ ونهجه ذاك النهج، قد أجزأ عن توضيح أسس «البديعية»، فاكتفى بعد ذلك بوضع الشروط التي يجب أن تتوفّر في مقدمة «البديعية» باعتبارها مديحا نبويّا، وذلك بقوله: «أنّ الغزل الذي يصدّر به المديح النبويّ، يتعيّن على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدّب ويتضاءل ويتشبّب، مطربا بذكر سلع ورامة وسفح العقيق والعذيب والغوير ولعلع وأكناف حاجر، ويطرح ذكر محاسن المرد، والتغزّل في ثقل الردف ورقّة الخصر، وبياض الساق وحمرة الخدّ وخضرة العذار وما أشبه ذلك، وقلّ من يسلك هذا الطريق من أهل الأدب» (1).
وظلّ تعريف «البديعية» قلقا مضطربا حتى عند الباحثين المحدثين، فهذا زكي مبارك يتعرّض لوضع تعريف ل «البديعيات» أثناء حديثه عن أثر البردة في بديعية ابن جابر، فيقول: «لقد ابتكر فنّا جديدا هو «البديعيات»، وذلك أن تكون القصيدة في مدح الرسول، ولكن كلّ بيت من أبياتها يشير إلى فنّ من فنون البديع» (2).
وهذا محمود رزق سليم فيرى أنّ «البديعية منظومة يتوخّى فيها الناظم أن يضمّن كل بيت من أبياتها لونا من ألوان البديع أو أكثر، وهذه هي السمة الأولى الأصيلة في كلّ بديعية» (3).
وهذا حاجي خليفة، في معرض حديثه عمّا ألّف في البديع، يكتفي بالقول:
«ومنها بديعيات الأدباء، وهي قصائد مع شروحها» (4). غير أنّ معنى «البديعية» عند عمر فرّوخ قد اتّخذ منحى آخر، فالبديعية عنده هي المدحة النبويّة، إذ يقول في
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب، باب براعة الاستهلال في النظم 1/ 344342.
(2) المدائح النبوية في الأدب العربي ص 169.
(3) عصر سلاطين المماليك 6/ 157.
(4) كشف الظنون 1/ 233.(1/158)
معرض حديثه عن الشابّ الظريف: «وله شيء من البديعيات في مدح الرسول» (1)، وكذلك أثناء ترجمته للقاسم بن علي بن هتيمل المتوفّى قبل سنة 700هـ.: «وله بديعية في مدح الرسول» (2)، ثمّ حافظ على هذا المعنى أثناء ترجمته للحلّيّ فيقول:
«وإذا نحن استثنينا البوصيري، كان صفيّ الدين أوّل من قصد نظم البديعيات (القصائد في مدح الرسول) أو جعل منها فنّا قائما بنفسه» (3).
أمّا أحمد إبراهيم موسى وعبد الفتاح لاشين، في معرض حديثهما عن تطوّر البديع إلى حدّ أصبح فيه منظوما بشعر مؤلّف من تفعيلات وموازين لا يروق لفظها ولا يفهم معناها، فقد وجدا البديعيات قصائد «اشتمل كلّ بيت منها على لون أو أكثر من ألوان البديع، تمثيلا فقط، أو مضموما إليه التزام التورية باسمه» (4)، بل هي منظومات في «البديع» تشبه ألفية ابن مالك في «النحو» أو الشاطبية في «القراءات» (5).
وقد وقف محمود الربداوي وقفة مع الصفات العامة التي يتّصف به أكثر البديعيّات، فرأى «أنّها تتمتّع بصفات أربع رئيسية:
1 - نظمت في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم).
2 - اختار الشاعر لها البحر البسيط.
3 - جعل القافية ميمية.
4 - ضمّن كلّ بيت فيها نوعا من أنواع البديع، وقد يصرّح باسم هذا النوع أحيانا، وقد لا يصرّح في الأحيان الأخرى» (6).
أمّا شوقي ضيف (7) فقد اقتصر على تكرار ما ذكره صفيّ الدين الحلّيّ عن بديعيّته في مقدّمة شرحه لها.
ولم يبتعد محمد زغلول سلام في تعريفه للبديعيات عن مفهوم زكيّ مبارك، إذ
__________
(1) تاريخ الأدب العربي 3/ 656.
(2) تاريخ الأدب العربي 3/ 692.
(3) تاريخ الأدب العربي 3/ 773.
(4) الصبغ البديعي ص 372والبديع في ضوء أساليب القرآن ص 202.
(5) البلاغة العربية في فنونها ص 13.
(6) «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 189.
(7) البلاغة تطور وتاريخ ص 360.(1/159)
يقول في معرض حديثه عن البردة: «وسار كثير من شعراء العصر على أثر البردة
ولكن صفيّ الدين الحلّيّ ومن تبعه انتهجوا نهجا جديدا في مدائحهم إذ طرّزوها بالبديع، وأسموها «البديعيات»، ضمّنوا كلّ بيت فيها نوعا من البديع، فجعلوها مديحا ومتنا في علم البديع معا» (1).
كما أجزأ محمّد سلطاني عن تعريف البديعية ما ذكره في كتابه (2) عن أزمانها وعددها وغايتها وطرائقها وموضوعاتها وبحورها، متمثّلا بذلك ما جاء في «الصبغ البديعيّ».
وقد عبّر هلال ناجي أثناء تقديمه ل «بديعيات الآثاريّ» عن مفهوم «البديعيات» بقوله: «كانت بردة البوصيري في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) منعطفا ضخما في تاريخ الشعر العربيّ، وقد اندفع إلى محاكاتها وزنا ورويّا وغرضا، عدد كبير من شعراء العربية عبر العصور، مع احتفالهم بالبديع، فأطلق على قصائدهم هذه اسم «البديعيات»» (3).
ثم جاء بكري شيخ أمين بتعريف لهذه البديعيات فقال: «إنها قصائد مطوّلة، تزيد القصيدة الواحدة على خمسين بيتا، وقد تبلغ المئة، أو المئة والخمسين بيتا، وقد تصل أحيانا إلى ما يقرب من ثلاثمئة بيت وحيث إن هذه القصائد جميعا قد اتّفقت على استعراض فنون البديع ضمن أبياتها، فإنّ ذلك هو السبب الذي دعا العلماء إلى أن يطلقوا على القصيدة من هذا النوع اسم «البديعية»، وعلى المجموع اسم «البديعيات»» (4).
ولو عرضت البديعيات على أقوال هؤلاء العلماء والباحثين وتعريفاتهم، لوجدت أنّ هذه التعريفات تضيق عنها تارة وتتّسع أخرى، وفي كلا الحالتين يخرج عدد من البديعيات ويشذّ عنها، إذ لا يمكن أن تقتصر «البديعية» على مدح النبيّ (صلى الله عليه وسلم) دون تعرّضها لأنواع البديع، وإلّا فإنّ جميع المدائح النبوية منذ قصيدة الأعشى تدخل في سلك «البديعيّات»، كما فعل عمر فروخ، ثمّ لم يعد هناك ضرورة لإطلاق عبارة «فنّ جديد» على هذا النوع من الشعر.
__________
(1) الأدب في العصر المملوكي 1/ 231.
(2) البلاغة العربية في فنونها ص 13، وما يليها.
(3) بديعيات الآثاري ص 76.
(4) البلاغة العربية في ثوبها الجديد (علم البديع) ص 1211.(1/160)
أمّا أن تعتبر كل قصيدة بديعية لمجرّد تضمّنها نوعا من أنواع البديع في كل بيت من أبياتها، كما فعل أحمد إبراهيم موسى وغيره، عندما جعلوا قصيدة الإربليّ، وقصيدة عبد علي بن ناصر الحوزيّ، وقصيدة يحيى بن عبد المعطي الزواوي، ورائية ابن نباتة المصريّ (1)، بديعيّات، فذلك يضطرّنا إلى إدخال كثير من القصائد والمقطوعات والأبيات التي قيلت في شيء من البديع ضمن عقد هذا الفنّ، إذ إنّها لا تكاد تخلو من نوع بديعيّ في كلّ من أبياتها.
وأمّا أن تعتبر البديعية قصيدة على بحر البسيط، ورويّ الميم المكسورة، فهذا تشذّ عنه أكثر من بديعيّة.
ولهذا كلّه، يصعب إطلاق تعريف واحد يضمّ جميع «البديعيات»، دون أن تشذّ واحدة، ولهذا يرى علي أبو زيد في كتابه «البديعيات في الأدب العربيّ»: «أن يكون لمصطلح «البديعية» تعريفان اثنان لا واحد، أحدهما عامّ، يشمل جميع «البديعيات» على شيء من التعميم الذي يخرجه عن دقّة التحديد، والآخر خاصّ دقيق، يضمّ التعريف الصحيح للبديعية كما أريد لها أن تكون، وكما سار عليه معظمهم، لا كما آلت إليه عند بعضهم» (2).
أالتعريف العام ل «البديعية»:
«البديعية: قصيدة طويلة في مدح النبيّ ونادرا غيره يتضمّن كلّ بيت من أبياتها نوعا من أنواع البديع، يكون هذا البيت شاهدا عليه، وربّما ورّي باسم النوع البديعيّ في البيت نفسه في بعض القصائد. وعلى هذا الحدّ يمكننا إدخال جميع «البديعيات» ضمنه، دون أن نشير إلى «بديعيات» مخالفة» (3).
ب التعريف الخاصّ ل «البديعيّة»:
«البديعية: قصيدة طويلة، في مدح النبي محمّد (صلى الله عليه وسلم)، على بحر البسيط، ورويّ الميم المكسورة، يتضمّن كلّ بيت من أبياتها نوعا من أنواع البديع، يكون هذا شاهدا عليه، وربّما ورّي باسم النوع البديعيّ في البيت نفسه في بعض القصائد» (4).
__________
(1) مطلعها:
صحا القلب لولا نسمة تتخطّر
ولمعة برق بالفضا تتسعّر
(ديوانه ص 183180).
(2) البديعيات في الأدب العربي ص 45.
(3) البديعيات في الأدب العربي ص 46.
(4) البديعيات في الأدب العربي ص 46.(1/161)
ويتّضح من هذين التعريفين الفرق بينهما، فالتعريف الثاني أكثر تقييدا من الأوّل، إذ إنّه يخرج من دائرته تلك القصائد ذات الأبيات القليلة أوّلا، ثمّ يخرج تلك القصائد التي قيلت في مدح غير الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتي جاءت، رغم ندرتها، في مرحلة زمنية متأخّرة، وينحّي القصائد المنظومة على غير بحر البسيط ورويّ الميم المكسورة، ممّا جاء شاذا عن الأصول الأولى ل «البديعيّات»، وإن كانت تلك القصائد تدخل ضمن البديعيات من باب شذوذ القاعدة في بعض جوانبها إلّا أنّ هذا التعريف، رغم تقييده وضيق دائرته، فإنه يضمّ أكثر البديعيات على اختلاف عصور الأدب العربي، ولا سيّما تلك البديعيات الأصيلة التي اتجهت اتجاها أساسيّا انطلقت منه معظم البديعيات.
أمّا التعريف الأوّل فقد شمل كافّة البديعيات، صحيحها وشاذّها، على اختلاف بحرها ورويّها، إلّا أنه أخرج من دائرته القصائد ذات الأبيات القليلة، والقصائد التي قيلت في غير المديح. ومهما يكن من أمر هذا التعريف، فيمكن أن تستخلص من كلا التعريفين الأسس والشروط والمقوّمات والغاية والموضوع والمضمون والمواصفات التي بنيت عليها «البديعية».
أمّا أسسها وشروطها ومقوّماتها فهي:
أأن تكون طويلة، يزيد عدد الأبيات فيها على الخمسين (1)، وقيل: لا تقلّ عن مئة بيت (2).
ب أن يكون موضوعها الأساسيّ هو المدح، بل مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم).
ج أن تكون منظومة على بحر البسيط، ورويّ الميم المكسورة.
د أن يتضمّن كل بيت من أبياتها لونا بديعيا على الأقلّ، بشكل صريح أو غير صريح، وأن يكون البيت شاهدا عليه.
وكل قصيدة تخلو من أحد هذه الشروط تخرج من سلك «البديعيّات».
وأمّا غايتها وموضوعها فيمكن استخلاصهما ممّا سبق وتلخيصهما بأنّ البديعية هي مديح النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه الأبرار، وهي غاية روحيّة، وغرض شعريّ
__________
(1) البلاغة العربية في ثوبها الجديد (علم البديع) ص 12.
(2) البديعيات في الأدب العربي ص 47.(1/162)
معروف يتضمّن أنواع البديع التي وصل إليها ناظم البديعيّة، وهو غرض علميّ.
وقد لاحظ محمّد سلطاني هذه الغاية وذاك الموضوع في كتابه «البلاغة العربية في فنونها» فرأى البديعيات «شبيهة بالمنظومات العلميّة ذات الغاية التعليميّة، كألفية ابن مالك وغيرها غير أنّ بينها وبين البديعيات فرقا أساسيّا: ذلك أن البديعيات كانت بالإضافة إلى مضمونها العلميّ، تقصد إلى التعبير عن غرض شعري هو المديح، وخاصّة حين يكون هذا المديح نبويّا، فإنّ مشاعر التأثّر والشوق قد تغلب على الشاعر، فتقترب القصيدة أشدّ ما يكون الاقتراب من ميدان الشعر» (1). إلّا أنّ محمد سلطاني (2) جعل غاية البديعية وموضوعها تتوزّعها ثلاثة اتجاهات: المديح النبويّ، والمديح غير النبويّ وفيه بديعيّتان (3)، ومديح عيسى عليه السلام.
ويرى علي أبو زيد (4)، معلّقا على ذلك، أنّ غاية «البديعية» وموضوعها لا يخرجان عن المديح النبويّ والهدف العلميّ، كما يرى أن قصائد المديح التي مدح بها عيسى، عليه السلام، هي من البديعيات المخالفة، وقد تضمّ تحت «المديح النبويّ» إذا لم يقصد التخصيص والدّقة أي عند قصد التعميم ثمّ يرى أن المديح غير النبويّ لا وجود له في «البديعيات» أللهمّ إلّا تلك «البديعية» اليتيمة التي نظمها محمّد ابن محمّد بن عبد الرحمن الهامليّ في مدح شيخه ؤستاذ طريقته، فلا يراها تستحقّ أن تشاطر غرض المديح النبويّ، ثمّ إنّ محمّد سلطاني لم يذكر هذه القصيدة ضمن البديعيّتين التابعتين للاتجاه الثاني (المديح غير النبويّ).
أمّا القصيدة التي ذكر أنّها في مدح غير النبيّ، فهي قصيدة الإربليّ، ويرى أن هذه القصيدة التي ذكرها محمد سلطاني لم تكن بديعية لأنّها سابقة ومساعدة، كما أنّها خالية من جميع أسس البديعية ومقوّماتها سوى أنّ كل بيت من أبياتها يتضمّن نوعا من أنواع البديع. ثمّ يرى علي أبو زيد أن القصيدة الثانية التي يقصدها محمّد سلطاني (5) قد تكون قصيدة عبد علي بن رحمة الحوزي، رغم أنّه لم يذكرها، وهي أيضا، برأيه، لا مكان لها بين البديعيات للسّبب ذاته. إذا، فموضوع البديعيّات هو
__________
(1) البلاغة العربية في فنونها ص 13.
(2) البلاغة العربية في فنونها ص 15.
(3) لعلهما عنده بديعية الإربلي وبديعية ابن عبد المعطي.
(4) البديعيات في الأدب العربي ص 4948.
(5) لعلّ سلطاني كان يقصد بالقصيدة الثانية قصيدة ابن عبد المعطي الزواويّ (المتوفّى سنة 628هـ.).(1/163)
مديح نبويّ عام، غايته بالإضافة إلى ذلك تعداد أنواع البديع والاستشهاد عليها بأبيات البديعيات ذاتها.
وبناء على ذلك، فالبديعيات هي ذاك الفنّ الشعريّ الطريف الذي بزغ في أوائل القرن الثامن الهجريّ، وتلألأت شمسه في سماء التراث العربي الإسلاميّ في القرون الستّة المتتالية، فجمع بين الطرفة والمتعة والفائدة، والذوق والإحساس، كما أنه لا يخلو من الصورة الجميلة والعاطفة الصادقة، والتعبير العفويّ واللمحات الوجدانية المعبّرة، في حين كانت كلّ المنظومات التعليمية السائدة في زمن نموّ البديعيات تخلو تماما مما يمتّ بصلة إلى الوجدان أو العاطفة، إذ كانت تنحت من صميم الفكر وتمزج بقوانين العقل وتصبّ في قوالب شعرية خالية من أيّة عاطفة أو غرض شعريّ إضافيّ. أمّا البديعيات، فعلى العكس من ذلك، فقد حوت إلى جانب الغاية العلمية غرضا شعريّا ينمّ عن عاطفة الشاعر وإحساسه ووجدانه، رغم الخيط التأليفيّ الذي ينتظم كل بيت فيها والذي يطغى على قسمات القصيدة شاء الشاعر أم أبى.
2 - أثر البديعيّات وقيمتها:
أأثرها في الأدب:
إنّ ناظمي البديعيات لم يكونوا شعراء، فحسب، إنّما كانوا شعراء أدباء، قد امتلكوا زمام الأدب من طرفيه: الموهبة الشعريّة، والمقدرة على التأليف، فهذّبت الشاعرية أقلامهم، وقعّد القلم أشعارهم.
وهؤلاء ما كانوا ليكتفوا بنظم البديعيّة، في الغالب، بل كانوا يجعلون همّهم في شروحها، والتنبيه على مستغلقاتها، والإشارة إلى مواطن الاستشهاد فيها، بشرح يطول ويتّسع تارة، أو يختصر ويضيق تارة أخرى. فإن حدث وأغفل أحدهم شرح بديعيّته فإنها ستلقى من يعيد لها ذلك من أصدقائه أو المعجبين به، أو بعض المتطلّعين إلى خوض غمار هذا التيّار الذي ركبه كبار الشعراء والأدباء، ولذلك نجد مجموعة كبيرة من المؤلّفات التي تناولت فنّ «البديعيّات» كوّنت خطّا متميّزا في المكتبة العربية، وجانبا لا يستهان به في التراث الأدبيّ، لما لهذا الجانب من مدلولات وإيضاحات حول هذا الفنّ وموقف أذواق الناس منه، وحول ذلك العصر الذي حضنه منذ بداياته.(1/164)
ثمّ إن مضمون هذه المؤلّفات المتمثّل بما حوته في ثناياها من فنون الأدب شعرا ونثرا، ومن القصص والأمثال، ولمحات النحو والصرف والعروض والنقد والتاريخ، بالإضافة إلى شواهد الشعر، وآيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وغيرها، يحثّ الباحث ويغريه ويدفعه إلى دراسة أثر «البديعيات» في الأدب، التي لم يكن فنّ البديع معها سوى مطيّة لناظمها أو لشارحها ليكشف عن مكنونات صدره ومدّخرات علمه وأدبه. ومن هنا تبدو دراسة أثر «البديعيات» في الأدب تنطلق باتجاهين: أحدهما من حيث كثرة المؤلّفات المنبثقة عن «البديعيات»، ومضمون هذه المؤلّفات، وثانيهما: من حيث الفوائد العلميّة في هذه المؤلّفات وقيمتها.
1 - المؤلّفات المنبثقة عن البديعيّات، ومضمونها:
لقد اقترن فنّ «البديعيات» بفكرة التأليف منذ نشأته، وقد مرّ أنّ ناظمي «البديعيات» كانوا يعكفون على بديعيّاتهم بالشرح والتوضيح، وربّما كان الشرح يطلب من الناظم بعد أن ينظم بديعيّته فيستجيب لذلك، كما حصل مع كثير منهم (1).
وربّما كان صنيعهم هذا إشارة إلى سيرهم على طريق رائدهم الأوّل الحليّ، وهذا ما ساهم في وجود شروح لجميع البديعيّات تقريبا.
وكانت هذه الشّروح التي قام بها الناظمون أنفسهم تنمّ عن غاية أخرى مهمّة حملت عددا من هؤلاء الناظمين على شرح بديعيّاتهم، ألا وهي رغبتهم في عرض بضاعتهم العلميّة إلى جانب أنواع البديع وشواهده، والتفاخر فيما يحملون من مدّخرات فنون الشعر والأدب، وإظهار مقدرتهم على الخوض في غمرة هذا التيّار الفنّيّ الزاخر بالطرافة والعلوم والفنون، وخير مثال على ذلك، ما قام به ابن حجّة الحموي من شرح لبديعيته حتى كانت «خزانة في الأدب»، وما قام به ابن معصوم في «أنوار الربيع في أنواع البديع»، وعبد الغنيّ النابلسيّ في «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار»، وغيرهم، وهذا ما يؤكّد أنّ «البديعية» بما حوته من أنواع البديع لم تكن عند بعض الناظمين سوى مطيّة يتوسّل بها الشاعر لغرض آخر غير الظاهر، ويجعل منها وسيلة للوصول إلى كتاب يجمع فنونا شتّى من الشعر والبلاغة والأدب وغيرها. وهذا يعني أنّ ناظمي البديعيات كانوا في شرح بديعيّاتهم مدفوعين
__________
(1) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 188187.(1/165)
بدافعين اثنين أو بواحد منهما على الأقلّ: أحدهما الجري على عادة الأغلبية وسنّة الشعراء لتوضيح الأنواع البديعية المقصودة (كالحلّيّ، وعائشة الباعونية، وابن المقرئ)، ويترتّب على هذا أن يكون الشرح ضامرا ضحلا، وثانيهما: مجاراة المشهورين في عرض ما يحملونه من بضاعة الأدب وفنونه (كابن حجّة، وابن معصوم، وعبد الغني النابلسيّ).
وهذا لا يعني أن الناظمين جميعهم قاموا بشرح بديعيّاتهم على ذلك النحو، بل إنّ بعضهم قد اجتزأ بنظم بديعيّته عن شرحها، أو قد شرحها شرحا مختصرا، وهذا ما سمح لأصدقاء شعراء تلك البديعيات من الأدباء أن يدخلوا بين الناظم وبديعيّته للقيام بشرحها، واتّخاذها بدورهم مطيّة لإظهار ما عندهم.
وخير مثال على تلك الشروح ما قام به أبو جعفر الرّعينيّ الإلبيريّ الغرناطيّ من شرح لبديعيّة صديقه ابن جابر في «طراز الحلّة وشفاء الغلّة» بعد أن شرح ابن جابر بديعيته شرحا مختصرا في «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى» (1).
بالإضافة إلى هذه الشروح، لقد انبثقت عن البديعيات وانطلقت منها مؤلّفات أخرى تتراوح مضامينها بين النقد والبحث في السرقات والاحتجاج لهذا أو لذاك، إلى جانب المختصرات لتلك الشروح، وشروح الشروح أحيانا، وهذا ما جعل التأليف حول البديعيّات يتشعّب ويتنوّع. وتمثّلت هذه المؤلّفات في موضوعات مختلفة: أحدها المختصرات، وهي قريبة من موضوع الشروح في كونها مظهرا من مظاهر الاهتمام بالبديعيات، يدلّ بوضوح على حجم الحركة التأليفيّة المتنوّعة التي نشأت حولها.
وخير مثال على هذه الشروح ما قام به محمد بن إبراهيم بن محمد البشتكيّ من اختصار لشرح أبي جعفر الإلبيري الرّعيني على بديعية ابن جابر، سمّاه «منتقى شرح بديعية ابن جابر» (2).
وثاني هذه الموضوعات هو النقد، إذ لا بدّ لهذه الحركة الشعرية التأليفية من طبقة من العلماء يهتمّون بالبديعيات فيتابعون قضاياها ويتذوّقون إنتاجها ويتدارسونها، موجّهين لها حينا، وكاشفين عن بعض جوانبها حينا آخر. من كتب هذا الموضوع
__________
(1) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 195193.
(2) مقدمة الحلة السيرا في مدح خير الورى ص 10.(1/166)
«إقامة الحجة على ابن حجّة» لأبي بكر بن عبد الرحمن باعلويّ، وهو في نقد بديعية ابن حجّة الحمويّ وانتقاد عليه بشرح شواهدها (1).
وثالث هذه الموضوعات هو البلاغة، إذ وجد بعض المؤلّفين في «البديعيات» بناء متكاملا قويّا يضمّ مختلف أنواع البديع، فلم يكلّفوا أنفسهم عناء تأليف جديد في علم البديع، بل اتّخذوا من بعض البديعيّات وسيلة للتأليف والتفصيل في فنون البديع. وهذا ما فعله بولس عوّاد في كتابه «العقد البديع في فنّ البديع» إذ اتّخذ من بديعيّة ابن حجّة الحمويّ مادّة لكتابه فأغناه بالشرح والتوضيح لأنواع البديع الواردة فيها، متّبعا في ذلك ترتيب ابن حجّة دون تقديم أو تأخير.
وبهذا يبدو أنّ فنّ البديعيات لم يقتصر على النظم الشعريّ وحده، بل كان فنّا شعريّا بلاغيّا أدبيّا، قامت حوله حركة واسعة من الشروح والمؤلّفات المتنوّعة في فنونها وفوائدها وموضوعاتها.
2 - الفوائد العلميّة في هذه المؤلّفات وقيمتها:
إنّ أحسن ما يقال في الفوائد العلمية والقيمة العالية لمضمون هذه الشروح والمؤلّفات، ما قاله زكيّ مبارك فيها: «ولأكثر هذه البديعيات شروح فيها الوسيط والوجيز والمبسوط، وأكثر هؤلاء الشرّاح من المتفوّقين في العلوم العربية، وفي شروحهم من الفوائد النحويّة والصرفيّة والبلاغيّة واللغويّة والأدبية والتاريخيّة، فنون أكثرها من المستملح المستطاب» (2). وأطلق محمود رزق سليم مثل هذا الحكم على شرح ابن حجّة لبديعيته مبيّنا الهدف من نظم هذه البديعية وشرحها، ولعلّ حكمه هذا ينطبق على معظم شروح البديعيات، إذ قال: «وما عليك إلّا أن تجمع تعريفاته البلاغية ومعها المثل أو المثلان، ثمّ تنحّيهما جانبا عن بقية «الخزانة» لتبدو لك بقيتها مسرحا وضيئا متألّقا مليئا بجولات الأديب الذي فاضت صوره بالأدب اللباب، وسنح خاطره بالنقدات العذاب، وفيها ما فيها من حسن اختيار وسهولة عرض ودقّة تتابع وجمع للمتفرّق المتقارب» (3). فهذان القولان يؤكّدان أن تلك الشروح والمؤلّفات لم
__________
(1) الأعلام 2/ 65ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 140.
(2) المدائح النبوية في الأدب العربي ص 170.
(3) عصر سلاطين المماليك 6/ 165.(1/167)
تتّخذ من البديع وفنونه سوى مطيّة يتوسّل بها الناظم أو الشارح ليحلّق على أجنحتها في فضاء رحب زاخر بالعلوم وفنون الأدب والمعرفة.
وإذا انتقلت إلى مضامين هذه الشروح والمؤلّفات تجد مصداق ذلك، من خلال البناء العامّ الذي بنيت عليه هذه الشروح، والذي يتمثّل في العناصر التالية: البديع، شواهد القرآن الكريم والحديث الشريف، الشواهد الشعرية من مختلف عصور الأدب، الشواهد النثريّة، لمحات نقديّة، فنون مختلفة، وبديعيات.
1 - البديع:
قامت البديعيات منذ نشأتها على فنّ البديع، فمن شروطها الملتزمة أن يتضمّن كل بيت نوعا من أنواعه، لذا فإنّ أوّل ما يقوم به الشارح للبديعية هو التعريف بالنوع البديعيّ الوارد في بيت البديعية، وتوضيح شروطه وأقسامه، وذكر أقوال العلماء في هذا النوع، وقد يعمد الشارح أحيانا إلى التسمية فيفصل في معناها لغة واصطلاحا، ثم يحدّد أقسام النوع ويفصّلها، ذاكرا الفرق بينه وبين ما يمكن أن يشتبه به من أنواع البديع.
ومن هنا نستطيع أن نستخرج من كلّ شرح كتابا خاصّا بالبديع، يشمل أنواعه كلّها وما يضاف إليها من جديد على مرور الزمن، وذلك باستخراج البيت وما يعقّب عليه من شرح وتحديد للنوع. وخذ مثالا لذلك ما قاله ابن معصوم إثر بيته في «اللفّ والنشر» (1) وما قاله ابن حجّة الحمويّ إثر بيته في «التورية».
2 - شواهد القرآن الكريم والحديث الشريف:
لا ننس أنّ الغاية التي قامت من أجلها معظم علوم العربية، ولاسيّما علوم البلاغة، هي القرآن الكريم وتيسير فهمه ومعرفة إعجازه وأحكام تفسيره. وهذا ما أكّده معظم الكتّاب والدارسين، وتردّد كثيرا في مقدّمات شروح البديعيات، وخير مثال على ذلك ما جاء في مقدّمة شرح الكافية البديعية لصفيّ الدين الحليّ، إذ يقول:
«فإنّ أحقّ العلوم بالتقديم وأجدرها بالاقتباس والتعليم، بعد معرفة الله العظيم، معرفة حقائق كلامه الكريم، وفهم ما أنزل في الذكر الحكيم، لتؤمن غائلة الشكّ والتوهيم، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بمعرفة علم البلاغة وتوابعها من محاسن البديع
__________
(1) انظر أنوار الربيع 1/ 355341وخزانة الأدب وغاية الأرب، باب «التورية».(1/168)
اللتين بهما يعرف وجه إعجاز القرآن وصحّة نبوّة محمد (صلى الله عليه وسلم) بالدليل والبرهان» (1).
فليس غريبا بعد ذلك أن تبدأ الشروح بالاستشهاد بآيات من القرآن الكريم، تتبعها أحاديث وإن كانت قليلة من السنّة النبويّة الشريفة، حتّى كادت هذه الطريقة أن تكون سنّة متّبعة، إذ قلّما تجد نوعا بديعيا في أيّ شرح لا يبدأ بشواهد القرآن الكريم والحديث الشريف.
3 - شواهد الشعر:
سبق القول إن كثيرا من شعراء «البديعيات» قد اتّخذوا منها مطيّة لإظهار مكنوناتهم العلمية والأدبية في ثنايا شروحهم، وأكثر ما يبدو ذلك عندما يعقدون الحديث على شواهد النوع البديعيّ، إذ إنّهم لا يكتفون، غالبا، بإيراد البيت أو البيتين، بل يتجاوزون ذلك إلى ذكر مقطّعات كاملة وقصائد طويلة، وقد لا يشبع الشارح نهمه هذا، فيلجأ إلى ذكر ما استحسن لهذا الشاعر أو ذاك، دون أن يكون أحيانا موافقا لموطن الاستشهاد الذي هو فيه، وقد يعنّ له أن يقارن بعض عثرات الشعراء والمستقبح من أشعارهم بما ذكره من المستجاد لهم، على طريقة ابن المعتزّ، فتتوالى الأبيات الشعرية دون أن تقتصر على شاعر أو عصر معيّن، وما يزيد هذه الشواهد الشعريّة أهميّة أنّ الشارح عندما يصل إلى عصره ويستشهد بشعر من يعرفه من معاصريه وأصدقائه، فإنّ ما يورده في معظم الأحيان نفتقر إليه لإغفاله من قبل كتب الشعر والأدب وقد لا نجد له ذكرا في غير هذه الشروح.
ويكفي أن تطّلع على شرح من شروح «البديعيات» المطوّلة، كشرح ابن حجّة مثلا، لتجد خير مثال على ذلك، فلو اطّلعت على باب «التورية» منه مثلا، لوجدت فيه من شعر أصدقائه ومعاصريه ما لم تجده في غير هذا الموضع، ومن هنا تبرز الأهميّة الأدبية لهذه الشروح.
4 - شواهد النثر:
بما أنّ البلاغة بفنونها المختلفة لم تكن مقتصرة على الشعر، وبما أنّ شرّاح البديعيات كانوا من أرباب النظم والنثر، فلا بدّ من أن لا تقتصر شواهدهم على الشعر وحده، إذ وجدوا في النثر مادّة أخرى تكشف عن جانب من جوانب ثقافاتهم، وتنمّ
__________
(1) شرح الكافية البديعية ص 5251.(1/169)
عن طول باعهم وسعة اطّلاعهم، فكادت أمثلتهم النثرية توازي أمثلتهم الشعرية، فاتّخذوا من أقوال الخطباء، وأمثلة الفصحاء والبلغاء، وخطب العلماء، ومناظرات الأدباء مادّة هامّة في الاستشهاد بها إلى جانب الشعر.
وعلى طريقتهم في الاستشهاد بالأشعار، ساروا في الاستشهاد بالنثر، فالشاهد النثريّ قد يكون مثلا سائرا، أو بعض خطبة، وقد يطول الشاهد حتى يتضمّن رسالة كاملة، ولعلّ أوضح مثال على ذلك ما جاء في «خزانة الأدب» لابن حجّة، فهو، مثلا عندما يتحدّث عن «التغاير» يورد قولا لابن أبي الإصبع في بيت أبي تمام ثم يقول:
«وقد عنّ لي هنا أن أرفع للمتأخّرين في التقديم راية ليعلم المنكر الفرق بين البداية والنهاية، فإنّ الشيخ جمال الدين أظهر في المغايرة بين السيف والقلم ما صدق به قول القائل [من الطويل]:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل (1)
من ذلك قوله في رسالة المفاخرة والمغايرة فبرز القلم بإفصاحه وقام خطيبا بمحاسنه في حلّة مداده، والتفت السيف فقال» (2)، ويورد على ذلك الرسالة كلّها رغم طولها.
5 - لمحات نقديّة:
إنّ معظم شرّاح البديعيّات استطاعوا أن يميّزوا أثناء شروحهم بين الحسن والقبيح، والجيّد والرديء، من خلال لمحات وإشارات عديدة، ووقفات فاحصة متفرّقة في أثناء شروحهم، تعبّر عن موقفهم، وتوضّح منهجهم في النقد وتشير إلى ملامح النقد في عصرهم بشكل عام، فما هم إلّا من هذا العصر وأبنائه، وما نقدهم إلّا جزء من نقده. وسيأتي الكلام على هذا في «أثر البديعيات في النقد».
6 - فنون مختلفة:
من المعروف أن شرّاح البديعيات كانوا على ثقافة إسلامية عربية واسعة، فجاءت شروحهم صورة عن هذه الثقافة، إذ تجد فيها الفقه والتفسير والنحو واللغة والعروض والبلاغة، بالإضافة إلى ما سبق ذكره، وكلّها فنون بديعة من «المستملح المستطاب».
__________
(1) البيت لأبي العلاء المعري في سقط الزند ص 193وخزانة الأدب 3/ 218.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب، باب التغاير 2/ 238218.(1/170)
فهذا ابن معصوم مثلا ذكر في شرحه لعائشة رضي الله عنها من أنّ إحدى عشرة امرأة من أهل اليمن جلسن فتعاهدن على أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ثمّ شرع يفسّر غريب هذا الحديث، ويوضّح وجوه المفردات صرفا، ونحوا، وشرحه طويلا (1).
7 - بديعيّات:
وممّا حوته شروح «البديعيات» وحافظت عليه وأفادتنا به البديعيّات ذاتها، إذ إنّ كثيرا من الشرّاح كانوا يجمعون إلى جانب البديعية المشروحة بديعيات من سبقهم أو بعضها، من أجل المقارنة أو المعارضة، ورغبة في إظهار تفوّقهم وتقدّمهم على أقرانهم، فحفظوا لنا هذه البديعيات من حيث لا يدرون ولا يقصدون، حتى كاد بعضها يكون مفقودا لولا وجودها في هذه الشروح، ولعلّ ابن حجّة الحموي من أوائل العاملين على هذا عندما جمع في شرحه ثلاث بديعيات إلى جانب بديعيّته، ثم توالى بعده كثير من الشرّاح على هذا.
وبناء على هذا المضمون لشروح «البديعيّات» وتلك الطريقة التي استخدموها في شروحهم، يمكن تصنيف شرّاح «البديعيّات» ضمن أتباع المدرسة الأدبية البلاغية في تاريخ التأليف البلاغيّ عند العرب، وبذلك ينطبق عليهم قول أحمد مطلوب: «وأكثر رجال المدرسة الأدبية إكثارا مسرفا من الشواهد والأمثلة الأدبية نثرا وشعرا، وكانوا، غالبا، ما يذكرون القاعدة بسطر أو سطرين، ويأتون بأمثلة تتجاوز الصفحات. ولم تكن أمثلتهم مقصورة على الجملة أو بيت الشعر، وإنّما تعدّتها إلى القطعة الشعرية، وإلى الرسالة الأدبية، ويتضح هذا في جميع كتب [هذه] المدرسة» (2).
بيد أنّه يلاحظ أنّ شروح هذه البديعيّات، بالإضافة إلى كونها غير متساوية في القيمة والمكانة في المضمون، قد خلت، أو كادت، من السيرة النبوية مع أن قصائدها «البديعيات» قد نظمت في مدح صاحبها (صلى الله عليه وسلم)، ولعلّ ذلك يعود إلى الغاية المرجوّة من تلك الشروح التي تمثّلت في عرض الشرّاح لبضاعتهم ونشرها في أسواق الأدب كما خلت تلك الشروح من شرح معنى بيت البديعيّة، وقلّ من شذّ عن هذه القاعدة، مثل أبي جعفر الرعيني الإلبيريّ، في شرحه لبديعية ابن جابر المسمّى ب
__________
(1) انظر أنوار الربيع 3/ 197181.
(2) دراسات بلاغية ونقدية ص 21.(1/171)
«طراز الحلّة وشفاء الغلّة» إذ خصّص لكلّ بيت منها فقرة يبدأها بشرح المعنى الذي ينضوي عليه البيت، وهذا ما حمله على الحديث بين الفينة والأخرى عن السيرة النبويّة (1).
ب أثرها في النقد:
إذا كانت «البديعيات» قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالأدب، إضافة إلى كونها فنّا شعريّا متميّزا، فإن ارتباطها بالنقد كان أوثق، نظرا لتلازم النقد والأدب، إذ لا نقد دون أدب، ولا أدب دون نقد، ونظرا لتناولها أحد أسس النقد الأدبي وهو فنّ البديع.
ولعلّ كثرة المواقف التي كانت معها أو ضدّها هي التي جعلتها تعيش نحوا من سبعة قرون من حياة التراث الأدبيّ، ويتوارد كبار الأدباء والشعراء على مواردها ومناهلها.
لذا، لا بدّ من تبيان أثر «البديعيات» وما دار حولها من شروح في الحركة النقديّة في زمنها، إذ كان في «البديعيات» وشروحها مادّة خصبة متنوّعة تغذّي تلك الحركة النقديّة القويّة التي انطلقت منها.
1 - الحركة النقدية حول البديعيات:
وتتمثل هذه الحركة النقدية في مجموع مواقف الناس، على اختلاف طبقاتهم، من البديعيات، وما ألّف من كتب في هذه المواقف النقديّة.
1 - موقف الخاصّة:
لقد شاعت البديعيات بين الناس وانتشرت بين الشعراء، ولاقت من الإقبال عليها والتقبّل لها ما لم يجده فنّ شعريّ سواها، ولعلّ ذلك كان نتيجة لما تتضمّنه من نفحات دينيّة، اكتست بزخارف العصر وألوانه وزركشاته. وما يؤكّد ذلك أمران:
أحدهما: أنّ الشاعر كان إذا بلغ من الشهرة غايتها ومن المقدرة الشعرية والنثريّة أوجها، عمد إلى نظم بديعيّة، وكأنّه يدلّل بذلك على تمام شاعريّته واكتمال شهرته.
وهذا ما يفسّر كون معظم شعراء «البديعيات» أعلاما بارزين في ميدان الأدب يشهد لهم بذلك عصرهم ونتاجهم، مثل صفيّ الدين الحليّ، وابن جابر، وابن حجّة
وثانيهما: أن كثيرا من أولي الأمر وأرباب المناصب، كانوا يطلبون من الشعراء
__________
(1) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 213212.(1/172)
أن ينظموا «البديعيات»، ولعلّ هذا الطلب كان ابتغاء التقرّب من جمهور الناس، والظهور أمامهم بمظهر التّقى في عصر كان يستهوي الناس مثل هذا المظهر ويخفّف من سخطهم على أفراد الطبقة الحاكمة. وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على أنّ للمقياس الدينيّ أثرا في الفكر السائد آنذاك، وهذا ما يجعله يرتبط بشكل أو بآخر بمفاهيم النقد ومقاييسه في ذلك العصر. وإذا نظر بعضنا اليوم إلى أن البديعيات «منذ أن ولدت إلى أن قضت، صناعة من العبث، أضعفت من الشعر، وهدّت من قوّته، وأزرت من مكانته، وأوردته موارد التكلّف والتعمّل الثقيل» (1)، فذلك لأنّ مفاهيمنا النقدية اليوم غير مفاهيمهم، وإن كانت امتدادا لموروث ثقافيّ وبيئيّ واحد.
لذلك يرى علي أبو زيد في كتابه أنّ «البديعيات» قد وافقت بيئتها من جهتين على الأقلّ:
أولاهما: الحسّ الدينيّ الذي كان يسيطر على جميع طبقات الشعب.
ثانيتهما: الذوق العام المائل إلى الزخرفة والتنميق في كلّ شيء، وهذا ما جعل البديعيات وما أتت به من أنواع بديعية تتطابق مع الملامح الفنيّة السائدة في ذلك العصر.
وليس غريبا بعد هذا أن يطلب السلطان أو الحاكم من أحد الشعراء أن ينظم بديعيّة، وهذا ما جرى مع الشاعر ابن المقرئ عندما طلب منه الملك الناصر نظم بديعية ليتقرّب بهذا الطلب من الناس (2)، ومع غيره من الشعراء، مثل ابن حجّة، إذ نظم بديعيته استجابة لرغبة صاحب ديوان الإنشاء محمد بن البارزيّ الذي أعانه عليها ورافقه في نظمها حتى النهاية (3).
ويقابل هذا الموقف موقف الشعراء أنفسهم الذين بلغت «البديعيات» عندهم مكانة مرموقة جعلتهم يعتبرونها مثلا عاليا ويحملونها هدايا نفيسة يتقرّبون بها من أولي الأمر في أحوال مختلفة.
فمحمّد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهامليّ مثلا، رأى في بديعيّة
__________
(1) الصبغ البديعي ص 372.
(2) البديعيات في الأدب العربي ص 220219.
(3) انظر خطبة المؤلف في خزانة الأدب 1/ 306303.(1/173)
ينظمها في مدح شيخه خير سبيل للتقرّب إليه وإظهار الإخلاص له والزلفى بين يديه، فنظمها، مغايرا في مضمونها، جاعلا هذا المضمون خالصا في مدح شيخه (1).
إذا، لم تبق «البديعيات» مجرّد فنّ شعريّ معهود، بل خرجت إلى دائرة النقد، وما ذاك القبول والإقبال عليها من قبل الخاصّة والعامّة إلّا موقف له دلالته النقديّة الواضحة.
2 - موقف العامة:
يتّضح من خلال موقف الخاصة من البديعيات، أنّه لولا حبّ العامة لهذا الفنّ وتعلّقهم به لما تقرّب أولو الأمر به إليهم، ولولا ذلك أيضا لما أقدم كبار الشعراء، آنذاك، على نظمها، ولما جعلوها غاية وذروة لا يستطيع بلوغها إلّا المقتدر، ولما استطاع هذا الفنّ الطريف أن يعيش سحابة سبعة قرون من عمر تراث هذه الأمّة، وأن ينتشر في معظم أصقاعها.
وربّما كان للاتجاه الدينيّ الذي رافق هذا الفنّ من أثر بالغ في قبول الناس للبديعيّات، إذ صادف هذا الفنّ هذه النزعة الدينية المسيطرة على نفوس الناس في عصر هم بحاجة ماسّة فيه إلى بعث جديد للأمّة بعد أن سيطر عليها من لا يستحقّ قيادتها، فعاث فيها فسادا، وقد وجد الناس في البديعيات، كونها مدائح نبويّة، ملاذا يرجون به الخلاص، إلى جانب ما وجدوا فيها من غرض تعليميّ جديد، فلاقت منهم آذانا مصغية وقلوبا واعية.
يتّضح ممّا سبق أن فنّ «البديعيات» لم يكن مقتصرا على خاصّة الناس والشعراء، بل كان فنّ الناس جميعا على اختلاف طبقاتهم، ففهمه خاصّتهم، وترنّم به عامّتهم، وهذا يدلّ دلالة واضحة على الحركة النقدية التي كانت تدور حول هذا الفنّ.
3 - كتب ومؤلّفات في نقد البديعيّات:
لم تقتصر الحركة النقدية على الموقف التذوّقيّ المتمثّل في قبول هذا الفنّ والإقبال عليه، بل تعدّته إلى مرحلة التأليف في نقد هذا الفنّ، فظهرت كتب ومؤلّفات هي، على قلّتها، ظاهرة وأثر من الآثار النقديّة لهذا الفنّ. من هذه الكتب:
«الحجّة في سرقات ابن حجّة» للنواجيّ و «الحجّة على من زاد على ابن حجّة في علم البديع» لعثمان بك الجليليّ و «إقامة الحجة على التقيّ ابن حجّة» لأبي بكر بن
__________
(1) هدية العارفين 2/ 399والبديعيات في الأدب العربي ص 222.(1/174)
عبد الرحمن العلويّ و «سرقات ابن حجّة» لمجهول (1)، ولعلّ هذا الكتاب هو نفسه كتاب النواجيّ، وذلك لتطابق معنى العنوانين.
ولعلّ النواجي، تلميذ ابن حجة، قد تطرّق في كتابه هذا إلى بديعية ابن حجّة لما عرف عنه من انقلاب عليه وبغض له، فيكون للبديعيات أثر فيه.
أمّا الكتاب الثاني «الحجّة على من زاد على ابن حجّة في علم البديع» لعثمان بك الجليليّ الموصليّ، فإنّ صاحبه يحدثنا في مقدّمته عن غايته فيقول: «وكنت قد طالعت فيما تدون فيه [أي في البديع] بديعيّة الأديب النبيه تقيّ الدين بن حجّة الحموي، رحمه الله تعالى، فإنّه وإن أكثر الشواهد فيها والتعريفات إلّا أنّه، كما قيل، كم ترك الأوّل للآخر، فإنّه متقدّم على من جاء بعده من الأدباء، وقد جاءت بعده عصبة كالجلال السيوطيّ العالم الفاضل ومن تبعه ممن بعده، واخترعوا فيه أنواعا، ثمّ جاء الحميديّ فخرج عن الجادة المقبولة لقبوله الأنواع البخسة إلى زمان شيخنا محمد أمين الدين العمريّ بن خير الله الخطيب والشيخ محمد الغلاميّ، رحمهما الله تعالى برحمته فلم تزل تتزايد هذه الأنواع من أوّل الأمر إلى أن خبط فيها خبط عشواء فعنّ لي أن أستخلص منها ما زاد على بديعية التّقيّ من الصحيح المقبول ونترك الضعيف المعلول، وبحسب عقلي القاصر ألحقهم ببديعية ابن حجة علما بأنّه لو رآهم من كان له ذوق من جهة الأدب لاستحسن ذلك منّي وأخذه عنّي» (2).
فقد حدّد الجليليّ هنا غايته ودوافعها المتمثلة في البحث عن الجديد من أنواع البديع التي زادت على بديعية ابن حجّة، ومحاولة غربلتها لتمييز الجيّد من السيّىء، ومن ثمّ البحث عنها في بديعية ابن حجّة أو إلحاقها بها، ثمّ قال: «فالنوع الذي رأينا له شاهدا من أبياتهم حرّرناه، والذي لم نر له شاهدا نظمنا له بيتا مستقلّا» (3).
ثم يستعرض الجليليّ مجموعة من الأنواع التي زيدت بعد ابن حجّة ولا سيّما في بديعيات السيوطيّ والحميديّ والعمريّ والآثاريّ، أو من مخترعات عصره، ومخترعاته هو أحيانا كان يعتمد في عمله هذا على نقد الأنواع المزادة أحيانا، وعلى
__________
(1) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 225.
(2) الحجة على من زاد على ابن حجة ص 14.
(3) الحجة على من زاد على ابن حجة ص 15.(1/175)
البحث والكشف والتوضيح والتعريف أحيانا أخرى (1). ولعلّ عثمان الجليليّ أراد أن تكون طريقته النقدية هذه دفاعا عن بديعيّة ابن حجّة الحمويّ، وتقديما له حتى على المتأخرين، معتمدا في نقد بديعيته على سواها من البديعيات ليعود بنقده إليها.
وهناك كتاب آخر يبدو أنه قد ألّف ردّا على كتاب الجليليّ، وهو «إقامة الحجة على التقيّ ابن حجّة» لأبي بكر بن عبد الرحمن العلويّ، وقد تجاوز به صاحبه العمل النقديّ المتمثّل في قبول العمل أو ردّه دون تحليل، وبذلك تجاوز مرحلة النقد الذوقيّ.
ولقد عمد أبو بكر بن عبد الرحمن العلويّ إلى بديعية ابن حجة الحموي وبدأ بتحليلها ونقدها معتمدا على نهج علميّ وضعه لنفسه لإظهار ما في هذه البديعية من خلل وضعف وسرقة، وفي الوقت نفسه كان يعترف لابن حجّة بكلّ حسن أتى به من خلالها، ولم يبخسه حقّه، وطالما أكبر بديعيّته وعدّها من مناقبه، وممّا لم يستطع أحد مجاراته بها. وقد اتّبع طريقة واضحة في نقده لبديعية ابن حجة، فيذكر بيت البديعية أوّلا، ويبدأ بتحليله ونقده، من حيث السرقة أو الركاكة والغوص في مضمون البيت.
ولو رجعنا إلى محاكمته بيت ابن حجّة في «الجناس الملفّق» ورضاه عن بيته في «الاكتفاء» (2) لوجدناه يسلك طريقا نقديّة هي أشبه بطرق النقد الموضوعيّ الحديثة، وما يدلّ على موضوعيّته هذه في نقده أنّه كثيرا ما كان يقف أمام بيت من أبيات البديعية عاجزا عن فهمه فيتركه ويكل أمره إلى غيره دونما حكم صريح، فيقول مثلا في شرح شطر من بيت «الجمع»: «حاولت أن أفهم معنى عجز هذا البيت فلم أوفّق له» (3).
وبهذا يكون كتاب أبي بكر العلويّ استجابة للحركة النقدية التي دارت حول البديعيات في عصره، وقد أنار بدوره طريقها بومضات نقديّة فاحصة من خلال بديعيّة هي من أهمّ بديعيات هذا الفنّ، وقد يستطرد أحيانا إلى بديعيات أخرى سبقت ابن حجّة أو جاءت بعده عندما تدعو الحاجة لذلك.
2 - الحركة النقديّة في شروح البديعيّات:
لم يقتصر أثر البديعيات في الحركة النقدية على ما دار حولها من آراء ومواقف وقضايا، بل كان لها دور آخر من خلال شروحها التي نستشفّ في ثناياها ملامح
__________
(1) وانظر المصدر السابق ص 2724، 67.
(2) انظر إقامة الحجة ص 6، 25.
(3) إقامة الحجة ص 48.(1/176)
نقديّة تمثّلت في الأمور التالية:
1 - الملامح النقديّة في البناء العامّ للشروح:
من خلال ما سبق من الكلام على مضمون الشروح، يبدو أن هذه الشروح كانت تعتمد على الفنون البديعية بادئ الأمر لتنطلق منها إلى جمع أجمل وأطرف شواهد الشعر والنثر، وأكثرها دورانا على الألسنة ومناسبة للاستشهاد بها، مع التعريج أحيانا على المستقبح المرذول من الشواهد. وكانت عملية جمع هذه الشواهد وانتقائها من رياض الشعر والنثر خاضعة لعملية نقديّة هامّة، فالشواهد كثيرة والشارح أمامها مختار بارع، يختار منها ما يروق له ويجد فيه بغيته مما يناسب كلامه، سواء من حيث جودة الشاهد وجماله وإصابة صاحبه، أو من حيث رداءته وسماجته وكبوة صاحبه به، ثم لا يكتفي بعرض ذلك على القارئ بل يقرنه بعبارات متنوّعة تدلّ على قيمة هذا الشاهد، إذ كثيرا ما يتردّد على ألسنة هؤلاء الشرّاح مثل هذه العبارات: «ومن محاسن هذا الفنّ»، و «وهذا أحسن ما سمعت»، و «ومن براعاته»، و «وممّا يستقبح»، و «وممّا يؤخذ عليه» إلى غير ذلك من هذه العبارات الحكمية النقديّة. ومثل هذه العبارات كثير في شرح بديعية ابن حجّة الحمويّ وفي غيرها من الشروح (1)، التي يلاحظ فيها أنّ هؤلاء الشرّاح كانوا يخرجون بين الحين والآخر عن طريقة التذوّق المحضة والحكم بالجمال والحسن أو القبح والردّ دون توضيح سبب ذلك، إلى تعليل هذا الحكم وإظهار دوافعه وتبيان مواطن الجودة والضعف فيه، وفي ذلك ما يدلّ على لمحات نقديّة قد ترتقي أحيانا لتصل إلى مرتبة النقد المنهجيّ الموضوعي، وقد تنحطّ أحيانا أخرى لتعود إلى البدايات الأولى للنقد المتمثّلة في عبارات «ما أحسن» و «ما أقبح» و «ما أجمل» دون أي تعليل. لذا كانت كلّ هذه اللمحات النقديّة تزيّن شروح «البديعيات» ولا سيّما المتّسع منها، لتغنيها وتلوّنها، ولنقف من خلالها على فنّ من فنون التأليف الأدبيّ في ذاك العصر حيث امتزجت فيه فنون الأدب: شعرا ونثرا ونقدا.
2 - الملامح النقديّة في عمل الشرّاح:
ظهرت في شروح البديعيات ظاهرة «التتبّع»، وهي ظاهرة ليست غريبة عن الفكر
__________
(1) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 234233.(1/177)
التأليفيّ في التراث العربي الإسلاميّ عامة، ولا سيّما في عصر نشوء «البديعيّات» وازدهارها. فكثيرا ما نصادف، في أيّ كتاب من التراث العربي الإسلامي وخاصة في شروح البديعيات، موقفا للكاتب أو الشارح، يتعرّض من خلاله لمؤلف عاصره، أو سبقه، فيتعقّبه في قضيّة ما، ويتتبّع أخطاءه فيها، فيردّ رأيه، أو يخطّئه فيه، أو يحدّ منه، أو يوافقه ويزيد عليه وكثيرا ما نجد ذلك عند من كان على شيء من الزهو والاعتداد بالنفس والحدّة في الموقف، أمثال ابن حجّة الحمويّ، وابن معصوم المدنيّ، والشيخ عبد الغني النابلسيّ.
فابن حجّة الحموي قد صرّح منذ البداية في خطبة شرحه لبديعيته أنه إنّما نظم بديعيّته وأمامه بديعية الصفيّ وبديعية الموصليّ وبديعية ابن جابر، وهو ينظر إليها نظرة الناقد المتفحّص، الباحث عن خبايا جمالها ومواطن ضعفها، ليستطيع بذلك أن يتدارك نقصا سبق، وأن يبزّ غيره بجمال وفضل إجادة، فينطلق يسابق هؤلاء مخلّفا وراءه كلّ من سبقوه إلى هذا الفنّ، وقد أعانه على ذلك صديقه الأديب المعروف محمد بن البارزيّ الذي حثّه على نظم بديعيّته. ومن هنا جاء تتّبعه لهؤلاء الشعراء في بديعيّاتهم ومقارنة عمله بأعمالهم مستعينا بمشورة صديقه إذ قال: «فاستخار الله مولانا الناصري ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحلّيّ برقّة السحر الحلال، الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيّد البيت فيرسم لي بهدمه ويقول: بيت الصفيّ أصفى موردا، وأنور اقتباسا، فأسنّ كلّ ما حدّه الفكر، وأراجعه ببيت له على المناظرة طاقة، فيحكم لي بالسبق وينقلني إلى غيره، وقد صار لي فكرة إلى الغايات سبّاقة، فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيّدا بتسمية النوع، وهو من ذلك محلول العقال» (1).
وما يلاحظ من هذا القول أنّ هناك عملين اثنين كانا يرافقان نظم كلّ بيت من أبيات البديعية، أوّلهما: تتبّع ابن حجّة لمن سبقه وإعمال نفسه في التفوّق عليه وثانيهما: الموقف النقديّ المتمثّل في عمل ابن حجّة أوّلا، وفي حكم المعروض عليه (ابن البارزي) ثانيا، إذ كان يشير عليه بالقبول أو بالإعادة بعد مقارنته بأبيات
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305.(1/178)
الحلّيّ والموصليّ. ومن ينظر في شرح ابن حجّة منذ المطلع يجد ابن حجة لم يترك هنة من هنوات الصفيّ والموصليّ إلّا شهّر به وأعلنه وتجاوزه إلى ما هو أحسن، مزهوّا بمقدرته وإجادته وتفوّقه في كلّ كلمة من كلمات بديعيّته، وحتّى في شعره ونثره الذي لا يمتّ إلى «البديعيّات» بصلة. وإنك لتجد ذلك في كل باب من أبواب شرح بديعيته.
هذا المنهج الذي اعتمده ابن حجّة في تتبّعه من سبقه مع الزهو الذي تميّز به لم يرق لكثير من المؤلّفين والنقّاد، فوقفوا له بالمرصاد، وسلّوا سيوف النقد عليه وعلى إنتاجه، يغربلونه وينخلونه باحثين فيه عن كل هنة، ومن هؤلاء الشيخ عبد الغني النابلسيّ، وهو من أكثر الناس اعتراضا وأشدّهم غضبا على ابن حجّة، إذ لم يقدر أن يخفي ازدراءه وانتقاده في «نفحاته» لابن حجّة، إذ قال: «ثمّ شرح قصيدته شرحا أخذ فيه بأذيال الإطالة، وألبسه حلل السآمة والملالة، وتشدّق في عباراته، وأفحش في إشاراته، مع ما في أبيات قصيدته من الركّة والقلاقة، واختلاس كلمات غيره بحسب ما عنده من الفاقة» (1). وبدأ النابلسيّ بعد ذلك يتتبّع ابن حجّة لا في بديعيته وحسب، بل في انتقادات ابن حجّة لغيره ولسابقيه من ناظمي «البديعيات»، ينقّب عن سرقاته، ويتقصّى هنواته وعثراته ومجانبته للصّواب، فوجد عدم تعرّض ابن حجّة لمطلع الموصليّ، يعود إلى أنّه قد سرقه منه، وهذا ما دفعه منذ البداية إلى أن ينال منه، فقال: «وقد دخل هذا البيت فكر ابن حجة فسرق من مصراع الباب» (2). ولم يكتف النابلسيّ بتتبّع ابن حجة، بل تعدّاه إلى كلّ من ذكر له بديعية في شرحه، فتتبّع بديعياتهم وعلّق عليها وانتقدها، مظهرا محاسنها أحيانا ومساوئها أحيانا أخرى.
ولم يكن ابن معصوم المدنيّ بأقلّ من عبد الغني النابلسيّ تطلّعا إلى التقدم والسبق والتفوّق، فإذا كانت بديعية ابن حجة عند الأغلبية من أجود «البديعيات» فإن ابن معصوم نظم بديعيّته «التي فاقت بديعيّة ابن حجّة فلو أدركها لما قامت له معها على تزكية نفسه حجة» (3)، ففي أثناء نظمه وشرحه لبديعيته تظهر فكرة المقارنة بين
__________
(1) نفحات الأزهار ص 3.
(2) نفحات الأزهار ص 12.
(3) أنوار الربيع في أنواع البديع 1/ 28.(1/179)
بديعيته وما سبقها من البديعيّات كبديعية الصفيّ، وبديعية ابن جابر، وبديعية الموصليّ، وبديعية ابن حجّة وغيرهم، ليؤكّد للناظر أن لا فضل للسابق على اللاحق إلّا بما يستحقّ. وترى ظاهرة التتبّع عنده منذ بداية الشرح حتى نهايته (1).
وهؤلاء الثلاثة «ابن حجّة، والنابلسيّ، وابن معصوم» كانوا أكثر تعصّبا لما عندهم، وأشدّ هجوما على غيرهم، وبحثا عن عثرات من سبقهم واقتناصا لكبواتهم، والتشهير بهناتهم إلى درجة التفريط.
ويلي هذه الطبقة من المتتبّعين المتعصبين طبقة أخرى أكثر موضوعية ومرونة وأقلّ تحاملا من الطبقة الأولى، من ممثّليها: قاسم البكرجيّ، وأبو الوفاء العرضيّ (2)، إذ تتبّع الأوّل منهما في شرحه عبد الغنيّ النابلسيّ في تعقّبه لابن حجّة في بديعيّته وشرحها، كما تتبّع غيره أيضا من أصحاب البديعيات، في حين اكتفى الثاني بالنقد الرزين ومحاولات الاعتذار عن زلّات الآخرين، والتغاضي عنها، مشيرا بهدوء إلى موطن الضعف عند من يتجرّأ على تخطيء الناس ونسيان نفسه.
إذا، إنّ الملامح النقدية المستقاة من البناء العام لتلك الشروح وغيرها، ومن ظاهرة التتبّع في عمل الشرّاح تشكّل صورة عن الحركة النقديّة التي تتراءى لنا من خلالها، لعلّها من أهمّ صور النقد الأدبيّ في مرحلة ممتدّة على مدى سبعة قرون من مراحل التراث العربيّ.
3 - ملامح نقديّة عامّة:
لم تقتصر الحركة النقديّة على الملامح المستقاة من خلال بناء الشروح العام، وتتبّع الشرّاح فيها لبعضهم، بل كانت تمرّ لمحات نقدية عامّة تلوّن شروح «البديعيات» بها وتوضّح شيئا من معالم النقد العامّة وأسسه وطرقه في ذلك العصر.
فهناك تتبّع للسرقات الشعرية، خارج نطاق «البديعيات»، إذ كثيرا ما كان الشرّاح يشيرون إليها ويفضحون أمر مرتكبها، مبرهنين بذلك على سعة اطّلاعهم وتنوّع معرفتهم، وقدرتهم على النقد والتتبّع والتمحيص. وهذا ما نجده مثلا عند ابن حجة الحموي في خزانته ولا سيما أثناء كلامه على سرقات جمال الدين بن نباتة المصري
__________
(1) انظر أنوار البديع في أنواع البديع 1/ 29، 91، 9593.
(2) انظر في تفصيل ذلك البديعيات في الأدب العربي ص 244241.(1/180)
من علاء الدين الوداعيّ، فيورد مجموعة من الأبيات التي أخذها ابن نباتة منه (1).
وهناك لمحات نقديّة ومواقف صريحة من أنواع البديع نفسها، إذ كثيرا ما كان الشرّاح يصرّحون بجودة نوع ما واستحسانهم له وإعجابهم به، أو إلى أنّهم ما نظموه إلّا سيرا على عادة الغير أو من أجل المعارضة، وحرصا على جمع أنواع البديع، لسماجة هذا النوع أو بعده عن الذوق، وفي هذا ما يدلّ على لمحات نقديّة واضحة.
ولابن حجّة مواقف متميزة في هذا الأمر، إذ استحسن عددا من الأنواع واستهجن أخرى، فممّا استهجنه نوع «المراجعة» إذ قال: «ليس تحتها كبير أمر، ولو فوّض إليّ حكم في البديع ما نظمتها في أسلاك أنواعه» (2). وأمثلة هذا متوفّرة في ثنايا الشروح، وقد اجتزأت عنها ببعضها للتمثيل على هذه الظاهرة من اللمحات النقدية المتنوعة، التي إن ضمّت إلى غيرها من الظواهر النقديّة فإنها تساعد على توضيح ذاك الجانب النقديّ الذي كان أثرا من آثار «البديعيّات» ونتيجة طبيعيّة لها. وهذا كلّه يدلّ على أن هذا الفنّ الشعريّ لم يقتصر على نظم القصائد وتضمينها الفنون البديعية، كما أنّ شروحه لم تكتف بتعريف تلك الفنون وشرح أبياتها، بل كان لذلك كلّه أثر في نشأة حركة نقديّة واضحة المعالم، تمثّلت في شروح «البديعيات» شكلا ومضمونا وفي ما انبثق حولها من كتب ومؤلّفات.
ج أثرها في البلاغة:
لا شكّ في أنّ لهذا الفنّ الطريف أثرا في البلاغة، وهو أحد فنونها، إذ انبثق بادئ الأمر من فكرة بلاغية بحتة، تبلورت مع الزمن، وشاءت عوامل عديدة أن تلبسها ثوب الشعر المطرّز بالمديح النبويّ وألوان البديع، فتطوّر واستمرّ على مدى سبعة قرون، كان له خلالها أثر كبير في حياة البلاغة العربية عامّة، وعلم البديع بشكل خاصّ، حتى باتت العلاقة وثيقة بينهما، لدرجة أنّ كلّا منهما تأثّر بالآخر وتطوّر بتطوّره.
أمّا ما تركته البديعيّات من أثر في البلاغة العربية وما خلّفته من معالم في حياة هذا الفنّ، فيتمثّل في الأمور التالية (3) (4):
__________
(1) انظر خزانة الأدب 1/ 353، 2/ 355 363، 3/ 311.
(2) انظر خزانة الأدب، باب المراجعة 2/ 197.
(3) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 252، وما بعدها.
(4) التلخيص ص 347.(1/181)
تعميم البلاغة ونشرها بين الناس.
ترسيخ أسس «البديع» وتأكيد انفصاله عن علمي «البيان» و «المعاني».
العودة بالبديع إلى أحضان المدرسة الأدبيّة.
استنباط أنواع بديعيّة جديدة.
1 - تعميم البلاغة ونشرها بين جمهور الناس:
كان إكثار الشعراء، منذ مطلع العصر العباسيّ، من المحسنات البديعية قد أثار ضجّة حول فاعليها، فانقسم الناس إثر ذلك بين رافض مستقبح، ومؤيّد مستملح، ممّا حمل بعض الأدباء، كابن المعتزّ، على التأليف في البديع، محتجّا له بشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر القديم. ثمّ استمرّ التأليف في البلاغة العربية منذ ذلك الوقت إلى زمن صفي الدين الحليّ، إلّا أنّ كلّ ذلك لم يجعل من البلاغة فنّا يقبل عليه جمهور الناس كلّ الإقبال، بل بقيت البلاغة في برجها العاجيّ، يقتربون منها أحيانا وينفرون منها أحيانا أخرى بحسب ما تمليه عليهم أذواقهم وظروفهم. ولكن هذا لا يعني أنّ البلاغة بفنونها كانت غريبة عن الناس، بل إنّ قواعدها والإكثار من استخدامها بتكلّف جعل العرب يمجّونها، حالهم في ذلك حالهم مع النحو وقواعده، فكما ألفوا الفصاحة وسلامة النطق بالفطرة والسليقة ونبذوا قواعدها وقوالبها الإلزامية، فكذلك ألفوا البلاغة، ولعلّها كانت أبين من النحو وأوضح. ولهذا لم يستطع البلاغيون، حتّى زمن البديعيات، أن يجعلوا من البلاغة فنّا شعبيّا، إنّما هيّأوا لذلك من خلال الكتب المؤلّفة في البلاغة والبديع، منذ «بيان» الجاحظ إلى «بديعية» الحلّيّ.
وعندما جاءت البديعيّات بهذا القالب الشعريّ، ذي المضمون الدينيّ، المحمّل بأنواع البديع، طرحت نفسها في سوق الأدب تتطلّع إلى مشاعر الناس وعقولهم، وكان امتحانها الأوّل والعسير، إذ كيف سيواجه الناس قصيدة طويلة في كلّ بيت من أبياتها صورة بديعية على الأقلّ، وهم الذين استكثروا بضع صور بديعية في قصيدة ما.
ويبدو أنّ الفتح الجديد للبلاغة العربية عامة وللبديع خاصّة قد تحقّق منذ ظهور «بردة» البوصيري التي طارت في الآفاق وأحبّها الناس وحفظوها وغنّوها، ومنذ معارضة الحلّيّ لهذه «البردة» ببديعيّته التي نهج فيها نهج البوصيريّ بالتزامه المديح
النبويّ المسيطر على الأدب آنذاك، إذ إنّ هذين العملين فتحا القلوب للبديعيّات كونها مديحا نبويّا، ولفنون البديع بشكل خاصّ، وعلوم البلاغة بشكل عامّ.(1/182)
ويبدو أنّ الفتح الجديد للبلاغة العربية عامة وللبديع خاصّة قد تحقّق منذ ظهور «بردة» البوصيري التي طارت في الآفاق وأحبّها الناس وحفظوها وغنّوها، ومنذ معارضة الحلّيّ لهذه «البردة» ببديعيّته التي نهج فيها نهج البوصيريّ بالتزامه المديح
النبويّ المسيطر على الأدب آنذاك، إذ إنّ هذين العملين فتحا القلوب للبديعيّات كونها مديحا نبويّا، ولفنون البديع بشكل خاصّ، وعلوم البلاغة بشكل عامّ.
وبهذه المحبّة البالغة تلقّى الناس «البديعيات» بقبول حسن، واحتضنوها ورحّبوا بها، فتسابق الشعراء إلى نظمها وقد رأوا فيها الغاية المثلى التي ينشدون، والهديّة الرائعة التي يتقدّمون بها إلى أولي الأمر، كما أقبل الشرّاح على مواردها، وما ذاك الحشد من «البديعيات» وذلك الجمع من «الشروح» الذي تلقّاه الناس متتاليا عبر سبعة قرون من عمر هذا التراث إلّا دليل على تقبّل جمهور الناس لهذا الفنّ، وإقبالهم عليه، ورضاهم عن فاعليه الذين حرصوا كلّ الحرص على امتلاك قلوب الناس وتحريك عواطفهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. كما أنّ حضّ أولي الأمر على نظم هذا الفنّ وحرصهم عليه، تقرّبا وزلفى لدى الناس، لدليل واضح على مكانة هذا الفن في نفوس الناس وتأثيره فيهم.
وهكذا غدت «البديعيات» قصائد شعبيّة، وغدت البلاغة معها فنّا شعبيّا، لما حملته في ثناياها من فنون البديع بعد أن كانت علما متربّعا في برج عاجيّ لا يدركه إلّا خواصّ المثقّفين، ثمّ صار للبديعيات أثر متتابع مطّرد لدى الناس على تقبّل كلّ جديد من هذا الفنّ لما تحمله من صلات وروابط بقلوب الجماهير، ولعلّ في ذلك إشارة إلى سيطرة طابع الصنعة البديعية على الحياة الأدبية لما انطبع في الذوق العام من صنعة وزخرفة، جعلته يتقبّل هذه الصنعة المتمثّلة في هذا الفنّ، ومن هنا تبدو علاقة التأثير والتأثّر متبادلة بفضل تلك «البديعيات»، فالتقى الناس مع البلاغة، والبديع خاصة، والشعراء مع الناس، في موكب «البديعيات».
2 - ترسيخ أسس البديع وتأكيد انفصاله عن علمي «البيان» و «المعاني»:
سبق في الفصل الأوّل من هذه الدراسة أن تكلّمت على نشأة البلاغة العربية واتّحاد أقسامها (البيان والمعاني والبديع) وانقسامها.
فقد كانت «البلاغة» ترادف «الأدب» ثمّ تحوّلت منذ «بيان» الجاحظ إلى جملة من المقاييس الفنيّة يحكم من خلالها على جودة النص أو رداءته، إلى أن أصبحت تعني العلوم الثلاثة المعروفة في مرحلة من مراحل تطوّر البلاغة العربيّة.
لقد بدأت هذه «البلاغة» بعلومها الثلاثة متّحدة منذ «بديع» ابن المعتزّ حتى جاء
«مفتاح» السّكاكيّ ليفتح باب البلاغة على مصراعين: علم المعاني وعلم البيان، إلّا أنّه عدّ أنواع البديع وجوها يصار إليها لتحسين الكلام وقسّمها إلى محسّنات لفظيّة وأخرى معنويّة، ثم جاء القزوينيّ ب «تلخيصه» ليجعل من «البديع» قسيما لعلمي «البيان» و «المعاني»، يزاحمهما في مجالات الأدب، وعرّفه بقوله: «هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة» (1)، وجمع من أنواع هذه الفنون سبعة وثلاثين نوعا.(1/183)
لقد بدأت هذه «البلاغة» بعلومها الثلاثة متّحدة منذ «بديع» ابن المعتزّ حتى جاء
«مفتاح» السّكاكيّ ليفتح باب البلاغة على مصراعين: علم المعاني وعلم البيان، إلّا أنّه عدّ أنواع البديع وجوها يصار إليها لتحسين الكلام وقسّمها إلى محسّنات لفظيّة وأخرى معنويّة، ثم جاء القزوينيّ ب «تلخيصه» ليجعل من «البديع» قسيما لعلمي «البيان» و «المعاني»، يزاحمهما في مجالات الأدب، وعرّفه بقوله: «هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة» (1)، وجمع من أنواع هذه الفنون سبعة وثلاثين نوعا.
إذا في القرن السابع الهجريّ تمّ انفصال هذا الفنّ «البديع» واستقلاله عن علمي «المعاني» و «البيان»، وهذا يعني أنّ ظهور أوّل بديعية إلى الوجود على يد الحلّيّ واكبت هذا الانفصال، أو لنقل: إنّ هذا الانفصال كان حديث العهد أثناء ولادة «البديعيات».
ومن هنا كان ظهور البديعيات، واشتمالها على فنون البديع عامّة دليلا مميّزا وواضحا في تأكيد انفصال هذا الفنّ عن علمي «البيان» و «المعاني»، وإشاعة هذا الانفصال بين الناس عن طريقها، رغم أنّهم جعلوا ضمن أنواع البديع بعضا ممّا يعتبر اليوم من البيان، كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز.
وما أكّد هذه الظاهرة الانفصالية لهذا الفن ترسيخ قواعده وتوضيح أنواعه وتحديدها من خلال الشروح التي قامت على «البديعيات» واقتصارها على فنون البديع المعروضة في ثنايا البديعية أو التي تلمح منها، كما أنّ الإشارة إلى حياة هذا الفنّ، منذ نشأته إلى زمن البديعيات، في مقدمات تلك الشروح، ساعدت على استقلال فنّ البديع بنفسه وتوضيح معالمه، وترسيخ أسسه، وتحديد فنونه، ونشر ذلك كلّه بين جمهور الناس فكان ظهور البديعيات إذا ومؤازرة تلك الشروح لها، وانتشارها السريع بين الناس أكبر مساعد على تأكيد تلك الظاهرة الانفصاليّة لهذا الفنّ.
3 - العودة بالبديع إلى المدرسة الأدبيّة:
عرفت البلاغة العربية في مناهج بحثها الأولى اتجاهين واضحين، رغم أنّ كتب البلاغة قد يأخذ بعضها من بعض وتتّفق في المنهج إلى حدّ ما، فمن البلاغيين من سيطرت على كتبهم النزعة الأدبية، ومنهم من سيطرت على كتبهم النزعة الفلسفيّة
__________
(1) انظر دراسات بلاغية ونقدية ص 1413.(1/184)
والعقليّة، وكان نتيجة ذلك أن ظهرت مدرستان بلاغيّتان هما: المدرسة الأدبية، والمدرسة الكلامية، أو كما يسمّيهما السيوطيّ: طريقة العرب والبلغاء، وطريقة العجم وأهل الفلسفة، وكان لكلّ من هاتين المدرستين خصائصها ومميزاتها ورجالها الأعلام (1).
أمّا المدرسة الأدبية فلم تهتمّ بالتحديد والتقسيم للأنواع البديعية، كما أنها لم تعتمد على المنطق ومسائل الفلسفة، بل كانت تستعمل المقاييس الفنيّة في الحكم على الأدب مع سهولة العبارة وسلامة التركيب ووضوح الدّلالة، والإكثار من الشواهد الشعريّة والنثريّة.
وعلى العكس منها كانت المدرسة الكلامية، إذ كان للفلسفة والمنطق أثر كبير فيها، وكان اعتمادها واهتمامها على التحديد الجامع والتقسيم المنطقيّ للأنواع البديعية، والإقلال من الشواهد، والاكتفاء بشواهد دالّة. وإن كانت خالية من أيّة قيمة جماليّة. وبين تنازع هذه المدرسة وتلك المدرسة ترعرعت البلاغة العربية وتوضّحت معالمها إلى أن جاء عصر «البديعيّات».
وكان ابن المعتزّ صاحب أول كتاب في «البديع» يعدّ من أصحاب المدرسة الأدبية وكبار مؤسّسيها، وذلك بسلوكه طريقها في كتابه، ونهج بعض المؤلّفين في البلاغة نهجه، إلّا أنّ هذه المدرسة قد اضمحلّت أمام مزاحمة المدرسة الكلاميّة لها في بدايات القرن السادس الهجريّ، ولا سيّما بظهور «مفتاح» السكاكيّ الذي اعتمد في تأليفه على الأسلوب المنطقيّ والاستنباط العقليّ والتحديد الفلسفيّ، وبهذا كان السكاكي «أوّل الجناة المسرفين على علم البلاغة بإخضاعه للعلوم العقلية، فأضاع بهجته، وأخلق ديباجته» (2).
وفي غمرة هذا التنازع بين المدرستين وتجاذب البلاغة بينهما، ظهرت «البديعيات» بثوبها الشعريّ الطريف، مزيّنة بشروحها، زاهية بمضمونها، متلألئة بين صفحات تلك الشروح التي قطفت من رياض الأدب أطيب ثمارها وأجمل أزهارها وأكثرت منها لدرجة كادت معها تضيع معالم «البديعية» وينسى الغرض الذي تهدف إليه تلك الشروح، وهو توضيح الأنواع البديعيّة وتحديدها.
__________
(1) الصبغ البديعي ص 253.
(2) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 260.(1/185)
فالإكثار من الشواهد، منظومها ومنثورها، والبحث عن كلّ ما يستجاد ويستملح منها، والبحث عن مواطن الجمال فيها، إنّما هو من خصائص المدرسة الأدبية، مع تعريف النوع البديعيّ بأقصر عبارة وأوضح أسلوب، وبهذا تكون البديعيّات قد عادت بالبديع إلى رياض الأدب وأحضان المدرسة الأدبية، وخلّصته من قيود الفلسفة والمنطق والأحكام العقليّة الجافّة التي سيطرت على البلاغة منذ بداية القرن السادس الهجريّ إلى زمن ظهور البديعيات وشروحها (1).
4 - استنباط أنواع بديعيّة جديدة:
لقد فتح ابن المعتزّ في كتابه «البديع» بابا لاستخراج أنواع جديدة من البلاغة عامة واستنباطها على مرّ الأيّام عندما قال: «ونحن الآن نذكر بعض محاسن الكلام والشعر، ومحاسنها كثيرة لا ينبغي للعالم أن يدّعي الإحاطة بها ويعلم الناظر أنّا اقتصرنا بالبديع على الفنون الخمسة اختبارا من غير جهل بمحاسن الكلام فمن أحبّ أن يقتدي بنا ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة فليفعل، ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئا إلى البديع، ولم يأت غير رأينا، فله اختياره» (2).
وبذلك بدأ العلماء يبحثون عن أنواع جديدة ويرصدونها ويجرون وراء استنباطها وتسجيلها والفوز بقصبات السبق في ذلك (3). ودأب أصحاب البديعيّات دأب هؤلاء، وراحوا يبحثون عن أنواع جديدة يضيفونها إلى البديع، مع العلم أن فاتح باب البديعيات، صفي الدين الحليّ، أحجم عن ذكر أيّ نوع جديد استنبطه في بديعيّته خوفا من ألسنة الحاسدين، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «ثمّ أخليتها من الأنواع التي اخترعتها، واقتصرت على نظم الجملة التي جمعتها، لأسلم من شقاق جاهل حاسد أو عالم معاند، فمن شاقق راجعته إلى النقل، ومن وافق وكلته إلى شاهد العقل» (4).
إلّا أنّ من تابع الحلّيّ في صنيعه ذاك لم يلتزم بما التزم به في قوله هذا، بل لقد
__________
(1) البديع ص 58.
(2) انظر أواخر الفصل الأوّل من هذه الدراسة: «نشأة علم البديع وتطوره حتى زمن ابن حجة الحموي» وشرح الكافية البديعية ص 52، 53.
(3) شرح الكافية البديعية ص 55.
(4) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 263.(1/186)
عدّ معظمهم استخراج الأنواع أو استنباطها مشاعا لكلّ واحد، فتجرّأ القويّ والضعيف على دخول غمرة هذا الميدان، وبدأ باستنباط ما يحسبه جديدا، أو اقتناص ما ظنّه طريدا شريدا، إلى درجة أن أصبح البديع يجمع بين الأنواع الغثّة والأنواع السمينة، لما أضافه هؤلاء إليه من أنواع.
ويقول علي أبو زيد في كتابه: «ولو عدنا إلى تلك الأنواع بالمقارنة والبحث، بدءا بالصفيّ الحلّيّ حتى آخر بديعيّة، لوجدنا هذا الجديد يندرج تحت زمرتين:
أأنواع جديدة.
ب أنواع تفرّعت عن أنواع معروفة» (1).
ثمّ يشير في حاشية بحثه إلى أن البديعيات التي شملها البحث والمقارنة هي التي وقف على نصّها الكامل مشروحة، أو غير مشروحة، أمّا البديعيات التي ذكرت في أثناء الشروح عرضا فلم يدخلها في هذا المضمار لاحتمال أن يكون الشارح قد أسقط منها ما لم ينظم على مثاله. من هذه البديعيّات التي شملها البحث والمقارنة: بديعية كلّ من: الحليّ، والموصليّ، وابن حجّة، وابن المقرئ، والسيوطيّ، والباعونية، والحميدي، والعرضيّ، وابن معصوم، والنابلسيّ، وعماد الدين الخزرجيّ (2).
وقد توصّل من خلال البحث والمقارنة إلى تسجيل وتحديد أربعين نوعا بديعيّا جديدا من الأنواع المجزّأة المتفرّعة عن أنواع معروفة، واثنين وتسعين نوعا من الأنواع الجديدة المفردة (3)، بالإضافة إلى ما ذكره من تفريعات ابن جابر، ومن جديد الآثاري في بديعيّاته الثلاث، إذ بلغت تفريعاته في الجناس وحده حوالي سبعين نوعا.
ويتّضح من هذه المقارنة وهذا البحث أن شعراء البديعيات قد استكثروا من أنواع البديع، وراحوا يجمعون منها كل جديد وقديم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهذا لا يعني أنّ ما جاء من الأنواع البديعية الجديدة في «البديعيات» كونه مخترعا من قبل أوّل من أتى به، كما لا يعني العكس، إلّا أنه لا بدّ من الإشارة إلى أن بعض
__________
(1) وقد بلغت سبعا وعشرين بديعية بالإضافة إلى إفراده بالبحث بديعية ابن جابر وبديعيات الآثاري.
(2) انظر ذلك بالتفصيل في البديعيات في الأدب العربي ص 303264.
(3) انظر البديع في ضوء أساليب القرآن ص 206205.(1/187)
«البديعيّات» التي حملت في ثناياها أنواعا بديعية جديدة، قد أخلّت بأنواع بديعيّة معروفة، وهذا دليل واضح على شدّة بحث هؤلاء عن الجديد دون غيره أحيانا. وإذا ما نظرنا إلى هذا الجديد الذي أتت به البديعيات نرى صورة أوّلية لحياة البديع وأنواعه خلال سبعة قرون من عمر التراث البلاغيّ والأدبيّ، كما نلمح صورة للمفهوم الذوقيّ والجماليّ والبلاغيّ في ذلك العصر، بالإضافة إلى رسم صورة واضحة لمفهوم التقليد والمحافظة على القديم مع النزعة إلى التجديد عند جمهور الناس.
هذه هي «البديعيات» بأثرها وقيمتها، وإن كان البعض يرى أنّها قد خلت من أيّة قيمة أدبية رغم استبدادها بالشعر العربي منذ أواسط القرن السابع الهجري إلى القرن الرابع عشر، فهي عند هؤلاء منذ أن ولدت، إلى أن قضت، صناعة من العبث، أضعفت من الشعر ولغته، وهدّت من قوّته، وأزرت من مكانته، وأوردته موارد التكلّف والتعمّل الثقيل، وهوت به إلى هاوية الإسفاف، وجرّدته من روائعه وروعته.
كما يرى البعض أنّها ذهبت بالبديع مذاهب التشعيب فعاد عليه بالضعة والهوان، إذ اعتبرت، وإن جهد العلماء في شرحها، بابا لوصول البديع إلى ما وصل إليه من فقدان جماله، بما نسب له ممّا لا يصحّ أن يكون منه، فأكثروا منه إلى حدّ الإملال، وقد غرست في كثير من الأذهان أن أنواع البديع لا يقف عند حدّ، ومن هنا كتب عليها الإخفاق في ناحيتيها الأدبيّة والعلميّة، فلم تصل إلى غايتها ولم تؤدّ رسالتها (1).
وفي الحقيقة أنّ البديعيات لم تكن شعر العصر كلّه، ولم يقتصر الشعراء عليها، ولم يسلك سبيلها إلّا من ملك ناحية التأليف وزمام القوافي، وهم قليل، فإذا عدّت البديعيات، نجدها لا تبلغ المئة على مدى سبعة قرون كانت غزيرة الإنتاج من الناحية الشعرية، وهل يمكن أن نحكم على شعر سبعة قرون من خلال بضعة وتسعين قصيدة لحوالي ثمانين شاعرا، رغم أن نصوص أكثرها مفقود (2)؟!
ثمّ إن البديعيّات كما في رأي علي أبو زيد جاءت بفنّ جديد في الشعر
__________
(1) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 50.
(2) البديعيات في الأدب العربي ص 51.(1/188)
العربيّ، سما بالمنظومات التعليمية إلى مرتبة الغرض الشعريّ، كما سما بغرض المديح عن المآرب والغايات القريبة، بالإضافة إلى أنّها تملأ فراغ الشاعر وتشغله فيما لو وجد فراغا، ولهذا لم تكن البديعيات سببا في ضعف الشعر، بل كانت عاملا على ارتقائه في الشكل والمضمون إلى حدّ كبير.
أمّا بالنسبة لعلم البديع فحسبه أنه اصطبغ بهذه القصائد بصفة التكريم والتعظيم، ونال من الاهتمام والتقدير ما لم تنله العلوم البلاغية الأخرى في مباحث المعاني والبيان. أضف إلى ذلك إنّ أقلّ ما يمكن أن توصف به البديعيات عند غير محبّيها، أنّها لون من ألوان الشعر التعليميّ، شأنها في ذلك شأن المتون العلمية المنظومة كألفيّة ابن مالك في النحو، والرّحبيّة في الفرائض، والشاطبيّة في القراءات، وغيرها وحتى في هذا التقييم فإن البديعيات «متون» تعليميّة جمعت فنون البديع، وقدّمتها سهلة سائغة إلى الناس جميعا، فنقلت هذا العلم «البديع» من برجه العاجيّ الذي لا يقربه إلّا المختصّون، إلى حياة الناس فعاشت معهم سبعة قرون عزيزة مكرّمة.
ورأى علي أبو زيد في كتابه «البديعيات في الأدب العربيّ» أن البديعيات، رغم ذلك كلّه، «برزخ بين الشعر الرائع، والنظم التأليفيّ، فلا يستطيع المرء أن يدرجها تحت أيّ منها، والسبب يتمثّل باشتراك العاطفة مع التأليف، فالممدوح مثل كامل، والقصيدة مدحيّة، وهنا تجود القرائح وتهتزّ الأريحيّة، ويمدح الشاعر ولا حرج، وأوضح ما يكون ذلك في بديعية الحلّيّ، ثم بديعية الباعونية والنابلسيّ الصوفيّين» (1).
ومهما قيل في أمر هذه البديعيات من «أنّها متكلّفة وأنّها ساقطة النظم، عسرة الأسلوب، ركيكة التراكيب، فهي على كلّ حال، فنّ شعريّ جديد، ولد وشبّ وترعرع في العصر المملوكيّ وشغل أذهان أدباء العربية حقبة من الزمن طويلة، وأثرى العلم والأدب من ورائه ثروة لا يستهان بها، وبخاصّة من شروح البديعيّات»، ولا سيّما المطوّل منها.
__________
(1) عصر سلاطين المماليك 6/ 159.(1/189)
الفصل الرابع: ناظمو البديعيّات
حاول علي أبو زيد في كتابه «البديعيّات في الأدب العربي» أن يجمع من البديعيات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، منذ بداياتها مع مؤسّسها الأوّل صفي الدين الحليّ إلى آخر عهد للناس بها. وأشار إلى أنّ مجموع ما وصل إليه من البديعيات نصوصا وأخبارا بلغ إحدى وتسعين بديعيّة مؤكّدة (1)، إضافة إلى اثنتين منها تحتاجان إلى إثبات (2)، وقد رتّب هذه البديعيات ترتيبا زمنيّا، بالنظر إلى وفاة الناظم أو زمن نظمها، مقدّما لمحة موجزة عن أعلامها ووصفا لكلّ منها (3).
من هنا وجدت أن لا مفرّ من الاعتماد على هذه الدراسة القيّمة التي أفردها علي أبو زيد لدراسة البديعيات في الأدب العربي دراسة مفصّلة، إذ تعتبر الدراسة اليتيمة في مثل هذا الموضوع.
وإذا استثنينا الإربليّ من عداد أعلام هذه البديعيات، فإنّ صفي الدين الحلّيّ يعتبر صاحب أوّل بديعية وصلت إلينا، وقد مرّ الكلام على أوّلية البديعيات في الفصل الثاني.
وهذه أسماء ناظمي البديعيّات واسم بديعية كلّ منهم، مرتّبة ترتيبا زمنيّا (4):
1 - صفيّ الدين الحلّيّ السّنبسيّ: وهو عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن أبي العزّ بن سرايا الطائيّ. ولد في «الحلّة» بين الكوفة وبغداد، سنة (677هـ.)، وتوفّي في بغداد سنة (750هـ.). وهو صاحب «الكافية البديعية في المدائح النبويّة»، وهي كما مرّ أوّل بديعيّة مكتملة في تاريخ «البديعيات».
__________
(1) هناك ثماني بديعيات منها مجهولة المؤلف.
(2) وقد بلغت في هذه الدراسة 99بديعية لثمانين ناظما، خمس منها مجهولة الناظم، وأربع بحاجة إلى إثبات.
(3) انظر كتابه ص 18071، متنا وحاشية.
(4) انظر «فهرس أسماء أصحاب البديعيات» المرتب على حروف الهجاء، الملحق بآخر هذا الفصل.(1/190)
عكف الحلّيّ نفسه على بديعيته يشرحها، وسمّى شرحه «النتائج الإلهية»، وقد ورد لهذا الشرح أسماء أخرى، منها: «شرح الكافية البديعية في علوم البلاغة ومحاسن البديع» و «شرح بديعية صفيّ الدين الحلّيّ» لناظمها. كما حظيت هذه البديعية بشروح أخرى، إذ شرحها محمّد بن القاسم بن زاكور، كما شرحها عبد الغني الرافعيّ، وسمّى شرحه «الجوهر السّنيّ في شرح بديعية الصفيّ»، وفيها أيضا شرح لمجهول (1).
2 - ابن جابر الأندلسيّ: وهو شمس الدين، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي ابن جابر الأندلسيّ الهوّاريّ المالكيّ الأعمى. ولد في المريّة من بلاد الأندلس سنة (698هـ.)، وتوفّي في إلبيرة، من نواحي حلب، سنة (780هـ.). وهو صاحب «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى»، وهذا اسم للبديعية وشرحها، وهو شرح مختصر، ممّا دفع صديقه الرعينيّ الإلبيري إلى شرحها شرحا مفصّلا سمّاه «طراز الحلّة وشفاء الغلّة»، انتقى منه محمد بن إبراهيم البشتكي مختصرا سمّاه «منتقى شرح بديعية ابن جابر» كما شرحها محمود بن خليل داماد بياضي زاده الموستاري (2).
3 - عزّ الدين الموصليّ: وهو عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي بكر. من شعراء القرن الثامن الهجريّ، توفّي في دمشق سنة (789هـ.). وهو صاحب «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع»، وهو اسم شرح البديعية التي لم تعرف اسما آخر كما يبدو. وله بديعيّة ثانية لاميّة على وزن «بانت سعاد» (3).
4 - ابن العطّار الدّنيسريّ: وهو شهاب الدين أبو العبّاس، أحمد بن محمد بن علي بن العطّار الدّنيسريّ المصري. وهو من دنيسر، من نواحي الجزيرة الشامية، توفّي سنة (794هـ.). وهو صاحب «الفتح الإلّي في مطارحة الحلّيّ» (4).
5 - وجيه الدين العلويّ: وهو عبد الرحمن بن محمّد بن يوسف بن عليّ بن عمر
__________
(1) وانظر الدرر الكامنة 2/ 481479 ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 789788وهدية العارفين 6/ 416.
(2) وانظر الدرر الكامنة 3/ 430429 ونكت الهميان في نكت العميان ص 246244.
(3) وانظر الدرر الكامنة 3/ 112، والأعلام 4/ 280.
(4) وانظر كشف الظنون 2/ 1231وهدية العارفين 5/ 116.(1/191)
العلويّ الزبيديّ اليمنيّ الحنفيّ. ولد سنة (748هـ.)، وتوفّي سنة (803هـ.). وهو صاحب «الجوهر الرفيع ووجه المعاني في معرفة أنواع البديع». وله عليها شرح واف، كما شرحها عيسى بن حجاج المعروف بعويس. وقد نسب خطأ في «هدية العارفين» لعبد الرحمن بن إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن يوسف العلويّ المتوفّى سنة (920هـ.) (1).
وإذا صحّ أنّ لعبد الرحمن بن إبراهيم هذا بديعية، فإنّ عدد ناظمي «البديعيات» قد زادوا واحدا، وبه تزداد البديعيات واحدة.
6 - عويس: وهو عيسى بن حجّاج بن عيسى بن شدّاد السعديّ، المصريّ الحنبليّ، الملقّب بعويس العالية. ولد في القاهرة سنة (730هـ.)، وتوفّي سنة (807هـ.). وله بديعيّة شرحها المجد إسماعيل الحنفيّ (2).
7 - جمال الدين الصنعانيّ: وهو السيّد جمال الدين عبد الهادي بن إبراهيم بن عليّ الحسنيّ الصنعانيّ، المتوفّى سنة (822هـ.). وهو صاحب «البديعيّة في الكعبة اليمنيّة الثمنيّة» (3).
8 - الآثاريّ: وهو زين الدين، شعبان بن محمد بن داود الموصليّ الآثاريّ. ولد في مصر سنة (765هـ.)، وتوفّي سنة (828هـ.). وهو صاحب البديعيات الثلاث المعروفة ب «بديعيات الآثاريّ»، وهي البديعية الوسطى المسمّاة ب «عين البديع في مدح الشفيع»، والبديعية الكبرى المسمّاة ب «العقد البديع في مديح الشفيع»، والبديعية الصغرى المسمّاة ب «بديع البديع في مدح الشفيع»، ولم تحظ بديعيات الآثاري بشرح (4).
9 - ابن المقرئ: وهو إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله اليمنيّ، شرف الدين،
__________
(1) وانظر الضوء اللامع 4/ 154153 وهدية العارفين 5/ 529، 544، 810.
(2) وانظر الضوء اللامع 6/ 152151، والأعلام 5/ 102.
(3) وانظر إيضاح المكنون 3/ 173وهدية العارفين 1/ 643.
(4) وانظر الضوء اللامع 3/ 303301 والأعلام 3/ 164.(1/192)
ابن المقرئ. ولد في اليمن سنة (755هـ.)، وتوفّي سنة (837هـ.). وهو صاحب «الجواهر اللامعة في تجنيس الفرائد الجامعة للمعاني الرائعة» (1). وقد شرحها شرحا لطيفا باسم «الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة».
10 - ابن حجّة الحمويّ (2): وهو أبو بكر بن عليّ بن عبد الله ابن حجّة الحمويّ الحنفيّ القادريّ الأزراري، أبو المحاسن، تقيّ الدين، ولد في مدينة حماة سنة (767هـ.)، وتوفّي سنة (837هـ.). وهو صاحب البديعية المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»، وقد شرح بديعيّته شرحا حافلا بمختلف الفنون عرف باسم «خزانة الأدب وغاية الأرب»، ثمّ اختصره باسم «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة»، كما عرف شرح البديعية باسم «شرح البديعية المسمّاة ب «تقديم أبي بكر»» أو «شرح البديعيات»، أو «شرح تقديم أبي بكر»، أو «شرح بديعيّة أبي بكر»، أو «شرح ابن حجة لبديعيته». كما شرح هذه البديعية محمد بن أحمد بن عثمان البسطاميّ، وعثمان الظاهر، ومحمد بن عيسى بن محمود بن كنان الذي سمّى شرحه «المحاسن المرضيّة في شرح المنظومة البديعيّة» (3).
11 - ابن الخيّاط: وهو عبد الرحمن بن محمد بن سلمان الحمويّ. ولد بحماة سنة (777هـ.)، وتوفّي سنة (840هـ.). وهو صاحب «المعاني اليتيمة والمباني الرخيمة». وله شرح في بديعيّته هذه (4).
12 - ابن القباقيبيّ: وهو محمد بن خليل بن أبي بكر. ولد في حلب سنة (778هـ.)، وتوفّي في بيت المقدس سنة (849هـ.). وهو صاحب بديعية (5).
13 - أبو شجاع: وهو الإمام أبو العباس، شمس الدين محمد بن نور الدين علي
__________
(1) وانظر الضوء اللامع 2/ 295292 والأعلام 1/ 311310.
(2) وانظر ترجمته في المدخل لهذه الأطروحة.
(3) وقد أخطأ محمود الربداوي وعلي أبو زيد في جعل البديعية وشرحها باسم «تقديم أبي بكر»، كما أخطأ عمر فروخ في توهمه أن «تقديم أبي بكر» شرح موجز للبديعية. (تاريخ الأدب العربي 3/ 840). وانظر توثيق اسم الكتاب في مكانه من المدخل لهذه الأطروحة.
(4) وانظر الضوء اللامع 4/ 131130 وهدية العارفين 5/ 530.
(5) وانظر الضوء اللامع 11/ 216والأعلام 6/ 117.(1/193)
الشافعيّ المصري الشهير بأبي شجاع. من علماء القرن التاسع الهجريّ. وهو صاحب «الحصون المعدّة لكفّ يد الجاني عن البردة» (1).
14 - عماد الدين بن القصّار. من علماء القرن التاسع الهجريّ. وله بديعية عارضها فرج بن أحمد بن أبي بكر الطهطائيّ (2).
15 - فرج بن أحمد بن أبي بكر الطهطائيّ. توفّي سنة (899هـ.). وهو صاحب «نخبة البديع وأنواعه في مدح الجناب الرفيع وأتباعه». وله شرح على بديعيته (3).
16 - ابن الخلوف: وهو شهاب الدين، أبو العباس، أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحميري، الفاسيّ الأصل. ولد في الجزائر سنة (829هـ.)، وتوفّي سنة (899هـ.). وهو صاحب «مواهب البديع في علم البديع». وله فيها شرح حسن (4).
17 - تاج الدين، عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عربشاه. ولد سنة (813هـ.)، وتوفّي في القاهرة سنة (901هـ.). وهو صاحب «شفاء الكليم بمدح النبيّ الكريم» (5).
18 - بدر الدين، الحسن بن مخزوم الطحّان. وهو صاحب بديعية (6).
19 - الكفعمي: وهو إبراهيم بن علي بن الحسن الحارثيّ. ولد في قرية كفرعيما، من قرى صفد، سنة (840هـ.)، وتوفي فيها سنة (905هـ.). وهو صاحب بديعية، شرحها شرحا سمّاه «نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع» (7).
20 - جلال الدين السيوطيّ: وهو العالم الإمام والأديب المكثر، عبد الرحمن ابن أبي بكر بن محمّد. ولد سنة (849هـ.)، وتوفّي سنة 911هـ. وهو صاحب «نظم البديع في مدح خير شفيع»، وهو البديعية وشرحها. ولشرحه اسم آخر هو «شرح
__________
(1) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 96.
(2) وانظر فهرس المخطوطات المصورة 1/ 412.
(3) وانظر الضوء اللامع 6/ 168وفهرس المخطوطات المصورة 1/ 412.
(4) وانظر الضوء اللامع 2/ 123122 والأعلام 1/ 231.
(5) وانظر الضوء اللامع 5/ 9897 والأعلام 4/ 180.
(6) وانظر أعيان الشيعة 23/ 293292.
(7) وانظر أنوار الربيع في أنواع البديع 1/ 9695والأعلام 1/ 53.(1/194)
بديعية جلال الدين السيوطيّ» (1).
21 - ابن محرز: وهو تلميذ السيوطيّ. وهو صاحب البديعية المسمّاة ب «النوع» (2).
22 - عائشة الباعونية: وهي بنت يوسف بن أحمد الباعونيّ، أمّ عبد الوهاب.
توفّيت في دمشق سنة (922هـ.). وهي صاحبة «بديع البديع في مدح الشفيع»، و «الفتح المبين في مدح الأمين»، وكلّ منهما اسم لبديعيّة وشرحها (3).
23 - أبو عبد الله الكرديّ الشافعيّ: وهو محمد بن داود بن محمّد البازليّ الحمويّ، شمس الدين، أبو عبد الله الكرديّ الشافعيّ. ولد بجزيرة ابن عمر (بلدة فوق (الموصل)) سنة (845هـ.)، وتوفّي فيها سنة (925هـ.). وهو صاحب «بديع البديع في مدح الشفيع» (4).
24 - البلاطنسيّ: وهو عليّ بن محمّد بن خالد البلاطنسيّ الدمشقيّ. المتوفّى سنة (936هـ.). وله بديعية مشروحة، لعلّ اسمها «نزهة الناظر وبهجة الخاطر» (5).
25 - علي بن محمد بن دقماق الحسينيّ، المتوفّى سنة (940هـ.). وهو صاحب «البديعية وشرحها» (6).
26 - الحميديّ: وهو عبد الرحمن بن أحمد بن علي الحميديّ. توفّي سنة (1005هـ.). وهو صاحب «تمليح البديع بمديح الشفيع»، وقد شرحها بشرح أطلق عليه: «منح السميع شرح تمليح البديع بمدح الشفيع»، وله بديعية ثانية كافيّة (7).
27 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحمويّ، توفّي في مصر سنة
__________
(1) وانظر الضوء اللامع 4/ 65والأعلام 3/ 302301.
(2) وانظر طالع السعد الرفيع ص 111110.
(3) وانظر الأعلام 3/ 341ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 519.
(4) وانظر الكواكب السائرة 1/ 47وهدية العارفين 6/ 228.
(5) وانظر الضوء اللامع 6/ 31وهدية العارفين 5/ 743.
(6) وانظر تاريخ آداب اللغة العربية لزيدان 3/ 298.
(7) وانظر هدية العارفين 5/ 547والأعلام 3/ 297296والصبغ البديعي ص 452.(1/195)
(1017هـ.). وله بديعية عارضها عبد البرّ بن عبد القادر الفيّوميّ (1).
28 - عبد القادر بن محمد بن يحيى الحسينيّ الطبريّ، المكّيّ الشافعيّ. ولد في مكة سنة (972هـ.)، وتوفّي فيها سنة (1033هـ.). وله بديعية شرحها، وأطلق على شرحه عليها اسم «علوّ الحجّة بتأخير أبي بكر بن حجّة» (2).
29 - صلاح الدين بن محيي الدين الكورانيّ، المتوفّى سنة (1049هـ.). وله بديعية، وشرحها شرحا غريب الطراز (3).
30 - عبد الله الزفتاويّ، المتوفّى سنة (1059هـ.)، وله بديعية شرحها عبد اللطيف العشماويّ بشرح أطلق عليه اسم «حسن الصنيع بشرح نور الربيع»، كما شرحها ابن قرقماس (4).
31 - الجحّاف: وهو إبراهيم بن يحيى بن المهديّ بن إبراهيم اليمنيّ الزبيديّ.
توفّي سنة (1065هـ.). وهو صاحب «تخميس قصيدة الحلّيّ» (5).
32 - ابن العرضيّ: وهو أبو الوفاء بن عمر بن عبد الوهّاب بن العرضيّ. ولد في حلب سنة (993هـ.)، وتوفّي سنة (1071هـ.). وهو صاحب «الطراز البديع في امتداح الشفيع»، وله شرح عليها سمّاه «فتح البديع في حلّ الطراز البديع في امتداح الشفيع» (6).
33 - عبد البرّ بن عبد القادر بن محمّد الفيّوميّ. توفّي سنة 1071هـ. وهو صاحب «إرشاد المطيع في التوشيع»، وله شرح عليها.
34 - الحسن بن أحمد بن محمد بن عليّ الحسنيّ العلويّ، الجلال اليمنيّ. ولد في اليمن، وتوفّي في الخراف، من أعمال صنعاء، سنة (1079هـ.). وله بديعية لعلّ اسمها «السحر الحلال». وقد شرحها شرحا صغيرا (7).
__________
(1) وانظر هدية العارفين 6/ 267.
(2) وانظر الأعلام 4/ 44ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 2/ 1231.
(3) وانظر إعلام النبلاء 6/ 268251.
(4) وانظر تاريخ آداب اللغة العربية لزيدان 3/ 299.
(5) وانظر هدية العارفين 5/ 33.
(6) وانظر الأعلام 3/ 273وهدية العارفين 5/ 498.
(7) وانظر الأعلام 2/ 183182، والبديعيات في الأدب العربي ص 122120.(1/196)
35 - محمود بن خليل القسطنطيني الروميّ الحنفيّ، المعروف بداماد بياضي زاده. ولد في بلدة موستار، وتوفّي في حلب سنة (1099هـ.). وله بديعيّة (1).
36 - محمد ناظم الملتقي. وله بديعية، شرحها وأطلق على شرحها اسم «تحفة الأدباء وتسلية الغرباء»، وقد أنهاه سنة 1105هـ. (2).
37 - ابن معصوم: وهو علي بن أحمد بن محمد بن معصوم المدنيّ. ولد في المدينة المنوّرة سنة (1052هـ.)، وتوفّي في شيراز سنة (1119هـ.). وهو صاحب «تقديم عليّ»، وقد شرحها شرحا مطوّلا سمّاه «أنوار الربيع في أنواع البديع» (3).
38 - أبو الفتح، محمد بن محمّد بن أحمد الرسّام الحمويّ. كان موجودا سنة (1138هـ.)، وله بديعية (4).
39 - عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسيّ. ولد في دمشق سنة (1050هـ.)، وتوفي فيها سنة (1143هـ.). وهو صاحب «نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار»، وله شرح عليها أطلق عليه اسم «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار». وله بديعية ثانية هي «مليح البديع في مدح الشفيع» شرحها تلميذه علي بن محمد القلعيّ مع سابقتها، كما شرحها علي بن حسن بن بدر الدين الغزّي شرحا مطوّلا أطلق عليه اسم «حسن الصنيع شرح مليح البديع» (5).
40 - علي بن عبد الرحيم بن محمد الكنديّ، من آل باكثير. ولد في حضرموت سنة (1081هـ.)، وتوفي فيها في بلدة «تريس»، سنة (1145هـ.). وله بديعية شرحها حلمي محمد القاعود (6).
__________
(1) وانظر الجوهر الأسنى ص 129وهدية العارفين 6/ 416وفيه (1069هـ.).
(2) وانظر فهرس الكتب الموجودة بدار الكتب المصرية 2/ 182.
(3) وانظر أنوار الربيع في أنواع البديع 1/ 15.
(4) وانظر إيضاح المكنون 3/ 461وهدية العارفين 2/ 217والبديعيات في الأدب العربي ص 126.
(5) وانظر فهرس الكتب الموجودة بدار الكتب المصرية 2/ 222والأعلام 4/ 3332وهدية العارفين 5/ 768 وفهرس المخطوطات العربية بصوفية 2/ 238237.
(6) وانظر الأعلام 4/ 299.(1/197)
41 - إبراهيم خيكيّ الحلبيّ. نظم بديعيته سنة (1733م.)، وهي أوّل بديعية ينظمها نصرانيّ في مدح عيسى، عليه السلام (1).
42 - مصطفى بن كمال الدين بن عليّ البكريّ. ولد في دمشق سنة (1099هـ.)،
وتوفّي في مصر سنة (1162هـ.). وهو صاحب «رشحات صدح من يسبي العذار، ونفحات مدح في النبيّ المختار». وقد اعتنى بشرحها قاسم البكرجي، وأطلق على شرحه اسم «المطلع البدريّ على بديعية البكريّ» (2).
43 - قاسم بن محمد البكرجيّ الحلبيّ. ولد في حلب سنة (1094هـ.)، وتوفي سنة (1169هـ.) هو صاحب «العقد البديع في مدح الشفيع»، وله شرح عليها أسماه «حلية العقد البديع في مدح الشفيع» (3).
44 - الصائغ: وهو الخوري نيقولاوس بن نعمة الله الصائغ. ولد في حلب سنة (1103هـ.)، وتوفّي في لبنان سنة (1169هـ.). له بديعيّة في مدح عيسى بن مريم، عليهما السلام (4).
45 - عليّ بن محمد، تاج الدين بن عبد المحسن سالم القلعيّ الحنفيّ المكّيّ.
ولد بمكة، ومات طريدا في الإسكندرية سنة (1172هـ.). وهو صاحب «مفتاح الفرج في مدح عالي الدرج»، وله شرح عليها سمّاه «تاج البديع والبلج على مفتاح الفرج في مدح عالي الدرج»، وله بديعية ثانية اسمها «وسع الاطلاع في بديع الأوضاع»، وبديعية ثالثة اسمها «الأنواع العجيبة الاختراع» (5).
46 - عبد المنعم بن تاج الدين محمد بن عبد المحسن بن سالم القلعيّ المكّيّ الحنفيّ، المتوفّى سنة (1174هـ.)، وله بديعية وشرح عليها (6).
47 - عبد الله بن يوسف بن عبد الله اليوسفيّ الحلبيّ البنّي. ولد في حلب،
__________
(1) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 131130.
(2) وانظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 583582والأعلام 7/ 239.
(3) وانظر إعلام النبلاء 6/ 535والأعلام 5/ 183.
(4) وانظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 2/ 1191.
(5) وانظر فهارس الكتب الموجودة بدار الكتب المصرية 7/ 63والأعلام 5/ 16وهدية العارفين 5/ 768.
(6) وانظر هدية العارفين 5/ 630.(1/198)
وتوفّي فيها سنة (1194هـ.)، وله بديعية، شرحها شرحا جيّدا (1).
48 - غلام علي آزاد بن نوح الحسينيّ، حسّان الهند. ولد في «بلكرام» سنة (1116هـ.)، وتوفّي في «أورنك آباد» سنة (1194هـ.). وهو صاحب «القصيدة البديعية»، وهذه البديعية جمعت أنواع البديع الهنديّ، ونظمها باللغة العربية، وعدتها مئة بيت وبيت، وقد أودعها كتابه «سبحة المرجان في آثار هندستان»، الذي شرح فيه معظم أبياتها (2).
49 - محمد بن مصطفى بن كمال الدين البكريّ. ولد في بيت المقدس سنة (1143هـ.)، وتوفي في غزّة هاشم سنة (1196هـ.). وهو صاحب «منح الإله في مدح رسول الله»، وله شرح حافل عليها سمّاه «المنح الإلهية في مدح خير البريّة» (3).
50 - محمد أمين بن خير الله بن محمود بن موسى الخطيب العمريّ. ولد سنة (1151هـ.)، وتوفّي سنة (1203هـ.). وهو صاحب «البديعية العمريّة». وقد شرحها، وأطلق على الشرح «التحف الأدبية في النكت البديعية» (4).
51 - علي بن أحمد تقيّ الدين النجاريّ القبانيّ. ولد في مكة سنة (1134هـ.)،
وتوفي سنة (1221هـ.). وهو صاحب «مراقي الفرج في مدح عالي الدرج». وله شرح على بديعيّته (5).
52 - ابن أحمد البربير: وهو أحمد بن عبد اللطيف بن أحمد البربير الحسنيّ البيروتيّ. ولد في دمياط سنة (1160هـ.)، وتوفّي في دمشق سنة (1226هـ.). وله بديعية شرحها مصطفى بن عبد الوهاب الصلاحيّ شرحا مطوّلا، وأطلق على هذا الشرح اسم «نخبة البديع في مدح الشفيع» (6).
__________
(1) وانظر سلك الدرر 3/ 116108 والأعلام 4/ 148.
(2) وانظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 1والأعلام 5/ 121وسبحة المرجان في آثار هندستان ص 220.
(3) وانظر سلك الدرر 4/ 1514ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 580.
(4) وانظر الكتب الموجودة بدار الكتب المصرية 2/ 180والأعلام 6/ 4241.
(5) وانظر الأعلام 4/ 260.
(6) وانظر تاريخ آداب اللغة العربية لزيدان 4/ 210209، والأعلام 1/ 155 ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 546545.(1/199)
53 - خليل الوكيل البهنويّ. من رجال القرن الثالث عشر الهجريّ. انتهى من نظم بديعيته نظما وشرحا سنة (1239هـ.)، وقد سمّاها «شدو العندليب في مدح الحبيب»، وهي تتألّف من مئة بيت وبيت، تشتمل من البديع على مئة نوع ونوع (1).
54 - محمّد بن عبد الوهاب بن إسحاق بن عبد الرحمن الجنديّ، المعرّي. ولد في معرّة النعمان سنة (1211هـ.)، وتوفّي فيها سنة (1264هـ.). وله بديعية (2).
55 - مصطفى بن عبد الوهاب بن سعيد الصلاحيّ. ولد في الصالحية بدمشق، وتوفّي سنة (1265هـ.). وله بديعية (3).
56 - ابن حمزة الحسينيّ: وهو محمد نسيب بن حسين بن يحيى، الشهير بابن حمزة الحسينيّ. ولد سنة (1201هـ.)، وتوفّي سنة (1265هـ.). وهو صاحب «تحفة الأسماع بمولد حسن الأخلاق والطباع». وشرح ابنه محمود بن نسيب حمزة هذه البديعية (4).
57 - ناصيف بن عبد الله بن ناصيف اليازجيّ. ولد في كفرشيما بلبنان سنة (1214هـ.)، وتوفّي سنة (1287هـ.) وله بديعية في مدح عيسى بن مريم، عليهما السلام، وقد شرحها شرحا مطوّلا سمّاه «القطوف الدانية» (5).
58 - محمد رضوان بن محمد بن إسماعيل، المتوفّى سنة (1291هـ.). وهو صاحب «عنوان الرضوان في مدح سيّد ولد عدنان» (6).
59 - محمود صفوت الزيلع بن مصطفى آغا الزيله لي الساعاتي. ولد في القاهرة سنة (1241هـ.)، وتوفّي سنة (1298هـ.) له بديعية شرحها عبد الله فكري باشا (7).
60 - أسعد بن أحمد بن مصطفى العظم، الحمويّ. ولد في معرّة النعمان سنة
__________
(1) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 149.
(2) وانظر أعلام الأدب والفن 1/ 30.
(3) وانظر معجم المؤلفين 12/ 264.
(4) وانظر روض البشر ص 254251.
(5) وانظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 2/ 19391933وأعلام الأدب والفن 2/ 281279والأعلام 7/ 351350.
(6) وانظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 940.
(7) وانظر أعلام الأدب والفن 2/ 431 ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 996والأعلام 7/ 174.(1/200)
(1236هـ.)، وتوفّي سنة (1299هـ.)، وله بديعية حوت أنواع البديع، وقد شرحها (1).
61 - أرسانيوس (فارس) بن يوسف بن إبراهيم الفاخوريّ. ولد في بعبدا بلبنان سنة (1215هـ.)، وتوفّي سنة (1301هـ.)، وله ثلاث بديعيّات في مدح عيسى بن مريم، عليهما السلام، سمّى إحداها مع شرحها «زهر الربيع في فنّ البديع» (2).
62 - محمد بن عبد الحميد بن عبد القادر الشهير بالحكيم زاده البغداديّ، المتوفّى سنة (1301هـ.). وهو صاحب «اللمعة المحمديّة في مدح خير البريّة» (3).
63 - عبد الهادي نجا بن رضوان الأبياريّ. صاحب «طرفة الربيع في نظم أنواع البديع» (4).
64 - عبد الله بن مصباح بن إبراهيم النديم. ولد في الإسكندرية سنة (1261هـ.)، وتوفّي في القاهرة سنة (1314هـ.). وله بديعية وشرحها، ولعلّه سمّاهما «البديع في مدح الشفيع» (5).
65 - شاكر بن مغامس بن محفوظ بن صالح شقير. ولد في الشويفات بلبنان سنة (1266هـ.)، وتوفّي فيها سنة (1314هـ.). وله بديعية شرحها شرحا موجزا (6).
66 - عبد القادر بن عبد القادر الحسينيّ الأدهميّ. توفّي سنة (1325هـ.). وهو صاحب «ترجمان الضمير في مدح الهادي البشير»، وقد شرحها محمد بدر الدين الرافعيّ، وسمّى شرحه عليها «بديع التحبير شرح ترجمان الضمير» (7).
67 - محمد نوري باشا بن أحمد بن عبد الوهاب الكيلانيّ. ولد في حماة سنة (1252هـ.) وتوفي سنة (1326هـ.). وهو صاحب «البديعية النوريّة في مدح خير
__________
(1) وانظر أعلام الأدب والفن 1/ 187185.
(2) وانظر معجم المطبوعات العربية والمعربة 2/ 1423وأعلام الأدب والفن 2/ 323322والأعلام 1/ 287 والبديعيات في الأدب العربي ص 162160.
(3) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 162.
(4) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 162.
(5) وانظر أعلام الأدب والفن 2/ 436 438والأعلام 4/ 138137وهدية العارفين 1/ 492.
(6) وانظر تاريخ آداب اللغة العربية لزيدان 4/ 221220وأعلام الأدب والفن 2/ 372371والأعلام 3/ 153152 وتاريخ الصحافة العربية 2/ 192188.
(7) وانظر الأعلام 4/ 39ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 773، 925.(1/201)
البريّة»، وقد شرحها شرحا حافلا حمل الاسم ذاته «البديعية النورية في مدح خير البريّة»، وله بديعية ثانية (1).
68 - حسين بن محمد بن مصطفى الجسر. ولد في طرابلس الشام سنة (1261هـ.)، وتوفّي فيها سنة (1327هـ.). وله بديعية، لعله شرحها في كتابه «الكواكب الدّرّيّة في الفنون الأدبيّة» (2).
69 - عبد الله فريج. له بديعيّة شرحها معاصره عثمان بن محمد الراضي المتوفّى سنة (1331هـ.)، وسمّاه «الأنوار المحمّديّة» (3).
70 - عثمان بن محمّد بن أبي بكر بن محمد الراضي. ولد في مكة سنة (1260هـ.)، وتوفّي فيها سنة (1331هـ.) (4).
71 - القصّاب حسن: وهو محمد سليم بن أنيس بن محمود بن سعد آغا بن حسين آغا الشهير بالقصّاب حسن. ولد في دمشق سنة (1269هـ.)، وتوفّي سنة (1334هـ.). وله بديعيتان (5).
72 - عبد الحميد بن محمد علي قدس. ولد سنة (1280هـ.)، وتوفّي سنة (1335هـ.). وهو صاحب «نور الربيع على نظم البديع»، وقد شرحها شرحا سمّاه «طالع السعد الرفيع في شرح نور الربيع على نظم البديع المتضمّن لمدح الحبيب الشفيع» (6).
73 - طاهر بن صالح بن أحمد الجزائريّ. ولد في دمشق سنة (1268هـ.)،
وتوفي سنة (1338هـ.). وهو صاحب «بديع التلخيص وتلخيص البديع»، وهو اسم البديعية وشرحها (7).
__________
(1) انظر فهرس الكتب الموجودة بدار الكتب المصرية 7/ 99، 166، وأعلام الأدب والفن 2/ 4139.
(2) وانظر الأعلام 2/ 258وتاريخ آداب اللغة العربية لزيدان 4/ 251.
(3) «ما رأيت وما سمعت» ص 102.
(4) «ما رأيت وما سمعت» ص 106102 والأعلام 4/ 214.
(5) وانظر الأعلام 6/ 148وأعلام الأدب والفن 2/ 115114.
(6) وانظر الأعلام 3/ 289288ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 2/ 1275 1276.
(7) وانظر الأعلام 3/ 222221ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 688 691.(1/202)
74 - محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم المغربيّ الجزائريّ الضرير. ولد في قرية «الدّيس» بالجزائر، وتوفّي فيها سنة (1340هـ.). وله بديعية وشرحها (1).
75 - الشيخ الإمام القاضي عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن الحسين الخزرجيّ الشافعيّ. وله بديعية (2).
76 - ضياء الدين فخري. وله بديعيات ثلاث (3).
هذه ما توصّلت إليها دراسة علي أبو زيد في إحصاء أسماء ناظمي البديعيات، وأسماء بديعياتهم، وقد تبيّن أن أربعة منهم قد نظموا ثلاث بديعيات، وستّة قد نظموا بديعيتين، وأن هناك خمس بديعيات بقيت مجهولة الناظم.
كما أشار علي أبو زيد إلى أن هناك بديعيات بحاجة إلى توثيق وإثبات، وهي:
«غيث الربيع في علم البديع» للأديب محمد معروف بن مصطفى النودهي المتوفّى سنة (1254هـ.).
بديعيّة للعلّامة حسين والي.
بديعية لمحمّد بن مصطفى الغلاميّ الموصليّ، المتوفّى سنة (1186هـ) (4).
بديعية لعبد الرحمن بن إبراهيم المتوفّى سنة (920هـ.) (5)، وهناك بديعية بقيت بحاجة إلى إنصاف، وهي لعبد الهادي نجا بن رضوان الأبياري، واسمها «طرفة الربيع في نظم أنواع البديع» (6).
وفيما يلي جدول بأسماء أصحاب البديعيات مرتّبة على حروف الهجاء:
__________
(1) وانظر معجم المؤلفين 11/ 281280وهدية العارفين 6/ 399.
(2) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 177176.
(3) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 177176.
(4) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 180178.
(5) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 82.
(6) وانظر البديعيات في الأدب العربي ص 163162.(1/203)
اسم الناظم: وفاته: اسم البديعية
إبراهيم خيكي الحلبي: نظمها 1733م:؟
إبراهيم بن علي بن الحسن الكفعمي: 905هـ: شرحها: نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع
إبراهيم بن يحيى بن المهدي اليمنيّ الجحاف: 1065هـ: تخميس قصيدة الحلّيّ
أبو بكر بن علي بن حجة الحموي: 837هـ: تقديم أبي بكر
أحمد بن عبد اللطيف بن أحمد البربير: 1226هـ: شرحها: نخبة البديع في مدح الشفيع
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، ابن الخلوف: 899هـ: مواهب البديع في علم البديع
أحمد بن محمد بن علي بن العطار الدنيسري: 794هـ: الفتح الإلي في مطارحة الحلي
أرسانيوس (فارس) بن يوسف بن إبراهيم الفاخوري: 1301هـ:؟
:: بديعية ثانية له
:: زهر الربيع في فن البديع
أسعد بن أحمد بن مصطفى العظم: 1299هـ:؟
إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن المقرىء: 837هـ: الجواهر اللامعة في تجنيس الفرائد الجامعة للمعاني الرائعة
إسماعيل بن الحسين الخزرجي الشافعي:؟:؟
الحسن بن أحمد بن محمد، الجلال اليمني: 1079هـ: السحر الحلال؟
الحسن بن مخزوم بدر الدين الطحان: ذكره الكفعميّ:؟
حسين والي:؟:؟
حسين بن محمد بن مصطفى الجسر: 1327هـ: الكواكب الدرية في الفنون الأدبية
خليل الوكيل البهنوي: بعد 1239هـ: شدو العندليب في مدح الحبيب(1/204)
شاكر بن مغامس بن محفوظ شقير: 1314هـ:؟
شعبان بن محمد بن داود الآثاري: 828هـ: عين البديع في مدح الشفيع (الوسطى)؟
:: العقد البديع في مديح الشفيع (الكبرى)
:: بديع البديع في مدح الشفيع (الصغرى)
صلاح الدين بن محيي الدين الكوراني: 1049هـ:؟
ضياء الدين فخري:؟:؟؟؟
طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري: 1338هـ: بديع التلخيص وتلخيص البديع
عائشة بنت يوسف بن أحمد الباعوني: 922هـ: بديع البديع في مدح الشفيع
:: الفتح المبين في مدح الأمين
عبد البر بن عبد القادر بن محمد الفيومي: 1071هـ: إرشاد المطيع في التوشيع
عبد الحميد بن محمد علي قدس: 1335هـ: نور الربيع على نظم البديع
عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي: 911هـ: نظم البديع في مدح خير شفيع
عبد الرحمن بن إبراهيم: 920هـ:؟
عبد الرحمن بن أحمد بن علي الحميدي: 1005هـ: تمليح البديع بمديح الشفيع
:: بديعية ثانية للحميدي
عبد الرحمن بن محمد بن سلمان الحموي، ابن الخياط: 840هـ: المعاني اليتيمة والمباني الرخيمة
عبد الرحمن بن محمد بن يوسف، وجيه الدين العلوي الزبيدي: 803هـ: الجوهر الرفيع ووجه المعاني في معرفة أنواع البديع
عبد العزيز بن سرايا، صفي الدين الحلي: 750هـ: الكافية البديعية في المدائح النبوية
عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي: 1143هـ: نسمات الأسحار في مدح النبي المختار
:: مليح البديع في مدح الشفيع
عبد القادر بن عبد القادر الحسيني الأدهمي: 1325هـ: ترجمان الضمير في مدح الهادي البشير(1/205)
عبد القادر بن محمد بن يحيى الطبري: 1033هـ: شرحها: علوّ الحجة بتأخير أبي بكر ابن حجة
عبد الله الزفتاوي: 1059هـ: شرحها: حسن الصنيع بشرح نور الربيع
عبد الله فريج: ربّما قبل 1331هـ:؟
عبد الله بن مصباح بن إبراهيم النديم: 1314هـ: البديع في مدح الشفيع؟
عبد الله بن يوسف اليوسفي البني: 1194هـ:؟
عبد المنعم بن تاج الدين محمد بن عبد المحسن القلعي: 1174هـ:؟
عبد الهادي بن إبراهيم بن علي الصنعاني: 822هـ: البديعية في الكعبة اليمنية الثمنيّة؟
عبد الهادي نجا بن رضوان الأبياري:؟: طرفة الربيع في نظم أنواع البديع
عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عربشاه: 901هـ: شفاء الكليم بمدح النبي الكريم
عثمان بن محمد بن أبي بكر، الراضي: 1331هـ:؟
علي بن أحمد تقي الدين النجاري (القبّاني): 1221هـ: مراقي الفرج في مدح عالي الدرج
علي بن أحمد بن محمد بن معصوم المدني: 1119هـ: تقديم علي
علي بن الحسين بن علي، عز الدين الموصلي: 789هـ: التوصل بالبديع إلى التوسل بالشفيع
:: بديعية ثانية للموصلي
علي بن عبد الرحيم بن محمد، باكثير: 1145هـ:؟
علي بن محمد بن خالد البلاطنسي: 936هـ: نزهة الناظر وبهجة الخاطر؟
علي بن محمد بن دقماق الحسيني: 940هـ: البديعية وشرحها
علي بن محمد بن عبد المحسن القلعي: 1172هـ: مفتاح الفرج في مدح عالي الدرج
:: وسع الاطلاع في بديع الأوضاع(1/206)
:: الأنواع العجيبة الاختراع
عماد الدين بن القصار: القرن التاسع:؟
عيسى بن حجاج بن عيسى السعدي، عويس: 807هـ:؟
غلام علي آزاد بن نوح الحسيني: 1194هـ: القصيدة البديعية
فرج بن أحمد بن أبي بكر الطهطائي: 899هـ: نخبة البديع وأنواعه في مدح الجناب الرفيع وأتباعه
قاسم بن محمد البكرجي الحلبي: 1169هـ: العقد البديع في مدح الشفيع
ابن محرز: تلميذ السيوطي: النوع؟
محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي: 780هـ: الحلة السيرا في مدح خير الورى
محمد أمين بن خير الله بن محمود، الخطيب العمري: 1203هـ: البديعية العمرية
محمد بن خليل بن أبي بكر، ابن القباقيبي: 849هـ:؟
محمد بن محمد الرسام: 1138؟:؟
محمد بن داود بن محمد البازلي الحموي: 925هـ: بديع البديع في مدح الشفيع
محمد رضوان بن محمد بن إسماعيل: 1291هـ: عنوان الرضوان في مدح سيد ولد عدنان
محمد سليم بن أنيس بن محمود، القصّاب حسن::؟
: 1334هـ: بديعية ثانية له
محمد بن عبد الحميد بن عبد القادر، الحكيم زاده: 1301هـ: اللمعة المحمدية في مدح خير البرية
محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحموي: 1017هـ:؟
محمد بن عبد الوهاب بن إسحاق الجندي المعري: 1264هـ:؟
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي: 1340هـ:؟
محمد بن مصطفى بن كمال الدين البكري: 1196هـ: منح الإله في مدح رسول الله(1/207)
محمد بن مصطفى الغلامي: 1186هـ:؟
محمد معروف بن مصطفى النودهي: 1254هـ: غيث الربيع في علم البديع
محمد ناظم الملتقي: بعد 1105هـ: شرحها: تحفة الأدباء وتسلية الغرباء؟
محمد نسيب بن حسين، ابن حمزة الحسيني: 1265هـ: تحفة الأسماع بمولد حسن الأخلاق والطباع
محمد نوري باشا بن أحمد بن عبد الوهاب الكيلاني: 1326هـ: البديعية النورية في مدح خير البرية
:: بديعية ثانية له
محمد بن نور الدين علي الشافعي، أبو شجاع:؟: الحصون المعدّة لكف يد الجاني عن البردة
محمود بن خليل، داماد بياضي زاده: 1099هـ:؟
محمود صفوت بن مصطفى آغا الزيله لي الساعاتي: 1298هـ:؟
مصطفى بن عبد الوهاب بن سعيد الصلاحي: 1265هـ: شرحها: نخبة البديع في مدح الشفيع
مصطفى بن كمال الدين بن علي البكري: 1162هـ: رشحات صدح من يسبي العذار ونفحات مدح في النبي المختار
ناصيف بن عبد الله اليازجي: 1287هـ: شرحها: القطوف الدانية
نيقولاوس بن نعمة الله الصائغ: 1169هـ:؟
أبو الوفاء بن عمر بن عبد الوهاب بن العرضي: 1071هـ: الطراز البديع في امتداح الشفيع(1/208)
الفصل الخامس: أهمّ البديعيّات وأبرزها
شهد القرن السابع الهجريّ لونا جديدا من التأليف في البلاغة هو «البديعيّات»، وبظهور أوّل بديعيّة، انطلق ركب «البديعيات» يمخر عباب التراث العربي والإسلاميّ، ويسجّل على صفحاته معالمه وآثاره التي استمرّت واضحة حتى القرن الرابع عشر. وعلى امتداد سبعة قرون من عمر هذا التراث، جابت خلالها «البديعيات» معظم أصقاع الدولة العربية الإسلامية، فصالت وجالت في أنحائها، فتوارثها الشعراء جيلا بعد جيل، حتى بلغت كما مرّ في الفصل السابق نيّفا وتسعين بديعيّة، لعلّ أهمّها وأبرزها البديعيات الأولى والتي أدركت أوج ازدهارها ونضجها في ربيع عمرها الممتدّ حتّى نهاية القرن العاشر قبل أن تأخذ بالشيخوخة والذّويّ والذبول. وقد اقتصرت في هذا الفصل على عرض أربع من بديعيات القرنين الثامن والتاسع لارتباطها الشديد بهذا البحث، ولتميّز كلّ واحدة من هذه الأربع بميزة تخالف بها الأخرى، رغم أنّ الكلام على بديعيّة واحدة يجزئ عن الكلام على بديعيات كثيرة.
هذه البديعيات هي: البديعية الأولى وهي لصفيّ الدين الحلّيّ، وبديعية ابن جابر الأندلسيّ، وبديعية عز الدين الموصليّ، وبديعية ابن حجّة الحمويّ.
أمّا البديعية الأولى فهي «الكافية البديعية في المدائح النبويّة»: وهي أوّل بديعية مكتملة في تاريخ البديعيات (1)، نظمها عبد العزيز بن سرايا بن علي السّنبسيّ الطائيّ المعروف ب «صفيّ الدين الحلّيّ» المتوفّى سنة (750هـ.)، الذي يعتبر أوّل من نظم القصائد النبوية الجامعة لأنواع البديع المسمّاة ب «البديعيات». وقد سبق أن أشرت إلى سبب نظمه لها، من وجود العلّة المانعة من تأليف كتاب في البديع كان قد هيّأ له بقراءة سبعين كتابا في هذا الفنّ، فأراد أن يلتجئ إلى الله متوسّلا بشفاعة رسوله الكريم، فنظم مدحة نبويّة طرّزها بفنون البديع، عاملا على إيجاد فنّ جديد في الشعر
__________
(1) وقد سبق الحديث عن أولية هذه البديعية في الفصل الثاني، وفي سياق الكلام على نشأة البديعيات.(1/209)
العربي عرف باسم «البديعيّات»، وقد بلغت هذه المدحة مئة وخمسة وأربعين بيتا تشتمل على مئة وواحد وخمسين نوعا من محاسن البديع، أو مئة وأربعين نوعا إذا عدّت أنواع الجناس نوعا واحدا، وكان الحليّ يذكر فيها اسم النوع الموجود في البيت إلى جانبه، ولعلّه شعر بحاجة السامعين إلى توضيح ذلك، فعكف على بديعيته يشرحها، بل يشرح الأنواع البديعية فيها، فكان شرحا لطيفا سمّاه «النتائج الإلهيّة»، أو «شرح الكافية البديعية في علوم البلاغة ومحاسن البديع» (1). وقد تناول في هذا الشرح طريقة جديدة في التأليف البلاغيّ، إذ جعل في مطلع كل باب من أبواب شرحه بيتا من البديعية شاهدا على النوع الذي يشرحه، إلّا أنه لم يفرّق فيه بين «علم البديع» و «علم البيان»، رغم أنّه خصّصه لشرح «علم البديع»، فتجد فيه مثلا، الاستعارة والتشبيه والمجاز والكناية.
ومن طالع شرحه هذا وجده كتابا قيّما ذا منهج دقيق، له أهدافه المحدّدة، ومادّته العلمية، ومصادره التي استقى منها موادّه. وقد أوضح الحلّي في مقدمة كتابه هذا دواعي تأليفه البلاغيّ وأهدافه وتاريخ نشأته وتطوّره. أمّا أهدافه فتتلخّص بالنقاط التالية:
معرفة وجه إعجاز القرآن الكريم، ومعرفة كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي يدلّ على صحّة نبوّته.
مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقصيدة مطوّلة (بديعية).
إتمام جهود العلماء في وضع التصوّر النهائيّ لعلم البديع. ثمّ عرض المراحل التي مرّ بها التأليف البديعيّ كما يلي:
مرحلة ابن المعتز الذي اخترع سبعة عشر نوعا.
مرحلة قدامة بن جعفر الذي أضاف ثلاثة عشر نوعا فتكامل لهما ثلاثون.
مرحلة أبي هلال العسكريّ الذي كان غاية ما جمع سبعة وثلاثين نوعا.
مرحلة ابن رشيق القيروانيّ الذي أضاف ثلاثة وثلاثين نوعا مما لا تعلّق له بالبديع.
__________
(1) وقد حظيت البديعية بشروح أخرى، انظر ذلك في بدايات الفصل السابق.(1/210)
مرحلة السكاكيّ الذي لم يذكر سوى تسعة وعشرين نوعا.
مرحلة التيفاشيّ الذي بلغ بها سبعين نوعا.
مرحلة ابن أبي الأصبع المصري الذي أوصلها إلى تسعين نوعا، وأضاف إليها ثلاثين.
ثم يذكر الحلّيّ فضله في هذا الشأن إذ إنّه أوصل الأنواع البديعية إلى مئة وأربعين نوعا.
وممّا جاء في مقدّمة شرحه هذا: «فإنّ أحقّ العلوم بالتقديم وأجدرها بالاقتباس والتعليم معرفة حقائق كلامه الكريم وفهم ما أنزل في الذكر الحكيم ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة علم البلاغة وتوابعها من محاسن البديع» (1).
ثم قال: «فجمعت ما وجدت في كتب العلماء، وأضفت إليه أنواعا استخرجتها من أشعار القدماء، وعزمت أن أؤلّف كتابا يحيط بجلّها فعرضت لي علّة طالت مدّتها واتفق لي أن رأيت في المنام رسالة من النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام يتقاضاني المدح، ويعدني البرء من السقام، فعدلت عن تأليف الكتاب إلى نظم قصيدة تجمع أشتات البديع وتتطرّز بمدح مجده الرفيع.
فنظمت مئة وخمسة وأربعين بيتا في بحر «البسيط» تشتمل على مئة وواحد وخمسين نوعا من محاسنه، ومن عدّ جملة أصناف التجنيس بنوع واحد كانت عنده العدة مئة وأربعين نوعا، فإنّ في السبعة الأبيات الأوائل منها اثني عشر صنفا منه، وجعلت كل بيت مثالا شاهدا لذلك النوع، وربّما اتفق في البيت الواحد منها النوعان والثلاثة بحسب انسجام القريحة في النظم، والمعتمد منها على ما أسّس البيت عليه.
ثم أخليتها من الأنواع التي اخترعتها واقتصرت على نظم الجملة التي جمعتها لأسلم من شقاق جاهل حاسد أو عالم معاند، فمن شاقق راجعته إلى النقل، ومن وافق وكلته إلى شاهد العقل.
وألزمت نفسي في نظمها عدم التكلّف، وترك التعسّف، والجري على ما أخذت به نفسي من رقّة اللفظ وسهولته، وقوّة المعنى وصحّته، وبراعة المطلع والمنزع،
__________
(1) شرح الكافية البديعية ص 5251.(1/211)
وحسن المطلب والمقطع، وتمكن قوافيها، وظهور القوى فيها، وعدم الحشو فيها، بحيث يحسبها السامع غفلا من الصنائع. ولم أرسل هذه الدعوى عارية عن بيّنة، فقد قالت الحكماء: «الأخير يتعقّب النظر»، فانظر أيّها الناقد الأديب والعالم اللبيب إلى غزارة الجمع ضمن الرياقة في السمع، فإنّها نتيجة سبعين كتابا لم أعد منها بابا، فاستغن بها عن حشو الكتب المطوّلة، ووعر الألفاظ المعظّلة» (1).
