الجزء السابع عشر
كلمة
تصدر الدار التونسية للنشر الجزء الثاني من الخريدة الذي يختص اغلبه بشعراء الاندلس، وقد اعد هذا الجزء الاستاذ الايراني (آذرتاش آذرنوش) ولم يعتمد فيما اعتمد النسخة التونسية، لذلك طالبت الدار التونسية للنشر من محققي الجزء الاول الخاص بالمغرب والاندلس وهم الاساتذة (محمد المرزوقي، محمد العروسي المطوي، الجيلاني بن الحاج يحيي) ان يراجعوا هذا العمل وان يضيفوا اليه ما يرونه مفيدا من التعليقات والتعقيبات، وان يعتمدوا النسخة التونسية التي تمتاز باضافات لا توجد في نسختي باريس، وكانوا يعتزمون تحقيق الجزء الثاني وحدهم، بل انهم شرعوا فيه، وقد استجابوا لطلب الدار لما اتصلت بعمل الاستاذ (آذرتاش) فانضافت جهودهم لجهوده، وصدروا هذا الجزء بقسم لا يوجد في نسختي باريس، يبتدىء من المعتمد بن عباد وينتهي بابي الحسن جعفر بن ابراهيم بن الحاج وولده، بالاضافة الى التعليقات والتعقيبات ومراجعة الفهارس.
والله نسأل ان يوفقنا في خدمة الثقافة الاسلامية فهو المولى ونعم النصير.
الدار التونسية للنشر(2/7)
مقدمة
عند ما حققنا الجزء الاول من كتاب خريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء المغرب) للعماد الاصفهاني الذي اصدرته الدار التونسية للنشر سنة 1966كنا قطعنا اذ ذاك شوطا كبيرا في تحقيق الجزء الثاني حسب التقسيم الذي اشرنا اليه في مقدمة ذلك الجزء. (1) وكنا انتهينا من المراجعة النهائية الى مختارات «الوزير الفقيه الكاتب ابي القاسم ابن الجد» اي الى رقم 104من شعراء هذا الجزء وهو ما يبلغ ثلثي الكتاب تقريبا. وعند هذا الحد اتصل بنا السيد مدير الدار التونسية للنشر الذي كان يلح علينا في الانتهاء من تحقيق هذا الجزء وعرض علينا اعمال القسم الاخير من الخريدة التي قام بها الاستاذ الايراني «آذرتاش آذرنوش» على ان نضم جهودنا الى جهوده فيتكامل العمل ونتجنب تكرارا حصل المرات العديدة، واشتكى منه الكثيرون ممن يعتنون باحياء التراث وتحقيق المخطوطات ولم يكن منا الا الاستجابة لتلك الرغبة يحدونا التعاون والتشارك في المجهود حول شيء واحد، خاصة ان التكامل في العمل، الذي اشرنا اليه، يتمثل في اننا نعتمد في تحقيقنا بالاضافة الى مخطوطة باريس، رقم: 3331 المشتركة بيننا وبين الاستاذ «آذرنوش» على المخطوطة التونسية المرموز اليها بحرف «ت» والتي ما تزال رغم ما فيها من نقص
__________
(1) صفحة: كح(2/9)
احيانا تعتبر اصح النسخ وابعدها عن التصحيف، هذا بالاضافة الى ما فيها من زيادات لا توجد في النسخ الاخرى مما جعلنا نستعين بها كثيرا في تصحيح واكمال ما جاء في النسخ الاخرى.
وهو ما سيجده المطالع لهذا الكتاب اثناء قراءته.
اما الاستاذ «آذرنوش» فقد اعتمد على نسخة ثانية في المكتبة الوطنية بباريس ورغم ما فيها من انقاص ومميزات حسب وصف الاستاذ لها فانها تعتبر بالنسبة الينا شيئا كان ينقصنا في تحقيقنا لولا ضم الجهود الى بعضها بعضا في هذا العمل المشترك.
ورغم كل ذلك فان عدة اشياء ظلت في حاجة الى تحقيق وضبط. ولكن فقد المصادر خاصة دواوين الكثير من الشعراء الذين اثبتهم العماد في كتابه هذا تلك الاشياء ما تزال في حاجة الى تدقيق. ولعل الكشف عن مصادر اخرى غير معروفة سوف يساعد مستقبلا على ذلك.
وتنسيقا لهذا العمل المشترك فرقنا بين تعليقات الاستاذ «آذرنوش» وتعليقاتنا بان جعلنا التعليقات والتعقيبات التي هي من عملنا بين معقفين، هكذا [] وبذلك حافظنا على جهود كل منا. وهذا التفريق يجده القارىء ابتداء من ترجمة الشاعر ابن خفاجة، بداية الجزء الاخير من تقسيم المؤلف.
اما القسم الاول من هذا الجزء ابتداء من المعتمد بن عباد الى ابي الحسن جعفر بن ابراهيم بن الحاج وولده فكان من تحقيقنا نحن لان ذلك تابع للجزء الحادي عشر من الخريدة وقد ارتأينا كما قلنا في مقدمة الجزء الاول ارجاءه للقسم الثاني الذي يختص غالبه بشعراء الاندلس.
وكان المنهج الذي سرنا عليه في تحقيق هذا الجزء يماشي المنهج الذي سرنا عليه في عملنا السابق. وقد اضفنا الى فهارس الاستاذ «آذرنوش» في آخر الجزء الثالث فهرسة القسم الاول الذي لم يحققه كما الحقنا فهرسا للمقطوعات والقصائد الشعرية والمختارات النثرية الواردة في متن الكتاب.(2/10)
وانا لنرجو بعملنا هذا ان نكون قد ساهمنا حسب الطاقة في الجهود المبذولة لاحياء تراث امتنا العربية ونشر كنوزها وذخيرتها الادبية التي ما تزال في حاجة ماسة الى بذل الجهد. والمزيد من التنقيب والبحث.
محمد المرزوقي
محمد العروسي المطوي
الجيلاني بن الحاج يحيى(2/11)
الجيلاني بن الحاج يحيى
تقديم (1)
كان عماد الدين اديبا رحالة مكنته اسفاره واتصالاته الكثيرة بعظماء عصره من ان يكون اهلا للتصدي الى تأليف تاريخ لادب عصره يتعرض فيه لحياة من عاصروه من اشخاص وكتاب عرب.
ولقد كانت مهمته سهلة بالنسبة لما كتبه عن الشرق وذلك بحكم اتصالاته المباشرة سواء بالمراسلة او المعاشرة مع الشعراء والعظماء.
ولم يكن الامر كذلك بالنسبة لما خصصه للادب المغربي حيث لم يزر المغرب ولا الاندلس واكتفى بتسجيل ما يمده به الرحالة القادمون من تلك الربوع او بالرجوع الى المصادر الادبية المعتمدة في ذلك العصر للتعريف على الادب المغربي الا انه مع الاسف لم يصل الينا من تلك المصادر الا النزر القليل.
وكان اهمها قلائد العقيان للوزير ابن خاقان الذي اخذ عنه العماد الشيء الكثير اما بقية المصادر ككتاب الحديقة، او المختار فلم نعرف منها الا مقتطفات جلها لم ينشر (2).
شرع عماد الدين الاصفهاني حوالي القرن السادس في تصنيف ضخم يتكون من عشرة او اثني عشر مجلدا عالج فيه شؤون الادب في كامل البلاد العربية والبلدان المحتلة او المتأثرة بالعرب. فأفرد مجلدا لكل منطقة كان يعتبرها هامة من حيث التراث الادبي.
__________
(1) هذه ترجمة لمقدمة الاستاذ آذر نوش الفرنسية الموجود نصها في آخر الكتاب.
(2) انظر جدول المؤلفات المذكورة في النص لمعرفة مصادر المؤلف.(2/13)
وقد برز بعد، المجلدات الاربعة الاولى المخصصة لكتاب الشرق وكان امر بروزها يسيرا حيث وجد الباحثون من المنشورات والمخطوطات الشرقية ما يسر لهم تحقيق النصوص وتصحيحها، وقد تبين ذلك من خلال تعدد المخطوطات الخاصة بالاربعة مجلدات الاولى، والتي كان عددها اوفر من تلك التي تتكون منها بقية المجلدات وكذلك بما تكتسبه المجلدات الاولى من اهمية تفوق بقية التصنيف.
وتجدر الاشارة في خصوص المجلدات: الثامن والتاسع والعاشر الى ان كثيرا من النقاط المتعلقة بها بقيت غامضة وذلك ان مجموعة التأليف الموجودة بالمكتبة القومية بباريس تنقصها هذه المجلدات وربما غيرها ايضا. في حين ان المصادر التي عثر عليها لحد الآن لا تعدو ان تذكر ارقام تلك المجلدات.
ولم يضبط المستشرق بروكلمان ولا صاحب كتاب «الارصاد» عدد الاجزاء بل اكتفيا بالقول بان الخريدة تتكون من حوالي عشر مجلدات.
اما النص الوحيد الذي يشير الى المجلدين الحادي عشر والثاني عشر فهو ما نجده في آخر جملة من المجلد 411حيث نقرأ «انتهى الجزء 11 ويليه الجزء 12الذي يبتدىء بترجمة ابن خفاجة».
بيد ان جهل النساخ وما يعمدون اليه من تحريف ويرتكبونه من أخطاء يجعلنا نشك في صحة ما تقدم غير ان هناك رواية وردت في كتاب (الوافي بالوفيات) (1) تجعلنا نغير هذا الراي:
«قيل: انه (اي عماد الدين) انهى تصنيفه (يعني الخريدة) وأهداه في ثماني مجلدات الى القاضي الفاضل، فلما اطلع عليه لم يعجبه وقال: اين الجزآن الآخران؟ وقد سمى تصنيفه الخريدة. وكلمة ده الفارسية تفيد عشرة.
بالرغم من ان صيغة القصة واسلوبها لا يبعثان على الاطمئنان الى صحتها، خصوصا اذا علمنا ما كانت عليه صلة عماد الدين بالقاضي الفاضل من توادد وحسن معاشرة فانها مع ذلك تبعث على القول بان المجلدات الاخيرة وحتى الجزء الاخير من هذا التأليف قد تكون كتبت بعد ذلك التاريخ، ويؤيد هذا ان القاضي الفاضل الذي كان يتولى حماية المؤلف أعجب بالتصنيف الى حد انه اعطي عماد الدين تسع مخطوطات تعالج الادب العربي بالمغرب تمكن المؤلف بواسطتها من اتمام تصنيفه وهذا مما لا نشك فيه، اما ان نقول ان المؤلف انهى تصنيفه بالقسم الرابع المتعلق بأدباء مصر والبلاد المجاورة لها، وشعراء صقلية والمغرب والاندلس او انه اتمه بالمجلدين 11و 12الخاصين بصقلية والاندلس
__________
(1) مخطوط القاهرة. انظر مقدمة جميل سعيد التي صدر بها نشرة الجزء الاول.(2/14)
فهذا لا يمكن ضبطه ولا تدقيقه الا بعد استقصاء البحوث لا بالرجوع الى مختلف المصادر فحسب، بل وحتى بالتفتيش في المكتبات التي يتوقع العثور فيها على اقسام اخرى من هذا التاليف.
وعلى كل فان الخريدة تنقسم الى اربعة اقسام:
1) قسم اول خاص بالعراق دون سواه
2) قسم ثان: تناول تراجم شعراء الاعاجم بفارس وخراسان
3) قسم ثالث: يتعلق بشعراء الشام والموصل وجزيرة بني ربيعة وديار بكر وشعراء البلاد المجاورة وقد اضيف الى هذا القسم شعراء الحجاز وتهامة واليمن
4) قسم رابع: جمع فيه عماد الدين شعراء مصر وما جاورها وشعراء صقلية والمغرب والاندلس
الاقسام التي صدرت
من سوء الحظ ان لا نملك مخطوطا كاملا لهذا التصنيف الجليل الذي عالج شؤون الادب في كامل البلاد العربية في القرنين الخامس والسادس للهجرة بل اننا لا نجد من القسم او المجلد سوى مخطوطات منفردة قد تمزق بعضها وتلاشى بين عدة مكتبات في حين ان بعضها الآخر قد غلب عليه فساد التعبير مما حال دون اصدار طبعة كاملة لهذا التاليف.
وهكذا اكتفى العلماء الباحثون في البلدان العربية بتصحيح ونشر القسم او المجلد الذي يعالج ادب بلادهم دون سواها. وقد صدر الى الآن خمسة مجلدات.
صدر المجلد الاول المخصص للعراق وهو احسن المجلدات طباعة وتعليقا سنة 1955بالعراق وقد حققه الاستاذان بهجة الاثري وجميل سعيد (1) وظهر المجلدان الثاني والثالث والمخصصان لشعراء مصر سنتي 1951و 1952بالقاهرة وقد حققهما الاستاذان احمد امين وشوقي ضيف.
اما القسم الثالث المتمثل في المجلدين الرابع والخامس والمخصص لشعراء الشام فقد نشر بدمشق بين سنتي 19591955بتحقيق الاستاذ شكري فيصل (2).
__________
(1) واصدر الاستاذ الاثري بعد ذلك جزءا ثانيا خاصا بالعراق.
(2) واصدر نفس المحقق بعد ذلك جزءا ثالثا وقطعة من الجزء الاول كانت ضائعة.(2/15)
مخطوطات المكتبة القومية
لم يبق من المجلد الاخير من الخريدة الذي يعتبر حسب المخطوط نفسه المجلد الثاني عشر سوى مخطوطين اثنين يوجدان في المكتبة الوطنية واكبر الظن انهما الوحيدان الموجودان في المكتبات ذات الجداول (1).
وقد اعتمدنا المخطوط رقم 3331كاصل. والذي قد يكون كتب في القرن الرابع عشر وناسخه مجهول ويعوز كتابته الوضوح حتى انها لا تكاد تقرأ في بعض الاحيان بسبب تغافله عن تنقيط الحروف ورسمه الغريب لحرفي الهمزة والالف المغاير تماما لرسمهما المعروف الآن اضف الى ذلك قلة الدراسات والبحوث عن الادب العربي بالاندلس وضياع جل دواوين شعرائها مما جعل عمل التحقيق والتصحيح عسيرا للغاية.
غير ان التعاليق والكلمات والجمل التي ادخلها الناسخ على النص تثبت ان احاطته بالآداب العربية لا باس بها.
اما المخطوط فهو من حجم 2117بكل صفحة منه 17سطرا ويقع في 227ورقة الا اننا نلاحظ ان عددا من الورقات التي تقع بعد الصفحة الرابعة قد ضاع. من ذلك ان ترجمة خصصها المؤلف للشاعر ابن خفاجة لم يبق منها الا شذرات الا ان رجوعنا الى المخطوط الثاني مكننا من تلافي هذا النقص.
اما المخطوط الثاني (ق) فيبدو انه يرجع الى عهد اقرب من عهد الاول حيث قد يكون نسخ في القرن السادس عشر.
ويقع في 62ورقة من حجم 5، 517، 25بكل صفحة منه 27سطرا ويمتاز هذا المخطوط بجمال الخط وصغر الحروف مع وجود أخطاء وتشويش كثير ولم يتبع ناسخه الذي يدعى علي بن قاسم بن علي القاعدة المتبعة في رسم ألفي المد والقصر. كما نلاحظ في آخر الترجمة الاولى المخصصة لابن خفاجة نقصا فادحا. ذلك ان المخطوط الاول الذي اعتمدناه كاصل ينص على 33ترجمة قد اثبتت بين ترجمتي ابن خفاجة وابن حمديس (الابن) ولم نعثر عليها في المخطوط الثاني.
اضف الى ذلك عيبا آخر يتمثل في ان ترجمة ابن حمديس قد بدأها الناسخ وسط الصفحة وقد اثبت قبلها قصائد شعرية لا صلة بينها وبين الترجمة السابقة لترجمة ابن حمديس (الابن) في المخطوط الاول.
__________
(1) غفل المقدم عن النسخة التونسية كما غفل عنها (بروكلمان)(2/16)
خاتمة
لقد كان هدفنا اثبات النصوص بصفة نهائية وقد كلفنا هذا العمل بحوثا كثيرة شملت جميع التآليف والمخطوطات والمطبوعات التي توقعنا العثور فيها على بعض ما نظمه الشعراء المترجم لهم وقد اعتمدنا بالخصوص المصادر الاسبانية للتنصيص على النطق الصحيح للاسماء الجغرافية او أسماء الاعلام. كما بذلنا مجهودا لشكل الجمل حتى نعين على فهم النصوص بيسر.
آذرتاش آذرنوش
بسم الله الرحمن الرحيم بربّ أ(2/17)
آذرتاش آذرنوش
بسم الله الرحمن الرحيم بربّ أ(2/18)
آذرتاش آذرنوش
بسم الله الرحمن الرحيم بربّ أ(2/19)
آذرتاش آذرنوش
بسم الله الرحمن الرحيم بربّ أ(2/20)
آذرتاش آذرنوش
بسم الله الرحمن الرحيم بربّ أ(2/21)
آذرتاش آذرنوش
بسم الله الرحمن الرحيم بربّ أ
تتمة القسم الرابع: شعراء المغرب والأندلس
باب في ذكر محاسن أعيان المغرب والأندلس
جماعة اتفقوا بالاندلس في حدود سنة خمسمائة(2/24)
جماعة اتفقوا بالاندلس في حدود سنة خمسمائة
1 - المعتمد بن عباد الملك بالأندلس
هو أبو القاسم محمد الملقب بالمعتمد بن أبي عمرو عباد الملقب بالمعتضد ابن إسماعيل بن محمد بن قريش عمار بن عمرو بن عطاف بن نعيم. وعطاف ونعيم هما الداخلان بالأندلس. وولد المعتمد بمدينة باجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وولي سنة إحدى وستين بإشبيلية وخلع سنة أربع وثمانين وتوفي بأغمات سنة ثمان وثمانين. وكانت بداية دولتهم من سنة أربع عشرة وأربعمائة ولم تزل أيامه صافية المشارع من الكدر، ضافية المدارع بالظفر، محمية من الغير. واضحة الحجول والغرر، إلى أن دهي من يوسف ابن تاشفين بداهية خلعته عن سلطانه، وأزعجته عن أوطانه. فعاد من كان يمدحه راثيا نه ناعيا، ومن كان يرجوه منتجعا عليه باكيا. وقدم إلينا بالعراق رجل من أصحاب الحديث يقال له الشيخ أبو علي الحسن بن صالح الأندلسي. وقدم إلى البصرة وأنا نائب الوزير ابن هبيرة بها في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وخمسمائة وكان ينشدني أشعار أهل المغرب. فمما (1) ذكره من حديث الملك عباد، قال: ذكر لي قاضي الجماعة بإشبيلية أبو الحسن شريح بن محمد أنه لما خلع المعتمد غربه يوسف ابن تاشفين إلى العدوة، فوصل إلى موضع منها وأهل البلد خارجون للاستسقاء، فأنشد:
خرجوا ليستسقوا فقلت إليهم (2) ... دمعي ينوب لكم عن الأنواء
قالوا حقيق في دموعك مقنع ... لكنها ممزوجة بدماء
__________
(1) في الأصل: فما.
(2) في الديوان: لهم(2/25)
وذكر أنه حكى له أنه كان المعتمد سائرا إلى الجامع يوم الجمعة، ووزيره ابن عمار معه، فسمع أذان المؤذن، فقال:
هذا المؤذن قد بدا بأذانه
فقال ابن عمار:
يرجو بذاك العفو من رحمانه
فقال [المعتمد:
طوبى له من شاهد بحقيقة
فقال ابن عمار] (1):
إن كان عقد ضميره كلسانه
وقرأت في تاريخ الهمذاني ببغداد لابن عباد في وقعة كانت ليوسف ابن تاشفين على الإفرنج في سنة سبع وثمانين (2)، وكان يوم جمعة، فجعل القتلى كالمنارة العظيمة، وأذن عليها المسلمون، وصلوا صلاة الجمعة:
ويوم العروبة ذدت العدى ... نصرت الهدى وأبيت الفرارا
ثبتّ هناك وإن القلوب ... بين الضلوع لتأبى القرارا
ولولاك يا يوسف المتقي ... رأينا الجزيرة للكفر دارا
رأينا السيوف ضحى كالنجوم ... وكالليل ذاك الغبار المثارا
فلله درك في هوله ... لقد زاد بأسك فيه اشتهارا
تزيد اجتراء إذا ما الرماح ... عند التناحر (3) زدن اشتجارا
كأنك تحسبها نرجسا ... تدير الدماء عليها عقارا
تريك الرماح القدود انثناء ... وتجلو الصفاح الخدود احمرارا
إذا نار حربك ضرّمتها ... حسبنا الأسنة فيها شرارا
ستلقى فعالك يوم الحساب ... ينشر بالمسك منك انتشارا (4)
__________
(1) التكملة من النفح، ج 5، ص 150.
(2) يقصد واقعة الزلاقة التي قال فيها المعتمد هذا الشعر (انظر لديوان ص 9897) وقد وقعت في 12 رجب 479هـ لا كما جاء في الأصل. (انظر: دول الطوائف لعبد الله عنان).
(3) في الديوان: التناجز.
(4) في الديوان: تنثر انتثارا.(2/26)
وللشهداء ثناء عليك ... بحسن مقامك ذاك النهارا
وأنهم بك يستبشرون ... ألّا تخاف وألا تضارا
وتلقى نعيما ينسي الشقا ... وتجنى سراحا ينسي الإسارا
وأول هذه الأبيات وكان طلب خباء من يوسف يسافر به فوعده وأخلف فقال:
هم أوقدوا بين جنبيك نارا ... أطالوا لها في حشاك استعارا
أما يخجل المجد إن رحلوك ... ولم يصحبوك خباء معارا
تراهم نسوا حين جبت القفارا (1) ... حنينا إليهم وخضت البحارا
بعهد لزوم لسبل الوفا ... إذا حاد من حاد عنها وجارا
وقلب (2) نزوع إلى يوسف ... فلولا الضلوع عليه لطارا
ونقلت من بعض تعاليق المصريين ما أورده آنفا، ووشحه من كلامه بما يرد من شعره إلى أبيه من قصيدة:
سميدع يهب الآلاف مبتدئا ... ويستقل عطاياه ويعتذر (3)
له يد كل جبار يقبلها ... لولا نداها، لقلنا: انه (4) الحجر
وأولها في الاعتذار عن كبيرة (5):
سكن فؤادك لا يذهب بك الفكر ... ماذا يعيد عليك الهم والسهر (6)
وازجر جفونك لا ترض البكاء له (7) ... فاصبر فقد كنت عند الخطب تصطبر
وإن يكن (8) قدر قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر
وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غدوت (9) ومن أشياعك الظفر
__________
(1) في الديوان: جزت القفارا.
(2) في الديوان: وقلبي.
(3) في الحلة السيراء، ج 2ص 57: ويحتقر.
(4) في الحلة السير، ج 2، ص 57والديوان: انها.
(5) في الحلة السيراء، انه يستعطف أباه لما فرط من امر مالقة ولجأ إلى رندة.
(6) في الحلة السيراء، والديوان: البث والحذر.
(7) في الحلة السيراء، والديوان لها.
(8) في الحلة السيراء، فان يكن.
(9) في الحلة السيراء، والديوان: غزوت.(2/27)
ومنها في قوم خذلوه وتركوه مع العدى وأهملوه:
ما الذنب إلا على قوم ذوي دغل ... وفى لهم عدلك المالوف (1) إذ غدروا
قوم نصيحتهم غش، وحبهم ... بغض، ونفعهم إن صرفوا ضرر
يميز البغض (2) في الألفاظ إن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ إن نظروا
وكتب أيضا إلى أبيه:
مولاي أشكو إليك داء ... أصبح قلبي به قريحا (3)
سخطك قد زادني سقاما ... فابعث إلي الرضا مسيحا (4)
فقوله: مسيحا، من القوافي التي يتحدى بها
وكتب إلى أبيه يشكر عن فرس أصعد بعثه إليه:
نوال جزيل يبهر الشكر والحمدا ... وصنع جميل يوجب النصح والودا
لقد جدت بالعلق الذي لو أباعه ... بذلت ولم أغبن به العيشة الرغدا
جواد أتاني من جواد تطابقا ... فيا كرم المهدي، ويا كرم المهدى
وكم من يد أوليت موقعها ند ... لديّ ولكن أين موضع [ذا] الاصدا
لعلي يوما أن أوفيه (5) حقه ... فأنعله ممن عصى أمرك الخدا
وكتب إليه جوابا عن تحفة:
يا ملكا قد أصبحت كفه ... ساخرة بالعارض الهاطل
قد أفحمتني منّة مثلها ... يضيق القول على القائل
وإن أكن قصرت عن وصفها ... فحسنها عن وصفها شاغلي
ومن خطابه لأصحابه، كتب إلى أبي بكر محمد بن عمار وزيره:
لما نأيت نأى الكرى عن ناظري ... ورددته لما انصرفت عليه
طلب البشير بشارة يجزى بها ... فوهبت قلبي واعتذرت إليه
__________
(1) في الحلة السيراء والديوان: عدلك المعهود.
(2) في الحلة السيراء، الغيظ.
(3) في الحلة، جريحا.
(4) القطعة في الحلة بها 5أبيات.
(5) في الديوان: اوفي.(2/28)
وما أحسن قول أبي فراس لسيف الدولة:
أهديت نفسي، إنما ... يهدى الجليل إلى الجليل
وجعلت ما ملكت يدي ... صلة المبشر بالقبول
وكتب ابن عباد من قصره بقرطبة إلى أصحاب له:
حسد القصر فيكم الزهراء ... ولعمري وعمركم ما أساء (1)
قد طلعتم بها شموسا صباحا ... فاطلعوا عندنا بدورا مساء
وكتب إلى بعض ندمائه، يستدعيه إلى الشراب:
أيها الصاحب الذي فارقت عيني ... ونفسي منه السنى والسناء
نحن في المجلس الذي يهب الرا ... حة والمسمع الغنى والغناء (2)
نتعاطى التي تنسيك في اللذ ... ة والرقة الهوى والهواء (3)
فأته تلف راحة ومحيا ... قد أعدا [لك] الحيا والحياء (4)
وكتب إلى أبي بكر محمد بن عمار:
قد زارنا النرجس الذكي ... وطاب (5) من يومنا العشي
ونحن في مجلس أنيق ... وقد ظمئنا وفيه (6) ريّ
ولي صديق (7) غدا سمي ... يا ليته وافق (8) السمي
فحضر أبو بكر باب القصر، وكتب إليه رقعة فيها:
لبيك لبيك من مناد ... له الندى الرحب والندي
__________
(1) في الأصل: ما أساؤوا، والإصلاح من القلائد والوفيات.
(2) في القلائد: والسمع والغنى والغناء.
(3) في الأصل: نتعاطى، تنسيك. وفي القلائد: التي تسمى من اللذة إلى آخره.
(4) في الأصل: قد أعد الحما، والتكملة من القلائد والنفح والديوان.
(5) في النفح: وآن، وفي الديوان: وحان.
(6) في الديوان: وثم.
(7) في النفح والديوان: خليل.
(8) في النفح والديوان: ساعد.(2/29)
ها أنا بالباب عبد قن ... قبلته وجهك السني
شرفه والداه (1) باسم ... شرفته (2) أنت والنبي
ومن شعره في الغزل، قال في قصيدة كتب بها إلى أبي بكر بن عمار:
وكم ليلة قد بت أنعم جنحها ... بمخضبة الأرداف مجدبة الخصر
وبيض وسمر فاعلات بمهجتي ... فعال الصفاح البيض والأسل السمر
وباتت تسقيني المدام بلجها ... فمن كأسها حينا وحينا من الثغر (3)
وتطربني أوتارها وكأنني ... سمعت بأوتار الطلى نغم البتر
وقال:
فتكت مقلتا [هـ] بالقلب مني (4) ... وبكت مقلتاي شوقا إليه
فحكى لحظه لنا سيف عبا ... د ولحظي (5) له سحاب يديه
وقال:
كتبت وعندي من فراقك ما عندي ... وفي كبدي ما فيه من لوعة الوجد
وما خطت الأقلام إلا وأدمعي ... تخط سطور الشوق في صفحة الخد
ولولا طلاب المجد زرتك طيّه ... عميدا كما زار الندى ورق الورد
فقبلت ما تحت اللثام من اللمى ... وعانقت ما فوق الوشاح من العقد
من قول عمر بن أبي ربيعة:
واسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر
وقال وهو عليل وقد زارته «سحر» جاريته:
سأسأل ربي أن يديم بي الشكوى ... فقد قربت من مضجعي الرشأ الأحوى
إذا علة كانت لقربك علة ... تمنيت أن تبقى بجسمي وأن تقوى
__________
(1) في الأصل: والده، والإصلاح من النفح والديوان.
(2) في الأصل: شرفه، والإصلاح من النفح والديوان.
(3) هكذا ورد هذا البيت في الأصل، وفي الديوان: بلحظها.
(4) في الأصل مقلتا، بدون هاء، والاصلاح من الديوان والمطرب.
(5) في الديوان: ودمعي.(2/30)
شكوت «وسحر» قد أعنت زيارتي ... فجاءت بها النعمى التي سميت بلوى
فيا علتي دومى (1) فأنت حبيبة ... ويا رب سمعا من ندائي والشكوى
وقال في جارية يحبها وهي بين يديه يوما تسقيه والكأس في يدها، إذ لمع البرق، فارتاعت، فقال:
روعها (2) البرق وفي كفها ... برق من القهوة لماع
يا ليت شعري وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع
وهي من توارد الخواطر، ان ابن عباد أنشد عبد الجليل بن وهبون البيت الأول [وطلب منه] أن يذيله، فقال:
ولن ترى أعجب من آنس ... من مثل ما يمسك يرتاع
قال أبو الصلت في الحديقة: هذا البيت أجود، لجودة ترتيب اللفظ مع جودة معناه، وللمطابقة بين لفظى الأنس والارتياع، وتشبيه لمعان الخمر بلمعان البرق وإن كان بيت الأمير أيضا جيدا.
وقال ابن عباد:
تظن بنا أم الربيع سآمة ... ألا غفر الرحمان ذنبا تواقعه
أأهجر ظبيا في ضلوعي (3) كناسه ... وبدر تمام في جفوني (4) مطالعه
إذن هجرت (5) كفي نوالا تفيضه ... على معتفيها أوعدوا (6) تقارعه
وقال:
دارى ثلاثته بلطف ثلاثة ... فثنى بذاك رقيبه لم يشعر
أسراره بتستر وأواره ... بتصبر وخباله بتوقر
__________
(1) في الأصل: ذوي، ولعل ما أثبتناه أنسب.
(2) في الحلة: ريعت من البرق.
(3) في الحلة: فؤادي.
(4) في الحلة: ضلوعي.
(5) في الحلة والديوان: إذا عدمت.
(6) في الحلة: كميا.(2/31)
وقال:
يا معرضا عني ولم أجن ما ... يوجب إعراضا ولا هجرا
قد طال ليل الهجر فاجعل لنا ... وصلك في آخره فجرا
وقال (1):
أكثرت هجري غير أنك ربما ... عطفتك أحيانا عليّ أمور
فكأنما زمن التهاجر بيننا ... ليل وساعات الوصال بدور
وقال:
يا صفوتي من البشر ... يا كوكبا بل يا قمر
يا غصنا إذا مشى ... يا رشأ إذا نظر
يا نفس الروضة قد ... هبت لها ريح سحر
يا ربة اللحظ الذي ... شد وثاقا إذ فتر
متى أداوي يا فدا ... ك السمع مني والبصر
ما بفؤادي من جوى ... بما بفيك من خصر
وقال:
الصبح قد مزق ثوب الدجى ... فمزق الهم بكفّي مها
خذ باسمها من ريقها [قهوة] (2) ... في لون خديها تجلى الأسى
وقال:
أسر الهوى نفسي فعذبها ... يوم الوداع فلم أطق (3) منعا
فأذاب حر صبابتي كبدي ... وأسالها في وجنتي دمعا
وقال:
حرم النوم علينا ورقد ... وابتلانا بهواه ثم صد
يا هلالا حسن خد يارشا ... غنج لحظ، يا قضيبا لين قد
__________
(1) القطعة في الحلة السيراء، ج 2ص 60والديوان ص 13.
(2) زيادة من الديوان.
(3) في الديوان: تطق.(2/32)
بودادي لك بالشوق الذي ... في فؤادي لا تدعني للكمد
لست أرضى عن زماني أو أرى ... منك حسنا لا أراه من أحد
وقال:
يا ليت مدة بعدك ... رشيقة مثل قدك
كمدة الورد، ورد الر ... بيع لا ورد خدك
فعمر ذا عمر صبري ... وعمر ذا عمر صدك
رضيت منك وإن لم ... تنجز بلذة وعدك
وقال:
لو زرتنا لرأيت ما لم تعهد ... ذوب اللجين خليط ذوب العسجد
نطف تجملها فقاقع منه ما ... جمدت لتحفظ جسم ما لم يجمد
وقال في غلام اسمه «سيف»:
سميت «سيفا» وفي عينيك سيفان ... هذا لقتلي مسلول وهذان
أما كفت قتلة بالسيف واحدة ... حتى أتيح من العينين ثنتان
أسرته وثناني غنج مقلته ... أسيره وكلانا آسر عان
يا سيف أمسك بمعروف أخا ثقة ... لا يبتغي منك تسريحا بإحسان
وكانت له جارية تسمى جوهرة يحبها فكتب إليها يسترضيها في عتاب جرى بينهما فأجابته برقعة لم تعنونها باسمها فقال (1):
لم تصف لي بعد وإلا فلم ... (لم) (2) أر في عنوانها جوهره
درت بأني عاشق لاسمها ... فلم ترد للغيظ أن تذكره
قالت إذا أبصره ثانيا (3) ... قبّله والله لا أبصره
__________
(1) انظر الأبيات في النفح ج 5ص 232.
(2) التكملة من النفح.
(3) في النفح ثابتا.(2/33)
ما أحسن قول الصنوبري:
وشاطرة أدبتها الشطاره ... حلى الروض من حسنها مستعاره
أميرة حسن إذا ما بدت ... أقر الأمير لها بالإماره
أتت في لباس لها أخضر ... كما تلبس الورق الجلناره
فقلت لها ما اسم هذا اللباس ... فردت مردا مليح العباره
شققنا مرائر قوم به ... فنحن نسميه شق المراره
وقال ابن عباد في الجارية (1):
سرورنا دونكم ناقص ... والطيب (2) لا صاف ولا خالص
والسعد ان طالعنا نجمه ... وغبت فهو الآفل الناقص (3)
سموك بالجوهر مظلومة ... مثلك لا يدركه غائص
وقال فيها:
جوهر قد عذبني (4) ... منك تمادي الغضب
فزفرتي في صعد ... وعبرتي في صبب
يا كوكب الحسن الذي ... أزرى بزهر الشهب
مسكنك القلب فلا ... ترضي له بالوصب
وقال في جارية اسمها وداد:
اشرب الكأس في وداد ودادك ... وتأنس بذكرها في انفرادك
قمر غاب عن جفونك مرآ ... هـ وسكناه في سواد فؤادك
وقال:
لك الله كم أودعت قلبي من أسى ... وكم لك ما بين الجوانح من كلم
لحاظك طول الدهر حرب لمهجتي ... ألا رحمة تثنيك يوما إلى سلمي
__________
(1) انظر الأبيات في النفح، ج 5ص 233.
(2) في النفح: والعيش.
(3) في النفح: الناكص.
(4) رواية النفح: جوهرة عذبني.(2/34)
وقال:
ولج الفؤاد فما عسى أن أصنعا ... ولقد نصحت فلم أرد أن أسمعا
أسفي أود ولا أود وأغتدي ... وأروح أحفظ عهد من قد ضيعا
ما كان ظني أن أجود بمهجتي ... حبا وأقنع بالسلام فأمنعا
يا هاجرين قد اشتفيتم فارفقوا ... وهبوا لعثرة عاشق لكم لعا
ردوا بردكم السلام حشاشة ... لم تبق لولا أن فيكم مطمعا
وقال من أبيات:
قلت متى ترحمني ... قال ولا طول الأبد
قلت فقد أيستني (1) ... من الحياة، قال: قد
ولما علقت هذين البيتين في هذا الجزء في دمشق سنة إحدى وسبعين وخمسمائة عملت في أسلوبها:
راودته في قبلة ... من وجهه الحلو ومن
فاغتاظ مني حنقا ... كأنه لي مضطغن
فقلت إن بذلت ما ... يرضيك مني قال إن
وقال ابن عباد:
حكّمه في مهجتي حسنه ... فظل لا يعدل في حكمه
أفديه ما ينفك لي ظالما ... يا رب لا يجز على ظلمه
وقال من أبيات:
ولما التقينا للوداع غدية ... وقد خفقت في ساحة القصر رايات
بكينا دما حتى كأن عيوننا ... لجري الدموع الحمر منها جراحات
مأخوذ من هذا البيت:
بكيت دما حتى لقد قال قائل ... ترى ذا فتى من جفن عينيه يرعف
__________
(1) في النفخح: أياستني.(2/35)
ومن أوصافه وملحه، قال:
ورب (1) ساق مهفهف غنج ... قام ليسقي فجاء بالعجب
أبدى (2) لنا من لطيف حكمته ... في جامد الماء ذائب الذهب
وقال (3):
لاح وفاحت روائح الند ... مختصر الخصر أهيف القد
وكم سقاني والليل معتكر ... في جامد الماء ذائب الورد
قد أكثر الشعراء من أخذ هذا المعنى، وتصرفوا في قول ابن المعتز:
وخمارة من بنات المجوس ... ترى الدن في بيتها سائلا
وزنّا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا
ومما نظمته في هذا الأسلوب من قطعة ببغداد:
رعى الله عصرا فيه فازت قداحنا ... ودارت علينا بالمسرة أقداح
وقد راقنا ورد وراح تشابها ... فلم ندر، ذاب الورد أم جمد الراح
(4) وقال ابن عباد. وقد أمره أبوه أن يصف مجنّا فيه كواكب فضة:
مجنّ حكى صانعوه السما ... لتقصر عنه طوال الرماح
وقد صوروا فيه شبه الثريا (5) ... كواكب تقضي لنا (6) بالنجاح
وقال (ابن عباد) (7) في شمعة:
وشمعة تنفي ظلام الدجى ... نفي يدي (8) العدم عن الناس
ساهرتها والكأس يسقي بها ... من ريقه أشهى من الكاس
ضياؤها لا شك من وجهه ... وحرها من حر أنفاسي
__________
(1) في النفح: لله ساق.
(2) في النفح: اهدى.
(3) من هنا تبتدىء النسخة التونسية.
(4) غير موجود في (ت).
(5) في الحلة: وضافوا مثال الثريا عليه.
(6) في الحلة السيراء: له.
(7) من (ت).
(8) في الاصل: أدنى، والاصلاح من الديوان.(2/36)
وقال في رصف قصيدة (1):
إليك روضة فكر جاد منبتها ... ندى يمينك لا طل ولا مطر
جعلت ذكرك في أرجائها زهرا ... وكل (2) أوقاتها للمجتني ثمر (3)
وقال يستدعي عودا للغناء:
غلب الكرى ودنت مطايا الراح ... واشتقن شدو حداتها النصاح
فابعث نشاط سؤومها وحسيرها ... بغناء حاديها أخي الافصاح
ليقيم ذاك العود من رسم السرى ... ويعود في الأجسام بالأرواح
فنسير في طرق السرور ونهتدي ... لخفيفهن بأنجم الأقداح
وقال في توديع [بعض] (4) جواريه:
ساويهم (5) والليل غفل ثوبه ... حتى تبدى (6) للنواظر معلما
فوقفت ثم مودعا وتسلمت (7) ... مني يد الاصباح تلك الأنجما
(8) ومن أشعاره في مدة أسره، واستيلاء أمير المسلمين يوسف ابن تاشفين على بلده بأسره. قال من قطعة:
أبى الدهر أن يقنى الحياء ويندما ... وأن يمحو الذنب الذي كان قدما
فإن يتلقى وجه عتبي وجهه ... بعذر يغشّي صفحتيه التذمما (9)
ستعلم بعدي من تكون سيوفه ... إلى كل صعب من مراقيك سلما
سترجع إن حاولت دوني فتكة ... بأخجل من خد المبارز أحجما
__________
(1) هذان البيتان في الحلة، ج 2ص 58وهما من القصيدة السابقة التي يستعطف بها أباه المعتضد.
(2) في الحلة: فكل.
(3) في الأصل: شجر، وفي (ت): زهر والاصلاح من الديوان.
(4) الزيادة من (ت)، والبيتان في الحلة، ج 2ص 60.
(5) في الحلة والذخيرة: سايرتهم.
(6) في الحلة: تراءى.
(7) في الحلة والذخيرة: محيرا وتسلبت.
(8) غير موجودة في (ت).
(9) هكذا ورد البيتان في الأصل، ولم نعثر عليهما في المراجع التي بين أيدينا.(2/37)
وقال من أبيات:
سلت علي يد الخطوب سيوفها ... فجذذن من جلدي الحصيف الامتنا
ضربت بها أيدي الخطوب وإنما ... ضربت رقاب الآملين بها المنى
يا آملي العادات من نفحاتنا ... كفوا فإن الدهر كف أكفنا
وكتب إلى [ابن] (1) صمادح حين سعى به إلى أمير المسلمين [بالقبائح] (2)
سعي الطاعن القادح:
يا من تمرس بي يريد مساءتي ... لا تعرضن فقد نصحت لمندم
من غره مني خلائق سهلة ... فالسم تحت ليان مس الأرقم (3)
(4) وقال من قصيدة يصف فيها [الكبل] (5):
تعطف في ساقي تعطف أرقم ... يساورها عضا بأنياب ضيغم
وإني من كان الرجال لسيبه ... ومن سيفه في جنة وجهنم
وقال:
قبح الدهر فماذا صنعا ... كلما أعطى نفيسا نزعا
قد هوى ظلما بمن عاداته ... أن ينادى كل من يهوى لعا
من إذا قيل الهوى صم وإن ... نطق العافون همسا سمعا
قل لمن يطمع في نائله ... قد أزال اليأس ذاك الطمعا
راح لا يملك إلا دعوة ... جبر الله العفاة الضيّعا
وقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... أسرّك العيد (6) في أغمات مأسورا
__________
(1) الزيادة من (ت).
(2) الزيادة من (ت).
(3) البيتان في القلائد ص 14.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) كلمة ممحوة في الأصل أكملناها من الديوان.
(6) في الذخيرة: فسامك الدهر، والأبيات في القلائد، ص 25.(2/38)
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا ... فردك الدهر منهيّا ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسرّ به ... فإنما بات بالأحلام (1) مغرورا
ومنها:
(2) أرى بناتي في أغمات من عدم ... يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
يمشين في الأرض والأقدام حافية ... وطالما وطئت مسكا وكافورا
وتعرض له ملحفو أهل الكدية، فقال (3):
سألوا اليسير (4) من الأسير وإنه ... لنوالهم لأحق منهم فاعجب (5)
لولا الحياء وعزة لخمية ... طي الحشا لحكاهم (6) في المطلب
(و) (7) كان قد أبلى بلاء حسنا عند خلعه، فأشار عليه وزراؤه بالخضوع والاستعطاف، فقال:
قالوا: الخضوع سياسة ... فليبد منك لهم خضوع
إن يسلب القوم العدى (8) ... ملكي وتسلمني الجموع
فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضلوع
كم (9) رمت يوم نزالهم ... أن لا تحصني الدروع
وبرزت ليس سوى القميص عن (10) الحشا شيء دفوع
__________
(1) في الذخيرة: بالأيام.
(2) في الذخيرة:
ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
يطان في الطين والأقدام حافية ... كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
(3) كلمة فقال: غير موجودة في (ت)، والبيتان في الحلة: ج 2ص 67.
(4) في الحلة: العسير.
(5) في الحلة ورد العجز هكذا: بسؤالهم لا حق فعجب واعجب.
(6) في الحلة: ناغاهم.
(7) من (ت).
(8) في الحلة: ان تستلب عني الدنا.
(9) في الحلة: قد.
(10) في الحلة: علي.(2/39)
أجلي تأخر لم يكن ... بهواي ذلي والخشوع (1)
ما سرت قط إلى القتال (2) ... وكان في (3) أملي الرجوع
شيم الالى أنا منهم ... والأصل تتبعه الفروع
قوله: ما سرت قط إلى القتال، البيت، من قول أحد الخوارج في وقعة قديد أيام مروان الجعدي حين تمثل:
وخارج أخرجه حب الطمع ... فر من الموت وفي الموت وقع
من كان ينوي أهله فلا رجع
(4) وقال يرثي ابنيه: الفتح ويزيد، وكانا قتلا:
يقولون: صبرا لا سبيل إلى الصبر
سأبكي وأبكي ما تطاول من (5) عمري
أفتح لقد فتحت لي باب رحمة
كما بيزيد (6) الله قد زاد في أجرى
هوى بكما المقدار عني ولم أمت
فأدعى (7) وفيا قد نكصت إلى الغدر
ولو (8) عدتما لاخترتما العود في الثرى
إذا أنتما أبصرتماني في الأسر
أبا خالد أورثتني البث (9) خالدا
أبا النصر مذ ودعت ودعني نصري (10)
__________
(1) في الديوان: والخضوع.
(2) في الحلة: الكماة.
(3) في الحلة: من.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) في الذخيرة: بي.
(6) في الذخيرة: كما يزيد.
(7) في الديوان: وأدعى.
(8) في الذخيرة: فلو.
(9) في الذخيرة: الحزن.
(10) لم يرد مما أثبته في الحلة الا هذا البيت.(2/40)
(1) وقال من قطعة يرثي فيها سعدا ابنه:
إذا كان قد أودى الزمان بمثله ... ولم يبق في عود له طمع بعد
فلا بترت بتر ولا قنيت قنا ... ولا زأرت أسد ولا صهلت جرد
ولا زال ملذوعا على سيد حشا ... ولا انفك ملطوما على ملك خد
(2) وقال من قطعة:
نار وماء صميم القلب أصلهما ... متى حوى القلب نيرانا وطوفانا
ضدان ألّف صرف الدهر بينهما ... لقد تلون في الدهر ألوانا
وفي المجموع، قال ابن اللبانة: كنت مع المعتمد بأغمات، فلما قاربت الصدر، وأزمعت السفر، صرف حيله، واستعد ما قبله، وبعث إلي مع شرف الدولة ابنه وهذا من بنيه أحسن الناس سمتا. وأكثرهم صمتا، تخجله اللفظة، وتجرحه اللحظة. حريص على طلب الأدب. شارع في اقتناء الكتب بعشرين مثقالا مرابطية، وثوبين غير مخيطين. وكتب مع ذلك أبياتا منها:
إليك النزر من كف الأسير ... وإن تقبل تكن (3) عين (4) الشكور
تقبل ما يذوب له حياء ... وإن عذرته حالات الفقير
فامتنعت من ذلك، وأجبته بأبيات منها:
تركت هواك وهو شقيق ديني ... لئن شقت برودي عن غدور (5)
ولا كنت الطليق من الرزايا ... إذا أصبحت (6) أجحف بالأسير
جذيمة أنت والزباء خانت ... وما أنا من يقصر عن قصير
__________
(1) غير موجود في (ت).
(2) غير موجود في (ت).
(3) في الأصل: تكون، والإصلاح من (ت) والديوان.
(4) في الذخيرة: خير، وفوقها كلمة (عين) بخط الناسخ دون شطب.
(5) في الذخيرة: غرور.
(6) في الذخيرة: لئن اجحفت.(2/41)
تصرف في الندى حيل المعالي ... فتسمح من قليل بالكثير
وأعجب منك أنك في ظلام ... وترفع للعفاة منار نور
رويد [ك] سوف توسعني (1) سرورا ... إذا عاد ارتقاؤك للسرير (2)
وسوف تحلني رتب المعالي ... غداة تحل في تلك القصور
تزيد على ابن مروان عطاء ... بها وأزيد ثم على جرير
تأهب ان تعود الى طلوع ... فليس (3) الخسف ملتزم البدور
واتبعتها أبياتا منها:
حاش لله أن أجيح كريما ... يتشكى فقرا وكم سد فقرا
وكفاني كلامك الرطب نيلا ... كيف ألقي درّا وأطلب تبرا
لم تمت. إنما المكارم ماتت ... لا سقى الله بعدك الأرض قطرا
وطالعت قلائد العقيان. وله في غلام رآه يوم العروبة من ثنيات الوغى طالعا، ولطلى الأبطال قارعا، وفي الدماء والغا، ولمستبشع كؤوس المنايا سائغا (4)
وهو ظبي قد فارق كناسه، وعاد أسدا صارت القنا أخياسه، ومتكاثف العجاج قد مزق [هـ] (5) إشراقه. وقلوب الدارعين قد شكتها أحداقه.
فقال:
أبصرت طوقك بين مشتجر القنا ... فبدا لطرفي أنه فلك
أو ليس وجهك فوقه قمرا ... يجلى بنيّر نوره الحلك
وله فيه:
ولما اقتحمت الوغى دارعا (6) ... وقنعت وجهك بالمغفر
حسبنا محياك شمس الضحى ... عليه (7) سحاب من العنبر
__________
(1) في (ب): تسعفني.
(2) في (ب): للسرور.
(3) في (ب) اليس:
(4) في الأصل: ولمستبشع الكرى سابغا، والإصلاح من القلائد. اما (ت) فلا توجد فيها الجملة كلها
(5) في النسختين: مزق، والإصلاح من القلائد.
(6) في الاصل جازعا، والاصلاح من الديوان.
(7) في الديوان: عليها.(2/42)
وأورد أبو الصلت في الحديقة من شعر المعتمد قوله في جارية وقفت تحجب الشمس عنه (1):
قامت تحجب ضوء الشمس (2) قامتها ... عن ناظري حجبت عن ناظر الغير
علما لعمرك منها أنها قمر ... هل تحجب الشمس الا دارة القمر
(3) وقوله في نكبته وهو في العقل وهو أحسن ما سمع فيه:
قضى وطرا من أهله كل نازح ... وكرّ يداوي علة في الجوارح
سواي فإني رهن أدهم مبهم ... سبيل نجاتي آخذ بالمبارح
2 - يزيد الملقب بالراضي ولد المعتمد بن عباد
(4) قال بعد أسر والده مع أخيه، ولم ير الدعة دعي أو اخيه، علقت من المجموع: كان لا يشرب، وبلغه أن أخاه عبد الله شرب سرورا به فكتب إليه:
أتاني من بابي لمجدك عثرة ... فدب له من كل جارحة شكر
لئن كان لي فضل فمنك استفدته ... ولولا ضياء الشمس ما بهر البدر
أتشرب في ودي المدامة سيدي ... وينساغ لي في تركها أبدا عذر
سأشربها شكرا لما ظلت موليا ... وفي مثل ذاك الود يستسهل الوزر
وقال من أبيات يصف فيها نكد (5) أيامه:
هي الدار غادرة بالرجال ... وقاطعة لحبال الوصال
__________
(1) البيتان في الحلة، ج 2ص 60.
(2) في الحلة: لتحجب ترس الشمس.
(3) غير موجودة في (ت).
(4) هذه القطعة غير موجودة في (ت).
(5) في (ت): كدر.(2/43)
يفجع منها بغير اللذيذ ... ويشرق منها بغير الزلال
ويزداد مع ذاك عشقا لها ... ألا إنما سعينا في ضلال
كمعشوقة ودها لا يدوم ... وعاشقها أبدا غير سال
(1) وقال يخاطب أباه وقد دعاه مؤنسا له، بعد وحشة تقدمت من أبيات:
الان تعود حياة الأمل ... ويدنو شفاء فؤاد معل
ويورق للعز غصن ذوى ... ويطلع للسعد نجم أفل
دعوت فطار بقلبي السرور ... إليك وإن كان منك الوجل
كما يستطيرك حب الوغى ... إليها وفيها الظبى والأسل
وليس لأنك قاسي الفؤاد ... ولكن لان اجترامي جلل
فمثلك وهو الذي لم نجده ... يعود لحلم على من جهل
فقد وعدتني سحاب الرضا ... بوابلها حين جادت بطل
(2) وقال من قصيدة في أبيه، وذكر الروم:
فإن أنته فمن جبن ومن خور ... قد ينهض الغير نحو الضيغم الضاري
ومن أنصاف الأبيات التي جاءت أمثالا، قوله:
ومن عجب شكوى الجريح إلى النصل
وأول البيت:
سأشكو إلى مشكي فؤادي بعتبه
هذا أحسن من قول المتنبي:
شكوى الجريح إلى العقبان والرخم (3)
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) غير موجودة في (ت).