ويلاحظ أنّ الحلّيّ لم يلتزم في بديعيته تسمية النوع البديعيّ في كلّ بيت، اكتفاء بالتعريف به عن طريق المثال، ولعلّه أراد بذلك أن يسبغ على بديعيّته صفة الوضوح والجمال الشعريّ، وأن يجنّبها صنعة التعقيد في النظم عند التزام تسمية النوع البديعيّ ضمن البيت.
وكان لشرحه على بديعيته قيمة كبيرة وأثر بالغ في علم البديع، فقد كانت شخصية الحلّيّ بارزة واضحة في شرحه، وقد عرض مادّته بأسلوب محكم الصياغة، دقيق المصطلح كثير الشواهد، عديد المراجع، مدعّم بأقوال علماء البلاغة، كما تميّزت عباراته بأمانته العلمية المعهودة في عزوه كلّ قول إلى صاحبه، أمّا اختياره للشواهد فيدلّ على ذوق رفيع وإحساس بجمال اللفظ والمعنى. ولعلّ طريقته الجديدة في التأليف البلاغيّ أغرت المؤلّفين بعده باتباعه ومحاكاة طريقته، وربّما بزّوه وتجاوزوه بعد أن أفادوا من تجربته في نظم «البديعيات» وشرحها، من هؤلاء ابن حجّة الحمويّ، وعزّ الدّين الموصليّ، وابن جابر الأندلسيّ، وأبو سعيد شعبان الآثاري، وابن المقرئ، وجلال الدين السيوطيّ، وعائشة الباعونية، وعبد الغني النابلسيّ. كما أن لشرح بديعيته قيمة أخرى غير تأثيره في حركة التأليف البلاغي التي تلته، وهي أنّه لخّص فنون البديع وأضاف إليها، وحوّل هذا الفنّ إلى علم يكتشف به القارئ جمال المعنى، ويعين الأديب على تحسين أسلوبه وتزيينه بطرق التعبير التي تخدم المعنى. وبهذا يقدّم كتابه هذا مفاتيح التفهّم الجمالي للأدب، ويعين على ممارسة النقد الأدبيّ، بالإضافة إلى كونه كشف عن أبيات من الشعر لم تذكر في المصادر الأدبية إلّا لماما، وعرّف ببعض الشعراء والمؤلفين والمصنفات البلاغية التي ما زال معظمها مفقودا أو مخطوطا.
__________
(1) شرح الكافية البديعية ص 5554.(1/212)
أمّا بديعيّته ذاتها فحسبها أن تكون البديعية الأولى التي سنّت بعدها سنّة أدبية بلاغيّة واضحة لهذا الفنّ، بما تميّزت به من صفات ومقوّمات هي: «أنّها نظمت في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، على بحر البسيط، وقافية الميم المكسورة، وتضمين كلّ بيت فيها نوعا من أنواع البديع». وقد تمثّلت هذه السنّة في معارضة أصحاب البديعيات التي تلتها لها، أمثال عزّ الدين الموصليّ، وشهاب الدين أحمد بن العطار، وعبد الرحمن بن محمد وجيه الدين العلويّ اليمنيّ، وشعبان الآثاري.
ومن يقرأ هذه البديعية «يشعر بانقياد الألفاظ مع الوزن للشاعر، على الرغم من أنّه كان ينظم مع إشراك المادّة العلمية في هذا النظم، كما يشعر الإنسان بعاطفة تفرض نفسها على أحاسيسه، موحية بمشاعر الناظم الصادقة» (1).
وهذا عرض كامل لأبيات بديعية الحلّيّ كما وردت في الديوان (2)، وقد أشير فوق كلّ بيت منها إلى الأنواع البديعية التي تناولها.
«الكافية البديعية في المدائح النبوية»
براعة الاستهلال والتجنيس المركب والمشتبه
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... واقر السّلام على عرب بذي سلم
الملفّق
فقد ضمنت وجود الدّمع من عدم ... لهم، ولم أستطع مع ذاك منع دمي
المذيّل واللاحق
أبيت، والدّمع هام هامل سرب ... والجسم في إضم لحم على وضم
التام والمطرّف
من شأنه حمل أعباء الهوى كمدا ... إذا همى شأنه بالدّمع لم يلم
المصحّف والمحرّف
من لي بكلّ غرير من ظبائهم ... غرير حسن يداوي الكلم بالكلم
__________
(1) البديعيات في الأدب العربي ص 74.
(2) ديوانه ص 329315وانظر شرح الكافية البديعية 33457.(1/213)
اللفظيّ والمقلوب
بكلّ قدّ نضير لا نظير له ... ما ينقضي أملي منه ولا ألمي
المعنويّ
وكلّ لحظ أتى باسم ابن ذي يزن ... في فتكه بالمعنّى، أو أبي هرم
الطباق
قد طال ليلي وأجفاني به قصرت ... عن الرّقاد، فلم أصبح ولم أنم
الاستطراد
كأنّ آناء ليلي في تطاولها ... تسوف كاذب آمالي بقربهم
التوشيح
هم أرضعوني ثديّ الوصل حافلة، ... فكيف يحسن منها حال منفطم
المقابلة
كان الرّضى بدنوّي من خواطرهم ... فصار سخطي لبعدي عن جوارهم
اللف والنشر
وجدي حنيني أنيني فكرتي ولهي ... منهم إليهم عليهم فيهم، بهم
التذييل
لله لذّة عيش بالحبيب مضت ... فلم تدم لي، وغير الله لم يدم
الالتفات
وعاذل رام بالتّعنيف يرشدني ... عدمت رشدك هل أسمعت ذا صمم
التفويف
أقصر أطل إعذر اعذل سلّ خلّ أغن ... خن هنّ عنّ ترفّق كفّ لجّ لم
الهزل الذي يراد به الجدّ
أشبعت نفسك من دمّي فهاضك ما ... تلقى، وأكثر موت النّاس بالتّخم
عتاب المرء نفسه
أنا المفرّط أطلعت العدوّ على ... سرّي، وأودعت نفسي كفّ مخترم
ردّ العجز على الصدر(1/214)
أنا المفرّط أطلعت العدوّ على ... سرّي، وأودعت نفسي كفّ مخترم
ردّ العجز على الصدر
فمي تحدّث عن سرّي فما ظهرت ... سرائر القلب إلّا من حديث فمي
المواربة
لأنت عندي أخصّ النّاس منزلة ... إذ كنت أقدرهم عندي على السّلم
الهجاء في معرض المدح
من معشر يرخص الأعراض جوهرهم ... ويحملون الأذى من كلّ مهتضم
التهكم
محضت لي النّصح إحسانا إليّ، بلا ... غشّ، وقلّدتني الإنعام، فاحتكم
الإيهام
ليت المنيّة حالت دون نصحك لي ... فنستريح كلانا من أذى التّهم
النزاهة
حسبي بذكرك لي ذمّا ومنقصة ... فيما نطقت، فلا تنقص ولا تذم
التسليم
سألت في الحبّ عذّالي، فما نصحوا ... وهبه كان، فما نفعي بنصحهم
التخيير
عدمت صحّة جسمي مذ وثقت بهم ... فما حصلت على شيء سوى النّدم
القول بالموجب
قالوا: سلوت لبعد العهد، قلت لهم: ... سلوت عن صحّتي والبرء من سقمي
الافتتان
ما كنت قبل ظبى الألحاظ قطّ أرى ... سيفا أراق دمي إلّا على قدمي
المراجعة
قالوا: اصطبر، قلت: صبري غير متّسع ... قالوا: اسلهم، قلت: ودّي غير منصرم
المناقضة
وإنّي سوف أسلوهم، إذا عدمت ... روحي، وأحييت بعد الموت والعدم
التغاير(1/215)
وإنّي سوف أسلوهم، إذا عدمت ... روحي، وأحييت بعد الموت والعدم
التغاير
فالله يكلأ عذّالي، ويلهمهم ... عذلي فقد فرّجوا كربي بذكرهم
الاكتفاء
قالوا: ألم تدر أنّ الحبّ غايته ... سلب الخواطر والألباب؟ قلت: لم
تشابه الأطراف
لم أدر قبل هواهم، والهوى حرم ... أنّ الظّباء تحلّ الصّيد في الحرم
الاستدراك
رجوت أن يرجعوا يوما فقد رجعوا ... عند العتاب، ولكن عن وفا ذممي
الاستثناء
فكلّما سرّ قلبي، واستراح به ... إلّا الدّموع عصاني بعد بعدهم
التشريع
فلو رأيت مصابي عندما رحلوا ... رثيت لي من عذابي يوم بينهم
التمثيل
يا غائبين، لقد أضنى الهوى جسدي ... والغصن يذوي لفقد الوابل الرّزم
تجاهل العارف
يا ليت شعري أسحرا كان حبّكم ... أزال عقلي، أم ضرب من اللّمم
إرسال المثل
رجوتكم نصحاء في الشّدائد لي ... لضعف رشدي، واستسمنت ذا ورم
التتميم
وكم بذلت طريفي والتّليد لكم ... طوعا، وأرضيت عنكم كلّ مختصم
الكلام الجامع
من كان يعلم أنّ الشّهد راحته ... فلا يخاف للذع النّحل من ألم
التوجيه
خلت الفضائل بين النّاس ترفعني ... بالابتداء، فكانت أحرف القسم
القسم(1/216)
خلت الفضائل بين النّاس ترفعني ... بالابتداء، فكانت أحرف القسم
القسم
لا لقّبتني المعالي بابن بجدتها ... يوم الفخار، ولا برّ التّقى قسمي
الاستعارة
إن لم أحثّ مطايا العزم مثقلة ... من القوافي تؤمّ المجد عن أمم
مراعاة النظير
تجار لفظي إلى سوق القبول بها ... من لجّة الفكر تهدي جوهر الكلم
براعة التخلص
من كلّ معربة الألفاظ معجمة ... يزينها مدح خير العرب والعجم
الاطّراد
محمّد المصطفى الهادي النبيّ أج ... لّ المرسلين ابن عبد الله ذي الكرم
التكرار
الطّاهر الشّيم ابن الطّاهر الشّيم اب ... ن الطّاهر الشّيم ابن الطّاهر الشّيم
التورية
خير النّبيّين، والبرهان متّضح ... في الحجر عقلا ونقلا واضح اللّقم
المذهب الكلامي
كم بين من أقسم الله العليّ به ... وبين من جاء باسم الله في القسم
التوشيع
أمّيّ خطّ أبان الله معجزه ... بطاعة الماضيين: السّيف والقلم
المناسبة اللفظية
مؤيّد العزم، والأبطال في قلق ... مؤمّل الصّفح، والهيجاء في ضرم
التكميل
نفس مؤيّدة بالحقّ تعضدها ... عناية صدرت عن بارىء النّسم
العكس
أبدى العجائب، فالأعمى بنفثته ... غدا بصيرا وفي الحرب البصير عمي
الترديد(1/217)
أبدى العجائب، فالأعمى بنفثته ... غدا بصيرا وفي الحرب البصير عمي
الترديد
له السّلام من الله، السّلام وفي ... دار السّلام تراه شافع الأمم
المبالغة
كم قد جلت جنح ليل النّقع طلعته ... والشّهب أحلك ألوانا من الدّهم
الإغراق
في معرك لا تثير الخيل عثيره ... ممّا تروّي المواضي تربه بدم
الغلوّ
عزيز جار، لو اللّيل استجار به ... من الصّباح، لعاش النّاس في الظّلم
الإيغال
كأنّ مرآه بدر غير مستتر ... وطيب ريّاه مسك غير مكتتم
نفي الشيء بإيجابه
لا يهدم المنّ منه عمر مكرمة ... ولا يسوء أذاه نفس متّهم
الإشارة
يولي الموالين من جدوى شفاعته ... ملكا كبيرا غدا ما في نفوسهم
النوادر
كأنّما قلب معن ملء فيه، فلم ... يقل لسائله يوما سوى نعم
الترشيح
إن حلّ أرض أناس شدّ أزرهم ... بما أتاح لهم من حطّ وزرهم
الجمع
آراؤه، وعطاياه، ونقمته ... وعفوه رحمة للنّاس كلّهم
التفريق
فجود كفّيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السّحب لم يقم
التقسيم
أفنى جيوش العدا غزوا فلست ترى ... سوى قتيل ومأسور ومنهزم
الجمع مع التفريق(1/218)
أفنى جيوش العدا غزوا فلست ترى ... سوى قتيل ومأسور ومنهزم
الجمع مع التفريق
سناه كالنّار يجلو كلّ مظلمة ... والبأس كالنّار يفني كلّ مجترم
الجمع والتقسيم
أبادهم، فلبيت المال ما ملكوا ... والرّوح للسّيف، والأشلاء للرّخم
ائتلاف المعنى مع المعنى
من مفرد بغرار السّيف منتثر ... ومزوج بسنان الرّمح منتظم
الاشتراك
شيب المفارق يروي الضّرب من دمهم ... ذوائب البيض بيض الهند لا اللّمم
الإيجاز
واستخدم الدّهر ينهاه ويأمره ... بعزم مغتنم في زيّ مغترم
المشاكلة
يجزي إساءة باغيهم بسيئته ... ولم يكن عاديا منهم على إرم
ائتلاف اللفظ مع المعنى
كأنّما حلق السّعديّ منتثر ... على الثرى بين منفضّ ومنفصم
التشبيه
حروف خطّ على طرس مقطّعة ... جاءت بها يد غمر غير مفتهم
الاشتقاق
لم يلق مرحب منه مرحبا ورأى ... ضدّ اسمه عند هدّ الحصن والأطم
التصريع
لاقاهم بكماة عند كرّهم ... على الجسوم دروع من قلوبهم
التشطير
بكلّ منتصر للفتح منتظر ... وكلّ معتزم بالحقّ ملتزم
الترصيع
من حاسر بغرار العضب ملتحف ... أو سافر بغبار الحرب ملتئم
الموازنة(1/219)
من حاسر بغرار العضب ملتحف ... أو سافر بغبار الحرب ملتئم
الموازنة
مستقتل، قاتل، مسترسل، عجل ... مستأصل، صائل، مستفحم خصم
التجزئة
ببارق خزم في مأزق أمم ... أو سائق عرم في شاهق علم
التسجيع
فعال منتظم الأحوال مقتحم ال ... أهوال، ملتزم، بالله معتصم
المماثلة
سهل خلائقه، صعب عرائكه ... جمّ عجائبه، في الحكم والحكم
التسميط
فالحقّ في أفق، والشّرك في نفق ... والكفر في فرق، والدّين في حرم
التطريز
فالجيش والنّقع تحت الجون مرتكم ... في ظلّ مرتكم في ظلّ مرتكم
الإرداف
بفتية أسكنوا أطراف سمرهم ... من الكماة، مقرّ الضّغن والأضم
الكناية
كلّ طويل نجاد السّيف يطربه ... وقع الصّوارم كالأوتار والنغم
الالتزام
من كلّ مبتدر للموت مقتحم ... في مأزق بغبار الحرب ملتحم
المواردة
تهوى الرّقاب مواضيهم فيحبسها ... حديدها كان أغلالا من القدم
التجريد
شوس ترى منهم، في كلّ معترك ... أسد العرين إذا حرّ الوطيس حمي
المجاز
صالوا، فنالوا الأماني من عداتهم ... ببارق في سوى الهيجاء لم يشم
الترتيب(1/220)
صالوا، فنالوا الأماني من عداتهم ... ببارق في سوى الهيجاء لم يشم
الترتيب
كالنّار منه رياح الموت قد عصفت ... لمّا روى ماؤه أرض الوغى بدم
الإلغاز
حرّان ينقع حرّ الكرّ غلّته ... حتّى إذا ضمّه برد المقيل ظمي
الإيضاح
قادوا الشّوازب كالأجبال حاملة ... أمثالها، ثبتة في كلّ مضطرم
التوليد
من سبّق لا يرى سوط لها سملا ... ولا جديد من الأرسان واللّجم
سلامة الاختراع
كادت حوافرها تدمي جحافلها ... حتّى تشابهت الأحجال بالرّثم
حسن الاتباع
يكابر السّمع فيها الطّرف حين جرت ... فيرجعان إلى الآثار في الأكم
ائتلاف اللفظ مع اللفظ
خاضوا عباب الوغى والخيل سابحة ... في بحر حرب بموج الموت ملتطم
التوهيم
حتّى إذا صدروا والخيل صائمة ... من بعد ما صلّت الأسياف في القمم
تشبيه شيئين بشيئين
تلاعبوا تحت ظلّ السّمر من مرح ... كما تلاعبت الأشبال في الأجم
ائتلاف اللفظ مع الوزن
في ظلّ أبلج منصور اللّواء، له ... عدل يؤلّف بين الذّئب والغنم
البسط
سهل الخلائق سمح الكفّ باسطها ... منزّه لفظه عن «لا» و «لن» و «لم»
السلب والإيجاب
أغرّ لا يمنع الرّاجين ما سألوا ... ويمنع الجار من ضيم ومن حرم
حصر الجزئي وإلحاقه بالكليّ(1/221)
أغرّ لا يمنع الرّاجين ما سألوا ... ويمنع الجار من ضيم ومن حرم
حصر الجزئي وإلحاقه بالكليّ
شخص هو العالم الجزئيّ في سرف ... ونفسه الجوهر الكلّيّ في عظم
الفرائد
ومن له خاطب الجزع اليبيس، ومن ... بكفّه أورقت عجراء من سلم
العنوان
والعاقب الحبر في نجران لاح له ... يوم التّباهل عقبى زلّة القدم
حسن النسق
والذّئب سلّم، والجنّيّ، أسلم وال ... ثعبان كلّم، والأموات في الرّجم
التعريض
ومن أتى ساجدا لله ساعته ... وغيره ساجد في العمر للصّنم
الاتفاق
ومن غدا اسم أمّه نعتا لآمنه ... فتلك آمنة من سائر النّقم
ائتلاف المعنى مع الوزن
من مثله وذراع الشّاة حدّثه ... عن اسمه بلسان صادق الرّنم
المقلوب المستوي
هل من ينمّ بحبّ من ينمّ له ... بما رموه كمن لم يدر كيف رمي
التهذيب والتأديب
هو النّبيّ الذي آياته ظهرت ... من قبل مظهره للنّاس في القدم
التقييد بحرف الميم
محمّد المصطفى المختار من ختمت ... بمجده مرسلو الرّحمن للأمم
الانسجام
فذكره قد أتى في «هل أتى» و «سبا» ... وفضله ظاهر في النّون والقلم
الإيداع
إذا رأته الأعادي قال حازمهم: ... حتّام نحن نساري النّجم في الظّلم
التمكين(1/222)
إذا رأته الأعادي قال حازمهم: ... حتّام نحن نساري النّجم في الظّلم
التمكين
به استغاث خليل الله حين دعا ... ربّ العباد، فنال البرد في الضّرم
التسهيم
كذلك يونس ناجى ربّه، فنجا ... من بطن نون له في اليمّ ملتقم
الاستعانة
دع ما يقول النّصارى في مسيحهم ... من التّغالي، وقل ما شئت واحتكم
التفصيل
صلّى عليه إله العرش ما طلعت ... شمس وما لاح نجم في دجى الظّلم
التنكيت
وآله أمناء الله من شهدت ... لقدرهم سورة الأحزاب بالعظم
الحذف
آل الرّسول محلّ العلم، ما حكموا ... لله، إلّا وكانوا سادة الأمم
الاتساع
بيض المفارق لا عاب يدنّسهم ... شمّ الأنوف، طوال الباع والأمم
التفسير
هم النّجوم بهم يهدى الأنام وينجا ... ب الظّلام، ويهمي صيّب الدّيم
التعليل
لهم أسام سوام غير خافية ... من أجلها صار يدعى الإسم بالعلم
التعطيف
وصحبه من لهم فضل، إذا افتخروا ... ما إن يقصّر عن غايات فضلهم
جمع المؤتلف والمختلف
هم هم في جميع الفضل ما عدموا ... فضل الإخاء ونصّ الذّكر والرّحم
الاستتباع
الباذلو النّفس بذل الزّاد يوم قرى ... والصّائنو العرض صون الجار والحرم
التدبيج(1/223)
الباذلو النّفس بذل الزّاد يوم قرى ... والصّائنو العرض صون الجار والحرم
التدبيج
خضر المرابع حمر السّمر يوم وغى ... سود الوقائع بيض الفعل والشّيم
الإبداع
ذلّ النّضار كما عزّ النّظير لهم ... بالفضل والبذل في علم وفي كرم
الاستخدام
من كلّ أبلج واري الزّند يوم ندى ... مشمّر عنه يوم الحرب مصطلم
الطاعة والعصيان
لهم تهلّل وجه بالحياء كما ... مقصوره مستهلّ من أكفّهم
التفريع
ما روضة وشّع الوسميّ بردتها ... يوما بأحسن من آثار سعيهم
المدح في معرض الذم
لا عيب فيهم سوى أنّ النّزيل بهم ... يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
التعديد
يا خاتم الرّسل يا من علمه علم ... والعدل والفضل والإيفاء للذّمم
المزاوجة
ومن إذا خفت في حشري وكان له ... مدحي، نجوت وكان المدح معتصمي
حسن البيان
وعدتني في منامي ما وثقت به ... مع التّقاضي بمدح فيك منتظم
السهولة
فقلت: هذا قبول جاءني سلفا ... ما ناله أحد قبلي من الأمم
الإدماج
لصدق قولك لو حبّ امرؤ حجرا ... لكان في الحشر عن مثواه لم يرم
الاحتراس
فوفّني، غير مأمور، وعودك لي ... فليس رؤياك أضغاثا من الحلم
براعة الطلب(1/224)
فوفّني، غير مأمور، وعودك لي ... فليس رؤياك أضغاثا من الحلم
براعة الطلب
فقد علمت بما في النّفس من أرب، ... وأنت أكبر من ذكري له بفمي
الاعتراض
فإنّ من أنفذ الرّحمن دعوته ... وأنت ذاك، لديه الجار لم يضم
المساواة
وقد مدحت بما تمّ البديع به ... مع حسن مفتتح منه ومختتم
العقد
ما شبّ من خصلتي حرصي ومن أملي ... سوى مديحك في شيبي وفي هرمي
الاقتباس
هذي عصاي الّتي فيها مآرب لي ... وقد أهشّ بها طورا على غنمي
التلميح (ويسمّى حسن التضمين)
إن ألقها تتلقّف كلّ ما صنعوا ... إذا أتيت بسحر من كلامهم
الرجوع
أطلتها ضمن تقصيري، فقام بها ... عذري، وهيهات إنّ العذر لم يقم
براعة الختام
فإن سعدت فمدحي فيك موجبه ... وإن شقيت فذنبي موجب النّقم
أمّا البديعية الثانية فهي «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى» (1): وهي البديعيّة الثانية في تاريخ هذا الفنّ، نظمها محمّد بن أحمد بن عليّ المعروف ب «ابن جابر الأندلسيّ الأعمى» المتوفّى سنة (780هـ.) الذي ظنّ البعض أنّه صاحب أوّل بديعيّة في تاريخ الشعر العربيّ، وذلك لارتباط نظمه لها ببردة البوصيريّ، إذ قد افتتن بها فظهر أثرها في شعره، وقد شغل نفسه بمعارضتها، وهذا يعني أنّ معارضته للبردة ليست شرطا لأوّليّته وأسبقيّته على صفيّ الدّين، كما لا يعني ذلك أن يكون قد اطلع
__________
(1) وقد عرفت هذه البديعية في خزانة ابن حجة باسم «بديعية العميان».(1/225)
على بديعيّة الصفيّ وعارضها (1)، إلّا أنّ بديعيّته قد اتّصفت بما اتّصفت بها بديعية الصفيّ من مميّزات، لم لا، ومصدر المعارضة واحد؟ فكلاهما عارض البوصيريّ، فاستراح من البحث عن بحر وقافية وموضوع لقصيدته، وأمّا لماذا جعل مدحته هذه تشتمل على الفنون البديعية، فلعلّه تأثر بقصيدة الإربليّ الذي جمع بعض فنون البديع في منظومة غزليّة، فرأى أنّه من الأفضل أن يلتقي «البديع» و «المديح النبويّ» في قصيدة واحدة، آخذا بطابع التأليف الطاغي على عصره في الصنعة والبديع.
ولعلّ ابن جابر قد نظم بديعيته وفي ذهنه أمران: أوّلهما مدح «النبي» (صلى الله عليه وسلم)، والتقرّب من الله تعالى بمدحه. والثاني: نظم أنواع البديع ضمن هذه القصيدة، لتخرج فريدة في نوعها، بديعة في مضمونها، يقترن فيها الجانب الوجداني بالجانب العلميّ في قالب فنّيّ طريف، كما أنّه لا ينسى أن عصر ابن جابر هو عصر المنظومات التعليمية التي قدّمت قواعد العلوم والفنون في قالب شعريّ، تسهيلا لحفظها (2)، وإن كانت شعرا جامدا خاليا من العاطفة، إلّا أنّ ابن جابر قد تخلّص من هذا الجمود بمقدرته الشعريّة واستطاع أن يقدّم قصيدة فيها من الإحساس والعاطفة بقدر ما فيها من قضايا علمية.
وقد التقى ابن جابر مع صفيّ الدين في كثير من صفات بديعيّته، كوضوح المعاني وسلاسة الألفاظ، وعدم التكلّف، وصدق الإحساس الوجدانيّ، وفي عدم الالتزام بتسمية النوع البديعيّ في البيت، ولكنه خالفه من جهة عدم الإكثار من المحسّنات في قصيدته، جاريا فيها على طريقة بدر الدين بن مالك من حيث تقديم المحسّنات اللفظيّة على المعنويّة.
وتقع بديعية ابن جابر في مئة وسبعة وسبعين بيتا، ضمّنها من أنواع البديع كلّ ما ذكره الخطيب القزوينيّ في «إيضاحه» و «تلخيصه»، والتزم بذكر هذه الأنواع ونظمها كما أوردها القزوينيّ، إلّا أنه خالفه في تقديم القسم المتعلّق بالألفاظ على القسم المتعلق بالمعاني من الأنواع البديعيّة.
__________
(1) وقد سبق الحديث عن هذه البديعية في الفصل الثاني أثناء الكلام على نشأة البديعيات، حيث تمّ الفصل بينها وبين بديعية الصفي بأسبقية هذه عليها.
(2) وقد نظم ابن جابر نفسه منظومة تعليمية أخرى تتضمن «فصيح» ثعلب. (مقدمة الحلة السيرا ص 13).(1/226)
وتتميّز بديعيّة ابن جابر عن غيرها بكونها تفرّدت بحصر الأنواع البديعية المحضة دون إشراك أنواع البيان كما جاء في غيرها، إضافة إلى أنّ ابن جابر قد قسّم الأنواع في أبياته إلى قسمين: لفظية ومعنويّة، سائرا على نهج مهّده الخطيب القزوينيّ في «تلخيصه» و «إيضاحه» وإن كان مخالفا له بذكر الأنواع التي تتعلّق باللفظ قبل الأنواع التي تتعلّق بالمعنى.
وقد جمع ابن جابر في بديعيّته ثلاثة وأربعين نوعا دون تفريع، سوى الجناس الذي فرّعه إلى ثمانية أنواع، وبذلك تبلغ الأنواع عنده واحدا وخمسين نوعا، موزّعة على مئة وواحد وخمسين بيتا، وقد تجزّأت أنواع الجناس الثمانية عنده لتبلغ ستّين نوعا، موزّعة على أربعة وثلاثين بيتا، وقد شمل التفريع كذلك معظم الأنواع عنده، فكان في القسم الأوّل المتعلّق باللفظ من أنواع البديع، ثلاثة وسبعون بيتا، فيها ثمانية عشر نوعا، مجزّأة إلى ستة وتسعين نوعا، وفي القسم الثاني المتعلّق بالمعنى ثمانية وسبعون بيتا، فيها واحد وثلاثون نوعا، مجزّأة إلى خمسة وسبعين نوعا، بالإضافة إلى نوعي «حسن المطلع»، و «حسن الختام». أمّا الأبيات الستّة والعشرون المتبقّية فهي تتمّة للقصيدة، لا يخلو كلّ منها من نوع بديعيّ من الأنواع المذكورة.
وبهذا يكون مجموع الأنواع المجزّأة وغيرها مئة واثنين وسبعين نوعا.
وبذلك كلّه تتميّز هذه البديعية عن سواها بمجموعة من الأمور:
الاقتصار على أنواع البديع المحضة.
الفصل بين أنواع البديع اللفظية والمعنوية.
تقسيم النوع الواحد إلى أجزاء في مرحلة مبكّرة من تاريخ هذا الفنّ «البديعيات».
تتميم البديعية بمجموعة من الأبيات غايتها اكتمال المعنى، وإن لم تكن تحمل في أثنائها أنواعا بديعية جديدة. بالإضافة إلى هذا كلّه فإن هذه البديعية قد أخلّت بكثير من الأنواع البديعية إذا ما قورنت بغيرها.
وقد شرح ابن جابر بديعيته هذه شرحا مختصرا جدّا أطلق عليه اسم البديعيّة ذاته
«الحلّة السّيرا في مدح خير الورى». ولعلّ اختصاره الشديد لشرحه حمل صديقه الرعينيّ على شرح هذه البديعية شرحا مطوّلا سمّاه «طراز الحلّة وشفاء الغلّة» (1).(1/227)
وقد شرح ابن جابر بديعيته هذه شرحا مختصرا جدّا أطلق عليه اسم البديعيّة ذاته
«الحلّة السّيرا في مدح خير الورى». ولعلّ اختصاره الشديد لشرحه حمل صديقه الرعينيّ على شرح هذه البديعية شرحا مطوّلا سمّاه «طراز الحلّة وشفاء الغلّة» (1).
وفي ما يلي عرض كامل لأبيات هذه البديعية كما وردت في «الحلّة السّيرا في مدح خير الورى» (2).
«الحلّة السّيرا في مدح خير الورى»
بطيبة انزل ويمّم سيّد الأمم ... وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم
وابذل دموعك واعذل كلّ مصطبر ... والحق بمن سار والحظ ما على العلم
سنا نبيّ أبيّ أن يضيّعنا ... سليل مجد سليم العرض محترم
جميل خلق على حقّ جزيل ندى ... هدى، وفاض ندى كفّيه كالدّيم
كفّ العداة، وكدّ الحادثات كفى ... فكم جرى من جدا كفّيه من نعم
وكم حبا وعلى المستضعفين حنا ... وكم صفا وضفا جودا لجبرهم
ما فاه في فضحه من فاء ليس سوى ... عذل بعدل ونصح غير متّهم
حان على كلّ جان حاب ان قصدوا ... حام شفى من شقا جهل ومن عدم
ليث الشّرى إذ سرى مولاه صار له ... جارا فجاز ونيلا منه لم يرم
كافي الأرامل والأيتام، كافلهم ... واقي النّدى لموافي ذلك الحرم
أجار من كلّ من قد جار حين أتى ... حتّى أتاح لنا عزّا فلم نضم
وعام بدر أعام الخيل في دمهم ... حتّى أبات أبا جهل على ندم
وحاق إذ جحدوا حقّ الرّسول بهم ... كبير همّ أراهم نزع هامهم
فهدّ آطام من قد هاد إذ طمعوا ... في شتّه فرماهم في شتاتهم
وجلّ عن فضح من أخفى فجاملهم ... ما ردّ رائد رفد من جناتهم
من زاره يقه أوزاره ونوى ... له نوافل بذل غير منصرم
__________
(1) وقد حظيت هذه البديعية بشروح أخرى، انظر ذلك في بدايات الفصل السابق.
(2) انظر «الحلة السيرا» ص 15727.(1/228)
كالغيث فاض إذ المحل استفاض تلا ... أنفال جود تلافى تالف النّسم
سل منهم صلة للصّبّ واصلة ... والثم أنامل أقوام أنا بهم
أقم إلى قصدهم سوق السّرى وأقم ... بدار عزّ وسوق الأينق التثم
والحق بمن كاس واحتث كاس كلّ سرى ... فالدّهر إن جار راعى جار بيتهم
عج بي عليهم فعجبي من جفاء فتى ... جاز الدّيار ولم يلمم بربعهم
دع عنك سلمى وسل ما بالعقيق جرى ... وأمّ سلعا وسل عن أهله القدم
من لي بدار كرام في البدار لها ... عزّ، فمن قد لها عن ذاك يهتضم
بانوا فهان دمي وجدا، فها ندمي ... فقد أراق دمي فيما أرى قدمي
يولون ما لهم من قد لجا لهم ... فاشدد يدا بهم وانزل ببابهم
يا برد قلبي إذا برد الوصال ضفا ... ويا لهيب فؤادي بعد بعدهم
ما كان منع دمي بخلا به لهم ... لكن تخوّفت قبل القرب من عدم
أهلا بها من دماء فيهم بذلت ... وحبّذا ورد ماء من مياههم
من ناله جاههم منّا له ثقة ... أن لا يصاب بضيم تحت جاههم
بدار والحق بدار الهاشميّ بنا ... قبل الممات ومهما اسطعت فاغتنم
جزمي لئن سار ركب لا أرافقه ... فلا أفارق مزجي أدمعي بدمي
فأيّ كرب لركب يبصرون سنا ... برق لقبر متى تبلغه تحترم
متى أحلّ حمى قوم يحبّهم ... قلبي، وكم هائم قبلي بحبّهم
جار الزّمان فكفّوا جوره وكفوا ... وهل أضام لدى عرب على إضم
وحقّهم ما نسينا عهد حبّهم ... ولا طلبنا سواهم، لا وحقّهم
لا ينقضي ألمي حتّى أرى بلدا ... فيه الّذي ريقه يشفي من الألم
وقد تشمّر ثوب النّقع عن أمم ... شتّى يؤمّون طرّا سيّد الأمم
متى أرى جار قوم عزّ جارهم ... عهد عليّ السّرى حفظا لعهدهم
صبّ الدّموع كأمثال العقيق على ... وادي العقيق اشتياقا حقّ صبّهم
أبحت فيهم دمي للشّوق يمزجه ... بماء دمعي على خدّي، وقلت: دم
وليس يكثر إن آثرت نضخ دمي ... حيث الملوك تغضّ الطّرف كالخدم
من سائل الدّمع سال عن معاهده ... نعيمه أن يرى يسري مع النّعم
للسّير مبتدر كالسّيل محتفر ... كالطّير مشتمل باللّيل ملتئم
قصدا لمرتقب لله منتصر ... في الحقّ مجتهد للرّسل مختتم
من لي بمستسلم للبيد معتصم ... بالعيس لا مسئم يوما ولا سئم
للبرّ مقتحم للبرّ ملتزم ... للقرب مغتنم للتّرب ملتثم
يسري إلى بلد ما ضاق عن أحد ... كم حلّ من كرم في ذلك الحرم
دار شفيع الورى فيها لمعتصم ... جار رفيع الذّرا ناه لمجترم
فهجر ربعي لذاك الرّبع مغتنمي ... ونثر جمعي لذاك الجمع معتصمي
وميل سمعي لنيل القرب من شيمي ... وسيل دمعي بذيل التّرب كالدّيم
يقول صحبي وسفن العيس خائضة ... بحر السّراب وعين القيظ لم تنم:
يمّم بنا البحر إنّ الرّكب في ظمأ ... فقلت: سيروا، فهذا البحر من أمم
واف كريم رحيم قد وفى ووقى ... وعمّ نفعا فكم ضرّ شفى وكم
فقم بنا فلكم فقر كفى كرما ... وجود تلك الأيادي قد ضفا فقم
ذو مرّة فاستوى حتّى دنا فرأى ... وقيل: سل تعط قد خيّرت فاحتكم
وكان آدم، إذ كانت نبوّته، ... ما بين ماء وطين غير ملتئم
صافح ثراه، وقل إن جئت مستلما: ... إنّا محيّوك من ربع لمستلم
قد أقسم الله في الذّكر الحكيم به ... فقال: {وَالنَّجْمِ} هذا أوفر القسم
ما بين منبره السّامي وحجرته ... روض من الخلد نقل غير متّهم
مهنّد من سيوف الله سلّ على ... عداه، نور به إرشاد كلّ عم
إنّ الّذي قال: «يستسقى الغمام به»، ... لو عاش أبصر ما قد عدّ من شيم
تلوح تحت رداء النّقع غرّته ... كأنّ يوشع ردّ الشّمس في الظّلم
وتقرع السّمع عن حقّ زواجره ... قرع الرّماح ببدر ظهر منهزم
قالت عداه: لنا ذكر، فقلت: على ... لسان داود ذكر غير منصرم(1/229)
كالغيث فاض إذ المحل استفاض تلا ... أنفال جود تلافى تالف النّسم
سل منهم صلة للصّبّ واصلة ... والثم أنامل أقوام أنا بهم
أقم إلى قصدهم سوق السّرى وأقم ... بدار عزّ وسوق الأينق التثم
والحق بمن كاس واحتث كاس كلّ سرى ... فالدّهر إن جار راعى جار بيتهم
عج بي عليهم فعجبي من جفاء فتى ... جاز الدّيار ولم يلمم بربعهم
دع عنك سلمى وسل ما بالعقيق جرى ... وأمّ سلعا وسل عن أهله القدم
من لي بدار كرام في البدار لها ... عزّ، فمن قد لها عن ذاك يهتضم
بانوا فهان دمي وجدا، فها ندمي ... فقد أراق دمي فيما أرى قدمي
يولون ما لهم من قد لجا لهم ... فاشدد يدا بهم وانزل ببابهم
يا برد قلبي إذا برد الوصال ضفا ... ويا لهيب فؤادي بعد بعدهم
ما كان منع دمي بخلا به لهم ... لكن تخوّفت قبل القرب من عدم
أهلا بها من دماء فيهم بذلت ... وحبّذا ورد ماء من مياههم
من ناله جاههم منّا له ثقة ... أن لا يصاب بضيم تحت جاههم
بدار والحق بدار الهاشميّ بنا ... قبل الممات ومهما اسطعت فاغتنم
جزمي لئن سار ركب لا أرافقه ... فلا أفارق مزجي أدمعي بدمي
فأيّ كرب لركب يبصرون سنا ... برق لقبر متى تبلغه تحترم
متى أحلّ حمى قوم يحبّهم ... قلبي، وكم هائم قبلي بحبّهم
جار الزّمان فكفّوا جوره وكفوا ... وهل أضام لدى عرب على إضم
وحقّهم ما نسينا عهد حبّهم ... ولا طلبنا سواهم، لا وحقّهم
لا ينقضي ألمي حتّى أرى بلدا ... فيه الّذي ريقه يشفي من الألم
وقد تشمّر ثوب النّقع عن أمم ... شتّى يؤمّون طرّا سيّد الأمم
متى أرى جار قوم عزّ جارهم ... عهد عليّ السّرى حفظا لعهدهم
صبّ الدّموع كأمثال العقيق على ... وادي العقيق اشتياقا حقّ صبّهم
أبحت فيهم دمي للشّوق يمزجه ... بماء دمعي على خدّي، وقلت: دم
وليس يكثر إن آثرت نضخ دمي ... حيث الملوك تغضّ الطّرف كالخدم
من سائل الدّمع سال عن معاهده ... نعيمه أن يرى يسري مع النّعم
للسّير مبتدر كالسّيل محتفر ... كالطّير مشتمل باللّيل ملتئم
قصدا لمرتقب لله منتصر ... في الحقّ مجتهد للرّسل مختتم
من لي بمستسلم للبيد معتصم ... بالعيس لا مسئم يوما ولا سئم
للبرّ مقتحم للبرّ ملتزم ... للقرب مغتنم للتّرب ملتثم
يسري إلى بلد ما ضاق عن أحد ... كم حلّ من كرم في ذلك الحرم
دار شفيع الورى فيها لمعتصم ... جار رفيع الذّرا ناه لمجترم
فهجر ربعي لذاك الرّبع مغتنمي ... ونثر جمعي لذاك الجمع معتصمي
وميل سمعي لنيل القرب من شيمي ... وسيل دمعي بذيل التّرب كالدّيم
يقول صحبي وسفن العيس خائضة ... بحر السّراب وعين القيظ لم تنم:
يمّم بنا البحر إنّ الرّكب في ظمأ ... فقلت: سيروا، فهذا البحر من أمم
واف كريم رحيم قد وفى ووقى ... وعمّ نفعا فكم ضرّ شفى وكم
فقم بنا فلكم فقر كفى كرما ... وجود تلك الأيادي قد ضفا فقم
ذو مرّة فاستوى حتّى دنا فرأى ... وقيل: سل تعط قد خيّرت فاحتكم
وكان آدم، إذ كانت نبوّته، ... ما بين ماء وطين غير ملتئم
صافح ثراه، وقل إن جئت مستلما: ... إنّا محيّوك من ربع لمستلم
قد أقسم الله في الذّكر الحكيم به ... فقال: {وَالنَّجْمِ} هذا أوفر القسم
ما بين منبره السّامي وحجرته ... روض من الخلد نقل غير متّهم
مهنّد من سيوف الله سلّ على ... عداه، نور به إرشاد كلّ عم
إنّ الّذي قال: «يستسقى الغمام به»، ... لو عاش أبصر ما قد عدّ من شيم
تلوح تحت رداء النّقع غرّته ... كأنّ يوشع ردّ الشّمس في الظّلم
وتقرع السّمع عن حقّ زواجره ... قرع الرّماح ببدر ظهر منهزم
قالت عداه: لنا ذكر، فقلت: على ... لسان داود ذكر غير منصرم(1/230)
إنّي لأرجو بنظمي في مدائحه ... رجاء كعب ومن يمدحه لم يضم
وإنّ ليلي إلّا أن أوافيه ... ليل امرىء القيس من طول ومن سأم
نام الخليّ ولم أرقد ولي زجل ... بذكره في ذرا الوخّادة الرّسم
أقول: «يا لك من ليل»، وأنشده ... بيت ابن حجر وفجري غير مبتسم
فقلت للرّكب لمّا أن علا بهم ... تلفّت الطّرف بين الضّال والسّلم:
ألمحة من سنا برق على علم ... أم نور خير الورى من جانب الخيم!؟
أغرّ أكمل من يمشي على قدم ... حسنا وأملح من حاورت في كلم
يا حادي الرّكب إن لاحت منازله ... فاهتف: ألا عم صباحا، وادن واستلم
واسمح بنفسك وابذل في زيارته ... كرائم المال من خيل ومن نعم
واسهر إذا نام سار، وامض حيث ونى ... واسمح إذا شحّ نفسا، واسر إن يقم
بواطىء فوق خدّ الصّبح مشتهر ... وطائر تحت ذيل اللّيل مكتتم
إلى نبيّ رأى ما لا رأى ملك ... وقام حيث أمين الوحي لم يقم
جدّوا فأقدم ذو عزّ ورام سرى ... فلم تجدّ ولم تقدم ولم ترم
فسوّد العجز مبيضّ المنى وغدا ... مخضرّ عيشك مغبرّا لفقدهم
في قصدهم رافق الإلفين: أبيض ذا ... بشر وأسود مهما شاب يبتسم
قد أغرق الدّمع أجفاني وأدخلني ... نار الأسى عزمي الواني، فواندمي
ما ابيضّ وجه المنى إلّا لأغبر من ... خوض الغبار أمام الكوم في الأكم
فلذ ببرّ رحيم بالبريّة إن ... عقّتك شدّة دهر عاق واعتصم
يروى حديث النّدى والبشر عن يده ... ووجهه بين منهلّ ومبتسم
تبكي ظباه دما والسّيف مبتسم ... يخطّ كالنّون بين اللّام واللّمم
دمع بلا مقل، ضحك بغير فم ... كتب بغير يد، خطّ بلا قلم
جاوره يمنع، ولذ يشفع، وسله يهب ... وعد يعد، واستزد يفعل، ودم يدم
لم يخش قرنا ويخشى القرن صولته ... فهو المنيع المبيح الأسد للرّخم
والشّمس ردّت وبدر الأفق شقّ له ... والنّجم أينع منه كلّ منحطم(1/231)
وإذا دعا السّحب حال الصّحو فانسجمت ... ومن يديه ادعها إن شئت تنسجم
سقاهم الغيث ماء إذ سقى ذهبا ... فغير كفّيه إن أمحلت لا تشم
قد أفصح الضّبّ تصديقا لبعثته ... إفصاح قسّ وسمع القوم لم يهم
الهاشم الأسد هشم الزّاد تبذله ... بنان هاشم الوهّاب للطّعم
كأنّما الشّمس تحت الغيم غرّته ... في النّقع حيث وجوه الأسد كالحمم
إذا تبسّم في حرب وصاح بهم ... يبكي الأسود ويرمي اللّسن بالبكم
قلّوا ببدر ففلّوا غرب شانئهم ... به وما قلّ جمع بالرّسول حمي
فابيضّ بعد سواد قلب منتصر ... واسودّ بعد بياض وجه منهزم
فاتبع رجال السّرى في البيد واسر له ... سرى الرجال ذوي الألباب والهمم
خير الليالي ليالي الخير في إضم ... والقوم قد بلغوا أقصى مرادهم
بعزمهم بلغوا خير الأنام فقد ... فازوا وما بلغوا إلّا بعزمهم
يقوم بالألف صاع حين يطعمهم ... والصاع من غيره باثنين لم يقم
من الغزالة قد ردّت لطاعته ... لو رام أن لا تزور الجدي لم ترم
داني القطوف جميل العفو مقتدر ... ما ضاق منه لجان واسع الكرم
لا يرفع العين للرّاجين يمنحهم ... بل يخفض الرّأس قولا: هاك فاحتكم
يا قاطع البيد يسريها على قدم ... شوقا إليه لقد أصبحت ذا قدم
قد اعتصمت بأقوام جفونهم ... لا تعرف السّيف خلوا من خضاب دم
جوازم الصبر عن فعل الجوى منعت ... ورفعه حال إلّا حال قربهم
في القلب والطّرف من أهل الحمى قمر ... من يعتصم بحماه الرحب يحترم
يا متهمين عسى أن تنجدوا رجلا ... لم يسل عنكم ولم يصبح بمتّهم
أغار دهر رمى بالبعد نازحنا ... فأنجدوا يا كرام الذات والشّيم
إنّ الغضى لست أنسى أهله فهم ... شبّوه بين ضلوعي يوم بينهم
جرى العقيق بقلبي بعد ما رحلوا ... ولو جرى من دموع العين لم ألم
حيث الذي إن بدا في قومه وحبا ... عفاته ورمى الأعداء بالنّقم(1/232)
فالبدر في شهبه والغيث جاد لذي ... محل وليث الشّرى قد صال في الغنم
وإن علا النّقع في يوم الوغى فدعا ... أنصاره وأجال الخيل في اللّجم
ترى الثّريّا تقود الشّهب يرسلها ... ليث هدى الأسد خوض البحر في الظّلم
أخفوا في الإنجيل والتوراة بعثته ... فأظهر الله ما أخفوا برغمهم
قد أحرز البأس والإحسان في نسق ... والعلم والحلم قبل الدّرك للحلم
لا يستوي الغيث مع كفّيه: نائل ذا ... ماء ونائل ذا مال فلا تهم
غيثان: أمّا الّذي من فيض أنمله ... فدائم والّذي للمزن لم يدم
جلا قلوبا وأحيا أنفسا وهدى ... عميا وأسمع آذانا ذوي صمم
يريك باليوم مثل الأمس من كرم ... وليس في غده هذا بمنعدم
فلذ بمن كفّه والبحر ما افترقا ... إلّا بكفّ وبحر في كلامهم
والمال والماء من كفّيه قد جريا ... هذا لراج وذا للجيش حين ظمي
فاز المجدّان دان أو مديم سرى ... فذاك ناج وذا راج لجودهم
من وجه أحمد لي بدر ومن يده ... بحر، ومن فمه درّ لمنتظم
كم قلت: يا نفس ما أنصفت أن رحلوا ... وما رحلت، وقاموا ثمّ لم تقم
يمّم نبيّا تباري الرّيح أنمله ... والمزن من كلّ هامي الودق مرتكم
لو قابل الشّهب ليلا في مطالعها ... خرّت حياء وأبدت برّ محترم
تكاد تشهد أنّ الله أرسله ... إلى الورى نطف الأبناء في الرّحم
لو عامت الفلك فيما فاض من يده ... لم تلق أعظم بحرا منه إن تعم
تحيط كفّاه بالبحر المحيط فلذ ... به ودع كلّ طامي الموج ملتطم
لو لم تحط كفّه بالبحر ما شملت ... كلّ الأنام وأروت قلب كلّ ظمي
لم تبرق السّحب إلّا أنّها فرحت ... إذ ظلّلته فأبدت وجه مبتسم
والماء لو لم يفض من بين أنمله ... ما كان ريّ الظّما في ورده الشّبم
يستحسن الفقر ذو الدّنيا ليسأله ... فيأمن الفقر ممّا نال من نعم
والبدر أبقى بمرآه ليعلمنا ... بالانشقاق له آثار منثلم(1/233)
أزال ضرّ البعير المستجير كما ... به الغزالة قد لاذت فلم تضم
من أعرب العرب إلّا أنّ نسبته ... إلى قريش حماة البيت والحرم
لا عيب فيهم سوى أن لا ترى لهم ... ضيفا يجوع، ولا جارا بمهتضم
ما عاب منهم عدوّ غير أنّهم ... لم يصرفوا السّيف يوما عن عدوّهم
من غضّ من مجدهم فالمجد عنه نأى ... لكنّه غصّ إذ سادوا على الأمم
لا خير في المرء لم يعرف حقوقهم ... لكنّه من ذوي الأهواء والتّهم
عيبت عداهم فزانوهم بأن تركوا ... سيوفهم وهي تيجان لهامهم
تجري دماء الأعادي من سيوفهم ... مثل المواهب تجري من أكفّهم
لهم أحاديث مجد كالرّياض إذا ... أهدت نواسم تحيي بالي النّسم
ترى الغنيّ لديهم والفقير وقد ... عادا سواء فلازم باب قصدهم
قل للصّباح إذا ما لاح نورهم ... إن كان عندك هذا النّور فابتسم
إذا بدا البدر تحت اللّيل قلت له: ... أأنت يا بدر أم مرأى وجوههم!؟
كانوا غيوثا ولكن للعفاة كما ... كانوا ليوثا ولكن في عداتهم
كم قائل قال: حاز المجد وارثه ... فقلت: هم وارثوه عن جدودهم
قد أورث المجد عبد الله شيبة عن ... عمرو بن عبد مناف عن قصيّهم
فجاء فيهم بمن جال السّماء ومن ... سما على النّجم في سامي بيوتهم
فالعرب خير أناس ثمّ خيرهم ... قريشهم وهو فيهم خير خيرهم
قوم إذا قيل: من؟ قالوا: نبيّكم ... منّا فهل هذه تلفى لغيرهم
إن تقرأ النّحل تنحل جسم حاسدهم ... وفي «براءة» يبدو وجه جاههم
قوم النّبيّ فإن تحفل بغيرهم ... بين الورى فقد استسمنت ذا ورم
إن تجحد العجم فضل العرب قل لهم: ... خير الورى منكم أم من صميمهم
من فضّل العجم فضّ الله فاه ولو ... فاهوا لغصّوا وغضّوا من نبيّهم
بدءا وختما وفيما بين ذلك قد ... دانت له الرّسل من عرب ومن عجم
لئن خدمت بحسن المدح حضرته ... فذاك في حقّه من أيسر الخدم(1/234)
وإن أقمت أفانين البديع حلى ... لمدحه فببعض البعض لم أقم
وما محلّ فمي والشّعر حيث أتى ... مدح من الله متلوّ بكلّ فم
لكنّني حمت ما حول الحمى طمعا ... من ذا الّذي حول ذاك الجود لم يحم
يا أعظم الرّسل حاشا أن أخيب وإن ... صغرت قدرا فقد أمّلت ذا عظم
لعلّني مع علّاتي ستغفر لي ... كبر الكبائر والإلمام باللّمم
أنت الشّفيع الرّفيع المستجيب إذا ... ما قال: نفسي نفسي كلّ محترم
مالي سواك فآمالي محقّقة ... ورأس مالي سؤالي خير معتصم
فاشفع لعبدك وادفع ضرّ ذي أمل ... يرجو رضاك عسى ينجو من الألم
حسبي صلات صلاة سحبها شملت ... آلا وصحبا هم ركني وملتزمي
بصدق حبّي في الصّدّيق فزت ولا ... أفارق الحبّ للفاروق ليثهم
وقد أنار بذي النّورين صدري هل ... نخاف نارا وإنّا أهل حبّهم
بغيثهم يوم إحسان أبي حسن ... غوثي وسبطيه سمطي جيد مجدهم
أطفي بحمزة والعبّاس جمرة ذي ... بأس وأطوي زماني في ضمانهم
صحب الرّسول هم سؤلي وجودهم ... أرجو وأنجو من البلوى ببالهم
أحبّ من حبّهم من أجل من صحبوا ... أجل وأبغض من يعزى لبغضهم
هم مآلي وآمالي أميل لهم ... ولا يملّ لساني من حديثهم
لكن وإن طال مدحي لا أفي أبدا ... فأجعل العذر والإقرار مختتمي
أمّا البديعية الثالثة فهي «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع»: وهي البديعيّة الثالثة في تاريخ هذا الفنّ، ولعلّها لم تعرف اسما خاصّا بها فاقترن اسمها باسم شرحها «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع». نظمها عليّ بن الحسين بن علي بن أبي بكر، عزّ الدين الموصليّ المتوفّى سنة (789هـ.)، معارضا بها بديعيّة صفيّ الدين الحلّيّ (1)، إلّا أنه زاد عليه الالتزام بالتورية باسم النوع، وذلك بأن يودع كلّ بيت من أبياتها اسم النوع البديعيّ بطريقة التورية أو الاستخدام. ومثال على ذلك ما
__________
(1) الدرر الكامنة 3/ 112.(1/235)
جاء في المطلع «براعتي تستهلّ»، فإنّها تشير إلى «براعة الاستهلال» أحد المحسّنات البديعية ومثال آخر: «دع المعاصي بالاستعارة العقم» يشير إلى اسم النوع ضمن البيت. وهذا ديدنه في أبيات بديعيّته جميعها. ولعلّ الموصليّ أراد بذلك أن يظهر تفوّقه على صفيّ الدين الحلّيّ الذي لم يلتزم بتضمين البيت اسم النوع البديعيّ اكتفاء بالتعريف بها بالأمثلة من ناحية، وبذكر أسمائها بجانب الأبيات من ناحية أخرى. وقد علّق ابن حجّة الحموي على بديعيّة الموصليّ بقوله: «قصيدة بديعية للشيخ عزّ الدين الموصليّ التزم فيها بتسمية النوع البديعيّ، وورّى به من جنس الغزل، ليتميّز بذلك على الشيخ صفيّ الدين الحليّ لأنّه ما التزم ببديعيته بحمل هذا العبء الثقيل غير أنّ الشيخ عز الدين ما أعرب عن بناء بيوت ما أذن الله أن ترفع، ولا طالت يده لإبهام العقادة إلى شيء من إشارات ابن أبي الأصبع، وربّما رضي في الغالب، بتسمية النوع ولم يعرب عن المسمّى، ونثر شمل الألفاظ والمعاني، لشدّة ما عقده نظما» (1).
ويقارن عبد الغني النابلسيّ في «نفحاته» بين الموصليّ والحلّيّ، بقوله: «ثم جاء بعده عز الدين الموصليّ فعارضه بقصيدة على منوال قصيدته، وذكر من الأنواع ما ذكره، وزاد عليه بعض شيء يسير من اختراعاته، معجبا بذكر اسم النوع البديعيّ في ألفاظ البيت، مورّيا به لئلّا يحتاج إلى تعريف النوع من خارج النظم، ولكنه تعسّف وتكلّف في غالب أبياته، وهجر مضجع الرقّة والانسجام، ثمّ شرحها شرحا بيّن فيه مقصده ومراده مع الاختصار، ولم يشف غلّة الأفكار، ثمّ جاء بعده العلامة تقي الدين أبو بكر ابن حجّة الحمويّ فعارضه وجاراه وزاحمه فيما اقترحه واجتراه» (2).
وتقع بديعية عزّ الدين الموصليّ في مئة وواحد وأربعين بيتا من الشعر (3)، جمع
__________
(1) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب، خطبة المؤلف 1/ 305304.
(2) انظر نفحات الأزهار ص 3.
(3) كما وردت في الخزانة ونفحات الأزهار. أما في «علم البديع» لعبد العزيز عتيق فذكر أنها في مئة وخمسة وأربعين بيتا وفي «معجم المصطلحات البلاغية وتطورها» لأحمد مطلوب ذكر أنها في مئة وأربعين بيتا وفي البديعيات في الأدب العربي لعلي أبو زيد ذكر أنها في مئة وتسعة وثلاثين بيتا.(1/236)
فيها مئة وستّة وأربعين نوعا بديعيّا، وبذلك يكون قد قصّر عن صفيّ الدين الحلّيّ بخمسة أنواع، وهي: «التسليم»، و «الموازنة»، و «الاستعانة»، و «التوزيع»، و «السهولة».
وما يميّز هذه البديعية عن سابقتيها أنّ الموصليّ قد استنّ فيها سنّة جديدة في فنّ البديعيات، وذلك بالتزامه تسمية النوع البديعيّ ضمن البيت بعد تضمينه ذلك النوع وجعله شاهدا عليه وبذلك يكون الموصليّ أوّل من أضاف جديدا إلى هذا الفنّ، وهذا ما دفع أحمد إبراهيم موسى إلى وضعه في الطور الثالث من أطوار البديعيّات ثمّ سار عدد من الشعراء على طريقته، وابتعد عنها بعضهم لاعتقادهم أن ليس في صنيعه إلزام يجب أن يحتذى بالإضافة إلى إعناته للناظم.
كما تميّزت بديعيته بكونها أوّل بديعيّة ترتبط باسم شرحها، إذ كان الناظم قبله ينظم بديعيّته ويمنحها اسما، ثم يعكف عليها بالشرح أو يشرحها غيره، ويعطى هذا الشرح اسما جديدا، فالحلّيّ سمّى بديعيته «الكافية البديعية في المدائح النبوية» وشرحها هو وسمّى شرحه «النتائج الإلهية» وابن جابر سمّى بديعيّته «الحلّة السيرا في مدح خير الورى»، وشرحها صديقه أبو جعفر الرعيني شرحا مفصّلا سمّاه «طراز الحلّة وشفاء الغلّة» أمّا الموصليّ فقد سمّى البديعية وشرحها بل بديعيته المشروحة «التوصل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع».
ويبدو أنّ الموصليّ قد أراد أن يتفوّق على الصفيّ بابتداع السنن، فعمد إلى ذلك الالتزام وإلى تلك الطريقة في التسمية، وهذا ديدنه في طريق الابتداع، إذ نظم بديعية أخرى على رويّ اللام المضمومة، على وزن «بانت سعاد»، وبذلك يكون أوّل من أضاف جديدا إلى فنّ البديعيات بالتورية باسم النوع ضمن البيت، وأوّل من خالف قوانينها فنظمها على غير رويّ، وأوّل من سنّ نظم أكثر من بديعية من قبل شاعر واحد بالإضافة إلى كونه أوّل من قرن اسم بديعيّة باسم شرحها. وكان ممّن اتبع شيئا من سننه هذه: ابن حجاج المعروف ب «عويس» الذي نظم بديعيّة على رويّ الراء مخالفا قانون «البديعيات»، وشعبان الآثاري الذي نظم ثلاث بديعيّات على رويّ واحد، وابن حجّة الحمويّ الذي ضمّن البيت في بديعيته اسم النوع البديعيّ، وعائشة الباعونية التي سمّت إحدى بديعيّتيها وشرحها باسم «الفتح المبين في مدح الأمين».
وهذه أبيات بديعيّته «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع»، كما وردت في
«خزانة الأدب وغاية الأرب» و «نفحات الأزهار».(1/237)
وهذه أبيات بديعيّته «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع»، كما وردت في
«خزانة الأدب وغاية الأرب» و «نفحات الأزهار».
بديعيّة عزّ الدين الموصليّ: «التوصّل بالبديع إلى التوسّل بالشفيع»
1 - براعتي تستهلّ الدمع في العلم ... عبارة عن نداء المفرد العلم
2 - فحيّ سلمى وسل ما ركّبت بشذا ... قد أطلقته أمام الحيّ عن أمم
3 - ملفّق مظهر سرّي وشان دمي ... لمّا جرى من عيوني إذ وشى ندمي
4 - يذيّل العذل جار جارح بأذى ... كلاحق ماحق الآثار في الأكم
5 - مذ تمّ للعين أنس حين طرّفها ... مرأى الحبيب ببذل العين لم ألم
6 - هل من تقيّ نقيّ حين صحّف لي ... محرّف القول زان الحكم بالحكم
7 - لفظي حضّي على حظّي يمانعه ... مقلوب معنى ملا الأحشاء بالألم
8 - وكافر نعم الإحسان في عذل ... كظلمة الليل عن ذا المعنويّ عمي
9 - يستطرد الشوق خيل الدمع سابقة ... فيفضل السّحب فضل العرب للعجم
10 - دع المعاصي فشيب الرأس مشتعل ... بالاستعارة من أرواحها العقم
11 - والعين قرّت بهم لمّا بها سمحوا ... واستخدموها من الأعدا فلم تنم
12 - هزل أريد به جدّ عتابك لي ... كما كتمت بياض الشيب بالكتم
13 - ليل الشباب وحسن الوصل قابله ... صبح المشيب وقبح الهجر يا ندمي
14 - وما التفتّ لساع حجّ في شغفي ... ما أنت للرّكن من وجدي بملتزم
15 - كان افتناني بثغر راق مبسمه ... صار افتناني بثغر فيه سفك دمي
16 - فكم حميت بالاستدراك ذا أسف ... لكن على المشتهى والبرء من سقمي
17 - نشر ويسر وبشر من شذا وندى ... وأوجه فتعرّف طيّ نشرهم
18 - أبكي فتضحك من درّ مطابقة ... حتّى تشابه منثور بمنتظم
19 - لقد تفيهقت بالتشديق في عذلي ... كيف النزاهة عن ذي الأشدق الخضم
20 - تخيير قلبي هوى السادات صحّ به ... عهدي وإنّي لحزني ثابت الألم
21 - أبهمت نصحي مشيرا بالأصابع لي ... ليت الوجود رمى الإبهام بالعدم ...(1/238)
22 - أنوار بهجته إرسالها مثلا ... يلوح أشهر من نار على علم
23 - لقد تهكّمت في ما قد منحتك من ... قولي بأنّك ذو عزّ وذو كرم
24 - راجعت في القول إذ طلّقت سلوتهم ... قال: اسلهم قلت: سمعي عنك في صمم
25 - عقلي ونومي بتوشيح الهوى سلبا ... فبتّ صبّا بلا حلم ولا حلم
26 - أطرافك اشتبهت قولا متى تلم ... تلم فتى زائد البلوى فلا تلم
27 - تغاير الحال حتّى للنوى فئة ... أصبحت منتظرا أيّام وصلهم
28 - تذييل عيشي ورزقي قسمة حصلت ... في أوّل الخلق والأرزاق بالقسم
29 - فوّف أرقّ انظم انثر خصّ عمّ أفد ... أعتب أدم أبرق ارعد اضحك ابك لم
30 - لأنت أفتح ذهنا في مواربة ... وبالتعقّل منسوب إلى النّعم
31 - كلامه جامع وصف الكمال كما ... يهيّج الشوق أنواع من الرّنم
32 - إنّي أناقض عهد النازحين إذا ... ما شاب عزمي وشبّت شهوة الهرم
33 - فهم بصدر جمال عجز عاشقه ... عن وصله ظاهر من باحث فهم
34 - قالوا: مدام الهوى قول بموجبه ... تسلّ، قلت: شبابي من يد الهرم
35 - في معرض المدح تهجي من قبيلته ... أعراضهم بين معمور ومنهدم
36 - الناس كلّ ولا استثناء لي عذروا ... إلّا العذول عصاني في ولائهم
37 - وفي الهوى ضلّ تشريع العذول لنا ... وكم هوى في مقال ذلّ من حكم
38 - والبدر مذ لاح في التتميم دان له ... والشّمس مذعنة طوعا لمحتكم
39 - وعارف مذ بدا بدري تجاهل لي ... وقال: حبّك؟ أم ذا البدر في الظّلم
40 - وما اكتفى الحبّ كسف الشمس منه إذا ... حتّى انثنى يخجل الأغصان حين يمي
41 - وادع النظير من القوم الألى سلفوا ... من الشباب ومن طفل ومن هرم
42 - من التعاظم تمثيل الزمان به ... وقد يكون اتّضاع القدر بالشّمم
43 - نزّهت طرفي وسمعي في محاسنه ... وعنك إذ تقصد التوجيه في الكلم
44 - عتبت نفسي إذ أتبعتها بهوى ... مجهول سبل بلا هاد ولا علم
45 - برئت من سلفي والشمّ من هممي ... إن لم أدن بتقى مبرورة القسم(1/239)
46 - حسن التخلّص من ذنبي العظيم غدا ... بمدح أكرم خلق الله كلّهم
47 - محمّد إبن عبد الله شيبة جد ... ده ابن عمرو كرام في اطّرادهم
48 - خير المقال مقال الخير فاصغ ودع ... عكس الصواب مع التبديل تستقم
49 - له الجميل من الله الجميل على ال ... وجه الجميل بترديد من النّعم
50 - تكرار مدحي هدى في الشامل النّعم اب ... ن الشامل النعم ابن الشامل النعم
51 - بمذهب من كلام الله ينسخ شر ... ع الأوّلين ببشرى من كلامهم
52 - ألم تر الجود يجري في يديه ألم ... تسمع مناسبة في قولهم بفم
53 - ومن عطاياه روض وشّعته يد ... تغني عن الأجودين: البحر والدّيم
54 - تمّت محاسنه والله كمّله ... فقدره في الورى في غاية العظم
55 - قالوا هو البحر والتفريق بينهما ... إذ ذاك غمّ وهذا فارج الغمم
56 - تشطير معتدل بالسيف مشتمل ... في جحفل لهم كالأسد في الأجم
57 - وقيل للبدر تشبيه إليه نعم ... نجم الثّريّا له كالنعل في القدم
58 - وبان في كتب التاريخ من قدم ... تلميح قصّة موسى مع معدّهم
59 - شيئان يشبه شيئين انتبه لهما ... حلم وجهل هما كالبرء والسّقم
60 - بان انسجام كلام منزل عجب ... يهدي ويخبرنا عن سالف الأمم
61 - تفصيل مدحك تجميل لذي أدب ... أوصاله لفّت البلوى من الرّقم
62 - نوادر من جنان كالجنان زهت ... أم هل بدت واضحات الحسن من إرم
63 - امدح وجز كلّ حمد في مبالغة ... حقّا ولا تطر تقبل غير متّهم
64 - لو شاء إغراق وجه الأرض أجمعه ... ندى يديه لأحياها ولم تضم
65 - في مدحه نفحات لا غلوّ بها ... يكاد يحيي شذاها بالي الرّمم
66 - ذو معنيين بصحب والعدى ائتلفا ... للخلف ما أشهب البازيّ كالرّخم
67 - لم ينف ذمّا بإيجاب المديح فتى ... إلّا وعاقدت فيه الدّهر بالسّلم
68 - أضحت أعاديه في الأقطار طائرة ... وأوغلت في الهوى خوفا مع العصم
69 - والله هذّبه طفلا وأدّبه ... فلم يحل هديه الزاكي ولم يرم(1/240)
70 - لم يستحل بانعكاس في سجيّته ... مدن أخا طعم معط أخا ندم
71 - آتاه ربّك آيات بتورية ... قد أعجزت كلّ حبر خطّ بالقلم
72 - يجزي بسيّئة للضّدّ سيّئة ... معنى مشاكلة من خير منتقم
73 - علم ومال على جمع يقسّمه ... هذا لغمر وهذا نفع مغترم
74 - وعزمه النار في جمع يفرّقه ... ووجهه النور يجلو ظلمة الغشم
75 - ما تشتهي النفس يهدى في إشارته ... يعطي فنونا بلا منّ ولا سأم
76 - مالي بتوليد مدحي في سواه هدى ... لمعشر شبّهوا الهنديّ بالجلم
77 - داع كثير رماد القدر إن وصفت ... كناية بطنها والظهر بالدّسم
78 - للفضل والفصل والإلطاف منه ترى ... والعلم والحلم جمع غير منخرم
79 - إيجاب إمداحه بالحلم يمنع من ... سلب النفوس ولم يمنع من الكرم
80 - تقسيمه الدهر يوما أمسه لغد ... في الحلم والجود والإيفاء للذمم
81 - وسل زمانك تلف الكتب راوية ... إيجاز معنى طويل الذكر مرتسم
82 - وللغزالة تسليم به اشتركت ... مع التي هي ترعى نرجس الظلم
83 - لا زال بالعزمات الغرّ والهمم ... مصرّع الضدّ بالتشطير في القمم
84 - فلا اعتراض علينا في السؤال به ... أعني الرسول لكي أنجو من الضّرم
85 - رمت الرجوع من الأمداح أنظمها ... سوى مديح سديد القول محترم
86 - له الملائك والإنسان أجمعهم ... والجنّ والوحش في الترتيب كالخدم
87 - ميم وحا في اشتقاق الاسم محو عدى ... والميم والدّال مدّ الخير للأمم
88 - محمّد واسمه بالاتّفاق له ... وصف يشاكله في اسمه العلم
89 - وكم أبدعوا روض عدل بعد طولهم ... وأترعوا حوض فضل قبل قولهم
90 - يبدي مماثلة يعطي مناسبة ... يحوي مجانسة في الكلم والكلم
91 - فألحق الجزء بالكلّيّ منحصرا ... إذ دينه الجنس للأديان كلّهم
92 - كم حصحص الحقّ إذ وافت فرائده ... وفي الوطيس بدا ثبتا بلا برم
93 - في الفتح ضمّ من الأنصار شملهم ... جبرا لكسر بترشيح من الرّحم(1/241)
94 - بشرى المسيح أتت عنوان دعوته ... وقبله كلّ هاد صادق قدم
95 - تسهيمه في الوغى حسم لمتّصل ... تسليمه في الرضا وصل لمنحسم
96 - للدّين والنقع تطريز لمحترم ... في نصر محترم في حفظ محترم
97 - ففي براءة تنكيت بمدحته ... معناه في الشرح يشفي داء ذي البكم
98 - للطعن والضّرب إرداف يحلّ به ... في موضع العقل يحكيه ذوو الحكم
99 - وأودعوا الفضل في الأصحاب شرّفهم ... بين الرجال، وإن كانوا ذوي رحم
100 - يا سائرا مفردا أعربت لحنك في ... توهيم منع رضاع الشاء من حلم
101 - إنّ المنافق لغز قلبه زغل ... وهو المعمّى كمثل الأرزة الرّزم
102 - سلامة لاختراعي في علا هممي ... إسمي وفعلي كحرف عند رسمهم
103 - ذكر الإمام وابنيه يفسّره ... عليّ والحسنان اكرم بذكرهم
104 - والجذع حنّ إليه بعد فرقته ... حسن اتّباع لتلك الأربع الحرم
105 - كتب المدائح تستوفي علاه ولو ... تواردت في نظام غير منصرم
106 - للخير والشرّ إيضاح به فبذا ... أمر وعن ذاك نهي حبّ نصحهم
107 - ما الدّوح تفريعه بالزهر متّسق ... نظما بأطيب من تعريف ذكرهم
108 - فالضيق أذهب والتوفيق سبّب والت ... تنسيق رتّب في تصديق حكمهم
109 - تعديد أوصافهم في المدح يعجزنا ... أهل التّقى والنّقا والمجد والهمم
110 - تعليل طيب نسيم الروض حين سرى ... بأنّه نال بعضا من ثنائهم
111 - تعطّفوا برضى أحبابهم وعلى ... أعدائهم عطفوا بالصارم الخذم
112 - يستتبعون ببذل العلم بذل ندى ... ويحفظون المعالي حفظ عرضهم
113 - أطاعه وعصاه المؤمنون ومن ... ناءى كذا الفرق بين الإنس والنّعم
114 - في معرض الذّمّ إن قيل المديح فهم ... لا عيب فيهم سوى الإعدام للنّعم
115 - ذو بسط كفّ وخلق زانه خلق ... أثنى عليه إله العرش بالعظم
116 - بان اتّساع المعاني في الصحابة كال ... فاروق ثمّ شهيد الدار ذي الحرم
117 - جمع لمؤتلف فيهم ومختلف ... في العلم والحلم مع تقديم ذي قدم(1/242)
118 - تطويل تعريض شانيهم يعظّمهم ... والرفض أقبح شيء موجب الأضم
119 - كم رصّعوا كلما من درّ لفظهم ... كم أبدعوا حكما في سرّ علمهم
120 - كم قاتل بصميم الجمع مقتحم ... وقائل لنظيم السّجع ملتزم
121 - تسميط ذي عجب تنظيم ذي أرب ... تحقيق ذي غلب بالنصر ملتزم
122 - لي التزام بمدحي خير معتصم ... بربّه وارتباط غير منفصم
123 - إذا تزاوج خوف الذنب في خلدي ... ذكرت أنّ نجاتي في مديحهم
124 - ذي فضل أندية ذي عدل تجزية ... فالذئب في ظلم يمشي مع الغنم
125 - من لفظه واعظ بالنصح جرّدني ... يا نفس توبي وللتجريد فالتزمي
126 - أحيا فؤادي مجازي نحو حجرته ... وقد دهشت لجمع فيه مزدحم
127 - تؤلّف اللفظ والمعنى فصاحته ... تبارك الله منشي الدّرّ في الكلم
128 - أؤلّف اللفظ مع وزن بمدحة مو ... لانا وذمّ عدوّ بيّن الثّلم
129 - تؤلّف الوزن والمعنى مدائحه ... فللمعاني ترى الألفاظ كالخدم
130 - ساروا وجدّوا النّوى فاللفظ مؤتلف ... من لسن دمعي بلفظ جدّ منسجم
131 - تمكين حبّك في قلبي به نسخت ... محبّة الكلّ من عرب ومن عجم
132 - أروم إسقاط ذنبي بالصلاة على ... محمّد وعلى صدّيقه العلم
133 - خضر المرابع حمر البيض سود ردى ... بيض الثّنا فاستمع تدبيج وصفهم
134 - فأصبحوا لا ترى إلّا مساكنهم ... ولا اقتباس يرى من هذه الأطم
135 - حسن البيان بحمد الله بيّن لي ... هدى النبيّ الرّضيّ الواضح اللّقم
136 - أدمجت شكواي من ذنبي بمدحته ... عساك تشفع لي يا شافع الأمم
137 - حبّي له قد تمشّى في المفاصل، قل ... بالاحتراس، تمشّي البرء في السّقم
138 - براعة بان فيها منتهى طلبي ... وأنت أكرم من نطق ب «لا»، و «لم»
139 - عقد اليقين صلاتي والسلام على ... محمّد دائما منّي بلا سأم
140 - خطّت مساواة معناه وصورته ... في الحسن شاهده في «نون والقلم»
141 - فاجعل له مخلصا من قبح زلّته ... في حسن مفتتح منه ومختتم
أمّا بعد، فهذه نبذة تصوّر ما صار إليه البديع في القرن الثامن الهجريّ، على يد أصحاب هذه البديعيات الثلاث، كما تصوّر الجهود التي بذلها هؤلاء في سبيل تطويره وحفظه بأسلوب فنّي أدبيّ طريف.(1/243)
118 - تطويل تعريض شانيهم يعظّمهم ... والرفض أقبح شيء موجب الأضم
119 - كم رصّعوا كلما من درّ لفظهم ... كم أبدعوا حكما في سرّ علمهم
120 - كم قاتل بصميم الجمع مقتحم ... وقائل لنظيم السّجع ملتزم
121 - تسميط ذي عجب تنظيم ذي أرب ... تحقيق ذي غلب بالنصر ملتزم
122 - لي التزام بمدحي خير معتصم ... بربّه وارتباط غير منفصم
123 - إذا تزاوج خوف الذنب في خلدي ... ذكرت أنّ نجاتي في مديحهم
124 - ذي فضل أندية ذي عدل تجزية ... فالذئب في ظلم يمشي مع الغنم
125 - من لفظه واعظ بالنصح جرّدني ... يا نفس توبي وللتجريد فالتزمي
126 - أحيا فؤادي مجازي نحو حجرته ... وقد دهشت لجمع فيه مزدحم
127 - تؤلّف اللفظ والمعنى فصاحته ... تبارك الله منشي الدّرّ في الكلم
128 - أؤلّف اللفظ مع وزن بمدحة مو ... لانا وذمّ عدوّ بيّن الثّلم
129 - تؤلّف الوزن والمعنى مدائحه ... فللمعاني ترى الألفاظ كالخدم
130 - ساروا وجدّوا النّوى فاللفظ مؤتلف ... من لسن دمعي بلفظ جدّ منسجم
131 - تمكين حبّك في قلبي به نسخت ... محبّة الكلّ من عرب ومن عجم
132 - أروم إسقاط ذنبي بالصلاة على ... محمّد وعلى صدّيقه العلم
133 - خضر المرابع حمر البيض سود ردى ... بيض الثّنا فاستمع تدبيج وصفهم
134 - فأصبحوا لا ترى إلّا مساكنهم ... ولا اقتباس يرى من هذه الأطم
135 - حسن البيان بحمد الله بيّن لي ... هدى النبيّ الرّضيّ الواضح اللّقم
136 - أدمجت شكواي من ذنبي بمدحته ... عساك تشفع لي يا شافع الأمم
137 - حبّي له قد تمشّى في المفاصل، قل ... بالاحتراس، تمشّي البرء في السّقم
138 - براعة بان فيها منتهى طلبي ... وأنت أكرم من نطق ب «لا»، و «لم»
139 - عقد اليقين صلاتي والسلام على ... محمّد دائما منّي بلا سأم
140 - خطّت مساواة معناه وصورته ... في الحسن شاهده في «نون والقلم»
141 - فاجعل له مخلصا من قبح زلّته ... في حسن مفتتح منه ومختتم
أمّا بعد، فهذه نبذة تصوّر ما صار إليه البديع في القرن الثامن الهجريّ، على يد أصحاب هذه البديعيات الثلاث، كما تصوّر الجهود التي بذلها هؤلاء في سبيل تطويره وحفظه بأسلوب فنّي أدبيّ طريف.
وإذا ما اجتزنا القرن الثامن إلى القرن التاسع الهجريّ فإننا نرى أنّ الاتجاه الغالب في دراسة البديع يتمثّل في نظم بديعيات تنحو منحى صفيّ الدين الحلّيّ حينا أو عزّ الدين الموصليّ أحيانا، وتتبارى مع هذا أو ذاك، وأبرز هؤلاء المتبارين ابن حجّة الحمويّ الذي راح يباري الاثنين معا، بالإضافة إلى معارضته لبردة البوصيريّ التي عارضاها قبله، وقد أشار إلى ذلك في مقدّمة «خزانته» إذ يقول: «فهذه البديعيّة التي نسجتها بمدحه، (صلى الله عليه وسلم)، على منوال طرح البردة، كان محمد بن البارزيّ هو الذي ثقّف لي هذه الصعدة وما ذاك إلّا أنّه وقف بدمشق المحروسة على قصيدة بديعية للشيخ عز الدين الموصلي التزم فيها تسمية النوع البديعيّ، وورّى به من جنس الغزل، ليتميّز بذلك على الشيخ صفي الدين الحلّيّ فاستخار الله مولانا ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحلّيّ برقّة السحر الحلال الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيّد البيت فيرسم لي بهدمه فصرت أعرب عن بناء كلّ بيت له على المناظرة طاقة، فيحكم لي بالسبق وينقلني إلى غيره فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيّدا بتسمية النوع وهو من ذلك محلول العقال، وسمّيتها «تقديم أبي بكر» علما أنّه لا يسمع من الحلّيّ والموصلّيّ في هذا «التقديم» مقال» (1).
وقد ظفرت هذه البديعية بما لم تظفر به بديعية أخرى من الشهرة، وقد شرحها ابن حجّة بنفسه في كتابه المشهور «خزانة الأدب وغاية الأرب» وجرى كثير من الأدباء والشعراء على منواله في نظم البديعيات وشرحها. ونظرا لأهمية هذه البديعية وشرحها، ولكونها موضوع هذه الدراسة، أفرد لها فصلا لدراستها دراسة تحليليّة، وأكتفي هنا بعرض أبياتها كما وردت في «الخزانة»، و «نفحات الأزهار»، و «جنى الجنّتين» (2).
بديعية ابن حجّة الحمويّ: «تقديم أبي بكر»
1 - لي في ابتدا مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهلّ الدمع في العلم
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 22.
(2) انظر «جنى الجنتين» ورقة 3ب 7أ.
2 - بالله سر بي فسر بي طلّقوا وطني ... وركّبوا في ضلوعي مطلق السّقم
3 - ورمت تلفيق صبري كي أرى قدمي ... يسعى معي فسعى ولكن أراق دمي
4 - وذيّل الهمّ همل الدّمع لي فجرى ... كلاحق الغيث حيث الأرض في ضرم
5 - يا سعد ما تمّ لي سعد يطرّفني ... بقربهم وقليل الحظّ لم يلم
6 - هل من يفي ويقي إن صحّفوا عذلي ... وحرّفوا وأتوا بالكلم في الكلم
7 - قد فاض دمعي وفاظ القلب إذ سمعا ... لفظيّ عذل ملا الأسماع بالألم
8 - أبو معاذ أخو الخنساء كنت لهم ... يا معنويّ فهدّوني بجورهم
9 - واستطردوا خيل صبري عنهم فبكت ... وقصّرت كليالينا بوصلهم
10 - وكان غرس التمنّي يانعا فذوى ... بالاستعارة من نيران هجرهم
11 - واستخدموا العين منّي فهي جارية ... وكم سمحت بها أيّام عسرهم
12 - والبين هازلني بالجدّ حين رأى ... دمعي وقال: تبرّد أنت بالدّيم
13 - قابلتهم بالرّضى والسلم منشرحا ... ولّوا غضابى فيا حربي لغيظهم
14 - وما أروني التفاتا عند نفرتهم ... وأنت يا ظبي أدرى بالتفاتهم
15 - تغزّلي وافتناني في شمائلهم ... أضحى رثا لاصطباري بعد بعدهم
16 - قالوا: نرى لك لحما بعد فرقتنا ... فقلت مستدركا: لكن على وضم
17 - فالطيّ والنشر والتغيير مع قصر ... للظهر والعظم والأحوال والهمم
18 - بوحشة بدّلوا أنسي وقد خفضوا ... قدري وزادوا علوّا في طباقهم
19 - نزّهت لفظي عن فحش وقلت هم ... عرب وفي حيّهم يا غربة الذّمم
20 - تخيّروا لي سماع العذل وانتزعوا ... قلبي وزادوا نحولي متّ من سقمي
21 - وزاد إبهام عذلي عاذلي ودجى ... ليلي فهل من بهيم يشتفي ألمي
22 - وكم تمثّلت إذ أرخوا شعورهم ... وقلت بالله خلّ الرّقص في الظّلم
23 - ذلّ العذول بهم وجدا فقلت له ... تهكّما: أنت ذو عزّ وذو شمم
24 - قال اصطبر قلت صبري ما يراجعني ... قال احتمل قلت من يقوى بصدّهم
25 - توشيحهم بملا تلك الشّعور إذا ... لفّوه طيّا تعرّفنا بنشرهم ...(1/244)
__________
(2) انظر «جنى الجنتين» ورقة 3ب 7أ.
2 - بالله سر بي فسر بي طلّقوا وطني ... وركّبوا في ضلوعي مطلق السّقم
3 - ورمت تلفيق صبري كي أرى قدمي ... يسعى معي فسعى ولكن أراق دمي
4 - وذيّل الهمّ همل الدّمع لي فجرى ... كلاحق الغيث حيث الأرض في ضرم
5 - يا سعد ما تمّ لي سعد يطرّفني ... بقربهم وقليل الحظّ لم يلم
6 - هل من يفي ويقي إن صحّفوا عذلي ... وحرّفوا وأتوا بالكلم في الكلم
7 - قد فاض دمعي وفاظ القلب إذ سمعا ... لفظيّ عذل ملا الأسماع بالألم
8 - أبو معاذ أخو الخنساء كنت لهم ... يا معنويّ فهدّوني بجورهم
9 - واستطردوا خيل صبري عنهم فبكت ... وقصّرت كليالينا بوصلهم
10 - وكان غرس التمنّي يانعا فذوى ... بالاستعارة من نيران هجرهم
11 - واستخدموا العين منّي فهي جارية ... وكم سمحت بها أيّام عسرهم
12 - والبين هازلني بالجدّ حين رأى ... دمعي وقال: تبرّد أنت بالدّيم
13 - قابلتهم بالرّضى والسلم منشرحا ... ولّوا غضابى فيا حربي لغيظهم
14 - وما أروني التفاتا عند نفرتهم ... وأنت يا ظبي أدرى بالتفاتهم
15 - تغزّلي وافتناني في شمائلهم ... أضحى رثا لاصطباري بعد بعدهم
16 - قالوا: نرى لك لحما بعد فرقتنا ... فقلت مستدركا: لكن على وضم
17 - فالطيّ والنشر والتغيير مع قصر ... للظهر والعظم والأحوال والهمم
18 - بوحشة بدّلوا أنسي وقد خفضوا ... قدري وزادوا علوّا في طباقهم
19 - نزّهت لفظي عن فحش وقلت هم ... عرب وفي حيّهم يا غربة الذّمم
20 - تخيّروا لي سماع العذل وانتزعوا ... قلبي وزادوا نحولي متّ من سقمي
21 - وزاد إبهام عذلي عاذلي ودجى ... ليلي فهل من بهيم يشتفي ألمي
22 - وكم تمثّلت إذ أرخوا شعورهم ... وقلت بالله خلّ الرّقص في الظّلم
23 - ذلّ العذول بهم وجدا فقلت له ... تهكّما: أنت ذو عزّ وذو شمم
24 - قال اصطبر قلت صبري ما يراجعني ... قال احتمل قلت من يقوى بصدّهم
25 - توشيحهم بملا تلك الشّعور إذا ... لفّوه طيّا تعرّفنا بنشرهم ...(1/245)
26 - شابهت أطراف أقوالي فإن أهم ... أهم إلى كلّ واد في صفاتهم
27 - أغاير الناس في حبّ الرقيب فمذ ... أراه أبسط آمالي بقربهم
28 - والله ما طال تذييل اللقاء بهم ... يا عاذلي وكفى بالله في القسم
29 - خشّن ألن إحزن افرح إمنع اعط أنل ... فوّف أجد وشّ رقّق شدّ حبّ لم
30 - يا عاذلي أنت محبوب لديّ فلا ... توارب العقل منّي واستفد حكمي
31 - جمع الكلام إذا لم تغن حكمته ... وجوده عند أهل الذوق كالعدم
32 - إنّي أناقضهم إن أزمعوا ونأوا ... وجرّ نمل ثبيرا إثر عيسهم
33 - ألم أصرّح بتصدير المديح لهم ... ألم أهدّد ألم أصبر ألم ألم
34 - قولي له موجب إذ قال أشفقهم ... تسلّ، قلت: بناري يوم فقدهم
35 - وكم بمعرض مدح قد هجوتهم ... وقلت سدتم بحمل الضّيم والتهم
36 - عفت القدود فلم أستثن بعدهم ... إلّا معاطف أغصان بذي سلم
37 - طاب اللقا لذّ تشريع الشعور لنا ... على النقا فنعمنا في ظلالهم
38 - بكلّ بدر بليل الشعر يحسده ... بدر السماء على التتميم في الظّلم
39 - وافترّ عجبا تجاهلنا بمعرفة ... قلنا: أبرق بدا أم ثغر مبتسم
40 - لمّا اكتفى خدّه القافي بجمرته ... قال العواذل بغضا: إنّه لدمي
41 - ذكرت نظم اللآلي والحباب له ... راعى النّظير بثغر منه منتظم
42 - وقلت: ردفك موج كي أمثّله ... بالموج قال قد استسمنت ذا ورم
43 - وأسود الخال في نعمان وجنته ... لي منذر منه بالتوجيه للعدم
44 - يا نفس ذوقي عتابي قد دنا أجلي ... منّي ولم تقطعي آمال وصلهم
45 - برئت من أدبي والغرّ من شيمي ... إن لم أبرّ بنأي عنهم قسمي
46 - ومن غدا قسمه التّشبيب في غزل ... حسن التخلّص بالمختار من قسمي
47 - محمّد بن الذّبيحين الأمين أبو ال ... بتول خير نبيّ في اطّرادهم
48 - عين الكمال كمال العين رؤيته ... يا عكس طرف من الكفّار عنه عمي
49 - أبدى البديع له الوصف البديع وفي ... نظم البديع حلا ترديده بفمي(1/246)
50 - كرّرت مدحي حلا في الزّائد الكرم اب ... ن الزائد الكرم ابن الزائد الكرم
51 - ومذهبي في كلامي أنّ بعثته ... لو لم تكن ما تميّزنا على الأمم
52 - فعلمه وافر والزهد ناسبه ... وحلمه ظاهر عن كلّ مجترم
53 - ووشّع العدل منه الأرض فاتّشحت ... بحلّة الأمجدين العهد والذّمم
54 - آدابه تمّمت لا نقص يدخلها ... والوجه تكميله في غاية العظم
55 - قالوا: هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشّيم
56 - وانشقّ من أدب له بلا كذب ... شطرين في قسم تشطير ملتزم
57 - والبدر في التمّ كالعرجون صار له ... فقل لهم يتركوا تشبيه بدرهم
58 - وردّ شمس الضّحى للقوم خاضعة ... وما ليوشع تلميح بركبهم
59 - شيئان قد أشبها شيئين فيه لنا ... تبسّم وعطا كالبرق في الدّيم
60 - لذّ انسجام دموعي في مدائحه ... بالله شنّف بها يا طيّب النّغم
61 - وإن ذكرت زمانا ضاع من عمري ... في غير تفصيل مدح صحت يا ندمي
62 - نوادر المدح في أوصافه نشقت ... منها الصّبا فأتتنا وهي في شمم
63 - بالغ وقل كم جلا بالنور ليل وغى ... والشّهب قد رمدت من عثير الدّهم
64 - لو شاء إغراق من ناواه مدّ له ... في البرّ بحر بموج فيه ملتطم
65 - بلا غلوّ إلى السبع الطباق سرى ... وعاد والليل لم يجفل بصبحهم
66 - سهل شديد له بالمعنيين بدا ... تآلف في العطا والدين للعظم
67 - لا ينتفي الخير من إيجابه أبدا ... ولا يشين العطا بالمنّ والسّأم
68 - للجود في السّير إيغال إليه وكم ... حيّا الأنام بودّ غير منصرم
69 - تهذيب تأديبه قد زاده عظما ... في مهده وهو طفل غير منفطم
70 - بحر وذو أدب بدا وذو رحب ... لم يستحل بانعكاس ثابت القدم
71 - أوصافه الغرّ قد حلت بتورية ... جيدي وعقد لساني بعد ذا وفمي
72 - من اعتدى فبعدوان يشاكله ... لحكمة هو فيها خير منتقم
73 - جمع الأعادي بتقسيم يفرّقه ... فالحيّ للأسر والأموات للضّرم(1/247)
74 - سناه كالبرق إن أبدوا ظلام وغى ... والعزم كالبرق في تفريق جمعهم
75 - ومن إشارته في الحرب كم فهم ال ... أنصار معنى به فازوا بنصرهم
76 - توليد نصرتهم يبدو بطلعته ... ما السبعة الشّهب ما توليد رملهم
77 - قالوا: طويل نجاد السيف، قلت: وكم ... لناره ألسن تكني عن الكرم
78 - آدابه وعطاياه ورأفته ... سجيّة ضمن جمع فيه ملتئم
79 - إيجابه بالعطايا ليس يسلبه ... ويسلب المنّ منه سلب محتشم
80 - هداه تقسيمه حالي به صلحت ... حيّا وميتا ومبعوثا مع الأمم
81 - أوجز وسل أوّل الأبيات عن مدح ... فيه وسل مكّة يا قاصد الحرم
82 - بالحجر ساد فلا ندّ يشاركه ... حجر الكتاب المبين الواضح اللّقم
83 - تصريع أبواب عدن يوم بعثهم ... يلقاه بالفتح قبل الناس كلّهم
84 - فلا اعتراض علينا في محبّته ... وهو الشفيع ومن يرجوه يعتصم
85 - وما لنا من رجوع عن حماه بلى ... لنا رجوع عن الأوطان والحشم
86 - ترتّب الحيوانات السّلام له ... والنبت حتّى جماد الصّخر في الأكم
87 - محمّد أحمد المحمود مبعثه ... كلّ من الحمد تبيين اشتقاقهم
88 - ووصفه لابنه قد جاء تسمية ... فإنّه حسن حسب اتّفاقهم
89 - إبداع أخلاقه إيداع خالقه ... في زخرف الشّعرا فاسجع بها وهم
90 - فالخير ماثله والعفو جاوره ... والعدل جانسه في الحكم والحكم
91 - ألحق بحصر جميع الأنبياء به ... فالجزء يلحق بالكلّيّ للعظم
92 - وشم وميض بروق من فرائده ... وانظم حنانيك عقدا غير منفصم
93 «يس» زادت على «لقمان» حكمته ... وبان ترشيحه في «نون والقلم»
94 - به العصا أثمرت عزّا لصاحبها ... موسى وكم قد محت عنوان سحرهم
95 - كذا الخليل بتسهيم الدعاء به ... أصابهم ونجا من حرّ نارهم
96 - شملي بتطريز مدحي فيه منتظم ... يا طيب منتظم يا طيب منتظم
97 - وآله البحر آل، إن يقس بندى ... كفوفهم، فافهموا تنكيت مدحهم(1/248)
98 - وفي الوغى رادفوا لسن القنا سكنا ... من العدى في محلّ النّطق بالكلم
99 - وأودعوا للثّرى أجسامهم فشكت ... شكوى الجريح إلى العقبان والرخم
100 - والبيض ماتوا من التوهيم واطّرحوا ... والسّمر قد قبّلتهم عند موتهم
101 - وكلّما ألغزوه حلّه لسن ... مذ طال تعقيده أزرى بفهمهم
102 - وقدّه باختراع سالم ألف ... يبدو بترويسه من رأس كلّ كمي
103 - وصحبه بالوجوه البيض يوم وغى ... كم فسّروا من بدور في دجى الظّلم
104 - ذكراه تطربهم والسّيف ينهل من ... أجسامهم لم يشن حسن اتّباعهم
105 - كأنّما الهام أحداق مسهّدة ... ونومها واردته في سيوفهم
106 - هذا وتزداد إيضاحا مخافتهم ... في كلّ معترك من بطش ربّهم
107 - ما العود إن فاح نشرا أو شدا طربا ... يوما بأطيب من تفريع وصفهم
108 - من ذا يناسقهم من ذا يطابقهم ... من ذا يسابقهم في حلبة الكرم
109 - تعديد فضلهم يبدي لسامعه ... علما وذوقا وشوقا عند ذكرهم
110 - نعم وقد طال تعليل النّسيم لنا ... لأنّه مرّ في آثار تربهم
111 - تعطّف الجبر كم أبدوا لمذنبهم ... والجبر ما زال في أبواب صفحهم
112 - يحمون مستتبعين العفو إن ظفروا ... ويحفظون وفاهم حفظ دينهم
113 - طاعاتهم تقهر العصيان قدرهم ... له العلوّ فجانسه بمدحهم
114 - في معرض الذمّ إن رمت المديح فقل ... لا عيب فيهم سوى إكرام وفدهم
115 - هم معشر بسطوا جودا سقاه حيا ... فأخضر العيش في أكناف أرضهم
116 - نور القبائل ذو النورين ثالثهم ... وللمعالي اتّساع في عليّهم
117 - جمعت مؤتلفا فيهم ومختلفا ... مدحا وقصّرت عن أوصاف شيخهم
118 - تعريض مدح أبي بكر يقدّمني ... في سبق حلّيّهم مع موصليّهم
119 - نعم ترصّع شعري واعتلت هممي ... وكم ترفّع قدري وانجلت غممي
120 - سجعي ومنتظمي قد أظهرا حكمي ... وصرت كالعلم في العرب والعجم
121 - تسميط جوهره يلفى بأبحره ... ورشف كوثره يروى لكلّ ظمي(1/249)
122 - لأنّ مدح رسول الله ملتزمي ... فيه ومدح سواه ليس من لزمي
123 - إذا تزاوج ذنبي وانفردت له ... بالمدح فزت ونجّاني من النّقم
124 - ورّيت في كلمي جزّيت من قسمي ... أبديت من حكمي جلّيت كلّ عمي
125 - لي المعاني جنود في البديع وقد ... جرّدت منها لمدحي فيه كلّ عمي
126 - فهو المجاز إلى الجنّات إن عمّرت ... بيوته بقبول سابغ النّعم
127 - تألّف اللفظ والمعنى بمدحته ... والجسم عندي بغير الروح لم يقم
128 - واللفظ والوزن في أوصافه ائتلفا ... فما يكون مديحي غير منسجم
129 - والوزن صحّ مع المعنى تألّفه ... في مدحه فأتى بالدّرّ في الكلم
130 - واللفظ باللفظ في التأسيس مؤتلف ... في كلّ بيت بسكّان البديع سمي
131 - تمكين سقمي بدا من خيفة حصلت ... لكن مدائحه قد أبرأت سقمي
132 - وقد أمنت وزال الخوف منحذفا ... نحو العدوّ ولم أحقر ولم أضم
133 - واخضرّ أسود عيشي حين دبّجه ... بياض حظّي ومن زرق العداة حمي
134 - وقلت يا ليت قومي يعلمون بما ... قد نلت كي يلحظوني باقتباسهم
135 - يا ربّ سهّل طريقي في زيارته ... من قبل أن تعتريني شدّة الهرم
136 - حتّى يبثّ بديعي في محاسنه ... حسن البيان وأشدو في حجازهم
137 - قد عزّ إدماج شوقي والدموع لها ... على بهار خدودي صبغة العنم
138 - فإن أقف، غير مطرود، بحجرته ... لم أحترس بعدها من كيد مختصم
139 - وفي براعة ما أرجوه من طلب ... إن لم أصرّح فلم أحتج إلى الكلم
140 - قد صحّ عقد بياني في مناقبه ... وإنّ منه لسحرا غير سحرهم
141 - تمّت مساواة أنواع البديع به ... لكن تزيد على ما في بديعهم
142 - حسن ابتدائي به أرجو التخلّص من ... نار الجحيم وأرجو حسن مختتمي(1/250)
122 - لأنّ مدح رسول الله ملتزمي ... فيه ومدح سواه ليس من لزمي
123 - إذا تزاوج ذنبي وانفردت له ... بالمدح فزت ونجّاني من النّقم
124 - ورّيت في كلمي جزّيت من قسمي ... أبديت من حكمي جلّيت كلّ عمي
125 - لي المعاني جنود في البديع وقد ... جرّدت منها لمدحي فيه كلّ عمي
126 - فهو المجاز إلى الجنّات إن عمّرت ... بيوته بقبول سابغ النّعم
127 - تألّف اللفظ والمعنى بمدحته ... والجسم عندي بغير الروح لم يقم
128 - واللفظ والوزن في أوصافه ائتلفا ... فما يكون مديحي غير منسجم
129 - والوزن صحّ مع المعنى تألّفه ... في مدحه فأتى بالدّرّ في الكلم
130 - واللفظ باللفظ في التأسيس مؤتلف ... في كلّ بيت بسكّان البديع سمي
131 - تمكين سقمي بدا من خيفة حصلت ... لكن مدائحه قد أبرأت سقمي
132 - وقد أمنت وزال الخوف منحذفا ... نحو العدوّ ولم أحقر ولم أضم
133 - واخضرّ أسود عيشي حين دبّجه ... بياض حظّي ومن زرق العداة حمي
134 - وقلت يا ليت قومي يعلمون بما ... قد نلت كي يلحظوني باقتباسهم
135 - يا ربّ سهّل طريقي في زيارته ... من قبل أن تعتريني شدّة الهرم
136 - حتّى يبثّ بديعي في محاسنه ... حسن البيان وأشدو في حجازهم
137 - قد عزّ إدماج شوقي والدموع لها ... على بهار خدودي صبغة العنم
138 - فإن أقف، غير مطرود، بحجرته ... لم أحترس بعدها من كيد مختصم
139 - وفي براعة ما أرجوه من طلب ... إن لم أصرّح فلم أحتج إلى الكلم
140 - قد صحّ عقد بياني في مناقبه ... وإنّ منه لسحرا غير سحرهم
141 - تمّت مساواة أنواع البديع به ... لكن تزيد على ما في بديعهم
142 - حسن ابتدائي به أرجو التخلّص من ... نار الجحيم وأرجو حسن مختتمي
الفصل السّادس: بديعية ابن حجّة الحمويّ وشرحها: دراسة مقارنة تحليليّة
«تقديم أبي بكر» هي البديعية التي نظمها ابن حجّة، وشرحها في كتابه الموسوم ب «خزانة الأدب وغاية الأرب»، وإن كان لا بدّ من دراسة تحليليّة لهذه «البديعيّة» و «شرحها» فلا بدّ أوّلا من تقديم نبذة عن الدوافع والأهداف التي حدت به إلى نظم بديعيته وشرحها، والتي نستشفّ من خلالها أهمّيتها وقيمتها وأثرها، وما يميّزها عمّا سبقها، ولا سيّما بديعية الصفيّ، وبديعية العميان، وبديعية الموصليّ.
لقد فتح ابن حجّة عينيه وعاش في قرن كانت فيه البديعيات قد ولدت ونشأت وتكاملت وأخذت طابعها الأخير، الذي تميّزت به عن غيرها من القصائد، وذلك على يد من سبقه من نظّامها، ولكنّها ظلّت مع ذلك فنّا جديدا بديعا يستهوي الشعراء والأدباء، فيجدون فيه متنفّسا للتّعبير عن حذقهم وفنّهم ومهارتهم في النظم، ومجالا لعرض مخزونهم الثقافيّ عامّة والأدبيّ خاصّة، وقد كانت عند ابن حجّة دوافع كثيرة حدت به ليكون واحدا من هؤلاء حتى بزّهم وتفوّق عليهم، منها: شهوة التأليف بصورة عامة، ورغبته للتأليف في البلاغة والبديع بصورة خاصّة، وربما كان لمهنته ككاتب في ديوان الإنشاء، وما تتطلّبه هذه المهنة من براعة في تملّك ناصية الإنشاء، دور كبير للاطلاع على «البديع» والتأليف فيه، ليتمكّن الكاتب بذلك من حسن التصرّف بالألفاظ، إذ كان العصر عصر عناية بالألفاظ أكثر من العناية بالمعاني، ولهذا كثرت تآليف ابن حجّة التي تفيد الكاتب والمنشئ. ففي كتابه «ثمرات الأوراق» مثلا، عقد فصلا لوصف الخيول المسوّمة التي لا بدّ للفحول من كتّاب الإنشاء من الجولان في ميدان وصفها، بل ألّف رسالة سمّاها «مجرى السوابق»، قصد منها أن يتزوّد الكتّاب والمنشئون ما يفيدهم بصنعتهم (1)، كما عرّف في «ثمرات الأوراق» بالسجع والفقرة والفاصلة والبلاغة والفصاحة، وغيرها ممّا يفيد المنشئ، إلّا أنّه لم يكتف بهذا، بل تصدّى لتأليف مجموعة كتب في البلاغة قائمة بذاتها،
__________
(1) انظر ثمرات الأوراق ص 162.(1/251)
تشرح فنون البلاغة وتعرّفها وتوضّح حدودها، ولعلّ أبرزها: «شرح تقديم أبي بكر» أو «خزانة الأدب وغاية الأرب» (1)، موضوع هذه الدراسة، بالإضافة إلى كتابيه «ثبوت الحجة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة» و «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام».
وقد أسعف ابن حجّة في ذلك سعة اطّلاعه على كتب البلاغة الكثيرة التي ألّفت قبل عصره، وإلمامه بكثير من كنوزها وفنونها الدفينة، بالإضافة إلى توجيه بعض شيوخه له، ممّن كانوا على جانب كبير من الإلمام بعلوم البلاغة كشمس الدين الهيتيّ والقضاميّ وعزّ الدين الموصليّ، بالإضافة إلى أنّ عصره كان عصر تسابق في نظم هذا اللون من البديع المسمّى ب «البديعيّات»، وجعلها تتضمّن أكبر كمية ممكنة من الأنواع البديعيّة، بالإضافة إلى كونه عصر تسابق في تأليف الشروح لتكون مجالا قادرا على استيعاب ما عجزت عن استيعابه البديعيات الملتزمة بالقافية والبحر، ولهذا تسابق الشعراء والشرّاح بكثرة التفريعات والتقسيمات والتنويعات، والتعرّض لمن سبقهم والثناء عليهم تارة، وسلقهم بألسنة حداد تارة أخرى. وسبقت الإشارة إلى أنّ بديعيّة ابن حجّة قد سبقت بثلاث بديعيات: بديعية الحلّي، وبديعية ابن جابر الأندلسيّ، وبديعية عزّ الدين الموصليّ، وقد نظر ابن حجة في هذه البديعيات الثلاث التي سبقته، فلم ترق له، أو تعجبه، إذ قال في وصفها: «بيد أنّي أقول، وبالله المستعان، أنّ العميان اختصروا جانبا كبيرا من البديع، وما أجادوا النظم فيما وقع اختيارهم عليه، والشيخ صفيّ الدين الحلّيّ أجاد في الغالب لخلاصه من التورية في تسمية النوع، ولكنه قصر في مواضع نبهت عليها في مظانّها، والشيخ عز الدين، رحمه الله، قصّر في غالب بديعيّته لالتزامه بتسمية النوع البديعيّ ومراعاة التورية، والبحث مقرّر مع كلّ منهم في إجادته وتقصيره عند إيراد بيته على ذلك النوع الوارد» (2).
وما إن اطلع ابن حجة على هذه البديعيات الثلاث وقرأها، حتى أخذ على عاتقه أن يظهر ما فيها من ثغرات ويبرز لمعارضتها، وينظم بديعيّة تبزّ كلّ هذه البديعيّات
__________
(1) سبق الكلام على اسم الكتاب أثناء توثيقه في مكانه من المدخل.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 451.(1/252)
وتفوقها، وقد دفعه إلى المضيّ قدما في هذا الميدان صديقه ناصر الدين محمد بن البارزيّ الذي وقف في دمشق على بديعية عزّ الدين الموصليّ، ورسم له مخطّط معارضتها، وربّما كانت رغبة البارزي فيما بعد، هي نفسها التي دفعته إلى شرح هذا الكتاب الضخم، بل ربما كانت هناك دوافع أخرى غير رغبة ابن البارزيّ، كحبّ ابن حجّة للمعارضات والشهرة وحبّ الظهور، إذ صرّح في خطبة خزانته بمعارضته الصفيّ والموصليّ، والبوصيريّ في بردته كذلك، فأراد أن يجمع محاسن الثلاثة ليبزّهم ويتفوّق عليهم، هذا بالإضافة إلى دافع حبّه للتأليف والاستكثار فيه، ولما وقعت بين يديه مجموعة من كتب البلاغة والبديع، وأتيح له الوقوف عليها، أخذ على نفسه أن ينظم هذه البديعية ويعكف على شرحها، إلّا أنّ الدافع الأوّل وهو رغبة ابن البارزيّ يبقى على رأس هذه الدوافع، وقد أشار إلى ذلك كلّه في خطبة خزانته، إذ قال: «فهذه البديعية التي نسجتها بمدحه (صلى الله عليه وسلم)، على منوال طرح البردة، كان مولانا الناصريّ محمد بن البارزيّ الجهنيّ الشافعيّ، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية هو الذي ثقّف لي هذه الصعدة، وحلب ضرعها الحافل لحصول هذه الزبدة، وما ذاك إلّا أنّه وقف بدمشق المحروسة على قصيدة بديعية للشيخ عزّ الدين الموصلي التزم فيها تسمية النوع البديعيّ، وورّى به من جنس الغزل، ليتميّز بذلك على الشيخ صفيّ الدين الحلّيّ لأنّه ما التزم في بديعيته بحمل هذا العبء الثقيل، غير أنّ الشيخ عزّ الدين ما أعرب عن بناء بيوت ما أذن الله أن ترفع، ولا طالت يده لإبهام العقادة إلى شيء من إشارات ابن أبي الإصبع، وربّما رضي في الغالب بتسمية النوع ولم يعرب عن المسمّى، ونثر شمل الألفاظ والمعاني لشدّة ما عقده نظما [من الطويل]:
فيا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال (1)
فاستخار الله مولانا الناصريّ ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحلّيّ برقّة السحر الحلال الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيّد البيت فيرسم لي بهدمه، وخراب البيوت في هذا البناء صعب على الناس، ويقول: بيت الصفيّ أصفى موردا وأنور اقتباس، فأسنّ كلّ ما حدّه الفكر
__________
(1) تخريج هذا البيت في خطبة خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305.(1/253)
وأراجعه ببيت له على المناظرة طاقة، فصرت أعرب عن بناء كلّ بيت له على المناظرة طاقة، فيحكم لي بالسبق، وينقلني إلى غيره، وقد صارت لي فكرة بإرشاده إلى الغايات سبّاقة، فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيّدا بتسمية النوع، وهو من ذلك محلول العقال، وسمّيتها «تقديم أبي بكر» علما أنّه لا يسمع من الحلّيّ والموصلّيّ في هذا «التقديم» مقال. وكان
هو الذي مشى أمامي وأشار إلى هذا السّلوك وأرشد، فاقتديت برأيه العالي، وهل يقتدي أبو بكر بغير محمّد؟» (1).
من هذه المقدّمة يبدو أنّ هدف ابن حجّة أن يجمع في بديعيّته، محاسن البديعيّتين: محاسن بديعية الحلّيّ بما فيها من رقّة السحر الحلال، ومحاسن فكرة الموصليّ بالتزام ذكر اسم النوع، بالإضافة إلى محاسن بردة البوصيريّ، وبناء على هذا وضع ابن حجّة نصب عينيه كلّا من البديعيّتين، محاولا استبعاد كل المآخذ التي أخذت على كلّ منهما، متّبعا في ذلك المنهج التالي:
أكان ينظم البيت البديعيّ في مدح الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، وعلى بحر البسيط، وقافية الميم المكسورة، متضمّنا النوع البديعيّ مشيرا إلى اسم هذا النوع. وهذا الالتزام بكلّ هذه الشروط جعل ابن حجّة ينوء تحت وطأة هذه القيود الثقيلة، إذ ليس من اليسير أبدا أن يوزّع الشاعر فكره وانتباهه إلى التوفيق بين عدّة عناصر قد تكون متعارضة أشدّ التعارض في بعض الأحيان، وقد تحمل الشاعر على التخلّي عن بعض الشروط من أجل استيفاء بعض الشروط الأخرى، إلّا أن محمد بن البارزيّ كان ينقّح له البديعيّة، ويذكره دائما بالتزام الرقّة الحلّيّة، ولهذا كان يأمره بهدم بيت أنفق في تشييده كثيرا من الجهد لخلوّه من الرقّة، وهي من العناصر الخفيّة التي اشترط ابن البارزيّ توفّرها في القصيدة البديعية، وغالبا ما كان ابن البارزيّ يقارن بين بيت بديعية ابن حجة وبيت بديعية الحلّيّ.
ب أكثر ابن حجة من الشواهد في شرح بديعيّته، فطاف بالقرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف، وأخذ منهما ما أمكنه أخذه، كما عرّج على الشعر القديم، وانتزع منه شواهد على النوع البديعيّ، ثمّ عرّج بطريقه على شعر المولّدين
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 306304(1/254)
وألمّ به، إلّا أنّه وقف وقفة طويلة عند شعر المتأخرين من معاصريه، وحشد لهم نماذج كثيرة من الشعر والنثر، كما أكثر من حشد نماذج شعرية ونثرية من تأليفه، وتجاوز ذلك ليستشهد بالزجل والدوبيت والموشّح والمواليا، ولئلّا يلومه لائم على هذا الاستشهاد بشعر المتأخّرين ونثرهم، قدّم بين يدي كتابه مقدّمة ذكر فيها آراء بعض العلماء القدامى التي مؤدّاها أن لا مانع من الاستشهاد بشعر المتأخّرين.
ويلاحظ على استشهاد ابن حجّة ببعض أدب معاصريه أنه كان يميل إلى التزلّف والتملّق لبعض الشخصيات البارزة في زمانه، إذ يرفعها إلى مصاف الأدباء الذين يصحّ الاستشهاد بكلامهم كاستشهاده ببعض المواليا التي نظمها زين الدين بن العجميّ. وقد أكثر من الشواهد في خزانته ما أدّى إلى أن تبدو على هذا الشكل من الضخامة، فهو، مثلا، يستشهد بالبيت أو البيتين أو الثلاثة على ظاهرة أو نوع بديعيّ، إلّا أنه لا يكتفي بذلك، بل يقول: وأعجبني من هذه القصيدة قوله كذا
ويورد عدّة أبيات، وتذكره القصيدة بقصيدة أخرى فيذكرها، أو يذكر منها عدة أبيات، فلهذا كثرت الشواهد، وربّما كان تضخّم شواهد البلاغة في هذا العصر عائدا إلى كون المشتغلين بالبلاغة فتحوا باب الاستشهاد على مصراعيه ولم يجعلوا له حدودا معيّنة، كما فعل المشتغلون في علم اللغة والنحو، فأباحوا لأنفسهم أن يستشهدوا بكلام المتأخّرين والمتقدّمين على حدّ سواء، ومن يتتبّع أعمال المشتغلين بالبلاغة، يلاحظ ازدياد الشواهد على النوع الواحد بتطوّر الزمن، فكلّ عالم من علماء اللّغة يقتنص الشواهد، فيأتي غيره فيغير عليها، ولا يكتفي بها بل يزيد من شواهد معاصريه، وما إن وصلت الأنواع البديعية إلى القرن التاسع حتى كانت الشواهد من الكثرة بمكان بعيد والذي زاد في كثرة الشواهد في خزانة ابن حجّة أنّ الشعراء المتأخرين في عصره وقبله بقرون كان إسرافهم في البديع إسرافا كبيرا، وهذا ما جعل شعرهم مرتعا خصيبا للشواهد البديعية، فكان النقّاد والبلاغيون أنّى ساروا وجدوا شعرا يمكنهم الاستشهاد به.
وما زاد في تضخّم كتاب ابن حجّة بالإضافة إلى ذلك حبّ الإكثار والتدليل على سعة ثقافته، فقد أورد مثلا في باب «إرسال المثل» كل ما اقتنصه متتبّعو شعر المتنبّي من حكمته فبلغت أربعمئة بيت ومئة شطر، ولم يكتف بهذا، بل أورد كتابا كاملا له في الاستشهاد على هذا النوع البديعيّ «إرسال المثل»، وهو كتابه المسمّى ب «تغريد
الصادح»، وذلك لأنّ هذا الكتاب مؤلّف من أرجوزة كلّها أمثال وحكم، ولعلّه صنع هذا الصنيع ليضع بين أيدي كتّاب الإنشاء طائفة من جوامع الكلم التي يحتاجون إليها في صناعتهم، وهذا هدف من الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها من خلال بعض تآليفه، وقد يكون لعامل الذوق عنده أثر كبير في إكثار الشواهد، إذ كثيرا ما كان يورد من القصيدة بيتا هو بيت الاستشهاد، إلّا أنّه يقول: وممّا تخيّرته من هذه القصيدة كذا وكذا، ويذكر عدّة أبيات أو يستكمل القصيدة ويعتذر بعد إيرادها كاملة بأنّ ما فيها من الطلاوة وحسن السبك هو الذي جعله يورد ما أورد، وقد سلك هذا المسلك مع من يحبّهم من الشعراء، كالمتنبّي وابن نباتة المصريّ، ومن سار على منهاجهم من جماعة المولعين بالتورية. ومع هذا فعماد بديعيّته مئة واثنان وأربعون بيتا، تضمّنت مئة وسبعة وأربعين نوعا بديعيّا، التزم فيها التورية باسم النوع البديعيّ، على غرار ما فعله الموصلّيّ، وقد أخلّ بذلك بأربعة أنواع ذكرها الصفيّ في بديعيّته وهي:(1/255)
وما زاد في تضخّم كتاب ابن حجّة بالإضافة إلى ذلك حبّ الإكثار والتدليل على سعة ثقافته، فقد أورد مثلا في باب «إرسال المثل» كل ما اقتنصه متتبّعو شعر المتنبّي من حكمته فبلغت أربعمئة بيت ومئة شطر، ولم يكتف بهذا، بل أورد كتابا كاملا له في الاستشهاد على هذا النوع البديعيّ «إرسال المثل»، وهو كتابه المسمّى ب «تغريد
الصادح»، وذلك لأنّ هذا الكتاب مؤلّف من أرجوزة كلّها أمثال وحكم، ولعلّه صنع هذا الصنيع ليضع بين أيدي كتّاب الإنشاء طائفة من جوامع الكلم التي يحتاجون إليها في صناعتهم، وهذا هدف من الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها من خلال بعض تآليفه، وقد يكون لعامل الذوق عنده أثر كبير في إكثار الشواهد، إذ كثيرا ما كان يورد من القصيدة بيتا هو بيت الاستشهاد، إلّا أنّه يقول: وممّا تخيّرته من هذه القصيدة كذا وكذا، ويذكر عدّة أبيات أو يستكمل القصيدة ويعتذر بعد إيرادها كاملة بأنّ ما فيها من الطلاوة وحسن السبك هو الذي جعله يورد ما أورد، وقد سلك هذا المسلك مع من يحبّهم من الشعراء، كالمتنبّي وابن نباتة المصريّ، ومن سار على منهاجهم من جماعة المولعين بالتورية. ومع هذا فعماد بديعيّته مئة واثنان وأربعون بيتا، تضمّنت مئة وسبعة وأربعين نوعا بديعيّا، التزم فيها التورية باسم النوع البديعيّ، على غرار ما فعله الموصلّيّ، وقد أخلّ بذلك بأربعة أنواع ذكرها الصفيّ في بديعيّته وهي:
التسليم، والموازنة، والتوزيع، والاستعانة، وقد حافظ مثله على بعض أنواع البيان كالتشبيه والكناية والمجاز، إلّا أنّ شرح هذه البديعية بلغ ما بلغه من الصفحات، إذ وصل إلى مئتين وسبع وعشرين صفحة مزدوجة في المخطوطة «الأم»، النسخة «ك» (1)، وكانت رغبة ابن حجّة في التفريع والتقسيم والتنويع سببا واضحا للاستفاضة في الشرح، بالإضافة إلى أنّه كان يلغي بعض الأنواع الفرعية التي لا يستلطفها ذوقه، ولهذا قال في باب «التفريع» مثلا: «وذكر صاحب الإيضاح ل «التفريع» قسما ثانيا لم يذكره غيره، ولا نسج على منواله أصحاب البديعيات فألغيته أيضا، والشيخ زكيّ الدين بن أبي الأصبع اخترع قسما ثالثا، ولكن وجدت هذا النوع الذي نحن بصدده أحلى في الأذواق وأوقع في القلوب، وعلى سننه مشى أصحاب البديعيات، فألغيت أيضا ما اخترعه ابن أبي الأصبع» (2).
إذا لم يكن ابن حجة الحمويّ مجرّد مقتف لآثار البلاغيين والبديعيين في تسميتهم للأنواع البديعية، بل كان يلغي بعضها حينا، وينتقد كبار البلاغيين أحيانا لوقوعهم في سقطات ليس من ورائها أيّ جدوى. ففي باب «المراجعة» مثلا، يصرّح بأنّه لم يذكر هذا النوع في بديعيته لولا المعارضة، إذ إنّه نوع تافه، وقال: «المراجعة
__________
(1) انظر عدد صفحات النسخ كلّها في مكانها من المدخل.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 244.(1/256)
ليس تحتها كبير أمر، ولو فوّض إليّ حكم في البديع ما نظمته في سلك أنواعه، وذكر ابن أبي الأصبع أنّها من اختراعاته، وعجبت من مثله كيف قرّبها إلى الذي استنبطه من الأنواع البديعيّة الغريبة» (1).
ومن هذه الأنواع التي أنف من الاستفاضة فيها، ولولا المعارضة لم يكن لينظمها في بديعيته: التفصيل، وعتاب المرء نفسه، وتشابه الأطراف، والمماثلة إذ قال في معرض حديثه عن «التفصيل»: «التفصيل، بصاد مهملة، نوع رخيص بالنسبة إلى فنّ البديع والمغالاة في نظمه، وقد نبّهت قبله على عدّة أنواع سافلة، ولكنّ المعارضة أوجبت الشروع في نظمه كالتصدير وعتاب المرء نفسه، وتشابه الأطراف، وما أشبه ذلك» (2).
وقال في «تشابه الأطراف»: «هذا النوع الذي سمّوه «تشابه الأطراف»، هو أيضا مثل «المراجعة» التي تقدّمت، ليس في كلّ منهما كبير أمر، وتالله ما خطر لي يوما، ولا حسن في الفكر أن ألحق طرفا من تشابه الأطراف بذيل من أبيات شعري، ولكن شروع المعارضة ملتزم» (3).
وقال أيضا في «التصدير»: «ولو استقلّ البيت بنظم نوع التصدير مجرّدا، لم يكن تحته كبير أمر» (4).
كما قال في باب «عتاب المرء نفسه»: «هذا النوع لم أجد العتب مرتّبا إلّا على من أدخله في البديع وعدّه من أنواعه، وليس بينهما نسبة ولولا أنّ الشروع في المعارضة ملزم ما نظمت حصاه مع جواهر هذه العقود» (5).
وقد اتّبع ابن حجّة في ترتيب أنواع البديع المنهج نفسه الذي اتّبعه صفيّ الدين الحلّيّ في بديعيّته، فبدأ ب «براعة الاستهلال» ثم أتبعها ب «الجناس» وأنواعه، إلى أن وصل في آخر بديعيته إلى «حسن الختام»، وقد استفاض استفاضة كبيرة في الكلام على «براعة الاستهلال» إذ زخر هذا الباب بكثرة الشواهد من القرآن والحديث والنثر وشعر فحول القدامى والمولّدين، وكلام معاصريه من الكتّاب والمنشئين، ومن شعره
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 197.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 3/ 122.
(3) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 210.
(4) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 268.
(5) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 384.(1/257)
ونثره، وقد استعرض في مطلع حديثه الشواهد الجيدة على «براعة الاستهلال»، إلّا أنّه لم يقف عند ذلك، بل أتى على ذكر براعات استهلال للّذين كبت بهم خيول الفكر وتعثّروا فجاؤوا بالسيّئ من المطالع فكانوا موضع استهجان أهل الذوق والأدب، وذكر قصص هؤلاء المقصّرين في «براعة الاستهلال»، وما جرّته عليهم سقطاتهم من متاعب وإعنات، وهدف من وراء ذلك إلى تحذير الكتّاب والمنشئين من الوقوع في مثل هذه السقطات التي ألحقت بأصحابها من كبار الأدباء ما لا تحمد عقباه، ومن أمثال ذلك ما قاله المتنبّي في مطلع قصيدة (من الطويل):
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا (1)
وما قاله البحتريّ في مطلع قصيدة له (من الكامل):
يا دار غيّرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك (2)
وبعد هذا، فكتاب «خزانة الأدب وغاية الأرب» يعتبر كتاب بلاغة لتضمّنه البديعية وشرحها، وما اقتضاه هذا الشرح من تعريفات وحدود، رجع ابن حجة فيها ليس إلى سبعين كتابا كما فعل الصفيّ، بل إلى ما يزيد على مئة كتاب كان يذكرها في أثناء حديثه، فيسمّيها ويسمّي مؤلّفها حينا، ويكتفي باسمها أو باسم مؤلّفها حينا آخر، فكان ينقل منها بعض التعريفات والحدود البلاغيّة، أو بعض المناقشات التي كانت تدور بين البلاغيّين حول نقطة معقّدة، وكثيرا ما كان يذكر تاريخ ميلاد النوع البديعيّ، وعلى يد من ولد، ففي حديثه عن الترتيب مثلا، قال: «هذا النوع من استخراجات التيفاشيّ، ذكره في كتابه وسمّاه بهذا الاسم» (3). وفي حديثه عن الاشتقاق، قال: «هذا النوع، أعني الاشتقاق، استخرجه الإمام أبو هلال العسكريّ، وذكره في آخر أنواع البديع من كتابه المعروف ب «الصناعتين» وهذا النوع ما ذكره القاضي جلال الدين القزوينيّ في «التلخيص» ولا في «الإيضاح»، ولا ذكره الشهاب محمود في «حسن التوسّل»، ولا نظمته العميان ولا غيرهم من أصحاب البديعيات، غير الشيخ صفيّ الدين الحلّيّ، والشيخ عزّ الدين في
__________
(1) خرّج هذا البيت في باب «براعة الاستهلال».
(2) خرّج هذا البيت في باب «براعة الاستهلال».
(3) خزانة الأدب وغاية الأرب 4/ 60.(1/258)
المعارضة» (1). فمن خلال هذا المقطع يتّضح لنا أنّ ابن حجّة الحمويّ كان إذا أراد نظم النوع البديعيّ وشرحه رجع في شرحه إلى الكثير من كتب البلاغة، وقارن بين تعريفات البلاغيين له، ورجع إلى ما ذكره أصحاب البديعيات، ثم يستخلص لنفسه رأيا في تعريف هذا النوع، مشيرا إلى مخترعه أو السابق إلى اكتشافه أو معرفته، وهو في كلّ ذلك يتمتّع بشخصيّة الناقد البلاغيّ، إذ يذكر الأنواع ويعرّفها ويعرّج عليها بالنقد، فيقبل منها ما أعجبه، ويعرض عن غيره، معلّلا الأسباب، فكثيرا ما كان يأخذ من هذا الكتاب لسبب، ويترك رأي مؤلف ذلك الكتاب لسبب، ويصوّب رأي فلان، ويسفّه رأي آخر، ويستحسن رأي زيد، ويمجّ رأي عمرو وهذا كلّه لا يتأتّى للمرء إلّا بعد سعة اطلاع وتعمّق في كتب البلاغة ونقدها.
ولتتضّح صورة النقد البديعيّ أكثر في كتابه يستحسن إيراد ما قاله عن «الاشتقاق» ومناقشته له، فتتضح بذلك معالم سعة اطلاعه وقيمة منهجه النقديّ، إذ يقول: «هذا النوع، أي الاشتقاق، استخرجه الإمام أبو هلال العسكري، وذكره في آخر أنواع البديع من كتابه المعروف ب «الصناعتين»، وعرّفه بأن قال: «هو أن يشتقّ المتكلّم من الاسم العلم معنى، في غرض يقصده، من مدح أو هجاء أو غيره، كقول ابن دريد في نفطويه (من السريع):
لو أوحي النحو إلى نفطويه ... ما كان هذا العلم يعزى إليه
أحرقه الله بنصف اسمه ... وصيّر الباقي صياحا عليه (2)
وهذا النوع، ما ذكره القاضي جلال الدين القزوينيّ في «التلخيص» ولا في «الإيضاح»، ولا ذكره الشهاب محمود في «حسن التوسّل»، ولا نظمته العميان ولا غيرهم من أصحاب البديعيات، غير الشيخ صفي الدين الحليّ، وبيت بديعيته، التي ذكر أنه جمعها من سبعين كتابا، قوله:
لم يلق مرحب منه مرحبا ورأى ... ضدّ اسمه عند هدّ الحصن والأطم (3)
الشيخ صفيّ الدين اشتقّ من اسم «مرحب» «الترحاب»، حتى يقابله بضدّه، وهذا هو الغرض الذي أراده الناظم.
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب، باب «الاشتقاق».
(2) البيتان مخرّجان في باب «الاشتقاق».
(3) البيت مخرّج في باب «الاشتقاق».(1/259)
وبيت الشيخ عزّ الدين في المعارضة قوله:
ميم وحا في اشتقاق الإسم محو عدى ... والميم والدّال مدّ الخير للأمم (1)
هذا البيت يشقّ عليّ أن أشرح اشتقاقه، وأذكر ما فيه من التعسّف والزيادة، وعدم القبول للتجريد، فإنه أراد أن يمشي على طريق ابن دريد في الاشتقاق، فلم يأت بغير الشقاق، وما ذاك إلّا أن اسم نفطويه سداسيّ، قسّمه الناظم في الاشتقاق نصفين:
جعل النصف الأوّل «نفطا»، والثاني «صياحا»، وهذا الاشتقاق صحيح على هذا التفصيل، وقالوا: هو في «محمّد» رباعيّ، من أين للشيخ عزّ الدين، غفر الله له، هذا حتى تصحّ معه لفظة محو، مع أنّي راجعت شرحه فوجدته قال: «ميم والحاء، من اسم محمّد، (صلى الله عليه وسلم)، فيهما محو لأعدائه» وأيضا فلم نجد أحدا استشهد، في بيت من بيوت بديعيّته، وصدّر بيته، بقوله:
«ميم وحا في اشتقاق الاسم محو عدى»
إلّا الشيخ عزّ الدين، فإنّ المراد من بيت البديعيّة أن يكون صالحا للتجريد خاليا من العقادة، ليصحّ الاستشهاد به على ذلك النوع.
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي، (صلى الله عليه وسلم):
محمّد أحمد المحمود مبعثه ... كلّ من الحمد تبيين اشتقاقهم (2)
قد تقدّم تقرير أبي هلال العسكريّ، في هذا النوع، وهو أن يشتقّ المتكلّم معنى لغرض يقصده. والغرض هنا، أنّ كلّا من «محمّد» و «أحمد» وصفتيهما المحمودة مشتقّ من «الحمد»، وشرف هذا المدح ظاهر، والله أعلم» (3).
لقد أوردت هذا النصّ عن «الاشتقاق» هنا كاملا لأظهر مدى سعة ثقافته واطلاعه على كتب البلاغة عامّة و «البديعيات» خاصة، ولا سيّما تلك التي نظمت قبله وشروحها، ولأبيّن ما تميّز به من روح نقديّة بديعيّة من خلال مناقشته لشرح بديعية الموصلي، مبيّنا لنا تعسّف الموصليّ في الشرح حتى اضطرّ إلى العقادة والغموض، في حين كان الصفيّ قد أصاب الهدف المقصود في بيت بديعيّته، ومثل هذه الآراء المختلفة مبثوثة في خزانته بكثرة، وهي التي جعلت منه ناقدا بديعيّا، يعتمد على ذوق
__________
(1) البيت مخرج في باب «الاشتقاق».
(2) البيت مخرج في باب «الاشتقاق».
(3) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب، باب «الاشتقاق».(1/260)
بديعيّ يمدّه بمخزون كبير من الاطلاع على كتب البلاغة وفنون البديع، بالإضافة إلى الممارسة الطويلة للقراءة والكتابة والدربة على النظم وتدبيج البديع واقتناصه نظما ونثرا. كما تتّضح من هذا النصّ الغاية الأولى التي نظم بديعيّته في سبيلها، ألا وهي معارضة الحلّيّ والموصليّ بشكل خاصّ، وذلك من خلال المقارنة التي اتخذها مقدّمة للوصول إلى نتيجة التدليل بحسن صنيعه وتفوّقه على عميدي فنّ البديعيات في ذلك العصر.
ويقودنا هذا النصّ إلى استنتاج بعض ميّزات ابن حجّة في مواقفه ممّن سبقه من الكتّاب والأدباء والشعراء بصورة عامّة وممّن سبقه إلى نظم البديعيات وشرحها بصورة خاصة. فكثيرا ما نجده يعترض على أمر ما عند بعض الشعراء، أو يبيّن سرقة شاعر أو أفضلية آخر، أو يتتبّع المعاني التي أخذها شاعر من آخر، كتتبّعه للمعاني التي أخذها صلاح الدين الصفديّ من جمال الدين بن نباتة، أو التي أخذها هذا من الوداعيّ، وينقد عليهم أشعارهم مبيّنا وجوه الخطأ فيها ووجوه الصواب، أو ينبّه على ما أغفلوه، ولا سيّما أثناء المقارنة بين أبيات أصحاب البديعيات، فيقول، مثلا: «والعميان لم ينظموا هذا النوع» أو يعتذر عن بعضهم، مبيّنا أعذارهم، ولا سيّما في دفاعه عن الموصليّ في بعض العقادة التي جاء بها التزامه بتسمية النوع البديعيّ، أو في عدم نظم العميان لنوع تافه من الأنواع البديعية، فيتمنّى لو كان معهم، لولا إلزامية المعارضة. ومن ناحية أخرى تجده يؤيّد آراء البعض أو يدافع عنهم، أو يستحسن اعتراض غيره على فلان، أو يورد آراء فلان في الردّ على آخر، أو يعقّب على أقوال فلان، ومع هذا تراه يحمل على بعضهم حملة عنيفة، ثمّ يدّعي أنّ الأفضلية هي في بديعيّته وشرحها، كلّ ذلك مقرونا بالشواهد والبراهين وشهادات أصحابه له من المعاصرين والمحبّين والمقرّبين، وأكثر ما تتركّز آراؤه في أفضلية «بديعيّته» على غيرها أثناء المقارنة بين بيته وأبيات البديعيّات الثلاث، في آخر كلّ باب بديعيّ من أبواب الخزانة البالغة مئة واثنين وأربعين بابا، وقد سبقت الإشارة إلى رأيه وموقفه من البديعيات الثلاث وما قصّرت فيه، وأسباب ذاك التقصير، إذ دفعه ذلك كلّه إلى نظم بديعيّة يعارض بها تلك البديعيات، ويشرحها فتتوضّح غاية الأرب منها.
ولهذا كلّه، لم تعد «خزانة الأدب وغاية الأرب» كتابا مقصورا على البلاغة وتعريفات أنواعها وتسميتها، بل كانت معرضا لكلّ ما تزخر به ثقافة ابن حجّة الأدبية
من ضروب وفنون، فهو في أثناء الشرح ينقلك من البلاغة إلى الأدب، ومن النقد إلى الطرفة، ومن الخبر إلى الفنّ، وهذا ما جعل «خزانته» حديقة غنيّة بكلّ الثمار الشهيّة من الأشجار الحمويّة.(1/261)
ولهذا كلّه، لم تعد «خزانة الأدب وغاية الأرب» كتابا مقصورا على البلاغة وتعريفات أنواعها وتسميتها، بل كانت معرضا لكلّ ما تزخر به ثقافة ابن حجّة الأدبية
من ضروب وفنون، فهو في أثناء الشرح ينقلك من البلاغة إلى الأدب، ومن النقد إلى الطرفة، ومن الخبر إلى الفنّ، وهذا ما جعل «خزانته» حديقة غنيّة بكلّ الثمار الشهيّة من الأشجار الحمويّة.
إذا، فقيمة هذا الكتاب تكمن في موضوعه ومضمونه، لما اشتمل عليه من الأنواع البديعية في «تقديم أبي بكر» وشرحها، وما حواه من شواهد كثيرة من القرآن الكريم، والحديث الشريف والشعر القديم والمعاصر له، وشواهد النثر، بالإضافة إلى البديعيات الثلاث الأخرى التي قام ابن حجّة بمعارضتها وشرحها، وما أودعه في خزانته من ثقافته الواسعة، وما حفظته تلك الخزانة من آراء بعض النقّاد والبلاغيّين الذين ضاعت كتبهم مع الزمن، وما نقلته من آثار بعض الأدباء الذين فقدت كتاباتهم مع ما فقد من التراث العربيّ آنذاك، فكانت بذلك مصدرا مهمّا لهؤلاء وهؤلاء.
وفي «شرح بديعيته» من الفوائد اللغوية والأدبية والنقدية والبلاغية والتاريخية وغيرها، فنون أكثرها من المستملح المستطاب. وهذا ما دفع محمود رزق سليم إلى القول فيه: «وما عليك إلّا أن تجمع تعريفاته البلاغية ومعها المثل أو المثلان، ثمّ تنحّيهما جانبا عن بقيّة «الخزانة» لتبدو لك بقيّتها مسرحا وضيئا متألّقا مليئا بجولات الأديب الذي فاضت صوره بالأدب اللباب، وسنح خاطره بالنقدات العذاب، وفيها ما فيها من حسن اختيار وسهولة عرض ودقّة تتابع وجمع للمتفرّق المتقارب» (1).
ولعلّ «شرح بديعيته» من أوائل الكتب التي فتحت مجالا أمام شرّاح البديعيات بأن يضمّنوا شروحهم بديعيات أخرى، كادت أن تكون مفقودة لولا ذكرها في تلك الشروح، بل إنّ شرح بديعيته كان أهمّ من البديعية نفسها، إذ جعله شرحا مطوّلا حوّله فعلا إلى «خزانة أدب» أودعها كثيرا من معرفته وعلمه ونوادره وطرائفه والمساجلات الأدبية والنقدية التي دارت في عصره، والتي كان لها أثر كبير في تحريك عجلة النقد الأدبيّ الفنّي، فغدت بذلك موسوعة تجمع بين اللغة والأدب
__________
(1) عصر سلاطين المماليك 6/ 165.(1/262)
والبلاغة والنقد والشعر والنثر والتاريخ والتراجم حتى ليمكن اعتبارها مرجعا خاصّا لشعراء العصرين الأيوبيّ والمملوكيّ، زيادة على كونها مرجعا عامّا لا غنى عنه لطلبة العلم في مختلف الدراسات الأدبية والبلاغية والنقدية. ولعلّ أوجز كلمة في قيمة هذا الكتاب الأدبية، ما كتبه معاصره، أحمد بن حجر العسقلاني في الصفحة الأولى قبل العنوان في النسخة «ك»، ذات الرقم (5971): «هو مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين» (1)، كما أنّ قيمة هذا «الشرح» مرتبطة بالقيمة العلمية للبديعية، وما حوته من أنواع البديع والبلاغة، وأسلوب النظم والتورية باسم النوع، وهذا ما دفع بدر الدين البشتكي إلى أن يقول فيها: «نظم ابن حجة في البديع قصيدة غنيّة عن «التلخيص» و «الإيضاح»، و» (2)، هذا بالإضافة إلى الأثر الكبير الذي تركته في الأدب والنقد والبلاغة، والمؤلّفات المنبثقة عنها أو المعارضة لها، أو المقتبسة منها، والتي سيأتي الكلام عليها.
ولكنّ هذه «الخزانة» رغم قيمتها البالغة الأهميّة فقد خلت من التاريخ والسيرة، ولا سيّما السيرة النبويّة، ولعلّ هذا استوعبه كتاب آخر لابن حجّة هو «بلوغ المرام من سيرة ابن هشام والروض الأنف والأعلام».
وما إن فرغ ابن حجّة من تأليف كتابه «شرح تقديم أبي بكر» حتى أقبل أدباء عصره وعلماؤه يتناسخونه لما أعجبوا بمضمونه، وكتبوا عليه تقاريظ كثيرة، وأخذ عليه البعض بعض المآخذ، فقال: «وليس لابن حجّة في بديعيته فضل اختراع أو زيادة على من تقدّموه من أصحاب البديع، وكلّ ما له من فضل أنه جمع فيها من أعمال السابقين مئة واثنين وأربعين نوعا من المحسّنات، يختلط اللفظيّ فيها بالمعنويّ من غير فصل أو تحديد. وكل ما يلحظ من خلاف بينه وبين سابقيه هو في تسمية بعض الأنواع، فالتصدير، والالتزام مثلا عنده هما: ردّ العجز على الصدر، ولزوم ما لا يلزم عند غيره. ولعلّ التغاير في تسمية بعض أنواع المحسنات عنده ناشئ
__________
(1) سبقت الإشارة إلى هذا القول في مكانه من المدخل.
(2) هذا القول ورد في صفحة العنوان من النسخة «د».(1/263)
من صعوبة تطويع اسم النوع كلّه للنظم» (1)، إلّا أنه يقول قبل ذلك: «وما من شكّ في أنّ بديعيّته أرقّ وأسلس في نظمها من بديعية عزّ الدين، ولكنه لم ينجح كل النجاح في التخلّص ممّا عابه عليه من ثقل النظم والتكلّف الشديد في بديعيته» (2)، إلّا أن هذا الكتاب يبقى كما قال فيه بدر الدين الدمامينيّ: «على أنّه لو لم يكن لهذا الإمام،
إلّا هذه البديعيّة لكفاه فضلا، ولأوجب ذلك له في ذمّة الشكر ديونا لا تستطيع غرماء الأفكار أن توفّيها أصلا» (3).
ومن أراد أن يشكّل فكرة صحيحة عن بديعية ابن حجّة فلا بدّ له من مراجعة نصّ البديعية في «الخزانة» موزّعا على الأبواب البديعية، أو مجموعا في الفصل السابق.
وأمّا شرحه لبديعيته فقد حوى بالإضافة إلى ما سبق من مواقف نقدية وفنون أدبية وبلاغية، ومقتطفات مختلفة من كلّ فنّ ونوع، الكثير من الموضوعات المختلفة التي بثّها هنا وهناك في ثنايا شرحه، والتي تعتبر بذاتها مصدرا من مصادر التراث العربيّ، ومن هذه الموضوعات ما استقاه من مصادره الكثيرة التي اطلع عليها وفقدت مع الزمن، أو من تجارب حياته الشخصيّة ومطالعاته اليوميّة، ويكفي أن يطّلع أحدنا على كتابه ابتداء من «حسن الابتداء وبراعة الاستهلال» وصولا إلى «حسن الختام» ليجد فيه موسوعة أدبية تجمع بين اللغة والأدب والبلاغة والنقد والترجمة والتاريخ، والطرائف والفنون والقصص ومنظوم الكلام ومنثوره والنوادر والمناظرات والمساجلات، حتى يمكن القول أنّه ضمّ كتبا بحالها أمثال «تغريد الصادح»، و «تحرير القيراطيّ»، و «زاوية شيخ الشيوخ»، ومن ينظر في باب «التورية» مثلا، يجد فيه كتابا آخر وضعه فيما بعد ضمن كتاب سمّاه «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام»، وغيرها من الكتب لنفسه ولغيره من الشعراء والأدباء المعاصرين له والسابقين.
1 - أثر «بديعية» ابن حجّة «وشرحها» في الأدب والنقد والبلاغة:
أأثرهما في الأدب:
سبقت الإشارة إلى أنّ ابن حجّة الحمويّ لم يكن شاعرا فحسب، بل كان شاعرا أديبا، قد امتلك زمام الأدب من شقّيه: الموهبة الشعرية والمقدرة على التأليف،
__________
(1) علم البديع (عبد العزيز عتيق) ص 6564.
(2) علم البديع (عبد العزيز عتيق) ص 6564.
(3) المخطوطة ب، الجزء الثاني ص 225ب 226أ.(1/264)
فهذّبت الشاعرية قلمه، وقعّد القلم شعره، فهو لم يكتف بنظم البديعية معارضا بها من سبقه (الحلّيّ والموصليّ)، بل جعل همّه في شرحها، والتنبيه على مستغلقاتها، والإشارة إلى مواطن الاستشهاد فيها، بشرح يطول ويتّسع تارة كما في خزانته هذه، أو يختصر ويضيق تارة، كما في كتابه «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة»، وفي كلا الحالتين كان شرحه مسرحا وضيئا بفنون الأدب الشعريّ والنثريّ، والقصص والأمثال، ولمحات النحو والصرف والعروض والتاريخ والتراجم
إضافة إلى الشواهد من الشعر والنثر، وآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وغيرها، حتى غدت شروحه مطيّة ليكشف بها عن مكنون صدره، وليعرض من خلالها مدّخر علمه وأدبه ممّا جمعه وحواه ومن هنا فدراسة أثر بديعية ابن حجّة وشرحها في الأدب تنطلق باتجاهين اثنين: أوّلهما: من حيث كثرة التآليف التي قامت حولها أو عارضتها أو انبثقت منها وثانيهما: من حيث الفوائد العلمية في هذه التآليف.
1 - المؤلّفات المنبثقة عن بديعيّته:
سبقت الإشارة إلى أنّ ابن حجّة نظم بديعيته لدوافع كثيرة منها معارضة الحلّيّ والموصليّ، نزولا عند رغبة صديقه محمد بن البارزيّ، وقد ارتبطت فكرة النظم عنده بفكرة التأليف، فعمد إلى بديعيته يشرحها، فكان له فيها شرحان: شرح مطوّل وهو المسمّى ب «خزانة الأدب وغاية الأرب»، وشرح مختصر سمّاه «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجّة». ولم يقتصر التأليف على شرحيه هذين بل انطلقت من بديعيته شروح أخرى لغيره ومعارضات كثيرة، ومؤلّفات لم تكن شروحا لها، بل كانت في النقد والبحث في السرقات، والاحتجاج لهذا أو لذاك.
ولم يكن صنيع ابن حجّة في شرحه لبديعيته إلّا اقتداء برائده الأوّل صفيّ الدين الحلّيّ الذي نظم بديعيته ثمّ شرحها وعقّب على أبياتها دالّا على النوع ومواطن الاستشهاد. ولو نظرت في شرح بديعيّته لوجدت فيها الكثير من بضاعته وعلمه وأدبه الشعريّ والنثريّ، وتفاخره فيما كان يحمل من إحاطة بفنون الشعر والأدب، والإدلال بمقدرته على الخوض في عباب هذا التيّار الزاخر الذي يتطلّب الكثير، فالبديع وأنواعه في قصيدته، بل البديعية ذاتها، لم تكن سوى مطيّة يتوسّل بها أغراضا أخرى، ولهذا تجاوز شرحه الحجم المعروف عند الشروح السابقة له عند الصفيّ والموصليّ. ويكفي
أن تنظر في باب «التورية» وباب «التوجيه» لترى معظم الشواهد المكرّرة بين البابين، بالإضافة إلى اقتناص الكثير من شواهد التورية حتى بلغت حجم كتاب ضخم، جمعه فيما بعد تحت عنوان «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام».(1/265)
ولم يكن صنيع ابن حجّة في شرحه لبديعيته إلّا اقتداء برائده الأوّل صفيّ الدين الحلّيّ الذي نظم بديعيته ثمّ شرحها وعقّب على أبياتها دالّا على النوع ومواطن الاستشهاد. ولو نظرت في شرح بديعيّته لوجدت فيها الكثير من بضاعته وعلمه وأدبه الشعريّ والنثريّ، وتفاخره فيما كان يحمل من إحاطة بفنون الشعر والأدب، والإدلال بمقدرته على الخوض في عباب هذا التيّار الزاخر الذي يتطلّب الكثير، فالبديع وأنواعه في قصيدته، بل البديعية ذاتها، لم تكن سوى مطيّة يتوسّل بها أغراضا أخرى، ولهذا تجاوز شرحه الحجم المعروف عند الشروح السابقة له عند الصفيّ والموصليّ. ويكفي
أن تنظر في باب «التورية» وباب «التوجيه» لترى معظم الشواهد المكرّرة بين البابين، بالإضافة إلى اقتناص الكثير من شواهد التورية حتى بلغت حجم كتاب ضخم، جمعه فيما بعد تحت عنوان «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام».
وبهذا ظهر ابن حجة في شرح بديعيته مدفوعا بدافعين اثنين كغيره من ناظمي البديعيات: أحدهما الجري على عادة الأغلبية وسنّة الشعراء لتوضيح الأنواع المقصودة، ويترتب على هذا أن يكون الشرح ضامرا مختصرا، وهذا ما فعله في «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحلّيّ لابن حجة» (1) وثانيهما: مجاراة المشهورين في عرض ما يحملونه من بضاعة الأدب وفنونه، بل قد فاقهم في ذلك، وهذا ظاهر في «خزانته».
ولم يتفرّد ابن حجّة بشرح بديعيته، بل لقد لقيت بديعيّته وشرحه لها عناية كبيرة من العلماء والأدباء والبلاغيين بعده، وما حظيت به من عناية لم تكن بديعية أخرى لتحظى به، وشاهد ذلك أنها رغم شرح ناظمها لها شرحا وافيا، فإن أحد أدباء العصر واسمه عثمان الظاهر قد شرحها مرّة ثانية، كما شرحها محمد بن أحمد بن عثمان البسطاميّ المتوفّى سنة (842هـ.) (2) وشرحها أيضا محمد بن عيسى بن محمود بن كنان المتوفّى سنة (1153هـ.)، وأطلق على شرحه اسم «المحاسن المرضيّة في شرح المنظومة البديعية»، وذلك بعد أن نظر في شرح ابن حجة فوجده «لم يتكلم في أكثر أحواله إلّا في النوع وترك شرح باقيها»، ورأى عمله غير مكتمل، فعبّر عن غايته قائلا: «فأحببت أن أنشئ لها شرحا حسنا يحيط بها إحاطة الدائرة بفلك معدّل النهار، ويمتزج بها كما امتزج بياض الورد بالاحمرار» (3).
ولم تقتصر العناية ببديعية ابن حجّة على الشرح فقط، بل لقد لاقت البديعية وشرحها اهتمام الكثيرين من المشتغلين بالبلاغة فعارضوها ونهجوا نهجها في بديعياتهم وشروحهم، ففي أوائل القرن العاشر نظم الإمام جلال الدين السيوطيّ بديعية عارض بها بديعية ابن حجّة وشرحها وسمّاها «نظم البديع في مدح خير شفيع»، وبعده توالى المشتغلون بالبلاغة قرنا فقرنا، وكانوا يعتمدون في نظم
__________
(1) سيأتي الكلام عليه بعد قليل.
(2) انظر هدية العارفين 6/ 193192، 325.
(3) البديعيات في الأدب العربي ص 193.(1/266)
بديعياتهم أو في شروحها على بديعية ابن حجّة الحمويّ، فالشيخ عبد الغني النابلسيّ عندما أراد أن ينظم بديعيّته عارض بها ابن حجّة وسمّاها «نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار»، وعندما عزم على شرحها اعتمد على ثلاثة شروح رئيسة هي: شرح الحليّ، وشرح الموصليّ، وشرح ابن حجّة، وسمّى شرحه هذا «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار»، وكذلك فعل مصطفى بن عبد الوهاب الصلاحيّ الذي نظم «نخبة البديع في مدح الشفيع»، وقد ذكر ابن حجّة الحموي في مقدمة كتابه في عداد الذين استعان بمؤلّفاتهم.
ومن الذين أعجبوا بشرح ابن حجة على بديعيته عبد الحيّ بن أحمد بن العماد الحنبليّ فاختصر هذا الشرح تيسيرا للدارسين وسمّاه «شرح أبي الفلاح».
وممّن وقف على شرح بديعية ابن حجّة عليّ بن محمد بن دقماق الحسينيّ المتوفّى سنة (940هـ.)، فاقتفى أثرها، ونظم قصيدة على منوالها ثمّ شرحها شرحا حافلا (1). وكذلك فعل عبد القادر بن محمد بن يحيى الحسيني الطبريّ المكّيّ الشافعيّ، إلّا أنه سمّى شرحه على بديعيته «علوّ الحجّة بتأخير أبي بكر بن حجّة».
وممن عارض ابن حجة في ذلك عليّ بن أحمد بن محمد بن معصوم المدنيّ، وقد سمّى بديعيته «تقديم عليّ»، ردّا على تسمية ابن حجّة لبديعيته «تقديم أبي بكر».
ومن هؤلاء أيضا قاسم بن محمد البكرجيّ الحلبيّ الذي نظم بديعية على غرار بديعية ابن حجّة، فالتزم فيها ذكر اسم النوع البديعيّ في أثناء البيت، وسمّاها «العقد البديع في مدح الشفيع»، ثم شرحها شرحا جيّدا سمّاه «حلية العقد البديع في مدح خير شفيع» (2). ولمحمد نوري باشا بن أحمد بن عبد الوهاب الكيلانيّ بديعية اقتدى فيها بابن حجّة، وسمّاها مع شرحها «البديعية النورية في مدح خير البريّة» ولمحمد رضوان بن محمد بن إسماعيل بديعية حاول فيها أن يتابع ابن حجّة في كلّ شيء، فالتزم فيها التورية باسم النوع البديعيّ، ضمن البيت، وسمّاها «عنوان الرضوان في مدح سيّد ولد عدنان»، إلّا أنّ هذه البديعية لم تظفر بشرح (3).
__________
(1) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 108، 110.
(2) انظر البديعيات في الأدب العربي ص 135133.
(3) لقد سبق الكلام على هذه البديعيات وشروحها في الفصل الرابع.(1/267)
كما شغلت بديعية ابن حجّة الرجال والنساء على حدّ سواء، إذ نظمت عائشة الباعونية بديعيّتها وشرحتها متأثّرة بابن حجة والجدير بالذكر أيضا أن هذه البديعية قد شغلت المسلمين والنصارى معا، فممّن ألّف شروحا على بديعية ابن حجّة الخوري بولس عوّاد، وسمّاها «العقد البديع في فنّ البديع».
ثمّ إنّ المطّلع على الآثار التي انبثقت عن بديعية ابن حجّة ودارت حولها أو عارضتها واقتدت بها، يعلم أن أثر هذه البديعية في الحركة التأليفية لم يقتصر على الشروح والمعارضات فحسب، بل إنّ هناك حقيقة لا بدّ من ذكرها وهي أن هذه البديعية كغيرها من البديعيات الفذّة استقطبت مجموعة من الكتب، لم يكن موضوعها الشرح الخالص أو المعارضة المحضة، بل تجاوز موضوعها ذلك إلى «المختصرات»، و «النقد»، و «البلاغة».
أمّا على صعيد المختصرات، فإنّ هذا الموضوع لم يكن بعيدا عن الشروح، فقد عمد ابن حجّة إلى اختصار شرحه المطوّل ليكون ميسّرا بين أيدي جميع القرّاء، وأطلق على مختصره اسم «ثبوت الحجة على الموصليّ والحليّ لابن حجّة»، وقد سبقت الإشارة إلى أنّ عبد الحيّ بن العماد الحنبليّ اختصر شرح ابن حجّة المطوّل تيسيرا للدارسين، وسمّاه «شرح أبي الفلاح» (1). فما إن أنجز ابن حجّة كتاب «شرح تقديم أبي بكر» بين نظم وشرح وتنقيح ومراجعة للكتب السابقة، وعرضه على الملأ حتى انبرى له بعض أدباء عصره وسلقوه بألسنة حداد، ورموه بالسرقة والاتباع والتطفّل على موائد أصحاب البديعيّات الذين جاؤوا قبله، ورغم اعتزازه بصنيعه أخذ معاصروه ينعتونه ب «تأخير أبي بكر»، واتهموه بأنّه لم يزد عن سرقة أبيات أصحاب البديعيات الذين سبقوه وسرقة أفكارهم في شرحهم، لهذا عمد إلى رفع التهمة عنه، بتأليف كتاب آخر يثبت فيها فكرة «تقديمه» على عميدي نظام البديعيات آنذاك الحلّيّ والموصلّيّ، فكان هذا المؤلّف هو كتاب «ثبوت الحجة على الموصلي والحلّيّ لابن حجّة»، ولقد افتتح كتابه هذا بالشهادة التي ظفر بها من أصدقائه، علماء القرنين الثامن والتاسع الهجريّين، الذين قرّظوا بديعيّته، وعلى رأسهم قاضي القضاة أحمد بن حجر العسقلانيّ، وبدر الدين الدّمامينيّ المالكيّ. وخلاصة «ثبوت الحجة» إذا أنه
__________
(1) انظر فهرس الكتب الموجودة بدار الكتب المصرية 2/ 203.(1/268)
كتاب مختصر ل «خزانة الأدب وغاية الأرب»، جمع فيه ابن حجّة أبيات البديعيات الثلاث، وعرّف كلّ نوع من الأنواع البديعية، وكان رائده المقارنة التي اتخذها مقدّمة للوصول إلى نتيجة التدليل بحسن صنيعه، وتفوّقه على عميدي فنّ البديعيّات:
الحلّيّ والموصلّيّ.
وأمّا على صعيد النقد، فقد اهتمّت مجموعة من العلماء ببديعيّته، فراحوا يتابعون قضاياها، ويتذوّقون ثمارها ويوجّهونها، إن أمكنهم ذلك، أو يكشفون عن بعض جوانبها، وهذا ما استقطبته بديعيّة ابن حجة وشرحها. فممّا وصل إلينا خبره أو مضمونه مجموعة من الكتب تدور في فلك بديعيّته وشرحها، وهي:
«إقامة الحجة على ابن حجّة»: لمؤلّفه أبي بكر بن عبد الرحمن باعلويّ، الذي قال فيه الزركليّ: هو «في نقد بديعية ابن حجّة الحمويّ» وذكره إليان سركيس في معجمه بقوله: وفيه «انتقاد على ابن حجة الحمويّ بشرح شواهد بديعيّته» (1).
«سرقات ابن حجّة في بديعيته»: ولعلّ هذا الكتاب لتلميذ ابن حجّة المعروف ب «النواجيّ» (2).
«الحجّة على من زاد على ابن حجّة في البديع»: لمؤلّفه عثمان بك الجليليّ الموصليّ.
بيد أنه يلاحظ أنّ هذه الكتب يستقطبها ابن حجّة وحده آنذاك، في بديعيته التي أكثر في صفحاتها من الإعجاب بنفسه، وإظهار تفوّقه على غيره ممّا أثار حوله موقفي الخصومة والتأييد، كما يبدو ذلك من أسماء هذه المؤلّفات التي تعتبر بحقّ أثرا من آثار بديعيته.
وأمّا على صعيد البلاغة، فقد وجد بعض الكتّاب في بديعية ابن حجّة بناء قويّا متكاملا يضمّ أنواع البديع كلّها، ولذلك عندما أراد هؤلاء أن يؤلّفوا كتبا في البديع، لم يكلّفوا أنفسهم عناء كبيرا، بل اتخذوا من بديعيته وسيلة للتفصيل في فنون البديع، ومن هؤلاء: بولس عوّاد الذي ألّف كتابا سمّاه «العقد البديع في فنّ البديع»، إذ اتّخذ من بديعيّة ابن حجّة مادّة لهذا الكتاب أغناه بشرح وتوضيح للأنواع البديعية الواردة
__________
(1) الأعلام 2/ 65، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 140.
(2) انظر هدية العارفين 6/ 201200.(1/269)
فيها متّبعا ترتيب ابن حجّة دون تقديم أو تأخير.
ومنهم أيضا حفني ناصيف الذي عرّف كتابه التعليميّ باسم «القطار السريع في علم البديع»، وقد تحدّث عن سبب تأليفه فقال: «شكا لي بعض طلبة الحقوق صعوبة تحصيل علم البديع وكثرة نسيانه، وسألني وضع مختصر إن لم يحفظ على الغيب فإنه يوضع في الجيب، فأشرت عليه أن يحفظ بديعيّة تقيّ الدين، وتكلّفت له بشرحها شرحا وجيزا أختار فيه أرجح الأقوال وأصحّ التعاريف وأوضح الأمثلة بأبسط العبارات وآثرت هذه البديعيّة على غيرها لشهرتها بين الأدباء، وللإشارة فيها إلى أسماء الأنواع» (1). وبهذا يبدو أنّ بديعية ابن حجة لم تعد منظومة وحسب، بل كانت فنّا شعريّا بلاغيّا أدبيّا، قامت حولها حركة واسعة من الشروح والمؤلّفات المتنوّعة في فنونها وفوائدها وموضوعاتها.
2 - الفوائد العلمية في هذه المؤلّفات:
إن أحسن ما قيل في فوائد هذه المؤلّفات وقيمتها العلمية ما أطلقه محمود رزق سليم أثناء بحثه في شرح ابن حجّة، إذ استطاع أن يخمّن المقصود من نظم هذه البديعية وشرحها، فقال: «وما عليك إلّا أن تجمع تعريفاته البلاغية ومعها المثل أو المثلان، ثمّ تنحّيهما جانبا عن بقية «الخزانة» لتبدو لك بقيّتها مسرحا وضيئا متألّقا مليئا بجولات الأديب الذي فاضت صوره بالأدب اللباب، وسنح خاطره بالنقدات العذاب، وفيها ما فيها من حسن اختيار وسهولة عرض ودقّة تتابع وجمع للمتفرّق المتقارب» (2).
إنّ هذا القول يوضّح أن ذاك الشرح وغيره من الكتب المنبثقة عن البديعية لم يتخذ من البديع ووجوهه إلّا مطيّة، يتوسّل بها ابن حجة عند النظم أو الشرح، ليحلّق على أجنحتها ويسير في رحاب ما زخر به صدره ووعاه عقله من فنون الأدب والمعرفة، ولذلك لا يمكننا أن نسمّي هذا الشرح إلّا بجنّة مدخلها «بديع»، وكل ما فيها متنوّع بديع، وهذا ما جعلها بحقّ «خزانة للأدب وغاية للأرب». ويكفي أن ننتقل إلى مضمون هذا الشرح لنجد مصداق ذلك، من خلال البناء العام الذي بني عليه، والذي يتمثّل في العناصر التالية:
__________
(1) القطار السريع: المقدمة، ص 2.
(2) عصر سلاطين المماليك 6/ 165.(1/270)
البديع، وشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف، والشواهد الشعرية من مختلف العصور الأدبية، والشواهد النثرية، ولمحات نقديّة، وفنون مختلفة، وبديعيات.
أالبديع:
قامت بديعية ابن حجّة، كأيّة بديعية، على فنّ البديع، وفقا لشروطها الملتزمة، وهي أن يتضمّن كلّ بيت نوعا من أنواعه، لذلك فإن أوّل ما قام به ابن حجّة في شرحه لبديعيته، هو التعريف بالنوع البديعيّ الذي ورد في بيت البديعيّة، وتوضيح شروطه وأقسامه، وذكر أقوال العلماء في هذا النوع، وفي معظم الأحيان يعمد إلى التسمية، فيفصّل القول في معناها لغة واصطلاحا، ثمّ يحدّد أقسام النوع ويفصّلها، ثم يذكر الفرق بينه وبين ما يمكن أن يشتبه أو يلتبس به من أنواع البديع. لذلك يمكن أن يستخرج من «شرحه» كتاب خاصّ بالبديع يشمل أنواعه كلّها وما يضاف إليها من جديد على مرّ الزمن، وذلك باستخراج البيت وما يعقّب عليه من شرح للنوع وتحديد له من هذا «الشرح». وخذ مثالا لذلك ما قاله ابن حجة في خزانته إثر بيت بديعيته في «التورية».
ب شواهد القرآن الكريم والحديث الشريف:
لا ننسى أنّ الغاية التي قامت من أجلها معظم علوم العربية ولا سيّما علم البلاغة، إنما هي النصّ القرآنيّ الكريم وإعجازه وتفسيره، والسنّة النبويّة الشريفة ومن هنا كان ابن حجّة، كغيره من الدراسين والمشتغلين في البلاغة العربية، يؤكّد هذه الناحية، ويصرّ على إدراك علوم البلاغة لهذه الغاية، وما استكثاره من آيات القرآن في شرحه إلّا دليل على ذلك، تليها غالبا أحاديث النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، حتى كادت هذه الطريقة أن تكون سنّة متّبعة لمن جاء بعده (1).
ج الشواهد الشعرية من مختلف العصور الأدبية:
سبقت الإشارة إلى أن ابن حجّة الشاعر قد اتخذ من شرح بديعيته مطيّة لإظهار ما عنده من علم في ثناياها، وإن أكثر ما تتّضح هذه الناحية عندما يعقد الحديث على شواهد النوع البديعيّ، فإنه لم يكتف غالبا بالبيت أو البيتين، إنّما يعكف أحيانا كثيرة
__________
(1) انظر في ذلك مختلف أبواب خزانة الأدب وغاية الأرب.(1/271)
على إيراد مقطّعات كاملة في شرحه، بل قصائد طويلة، فكثيرا ما تراه لا يكتفي بالبيت المطلوب شاهدا، بل يعزّزه بذكر مناسبته وموضوعه من القصيدة، وربّما يغرم بالقصيدة كلها لجمالها فلا يتوانى عن إيرادها كاملة، أو قريبة من الكمال، وقد لا يشبع نهمه هذا، فيبدأ بذكر ما استحسن لهذا الشاعر واستجيد له، دون أن يشترط موافقة ذلك لموطن الاستشهاد الذي هو فيه، وقد يخطر له أن يطنب فيأتي على ذكر عثرات هذا الشاعر والمستقبح من شعره، بالإضافة إلى ما ذكره من المستجاد له، وهكذا تتوالى أمامك الأبيات الشعريّة دون أن تقتصر على شاعر أو عصر معيّن.
ولهذا مزيّتان: إحداهما: أنها من أبيات الاستشهاد إن لم تكن استطرادا. وثانيتهما:
أنها كانت تؤخذ من عصور مختلفة تبدأ بالعصر الجاهليّ وتنتهي بعصر المؤلّف، وما يزيد هذه الشواهد الشعريّة أهمية أنّ ابن حجّة عندما يصل إلى زمنه، ويستشهد بشعر معاصريه وأصدقائه، فإنّ ما يورده لهم، غالبا، نفتقر إليه، لإغفاله من قبل كتب الشعر والأدب، وقد لا نجد له ذكرا في غير هذا الشرح. ويكفي أن ننظر في الشواهد الشعرية الموجودة في «الخزانة» لتجد مصداق ذلك.
د الشواهد النثريّة:
بما أنّ ابن حجّة كان شاعرا وناثرا، وبما أنّ البلاغة لم تكن مقتصرة على الشعر دون النثر، أصبح من الطبيعيّ أن لا تقتصر شواهده على الشعر، بل إنه وجد في النثر مادّة أخرى تكشف عن جانب من جوانب ثقافته، وتنمّ عن طول باعه في هذا المجال، فكادت أمثلته النثرية بقدر أمثلته الشعريّة أو دونها بقليل، فاتخذ من أقوال البلغاء وخطب العلماء وأمثال الفصحاء ومناظرات الأدباء ورسائلهم مادّة هامّة في الاستشهاد بها إلى جانب الشعر. وعلى طريقته في الاستشهاد بالشعر، سار في الاستشهاد بالنثر، فالشاهد النثريّ قد يكون مثلا سائرا، أو بعض خطبة، وقد يطول ليصل إلى تضمين الشرح رسالة كاملة، كما فعل في باب «التغاير» من تضمينه لرسالة المفاخرة والمغايرة بين «السيف والقلم».
هـ لمحات نقديّة:
لقد استطاع ابن حجّة أن يميّز في أثناء شرحه بين الحسن والقبيح، والجيّد والرديء، من خلال لمحات وإشارات عديدة، ووقفات فاحصة في أثناء شرحه، تعبّر عن موقفه وتوضّح منهجه في النقد، وتشير إلى ملامح النقد في عصره بشكل عامّ،
فما هو إلّا من أبناء هذا العصر، وما نقده إلّا جزء من نقد العصر.(1/272)
لقد استطاع ابن حجّة أن يميّز في أثناء شرحه بين الحسن والقبيح، والجيّد والرديء، من خلال لمحات وإشارات عديدة، ووقفات فاحصة في أثناء شرحه، تعبّر عن موقفه وتوضّح منهجه في النقد، وتشير إلى ملامح النقد في عصره بشكل عامّ،
فما هو إلّا من أبناء هذا العصر، وما نقده إلّا جزء من نقد العصر.
وفنون مختلفة:
لم يقتصر هذا الشرح، والكتب المنبثقة عنه، على ما سبق ذكره، بل إنّ من يتجوّل في جنانه، ويبحث في رفوف خزانته، يجد فيه الكثير من اللفتات البديعة، والفنون المنوّعة، ولا عجب في ذلك، إذا ما علمنا أن ابن حجّة كغيره من شرّاح «البديعيات» كان بحقّ مثقّفا ثقافة إسلاميّة عربية متنوّعة كاملة، فجاء شرحه صورة عن هذه الثقافة التي تمثلت بكثير من وجوه الفقه والتفسير والنحو واللغة والعروض والبلاغة، وكلّها فنون من المستملح المستطاب. وتكفي الإشارة إلى ما أورده ابن حجّة في باب «التورية» ليكون مثالا على ذلك، إذ ذكر حادثة جرت مع الحسن بن سهل وزير المأمون فقال: «يحكى أن بعض الشعراء هنّأ الحسن بن سهل باتّصال ابنته بالمأمون مع من هنّأه، فأثاب الناس كلّهم وحرمه، فكتب إليه: إن أنت تماديت على حرماني عملت فيك بيتا لا تعلم مدحتك فيه أم هجوتك، فاستحضره وسأله عن قوله فاعترف، وقال: لا أعطيك أو تفعل، فقال [من مجزوء الخفيف]:
بارك الله للحسن ... ولبوران في الختن
يا إمام الهدى ظفر ... ت ولكن ببنت من (1)
فلم يعلم ما أراد بقوله «ببنت من» في الرّفعة أو في الصّغر، واستحسن منه الحسن ذلك» (2).
وأمثال هذا كثير في شرحه.
ز بديعيّات:
وممّا حواه شرح البديعية وحافظ عليه وأفادنا به البديعيات التي عارضها ابن حجة، قاصدا بذلك أن ينبّه على تفوّقه وتقدّمه على أقرانه، وهو بذلك، ومن غير قصد، حاول أن يحفظ مجموعة من «البديعيات» كادت أن تكون مفقودة لولا وجودها في هذه الشروح، بل لعلّ ابن حجّة هو من أوائل العاملين على هذا عندما جمع في شرحه بديعيات ثلاث.
__________
(1) انظر تخريج هذين البيتين في باب «الإبهام»، وباب «التوجيه» من الخزانة.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب، باب «الإبهام»، وباب «التوجيه».(1/273)
وبناء على هذا المضمون المتنوّع لشرح البديعية وتلك الطريقة التي استخدمها في شرحه، يمكن تصنيف ابن حجّة ضمن أتباع المدرسة الأدبية البلاغية في تاريخ التأليف البلاغيّ عند العرب، لما أكثره من الشواهد الأدبية والبلاغية.
إلّا أنّ شرح ابن حجّة قد خلا كمعظم الشروح من السيرة النبويّة، كما خلا من شرح معنى بيت البديعية، وانصبّ الاهتمام على موضع النوع البديعيّ فيه ليس غير، ولعلّ ذلك يعود إلى غاية ابن حجّة المرجوّة من شرحه، والّتي تتمثّل في نشر بضاعته النادرة وعرضها في أسواق الأدب.
ب أثرهما في النقد:
إذا كانت بديعية ابن حجّة قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالأدب، إضافة إلى كونها فنّا شعريّا متميزا، فإن ارتباطها بالنقد كان أوثق، نظرا لتلازم النقد والأدب، ولتناولها أحد أسس النقد الأدبيّ، وهو فنّ البديع.
ولعلّ كثرة الآراء والمواقف التي كانت معها أو ضدّها هي التي جعلتها تعيش هذه الحياة الطويلة، وتشتهر هذه الشهرة الكبيرة، ويتوارد كبار الشعراء والأدباء والنقّاد على مناهلها، لذا لا بدّ من إظهار أثر هذه «البديعية» وما دار حولها من شروح ومواقف في الحركة النقديّة في زمنها، إذ كانت مع شرحها مادّة خصبة متنوعة تغذّي تلك الحركة النقديّة القويّة التي انطلقت منها.
1 - الحركة النقديّة حول بديعية ابن حجّة:
تتمثل هذه الحركة النقديّة في مجموع مواقف الناس منها، على اختلاف طبقاتهم، وما ألّف من كتب في هذه المواقف المتنوّعة.
أموقف الخاصّة:
لقد شاعت بديعية ابن حجة بين الناس، وانتشرت بين الشعراء، وحقّقت من الإقبال عليها ما لم تحقّقه أيّة بديعية أخرى في عصره، وربّما كان ذلك لما تضمّنته من نفحات دينية، لبست لبوس العصر المألوف من الزخرف والتلوّن والزركشة، بدليل أمرين، أوّلهما: أنّ ابن حجة عندما بلغ من الشهرة غايتها، ومن المعرفة والمقدرة الشعريّة والنثرية أوجها، يمّم نحو نظم البديعيّات ليدلي بدلوه فيها، مدلّلا بذلك على تمام شاعريّته واكتمال شهرته، وهذا ما دفع أصحاب المعرفة إلى أن يشهدوا له
بذلك، لتفوّقه ورسوخ قدمه في ميداني الأدب: الشعر والنثر وثانيهما: أنّ بديعيته كما رأينا سابقا كانت نتيجة لرغبة صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، محمد بن البارزيّ الجهنيّ، والذي رسم لابن حجّة بنظم قصيدة بديعية يعارض بها قصيدتي الموصليّ والحليّ، وأشار إليه بإرشاداته ولم يبخل عليه برأيه ونقده ليبزّ ببديعيته سابقتيها. وربّما كانت رغبة البارزيّ هذه بغية التقرب من جمهور الناس، والظهور أمامهم بمظهر التّقى في عصر كان يستهوي الناس مثل هذا المظهر، لما كان للمقياس الدينيّ من أثر في الفكر السائد آنذاك، وهذا ما يجعله يرتبط بمفاهيم النقد ومقاييسه في ذلك العصر. وإذا رأى أحدنا اليوم أن هذه البديعية كغيرها من البديعيات «صناعة من العبث، أضعفت من الشعر وأوردته موارد التكلّف والتعمّل الثقيل» (1) فلأنّ مفاهيمنا النقديّة اليوم تختلف عن مفاهيم ذلك العصر، وإن كانت امتدادا لموروث ثقافيّ وبيئيّ واحد.(1/274)
لقد شاعت بديعية ابن حجة بين الناس، وانتشرت بين الشعراء، وحقّقت من الإقبال عليها ما لم تحقّقه أيّة بديعية أخرى في عصره، وربّما كان ذلك لما تضمّنته من نفحات دينية، لبست لبوس العصر المألوف من الزخرف والتلوّن والزركشة، بدليل أمرين، أوّلهما: أنّ ابن حجة عندما بلغ من الشهرة غايتها، ومن المعرفة والمقدرة الشعريّة والنثرية أوجها، يمّم نحو نظم البديعيّات ليدلي بدلوه فيها، مدلّلا بذلك على تمام شاعريّته واكتمال شهرته، وهذا ما دفع أصحاب المعرفة إلى أن يشهدوا له
بذلك، لتفوّقه ورسوخ قدمه في ميداني الأدب: الشعر والنثر وثانيهما: أنّ بديعيته كما رأينا سابقا كانت نتيجة لرغبة صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، محمد بن البارزيّ الجهنيّ، والذي رسم لابن حجّة بنظم قصيدة بديعية يعارض بها قصيدتي الموصليّ والحليّ، وأشار إليه بإرشاداته ولم يبخل عليه برأيه ونقده ليبزّ ببديعيته سابقتيها. وربّما كانت رغبة البارزيّ هذه بغية التقرب من جمهور الناس، والظهور أمامهم بمظهر التّقى في عصر كان يستهوي الناس مثل هذا المظهر، لما كان للمقياس الدينيّ من أثر في الفكر السائد آنذاك، وهذا ما يجعله يرتبط بمفاهيم النقد ومقاييسه في ذلك العصر. وإذا رأى أحدنا اليوم أن هذه البديعية كغيرها من البديعيات «صناعة من العبث، أضعفت من الشعر وأوردته موارد التكلّف والتعمّل الثقيل» (1) فلأنّ مفاهيمنا النقديّة اليوم تختلف عن مفاهيم ذلك العصر، وإن كانت امتدادا لموروث ثقافيّ وبيئيّ واحد.
لذا فإنّ هذه البديعية قد وافقت بيئتها من ناحيتين على الأقلّ:
أولاهما: الحسّ الدينيّ الذي كان يسيطر على جميع طبقات الشعب.
وثانيهما: الذوق العام المائل إلى الزخرفة والتّنميق في كلّ شيء. وهذا ما جعل بديعيّته كغيرها من البديعيات تتطابق بما أتت به من ألوان بديعية مع الملامح الفنيّة السائدة في ذلك العصر. وليس غريبا بعد هذا أن يطلب ابن البارزيّ من ابن حجّة أن ينظم بديعيته ويعينه عليها ويرافقه في نظمها حتى النهاية (2).
ومن هنا لم تبق بديعية ابن حجة مجرّد فنّ شعريّ، بل خرجت إلى دائرة النقد، وما ذاك القبول والإقبال عليها من قبل الخاصّة والعامّة إلّا موقف له دلالته النقديّة الواضحة.
ب موقف العامّة:
لقد اتّضح، من خلال موقف الخاصة من بديعيّته، أنه لولا حبّ العامّة لمثل هذا الفنّ وتعلّقهم به لما تقرّب ابن البارزيّ به إلى ابن حجّة، ولولا ذلك أيضا لما أقدم على نظمها، ولما جعلها غاية وذروة يتحدّى بها عميدي نظام البديعيات آنذاك
__________
(1) الصبغ البديعي ص 372.
(2) انظر خطبة ابن حجة في خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 306304.(1/275)
(الصفيّ والموصليّ)، ولما استطاعت بديعيته أن تعيش فترة من الزمن يشرحها هذا، ويعارضها ذاك، وينقدها ذلك. وربّما كان للاتجاه الديني الذي رافقها كغيرها من البديعيات، أثر بالغ في قبول الناس لها، إذ وجدوا فيها ملاذا يرجون بها الخلاص، كونها من المدائح النبويّة، بالإضافة إلى ما وجدوا فيها من غرض تعليميّ جديد، فلاقت منهم آذانا صاغية وقلوبا واعية، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على الحركة النقديّة التي كانت تدور حولها.
ج كتب في نقد بديعيّته:
لم تقتصر الحركة النقديّة التي نشأت حول «البديعية» على الموقف التذوّقيّ المتمثّل في قبولها والإقبال عليها، بل تعدّته إلى مرحلة التأليف في نقدها، وتكاد تقتصر حركة التأليف النقديّ على الكتب التالية: «الحجّة في سرقات ابن حجّة» للنواجيّ، و «الحجّة على من زاد على ابن حجّة في علم البديع» لعثمان بك الجليليّ، و «إقامة الحجّة على التقيّ ابن حجّة» لأبي بكر بن عبد الرحمن العلويّ الحضرميّ، و «سرقات ابن حجّة» لمجهول، ولعلّ هذا هو نفسه كتاب تلميذه النواجيّ، وذلك لتطابق العنوانين.
أمّا الكتابان الأوّل والرابع منها فلعلّهما قد تطرّقا إلى نقد بديعية ابن حجّة، لما عرف عن النواجيّ، صاحب الكتاب الأوّل، من أخذه عن ابن حجّة، ثمّ انقلب عليه وتركه، فشنّ عليه غارة شعواء، وكان لبديعية ابن حجّة أثر فيهما. وأمّا الكتاب الثاني «الحجّة على من زاد على ابن حجة في علم البديع» فإنّ مؤلّفه يتحدّث فيه عن غايته من تأليفه، إذ يقول: «وكنت قد طالعت فيما تدون فيه [أي البديع] بديعية الأديب النبيه تقيّ الدين بن حجّة الحمويّ، رحمه الله تعالى، فإنّه وإن أكثر الشواهد فيها والتعريفات إلّا أنّه، كما قيل، كم ترك الأوّل للآخر، فإنّه متقدّم على من جاء بعده من الأدباء، وقد جاءت بعده عصبة كالجلال السيوطيّ العالم الفاضل ومن تبعه من بعده، واخترعوا فيه أنواعا، ثمّ جاء الحميديّ فخرج عن الجادة المقبولة لقبوله الأنواع البخسة إلى زمان شيخنا محمد أمين الدين العمريّ بن خير الله الخطيب، والشيخ محمد الغلاميّ، رحمهما الله تعالى برحمته فلم تزل تتزايد هذه الأنواع من أوّل الأمر إلى أن خبط فيها خبط عشواء فعنّ لي أن أستخلص منها ما زاد على بديعية التقيّ من الصحيح المقبول ونترك الضعيف المعلول، وبحسب عقلي القاصر
ألحقهم ببديعيّة ابن حجّة، علما بأنه لو رآهم من كان له ذوق من جهة الأدب لاستحسن ذلك منّي وأخذه عنّي» (1). فقد حدّد الجليليّ في ذلك غايته ودوافعها التي تمثّلت في البحث عن الجديد من أنواع البديع التي زادت بعد بديعية ابن حجّة، ومحاولة غربلتها لتمييز الجيّد من السيّئ، ومن ثمّ البحث عنها في بديعية ابن حجّة، أو إلحاقها بها، ثم قال: «فالنوع الذي رأينا له شاهدا من أبياتهم حرّرناه، والذي لم نر له شاهدا نظمنا له بيتا مستقلّا» (2).(1/276)
أمّا الكتابان الأوّل والرابع منها فلعلّهما قد تطرّقا إلى نقد بديعية ابن حجّة، لما عرف عن النواجيّ، صاحب الكتاب الأوّل، من أخذه عن ابن حجّة، ثمّ انقلب عليه وتركه، فشنّ عليه غارة شعواء، وكان لبديعية ابن حجّة أثر فيهما. وأمّا الكتاب الثاني «الحجّة على من زاد على ابن حجة في علم البديع» فإنّ مؤلّفه يتحدّث فيه عن غايته من تأليفه، إذ يقول: «وكنت قد طالعت فيما تدون فيه [أي البديع] بديعية الأديب النبيه تقيّ الدين بن حجّة الحمويّ، رحمه الله تعالى، فإنّه وإن أكثر الشواهد فيها والتعريفات إلّا أنّه، كما قيل، كم ترك الأوّل للآخر، فإنّه متقدّم على من جاء بعده من الأدباء، وقد جاءت بعده عصبة كالجلال السيوطيّ العالم الفاضل ومن تبعه من بعده، واخترعوا فيه أنواعا، ثمّ جاء الحميديّ فخرج عن الجادة المقبولة لقبوله الأنواع البخسة إلى زمان شيخنا محمد أمين الدين العمريّ بن خير الله الخطيب، والشيخ محمد الغلاميّ، رحمهما الله تعالى برحمته فلم تزل تتزايد هذه الأنواع من أوّل الأمر إلى أن خبط فيها خبط عشواء فعنّ لي أن أستخلص منها ما زاد على بديعية التقيّ من الصحيح المقبول ونترك الضعيف المعلول، وبحسب عقلي القاصر
ألحقهم ببديعيّة ابن حجّة، علما بأنه لو رآهم من كان له ذوق من جهة الأدب لاستحسن ذلك منّي وأخذه عنّي» (1). فقد حدّد الجليليّ في ذلك غايته ودوافعها التي تمثّلت في البحث عن الجديد من أنواع البديع التي زادت بعد بديعية ابن حجّة، ومحاولة غربلتها لتمييز الجيّد من السيّئ، ومن ثمّ البحث عنها في بديعية ابن حجّة، أو إلحاقها بها، ثم قال: «فالنوع الذي رأينا له شاهدا من أبياتهم حرّرناه، والذي لم نر له شاهدا نظمنا له بيتا مستقلّا» (2).
ثم يستعرض الجليليّ مجموعة من الأنواع التي زيدت بعد ابن حجّة، ولا سيّما في بديعيات السيوطيّ والحميديّ والعمريّ والآثاريّ، أو من مخترعات عصره، ومخترعاته هو أحيانا.
وتعتمد طريقة الجليليّ في عمله هذا على نقد الأنواع المزادة أحيانا كما تعتمد على البحث والكشف والتوضيح والتعريف أحيانا أخرى (3).
ولعلّ عثمان الجليليّ أراد أن تكون طريقته النقديّة هذه دفاعا عن بديعيّة ابن حجّة الحمويّ، وتقديما له حتّى على المتأخرين، معتمدا في نقدها على سواها من البديعيّات ليعود بنقده إليها.
وهناك كتاب آخر يبدو أنّه ألّف في الردّ على كتاب الجليليّ، وهو «إقامة الحجّة على التقيّ بن حجّة» لأبي بكر بن عبد الرحمن العلويّ، الذي تجاوز بكتابه هذا النقد المتمثّل في قبول العمل أو ردّه دون تحليل أو دراسة لذلك العمل وإعطاء مسوّغات الحكم، وبذلك تجاوز مرحلة النقد الذوقيّ التي رأيناها في موقف الخاصّة والعامّة من هذه البديعية وغيرها.
ولقد عمد أبو بكر بن عبد الرحمن العلويّ إلى بديعية ابن حجّة وبدأ يحلّلها وينقدها معتمدا على نهج علميّ وضعه لنفسه لإظهار ما في هذه البديعية من خلل وضعف وسرقة، دون أن ينسى كل ما جاء به ابن حجة من حسن فيها، أو يبخسه حقّه، إذ طالما أكبر بديعيّته وعدّها من مناقبه، وممّا لم يستطع أحد مجاراته بها.
ثمّ قارن عمله بعمل ابن حجّة في شرحه فقال: «ولم أصنع، والحمد لله، صنيعه
__________
(1) الحجة على من زاد على ابن حجة ص 14.
(2) الحجة على من زاد على ابن حجة ص 15.
(3) انظر الحجة على من زاد على ابن حجة ص 2724، 67.(1/277)
في انتقاد مستقيم القول وأعوجه، بل غايرته فيما جنح إليه من تزغيل إبريز الكلام وبهرجه» (1)، وبهذا يكون أكثر عدلا من ابن حجّة في نقده، مبيّنا الدافع الذي حمله على هذا العمل. ثم ينطلق أبو بكر إلى نقد بديعيّة ابن حجّة متّبعا طريقة واضحة في ذلك، فيذكر بيت البديعية أوّلا، ويبدأ بتحليله ونقده، من حيث السرقة أو الركاكة والغوص في مضمون البيت.
ولو رجعت إلى محاكمته لبيت ابن حجّة في «الجناس الملفّق» مثلا ورضاه عن بيته في «الاكتفاء» (2) لوجدت طريقا نقدية هي أشبه بطرق النقد الموضوعيّ الحديثة، وما يدلّ على موضوعيّته هذه في نقده أنّه كثيرا ما كان يقف أمام بيت من أبيات البديعية عاجزا عن فهمه فيتركه ويكل أمره إلى غيره دونما حكم صريح، فيقول مثلا في شرح شطر من بيت «الجمع»: «حاولت أن أفهم معنى عجز هذا البيت فلم أوفّق له» (3). وبهذا يكون كتاب أبي بكر العلويّ استجابة للحركة النقديّة التي دارت حول هذه البديعية في عصره، وقد أنار بدوره طريق البديعيات الأخرى بومضات نقديّة فاحصة من خلال بديعية ابن حجّة حتى ليمكن القول أن هذه الكتب السابقة لم تتسع دائرتها لتشمل كل البديعيات بل دارت في فلك بديعيّة واحدة نظمها ابن حجّة، وذلك لما أثارته هذه البديعيّة حولها من حركة نقديّة كادت لولاها أن تكون مفقودة.
2 - الحركة النقديّة في شرح «تقديم أبي بكر»:
لم يقتصر أثر البديعية في الحركة النقديّة على ما دار حولها من آراء ومواقف وقضايا، بل كان لها دور آخر من خلال شرحها الذي نستشفّ في ثناياه ملامح نقديّة تمثّلت في الأمور التالية:
أالملامح النقديّة في البناء العام ل «الشرح»:
من خلال الكلام السابق على مضمون شرح البديعية، يبدو أنّه يعتمد على الفنون البديعية في بادئ الأمر، لينطلق منها جامعا من الشعر والنثر أجمله وأطرفه، وأكثره
__________
(1) إقامة الحجة ص 4.
(2) انظر إقامة الحجة ص 6، 25.
(3) انظر إقامة الحجة ص 48.(1/278)
دورانا على الألسن ومناسبة للاستشهاد به، رغم التعريج أحيانا على المستقبح المرذول من الشواهد، إلّا أنّ جمع هذه الشواهد المتنوّعة وانتقاءها من رياض الشعر والنثر خضع لعملية نقديّة هامّة وبارزة، فالشواهد كثيرة وابن حجّة الشارح أمامها «صياد بارع تمرّ الشواهد أمامه، أو يستعرضها، ثمّ يقتنص منها ما يروق له ويجد فيه بغيته مما يناسب حديثه، سواء من حيث جودة الشاهد وجماله وإصابة صاحبه، أو من حيث رداءته وكبوة صاحبه به، ثمّ لا يكتفي الشارح [ابن حجة] بعرض صيده هذا، بل يقرنه بعبارات مختلفة تدلّ على قيمة هذا الشاهد» (1)، فكثيرا ما تجده يقول: «ومن محاسن هذا الفنّ»، و «وهذا أحسن ما سمعت»، و «ومن براعاته»،
و «وممّا يستقبح»، و «وممّا يؤخذ عليه»، إلى غير ذلك من هذه العبارات الحكمية النقديّة. ومثل هذه العبارات كثير في شرح بديعيّته، وما يلاحظ فيها أنّ ابن حجّة كان يخرج بين الحين والآخر عن طريقة التذوّق المحضة والحكم بالجمال والحسن، أو القبح والردّ دون توضيح سبب ذلك، إلى تعليل هذا الحكم وإظهار دوافعه وتبيان مواطن الجودة والضعف فيه، وفي ذلك ما يدلّ على لمحات نقديّة قد ترتقي أحيانا لتصل إلى مرتبة النقد المنهجيّ الموضوعيّ، وقد تنحطّ أحيانا أخرى لتعود إلى البدايات الأولى للنقد المتمثّلة في عبارات «ما أحسن» و «ما أقبح»
و «ما أجمل»، دون أيّ تعليل، ولعلّ ذلك كلّه يعود إلى حبّه لهذا الشاعر أو غضبه على ذاك، وهذا ما يؤخذ عليه في نقده.
لذا كانت كل هذه اللمحات النقديّة تزيّن شرح البديعيّة، لتغنيها وتلوّنها، ولنقف من خلالها على فنّ من فنون التأليف الأدبيّ في ذاك العصر إذ امتزجت فيه فنون الأدب: شعرا ونثرا ونقدا.
ب الملامح النقديّة في عمل ابن حجّة، وما دار حوله:
إنّ في شرح البديعيّة ظاهرة ليست بغريبة عن الفكر التأليفيّ في التراث العربيّ الإسلاميّ عامّة، وعصر نشوء البديعيات وازدهارها خاصّة. فكثيرا ما يصادفنا في قراءة هذا الشرح موقف ابن حجّة من مؤلّفي عصره، ومن سبقه، فيتعقّبهم في قضيّة ما، يخطّئهم فيها، أو يردّ عليهم، أو يحدّ من آرائهم، أو يوافقهم ويزيد عليهم، ولا
__________
(1) البديعيات في الأدب العربي ص 233.(1/279)
عجب في عمله هذا إذا ما عرفنا عنه أنّه تميّز بكثير من الزهو والإعجاب بالنفس والحدّة في الموقف، ولهذا كانت هناك مجموعة من الكتب التي ألّفت في الردّ عليه والانتقاص منه ومن عمله، وفي الدفاع عنه والتأييد له. فهو يصرّح منذ بداية شرحه أنه إنما نظم بديعيته وأمامه بديعيّتا الصفيّ والموصليّ بالإضافة إلى بديعية ابن جابر، وهو ينظر إليها نظرة الناقد المتفحّص، الباحث عن خبايا جمالها ومواطن ضعفها، ليستطيع بذلك أن يتدارك نقصا سبق، وأن يبزّ غيره بجمال وفضل إجادة، فينطلق ليسابق هؤلاء مخلّفا وراءه كلّ من سبقوه إلى هذا الفنّ، وقد أعانه على ذلك صديقه الأديب المعروف محمد بن البارزيّ الذي كان وراء نظم هذه البديعية وشرحها. ومن هنا جاء تتبّعه للشعراء الثلاثة في بديعيّاتهم ومقارنة عمله بأعمالهم مستعينا بمشورة صديقه، إذ قال: «فاستخار الله مولانا الناصري ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحلّيّ برقّة السحر الحلال، الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيّد البيت فيرسم لي بهدمه ويقول: بيت الصفيّ أصفى موردا، وأنور اقتباسا، فأسنّ كلّ ما حدّه الفكر، وأراجعه ببيت له على المناظرة طاقة، فيحكم لي بالسبق وينقلني إلى غيره، وقد صار لي فكرة إلى الغايات سبّاقة، فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيّدا بتسمية النوع، وهو من ذلك محلول العقال» (1).
وما يلاحظ من هذا القول أنّ هناك عملين اثنين كانا يرافقان نظم كل بيت من أبيات البديعية: أوّلهما: تتّبع ابن حجّة لمن سبقه وإعمال نفسه في التفوقّ عليه، وثانيهما: الموقف النقديّ المتمثّل في عمل ابن حجّة أولا، وفي حكم المعروض عليه (ابن البارزيّ) ثانيا، إذ كثيرا ما كان يشير عليه بالقبول أو الإعادة بعد مقارنته بأبيات الحلّيّ والموصليّ.
ومطلع «شرح البديعية» يبيّن لنا أنّ ابن حجّة لم يترك هنة من هنوات الصفيّ أو الموصليّ إلّا شهّر بها وأعلنها متجاوزا إلى أحسن، مزهوّا بمقدرته وتفوّقه وإجادته في كلّ كلمة من كلمات بديعيته، وحتّى من شعره ونثره الذي لا يمت إلى البديع والبديعيات بصلة، وهذا تراه مبثوثا في كل أبواب الشرح المذكور.
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 305.(1/280)
ففي حديثه عن «براعة الاستهلال» مثلا، يتعرّض لمطلع ابن جابر فيقول: «فهذه البراعة ليس فيها إشارة تشعر بغرض الناظم وقصده، بل أطلق التصريح، ونثر المدح، ونشر طيب الكلم» (1)، ثم يثني على مطلع صفيّ الدين الحليّ فيقول:
«وبراعة الشيخ صفي الدين الحليّ في هذا الباب من أحسن البراعات وأحشمها»، إلّا أنه لم يتعرض لذكر براعة الاستهلال عند عزّ الدين الموصليّ، إذ إنّه سرقه منه.
ومن زهوّه بشعره قوله مثلا وهو يقدّم لقصيدة له: «وقلت بعد المطلع أخاطب النسيم بما هو أرقّ منه» (2). هذا المنهج الذي اعتمده ابن حجّة في تتبّعه من سبقه مع الزهو الذي تميّز به لم يرق لكثير من المؤلّفين والنقّاد، فوقفوا له بالمرصاد، وسلّوا سيوف النقد عليه وعلى إنتاجه، يغربلونه وينخلونه باحثين فيه عن كل هنة، ومن هؤلاء الشيخ عبد الغنيّ النابلسيّ في شرحه «نفحات الأزهار» حيث لم يستطع أن يخفي ازدراءه وانتقاده لابن حجّة، فصرّح به منذ بداية شرحه قائلا: «ثمّ شرح قصيدته شرحا أخذ فيه بأذيال الإطالة، وألبسه حلل السآمة والملالة، وتشدّق في عباراته، وأفحش في إشاراته، مع ما في أبيات قصيدته من الركّة والقلاقة، واختلاس كلمات غيره بحسب ما عنده من الفاقة» (3). وشرع بعد ذلك يتتبّع ابن حجّة في بديعيته وانتقاداته لغيره ولسابقيه من أصحاب البديعيات، ينقّب عن سرقاته، ويتقصّى هنواته وعثراته ومجانبته للصواب، فوجد أن عدم تعرّض ابن حجّة لمطلع الموصليّ يعود إلى أنّه قد سرقه منه، وقال: «وقد دخل هذا البيت فكر ابن حجّة فسرق من مصراع الباب» (4)، وفي بيت «التكميل» مثلا، يردّ على ابن حجّة انتقاده عدم وضوح بيت صفيّ الدين، فيقول: «ومحل التكميل قوله: «تعضدها عناية»، إلى آخره، وعجيب كيف ينكر ذلك منكر، وشمس العناية مشرقة في أفق البيت» (5).
وممّن تتبّع ابن حجّة في عمله ابن معصوم المدنيّ، فنظم بديعيته «التي فاقت بديعية ابن حجّة فلو أدركها لما قامت له معها على تزكية نفسه حجّة» (6)، وإذا بحثت
__________
(1) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 342.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب 1/ 425.
(3) نفحات الأزهار ص 3.
(4) نفحات الأزهار ص 12.
(5) انظر نفحات الأزهار ص 137وخزانة الأدب وغاية الأرب، باب «التكميل».
(6) أنوار الربيع 1/ 28.(1/281)
ضمن شرحه عن هذا التتبّع لوجدته مبثوثا فيه منذ البداية حتى النهاية، من ذلك ما نقله من تعقّب ابن حجّة لمطلع ابن جابر، فيعترض على مطلع ابن حجّة بأنّه «قصر «الابتداء» وحقّه المدّ، لأنه مصدر «ابتدأ، يبتدئ»، وهو ضرورة، وارتكاب الضرورة في الابتداء خصوصا مطلع البديعية لا يخفى ما فيه» (1).
وممّن تتبّع ابن حجّة في عمله أيضا أبو الوفاء العرضيّ، كما تتبّع قاسم البكرجيّ ابن حجة ومن تتبّع ابن حجّة في بديعيّته وعلى رأسهم عبد الغني النابلسيّ (2).
إذا، إنّ الملامح النقديّة المستقاة من البناء العام لشرح بديعية ابن حجّة، ومن ظاهرة التتبّع لها وما أثار هذا التتبّع من تتبّع له، تشكّل صورة عن الحركة النقديّة التي تتراءى لنا من خلالها، لعلّها من أهم صور النقد الأدبي في مرحلة هامّة من مراحل التراث العربيّ.
ج ملامح نقديّة عامّة:
لم تقتصر الحركة النقديّة لبديعيّة ابن حجّة وشرحها على الملامح المستقاة من خلال بنائها العام وظاهرة التتبع لها، بل كانت تمرّ لمحات نقديّة عامّة تلوّن صفحات «الشرح» وتوضّح شيئا من معالم النقد العامّة وأسسه وطرقه في ذلك العصر.
فهناك تتبّع للسرقات الشعريّة، داخل وخارج نطاق البديعية طبعا، فكثيرا ما رأينا أصحاب التتبّع يقفون عند هذه السرقات كلّما سنحت لهم فرصة، فيشيرون إليها، مبرهنين بذلك على تنوّع معرفتهم وسعة اطلاعهم وقدرتهم على النقد وكشف الحقائق والتمحيص. وهذا ما يمثّله ابن حجّة في شرح بديعيته أثناء الحديث مثلا عن سرقات جمال الدين بن نباتة المصريّ من علاء الدين الوداعيّ، فيقول في سياق الحديث عن براعة الوداعيّ في شعره: «وعلى موائد معانيه ونكته تطفّل الشيخ جمال الدين بن نباتة في مواضع كثيرة، وقد عنّ لي، وإن طال الشرح أن أذكر نبذة من ذلك ليتأيّد قولي، ويعرف رتبة الشيخ علاء الدين من كان بها جاهلا»، ثم يورد مجموعة من الأبيات التي أخذها جمال الدين بن نباتة منه (3).
__________
(1) أنوار الربيع 1/ 9392.
(2) انظر في ذلك البديعيات في الأدب العربي ص 244241.
(3) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب ص 2/ 363355.(1/282)
وهناك مواقف صريحة من أنواع البديع ذاتها، ولمحات نقدية واضحة إذ كثيرا ما كان ابن حجّة يصرّح بجودة هذا النوع أو ذاك، واستحسانه له، وإعجابه به، أو يشير إلى أنه ما كان لينظمه إلّا سيرا على عادة غيره، أو لإلزامية المعارضة، وفي هذا كلّه لمحات نقديّة واضحة. ولابن حجة الحمويّ مواقف متميزة في هذا الأمر، إذ استحسن عددا من الأنواع البديعية واستهجن أخرى، وكان ممّا استهجنه نوع «المراجعة» إذ قال: «ليس تحتها كبير أمر، ولو فوّض إليّ حكم في البديع ما نظمتها في أسلاك أنواعه» (1). وقال في نوع «التفويف»: «تأمّلته فوجدته نوعا لم يفد غير إرشاد ناظمه إلى طرق العقادة» (2).
ومثل هذه الأمثلة كثير في شرحه، وقد جمع محمود رزق سليم منها الكثير في كتابه «عصر سلاطين المماليك» (3)، وقد اجتزأت عن مجموعها ببعضها للتمثيل على هذه الظاهرة من اللمحات النقديّة المتنوّعة، التي لو ضمّت إلى غيرها من الظواهر النقديّة، فإنّها تساعد على توضيح ذاك الجانب النقديّ الذي كان أثرا من آثار بديعيته، ونتيجة طبيعية لها. وهذا كلّه يدلّ على أنّ هذا الفنّ الشعريّ لم يقتصر على نظم الأنواع البديعية، ولم يكتف «شرحها» بتعريف هذه الأنواع، بل كان لذلك كله أثر في نشأة حركة نقديّة واضحة المعالم، تمثلت في «شرح بديعيته» شكلا ومضمونا، وفي ما انبثق حولها من كتب ومؤلّفات (4).
ج أثرهما في البلاغة:
لا شكّ في أن للبديعية ولشرحها أثرا في البلاغة، باعتبار أن البديعية هي «فنّ» بلاغيّ، انبثق بادئ الأمر من فكرة بلاغية محضة، تبلورت مع الزمن، وشاءت عوامل عديدة أن تلبسها ثوب الشعر المطرّز بالمديح النبويّ وألوان البديع. أمّا ما تركته هذه البديعية من أثر في البلاغة العربية وما خلّفته من معالم في حياة هذا الفنّ، فيتمثل في الأمور التالية:
__________
(1) انظر خزانة الأدب باب «المراجعة» 2/ 197.
(2) انظر خزانة الأدب وغاية الأرب باب «التفويف» 2/ 247.
(3) انظر عصر سلاطين المماليك 6/ 201173.
(4) وانظر أيضا «ابن حجة الناقد» من ترجمته في مكانها من المدخل.(1/283)
تعميم البلاغة ونشرها بين الناس.
ترسيخ أسس «البديع» وتأكيد انفصاله عن علمي «البيان» و «المعاني».
العودة بالبديع إلى أحضان المدرسة الأدبية.
كشف اللّثام عن بعض وجوه البلاغة.
1 - تعميم البلاغة ونشرها بين جمهور الناس:
لم يستطع البلاغيّون منذ «بيان» الجاحظ إلى «بديعية» الحلّيّ أن يجعلوا من البلاغة فنّا شعبيّا ينتشر بين جمهور الناس. وما إن جاءت بديعية ابن حجّة بهذا القالب الشعريّ الذي عرفت به «البديعيات» وما تضمّنته من نفحات دينية وألوان بديعية، حتى طرحت نفسها في سوق الأدب تتطلّع إلى مشاعر الناس وعقولهم، وكان امتحانها الأوّل والعسير وكانت النتيجة أن أحبّها الناس وتلقّوها كغيرها من «البديعيات» بقبول حسن، واحتضنوها ورحّبوا بها، فتسابق الشعراء إلى معارضتها ونقدها، ساعين إلى التفوّق عليها بزيادة جديدة، وأقبل الشرّاح على مواردها يستقون منها ما يروق لهم (1).
وبذلك غدت هذه «البديعية» قصيدة شعبيّة، وغدت البلاغة معها فنّا شعبيّا، لما ضمّنته في ثناياها من فنون البديع، بعد أن كانت فنّا متربّعا في برج عاجيّ لا يدركه إلّا خواصّ المثقّفين، ثمّ صار لها، كما لسائر البديعيّات، من أثر متتابع مطّرد لدى الناس على تقبّل كلّ جديد من هذا الفنّ، لما تحمله من صلات وروابط بقلوب الجماهير، وفي ذلك إشارة إلى سيطرة طابع الصنعة البديعية على الحياة الأدبية لما انطبع في الذوق العام من صنعة وزخرفة، جعلته يتقبّل هذه الصنعة المتمّثلة في هذه البديعية، ومن هنا تبدو علاقة التأثير والتأثّر متبادلة بفضل هذا الفنّ، فالتقى الناس مع البلاغة، والبديع خاصّة، والشعراء مع الناس في موكب فنّ بلاغيّ جديد، هو «فنّ البديعيات».
2 - ترسيخ أسس البديع وتأكيد انفصاله عن علمي «البيان» و «المعاني»:
(2)
سبق في بداية هذه الدراسة أن تكلّمت على نشأة البلاغة واتّحاد أقسامها الثلاثة:
__________
(1) انظر في ذلك أثر البديعيات في البلاغة من الفصل الثالث.
(2) انظر في هذا الفصل الثاني وأثر البديعيات في البلاغة من الفصل الثالث.(1/284)
(البيان والمعاني والبديع)، وانقسامها، عبر مراحل تطوّر علم البلاغة. وما إن جاء القرن السابع الهجريّ حتى تمّ انفصال هذا الفنّ «البديع» واستقلاله تماما عن علمي «المعاني» و «البيان»، وذلك مع ظهور أوّل بديعية إلى الوجود على يد الحلّيّ، إذ واكبت هذا الانفصال على يد الخطيب القزوينيّ. ومن هنا كان ظهور بديعية ابن حجّة إلى جانب غيرها من البديعيات، واشتمالها على فنون البديع عامّة دليلا مميّزا وواضحا في تأكيد انفصال هذا الفنّ عن علمي «البيان» و «المعاني» وإشاعة هذا الانفصال بين جمهور الناس، رغم أنّهم أبقوا ضمن أنواع البديع على بعض فنون البيان، كالتشبيه والاستعارة والمجاز والكناية. وما أكّد هذه الظاهرة الانفصاليّة لهذا الفنّ «البديع» ترسيخ قواعده وتوضيح أنواعه وتحديدها من خلال شرح البديعية واقتصارها على فنون البديع المعروضة في ثناياها، كما أنّ الإشارة إلى حياة هذا الفنّ، منذ نشأته إلى زمن البديعيات، في مقدّمات هذا الشرح وغيره، ساعدت على استقلال فنّ «البديع» بنفسه، وتوضيح معالمه، وترسيخ أسسه، وتحديد فنونه، ونشر ذلك كلّه بين جمهور الناس فكان ظهور هذه البديعيّة إذا، ومؤازرة ذاك الشرح لها، وانتشارها كغيرها بين الناس، أكبر مساعد على تأكيد تلك الظاهرة الانفصاليّة لهذا الفنّ.
3 - العودة بالبديع إلى المدرسة الأدبية:
لقد عرفت البلاغة العربية في مناهج بحثها الأولى اتجاهين واضحين، فمن البلاغيين من سيطرت على كتبهم النزعة الأدبية، ومنهم من سيطرت على كتبهم النزعة الفلسفيّة والعقليّة، وكان نتيجة ذلك أن ظهرت مدرستان بلاغيّتان هما:
المدرسة الأدبية والمدرسة الكلامية، وكان لكلّ من هاتين المدرستين خصائصها ومميّزاتها ورجالها الأعلام. أمّا المدرسة الأدبية، والتي ينتمي إليها شرح ابن حجّة، فلم تهتمّ بالتحديد والتقسيم للأنواع البديعية، كما أنّها لم تعتمد على المنطق ومسائل الفلسفة، بل كانت تستعمل المقاييس الفنيّة في الحكم على الأدب مع سهولة العبارة وسلاسة التركيب ووضوح الدّلالة، والإكثار من الشواهد الشعريّة والنثريّة. وعلى العكس من ذلك كلّه كانت المدرسة الكلاميّة. واحتدم الصراع بين تينك المدرستين على يد علماء البلاغة منذ «بديع» ابن المعتزّ إلى «مفتاح» السكاكيّ، وما إن ظهرت بديعية ابن حجة، إلى جانب أخواتها من البديعيات، بثوبها الشعريّ الطريف، مزيّنة
بشرحها، زاهية بمضمونها، متلألئة بين صفحات هذا الشرح الذي قطفت من رياض الأدب أطيب ثماره، وأجمل أزهاره، حتى كادت البديعية ذاتها تغرق في خضمّ هذا البحر المليء بالجواهر والدرر. فالإكثار من الشواهد إذا، منظومها ومنثورها، والبحث عن كلّ ما يستجاد ويستملح منها، والبحث عن مواطن الجمال فيها، إنّما هو من خصائص المدرسة الأدبية، مع تعريف النوع البديعيّ بأقصر عبارة وأوضح أسلوب، وبهذا تكون هذه البديعية، إلى جانب غيرها، قد عادت بالبديع إلى رياض الأدب وأحضان المدرسة الأدبية، وخلّصته من قيود الفلسفة والمنطق والأحكام العقليّة الجافّة التي سيطرت على البلاغة منذ بداية القرن السادس الهجريّ إلى زمن ظهور «البديعيات» و «شروحها».(1/285)
المدرسة الأدبية والمدرسة الكلامية، وكان لكلّ من هاتين المدرستين خصائصها ومميّزاتها ورجالها الأعلام. أمّا المدرسة الأدبية، والتي ينتمي إليها شرح ابن حجّة، فلم تهتمّ بالتحديد والتقسيم للأنواع البديعية، كما أنّها لم تعتمد على المنطق ومسائل الفلسفة، بل كانت تستعمل المقاييس الفنيّة في الحكم على الأدب مع سهولة العبارة وسلاسة التركيب ووضوح الدّلالة، والإكثار من الشواهد الشعريّة والنثريّة. وعلى العكس من ذلك كلّه كانت المدرسة الكلاميّة. واحتدم الصراع بين تينك المدرستين على يد علماء البلاغة منذ «بديع» ابن المعتزّ إلى «مفتاح» السكاكيّ، وما إن ظهرت بديعية ابن حجة، إلى جانب أخواتها من البديعيات، بثوبها الشعريّ الطريف، مزيّنة
بشرحها، زاهية بمضمونها، متلألئة بين صفحات هذا الشرح الذي قطفت من رياض الأدب أطيب ثماره، وأجمل أزهاره، حتى كادت البديعية ذاتها تغرق في خضمّ هذا البحر المليء بالجواهر والدرر. فالإكثار من الشواهد إذا، منظومها ومنثورها، والبحث عن كلّ ما يستجاد ويستملح منها، والبحث عن مواطن الجمال فيها، إنّما هو من خصائص المدرسة الأدبية، مع تعريف النوع البديعيّ بأقصر عبارة وأوضح أسلوب، وبهذا تكون هذه البديعية، إلى جانب غيرها، قد عادت بالبديع إلى رياض الأدب وأحضان المدرسة الأدبية، وخلّصته من قيود الفلسفة والمنطق والأحكام العقليّة الجافّة التي سيطرت على البلاغة منذ بداية القرن السادس الهجريّ إلى زمن ظهور «البديعيات» و «شروحها».
4 - كشف اللّثام عن بعض وجوه البلاغة:
لقد كشف شرح البديعية عن وجوه بلاغية هامّة كالجناس والتورية والاستخدام، فبيّن أهمية كلّ منهما في التركيب اللفظي والمعنويّ، كما بين تفاهة وجوه أخرى كالمراجعة والتخيير وغيرهما، وقد سبق الكلام على هذه. وقد دفع ابن حجّة اهتمامه بالتورية والاستخدام إلى تأليف كتاب بلاغيّ خاصّ بهما سمّاه «كشف اللّثام عن وجه التورية والاستخدام»، بيّن فيه معالم المعركة المحتدمة بين أنصار اللفظ وأنصار المعنى، بل بين أنصار اللفظ المعنويّ، وأنصار اللفظ اللفظيّ، وبتعبير آخر: بين أصحاب التورية والاستخدام وما شابههما وأصحاب الجناس والطباق وما شابههما ثم راح يقارن فيه بين أبيات في الجناس وأخرى في التورية، مرجّحا التورية على الجناس.
ومن آرائه في الجناس: «ولم يجنح للجناس ولا يكثر استعماله إلّا من قصرت همّته عن اختراع المعاني التي هي كالنجوم الزواهر في أفق الألفاظ، وإذا خلت بيوت الألفاظ من سكان المعاني تنزل منزلة الأطلال البالية» (1).
ومن آرائه في التورية ما نقله عن الإمام الزمخشريّ من قوله: «ولا نرى بابا في البيان أدقّ ولا ألطف من هذا الباب، يعني التورية، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى وكلام نبيّه، (صلى الله عليه وسلم)، وكلام الصحابة» (2).
__________
(1) كشف اللثام ص 6.
(2) كشف اللثام ص 11.(1/286)
وما «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام» إلّا نسخة ثانية لكراسة من كتابه الضخم «شرح تقديم أبي بكر»، إذ تحدّث فيه عن التورية كنوع بديعيّ وأفرط في الحديث عنها، ولعلّه فعل ذلك ليكشف عن وجه هذه الأنواع البلاغية، وليؤكّد مناصرته لجماعة التورية على جماعة الجناس.
2 - ما قاله العلماء والنقّاد في «البديعية» و «شرحها»: (تقاريظ ومآخذ):
سبق أن أشرت إلى أنّ «تقديم أبي بكر» و «شرحه المطوّل» قد حظيا بعناية أكثر مما حظيت به بديعية أخرى أو شرحها، وكان لهما الأثر البالغ في من جاء بعد ابن حجّة من المشتغلين بالبلاغة والكتابة والنقد والأدب.
ويمكن القول: إنّ الذين اشتغلوا بالبلاغة من المتأخّرين كانوا فئتين: فئة أعجبت بصنيع ابن حجّة في نظمه لبديعيته وشرحها، فقرنت اسمه في مؤلّفاتها بالثناء العطر، والشكر الطيّب (1) وفئة أخرى رأت في صنيعه هذا اجترارا لفنّ البديعيات، إذ اشتغل فيه الكثيرون قبله، ولم يكن له فضل فيه، بل راحوا ينسبون إليه إساءة الأدب تجاه من سبقوه في هذا الفنّ، وذلك لاعتزازه وفخره بنفسه والتبجّح بصنيعه.
أمّا المعجبون فمنهم جلال الدين السيوطيّ، إذ وجد في بديعية ابن حجّة وشرحها أفضل مثال يحتذى، فعمد إلى أن يدلي بدلوه في هذا الفنّ، فنّ البديعيات، متّخذا من «تقديم أبي بكر» و «شرحه» مرجعا له فكان له «نظم البديع في مدح خير شفيع». كما أنّ الأديبة الشاعرة عائشة الباعونية، وهي من معاصري السيوطيّ، قد أعجبت بشرح ابن حجّة على بديعيته، فاعتمدت عليه في شرح كتابها المسمّى «الفتح المبين في مدح الأمين»، وراحت تنقل عنه بعض التعريفات والشواهد بأمانة مصرّحة بهذا النقل فتقول: قال العلّامة كذا، وعرّف العلّامة هذا النوع بكذا، وهي تقصد ب «العلّامة» ابن حجّة. ومن هؤلاء أيضا الأب بولس عوّاد، وهو معاصر، إذ طلبت منه إحدى المؤسّسات الكاثوليكية في بيروت أن يؤلّف كتابا في البديع، فما كان منه، لإعجابه ببديعية ابن حجّة، إلّا أن يتّخذها عمدة لكتابه «العقد البديع في فنّ البديع»، فأخذ أبياتها بيتا بيتا وشرحها بأسلوب معاصر، وشواهد معاصرة.
وأمّا الفئة التي لم يعجبها صنيع ابن حجّة في «تقديمه» و «شرحه»، فمنها
__________
(1) انظر في هذا أثر البديعية وشرحها في الأدب، وقد سبق الكلام عليه.(1/287)
النواجيّ، تلميذ ابن حجّة، إذ انصبّ عليه باللّوم وانهال عليه بالتقريع، ونقد نظمه لبديعيته فعزاها للسرقة من الحلّيّ والموصليّ، مبيّنا الكثير من سرقاته فيها، كما ادّعى بأنّه كان يساعده في نظمها وتهذيبها وتنقيح ألفاظها، ولم يكتف بهذا، بل لقد ألّف في ذلك كتابا سمّاه «الحجّة في سرقات ابن حجّة»، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الكتاب أثناء الكلام على أثر البديعية وشرحها في النقد.
ولقد أثارت تسمية ابن حجّة لبديعيته «تقديم أبي بكر» حسد الشيخ عبد القادر الحسينيّ الطبريّ، فألّف كتابا سمّاه «عليّ الحجّة بتأخير ابن حجّة»، وتهجّم عليه وسفّه آراءه (1). كما أثارت هذه التسمية «تقديم أبي بكر» صدر الدين عليّ بن معصوم المدنيّ، فنظم بديعية سمّاها «تقديم عليّ» (2) وشرحها في كتابه المسمّى «أنوار الربيع في أنواع البديع»، فقال في مقدّمته: «فبينا أنا ذات يوم أطرف الطرف في بديعية ابن حجّة، وأروّح مروّح الفكر في مهيع تلك المحجّة فنظمت هذه البديعية التي فاقت بديعية ابن حجّة، فلو أدركها لما قامت له معها على تزكية نفسه حجّة» (3). وعلى الرغم من أنّ الدافع إلى نظم بديعيته هو بديعية ابن حجّة ذاتها، إلّا أنه لم يعجبه صنيعه، فتحامل عليه، وإن كان تحامله عليه أخفّ من تحامل تلميذه النواجيّ. وممّن أخذ على ابن حجّة بعض المآخذ أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين العلويّ الحسينيّ الحضرميّ، فألّف كتابا سمّاه «إقامة الحجّة على التقيّ ابن حجّة»، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الكتاب أيضا أثناء الكلام على أثر البديعية وشرحها في النقد.
ثمّ إنّ زهو ابن حجّة في شرحه لم يرق لكثيرين من أصحاب القلم، فوقفوا له بالمرصاد، وجرّدوا سيوف النقد وسلّوها على إنتاجه هذا، يغربلونه وينخلونه باحثين فيه عن كل ضعف ومطعن، وأبرز هؤلاء الشيخ عبد الغنيّ النابلسيّ في شرحه المسمّى «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار» إذ لم يستطع إخفاء ازدرائه وانتقاده لابن حجّة،
__________
(1) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 203.
(2) يبدو أنه في هذه التسمية لبديعيّته قد ورّى بها لغاية خلافية قديمة بين الشيعة وأهل السنّة حول تقديم أبي بكر الصدّيق على علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، في الخلافة. وكانت تسمية ابن معصوم هذه ردّا على تسمية ابن حجة لبديعيته ب «تقديم أبي بكر»، وقد وجد كلّ من الناظمين عونا في اسمه على ما ذهب إليه من تورية.
(3) مقدمة أنوار الربيع في أنواع البديع ص 2.(1/288)
فصرّح به منذ البداية، إذ قال: «ثمّ شرح قصيدته شرحا أخذ فيه بأذيال الإطالة، وألبسه حلل السآمة والملالة، واعترض فيه على القوم، وقال لمتعصّبي أفكاره: هلمّوا فاليوم اليوم، وتشدّق في عباراته وأفحش في إشاراته مع ما في أبيات قصيدته من الركّة والقلاقة، واختلاس كلمات الغير بحسب ما عنده من الفاقة» (1) رغم أنه يعترف له ببعض فضل إذ قال: «ثم جاء العلّامة تقيّ الدين أبو بكر بن حجّة الحمويّ
فعارضه [الموصليّ] وجاراه وزاحمه فيما اقترحه واجتراه» (2).
ولم يكن معاصرو ابن حجّة بأرحم ممّن أتى بعدهم، فقد أخذ بعضهم على ابن حجّة مآخذ كثيرة، وللأسباب السابقة ذاتها، فرموه بالسرقة والاتباع والتطفّل على موائد أصحاب البديعيات الذين جاؤوا قبله، ونعتوا «تقديمه» ب «تأخير أبي بكر»، فما كان منه إلّا أن عمد إلى رفع التهمة عنه بتأليف كتاب آخر يثبت فيه فكرة «تقديمه» على أصحاب البديعيات السابقين، وأبرزهم الحلّيّ والموصلّيّ، فكان هذا المؤلّف هو كتاب «ثبوت الحجّة على الموصليّ والحليّ لابن حجّة» (3)، وقد افتتح كتابه هذا بشهادات تقريظ لعلماء عصره، ومن أسماهم «نقّاد الأدب» وكان أصحاب هذه الشهادات هم أنفسهم قد قرّظوا بديعيّته وشرحها. وممّا قاله في مقدّمة هذا الكتاب:
«فإن بديعيّتي التي سمّيتها «تقديم أبي بكر» أجمع أئمة الأدب على أنّها قبلة، وقالوا لم نلتفت مع صحّة هذا التقديم إلى شيعة الموصل والحلّة، وقد ثبت ذلك على إمام أئمّة الأدب وشيخ مشايخ الإسلام، مولانا قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ الناظر في الحكم العزيز بالديار المصريّة وسائر الممالك الإسلامية، زاد الله شأنه تعظيما، وحكم فيه بقلمه ولم يفتقر معه إلى إقامة بيّنة ولا إلى إعلام، فإنّه أعزّ الله تعالى أحكامه قال: «أشهد أنّ أبا بكر مقدّم على أنظاره ولا أعدل في هذه الشهادة من أحمد، وأجزم رفعة قدره على كلّ من انتصب لهذا الفنّ ولا أبلغ من حاكم يشهد وقد فاخر بهذه البديعية الحلّي والموصليّ، فأمّا ابن سرايا فالشيعيّ المسرف قاصر عن رتبة السنّيّ التقيّ، وأمّا العزّ فذلّل صعبه أنّ أبا بكر عند أهل الحقّ أفضل من عليّ (4).
__________
(1) نفحات الأزهار ص 3.
(2) نفحات الأزهار ص 3.
(3) انظر في هذا «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 207204.
(4) يشير ب «علي» إلى اسم عز الدين. وستأتي هذه الشهادة كاملة بعد قليل، وقد أخذت من آخر النسخة ب، الجزء الثاني.(1/289)
ثمّ يستدعي ابن حجّة شهوده ممّن أسماهم «نقّاد الأدب»، فيورد شهادة بدر الدين الدمامينيّ المالكيّ المخزوميّ الذي قال عنه ابن حجة: إنه نقد وحكم، وقال وقوله في ليالي سطور الأدب أشهر من نار على علم ومنها: «شرطت على الناظر في أبيات هذه البديعية السنيّة أن يبدأ بتقديم أبي بكر، ويصرف لجهته ما هو معلوم من الشهادة السنيّة، علما بأنّ الإمام الذي لا شكّ في علوّ قدره، ولا مزيّة لسبقه في إحراز الفضل، ولكن بشيء وقر في صدره لقد أظهر من زوايا بديع الأدب خبايا، وجرّد جيوش بلاغة لا تعبأ بالحلّيّ ولو انتصر من أبيه بسرايا وأمّا العزّ فقد باء بالذلّ لتعقيد تركيبه وقلقه، وقيّد بسلاسل حروفها إلى مصرعه، وكانت ميم الرويّ غلّا في عنقه» (1).
ثمّ أتبع ابن حجّة هاتين الشهادتين بشهادة رجل يعرف بإمام الحفّاظ وأعلاهم سندا، وهو أحد مشايخ الإسلام، الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن الجزريّ الشافعيّ، شيخ البلاد الشاميّة يومئذ بشيراز، قال [من الطويل]:
«ألم تر أنّ السّيف ينقص قدره ... إذا قيل: إن السّيف أمضى من العصا؟ (2)
ولا شكّ أن أبا بكر هو المقدّم، والقول والحكم له فيما حكم مسلّم، وهو بكلّ فضل أولى وأحقّ، وإذا قضى في بديعيّته بصواب، فالثالثة تقضي بالحقّ» (3).
والجدير بالذكر أنّ شهادة كلّ من الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلانيّ، والشيخ بدر الدين الدمامينيّ، قد وردت كاملة في نهاية نسخة من نسخ «خزانة الأدب»، وهي النسخة «ب»، الجزء الثاني منها. وللأمانة العلمية أورد هاتين الشهادتين كاملتين. أمّا الأولى فهي للشيخ ابن حجر، وقد أشير إزاءها في الهامش بحاشية كتب فيها: «تقريظ العلّامة العسقلانيّ، رحمه الله تعالى»، مشارا قبلها ب «حش». وهذا نصّها:
«بسم الله الرحمن الرحيم
هذه نسخة ما كتبه علامة العصر سيّدنا ومولانا قاضي القضاة شهاب الدين أحمد
__________
(1) ستأتي هذه الشهادة كاملة بعد قليل، وقد أخذت من آخر النسخة ب، الجزء الثاني.
(2) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 205.
(3) انظر «ابن حجة الحموي شاعرا وناقدا» ص 205.(1/290)
ابن حجر العسقلاني الشافعيّ (1)، أسبغ الله عليه ظلاله وختم بالصالحات أعمالنا وأعماله، آمين آمين آمين.
أللهمّ غفرا [نك]، كيف لا أسأل المغفرة وقد ألزمت بكشف عواري، وألجئت من تقريظ هذه الدرّة اليتيمة إلى رفع الحجب عن بنات أفكاري، وأنا لا أزال أغطي بلهي على أعراض المعاني الفائقة عني، وأواري، وجهدي أن أحسن النظر فيما وقف عليه من اللطائف بالزواهر والزواري، وكيف يضيء مصباح فكر قليل المادة في مقابلة هذه النجوم الدراري؟ وكيف أقنع من موضع الإسهاب لها بالألفاظ الموجزة، ورويّتي عاجزة، وليت لي بديهة معجزة، لكن جرى القلم فكتبت، وتوفّرت سهام الحقوق فطرحت رداء العصبيّة، ورمت الغرض فأصبت، وطالعت هذا الشرح فتلا لسان الحال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (1) (2)، ورفعت يد الابتهال للاقتدار على مدحه مع قبول الاعتذار فقيل لي: قد {وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ} (3) فأقول: أشهد أن أبا بكر مقدّم على أنظاره، ولا أعدل في هذه الشهادة من أحمد، وأجزم برفعة قدره على كل من انتصب لهذا الفنّ، ولا أبلغ من حاكم يشهد، لقد بلغ أشدّه في البلاغة واستوى، وثبت رشده عند غواة الأدب، لكن ما ضلّ صاحبهم / وما غوى، ولا نطق في المديح النبوي إلّا بالحقّ، وحاشا لهذا الصاحب أن ينطق عن الهوى، ولقد ظفرت حبائل فكره بكل سانحة من ظباء البديع وبارحة، وخطبته من يتيمة الدهر ودمية القصر كل قرينة صالحة، وأتى طرسه بكل نادرة مؤنّقة معجبة، وأخذ الذي هو أبهج من النضار بمجامع القلب لشدّة ما بينهما من الشبه، ولقد تفنّن في أفنان البديع، ولا سيّما في التورية والاستخدام، وسما لسماء الكواكب الدراري، واستخدم اللفظ الرقيق فيما أطاعه من المعاني، حتى صحّ وصفها بالجواري، وتوارى منه المجاري، وحقّ له الهرب عند سماع الاستخدامات المخترعة والتواري، نعم هو الذي نظر الأعمى إلى أدبه، واستفاض تقدّمه فحكم القاضي الفاضل بموجبه، وزاد كمالا في السلم فنقص عنده أبو تّمام، وخرق العادة في النثر فلا كرامة معه لصاحب المقامات ولا إكرام وأمّا علماء المعاني فحقّ قدامة أن يدرس كتاب تأخير المعرفة، ويقول لعصريّه نفطويه: لا شكّ أن ابن حجّة أفضل من ابن عرفة (4) ولقد ظهرت من حلاوة
__________
(1) ولد سنة 773هـ.، وتوفي سنة 852هـ.
(2) الشرح: 1.
(3) إشارة إلى الآية 2من الشرح.
(4) يقصد ب «ابن عرفة» محمد بن عرفة، إمام(1/291)
نظمه حموضة الرمانيّة، وشهد عبد القاهر أنّ الحمويّ أشهى من الجرجانيّة، وأشار ابن أبي الأصبع إلى نقد الخنصر على إمامته، واتّفق السكّاكيّ والخلخاليّ وابن الصائغ على إتقان صياغته، في بلاغته، ولكن الأولى كفّ العنان عن الجري في الميدان، عند ذكر هؤلاء الفحول، والاقتصار على الحكم بالكلم الجوامع، لئلّا يملي ما يملي، فأقول: قد فاخر بهذه البديعية الحلّي والمغربيّ والموصلي، / فأمّا ابن سرايا فالشيعيّ المفتري قاصر عن رتبة السنّيّ المتّقي، وأمّا ابن جابر فالأعمى لا يستوي مع ذي النظر السويّ، وأمّا العزّ فذلّل صعبه أنّ أبا بكر عند أهل الحقّ أفضل من عليّ، وعلى هذا فقد ثبت رجحان هذا الإمام بهذا البرهان الجليّ، ولم يحتج من يحتجّ له إلى دليل الإصابة، بل متى ذكر ديوان النظم ودعا من تساءل الشهادة له بالإجادة أجابه، ومتى ذكر ديوان الإنشاء، فأبو بكر عليه الرضوان مقدّم على جميع الصحابة، والسلام».
انتهى تقريظ ابن حجر العسقلانيّ شيخ الإسلام الشهابيّ، أحمد حافظ العصر، رحمه الله تعالى» (1).
وأمّا الشهادة الثانية، فهي للشيخ بدر الدين الدمامينيّ، وقد أشير إزاءها في الهامش بحاشية كتب فيها: «تقريظ العلّامة البدر الدمامينيّ، رحمه الله تعالى»، مشارا قبلها ب «حش». وهذا نصّها:
«بسم الله الرحمن الرحيم
وهذه نسخة ما كتبه سيّدنا الشيخ بدر الدين الدمامينيّ (2)، فسح الله تعالى في أجله، على القصيدة المباركة، قبل شروع المصنّف في هذا الشرح الذي لم ينسج على منواله، وقفت على هذه الكلمة الطيّبة وحبست على جامع مخترعاتها جميع ديم الشكر الطّيّبة، وشرطت على الناظر في أبياتها العالية السنيّة أن يبدأ بتقديم أبي بكر ويصرف لجهته ما هو معلوم من الشهادة السنيّة، علما بأنّه الإمام الذي لا شكّ في علوّ قدره، ولا مزيّة لسبقه في إحراز الفضائل، وإنّما سبق بشيء وقر في صدره: أدبا اقتضى نقص أبي تمام عن التعلّق بسببه، وأوجب له العجز عن القيام بحقّه، فحكم
__________
تونس وعالمها وخطيبها في عصره، المتوفى سنة 803هـ. (الأعلام 7/ 43).
(1) من كلام الناسخ.
(2) ولد سنة 763هـ.، وتوفي سنة 827هـ.(1/292)
القاضي الفاضل بموجبه، وغوصا على المعاني لا يخرج الدرر إلّا كبارا، ونظما تفديه العقود بحبّاتها إجلالا له وإكبارا، ونثرا جاءت رسالاته معجزة باهرة، وآمنت الأدباء / ببلاغته الخارقة العادة، فلا كرامة للفئة الكافرة وسلاسة طبع أشهى من العذب الزلال، وسحر بيان عقد ألسنة المذعنين، وهذا هو السحر الحلال، حرس الله به ربع البلاغة في مصر وحماة، وأقام به عمود الشعر في الفسطاط، فمدّ أسبابه ومنع حماه، فأطلع كواكب ألفاظه السيّارة بفلك البراعة جواري قد نجمت، واستخدمها بين بنات فكره، فأذعنت للاستخدام وقدمت، وجلتها على الأفهام عرائس، وحلّتها من جواهر البديع بنفائس، فأنّى يقاوم ابن الرومي بعجمته هذه العربية الأنساب، أو يطمع مهيار وهو من الموالي في كفاءة هذه الفصاحة، وهي الشريفة الأحساب، فلو رآه ديك الجنّ الحمصيّ لخفض جناحه، وانتبه من سنة الغفلة مذعورا يكرّر صياحه، ويحقّق أن العرف شاهد بفضيحة مثله، وعلم أنّ هذا الإمام هو صاحب الوقت فأذن بفضله، ولو أدركه الورّاق لطوى من صحائف حسناته ما انتشر، وأخذ البيعة على القلوب لطاعة أبي بكر ولا ينكر ذلك من عمر، ويستضاء من أفلاك نظمه ونثره بالقمرين، واهتدى في طرق البلاغة إلى حسن السيرة خلفه، فناهيك بسيرة العمرين، ولو رأى زهير رياض هذه الآداب لصوّب تصغير نفسه، أو ابن المشدّ لقام في خدمة ديوانها بعصا القلم، وفخر بذلك على أبناء جنسه، ولو رآه ابن نباتة لتوارى وظهر عجزه، ولم ينتفع بتواريه، وكسد شعره في سوق الرقيق فلا من يسومه ولا من يشتريه، على أنه لو لم يكن لهذا الإمام، أبقاه الله، إلّا هذه البديعية لكفاه فضلا، ولأوجب ذلك له في ذمّة الشكر ديونا لا تستطيع غرماء / الأفكار أن توفّها * [توفّيها] أصلا، فريدة لا يزال حاسدها في نقص، وحسنها في ازدياد، ومستعرض سطورها يجد في نفسه عظمة الملك إذا عرضت عليه بالعشيّ معانيها الجياد، حسناء أشرقت أنوارها فكاد ينظر محاسنها الأعمى، ورامت الأفكار أن تساميها، وأنّى ذلك وبنت أبي بكر «أسماه» سابقة لا تجاريها بميدان براعتها الفحول، غزالها من إشراق معانيها وميمات قوافيها غرر واضحة وحجول، ذات مقاطع لم ينسج على منوالها، ولا حاك في الصدر أن يسمح الدهر بمثالها، فمن أين للحريري أن يأتي بمثل بزّها الرفيع، وهيهات هيهات أن يصل إلى مثل وشيها البديع كأنّما سطورها درجات يتسنّم فيها إلسان الناظر إلى بديع الطباق، أو طرق تسافر فيها اللحظات إلى حدائق الأدب لا
على الأرجل بل على الأحداق، قد نشر في علم البديع علمها فما انطوى، وتطلّعت من بيوتها سكّان المعاني كأنّها تنظر من ميمات الرويّ في كوى، وكأنّما تلك الميم نغر صدر عن منهل الفصاحة رويّا، أو خاتم طبع به على ما في تلك البيوت من ذخائر الأدب / وأحسن بها حليّا، أو هالة بدر طلع في فلك البراعة، أو عروة تمسّك بها رجال هذه الصناعة، أو عين تحدّق إلى وجوه المعاني الحسان، أو تفجّر من ينابيع البلاغة بما يحلّي اللسان، أو مشكاة سطعت في كلّ بيت أنوارها، أو جام دارت به راح الأدب، فلذّ إسكارها، فحيّا الله بديعيّة أسرت الأقلام لتقريظها، فحبّرت الطروس، ورأت أن هذا مقام يطلب فيه الأدب، فسعت على الرؤوس، قد نفحت في ألفاظها أرواح معان لو عارضها ابن ممّاتي للقي شدّة الممات، وأخرجت من بحر البسيط دررا لو وازنها المعرّي لخاض من عماه في بحر الظلمات، ودقّت معانيها فجلّ ما فتح لها في أبواب البديع من المزايا، وجهّزت جيش البلاغة فلا تعبأ بالحلّيّ، ولو انتصر من أبيه بسرايا، فكيف بقاء الصفيّ المذكور بكدره، أو الأعمى مع فساد نظره، أو العزّ الموصليّ، وقد باء بالذلّ لتعقيد تركيبه وقلقه، وقيّدت سلاسل حروفها إلى مصرعه، وكانت ميم الرويّ غلّا لعنقه، هذا ولو شاهدها الخليع لتمزّق في حبّها، أو الببغاء لسقط على نقط سطورها يلتقط من حبّها، أو ابن اللبّانة، لقال:(1/293)
القاضي الفاضل بموجبه، وغوصا على المعاني لا يخرج الدرر إلّا كبارا، ونظما تفديه العقود بحبّاتها إجلالا له وإكبارا، ونثرا جاءت رسالاته معجزة باهرة، وآمنت الأدباء / ببلاغته الخارقة العادة، فلا كرامة للفئة الكافرة وسلاسة طبع أشهى من العذب الزلال، وسحر بيان عقد ألسنة المذعنين، وهذا هو السحر الحلال، حرس الله به ربع البلاغة في مصر وحماة، وأقام به عمود الشعر في الفسطاط، فمدّ أسبابه ومنع حماه، فأطلع كواكب ألفاظه السيّارة بفلك البراعة جواري قد نجمت، واستخدمها بين بنات فكره، فأذعنت للاستخدام وقدمت، وجلتها على الأفهام عرائس، وحلّتها من جواهر البديع بنفائس، فأنّى يقاوم ابن الرومي بعجمته هذه العربية الأنساب، أو يطمع مهيار وهو من الموالي في كفاءة هذه الفصاحة، وهي الشريفة الأحساب، فلو رآه ديك الجنّ الحمصيّ لخفض جناحه، وانتبه من سنة الغفلة مذعورا يكرّر صياحه، ويحقّق أن العرف شاهد بفضيحة مثله، وعلم أنّ هذا الإمام هو صاحب الوقت فأذن بفضله، ولو أدركه الورّاق لطوى من صحائف حسناته ما انتشر، وأخذ البيعة على القلوب لطاعة أبي بكر ولا ينكر ذلك من عمر، ويستضاء من أفلاك نظمه ونثره بالقمرين، واهتدى في طرق البلاغة إلى حسن السيرة خلفه، فناهيك بسيرة العمرين، ولو رأى زهير رياض هذه الآداب لصوّب تصغير نفسه، أو ابن المشدّ لقام في خدمة ديوانها بعصا القلم، وفخر بذلك على أبناء جنسه، ولو رآه ابن نباتة لتوارى وظهر عجزه، ولم ينتفع بتواريه، وكسد شعره في سوق الرقيق فلا من يسومه ولا من يشتريه، على أنه لو لم يكن لهذا الإمام، أبقاه الله، إلّا هذه البديعية لكفاه فضلا، ولأوجب ذلك له في ذمّة الشكر ديونا لا تستطيع غرماء / الأفكار أن توفّها * [توفّيها] أصلا، فريدة لا يزال حاسدها في نقص، وحسنها في ازدياد، ومستعرض سطورها يجد في نفسه عظمة الملك إذا عرضت عليه بالعشيّ معانيها الجياد، حسناء أشرقت أنوارها فكاد ينظر محاسنها الأعمى، ورامت الأفكار أن تساميها، وأنّى ذلك وبنت أبي بكر «أسماه» سابقة لا تجاريها بميدان براعتها الفحول، غزالها من إشراق معانيها وميمات قوافيها غرر واضحة وحجول، ذات مقاطع لم ينسج على منوالها، ولا حاك في الصدر أن يسمح الدهر بمثالها، فمن أين للحريري أن يأتي بمثل بزّها الرفيع، وهيهات هيهات أن يصل إلى مثل وشيها البديع كأنّما سطورها درجات يتسنّم فيها إلسان الناظر إلى بديع الطباق، أو طرق تسافر فيها اللحظات إلى حدائق الأدب لا
على الأرجل بل على الأحداق، قد نشر في علم البديع علمها فما انطوى، وتطلّعت من بيوتها سكّان المعاني كأنّها تنظر من ميمات الرويّ في كوى، وكأنّما تلك الميم نغر صدر عن منهل الفصاحة رويّا، أو خاتم طبع به على ما في تلك البيوت من ذخائر الأدب / وأحسن بها حليّا، أو هالة بدر طلع في فلك البراعة، أو عروة تمسّك بها رجال هذه الصناعة، أو عين تحدّق إلى وجوه المعاني الحسان، أو تفجّر من ينابيع البلاغة بما يحلّي اللسان، أو مشكاة سطعت في كلّ بيت أنوارها، أو جام دارت به راح الأدب، فلذّ إسكارها، فحيّا الله بديعيّة أسرت الأقلام لتقريظها، فحبّرت الطروس، ورأت أن هذا مقام يطلب فيه الأدب، فسعت على الرؤوس، قد نفحت في ألفاظها أرواح معان لو عارضها ابن ممّاتي للقي شدّة الممات، وأخرجت من بحر البسيط دررا لو وازنها المعرّي لخاض من عماه في بحر الظلمات، ودقّت معانيها فجلّ ما فتح لها في أبواب البديع من المزايا، وجهّزت جيش البلاغة فلا تعبأ بالحلّيّ، ولو انتصر من أبيه بسرايا، فكيف بقاء الصفيّ المذكور بكدره، أو الأعمى مع فساد نظره، أو العزّ الموصليّ، وقد باء بالذلّ لتعقيد تركيبه وقلقه، وقيّدت سلاسل حروفها إلى مصرعه، وكانت ميم الرويّ غلّا لعنقه، هذا ولو شاهدها الخليع لتمزّق في حبّها، أو الببغاء لسقط على نقط سطورها يلتقط من حبّها، أو ابن اللبّانة، لقال:
هذه زبدة البلاغة / أو ابن الصائغ لقال: هذا خاتم بهذه الصناعة، وهكذا تكون الصياغة، وماذا عسى أن أقول، ولو وفّقت لوقفت عن التقريض، وقعدت عن القول فقد أوقعني في الطويل العريض، لسان المرء ينبئ عن حجاه، وعيّ المرء يستره السكوت، لكنّي أمرت فذهلت، والأمر المهول نقيض بالذهول، وأوجب عليّ عقد المحبّة أن أمتثل فقابلت بالإيجاب والقبول، ووجدت مكان القول ذا سعة إلّا أنّ العبارة ضيّقة، والفكرة بلباس العجز متردّية على أنّها بأسباب الحوادث منخنقة، والزمن قد كادني بسهام أوتاره المصيبة ورماني بأنكاد، بعد أن كاد، وأسياف الخطوب ليس لها إلّا الجوانح أغماد، وبلد ذهني مع أنّي أصبحت ذكيّا بمداه، وسألته كفّ العنان عن الأعيان، فما قصّر عن مداه، أستغفر الله فإنّي دعوته الآن، فلم أكن بدعائه شقيّا، وأغضيت عن زلّاته حيث هداني لسيّد أراه على كلّ حال تقيّا، فهو والله إمام العصر وما تمّ إلّا التسليم، وبديع الزمان الذي جمع المحاسن، وقسمها على كلامه، فأبدع في الجمع والتقسيم، وحسنة الدهر الذي محا جميع سيّئاته،
ونظم شمل الأدب وعلمه بعد شتاته، أتبعنا الله بأفعال برّه المتعدّية، وأعان على حقوق شكره اللازمة، وأحسن في ابتدائه بالمكافأة عنّي، فقد تفاءلت من قصيدته بحسن التخلّص، ورجوت ببركة ممدوحها حسن الخاتمة بمنّه وكرمه، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيّدنا، محمّد وآله وصحبه وسلّم. تمّ تمّ تمّ».(1/294)
هذه زبدة البلاغة / أو ابن الصائغ لقال: هذا خاتم بهذه الصناعة، وهكذا تكون الصياغة، وماذا عسى أن أقول، ولو وفّقت لوقفت عن التقريض، وقعدت عن القول فقد أوقعني في الطويل العريض، لسان المرء ينبئ عن حجاه، وعيّ المرء يستره السكوت، لكنّي أمرت فذهلت، والأمر المهول نقيض بالذهول، وأوجب عليّ عقد المحبّة أن أمتثل فقابلت بالإيجاب والقبول، ووجدت مكان القول ذا سعة إلّا أنّ العبارة ضيّقة، والفكرة بلباس العجز متردّية على أنّها بأسباب الحوادث منخنقة، والزمن قد كادني بسهام أوتاره المصيبة ورماني بأنكاد، بعد أن كاد، وأسياف الخطوب ليس لها إلّا الجوانح أغماد، وبلد ذهني مع أنّي أصبحت ذكيّا بمداه، وسألته كفّ العنان عن الأعيان، فما قصّر عن مداه، أستغفر الله فإنّي دعوته الآن، فلم أكن بدعائه شقيّا، وأغضيت عن زلّاته حيث هداني لسيّد أراه على كلّ حال تقيّا، فهو والله إمام العصر وما تمّ إلّا التسليم، وبديع الزمان الذي جمع المحاسن، وقسمها على كلامه، فأبدع في الجمع والتقسيم، وحسنة الدهر الذي محا جميع سيّئاته،
ونظم شمل الأدب وعلمه بعد شتاته، أتبعنا الله بأفعال برّه المتعدّية، وأعان على حقوق شكره اللازمة، وأحسن في ابتدائه بالمكافأة عنّي، فقد تفاءلت من قصيدته بحسن التخلّص، ورجوت ببركة ممدوحها حسن الخاتمة بمنّه وكرمه، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيّدنا، محمّد وآله وصحبه وسلّم. تمّ تمّ تمّ».
هذا ما كان من تقريظ على النسخة ب، من مخطوطة الخزانة أمّا ما ورد فيها من مآخذ، فكان في الصفحتين الأولى والثانية من الجزء الأول منها قبل المتن. فما جاء في الصفحة الأولى منها هو:
«الحمد لله محلّي الشعراء بأردية الفصاحة والآلاء، وأتمّ صلاة وأسمى سلام على سيد الأعراب والأعجام وعلى آله وأصحابه الكرام، وبعد:
فإني حين ألجأتني دواعي الآداب إلى النظر إلى هذه البديعية المنسوبة لابن حجة الحموي، بادرت في استجلائها من مقرّها، وأنا حينئذ في الخلاء أشتاق إلى صنيعي اشتياق الوالد لولده، فقمت لها لما وافتني على البصر أنظر منها رأسها وعينيها وقوامها، فإذا هي أقبح من طرطبيس (1)، فشاهدت منها العجيب، وما ليس يدّعيه أديب، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثمّ نظرت إلى تقريظ ابن حجر والدماميني، رحمهما الله تعالى، لعدم معرفتهما بالشعر قد بلغ الغاية وهو في الحضيض، وكان في معيّتنا الهمام الكامل الشيخ مصطفى البرهاني فعرضت عليه هذه البديعية والتقريظ فأجاب: إنما ذاك جزال، وهما عالمان ليسا بأديبين (2)، ثم بعد ذلك رأيت في ظهر هذه الورقة ما كتبه عليها فأصابني من سهم كلامه سهام المنون حيث قال فيما هو يودّه أنّ ابن حجّة ذمّ أنواع الجناس وأعابها لعجزه عنها، وقال: بالله عليك يا هذا، انظر قولي في الجناس التامّ، وقد أتيت به في خمسة أبيات وهم (3):
لا تبك إلفا نائي ... يوما ولا دارا
أقول: هذا عيب على من يعيب شيئا ويأتي بما هو أقبح منه، أمّا الأبيات فهم (4)
للحريري في مقاماته من المنسرح، وقد جعلهم من البسيط مع علمنا بشعر
__________
(1) الطرطبيس: هي العجوز المسترخية، أو الناقة الخوارة. (اللسان 6/ 122 (طرطس)).
(2) وردت «بأديبان».
(3) الصواب «وهي».
(4) الصواب: «فهي».(1/295)
المقامات، فيستحقّ هذا الشيخ أن ندعو له بالمغفرة، ولولا ضيق هذه الورقة لاستوفيت من المضحك على أقواله.
كتبته بخطّي وأنا الفقير محمد علي العظمي سنة 1230.
الحمد لله مولي النعم، وموجد الوجود من بعد العدم، أسأله العناية والتوفيق، والسلوك إلى أرشد طريق، والصلاة والسلام على النبي المعظّم، سيّد العرب والعجم، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والكرم، وبعد: لما نظرت» (1).
وما جاء في الصفحة الثانية من النسخة ب، الجزء الأول، هو: «ونقلت من خطّ المرحوم الشيخ شمس الدين محمد بن طولون، رحمه الله تعالى:
الحمد لله باذل النّعم مميّز البشر عن النّعم بأصناف المزايا والحجر وإتقان البديع من الشعر، وصلّى الله وسلّم على أفصح العرب وآله وصحبه ذوي الحسب والنسب، وبعد:
فإنّي حين وقفت على هذه البديعية الخالية من المعاني، القلقة الألفاظ، المنصرمة التركيب، حلفت بالله إنها لا تليق أن تكون في مدحه الشريف لعلوّ مقداره، (صلى الله عليه وسلم)، لعدم بلاغتها وفصاحة ناظمها، وكلّما أمعنت النظر إليها أجدها إلى الحضيض تنزل مع بشاعة وشناعة رأي قائلها، وقوله في الجناس المركب: «أنشدني قاضي القضاة لنفسه بحماة في مبادئ العمر، وقد ذكرت بين يديه الجناس المركّب، ولعمري ما أظنّه إلّا الذي سأل عنه فأجابه القائل: فقمت سريعا راكبا فوق ظهره، وقلت له: هذا الجناس المركب، عيب على هذا الذي عدّ نفسه من حذّاق أهل الأدب أن يقع في مثل هذا، وفي مدح نفسه فيما اخترعه من البرادة والنقاصة، حيث قال:
«لم أسبق إليه لم أسبق اليه»، وقد سبقته إليه المقعدون والحمير، وإنّي أخاف على من نظر إلى بديعيته أن تصيبه الحمّى الباردة، أما نظر هذا الفهيم ميميّته البصيرة وهمزيّته؟
أبعد الدّرّ يطلب الخزر؟ ومن أعجب أقواله أنّه ذمّ أنواع الجناس وأعابها لعجزه عنها:
«بالله عليك، يا هذا انظر قولي في الجناس التامّ، وقد أتيت به في خمسة أبيات، وهم (2):
لا تبك إلفا نائي ... يوما ولا دارا»
__________
(1) هكذا وردت دون تتمّة.
(2) الصواب «وهي».(1/296)
ودر لحكم زمان كلّما دار، وصير الناس إن صحبهم سكنا ودارهم، فلبيب القوم من دارى إلى نصرهم وما أظنّ هذا الجزار إلّا قاصرا على الاستعار».
هذا ما كتبته بخطّي حين طالعتها، وأنا الفقير مصطفى بن محمد البرهاني الداغستاني سنة 1232هـ.، في ربيع الثاني».
هذا بالإضافة إلى تقاريظ ومآخذ أخرى، قد وردت مبثوثة في ثنايا هذه الدراسة، أثناء الكلام على قيمة هذه الخزانة، وأثرها في الأدب والنقد والبلاغة (1).
ويبقى ل «تقديم أبي بكر» و «شرحه» مآخذ معدودة، لعلّ أهمّها ما نلاحظه على ابن حجة من عدم تورّعه عن ذكر بعض الشواهد الشعرية الفاحشة، التي يجدر بأرباب الأقلام والأدب أن يربأوا بأنفسهم عن ذكرها أو التلفّظ بها، ولا سيّما إذا عرفنا أن ابن حجّة كان قادرا على أن يأتي ببديل عنها، إذ جاء بها للتمثيل على الأنواع البديعية، وكيف له أن يستشهد بمثل تلك الأشعار في شرحه، وهو الذي وضع للبديعية قواعد وشروطا في «الأدب والاحتشام» لكونها مديحا نبويّا؟ وهو القائل:
«إن الغزل الذي يصدّر به المديح النبويّ، يتعيّن على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدّب ويتضاءل ويتشبّب، مطربا بذكر «سلع» و «رامة» وو يطرح ذكر محاسن المرد، والتغزّل في ثقل الردف وبياض الساق وحمرة الخدّ وقلّ من يسلك هذا الطريق من أهل الأدب» (2). وهل يعني ذلك أنّ على الناظم أن يحسن أدبه في نظمه للبديعية، ويترك الأدب والاحتشام والتعفّف في «شرحه لها»؟!
وما يلاحظ في «شرحه» أيضا ظاهرة الإطالة في الشرح، التي قد تبلغ أحيانا حدّ الملل، وإن كان يبرّر بين الحين والآخر ورود مثل هذه الإطالة التي كان يتحاشى الوقوع فيها وحسبك أن تنظر في شرحه لباب «التورية» لترى ما وصلت إليه من الإطالة والاستطراد. وليس هذا وحسب، فقد طالعنا ابن حجة في خزانته بظاهرة أخرى، هي ظاهرة «التكرار»، فكثيرا ما تراه يكرّر البيت أكثر من مرّة، في أكثر من موضع، ولعلّ ذلك يعود لما يقتضيه الاستشهاد على النوع البديعيّ بأبيات، يمكن
__________
(1) لم أذكر هذه التقاريظ والمآخذ هنا، منعا للتكرار، ولتراجع هذه في مكانها من البحث.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب باب «براعة الاستهلال» 1/ 344342.(1/297)
الاستشهاد بها على أنواع بديعية أخرى، كما يعود لخلطه بين شواهد بعض الأبواب، كما في شواهد «التوجيه» و «التورية»، وغيرهما، وأبرز هذه الشواهد المكرّرة ما أورده من شعر جمال الدين بن نباتة الذي أخذه عن علاء الدين الوداعيّ.
وما يؤخذ على ابن حجة في خزانته أنه كان في نقده أحيانا إذا أحبّ شاعرا أعجب بشعره، فإذا أثنى عليه ألبسه من ثياب الثناء والمدح حلّة سيراء، وأفرط في تعظيم صنيعه، وإذا غضب على شاعر تناوله بالقدح والذمّ، واتّهمه بسوء الصنيع أو السرقة أو التطفّل على موائد الفحول فمن الذين أثنى عليهم في جلّ نقده الشيخ جمال الدين بن نباتة، وعلاء الدين الوداعي، والقاضي الفاضل، وأغلب أنصار «التورية»، أمّا الذين تحامل عليهم فأغلبهم من أنصار «الجناس»، وعلى رأسهم صلاح الدين الصفديّ، وابن العطّار، كما يؤخذ عليه في نقده أحيانا إصداره للأحكام النقديّة التي تعوزها الدقة ووضوح المقياس النقديّ والصوابيّة، فكثيرا ما كان يكيل المدح والثناء ويفرط في الاستحسان لمجرّد ظاهرة بسيطة لا تستحقّ جزءا يسيرا من هذا الاستحسان، بالإضافة إلى الثناء الذي كاله بغير حساب لبعض أصدقائه، وإنّك لتجد شواهد ذلك في معظم أبواب «الخزانة»، وأبرز مثال على ذلك انحيازه في الحكم أثناء تحكيمه بين الشيخين صفيّ الدين الحليّ وجمال الدّين بن نباتة، إذ يقول (من الطويل):
تصفّحت ديوان الصفيّ فلم أجد ... لديه من السّحر الحلال مرامي
فقلت لقلبي دونك ابن نباتة ... ولا تتبع الحلّيّ فهو حرامي (1)
ومهما يكن من أمر هذه البديعية وشرحها وما قيل فيها من أقوال، فإنها تبقى خزانة للأدب وموسوعة لمختلف العلوم السائدة في عصر ابن حجّة، ولا أبالغ إذا قلت ما قاله ابن حجر فيها: هي «مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن له فيه إلّا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين للضرب بها على غير أهلها، فإن مالكه مرتفع عنه كلفة العارية» (2).
__________
(1) البيتان مخرّجان في مكانهما من الخزانة.
(2) النسخة «ك» من مخطوطة الخزانة، الصفحة الأولى قبل صفحة العنوان.(1/298)
ولا يسعني إلّا أن أردّد مع ابن حجر نفسه:
يا سيّدا طالعه ... إن راق معناه فعد
وافتح له باب الرّضا ... وإن تجد عيبا فسد (1)
__________
(1) الرجز مخرّج في مكانه من الخزانة.(1/299)
القسم الثاني خزانة الأدب وغاية الأرب
لأبي بكر بن علي بن عبد الله المعروف بابن حجة الحمويّ (837767هـ 4341366م)(1/301)
لأبي بكر بن علي بن عبد الله المعروف بابن حجة الحمويّ (837767هـ 4341366م)
[خطبة المؤلّف]
بسم الله الرحمن الرحيم، وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب (1).
قال شيخنا (2) الشيخ الإمام العالم (3) العلّامة، فريد دهره، ووحيد عصره، أبو المحاسن تقيّ الدين، ملك المتأدّبين، أبو بكر بن حجّة الحنفيّ القادريّ الحمويّ (4)، منشئ دواوين الإنشاء الشريف بالدّيار المصريّة والممالك الإسلاميّة، روّى الله تعالى (5) روض الأدب بسحائب فكره، ونظم شمل (6) البلاغة ببدائع نثره (7):
الحمد لله البديع الرفيع، الذي أحسن ابتداء (8) خلقنا بصنعه (9) وأولانا جميل الصنيع، واستهلّت (10) الأصوات ببراعة توحيده وهو البصير السميع (11)، أدّب نبينا (12)، (صلى الله عليه وسلم)، فأحسن تأديبه، حتى أرشدنا، جزاه الله عنا (13) خيرا، إلى سلوك الأدب، وأوضح لنا غريبه وبديعه (14)، نحمده حمدا يحسن به (15) التخلّص من غزل
__________
(1) «عليه توكلت وإليه أنيب» سقطت من ك، وثبتت في هامشها وفي د: «توكلت على الله، اعتصمت بالله، استعنت بالله» مكان «وما توفيقي أنيب».
(2) «شيخنا» سقطت من د.
(3) «العالم» سقطت من ب، د.
(4) في و: «الحموي م الحنفي م القادري».
(5) في ب: «سبحانه».
(6) في و: «وشمل م نظم م».
(7) هذه الفقرة: «بسم الله نثره» سقطت من ط وفي د: «تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته بمنّه وكرمه» مكان «روّى نثره» وفي و: «بعجائب نثره» كتبت تحت «ببدائع نثره»، لعلّها كذا في نسخة أخرى.
(8) «ابتداء» سقطت من ب.
(9) في ط: «بصنعته» وفي هـ ك: «بصنعته» خ.
(10) في ط: «فاستهلت» وفي هـ ك:
«فاستهلت» خ.
(11) في ب: «السميع م البصير م».
(12) في ط: «نبيّنا محمّدا».
(13) «عنّا» سقطت من ب.
(14) في ب، د، ط، و: «بديعه وغريبه» وفي ك: «غريبه م وبديعه م».
(15) «به» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».(1/303)
الشهوة إلى حسن الختام، ونشكره شكر من شعر ببديع صفاته فأحسن النظم، ونعوذ (1) بالله من قوم لا يشعرون بهذا النظام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة شاعر بأنه الواحد، ونشهد (2) أن سيدنا (3) محمّدا عبده ورسوله المبعوث من بيت عربيّ، فصاحته على الأعراب والإعراب أعظم شاهد، صلّى الله عليه (4) وعلى آله وصحبه (5) الذين هم نظام هذا البيت الشريف ودوائر بحره، وأنواع بديعه وديباجة (6) صدره، وسلّم تسليما كثيرا (7). وبعد:
فهذه البديعية التي نسجتها بمدحه، (صلى الله عليه وسلم)، على منوال طرح (8) البردة، كان مولانا المقرّ الأشرف العالي المولويّ القاضويّ المخدوميّ الناصريّ محمد (9) بن البارزيّ الجهنيّ الشافعيّ، صاحب دواوين (10) الإنشاء الشريف بالممالك الإسلاميّة المحروسة، جمّل الله الوجود بوجوده، هو الذي ثقّف لي هذه الصعدة، وحلب ضرعها (11) الحافل لحصول هذه الزبدة، وما ذاك إلا أنّه وقف بدمشق المحروسة على قصيدة بديعية للشيخ (12) عزّ الدّين الموصليّ، رحمه الله تعالى (13)، التزم (14)
فيها تسمية (15) النوع البديعيّ، وورّى (16) به (17) من جنس الغزل، ليتميّز بذلك على (18) الشيخ صفيّ الدين الحليّ، تغمّده الله برحمته (19)، لأنه ما التزم في بديعيته بحمل (20) هذا العبء الثقيل، غير أنّ الشيخ عزّ الدين ما أعرب (21) عن بناء بيوت
__________
(1) في ط: «وأعوذ».
(2) «نشهد» سقطت من ط وفي ك «نشهد خ».
(3) «سيدنا» سقطت من ب، د، و.
(4) في ب: «صلى الله عليه وسلم».
(5) في ط: «وأصحابه».
(6) في ط: «وديباج».
(7) في ب: «وعظّم تعظيما» مكان «كثيرا».
(8) في ط: «طرز» وفي هـ ك: «طرز» خ صح.
(9) في ط: «الناصري سيدي محمد».
(10) في ط: «ديوان» وفي هـ ك: «ديوان» خ.
(11) في ط: «وحلب لي ضرعها».
(12) «للشيخ» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «خ» وفي ب:
«الشيخ».
(13) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب.
(14) في ب: «التي التزم»
(15) في ط: «بتسمية».
(16) في ب «وروّى» وفي هـ ك: «مورّيا».
(17) في ط: «بها».
(18) في د، و: «عن».
(19) سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «تغمده الله تعالى برحمته».
(20) في ب، و: «تحمل».
(21) في د: «ما عرب» وفي ب، و: «أعرب».(1/304)
ما (1) أذن الله أن ترفع، ولا طالت يده لإبهام (2) العقادة إلى شيء من إشارات ابن أبي الإصبع، وربّما رضي في الغالب بتسمية النوع ولم يعرب عن المسمّى، ونثر شمل الألفاظ والمعاني لشدّة ما عقده نظما [من الطويل]:
فيا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال (3)
فاستخار الله (4) مولانا المقرّ (5) الناصريّ المشار إليه، عظّم الله تعالى شأنه (6)، ورسم لي بنظم قصيدة أطرّز حلّتها ببديع (7) هذا الالتزام، وأجاري الحليّ برقّة السحر الحلال الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيّد البيت فيرسم لي بهدمه، وخراب البيوت في هذا البناء صعب على الناس، ويقول: بيت الصفيّ أصفى موردا وأنور اقتباس، فأسنّ كلّ ما حدّه الفكر وأراجعه ببيت له على المناظرة طاقة (8)، فصرت أعرب عن بناء كلّ بيت له على المناظرة طاقة (9)، فيحكم لي بالسبق وينقلني إلى غيره، وقد صارت (10) لي فكرة بإرشاده إلى الغايات سبّاقة، فجاءت بديعيّة هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيّدا بتسمية النوع وهو من (11) ذلك محلول العقال، وسمّيتها «تقديم أبي بكر»، علما (12) أنه لا يسمع من الحليّ والموصليّ في هذا «التقديم» مقال.
__________
(1) «ما» سقطت من ط وفي ك أشير فوقها بخطّين لعلّها مشطوبة.
(2) في ب: «إلى إبهام».
(3) البيت لأبي العلاء في سقط الزند ص 229وكتاب الأذكياء ص 249 وفيهما: «فيا دارها بالحزن» ونفحات الأزهار ص 186وديوان الصبابة ص 4.
والخيف: خيف مكّة، وهو موضع فيها عند منى. (اللسان 9/ 103 (خيف)، ومعجم البلدان 2/ 471).
(4) في ب: «الله سبحانه وتعالى» وفي د، و: «الله تعالى».
(5) «المقرّ» سقطت من ط وفي ب، د، و:
«المقرّ الأشرف الناصري» وفي ك:
«المقرّ خ».
(6) سقطت من ط وفي ب: «عظم الله سبحانه شأنه» وفي و: «عظم الله شأنه».
(7) في هـ ك: «أطرّزها ببديع» خ.
(8) «فصرت طاقة» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك، (وفي هامشها سقطت «لي» وثبتت فوق الهامش).
(9) «فصرت طاقة» سقطت من ط وفي ك: «فصرت خ».
(10) في ط: «صار».
(11) في ب: «مع».
(12) في ط: «عالما».(1/305)
وكان المشار إليه، عظّم الله شأنه (1)، هو الذي مشى أمامي وأشار إلى هذا السلوك وأرشد، فاقتديت برأيه العالي (2)، وهل يقتدي أبو بكر بغير محمد؟! [فقلت في براعة الاستهلال] (3):
__________
(1) في ب: «عظم الله سبحانه شأنه» وفي د:
«عظم الله تعالى شأنه».
(2) «العالي» سقطت من ط.
(3) من ب وفي ط: «فقلت».(1/306)
حسن الابتداء وبراعة الاستهلال (10)
1 - لي في ابتدا مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهلّ الدّمع في العلم (1)
[حسن الابتداء عند العرب والمولّدين] (2):
اعلم أنّه (3) اتّفق علماء البديع على أنّ براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلّة (4)
المعاني واضحة في استهلالها، وأن لا تتجافى (5) / جنوب (6) الألفاظ عن مضاجع الرقّة، وأن يكون التشبيب بنسيبها مرقصا عند السماع، وطرق السهولة متكفّلة لها بالسلامة من تجشم الحزن (7)، ومطلعها، مع اجتناب الحشو، ليس له تعلق بما بعده، وشرطوا أن يجتهد الناظم في تناسب قسميه بحيث لا يكون شطره الأوّل أجنبيّا من شطره الثاني.
وقد سمّى ابن المعتزّ براعة الاستهلال حسن الابتداء (8)، وفي هذه التسمية تنبيه على تحسين المطالع، فإن (9) أخلّ الناظم بهذه الشروط لم يأت بشيء من حسن
__________
(10) العنوان سقط من ب، ط، و.
(1) البيت في ديوانه ورقة 3ب ونفحات الأزهار ص 12.
(2) زيادة يقتضيها المنهج.
(3) «اعلم أنه» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(4) أهلّة المعاني: يقصد بداياتها.
(5) في د، ط: «يتجافى».
(6) في ط: «بجنوب».
(7) الحزن: الوعر الغليظ من الأرض، والغريب المعقّد من الكلام (اللسان 13/ 113 (حزن)).
(8) في هامش ب: «وشعراء العجم سمّوا ذلك «حسن المطلع» قال الشيخ كمال:
مطلع حسن وكمالت اضّاب درى درست
حسن مطلع بين سكه در مطلع حديث روى أوست
وقال غيره [من الطويل]:
بطلعتك الغرّاء للحسن مطلع
فحيّ بحسن المطلع الشمس تطلع»
وقد أشير فوقها ب «حش».
(9) في ط: «وإن».(1/307)
الابتداء (1)، وأورد في هذا الباب قول النابغة الذّبيانيّ (2) [من الطويل]:
كليني لهمّ، يا أميمة، ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب (3)
قال زكيّ (4) الدين بن أبي الأصبع: لعمري (5) لقد أحسن ابن المعتز الاختيار، فإني أظنّه نظر بين هذا الابتداء وبين (6) ابتداء امرئ القيس حيث قال [من الطويل]:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل (7)
فرأى ابتداء امرئ القيس، على تقدّمه وكثرة معانيه، متفاوت القسمين جدّا، لأنّ صدر البيت جمع بين (8) عذوبة اللفظ وسهولة السبك وكثرة المعاني، وليس في الشطر الثاني شيء من ذلك، وعلى هذا التقدير فمطلع (9) النابغة أفضل من جهة ملاءمة ألفاظه وتناسب قسميه وإن كان مطلع امرئ القيس أكثر معاني (10)، وما عظّم ابتداء امرئ القيس في النفوس إلّا الاقتصار على سماع صدر البيت الأوّل (11)، فإنّه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في شطر بيت، وإذا تأمل الناقد [اللبيب] (12) البيت (13) بكماله ظهر له تفاوت القسمين وقال، أعني ابن أبي الأصبع: إذا وصلت إلى قول البحتريّ في (14) هذا الباب وصلت (15) إلى غاية لا
__________
(1) في ب، د، و: «بحسن ابتداء» وفي ك:
«بحسن الابتداء» وفي هامشها: «بشير من حسن إلخ» خ.
(2) «الذبياني» سقطت من ط.
(3) البيت في ديوانه ص 40ونهاية الأرب 7/ 134وتحرير التحبير ص 168 والإيضاح ص 351والأزهية ص 237والدرر 3/ 57وخزانة الأدب 2/ 321، 325.
وناصب: متعب (اللسان 1/ 758 (نصب)).
(4) في ب: «قال الشيخ زكيّ»
(5) «لعمري» سقطت من ب.
(6) في ب: «بين وبين» مصححة عن «بيت وبيت» وهي غامضة، وفي هامشها «بين» توضيحا لرسمها.
(7) البيت في ديوانه ص 8وتحرير التحبير ص 169والطراز 3/ 34والأزهية ص 244، 245والدرر 6/ 71وخزانة الأدب 1/ 332، 3/ 224.
وسقط اللوى» و «الدخول» و «حومل»:
أسماء مواضع ما بين إمّرة وأسود العين.
(معجم البلدان 2/ 373، 5507/ 27).
(8) في ب: «بين» كتبت فوق «جمع».
(9) في ط: «مطلع».
(10) في ط: «معان».
(11) «الأول» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ ص».
(12) من ب، و.
(13) «البيت» سقطت من ب.
(14) في ط: «من».
(15) «وصلت» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».(1/308)
تدرك، وهو [قوله] (1) [من الطويل]:
بودّي لو يهوى العذول ويعشق ... ليعلم أسباب الهوى كيف تعلق (2)
انتهى كلام [زكيّ الدين] (3) بن أبي الأصبع. قلت (4): ولقد أحسن أبو الطيّب (5)
ما شاء (6) في قوله من هذا النوع (7) [من الخفيف]:
أتراها (8) لكثرة العشّاق ... تحسب الدّمع خلقة في المآقي (9)
ومثله قوله (أي حبيب) (10) [من الطويل]:
حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا ... فلم أدر أيّ الظاعنين أشيّع (11)
وما ألطف قول أبي تمام في هذا الباب [من الكامل]:
لا أنت أنت ولا الدّيار ديار ... خفّ الهوى وتقضّت الأوطار (12)
ومثله قول أبي العلاء المعرّيّ [من البسيط]:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السّمر ... لعلّ بالجزع أعوانا على السّهر (13)
وقد خلب ابن المعتزّ القلوب (14) بقوله في تناسب القسمين (15) [من الخفيف]:
__________
(1) من ط.
(2) البيت في ديوانه 2/ 811، وفيه: «فيعلم» وتحرير التحبير ص 170وبلا نسبة في تاج العروس 9/ 285 (ودد) وفيه: «فيعلم».
(3) من ط.
(4) «قلت» سقطت من ط وفي ك: «قلت خ».
(5) في ب: «المتنبي» وفي ط: «أبو الطيب المتنبي».
(6) «ما شاء» سقطت من ب، د، ط.
(7) في ط: «حيث قال» مكان «في النوع».
(8) «أتراها» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) البيت في ديوانه ص 236وتحرير التحبير ص 171ونهاية الأرب 7/ 134ومعاهد التنصيص 4/ 227 ونفحات الأزهار ص 5والإيضاح ص 352.
(10) سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ» وفي ط: «أي قول حبيب».
(11) البيت للمتنبيّ في ديوانه ص 30.
(12) البيت في ديوانه 1/ 321وفيه: «وتولّت الأوطار».
(13) البيت في سقط الزند ص 56وتحرير التحبير ص 171ومعاهد التنصيص 4/ 228.
(14) في ط: «القلوب ابن المعتز».
(15) في ب، د، ط: «في تناسب القسمين بقوله».(1/309)
أخذت من شبابي الأيّام ... وتولّى الصّبا عليه (1) السّلام (2)
وما أحلى ما ناسب ابن هانئ قسمي مطلعه بالاستعارات الفائقة حيث قال [من الكامل]:
بسم الصباح لأعين النّدماء ... وانشقّ جيب غلالة الظّلماء (3)
وقال الشريف أبو جعفر البياضيّ، يشير إلى الرفق بالإبل عند السّرى (4)، وتلطّف ما شاء في تناسب القسمين حيث قال [من الكامل]:
رفقا بهنّ فما خلقن حديدا ... أو ما تراها أعظما وجلودا (5)
وهذه القصيدة، طريقها الغريب لم يسلكه (6) غيره، فإنه نسجها جميعها على هذا المنوال، منها (7) [من الكامل]:
يفلين ناصية الفلا بمناسم ... وسم الوجا (8) بدمائهنّ البيدا
فكأنّهنّ نثرن وردا (9) بالخطا ... ونظمن منه بسيرهنّ عقودا (10)
ومما يعذب في الذوق، من هذا الباب، قول ابن قاضي ميلة [من الطويل]:
يزيد (11) الهوى دمعي وقلبي المعنّف ... ويحيى (12) جفوني (13) الوجد وهو المكلّف (14)
__________
(1) في ب: «عليه منّي»، وبها يكسر الوزن.
(2) البيت في ديوانه ص 636وفيه:
«وتوفّي» مكان «وتولّى».
(3) البيت في ديوانه ص 482.
والجيب: الطوق من الثوب. (اللسان 1/ 288 (جيب)) والغلالة: الثوب والستر (اللسان 11/ 502 (غلل)).
(4) السّرى: السير ليلا. (اللسان 14/ 382 (سرا).
(5) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(6) في ط: «لم يسلكها».
(7) في ط: «ومنها».
(8) في د، و: «الدجى».
(9) في ط: «درّا» وفي هـ ك «درّا» خ.
(10) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
ويفلين: يقطعن. (اللسان 15/ 163 (فلا)) وناصية: غرّة الشيء وأوله، وناصية الأرض وجهها. (اللسان 15/ 327 (نصا)) والفلا والفلاة: الأرض الواسعة. (اللسان 15/ 164 (فلا)) ووسم: علّم (اللسان 12/ 636 (وسم)) والوجا: ضرب من السير الذي يشقّق المناسم، وقيل: هو الحفا (اللسان 15/ 378 (وجا)).
(11) في ب، د، ك، هـ و: «يذيل» وفي هـ ك: «يزيد» خ.
(12) في ب، د، ك: «وتجني» وفي هـ ك:
«ويحيي» خ وفي هـ و: «وتجفي».
(13) في ب: «عيوني».
(14) البيت له في وفيات الأعيان 6/ 159.(1/310)
وقد نبّه مشايخ البديع على يقظة الناظم في حسن الابتداء، فإنه أوّل شيء يقرع به (1)
الأسماع، ويتعيّن على ناظمه النظر في أحوال المخاطبين والممدوحين، ويتفقّد ما يكرهون سماعه ويتطيّرون منه، ليتجنّب (2) ذكره، ويختار لأوقات المدح ما يناسبها، وخطاب الملوك في حسن الابتداء هو العمدة في حسن الأدب، فقد حكي أن أبا النجم الشاعر دخل على هشام بن عبد الملك في مجلسه فأنشده من نظمه [من الرّجز]:
صفراء قد كادت ولمّا تفعل ... كأنّها في الأفق عين الأحوال (3)
وهشام بن عبد الملك أحول، فأخرجه [من مجلسه] (4) وأمر بحبسه وكذلك اتّفق (5) لجرير مع أبيه عبد (6) / الملك، فإنّه دخل عليه وقد مدحه بقصيدة حائية أوّلها (7) [من الوافر]:
* أتصحو أم فؤادك غير صاح (8) * فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا ابن الفاعلة. ومن هذه الجهة بعينها، عابوا على أبي الطيّب المتنبّي خطابه لممدوحه في ابتداء (9) قصيدة حيث قال (10) [من الطويل]:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ (11) أمانيا (12)
__________
(1) «به» سقطت من ط وفي ك «خ به».
(2) في د: «ليجتنب».
(3) الرجز له في الطرائف الأدبية ص 69 ونفحات الأزهار ص 11وبلا نسبة في مقاييس اللغة 1/ 115ولسان العرب 14/ 462 (صغا) وتهذيب اللغة 8/ 159وفيها:
صفواء قد مالت ...
فهي على الأفق كعين الأحول
وهذا في مدح هشام الأحول، وهو في صفة الشمس عند الغروب.
(4) من ب.
(5) «اتفق» سقطت من د.
(6) في هـ و: «عند».
(7) «بسم أوّلها» سقطت من و، وثبتت في هامشها وفي ب: «فقال» مكان «أوّلها».
(8) في و: «صاحي». والبيت في ديوانه ص 87ولسان العرب 14/ 452 (صحا) وعجزه:
عشيّة همّ صحبك بالرّواح *
(9) في ط: «مطلع» وفي هـ ك: «مطلع» خ.
(10) «أتصحو قال: سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(11) في د: «تكنّ».
(12) البيت في ديوانه 4/ 417والأمثال السائرة من شعر المتنبّي ص 57 ونفحات الأزهار ص 10.(1/311)
ومن مستقبحات الابتداء قول البحتريّ، وقد أنشد يوسف بن محمد (1) قصيدته التي (2) أوّلها، [وهي بديعة في بابها، غريبة بين أترابها] (3) [من الطويل]:
* لك الويل من ليل تقاصر آخره (4) * فقال له (5): بل لك الويل والخزي (6).
وأمّا قصّة إسحاق بن إبراهيم الموصليّ في هذا الباب، فإنّي أنفعل وأخجل عند سماعها، وما ذاك إلّا أنه دخل على المعتصم وقد فرغ من بناء قصره بالميدان، فشرع في إنشاء (7) قصيدة نزل بمطلعها إلى الحضيض، وكان هو وحكاية الحال في طرفي نقيض، وهو [من الكامل]:
يا دار غيّرك البلى ومحاك (8) ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك (9)
فتطيّر المعتصم من قبح (10) هذا الابتداء (11)، وأمر بهدم القصر على الفور، فنعوذ بالله من آفة الغفلة، هذا مع يقظة إسحاق وسير الركبان بحسن محاضرته ومنادمته للخلفاء، ولكنه قد يخبو الزّناد وقد يكبو الجواد (12)، مع أنّه قيل: إنّ (13)
أحسن ابتداء ابتدأ (14) به مولّد قول إسحاق [بن إبراهيم] (15) الموصليّ [المذكور،
__________
(1) في د: «أبو يوسف محمد» وفي و:
«محمد م بن يوسف م».
(2) في ب: «قصيدة من شعره يقول في».
(3) من ب.
(4) البيت في ديوانه 1/ 513وفيه «له» مكان «لك» وعجزه:
ووشك نوى حيّ ترمّ أباعره *
(5) «له» سقطت من ط.
(6) في ب، د، ك، و: «والحرب»، وفي هـ ك: «والخزي» خ صح.
(7) في د: «إنشاده» وفي ب، ك، و:
«إنشاد» وفي هـ ك: «إنشاء» خ.
(8) في هـ ك: «ودهاك» خ.
(9) البيت في ديوانه ص 160وفيه:
يا دار هند ما الذي أبلاك
بعد الجميع وما الذي أبلاك
ونفحات الأزهار ص 11والإيضاح ص 352.
(10) في ب: «نسيج».
(11) في ط: «المطلع».
(12) المثل في الألفاظ الكتابية ص 23 والعقد الفريد 3/ 84والميداني 1/ 12، 302وفصل المقال ص 43وكتاب الأمثال ص 51.
(13) «إنّ» سقطت من ب، د، و.