(3) الديوان 4: 162وفيه الغربان «بدل العقبان».(2/44)
وقوله:
على العذب، لا الملح يخشى الأسن
ومما استخرجت من شعره من قلائد العقيان (1) أبيات له في استسعاف مقاصده، واستعطاف والده:
أعيذك أن يكون بنا خمول ... ويطلع غيرنا ولنا أفول
حنانك إن يكن جرمي قبيحا ... فإن الصفح عن جرمي جميل
ألست بفرعك الزاكي وماذا ... يرجي الفرع خانته الأصول
وكان قد وجد عليه أبوه لاشتغاله بالكتب عن الكتائب، وبمناقب الدفاتر عن مقانب العساكر، وبالعلم المسطور، عن العلم المنشور، وبالأقلام، عن الإقدام، فكتب إليه المعتمد مستعتبا، وله موبخا ومؤنبا، من أبيات (2):
الملك في طي الدفاتر ... فتخل عن قود العساكر
طف بالسرير مسلما ... وارجع لتوديع المنابر
وازحف إلى جيش المعار ... ف تقمر (3) الحبر المقامر
واضرب بسكين الدواة ... مكان ماضي الحد باتر
ومنها:
هذي المكارم قد حويت فكن لمن حاباك شاكر
واقعد فانك طاعم (4) ... كاس وقل هل من مفاخر
فكتب إليه ولده الراضي مسترضيا، وعن عتابه مستعفيا، من قصيدة:
مولاي قد أصبحت هاجر ... لجميع (5) ما تحوي الدفاتر
وفللت سكين الدواة ... وظلت للأقلام كاسر
__________
(1) القلائد: ص 36.
(2) القلائد: ص 38.
(3) في القلائد تقهر.
(4) مستوحى من قول الحطيئة: واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
(5) في القلائد: كافر بجميع.(2/45)
وعلمت أن الملك ما ... بين الأسنة والبواتر
والمجد (1) والعلياء في ... ضرب العساكر بالعساكر
لا ضرب أقوال باقوال ضعيفات المكاسر
قد كنت أحسب من سيفا ... هـ أنها أصل المفاخر
فإذا بها فرع لها ... والجهل للإنسان غادر
ومقطعها:
هبني أسأت كما أسأت ... أما لهذا العتب آخر
(2) ومن شعره، نقلت من مجموع للقاضي الرشيد بن الزبير:
مرّوا بنا أصلا من غير ميعاد ... فأوقدوا نار شوقي أي إيقاد
لا غرو إن زاد في وجدي مرورهم ... فرؤية الماء تذكي غلة الصادي
(3) وله يستعطف أباه من قصيدة:
سجية ذي الدنيا عداوة ذي الفضل ... ورومك قتل الطبع من أعظم الجهل
ويقول فيها:
لك الخير لم أعلم بأنك منكر ... إذا الشمس آذتتي فررت (4) إلى الظل
لعمري لقد (5) كنت الجدير برأفة (6) ... لديك فهذا الفرع من ذلك الأصل
ومنها البيت السائر الذي سبق ذكره:
سأشكو إلى مشكي فؤادي بعتبه ... ومن عجب شكوى الجريح إلى النصل
__________
(1) في (ت): فالمجد.
(2) غير موجودة في (ت) وهي في القلائد، ص 37.
(3) غير موجودة في (ت) وهي في الحلة ج 2ص 73.
(4) في الحلة: فرارى.
(5) في الحلة: لئن.
(6) في الحلة: بزلفة.(2/46)
(1) وله:
يحل زمان المرء ما هو عاقد ... ويسهر في إهلاكه وهو راقد
ويغري بأهل الفضل حتى كأنهم ... جناة ذنوب وهو للكل حاقد
وله:
يا قمرا أصبح لي مالكا ... لا تتركني هكذا هالكا
رق على قلب العميد الذي ... يود لو يجري على بالكا
حسنت في خلق وخلق فلم ... رضيت بالقبح لأفعالكا
وله:
غصن من التبر فوقه ورق ... كأنه الصبح تحته شفق
يا أبدع الناس في محاسنه ... رق على من أذابه الأرق
مددت كفي رجاء رأفتكم (2) ... لا تتركوني ينالني الغرق
بحر دموعي مغرق جسدي ... تداركوا مهجتي وبي رمق
3 - أخوه الرشيد أبو الحسين عبد الله بن المعتمد بن عباد
أورده الرشيد بن الزبير في مجموعه، وله شعر لا يبلغ درجة أخيه فيه (3). فمن ذلك قوله:
أريد تفرجا عند الرواح ... ومد العين في خضر البطاح
فقد صدئت من الأحزان (4) نفسي ... وليس جلاؤها غير المراح
فلا تتوانيا عني وهبّا ... إليّ هبوب أنفاس الرياح
__________
(1) غير موجودة في (ت) وهي في الحلة 2ص 74.
(2) في الأصل: رددت كفي رجاء رقتكم، وما أثبتناه من (ت).
(3) ساقطة من (ت).
(4) في (ت): الأقداح.(2/47)
أدير عليكما الأكواس تحوي (1) ... لذيذ الراح بالماء القراح
على عود يرن كما أرنت ... فصاح الورق في فلق الصباح
4 - أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون القرطبي، وزير آل عباد، والمتقدم فيهم. له إلى عباد والد المعتمد مع باكورة [تفاح خدمه بها] (2):
يا من تزينت الرثا ... سة حين ألبس ثوبها
جاءتك جامدة المدا ... م فخذ عليها ذوبها
وكتب إليه أيضا مع تفاح أنفذه، وكان عباد قد ترك الشرب (3):
جاءتك وافدة الشمول ... في المنظر الحسن الجميل
لم تحظ ذائبة لديك ولم تنل حظ القبول
لهجرتها صفراء في ... بيضاء، هاجرها قليل
الكأس من رأد الضحى ... والراح من طفل الأصيل
آثرت عائدة التقى ... ورغبت في الأجر الجزيل
يروى من قول كسرى: لست أدري هل التفاح خمر جامد، أم الخمر تفاح ذائب، أخذه الخليع: فقال:
الراح تفاح جرى ذائبا ... كذلك التفاح راح جمد
فاشرب على جامده ذوبه (4) ... ولا تدع لذة يوم لغد
__________
(1) في الأصل: تجرى، وما أثبتناه من (ت).
(2) الزيادة من (ت): والبيتان في الديوان ص 91.
(3) الأبيات في الديوان، ص 165.
(4) من (ت)، وفي الأصل: جامد ذا ذوب ذا.(2/48)
من هذا ابن زيدون.
وللسري الرفا:
وقد أضاءت نجوم مجلسنا ... حتى اكتسى غرة وأوضاحا
لو جمدت راحنا اغتدت ذهبا ... أو ذاب تفاحنا اغتدى راحا
وللصنوبري:
من ينس، لا أنس اتصال زماننا ... ويد الزمان على السعود مساعده (1)
إذ تجتلى راح كورد ذائب ... أو يجتنى ورد كراح جامده
ومن شعر ابن زيدون في الغزل:
ما للمدام تديرها عيناك ... فيميل في نشواتها عطفاك (2)
هلا مزجت لعاشقيك سلافها ... ببرود ظلمك أو بعذب لماك
بل ما عليك وقد محضت لك الهوى ... في أن أفوز بحظوة المسواك
ناهيك ظلما أن أضربي الصدى ... برحا ونال الريّ (3) عود أراك
إن تألفي سنة النؤوم خلية ... فلطالما نافرت في ذكراك (4)
أو تحتبي بالهجر في نادي القلى ... فلكم حللت إلى الوصال حباك
أما منى نفسي فأنت جميعها ... يا ليتني أصبحت بعض مناك
يدنو بوصلك حين شط مزاره ... [وهم] (5) أكاد به أقبل فاك
(6) ومما أورده أبو الصلت في الحديقة من شعر ابن زيدون قوله في الاعتذار والاستعطاف:
ما للذنوب التي جاني (7) كبائرها ... غيري يحملني أوزارها وزري
من لم أزل من تأنيه على ثقة ... ولم أبت من تجنيه على حذر
__________
(1) في: (ت): ويد السعود على الزمان.
(2) في الديوان: فيميل في سكر الصبا عطفاك.
(3) في الديوان: البرء.
(4) في الديوان: نافرت في كراك.
(5) الزيادة من الديوان.
(6) غير موجودة في (ت).
(7) في الأصل: جاءت والإصلاح من الديوان.(2/49)
الكاظم الغيظ ينتاب الضمير له ... لولا الاناة سقاه من دم هدر
لا تله عني فلم أسألك معتسفا ... رد الصبا غب (1) إيفاء على الكبر
هبني جهلت، وكان الجهل (2) سيئة ... لا عذر منها سوى أني من البشر
إن السيادة بالإغضاء لابسة ... بهاءها، وبهاء الخود (3) في الخفر
(4) وقوله في الشفاعة:
واشفع فللشافع نعمى بما ... سناه من عقد وثيق النواح
إن سحاب الجو (5) منها الحيا ... والشكر (6) في تأليفها للرياح
(7) وقال ابن زيدون:
ما بال خدك لا يزال مضرجا ... يدم ولحظك لا يزال مريبا
لو شئت ما عذبت مهجة عاشق ... مستعذب في حبك التعذيبا
ولزرته ما عدته إن الهوى ... مرض يكون له الوصال طبيبا
(8) وقال:
متى أخفي الغرام يصفه جسمي ... بألسنة الضنى الخرس الفصاح
فلو أن الثياب نزعن (9) عني ... خفيت خفاء خصرك في الوشاح
وقال (10):
يا قمرا مطلعه المغرب ... قد ضاق بي في حبك المذهب
__________
(1) في الديوان: بعد.
(2) في الديوان: فكان العلق.
(3) في الديوان: الحسن.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) في الديوان: الافق.
(6) في الديوان: والحمد.
(7) غير موجودة في (ت).
(8) غير موجودة في (ت).
(9) في الديوان: فحضن.
(10) غير موجودة في (ت)، والأبيات في الديوان ص 269.(2/50)
وإن من أعجب ما مر بي ... أن عذابي فيك مستعذب
ألزمتني الذنب الذي جئته ... صدقت فاصفح أيها المذنب
وقال (1):
وبنفسي وإن أضر بنفسي ... قمر لا ينال منه السرار
جال ماء النعيم منه بخد ... فيه للمستشف نور ونار
متجنّ، يحلو تجنيه عندي ... فهو يجني ومني الاعتذار
وقال (2):
[وقا] طعا (3) صلتي من غير ما سبب ... تالله إنك عن روحي لمسؤول
[ما] (4) شئت فاصنعه كل منك محتمل ... والذنب مغتفر [والعذر] (5) مقبول
لو كنت حظي لم أطلب به بدلا ... أو نلت منك الرضا لم يبق مأمول
وقال (6):
كم نظرة لك في عيني علمت بها ... يوم الزيارة أن القلب قد ذابا
قلب يطيل معاصاتي (7) لطاعتكم ... فإن أكلفه يوما سلوة يابى
ما توبتي بنصوح في (8) محبتكم ... لا عذب الله إلا عاشقا تابا
وقال (9):
ودع الصبر محب (10) ودعك ... ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) غير موجودة في (ت).
(3) محو بالاصل، أكملناه من الديوان، والبيت معطوف على ما قبله.
(4) محو بالاصل، أكملناه من الديوان.
(5) في الأصل: والذنب، والإصلاح من الديوان.
(6) غير موجودة في (ت)، والأبيات في الديوان ص 276.
(7) في الديوان: مقاماتي.
(8) في الديوان: من.
(9) غير موجودة في (ت)، والأبيات في الديوان، ص 12.
(10) في الأصل: محبا، وهو خطا من الناسخ.(2/51)
يا أخا البدر سناء وسنى ... حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك
وقال (1):
بيني وبينك ما لو شئت لم يضع
سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع
يا بائعا حظه مني ولو بذلت
لي الحياة بحظي منه لم أبع
ته، احتمل، واستطل، اصبر، وعز، أهن
وول، أقبل، وقل، اسمع، ومر، أطع
هذا أحسن ما سمع في هذا الباب، لأجل ذكر الجواب، فإن الشعراء قد أكثروا ولكنه ادعاء (2) مجرد. ولأبي الفرج الأصفهاني (3):
يا فرجة الهم بعد اليأس من فرج
يا فرحة الامن بعد الخوف والوهل
اسلم، ودم، وابق، واملك، وانم، واسم، ورد
وأعط، وامنع، وضر، وانفع، وصل، وصل
وللمتني:
أقل، أنل، اقطع، احمل، عل، سل، أعد
زد، هش، بش، تفضل، ادن، سرّ، صل (4)
والأصل في ذلك قول [أبي] (5) العميثل في عبد الله بن طاهر:
أصدق وعف وجد وانصف واحتمل ... واصفح ودار وكاف واحلم واشجع
__________
(1) غير موجودة في (ت)، والابيات في الديوان ص 279.
(2) في الأصل: دعاء.
(3) ارشاد الاريب ج 13ص 134.
(4) الديوان ج 3ص 85.
(5) في الأصل العميثل، والزيادة من وفيات الاعيان ج 2ص 275.(2/52)
ومن شعر أبي الوليد في المديح والعتاب والشكر والاستعطاف، وغير ذلك، قال:
وطاعة أمرك فرض أرا ... هـ من كل مفترض أوكدا
هي الشرع أصبح دين الضمير ... فلو قد عصاك لقد ألحدا
(1) ومن أبيات كتب بها إلى المعتمد أيضا:
يا ندى يمنى أبي القاسم عم (2) ... يا سنا شمس المحيا أشمس
وارتشف معسول ثغر أشنب ... تحتسيه من مجاج (3) ألعس
وقال من أبيات (4):
مهما امتدحت سواك قبل فإنما ... مدحي إلى مدحي لك استطراد
تغشى الميادين الفوارس حقبة ... كيما يعلمها النزال طراد
وقال من أبيات في محمد بن جهور (5):
هو الدهر مهما أحسن الفعل مرة
فعن خطأ لكن إساءته عمد
حذارك أن تغتر منه بجانب
ففي كل واد من نوائبه سعد
كرام يمد الراغبون أكفهم
إلى أبحر منهم لها باللهى مد
ولولا السراة الصيد من آل جهور
لا عوز من يعدى عليه ومن يعدو
__________
(1) انفردت بهما (ت)، وهما موجودان في الديوان.
(2) في الديوان: غم.
(3) من القلائد وفي (ت) والديوان عجاج.
(4) غير موجودتين في (ت) وهما من قصيدة طويلة يمدح بها المعتضد بالله (الديوان 215197).
(5) غير موجودة في (ت).(2/53)
هم النفر البيض الذين وجوههم
تروق (1) فتستشفي بها الأعين الرمد
أمثلي غفل خامل الذكر ضائع
ضياع الحسام العضب أصدأه الغمد
أنا السيف لا ينبو مع الضرب (2) غربه
إذا ما نبا السيف الذي طبع (3) الهند
لعمرك ما للمال أسعى فإنما
يرى المال أسنى حظه الطمع (4) الوغد
ولكن بحال (5) إن لبست جمالها
كسوتك ثوب النصح أعلامه الحمد
(6) وقال في وصف خالع للطاعة (7):
ضلالا لمفتون سموت بحاله ... إلى أن بدت بين الفراقد فرقدا
رأى حطّا أولى به فأحطها (8) ... حضيضا بكفران الصنيعة أوهدا
فذل (9) وقد أوطيته (10) شبح السهى ... وضل وقد لقيته قبس الهدى
فما آثر الأولى ولا قلد الحجى ... ولا شكر النعمى ولا حفظ اليدا
__________
(1) في الأصل: يرون، والإصلاح من الديوان.
(2) في الديوان: الهز.
(3) في الديوان: تطبع.
(4) في الديوان: الطبع.
(5) في الديوان: تحال.
(6) هذه القطعة غير موجودة في (ت).
(7) في الديوان: (قالها في مدح المعتضد، وهي قصيدة طويلة 223216).
(8) في الديوان: فاحلها.
(9) في الديوان: فزل.
(10) في الديوان: امطيته.(2/54)
رأى أنه أضحى (1) هزبرا مصمما ... فلم يعد أن أمسى (2) ظليما مشردا
يود (3) إذا ما جنه الليل أنه ... أقام عليه آخر الدهر سرمدا
(4) وقال (5):
تحييني بريحان التحفّي ... وتصبحني معتقة السماح
فها أنا قد ثملت من الأيادي ... إذ اتصل اغتباقي (6) باصطباحي
وقال (7):
وصلنا فقبلنا الندى منك في يد (8) ... بها يتلف المال الجسيم ويخلف
لقد جدت حتى ما بنفس خصاصة ... وأمّنت حتى ما بقلب تخوف
أفدت (9) بهيم الحال مني غرة ... يقابلها طرف الحسود فيطرف
وقال (10):
بني جهور أنتم سماء رئاسة ... مناقبكم في أفقها أنجم زهر
طريقتكم مثلى وهديكم رضا ... ومذهبكم قصد ونائلكم غمر (11)
وكم سائل بالغيب عنهم أجبته ... هناك الأيادي الشفع والسؤدد الوتر
عطاء ولا منّ وحكم ولا هوى ... وحلم ولا عجز وعز ولا كبر
__________
(1) في الأصل: اضحى به، وهي زيادة ظاهرة.
(2) في الأصل: اضحى، والاصلاح من الديوان.
(3) في الديوان: دهاه.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) من قصيدة في مدح المعتضد، الديوان / 165158.
(6) في الديوان: في اصطباحي.
(7) من قصيدة في ولادة. (القلائد / 78) (والديوان / 3323).
(8) في الأصل: الندى في يد، والإصلاح من القلائد.
(9) في الأصل: اقتدت، والإصلاح من الديوان. وفي القلائد: أعدت.
(10) من قصيدة في مدح ابن جهور. الديوان. 176174.
(11) في الديوان: ونائلكم غمر، ومذهبكم قصر.(2/55)
وقال في أبي الحزم بن جهور حين حبسه (1):
بني جهور أحرقتم بجفائكم ... ضميري (2) فما بال المدائح تعبق
تعدونني كالعنبر الورد إنما ... تطيب لكم أنفاسه حين يحرق
وفيه يقول (3):
قل للوزير وقد قطعت بمدحه ... عمري (4) فكان السجن منه ثوابي
لم تعد (5) في أمري الصواب موفقا ... هذا جزاء الشاعر الكذاب
(6) وكتب إلى أبي حفص أحمد بن برد في مدة حبسه:
ما على ظني بأس ... يجرح الدهر ويأسو
ربما أشرف بالمر ... ء على الآمال ياس
ولقد ينجيك إغفا ... ل ويرديك (7) احتراس
ولكم أجدى قعود ... ولكم أكدى التماس
وكذا الحكم إذا ما ... عز ناس ذل ناس
وبنو الأيام أخيا ... ف سراة وخساس
تلبس الدنيا ولكن ... متعة ذاك اللباس
يا أبا حفص وما سا ... واك في الفهم (8) إياس
من سنا رأيك لي في ... غسق الخطب اقتباس
وودادي لك نص ... لم يخالفه القياس (9)
__________
(1) الديوان / 60.
(2) في الديوان: جناني.
(3) الديوان / 60.
(4) في الديوان: زمنا.
(5) في الديوان: لم تخط.
(6) هذه القطعة غير موجودة في (ت).
(7) في القلائد: ويؤذيك، والقصيدة في الديوان / 31.
(8) في القلائد: فهي فهم.
(9) في الديوان: قياس.(2/56)
أنا حيران وللأم ... ر وضوح والتباس
ما ترى في معشر حا ... لوا عن العهد وخاسوا
ورأوني ساريا ... يتقى منه المساس
أذؤب هامت بلحمي ... فانتهاب وانتهاس
كلهم يسال عن حا ... لي وللذئب اعتساس
إن قسا الدهر فللما ... ء من الصخر انبجاس
ولئن أمسيت محبو ... سا فللغيث احتباس
ويفت المسك في التر ... ب فيوطا ويداس
يلبد الورد السبنتى ... وله بعد افتراس
فتأمل كيف يغشى ... مقلة المجد النعاس
لا يكن عهدك وردا ... إن عهدي لك آس
وأدر ذكري كاسا ... ما امتطت كفك كاس
واغتنم صفو الليالي ... إنما العيش اختلاس
وعسى أن يسمح الده ... ر فقد طال الشماس
(1) قال. وكتب إلى عامر بن عبدوس (2):
أثرت هزبر الشرى إذ ربض ... ونبهته إذ هدا فاغتمض
وما زلت تبسط مسترسلا ... إليه يد البغي لما انقبض
حذار، حذار، فإن الكريم ... إذا سيم خسفا أبى فامتعض
وإن سكون الشجاع النهو ... س ليس بمانعه أن يعض
عبثت بشعري (3) ولم تتئب ... تعارض جوهره بالعرض
أضاقت أساليب هذا القري ... ض أم قد عفا رسمه فانقرض
لعمري لفوقت سهم النصال ... وأرسلته لو أصبت الغرض
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) الديوان 240236.
(3) في الديوان: عمدت لشعري.(2/57)
(1) وكتب إلى الملقب بالمعتضد والد المعتمد، وقد شرب دواء (2):
أحمدت عاقبة الدواء ... ونلت عافية الشفاء
وخرجت منه مثل ما ... خرج الحسام من الجلاء
وبقيت للدنيا فأنت ... دواؤها من كل داء
وورثت أعمار العدى ... وقسمتها في الأولياء
يا خير من ركب الجوا ... د (3) وسار في ظل اللواء
بشراك عقبى صحة ... تجري إلى غير انتهاء
وبقيت مفديا بنا ... إن نحن جزنا في الفداء
وكتب إلى أبي المعالي بن عامر يستدعيه (4):
أبا المعالي نحن في راحة ... فانقل إلينا القدم العاليه
أنت الذي لو تشترى ساعة ... منه بدهر لم تكن غاليه
وقال في هجاء رجل كان في (5) عينه فص:
محضت في استه الأيور حليبا ... فعلت عينه من الزبد نقطه (6)
ولآخر كان في عينه فص وعلى محبوبه خال، وهو أبو الحسن بن منصور الديلمي:
لست آسى لفقد إنسان عيني ... وجميع الجمال في معتاضه
وحبيبي من مقلتي أخذ الخا ... ل وأعطى سوادها من بياضه
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) الديوان / 77.
(3) في الديوان: الجياد.
(4) الديوان / 59.
(5) في (ت): على.
(6) البيت غير موجود في الديوان.(2/58)
(1) وقال ابن زيدون في المعتمد بعد المعتضد من قصيدة طويلة جميلة:
وإذا غصون المكرمات (2) تهدلت ... كان الهديل ثناؤك المترنم
الفجر ثغر عن حفاظك باسم ... والمجد برد من وفائك معلم
ومن شعره في قلائد العقيان قوله (3):
يا مستخفا بعاشقيه ... ومستغشا لناصحيه
ومن أطاع الوشاة فينا ... حتى أطعنا السلو فيه
الحمد لله إذ أراني (4) ... تكذيب ما كنت تدعيه
من قبل أن يهزم التسلي ... ويغلب الشوق ما يليه
وقوله (5):
أيوحشني الزمان وأنت أنسي ... ويظلم لي (6) النهار وأنت شمسي
وأغرس في محبتك الأماني ... فاجني الموت من ثمرات غرسي
لقد جازيت غدرا عن وفائي ... وبعت مودتي [ظلما] (7) ببخس
ولو أن الزمان أطاع حكمي ... فديتك من مكارهه بنفسي
وقوله (8):
ولقد شكوتك بالضمير إلى الهوى ... ودعوت من حنق عليك فأمّنا
منّيت نفسي من صفائك ضلة ... ولقد تغر المرء بارقة المنى
وقوله يتغزل ويمدح المعتضد وفي آخرها ثلاثة أبيات سبق ذكرها:
أما في نسيم الريح عرف يعرف (9) ... لنا هل لذات الوقف بالجزع موقف
__________
(1) الديوان / 191.
(2) في الأصل: غصون البان، والإصلاح من (ت)، والديوان.
(3) غير موجودة في (ت)، وهي في قلائد العقيان / 77، وفي الديوان / 266.
(4) في الأصل: راني، والإصلاح من الديوان والقلائد.
(5) الديوان / 111، والقلائد / 77.
(6) في الأصل: بي، والإصلاح من (ت) والديوان، والقلائد.
(7) غير موجودة في الأصل، زدناها من (ت) والديوان، والقلائد.
(8) الديوان / 265، والقلائد / 78.
(9) في الديوان: معرف.(2/59)
ومنها:
ضمان علينا أن تزار ودونها
رقاق الظبى والسمهري المثقف
وقوم عدى يبدون عن صفحاتهم
وأزهرها من ظلمة الحقد أكلف
يودون لو يثني البعاد زمامنا (1)
وهيهات، ريح الشوق من ذاك أعصف
كفانا من الشوق (2) التحية خلسة
فيوميء طرف أو بنان مطرف
وإني ليستهويني البرق صبوة
إلى ثغر برق (3) إن بدا كاد يخطف
وما ولعي بالراح إلا توهما
لظلم لها كالراح إذ يترشف
[وتذكرني العقد المرن جمانه
مرنات ورق في ذرى الايك تهتف] (4)
فما قبل من أهوى طوى البدر هودج
ولا ضم (5) ريم القفر خدر مسجف
ولا قبل عباد طوى (6) البحر مجلس
ولا حمل الطود المعظم رفرف
__________
(1) في الأصل: زماننا، والإصلاح من (ت) ورواية الديوان: الوعيد زماعنا، والقلائد:
البعاد زماعنا.
(2) في الديوان والقلائد: الوصل.
(3) في القلائد والديوان: برق ثغر.
(4) هذا البيت غير موجود في الأصل، والزيادة من (ت) والديوان والقلائد.
(5) في الديوان. ولا صان.
(6) في الديوان والقلائد: حوى.(2/60)
هو الملك الجعد الذي في ظلاله
تكف صروف الحادثات وتصرف
روّيته في الحادث (1) الأدّ لحظة
وتوقيعه الجالي دجى الخطب أحرف
طلاقة وجه في مضاء كمثل ما
يروق فرند السيف والحد مرهف
على السيف من تلك الشهامة ميسم
وفي الروض من تلك الطلاقة زخرف (2)
يظن (3) الأعادي أن حزمك نائم
لقد تعد الفسل الظنون فتخلف
ومنها (4):
رأيناك في أعلى المصلى كأنما ... تطلع من محراب داوود يوسف
ولما حضرنا الأذن والدهر خادم ... تشير فيمضي والقضاء مصرف
وصلنا فقبلنا الندى (5) منك في يد ... بها يتلف المال الجسيم ويخلف
لك الخير أنّى لي بشكرك نهضة ... وكيف أؤدي شكر ما أنت مسلف
ولولاك لم يسهل من الدهر جانب ... ولا ذل منقاد ولا لان معطف
وقوله عند فراره، من محبسه وإساره، وإقامته متواريا كالقمر في سراره، وهو في قرطبة يخاطب ولادة وكانت مخصوصة منه بالمحبة، ويستنهض الأديب أبا بكر للشفاعة، ويستنزل أبا الحزم بن جهور:
__________
(1) في الأصل: الحادثات وهو زيادة من الناسخ.
(2) في النسختين: احرف، والإصلاح من الديوان والقلائد.
(3) في الديوان: أظن.
(4) في (ت) كلمة: ومنها، غير موجودة، والأبيات كما في الديوان غير متتابعة.
(5) في الأصل: الذي، والاصلاح عن (ت) والديوان والقلائد.(2/61)
شحطنا وما بالدار نأي ولا شحط
وشط بمن أهوى المزار وما شطوا
أأحبابنا ألوت بحادث عهدنا
حوادث لا عهد عليها ولا شرط
لعمركم إن الزمان الذي قضى
بتشتيت جمع الشمل منا لمشتط
وأما الكرى مذ لم أزركم فهاجر
زيارته غب وإلمامه فرط
وما شرق مقتول الجوانح بالصدى
إلى نطفة زرقاء أضمرها وقط
بأبرح من شوقي إليكم ودون ما
أدير المنى عنه القتاد (ة) والخرط
وفي الربرب الأنسي أحوى (1) كناسه
نواحي ضميري لا الكثيب ولا السقط
غريب فنون السحر (2) يرتاح درعه
متى (3) ضاق ذرعا بالذي حازه المرط
كأن فؤادي يوم أهوى مودعا
هوى خافقا منه بحيث هوى القرط
إذا ما كتاب الوجد أشكل سطره
فمن زفرتي شكل ومن عبرتي نقط
ألا هل أتى الفتيان أن فتاهم (4)
فريسة من يعدو ونهزة من يسطو
__________
(1) كلمة: احوى، ساقطة من (ت).
(2) في الديوان والقلائد: الحسن.
(3) في الأصل: صادق.
(4) في (ب): فتاتهم، والإصلاح من (ت) والديوان والقلائد.(2/62)
وأن الجواد الفائت الشأو صافن
تخوّنه شكل وأزرى به ربط
وأن الحسام العضب ثاو بجفنه
ولا (1) ذم من غربيه قدّ ولا قط
عليك أبا بكر بكرت بهمة
لها الخطر العالي وإن نالها حط
أبي بعدما هيل التراب على أبي
ورهطي فذّا (2) حين لم يبق لي رهط
لك النعمة الخضراء تندي ظلالها
علي ولا جحد لدي ولا غمط
ولولاك لم يثقب زناد قريحتي
فتلتهب (3) الظلماء من نارها سقط
ولا ألّفت أيدي الربيع أزاهرا (4)
فمن خاطري نثر ومن روضه لقط (5)
هرمت وما للشيب وخط بمفرقي
ولكن (6) لشيب الهم في كبدي وخط
وطاول سوء الحال نفسي فأذكرت (7)
من الروضة الغناء طاولها القحط
__________
(1) في الديوان والقلائد: وما.
(2) في النسختين: فداء، والإصلاح من الديوان والقلائد.
(3) في الديوان والقلائد: تنتهب.
(4) في الديوان والقلائد: بدائعي.
(5) في الديوان والقلائد: فمن خاطرى ومن زهره لقط.
(6) في الديوان: وكائن.
(7) في الأصل: فأدركت، وما أثبتناه من (ت) والديوان، والقلائد.(2/63)
مئون من الايام خمس قطعتها
أسيرا وإن لم يبد سرّ ولا قسط (1)
أتت بي كما ميط (2) الاناء من الأذى
وأذهب ما بالثوب من دنس مسط
أتدنو قطوف الجنتين لمعشر
وغايتي السدر القليل أو الخمط
وما كان ظني أن تغرني (3) المنى
وللغر في العشواء من ظنه خبط
أما وأرتني النجم موطئ أخمصي
لقد أوطأت خدي لأخمص من يخطو
ومستبطأ العتبى إذا قلت قد أتى
رضاه تمادى العتب واتصل السخط
وما زال يدنيني فيأبى قبوله
هوى سرف منه وصاغية فرط
ونظم ثناء في نظام ولائه
تحلت به الدنيا لآلئه وسط
على خصرها منه وشاح مفصل
وفي رأسها تاج وفي جيدها سمط
عدا سمعه عني واصغى إلى عدى
لهم في أديمي كلما استمكنوا عط
__________
(1) في القلائد: شد ولا ربط، ورواية الديوان: شط ولا قمط.
(2) في الديوان: ميص.
(3) في القلائد: تعربي، وفي الديوان: تغرر بي.(2/64)
يلعب ان قصروا فتلونهم ... مكامن أضعان أساودها رقط
يولّونني عرض الكراهة والقلى
وما دهرهم إلا النفاسة والعبط (1)
ولما انتحوني (2) بالتي لست أهلها
ولم يمن أمثالي بأمثالها قط
فررت فإن قالوا الفرار إرابة (3)
فقد فر موسى حين هم به القسط
وإني لراح أن تعود كدئها
لي (4) الشمة الزهراء والخلق لسط
وحلم امرىء تعفو الذنوب بعفوه (5)
وتمحى الحطايا مثل ما محي لحط
فمالك لا تحتصني بشفاعة
يلوح على دهري لميسمها عط (6)
بفي نسيم العنبر الورد ريحها (7)
إذا شعشع المسك الأحم به حلط
فإن يسعف المولى فنعمى هنيئة
لنفس (8) على نفس ألط بها ضغط
__________
(1) في الديوان: والغمط.
(2) في الديوان: وقد وسموني، وفي القلائد لما انتخوني.
(3) في الأصل: ارى به، وما أثبتناه من (ت) والديوان والقلائد.
(4) في الأصل: الى، وما أثبتناه من (ت) والديوان والقلائد.
(5) في القلائد: لعفى الذنوب لعفوه.
(6) في الديوان والقلائد: غلط.
(7) في الديوان: نفخها.
(8) في الديوان والقلائد: لنفس(2/65)
وإن يأب إلا قبص مبسوط قصد
ففي يد مولى فوقه القبض والبسط
قال يكلف (1) بولادة ويهيم، ويستضيء بنور تجليها في الليل البهيم، وكانت من الأدب والظرف (2) بحيث تختس القلوب والألباب، وتعيد الشيب إلى أخلاق الشباب. فلما يئس من لقياها (3) وحجب عنه محياها. كتب إليها (4):
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقا إليكم وما (5) جفت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تآسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت
سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
العيش طلق من تألف
ومورد (6) الهو صاف من تصافينا
وإذ غصون (7) الأنس دانية
قطوفها فجنينا منه ماشينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
من مبلغ الملبسينا بامتزاجهم
حزنا مع الدهر لا يبلى ويبلينا (8)
__________
(1) في (ت): قال كان كلف.
(2) في الأصل: والطرب، وما أثبتناه من (ت).
(3) في (ت): لقائها.
(4) القصيد كامل في الديوان / 84، والقلائد / 8381.
(5) في الديوان والقلائد: ولا جفت.
(6) في الديوان: ومربع.
(7) في الديوان: فنون.
(8) هذا البيت وما بعده هو الثالث في ترتيب الديوان.(2/66)
أن الزمان الذي ما زال يضحكنا
أنسا بقربهم (1) قد عاد يبكينا
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص فقال الدهر آمينا
فانحلّ ما كان معقودا بأنفسنا
وانبتّ ما كان موصولا بأيدينا
وقد نكون وما يخشى تفرقنا
فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
رأيا ولم نتقلد (2) غيره دينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا
إن طالما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلا
منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
ولا استفدنا خليلا عنك يشغلنا
ولا أخذنا بديلا منك يسلينا (3)
يا ساري البرق غاد القصر فاسق (4) به
من كان صرف الهوى والود يسقينا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا
من لو على البعد (5) حيا (6) كان يحيينا
__________
(1) في القلائد: بقربكم.
(2) في (ب): نتفقد.
(3) هذا البيت غير موجود في الديوان.
(4) في الديوان: واسق.
(5) في الديوان: القرب.
(6) في (ت): حتى.(2/67)
يا روضة طالما أجنت لواحظنا
وردا جلاه الصبا غضا ونسرينا
ويا حياة تملّينا (1) بزهرتها
منى ضروبا ولذات أفانينا
ويا نعيما خطرنا من غضارته
في وشي نعمى سحبنا ذيله (2) حينا
لسنا نسميك إجلالا وتكرمة
وقدرك المعتلى عن ذاك يكفينا (3)
إذا انفردت وما شوركت في صفة
فحسبنا الوصف إيضاحا وتبيينا
يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها (4)
والكوثر العذب زقوما وغسلينا
كأننا لم نبت والوصل ثالثنا
والسعد قد غض من أجفان واشينا
سران في خاطر الظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
لا غرو حين (5) ذكرنا الحزن حين نهت
عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سورا
مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
__________
(1) في النسختين: تملانا، وما أثبتناه من الديوان والقلائد.
(2) في القلائد: ذيلها.
(3) في الديوان والقلائد: يغنينا.
(4) في الديوان بدرتها.
(5) في الديوان والقلائد: في ان.(2/68)
أما هواك (1) فلم نعدل بمنهله
شربا وإن كان يروينا فيظمينا
لم نجف أفق كمال أنت كوكبه
سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيارا تجنبناك (2) عن كثب
لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حثت مشعشعة
فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا
سيما ارتياح ولا الأوتار تلهينا
فما ابتغينا (3) خليلا منك يحبسنا
ولا استعدنا حميما (4) عنك يغنينا
ولو صبا نحونا من علو مطلعه
بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينا
أبكي (5) وفاء وإن لم تبذلي صلة
فالذكر يقنعنا والطيف (6) يكفينا
دومي على العهد ما دمنا محافظة
فالحر من دان إنصافا كما دينا (7)
__________
(1) في (ت): هواكم.
(2) في الديوان: تجنبناه.
(3) في الديوان: استعفنا.
(4) في الديوان والقلائد: حبيبا.
(5) في القلائد: أولى.
(6) في النسختين: والذكر، وما أثبتناه من القلائد، أما رواية الديوان: فالطيف يقنعنا والذكر يكفينا.
(7) هذا البيت غير موجود في الأصل، والزيادة من (ت) وهو موجود في الديوان والقلائد.(2/69)
وفي الجواب متاع لو (1) شفعت به
بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت
صبابة منك (2) نخفيها (3) فتخفينا
ولما مات عباد المعتضد قربه ولده محمد المعتمد واتخذه جليسا، وأكرمه (4) أنيسا ورأى رعي مواته، وأحيى الموات من حرماته، فقال يرثيه، ويشكر ابنه:
(5) اعباد يا أوفى الملوك لقد عدا (6)
عليك زمان من سجيته الغدر
فهلا (7) عداه أن علياك حليه
وذكرك في أردان أيامه عطر
أأنفس نفس في الهوى (8) قصد الردى
وأخطر علق للهدى أفقد الدهر
إذا الموت أضحى قصر كل معمّر
فإن سواء طال أو قصر العمر
__________
(1) في الديوان: ان.
(2) في الديوان: لك.
(3) في القلائد: تخفيها.
(4) في الأصل: الزمه، وما أثبتناه من (ت).
(5) من قصيد طويل في الديوان / 148140.
(6) في القلائد: سطا.
(7) في (ب): فمهلا، والإصلاح من (ت) والديوان.
(8) كذا في الأصل وفي (ت) والديوان والقلائد: الوري.(2/70)
ومنها (1):
فهل علم الشلو المقدس أنني ... مسوغ حال ضل في كنهها الفكر
وإن مثابي (2) لم يضعه محمد ... خليفتك العدل الرضا وابنك البر
وأرغم في بري أنوف عصابة ... لقاؤهم جهم ومنظرهم شزر
إذا ما استوى في الدست عاقد حبوة ... وقام سماطا حفله فلي (3) الصدر
5 - أبو بكر محمد بن عمار وزير المعتمد ايضا
وهو وأبو الوليد بن زيدون في حسن الشعر فرسا رهان، ورضيعا لبان، وقد ذكر أكثر الأدباء بالأندلس (4) أنهما أشعر أهل عصرهما (5)، وقتله المعتمد، وكان أقوى الأسباب في قتله أنه هجاه بشعر ذكر فيه أم بنيه المعروفة بالرميكية (6) وأوله (7):
الا حي بالغرب حيا حلالا
ويقول:
تخيرتها من بنات الهجان (8) ... رميكية لا تساوي عقالا
فجاءت بكل قصير الذراع (9) ... لئيم النجارين عمّا وخالا
__________
(1) كلمة (ومنها) ساقطة من (ت).
(2) في الأصل: صباي، وفي (ت): جنابي، والديوان: متابي. والقلائد: متاتي ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) انفردت (ب) برواية: فانا الصدر.
(4) في (ت): أكثر أدباء الأندلس.
(5) في (ت): عصرنا.
(6) المعروفة بالرميكية، كلمتان ساقطتان من (ت).
(7) هذه القطعة ساقطة من (ت).
(8) في الذخيرة: الهجين.
(9) في الذخيرة: العذراء.(2/71)
ومما ينسب إليه (1):
مما يقبح عندي ذكر أندلس ... سماع مقتدر فيها ومعتمد
أسماء مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
(2) وأنشدني ببغداد محمد بن عيسى اليماني، قال أنشدني بعض المغاربة باليمن لأبي بكر بن عمار وزير الملك ابن عباد من قصيدة استوزره بسببها:
أدر الزجاجة (3) فالنسيم قد انبرى
والنجم قد صرف العنان عن السرى
والصبح قد أهدى لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرا
والروض كالحسنا كساه نوره (4) ... وشيا وقلده نداه جوهرا
أو كالغلام زها بورد رياضه ... خجلا وتاه بآسهن معذرا
روض كأن النهر فيه معصم ... صاف أطل على رداء أخضرا
إلى هاهنا أنشدنيه (5) ونقلت تمام الأبيات (6) من مجموع:
(7) وتهزه ريح الصبا فتظنه ... سيف ابن عباد يبدد عسكرا
عباد المخضر نائل كفه ... والجو قد لبس الرداء الاغبرا
أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى
من لا توازنه الجبال إذا احتبى ... من لا تابقه الرياح إذا جرى
فإذا الكتائب كالكواكب فوقهم ... من لامهم مثل السحاب كنهورا (8)
من كل أبيض قد تقلد أبيضا ... عضبا وأسمر (9) قد تقلد أسمرا
__________
(1) المعروف ان هذين البيتين منسوبان لابن رشيق، وفي بعض المصادر الأخرى للحصري الضرير.
(2) في (ت): وانشدت له، ثم يذكر الأبيات.
(3) في النفح: المدامة.
(4) في القلائد والمغرب والذخيرة والنفح: زهره.
(5) في (ت): إلى هاهنا أنشدت.
(6) في الأصل: البيوت، والإصلاح من (ت).
(7) في (ت) غير هذا الترتيب.
(8) هذا البيت ساقط من (ت).
(9) من (ت) والقلائد: وفي الأصل: فأسمر.(2/72)
ملك يروقك خلقه أو خلقه ... كالروض يحسن منظرا أو مخبرا
ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ... ونحاه لا يردون حتى يصدرا (1)
قداح زند (2) المجد لا ينفك من (3) ... نار الوغى إلا إلى نار القرى
يختار إذ (4) يهب الخريدة كاعبا ... والطرف أجرد والحسام مجوهرا
لا خلق أفرى من شفار حسامه ... إن كنت شبهت المواكب (5) أسطرا
ماض وصدر الرمح يكهم بالظبى ... ينبو (6) وأيدي الخيل تعثر في البرى
أيقنت أني من ذراه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا
وعلمت حقا (7) أن ربعي مخصب ... لما سالت (8) به الغمام الممطرا
أثمرت رمحك من رؤوس كماتهم (9) ... لما علمت الغصن يعشق مثمرا
وصبغت درعك من دماء ملوكهم (10) ... لما رأيت (11) الحسن يلبس أحمرا
نمقتها وشيا بذكرك مذهبا ... وفتقتها مسكا بحمدك أذفرا
فلئن وجدت نسيم حمدى عاطرا ... فلقد وجدت نسيم برك أعطرا
(12) وله فيه من قصيدة أنشدني البيت الأول منها أبو الحسن بن علي بن صالح الأندلسي بالعراق، وهو:
علي وإلا ما بكاء الغمائم ... وفي وإلا ما لنوح الحمائم (13)
__________
(1) هذا البيت وما بعده ترتيبه في المقطوع الثاني من (ت)، الأول، وفي القلائد، التاسع.
(2) في (ت): نار.
(3) في القلائد: عن.
(4) في الأصل: ان، وما أثبتناه من (ت)، والقلائد.
(5) في الأصل: الكواكب، وما أثبتناه من (ت) والقلائد.
(6) في الذخيرة: والظبي تبنو.
(7) في الذخيرة: جدا.
(8) في (ت): اسال.
(9) في المغرب: ملوكهم.
(10) في المغرب: كماتهم.
(11) في (ت) علمت.
(12) غير موجودة في (ت).
(13) في الذخيرة: علي والا ما نياح الحوائم ... وفي والا ما بكاء الغمائم.(2/73)
في المديح:
ملوك مناخ العز في عرصاتهم ... ومثوى المعالي بين تلك المعالم
هم البيت ما غير الهدى لبنائه ... بأس ولا غير القنا بدعائم
إذا قصر الروع الخطى نهضت بهم ... طوال العوالي في طوال المعاصم
وأيد أبت من أن تؤوب ولم تقد ... بجز النواصي أو بحزّ الغلاصم
إذا ركبوا فانظره أول طاعن ... وإن نزلوا فانظره (1) آخر طاعم
رقيق حواشي الطبع يجلو بيانه ... وجوه المعاني واضحات المباسم
ولا غروان حيتك بالطيب روضة ... سمحت لها بالعارض المتراكم
ومنها مما أورده أبو الصلت في الحديقة من مختاره:
أبى أن يراه الله إلا مقلدا ... حمالة سيف أو حمالة غارم
إذا جر أذيال الجيوش إلى العدى ... أطاعته أو جرت ذيول الهزائم
ليس يقصر هذا الترديد في الحسن والجود عن قول أبي حية النميري:
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا (2)
وفي المخالطة بين أذيال وذيول (3) إشارة لطيفة إلى تقليل عدد الممدوح، وتكثير عدد أعدائه، وذلك أمدح.
منها في وصف الفرس (4):
خذوا [بي] إن لم [تهدئوا] كل [سابح] (5)
لريح الصبا في أثره أنف راغم
من العابسات الدهم إلا التفاتة
إلى غرة أهدت له ثغر باسم
__________
(1) في الذخيرة: فارصده.
(2) في ابن قتيبة (750) وزهر الاداب (222) وسمط اللآلي (802).
(3) اشارة إلى أن ذيول جمع كثرة، واذيال من جموع القلة.
(4) هذه القطعة، ساقطة من (ت).
(5) ما بين المعقفات من الذخيرة.(2/74)
طوى بي عرض البيد فوق قوائم
توهمته (1) منهن فوق قوادم
ألا قاتل الله الجياد فإنها
نأت بي عن أرض العلا والمكارم
ومنها:
أشلب (2) ولا تنساب عبرة مشفق ... وحمص ولا تعتاد زفرة نادم
كساه (3) الحيا برد الشباب فإنها ... بلاد بها عق الشباب تمائمي
ليالي لا ألوى على رشد لائم ... عناني ولا أثنيه عن غي هائم
ومنها، مما أنشدنيه محمد اليماني، أنه أنشده بعض المغاربة في صفة النهر والروض:
أنال سهادي من عيون (4) نواعس ... وأجني عذابي من غصون نواعم
وقوم لنا (5) بالسد بين معاطف ... من النهر تنساب انسياب الأراقم
بحيث (6) اتخذنا الروض جارا تزورنا ... هداياه في أيدي الرياح النواسم
تبلغنا أنفاسه فيزيدها (7) ... بأعطر أنفاس وأذكى لناسم
تسير إلينا ثم عنا كأنها ... حواسد تمشي بيننا بالنمائم
وبتنا ولا واش نحس كأننا ... حللنا مكان السر من صدر كاتم
شعره أحق من الروض بوصفه، وأجدر بالإطراء لإطرابه، لبلاغته وسلاسته ولطفه. وقال من قطعة في مدح المعتضد عباد ويذكر فتح ابنه قرمونة وإحراقه إياها أولها (8):
__________
(1) في الذخيرة: توهمتني.
(2) شلب: مدينة غربي أشبيلية تقع على نهر يصب في المحيط الأطلسي، وفيها نشا المعتمد بن بعاد (أنظر المغرب لابن سعيد، ج 1ص 381.)
(3) في الذخيرة: كساها.
(4) في الذخيرة: عن جفون.
(5) في الذخيرة: وليل لنا.
(6) في الأصل: بحديث، وما أثبتناه من الذخيرة.
(7) في الذخيرة: يبلغنا أنفاسه فنردها.
(8) هذه القطعة في القلائد / 8987، مع زيادة وخلاف في ترتيب الأبيات.(2/75)
ألا للمعالي ما تعيد وما تبدي ... وفي الله ما تخفيه عنا وما تبدي
نوال كما اخضر العذار وفتكة ... كما خجلت من دونه صفحة الخد
[جنيت ثمار النصر طيبة الجنى ... ولا شجر غير المثقفة الملد] (1)
وقلدت أجياد الربى رائق الحلى ... ولا درر غير المطهمة الجرد
بكل فتى عاري الأشاجع لابس ... إلى غمرات الموت محكمة السرد
ومنها [في ذكر ابنه] (2):
ببدر ولكن من مطالعه الوغى
وليث ولكن من براثنه الهندي
ورب ظلام سار فيه إلى العدى
ولا نجم إلا ما تطلع من غمد
أطل على قرمونة متبلجا
مع الصبح حتى قلت (3) كانا على وعد
فأرملها بالسيف ثم أعارها
من النار أثواب الحداد على الفقد
فيا حسن ذاك السيف في راحة الهدى (4)
ويا برد تلك النار في كبد المجد
هنيئا ببكر في الفتوح نكحتها
وما قبضت غير المنية في النقد (5)
__________
(1) الزيادة من (ت).
(2) الزيادة من (ت).
(3) في القلائد: قيل.
(4) في القلائد: الندى.
(5) في القلائد: من نقد.(2/76)
ومنها (1):
لقد سلكت نهج السبيل إلى الردى
ظباء دنت من غابة الأسد الورد
وأكثر ما يلهيك عن كأسك الوغى (2)
وعن نغمات العود نغمة مستجد
وما الملك إلا حلية بك حسنها
وإلا فما فضل السوار بلا زند
ما ألهب استعار استعاراته، وأثبت (3) دراري عباراته، وأحسن شعار شعره، وأقوم نظام نظمه، وما أروى رويه، وما أعطر ندنديه، وما أقوى مباني قوافيه (4) وما أحكم حكم معانيه، هذا هو السحر الحلال والنحر الحالي وأين من هذه الفوائد فرائد اللئالي، لقد أبدع صنيعا، وصنع بديعا، واخترع غرا واقترع عذرا، بل فرع سما، وهذا المعنى هو الكبريت الأحمر والاكسير المتخير، والإبريز العزيز، ودقة ذوق لا يعبر عنه البيان، ولا تعرفه إلا الأعيان، وحلاوة المذاق فوق طلاوة العيان.
وقال أيضا في عباد من قصيدة (5):
إنا عبيدك أو يقول مصدق ... الحق مذموم وأنت بخيل
أترى القبول سرت إليك بنفحة ... مما ادعته فكان منك قبول
وهل استمالك من ثنائي عاطف ... إن الكريم إلى الثناء يميل
وكتب إليه وقد أبل من علة:
الكأس ظامئة إلى يمناكا ... والروض مرتاح إلى لقياكا
__________
(1) بقية الأبيات ساقطة من (ت).
(2) رواية القلائد: فاكثر ما يلهيك عن كاسها الوغى.
(3) في (ت): اثقب.
(4) في الأصل: قواميه، والإصلاح من (ت).
(5) غير موجودة في (ت).(2/77)
فأدر بآفاق السرور (1) كواكبا ... تخذت أكف سقاتها أفلاكا
راحا إذا هب النسيم حسبتها ... مسروقة الأنفاس من رياكا
رد مورد اللذات عذبا صافيا ... فلقد وردت المجد قبل كذاكا
لم ترو من راح ولا من راحة ... حتى ارتوت بدم العداة قناكا
وقال من قطعة:
وعاطلة (2) من دماء (3) الحرو ... ب أطلعت رأيك فيها قمر
ولم تتقدم بجيش الرجا ... ل حتى تقدم جيش الفكر
فإن يجنك الفتح ذاك الأصيل ... فمن غرس تدبير ذاك السحر (4)
ومنها (5)
فعاقر سيفك حتى انحنى ... وعربد رمحك حتى انكسر
وكم نبت في حربهم عن علي ... وناب عن النهروان النهر
وكتب إليه من أبيات (6):
لقد فاز قدحي في هواك وقابلت
مطالع حالي من سمائك أسعد
فإن أنا لم أشكرك صادق نية (7)
تقوم عليها آية النصح تعضد
فلا صح [لي] (8) دين ولا بر مذهب
ولا كرمت نفس (9) ولا طاب مولد
__________
(1) في الذخيرة: الزجاج.