(14) «ابتدأ» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(15) من ب.(1/312)
وهو الذي ب «النديم» مشهور] (1)، حيث قال [من الخفيف]:
هل إلى أن (2) تنام عيني سبيل ... إنّ عهدي بالنوم عهد طويل (3)
فانظر إلى هذا الأديب الحاذق المتيقّظ، كيف استطردت به خيول السّهو إلى أن خاطب المعتصم في قصر رياحين تشييده غضّة (4)، بخطاب (5) الأطلال البالية، وانظر إلى حشمة أبي نواس، كيف خاطب الدّمن بخطاب تودّ القصور العوالي (6) أن (7) تتحلّى بشعاره، مع بلوغه في تناسب القسمين الطرف الأقصى، وهو (8) [من الطويل]:
لمن دمن تزداد حسن رسوم (9) ... على طول ما أقوت، وطيب نسيم (10)
وقصّة ذي الرّمة مع عبد الملك [بن مروان] (11) أيضا (12)، تقارب قصّة إسحاق مع المعتصم، فإنّه دخل عليه يوما فأمره بإنشاد شيء من شعره فأنشده (13) [من البسيط]:
* ما بال عينك منها الماء ينسكب (14) * وكان بعين عبد الملك ريشة فهي تدمع أبدا، فتوهّم (15) أنّه خاطبه وعرّض به، فقال له (16): ما سؤالك عن هذا يا ابن الفاعلة، ومقته (17) وأمر بإخراجه.
__________
(1) من ب.
(2) في و: «لي إلى» مكان «إلى أن».
(3) البيت في ديوانه ص 165وتحرير التحبير ص 168ونهاية الأرب 7/ 134.
(4) في هـ ك: «في قصر رياحين تشييده غضّة» ن ورياحين تشييده غضّة: يقصد حديث البناء.
(5) في هـ و: «بخطاب» ن.
(6) في ط: «العالية».
(7) في د: «إلى أن».
(8) في ط: «حيث قال».
(9) في د: «وسوم».
(10) البيت في ديوانه ص 577وفيه:
«وطيب» وتحرير التحبير ص 170 ومعاهد التنصيص 4/ 227.
ودمن: ج دمنة وهي آثار الدار. (اللسان 13/ 157 (دمن)) وأقوت: أقفرت وخلت وخربت. (اللسان 15/ 211 (قوا)).
(11) من ب ولكنها كتبت «بن مرون».
(12) «أيضا» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ ص».
(13) في ط: «فأنشد قوله».
(14) الشطر في ديوانه 1/ 41وعجزه:
كأنّه من كلى مفريّة سرب *
(15) في ب: «وتوهّم».
(16) «له» سقط من و.
(17) في ط: «فمقته».(1/313)
[حسن الابتداء عند المتأخّرين] (1):
انتهى ما أوردته في حسن الابتداء للعرب والمولّدين وفحول الشعراء، ونبّهت على حسنه وقبيحه، ولكن جذبتني، يا أخا الأدب (2)، نسبة المتأخرين [إلى] (3) أن أثبت في هذا المحلّ القابل (4) تشبيبها (5) ونسيبها، وأظهر في شرح هذه البديعيّة الآهلة بديعها وغريبها، ليعلم من تنزّه في هذه الحدائق الزاهرة أنّ ما ربيع الآخر من ربيع الأوّل ببعيد، وإذا تحقّق أنّ لكلّ زمان بديعا تمتّع بلذّة الجديد.
وهنا بحث لطيف، وهو أنّ الاستشهاد بكلام المولّدين وغيرهم من المتأخرين ليس فيه (6) نقض (7)، لأنّ البديع أحد علوم الأدب الستّة، وذلك أنّك (8) إذا نظرت في (9) الكلام العربيّ، إمّا أن تبحث عن المعنى الذي وضع له اللفظ وهو علم اللغة، وإمّا أن تبحث عن ذات اللفظ بحسب ما يعتريه من الحذف والقلب والبدل وغير ذلك (10) وهو علم التصريف، وإمّا أن تبحث عن المعنى (11) الذي يفهم من الكلام المركّب بحسب اختلاف أواخر الكلم وهو علم العربية، وإمّا أن تبحث (12) عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال بحسب الوضع اللغويّ وهو علم المعاني (13)، وإمّا أن تبحث (14) عن طرق دلالة الكلام إيضاحا وخفاء بحسب الدلالة العقلية وهو علم البيان، وإمّا أن تبحث (15) عن وجوه تحسين الكلام وهو علم البديع.
فالعلوم الثلاثة الأول لا يستشهد عليها إلّا بكلام (16) العرب نظما ونثرا، لأن المعتبر فيها ضبط ألفاظهم، والعلوم الثلاثة الأخيرة يستشهد عليها بكلام العرب وغيرهم لأنها راجعة إلى المعاني، ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم، إذا كان
__________
(1) زيادة يقتضيها المنهج.
(2) في ط: «العرب» وفي هـ ك «العرب» خ.
(3) من ط.
(4) «القابل» سقطت من ط.
(5) في ب، د، و: «نسبها».
(6) في د: «ليس له فيه»
(7) في ب، ط، و: «نقص».
(8) «أنك» سقطت من ب، د، و.
(9) في ك: «إلى خ» وفي هامشها «في» صح.
(10) «من الحذف ذلك» سقطت من ط.
(11) «عن المعنى» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(12) «الذي تبحث» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(13) «وإمّا المعاني» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(14) في ب: «يبحث».
(15) في ب: «يبحث».
(16) في ط: «يستشهد عليها بكلام».(1/314)
الرجوع إلى العقل (1). /
وقال (2) أبو الفتح عثمان بن جنيّ (3): المولّدون يستشهد بهم في المعاني كما يستشهد بالقدماء في الألفاظ قال ابن رشيق في العمدة: الذي ذكره أبو الفتح صحيح بيّن، لأن المعاني اتّسعت باتساع النّاس في الدنيا وانتشار العرب بالإسلام في أقطار الأرض، فإنهم حضّروا الحواضر، وتفنّنوا في المطاعم والملابس، وعرفوا بالعيان (4)
ما دلّتهم عليه (5) بداءة (6) عقولهم من فضل التشبيه وغيره (7)، ومن هاهنا (8) يحكى عن ابن الرومي أنّ لائما لامه وقال له: لم لا تشبّه تشبيه ابن المعتزّ وأنت أشعر منه؟ فقال له: أنشدني (9) شيئا من شعره (10) أعجز عن مثله، فأنشده (11) في صفة الهلال [من الكامل]:
فانظر إليه كزورق من فضّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر (12)
فقال له ابن الروميّ: بالله (13) زدني، فأنشده [من مجزوء الرجز]:
كأنّ آذريونها ... والشمس فيه كاليه
مداهن من ذهب ... فيها بقايا غاليه (14)
فقال: واغوثاه، {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} (15)، ذاك (16) إنّما يصف
__________
(1) في هـ ك: «إذ هو راجع إلى العقل، انتهى» خ.
(2) في و: «ل» مكان «وقال».
(3) في ب: «بن حسين».
(4) في ب: «بالعبارة».
(5) «عليه» سقطت من د.
(6) في ب، د، ط، و: «بداهة».
(7) في ط: «ونحوه».
(8) في ب، د، ط، و: «هنا».
(9) في ب: «أنشد».
(10) في هـ ك: «قوله» خ وفي ب، ط، و:
«قوله».
(11) في هـ ك: «استعجزني في مثله، وكان قد أنشده» خ.
(12) البيت في ديوانه ص 329وفيه:
«وانظر».
(13) «بالله» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ ص».
(14) الرجز في ديوانه ص 752751وفيه:
«عيون» مكان «كأنّ» «للشمس فيها».
والآذريون: نبات زهره أصفر أو أحمر ذهبيّ، في وسطه خمل أسود (القاموس المحيط ص 1516 (آذريون)) وكالية:
متألمة، أي مصفرّة. (اللسان 15/ 230 (كلا)).
(15) البقرة: 286.
(16) في ب، د، ك، و: «ذلك» وفي ط:
«ذاك» وفي هـ ك «ذاك» خ صح.(1/315)
ماعون بيته لأنّه ابن الخلفاء، وأنا مشغول بالتصرف في الشعر وطلب الرزق به، أمدح هذا مرّة، وأهجو هذا كرّة، وأعاتب هذا تارة (1)، وأستعطف هذا طورا. انتهى كلام ابن رشيق.
ورأيت الشيخ شمس الدين ابن الصائغ، رحمه الله تعالى (2)، قد استشهد في شرح البردة الذي سمّاه ب «الرقم»، لغالب (3) أهل عصره (4)، فيما عرض له من أنواع البديع حتى أورد لهم شيئا من محاسن الزّجل.
رجع إلى ما كنّا فيه من حسن الابتداء وتناسب القسمين وإيراد ما وعدنا به من كلام المتأخرين. قال قاضي هذه الصناعة وفاضلها، والمتأخر الذي لم يتقدّم عليه بغير الزمان أوائلها [من الكامل]:
زار الصباح فكيف (5) حالك يا دجى ... قم واستذمّ (6) بفرعه أو فالنّجا (7)
انظر إلى حسن هذا الابتداء، كيف جمع مع اجتناب الحشو بين رقّة النسيب وطرب (8) التشبيب (9) وتناسب القسمين وغرابة المعنى.
ومثله قوله يخاطب العاذل [من البسيط]:
أخرج حديثك من سمعي وما (10) دخلا ... لا ترم بالقول سهما ربّما قتلا (11)
وما ألطف ما قال بعده [من البسيط]:
وما يخفّ على قلبي حديثك لي ... لا والذي خلق الإنسان والجبلا (12)
ومثله قوله [من المتقارب]:
__________
(1) في ك: «كرّة» وفي هامشها «تارة» صح خ.
(2) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب و «تعالى» سقطت من د، و.
(3) في ب، ط: «بغالب».
(4) في ب: «العصر».
(5) في و: «وكيف».
(6) في ب، ط: «فاستذم».
(7) البيت في ديوانه ص 135وبلا نسبة في نفحات الأزهار ص 5وغيه: «واستظلّ بفرعه».
وفي هامش ب: «لو قال: «هجم الصباح» لكان أنسب، ولكن لا اعتراض على القاضي». وقد أشير فوقها ب «حش».
(8) «وطرب» سقطت من ب وفي و:
«وظرف».
(9) «التشبيب» سقطت من ب.
(10) في ط: «فما».
(11) البيت في ديوانه ص 89.
(12) البيت في ديوانه ص 89.(1/316)
سمعتك والقلب لم يسمع ... فكم ذا تقول وكم لا أعي (1)
وما أحلى (2) ما قال بعده [من المتقارب]:
يقول وما عنده أنني (3) ... بغير فؤاد ولا أضلع (4)
أما مع هذا الفتى قلبه ... فقلت: نعم يا فتى، ما معي (5)
وأما مطلع [قصيدة] (6) ابن نبيه (7) فالأذواق (8) السليمة تتنبّه به إلى فتح هذا الباب، وهو [من البسيط]:
يا ساكني السفح كم عين بكم سفحت ... نزحتم فهي بعد البعد ما نزحت (9)
والقصيدة كلّها تحف وظرف (10)، عارضها ابن نباتة فما حلا معها مكرّر (11)
نباته، وأجرى الصّفيّ خلفها (12) ينابيع فكره فما صفا له معها مورد، وجاراها الصفديّ فتصفّدت (13) سوابق قوافيه عن لحاقها.
منها (14) [من البسيط]:
وروضة وجنات الورد قد خجلت ... فيها ضحى وعيون النرجس انفتحت (15)
تشاجر الطير في أفنانها سحرا ... ومالت القضب للتعنيق واصطلحت (16)
والقطر قد رشّ ثوب الدّوح حين رأى ... مجامر الزهر في أذياله نفحت (17)
ومما يحسن نظامه في هذا السلك قوله [من الطويل]:
__________
(1) البيت في ديوانه ص 63.
(2) في ط: «ألطف».
(3) «فكم ذا أنني» سقطت من د.
(4) في ب: «أضلعي».
(5) البيتان في ديوانه ص 63.
(6) من ط.
(7) في ب، ط: «ابن النبيه».
(8) في ط: «فإن الأذواق».
(9) البيت في ديوانه ص 165.
(10) في ب، د: «وطرف».
(11) في ب: «تكرّر».
(12) في ط: «معها».
(13) تصفدت: كبّلت بالأصفاد أي القيود (اللسان 3/ 256 (صفد)).
(14) في د: «وهي منها» وفي ط: «ومنها».
(15) في د: «أنقحت».
(16) في ط: «فاصطلحت» وفي هـ ك:
«فاصطلحت» خ.
(17) الأبيات الثلاثة في ديوانه ص 167وفيه:
«فاصطلحت».(1/317)
رنا وانثنى كالسّيف والصّعدة السّمرا ... فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى (1)
ومما اختاره الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله (2)، من ديوان أبي الفتوح نصر الله بن قلاقس، وهو حسن (3) في هذا الباب، قوله [من البسيط]:
كم مقلة للشقيق الغضّ رمداء ... إنسانها سابح في دمع (4) أنداء (5)
وقوله (6) [من الطويل]:
قفا فاسألا (7) منّي زفيرا وأدمعا ... أكانا لهم إلّا مصيفا ومربعا (8)
وهذا (9) من الغايات التي اختارها الشيخ جمال الدين [بن نباتة] (10) من شعر ابن قلاقس، فإنّه قال: طالعت ديوان الأديب البارع أبي الفتوح / نصر الله بن قلاقس، فطالعت الفنّ الغريب، وفتح عليّ بتأمّل ألفاظه فتلوت (11): {نَصْرٌ مِنَ اللََّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (12) بيد أنّي وجدت له حسنات تبهر العقول فضلا، وسيئات يكاد بذكرها ابن قلاقس يقلى (13). انتهى كلام الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله تعالى (14).
وممّا وقع في تناسب القسمين إلى الغاية قول الشيخ ظهير الدين بن البارزيّ، رحمه الله (15)، وهو [من الطويل]:
يذكّرني وجدي الحمام إذا غنّى ... لأنّا كلانا في الهوى يعشق الغصنا (16)
ذكر الصلاح الكتبيّ في كتاب (17) «فوات (18) الوفيات» أنّ الشيخ أثير الدين أبا
__________
والمجامر: ج مجمر، وهو وعاء يوضع فيه البخور. (اللسان 4/ 145 (جمر)).
(1) البيت في ديوانه ص 287وبلا نسبة في نفحات الأزهار ص 5.
والصعدة: الرمح أو القناة المستوية التي لا تحتاج إلى تثقيف (اللسان 15/ 203 (قنا)).
(2) «رحمه الله» سقطت من ب وفي د، و:
«رحمه الله تعالى».
(3) «وهو حسن» سقط من د.
(4) في ط: «بحر» وفي هـ ك: «بحر» خ.
(5) البيت في ديوانه ص 359.
(6) في و: «وقوله رحمه الله تعالى».
(7) في ط، و: «واسألا».
(8) البيت في ديوانه ص 182.
(9) في ط: «وهو».
(10) من ط.
(11) في هـ د: «فتلوت» ن.
(12) الصفّ: 13.
(13) يقلى: يبغض ويهجر. (اللسان 15/ 198 (قلا)).
(14) «رحمة الله تعالى» سقطت من ب، ط، و.
(15) «رحمه الله» سقطت من ب وفي د، و:
«رحمه الله تعالى».
(16) البيت له في نفحات الأزهار ص 5.
(17) «كتاب» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(18) في ب: «وفات».(1/318)
حيّان قال: رأيت [الشيخ] (1) المذكور شيخا (2) صوفيّا بحماة المحروسة، وأنشدني من لفظه (3) لنفسه هذه القصيدة وعدّة مقاطيع، منها [من الطويل]:
أراك فأستحيي فأطرق هيبة ... وأخفي الذي بي من هواك (4) وأكتم
وهيهات أن يخفى وأنت جعلتني ... جميعي لسانا في الهوى يتكلّم (5)
وتوفّي بعد الثمانين والسّتّمئة، رحمه الله تعالى (6).
وأمّا مطلع الشيخ شمس الدين محمّد (7) بن العفيف في هذا الباب فظرافته لا تنكر لأنّه كان ينعت بالشابّ الظريف، قال في شطره الأوّل [من الوافر]:
* أعزّ الله أنصار العيون (8) * وفي الثاني:
* وخلّد ملك هاتيك الجفون (9) * وما أظرف ما قال بعده [من الوافر]:
وضاعف بالفتور لها اقتدارا ... وجدّد نعمة الحسن المصون (10)
وما أحسن (11) ابتداءات الشيخ شرف الدين (12) عبد العزيز الأنصاريّ، شيخ شيوخ حماة المحروسة، رحمه الله تعالى (13)، فجميعها نسجت على هذا المنوال، منها قوله (14) [من الطويل]:
حروف غرامي كلّها حرف إغراء ... على أنّ سقمي بعض أفعال أسماء (15)
__________
(1) من ط.
(2) «شيخا» سقطت من ط.
(3) «من لفظه» سقطت من ط.
(4) في ب، د، و: «جفاك» وفي هـ ك:
«جفاك» خ.
(5) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(6) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(7) «محمد» سقطت من ط.
(8) البيت في ديوانه ص 335وتمامه ما بعده.
(9) البيت في ديوانه ص 335وصدره ما سبقه.
(10) البيت في ديوانه ص 335.
(11) في ب، د، و، ك: «وأمّا حسن»
وفي هـ ك: «وما أحسن إلخ» صح.
(12) «شرف الدين» سقطت من ط.
(13) «المحروسة تعالى» سقطت من ب، ط و «تعالى» سقطت من د.
(14) «قوله» سقطت من ب.
(15) البيت في ديوانه ص 50.(1/319)
وقوله [من مخلّع البسيط]:
ويلاه من نومي المشرّد ... أوّاه من شملي المبدّد (1)
وقوله (2) [من مجزوء الكامل]:
أهلا بطيفكم وسهلا ... لو كنت للإغفاء أهلا (3)
وما أحلى ما قال بعده [من مجزوء الكامل]:
لكنّه وافى وقد ... حلف السّهاد عليّ أن لا (4)
وقد توارد هو وابن عنين في هذا المعنى، وكلّ كساه ديباجة تأخذ (5) بمجامع القلوب، ومطلع [شرف الدين] (6) ابن عنين قوله (7) [من الكامل]:
ماذا على طيف الأحبّة لو سرى ... وعليهم لو سامحوني بالكرى (8)
وقول مهيار [بن مرزويه] (9) الديلميّ في هذا الباب مشهور، والذي أقوله إنّ الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله (10)، نبات هذا البستان، وقلادة هذا العقيان (11)، ومن مطالعه التي هي (12) أبهج من مطالع البدور (13) قوله في هذا الباب [من البسيط]:
في الرّيق سكر وفي الأصداغ تجعيد ... هذا المدام وهاتيك العناقيد (14)
__________
(1) «ويلاه المبدد» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «واه» مكان «أوّاه».
والبيت في ديوانه ص 147وفيه:
«ويلاي من غمضي المشرّد
فيك ومن دمعي المردّد»
(2) «وقوله» سقطت من ب، د، و، ك وثبتت في هـ ك مع البيت السابق مشارا إليها ب «صح».
(3) البيت في ديوانه ص 425.
(4) البيت في ديوانه ص 425.
(5) في ب: «فأخذ».
(6) من ب.
(7) «قوله»: سقطت من ب، د، و.
(8) البيت في ديوانه ص 3.
والكرى: النعاس أو النوم. (اللسان 15/ 221 (كرا)).
(9) من ب.
(10) سقطت من ب، ط وفي د، و: «رحمه الله تعالى».
(11) العقيان: الذهب. (اللسان 13/ 288 (عقن)).
(12) «هي» سقطت من د.
(13) في ط: «الشمس» والمثل في المستقصى 1/ 52.
(14) البيت في ديوانه ص 152وفيه «هذي»(1/320)
وقوله [من الوافر]:
بدا ورنت (1) لواحظه دلالا ... فما أبهى الغزالة والغزالا (2)
وقوله [من البسيط]:
سلبت عقلي بأحداق وأقداح ... يا ساجي الطّرف أو (3) يا ساقي الرّاح (4)
وما ألطف ما قال بعده [من البسيط]:
سكران من مقلة (5) السّاقي وقهوته ... فاترك ملامك في السّكرين (6) يا صاح (7)
وقوله [من البسيط]:
إنسان عيني بتعجيل السّهاد بلي (8) ... عمري لقد {خُلِقَ الْإِنْسََانُ مِنْ عَجَلٍ} (9)
وقوله [من الخفيف]:
قام يرنو (10) بمقلة كحلاء ... علّمتني الجنون بالسّوداء (11)
وقوله [من البسيط]:
نفس عن الحبّ ما أغفت ولا (12) غفلت ... بأيّ ذنب وقاك الله قد قتلت (13)
__________
مكان «هذا» وهو ممّا قاله في الشهاب محمود.
(1) في د: «وزنت».
(2) البيت في ديوانه ص 554وهو مما قاله في ابن الشهاب محمود.
(3) في ط: «بل» وفي هـ ك: «بل» خ صح.
(4) البيت في ديوانه ص 105وهو في مدح أخيه علاء الدين.
وساجي الطرف: فاتر العين. (اللسان 14/ 371 (سجا)).
(5) في د: «مقلة».
(6) في ب: «السكران».
(7) في ب: «يا صاح (ي)» وفي و: «يا صاحي». والبيت في ديوانه ص 105 وفيه: «من قهوة الساقي ومقلته يا صاحي» وهو في مدح أخيه علاء الدين.
(8) في ب، د، ك: «ملي».
(9) البيت في ديوانه ص 381وهو في مدح السلطان الناصر حسن.
والآية في سورة الأنبياء: 37.
(10) في ك: «يرنو» مكررة والثانية منهما مشطوبة.
(11) في هـ ك: «أنا منها المجنون بالسوداء» خ. والبيت في ديوانه ص 4وهو مما قاله في المؤيّد.
(12) في ب: «حالت ولا» وفي د، و:
«حادت ولا» وفي ط: «حادت وما» وفي هـ ك: «حادت وما» خ.
(13) البيت في ديوانه ص 375وفيه «ما حادت» مكان «ما أغفت» وهو مما قاله في المؤيّد.(1/321)
وقد تقدّم شروط (1) لا بدّ من اجتنابها في حسن الابتداء (2)، منها الحشو، ولكن وقاك الله [هنا] (3) حشو اللوزينج (4)، ومن ذلك (5) قوله [من البسيط]:
لام العذار أطالت فيك تسهيدي ... كأنّها لغرامي لام توكيد (6)
ولولا الإطالة لأفعمت الأذواق من هذا السكّر النباتيّ، ورأيت للشيخ صفيّ الدين الحليّ (7) في الأرتقيات (8) قصيدة قافيّة (9)، مطلعها في هذا الباب غاية، وهو قوله (10)
[من الطويل]:
قفي ودّعينا قبل وشك التّفرّق ... فما أنا من يحيا إلى حين نلتقي (11)
وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ عزّ الدين الموصليّ، رحمه الله (12)، قصيدة نونيّة نظمها بحماة (13)، ومطلعها (14) في حسن ابتدائه (15) حسن، وهو (16) [من الطويل]:
سمعنا حمام الدّوح في روضة غنّا ... فأذكرنا ربع الأحبّة (17) والمغنى (18)
ولقد / سهوت عن تقديم (19) مطلع الشيخ علاء الدين علي بن المظفر الكنديّ الشهير بالوداعيّ، رحمه الله (20)، فإنّه (21) ليس له في تناسب القسمين قسيم، وهو
__________
(1) في هامش ط: «قوله: «شروط» صوابه «أمور»». (حاشية).
(2) في ب: «المبتدأ».
(3) من ب، د، و.
(4) اللوزينج: ضرب من الحلواء، شبيه بالقطائف، يؤدم بدهن اللوز. (اللسان 5/ 408 (لوز)).
(5) «من ذلك» سقطت من ط.
(6) البيت في ديوانه ص 126وهو مما قاله في الملك المؤيّد.
(7) «الحليّ» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «ص صح».
(8) في و: «الأريقيات».
(9) «قافيّة» سقطت من ب.
(10) «قوله» سقطت من ب، د، و.
(11) البيت في ديوانه ص 745.
(12) سقطت من ب، ط وفي د، و: «رحمه الله تعالى».
(13) «نظمها بحماة» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(14) في ب: «مطلعها».
(15) في ط: «الابتداء».
(16) «وهو» سقطت من ط.
(17) في ب، د، ط، و «الحبائب» وفي هـ ك: «الحبائب» خ.
(18) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(19) «تقديم» سقطت من د، ط.
(20) سقطت من ب، ط وفي د: «رحمه الله تعالى».
(21) «فإنه» سقطت من و.(1/322)
[من المنسرح]:
بدر إذا ما بدا محيّاه ... أقول ربّي وربّك الله (1)
وعارضه الشيخ جمال الدين بن نباتة في هذه القصيدة (2) [بعينها] (3)، وترقّى إلى مطلع بدره وزاحمه في حسنه بالمناكب (4)، ومطلع (5) الشيخ جمال الدين [بن نباتة المذكور، هو] (6) [من المنسرح]:
له إذا غازلتك عيناه ... سهام لحظ أجارك الله (7)
ومن مطالعي التي (8) حصل لها فتوح (9) في هذا الباب قولي [من الطويل]:
طلعتم بدورا في أعزّ المطالع ... فبشّرني قلبي بسعد طوالعي (10)
وقولي [من البسيط]:
إغراء لحظك ما لي منه تحذير ... ولا لتعريف وجدي فيك تنكير (11)
وقولي [من الخفيف]:
في عروض الجفا بحور (12) دموعي ... ما أفادت قلبي سوى التقطيع (13)
وقولي [من الكامل]:
__________
(1) في هامش د: «ثانيه [من المنسرح]:
قد كتب الحسن على * جبهته
أشهد أن لا مليح إلّا هو»
(حاشية)
(*) لو قال «فوق» لكان أصلح للوزن.
[والبيت لعليّ بن المظفّر الكنديّ الوداعيّ].
(2) في ك: «هذه القصيدة خ» كتبت فوق «هذا القصيد» وفي د، ط، و: «هذا القصيد».
(3) من ط.
(4) «بالمناكب» سقطت من ط وفي ك:
«بالمناكب خ».
(5) في ط: «ومطلع».
(6) من ب.
(7) البيت في ديوانه ص 543وهو ممّا غنّي به.
(8) في و: «الذي».
(9) في ط: «لي فيها الفتوح» مكان «لها فتوح».
(10) البيت في ديوانه ورقة 13ب وفيه «مطالع». وطوالعي: ج طالع، ويقصد به الحظّ وقيل: هو الفجر الكاذب.
(اللسان 8/ 236 (طلع)).
(11) البيت في ديوانه ورقة 8ب ونظم الدّرّ والعقيان ص 327.
(12) في ك: «بحار خ» وفي هامشها «بحور» خ صح.
(13) بعده في ط: «وقولي: لله قوم».
والبيت في ديوانه ورقة 15ب.(1/323)
جرّدت سيف اللّحظ عند تهدّدي ... يا قاتلي فسلبتني بمجرّد (1)
وقولي [من البسيط]:
قد مال غصن النّقا عن صبّه هيفا ... يا ليته بنسيم العتب (2) لو عطفا (3)
وقولي [من الطويل]:
هواي بسفح القاسميّة والجسر ... إذا (4) هبّ تدروا أنّ ذاك الهوى عذري (5)
وقولي [من البسيط]:
لله قوم لنظم الوصل (6) قد نثروا ... شعرت في حبّهم وجدا وما (7) شعروا (8)
وكأنّي بمنتقد تألّم قلبه على المتقدّمين بكثرة النقد، ومالت نفسه إلى بحث (9) مع المتأخرين ليستوفي (10) الشروط الأدبيّة في مباشرة هذا العقد (11).
فأقول، وبالله (12) المستعان: إنّ جماعة من (13) المخاديم بدمشق المحروسة (14)، رسموا لي (15) أن أعارض شيئا من نظم الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله تعالى (16)،
__________
(1) بعده في ط: «وقولي: هواي».
والبيت في ديوانه ورقة 32ب وفيه:
«بمجردي».
(2) في د: «العطف».
(3) «قد مال عطفا» أعيد في هـ ك وبعده في ط: «فأقول، وبالله المستعان».
والبيت في ديوانه ورقة 9ب.
والنقا: الكثيب من الرمل. (اللسان 15/ 339 (نقا)).
(4) في ب: «إذ».
(5) في ط: «ذاك الريح فهو الهوى العذري» وفي هـ ك: «ذاك الريح فهو الهوى العذري» خ وبعده في ط: «وكأنّي بمنتقد».
وفي هامش ب: «ما أدري ما أوجب سقوط النون من «تدروا» وقد أشير فوقها ب «حش». والبيت في ديوانه ورقة 33ب.
(6) في ب: «الشعر».
(7) في ط: «يا ليتهم» مكان «وجدا وما».
(8) بعده في ط: «وقولي: قد مال».
والبيت في ديوانه ورقة 16أ.
(9) في ط: «إليّ» مكان «إلى بحث».
(10) في د: «ليستوفوا».
(11) في هـ ك: «وأقام نفسه مقام وليّ وأنكر عدم الشاهد على المتأخرين في مباشرة هذا العقد» خ مكان «ومالت نفسه
العقد» وبعده في ط: «وقولي: قد مال».
(12) في ب: «وبالله سبحانه».
(13) «من» سقطت من ب، د، و.
(14) «المحروسة» سقطت من ط.
(15) «لي» سقطت من ط.
(16) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط وفي و: «رحمه الله».(1/324)
وتخيّروا لي خمس (1) قصائد منها قصيدته الكافية التي مطلعها [من الطويل]:
تصرّمت الأيّام دون وصالك ... فمن شافعي في الحبّ يا ابنة مالك (2)
فلمّا انتهيت إلى معارضتها وجدت بين الشطر الثاني من المطلع وبين الأوّل (3)
بعض (4) مباينة، كما تقدم في مطلع (5) امرئ القيس، فإنّ (6) في شطره الأوّل ما ليس في الثاني (7).
وقد اتّفق علماء البديع على أن عدم تناسب القسمين نقص في حسن الابتداء، وقد تقدّم قول زكيّ الدين بن أبي الأصبع: «إنّ مطلع النابغة أفضل من مطلع امرئ القيس لتناسب قسميه (8)، وإن كان مطلع امرئ القيس (9) أكثر معاني» (10). انتهى.
ولو قال الشيخ جمال الدين (11) في مطلعه (12) [من الطويل]:
تمذهبت في هجري بطول مطالك ... فمن شافعي في الحبّ يا ابنة (13) مالك (14)
لجمع بين تناسب القسمين، والله أعلم (15).
ومطلعي الذي عارضت به الشيخ جمال الدين (16) [من الطويل]:
رضيع الهوى يشكو فطام وصالك ... فداري بنيّ الحبّ يا ابنة (17) مالك (18)
__________
(1) «خمس» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ ص».
(2) البيت في ديوانه ص 359وهو مما قاله في المؤيّد.
(3) في ط: الشطر الأوّل.
(4) «بعض» سقطت من ط وفي ك «بعض خ».
(5) في و: «مطالع».
(6) في ط: «من الكلام على أنّ» مكان «فإنّ».
(7) في د: «شطره الثاني».
وفي هامش ب: «لو كان في شطره الأوّل ما في الثاني لكان تكرار أو حشو، كما في قوله [من الطويل]:
شدت بكم العشّاق لمّا ترنّموا
وقد أشير فوقها ب «حش».
(8) في ط: «القسمين».
(9) «لتناسب القيس» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(10) في ط: «معان».
(11) في ب: «النباتيّ» مكان «الشيخ جمال الدين».
(12) في «مطلعه» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(13) في ب: «أمّ».
(14) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(15) «والله أعلم» سقطت من ط.
(16) في د: «رحمه الله».
(17) في د، و: «أمّ».
(18) «لجمع ابنة مالك» سقطت من ب.
والبيت لم أقع عليه في ديوانه.(1/325)
وكذا (1) مطلع الشيخ صفيّ الدين الحليّ في قصيدته الجيمية، التي هي من جملة القصائد الأرتقيات التي امتدح بها الملك المنصور صاحب ماردين، وهو (2) [من البسيط]:
جاءت لتنظر ما أبقت من المهج ... فعطّرت سائر الأرجاء بالأرج (3)
فالشطر الثاني ليس من جنس الشطر الأوّل، فإنّ الشطر الأوّل في الطريق
__________
(1) في ط: «وكذلك من».
(2) «وهو» سقطت من ط.
(3) «الأرتقيات التي بالأرج» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح». والبيت في ديوانه ص 713.
وفي هامش ب: «الشاعر قد يقصد ما لا يحوم حوله فكر المستمع وكذلك المتكلّم، فيكون النقص في ذلك من جهة المستمع وتأمّل قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنََا رُسُلَنََا بِالْبَيِّنََاتِ وَأَنْزَلْنََا مَعَهُمُ الْكِتََابَ وَالْمِيزََانَ لِيَقُومَ النََّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ} [الحديد:
25] ربّما يقول إنسان من أوّل وهلة: ما المناسبة بين الكتاب والميزان والحديد؟
وكذا قوله تعالى: {أَفَلََا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمََاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبََالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (20) [الغاشية: 2017] وقوله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ (119)} [طه: 119]. وعليك بما أجاب المتنبي ممدوحه لمّا أنشده [من الطويل]:
وقفت وما في الموت شكّ لواقف
كأنّك في جفن الرّدى وهو نائم
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضّاح وثغرك باسم
[ديوانه ص 387] فقال له سيف الدولة:
يعترض عليك بما اعترض على امرئ القيس في قوله [من الطويل]:
كأنّي لم أركب جوادا للذّة
ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزّقّ الشمول ولم أقل
لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال
[ديوانه ص 263وفيه «الرّويّ» مكان «الشمول»] ولو نقل كلّ منكما شطر بيته الأوّل إلى الثاني وشطر الثاني إلى الأوّل لكان أحسن وأنسب. فقال المتنبي بعد أن أعجب بهذا القول: الصواب معي ومع امرئ القيس، وبيّن وجه ذلك بكلام يطول، ثمّ قال له: إن الشاعر كالنّسّاج يطلع على ما ينظمه كما يطلع النسّاج على أصل ما ينسجه من خيوط وصباغ وقوّة وضعف، والسامع كالبزّاز لا يعرف منها إلّا ما يظهر له من ظاهر الثوب، فإذا تأمّلت هذا الكلام ولم يحصل لك فهم معانيه فانسب العجز إلى نفسك، ولا تعترض إلّا في محلّ الاعتراض». وقد أشير فوقها ب «حش».(1/326)
الغراميّ (1) ليس له نظير (2)، ومن أنكر هذا النقد ينظر (3) في مطلع الشيخ شرف الدين عمر (4) بن الفارض، قدّس الله سرّه (5)، فإنّه طرفة في هذا الباب (6)، وهو [من البسيط]:
ما بين معترك الأحداق والمهج ... أنا القتيل بلا إثم ولا حرج (7)
وهنا نكتة لطيفة تؤيّد هذا النقد: اتّفق أنّ الشيخ نور الدين علي بن سعيد الأندلسيّ الأديب المشهور الذي من نظمه قوله (8) [من مخلّع البسيط]:
واطول شوقي إلى ثغور ... ملأى (9) من الشّهد والرّحيق
عنها أخذت الذي (10) تراه ... يعذب من شعري الرّقيق (11)
لمّا ورد إلى هذه البلاد اجتمع بالصاحب بهاء الدين زهير، وتطفّل على موائد (12)
طريقته الغراميّة، وسأله الإرشاد إلى سلوكها / فقال له: طالع ديوان التلعفريّ والحاجريّ (13) وأكثر المطالعة فيهما، وراجعني بعد ذلك، فغاب عنه مدّة وأكثر من مطالعة الديوانين إلى أن حفظ غالبهما، [في غضون المحاضرة والمطالعة] (14)، ثم اجتمع به بعد ذلك وتذاكرا في الغراميات، فأنشده الصاحب بهاء الدين زهير في غضون المحاضرة [قوله] (15) [من الرجز]:
* يا بان وادي الأجرع (16) * وقال: أشتهي أن تكمل (17) [لي] (18) هذا المطلع، فأفكر قليلا وقال [من الرجز]:
__________
(1) في ط: «الغرامية».
(2) في ط: «مثيل».
(3) في ط: «التقدير نظر».
(4) «عمر» سقطت من د، و.
(5) سقطت من د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح» وفي ب: «رضي الله سبحانه وتعالى عنه».
(6) في ط: «في هذا الباب طرفة».
(7) البيت في ديوانه ص 144.
(8) «قوله» سقطت من ب، د، و.
(9) في هـ و: «ملأى» ن.
(10) في د: «التي».
(11) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(12) «موائد» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك.
(13) في ط: «الحاجري والتلعفري».
(14) من ب.
(15) من و.
(16) في د: «الأجرعي» وبعدها في و:
سقيت غيث الأدمع
هل ملت من شوق معي
والرجز لم أقع عليه في ديوانه وهو على طريق الحاجريّ في ديوانه ص 7وفيه:
يا سائق الأظعان لا تلوي بها
عن بان كثبان اللوى والأجرع
(17) في ط: «يكمل».
(18) من ط.(1/327)
* سقيت غيث الأدمع (1) * فقال له (2): والله حسن، ولكن (3) الأقرب إلى الطريق الغراميّ أن تقول [من الرجز]:
* هل ملت من طرب (4) معي (5) * وما ألطف مطلع الحاجريّ في هذا الطريق [من الكامل]:
لك أن تشوّقني إلى الأوطان ... وعليّ أن أبكي بدمع قان (6)
والأداء (7) على (8) هذا النوع يستحسن هنا بمطلع (9) ناصر الدين بن النقيب، فإنّه أعدل شاهد مقبول، والتشبيب بنفسه الطيّب يغني في هذه الحضرة عن الموصول، وهو [من الكامل]:
قلّدت يوم البين جيد مودّعي ... دررا نظمت عقودها من أدمعي (10)
وبالنسبة إلى حسن الابتداءات مطلع الشيخ برهان الدين القيراطيّ مع حسنه وبهجته فيه نقص، وهو [من الكامل]:
قسما بروضة حسنه (11) ونباتها ... وبآسها المخضلّ في جنباتها (12)
__________
(1) «وقال: أشتهي الأدمع» سقطت من د.
والرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) «له» سقطت من ط.
(3) في ط: «لكن».
(4) في ب، د، ك، و: «شوق» وفي هـ ك:
«طرب» خ صح.
(5) الرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ب: «العجب من الشيخ أبي بكر كيف لم يعترض على هذا المطلع، فإنّ فيه نقصا لأنه استفهام، والسؤال لا يتمّ إلّا بالجواب كما اعترض على مطلع القيراطيّ فإنّ فيه قسما، والقسم لا يتمّ إلّا بالجواب». وقد أشير فوقها ب «حش».
(6) «وما ألطف قان» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «قاني». والبيت في ديوانه ص 23.
(7) في ط: «والآراء».
(8) في هـ و: «على» بيان.
(9) في ط: «تستحسن هنا مطلع».
(10) البيت في الأدب في العصر المملوكي 2/ 163.
(11) في ب، د: «خدّه» وفي ط، و: «خدّها» وفي هـ ك: «خدّها» خ، «خدّه» خ.
(12) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
والآس: ضرب من الرياحين، دائم(1/328)
فإنه لم (1) يأت بجواب القسم، ولا (2) ما يحسن السكوت على مطلعه ولا تتمّ الفائدة إلّا به (3) ومشايخ (4) البديع قد (5) قرّروا أن لا يكون المطلع متعلّقا بما بعده في حسن الابتداء.
وقد آن أن (6) أحبس عنان القلم، فإنّ الشرح قد طال ولم أطله إلّا ليزداد الطالب إيضاحا ويداوي علل فهمه بحكم المتقدّمين، ويتنزّه في رياض الأدب على النبات الغضّ (7) من نظم المتأخّرين.
[براعة الاستهلال في النظم] (8):
انتهى ما أوردته في حسن الابتداء (9)، وقد فرّع المتأخرون منه براعة الاستهلال في النظم والنثر، وفيها زيادة على حسن الابتداء، فإنّهم شرطوا في براعة الاستهلال أن يكون مطلع القصيدة (10) دالّا على ما بنيت عليه، مشعرا بغرض الناظم من غير
__________
الخضرة، أبيض الزهر، عطريّة. (اللسان 6/ 19 (أوس)).
وفي هامش ب: «لو ترك القيراطيّ الجواب أصلا، ولم يذكره لما كان نقصا، وفائدة ذلك عموم الجواب وليذهب ذهن السامع كلّ مذهب بخلاف ما إذا ذكر، فإنه يقتصر على جواب واحد، وهذا بحسب المقامات، والحذف قد يكون أحسن وأفصح وأبلغ في علم المعاني، وعلم البديع تبع لعلم المعاني وذيل والكلام في هذا سيطول ولا يعلم أنه إن لم يأت بجواب القسم يكون نقصا، وقد وقع في الكتاب العزيز مثل ذلك، قال تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقََاقٍ} (2) [ص: 21] وقال تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (1) [ق: 1] ونحو ذلك في الكتاب العزيز غزير». وقد أشير فوقها ب «حش».
(1) في د، ك: «فإنه إن لم» وفي هـ ك:
«فإنه لم» خ صح.
(2) في ب، د، ك، و: «وإلّا» وفي هـ ك «ولا» خ صح.
(3) «ولا تتمّ الفائدة إلا به» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها مع ما سبقها وما يتلوها ب «خ صح».
(4) في ك: «فإنه إن لم يأت بجواب القسم وإلّا ما يحسن السكوت على مطلعه، ومشايخ» وفي هامشها: «فإنه لم يأت بجواب القسم ولا ما يحسن السكوت على مطلعه ولا تتمّ الفائدة إلّا به، ومشايخ إلخ» خ صح.
(5) «قد» سقطت من ط.
(6) «أن» سقطت من د، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(7) في هـ و: «الغضّ» ن.
(8) زيادة يقتضيها المنهج.
(9) في ب: «الابتداءات».
(10) في ب، د: «القصيد».(1/329)
تصريح، بل بإشارة لطيفة تعذب حلاوتها في الذوق السليم، ويستدلّ بها على قصده من عتب أو عذر أو تنصّل أو تهنئة أو مدح أو هجو، وكذلك في النثر، فإذا جمع الناظم بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، كان من فرسان هذا الميدان، وإن لم يحصل (1) له براعة الاستهلال (2)، فليجتهد في سلوك ما تقرّر له (3) في حسن الابتداء (4)، وما سمّي هذا النوع «براعة الاستهلال» إلّا لأنّ (5) المتكلّم يفهم غرضه من كلامه عند ابتداء (6) رفع صوته به (7)، ورفع الصوت في اللغة هو الاستهلال، يقال:
استهلّ المولود صارخا إذا رفع صوته عند الولادة، وأهلّ الحجيج إذا رفعوا أصواتهم (8) بالتلبية، وسمّي الهلال هلالا لأنّ الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته.
وممّا وقع من براعة (9) الاستهلال التي تشعر (10) بغرض الناظم وقصده في قصيده براعة قصيدة (11) الفقيه (12) نجم الدين عمارة اليمنيّ حيث قال [من الطويل]:
إذا لم يسالمك الزمان فحارب ... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب (13)
فإشارات العتب والشكوى لا تخفى على أهل الذوق في هذه البراعة، ويفهم منها أن بقية القصيدة (14) تعرب عن ذلك، فإن زكيّ الدين بن أبي الأصبع قال: براعة الاستهلال هي ابتداء المتكلّم بمعنى ما يريد تكميله وهذه القصيدة في حكمها وتحشّمها (15) وتسيير أمثالها نهاية، والموجب لنظمها على هذا النمط أنّه كان بينه وبين الكامل بن شاور صحبة أكيدة قبل وزارة أبيه، فلمّا وزّر استحال عليه، فكتب
__________
(1) في هـ ب، د، و: «تحصل».
(2) في د، و: «استهلال».
(3) في ط: «يقوله» مكان «تقرّر له».
(4) «وإن لم تحصل الابتداء» سقطت من ب، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في ب: «أنّ».
(6) «ابتداء» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(7) «به» سقطت من ب.
(8) «بالتلبية أصواتهم» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ط: «براعات» وفي هـ ك «براعات» خ مكان «براعة خ».
(10) في ب: «تسفر».
(11) «قصيدة» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(12) «الفقيه» سقطت من ب.
(13) البيت في كتابه «النكت العصرية» ص 130.
(14) في ب، و: «القصيد».
(15) في ب، ك، و: «وتحمّسها» وفي هـ ك:
«وتحشّمها» خ صح.(1/330)
إليه هذه القصيدة على هذا النمط (1)، التي (2) منها (3) [من الطويل]:
ولا تحتقر كيدا ضعيفا (4) فربّما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب (5)
ومنها (6) [من الطويل]:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس (7) ... عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف اللّيل والصّبح معرك ... يكرّ علينا جيشه بالعجائب (8)
ومنها (9) [من الطويل]:
وما راعني غدر الشباب لأنّني ... ألفت بهذا (10) الخلق من كلّ صاحب (11)
ومنها (12) [من الطويل]:
إذا كان هذا الدّرّ معدنه فمي ... فصونوه عن تقبيل راحة واهب
رأيت رجالا حالهم في مآدب ... لديكم وحالي عندكم في نوادب
تأخّرت (13) لمّا قدّمتهم (14) علاكم ... عليّ وتأبى الأسد سبق الثّعالب
ترى أين كانوا في مواطني التي ... غدوت لكم فيهنّ أكرم خاطب
ليالي أتلو ذكركم في مجالس ... حديث الورى فيها بغمز الحواجب (15)
ومن ألطف البراعات وأحشمها (16) براعة مهيار (17) الديلميّ (18)، فإنّه بلغه أنه
__________
(1) «على هذا النمط» سقطت من ط.
(2) «التي» سقطت من ب، د، و.
(3) في ط: «من جملتها» وفي و: «منها له».
(4) في ط: «صغيرا» وفي هـ ك: «صغيرا» خ، و «كيد الصغير إلخ» ظ.
(5) البيت في كتابه «النكت العصرية» ص 130وفيه: «من سمام العقارب».
(6) في ب: «منها».
(7) في ط: «فاحترز» وفي هـ ك: «فاحترز» خ.
(8) البيتان في كتابه «النكت العصرية» ص 131.
(9) في ب: «منها».
(10) في ط: «لهذا».
(11) البيت في كتابه «النكت العصرية» ص 131.
(12) في ب: «منها».
(13) في ب: «تأخّر».
(14) في ط: «قدّمتكم».
(15) الأبيات في كتابه «النكت العصرية» ص 131وفيه: «نائب» مكان «خاطب».
(16) في ب: «وأحسنها».
(17) في ب: «الأستاذ مهيار».
(18) «الديلمي» سقطت من ب.(1/331)
وشي به إلى ممدوحه فتنصّل من ذلك بألطف عذر وأبرزه في معرض الغزل (1)
والنسيب (2)، فقال [من الطويل]:
أما وهواها حلفة (3) وتنصّلا ... لقد نقل الواشي إليها (4) فأمحلا (5)
وما أحلى ما قال بعده (6) [من الطويل]:
سعى جهده لكن تجاوز حدّه ... وكثّر فارتابت ولو شاء قلّلا (7)
وأذكرني مهيار بحسن براعته ما كتبت به إلى سيّدنا و (8) مولانا قاضي القضاة صدر الدين ملك المتأدبين (9)، أبي الحسن عليّ بن الأدميّ الحنفيّ، الناظر في الحكم العزيز بالدّيار المصرية والممالك الإسلامية، سقى الله ثراه (10)، من حماة المحروسة إلى أبوابه العالية بدمشق المحروسة، ورياحين الشّبيبة غضّة، وكانت مطالعاتي قد تأخّرت عنه مدّة لعارض (11) حجب الفكر عن هذا الفنّ، وهي رسالة مشتملة على نظم ونثر، فصدّرت (12) الجواب بقصيدة ترفل في حلل النسيب على طريق (13) مهيار [بن مرزويه، المذكور] (14)، وكلّها براعة استهلال، أوّلها [من الكامل]:
وصلت ولكن بعد طول تشوّق (15) ... ودنت وقد رقّت لقلبي الشّيّق (16)
وما أحلى ما قلت بعده (17) [من الكامل]:
__________
(1) في ب: «النشيد» وفي ط: «التغزل».
(2) في ب: «والغزل».
(3) في د: «خلقة».
(4) في ط: «إليك» وفي هـ ك: «إليك» خ.
(5) البيت في ديوانه 3/ 194.
وأمحل: كذب وسعى بوشاية. (اللسان 11/ 619 (محل)).
(6) «وما بعده» سقطت من ب.
(7) البيت في ديوانه 3/ 194.
(8) «سيدنا و» سقطت من ب.
(9) «ملك المتأدبين» سقطت من ب.
(10) في ب، ط، و: «جمل الله الوجود بوجوده»، وفي هـ ك: «جمل الله الوجود بوجوده» خ.
(11) في ك: «تأخّرت عنه مدّة» وفي هـ ك: «قد تأخرت عنه مدّة لعارض إلخ» خ وفي د: «عنده» مكان «عنه» وفي ط: «عن أبوابه العالية» مكان «عنه مدّة».
(12) في ب، د، و: «فصدّر» وفي ك «فصدّرت» مصححة عن «فصدّر» بزيادة تاء فوقها.
(13) في ب: «طريقة».
(14) من ب.
(15) في ط: «تشوّقي».
(16) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(17) «وما بعده» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».(1/332)
فثملت من طرب برجع حديثها ... فكأنّما قد نادمت بمعتّق (1)
وجميعها على هذا الطريق البديعيّ (2)، ومثله أن [القاضي] (3) المقرّ المرحوميّ (4)
الأمينيّ الحمصيّ لمّا انتقل من توقيع حمص المحروسة إلى صحابة ديوان الإنشاء الشريف (5) بدمشق المحروسة (6)، قصد نقلتي من حماة المحروسة إلى أبوابه العالية، وحبّ حماة (7) يفتّر العزم عن ذلك، وهذا يفهم من قولي في بعض قصائدي فيها [من الطويل]:
يلذّ عناق الفقر لي بفنائها ... وفي غيرها لم أرض بالملك والرّهط (8)
ولكنّه قطع أسئلته (9) العالية بعد ما (10) كانت كؤوس الإنشاء (11) دائرة بيننا فكتبت إليه قصيدة (12) تشعر بالعتب اللطيف (13)، وبلابل الغزل تغرّد في أفنانها على طريق (14) مهيار [الدّيلميّ] (15) وطريق مولانا قاضي القضاة صدر الدين [بن الأدميّ] (16)، عظّم الله تعالى شأنه (17)، وبراعة استهلالها [من الخفيف]:
من بأسياف هجرهم كلّمونا ... ما عليهم (18) لو أنّهم كلّمونا (19)
__________
(1) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
والمعتّق من الخمرة: يقصد أجودها.
(2) «وجميعها البديعيّ» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(3) من ب.
(4) في ط: «المخدوميّ».
(5) «الشريف» سقطت من ط.
(6) «المحروسة» سقطت من ط.
(7) في ب: «حماة المحروسة».
(8) البيت في ديوانه ورقة 34ب وفيه:
«أرضى».
والرهط: الجماعة والحاشية. (اللسان 7/ 305 (رهط)).
(9) في ب، د، و: «أمثلته».
(10) في ط: «بعد أن».
(11) في ب: «الإنشاد» وفي هـ ك: «الإنشاء» خ توهّم المصحّح أو المقابل أن الدال جاءت بعد «الإنشا»، فأشار إلى تصويبها في هـ ك بالهمزة، والثابت أن الدال تابعة ل «دائرة» بعدها.
(12) في ط: «بقصيدة».
(13) في ط: «بعتب لطيف».
(14) في ط: «طريقة».
(15) من ط.
(16) من ب.
(17) في ب: «عظم الله شأنه» وفي د، ك:
«سقى الله تعالى ثراه» وفي هـ ك: «عظم الله تعالى شأنه» خ صح.
(18) في و: «ماذا عليهم».
(19) البيت في ديوانه ورقة 12ب.
وكلّمونا: الأولى من «الكلم»، وهو الجرح والثانية من «الكلام».(1/333)
ولم أعرب في نحو هذه القصيدة عن غير هذه الإشارات اللطيفة، ومنها (1) [من الخفيف]:
أغلقوا (2) باب وصلهم فتح اللّ ... هـ لهم بالهناء فتحا مبينا
وصلوا هجرنا وعيش هواهم ... لم نحل عنهم ولو قطّعونا
ملكوا رقّنا فصرنا عبيدا ... ليتهم بعد رقّنا كاتبونا (3)
[قال] (4): ولم أزل أغازل عيون هذه المعاني إلى المخلص، فقلت [من الخفيف]:
حبّكم فرضنا وسيف جفاكم ... قد غدا في بعادنا مسنونا
والحشا لم تخن (5) عهود وفاكم ... واسألوا (6) من غدا عليها أمينا (7)
وممّا يشعر بالتهنئة والنصر على الأعداء براعة الاستهلال للعلّامة (8) إمام المغرب، ذي الوزارتين (9)، لسان الدين بن (10) الخطيب، وهي [من الكامل]:
الحقّ يعلو والأباطل تسفل (11) ... والله (12) عن أحكامه لا يسأل (13)
__________
(1) في ب، د، و: «منها».
(2) في ط: «غلقوا».
(3) الأبيات في ديوانه ورقة 12ب.
وكاتبونا: من «المكاتبة»، وهي أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤدّيه إليه منجّما (مشاهرة أو مساناة)، فإذا أدّاه صار حرّا.
(اللسان 1/ 700 (كتب)).
وفي هامش ب: «في أحد الوجهين يطلب الخلاص منهم». وقد أشير فوقها ب «حش».
وفي هامش ب أيضا: «خذ هذا المعنى من قول ابن نباتة [من الخفيف]:
قف بباب العلى وقل يا كتابي
عن لساني قول الخويدم حقّا
أنا عبد مكاتب غير أنّي
لست أرجو من مالك الرّقّ عتقا»
[ديوانه ص 355وفيه: «لست أخشى»].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(4) من ب.
(5) في ط: «يخن» وفي ك «يخن»، وفوق الياء نقطتان.
(6) في ط: «فاسألوا».
(7) البيتان في ديوانه ورقة 13أ.
(8) في ب: «براعة الإمام العلّامة» وفي د، ط، و: «براعة العلّامة».
(9) «إمام المغرب، ذي الوزارتين» سقطت من ط.
(10) «بن» سقطت من ب.
(11) في و: «والأسافل تبطل».
(12) في ط: «والحقّ».
(13) البيت في ديوانه 2/ 495.(1/334)
فإنّه قال: نظمت للسلطان، أسعده الله تعالى (1)، وأنا بمدينة سلا (2)، لمّا انفصل طالبا حقّه بالأندلس، قصيدة كان صنع الله (3) براعة استهلالها (4) ووجهت بها إليه (5)
إلى رندة (6) قبل الفتح، ثمّ (7) لمّا قدمت أنشدتها بين يديه بعد الفتح، وفاء بنذري وسمّيتها «الفتح الغريب في الفتح (8) القريب»، منها [من الكامل]:
وإذا (9) استحالت حالة وتبدّلت ... فالله عزّ وجلّ لا يتبدّل
واليسر بعد العسر موعود به ... والصّبر بالفرج القريب موكّل /
والمستعدّ لما (10) يؤمّل ظافر ... وكفاك شاهد «قيّدوا وتوكّلوا» (11)
منها (12) [من الكامل]:
أمحمّد والحمد منك (13) سجيّة ... بحليّها بين الورى يتجمّل (14)
[منها] (15) [من الكامل]:
أمّا سعودك فهو دون منازع ... عقد بأحكام القضاء مسجّل ... (16)
ولك السّجايا الغرّ والشّيم الّتي ... بغريبها يتمثّل المتمثّل
__________
(1) «تعالى» سقطت من ط وفي ب:
«سبحانه وتعالى».
(2) سلا: مدينة بأقصى المغرب. (معجم البلدان 3/ 262).
(3) في ب: «الله سبحانه».
(4) في ب، د، و: «مطابقا لاستهلالها» وفي هـ ك: «مطابقا لاستهلالها» خ.
(5) «إليه» سقطت من ط.
(6) رندة: معقل حصين بالأندلس من أعمال تاكرنّا، وهي مدينة قديمة على نهر جار.
(معجم البلدان 3/ 84).
(7) «ثم» سقطت من ب.
(8) في و: «الفيح».
(9) في ط: «فإذا».
(10) في ط: «بما» وفي هـ ك: «بما» خ.
(11) الأبيات في ديوانه 2/ 495.
وشاهد «قيّدوا وتوكّلوا»: يقصد النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لقوله: «اعقل وتوكّل». (جمع الجوامع للسّيوطيّ ص 3577).
(12) «منها» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك وفي ط: «ومنها».
(13) في ب: «فيك» وفي هـ ك «منه» خ.
(14) البيت في ديوانه ص 495.
وسجيّة: عادة وطبيعة وخلق. (اللسان 14/ 372 (سجا)).
(15) من د.
(16) في ط: «يسجّل» وفي هـ ك: «يسجّل» خ.(1/335)
ولك الوقار (1) إذا تزلزلت (2) الرّبا (3) ... وهفت من الرّوع (4) الهضاب المثّل (5)
ومنها (6) [من الكامل]:
عوّذ كمالك ما استطعت فإنّه ... قد تنقص الأشياء ممّا تكمل (7)
[منها] (8) [من الكامل]:
تاب الزمان إليك ممّا قد جنى ... والله يأمر بالمتاب ويقبل
إن كان ماض من زمانك قد مضى ... بإساءة قد سرّك المستقبل
هذا بذاك فشفّع الثاني (9) الذي ... أرضاك فيما قد جناه الأوّل
والله قد ولّاك أمر عباده ... لمّا ارتضاك ولاية لا تعزل
وإذا تغمّدك الإله بنصره ... وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل (10)
ومنها (11) [من الكامل]:
وظعنت عن أوطان ملكك راكبا ... متن العباب فأيّ صبر يجمل
والبحر قد خفقت عليك ضلوعه (12) ... والرّيح تبتلع الزفير (13) وترسل
ولك الجواري (14) المنشآت قد اغتدت ... تختال في برد الشباب وترفل
__________
(1) في ب: «الوفاء» وفي هامشها:
«الوقار».
(2) في ط: «نزلت على».
(3) «الربا» سقطت من ب.
(4) في ب: «الفزع».
(5) الأبيات في ديوانه ص 496.
وسعود: ج سعد، وهو الحظّ. (اللسان 3/ 213 (سعد)).
(6) «ومنها» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(7) البيت في ديوانه ص 497.
وعوّذه: حماه بالتعاويذ، وهي الطلاسم أو بالمعوذتين من القرآن الكريم. (اللسان 3/ 499 (عوذ)).
(8) من ب، د، و.
(9) في ك: «للثاني» وفي هـ ك: «الثاني» خ.
(10) في ب: «يعزل». والأبيات في ديوانه ص 998.
(11) «ومنها» سقطت من ك وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ب، د، و: «منها».
(12) في ب: «قلوعه».
(13) في ب، و: «تقطع للزفير» وفي د، ك:
«يقطع للزفير» وفي هـ ك: «تبتلع الزفير» خ صح.
(14) في ب، د، و: «الجوار».(1/336)
جوفاء (1) يحملها ومن حملت (2) به ... من يعلم الأنثى وماذا تحمل (3)
منها (4) [من الكامل]:
صبّحتهم غرر الجياد كأنّما ... سدّ الثنيّة عارض متهلّل
من كلّ منجرد أغرّ محجّل ... يرمي الجياد به أغرّ محجّل
زجل الجناح إذا أجدّ لغاية ... وإذا تغنّى للصّهيل فبلبل
جيد كما التفت (5) الظليم وفوقه ... أذن ممشّقة وطرف أكحل (6)
ومنها (7) [من الكامل]:
وخليج هند راق حسن صفائه ... حتّى يكاد يعوم فيه (8) الصّيقل
غرقت (9) بصفحته (10) النّعال (11) وأوشكت ... تبغي النجاة فأوثقتها (12) الأرجل
فالصّرح منه ممرّد والصفح من ... هـ مورّد والشّطّ منه مهدّل (13)
[منها] (14) [من الكامل]:
وبكلّ أزرق إن شكت ألحاظه ... مره (15) العيون فبالعجاجة يكحل (16)
__________
(1) في ط: «خرقاء» وفي هـ ك: «خرقاء» خ.
(2) في د: «وما انحملت».
(3) الأبيات في ديوانه ص 500499.
والعباب: عباب البحر أمواجه، ومعظم مياهه. (اللسان 1/ 573 (عبب)) والجواري المنشآت: السفن العظيمة المرفوعة الشّرع. (اللسان 1/ 173 (نشأ)).
(4) «منها» سقطت من ط.
(5) في ب، د، ك، و: «التفّ» وفي هـ ك «التفت» خ.
(6) الأبيات في ديوانه ص 500.
وزجل الجناح: أي لجناحه صوت.
(اللسان 11/ 702 (زجل)) وأجدّ:
واجتهد. (اللسان 3/ 113 (جدد)) والظليم: ذكر النعام. (اللسان 12/ 379 (ظلم)).
(7) في ب، د، و: «منها».
(8) في ط: «به يقوم».
(9) في ب: «عرفت».
(10) في د: «بصحفته».
(11) في ط: «النمال» وفي هـ ك: «النمال» خ.
(12) في ب: «فأوثقته».
(13) الأبيات في ديوانه ص 500.
والصيقل: الشحّاذ الذي تجلى به السيوف. (اللسان 11/ 380 (صقل)).
(14) من ب، د، و.
(15) في ك: «مرة».
(16) في ب: «تكحل».(1/337)
متأوّد (1) أعطافه في نشأة (2) ... ممّا يعلّ (3) من الدّماء وينهل (4)
عجبا له إنّ النّجيع بطرفه ... رمد ولا يخفى عليه مقتل (5)
[منها] (6) [من الكامل]:
لله موقفك الذي وثباته ... وثباته مثل به يتمثّل
والخيل خطّ والمجال صحيفة ... والسّمر تنقط والصّوارم تشكل
والبيض قد كسرت حروف جفونها ... وعوامل الأسل المثقّف تعمل (7)
وهي طويلة (8) [كثيرة] (9)، وجميعها فرائد (10)، ولم أكثر منها إلّا لعلمي أن نظم الوزير (11) لسان الدين بن (12) الخطيب، رحمه الله (13)، غريب في هذه البلاد (14).
ومن البراعات التي يفهم من إشارتها (15) أنّها تهنئة بمولود قول أبي بكر بن الخازن، رحمه الله تعالى (16) [وهو] (17) [من البسيط]:
__________
(1) في د: «متأوّد».
(2) في ب، د، ط: «نشوة».
(3) في ب: «تعلّ».
(4) في ب: «وتنهل».
(5) الأبيات في ديوانه ص 501500.
ومره العيون: مرض يصيب العين لترك الكحل. (اللسان 13/ 540 (مره)) والعجاجة: الغبار الكثيف. (اللسان 2/ 319 (عجج)) ومتأوّد: معوّج. (اللسان 3/ 75 (أود)) وأعطافه: جنباته. (اللسان 9/ 251250 (عطف))، ويعلّ وينهلّ:
العلل الشربة الثّانية، والنهل الشربة الأولى. (اللسان 11/ 467 (علل)، 680 (نهل)) والنجيع: دم الجوف. (اللسان 8/ 348 (نجع)).
(6) من ب، د، و.
(7) الأبيات في ديوانه ص 501500.
وثباته: الأولى من «الوثب» وهو القفز، والثانية من «الثبات». (اللسان 4/ 376 (سمر)) والصوارم: السيوف. (اللسان 12/ 334 (صرم)). والبيض: ما يلبس على الرأس من عدّة الحرب. (اللسان 7/ 123 (بيض)) والأسل: الرماح (اللسان 11/ 15 (أسل)).
(8) «طويلة» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) من و.
(10) في ب: «فوائد».
(11) «نظم الوزير» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(12) «بن» سقطت من ط.
(13) سقطت من ب وفي ط، و: «رحمه الله تعالى».
(14) في ب: «في هذه البلاد غريب».
(15) في ب، د، ط، و: «إشاراتها».
(16) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، و.
(17) من ب.(1/338)
بشرى (1) فقد أنجز الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا (2)
وممّا يشعر بقرينة الذوق أنّ الناظم يريد الرثاء، قول التّهاميّ (3) في براعته (4) [من الكامل]:
حكم المنيّة في البريّة جاري ... ما هذه الدّنيا بدار قرار (5)
وهذه القصيدة يرثي بها ولده، وهي نسيج وحدها، وواسطة عقدها منها (6) [من الكامل]:
ومكلّف الأيّام ضدّ طباعها ... متطلّب في الماء جذوة نار
طبعت (7) على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأقذار (8)
وإذا رجوت المستحيل فإنّما ... تبني الرّجاء على شفير هار
والعيش (9) نوم والمنيّة يقظة ... والمرء بينهما خيال سار (10)
__________
(1) في د: «بشرا».
(2) البيت في الإيضاح ص 353.
(3) في و: «رحمه الله».
(4) «في براعته» سقطت من ب، ط، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(5) البيت في ديوانه ص 462461.
وفي هامش ب: «قال بعضهم في مطلع مرثيّة [من الطويل]:
علام ترى شقّ الضّياجيب فجره
وفيم ترى جبّ الدّجى ذيل شعره
انظر إلى هذا البيت وما فيه من الصنائع المعنويّة واللفظية وهي: الطباق بين «الضيا والفجر» و «الدّجى» والمناوبة بين «جيب» و «ذيل»، و «شقّ» و «جبّ»، و «علام» و «فيم»، و «ترى» و «ترى» والمجانسة بين «جبّ» و «جيب» وتجاهل العارف والاستعارات اللطيفة، وخطاب «ترى» و «ترى» العام، إلى غير ذلك وأمّا حسن الابتداء وتناسب القسمين ورعاية مقام الرثاء، والإشارة إلى ما قصده الشاعر ممّا بني عليه غرضه، فلا أقول فيه شيئا، وربّما يقول قائل: إنه لم يتمّ وإنه متوقّف على ما يأتي بعده، فالمنصف يجيبه عن ذلك أو يدّعي أنه غير متناسب القسمين، كما فعل الشيخ تقيّ الدين ابن حجّة في قول الصفيّ الحلّيّ [من البسيط]:
جاءت لتنظر ما أبقت من المهج»
[ديوانه ص 713وعجزه:
* فعطّرت سائر الأرجاء بالأرج *] وقد أشير فوقها ب «حش».
(6) «منها» سقطت من ب، ط.
(7) في ط: «جبلت» وفي هـ ك: «جبلت» خ.
(8) في ب: «والأقدار» وفي د، و:
«والأكدار» وفي هـ ك: «والأكدار» خ.
(9) في هـ ك: «فالعيش» خ.
(10) في ط، و: «ساري». والأبيات في ديوانه(1/339)
وما (1) أعلم أنّ أحدا استهلّ للمراثي (2) بأحسن من هذه البراعات (3) ومنها (4)
يشير إلى ولده، وهو من المعاني المستغربة [من الكامل]:
جاورت أعدائي وجاور ربّه ... شتّان بين جواره وجواري (5)
وأمّا قصيدة الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله تعالى (6)، في تهنئة السلطان الملك الأفضل بسلطنة حماة المحروسة (7)، وتعزيته (8) بوفاة والده الملك المؤيّد، سقى الله عهده (9)، فهي (10) من عجائب الدهر لأنّه (11) جمع فيها بين نقيضي (12)
المدح والرثاء (13) في كلّ بيت (14)، وبراعتها [من الطويل]:
هناء محا ذاك العزاء المقدّما (15) ... فما عبّس المحزون حتّى تبسّما
ثغور ابتسام في ثغور مدامع ... شبيهان لا يمتاز ذو السّبق منهما
نردّ (16) مجاري الدمع والبشر واضح ... كوابل غيث في (17) ضحى الشّمس قد همى (18)
__________
ص 462461.
وشفير هار: حرف مهدوم أو كاد أن يهدم.
(اللسان 5/ 267 (هور)).
(1) في ب، د، و: «ما».
(2) في ب: «المراثي».
(3) في د، ك: «العبارات» وفي هـ ك:
«البراعات» صح.
(4) في ب، د، ك، و: «منها» وفي ط: «ومنها».
(5) البيت في ديوانه ص 461.
(6) سقطت من ب وفي د، و: «رحمه الله».
(7) «المحروسة» سقطت من ب، د، ط، و.
(8) «وتعزيته» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) «سقى الله عهده» سقطت من ب وفي ط: «سقى الله ثراه».
(10) في ط: «فإنّها».
(11) في ط: «فإنّه».
(12) ورد في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «نقيضي: هكذا وردت في الأصل، والأصح: نقيضين» لعلّه قد نسي أنّ النون قد حذفت للإضافة، وذلك من باب إضافة المسمّى إلى الاسم.
(13) وفي هامش ب: «لو قال: «الهناء والرثاء» لكان قوله «نقيضي» صحيحا، لأنّ نقيض المدح الذمّ والمدح والرثاء غير نقيضين، ولأنّ الرثاء مدح الميت، وكلاهما مدح فتأمّل ذلك». وقد أشير فوقها ب «حش».
(14) في و: «منها» مشطوبة بعد «بيت».
(15) في د، ك: «العزا المتقدّما» وفي هـ ك:
«العزا المقدّما» خ صح.
(16) في ط: «يرد» وفي ك: «يردّ»، وفوق الياء نقطة.
(17) في ك: «قد» وفي هامشها: «صوابه «في».
(18) الأبيات في ديوانه ص 429.(1/340)
سبحان المانح، والله من لا يتعلم الأدب من هنا، فهو من المحجوبين عن إدراكه.
وكتب (1) إليه (2) الشيخ صلاح الدين الصفديّ قصيدة (3) ضمّن فيها أعجاز معلّقة امرئ القيس، وصرّح فيها (4) وفي (5) براعتها بغليظ (6) العتب، ولم يأت في البراعة بإشارة لطيفة يفهم منها القصد، بل صرّح وقال (7) [من الطويل]:
أفي كلّ يوم منك عتب يسوءني ... «كجلمود صخر حطّه السّيل من عل» (8)
فأجابه الشيخ جمال الدين بقصيدة ضمّن فيها الأعجاز المذكورة، وبراعة استهلالها [من الطويل]:
فطمت ولائي ثمّ أقبلت عاتبا ... «أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل» (9)
والإشارة [له] (10) بقوله: «أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل» (11) لا يخفى على حذّاق أهل (12) الأدب ما مراده (13) منها، وفي هذا القدر كفاية، وما أحلى ما قال منها (14)، وهو ممّا يؤيّد (15) قصده في تلك الإشارة [من الطويل]:
فدونك عتب (16) اللفظ ليس بفاحش ... «إذا هي نصّته (17) ولا بمعطّل» (18)
وهنا بحث، وهو أني وقفت على بديعيّة الشيخ شمس الدين، أبي عبد الله محمد (19) بن جابر الأندلسيّ، الشهيرة ببديعيّة العميان، فوجدته قد صرّح في براعتها
__________
(1) مكررة في ب.
(2) «إليه» سقطت من ب.
(3) «قصيدة» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(4) «فيها» سقطت من ط.
(5) في ب «ومن» وفي ط: «في».
(6) في ب: «تغليظ».
(7) في و: «أو» مشطوبة بعد «وقال».
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(9) في ب: «التذلّل». والبيت في ديوانه ص 392.
(10) من و.
(11) في ب، و: «التذلّل».
(12) «أهل» سقطت من ط وفي ب: «وأهل» وفي ك: «أهل خ».
(13) «مراده» سقطت من ب.
(14) في ط: «بعده».
(15) «يؤيد» سقطت من ط.
(16) في ب، د، ك، و: «عتبي» وفي هـ ك:
«عتب» صح.
(17) في ب، د: «فضّته».
(18) في ب: «بمعلّل». والبيت في ديوانه ص 393وفيه: «عتبي».
(19) «محمد» سقطت من ب.(1/341)
بمدح النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، وهي:
بطيبة انزل ويمّم سيّد الأمم ... وانثر له المدح وانشر طيّب الكلم (1)
فهذه البراعة ليس فيها إشارة تشعر بغرض الناظم (2) وقصده، بل أطلق التصريح ونثر المدح ونشر طيّب الكلم، كما قال (3)، فإن قال (4) قائل إنّها براعة استهلال، قلنا (5): إن البديعيّة لا بدّ لها من براعة وحسن تخلص (6) وحسن ختام، فإذا كان مطلع القصيدة مبنيّا على تصريح المدح لم يبق لحسن التخلّص محلّ ولا موضع ونظم هذه القصيدة سافل بالنسبة إلى طريق الجماعة، غير أنّ الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدّين أبا جعفر الأندلسيّ، رحمه الله تعالى (7)، شرحها شرحا مفيدا.
وهنا فائدة، وهي (8) أنّ الغزل الذي يصدّر به المديح النبويّ يتعيّن على الناظم أن يحتشم فيه ويتبادى (9) ويتضاءل ويشبّب (10)، مطربا بذكر: سلع ورامة وسفح العقيق والعذيب وبارق (11) والغوير ولعلع وأكناف حاجر (12)، ويطّرح ذكر محاسن المرد
__________
(1) البيت في الحلّة السّيرا ص 28وفيه:
وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم *
(2) في و: «المادح».
(3) «كما قال» سقطت من ط.
(4) «قال» سقطت من د، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في ط: «قلت».
(6) في ط: «مخلص».
(7) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(8) في ط: «وهو».
(9) في ب، ط. «ويتأدّب» وفي هـ ك:
«ويتأدّب» خ.
(10) في ط: «ويتشبّب».
(11) «وبارق» سقطت من ط.
وسلع: موضع بقرب المدينة (معجم البلدان 3/ 268) ورامة: موضع في طريق البصرة إلى مكّة (معجم البلدان 3/ 20) وسفح العقيق: سفح جبل بالمدينة (معجم البلدان 4/ 139) والعذيب: واد لبني تميم وهو من منازل حاج الكوفة (معجم البلدان 4/ 92) وبارق: موضع بتهامة (معجم البلدان 1/ 380) والغوير: موضع (معجم البلدان 4/ 220) ولعلع: موضع أو جبل قريب من العذيب (معجم البلدان 5/ 21)
(12) وأكناف حاجر: نواح لموضع في ديار بني تميم (معجم البلدان 2/ 236).
وفي هامش ب: «قد يبتدئ الناظم بتشبيب أو نصائح أو توحيد أو حكميات أو مذمّة الدنيا، ثم يتخلّص بألطف وجه إلى مديح النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، وهذا سائغ [لعلّها:
«شائع»] لا يحتاج إلى شاهد وقد يفعل ما ذكر من الأماكن، ويخلص إلى مدح الخلق، ولا يمدح بذلك النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)،(1/342)
__________
ولا يحكم على ناظم ذكر هذه الأماكن أن يتخلص منها إلى مديح النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، ألبتّة، بل أكثر الشعراء ينظمون ذلك ويتخلّصون إلى أغراض سوى مدحه، (صلى الله عليه وسلم)، قال أحمد بن صدقة الخياط الدمشقيّ [من الطويل]:
خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ... إلخ
[البيت في ديوانه ص 170وعجزه:
فقد كاد ريّاها يطير بلبّه
وقال غيره [من الكامل]:
بالخيف من ظبياته سمراء
أقوامها أم صعدة سمراء
منها [من الكامل]:
فلذاذة الأيّام ردّ بعادها
يقضي به الإصباح والإمساء
وقال آخر [من البسيط]:
عج بالغوير فلي فيه لبانات
وخلّ لومي فما تجدي الملامات
وقال في آخرها [من البسيط]:
يدير من يدي خمرا ومن فمه
شهدا به لنفوس القوم لذّات
وقال التنوخيّ تاج الدين يمدح الملك الناصر [من البسيط]:
مضت لنا بالحمى والبان أوقات
ضنت لنا وصفت فيها المسرّات
منها [من البسيط]:
رقّت فقلنا: صلاح الدين شاربها
أخلاقه فصفت منها الزجاجات
وقال مجد الدين بن الظهير [من الكامل]:
غشّ المفنّد كامن في نصحه
فأطل وقوفك بالغوير وسفحه
وقال نجم الدين بن إسرائيل [من الطويل]:
لقد عادني من لاعج الشوق عائد
فهل عهد ذات الخال بالسفح عائد
[البيت له في الأدب في العصر المملوكي 1/ 246].
وقال ابن مطروح [من الكامل]:
هي رامة فخذوا بملء الوادي
وذروا السيوف تقرّ في الأغماد
[البيت في ديوانه ص 185].
وقال آخر [من الطويل]:
لعلّ نواحي العيش تعرب عن وجدي
إذا نزلت دون الثنيّة من نجد
وقال [آخر] [من الخفيف]:
نمّ دمعي إلى الحداة بوجدي
حين ساروا عن العقيق بهند
إلى ما لا نهاية له.
قال الشيخ زكيّ الدين بن أبي الإصبع في كتابه المسمّى ب «بديع القرآن»: قلت قصيدة مدحت فيها رسول الله، (صلى الله عليه وسلم)، عدتها ثلاثمئة وخمسة عشر بيتا، وأورد بعضها، وأوّلها [من الطويل]:
بسكر الصّبا أعطافها تتأوّد
وألحاظها سكرا علينا تعربد
ذكر الشيخ زكيّ الدين أنّه ذكر في هذه القصيدة وصف القرآن العزيز، وأنّه نظم فيها ما في «الشفاء» للقاضي عياض، في نبيّنا محمد، (صلى الله عليه وسلم)، من دلائل نبوّته، (صلى الله عليه وسلم)، وخصائصه، عليه الصلاة والسلام، فانظر أيّها الأديب المنصف إلى مطالعها وتأمّل بعين الفكر ما تكلّفه الشيخ تقيّ(1/343)
والتغزّل في ثقل الرّدف (1) ورقّة الخصر وبياض الساق وحمرة الخدّ وخضرة العذار وما أشبه ذلك، وقلّ من سلك (2) هذا الطريق من أهل الأدب.
وبراعة الشيخ صفيّ الدين الحليّ في هذا الباب من أحسن البراعات (3)
وأحشمها، وهي (4):
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... واقر السّلام على عرب بذي سلم (5)
لا يشكّ (6) من عنده أدنى ذوق أنّ هذه البراعة صدر (7) لمديح نبويّ (8)، فإنّه شبّب بذكر سلع، وسأل عن جيرة العلم، وسلّم على عرب بذي سلم (9).
ومطلع البردة (10) في هذا الباب من أحسن البراعات أيضا، وهو (11) [من البسيط]:
أمن تذكّر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم (12)
فمزج دمعه بدمه (13)، عند تذكّر جيران بذي سلم، من ألطف الإشارات إلى أنّ القصيدة نبويّة، وما أحلى ما قال بعده [من البسيط]:
__________
الدين، غفر الله لنا وله وللمسلمين.
انتهى». وقد أشير فوقها ب «حش».
(1) في ب: «الأرداف».
(2) في ط: «يسلك».
(3) في ب: «البراعات» مكرّرة.
(4) في ط: «وهو».
(5) البيت في ديوانه ص 685وفيه «واقر» وشرح الكافية البديعية ص 57ونفحات الأزهار ص 12وفيهما: «واقرا».
والعلم: جبل فرد شرقيّ الحاجر، يقال له «أبان» فيه نخل وفيه واد (معجم البلدان 4/ 147) وذو سلم: موضع بالحجاز (معجم البلدان 3/ 272).
(6) في ط: «ولا يشكل على» وقبلها في ط:
«فقد شبّب بذكر سلع، والسؤال عن جيرة العلم، والسلام على عرب بذي سلم».
(7) في ب: «صدرا» وفي ط: «صدرت».
(8) في ب: «النبي (صلى الله عليه وسلم)».
(9) «فإنّه شبّب بذي سلم» هذه الصيغة سقطت من ط.
ويبدو ابن حجّة هنا متجاهلا لبراعة الشيخ عزّ الدين الموصليّ في بديعيّته، وهي:
براعة تستهلّ الدمع في العلم
عبارة عن نداء المفرد العلم
[نفحات الأزهار ص 12].
(10) في ط: «البردة أيضا».
(11) في و: «وهي».
(12) البيت للبوصيري في ديوانه ص 165.
(13) في ب، د: «بدم».(1/344)
أم هبّت الرّيح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظّلماء من إضم (1)
وحشمة الشيخ جمال الدين بن نباتة في براعة قصيدته الرائية النبوية يتعلّم الأديب منها سلوك الأدب، وهي [من الطويل]:
صحا القلب لولا نسمة تتخطّر ... ولمعة برق بالفضا تتسعّر (2)
وما أحشم قوله بعده [من الطويل]:
وذكر جبين المالكيّة إن بدا ... هلال الدّجى والشيء بالشيء يذكر
سقى الله أكناف الفضا سائل الحيا ... وإن كنت أسقى أدمعا تتحدّر (3)
وأمّا قصيدتي النبويّة الموسومة ب «أمان الخائف» فإنّها عذيب هذا (4) البارق، وحلبة مجرى هذه السّوابق، لأنّني لم أخرج في تغزّلها عن التّبادي (5) وحشمة الألفاظ وذكر (6) المنازل المعهودة، وبراعتها [قوله] (7) [من الطويل]:
شدت بكم العشّاق لمّا ترنّموا ... فغنّوا وقد طاب المقام وزمزموا (8)
وقلت بعدها (9) [من الطويل]:
__________
(1) البيت للبوصيري في ديوانه ص 165.
وكاظمة: اسم موضع على طريق البصرة.
(معجم البلدان 4/ 431) وإضم: اسم واد فيه ماء، بين مكة واليمامة. (معجم البلدان 1/ 254).
(2) البيت في ديوانه ص 180وفيه: «بالغضا».
(3) «وحشمة الشيخ جمال الدين تتحدّر» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
والبيتان في ديوانه ص 180وفيه: «البابليّة إذ» مكان «المالكية إن» و «الغضا» مكان «الفضا». «الشيء وبالشيء يذكر»: المثل في تمثال الأمثال ص 291، 293.
(4) «هذا» سقطت من د.
(5) في ب: «التأدّب» وفي ط: «التباري».
(6) في ط: «والتشبيب بذكر» مكان «وحشمة الألفاظ وذكر».
(7) من ب.
(8) في ب، د، ط: «وزمزم» وفي و:
«وزمزم (وا)». والبيت في ديوانه ورقة 7أوفيه «وزمزم».
وفي هامش ب: «قال الشيخ بدر الدين البشتكيّ: شدا وترنّم وغنّى وزمزم بمعنى». وقد أشير فوقها ب «حش».
وفي هامش ك: «قال الشيخ بدر الدين البشتكيّ: هذا البيت الذي خطب له فاسد، لأنّ معنى «شدا» غنّى، ومعنى «ترنّم» غنّى، ومعنى «زمزم» غنّى. وقد كتب فوقها «حاشية».
(9) في ط: «بعده».(1/345)
وضاع شذاكم بين سلع وحاجر ... فكان دليل الظاعنين إليكم (1)
وجزتم بوادي الجزع فاخضرّ والتوى ... على خدّه بالنّبت صدغ منمنم /
ولمّا روى أخبار نشر ثغوركم ... أراك الحمى جاء الهوى يتنسّم (2)
ومنها (3)، وما أليقه أن يكون صدرا للمدائح النبويّة (4) [من الطويل]:
فيا عرب الوادي المنيع حجابه ... وأعني به قلبي الذي فيه خيّموا
رفعتم قبابا نصب عيني ونحوها ... تجرّ ذيول الشّوق والقلب يجزم
ويا من أماتونا اشتياقا وصيّروا ... مدامعنا غسلا نهار تيمّموا (5)
منعتم تحيّات السّلام لموتنا ... غراما وقد متنا فصلّوا وسلّموا (6)
[منها] (7) [الطويل]:
يقولون لي في الحيّ أين قبابهم ... ومن هم (8) من السادات قلت هم هم
عريب لهم طرفي (9) خباء مطنّب ... بدمعي وقلبي نارهم حين تضرم (10)
ومن ألطف الإشارات إلى أن هذا التغزّل صدر لقصيدة (11) نبويّة قولي منها (12)
[من الطويل]:
أورّي بذكر البان والرّند والنّقا ... وسفح اللّوى والجزع والقصد أنتم (13)
__________
(1) «وضاع إليكم» سقط من د.
(2) في ب: «يتبسّم». والأبيات في ديوانه ورقة 7أوفيه «إليكمو» و «منمنموا».
(3) في ب: «منها».
(4) «وما أليقه النبوية» سقطت من ب وفي ط: «وما أليقه النبوية، ومنها».
(5) في ط: «لنا وتيمّموا» وفي هـ ك: «لنا وتيمّموا» خ.
(6) الأبيات في ديوانه ورقة 7أوفيه «غسلانها فتيمّموا» ونظم الدّرّ والعقيان ص 325.
(7) من ب، د، و.
(8) في هـ و: «ومن هم» ن وفي و: «ومنهم» وفوقها «من».
(9) في ب: «قلبي».
(10) البيتان في ديوانه ورقة 7ب. ومطنّب: ذو طنب، وهي الحبال التي تشدّ بها أعمدة الخيام (اللسان 1/ 560 (طنب)).
(11) في ط: «قصيدة».
(12) «منها» سقطت من و.
(13) البيت في ديوانه ورقة 7ب.
والبان: موضع. (معجم البلدان 1/ 395) والرّند: موضع. (معجم البلدان 3/ 84) والنقا: كثيب رمل (اللسان 15/(1/346)
ولم أزل في براعة الاستهلال، أستهلّ أهلّة هذه (1) المعاني، إلى أن وصلت إلى حسن التخلّص، فقلت [من الطويل]:
تقنّعت (2) في حبّي لهم فتعصّبوا ... معي (3) وهم سادات من قد تلثّموا
لهم حسب عال ببطحاء مكّة ... لأنّ رسول الله في الأصل منهم (4)
ومن الأغزال التي لا يليق (5) أن يكون (6) غزلها (7) صدرا (8) لمديح (9) نبويّ قصيدة السّريّ الرفاء، فإنّه مدح الفاطميّين بها (10) وجدّهم رسول الله (11)، (صلى الله عليه وسلم)، وجرح القلوب بندبة الحسين، رضي الله عنه (12)، فإنّه قال منها [من البسيط]:
مهلا فما نقضوا (13) آثار (14) والده ... وإنّما نقضوا في قتله الدّينا (15)
وهذه القصيدة مشتملة على مدح النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، وآله (16)، وندبة الحسين [بن عليّ] (17) رضي الله عنه (18)، فما ينبغي أن تكون (19) براعتها [من البسيط]:
نطوي اللّيالي علما أن ستطوينا ... فشعشعيها (20) بماء المزن واسقينا (21)
__________
339 (نقا)) واللوى: اسم واد (معجم البلدان 5/ 27) والجزع: منعطف الوادي. (معجم البلدان 2/ 155).
(1) «هذه» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(2) في هامش ب: «يقال: تقنّع بكوز وتعصّب بجرّة، وقد حصل اللثام والعصابة والمقنّعة بقي ما بقي والسلام». وقد أشير فوقها ب «حش».
(3) في ط: «عليّ» وفي هـ ك: «عليّ» خ.
(4) البيتان في ديوانه ورقة 7ب.
(5) في ط: «تليق».
(6) في د: «تكون».
(7) في ب: «غزلها أن يكون» مكان «أن يكون غزلها».
(8) «صدرا» سقطت من ط، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(9) في ط: «لمديح قصيد».
(10) في ط: «بها الفاطميين».
(11) «رسول الله» سقطت من ب، د، ط، و.
(12) في ط: «عليه السلام».
(13) في ط: «نقلوا».
(14) في ب، و: «أوتار».
(15) البيت في ديوانه ص 273، وفيه «أوتار».
(16) في ط، و: «وآل بيته» وفي هـ ك: «وآل بيته» خ.
(17) من ط.
(18) «فإنه قال الله عنه» سقطت من ب وفي ط: «عليهما السلام» مكان «رضي الله عنه».
(19) في ب، ك: «يكون».
(20) في ب: «فشعشعها».
(21) البيت في ديوانه ص 272.(1/347)
ما أحقّ هذه البراعة لبعدها من المديح بقول القائل [من الطويل]:
تمنّيتهم بالرّقمتين ودارهم ... بوادي (1) الغضايا بعد من (2) أتمنّاه (3)
وما كفاه حتّى قال بعد ذلك [من البسيط]:
وتوّجي بكؤوس الراح راحتنا (4) ... فإنّما خلقت للرّاح أيدينا
قامت تهزّ قواما ناعما سرقت ... شمائل البان منه اللّطف واللّينا (5)
تدير خمرا تلقّاها المزاج كما ... ألقيت فوق جنيّ (6) الورد نسرينا
فلست أدري أتسقينا وقد نفحت ... روائح المسك منها أم تحيّينا
قد ملّكتنا زمام (7) العيش صافية ... لو فاتنا الملك راحت (8) عنه تسلّينا (9)
أقول (10): غفر الله له هذا الغزل، فيه إساءة أدب على مماديحه (11)، فإنّه شبّب فيه (12) بوصف القيان وبذكر الخمر (13)، وبينه وبين المديح مباينة عظيمة (14).
رجع إلى البراعات البارعة التي تشعر أنها صدر للمديح (15) النبويّ بالإشارات
__________
(1) في ك: «بدار» وفي هامشها «بوادي» خ صح.
(2) في ب، ط، و: «ما» وفي ك: «من» خ وفي هامشها «ما» خ.
(3) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
والرقمتان: موضع قرب المدينة (معجم البلدان 3/ 6766) ووادي الغضا:
موضع بنجد (معجم البلدان 4/ 205).
(4) في ب، د، ك، و: «أيدينا» وفي هـ ك:
«راحتنا» صح.
(5) في ب، د، ط، و: «من أعطافه اللينا» وفي هـ ك: «من أعطافه اللينا» خ.
(6) في هـ و: «جناء» ن وفي و: «جنى».
(7) في ط: «وقد ملكنا زمان».
(8) في ب: «كانت».
(9) الأبيات في ديوانه ص 273272، وفيه «أيدينا» مكان «راحتنا» و «من أعطافه اللينا» و «تحت حمراء» مكان «تدير خمرا».
(10) «أقول» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(11) في ب: «مادحيه» وفي د، ط، و:
«مماديحه» وفي ك: «مماديحه».
(12) «فيه» سقطت من ط وفي ك «فيه خ».
(13) في ب: «وذكر الخمور».
(14) في ب: «بون» مكان «مباينة عظيمة» وبعدها في ب: «وقال منها بعد التخلص:
مهلا فما نقضوا أوتار والده
وإنّما نقضوا في قتله الدّينا»
(15) في ط: «المديح».(1/348)
اللطيفة، منها براعة الشّيخ برهان الدّين القيراطيّ، رحمه الله تعالى (1)، وهي [قوله] (2) [من الخفيف]:
ذكر الملتقى على الصّفراء ... فبكاه بدمعة حمراء (3)
وأمّا براعة بديعيّتي (4) فإنّها، ببركة ممدوحها، (صلى الله عليه وسلم)، نور هذه المطالع، وقبلة هذا الكلام الجامع، فإنّني (5) جمعت فيها بين براعة الاستهلال وحسن الابتداء بالشروط المقرّرة (6) لكلّ منهما، وأبرزت تسمية نوعها (7) البديعيّ في أحسن قوالب التورية، وشنّفت بأقراط (8) غزلها الأسماع مع حشمة الألفاظ وعذوبتها وعدم تجافي جنوبها عن مضاجع الرّقّة.
وبديعيّة الصّفيّ (9) رقّة (10) غزلها لا ينكر (11)، غير أنّه لم يلتزم (12) فيها بتسمية (13) النوع البديعيّ مورّى (14) به من جنس الغزل، ولو التزمه لتجافت (15) عليه تلك الرقّة، فإنّ (16) الشيخ عزّ الدين الموصليّ، رحمه الله تعالى (17)، لمّا التزم ذلك، نحت من الجبال بيوتا، وقد أشرت إلى ذلك في الخطبة بقولي: «وهي البديعية التي هدمت بها ما نحته الموصليّ في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ (18) مقيّدا بتسمية النوع وهو من ذلك محلول العقال، وسمّيتها «تقديم أبي بكر» علما (19) أنّه لا يسمع
__________
(1) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط وفي و: «رحمه الله».
(2) من ط.
(3) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(4) في ب، د: «بديعيّتي هذه».
(5) في ط: «فإنّي».
(6) في ط: «بالشرط المقرّر».
(7) في ب: «نوعها م تسمية م».
(8) «بأقراط» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ط: «صفيّ الدين».
(10) «رقّة» سقطت من ط وفي د: «برقّة».
(11) في د، و: «تنكر».
وفي هامش ك: «لأنه لم يكن عاجزا عن ذلك». (حاشية).
(12) في و: «يستلزم».
(13) في ط: «تسمية».
(14) في ب: «مؤدّى».
(15) في ب، د، ك، و: «تجافت» وفي ط:
«لتجافت».
وفي هامش ك: «لو قال: لما تجافت».
(حاشية).
(16) في ط: «وأمّا».
(17) سقطت من ب، ك، وو ثبتت في هـ ك «رحمه الله تعالى» وفي ط: «فإنه».
(18) في ب، د: «الصفيّ الحليّ».
(19) في ط: «عالما».(1/349)
من الحليّ والموصليّ في هذا التقديم مقال».
ومن [أحسن] (1) إشارات براعاتي (2) التي تشعر أنها صدر مديح نبويّ التشبيب (3)
فيها (4) بعرب ذي سلم، وخطابي لهم أنّ (5) لي في ابتداء (6) مدائحهم (7) براعة تستهلّ (8) الدمع، وكأنّني وعدتهم بشيء لا بدّ من القيام به، وهذا حسب ما أراده ابن أبي / الأصبع بقوله: براعة الاستهلال هي ابتداء الناظم بمعنى ما يريد تكميله.
[براعة الاستهلال في النثر] (9):
انتهى ما أوردته هنا (10) من البراعات البارعة نظما (11)، وأمّا براعات النثر فإنها مثلها، إن لم تكن (12) براعة الخطبة أو الرسالة أو صدر (13) الكتاب المصنّف دالّة على غرض المنشئ، وإلّا فليست (14) ببراعة (15) استهلال.
وقد رأيت غالب البديعيين اكتفوا (16) عند استشهادهم على براعة الاستهلال في النثر، بقول الصاحب (17) عمرو بن مسعدة كاتب المأمون، فإنه امتحن أن يكتب إلى الخليفة، يعرّفه (18) أنّ بقرة ولدت عجلا وجهه كوجه الآدميّ (19)، فكتب: «الحمد لله خالق (20) الأنام (21) في بطون الأنعام».
ورأيت الشيخ (22) صفيّ الدين الحليّ في شرح بديعيته قد ألقى عند الاستشهاد بها
__________
(1) من ط.
(2) في ط: «براعتي».
(3) في ط: «تشبيبي».
(4) «فيها» سقطت من ط.
(5) في ط: «بأنّ».
(6) «ابتداء» سقطت من ط.
(7) في ب، د، و: «مديحهم».
(8) في د: «الاستهلال».
(9) زيادة يقتضيها المنهج.
(10) في ب: «انتهى هنا ما أوردته من».
(11) في د: «نظما ونثرا».
(12) في هامش ط: «قوله: إن لم تكن إلخ هكذا في النسخ المناسب أن يقول: أي أنه ينبغي أن يكون براعة الخطبة إلخ» (حاشية).
(13) بعدها في و: «الكلام» مشطوبة.
(14) في ب، د، و: «ليست».
(15) في ب «براعة».
(16) في ط: «قد اكتفوا».
(17) في ب، د، ك، و: «صاحب» وفي ط:
«الصاحب».
(18) في ط: «للخليفة يخبره».
(19) في ط: «الإنسان».
(20) في ب: «خلق» وفي ط: «الذي خلق».
(21) في هـ ك: «الإنسان» خ.
(22) في و: «للشيخ».(1/350)
عصا التّسيار، واحتجبت عنه في هذا (1) الأفق بهجة (2) الشموس والأقمار، أين هو من علوّ مقام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وقد كتب عن السلطان الملك الظاهر، إلى الأمير آق سنقر (3) الفارقانيّ، جوابا عن مطالعة (4) بفتح سوس من بلاد السودان، واستهلّه (5) بقوله تعالى (6): {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنََا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً} (7) الله أكبر! إنّ من البلاغة لسحرا (8)، والله ما (9) أظنّ أنّ (10) هذا الاتّفاق الغريب اتّفق لناثر، ولا هلال كاتب المأمون في هذا (11) الاستهلال بزاهر، وهذا المثال الشريف ليس له مثال منه: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس [السامي] (12) تثني (13) على عزائمه التي واتت (14) كلّ أمر رشيد، وأتت على كلّ
__________
(1) في ب، د، ك، و: «هذه» وفي ط: «هذا».
(2) «بهجة» سقطت من ب، ط.
(3) في ط: «سنقر».
(4) في ط: «مطالعته».
(5) في ط: «واستهلّ».
(6) «تعالى» سقطت من ط.
(7) الإسراء: 12.
(8) في الأمثال النبوية 1/ 250 (إنّ من البيان) وجمهرة الأمثال 1/ 13 والميداني 1/ 7.
وفي هامش ب: «ذكر محمد بن محمد بن محمد الصوفي في كتابه المسمّى ب «جامع الحكايات ولامع الروايات»، وهو من أعاجيب الزمان، لكنّه فارسيّ، أنّ الأمير نوح الساماني أمير بخارى وما وراء النهر عصي عليه بعض أمرائه، وأظنّ أنّ اسمه كان «بخارى»، وتحصّن في قلعة حصينة، فجعل الأمير نوح يلاطفه بالمراسلات ويستميله بأنواع الرغبات، وهو لا يزيد إلّا عنادا، ولا يزداد إلّا فسادا، فأرسل يتوعّده ويتهدّده، وطالت بينهما المدّة، وسارت بينهما من المكاتبات وأنواع المراسلات عدّة. وكان عند ذلك الأمير [«الأمير» كتبت فوق «ذلك»] الذي اسمه بخارى كاتب مفلق، فقال له بخارى: إن الأمير نوح قد أكثر علينا الإبراق والإرعاد، وبالغ في التخويف والإيعاد، فأريد منك له جوابا كافيا دافعا، شافيا قاطعا، مختصرا موجرا مفيدا بحيث لا ينجع بعده جواب، ولا رسول ولا كتاب، فكتب الكاتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، {يََا نُوحُ قَدْ جََادَلْتَنََا فَأَكْثَرْتَ جِدََالَنََا فَأْتِنََا بِمََا تَعِدُنََا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصََّادِقِينَ} [هود: 32] ولم يزد على هذا، والحكاية طويلة تطلب من «تاريخه». انتهى».
وقد أشير فوقها ب «حش» وفي هذه الحاشية: «عدّة م وأنواع م المراسلات».
(9) في و: «وما» مكان «والله ما».
(10) «أنّ» سقطت من ط.
(11) «هذا» سقطت من د.
(12) من ط.
(13) في ب، ك: «يثني».
(14) في ب: «وأنت» وفي ط: «دلّت على».(1/351)
جبّار عنيد، وحكمت بعدل السّيف في كلّ (1) عبد سوء، {وَمََا رَبُّكَ بِظَلََّامٍ لِلْعَبِيدِ} (2).
وبراعة الشيخ كمال (3) الدين بن عبد الرزّاق الأصفهانيّ، في «رسالة القوس»، تجاري براعة القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في هذه الحلبة، وتساويها في علوّ هذه (4) الرّتبة، فإنّه أتى فيها بالعجائب، وأصاب غرض البلاغة منها (5) بسهم صائب، واستهلّها بعد البسملة (6) بقوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنََّا مَكَّنََّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنََاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً} (85) (7)، منها:
«شيطان تطلع (8) شمس النصرة من بين قرنيه، مارد لا يصلح إلّا بتعريك أذنيه، صورة مركّبة ليس لها من تركيب العظم (9)، إلّا ما حملت ظهورها (10) أو الحوايا أو ما اختلط بعظم» (11).
وأمّا براعة استهلال (12) الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله تعالى (13)، في خطبة كتابه المسمّى ب «خبز الشعير» فإنها خاصّ الخاصّ، ولا بدّ لها (14) من مقدّمة، بحيث (15) تكون هي النتيجة موجب تسمية (16) هذا الكتاب ب «خبز الشعير»، إشارة إلى أنّه (17) مأكول مذموم، وما ذاك إلّا أنه كان يخترع المعنى الذي لم يسبق إليه، ويسكنه بيتا من أبياته العامرة بالمحاسن، فيأخذه الشيخ صلاح الدين الصفديّ بلفظه
__________
(1) «كل» سقطت من و.
(2) فصّلت: 46.
(3) في ط: «جمال».
(4) في ب: «هذه علوّ».
(5) «منها» سقطت من ط.
(6) في و: «التسمية».
(7) الكهف: 8583و {فَأَتْبَعَ سَبَباً} (85) سقطت من ك، وو ثبتت في هـ ك وفي هـ ومشارا إليها ب «صح».
(8) في ب: «يطلع» وفي ك: «يطلع»، وفوق الياء نقطتان.
(9) في ب، د، ط، و: «النظم».
(10) في ط: «ظهور هما».
(11) هنا اقتباس من الآية الكريمة: {إِلََّا مََا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمََا أَوِ الْحَوََايََا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} (الأنعام: 146).
(12) «استهلال» سقطت من ب، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(13) سقطت من ب، ط وفي و: «رحمه الله».
(14) «لها» سقطت من ط.
(15) «بحيث» سقطت من ط.
(16) في ط: «الموجبة لتسمية».
(17) في ط: «فإنه» مكان «إشارة إلى أنه».(1/352)
ولم (1) يغيّر فيه غير البحر، وربّما عام به في بحر طويل، يفتقر فيه (2) إلى كثرة الحشو واستعمال ما لا يلائم (3)، فلم يسع الشيخ جمال الدين بن نباتة (4) إلا أنّه (5) جمعه [يعني كتاب «خبز الشعير»] (6) من نظمه (7) ونظم الشيخ صلاح الدين، واستهل خطبته بقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوََالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً} (8)، ورتّب كتابه المذكور على قوله: «قلت أنا: فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال:» (9).
فمن ذلك: قال (10) الشيخ جمال الدين (11): قلت [من المجتثّ]:
ومولع بفخاخ ... يمدّها وشباك
قالت لي العين ماذا ... يصيد قلت كراكي (12)
فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال (13) [من الطويل]:
أغار على سرح الكرى عندما رمى ال ... كراكي غزال للبدور يحاكي
فقلت ارجعي يا عين عن ورد حسنه ... ألم تنظريه كيف صاد كراكي (14)
ومن ذلك (15): قال الشيخ جمال الدين (16): قلت [من السريع]:
أسعد بها يا قمري برزة ... سعيدة الطالع والغارب
صرعت طيرا وسكنت الحشا ... فما تعدّيت عن الواجب (17)
__________
(1) في ط: «ولا».
(2) «فيه» سقطت من ط وفي ب مكرّرة.
(3) في ب: «ما يلائم».
(4) «بن نباتة» سقطت من ب، د، ط، و.
(5) في و: «إلانه».
(6) من ب.
(7) في ب: «من لفظه».
(8) نوح: 28.
(9) في ب، د، ك، و: «فقال» وفي ط:
«وقال» وهي الأصوب كما يبدو ممّا يليها.
(10) في ط: «قول».
(11) في ب: «ابن نباتة» مكان «الشيخ جمال الدين».
(12) البيتان في ديوانه ص 370وفيه:
«كراك» ونفحات الأزهار ص 189.
وكراكي: ج كركيّ، وهو طائر مائيّ كبير، أغبر اللون، طويل الساقين والمنقار. (اللسان 10/ 481 (كرك)، ونظام الغريب ص 173، وحياة الحيوان 2/ 273).
(13) في ب: «فقال».
(14) في د، و: «كراك». والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(15) «ومن ذلك» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(16) في ب: «الشيخ جمال الدين ابن نباتة».
(17) البيتان في ديوانه ص 63.(1/353)
فأخذه الشيخ صلاح الدين (1) وقال من (2) البحر [السريع]: /
قلت له والطير من فوقه ... يصرعه (3) بالبندق الصّائب
سكنت في قلبي فحرّكته ... فقال: لم أخرج عن الواجب (4)
قال الشيخ جمال الدين: قلت [من الكامل]:
وبمهجتي رشأ يميس قوامه ... فكأنّه نشوان من شفتيه
شغف (5) العذار بخدّه ورآه قد ... نعست لواحظه فدبّ عليه (6)
فأخذه الشيخ صلاح الدين (7) وقال [من الطويل]:
وأهيف كالغصن الرطيب إذا انثنى ... تميل حمامات الأراك إليه
له عارض لمّا رأى الطرف ناعسا ... أتى خدّه سرّا فدبّ عليه (8)
وأحسن ما وقع للشيخ جمال الدين في هذا الباب (9) أنّه قال [من الوافر]:
بروحي عاطر الأنفاس ألمى (10) ... مليّ الحسن خالي (11) الوجنتين
له خالان في دينار خدّ ... تباع له القلوب بحبّتين (12)
فأخذه الشيخ صلاح الدين (13) وقال [من الوافر]:
__________
(1) في ب: «صلاح الدين الصفدي».
(2) في د، ك، و: «في» وفي هامشها:
«من» خ.
(3) في ب: «يصرعها».
(4) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(5) في ط: «سغف».
(6) البيتان في ديوانه ص 577وفيه:
«نواظره» مكان «لواحظه».
والعذار: الشعر النابت في موضعه العارض (اللسان 4/ 550 (عذر)).
(7) في ط: «الصلاح».
(8) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ب: «شتّان بين قوله: «شغف العذار بخدّه» وبين قوله: «له عارض أتى خدّه»!». وقد أشير فوقها ب «حش».
(9) «في هذا الباب» سقطت من ب وفي د، ط: «في هذا الباب للشيخ جمال الدين» وفي و: «في هذا الباب للشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله تعالى».
(10) في و: «التي».
(11) في ك: «خالي» مشارا تحت الخاء منها ب «ح»!.
(12) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
وألمى: في شفتيه سمرة (اللسان 15/ 258 (لما)).
(13) في ط: «الصلاح».(1/354)
بروحي خدّه المحمرّ (1) أضحت ... عليه شامة شرط المحبّه
كأنّ الحسن يعشقه قديما ... فنقّطه بدينار وحبّه (2)
فلمّا وقف الشيخ جمال الدين على هذين البيتين قال: لا إله إلّا الله، سرق الشيخ صلاح الدين (3) [كما يقال] (4) من الحبّتين حبّة (5).
قال الشيخ جمال الدين (6): قلت [من البسيط]:
يا غادرا بي ولم أغدر بصحبته ... وكان منّي مكان (7) السمع والبصر
قد كنت من قلبك القاسي إخال جفا ... فجاء ما خلته نقشا على حجر (8)
فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال [من الكامل]:
ما زلت أشكو حين وفّر في (9) الضّنا ... قسمي (10) وأسلمني إلى البلوى وفر
حتّى تأثّر (11) من شكاية لوعتي ... لي قلبه فرأيت نقشا في حجر (12)
قال الشيخ جمال الدين: قلت [من الكامل]:
يا عاذلي شمس النهار جميلة ... وجمال (13) فاتنتي (14) ألذّ وأزين
__________
(1) في د: «المحمّر».
(2) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(3) في ط: «الشيخ صلاح الدين سرق».
(4) من ط.
(5) في هامش ب: [من الطويل]:
«رمى عليه * من صارم اللحظ قدحة
أثارت عند * حرّاق أحشائي الشرر
وما حجر قلب الحبيب وإنّه
إذا رمت منه الوصل أقسى من الحجر»
وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) لو قال: «فوقه»، «لدى» لكان أصلح للوزن.
(6) في و: «رحمه الله» وفي ب: «ابن نباتة» مكان «الشيخ جمال الدين».
(7) في ط: «محلّ».
(8) البيتان في ديوانه ص 250.
والمثل في ثمار القلوب ص 569.
(9) في ط: «لي».
(10) في ط: «قسما» وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «فسما».
(11) في ط: «توفّر».
(12) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
في هامش ب: «لو تأثّر لما وصف بأنّه حجر لأنه رقّ». وقد أشير فوقها ب «حش».
(13) «وجمال» سقطت من د، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(14) في ط: «قاتلتي».(1/355)
فانظر إلى حسنيهما (1) متأمّلا ... وادفع ملامك بالّتي هي أحسن (2)
فأخذه الشيخ صلاح الدين (3) مع البحر (4) [بل أخذ الكلّ] (5) بالوزن (6)
والقافية (7) وقال [من الكامل]:
بأبي فتاة من كمال صفاتها ... وجمال بهجتها تحار الأعين
كم قد دفعت عواذلي من (8) وجهها ... لمّا تبدّت بالتي هي أحسن (9)
[ومن ذلك] (10) قال الشيخ جمال الدين وأجاد إلى الغاية [من الوافر]:
فديتك أيّها الرّامي بقوس ... ولحظ يا ضنى قلبي عليه
لقوسك نحو حاجبك انجذاب ... وشبه الشيء منجذب إليه (11)
فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال [من الوافر]:
تشرّط من أحبّ فذبت وجدا ... فقال وقد رأى جزعي عليه
عقيق دمي جرى فأصاب خدّي ... وشبه الشيء منجذب إليه (12)
__________
(1) في هـ ك: «حسنيهما» ن.
(2) البيتان في ديوانه ص 486:
ويلومني فيها خليّ ما درى
ألشمس أم تلك المليحة أزين
يا لائمي انظر حسن تلك وهذه
وادفع ملامك بالتي هي أحسن
(3) في ب: «الصفديّ» وفي د، و: «الشيخ صلاح الدين الصفدي».
(4) «مع البحر» سقطت من ك، وثبتت في هامشها.
(5) من ب، د، ط، و.
(6) «بالوزن» سقطت من ب، د، ط، و.
(7) في ب، د، ط، و: «مع القافية».
(8) في ط: «عن».
(9) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(10) من ط.
(11) البيتان في ديوانه ص 579وفيه «جسدي» مكان «قلبي» والأدب في العصر المملوكي 1/ 15.
(12) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ب: «قال بعضهم ولم يسمع ما قالا [أي ابن نباتة والصفدي] [من الوافر]:
وريم رام رمي قلبي * بقوس
شديد الجذب شبه حاجبيه
وقد مالت إليه بسهل جذب
وأقبلت الظّبا سعيا لديه
فقلت تعجّبا ماذا؟ فقالوا:
شبيه الشيء منجذب إليه»
[الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من(1/356)
ما أظنّ أنّ (1) الشيخ صلاح الدين، غفر الله له، لمّا سمع ما قاله الشيخ جمال الدين ونظم بعده (2) هذين البيتين، كان في حيّز الاعتدال، وأين انجذاب القوس إلى الحاجب من انجذاب الدم إلى الخدّ؟ وليته تلفّظ بالانجذاب، بل قال:
عقيق دمي جرى فأصاب خدّي
ولعمري إنّ الشيخ جمال الدين يعذر فيما نكّته على الشيخ صلاح الدين (3) في براعة استهلاله بقوله (4) تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوََالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً} (5)، وقال (6) بعدها: «أللهمّ ومن دخل بيتي كافرا بفوائدي المنعمة، وبيت شعري، سارقا من ألفاظه ومعانيه المحكمة، فأخجله في سرّه وعلانيته، وعاقبه على قوله وعلى نيّته» (7).
منها (8): «بلغني عن (9) بعض أدباء عصرنا ممّن منحته ودّي، وأنفقت على ذهنه الطالب ما عندي، وأقمته، وهو لا يدري الوزن، مقام من زكّاه نقدي، وأودعته ذخائر فكري فأنفقها، وأعرته أوراقي (10) العتيقة، فلا والله ما ردّها / ولا أعتقها، [بل] (11)
إنّه غيّر الثناء بالهجاء، والولاء بالجفاء (12)، ونسبني إلى سرقة بيوت الأشعار مع الغنى عنها والغناء (13)، فتغاضيت (14) وقلت: {هَمََّازٍ مَشََّاءٍ بِنَمِيمٍ} (11) (15)، وغلطة (16)
صديق أتجرّعها ولو كانت من حميم، وأخليت (17) من حديثه باب فمي، ومجلس
__________
مصادر].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) لو قال: «يدي» لكان أصلح للوزن.
(1) في د: «ما أظنّ» وفي ط: «وما أظنّ».
(2) في ب: «بعد».
(3) «تلفّظ بالانجذاب صلاح الدين» سقطت من ط.
(4) في ط: «بقول الله».
(5) نوح: 28.
(6) في ط: «قال».
(7) في ط: «ونيّته».
(8) في ط: «ومنها».
(9) في ط: «أنّ».
(10) في هـ و: «أوراقي» ن.
(11) من ط.
(12) في د: «في الجفاء».
(13) في د: «والعناء» وفي ط: «الغناء عنها والغنى».
(14) في ك: «فتغاضبت».
(15) في ب، د، ك، و: «همزة» وفي ط «همّاز».
وفي د: «مشّاء»، وهذا دليل على اقتباس الآية بلفظها. القلم: 11.
(16) في ط: «وغصّة».
(17) في ب: «فأخليت».(1/357)
صدري، وصرفت ذكره عن فكري.
ولكن وقفت له على تصانيف وضعها في علم الأدب، والعلم عند الله تعالى (1)، ووشّحها، كما زعم (2)، بشعره، وشعري المغصوب المنهوب (3)، يقول: يا صاحبيّ ألا لا (4)، ما (5) يتوضّح (6) من جيّد تلك الأشعار لمعة إلّا ومن لفظي مشكاتها (7)، ولا تتضوّع زهرة إلّا ومنّي في الحقيقة نباتها، فضحكت والله من ذهنه الذاهل، وذكرت على زعمه قول القائل [من الكامل]:
وفتى يقول الشعر إلّا أنّه ... فيما علمنا يسرق المسروقا (8)
وعجبت [له] (9) كيف رضي لنفسه هذا الأمر منكرا، وكيف حلا لذوقه اللطيف هذا الحرام مكرّرا، وقد أوردت الآن هنا (10) في هذا الكتاب قدرا كافيا، ووزنا من الشعر وافيا، وسمّيته «خبز (11) الشعير» لكونه (12) المأكول المذموم، وعرضته على معدلة مولانا ليعلم (13) أيّنا مع خليله المظلوم» (14).
ولولا الإطالة لأوردت جميع أبيات الشيخ جمال الدين التي دخل إليها (15) الشيخ صلاح الدين بغير طريق، ليرتدع القاصر عن التطاول إلى معاني الغير.
ومن البراعات التي يستهلّ بها في هذا الأفق الذي مرآة سمائه صقيلة، براعة المقرّ المرحوميّ (16) القضائيّ الفخريّ عبد الرّحمن بن مكانس، مالك أزمّة البلاغة،
__________
(1) «تعالى» سقطت من ب.
(2) «كما زعم» سقطت من ط.
(3) «المنهوب» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(4) في هامش ط: «قوله: «وشعري إلخ»
مبتدأ خبره «يقول» وقوله: «ألا لا» مقتطع من صدر بيت هو [من السريع]:
قالت: ألا لا تلجن دارنا
إنّ أبانا رجل غائر»
(حاشية).
(5) في ط: «وما».
(6) في د، و: «تتوضّح».
(7) المشكاة: هي الحديدة التي يعلّق عليها القنديل. (اللسان 14/ 441 (شكا)).
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت عليه من مصادر.
(9) من د، ط.
(10) «هنا» سقطت من ط.
(11) في ب: «الخبز».
(12) «لكونه» سقطت من ط.
(13) «ليعلم» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(14) في ط: «مظلوم».
(15) في ط: «دخلها».
(16) في ط: «المخدوميّ».(1/358)
وملك المتأخّرين نثرا ونظما (1)، في رسالته التي كتبها (2) إلى المقرّ المرحوميّ القضائيّ الزينيّ أبي بكر بن العجميّ، عين كتّاب الإنشاء الشريف بالأبواب الشريفة [وبقية الفضلاء الذين فضلوا بالطريق الفاضلية] (3) بسبب (4) عبد الله الرعينيّ (5)
القرويّ (6) الضرير، فإنني (7) نقلت من خطّ المشار إليه ما صورته: «ورد علينا شخص من القيروان ضرير يتعاطى نظم الشعر المقفّى الموزون الخالي من المعاني، فتردّد إلى (8) مجالس متفرّقة، ثم بلغني بعد ذلك أنّه وشى إلى صاحبي (9) الشيخ زين الدين ابن العجميّ بأنّي اهتضمت من جانبه وانتقصته، وغضضت (10) منه بالنسبة إلى الأدب، وأنّه يستعين بكلام الغير كثيرا فتأذّى بسبب ذلك وتأذّيت من كذب (11) الناقل فكتبت إليه (12) رقعة براعة استهلالها: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ} (13). أقول [إنّه] (14)
يستغنى بهذه البراعة عن الرسالة.
منها: «وبلغ المملوك أنّه رمى (15) بعض الأصحاب بريبة (16) مثل هذه فأصمى، وتردّد إليه مرّة أخرى ف {عَبَسَ وَتَوَلََّى (1) أَنْ جََاءَهُ الْأَعْمى ََ} (2) (17)، ولقد خسرت صفقته إذ المملوك ما برح مخلصا لمولانا في ولائه (18)، مبايعا (19) له على سلطنة البلاغة، وأجلّ من تشرّف بحمل لوائه ومولانا بحمد الله أولى من استفتى قلبه، واستدلّ على صفاء صدق محبته (20) بشواهد المحبة، والمسؤول من صدقاته أمران: أحدهما الجواب، فإنه يقوم عند المملوك مقام الفرج من هذه الشدّة، والآخر ردّ كل فاسق
__________
(1) في ط، و: «نظما ونثرا».
(2) في ب، د: «رسالة كتب بها» وفي ط:
«رسالة كتبها» وفي و: «رسالة كتبت بها».
(3) من ط.
(4) في ب: «نسيب».
(5) «الرعيني» سقطت من ط وفي ب، د:
«الزعبي» وفي و: «الزعيني».
(6) في ط: «القيروانيّ» وفي ب: «الضرير م القرويّ م».
(7) في ط: «فإني».
(8) في ب، د: «إليّ» وفي ط: «إليّ في».
(9) «صاحبي» مكرّرة في ب.
(10) في ب: «وغضبت» وفي د، ك، و:
«وغضّيت» وفي ط: «وغضضت».
(11) فيب: «نقل».
(12) في ك: «إليها».
(13) النور: 61.
(14) من ط.
(15) في ط: «رماه».
(16) في ط: «برمية».
(17) عبس: 21.
(18) في ب: «الولاية».
(19) في ب: «متابعا» وفي ط: «ومبايعا».
(20) في و: «محبّيه».(1/359)
عن [هذا] (1) الباب العالي، فإنّ أبا بكر أولى من تصلّب (2) في الردّة». انتهى كلام القاضي فخر الدين.
ولقد كشف الشيخ جمال الدين بن نباتة عن هذا الوجه الجميل (3) القناع، وأظهر من (4) بهجته في «رسالة السيف والقلم» ما ليس لمطالع البدور عليه اطّلاع، فإنّ الرسالة مبنيّة على المفاخرة بينهما، ولمّا انتصب القلم لمفاخرة السيف كانت براعته:
{ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ (1) مََا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (2) (5)، واستهلّ بعدها بقوله:
«الحمد لله الذي علّم بالقلم، وشرّفه بالقسم». وبراعة استهلال السيف قوله تعالى (6): {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللََّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللََّهَ / قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (7)، واستهلّ بعدها (8) بقوله: «الحمد لله الذي جعل الجنة تحت ظلال السيوف، وشرع حدّها في ذوي العصيان فأغصّتهم بماء الحتوف».
[وما أظنّ أنّ أحدا من المتقدّمين نسج على هذا المنوال، ولا نفث في عقد أقلامهم مثل هذا السحر الحلال] (9).
وممّن طلع من العصريين في هذا الأفق الساطع وأبدر (10)، ورقى ببلاغته أعواد هذا المنبر، مولانا المقرّ الأشرف، القاضويّ (11) الناصريّ محمد بن البارزيّ الجهنيّ الشافعيّ (12)، صاحب دواوين الإنشاء الشريف (13) بالممالك الإسلامية المحروسة (14)، عظم الله شأنه (15)، فإنه اتّفق له بحماة محنة (16) كان لطف
__________
(1) من ط.
(2) في ط: «يصلب».
(3) «الجميل» سقطت من ط.
(4) «من» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) القلم: 21.
(6) «قوله تعالى» سقطت من ب، د، و.
(7) الحديد: 25.
(8) في ط: «بعده».
(9) من ط.
(10) في ط: «فأبدر».
(11) في ب، د، و: «العالي القاضويّ».
(12) في ط: «القاضي ناصر الدين بن البارزيّ» مكان: «مولانا الشافعيّ».
(13) في ب: «الشريف» مصحّحة في المتن نفسه عن «الشريفة» بشطب التاء.
(14) «المحروسة» سقطت من ط وفي هـ ك «المحروسة» ص.
(15) سقطت من ط وفي ب: «عظّم الله سبحانه وتعالى شأنه» وفي د: «عظم الله تعالى شأنه» وفي هـ ك: «وقاه الله».
(16) في ب، د، و: «بحماة المحروسة، وقاه الله محنة».(1/360)
الله (1) متكفّلا له بالسلامة منها، ولم يضرم نارها إلّا من غذّي بلبان نعمته قديما وحديثا، فالحمد لله الذي أسعف الإسلام والمسلمين بنجاته، ومتّع (2) العلم [الشريف] (3) والرّئاسة بطول حياته، ولمّا هاجر من حماة المحروسة إلى دمشق المحروسة (4)، كان مولانا (5) السلطان الملك المؤيّد، خلّد الله ملكه (6)، إذ ذاك (7)، كافلها، ففوّض إليه خطابة الجامع الأمويّ، فلم يبق أحد من أعيان دمشق (8)
المحروسة (9) حتّى حضر في تلك الجمعة، لأجل سماع خطبته (10)، فكانت براعة الخطبة (11): «الحمد لله الذي أيّد محمّدا بهجرته، ونقله من أحبّ البقاع إليه لما اختاره من تأييده ورفعته، فعلا (12) بالجامع الأمويّ أصوات ترنّم حرّكت أعواد المنبر طربا إليه (13)، وكاد النّسر (14) أن يصفّق لها بجناحيه [عجبا] (15)».
وما ألطف براعة سيّدنا (16) الإمام العالم (17) العلّامة قاضي القضاة (18)، نور الدين أبي الثناء محمود الشافعيّ، الناظر في الحكم العزيز بحماة المحروسة، الشهير (19) بخطيب الدهشة بها (20)، فسح الله تعالى (21) في أجله (22)، في كتاب
__________
(1) في ب: «الله سبحانه» وفي ط: «الله تعالى».
(2) في ط: «وأمتع».
(3) من ط.
(4) في ب: «المأنوسة».
(5) في ط: «كان إذ ذاك مولانا».
(6) «خلّد الله ملكه» سقطت من ط وفي ب:
«خلد الله سبحانه ملكه».
(7) «إذ ذاك» سقطت من ط هنا، وثبتت قبل «مولانا».
(8) في ب: «الأعيان بدمشق».
(9) «المحروسة» سقطت من ب، ط.
(10) في ب، ط: «الخطبة».
(11) في ب، ط: «خطبته».
(12) ورد في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «في الأصل: «فعلا»، والأصح ما أثبتناه» وهذا وهم، إذ إنه يجوز تذكير الفعل مع فاعله المؤنّث إذا فصل بينهما.
(13) «إليه» سقطت من ب، د، ط، و.
(14) في و: «النصر».
(15) من ط.
وفي هامش ب: «الحمد لله الذي ما صفّق، فإنّه لو صفّق لخرّ الجامع راكعا، وتمّ الناس سجودا إلى يوم القيامة». وقد أشير فوقها ب «حش».
(16) في ب: «مولانا».
(17) «العالم» سقطت من ب، د، و.
(18) في ط: «الشيخ العلامة» مكان «سيدنا القضاة».
(19) في ب، د، ط، و: «والشهير».
(20) في ط: «بحماة المحروسة».
(21) في ب: «سبحانه».
(22) «فسح أجله» سقطت من ط.(1/361)
«الأدعية» له (1)، المسمّى (2) ب «دواء المصاب في الدعاء المجاب»، وهي: «الحمد لله سامع الدعاء، ودافع البلاء». وفيها البناء والتأسيس فإنّه أشار ب «سامع الدعاء» إلى «الدعاء المجاب» وب «دافع البلاء» إلى «دواء المصاب».
وأمّا براعة خطيب الخطباء أبي يحيى عبد (3) الرحيم بن نباتة الفارقي، فإنّها شغلت أفكاري مدّة ولم يسعني غير السكوت والإحجام عنها، فإنه استهلّها في خطبة وفاة النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، بقوله: «الحمد لله المنتقم ممّن خالفه، المهلك لمن (4) آسفه».
ولقد (5) اعتذر عنها جماعة من كبار (6) العلماء.
وأورد الشيخ سريّ الدين بن هانئ في شرحه الذي كتبه على ديوان الخطب عن (7)
هذه البراعة عذرا لأبي البقاء، أرجو أن تهبّ عليه نسمات القبول.
وما أحشم ما استهلّ الشيخ (8) جمال الدين أبو الفرج بن الجوزيّ في خطبة وفاة النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، بقوله: «الحمد لله الذي استأثر بالبقاء، وحقّ له أن يستأثر، وحكم بالفناء على سكّان هذا الفناء، فأذعنوا لحكمه القاهر».
وأمّا خطبة الشيخ صفيّ الدين (9) في صدر [شرح] (10) بديعيّته، فإن استهلالها نيّر ولكن فيه بعض نظر ومباينة (11) عمّا نحن فيه، فإنّه قال: «الحمد لله الذي حلّل لنا سحر البيان». وكتابه مبنيّ على البديع، ولهذا (12) استهلّيت خطبة (13) [شرح] (14)
بديعيّتي (15) بقولي: «الحمد لله البديع الرفيع» (16). ولمّا جمعت ديواني استهلّيت
__________
(1) في ط: «أدعيته».
(2) في ب: «المسمّاة».
(3) بعدها في و: «الكريم» مشطوبة.
(4) في ط: «من».
(5) في و: «ولو».
(6) في ط: «أكابر».
(7) في ط: «على».
(8) في ب: «الإمام العلامة» وفي و: «الإمام».
(9) في ب، د، و: «صفيّ الدين الحليّ».
(10) من ط.
(11) في ط: «نظر وبعض مباينة».
(12) في ب: «فلهذا».
(13) في ك: «خطبتي» وفي هامشها «خطبة» في: «خطبة بديعيتي» خ.
(14) من ط.
(15) «بديعيتي» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب خ في: «خطبة بديعيتي» خ.
(16) في هامش ب: «إن قصد التورية، فقد أخطأ خطأ فاحشا، لأنّ التورية أن يكون للّفظة معنيان، قريب يتبادر [إليه] الذهن، وبعيد يقصده المتكلّم، وعلى هذا فيكون(1/362)
خطبته (1) بقولي: «الحمد لله الذي لا يحصر مجموع فضله ديوان».
وكان قد (2) رسم لي أن أنشئ صداقا شريفا لمولانا السلطان (3) الملك (4) الناصر، وأنا إذا ذاك بدمشق المحروسة (5)، وقد حلّ ركابه الشريف بها على بنت المقرّ (6)
الأشرف (7) السّيفيّ (8) المرحوم (9) كمشبغا (10) الظاهريّ الحمويّ، فاستهلّيته (11)
بقولي: «الحمد لله الذي أيّد السّنّة الشريفة بقوّة وناصر» (12).
وتمثّلت بعد هذا التاريخ (13) بالمواقف الشريفة الإمامية الخليفتيّة (14) المستعينيّة العباسيّة، زاد الله شرفها تعظيما، فبرزت لي (15) أوامرها المطاعة، أن أنشئ عنها (16)
عهدا شريفا (17) بكفالة السلطنة الشريفة (18) بالبلاد الهنديّة للسلطان الملك (19) العادل
__________
ما قصده: «الحمد لله الذي هو علم البديع وإن لم يقصد التورية، فلا فرق بين قوله: «الحمد لله البديع»، وبين قوله:
«الحمد لله السميع والعليم والقدير» فتأمّل». وقد أشير فوقها ب «حش».
(1) في ط: «خطبتي».
(2) في و: «وقد كان».
(3) مكان «شريفا لمولانا السلطان» سقطت من ط.
(4) في ط: «للملك».
(5) «المحروسة» سقطت من ط.
(6) «المقرّ» سقطت من ط.
(7) في ب، ط، و: «الشريف».
(8) «السيفي» سقطت من ب.
(9) «المرحوم» سقطت من ب، د، وو في ط: «المرحوم الشريف السيفيّ» مكان الأشرف السيفي المرحوم» وفي ك:
«المرحوم» كتبت فوق «السيفيّ».
(10) في ط: «كشبغا».
(11) في ط: «فاستهلّيت».
(12) في هامش ب: «الصواب معه، لأنه ذكر الفنّ المتوسّط من الفنّين، أعني فنّ المعاني والبديع، وهو من باب ذكر البعض وإرادة الكلّ، ومبنى علم البديع على علمي المعاني والبيان، لأنّ علم البديع يراعى فيه العلمان، ولا يراعى هو فيهما، إن حضر كان زيادة تحسين، وإن لم يحضر فلا يفتقر إليه، وكثير من الناس يسمّي الثلاثة «علم البيان»، وبعضهم يسمّي «البيان والبديع» علم البيان، والأوّل علم المعاني، وبعضهم يسمّي الثلاثة «علم البديع»، فحينئذ النظر فيه نظر فتأمّل ذلك». وقد أشير فوقهما ب «حش».
(13) في ب: «التأليف».
(14) في ب، ط، و: «الخليفيّة».
(15) في ط: «إليّ».
(16) «عنها» سقطت من ط.
(17) «شريفا» سقطت من ط.
(18) «الشريفة» سقطت من ط.
(19) «الملك» سقطت من ط.(1/363)
مظفّر شاه شمس الدّنيا والدّين، صاحب حضرة (1) دهليّ (2) والفتوحات / الهندية، فاستهلّيت براعته بقولي: «الحمد لله الذي وثق عهد النجاح للمستعين به». وقلت بعد الاستهلال: «وثبّت أوتاده ليفوز من تمسّك، من غير فاصلة، بسببه، وزيّن السماء الدنيا بمصابيح وحفظاء (3) وأفرغ (4) على أعطاف (5) الأرض حلل الخلافة الشريفة، وعلم أنّ في خلفها الزاهر زهرة الحياة الدنيا، فقال عزّ من قائل: {إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (6)، واختارها من بيت براعة استهلاله من أوّل بيت وضع للنّاس، وسبقت إرادته [سبحانه] (7)، وله الحمد أن تكون (8) هذه النهلة الشريفة (9) من سقاية [بني] (10)
العباس». وذلك في العشر الأخير (11) من رمضان (12)، سنة ثلاث عشرة وثمانيمئة.
وممّا أنشأته بالديار (13) المصرية، وأنا (14) منشئ ديوان الإنشاء الشريف المؤيّديّ (15) [بالممالك الإسلامية] (16) تقليد مولانا المقرّ الأشرف القاضويّ الناصريّ محمد بن البارزيّ [الجهني الشافعيّ، عظّم الله شأنه] (17)، بصحابة ديوان الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، بتاريخ شوّال سنة خمس عشرة وثمانيمئة، واستهلّيته بقولي: «الحمد لله الذي أودع محمدا سرّه». وقلت بعد الاستهلال:
«وجعله ناصر دينه فحلّ به عقد الشّرك وشدّ أزره، وأرسله لينشئ مصالح الأمّة فهدينا (18) بترسّلاته، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، وميّز (19) ديوان
__________
(1) «حضرة» سقطت من ط.
(2) ورد في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«نظنّها «دلهي»، وقد أصابها التحريف».
(3) في كلّ النسخ: «وحفظا»، فصححتها بما يتناسب والمعنى.
(4) في ط: «فأفرغ».
(5) في ط: «أطراف».
(6) البقرة: 30.
(7) من ب.
(8) في ب: «يكون».
(9) «الشريفة» سقطت من ب.
(10) من ط.
(11) في ط: «الأواخر».
(12) في ب: «شهر رمضان» وفي ب، د، و:
«رمضان المعظّم».
(13) في ط: «في الديار».
(14) في ط: «وقد استقرّيت.»
(15) «المؤيدي» سقطت من ط.
(16) من ط.
(17) من ب، د، ط، وو في ب: «الله سبحانه وتعالى» وفي د، و: «
الله تعالى».
(18) في ط: «فهذّبنا».
(19) في ط: «وبيّن».(1/364)
إنشائنا (1) الشريف، بصاحب من بيته (2) ظهر التمييز بكفايته (3)، وأيّد الإسلام والمسلمين بملك مؤيّد تمسّك بمحمّد وصحابته».
وأنشأت بعد هذا (4) التاريخ توقيعا لرئيس الطبّ بالديار المصرية، فكانت براعته: «الحمد لله الحكيم اللّطيف» (5).
وبراعة الشيخ صلاح الدين الصفديّ في خطبة (6) «شرح لامية العجم» في غاية الحسن، فإنّه استهلّها بقوله (7): «الحمد لله الذي شرح صدر من تأدّب، والكتاب (8)
مبنيّ على شرح (9) شيء من علم الأدب».
وأمّا البراعات التي تقبيلها يحلو (10) بوجنات الطروس، فمنها براعة الشيخ جمال الدين بن نباتة، في (11) رسالة كتبها إلى القاضي علاء الدين الحسينيّ (12) واستهلّها بقوله: «يقبل الأرض العليّة على السحاب نسبا». وقال بعد الاستهلال: «الموفية (13)
على حصباء الأنجم حسبا».
[هذا الأدب إن أطنبت في وصفه فهو فوق الوصف] (14).
وكتب إليه الشيخ برهان الدين القيراطيّ من القاهرة المحروسة إلى دمشق (15)
رسالة بليغة واستهلّها بقوله: «يقبل الأرض التي (16) سقت السماء نباتها»، وقال بعد البراعة: «وحرس الله (17) ذاتها، وعمّر بمعاني (18) الأنس (19) أبياتها».
__________
(1) في ط: «الإنشاء».
(2) في ط: «بيت».
(3) في ط: «بكتابته».
(4) في ك: «هذا» كتبت فوق «بعد».
(5) في هامش ب: «قدّم الكلام عليه في قوله: «الحمد لله البديع الرفيع». وقد أشير فوقها ب «حش».
(6) «خطبته» سقطت من ط وفي و:
«خطبته».
(7) «الحمد لله الحكيم استهلها بقوله» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح صح».
(8) في ب: «والكلام».
(9) «شرح» سقطت من ط.
(10) في ط: «يحلو تقبيلها» وفي ك: «تحلو» بالتاء.
(11) في ط: «من».
(12) في ط: «الحسنيّ».
(13) في ب، د، ك، و: «الوفية» وفي ط:
«الموفية».
(14) من ط.
(15) في ب: «دمشق المأنوسة» وفي د، ط، و: «دمشق المحروسة».
(16) في ب: «مذ».
(17) في ب: «الله سبحانه».
(18) في ك: «بمحاسن» وفي هامشها «بمعاني» صح.
(19) في ط: «الحسن».(1/365)
ومن أظرف ما وقع من البراعات المتّشحة (1) برداء (2) التنكيت (3) براعة القاضي فخر الدين عبد الوهاب، كاتب الدرج (4)، فإنه كان له صديق يتّهم (5) بعبده، فكتب إليه رسالة يداعبه (6) فيها، واستهلّها بقوله: «يقبّل اليد الشهابية، كثر الله عبيدها»، وقال بعد البراعة: «وضاعف خدمها وأضعف حسودها». وقد خطر لي أن أوردها بكمالها لوجازتها وغرابة أسلوبها، فإنه قال بعد «يقبل (7) اليد» (8): «وينهي بعد ولاء يمتدّ، ودعاء يشتدّ (9)، وثناء كأنه عنبر أو كافور أو ندّ (10)، إنّ مولانا توجّه، والأعضاء خلفه (11) سائرة، وكلّ ذي (12) عين لغيبته ساهرة، ولا يخفى عليه شوق العليل إلى الشفاء، والظمآن إلى انصباب (13) الماء، والغريب إلى بلده، والمحصور إلى سعة مسلكه ومقعده، فمولانا يطوي هذه الشقة ويقصّر [هذه] (14) المدّة، ويدع أحد غلمانه يسد مسدّه (15)، والمملوك (16) قلق لسماع أخبار التشويش في البلاد، وتطرق أهل الجرائم والفساد، فمولانا يرسم لغلمانه أن يشمّروا في خدمته ذيلا، ويسهروا عليه بالنّوبة (17) لمن يطرق ليلا، والله المسؤول أن تكون هذه السفرة معجلة، ويخصّ (18) فيها بالتبرك مخرجه ومدخله، ويبلغه من فضله مزيدا، / ويجعله (19) يوما (20) عليه (21) مباركا وليلا (22) عليه سعيدا».
__________
(1) في ط: «المتوشحة».
(2) في د: «برد».
(3) في ط: «التبكيت».
(4) في د: «الدرج الشريف».
(5) في ب، ط: «متّهم».
(6) في ب، د، ك: «يذاعبه».
(7) في ب: «تقبيل».
(8) في د: «اليد» مصحّحة في المتن نفسه عن «الأرض»، وفي هامشها «اليد» ن.
(9) في ط: «يستدّ». [بمعنى يستجاب].
(10) ورد في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «راوند» و «الراوند: نبات عشبيّ يطلق البطن» وهو تصحيف، بل هو جهل بقراءة الكلمات.
والنّدّ والنّدّ: ضرب من الطيب يدخّن به، وقيل: هو العنبر. (اللسان 3/ 421 (ندد)).
(11) في د: «حلقه».
(12) «ذي» سقطت من ط.
(13) في ط: «صبيب».
(14) من ط.
(15) في ب: «مدّة»، وفي هامشها: «مسدّة».
(16) في ط: «فالمملوك».
(17) بالنّوبة: مناوبة. (اللسان 1/ 775 (نوب)).
(18) في ب: «ويحظى»، وفي د: «ويخلص».
(19) في ط: «ويجعل».
(20) في ط: «يومه».
(21) في د: «عليه يوما».