(2) في القلائد: بعاطلة.
(3) في القلائد: من ليالي.
(4) في القلائد: الشجر.
(5) كلمة: ومنها، ساقطة من (ت).
(6) غير موجودة في (ت) وهي في القلائد ص 89.
(7) في الأصل: صادف دينه، وما أثبتناه من القلائد.
(8) التكملة من القلائد.
(9) في القلائد: نفسي.(2/78)
وقال من قصيدة (1):
إني لممن [إن] دعوت لنصرة (2) ... يوما بساطا حجة وجلاد
أذكيت دونك للعدا حدق القنا ... وخصمت عنك بألسن الأغماد
(3) قيل كان استشعر من المعتمد وهرب منه، ثم رجع إليه، فغدا يسفك دمه عليه. فمما كتب إليه يستعطفه:
أأركب قصدا أم أعوج على (4) الركب
فقد صرت من أمري على مركب صعب
وأصبحت لا أدري أفي البعد راحتي
فأجعله حظي أم الحظ (5) في القرب
ومنها:
أما أنه لولا عوارفك التي
جرت في مجرى (6) الماء في الغصن الرطب
لما سمت نفسي ما أسوم من الأذى
ولا قلت: إن الذنب فيما جرى ذنبي
أخافك (7) للحق الذي لك في دمي
وأرجوك للحب الذي لك في قلبي
سأستمنح الرحمى (8) لديك ضراعة
وأسأل سقيا من تجاوزك العذب
__________
(1) غير موجودة في (ت) وهي في القلائد / 9593.
(2) في الأصل: إني لممن دعاك لنصرتي، وما أثبتناه من القلائد وفي الذخيرة:
إني لممن ان دعاك لنصره ... يوما بساطي حجة وجلاد
(3) هذه القطعة غير موجودة في (ت) وهي موجودة في القلائد ص 90و 91.
(4) في الذخيرة: مع، رواية القلائد: أأسلك قصدا أم أعوج عن الركب.
(5) في الذخيرة: الخير.
(6) في القلائد: جرت جريان.
(7) في القلائد: أهابك.
(8) في الأصل: سامنح للرحمي، وما أثبتناه من القلائد.(2/79)
فأجابه المعتمد بأبيات منها (1):
تقدم [إلى ما اعتدت] (2) عندي من الرحب
ورد تلقك العتبى حجابا عن العتب
متى تلقني تلق الذي قد بلغته (3)
صفوحا عن الجاني رؤوفا على الصحب
وما أحسن قول مهيار:
أحبك ودا من يخافك طاعة ... وأعجب شيء خيفة معها حب
وكتب إلى المعتمد في يوم غيم وقد احتجب:
تجهم وجه الأفق واعتلّت النفس ... بأن لم تلح للعين أنت ولا الشمس
فإن كان هذا منكما عن توافق ... وضمكما أنس فيهنيكما العرس
وكتب إلى أبي [القاسم] (4) محمد بن قاسم الفهري لما عاتبه حين اجتاز عليه، ولم يعرج نحوه:
لم تثن عنك عناني سلوة خطرت ... على فؤادي ولا سمعي ولا بصري
فقصرك البيت لو أني قضيت به ... حجي وكفك منه موضع الحجر (5)
لكن عدتني عنكم خجلة سلفت ... كفاني القول فيها غير معتذر (6)
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر
__________
(1) البيتان غير موجودين في القطعة التي أثبتناه في القلائد.
(2) الزيادة من الذخيرة.
(3) في الذخيرة: بلوته.
(4) الزيادة من (ت).
(5) في الذخيرة:
وقصرك البيت لواني قصدت به ... حجي ويمناك منه موضع الحجر
(6) في الذخيرة:
لكن عدت بي عنكم خجلة عرضت ... كفاني العذر فيها بيت معتذر(2/80)
(1) واجتاز على أبي بكر بن عبد العزيز ببلنسية (2) فأخرج إلى لقائه رجلا من اليهود. فقال في ذلك يعاتبه:
تناهيتم في برنا لو سمحتم ... بوجه صديق في اللقاء وسيم
وسلسلتم راح البشاشة بيننا ... فما ضر لو ساعدتم بنديم
سألتمس العذر الجميل على (3) العلى ... وأحتال للفضل (4) احتيال كريم
وأثنى على روض الطلاقة بالحيا (5) ... وإن لم أفز من نشره (6) بنسيم
ضننتم بأعلاق الرجال على النوى ... فلم تصلونا منهم بزعيم
ولكن سأستعدي الوفاء فاقتضي ... سماحك بالأنس اقتضاء غريم
وقال في فارسين تبارزا، فسبق أحدهما الآخر فطعنه، من أبيات:
كم من شجاع قدته تحت الردى ... بدم من الأوداج كالأرسان
روّى ليضرب فانتهدت بطعنه ... إن الرماح بداية الفرسان
وقال في مغن يكنى أبا الفضل. وقيل القائل غيره:
غنى أبو الفضل فقلنا له ... سبحان مخليك من الفضل
غناؤه حدّ على شربها ... فاشرب فأنت اليوم في حل (7)
ومما أورده أبو الصلت في الحديقة من شعر ابن عمار وقال:
وفيت لربك فيمن غدر ... وأنصفت دينك ممن كفر
وقمت تطالب في الناكثين ... مر الحفاظ (8) بحلو الظفر
__________
(1) هذه القطعة ساقطة من (ت) وهي في القلائد ص 90.
(2) في الأصل: بتلبسة.
(3) في القلائد والذخيرة: عن.
(4) في الذخيرة: للمجد.
(5) في الذخيرة: بالجنى.
(6) في الذخيرة: من طيبه.
(7) بهذا تنتهي مخطوطة (ت) من مختارات ابن عمار، وهي في القلائد ص 89
(8) في الأصل: الحفظ ما هو، وما أثبتناه من القلائد.(2/81)
ولم تتقدم بجيش الرجال ... حتى تقدم جيش (1) الفكر
وعاطلة من ليالي الحروب ... أطلعت رأيك فيها قمر
فإن يجنك الفتح ذاك الأصيل ... فمن غرس تدبير ذاك السحر
وقوله من أخرى:
لله درك ما تعلق ناظري ... بمدى علاك ولا جرى تحصيل
وجه بمعرفة الدلاص مقنع ... أبدا وطرف بالعجاج كحيل
ويد بآمال العفاة نهالها (2) ... أبدا وآجال العداة تسيل
عمرت ربوع المجد منها إنما ... تركت بيوت المال وهي طلول
وذكره ابن بشرون المهدوي في كتابه الموسوم ب (المختار) وقال:
كان خصيصا بالمعتمد في زمن إمارته وكلاهما نقي العذار، من ثوب الوقار، فلما صار الأمر إليه، حافظ عليه، وامتزج به امتزاج الماء بالعقار، ثم نكبه وأعطبه وآل الأمر إلى [أن] هجاه ابن عمار، وكان قد التجأ منه إلى الفرار فمن ذلك من قصيدة:
ألا حي بالغرب حيا حلالا ... أناخوا جمالا وحازوا جمالا
وعرج بيومين أم القرى ... ونم فعسى أن تراها خيالا
يومين: قرية بالأندلس كانت أولية المعتمد منها، يذكره بها، يعني ليس له قديم أصل في المملكة:
[لتسأل] (3) عن ساكنيها الرماد ... ولم أر (4) للنار فيها اشتعالا
أيا فارس الخيل (5) يا زيدها ... حميت الحمى (6) وأبحت العيالا
__________
(1) في الأصل: حتى تتقدم بجيش، وسبق ان اثبتها مثلما أثبتناه هنا.
(2) في الأصل: ينهانها.
(3) من الذخيرة.
(4) في الذخيرة: ولم تر.
(5) في المغرب: فيا عامر الخيل.
(6) في المغرب: منعت القرى.(2/82)
أراك تورّي بحب النسا ... وقدما عهدتك تهوى الرجالا
تخيّرتها من بنات الهجان (1) ... رميكية لا تساوى عقالا
فجاءت بكل قصير الذراع (2) ... لئيم النجارين عما وخالا
بصفر الوجوه كأن استها ... رماهم فجاءوا (3) حيارى كسالى
قصار القدود ولكنهم ... أقاموا عليها قرونا طوالا
6 - المعتصم أبو يحي [محمد] بن معن ابن محمد بن صمادح، صاحب المريّة وبجانة والصّماد حيّة
كان في عصر ابن عمّار، وسمعت الأمير نجم الدين أبا محمد بن فضال ينشد أبياتا كتبها أبو بكر ابن عمار إليه في جواب أبيات كتبها ابن صمادح، ويستحسنها، ويطرب بها.
فأمّا أبيات ابن صمادح فهي معاتبة:
وزهّدني في الناس معرفتي بهم
وطول اختباري صاحبا بعد صاحب
فلم ترني (4) الأيّام خلّا تسرّني
مباديه (5) إلّا ساءني في العواقب
ولا قلت أرجوه لدفع ملمّة
من الدّهر إلّا كان إحدى النّوائب (6)
__________
(1) في الذخيرة: الهجين.
(2) في الذخيرة: العذار.
(3) في الذخيرة: رمتهم إليك.
(4) في (ت): تؤتني.
(5) في (ت): بواديه.
(6) في القلائد: المصائب، والبيت غير موجود في (ت).(2/83)
والأبيات التي أجاب (1) المعتصم ابن عمّار بها (2):
فديتك لا تزهد وثمّ (3) بقيّة
سيرغب فيها عند وقع التّجارب
وأبق على الخلصان إنّ لديهم
على البدء كرّات بحسن العواقب
تكنّفتني بالنظم والنثر عاتبا (4)
وسقت عليّ القول من كلّ جانب
وقد كان لي لو شئت ردّ وإنما
أجرّ لساني ذكر (5) تلك المواهب
ولا بدّ من شكوى ولو بتنفّس
يخفّف (6) من حرّ الحشا والتّرائب
كتبت على رسمي وبعد نسيئة
قرأت جوابي في (7) سطور المواكب
ثلاثة أبيات وهيهات إنّما
بعثت إلى حربي ثلاث كتائب
وكيف يلذّ العيش في عتب (8) سيّد
وما لذّ لي يوما على عتب صاحب
__________
(1) في النسختين: أجابه.
(2) كلمة: بها، غير موجودة في (ت).
(3) في القلائد: فثم.
(4) في القلائد: جاهدا.
(5) في القلائد: بعض، وهذا البيت ساقط من (ت).
(6) في القلائد: يبرد.
(7) في القلائد: من.
(8) في الأصل: كتب، وما أثبتناه من القلائد.(2/84)
(1) وقبل جرت عن بعض كتبي جفوة
ألحّت على وجهي بغمز الحواجب
سلكت سبيلي للزّيارة إثرها (2)
فصادفت (3) دفعا في صدور الرّكائب
وما كنت مرتادا ولكن لنفحة
تعوّدت من ريحان تلك الضّرائب
ولو لمعت لي من سمائك برقة
ركبت إلى مغناك هوج الجنائب
فقبّلت من يمناك أعذب مورد
وقضّيت من لقياك أوكد واجب
وأبت خفيف الظهر (4) إلّا من النّوى
وخلّفت للعافي ثقال الحقائب
سواك لغا (5) قول الوشاة من العدى
وغيرك يقضي بالظنون الكواذب
وقال أبو يحي بن صمادح في بركة بناها بالصمادحيّة:
كأنّ انسياب الماء في صفحاتها ... حسام صقيل المتن سلّ من الغمد
تفور به فوّارة مستديرة ... لها مقلة زرقاء موصولة السّهد
أدرنا بها كأسا كأنّ حبابها ... حباب سقيط الطّلّ في ورق الورد
لها في غدير الماء لألاء جمرة ... حكت نار إبراهيم في اللون والبرد
__________
(1) من هنا إلى تمام الستة أبيات غير موجودة في (ت).
(2) في القلائد: قبلها.
(3) في القلائد: فقابلت.
(4) في الأصل: الدهر، وما أثبتناه من القلائد.
(5) في القلائد: يعي.(2/85)
مأخوذ من قول ابن المعتز:
ومشمولة قد طال بالنقص حينما (1) ... حكت نار إبراهيم في اللون والبرد
حططنا إلى خمّارها بعد هجعة ... رحّال مطايا لم تزل فوقها (2) تحدي
وأحسن ما قيل في الفوّارة قول علي بن الجهم (3):
وفوّارة ثأرها في السماء ... فليست تقصر عن ثارها
تردّ على المزن ما أنزلت ... على الأرض من صوب مدرارها
وذكر مؤلف كتاب قلائد العقيان المعتصم بن صمادح، فأكثر له الممادح، وذكر أنّ دولته [كانت] (4) منبعا للجود، ومطلعا للسعود، ومشرعا للوفود، ووصفه برواج بضائع الرجاء في سوقه، وإنارة مطالع الفضلاء بشروقه، واتّساق نظام نفائس الأفاضل، واتّساع مجالي مجالس الأماثل، وتحلّي الساعات بمذاكرة الفضل، وتخلّي الأوقات عن مساورة الجهل، وتحلّي الساعات بمذاكرة الفضل، وتخلّي الأوقات عن مساورة الجهل، وكان متنقّلا من مدارسة إلى مؤانسة، ومن مذاكرة إلى معاشرة، وهو من مغنى أدب، إلى مثوى طرب، لم يزاحم مليكا على ملكه، ولم ينظر إلّا في إجراء فلكه، وإرساء فلكه، حتى قصد، وبالنّوائب أرصد، ونوزل وقوتل، وطالت عليه الطوائل، وغالته الغوائل فقضى نحبه، وما قضى حبه، وفاضت نفسه مضضا، وزاده إحداق الأعداء به على مرضه مرضا.
وقال وهو متوجّع مضطجع، وقد علا منهم (5) الصوت: نغّص علينا كل شيء حتّى الموت، ورمق (6) بطرفه الكليل، حظيّة له قد أخذت في البكاء والعويل، فقال:
ترفّق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل
__________
(1) في الديوان (بالقفص حبسها).
(2) في الديوان «يومها»
(3) تقدم ذلك في قسم شعراء المغرب 1ص 340.
(4) الزيادة من (ت).
(5) في الأصل: مرهم، وفي (ت): من هم.
(6) في (ت): ونظر.(2/86)
(1) قال: وكتب ابن عمّار إليه بعد أن أقام عنده طويلا [راجيا] (2)
إذنا يجد فيه إلى الانصراف سبيلا:
يا واضحا وضح السّحاب الجود ... في معنى السماح (3)
ومطابقا يأتي وجوه ... البرّ (4) من طرق المزاح
أسرفت في بر الضيا (5) ... ف فجد قليلا (6) بالسراح
فأجابه:
يا فاضلا في شكره ... أصل المساء مع الصباح
هلا رفقت بمهجتي ... عند التكلم (7) بالسّراح
إنّ السماح ببعدكم ... والله ليس من السّماح
وقال ابن صمادح في صفة نهر:
انظر إلى حسن هذا الماء في صببه ... كأنّه أرقم قد جدّ في هربه
وقال، وأراد الركرب إلى وجهة، والهبوب في نزهة، فأخبر بوفاة حظيّة له معشوقة، بالمقة مرموقة، فلم يثن عنانه، ولم يعطّل لسانه، وقال في ذلك:
لمّا غدا القلب مفجوعا بأسوده ... وفضّ كل ختام عن (8) عزائمه
ركبت ظهر جوادي كي أسلّيه ... وقلت للسّيف كن لي من (9) تمائمه
__________
(1) من هنا إلى قوله: وقال أبو يحي بن صمادح، غير موجود في (ت).
(2) في الحلة واثقا.
(3) ورد هذا البيت في القلائد هكذا:
يا واضحا فضح السحا ... ب يجود في معنى السماح
وفي المغرب هكذا:
يا واضحا فضح السحا ... ب الجون في معنى السماح
(4) في المغرب والحلة السيراء: الجد.
(5) في الحلة: الضيوف.
(6) في الحلة: فجد قليلا في السراح.
(7) في الحلة: في السراح.
(8) في الحلة: من.
(9) في الحلة: كن في تمائمه، والإصلاح من القلائد.(2/87)
قال، وتذكّر في بعض منتزهاته حظيّة، فهزّه الشوق إليها فكتب على جناح طائر تحيّة:
وحمّلت ذات الطوق مني تحيّة ... تكون على أفق المرية مجمرا
قرأت في تاريخ الأندلس الذي صنّفه بعض أهل العصر، وهو محمد بن أيوب بن غالب (1) الأنصاري للملك الناصر بمصر في سنة ثمان وستين وخمسمائة يذكر أن أبا يحي محمد بن معن بن محمد بن صمادح لمّا حوصر بالمرية. وحاصر [هـ] جيش أمير المسلمين كان مريضا، واشتدت حاله، فسمع يوما صيحة ففتح عينيه وقال: نغّص علينا حتى الموت، ومات في إثر ذلك عند طلوع الشمس من يوم الخميس لثمان بقين من ربيع الأوّل سنة أربع [وثمانين] وأربعمائة. قال أبو يحي بن صمادح:
مؤلّف من خلاف قلبه حجر ... وجسمه نعمة تدميه أنفاسي
وكلّما أتمنّى قربه جعلت ... مطامعي فيه تهوي بي إلى ياسي
وقال [أيضا] (2):
يا من بجسمي لبعده سقم ... ما فيه (3) غير الدنوّ يبريني
بين جفوني والنوم معترك ... تصغر عنه حروب صفّين
إن كان صرف الزمان أبعدني ... عنك فطيف الخيال يدنيني
وقال (4):
بأبي من زارني وهنا وقد ... طبّق الأفق دجاه فأنارا
وعلى يمناه كأس أنبتت ... من سناها فوق يسراه [احمرارا] (5)
واكتسى (6) فبدا ... منه ماء جامد يحمل نارا
__________
(1) أنظر الاعلان للسخاوي ص 618وفيه (أبو غالب الغرناطي).
(2) الزيادة من (ت).
(3) في الوفيات: منه.
(4) هذه القطعة غير موجودة في (ت).
(5) كلمة غير واضحة في الأصل ولعل الصواب ما أثبتناه.
(6) مكان كلمتين غير واضحتين في الأصل.(2/88)
وقال:
لعمرك إن القلب نحوك شيّق ... وأنت بما ألقى من الشوق أعلم
فودّك عن ودّي إليك مبلّغ ... وقلبك عن قلبي لديك مترجم
هذا من قول المتنبي:
ومثلك من كان الوسيط فؤاده ... فكلّمه عنّي ولم أتكلّم
وقال ابن صمادح:
الرّوض يشرب والأنواء تنسكب ... والشمس تظهر أحيانا وتحتجب
وللنهار على أفنانه زهر ... كأنّه فضّة من فوقها ذهب
7 - أبو جعفر ابنه (1)
قال:
كتبت وقلبي ذو اشتياق ووحشة ... ولو أنه يسطيع مرّ يسلّم
جعلت سواد العين فيه مداده ... وأبيضه طرسا وأقبلت ألثم
خيّل لي أني أقبّل موضعا ... يصافحه ذاك البنان المكرّم
وهذا من قول أبي إسحاق الصّابي:
لمّا وضعت صحيفتي ... في بطن كفّ رسولها
قبّلتها لتمسها ... يمناك عند وصولها
وتودّ عيني أنها ... قرنت (2) ببعض فصولها
حتى ترى من (3) وجهك الميمون غاية سولها
__________
(1) من هنا إلى ترجمة (ابن وهبون) مفقود من (ت).
(2) في إرشاد الأريب: اقترفت.
(3) في إرشاد الاريب: في.(2/89)
8 - أبو القاسم الأسعد بن إبراهيم
وقد ذاب كحل اللّيل في دمع فجره ... إلى أن تبدّى الصبح كاللّمة الشمطا
كأنّ الدّجى جيش من الزّنج نافر ... وقد أرسل الإصباح في إثره القبطا
ومنها:
إذا سار، سار الجود تحت لوائه ... فليس يحطّ المجد إلّا إذا حطّا
وقال في غلام مجدور، عن لسانه:
من رأى (1) الورد تحت قطر نداه ... لم يعب فوق وجنتي جدريّا
أنا شمس أردت في الأرض مشيا ... فنثرت النجوم فوقي حليّا
وقال:
لبسوا من الزّرد المضاعف نسجه ... ماء طفت للبيض منه حباب
صفّ كحاشية الرّداء يؤمّه ... صفّ القنا فكأنّه هدّاب
وقال:
رأيت ليوسف في بيته ... فخربه الله بين البيوت
حصير صلاة علاه (2) الغبار ... وقد نسجت فوقه العنكبوت
فقلت له كم لهذا (3) الحصير ... وكم لك لم تقرّ فيه القنوت
فقال هنالك ألقيته ... وثمّ يكون إلى أن أموت (4)
وأورد أبو الصلت في الحديقة:
نشوان لا أدري، وقد وافى بنا ... أمن الملاحة أم من الجريال
تتنفّس الصّهباء في لهواته ... كتنفّس الريحان في الآصال
وكأنّما الخيلان في وجناته ... ساعات هجر في زمان وصال (4)
__________
(1) في الأصل: ارى والإصلاح من الذخيرة ومسالك الأبصار.
(2) في الذخيرة: عليه.
(3) في الذخيرة: لذاك.
(4) علق صاحب مسالك الأبصار على المقطوعتين في نسبتهما للأسعد بن إبراهيم أو ابنه حسب الاختلاف في ذلك بين صاحب العلم وصاحب الذخيرة (150/ ب).(2/90)
9 - ابن المرعز [ى] (1) النصراني
قال يصف كلب [ة] صيد:
لم أر ملهى لذي اقتناص ... ومكسبا مقنع الحريص (2)
كمثل خطلاء (3) ذات جيد ... أتلع مصفرة (4) القميص (5)
كالقوس في شكلها ولكن ... تنفذ كالسّهم للقنيص
محبوكة الظهر لم تجبه ... لجوف (6) بطن لها خميص
ومنها في المدح:
يشفع تأميله (7) بود ... شفع القياسات بالنّصوص
وقال:
الله أكبر أنت بدر طالع ... والنقع داجن والكماة نجوم
والجرد أفلاك وأنت مديرها ... وعدوّك الغاوي وهنّ رجوم
وقال في قوم بات عندهم فلم يوقدوا عندهم سراجا:
نزلت في آل مكحول وضيفهم ... كنازل بين سمع الأرض والبصر
لا تستضيء بضوء في بيوتهم ... لو لم يكن لك تطفيل على القمر
وقال يصف قصيدة:
أنطقتني بالندى حتى سرى نفسي ... كما تنفّس في الأنداء ريحان
وغاص في بحر نعماك المحيطة بي ... فهذه درر منه ومرجان
__________
(1) في الأصل: المرعز، والاصلاح من المغرب ج 2691.
(2) في المغرب: ومقنع الكاسب الحريص.
(3) في النفح «خطار» ج 5، ص 66.
(4) في النفح «في صفرة».
(5) في المغرب: اغيد تبرية القميص.
(6) في الأصل: لخوف.
(7) في النفح «تنويله».(2/91)
10 - أبو عبد الله محمد بن خلصة الكفيف النحوي، الضّرير
ذكره أبو الصّلت. قال من قصيدة لا يخلو بيت من تجنيس:
ألفى عذاب الهوى عذبا فآلفه ... فما يصيخ إلى عذر ولا عذل
يا دمع بثّ كمين البثّ قد تركت ... كلّا عليك هواها ربّة الكلل
لا أوسع العين عذرا أو تسيل دما ... أو مدامعها سيلت فلم تسل (1)
ومنها:
ملك تملك حرّ المدح (2) لا يده ... مالت بظلم وما مالت إلى بخل (3)
مهذّب الجدّ ماضي الحدّ مضطلع ... بما تحمله العلياء من ثقل
ومنها:
أغرّ لا رأيه (4) يخشى له أبدا ... خلف ولا رأيه يؤتى من الزلل
قد جاوزت نطق الجوزاء همّته ... قدما (5) وما زحلت عن مرتقى زحل
يأبى له أن يحل الذّمّ ساحته ... ما صدّ من جلل أو سدّ من خلل
رحب الفناء زعيم بالغناء إذا ... ما افترّت الحرب عن أنيابها العُصُل
تضمين من قول مسلم بن الوليد:
يأبى لك الذمّ في يوميك إن ذكرا ... عضب حسام وعضب غير مبتذل
بات الأمير إذا يفترّ عنه إذا ... ما افترّت الحرب عن أنيابها العُصُل
__________
(1) هكذا ورد هذا البيت في الأصل، ولا يخفى ما في وزنه من نقص.
(2) في النفح: المجد.
(3) في النفح: نالت بظلم ولا مالت إلى البخل.
(4) في النفح: وعده.
(5) في النفح: به.(2/92)
ومن قصيدة ابن خلصة:
والبيض تسقي ثراهم من دمائهم ... وبلا وتنشىء لمع البرق في القلل
يغرّهم بك والآمال كاذبة ... ما جمّعوا لك من خيل ومن خول
ومنها:
مكّنت حزمك من حيزوم مكرهم ... وقد تصاد أسود الغيل بالغيل
لم تدر قبلك عين أنها بصرت ... بالبرّ والبحر والرّثبال في رجل
ليث الضّراب ولكن من ضرائبه ... دفع المخوف وأمن الخائف الوجل
أمّا قول مسلم فإنه في غاية الصّنعة والإحكام والجودة والرفعة، فإنه طابق بين الخوف والأمن في اللّفظ والمعنى، وقوله خوف المخيف (؟) في غاية الحسن. وأما ابن خلصة فقابل الدفع بالأمن وما بينهما مقابلة، ودفع المخوف هو من الخائف.
ومن قصيدة ابن خلصة:
أيا حيا قبل الإمحال نائله ... ما لي أرى سبلا قد حاد عن سبلي
وما يقصّر عن علمي ولا فهمي ... عن همّتي فاختبر إن شئت أو فسل
خدمتكم ليكون الدّهر من خدمي ... فما أحالته عن حالاته (1) حيلي
إن لم تكن بك حالاتي (2) مبدّلة ... فما انتفاعي بعلم الحال والبدل
وقال يشير إلى علمه بالنحو:
مليك إذا ألهى الملوك عن اللهى ... خمار وخمر فارق الدلّ والدّنّا
فلم تثنه الأوتار أوتار قينة ... إذا ما دعاه السيف لم يثنه المثنى
فلو جاد بالدنيا وعاد لضعفها (3) ... لظنّ من استصغاره أنّه ضنّا
فلا عتب (4) في إنعامه غير أنه ... إذا منّ لم يتبع مواهبه منّا
__________
(1) في المغرب: عن أحواله.
(2) في المغرب والنفح: ان لم تكن بكم حالي مبدلة.
(3) ورد صدر هذا البيت في النفح هكذا: لو جاد بالدنيا وثنى لضعفها.
(4) في النفح: ولا عيب.(2/93)
ولأبي الفرج الإصبهاني:
وردنا ذراه (1) مقترين فراشنا ... وردنا حياه مجدبين فأخصبنا
ولمّا انتجعنا لائذين بظلّه ... أعان وما عنّى ومنّ وما منّا
ولا طعن في إقدامه غير أنه ... لبوس إلى حاجاته الضرب والطّعنا (2)
وللمتنبي:
وإنّا إذا ما الموت صرّح في الوغى ... لبسنا إلى حاجاتنا الطّعن والضربا
وأمدح من هذا قول مهيار:
لمّا رأوك تفرّقت أرواحهم ... فكأنما عرفتك قبل الأعين
فإذا أردت بأن تفلّ كتيبة ... لاقيتها فتسمّ فيها واكتن (3)
قال ابن خلصة:
لئن وردت من لفظها المنهل العذبا ... لقد جرّدت من لحظها المنصل العضبا
وقالوا كساك الحبّ أثواب ذلّة ... وهل ممكن أن أجمع العزّ والحبّا
أبا حسن أحسنت أيام ساءني ... زماني وكنت الخصب قد عاقب الجدبا
فأوليتني مرعى من الفضل ممرعا ... وأوردتني شربا رويت به شربا
وقال:
لا يردّ البكا عليك الذي فات ... فلا يعط دمعك المسؤولا
والمسرات والملمات ... أقدار وما أنت قادر أن تحيلا
سلّم الأمر إنما الأمر ... لله وكن قابلا تكن مقبولا
وقال من أخرى:
تمنّى الأعادي والغرور مناهم ... فكانوا كمن ظن السراب شرابا
وقد غشيت أمّ اللهيم حصونهم ... بأدهم يكسي الشمس منه ضبابا
كأن على جسم الصباح ملاءة ... به وعلى وجه النهار نقابا
__________
(1) في الأصل: وراه، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) هذا البيت تابع لابن خلصة.
(3) في البيت كلمات غير واضحة في الاصل أصلحناها من الديوان ج 4ص 32.(2/94)
خميس يعجّ الجوّ خوف عجاجه ... ملأت الفلا تبّا به وتبابا
فمن أشقر يحكي صفاء مشقر ... وأشهب مختال يخال شهابا
رماهم بها شهّاد أندية العلا ... وإن عاب لم تعد الذوابل عابا
11 - ابن وهبون
هو أبو محمد (1) عبد الجليل بن وهبون المرستي.
(2) قال في ابن عبّاد من قصيدة، يصف فيها ركوبه البحر يوم نكبته وإخراجه:
كأنّما البحر عين أنت ناظرها ... وكل شطّ بأشخاص الورى شفر
شبّه الشطّ والناس قيام عليه (3) للانتظار بشفر العين وأهدابها (4)
ولأبي اسحاق بن خفاجة المغربي:
وغدت تحفّ به الغصون كأنها ... هدب تحفّ بمقلة زرقاء (5)
ومن هذا الباب قول الأسعد بن إبراهيم: وقد سبق:
صفّ كحاشية الرّداء يؤمّه ... صفّ القنا فكأنّه هدّاب
وقال، وقد أنشد ابن عبّاد:
لئن جاد شعر ابن الحسين فإنّما ... تجيد العطايا واللهى تفتح اللها
تنبّأ عجبا بالقريض ولو درى ... بأنك ترويه (6) إذن لتألّها
فأمر له بمائتي دينار.
__________
(1) في الأصل: ابن عبد الجليل، والإصلاح من (ت) والقلائد.
(2) غير موجودة في (ت).
(3) في الأصل: عليها.
(4) في الأصل: واهدابه.
(5) الديوان، ص 12.
(6) في مسالك الأبصار: تروي شعره.(2/95)
وقال ابن وهبون في الغزل (1):
زعموا العزال حكاه قلت لهم نعم ... في صدّه عن عاشقيه وهجره
قالوا الهلال شبيهه فأجبتهم ... إن كان قيس إلى قلامة ظفره
وكذا يقولون المدام كريقه ... يا رب لا علموا مذاقة ثغره
وقال من قصيدة يرثي ابن عمّار لما قتله المعتمد (2)
عجبا له أبكيه ملء مدامعي ... وأقول لا سلمت يمين القاتل
وذكر [هـ] مؤلف قلائد العقيان في الشعراء المجيدين، والفضلاء المفيدين وكان بينه وبين ابن عمار، ما أوجب إعلاقه بدولته وإلحاقه بحملته ومما أورده من شعره قوله (3):
سقى فسقى الله الزمان مراجله ... بكأسين من لميائه وعفاره
وحيّى فحيّ الله دهرا أتى به ... بآسين من ريحه وعذاره
وقوله وقد ركب زورقا في نهر إشبيلية وبين أيديهم شمعتان قد انعكس شعاعهما في [اللّجّة] (4) ورد في تلك الهجة، فقال (5):
كأنّما الشمعتان إذ سمتا ... خد (6) غلام محسن الغيد
وفي حشا النّهر من شعاعهما ... طريق نار الهوى إلى كبدي
وقوله:
غرال يستطاب الموت فيه ... ويعذب في محاسنه العذاب
يقبّله اللثام هوى وشوقا ... ويجني روض خدّيه النّقاب
__________
(1) كلمة: في الغزل، ساقطة من (ت).
(2) غير موجودة في (ت).
(3) غير موجودة في (ت).
(4) التكملة من القلائد.
(5) غير موجودة في (ت).
(6) في القلائد: جيد(2/96)
ووصفه مؤلف قلائد العقيان بالاستهتار بالغلمان، والاشتهار بهذا الشان، حتى صار ممقوتا بسبب ذلك مهجورا عليه محجورا، وله في غلام كان يشاربه، وقد تكلّل بدرّ العرق شاربه.
وشادن قد كساه الرّوض حلّته ... يستوقف العين بين الغصن والكثب
مموّه الحسن لم يعدم مقبّله ... في خدّه رونقا من ذلك الشّنب
تدعو إلى حبّه لمياء كلّلها ... زبرجد النّبت يجلو لؤلؤ الحبب
وله في قينة (1):
إني لأسمع شدوا لا أحقّقه ... وربما كذبت في سمعها الأذن
متى رأى أحد قبلي مطوّقة ... إذا تغنّت بلحن جاوب الفنن
وله في حبيب ودّعه، وسار عنه، وخلّف قلبه معه:
إن سرت عنك ففي يديك قيادي ... أو بنت منك فما يبين فؤادي
صيّرت فكري في بعادك مؤنسي ... وجعلت لحظي من وداعك زادي
وعليّ أن أذري دموعي إن أنا ... أبصرت شبهك في سبيل بعادي
كم في طريقي من قضيب يانع ... أبكي عليه ومن صباح باد (2)
تلقاك في طي النّسيم تحيّتي ... ويصوب في ديم الغمام ودادي
وله، وقد اجتاز، على فرن، ومعه رجل من إشبيلية يسمّى «ربيعا»، فقال له: صف هذا الفرن. فقال (3):
ربّ فرن رأيته يتلظّى (4) ... وربيع مخالطي وعقيدي
قال: شبّهه (5)، قلت صدر حسود ... خالطته مكارم المحسود
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) البيتان الأخيران، ساقطان من (ت).
(3) غير موجودة في (ت).
(4) في الأصل: صدر البيت غير واضح، اصلحناه من القلائد ومسالك الأبصار.
(5) في القلائد: قال شبه، فقلت الخ(2/97)
وله، وقد ساير غلاما وسيما من أولاد الوزراء ذوي الجلال، وقد وضع يمناه في شماله والناس ينظرون إلى هلال شوّال (1):
يا هلال استتر (2) بوجهك عنّا (3) ... إن مولاك قابض بشمالي
هبك تحكي سناه خدا بخدّ ... قم فجئنا لقدّه بمثال
وقال (4):
بأبي (5) سكيران اللواحظ ما رنا ... إلا وأسكر كل قلب صاح
أمل من الآمال أهيف أحور ... خلعت عليه لطافة الارواح
متجنّد جعل الفؤاد وطيئه ... ولحاظه بدلا من الأرماح
علمته سفك الدماء بمهجتي ... وتركته يجني بغير جناح
وله من أبيات (6):
بيني وبين الليالي همّة جلل ... لو نالها البدر لاستخذى لها زحل
سراب كلّ يباب عندها شنب ... وهول كل ظلام عند [ها] كحل
من أين أبخس لا في ساعدي قصر ... عن المعالي (7) ولا في مقولي خطل
ذنبي إلى الدّهر فلتكره سجيّته (8) ... ذنب الحسام إذا ما أحجم البطل
ومنها:
جيش فوارسه، بيض كأنصله ... وخيله كالق [نا عسّالة ذبل] (9)
أشباه ما اعتقلوه من ذوابلهم ... فالحرب جاهلة من منهم الأسل
يمشي على الأرض منهم كل ذي مرح ... كأنّما التّيه في أعطافه كسل
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) في الأصل: استر، والإصلاح من القلائد.
(3) في القلائد: عني.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) في القلائد: اهوى.
(6) غير موجودة في (ت).
(7) في الذخيرة: المساعي.
(8) في الذخيرة: ان ابدى تعنته.
(9) محو بالأصل، أكملناه من القلائد ومسالك الأبصار.(2/98)
وأورد أبو الصّلت في الحديقة لعبد الجليل بن وهبون من قصيدة يمدح ابن عبّاد، ويذكر ثباته يوم الوقعة بين جيوش المسلمين والروم بالموضع المعروف بالزّلاقة من عمل بطليوس، وقد كان طعن فرسه وكبا به، فقدّم إليه بعض من ثبت معه فرسا فركبه.
من قصيدة:
وقفت بحيث تلحظك العوالي ... وهنّ إلى مواردها هيام
ولم يثبت من الأشياع إلّا ... شقيقك وهو صارمك الحسام
يمان في يدي ماض يمان ... فلا نابي الغرار ولا كهام
ولم يحملك طرفك بل فؤاد ... تعوّد أن يخاض به الحمام
ثبتّ به ثبات القطب لمّا ... أدار رحاه خطب لا يرام
وعادتك الطعان فإن يخرّوا ... جوادك بالطعان فما يلام (1)
ومنها يذكر أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وبعض أصحاب ملك الروم ما تعاقدوا عليه من الثّبات (2):
دعا للحرب كل سليل حرب ... يخلّفه عن الهيجا نظام
تعرّق لحمه واخضرّ جلدا ... فهبّ مع الحسام به حسام
وجاء بعظلم (3) الصحراء لونا ... ولكن ثبت مفرقه ثغام (4)
فلم يثن القنا ما بيّتوه (5) ... وتحت النّوم بأس لا ينام
مضوا في أمرهم سحرا ودارت ... بما عقدوا من الحلف المدام
فردّوها على الشّفرات بيضا ... وحدّد في تعاطيها النّدام
__________
(1) في (ت): فما الاموا.
(2) هذه الأبيات الثمانية ساقطة من (ت).
(3) العظلم: نبات يصبغ به.
(4) جمع ثغامة: شجرة بيضاء الثمر والزهر.
(5) في الأصل: ما ببيوته، ولعل ما أثتناه أقرب للصواب.(2/99)
وما أخذتهم الأسياف لكن ... صواعق لا يبوح لها ضرام
إذا ما برقة برقت عليهم ... فإن القطر أعضاد وهام
ومنها يذكر انهزام ملك الروم تحت الظلام وتخفّفه (1) ومن بقي معه بإلقاء الدّروع:
ستسألك النّساء ولا رجال ... فحدّث ما وراءك يا عصام
وراقبها بأرضك طالعات ... كما يهدي صواعقها الغمام
جياد تستفيد الفتح منها ... ويفرق في مسارحها النّعام
أقمت لدى الوغى سوقا فخذها ... مناجزة وهوّن ما تسام
فإن شئت اللجين فثم سام ... وإن شئت النظار فثمّ حام
سيعبد بعدها الظلماء لما ... أبيح له بجانبها اكتتام
يلحظ قول المتنبي: (2)
وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبر أن المانوية تكذب
نضا أدراعه واجتاب ليلا ... يودّ لو انه في الطول عام
وليس لو ان الايم السلاح (3) ... ولكن في ضمائره احتدام (4)
وقال من قصيدة يرثي صديقا له من الكتّاب:
جهبذ قول وفارس ندس (5) ... يمضي على القصد كلّ مركوب
ترهب في كفّه يراعته ... كلّ أصمّ الكعوب مرهوب
دع قضب الخط للذي حملت ... من قصب الخط في التّجاريب
يعتقل الرجح في النديّ وما ... في كفّه منه غير أنبوب
ومنها:
بان عن الصدق والوفاء أخ ... ليس أخو صدقه بمكذوب
__________
(1) في الأصل: تخفيه.
(2) هذا التعليق والبيت بعده غير موجودين في (ت) والبيت في الديوان، ج 1ص 202.
(3) هكذا ورد هذا المصراع في الأصل، ولم نعثر عليه في المصادر التي بين أيدينا حتى نصلحه.
(4) من هنا إلى قوله: وله يذكر ركوب ابن عباد البحر المحيط، غير موجود في (ت).
(5) الندس: الفطن.(2/100)
أخذه من:
يا بدعة الأنس والنّعيم به ... أبدعت من وحشة وتعذيب
من المعزّى ولا أرى أحدا ... غير مصاب به ومنكوب
أحسن من هذا قول مهيار:
وخبّروني فقد عمّ المصاب به ... من المعزّى به حتّى أعزّيه
يا نجل يعقوب كل ذي جلد ... عليك في مثل حزن يعقوب
ليس بلاء النّفوس محتملا ... فيك ولا المبتلى كأيّوب
أغمدت دمعي عليك معترفا ... بأنّ دمعي سلاح مغلوب
وقمت أثني يديّ فوق حشا ... بسيف وجد عليك مضروب
وا حربا إذ فقدت وا حربا ... لو كان يجدي دعاء محروب
بدعة كون ونشأة بدرت ... أهمّ في صدقها بتكذيب
لبسط نور الطباع خالصه ... يجلّ عن منشأ وتركيب
() (1) نور مسقطه ... يجري من الدمع كلّ شؤبوب
أجرى لك الله صفو كوثره ... ورحمة ثرّة الشآبيب
وله يذكر ركوب ابن عبّاد البحر المحيط وعبوره من ساحل الأندلس إلى مدينة سبتة قاصدا الأمير يوسف بن تاشفين، والإستنجاد به على الروم:
أحاط جودك بالدنيا فليس له ... إلّا المحيط مثال حين يعتبر
وما حسبت بأنّ الكلّ يحمله ... بعض ولا كاملا يحويه مختصر
لم تثن عنك يدا أرجاء ضفّته ... إلا ومدّت يدا أرجاؤه الأخر
كأنّما (2) البحر عين أنت ناظرها ... وكلّ شطّ بأشخاص الورى شفر
تأتي البلاد فتندى منك أوجهها ... حتى يقول ثراها (3) هل همى المطر
__________
(1) مكان كلمتين، غير واضحتين في الأصل.
(2) في (ت): فانما.
(3) في الأصل: ثراهما.(2/101)
ما الفقر إلّا مكان لا تحلّ به ... وحيثما سرت سار البدو والحضر
الأرض دارك فاسلك حيث شئت بها ... هو المقام وإن قالوا هو السّفر
(1) وقال يتشوّق ابن عبّاد، وقد حضر بالمريّة في بعض الأعياد، والشعراء ينشدون ابن صمادح:
دنا العيد لو تدنو به كعبة المنى ... وركن المعالي من ذؤابة يعرب
فيا ويلتا (2) للشعر ترمى جماره ... ويا بعد ما بيني وبين المحصب
وله وقد ارتاض له محبوبه بعد جماحه، وأذن بعد منافرته بصلحه وصلاحه:
يا نوم عاود جفونا طالما سهرت
فإنّ باعث وجدي رقّ لي ورثى
عانقته وهلال الأفق مطّلع
فبات من كمدي (3) حيران مكترثا
أنار لحظي طريقا فوق عارضه
وكان هاروت في أثنائه نفثا
وكان للحسن سرّ فيه مكتتم
وشى به ناظري من طول ما بحثا
لام يدلّ على بلبال مبصره
ما زال يبعث وجدي كل ما انبعثا
من آل مذحج لي شخص كلفت به
لم ينقض العهد من ودّي ولا نكثا
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) في القلائد: فوا أسفا.
(3) في القلائد: فعاد من حسدي.(2/102)
وله يصف بازيا (1):
وصارم في يديك منصلت ... إن (2) كان للسيف في الوغى روح
يجتاب مما لبست ضافية ... لها على معطفيه توشيح
متّقد اللحظ من شهامته ... فالجوّ من ناظريه مجروح
والرّيح تهفو كأنّما طلبت ... سليلها في يمينك الرّيح
وله يصف حرشفة (3):
وحرشفة إن كنت ذا قدرة على ... نفوذ إلى ذاك الجنى الحلو فانفذ
كأنّي قد توّجت منها ببيضة ... وقد وضعت للصّون في جلد قنفذ
12 - أبو بكر محمد بن عبدون
قال في خمرة كانت غدوة طيّبة المذاق، ثم عادت عشيّة خلّا (4):
ألا في سبيل اللهو كاس مدامة ... أتتنا بطعم عهده غير ثائب
حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة ... وراحت كجسم الشّنفرى بعد نائب
أراد صهباء بنت بسطام. وأراد بقوله: كجسم الشّنفرى بعد نائب، قول الشنفرى:
فاسقنيها يا سواد ابن عمرو ... إن جسمي بعد خالي لخلّ
ومن هذا الأسلوب، هجو مخلد بن علي الشّامي لابن المدبّر (5):
على أبوابه من كلّ وجه ... قصدت له أخو [مرّ] ابن أدّ
يعنى: ضبّة بن أدّ.
__________
(1) هذه القطعة والتي بعدها، غير موجودتين في (ت).
(2) في القلائد: لو ورواية مسالك الأبصار: ان.
(3) يقصد سمكة صغيرة.
(4) هذه القطعة غير موجودة في (ت).
(5) في الأصل: هجو ابن المدبر المخلد بن علي السلامي، وتكملة البيت من إرشاد الاريب ج 1ص 231.(2/103)
أخو لخم أعارك منه ثوبا ... هنيئا بالقميص المستجدّ. (1)
يعني: جذاما. وجذام ولخم ابنا عمرو بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
فلو يلقى كساء أبي عبيد ... عليك لكنت أكسى من بنجد
هو عبيد بن الابرص.
أراد أبوك أمك يوم زفت ... فلم يوجد لامك بيت سعد
وزبد في الهجاء بغير دال ... أحبّ إليك من عسل بزبد (2)
أراني الله عرّك في الجعبّا ... وعينك عين بشّار بن برد
وطالعت قلائد العقيان (3) فوجدت في قسم الوزراء أبا محمد بن عبدون.
وهذا أبو محمد بن عبدون موصوف بالبيان السّحباني، والشعر الحسّاني (4)
وأثنى مؤلّف الكتاب على أدبه، ووضوح مذهبه، وذكر أنّه لما دخل آبره، حل به، وامتصّ من جناه بأعذبه، ومن جنابه بأرحبه، فلمّا أزمع الرّحلة عنه، ركب معه الوزير أبو محمد ليشيّعه، قال القيسي: وأنشدني عند توديعه:
سلام كما حيّا لزهر الرّبى عرف (5)
فلا سمع الّا ودّ لو أنّه أنف
حنيني إلى تلك السّجايا فإنّها
لآثار أعيان المساعي التي أقفو (6)
دليلي إذا ما ضلّ في المجد كوكبي
وإن لم يعقه لا غروب ولا كسف
نأى لا نأى عهد التّواصل بيننا
فجدّد به رسم التّخاطب لا يعف (7)
__________
(1) في معجم الأدباء: لك الأجد.
(2) في الأصل: عن بشار بن برد، والإصلاح من معجم الأدباء.
(3) القلائد: ص 148145.
(4) من هنا إلى آخر القصيد، غير موجود في (ت).
(5) في القلائد: يناجي منه زهر.
(6) في الأصل: أوقفوا.
(7) في الأصل: لا العفو، وفي القلائد: فمجد به رسم التواصل لا يعفو.(2/104)
وأطلعه يستام العقول كأنّما
يلاحظنا من كلّ حرف له طرف
تقابلنا منه السّطور بواسما
أثغر تقرّى عن لمى الحبر أم حرف
معان وألفاظ كما رقّ زاهر
[من الروض أو دارت معتّقة صرف
تحلّ حبى الأحلام هزّا كأنّما] (1)
لسامعها في كل جارحة عطف
يودّ بجدع الأنف شانيك أنّها (2)
لناظره كحل وفي أذنه شنف
فأنت الذي لولاه ما فاه لي فم
ولا هجست نفس ولا كتبت كفّ
نصيري أبا نصر على الدّهر لا النّوى
فمنك لنا نصر وأنت لنا كهف (3)
رحلت ولا شسعي (4) ولا مركبي معي
فلا حافر يقضي ودادي ولا خفّ
ولست على التّشييع إن شئت (5) قادرا
فلا عيشة تصفو ولا ريشة تضفو
عزيز على العليا (6) وداعك لي غدا
فلا أدمع تهمي ولا أضلع تهفو
__________
(1) التكملة من القلائد.
(2) في الأصل: لها، والإصلاح من القلائد.
(3) في الأصل: لها نصر. لها كهف، وما أثبتناه من القلائد.
(4) في الأصل: صبري، وما أثبتناه من القلائد.
(5) في القلائد: سرت.
(6) في القلائد: الدنيا.(2/105)
سأشكو إليك البين حتى رماله (؟)
ولو غيره ما ضاق عدل (1) ولا صرف
وله (2):
وما أنس ليلتنا والعنا ... ق قد مزج الكل منا بكل
إلى أن تقوّس ظهر الظلا ... م وأشمط عارضه واكتهل
ومسّ رقيق رداء النّسيم ... على عاتق الليل بعض البلل
وله:
هل تذكر العهد الذي لم أنسه ... ومودّتي مخدومة بصفاء
ومبيتنا في نهر حمص والحجى ... قد حل عقد حباه بالصّهباء
ودموع طلّ العيش تخلق أعينا ... ترنو إلينا من خدود الماء (3)
وله، والقسم الأوّل للمتوكل بن الأفطس (4):
الشعر خطّة (خسف) (5) ... لكلّ طالب عرف
للشّيخ عيبة عيب ... وللفتى ظرف ظرف
وله:
أقول لصاحبي قم لا بأمر ... تنبّه إنّ شأنك غير شأني
لعلّ الصّبح قد ولّى (6) وقامت ... على الليل النوائح بالأذان
وله:
وما أنس بين النّهر والقصر وقفة ... نشدت بها ما ضلّ من شارد الحبّ
رميت بلحظي دمية سنحت به (7) ... فلم أثنه الّا ومجروحها قلبي
__________
(1) في الأصل: صدر، وما أثبتناه من القلائد.
(2) الأبيات في القلائد، ص 166.
(3) رواية القلائد: ودموع ظل الليل تخلق اعينا ... ترنو إلينا من عيون الماء.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) في الأصل: حتف، وما أثبتناه من القلائد.
(6) هكذا في النسختين، وفي القلائد: وافي، وهو أنسب.
(7) رواية القلائد: رميت بعيني رمية جمحت بها ... فلم انته الخ.(2/106)
13 - ابن اللبانة
(هو أبو بكر محمد بن عيسى الدّاني) (1) المعروف بابن اللبانة الأندلسي (روى صاحب قلائد العقيان، ووصفه بالإجادة والإحسان، ومصنّف هذ الكتاب من أهل العصر وأفاضل هذا الزّمان) (2).
ذكر أنّ ابن اللبانة رأى أحد أبناء المعتمد وقد جلس في السوق يتعلم الصّياغة، فقال: وذلك مما أنشدنيه محمد بن عيسى اليماني عن بعض المغاربة عنه (3):
صرّفت في آلة الصّيّاغ أنملة
لم تدر إلا الندى والسيف والقلما
يد عهدتك للتّقبيل تبسطها
فتستقلّ الثّريّا أن تكون فما
للنّفخ في الصّور هول ما حكاه سوى
هول رأيتك فيه (4) تنفخ الفحما
وددت إذ نظرت عيني إليك به
لو أن عيني تشكو قبل ذاك عمى
ما حطّك الدهر لمّا حطّ عن شرف
ولا تحيّف من أخلاقك الكرما
لح في العلا كوكبا إن لم تلح قمرا
وقم بها ربوة إن لم تقم علما
__________
(1) ما بين القوسين، ساقط من (ت).
(2) ما بين القوسين، ساقط من (ت).
(3) هذه القطعة غير موجودة في القلائد.
(4) في المعجب: رأيناك فيه.(2/107)
واصبر فرّبتا (1) أحمدت عاقبة
من يلزم الصّبر يحمد غبّ ما لزما
والله لو أنصفتك الشهب لا نكسفت
ولو وفي لك دمع [الغيث] (2) لا نسجما
وكتب إلى المعتمد جوابا عن أبيات أنفذها إليه، وذلك بعد خلعه:
يروق الأماني دون لقياك خلّب ... ومشرق أفق لم تلح فيه مغرب
عدمت مرادي فيك (3) لا الماء نافع ... ولا الظّلّ ممدود ولا الروض مخصب
ولا أنا في تلك الحديقة زهرة ... ولا أنا في تلك المجرّة كوكب
سقى الله عهدا كنت صيّب عهده ... بمثل الذي قد كنت تسقي وتشرب
زمان بماء المكرمات مفضّض ... لديك ومن نار الكؤوس مذهّب
لئن فلّت الأيام منك فإنّما ... يفل من الأسياف ما كان يضرب
بعثت بها يا واحد الدّهر قطعة ... هي الماء إلّا أنّها تتلهّب
[وجئت] (4) بها في الحسن ورقاء أيكة ... ولكنّها في الدّهر عنقاء مغرب
[وقال] (5) في نكبة بني عبّاد، وموت المعتمد بأغمات:
لكلّ شيء من الأشياء ميقات
وللمنى من مناياهنّ غايات
والدهر في صبغة الحرباء منغمس
ألوان حالاته فيها استحالات
ونحن من لعب الشّطرنج في يده
وربّما قمرت بالبيدق الشّاة
__________
(1) في الأصل: فربما.