(22) في ط: «وليله».(1/366)
وكتب المقرّ المجديّ (1) فضل الله بن مكانس، مجد الأدب (2) الذي ظهر من بيته (3) فخره، ورضيع لبانه (4) الذي ما سقانا منه ذرّة إلّا وقلنا (5) لله درّه!، إلى والده المقرّ المرحوميّ الفخريّ من القاهرة المحروسة (6)، إلى حلب المحروسة (7)، وهو صحبة الركاب الشريف الظاهريّ يشكو [إليه] (8) رمدا حصل له بعده، كان صدر رسالته (9) [من البسيط]:
ما الطّرف بعدكم بالنوم مكحول ... هذا وكم بيننا من ربعكم ميل (10)
وقال بعد الاستهلال: «لا استهلّت لمولانا دموع، ولا جفا جفنه (11) مدى الليالي هجوع». ومنها (12): «يطالع العلوم الكريمة بما قاساه طرف (13) المملوك من الرمد، وما حصل عليه من الكمد [من الخفيف]:
إنّ عيني مذ غاب شخصك عنها ... يأمر السّهد في كراها وينهى
بدموع قد أشبهتها (14) الغوادي ... لا تسل ما جرى على الخدّ منها (15)
فلو رآه وقد أخذت عينه (16) من العناصر الثلاثة بنصيب، وعوّضها الهواء عن التراب بمضاعفة الماء واللهيب، لرأى من مائها (17) ما يفحم القلوب، ومن دمعها ما هو البلاء المصبوب، واستمرّ انهمالها (18) حتّى أنشدها المتوجّع [من السريع]:
__________
(1) في ب: «المقرّ المخدوميّ المجديّ» وفي ط: «المقر المخدوميّ».
(2) في ب: «الآداب».
(3) في ب: «بيت الأدب».
(4) في د: «لبابه».
(5) في ط: «قلنا».
(6) «المحروسة» سقطت من ط وفي ب:
«المأنوسة».
(7) «المحروسة» سقطت من ط.
(8) من ط.
(9) في ط: «وكان مبدأ الرسالة قوله».
(10) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(11) في ب: «جنبه».
(12) في ب، د، ط، و: «منها».
(13) «طرف» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(14) في ط: «كأنهنّ» مكان «قد أشبهتها».
(15) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
والغوادي: ج غادية، وهي السحابة التي تنشأ فتمطر غدوة. (اللسان 15/ 118 (غدا)).
(16) في ط: «عيناه».
(17) في ب، د، ط، و: «من نارها» وفي هـ ك: «من نارها» ص.
(18) في ك: «انهما لهما».(1/367)
* قارنها الدمع فبئس القرين (1) * وطالت مدّة رمده حتى لقد أتى على الإنسان حين». منها (2): «وتزايد خوف المملوك على مقلتيه، وشحّه بكريمتيه، ففصد في الذراعين، وكاد أن (3) يصير [لولا أن منّ الله تعالى عليه] (4) أثرا بعد عين».
وكتب إلى المقرّ المجديّ (5)، المشار إليه، سيّدنا الإمام العلّامة الذي صلّت بلغاء (6) العصر خلف إمامته، وملك قياد البلاغة ببراعته وعبارته، بدر الدين، رحلة الطالبين، أبو عبد الله محمد بن الدمامينيّ المالكيّ المخزوميّ (7)، فسح الله في أجله (8)، جوابا عن حلّ لغز في ورد أرسله إليه، فاستهلّه بقوله: «يقبل الأرض وينهي ورود الجواب الذي شفى الصدور وروده». وقال بعد الاستهلال: «واللغز الذي نشي (9) بورده (10) [منه] (11) بان الحمى وزروده».
منه: «فاستجلى (12) المملوك [منه] (13) بالتحريف ورده، وودّ لو اقتطف من أغصان حروفه وردة، فردّه ذلّ التقصير عاريا عن ملابس عزّه (14)، وأنشده قول ابن قلاقس وهو يقلى بنار عجزه [من الوافر]:
إذا منعتك أشجار المعالي ... جناها الغضّ (15) فاقنع بالشّميم (16)
[فظهر من طريق سعده نصره] (17)».
منه (18): «وعلم أنّ هذا الورد لا يحسن من غير تلك الحضرة، وأنّ هذه الفاكهة لا
__________
(1) الشطر لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) «منها» سقطت من ب، ط.
(3) «أن» سقطت من ب.
(4) من ط.
(5) في ط: «المخدوميّ».
(6) في ط: «جماعة أهل».
(7) في ط: «المخزومي المالكيّ».
(8) سقطت من ط وفي ب: «فسح الله سبحانه في أجله».
(9) في ب، د، ط، و: «نسي».
(10) في ط: «بوروده».
(11) من ط.
(12) في ب، ط، و: «فاستحلى».
(13) من ط.
(14) في د: «غيره».
(15) في و: «الغصن».
(16) البيت في ديوانه ص 516وفيه:
«حباها» و «بالهشيم».
(17) من ط.
(18) «منه» سقطت من ط.(1/368)
يخرجها (1) إلّا أغصان أقلام لها بالرّاحة (2) المخدوميّة بهجة ونضرة».
منه (3): «وتمشّى نظر المملوك من (4) هذا اللغز في بساتين الوزير على الحقيقة (5)، ورأى (6) كلّ وردة واخت الوجنات الحمر (7) فتحيّر أهي وردة (8) أم شقيقة، وعلمت أنّ الفكر القاصر لا يجاري من بديهته من بحار الفضل رويّة، وأنّ الخاطر الذي هو على ضعفه (9) من رعايا الأدب، لا يقوى على سلطان هذا اللغز لأنّ شوكته قويّة».
[منه] (10): «وتمتّعت من ورده الوارد بالمشموم، ثم تذكّرت البعد عن جناب المخدوم، فاستقطر البين ماء الورد من حدقي».
وكتبت إلى القاضي بدر الدين، المشار إليه (11)، من القاهرة المحروسة إلى الثغر المحروس (12)، في منتصف ربيع (13) الآخر (14) سنة اثنتين (15) وثمانيمئة، عند دخولي (16) إليها في البحر، هاربا من طرابلس الشام (17) المحروس (18)، وقد عضّت عليّ أنياب الحرب بثغرها، رسالة مشتملة على حكاية الحال، وورّيت (19) في براعتها بمصنّفين له، أحدهما «الفواكه البدريّة» الذي جمعه من ثمار آدابه (20)، والثاني «نزول الغيث» الذي نكّث به (21) على الغيث الذي (22) انسجم، في «شرح لاميّة العجم»، للشيخ صلاح الدين الصفديّ، واستهلّيتها بقولي: «يقبل الأرض التي سقي دوحها /
__________
(1) في ط: «لا تخرجها».
(2) في ط: «بيدي الراحة».
(3) في ط: «ومنه».
(4) في و: «في».
(5) في ط: «الحديقة».
(6) في ط: «فرأى».
(7) في د: «الخمر».
(8) في ط: «أوردة هي».
(9) في ط: «ضعف».
(10) من ط.
(11) «إلى القاضي بدر الدين المشار» سقطت من ط.
(12) «إلى الثغر المحروس» سقطت من ط.
(13) في ب: «شهر ربيع».
(14) في ط: «الآخرة».
(15) في ب، د، ك، و: «اثنين» وفي ط:
«اثنتين».
(16) في ب: «دخوله».
(17) «الشام» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(18) «المحروس» سقطت من ب، د، ط، و.
(19) في ط: «ورّيت».
(20) في ب: «الأدب» وفي ط، و: «أدبه».
(21) «به» سقطت من ب وفي ط، و: «فيه» وفي هـ ك: «فيه» خ مكان «به» خ.
(22) «نكث به على الغيث الذي» سقطت من ب.(1/369)
ب «نزول الغيث» فأثمر «الفواكه (1) البدريّة»، «وقلت بعد الاستهلال: «وطلع بدر كمالها من المغرب (2) فسلّمنا لمعجزاتها (3) المحمديّة، وجرى لسان البلاغة في ثغرها فسما على (4) العقد بنظمه المستجاد، وأنشد، لا فضّ الله فاه، وقد ابتسم عن محاسنه التي لم يخلق مثلها في البلاد [من الوافر]:
لقد حسنت بك الأيّام حتّى ... كأنّك في فم الدّهر (5) ابتسام (6)»
منها (7): «فأكرم (8) به مورد (9) فضل ما برح (10) منهله العذب كثير الزحام، ومدينة علم تشرّفت بالجناب المحمديّ فعلى ساكنها السلام، ومجلس حكم ما ثبت (11) لمدّعي الباطل (12) به حجّة، وعرفات أدب إن وقفت (13) بها وقفة صرت (14)
على الحقيقة ابن حجّة (15)، وأفق معال (16) بالغ في سموّ بدره، فلم يقنع بما دون النجوم، وميدان عربيّة تجول (17) فيه فرسان الفصاحة (18) من بني مخزوم».
منها: «أورّى بدخوله إلى دمشق ومطارحته (19) للجماعة؟ وتالله ما لفرسان الشقراء والأبلق (20) في هذا الميدان مجال، وإذا اعترفوا بما (21) حصل للفارس المخزوميّ عندهم من الفتح (22)، {كَفَى اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتََالَ} (23)، وينهي بعد أدعية
__________
(1) في ط: «وأثمر بالفواكه».
(2) في ط: «الغرب».
(3) في ط: «لمعجزاته».
(4) في ك، و: «عليّ».
(5) في ب، ط: «الدنيا».
(6) البيت للمتنبي في ديوانه ص 104.
(7) «منها» سقطت من ط.
(8) في ب: «أكرم».
(9) في ط: «من مورد».
(10) في ب: «غدا».
(11) في ب: «لما يثبت».
(12) «به» سقطت من د.
(13) في د: «وقفت».
(14) في و: «صرت» مصححة عن «صنت» وفي هامشها: «صرت».
(15) في هامش ب: «وإن لم يقف بها فليس بابن حجّة». وقد أشير فوقها ب «حش».
(16) في ط: «معان».
(17) في ط: «يجول».
(18) في ب: «البلاغة» وفي ط: «العربية» وفي و: «الفصاحة» مشطوبة وفي هـ و:
«البلاغة» صح.
(19) في ب: «ومطارحته» مصححة عن «ومطالفته». (وكتب «رحته» فوق «لفته»، يقصد: (ومطارحته).
(20) في ط: «والبلق».
(21) في ط: «عرفوا ما».
(22) «من الفتح» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «ص».
(23) الأحزاب: 25.(1/370)
ما برح المملوك منتصبا لرفعها، وتغريد أفننة (1) ما لسجع (2) المطوّق في الأوراق النباتيّة حلاوة (3) سجعها (4)، وأشواق برّحت (5) بالمملوك، ولكن تمسّك في مصر بالآثار [من الوافر]:
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الدّيار من الدّيار» (6)
[وهذه الرسالة لكونها نظمت في طويل البحر ومديده، يفتقر إلى سرد غالبها لتعلقها بحكاية الحال] (7).
منها (8): «وينهي وصول المملوك إلى مصر محتميا (9) بكنانتها، وهو بسهام (10)
البين مصاب، مذعورا (11) لما شاهده (12) من المصارع عند مقاتل الفرسان في منازل الأحباب، مكلما من ثغر طرابلس الشام بألسنة الرّماح، محمولا على جناح غراب وقد حكم عليه البين أن لا يبرح من (13) سفره على جناح [من مخلّع البسيط]:
وكان (14) في البين ما كفاني ... فكيف بالبين والغراب» (15)
منها: «يا مولانا، وأبثّك (16) ما لاقيت من أهوال البحر وأحدّث عنه ولا حرج، فكم وقع المملوك (17) من أعاريضه في زحاف قطع (18) منه القلب، لمّا دخل إلى دوائر تلك اللجج، وشاهدت منها (19) سلطانا جائرا {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (20) ونظرت إلى الجواري الحسان وقد رمت أزر قلوعها، وهي بين يديه لقلّة رجالها تسبى،
__________
(1) في د: «أفنية» وفي ب، ط، و: «أثنية».
(2) في ك: «لشجع».
(3) في ط: «مثل».
(4) في ك: «شجعها».
(5) في ب: «ما برحت».
(6) البيت لإسحاق الموصليّ في الإعجاز والإيجاز ص 118ومعجم الأدباء 6/ 32والأمثال والحكم ص 93ونهاية الأرب 3/ 92.
(7) من ط.
(8) «منها» سقطت من ط وفي ب: «ومنها».
(9) في ط: «مخيّما».
(10) في ط: «بسهم».
(11) في ط: «مذعور».
(12) في ط: «عاينه».
(13) «من» سقطت من ط.
(14) في ب: «فكان».
(15) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(16) في د: «وأشتدّ».
(17) في د: «للمملوك».
(18) في ط: «تقطع».
(19) في ب، د، ط، و: «منه».
(20) الكهف: 79.(1/371)
فتحقّقت أنّ رأي من جاء يسعى في الفلك جالسا (1) غير صائب، واستصوبت هنا رأي من جاء يمشي وهو راكب، وزاد الظمأ بالمملوك وقد اتّخذ في البحر سبيله، وكم قلت من شدّة الظمأ: يا ترى، قبل الحفرة، أطوي من البحر هذه الشقة الطويلة؟ [من البسيط]:
وهل أباكر بحر النيل منشرحا ... وأشرب الحلو من أكواب ملّاح (2)
بحر تلاطمت علينا أمواجه، حين (3) متنا من الخوف وحملنا على نعش الغراب، وقامت واوات دوائره مقام «مع» فنصبتنا (4) للغرق لمّا استوت المياه والأخشاب، وقارن العبد فيه سوداء استرقت موالينا (5) وهي جارية، وغشيهم منها في (6) اليمّ ما غشيهم ف {هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ} (1) (7)؟ واقعها الحرب (8) فحملت بنا ودخلها الماء فجاءها المخاض، وانشقّ قلبها لفقد رجالها، وجرى ما جرى على ذلك القلب ففاض (9)، وتوشّحت بالسواد في هذا المأثم (10) وسارت على البحر وهي مثل، وكم سمع فيها (11) للمغاربة على ذلك التوشيح زجل، برج مائيّ ولكن يعرب (12) في رفعها وخفضها عن النسر والحوت، وتتشامخ كالجبال، وهي خشب مسنّدة، من تبطّنها عدّ من المصبّرين في تابوت (13)، تأتي بالطباق ولكن بالمقلوب لأنّ بياضها سواد، وتمشي على (14) الماء وتطير مع الهواء وصلاحها عين الفساد، إن نقّر الموج على دفوفها لعبت أنامل قلوعها بالعود، وترقّصنا على آلتها الحدباء فتقوم قيامتنا من هذا الرقص الخارج ونحن قعود، وتتشامم (15) وهي، كما قيل، «أنف في السماء واست في / الماء» (16)، وكم نطيل (17) الشكوى إلى قامة صاريها عند الميل وهي الصّعدة
__________
(1) «جالسا» سقطت من ط.
(2) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(3) في ط، و: «حتّى».
(4) في ط: «فنصبنا».
(5) في ط: «مواليها».
(6) في ب: «من».
(7) الغاشية: 1.
(8) في ب: «البحر» وفي ط: «الريح».
(9) في و: «ففاض ظ».
(10) في د: «المأتم».
(11) «فيها» سقطت من ب.
(12) في د: «تعرب» وفي و: «تغرب».
(13) في ط: «التابوت».
(14) في د: «في» وفي ط: «مع».
(15) في ب، د، و: «تتشامم» وفي هـ ك:
«مم» ن.
(16) المثل في جمهرة الأمثال 1/ 166 والمستقصى 1/ 394والميداني 1/ 21.
(17) في ب، ط: «تطيل».(1/372)
الصمّاء، فيها الهدى وليس لها عقل ولا دين، وتتصابى إذا هبّت الصبا وهي ابنة (1)
مئة وثمانين، وتوقف أحوال القوم وهي تجري بهم في موج كالجبال، وتدّعي براءة الذمّة وكم استغرقت (2) لهم من (3) أموال، هذا وكم ضعف نحيل خصرها عن تثاقل أرداف الأمواج، وكم وجلت القلوب لما صار لأهداب (4) مجاديفها (5) على مقلة البحر اختلاج، وكم أسبلت على وجنة البحر طرة قلعها فبالغ الريح في تشويشها، وكم مرّ على قريتها العامرة فتركها وهي خاوية على عروشها، تتعاظم فتهزل إلى أن ترى ضلوعها من السقم تعدّ (6)، ولقد رأيتها بعد ذلك التعاظم قد (7) تبّت (8) وهي حمّالة الحطب، {فِي جِيدِهََا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} (5) (9).
وأما البراعة التي لخطبة كتابي المسمّى ب «مجرى السّوابق في وصف الخيول المسوّمة»، فإنها أحرزت قصبات السبق، وهي: «الحمد لله الذي يقف عند سوابق (10) فضله كلّ (11) جواد، ويقصّر في حلبة هذا الكرم الذي ليس له غاية في بديع الاستطراد، فمن ألهمه الحزم وأرشده إلى حدّ المعرفة حاز قصبات السبق ولا نقول (12) كاد، نحمده على أن جعل لنا الخير معقودا بنواصي الخيل (13)، ونشكره شكرا نعلو به على أشهب الصبح ونمتطي أدهم الليل، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن نكون بها (14) في ميادين الرحمة من السابقين (15)، ونشهد أن سيّدنا (16) محمدا عبده ورسوله قائد الغرّ المحجّلين».
__________
(1) في ب: «بنت».
(2) في ط: «أغرقت».
(3) «من» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(4) في د، ك: «لأهذاب».
(5) المجداف: لغة في «المجذاف»، وهو خشبة في رأسها لوح عريض تدفع بها السفينة. (اللسان 9/ 23 (جدف)).
(6) في ب: «يعدّ».
(7) في ط: «وقد».
(8) «قد تبّت» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) المسد: 5. والمسد: الليف. (اللسان 3/ 402 (مسد)) وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «مسد: نار»!!
(10) في ط: «سابق».
(11) في د: «تقف عند حمده سوابق كلّ».
(12) في ب، ك: «تقول».
(13) في الأمثال النبويّة 1/ 400: «الخيل معقود في نواصيها الخير».
(14) في ط: «منها».
(15) «ونشهد أن السابقين» سقطت من د.
(16) «سيدنا» سقطت من ب، د، و.(1/373)
وقد آن أن نقطع طول هذا البحث (1) ب «رسالة السكّين» فإن استهلالها يسنّ ما كلّ من الذّوق ويبرزه (2) من قراب الشكّ إلى القطع باليقين، وما ذاك إلّا أنّه لما تفرّد (3)
العلّامة (4) كمال الدين بن (5) عبد الرزاق الأصبهانيّ (6) ب «رسالة القوس» واستوفى جميع المحاسن، وجاء الشيخ جمال الدين بن نباتة ب «رسالة السيف والقلم» وأظهر فيها معجزات الأدب، أردت أن أعزّزهما من [اختراع] (7) «رسالة السكّين» بثالث، واستهلّيتها بقولي: «يقبل الأرض التي قامت (8) حدود مكارمها، وقطعت عنّا مكروه الفاقة بمكنون (9) عزائمها».
منها: «وينهي وصول السكّين التي قطع المملوك بها (10) أوصال الجفا، وأضافها إلى الأدوية، فحصل بها البرء والشفا، وتالله ما غابت إلّا وبلغت (11) الأقلام من تعثيرها (12) إلى الحفا» (13).
منها: «ما شاهدها موسى إلّا سجد في محراب النصاب، وذلّ بعد ما خضعت له الرؤوس والرّقاب، كم أيقظت طرف القلم بعد ما خطّ، وعلى الحقيقة ما رئي مثلها قطّ، وكم وجد بها الصاحب (14) في المضائق نفعا، وحكم بحسن صحبتها قطعا [من الرجز]:
من أجلنا (15) تدخل في مضائق ... ليس لسيف (16) قطّ فيها مدخل
وكلّ ما (17) تفعله توجزه ... والرّمح (18) في (19) تعقيده يطوّل (20)
__________
(1) في ب: «الهجر».
(2) في ب: «وبرزه».
(3) في ط: «انفرد».
(4) «العلامة» سقطت من ط.
(5) «بن» سقطت من ط.
(6) في ب، د، ط، و: «الأصفهانيّ».
(7) من ط.
(8) «قامت» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في د، ط، و: «بمسنون» وفي ك: «بمكنون» خ، وفي هامشها: «بمكنون» خ ص.
(10) في ب: «بها المملوك».
(11) في ط: «وبلغ».
(12) في ب: «تعثّرها» وفي ط: «تقشيرها».
(13) في د: «الجفا»، وفي ك: «الحفا» مشارا تحت الحاء منها ب «ح».
(14) في ط: «الصاحب بها».
(15) في ط: «من أجل أنّها».
(16) في ط: «للسّيف».
(17) في ط: «وكلّما».
(18) في ب: «والسيف».
(19) في د: «لي».
(20) في ط: «مطوّل». والرجز لم أقع عليه في ديوانه.(1/374)
تطرف بأشعّتها الباهرة عين الشمس، وبإقامة (1) الحدّ حافظت الأقلام على مواظبة الخمس، وكم لها من عجائب تركت جدول (2) السيف في بحر غمده كالغريق، ولو سمع بها من قبل ضربه ما حمل التطريق».
انتهى ما أوردته (3) من براعة الاستهلال نثرا ونظما، ومن لم ير بهجة ما أبرزته للمتأخّرين (4) فهو في هذه أعمى.
__________
(1) في ط: «وبإقامتها».
(2) «جدول» سقطت من ط.
(3) في و: «أردته».
(4) في و: «المتأخرين».(1/375)
الجناس المطلق والمركّب (12)
2 - بالله سر بي فسربي طلّقوا وطني ... وركّبوا في ضلوعي مطلق السّقم (1)
أمّا الجناس فإنّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب، وكذلك كثرة اشتقاق الألفاظ فإنّ كلّا منهما يؤدّي إلى العقادة والتقييد عن إطلاق عنان البلاغة في مضمار المعاني المبتكرة (2) كقول القائل، / وأستحيي أن أقول إنّه أبو الطيّب المتنّبي (3) [من الطويل]:
فقلقلت (4) بالهمّ الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيس (5) كلّهنّ قلاقل (6)
ولقد تصفّحت ديوانه، فلم أجد لوافد هذا النوع نزولا، إلّا في (7) ما قلّ من (8)
أبياته، وهو نادر جدّا، ولا (9) العرب (10) من قبله خيّمت (11) بأبياتها عليه، غير أنّ هذا
__________
(12) في ب، د: «الجناس المركب والمطلق» وفي ط: «ذكر الجناس المركب والمطلق» وفي «و» ذكر العنوان بعد بيت البديعية مشارا فوقه بخطّ.
(1) البيت في ديوانه ورقة 3ب ونفحات الأزهار ص 17، 33وفيه: «مطلق الألم».
(2) في د: «المنكرة».
(3) «المتنبي» سقطت من ب، د، ط، و.
(4) في ك: «قلقلت»، وفي هامشها:
«فقلقلت» خ وفي و: «تقلقلت».
(5) في ب، د، و: «عيش».
(6) البيت في ديوانه ص 34.
وفقلقلت: حرّكتها وجعلتها تضطرب والقلاقل: الخفاف السّراع منها والقلاقل (الثانية): شدّة الصوت والاضطراب.
(اللسان 11/ 567566 (قلل)).
وفي هامش ك: «قال الصاحب بن عباد لمّا سمع هذا البيت: قلقل الله أحشاءه، ما له وهذه القافات الباردة؟!». وقد أشير فوقها ب «حش».
(7) «في» سقطت من ط.
(8) في ط: «في».
(9) بعدها في و: «من قال الصاحب بن عباد لما سمع هذا البيت: قلقل الله أحشاءه، ماله وهذه المقامات الباردة، انتهى إلى».
وقد أشير فوقها ب «حش» أربع مرّات.
(10) في و: «والعرب».
(11) في د: «ختّمت».(1/376)
البيت حكمت على أبي الطيّب به المقادير، ومثله قول القائل [من الرجز]:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر (1)
فتهافته على (2) «قرب» (3) و «قبر» لأجل الجناس المقلوب، هو الذي قلّب (4)
عليه (5) القلوب، أللهمّ إلّا أن يقع الجناس في حشو بيت من البحور التي تحمل ثقله من غير اعتناء بأمره، كقول القائل [من الكامل]:
لله لبنى! كلّما لبنا (6) على ... تعنيقها (7) ونهودها، تتقاعد
وبنار أسما وهي أسمى رتبة ... لقد احترقت (8) وريقها يتبارد (9)
ففي طلعة شمس التورية هنا (10) ما يغني عن النظر إلى زحل الجناس، ولقد (11)
أحسن من (12) قال [وأجاد في المقال] (13) [من البسيط]:
انظر إلى صور الألفاظ واحدة ... وإنّما بالمعاني تعشق الصّور (14)
والجناس من صور الألفاظ، وممّن وافق على (15) ذلك علّامة عصره الشهاب محمود، وقال: إنّما يحسن الجناس إذا قلّ وأتى في الكلام عفوا، من غير كدّ ولا استكراه ولا بعد ولا ميل إلى جانب الرّكّة، ولا يكون (16) كقول الأعشى [من البسيط]:
__________
(1) الرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) «فتهافته على» سقطت من ط.
(3) في ط: «فقرب».
(4) «قلّب» سقطت من ب.
(5) في ك: «عليه» كتبت فوق «قلّب».
(6) في ك: «لله لبنا كلّما لبنى».
(7) في ك: «تعنيفها» وفي باقي النسخ:
«تعنيقها».
(8) في هـ ك: «احترقت» ن.
(9) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
ولبنا: من «لاب» أي عطش وحام حول الماء دون أن يصل إليه. (اللسان 1/ 745 (لوب)).
(10) «هنا» سقطت من ب.
(11) في و: «ومن».
(12) في و: «ما».
(13) من ب.
(14) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(15) في ك: «على» كتبت فوق «وافق».
(16) «ولا يكون» سقطت من و، وثبتت في هامشها، دون الواو، مشارا إليها ب «صح».(1/377)
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو ومشل (1) شلول (2) شلشل شول (3)
ولا كقول مسلم بن الوليد [من الكامل]:
سلّت وسلّت ثمّ سلّ سليلها ... فأتى سليل سليلها مسلولا (4)
ولا بأس به في مطالع القصائد، إن تعذّر على الناظم أن يركبه تورية، فإنّه نوع متوسّط، بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع، كما قرّره مشايخه (5)، كالتورية والاسخدام والاستعارة والتشبيه وما قارب ذلك من أنواع البديع (6).
وحكى ابن (7) جنّي أنّ الأصمعيّ كان يدفع قول العامّة إذا قالوا: هذا يجانس هذا إذا كان من شكله، ويقول هذا (8) ليس (9) بعربيّ خالص.
__________
(1) في ب، ط، و: «مشلّ».
(2) «شلول» سقطت من ب.
(3) في ب: «شول». والبيت في ديوانه ص 284ولسان العرب 11/ 362 (شلل) وتهذيب اللغة 11/ 277وفيها:
«مشلّ شلشل شول».
ومشل: داعي الدابة أو الكلب، من «أشلى الكلب: دعاه». (اللسان 14/ 443 (شلا)) والشلول: السريع الخفيف. (اللسان 11/ 362 (شلل)) والشّلشل: الدائم الحركة وكذلك الشّول. (اللسان 11/ 362 (شلل)) وقيل: الشّول: الذي يحمل الأشياء. (اللسان 11/ 376 (شول)).
(4) في ط:
«شلّت وشلّت ثمّ شلّ شليلها
فأتى شليل شليلها مشلولا»
وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«فإنّي» مكان «فأتى». والبيت في ديوانه ص 57وفيه: «سلّت فسلّت».
وسلّت: ذهبت أسنانها. (اللسان 11/ 342 (سلل)) وسلّت: أصيبت بالسّلّ.
(اللسان 11/ 341 (سلل)) وسلّ سليلها:
أصيب ولدها بالسّلّ. (اللسان 11/ 339، 341 (سلل)) وسليل سليلها: لحم متن ولدها أو دماغه. (اللسان 11/ 339، 340 (سلل)) ومسلولا: مصابا بالسّل، مريضا. (اللسان 11/ 341 (سلل)).
وفي هامش ك: «قال أبو الحسن الواحديّ: سمعت الشيخ أبا منصور الثعالبي، رحمه الله تعالى، يقول: قال لي أبو نصر: أتى المرزبان ثلاثة من رؤساء الشعراء، شلشل أحدهم، وسلسل الثاني، وقلقل الثالث، يشير إلى الأعشى، وإلى مسلم بن الوليد، وإلى المتنبّي».
وقد أشير فوقها ب «حش».
(5) في ب: «مشائخه».
(6) «كما قرّره أنواع البديع» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح صح».
(7) في ط: «وحكي عن ابن».
(8) «هذا» سقطت من ط.
(9) في ك: «هذا م ليس م».(1/378)
وقال ابن رشيق صاحب «العمدة»: هو من أنواع الفراغ وقلّة الفائدة، وممّا لا يشكّ في تكلّفه، وقد كثّر منه هؤلاء السّاقة (1) المتعقبون في نظمهم ونثرهم، حتى برد وركّ (2). انتهى كلامه.
ولم يحتج (3) إليه ويكثر (4) استعماله إلّا من قصرت همّته عن اختراع المعاني، التي هي كالنجوم الزاهرة في أفق الألفاظ، وإذا خلت بيوت (5) الألفاظ من سكّان المعاني تنزّلت (6) منزلة الأطلال البالية، وما أحلى قول الفاضل (7) هنا [من الخفيف]:
إنّما الدار قبل بالسّكّان ... ثمّ بعد (8) السّكان بالجيران
فإذا ما الأرواح (9) شرّدها الحت ... ف فماذا يراد بالأبدان (10)
وكان الشيخ صلاح الدين الصفديّ، رحمه الله (11)، يستسمن ورمه ويظنّه شحما، فيشبع أفكاره منه، ويملأ بطون دفاتره ويأتي فيه بتراكيب تخفّ (12) عندها جلاميد الصّخور، كقوله، غفر الله له (13)، [من الطويل]:
ونم في أمان بالحبيب ولا تخف ... لقائط واش في لقاء طواشي (14)
وقوله (15) [من الطويل]:
وكم ساق في الظّلماء والليل شاهد ... رواحل واط في الرواح (16) لواطي (17)
__________
(1) في ب: «السادة».
(2) في ب: «وترك».
(3) في ب: «ولم يجنح».
(4) في ط: «بكثرة».
(5) «الألفاظ، وإذا خلت بيوت» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(6) في ب: «نزّلت».
(7) في ب: «القاضي الفاضل».
(8) في ك: «بعد».
(9) في هـ ك: «النفوس» خ مكان «الأرواح» خ.
(10) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(11) «رحمه الله» سقطت من ب، ط.
(12) في ب: «يخف».
(13) «غفر الله له» سقطت من ب.
(14) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
ولقائط: ج لقيطة، وهي الكلمة التي يلتقطها الواشي ليذيعها. (اللسان 7/ 392 (لقط)) وطواشي: ج طائشة، على القلب، وهي النّزقة والخفيفة العقل (اللسان 6/ 312 (طيش)).
(15) «وقوله» سقطت من ب.
(16) في ب، ط: «رواح».
(17) في: د، و: «لواطا» وفي ط: «لواط».(1/379)
وقوله [من الطويل]:
وأين إذا كان الفراق معاندي ... مطالع ناء في مطال عناء (1)
وقوله في الرّاح [من الطويل]:
وكم ألبست نفس (2) الفتى بعد نورها ... مدارع قار في مدار عقار (3)
وقوله [من الطويل]:
إذا خرج (4) العشّاق قالوا أقمت في ... مدار جراح (5) في مدارج راح (6)
وقوله [من الطويل]:
وكم (7) شمت لمّا قست مقدار ودّكم ... بوارق ياس في بوار قياس (8)
وقوله [من الطويل]:
ولا تفتحن (9) باب الهدايا وعدّها ... مطار فراش لا مطارف راش (10)
__________
والبيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
ورواحل: ج راحلة، وهي الدابة. (اللسان 11/ 276 (رحل)) وواط: وطيء، أي السهل الليّن الذلول. (اللسان 1/ 198 (وطأ)).
(1) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) في ب: «يد».
(3) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
ومدارع: ج مدرعة، وهي ضرب من الثياب من الصوف (اللسان 8/ 82 (درع)) وقار: صالح أو مقيم. (اللسان 15/ 175، 178 (قرا)).
وفي هامش ك: [من المتقارب]:
«تواصلني ووصلك بي سعادة
وتهجرني وهجرك بيس * عاده»
وقد كتب فوقها: «حاشية».
(*) بيس: مخفّفة من «بئس».
(4) في ب، د، ط، و: «جرح».
(5) في د، ك: «مدارج راح».
(6) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(7) في ك: «وكم» كتبت فوق «شمت».
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وشمت البرق: نظرت إلى سحابته أين تمطر. (اللسان 12/ 330 (شيم)) وياس: مخففة من «يأس» والبوار:
الأرض الخراب التي لم تزرع. (اللسان 4/ 86 (بور)) والقياسي: ج أقوسة، على القلب، وهي التي لا تيأس. (اللسان 6/ 187 (قوس)).
(9) في ك: «تفتحنّ».
(10) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.(1/380)
وقوله [من الطويل]:
ثنت نحوه الأغصان قامات (1) لينها ... طواعن شاط في طواع نشاط (2)
وقوله [من الطويل]:
ومرّ على غيري سقام وصحّة ... ولم يرقان مثل ذا (3) يرقان (4)
وقوله (5) من (6) غير هذا النوع (7) [من الطويل]: /
فجار وأجرى حين جاور (8) واجترى ... فما فاته ممّا يروم جناس (9)
رأيت (10) بخطّ الشيخ بدر الدين البشتكيّ تحت هذا البيت، والبيت (11) الذي قبله، وهو الضعيف باليرقان، وأنّ من ذلك مبلغه من النظم لجدير أن يقعد مع صغار
__________
ومطارف: ج مطرف، وهو رداء من خزّ مربّع. (اللسان 9/ 220 (طرف)).
(1) في ط: «قامة».
(2) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
والشاطي: مخففة من «الشاطىء»، وهو من الشجر ما خرج حول أصله. (اللسان 1/ 100 (شطأ)) والطواع: من «الطواعية». (اللسان 8/ 240 (طوع)).
(3) في ط: «ذي».
(4) في و: «يرقاني» وبعدها في ط:
«ورأيت بخطّ الشيخ بدر انتهي».
والبيت في الأدب في العصر المملوكيّ 1/ 94.
وقان: يقصد به الدم الأحمر واليرقان:
مرض معروف يصيب الناس. (اللسان 10/ 387 (يرق)).
وفي هامش ك: «لبعضهم [من الطويل]:
وليل كأصداغ الحبيب قطعته
وورد كخدّيه وجام * عقار
وأنجمه تبدو كأعشار مسجد
تضمّنها في الجوّ جامع قار *»
وكتب فوقها: «ليس من الأصل».
(*) جام: إناء من فضّة. (اللسان 12/ 112 (جوم) القاري: الصالح من الناس.
(اللسان 15/ 175 (قرا)).
(5) في ط: «ومنه قوله».
(6) في د: «في».
(7) «من غير هذا النوع» سقطت من ط.
(8) في ط: «جاورت».
(9) بعده في ط: «وقوله: زاروا».
والبيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وجار: ظلم. (اللسان 4/ 153 (جور)) وأجرى: وأدام له. (اللسان 14/ 142 (جرى)) واجترى: واجترأ عليه. (اللسان 1/ 44 (جرأ)).
(10) في ب، ط: «ورأيت».
(11) «البيت» سقطت من ب، وو ثبتت في هـ ومشارا إليها ب «صح».(1/381)
المتأدّبين. انتهى (1).
ومنه (2) قوله [من المجتثّ]:
زاروا وزانوا وزادوا (3) ... هذا الجناس المليح (4)
وفي قوله: «هذا الجناس المليح» (5)، من الرّكّة ما لا يخفى على أهل الذوق السّليم، ولولا خوف الإطالة (6) من سأم الأسماع لأوردت له كثيرا من هذا النمط.
ومن (7) أظرف ما وقع للشيخ (8) جمال الدين بن نباتة معه (9)، أنّه لما وقف على كتابه المسمّى ب «جنان الجناس»، وقد اشتمل على كثير من هذا النوع، قرأه (10) «جنان الخنّاس» (11)، وجرى بينهما بسبب ذلك ما يطول شرحه، وهذا ممّا يؤيّد قولي إنّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله.
ويعجبني هنا قول الشيخ زين الدين عمر (12) بن الورديّ [المعرّي] (13)، رحمه الله تعالى (14) [من الوافر]:
إذا أحببت نظم الشعر فاختر ... لنظمك كلّ سهل ذي امتناع
ولا تقصد مجانسة ومكّن ... قوافيه وكله إلى الطّباع (15)
__________
(1) بعده في ط: «ومنه قوله: فجار وأجرى جناس».
وفي هامش ك: «رأيت بخطّ بعض الفضلاء ما نصّه: لو كتب البيت الأوّل قبله علت طبقة الصفديّ، فإنّه اختلف عليه الضرب، فأتى بالأوّل في الأوّل، وبالثالث فالثاني، وذلك لا يجوز بالإجماع».
(حاشية).
(2) «منه» سقطت من ط.
(3) في د: «زاروا وزاروا وزاروا».
(4) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(5) في ط: «ذلك» مكان: «قوله المليح».
(6) في ط: «الخشية» مكان «خوف الإطالة».
(7) في ط: «وما».
(8) في ط: «له مع الشيخ».
(9) في ب: «مع» وفي ط: «وذلك».
(10) في هـ ب «فسمّاه».
(11) الجنان: «الترس». (القاموس ص 1532 (جنن)) ويقصد بالخنّاس: الشيطان.
(12) «عمر» سقطت من ب، هـ و.
(13) من ب.
(14) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، هـ و.
(15) «ويعجبني هنا الطباع» سقطت من د، ك، وو ثبتت في هـ ك، وفي هـ ومشارا إليها فيهما ب «صح صح» وكتب فوقها في هـ ك «أصل». والبيتان في ديوانه ص 396395.(1/382)
وكان الأسعد بن ممّاتيّ أيضا ممّن لم (1) يجعل الجناس له مذهبا في نظمه، وما أحلى ما قال [من الكامل]:
طبع المجنّس (2) فيه نوع قيادة ... أو ما ترى تأليفه للأحرف (3)
ومن غريب ما يحكى أنّ الشيخ صلاح الدين الصّفديّ، رحمه الله (4)، مع تهافته على الجناس والتزامه بما صنّفه من (5) جنسه (6) وأنواعه، زاحم ابن ممّاتيّ في لفظ بيته ومعناه، فقال (7) [من الطويل]:
ألا إنّ (8) من عانى القريض بطبعه ... يقود فأرسله، لمن (9) صدّ واحتشم
ألم تره أن قال شعرا مجانسا ... يؤلّف ما بين الحروف إذا نظم (10)
فانظر كيف أخذ المعنى وغالب الألفاظ، ولم يتمكّن من نظم (11) ذلك إلّا في بيتين، أتى فيهما بكثرة الحشو مع قلّة الأدب على أهله والأسعد (12) أثبت القيادة لطبع المجنّس، والشيخ صلاح الدين (13)، غفر الله له (14)، أثبت الحكم المذكور لمن يعاني نظم الشعر (15).
__________
(1) «لم» سقطت من ب.
(2) في د: «المخنّس».
(3) البيت لم أقع عليه ما عدت إليه من مصادر.
(4) «رحمه الله» سقطت من ب، د، ط، و.
(5) «من» سقطت من د وفي ب، ط، و:
«في» وفي ك: «من» وفوقها في ك:
«في» خ.
(6) «جنسه» سقطت من د.
(7) في ب: «وقال».
(8) «إنّ» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ب: «إلى من».
(10) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(11) «نظم» سقطت من ك، وثبتت في هامشها «من نظم» خ.
(12) في ب، د، ط، و: «فإنّ الأسعد».
(13) في ب: «والصلاح» مكان «والشيخ صلاح الدين».
(14) «غفر الله له» سقطت من ب.
(15) في هامش ك: «نقلت من خطّ شيخ الإسلام ابن حجر من حاشية نسخة النواجي: «وكذا ابن سناء الملك حين قال [من مخلّع البسيط]:
وكأنّك * شاعر أديب
منتظم العقل والقياس
قلت * لي، والفضول داء،
وهو، كما قيل، كالعطاس
قد كنت تبغي فصرت تبغو
قال: من العشق في الجناس(1/383)
وقد طال الشرح (1) [حينئذ] (2) وتعيّن الكلام على الجناس لأنّ الشروع فيه ملزم (3)
لأجل معارضة من تقدّمني في نظم (4) البديعيات.
أمّا هذا النوع فإنّه ما سمّي جناسا (5) إلّا لمجيء حروف ألفاظه من جنس واحد ومادّة واحدة، ولا يشترط فيه تماثل جميع الحروف، بل يكفي في التماثل ما تعرف به المجانسة.
وأما اشتقاق «الجناس»، فمنهم من يقول: «التجنيس» وهو (6) تفعيل من «الجنس»، ومنهم من يقول: «المجانسة» وهو (7) المفاعلة من «الجنس» أيضا، لأنّ (8)
إحدى الكلمتين إذا شابهت الأخرى (9) وقع (10) بينهما مفاعلة الجنسيّة (11)، و «المجانسة» (12) و «الجناس» مصدر «جانس»، ومنهم من يقول: «التجانس» وهو (13)
التفاعل من «الجنس» أيضا، لأنّه مصدر «تجانس الشيئان» إذا دخلا في جنس واحد.
__________
[الأبيات لم أقع عليها في ديوانه].
قلت: ولولا أنه أطاله بجعله ملامة أبياته لكان أولى ممّا قبله». انتهى». وأشير فوقها ب «حش».
(* *) «و» يبدو أنها كتبت سهوا قبل «كأنّك»، ولو كتبت قبل «قلت» لكان أصلح للوزن.
وتبغي: تطلب وتبغو: تنظر إلى الشيء كيف هو. (اللسان 14/ 75 (بغا)) وربّما أتت «تبغي» بمعنى: تعدل عن الحقّ وتبغو: تتعدّى وتجني. (اللسان: 14/ 78، 79 (بغا)).
(1) في و: «الكلام».
(2) من و.
(3) في ط: «يلزم».
(4) في ط: «المعارضة لمن تقدّمني من ناظمي».
(5) في هامش ب: «ترى القائل بأنّ «التجنيس» من «الجنس»، هو القائل بأنّ «المجانسة» من «الجنس»، والقائل بأنّ «المجانسة» من «الجنس» هو غير القائل بأن «التجانس» من «الجنس»، حتى ذكر الشيخ مذاهبهم وبيّن اختلافاتهم، ولو قال: «التجنيس» تفعيل، و «المجانسة» مفاعلة، و «التجانس» تفاعل، والكلّ مشتقّ من «الجنس»، ما كان يلزمه من المحذور، وكأنه قصد بذلك أن يعلم أنّ له تصرّفا في التصريف». وقد أشير فوقها ب «حش».
(6) في ب، ط: «هو».
(7) «وهو» سقطت من ط.
(8) في ط: «إلّا أنّ».
(9) في ط: «تشابهت بالأخرى».
(10) ورد في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «في الأصل وقع»، وما أثبتناه أصح». وهذا وهم، إذ إنه يجوز تذكير الفعل مع فاعله المؤنث إذا فصل بينهما.
(11) في و: «جنسيّة».
(12) «والمجانسة» سقطت من ط.
(13) «وهو» سقطت من ط.(1/384)
ولمّا انقسم أقساما كثيرة وتنوّع أنواعا عديدة تنزل منزلة الجنس الذي (1) يصدق على كلّ واحد من أنواعه، فهو حينئذ جنس، وأنواعه (2): التامّ، والمحرّف، والمصحّف، والملفّق، وهلمّ جرّا كما أنّ البديع جنس وأنواعه: الجناس، واللّف والنشر، والاستعارة (3)، والتورية، والاستخدام، وغير ذلك من أنواع البديع.
وأمّا حدود أنواع الجناس فقد اختلفت (4) فيها عبارات البديعيّين (5)، ولكن نأتي بحدّ (6) كلّ واحد (7) من الأنواع في موضعه، ونذكر ما وقع من (8) الاتفاق عليه.
وقد صدّرت بديعيّتي هذه ب «الجناس المركّب والمطلق» حسبما رتّبه الشيخ صفيّ الدين الحليّ في بديعيّته، ولكن فاته شنب التسمية، وإبرازها في شعار التورية من جنس الغزل (9).
فحدّ المركّب أن يكون أحد (10) الرّكنين (11) كلمة مفردة والآخر مركّبا (12) من كلمتين، وهو على ضربين، فالأوّل ما تشابه لفظا وخطّا، كقول الشاعر [من مجزوء الرمل]:
عضّنا الدهر بنابه ... ليت ما حلّ بنا به (13)
ومثله قول القائل [من الخفيف]:
ناظراه بما (14) جنى ناظراه / ... أو دعاني رهنا (15) بما أودعاني (16)
__________
(1) «وهو التفاعل الذي» سقطت من ب.
(2) في و: «وأقسامه خ»، وفي هامشها:
«وأنواعه» صح.
(3) في هامش ب: «الاستعارة بأنواعها من قسم البيان». وقد أشير فوقها ب «حش».
(4) في ك: «اختلف»، وكتب فوقها:
«اختلفت» خ.
(5) في ط: «البديعين».
(6) في ب: «يأتي نحدّ».
(7) «واحد» سقطت من و.
(8) «من» سقطت من ب، ط، و.
(9) في ط: «التغزّل».
(10) في د، ك، و: «إحدى» وفي ب، ط: «أحد».
(11) في ط: «الركنيين».
(12) في ط: «والأخرى مركبة».
(13) البيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 14.
(14) في ب، ط، و: «فيما» وفي هـ ك:
«فيما» خ مكان «بما» خ.
(15) في ب، ط: «أمت».
(16) البيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 15وفيه: «فيا جنى» والعمدة 1/ 513وفيه:
عارضاه بما جنى عارضاه
أو دعاني أمت بما أودعاني(1/385)
وحفظت من شيخي العلّامة الشيخ (1) شمس الدين الهيتيّ الحسنيّ النحويّ، وأنا في مبادئ العلم (2) والاشتغال، من الجناس المركّب المتشابه (3) قول القائل [من دو بيت] (4):
في مصر من القضاة قاض، وله ... في أكل مواريث اليتامى وله
إن رمت عدالة فقم (5) مجتهدا ... من عدّ له دراهما عدّله (6)
وكان يقول: لا أعرف لهما ناظما.
وما ألطف قول القائل [من المجتثّ]:
يا سيّدا حاز رقّي ... ممّا (7) حباني وأولى
أحسنت برّا فقل لي ... أحسنت في الشّكر أو لا (8)
وقال العلّامة الشهاب (9) محمود: أنشدني الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الوهاب لنفسه من المتشابه لفظا وخطّا [وهو] (10) [من الرمل]:
__________
وفي هامش ب: «قبله [من الخفيف]:
قلت للقلب: ما دهاك؟ أجبني،
قال لي: بائع البراني * براني
قال الأستاذ عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي: أنشدني أبو القسم [لعلّها: أبو القاسم] عليّ بن محمّد البخاريّ الطاهريّ البصريّ، فأنشدتها أبا الفتح البستيّ، فقال: والله، قد غيّر وجهي. والبستيّ هو المغرم بفنّ التجنيس. البراني: شيء يطبخ بالأرز المرضوض والحليب وماء الزبيب». وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) وقيل: البرانيّ: بلغة أهل العراق، الدّيكة الصغار حين تدرك، وقيل:
البرنيّة: شبه فخّارة ضخمة خضراء، أو إناء من الخزف، وقيل: البرنيّ ضرب من التمر أحمر مشرب بصفرة عذب الحلاوة.
(اللسان 13/ 50 (برن)).
(1) «الشيخ» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك.
(2) في ب. ط، و: «العمر» وفي هـ ك:
«العمر» خ مكان «العلم» خ.
(3) في ب: «والمتشابه».
(4) من ط وفي ب: «[دو بيت]».
(5) في ط: «فقل».
(6) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 15وفيه: «فقل» و «دلاهما».
(7) في ط: «بما».
(8) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(9) في ط: «شهاب الدين».
(10) من ب.(1/386)
حار في سقمي من بعدهم ... كلّ من في الحيّ داوى أو رقا
بعدهم لا طلّ (1) وادي المنحنى (2) ... وكذا بان الحمى لا أورقا (3)
وأورد الشيخ صلاح الدين الصفديّ (4) لنفسه في كتابه المسمّى (5) ب «جنان الجناس» من هذا النوع، [قوله] (6) [من المجتثّ]:
يا من إذا ما أتاه ... أهل المودّة أولم
أنا محبّك حقّا ... إن كنت (7) في القوم أو لم (8)
وهذا النوع لم يذكره الشيخ صفيّ الدين الحليّ (9) في بديعيّته.
انتهى الكلام على المتشابه من المركّب (10) لفظا وخطّا (11).
[و] (12) الثاني ما هو متشابه (13) لفظا لا خطّا (14) ويسمّى المفروق، وهو الذي نظمه الشيخ (15) صفيّ الدين الحليّ (16) في بديعيّته، [والأوّل أعزّ وأحسن موقعا، وهو الذي نظمته في بديعيتي] (17)، وهو (18) كقول الشاعر (19) [من الكامل]:
لا تعرضنّ على الرواة قصيدة ... ما لم تكن بالغت في تهذيبها
فإذا (20) عرضت الشعر غير مهذّب ... عدّوه منك وساوسا تهذي بها (21)
__________
(1) في ب، ط: «ظلّ».
(2) في هـ و: «المنحنى» ن.
(3) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(4) «الصفدي» سقطت من ب.
(5) «المسمّى ب» سقطت من ب.
(6) من ط.
(7) في د: «كنت».
(8) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 15وفيه: «أهل المحبّة».
وفي هامش ك: «والأوّل أعزّ وأحسن موقعا، وهو الذي نظمته في بديعيّتي».
(حاشية).
(9) «الحلي» سقطت من ط.
(10) «انتهى المركب» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(11) في و: «لا خطّا».
(12) من ط.
(13) في د: «المتشابه».
(14) في و: «وخطّا».
(15) «الشيخ» سقطت من ط.
(16) «الحلي» سقطت من ب، ط.
(17) من ب، و.
(18) «وهو» سقطت من د، ط، و.
(19) «وهو كقول الشاعر» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(20) في ط: «وإذا».
(21) البيتان بلا نسبة في الإيضاح ص 320 وفيه: «ما لم تبالغ قبل في» وحاشية شرح الكافية البديعية ص 60.(1/387)
ومثله قول القائل [من مجزوء الكامل]:
يا من تدلّ (1) بمقلة ... وأنامل من عندمي (2)
كفّي جعلت لك الفدا ... أسياف لحظك عن دمي (3)
ومثله قول ابن أسد بن الفارق (4) [من الطويل]:
غدونا بآمال ورحنا بخيبة ... أماتت لها (5) أفهامنا والقرائحا
فلا (6) تلق منّا غاديا نحو حاجة ... لتسأله عن حاله (7) والق رائحا (8)
وحسن (9) قول أبي الفتح (10) البستيّ فيه (11) [من البسيط]:
وإن أقرّ على رقّ أنامله ... أقرّ بالرّقّ كتّاب الأنام له (12)
وما ألطف قول العلّامة الشهاب (13) محمود من هذا النوع [من الوافر]:
ولم أر مثل بشر (14) الرّوض لمّا ... تلاقينا وبنت (15) العامريّ
جرى دمعي وأومض برق فيها ... فقال الروض في ذا العام ريّي (16)
ومن لطائف الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله (17)، قوله هنا (18) [من الكامل]:
__________
(1) في د، و: «تدلّ».
(2) في ب، د: «عندم».
(3) البيتان في تحرير التحبير ص 109 «تدلّ بوجنة» و «عندم» و «ألحاظ عينك عن».
وتدلّ: تتغنّج وتتلوّى. (اللسان 11/ 247 (دلل)) والعندم: شجر أحمر، وقيل: هو دم الغزال يطبخ بلحاء شجر الأرطى، حتى ينعقدا فتختضب به الجواري. (اللسان 12/ 430 (عندم)).
(4) في ب، د، ط، و: «الفارقيّ».
(5) في ب، ط، و: «لنا».
(6) في ب: «ولا».
(7) في ط: «حاجة».
(8) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(9) في ط: «ويحسن هنا».
(10) في ك: «الحسن»، وفي هامشها «الفتح» صح.
(11) «فيه» سقطت من ب.
(12) البيت في ديوانه ص 158وفيه: «وإن أمرّ على» والعمدة 1/ 513.
(13) في ط: «شهاب الدين».
(14) في ب، ط: «نشر».
(15) في ط: «ببنت».
(16) البيتان لبعض الفضلاء في نفحات الأزهار ص 15.
(17) «رحمه الله» سقطت من ب، ط وفي د:
«رحمه الله تعالى».
(18) «قوله هنا» سقطت من ط.(1/388)
قمرا نراه (1) أم مليحا أمردا ... ولحاظه بين الجوانح أم ردى (2)
ومثله قول شمس الدين محمد بن العفيف [من مخلّع البسيط]:
أسرع وسر طالب المعالي ... بكلّ واد وكلّ مهمه
وإن لحى (3) عاذل جهول ... فقل له يا عذول مه مه (4)
ومثله قوله [من مجزوء الرجز]:
إنّ الذي منزله ... من سحب دمعي أمرعا
لم أدر من بعدي هل ... ضيّع عهدي أم رعى (5)
ومثله قول قاضي القضاة (6) بهاء الدين السبكيّ (7) [من الكامل]:
كن كيف شئت عن الهوى لا أنتهي ... حتّى تعود لي الحياة وأنت هي (8)
وأنشدني قاضي القضاة تقي الدين بن الجيتيّ (9) الحنفيّ لنفسه الكريمة (10)، حرسها الله تعالى (11)، بحماة المحروسة (12)، في مبادئ العمر، وقد ذكرت بين يديه الجناس المركّب [من الخفيف]:
قلت للعاذل الملحّ (13) على الدّم ... ع وإجرائه على الخدّ نيلا
__________
(1) في ب، د: «تراه».
(2) البيت في ديوانه ص 144وهو مما قاله في شهاب الدين ابن فضل الله ونفحات الأزهار ص 15.
(3) في كلّ النسخ: «لحا».
(4) البيتان في ديوانه ص 343ونفحات الأزهار ص 15.
والمهمه: المفازة أو الفلاة البعيدة: ومه مه: اسم فعل أمر، للزجز والنهي بمعنى:
اكفف. (اللسان 13/ 542 (مهه)) ولحى: لام وعذل. (اللسان 14/ 242 (لحا)).
(5) الرجز في ديوانه ص 208.
وأمرع: أخصب. (اللسان 8/ 334 (مرع)).
(6) في ط: «القاضي».
(7) في ط: «رحمه الله تعالى» وفي ب:
«وقول قاضي القضاة بهاء الدين السبكي مثله».
(8) «ومثله قول وأنت هي» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
والبيت له في نفحات الأزهار ص 14.
(9) في ط: «الحسنيّ».
(10) «لنفسه الكريمة» سقطت من ط.
(11) سقطت من ط وفي ب: «حرسها الله سبحانه وتعالى».
(12) «المحروسة» سقطت من ط.
(13) في هـ و: «الملحّ» ن.(1/389)
سل سبيلا إلى النجاة ودع ني ... ل (1) دموعي تجري لهم سلسبيلا (2)
ومن أنواع الجناس المركّب نوع (3) يسمّى «المرفوّ» وهو أن يكون أحد الرّكنين جزءا مستقلّا والآخر مجزّأ (4) من كلمة أخرى، كقول الحريريّ [من السريع]:
والمكر مهما اسطعت (5) لا تأته ... لتقتني السّؤدد والمكرمه (6)
وكقوله (7) [من الطويل]:
ولا تله عن تذكار ذنبك (8) وابكه ... بدمع يحاكي المزن حال مصابه
ومثّل لعينيك الحمام ووقعه ... وروعة (9) ملقاه ومطعم صابه (10)
وهذا النوع لم يخل (11) من التعسّف (12) وعقادة التركيب (13).
انتهى الكلام على الجناس المركّب وأقسامه / غير أنّ هنا بحثا لطيفا، وهو أنه قد تقرّر أنّ ركني الجناس يتّفقان في اللفظ ويختلفان في المعنى لأنه نوع لفظيّ لا معنويّ، وهو نوع (14) متوسّط بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع، والتورية من أعزّ أنواعه وأعلاها رتبة، فإذا جعلت الجناس تورية انحصر المعنيان في ركن واحد،
__________
(1) في ط: «دمع».
(2) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 14.
(3) «نوع» سقطت من ب وفي ك: «نوعا».
(4) في ب: «جزء».
(5) في ب: «استعطت» وفي د، و:
«استطعت».
(6) البيت في مقاماته ص 407.
وفي هامش ب: «لبعضهم [من السريع]:
ما الأمة العمياء بين الورى
أقبح من جراءتي ملأمه
فمه إذا استجديت عن قول «لا»
فالحرّ لا يملأ منها فمه»
(حاشية).
(7) في ط: «وقوله».
(8) في و: «دينك».
(9) في ب: «وروّعه».
(10) البيتان في مقاماته ص 179والإيضاح ص 319ونفحات الأزهار ص 14 وفيه: «يضاهي المزن» و «ولوعة ملقاه».
ومصاب المزن: هطوله. (اللسان 1/ 534 (صوب)) والصاب: عصارة شجر مرّ، وقيل: هو عصارة الصبر. (اللسان 1/ 537 (صوب)).
(11) في هـ ب: «لم يخل» توضيحا لما في متن ب.
(12) في ط: «تعسّف».
(13) في ب: «والعقادة في التركيب»، وفي هامشها: «وعقادة التركيب»، وفي ط:
«وعقادة في التركيب».
(14) «نوع» سقطت من ب.(1/390)
وخلصت من عقادة الجناس وحرّكت جامد (1) الأذواق وأبهجت خاطر السامع بما أتحفته من بديع تركيبها وتأهيله بغريبها، وأنا أذكر المثالين هنا ليصحّ (2) في الأذهان الصحيحة، أنّ النهار لم يحتج (3) إلى إقامة دليل.
قال صاحب الجناس المركّب [من الكامل]:
أعن العقيق سألت برقا أو مضا ... أأقام (4) حاد بالرّكائب أو مضى (5)
قال صاحب التورية (6) [من الكامل]:
وإذا تبسّم ضاحكا لم ألتفت ... إن عاد برق (7) في الدّياجي أو مضا (8)
وهنا يحسن أن يتمثّل بقول القائل [من السريع]:
ومن يقل للمسك أين الشّذا ... كذّبه في الحال من شمّا (9)
ومثله قول الشاعر [من مجزوء المتقارب]:
نديمي لا تسقني ... سوى الصرف فهو الهني
ودع كأسها أطلسا ... ولا تسقني معدني (10)
ومن التورية المركّبة ما أنشدني من لفظه، لنفسه الكريمة (11)، علامة عصرنا
__________
(1) «جامد» سقطت من ط.
(2) في ط: «ليتّضح».
(3) في ب: «إزالتها ولم تحتج» مكان «أنّ النهار لم يحتج».
(4) في ب: «أقام».
(5) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
والعقيق: واد بناحية المدينة المنوّرة وفيه عيون ونخل. (معجم البلدان 4/ 139).
(6) «قال صاحب التورية» سقطت من د.
(7) في ط: «برقا».
(8) في د، و: «أو مضى». والبيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 16.
(9) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ب: [من السريع]:
«ومن يقل للشهد ذا حامض
كذّبه في وجهه الذائق»
وقد أشير فوقها ب «حش».
(10) في ط: «مع دني» وبعدها في ب، و:
«مع دني».
والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وأطلس: في لونه طلسة، وهي الغبرة المائلة إلى السواد. (اللسان 6/ 124 (طلس)).
(11) «لنفسه الكريمة» سقطت من ط.(1/391)
القاضي بدر الدّين [بن] (1) الدّمامينيّ، فسح الله في أجله (2)، ممّا (3) كتب به إلى مولانا الحافظ (4)، الشيخ شهاب الدين ملك المتأدبين، وعمدة المحدّثين (5)، أبي العبّاس أحمد (6) بن حجر العسقلانيّ (7) الشافعيّ (8)، جمّل الله الوجود بوجوده (9)، [من الطويل]:
حمى ابن عليّ حوزة (10) المجد والعلا ... ومذ (11) رام أسباب (12) المعالي (13) حازها (14)
وكم مشكلات في البيان بفهمه ... تبيّنها (15) من غير حجب (16) ومازها (17)
__________
(1) من د، ط، و.
(2) سقطت من ط وفي ب: «فسح الله سبحانه في أجله» وفي و: «فسح الله تعالى في أجله».
(3) في ط: «بما».
(4) «مولانا الحافظ» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(5) في ط: «المحققين».
(6) «ملك العباس أحمد» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(7) «العسقلاني» سقطت من ط.
(8) «الشافعي» سقطت من د.
(9) «جمل الله الوجود بوجوده» سقطت من د، ط، ك وثبتت في هـ ك وفي ب: «جمل الله سبحانه الوجود بوجوده، آمين».
(10) في د: «جوزة».
(11) في ط: «ومن».
(12) في ب، د، ط، و: «أشتات».
(13) «المعالي» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
وفي هامش ب: «لو قال بدل «المعالي» «المكارم» أو «المفاخر» أو ما يشبهه [ل] كان استراح من تحريك الياء». وقد أشار فوقها ب «حش».
«وربّما يكون قال ذلك، [من الطويل]:
وما آفة الأخبار إلّا رواتها»
وقد أشير فوقها ب «حش».
* هذا الشطر لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
(14) في ط: «وحازها».
(15) في و: «يبيّنها».
(16) في د، ط، و: «عجب».
(17) في ب، د: «وما زهى» وفي و: «وما زها (ى)» وبعدها في ط: «ومازها».
والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ك: «[قال] ابن المظفر وجيه الدين الأعمى [من الطويل]:
ولو قطّرت في لجّة البحر قطرة
من المزن أو ما يشاء لمازها
ولو ملك الدّنيا فأضحت ملوكها
عبيدا له في الشرق والغرب مازها
«وله أيضا [من الطويل]:
أطلت ملامي في اجتنابي لمعشر
طغام * لئام وجودهم غير مرتجى
ترى بابهم لا بارك الله فيهم
على طالب المعروف أرجاء مرتجا(1/392)
فأجابه شيخنا المشار إليه (1) بقوله (2) [من الطويل]:
بروحي بدر (3) في النّدى ما أطاع من ... نهاه وقد حاز المعالي فزانها
يسائل أن ينهى عن الجود نفسه ... وها هو قد برّ (4) العفاة ومانها (5)
وما أحلى ما قال [وأعني ابن حجر] (6) فيه (7) متغزّلا [من المنسرح]:
سألت من لحظه وحاجبه ... كالقوس والسّهم (8) موعدا حسنا
ففوّق السّهم من لواحظه (9) ... وانقوس الحاجبان واقترنا (10)
ومن نثر (11) الشيخ بدر الدين المشار إليه في التورية المركّبة يشير إلى تقريظ كتبته (12) لبعض أهل الأدب على مصنّف سافل، ولم (13) يمكن تسميته، والتزمت (14)
في التّقريظ نوع الإبهام من الأوّل إلى الآخر، وكتب الشيخ بدر الدين (15) على ذلك
__________
حموها * لهم والدين والعرض منهم
مباح فما يخشون من هجو من هجا
إذا شرع الأقوام في الجود منهجا
لهم شرعوا في البخل سبعين منهجا
وقد كتب بجانبها في الهامش: «ليس هذا من البديعية، وإنّما سمعته من بعض الإخوان حالة المقابلة». (حاشية).
(*) الطّغام: أرذال الناس وأوغادهم.
(اللسان 12/ 368 (طغم)).
(*) وردت «حمواها» سهوا.
(1) «شيخنا المشار إليه» سقطت من د، ط، ك وثبتت في هـ ك.
(2) «بقوله» سقطت من ط.
(3) في ط: «بدرا».
(4) في ب: «منّ».
(5) في ب: «وما نهى» وفي و:
«ومانها (ى)» وبعدها في ط، ك:
«وما نهى». والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
والعفاة: ج عاف: طالب الفضل والرزق، أو الضيف. (اللسان 15/ 74 (عفا)) ومانها: احتمل مؤونتهم وقام بكفايتهم.
(اللسان 13/ 425 (مون)).
(6) من و.
(7) «فيه» سقطت من ط.
(8) في ط: «كالسهم والقوس».
(9) في ب: «حواجبه».
(10) في ط: «وقت رنا»، وبعدها: «واقترنا» وبعدها في ب، و: «وقت رنا». والبيتان في ديوانه ص 266وأنس الحجر ص 349ونفحات الأزهار ص 16.
(11) في ب: «نثر» مصحّحة عن «نظم»، وهي غامضة، وفي هامشها «نثر» توضيحا لرسمها.
(12) في ط: «كتبه».
(13) في ط: «لم».
(14) في ط: «والتزم».
(15) بعدها في ب: «المذكور».(1/393)
المصنف (1) بعدي (2) قوله: «[وهو] (3) ولقد (4) كنت أرتجي بابا أدخل منه إلى التقريظ، ففتح لي المقرّ التقويّ بابا مرتجا، ونهج الطريق إلى المدح فاقتفيت آثاره [واهتديت] (5) حيث (6) رأيت منهجا» (7).
ومثله قوله في التقريظ الذي كتبه على بديعيّتي (8) هذه: «كتبت وأسياف الخطوب ليس لها إلّا الجوانح أغماد، والزمن قد كادني بسهام أوتاره المصيبة ورماني (9)
بأنكاد (10) بعد أنكاد» (11).
ومثله ما أنشدني من لفظه لنفسه الكريمة (12) أحد أعيان العصر القاضي مجد الدين بن مكانس، فسح الله في أجله (13)، [حيث قال] (14) [من الطويل]:
أقول لحبّي قم ومس يا معذّبي ... كميسة خود حرّك السّكر رأسها
ولا تسه عن شيء إذا ما حكيتها ... فقام كغصن البان لينا وماسها (15)
__________
(1) في هامش ط: «قوله: و «كتب الشيخ بدر الدين على ذلك المصنف»، هكذا في النسخ، والصواب إسقاطه». (حاشية).
(2) «بعدي» سقطت من ط.
(3) من ب.
(4) «ولقد» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «ص».
(5) من ب، ط، و.
(6) في ب، ط، «حين» وفي و: «حتى».
(7) في د: «من هجا»، وبعدها «منهجا» وفي هـ ط: «من هجا» وبعدها في ك:
«من هجا» وفوقها في و: «من هجا».
(8) في ط: «بديعتي».
(9) في ب: «وأرماني».
(10) «بأنكاد» سقطت من ط.
(11) في ب، ط: «أن كاد» وفي هـ ط:
«أنكاد» وفوقها في د، و: «أن كاد» وبعدها في ك: «أن كاد»
وفي هامش ب: «ما فهم الشيخ تقيّ الدين مقصود الشيخ من هذه * السجعتين».
(حاشية).
(*) لو قال «هاتين» لكان أصوب.
(12) في ب: «الكريمة م لنفسه م».
(13) سقطت من ط وفي ب: «فسح الله سبحانه في أجله».
(14) من ط.
(15) في و: «وما سها (ى)». والبيتان له في نفحات الأزهار ص 16.
وفي هامش ب: «ماس يميس: فعل لازم أي «تبختر»، ولا يتعدّى بنفسه، فقوله:
«ما سها» حرف نفي، و «سها» فعل ثلاثيّ مجرّد ناقص، وهذا المعنى واللفظ صحيح، وأما على تقدير أن يكون «ماس» فعلا فلا يتعدّى إلّا بإحدى طرق التعدية، فلا يجوز أن يكون «ماسها» فعلا متعدّيا، والضمير مفعولا تعدّى إليه الفعل بلا واسطة *». وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) وربما كانت «ها» في «ما سها» عائدة إلى(1/394)
وأحجية مولانا (1) الشيخ شهاب الدين بن حجر، المشار إليه (2) [آنفا] (3) في هذا الباب، من ظرف (4) الأدب، فإنّها تورية [خفيّة] (5) مركبة في الأصل، وهي (6) [من مجزوء الكامل]:
يا فاضلا هو في الأحا ... جي ليس يخلو من ولع
ما مثل قولك للّذي ... يشكو (7) الحبيب اسكت رجع (8)
ف «صه» مرادف «اسكت»، و «باء» مرادف «رجع»، فحصلت التورية المركّبة (9) في «صهباء» و «صه باء».
ومن النظم في هذا النوع الغريب قول المعمار [من الرجز]:
وخادم يعلو على عشّاقه ... برتبة من الجمال نالها
وإسمه وهو العجيب محسن ... وكم دموع في الهوى أسالها (10)
ومثله قول الشيخ شمس الدين المزيّن، / رئيس دمشق المحروسة (11)، في غلام مليح وله لألاء (12) مليح [من الخفيف]:
ومليح لألاه يحكيه حسنا ... فهو كالبدر في الدّجى يتلالا
قلت: قصدي من الأنام مليح ... هكذا هكذا وإلّا فلالا (13)
__________
«ميسة» في البيت السابق، فتكون في محل نصب على المفعولية المطلقة، وهذا جائز، وبها يصحّ اللفظ والمعنى.
(1) «مولانا» سقطت من د، ط وفي ك كتبت فوق «وأحجية».
(2) «المشار إليه» سقطت من ط.
(3) من ب.
(4) في د، ط، و: «طرف».
(5) من ط.
(6) «وهي» سقطت من ط.
(7) في د: «يبكي».
(8) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(9) «المركبة» سقطت من ط.
(10) في د، و: «أسى لها» وبعدها في ب:
«أسى لها» وبعدها في ط: «أساء لها».
والرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ب: «ما أدري ما مراده: أساء الدمع». وقد أشير فوقها ب «حش».
(11) «رئيس دمشق المحروسة» سقطت من ط و «المحروسة» سقطت من ب.
(12) اللألاء: الضوء أو النور (السراج).
(اللسان 1/ 150 (لألأ) وتاج العروس 1/ 414 (لألأ)).
(13) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.(1/395)
ومن نظمي (1) في هذا النوع الغريب (2) [من الوافر]:
تصدّيتم لقتل ضعيف جسم ... لغير الوجد فيكم ما تصدّى (3)
وعدّ ضلوعه بالسّقم لمّا ... تعدّيتم عليه وما تعدّى (4)
وقلت فيه [من الخفيف]:
بعد هند وبعد سلمى تعطّش ... ت إلى رشف كلّ ألعس ألمى
وفؤادي يقول لا تطلب الرّي ... ي من الرّيق بعد هند وسلمى (5)
وقلت أيضا (6) من قصيدة (7) مطوّلة [من الخفيف]:
حين قابلت خدّه بدموعي ... أثّرت خلت ثوب خزّ مختّم (8)
فانظر (9) اليوم ثغره مع دمعي (10) ... واحك ما شئت عن أقاح (11) وعن دم (12)
__________
(1) في د: «ومن نظمي الغريب».
(2) في ط: «الغريب في هذا النوع» مكان «في هذا النوع الغريب».
(3) بعدها في ب: «مات صدّا».
(4) بعدها في ب: «مات عدّا» وبعدها في ط، و: «ومات عدّا». والبيتان في ديوانه ورقة 80أ.
وفي هامش ك: «وجدت بخطّ بعض الفضلاء، فإن زالت من كل المصنّف: ما مثاله: هذا البيت من الملفّق، وإنّما الكاتب غلط ووضعه هنا». وقد أشير فوقها ب «حش».
وفي هامش و: «هذا من الجناس الملفّق، وإنّما الكاتب غلط ووضعه هنا». وقد أشير فوقهما ب «حش».
(5) بعدها في ب، ط، و: «وسل ما».
والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
وألعس: في شفته لون ضارب إلى السواد قليلا. (اللسان 6/ 207 (لعس)) وألمى:
في شفته لون سمرة مشربة بسواد. (اللسان 15/ 258 (لما)).
(6) «أيضا» سقطت من ط وفي د: «وقلت فيه أيضا».
(7) في ط: «قصيد».
(8) في د: «مخيّم» وفي ط: «منمنم».
وفي هامش ك: «كأنّ خدّه كان طوله عشرة أذرع، فهلّا قال: «جسمه» وفيه ما فيه».
وقد أشير فوقها ب «حش».
(9) في ط: «وانظر».
(10) في ط: «خدّه مع دموعي».
(11) في ط: «عقيق».
(12) في ب، و: «وعندم»، وبعدها: «وعن دم» وفي د: «وعندم» وبعدها في ط: «وعندم». والبيتان في ديوانه ورقة 19ب وفيه: «وانظر اليوم خدّه» و «واحكي».
وفي هامش ب: «وجد بخطّ المصنّف ما مثاله: هذا من الملفّق، وإنّما الكاتب غلط(1/396)
والبيت الأوّل من المعاني المخترعة التي لم أسبق (1) إليها.
انتهى ما أوردته من الكلام على الجناس المركّب واستجلاء عرائس التورية.
وأمّا الجناس المطلق فإنّ للنّاس في الفرق بينه وبين «المشتقّ» معارك، وسمّاه السّكاكيّ (2) وغيره «المتشابه والمتقارب» (3)، لشدّة مشابهته وقربه من «المشتقّ»، وكلّ منهما (4) يختلف في الحروف والحركات، ولكنّ الفرق بينهما دقيق، قلّ من أتى بصبحه (5) ظاهرا، فإنّ «المشتقّ» غلط فيه جماعة من المؤلّفين وعدّوه (6) تجنيسا، وليس الأمر كذلك، فإنّ معنى (7) «المشتقّ» يرجع إلى أصل واحد، والمراد من الجناس اختلاف المعنى في ركنيه (8)، و «المطلق» كلّ ركن منه (9) يباين الآخر في المعنى. وأنا أذكر لكلّ [واحد] (10) منهما شاهدا يزول به الالتباس، فالمشتق كقوله (11) تعالى: {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ (1) لََا أَعْبُدُ مََا تَعْبُدُونَ (2) وَلََا أَنْتُمْ عََابِدُونَ مََا أَعْبُدُ (3) وَلََا أَنََا عََابِدٌ مََا عَبَدْتُّمْ} (4) (12) وقيل: إنّ «ما» مصدريّة، أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي فعلى كلّ تقدير الجميع (13) راجع إلى العبادة، والمعنى في الاشتقاق راجع إلى أصل واحد، وقوله (14): {وَمِنْ شَرِّ حََاسِدٍ إِذََا حَسَدَ}
(5) (15) ومثله (16) قوله تعالى: {إِذََا وَقَعَتِ الْوََاقِعَةُ} (1) (17)، وقوله تعالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} (57) (18).
__________
ووضعه هنا». وقد أشير فوقها ب «حش».
(1) في ط: «يسبق».
(2) في و: «السكاسكيّ».
(3) في ب، د: «والمقارب».
(4) في ك: «منها».
(5) في ب، ط: «بصحّته».
(6) في ب: «وسمّوه».
(7) في د: «المعنى».
(8) في د: «تركيبه».
(9) «منه» سقطت من ب، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «ص».
(10) من ب، ط.
(11) في ب: «والمشتق مثله قوله».
(12) الكافرون: 1، 2، 3، 4.
(13) في ك: «الجمع».
(14) «وقوله» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مع ما يليها، مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «ومنه قوله تعالى».
(15) «ومن حسد» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مع ما سبقها. «وقوله: {وَمِنْ شَرِّ حََاسِدٍ إِذََا حَسَدَ} (5) صح.
[الفلق: 5]».
(16) «مثله» سقطت من ب، د، ط، و.
(17) الواقعة: 1.
(18) النجم: 57.(1/397)
ومن النظم قول عمرو بن كلثوم في معلّقته [من الوافر]:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا (1)
وما ألطف قول كشاجم في خادم أسود مشهور بالظلم [من السريع]:
يا مشبها في فعله لونه ... لم تخط ما أوجبت القسمه
فعلك من لونك مستخرج ... والظّلم مشتقّ من الظّلمه (2)
فإنّ النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، قال: «الظلم ظلمات يوم القيامة» (3).
ومن السحر الحلال قول بعض المتأخّرين في هذا (4) الباب [من البسيط]:
عاتبت طيف الذي أهوى وقلت له ... كيف اهتديت وجنح الليل مسدول
فقال آنست نارا من جوانحكم ... يضيء منها لدى السّارين قنديل
فقلت نار الجوى معنى وليس لها ... نور يضيء؟ فماذا (5) القول مقبول
فقال نسبتنا في الأمر (6) واحدة ... أنا الخيال ونار الشّوق تخييل (7)
وقد نبّه على (8) الاشتقاق بقوله (9): «نسبتنا في الأمر (10) واحدة»، ورأيت (11)
الشيخ (12) شمس الدين بن الصائغ، رحمه الله تعالى (13)، في شرحه (14) على البردة
__________
(1) البيت في ديوانه ص 78ولسان العرب 3/ 177 (رشد) والمخصص 3/ 81 والبصائر والذخائر 2/ 829وتحرير التحبير ص 102.
(2) البيتان في ديوانه ص 278وفيه:
«يا مشبها في لونه فعله
لم تعد ...
ظلمك من خلقك مستخرج»
ونفحات الأزهار ص 31.
(3) الحديث في صحيح البخاري 3/ 169 وسنن الترمذي ص 2030ومسند أحمد ابن حنبل 2/ 137، 159.
(4) في و: «ذا».
(5) في ط: «وهذا».
(6) في ط: «الحال».
(7) الأبيات لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(8) «على» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح»، وقد وضعت علامة الإلحاق خطأ فوق «وقد».
(9) في ب، د، ط، و: «في قوله».
(10) في ط: «الحال».
(11) في ب: «ورأيت» مكرّرة.
(12) في ب: «للشيخ».
(13) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(14) في ب: «شرح له».(1/398)
لمّا انتهى إلى قول المصنّف [من البسيط]:
ظلمت سنّة من أحيا الظّلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضّرّ من ورم (1)
قال: إنّ (2) «ظلمت» و «ظلام» جناس اشتقاق (3)، وهو كقوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمََانَ} (4)، قلت: أمّا «ظلمت» و «ظلام» فاشتقاق (5) بلا خلاف، و «أسلمت» مع «سليمان» جناس مطلق (6)، لأنه لم يرجع في المعنى إلى (7) أصل واحد، وهو أعظم شواهد البديعيّين على الجناس المطلق.
انتهى الكلام على «المشتقّ» (8)، وأمّا الجناس المطلق فلشدّة مشابهته (9)
بالمشتقّ، يوهم أحد ركنيه أنّ أصلهما واحد، وليس كذلك، كقوله تعالى: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلََا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (10)، وكقوله تعالى: {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوََارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} (11).
ومنه ما كتب به إلى المأمون في حقّ عامل له، وهو: «فلان ما ترك / فضّة إلّا فضّها ولا ذهبا إلّا ذهب به (12)، ولا مالا إلّا مال عليه (13)، ولا فرسا إلّا افترسه، ولا دارا لا أدارها ملكا، ولا غلّة إلا غلّها (14)، ولا ضيعة إلّا ضيّعها، ولا عقارا إلّا عقره،
__________
(1) «أن اشتكت ورم» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ك: «البيت» وفي و: «ورم» مصححة عن «ألم»، وفي هامشها «ورم» ن.
والبيت للبوصيري في ديوانه ص 167.
(2) «إنّ» سقطت من ط.
(3) في ب، د: «الاشتقاق».
(4) النمل: 44.
(5) في ب: «اشتقاق».
(6) في هامش ب: «الذي سمّاه الشيخ «جناسا مطلقا» ذكره الشيخ برهان الدين المطرّزي في المقامات، وسمّاه «شبه الاشتقاق»، ومنه قوله تعالى: {قََالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقََالِينَ} (168) [الشعراء: 168] وقوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ} [التوبة:
38] وأمثاله كثيرة، ذكره في «ردّ العجز على الصدر»، وذكر له ستّة عشر مثالا».
وقد أشير فوقها ب «حش».
(7) «إلى» سقطت من ب.
(8) في ب: «الجناس المشتقّ».
(9) في ط: «تشابهه».
(10) يونس: 107.
(11) المائدة: 31.
(12) في ب، د، ط، و: «أذهبه».
(13) في ب: «إليه»، وفي هامشها «عليه».
(14) «ولا مالا إلّا غلّها» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
وقد كتب فوقها «أصل».(1/399)
ولا حالا إلّا أحاله، ولا جليلا إلّا أجلاه، ولا دقيقا إلّا دقّة» (1) فهذه الأركان كلّها (2)
شواهد على الجناس المطلق، وليس (3) فيها ركنان يرجعان في المعنى (4) إلى أصل واحد (5) كالمشتقّ، بل جميع ما ذكرته (6) أسماء (7) أجناس، وهي محمولة على عدم الاشتقاق.
ومثل ذلك من النظم قول الشاعر [من الكامل]:
عرب تراهم أعجمين عن القرى ... متنزّلين على الضيوف النّزّل
فأقمت بين الأزد غير مزوّد ... ورحلت عن خولان غير مخوّل (8)
ومثله قول الآخر [من البسيط]:
بجانب الكرخ من بغداد عنّ لنا ... ظبي ينفّره عن وصلنا نفر
ظفيرتاه (9) على قتلي تظافرتا (10) ... يا من رأى شاعرا أودى به الشّعر (11)
__________
(1) في هامش ك: «نقلت من خطّ شيخ الإسلام ابن حجر من حاشية نسخة، رأيتها في مرسل بديع الزمان، وفيها من الزيادة: «ولا ضيعة إلّا أضاعها، ولا سيّدا إلا استند به، ولا لبدا * الّا لبد فيه، ولا غنما إلّا غنمها، ولا قطيعا إلّا اقتطعه، ولا حالة إلّا أحالها». انتهى». وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) اللبد: الصوف أو الشعر، أو البساط المصنوع منهما. (اللسان 3/ 386 (لبد)).
(2) في ب، د، ط، و: «هنا».
(3) في ب، د، ط، و: «ليس».
(4) «في المعنى» سقطت من ط.
(5) في ب: «يرجعان إلى أصل واحد في المعنى».
(6) في ط: «ذكرنا».
(7) «أسماء» سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(8) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
والقرى: ضيافة الضيف وإطعامه. (اللسان 15/ 179 (قرا)) والأزد وخولان:
قبيلتان من العرب في اليمن. (اللسان 3/ 71 (أزد) 11/ 226 (خول)) وغير مخوّل: لا يملك شيئا من العبيد والخدم والمال (اللسان 11/ 225 (خول)).
(9) في د، ط: «ضفيرتاه».
(10) لعلها: «تضافرتا»، وكتبت كما تلفظ الضاد فيها قريبة من مخرج الظاء.
(11) البيتان للشريف المرتضى في ديوانه 2/ 75وبلا نسبة في نفحات الأزهار ص 30.
والكرخ: موضع في العراق. (معجم(1/400)
وما أحلى قول القائل [من البسيط]:
* سلّم على الرّبع من سلمى بذي سلم (1) * فالثلاثة عنان (2) حسنها (3)، مطلق في المطلق.
وقال آخر (4) وأجاد في قوله (5) [من المتقارب]:
إذا أعطشتك أكفّ اللّئام ... كفتك القناعة شبعا وريّا
فكن رجلا رجله في الثّرى ... وهامة همّته في الثّريّا (6)
دوما أحلى قول أبي فراس في هذا النوع [من البسيط]:
فما السّلاف ازدهتني (7) بل سوالفه ... ولا الشّمول دهتني بل شمائله (8)
ومثله قول الصاحب بهاء الدين زهير [من دو بيت]:
يا من لعبت به (9) الشمول (10) ... ما ألطف هذه الشّمائل (11)
__________
البلدان 4/ 447).
وفي هامش ب: «بينهما آخر وهو [من البسيط]:
ذؤابتاه نجادا سيف * مقلته
وجفنه جفنه والشّفرة الشّفر
[والأبيات الثلاثة للشريف المرتضى في ديوانه 2/ 75وفيه: «وإفرنده الحور»].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) نجاد السيف: حمائله. (اللسان 3/ 416 (نجد)).
(1) الشطر لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) عنان: رباط أو قيد. (اللسان 13/ 292 (عنن)).
(3) في ط: «جنسها».
(4) في د، ط: «الآخر».
(5) «في قوله» سقطت من ط.
(6) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 31.
(7) في و: «زهتني».
(8) البيت في ديوانه ص 260ونفحات الأزهار ص 30وفيهما: «دهتني» مكان «ازدهتني» و «ازدهتني» مكان «دهتني» والعمدة 1/ 514وفيه: «دهتني» و «زهتني».
والسلاف: الخمرة. (اللسان 9/ 160 (سلف)) والسوالف: ج سالفة، وهي ناحية مقدّم العنق من لدن معلّق القرط إلى قلت التّرقوة. يقال: إنها لوضّاحة السّوالف. (اللسان 9/ 159 (سلف)) والشّمول: الريح الشمالية، أو الخمر الباردة. (اللسان 11/ 366، 369 (شمل)).
(9) في د: «به» مكررة.
(10) في ب، د، ط: «شمول».
(11) البيت في ديوانه ص 277.(1/401)
وللبحتريّ (1) [من الخفيف]:
وإذا ما رياح جودك هبّت ... صار قول العذول فيه (2) هباء (3)
ويحسن هنا قول الشاب الظريف محمد بن (4) العفيف [من الوافر]:
أراك فيمتلي قلبي سرورا ... وأخشى أن تشطّ بك الدّيار
فجر واهجر وصدّ ولا تصلني ... رضيت بأن تجور وأنت جار (5)
وما أحسن ما قال الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاريّ شيخ شيوخ حماة المحروسة (6)، رحمه الله تعالى بمنّه وكرمه (7) [من المتقارب]:
تولّى شبابي فولّى الغرام ... ولازم شيبي لزوم الغريم
ولو لم يصدني بازيّه ... لما صارمتني مهاة الصّريم (8)
انتهى الكلام على المطلق (9)، وعلى الفرق بينه وبين المشتقّ (10) [منه] (11) نظما ونثرا وقد رسم (12) لي أن أثبت في بديعيتي هذه أبيات من تقدّمني في النظم، كالشيخ صفيّ الدّين الحليّ والشيخ عزّ الدين الموصليّ وما ورد في بديعية العميان من القدر الذي استعملوه، ليشاهد المتأمّل في هذا الميدان مجرى السّوابق فالشيخ (13) صفيّ الدين (14) الحليّ (15) جمع بين الجناس المركّب والمطلق في بيت واحد، وهو
__________
(1) في ب: «وقال البحتري».
(2) في ط: «فيها».
(3) البيت في ديوانه 1/ 16وفيه:
«فإذا» «العذّال» والإيضاح ص 323.
(4) في ب: «محمد ابن الشيخ العفيف».
(5) البيتان في ديوانه ص 151وفيه: «بنا» مكان «بك» و «أقم» مكان «فجر».
وشطّ: بعد. (اللسان 7/ 334 (شطط)).
(6) «المحروسة» سقطت من ب، د، ط، و.
(7) «رحمه وكرمه» سقطت من ب و «تعالى بمنّه وكرمه» سقطت من وو في د: «سقى الله ثراه».
(8) البيتان في ديوانه ص 254وفيه:
«الغريم» و «الصريم».
والغريم: صاحب الدّين. (اللسان 12/ 436 (غرم)) والصريم: أرض سوداء لا تنبت شيئا. (اللسان 12/ 336 (صرم)).
(9) في ب: «الجناس المطلق».
(10) في ب: «الجناس المشتقّ».
(11) من ط.
(12) في هـ ب: «عنّ».
(13) في ط: «فإن الشيخ».
(14) «صفي الدين» سقطت من ب.
(15) في د، و: «رحمه الله تعالى» و «الحلّيّ» سقطت من ط.(1/402)
المطلع، فقال:
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... واقر السّلام على عرب بذي سلم (1)
والعميان لم يأتوا في البيت إلّا بنوع واحد فقالوا في المركّب:
دع عنك سلمى وسل (2) ما بالعقيق جرى ... وأمّ سلعا وسل عن أهله القدم (3)
وقالوا في الجناس المطلق:
جار الزمان فكفّوا جوره وكفوا ... وهل (4) أضام لدى عرب على إضم (5)
والمطلق (6) في «أضام» و «إضم»، وأمّا «جار» و «جور» فمشتقّ، ولكن لم يخف ما في البيتين من الثقل مع خفّة الالتزام.
وبيت الشيخ عزّ الدين (7) الموصليّ (8) [وهو] (9):
فحيّ سلمى وسل ما ركّبت بشذا ... قد أطلقته أمام الحيّ عن أمم (10)
فالشيخ عزّ الدين (11) أتى بالنوعين في بيت واحد، وورّى بالاسمين من جنس الغزل، ومع ذلك تلطّف وتضاءل عليهم / واحتشم.
وبيتي تقدّم [ذكره] (12)، ولكنّ الضرورة دعت (13) إلى ذكره هنا (14) حسب المرسوم العالي (15)، وهو:
بالله سر بي فسربي طلّقوا وطني ... وركّبوا في ضلوعي مطلق السّقم (16)
__________
(1) البيت سبق تخريجه في باب براعة الاستهلال.
(2) في ب «وسلم».
(3) البيت في الحلّة السيرا ص 42.
(4) في ك: «ولم» خ، وفي هامشها «وهل» خ.
(5) البيت في الحلّة السيرا ص 49.
(6) في ط: «فالمطلق».
(7) في ب: «العزّ».
(8) في د، و: «رحمه الله تعالى».
(9) من ب.
(10) البيت في نفحات الأزهار ص 17، 32.
وعن أمم: عن كثب. (اللسان 12/ 28 (أمم)).
(11) «عز الدين» سقطت من ط وفي ب:
«الموصلي».
(12) من ط.
(13) في ط: «دعت الضرورة».
(14) في ب: «إلى ذكره هنا دعت» مكان «دعت إلى ذكره هنا».
(15) «العالي» سقطت من ط.
(16) البيت سبق تخريجه.(1/403)
وفي تسمية النوعين (1) هنا ما يغني عن التنبيه عليهما، وقد (2) تقدّم الشرح على كلّ واحد منهما، والشيخ صفيّ الدين (3) الحليّ (4) والعميان لم يثقل التقييد بتسمية النوع لهم كاهلا، هذا (5) مع أن يكون مورّى (6) به من جنس الغزل، وشتّان بين عالم (7) الإطلاق، والتقييد بضيق هذا الخناق، لأنّ الرقيق هنا (8) لم يقم له سوق بل يصدّق إذا ما ادّعى عتقه، والله المسؤول أن يقيم لنا سوق القبول، في متاجر الرقّة، فإنّ الشيخ صفيّ الدين (9) قال في خطبته، مع إطلاق قياده: فانظر أيّها العالم الأريب (10) إلى غزارة الجمع، وهي ضمن الرياقة (11) في السمع، ثم قال [بعد ذلك] (12) [من الطويل]:
ودع كلّ صوت غير صوتي فإنّني ... أنا الصّائت (13) المحكيّ والآخر الصدى (14)
انتهى (15).
__________
(1) في ط: «النوع».
(2) «قد» سقطت من ب.
(3) «صفي الدين» سقطت من ب.
(4) «الحلي» سقطت من ط.
(5) «هذا» سقطت من ط.
(6) في ب: «مؤدّى».
(7) في ك: «علم» خ، وفي هامشها «عالم» خ.
(8) «هنا» سقطت من ط.
(9) في ب: «الحلي» مكان «صفي الدين».
(10) في ب، ط: «الأديب».
(11) في ب: «الرقاية».
(12) من ط.
(13) في ط: «الصائح» وفي ك: «الطائر»، وفي هامشها: «الصائت» خ.
(14) البيت للمتنبّي في ديوانه ص 773وفيه:
«أنا الطائر» وفي نسخة أخرى: «أنا الصائح» 1/ 291.
(15) «انتهى» سقطت من ط.(1/404)
الجناس الملفّق (18)
3 - ورمت تلفيق صبري (1) كي أرى قدمي ... يسعى معي فسعى لكن أراق دمي (2)
وحدّ (3) «الملفّق» أن يكون كلّ من الرّكنين (4) مركّبا من كلمتين، وهذا هو الفرق بينه وبين «المركّب»، وقلّ من أفرده (5) عنه (6)، وغالب المؤلّفين لم يفرّقوا (7) بينهما، بل عدّوا كلّا (8) منهما مركّبا إلّا الحاتميّ وابن رشيق وأمثالهما (9)، ولعمري لو سمّوا الملفّق مركّبا والمركّب ملفّقا لكان أقرب إلى المطابقة في التسمية، لأن الملفّق مركّب الرّكنين (10)، والمركّب الركن الواحد (11) كلمة مفردة، والثاني مركّب من كلمتين وهذا هو التلفيق بعينه (12).
وما ألمّ بالملفّق أحد من أصحاب البديعيّات غير الشيخ صفيّ الدين (13) الحليّ، وما ذاك إلّا أنّه قال في خطبة بديعيّته إنّها نتيجة سبعين كتابا في هذا الفنّ وهذا دليل على أنّه [ألمّ به] (14)، ولمّا (15) عارضه الشيخ عزّ الدين (16) الموصليّ (17) والتزم
__________
(18) في ط: «ذكر الملفق».
(1) في ب، د، و: «صبر».
(2) البيت في ديوانه ورقة 3ب ونفحات الأزهار ص 19وفيه: «أن أرى» و «يسعى به».
(3) في ط: «حدّ».
(4) في د: «المركبين».
(5) في د: «أفراده».
(6) في ط: «نفسه».
(7) في ط: «ما فرّقوا».
(8) في ط: «كل واحد» وفي و: «كلّ».
(9) «وأمثالهما» سقطت من د وفي ك كتبت فوق «رشيق».
(10) في ط: «في الركنين».
(11) في ط: «ركن واحد».
(12) «بعينه» سقطت من ط.
(13) «صفي الدين» سقطت من ب.
(14) من ب.
(15) «أنّه لمّا» سقطت من ط.
وفي هامش ط: «قوله: «وهذا دليل على أنّه» الصواب أن يقول بدل هذه العبارة:
«ولمّا عارضه إلخ» تأمّل». (حاشية).
(16) «عز الدين» سقطت من ب.
(17) «الموصلي» سقطت من ط.(1/405)
بتسمية (1) الأنواع التي ذكرها الشيخ صفيّ الدين (2)، لم يجد بدّا من نظمه لأجل المعارضة، ولكن نحت فيه من الجبال بيتا (3)، وسيأتي [ذكره] (4).
وأمّا العميان فإنّهم عدّوه في بديعيّتهم من المركّب فاختصرته هنا، وكذلك بقية أبياتهم في أنواع الجناس تعيّن اختصارها، فإنّهم لم يأتوا في البيت إلّا بالنوع (5)
الواحد.
ومن الملفّق في النظم قول الشاعر [من الطويل]:
وكم لجباه الراغبين إليه من ... مجال سجود (6) في مجالس جود (7)
وما ألطف قول (8) القاضي أبي (9) عليّ عبد الباقي بن أبي حصين في هذا النوع وقد ولي قضاء المعرّة (10) وهو ابن خمس وعشرين (11)، وأقام في الحكم خمس سنين، وهو [من الوافر]:
وليت الحكم خمسا وهي خمس ... لعمري والصّبا في العنفوان (12)
فلم تضع (13) الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا: فلان قد رشاني (14)
__________
(1) في ط: «تسمية» وفي ب: «بذكر».
(2) «والتزم الدين» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح صح» وفي ب: «الحليّ» مكان «صفيّ الدين».
(3) في ب، د، ط، و: «بيتا من الجبال».
(4) من ب.
(5) في ب: «بأنواع».
(6) في د: «سود».
(7) البيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 18.
(8) في ط: «ما قال».
(9) في ط: «أبو».
(10) في ط: «القضاء بالمعرّة».
(11) بعدها في ب، ط، و: «سنة».
(12) في ك: «العنفواني».
(13) في ب: «تعط».
(14) البيتان له في نفحات الأزهار ص 18.
وفي هامش ك: «قلت: وللشيخ شهاب الدين بن حجر في المعنى [نفسه] [من السريع]:
يا أيّها السلطان لا تستمع
في أمر قاضيك كلام الوشاه
والله لن نسمع بأنّ امرأ
أهدى له قطّ ولا قد رشاه
[البيتان في ديوانه ص 272وأنس الحجر ص 359].
قلت: ولم يورده المصنّف في كتابه، لكنّني نقلته من كلام قاضي القضاة من مصنّف له سمّاه «السبعة السيّارة».
هذان البيتان ليسا من الجناس الملفّق كما ادّعاه كاتبهما بقوله، ولابن حجر في المعنى * [نفسه]، بل في الثاني التورية فقط وهو قوله: «ولا قدر شاه».
قاله محمد بن محمد المصريّ الشافعيّ».
(حاشية).(1/406)
وما أحلى قول (1) شرف الدين بن عنين في هذا الباب [من الخفيف]:
خبّروها بأنّه ما تصدّى ... لسلوّ عنها ولو مات صدّا (2)
ويعجبني قوله بعد المطلع [من الخفيف]:
وسلوها (3) في زورة من خيال ... إن يكن (4) لم تجد من الهجر بدّا (5)
انتهى.
وبيت الشيخ صفيّ الدين (6) في الملفّق (7):
فقد ضمنت وجود الدمع من عدم ... لهم ولم أستطع مع ذاك منع دمي (8)
لم (9) يمكن الشيخ صفي الدين (10) أن يحضر (11) مع الملفّق غيره من أنواع الجناس في بيت واحد، كما (12) تقدّم، لصعوبة (13) مسلكه، وهو عزيز الوقوع، ولكن له رونق وموقع في الذوق لحلاوة (14) تركيبه، وغرابة أسلوبه وبيت الشيخ صفيّ الدين (15) فيه في (16) غاية الرقّة والانسجام، غير أنّ التحريف حكم عليه فصار مشوّشا، والمشوّش كل جنس تجاذبه طرفان من الصّنعة (17) ولا (18) يمكن إطلاق أحدهما عليه (19)، وبيت الشيخ (20) صفيّ الدين (21) تجاذبه المحرّف والملفّق.
انتهى (22).
__________
(*) ترك بعدها فراغ قدر ثلاث كلمات.
(1) في ط: «قول الشيخ».
(2) البيت في ديوانه ص 49ونفحات الأزهار ص 18.
(3) في ب، و: «واسألوها».
(4) في ب، د، ط، و: «تكن».
(5) البيت في ديوانه ص 49.
(6) في ب: «وبيت الشيخ الحليّ» وفي ط:
«وبيت الحليّ».
(7) في ب: «الجناس الملفّق».
(8) البيت في ديوانه ص 685وشرح الكافية البديعية ص 62ونفحات الأزهار ص 19.
(9) في ط: «ولم».
(10) في ب: «الشيخ الحليّ».
(11) في ب، د، ط، و: «يحصر».
(12) في ط: «لما».
(13) في ط: «من صعوبة».
(14) في ط: «لطلاوة».
(15) في ب: «الشيخ الحليّ».
(16) في ك: «في» كتبت فوق «فيه».
(17) في ب: «الصيغة».
(18) في ب، د، ط، و: «فلا».
(19) في ط: «على الآخر».
(20) «الشيخ» سقطت من ط.
(21) في ب: «الشيخ الحليّ».
(22) بعدها في د: «كلام» مشطوبة.(1/407)
وبيت الشيخ عزّ الدين (1):
ملفّق (2) مظهر (3) سرّي (4) وشان دمي ... لمّا جرى من عيوني إذ وشى ندمي (5)
هذا البيت فيه الجناس الملفّق على الصيغة (6)، وتسميته على الشروط المذكورة، ولكن عجزت لعقادة تركيبه عن الطيران بأجنحة الفهم لأحوم (7) له على معنى، ونظرت بعد ذلك في شرحه، فوجدته قد قال: إنّ لفظة «ملفّق» صفة للجارّ والمجرور في قوله:
* فحيّ سلمى وسل ما ركّبت بشذا (8) * يعني أنّ الشذا الذي أطلقته سلمى أمام الحيّ كان ملفّقا. انتهى (9).
وبيتي والمسؤول (10) [له] (11) من الله السلامة:
ورمت تلفيق صبر (12) كي أرى قدمي ... يسعى معي فسعى لكن أراق دمي (13)
الكلام (14) في رقّة قولي: «ورمت تلفيق صبر» (15) إلى آخر (16) البيت، إنّما وقع (17) مع (18) أصحاب الغراميّات لا مع (19) أصحاب البديعيّات، وقد تقدّم قولي (20): إن الفرقة الناجية من التعسّف والتكلّف في النظم لم ترض بالجناس إذا أمكنت التورية. وقال (21) المقرّ المرحوميّ الصاحبيّ (22) الفخريّ (23) في التورية التي
__________
(1) في ب: «الشيخ الموصلي».
(2) في و: «ملفق» كتبت بعد «عزّ الدين» ظنّا بها أنّها خبر ل «بيت».
(3) في ط: «ظاهر».
(4) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«سرى» وسرى: شرف. (اللسان 14/ 378 (سرا).
(5) البيت في نفحات الأزهار ص 19.
(6) في ط: «الصنعة».
(7) في ط: «لا أحوم».
(8) البيت سبق تخريجه وعجزه:
قد أطلقته أمام الحيّ عن أمم *
(9) «انتهى» سقطت من ط.
(10) في ط: «المسؤول».
(11) من ط.
(12) في ط: «صبري» وفي ك «صبر» رغم أنها وردت في أوّل هذا الباب «صبري».
(13) البيت سبق تخريجه.
(14) في ط: «والكلام».
(15) في ط: «صبري».
(16) في ط: «إلخ».
(17) في هـ ك: «هو» خ.
(18) في ط: «من».
(19) في ط: «من».
(20) في ب: «إنّ قولي»، وفي هامشها: «في».
(21) في د، و: «قال».
(22) «الصاحبي» سقطت من ط وفي ب:
«القاضي».
(23) في ب: «فخر الدين».(1/408)
سمّوها (1) جناسا ملفّقا [من البسيط]:
إنّ الهواءين يا معشوق قد عبثا ... بالرّوح والجسم في سرّ (2) وفي علن (3)
فالروح تفديك بالممدود قد تلفت ... والجسم، حوشيت (4) بالمقصور، فيك فني (5)
وأنشدني من لفظه لنفسه الكريمة أحد أعيان (6) عصرنا (7) القاضي (8) بدر الدين ابن (9) الدّمامينيّ، فسح الله في أجله (10) [من مخلّع البسيط]:
تدري لماذا أتاك قلبي ... في عسكر الوجد وهو ذائب
أذنب ثمّ اختشى فوافى ... من ذلك الذّنب فيك تائب (11)
وأنشدني [من لفظه] (12) لنفسه الكريمة أحد أعيان العصر (13) القاضي مجد الدين (14) بن مكانس [من السريع]:
__________
(1) في ط: «سمّاها».
(2) في ط: «سرّي».
(3) في ط: «علني».
(4) في ك: «حوشيت» كتبت فوق «والجسم».
(5) بعدها في ب، ط، ك: «في كفن» وفي و: «في كفن» وبعدها: «فيك فني».
والبيتان في نفحات الأزهار 19وفيه:
«في كفن».
ويقصد ب «الهواءين»: الهواء والهوى فالممدود: الهواء والمقصور: الهوى.
(6) في د، و: «سيّدنا وعلّامة» مكان «أحد أعيان».
(7) «الكريمة أحد أعيان عصرنا» سقطت من ب، ط.
(8) في ب: «العلامة القاضي» وفي ط:
«علامة عصره الشيخ».
(9) «ابن» سقطت من ب، ط.
(10) «فسح الله في أجله» سقطت من ب، ط.
(11) فوقها في د، وبعدها في ط، ك: «في كتائب» وفي ب، و: «في كتائب» وبعدها:
«فيك تائب». والبيتان في نفحات الأزهار ص 19وفيه: «في كتائب».
وفي هامش ك: «ونقلت من خطّ شيخ الإسلام أيضا ما صورته: قال ابن حجر وقد أصابه ضعف [من البسيط]:
أشكو إلى الله من هذا الزمان ومن
هذا * السقام الذي قد حلّ في بدني
رقّ الحسود لما قاسيته ورثا
وما رثاني سقامي بل ولازمني»
[البيتان في ديوانه ص 280وفيه:
«ممّا أقاسيه رقّ الكون لي ورثا»]
وقد أشير فوقها ب «حش».
(12) من ب، د، ط، و.
(13) «الكريمة العصر» سقطت من ب.
(14) «القاضي مجد الدين» سقطت من ط.(1/409)
كمال أوصافك (1) يا منيتي ... في حبّه (2) أصبحت مثل الخلال
وملت (3) من سكر الهوى نشوة ... فارحم معنّى مغرما في كمال (4)
ومن نظمي في هذا النوع (5) الغريب [من البسيط]:
رأت حياة شبابي قد قضت (6) أجلا ... والسّقم قد زاد لمّا قلّ مصطبري
قالت سرقت نحول الخصر قلت لها: ... ما يحمل الشيخ هذا وهو فيك بري (7)
انتهى (8)
__________
(1) في ط: «أوصافي».
(2) في ب: «حيّك» وفي ط: «الحبّ أن».
(3) في ب: «ونلت».
(4) بعدها في ك، و: «فيك مال» وفي ب، د، ط: «فيك مال»، وبعدها في ب، ط:
«في كمال» وفوقها في د: «في كمال».
والبيتان في نفحات الأزهار ص 19وفيه:
«يا جنّتي في حبّها» و «نلت من شكر».
(5) «النوع» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(6) في د: «قضى».
(7) بعدها في ك: «في كبر» وفي ب، ط:
«في كبر»، وبعدها: «فيك بري» وفي و: «في كبري»، وبعدها: «فيك بري».
والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(8) بعدها في ط: «والله عزّ وجلّ أعلم».(1/410)
الجناس (9) المذيّل واللّاحق (10)
4 - وذيّل الهمّ همل الدّمع لي فجرى ... كلاحق الغيث حيث الأرض في ضرم (1)
والمذيّل (2) اختلف (3) جماعة من (4) المؤلفين في اسمه، ولم يتقرّر له أحسن من هذه التسمية، فإنّ فيها مطابقة للمسمّى، وما ذاك إلّا أنّ المذيّل هو ما زاد أحد ركنيه عن (5) الآخر حرفا في آخره فصار له كالذّيل، وهو الفرق بينه وبين المطرّف، ويأتي الكلام على المطرّف في موضعه، فالمذيّل كقول كعب بن زهير [من الكامل]:
ولقد علمت وأنت خير حليمة (6) ... أن لا يقرّبني الهوى لهوان (7)
وما ألطف قول (8) من قال [من الكامل]:
وسألتها بإشارة عن حالها ... وعليّ فيها للوشاة عيون
__________
(9) «الجناس» سقطت من د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك.
(10) «المذيّل واللاحق» سقطت من د، وو في و: «الجناس المذيّل واللاحق» كتب مشطوبا بعد بيت البديعية.
(1) البيت في ديوانه ورقة 3ب وفيه:
«ضرمي» ونفحات الأزهار ص 33، 36.
(2) في ط: «المذيّل».
(3) «اختلف» سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(4) «من» سقطت من و.
(5) في ط، و: «على».
(6) في ط: «عليمة».
(7) في ب: «لهواني». والبيت في ديوانه ص 158وفيه «غير» مكان «خير»، و «هوى» مكان «الهوى».
وفي هامش ب: «ونقلت من خطّ شيخ الإسلام المشار إليه ما صورته: «ذكرت هنا ما نظمته لغرض عرض [من الطويل]:
أتى من أحبّائي رسول فقال لي
ترفّق وهن واخضع تفز برضانا
فكم عاشق قاسى الهوان بحبّنا
فعاش عزيزا حين ذاق هوانا
[البيتان لم أقع عليهما في ديوانه].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(8) «قول» سقطت من ط.(1/411)
فتنفّست صعدا (1) وقالت ما الهوى ... إلّا الهوان أزيل (2) عنه النون (3)
ومنه قول أبي تمّام (4) [من الطويل]:
يمدّون من أيد عواص عواصم ... تصول بأسياف (5) قواض قواضب (6)
وقال آخر [من الطويل]:
عذيري من دهر موار موارب ... له حسنات كلّهنّ ذنوب (7)
ومن النثر: فلان (8) حام حامل لأعباء الأمور، كاف كافل لمصالح الجمهور ومثله: فلان (9) سال من أحزانه (10)، سالم من زمانه.
ومن غراميّات البهاء زهير في الجناس المذيّل قوله من قصيد [من مجزوء الكامل]:
أشكو وأشكر فعله ... فاعجب لشاك منه شاكر
طرفي وطرف النّجم في ... هـ (11) كلاهما ساه وساهر (12)
منها، ولم يخرج عما نحن فيه (13) [من مجزوء الكامل]:
يا ليل بدرك حاضر ... يا ليت بدري كان حاضر
__________
(1) في و: «صعدا».
(2) في ب، د، و: «وزال» وفي ط:
«فزال».
(3) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(4) في د: «ومنه قول أبي تمام» كتبت قبل البيت السابق سهوا. (فتنفّست
النون».
(5) في د: «بأسياف».
(6) البيت في ديوانه 1/ 149والعمدة 1/ 508ونهاية الأرب 7/ 91والطراز 2/ 362وتحرير التحبير ص 108 ونفحات الأزهار ص 31والإيضاح ص 322ونظم الدرّ والعقيان ص 241.
(7) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(8) في ك: «فلان» كتبت فوق «النثر».
(9) «فلان» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(10) في ط: «عن إخوانه».
(11) في ط: «فيك».
(12) البيتان في ديوانه ص 157156.
(13) في ط: «ولم يخرج عما نحن فيه، منها».(1/412)
حتّى يبين (1) لناظر (2) ... من منهما زاه وزاهر (3)
وما أحلى ما ختم القصيد (4) بقوله [من مجزوء الكامل]:
بدري أدقّ (5) محاسنا ... والفرق مثل الصبح ظاهر (6)
وقد تأتي الزّيادة في / آخر المذيّل بحرفين، كقول حسان بن ثابت، رضي الله عنه (7) [من الطويل]:
وكنّا متى (8) يغزو (9) النبيّ قبيلة ... نصل جانبيه بالقنا والقنابل (10)
ومثله (11) قول النابغة [من الطويل]:
لها نار جنّ بعد إنس تحوّلوا ... وزال بهم صرف النّوى والنوائب (12)
ومنه في رثاء [قوله] (13) [من الطويل]:
فيا لك من حزم وعزم طواهما ... جديد (14) الرّدى تحت الصّفا والصفائح (15)
وأرقّ ما سمعته في هذا الباب قول القائل [من مجزوء الكامل]:
إنّ البكاء هو الشفا ... ء من الجوى بين الجوانح (16)
انتهى الكلام على الجناس المذيّل.
__________
(1) في ط: «يبان».
(2) في ط: «لناظري».
(3) البيتان في ديوانه ص 157156.
(4) في ط: «القصيدة».
(5) في ب، ط: «أرقّ».
(6) البيت في ديوانه ص 157.
(7) «رضي الله عنه» سقطت من ط.
(8) في ب: «وكأنّني».
(9) في و: «يغز» وفي ب دون إعجام.
(10) في ب: «بالثنا والقبائل» وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «
والقنابا». والبيت في ديوانه ص 297 وفيه: «يغز» و «حافتيه» ونفحات الأزهار ص 31وفيه: «جانبيها».
(11) في ط: «ومنه».
(12) البيت لم أقع عليه في ديوانه وهو له في نفحات الأزهار ص 31.
(13) من ط.
(14) في ب: «حديد».
(15) البيت لم أقع عليه في ديوانه وهو بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 32والعمدة 1/ 508وفيه: «جديد البلى».
والصفا والصفائح: الحجارة العريضة الرقيقة الملساء. (اللسان 2/ 513 (صفح)، 15/ 464 (صفا)).
(16) البيت للخنساء في ديوانها ص 192 والإيضاح ص 321وبلا نسبة في نفحات الأزهار ص 32.(1/413)
وأمّا اللاحق فقلّ من فرّق بينه وبين المضارع، والمراد بالمضارع هنا المشابه، والفرق بينهما دقيق (1)، فإنّ اللّاحق هو (2) ما أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه، ومتى كان الحرف المبدل من مخرج المبدل منه، سمّي مضارعا، وإن كان قريبا منه (3) كان مضارعا أيضا، وأنا أذكر شاهد كلّ منهما، فإنّ الفرق بينهما يدقّ على (4) كثير من الأفهام، ولم يساعد (5) على ظلمة شكّه غير ضياء (6) الحسّ (7)
فالمضارع (8) هو المشابه (9) في المخرج، كقوله تعالى، وهو (10) الغاية (11) التي لا تدرك: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} (12) ومنه (13) قوله (14) (صلى الله عليه وسلم): «الخيل معقود بنواصيها (15) الخير إلى يوم القيامة» (16) ومثله (17) قول بعضهم: «البرايا أهداف البلايا» (18).
ومن النظم قول الشريف الرضيّ [رحمه الله] (19) [من البسيط]:
لا يذكر الرّمل إلّا حنّ مغترب (20) ... له إلى الرّمل أوطار وأوطان (21)
فاللّام والراء والنون من مخرج واحد عند قطرب والجرميّ وابن دريد والفرّاء.
__________
(1) في ب: «رقيق».
(2) في ط «هنا».
(3) في ك: منه «خ»، وفي هامشها «من المخرج» خ.
(4) في ط: «عن».
(5) في ط: «يساعده».
(6) في هـ ب: «الذوق».
(7) في ب، ط: «الحسن» وفي و:
«الحسن» (* ح).
(8) في ط: «والمضارع».
(9) في ط: «المتشابه».
(10) في ب: «وهي».
(11) في ط: «إلى الغاية».
(12) الأنعام: 26.
(13) في و: «ومثله».
(14) في ب: «قول النبيّ».
(15) في ط: «في نواصيها».
(16) الحديث في الأمثال النبويّة 1/ 400 وفيه: «في نواصيها» ومسند أحمد بن حنبل 2/ 49، 57وسنن الدارمي 2/ 212ومستدرك الحاكم 5/ 2، 91 وصحيح ابن خزيمة ص 2252وكنز العمال للمتّقي الهنديّ ص 35244.
(17) في ب: «ومنه».
(18) المثل لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(19) من ط.
(20) في ك: «حنّ» (* ح) وفي د: «جنّ مغترب».
(21) البيت في ديوانه 2/ 395وفيه: «بذي» مكان «إلى» ونفحات الأزهار ص 34 وفيه: «مغتربا» وتحرير التحبير ص 107.(1/414)
وقال (1) بعض أهل الأدب في كتاب (2): «راش (3) سهامه بالعقوق، ولوى ماله عن الحقوق». فالعين (4) والحاء من مخرج واحد.
ويعجبني قول الشيخ جمال الدين بن نباتة (5) في هذا الباب [من الكامل]:
رقّ النسيم كرقّتي من بعدكم ... فكأنّنا في (6) حبّكم نتغاير
ووعدت بالسّلوان واش (7) عابكم (8) ... فكأنّنا في كذبنا نتخاير (9)
فالغين والخاء من مخرج واحد.
انتهى الكلام على المضارع وتقاربه من (10) مخارج حروفه في (11) موضع (12)
الإبدال، فاللّاحق (13) فقد (14) تقدّم أنّه ما أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه، كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ} (10) (15).
وكتب بعضهم في جواب رسالة: «وصل كتابك فتناولته باليمين، ووضعته مكان العقد الثمين».
ومن النظم قول البحتريّ وأجاد إلى الغاية [من الخفيف]:
عجب الناس لاعتزالي وفي الأط ... راف تلقى (16) منازل الأشراف
وقعودي عن التقلّب والأر ... ض لمثلي رحبة (17) الأكناف
ليس عن ثروة بلغت مداها ... غير أنّي امرؤ كفاني كفافي (18)
__________
(1) في ط: «قال».
(2) «في كتاب» سقطت من ب.
(3) راش سهامه: ركّب فيها الرّيش الخاصّ بها. (اللسان 6/ 308 (ريش)).
(4) في ب: «فالعين» مكرّرة.
(5) في و: «رحمه الله تعالى».
(6) في ب: «وكأنّنا من».
(7) في ب: «عنكم».
(8) «عابكم» سقطت من ب، وفي هامشها:
«عاذلي».
(9) البيتان في ديوانه ص 249ونفحات الأزهار ص 34وفيه: «من حبّكم».
(10) في ط: «ومقاربه في».
(11) في ط: «على».
(12) «موضع» سقطت من ط.
(13) في ب، ط، و: «واللاحق».
(14) في ط: «قد».
(15) الضحى: 109.
(16) في د، ط، و: «تلفى».
(17) في ب، د، ط، و: «رحيبة».
(18) الأبيات في ديوانه 2/ 764وفيه:
«تغشى منازل» و «وقعودي عن التصرّف» و «رحيبة» ونفحات الأزهار ص 33.(1/415)
ف «كفاني» و «كفافي» هو اللّاحق الذي لا يلحق، وهنا نكتة لطيفة تؤيّد قول البحتريّ في بيته الأوّل، وهو [من الخفيف]:
عجب الناس لاعتزالي وفي الأط ... راف تلقى (1) منازل الأشراف (2)
قيل لبعضهم: في أيّ موضع من (3) القرآن (4) «الأطراف» «منازل الأشراف»؟
فقال: في قوله تعالى: {وَجََاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ََ * قََالَ يََا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (5)، فهذا أشرفهم، وكان ينزل، (صلى الله عليه وسلم)، في (6) أقصى المدينة، والأطراف والأشراف أيضا (7) ممّا نحن فيه.
وما أحلى قول أبي هلال العسكريّ في اللّاحق أيضا (8) [من الوافر]:
وأرعى (9) تحت حاشية الدّياجي ... شقائق وجنة سقيت مداما
وإن ذكرت لواحظ مقلتيه ... حسبت قلوبنا مطرت سهاما
وإن مالت بعطفيه شمول ... سقانا من شمائله سقاما (10)
انتهى الكلام على الجناس اللّاحق، والفرق بينه وبين المضارع.
ومن الناس من سمّى (11) كلّ ما اختلف (12) بحرف تجنيس «التصريف»، سواء كان من المخرج أو من غيره، ولكن رأيت استجلاء الفرق أنور، ولا يشترط أن يكون الإبدال في الأوّل ولا في الوسط ولا في الآخر، فإنّ جلّ القصد الإبدال كيفما اتفق (13). انتهى (14).
وبيت الشيخ صفيّ الدّين (15) مشتمل (16) على الجناس (17) المذيّل واللّاحق،
__________
(1) في د، ط، و: «تلفى».
(2) البيت سبق تخريجه.
(3) في ب، د، ط: «في».
(4) في ب: «القرآن الكريم».
(5) يس: 20.
(6) في ط: «وكان (صلى الله عليه وسلم)، ينزل، من».
(7) «أيضا» سقطت من ط.
(8) «أيضا» سقطت من ب، د، ط، و.
(9) في ب: «أرى» وفي ط، و: «أراعي».
(10) الأبيات في ديوانه ص 203.
(11) في ب، ط: «يسمّي».
(12) في ك: «ذلك» خ، وفي هامشها «كل ما اختلف» وبعدها في و: «فيه» مشطوبة.
(13) «اتفق» سقطت من د، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(14) «انتهى» سقطت من ب، ط.
(15) في ب: «وبيت الحليّ».
(16) في ط: «يشتمل».
(17) «الجناس» سقطت من ط.(1/416)
وهو: /
أبيت والدّمع هام هامل سرب ... والجسم من (1) إضم لحم على وضم (2)
وبيت الشيخ عزّ الدّين (3) الموصليّ (4)، رحمه الله تعالى (5):
يذيّل (6) العذل (7) جار (8) جارح بأذى (9) ... كلاحق ما حق الآثار في الأكم (10)
قال شيخنا الشيخ شمس الدين الهيتيّ، وقد تقدّمت ترجمته، رحمه الله (11)، لمّا أنشدته هذا البيت والذي قبله، بعد حفظي لهما من المصنّف، بحماة (12)
المحروسة (13): لو عزى أحد هذين البيتين إلى الجانّ ما شككت في قوله.
وبيت بديعيّتي:
وذيّل الهمّ همل الدمع لي فجرى ... كلاحق الغيث حيث الأرض في ضرم (14)
والمذيّل (15) في «همّ» و «همل»، واللّاحق في «غيث» و «حيث». انتهى (16).
__________
(1) في ب، ط، و: «في» وفي ك: «من» خ، وفي هامشها «في» خ.
(2) البيت في ديوانه ص 686وشرح الكافية البديعيّة ص 63ونفحات الأزهار ص 32، 36.
والوضم: كل ما يوضع عليه اللحم من خشب أو بارية يوقى به من الأرض ويقال: تركهم لحما على وضم: أي أوقع بهم فذلّلهم وأوجعهم. (اللسان 102/ 640 (وضم)).
(3) «عز الدين» سقطت من ب.
(4) «الموصليّ» سقطت من ط، و.
(5) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط، و.
(6) في ب: «مذيّل» وفي و: «مذيّل» كتبت بعد «عزّ الدين» ظنّا بها أنّها خبر ل «بيت».
(7) في ط: «الدمع».
(8) في د: «حار» (* ح).
(9) في ب: «بدني».
(10) البيت في نفحات الأزهار ص 32، 36 وفيه: «يديل».
والأكم: الرّوابي الملتفّة بالأشجار.
(اللسان 12/ 21 (أكم)).
(11) «رحمه الله» سقطت من ب، ط.
(12) في د: «بحماة» (* ح).
(13) «المحروسة» سقطت من ب، ط.
(14) البيت سبق تخريجه.
(15) في ط: «فالمذيّل».
(16) «انتهى» سقطت من ط.(1/417)
[الجناس (15)] التامّ والمطرّف (16)
5 - يا سعد ما تمّ لي سعد يطرّفني ... بقربهم وقليل الحظّ لم يلم (1)
أمّا الجناس التامّ فهو ما تماثل ركناه واتّفقا لفظا واختلفا معنى، من غير تفاوت في صحيح (2) تركيبهما واختلاف حركاتهما (3)، سواء كانا من اسمين أو من فعلين أو من اسم وفعل، فإنّهم قالوا: إذا انتظم (4) ركناه من نوع واحد كاسمين أو فعلين، سمّي مماثلا (5)، وإن انتظما من نوعين كاسم وفعل سمّي مستوفى، وجلّ القصد تماثل الرّكنين في اللفظ والخطّ والحركة، واختلافهما في المعنى، سواء كانا من اسمين أو من (6) غير ذلك، فإنّ المراد أن يكون الجناس تامّا (7) على الصيغة (8) المذكورة، من حيث هو، وهو (9) أكمل الأنواع إبدارا (10) وأسماها (11) رتبة وأوّلها في الترتيب، ومنه (12) قول الإمام [أمير المؤمنين] (13) عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه (14):
__________
(15) من ب.
(16) في ب، و: «المطرّف والتامّ».
(1) «يا سعد لم يلم» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح». والبيت في ديوانه ورقة 3ب ونفحات الأزهار ص 26، 39وفيه: «لقربهم».
ويا سعد (الأولى): ترخيم «يا سعدى» ويطرّفني: يشرّفني. (اللسان 9/ 218 (طرف)).
(2) في ط: «تصحيح».
(3) في ب، د، و: «في حركاتهما» وفي ط: «حركتهما».
(4) في ب، د، ك، و: «انتظمت» وفي ط:
«انتظم».
(5) في و: «متماثلا».
(6) في هامش ب: «قوله: «سواء كانا إلخ» المناسب حذف «من» وكذا فيما بعد». (حاشية).
(7) في د: «فأمّا».
(8) في ط: «الصفة».
(9) «وهو» سقطت من ط.
(10) في ب: «أبدا».
(11) في ب، و: «وأعلاها».
(12) في ط: «فمنه».
(13) من ط.
(14) في ط: «كرم الله وجهه».(1/418)
«صولة الباطل ساعة، وصولة الحقّ إلى الساعة». وقيل: ما وقع في القرآن العظيم غير (1) هذين الرّكنين، وهو قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السََّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مََا لَبِثُوا غَيْرَ سََاعَةٍ} (2)، ولكن استخرج شيخنا العلّامة الشيخ شهاب الدين (3) بن حجر من القرآن العظيم (4) جناسا آخر تامّا عظيما، وهو (5) قوله تعالى: {يَكََادُ سَنََا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصََارِ * يُقَلِّبُ اللََّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ * إِنَّ فِي ذََلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصََارِ} (6).
ومن النظم قول الشاعر وأجاد إلى الغاية (7) [وهو] (8) [من الطويل]:
وسمّيته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى ردّ أمر (9) الله فيه سبيل (10)
ومن ملح هذا النظم في هذا (11) النوع قول ابن الروميّ [من البسيط]:
للسّود (12) في السود (13) آثار تركن بها ... وقعا من البيض تثني (14) أعين البيض (15)
ومثله قول أبي الفتح البستيّ [من الوافر]:
__________
(1) في ك: «من» خ، وكتب فوقها «غير خ».
(2) في ب: «يقوم». الروم: 55.
وفي هامش ك: «ونقلت من خطّ شيخ الإسلام المشار إليه أيضا ما نصّه: «قلت:
ثمّ وقع لي بعد ذلك شاهد آخر وهو قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللََّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللََّهَ هُوَ الْحَقُّ} [النور: 25] ثمّ وقفت على ثالث، وهو قوله تعالى في فضل ذي القرنين: {إِنََّا مَكَّنََّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنََاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً} (85) [الكهف:
8584] فإن أهل العلم بالتفسير قالوا:
إنّ السبب الأوّل العلم، والثاني الطريق».
وقد أشير فوقها ب «حش».
(3) «شيخنا الدين» سقطت من ط.
(4) «العظيم» سقطت من د، وو في ب:
«الكريم».
(5) «هو» سقطت من «د».
(6) النور: 4443.
(7) في ط: «الشعر قول بعضهم وأجاد» مكان «النظم وأجاد».
(8) من ب.
(9) في ب: «لدى قضاء» مكان «إلى ردّ أمر».
(10) البيت بلا نسبة في الإيضاح 319.
(11) «النظم في هذا» سقطت من ب، د، ط، و.
(12) في ب: «السود».
(13) في د: «الشود».
(14) في د، ط: «يثني».
(15) البيت في ديوانه 4/ 114والعمدة 1/ 505وفيهما: «لمعا» مكان «وقعا».
وربّما يقصد ب «السود» الأولى: اليالي، والثانية: الشعر وب «البيض» الأولى:
الشيب، وبالثانية: النساء الحسان. ويقصد ب «السود» الأولى: سهام القنا. (اللسان 3/ 231 (سود)) والثانية: الليالي السوداء.
(اللسان 3/ 226 (سود)) و «البيض»(1/419)
سما وحمى بني سام وحام ... فليس كمثله سام وحام (1)
أمّا أبو الفتح البستيّ (2) فإنّه ثابر على استعمال الجناس في نظمه (3) كثيرا، ولكن ما أعلم أنّه نظم أحسن من هذا البيت (4)، ولقد (5) تجمّل به نوع الجناس وكاد أن يكون تورية.
وما أحسن قول الغزيّ (6) فيه وأحشمه [من البسيط]:
لم نلق (7) غيرك إنسانا يلاذ به ... فلا برحت لعين الدّهر إنسانا (8)
ومطلع الشيخ صفيّ الدين (9) الحليّ (10) في قصيدته البائيّة، التي عارض بها أبا الطيّب المتنبّي (11)، فامتدح (12) بها السلطان (13) الملك الناصر، سقى الله عهده (14)، حسن في هذا الباب، وهو [من الكامل]:
أسبلن من فوق النّهود ذوائبا ... فتركن حبّات القلوب ذوائبا (15)
__________
الأولى ج «أبيض»، وهي السيوف أو الخوذ التي يلبسها الفرسان اتّقاء للسيوف والثانية: الجواري المكنونة في الخدر.
(اللسان 7/ 125، 128 (بيض)).
(1) «سما وحمى وحام» سقطت من و، وثبتت في هامشها مع ما يليها مشارا إليها ب «صح». والبيت في ديوانه ص 174 ونظم الدرّ والعقيان ص 219.
(2) «أما البستي» سقطت من و، وثبتت مع ما سبقها في هامشها مشارا إليها ب «صح»: «سما البستيّ» صح و «البستي»: سقطت من ط.
(3) «في نظمه» سقطت من ط.
(4) في ب: «هذين البيتين» وفي هامشها:
«هذا البيت».
(5) في ط: «وقد».
(6) في ط: «المعرّي».
(7) في ب: «يلق»، وفي هامشها: «يلف».
(8) البيت له في معاهد التنصيص 2/ 17 وللمغربي في الطراز 2/ 358والبلاغة العربية في ثوبها الجديد ص 136وفيه:
لم يبق غيرك إنسان ...
فلا برحت
ولأبي العلاء المعرّي في البلاغة العربية (الميداني) ص 449ولم أقع عليه في ديوانه.
(9) «صفي الدين» سقطت من ب.
(10) «الحليّ» سقطت من ط.
(11) «أبا الطيب» سقطت من ط وفي ب:
«المتنبي أبا الطيّب».
(12) في ب، د، ط، و: «وامتدح».
(13) «السلطان» سقطت من د.
(14) «سقى الله عهده» سقطت من ب.
(15) البيت في ديوانه ص 95ونفحات الأزهار ص 38.(1/420)
ومن محاسن هذه القصيدة قوله منها (1) [من الكامل]:
عاتبته فتضرّجت وجناته ... وازورّ ألحاظا وقطّب حاجبا /
فأذابني الخدّ الكليم (2) وطرفه (3) ... ذو النون إذ ذهب الغداة مغاضبا (4)
ومطلع الشيخ جمال الدين بن نباتة، رحمه الله تعالى (5)، في قصيدته القافيّة (6)
التي امتدح بها الملك الأفضل، صاحب حماة المحروسة (7)، غاية في هذا النوع، وقد عارض بها (8) أبا الطيّب (9) المتنبيّ أيضا (10)، ولكن أتى فيها بما لو سمعه أبو العلاء [المعرّي] (11) لرجع عن شرح (12) ديوان أحمد، وأقرّ بمعجزات محمّد.
ومطلع (13) المتنبيّ [هو] (14) [من الكامل]:
أرق على أرق ومثلي يأرق ... وجوى يزيد وعبرة تترقرق (15)
ومطلع الشيخ جمال الدين (16)، رحمه الله تعالى (17) [هو] (18) [من الكامل]:
ما بتّ فيك بدمع عيني أشرق ... إلّا وأنت من الغزالة أشرق (19)
__________
(1) في ط: «ومن محاسنها» مكان «ومن
منها».
(2) في و: «الكريم».
(3) في ب: «بطرفه».
(4) البيتان في ديوانه ص 96ونفحات الأزهار ص 38.
و «ذو النون» هو الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغََاضِباً} [الأنبياء: 87].
(5) «تعالى» سقطت من وو في ب:
«النباتيّ» مكان «جمال تعالى».
(6) في ط: «قصيدة ابن نباتة» مكان «الشيخ القافية».
(7) «المحروسة» سقطت من ب، ط.
(8) «بها» سقطت من ط.
(9) «أبا الطيب» سقطت من ب.
(10) «أيضا» سقطت من ط.
(11) من ب.
(12) «شرح» سقطت من ط.
(13) في ط: «فمطلع».
(14) من ب.
(15) البيت في ديوانه 3/ 73وتاج العروس 25/ 7 (أرق) وفيه: «وأسى» مكان «وجوى».
(16) في ب: «النباتيّ» وفي ط: «ابن نباتة» مكان «الشيخ جمال الدين» وبعدها في و: «بن نباتة».
(17) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(18) من ب.
(19) البيت في ديوانه ص 338وهو مما قاله في الأفضل بن المؤيّد.
وفي هامش ك: «قال شيخ الإسلام ابن حجر: «ليتأمّل هذا، فإنّي أظنّ الأوّل [أشرق] بضمّ الراء، ولست من ذلك على يقين». انتهى». وقد أشير فوقها ب «حش».(1/421)
ولأجل إطنابي في هذه القصيدة تعيّن إيراد شيء من محاسنها (1) هنا، منها (2) [من الكامل]:
أنفقت عيني (3) في البكاء وحبّذا ... عين على مرأى جمالك تنفق
وتكاثرت في الجفن أنجم أدمعي ... فكأنّ (4) غرب الجفن منّي مشرق
وأخافني منك (5) العذول وما درى ... أنّي لجورك في الهوى أتشوّق
قسما بمن جعل الأسى بك لذّة ... والدمع راحة من يحبّ ويعشق
إنّ العذول هو الغبيّ وإنّ من ... يفني عليك حياته لموفّق
لي من نصيب نواك (6) سهم وافر ... وسهام سحر من جفونك ترشق
يمتار (7) من دمعي عليك ذوو البكا ... فاعجب له من سائل يتصدّق
ولقد سقيت بكأس (8) فيك مدامة ... في غيظ لوّامي (9) عليك فلا سقوا
وضممت من عطفيك غصن ملاحة ... بالحلي يزهر (10) والغلائل تورق (11)
وقرأت في (12) خدّيك بعد تأمّل (13) ... خطّا به حبّ القلوب معلّق
ورزقت من جفنيك ما حسد الورى ... حظّي عليه وهو رزق ضيّق
ونعمت باللّذّات وهي جديدة ... ولبست ثوب الراح وهو معتّق
في ليل أفراح كأنّ هلاله ... للشّرب ما بين النّدامى زورق
حتّى استطال الفجر يطعن في الدّجى ... فهو السّنان أو العدوّ الأزرق (14)
__________
(1) في ب: «منها ومن محاسنها».
(2) «منها» سقطت من ب وفي ط: «فمنها».
(3) في ك: «عمري» خ، وفي هامشها «عيني» خ ص وفي و: «دمعي خ»، وفي هامشها: «عيني» صح.
(4) في ب: «وكأنّ».
(5) في ط: «فيك».
(6) في د، ط: «هواك».
(7) في د: «يمتاز».
(8) في ب: «بكأسك».
(9) في ط: «عذّالي».
(10) في ك: «تزهر».
(11) في د، ط: «يورق» وفي و: «يورق» مصححة عن «تورق».
(12) في ط: «من».
(13) في د: «تأمّل» (* م).
(14) «حتى استطال الأزرق» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».(1/422)
يا حبّذا ليل نبيع به الكرى ... لكنّنا لا عن رضى نتفرّق
حيث الشّباب إلى المسرّة راكض (1) ... لا يستقرّ وطالب لا يرفق (2)
[منها] (3) [من الكامل]:
ما سرّني أنّ الكميت تحثّها (4) ... نحوي السّقاة وأنّ فودي أبلق
زال الصّبا (5) ونأى الحبيب فعادني (6) ... أرق على أرق ومثلي يأرق (7)
منها في المدح، والعذر عن طول ما أوردته واضح لغرابة أسلوبها غزلا ومدحا (8)
[من الكامل]:
قوم لذكراهم على صحف العلا ... أصل الفخار وكلّ ذكر ملحق
ألملك بعض ديارهم فلينزلوا ... والنجم بعض جدودهم فليرتقوا (9)
إن يسجع (10) الدين الحنيف بمدحهم ... فلأنّه بيد (11) الفتوح مطوّق
أو يبق (12) ماضيهم على سنن الوفا ... فكأنّهم ببقاء أفضلهم بقوا (13)
__________
(1) في ك: «راكد»، وفي هامشها: «صوابه:
راكض».
(2) الأبيات في ديوانه ص 339338 وفيه: «وتكاثرت مشرق» ساقط و «فيك» مكان «منك» و «لجودك» مكان «لجورك» و «الغنيّ» مكان «الغبيّ» و «هواك» مكان «نواك» و «ضوء الراح» مكان «ثوب الراح» و «حتى استطال
الأزرق» ساقط.
ويمتار: يأخذ الميرة وهي الطعام.
(اللسان 5/ 188 (مير)).
(3) من ب، د، و.
(4) في ب، ط: «يحثّها».
(5) في ط: «زار الضّنا».
(6) في د، ط: «وعادني».
(7) البيتان في ديوانه ص 339.
والغلائل: الدروع، وقيل: بطائن تلبس تحت الدروع. (اللسان 11/ 502 (غلل)) والفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن. (اللسان 3/ 340 (فود)).
(8) في ط: «والعذر عن طول ومدحا، منها في المدح».
(9) في ك: «مطوّق»، وفي هامشها:
«صوابه: فليرتقوا».
وفي هامش ب: «يشير إلى جدّه نجم الدين أيوب». وقد أشير فوقها ب «حش».
(10) في ك: «يشجع».
(11) في ط: «بيد».
(12) في ب، د، و: «أو يفن» وفي ك: «وإن تفن»، (والواو فيها مشطوبة)، وفي هامشها: «صوابه: إن يغن».
(13) في ك: «فالقلب قبل الطّرف فيها مطرق»،(1/423)
ملأت مواقفه (1) القلوب مهابة ... فالقلب قبل الطرف فيها مطرق
وكأنّما أقلامه بسوادها ... غربان بين في الخزائن تنعق
لا عيب فيه سوى عزائم (2) قصّرت ... عنها الكواكب وهي بعد تحلّق (3)
[منها] (4) [من الكامل]:
يا أيّها الملك المكمّل فضله ... وقّيت من حدق إليك تحدّق
وبقيت للمدّاح تجلب عيسهم ... جلبا بغير بلادكم لا ينفق
أذكرتنا زمن المؤيّد لا غدت (5) ... مثواه باكية الغمائم (6) تشهق
حتّى تجرّ به ذيول حديقة ... أكمامها بيد النسيم تفتّق (7)
[منها] (8) [من الكامل]:
وبديعة كالرّوض إلّا أنّها ... تجلى بجارحة السّماع وتنشق (9)
نظّمتها عقدا بدون مثاله (10) ... في النظم شاب من الوليد المفرق
لا فضل لي فيها وبحرك قاذف ... درر الصفات (11) يقول للخلق (12) انفقوا (13)
من عشّ بيتك قد درجت فطار لي ... في الخافقين جناح ذكر (14) يخفق
وبكم (15) علقت من القريض صناعة ... ما كنت لولاكم بها أتعلّق
__________
وفي هامشها: «صوابه: فكأنّهم ببقاء أفضلهم بقوا» وفي ط: «فلأنّهم».
(1) في ط: «مواهبه».
(2) في ط: «العزائم».
(3) الأبيات في ديوانه ص 339وفيه:
«قوم ملحق» ساقط و «النجم» مكان «الملك» و «حدودهم» مكان «جدودهم» و «إن يسجع مطوّق» ساقط و «يفن» مكان «يبق» و «موافقة» مكان «موافقه» و «وكأنّما تنعق» ساقط.
(4) في د، ط، و: «عدت».
(5) من ب، د، ط، و.
(6) في ط: «الغمامة».
(7) الأبيات في ديوانه ص 340.
(8) من ب، د، ط، و.
(9) في ك: «وتعشق»، وفي هامشها:
«وتنشق» خ.
(10) في ب، د، و: «مناله».
(11) في ط: «الصفاء».
(12) في ط: «للناس».
(13) في د: «اتّقوا».
(14) في ط: «ذكرك».
(15) في ط: «ولكم».
لكم الولا (1) منّي لأنّ نداكم ... في كلّ حادثة لرقّي (2) يعتق (3)
ومن مطالعي في الجناس التامّ قولي [وهو] (4) [من الكامل]:(1/424)
__________
(15) في ط: «ولكم».
لكم الولا (1) منّي لأنّ نداكم ... في كلّ حادثة لرقّي (2) يعتق (3)
ومن مطالعي في الجناس التامّ قولي [وهو] (4) [من الكامل]:
يا طيّب الأخبار يا ريح الصّبا ... يا من إليه كلّ قلب (5) قد صبا (6)
وهذه القصيدة كتبت بها من القاهرة المحروسة، سنة اثنتين (7) وثمانيمئة، إلى مولانا المقرّ الأشرف القاضوي الناصريّ محمد بن البارزيّ الجهنيّ الشافعيّ (8)، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (9)، عظّم الله شأنه (10)، أهزّ جذع الأدب (11) تشوّقا إليه وإلى حماة (12)، وقلت بعد المطلع أخاطب النسيم بما هو أرقّ منه [من الكامل]:
يا صادق الأنفاس يا أهل الذكا ... يا طاهر الأذيال كم لك من نبا
يا من نراه عبارة عن حاجر ... يا روح نجد مرحبا بك مرحبا /
يا نسمة الخير الذي من طيبه (13) ... تتنشّق (14) الأخبار عن تلك الرّبا
بالله إن رنّحت ذاتك (15) بالحمى ... ووردت شعبا من دموعي معشبا
وهززت فيه كلّ عود أراكة ... أضحى بهاتيك الثغور مطيّبا
(1) في د: «الولاء».
(2) في ط: «لفقري».
(3) الأبيات في ديوانه ص 340وفيه:
«وتعشق» مكان «وتنشق» و «لمثل» مكان «بدون» و «تقول» مكان «يقول» و «وطار» مكان «فطار» و «علمت» مكان «علقت» و «من كلّ حادثة له في معتق».
(4) من ب.
(5) في ب، و: «صبّ» وفي ك: «قلب» خ، وفي هامشها: «صبّ» خ،
(6) البيت في ديوانه ورقة 35ب وفيه: «كلّ صبّ».
(7) في ب، د، ك: «اثنين».
(8) في ط: «القاضي تاج الدين بن البارزيّ» مكان «مولانا الشافعيّ».
(9) «بالممالك الإسلامية المحروسة» سقطت من ط و «المحروسة» سقطت من ب.
(10) سقطت من ط وفي ب: «عظم الله سبحانه شأنه» وفي د، و: «عظم الله تعالى شأنه».
(11) «أهزّ جذع الأدب» سقطت من ط.
(12) في ب، ط: «حماة المحروسة».
(13) في ك: «طيّه»، وفي هامشها: «طيبه» خ.
(14) في د، ط: «نتنشّق».
(15) في ط: «ذيلك».(1/425)
ولثمت من ثغر الأقاحي (1) مبسما ... أبدى بدرّ (2) الطّلّ (3) ثغرا أشنبا
ودخلت كلّ خباء زهر قد غدا ... بدموع أجفان الغمام مطنّبا (4)
وطرقت حيّ العامريّة ظامئا ... فنعمت في الوادي بريّا زينبا
وحملت من نشر الخزامى نفحة ... مشمولة بالطيب من ذاك الخبا
عج بالعذيب فإنّ محجر عينه ... أضحى لما حمّلته مترقّبا
واصحب عبير (5) المسك منه فإنه ... لشوارد الغزلان أضحى مشربا (6)
فإذا تقمّصت (7) الشّذا (8) وتعطّرت ... منك الذيول وطبت يا ريح الصّبا
عرّج على وادي حماة بسحرة (9) ... متيمّما منه صعيدا طيّبا
واحمل لنا في طيّ بردك نشره (10) ... فبغير ذاك الطّيب لن أتطيّبا (11)
واسرع إليّ وداو (12) في مصر به ... قلبا (13) على نار البعاد مقلّبا
لله ذاك السفح والوادي الذي ... ما زال روض الأنس فيه مخصبا (14)
ونعم (15) لمصر (16) نسبة لكن أرى ... وادي حماة ولطفه لي أنسبا
أرض رضعت بها ثديّ شبيبتي ... ومزجت لذّاتي (17) بكاسات (18) الصّبا
يا ساكني مغنى حماة وحقّكم ... من بعدكم ما ذقت عيشا طيّبا
ومهالك الحرمان تمنع عبدكم ... من أن ينال من التلاقي مطلبا (19)
__________
(1) في و: «الأقاح».
(2) في د: «بدر».
(3) في ب: «الثغر»، وفي هامشها: «الطلّ».
(4) «ودخلت مطنّبا» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في د: «عنبر».
(6) في ب: «مسربا».
(7) في ط: «وإذا تنسّمت».
(8) في د: «الصبا».
(9) في د: «بسجدة».
(10) في د: «نشره».
(11) في ط: «نتطيّبا».
(12) في د: «داو».
(13) في د: «قلنا».
(14) في ب: «مطيّبا» وفي د: «مخصّبا».
(15) في ب: «ولنعم» وفي ط، و: «وانعم».
(16) في ب: «مصر» وفي ط: «لمصر».
(17) «لذاتي» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(18) في ب: «بكاساتي».
(19) الأبيات في ديوانه ورقة 35ب 36أوفيه «تتنسّم الأخبار» و «مشعبا»(1/426)
[منها] (1) [من الكامل]:
وإذا اشتهيت السير نحو دياركم ... قرأ النّوى لي في الأواخر من سبا (2)
[منها] (3) [من الكامل]:
وقد التفتّ (4) إليك يا دهري بطو ... ل تعتّبي ويحقّ لي أن أعتبا
قرّرت لي طول الشتات وظيفة ... وجعلت دمعي في الخدود مرتّبا (5)
[والمخلص] (6) [من الكامل]:
وأسرتني لكن بحقّ محمّد ... يا دهر كن في مخلصي متسبّبا
فمحمّد ومدينة قد حلّها ... لم ألق غيرهما لقلبي مطلبا (7)
[منها في المديح] (8) [من الكامل]:
مولى إذا قصد الزمان بلحنه ... خفضي غدا عن رفع قدري معربا (9)
ذو رتبة نصب السّعود بيوتها ... من فوق هام الفرقدين وطنّبا
وفضائل أمست (10) على حلل العلو ... م برقمها الزاهي طرازا مذهبا
وكتابة منسوبة لكن إلى ... غير (11) الكمال وحقّها (12) لن (13) تنسبا (14)
وإذا تسنّم ذروة من منبر ... لخطابة فابن الخطيب هنا هبا
__________
و «بردك بشرة» و «وداوي» و «فيه مخضبا».
والأشنب: الفم ذو الأسنان البيضاء والرقّة والعذوبة. (اللسان 1/ 506، 507 (شنب)).
(1) من و.
(2) البيت في ديوانه ورقة 36أ.
و «سبا» مخففة من «سبأ»، وهي مدينة تعرف ب «مأرب»، وقيل: هو اسم مدينة بلقيس باليمن. (اللسان 1/ 94 (سبأ)).
(3) من ب، د، و.
(4) في د: «التفيتّ».
(5) البيتان في ديوانه ورقة 36أ.
(6) من ب، د، و.
(7) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(8) من د، و.
(9) في د: «معلبا».
(10) في ب، و: «أضحت» وفي هـ و:
«أمست» صح.
(11) في ط: «عين».
(12) في هـ ب: «وحقّه».
(13) في ط، و: «أن».
(14) في هامش ب: «إشارة إلى والده كمال الدين». وقد أشير فوقها ب «حش».(1/427)
من بيت فضل قد علت طبقاته ... وأراه للعلم الشريف مبوّبا
وإذا وقفت لحاجة في بابه ... تلقاه بابا للنّجاح مجرّبا (1)
يا كاتب الأسرار يا من فضله ... قد جمّل الدّنيا وزان المنصبا
أقلامك السّمر الرّشاق (2) إذا انثنت ... أغنت نهار الخطب (3) عن بيض الظّبى
سود العيون كأنّما ألحاظها ... قد كحّلت بسواد أحداق الظّبا
لكن إلى وجه الطّروس إذا رنت ... أبدت لنا سحرا حلالا طيّبا
وسرى نسيم الرّوض (4) في قصباتها ... فغدا بها بين الأنام مشبّبا
فلأجل ذا إن رجّعت أقوالها ... لم تلق (5) إلّا مرقصا أو مطربا (6)
رجع إلى ما كنّا فيه (7) من الكلام على (8) الجناس التامّ، ومن نظمي فيه [أيضا] (9) مع زيادة التورية (10) قولي (11) [من المنسرح]:
طلبت تقبيل من أحبّ وقد ... أنكرت في الخدّ نقطة حسنه
فرقّ لي قلبه وقال إذا ... لثمت خدّي لا تنكر الحسنه (12)
انتهى الكلام على الجناس التامّ.
وقد تقدّم قولي إنّ جميع من نهلت من شربهم (13) الصافي لم يرتضوا (14)
بالجناس التامّ إذا أمكن اشتراك (15) التورية من ركنيه، لعلمهم بعلوّ رتبتها عنه
__________
(1) «وإذا مجرّبا» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(2) في ب: «الرقاق».
(3) في ك: «الحرب» خ، وفي هامشها:
«الخطب» ص.
(4) في ب، د، ط، و: «الذوق» وفي ك:
«الروض» خ، وفي هامشها: «الذوق» خ.
(5) في د: «نلق».
(6) الأبيات في ديوانه ورقة 36أ 36ب وفيه: «لم تنسبا» و «الأنام مشيّبا».
ويقصد ب «ابن الخطيب» الوزير لسان الدين الأديب والشاعر والخطيب المعروف وهبا: يقال: هبا الرماد:
اختلط بالتراب وهمد. (اللسان 15/ 351 (هبا)) وبيض الظّبى: السيوف، وقيل: الظّبة: حدّ السيف والسنان
(اللسان 15/ 22 (ظبا)).
(7) «رجع إلى ما كنّا فيه» سقطت من د.
(8) «الكلام على» سقطت من ط، و.
(9) من ط.
(10) في ب: «مع الزيادة بذكر التورية وهو».
(11) «قولي» سقطت من ط.
(12) البيتان في ديوانه ورقة 79أ.
(13) في ط: «شرابهم».
(14) في ب، د، ط، و: «يرضوا».
(15) في ط: «استدراك».(1/428)
والتفات الأذواق الصحيحة [السليمة] (1) إلى حسن موقعها، وإذا راجعت النظر في كلامهم وجدت غالب ما نظموه من التورية جناسا تامّا (2)، فمن ذلك قول الشيخ صدر الدين بن الوكيل [من دو بيت] (3):
كم قال معاطفي حكتها الأسل ... والبيض سرقن ما حوته المقل
واليوم (4) أوامري عليهم حكمت ... ألبيض تحدّ والقنا تعتقل (5)
ففي «تحدّ» و «تعتقل» جناسان تامّان مماثلان (6) إذا أبطلت الاشتراك وأبرزت (7)
كلّا من الركنين في موضعه، على طريق من له رغبة في الجناس، ومثله قول القاضي (8) محيي الدين بن عبد الظاهر في كوز (9) [الحبّ] (10) [من مجزوء الوافر]:
وذي أذن بلا سمع ... له قلب بلا قلب
إذا استولى على حبّ ... فقل ما شئت في الصّبّ (11)
ومثله قول البدر (12) يوسف بن لؤلؤ الذهبيّ [من الطويل]:
تعشّقته لدن القوام مهفهفا ... شهيّ اللّمى أحوى المراشف أشنبا
__________
(1) من ط.
(2) «تامّا» سقطت من د.
(3) من ط وفي ب: «دو بيت».
(4) في ب، ط، و: «والآن» وفي ك:
«واليوم» خ، وفي هامشها: «والآن» خ.
(5) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
والأسل: الرماح، وقيل: كلّ شجر له شوك طويل (اللسان 11/ 1514 (أسل)) ويقصد ب «البيض»: السيوف أو الجواري وتحدّ: تعاقب بإنزال الحدّ بها لمخالفة حدود الله ويقال أيضا: حدّ السيف: شحذه. (اللسان 3/ 141140 (حدد)) وتعتقل: تجعل بين الركاب والساق، أو أن تجعل تحت الفخذ، ويجرّ آخرها على الأرض. (اللسان 11/ 462 (عقل)).
(6) «مماثلان» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(7) في و: «وأظهرت» وفي هامشها:
«أبرزت» صح.
(8) «القاضي» سقطت من ط.
(9) الكوز: من الأواني. (اللسان 5/ 402 (كوز)).
(10) من ب وفي هامش ب: «الحبّ: من أسماء زير الماء». وقد أشير فوقها ب «حش».
(11) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(12) في ب، ط: «بدر الدين».
وقالوا بدا (1) حبّ الشّباب بوجهه ... فيا حسنه (2) وجها إليّ محبّبا (3)
ومنه قول الشيخ شرف الدّين عبد العزيز (4) الأنصاريّ، شيخ شيوخ حماة، رحمه الله تعالى (5)، [من الوافر]:(1/429)
__________
(12) في ب، ط: «بدر الدين».
وقالوا بدا (1) حبّ الشّباب بوجهه ... فيا حسنه (2) وجها إليّ محبّبا (3)
ومنه قول الشيخ شرف الدّين عبد العزيز (4) الأنصاريّ، شيخ شيوخ حماة، رحمه الله تعالى (5)، [من الوافر]:
لنا من ربّة الخالين جاره ... تواصل تارة وتصدّ تاره
تعاملني بما يحكي (6) سلوّي (7) ... ولكن ليس في جوفي مراره (8)
ومثله قول الشيخ ظهير (9) الدين [بن] (10) البارزيّ، سقى الله ثراه (11)، [من مجزوء الرجز]:
يا لحية الحبّ التي ... طال لها تلفّتي (12) /
هل أنت مسك التّرك أو ... هل أنت مسك تبّت (13)
ومثله قول الشابّ الظريف، شمس الدين محمّد بن العفيف [من الطويل]:
تبسّم زهر البان عن طيّ نشره ... وأقبل في حسن يجلّ عن الوصف
هلمّ إليه بين قصف ولذّة ... فإنّ غصون البان تصلح للقصف (14)
ومنه (15) قول الشيخ علاء الدين الوداعيّ، رحمه الله تعالى (16)، [من الخفيف]:
(1) في ب: «به».
(2) في د: «حسنه» (* ح).
(3) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(4) «عبد العزيز» سقطت من ط.
(5) «رحمه الله تعالى» سقطت من ط.
(6) في ط: «يحلو» وفي ب، د، و: «يحلي».
(7) في ط: «سلوى».
(8) في ب: «مراه». والبيتان في ديوانه ص 200.
(9) في ب: «علاء»، وفي هامشها: «ظهير».
(10) من ب، و.
(11) «سقى الله ثراه» سقطت من ب.
(12) في ك: «تلفت».
(13) في د، و: «تنبتي» وفي ط: «تبّتي» وفي ك: «تنبت» وفي ب: «تبّت».
والرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وتبّت: بلد بأرض الترك مشهور بمسكه.
(معجم البلدان 2/ 1312).
(14) «ومثله قول الشاب للقصف» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
والبيتان في ديوانه ص 223وفيه: «زهر اللوز عن درّ مبسم وأصبح» و «غصون الزّهر».
(15) في ط: «ومثله».
(16) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.(1/430)
أثخنت عينها (1) الجراح ولا إث ... م عليها لأنها نعساء (2)
زاد في عشقها جنوني فقالوا ... ما بهذا؟ فقلت (3): بي سوداء (4)
ومنه (5) قول ذي الوزارتين (6) لسان الدين بن (7) الخطيب (8) [من الرمل]:
جلس المولى لتسليم الورى ... ولفصل (9) البرد في الجوّ احتكام
فإذا ما سألوا عن يومنا ... قلت: هذا اليوم برد وسلام (10)
ومثله قول الشيخ سراج الدين الورّاق، رحمه الله (11)، فيمن بخل بالرّاح، والتورية ثلاثيّة (12)، [وهو] (13) [من الكامل]:
لا تطمعنّ براحة من معشر (14) ... سادوا بغير مآثر السّادات
قطعت عن المعروف أيديهم وقد ... سرقوا العلا فخلت من الرّاحات (15)
ومثله قول نصير الدّين الحماميّ [من مجزوء الرّجز]:
لي منزل معروفه (16) ... ينهلّ غيثا كالسّحب
أقبل ذا العذر به (17) ... وأكرم (18) الجار الجنب (19)
ومنه (20) قول شهاب الدين الحاجبيّ (21) [من الوافر]:
__________
(1) في ب: «عنها».
(2) «أثخنت نعساء» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(3) في ب: «قلت».
(4) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(5) في ط: «ومثله».
(6) «ذي الوزارتين» سقطت من ط.
(7) «بن» سقطت من ط.
(8) في د، و: «رحمه الله تعالى».
(9) في د: «وبفضل».
(10) البيتان في ديوانه 2/ 571وفيه:
«احتكام» و «وسلام».
(11) سقطت من ب، ط، وو في د: «رحمه الله تعالى».
(12) في ب: «والتوية مثلّثة».
(13) من ط.
(14) في ب: «مشعر».
(15) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(16) في ب، د: «معروفة».
(17) في د: «العذريّة».
(18) في ط: «وأقبل».
(19) الرجز في الأدب في العصر المملوكي 2/ 160.
(20) في ب، ط، و: «ومثله».
(21) في د: «رحمه الله».(1/431)
له عين لها غزل وغزو ... مكحّلة ولي عين تباكت
وحاكت في فعائلها المواضي ... فيا لك مقلة غزلت وحاكت (1)
ومثله قول جمال الدين عبد الله السوسيّ [من مخلّع البسيط]:
أهوى غزالا عليه صبري ... قد بان في الحبّ وهو عذري
آسر قلبي بمقلتيه ... فرحت مملوكه بأسري (2)
ومثله (3) قول الشيخ زين الدين (4) بن الورديّ [من المجتثّ]:
قالت إذا كنت تهوى ... أنسي (5) وتخشى (6) نفوري
صف ورد خدّي وإلّا ... أجور ناديت جوري (7)
ومثله قول الشيخ شمس الدين (8) بن الصائغ (9) [من الكامل]:
هجرت فأحشائي لذاك توقّدت ... جمرا وليست في المحبّة (10) فاتره
هذا وتحرمني أقيّل بالجفا (11) ... ومن الذي يقوى (12) بنار الهاجره (13)
وأحسن منه قول الشيخ جمال الدين (14) بن نباتة (15) في الملك المؤيّد صاحب حماة (16) [من الطويل]:
__________
(1) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(2) «ومثله قول جمال الدين بأسري» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح». والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(3) في ب، د: «ومنه».
(4) «الشيخ زين الدين» سقطت من ط.
(5) في ط: «ترجو وصلي».
(6) في ك: «تخشى» مشطوبة بخطّ عموديّ، وفي هامشها: «تهوى» ص.
(7) البيتان في ديوانه ص 407وفيه: «كنت ترجو».
(8) «الشيخ شمس الدين» سقطت من ط.
(9) في و: «رحمه الله».
(10) في و: «المجبّة».
(11) في ط: «التقيّل في الهوى» وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «في الشطر الأول خلل في الوزن، ونظنّه: هذا وتحرمني الثقيل من الهوى».!!
(12) في ط: «من ذا الذي يرضى».
(13) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(14) في ط: «ومثله قول» مكان «وأحسن
الدين».
(15) في ب: «النباتي» مكان «جمال الدين بن نباتة».
(16) بعدها في و: «رحمه الله».(1/432)
لنا ملك قد قاسمتنا هباته ... فنثر العطا منه ونظم الثّنا منّا
يذكّرنا أخبار معن بجوده ... فننشي (1) له لفظا وينشي (2) لنا معنى (3)
ومثله قوله، وهو أعدل شاهد في هذا الباب [من الكامل]:
دمعي عليك يجانس (4) قلبي ... فانظر على الحالين للصّبّ (5)
فذكر «التجانس» هنا هو (6) أحد لازمي التورية، و «الدمع» هو اللازم الآخر، ولكن (7) نبّهنا الشيخ جمال الدين (8)، رحمه الله (9)، على أنّه لم يرض بالجناس، وأيّد (10) ذلك قوله (11) على الحالين، ومنه قول الشيخ برهان الدين (12) القيراطيّ [من السريع]:
أباح لي (13) نرجس ألحاظه ... في مجلس ما فيه ما نكره
فقلت ورد الخدّ جد لي به ... أيضا فقال: الكلّ في الحضره (14)
ومثله قول الشيخ (15) بدر الدين بن الصاحب [من الطويل]:
فتنت بنبت من عوارض خدّه ... فها أنا في قيد الغرام أسير
وما كان لي بالعشق قطّ تعلّق ... ولا بالهوى قبل العذار شعور (16)
ومثله قول الشيخ (17) صلاح الدين الصفديّ (18) [من الكامل]:
__________
(1) في ط: «وننشي».
(2) في ب: «وينسى» وفي ط: «فينشي».
(3) البيتان في ديوانه ص 536.
ومعن: هو معن بن زائدة ابن مطر ابن شريك، من أجواد العرب في الجاهلية وفرسانهم. (اللسان 13/ 411 (معن)).
(4) في ب، د، ط، و: «مجانس».
(5) في ط: «في الصبّ» والبيت في ديوانه ص 32وفيه: «مجانس» مكان «يجانس».
(6) «هو» سقطت من ط.
(7) في ط: «وقد».
(8) في ب: «النباتي» مكان «جمال الدين».
(9) «رحمه الله» سقطت من ب، ط.
(10) في ط: «ويؤيد».
(11) في ب: «بقوله».
(12) «الشيخ برهان الدين» سقطت من ط وفي ب: «البرهان».
(13) «لي» سقطت من ب.
(14) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(15) «الشيخ» سقطت من ط.
(16) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(17) «الشيخ» سقطت من ط.
(18) بعدها في و: «رحمة الله تعالى».(1/433)
إن لم تصدّقني تصدّق بالكرى ... ليزورني فيه الخيال الزائل
وانظر إلى فقري لوصلك واغتنم ... أجري وقل للدّمع قف يا سائل (1)
ومثله قول الشيخ شهاب الدين (2) بن أبي حجلة الحنفيّ (3) [من الكامل]:
يا صاح قد حضر الشراب ومنيتي ... وحظيت بعد الهجر بالإيناس (4)
وكسا العذار الخدّ (5) حسنا فاسقني ... واجعل حديثك كلّه في الكاس (6)
وما أظرف قول الشيخ (7) يحيى الخبّاز الحمويّ (8) في هذا النوع (9) [من السريع]:
أصبحت في العالم أعجوبة ... عند ذوي المعقول والفهم
جدّي حموي فاسمعوا واعجبوا ... وما كفى حتّى أبي أمّي (10)
ومثله قول الشيخ إبراهيم (11) المعمار [من السريع]:
قد بتّ من كربي لفقد النّسا ... أفور كالتنّور من ناريه
وقد طغى الماء فمن لي بأن ... أحمل بالجود (12) على جاريه (13)
ومثله قول الشيخ بدر (14) الدين حسن الغزيّ الشهير (15) بالزغاريّ [من الخفيف]:
قيل لي إذ (16) رأيت أقمار تمّ ... عن بدور السماء للطرف تلهي
أيّ وجه أضناك قلت دعوني ... فسقامي قد صحّ من كلّ وجه (17)
__________
(1) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(2) «الشيخ شهاب الدين» سقطت من ط.
(3) «الحنفي» سقطت من د، ط، و.
(4) في ك: «والإيناسي» وفي د، ط، و:
«بالإيناس».
(5) في ك: «الخدّ م العذار م».
(6) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(7) «الشيخ» سقطت من ط.
(8) بعدها في د، و: «رحمه الله».
(9) «في هذا النوع» سقطت من ط.
(10) ومثله قول الشيخ شهاب الدين أبي أمّي» سقطت من ب. والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(11) «الشيخ إبراهيم» سقطت من ط.
(12) في ب: «بالجودي».
(13) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(14) في ط: «شرف».
(15) في ط: «المشهور» مكان «الغزي الشهير».
(16) في ط: «إذا».
(17) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.(1/434)
ومثله قول الشيخ (1) عزّ الدين الموصليّ (2) [من الطويل]:
حديث عذار الحبّ باد وساقه ... له أوجه تبدي لقلبي (3) اشتياقه
درى (4) أنّنا نصغي إلى الحسن (5) دائما ... فأبدى لنا ذاك الحديث وساقه (6)
ومثله قول المقرّ المرحوميّ الفخريّ ابن مكانس (7)، رحمه الله (8)، [من الوافر]:
يقول مفنّدي (9) إذ همت فيه ... بخدّ (10) خلت فيه الشعر (11) نملا
أتعرف خدّه للعشق أهلا ... فقلت له: نعم أهلا وسهلا (12)
وأنشدني من لفظه لنفسه (13) بقية السّلف، ومن كان للفروع النباتيّة نعم الخلف، الشيخ زين الدين أبو بكر بن العجميّ عين كتاب الإنشاء الشريف (14) بالديار
__________
(1) «الشيخ» سقطت من ط.
(2) في ب: «رحمه الله» وفي و: «رحمه الله تعالى».
(3) في و: «لقتلي».
(4) في و: «ذرى».
(5) في د: «الحسن» (* ح).
(6) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ك: «أقول: ومما ينتظم في سلك هذا المعنى قول الشيخ صلاح الدين الصفديّ، رحمه الله، لكن المصنف، رحمه الله، لم يورده، [من الطويل]:
أهاجر حمل السّيف حرفة والدي
وآداب * طول العمر في طلب العلم
فيا عجبا إن كنت ممّن يعدّ في
أولي العلم ما بين الورى وأبي أمّي»
(حاشية).
(*) كذا في الهامش.
(7) «المقر المرحومي الفخري» سقطت من ط.
(8) «رحمه الله» سقطت من ب، ط وفي و:
«رحمه الله تعالى».
(9) في ط: «معذّبي».
(10) في د: «بوجه».
(11) في د: «الشعر».
(12) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وفي هامش ك: «نقلت من خطّ شيخ الإسلام، ابن حجر ما نصّه لمسطره *، [من الوافر]:
تجرّد من أحبّ فقال لي من
يلوم وأظهر الحسد المكتّم:
أجاد لك الحبيب بلمس جسم
له كالخزّ قلت: نعم وأنعم»
وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) كذا وردت.
(13) في د: «لنفسه الكريمة».
(14) «الشريف» سقطت من د، و.(1/435)
المصريّة، / وقد تمثّلت بين يديه بالقاهرة المحروسة، سنة إحدى وتسعين وسبعمئة (1)، وطالبته بسماع شيء (2) من لفظه (3) في المواليا، فإنّه كان إمام فنونها (4)
المتشعّبة، فقال (5) [من المواليا]:
للحبّ قالوا معنّاك (6) الذي اتبلتوا (7) ... جدلو بقبلة فعقلو (8) فيك خبّلتو
فقال أقسم لو أن البوس سبّلتوا ... ومات للشرق ما درتوا وقبّلتو (9)
ومنه قول الشيخ جلال الدين (10) ابن خطيب داريا [من الوافر]:
تقول وقد أتتني ذات يوم ... مخبّرة عن الظبي الجموح
يسرّك أن أروح إليه أجري (11) ... فقلت لها خذي مالي وروحي (12)
ومثله (13) قول علامة عصرنا القاضي (14) بدر الدين [بن] (15) الدمامينيّ، فسح الله في أجله (16) [من هذا النوع] (17) [من مجزوء الرمل]:
قم بنا نركب طرف ال ... لّهو سبقا للمدام
واثن يا صاح عناني ... لكميت ولجام (18)
وما أحلى قول [شيخنا] (19) الشيخ شهاب الدين بن حجر (20) في هذا النوع (21)
__________
(1) في ط: «إحدى وثمانيمئة».
(2) في ط: «بشيء» مكان: «بسماع شيء».
(3) «وبقية شيء من لفظه» سقطت من ب.
(4) في ط: «فنونه».
(5) «فقال» سقطت من ب، د، و.
(6) في ب: «مضناك».
(7) في ب: «ادبلتو» وفي ط: «اذبلتوا».
(8) في ط: «فقلبو».
(9) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(10) «جلال الدين» سقطت من ط.
(11) في و: «أخري».
(12) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(13) في ب، ط: «ومنه».
(14) «علامة عصرنا القاضي» سقطت من ط وفي ب: «الشيخ» وفي د: «علامة العصر الشيخ».
(15) من د، و.
(16) «فسح الله في أجله» سقطت من ب، د، ط.
(17) من ب.
(18) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
ويقصد: لفرس ولجامه، أو لخمرة ولكأسها الفضيّ.
(19) «شيخنا» سقطت من كل النسخ وثبتت في هـ ومشارا إليها ب «صح».
(20) بعدها في و: «فسح الله في أجله».
(21) «قم بنا نركب هذا النوع» سقطت من ب وفي ط: «ومثله قول ابن حجر»(1/436)
[من مجزوء الرمل]:
سألوا عن عاشق في ... قمر باد سناه
أسقمته مقلتاه ... قلت لا بل شفتاه (1)
ومثله قول بدر الدين البشتكيّ [من الطويل]:
أأحبابنا حكّمتكم في حشاشتي ... وكم حكم الأحباب في الصّبّ واشتطّوا
وأفرشتكم خدّي لتخطوا كرامة ... رميتم بسهم البين قلبي ولم تخطوا (2)
ومثله قولي (3) [من البسيط]:
عاتبته ودموعي (4) غير جارية ... لأنّ دمعي من طول البكا نشفا
فقال لم أر وكف الدّمع قلت له ... حسيبك (5) الله يا بدر الدّجى وكفى (6)
ولم أستطرد إلى هنا (7) إلّا ليتأيّد (8) قولي إن جميع من نسجت على منوالهم لم يرضوا بالجناس التامّ إذا أمكنت التورية التامّة، وصبح الفرق بينهما بحمد الله ظاهر، وبدر مثاله في (9) ليالي السّطور سافر.
انتهى ما أوردته من محاسن التورية التامة ووجوب تقديمها على الجناس التامّ، إذا كان عند الناظم يقظة وكان ممّن يميل إلى هذا المذهب.
وأمّا الجناس المطرّف فهو ما زاد أحد ركنيه على الآخر حرفا (10) في طرفه الأوّل، وهذا هو الفرق بينه وبين المذيّل، فإنّ الزيادة في المذيّل تكون في آخره فهي
__________
مكان «وما أحلى النوع».
(1) البيتان في ديوانه ص 236وأنس الحجر ص 340.
(2) «ومثله قول بدر تخطوا» سقطت من كلّ النسخ وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح». وفيها: «دميتم»، ولعلّ الصواب: «رميتم».
والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(3) «ومثله قولي» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(4) في و: «دموعي» مشطوبة، وفي هامشها:
«دمعي» صح.
(5) في د: «حسبك».
(6) البيتان في ديوانه ورقة 42أ 42ب.
(7) في ط: «هذا».
(8) في ط: «لتأييد».
(9) في ب: «مثالي من».
(10) في هامش ط: «قوله: «حرفا»، المناسب أن يزيد: «أو حرفين» بدليل تمثيله».
(حاشية).(1/437)
له كالذيل (1)، و [أما] (2) المطرّف فتكون (3) الزيادة (4) في أوّله لتصير له كالطّرف، ويسمّى الناقص والمردف، وفي تسميته اختلاف كثير، ولكنّ مطابقة المطرّف في التسمية طرفة، والمقدّم فيه قوله (5) تعالى: {وَالْتَفَّتِ السََّاقُ بِالسََّاقِ (29) إِلى ََ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسََاقُ} (30) (6) والزيادة تارة تكون في أوّل (7) الرّكن الثاني كما تقدّم، وتارة تكون (8) في أول الرّكن الأوّل كقول أبي الفتح البستيّ [من الوافر]:
أبا العبّاس لا تحسب بأنّي ... بشيء (9) من حلى الأشعار عاري (10)
فلي طبع كسلسال معين ... زلال من ذرى الأحجار جاري (11)
إذا ما أكبت (12) الأدوار زندا ... فلي زند على الأدوار واري (13)
ومثله [من الطويل]:
وكم سبقت منه إليّ عوارف ... ثنائي على تلك العوارف وارف (14)
وكم غرر (15) من برّه ولطائف ... لشكري (16) على تلك اللطائف طائف (17)
ومثله قول القائل [من الخفيف]:
__________
(1) «فهي له كالذيل» سقطت من ط وفي ك:
«كالمذيّل» مكان «كالذيل».
(2) من ط.
(3) في ب، د، ط، و: «تكون» وفي ط:
«فتكون».
(4) في ط: «زيادته».
(5) في ط: «كقوله» مكان «والمقدّم فيه قوله».
(6) القيامة: 3029.
(7) «أول» سقطت من ك وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(8) «تكون» سقطت من ط.
(9) في هـ ك: «بشيء» ن.
(10) في ب: «عار».
(11) «فلي جاري» سقطت من ب.
(12) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«إذ ما كبت»: «في البيت كسر، ونظنّه إذا ما أكبت الأدوار».
(13) في ب: «وار». والأبيات في ديوانه ص 9897وفيه: «لسنّي من حلى» و «جار» و «وار» ونظم الدرّ ص 210.
والسلسال: «الماء العذب السلس السهل، وقيل: هو البارد أيضا. (اللسان 11/ 343 (سلسل)) والزلال: الماء العذب أو البارد، أو الصافي الخاص. (اللسان 11/ 307 (زلل)) ومعين: الجاري أو السائل العذب. (اللسان 13/ 410 (معن)).
(14) وكم سبقت وارف» سقطت من د.
(15) في د، ك، و: «عزر».
(16) في ط: «فشكري» وفي و: «بشكري».
(17) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 23وفيه: «من سرّه».(1/438)
قام يسعى ما بين شرب أعزّه ... من بني التّرك أغيد فيه عزّه (1)
وقصيدة هذا المطلع رأيتها في بعض التذاكر بخطّ الشهاب محمود، ولم أعرف لها ناظما، وأعجبني فيها أبيات، منها [من الخفيف]:
يقظ ما يشير طرف (2) إليه ... بمرام إلّا ويفهم (3) رمزه
كلّ ما تفعل الصوارم تغني ... عنه ألحاظه المراض بغمزه (4)
وأمّا الشيخ جمال الدين بن نباتة (5)، رحمه الله تعالى (6)، فإنّه ما نظم هذا النوع إلّا تورية، فقال (7) [من الكامل]:
عطفت كأعطاف (8) القسيّ حواجبا ... فرمت غداة البين قلبا واجبا (9)
ومثله قولي [من الكامل]:
والله ما هبّ النسيم الحاجري (10) ... إلّا تعثّر (11) مدمعي بمحاجري (12)
انتهى الكلام على [الجناس (13)] التامّ والمطرّف، وهما في بيت البديعية ظاهران.
وبيت الشيخ (14) صفيّ الدين (15) الحليّ فيهما (16):
__________
(1) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) في د: «طرفي».
(3) في ط: «ويعرف».
(4) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(5) في ب: «النباتيّ» مكان «جمال الدين بن نباتة».
(6) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب.
(7) في ط: «ومن نظم ابن نباتة الذي جعله نفثا» مكان «وأما الشيخ فقال».
(8) في ب، د، ط، و: «كأمثال» وفي ك:
«كأعطاف» خ، وفي هامشها: «كأمثال» خ.
(9) البيت في ديوانه ص 26ونفحات الأزهار ص 23وفيهما: «كأمثال» مكان «كأعطاف».
وواجبا: خافقا مرتجفا. (اللسان 1/ 794 (وجب)).
(10) في ط: «بحاجر».
(11) في ط: «ترقرق».
(12) في و: «بمحاجر». والبيت في ديوانه ورقة 30ب.
(13) من ب، ط.
(14) «الشيخ» سقطت من ط.
(15) «صفي الدين» سقطت من ب.
(16) في ط: «قوله».(1/439)
من شانه (1) حمل أعباء الهوى كمدا ... إذا همى شانه (2) بالدّمع لم يلم (3)
وبيت الشيخ (4) عزّ الدين (5) الموصليّ [في هذا النوع] (6):
مذ (7) تمّ للعين (8) أنس حين طرّفها ... مرأى الحبيب ببذل العين لم ألم (9) /
وبيت بديعيّتي (10):
يا سعد ما تمّ لي (11) سعد يطرّفني ... بقربهم وقليل الحظّ لم يلم (12)
وللمتأمّل هنا (13) أن يستحلي ويستجلي ما يظهر في مرآة ذوقه ولا يميل عن جادّة الإنصاف. انتهى (14)
__________
(1) في ب، ط: «من شأنه» وفي د، ك، و:
«من شانه».
(2) في د، ك، و: «شانه».
(3) البيت في ديوانه ص 686وفيه: «من شأنه» وشرح الكافية البديعية ص 64 ونفحات الأزهار ص 3926وفيه:
«شأنه».
(4) «الشيخ» سقطت من ط.
(5) «عز الدين» سقطت من ب.
(6) من ب.
(7) في ك: «مد».
(8) في ب: «للعيش».
(9) في ط: «يلم». والبيت في نفحات الأزهار ص 26، 39.
(10) سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «وبيتي».
(11) «لي» سقطت من ب.
(12) بعدها في و: «وبيت الشيخ عز الدين الموصليّ» مشطوبة. والبيت سبق تخريجه.
(13) «هنا» سقطت من ط.
(14) «وللمتأمّل الإنصاف. انتهى» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» و «انتهى» سقطت من ط.(1/440)
الجناس (17) المصحّف والمحرّف
6 - هل من يفي ويقي إن صحّفوا عذلي ... وحرّفوا وأتوا بالكلم في الكلم (1)
«يفي» و «يقي» فيهما (2) جناس التصحيف القريب من المضارعة (3)، ومنهم من يسمّيه جناس الخطّ، وهو ما تماثل ركناه وضعا (4) واختلفا نقطا (5)، والمقدّم في هذا قوله تعالى: {الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذََا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (80) (6) ومنه قول النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، لعليّ بن أبي طالب (7)، كرم الله وجهه (8): «قصّر ثوبك، فإنّه أتقى وأنقى (9) وأبقى» (10). وقوله (11)، (صلى الله عليه وسلم)، وقد (12) سمع رجلا ينشد على سبيل الافتخار، وقيل: بل (13) سأله عن نسبه (14)، فقال [من البسيط]:
إنّي امرؤ حميريّ حين تنسبني (15) ... لا من ربيعة آبائي ولا مضر (16)
__________
(17) «الجناس» سقطت من د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(1) البيت في ديوانه ورقة 3ب ونفحات الأزهار ص 29، 36وفي ص 29 «يقي أو يفي».
(2) في و: «فيها».
(3) «القريب من المضارعة» سقطت من كلّ النسخ، وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(4) في ب: «وصفا» وفي ط: «خطّا».
(5) في ب، ط: «لفظا».
(6) في ب: «يشفيني». الشعراء: 8079.
(7) «بن أبي طالب» سقطت من ب.
(8) في ب: «رضي الله تعالى عنه».
(9) في ط: «أنقى وأتقى».
(10) في ب، و: «وأبقى وأنقى». والحديث في الشمائل للترمذي ص 58ومسند أحمد بن حنبل 5/ 364.
(11) في ط: «وقول النبيّ».
(12) في ط: «حين».
(13) «بل» سقطت من ط.
(14) في ب: «بمن نسبته».
(15) في ب: «تسبني».
(16) في د: «مضر». والبيت بلا نسبة في العمدة 1/ 509.(1/441)
فقال له النبيّ، (صلى الله عليه وسلم) (1): «ذلك، والله (2)، ألأم لجدّك وأفلّ (3) لحدّك» (4). ومنه قول عمر بن الخطاب (5)، رضي الله عنه (6): «لو كنت تاجرا ما اخترت (7) غير العطر، إن فاتني ربحه لم يفتني (8) ريحه». ومنه قول القاضي الفاضل في بعض ترسّلاته (9):
«وأنتم (10) يا بني أيّوب أيديكم آفة نفائس (11) الأموال، كما أنّ سيوفها (12) آفة أنفس الأبطال، فلو ملكتم الدهر لامتطيتم (13) لياليه أداهم، وقلّدتم بيض أيّامه صوارم، ووهبتم شموسه وبدوره (14) دنانير ودراهم، وأوقاتكم أعراس (15) ومآتم، إلّا على الأموال فيها (16) مآثم، والجود خاتم في أيديكم ونفس حاتم (17) نقش في ذلك الخاتم». وقال أهل الأدب: «خلف الوعد خلق الوغد (18)». والأربعة أركان بغير حشو، وهي (19) غاية في هذا الباب.
ومن النظم [في هذا النوع] (20) قول الشاعر [من الوافر]:
فإن حلّوا فليس لهم مقرّ ... وإن رحلوا فليس لهم مفرّ (21)
__________
(1) «فقال له النبي، (صلى الله عليه وسلم)» سقطت من ب، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(2) في ب: «ذلك والله».
وفي هامش ب: «أو كما قال (صلى الله عليه وسلم)». وقد أشير فوقها ب «حش».
(3) في ب: «أقلّ».
(4) في ط: «ألأم لحدّك وأقلّ لجدّك».
والحديث في العمدة 1/ 510509 وفيه: «ذلك، والله، ألأم لجدّك، وأضرع لخدّك، وأفلّ لحدّك، وأقلّ لعدّك، وأبعد لك عن الله ورسوله».
(5) «بن الخطاب» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(6) في د: «رضي الله تعالى عنه» وفي و:
«تعالى» مكتوبة فوق «الله».
(7) في ب: «اتجرت».
(8) في ط: «تفتني».
(9) في ط: «رسالاته».
(10) في ط: «فأنتم».
(11) في ط: «أنفس».
(12) في ب، ط: «سيوفكم» وفي و: «سيوفنا».
(13) في و: «لأمطم».
(14) في ط: «وأقماره».
(15) في ب: «عرائس».
(16) في ط: «فهي».
(17) حاتم هو حاتم الطائيّ، يضرب به المثل في الجود، وهو حاتم بن عبد الله سعد بن الحشرج. (اللسان 12/ 115 (حتم)).
(18) الوغد: الأحمق الضعيف العقل، الدنيء الذليل. (اللسان 3/ 464 (وغد)).
(19) في ط: «وهو».
(20) من ب.
(21) البيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 34والعمدة 1/ 511.(1/442)
ومثله قول أبي فراس [من مجزوء الكامل]:
من بحر شعرك (1) أغترف ... وبفضل علمك أعترف (2)
ولم أذكر هنا من جناس التصحيف، إلّا النوع السالم من اختلاف الحركة بالتحريف (3)، فإنّه إذا اجتمع فيه النوعان صار مشوّشا (4) كقول الحريريّ [من الخفيف]:
* زيّنت زينب [بقدّ يقدّ] (5) * فهذا فيه التحريف والتصحيف، وقد تقدّم أنّ الركنين إذا تجاذبهما (6) نوعان من التجنيس ولا يخلصان (7) لواحد، كان الجناس مشوّشا (8).
ومثله قول أبي تمام [من البسيط]:
* في حدّه (9) الحدّ بين الجدّ واللّعب (10) * ومن المصحّف السّالم من التشويش (11) ما كتبت به إلى المقرّ المرحوميّ الفخريّ (12) ابن مكانس، في رسالتي (13) التي (14) ذكرت فيها حريق دمشق المحروسة (15)، وهو: «وأضحت (16) أوقات الربوة بعد ذلك العيش الخضل واليسر عسيره، ولقد كان أهلها في {ظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَمََاءٍ مَسْكُوبٍ، وَفََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} (17)، فعبّس بعد ذلك ثغر روضها الباسم، وضاع من غير تورية عطره الناسم».
__________
(1) في ط: «جودك».
(2) البيت في ديوانه ص 219ونفحات الأزهار ص 35.
(3) في و: «بالتعريف» مشطوبة، وفي هامشها: «بالتحريف» صح ن.
(4) في ب: «مهوّشا».
(5) من ط والشطر في مقاماته ص 405 وعجزه:
وتلاه ويلاه نهد يهدّ
وبقدّ: يقطع طولا. (اللسان 3/ 344 (قدد)).
(6) في ب: «تحاذاهما».
(7) في ط: «ولم يخلصا».
(8) في هامش ب: «مهوّشا». وقد أشير فوقها ب «حش».
(9) في و: «خدّه».
(10) الشطر في ديوانه 1/ 96وصدره:
السيف أصدق إنباء من الكتب
والعمدة 1/ 517.
(11) «من التشويش» سقطت من ط.
(12) في ط: «المخدوميّ فخر الدين».
(13) في د: «رسالة».
(14) في و: «الذي».
(15) «المحروسة» سقطت من ب، ط.
(16) في د: «وصحت».
(17) الواقعة: 3230.(1/443)
ومن غراميّات البهاء زهير ولطائفه في الجناس المصحّف قوله في قصيدة (1) [من الطويل]:
وليس مشيبا ما ترون بعارضي ... فلا تمنعوني (2) أن أهيم وأطربا
وما هو إلّا نور ثغر لثمته ... تعلّق في أطراف شعري فألهبا (3)
وأعجبني التجنيس بيني وبينه ... فلما تبدّى أشنبا رحت أشيبا (4)
وأظرف منه (5) قول شمس الدين محمّد (6) بن العفيف، وقد كنّى بأحد (7) الرّكنين عن الآخر، وهو [من مخلّع البسيط]:
يا ذا الذي صدّ عن محبّ ... فيه أذاب الغرام قلبه
ما لك في الهجر من دليل ... لكنّ هذا (8) علوّ (9) قبّه (10)
ولم يطالب هنا (11) بالتشويش لظرافته ولطفه (12).
انتهى الكلام على الجناس المصحّف (13)، وأمّا قولي:
* وحرّفوا وأتوا بالكلم في الكلم (14) * فهذا جناس التحريف، وهو ما اتّفق ركناه في أعداد (15) الحروف وترتيبها واختلفا في الحركات، سواء كانا من اسمين أو من (16) فعلين أو من اسم وفعل أو من غير ذلك، فإن القصد اختلاف الحركات كما تقرّر (17)، والمقدّم فيه، وهو الغاية التي لا
__________
(1) «في قصيدة» سقطت من ط وفي ب، د، و: «من قصيدة».
(2) في و: «تمنعوني صح» كتبت فوق «فلا».
(3) «وما هو إلّا فألهبا» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(4) الأبيات في ديوانه ص 34.
(5) في ب، د، ط، و: «وما أظرف».
(6) «محمّد» سقطت من ط.
(7) في ب: «أحد».
(8) في ب، د: «هذي».
(9) في و: «غلوّ».
(10) البيتان في ديوانه ص 70وفيه: «به» مكان «فيه».
(11) في ط: «فيه».
(12) في ط: «ولطالفته»!!
(13) في و: «المحرّف» مشطوبة، وفي هامشها: «المصحّف» صح.
(14) الشطر سبق تخريجه وصدره:
هل من يفي ويقي إن صحّفوا عذلي *
(15) في ط: «عدد».
(16) «من» سقطت من ط.
(17) في ب: «كما قد تقرّر».(1/444)
تدرك، قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ، فَانْظُرْ / كَيْفَ كََانَ عََاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} (1)، ولا يقال: إنّ اللفظين متّحدان في المعنى لأنّهما (2) من (3) الإنذار، فلا يكون بينهما تجنيس، فاختلاف المعنى ظاهر، إذ المراد بالأوّل الفاعلون وهم الرسل، وبالثاني المفعولون وهم الذين وقع عليهم (4) الإنذار، ومنه قوله (5)، (صلى الله عليه وسلم):
«أللهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي» (6). ومثله قولهم: جبّة البرد جنّة البرد.
ومثله قولهم: «رطب الرّطب ضرب من الضّرب» (7). ومثله (8) قول القاضي الفاضل:
«لا زالت الملوك ببابه وقوفا، والأقدار له سيوفا، والخلق في ديار (9) الدنيا له ضيوفا (10)، ودين دين الحقّ إذا جرّد (11) لتقاضيه سيوفا سيوفى» (12).
ومن النظم قول أبي تمّام [من الكامل]:
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة (13) ... من حائهنّ فإنّهنّ حمام (14)
وما أظرف (15) قول أبي العلاء المعرّي [من الطويل]:
لغيري زكاة من جمال فإن تكن ... زكاة جمال فاذكري ابن سبيل (16)
ومثله قول ابن الفارض (17) رحمه الله (18)، [من الكامل]:
__________
(1) في ب: «قوما». الصافات: 7372.
(2) في ط: «لكونهما» وفي ك: «لأنّهما» خ، وفي هامشها: «لكونهما» خ.
(3) في و: «في» مشطوبة، وفي هامشها «من» صح.
(4) في ك: «عليهم» خ، وفي هامشها: «بهم» خ.
(5) في ط: «وقول النبيّ».
(6) الحديث في الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 2، 98.
(7) الضرب: العسل، وقيل: عسل البرّ.
(اللسان 1/ 547 (ضرب)).
(8) في ط: «ومنه».
(9) في ب: «دار» وفي ط: «له في دار».
(10) في د: «صفوفا».
(11) في ط: «جرّدوا».
(12) «والخلق سيوفى» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(13) في د: «عياقة».
(14) البيت في ديوانه 2/ 75وتحرير التحبير ص 106.
والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها. (اللسان 9/ 261 (عيف)).
(15) في ط: «أحلى».
(16) البيت في سقط الزند ص 220ونفحات الأزهار ص 27.
(17) في ب: «الشيخ شرف الدين ابن الفارض عمر».
(18) في ب: «رضي الله عنه» وفي ط:
«رحمه الله تعالى».(1/445)
هلّا نهاك نهاك عن لوم امرئ ... لم يلف غير منعّم بشقاء (1)
ومثله قول الشيخ شرف الدين الأنصاريّ (2)، شيخ شيوخ حماة (3) المحروسة (4)، رحمه الله (5)، [من الوافر]:
لعيني كلّ يوم فيه عبره ... تصيّرني لأهل العشق عبره (6)
وغاص هو والقاضي الفاضل في هذا البحر، وأظهرا في (7) هذا الرويّ جواهر العقود، فمن قصيدة (8) شيخ الشيوخ [بحماة] (9) قوله (10) [من الوافر]:
إذا غفل الوشاة أسلت (11) دمعي ... فيغدو (12) مرسلا في وقت (13) فتره (14)
[منها] (15) [من الوافر]:
علامة شقوتي في الحبّ أنّي ... ثقلت عليك لا من طول عشره
سألزم باب خمّار الثّنايا ... ليطلق لي ولو في العمر سكره (16)
[أقول] (17): وظريف (18) هنا قول الشابّ الظريف شمس الدين (19) بن العفيف (20) من قصيدة، أوّلها (21) [من الخفيف]:
لا أجازي حبيب قلبي بظلمه ... أنا أحنى عليه من قلب (22) أمّه
__________
(1) البيت في ديوانه ص 119.
(2) «الشيخ الأنصاري» سقطت من ب وفي ط: «الشيخ عبد العزيز».
(3) في ب: «شيخ الشيوخ بحماة».
(4) «المحروسة» سقطت من ب، ط.
(5) «رحمه الله» سقطت من ب، ط، وو في د: «رحمه الله تعالى».
(6) في د: «عبره». والبيت في ديوانه ص 236ونفحات الأزهار ص 27.
(7) في ط: «وأظهروا من».
(8) في ب، ط: «قصيد».
(9) من ط.
(10) «قوله» سقطت من ط.
(11) في ط: «بعثت».
(12) في ط: «فيفدو».
(13) في ط: «من غير».
(14) البيت في ديوانه ص 236.
(15) من ب، د، و.
(16) البيتان في ديوانه ص 237236.
(17) من ب.
(18) في د: «فطريف».
(19) بعدها في د، ط، و: «محمد».
(20) في ب: «ابن الشيخ العفيف» مكان «شمس الدين بن العفيف».
(21) «أولها» سقطت من ط.
(22) في ب: «بطن»، وفي هامشها: «قلب».
جوره مثل عدله عند من يه ... واه مثلي وظلمه مثل ظلمه (1)
وما أظرف [هنا] (2) قول الصاحب بهاء الدين زهير من غراميّاته في هذا النوع [من المتقارب]:(1/446)
__________
(22) في ب: «بطن»، وفي هامشها: «قلب».
جوره مثل عدله عند من يه ... واه مثلي وظلمه مثل ظلمه (1)
وما أظرف [هنا] (2) قول الصاحب بهاء الدين زهير من غراميّاته في هذا النوع [من المتقارب]:
زها ورد خدّيك لكنّه ... بغير النّواظر لم يقطف
وقد زعموا أنّه مضعف ... وما علموا (3) أنّه مضعفي (4)
وأورد الشيخ الإمام العلّامة (5) كمال الدين الدميريّ، تغمّده الله برحمته (6)، في كتابه المسمّى ب «حياة الحيوان»، عندما انتهى إلى ذكر المها (7)، أبياتا تعجبني في هذا الباب (8)، أوّلها تامّ وآخرها مطرّف، وباقي الأبيات تحريفها تمتزج (9) حلاوته (10) بالأذواق (11)
المعتدلة، [والأبيات لجميل بثينة] (12)، وهي (13) [قوله] (14) [من الطويل]:
خليليّ إن قالت بثينة ما له ... أتانا (15) بلا وعد فقولا لها لها
أتى (16) وهو مشغول لعظم الذي به ... ومن بات طول الليل يرعى السّها سها
بثينة تزري بالغزالة في الضحى ... إذا برزت لم يبق (17) يوما بها بها
لها مقلة كحلاء نجلاء خلقة ... كأنّ أباها الظبي (18) أو أمّها مها (19)
(1) البيتان في ديوانه ص 386.
والظّلم: الماء الذي يجري ويظهر على الأسنان من صفاء اللون لا من الرّيق، حتى يتخيل لك فيه سواد من شدّة البريق والصفاء. (اللسان 12/ 379 (ظلم)).
(2) من د.
(3) في د: «أعلموا».
(4) البيتان في ديوانه ص 211ونفحات الأزهار ص 27.
(5) «الإمام العلامة» سقطت من ب، ط.
(6) سقطت من ب، ط وفي د: «تغمده الله تعالى برحمته».
(7) في ب: «البهاء زهير» مكان «المها».
(8) في و: «النوع».
(9) في ب: «يمتزج» وفي و: «يمزج»، وفي تعقيب آخر الصفحة: «تمتزج».
(10) «حلاوته» سقطت من ب وفي ك:
«حلاوته» كتبت فوق «تمتزج».
(11) في ط: «بالأذواق حلاوته».
(12) من ط.
(13) «وهي» سقطت من ط.
(14) من ب.
(15) في ب: «أتابا».
(16) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«أني».
(17) في ط: «لم تبق».
(18) في د: «الظّبي».
(19) في د: «المها».
[دهتني بودّ قاتل وهو متلفي ... وكم قتلت بالودّ من ودّها دها] (1)
ويعجبني قول من قال: [إنّ] (2) الصديق الصّدوق أوّل العقد وواسطة العقد.(1/447)
__________
(19) في د: «المها».
[دهتني بودّ قاتل وهو متلفي ... وكم قتلت بالودّ من ودّها دها] (1)
ويعجبني قول من قال: [إنّ] (2) الصديق الصّدوق أوّل العقد وواسطة العقد.
ومثله قولهم: البدعة شرك الشّرك.
وما أحلى قول الشيخ جمال الدين (3) بن نباتة (4)، رحمه الله تعالى (5)، في هذا الباب (6) [من الوافر]:
قوامك تحت شعرك يا أمامه ... غدا لك حاملا علم الإمامه (7)
ونظمت في هذا النوع بيتين ما يدخل من هذا الباب إلى (8) أحسن منهما (9)، مع (10) زيادة التورية، وهي (11) [من الطويل]:
ولمّا أراني الشّعر وهو مذيّل ... وجانب ذاك الصّدغ وهو مطرّف
بدا بخمار من خمار (12) بريقه ... فقلت لهم هذا الجناس المحرّف (13)
انتهى الكلام على الجناس المصحّف والمحرّف.
وبيت الشيخ صفيّ الدين (14) الحليّ (15) فيهما (16):
(1) «دهتني دها» من ط. والأبيات في ديوانه ص 215214وفيه: «طول الليل» ساقطة و «لم تبق» مكان «لم يبق» وفي حياة الحيوان 2/ 330وفيه:
«سها» مكان «أتى» و «لم تبق» و «نجلاء كحلاء».
(2) من ط.
(3) «الشيخ جمال الدين» سقطت من ط وفي ب: «الشيخ».
(4) في ب: «النباتي».
(5) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط و «تعالى» سقطت من و.
(6) «في هذا الباب» سقطت من ط.
(7) البيت في ديوانه ص 450وفيه:
«لحسنك حامل» مكان «غدا لك حاملا».
(8) في و: «إلا».
(9) في د: «منها» «ونظمت منهما» سقطت من ط.
(10) في ط: «ولي مع».
(11) في ب: «وهما».
(12) في هامش ب: «قوله: «بخمار من خمار» كلاهما بالكسر، فلا تحريف».
(حاشية).
(13) في ك: «المردّف»، وفي هامشها:
«المحرّف» ص خ. والبيتان في ديوانه ورقة 78ب.
والخمار: ما تغطّي به المرأة رأسها والخمار: بقيّة السّكر. (اللسان 4/ 255، 257 (خمر)).
(14) «صفي الدين» سقطت من ب.
(15) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(16) «فيهما» سقطت من ط.(1/448)
من لي بكلّ غرير من ظبائهم ... غزير حسن يداوي الكلم بالكلم (1)
وبيت الشيخ عزّ الدين (2) الموصليّ [الحنبليّ] (3)، رحمه الله تعالى (4)
[فيهما] (5):
هل من تقيّ نقيّ حين (6) صحّف لي ... محرّف القول زان الحكم بالحكم (7)
أمّا التصحيف والتحريف في هذا البيت فظاهران، وأمّا المعنى فالسّريرة عند الله تعالى (8).
وبيتي [في هذا النوع هو] (9): /
هل من يفي ويقي إن صحّفوا عذلي ... وحرّفوا وأتوا بالكلم في الكلم (10)
__________
(1) البيت في ديوانه ص 686ونفحات الأزهار ص 29، 36وشرح الكافية البديعية ص 65وفيه: «عزيز» مكان «غزير».
(2) «عز الدين» سقطت من ب.
(3) من ط.
(4) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(5) من ب.
(6) «حين» سقطت من ب وفي هامشها:
«كذا»
(7) البيت في نفحات الأزهار ص 29، 36.
(8) «تعالى» سقطت من ط وفي ب:
«سبحانه وتعالى».
(9) من ب.
(10) بعدها في و: «انتهى». والبيت سبق تخريجه.(1/449)
الجناس (17) اللفظيّ والمقلوب (18)
7 - قد فاض دمعي وفاظ القلب إذ سمعا ... لفظيّ عذل (1) ملا الأسماع بالألم (2)
وأمّا (3) اللفظيّ فهو النوع الذي إذا تماثل ركناه وتجانسا خطّا خالف (4) أحدهما الآخر بإبدال حرف [منه] (5) فيه مناسبة لفظيّة، كما يكتب (6) بالضاد والظاء، وشاهده في البيت قولي (7) «فاض» و «فاظ»، فإن الأوّل من «فيض (8) الماء» والثاني من «التلف».
وجاء من (9) هذا النوع في (10) القرآن العظيم (11) [قوله، سبحانه وتعالى] (12):
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ (22) إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} (23) (13)، فالأوّل من النضارة، والثاني من النظر وألحقوا به ما يكتب بالهاء والتاء كقولهم: «جبلت القلوب على معاداة المعادات» (14) وقيل [فيه] (15): إنّه (16) حديث. أو بالنون والتنوين كقول
__________
(17) «الجناس» سقطت من د، ك، وو ثبتت في هـ ك.
(18) في د: «المقلوب، اللفظي».
(1) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«لفظي عذول».
(2) البيت في ديوانه ورقة 3ب وفيه:
«عذلي» ونفحات الأزهار ص 26، 29.
(3) في ط: «أمّا».
(4) في د: «وخالف».
(5) من ط.
(6) في ب: «تكتب».
(7) في ط: «قولي في البيت».
(8) في و: «فيظ».
(9) في ط: «في».
(10) في ط: «من».
(11) في ب: «الكريم».
(12) من ب.
(13) القيامة: 2322.
(14) في هذا المثل إشارة إلى قول أبي الفتح البستي من البسيط:
فلا تعيدنّ حديثا إنّ طبعهم
موكّل بمعاداة المعادات
[البداية والنهاية 11/ 345وشذرات الذهب 3/ 159].
(15) من ب.
(16) في ط: «هو».(1/450)
[القاضي] (1) الأرّجانيّ [من الوافر]:
وبيض الهند من وجدي هواز ... بإحدى البيض من عليا هوازن (2)
أو بالألف والنون كقول الشاعر، وهو شمس الدين (3) بن العفيف (4)
التلمسانيّ (5)، رحمه الله تعالى (6)، [من الرجز]:
أحسن (7) خلق الله وجها (8) وفما ... إن لم يكن أحقّ بالحسن فمن (9)
ولم ينظم هذا النوع غير الشيخ صفيّ الدين (10) الحليّ، وهو قليل جدّا، وأصعب مسالكه تركيبه (11) بالضاد والظاء، لأجل إبدال (12) الحرف (13) الذي فيه المناسبة اللفظية.
وقد تقدّم قولي إنّ الشيخ (14) شمس الدين بن الصائغ أورد (15) في شرحه المسمّى ب «الرّقم على البردة» (16)، شيئا من محاسن الزجل على [هذا] (17) النوع (18)
البديعيّ (19) الذي أطلق عنان القلم في الكلام عليه، والزجل فنّ يتمكن الناظم فيه من
__________
(1) من ب.
(2) البيت لم أقع عليه في ديوانه ولا في ما عدت إليه من مصادر.
هواز: هوازئ، ج هازئة أو هازئ وهوازن: قبيلة من قيس، وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. (اللسان 13/ 436 (هزن)).
(3) «وهو شمس الدين» سقطت من ط.
(4) في ب: «الشاب الظريف بن الشيخ العفيف» مكان «الشاعر العفيف».
(5) «التلمساني» سقطت من ب، ط.
(6) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط، وو «تعالى» سقطت من د.
(7) في د: «أعذب».
(8) في د: «ثغرا».
(9) الرجز في ديوانه ص 339وبلا نسبة في نفحات الأزهار ص 28وفيه:
أعذب خلق الله نطقا وفما *
(10) «صفي الدين» سقطت من ب وفي ط:
«الصفيّ» مكان «الشيخ صفي الدين».
(11) «تركيبه» سقطت من ب.
(12) «إبدال» سقطت من د، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(13) في د: «الحروف».
(14) في ط: «قول الشيخ».
(15) في ط: «إنه أورد».
(16) في د، و: «الذي سمّاه «الرقم على البردة» وفي ط: الذي سمّاه «رقم البردة».
(17) من ط.
(18) «وقد تقدم على هذا النوع» سقطت من ب.
(19) في ب: «والبديعيّ».(1/451)
المعاني لجولانه في ميادين (1) الأغصان والخرجات، وهو لا يحسن رسمه في الكتابة إلّا من عرف اصطلاحه، وكان الشيخ العلّامة (2) علاء الدين (3) بن مقاتل الحمويّ، رحمه الله تعالى (4)، إذا ذكر الزجل كان ابن بجدته وأبا عذرته (5)، وممّن سلّمت إليه (6) مقاليد هذا الفنّ.
وأورد الشيخ صلاح الدين (7) الصفديّ له نبذة من غرر أزجاله في تذكرته وتاريخه، وشهرته (8) تغني عن الإكثار في ترجمته، وله (9) في الجناس اللفظيّ زجل [غريب] (10) جانسه بالظاء والضاد (11) لم يسبق إليه، ومطلعه (12) [قوله] (13) [من الزجل]:
إنّ مع معشوقي (14) جفون ولحاظ (15) ... لو رآهم عابد لهام ولحاض (16)
ومع انّو من سحر عينيه إذا ... حفّظوا باب أنساه صلاتو أدا
إنّ ماعو عيون فواتر حور (17) ... تحو (18) ولدانها فواتر (19) جفون
كيف لا يفتن عشاق (20) ذاك الفتور ... وعلى خدّو (21) شامه نقطة (22) فتون (23)
__________
(1) في ب: «ميدان».
(2) «العلامة» سقطت من ط وفي ب:
«الحاج» مكان «الشيخ العلامة».
(3) في ب: «عليّ».
(4) «الحموي رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(5) في ك: «ابن بخدته وأبا عدرته» وفي د:
«عذرته» مكان «عذرته».
(6) في و: «له».
(7) في ب: «وأورد الصلاح».
(8) «وشهرته» سقطت من ط.
(9) «له نبذة في ترجمته وله» سقطت من ك، وثبتت في هامشها.
(10) من ب.
(11) في ب: «بالضاد والظاء».
(12) في ب: «ومطلع الزجل المذكور هو».
(13) من ط.
(14) في ب: «معشقي».
(15) في ب: «والحاظ».
(16) في ط: «وحاض».
(17) في د: «جور».
(18) في ب: «تحوي» وفي ط: «نحو».
(19) في ط: «بواتر».
(20) في ط: «عشاقو».
(21) في ط: «خدّه».
(22) في ط: «بنقطة».
(23) في د: «فتون» وفي ط: «فنون» وفي هامش د: «لعلّه: «في تون»، فليتأمل». (حاشية).
من نظرهم نظره بقي مسحور ... وكيف انّو ما ينسحر من عيون
تعتقدهم (1) رقود وهم أيقاظ ... وجفون كل جفن سيف (2) أي قاض (3)
يقضي فيمن بسرّو باح وهذى ... حكمة (4) ممّن أضل ناس وهدى
حضرتي لما ان تغيب (5) عنّي ... في غيابو يا ماذا تحفظ (6) فصول
حتى انّو يصير (7) قريب منّي ... ولو انّى نكون (8) في ميدان نجول (9)
ايش (10) تضيق الدنيا علي ذهني ... ولا نعرف (11) ايش (12) كان (13) نريد لو نقول (14)
وايش (15) ما قد حفظت (16) من الفاظ (17) ... وتضيق (18) بي (19) رحب المكان الفاض
ولا نطلب (20) يومي شراب (21) وغذا ... وابق (22) سكران طول ليلتي وغدا
يا نسيم السحر على حبي ... بثّ (23) من (24) طيب السّلام كلّو
لله (25) وأوصيه بالعاشق (26) المسبي ... قلبي (27) ذاك الذي الف ظلّوا (28)
وان تيسر لك أن ترى (29) قلبي ... وسأل (30) عن جسمي الضعيف قل لو (31)(1/452)
__________
(23) في د: «فتون» وفي ط: «فنون» وفي هامش د: «لعلّه: «في تون»، فليتأمل». (حاشية).
من نظرهم نظره بقي مسحور ... وكيف انّو ما ينسحر من عيون
تعتقدهم (1) رقود وهم أيقاظ ... وجفون كل جفن سيف (2) أي قاض (3)
يقضي فيمن بسرّو باح وهذى ... حكمة (4) ممّن أضل ناس وهدى
حضرتي لما ان تغيب (5) عنّي ... في غيابو يا ماذا تحفظ (6) فصول
حتى انّو يصير (7) قريب منّي ... ولو انّى نكون (8) في ميدان نجول (9)
ايش (10) تضيق الدنيا علي ذهني ... ولا نعرف (11) ايش (12) كان (13) نريد لو نقول (14)
وايش (15) ما قد حفظت (16) من الفاظ (17) ... وتضيق (18) بي (19) رحب المكان الفاض
ولا نطلب (20) يومي شراب (21) وغذا ... وابق (22) سكران طول ليلتي وغدا
يا نسيم السحر على حبي ... بثّ (23) من (24) طيب السّلام كلّو
لله (25) وأوصيه بالعاشق (26) المسبي ... قلبي (27) ذاك الذي الف ظلّوا (28)
وان تيسر لك أن ترى (29) قلبي ... وسأل (30) عن جسمي الضعيف قل لو (31)
(1) في ب، ط: «يعتقدهم».
(2) «سيف» سقطت من ب وفي ط: «بسيف».
(3) في ب: «أيقاض» وفي و: «أيقاظ».
(4) في ب: «حكم».
(5) في ط: «يغيب».
(6) في ب: «يا ماذا يحفظ» وفي ط: «ياما بتحفظ».
(7) «يصير» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(8) في ط: «انّو يكون».
(9) في ط: «يجول».
(10) في ب: «آش».
(11) في ط: «يدري».
(12) في ب: «آش».
(13) في ك: «كان» كتبت فوق «ايش».
(14) في ط، و: «يريد لو يقول».
(15) في ب، ط، و: «وانس».
(16) في ط: «حفظتو».
(17) في ط: «الألفاظ».
(18) في ب، د، ط، و: «ويضيق».
(19) في و: «في».
(20) في ط: «اطلب».
(21) في و: «شراب م يومي م».
(22) في ط: «فابق».
(23) في د: «بتّ».
(24) في ب، د، ط، و: «منّي».
(25) في ب: «بالله».
(26) في و: «للعاشق».
(27) في ط: «وبقلبي».
(28) في ط: «استلّو».
(29) في د: «يرى».
(30) في ط: «وإن يسل».
(31) في ط: «قلّو» وفي هـ و: «قل لوا».(1/453)
انتحل (1) من (2) بعدك إلى أن فاظ ... واغتسل من ماء (3) [من] (4) عيونو فاض
وعلى حذو (5) الدار (6) حين (7) قد حذا (8) ... وفي بابو (9) حادي المنيّا (10) حدا
اذكر انّي في عتبو (11) وحد (12) النهار (13) ... غصبوا (14) حتى وقف على ما جرا
وبقي هو يحمار (15) ونانصفار (16) ... ونوادر منّو ومنّي (17) ترا
فلا تعجب من خدّو كيف يحمار ... فوقو ورد الخجل (18) وتحتو جرا
ماء الحيا في وجناتو لمّا انغاظ ... ونشف ماء لوني (19) إلى أن غاض
وما ينكر (20) حالي وحالو فذا ... سرّ فيه (21) ممّن أنا لو فدا (22)
انتهى (23).
ونظمت [في] (24) هذا النوع الغريب (25) تورية، فجاءت في غاية الحسن، ولم أسبق إليها إلّا من الشابّ الظريف محمّد بن العفيف (26) بقوله (27) [من الكامل]:
عبتم من المحبوب حمرة شعره ... وأظنّكم بدليله (28) لم (29) تشعروا
__________
(1) في ط: «انو نحيل».
(2) «من» سقطت من ب.
(3) في ط: «ممّا».
(4) من ب، د، ط، و.
(5) في و: «حدو».
(6) في ب: «الديار».
(7) في د، ط، و: «جين».
(8) في و: «حدا».
(9) في ط: «نابو».
(10) في ب، ط: «المنايا».
(11) في ب: «غيبتو».
(12) في ط: «وخدّ».
(13) في ط: «البهار».
(14) في ب، د: «غظتو» وفي ط، و: «عصتو».
(15) في ط: «يحمر».
(16) في ط: «بصفار».
(17) في ط: «منّي ومنّو».
(18) في ط: «الخدود».
(19) في ب: «لواني».
(20) في ب: «ننكر».
(21) في هامش ب: «لعل سقط منها «بان»، فليتأمل». (حاشية).
(22) القصيدة لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(23) «انتهى» سقطت من ط.
(24) من ط.
(25) بعدها في و: «في» مشطوبة.
(26) «محمد بن العفيف» سقطت من ب.
(27) «بقوله» سقطت من ب وفي ط:
«كقوله».
(28) في ب: «بدليكم» لعلّها: «بدليلكم».
(29) في ب: «لا».
لا تنكروا ما احمرّ منه فإنّه ... بدماء أرباب الغرام مظفّر (1)
وهو (2) قولي (3) [من الكامل]:(1/454)
__________
(29) في ب: «لا».
لا تنكروا ما احمرّ منه فإنّه ... بدماء أرباب الغرام مظفّر (1)
وهو (2) قولي (3) [من الكامل]:
خاطرت في عشقي له يا (4) مهجتي (5) ... لا تشغلي قلبي الحزين (6) وخاطري
فالطرف شاهد منه ناظر (7) قدّه ... وغدا (8) يهيم بكلّ غصن ناضر (9)
ومثله (10) قولي (11) [من السريع]:
مرج حماة قد (12) بنوا غيره (13) ... زاد على المقياس في روضته
واغتاظ نمّور (14) دمشق لذا (15) ... فقلت لا أفكر في غيضته (16)
ومثله (17) قولي (18) [من مخلّع البسيط]:
حضّيت (19) عزمي إليك شوقا (20) ... فلم أطق مكثة بأرض
(1) في د، ط، و: «مضفّر». والبيتان في ديوانه ص 156وفيه: «عابوا» مكان «عبتم»، و «أظنّهم»، «لم يشعروا» «مضفّر».
(2) «هو» سقطت من ط.
(3) في ب: «وقلت» مكان «وهو قولي».
(4) «يا» سقطت من ب.
(5) في و: «خاطري» مشطوبة، وفي هامشها «مهجتي» صح.
(6) في ب: «عليه».
(7) في ب، د، ط، و: «ناضر».
(8) في ط: «فغدا».
(9) في ب: «ناظري» وفي و: «ناضري».
والبيتان في ديوانه ورقة 30ب وفيه:
و «غدا» و «ناظري».
(10) «مثله» سقطت من ط.
(11) في ب: «وقلت في المعنى» مكان «ومثله قولي».
(12) «قد» سقطت من ط، ك وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «ص».
(13) في ب، د، و: «بنواعيره».
(14) في ط: «نمرود».
(15) في ط: «له».
(16) في ب، و: «في غيظته». والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
والنمّور: من «تنمّر»: عبّس وتنكّر غضبان. (اللسان 5/ 235 (نمر)) والغيضة: الأجمة. (اللسان 7/ 202 (غيض)).
(17) «مثله» سقطت من ط.
(18) في ب: «وقلت في المعنى» مكان «ومثله قولي».
(19) في و: «خضّيت».
(20) في كلّ النسخ: «شوقا إليكم» وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «إليك شوقا»، وهذا أصلح للوزن.
وجئت (1) لم أحظ بالتلاقي ... وغايتي (2) أن ألوم حضّي (3)
انتهى الكلام على الجناس اللفظيّ. وأمّا الجناس المقلوب، وسمّاه قوم ب «جناس (4) العكس»، فهو (5) الذي يشتمل كلّ واحد من ركنيه على حروف الآخر من غير زيادة ولا نقص، ويخالف أحدهما الآخر في الترتيب، كقوله تعالى (6) حكاية عن هارون، عليه الصلاة والسلام (7): {خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرََائِيلَ} (8) ومنه قول النبيّ، (صلى الله عليه وسلم): «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة (9): اقرأ وارقأ» (10). وما ألطف ما أشار الصاحب بن عباد إلى الجناس المقلوب بقوله لأبي العباس [بن] (11) الحارث في يوم قيظ في القيظ (12)، وقد طلب مروحة (13) الخيش، ما يقول الشيخ في قلبه؟(1/455)
__________
(20) في كلّ النسخ: «شوقا إليكم» وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «إليك شوقا»، وهذا أصلح للوزن.
وجئت (1) لم أحظ بالتلاقي ... وغايتي (2) أن ألوم حضّي (3)
انتهى الكلام على الجناس اللفظيّ. وأمّا الجناس المقلوب، وسمّاه قوم ب «جناس (4) العكس»، فهو (5) الذي يشتمل كلّ واحد من ركنيه على حروف الآخر من غير زيادة ولا نقص، ويخالف أحدهما الآخر في الترتيب، كقوله تعالى (6) حكاية عن هارون، عليه الصلاة والسلام (7): {خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرََائِيلَ} (8) ومنه قول النبيّ، (صلى الله عليه وسلم): «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة (9): اقرأ وارقأ» (10). وما ألطف ما أشار الصاحب بن عباد إلى الجناس المقلوب بقوله لأبي العباس [بن] (11) الحارث في يوم قيظ في القيظ (12)، وقد طلب مروحة (13) الخيش، ما يقول الشيخ في قلبه؟
يعني «الخيش» ومروحة الخيش أحدثها بنو العباس وذكرها الحريريّ في المقامات:
وقال: اسمعوا وقّيتم الطيش، وأنشد ملغزا (14) في مروحة الخيش [من الطويل]:
وجارية في سيرها مشمعلّة ... ولكن على إثر المسير قفولها
لها سائق من جنسها يستحثّها ... على أنّه في الإحتثاث (15) رسيلها
ترى في أوان القيظ تنطف بالندى ... ويبدو إذا ولّى المصيف قحولها (16)
(1) في ب، د، ط: «وحيث».
(2) في ط: «فغايتي».
(3) في و: «حضّي»، وفوق الضاد «ظ».
والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(4) في ب، د، ط، و: «جناس» مكان «بجناس».
(5) في ط: «وهو».
(6) في ب: «سبحانه».
(7) سقطت من ط، وو في ب: «على نبيّنا وعليه السلام».
(8) طه: 94.
(9) «يوم القيامة» سقطت من د.
(10) الحديث في موارد الظمآن للهيثميّ ص 1790وإتحاف السادة المتقين للزبيدي 3/ 153والدرّ المنثور للسيوطيّ 6/ 277وفيها: «وارق» مكان «وارقأ».
(11) من ط.
(12) «في القيظ» سقطت من ب، د، ط، و.
(13) في د: «مروحة» وفي ك: «مروحة» (* ح).
(14) في ط: «لغزا».
(15) في ب: «الاجتناب».
(16) في ب: «محولها» وفي د: «فحولها» والأبيات في مقاماته ص 361.
ومشمعلّة: سريعة نشيطة. (اللسان 11/ 372 (شمعل)) وتنطف: تقطر بالماء.
(اللسان 9/ 336 (نطف)).(1/456)
وكان سبب (1) حدوث هذه المروحة أنّ هارون الرشيد دخل يوما على أخته عليّة بنت المهديّ في يوم قيظ (2)، فألفاها قد (3) صبغت ثيابا (4) من زعفران وصندل، ونشرتها على الحبال لتجفّ، فجلس هارون (5) قريبا من الثياب المنشورة، فصارت الريح تمرّ على الثياب، فتحمل منها ريحا بليلة عطرة، فوجد لذلك راحة من الحرّ واستطابه، فأمر (6) أن يصنع له مثل (7) ذلك. وقال ابن الشريشيّ في شرح المقامات:
هذه (8) المروحة شبيهة (9) الشراع للسّفينة، تعلّق في السقف (10)، ويشدّ بها حبل، وتبلّ بالماء وترشّ بماء الورد (11)، فإذا أراد الرجل في القائلة أن ينام جذبها بحبلها، فتذهب بطول البيت وتجيء، فتهبّ (12) على الرجل (13) منها نسيم بارد طيّب (14).
انتهى كلام ابن الشّريشيّ (15).
رجع إلى الجناس المقلوب (16) ومن الإشارات اللطيفة إليه في النظم قول الشاعر (17) [من الطويل]:
حكاني بهار الروض حين ألفته ... وكلّ مشوق للبهار مصاحب
فقلت له: ما بال لونك شاحبا ... فقال: لأنّي حين أقلب راهب (18)
و «راهب» قلب «بهار» على الترتيب (19).
__________
(1) في ط: «السبب في».
(2) في ب: «قائظ».
(3) في ط: «وقد».
(4) في ط: «ثيابها».
(5) في و: «هارون الرشيد».
(6) في ط: «وأمر».
(7) في ب، د، و: «له في مثل».
(8) في ط: «وهذه».
(9) في ط: «شبه».
(10) في ط: «بالسقف».
(11) في ط: «بالماورد».
(12) في ب، ط: «فيهبّ».
(13) في ط: «النائم».
(14) في ب، د، ط، و: «رطب».
(15) في ط: «كلامه».
(16) «رجع إلى الجناس المقلوب» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(17) في ط: «فمنه قول بعضهم» مكان «ومن الإشارات الشاعر».
(18) البيتان في نفحات الأزهار ص 24.
والبهار: نبت طيّب الريح، له فقّاحة صفراء ينبت أيام الربيع، يقال لها العرارة.
(اللسان 4/ 84 (بهر)).
(19) «وراهب الترتيب» سقطت من د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».(1/457)
وما أحلى قول شمس الدين محمّد (1) بن العفيف (2) هنا (3) مع زيادة التورية [وهو] (4) [من السريع]:
أسكرني باللفظ والمقلة ال ... كحلاء والوجنة والكاس
ساق يريني قلبه قسوة ... وكلّ ساق قلبه قاسي (5)
وبديع هنا قول الشيخ جمال الدين بن نباتة (6)، رحمه الله، (7) في الأمير شجاع الدين بهرام [من مجزوء الخفيف]:
فيك (8) كلّ القلوب من ... رهب الحبّ (9) تضطرب
قلت هذا تخرّص (10) ... قلب بهرام ما رهب (11)
وبيت عبد الله بن رواحة [الصحابيّ، رضي الله تعالى عنه] (12)، غاية في هذا النوع، وقيل إنّه (13) أمدح بيت قالته العرب، فإنّه من جملة مديح النبيّ، (صلى الله عليه وسلّم) (14)، وهو [قوله] (15) [من البسيط]:
تحمله الناقة (16) الأدماء معتجرا ... بالبرد كالبدر جلّى نوره الظّلما (17)
وما أحلى قول القائل [من الطويل]:
__________
(1) «شمس الدين محمد» سقطت من ط وفي ب: «الشاب الظريف».
(2) «بن العفيف» سقطت من ب.
(3) «هنا» سقطت من ط.
(4) من ب.
(5) في ب، ط: «قاس». والبيتان في ديوانه ص 186وفيه: «الكحلاء» ونفحات الأزهار ص 24.
(6) في ب: «النباتي» مكان «جمال الدين بن نباتة».
(7) سقطت من ب، ط، وو في د: «رحمه الله تعالى».
(8) في ب، د، ط، هـ و: «قيل».
(9) في ب، ط، هـ و: «الحرب».
(10) في ب: «تحكّم» وفي د: «تحرّص» وفي ك، و: «تحرّض».
(11) «وبديع هنا ما رهب» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه وهما له في نفحات الأزهار ص 24.
وفي هامش و: «في النسخة المقابل عليها: «قلب هارون». (حاشية).
(12) من ب.
(13) «إنه» سقطت من ط.
(14) في ب: «وشرّف وكرّم».
(15) من ط.
(16) في ط: «ناقته».
(17) البيت لم أقع عليه في ديوانه.(1/458)
وألفيتهم يستعرضون حوائجا ... إليهم ولو كانت عليهم جوائحا (1)
ومثله قول القائل (2) [من الخفيف]:
إنّ بين الضلوع منّي نارا ... تتلظّى فكيف لي أن أطيقا
فبحقّي عليك يا من سقاني ... أرحيقا سقيتني أم حريقا (3)
ومن الغايات في هذا الباب قول القائل (4) [من الرمل]:
لبق أقبل فيه هيف ... كلّ ما (5) أملك إن غنّى هبه (6)
فهذا البيت، كلّ كلمة منه، بانضمامها إلى أختها، تجانسها في القلب، وأعلى منه رتبة قول سيف الدين بن (7) المشد [من مجزوء الكامل]:
ليل أضاء هلاله ... أنّى يضيء بكوكب (8)
وهذا البيت، كلّ كلمة منه تقرأ مستوية ومقلوبة، / وهو نوع (9) ممّا لا يستحيل بالانعكاس كقولك (10): «ساكب كاس»، وهذا النوع يأتي الكلام عليه في موضعه، لأن المراد هنا جناس (11) القلب.
وللشيخ علاء الدين [عليّ] (12) بن مقاتل الحمويّ (13) أيضا في هذا النوع زجل (14) سارت به الركبان، أنشده المصنّف بالحضرة الشريفة المؤيّديّة، بحماة المحروسة (15)، والشيخ صفيّ الدين (16) الحليّ (17) والشيخ جمال الدين بن نباتة (18)
__________
(1) في و: «جوانحا». والبيت في نفحات الأزهار ص 25.
والجوائح: الشديدة أو الشدائد. (اللسان 2/ 431 (جوح)).
(2) «قول القائل» سقطت من ط وفي ب:
«وقول القائل مثله».
(3) البيتان في نفحات الأزهار ص 25.
(4) في ب: «وقول الآخر من الغايات في هذا الباب».
(5) في ب، د، ط، ك: «كلّما».
(6) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(7) «بن» سقطت من ب، د، و.
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(9) «نوع» سقطت من ط.
(10) في ط: «كقول الحريري».
(11) في ب: «أجناس».
(12) من ب.
(13) في ب: «الفخريّ».
(14) في ط: «زجل في هذا النوع».
(15) في ط: «في حماة بحضرة الملك المؤيّد».
(16) «صفي الدين» سقطت من ب.
(17) «الحلي» سقطت من ب.
(18) في ب: «النباتيّ» مكان: «جمال الدين بن نباتة».(1/459)
حاضران (1)، فوقع في المجلس شيء أقوله (2) إذا استوعبت الزّجل كتابة، وأوّله (3)
[يقول فيه] (4):
قلبي يحب (5) تيّاه ليس يعشق (6) إلّا إيّاه ... فازمن وقف وحيّاه يرصد على محيّاه
بدر السما ويطبع (7) ... من رام وصالو يعطب
صغير نحير (8) في أمرو غزال قهر بشمرو (9) ... ليث الهوى ونمرو فاعجب لصغر عمرو
ريم ابن عشر وأربع ... أردى الأسود وأرعب
أذكر نهار تبعتو وروحي كنت بعتو ... خيّب (10) ما فيه طمعتو (11) وقال (12) وقد سمعتو
إرجع ولي (13) لا (14) تتبع ... نخشى (15) عليك لا تتعب
كم قدّامو (16) وخلفو مشيت مطيع لخلفو ... ورمت (17) لثم كفّو قال دع مناك وكفّو
فإنّ لثم إصبع ... من الثّريّا أصعب
ما زلت لو نداري حتّى حصل في داري ... ناديت ودمعي جاري آش (18) لو تكون (19) يا جاري
تدعني (20) من فيك أشبع ... قال آش (21) يكن (22) لك أشعب
__________
(1) «حاضران» سقطت من ط.
(2) «أقوله» سقطت من ط.
(3) في ط: «علمته».
(4) من ب.
(5) في ك: «بحب».
(6) في ب، د: «نعشق».
(7) في ط: «لو يطبع».
(8) في ط: «يجير».
(9) في ط: «بسمرو».
(10) في ط: «وخيّب».
(11) «خيب ما فيه طمعتو» سقطت من ب.
(12) في ط: «فقال».
(13) «لي» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «ولا».
(14) في ط: «لي».
(15) في ط: «اخشى».
(16) في د، ك، و: «قدّموا».
(17) في ب، و: «وردت».
(18) في ط، و: «أيش».
(19) في ب: «لو يكون» وفي ط: «كان يصيب».
(20) في ط: «لو كنت».
(21) في ط، و: «أيش».
(22) في ب، د، و: «يكون».
من جاز (1) في حسنو (2) حدّو (3) لحظو لقتل (4) حدّو (5) ... وورد خد (6) ندّو (7) ما في الرياض شي ندّو
روض بالحيا (8) مبرقع ... عليه سياج (9) معقرب
من في الجمال فريدو للصّبّ من وريدو ... يذبح وهو يريدو (10) وكم ذا (11) شيخ مريدو
[خلاه دموعو يبلع ... وهو بعقلو يلعب
كم خصم في المقاتل صابو ابن (12) مقاتل ... وكم ذا في المحافل قد أنشا لو جحافل] (13)
من كل بيت في (14) مربع (15) ... ملحون بألف معرب (16)
والشيء اللطيف الذي وقع في المجلس المشار إليه ووعدت بذكره: [ذكروا] (17)
أنّ الشيخ علاء الدين ابن مقاتل، رحمه الله (18)، لمّا وصل إلى قوله «ملحون بألف معرب»، صار الشيخ جمال الدين بن نباتة (19)، رحمه الله (20)، ينظر إلى الشيخ علاء الدّين (21) بن مقاتل ويشير إلى الشيخ صفيّ الدين (22) ويقول: «ملحون بألف (23)(1/460)
__________
(22) في ب، د، و: «يكون».
من جاز (1) في حسنو (2) حدّو (3) لحظو لقتل (4) حدّو (5) ... وورد خد (6) ندّو (7) ما في الرياض شي ندّو
روض بالحيا (8) مبرقع ... عليه سياج (9) معقرب
من في الجمال فريدو للصّبّ من وريدو ... يذبح وهو يريدو (10) وكم ذا (11) شيخ مريدو
[خلاه دموعو يبلع ... وهو بعقلو يلعب
كم خصم في المقاتل صابو ابن (12) مقاتل ... وكم ذا في المحافل قد أنشا لو جحافل] (13)
من كل بيت في (14) مربع (15) ... ملحون بألف معرب (16)
والشيء اللطيف الذي وقع في المجلس المشار إليه ووعدت بذكره: [ذكروا] (17)
أنّ الشيخ علاء الدين ابن مقاتل، رحمه الله (18)، لمّا وصل إلى قوله «ملحون بألف معرب»، صار الشيخ جمال الدين بن نباتة (19)، رحمه الله (20)، ينظر إلى الشيخ علاء الدّين (21) بن مقاتل ويشير إلى الشيخ صفيّ الدين (22) ويقول: «ملحون بألف (23)
(1) في ط: «حاز».
(2) في د: «في حسن» وفي ط: «حسن».
(3) في ط: «خدّو» وفي و: «حدّو» (* ح) مصحّحة عن «خدّو».
(4) في ب، د، ط: «لقتلي».
(5) في «لحظو لقتلي حدّو» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(6) في ب، د، ط، و: «خدّو».
(7) في و: «ندّو» مصححة عن «وندّو» بشطب الواو الأولى.
(8) في ط: «الحيا».
(9) في ط: «ساج».
(10) في ط: «يزيدو».
(11) «ذا» سقطت من د، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «ينظر».
(12) في ب: «بنو».
(13) «[خلاه جحافل]» من ب، د، ط، وو في ب، د، و: «غصن حافل» مكان «لو جحافل».
(14) «في» سقطت من ب، ط.
(15) في ب: «مربّع».
(16) الزجل لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(17) من ب، د، ط، و.
(18) سقطت من ب، ط وفي د، و: «رحمه الله تعالى».
(19) بعدها في ب: «النباتي» مكان «جمال الدين بن نباتة».
(20) سقطت من ب، ط وفي د، و: «رحمه الله تعالى».
(21) «الشيخ علاء الدين» سقطت من ب.
(22) بعدها في ب، ط: «الحلي» و «ينظر إلى صفي الدين» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح صح».
(23) «بألف» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».(1/461)
معرب»، والملك (1) المؤيّد (2) يتبسّم (3) لذلك. انتهى.
وإذا نظر المتأمّل إلى نقص (4) [هذه] (5) الأحرف في رسم كتابة الزّجل لا ينتقد، فإنّ شرط رسمه أن يوضع كذا لأجل تحرير وزنه.
انتهى الكلام على الجناس اللفظيّ والمقلوب.
وبيت الشيخ صفيّ الدّين (6) الحليّ فيهما [هو] (7):
بكلّ قدّ نضير لا نظير له ... ما (8) ينقضي أملي منه ولا ألمي (9)
وبيت الشيخ عز الدين (10) الموصليّ (11) [فيهما] (12):
لفظي حضّي (13) على حظّي (14) يمانعه ... مقلوب معنى ملا (15) الأحشاء بالألم (16)
أمّا قوله «مقلوب معنى» فما دخل معناه إلى القلب (17).
وبيتي:
قد فاض دمعي وفاظ (18) القلب إذ سمعا ... لفظيّ عذل ملا الأسماع بالألم (19)
__________
(1) «الملك» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(2) بعدها في د، و: «سقى الله عهده».
(3) في و: «يبتسم».
(4) في ب، ط: «بعض».
(5) من ط.
(6) «صفي الدين» سقطت من ب.
(7) من ب.
(8) في ط: «لا».
(9) البيت في ديوانه ص 686ونفحات الأزهار ص 26، 29وشرح الكافية البديعية ص 66.
(10) «عز الدين» سقطت من ب.
(11) «الموصلي» سقطت من ط وبعدها في و: «رحمه الله».
(12) من ب.
(13) في ب، ط: «حضّ» وفي د: «حضّي» وفي و: «حظي».
(14) في د: «خطّي» وفي ط: «حظّ» وفي و: «خطي».
(15) في ط: «ملأ» وفي و: «تلا».
(16) في ط: «من ألم». والبيت له في نفحات الأزهار ص 29وفيه: «من ألم».
(17) «أمّا قوله القلب» سقطت من ط وبعدها في ب: «انتهى».
(18) في د: «وفاض».
(19) بعدها في ط: «انتهى، والله أعلم» وبعدها في و: «انتهى». والبيت سبق تخريجه.(1/462)
الجناس (8) المعنويّ
8 - أبو (1) معاذ أخو (2) الخنساء كنت لهم ... يا معنويّ فهدّوني بجورهم (3)
أمّا الجناس المعنويّ فإنه ضربان: تجنيس إضمار وتجنيس إشارة، ومنهم من سمّى تجنيس الإشارة تجنيس الكناية، وكلّ منهما مطابق التسمية. ولم ينظم الشيخ صفيّ الدين (4) الحليّ في بديعيته غير نوع الإضمار، وهو أصعب مسلكا من جناس الإشارة، ولا بدّ أنّ أنوّع هذا الشرح بمحاسن النوعين (5)، فإنّ المعنويّ طرفة من طرف الأدب، وعزيز الوجود جدّا، ولم يذكره القاضي (6) جلال الدين القزوينيّ في «التلخيص» ولا في «الإيضاح»، ولا ذكره ابن رشيق في «العمدة» ولا زكي الدين (7)
ابن أبي الأصبع في «التحرير» ولا ابن منقذ في كتابه، والعميان ذكروه في شرح
__________
(8) في ط: «ذكر الجناس».
(1) في ط: «أبا».
(2) في ط: «أخا».
(3) البيت في ديوانه ورقة 4أونفحات الأزهار ص 22وفيه: «أبا» و «أخا».
ويقصد ب «أبي معاذ» جبلا والد معاذ بن جبل الصحابيّ الجليل، وب «أخي الخنساء» صخرا بن عمرو الشريد.
وفي هامش ب: «ونقلت عن المصنّف أنه أنشد قبل هذا لبعضهم [من الخفيف]:
يا أخا مالك ويا من له الخن
ساء أخت ويا أبا لمعاذ
وقد أشير فوقها ب «حش».
وفي هامش ب أيضا: «قال البهاء زهير في ثقيل [من الرجز]:
فهو إذا لاح لعين الرائي
أبو معاذ وأخو الخنساء
[ديوانه ص 15وفيه: «إذا رأته عين» و «أو أخو»].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(4) «صفي الدين» سقطت من ب.
(5) في هـ ك: «تبنى هذه بمحاسن النوعين» خ مكان «أنوع هذا الشرح».
(6) في ط: «الشيخ».
(7) «زكيّ الدين» سقطت من ب.(1/463)
بديعيّتهم، ولكن ما تيسّر لهم نظمه، وذكر الشهاب محمود في كتابه / المسمّى ب «حسن (1) التوسّل في (2) صناعة الترسّل»، منه نوع الإشارة لا نوع الإضمار، ولكن ما نظمه (3) ولم يذكر نوع الإضمار في بديعيّته (4) غير الشيخ صفيّ الدين (5) الحليّ، وقد تقدّم القول إنّه قال عن (6) بديعيّته: إنّها نتيجة سبعين كتابا في هذا الفنّ.
وكان شيخنا قاضي القضاة علاء الدين بن (7) القضاميّ، نوّر الله ضريحه (8)، يقول، وهو إمام هذا الفنّ (9): ما أعلم لبيت أبي بكر (10) بن عبدون، في إضمار الركنين، ثانيا غير بيت الشيخ صفيّ الدّين (11)، ولو لم يفتح له (12) ابن عبدون هذا الباب في بيته ما حصل للشيخ صفيّ الدين دخول إلى نظم هذا النوع. انتهى.
والكلام على البيتين يأتي بعد تعريف النوع، والمعنويّ (13) المضمر هو أن يضمر الناظم ركني التجنيس (14) ويأتي في الظاهر بما يرادف المضمر للدلالة عليه، فإن تعذر المرادف يأتي (15) بلفظ فيه (16) كناية لطيفة تدلّ على المضمر بالمعنى، كقول أبي بكر بن عبدون المشار إليه، وقد اصطبح (17) بخمرة ترك بعضها إلى الليل فصارت خلّا [وهو] (18) [من الطويل]:
ألا في سبيل اللهو كأس مدامة ... أتتنا بطعم عهده (19) غير ثابت
حكت «بنت بسطام بن قيس صبيحة» (20) ... وأمست كجسم «الشنفرى» بعد «ثابت» (21)
__________
(1) في و: «بجناس» مشطوبة.
(2) في د: «إلى».
(3) «وذكر الشهاب ما نظمه» سقطت من ب.
(4) «غير بديعيته» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مع ما يليها: «في بديعيته غير الشيخ صفي الدين».
(5) «صفي الدين» سقطت من ب.
(6) في د: «في».
(7) «بن» سقطت من ب.
(8) سقطت من ب وفي ط: «رحمه الله».
(9) في ب، د، ط، و: «العلم».
(10) «بكر» سقطت من ب.
(11) في ط: «صفي الدين الحلي».
(12) «له» سقطت من ط.
(13) في ب، د، ط، و: «فالمعنويّ».
(14) في ب: «التحقيق».
(15) في ط: «أتى».
(16) في ب: «بلفظة فيها».
(17) في د: «اصطبخ».
(18) من ب.
(19) في د: «عهده» مكررة، والثانية منهما مشطوبة.
(20) في د: «عشيّة» وفي هـ ك: «صبيحة» ن.
(21) البيتان في نفحات الأزهار ص 20وشرح الكافية البديعية ص 68.
وفي هامش ب: «ثابت هو خال الشّنفرى،(1/464)
وبنت (1) بسطام بن قيس، كان اسمها الصّهباء، والشنفرى قال [من الخفيف]:
اسقنيها (2) أيا (3) سواد (4) بن عمرو ... إنّ جسمي [من] (5) بعد خالي (6) لخلّ (7)
و «الخلّ» هو الرقيق المهزول، فظهر من كناية اللفظ الظاهر جناسان مضمران في «صهباء» و «صهباء» و «خلّ» و «خلّ»، وهما في صدر البيت وعجزه، ومن هنا أخذ الشيخ صفيّ الدين (8) وقال (9):
وكلّ لحظ أتى باسم ابن (10) ذي يزن ... في فتكه بالمعنّى (11) أو أبي هرم (12)
ف «ابن ذي يزن» اسمه سيف، و «أبو هرم» اسمه سنان، فظهر له [أيضا] (13)
جناسان مضمران من كنايات الألفاظ الظاهرة، وظهر (14) قول شيخنا قاضي القضاة علاء الدين [بن القضامي] (15): إنّ هذا الباب ما فتحه للشيخ صفيّ الدين (16) غير ابن عبدون، وكنت أودّ أن يكون شيخنا، سقى الله من عهاد الرحمة ثراه (17) حيّا، ويراني
__________
وهو المشهور ب «تأبّط شرّا»، وابن عبدون يشير في هذا إلى قول الشنفرى يرثي خاله «ثابت *» المذكور [من المديد]:
فاسقنيها يا سواد بن عمرو
إلخ *»
[ديوانه ص 89واللسان 11/ 219 (خلل) والحيوان 3/ 70]. وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) لعلّها: «ثابتا».
عجزه: إنّ جسمي بعد خالي لخلّ
والخلّ: المهزول، النحيف. (اللسان 11/ 219 (خلل)).
(1) في ط: «فبنت».
(2) في ب: «فاسقنيها».
(3) في ب، ط، ك، و: «يا» وفي د: «أيا» مصحّحة عن «يا».
(4) في د: «سواد» مصححة عن «أسود».
(5) من ط.
(6) في ط: «حالي».
(7) البيت في ديوانه ص 89واللسان 11/ 219 (خلل) والحيوان 3/ 70 ونفحات الأزهار ص 20وفيه:
«فاسقنيها».
(8) بعدها في ط: «الحليّ».
(9) في ب: «فقال».
(10) «ابن» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(11) في ب: «لمعنّى».
(12) البيت في ديوانه ص 686ونفحات الأزهار ص 22وفيه: «في قتله» وشرح الكافية البديعية ص 68.
(13) من د، وو في ب: «أيضا له».
(14) في ط: «فظهر».
(15) من ب.
(16) في ب: «للصّفيّ» مكان «للشيخ صفيّ الدين».
(17) سقطت من ب وفي ط: «رحمه الله».(1/465)
قد عزّزتهما بثالث.
وبيتي (1):
أبو (2) معاذ أخو (3) الخنساء كنت لهم ... يا معنويّ فهدّوني بجورهم (4)
و «أبو معاذ» اسمه جبل (5)، و «أخو الخنساء» اسمه صخر، فظهر من كنايات الألفاظ الظاهرة أيضا (6) جناسان مضمران في صدر (7) البيت، وهما (8) «جبل» و «جبل»، و «صخر» و «صخر»، وبالنسبة إلى «الجبل» في الركن (9) الواحد يحسن (10)
__________
(1) سقطت من وو في ط: «وهو».
(2) في ط: «أبا».
(3) في ط: «أخا».
(4) البيت سبق تخريجه.
وفي هامش ب: «والذي نظمه الشيخ تقيّ الدين [ابن حجة] أوّلا [من البسيط]:
كن معنويّا بمقتضى ما * أجانسه
مع الّتي هي ترعى نرجس الظّلم»
[البيت لم أقع عليه في ديوانه].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) لو حذف «ما» لكان أصلح للوزن.
وفي هامش ك: «رأيت بخطّ بعض الفضلاء ما مثاله: «لم يظهر ممّا قاله شيئا ولم ينظم من هذا البيت جناسا، فضلا عن أن يكون نظم النوع الذي حدّه، ولو جعل نفسه جبلا وصخرا في قوله:
«كنت لهم» لا يصحّ أن يكون فيه جناسا * أيضا، وفيه لحن فاحش، وصوابه: «أبا» و «أخا». وقال: رأيت بخطّ الوالد، رحمه الله، ما معناه أنّ الشيخ تقيّ الدين الناظم أنشده في هذا النوع قول بعضهم [من الخفيف]:
يا أخا مالك يا من له الخن
ساء أخت ويا أبا لمعاذ
[البيت سبق تخريجه].
والعجب منه كيف يسرقه بعد ذلك، وليته أجاد وأتى بالنوع وقال أيضا: رأيت بخطّ الوالد أيضا: «إنّ الشيخ نظمه على غير هذا الطريق، وهو [من البسيط]:
كن معنويّا بمقتضى ما * أجانسه
مع التي هي ترعى نرجس الظّلم
[البيت سبق تخريجه].
وليت * أبقاه، لأن معناه «كن معنويّا» يقتضي الغزالة التي تمشي مع طلوع الشمس رأسها الغزالة، ففيه جناس، فإن كان ما هو من المعاني الملح». وهذا الذي قال هذا هو كمال الدين ابن البارزيّ كاتب السرّ، رحمه الله». (حاشية).
(*) لعله: «جناس».
(*) لو حذف «ما» لكان أصلح للوزن.
(*) لعلها: «ليته».
(5) في ط: «جيل».
(6) «أيضا» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(7) «صدر» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(8) في ب: «هما».
(9) في ب: «الركنين».
(10) في ب: «بحسن».(1/466)
قولي «فهدّوني بجورهم» وقد أظهرت محاسن هذا الجناس المعنويّ (1) المضمر، وكشفت عن جماله الباهر ستور (2) الأشكال، ليتمتّع به صاحب الذوق السليم، فإنّ فحول المتأخّرين وقفوا عن المجاراة في حلبته، ولم يتعلّق [أحد منهم] (3) إلّا بأذيال الضرب الثاني، وهو جناس الإشارة، ويأتي الكلام عليه (4).
ومن غريب ما يحكى أن الشيخ صلاح الدّين الصفديّ قال (5) في «شرح لاميّة العجم» (6)، وفي (7) كتابه المسمّى ب «جنان (8) الجناس»، لمّا اعترضه الجناس المعنويّ [قال] (9): هذا النوع عندي باطل، ولم يتيسّر له منه نظم بيت واحد (10) مع كثرة تهافته على الجناس وأنواعه، والذي يظهر لي أنّه عجز عن نظمه، فإنّه قال في غضون ذلك: وقد استخرجت من شعر أبي الطيّب المتنبّي من الجناس المعنويّ قوله [من الكامل]:
حاولن تفديتي (11) وخفن مراقبا ... فوضعن أيديهنّ فوق ترائبا (12)
وهذا ممّا يدلّ (13) على أنّه لم يفهمه.
__________
(1) «المعنوي» سقطت من ط.
(2) في ط: «سطور».
(3) من ب، ط وفي د: «[منهم]» وفي و:
«[منهم أحد]».
(4) «ويأتي الكلام عليه» سقطت من ب.
(5) في ك: «قال» كتبت فوق «الصفدي».
(6) «ومن غريب العجم» سقطت من ب.
(7) في ب: «في».
(8) في و: «بجناس» مشطوبة، وفي هامشها:
«بجنان» صح.
(9) من ط.
(10) في هامش ك: «ورأيت أيضا ما مثاله: «لو قال لنفسه كما قال للشيخ عزّ الدين، بل أبلغ من ذلك، لأنّه ما نظم جناسا في بيته ألبتّة، وليس ما قاله سببا لورود هذا النوع، صحيح هو سببه، قال الشيخ سعد الدين التفتازانيّ في «المطوّل»: ومن أنواع التجنيس تجنيس الإشارة، وهو أن لا يظهر التجنيس باللفظ بل بالإشارة، كقوله [من الرمل]:
حلقت لحية موسى باسمه
وبهارون إذا ما قلبا»
[البيت بلا نسبة في الطراز 2/ 372 ومعاهد التنصيص 3/ 241وأنوار الربيع 1/ 219والكواكب الدّرّيّة ص 17 وبلوغ الأرب في علم الأدب ص 229].
(حاشية).
(11) في ب: «تعذيبي» وفي ط: «تقريبي».
(12) في و: «ثرائبا». والبيت في ديوانه 1/ 123.
(13) في ط: «دليل» مكان «مما يدل».(1/467)
انتهى الكلام على الجناس وأنواعه (1)، [و] (2) المعنويّ الذي يضمر (3) فيه الركنان. وما أخّرت بيت الشيخ عزّ الدين الموصليّ (4)، ونثرت نظم الترتيب الذي تقدّم (5) إلا لتنحّيه عن نظم الجناس المعنويّ المضمر الركنين، وميله إلى جناس الإشارة لسهولة مأخذه، فلم تبق (6) لبيته طاقة على المناظرة لتحوّله عن النوع / الذي عارض فيه (7) الشيخ صفيّ الدين الحليّ (8)، والظاهر أنّه قنع بقول القائل [من الوافر]:
إذا منعتك أشجار المعالي ... جناها الغضّ فاقنع بالشميم (9)
والضرب الثاني من المعنويّ، وهو جناس الإشارة والكناية هو عين (10) الأوّل، وسبب ورود هذا النوع (11) في النظم أنّ الشاعر يقصد المجانسة في بيته بين الركنين من الجناس، فلا يوافقه الوزن على إبرازهما، فيضمر الواحد ويعدل بقوّته إلى مرادف فيه كناية تدلّ على الرّكن المضمر، فإن لم يتّفق (12) له مرادف الرّكن المضمر، يأتي (13) بلفظة فيها كناية لطيفة (14) تدلّ عليه وهذا لا يتّفق في الكلام المنثور، والذي يدلّ عليه المرادف قول امرأة من عقيل، وقد أراد قومها الرحيل عن
__________
(1) «وأنواعه» سقطت من ب، د، ط، و.
ولعلّه يقصد: «الجناس المعنويّ الذي يضمر فيه الركنان، وأنواعه».
(2) «الواو» زيادة يقتضيها السياق.
(3) في ب: «تضمر».
(4) «الموصلي» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في ك: «تقدّم» كتبت فوق «الذي».
(6) في ب، د، ط، و: «قلم يبق».
(7) «فيه» سقطت من ب.
(8) في و: «الحليّ» صح كتبت فوق «الدين».
(9) البيت لابن قلاقس في ديوانه ص 516.
(10) في ب، د، ط، و: «غير».
(11) في هامش ب: «ليس ما قال إنّه سبب لورود النوع سببا له، فإنّ الشيخ سعد الدين التفتازانيّ قال في «المطوّل»: ومن أنواع التجنيس تجنيس الإشارة، وهو أن لا يظهر التجنيس باللفظ بل بالإشارة، كقوله [من الرمل]:
حلقت لحية موسى باسمه
وبهارون إذا ما قلبا»
[البيت سبق تخريجه].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(12) في ب: «يبق».
(13) لعلّها: «يأت».
(14) في ك: «لفظية»، وفي هامشها: «لطيفة» ص.(1/468)
بني ثهلان وتوجّه منهم جماعة يحضرون الإبل [وهو] (1) [من الطويل]:
فما مكثنا دام الجمال عليكما ... بثهلان إلّا أن تشدّ الأباعرا (2)
أرادت أن تجانس بين «الجمال» و «الجمال» فلم يساعدها الوزن ولا القافية، فعدلت إلى مرادفة «الجمال» ب «الأباعر». والذي يدلّ (3) على مضمرة اللفظة الظاهرة بالكناية اللطيفة قول دعبل [الخزاعي] (4) في امرأته سلمى [من البسيط]:
أنّي أحبّك حبّا لو تضمّنه ... سلمى سميّك ذلّ (5) الشاهق الرّاسي (6)
فالكناية اللطيفة في «سميّك» لأنها أشعرت أنّ الرّكن المضمر في «سلمى»، فظهر منها (7) جناس الإشارة بين الرّكنين (8) الظاهر والمضمر في «سلمى» و «سلمى» الذي هو الجبل، ومثله قول الآخر [من المتقارب]:
وتحت البراقع مقلوبها ... تدبّ على ورد خدّ (9) ندي (10)
فكنّى عن «العقارب» بمقلوب «البراقع»، ولا شك أنّ بين اللفظين (11) المصرّح به والمكنّى عنه تجانسا، ومثله قول الآخر يهجو مغنّيا ثقيلا [من مجزوء الرمل]:
قال: غنّيت ثقيلا ... قلت: قد غنّيت نفسك (12)
ومن الكنايات بالمرادف قول شرف الدّين بن الحلاوي، وهو غاية في هذا النوع [من الكامل]:
وبدت نظائر ثغره في قرطه ... فتشابها (13) متخالفين فأشكلا
__________
(1) من ط.
(2) في ب، د، ط، و: «تشدّ الأباعر».
والبيت في نظم البديع في مدح خير شفيع ص 115وفيه: «وأمّ الجمال» و «بشهلان» وبلوغ الأرب في علم الأدب ص 229وفيه: «الأباعر» وجنان الجناس ص 35.
(3) في د، و: «تدلّ».
(4) من ب.
(5) في ط: «ذاك».
(6) البيت في ديوانه ص 86وفيه: «دكّ» مكان «ذلّ» ونظم الدرّ ص 237.
(7) في ط: «يظهر منه».
(8) في ب، ط، و: «الركن».
(9) في ك: «خدّ م ورد م».
(10) في ط: «ورد تلك الخدود» وفي ب:
«ند». والبيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 21ونظم الدرّ ص 237.
(11) في ب، د، ط، و: «اللفظ».
(12) البيت بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 22.
(13) في ب: «وتشابها».
فرأيت تحت البدر سالفة الطّلا ... ورأيت فوق الدّرّ مسكرة الطّلا (1)
أراد أن يجانس بين «سالفة الطلا» و «سلافة (2) الطلا» فلم يساعده الوزن، فعدل بقوّته إلى «المسكرة»، وهي مرادفة «السّلافة» (3)، وقد تقدّم أن الشيخ عزّ الدين الموصليّ لم ينظم من المعنويّ إلّا هذا الضرب، وهو الذي أوجب تأخير بيته عن المناظرة، وقد تقرّر أنّ (4) الشاعر يريد في هذا النوع إظهار الرّكنين فلم (5) يساعده الوزن، فيعدل بحسن تصريفه (6) إلى مرادفه. وأراد الشيخ عزّ الدين أن يمشي على هذا الطريق فحصل له في الطريق عقلة (7)، فإنه قال:(1/469)
__________
(13) في ب: «وتشابها».
فرأيت تحت البدر سالفة الطّلا ... ورأيت فوق الدّرّ مسكرة الطّلا (1)
أراد أن يجانس بين «سالفة الطلا» و «سلافة (2) الطلا» فلم يساعده الوزن، فعدل بقوّته إلى «المسكرة»، وهي مرادفة «السّلافة» (3)، وقد تقدّم أن الشيخ عزّ الدين الموصليّ لم ينظم من المعنويّ إلّا هذا الضرب، وهو الذي أوجب تأخير بيته عن المناظرة، وقد تقرّر أنّ (4) الشاعر يريد في هذا النوع إظهار الرّكنين فلم (5) يساعده الوزن، فيعدل بحسن تصريفه (6) إلى مرادفه. وأراد الشيخ عزّ الدين أن يمشي على هذا الطريق فحصل له في الطريق عقلة (7)، فإنه قال:
وكافر نعم (8) الإحسان في عذل ... كظلمة اللّيل عن ذا المعنويّ عمي (9)
والليل (10) يسمّى كافرا (11)، وهو الذي يستر الأشياء، و «كافر» (12) هنا بمعنى (13)
ساتر، وهذا هو الرّكن الذي أضمره الشيخ (14) عزّ الدين (15) ورادفه ب «الظلمة»، وكنّى بها عنه، وظهر (16) منها جناس الإشارة بين (17) «كافر» و «كافر»، غير أنّ الوزن ما عصى الشيخ عزّ الدين (18) حتى عدل إلى المرادف، فلو أراد أن يبرز الرّكنين لكان (19) الوزن داخلا تحت طاعته (20) إذا قال:
(1) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وسالفة الطّلا: جانب العنق، والطّلا:
الخمر. (اللسان 15/ 11، 13 (طلي)).
(2) في ب: «وسالفة».
(3) في ك: «السلافة» خ، وفي هامشها:
«الطّلا» خ.
(4) «الشيخ عز الدين تقرّر أنّ» سقطت من ب، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «حش»!.
(5) في ط: «فلا».
(6) في ط: «تصرّفه».
(7) في د، و: «غفلة».
(8) في ط: «يضمر».
(9) البيت في نفحات الأزهار ص 22.
(10) في ط: «فالليل».
(11) في ك: «كافر».
(12) في ب، د، و: «فكافر».
(13) «بمعنى» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(14) «الشيخ» سقطت من ط.
(15) في ب: «الشيخ الموصلي».
(16) في ط: «فظهر».
(17) في ب: «من».
(18) في ب: «الشيخ الموصلي» وفي ط:
«على عز الدين».
(19) في ب، د، ك: «كان».
(20) في ب: «الطاعة».(1/470)
وكافر نعم (1) الإحسان في عذل ... ككافر الليل عن ذا المعنويّ عمي (2)
ولمّا وقف [مولانا] (3) الشيخ شهاب الدين (4) [أحمد] (5) بن حجر، أدام الله بقاءه (6)، على هذا النوع قال: هذا عزيز الوجود وأنشد (7) بعد أيّام في مولانا السلطان الملك المؤيّد، خلّد الله ملكه (8)، هذين البيتين وهما في نوع المضمر المقدّم ذكره غاية (9) [من الكامل]:
جمع الصفات الصالحات مليكنا ... فغدا بنصر الحقّ منه مؤيّدا /
كأبي الأمين (10) برأيه وكجدّه (11) ... أنّي توجّه وابن يحيى (12) في النّدى (13)
ومن نظمي في نوع الإشارة الغريبة قولي، من جملة قصيدة (14)، في سكّر حماة
__________
وفي هامش ك: «نقلت من خطّ شيخ الإسلام ابن حجر المشار إليه ما نصّه:
استقرئت من الكتاب العزيز هذا النوع لكن بغير شاهد [كذا] الطاعة والعصيان، وهو قوله تعالى في آخر الآية [كذا]: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمََاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} * [الأنبياء: 104] وبيان كفرهم [كذا]، أنه جاء من مخروجه أن «السّجل» اسم كاتب كان للرسول، (صلى الله عليه وسلم) والسجلّ، لغة، هو الكتاب فيصير: «ذاك * يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للسجلّ» ومثله قوله تعالى:
{يُعْجِبُ الزُّرََّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفََّارَ} [الفتح:
29] فإنّ الزرّاع يقال لهم «الكفّار» أيضا، كما قال تعالى في موضع آخر: {أَعْجَبَ الْكُفََّارَ نَبََاتُهُ} * [الحديد: 20] فيصير هكذا: ليعجب * الكفّار: ليغيظ بهم الكفّار. انتهى». وقد أشير فوقها ب «حش».
(*) وردت: «للكتاب»: وهي خطأ.
(*) غير واضحة في الهامش.
(*) وردت: «لعجب» وهي خطأ.
(*) وردت: «لعجب».
(1) في ط: «يضمر».
(2) البيت سبق تخريجه.
(3) من ب، ط، و.
(4) «الشهابيّ» مكان «الشيخ شهاب الدين».
(5) من ب.
(6) «أدام الله بقاءه» سقطت من ب، د، ط، و.
(7) في ب، د، ط، و: «وأنشدني».
(8) سقطت من ط وفي ب: «خلّد الله سبحانه ملكه».
(9) في ب: «في غاية فقال» وفي ط: «
غاية، وهما».
(10) فوقه في ب، د، و: «الرشيد».
(11) فوقه في ب، د، و: «المنصور».
(12) فوقه في ب، د، و: «والفضل» وفي و:
«يحيى» قبل «وابن يحيى» مشطوبة.
(13) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(14) في ب، د، ط، و: «قصيد».(1/471)
المحروسة (1) [من الكامل]:
وجناس ذاك السّكر يحلو للورى ... تحريفه ويروق في تشرين (2)
ففي صريح (3) الجناس وتورية التحريف كنايتان لطيفتان يظهر منهما جناس الإشارة محرّفا بين «السّكر» و «السّكّر»، والمراد بقولي: «يروق في تشرين» أن عاصي حماة المحروسة (4)، يروق في هذا الفصل، إلى أن يرى قراره من أعالي شطوطه، وهذه القصيدة كتبت بها من القاهرة المحروسة في هذا العام، وهو (5) عام ثماني عشرة وثمانيمئة إلى مولانا المقرّ الأشرف القاضويّ [الناصريّ] (6) محمد بن البارزيّ الجهنيّ الشافعيّ (7)، صاحب (8) دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الشريفة (9)
الإسلامية، عظّم الله تعالى شأنه (10)، وقد حلّ ركابه الكريم (11) بحماة المحروسة (12)، وقالت (13) شطوطها [من الكامل]:
* أهلا بعيش أخضر يتجدّد (14) * وروى عاصيها بعد نار شوقه الكامل عن المبرّد، وعادت إلى عصر الشبيبة وقد شاهدت الملك المؤيّد (15)، ومطلع القصيد (16) [من الكامل]:
خلّ التعلّل في حمى يبرين ... فهوى حماة هو الذي يبريني
وأطع ولا تذكر مع العاصي حمى ... ما في وراء النهر ما يرضيني
__________
(1) «المحروسة» سقطت من ط.
(2) البيت في ديوانه ورقة 38أ.
(3) «صريح» سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(4) «المحروسة» سقطت من ط.
(5) «هذا العام، وهو» سقطت من ب وفي هذا العام، وهو» سقطت من ط.
(6) من ب، د، ط، و.
(7) «الجهنيّ الشافعيّ» سقطت من ط.
(8) في ط: «كاتب».
(9) «الشريفة» سقطت من ب، ط وفي د، و: «الشريفة المحروسة».
(10) «عظم الله تعالى شأنه» سقطت من ب، ط.
(11) «الكريم» سقطت من ب.
(12) «المحروسة» سقطت من ب.
(13) قبلها في ب: «وقلت».
(14) الشطر لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(15) في ب: «وقالت يتجدّد، وروى
المبرّد، وعادت المؤيّد» كتبت بشكل أبيات من الشعر.
(16) في ب: «القصيدة».
أنا سائل والنهر فيها لذّ لي ... ومع افتقاري نظرة تغنيني (1)
[منها] (2) [من الكامل]:(1/472)
__________
(16) في ب: «القصيدة».
أنا سائل والنهر فيها لذّ لي ... ومع افتقاري نظرة تغنيني (1)
[منها] (2) [من الكامل]:
والنبت يضبطها بشكل معرب ... لمّا يزيد الطير في التلحين
والغصن يحكي النون في ميلانه (3) ... وخياله في الماء كالتنوين (4)
[منها] (5) [من الكامل]:
والله ما أنا آيس من قربها ... بالله صدّقني وخذ بيميني
فالطرف قد أبقى (6) بقايا أدمع ... وهناك أجريها برجع أنيني
فاحذر ملامي عند فيض مدامعي ... فالدّمع دمعي والعيون عيوني
قالوا أتسلو (7) عن ثمار شطوطها ... فأجبت لا، والتين والزيتون
يا لائمين على شريعتها لكم ... في ذاك دينكم ولي أنا ديني
فلنا (8) على الأعراف من ريحانها ... قصص أتت بتناسخ البشنين
وبشطّ شرعانا (9) لنا كم شرّعت ... أعوادها وتثقّفت باللين
لكن إذا اشتبكت رأيت الظلّ قد ... ألقته مضطربا شبيه طعين (10)
وخيال ضوء الشمس في تدويره ... يحكي فم الطعنات في التكوين (11)
وعيونها كم قال هدب (12) نباتها ... ما للنّباتي مثل سرح (13) عيوني (14)
(1) الأبيات في ديوانه ورقة 38أ.
ويبرين: قرية من قرى حلب ثمّ من نواحي عزاز. (معجم البلدان 5/ 490) ويبريني: من «يبرئني»: أي يشفيني.
(2) من ب، د، و.
(3) في د: «ميلاته».
(4) البيتان في ديوانه ورقة 38أ.
(5) من د، و.
(6) في د: «أبدى».
(7) في د: «أتسئلو» وفي ط: «تسلّى».
(8) في ب: «فلا» وفي د: «قلنا».
(9) في ب، ط، و: «شرعا يا».
(10) في د: «طعين» (* ع).
(11) في ب، و: «التلوين».
(12) في د، ك: «هذب».
(13) في ط: «شرح».
(14) الأبيات في ديوانه ورقة 38أ 38ب وفيه: «والعيون عيون» و «ولي أنا دين» و «وبشطّ شرع يا».
والبشنين: نبات مائي من الفصيلة(1/473)
[منها] (1) [من الكامل]:
تلك المعالم والمعاهد بغيتي (2) ... بحماة لا الجيران من جيرون (3)
[منها] (4) [من الكامل]:
كم قال دمعي (5) الصّبّ ليتهم على ... تلك الرسوم بفضلهم يجروني (6)
[منها] (7) [من الكامل]:
يا نازلين حمى حماة نعمتم ... فيها صباحا نوره يهديني
قد كنت أنساها برؤيتكم وقد ... صرتم بها فالصبر غير معيني
غبتم وهذا محضري لي شاهد ... بالعسر من صبري وبالمضمون
وحللتم دار السّعادة بالحمى ... فبحقّكم بالبعد لا تشقوني
ذنبي عظيم لانقطاعي عنكم ... فلأجله في مصر (8) لا تبقوني
وتكوّنت نار اشتياقي في الحشا ... لفساد تكويني فدع تكويني
وعجزت ضعفا عن وفا دين اللّقا ... فترفّقوا بفؤادي المرهون
فعسى يزول ظلام بعدي عنكم ... وأرى ضياء القرب (9) من شمسين (10)
ولرقّة فيكم أظنّ بأنّكم ... حنّيتم طربا لرجع حنيني
__________
النّيلوفريّة، ينبت عادة في الأنهار والمناقع، وقد يزرع في الأحواض.
(المعجم الوسيط). وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «وقد وردت في الأصل اليشنين، والأصح ما أوردناه، لأننا لم نعثر على لفظة «يشنين» في ما بين يدينا» و «شرعانا»: لعلّها «بلدة» إلّا أنني لم أقع عليها فيما عدت إليه من مصادر.
(1) من د، و.
(2) في ب: «تغنني».
(3) في و: «جيروني». والبيت في ديوانه ورقة 38أ.
وجيرون: قيل هي دمشق، وقيل: اسم قرية في بلاد الشام. (معجم البلدان 2/ 231).
(4) من د.
(5) في ب، ط: «دمع».
(6) في ك: «تجروني». والبيت في ديوانه ورقة 38ب وفيه: «يجزوني».
(7) من ب، وو قبلها في و: «يا» مشطوبة.
(8) في د: «في مصر».
(9) في د: «الدين».
(10) في و: «شمسيني».(1/474)
هذي (1) غراميّات صبّ ماله ... أرب بتورية ولا تضمين (2)
لكن إذا ذكروا بديع مدائح ... في البارزيّ فكلّ، فوّق (3) دوني
ما القصد فخري إنّما أنا عبده ... فالشّكّ أدفعه (4) بحسن يقيني (5)
[منها] (6) [من الكامل]:
ألغصن يسقيه (7) وغصن يراعه (8) ... يسقي الورى لكن أنا ينشيني (9)
في الطرس (10) وهو مطوّق بيمينه ... ينسي السواجع معرب التلحين (11)
[منها] (12) [من الكامل]:
هو كامل في فضله وعلومه ... والله أعطاه كمال الدين
حسنت لياليه وأيّام له ... فبدا (13) الزمان بطرّة وجبين (14)
[منها] (15) [من الكامل]:
يا صاحب البيت الذي عن وصفه ... قد أحجمت شعراء هذا الحين
إن جاء نظمي قاصرا من ضعفه (16) ... عذرا فهذي نشطة الخمسين
ونعم كبرت وبان عجزي إنّما ... كانت مسرّات اللّقا تصبيني
وحجبتموني عن حماة وغبتم (17) ... عنّي فهذا من فنون جنوني
__________
(1) في ك: «هذا».
(2) في ك: «تضميني» وفي و: «تضميني (ن)».
(3) في و: «فوق».
(4) في ب: «أزمعه».
(5) في و: «يقين». والأبيات في ديوانه ورقة 38ب وفيه: «وبالمضموني» و «لا تشقون» و «المرهوني» و «حنين» و «فالشكّ أرفعه».
(6) من ب، د، و.
(7) في ب: «تسقيه» وفي د، ط: «نسقيه».
(8) في ب: «براعتي».
(9) في ب: «يثنيني».
(10) في ط: «فالطرس».
(11) البيتان في ديوانه ورقة 38ب.
(12) من د، و.
(13) في ب: «فبذا» وفي ط: «فهدى».
(14) البيتان في ديوانه ورقة 39أ.
(15) من د، و.
(16) في د: «عن ضعفه» وفي ط: «عن وصفه».
(17) في ط: «وعبتموا».
وقعدت عن ديوان شيخ شيوخنا ... في مصر جار عويس (1) والمتّيني
برهان شوقي قد أقمت دليله ... بسنا (2) بحوث (3) مع ضياء الدين
لا زلتم بكمالكم في نعمة ... مقرونة بالنّصر والتمكين (4)(1/475)
__________
(17) في ط: «وعبتموا».
وقعدت عن ديوان شيخ شيوخنا ... في مصر جار عويس (1) والمتّيني
برهان شوقي قد أقمت دليله ... بسنا (2) بحوث (3) مع ضياء الدين
لا زلتم بكمالكم في نعمة ... مقرونة بالنّصر والتمكين (4)
(1) في ب: «حار عريس».
(2) في د، ك، و: «بسّي».
(3) في ط: «نجوت» وفي و: «بحوت».
(4) بعده في ب، ط، و: «انتهى». والأبيات في ديوانه ورقة 39أوفيه: «جنون» و «عويش والمتّيني».
وعويس: هو عيسى بن حجاج القاهريّ.
(الأعلام 5/ 102) والمتّيني: لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر وضياء الدين: هو خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي، من أهل مصر.
(الأعلام 2/ 315).(1/476)
الاستطراد (12)
9 - واستطردوا خيل صبري عنهم فكبت ... وقصّرت كليالينا بوصلهم (1) /
الاستطراد في اللغة: مصدر «استطرد» الفارس من قرنه (2) في الحرب، وذلك أن ينفر (3) من بين يديه يوهمه (4) الانهزام، ثمّ يعطف عليه على غرّة منه، وهو ضرب من المكيدة، وفي الاصطلاح: أن تكون في غرض من (5) أغراض الشعر وتوهم (6) أنّك مستمرّ فيه ثمّ تخرج منه إلى غيره لمناسبة بينهما، ولا بدّ من التصريح باسم المستطرد به، بشرط أن لا يكون قد تقدّم له ذكر، ثمّ ترجع (7) إلى الأوّل وتقطع الكلام فيكون المستطرد (8) به آخر كلامك، وهذا هو الفرق بينه وبين المخلص، فإنّ الاستطراد يشترط فيه الرجوع إلى الكلام الأوّل وقطع الكلام بعد المستطرد به، والأمران معدومان في المخلص، فإنّه لا يرجع إلى الأوّل ولا يقطع الكلام بل يستمرّ إلى ما يخلص (9) إليه.
وحدّ صاحب «الإيضاح» الاستطراد بحدّ (10) أتى فيه بالغرض بعدما بالغ في الإيجاز، فإنّه قال: الاستطراد هو (11) الانتقال من معنى إلى معنى آخر متّصل به
__________
(12) في ط: «ذكر الاستطراد».
(1) البيت في ديوانه ورقة 4أونفحات الأزهار ص 151.
وبعده في و: «نوع الاستطراد»، رغم أن العنوان ثبت في هامشها في مكانه المناسب.
(2) في ب: «قربه».
(3) في ط: «يفرّ».
(4) في و: «ويوهمه».
(5) في و: «في».
(6) في ب، د، ط، و: «توهم».
(7) في د: «يرجع».
(8) في هامش ط: «قوله: فيكون المستطرد إلخ» صوابه: فلا يكون المستطرد» كما يفهم من سابقه ولاحقه». (حاشية).
(9) في ب: «تخلص».
(10) في ب: «في الاستطراد حدّا».
(11) في ك: «و».(1/477)
لم (1) يقصد بذكر الأوّل التوصّل (2) إلى الثاني. ففي قوله «متّصل به» جلّ القصد وعدم الاحتياج إلى الكلام الكثير وذكر الحاتميّ في «حلية (3) المحاضرة» أنّه نقل هذه التسمية عن البحتريّ، وذكر غيره أنّ البحتريّ نقلها عن أبي تمّام. وقال ابن المعتزّ: الاستطراد هو الخروج من معنى إلى معنى، وفسّره بأن قال: هو أن يكون المتكلّم في معنى فيخرج منه بطريق التشبيه أو الإخبار أو الشرط (4) أو غير ذلك إلى معنى آخر يتضمّن مدحا أو هجوا أو وصفا، وغالب وقوعه في الهجو (5)، فمنه (6)
قوله تعالى في كتابه العزيز (7): {أَلََا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمََا بَعِدَتْ ثَمُودُ} (8)، فذكر «ثمود» استطراد، وقيل: إنّ أوّل شاهد ورد في هذا النوع وسار مسير الأمثال قول (9) السموأل ابن عادياء (10) [اليهوديّ المشهور، هو] (11) [من الطويل]:
وإنّا لقوم لا نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول (12)
فانظر إلى خروجه الداخل من (13) الافتخار إلى الهجو، وحسن عوده إلى ما كان عليه من الافتخار بقوله [من الطويل]:
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول (14)
ومنه قول حسان بن ثابت (15)، رضي الله عنه (16) [من الكامل]:
إن كنت كاذبة الذي حدّثتني ... فنجوت منجى (17) الحارث بن هشام
__________
(1) في ط: «ثمّ».
(2) في ب: «ولا يوصل».
(3) في د، ك، و: «حلبة».
(4) في ب: «النسبة أو الشرط أو الإخبار» وفي د، ط: «التشبيه أو الشرط أو الإخبار».
(5) في ب، د، ط، و: «الهجاء».
(6) في ب: «فمن».
(7) «في كتابه العزيز» سقطت من ب.
(8) هود: 95.
(9) في ك: «كقول».
(10) «ابن عادياء» سقطت من د، ط، و.
(11) من ب.
(12) البيت في ديوانه ص 91والطراز 3/ 17وشرح الكافية البديعية ص 73 والعمدة 2/ 61والإيضاح ص 296 ونهاية الأرب 7/ 119والمستطرف 1/ 132وكتاب البديع ص 61وتحرير التحبير ص 132وفيه: «أناس» مكان «لقوم».
(13) في ط: «في».
(14) البيت في ديوانه ص 91والعمدة 2/ 62.
(15) بعدها في ب: «الصحابي».
(16) في ب، د، ط: «رضي الله تعالى عنه».
(17) في ب: «فنحوت منحى».
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا (1) برأس طمرّة ولجام (2)
فانظر كيف خرج من الغزل إلى هجو الحارث بن هشام، والحارث هنا (3) هو (4)
أخو أبي جهل، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، ومات، رضي الله تعالى عنه] (5)، يوم اليرموك بالشام، ومنه قول البحتريّ (6) من قصيدة (7) في وصف فرس [من الكامل]:(1/478)
__________
(17) في ب: «فنحوت منحى».
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا (1) برأس طمرّة ولجام (2)
فانظر كيف خرج من الغزل إلى هجو الحارث بن هشام، والحارث هنا (3) هو (4)
أخو أبي جهل، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، ومات، رضي الله تعالى عنه] (5)، يوم اليرموك بالشام، ومنه قول البحتريّ (6) من قصيدة (7) في وصف فرس [من الكامل]:
كالهيكل المبنيّ (8) إلّا أنّه ... في الحسن جاء بصورة (9) في هيكل
ملك العيون فإن بدا أعطيته ... نظر المحبّ إلى الحبيب المقبل
ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوما خلائق حمدويه الأحول (10)
ومنه قول أحمد بن يحيى البلاذريّ يرثي أبا تمّام (11) [من الكامل]:
أمسى حبيب رهن قبر موحش ... لم يدفع (12) الأقدار (13) عنه بكيد
لم ينجه لمّا تناهى عمره ... أدب ولم يسلم بقوّة أيدي (14)
قد كنت أرجو أن تنالك رحمة ... لكن أخاف قرابة ابن حميد (15)
ما (16) أحسن ما خرج من الرثاء إلى الهجو في حميد بن قحطبة، والقرابة التي بينه وبين حبيب (17)، أنّهما طائيّان (18).
(1) في ط: «فنجا».
(2) البيتان في ديوانه ص 346وتحرير التحبير ص 130.
وطمرّة: الفرس المشرفة السريعة.
(اللسان 4/ 503 (طمر)).
(3) «هنا» سقطت من ط.
(4) «هو» سقطت من ب.
(5) من ب.
(6) في ب: «أبي عبادة البحتريّ».
(7) في ب: «أبيات».
(8) في ب: «المبراء».
(9) في ب، د، ط، و: «كصورة».
(10) الأبيات في ديوانه 2/ 991989وفيه:
«كصورة»، و «أعطينه».
(11) في و: «رحمه الله تعالى».
(12) في و: «تدفع».
(13) في ط: «الأقدار».
(14) في ب: «أيد» وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «أيّد» و «الأيّد: المساعد القويّ» وبها تختلف القافية عمّا سبقها أو يليها.
(15) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(16) قبلها في و: «و» مشطوبة.
(17) في ط: «وبين ابن حميد».
(18) في ط: «كانا طائيّين».(1/479)
ومنه قول الحسين (1) بن عليّ القميّ [من الكامل]:
جاورت أجبالا كأنّ صخورها ... وجنات نجم ذي الحياء البارد
والشوك يفعل في ثيابي مثل ما ... فعل الهجاء (2) بعرض عبد الواحد (3)
ومنه قول أبي (4) محمد الزبكدم (5)، وهو غاية (6) في هذا الباب [وهو] (7) [من الطويل]:
وليل كوجه البرقعيديّ ظلمة ... وبرد أغانيه وطول قرونه
قطعت ونومي (8) عن جفوني مشرّد ... كعقل سليمان بن فهد ودينه
بذي أولق فيه اعوجاج كأنّه ... أبو جابر في خبطه وجنونه
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنّه ... سنا وجه قرواش وضوء (9) جبينه (10)
فانظر إلى قوّة استطراده (11) من وصف حاله مع الليل إلى هجاء الثلاثة ومدح قرواش.
ومنه (12) [من الطويل]:
إذا ما اتّقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به (13) بأس وإن كان من جرم (14) /
انظر ما أبلغ ما خرج من الوعظ إلى الهجو (15) المؤلم في قبيلة جرم.
__________
(1) في ب، د، ك، و: «الحسن» وفي ط:
«الحسين».
(2) في د: «فعل الهجاء».
(3) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
ولعلّ عبد الواحد هنا هو ابن محمد بن علي الشيرازيّ، أبو الفرج الأنصاريّ، شيخ شيوخ الشام في وقته. (الأعلام 4/ 177).
(4) «أبي» سقطت من ب.
(5) في ب: «الريكدم» وفي ط: «بن مكدم».
(6) في ب: «في غاية».
(7) من ب.
(8) في ط: «فنومي».
(9) في ط: «ونور».
(10) الأبيات في نفحات الأزهار ص 150 وفيه: «قطعت دياجيه بنوم مشرّد» و «على أولق فيه التفات».
والبرقعيديّ: لعلّه أحد المغنّين وأولق:
جنون. (اللسان 10/ 384 (ولق)) وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«أولق: جمع مفردها ولق، وهو الإسراع في الشيء». وهذا وهم.
(11) في ط: «الاستطراد».
(12) في ط: «ومثله».
(13) في ب: «عليه» وبها يكسر الوزن.
(14) البيت بلا نسبة في الإيضاح 296.
(15) في د: «هجو».(1/480)
ومنه [من المنسرح]:
وشادن (1) بالدلال عاتبني ... ومنيتي (2) من تدلّل العاتب
فكان ردّي عليه من خجلي ... أبرد من شعر خالد الكاتب (3)
ومنه قول ابن المعتزّ (4) [من الكامل]:
ولقد شربت مدامة كرخيّة ... مع ماجد طلق اليدين حميد
علّت بماء بارد وكأنّما (5) ... علّت ببرد قصيدة ابن سعيد (6)
ومثله قول (7) بعضهم يصف خمرا قد (8) طبخت حتّى راقت وصفت (9) [من البسيط]:
لم يبق منها وقود الطابخين لها ... إلّا كما أبقت الأنواء من داري (10)
انظر (11) ما أحلى ما استطرد (12) من وصف الخمر إلى وصف داره بالخراب بألطف كناية، والغريب في هذا الباب الاستطراد من الهجو إلى الهجو، وهو (13)
كقول جرير يهجو أمّ الفرزدق [من الوافر]:
لها برص (14) بأسفل إسكتيها (15) ... كعنفقة الفرزدق حين شابا (16)
__________
(1) في ك: «وشاذن».
(2) في ب: «وميتتي» وفي ط: «واميتتي» وفوقها في ك: «كذا».
(3) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 151.
(4) في ب: «وقال ابن المعتز في مثل ذلك».
(5) في ب، د، ط، و: «فكأنّما».
(6) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه، ولا في ما عدت إليه من مصادر.