(2) من (ت)، وفي المعجب: المزن.
(3) في (ت): منك.
(4) التكملة من (ت).
(5) من (ت).(2/108)
انفض (1) يديك من الدنيا وساكنها (2)
فالأرض قد أقفرت والنّاس قد ماتوا
وقل لعالمها الأرضيّ قد كتمت
سريرة العالم العلويّ أغمات
طوت مظلتها لا بل مذلّتها
من لم تزل فوقه للعزّ رايات
من كان بين الندى والبأس أنصله
هندية وعطاياه هنيدات
وكان ملء عيان العين تبصره
وللأمانيّ في مرآه مرآة
رماه من حيث لم تستره سابغة
دهر مصيباته نبل مصيبات
له المهابات بالأرواح آخذة
وإن تكن أخذت منه المهابات
نكرت إلّا التواءات القيود (3) به
وكيف تنكر في الرّوضات حيّات (4)
وبدر سبع وسبع تستنير به الس
بع الأقاليم والسّبع السماوات
له وإن كان أخفاه السرار سنا
مثل الصباح به تجلى الدجنّات
__________
(1) في المعجب: فانقض.
(2) في النفح: وزينتها.
(3) في المعجب الا التواء للقيود.
(4) هذا البيت ساقط من (ت).(2/109)
لهفي على آل عبّاد فإنّهم
أهلّة ما لها في الأفق هالات
تمسّكت بعرى اللذّات ذاتهم
يا بئس ما جنت اللذّات والذّات
فجعت منهم بإخوان ذوي ثقة
فاتوا (1) وللدهر في الإخوان آفات
واعتضت في آخر الصحراء طائفة
لغاتهم من جميع الكتب ملغاة
بمغرب العدوة القصوى (2) دجا أملي
فهل له بديار الشرق مشكاة
وقال من أخرى في خلعهم وإخراجهم إلى البحر:
تبكي السماء بمزن (3) رائح غاد
على البهاليل من أبناء عبّاد
عرّيسة دخلتها النّائبات على
أساود منهم فيها وآساد
[وكعبة كانت الآمال تعمرها
فاليوم لا عاكف فيها ولا باد
كم من دراري سعد قد هوت ووهت] (4)
منهم وكم درر للمجد (5) أفراد
__________
(1) في (ت): ماتوا.
(2) في الأصل: الاقصى، وما أثبتناه من (ت).
(3) في المعجب: بدمع.
(4) ما بين المعقفين غير موجود في الأصل، أكملناه من (ت)، وعجز البيت الثاني يوجد في الأصل اثر البيت: عريسة دخلتها الخ يتم آخره في الهامش بنفس خط الناسخ.
(5) في المعجب: هناك من درر المجد.(2/110)
نور ونور فهذا بعد نضرته (1)
ذوى وذاك خبا من بعد إيقاد
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ
في ضمّ رحلك واجمع فضلة الزاد
ويا مؤمل واديهم لتسكنه
خفّ القطين وجفّ الزّرع بالوادي
ضللت سبل النّدى يا ابن السبيل (2) فسر
لغير قصد فما يهديك من هاد
إن يخلعوا فبنو العباس قد خلعوا
وقد خلت بعد حمص أرض بغداد
ذلّوا وكانت لهم في العزّ مرتبة
تحطّ مرتبتي عاد وشدّاد
سارت سفائنهم والنّوح يتبعها
كأنّها إبل يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع وكم حملت
تلك القطائع من أقطاع أكباد (3)
وقال من أخرى (4):
ابكوا المؤيد بالنّجيع فما قضى ... حق المكارم من بكاه بدمعه
كنّا به في روض عزّ مثمر
يجني الأماني غضة من ينعه
والآن حط لنا () (5) فكأنّما ... وقفت مجاري الرزق ساعة خلعه
__________
(1) في المعجب: بعد نغمته.
(2) في المعجب: ضلت سبيل الندى بابن السبيل.
(3) في المعجب: من قطعات أكباد، وهذا البيت، ساقط من (ت).
(4) هذه القطعة ساقطة من (ت).
(5) مكان كلمة ناقصة في الأصل.(2/111)
وقال من قصيدة يندب المعتمد، عملها بأغمات سنة خمس وثمانين وأربعمائة (أولها) (1):
تنشقّ رياحين السّلام كأنّما (2)
أفض بها مسكا عليك مختما
أفكر (3) في دهر مضى لك مشرق
فبرجع ضوء الصبح عندي مظلما
لئن عظمت فيك الرزيّة إننا
وجدناك منها في المزية أعظما
قناة سعت للطّعن حتى تقصّدت (4)
وسيف أطال الضّرب حتى تثلّما
وطود غريب في الشّواهق أمره
بنى ظله من قد بنى فتهدّما
صباحهم كنّا به نحمد السّرى
فلمّا عدمناه سرينا على عمى
وكنّا رعينا العزّ حول حماهم
فقد أجدب المرعى وقد أقفر الحمى
قصور خلت من ساكنيها فما بها (5)
سوى الأدم تمشي حول واقفة الدّمى (6)
يجيب بها (7) الهام الصّدى ولطالما
أجاب القيان الطائر المترنّما
__________
(1) هذه الكلمة ساقطة من (ت).
(2) في (ت): تنشق ريحان السلام فانما، وفي النفح: تنشق بريحان
(3) في (ت): اذكر.
(4) في النفح: تقسمت.
(5) في (ت): فانها.
(6) في الوفيات: واقعة الدمى.
(7) في (ت): به.(2/112)
كأن لم يكن فيها أنيس ولا التقى
بها الوفد جمعا والخميس عرمرما
ولا اخضرّ روض في رباها فخلته
توشّح منهم لا من النّور أنعما
ولا انعطفت فيها الغصون فعانقت
وشيجا بأيدي الدارعين مقوّما
ولا حسبت بيض الظّبى من فرندها
سوالف بات الدّرّ فيها منظّما
ولم تخفق [الرايات] (1) فيها فأشبهت (2)
قوادم طير في ذرى الجوّ حوّما
ولا جرّ منها صعدة الرمح خلفه
فتاها فقلنا: الصّلّ أتبع ضيغما
ولم يصدع النّقع المثار سنانه
كما صدع الظّلماء برق تضرّما
ولا صوّرت في جسمه الدّرع شكلها
فأشبه مما صوّرت فيه أرقما
جرى القدر الجاري إلى نقض (3) أمره
فعاد سحيلا منه ما كان مبرما
مصاب هوى بالنّيّرات من العلا
ولم يبق في أرض المكارم معلما
__________
(1) من هامش الأصل، ومن (ت).
(2) في الأصل: واشبهت.
(3) في الأصل: بعض وما أثبتناه من (ت).(2/113)
حكيت وقد فارقت ملكك مالكا
ومن ولهي أحكي عليك متمّما (1)
وإنّي على رسمي مقيم وإن أمت
سأترك للباكن رسمي موسّما (2)
بكيتك (3) حتى لم يخلّ لي البكا
دموعا بها ابكي عليك ولا دما
بكاك الحيا والريح شقّت جيوبها
عليك وناح الرّعد باسمك معلما
وحاربك الإصباح وجدا فما اهتدى
وغاض أخوك البحر غيظا فما طمى
قضى الله أن حطّوك عن متن أشقر
أشمّ وأن أمطوك أشأم أدهما
[قيودك دانت فانطلقت لقد غدت
قيودك منهم بالمكارم أرحما] (4)
عجبت لأن لان الحديد وأن قسوا
لقد كان منهم بالسّريرة أعلما
سينجيك من نجّى من الجبّ يوسفا
ويؤويك من آوى المسيح ابن مريما
ومن شعره في مدائح آل عبّاد (قال من قطعة أوّلها) (5):
ضحك الربيع بحيث تلك الأربع ... لمّا بكى للغيث فيه مدمع
__________
(1) مالك ومتمم: ابنانويرة.
(2) في (ت) ترتيب هذا البيت بعد الآتي.
(3) في (ت): ندبتك.
(4) هذا البيت ساقط في الأصل، زدناه من (ت).
(5) ما بين القوسين ساقط من (ت).(2/114)
ومنها (1):
عاطيت فيها الكأس (2) جؤذر كلّة ... يعطو بأكناف القلوب ويرتع
رقّ الصّبا في خدّه ورحيقه ... في كفّه فموشّع ومشعشع
وعلى فروع الأيك شاد يحتوي ... طربا لآخر تحتويه الأضلع
يندى له رطب الهواء فيغتدى ... ويظلّه ورق الغصون فيهجع
تخذ الأراك أريكة لمنامه ... فله على (3) الأسحار فيها مضجع
حتى إذا ما هزّه نفس الصبا ... والصبح هزّك منه شدو مبدع
وكأنّما تلك الاراكة منبر ... وكأنّه فيها خطيب مصقع
وكأنما خبر المؤيّد خبرتي ... فلسانه بالشّكر فيه يسجع
وضحت به العليا فمنهج قصدها ... منه إلى ظهر المجرّة مهيع
يندى عليك وأنت منه خائف ... وكذاك لجّ البحر مغن مفزع
فأشدّ ما تلقاه عند ليانه ... وكذا الأرقّ من الحسام الأقطع
بالله شحّ على حياتك إنّها ... سبب به تحيا البريّة أجمع
وهذا من بيت أبي فراس:
«نشدتك الله لا تسمح بنفس علا (4) ... حياة صاحبها تحيا بها أمم» (5)
ما كان أرفع موضعي إذ كان لي ... في جانب العلياء عندك موضع
أيّام أطلب ما أشاء فينقضي ... وزمان أدعو من أشاء فيسمع
أنت السّحاب على مكان ينهمي ... بالمكرمات [و] (6) عن مكان يقلع
وقال من أخرى عند دخول المعتمد لورقة (7):
تخلّلت حتى غابة الأسد الورد
وأنزلت حتى ساكن الأبلق الفرد
__________
(1) كلمة: ومنها، ساقطة من (ت).
(2) في (ت): الراح.
(3) في (ت): إلى.
(4) في الأصل: غدا.
(5) في الديوان: الامم.
(6) التكملة من (ت).
(7) غير موجودة في (ت).(2/115)
وجردت دون الدّين سيفك فانثنى
من النّصر في حلي من الدّم في غمد
بصير بأطراف المؤثّلة الشبا
سميع بآذان المسوّمة الجرد
لقد ضمّ أمر الملك حتّى كأنّه
نطاق بخصر أو سوار على زند
وحسّن طعم العيش حتّى أعاده
ألذّ من الإغفاء في عقب السّهد
وحسب الليالي أنها في زمانه
بمنزلة الخيلان في صفحة الخدّ
وجاءت به الأيّام تاجر سؤدد
يبيع نفيسات المواهب بالحمد
يغيثك في محل، يعينك في ردى
يروعك في درع، يروقك في برد
جمال وإجمال وسبق (1) وصولة
كشمس الضحى، كالمزن، كالبرق، كالرّعد
بمهجته شاد العلا ثم زادها
بناء بأبناء جحاجحة لدّ
بأربعة مثل الطّباع تركّبوا
لتعديل جسم المجد والكرم العدّ (2)
هو الشّعر من درّ رطيب نحتّه
وقد تنحت الأشعار من حجر صلد
__________
(1) في الأصل: رشيق، والإصلاح من النفح.
(2) في النفح: ذكر المجد والشرف العد.(2/116)
ولا عجب إن جئت فيه ببدعة
فما هي إلا النّار تقدح في زند
أيا معلنا لفظي ويا معليا يدي
ويا حاملا كلّي ويا حافظا عهدي
وقال من أخرى:
ومن زمته من الأيّام حادثة ... فليس غير ابن عبّاد لها وزر
ملك غدا الرزق مبعوثا على يده ... وظلّ يجري على أحكامه القدر
مقدّم السّبق يحكي في بسالته ... عمرا ولكنه في عدله عمر (1)
يجلي علينا بدورا من محاسنه ... وتستهلّ لنا من كفّه بدر
لا غرو في أن تحلّى غيرهم بعلا ... وما لهم في العلا رأي ولا نظر
فقد يسمّى سماء كلّ مرتفع ... وإنّما الفضل حيث الشمس والقمر
يا من قضى الله أنّ الأرض يملكها ... عجّل ففي كلّ قطر أنت منتظر
كلني إلى أحد الأبناء ينعشني ... ما لم يكن منك بحر فليكن نهر
قد طال بي أقطع البيداء متّصلا ... وليس يسفر عن وجه المنى سفر
كأنّما الأرض عنّي غير راضية ... فليس لي وطن فيها (2) ولا وطر
وقال من قصيدة في ابن عبّاد:
يجري النّهار إلى رضاك وليله ... وكلاهما متعاقب لا يسأم
فكانّما الإصباح تحتك أشقر ... وكأنّما الإظلام تحتك أدهم
وكأنّ خاطفة البروق قد التظت ... صفحات سيفك قد علا هن الدّم (3)
تهوى قناك الطير فهي وراءها ... تهوي لتبصر حين تطعن تطعم
والخيل كانت تستريح من السرى ... لو لم يكن فوق البسيطة مجرم
__________
(1) عمرو بن معد يكرب وعمر بن الخطاب.
(2) في المسالك: منها.
(3) في الأصل: قد علاها الدهم، الا وصلاح من (ت).(2/117)
ومنها (1):
نفر إلى ماء السماء نماهم ... نسب على أوج النجوم مخيّم
بلغت إلى السمع الأصمّ صفاتهم ... وأبان فيهنّ اللسان الأعجم
وسعودهم تثنى الاعنّة عنهم ... إن السعود كتائب لا تهزم
وقال في غلام جميل:
إن تكن تبتغي القتال فدعني ... عنك في حومة القتال [أ] حامي
خذ جناني عن جنّة ولساني ... عن سنان وخاطري عن حسام
وقال يمدح ناصر الدولة مبشر بن سليمان في ميورقة، وقد ملكها بعد المرتضى:
حنيت جوانحه على جمر الغضا ... لما رأى برقا أضاء بذي الأضى
واشتمّ في ريح الصّبا روح (2) الصّبا ... فقضى حقوق الشوق فيه بأن قضى
قالوا: الخيال حياته لو زاره ... قلت: الحقيقة قلتم لو غمضا
يهوى العقيق وساكنيه وإن يكن ... خبر العقيق وساكنيه قد انقضى
ألف السّرى وكأنّ نجما ثاقبا ... صدع الدّجى منه وبرقا مومضا
[طلب الغنى من ليله ونهاره ... فله على القمرين مال يقتضى] (3)
مهما بدت شمس يكون مذهّبا ... وإذا بدا بدر يكون مفضّضا
هذا أفاد وباد غير (4) مقصر ... جهد المقلّ بأن يموت مقوّضا
ولربّ ربّة حانة نبّهتها ... والجوّ لؤلؤ [طلّه] (5) قد رضرضا
وقد انطفت نار القرى ورعى (6) على ... مسك الدّجى مذرور كافور الغضا
__________
(1) كلمة: (ومنها) ساقطة من (ت).
(2) في القلائد: ارج.
(3) هذا البيت مفقود في الأصل، زدناه من (ت) والقلائد.
(4) في الأصل: عنه، والإصلاح من (ت) والقلائد.
(5) من (ت) والقلائد والمسالك.
(6) في القلائد والمسالك: وبقى.(2/118)
والليل قد سدى وألحم ثوبه ... والفجر يرسل فيه خيطا أبيضا
ومتى ركبت لها أعالي أيكة (1) ... نشرت جناحا للرّياح (2) معرّضا
والبحر يسكن خيفة من ناصر ... أرضى الرئاسة بعد موت المرتضى
ماء الغمائم جرعة مما سقى ... وسنا الأهلّة خلعة ممّا نضا
خفقت عليه راية وذؤابة ... فكأنّ صلّا نحو صلّ نضنضا
وقال أيضا يمدحه:
هلّا ثناك عليّ قلب مشفق ... فترى فراشا في فراش يحرق
أنت المنيّة والمنى فيك استوى ... ظلّ الغمامة والهجير المحرق
ومنها (3):
لك قدّ ذابلة الوشيج ولونها (4)
لكن سنانك أكحل لا أزرق
ويقال إنك أيكة حتى إذا
غنّيت قيل هو الحمام الأورق (5)
يا من رشقت إلى السلوّ فردّني
سبقت جفونك كلّ سهم يرشق
لو في يدي سحر وعندي أخذة (6)
لجعلت قلبك (7) بعض حين (8) يعشق
__________
(1) في النسختين: على امكية، وما أثبتناه من القلائد.
(2) في الأصل: الرياض، وما أثبتناه من القلائد.
(3) كلمة: ومنها، ساقطة من (ت).
(4) في المسالك: ولينها.
(5) هذا البيت ساقط من (ت).
(6) في المسالك: نفذة.
(7) في الأصل: لجعلت فيك حين تعشق، والإصلاح من (ت) والقلائد.
(8) في المسالك: بعض يوم.(2/119)
جسدي من الأعداء منك (1) فإنّه
لا يستبين لطرف طيف يرمق (2)
[لم يدر طيفك موضعي من مضجعي
فعذرته في أنّه لا يطرق] (3)
جفّت لديك منابتي ومدامعي (4)
فالدّمع يسبق (5) والصّبابة تورق
وكأنّ أعلام الأمير مبشّر
نشرت على قلبي فأصبح يخفق
الخيزرانة تلتظي في كفّه
والتّاج فوق جبينه يتألّق
وكأنّ صوب حيا وصعقة بارق
ما ضمّ منه نديّه والمأزق
متباعد الطرفين جود غافل
عما يحلّ به وعزم مطرق
بأس كما جمد الحديد وراءه
كرم يسيل كما يسيل الزّئبق
لا تعجب الأملاك كثرة ما لهم
النبع أصلب والأراكة أورق
ضدّان فيه لمعتف ولمعتد
السّيف يجمع والعطاء يفرّق
__________
(1) في (ت) والمعجب والقلائد: فيك.
(2) في النسختين: يطرق، وما أثبتناه من القلائد والمعجب.
(3) من (ت) والقلائد. وفي المسالك: وعذرته.
(4) في القلائد: منابعي ومنابتي.
(5) في (ت) والقلائد والمعجب: ينشع.(2/120)
وقال يمدح ناصر الدولة
بكت عند توديعي فما علم الركب
أذاك سقيط الطّلّ (1) أم لؤلؤ رطب
وتابعها سرب وإنّي لمخطىء
نجوم الدّياجي لا يقال لها سرب
لئن وقفت شمس النّهار ليوشع
لقد وقفت شمس الهوى لي والشّهب (2)
من البيض كافوريّة غير لمّة (3)
أبيحت سواد المسك فهو لها نهب (4)
وبحر سوى بحر الهوى قد ركبته
لأمر كلا البحرين مركبه صعب
له لجج خضر كما اخضرّت الرّبى
إلى أخر بيض كما ابيضّت الكثب
غريب على جنبي غراب يهزّه
بقادمتي ورقاء أوكارها شعب (5)
هوى بين عصف الريح والموج مثلما
هوى بين أضلاع المعنّى به قلب
كأنّي قذى في مقلة وهو ناظر
بها والمجاديف التي حولنا (6) هدب
__________
(1) في القلائد: الدر.
(2) في القلائد: ورد العجز هكذا: فقد وقفت شمس الهدى لي والشهب، وكلمة: الشهب، ممحوة من الأصل.
(3) اللمة: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن.
(4) كلمة: نهب، ممحوة من الأصل.
(5) هذا البيت والذي بعده مفقودان من (ت)، وقد ورد البيت في القلائد هكذا:
غريب على جنبي غراب نهوضه ... بقادمتي ورقاء مطلبها شعب
(6) في (ت) والقلائد: حولها.(2/121)
براحته بحر محيط مسخّر
يفاد الغنى فيه ولا يذعر الركب
حوى قصبات السّبق عفوا ولو سعى
لها البرق خطبا جاء من دونها يكبو
ويرتاح عند الحمد حتى كأنّه
وحاشاه نشوان يلذّ له الشّرب
لو استمطر الناس الغمام بذكره
لقام على الصلد الصفا لهم الخصب
يجود ولا يكدي وينوي فلا يني
ويقضي فلا يغضي ويمضي فلا ينبو
سألت أخاه البحر عنه فقال لي
شقيقي، إلّا أنه البارد العذب
لنا ديمتا ماء ومال فديمتي
تماسك أحيانا وديمته سكب
إذا نشأت بريّة فله النّدى
وإن نشأت بحريّة فلي السحب
أحاجيكم ما واحد يجمع الورى
ولا مرية في أنه ذلك النّدب
أقلّوا عليه من سماع صفاته
فإنّي لأخشى أن يداخله عجب
غفرت ذنوب الدّهر لمّا لقيته
ودهر به ألقاه ليس له ذنب(2/122)
وقال (1):
() (2) نحو السماء فهم ... من مائها وعلاهم من دراريها
ومنها:
() (3) بالحمد أعلاقا منظّمة ... علما بأنّك تعليها وتغليها
إذا الأمور () (4) عطلت ... فما سواك يجليها ويحكيها
كنت أعتقد أن في طبع المغاربة يباسة، يأبى لشعرهم سلاسة، حتى أنشدت شعر ابن اللبانة فحصلت من رقته ورونقه (5) باللبانة، وهو أصفى من اللبن وأحلى من الضرب، وأنفى للكرب، وأجلى للطرب.
ومما نقلته [له] (6) من قلائد العقيان في المعتد بن المعتمد في صفة نهر في بستان:
أما علم المعتدّ بالله أنني ... بحضرته في جنّة شقّها نهر
وما هو نهر أعشب النّبت حوله ... ولكنّه سيف حمائله خضر (7)
ومن شعر ابن اللبانة مما استخرجته من كتاب ابن بشرون قوله:
يوم تكاثف غيمه فكأنّه ... دون السماء دخان عود أخضر
والطلّ مثل برادة من فضّة ... منثورة في تربة من عنبر
والشمس في حجب السماء كأنّها ... حسنآ تستّر تحت كلّة تستر
__________
(1) من هنا إلى قوله: (وأجلب للطرب) ساقط من (ت).
(2) مكان كلمتين مطموستين في الأصل.
(3) مكان كلمة مطموسة في الأصل.
(4) مكان كلمتين مطموستين في الأصل.
(5) في الأصل: من رقتها ورونقها.
(6) من (ت).
(7) هذان البيتان غير موجودين في النسخ المطبوعة من القلائد.(2/123)
وقوله (1):
يوم كحاشية الرّداء المعلم ... أوفى بسرّ مسرة لم تكتم
شاهدته وكأنه من روضة ... وكأنّني من طائر مترنّم
وقوله من أخرى (2):
ترى الطلّ في () (3) مثل لؤلؤ ... ولكن تبقّى نظمه في القلائد
وتحسب في أطراف طرفائها النّدى ... بقيّة كحل في رؤوس المراود
كأنّ رياض الحزن بسط تدبّجت ... بأنواع ألوان حسان فرائد
وقوله من أخرى في صفة روض:
والورد تحت الطلّ فيها مشبه ... خدّا يذوب من الحياء فيقطر
وكأنّ نرجسها أصيب بروعتي ... فعلاه لون مثل لوني أصفر
فكأنّما الرّيحان روحي كلّما ... تتغيّر الأشياء لا تتغيّر
وقوله من قصيدة:
جزعت لهم بالجزع إذ نذروا دمي ... على نظرة كانت بغير توهّم
حموا نظري ما في الخدود من الجنى ... وقد أخذوا ما في الترائب من دمي
فردّوا عليّ الأرض حلقة خاتم ... بإعراضهم عنّي ودارة درهم (4)
وعهدي بهم () (5) الكثيب وخدرهم ... يشير بعنّاب إليّ وعندم
يساقطني درّ الحديث وذوبه ... عقيق مذاب في الدّماء من الدّم
وفود يقودون العراب وتحتهم ... كرائم من رهطي جديل وشذقم
يغير على زرق المياه وقد رنت ... إليها عيون الزّرق من كلّ لهذم
وترعى ربيعا للصوارم ... حوله رياض بما فيها من الدّهر يحتمي
__________
(21) غير موجودتين في (ت).
(3) كلمة مطموسة في الأصل.
(4) بقية الأبيات غير موجودة في (ت).
(5) كلمة ساقطة في الأصل.(2/124)
وفي سدرة الوادي من الحي شادن ... ربيب ولكن في عرينة ضيغم
يدير عليّ الرّاح من لحظ ناظر ... ويمنعنيها من ثنيّة مبسم
مشى في موشّى عبقريّ كأنّه ... طراز الصبا منه بخدّ منعّم
ومال على كافو [رة] من بنانه ... لها منبت بين الوشيج المقدّم
حبيب لو انّ الحسن شعر لما غدا ... مديح حبيب أو تغزّل مسلم
() (1) فيه أنتما من صبابتي ... ومن رميه نحوي لمقلة مرتمي (؟)
رماني بعينيه وثنّى بسهمه ... فأثبت في قلبي ثلاثة أسهم
ومنها في وصف الطّيف:
وما أنس لا أنسى الخيال الذي سرى
سرى البرق في داج من اللّيل مظلم
أتى بهديّات فما مدّ راحة
وأدّى رسالات ولم يتكلّم
لثمت الثّرى حيث استقلّت بي الخطى
فلافحني عن ردع مسك مختّم
وأمّلت تسليما عليه فقيل لي
على الشمس عن إذن الكواكب سلّم
ومنها في التخلّص للمدح:
ومن لم يسلّم في الدّيانة والدّنا
إلى ناصر الأنصار ليس بمسلم
همام تبيت المأثرات همومه
فيصبح منها بين مغنى ومغنم
__________
(1) مكان كلمة غير واضحة في الأصل.(2/125)
بعيد حدود الفضل لا صفة له
سوى أنّه من جوهر متجسّم
صفا فلو ان الشّمس تعطى شعاعه
لما احتجبت في ليل أربد أقتم
ورقّ فلولا أن فيه جزالة
من البأس لاستنشقته في التّنسّم
كأنّ سجاياه ربيع [مفوّف] (1)
تفتّح عن زهر نضير [منعّم] (2)
كأن تخاطيط الحياة بخدّه
حواشي رداء مذهب النّسج معلم
كأنّ سنا مرآه في جود كفّه
سنا الشمس () (3) في حبا الغيث ينهمي
كأنّ الذي في نوره من تلألؤ
شقيق الذي في ناره من تضرّم
كأنّ تواقيع الرّضا بعد سخطه
مواقع مزن في عواقب صيلم
كأن مذاقيه ليانا وشدّة
حلاوة شهد في مرارة علقم
كأنّ لدى هيباته وهباته
جنى جنّة محفوفة بجهنّم
__________
(1) في الأصل: فوق، ولعل ما أثبتناه أقرب للصواب.
(2) كلمة ممحوة في الأصل، عوضناها بما يقتضيه السياق.
(3) مكان كلمة مطموسة في الأصل.(2/126)
كأنّ ثبوت الراسيات ثبوته
إذا خفّ من خوف الرّدى كلّ محجم
كأنّ أديم الأرض راحة كفّه
وفي بسطها قبض على كلّ مجرم
منها:
إذا ضلّ أملاك الزمان فإنّه ... إلى رشده أهدى من اليد للفم
يزفّ إلى الأعداء من حومة الوغى ... عروس خمار عطرها عطر منشم
ويركب في أرحالهم ظهر شيظم ... فيحملهم منهم على ظهر شيهم
فيرجوه حتى الطير مما تعوّدت ... بلحم عداه مطعما بعد مطعم
نفى العدم حتى ردّ كل مكانة ... وأغرب من عنقائها شخص معدم
ومنها في وصف مراكب الغزو:
لك المنشآت الجاريات كأنها ... ضواري شواهين على الماء حوّم
فظلّت بها بين النّواظر والكرى ... فمن محرم يسري الخيال لمحرم
حمدنا لها فضل التأخّر إنّه ... يقال: يكون (1) الفضل للمتقدّم
أقامت عذاري بالعذارى حواملا ... ولم تر إلا أن تجيء بتوأم
هي الغيد وافت منك في العيد عيدها ... فمن موسم في موسم طيّ موسم
محاسن آثار () (2) لو تمثّلت ... بمثل شجي كان عدّة أرهم
وقوله من أخرى يمدحه ويهنّيه بعيد النّحر، استهلالها:
غنّته في شجر الأراك بلابل ... فتحرّكت في الصدر منه بلابل
وتذكّر العهد القديم فشاقه ... وتذكّر الأحباب شغل شاغل
أيّام للنّعمى عليه رفارف ... ولطلّ أوراق الشباب ذلاذل
والعيش يقطر نضرة فكأنّه ... خدّ به ماء الشبيبة جائل
__________
(1) في الأصل: أن يكون.
(2) مكان كلمة ساقطة في الأصل.(2/127)
والسّجف مرفوع عن القمر الذي ... قمر الدّجنّة من سناه آفل
غصن تحرّك في الحليّ وفي الحلى ... عن مائل قلبي إليه مائل
ومخيّم ببن الجوانح راحل ... تحكي سلالتهنّ لمّة راحل (؟)
وسنان ورد جماله في خدّه ... غضّ ونرجس مقلتيه ذابل
كرمت عليه لواحظي بدموعها ... ذلّا له وهو العزيز (1) الباخل
وكأنّما هي في السّماحة طيّء ... وكأنّما هو في السماحة وابل (2)
يا صاحب الحدق التي (3) قد ضمّنت ... من سحرها ما لم تضمّن بابل
ومنها المخرج إلى المدح (4):
عذلوا عليك وخنت عهد مبشّر ... إن كنت أعلم ما يقول العاذل
ملك تهلّل واستهلّ فخلته ... صبحا منيرا فيه غيث وابل
وكأنّما نور الربيع ونوره ... في الحسن أخلاق له وشمائل
وكأنّ نشر زمانه مع بشره ... بكر لأيّام الصبا وأصائل
[أغنى العفاة عن السؤال تبرّعا ... بالجود حتّى ليس يوجد سائل] (5)
وأخاف في الأجم الأسود فلم يكن ... ليصول منها في السيطة صائل
منها:
وكأنّ سطوته معاينة الرّدى ... وغرار صارمه القضاء النازل
حبك السّحاب دروعه لكن له ... فوق السحاب من الصباح غلائل
ساع بنور الهدي في صون (6) الذي ... هو للمكارم من يديه باذل
فمواطن الأقدام منه مشاعر ... ومحاسن الأفعال منه مشاغل
__________
(1) في (ت): العنيد.
(2) في (ت): في الشماخة وائل، تشبيها بكليب وائل في شموخه وعزته.
(3) في النسختين: الذي.
(4) في (ت) الخروج في المدح.
(5) هذا البيت ساقط في الأصل، زدناه من (ت).
(6) في (ت): صوب.(2/128)
لو رام (رومة) جاءه أربابها ... والبيض أغلال لهم وسلاسل
ولو الجبال يهزّها ليهد ... عادت أعاليها وهنّ أسافل
منها (1):
يعطي ويمطي العالمين، ففضّة ... أو عسجد أو سابح أو صاهل
أو ملبس نسج النعيم جلاله ... نسج الربيع وقد سقاه الهاطل (2)
وقفت عليه من النفوس بواطن ... وظواهر وأواخر وأوائل
وتجاذبته مشارق ومغارب ... فتلطّفته وسائل ورسائل
ولقلّ ذاك فإنّه القرم الذي ... شمل البريّة منه فضل شامل
لكم إذا اختصم الملوك لمفخر ... حسب يناظر عنكم ويناضل
فسخت مكارمكم مكارم غيركم ... والحقّ يفسخ ما يخطّ الباطل
أضحى بك الإضحى رياضا تجتلى ... وضح السرور به ونيل النائل
زرت المصلّى يومه في جحفل ... أعلامه للعالمين مواثل
غدر الحديد عليهم وكأنما ... بأكفّهم للمرهفات جداول
وأتاك جيشهم على الجيش الذي ... يختال بالمحمول منه الحامل
ومن الجنائب في الطريق جنائب ... حسنت فقلنا: إنّهنّ عقائل
مرحت فقلت: قطا البطاح، وربّما ... رفعت هواديها، فقلت مطائل
وقوله من قصيدة يمدحه ويصف النيروز والملاهي التي حضرت بين يديه، أوّلها (3):
عاوده الشوق وكان استراح ... وانبرت الطير تغنّي فناح (4)
ذكّره عهد الصبا (5) ساجع ... مدّ جناحا والتوى في جناح
__________
(1) كلمة: منها، ساقطة من (ت).
(2) من هذا البيت إلى آخر الفصد مفقود من (ت).
(3) من هذه القصيدة، إلى قوله: (رماني الدهر من كل النواحي)، ساقط من (ت).
(4) في المسالك: فصاح.
(5) في المسالك: ذكرني عهد اللوى.(2/129)
بلله (1) قطر الندى فاغتدى ... ينفض ريشا سندسيّ الوشاح
أورق قد أورق من تحته ... غصن رطيب فوق حقف رداح
إن ينسكب ماء الغمام اغتذى ... وإن () (2) محجره الشمس فاح
وإن سقته الريح راحا لها ... مال ونام ونشوان صاح
أعطافه تشبه أعطاف من ... راح فؤادي معه حيث راح
وزارني طيف خيال لهم ... فألحف الليل رداء الصّباح
بتّ به تحت ظلال المنى ... أشتمّ ريحانا وأستف راح
سقاني الخمرة من ريقه ... وقام لي من برد بالأقاح
يا طاعن الخيل غداة الوغى ... طاعنك النّهد فألق السّلاح (3)
فالحدق السود إليك ارتمت ... فما عسى تغنيك بيض الصّفاح
الحمد لله فإنّي امرؤ ... قد تبت إلا من وجوه الملاح
وقبلتي ناصر شرع العلا ... فوجهه وجه الهدى في البطاح
الدّيمة الوطفاء يوم النّدى ... والأسد الباسل يوم الكفاح
مغالق الأرزاق من كفّه ... قد أذن الله لها بانفتاح
ولم يضق دهر على أمّة ... إلّا أصابوا بذراه انفساح
تبصره إن هاجه صارخ ... كالحيّة انساب وكالماء ساح
منها:
موطّأ الأكناف رطب الجنى ... مقدّم السّبق معلّى القداح
من رام عن مورده مصدرا ... قالت له نعماؤه: لابراح
آلاؤه بالبشر ممزوجة ... مزج الحميّا بالزّلال القراح
تحكي لياليه بأيّامه ... خيلان (4) مسك في خدود صباح
__________
(1) في المسالك: طلله.
(2) كلمة غير واضحة في الأصل.
(3) في المسالك: الرماح.
(4) في الأصل: خلال، وما أثبتناه من المسالك.(2/130)
ينشر يوم الفخر من نفسه ... عرضا مصونا ظن مالا (1) مباح
يا مستميح المال من غارة ... وما له من كرم مستماح
لك البسيطان فمن ضمّر ... تردى ومن طير تباري الرّياح
أغربة للورق في ظهرها ... أجنحة خفّاقة بالنّجاح
منها في وصف النيروز:
يا كوكب النيروز في بهجة ... أسنى من البدر المنير اللياح
جاءت عطاياك تهادى به ... تهادي الغيد غداة اقتراح
لو أنّ لي قوة عهد الصبا ... لم أترك النيروز دون اصطباح
يوم رقيق فاتر ناظم ... كافوره فوق الرّبا والبطاح
تلعب فيه كل مياسة ... ميس غصون تحت روح الرّواح (2)
في ملتوى الأرقم في جلده ... في خيلاء الخيل عند المزاح
إن قعدت قلت ربّى في برى ... وإن مشت قلت مهى في مراح
غيداء جيداء لها معطف ... يرفل من ديباجه في اتّشاح
إنسيّة وحشيّة ركّبت ... من صورة الجدّ وشكل المزاح
ساكنة في جوفها ناطق ... ينطق عنها بمعان فصاح
كأنّما حليتها ألسن ... تملأ سمع الدّهر فيك امتداح
يخدمها كلّ كميّ له ... وجه حييّ وفؤاد وقاح
يجزع روع الروع صمصامه ... وحدّه يخرجه الالتماح
مرهفه نار وفضفاضه (3) ... ماء وبين الحالتين اصطلاح
وقوله:
تحيّيك حتّى الشّهب عنّي وقلّ لك ... فإنك نور الشّمس تجلي [لي] الحلك
أكذّب ظنّي أنني لك أرتقي ... ومن ذا الذي يرقى من الفلك الفلك
__________
(1) في الأصل: مال.
(2) في المسالك: الرياح.
(3) في الأصل: ويصف انه، والإصلاح من المسالك.(2/131)
وأعلم أني لست عندك عالما ... أفي تلك أجرى () (1) لحاظي أم ملك
لك الله حلّاك الضّحى من سمائه ... وختّمك الجوزاء والنّجم أنعلك
وبوّأك المجد الذي في جلاله ... تبوّأت من وادي المجرة منزلك
تراودك الدنيا إلى ذات نفيسها ... فلا دولة إلّا تناديك: هيت لك
قطعت إليك البحر أستصحب الصبا ... وأسلك حيث البرق في حفظه سلك
وآمل من ذاك الحجاب رفوعه ... لعلّي بعين الشّوق أن أتأمّلك
أنا العبد أهلّني إلى البشر والرضا ... لمن للمعالي والمكارم أهّلك
أقاسمك النفس التي في جوانحي ... مقاسمك المعطيك غاية ما ملك
فما اسودّ فيها من ظلام يكون لي ... وما أبيضّ فيها من ضياء يكون لك
وله في المرثية:
أصيب بفارسه الموكب ... وضاق على وسعه المذهب
وغيّب في طبقات الثّرى ... سنا واضح وجنى طيّب
ذوت زهرة من رياض الثّرى ... وغاض بأفق العلا كوكب
شباب يزفّ بريعانه ... فريع لميقاته الأشيب
وقد كان قيس بنجم الدّجى ... فلم يدر أيّهما أثقب
خلا الغاب من خير أشباله ... وزلّ بجارحه المرقب
زكت خلفا بنجيع القلوب ... عيون بأدمعها تندب
وفي أمره عجب أنّه ... بمشرقه جاءه المغرب
فخفّ وشامخه ثابت ... وجفّ [و] ريحانه مخصب
وعبّس وهو ند مشرق ... كما ضحك العارض الأشنب
سقى قبره واكف ينهمي ... وظلّله وارف يرطب
ولا برحت فوقه روضة ... بأزهار رحمته تعشب
وفي أخويه لمن يرتجي ... غياث وغيث لمن يطلب
__________
(1) مكان كلمة مفقودة في الأصل.(2/132)
() (1) إنه ساعد ... () (2) بدا أنه يركب
ومهما غدوت لنا سالما ... فلسنا نبالي بمن يذهب
ومن كنت بحرا له لم يسل ... إذا لم يسل حوله مذنب
فما ضرّ نبت زكا منسب ... لأنصاره ورقى منصب (؟)
إليك بها من بيان الضمير ... حميّك الغر لها مطلب (؟)
وعذرا فما لي من منطق ... يقول ولا من يد تكتب
وفي الفضل () (3) ... محاسن ديباجها مذهب
بقيت () (4) بقاء التي ... لسعدك تسري فما تغرب
وله يشكو:
رماني الدّهر من كلّ النّواحي ... فأثبت في مقاتلي النّبالا
وصيّرني غريبا في مكان ... به الغرباء تكتسب العيالا
وثاري ممكن عند الليالي ... ولكن قد تعذّر (5) أن ينالا
فما أعطت نجادي شسع نعل ... ولا أدّت بسابحتي عقالا
ولو كاشفت فيه لكنت صبحا ... ولكنّي انخدعت فكنت آلا
ضمير علاك يفهم عن رجائي (6) ... فلست مؤكّدا في ذاك حالا
فأنت السّتر بعد الله فوقي ... فزدني من خزائنك انسلالا
أدر نظر السّيادة في حديثي ... فكم جرح بك اندمل اندمالا
وكم وردتك آمالي خفافا ... فجاءت تحمل المنن الثقالا
أكلّ العالمين لك اتباع ... فإنّ الرزق حيث تميل مالا
__________
(1) مكان كلمتين غير واضحتين في الأصل.
(2) مكان كلمتين غير واضحتين في الأصل.
(3) مكان ثلاث كلمات غير واضحة في الأصل.
(4) مكان كلمة مفقودة في الأصل.
(5) في (ت): تقدر.
(6) في (ت): هنائي.(2/133)
ومما نقلته من قلائد العقيان (1):
عرّج بمنعرجات واديهم عسى ... تلقاهم نزلوا الكثيب الأوعسا (2)
اطلبهم حيث الرياض تفتّحت ... والريح فاحت والصباح تنفّسا
مثل وجوههم نجوما (3) طلّعا ... وتخيل (4) الخيلان شهبا كنّسا
وإذا أردت تمتّعا (5) بقدودهم ... فاهصر بنعمان الغصون الميّسا
بأبي غزال منهم لم يتخذ ... إلّا القنا من بعد قلبي مكنا
لبس الحديد على لجين أديمه ... [فعجبت] (6) من صبح توشح حندسا
وأتى يجرّ ذوائبا وذوابلا ... فرأيت روضا بالصّلال تحرّسا
لا ترهب السيف الصقيل بكفّه ... وارهب بعارضه العذار الأماسا
رام العدى قتلي عليه ففتّهم ... والنجم [ليس] (7) بممكن أن يلمسا
وفللت بغيهم ففزت وهكذا ... فلّ (8) الصحيفة خلّص المتلمّسا
كابد إلى العزّ الهجير ولا تكن ... في الذلّ ما بين الظلال معرّسا
وإذا وصلت إلى الأمير «مبشّر» ... فاجعل بساطك في ثراه السندسا
نوّع وجنّس في مناك فإنّه ... [ملك] (9) تنوّع في العلا وتجنّسا
وقال (10):
نسيمك حتّام لا ينبري ... وطيفك حتّام لا يعتري
أعيذك من عرض أن يكون ... وأنت الذي كنت من جوهر
__________
(1) القلائد، ص 249.
(2) الأوعس: السهل اللين من الرمل.
(3) في القلائد: بدورا.
(4) في الأصل: والخيل، والإصلاح من (ت) والقلائد.
(5) في القلائد: تنعما.
(6) من (ت) والقلائد والمسالك.
(7) من (ت) والقلائد.
(8) في القلائد: فككت وفك الصحيفة.
(9) من (ت) والقلائد.
(10) ساقطة من (ت).(2/134)
أتذكر أيّامنا بالحمى ... وأيّامنا بذوي الأعصر
ألا رأفة من وفيّ صفيّ ... ألا عطفة من سنيّ سري
رمى زحل في أظفاره ... وحلّ يدا عنّي المشتري
عطارد هل لك من عودة ... فأرجع منك إلى عنصري (1)
[سيطلبني الملك] (2) مهما أراد ... لباس نسيج من المفخر
[ولو أنّ كلّ حصاة] (3) تزين ... لما جعل الفضل للجوهر
وقال من قصيدة (4):
تكرّ وشى الخيل والرجل دونها ... فصيرتها شتّى المسالك والسّبل
تخالهم رجل الجراد فعندما ... دلفت لهم طاروا بأجنحة النّمل
ومنها:
وحسبك عند الله حسبتك التي ... دعت شدّة التّقوى إلى كرم الفعل
جلوت سنا الإصباح في غسق الدّجى ... وأنشأت غرّ المزن في كلب المحل
فما كنت إلّا رحمة أنزلت على ... ثرى الأرض فامتدّت إلى الوعر والسّهل
وله يتغزل في صاحب خيلان:
لحظ النجوم بمقلتيه فراعها ... ما أبصرت من حسنه فتردّت
فتساقطت في خدّه فنظرتها ... عمدا بمقلة حاسد فاسودّت
وله في صبي ناسخ (5):
أبصرت أحمد ناسخا فرأيت ما ... أعنى (6) وأعيى أن يحدّ ويوصفا
وكأنّما منح السماء صحيفة ... والليل حبرا والكواكب أحرفا
__________
(1) في الأصل: أغصر، وما أثبتناه من القلائد.
(2) ما بين المعقفين ممحو في الأصل، أكملناه من القلائد والمسالك.
(3) محو في الأصل، أكملناه من القلائد: ورواية المسالك: ولو كان الخ.
(4) غير موجودة في (ت).
(5) غير موجودة في (ت).
(6) في القلائد: أغمى.(2/135)
وله في غلام انتحى:
أبصرته قصّر في المشيه ... لما بدت في خدّه اللحيه
قد كتب الشعر على خدّه ... «أو كالذي مرّ على قريه»
وله:
غناء يلذّ ولا أكؤس ... تسكّن من أنفس طائشه
وأعجب كيف شدا طائر ... بروض منابته عاطشه
وله عند ما فارق المتوكل ببطليوس (1):
رضا المتوكّل فارقته ... فلم يرضني بعده العالم
وكنت ببطلوس في جنّة (2) ... فجئت بما جاءه آدم
وله (3):
أذكّر من لم ينس عهدا ولا ينسى
وأبسط في أكناف سرحته النّفسا
وألبسها خلقا جديدا وأغتدي
بظلّ غلام أغتذي معه الأنسا
وألبس ريعان الشباب وطالما
لبست الخطوب الحمر مادونه ورسا
وإنّي وإيّاه لمزن وروضة
يباركني سقيا وأزكو له غرسا
صفا بيننا من خالص الودّ جوهر
علونا به في نور جوهره الشّمسا
__________
(1) ساقطة من (ت).
(2) في القلائد: وكانت بطليوس لي جنة.
(3) ساقطة من (ت).(2/136)
وما أنا [إلّا] (1) من علاه مكوّن
غدوت له نوعا وأصبح لي جنسا
مكارمه مرعى إلى جنب (2) معقل
أرود إذا أضحى وآوي إذا أمسى
وأورد خمسا كلّ يوم بمائه
وكم لي دهرا قد مضى لم أرد خمسا
أبا القاسم اشرب قهوة العزّ وانتقل
ثنائي ومن [فضل] (3) الكؤوس اسقني كأسا
وخذ بيدي من عثرة قصرت يدي
وكنت أخا بأس فلم تبق لي بأسا
رميت لها فضفاضتي ومهنّدي
وخطيّتي والنّبل والقوس والتّرسا
ثغور المعالي قابلتك ضواحكا
فصل لثمها وامصص مراشفها اللعسا
وأجيادها مالت عليك نواعما
كما مالت الأغصان فانعم بها لمسا
ولا ذكر في الأفواه حاشاك إنّما
صفاتك آيات ولعنا بها درسا
إليك بها دارا تلقب أحرفا
وقطعة ديباج يسمّونها طرسا
__________
(1) ساقطة في الأصل، والتكملة من القلائد.
(2) في الأصل: تدعى إلى حيث، وما أثبتناه من القلائد.
(3) كلمة ساقطة في الأصل، أكملناها من القلائد.(2/137)
وفضلك في الإغضاء عمّا بعثته
فليس يحيك (1) الشعر من عدم الحسا
وله من أخرى:
ملك إذا عقد المعاقد للوغى ... حلّ الملوك معاقد التّيجان
وإذا غدت راياته منشورة ... فالخافقان لهنّ في خفقان
وقال من أخرى:
إن ضعت والشعر مما قد شهرت به ... ونال جودك أقواما وما شعروا
فأنت كالغيث إذ تسقي بصيّبه ... شوك القتاد ولا يسقى به الزّهر
هذا كثير. ومنه (2):
والحظ مثل الغيث تظمأ روضة ... موشية [منه] ويروى بلقع (3)
ومنه:
وما أنت إلّا كمثل السحاب ... يسقي النّبات ويعدو الزهر (4)
وقال من أخرى:
نزل الحيا بنزوله في معهد ... لبس المسرّة ربعه المأنوس
فكأنما ماء الغمام مدامه ... وكأن ساحات الديار كؤوس
بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه حلّة ريشه الطاووس
وقال يصف قصيدة:
أتيت بها تقيم العذر عنّي ... فقدرك مثل مقدرة اللّسان
ولو وفّيت حقّك في امتداح ... لقال الشعر فيك الشّعرتان
__________
(1) في القلائد: يجيد.
(2) ساقطة من (ت).
(3) هذا البيت غير واضح في الأصل، وتنقصه كلمة منه.
(4) في الأصل: يعدر الدهر.(2/138)
وقال من أخرى:
وعمّرت بالإحسان أفق ميرقة ... وبنيت فيها ما بنى الإسكندر
فكأنّها بغداد أنت رشيدها ... ووزيرها وله السلامة جعفر
قال أبو الصّلت في الحديقة: قوله وله السلامة في باب الحشو أوضح وأملح من قول أبي الطيب في كافور:
وتحتقر الدّنيا احتقار مجرّب ... يرى كلّ ما فيها وحاشاك فانيا
قال: وهو عندي أقرب إلى أن يكون احتراسا، كقول طرفة:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي
من أن يكون حشوا.
وقال من أخرى:
كأنّ علاك أفلاك وفلك ... بأرزاق البريّة جاريات
كأنّ هباتها من غير وعد ... نتائج ما لهنّ مقدّمات
قال: النتيجة لا تكون إلّا عن مقدّمات أقلّها اثنان، إلّا أنّ هذا لا يطالب بحقيقته من حيث هو شاعر.
14 - أبو الحسن جعفر بن ابراهيم (بن الحاج اللرقي) (1)
(من مدينة يقال لها لرقة) (2)، عاش بعد الخمسمائة طويلا، وعمّر كثيرا.
قال:
أذوب اشتياقا ثم (3) يحجب شخصه ... وإنّي على ريب الزّمان لقاس
وأذعر منه هيبة وهو المنى ... كما يذعر المخمور أوّل كاس
__________
(21) ما بين القوسين ساقط من (ت).
(3) في (ت) والنفح: يوم.(2/139)
وقال من أبيات:
من لي بطرف كأنني أبدا ... منه بغير المدام مخمور
ما أصدق القائلين حين بدا ... عاشق هذا الجمال معذور
وقال يخاطب غلاما التحى:
أبا جعفر مات فيك الجمال ... فأظهر خدّك لبس الحداد
وقد كان ينبت نور الربيع (1) ... فقد صار ينبت شوك القتاد
أبن لي متى (2) كان بدر السّما ... ء يدرك بالكون أو بالفساد
فهل كنت في الملك (3) من عبد شمس ... فأخنى (4) عليك ظهور السّواد
وكتب إلى ابن لبون يتقاضاه جديا، من أبيات أوّلها (5):
يا قمر المجد وبحر النّدى ... ومن غدا محياه هلك العدى
منها:
جدي إذا استجديت فيه فما ... يمّمت إلّا موضعا للجدى
يسود كالكفر ولكنه ... من داخل يبيضّ مثل الهدى
وقال (6):
يا عجبي من بائع دينه ... بلذّة يبيع فيها مناه
وإنّما أعجب من خاسر ... يبيع أخراه بدنيا هواه (7)
__________
(1) في المغرب: زهر الرياض.
(2) في الأصل: من، وما أثبتناه من (ت) والمغرب.
(3) في الأصل: الاعبد شمس، وما أثبتناه من (ت).
(4) في المغرب: فأخشى، وفي النفح ورد البيت هكذا:
فهل كنت من عبد شمس فاخشى ... عليك ظهور شعار السواد
(5) غير موجودة في (ت).
(6) غير موجودة في (ت).
(7) ورد البيتان في النفح هكذا:
ما عجبي من بائع دينه ... بلذة يبلغ فيها هواه
وإنما أعجب من خاسر ... يبيع أخراه بدنيا سواه(2/140)
وقال في مخمّسة يرثي فيها ابن صمادح، ويندب الأندلس في زمن الفتنة (1):
من لي بمجبول على ظلم البشر ... صحّف في أحكامه حاء الحور (2)
مرّ بنا يسحب أذيال الخفر ... ما أحسد الظبي له إذا نظر (3)
وأشبه الغصن له إذا خطر
نهيت قدما ناظري عن نظري ... علما بما يجني ركوب الغرر
وقلت عرّج عن سبيل الخطر ... اليوم (4) قد عاين صدق الخبر
إذ بات [وقفا] (5) بين دمع وسهر
يا ربّ أرض قد خلت قصورها ... وأصبحت آهلة قبورها
يشغل عن زائرها مزورها ... لا يأمل العودة من يطورها (6)
هيهات ذاك الورد ممنوع الصدر
تنتحب الدّنيا على ابن معن ... كأنها ثكلى أصيبت بابن
أكرم مأمول ولا أستثني ... أثني بنعماه ولا أثنّي
والروض لا ينكر معروف المطر
عهدي به والملك في ذماره ... والنصر في ما شاء من أنصاره
يطلع بدر التّمّ في أزراره ... وتكمن (7) العفّة في إزاره
ويحضر السّؤدد أيّان حضر
قل للنّوى جدّ بنا انطلاق ... ما بعدت مصر ولا العراق
إذا حدا نحوهما اشتياق ... ومن دواء الملل الفراق
ومن نأى عن وطن نال وطر
__________
(1) غير موجودة في (ت).
(2) يعني الخور.
(3) في النفح: إذا نفر.
(4) في النفح: فاليوم.
(5) نقص في الأصل، زدناه من النفح.
(6) في النفح: يزورها.
(7) في الأصل: تمكن.(2/141)
وذكره أبو الصّلت في الحديقة قال: أبو الحسن جعفر المعروف بابن الحاج اللورقي يعاتب صديقا له (1):
تقلّص ظلّ منك وازورّ جانب
وأحرز حظّي من رضاك الأجانب
وأصبح طرقا (2) من صفائك مشرعي (3)
وأيّ صفاء لم تشبه الشّوائب (4)
رويدا فلي قلب على الخطب جامد
ولكن على عتب الأخلّاء ذائب (5)
وأكبر (6) ظنّي أنّ عندك غير ما
ترجّمه تلك الظّنون الكواذب (7)
قوله: لي قلب على الخطب جامد، وعلى العتب ذائب، من قول أبي تمّام:
جليد على عتب الخطوب إذا التوت ... وليس على عتب الاخلّاء بالجلد
أرد يدي عن عرض حرّ ومنطقي ... وأملؤها من لبدة الأسد الورد
وتمام شعر ابن الحاج:
أعد نظرا في سالف العهد إنه ... لأوكد ممّا تقتضيه المناسب
ولا تعقب العتبى [بعتب] (8) فإنّما ... محاسنها في أن تتمّ العواقب
__________
(1) في (ت): وأورد له أبو الصلت في الحديقة يعاتب صديقا له.
(2) الطرق: الماء الذي خوضته الابل وبولت فيه.
(3) في المغرب: مشربي.
(4) في المغرب: الأشائب.
(5) في المغرب: الأحبة دائب.
(6) في المغرب: وأغلب.
(7) من هنا إلى قوله: (توق الموت الخ) غير موجود في (ت).
(8) كلمة ساقطة في الأصل، أكملناها من المغرب.(2/142)
يخبّ ركابي أنّني بك هائم ... ويثني عناني أنّني لك هائب
وحسبك إقراري بما أنا منكر ... وأنّي مما لست أعلم (1) تائب
وقال:
توقّ الموت واعلم كم عدوّ ... طواه الموت عنك وكم صديق
مشوا قدّامنا نسعى جميعا ... فقد وصلوا ونحن على الطريق
وله:
تعزّ على (2) الدّنيا ومعروف أهلها ... إذا عدم المعروف من آل عبّاد
نزلت (3) بهم ضيفا ثلاثة أشهر ... بغير قرى ثم ارتحلت بلا زاد
وله:
لي صاحب خفيت عليّ شؤونه ... حركاته مجهولة وسكونه
يرتاب بالأمر الجليّ توهّما ... فإذا (4) تيقّن نازعته ظنونه
ما زلت أحفظه على شرقي به ... كالشّيب تكرهه وأنت تصونه
من قول مسلم:
الشّيب كره وكره أن يفارقني ... أعجب لشيء على البغضاء مودود
(5) وذكره مؤلّف قلائد العقيان (6)، وصفه بالكرم والإحسان، والشّيم الغرّ الحسان والتنسّك في () (7)، والتمسّك بالتقوى، وقال:
هو شيخ الجلالة وفتاها، ومبدأ الفضائل (8) ومنتهاها، وأورد من شعره في
__________
(1) في المغرب: أنكر.
(2) في (ت) والمغرب: عن.
(3) في المغرب: أقمت، وفي النفح: حللت.
(4) في القلائد: وإذا.
(5) غير موجودة في (ت).
(6) القلائد ص 163158.
(7) كلمة مطموسة في الأصل.
(8) في الأصل: الفضل، والإصلاح من القلائد.(2/143)
المحرم سنة تسع عشرة وخمسمائة ما كتبه إلى دي الوزارتين أبي بكر [بن] (1) رحيم وهو:
يا دوحة ما يريمها ثمر ... وروضة كلّ نبتها زهر
يا مزنة ما تغبّ نافعة ... والمزن في طول صوبه ضرر
يا منهلا قد صفا فلا كدر ... يصدّ عن ورده ولا حظر (2)
يا عصرة الحرّ حين لا عصر ... يوجد في حادث ولا أسر
برّك ذاك الخفيّ أثقلني ... وحمل ما لا أطيقه خطر
فلتعفني من نداك تتبعه ... حسبك ما قد لقيت يا عمر
قد ذهبت جملة الوفاء فما ... في النّاس خبر لها ولا خبر
وصرت في معشر حقودهم ... تبدو إذا كلّموك أو نظروا
بني رحيم ركبتم سننا ... في المجد لا يقتفى له أثر
كلّ أفانين دهركم عجب ... وكلّ أيّام دهركم غرر
ووجدت في نسخة أخرى أنّ هذه الأبيات كتبها في محرم سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وله:
إذا كان يزري كلّ ضيف بضيفه ... فإنّي بضيفي حين يقدم أفرح
وذاك لأنّ الضّيف يأتي برزقه ... فيأكله عندي ويمضي فيمدح
وله:
عجبا لمن طلب المحامد وهو يمنع ما لديه
ولباسط آماله ... في المجد لم يبسط يديه
لم لا أحبّ الضّيف أو ... أرتاح من طرب إليه
والضيف يأكل رزقه ... عندي ويشكرني (3) عليه
__________
(1) من القلائد.
(2) في القلائد: الحظر.
(3) في القلائد والنفح والمغرب: ويحمدني.(2/144)
وله:
طفقت تؤنّبني على البذل ... وتقول نعم سجيّة البخل
قد أصبح البخلاء في شرف ... وبقيت في شرف وفي أزل
هي شيمة ممّا جبلت به ... والطّبع ليس بممكن النّقل
نشب أبدّده ويرفعني ... () (1) ويستعلي
وله:
أسهر عيني ونام في جذل ... مدرك حظّ سعى إلى أجلي (2)
دنياه موقوفة (3) عليه فما ... يطورها طائر لذي أمل
قد لفّقت بالمحال فاجتمعت (4) ... من خدع جمّة ومن حيل
كم محنة قد بليت منه بها ... وهو يرى أنّها يد (5) قبلي
وله في ذلك:
أخ لي كنت آمنه غرورا ... يسرّ بما أساء به سرورا (6)
هو السّمّ الزّعاف لشاربيه ... وإن أبدى لك الأري المشوار
ويوسعني أذى فأزيد حلما ... كما جذّ الذبال فزاد نورا
وله (7):
كل من تهوى صديق ممحض ... لك ما لا تتّقي أو ترتجي
فإذا حاولت نصرا أو جدى ... لم تقف إلّا بباب مرتج (8)
__________
(1) مكان كلمتين غير واضحتين في الأصل.
(2) في المغرب: أملي.
(3) في القلائد: مقصورة.
(4) في المغرب: نعمته.
(5) في الأصل: بدر، وما أثبتناه من القلائد والمغرب.
(6) القلائد ص 159.
(7) من هنا إلى آخر المختارات ساقط من (ت).
(8) في هذا البيت محو كثير، أصلحناه من القلائد.(2/145)
وله من () (1) في الغزل:
يا مديرا من سحر عينيه خمرا ... أنا ممّا أدرت جدّ نزيف (2)
علّل المستهام منك بوعد ... وإليك الخيار في التّسويف
وله في الغزل:
وبيضاء ينبو اللحظ عند التفاتها (3)
وهل تستطيع العين تنظر في الشمس
وهبت لها نفسا عليّ كريمة
وقد علمت أنّ الضّنانة بالنّفس
أعالج منها السّخط في حالة الرّضا
ولا أعدم (4) الإيحاش في ساعة الأنس
وله مع تفّاح [أهداه] (5):
بعثت بها ولا آلوك حمدا ... هديّة ذي اصطناع واعتلاق
خدود أحبّة وافين صبّا ... وعدن على ارتماض واحتراق
فحمّر بعضها خجل التلاقي ... وصفّر بعضها وجل الفراق
وله في زرزور (6):
يا ربّ أعجم صامت لقّنته ... طرف الحديث [فصار] (7) أفصح ناطق
جون الإهاب أعير فوه صفرة ... كاللّيل طرّزه وميض البارق
حكم من التدبير أعجزن (8) الورى ... ورأى بها المخلوق لطف الخالق
__________
(1) محو في الأصل، ولعلها: قصيد أو قطعة.
(2) محو في الأصل، أصلحناه من القلائد.
(3) محو في الأصل، أصلحناه من القلائد.
(4) في الأصل: عدم، وما أثبتناه من القلائد والمغرب.
(5) التكملة من القلائد.
(6) غير موجودة في (ت).
(7) ساقطة في الأصل، أكملناها من القلائد.
(8) في القلائد: أعجزت.(2/146)
وله (1):
كفى حزنا أن المشارع جمّة ... وعندي إليها غلّة وأوا
ومن نكد الأيام أن يعدم الغنى ... كريم وأنّ المكثرين لئام
15 - ولده أبو محمد
ذو الوزارتين. أورد له صاحب قلائد العقيان (2) نثرا صالحا، ولم يذكر من شعره. وأورد لوالده فيه:
شعرك كالشعراء في حسنه ... يجمع بين الآس والضرو (3)
فاصنع به ان كنت لي طائعا (4) ... ما تصنع الهرّة بالخرو
فدل على أنّه لا يستحق شعره الاثبات (5).
16 - ابن خفاجة الأندلسي (6)
هو أبو اسحاق ابراهيم بن أبي الفتح ابن خفاجة (7) الأندلسي الجزيري، أنشدني (8) ببغداد أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الفزاري
__________
(1) ساقطة من (ت).
(2) القلائد ص 163.
(3) الضرو: هو نوع من الشجر.
(4) هذا المصراع مطموس في الأصل أكملناه من زاد المسافر.
(5) في آخر هذه الصفحة من مخطوطة باريس ما يلي:
«تم الجزء الحادي عشر من كتاب الخريدة، خريدة القصر وجريدة العصر والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله وصحبه وسلامه عليهم آمين، يتلوه الجزء الثاني عشر من شعر ابن خفاجة الأندلسي، وهو آخر الكتاب»
(6) [كلمة: الأندلسي، ساقطة من (ت)] ومن هنا يبدأ الجزء الثاني من تقسيم المؤلف، هو الجزء الأخير من الخريدة ومنه بداية تحقيق الاستاذ آذرنوش، انظر المقدمة الاولى.
(7) [كلمة: الخفاجي، ساقطة من (ت)].
(8) [من هنا إلى آخر القطعة، ساقط من (ت)].(2/147)
الاسكندراني (1) قال: أجاز لي القاضي أبو محمد العثماني (2) قال أنشدني الفقيه إبراهيم بن محمد بن المتقن بن ابراهيم اللخمي السبتي (3) قدم علينا الاسكندرية قال: أنشدني أبو اسحاق ابراهيم ابن خفاجة لنفسه في صفة فرس أشهب محلّى:
ربّ طرف كالطّرف سرعة عدو ... ليس يسري سراه طيف الخيال
إن سرى في الدجى فبعض الدراري ... أو سعى في الفلا فاحدى السعالي
لست أدري إن قيل ليلة أسري ... أو تمطّيته غداة قتال
أجنوب تقاد لي عن جنيب ... أم شمال عنانها بشمالي
أشهب اللون أثقلته حليّ ... خبّ فيهنّ فهو ملقى الجلال
فبدا الصبح ملجما بالثريا ... وسرى (4) البرق مسرجا بالهلال (5)
ولأبي الصّلت في وصف أشهب هذا المعنى بعينه ما أخطأه (6):
من ألجم الصّبح بالثّريا ... وأسرج البرق بالهلال
__________
(1) هو نصر بن عبد الرحمان بن إسماعيل الفزاري النحوي، ترجم له الصفدي (الوافي مخطوطة مصر) وقال أنه صنف كتابا في أسماء البلدان والأمكنة والجبال والمياه وقدم بغداد بعد الستين وخمسمائة، وأوجز السيوطي هذه الترجمة في البغية ص 406وقال: قال ابن النجار أظنه مات بها سنة 561أنظر أيضا خريدة، قسم شعراء مصر ج 2ص 225، قسم شعراء مصر ج 2ص 225وحاشية الخريدة قسم شعراء الشام (ط شكري فيصل ج 2ص 242وإنباه الرواة ج 3ص 345.
(2) ذكر ابن الابار اسمه (التكملة ص 136) وقال، إنه مؤلف المسلسلات.
(3) يكنى أبا إسحاق روى بالأندلس، عن أبي محمد بن عتاب وابن خفاجة ورحل حاجا فسمع بالإسكندرية عن أبي طاهر السلفي وبمكة عن ابن نصرون وحدث عنه أبو محمد الثعالبي ببعض تأليف البطيوسي وكان سماعه من ابن نصرون سنة 570. التكملة، القسم المفقود من طبعة مدريد ص 213.
(4) [في الديوان: جرى].
(5) هذا البيت هو السطر الأخير من ص 1في الأصل، ولا نعرف عدد الأوراق التي سقطت من هذه النسخة، فننقل ما بين القوسين من نسخة ق.
(6) هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز ولد سنة 460وتوفي سنة 529. أديب شاعر من أهل دانية رحل إلى الشرق فأقام بمصر عشرين عاما ثم انتقل إلى المهدية فاتصل بيحي بن تميم الصنهاجي وعلي ابن يحي، ثم الحسن بن علي آخر الملوك الصنهاجيين، ومن مصنفاته: الرسالة المصرية (طبعة عبد السلام هارون) وكتاب الحديقة.
وكان هذا الكتاب الأخير الذي لم يصل إلينا من أهم مراجع العماد نقل عنه في القسم المصري والجزء 11 المختص بشعراء صقلية وهذا الجزء الأخير. أنظر بروكلمن ج 1ص 486والذيل 1ص 5889والبغية للضبي رقم 580وياقوت ج 2ص 361والنفح (فهارسه) والتكملة ص 243وابن أبي أصيبعة ج 2ص 52 الخريدة ج 11 (مخطوطة باريز) حيث ورد هذا البيت مع ترجمة مفصلة.(2/148)
قال أميّة: عملت هذه قبل أن أسمع بشعر ابن خفاجة. ولابن خفاجة ديوان وهو رواية العثماني عن اللخمي عنه، وذكر أنه عاش (1) الى عصرنا القريب].
وأنشدني في بغداد محمد بن عيسى اليماني (2):
لله نوريّة المحيّا ... تحمل ناريّة الحميّا (3)
تديرها تحت ظل دوح ... قد طال ريّا وطاب ريّا (4)
تجسّم النّور فيه نورا ... فكلّ غصن به ثريّا
أخذه من قول ابن سكرة الهاشمي (5) في غلام رأى بيده قضيب لوز منوّر:
غصن بان بدا وفي اليد منه ... غصن فيه لؤلؤ منظوم
فتحيّرت بين غصنين في ذا ... قمر طالع وفي ذا نجوم
وأنشدني أيضا لابن خفاجة:
ومهفهف طاوي الحشا ... كالغصن يخطر إذ خطر (6)
ملأ العيون بصورة ... تليت محاسنها سور
فاذا دنا واذا شدا ... واذا سعى واذا سفر (7)
فضح المدامة والحما ... مة والغمامة والقمر (8)
__________
(1) التكملة للسياق.
(2) قال الصفدي نقلا عن العماد محمد بن عيسى اليماني، شاعر ورد بغداد وروى بها شيئا من شعره، الوافي ج 4ص 203، انظر أيضا البغية للسيوطي ص 403 [وبهذه المقطوعة تبدأ نسخة (ت)].
(3) الديوان، ص 146.
(4) الديوان: الدوح رطب المهر لدن قد رق ريا [والمسالك: قد راق زهرا، والنفح: قد راق مرأى]
(5) هو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي الشاعر، توفي سنة 385. انظر ابن خلكان ج 4ص 41 (البيتان). تاريخ بغداد ج 5ص 465، اليتيمة ج 3ص 3ودائرة المعارف للبستاني.
(6) في الديوان، خنث المعاطف والنظر. انظر ص 70.
(7) في الديوان، فإذا رنا وإذا مشى ... وإذا شدا وإذا سفر
(8) في الديوان، الغزالة والغمامة والحمامة.(2/149)
(1) هذه في غاية الرقّة، رقّت وراقت، وسادت كل نظم وفاقت، ورفأت القلوب السليمة لما أصيبت فضاقت، وأعيت النفوس القوية لما أطاقت.
أخذ تشبيهه بالغمامة من قول الاعشى:
مرّ السحابة لا ريث ولا عجل (2)
ومن شعر ابن خفاجة:
كتبت وقد خصرت راحتي ... فهل من رحيق بكأس الرحيق (3)
فقد أعوزت نارها جملة ... فلولاك شبّهتها بالصديق
وقال في أسود يسبح:
وأسود يسبح في لجّة ... لا يكتم الحصباء غدرانها (4)
كأنها في صفوها (5) مقلة ... زرقاء (6) والأسود إنسانها
وللغزي (7) في سابح أبيض:
وسابح في لجّة شقّها ... شقّ شهاب جيب ظلماء
سال من اللطف ولم أستطع ... تمييزه من جملة الماء
__________
(1) [من هنا إلى قوله: وقال في أسود يسبح، ساقط من (ت)].
(2) وتمام البيت:
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريث ولا عجل
(3) الديوان، ص 334.
(4) انظر الديوان ص 145.
(5) الديوان، شكلها.
(6) الديوان، وذلك الاسود
(7) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن محمد الكلبي الاشهبي، ولد سنة 441في غزة الشام وتوفي عام 524ببلخ. انظر الخريدة قسم شعراء الشام ج 1ص 3. ابن خلكان ج 1ص 41 بروكلمن ج 1ص 253وديوانه، مخطوطة باريس، ورقة 148حيث ورد هذان البيتان [وهذه القطعة ساقطة من (ت)].(2/150)
ولي قصيدة في وصف بغداد نظمتها في الصبا، وزدت على معنى الغزيّ (1):
تسبح في دجلة غزلانها ... سباحة الحيتان في البحر
ما مازها للّطف من مائها ... سوى سواد اللحظ والشّعر
قال ابن خفاجة (2):
حيّا بها ونسيمها كنسيمه ... فشربتها من كفّه في ودّه (3)
منساغة فكأنّها من ريقه ... محمرّة فكأنّها من خدّه
ما أحسن قول ابن حيّوس الشامي (4) وأجمعه [للتشبيه] (5) في بيت واحد، وهو:
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه
قال ابن خفاجة في غلام [حسن] (6) الوجه والصوت:
أمسى يقرّ لحسنه قمر الدجى ... وغدا يذوب لصوته (7) الجلمود (8)
فاذا بدا فكأنّما هو يوسف ... وإذا تلا فكأنّه داوود
__________
(1) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(2) [في (ت): وأنشدت له].
(3) الديوان، ص 60.
(4) هو أبو الفتيان محمد بن سلطان المشهور بابن حيوس الغنوي الدمشقي، ولد عام 394وتوفي عام 473. انظر بروكلمن، المجلد الاول ص 256والذيل الاول 456. انظر أيضا ديوانه طبع خليل مردم بك، دمشق، 1951حيث ورد هذا البيت، ج 2ص 409.
(5) [التكملة من (ت)].
(6) [التكملة من (ت)].
(7) [في (ت): لحسنه].
(8) غير موجود في الديوان.(2/151)
وقال:
كتابي (1) وقلبي في يديك أسير ... أقيم كما شاء الهوى وأسير (2)
ولي (3) كل حين من نسيبي (4) وأدمعي ... بكلّ مكان روضة وغدير
وقال في قوس:
عوجاء تعطف ثم ترسل تارة ... فكأنّما هي حيّة تنساب
وإذا انحنت والسّهم منها خارج ... فهي الهلال انقضّ منه شهاب (5)
وقال:
وعسى الليالي أن تمنّ بنظمنا (6) ... عقدا كما كنّا عليه وأفضلا (7)
فلربّما نثر الجمان تعمّدا ... ليعاد (8) أحسن في النظام وأجملا
وهو من قول مهيار:
عسى الله يجعلها فرقة ... تعود بأكرم مستجمع (9)
وقال ابن خفاجة (10):
لقد نثر الأستاذ منثور عقدنا ... وعهدي به من قبلها وهو ناظم (11)
فعدنا كبيت غيّر الكسر نظمه ... فألفاظه كسر ومعناه قائم
__________
(1) الديوان: كتب. انظر ص 89.
(2) الديوان: يقيم ويسير
(3) الديوان: وفى.
(4) [في الديوان: هواك].
(5) [أضفنا هذين البيتين من (ت)].
(6) الديوان: يجمعنا. انظر ص 161.
(7) الديوان: أكملا.
(8) الديوان: ليكون.
(9) انظر ديوان مهيار ج 2ص 245، طبع دار الكتب المصرية، 1930.
(10) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(11) غير موجود في الديوان.(2/152)
وقال:
لله نهر سال في بطحاء ... أشهى ورودا من لمى الحسناء (1)
وغدت تحفّ به الغصون كأنّها ... هدب يحفّ بمقلة زرقاء
ولربّما عاطيت (2) فيه مدامة ... صفراء تخضب أيدي الندماء
والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء
من أحسن ما سمعته في وقوع الشعاع على الماء وقد أوردته في موضعه قول علي ابن أبي البشر الكاتب الصّقليّ (3) قوله:
وضوء الشمس فوق النيل باد ... كأطراف الأسنّة في الدّروع
ولأبي الصّلت أميّة (4):
إذا جمّشته الصّبا بالضّحى ... توهّمته زردا مذهبا
ولابن المعتز:
وتبدّى لهنّ بالنّجف المق ... فر ماء صافي الجمام عريّ
فاذا صادفته ذرّة شمس ... خلته كسّرت عليه الحليّ
ولابن وكيع التنّسيّ (5):
غدير يدرّج أمواهه ... هبوب الشّمال ومرّ الصّبا
إذا الشمس من فوقه أشرقت ... توهّمته جوشنا مذهبا
ولأبي منصور في اليتيمة:
قام الغلام يديرها في كفّه ... فحسبت بدر التّمّ يحمل كوكبا
والبدر يجنح للأفول كأنّه ... قد سلّ فوق الماء سيفا مذهبا] (6)
__________
(1) هي ستة أبيات في الديوان، انظر ص 12.
(2) الديوان: ولطالما عاطيت
(3) هو أبو الحسن علي بن عبد الرحمان ابن أبي البشر الانصاري الصقلي الكاتب، ترجم له العماد في الجزء 11من الخريدة انظر الفهارس.
(4) انظر هذا البيت في الخريدة [قسم المغرب ص 6].
(5) في ق البستي [وكذلك في (ت)] وهو أبو محمد الحسن بن علي المعروف بابن وكيع التنيسي، توفي عام 393بتنيس انظر ترجمته في اليتيمة ج 1ص 356وابن خلكان ج 1ص 377.
(6) [الاضافة من (ت)].(2/153)
وللقاضي أبي القاسم علي ابن فهم في اليتيمة (1):
أحسن بدجلة والزمان مصوّب (2) ... والبدر في أفق السماء مغرّب
فكأنّها فيه بساط أزرق ... وكأنّه فيها طراز مذهب
وللتمّار الواسطي (3) يصف ضوء القمر على دجلة، قوله:
قم فانتصف من صروف الدهر والنّوّب ... واجمع بكأسك بين (4) اللهو والطرب
أما ترى الليل قد ولّت عساكره ... مهزومة وجيوش الصبح في الطلب
والبدر في الأفق الغربيّ تحسبه ... قد مدّ جسرا على الشطّين من ذهب
ولمحمد السلامي (5):
ونهر تمرح الأمواج فيه ... مراح الخيل في رهج الغبار
إذا اصفرّت عليه الشمس خلنا ... نمير الماء [يمزج] (6) بالعقار
وقال ابن خفاجة (7):
أقس على خلّك أو ساعد ... عشت بجدّ في العلا صاعد (8)
فقد [همى] جفني دما سائلا ... حتّى لقد ساعده ساعدي
__________
(1) في ق: ابن أبي ربعهم [وكذلك في (ت)] وهو القاضي التنوخي، كان يتقلد قضاء البصرة والاهواز بضع سنين وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة وكان المهلبي الوزير وغيره من وزراء العراق يميلون إليه جدا انظر اليتيمة ج 2ص 335حيث ورد هذان البيتان
(2) اليتيمة: لم أنس دجلة والدجى متصوب.
(3) في ق: الحمار؟ ترجم الثعالبي للتمار (بين شعراء العراق) وقال: شعره يتغنى بأكثره ملاحة ورشاقة، وإنّما كان يقول تطربا لا تكسبا البتيمة ج 2ص 370حيث وردت الابيات، أنظر الثاني والثالث منها أيضا في الذخيرة ج 3ورقة 226. [وهذه القطعة ساقطة من (ت)].
(4) البتيمة: شمل اللهو.
(5) هو أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي، شاعر عراقي ولد في كرخ بغداد سنة 336وتوفي 394سنة.
أنظر اليتيمة ج 2ص 395، وابن خلكان ج 4ص 35.
(6) [التكملة من (ت)].
(7) [هذان البيتان، ساقطان من (ت)].
(8) أنظر الديوان ص 60.(2/154)
وقال:
إياب كما آب الحسام إلى الجفن
وعود كما عاد المنام إلى الجفن (1)
وأنس تلاق عن توحّش فرقة
كما افترّ ثغر البرق عن عابس الدّجن
وبشرى ورود عن بكاء تودّع
كما راق وجه الرّوض عن واكف المزن
وأنفس ما في الجسم عين ومسمع
لمرءاك في عين ونجواك في أذن
وقال في صفة الثلج:
لله ندمان صدق بات مصطليا (2) ... نارا من القدح الملآن تستعر (3)
والارض فضّيّة الآفاق تحسبها ... شمطاء حاسرة قد مسّها الكبر
بكل نجد ووهد قد أظلّ به ... روض تحلّى بنور ماله ثمر
وللأقاحي ثغور فيه باسمة ... لها من الثلج ريق بارد خصر
كأنّ في الجوّ أشجارا منوّرة ... هبّ النسيم عليها فهي تنتثر
وقال:
قدّست من ياقوتة حمراء ... في حقّة من درّة بيضاء (4)
كشقيقة في نورة أو برقة ... في مزنة أو جذوة في ماء
__________
(1) هذه القطعة غير موجودة في الديوان.
(2) في الأصل: معليا.
(3) القطعة غير موجودة في الديوان.
(4) لم يرد البيتان في الديوان.(2/155)
وقال (1):
لعمري لو أوضعت في منهج التقى ... لكان لنا في كل صالحة نهج (2)
فما يستقيم الأمر والملك جائر ... وهل يستقيم الظّلّ والعود معوجّ
ومن هنا أورده له صاحب قلائد العقيان (3). وقال في وصف ورد نثر عليه نوّار نارنج:
ونديّ أنس هزّني ... هزّ الشراب من الشباب (4)
والليل وضّاح الجبين ... قصير أذيال الثياب
فقنصت منه حمامة ... بيضاء تسنح (5) من غراب
والنّور مبتسم وخدّ ... الورد محطوط النقاب
يندى بأخلاق الصّحا ... ب هناك لا يندى السحاب
[وكلاهما نثر كما ... نثروا القوافي بالخطاب] (6)
وكأنّ كأس سلافة ... ضحكت إليه مع (7) الحباب
وقال في صفته أيضا:
وصدر ناد نظمنا ... له القوافي عقدا (8)
بمنزل (9) قد سحبنا ... بظلّه العزّ بردا
[قد طنّب المجد بيتا ... فيه وغرّس وفدا] (10)
تذكو به الشهب جمرا ... ويعبق الليل ندّا
__________
(1) [من هنا إلى قوله: وصدر ناد نظمنا، ساقط من (ت)].
(2) الديوان ص 179.
(3) انظر قلا ص 266وذكر العماد ترجمة وأخبارا للفتح في هذا الكتاب، انظر الفهارس.
(4) الديوان ص 19.
(5) [في القلائد: تنسخ].
(6) زدنا هذا البيت من الديوان [والقلائد].
(7) الديوان [والقلائد]: اليهم عن.
(8) الديوان ص 50
(9) [في النفح والقلائد: في منزل].
(10) أضفناه من الديوان.(2/156)
وقد تأرّج نور ... غضّ يخالط وردا
كما تبسّم (1) ثغر ... عذب يقبّل خدّا
وقال في وصف شجرة نارنج (2):
ألا أفصح الطّير حتّى خطب ... وخفّ لنا الغصن حتّى اضطرب (3)
فمل طربا بين ظلّ هنا ... رطيب (4) وماء هناك انثعب
وجل في الحديقة أخت المنى ... ودن بالمدامة أمّ الطرب
وحاملة من بنات القنا ... أماليد تحمل خضر العذب
تنوب مورّقة عن عذار ... وتضحك باهرة (5) عن شنب
وتندى بها في مهبّ الصّبا ... زبرجدة أثمرت بالذهب
تفاوح أنفاسها تارة (6) ... وطورا تغازلها عن كثب
فتبسم من حالة عن رضى ... وتنظر آونة عن غضب
وقال يتغزّل:
وأهيف قام يسقي ... والسّكر يعطف قدّه (7)
وقد ترنّح غصنا ... واحمرّت الكأس ورده
وألهب السّكر خدّا ... أورى به الوجد زنده
فكاد يشرب نفسي ... وكدت أشرب خدّه
وقال في وردة طرأت في غير أوانها (8):
وغريبة هشّت إليّ، غريزة ... فوددت لو نسج الضّياء ظلاما (9)
طرأت عليّ مع المشيب تشوقني ... شيخا، كما كانت تشوق غلاما
__________
(1) [في النفح والمسالك: تنفس].
(2) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(3) الديوان: ص 14.
(4) [في القلائد: هفا وطيب].
(5) في الديوان [والقلائد]: زاهرة.
(6) [في القلائد: فطورا تفاوح أنفاسها].
(7) الديوان: ص 58.
(8) [من هنا إلى قوله: حمراء نازعت الرياح رداءها، ساقط من (ت)].
(9) الديوان: ص 131.(2/157)
مقبولة قبّلتها عن (1) لوعة ... نظرا يكون إذا اعتبرت كلاما
عذرت وقد احللتها عن نشوة (2) ... كبرا وأوسعت الزمان ملاما
عبقت وقد حنّ الربيع على الندى ... كرما فأهداها إليّ سلاما
وقال يتذكر العهد القديم مع محبوبه تحت أيكة:
ألا أذكرتني العهد بالأنس أيكة ... فأذكرتها نوح الحمام المطوّق (3)
وأكببت أبكي بين وجد أناخ بي (4) ... حديث وعهد للشبيبة مخلق
وأنشق أنفاس الرياح تعلّلا ... فأعدم فيها طيب ذاك التنشّق
ولما علت وجه النهار كآبة ... ودارت به للشمس نظرة مشفق
عطفت على الاجداث أجهش تارة ... وألثم طورا تربها من تشوّق
وقلت لمغف (5) لا يهبّ من الكرى ... وقد بتّ من وجد بليل المؤرّق
لقد صدعت أيدي الحوادث شطّنا ... فهل من تلاق بعد هذا التفرق
وان يك للخلين ثم التقاءة ... فيا ليت شعري أين أو كيف نلتقي
فأعزز علينا ان تباعد بيننا ... فلم يدر ما ألقى ولم أدر ما لقي
وقال يتوجّع لفقد الشباب:
أما وشباب قد ترامت به النوى
فأرسلت في أعقابه نظرة عبرى (6)
لقد ركبت ظهر السّرى بي نومة
فأصبحت في أرض وقد بتّ في أخرى
__________
(1) الديوان: من.
(2) الديوان: نسوة.
(3) يرثي بها الوزير أبا محمد عبد الله بن ربيعة. انظر تمام القصيدة (35) بيتا في الديوان، ص 302.
(4) الديوان: أظلني.
(5) الأصل: لمعف لا تهب.
(6) هي تسعة أبيات في الديوان، ص 152.(2/158)
فها أنا لا نفس يخفّ بها الفتى
فيلهى (1) ولا سمع تطور (2) به بشرى
أقلّب جفنا لا يجفّ فكلّما
تأوّهت (3) من شكوى تأمّلت في شكرى
وإنّي إذا ما شاقني لحمامة
رنين، وهزّتني لبارقة ذكرى
لأجمع بين الماء والنار لوعة
فمن مقلة ريّا ومن كبد حرّى
وقد خفّ خطب الشيب في جانب الرّدى
فصارت به صغرى التي كانت الكبرى
وقال يستطيل الليل:
يا ليل وجد بنجد ... أما لطيفك مسرى (4)
وما لدمعي طليقا ... وأنجم الليل أسرى
وقد طمى بحر ليل ... لم يعقب المدّ جزرا
لا يعبر الطّرف منه ... غير (5) المجرة جسرا
وقال في الشقيق:
يا حبذا والبدر (6) يزحف بكرة ... جيشا حريق دونه ورحيق (7)
حتى إذا ولىّ وأسلم عنوة ... ما شئت من سهل وذروة نيق
أخذ الربيع عليه كل ثنيّة ... فبكلّ مرقبة لواء شقيق
__________
(1) الديوان: بها المنى ... فتلهو
(2) الديوان: تطير.
(3) الديوان: تألمت عن
(4) انظر الديوان ص 70.
(5) الاصل: عن.
(6) الديوان: البرق. انظر ص 108.
(7) الديوان: رحيق وحريق. وهي 12بيتا.(2/159)
وقال:
حمراء نازعت الرياح رداءها ... وهنا، وزاحمت السماء بمنكب (1)
ضربت سماء في دخان فوقها ... لم تدر (2) فيها شعلة من كوكب
وتنفّست من كلّ لفحة جمرة ... باتت لها ريح الجنوب بمرقب
تذكو وراء رمادها فكأنها ... شقراء تمرح في عجاج أكهب
والليل قد ولىّ يقلّص برده ... كرّا (3) ويسحب ذيله في المغرب
وكأنما نجم الثريا سحرة ... كفّ تمسح عن معاطف أشهب
وقال في الأخذ بالجدّ والهزل (4):
إنّي وان كنت هضبة جلدا ... أهتزّ للحسن لوعة غصنا (5)
قسوت بأسا ولنت مكرمة ... لم ألتزم حالة ولا سننا
لست أحب العهود (6) في رجل ... تحسبه في خموده وثنا
لم يكحل السّهد جفنه كلفا ... ولا طوى جسمه الغرام ضنى
فلي فؤاد أرقّ من ظبة ... يأبى الدنايا ويعشق الحسنا (7)
طورا منيب وتارة غزل ... يبكي (8) الخطايا ويندب الدّمنا (9)
* * * تحمّل إلى قبر الغريب مزادة
من الدمع تندى حيث سرت وتنضح (10)
__________
(1) انظر تمام القصيدة في الديوان ص 15.
(2) الديوان: لم يدر.
(3) الديوان: كدا [والمسالك: شرقا].
(4) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(5) انظر القصيدة (11) بيتا في الديوان ص 143.
(6) الديوان: الجمود.
(7) الديوان: فاني فالعفاف من شيمي آبي وأعشق
(8) الديوان: أبكي.
(9) وهنا ينتهي ما ورد من ترجمة ابن خفاجة في نسخة ق. ولا شك انها سقطت منها أوراق، فنورد فيما يلي، القسم الذي بقي من هذه الترجمة في نسخة بالأصل. ولا نعرف الأبيات التي جاءت قبل هذا القسم أو بعده.
(10) انظر تمام القصيدة (28) بيتا في الديوان 296. ويرثي بها محمدا ابن أخته [والأبيات الثلاثة ساقطة من (ت)].(2/160)
وطيب سلام (1) يعبر البحر دونه
فيندى وأزهار البطاح فتنفح
وعرّج على قبر (2) الحميم بنظرة
تراه [بها] (3) عني هناك وتلمح
(ومما أورده له أبو الصّلت أميّة في الحديقة) (4) قوله في غلام التحى:
تغشّى نور وجنته القتاد ... وغطّى نور صفحته السواد (5)
فما يهفو إلى مرآه طرف ... ولا يصبو لذكراه فؤاد
يموت المرء ثم يعود حيّا ... وموت الحسن ليس له معاد
وقوله (6):
كأننا ولدينا البدر ندمان
وعندنا لكؤوس (7) الراح شهبان (8)
والقضب مائسة والطير ساجعة
والارض كاسية والجوّ عريان
وقوله في أسود يسبح:
وأسود يسبح في لجّة ... لا تكتم الحصباء غدرانها (9)
كأنها في شكلها مقلة ... زرقاء والأسود إنسانها
__________
(1) الديوان: احفى سلام.
(2) الديوان: على مثوى الحبيب.
(3) زدناه من الديوان [والقلائد].
(4) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(5) القطعة غير موجودة في الديوان.
(6) [البيتان، ساقطان من (ت)].
(7) المغرب: بكؤوس.
(8) لم يردا في الديوان، انظر المغرب.
(9) نقلنا هذين البيتين من نسخة ق في صفحة 130وذكرنا اختلاف النسخ.(2/161)
ووصفه صاحب قلائد العقيان (1) بهذا الفصل وقال: مالك أعنّة المحاسن وناهج طريقها، العارف بترصيعها وتنميقها، الناظم لعقودها، الراقم لبرودها، المجيد لإرهافها، العالم بجلائها وزفافها. تصرف في فنون الابداع كيف شاء، واتبع (2) ذكره في الاجادة الرشاء، (فشعشع القول وروّقه، ومدّ في ميدان الاعجاز طلقه، فجاء في نظامه أرقّ من النسيم العليل، وآنق من الروض البليل) (3). وذكر أنه كان في ريعان عمره ذا مجون وتهتك، وعاد في زمن كهولته ذا ورع وتنسّك، وأورد له، يندب أيام شبابه (4):
ألا ساجل (5) دموعي يا غمام ... وطارحني (6) بشجوك يا حمام
فقد وفّيتها ستين عاما (7) ... ونادتني ورائي: هل أمام؟
وكنت، ومن لباناتي لبينى ... هناك، ومن مراضعي المدام
[يطالعنا الصباح ببطن حزوى ... فينكرنا فيعرفنا الظلام] (8)
وكان به (9) البشام مراح أنس ... فماذا بعدنا صنع البشام؟
فيا شرخ [الشباب] (10) ألالقاء ... يبلّ به على برح أوّام؟
ويا ظلّ الشباب، وكنت تندي، ... على أفياء سرحتك السلام
ومما أورده غيره: وقال ابن خفاجة في الحمّام:
أهلا ببيت النار من منزل ... شيد لأبرار وفجّار (11)
نقصده ملتمسي لذّة ... فندخل الجنّة في النّار
__________
(1) انظر القلا ص 266.
(2) كذا في الأصل وفي القلا: أبلغ دلوه من الاجادة [وكذلك في (ت)].
(3) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(4) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(5) الديوان: عارض، انظر ص 165.
(6) الديوان: جاوبني.
(7) الديوان: والقلا: حولا.
(8) زدناه من الديوان.
(9) الديوان: بها، مخطوطة باريس: بذي، والقلا: لي.
(10) ساقط في الأصل [والتكملة من القلائد].
(11) غير موجودين في الديوان.(2/162)
وقال من أبيات يرثي فيها صديقا له:
تيقّن أن الله أكرم جيرة ... فأزمع عن دار الحياة رحيلا (1)
فإن أقفرت منه العيون فإنّه ... يعوّض (2) منها بالقلوب بديلا
ولم أر أنسا قبله عاد وحشة، ... وبردا على الأكباد عاد غليلا
ومن تلك أيّام السرور قصيرة ... به كان ليل الحزن فيه طويلا
وكتب إلى ابن درّاج النحوي جوابا عن كتاب كتبه إليه وجعل الجواب في ظهر الكتاب:
ومعرّض لي بالهجاء وهجره ... جاوبته عن شعره في ظهره (3)
فلئن نكن بالأمس قد لطنا به ... فاليوم أشعاري تلوط بشعره
هو من قول الآخر:
وأجيب في ظهر الكتاب إذا أتى ... فيلوط خطي في الكتاب بخطّه
وقال في أسود وجّهه في حاجة فأبطأ:
قبّحت من أسود غبيّ ... لا يفهم الوحي حين يوحي
أبطأ في سعيه فحاكى ... في حالتيه غراب نوح
وقال في تفضيل أخ على أخ:
تفاوت نجلا أبي جعفر ... فمن متعال ومن مستفل (4)
فهذا يمين بها أكله ... وهذا شمال بها يغتسل
__________
(1) انظر الديوان ص 305.
(2) الديوان: تعوض.
(3) لم يردا في الديوان ولا في القلا، انظر المغرب ص 371، ق 2.
(4) الديوان: منسفل، انظر ص 338.(2/163)
17* راشد بن عريف الكاتب (1) *
أورده أبو الصّلت في الحديقة. قال (2):
جمّع في مجلسي ندامى ... تحسدني فيهم النجوم (3)
فقال لي منهم ظريف (4) ... مالي (5) إذا قمت لا تقوم
فقلت إن قمت كلّ حين ... فان حظّي بكم عظيم
فليس عندي إذن ندامى ... بل عندي المقعد المقيم
وقال:
يا حاسد الأقوام فضل يسارهم ... لا ترض رأيا لم يزل ممقوتا
في المصر ألف فوق رزقك رزقهم ... وبه ألوف ليس يملك قوتا
لو قسّمت أرزاقهم بسويّة ... لم تعط الّا دون ما أعطيتا
18* أبو الحسن الشاغتني الراعي *
قال:
إلام أمنّي النفس ما الناس دونه ... كمنخدع يأوي إلى شرّ (6) خادع
قضى زمني أني له شرّ (7) نادم ... لتقرعني عنه صنوف القوارع
فإن يك ذا غيظ فانّ بنانه ... يسيل دما من عضّه المتتابع
__________
(1) سقطت هذه الترجمة و 37ترجمة بعدها من نسخة ق. أنظر ما ذكرنا عن المخطوطين في المقدمة.
(2) [هذه القطعة، غير موجودة في (ت)].
(3) أنظر الأبيات في المغرب والنفح.
(4) المغرب: خليل، والنفح: نديم.
(5) المغرب والنفح: مالك.
(6) [في (ت): الشر].
(7) [في (ب): سن].(2/164)
لمحمد بن شرف (1):
غيري جنى وانا المعاقب فيكم فكأنّني سبّابة المتندّم
[وله:]
لئن كان حظّي من زماني ما أرى ... فيا شؤم ميلادي ويا شؤم طالعي
ألا ربّ ليل بتّ ألبس جنحه ... على ظهر عزم للمفاوز قاطع
ولم أك مثل الطيف إن رام وجهة ... مضى آخذا إذن العيون (2) الهواجع
وهيهات إدراك المنى ووسائلي ... من الأدب المجفوّ فيها موانعي
19* ابن معلّى البريّاني *
من حصن بشرق الاندلس يقال له بريّانة، قال من قصيدة (3):
أمعتنق الصعيد وكان يغدو ... عليه وهو معتنق (4) الصّعاد
أرى لبس الحداد عليك ممّا ... يشقّ على المهنّدة الحداد
20* أبو مروان بن عيسى البلنسي *
قال:
أدر كأس المدامة في ندامى ... هم من فقد دائرها عطاش
فأوطار السرور بها تقضّى ... وأجنحة السرور بها تراش
21* المنفتل (5) *
قال (6):
في خدّ أحمد خال ... يصبو إليه الخليّ
كأنّه روض ورد ... جنّانه حبشيّ
__________
(1) له ترجمة مفصلة في هذا الكتاب (الفهرس).
(2) [في (ت): الهبوب].
(3) وردت هذه القصيدة الرثائية في الذخيرة وهذان البيتان هما السادس والسابع.
(4) الذخيرة: المعتقل [وكذلك في (ت)].
(5) في الأصل: أحمد بن شقاق المنفتل، انظر ما ذكرنا في ترجمته [في الفهارس].
(6) انظر هما في المغرب والذخيرة.(2/165)
22* أبو مروان بن غصن الحجاري (1) *
قال (2):
فديتك لا تخف منّي سلوّا ... إذا ما غيّر الشّعر الصّغارا
أهيم بدنّ خلّ كان خمرا (3) ... وأهوى لحية كانت عذارا
23* أبو محمد عبد الله بن عبد البر الكاتب (4) *
كاتب المعتمد، قال:
لا تكثرنّ تأمّلا ... وامسك (5) عليك عنان طرفك
فلربّما أرسلته ... فجرى (6) إلى ميدان حتفك
24* أبو محسن بن أبي عامر الباكري (7) *
قال في مصلوب (8):
ورأت يداه عظيم ما جنتا ... ففررن ذي شرقا وذي غربا
وأمال نحو الصدر منه فما ... ليلوم في آرائه القلبا
__________
(1) في الأصل والمغرب: الحجازي [وهو غير موجودة في (ت)].
(2) ورد البيتان في النفح والمغرب والذخيرة.
(3) النفح: صار خلا والبيتان في المسالك.
(4) ذكره العماد مرة أخرى في هذا الكتاب (الفهرست) ورقة 176 [وهو غير موجود في (ت)].
(5) المغرب: أحبس.
(6) المغرب: فرماك في
(7) كذا في الاصل ولعله أبو عامر التاكرني كما في المغرب. انظر ما ذكرنا في التراجم.
(8) نسب ابن سعيد هذين البيتين إلى عمارة اليمني. أنظر عنوان المرقصات ص 51.(2/166)
وإلى هذا نظر عمارة اليمني (1) من أهل عصرنا في وصف مصلوب، وقد أوردته في موضعه:
أراد علوّ مرتبة وقدر ... فأصبح فوق جذع وهو عال
ومدّ على صليب الجذع منه ... يمينا لا تطول إلى الشمال
ونكّس رأسه لعتاب قلب ... دعاه إلى الغواية والضلال
25* أبو القاسم السميسر (2) *
هو (3) أبو القاسم خلف (4) بن فرج الألبيري (5) المعروف بالسميسر.
ذكره أبو الصّلت في الحديقة. كان كثير الهجاء وله كتاب لقّبه «شفاء الامراض (6) في أخذ الاعراض». فمن شعره قوله:
يا آكلا كل ما اشتهاه ... وشاتم الطبّ والطبيب (7)
ثمار ما قد غرست تجني ... فانتظر السقم عن (8) قريب
يجتمع الداء كل يوم ... أغذية السوء كالذنوب
__________
(1) هو أبو محمد عمارة بن علي بن زيدان بن أحمد اليمنى، نجم الدين، شاعر مجيد وأديب ماهر، استوطن مصر. قال ابن خلكان: ورأيت في كتابه الذي جعله تاريخ اليمن أنه فارق بلاده في شعبان ستة 502وكان فقيها شافعي المذهب احسن الصالح وبنوه واهله إليه كل الاحسان وصحبوه مع اختلاف العقيدة لحسن صحبته وأكثر مدائحه في الصالح وشاور السعدي. وقتله السلطان صلاح الدين سنة 569في القاهرة. نقل ابن خلكان شيئا من ترجمته عن الخريدة، قسم شعراء مصر انظر ابن خلكان ج 2ص 107وبغية السيوطي ص 309.
(2) الذخيرة ق 1، م 2، ص 372.
(3) [كلمة: هو، غير موجودة في (ت)].
(4) [في (ت) ابن خلف].
(5) [كلمة: الالبيري، غير موجودة في (ت)].
(6) في الأصل: أعراض. صح من النفح.
(7) انظر هما في الذخيرة والنفح والرايات والمغرب.
(8) الرايات: من.(2/167)
وله في هذا المعنى (1):
أآكل ما تشتهي ... نهيت ولم تنته
لأكلك ما تشتهي ... بقيت وما تشتهي
وله (2):
يا مشفقا من خمول قوم ... ليس له (3) عندنا خلاق
ذلّوا وكم طالما (4) أذلّوا ... دعهم يذوقوا كما أذاقوا
وله:
خنتم فهنتم وكم أهنتم ... زمان كنتم بلا عيون (5)
فأنتم تحت كلّ تحت ... وأنتم دون كل دون
سكنتم يا رياح عاد ... وكل ريح إلى سكون
وله:
جاء القليل مكدّرا ... ومقتّرا مثل العصاره (6)
دهن الحجارة جاءني ... وعجبت من دهن الحجاره
وله يهجو أبا الحسن علي العامري (7):
جاد عن بخل عليّ ... تلك في العالم ندره (8)
فهي كالنار اعترتها ... عصر ابراهيم قرّه
جاد نزرا فقبلنا ... درهم الساقط بدره
__________
(1) لم يرد البيتان في مراجعنا.
(2) انظر هما في النفح والذخيرة.
(3) في النفح والذخيرة: لهم.
(4) الذخيرة: قد طالما.
(5) [في الأصل: زمان ما كنتم بلا عيون، والاصلاح من النفح والذخيرة إذ ان (ما) زائدة في الميزان].
(6) لم ترد هذه الابيات في مراجعنا.
(7) [في (ت) لا توجد إلا كلمة: وله].
(8) لم ترد هذه الابيات في مراجعنا.(2/168)
عجب الناس وقالوا ... كيف (1) نيلت منه ذره
هل رأيتم بعد موسى ... أحدا فجّر صخره
26* ابن حنظلة البطليوسي *
قال يمدح ابن الافطس (2):
زعم الناس ان حاتم طيّ ... أول في الندى وأنت الثاني
كذب الناس ليس ذاك صحيحا ... هو مرعى وليس كالسّعدان
27* أبو الفتح عبد العزيز ابن جعفر العدوي *
قال:
نظر الناس إلى حسن الذي أهوى وحزني
فرأوا يوسف منه ... ورأوا يعقوب منّي
28* أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي وهب *
أورده أبو الصّلت في الحديقة، قال:
قالوا تدانيت من وداعهم ... ولم نر الصبر منك مغلوبا (3)
فقلت للعلم انني لغد ... أسمع لفظ الوداع مقلوبا
__________
(1) [كلمة: كيف، ساقطة من (ت)].
(2) المراد به المتوكل، انظر ترجمته في هذا الكتاب، والبيتان في المطرب ص 25.
(3) ورد البيتان في النفح ج 2ص 492.(2/169)
نظيره لأبي عبد الرحمان النيلي من شعراء اليتيمة (1):
اذا دعاك (2) الوداع فاصبر ... ولا يروعنّك (3) البعاد
وانتظر العود من قريب ... فان قلب الوداع عادوا
ولابن جاخ الصبّاغ في المقلوب (4):
وتحت البراقع مقلوبها (5)
وقد مضى ذكره
وقال ابن أبي وهب:
قم فاسقني والرياض لابسة ... وشيا من النور حاكه القطر (6)
والشمس قد عصفرت غلائها ... والارض تندى ثيابها الخضر
والنهر مثل المجرّ حفّ به ... من الندامى كواكب زهر
والرّوض مثل السماء حلّ به (7) ... من وجه من قد هويته بدر
وقال ابن أبي وهب من أبيات في النّيلوفر (8):
تلاقى الدجى نوما بأجفان هاجر ... وتلقى الضحى سهدا بأجفان مهجور
وقال:
ما أنس لا أنس حمّاما صليت به ... من حرّ وجدي بحرّ النار أضعافا
من كلّ أغيد مجدول الحشا غنج ... قد اتلفت صبرنا عيناه إتلافا
قد كدت أحسبه من حرّه سقرا ... لو لم يطف بي من الولدان من طافا
__________
(1) هو محمد بن عبد العزيز النيلي النيشابوري من الاعيان والافراد في الفقه. انظر ترجمته في اليتيمة ج 4ص 428حيث ورد هذان البيتان.