وكرخيّة: نسبة إلى الكرخ، المدينة العراقية المشهورة بخمرتها الجيدة.
(معجم البلدان 4/ 447).
(7) في ب: «وقال» مكان «ومثله قول».
(8) «قد» سقطت من ب، د، ط، و.
(9) في و: «فصفت».
(10) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(11) في ب: «انظر إلى».
(12) في ط: «استطراده».
(13) «وهو» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(14) في د: «برض».
(15) في د: «أسكتها» وفي ك: «إسكتيها» مشطوبة، وفي هامشها: «إستكيها» مشارا إليها ب «ص».
(16) البيت في ديوانه ص 101وفيه: «ترى برصا بمجمع إسكتيها» والعنفقة:
ما نبت على الشفة السفلى من الشعر.
(اللسان 10/ 277 (عنفق)).(1/481)
ومثله قوله [من الخفيف]:
وكأنّي أقرا بحرف أبي عم ... رو (1) على القوم سورة الأنعام
محنة تصفع ابن عمرو بن يحيى ... في دماغ الأعشى بنعل القطامي (2)
ولقد أردت أن أستطرد هنا إلى ذكر ما وقع لي وللمتأخّرين من الاستطرادات الغريبة، فلم أجد أبدع من بيت البديعيّة، فاكتفيت عند قضاة الأدب بحسن أدائه (3)، فإنّه أعدل شاهد في هذا الباب وحبست عنان القلم عن الاستطراد في وصفه، علما أنّ في إنصاف علماء الأدب إذا وقفوا عليه ما يغني عن ذلك.
وبيت الشيخ صفيّ الدين (4) الحليّ في بديعيته:
كأنّ آناء ليلي في تطاولها ... تسويف كاذب آمالي بقربهم (5)
الذي يظهر لي أنّ الشيخ صفي الدّين (6) غبّر (7) على الاستطراد (8) بتقديم أداة التشبيه في أوّل البيت، وقد تقدّم قول صاحب «الإيضاح» أن لا (9) يقصد بذكر الأوّل التوصّل إلى الثاني، وما خرج أحد من الاستطراد (10) بطريق التشبيه إلّا جعل أداة التشبيه مع المستطرد به في آخر الكلام، كقول السّريّ الرفاء [من الطويل]:
لنا روضة بالدّار صيغ لزهرها ... قلائد (11) من حلي النّدى وشنوف (12)
يمرّ بنا فيها إذا ما تبسّمت ... نسيم كعقل الخالديّ ضعيف (13)
__________
(1) في د: «أبي عمر».
(2) في و: «القطام (ي)». والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(3) في ط: «آدابه».
(4) «صفي الدين» سقطت من ب.
(5) البيت في ديوانه ص 686وفيه: «تسوّف» ونفحات الأزهار ص 151وفيه:
«تطاوله» وشرح الكافية البديعيّة ص 73.
(6) في ب: «الحلّيّ» وفي د، و: «صفيّ الدين الحلّيّ».
(7) في ب، ط: «عبّر».
(8) في ب: «عن الاستطراد».
وفي هامش ط: «قوله: «على الاستطراد» كذا في النسخ، وصوابه: «إلى الاستطراد» وقوله بعد ذلك: «من الاستطراد» كذا في النسخ، وصوابه:
«إلى الاستطراد». (حاشية).
(9) «لا» سقطت من ط.
(10) انظر الحاشية السابقة (15).
(11) في ك: «فلا بدّ».
(12) «لنا روضة وشنوف» سقطت من ب وفي ك: «شنوف».
(13) البيتان في ديوانه ص 173وفيه:
«يطيف بنا منها إذا ما تنفّست»(1/482)
فأداة التشبيه جاءت هنا في الآخر مع المستطرد به كما تقرّر، ولم يقدّم الناظم في أوّل البيت ما يتوصّل به إلى الآخر (1). انتهى.
ومثل هذا الإيراد قول ابن (2) جلنك الحلبيّ، وهو أظرف ما رأيت في هذا الباب، حكي أنّه كتب رقعة إلى بعض الحكّام، وقيل إنّه (3) قاضي القضاة كمال الدين بن الزملكانيّ، يسأله فيها (4) شيئا فوقع له بخبز، وأستحيي أن أقول إنّه رطلان، فتوجّه ابن جلنك يوما إلى بستان يرتاض فيه، فقيل [له] (5) إنّه بستان قاضي (6)
القضاة (7) المشار إليه، فكتب على بعض حيطانه (8) [من الكامل]:
لله بستان حللنا دوحه ... في جنّة قد فتّحت أبوابها
والبان تحسبه (9) سنانيرا (10) رأت ... قاضي القضاة فنفّشت أذنابها (11)
فاستطراده (12) من وصف البستان وتشبيه البان التشبيه المخرع (13) إلى هجو قاضي القضاة، مرقص عند سماعه، وما شكّ أحد من أهل الأدب أنّ التشبيه غريب (14) في اختراعه، وقيل: إنّ الشيخ بدر الدين بن مالك أملى عليهما كرّاسة في البديع، وأنا بالأشواق إليها و (15) إلى رؤيتها.
ومن استطرادات (16) [أبي عبد الله محمد] (17) بن حجاج [البغداديّ] (18) في
__________
والشنوف: الأقراط. (اللسان 9/ 183 (شنف)).
(1) في ط: «آخره».
(2) في ب، د، ك، و: «أبي» وفي ط، هـ ب: «ابن».
(3) في ط: «إلى».
(4) «فيها» سقطت من ب.
(5) من ب، د وفي «و» كتبت فوق «فقيل» مشارا إليها ب «صح».
(6) في ط: «إنه لقاضي».
(7) في ب: «القاضي» مكان «قاضي القضاة».
(8) في ب: «جدرانه» وفي ط: «حائط البستان».
(9) في د: «تحبسه» وفي ط: «تحسبها».
(10) في ك: «سنانير».
(11) البيتان بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 150.
(12) في و: «فاستطرد».
(13) في ب، ط: «المخترع».
(14) في ب: «غريب م أنّ التشبيه م».
(15) «إليها و» سقطت من ب، د، ط، و.
(16) في هامش ط: «قوله: «ومن استطرادات» إلخ كذا في النسخ، وهو خبر مقدّم، لم يذكر مبتدأه، ولو قال: «ولنذكر بعض استطرادات» إلخ لسلم من هذا» (حاشية).
(17) من ط.
(18) من ط.(1/483)
طريقه التي لم ينسج على منوالها غيره، فإنّ الشيخ جمال الدين بن نباتة (1)، قال في خطبة كتابه المسمّى ب «تلطيف (2) المزاج من (3) شعر ابن حجاج»: فإنّي رأيت نتائج أفكار الشعراء ذريّة / بعضها من بعض، وأمم أشعارهم يبعث (4) جميعها (5) في صعيد واحد من الأرض، إلّا أشعار الأديب (6) الفريد أبي عبد الله الحسين بن حجّاج (7)، رحمه الله (8)، فإنّها أمة غريبة تبعث وحدها، وذريّة عجيبة تبلغ بإتقان اللهو واللّعب (9)
رشدها، لم يحط خاطر أحد بمثلها خبرا (10)، ولا استطاع على معارضة (11)
شهدها (12) صبرا. انتهى قول الشيخ جمال الدين (13).
واستطراد ابن حجاج (14) الموعود بذكره قوله (15) يخاطب ممدوحه (16) [من مجزوء الرجز]:
يفديك (17) أمّي وأبي ... وابني وإن كان صبي
يا من إليه حيثما ... وجدته (18) منقلبي
يا من مديح غيره ... عندي عزيز الطلب (19)
لحية من يشناك في ... حال (20) رضى أو غضب
من عين (21) من يطلبها ... بالليل في استي تختبي (22)
__________
(1) في ب: «النباتي» مكان «جمال الدين بن نباتة».
(2) في د: «بتلطف».
(3) في ط: «في».
(4) في ط: «تبعث».
(5) في د، و: «جمعها».
(6) في ط: «الأريب».
(7) في د، و: «ابن الحجاج».
(8) «رحمه الله» سقطت من ب، ط.
(9) في هـ ب: «بيان: اللهو واللعب».
(10) «خبرا» كتبت فوق «بمثلها».
(11) في و: «معارضة».
(12) في ك: «سهدها».
(13) في ب: «الشيخ النباتيّ» وفي و: «جمال الدين بن بن نباتة».
(14) في ب: «واستطرد» وفي ط: «واستطراده».
(15) في ب: «في قوله».
(16) «يخاطب ممدوحه» سقطت من ط وفي و: «قوله يخاطب» مكرّرة.
(17) في ب، د، ط، و: «تفديك».
(18) في ب: «وجهته» وفي هامشها: «وجدته».
(19) في ب: «مطلبي» وفي ط: «المطلب» وفي و: «الطلبي»، وفي هامشها:
«الطلب» ن.
(20) في ب: «حالي».
(21) في ب: «غير».
(22) في ب: «يجتبي»، وفي هامشها:
«تختبي» وفي ك: «تجتبي».
وأمّه أمّ السّكو ... ك (1) في استها والرّيب (2)
ذات حر أوسع من ... شارع باب اللّعب
وشعرة غليظة ... ذات نبات أشيب
قد شاب منها بعضها ... وبعضها لم يشب
ينقّب (3) منها طاقة ... بشدّة أو (4) تعب
فما شككت أنّها ... لحية (5) إبن الحلبي (6)
ومن (7) الاستطرادات الغريبة في هذه القصيدة (8) أيضا (9)، [قوله] (10) وقد (11)
بلغه أنّ المهذّب يعشق ابن أخيه وينكر ذلك، ويعقد الأيمان [عليه] (12) بسببه (13)، قوله (14) [من مجزوء الرجز]:(1/484)
__________
«تختبي» وفي ك: «تجتبي».
وأمّه أمّ السّكو ... ك (1) في استها والرّيب (2)
ذات حر أوسع من ... شارع باب اللّعب
وشعرة غليظة ... ذات نبات أشيب
قد شاب منها بعضها ... وبعضها لم يشب
ينقّب (3) منها طاقة ... بشدّة أو (4) تعب
فما شككت أنّها ... لحية (5) إبن الحلبي (6)
ومن (7) الاستطرادات الغريبة في هذه القصيدة (8) أيضا (9)، [قوله] (10) وقد (11)
بلغه أنّ المهذّب يعشق ابن أخيه وينكر ذلك، ويعقد الأيمان [عليه] (12) بسببه (13)، قوله (14) [من مجزوء الرجز]:
جارية مثل شرا ... ع (15) المضرب المطنّب
صعدت من عنبلها (16) ... بالليل فوق مرقب (17)
(1) في ب، د، ط، و: «الشكوك».
(2) في ب: «والذنب».
(3) في ب: «تنتف» وفي د، ط: «نتفت» وفي و: «تنفت».
(4) في د، ك، و: «و».
(5) قبلها في و: «من» مشطوبة.
(6) في و: «الحلب (ي)». والرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
ويشناك: من «يشنأك»: يبغضك. (اللسان 1/ 101 (شنأ)).
وفي هامش ك: «نقلت من خطّ شيخ الإسلام المشار إليه ما صورته: ومن استطراداته المخرعة قوله من قصيدة [من مجزوء الرجز]:
فقلت إعجابا بها:
أحسنت لي متّعت بك
أحسنت يا أوسع من
فتوح مولانا الملك»
[الرجز لم أقع عليه في ديوانه].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(7) في ط: «ومنها في».
(8) «في هذه القصيدة» سقطت من ط وفي د: «في هذا القصيد».
(9) «أيضا» سقطت من ط، و.
(10) في ط: «لمّا».
(11) من ب.
(12) من ط.
(13) في ب: «بسبب ذلك».
(14) في ب: «وهو».
(15) في ب: «الشراع».
(16) في ب، ط: «عليّها».
(17) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«مرقّب» (بالتشديد) وبه يكسر الوزن.(1/485)
حتّى رأيت ابن أخي ... بحضرة المهذّب (1)
ومثله [قوله] (2) من قصيدة (3) [من السريع]:
حتّى متى أفديك يا ستّي ... يندف (4) قطن استك برقشتي (5)؟
[متى أرى سرمك منهدما ... وخصيتي تنهزّ من تحتي] (6)؟
قالت: بهذا الأير؟ واستعبرت (7) ... وكان قد نام على بختي
قلت: نعم هذا على ما به ... قد ضرّط الأتن (8) فمن (9) أنت (10)
هذا إذا قام استوى طوله ... بطول ساقيك إذا نمت
فلو رأيتيه (11) على بيضه ... مثل أبي منصور في الدّست
خريت بالطّول على عارضي ... صاحب ديواني أو بلت
[يا أيّها الأستاذ يا من به ... يمسي كما أملته وقتي
خذ بيدي إنّي في محنة ... زلقت فيها في خرا تحتي] (12)
وأمّا قول القاضي الفاضل في هذا الباب، على طريقته الفاضلية، فإنّه عجيب، وهو [غاية في هذا النوع] (13) [من الكامل]:
لي عندكم دين ولكن هل له ... من طالب وفؤادي المرهون
فكأنّني ألف ولام في الهوى ... وكأنّ موعد وصلك التّنوين (14)
ومثله قول مسلم بن الوليد (15) [من الطويل]:
__________
(1) الرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) من ب، د، ط، و.
(3) في د: «من قصيد».
(4) في ب، ط، و: «بندف».
(5) في ط: «دقّ استي».
(6) من ط.
(7) في ط: «واستحقرت».
(8) في ب: «الإست» وفي ط: «البخت».
(9) في ط: «فما».
(10) في ك: «أنتي».
(11) في ب: «رأيته».
(12) من ط. والأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(13) من ب.
(14) في ط: «وصلكم تنوين». والبيتان في ديوانه ص 122وفيه: «وفؤادي الموهون».
(15) في ب: «وقول مسلم بن الوليد مثله».(1/486)
شربت (1) بها حتّى تجلّت بغرّة ... كغرّة يحيى حين يذكر خالد (2)
وغاية الغايات في هذا الباب قول عبد المطلب (3) جدّ النبيّ، (صلى الله عليه وسلم) (4) [من البسيط]:
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة ... ولو تسلّت أسلناها على الأسل
لا ينزل المجد إلّا في منازلنا ... كالنوم ليس له مأوى سوى المقل (5)
انظر إلى هذه البلاغة الهاشميّة، كيف جمعت بين حشمة الافتخار وتفخّم الحماسة (6) وبديع الافتنان (7) وغريب الاستطراد ورقّة الانسجام.
انتهى الكلام على بيت الشيخ صفي الدّين (8) الحليّ (9).
وبيت العميان [هو] (10):
قد أفصح الضّبّ تصديقا لبعثته ... إفصاح قسّ وسمع القوم لم يهم (11)
وهذا البيت على طريق الشيخ صفي الدين (12) الحليّ، فإنّ (13) ناظمه قصد بذكر الأوّل التوصّل إلى الثاني.
وبيت الشيخ عزّ الدّين (14) الموصليّ (15) [هو قوله] (16):
يستطرد الشوق خيل الدمع سابقة ... فيفضل السّحب فضل العرب للعجم (17)
الذي أقوله: إنّ الشيخ عزّ الدين (18) أحرز قصبات السبق باستطراده (19) هنا على
__________
(1) في ب، ط: «سريت».
(2) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(3) في ب: «وقول عبد المطلب غاية الغايات في هذا الباب».
(4) «جدّ النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، «سقطت من ب، د، و.
(5) البيتان له في نفحات الأزهار ص 150.
(6) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«في الأصل: الحاسّة، وما أثبتناه أصح».
(7) في د: «الافتتان».
(8) «صفي الدين» سقطت من ب.
(9) «الحليّ» سقطت من د.
(10) من ب.
(11) البيت في الحلّة السّيرا ص 97.
(12) «صفيّ الدين» سقطت من ب.
(13) في و: «فإنّ» مصحّحة عن «فإيق».
(14) «عز الدين» سقطت من ب.
(15) بعدها في و: «يستطرد» مشطوبة.
(16) من ب.
(17) البيت في نفحات الأزهار ص 151.
(18) في ب: «الشيخ الموصليّ» وفي د، ط:
«رحمه الله» وفي و: «رحمه الله تعالى».
(19) في ط: «بما استطرده».(1/487)
الشيخ صفيّ الدين (1) وعلى العميان، مع التزامه بتسمية النوع المورّى (2) به من جنس الغزل، ومراعاة جانب الرقّة ونظم الاستطراد على الشرط المذكور.
وبيت بديعيّتي [هو] (3):
واستطردوا (4) خيل صبري (5) عنهم فكبت ... وقصّرت كليالينا بوصلهم (6) /
وهذا البيت غريب ولا بدّ لأهل الأدب من تأهيل غربته (7) وقد تقدّم القول بإلغاء الكلام عليه (8).
__________
(1) في ب: «الشيخ الحلّيّ».
(2) في ب: «المؤدّى».
(3) من ب.
(4) في د: «وو استطردوا».
(5) في ط: «شوقي».
(6) البيت سبق تخريجه.
(7) في ب، ط: «غريبه».
(8) «وقد تقدّم عليه» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح» وبعدها في ب، د، ط، و:
«انتهى».(1/488)
الاستعارة (11)
10 - وكان غرس التمنّي يانعا فذوى ... بالاستعارة من نيران هجرهم (1)
الاستعارة عندهم أفضل من (2) المجاز وهي أخصّ منه، إذ قصد المبالغة شرط في الاستعارة دون المجاز، وموقعها في الأذواق السّليمة أبلغ، وليس في أنواع البديع أعجب منها إذا وقعت في مواقعها، وللنّاس فيها اختلاف كثير.
وأمّا أصحاب المعاني والبيان فإنّهم أطلقوا فيها أعنّة أقلامهم، وجالوا بها (3) في ميادين البحوث، وليس الغرض هنا إلّا (4) [نفس] (5) الاستطراد إلى ما وقع فيها من المحاسن نظما ونثرا بعد تقريبها إلى الأذهان بحدود يزول بها الالتباس (6).
حدّ الرّمانيّ الاستعارة فقال: هي تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على سبيل النقل وذكر الخفاجيّ كلام الرمانيّ، وقال: تفسير هذه الجملة (7)
قوله عزّ وجلّ (8): {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} (9)، استعارة (10)، لأن «الاشتعال» للنّار
__________
(11) في ط: «ذكر الاستعارة».
وفي هامش و: «نوع الاستعارة، وهي من أجلّ أنواع البديع وأبدعها». وقد أشير فوقها ب «حش».
(1) البيت في ديوانه ورقة 4أونفحات الأزهار ص 77.
(2) «من» سقطت من ب، و.
(3) «بها» سقطت من د.
(4) «إلّا» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) من ط.
(6) في هامش ب: «قال الطغرائيّ [من البسيط]:
طردت سرح الكرى عن ورد مقلته
والليل يغري سوامّ النوم بالمقل»
[ديوانه ص 54].
وقد أشير فوقها ب «حش».
(7) في ك: «الحكمة»، وفي هامشها:
«الجملة».
(8) في ب: «قوله تعالى».
(9) مريم: 4.
(10) «استعارة» سقطت من ب.(1/489)
ولم يوضع في أصل اللّغة للشيب (1)، فلما نقل إليه بأنّ المعنى لما اكتسبه من التشبيه لأنّ الشيب لمّا [كان] (2) يأخذ من الرأس شيئا فشيئا حتّى يحيله إلى غير لونه (3)
الأوّل (4)، كان بمنزلة النار التي تسري (5) في الخشب حتّى تحيله إلى حالة (6) غير حاله المتقدّمة، فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة في الوضع للبيان.
ولا (7) بدّ أن تكون الاستعارة أبلغ من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها، لأنّ الحقيقة لو قامت مقامها لكانت أولى بها، ولا يخفى على أهل الذوق أنّ قوله عزّ وجلّ (8): {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} (9)، أبلغ من «كثر شيب الرأس»، وهو حقيقة، ولا بدّ للاستعارة (10) من (11) مستعار منه ومستعار (12) ومستعار له، ف «النار» (13) مستعار منها و «الاشتعال» مستعار (14) و «الشيب» مستعار له. انتهى.
ومنهم من قال: هي ادّعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه، وهذا يؤيّد قول ابن جنّي: إن لم تكن (15) الاستعارة للمبالغة وإلا (16) فهي حقيقة. وكلام ابن جنّي حسن (17) في موضعه، فإنّ الشيء إذا أعطي وصف نفسه لم يكن استعارة.
وقال ابن المعتزّ: هي استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء عرف بها، كقول النبيّ، (صلى الله عليه وسلم): «ضمّوا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء» (18) فاستعار، (صلى الله عليه وسلم)، «الفحمة» ل «العشاء» لقصد حسن البيان.
ومنهم من قال: هي استعارة الشيء المحسوس للشيء المعقول. وقال (19)
__________
(1) في و: «الشيب».
(2) من ط.
(3) في ب: «حاله»، وفي هامشها: «لونه».
(4) «الأوّل» سقطت من وو ثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في د: «تمشي».
(6) «حالة» سقطت من ب، د، ط، و.
(7) في و: «فلا».
(8) في ب: «سبحانه وتعالى» وفي ط:
«تعالى».
(9) مريم: 4.
(10) في ط: «للاسعتارة».
(11) بعدها في د: «مستعار و» مشطوبة.
(12) «ومستعار» سقطت من ب.
(13) في ب: «والنار».
(14) «مستعار» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(15) في ط: «يكن».
(16) في ك: «وإلّا» كتبت فوق «للمبالغة».
(17) «حسن» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(18) الحديث في مسند أحمد بن حنبل 1/ 2457/ 312/ 77.
(19) في ط: «قال».(1/490)
الإمام (1) فخر الدين الرازيّ: هي جعلك الشيء للشيء (2) للمبالغة في التشبيه وقال ابن أبي الأصبع في «تحرير التحبير» (3): هي نقل اسم الراجح إلى المرجوح لطلب المبالغة في التشبيه (4) وحسن البيان، فإنّك إذا قلت: «زيد الأسد» (5)، فقد نقلت اسم الأسد لزيد، لكن الأسد راجح في الجرأة (6) وزيد مرجوح، وقد بالغت في تشبيه زيد بالأسد وأحسنت البيان. انتهى.
ولا تحسن الاستعارة إلّا من حيث (7) كان التشبيه مقرّرا، وكلّما زاد التشبيه خفاء زادت الاستعارة حسنا، وما أحسن قول ذي الرمّة هنا (8) [من الطويل]:
أقامت بها حتّى ذوى العود في الثّرى ... ولفّ (9) الثريّا في ملاءته الفجر (10)
فاستعار للفجر ملاءة وأخرج لفظه مخرج التشبيه، وكان أبو عمرو بن العلاء لا يرى أنّ لأحد مثل هذه الاستعارة.
وأحسن الاستعارات ما قرب منها دون ما بعد (11)، وأعظمها في هذا الباب قوله تعالى (12): {وَالصُّبْحِ إِذََا تَنَفَّسَ} (18) (13)، / فإنّ ظهور الأنوار من الشرق (14) من أشعّة الشمس قليلا قليلا، بينه وبين إخراج النفس مشابهة شديدة القرب، ومن هذا النور استضاء الحريريّ في مقاماته بقوله: «إلى أن عطس أنف الصباح».
وقد تقدّم أنّ بعد الاستعارة يبعد من القلوب عند أهل الذوق كقول أبي نواس [الحسن بن هانئ] (15)، مع يقظته (16) [مجزوء الرمل]:
__________
(1) «الإمام» سقطت من ط.
(2) «للشيء» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(3) في د: «التجيير».
(4) وقال ابن أبي الأصبع في التشبيه» سقطت من ب، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في ط: «أسد».
(6) في ط: «الجراءة».
(7) في ط: «إذا» مكان «من حيث» وفي ب، د، و: «حيث».
(8) «هنا» سقطت من ب.
(9) في ب، ط: «وكفّ».
(10) البيت في ديوانه 1/ 286والعمدة 1/ 428وفيهما: «والتوى» مكان «في الثرى» «وساق» مكان «ولفّ».
(11) بعدها في و: «دون ما قرب منها» مشطوبة.
(12) في ب: «سبحانه وتعالى».
(13) التكوير: 18.
(14) في ب، د، و: «المشرق».
(15) من ب.
(16) «مع يقطته» سقطت من و.(1/491)
بحّ صوت المال ممّا ... منك (1) يشكو ويصيح (2)
فأيّ شيء أبعد استعارة من صوت المال، وكيف يصيح ويبحّ من الصياح (3)
والشكوى (4)؟ ومثله قول بشّار [بن برد] (5) [من الطويل]:
وجذّت (6) رقاب الوصل أسياف هجرنا ... وقدّت لرجل البين نعلين من خدّي (7)
قال ابن رشيق في «العمدة»: ما أهجن (8) «رجل البين» وأقبح (9) استعارتها! وكذلك «رقاب الوصل» ومثله قول ابن المعتزّ، وهو [من] (10) أنقد النقّاد [وكبا به الجواد] (11) [من الخفيف]:
* كلّ يوم (12) يبول زبّ السحاب (13) * وأين هذا البعد من قرب استعارة ابن نباتة (14) القديم في قوله [من الكامل]:
حتّى إذا بهر (15) الأباطح والرّبا (16) ... نظرت إليه بأعين النوّار (17)
ف «نظر أعين النوّار» من أشبه الاستعارات وأقربها وأليقها (18)، لأنّ النوّار يشبه العيون إذا كان (19) مقابلا لمن يمرّ به، كأنّه ناظر إليه.
__________
(1) «منك» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ب:
«كان».
(2) البيت في ديوانه ص 114والعمدة 1/ 428.
(3) «الصياح» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(4) في ب، د، ط، و: «الشكوى».
(5) من ب.
(6) في ب، د، ك: «وحدّت» وفي ط، و:
«وجدّت» والصواب من الديوان.
(7) البيت في ديوانه ص 83والعمدة 1/ 428وفيهما: «وجذّت هجرها».
(8) في ط: «أقبح».
(9) في ط: «وأهجن».
(10) من ط.
(11) من ب.
(12) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«يو» مكان «يوم» وفي الحاشية: «هكذا في الأصل، ونظنها: «يوم»».
(13) الشطر لم أقع عليه في ديوانه وهو له في العمدة 1/ 429وتمامه:
«تحت ماء الطوفان أو بحر موسى
كلّ وقت»
(14) في ب: «العلّامة ابن نباتة».
(15) في ط: «نهر».
(16) في ط: «والثرى».
(17) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(18) في ط: «وأليقها وأقربها».
(19) في ب: «كانت».(1/492)
ويعجبني هنا قول القائل، ولم يلحق فيما قاله [من الوافر]:
مجرّة جدول وسماء آس ... وأنجم نرجس وشموس ورد
ورعد مثالث وسحاب كأس ... وبرق مدامة وضباب ندّ (1)
[ومن الغايات (2) في هذا الباب قول مجير (3) الدين بن تميم [من البسيط]:
وليلة بتّ أسقى في غياهبها ... راحا تسلّ شبابي من يد الهرم
ما زلت أشربها حتّى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم] (4)
والذي اتّفق عليه علماء البديع أنّ الاستعارة المرشّحة هي المقدّمة في هذا (5)
الباب، وليس [فوقها و] (6) فوق رتبتها في البديع رتبة، وأعلاها وأغلاها (7) قوله تعالى:
{أُولََئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلََالَةَ بِالْهُدى ََ فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} (8) فإنّ الاستعارة الأولى هي (9) لفظة (10) «الشراء» رشحت (11) الثانية وهي لفظة (12) «الربح» و «التجارة».
ومن الاستعارات المرشّحة (13) قول الإمام عليّ بن أبي (14) طالب، رضي الله عنه (15): الدنيا من أمسى فيها على جناح أمن، أصبح منها (16) على قوادم خوف فإنّ الاستعارة الأولى التي (17) هي لفظة (18) «الجناح» رشحت الثانية وهي لفظة (19)
__________
(1) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«ند: أي يترك الندى» وهي وهم وبها يكسر الوزن. والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(2) بعدها في ب: «أيضا».
(3) في ب: «الأمير مجير».
(4) «ومن الغايات الظلم» من ب، ط وسقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح». والبيتان في الأدب في العصر المملوكيّ 2/ 196.
(5) في و: «في هذا» مكررة.
(6) من ب.
(7) «وأغلاها» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(8) البقرة: 16.
(9) في ط: «وهي».
(10) في ط: «لفظ».
(11) في د: «رشحت» (* ح).
(12) في ط: «لفظ».
(13) في و: «المرشحة» مصحّحة عن «المرجّحة».
(14) «أبي» سقطت من د.
(15) سقطت من د وفي ب، ط: «رضي الله تعالى عنه».
(16) في ط: «فيها».
(17) «التي» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(18) «لفظة» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ط: «لفظ».
(19) في ط: «لفظ».(1/493)
«القوادم» مع زيادة المطابقة بين (1) «الأمن» و «الخوف»، و «الصّباح» و «المساء» وناهيك بالبلاغة (2) الهاشميّة [وباب المدينة] (3). وما أحلى قول بعض العرب فيها:
جعلنا سيوفنا (4) أرشية الموت فاستقينا بها (5) أرواح العدى (6).
ومثله قول الشاعر [من المجتثّ]:
سلّامة ابن نجاح (7) ... يجيد (8) حثّ الرّاح
إذا تغنّى زمرنا ... عليه بالأقداح (9)
ومثله لابن سكرة، وشتّان بين قوله هنا وبين قوله في «الكافات» [من مجزوء الرمل]:
قيل: ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدّة
قلت: درّاعة عري (10) ... تحتها جبّة رعده (11)
والذي ينشي (12) هنا قول القائل [من السريع]:
والشمس لا تشرب خمر النّدى ... في الروض إلّا بكؤوس الشقيق (13)
ومثله قول ابن رشيق (14) [من السريع]:
باكر إلى اللّذات واركب لها ... سوابق اللهو ذوات المراح (15)
من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح (16)
__________
(1) في ب: «من».
(2) في ب: «البلاغة».
(3) من ط وهنا إشارة إلى الحديث الشريف: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».
(لسان الميزان لابن حجر 3/ 145 ومستدرك الحاكم 3/ 126).
(4) في ط: «رماحنا».
(5) في هـ ك: «فاستقينا بها» ن.
(6) في ب: «العداة».
(7) في د: «نجاح».
(8) في د، ك، و: «تجيد».
(9) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(10) في ب: «برد».
(11) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(12) في ب: «ينشد».
(13) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(14) في ط: «رحمه الله».
(15) في ط: «المزاج».
(16) البيتان في ديوانه ص 5655وفيه:(1/494)
وما ألطف قول أبي زكريّا [يحيى] (1) المغربيّ، وقد ترجمه ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب في تاريخه المسمّى ب «الإحاطة في تاريخ غرناطة»، وهو [من الرمل]:
نام طفل النبت في جحر النّعامى ... لاهتزاز الظّلّ في مهد الخزامى (2)
وقال منها (3) [من الرمل]:
كحّل الفجر لهم جفن الدّجى ... وغدا في وجنة الصبح لثاما
تحسب البدر محيّا (4) ثمل (5) ... قد سقته راحة الصّبح مداما (6)
ويعجبني [هنا] (7) قول ابن قلاقس [من الطويل]:
وفي طيّ أبراد النسيم خميلة ... بأعطافها نور المنى يتفتّح
تضاحك في مسرى (8) المعاطف عارضا ... مدامعه في وجنة الرّوض تسفح
وتوري به كفّ الصّبا زند بارق ... شرارته في فحمة اللّيل تقدح (9)
وقال [أبو الحسن عليّ بن] (10) ظافر العسقلانيّ في كتابه المسمّى ب «بدائع البدائه»: اجتمعت أنا والقاضي الأعزّ (11) يوما في روضة، فقلت له أجز [من الرجز]:
* طار نسيم (12) الروض من وكر (13) الزّهر (14) *
__________
«المراح» و «الأقاح».
(1) من ب.
(2) البيت للشيخ الكامل يحيى بن هذيل التجيبي في نفحات الأزهار ص 75.
والنّعامى: من أسماء ريح الجنوب لأنّها أبلّ الرياح وأرطبها. (اللسان 12/ 585 (نعم)).
(3) «وقال منها» سقطت من ب، ط.
(4) في ب: «محبّا».
(5) في ب، ط: «ثملا».
(6) البيتان للشيخ الكامل يحيى بن هذيل التجيبي في نفحات الأزهار ص 75.
(7) من ب، د، ط، و.
(8) في ط: «سرّ».
(9) الأبيات في ديوانه ص 395وفيه:
«العواطف» و «تسفح» و «كفّ».
(10) من ط، و.
(11) في د: «الأغرّ».
(12) في و: «النسيم».
(13) في د: «ذكر».
(14) الرجز في بدائع البدائه ص 78وفيه:
«الزّهر».(1/495)
فقال [من الرجز]:
* وجاء مبلول الجناح بالمطر (1) * وما أبدع قول ابن خفاجة في هذا الباب [من الطويل]:
وقد نظرت شمس الأصيل إلى الرّبا ... بأضعف من طرف المريب وأفتر (2)
وصفرة مسواك الأصيل تروقني ... على لعس من مسقط (3) الشمس أسمر (4)
وممن تلطّف في استعمال الاستعارة المرشحة إلى الغاية مجد الدين الإربليّ بقوله [من الكامل]:
أصغي إلى قول العذول بجملتي ... مستفهما عنكم بغير ملال
لتلقّطي زهرات ورد خدودكم (5) ... من بين شوك ملامة العذّال (6)
وممّن جاراه في هذه الحلبة أبو الوليد بن (7) الحنان (8) الشاطبيّ بقوله (9) [من مجزوء الرمل]:
فوق خدّ الورد (10) دمع ... من عيون السّحب يذرف (11)
برداء (12) الشمس أضحى ... بعد ما سال يجفّف (13)
وظريف (14) قول مجير الدين بن تميم هنا (15) [من الكامل]:
كيف السّبيل بأن (16) أقبّل خدّ من ... أهوى وقد نامت عيون الحرّس
__________
(1) الرجز في بدائع البدائه ص 78وفيه:
«بالمطر».
(2) في ط: «وأفترا».
(3) في و: «سقط».
(4) في ط: «أسمرا». والبيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(5) في ب، د، ط، و: «حديثكم».
(6) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(7) «بن» سقطت من ب، وو ثبتت في هـ ومشارا إليها ب «صح».
(8) في د: «الحيّان» وفي ط: «حيّان» وفي و: «الجنان».
(9) «بقوله» سقطت من ب.
(10) في ك: «ورد م الخدّ م». (ويرجع التعريف عندئذ للكلمة الأولى هنا).
(11) في ب: «تذرف».
(12) في ب: «ورداء».
(13) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(14) في و: «وظريف هنا قول مجير الدين بن تميم».
(15) في ط: «منها».
(16) في ط: «لأن».
وأصابع المنثور تومئ نحونا ... حسدا وتغمزها عيون النرجس (1)
ومثله قوله [من الكامل]:(1/496)
__________
(16) في ط: «لأن».
وأصابع المنثور تومئ نحونا ... حسدا وتغمزها عيون النرجس (1)
ومثله قوله [من الكامل]:
لمّا ادّعى المنثور أنّ الورد لا ... يأتي (2) وأن يصلى بنار سعير
ودّت ثغور الأقحوان لو انّها ... كانت تعضّ أصابع المنثور (3)
ومثله قوله [من الكامل]:
كيف السّبيل للثم من أحببته ... في روضة للزهر فيها معرك
[ما بين منثور أقام ونرجس ... مع أقحوان فضله (4) لا يدرك] (5)
هذا يشير بإصبع وعيون ذا ... ترنو إليّ وثغر هذا يضحك (6)
وما أحلى قول محيي الدين بن قرناص [الحمويّ] (7) [من الخفيف]:
قد أتينا الرياض حين تجلّت ... وتحلّت (8) من الندى بجمان
ورأينا خواتم الزهر لمّا ... سقطت من أنامل الأغصان (9)
وقال البدر يوسف بن لؤلؤ (10) الذهبي (11) وأجاد [من السريع]:
هلّم يا صاح إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا همّه
نسيمها يعثر في ذيله ... وزهرها يضحك في كمّه (12)
ومثله قول ابن عمّار (13) [من مجزوء الكامل]:
(1) البيتان في الأدب في العصر المملوكي 2/ 194.
(2) في ط: «يؤتى».
(3) «ومثله قوله المنثور» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(4) في ب: «فضله».
(5) من ب، ط، و.
(6) الأبيات في الأدب في العصر المملوكيّ 2/ 195.
(7) من ب، ط.
(8) في ب: «وتجلّت».
(9) البيتان له في نفحات الأزهار ص 75.
(10) «يوسف بن لؤلؤ» سقطت من ط و «بن لؤلؤ» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ب: «ابن يوسف بدر الدين» مكان «البدر يوسف بن لؤلؤ».
(11) بعدها في و: «رحمه الله».
(12) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(13) «ومثله قول ابن عمار» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».(1/497)
يا ليلة بتنا بها ... في ظلّ أكناف النعيم
من فوق أكمام الرّيا ... ض وتحت أذيال النّسيم (1)
وأمّا مطلع [قصيد] (2) ابن نبيه (3) في هذا الباب، فإنّه أبهى من مطالع الأقمار، وديباجة الاستعارة من حليه (4) تستعار، وهو [من الطويل]:
تبسّم ثغر الزهر عن شنب القطر ... ودبّ عذار الظّلّ (5) في وجنة النهر (6)
وهذا المعنى مولّد من قول ابن خفاجة [الأندلسيّ] (7) [من الطويل]:
* وطرّة ظلّ فوق وجه غدير (8) * ولكن «ابتسام ثغر الزهر عن شنب القطر»، في قول (9) ابن نبيه (10)، غاية في الشطر الأوّل، والترشيح ب «دبّ عذار الظلّ في وجنة النهر» غاية الغايات مع إسفار وجه التشبيه (11).
وتلطّف (12) الشريف العقيليّ في هذا الباب بقوله (13) [من المجتثّ]:
وروضة الجام فيها ... من زهرة الراح ورد
فاشرب على وجه روض ... له من الماء خدّ (14)
وما [ألطف و] (15) أحلى قول القاضي السعيد ابن سناء (16) الملك هنا [وهو] (17)
__________
(1) البيتان لم اقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(2) من ط.
(3) في ب، ط: «ابن النبيه».
(4) في ب: «حليته» وفي د، و: «حليّه».
(5) في ب، و: «الطّلّ».
(6) البيت في ديوانه ص 227وفيه: «وجنة الزهر».
(7) من ط.
(8) في د: «عذير» والشطر في ديوانه ص 142وصدره:
«وإنّي، وإن جئت المشيب، لمولع»
(9) في ب: «بيت».
(10) في ك: «في قول ابن نبيه» مشطوبة سهوا.
(11) «غاية في التشبيه» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» و «في الشطر الأوّل التشبيه» سقطت من ب، د، و.
(12) في ب: «وقال».
(13) في ب: «فيه» مكان «في بقوله».
(14) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(15) من ب.
(16) في و: «ابن سناء» مكرّرة.
(17) من ب.(1/498)
[من الكامل]:
ولبعدهم طالت ذوائب ليلهم ... فبها (1) تغطّى نور (2) وجه نهارهم (3)
وأحلى منه قوله (4) [من الطويل]:
سرى طيفه لا بل سرى لي سرابه ... وقد طار من وكر الظّلام غرابه
أتت مع نقس الليل صفحة وجهه (5) ... فقلت حبيب قد أتاني كتابه (6)
وقال من غيرها [من الطويل]:
* بشوك القنا يحمون شهد رضابها (7) * وما أحلى تكميله بقوله [من الطويل]:
* ولا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل (8) * ومثله قوله [من البسيط]:
ألقى حبائل صيد من ذوائبه ... فصاد قلبي بأشراك من الشّعر (9)
وأحلى منه قوله [من الكامل]:
خصر أدير عليه معصم قبلة ... فكأنّ تقبيلي له تعنيق (10)
وغاية الغايات في هذا الباب (11) قوله [من الخفيف]:
بعثت لي (12) على فم الطّيف قبله ... فأتاني بعض المسرّة جمله (13)
ومن الاستعارات الحسنة (14) في هذا الباب قول شمس الدين محمد (15) بن
__________
(1) في د، ط: «فيها».
(2) في ط: «ضوء».
(3) البيت في ديوانه 2/ 449.
(4) في ب: «ألطف منه وأحلى قوله».
(5) في ط: «خدّه».
(6) البيتان في ديوانه 2/ 16.
والنّقس: المداد. (اللسان 6/ 240 (نقس)).
(7) في ب: «رضابهم». والشطر عجزه ما بعده.
(8) البيت في ديوانه 2/ 221.
(9) البيت في ديوانه 2/ 142.
(10) البيت في ديوانه 2/ 206.
(11) «في هذا الباب» سقطت من ط.
(12) في ب: «له».
(13) البيت في ديوانه 2/ 233.
(14) في هـ ك: «الجيدة» خ.
(15) «محمد» سقطت من ط.(1/499)
العفيف في مديح (1) النبيّ، (صلى الله عليه وسلم) (2)، [من البسيط]:
حيّاك يا تربة الهادي الرسول حيا ... بمنطق الرعد باد من فم السّحب (3)
وظريف هنا قول ابن قلاقس [من الوافر]:
هدتنا (4) للسرور نجوم راح ... بها قذفت شياطين الهموم /
وكفّ الصبح تلقط (5) ما تبدّى ... بجيد اللّيل من درر النجوم (6)
ومن اللطائف في هذا الباب قول أبي الحسن العقيليّ (7) [من السريع]:
لنا أخ يحسن أن يحسنا ... رضاه للجانين عذب الجنى (8)
قد عرفت روضة معروفه ... بأنّها تنبت (9) زهر الغنى
إذا تبدّى وجه إحسانه ... تنزّهت فيه (10) عيون المنى (11)
ويعجبني في الاستعارة المرشّحة قول ابن سعد (12) الموصليّ من قصيد (13)
يتشوّق بها (14) إلى دمشق المحروسة (15)، فإنّه أتى منها (16) في بيت واحد باستعارات كثيرة مع اجتناب الحشو، ومطلع القصيد (17) [المذكورة هو] (18) [قوله] (19) [من البسيط]:
__________
(1) في ب: «الشاب الظريف ابن الشيخ العفيف يمدح» مكان «شمس الدين محمد ابن العفيف في مديح».
(2) بعدها في ب: «وشرّف وكرّم».
(3) البيت في ديوانه ص 74وفيه: «الشفيع» مكان «الرسول».
(4) في ط: «هدينا».
(5) في ك: «يلقط» وفوق الياء نقطتان وفي و: «يلقط».
(6) البيتان في ديوانه ص 515وفيه:
«يلقط» و «درّ».
(7) في و: «رحمه الله تعالى».
(8) في ب، د، ك، و: «الجنا» وفي هـ ب:
«الجنى».
(9) في د: «تبيت».
(10) في ب: «في».
(11) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(12) في د: «أسعد» وفي ط: «ابن سعيد».
(13) في ط، و: «قصيدة».
(14) في ب، ط: «فيها».
(15) «المحروسة» سقطت من ب.
(16) في ط: «فيها».
(17) في ب، ط: «القصيدة».
(18) من ب.
(19) من ط.(1/500)
سقى دمشق وأياما (1) مضت فيها ... مواطر السّحب ساريها وغاديها (2)
وبيت الاستعارات (3) بعده [من البسيط]:
ولا يزال (4) جنين النبت ترضعه ... حوامل المزن في أحشاء أرضيها (5)
ومن أغرب الاستعارات وأبدعها وأحشمها قول ابن زيدون من قصيدته (6) النونية المشهورة (7) [من البسيط]:
سرّان في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتّى يكاد لسان الصبح يفشينا (8)
وقد عنّ لي أن أنثر في حدائق الاستعارة نبذة من زهر المنثور، وأورد منه ما يزهو بوروده على روضات الزهور، كقول القائل، [وهو] (9): وطفقنا نتعاطى شموسا من أكفّ بدور، وجسوم نار في غلائل نور، إلى أن ذهّب (10) الأصيل على لجين الماء، وشبّت نار الشفق في فحمة الظلماء.
ومثله قول عليّ بن ظافر الحدّاد: في دوح انعطفت قدود (11) أشجاره، وابتسمت (12) ثغور أزهاره، ودرّ كافور مائه على عنبر طينه، وامتدّ (13) بكاسات الجلّنار أنامل غصونه.
وقال آخر وأجاد: وقد غرق من الندى (14) جبين (15) النسيم، وابتلّ جناح الهوى (16)، وضربت خيمة الغمام، واغرورقت مقلة السّماء، وقام خطيب الرّعد فنبض عرق البرق.
وقد (17) حاز القاضي الفاضل قصبات السّبق في هذا الميدان بقوله: كتبها
__________
(1) في ك: «وأيّام».
(2) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(3) في ب، د، ط: «الاستعارة».
(4) في ب: «ولا زال».
(5) في ط: «أحشا أراضيها». والبيت
(6) في ب: «من أبيات».
(7) «النونية المشهورة» سقطت من ب.
(8) البيت في ديوانه ص 12.
(9) من ب.
(10) في د، و: «ذهّب» وفي ط: «ذاب ذهب».
(11) في ب: «ورود»، وفي هامشها «خصور».
(12) في ب: «وتبسّمت».
(13) في ب، د، ط، و: «وامتدّت».
(14) في ب: «غرق بالندى» وفي د، ط، و:
«عرق بالندى».
(15) في ب: «جنين».
(16) في ط: «الهواء».
(17) في ب، د، ط، و: «ولقد».(1/501)
المملوك ليلا (1)، وقد عمشت مقلة السّراج، وشابت لمة الدواة، وخرس لسان القلم، وكلّ خاطر السّكّين، وضاق صدر الورقة (2).
وما أحلى قول القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر، رحمه الله تعالى (3): والأغصان قد اخضرّ نبات عارضها، ودنانير الأزهار ودراهمها قد تهيّأت لتسليم قابضها (4).
وقال الشيخ (5) جمال الدّين بن نباتة (6): كتبها المملوك ودمع الغيث (7) قد رقي (8) ووجه (9) الأرض قد راق (10)، وقدود الغصون (11) قد راسلت (12) أهواء القلوب بالأوراق، وقيان حمائمها (13) قد ترنّمت وجذبت القلوب بالأطواق، والورد قد احمرّ خدّه الوسيم، وفكّت أزراره من أجياد القضب أنامل النسيم، وخرجت أكفّه من أكمامه لأخذ البيعة على الأزهار بالتقديم.
وممّا كتبته في البشارة الصادرة عن المقام الشريف المؤيّديّ (14)، خلّد الله تعالى ملكه (15)، عند عوده من البلاد الروميّة وحلول ركابه الشّريف (16) بحلب المحروسة (17)، المتضمّنة (18) ما منّ الله (19) به من الفتح الذي صار له في الروم قصص، سنة عشرين وثمانيمئة، فمن ذلك قولي عند حصار قلعة ترسوس (20)
وفتحها: ورأوا ألسن السّهام في أفواه تلك المرامي، برأينا الصائب (21) ناطقة، وما
__________
(1) «ليلا» سقطت من ط.
(2) في ط: «الورق».
(3) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب، ط.
(4) في ك: «قابضها» مصحّحة عن «قاضبها» وفي هامشها: «قابضها».
(5) «الشيخ» سقطت من ط.
(6) في ب: «الشيخ النباتي».
(7) في ب: «العين».
(8) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«رقا: سكن وجفّ».
(9) في ب: «وجه وجه».
(10) في ب: «فتزلق».
(11) في ط: «الأغصان».
(12) في ب: «أرسلت» وفي هامشها:
«راسلت».
(13) في ب: «الحمائم».
(14) في ط: «الملك المؤيد» مكان «المقام الشريف المؤيّدي».
(15) «خلد الله تعالى ملكه» سقطت من ب، ط وفي د: «خلّد الله ملكه».
(16) «الشريف» سقطت من ب.
(17) في ب: «المحمية».
(18) «المتضمنة» سقطت من ب.
(19) بعدها في ب: «سبحانه وتعالى» وفي و: «تعالى».
(20) لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(21) في ط: «فقالوا: رأينا المصائب».(1/502)
أظهروا (1) على سماء برج غيوم ستائر، إلّا لمعت فيها من بوارق نفوطنا (2) بارقة، وحكم عليهم القضاء بالاعتقال، ولم يأتوا عند ذلك الحكم بدافع، هذا بعد ما صفّق مقبلهم جماد وجهه فبصقت فيه أفواه المدافع.
وقولي في الاستعارة المرشّحة أيضا عند حصار قلعة «درندة» (3) وفتحها:
وقررنا (4) صدع صخورها (5) باختلاف (6) الآلات، فجاء ما قرّرناه نقشا على حجر، وادّعت أنّ صخرها أصمّ، فأسمعناه من آذان المرامي تنقير المدافع وتحريك الوتر، وقرعنا سنّ جبلها بسيّابات (7) المدافع (8) وكسرنا منه الثنية، وأمست حلّق مراميها (9)
كالخواتم في أصابع سهامنا المستوية (10).
ومثله (11) قولي عند حصار قلعة «كختا» (12) وفتحها على لسان حال القلعة في سموّها وإفراط (13) علوّها: فأنا الهيكل الذي ذاب قلب الأصيل على تذهيبه، وودّ دينار الشمس أن يكون من تعاويده (14)، والشجرة التي لولا (15) سموّ فروعها (16)
تفكّهت به حبّات الثريّا وانتظمت في سلك عناقيده، وتشامخ هذا الحصن ورفع أنف (17) جبله وتشامم، فأرمدنا (18) عيون مراميه بدم القوم، وأميال سهامنا على
__________
(1) في ط: «رموا».
(2) في ط: «نقوطها».
(3) في د: «دندرة»: ولعلّها كذلك وهي بلدة صغيرة على غربي النيل من نواحي الصعيد دون قوص. (معجم البلدان 2/ 543).
(4) في ب: «وقرّر».
(5) في ط: «سورها».
(6) في د: «باختلاف» مصححة عن «بالاختلاف».
(7) في ب، و: «بسبّابات» وفي ط:
«بنابات». والسيّابات: ج سيّابة:
البلحة. (اللسان 1/ 479 (سيب)).
(8) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
المداقع» وفي الحاشية: «المواقع:
المذلات».
(9) في د: «خلق مرامها».
(10) في د: «المستويّة».
(11) «ومثله» سقطت من وو ترك مكانها فارغا.
(12) في ط: «كختار» ولم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(13) في ك: «وإفراط» مصححة عن «في إفراط».
(14) في ط: «تعاويذه» وقد أهملت الذال لضرورة التسجيع.
(15) في ب: «لا».
(16) في ب، د، ط، و: «فرعها».
(17) في ك: «أنف» كتبت فوق «ورفع».
(18) في د: «فأرمد».(1/503)
تكحيلها (1) تتزاحم (2).
وغاية الغايات في هذا الباب قولي عند حصار [قلعة] (3) «كركر» (4): وتنكّرت أكراد «كركر» بسور (5) القلعة، فعرّفناهم بعلامات (6) القسيّ وألفات السّهام (7)، وعطست أنوف مراميها بأصوات مدافعنا كأنّ (8) بها زكام. ومن حسن (9) ختامها، ولم يخرج (10) عمّا نحن فيه من بديع الاستعارة وغريبها (11) قولي: فلا بكر قلعة إلّا افتضّينا بكارتها بالفتح وابتذلنا من ستائرها الحجاب، ولا كأس برج أترعوه بالتحصين إلّا توّجنا رأسه من حبّات مدافعنا بالحباب. انتهى.
ولم أحبس عنان (12) القلم عن (13) الاستطراد إلى ما وقع لي (14) من محاسن الاستعارة نظما إلّا للتخفيف عن بيت البديعيّة، من المزاحمة بالنظائر والأشباه، فإنه ليس له نظير في هذا الباب (15) وقلت تكفيه (16) المزاحمة في مناظرة الشيخ صفيّ الدين (17) الحليّ ومبارزة (18) الشيخ عزّ الدين (19) الموصليّ (20)، وحمل ثقل العميان.
__________
(1) في ب: «تكحيله».
(2) في د: «تتزاخم».
(3) من ط.
(4) كركر: ناحية من بغداد، منها القفص وقيل أيضا: هو حصن بين سميساط وحصن زياد، وهو قلعة، وقد خربت.
(معجم البلدان 4/ 453).
(5) في د: «بسوق».
(6) في ب، د، ط، و: «بلامات».
(7) بعدها في ك: «وعطست أنف مراميها بأصوات مدافعنا بعلامات القسيّ وألفات السهام» وقد أسقطتها لما سبقها وتلاها من اللفظ نفسه.
(8) في ط: «وكأنّ».
(9) في ب: «وحسن».
(10) في د، ط: «نخرج» وفي و: «تخرج».
(11) في ب: «وعذبها».
(12) «عنان» من هـ ك.
(13) في ب: «عند».
(14) في ك: «ولم أحبس القلم عن الاستطراد إلى ما وقع لي»، وفي هامشها: «وقد حبست عنان القلم عن الاستطراد إلى ما وقع لي» صح. والأرجح أن عبارة المتن هي الأصحّ بدليل انتقاض النفي ب «إلا».
(15) «من المزاحمة الباب» سقطت من ب، د، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(16) في ب: «يكفيه».
(17) «صفيّ الدين» سقطت من ب.
(18) في د: «ومبادرة».
(19) «عز الدين» سقطت من ب.
(20) بعدها في ط: «رحمه الله».(1/504)
فبيت (1) الشيخ صفيّ الدين (2) الحليّ (3)، رحمه الله (4)، في بديعيّته، وهو الشاهد على نوع الاستعارة:
إن لم أحثّ مطايا (5) العزم (6) مثقلة ... من القوافي تؤمّ (7) المجد عن أمم (8)
وبيت العميان:
يقول صحبي وسفن العيس خائضة ... بحر اليباب (9) وعين القيظ لم تنم (10)
بيت الشيخ صفيّ الدين (11) وبيت العميان لم يحسن السكوت عليهما، ولا تتمّ (12) بهما الفائدة (13)، فإنّ بيت الشيخ صفيّ الدين (14) متعلق بما قبله، وبيت العميان متعلّق (15) بما بعده.
وبيت الشيخ عزّ الدين (16) صالح للتجريد، وهو:
دع المعاصي فشيب الرأس مشتعل ... بالاستعارة من أرواحها (17) العقم (18)
ولكن لم يخل تركيبه من عقادة، وفي «أرواحها العقم» من الرعب ما يكفي (19).
__________
(1) في ب: «وبيت».
(2) «صفيّ الدين» سقطت من ب.
(3) «الحلّيّ» سقطت من ط، و.
(4) «رحمه الله» سقطت من ب.
(5) في ب: «المطايا».
(6) بعدها في و: «مجتهدا» مشطوبة.
(7) في ب: «يوم».
(8) في و: «عن أممي». والبيت في ديوانه ص 690ونفحات الأزهار ص 77 وشرح الكافية البديعية ص 126.
وعن أمم: عن قرب. (اللسان 12/ 28 (أمم)).
وفي هامش ب: «قبل هذا البيت الذي أوله: إن لم أحثّ [من البسيط]:
لا لقّبتني المعالي بابن بجدتها
يوم الفخار ولا برّ التّقى قسمي»
[شرح الكافية البديعية ص 124]. وقد أشير فوقها ب «حش».
(9) في ب: «النبات» وفي ط: «السراب».
(10) البيت في الحلة السيرا ص 63وفيه:
«بحر السراب».
(11) في ب: «الشيخ الحليّ».
(12) في ب: «يتمّ».
(13) في ب: «لهما الفائدة» وفي ط: «الفائدة بهما».
(14) في ب: «الشيخ الحليّ».
(15) «بما قبله متعلّق» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(16) في ب: «الشيخ الموصليّ».
(17) في ط: «أزواجها».
(18) البيت في نفحات الأزهار ص 77.
(19) ولكن لم يكفي» سقطت من ب، د،(1/505)
أقوالها لو (1) بلغت ما عسى (2) أنّ في قوله «من أرواحها (3) العقم» ما يرعب (4)
السامع.
وبيت بديعيّتي [المتقدّم ذكره في ذلك، هو] (5):
وكان غرس التمنّي يانعا فذوى ... بالاستعارة من نيران هجرهم (6)
قد (7) تقدّم أنّ المقدّم عند علماء البديع الاستعارة المرشّحة، والاستعارة الأولى (8)، فلفظة «غرس» رشّحت ب «يانع» و «ذوى» (9)، وأمّا قولي «بالاستعارة من نيران هجرهم» بعد لفظة (10) «ذوى» ما (11) أعدّه إلّا من المنح الإلهاميّة، فإن اسم النوع الذي هو الاستعارة جمع بين التورية والاستعارة والترشيح، مع عدم الحشو، وصحّة التركيب، والمشي على جادة الرقّة، والالتزام بتسمية النوع مورّى (12) به من جنس الغزل. انتهى.
__________
ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «خ».
(1) في ب، و: «أقولها لو» وفي ط: «أقول ولو».
(2) في ك: «أقوالها عسى» أشير فوقها ب «خ» (خاء ممدودة). وبعدها في ط: «أن يكون».
(3) في ط: «أزواجها».
(4) في ب، ك: «يرغب».
(5) من ب.
(6) البيت سبق تخريجه.
(7) في ط: «وقد».
(8) «والاستعارة الأولى» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(9) «وذوى» سقطت من ب، د، ط، ك، وو ثبتت في هـ ك.
(10) «لفظة» سقطت من ب، د، ط، وو في ك: كتبت فوق «بعد».
(11) في ط: «فما».
(12) في ب: «مؤدّى».(1/506)
فهرس المحتويات
المقدّمة 5
خطّة هذا البحث ومنهجه: 9
مدخل: ابن حجّة الحمويّ وخزانته 20
1 - ترجمة ابن حجّة الحمويّ (767هـ. 837هـ.): 21
2 - آثاره ومصنّفاته الأدبيّة: 54
أالآثار النثريّة: 54
ب الآثار الشعريّة: 56
ج مختاراته من الدواوين: 58
د آثاره المفقودة: 61
3 - كتابه المسمّى ب «خزانة الأدب وغاية الأرب»: 62
أوّلا: الكتاب: 62
ثانيا: المخطوطة: 72
الفصل الأوّل: علم البديع ونشأته 105
الفصل الثاني: البديعيّات: نشأتها وتطوّرها 134
الفصل الثالث: البديعيات: تعريفها، شروطها، موضوعها، أثرها وقيمتها 156
1 - تعريف البديعيات، شروطها، موضوعها: 156
2 - أثر البديعيّات وقيمتها: 164
الفصل الرابع: ناظمو البديعيّات 190
الفصل الخامس: أهمّ البديعيّات وأبرزها 209(1/507)
الفصل السّادس: بديعية ابن حجّة الحمويّ وشرحها: دراسة مقارنة تحليليّة 251
[خطبة المؤلّف] 303
حسن الابتداء وبراعة الاستهلال * 307
[حسن الابتداء عند العرب والمولّدين]: 307
[حسن الابتداء عند المتأخّرين]: 314
[براعة الاستهلال في النظم]: 329
[براعة الاستهلال في النثر]: 350
الجناس المطلق والمركّب 376
الجناس الملفّق 405
الجناس المذيّل واللّاحق 411
[الجناس] التامّ والمطرّف 418
الجناس المصحّف والمحرّف 441
الجناس اللفظيّ والمقلوب 450
الجناس المعنويّ 463
الاستطراد 477
الاستعارة 489
فهرس المحتويات 507(1/508)
المجلد الثالث
التلميح (30)
58 - وردّ شمس الضّحى للقوم خاضعة ... وما ليوشع تلميح بركبهم (1)
التلميح: هو في (2) الاصطلاح، أن يشير ناظم هذا النوع في بيت، أو قرينة سجع (3)، إلى قصّة معلومة، أو نكتة مشهورة، أو بيت شعر حفظ لتواتره، أو إلى مثل سائر (4) يجريه (5) في كلامه على جهة التمثيل وأحسنه وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى المقصود، وسمّاه قوم «التليح» (6) بتقديم الميم [على اللام] (7)، كأنّ الناظم أتى في بيته بنكتة زادته ملاحة، كقول ابن المعتزّ [من الخفيف]:
أترى الجيرة الذين تداعوا ... عند سير الحبيب وقت الزوال
علموا أنّني مقيم وقلبي ... راحل فيهم أمام الجمال
مثل صاع العزيز في أرحل القو ... م ولا يعلمون ما في الرّحال (8)
هذا التلميح فيه إشارة إلى قصّة يوسف (9)، حين جعل الصّاع في رحل أخيه، وأخوته لم يشعروا (10) بذلك.
__________
(30) «التلميح» سقطت من ط.
(1) البيت في ديوانه ورقة هـ أونفحات الأزهار ص 188.
ويوشع: أحد الأنبياء الذين ارتدّت الشمس لهم بعد غيابها.
(2) «في» سقطت من ب.
(3) في و: «شجع».
(4) في د: «ساتر».
(5) في ب: «لجريه».
(6) في ك: «التلميح» وفي هـ د:
«التمليح».
(7) من ب.
(8) الأبيات لم أقع عليها في ديوانه وهي له في الإيضاح ص 348.
والصاع: المكيال لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد. (اللسان: 9/ 215 (صوع)).
(9) بعدها في ب: «على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام» وفي د، ط، و: «عليه السلام».
(10) في ب: «لا يشعرون».(3/5)
ومن لطائف التلميح (1) قول أبي فراس (2) [من الطويل]:
فلا خير في ردّ الأذى بمذلّة ... كما ردّها (3) يوما بسوأته عمرو (4)
هذا التلميح فيه إشارة إلى قصّة عمرو بن العاص (5) مع الإمام (6) عليّ بن أبي طالب (7)، رضي الله عنه (8)، في يوم صفّين، حين حمل عليه الإمام (9)، ورأى عمرو أن لا مخلص له منه، فلم يسعه غير كشف العورة.
ومن التلميح بالحديث (10) [الشريف] (11) على جهة التورية قول بعضهم في مليح اسمه «بدر» [من المجتثّ]:
يا بدر أهلك جاروا ... وعلّموك التّجرّي
وقبّحوا لك وصلي ... وحسّنوا لك هجري
فليفعلوا ما أرادوا (12) ... فإنّهم أهل بدر (13)
هذا تلميح (14) فيه إشارة (15) إلى قول النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، لعمر حين سأل قتل حاطب [رضي الله عنهما] (11): «لعلّ الله قد أطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (17). ومن ذلك (18) قول الشاعر [من الطويل]:
لعمرو (19) مع الرمضاء والنار تلتظي ... أرقّ وأحنى (20) منك في (21) ساعة الهجر (22)
__________
(1) في ب: «التلميح».
(2) بعدها في ب: «الحمدانيّ» وبعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(3) في ط: «ردّه».
(4) البيت في ديوانه ص 165وفيه: «ولا خير في دفع».
(5) في ب، د، ك: «العاصي».
(6) «الإمام» سقطت من ب.
(7) «بن أبي طالب» سقطت من ب.
(8) في ب: «عنهما».
(9) في ب: «عليّ» مكان «الإمام».
(10) في د، ط: «ومن الحديث».
(11) من ب.
(12) في ب: «يشاؤوا».
(13) في ب، و: «بدري». والأبيات بلا نسبة في نفحات الأزهار ص 185ونظم الدرّ والعقيان ص 316.
(14) في د، ط، و: «التلميح».
(15) في ب: «وإشارة».
(17) الحديث في مجمع الزوائد للهيثميّ 9/ 160وفتح الباري لابن حجر 11/ 47.
(18) «ذلك» سقطت من ب.
(19) في ط: «لعمر».
(20) في ب: «وأخفى» وفي د: «وأجنى».
(21) «في» سقطت من ب.
(22) البيت لأبي تمام في ديوانه 2/ 409(3/6)
هذا الشاعر أشار بتلميحه (1)، في هذا البيت، إلى البيت المشهور الذي ما برح الناس يتمثّلون به عند من هو موصوف بالقسوة، وهو [من البسيط]:
ألمستجير بعمرو عند حاجته (2) ... كالمستجير من الرّمضاء بالنار (3)
ومن ذلك قول بعضهم [من الطويل]:
يقولون كافات الشتاء كثيرة ... وما هي (4) إلّا واحد غير مفترى
إذا كان كاف الكيس فالكلّ حاصل ... لديك وكلّ الصّيد يوجد في الفرا (5)
هذا الشاعر أشار في تلميح بيته إلى قول ابن سكّرة (6) [من البسيط]:
جاء الشّتاء وعندي من حوائجه ... سبع إذا العثّ (7) عن حاجاتنا حبسا
كيس وكنّ (8) وكانون وكأس طلى ... مع (9) الكباب وكسّ ناعم وكسا (10)
ومن أظرف ما وقع هنا أنّ امرأة من أهل [الذوق و] (11) الحذق والظرافة، قيل
__________
وتحرير التحبير ص 141وشرح الكافية البديعية ص 328والإيضاح ص 349 وفيها: «وأحفى» مكان «وأحنى» و «في ساعة الكرب» والعمدة 2/ 147وفيه:
«وأحمى الكرب».
(1) في ب، ك: «تلميحه».
(2) في ب، د، ط، و: «كربته».
(3) البيت للتّكلام الضبعيّ في فصل المقال ص 377، 338وللبحتري في ديوانه 1/ 603ولكليب وائل في المستقصى 2/ 19وبلا نسبة في جمهرة الأمثال 2/ 160والإيضاح ص 349وتحرير التحبير ص 141والعمدة 2/ 147 والأمثال والحكم ص 125وفرائد اللآل 2/ 116والميداني 1/ 375 وشرح الكافية البديعية ص 329 وفيها: «عند كربته» ونهاية الإيجاز ص 288وفيه: «المستغيث كربته كالمستغيث».
(4) في ب: «هو».
(5) في د، ك: «الكرا»، وفي هـ ك: «صوابه:
«الفرا»». والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
والمثل: «كلّ الصيد في جوف الفرا» في الأمثال النبويّة 2/ 48وتمثال الأمثال 2/ 518وجمهرة الأمثال 1/ 165 والحيوان 1/ 335وفصل المقال ص 10وكتاب الأمثال ص 35واللسان 1/ 121 (فرأ) والمستقصى 2/ 224 والميداني 2/ 136.
(6) بعدها في و: «رحمه الله».
(7) في ب، د، ط، و: «القطر».
(8) في ط: «كنّ وكيس».
(9) في ط: «بعد».
(10) البيتان سبق تخريجهما.
(11) من ب.(3/7)
لها: من أنت؟ وكانت ملتفّة في كساء (1) فقالت: أنا السّادس في السّابع أشارت في تلميحها اللطيف إلى السّادس والسّابع من قول ابن سكرة، فكأنّها قالت: أنا الكسّ الناعم في الكساء.
ونظم بعضهم هذا المعنى في بيتين فقال [من السريع]:
رأيتها ملفوفة في كسا ... خوفا من الكاشح والطّامع
قلت لها: من أنت يا هذه ... قالت أنا السّادس في السابع (2)
وهذا غاية لا تدرك في باب التلميح (3).
ومن هذا القبيل قول الحريرىّ في المقامات (4): «وإنّي والله لطالما (5) تلقّيت الشتاء بكافاته، وأعددت له الأهب (6) قبل موافاته» (7) ومثله قوله في المقامات أيضا (8) [في التلميح] (9): «فبتّ بليلة نابغيّة» يشير إلى قول النابغة [من الطويل]:
فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع (10)
و «الضّئيلة» هي الحيّة الدّقيقة.
ومن لطائف التلميح قصّة الهذليّ مع منصور بني العبّاس (11)، فإنّه روي (12) أنّ المنصور وعد الهذليّ بجائزة ونسي، فحجّا معا ومرّا في المدينة النبويّة (13)، [على ساكنها أفضل الصلاة وأتمّ السلام] (14)، ببيت عاتكة، فقال الهذليّ [للمنصور] (14):
يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص (16) [من الكامل]:
يا دار (17) عاتكة الّتي أتغزّل ... [حذر العدى وبه الفؤاد موكّل] (18)
__________
(1) في د، و: «بكساء».
(2) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(3) في هـ و: «التلميح» ن.
(4) في ب: «مقاماته».
(5) في د: «لظالما».
(6) في د: «الأهب» وفي ط: «أهب».
(7) القول في الإيضاح ص 349.
(8) في و: «أيضا» كتبت فوق «المقامات».
(9) من ب.
(10) البيت في ديوانه ص 53والإيضاح ص 349.
(11) في ب: «المنصور العباسيّ».
(12) في ط: «حكي».
(13) «النبويّة» سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(14) من ب.
(16) في ك: «الأخوص».
(17) في ط: «بيت».
(18) من ط. والبيت في ديوانه ص 118 وفيه: «يا بيت» و «الذي».(3/8)
[قال] (1): فأنكر عليه أمير المؤمنين (2) [ذلك] (3)، لأنّه تكلّم من غير أن يسأل، فلمّا رجع الخليفة (4)، نظر في القصيدة إلى آخرها، ليعلم ما أراد الهذليّ بإنشاد ذلك البيت من غير استدعاء، فإذا فيها [هذا البيت، وهو] (5) [من الكامل]:
وأراك (6) تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللّسان يقول ما لا يفعل (7)
فعلم أنّه أشار إلى هذا البيت بتلميحه الغريب، فتذكّر ما وعده به، وأنجزه له، واعتذر إليه من النسيان.
ومثله ما حكي أنّ أبا العلاء المعرّيّ كان (8) يتعصّب (9) للمتنبّي (10)، فحضر يوما مجلس [الشريف] (11) المرتضى، فجرى ذكر أبي الطيّب، فهضم المرتضى من جانبه، فقال أبو العلاء (12): [يا مولانا] (13) لو لم يكن له من الشّعر إلّا قوله [من الكامل]:
* لك يا منازل في القلوب منازل (14) *
لكفاه، فغضب المرتضى وأمر به، فسحب وأخرج، وبعد إخراجه قال المرتضى: أتدرون (15) ما عنى بذكر البيت؟ فقالوا: لا والله فقال (16): عنى به قول أبي الطيّب (17) في القصيد [من الكامل]:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ... فهي الشّهادة لي بأنّي كامل (18)
__________
(1) من ب.
(2) في ب: «المنصور» مكان «أمير المؤمنين».
(3) من ب.
(4) في ب: «المنصور» مكان «الخليفة».
(5) من ب.
(6) في و: «وأرك».
(7) البيت في ديوانه ص 123وفيه:
«الحديث» مكان «اللسان».
(8) «كان» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ب: «متعصّبا».
(10) في ب: «لأبي الطيّب المتنبّي».
(11) من ط.
(12) بعدها في ب: «المعرّي» وفي و:
«رحمه الله».
(13) من ب.
(14) الشطر في ديوانه ص 177وعجزه:
* أقفرت أنت وهنّ منك أو اهل *
(15) في ب، د، ط، و: «هل تدرون».
(16) في و: «قال».
(17) بعدها في ب: «المتنبّي».
(18) في هـ ك: «فاضل» خ. والبيت في ديوانه ص 180والأمثال السائرة من شعر(3/9)
ومن هذا القبيل قصّة السّريّ الرفّاء مع سيف الدّولة [بن حمدان] (1) بسبب المتنبّي أيضا (2)، فإنّ السّريّ الرفاء كان من مدّاح سيف الدولة، وجرى (3) يوما (4) في مجلسه ذكر أبي الطيّب المتنبّي (5)، فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه، فقال له السّريّ (6): أشتهي [أنّ] (7) الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده لأعارضها له، ويتحقّق [بذلك] (8) أنّه أركب المتنبّي في غير سرجه فقال له سيف الدولة على الفور: عارض لنا قصيدته القافيّة (9) التي مطلعها [من الطويل]:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحبّ ما لم يبق منّي (10) وما بقي (11)
قال السّريّ: فكتبت القصيدة واعتبرتها في تلك الليلة، فلم أجدها من مختارات أبي الطيّب، لكن رأيته يقول في آخرها عن ممدوحه [من الطويل]:
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثمّ قال له الحق (12)
فقلت: والله ما أشار سيف الدّولة (13) إلّا إلى هذا (14) البيت، وأحجمت عن معارضة القصيد (15).
وألطف من هذا ما حكاه ابن الجوزيّ في كتاب «الأذكياء»، فإنّه من غرائب التلميح، قال: قعد رجل على جسر بغداد فأقبلت امرأة بارعة في (16) الجمال من جهة الرّصافة إلى الجانب الغربيّ، فاستقبلها شابّ، فقال لها: رحم الله عليّ (17) بن الجهم، فقالت (18) المرأة (19): رحم الله أبا العلاء المعرّيّ، وما وقفا بل سارا مشرّقا
__________
المتنبي ص 31ونهاية الأرب 3/ 106وديوان المعاني 3/ 237وبلا نسبة في الأمثال والحكم ص 117 والمستطرف ص 60.
(1) من ب.
(2) «أيضا» سقطت من ب.
(3) في ب: «فجرى».
(4) «يوما» سقطت من ب.
(5) «المتنبي» سقطت من ب، د، ط، و.
(6) بعدها في ب: «الرفاء».
(7) من ب، ط، و.
(8) من ب، د، ط، و.
(9) في ب: «قصيده» مكان «قصيدته القافية».
(10) في ب: «لم نبق الهوى» وفي ط: «لم يبق منه».
(11) البيت في ديوانه ص 345.
(12) البيت في ديوانه ص 347.
(13) في ب: «السيف الدولة».
(14) في ب: «لهذا».
(15) في ب، ط: «القصيدة».
(16) «في» سقطت من ب.
(17) «عليّ» سقطت من ب.
(18) بعدها في ب، د، ط، و: «له».
(19) «المرأة» سقطت من د، ط.(3/10)
ومغرّبا (1) قال الرجل فتبعت المرأة، وقلت (2) لها: والله إن لم تقولي لي ما أراد ب «ابن الجهم» / [وما أردت ب «أبي العلاء» وإلّا] (3) فضحتك، قالت (4): أراد به (5)
قوله (6) [من الطويل]:
عيون المها بين الرّصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري (7)
وأردت أنا بأبي العلاء قوله [من الطويل]:
فيا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال (8)
ورسالة الوزير أبي الوليد بن زيدون المخزوميّ الأندلسيّ غالبها مبنيّ (9) على نوع التلميح، ولا بدّ أن أذكر الموجب لإنشائها بحيث يتلمح المتأمّل بهجة تلميحها.
سبب (10) إنشاء هذه الرسالة البديعة أنّه كان بقرطبة، امرأة ظريفة متأدّبة من بنات خلفاء (11) العرب (12) المنسوبين إلى عبد الرحمن بن الحكم المعروف ب «الدّاخل»، في بني عبد الملك بن مروان، تسمّى «ولّادة بنت المستكفي بالله»، ابتذل حجابها بعد نكبة أبيها وقتله، وصارت (13) تجلس للشّعراء والكتّاب وتحاضرهم وتطارحهم، وكانت ذات جمال بارع، وأدب غضّ، ودماثة أخلاق، وكان لها ميل إلى ابن زيدون بخلاف غيره من أهل العصر، فممّا كتبت [به] (14) إليه وهي راضية عنه (15)
[تقول] (16) [من الطويل]:
ترقّب إذا جنّ الظلام زيارتي ... فإنّي رأيت اللّيل أكتم للسّرّ
__________
(1) في ط: «مغرّبا ومشرّقا».
(2) في ط: «فقلت».
(3) من ب.
(4) في ب: «فقالت».
(5) في ب: «بابن الجهم».
(6) «قوله» سقطت من ط.
(7) البيت لابن الجهم في ديوانه ص 141، 220، 252وكتاب الأذكياء ص 249 ونفحات الأزهار ص 186.
(8) البيت سبق تخريجه في خطبة الخزانة 1/ 305.
(9) «مبنيّ» سقطت من ب.
(10) في ب، ط: «وسبب».
(11) في ب: «خلفاء» مصححة عن «الخلفاء».
(12) في و: «الغرب».
(13) في د، ط، و: «فصارت».
(14) من ب.
(15) في ب: «عنه راضية».
(16) من ب.(3/11)
وبي مثل (1) ما لو كان بالبدر لم ينر (2) ... وباللّيل لم يظلم وبالنجم لم يسر (3)
وكتبت إليه وهي عليه (4) غضبى [من السريع]:
إنّ ابن زيدون على فضله ... يلهج بي شتما ولا ذنب لي
يلحظني شزرا إذا جئته ... كأنّما جئت لأخصي علي (5)
تشير في تلميحها اللطيف إلى غلام كان متّهما به.
ومن غضّ شعرها قولها (6) [من الوافر]:
أنا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وأمكن عاشقي من صحن خدّي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها (7)
وممّا ينسب إليها [من السريع]:
لحاظكم تجرحنا في الحشا ... ولحظنا يجرحكم (8) في الخدود
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا ... فما الذي أوجب هذا (9) الصّدود (10)
وكان ابن زيدون كثير الشغف بها والميل إليها، وأكثر غزل شعره فيها، وقد تقدّم ذكر ميلها إليه بخلاف أهل عصره من أهل الأدب، لحسن أدبه ولطف شمائله وتقدّمه على أهل زمانه. وكان الوزير [أبو عامر] (11) بن عبدوس كثير الهيمان بها، واجتهد في التوصّل إليها والاجتماع بها والاقتطاف من ثمار آدابها الغضّة والتمتّع بجمالها البارع، فعجز عن ذلك، لكثرة ميلها إلى ابن زيدون، وتوصّل إلى أن أرسل إليها امرأة من خواصّه يستميلها (12) إليه، وتعرّفها عظم (13) مقامه وسموّ رتبته على غيره، وتبالغ في التوصّل إلى رغبتها فيه، فبلغ ذلك ابن زيدون، فأنشأ هذه الرسالة على
__________
(1) في ب، د، ط، و: «منك».
(2) في ب: «لم يبن».
(3) البيتان لم أقع عليهما في ديوانها.
(4) «عليه» سقطت من ط.
(5) البيتان لم أقع عليهما في ديوانها.
(6) بعدها في و: «رحمها الله تعالى».
(7) البيتان لم أقع عليهما في ديوانها.
(8) في ب: «لحظكم يجرحنا» وتحتها:
«لحظنا يجرحكم».
(9) في ط: «جرح».
(10) البيتان لم أقع عليهما في ديوانها.
(11) من ب، ط، وو في د: «عامر».
(12) في د، و: «تستميلها» وفي ط:
«لتستميلها».
(13) في ب: «عظيم».(3/12)
لسان ولّادة تتضمن (1) سبّ الوزير أبي عامر والتهكّم به، وبنى غالبها على نوع التلميح، وجعل (2) جوابا عنها، فاشتهر ذكر الرّسالة في الآفاق وأمسك الوزير ابن عبدوس عن التعرّض إلى ولّادة (3).
فمن سجعات الرّسالة المبنيّة على التلميح قوله منها، على لسان (4) ولّادة، يخاطب الوزير ابن عبدوس: «حتّى قالت (5) إنّ باقلا (6) موصوف بالبلاغة إذا قرن بك». هذا التلميح فيه إشارة إلى [باقل وهو] (7) عمرو بن ثعلبة الأياديّ، الذي يضرب به المثل (8) في العيّ يقال (9): «[فلان] (10) أعيا من باقل» (11). قال أبو عبيدة: بلغ من عيّه أنّه اشترى ظبيا بأحد (12) عشر درهما، فلقيه شخص والظّبي معه، فقال له:
بكم اشتريته؟ ففتح كفّيه (13) وفرّق أصابعه وأخرج لسانه، [يشير إلى أحد عشر] (14)، فهرب الظبي.
[ومنها] (15): «وهبنّقة (16) مستوجب لاسم العقل إذا أضيف إليك». هذا التلميح يشير فيه ابن زيدون إلى (17) يزيد بن ثروان أحد بني قيس بن ثعلبة الملقّب ب «هبنّقة»،
__________
(1) في د: «يتضمّن».
(2) في ب، ط: «وجعلها».
(3) في و: «لولّادة».
(4) «لسان» سقطت من ك، و، وثبتت في هامشيهما مشارا إليها ب «صح».
(5) في و: «قال».
(6) في ك: «باقل».
(7) من ب.
(8) في ب، و: «المثل به».
(9) في ب، د، ط، و: «فيقال».
(10) من ط.
(11) المثل في الألفاظ الكتابية ص 281 وثمار القلوب ص 102وجمهرة الأمثال 2/ 72والحيوان 1/ 39والدرّة الفاخرة 1/ 298وزهر الأكم 1/ 80 والعقد الفريد 3/ 70والوسيط في الأمثال ص 71والميداني 2/ 43 وكتاب الأمثال ص 368واللسان 15/ 113 (عيا) والمستقصى 1/ 256.
(12) في ب: «بإحدى».
(13) في د: «فكّيه».
(14) من د، ط، وو في ب: «يشير إلى أحد عشر درهما».
(15) زيادة يقتضيها السياق.
(16) هبنّقة: هو يزيد بن ثروان أحد بني قيس ابن ثعلبة يضرب المثل بحمقه، فيقال:
أحمق من هبنّقة. (الأعلام 8/ 180 والألفاظ الكتابية ص 280وثمار القلوب ص 143وجمهرة الأمثال 1/ 385والدّرّة الفاخرة 1/ 135وزهر الأكم 2/ 138والعقد الفريد 3/ 71 واللسان 10/ 365 (هبنق) والميداني 1/ 217والمستقصى 1/ 85.
(17) بعدها في ب: «هبنّقة، وهو».(3/13)
والمكنّى (1) ب «أبي الودعات»، لأنه نظم ودعا (2) في سلك، وجعله في عنقه علامة لنفسه لئلّا يضيع، وهو جاهليّ يضرب به المثل في الحمق، قيل إنّه كان إذا رأى (3)
غنما، أو إبلا جعل مختار (4) المراعي للسّمان (5) ونحّى المهازيل عنها، وقال: لا أصلح ما أفسد الله. / واختصم بنو راسب وبنو طفاوة في شخص يدّعونه، وأطلعوا (6)
هبنّقة على أمرهم فقال: ألقوه في البحر، فإن رسب فهو من بني راسب، وإن طفا فهو من بني طفاوة. واشترى أخوه بقرة بأربعة أعنز فركبها، فأعجبه عدوها فالتفت إلى أخيه، وقال: «زدهم عنزا»، فضرب بها المثل للمعطي (7) بعد إمضاء البيع، ثمّ سار فرأى أرنبا تحت شجرة، ففزع منها، وهمر (8) البقرة، وقال [من الرجز]:
ألله نجّاني ونجّى البقرة ... من جاحظ العينين تحت الشّجره (9)
[ومنها] (10): «وطويسا (11) مأثورا (12) عنه يمن الطائر إذا قيس عليك». هذا التلميح يشير به إلى [طويس، وهو] (13) عيسى بن عبد الله مولى بني مخزوم، وكنيته أبو نعيم (14)، كان مخنّثا ماجنا (15) ظريفا، يسكن المدينة، وهو أوّل من (16) غنّى على الدفّ بالعربيّة (17)، ولكن ضرب في شؤمه المثل، فإنّه ولد يوم قبض رسول الله،
__________
(1) في د، ط: «المكنّى».
(2) الودع: مناقيف صغار تخرج من البحر، وهي جوف، في جوفها دويبة كالحلمة وقيل: هو حيوان في جوف البحر، إذا قذف إلى البرّ مات. (اللسان 8/ 380 387 (ودع) وحياة الحيوان 2/ 394).
(3) في ب، ط: «رعى».
(4) في ب: «مجتاز».
(5) في ب: «السمان».
(6) في ب: «وأطلقوا».
(7) في ب: «لمن يعطي».
(8) في ب، ط، و: «وهمز».
(9) الرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(10) زيادة يقتضيها السياق.
(11) طويس، يضرب المثل بشؤمه، فيقال:
أشام من طويس. (الألفاظ الكتابية ص 282وثمار القلوب ص 145وجمهرة الأمثال 1/ 538والدّرّة الفاخرة 1/ 235وزهر الأكم 3/ 209والفاخر ص 104واللسان 6/ 127 (طوس) والمستقصى 1/ 182والميداني 1/ 258.
(12) في ب، د، ط، و: «مأثور».
(13) من ب.
(14) في ب، د، ط: «النّعيم».
(15) «ماجنا» سقطت من ب.
(16) في ب: «من» كتبت تحت «غنّى».
(17) «بالعربيّة» سقطت من د.(3/14)
(صلى الله عليه وسلم)، وفطم يوم مات أبو بكر [الصدّيق] (1)، وختن يوم قتل عمر [بن الخطاب] (1)، وتزوّج (3) يوم قتل عثمان (4) [بن عفّان] (5)، وكانت أمّه تمشي بالنميمة بين نساء الأنصار (6).
ومن تلميح هذه الرّسالة، التي هي (7) غاية في هذا الباب، قوله منها يشير (8) إلى ابن عبدوس: «والله لو كساك محرّق (9) البردين، وحلّتك مارية بالقرطين (10)، وقلّدك عمرو الصّمصامة، وحملك الحارث (11) على النعامة، ما شككت في إيّاك، ولا كنت إلّا ذاك».
السجعة الأولى يشير (12) في تلميحها إلى عمرو بن المنذر بن ماء السّماء، كان يسمّى لشدّة (13) بأسه «محرّقا» (14)، وقصّة هذه التسمية (15)، استوفى أبو الفرج (16)
صاحب «الأغاني» شرحها في كتابه، وأمّا قصّة البردين، فحكي أنّ الوفود اجتمعت عند محرّق (17) فأخرج من لباسه بردين، وقال: ليقم أعزّ العرب قبيلة فليأخذهما (18)، فقام عامر (19) بن أخيم (20) فأخذهما، فاتّزر بالواحدة (21) وارتدى بالأخرى، فقال له محرّق (22): أنت أعزّ العرب قبيلة؟ فقال: نعم، لأنّ العزّ كلّه (23) في معدّ، والعدد
__________
(1) من ب وبعد كلّ منهما في ب: «رضي الله تعالى عنه».
(3) في ب، د، ط، و: «وزوّج».
(4) من ب.
(5) بعدها في ب: «رضي الله تعالى عنهم أجمعين».
وفي هامش ك: «وبعضهم زاد، وقال:
«وولد له يوم قتل عليّ بن أبي طالب»».
وقد كتب فوقها: «حاشية».
(6) في د: «الأمصار» وبعدها في ب:
«رضي الله تعالى عنهم».
(7) في ب، و: «الذي هو».
(8) «يشير» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ب، و: «مخرّق».
(10) في ب: «القرطين».
(11) في ب: «حارث».
(12) في ط: «تشير».
(13) في د، ط: «من شدّة».
(14) في ب، و: «مخرّقا».
(15) في و: «السّجعة» مشطوبة، وفي هامشها: «التسمية» صح.
(16) «أبو الفرج» سقطت من ب.
(17) في ب، و: «مخرّق».
(18) في ك: «فقال: نعم».
(19) في و: «عمرو».
(20) في ط: «أخيمر».
(21) في ط: «بواحدة».
(22) في ب، و: «مخرق».
(23) «كله» سقطت من ب.(3/15)
في معدّ (1)، ثم في نزار، ثمّ في مضر، ثمّ في تميم، ثمّ في سعد، ثمّ في كعب، فمن أنكر ذلك فليناظرني، فسكت الناس فقال له (2): هذه عشيرتك في نفسك (3)
كما تزعم فكيف أنت في نفسك وأهل بيتك؟ (4) فقال: أنا أبو عشرة، وأخو عشرة، وعمّ عشرة (5)، وخال عشرة، وها أنا في نفسي، وشاهد العزّ شاهدي، ثمّ وضع قدمه على الأرض، وقال: من أزالها من مكانها (6) فله مئة من الإبل، فلم يقم إليه أحد، فخرج بالبردين، وضرب المثل بعزّه وبرديه (7).
والسجعة (8) الثانية يشير (9) في تلميحه (10) إلى مارية، وقصّتها، المشهورة بالقرطين، وهي مارية ابنة ظالم بن وهب الكنديّ زوج الحارث الأكبر الغسّانيّ، ملك العرب بالشّام، وهي أمّ الحارث الأصغر، وأمّها (11) هند الهنود، وكان في قرطيها درّتان عجيبتان كبيضتي الحمام (12) لم ير مثلهما، توارثهما (13) الملوك إلى أن وصلتا إلى عبد الملك بن مروان فوهبهما لابنته فاطمة لمّا زوّجها بعمر بن عبد العزيز (14)، فلمّا ولي عمر (15) الخلافة، قال لها: إن أحببت المقام عندي فضعي القرطين والحليّ في بيت مال المسلمين، فأجابته إلى سؤاله، فلمّا مات، ولي (16) يزيد بن عبد الملك، أرسل إليها يقول لها (17): خذي القرطين والحليّ، فقالت: لا والله ما أوافقه في حال حياته، وأخالفه بعد وفاته (18).
__________
(1) «والعدد في معدّ» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(2) «له» سقطت من ط.
(3) «في نفسك» سقطت من ب، د، ط، و.
(4) «وأهل بيتك» سقطت من ب.
(5) «وعمّ عشرة» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(6) من مكانها سقطت من وو ثبتت فى هامشها مشارا اليها ب «صح».
(7) في ب، د، ط، و: «وببرديه».
(8) في ب: «وأمّا السجعة».
(9) في ط: «تشير».
(10) في ب، د، ط، و: «تلميحها».
(11) في ب: «واسمها».
(12) في ب: «الحمامة».
(13) في ط: «توارثتهما».
(14) بعدها في ب: «رحمه الله تعالى».
(15) بعدها في ب: «بن عبد العزيز، رضي الله (الله) * تعالى عنه».
* مكرّرة.
(16) في ب، د، ط، و: «وولي».
(17) «لها» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(18) في ب: «مماته».(3/16)
والسجعة الثالثة يشير (1) في تلميحها إلى عمرو بن معدي كرب (2) الزبيديّ الفارس المشهور بكثرة الغارات والوقائع بين العرب في الجاهلية قبل إسلامه، وكان يكنّى أبا ثور، والصمصامة سيفه المشهور، قال عبد الملك بن عمير (3) أهدت بلقيس إلى سليمان، صلوات الله وسلامه عليه (4)، خمسة أسياف، وهي (5): ذو الفقار، وذو النون، ومخذم، ورسوب (6)، والصّمصامة فأمّا ذو الفقار فكان لرسول الله، (صلى الله عليه وسلم)، أخذه من منبّه بن الحجاج يوم بدر، ومخذم ورسوب كانا للحارث بن جبلة / الغسانيّ، وذو النون والصّمصامة لعمرو بن معدي كرب (7)، وانتقلت الصّمصامة إلى سعد بن العاص، ولم تزل إلى أن صعد المهديّ [العباسيّ] (8) البصرة، فلمّا كان بواسط أرسل إلى بني العاص يطلب الصّمصامة منهم، فقالوا: إنّه (9) صار محبّسا (10)
في السّبيل (11)، فقال: خمسون سيفا في السّبيل أغنى من سيف واحد، وأعطاهم خمسين سيفا وأخذه (12)، ثمّ وصل إلى المتوكّل فدفعه إلى بعض مماليكه الأتراك فقتله به.
السّجعة (13) الرّابعة يشير (14) في تلميحها (15) إلى فرس الحارث بن عباد الثعلبيّ (16) سيّد بني وائل، سمّتها العرب لخفّتها وسرعة جريها ب (17) «النعامة» وضربت بها (18) الأمثال. وكان الحارث يكرّر قوله في كلّ وقت بإنشاده [من الخفيف]:
* قرّبا (19) مربط النّعامة منّي (20) * انتهى.
__________
(1) في ط: «تشير».
(2) في ب: «الكرب».
(3) في ب، ط: «عمر».
(4) في ب: «على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة وأتمّ السلام» وفي د، ط، و: «عليه السلام».
(5) في ب، د، ط، و: «وهم».
(6) في د: «ورسوب».
(7) بعدها في ب: «الزبيديّ».
(8) من ب.
(9) بعدها في ط: «قد».
(10) في ب: «مخبّسا» وفي ط: «محتسبا».
(11) في ب: «سبيل الله».
(12) في و: «ثمّ أخذه».
(13) في ب، ط: «والسجعة».
(14) في ط: «تشير».
(15) في ب، هـ ب: «تلميحها».
(16) في ب، ط: «التغلبيّ».
(17) «ب» سقطت من ب.
(18) بعدها في ب: «العرب».
(19) في ب: «فريا».
(20) الشطر له في الأغاني 9/ 386ومجمع الأمثال ص 339وعجزه:
إنّ بيع الكريم بالشّسع غالي(3/17)
ولولا خوف الإطالة لأوردت من هذه الرسالة غالب تلميحها، فإنّها نسيج وحدها على هذا المنوال، أعني التلميح.
وبيت الشيخ صفيّ الدين (1) الحلّيّ على هذا النوع قوله:
إن ألقها تتلقّف كلّ ما صنعوا ... إذا أتيت بسحر من كلامهم (2)
بيت الشيخ صفيّ الدّين (3) هنا أيضا متعلّق (4) بما قبله، والضمير في «ألقها» عائد على (5) «العصا»، فإنّه قال في بيت (6) الاقتباس:
هذي عصاي الّتي فيها مآرب لي ... وقد أهشّ بها طورا على غنمي (7)
وقال بعده في بيت (8) التلميح «إن ألقها [تتلقّف كلّ ما صنعوا]» (9) البيت، ورأيته يسلك (10) هذا المسلك في غالب بديعيّته، وهو غير لائق به، إذ المراد من كلّ بيت أن يكون شاهدا على ذلك النوع بمجرّده، والتلميح في بيته (11) هو الإشارة إلى قصّة موسى، صلوات الله عليه (12)، مع السحرة لمّا ألقى العصا.
وبيت العميان في بديعيّتهم [على هذا النوع، هو] (13):
ويقرع (14) السّمع عن حقّ زواجره ... قرع الرّماح ببدر ظهر منهزم (15)
العميان أشاروا في تلميحهم إلى قصّة يوم (16) بدر، ولكن ليس على شمائل بيتهم
__________
(1) «صفيّ الدين» سقطت من ب.
(2) البيت في ديوانه ص 702وفيه:
«كلّما» وشرح الكافية البديعية ص 328ونفحات الأزهار ص 187.
(3) في ب: «الحليّ» مكان «صفيّ الدين».
(4) في ب: «يتعلّق».
(5) في ط: «إلى».
(6) «بيت» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(7) البيت في ديوانه ص 702وشرح الكافية البديعية ص 326ونفحات الأزهار ص 244.
(8) «بيت» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) من ب.
(10) في ب: «على» مكان «يسلك».
(11) «في بيته» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(12) في ب: «على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام» وفي د، ط، و: «عليه السلام».
(13) من ب.
(14) في و: «وتقرع».
(15) البيت في الحلّة السّيرا ص 76.
(16) «يوم» سقطت من ب.(3/18)
من رونق التلميح لمحة.
وبيت الشيخ عزّ الدّين (1) الموصليّ في بديعيته (2) [على هذا النوع هو] (2) قوله:
وبان في كتب التّاريخ من قدم ... تلميح قصّة موسى مع معدّهم (4)
لم ألمح من خلال بيت الشيخ عزّ الدين (5)، غفر الله له (6)، لمحة تدلّني على نور التلميح، لكنه حكى حكاية مضمونها أنّ كتب التاريخ القديمة بان فيها تلميح قصّة موسى، صلوات الله عليه (7)، مع معدّ، والله أعلم.
وبيت بديعيّتي تقدّمني في تلميحه أبو تمّام بقوله متغزّلا في بعض قصائده، وقد سفرت محبوبته من جانب الخدر ليلا [من الطويل]:
فردّت علينا الشّمس واللّيل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع
فو الله ما أدري أأحلام نائم ... ألمّت بنا أم كان في الرّكب يوشع (8)
فلمّا انتهيت في نظم بديعيّتي إلى هذا النوع، أعني التلميح، رأيت النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، أحقّ به، وأنا أحقّ به من أبي تمّام، فإنّني (9) نظمته في سلك المعجزات النبويّة (10)، فهامت عيون الأذواق إلى بهجة تلميحه.
وقد تقدّم قولي في بيت التشبيه عن النبيّ، (صلى الله عليه وسلم) (11):
والبدر في التمّ كالعرجون صار له ... فقل لهم يتركوا تشبيه بدرهم (12)
ثمّ قلت بعده في [بيت] (13) التلميح:
وردّ شمس الضّحى للقوم خاضعة ... وما ليوشع تلميح بركبهم (14)
__________
(1) «عزّ الدين» سقطت من ب.
(2) من ب.
(4) البيت في نفحات الأزهار ص 187.
(5) في ب: «الموصلي» مكان «عزّ الدين».
(6) في ب: «لنا وله».
(7) في ب: «على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام» وفي د، ط، و: «عليه السلام».
(8) البيتان في ديوانه 1/ 298297 والإيضاح ص 349348والبيت الثاني في نفحات الأزهار ص 188.
(9) في ط، و: «فإنّي».
(10) بعدها في ب: «على صاحبها الصلاة والسلام».
(11) بعدها في ب: «وشرّف وكرّم».
(12) البيت سبق تخريجه.
(13) من ب.
(14) البيت سبق تخريجه.(3/19)
انظر أيّها المتأمّل إلى انسجام هذا البيت مع البيت (1) الذي قبله، وإلى ظهور النقص في بيت أبي تمّام، بانتقال نور التلميح إلى شرف هذا البيت النبويّ، والله أعلم (2).
__________
(1) «البيت» سقطت من د، ط.
(2) في ب: «صلى الله عليه وسلم، وشرّف وكرّم وبجّل وعظّم» وفي و: «والله سبحانه وتعالى أعلم».(3/20)
تشبيه شيئين بشيئين (30)
59 - شيئان قد أشبها شيئين فيه لنا ... تبسّم وعطا كالبرق في الدّيم (1)
هذا النوع، أعني تشبيه شيئين بشيئين، من المحاسن العزيزة الوقوع بخلاف كثرة (2) العدد في التشبيه، فإنّ ذلك نوع اللفّ والنشر أحقّ به، وهو في الاصطلاح:
أن يقابل الشاعر بين الأربعة [في التشبيه] (3) ويلتزم أنّ (4) كلّ واحد من المشبّه يسدّ مسدّ المشبه به.
وممّا حكي عن بشّار بن برد أنّه قال: «ما زلت منذ سمعت قول امرئ القيس، في وصف العقاب [من الطويل]:
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى (5) وكرها العنّاب والحشف البالي (6)
لا يأخذني الهجوع حسدا له، إلى أن قلت في وصف الحرب [من الطويل]:
كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى (7) كواكبه (8)
__________
(30) في ط: «ذكر تشبيه شيئين بشيئين».
(1) في ب: «والدّيم». والبيت في ديوانه ورقة 5أونفحات الأزهار ص 201.
(2) في ط: «كبيرة».
(3) من ب.
(4) في ب: «أن يكون» مكان «أنّ».
(5) في ك: «لذي».
(6) في ب: «البال (ي)». والبيت في ديوانه ص 264وتحرير التحبير ص 163 والعمدة 1/ 461وفيه: «الحشف» والإيضاح ص 213وأسرار البلاغة ص 168ونفحات الأزهار ص 198 وشرح الكافية البديعية ص 231والبديع ص 69والأغاني 3/ 140، 192 وشرح شواهد المغني 1/ 342 والصاحبي في فقه اللغة ص 244 واللسان 1/ 206 (أدب) وتاج العروس (بال) وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 218ونهاية الإيجاز ص 155، 208.
(7) في ب، د، ط، و: «تهاوت».
(8) البيت لبشّار بن برد في ديوانه 1/ 318 وشرح الكافية البديعية ص 232وفيه:(3/21)
وممّا يعجبني، في (1) هذا الباب، إلى الغاية (2) قول إبراهيم بن سهل الإشبيليّ (3)
[من الوافر]:
كأنّ القلب والسّلوان ذهن ... يحوم عليه معنى مستحيل (4)
ومن الغايات التي لا تدرك في هذا الباب، وأنا أستغفر الله، قولي من قصيد [من البسيط]:
وحمرة الخدّ أبدت خيط عارضه ... فخلت كأس مدام وهو مشعور (5)
وبيت الشيخ صفيّ الدين (6) الحليّ (7) في بديعيّته (8) [في هذا النوع، عامر بالمحاسن، رافل في حلل الانسجام، وهو] (9):
تلاعبوا تحت ظلّ السّمر من مرح ... كما تلاعبت الأشبال في الأجم (10)
بيت الشيخ صفيّ الدين (11) في هذا النوع عامر بالمحاسن، رافل في حلل الانسجام (12).
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم.
وبيت الشيخ عزّ الدين (13) الموصليّ في بديعيّته قوله:
__________
«كأنّ في مثار» ونفحات الأزهار ص 198والأغاني 3/ 134، 192 والعمدة 1/ 461وأسرار البلاغة ص 151والإيضاح ص 199وتحرير التحبير ص 483ونهاية الإيجاز ودراية الإعجاز ص 155، 285.
وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«تهاوت» وفي هامشها: «وقد روي:
«تهاوى» بدل «تهاوت» و «تهاوى» أبلغ في التشبيه، وتؤدّي معنى «تهاوت» وزيادة الحركة التي تحسّها في حروف الكلمة:
«تتهاوى»».
(1) في ب: «من».
(2) «إلى الغاية» سقطت من ب.
(3) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(4) البيت في ديوانه ص 277ونفحات الأزهار ص 198.
(5) البيت في ديوانه ورقة 8ب.
(6) «صفيّ الدين» سقطت من ب.
(7) بعدها في و: «رحمه الله».
(8) «في بديعيته» سقطت من ب.
(9) من ب.
(10) في د: «الأجم». والبيت في ديوانه ص 697وشرح الكافية البديعية ص 231 ونفحات الأزهار ص 200وفيه:
«الرمح» مكان «السمر».
(11) في ب: «الحلّي» مكان «صفيّ الدين».
(12) في ب: «كما تقدّم» مكان «رافل في حلل الانسجام».
(13) «عزّ الدين» سقطت من ب.(3/22)
شيئان يشبه (1) شيئين انتبه لهما ... حلم وجهل هما كالبرء والسّقم (2)
نعوذ بالله من آفة الغفلة، فإنّ (3) ممدوح هذا البيت هو النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، وقد تقدّمه (4) قوله في مديحه، [(صلى الله عليه وسلم)، وشرّف وكرّم] (5):
هل من مقارنة (6) في السّير بعد نوى ... يا طيّب التّمر بين العرب والعجم (7)
وقال بعده (8) هذا البيت الداثر. وقد سلّمنا أنّه قابل [فيه] (9) بين (10) «حلم» (11)
النبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، ب «البرء» (12) وأمّا ذكر «الجهل» في هذا البيت، هو (13) [في] (14) غاية الجهل، وليس له ما يقابله غير التأديب على قلّة أدبه، وقد قابل به السّقم، ولا أعلم ما مراده به، وطالعت شرحه فوجدته قد قرّر هذا (15) النوع، وفرّ من الكلام على حدّ النوع (16) بخلاف أبيات القصيد (17).
وبيت بديعيّتي أقول فيه عن النبيّ، (صلى الله عليه وسلم) (18):
شيئان قد أشبها شيئين فيه لنا ... تبسّم وعطا كالبرق في الدّيم (19)
هذا البيت البديع في لفظه ومعناه، ما (20) أشكّ أنّ أبا بكر (21) مقدّم فيه على الحلّيّ والموصليّ، فإنّه وضعه في محلّه، والنبيّ، (صلى الله عليه وسلم)، أحقّ به من كلّ ممدوح،
__________
(1) في د: «تشبه» وفي ط: «تشبيه».
(2) البيت في ديوانه ص 200، وفيه:
«تشبيه».
(3) «فإنّ» سقطت من ب، د، ط، و.
(4) في ب: «تقدّم».
(5) من ب.
(6) في ب: «يقاربه» وفي د، ط، و:
«مقاربة».
(7) البيت في نفحات الأزهار ص 201 وفيه: «مقارنة».
(8) في د، ك، و: «بعد».
(9) من ب، ط.
(10) «بين» سقطت من ب، د، ط، و.
(11) في ب: «حلم» مصححة عن «الحلم».
(12) لو قال: «والبر» لكان أصوب، لوجود «بين» قبلها.
(13) في ب، د، ط، و: «فهو».
(14) من ط.
(15) في ب، د، ط، و: «حدّ».
(16) في ب، د، ط، و: «معنى البيت» مكان «حدّ النوع».
(17) في ب، ط: «القصيدة».
(18) في ب: «صلّى الله وسلّم عليه، وزاده شرفا وكرما لديه».
(19) البيت سبق تخريجه.
(20) في د: «وما» وفي و: «ما» مصححة عن «وما».
(21) يقصد ابن حجّة نفسه.(3/23)
وقد جمع فيه بين حسن اللفّ والنشر وبليغ التشبيه، وأمّا مراعاة النظير في مديحه بين «البرق» و «الدّيم» فليس له (1) نظير، والله أعلم (2).
__________
(1) في ب، د، ط: «لها» وفي و: «لهما».
(2) في ب: «والله سبحانه وتعالى أعلم».(3/24)
الانسجام (30)
60 - لذّ (1) انسجام دموعي في مدائحه ... بالله شنّف بها يا طيّب النّغم (2)
المراد من الانسجام (3) أن يأتي لخلوّه (4) من العقادة، كانسجام الماء في انحداره، ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقّة، ولعمري إنّ طيور القلوب ما برحت على أفنان هذا النوع واقعة، وبمحاسنه الغضّة بين الأوراق ساجعة، وأهل الطريق الغرامية هم بدور مطالعه، وسكّان مرابعه، فإنّهم ما أثقلوا كاهل سهولته بنوع من أنواع البديع، أللهمّ (5) إلّا أن يأتي عفوا من غير قصد، وعلى هذا أجمع علماء البديع في حدّ هذا النوع، فإنّهم قرّروا أن يكون بعيدا من التصنّع، خاليا من الأنواع البديعيّة، إلّا أن يأتي في ضمن السهولة من غير قصد.
وغالب شعر الشيخ شرف الدين (6) عبد العزيز (7) الأنصاري، شيخ شيوخ حماة، سقى الله من غيث الرّحمة ثراه، ماش على هذا التقرير، ويأتي (8) التمثيل به في مكانه، إن شاء الله تعالى.
__________
(30) في ط: «ذكر الانسجام».
(1) في ط: «له».
(2) البيت في ديوانه ورقة 5أونفحات الأزهار ص 303.
وشنّف: قرّط، أو زيّن. (اللسان 9/ 183 (شنف)).
(3) في و: «بالانسجام».
(4) في ب: «بخلوّه».
(5) «اللهمّ» سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(6) في ب: «عبد العزيز».
(7) «عبد العزيز» سقطت من وو ثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ب:
«شرف الدين».
(8) في و: «وسيأتي».(3/25)
[الانسجام في النثر] (1):
وإن كان الانسجام في النثر يكون غالب (2) فقراته (3) موزونة، من غير قصد، لقوّة انسجامه (4)، وأعظم الشّواهد على هذا، ما جاء في القرآن العظيم من الموزون بغير قصد [في بيوت وأشطار بيوت، فمن الطويل الذي جاء على أصل الدائرة في القرآن العظيم، قوله تعالى] (5): {فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} (6) وتفعيله القياسيّ: فعولن مفاعيلن، فعولن مفاعيلن، كقول الشاعر [من الطويل]:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدا على وجدي (7)
وجاء من (8) بحر المديد من العروض الثانية المحذوفة، قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} (9) كقول الشاعر [من المديد]:
إعلموا أنّي لكم حافظ ... شاهدا (10) ما دمت أو غائبا (11)
ومن مصرّعه [من الرّمل]:
زعم النعمان ملك العرب ... ليس ينجي من عصاه الهرب (12)
وجاء في بحر البسيط من العروض الأولى المخبونة قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لََا يُرى ََ إِلََّا مَسََاكِنُهُمْ} (13) كقول الشاعر [من البسيط]:
* ما بال عينيك (14) منها الماء ينسكب (15) *
__________
(1) زيادة يقتضيها المنهاج.
(2) في ب، ك: «غالبا».
(3) في ب: «وقراته».
(4) في ب: «الانسجام».
(5) من ب، د، ط، وو في ب: «الكريم» مكان «العظيم» وفي و: «العزيز» و «قوله تعالى» سقطت من د، ط.
(6) الكهف: 29.
(7) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(8) في ب، د، ط، و: «في».
(9) هود: 37.
(10) في ك: «مشاهد».
(11) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(12) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(13) الأحقاف: 25. وفي ب، ط، ك، و:
«ترى مساكنهم».
(14) في ب، د، ط: «عينك».
(15) الشطر لذي الرمّة في ديوانه 1/ 41 وفيه: «عينك» وعجزه:
* كأنّه من كلّى مفريّة سرب *
ولسان العرب 1/ 466 (سرب) وجمهرة(3/26)
وجاء في الوافر من العروض الأولى المقطوعة (1) والضرب المقطوف، قوله تعالى: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (2) كقول الشاعر [من الوافر]:
ألا هبّي بصحنك (3) فاصبحينا ... ولا تبقي (4) خمور الأندرينا (5)
وجاء في الكامل من العروض الصحيحة المجزوءة والضرب المجزوء المذال (6)
قوله تعالى: {وَاللََّهُ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (7) كقول الشاعر [من مجزوء الكامل]:
أبنيّ لا تظلم بمك ... كة لا الصّغير ولا الكبير (8)
وجاء في الهزج من عروضه المجزوءة وضربها المحذوف قوله تعالى: {فَأَلْقُوهُ عَلى ََ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} (9) كقول الشاعر [من الهزج]:
وما ظهري لباغي الضّي ... م بالظّهر الذّلول (10)
وجاء في الرجز قوله تعالى: {دََانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلََالُهََا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهََا تَذْلِيلًا} (11)
كقول الشاعر (12) [من الرجز]:
__________
اللغة ص 309وجمهرة أشعار العرب ص 942والمخصّص 7/ 128 ومقاييس اللغة 3/ 155وأمالي القالي 2/ 243.
(1) في ب، ط، و: «المقطوفة».
(2) في و: «ويخزيهم». وفي د، ك، و:
«مؤمنينا». التوبة: 14.
(3) في ب، د: «بصحبك» وفي ك:
«نصحتك».
(4) في د: «تبقى».
(5) البيت لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص 64وأمالي القالي 2/ 7ومعجم البلدان 1/ 309وجمهرة أشعار العرب 1/ 279وشرح المعلقات العشر ص 200ولسان العرب 5/ 200 (ندر)).
والأندرين: اسم قرية جنوبي حلب، مشهورة بصناعة الخمور الجيّدة. (معجم البلدان 1/ 309).
(6) في ب: «للدّال».
(7) البقرة: 213.
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(9) يوسف: 93.
(10) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(11) في ب: دانية «عليهم ظللها وذللت قطوفها تذليلا» و «دانية عليهم ظلالها» سقطت من ط. الإنسان: 14.
(12) «تعالى: دانية الشاعر» سقطت من ب و «كقول الشاعر» سقطت من و،(3/27)
شالوا على جمالهم جمالهم ... وسار حادي عيسهم يغنّي (1)
وجاء في (2) الرّمل من (3) العروض الثانية المجزوءة والضرب الثاني المجزوء قوله تعالى: {وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ وَقُدُورٍ رََاسِيََاتٍ} (4) كقول الشاعر [من مجزوء الرمل]:
مقفرات دارسات ... مثل آيات الزّبور (5)
ومصرّعه (6) [من مجزوء الرمل]:
أيّ شخص كأبّان ... عند (7) ضرب وطعان (8)
وجاء في السريع من العروض الأولى المطويّة المكسوفة (9) قوله تعالى: {قََالَ فَمََا خَطْبُكَ يََا سََامِرِيُّ} (95) (10) ومنه (11): {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ} (12) كقول الشاعر [من السريع]:
يا هند يا أخت بني عامر ... لست على هجرك (13) بالصّابر (14)
وجاء من المنسرح من العروض الأولى الوافية، قوله تعالى: {إِنََّا خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ نُطْفَةٍ} (15) كقول الشاعر [من المنسرح]:
* زمّوا المطايا بالواد (16) ما (17) ودّعوا (18) *
__________
وثبتت في هامشها: «قول الشاعر» صح.
(1) الرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) في ب: «من».
(3) في ب: «في».
(4) في د، ط، ك، و: «كالجوابي». سبأ:
13.
(5) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(6) في ط: «ومن مصرعه».
(7) في ب: «يوم».
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(9) في ب، و: «المكشوفة».
(10) «قال» سقطت من ك وبعد «خطبك» في ب: «كان». طه: 95.
(11) في ب: «وفيه».
(12) البقرة: 259.
(13) في و: «هجوك».
(14) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(15) الإنسان: 2.
(16) في ب، د، ك، و: «بالوادي».
(17) في ب: «وما».
(18) الشطر لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.(3/28)
وجاء من (1) الخفيف من العروض التامّة الصّحيحة، قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذََلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (2) (2) كذا أورده (3) صاحب «المفتاح»، ومنه: {لََا يَكََادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (4) وهذا من مستخرجات «المصنّف»، فسح الله في أجله (5) كقول الشاعر [من الخفيف]:
ليت ما فات من شبابي يعود ... كيف والشيب كلّ يوم يزيد (6)
وجاء من المضارع، وهو بحر قليل الاستعمال جدّا، ومنهم من لم (7) يعدّه بحرا، ولا جاء فيه شعر معروف، وقيل: إنّه لم يسمع من العرب، وقال أبو العباس العنابيّ (8) في كتابه (9) «نزهة الأبصار في أوزان الأشعار»: إنّ الخليل جعله جنسا، وأحسبه قاسه، وما أدري ما روي في كتب العروض، أمصنوع هو أم مسموع من العرب. انتهى كلام العنابيّ (10). وتفعيله (11) في الأصل: «مفاعيلن (12) فاعلاتن (13)
مفاعيلن» ومثلها، ولكنّه ما استعمل إلا مجزوءا فبقي مربّعا فممّا وقع من مخرومه (14) في الكتاب العزيز، قوله تعالى: {يَوْمَ التَّنََادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} (15)
والخرم (16) هنا حذف الأوّل من «مفاعيلن» فعاد «فاعيلن» فنقل إلى «مفعولن» فتفعيل (17) هذه الآية الشريفة «مفعول فاعلات مفاعيل (18) فاعلات» (19) كقول
__________
(1) في ب: «في».
(2) في ب: «فداك». و {«فَذََلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ»} (2) سقطت من ط وفي د، ك، و: «اليتيما». الماعون:
21.
(3) في ب: «أوارده» وفي ك: «ورده».
(4) النساء: 78.
(5) سقطت من ب وفي و: «فسح الله تعالى في أجله».
(6) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(7) في ب: «لا».
(8) في ب، ط، و: «العتابيّ».
(9) بعدها في ب: «المسمّى» وفي د، ط، و: «المسمّى ب».
(10) في ب، ط، و: «العتابيّ».
(11) في ط: «وتفاعيله».
(12) في ب: «مفاعيل».
(13) في و: «فاعلات» والصواب: «فاع لاتن».
(14) في د: «مجزوئه» وفي ك: «مجزومه».
(15) غافر: 3332وفي د، ك، و:
«مدبرينا».
(16) في د، ك: «والجزم».
(17) في ط: «فتفاعيل».
(18) «فعاد مفاعيل» سقطت من ب.
(19) في د، ك، و: «مفعولن فاعلاتن مفاعيلن فاعلاتن» و «فاعلات» سقطت من و،(3/29)
الشاعر [من المضارع]:
فقلنا (1) لهم وقالوا ... وكلّ له مقال (2)
وجاء في (3) المقتضب من العروض المجزوءة المطويّة قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (4) وتفعيل ذلك «فاعلات مفتعلن» (5) وجاء فيه من (6) الشعر [من المقتضب]:
أعرضت (7) فلاح لنا ... عارضان كالبرد (8)
ومصرّعه (9) [من المقتضب]:
غنّنا على الهزج (10) ... بالخفيف والهزج (11)
وهذا البحر في القلّة كبحر المضارع (12)، إلّا أنّه سمع منه أبيات على عهد رسول الله، (صلى الله عليه وسلم)، منها [من المقتضب]:
هل عليّ ويحكما ... إن لهوت (13) من حرج (14)
وجاء [منها] (15) في المجتثّ من العروض الصحيحة المجزوءة (16) والضرب المجزوء قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبََادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (49) (17) كقول الشاعر [من المجتث]:
__________
وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ب: «فاعلاتن».
(1) في ب، د، ط، و: «قلنا».
(2) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(3) في ب: «من».
(4) البقرة: 10.
(5) في ط: «مستعلن».
(6) «من» سقطت من ب.
(7) في ك: «أعرضت».
(8) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
««كالسّبج»، وهو الخرز الأسود».
(9) في ط: «ومن مصرعه».
(10) في ط: «الدرج».
(11) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(12) في ب: «لا كالمضارع» مكان «كالمضارع».
(13) في د: «لحوت».
(14) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(15) من ب.
(16) في ب: «المجرّدة».
(17) الحجر: 49.(3/30)
البطن منها خميص ... والوجه مثل الهلال (1)
وجاء من (2) المتقارب (3) من العروض الأولى الوافية، قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (183) (4) والتفعيل (5): «فعولن فعولن فعولن فعولن» (6) كقول الشاعر [من المتقارب]:
فأمّا تميم تميم (7) بن مرّ ... فألفاهم (8) القوم دوني (9) نياما (10)
ولولا [خوف] (11) الإطالة، لذكرت ما (12) دخل فيما أوردته من الزّحاف وقد أوردت هنا خمسة عشر بحرا، ولم أذكر المتدارك إذ هو محدث اخترعه المتأخّرون، ولم يعرفه (13) العرب في الزمن المتقدّم، وهو خارج عن الخمسة عشر بحرا، وقال ابن الحاجب (14) في عروضه [من الطويل]:
وخمسة عشر (15) دون ما متدارك ... وما عدّه (16) [منها] (17) الخليل فعدّلا (18)
[الانسجام في الشعر] (19):
انتهى ما أوردته من الانسجام المنثور، وأمّا الانسجام في النظم، فقد تقدّم وتقرّر أنّ أصحاب المذهب الغراميّ هم (20) سكّان بيوته العامرة، وكناس (21) آرامه التي هي
__________
(1) في ب: «منها هلال». والبيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) في ب، د، ط، و: «في».
(3) في و: «المقارب».
(4) الأعراف: 183والقلم: 45.
(5) «والتفعيل» سقطت من ط.
(6) في ك: «فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن».
(7) «تميم» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(8) في ب: «ولقاهم» وفي ك: «فألقاهم».
(9) في ب، ط: «روبى».
(10) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(11) من ب.
(12) في ب: «ما» مصححة عن «فيما».
(13) في ب، د، ط، و: «تعرفه».
(14) بعدها في و: «رحمه الله».
(15) في ب، د، ك، و: «عشر بحرا» مكان «عشر».
(16) في ب: «عدّ».
(17) من ط.
(18) في ب، ك: «بل عدلا» وفي د: «ما عدلا» وفي و: «بل بدلا». والبيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(19) زيادة يقضيها المنهاج.
(20) «هم» سقطت من ب.
(21) في ط: «وسكان»، وفي هامشها:
«وكناس» صح.(3/31)
غير نافرة، ولكن العرب على كلّ تقدير هم (1) ملوك (2) هذا الشان، وقلائد هذا العقيان، وقد عنّ لي أن أذكر هنا ما فرّوا به من وعر التركيب وشرّعوه في بيوتهم (3)
على سهل الانسجام، وأركض في أثر هذه الأبيات بسوابق الفحول، فإنّها أبيات لها حرمة وذمام، وأعرّج بعد ذلك على البيوت الغراميّة، وأتنسّم أخبار الهوى العذريّ (4)
من بين تلك الخيام، فمن الانسجام الذي وقع للعرب، وكاد أن يسيل رقّة لسهولته قول امرئ القيس في معلّقته [وهو] (5) [من الطويل]: /
أغرّك منّي أنّ حبّك (6) قاتلي ... وأنّك مهما تأمري القلب يفعل (7)
وقوله من (8) غير المعلّقة [من الطويل]:
أجارتنا إنّا غريبان ههنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب (9)
ومثله في الانسجام والرقّة قول طرفة بن العبد في معلّقته [من الطويل]:
فإن كنت لا تسطيع (10) دفع منيّتي ... فدعني (11) أبادرها بما ملكت يدي (12)
ومثله قوله (13) منها [من الطويل]:
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة ... على الحرّ من وقع الحسام المهنّد (14)
ومثله قوله منها [من الطويل]:
فإن متّ فانعيني بما أنا أهله ... وشقّي عليّ الجيب يا ابنة (15) معبد (16)
__________
(1) «هم» سقطت من ب، د، ط، و.
(2) في د: «لملوك».
(3) في ب، د، ط، و: «أبياتهم».
(4) في د: «والعذريّ».
(5) من ب.
(6) في د: «حبّك» مصححة عن «أحبّك».
(7) البيت في ديوانه ص 247وتحرير التحبير ص 430.
(8) في ب: «في».
(9) البيت في ديوانه ص 176.
(10) في د: «لا تستطيع».
(11) بعدها في ب: «بها» مشطوبة.
(12) البيت في ديوانه ص 63وشرح المعلّقات العشر ص 112وجمهرة أشعار العرب 1/ 322وفيه: «فذرني».
(13) في و: «قوله» مصححة عن «قولي».
(14) «ومثله قوله منها المهنّد» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي و: «المهنّدي». والبيت في ديوانه ص 68وشرح المعلقات العشر ص 118وجمهرة أشعار العرب 1/ 327.
(15) في ط: «أمّ».
(16) في و: «معبدي». والبيت في ديوانه(3/32)
ومثله قوله منها [من الطويل]:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
ويأتيك بالأنباء من لم تبع له ... بتاتا (1) ولم تضرب له وقت موعد
لعمرك ما الأيّام إلّا مفازة (2) ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد
عن المرء لا تسأل وأبصر (3) قرينه ... فكلّ قرين بالمقارن مقتدي (4)
ومثله، في لطف (5) الانسجام (6)، قول زهير بن أبي سلمى، في معلّقته [من الطويل]:
ومن هاب أسباب (7) المنايا ينلنه ... ولو رام أسباب السّماء بسلّم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن يغترر (8) يحسب عدوّا صديقه ... ومن لا يكرّم نفسه لا (9) يكرّم
ومن لا يذد عن حوضه (10) بسلاحه ... يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم (11)
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق (12) الشّتم يشتم (13)
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا، لا أبا لك، يسأم (14)
__________
ص 72وشرح المعلقات العشر ص 123وجمهرة أشعار العرب 1/ 332.
(1) في ب: «ثيابا».
(2) في ب: «معارة» وفي د: «مغارة» وفي ك: «معادة».
(3) في ب، ط: «وسل عن» مكان «وأبصر».
(4) في ب، ط: «يقتدي». والأبيات في ديوانه ص 49، 73، 74وفيه:
«معارة» و «وسل عن» و «يقتدي» وجمهرة أشعار العرب 1/ 334وفيه:
«تضع» مكان «تبع» و «معارة» مكان «مفازة» و «فإنّ القرين» مكان «فكل مقارن» والبيتان الأوّلان في شرح المعلقات ص 126وفيه: «بالأخبار» مكان «بالأنباء».
(5) في ك: «لطف» كتبت فوق «في».
(6) في ب: «في اللطف والانسجام»، وفي هامشها: «لطف الانسجام».
(7) «أسباب» سقطت من و، وثبتت في هامشها.
(8) في د، و: «ومن يغترب».
(9) في ط: «لم».
(10) في ك: «نفسه»، وفي هامشها: «صوابه:
«حوضه»».
(11) في ك: «بمنسم».
(12) في د، ك، و: «لا يتّقي».
(13) في ب: «ينوّه ومن لا يشتم الناس يشتم».
(14) الأبيات في ديوانه ص 8886وشرح(3/33)
وأحسن ختامها في الانسجام بقوله (1) [من الطويل]:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنّني عن علم ما في غد عمي (2)
ومثله قول لبيد بن ربيعة (3) من (4) معلّقته [من الكامل]:
فاقنع بما قسم (5) المليك فإنّما ... قسم الخلائق بيننا علّامها
وإذا الأمانة قسّمت في معشر ... أوفى بأعظم حظّنا قسّامها (6)
ومن الغايات، في باب الانسجام، قول عنترة في معلّقته (7) [من الكامل]:
فإذا شربت فإنّني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصّر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرّمي (8)
ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم (9) في معلّقته [من الوافر]:
لنا الدّنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن يقرّ (10) الخسف فينا
إذا بلغ الفطام الطفل منّا ... تخرّ له الجبابر ساجدينا
ملأنا البرّ حتّى ضاق عنّا ... وظهر البحر مملوء (11) سفينا
__________
المعلّقات العشر ص 153150 وفيهما: «وإن يرق» مكان «ولو رام» و «يغترب لم يكرّم لم يكرّم» و «لم يذد» و «لم يصانع» وجمهرة أشعار العرب 1/ 202199وفيه:
«ومن يغترب لم يكرم».
(1) «وأحسن بقوله» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(2) في و: «عم». والبيت في ديوانه ص 86 وشرح المعلّقات العشر ص 150 وجمهرة أشعار العرب 1/ 200وفيها:
«عم».
(3) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(4) في ب: «في».
(5) في ب: «ملك» وفي هامشها: «قسم».
(6) البيتان في ديوانه ص 240239وفيه:
«بأفضل» مكان «بأعظم». وفي شرح المعلقات العشر ص 192وجمهرة أشعار العرب 1/ 274وفيهما:
«بأوفر».
(7) فاقنع بما قسم معلقته» سقطت من د.
(8) في و: «وتكرّم». والبيتان في ديوانه ص 190وشرح المعلّقات العشر ص 247 وجمهرة أشعار العرب 2/ 22وفيه:
«فلا أقصّر».
(9) بعدها في و: «رحمه الله».
(10) في د، و: «نقرّ».
(11) في ب، د، ط، و: «نملأه».(3/34)
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا (1)
ومثله قول الحارث (2) بن حلّزة في معلّقته، وهي المعلّقة السّابعة [من الخفيف]:
لا يقيم العزيز في البلد السّه ... ل ولا ينفع الذليل النّجاء (3)
ومن الانسجامات، التي عدّها صاحب «المرقص (4) والمطرب» (5) من المطرب (6)، قول زهير [من الطويل]:
تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنّك تعطيه (7) الّذي أنت سائله (8)
ومن الانسجام (9) المعدود (10) من المرقص قول النابغة الذبيانيّ [من الطويل]:
وإنّك كاللّيل الذي هو مدركي (11) ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع (12)
ومن الانسجام المعدود من [المرقص و] (13) المطرب قول حسّان بن ثابت (14)، رضي الله عنه (15)، [من البسيط]:
أصون عرضي بمالي لا أدنّسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال إن أودى (16) فأكسبه ... ولست للعرض إن أودى (16) بمحتال (18)
__________
(1) الأبيات في ديوانه ص 78، 9190 وفيه: «ومن أمسى عليها» و «أن نقّر الذلّ» و «لنا وليد» مكان «الطفل منّا» و «نحن البحر نملأه» وشرح المعلّقات العشر ص 213، 224 (ما عدا البيت الأوّل) وفيه: «أن نقرّ الذلّ» و «وظهر البحر نملأه» و «لنا صبيّ» وجمهرة أشعار العرب 1/ 301299وفيه: «لنا رضيع» و «كذاك البحر نملأه» وعيون الأخبار 2/ 591.
(2) في ك: «الحرث».
(3) البيت في ديوانه ص 28وشرح المعلقات العشر ص 273وفيهما: «بالبلد».
(4) «المرقص» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) «والمطرب» سقطت من ب.
(6) في و: «من المرقص» مشطوبة، وفي هامشها: «من المطرب» صح.
(7) في ط، و: «معطيه».
(8) البيت في ديوانه ص 68.
(9) «التي عدّها من ومن الانسجام» سقطت من د وفي ب، ط: «الانسجامات».
(10) في ب، ط: «المعدودة».
(11) في هـ و: «مدركي» ن.
(12) البيت في ديوانه ص 54وفيه: «فإنك».
(13) من ب.
(14) «بن ثابت» سقطت من ب.
(15) في د: «رضي الله تعالى عنه».
(16) في ب، ك: «أوذى».
(18) البيتان في ديوانه ص 307306وفيه:(3/35)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول [كعب] (1) بن زهير (2) [من البسيط]:
وما (3) تمسّك (4) بالوعد (5) الّذي وعدت ... إلّا كما يمسك الماء الغرابيل (6)
ومن المطرب قول الشمّاخ (7) [من الوافر]:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين (8)
ويعجبني من «لاميّة / العرب» قول الشّنفرى بن مالك (9) [من الطويل]:
وفي الأرض منأى للكريم (10) عن (11) الأذى ... وفيها لمن خاف القلى (12) متحوّل (13)
ومثله من «لامية العجم»، وإن تأخّر عصرها [من البسيط]:
إنّ العلى حدّثتني وهي صادقة ... فيما تحدّث أنّ الرّأي (14) في النقل
لو كان (15) في شرف المأوى بلوغ منى ... لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل (16)
وعدّوا من الانسجام المطرب قول مجنون ليلى، في قصيدته المشهورة [من الطويل]:
وقد خبّروني أنّ تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصّيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصّيف عنّا (17) ستنقضي ... فما للنّوى ترمي (18) بليلى المراميا
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهرا لا أعدّ اللّياليا
__________
«فأجمعه» مكان «فأكسبه».
(1) من ب، د، ط، و.
(2) بعدها في و: «رضي الله عنه».
(3) في ط: «ولا».
(4) في ب: «تمسّكت».
(5) في د، ط، و: «بالعهد».
(6) البيت في ديوانه ص 29وفيه:
وما تمسّك بالوصل الذي زعمت
إلّا كما تمسك الماء الغرابيل
(7) «ومن المطرب قول الشماخ» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(8) البيت في ديوانه ص 336.
(9) بعدها في و: «رحمه الله».
(10) في ب: «لكريم».
(11) في ك: «على».
(12) في د، ط، ك، و: «القلا».
(13) البيت في ديوانه ص 58وفيه:
«متعزّل» وتحرير التحبير ص 436.
(14) في ب، ط: «العزّ» وفي هـ و: «العزّ» ن.
(15) في ط: «أنّ».
(16) البيتان للطغرائيّ في ديوانه ص 55.
(17) في و: «عنّا» كتبت فوق «الصيف».
(18) في ب: «يرمي».(3/36)
وأخرج من بين (1) البيوت لعلّني ... أحدّث عنك النفس بالليل (2) خاليا
ألا أيّها الرّكب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
يمينا إذا كانت يمينا فإن تكن ... شمالا ينازعني الهوى من (3) شماليا
أصلّي فما (4) أدري إذا ما ذكرتها ... أثنتين صلّيت الضّحى أم ثمانيا
خليليّ لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها (5) لغيري وابتلاني بحبّها ... فهلّا بشيء غير ليلى ابتلانيا
ولو أنّ واش (6) باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا
وماذا لهم (7) لا (8) أحسن الله حالهم ... من الحظّ في تصريم ليلى حباليا
وددت (9) على حبّي الحياة لو (10) انّه (11) ... يزاد لها في عمرها من حياتيا
على أنّني راض بأن أحمل الهوى ... وأخلص منها (12) لا عليّ ولا ليا
إذا ما شكوت الحبّ قالت (13) كذبتني (14) ... فمالي أرى منك العظام (15) كواسيا
فلا حبّ (16) حتّى يلصق الجلد بالحشا ... وتذهل (17) حتّى لا تجيب المناديا (18)
__________
(1) في ب: «صور».
(2) في ب: «يا ليل» وفي د، ط، و:
«بالليل»، ولعلّها: «يا ليل».
(3) في ب: «عن».
(4) في ب: «فلا».
(5) في ب: «قضا».
(6) «واش» حذف منها النصب للضرورة الشعريّة.
(7) الضمير في «لهم» يعود إلى «الوشاة».
(8) «لا» سقطت من ب.
(9) في ب، د: «رددت».
(10) «لو» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ك: «لا».
(11) في ب: «انّها» وفي ك: «أنّه».
(12) في ب، د، ط: «منه».
(13) في ط: «قا».
(14) في هـ و: «كذبتني» ن.
(15) في ط: «الأعضاء منك» مكان «منك العظام».
(16) في هـ د: «القلب».
(17) في هـ د: «ويذهب».
(18) القصيدة في ديوانه ص 207204، 210وفيه: «وخبّر تماني» مكان «وقد خبّروني» و «قد انقضت» مكان «ستنقضي» و «وإن تكن عن شماليا» و «فلو أنّ واش» ما عدا(3/37)
ومن المرقص في باب الانسجام قول كثّير عزّة [من الطويل]:
ولمّا قضينا من منّى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان (1) من (2) هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطيّ الأباطح (3)
وعدّوا من المطرب، في باب الانسجام، قول جرير [بن الخطفى] (4) [من البسيط]:
إنّ العيون التي في طرفها مرض (5) ... قتلننا (6)، ثمّ لم يحيين (7) قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتّى لا حراك به (8) ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا (9)
وعدّوا من المطرب (10) قول بشّار بن برد [من الطويل]:
إذا جئته في حاجة سدّ بابه (11) ... فلم تلقه إلّا وأنت كمين (12)
ومن انسجامات نسيبه (13) التي ليس لها مناسبة (14) قوله [من البسيط]:
هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني (15)
ومثله قوله [من الخفيف]:
__________
الأبيات الأربعة الأخيرة «وددت على حبي المناديا» فلم أقع عليها في ديوانه.
وفي ديوانه ص 209:
ويأخذك الوسواس من لاعج الهوى
وتخرس حتّى لا تجيب المناديا
(1) في ك: «بالأنكار»، وفي هامشها:
«صوابه: «بالأركان»».
(2) في ك: «من» مصححة عن «ما».
(3) البيتان في ديوانه ص 182.
(4) من ب.
(5) في ب، ط: «حور»، وتحتها في ب:
«مرض» وفي هـ ك: «صوابه: «حور»».
(6) في د، و: «قتلتنا».
(7) في ك: «تحيين».
(8) في ب، د: «له».
(9) في د: «إنسانا»، وفي هامشها: «أركانا» وفي هـ ك: «إنسانا خ». والبيتان في ديوانه ص 702وتحرير التحبير ص 395 وفيهما: «حور».
وفي هامش ط: «قوله: «أركانا» كذا في النسخ التي بأيدينا، والمعروف المشهور:
«إنسانا»». (حاشية).
(10) بعدها في و: «في باب الانسجام» مشطوبة.
(11) في د: «وجهه».
(12) البيت في ديوانه 4/ 212.
(13) في ب: «التشبيه» مكان «نسيبه».
(14) في ب، د، ط، و: «مناسب».
(15) البيت في ديوانه 4/ 215.(3/38)
أنا والله أشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشّاق (1)
ومثله قوله [من الطويل]:
وإنّي امرؤ أحببتكم لمكارم ... سمعت بها والأذن كالعين تعشق (2)
ويعجبني من لطيف الانسجام قول العبّاس بن الأحنف [من البسيط]:
أفدي الذين أذاقوني مودّتهم ... حتّى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
واستنهضوني فلمّا قمت منتصبا ... بثقل ما حمّلوني منهم قعدوا (3)
ومثله قوله [من الكامل]:
لولا محبتّكم لما عاتبتكم ... ولكنتم (4) عندي كبعض النّاس (5)
ومثله قوله [من البسيط]:
طاف الهوى في عباد الله كلّهم ... حتّى إذا مرّ بي من بينهم وقفا (6)
وقوله (7) [من الكامل]:
وسعى بها ناس (8) فقالوا إنّها ... لهي الّتي تشقى بها وتكابد
فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم ... إنّي ليعجبني المحبّ الجاحد (9) /
تقدّم (10) لهذين البيتين نكتة لطيفة [وهي] (11) تؤيّد تأكيد انسجامها (12) وعذوبة ألفاظها (13)، وهي أنّه رفع للرّشيد [العبّاسي] (14) موت العبّاس [ابن الأحنف] (14)
__________
(1) البيت في ديوانه 4/ 117.
(2) البيت في ديوانه 4/ 120.
(3) البيتان في ديوانه ص 98وفيه: «أبكي» مكان «أفدي» و «حمّلوا من ودّهم» مكان «حمّلوني منهم».
(4) في ك: «ولكنّكم»، وفي هامشها:
«صوابه: «ولكنتم»».
(5) البيت في ديوانه ص 166.
(6) في ب: «سكنا». والبيت في ديوانه ص 185وفيه: «بعباد».
(7) في ب، د، ط، و: «ومثله قوله».
(8) في ب، د، و: «بنا ناس» وفي ط: «بنا واش».
(9) البيتان في ديوانه ص 96وفيه: «سمّاك لي قوم وقالوا إنها».
(10) في ب، و: «ونذكر».
(11) من ب.
(12) في ط: «انسجامهما».
(13) في ب: «لفظها» وفي ط: «ألفاظهما».
(14) من ب.(3/39)
وإبراهيم الموصليّ، المعروف بالنديم، والكسائيّ وهشيمة الخمّارة (1)، في يوم واحد، فأمر المأمون أن يصلّى عليهم، فخرج، فصفّوا بين يديه، فقال: من الأوّل؟
فقيل (2): إبراهيم الموصليّ، فقال أخّروه، وقدّموا العبّاس بن الأحنف، فقدّم وصلّي (3) عليه، فلمّا فرغ وانصرف (4)، دنا منه هاشم بن عبد الله الخزاعيّ، فقال: يا سيّدي، كيف آثرت العبّاس بالتقديم على من حضر؟ فقال: بقوله «وسعى بها ناس» (5) البيتين، ثمّ قال: أتحفظهما؟ قلت (6): نعم، قال (7): أليس من قال هذا الشعر أحقّ (8) بالتقديم؟ فقلت: بلى والله يا سيّدي. انتهى.
وقد تقدّم قولي وتكرّر أنّ أصحاب الطريق الغراميّة هم موالي رقيق الانسجام وتجّار سوقه، ولولا نسمات أنفاسهم ما تنسّمنا أخبار الحمى وتغزّلنا في سفحه وعقيقه، وقد ألجأتني ضرورة الجنسية إلى ضمّ المتقدّمين مع المتأخّرين (9) لئلّا ينفرط لعقوده (10) نظام، وإذا أخّرت من تقدّم وأوردت له غير الطريق الغراميّ كان جلّ القصد من ذلك معرفة أنواع الانسجام.
فمن الانسجام الغراميّ (11) قول الشريف الرضيّ، وهو الذي قال في حقّه الثعالبيّ في كتابه (12) «اليتيمة»: هو (13) أشعر الطالبيين (14) قديما وحديثا، على كثرة شعرائهم المفلقين، ولو قلت إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصّدق، والقول الموعود بإيراده [قوله] (15) [من الخفيف]:
تسرق (16) الدمع في الجيوب حياء ... وبنا ما بنا من الأشواق
__________
(1) في ب: «وهشمة الحادة».
(2) في ب، د، ط، و: «فقالوا».
(3) في و: «فصلّي».