(2) اليتيمة: إذا رأيت.
(3) اليتيمة: لا يهمنك.
(4) ابن جاخ الصباغ البطليوسي، قال المقري إنه «من أعاجيب الدنيا لا يقرأ ولا يكتب» وكان يضحك منه الشعراء حتى أنشد قصيدته الجميلة في مدح المعتضد عباد وقال في آخرها:
من شاعر لم يطلع أدبا ولا * خطت يداه صحيفة بمداد. انظر النفح ج 2ص 596595.
(5) [هذا الشاهد غير موجود في (ت)].
(6) انظر الابيات في النفح ج 5ص 329طبع محمد محي الدين عبد الحميد.
(7) في النفح: في مجلس كالسماء لاح به.
(8) [من هنا إلى أبي زيد بن العمة ساقط من (ت)].(2/170)
29* أبو محمد الأعشى النحوي *
قد ذكرنا الاستشهاد في شعر ابن البين (1) بقوله وهو:
ملك اذا ادّرع الدّلاص حسبته ... لبس الغدير وهزّ منه جدولا
فحذار ليثا لا ينهنه باسلا ... تخذ الصّوارم غيله والذّبّلا
30* أبو زيد بن العمة *
قال في الشطرنج (2):
هلمّ الى تدبير جيشين جمّعا ... رخاخ وأفيال وجرد سوابح
تكبّرن عن حمل السلاح الى الوغى ... فأرماحها ألبابنا والقرائح
31* أبو الفضل جعفر ابن شرف *
هو ولد أبي عبد الله محمد (3) مصنّف أبكار الافكار (4)، توفّي في حدود سنة ثلاثين وخمسمائة، قال في وصف فرس من قصيدة:
(5) لبست أعكافه (6) ثوب الدجى ... وتجلّى خدّه بالفلق (7)
وانبرى تحسبه أجفل عن ... لسعة أو حية أو دلق (8)
__________
(1) انظر الخريدة ج 11ورقة 75حيث يقول العماد: أورده الرشيد بن الزبير في كتاب الجنان من الاندلسيين ولم أعرفه إلا منه.
(2) البيتان في المطرب ص 80.
(3) الاصل: محمد بن مصنف. ولأبي عبد الله هذا ترجمة في هذا الكتاب. انظر الفهارس.
(4) [من كلمة: توفي، إلى المقطوعة: وعصرك مثل زمان الربيع الخ غير موجود في (ت)].
(5) انظر تمام القصيدة (41) بيتا في النفح ج 2ص 262.
(6) النفح: أعطافه
(7) النفح: وتحلى خده باليقق.
(8) النفح: جنة أو أدلق.(2/171)
وقال:
أوجست في الحرب من وخز القنا ... فتوارت حلقا في حلق
وقال مرة أخرى:
وعصرك مثل الزمان الربيع ... لا يهجر الشمس فيها الحمل
تسامت علاك سموّ النجوم ... وسارت أياديك سير المثل
ومن أخرى:
قدمت لنصف شهر الصوم برءا ... لما يشكو لبعدك من سقام
ولما ان طلعت لنا هلالا ... حسبنا الفطر في نصف الصيام
وصرت البدر لاح فما عجبنا ... لنصف الشهر من بدر تمام
فان تمكث فطود في ثبات ... وان ترحل فسهم في اعتزام
وقال من أبيات:
ألمي لفقد الدمع بعد فراقكم ... ألم الجراحة بالدم المحصور
وقال وتروى لأبيه:
صنم من الكافور بات معانقي ... في حلّتين تعفف وتكرم
فكرت ليلة وصله في صدّه ... فجرت بقايا أدمعي كالعندم
فطفقت أمسح مقلتيّ بجسمه ... إذ عادة الكافور إمساك الدم
وسنورد شعر أبي عبد الله محمد ابن شرف وكلامه. وكان معاصرا لابن رشيق (1) عند ذكره ان شاء الله تعالى (2). أنشدني أبو علي الحسن بن علي بن صالح الاندلسي (3) وقد قدم العراق سنة سبع وخمسين وخمسمائة. قال أنشدني غير واحد لابن شرف انه قال عند وفاته:
__________
(1) له ترجمة في هذا الكتاب، انظر الفهارس.
(2) [جملة: إن شاء الله تعالى، غير موجودة في (ت)].
(3) نقل العماد أشعارا وتراجم كثيرة عن الحسن ابن صالح هذا (انظر فهرست الاسماء) ولم نعثر على ترجمته في مراجعنا.(2/172)
رحلت وكنت ما أعددت زادا ... وما قصّرت عن زاد المقيم
فها أنا قد رحلت بغير شيء ... ولكنّي نزلت على كريم
(1) فما أدري أنشدنيهما لهذا ابن شرف أو لأبي عبد الله ابن شرف وذكر لي الفقيه اليسع بن عيسى بن اليسع الغافقي (2) الاندلسي بمصر ان ابن الفضل جعفر بن محمد ابن شرف شيخه وهو يروي عنه. وقال أدركته سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقد بلغ خمسا وتسعين سنة وتوفي سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وقد أناف على المائة وكان يروي العمدة لابن رشيق عنه بالاجازة، واجاز لي روايتها عنه بالاجازة عن ابن شرف عن ابن رشيق، وأنشدني لابن شرف هذا:
مطل الليل بوعد الفلق ... وتشكّى النجم طول الأرق
ووصفه الفتح صاحب قلائد العقيان (3) وقال: الاستاذ الأديب، الحكيم الناظم الناثر، الكبير المعالي والمآثر، وذكر أنه زاخر العباب، فاخر الآداب. وله يد في علم الأوائل بها خبرة الالباب (4)، وله تصانيف منها كتابه المسمى «سر البر ورجزه» الملقب ب «نجح النصح». ومن حكمه قوله:
العالم مع العلم كالناظر في البحر (5) يستعظم منه ما يرى والغائب عنه أكثر (6)، لولا التسويف لكثر العلم (7). الفاضل في الزمان السوء كالمصباح في البراح، قد كان يضيء لو تركته الرياح. لتكن بالحال المتزائدة أغبط منك بالحال المتناهية. والقمر (8) آخر إبداره أول إدباره. لتكن بقليلك أغبط منك
__________
(1) [من هنا إلى قوله: لأبي عبد الله ابن شرف مفقود من (ت)].
(2) [في (ت): الشافعي].
(3) انظر القلا ص 290.
(4) [أصل العبارة في القلائد: وإن تكلم في علوم الأوائل بهرج الأذهان والألباب].
(5) القلا: الناظر البحر.
(6) القلا: ما عاب عنه.
(7) الجملة غير موجودة في القلائد [وبدلها كلمة ومنها التي رددها صاحب القلائد بعد كل حكمة].
(8) [في (ت) والقلائد: فالقمر].(2/173)
بكثير غيرك. فان الحي برجليه وهما ثنتان، أقوى من الميت على اقدام الحملة وهي ثمان. المتلبّس بمال السلطان كالسفينة في البحر ان ادخلت بعضه في جوفها ادخل جميعها في جوفه. التعليم فلاحة الأبدان (1) وليست كل أرض منبتة. الحازم من أيقن فبادر وشك وروى (2) قول الحق من كرم العنصر كالمرآة كلما كرم حد يدها أدّت حقائق الصفات. رب سامح بالعطاء على باخل بالقبول. [ليس] المحروم من سأل فلم يعط، وإنما المحروم من أعطي فلم يأخذ. ابن آدم (3) تذمّ أهل زمانك وأنت منهم كأنك وحدك البريء وكلهم (4) الجريء، كلا بل جنيت، وجني عليك فذكرت ما لديهم ونسيت ما لديك. اعلم ان الفاضل الذكي لا يرفع (5) أمره أو يظهر قدره، كالسراج لا تظهر أنواره أو يرفع مناره. الناقص الذي (6) لا يبلغ الى نقصه الا بوضعه، كهوجل السفينة لا ينتفع بضبطه الا بعد الغاية من حطّه.
وله من رسالة:
توسّل الهمم، أعزّك الله، كتوسل الذمم، ورب راق بوسيلة ذي اشتياق فاستباق الى فضيلة [رصد] (7) فقصد واحتشد فتحرى الرشد (8).
ولمّا طلع بك المجد من معالمه وأينع لك الحمد في (9) كمائمه فلاح محيّاك قمرا زاهرا، [وفاحت سجاياك زهرا عاطرا]، وأنار بأفقك منار الانوار، ودار على قطبك مدار الفخار، وخفّ (10) اليك بالقلوب ارتياحها وطار اليك بالنفوس
__________
(1) القلا: فلاحة الاذهان.
(2) [في (ت): فتروى، وفي القلائد: الحازم من شك فروى وأيقن فبادر].
(3) [في القلائد: يا ابن آدم].
(4) [في القلائد: وجميعهم].
(5) القلا: الزكي لا يرتفع
(6) القلا: الدنيء لا يبلغ لنفعه الا
(7) زدناه عن القلا.
(8) [في (ت): إلى الرشد].
(9) القلا: من:
(10) [في (ب): وحثت إليك بالنفوس].(2/174)
جناحها، فجوامع الجوامع (1) لديك حضور، ونواظر (2) الخواطر اليك صور (3). وقد تخيلتك نظرات العيون (4) وتيممتك خطرات القلوب فحنت اليك حنين اليفن الى صباه، واهتزت اهتزاز الغصن الى صباه. ولا غرو ان رمت اليك القلوب بأرواحها وتلقتك العيون بالتماحها فقد يرقب الصباح ويلمح القمر اللّياح وليس على عاشق الفضل من جناح.
وكتب الى وزير (5):
أطال الله بقاء الوزير (6) وأعلى مرتقاه في رفعة العز ومنعة الحرز، الوزير الاجل (7) كالمطر الجود يملأ الحياض، وينبت الرياض، بل كالقمر يقذف بالنور، ويذهب بالديجور، وقد ألحفني من سناه، وسقاني من سقياه، بما أنار فأضوى، وجاد فأروى. فلله أياديه (8) ما أنزلها بكل فناء، واسمعها لكل نداء، حين رعى قصدي وهو مجفيّ، ووعى صوتي وهو خفيّ. فالآن (9) أضرب بحسام اعتناؤك (10) جرّده، وآوي الى ذمام علاؤك (11)
أكّده، (12) [و] الله بفضله يديم نعماءه، ويعلي ارتقاءه، حتى أظهر بسمائه واشتهر بأرفع أسمائه.
__________
(1) القلا: جوانح.
(2) [في (ت): ومواطن].
(3) جمع: أصور، من صور: مال.
(4) القلا: نظرات الغيوب.
(5) [هذه الرسالة غير موجودة في (ت)].
(6) القلا: الوزير الامجد الاجل الاوحد.
(7) القلا: الوزير الامجد دام عزه.
(8) في القلا: ايادي الوزير.
(9) في القلا: فالان أدام الله رفعة الوزير.
(10) في القلا: اعتناءه
(11) في القلا: علاءه.
(12) في القلا: وكده.(2/175)
ومن شعره قوله:
قامت تجر ذيول العصب والحبر ... ضعيفة الخطو (1) والميثاق (2) والنظر
تخطو فتولي الحصا من حليها نبذا ... وتخلط العنبر الوردي بالعفر
غيري يخلي (3) بما تبديه من قلق ... في الوشح أو غصص تخفيه في الأزر
لم أدر هل حنق الخلخال من غضب ... عليه أم لعب الزنار من أشر
تلفّتت عن طلى وسنان وابتسمت ... عن واضح مثل نور الروضة العطر
إن نلت ريّاه لم أطمع بمطمعه (4) ... لأن روض الصّبا نور بلا ثمر
ما لذّ للعين نوم بعدما ذكرت ... ليلا سمرناه بين الضال والسّمر
[تساقط الطل من فوق النحور به ... تساقط الدر في اللبات والثّغر] (5)
ومفرق الليل قد شابت ذوائبه ... فبتّ أدعو له بالطول في العمر
والليل يعجب والظلماء داجية (6) ... من ساهر يتشكّى الليل (7) بالقصر
فبتّ أجزع من ليل بواضحة ... تبدو وأبخل من روض على سحر
يا من جفا فجفاني الطيف (8)، هجرك لي
بأي عذر؟ فعذر الطيف في السهر
ذكرت بالسفح شملا غير منصدع ... بالنائبات ونظما غير منتثر
ومنها في وصف السيف:
ان قلت نار، أتندى النار ملهبة ... أو قلت ماء، أيرمي الماء بالشرر؟
__________
(1) [في النفح: الخصر]
(2) في الأصل: المساق.
(3) في القلا: الخلي.
(4) [في (ت): مطعمه].
(5) زدناه من القلا.
(6) في القلا: جانحة.
(7) في الأصل: يشتكي لليل.
(8) [في القلائد: الضيف].(2/176)
ومنها في وصف الدرع:
من كل ماذيّة أنثى فلا عجب ... كيف استهانت بوقع الصارم الذكر؟
وله من أخرى أوّلها (1):
ما الرسم من حاجة المهريّة الرّسم ... ولا مرام المطايا عند ذي أرم
ردّي شبا اللحظ (2) تهدين الركاب فما ... بالبيد للرّكب من (3) هاد [ولا] علم
* * * حثّي المطي وشدّي في دوائرها ... هذا أوان انقضاء (4) الشدّ من زيم
ريعت لنبأة سامي السّوط فالتفتت ... صعر الخدود الى سوّاقة حطم
ثبت على صهوات الناجيات وقد ... أخفت سروج (5) المطايا صولة اللّجم
منوطة بغواشي البيض راحته ... كأنّما اختلطت بالصارم الخذم
بتنا نكالىء طرف العين عن سنة ... فالطيف يستأذن الاجفان في الحلم
معرّسين بأغفال البطاح لنا ... تحت الوشيج مبيت الأسد في الأجم
قامت تغبّطني بالحرص سالكة ... بين السبيلين لم تقعد ولم تقم
ظنّت بي العجز وارتابت فخاصمها ... جور الزمان فلم تعذر ولم تلم
اني وان عزّني نيل المنى لأرى ... حرص الفتى خلّة زيدت الى العدم
فما عكفت بآمالي على وثن ... ولا سجدت بأشعاري الى صنم
أهل المناظر والألباب خالية ... لا يعدمون من الدنيا سوى الفهم
نالوا الحظوظ فحازوها موفّقة (6) ... كما تقاسمت الأيسار بالزّلم
لمّا رأيت الليالي قد طبعن على ... جدب الاسود وخصب الشاء والنعم
__________
(1) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].
(2) في القلا: الخماد.
(3) زائد من القلا.
(4) في القلا: اقتضاه.
(5) في القلا: سروح.
(6) [في القلائد: موافقة].(2/177)
رجعت أضحك والإعوال أجدر بي ... من ميسر كان فيه الفوز للبرم
تقلدتني الليالي وهي مدبرة ... كأنّني صارم في كف منهزم (1)
ذهبت بالنفس لا ألوي على نفس (2) ... وان دعيت به ابن المجد والكرم
وللمصاع (3) وأطراف اليراع يد ... [بنت] (4) لي المجد بين السيف والقلم
ومن مدائحها:
وإنّ أحمد في الدنيا وان عظمت ... لواحد مفرد في عالم أمم
تهدى الملوك به من بعد ما نكصت ... كما تراجع فلّ الجيش بالعلم
رحب الذّراع، طويل الباع، متضح ... كأن غرته نار على علم
من الملوك الألى اعتادت أوائلهم (5) ... سحب البرود ومسح المسك بالّلمم
زادت مرور الليالي بيتهم [شرفا] (6) ... كالسيف يزداد إرهافا على القدم
تسنّموا نكبات الدهر واختلطوا ... مع الخطوب اختلاط [البرء] (7) بالسقم
وله من أخرى أولها:
سروا ما امتطوا، الا الظلام، ركائبا ... ولا اتخذوا الا النجوم صواحبا (8)
وقد وخطت أرماحهم مفرق الدجى ... فبات بأطراف الأسنة شائبا
وليل كطيّ المسح جبنا سواده ... كأنّا امتطينا من دجاه النوائبا
خبطنا به الظلماء حتّى كأنما ... ضربنا بأيدي العيس إبلا غرائبا
وركب كأنّ البيض أمست ضرائبا ... لهم وهم أمسوا لهنّ ضرائبا
إذا أوّبوا ساروا شموسا منيرة ... وإن ادلجوا، أمسوا نجوما ثواقبا
__________
(1) انظر هذه الابيات في المغرب.
(2) في القلا: نشب.
(3) في القلا: فللمصارع.
(4) [الزيادة من القلائد].
(5) في القلا: اعتاد.
(6) زدناه من المغرب والقلا.
(7) [من القلائد].
(8) [الأبيات الأربعة الأولى ساقطة من (ت)].(2/178)
طوال طوال الباع والخيل [تحتهم] (1) ... تخالهم فوق الجياد أهاضبا
فما يحملون السّمر الا عواليا ... ولا يركبون الخيل الا سلاهبا
اذا اعتقلوا للطعن سمرا عواليا ... أو اتّشحوا للضرب بيضا قواضبا (2)
وله من أخرى أولها (3):
أرح خطاك فحلي النّجم قد نهبا ... وقد قضى الشرق من وصل الدجى طربا (4)
إنّا ركبنا من الظلماء جانحة ... كأننا من دجاه نمتطي نوبا
سل النجوم هل ارتابت بصحبتنا ... لما أثرن اليهنّ القنا السّلبا
اذا استمرّت لمجرى (5) النجم سالكة ... خلنا (6) المجرّة من آثارها ندبا
تهفو الركاب فتهدينا أسنّتنا ... كأنما عارضت أطرافها الشّهبا
وباتت الخيل يقدحن الحصا حنقا ... حتى تضرّم ذيل الليل والتهبا
تلك الفوارس لا تثنى أعنّتها ... عن وجهة أو ينال السيف ما طلبا
باتوا على نشوة ما هاجها طرب ... وقد أداروا لطاسات السرى نخبا (7)
اذا أثاروا القنا عن جنح مظلمة ... شالوا النجوم على أطرافها عذبا
وله:
خيال زارني عند الصباح ... وثغر الشرق يبسم عن أقاح (8)
وقد حشر الصباح له ونادى ... فأصغى النجم منه الى الصباح
وفاض على الكواكب وهو طام ... وطار النسر مبلول الجناح
وزائرة طردت لها منامي ... وقد عقد الكرى راحا براح
__________
(1) كذا في المغرب، وفي القلا، والقنا. والكلمة مزادة بهامش الأصل.
(2) ورد من هذه القصيدة 12بيتا في القلا.
(3) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].
(4) في القلا: اربا.
(5) في القلا: بمجرى.
(6) في القلا: خلت.
(7) في القلا: نغبا.
(8) انظر تمام القصيدة (44بيتا) في القلا.(2/179)
وادناها الهوى حتى أذلّت ... وباتت بين ريحان وراح
تهزّ الغصن في حقف مهيل ... وتفري الليل عن قمر لياح
وأضناني الهوى فنعت نحولي ... وهل ينعى النحول على الصّفاح
وقد حمّلت ثقل (1) الحبّ ضعفي ... كحمل الخصر للكفل الرّداح
أحنّ الى رضاك وفيه برئي ... كما حن العليل الى الصباح
و [قد] (2) أحللت حبك في فؤادي ... محلّ المال من أيدي الشّحاح
سأفزع في هواك لحسن صبري ... كما فزع الجبان الى السلاح
وأقتدح الرغيبة من ركاب ... براهنّ السّرى بري القداح
تعنّف ان رأت شأوي (3) بعيدا ... ومن يثني الجواد من الجماح
سرى جبنا به الظلماء حتّى ... سبقنا البائتين الى الصباح
اذا ونت الكواكب عن مداها ... حفزناها بأطراف الرماح
ومن كان الوزير له ظهيرا ... يسم راعيه في حيّ لقاح (4)
بحيث الرعي في أحوى أحمّ ... وحيث الورد في شم (5) قراح
من القوم العزيزيّين أهل ... العلى والطّول والنسب الصّراح
اقاموا المجد في سمك عليّ ... ومدّوا العزّ في أرض فياح
فيأوي (6) كل عاف من ذراهم ... الى بيض النهى (7) خضر البطاح
وقد قام العلى فيهم خطيبا ... وصاح الجود: حيّ على الفلاح
بأبنية وأعمدة طوال ... وراحات وساحات فساح
أبا بكر كتمت علاك حلما ... فنمّ على الرّبا طيب الفواح
فكم تحيي الموالي بامتنان ... وكم تردي المعادي باجتياح
__________
(1) في القلا: عبء.
(2) ساقط في الأصل [والزيادة من (ت)، والقلائد].
(3) [في القلائد: شأوا].
(4) [من هذا البيت إلى السابع بعده غير موجود في (ت)].
(5) في القلا: شيم.
(6) [في القلائد: فآوى].
(7) في القلا: اللمى.(2/180)
يمين ملّكت رقّ المساعي ... وكفّ أعذبت ماء السماح
وفضل لا ينيب الى نصيح ... وجود لا يصيخ لقول لاح
وحكم (1) أوسع الدنيا وقارا ... وقد خفقت له خفق الجناح
ومنها:
دعوت المتقين (2) لخير مأوى ... وأحللت الطريد أعزّ ساح
فما للفضل منها من زوال ... وما للمجد عنها من براح
لقد أنسى زمانك كل عيد ... بعزّ ثابت وأسى مزاح
وذي الايام أعياد الأيادي ... فكيف تضيفهن الى الاضاحي
وله (3):
يا منجدي والدهر يبعث حربه ... شعثاء قد لبست رداء عجاجها
لله درّك إذ بسطت الى الرضى ... نفسا تمادى الدهر في إحراجها
وأرقت ماء الود (4) في نار الأسى ... كالراح يكسر حدّها بمزاجها
فيأتني تلك الغمام فبرّدت ... من غلّة كالنار في إنضاجها
فأويت تحت ظلالها ووجدت بر ... د نسيمها وكرعت في ثجّاجها
حاولت منّي أن أطارد حاجة ... مرضت فأعيا الناس باب علاجها
قل كيف تنعش بعد طول عثارها ... أم كيف تفتح بعد سدّ رتاجها
وله وقد استدعي الى حضرة المتوكل فنزل الغيث عليه في طريقه اليه (5):
صاحبنا الغيث الى الغيث ... لكنّه غيث بلا عيث
سحابة تهمي حياها سرى ... لا تخلط الاعجال بالريث
يا ليث غاب حسنه باهر ... والحسن لا يعرف لليث
أحلّني قربك في موضع ... يجلّ عن أين وعن حيث
__________
(1) في القلا: حلم.
(2) في القلا [و (ت)] المعتفين.
(3) هي 15بيتا في القلا، يراجع بها ابن اللبانة [وهي غير موجودة في (ت)]
(4) [في الأصل: الورد، وما أثبت من القلائد].
(5) [غير موجودة في (ت)](2/181)
32* أبو الفضل عبد الله بن الغابر الأندلسي *
قال من قصيدة:
كن كالزمان فقد لانت معاطفه ... ونلت منه بفضل الواثق (1) الوطرا
وما خصصت ولكن عمّ نائله ... فاستعبد الثقلين: الجنّ والبشرا
عدل يمدّ رواق العزّ سيرته ... فيشمل الموطنين: البدو والحضرا
وتكشف الظلم والاظلام غرته ... فيخجل النيّرين: الشمس والقمرا
ويستوي ذكره حسنا ومنظره ... فيشغل الممتعين: السمع والبصرا
مرأى وخبرا أتانا عن جلالته ... فزكّيا الشاهدين: العين والأثرا
سرّح منالي (2) الى ساحات أنعمه ... وضمّن الصادقين: الخبر والخبرا
قال يهنىء بمولود في رجب (3):
نجم تراءى في سماء الحسب ... للشّهب في أيامه منتسب
وأغربت ليلة ميلاده ... فليلة القدر أتت في رجب
وقال:
مني ومنك تدلّل وتذلّل ... والصبر عنك تعلّل وتجمّل
فالعين عين ما يعين (4) معينها ... والقلب فيك على العويل معوّل
في كل جزء من جفونك صارم ... وبكل جزء من فؤادي مقتل
33* أبو عبد الله محمد بن عبادة القزاز (5) *
قال يمدح ابن صمادح وخلط النسيب بالمديح:
نفى الحب عن مقلتيّ الكرى ... كما قد نفى عن يدي العدم
__________
(1) لعله يقصد بالواثق يحي بن محمد بن معن بن صمادح.
(2) [في (ت): مناك].
(3) [هذه القطعة والتي بعدها ساقطتان من (ت)].
(4) [هكذا في الأصل، ولعله: يغيض].
(5) في الأصل وفي النفح (ج 2ص 279، 330، 492): القزاز. وفي المغرب والذخيرة: ابن القزاز. انظر ما ذكرنا عنه في التراجم.(2/182)
فقد قرّ حبّك في خاطري ... كما قرّ في راحتيه الكرم
وفرّ سلوّك عن فكرتي ... كما فرّ عن عرضه كل ذم
فحبّي ومفخره باقيا ... ن لا يذهبان بطول القدم
فأبقى لي الحب خال وخدّ (1) ... وأبقى له الفخر خال وعم
ووجدت في قلائد العقيان شعرا لابن عبادة في المعتمد يوم العروبة (2)
مشهود له بالاجادة (3):
وقالوا كفه جرحت فقلنا ... أعاديه تواقعها الجراح
وما أثر الجراحة ما رأيتم ... فتوهنها المناصل والرماح
ولكن فاض سيل البأس (4) منها ... ففيها من مجاريه (5) انسياح (6)
وقد صحّت وسحّت بالأماني ... وفاض الجود منها والسّماح
34* عبادة بن محمد بن عبادة القزّاز (7) *
قال:
انما الفتح هلال طالع ... لاح من أزراره في فلك
خدّه شمس وليل شعره ... من رأى الشمس بدت في حلك
35* محمد بن يوسف المعروف بابن الرفّا البلنسي *
ذكره أبو الصلت في الحديقة وقال: يوسف بن الرفا البلنسي (8) قال في شمعة:
__________
(1) النفح: جد.
(2) يقصد بيوم العروبة وقيعة الزلاقة التي انتصر فيها يوسف بن تاشفين على عسكر اذفنش في 12 رجب سنة 479هـ.
(3) عدد أبيات هذه القطعة 6في القلا (ص 14).
(4) في المغرب: سيل الجود.
(5) [من (ت)]، وفي الأصل: مجاريها.
(6) في المغرب: في جوانبه انسياح.
(7) انظر ما ذكرنا عن القزاز وابن القزاز في التراجم [وهو غير موجود في (ت)].
(8) [من ذكره، إلى هنا، غير موجود في (ت)].(2/183)
وصفراء لم تدر الهوى غير أنّها ... رثت لي وباتت تسعد الليل أجمعا (1)
نحولا وسهدا واصفرارا وحرقة ... وخفقا وسقما واصطبارا وأدمعا
وقال من قصيدة:
وإذ تنثني حولي غصون معاطف ... تأطّر من حلي بورق سواجع
فأرعى ثريّا كلّ قرط خفوقه ... لقلبي ولكن درّه لمدامعي
[ولابن الرفّا أيضا (2)]:
يا ضيا الصّبح بخبت الغبش ... أطراز فوق خدّيك وشي
أم رياض رنّحتها مزنة ... وبدا الصّدغ بها كالحنش
لست أدري أسهام اللحظ ما ... أتّقي أم لدغ ذاك الأرقش
بأبي منك قسيّ لم تزل ... راميات أسهما لم تطش
رشقت قلبا خفوقا يلتظي ... كضرام في يدي مرتعش
ربّ ليل بتّه ذا أرق ... إبر [بياض] ام قتاد فرشي
سابحا في لجج الدمع ولك ... نّني أشكو غليل العطش
ونجوم الليل في أسدافه ... كسيوف بأكفّ الحبش
وسماء الله تبدي قمرا ... واضح الغرّة كابن القرشي]
36* أبو مروان عبيد الله بن سرية (3) *
قرأت في رسالة أبي الصّلت أميّة وقد ذكر لنفسه شعرا (4) وقال:
هذا نظير ما أنشدنيه عبيد الله بن سريّة لنفسه (5):
__________
(1) [ورد عجز هذا البيت في (ت) هكذا: رثت لي فباتت تسعر الوجد أدمعا].
(2) [هذه القطعة انفردت بها (ت)].
(3) في الرسالة المصرية: عبد الله
(4) نسب العماد والمقري في النفح (ج 1ص 326) أبياتا (انظرها فيما يلي) إلى أبي الصلت، ولكن متن الرسالة (طبع عبد السلام هارون) يخالفهما في هذا. انظر الرسالة ص 18حيث يقول: «أو كما قال غيره من أهل العصر يصف فيها أرض مصر. الابيات»
(5) [كلمة: لنفسه، غير موجودة في (ت)].(2/184)
راقني النّهر صفاء ... بعد تكدير صفائه
كان مثل الورد غضّا ... فهو اليوم كمائه (1)
وشعر أبي الصلت (2):
ولله مجرى النيل فيها (3) اذا الصّبا ... أرتنا به في مرّها (4) عسكرا مجرا
فشطّ يهزّ السمهريّة ذبّلا ... وموج يهزّ البيض هنديّة بترا
اذا مدّ جا (5) كالورد غضّا وإن صفا ... حكى ماءه لونا ولم يعده نشرا (6)
وقال عبيد الله بن سرية أيضا (7):
ولما رأيت الغرب قد غصّ بالدجى ... وفي الشرق من ضوء الصباح دلائل
توهّمت أن الغرب بحر أخوضه ... فإنّ الذي يبدو من الشرق ساحل
37* أبو الطيب بن البزاز *
قال في أبي زيد المتطبّب المعروف بابن زهر، وأورده أبو الصّلت في رسالته (8):
قل للوبا أنت وابن زهر ... قد جزتما الحد في النّكاية (9)
ترفّقا بالورى قليلا ... في واحد منكما كفايه
__________
(1) هما في المسالك ورقة 190.
(2) انظر البيت الاول والثاني منها في النفح ج 1ص 326حيث يقول المقري: «ويعجبني قول أبي الصلت أمية يصف حالي زيادة النيل ونقصانه» [وهذه القطعة ساقطة من (ت)].
(3) في النفح: منه.
(4) في النفح: في برها.
(5) في النفح: إذا زاد يحكي، وفي الرسالة المصرية: إذا مد حاكى. وهنا، جا مكان جاء.
(6) في النفح: ولم يحكه مرا.
(7) نسب المقري هذين البيتين إلى ابن الرفا. أنظر النفح ج 2ص 495.
(8) انظر الرسالة المصرية ص 33.
(9) [في الرسالة: والنهاية].(2/185)
38* أحمد بن علي الفرسقي (1) *
قال يهنيء ابن صمادح بقدومه من بعض أسفاره:
إيابك ردّ الشباب القشيبا ... وأمّن مسودّه أن يشيبا
تبين وتدنو كما تفعل الشمس ... حينا طلوعا وحينا غروبا
39* أبو محمد بن هند (2) *
قال:
لما رأيت سهام لحظك أقصدت ... قلبي، وسخطك سدّ باب رضاك
لم أدر أيّ معذّبيك يميتني ... أسقيم جفنك أم صحيح جفاك
40* الحصري الأعمى المريني (3) *
هو أبو الحسن علي بن عبد الغنّي من الاندلس، صاحب تصنيفات وتأليفات وإحسان في النظم قال في غلام اسمه هارون (4):
يا غزالا فتن النا ... س بعينيه فتونا
أنت هاروت ولكن ... صحّفوا تاءك نونا
وقال يهجو أبا العرب الصقلّي (5):
معجب كالمتنبّي ... وهو لا يحسن شيّا
ان هذا يحيويّ (6) ... أوتي العلم صبيّا
__________
(1) [غير موجود في (ت)].
(2) كذا في الأصل، وفي النفح 2ص 180المغرب والذخيرة: ابن هندو
(3) [المعروف أن الحصري من القيروان، هاجر إلى الأندلس بعد الثلاثين من عمره (انظر عنه «أبو الحسن الحصري» لمحمد المرزوقي والجيلاني بن الحاج يحي)].
(4) أنظر البيتين في المطرب ص 80 [والذخيرة 4/ 1ص 200].
(5) ترجم له العماد في هذا المجلد انظر الفهارس [والبيتان مفقودان من (ت).]
(6) في الأصل: تحيوي. ويحيوي منسوب إلى يحيى النبي (صلعم).(2/186)
وقال:
كم من أخ قد (1) كان عندي شهدة ... حتى بلوت [المرّ] (2) من أخلاقه
كالملح يحسب سكّرا في لونه ... ومجسّه (3) ويحول عند مذاقه
وقال يرثي المعتضد عبّادا أبا المعتمد:
مات عبّاد ولكن ... بقي الفرع الكريم (4)
فكأنّ الميت حيّ ... غير ان الضاد ميم
وقال:
أقول له وقد حيّا بكأس ... لها من مسك راحته ختام (5)
أمن خدّيك تعصر؟ قال كلّا، ... متى عصرت من الورد المدام؟
وقال:
وشاعر من شعراء الزمان ... يفخر عندي بالمعاني الحسان
وإنّما أطيب أشعاره ... نصف خراسان أو القيروان
وقال (6):
إذا كان البياض لباس حزن ... بأندلس فذاك من الصواب
[ألم ترني لبست بياض شيبي ... لأني قد حزنت على شبابي] (7)
وقال (8):
مما يبغّضني في أرض أندلس ... سماع معتصم فيها ومعتضد
أسماء مملكة في غير موضعها ... كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد
__________
(1) في الذخيرة: خليل كان، [وفي المنتخب المدرسي: كم من خليل كان].
(2) زدناه من الذخيرة [ومن (ت)].
(3) في الذخيرة: أو حجمه.
(4) [البيتان في الذخيرة، 4/ 1ص 212211].
(5) [البيتان في الوفيات 3/ ص 205].
(6) نسبهما ابن بسام إلى ابن فضال الحلواني انظر الذخيرة الجزء الاول من المجلد الثاني ص 399.
وترجمهما إلى الفرنسية الاستاذ بيريس (الشعر الاندلسي ص 299). انظرهما أيضا في المطرب ص 85.
(7) زدنا هذا البيت من النفح ج 2ص 497 [ومن (ت)].
(8) ينسبهما صاحب المعجب إلى ابن رشيق (انظر ص 50)، والترجمة الفرنسية في الشعر الأندلسي ص 61.(2/187)
41* أبو الحسن عبد الكريم ابن فضال الحلواني *
قال:
ولما تدانوا (1) للرحيل وقرّبت ... عتاق (2) المطايا والرّكاب تسير
وضعت (3) على قلبي يديّ مبادرا ... فقالوا محبّ للعناق يشير
فقلت ومن لي بالعناق وإنّما ... تداركت قلبي حين كاد يطير
وقال:
قالوا غدا رمضان فاستعدّ تقى ... وتب على الصوم واهجر لذّة الكأس
إنّ الهلال يرى حتما فقلت لهم ... حتمتم بشتات بين جلّاسي
فقال لي الغيم لا تحفل بقولهم ... عليّ سترته فاشرب بلا بأس
فقمت أعثر في ذيل المجون إلى ... جمع المسرّة بين الكأس والطاس
وقال من قصيدة (4):
ويختال بك الطّرف ... كما يختال نشوان
تراه وهو لا يدري ... درى أنّك سلطان
وقال في العذار:
إذا كنت تهوى خدّه وهو روضة ... به الورد غضّ والاقاح مفلّج
فزد كلفا منه وفرط صبابة ... وقد زيد فيه من عذار بنفسج
42* أبو علي كاتب مؤنس (5) *
قال:
تقوّس بعد طول العمر ظهري ... وداستني الليالي أيّ دوس
فأمشي والعصا تمشي أمامي ... كأن قوامها وتر لقوسي
__________
(1) في الذخيرة: تنادوا. انظر الأبيات أيضا في المطرب ص 80. ونسبها ياقوت لابن نصر محمد بن أحمد بن هممشاه (أثناه ترجمته في الارشاد) والمسالك ورقة 181.
(2) في الذخيرة: كرام.
(3) [في الذخيرة: جعلت].
(4) [هذه القطعة والتي تليها ساقطتان من (ت)].
(5) [في (ت): يونس].(2/188)
ولابن حمديس (1) أيضا هذا المعنى بعينه وقد أوردناه من شعره (2)
وأوقع ما سمعته في العصا ما أنشدته [باصفهان] (3) لنظام الملك الوزير (4):
بعد الثمانين ليس قوّه ... لهفي على قوّة (5) الصبوّه
كأنّني والعصا بكفي ... موسى ولكن بلا نبوّه
وأنشدني خازن دار الكتب النظامية باصفهان (6) لبعض فضلاء العصر بها، وهو عزيز الشملكي (7)، انه دخل دار الكتب وبيده عصا، فقلت له: كبرت وضعفت. قال وقلت له: ان العصا للشيخ رجل ثالثة. فارتجل في الحال بديهة:
ضعف جسمي لمشيبي ... لم يدع مني وقارا
صار حالي عبرة العا ... قل إن رام اعتبارا
العصا صارت حماري ... ولها صرت حمارا
43* الفقيه أبو الوليد هشام بن أحمد الوقّشي *
ذكره أبو الصّلت في الحديقة. (8) هو من بيت كنانة من القديم إلى الآن ويعيش لهم في زماننا هذا، واحد كاتب بليغ مشهور لم يقع إليّ [من] (9)
كلامه شيء، وأورد له هذه الأبيات في غلام خصيّ وضيء الوجه:
وفاره يحمله (10) فاره ... مرّ بنا معتقلا (11) صعده
سنانها مشتمل لحظه ... وقدّها منتحل قده
__________
(1) ترجم له العماد في هذا المجلد، أنظر فهرست التراجم.
(2) [من قوله: ولابن حمديس إلى قوله: من شعره، ساقط من (ت)].
(3) [زيادة من (ت)].
(4) انظر هذين البيتين في ابن خلكان ج 1ص 397.
(5) الوفيات: قد ذهبت شرة الصبوة
(6) [في الأصل: دار الكتب وبيده عصا فقلت النظامية، والاصلاح من (ت)].
(7) [في (ت): السهلي].
(8) [من هنا إلى قوله: من كلامه شيء غير موجود في (ت)].
(9) [نفص في الأصل زدناه ليستقيم المعنى].
(10) في النفح، ج 2ص 515: يركبه.
(11) في النفح: في يده.(2/189)
قلت لنفسي حين مدّت لها الآلآمال ... وامال ممتدّه
لا تطمعي فيه كما الشّعر (1) لا ... يطمع في تسويده خدّه (2)
قال: هذا كالذي أنشدته لبعض أهل البلاد وهو أبو محمد بن مالك (3):
أمّا الغرام فقد ألحّ فزادا ... بأغنّ لا يعطي المحبّ قيادا
حلفت صحيفة خده أن لا يرى ... في صحنها أبد الزمان مدادا
قال القاضي الفاضل (4): وهذا كقول بعض المغاربة:
اني علقت مهفهفا ... كالبدر في غسق الظّلم
آلت صحيفة خدّه ... أن لا يخطّ بها قلم
ولابي الوليد الوقشي أيضا:
عجبا للمدام ماذا استعارت ... من سجايا معذّبي وصفاته
طيب أنفاسه وطعم ثنايا ... هـ وسقم (5) العقول من لحظاته
وهي من بعد ذا عليّ حرام ... مثل تحريمه جنى رشفاته (6)
__________
(1) في النفح، الشمس.
(2) في النفح: يطمع في تدنيسه حده.
(3) ترجم له العماد في هذا المجلد (التراجم) [وجملة: هو أبو محمد بن مالك غير موجود في (ت)].
(4) هو أبو علي عبد الرحيم بن علي بن محمد بن الحسن البيساني، الكاتب المصري الشهير، ولد في عسقلان في جماد الثاني سنة 529أرسله أبوه إلى ديوان الانشاء في القاهرة في حدود سنة 543للهجرة. ثم اتخذه ابن حديد قاضي الاسكندرية كاتبا له. وما لبث ان اتصل بديوان مصر في عهد الظافر، ولما وفد أسد الدين شير كوه إلى مصر أعطاه ديوان الانشاء وبعد وفاة شيركوه لحق القاضي الفاضل بصلاح الدين فاختاره وزيرا ومستشارا إلى أن توفى سنة 596وكان إتصال العماد به سنة 570عند قدومه إلى الشام فمدحه بقصائد طويلة ورسائل ممتلئة بألوان علم البديع. وله ديوان رسائل وديوان شعر. طبع هذا الديوان الأخير أحمد أحمد بدوي بمصر سنة 1961. انظر ترجمته في الخريدة قسم شعراء مصر ج 1ص 35. وشذرات الذهب ج 4ص 325. ودائرة المعارف الإسلامية ومراجعها.
(5) في النفح: سكر.
(6) ذكر المقري 5أبيات من هذه القطعة. انظر ج 2ص 515.(2/190)
وللفقيه أبي الوليد هشام بن أحمد الوقشي أيضا:
قد بيّنت فيه الطبيعة أنّها ... ببديع (1) أعمال المهندس ماهره
عنيت بمبسمه فخطّت فوقه ... بالمسك قوسا (2) من محيط الدائره
وفي كتاب ابن بشرون المرسوم بالمختار (3) أنشدت للوقشي في وصف رمح وأظنّه لغيره:
جرى الموت في عطفيه بدءا وعودة ... كما كان يجري فيهما الماء من قبل
وأصبح ميّادا ومغرسه الحشا ... كما كان منآدا ومنبته الرمل
44* ناقد الكاتب (4) *
قال في وصف القلم من قصيدة:
لله درّك إذ ترويه (5) ... من المداد وفي عدّ من الكلم
45* الوليد حسان ابن المصيصي (6) *
قال:
نسقى ونسجد إجلالا لهيبته ... فنحن نشرب خمرا في مساجيد
__________
(1) كذا في ص 483من النفح (ج 2) وفي ص 256منه: بدقيق.
(2) في النفح: خطا.
(3) هو عثمان بن عبد الرحيم بن عبد الرزاق بن جعفر بن بشرون بن شبيب الازدي المهدوي، ذكر العماد اسمه في الخريدة قسم شعراء مصر ج 2ص 115وقال: «كتابه المختار في النظم والنثر لأفضل أهل العصر. وقد صنف هذا الكتاب في عصرنا الأقرب في سنة 561» أورده العماد مرة أخرى في آخر هذا الكتاب.
(4) [غير موجود في (ت)].
(5) كلمة مفقودة في الأصل.
(6) [غير موجود في (ت)].(2/191)
وقال من أبيات وتروى لأبي بكر ابن عمّار (1):
قسا قلبا وسنّ عليه درعا ... فباطنه وظاهره حديد (2)
46* ابن شاطر السرقسطي *
قال، وعادة أهل الأندلس لبس البياض في العزاء:
قد كنت لا أدري لأيّة علة ... صار البياض لباس كل مصاب
حتى كساني الدهر سحق ملاءة ... بيضاء من شيبي لفقد شبابي
فلذا (3) تبيّن لي إصابة من رأى ... لبس البياض على نوى الأحباب (4)
47* أبو عامر محمد بن عبيد *
قال:
روض إذا حثّ السحاب كؤوسه ... شرب النبات على غناء البلبل
48* عبد الصمد بن عبد الصمد (5) *
قال يصف فرسا:
على سابح فرد يفوت بأربع ... له أربعا منها الصبا والشمائل
من الفتخ خوّار العنان كأنه ... مع البرق سار أو مع السيل سائل
__________
(1) هو أبو بكر محمد بن عمار وزير المعتمد بن عباد كان جيد الشعر والنثر وله رسائل كثيرة موجودة في الكتب. قتله المعتمد في سجنه سنة 449. انظر قلا. ص 93. المغرب ج 1 ص 389. ذخيرة. ج 2ورقة 7. بغية الضبي ص 102رايات ص 25شذرات ج 3ص 356خريدة ج 11ورقة 164. دائرة المعارف الإسلامية ج 3ص 383ومراجعها.
(2) نسبه الفتح إلى ابن عمار. القلا ص 94.
(3) في النفح ج 2ص 496: فبذا.
(4) ترجم الابيات الأستاذ بيريس في «الشعر الأندلسي» ص 300أنظر أيضا «الأثواب» للأستاذ دوزي (بالفرنسية) ص 148وهي أيضا في المطرب ص 82.
(5) [غير موجود في (ت)].(2/192)
49* أبو محمد الطبيب المصري (1) *
قال:
أخذت مني غلامي ... لأيره لا لغيره
وكان غمدا لأيري ... فصرت غمدا لأيره
وأورده صاحب قلائد العقيان (2) في حديث المعتمد أنه قام في مجلسه فأنشده:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا (3) ... بشاذ مهر ودع غمدان لليمن
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن عليّ وابن ذي يزن
50* أبو علي حسن ابن هادة (4) *
قال:
رأيت عند الصباح أيرا ... مضمّخ الرأس بالرجيع
فقلت من أين جئت قل لي ... فقال من فقحة البديع
51* أبو الوليد البجلي *
قيل: قال أبو يحي ابن الطوفان (5): كان أبو الوليد عندي وأنا أسقيه فناولته كأسا مترعة فقال:
لأبي يحيى أياد ... قلّ فيها مشبهوه
ملأ الطاسات حتّى ... قيل في البيت أبوه
__________
(1) [غير موجود في (ت)].
(2) انظر القلا ص 7.
(3) في النفح ج 2ص 325: مرتفعا.
(4) [غير موجود في (ت)].
(5) [في (ت): بن الطوفان، وفي الاصل: اذ الطوفان].(2/193)
من هذا الباب قول الصاحب بن عباد (1) في مغني يعرف بابن عذاب:
أقول قولا بلا احتشام ... يفهمه كل من يعيه
ابن عذاب إذا تغنّى ... فإنني منه في أبيه
ولابن الحدّاد (2) في شاعر يعرف بابن الفرّاء (3):
وإذا ما قال شعرا ... نفقت سوق أبيه
52* أبو محمد عبد الجبار ابن حمديس *
الصقلّي الأصل، من أهل صقلّية، وهو أقرب عصرا، وقيل مات بعد الخمسمائة (4). ووجدت في ديوان أبي الصلت أميّة الأندلسي أنه كتب إليه ابن حمديس الصقلي (5):
(6) ولو أن من عظمي (7) يراعي ومن دمي
مدادي ومن جلدي إلى مجده طرسي
وخاطبت بالعلياء لفظا منقّحا ... وخطّطت بالظلماء أجنحة الشمس
لكان حقيرا في عظيم الذي له ... من الحقّ في نفس الجلال فدع نفسي
ومالكة نفسي ملكت بها المنى ... وقد شرّدت عني التوحّش بالأنس
وقابلت منها كل معنى بعدّه ... يلوّح نفس الوهم في دهمة النّقس
__________
(1) هو إسماعيل بن العباد بن العباس الملقب بصاحب الاديب الشهير، كان وزيرا لمؤيد الدولة.
ولد في الطالقان، وتوفي بالرى سنة 373ونقل إلى اصبهان فدفن فيها. انظر ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية ج 2ص 374والاعلام للزر كلي ج 1ص 313ومراجعهما. وورد البيتان في زهر الأداب ج 1ص 439.
(2) ترجم لهما العماد في هذا المجلد، انظر فهرست التراجم.
(3) نسب العمري هذا البيت إلى أبي محمد الطبيب المصري.
(4) [في (ت): عاش بعد الخمسمائة، وهو أقرب عصرا].
(5) انفردت الخريدة بهذه القطعة ونقلها احسان عباس في الذيل على ديوان ابن حمديس ص 552.
(6) [من هنا إلى قوله: وقرأت في مجموع لابن حمديس، ساقط من (ت)].
(7) تقدم «عظمي» على «من» في الأصل وهذا مختل الوزن.(2/194)
كأني في روض أنزّه ناظري ... جليل معانيه يدقّ عن الحسّ
مقلت بعيني منه خطّ ابن مقلة (1) ... وفضّ على سمعي الفصاحة من قس
وخفت عليه عين سحر تصيبه ... فصيّرت تعويذي له آية الكرسي
فأجابه أبو الصّلت (2):
ولم تهد نجوى الروح منه إلى الأسى ... ولكن نفخت الرّوح في ساكن الرمس
وما روضة بالحزن جيدت بواكف ... من المزن محجوب به حاجب الشمس
سرى زجل الأكناف حتّى تحلّبت ... مدامعه بالرّيّ في تربها اليبس
تمرّ بها ريح الجنوب عليلة ... فتبعث أنفاس الحياة إلى النفس
بأبدع من خطّ ولفظ تداعيا ... بدا الحسن في تلك اليراعة والطّرس
كأني من ميماته مترشّف ... حروف شفاه عاطرات اللّمى لعس
بعثت به أنسي وقد كان غاربا ... فلا غرو أن أسميته باعث الأنس
وها إنّني عارضته في روية (3) ... كملتمس نيل الكواكب باللّمس
وقرأت في مجموع لابن حمديس في المعتمد ابن عباد لما خلع وأخرج (4):
جرى بك جدّ بالزمان عثور ... وجار زمان كنت منه تجير
لقد أصبحت بيض الظّبى (5) في غمودها ... إناثا لترك البيض (6) وهي ذكور
ولما رحلتم والندى (7) في أكفّكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير
رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تطير (8)
__________
(1) هو أبو علي محمد بن علي، ولد في بغداد سنة 272، استوزره الخلفاء العباسيون وتوفي في سجن محمد بن رائق سنة 326. اشتهر ابن مقلة خاصة بخطه وقد نقله من الوضع الكوفي.
انظر دائرة المعارف الإسلامية ج 2ص 430.
(2) انفردت الخريدة بهذه الابيات.
(3) في الأصل: وها إن عارضته.
(4) انظر تمام القطعة (14بيتا) في الديوان ص 268.
(5) في الأصل: الضبي.
(6) في الديوان: الضرب.
(7) الديوان: بالندى.
(8) الديوان: رفعت لساني بالقيامة قد أتت ... ألا فانظروا هذي الجبال سير(2/195)
وتمام الأبيات (1):
إلى اليوم لم يذعر قطا الليل شرّب (2) ... يغير بها عند الصباح مغير
ولا راح من نادي المكارم بالغنى (3) ... يقلّبه في راحتيه فقير
وهذه القطعة جواب ما كتبه إليه المعتمد ابن عباد من محبسه (4):
غريب بأقصى المشرقين أسير ... يبكّي عليه منبر وسرير
أذلّ بني ماء السماء زمانهم ... وذلّ بني ماء السماء كبير
وأنشدت له ببغداد ونسب إلى أبي الصّلت وصح أنها لابن حمديس (5):
ومطّرد الأرجاء (6) يصقل متنه ... صبا أودعت سرّ الهوى في ضميره (7)
جريح بأطراف الحصا كلّما جرى ... عليها شكا أوجاعه بخريره
كأن حبابا ريع فوق (8) حبابه ... فأسرع (9) يلقي نفسه في غديره
كأن الدجى خطّ المجرّة بيننا ... وقد كلّلت حافاته ببدوره
شربنا على حافاته كأس خمرة (10) ... وأقتل ما في الكأس عينا مديره (11)
قال أبو الصّلت في الحديقة: كان عبد الجبار ابن حمديس جيد السبك، حسن الأخذ، وأنا أذكر هاهنا طرفا من سرقاته التي زاد فيها على المسروق منه فمن ذلك قوله يصف فرسا (12):
__________
(1) [الأبيات الأربعة الاتية غير موجودة في (ت)].
(2) الديوان: قرح.
(3) الديوان: وما راح ناد بالمكارم
(4) انظر القطعة والأخبار في القلا ص 27.
(5) انظر الديوان ص 186 [وفي (ت): ثم صح].
(6) الديوان: الاجزاء.
(7) الديوان: أعلنت للعين ما في ضميره.
(8) الديوان: تحت.
(9) الديوان: فاقبل.
(10) الديوان: سكرة.
(11) الديوان: وأتتل سكرا منه لحظ مديره.
(12) انظر الديوان (ثلاثة أبيات) ص 144والبيت الأول فيه:
كأن له في أذنه مقلة يرى ... بها اليوم أشخاصا تمر بها غدا(2/196)
كأنّ له في الأذن عينا بصيرة ... يرى اليوم أشباها (1) تمرّ بها غدا
أقيّد بالسيف (2) الأوابد فوقه ... ولو مر في آثارهن مقيّدا
أخذه من قول امريء القيس وهو أول من قال قيد الأوابد (3):
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
ومن قول ابن مقبل (4):
إني أقيّد بالمأثور راحلتي ... فلا أبالي وإن كنّا على سفر (5)
وقال من قصيدة يصف إبلا:
ضربت لدى الإعناق أعناق الفلا ... بحسام ماء في حشاها مغمد (6)
وهو من قول ابن المعتز:
وأغمدن في الأعناق أسياف لجّة ... مصقلّة تفرى بهنّ المفاوز (7)
وقال ابن حمديس من أخرى (8):
لهم رياض حتوف فالذباب بها ... تشدوهم في الهوادي كلما اقتحموا
بيض يضعن المنايا السود صارخة ... وهي الذكور التي افتضّت بها الغمم (9)
وهي من شعر أبي نصر ابن نباتة (10):
ومن العجائب أنّ بيض سيوفه ... تلد المنايا السود وهي ذكور
__________
(1) [في (ت): أشباحا].
(2) الديوان: تقيد بالسبق
(3) انظر شرح القصائد السبع للانباري، طبع دار المعارف 1963ص 82.
(4) [غير موجود في (ت)].
(5) انظر البيت في ديوان ابن مقبل طبع عزة حسن ص 78.
(6) انظر القطعة (9أبيات) في الديوان ص 167.
(7) انظر ديوانه، جمع الصولي طبع استانبول سنة 1945ج 4ص 149.
(8) أوردهما احسان عباس في الذيل على الديوان ص 559.
(9) [في (ت): القمم].
(10) هو أبو نصر عبد العزيز بن عمر السعدي، ولد في بغداد سنة 327اتصل بسيف الدولة وعبد الحميد في الري ومدخهما وتوفي في بغداد سنة 404. انظر: ابن خلكان ج 2ص 352، اليتيمة ج 2ص 379. المنتظم ج 7ص 407. بروكلمن ج 1ص 95والذيل الأول ص 152. ودائرة المعارف للستاني ج 4ص 100ولم نعثر على هذا البيت في مراجعنا(2/197)
وقال من أخرى (1):
وجيشك هنديّ الخوافي بهزّه ... جناحي عقاب سمهريّ القوادم
وهو من قول أبي الطيب المتنبي (2):
يهزّ الجيش حولك جانبيه ... كما نفضت جناحيها العقاب
ومن قوله أيضا (3):
ضممت جناحيهم على القلب ضمّة ... تموت الخوافي تحتها والقوادم
وقال من أخرى:
وكأنّهم في السابغات صوارم ... والسابغات لهم من الأغماد (4)
ومن قول المتنبي (5):
وسيفي، لأنت السيف لا ما تسلّه
لضرب، وممّا النصل (6) منه لك الغمد
وبيت ابن حمديس أجود لأنّه سهل وقريب مما فيه (7) من التشبيه والترتيب. وقال من أخرى:
له حملة عن فتكتين انفراجها ... كضربك (8) من وجهين شاه الملاعب
__________
(1) تمام القصيدة في الديوان (71بيتا) ص 443.
(2) انظر ديوانه طبع بيروت ص 196.
(3) انظر المرجع السابق ص 388.
(4) في الأصل: والسابغات عليهم اغماد، ويصح الوزن والمعنى، غير ان قافية القصيدة مخفوضة، انظرها (53بيتا) في الديوان ص 147.
(5) انظر ديوانه ص 207.
(6) في الديوان: السيف.
(7) في الأصل: لأنها سهلة [وقريبة معما فيه من التشبيه ومن التشبيه ومن الترتيب] أصلحناها للسياق.
[والجملة كلها ساقطة من (ت)].
(8) في الديوان: كفتكك. انظر تمام القصيدة (63بيتا) فيه ص 28.(2/198)
من قول امرىء القيس (1):
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّك لامين على نابل
وقال (2):
أصبت رشادي في الغرام ولم أخط ... بثابتة الخلخال خافقة القرط (3)
إذا مشطت فرعا تفرّع ليله
وطال من القينات (4) فيه سرى المشط
من قول كشاجم (5):
ومرجّل بالمشط يتعب في ... مسراه حين يحلّه المشط
وقال من أخرى (6):
بتّ منها مستعيدا قبلا ... كان لي منها على الدهر اقتراح
وأروّي غلل الشوق بما ... لم يكن في قدرة الماء القراح
من قول البحتري:
وبي ظمأ لا يملك الماء دفعه ... إلى نهلة من ريقها البارد (7) العذب
__________
(1) انظر البيت وشرحه في الشعر والشعراء، طبع بيروت ج 1ص 58وفي ديوانه طبع دار المعارف ص 220. [والبيت ساقط من (ت)].
(2) انظر الديوان ص 298 (3أبيات).
(3) في الديوان:
وثابتة الوقفين جوالة القرط ... أصبت رشادي في هواها ولم أخطي
(4) [في (ت): الفتيان].
(5) هو أبو الفتح محمد، أو محمود بن الحسين السندي، اتصل بسيف الدولة الذي اختاره رئيسا للطباخين. كان شاعرا جيد الشعر وعالما بالنجوم توفي سنة 360. انظر ترجمته في شذرات الذهب ج 3ص 37، زهر الأداب ج 1ص 388، وفهرست الأعلام. مروج الذهب ط عبد الحميد ج 4ص 318، 396، 399، 406، 404، ياقوت (البلدان) ج 2ص 686 وج 4ص 552، ابن الطقطفي (بيروت 1380ص 149). وطبع اسعد طلس كتابه المصائد والمطارد في بغداد عام 1954. وطبع أيضا كتابه المسمى بأدب النديم في مصر عام 1295ومنه مخطوطة في باريس (رقم 3301). ولم يرد في هذه المراجع البيت المذكور هنا. راجع ديوانه المخطوط بدار الكتب المصرية رقم 4579.
(6) انظر القصيدة (34بيتا) في الديوان ص 82.
(7) في ديوانه (ط بيروت 1963ج 2ص 5): الخصر.(2/199)
وقال من أخرى يصف سفينة (1):
طيّارة ولها فرخان واعجبا ... إذ لا تزقّهما حتى ترقّاها
كأنّما البحر عين وهي أسودها ... فسبحها فيه والعبران جفناها
وهو من قول السلامي في زورق:
جرى فظننت أنّ الأرض وجه ... ودجلة ناظر وهو السواد (2)
(3) ومما أورده أبو الصّلت في حديقته قوله من قصيدة في مدح علي بن يحيى بن تميم (4):
وبلدة لطمت أيدي القلاص بنا (5) ... منها وجوه قفار برقعت ظلما (6)
ساريت فيها سراة (7) خلتهم ركبوا ... ربد النقانق فيها أينقا رسما
حادت بهم عن بقاع المحل جامحة (8) ... إلى بنان عليّ تطلب الدّيما (9)
مملّك برواق المجد (10) محتجب ... له تبرّج نعمى تغمر الأمما
لا يقدح العفو في تمكين قدرته ... ولا يواقع ذنبا كلّما انتقما
وقوله من أخرى سبق أولها (11):
مجتمع الطعمين، في طبعه ... توقّد البأس وفيض السماح
يضحك في الحرب (12) ثغور الظّبى ... وهنّ يبكين عيون الجراح
__________
(1) انفردت الخريدة بهذين البيتين، ذكرهما عباس احسان في ذيل الديوان. ص 560
(2) البيت في اليتيمة ج 2ص 395
(3) [من هنا إلى قوله: قم هاتها من كف ذات الوشاح، مفقود من (ت)].
(4) أحد الأمراء الصنهاجيين (515509) انظر ترجمته في دائرة المعارف الإسلامية: صنهاجة.
(5) [من الديوان، وفي الأصل: بها].
(6) تمام القصيدة في الديوان ص 470 (42بيتا).
(7) في الديوان: هداة.
(8) [من الديوان، وفي الأصل: جانحة].
(9) الديوان: ومن بنان علي زادت الديما.
(10) الديوان: الملك.
(11) تمام القصيدة في الديوان ص 98 (51بيتا)
(12) الديوان الغرب.(2/200)
وقوله في مدح أبي يحيى الحسن بن عليّ بن يحي بن تميم (1) من قصيدة عيديّة:
فرد (2) المصلّى في جلال معظّم ... ووقار مختشع وسمت منيب
بعرمرم، ركبت لآجال العدى ... عقبان جوّ فيه أسد حروب
عقد اللّواء به على ذي هيبة ... حالي المناسب بالكرام حسيب
والبزل تجنح بالقباب تهاديا ... عوم السفين بشمأل وجنوب
من كل رهو، في المقادة مشيه ... نقل الخطى منه على ترتيب
وكأنّما تعلو غواربها ربى ... روض بثجّاج الحيا مهضوب
ونجائب مثل القسيّ ضوامر ... خلقت لقطع (3) سباسب وسهوب
ترعى الفلا بفم وترعى نحضها ... من منسم بالمرو، ذي تشذيب (4)
في صفة الاعلام:
ومطلّة في الخافقين خوافق ... كقلوب أعداء ذوات وجيب
من كلّ منشور على أفق الوغى ... مسطوره (5) كالمهرق المكتوب
جاءت تترّبه العتاق بركضها (6) ... والريح تنفضه من التتريب
صور خلقن على الموات فخيّلت ... فيها الحياة بسورة ووثوب
وفغرن أفواها رحابا عطّلت ... أشداقها من ألسن ونيوب
من كل جسم يحتشي (7) من ريحه ... روحا يحرّك جسمه بهبوب
__________
(1) آخر ملوك الصنهاجيه ولي بعد علي سنة 515انظر دائرة المعارف الإسلامية صنهاجة.
(2) الديوان: ورد. القصيدة (69بيتا) فيه ص 58.
(3) [في الديوان: وصلت بقطع].
(4) [في الديوان ورد البيت هكذا:
يرعى الفلا بفم وترعى نحضه ... من منسم للمروذي تشذيب]
(5) [من الديوان وفي الأصل: بسطوره].
(6) الديوان: بنقعها.
(7) الديوان: شخص يحتسي.(2/201)
قال القاضي الفاضل هذا مليح جدا. وقد قيل في زقّ نفخ:
مات لما سللت منه مداما ... فأعدنا له من الريح روحا
وترى بها العنقاء تنفض سقطها ... في نفنف للحائمات رحيب
وصلت ذرى المهدّيتين وهاجرت ... وكرا لها بالهند غير قريب
كيما تفوز ونيله فوق المنى ... من حسن وجهك عينها بنصيب
وفي وصف الخيل المجنوبة:
وصواهل مثل العواسل عدوها ... أبدا لحرب عدوّك المحروب
من كل ورد ما يشابه (1) لونه ... إلّا تورّد وجنة المحبوب
وكأنّما كنزت ذخيرة عتقه ... منه عباب البحر في يعبوب
أو أدهم أحوى (2) الإهاب كأنّما ... صبغ الغراب بلونه الغربيب
أرساغه درر على فيروزج ... لان الصّفا من وقعها (3) لصليب
أو أشهب مثل الشّهاب ورجمه ... صافي الضلوع أقبّ كاليعسوب (4)
لا فرق ما بين الصباح وبينه ... إلا بعدو منه أو تقريب
أو أصفر مثل النهار مغبر (5) ... بسواد عرف عن سواد عسيب
أو أشعل للنار (6) فيه شعلة ... تذكى بريح منه ذات هبوب
وكأنّه مرداة صخر حطّه ... من علو سيل ماج في تصويب
وكأنّما سكر الكميت بلونه ... فله بمشيته اختيال طروب
وكأنّ حدّة طرفه وفؤاده ... من خلفه في الأذن والعرقوب
__________
(1) الديوان: يشاكل.
(2) الديوان: داجي الاهاب.
(3) في الديوان: وقعه.
(4) الديوان: شخص المريد بمحرق مشبوب.
(5) الديوان: البهار مغير.
(6) الديوان: للون.(2/202)
وقال (1):
قم هاتها من كف ذات الوشاح ... فقد نعى الليل بشير الصباح
من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح
واحلل عرى نومك عن مقلة ... تمقل أجفانا (2) مراضا صحاح
وقال من أبيات (3):
زادت على كحل العيون تكحّلا ... ويسمّ نصل السهم وهو قتول
وقال أبو الصّلت في الحديقة لم أسمع في اجتماع الكحل والتكحل أحسن من هذا البيت. وقال (3):
لو كنت زائرتي لراعك منظري ... فرأيت بي ما يصنع التفريق
ولحال من دمعي وحرّ تنفسي ... بيني وبينك لجّة وحريق
وقال مما أورده أبو الصّلت في الحديقة (3):
تخالفت النّيّات يوم تحمّلوا ... فركب إلى شرق وركب إلى غرب
وما قدّ قدّ السير بالسير بينهم ... ولكنّما المنقدّ بينهم قلبي (4)
وقال (5):
قضت في الصّبا النفس أوطارها ... فأعقبها (6) الشيب إنذارها
نعم وأجيلت قداح النوى (7) ... عليها فقسّمن أعشارها
وراهبة غلقت (8) ديرها ... فكنّا مع الليل زوّارها
__________
(1) انظر القصيدة (47بيتا) في الديوان ص 89.
(2) الديوان: احداقا. وفي الأصل: أجفانها [والاصلاح من (ت)].
(3) انفردت الخريدة بهذه الأبيات، ذكرها احسان عباس في الذيل على الديوان ص 558، 554، 543على الترتيب.
(4) [هذان البيتان مفقودان من (ت)].
(5) القصيدة في الديوان ص 180 (37بيتا) وقد اختلف ترتيب الأبيات فيه.
(6) الديوان: أبلغها.
(7) الديوان: الهوى.
(8) الديوان: أغلقت.(2/203)
هدانا إليها شذا قهوة ... تذيع لأنفك أسرارها
فما فاز بالمسك الا امرؤ (1) ... تيمّم دارين أو دارها
طرحت بميزانها درهمي ... فأجرت من الدّنّ دينارها
وقد سكّنت حركات الأسى ... قيان تحرّك أوتارها
فهذي تغازل (2) لي عودها ... وتلك تقبّل مزمارها
وراقصة لقطت رجلها ... حساب يد نقرت طارها
وساقية زرّرت (3) كفّها ... على عنق الظبي أزرارها
تدير بياقوتة درّة ... فتغمس في مائها نارها
وقضب من الشمع مصفرّة ... تريك من النور (4) نوّارها
تقلّ الدياجي على رأسها (5) ... فتهتك بالنور أستارها
كأنا نسلّط آجالها ... عليها فتمحق أعمارها
ومنها:
ذكرت صقليّة والمنى (6) ... تهيج للنفس أو طارها (7)
فإن كنت أخرجت من جنّة ... فاني أحدّث أخبارها
وقال:
طرقت والليل ممدود الجناح ... مرحبا بالشمس من (8) غير صباح
سلّم الايماء عنها خجلا ... أو ما كان لها النطق مباح
غادة تحمل في أجفانها ... مرضا (9) فيه منيّات الصّحاح
__________
(1) الديوان: فتى.
(2) الديوان: تعانق.
(3) [في الديوان: زورت أي حسنت وأتقنت].
(4) الديوان: النار.
(5) الديوان: هامها.
(6) الديوان: الاسي.
(7) الديوان: تذكارها.
(8) الديوان: في. انظر القصيدة في ص 82من (34بيتا).
(9) الديوان: سقما.(2/204)
بتّ منها مستعيدا قبلا ... كان لي منها على الدهر اقتراح (1)
ألثم الدرّ (2) حصى ينبع لي ... بزلال ناقعا فيه التياح
وأروّي غلل الشوق بما ... لم يكن في قدرة الماء القراح (1)
باعتناق، ما اعتنقناه خنى ... والتزام، ما التزمناه، سفاح
ما على من صاد في النوم له ... شرك الحلم مهاة من جناح
همت بالغيد فلو كنت الصّبا ... لم يكن منّي عنهنّ براح
ورددت الشيب عنها جاهدا (3) ... بكلام السّلم أو كلم الكفاح
علّل النفس بريحان وراح ... وأطع ساقيها واعص اللواح
وأدر حمراء يسري لطفها ... سكرها من شمسها (4) في كل صاح
لا يغرّنّك منها خجل ... إنما (5) تبديه عن (6) خدّ وقاح
واعلها بالماء تعلم منهما ... أنّ بين الماء والنار اصطلاح
وإذا الخمر حماها صرفها ... ترك المزج (7) حماها مستباح
خلني أفني شبابي مرحا ... لا يرد المهر عن طبع المراح
وانتظر للحلم مني (8) كرّة ... كم فساد كان عقباه صلاح
فالقضيب اهتزّ والبدر بدا ... والكثيب ارتجّ والعنبر فاح
والثريّا رجع الجوّ بها ... كابن ماء ضم للوكر جناح (9)
فكأن الغرب منها ناشق ... باقة من ياسمين أو أقاح
__________
(1) ذكر البيت في سرقات ابن حمديس سابقا.
(2) [من الديوان، وفي الأصل: البدر].
(3) الديوان: معرضا.
(4) [في الديوان: شمها].
(5) [في الديوان: إنّها].
(6) الديوان: من.
(7) [من (ت) والديوان. وفي الأصل: المزن].
(8) الديوان: بعدي.
(9) في نسخة ق: تبدأ الصفحة التي تجيء بعد ترجمة ابن خفاجة بهذا البيت. ومن هنا لا يختلف ترتيب التراجم في النسختين.(2/205)
وكأن الصبح ذا الأنوار من ... ظلم الليل على الظّلمان (1) صاح
ثقّل الراحة من كاساتها ... برداح من يد الخود الرّداح
في حديق غرس الغيث به ... غدق (2) الأرواح موشيّ البطاح
تعقد (3) الطّرف أزاهير به ... ثمّ تعطيه أزاهير صراح
أرضع الغيم لبانا بانه ... فتربّت فيه قامات الملاح
من شعر ابن سنان الخفاجي:
نشأت للحسن فيهم مزنة ... أنبتت في كل حقف غصنا (4)
كلّ غصن تعتري أعطافه ... رعدة النشوان من كأس اصطباح
لابس (5) صبغة ورد كلّما ... ودّعت في طرف اليوم براح
فكأنّ التّرب مسك أذفر ... وكأن الطلّ كافور رباح
وكأنّ الروض رشّت زهره ... بمياه الورد أفواه الرياح
أفلا تغنم عيشا يقتضي ... سيره عنك غدوّ ورواح
وإذا فارقت [ريعان] (6) الصّبا ... فالليالي بأمانيك شحاح
وقال في الشيب والعصا (7):
ولي عصا من طريق الذمّ أحمدها ... بها أقدّم في تأخيرها قدمي
كأنّها وهي في كفي أهش بها ... على ثمانين عاما (8) لا على غنمي
كأنني (9) قوس رام وهي لي وتر ... أرمي عليها رميّ الشيب والهرم
__________
(1) في الديوان: الظلماء، والظلمان، جمع: ظليم، ذكر النعام ولا يكون لونه إلا أسود.
(2) الديوان: عبق.
(3) الديوان: تعقل.
(4) هو عبد الله بن محمد بن سنان، أبو محمد الخفاجي. قال ابن شاكر في فوات الوفيات:
الشاعر الاديب كان يرى رأي الشيعة وكان قد عصى بقلعة عزاز من أعمال حلب وأمر محمود بن صالح أبا نصر الوزير بقتله. وكانت وفاته سنة 466. انظر الفوات ج 1ص 489.
النجوم الزاهرة ج 2ص 254. ولم نعثر على هذا البيت في المرجعين. راجع بروكلمن الذيل الاول ص 455حيث ورد ذكر مؤلفاته المخطوطة. وما ورد بين القوسين غير موجود في ق.
ويظهر أنه من زيادات الناسخ [وهو غير موجود في (ت)].
(5) الديوان: يكتسي صبغة ورس.
(6) كلمة ساقطة في الأصل [والزيادة من (ت) والديوان].
(7) انظر الديوان صفحة 482.
(8) الديوان: الثمانين.
(9) [من الديوان، وفي الأصل: كأنها، والبيت ساقط من (ت)].(2/206)
(في الأصل قوس عام) (1) أملح منه للمكربل العسقلاني (2):
فوّس الدهر قامتي ... فاتّخذت العصا وتر
53* ولده محمد ابن حمديس (3) *
ذكره ابن بشرون في المختار وذكر أنه أشعر من والده عبد الجبار وأورده في شعراء الغرب الاوسط ووصفه في الشعر بحسن النمط وأورد له بائية اخترت منها أبياتا [سوية] (4). فمنها:
وان مردّ الهيّنات إلى الألى
حووا (5) بك حلو العيش محضا لا عذب
وما صدّني عن أن أزورك جفوة
ولكن حياء مسني وتهيّب
ومن الهناء بالصوم والعيد:
ليهنئك شهر الصوم لازلت مدركا
بأمثاله تأتي عليه وتذهب
صلاتك فيه رحمة ومشوبة ... وصومك رضوان به وتقرّب
لأوليته في الله أحسن صحبة ... ولازلت تدعى محسنا حين تصحب
وصمت به عن كل إثم ومحرم ... صيام الورى أن يأكلوه ويشربوا
إلى أن لقيت العيد بالجدّ في التقى ... وغيرك بالأيام يلهو ويلعب
__________
(1) جملة غير موجودة في ق [والمقصود: الاصل الذي نقل عنه العماد].
(2) هو أبو علي حسن بن سعيد الملقب بالمكربل قد ترجم له العماد بين شعراء عسقلان وقال نقلا عن ابن الزبير أن لسانه كان مقراض الاعراض. بلغ المائة من العمر ولم يسمع له في المديح شعر إلا نزر يسير ولا قبل من أحد جائزة ولم يذكر هذا البيت في ترجمته. أنظر الخريدة قسم شعراء مصر وعسقلان نسخة باريس (3328) ورقة 98.
(3) [هذه الترجمة ساقطة من (ت)].
(4) كلمة غير موجودة في ق.
(5) [في الأصل: جفوا].(2/207)
54* أبو الطيب الأزدي *
قال وذكر ابن شرف (1) إنهما له في كتابه أبكار الأفكار:
قلم قلّم أظفار العدى ... فهو كالإصبع مقصوص الظّفر
أشبه الحيّة حتّى أنّه ... كلّما عمّر في الأيدي قصر
55* أبو مروان عبد الملك ابن أغلب الشاطبي *
قال:
يا معطشي كم أصيح واعطشي ... إلى الرّضاب (2) الشهيّ من بردك
ليست كما قد سكنت في خلدي ... لو أنّني خاطر على خلدك
إن كنت لا ترتضي بلثم فمي ... فانني أرتضي بلثم يدك
56* برد بن أحمد بن برد (3) *
قال:
اسمع لعبدك شعرا ... وإن أردت فسحرا
وما تخيّرت لفظا ... لكن تخيّرت (4) درّا
نظمته لك عقدا ... فوافق العقد نحرا
57* أبو الحسن اليسع بن اليسع (5) *
قال:
راموا (6) ملامي فكان (7) إغراء ... وذمّ حبّي فكان (7) إطراء
لو علم العاذلون ما خبري (8) ... لا نقلبت فيه لامهم راء (9)
__________
(1) يقصد به محمد ابن شرف. انظر ترجمته في هذا الكتاب.
(2) في ق: الرصاب.
(3) [ساقط من (ت)].
(4) في ق: تخيرت وتخبرت.
(5) يترجم له العماد مرة أخرى في هذا الكتاب ويذكر البيتين الاولين مع اختلاف. انظرهما أيضا في النفح ج 2ص 497.
(6) النفح: لاموا.
(7) النفح: وكان.
(8) النفح: ما بي.
(9) [هذان البيتان ساقطان من (ت)].(2/208)
وقال:
لمّا قدمت وعندي ... شطر من الشوق واف (1)
قدّمت قلبي قبلي ... فصنه حتّى أوافي
58* عبد الحميد بن عبد الحميد البرجي *
[برجة حصن من نواحي المريّة] (2). قال:
أرح متن المهنّد والجواد ... فقد تعبا بجدّك في الجهاد (3)
قضيت بعزمة حقّ العوالي ... فقضّ براحة حق الهوادي
59* ابن معرّف المنجّم (4) *
قال:
يرى العواقب في أثناء فكرته ... كأن أفكاره بالغيب كهّان
لا طرفة منه الا تحتها عمل ... كالدهر لا دورة إلا لها شان
60* أبو الحسن البلنسي *
قال:
وجرى النسيم معطّرا فكأنّما ... أهدت إليك سلامها أسماء
وبدت ذكاء مع العشيّ كأنّما ... خلعت عليها بردها الصهباء
__________
(1) انظر البيتين في النفح ج 2ص 497.
(2) جملة غير موجودة في ق [و (ت)]
(3) انظر البيتين في النفح ج 2ص 497والمسالك ورقة 187وفيها ثلاثة أبيات أخرى.
(4) في النفح ج 2ص 497ابن المطرف. وورد البيتان فيه.(2/209)
61* أبو طالب عبد الجبّار المعروف بالمتنبّي *
(من شعراء الأندلس) (1) وجدت كنيته في تاريخ الأندلسيين بمصر:
أبا طالب. ووجدت في مجموع ابن الصيرفي المصري (2) كنيته أبا الوليد.
وعاش بعد سنة خمسمائة فإنه ذكر علي بن يوسف بن تاشفين وهو أمير المسلمين (3) في أرجوزته المحتوية على فنون من العلوم والمحيطة بتاريخ الدول.
(وكان موت علي بن يوسف بن تاشفين في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة) (4)
وكانت ولايته عند وفاة أبيه أمير المسلمين، سنة خمس وتسعين وأربعمائة (5).
ومن أرجوزته ما أورده في التاريخ قوله (6):
لما رأى أعلام أهل (7) قرطبه ... أنّ الأمور عندهم مضطربه
وعدمت شاكلة للطاعه ... استعملت آراءها الجماعه
فقدّموا الشيخ من آل جهور (8) ... المكتنى بالحزم والتدبّر (9)
__________
(1) ما بين القوسين غير موجود في ق.
(2) هو أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي المصري. ولد سنة 463وقال ياقوت: إنه «اشتغل بكتابة الجيش والخراج مدة ثم استخدمه الافضل بن أمير الجيش وزير المصريين في المكاتبات»
وتوفي عام 542. انظر الارشاد ج 5ص 422. ابن خلكان (بولاق) ج 1ص 111، 139، 433وج 2ص 430، 442، جرجي زيدان ج 3ص 358. بروكلمن، الذيل الاول ص 489ومراجعه.
(3) [في (ت): أمير المؤمنين، وهو خلاف المعروف].
(4) ما بين القوسين غير موجود في ق.
(5) كانت وفاة يوسف سنة 500أنظر دائرة المعارف الاسلامية ج 1ص 322.
(6) انظر الارجوزة بكاملها في الذخيرة القسم الاول ج 1ص 432405.
(7) الذخيرة، مصر.
(8) في ق. آل هجود.
(9) قامت الدولة الجهورية بعد أن زالت خلافة المعتضد وسقطت الدولة الاموية. وكان زعيم آل جهور الوزير أبو حزم جهور بن محمد الذي استقل بالملك سنة 422، وولي بعده ابنه أبو الوليد محمد ابن جهور عام 435وتوفي في مدينة شلطيش سنة 456عندما حاصرها المعتمد ملك اشبيلية. وبعده: ابنه عبد الملك وكانت دولته من سنة 456إلى سنة 462وأزال ملكه العباديون انظر دوزي، تاريخ المسلمين (بالفرنسية) ج 3ص 260، البيان ج 3فهرست الأسماء، الصلة رقم 297والدائرة ج 10301ومراجعها.(2/210)
ثمّ ابنه أبا الوليد بعده ... وكان يحدو في السّداد قصده
فجاهرت بجورها الجهاوره (1) ... وكلّ قطر حلّ فيه الفاقره
من كلّ منتز بها وثائر ... وعادل من (2) كل عدل جائر
بالثغر (3) الاعلى ثار فيه منذر (4) ... ثم ابن هود (5) بعد ممّا يذكر
وابن يعيش (6) ثار في طليطلة ... ثم ابن ذي النون (7) تصفّى الملك له
__________
(1) الذخيرة: فجاهدت في فضلها.
(2) الذخيرة: عن كل.
(3) الذخيرة: فالثغر الاعلى
(4) المنذر: من بني هاشم، وينتسب بنو هاشم إلى قبيلة تجيب التي استقرت في ارغون من بداية فتح الاندلس. وأول من اشتهر منهم هاشم بن الانقر الذي كان في خدمة الامويين. وما زال بنو هاشم يطيعون خلفاء قرطبة حتى ثار أحدهم محمد سنة 322ولكنه انهزم أمام الخليفة عبد الرحمان الثالث. وأول من استقل من بني هاشم المنذر، وظل حكمه على سرقسطة إلى عام 415. وولي بعده ابنه يحي وتلقب بالمظفر. وانتقل الحكم بعد يحي إلى ابنه المنذر الثاني الملقب بمعز الدولة سنة 430بيد عبد الله بن الحكم فاستولى بنو هود على ملكهم. انظر الدائرة ج 4ص 162، والبيان ج 3فهرست الأسماء، وتاريخ المسلمين ج 4.
(5) بنو هود: دولة عربية في سرقسطة. لما قتل المنذر الثاني بن يحي التجيبي عام 430. استبد سليمان بن محمد أبو أيوب بالحكم في سرقسطة وتلقب بالمستعين. وكانت وفاته عام 438. ومن الأمراء الهوديين في سرقسطة: أحمد المقتدر الملقب بسيف الدولة (إلى سنة 474) ثم ابنه يوسف المؤتمن (إلى سنة 478). وبعده ابنه أحمد المستعين الثاني إلى سنة 503. وولي بعد المستعين ابنه عماد الدولة وانقرضت في عصره الدولة الهودية واستولى علي بن يوسف على سرقسطة سنة 508. انظر الدائرة ج 2ص 348، ج 4ص 162والبيتان ج 3فهرست الاسماء وتاريخ المسلمين ج 4.
(6) هو محمد بن يعيش الاسدي من أمراء طليطلة قبل بني ذي النون. انظر الدائرة ج 4ص 583.
(7) بنو ذي النون، من أصل بربري من قبائل هوارة. ظهروا في عصر المنصور بن أبي عامر واستقروا في ناحية شنتبرية. ولما اختل أمر الملك بطليطلة استدعى أهلها عبد الرحمان زعيم بني ذي النون لحمايتهم. فأرسل عبد الرحمان ابنه اسماعيل إليها سنة 435واستقر إسماعيل في طليطلة واستبد بالحكم فيها واتخذ أبا بكر بن الحديدي مشاورا له.
وولي بعده يحي ابن ذي النون الملقب بالمأمون. وتوفي المأمون هذا سنة 467وانتقل الملك إلى حفيده يحيى بن اسماعيل بن يحي الملقب بالقادر. وثار أهل طليطلة في عصره فهرب واستولى المتوكل على عاصمته في سنة 472.
انظر الدائرة ج 4ص 852، والبيتان ج 3فهرست الأعلام.(2/211)
وثار في حمص (1) بنو عبّاد (2) ... والحرب والفتون في ازدياد
وشاع عن هشام المؤيّد ... بأنّه حيّ ولمّا يلحد (3)
وأنّه جاء من الحجاز ... واحتلّ في حمص على المجاز (4)
وقال عبّاد به فصدّقوا ... بأنّه حيّ لديه يرزق
فنسبوا دعوته طلّسما ... وقد محا الممات منه الرسما
فعبدوه مدّة أعواما ... إذ عدموا الألباب والأحلاما
ثم نعاه بعد ذا عبّاد ... من بعد ما طاعت له البلاد
وثار في غرناطة حبّوس (5) ... ثم ابنه من بعده باديس
__________
(1) حمص: اسم لا شبيلية. انظر ياقوت في حمص والدائرة ج 4ص 244.
(2) دولة عربية في أشبيلية، أسسها أبو القاسم محمد. وانتقل الحكم بعده إلى ابنه أبي عمرو. عباد بن محمد الملقب بالمعتضد، وكانت ولايته من سنة 434إلى سنة 461.
وولي بعده ابنه أبو القاسم محمد بن عباد، المعتمد. وهو أشهر ملوك هذه الدولة وآخرهم كان شاعرا أديبا كاتبا، سار إليه الشعراء من جميع البلدان الأسبانية ومدحوه ولما رأى الفونس قد هدد ملكه كتب إلى يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين وسأله العون والنصر. فجاء يوسف إلى الأندلس وحارب المسيحيين في الزلاقة، وذلك في سنة 479. وفي سنة 484رجع يوسف إلى الأندلس واستولى على ملك بني عباد ونفى المعتمد إلى أغمات حيث توفي عام 488.
انظر الدائرة ج 1ص 7وج 4ص 244، والبيان ج 3ص 314.
(3) هو هشام (الثاني) بن الحكم، المؤيد بالله آخر خلفاء الأمويين في الأندلس. وقد ذكر هذا الخبر ابن عذارى في كتابه البيان وقال: «من أشهر أخبار (عباد بن محمد المعتضد) أنه نظر في شأن من بقي يومئذ من فتيان بني مروان فسقط إليه خبر المدعي بهشام بن الحكم وكان قد تحدث أنه أفلت من يدي سليمان قاهره، وأنه غاب ببلاد المشرق مدته الطويلة ثم عاد إلى الأندلس فدبر ابن عباد أمره واهتبل الغرة في ذلك وأنه أقل ما يجيء له منه دفع مكروه ابن حمود، ونظم الناس على حربه» البيان ج 3ص 197. انظر أيضا الدائرة الطبع الجديد ج 1ص 6.
(4) يقصد بالمجاز، المسير البحري من المغرب إلى أشبيلية.
(5) من أمراء الزيرية. أسس هذه الدولة زاوي بن زيري (من أفريقية) الذي استخدمه العامريون في جيشهم.
ولما رجع زاوي هذا إلى أفريقية ترك حفيده حبوس بن ماكسن قائدا للزيريين في غرناطة ولم يلبث حبوس أن استقل بالملك وتلقب بسيف الدولة والحاجب ودام ملكه إلى سنة 429. وولي الحكم بعده باديس بن حبوس الذي أخذ المرية من زهير الصقلبى. فإن زهيرا هذا قتل في حرب البونت سنة 429. وتوفى باديس سنة 466 وكان به ابنان: تميم أمير مالقة وعبد الله الذي ولى الأمر بعد أبيه في غرناطة. وانقرضت في عصرهما الدولة الزيرية بيد يوسف بن تاشفين عند رجوعه إلى أسبانيا سنة 484. انظر الدائرة ج 4ص 1300(2/212)
وآل معن ملكوا المريّة (1) ... بسيرة محمودة مرضيّه
ذكرهم في غير ما قصيد ... يشرق مثل النحر بالفريد
وثار في شرق البلاد الفتيان ... العامريّون ومنهم خيران
ثم زهير والفتى لبيب ... ومنهم مجاهد اللبيب
سلطانه رسا بمرسى دانيه ... ثم غزا حتّى إلى سردانيه
ثم أقامت هذه الصقالبه (2) ... لابن أبي عامرهم بشاطبه (3)
__________
(1) كانت قبيلة تجيب قد انقسمت إلى قسمين:
أ) بنو هاشم.
ب) بنو صمادح الذين اخرجوا من بداية الأمر من ارغون. وفي النصف الأول من القرن الخامس استبد أبو الاصبغ معن بن محمد بن أحمد بن صمادح التجيبي بالحكم في المرية. وتوفى معين سنة 443وانتقل الملك إلى ابنه أبي يحي محمد الملقب بالمعتصم، وكان عمر المعتصم 15عاما فكان عمه سليمان بن محمد يدبر الأمور في المرية. وكانت وفاة المعتصم سنة 484. وولي بعده أحمد معز الدولة الذي انهزم أمام المرابطين فانقرضت دولتهم. انظر البيان ج 3فهرست الأسماء والدائرة ج 4ص 862.
(2) صقلب أو صقلبي أو صقالبي: كان يراد بهم أولا أحداث السلاف الذين كانوا في خدمة الأمويين في قرطبة، ثم أريد بهم صبيان الفرنجة على الإطلاق، وهؤلاء الأحداث أسلموا وتعلموا العربية. وبلغ عددهم في عصر عبد الرحمان الثالث 13570أنظر أخبارهم في الدائرة ج 4ص 79. والبيان ط دوزي ص 776. والنفح ج 1ص 88و 93والكلمة في دوزي وأدباء العرب في الأندلس للبستاني ص 19ومن أشهر هؤلاء الصقالبة خيران (وهو جيران في زانبور، أنظر الفهرست) وزهير ومجاهد ولبيب ومقاتل. ذكرهم ابن عذاري وقال: خيران: «هو خيران الصقلبي العامري وكان من جلة فتيان ابن أبي عامر، فلما تخربت الخلافة انتزي خيران هذا على مدينة المرية فدبر أمرها إلى أن هلك سنة 419، وصار الأمر فيها إلى صاحبه زهير، الفتى العامري فولي من بعده نحو عشرة أعوام وتحرك إلى مدينة غرناطة فخرج إليه باديس بن حبوس وكان الظفر لصنهاجة وقتل زهير» البيان ج 3ص 166.
لبيب ومقاتل: «كان على طرطوشة أمير فتى من فتيان ابن أبي عامر اسمه لبيب وكان قد ضبطها لنفسه
إلى أن حانت منيته فولى أمرها من بعده فتى آخر اسمه مقاتل» البيان ج 3ص 224.
ومجاهد: استولى أولا على دانية «وفي سنة 406فتح مجاهد سردانية وتسمى بالموفق بالله» البيان ج 3 ص 155.
(3) بنو عامر: يمنيو الأصل ينتسبون إلى عبد الملك المعافري الذي دخل المغرب مع طارق. ومنهم عبد العزيز المنصور وهو أول من استبد بالحكم منهم في بلنسية سنة 412. وتوفى عام 453وولي بعده ابنه عبد الملك المظفر وظل حكمه إلى سنة 457. وأخرجه منها صهره المأمون وظلت بلنسية متصلة بطيليطة مدة عشرة أعوام ثم استولى عليها أبو بكر عبد العزيز وخلعه القادر سنة 478انظر الدائرة ج 1ص 338.(2/213)
وجلّ ما ملكه بلنسيه ... وثار آل طاهر بمرسيه (1)
وبلد البونت لآل قاسم (2) ... وهو حتى الآن فيه حاكم
وابن رزين (3) جاره بالسّهله (4) ... أمهل أيضا ثمّ كلّ المهله
ثم تمادت هذه الطوائف ... تخلفهم من آلهم خوالف
وبعده عشرة أبيات في وصف الحال، يذكر دولة لمتونة (5) وخبر وقعة الزلاقة (6):
وإذ أراد الله نصر الدين ... استصرخ الناس ابن تاشفين
__________
(1) لما ولي عبد الملك المظفر الحكم ببلنسية اختار أبا بكر أحمد بن اسحاق ابن طاهر واليا على مرسية وتوفي ابن طاهر هذا في سنة 455واستبد بالحكم ابنه أبو عبد الرحمان محمد. وما لبث المعتمد ملك اشبيلية ان طمع في ملكهم فحارب ابن طاهر واسره، الا أنه هرب منه إلى القادر ابن ذي النون ببلنسية حيث توفي سنة 508. انظر الدائرة ج 3.
(2) آل قاسم أصحاب مدينة البونت وقد ترجم العماد لأبي محمد الوزير منهم في هذا الكتاب (راجع الفهرست) وذكرهم أيضا ابن الخطيب في أعمال الاعلام ص 208.
(3) بنو رزين، من أصل بربري يعرفون ببني الاصلع. قال ابن عذاري: «لما اشتعلت نار الفتنة ثار ابن الاصلع بشنتمرية ويقال لها السهلة، واسمه هذيل بن خلف بن لب ابن رزين بويع له بها سنة ثلاث وأربعمائة» وسلسلة ملوكهم:
أبو مروان عبد الملك بن خلف ثم ابنه أبو محمد هذيل ابن رزين، عز الدولة ثم ابنه أبو مروان عبد الملك حسام الدولة الذي توفي عام 496. وقد ترجم له العماد في هذا الكتاب (راجع الفهرست) وولي بعده ولده: «يحي، بويع له يوم موت أبيه إلى أن خلعه المرابطون سنة 497. فكانت دولته سنة واحدة، وانقرضت دولتهم». انظر ابن الأثير ج 9 ص 204. دوزى تاريخ المسلمين ج 4ص 303» الحلة، فهرست الدائرة ج 1ص 254 والبيان ج 3ص 308.
(4) السهلة اسم لشنتمرية الشرق أو شنتمرية ابن رزين.
(5) أي المرابطون. ترجع هذه الدولة بأصلها إلى قبيلة لمتونة من برابرة صنهاجة، ويعرفون أيضا بالملثمين، نشأوا في المغرب وعظمت دولتهم في عصر يوسف بن تاشفين أمير المسلمين، وهو الذي حارب المسيحيين في الزلاقة سنة 479. وفي سنة 484استولى قائده سير بن أبي بكر على الأندلس وأخضع ملوك الطوائف، توفي يوسف سنة 500وانتقلت أمارة المسلمين إلى ولده علي (537500) ثم كان الحكم لتاشفين بن علي (539537أو 541)) ثم لابراهيم بن تاشفين وولي بعده اسحاق بن علي الذي قتل عند فتح مراكش سنة 541. أنظر الدائرة ج 1.
(6) الروض المعطار: بطحاء الزلاقة من أقليم بطليوس من غرب الأندلس فيها كانت الوقيعة الشهيرة للمسلمين على الطاغية، عظيم الجلالقة اذفونش بن فردلند (الفونس بن فردينان) عهيد المعتند محمد بن عياد، وكان ذلك في الثاني عشر من رجب سنة 479 «الروض طبع وترجمة ليفي بروفنال رقم 84. وورد فيه شرح هذه الوقيعة بالتفصيل».
انظر أيضا الدائرة ج 4ص 1273.(2/214)
فجاءهم كالصّح في إثر غسق ... مبتدرا كالماء ينفي في رنق (1)
وافى أبو يعقوب كالعقاب ... فجرّد السيف عن القراب
وواصل السير إلى الزلّاقه ... وساقه ليومها ما ساقه (2)
لله درّ مثلها من وقعه ... قامت بنصر الدين يوم الجمعه
وثلّ للشرك هناك عرشه ... لم يغن عنه يومه اذفونشه
فوجب الخلع لذي الجماعه ... وصرّحوا (3) ليوسف بالطاعه
فاتّصل الأمر على النظام (4) ... وامتدّ ظلّ الله للإسلام
ثمّ ولي عليّ ابن يوسف ... مقتديا (5) حكم أبيه يقتفي (6)
ومن شعر عبد الجبّار المتنبي قوله:
أهديت مشبه قدّك الميّاس ... غصنا نضيرا ناعما من آس
فكأنّما تحكيه في حركاته ... وكأنّما يحكيك في الأنفاس
وقال:
بعوض جعلن دمي نهزة ... وغنّينني بضروب حسان
كأن عروقي أوتارهنّ ... وجسمي رباب وهنّ القيان
__________
(1) ق: رمق. والذخيرة: مستدركا لما تبقى من رمق.
(2) ق: مساقه.
(3) ق. صرعوا. [وفي الذخيرة: الخلاعة بدل الجماعة].
(4) الذخيرة: على نظام.
(5) الذخيرة: مهتديا.
(6) تبدأ هذه الارجوزة بخطبة وتحتوي على خلاصة من تاريخ العرب، وهي 438بيتا.(2/215)
62* أبو عبد الله محمد بن عائشة البلنسي (1) *
قال (2):
ودوحة (3) قد بدت سماء (4) ... تطلع أنوارها (5) نجوما
هبّ (6) نسيم الصّبا عليها ... فخلتها أرسلت رجوما (7)
(8) [ومن شعره أيضا:
لله ليل بات في جنحه ... طوع يدي من مهجتي في يديه
رايته اسهر أيامه ... ولم ازل أسهر شوقا إليه
عاطيته صفراء مشمولة ... كأنها تعصر من وجنتيه
لله قول القائل:
أمن خديك تعصر قال (ك) لا ... متى عصرت من الورد المدام (9)
ولابن عائشة قوله، وهو مما أبدع فيه وزاد على من تقدم:
إذا كنت تهوى وجهه وهو روضة ... بها نرجس غض وورد سميرج
فزد كلفا فيه وفرط صبابة ... فقد زاد فيه من عذار بنفسج]
__________
(1) في الأصل: أبو محمد عبد الله محمد بن عائشة. وقد ترجم له العماد مرة أخرى في هذا الكتاب وذكر الأبيات مع اختلاف. (انظر الفهرست) [وإصلاح الكنية من (ت)].
(2) نظم الأبيات حينما كان هو وابن خفاجة وجماعة أخرى تحت خوخة أسقطت الريح زهرها، الذخيرة. وقد ورد بيت ثالث له في المراجع وهو:
كأنما الجوز غار لما ... بدت فأغرى به النسيما
(3) الذخيرة: خوخة.
(4) المغرب والمطمح: قد علت. الرايات: أشرقت.
(5) المغرب والمطمح: تطلع أزهارها.
(6) المغرب والمطمح: هفا.
(7) المطمح: فارسلت فوقنا رجوما. وفي الرايات: نجوما.
(8) [من هنا إلى آخر مختارات ابن عائشة منقول من (ت)].
(9) [البيت لأبي الحسن الحصري].(2/216)
أكثر هذه الأسماء، علّقتها من تعليق أبي القاسم بن منجب المصري وذكرت في كل شيء ما وقع لي وأضفت إليه ما سمعته. وفي التعليق: ومن الطارئين على الأندلس:
63* أبو [الحسين] (1) الفكيك *
هو أقدم (2) عصرا ولم يلحق سنة خمسمائة (3). قال من قصيدة في بعض ملوك الأندلس وهو المقلب بالمقتدر (4):
لعزّك ذلت ملوك البشر ... وعفّرت تيجانهم في العفر (5)
وأصبحت أخطرهم بالقنا ... وأركبهم لجواد الخطر
سهرت وناموا على المأثرات ... فما لهم في المعالي أثر
وجلّيت في حيث صلى الملوك ... فكلّ بذيل المنى قد عثر
بدور تجرد سيف الندى ... وتغمده في رؤوس البدر
وأنتم ملوك إذا شاجروا ... أظلتهم من قناهم شجر
وقال:
غنّى حسامك في أرجاء قرطبة
صوتا أباد العدى والليل معتكر (6)
حيث الدماء مدام والقنا زهر
والقوم صرعى بكأس الحتف قد سكروا
__________
(1) [في الأصل: أبو الحسن، وما أثبتناه من (ت)، كما هو موجود في الأصل في آخر المختارات].
(2) ق: أقرب.
(3) [من هنا إلى آخر القطعة الآتية غير موجود في (ت)].
(4) أي أحمد بن سليمان ثاني أمراء الهودية.
(5) الأبيات في النفح ج 2ص 82.
(6) البيتان في النفح ج 2ص 83(2/217)
ومما ينسب إليه (1):
ووعدتني وعدا حسبتك صادقا ... فجعلت من طمعي أجيء وأذهب
وإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب
وكان مشهورا بالهجاء. وله في الشريف فخر الدولة النقيب، وفي رقبته غدّة (2):
بلع الامانة فهي في حلقومه ... لا ترتقي صعدا ولا تتنزّل
(3) وقال في الوزير البابلي وقد احترقت ترقوته وصارت رقبته تسيل (4):
ان الوزير أبا علي لم يزل ... للنيك لا لوزارة مخلوق
(مخلوق مرفوع جعله خبر إنّ أي ان الوزير مخلوق لم يزل لكذا لا لكذا) (5):
وأنه صنم الجماد إذا مشى ... وعذاره في خدّه محلوق
يمشي كما يمشي العلوق وخلفه ... بالدار لكه (؟) يلعب المحروق
وقال في ناصر الدولة حسين ابن حمدان (6) وكانت يده شلاء:
__________
(1) البيتان في المسالك ورقة 184والنفح.
(2) في النفح ج 2ص 83: «وكان مشهورا بالهجاء وله في نقيب بغداد» ولم يذكر اسمه، وفي ق: وله في الشريف النقيب.
(3) [من هنا إلى آخر مختارات الفكيك، مفقود من (ت)].
(4) في ق: احترقت رقبته وصارت
(5) جملة غير موجودة في ق.
(6) ورد اسمه في الكامل لابن الأثير ج 10ص 7حيث قال: «في سنة 452حاصر محمود
الكلابي مدينة حلب فلم يسهل له فتحها فرحل عنها ثم عاودها فحاصرها فملك المدينة عنوة وامتنعت القلعة عليه. وأرسل من بها إلى المنتصر بالله صاحب مصر ودمشق يستنجدونه فأمر ناصر الدولة أبا محمد الحسين بن الحسن بن حمدان الأمير بدمشق أن يسير بمن عنده من العساكر إلى حلب يمنعها عن محمود ثم إن الحرب وقعت بين محمود وناصر الدولة. وملك محمود حلب وهذه الوقعة تعرف بوقعة الفنيدق». انظر أيضا معجم البلدان: الفنيد.(2/218)
لئن غلطت بأن مدحتك راجيا (1) ... جدواك مع علمي بأنك باخل
فالدولة الغراء قد غلطت بأن ... سمتك ناصرها وأنت الخاذل
ان تمّ أمرك مع يد لك أصبحت ... شلاء فالامثال شيء باطل
وأنشدني بعض الأصدقاء أبياتا في طبيب مزوق بمصر، قال هي لابن الفكيك المصري ولم أعرف غير أبي الحسين الفكيك وهي:
قل للطبيب الديلمي وان غدا ... في الطب ربّ تنطس وجراح
يمّمت طبك جاهلا بأصوله ... فغدوت كالساري بلا مصباح
وحكمت في المرضى برأي مزوق ... فتركتهم صورا بلا أرواح
64* أبو العرب * مصعب بن محمد بن أبي الفرات القرشي
ولد بصقلية في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة (وخرج عنها لما تغلب الروم عليها في سنة أربع وستين وأربعمائة قاصدا) (2) المعتمد محمد (3) بن عباد.
قال أبو القاسم علي بن منجب في تعليقه:
وبلغني في سنة سبع وخمسمائة أنه حي بالأندلس (4). (قال من قصيدة مدح بها المعتمد أول ما لقيه في سنة خمس وستين وأربعمائة:
أحادينا هذا الربيع فخيّم ... وأمنية المرتاد والمتيّمم
وحط به عن ناجيات كأنها ... قسيّ رمت منا البلاد بأسهم
__________
(1) في النفح ج 2ص 83: طالبا.
(2) جملة ساقطة في: ق.
(3) [كلمة: محمد، ساقطة من (ت)].
(4) [من هنا إلى آخر البيت الخامس، مفقود من (ت)].(2/219)
ومنها:
يشاهد أسرار الزمان جلية ... بفطنة مدلول البصيرة ملهم
أياد أبانت عنه وهي صوامت ... وربّ مبين ليس بالمتكلّم
فلا الغرض الاقصى عليه بعازب ... بعيد ولا المعتاص عنه بمبهم)
وقال:
تخشى بوادره والحلم حاجزها
انّ السيوف (لتخشى) (1) وهي في القرب
ويضرب الذكر، صفحا عن مواهبه
كأنه لم يجد يوما ولم يهب
أولها:
اهجر رشادك في وصل ابنة العنب ... ولا تعقّنّ أمر (2) اللهو واللعب (3)
متّع شبابك واستمتع بجدّته ... فهو الحبيب إذا ما بان لم يؤب
من ضيّع اللهو في بدء الشباب طوى ... كشحا على أسف لم يغن في العقب
والحلم قيد فدعه واخط في مرح ... والجد داء فداو النفس باللعب
والهمّ للنفس شيطان يوسوسها ... فاقذفه من أنجم الصهباء بالشهب
(لله دره لقد أجاد) (4):
بكر حصان إذا ما الماء واقعها ... أبدت لنا زبدا في سورة الغضب
كادت تطير نفارا حين نافسها ... لولا الشباك التي صيغت من الحبب
__________
(1) [كلمة: لتخشى، ساقطة من (ت)].