(4) «وانصرف» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(5) في د، و: «بنا ناس» وفي ط: «بنا واش».
(6) في د، ط، و: «فقلت».
(7) في د، ط، و: «فقال».
(8) في ب، د، ط، و: «أولى».
(9) «مع المتأخرين» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(10) في ب، د، ط، و: «لعقودها».
(11) «كان جلّ القصد من ذلك الغراميّ» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(12) في ب، د، ط، و: «كتاب».
(13) في د: «وهو».
(14) في د، ك، و: «الطالبين».
(15) من ط وفي ب: «هو».
(16) في د: «تسرق» وفي و: «تسرق»، وتحت السين ().(3/40)
لا أذمّ السّرّاء (1) في طلب العز ... ز ولكن في (2) فرقة العشّاق
يوم لا غير زفرة في (3) فؤاد ... ذي قروح ورشّة (4) من مآق
والثّرى منتش يعاقره السّير ... دما جاريا (5) بأيدي النّياق
أمعيني على بلوغ الأماني ... وشفائي (6) من غلّتي (7) واشتياقي
أينعت بيننا المودّة (8) حتّى ... جلّلتنا والدّهر (9) بالأوراق (10)
كم مقام خضنا (11) حشاه إلى الله ... وجميعا والليل ملقي الرّواق
ومزجنا خمر الرّضابين في الرّش ... ف برغم المدام تحت العناق (12)
قم نبادر رمي الظلام ببين ... فسهام (13) الخطوب في الإتّفاق
واغتنمها قبل الفراق فما تع ... لم (14) يوما متى يكون التّلاقي (15)
نحن غصنان ضمّنا عاطف الوج ... د جميعا في الحبّ ضمّ النطاق
في جبين الزمان منك ومنّي ... [غرّة] (16) كوكبيّة الإئتلاق (17)
كلّما كرّت الليالي علينا ... شقّ منّا الوفاء جيب الشقاق
أيّها الرّائح (18) المغذّ (19) تحمّل ... حاجة للمتيّم المشتاق
أقر منّي السّلام أهل المصلّى ... فبلاغ السّلام بعض التّلاقي (20)
وإذا ما مررت بالخيف فاشهد ... أنّ (21) قلبي إليه بالأشواق
__________
(1) في ب، ك: «السرى».
(2) «في» سقطت من ب.
(3) في ب، د، ط، و: «من».
(4) في ط: «رشقة».
(5) في و: «جاريا» مصححة عن «جاري».
(6) في و: «وشقائي».
(7) في ط: «علّتي».
(8) في ب: «المحبّة».
(9) في ط: «والزهر».
(10) إزاءها في هـ ك: «ظ».
(11) في د: «خضينا».
(12) إزاءها في هـ ك: «ظ» وفي ب:
«العتاق».
(13) في د: «بسهام».
(14) في د، ط: «نعلم».
(15) إزاءها في هـ ك: «ظ».
(16) من ب، ط، وو في د: «عزّة».
(17) في ك: «الإئتلاقي».
(18) في ب: «الريح».
(19) في ب، ك، و: «المعدّ».
(20) في ط، ك: «التلاق».
(21) في ب: «أنّى».(3/41)
وإذا ما سئلت عنّي فقل نض ... وهوى (1) ما أظنّه اليوم باقي
وابك عنّي فطالما كنت من قب ... ل (2) أعير الدّموع (3) للعشّاق (4)
ومثله قوله من أبيات [من السّريع]:
سهمك مدلول على مقتلي ... فمن يرى سهمك يا قاتل (5)
ليس لقتلي ثائر (6) يتّقى ... وليس في سفك دمي طائل
قد رضي المقتول كلّ الرّضى ... وا عجبا لم سخط القاتل (7)
ومثله قوله من أبيات [من الكامل]:
نكّست (8) لحظ العين حين خطا ... والبين يرمقني ويرمقه
وأذبت (9) دمعي يوم ودّعني ... في صحن خدّ ذاب رونقه
[واللّثم يركض في سوالفه ... وتكاد (10) خيل الدّمع تسبقه] (11)
ومثله قوله [من الطويل]:
__________
(1) في ب: «معنى بنوى» مكان «نضو هوى».
(2) في د: «قبلي».
(3) في ك: «الدمع».
(4) القصيدة في ديوانه ص 2/ 79، 81 والأبيات الخمسة الأخيرة «أيّها
للعشّاق» في ديوانه ص 74وفيه:
«نسرق» و «الإشفاق» مكان «الأشواق» و «الإسراء» مكان «السرّاء» و «علّتي» و «مرمى الزمان» مكان «رمي الظلام» و «الأفواق» مكان الإتّفاق» و «شقّ فيها» و «أقر عنّي» و «بعد التلاقي».
والجيوب: ج جيب، وهو فتحة الثوب التي يدخل منها الرأس. (اللسان 1/ 288 (جيب)) والمغذّ: المسرع في السير.
(اللسان 3/ 501 (غذذ)) والنّضو:
الضعيف المهزول. (اللسان 15/ 330 (نضا)).
(5) في و: «يا قاتل» مصححة عن «يا قاتلي».
(6) في و: «تأثير».
(7) الأبيات في ديوانه 2/ 203وفيه: «فمن ترى دلّك» مكان «فمن يرى سهمك» و «لقلبي» مكان «لقتلي» و «يا عجبا لم غضب».
(8) في ب: «يكسب».
(9) في ط: «أذبت».
(10) في ط: «يكاد».
(11) من ب، د، ط، وو في ط: «يسبقه».
والأبيات في ديوانه 2/ 50وفيه:
«طأطأت» مكان «نكّست».(3/42)
خذي نفسي يا ريح (1) من جانب الحمى ... فلاقي بها (2) ليلا نسيم ربا نجد
فإنّ بذاك الجوّ (3) حبّي (4) عهدته ... وبالرّغم منّي أن يطول به عهدي
ولولا تداوي القلب من ألم الجوى ... بذكر (5) تلاقينا قضيت من الوجد (6)
ومثله قوله من أبيات [من الخفيف]:
عارضا (7) بي ركب الحجاز نسائل ... هـ (8) متى عهده بسكّان سلع
واستملّا (9) حديث من سكن الجز ... ع ولا تكتباه إلّا بدمعي (10)
عزّني أن أرى الدّيار بطرفي ... فلعلّي أرى الدّيار بسمعي (11)
ومن الانسجامات، التي ينسجم الدمع لرقّتها، قول تلميذه مهيار [الدّيلميّ] (12)
[من الرجز]:
ظنّ غداة البين أن قد سلما ... لمّا رأى (13) سهما وما أجرى دما
فعاد يستقري حشاه فإذا (14) ... فؤاده من بينهم قد (15) عدما
[يا قاتل الله العيون خلقت ... لواحظا فكيف صارت أسهما] (16)
__________
(1) في ب: «يا نفس».
(2) في ب، ط: «به».
(3) في ط: «الحيّ».
(4) في ب، د، و: «حيّ» وفي هـ ب: حيّا» وفي ط: «حبّا» وفي ك: «حبّي» مصححة عن «حيّ».
(5) في ب: «تذكر».
(6) «ولولا الوجد» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح». والأبيات في ديوانه 1/ 362 وفيه: «الحيّ إلفا» مكان «الجوّ حبّي».
(7) في د، ك، و: «عارضاني».
(8) في ط: «أسائله».
(9) في ب: «واستمليا» وفي ط، و: «واستميلا».
(10) في و: «بدمع (ي)».
(11) الأبيات في ديوانه 1/ 598وفيه:
«أسائله» و «الخيف» مكان «الجزع» و «فاتني» مكان «عزّني». وقد نسبها الشارح إلى بحر السريع خطأ وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«استملّا: اطلبا إملاء» بل: «استمليا» بمعنى: اطلبا إملاء أمّا استملّا: فلغة لأهل الحجاز وبني أسد في «استمليا».
(اللسان 11/ 631 (ملل)).
(12) من ب، ط.
(13) في ب، ط: «رمى».
(14) في ك: «فإذا».
(15) «قد» سقطت من ب.
(16) من ب، د، ط، و.(3/43)
أودعني السّقم وولّى هازئا (1) ... يقول قم واستشف ماء (2) زمزما
ولو أباح ما حمى من ريقه ... لكان أشفى لي من الماء اللّما /
يا (3) بأبي ومن يبيع بأبي ... على الظّما ذاك الزّلال الشّبما (4)
كأنّما الصّهباء في كافوره (5) ... قد مزجت وجلّ عن «كأنّما» (6)
ومثله قوله [من البسيط]:
أستنجد الصّبر فيكم (7) وهو مغلوب ... وأسأل النّوم عنكم وهو مسلوب
وأبتغي عندكم قلبا سمحت به ... وكيف يرجع شيء وهو موهوب
ما كنت أعلم ما مقدار وصلكم ... حتّى هجرت وبعض الهجر تأديب (8)
ومثله قوله وهو في غاية اللطف [من الطويل]:
بطرفك والمسحور يقسم بالسّحر ... أعمدا (9) رماني أم أصاب ولا يدري
رنا اللحظة الأولى فقلت مجرّب ... وكرّرها أخرى فأحسست بالشّرّ (10)
ومثله في اللطف قوله (11) [من الرّمل]:
من عذيري يوم شرقيّ الحمى ... من هوى جدّ بقلبي (12) مرحا (13)
ألصّبا إن كان لا بدّ الصّبا ... إنّها كانت لقلبي أروحا
يا نداماي بسلع هل أرى ... ذلك المغبق والمصطبحا
اذكرونا مثل ذكرانا لكم ... ربّ ذكرى قرّبت من نزحا
وارحموا صبّا إذا غنّى بكم ... شرب الدّمع وعاف القدحا (14)
__________
(1) في ك: «هارا» لعلها «هاربا» أو «هازئا».
(2) في د: «ماء».
(3) في ط: «وا» وإزاءها في هـ ك: «ظ».
(4) «ولو أباح ما حمى الشبما» سقطت من ب.
(5) في ط: «كافورة».
(6) الأرجوزة في ديوانه 3/ 253.
(7) في ب: «عنكم».
(8) الأبيات في ديوانه 1/ 118117وفيه:
«تأويب».
(9) في ب: «عمدا».
(10) البيتان في ديوانه 2/ 75.
(11) في د، ط: «ومثله قوله في اللطف».
(12) في ب: «بقلب» كتبت فوق «بقلبي».
(13) في ب، د، ط، و: «مزحا».
(14) الأبيات في ديوانه 1/ 202.(3/44)
[منها] (1) [من الرمل]:
وعرفت الهمّ مذ فارقتكم ... فكأنّي ما عرفت الفرحا (2)
ومثله (3) قوله من قصيد [من الرّمل]:
بكر العارض يحدوه (4) النّعامى ... فسقاك الرّيّ يا دار أماما
وتمشّت فيك أرواح الصّبا ... يتأرّجن بأنفاس الخزامى (5)
قد قضى حفظ الهوى أن تصبحي ... للمحبّين مناخا ومقاما
وبجرعاء الحمى قلبي فعج ... بالحمى واقر على قلبي السّلاما
وترحّل فتحدّث عجبا ... إنّ قلبا سار عن جسم أقاما
قل لجيران الغضا آها على ... طيب عيش بالغضا لو كان داما
حمّلوا ريح الصّبا [من] (6) نشركم ... قبل أن تحمل شيحا (7) أو ثماما (8)
وابعثوا أشباحكم لي في الكرى ... إن أذنتم لجفوني أن تناما (9)
ومن الغايات في باب (10) الانسجام [الغرامي] (11) قول الوأواء الدّمشقيّ [من البسيط]:
بالله ربّكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعلّ العتب يعطفه
وحدّثاه وقولا في حديثكما (12): ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه
فإن تبسّم قولا في ملاطفة: ... ما ضرّ لو بوصال منك تسعفه
وإن بدا لكما في وجهه (13) غضب ... فغالطاه وقولا: «ليس نعرفه» (14)
__________
(1) من د، ط، و.
(2) البيت في ديوانه 1/ 202.
(3) «مثله» سقطت من ب، ك.
(4) في ب، د، و: «تحدوه».
(5) في ك: «الخراما».
(6) من ط.
(7) في ب: «ريحا».
(8) في ب: «وثماما» وفي ك: «أو خزاما»، وفي هامشها: «أو تماما» صح.
(9) القصيدة في ديوانه 3/ 327.
(10) في ب: «ومن الغراميات في لطف» وفي و: «لطف» مكان «باب».
(11) من ب، و.
(12) في ب: «كلامكما».
(13) في ب: «وجه».
(14) الأبيات في ديوانه ص 147146 وفيه: «وعرّضا بي وقولا في كلامكما» و «من سيّدي» مكان «في وجهه».(3/45)
ومثله في اللطف و (1) رقّة الانسجام قول [القاضي ناصح الدين أبو بكر] (2)
الأرّجانيّ (3) [من الكامل]:
حيّتك (4) غادية الهوى من مرتع (5) ... رجعت عهودي فيك أو (6) لم ترجع
ما أسأروا في كأس (7) دمعي فضلة ... عنهم فأجعلها نصيب المربع (8)
لم يبكني إلّا حديث فراقهم ... لمّا أسرّ به إليّ مودّعي (9)
هو ذلك الدّرّ الّذي ألقيتم ... في مسمعي ألقيته من أدمعي (10)
ومثله قوله [من الكامل]:
عوجا عليها أيّها الرّكب ... لا عار أن يتساعد الصّحب
قد كان لي قلب ولا ألم ... واليوم لي ألم ولا قلب (11)
[ومثله قوله] (12) [من الكامل]:
أمّا الفؤاد فإنّهم ذهبوا به ... يوم النّوى فبقيت صفر الأضلع
فكأنّنا لمّا عقدنا للنّوى ... حلفا بغير رهائن لم يقنع (13)
فرهينتي معهم (14) فؤادي دائما ... والطّيف من سلمى رهينتهم معي (15)
__________
(1) «اللطف و» سقطت من ب.
(2) من ب.
(3) بعدها في و: «رحمه الله».
(4) في ك: «حيّتك» (* ح).
(5) في ب، ط: «مربع» وفي د: «مرتع».
(6) في ب، د، ط: «أم».
(7) في ب: «الكأس».
(8) في ك: «المربعي».
(9) في ك: «إليّ به أدمعي».
(10) «هو ذلك من أدمعي» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
والأبيات في ديوانه 2/ 40وفيه: «الحيا من مربع» مكان «الهوى من مرتع» و «أم لم ترجع» و «الأربع» مكان «المربع» و «ألقيته» مكن «ألقيتم» و «مدمعي» مكان «أدمعي».
وأسار: أبقى بقيّة. (السان 4/ 340 (سأر)).
(11) «ومثله قوله: عوجا قلب» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
والبيتان في ديوانه 1/ 128وفيه:
«عوجوا» و «كلّ له» مكان «قد كان لي» و «عجبا ولي» مكان «واليوم لي».
(12) من ب، د، ط، و.
(13) في ب: «لم تقنع».
(14) في ك: «قلبي» مكان «معهم».
(15) الأبيات في ديوانه 2/ 41وفيه:(3/46)
ومثله في اللّطف قول الطغرائيّ (1) [من الخفيف]:
خبّروها أنّي مرضت فقالت ... أضنّى طارفا شكى أم تليدا
وأشاروا بأن تعود وسادي ... فأبت وهي تشتهي أن تعودا
وأتتني في خيفة (2) وهي تشكو ... ألم البعد والمزار البعيدا
ورأتني كذا فلم تتمالك ... أن أمالت عليّ عطفا وجيدا (3)
وألطف منه، بل من النّسيم، قوله [من البسيط]:
بالله يا ريح إن أمكنت (4) ثانية ... من صدغه فأقيمي فيه واستتري
وراقبي غفلة منه لتنتهزي ... لي (5) فرصة وتعودي منه بالظفر
وباكري ورد عذب من مقبّله ... مقابل الطعم بين الطّيب والخصر
ولا تمسّي عذاريه فتفتضحي ... بنفحة المسك بين الورد والصّدر
وإن قدرت على تشويش طرّته ... فشوّشيها ولا تبقي ولا تذري
ثم اسلكي بين برديه على مهل ... واستبضعي وائتني (6) منه على قدر
ونبّهيني دوين (7) القوم وانتفضي ... عليّ والليل في شكّ من الخبر (8)
لعلّ نفحة [طيب] (9) منك ثانية (10) ... تقضي لبانة قلب عاقر الوطر (11)
وممّن برع في الطريق الغراميّة، وأينع زهر نظمه في حدائق الانسجام بها، الشيخ تقيّ الدين السروجيّ (12)، رحمه الله تعالى (13) قال الشيخ أثير الدّين أبو حيّان،
__________
«وكأنّما لم تقنع».
(1) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(2) في ب، د، ط، و: «خفية».
(3) الأبيات في ديوانه ص 115وديوان الصبابة ص 151والأدب في العصر المملوكي 2/ 102.
(4) في ب، د، ط، و: «مكّنت».
(5) «لي» سقطت من ب.
(6) في ب، ط: «وانثني».
(7) في ط، و: «دون».
(8) في ب: «وشك من السحر» وفي د، ط، و: «السحر» مكان «الخبر».
(9) من ب، د، ط، و.
(10) في د: «ثانية» وفي ط: «نائبة».
(11) القصيدة في ديوانه ص 115114.
والورد والصّدر: أي الورود والصدور.
(12) في ب: «الشروجيّ» وفي ك:
«السروحيّ».
(13) «رحمه الله تعالى» سقطت من ب.(3/47)
رحمه الله (1): كان الشيخ (2) تقيّ الدين (3) مع زهده وعفّته مغرما بحبّ الجمال / وكان يغنّى بشعره الغراميّ في عصره لرقّة انسجامه وعذوبة ألفاظه. وقال (4) الشّهاب (5)
محمود: كان الشيخ تقيّ الدين يكره مكانا تكون (6) فيه (7) امرأة، ومن دعاه من أصحابه قال: شرطي معروف، وهو أن لا يحضر في المجلس امرأة، وكنّا يوما في دعوة، فأحضر صاحبها (8) شواء وأمر بإدخاله إلى النساء كي (9) يقطّعنه ويجعلنه (10)
في الصّحون، فلمّا حضر (11) بعد ذلك، تقرّف منه، وقال: كيف يؤكل وقد لمسنه بأيديهنّ؟ وذكر أبو حيّان أنّه لمّا توفّي بالقاهرة، رابع (12) رمضان المعظّم (13) سنة ثلاث وتسعين وستمئة، قال أبو محبوبه: والله (14) ما أدفنه إلّا في قبر ولدي، فإنّه كان يهواه في الحياة، وما (15) أفرّق بينهما في الممات، هذا لما [كان] (16) يعهده من دينه وعفافه فمن انسجاماته الغرامية قوله (17) [من الكامل]:
أنعم بوصلك لي فهذا وقته ... يكفي من الهجران ما قد ذقته
أنفقت عمري في هواك وليتني ... أعطى وصولا بالذي أنفقته
يا من شغلت بحبّه عن غيره ... وسلوت كلّ الناس حين عشقته
[كم جال في ميدان حبّك فارس ... بالصّدق فيك إلى رضاك سبقته] (18)
أنت الذي جمع المحاسن وجهه ... لكن عليه تصبّري فرّقته
قال الوشاة (19) قد ادّعى بك نسبة ... فسررت لما قلت قد صدّقته
__________
(1) «رحمه الله» سقطت من ب، هـ و.
(2) «أثير الدين الشيخ» سقطت من وو ثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(3) بعدها في ب: «الشروجّي».
(4) بعدها في و: «الشيخ مشطوبة».
(5) في هـ د: «بيان: «الشهاب»».
(6) «تكون» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح» وفي ب، ط:
«يكون».
(7) «فيه» سقطت من و.
(8) في ب، د، ط، و: «صاحب الدعوة».
(9) «كي» سقطت من ب، د، ط، و.
(10) في د، ك: «يقطعونه ويجعلونه».
(11) في ب، د، و: «أحضر».
(12) بعدها في ب: «شهر».
(13) «المعظم» سقطت من ب.
(14) «والله» سقطت من ب.
(15) في ب: «ولا».
(16) من ب، د، ط، و.
(17) «قوله» سقطت من ط.
(18) من ط.
(19) في ط: «الوشأة».(3/48)
بالله إن سألوك عنّي قل لهم ... عبدي وملك يدي وما أعتقته
أو قيل مشتاق إليك فقل لهم ... أدري بذا وأنا الّذي شوّقته (1)
[وما ألطف ما قال منها] (2) [من الكامل]:
يا حسن طيف من خيالك زارني ... من عظم وجدي فيه ما حقّقته
فمضى وفي قلبي عليه حسرة ... لو كان يمكنني الرّقاد (3) لحقته (4)
قلت: ما نفثات السّحر إذا صدقت عزائمها بأوصل إلى القلوب (5) من هذه النفثات، ولا لسلاف ظلم الحبائب (6) مع حلاوة التقبيل عذوبة هذه الرّشفات.
وعدّوا من الانسجام (7) المرقص الغراميّ (8) في باب الانسجام قول ابن الخيّاط الدمشقيّ [من الطويل]:
أغار إذا آنست في الحيّ أنّة ... حذارا وخوفا أن تكون لحبّه (9)
ومثله قول ظافر الحدّاد، وقد عدّوه من المرقص [من الطويل]:
ونفّر صبح (10) الشّيب ليل شبيبتي ... كذا عادتي في الصّبح مع من أحبّه (11)
ومثله قول خالد الكاتب (12) وعدّوه [له] (13) من المرقص (14) المطرب [من المتقارب]:
رقدت ولم ترث للسّاهر ... وليل المحبّ بلا آخر (15)
__________
(1) القصيدة له في ديوان الصبابة ص 119 120.
والوصول: ج وصل، وهو ورقة تثبت بيان وصول الإنفاق تسمية بالمصدر وقد يكون ضدّ «الهجران». (اللسان 11/ 726 (وصل)).
(2) من ب، د، ط، و.
(3) في و: «المنام».
(4) البيتان في ديوان الصبابة ص 120.
(5) في ب: «المطلوب».
(6) في و: «الحباب».
(7) «الانسجام» سقطت من ب، د، ط، و.
(8) «الغراميّ» سقطت من ب.
(9) البيت في ديوانه ص 171.
(10) في د: «صبح».
(11) البيت في ديوانه ص 15.
(12) بعده في و: «رحمه الله».
(13) من د، ط.
(14) «المرقص» سقطت من ب، د، ط و «من المرقص» سقطت من و.
(15) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.(3/49)
ومثله قول راجح الحلّيّ (1)، وعدّوه من المرقص [من الكامل]:
يا ليل طلت ولم ترقّ لمغرم ... لم يظلموا إذ لقّبوك ب «كافر» (2)
ومثله قول ابن بقيّ (3)، وهو معدود من المرقص [من الكامل]:
باعدته عن أضلع تشتاقه ... كيلا ينام (4) على فراش خافق (5)
ويعجبني في (6) هذا الباب قول النجيب بن الدباغ، وهو معدود من المرقص [من الكامل]:
يا ربّ إن قدّرته لمقبّل ... غيري فللمسواك أو للأكؤس
ولئن قضيت لنا بصحبة ثالث ... يا ربّ فلتك (7) شمعة في المجلس
وإذا حكمت (8) لنا بعين مراقب ... في الحبّ فلتك من عيون النّرجس (9)
وعدّوا من مرقصات الطريق الغراميّ (10) قول القائل [من البسيط]:
أستغفر الله إلّا من محبّتكم ... فإنّها حسناتي حين ألقاه
فإن يقولوا (11) بأنّ العشق معصية ... فالعشق أحسن ما يعصى به الله (12)
ومن مطرب (13) الانسجام الغراميّ قول عليّة بنت المهديّ [من الطويل]:
وأحسن أيّام الهوى يومك الّذي ... تروّع بالهجران فيه وبالعتب
إذا لم يكن في الحبّ سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرّسائل والكتب (14)
__________
(1) بعدها في و: «رحمه الله».
(2) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(3) في د، ط، ك، و: «ابن تقيّ» وبعدها في و: «رحمه الله».
(4) في ب: «يبيت».
(5) البيت له في وفيات الأعيان 6/ 203 وديوان الصبابة ص 90پ وفيهما:
«أبعدته» و «وساد خافق».
(6) في ب: «من».
(7) في ط: «فليك».
(8) في و: «قضيت» مشطوبة، وفي هامشها:
«حكمت» صح.
(9) الأبيات بلا نسبة في ديوان الصبابة ص 190.
(10) في ب، د، ط، و: «الغرامية».
(11) في د، و: «تقولوا».
(12) البيتان بلا نسبة في شرح الكافية البديعية ص 265.
(13) في ب: «مطربات».
(14) البيتان في ديوانها ص 46. والبيت الثاني لها في الأغاني 10/ 214.(3/50)
ومثله من المطرب قول الحسين بن الضحّاك (1) [من الطويل]:
له عبثات (2) عند كلّ تحيّة ... بعينيه يستدعى (3) الحليم إلى الوجد
رعى الله عصرا لم نبت (4) فيه ليلة ... من الدّهر إلّا (5) من حبيب على وعد (6)
ومن الغايات في هذا الباب، أعني (7) الانسجام الغراميّ، ما كان يكثر الترنّم (8)
به أبو القاسم (9) القشيريّ (10)، رحمة الله عليه (11)، وهو [من الكامل]:
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين تكرّر (12) التوديعا
أيقنت أنّ من الدموع محدّثا ... وعلمت أنّ من الحديث دموعا (13)
ومثله قول خالد الكاتب [من الطويل]:
بكى عاذلي من رحمتي فرحمته ... وكم مثله من مسعد ومعين /
ورقّت دموع العين حتّى كأنّها ... دموع دموعي لا دموع جفوني (14)
ويعجبني، في (15) هذا الباب، قول إسحاق [بن إبراهيم] (16) الموصليّ [النديم] (17) [من الطويل]:
على عصر أيّام الصّبابة والصّبا ... ووصل الغواني والتذاذي بالشّرب
سلام امرى لم تبق منه بقيّة ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب (18)
__________
(1) بعدها في و: «رحمه الله».
(2) في د: «عتبات».
(3) في ب، د، ط، و: «تستدعي».
(4) في ب: «أبت».
(5) في ط: «خليّا ولكن» مكان «من الدهر إلّا».
(6) البيتان في ديوانه ص 43.
(7) في ب: «في باب» مكان «في هذا الباب، أعني».
(8) في د، ط، و: «من الترنّم».
(9) في د، ك، و: «القسم».
(10) في ب: «القشريّ».
(11) سقطت من د، ط وفي ب: «رحمه الله تعالى» وفي و: «رضي الله عنه».
(12) في ب، ط، و: «نكرّر».
(13) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(14) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(15) في ب، د، ط، و: «من».
(16) في ب، د، ط، و.
(17) من ب وبعدها في و: «رحمه الله».
(18) البيتان في ديوانه ص 9392.(3/51)
ومن غراميّات القاضي الفاضل (1) في باب الانسجام قوله [من الطويل]:
ترى لحنيني أو حنين الحمائم ... جرت فحكت دمعي دموع الغمائم
وهل من ربوع أو ضلوع (2) ترحّلوا ... فكلّ أراها دارسات المعالم
لقد ضعفت (3) ريح الصّبا فوصلتها ... فمنّي لا منها هبوب السّمائم (4)
دعوا نفس المقروح تحمله (5) الصّبا ... وإن كان يهفو (6) بالغصون النواعم
تأخّرت في حمل السّلام عليكم ... لديها لما قد حمّلت (7) من سمائم (8)
فلا تسمعوا إلّا حديثا لناظري ... يعاد بألفاظ الدّموع السّواجم (9)
ومثله قوله [من الكامل]:
يا طرف ما لك ساهد في راقد (10) ... يا قلب ما لك راغب في زاهد
من يشتري عمري الرّخيص جميعه ... من وصلك الغالي بيوم واحد
عاتبته فتورّدت وجناته ... والقلب صخر لا يلين لقاصد
فنظرت من ذي في حرير (11) ناعم ... وضربت من ذا في حديد بارد (12)
ويعجبني من غراميّات (13) البهاء زهير (14) قوله [من الطويل]:
عتبتكم (15) عتب المحبّ حبيبه ... وقلت بإدلال (16) فقولوا بإصغاء
لعلّكم قد صدّكم عن زيارتي ... مخافة أمواه (17) لدمعي وأنواء
__________
(1) بعدها في و: «رحمه الله».
(2) في ب، د، ط، و: «ضلوع أو ربوع».
(3) في ب: «عصفت».
(4) في ب، و: «النسائم».
(5) في ط: «يحمله».
(6) في ط: «تهفو».
(7) في ك: «حمّلته».
(8) في د: «سمائمي».
(9) الأبيات سبق تخريجهما.
والسّواجم: السائلة المسكوبة. (اللسان 12/ 280 (سجم)).
(10) في و: «راقدي».
(11) في ب: «خفير».
(12) الأبيات في ديوانه ص 3433.
(13) في ط: «غراميان».
(14) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(15) في ب: «عاتبتكم» وقبلها في و:
«ويعجبني من» مشطوبة.
(16) في ب: «وقلت بإذلال».
(17) في ب: «إجراء» مكان «أمواه».(3/52)
فلو صدق الحبّ الذي تدّعونه ... وأخلصتم فيه مشيتم على الماء
وإن تك أنفاسي (1) خشيتم لهيبها ... وهالتكم نيران وجد بأحشائي
فكونوا رفاعيّين (2) في الحبّ مرّة ... وخوضوا لظى نار لشوقي حمراء (3)
وألطف منه وأسجم قوله [من المجتثّ]:
تعيش أنت وتبقى ... أنا الّذي متّ عشقا (4)
حاشاك يا نور عيني ... تلقى الّذي أنا ألقى
ولم أجد بين موتي ... وبين هجرك فرقا
يا أنعم النّاس بالا ... إلى متى فيك أشقى
سمعت عنك حديثا ... يا ربّ لا كان صدقا
وما عهدتك إلّا ... من أكرم النّاس خلقا
لك الحياة فإنّي ... أموت لا شكّ حقّا
__________
(1) في ب: «وإذكاء أحشائي» مكان «وإن تك أنفاسي».
(2) في و: «رفاعين».
(3) الأبيات في ديوانه ص 13وفيه:
«بإذلال» و «بإصفاء» و «حرّاء» مكان «حمراء».
والأنواء: ج نوء: الساقط من الأمطار، والرياح، والحرّ والبرد، (اللسان 1/ 175 (نوأ)) ورفاعيّين: نسبة إلى الرّفاعية، إحدى فرق الدراويش الصوفيّة التي تنسب إلى أحمد الرّفاعيّ (المتوفّى 578هـ.)
وقوله: «في الحبّ»: إشارة إلى أن نظرية الحبّ الإلهيّ عند الصوفيّين، كانت تتناول أيضا المخلوقات جميعا لأنّها تتجلّى فيها صفات الله ولعله يشير بقوله: «وخوضوا لظى نار» إلى ما كان يفعله الرفاعية في حال غيبوبتهم من قبضهم على الحديد المحمّى زاعمين أنّ الروح عندئذ تغادر الجسد وتتّصل بالخالق. (حاشية ديوان بهاء الدين زهير ص 13والأعلام 1/ 174).
وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
««رفاعيين»: نسبة إلى «رفاعة الطهطاويّ» و «لشوقي»: يتبادر إلى الذهن شوقي الشاعر وهي تورية، المقصود بها الشوق». وقد أخطأ خطأ كبيرا في شرحه هذا، إذ إن رفاعة الطهطاوي توفّي 1290هـ (الأعلام 3/ 29)، والبهاء زهير توفّي 656هـ، فكيف لمتقدّم أن يشير في شعره لمتأخّر عنه أكثر من ستّة قرون!!! وفي إشارته إلى أحمد شوقي خطأ أكبر!!!
(4) في ب: «حقّا».(3/53)
يا ألف مولاي مهلا ... يا ألف مولاي رفقا
قد كان ما كان منّي ... والله خير وأبقى (1)
ومثله قوله [من مجزوء الكامل]:
أنت الحبيب الأوّل ... ولك الهوى المستقبل
عندي لك (2) الودّ الذي ... هو ما عهدت وأكمل
ألقلب فيك مقيّد ... والدمع فيك (3) مسلسل
يا من يهدّد بالصّدو ... د، نعم تقول وتفعل
قد صحّ عذرك (4) في الهوى ... لكنّني أتعلّل (5)
نفدت معاذيري الّتي ... ألقى بها من يسأل
حتّام (6) أكذب للورى (7) ... وإلى متى أتجمّل (8)
قل للعذول لقد أطل ... ت، لمن تقول وتعذل؟
عاتبت من لا يرعوي ... وعذلت من لا يقبل
غضب العذول أخفّ من ... غضب الحبيب وأسهل (9)
ومن انسجاماته التي تكاد أن لا (10) [تكون] (11) موزونة [قوله] (12) [من مجزوء الخفيف]:
إن شكا القلب هجركم ... مهّد الحبّ عذركم
__________
(1) القصيدة في ديوانه ص 240239 وفيه: «حقّا» مكان «عشقا» و «عشقا» مكان «حقّا».
(2) في د: «لك عندي».
(3) في ط: «منك».
(4) في ب: «عذرك»، وفي هامشها: «(ي) يقصد: «عذري».
(5) «لكنني أتعلّل» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(6) في ط: «حتّى م».
(7) في ب: «في الورى».
(8) في د، ط: «أتحمّل».
(9) القصيدة في ديوانه ص 268267 وفيه: «لمن تلوم وتعذل».
(10) في ك: «أن لا تكاد».
(11) من ب، د، ط، وإلّا أنّها، كما تبدو، موزونة.
(12) من ب.(3/54)
لو رأيتم محلّكم ... من (1) فؤادي لسرّكم
لو أمرتم بما عسى ... ما تعدّيت أمركم
قصّروا مدّة الجفا ... طوّل الله عمركم
شرّفوني بزورة ... شرّف الله قدركم
كنت أرجو بأنّكم ... شهركم لي (2) ودهركم
قد نسيتم وإنّما ... أنا لم أنس ذكركم
وصبرتم وليتني ... كنت أعطيت صبركم
ورأيتم تجلّدي ... في هواكم فغرّكم (3)
لو وصلتم محبّكم ... ما الّذي كان ضرّكم (4)
ومن انسجاماته التي هي في غاية الظرف [قوله] (5) [من مجزوء الكامل]: /
يا قلب بعض الناس هل ... للضّيف عندك زاويه
إنّي ببابك قد وقف ... ت عسى تردّ جوابيه
يا ملبسي ثوب الضّنا ... يهنيك (6) ثوب (7) العافيه
لم يبق منّي في القمي ... ص سوى رسوم باليه
وحشاشة ما أبقت ال ... أشواق منها باقيه
يا من إليه المشتكى ... أنت العليم بحاليه
وإليك عنّي يا غرا ... م فقد عرفت مكانيه
فكأنّما لك قد قعد ... ت على طريق (8) القافيه (9)
__________
(1) في ب: «في».
(2) في ب: «شهري لكم».
(3) في ط: «فسرّكم».
(4) القصيدة في ديوانه ص 151وفيه: «لو علمتم» مكان «لو رأيتهم» و «عمرذا» مكان «مدّة» و «فنسيتم» مكان «قد نسيتم». وختمها بقوله:
مات في الحبّ صبوة
عظّم الله أجركم
(5) من ب.
(6) في ط: «يهنأك».
(7) في د: «ثوب».
(8) في د: «الطريق».
(9) في ب: «العافية».(3/55)
من لي بقلب أشتري ... هـ من القلوب القاسيه
مولاي يا قلبي (1) العزي ... ز ويا حياتي الغاليه
إنّي لأطلب حاجة ... ليست عليك بخافيه
أنعم عليّ بقبلة ... هبة وإلّا عاريه
وأعيدها (2) لك، لا عدم ... ت (3)، بعينها وكما هيه
وإذا أردت زيادة ... خذها ونفسي راضيه (4)
ومثله قوله في هذا الرويّ [من مجزوء الكامل]:
قالوا: كبرت عن الصّبا ... وقطعت تلك الناحيه
فدع الصّبا لرجاله ... واخلع ثياب العاريه
ونعم كبرت وإنّما ... تلك الشّمائل باقيه
ويفوح (5) من عطفيّ أن ... فاس الشّباب كما هيه
ويميل بي نحو (6) الصّبا ... قلب رقيق الحاشيه
فيه من الطّرب القدي ... م بقيّة في الزّاويه (7)
ومن غراميات الحاجريّ في هذا الباب [قوله] (8) [من الكامل]:
لك أن تشوّقني إلى الأوطان ... وعليّ أن أبكي بدمع (9) القاني (10)
إنّ الّذي رحلوا غداة المنحنى ... ملأوا القلوب لواعج الأشجان
فلأبعثنّ مع (11) النّسيم إليهم ... شكوى يميل (12) لها غصون البان
__________
(1) في و: «قلب».
(2) في ك: «وأعيذها».
(3) في د: «لا عدمت».
(4) الأبيات في ديوانه ص 393389 وفيه: «فإليك عنّي» و «وكأنّما أنا» مكان «فكأنّما لك» وهي ملفّقة من قصائد مختلفة.
وعارية: مستعارة.
(5) في ط: «وتفوح».
(6) في ك: «في نحوي».
(7) الأبيات في ديوانه ص 389.
(8) من ب، و.
(9) في ب، د، و: «بدمعي».
(10) في ب، د، و: «القاني» وفي ط: «قاني».
(11) في ط: «من».
(12) في ب، د، ط، و: «تميل».(3/56)
نزلوا برامة قاطنين فلا تسل ... ما حلّ بالأغصان والغزلان (1)
وقد تقدّم قولي إنّ الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاريّ، شيخ شيوخ حماة (2)، سقى الله من غيث الرحمة ثراه (3)، هو (4) غيث [هذا] (5) الانسجام، وغريم هذا الغرام. فمن انسجاماته الغراميّة الموعود بإيرادها قوله [من الوافر]:
حديثي في المحبّة ليس يشرح ... فدعني من حديث اللوم واشرح (6)
فما لك مطمع ببراح قلبي ... عن الحبّ الذي أعيا وبرّح
فكم من لائم أنحى (7) إلى أن ... تأمّل من هويت فما تنحنح
فيا لله ما أشهى وأبهى (8) ... ويالله ما أحلى وأملح
له طرف يقول الحرب (9) أحرى (10) ... ولي قلب يقول الصّلح أصلح
سألت سواره المبرى (11) فنادى ... فقير وشاحه، «ألله يفتح»
وماس من القوام بغصن بان ... إذا أنشدت أغزالي ترنّح
وحيّاني بألحاظ مراض ... صحيحات فأمرضني وصحّح
أعاتبه فلا يصغي (12) لعتبي ... ولا أسلو فأتركه وأربح (13)
ومن غايات انسجاماته (14) قوله [من المقتضب]:
كم شرحت من وجد ... كم سفحت من دمعه
كم بعثت من رسل ... دفعة على دفعه
بنتم وأعرضتم ... ما أمرّها جرعه
__________
(1) الأبيات في ديوانه ص 2423.
(2) في ب: «شيخ الشيوخ الأنصاريّ» مكان «الشيخ شرف حماة».
(3) «سقى ثراه» سقطت من ب.
(4) في و: «هو» سقطت من «وهو».
(5) من ب، د، ط، و.
(6) في د: «اللؤم واسرح» وفي ط، و:
«اللوم واسرح».
(7) في ب: «ألحى» وفي د، و: «أنحى» (* ح) وفي ط: «أنجى» وفي ك:
«أنحى» مصححة عن «ألحى».
(8) في ب: «وأحنى».
(9) في و: «الحبّ».
(10) في د: «أحرى» (* ح).
(11) في ب، د، ط، و: «المثرى».
(12) في ط: «يصفي».
(13) القصيدة في ديوانه ص 133132.
(14) في ب، د، ط، و: «انسجامه».(3/57)
هل عليكم بأس ... في المقال بالرّجعه
قد حججت مغناكم ... لا تحرّموا المتعه
ترك سنّتي (1) فيكم، ... سادتي، من البدعه
هذه صباباتي ... والوصال في منعه (2)
كيف لو تعلّمتم ... غير هذه الصّنعه
يا مليك قلبي خذ ... ما يليه بالشّفعه
واس (3) بيننا أو لا ... ردّنا إلى القرعه
لا تحل (4) على (5) قلبي ... ليس فيه من نجعه
قد تركت أرداني ... من مدامعي نقعه
ما لناظري كحل ... غير هذه الطّلعه (6)
ومثله قوله [من الخفيف]:
خبّروه تفصيل حالي جمله ... فعساه يرقّ لي ولعلّه
كم تنحنحت إذ تبدّى حذارا ... من رقيبي وكم تكلّفت سعله (7)
__________
(1) في د: «سنني».
(2) في و: «متعه».
(3) في ب: «واسي» وفي ك: «وأس».
(4) في ب: «لا تحلّ».
(5) في د: «عن» وفي ط: «عنّي».
(6) القصيدة في ديوانه ص 317316.
والرّجعة: مذهب طائفة من المسلمين من أولي البدع والأهواء، يقولون: إنّ الميت يرجع إلى الدنيا، قبل يوم القيامة، ويكون فيها حيّا كما كان ومن جملتهم طائفة من الرافضة وهنا الرجعة: العودة. (اللسان 8/ 114، 119 (رجع)) والمغنى:
المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا عنه.
(اللسان 15/ 139 (غني)).
ومتعة الحجّ: أن يأتي بالعمرة في أشهر الحجّ ثمّ يتحلّل منها، ثمّ يحرم بالحجّ من مكانه الذي هو فيه في الحرم. ومتعة الزواج: زواج المرأة لمدّة مؤقّتة على مهر معيّن. (معجم لغة الفقهاء ص 403) والبدعة: كل محدث جديد على غير مثال سابق (معجم لغة الفقهاء ص 104) والشفعة: حقّ الجار في تملّك العقار جبرا على مشتريه بشروطه التي رسمها الفقهاء أو القضاء بالعقار لصاحبها. (اللسان 8/ 184 (شفع)) والنجعة: طلب الكلإ والعرف، أو الأمل. (اللسان 8/ 347 (نجع)).
(7) في و: «شعله».(3/58)
ليس لي عن هدى هواه ضلال ... أكثر اللوم عاذلي أو أقلّه
ركّبت في جبلّتي (1) نشوة العش ... ق وصعب تغيير ما في الجبلّه
سادتي عاودوا رضاكم وعودوا ... عن جفاكم فما بقي فيّ فضله
ذبت شوقا فعالجوني بقرب ... متّ عشقا فحنّطوني بقبله
واشغلوني عن لائم قد (2) أتاني ... برشاد أتته آفة غفله
قلت بالله خلّني فتمادى ... وقليل من يترك الشّرّ لله (3)
ومثله قوله [من دو بيت]:
قلب (4) أخذ الهوى زمامه (5) ... قد سار (6) جمالكم أمامه
في حسنكم البديع شغل ... عن علوة لي وعن أمامه
من (7) لي بمحجّب أراه ... بالفكر ولا أرى خيامه
أشدو بتغزّلي لديه ... فيه فيجدّ لي (8) خصامه /
يزهو ويقول كان (9) ماذا ... لو يترك جاهل كلامه
شبّهت بطلعتي هلالا ... ما كنت رضيته قلامه
والغصن حسبته شبيها ... منّي بتعطّف وقامه
والظبي إذا رنت لحاظي ... لا كيد له ولا كرامه
أفديه بمهجتي وإنّي ... لا حسرة لي ولا ندامه
كم دعوة (10) موعد لوصل ... قامت بحضورها (11) القيامه
أخبرت بها العذول لكن ... ما قلت له: كم الغرامه (12)
__________
(1) في ب: «خيلي».
(2) في ب، د، ط، و: «ما».
(3) القصيدة في ديوانه ص 416414.
(4) في ب، د، ط، و: «صبّ».
(5) في ب: «ذمامه».
(6) في ب، د، ط، و: «صار».
(7) في و: «بمن».
(8) في د، ط: «فيحدّ» وفي هـ ك: «لعلّه:
«فيحدو لي»».
(9) «كان» سقطت من ب.
(10) في ب: «روعة».
(11) في ط: «لحضورها».
(12) القصيدة في ديوانه ص 450449.(3/59)
ومثله قوله [من الرّمل]:
لا تعاتبني فلا عتب عليّ ... خرج الأمر وعقلي من يدي
ليس للنّصح قبول يرتجى ... عند شيخ هام وجدا بصبيّ
وأرى لومك تغريني (1) به ... لا تزدني أو (2) فزدني يا أخيّ
أنا في الحبّ إمام فإذا ... صرت من أبنائه (3) فاخضع لديّ (4)
لا تسل غيري في شرع الهوى ... وخذ التنزيل فيه عن أبيّ
خلقي أنّي (5) شحيح بهم ... وبروحي لهم حاتم طيّ (6)
فاختصر في شرح أشواقي فإن ... رمت إسهابا فوكّل مقلتيّ
سادتي (7) فارقتكم فاستلبت (8) ... بنواكم راحتي من راحتيّ (9)
فاجبروا قلبي بشيء منكم ... فلقد أوتيتم من كلّ شيّ
صادني منكم غرير أغيد ... فيه ما يشغل عن (10) هند وميّ
قلت: قد أضنيت جسمي (11)، قال: قد، ... قلت: كي تذهب روحي، قال: كيّ
قلت: أفديك بنفسي، قال: «مه» ... ما إليك الأمر فيها بل إليّ (12)
__________
(1) في د، ط، و: «يغريني».
(2) «أو» سقطت من ك، وفي هامشها:
«لعلّه: «أو»».
(3) في ب: «أربابه».
(4) في ب: «إليّ».
(5) في ب: «خلّني إنّي».
(6) حاتم طيّ: هو حاتم طيّئ، يضرب به المثل عند العرب، فيقال: أسخى من حاتم، أو أجود من حاتم. والمثل في الألفاظ الكتابية ص 283وتمثال الأمثال ص 126وثمار القلوب ص 97وجمهرة الأمثال 1/ 336والدرّة الفاخرة 1/ 126والمستقصى 1/ 53 والميداني 1/ 182.
(7) قبلها في ك: «يا» مشطوبة.
(8) في ك: «فاستلبت ظ».
(9) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«راحتي: الأولى بمعنى الاستراحة، والثانية اليد». وقد توهّم أن هناك ثانية، فالأولى: مفردة، والثانية مثنّاة، وبينهما اختلاف.
(10) في ط: «عند».
(11) في ب: «روحي».
(12) «سادتي بل إليّ» الأشطر الخمسة الأخيرة من هذه الأبيات اختلطت كلماتها بكلمات من صفحات أخرى، وذلك(3/60)
ومثله قوله (1) من أبيات يخاطب [فيها] (2) العذول [من المتقارب]:
أراك بخيلا بعوني فهبني ... سكوتك عنّي إذا لم تعنّي
ذممت (3) الهوى ورجوت (4) السّلوّ ... فأبكيت عيني وأضحكت سنّي
فإن عفت (5) شربي من خمرتي ... فدعني ما بين كأسي ودنّي
وإيّاك عربدتي فاخشها ... فإنّي قد أخذ السّكر منّي (6)
ويعجبني من انسجامات ابن سناء الملك (7) قوله [من الطويل]:
دنوت وقد أبدى الكرى منه ما أبدى ... فقبّلته في الثّغر (8) تسعين أو إحدى
وأبصرت في خدّيه ماء وخضرة ... فما أملح المرعى وما أعذب الوردا
تلهّب ماء الخدّ أو سال جمره ... فيا ماء ما أذكى ويا جمر (9) ما أندى
أقول لناه قد أشار بتركه ... لقد زدتني فيما أشرت به زهدا
فلم لا نهيت الثغر أن يعذب اللّمى ... ولم لا (10) أمرت الصّبر (11) أن يكتم النهدا
وأقسم ما عندي إليه صبابة ... وكيف وجور (12) الشوق لم يبق لي عندا
وفي القلب نيران الخليل توقّدت ... وما ذقت منها لا (13) سلاما ولا بردا (14)
__________
لتشقّق الورق واهترائه، ولعدم قدرة آلة التصوير على ضبطه ولم يتّضح منها إلّا الكلمة الأولى. والقصيدة في ديوانه ص 525524.
و «مه»: زجر ونهي، وهي كلمة مبنية على السكون إذا كانت مفردة. (اللسان 13/ 542 (مهه)) وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «مه: لغة في «ما» الاستفهامية»، إلّا أنّ معنى الزجر فيها بيّن واضح.
(1) بعدها في و: «رحمه الله».
(2) من ب.
(3) في د: «ذممت».
(4) في ب: «ووجدت»، وفي هامشها:
«ومدحت» وفي د: «رجوت».
(5) في ب: «عبت».
(6) الأبيات في ديوانه ص 491490.
(7) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(8) في ب: «الخدّ».
(9) في د: «ويا خمر».
(10) في و: «ولولا».
(11) في ب، د، و: «الصدر».
(12) في ب: «وجود».
(13) «لا» سقطت من ب.
(14) الأبيات في ديوانه 2/ 86.
والنّهد: من «التنهّد». وفي نسخة مطبوعة(3/61)
ومثله قوله (1)، ويعجبني إلى الغاية (2) [من الكامل]:
نعم المشوق وأنعم المعشوق ... فالعيش كالخصر الرقيق رقيق
خصر (3) أدير عليه معصم قبلة ... فكأنّ تقبيلي له تعنيق
ونعم [لقد] (4) طرق الحبيب وما له ... إلّا خدود العاشقين طريق
فرشوا الخدود طريقهم (5) فكأنّما ... زفراتهم لقدومه تطريق
وافى وصبح جبينه متنفّس ... وأتى وجيد رقيبه مخنوق
فصنعت فيه صناعة شعريّة ... فالصّدر يرحب والعناق يضيق (6)
ومثله قوله (7)، وهو في غاية الظرف (8) [من الخفيف]:
لا أجازي حبيب قلبي بجرمه (9) ... أنا أحنى عليه من قلب أمّه
ضنّ عنّي بريقه فتحيّل ... ت إلى أن سرقته عند لثمه
وإلى اليوم من ثلاثين يوما ... لم تزل (10) من فمي حلاوة طعمه
إنّ قلبي لصدره (11) ورقادي ... ملك أجفانه وروحي لجسمه
يكسر الجفن بالفتور وما لي ... عمل وقت كسره غير ضمّه (12)
ومن غراميّات الشابّ الظريف، شمس الدين محمّد بن العفيف (13)، قوله في
__________
بشرح عصام شعيتو: «النهد: الثدي إذا نهد في الصدر» ولا أدري ما علاقة الصبر ب «النهد» ولو سبقها «الصدر» لصحّ المعنى. وفي «نيران الخليل» إشارة إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، وإلقائه في النار بعد تحطيمه الأصنام.
(1) بعدها في و: «رحمه الله».
(2) في ب: «ويعجبني أيضا إلى الغاية قوله» مكان «ومثله الغاية».
(3) في و: «خضر».
(4) في ب، د، ط، و.
(5) في ط: «طريقه».
(6) الأبيات في ديوانه 2/ 206.
(7) بعدها في و: «رحمه الله».
(8) في ب: «اللطف».
(9) في و: «بظلمه»، وفي هامشها: «بجرمه» صح.
(10) في ب: «لم يزل».
(11) في ك: «لصدّه ظ».
(12) الأبيات في ديوانه 2/ 452.
(13) «شمس الدين محمد بن العفيف» سقطت من ب.(3/62)
باب الانسجام [من الطويل]:
عفا الله عن قوم عفا الصّبر عنهم (1) ... فلو رمت ذكرى غيرهم خانني الفم
تجنّوا كأن لا ودّ بيني وبينهم ... قديما وحتّى ما كأنّهم هم
وبالجزع أحباب إذا ما ذكرتهم ... شرقت بدمع في أواخره دم
مشبّون (2) ناري وجنة وجناية (3) ... تعلّمه ألحاظه كيف يظلم
ألمّ وما في الرّكب منّا متيّم ... وعاد وما في الرّكب إلّا متيّم
وليس الهوى إلّا التفاتة طامح (4) ... يروق لعينيه الجمال (5) المنعّم
خليليّ ما للقلب هاجت شجونه ... وعاوده داء من الشّوق (5) مؤلم /
[وما راعه إلّا لأمر غرامه ... وما اعتاده إلّا هوى متقدّم] (7)
أظنّ ديار الحيّ منّا قريبة ... وإلّا فمنها نفحة تتنسّم (5)
ومثله قوله [من الكامل]:
لا تخف ما فعلت (9) بك الأشواق ... واشرح هواك فكلّنا (10) عشّاق
فعسى يعينك من شكوت له الهوى ... في حمله فالعاشقون (10) رفاق
لا تجز عنّ فلست أوّل مغرم ... فتكت به الوجنات والأحداق
__________
(1) في ب: «عفا الله عنهم»، وفي هامشها:
«عفا الصبر عنهم» وفي ط: «منهم» مكان «عنهم».
(2) في ب، د، ط، و: «ومشبوب».
(3) في ب: «وصبابة».
(4) في و: «طافح».
(5) «لعينيه الجمال»، و «داء من الشوق»، و «نفحة تتنسّم» اختلطت بكلمات من صفحات أخرى، وذلك لتشقق الورق واهترائه، ولعدم قدرة آلة التصوير على تمييزه. والقصيدة في ديوانه ص 304303وفيه: «منهم»، و «رمت».
وعفا الصبر عنهم: زال وامّحى. (اللسان 15/ 76 (عفا)).
(7) من هـ ب.
(9) في ب: «ما صنعت».
(10) «هواك فكلّنا»، و «فالعاشقون» اختلطت بكلمات من صفحات أخرى، وذلك لتشقق الورق واهترائه، ولعدم قدرة آلة التصوير على ضبطه.(3/63)
واصبر على هجر الحبيب فربّما ... عاد الوصال وللهوى أخلاق
كم ليلة أسهرت أحداقي بها ... وجدا وللأفكار بي (1) إحداق
يا ربّ قد بعد الذين أحبّهم ... عنّي وقد ألف الفراق فراق (2)
واسودّ حظّي عندهم لمّا سرى ... فيه بنار صبابتي إحراق
عرب رأيت (3) أصحّ ميثاق لهم ... أن لا يصحّ لديهم ميثاق (4)
ومثله قوله [من الخفيف]:
بتثنّي قوامك الممشوق ... وبأنوار وجهك المعشوق
وبمعنى للحسن مبتكر في ... ك وقلب كقلبي المسروق (5)
جد بوصل أو زورة أو بوعد ... أو كلام أو وقفة في الطريق
أو بإرسالك السّلام مع الرّيح ... وإلّا فبالخيال الطّروق (6)
ويعجبني في هذا (7) المعنى، على هذا الطريق، قول بعض الموّالة (8):
زر شهر في عام يا من قد غلا (9) في السّوم ... أو يوم في شهر أحلى من صدودك دوم (10)
وإن عزّ هذا وهذا يا عزيز القوم ... في الدهر ساعة (11) وإن لم ترتضي في النوم (12)
ومن لطائف (13) انسجامات ابن العفيف (14) قوله (15) أيضا [من الكامل]:
__________
(1) في ب: «لي».
(2) في ب: «رفاق».
(3) «رأيت» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(4) القصيدة في ديوانه ص 226225 وفيه: «ما صنعت» مكان «ما فعلت» و «ملقّى» مكان «وجدا».
(5) في ط: «المحروق».
(6) الأبيات في ديوانه ص 235وفيه:
«وخصر» مكان «وقلب».
والطّروق: الآتي ليلا. (اللسان 10/ 218 (طرق)).
(7) «هذا» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(8) في ط: «المواليا» وفي و: «الموالية».
(9) في و: «علا».
(10) إزاءه في هـ ب: «موّال».
(11) في ب: «مرّة».
(12) الموّال لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(13) في د، ط: «ألطف».
(14) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(15) «قوله» سقطت من ب.(3/64)
لي من هواك بعيده وقريبه ... ولك الجمال بديعه وغريبه
يا من أعيذ جماله بجلاله ... حذرا عليه من العيون تصيبه
[إن لم تكن عيني فإنّك نورها ... أو لم تكن قلبي فأنت حبيبه] (1)
هل حرمة أو رحمة لمتيّم ... قد قلّ فيك (2) نصيره ونصيبه
ألف القصائد في هواك تغزّلا ... حتّى كأنّ بك النّسيب نسيبه
لم يبق لي سرّ أقول تذيعه ... عنّي ولا قلب أقول تذيبه
[دع لي (3) فؤادا بالغرام تشبّه ... واستبق فودا بالصّدود تشيبه] (4)
كم ليلة قضّيتها متسهّدا ... والدمع يجرح مقلتي مسكوبه
والنجم أقرب من لقاك مناله ... عندي وأبعد من رضاك مغيبه (5)
ومثله قوله [من مجزوء الوافر]:
رشيق القامة النّضره ... لقد أصميت بالنظره (6)
وقد سوّد (7) حظّي من ... ك يا أبهى الورى غرّه
سواد الخال والمقله ... مع العارض (8) والطّرّه
قديم الهجر هل لفتى ... قديم في الهوى هجره
وكم تلقاه بالإبعا ... د والإيعاد (9) والنّفره
وكم يشكو ولا تطر ... ح في قفّته كسره
رأينا من جفا وجنى ... ولكن زدت في كرّه (10)
فهل تمنح أو تسم ... ح بالوصل ولو مرّه (11)
__________
(1) من ب، د، ط، و.
(2) في ب: «منك».
(3) في هـ ب: «هب لي».
(4) من ب، د، ط، و.
(5) القصيدة في ديوانه ص 55، 56وفيه:
«هبّ لي».
(6) في و: «بالنصرة».
(7) في ط: «سوّدت».
(8) في ب، د، ك، و: «والعارض».
(9) في ط: «بالإيعاد والإبعاد».
(10) «رأينا كرّه» سقطت من و.
(11) فهل تمنح مرّة» سقطت من ب.(3/65)
فقد أصبحت لا أمل ... ك من صبري ولا ذرّه
وقد صيّرني هجر ... ك في كسّ اخت من أكره (1)
ومن انسجاماته الرّقيقة قوله [من المنسرح]:
حتّام حظّي لديك حرمان ... وكم كذا لوعة (2) وهجران
[أين ليال مضت ونحن بها ... أحبّة في الهوى وجيران] (3)
وأين ودّ عهدت (4) صحّته (5) ... وأين عهد وأين أيمان
قد رضي الدّهر والعواذل وال ... حسّاد عنّا (6) وأنت غضبان
فاسلم ولا تلتفت إلى مهج ... بها جوى قاتل وأشجان
ونم خليّا (7) وقل: كذا وكذا ... من (8) كلّ من أطلعت تلمسان (9)
ومثله قوله [من الوافر]:
أعزّ الله أنصار العيون ... وخلّد ملك هاتيك الجفون (10)
وضاعف بالفتور لها اقتدارا ... وإن تك أضعفت (11) عقلي وديني (12)
وأبقى دولة الأعطاف فينا (13) ... وإن جارت على قلبي الطّعين (14)
__________
(1) القصيدة في ديوانه ص 163162وفيه:
«سوّدت» مكان «سوّد» و «والعارض» و «من لفتى» و «فكم» مكان «وكم» و «من جنى وجفا» و «في أخت ما أكره».
وأصميت: قتلت. (اللسان 14/ 469 (صما)).
(2) في ب: «جفوة».
(3) من ب، د، ط، و: «وفي ب: «جيران» مكان «وجيران».
(4) في و: «عهدت».
(5) في ب: «صحبته».
(6) في ب: «عنّي».
(7) في ب: «هنيئا».
(8) في و: «في».
(9) الأبيات في ديوانه ص 324323 وفيه: «جفوة» مكان «لوعة» و «أحبّة» و «ما أصلعت».
(10) في د: «الجفون».
وتلمسان: مدينة بالمغرب. (معجم البلدان 2/ 51).
(11) في د: «أضعف».
(12) في هـ ب:
«وضاعف بالفتور لها اقتدارا
وجدّد نعمة الحسن المصون خ»
(13) في ب: «لينا».
(14) في ك: «الظعين».(3/66)
وأسبغ ظلّ ذاك الشّعر منه ... على قدّ به هيف الغصون
وصان حجاب هاتيك الثّنايا ... وإن ثنت الفؤاد إلى الشّجون
[فكم في الحبّ من تلك المعاني ... وإن جعلت دموعي كالمعين] (1)
حملت تسهّدي والشيب، هذا ... على رأسي، وذاك على عيوني (2)
ومن غراميّات ابن نبيه (3) في باب الانسجام [قوله] (4) [من مجزوء الوافر]:
تعالى الله ما أحسن ... شقيقا حفّ بالسّوسن
خدود لثمها يبري ... من الأسقام لو أمكن
فما تجنى وحارسها ... بقفل الصّدغ قد زرفن (5) /
غزال ضيّق العيني ... ن ينسيني الرّشا (6) الأعين
له قلب وأعطاف ... فما أقسى وما ألين
ولم أر قبل مبسمه ... صغير الجوهر المثمن
أبثّ (7) هواه من خوف ... لنجم اللّيل لمّا جنّ
وما ينفع كتماني ... ودمع العين قد أعلن
وقد (8) أسكنته قلبي ... فسار وأحرق المسكن (9)
وممّا كتبه القاضي الفاضل بخطّه، وهو غاية في باب الانسجام الغراميّ، وكان
__________
(1) من ب.
(2) في ب: «عيون» وفي و: «عيون (ي)».
والأبيات في ديوانه ص 336335 وفيه: «وجدّد نعمة الحسن المصون» مكان «وإن تك ديني» و «والشّيب».
(3) في ب، ط: «ابن النبيه» وبعدها في و:
«رحمه الله».
(4) من ب، و.
(5) في ط، و: «زرقن».
وزرفن صدغه: كلمة مولّدة، جعله كالزّرفين، وهو حلقة الباب. (اللسان 13/ 197 (زرفن)، والقاموس المحيط (زرفن)). وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو: «زرفن»: لم نعثر على هذه اللفظة فيما بين أيدينا، وربّما كانت «زرجن»، ومعناها: صبغ بالزرجون، وهو صباغ أحمر يستخرج من شجر، واحدته:
زرجونة».
(6) في ب: «الرّشأ» وبها يكسر الوزن.
(7) في د: «أبتّ».
(8) في ب، و: «وكم».
(9) القصيدة في ديوانه 246241.(3/67)
كثيرا ما يترنّم به، قصيدة القاضي المهذّب ابن الزبير، ووجدت (1) بخطّ الفاضل غير تامّة، وقد أثبتّ منها هنا (2) ما وجدته (3) بخطّ الفاضل من غراميّها، واختصرت المديح، وهو [قوله] (4) [من مجزوء الكامل]:
بالله (5) يا ريح (6) الشّما ... ل إذا اشتملت الروح بردا
وحملت من نشر (7) الخزا ... مى ما اغتدى للنّدّ ندّا
ونسجت ما بين الغصو ... ن إذا اعتنقن هوى وودّا
وهززت عند الصّبح من ... أعطافها قدّا فقدّا
ونثرت فوق الماء من ... أجيادها للزّهر عقدا
فملأت صفحة وجهه ... حتّى اكتسى آسا ووردا
فكأنّما ألّفت (8) في ... هـ منهما صدغا وخدّا
مرّي على بردى (9) عسا ... هـ يزيد في مسراك بردا
نهر كنصل السّيف يك ... سو (10) متنه الأزهار غمدا
صقلته أنفاس النّسي ... م بمرّهنّ فليس يصدا
أحبابنا ما بالكم ... فينا من (11) الأعداء أعدى
وحياة حبّكم وتر ... بة (12) أصلكم (13) ما خنت عهدا (14)
وغاية الغايات، في باب الانسجام الغراميّ، ما كتبه القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر إلى والده القاضي (15) محيي الدين بن عبد الظاهر (16)، وقد توجّه صحبة
__________
(1) في ب: «وقد وجدت».
(2) «هنا» سقطت من وو في د، ط: «هنا منها».
(3) في ب، د، ط، و: «وجد».
(4) من ب.
(5) في د: «بالله» مكررة، والأولى منهما مشطوبة.
(6) في ب: «الريح».
(7) في ب: «ريح».
(8) في د: «اللفت» وفي ك: «ألّفت».
(9) في ب، د، ك، و: «بردا».
(10) في ب، ط: «تكسو».
(11) في ب: «في».
(12) في د: «وترية» وفي ط: «بتربة».
(13) في ب، د، ط، و: «وصلكم».
(14) القصيدة لم أقع عليها في ديوانه، ولا في ما عدت إليه من مصادر.
(15) بعدها في و: «فتح الدين ابن» مشطوبة.
(16) «بن عبد الظاهر» سقطت من ب، د، ط، و.(3/68)
الرّكاب الشريف الظاهريّ في مهمّ شريف (1)، فحصل له ضعف بدمشق المحروسة (2)، وهو [من الكامل]:
إن شئت تبصرني وتبصر حالتي ... قابل إذا هبّ النّسيم قبولا
تلقاه مثلي رقّة ونحافة ... ولأجل قلبك لا أقول عليلا
فهو الرسول إليك منّي ليتني ... كنت اتّخذت مع الرّسول سبيلا (3)
خطاب مثل هذا الولد لمثل هذا الوالد بقوله:
* ولأجل قلبك لا أقول عليلا *
فيه ما يفتّت الأكباد، ويحرّك الجماد، سبحان المانح! «إنّ من البيان لسحرا» (4).
ومن غراميّات والده القاضي محيي الدين في باب الانسجام [من المجتثّ]:
لا آخذ (5) الله بندك ... فقد (6) وشى (7) بي عندك
وقال عنّي بأنّي ... شبّهت بالغصن قدّك
وأنت تعظم عندي ... أن يمسي البدر عبدك
ولست والله أرضى (8) ... أن يحكي الورد خدّك
فقاتل الله طرفي ... فكم به نلت (9) قصدك
__________
(1) «شريف» سقطت من ب.
(2) «المحروسة» سقطت من ب.
(3) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر والبيت الثالث في الأدب في العصر المملوكيّ 2/ 65على الشكل التالي:
«فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني».
(4) «إنّ من البيان لسحرا» حديث نبويّ، وهو في موطأ مالك ص 986وسنن أبي داود ص 5007ومسند أحمد بن حنبل 4/ 263والسنن الكبرى للبيهقيّ 3/ 208ومستدرك الحاكم 3/ 613 وشرح السنة للبغوي 12/ 363 والمغني عن حمل الأسفار للعراقيّ 1/ 230، 2/ 174وفتح الباري لابن حجر 9/ 201وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 349والتمهيد لابن عبد البرّ 3/ 250.
(5) في ب، د، ك، و: «واخذ».
(6) في ب، د، ط، و: «فكم».
(7) في د: «وشّى».
(8) «أن يمسي البدر أرضى» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ك: «نلت».(3/69)
ولا رعى الله قلبي ... فكم رعى لك عهدك
فمن ترى أنا (1) حتّى ... جعلت قتلي (2) وكدك
وما عشقتك وحدي ... بلى عشقتك وحدك
وكم أطعتك (3) جهدي ... وكم تجنّيت جهدك
وبعد هذا وهذا ... وذاك لا ذقت فقدك (4)
وتعجبني (5)، في هذا الباب، رشاقة ناصر الدين بن النقيب، بقوله [من مجزوء الرمل]:
سلك الشّوق بقلبي ... بعدكم صعب المسالك
ورمى قلبي بنيرا ... ن ولا نيران مالك
هذه بعض صفاتي ... طالع العبد بذلك (6)
وأظرف ما رأيت، في باب الانسجام الغراميّ المرتجل، ما أورده صاحب «روضة الجليس ونزهة الأنيس» (7): ذكر أنّه كان بإفريقية رجل نبيه شاعر مفلق، وكان يهوى غلاما من غلمانها، جميلا، فاشتدّ كلفه به، وكان الغلام يتجنّى عليه ويعرض عنه كثيرا، فانفرد بنفسه ليلة جمع فيها بين سلاف الرّاح وسلاف الذكر، فتزايد به الوجد، وقام على الفور وقد غلب (8) عليه السكران (9)، ومشى إلى أن انتهى إلى باب محبوبه، ومعه قبس نار فوضعه عند باب الغلام، فلمّا دارت النار بالباب بادر الناس لإطفائها (10) واعتقلوه، وأصبحوا (11)، نهضوا به إلى القاضي فأعلموه بفعله، فقال له
__________
(1) في و: «ترى أنت».
(2) في ط: «صدّي».
(3) في ب: «أطيعك».
(4) القصيدة لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(5) في ب: «ويعجبني» وفي د، ك، و:
«ويعجبني» دون إعجام.
(6) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(7) هو الشيخ بدر الدين حسن بن زفر الطبيب الإربلي. (كشف الظنون 1/ 925).
(8) «غلب» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) في ب، د، ط: «السكر» وفي و:
«السكران» مصححة عن «السكر».
(10) في ط: «بإطفائها».
(11) في ب: «وأصبح» وفي د، ط، و: «فلمّا أصبحوا».(3/70)
القاضي: لأيّ شيء أحرقت باب هذا الغلام؟ فقال مرتجلا [من مخلّع البسيط]:
لمّا تمادى على بعادي ... وأضرم النار في فؤادي
ولم أجد من هواه بدّا ... ولا معينا على السّهاد (1)
حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حملة (2) الجواد (3)
فطار من بعض نار قلبي ... أقلّ في الوصف من رقادي (4)
فأحرق الباب دون علمي ... ولم يكن ذاك من مرادي (5)
فرقّ القاضي لارتجاله الغراميّ (6) وتحمّل عنه جناية (7) الباب /.
وقد انتهت الغاية بنا (8) إلى غراميّات العارفين، وابن الفارض هو قائد زمامها، وقتيل غرامها فمن قوله، في هذا الباب الذي ليس لغيره فيه مدخل، ما ألفته (9) من تائيّته (10)، وجعلته قصيدا (11) غراميّة (12) ينتظم بها شمل الانسجام، وإذا (13) هبّ نسيمها العذريّ تنسّمت العشّاق منه أخبار الغرام، وهو قوله (14) [من الطويل]:
نعم، بالصّبا، قلبي صبا لأحبّتي ... فيا حبّذا ذاك الشّذا حين هبّت
تذكّرني العهد القديم لأنّها ... حديثة عهد من (15) أهيل مودّتي
فلي، بين هاتيك الخيام، ضنينة ... عليّ بجمعي، سمحة (16) بتشتّتي
محجّبة بين الأسنّة والظبى ... إليها انثنت ألبابنا إذ تثنّت
تبيح (17) المنايا إذ تبيح (18) لنا المنى ... وذاك رخيص منيتي بمنيّتي
__________
(1) في و: «السّهادي».
(2) في ك: «جملة».
(3) في و: «الجوادي».
(4) في ط: «زناد».
(5) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(6) في ب: «الغراميّ» (* غ).
(7) بعدها في ب: «بناء».
(8) «بنا» سقطت من ب.
(9) في د: «اللّفتة».
(10) في و: «تائيّة».
(11) في ب: «قصيدة».
(12) في ط: «غراميّا».
(13) في ب: «فإذا».
(14) بعدها في ب: «رحمه الله تعالى».
(15) في ب، د، ط، و: «عن».
(16) في د: «سمحة».
(17) في ب، د، ط: «تتيح».
(18) في د، ط: «تتيح».(3/71)
متى أوعدت أولت وإن وعدت لوت ... وإن أقسمت: لا تبرئ السّقم، برّت
وإن عرّضت أطرق حياء وهيبة ... وإن أعرضت أشفق فلم أتلفّت
وإن (1) سخنت عيني عليها، كأنّها ... بها لم تكن، يوما من الدّهر، قرّت
فإنسانها ميت، ودمعي غسله ... وأكفانه ما ابيضّ، حزنا، لفرقتي
خرجت بها عنّي إليها، فلم أعد ... إليّ، ومثلي لا يقول برجعة
فوصلي قطعي، واقترابي تباعدي، ... وودّي صدّي، وابتدائي نهايتي
وفيها تلافي (2) الجسم، بالسّقم، صحّة ... له، وتلاف النفس عين الفتوّة
ولمّا تلاقينا، عشاء، وضمّنا ... سواء سبيلي (3) ذي طوى والثّنيّة
وضنّت (4) وما منّت عليّ بوقفة ... تعادل عندي، بالمعرّف وقفتي
عتبت فلم تعتب، كأن لم يكن لقا (5) ... وما كان إلّا أن أشرت وأومت
وبانت، فأمّا حسن صبري فخانني، ... وأمّا جفوني بالبكاء فوفّت
أغار عليها أن أهيم بحبّها ... وأعرف مقداري فأنكر غيرتي
وكنت بها صبّا فلمّا تركت ما ... أريد، أرادتني لها وأحبّت
بها قيس لبنى هام، بل كلّ عاشق، ... كمجنون ليلى أو كثيّر عزّة (6)
بدت، فرأيت الحزم في نقض توبتي ... وقام بها عند النّهى عذر محنتي (7)
فموتي بها، وجدا، حياة هنيئة ... وإن لم أمت في الحبّ عشت بغصّتي
تجمّعت الأهواء فيها، فلا ترى ... بها غير صبّ، لا يرى غير صبوتي (8)
وعندي عيد (9) كلّ يوم أرى به ... جمال محيّاها بعين قريرة (10)
__________
(1) في ب، د، ط، و: «وقد».
(2) في ب، ط: «تلاف» وفي ك: «تلاقي».
(3) في هـ، و: «سبيلي» ن.
(4) في ب، د، ك، و: «ومنّت».
(5) في ط: «لقى».
(6) في ك: «عزّتي».
(7) في و: «حجّتي» مشطوبة، وفي هامشها:
«محنتي».
(8) في د: «صبوة».
(9) في د، و: «عيدي».
(10) «تجمّعت الأهواء قريرة» سقطت من ب.(3/72)
وكلّ الليالي ليلة القدر، إن دنت، ... كما كلّ أيّام اللّقا يوم جمعة
وأيّ بلاد الله حلّت بها، فما ... أراها، وفي عيني حلت، غير مكّة
وما سكنته فهو بيت مقدّس، ... بقرّة عيني فيه أحشاي قرّت
ومسجدي (1) الأقصى مساحب بردها، ... وطيبي (2) ثرى أرض عليها تمشّت
مواطئ (3) أفراحي ومربى مآربي ... وأطوار (4) أو طاري ومأمن خيفتي
مغان (5) بها لم يدخل الدّهر بيننا، ... ولا كادنا صرف الزمان بفرقة (6)
ولا صبّحتنا (7) النائبات بنبوة (8) ... ولا حدّثتنا الحادثات بنكبة (9)
ولا اختصّ وقت دون وقت بطيبة ... بها كلّ أوقاتي مواسم لذّة (10)
فإن رضيت عنّي، فعمري كلّه ... زمان الصّبا، طيبا، وعصر الشّبيبة (11)
وإن قربت داري، فعامي كلّه ... ربيع اعتدال، في رياض أريضة
بها مثلما أمسيت أصبحت مغرما ... وما أصبحت فيه من الحسن أمست
فلو بسطت جسمي رأت كلّ جوهر ... به كلّ قلب فيه كلّ محبّة
وقد جمعت أحشاي كلّ صبابة ... بها، وجوى ينبيك (12) عن كلّ صبوة (13)
وكنت أرى أنّ التّعشّق منحة (14) ... لقلبي، فما إن كان إلّا لمحنتي
__________
(1) في و: «ومسجد».
(2) في ب، د، و: «وطيب» وفي ك: «وطيّ».
(3) في ب، ط، و: «مواطن».
(4) في و: «وأوطار».
(5) في د، ك: «معان».
(6) في و: «بفرقتي».
(7) في د، ط: «صحبتنا».
(8) في هـ ب، و: «بكبوة».
(9) في ك: «بنكبتي».
(10) في ب: «الشبيبة» مصحّحة عن «الشبيبتي».
(11) في د، ط، و: «لذّتي».
(12) في ك: «تنبيك».
(13) بعدها في و:
«من وعندي عيد كلّ يوم أرى به
جمال محيّاها بعين قريرة
وكلّ الليالي ليلة القدر إن وفت
كما كلّ أيّام اللّقا يوم جمعة
وأيّ بلاد الله حلّت بها فما
أراها وفي عيني حلت غير مكّة» إلى مشطوبة، إذ سبقت قبل أحد عشر بيتا.
(14) في ك: «التعسّف منحة».(3/73)
ألا في سبيل الحبّ حالي وما عسى ... بكم أن ألاقي، لو دريتم، أحبّتي (1)
أخذتم فؤادي، وهو بعضي، عندكم (2) ... فما ضرّكم لو كان بعضي بجملتي (3)
وها (4) جسدي ممّا وهى جلدي لدى ... تحمّله (5) يبلى (6) وتبقى بليّتي
ومنذ عفا رسمي (7) وهمت وهمت في ... وجودي فلم تظفر بكوني فكرتي
وبالي أبلى من ثياب تجلّدي ... بل الذات، في الإعدام، نيطت بلذّة (8)
كأنّي هلال الشّكّ لولا تأوّهي ... خفيت، فلم تهد (9) العيون لرؤيتي (10)
وقالوا: جرت حمرا دموعك (11) قلت: عن ... أمور جرت، في كثرة الشوق، قلّت (12)
نحرت لضيف (13) السّهد جفنيّ في (14) الكرى ... قرى، فجرى دمعي دما فوق وجنتي (15)
فطوفان (16) نوح، عند نوحي (17)، كأدمعي ... وإيقاد نيران الخليل كلوعتي
ولولا زفيري أغرقتني أدمعي ... ولولا (18) دموعي أحرقتني بزفرتي (19)
__________
(1) «وكنت أرى أحبّتي» سقطت من ب.
(2) في ب: «فما الذي» وفي و: «نحوكم».
(3) في د، ط، و: «جملتي» وفي ب:
«يضرّكم إن تتبعوه بجملتي» مكان «فما ضرّكم بجملتي».
(4) في ط: «وهى».
(5) في و: «تحمّله» (* ح).
(6) في د: «يبكي».
(7) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«في الحقيقة أنّني لم أستطع فهم معنى هذا البيت، إلّا أن يكون «العفار»:
الفطام و «سمي» بمعنى: «عرف» فيكون المعنى: ومنذ فطام أو انقطاع عرف، غلطت وحاولت فكرتي أن تعرف وجودي فلم تظفر ولم تستطع ذلك». وإنّه لمن المضحك المبكي أن يمسخ شعيتو:
«ومنذ عفا رسمي» إلى «ومنذ عفار سمي» دون أن يهتدي إلى صورتها الحقيقة لا من المعنى ولا من الوزن.
وعفا الرسم: درس وامّحى. (اللسان 15/ 76 (عفا)).
(8) في ط، و: «بلذّتي».
(9) في ط: «تهدى».
(10) «كأني هلال لرؤيتي» سقطت من ب.
(11) في و: «عيونك» مشطوبة، وفي هامشها:
«دموعك» ن.
(12) في ك: «قلّتي».
(13) في ط: «لضيفي».
(14) في ب، ط، و: «في جفنيّ».
(15) «نحرت وجنتي» سقطت من د.
(16) في ب، و: «وطوفان».
(17) في و: «نوح».
(18) في ط: «ولو» وفي ك: «ولا».
(19) في د، ط، و: «زفرتي».(3/74)
وحزني، ما يعقوب بثّ أقلّه ... وكلّ بلى أيّوب (1) بعض بليّتي
وكلّ أذى في الحبّ منك إذا بدا ... جعلت له شكري مكان شكيّتي
نعم، وتباريح الصبابة، إن عدت ... عليّ، من النّعماء، في الحبّ عدّت
وعنوان ما بي ما يملّك (2) بعضه ... وما تحته، إظهاره فوق قدرتي
وأسكت، عجزا، عن أمور كثيرة ... بنطقي لن (3) تحصى، ولو قلت قلّت
وعن مذهبي في الحبّ ما لي مذهب ... وإن ملت يوما عنه فارقت ملّتي
هو الحبّ إن لم يقض (4) لم تقض مأربا ... من الوصل فاختر ذاك أو خلّ خلّتي
ودع عنك دعوى الحبّ واختر لغيره ... فؤادك، وادفع عنه غيّك بالّتي
وجانب جناب (5) الوصل، هيهات لم يكن ... وها أنت حيّ، إن تكن صادقا مت /
وقالوا: تلافى ما بقي منك قلت: لا ... أراني إلّا للتّلاف تلفّتي
غرامي أقم صبري انصرم (6) دمعي انسجم ... عدوّي انتقم دهري احتكم حاسدي اشمت
ويا نار أحشائي أقيمي، من الجوى، ... حنايا ضلوعي، فهي غير قويمة (7)
ويا جسدي (8) المضنى تسلّ عن الشّفا (9) ... ويا كبدي، من لي بأن تتفتّتي (10)
ويا كلّ ما (11) أبقى الضّنى منّي ارتحل ... فما لك مأوى في عظام رميمة
ويا ما (12) عسى منّي (13) أناجي توهّما ... بياء النّدا، أونست منك بوحشة (14)
فنفسي لم تجزع بإتلافها أسى ... ولو جزعت كانت (15) بغيري تأسّت
__________
(1) أيّوب: هو النبيّ الصابر عليه السلام ويضرب به المثل في الصبر، فيقال:
أصبر من أيّوب. (ثمار القلوب ص 55).
(2) في ب، د، ط، و: «أبثّك».
(3) في ب: «عن».
(4) في ب، د، ط: «تقض».
(5) في ب: «جناب» مكررة.
(6) في و: «انسجم» مشطوبة، وفي هامشها:
«انصرم» صح.
(7) في ك: «قويمتي».
(8) في ب: «جلدي».
(9) في ط: «الشقا».
(10) في و: «تفتّتي».
(11) في د، ط: «كلّما».
(12) في ط: «وماذا».
(13) في ب، د، ط، و: «عنّي».
(14) في ب، ط: «بوحشتي».
(15) في ب: «كانت م جزعت م».(3/75)
فيا سقمي لا تبق لي رمقا، فقد ... أبيت، لبقيا العزّ، ذلّ البقيّة (1)
ومن غراميّاته (2) التي خلبت القلوب، وعرف العارفون بها طريق التوصّل إلى معرفة (3) المحبوب، قوله (4) من قصيد (5) [من البسيط]:
أهفو إلى كلّ قلب بالغرام له ... شغل وكلّ لسان بالهوى لهج
وكلّ سمع عن اللاحي به صمم ... وكلّ جفن إلى الإغفاء لم يعج
لا كان وجد به الأجفان (6) جامدة ... ولا غرام به الأشواق لم تهج
__________
(1) الأبيات في ديوانه ص 3833، 41 42، 44، 47، 5049، 52، 55 56، 60، 66، 70، 8277، 84 وهي ملفّقة من قصيدتين: قصيدة «نعم بالصّبا» والتائية الكبرى المسمّاة ب «نظم الملوك» وقد خلط بين أبياتهما خلطا كبيرا جدّا وفيه: «تتيح المنايا» «وعرضت» و «وقد سخنت» و «وانتهائي بداءتي» مكان «وابتدائي نهايتي» و «نفس الفتوّة» مكان «عين الفتوّة» و «توافينا» مكان «تلاقينا» و «ومنّت وما ضنّت» و «وصرت» مكان «وكنت» و «وموتي» مكان «فموتي» و «بغصّة» و «فما ترى» مكان «فلا ترى» و «غير صبوة» و «عيدي» مكان «عيد» و «مواطن» مكان «مواطئ» و «وإن رضيت» و «فقد جمعت» و «فما الذي» مكان «عندكم» و «يضرّكم إن تتبعوه بجملتي» مكان «فما ضركم
بجملتي» و «وهى» مكان «وها» و «لذا» مكان «لدى» و «به الذات» و «لضيف الطيف، في جفني الكرى» «و «زفرتي» مكان «بزفرتي» و «وعنوان شأني ما أبثّك» و «أمسك» مكان «وأسكت» و «إن لم تقض» و «من الحبّ» مكان «من الوصل» و «فدع» و «وادع لغيره» و «وقال: تلاف ما أراني» و «عدوّي احتكم دهري انتقم» و «ونفسي» و «ويا سقمي».
وأولت: تهدّدت ووعدت. (اللسان 15/ 412 (ولي)) وذو طوى والثنيّة: الثنيّة البيضاء: عقبة قرب مكّة تهبطك إلى فخّ وأنت مقبل من المدينة تريد مكّة، أسفل مكّة من قبل ذي طوى. (معجم البلدان 2/ 99) والمعرّف: الموقف بجبل عرفات و «همت»: من الهيام، و «وهمت»: من «الوهم» وادفع غيّك بالّتي: أي بالتي هي أحسن، وفي الكلام اكتفاء.
(2) في و: «تباريحه» مشطوبة، وفي هامشها:
«غراميّاته».
(3) «معرفة» سقطت من و.
(4) بعدها في ب: «رحمه الله تعالى».
(5) في ط: «قصيدة».
(6) في ب، ط: «الآماق».(3/76)
عذّب بما شئت، غير البعد عنك، تجد ... أوفى محبّ، بما يرضيك، مبتهج
وخذ بقيّة ما أبقيت من رمق ... لا خير في الحبّ إن أبقى على المهج
من لي بإتلاف (1) روحي في هوى رشإ ... حلو الشمائل، بالأرواح ممتزج
من مات فيه غراما عاش مرتقيا (2) ... ما بين أهل الهوى، في أرفع الدّرج (3)
[وما أحلى ما قال منها] (4) [من البسيط]:
قل للذي لامني فيه، وعنّفني: ... دعني وشأني، وعد عن نصحك السّمج
فاللّوم لؤم، ولم يمدح به أحد، ... فهل رأيت محبّا بالغرام هجي؟ (5)
[منها] (6) [من البسيط]:
لم أدر ما غربة الأوطان وهي (7) معي ... وخاطري أين كنّا غير منزعج (8)
[فالدّار داري، وحبّي حاضر، ومتى ... بدا، فمنعرج الجرعاء منعرجي] (9)
[منها] (10) [من البسيط]:
ليهن ركب سروا ليلا، وأنت بهم، ... فسيرهم (11)، في صباح منك منبلج (12)،
فليصنع (13) الرّكب ما شاؤوا لأنفسهم (14) ... هم أهل بدر، فلا يخشون من حرج (15)
وما ألطف ما قال منها (16) [من البسيط]:
__________
(1) في د: «بإتلاف».
(2) في د: «مرتقبا».
(3) القصيدة في ديوانه ص 145144 وفيه: «الآماق» مكان «الأجفان».
(4) من د، ط، وو في ب: «وما أحلى ما قال بعدها».
(5) البيتان في ديوانه ص 146.
(6) من د، ط، و.
(7) في ب، د، ط، هـ، و: «وهو».
(8) «لم أدر منزعج» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(9) من ب، د، ط، و. والبيتان في ديوانه ص 147وفيه: «وهو معي».
والجرعاء: الرملة الطيبة السهلة المستوية وقيل: هي الأرض ذات الحزونة. (اللسان 8/ 46 (عرج)).
(10) من د، ط، و.
(11) في ب: «من سيرهم».
(12) في د، و: «مبتلج».
(13) في ط: «فاليصنع».
(14) في ب: «لأنّهم» وفي د، و: «بأنفسنا».
(15) البيتان في ديوانه ص 147وفيه:
«بسيرهم» و «بأنفسهم».
(16) «وما منها» سقطت من ك، وثبتت في هامشها.(3/77)
أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه ... قول المبشّر، بعد اليأس، بالفرج
لك البشارة، فاخلع ما عليك، فقد ... ذكرت ثمّ، على ما فيك من عوج (1)
ومثله في الرقّة و [لطف] (2) الانسجام قوله (3) من قصيد [من الخفيف]:
أبق لي مقلة لعلّي يوما، ... قبل موتي، أرى بها من رآكا
أين منّي ما رمت، هيهات، بل أي ... ن لعيني، باللّحظ، لثم ثراكا
وبشيري لو جاء منك بعطف ... ووجودي في قبضتي، قلت (4): هاكا
قد كفى ما جرى (5) دما من جفون ... لي (6) قرحى فهل جرى ما كفاكا
فأجر من قلاك، فيك، معنّى ... قبل أن يعرف الهوى يهواكا
بانكساري، بذلّتي، بخضوعي ... بافتقاري، بفاقتي، بغناكا (7)
لا تكلني إلى قوى جلد خا ... ن، فإنّي أصبحت من ضعفاكا
كنت تجفو، وكان لي بعض صبر ... أحسن الله، في اصطباري، عزاكا
كم صدود، عساك ترحم سلوا ... ي (8)، ولو باستماع قولي: «عساكا»
شنّع المرجفون عنك بهجري ... وأشاعوا أنّي سلوت هواكا
ما بأحشائهم عشقت فأسلو ... عنك يوما، دع يهجروا، حاشاكا
كيف أسلو، ومقلتي كلّما لا ... ح بريق، تلفّتت للقاكا
كلّ من في حماك يهواك، لكن ... أنا وحدي بكلّ من في حماكا (9)
__________
(1) البيتان في ديوانه ص 147.
(2) من ب، د، و.
(3) بعدها في و: «رحمه الله».
(4) في و: «قل».
(5) في ب: «فقد جرى ما كفى».
(6) في ب: «بك».
(7) في د: «بغناكا» مصححة عن «بغنااكا» وفي ط، و: «لغناكا».
(8) في ب، د، ط، و: «شكواي».
(9) القصيدة في ديوانه ص 158157وفيه:
«بالجفن» مكان «باللحظ» و «فبشيري» و «بك قرحى» و «كم صدودا».
وهاك: اسم فعل أمر بمعنى «خذ» والمرجفون: الخائضون في الفتنة والأخبار السيّئة. (اللسان 9/ 114 (رجف)).(3/78)
ومن كاساته الغراميّة، التي سكر العشّاق بقديمها (1) وحديثها، قوله [من الطويل]:
أدر ذكر من أهوى، ولو بملامي (2)، ... فإنّ أحاديث الحبيب مدامي
فلي ذكرها (3) يحلو على كلّ صيغة ... ولو مزجوه عذّلي بخصام (4)
وما أبدع وأرقّ ما قال منها (5) [من الطويل]:
كأنّ عذولي بالوصال مبشّري ... وإن كنت لم أطمع بردّ سلامي (6)
يشفّ عن (7) الأسرار جسمي من الضّنا ... فيوحي (8) بها، معنى، نحول عظامي (9)
طريح جوى حبّ، جريح جوارح (10) ... قريح جفون، بالدّوام دوامي
صحيح، عليل، فاطلبوني من الضّنى (11) ... ففيها، كما شاء النّحول، مقامي (12)
[منها] (13) [من الطويل]:
فلي كلّ عضو فيه كلّ حشا بها، ... إذا نظرت، أغراض كلّ سهام
ولو بسطت جسمي رأت كلّ جوهر ... به كلّ قلب، فيه كلّ غرامي (14)
__________
(1) في و: «تقديمها»، وتحت التاء نقطة.
(2) في د، ط: «بملام».
(3) في ب: «ذرها».
(4) في و: «بخصامي» وبعدها في ب، د، ط، و: «كأنّ عذولي سلامي».
والبيتان في ديوانه ص 162وفيه:
«بملام».
وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«العذل: اللوم، والبيت مختلّ الوزن كما نرى، ونرجّح بدل «مزجوه» «مزجوا»» وقد أخطأ في تصويبه هذا مرّتين فكلمة «العذل» هي «العذّل»، وهم اللائمون وبوضعه «مزجوا» مكان مزجوه» قد أخلّ بالمعنى والوزن معا.
(5) «وما أبدع منها» سقطت من ك، وثبتت في هامشها وبعدها في ب، د، ط، و: «يشفّ عن الأسرار».
(6) في د، ط: «سلام» وبعدها في ب، د، ط، و: «وما أبدع منها».
(7) في و: «على».
(8) في ط: «فنوجي».
(9) في و: «عظام».
(10) في ب: «جوانح».
(11) في و: «الصّبا».
(12) الأبيات في ديوانه ص 163162 وفيه: «برد سلام» «فيغدو» مكان «فيوحي» و «جريح جوانح» و «الصّبا» مكان «الضّنى».
(13) من ب، د، ط، و.
(14) في ب، د، ط: «غرام». والبيتان في ديوانه ص 164وفيه: «ولي» مكان «فلي» و «إذا ما رنت وقع لكلّ» مكان(3/79)
ومن غراميّاته التي تحرّك (1) الجماد [لرقّتها] (2) قوله من قصيد [من الكامل]:
ما لي سوى روحي وباذل نفسه ... في حبّ من يهواه ليس بمسرف (3)
وما (4) أسجم (5) ما قال منها (6) [من الكامل]:
فلئن رضيت بها، لقد أسعفتني، ... يا خيبة المسعى، إذا لم تسعف (7)
يا أهل (8) ودّي! أنتم أملي، ومن ... ناداكم: «يا أهل ودّي» قد كفي
عودوا لما (9) كنتم عليه من الوفا، ... كرما، فإنّي ذلك الخلّ الوفي
وحياتكم وحياتكم، قسما، وفي ... عمري، بغير حياتكم، لم أحلف
لو أنّ روحي في يدي ووهبتها ... لمبشّري بوصالكم (10) لم أنصف
لا تحسبوني، في الهوى، متصنّعا ... كلفي بكم خلق بغير تكلّف
أخفيت حبّكم، فأخفاني أسى ... حتّى، لعمري، كدت عنّي أختفي
[وكتمته عنّي، فلو أبديته (11) ... لوجدته أخفى من اللّطف الخفي] (12)
وما أحلى ما خاطب (13) العذول منها بقوله (14) [من الكامل]:
__________
إذا نظرت أغراض كلّ» و «غرام» مكان «غرامي».
(1) في ب، د، ط: «يتحرّك».
(2) من د، ط، وو في ب: «لرقّتها الجماد».
(3) بعدها في ب، د، ط، و: «فلئن رضيت
تسعف». والبيت في ديوانه ص 151.
(4) في ب: «ومن».
(5) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«أسجم: أدعى للبكاء والدموع»، مشتقّا اللفظة من «السّجم»، إلّا أن المؤلّف يقصد اشتقاقها من «الانسجام».
(6) «وما أسجم ما قال منها» سقطت من ك، وثبتت في هامشها وبعدها في ب، د، ط، و: «يا أهل ودّي».
(7) بعدها في ب، د، ط، و: «وما أسجم ما قال منها».
(8) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«في الأصل: «يا أهلي»، وما أثبتناه (يا أهل) أقوم للوزن وأصحّ».
(9) في ك: «إلى ما»، وفي هامشها:
«صوابه: لما كنتم»».
(10) في و: «برضاكم» مشطوبة، وفي هامشها: «بوصالكم» صح.
(11) في د: «أخفيته».
(12) من ب، د، ط، و. والقصيدة في ديوانه ص 152151وفيه: «فقد أسعفتني» و «بقدومي» مكان «بوصالكم».
(13) في ب: «قال وخاطب» مكان «خاطب».
(14) «وما أحلى بقوله» سقطت من ك، وثبتت في هامشها.(3/80)
دع عنك تعنيفي، وذق طعم الهوى ... فإذا عشقت، فبعد ذلك عنّف (1)
وما أعذب ما قال [منها] (2) [من الكامل]:
يا ما أميلح كلّ ما (3) يرضى به، ... ورضابه، يا ما أحيلاه بفي (4)
[ولقد أحسن الله (5) خاتمته فيها بقوله] (6) [من الكامل]:
ما للنّوى ذنب، ومن أهوى معي، ... أن غاب عن إنسان عيني، فهو في (7)!
ولقد أقام القواعد الغراميّة بقوله (8) من قصيد [من الطويل]:
تعرّض قوم للغرام، وأعرضوا ... بجانبهم، عن صحّتي (9) فيه، واعتلّوا ... / رضوا بالأماني، وابتلوا بحظوظهم (10) ... وخاضوا بحار الحبّ، دعوى، فما ابتلّوا
فهم في السّرى لم يبرحوا من مكانهم ... وما ظعنوا (11) في السّير عنه، وقد كلّوا
وعن مذهبي لمّا استحبّوا العمى على ال ... هدى (12) حسدا من عند أنفسهم ضلّوا (13)
أحبّة قلبي، والمحبّة شافعي ... إليكم (14)، إذا شئتم بها (15) اتّصل الحبل (16)
وما أحلى (17) ما قال بعده (18) [من الطويل]:
__________
(1) «وما أعذب ما قال» سقطت من ك، وثبتت في هامشها وفي و: «عنّفي».
والبيت في ديوانه ص 153.
(2) من ب، د، ط، و.
(3) في د، ط، ك: «كلّما».
(4) البيت في ديوانه ص 153.
بفي: بفمي وفي الكلام اكتفاء، أي: «بفيّ».
(5) «الله» سقطت من ب.
(6) من د، ط، و.
(7) البيت في ديوانه ص 155وفي الكلام اكتفاء، أي: «فهو في قلبي».
(8) بعدها في و: «رحمه الله».
(9) في ط: «صحّة».
(10) في د، و: «بخطوطهم».
(11) في ك: «طعنوا».
(12) في ط: «الهدوى».
(13) بعدها في ب، د، ط، و: «وما أحلى ما قال بعده».
(14) في ط: «لديكم».
(15) «بها» سقطت من و، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(16) بعدها في ب، د، ط، و: «عسى عطفة». والأبيات في ديوانه ص 135134وفيه: «عن مذهبي» مكان «وعن مذهبي» و «أحبة قلبي» و «لديكم» مكان «إليكم». ودعوى: أي ادّعاء.
(17) في ك: «أحلى» (* ح).
(18) بعدها في ب، د، ط، و: «أحبّة(3/81)
عسى عطفة منكم عليّ بنظرة، ... فقد تعبت بيني وبينكم الرّسل
أحبّاي أنتم، أحسن الدّهر (1) أم أسا، ... فكونوا كما شئتم (2)، أنا ذلك الخلّ
إذا كان حظّي الهجر منكم ولم يكن ... بعاد، فذاك الهجر عندي هو الوصل (3)
وما ألطف ما قال [منها] (4) [من الطويل]:
أخذتم فؤادي، وهو بعضي فما (5) الذي ... يضرّكم لو كان عندكم الكلّ (6)
[وما أظرف ما قال منها] (7) [من الطويل]:
تباله قومي، إذ (8) رأوني متيّما، ... وقالوا: بمن هذا الفتى مسّه الخبل؟ (9)
وماذا عسى عنّي يقال سوى (10) «غدا ... بنعم له شغل»، نعم لي بها شغل (11)
وقال نساء الحيّ: غنّى (12) بذكر من ... جفانا، وبعد العزّ لذّ له الذّلّ
إذا أنعمت نعم عليّ بنظرة، ... فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل (13)
[وما أرق ما قال منها] (14) [من الطويل]:
خفيت ضنى، حتّى لقد ضلّ عائدي، ... وكيف ترى العذّال (15) من لا له ظلّ
وما عثرت عين (16) على أثري، ولم ... تدع لي رسما في الهوى (17) الأعين النّجل
__________
قلبي الحبل».
(1) «الدهر» سقطت من د.
(2) في ب: «كنتم».
(3) الأبيات في ديوانه ص 135. و «أسا»:
أساء، وحذفت همزتها للضرورة الشعرية. وفي الكلام اكتفاء، أي: أنا ذلك الخلّ الوفيّ».
(4) من ب، د، ط، وو بعدها في ط:
«وماذا عسى عنّي شغل».
(5) في ط: «وما».
(6) البيت في ديوانه ص 135.
(7) في ب، د، ط، و.
(8) في د: «إذا».
(9) بعدها في ط: «وقال نساء الحيّ».
(10) «سوى» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(11) بعدها في ط: «أخذتم فؤادي».
(12) في د، ط: «عنّا».
(13) الأبيات في ديوانه ص 136وفيه: «عنّا» مكان «غنّي».
(14) من ب، د، ط، و.
(15) في ب، د، ط: «يرى العوّاد» وفي و:
«ترى العوّاد».
(16) في ب: «عين» كتبت فوق «عثرت» وفي ط: «عيني».
(17) «الهوى» سقطت من ك، وثبتت في(3/82)
ولي همّة تعلو، إذا ما ذكرتها ... وروح بذكراها، إذا رخصت، تغلو
فنافس ببذل النفس فيها أخا (1) الهوى، ... فإن قبلتها منك، يا حبّذا البذل
فمن لم يجد، في حبّ نعم، بنفسه، ... وإن جاد بالدّنيا، إليه انتهى البخل (2)
ومن الغراميات التي تهيّج [الأشواق و] (3) لواعج الغرام، وينتظم (4) بها عقود الانسجام (5)، قول أحد (6) المشايخ العارفين، الشيخ عفيف الدين التلمسانيّ (7)، رحمه الله (8) [من الكامل]:
لذ بالغرام ولذّة الأشواق ... واختر فناءك في الجمال الباقي
واخلع سلوّك فهو ثوب مخلق ... والبس جديد مكارم الأخلاق
وتوقّ من نار الصّدود بشربة ... من ماء دمعك فهو نعم الواقي
وإذا دعاك إلى الصّبا نفس (9) الصّبا ... فأجب رسول نسيمه الخفّاق
وإذا شربت الصّرف من خمر الهوى ... إيّاك تغفل عن جمال السّاقي (10)
والق الأحبّة إن أردت وصالهم ... متلذّذا بالذّلّ والإملاق
أو ليس من أحلى المطاعم (11) في الهوى ... عزّ الحبيب وذلّة المشتاق (12)
ويطربني من رقائق انسجاماته الغراميّة قوله (13) [من الوافر]:
تعلّم في مرافقة النّديم ... مطاوعة الأراكة للنّسيم
وعاشره بأخلاقي (14) فإنّي ... وحقّك عبد رقّ للنّديم
__________
هامشها مشارا إليها ب «صح».
(1) في ب: «أخي».
(2) الأبيات في ديوانه ص 137وفيه:
«العوّاد» مكان «العذّال».
(3) من ط.
(4) في ب، د، ط: «وتنظم».
(5) في د: «الانسجام».
(6) في ب: «أوحد».
(7) في ب: «الشيخ التلمساني عفيف الدين».
(8) سقطت من د، ط وفي ب: «رحمه الله تعالى».
(9) في ب: «داعي» مكان «نفس».
(10) في د، و: «الساق».
(11) في ط: «المطامع».
(12) في ط: «العشّاق». والأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(13) بعدها في و: «عفا الله عنه».
(14) في ط: «بأخلاق».(3/83)
أعاطيه أحاديثي وكأسي ... فيسكر (1) بالحديث وبالقديم
ولي عند الأحبّة قلب صبّ ... صحيح الودّ في جسد سقيم
أقام وسافر السّلوان عنه ... فلا اجتمع المسافر بالمقيم (2)
وقد (3) أوردت (4) [هنا] (5) ما أمكن من جهد الطاقة، في باب الانسجام الغراميّ وبديع بيوته، وقد تقدّم قولي: إنّي أخّرت فيه المتقدّم (6) وقدّمت المتأخّر عصرا، لئلّا ينفرط سلكه وتذهب لذّته، فإنّ الانسجام يدخل في الأبواب الغراميّة وفي غيرها، ولكنّه يوجد فيها أكثر لعذوبتها وارتياح الخواطر إليها، لا سيّما قول (7) بعض (8)
العارفين، مثل الشيخ (9) شرف الدين بن الفارض (10) وغيره.
فممّا (11) يستظرف في باب الانسجام، من الطرائق الغراميّة (12) [الغريبة] (13)، قول عبد المحسن الصوريّ [وهو] (14) [من الخفيف]:
وأخ مسّه نزولي (15) بقرح (16) ... مثل ما مسّني من الجوع قرح
بتّ ضيفا له كما حكم الده ... ر وفي حكمه على الحرّ قبح
فابتداني يقول (17)، وهو من السّك ... رة (18) بالهمّ طافح ليس يصحو:
لم تغرّبت؟ قلت: قال (19) رسول ال ... لّه، والقول منه نصح ونجح:
__________
(1) في ط: «فأسكر».
(2) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
وفي «الحديث» و «القديم» تورية لطيفة، ف «الحديث» من حدّث، والجديد و «القديم» من صفات الخمر المعتّقة، والماضي.
(3) في ب، د، و: «قد».
(4) في ط: «أورت».
(5) من ب، د، ط، و.
(6) في و: «المقدّم».
(7) في ب، د، ط، و: «غراميات».
(8) «بعض» سقطت من النسخ جميعها وثبتت في هـ ك مشارا إليها ب «صح».
(9) في ب: «الشيخ» مكررة.
(10) بعدها في ب: «عمر، رضي الله تعالى عنه».
(11) في ط: «وممّا».
(12) «الغراميّة» سقطت من د، و.
(13) من د، ط، و.
(14) من ب.
(15) في ب: «من نزولي» وفي ك:
«بنزولي».
(16) في ب، ك: «قرح».
(17) في ب: «بقول».
(18) في ب: «السكر».
(19) في ب: «قد قال».(3/84)
«سافروا تغنموا» (1)، فقال (2): وقد قا ... ل تمام الحديث: «صوموا تصحّوا» (3)
ومن الانسجامات المطربة (4) قول مروان بن أبي حنيفة (5) [وهو] (6) [من الكامل]:
مسحت ربيعة وجه معن سابقا ... لمّا جرى وجرى ذوو الأحساب (7)
ومن الانسجام المرقص قول أبي نواس [من المديد]:
فتمشّت في مفاصلهم ... كتمشّي البرء (8) في السّقم (9)
ومثله [قوله] (10) [من البسيط]:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ... وداوني بالّتي كانت هي الدّاء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسّها حجر مسّته سرّاء
[من كفّ ذات حر في زيّ ذي ذكر ... لها محبّان لوطيّ وزنّاء] (11)
[منها] (12) [من البسيط]:
قامت بإبريقها، والليل معتكر ... فلاح من وجهها في البيت لألاء
وأرسلت من فم الإبريق صافية ... كأنّما أخذها بالعقل (13) إغفاء
__________
(1) الحديث في إتحاف السادة المتقين للزبيدي 1/ 322ومسند الربيع بن حبيب 1/ 59.
(2) في د: «قال».
(3) الأبيات له في يتيمة الدهر 1/ 368 وفيه: «قال لي: إذا نزلت وهو من السكرة والهمّ» مكان «فابتداني
بألهمّ» والحديث في الدّرّ المنثور للسيوطيّ 1/ 182والترغيب والترهيب للمنذريّ 2/ 83وتفسير ابن كثير 6/ 301وكشف الخفاء للعجلوني 2/ 42 وتذكرة الموضوعات للفتني ص 70 ومجمع الزّوائد للهيثميّ 5/ 324.
(4) في د: «المطويّة» مكان «المطربة» وفي ط: «ومن الانسجام المطرب».
(5) في ب، ط، و: «حفصة».
(6) من ب.
(7) البيت في ديوانه ص 24.
(8) في ب: «البروء».
(9) البيت في ديوانه ص 537.
(10) من ب، د، ط، و.
(11) من ط. والأبيات في ديوانه ص 7 والبيت الأول في نهاية الأرب 3/ 83.
(12) من و.
(13) في ط: «للعقل».(3/85)
رقّت عن الماء حتّى ما يلائمها ... لطافة، وجفا (1) عن شكلها الماء (2)
ومن الانسجام المطرب قول محمد بن صالح الحسنيّ (3) [من الكامل]:
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألّق موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرّداء ودونه (4) ... صعب الذّرا متمنّع أركانه (5)
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت (6) به أجفانه (7)
وعدّوا من الانسجام المرقص (8) قول / عبد الرحمن (9) العطويّ في رثاء أحمد بن أبي دؤاد (10) [وهو] (11) [من الطويل]:
وليس صرير (12) النّعش ما تسمعونه ... ولكنّه أصلاب قوم تقصّف
وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنّه ذاك الثّناء المخلّف (13)
وعدّوا من الانسجام المرقص أيضا (14)، قول العكوّك في أبي دلف [من المديد]:
إنّما الدّنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدّنيا على أثره (15)
ومن الانسجام المرقص قول بكر بن النطاح (16) [من الكامل]:
__________
(1) في ب، ط: «وخفى» وفي ك: «وخفا» وتحت الخاء نقطة.
(2) الأبيات في ديوانه ص 7وفيه:
«وأرسلت» و «بالعين» مكان «بالعقل».
وفي نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«هذا البيت (الأخير) يروى:
جفت عن الماء حتى ما يلائمها
لطافة وجفى عن شكلها الماء
«خفى» فهي على الأصحّ «جفى» لمناسبة المعنى، وقد أصابها التصحيف».
(3) في ب: الحسينيّ» وفي ك: «الحسنيّ».
(4) في ط: «وصوته».
(5) في ط: «أردانه».
(6) في ط: «سحّت».
(7) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
والموهن: نحو من منتصف الليل.
(اللسان 13/ 455 (وهن)).
(8) في ط: «المطرب».
(9) بعدها في و: «ابن» مشطوبة».
(10) في ب: «ذؤاد» وفي د، ك: «دؤاب».
(11) من ب.
(12) في و: «صرير».
(13) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(14) «أيضا» سقطت من ط.
(15) البيتان في ديوانه ص 68.
(16) بعدها في و: «رحمه الله».(3/86)
من كان مرعى (1) عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا (2)
ومن الانسجام المطرب قول أبي تمّام (3) [من الطويل]:
ولو لم يكن في كفّه غير نفسه ... لجاد بها، فليتّق الله سائله (4)
ومثله قوله [من البسيط]:
ظبي تقنّصته لمّا نصبت له ... في آخر اللّيل أشراكا من الحلم (5)
ومن الانسجام المرقص قول ديك الجنّ (6) [من الطويل]:
بها غير معدول (7) فداو خمارها ... وصل بعشيّات الغبوق ابتكارها
مورّدة من كفّ ظبي كأنّما ... تناولها من خدّه فأدارها (8)
ومن الانسجام المطرب قول دعبل (9) [من البسيط]:
إنّ الكرام إذا ما أمهلوا (10) ذكروا ... من كان يألفهم (11) في المنزل (12) الخشن (13)
وعدّوا من (14) الانسجام المطرب (15) قول أبي عليّ البصير (16) [من الوافر]:
لعمر أبيك ما نسب المعلّى ... إلى كرم (17) وفي الدّنيا كريم (18)
وعدّوا من الانسجام المطرب قول زيد (19) بن خالد المهلّبي (20) [من الطويل]:
__________
(1) في د: «مرمى».
(2) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(3) بعدها في و: «رحمه الله».
(4) البيت في ديوانه 2/ 15وديوان المعاني 1/ 25.
(5) البيت في ديوانه 2/ 94.
(6) بعدها في و: «الحمصيّ» مشطوبة وبعدها: «رحمه الله».
(7) في ب، ط، و: «معذول».
(8) البيتان في ديوانه ص 67وفيه:
«مشعشعة» مكان «مورّدة».
(9) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(10) في ب، د، و: «أسهلوا» وفي ط:
«أيسروا».
(11) في د، و: «يصحبهم».
(12) في ط: «الموطن».
(13) البيت في ديوانه ص 175وفيه: «أسهلوا».
(14) في ب، د، ط، و: «ومن» مكان «وعدّوا من».
(15) في ب، د، ط، و: «المرقص».
(16) في ط: «البحتريّ». وبعدها في و:
«رحمه الله».
(17) في ب: «لوم» ولعلّه يقصد «لؤم».
(18) البيت في ديوانه ص 284283ونهاية الأرب 3/ 93.
(19) في ب، د، ط، و: «يزيد» وفي و:
«ابن» كتبت فوق «يزيد».
(20) في و: «ابن المهلبيّ».(3/87)
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء (1) نبلا أن تعدّ معائبه (2)
و [عدّوا] (3) من الانسجام المرقص (4) قول البحتريّ (5) [من الكامل]:
يخفي (6) الزجاجة لونها فكأنّها ... في الكفّ قائمة بغير إناء (7)
ومثله قوله [من الكامل]:
متعتّب من (8) غير ما متعتّب ... إن لم يجد جرما عليّ تجرّما
ألف الصّدود فلو يمرّ خياله ... بالصّبّ في سنة الكرى ما سلّما (9)
ومن الانسجام المرقص قول ابن الروميّ (10) [من الكامل]:
فالموت إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهنّ أليم (11)
ومثله قوله (12) يخاطب بني طاهر [من المتقارب]:
علوتم علينا علوّ النجوم ... فجودوا علينا بأنوائها (13)
و [عدّوا] (14) من المطرب قول أبي العتاهيّة (15) [من المتقارب]:
أتته الخلافة منقادة ... إليه، تجرّر (16) أذيالها
فلم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها (17)
__________
(1) في ك: «المرء».
(2) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(3) من ب، د، و.
(4) «المرقص» سقطت من ب.
(5) بعدها في و: «رحمه الله».
(6) في ب، و: «تخفي».
(7) البيت في ديوانه 1/ 20.
(8) في ب، د، ط، و: «في».
(9) البيتان في ديوانه 2/ 1046وفيه: «في حيث لا متعتّب» مكان «من غير ما متعتّب».
(10) بعدها في و: «سامحه الله».
(11) البيت في ديوانه 6/ 366وفيه: «ويلاه» مكان «فالموت».
(12) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(13) البيت في ديوانه 1/ 145وفيه:
علوتم علوّ نجوم السّماء
فنوؤوا علينا كأنوائها
(14) من ب، د، ط، و.
(15) بعدها في و: «رحمه الله».
(16) في ك: «تجرجر»، وفي هامشها:
«صوابه: «تجرّر»».
(17) البيتان في ديوانه ص 331.(3/88)
وعدّوا من المطرب (1) قول [سلم] (2) الخاسر (3) [من المنسرح]:
لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر (4)
و [عدّوا] (5) من الانسجام المرقص قول [عبد الله] (5) بن المعتزّ [بالله، وهو] (5)
[من الكامل]:
أهلا بفطر قد أنار (8) هلاله ... فالآن فاغد إلى (9) المدام وبكّر
وانظر (10) إليه كزورق من فضّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر (11)
وعدّوا من مرقصات (12) المتنبّي (13) قوله [من الطويل]:
وأصبح شعري منهما في مكانه ... وفي عنق الحسناء يستحسن (14) العقد (15)
ومثله قوله [من البسيط]:
والهجر أقتل (16) لي ممّن (17) أراقبه ... أنا الغريق فما خوفي من البلل (18)
ومثله قوله [من الوافر]:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال (19)
__________
(1) في ب: «ومثله» وفي د، و: «ومثله من المطرب» وفي ط: «ومثله في المطرب».
(2) من ب، ط.
(3) بعدها في ب: «وهو من المطرب».
(4) البيت في «شعراء عباسيون» ص 100 ونهاية الأرب 3/ 81والأمثال والحكم ص 79والمستطرف 1/ 61.
(5) من ب، د، ط، و.
(8) في ب: «قد أتانا»، وفي هامشها: «قد أنار» وفي و: «قد أرانا».
(9) في و: «على».
(10) في ط: «فانظر».
(11) البيتان في ديوانه ص 329.
(12) بعدها في و: «أبي الطيّب».
(13) بعدها في و: «رحمه الله».
(14) في ط: «قد يحسن» مكان «يستحسن».
(15) البيت في ديوانه ص 208والأمثال السائرة من شعر المتنبي ص 28 وفيهما: «في مكانه».
(16) في ب: «أقبل».
(17) في ط: «ممّا».
(18) البيت في ديوانه ص 336والأمثال السائرة من شعر المتنبي ص 45ونهاية الأرب 3/ 105والأمثال والحكم ص 44، 167.
(19) البيت في ديوانه ص 268والأمثال السائرة من شعر المتنبي ص 38 والأمثال والحكم ص 98وبلا نسبة في المستطرف ص 59.(3/89)
[ومن الانسجام المرقص قول أبي (1) نصر بن نباتة (2) [من البسيط]:
لم يبق جودك لي (3) شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل] (4)
ومن الانسجام المرقص (5) قول الوأواء الدمشقيّ (6) [من البسيط]:
وأمطرت لؤلؤا من نرجس فسقت (7) ... وردا وعضّت على العنّاب بالبرد (8)
ومثله قوله [من الوافر]:
متى أرعى رياض الحسن منه ... وعيني قد تضمّنها غدير (9)
ومن الانسجام المرقص قول أبي العبّاس الضبّيّ (10) [من الكامل]:
زعم البنفسج أنّه كعذاره ... حسنا فسلّوا من قفاه لسانه (11)
ومن الانسجام المرقص قول أبي الحسين (12) اللحّام (13) [من الكامل]:
يا سائلي عن خالد عهدي به ... رطب العجان وكفّه كالجلمد
كالأقحوان غداة غبّ (14) سمائه ... جفّت أعاليه وأسفله ندي (15)
__________
(1) «أبي» سقطت من د.
(2) بعدها في و: «رحمه الله».
(3) في ب: «لي م جودك م».
(4) من ب، د، ط، و. والبيت في ديوانه ص 411، 423، وفي هذه: «قطعت باليأس آمالي لديك فقد» مكان «لم يبق
أؤمّله».
(5) «المرقص» سقطت من ط وفي ب:
«ومن الانسجامات المرقصة».
(6) بعدها في و: «رحمه الله».
(7) في ب: «وسقت».
(8) البيت في ديوانه ص 26784وفيه:
«وسقت» وتحرير التحبير ص 164 ونهاية الإيجاز ص 248ودلائل الإعجاز ص 326وفيه: «فأسبلت لؤلؤا وسقت».
(9) البيت في ديوانه ص 110ويتيمة الدهر 1/ 335.
(10) بعدها في و: «رحمه الله».
(11) البيت لأبي هلال العسكري في الإيضاح ص 309.
وفي هامش ب: «قبله [من الكامل]:
ومهفهف قال الإله لحسنه
كن فتنة للعاشقين فكانه
زعم إلخ». (حاشية).
(12) في د: «أبي الحسن».
(13) بعدها في و: «رحمه الله».
(14) في د، ك: «عبّ».
(15) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
والعجان: بلغة أهل اليمن: العنق وقيل:
والاست. (اللسان 13/ 278 (عجن))(3/90)
وعدّوا من الانسجام المطرب قول أبي نصر العتبيّ (1) [من البسيط]:
ألله يعلم أنّي لست ذا بخل ... ولست ملتمسا في البخل لي عللا
لكنّ طاقة مثلي غير خافية ... والذّرّ يعذر في القدر الذي حملا (2)
و [عدّوا] (3) من الانسجام المرقص [المطرب] (3) قول أبي الفرج بن هند (5) [من مخلّع البسيط]:
عابوه لمّا التحى فقلنا ... عبتم وغبتم عن (6) الجمال
هذا غزال ولا عجيب ... تولّد المسك من غزال (7)
ومثله قول الأمير شمس المعالي قابوس (8) [من البسيط]:
وفي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلّا (9) الشمس والقمر (10)
وعدّوا من الانسجام المرقص / قول ابن الحجاج (11) [من البسيط]:
كأنّ أيري شمع في رخاوته ... فكلّما لمسته راحتي لانا (12)
ومثله قوله [من السريع]:
قد أصبح (13) الدهر به هيضة ... فنحن غرقى في خرا الدّهر (14)
وعدّوا من المرقص قول أبي العلاء المعرّي (15) [من البسيط]:
__________
وفي الكلام هجاء.
(1) بعدها في و: «رحمه الله».
(2) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(3) من ط.
(5) في ب: «هندو» وفي ك: «نهندو» وبعدها في و: «رحمه الله».
(6) في د: «من».
(7) في ب، د، ط، و: «في الغزال».
والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(8) بعدها في و: «رحمه الله».
(9) في ب: «غير»، وفي هامشها «إلّا».
(10) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(11) في ب: «ابن حجاج (مجون)» وبعدها في و: «رحمه الله».
(12) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(13) في ب، د، ط، و: «فأصبح».
(14) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
والهيضة: انطلاق البطن. (اللسان 7/ 249 (هيض).
(15) بعدها في و: «رحمه الله».(3/91)
والخلّ (1)، كالماء يبدي (2) لي ضمائره، ... مع الصّفاء، ويخفيها مع الكدر (3)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول المناويّ (4) الذي لا يوجد في معناه مثله [من الوافر]:
وقانا لفحة الرّمضاء واد ... سقاه (5) مضاعف الغيث (6) العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنوّ المرضعات على الفطيم
فأرشفنا (7) على ظمأ زلالا ... ألذّ من المدامة للنّديم
يصدّ الشمس أنّى واجهتنا (8) ... فيحجبها ويأذن للنّسيم
تروع (9) حصاه حالية العذارى (10) ... فتلمس جانب العقد النظيم (11)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول ابن (12) أبي (13) الشّحباء (14) العسقلانيّ [من الكامل]:
ومهفهف (15) علق السّقام بجفنه (16) ... وسرى فخيّم (17) في معاقد (18) خصره
مزّقت أثواب الظّلام بثغره (19) ... ثمّ انثنيت أحوكها من شعره (20)
__________
(1) في ب: «فالخلّ».
(2) في ب: «تبدو».
(3) البيت في سقط الزند ص 58.
(4) في ب، ط، ك، و: «المنازيّ» والصواب: «الوجيه المناويّ».
(5) في د: «وقاه».
(6) في د: «النبت».
(7) في ب، د، ط، و: «وأرشفنا».
(8) في د: «واجهتنا» مصححة عن «واجهتنها».
(9) في د، و: «يروع».
(10) «فيحجبها ويأذن العذارى» سقطت من ك، وثبتت في هامشها مشارا إليها ب «صح».
(11) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(12) «ابن» سقطت من ب.
(13) «أبي» سقطت من ط.
(14) في د، ط، و: «الشحناء».
(15) في ط: «ومهفّف».
(16) في ب، د، ط، و: «بطرفه».
(17) في نسخة مطبوعة بشرح عصام شعيتو:
«فخيم» وفي هامشه: «الفخيم: الفخم عظيم القدر». وكأن ليس لهذا الشارح علاقة بمعاني الشعر وألفاظه!!
(18) في ب: «معاطف».
(19) في و: «بثغوره» مشطوبة، وفي هامشها:
«بثغره» صح ن.
(20) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.(3/92)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول ابن الخيّاط الدّمشقيّ، وهو من شعراء المئة السّادسة [من الطويل]:
ومحتجب (1) بين الأسنّة والظّبى (2) ... وفي القلب من أعراضه مثل حجبه
أغار إذا آنست في الحيّ أنّة ... حذارا وخوفا أن يكون (3) لحبّه (4)
وهذا الانسجام غراميّ، وعدّوا من الانسجام المرقص قول القاضي [ناصح الدين] (5) الأرّجانيّ، [وهو] (5) [من المتقارب]:
وما ينزل الغيث إلّا لأن ... يقبّل بين يديك الثّرى (7)
ومثله قول ابن الهبّاريّة [من الطويل]:
ولولا نداه خفت نار ذكائه ... عليه، ولكنّ الندى مانع الوقد (8)
وعدّوا من المرقص قول أبي عبد الله النقّاش البغداديّ (9) [من المتقارب]:
إذا وجد الشيخ من (10) نفسه ... نشاطا فذلك موت خفي
ألست ترى أنّ ضوء السّراج ... له لهب عند ما ينطفي (11)
ومن الانسجام المرقص قول ابن الفضل (12) البغداديّ (13) [من الكامل]:
خطرت فكاد الورق تسجع (14) فوقها ... إنّ الحمام لمغرم بالبان
[من معشر نشروا على هام الربا ... للطّارقين ذوائب النيران] (15)
__________
(1) في ك: «ومحجّب» وفي و:
«ومحتجب».
(2) في ب، ط، و: «معرض» مكان «والظبا».
(3) في ب: «عليه أن تكون» مكان «وخوفا أن يكون» وفي د، ط: «تكون».
(4) البيتان في ديوانه ص 171.
(5) من ب.
(7) البيت في ديوانه 1/ 24.
(8) البيت في ديوانه ص 84.
(9) في ك: «البغداذي» وبعدها في و:
«رحمه الله».
(10) في ب: «في».
(11) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(12) في ب، د، ط، و: «ابن المفضل».
(13) في ك: «البغداذي»، وبعدها في و:
«رحمه الله».
(14) في ط: «يسجع».
(15) من ط. والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.(3/93)
ومثله قول سبط التعاويذيّ [من البسيط]:
بين السّيوف وعينيه مشاركة ... من أجلها قيل للأغماد أجفان (1)
ومن الانسجام المرقص (2) قول القاضي الفاضل في وكيله الشريف الكحّال [من الكامل]:
رجل توكّل لي وكحّلني ... فأصبت في عيني وفي عيني (3)
ومثله قوله [فيه أيضا] (4) [من الكامل]:
عادى بني العباس حتّى أنّه ... خلع السّواد من العيون بكحله (5)
ومثله قول ابن الساعاتيّ، وهو من شعراء (6) المئة السابعة (7) [من الكامل]:
والطّير يقرأ (8) والغدير صحيفة ... والرّيح تكتب (9) والغمام ينقّط (10)
ومثله قوله في النهر [من الكامل]:
صدأ الظّلال (11) يزيد رونق حسنه ... أرأيت سيفا قطّ يصقل بالصّدا (12)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول عبد الملك بن مازة البخاريّ، وقد دخل عليه مملوكه (13)، في (14) يده قوس [من المتقارب]:
نهاني لمّا بدا عقرب ... على خدّه أن أروم السّفر
فقلت وفي يده قوسه ... أسير ففي (15) القوس حلّ القمر (16)
__________
(1) البيت في ديوانه ص 412.
(2) في ب: «المطرب».
(3) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(4) من ب وفي د، ط، و: «فيه».
(5) البيت لم أقع عليه في ديوانه.
(6) في د: «شعراء» مصححة عن «الشعراء».
(7) «وهو من شعراء المئة السابعة» سقطت من ط.
(8) في ب: «تقرأ».
(9) في ب: «يكتب».
(10) في د، و: «والغمامة تنقط». والبيت سبق تخريجه.
(11) في ط: «الظلام».
(12) البيت في ديوانه 1/ 101.
(13) في ب، د، ط: «مملوك».
(14) في ط: «وفي».
(15) في ب: «وفي».
(16) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.(3/94)
ومثله قول ابن إردخل (1) التكريتيّ (2) [من الخفيف]:
ألفيّ القوام عنّي أمالو ... هـ فقلبي مكسور تلك الإماله (3)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول ابن عنين (4) [من الطويل]:
دمشق فبي شوق (5) إليها مبرّح ... وإن لجّ (6) واش أو ألحّ عذول
بلاد بها الحصباء درّ وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصحّ نسيم الرّوض وهو عليل (7)
ومن الانسجام المرقص قول الحاجريّ (8) [من الكامل]:
إنّي لأعذر في الأراك حمامة الش ... شادي (9) كذلك تفعل العشّاق
حكم الغرام الحاجريّ بأسرها ... فغدت وفي أعناقها الأطواق (10)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول الصاحب بهاء الدين زهير [من الطويل]:
فيا ظبي هلّا كان منك التفاتة ... ويا غصن هلّا كان منك تعطّف
ويا حرم الحسن الذي هو آمن ... وألبابنا (11) من حوله تتخطّف
عسى عطفة بالوصل يا واو صدغه ... عليّ فإنّي أعرف الواو تعطف (12)
وعدّوا من المرقص قول محيي الدين بن زيلاق (13) [من الطويل]:
ومن عجبي (14) أن يحرسوك بخادم ... وخدّام هذا الحسن من ذاك أكثر
__________
(1) في د: «إزدخل» وفي ك: «ازدحل».
(2) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(3) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(4) بعدها في و: «رحمه الله».
(5) في و: «شوقي».
(6) في ب: «لحّ».
(7) الأبيات في ديوانه ص 69وفيه: «ديار» مكان «بلاد».
(8) بعدها في و: «رحمه الله».
(9) في و: «الشّاذي».
(10) البيتان في ديوانه ص 1918.
(11) في ب: «والناس» مكان «وألبابنا».
(12) «عسى تعطف» سقطت من و، وثبتت في هامشه مشارا إليها ب «صح». والأبيات في ديوانه ص 209وفيه: «فيك التفاتة» و «فيك تعطّف» و «للوصل».
(13) في ب، د، ك، و: «زبلاق» وبعدها في و: «رحمه الله».
(14) في ب: «ومن عجب».(3/95)
عذارك ريحان وثغرك جوهر ... وخدّك كافور وخالك عنبر (1)
ومثله قول ابن عربي الموصليّ (2) في المرقص [من الخفيف]:
أنا صبّ وماء دمعي (3) صبّ ... وأسير من الضّنى في قيود
وشهودي على الهوى (4) أدمع العي ... ن ولكنّني قذفت شهودي (5)
ومثله قول ابن الحلاويّ الموصليّ [من الطويل]:
كتبت فلولا أنّ هذا محلّل ... وذاك حرام قست خطّك (6) بالسّحر /
فو الله ما أدري أزهر خميلة (7) ... بطرسك أم درّ يلوح على نحر
فإن كان زهرا فهو صنع سحابة ... وإن كان درّا فهو من لجّة البحر (8)
ومثله قول ابن الظهير الإربليّ (9) [من الكامل]:
طرفي وقلبي ذا يسيل دما وذا ... دون الورى أنت العليم بقرحه (10)
وهما بحبّك شاهدان (11) وإنّما ... تعديل كلّ منهما في جرحه
[والقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحّه] (12)
[انظر هذه القافية، ما أحلاها وأمكنها] (13) ومثله قوله [من الكامل]:
غارت معاطفه (14) وأنجد ردفه ... يا بعد شقّة غوره من نجده (15)
__________
(1) البيتان سبق تخريجهما.
(2) بعدها في و: «رحمه الله».
(3) في ط: «عيني».
(4) في ب: «الضّنا».
(5) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(6) في ب، ط، و: «لفظك».
(7) في د: «جميلة».
(8) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(9) في ب: «الظهير ابن الأربلي» وفي ط:
«ظهير الأربكيّ».
(10) في ب: «بجرحه».
(11) في ب: «ساهران».
(12) من ط. والأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
وجرح الشاهد: الطعن فيه بما يردّ شهادته والتعديل: الإخبار بعدالة الشاهد. (معجم الفقهاء ص 135، 162).
(13) من ط.
(14) في د، ط، و: «مناطقه».
(15) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.(3/96)
ومثله (1) [من الانسجام المرقص] (2) قول تاج الدين ابن الحواريّ (3) [من الطويل]:
وو الله (4) ما أخّرت عنك مدائحي ... لأمر سوى أنّي عجزت عن الشّكر
وقد رضت فكري مرّة بعد مرّة ... فما ساغ أن أهدي إلى مثلكم شعري
فإن لم يكن درّا فتلك نقيصة ... وإن كان درّا كيف يهدى إلى البحر (5)
ويعجبني من الانسجام المرقص قول النجم القمراويّ (6) [من الوافر]:
وحاكمت النسيم على مرور ... بعطفيه فمال مع النّسيم (7)
ومثله قول ابن (8) عبد (9) الكرديّ [من الوافر]:
إذا ما اشتقت يوما أن أراكم ... وحال البعد بينكم وبيني
بعثت لكم سوادا (10) في بياض ... لأبصركم (11) بشيء مثل عيني (12)
وعدّوا من الانسجام المرقص (13) المطرب (14) قول المهذّب بن الخيميّ الحلّيّ (15)، وقد كتب إلى والده (16) [من الطويل]:
جننت فعوّذني بكتبك إنّ لي ... شياطين شوق لا يفارقن مضجعي
إذا استرقت أسرار وجدي تمرّدا ... بعثت إليها في الدّجى شهب أدمعي (17)
ومن الانسجام المرقص قول ابن عبد ربّه (18) [من الكامل]:
__________
(1) «مثله» سقطت من ب، د، ط، و.
(2) من ب، د، ط، و.
(3) بعدها في و: «رحمه الله».
(4) في ط: «فو الله».
(5) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(6) بعدها في و: «رحمه الله».
(7) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(8) «ابن» سقطت من ط.
(9) في ط: «عيد».
(10) في د: «سودا».
(11) في ب: «لأنظركم».
(12) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(13) «المرقص» سقطت من ب، ط، و.
(14) «المطرب» سقطت من د، و.
(15) «الحليّ» سقطت من ب.
(16) في ب، د، ك، و: «ولده».
(17) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
(18) بعدها في و: «رحمه الله».(3/97)
يا ذا الذي خطّ العذار بخدّه ... خطّين هاجا لوعة وبلابلا
ما كنت أقطع (1) أنّ لحظك صارم ... حتّى رأيت من العذار حمائل (2)
ومن أغرب ما رأيت من الانسجام المرقص قول جعفر بن عثمان المصحّفيّ [من الكامل]:
خفيت على شرّابها فكأنّما ... يجدون ريّا في إناء فارغ (3)
ومن الانسجام المرقص قول (4) ابن الساعاتي (5) [من الكامل]:
ثقلت زجاجات أتتنا فرّغا ... حتّى إذا ملئت بصرف (6) الرّاح
خفّت فكادت أن تطير بما حوت ... إنّ (7) الجسوم تخفّ (8) بالأرواح (9)
ومثله قول المعتمد بن عبّاد [من البسيط]:
سميدع يهب الآلاف مبتدئا ... وبعد ذلك يلقى (10) وهو معتذر
له يد كلّ جبّار يقبّلها ... لولا نداها لقلنا إنّها الحجر (11)
ويعجبني قول الفضل (12) بن شرف (13) في المرقص [من البسيط]:
__________
(1) في هـ ك: «لعله: «أحسب»».
(2) البيتان في ديوانه ص 136وفيه:
«الجمال» مكان «العذار» و «ما صحّ عندي» مكان «ما كنت أقطع» و «حتّى لبست بعارضيك حمائلا».
والبلابل: الوساوس. (اللسان 11/ 69 (بلل)).
(3) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(4) «جعفر بن عثمان قول» سقطت من ب، وثبتت في هامشها.
(5) في النسخ جميعها: «إدريس بن السمّان» وفي هـ ب: «إدريس» مكررة وفي هـ ك:
«صوابه: «ابن الساعاتي»» وبعدها في و: «رحمه الله».
(6) في: «بصرح» وفوقها: «ف» يقصد:
«بصرف».
(7) في د: «وكذا الجسوم»، وفي هامشها: «إنّ الجسوم خ» وفي ط: «وكذا الجسوم».
(8) في ب: «تطير»، وفي هامشها: «تخفّ».
(9) البيتان لم أقع عليهما في ديوانه.
(10) في ب، د، ط، و: «يلفى».
(11) في ب: «حجر». والبيتان في ديوانه ص 100.
والسميدع: السيّد الكريم الجميل الشجاع. (اللسان 8/ 168 (سمدع)).
(12) «الفضل» سقطت من د.
(13) في ب: «شرف م بن الفضل م» وبعدها في و: «رحمه الله».(3/98)
لم يبق للجور في أيّامكم أثر ... إلّا الّذي في عيون الغيد من حور (1)
ومثله قوله [من البسيط]:
تقلّدتني (2) اللّيالي وهي مدبرة ... كأنّني صارم في كفّ منهزم (3)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول ابن رشيق (4) صاحب «العمدة»، في المعزّ بن باديس سلطان إفريقية، وقد غاب يوم العيد، وكان يوما ماطرا، [وهو هذا] (5) [من البسيط]:
تجهّم العيد واعتلّت (6) بوادره ... وكان يعهد منك البشر والضّحكا
كأنّه جاء يطوي الأرض من بعد ... شوقا إليك فلمّا لم يجدك بكى (7)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول عبد الله بن محمّد العطّار (8) [من الطويل]:
وكأس يرينا (9) آية الصّبح والدّجى ... فأوّلها شمس وآخرها بدر
مقطّبة ما لم يزرها مزاجها ... فإن زارها جاء التّبسّم والبشر
فيا (10) عجبا للدّهر لم يخل (11) مهجة ... من العشق حتّى الماء يعشقه الخمر (12)
ومثله قول القاضي الجليس بن الجناب (13) المصريّ (14) [من الطويل]:
ومن عجب أنّ الصوارم في الوغى ... تحيض بأيدي القوم وهي ذكور
وأعجب من ذا أنّها في أكفّهم ... تؤجّج (15) نارا والأكفّ بحور (16)
__________
(1) في ك: «جور». والبيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(2) في ب: «فقلّدتني».
(3) البيت لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(4) بعدها في ب: «القيروانيّ».
(5) من ب.
(6) في ب: «وابتلّت» وفي ط: «وانهملت».
(7) البيتان في ديوانه ص 140.
(8) بعدها في و: «رحمه الله».
(9) في د، و: «ترينا».
(10) في ط: «فوا».
(11) في ب، د: «لم تخل».
(12) الأبيات لم أقع عليها في ما عدت إليه من مصادر.
(13) في ب: «الحباب» وفي د، ك، و:
«الحباب».
(14) بعدها في و: «رحمه الله».
(15) في ب، ط: «تأجّج».
(16) البيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.(3/99)
ومن ظريف (1) الانسجام المرقص قول ابن مكنسة (2) [من الرجز]:
والسّكر في وجنته وطرفه ... يفتح وردا ويغضّ نرجسا (3)
وعدّوا من الانسجام المرقص قول (4) ظافر الحدّاد (5) [من الطويل]:
ونفّر صبح الشيب ليل شبيبتي ... كذا عادتي في الصّبح مع من أحبّه (6)
ومثله قول أبي إسحاق بن خفاجة (7) [وهو] (8) [من الطويل]:
ونمّت، بأنفاس (9) الرّياض، خميلة ... لها (10) الزّهر ثغر والنّسيم لسان (11) /
وعدّوا من الانسجام المرقص قول ابن اللبانة (12) [من الطويل]:
[بروحي وأهلي جيرة ما استعنتهم ... على الدّهر إلّا وانثنيت معانا
أراشوا جناحي ثمّ بلّوه بالنّدى ... فلم أستطع من أرضهم طيرانا] (13)
[وعدّوا أيضا من الانسجام المرقص قول ابن الزقاق] (14) [البلنسي، وهو] (15)
[من المنسرح]:
وأغيد (16) طاف بالكؤوس ضحى ... فحثّها (17) والصّباح قد وضحا
والروض (18) أهدى لنا شقائقه ... وآسه العنبريّ قد نفحا
__________
(1) في ب، د، ط، و: «وظريف من».
(2) سقطت من د وفي ب: «ابن بلنسة» وبعدها في و: «رحمه الله».
(3) «والسكر نرجسا» سقطت من د.
والرجز لم أقع عليه في ما عدت إليه من مصادر.
(4) «وعدّوا قول» سقطت من د.
(5) في د: «الحداد» (* ح). وبعدها في و:
«رحمه الله».
(6) البيت في ديوانه ص 15.
(7) بعدها في و: «رحمه الله تعالى».
(8) من ب.
(9) في ب، د، ط، و: «بأسرار».
(10) في ط: «بها».
(11) البيت في ديوانه ص 263وفيه:
«بأسرار الرياض» و «لها النّور».
(12) بعدها في و: «رحمه الله».
(13) من ب، د، ط، و. والبيتان لم أقع عليهما في ما عدت إليه من مصادر.
وأراشوه: كسوه ريشا. (اللسان 6/ 308 (ريش)).
(14) من ب، د، ط، وو بعدها في و:
«رحمه الله».
(15) من ب.
(16) في و: «وأغيد».
(17) في ب، ط، و: «وحثّها».
(18) في د: «والزهر».(3/100)