(2) في ق: أم.
(3) [في (ت): والطرب].
(4) جملة غير موجودة في ق.(2/220)
هذا معنى بديع. وقال (1):
وما لحظت عيناي في الدهر قبله ... فريدا أرى كل الورى منه وحده
ومن معجزات المجد والفضل أنني ... أشاهد منه الضد ينصر ضده
دنا كرما لما تباعد رفعة ... دنو الغمام المستهل وبعده
أقرت به هام الأعادي فحالفت ... قلوبا عرفن الحق واعتدن جحده
وقال:
أبهى المناظر في عيني وأحسنها ... كأس بكف رخيم الدل سحّار
كأنه إذ يسقّي سادة زهرا ... نجم يوزع نجما بين أقمار
وقال:
كأن فجاج الأرض يمناك إن يسر (2) ... بها خائف تجمع عليه الأناملا
فأنّى يفرّ المرء عنك بجرمه (3) ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا
ليس يخرج هذا في الجودة عن قول النابغة الذبياني:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (4)
وقال:
لما لقوا جيشك المنصور منتظما ... ظلت رؤوسهم بالبيض تنتثر
أولغت شبلك في الهيجا دماءهم ... حتى تورد منه الناب والظفر
إنّ الدماء لمكروه مغبّتها ... لكنّها عند آساد الهدى (5) هدر
__________
(1) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].
(2) في الوافي، مخطوطة فينا ورقة 155: فجاج الأرض نمال ان تسير
(3) الوافي: فأين يفر
(4) انظر ديوان النابغة ط بيروت ص 114.
(5) ق: الورى.(2/221)
وقال (1):
وإنّي لأستشفي بطيف مسلّم ... يبلّ غليلي باللقاء ويبرد
وما خاف طيف في الزيارة رقبة ... ولكن رقيب الطيف طرف مسهّد
وهل في ضمير الدهر للقرب عودة ... فتغني كما كنا، أم الصبر أعود
ليالي ترضينا الليالي كأنّها ... إلينا بإهداء المنى تتردد
همام يجر الجيش جما عديده ... لأرض الأعادي زائر متعمد
كأن الضحى يعتل منه فيكتسي ... شحوبا وعين الشمس تقذى وترمد
فقل هو ليل في الظّهيرة مظلم ... وقل هو بحر في البسيطة مزبد
كأنّ الردى فيه تضل نفوسهم ... فيهديه من صوت القواضب منشد
نجوت فعمري مستجد وإنّما ... نجاة الفتى بعد المخافة مولد
وأحسنت الأيام حتّى كأنّما ... تنافس في الإحسان يومي والغد (2)
وقال (3):
عرفت فودعت الصبا والغوانيا ... وقلت لداعي الحلم لبيك داعيا
فما يزدهيني دل (4) كل غريرة ... تزيّن للكهل الحليم التصابيا
ولكن قصرت العين عن كل منظر ... فما أرسلت لحظا على القلب جانيا
غضوب لدين الله في كل موطن ... يعاف الرضى حتى يرى الدين راضيا
ألا انني لما عددتك أولا ... ختمت وما استثنيت بعدك ثانيا
استثنيت هاهنا عددت ثانيا، لا من الاستثناء الذي هو إخراج بعض من كل. وقال:
إلى م اتباعي للأماني الكواذب ... وهذا طريق المجد بادي المذاهب (5)
أهم ولي عزمان عزم مشرق ... وآخر يغري (6) همتي بالمغارب
__________
(1) [هذه القطعة مفقودة من (ت)].
(2) في ق: قومي والغدو.
(3) [هذه القطعة ساقطة من (ت)].
(4) في ق: تزدهيني ذات
(5) الأبيات الثلاثة الاولى والبيت الأخير في النفح ج 2ص 356. وتمام القطعة في الوافي ورقة 155.
(6) النفح: يثني.(2/222)
(نسخة يثني همتي للمغارب) (1):
ولا بد لي أن أسأل العيس حاجة ... تشق على أخفافها والغوارب
عليّ لآمالي اضطراب مؤمل ... ولكن على الأقدار نجح المطالب
فيا نفس لا تستصحبي الهون إنه ... وإن خدعت أسبابه شرّ صاحب
ويا وطني إن بنت عنّي فإنّني ... سأوطن أكوار العتاق النجائب
إذا كان أصلي من تراب فكلّها ... بلادي وكل العالمين أقاربي
وهذا من قول ابن المعتز:
إذا كنت في الناس ذا ثروة (2) ... فأنت المسوّد في العالم
وحسبك من نسب صورة ... تخبّر أنّك من آدم
وكقول الآخر:
الناس من جهة التمثال أكفاء ... أبوهم، آدم والأم حوّاء
رجعنا إلى القصيدة:
وما ضاق عني في البسيطة جانب ... وإن جل إلا اعتضت منه بجانب
إذا كنت ذا هم فكن ذا عزيمة ... فما غائب نال النجاح بغائب
65* ابن كاتب كرامة القيرواني (3) *
وجدت في تعليق بعض المصريين: أنشد الفقيه أبو عبد الله [محمد] بن عذرة القيرواني لابن كاتب كرامة القيرواني:
ولقد قطعت الليل في دعة ... من غير تأثيم ولا ذنب
بأعزّ من بصري على بصري ... وأحبّ من قلبي إلى قلبي
__________
(1) جملة غير موجودة في ق. [ولا في (ت)].
(2) في الديوان: إذا كنت ذا ثروة من غنى. الديوان جمع الصولي ط استانبول ج 4ص 230.
(3) [يظهر أن والده عمل في ديوان الكرامة وهي منحة تعطى للمبرزين من رجال الجيش عند اعتزام الغزو].(2/223)
66* ابن شرف *
أبو عبد الله محمد بن أبي سعيد بن أحمد بن شرف الجذامي القيرواني وأظنه والد جعفر وقد أوردنا شعره.
هو أقدم عصرا من الذين أوردناهم وكان في عصر ابن رشيق والجميع متقاربو العصر (1). طالعت مصنف محمد ابن شرف الموسوم بأبكار الأفكار ومن منثور كلامه فيه:
«أذى البراغيث إذا البرّ أغيث بريء عليل برانا، وأثرى فقير ثرانا، وتاريخ ذلك انصرام بآخر، وقد بلغت القلوب الحناجر، بحمّارة احمرّت لها خضرة السماء، واغبرّت مرآة الماء، حتّى انهلّ طالع وسميّ، وتلاه تابع وليّ، دنا فأسفّ، ووكف فما كفّ، فما فتىء ثرثارا قطره، محجوبا شمسه وبدره، حتى إذا جاء ركيّه بالطام، وخيف اعظام الاطام * وقال حوض الأرض لماتح المزن حسبي، قد ملأت وطبي، رفع حجاب السماء، وغيض طاغي الماء، وأطلق طلق الهواء، من عقال الظلماء، وجلّيت عروس الشمس، معتذرة من مغيبها بالأمس، وطفقت ترشف ريق الغدران حتى جفت عبراتها، وتعانق أعناق الغدران حتى خفت حسراتها، فعندها مزق عن الدقعاء صحيح إهابها، واختزن درّ البرّ في أصداف ترابها، فلا وأبي الأيام ما مرت بهن عاسرة، إلا والقيعان مسندسة، والآكام مطرّسة * قد تجدد الشمل، وتفسح الأمل، وحمل الشمس الحمل، وظهرت تباشير النهاية، في شمائل البداية، فرجاؤنا في التمام، أخذا بقول أبي تمام:
إنّ الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن سيكون بدرا كاملا (2)
__________
(1) [من هنا إلى قوله: وله على لسان محبوس، ساقط من (ت)].
(2) انظر ديوانه (مطبة الخياط) ص. 380.(2/224)
فخف من أعباء الهموم ما آد، واطمأن قلب القانط وما كاد، فسبحان مطفىء نيران الجدب الحامية، بمياه الخصب الهامية، وتعالى كاشف تلك الكروب، وآسي تلك الندوب».
(من) (1) فصل في وصف زرع برد:
«كان زرعا يرجى ليوم الحصاد، منتظرا فيه آخر صاد، فأكلته ثغو الغمام، (قبل ثغور الأنام) (2)»
وله يستهدي عمامة:
«قد اقترحت تاج الملابس، وسماء اللّابس، والنازلة بأشرف الحلة مكانا، وأعلى المحلة بنيانا، ولك بإنفاذها من الثناء، مثل مكانها من البناء».
وله على لسان محبوس:
«قد حكمت بسجن الأشباح، وهي سجون الأرواح، فامنن على (3)
ما شئت منهما بالسراح. فالحبس نزاع الأرواح، والعقلة أخت القتلة، وكلاهما فقد، ومهر للخطوب ونقد، وإنما بينهما نفس متصاعد، وأجل متباعد، فالحق منهما ما أجلت، بما عجلت، وقد أخرنا طلب الدين، إلى يوم الدين» وعلى لسان محبوس أيضا:
«لان لنا قوم وخشنت، ورقوا وغلظت، فاصلحت نقمتك (4) ما أبطرته نعمة سواك، وأدبت غلظتك من يسحب عن هوى (5) غير هواك، فاطلاق بامتنان، وتسريح بإحسان، أو نزل من حميم، وتصلية جحيم».
ومن منثور كلامه في أبكار الأفكار:
«لما فنى عمر الأمس، (6) وطفىء سراج الشمس، لاحت بروق الثغور
__________
(1) كلمة ساقطة من ق.
(2) ما بين القوسين ساقط في ق.
(3) في ق: فاعلم
(4) في ق: نعمتك.
(5) في ق: على هواك.
(6) [في الأصل: الأسن].(2/225)
اللوامع، وخلخلت رعود الأوتار في المسامع، وبعث (1) مخارق وابن جامع، فلم يزل ذلك دأبنا ما أقلع سحابنا حتى متنا بالهجعة، وكلنا يقول بالرجعة»
أخرى:
«شربنا وقد سحبت أذيال السحب، وضمّخت ترائب الترب، وبكت عين المزن، من غير حزن، مطلنا القيظ (2) بالراح، إلى برد الرواح، وعملنا بالمصير، إلى الليل القصير، فسألنا غريم النوم، النظرة إلى ضحى (3) اليوم، فأجابنا، ولم يهتك حجابنا».
وله في وصف نعيم العيش:
«ضمّ القد المجرد، ولثم الخد المورد، وفقدان المراقب، ونسيان العواقب».
في القرابة:
«الوجيه بين أقاربه، كالوادي بين مذانبه، يجذبن ماءه، ويطلبن إظماءه».
في العداوة:
«كم قاطعك، من راضعك، وقابحك، من مالحك، ونافقك، من وافقك، وناصبك، من صاحبك، وحادّك، من وادّك».
في الجود والبخل:
«الجود، أنصر من الجنود، من بخل بماله، سمح بعرض آله».
في أنواع شتى:
«إذا انضمّ جناح الطيش، تم صلاح العيش، ما أحسن، إلّا لسن.
لا كرم، لمن حرم، كيف ينجز، من يعجز إياك وإخلاف العده، مع
__________
(1) [في الأصل: بعثت، والاصلاح من (ت)].
(2) في ق: غيظ.
(3) في ق: صحيح.(2/226)
إسعاف الجده، إياك والطعام، مع الطغام، كثرة الأيمان، من قلة الإيمان، احذر الكريم إذا افتقر، واللئيم إذا قدر (1).
احذر التقي إذا أنكر، والذكي إذا فكر، قد ينجز المطول، ويوجز المطيل، المطل أحد المنعين، واليأس أحد الصنفين، العشق أحد الرقين، والسلو أحد العتقين، رفث الكلام أحد السفاحين، وموالاة القبل أحد النكاحين، جميل الرد أحد الجودين، وبقاء الذكر أحد الخلودين، طول الخمول (2) أحد القبرين، وبقاء الثناء أحد العمرين، بئس النّصير، التقصير، المتجاسر (3)
خاسر، الباذل، كثير العاذل، الكريم، كثير الغريم. لا رياضة للأحداث، على الأحداث. أول العقد، وواسطة العقد. من كثر هجره، وجب هجره، من كرمت خصاله، وجب وصاله، عيبه عيوب، وذنوبه ذنوب، سحابة صيف، وزيارة (4) طيف، عشرة الصّغار، صغار، حيث ما حل، عقد وحلّ، وأين ما نزل، ولّي وعزل، المستلئم، أحزم من المستسلم، غرس الإحن، يثمر المحن (5)، نسيم الريح، نسيب الروح، الوسيلة جناح النجاح، ربّ عين إذا رنت زنت، إن ظمئت فريقك وردي، وإن شربت فخدّك وردي، إذا انحلت عقد السماء، انتظم (6) عقد الندماء. جمالي (7) جمال الغصن بثمره، والأفق بقمره».
ومن أشعاره بيتان لا يختلط فيهما حرف بحرف (8):
(و) (9) درّة نارت ودرّت داري ... لا درّ درّي إنّ درّي داري
ولا روى راو أداه ولا (؟) ... ودّت ودادي إنّ زرّي زار
__________
(1) في ق: اقتدر.
(2) [في (ت): الخمود].
(3) في الأصل: التجاسر.
(4) [في الأصل: زيادة، والأصلاح من (ت)].
(5) ق: غرس اللاحن ثمر اللاحن.
(6) [في (ت): ينظم].
(7) [في الأصل: جمالي بك، والاصلاح من (ت)].
(8) [القطعتان الاتيتان ساقطتان من (ت)].
(9) ما بين القوسين زائد للوزن.(2/227)
وقال:
ولقد نعمت بليلة جمد الحيا ... بالأرض (1) فيها والسماء تذوب
والكأس كاسية القميص كأنّها ... لونا وقدّا معصم مخضوب (2)
مشروبة لللّبّ شاربة وما ... شيء سواها شارب مشروب (3)
منّي إليه ومن يديه إلى يدي ... كالشمس تطلع بيننا (4) وتغيب
وقال:
خليل النفس لا تخل الزجاجا ... إذا بحر الدجى في الجو ماجا
وجاهر في المدامة من ترائي ... فما فوق البسيطة من يداجى
أمط عنا الكرى والليل ساج ... ودعنا نلبس الظلماء ساجا
وهات على اهتمام الروح راحا ... تعيد هموم أنفسنا افتراجا
إذا مرّيخها اتّقد احمرارا ... صببنا المشتري فيها مزاجا
وله:
إن تلقك (5) الغربة في معشر ... تظافروا فيك على بغضهم (6)
فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم
وله في مثله:
يا ثاويا (7) في معشر ... قد اصطلى بنارهم
فما بقيت (8) جارهم ... وفي هواهم جارهم (9)
وأرضهم في أرضهم ... ودارهم في دارهم
__________
(1) ياقوت: في الأرض. والقطعة (5أبيات). فيه ج 19ص 38.
(2) ياقوت: يديرها ... ساق كخود كفه مخضوب
(3) البيت غير موجود في ياقوت.
(4) ياقوت: تارة.
(5) في الذخيرة: القسم الرابع ج 1ص 133وياقوت ج 19ص 36: ترمك، انظر الأبيات أيضا في المطرب ص 76.
(6) ياقوت والذخيرة: قد جبل الطبع على بغضهم.
(7) في الذخيرة: يا خائفا لا يصطلى.
(8) [من الذخيرة، وفي الأصل و (ت): عنيت].
(9) وقيل هذا البيت بيت آخر في الذخيرة وهو:
أو ترم من أحجارهم ... وأنت في أحجارهم(2/228)
وله (1)
سأبغي على الدنيا بصولة محرب ... وإلّا على الأخرى بوصلة (2) محراب
ولا خير في عيش يكون قوامه ... بمنحة مكذوب ومدحة كذّاب (3)
وله في عود:
يا عود من أيّة الأشجار أنت فلا ... جفا ثراها ولا أغصانها الماء
غنّى القيان عليها وهي يابسة ... بعد الحمام زمانا وهي خضراء
وله في مثله:
سقى الله أرضا أنبتت عودك الذي ... زكت منه أغصان وطابت مغارس (4)
تغنّى عليها الطير وهي رطيبة (5) ... وغنّى (6) عليها الناس والعود يابس
وله في متجسّس (7):
وناصب (نحو) (8) أفواه الورى أذنا ... كالقعب يلقط منهم كلما سقطا
تراه يلتقط الأخبار مجتهدا ... حتّى إذا ما وعاها زقّ ما لقطا
ومن شعره في الألغاز قوله في ميزان البنّاء:
ومعلّق بذؤابة في رأسه ... من غير ذنب بل له إحسان
ما زال يسأله معذّب جسمه ... فيجيبه وجوابه تبيان
فيقول ملت كذا وعجت كذا ولم ... يعد الصواب وما لديه لسان
__________
(1) [البيتان ساقطان من (ت)].
(2) في ق: بصولة.
(3) [في الأصل: كاذب].
(4) انظر البيتين في ياقوت والمطرب ص 76.
(5) في ياقوت:
الطير والعود أخضر ... وغنت عليه الغيد
(6) [في (ت): تغنى].
(7) [هذان البيتان ساقطان من (ت)].
(8) ما بين القوسين ساقط من ق.(2/229)
وقال في مكمدة الثياب وأرزبتها:
ومضروبة في ظهرها حين تكتسي ... فإن نزعت عنها كساها فلا ضرب
وذات ابنة ما إن تزال تعقّها ... وتضربها حتّى يرقّ لها القلب
وما تشتكي منها العقوق ولا الأذى ... وبينهما مع ذا وذا الحب والقرب
وقال في الحبل الذي تنشر عليه الثياب للغسيل (1):
ماضئيل له الهواء مقيل ... مكتس يومه وفي الليل عار
وترى فوقه (2) صنوف ثياب ... وهو ذو فاقة حليف افتقار
تعتليه الكسى ثقالا ويلقي (3) ... ها خفافا في أخريات النّهار
67* أبو علي الحسن ابن رشيق *
وحيث ذكرنا ابن شرف، وليس من غرض الكتاب، فنذكر لمعة من شعر ابن رشيق وكانا في زمان المعزّ بن باديس بالقيروان [و] بالمهدية في سنة نيف وأربعين وأربعمائة.
قال من قصيدة (4):
إذا لذّة لم يبق إلا إدّكارها
فحسبي من اللذات ذكري (5) لها حسبي
وما اللهو إلا حلم يقظان صادق
وقد يحلم النوّام (6) بالصدق والكذب
__________
(1) في ق: ينشر عليه الغسال الثياب [وكذلك في (ت)].
(2) في الأصل: فوق [والاصلاح من (ت)].
(3) في النسختين: تلقها.
(4) انظر ديوان ابن رشيق، جمع وطبع عبد الرحمان ياغي ص 42. ولا يذكر جامع الديوان لهذه القصيدة مرجعا سوى الخريدة.
(5) في ق: حسبي لها حسبي.
(6) في ق: قد يحكم النواب(2/230)
ومنها:
فقل لصروف الدهر ضرّي أو انفعي ... فإني من مثوى (علي) (1) على قرب
هو المرء (2) أما جاره فهو آمن ... وأما العدى والمال منه ففي رعب
متى يدعه الراجي (3) لدفع ملمّة ... تجاوبه منصور اليدين على الخطب
وقال (4):
ورب ساق لنا مليح ... لحظي على وجهه حبيس
بدر ولكنّه قريب ... ظبي ولكنّه أنيس
إن لم يكن قدّه قضيبا ... فما لأعطافه تميس
وقال (5):
من ذا يعالج عنّي ما أعالجه ... من حرّ شوق أذاب القلب لاعجه
ومن يكن لرسيس الشوق داخله ... يكن لفرط الضنى والسقم خارجه
كادت خلاخل من أهوى تبوح به ... سرّا وغصّت بما فيها دمالجه
ومنها (6):
فهاك من محكمات القول معلمة ... بالشعر فيك وشرّ الشعر ساذجه
فإن حولك قوما (7) زاد شعرهم ... في البرد حتّى أصاب النّاس فالجه
__________
(1) الكلمة ساقطة في الأصل واضفناها من ق [ومن (ت)].
(2) [في (ت): هواكم].
(3) وقد قرأه جامع الديوان: الداعي.
(4) انفردت الخريدة بهذه الأبيات. الديوان ص 95
(5) انظر الديوان ص 47.
(6) [من هنا إلى قوله: وقال من قصيدة في القاضي جعفر بن عبد الله الكوفي غير موجود في (ت)].
(7) في الأصل: قوم.(2/231)
وقال (1):
أحبّ أخي وإن أعرضت عنه ... وقلّ على مسامعه كلامي
ولي في وجهه تقطيب راض ... كما قطّبت في وجه (2) المدام
[وربّ تقطّب من غير بغض ... وبغض كان من تحت ابتسام] (3)
وقال:
معتقة يعلو الحباب جيوبها (4) ... فتحسبه فيها نثير جمان
رأت من لجين راحة لمديرها ... فجادت (5) له من عسجد ببنان
وقال في مرثية المعز بن باديس (6):
لكل حيّ وإن طال المدى هلك ... لا عزّ مملكة يبقى ولا ملك
ومنها:
لحادث منه في أفواهنا خرس ... عن الحديث وفي أسماعنا سكك
يهاب حاكيه صدقا أن يبوح به ... فكيف ظنك بالحاكين لو أفكوا
أودى المعزّ الذي كانت بموضعه ... وباسمه جنبات الأرض تمتسك
فالصوت في صحن ذاك القصر مرتفع ... والستر عن باب ذاك البهو منتهك
مضى فقيدا وأبقى في خزائنه ... هام الملوك وما أدراك ما ملكوا
فهل يزول حداد الليل عن أفق ... وهل يكون لصبح بعده ضحك
وقال من قصيدة في القاضي جعفر بن عبد الله الكوفي (7):
أرى الناس من ضدين صيغت طباعهم ... فظاهرهم ماء وباطنهم نار
وإن ابن عبد الله قاضي عصره ... لأفضل من يثنى عليه ويختار
__________
(1) الديوان ص 171. وقد نسب العمري هذه الأبيات إلى عبد الله ابن رشيق من معاصري الحسن.
(2) في ياقوت ج 8ص 11والمسالك ورقة 37: في أثر المدام.
(3) البيت غير موجود في الخريدة. وهو في جميع المراجع.
(4) الديوان: متونها.
(5) الديوان: فطافت.
(6) القصيدة (14بيتا) في الديوان ص 137.
(7) انفردت الخريدة بهذه الأبيات. في الديوان ص 89.(2/232)
كريم أراد الله إتمام فضله ... فأخلاقه أرض (1) وجدواه أمطار
له بدهات حين لا ينطق الورى ... ورأي إذا ما استعجز السيف بتّار
ولم أر بحرا قط يدعى بجعفر ... سواه وإلّا فالجعافر أنهار
كنت قد نظمت من قصيدة ببغداد قبل أن أسمع بهذا الشعر واعتقدت أنّي ابتكرت المعنى:
وأعجب منه كيف سمي جعفرا ... وراحته بحر الندى يردونه
وقال (2):
ألا ساعة يمحو بها الدهر ذنبه ... فقد طال ما أشكو وما أتبرّم
فلم أر مثلي بين عينيه جنة ... وبين حشاه والتراقي جهنّم
68* عبد الله السمسطى (3) *
كان معاصر أبي الصلت بالمهدية. [وممدوحهما واحد. قال من قصيدة في مدح يحي بن تميم بن المعز بن باديس صاحب المهدية وهي] (4):
وإن لأبكاري عليك تبرجا (5) ... وحق لها إذ حسن قدّك يجتلي
وحيث (6) بفضل البحتري توكّلا ... على ملك أعلى من المتوكّل
(قد أبطل في القول فما بلغ درجة المتوكل أحد) (7):
وأشعرت شعري أن مدحك فرضه ... فلم يبق فيه حصّة للتنقّل
وكدت وإنّي إن أمرت لفاعل ... أحرّم ألفاظ الهوى والتغزّل
__________
(1) في ق: روض.
(2) الديوان ص 197ومرجعه الوحيد هو الخريدة. [والبيتان ساقطان من (ت)].
(3) في ق: السمطي. [وهو مفقود من (ت)].
(4) أضفنا ما بين القوسين من ق.
(5) في الأصل وق: تبرحا.
(6) [لعلها: جئت].
(7) جملة غير موجودة في ق.(2/233)
69* الأمير تاج الدّولة جعفر *
ابن الأمير ثقة (1) الدولة (2) ملك صقلية:
وجدت في تعليق المصريين، وقد كتب في سنة سبع وعشرين وخمسمائة (3) أحسن ما سمع (4) لأهل عصرنا من الارتجال قول هذا الأمير وقد رأى غلامين على أحدهما ثوب ديباج أحمر وعلى الآخر ثوب ديباج أسود، فقال (5):
أرى بدرين قد طلعا ... على غصنين في نسق
وفي ثوبين قد صبغا ... صباغ الخد والحدق
فهذا الشمس في شفق ... وهذا البدر في غسق
70* أبو سليمان [بن] (6) هبة [الله] (6) الكاتب *
كتب إلى أبي الحسن علي بن عبد الرحمان ابن أبي البشر الانصاري الصقلّي:
فديتك ما هذا القلى والتجنب ... فإن تك ذا عتب فإنّي معتب
وإن تكن الأخرى فعد لي إلى الرضا ... فودّك لي من بارد الماء أعذب
وإن اصطباري عنك صعب مرامه ... ولا سيما في حين نلهو ونلعب
__________
(1) [في (ت): روض الدولة، وهو خطأ من الناسخ].
(2) انظر ما ذكرنا عنه في ترجمة ابن تاج الدولة.
(3) كذا في الأصل وفي ابن خلكان ج 5ص 211، ويظهر أن هذا التاريخ غير صحيح:
انظر ما ذكرنا عنه في ترجمته.
(4) في ق: ما سمع أهل عصرنا.
(5) في ابن خلكان: «وله الأبيات السائرة في غلامين على أحدهما» الجملة والأبيات» وكان عمله لهذه الأبيات في سنة 527: انظرها أيضا في الدرة الخطيرة ورقة 104.
(6) [الزيادة من (ت)].(2/234)
فأجابه علي ابن أبي البشر:
وعيشك مع علمي بأنّك تمزح ... لقد نالني من ذاك وجد مبرّح
وو الله ما فارقت أمرك ساعة ... وما لي عما ترتضي متزحزح
وإني (1) على قرب المزار وبعده ... حليف (2) اشتياق ليس ينأى فيبرح
فلا عيش لي إلا بظلّك يجتنى ... ولا لهو لي إلا بزندك يقدح
وما كان إلا ما تحقّقت علمه ... على أنّني منه إلى العذر أجنح
ولكنّني من بعد ذا لابك الأذى ... حليف ضنى أمسي به ثم أصبح
فأجابه أبو سليمان الكاتب (3):
عتاب المحب ليس في الودّ يقدح ... أكان مجدّا فيه أم كان يمزح
وو الله ما لي يوم بعدك لذّة ... ولا لي نشاط والمسرّة تسنح
فمن لي أن أعصى إذا ما هجرتني ... وهل يمكننّي في البعاد التّسمّح
[أبا حسن إنّي بودّك واثق ... فلا قادح بيني وبينك يقدح] (4)
ويا ليت لي شكواك (5) أحمل ثقلها ... وتمسي معافى من أذاها وتصبح
وقد جاءني وعد علقت بذيله ... فحققه لي فالعين نحوك تطمح
__________
(1) في الأصل: ولي.
(2) في ق: بطيف اشتياق.
(3) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].
(4) [هذا البيت ورد في الأصل ولم يذكره المحقق].
(5) ق: شأواك.(2/235)
* أبو بكر يحي بن بقيّ القرطبي (1) الأندلسى (2) *
الشاعر، توفي سنة أربعين وخمسمائة. أنشدني عبد الله المغربي (3) قال أنشدني أبو عبد الله ابن مطرّز المغربي لابن بقي قطعة استحسنت هذا البيت [فيها وهو] (4):
أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كيلا ينام على فراش خافق
وتمام القطعة (5):
بأبي غزال، غازلته مقلتي ... بين العذيب، وبين شطي بارق
وسألت منه زيارة (6) تشفي الجوى ... فأجابني منها بوعد صادق
بتنا ونحن من الدجى في لجّة ... ومن النجوم الزهر تحت سرادق
عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق (7) لناشق
وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي
حتى إذا أخذت (8) به سنة الكرى ... زحزحته (9) عنّي وكان معانقي
__________
(1) [كلمة: القرطبي، ساقطة من (ت)].
(2) ق: يحيى بن تقي الأندلسي القرطبي. وقد ترجم له العماد مرة أخرى في هذا الكتاب (انظر الفهارس).
(3) النفح: ومن الراحلين إلى المشرق: «أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الحكيم الأديب المعروف بالمغربي وهو من أهل المزية انتقل إلى المشرق ذكر العماد في الخريدة أنه كان طبيب المارستان المستصحب في معسكر السلطان السلجوقي ثم انتقل إلى الشام وتوفي ليلة الإربعاء رابع ذي القعدة سنة 549وقيل في السنة قبلها بدمشق». ونقل ابن خلكان ترجمته عن العماد أيضا، ثم قال: وكانت ولادته سنة 486باليمن. انظر النفح ج 1ص 548. ابن خلكان، رقم 367.
(4) ما بين القوسين ساقط في الأصل.
(5) انظر تمام القطعة في ابن خلكان ج 5ص 248وياقوت ج 19ص 21والأبيات الخمسة الأولى في المغرب ج 2ص 19وفي المسالك ورقة 280والبيت الرابع والسادس والسابع في الذخيرة ج 2ورقة 190. وترجمة الأبيات الثلاثة الأولى بالفرنسية في بيريس ص 403.
(6) المغرب: قبلة.
(7) الذخيرة: الزكي.
(8) ابن خلكان: حتى إذا مالت
(9) ياقوت والذخيرة والمغرب: باعدته شيئا.(2/236)
أبعدته (1) عن أضلع تشتاقه ... كيلا ينام على فراش خافق (2)
لما رأيت الليل آخر عهده ... قد شاب في لمم له ومفارق
ودّعت من أهوى وقلت تأسّفا ... أعزز عليّ بأن أراك مفارقي
وأورده عثمان ابن بشرون المهدوي في كتابه المختار، وذكر أنه ذو النظم الرائق المليح. وإن جل شعره في التوشيح، وله ما ينيف على ثلاثة آلاف موشحة، ومثلها قصائد ومقطعات منقّحة. وأورد لابن بقي هذه القصيدة مصححة:
منازل لك يا سلمى بذي ضال
هيّجن لاعج أوصابي وبلبالي
تعاقرتها (3) الليالي بعد قاطنها
بماجنين لها ساف وهطّال
هنّ المنازل قد أودت معالمها
وبدّلت من برود سحق أسمال
(4) (وإن عهدت بها الارام كامنة)
لله ما هاجني من رسمها البالي (5)
كالوشم في أذرع كالوحي في صحف
كالحبل في حلل، أفضت لا حلال (6)
لم يبق مما يهيج الشوق باقية
إلا تلوّم عشاق بأطلال
__________
(1) المغرب: باعدته. الذخيرة: أخرجته.
(2) المغرب: وساد خافق.
(3) ق: تعاورتها. [وكذلك في (ت)].
(4) [من هنا إلى البيت العاشر بعده مفقود من (ت)].
(5) ق: الا نلوم عشاق وأطلال. وهو المصراع الثاني من البيت السادس.
(6) سقط هذا البيت والبيت الذي يليه من ق.(2/237)
حقا سلوت ولم تحفظ عهودهم
وإنما ذاك فعل الخائن السالي (1)
هلا حننت إلى ربع أقمت به
مع الكواكب في تجرير أذيال
وكم قضيت مع الحسناء في أرب
الدهر قد نام عنا نوم إغفال
تضمنا حيث لا يدري الرقيب بنا
زنجية بالدراري جيدها حالي
كأنما البدر إذ عمّ البلاد سنا
ملك تطلع من إيوانه العالي
فرقعة (2) الأرض قد أبدت مساحتها
شهب أفاضت زواياها بأشكال
ليت الغزال الذي وافى المساء به
كانت إقامته من غير ترحال) (3)
وليت مكتوبة الظلماء ما محيت
له بماء من الأشباح سيال
يا مشفقا من سقام كنت (4) ألبسه
أنا جنيت على نفسي وأولى لي
هي الصبابة إلا أنها مرض
لا قرّب الله منه يوم إبلالي (5)
__________
(1) ق: القال.
(2) ق: فرفعة.
(3) [هذا البيت موجود في الأصل ولم يذكره المحقق].
(4) ق: نلت، [وفي (ت): ظلت].
(5) [هذا البيت موجود في الأصل ولم يذكره المحقق].(2/238)
بيض الكواعب، لا بيض القواضب لي
فمن لصبّ مشوق رهن بلبال
دع الكماة لدى الهيجاء بينهم
رجم الاسنة وارجمني بخلخال
وإن تساقوا كؤوس الموت عن حنق (1)
فسقّني الريّ من صهباء جريال
ما لي وللهمّ ليس الهم من أربي
أنا الغني بنفسي ليس بالمال
وقد وثقت على العلات من زمني
أن سوف ينسخ إدباري بإقبالي
أما وتبريز بختي في السيادة لا
بكيت دهري من حط وإخمال (2)
أليس في الأرض للطاوي مسارحها
مندوحة بين إملال وإقبال
(3) (قالوا تغربت عن أقطار (4) أندلس
ومن يقيم على هون وإقلال
ما لي وإيطانها دارا وقد سئمت
من المقام بها خيلي وأحمالي
نفضت فيها من العيش الهنيّ يدي
وهل يعيش كريم بين بخّال
__________
(1) ق: عنق.
(2) [كلمة: تبريز غير ظاهرة في الأصل، تقلناها من (ت)].
(3) [من هنا إلى قوله: كعوب رمح من الخطي عسال، مفقود من (ت)].
(4) ق: أوطان.(2/239)
وكم لئيم تجافى (1) بي فصلت به
إذ غرّه اللين من مسّي وتسهالي
لم ينجه أحد مني وقد كثرت (2)
له القصائد عن أبيات أعوال
اليوم أهللت من سلمى إلى قمر
يجلو الظلام الذي استولى على حالي
حسبي به من أبيّ الدهر مبتغض
أرمي به الدهر رءّابا لأبال
لا بالقنوط إذا ما الدهر أسحته
ولا بمستكثر في الخصب محتال
له من المجد أخلاق معشّقة
من يسل عنه فإني لست بالسالي
مشبّه الناس في الفضل المبين به
شتان ما بين صلصال وسلسال
يا من تظلّم في أيامه فغدا
يرعى الهشيم، ويستسقي من الآل
إن شئت قطف الأقاحي من حدائقها
فارم العقود على وجناء شملال
ففي يد ابن عليّ ما تؤمله
سحاب جود كفانا كل إمحال
كأنّما الضيف إذ يحتل ساحته
في روضة من رياض الحسن (3) محلال
__________
(1) ق: تحامى.
(2) ق: وكم كسرت.
(3) في الأصل: رياض الحزن. فاخترنا رواية ق.(2/240)
كم نلت منه بلا منّ ولا عدة
من المكارم ما لم يجر في بالي
ما كنت في مدحه إذ هزه كلمي
إلا كما شعف (1) المهوة الطالي (2) (؟)
أقالني من عثاري آخذا بيدي
ندب به أورقت أغصان آمالي
ولم تفق نفسه حتى تملكني
بالمسترقين من برّ وإجمال
حملت أثقال نأي الدهر معترفا
إن الكريم لحمّال لأثقال
فخذ مديحا أبا بكر يعنّ إلى
زهر النجوم ويلقاها بإخجال
من أجل تشريفكم بالجود أرض سلا
مات الحسود بنيران الهوى صال
(سلا: بلد في المغرب) (3)
فأصبحت من تحلّيها بسؤددكم
كالقود، أعلمته من بعد إغفال
وقد ورثت عن القاضي أبيك علا
أضحى قسيمك فيها صنوك الغالي
وكلكم سيد ينمى إلى نفر
شم الأنوف كفاة غير أكفال
__________
(1) ق: شغف.
(2) [عجز البيت غير واضح في الأصل].
(3) جملة غير موجودة في ق.(2/241)
تنافسوا في معاليهم كأنهم
كعوب رمح من الخطي عسّال)
يا أيها الدهر أغمد كل ذي شطب
فلا سبيل إلى تضييق أوصالي
إنّي استجرت بميمون نقيبته
ماضي العزيم كريم العم والخال
إنّي استجرت بميمون نقيبته
ماضي العزيم كريم العم والخال
إذا بدا لك في نادي عشيرته
أبصرت أروع هونا (1) غير مختال
إذا جرى الذكر في حلم وفي كرم
فما أملّ به من ضرب أمثال
أهدي له من قريضي كل شاردة
رمح لأعزل، أو حلي لمعطال (2)
وحاش لله أن أرضى به بدلا
والمرء ما بين تعويض وإبدال
أو أن أكون وأيدي العيس توضع بي
إلا إلى قصده نصي (3) وإرقالي
أما الصيام فقد قضيّت لازمه
ولم تكله لتضييع وإهمال
وإن لوى رمضان من سروركم
وعدا فمنجزه إقبال شوّال
ما أبتغي بهلال الفطر أرقبه
أنت الهلال الذي يلقى بإهلال
__________
(1) ق: هربا.
(2) [هذا البيت ساقط من (ت)].
(3) ق: نقي.(2/242)
وذكره صاحب قلائد العقيان (1) وحكى أنه بلي من الزمان بالحدثان، ومن الحظ بالحرمان، وأورد من شعره قوله (2):
وقالوا ألا تبكي وتلك مطيّهم
على الشّهب (3) يحملن الأوانس (4) كالدمى
لئن نفدت مني (5) الدموع تغامزوا
وقالوا سلا أو لم يكن قبل مغرما
فهلا أقاموا كالبكاء تنهدي
إذا ما بكى القمريّ قالوا ترنما
وقوله (6):
عندي حشاشة نفس في سبيل ردى
إن شنتها (7) اليوم لم أمطل بها لغد
وكيف أقوى على السلوان عنك وقد
ربيت حبك حتى شب (8) في خلدي (9)
خذها (10) وهات ولا تمزج فتفسدها
الماء في النار شيء (11) غير مطرد
__________
(1) انظر جميع الأشعار التالية في القلا ص 323.
(2) انظر الذخيرة ج 2ورقة 193 (ستة أبيات) والمغرب ج 2ص 19وترجمة البيت الأول في بيرس الفهرس.
(3) الذخيرة: السبب.
(4) القلا: الخرائد.
(5) في القلا والذخيرة: بعدت.
(6) الأبيات في الذخيرة والمغرب [وفي (ت) وله من قصيدة].
(7) القلا: سمتها.
(8) القلا: شاب، والمغرب: شبت.
(9) الذخيرة: كبدي.
(10) في ق: هدها.
(11) القلا والذخيرة: أصل.(2/243)
وقوله (1):
أكلّ بني الآداب مثلي ضائع ... فأجعل ظلمي أسوة في المظالم
ستبكي قوافي الشعر ملء جفونها ... على عربيّ ضاع بين أعاجم (2)
قوله من قصيدة (3):
وضيّعني قومي لأني لسانهم (4) ... إذا أفحم الأقوام عند التكلم
وطالبني دهري لأني دنته (5) ... وإني فيه غرة فوق أدهم
وقوله (6):
وفتية لبسوا الأدراع تحسبها ... سلخ الأراقم إلا أنها رسب (7)
إذا الغدير كسا أعطافهم حلقا ... طفا من البيض في هاماتهم حبب
وقوله (8):
أما ترى الليل قد ألهبته (9) شمعا
مثل الكواكب بانت (10) حوله حرسا
من كل ناشرة فرعا له شعب
عند القيام وإسبال إذا نكسا
__________
(1) انظر المغرب (4أبيات) والذخيرة (37بيتا).
(2) القلا والذخيرة: الاعاجم.
(3) [البيتان مفقودان من (ت)].
(4) في ق: أمانهم.
(5) في ق: دينه، والقلا: زنته، والمسالك (بيت واحد فيها): رنته.
(6) البيتان في المسالك وترجمة فرنسية منهما في بيبرس (انظر الفهارس). [وهما مفقودان من (ت)].
(7) المسالك: قشب.
(8) [البيتان مفقودان من (ت)].
(9) المسالك: أنهبته.
(10) القلا: كانت.(2/244)
[تطغى إذا نهنهوها من سجيتها
كالماء إن دفعوا في صدره انسجما] (1)
وقوله (2):
يا أقتل الناس (3) ألحاظا وأطيبهم
ريقا، متى كان فيك الصاب والعسل
في صحن (4) خدك وهي الشمس طالعة
ورد يزيدك فيه الراح والخجل
إيمان حبك في قلبي يجحّده (5)
في (6) خدك الكتب أو من لحظك الرسل
إن كنت تجحد (7) أني عبد مملكة
مرني بما شئت آتيه وأمتثل
لو اطلعت على قلبي وجدت به
من فعل عينيك جرحا ليس يندمل
وقوله من قصيدة يشكو أهل المغرب (وقد ذم عندهم مثواه وصفرت من نائلهم يداه) (8):
أقمت فيكم على الإقتار والعدم ... لو كنت حرا أبي النفس لم أقم
وظلت أبكي بكم (9) عذرا لعلكم ... تستيقظون وقد نمتم عن الكرم
__________
(1) أضفنا البيت الثالث من المسالك. [والصواب: انبجا، لتطابق القافية].
(2) الأبيات في المسالك وابن خلكان ج 5ص 248.
(3) ابن خلكان: يا أفتك الناس
(4) [في (ت): ضمن].
(5) في ق: مجحده، القلا: تجده، المسالك: مخدره.
(6) في جميع المراجع: من.
(7) جميع المراجع: تجهل.
(8) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(9) القلا: لكم.(2/245)
فلا حديقتكم يجنى لها ثمر ... ولا سماؤكم تنهلّ بالديم
لا رزق لي عندكم (1) لكن سأطلبه ... في الأرض إن كانت الأرزاق بالقسم
أنا امرؤ إن نبت بي أرض أندلس ... جئت العراق فقامت لي على قدم (2)
إن كان سهما فلا تنمي رميّته ... أو كان سيفا فمسلول على البهم
ما العيش بالعلم إلا حيلة ضعفت ... وحرفة (3) وكلت بالقعدد البرم
لا يكسر الله متن الرمح إن به ... نيل العلى وأتاح الكسر للقلم
ولا أراق دما من باسل بطل ... ومات كل أديب غبطة بدم
أو غلت بالمغرب الأقصى وأعجزني ... نيل الرغائب حتى أبت بالندم
ومنها:
وساقط نال من عرضي فقلت له ... إليك عنّي فليس السب من شيمي
أعرضت عنه ولو أني عرضت له ... سقيته حمة الأفعى من الكلم
وقوله من قصيدة (4):
لا ينفذ العزم إلا [أن] (5) تنفّذه
والسيف يكهم إلا في يد البطل
تهويمة في بساط البيد يهجعها (6)
أشهى إليه من التهويم في الكلل
__________
(1) القلا: لا رزق عندكم لكن
(2) ترجمة فرنسية للبيت في بيرس ص 50.
(3) الأصل: حيلة [والاصلاح من (ت)].
(4) في القلا [و (ت)]: «يمدح بها أبا العباس بن علي». انظر الأبيات أيضا في المسالك.
(5) [من (ت)، والقلائد].
(6) قلا: اليد يجمعها.(2/246)
ونوبة (1) من صهيل الخيل يسمعها (2)
بال (رّمل) (3) أطرب (4) ألحانا من الرمل
يا كوكبا يغرق العافون في دفع
منه ويحترق الأعداء في شعل
لا يدرك الناس لو راموا ولو جهدوا
بالريث بعض الذي أدركت بالعجل
__________
(1) قلا: ولو به
(2) ق: يجمعها.
(3) ما بين القوسين بياض بالأصل.
(4) القلا: أطيب.(2/247)
جماعة من شعراء الأندلس العصريّين أوردهم ابن بشرون الصّقلي المهدوي(2/249)
* جماعة من شعراء الأندلس العصريين (1) * أوردهم ابن بشرون الصقلي المهدوي ونقلته من خطه في مصنفه (2):
72* ابن (3) الوضّاح المرسي المعروف بالبقيرة (4) *
وصفه بالآداب البارعة، والعلوم الجامعة، والكتابة الرائقة، والإجادة الرائعة، وذكر أنه توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وهو طرير الشبا، طريّ الشباب (5)، نضير العود، نمير الشراب. قال أنشدني له محمد ابن محمد اليثربي (6) أنه أنشده لنفسه بقرطبة:
هل تذكرون غريبا عاده طرب ... من ذكركم وجفا أجفانه الوسن
أخفى لواعجه والدمع يفضحها ... فقد تساوى لديه السر والعلن
يا ويلتي كيف يبقى في جوانحه ... فؤاده وهو بالأطلال مرتهن
هل شاق صحبي ما قد شاقني سحرا ... ورقاء قد شفّها أو شفني شجن
فبت أشكو وباتت فوق أيكتها ... وبات يهفو ارتياحا تحتها الغصن
يا هل أجالس أقواما أحبهم ... كما وكانوا على عهد وقد ظعنوا
ما للركائب ما تهدي لنا خبرا ... سدّت مسالكها أم صمّت الأذن
أسائل البرق هل وافى بربعكم ... وهل أناخ عليه الوابل الهتن
إن كان عادكم عيد فربّ فتى ... بالشوق قد عاده من أجلكم حزن
قد أفردته الليالي عن أحبته ... فبات يشدوكم (7) مما جنى الزمن
بم التعلل؟ لا أهل ولا وطن ... ولا نديم ولا كأس ولا سكن
__________
(1) ق: القصريين.
(2) ق: في تصنيفه [وفي (ت): من تصنيفه].
(3) في ق الوضاح [وفي (ت): أبو الوضاح].
(4) الضبي (رقم 469): البعيرة.
(5) الكلمة ساقطة في ق.
(6) هو الأدريسي المشهور انظر ترجمته في هذا الكتاب.
(7) [هكذا في الأصل، ولعل الصواب: يشكو لكم].(2/251)
وقوله في الفراق (1):
حرام على عيني أن تطعم الكرى ... إلى أن يعود الحي ملتئم الشعب
وكيف تنام العين بعد رحيلهم ... وقد رحل القلم الشوق مع الركب
يقولون: سلّ القلب بعد فراقهم ... فقلت: وهل قلب، فيسلو عن الحب
73* أبو بكر [محمد] (2) المرسي *
ذكر أن أصله من إشبيلية وتهذبه بمرسية فعرف بها ونسب إليها. هو شبل عرين أسود (3) إشبيلية لكنه غاب عن الغاب، وألقى مرساه بمرسية.
وحكى ابن بشرون في كتابه، من سبب اغترابه (4) أنه قبل أن يكتسي عذاره، ويقرن بالبنفسج بهاره، وبالليل نهاره، حضر في مجلس أنس أنيق نواره، وأشرقت انواره، وغنّت أطياره، وراقت أزهاره، ودارت على الشرب عقاره، فتقدم أحدهم إليه (5) ليجتني ورده، وهمّ ليجني عليه، فصدّه وردّه، ثم قبّله، وسامه ما أبى أن يفعله، ثم أخرج سكينا فلم يخطىء بها مقتله، فيالها من قبله، تقومت (6) بقتله، ولذة أفضت إلى ذله، فلما رفع إلى قاضي البلد، أقر بالقتل وهو ماضي الجلد، وذكر الواقعة وأظهر له ما خفي فسجن شهر ثم أخرج ونفي. وذكر أن شعره خفيف الروح، متمكّن القوافي، ناهض (7)
في جو التجويد بالقوادم والخوافي، وله يد في التوشيح قوية، وكلم بالمعاني البديعة موشية، وأورد في النحول من شعره:
__________
(1) [في (ت): أنشدت له في الفراق].
(2) الكلمة ساقطة في الأصل [والزيادة من (ت)].
(3) [كلمتا: عرين أسود ساقطتان من (ت)].
(4) ق: من سبب اغترابه ما معناه أنه [وكذلك في (ت)].
(5) ق: إليه وقصده ليجتني
(6) [في (ت): قومت].
(7) في الأصل: ناهضا.(2/252)
نحولي شذّ عن باب النعوت ... فجسمي دون خيط العنكبوت
تفهّم منطقي إذ (1) لا تراني ... فلي صوت أرض من السكوت
فألف مثل خلقي دون فلس ... وبعض الفلس طول الدهر قوتي
74* أبو بكر أحمد بن الجنان المرسي *
الشاعر. وصفه بتدفق الطبع، وتأنق الصنع، وبلاغة الترصيع والتجويد، وبراعة التقطيع والتقصيد. وأورد له هذه القصيدة في مدح القاضي أبي بكر بن أسد الشاطبي (2):
ألا طرقتنا في الدجى ربة الخدر ... وقد جنحت في الأفق أجنحة النسر
ومالت إلى الغرب الثريا كأنها ... مطار حمام رام نهضا إلى وكر
فهبت مع الفجر النعامى، فجررت ... ذيولا على الغيطان عاطرة النشر
لويت بها من معطفيّ صبابة ... كما لوت الصهباء أعطاف ذي سكر
(3) (فمن مبلغي والدار بالقوم غربة ... شطون، وصدق القول أجدر بالحر
عن الروض بالروحاء كيف نسيمه ... وهل جاده بعدي ملث من القطر
وهل حل قلبي في معاهد زينب ... بذات النقا أم راح في ذلك السفر
وما وسن الأجفان غرّ أصابه ... من القيظ لفح فاستظل بذي سدر (4)
يقطع ترجيع النّغام كأنه ... أنين محب شفّه ألم الهجر
بأحسن منها يوم أومت بلحظة ... وجادت برطب الدر من منطق نزر
__________
(1) ق: يفهم منطقي أن لا يراني.
(2) القاضي ببلنسية، ذكر ابن الأبار جماعة من العلماء والشعراء سمعوا منه وتفقهوا عنده منهم:
ابن خفاجة وابراهيم بن فتحون: «سمع ابن فتحون منه ببلسية سنة 532» انظر التكملة، القسم الأول 81، 83، 108، 175، 187، 268، 284.
(3) [من هنا الى البيت العاشر بعده مفقود من (ت)].
(4) ق: بذي بدر.(2/253)
(في وصف البرق) (1):
وممّا شجا نفسي تألق بارق ... يقدّ جلابيب الدجنّة إذ يسري
مليح إذا ما اهتاج قلت صفيحة ... من الهند أو رجم من الأنجم الزهر
ينوء به مستمطر ذو هيادب ... كما نهضت بدن الحجيج إلى النّحر
إلى كم أطيع القلب في طلب الصبا ... وأجهد نفسي في هوى البيض والسمر
سأثني عنان الشعر عن (2) سبل الهوى ... إلى مدحة القاضي الأجل أبي بكر
فتى أنهض الإسلام في سبل الهدى ... وصير طيّ المعلوات إلى النشر
وشيّد أركان الديانة فاغتدت ... تزاحم أشباح النعائم والنسر
حفيظ على ذات الإلاه ودينه ... مليء بما يرضيه في السر والجهر
يكشّف إظلام الخطوب بهديه ... كما صدعت جنح الدجى غرة الفجر
ويخدم أنحاء المعالي برأيه ... فيجمع بين النفع فيهنّ والضر
تحدث عن آثاره فتية السرى ... كما حدثوا في المحل عن سبل القطر
به نظمت للمجد أفراد عقده ... وتوجت الأيام كالغادة البكر
فناهيك من عقد تحلى به العلى ... وناهيك من تاج على مفرق الدهر
ألست الذي فرّجت كل عماية ... كما انفرجت سحم الغمام عن البدر
وإنّك من قوم لهم تعقد الحبا (3) ... وتعقد آباط المحبسة الضمر
بنو أسد خير الأنام إذا انتموا ... وأقدمهم فخرا إذا عد ذو فخر
لهم عنفوان الماء في كل منهل ... وإن نظرت خزر القبائل عن شزر
أسود الشرى والمرقلون إلى الردى ... بحور الندى والجابرون من الفقر
في وصف القلم (4):
وأصفر مصقول الأديم أجلته ... فريعت متون البيض والذبل السمر
إذا استنطقت يمناك منه مفوّها ... أجاب بما تثنى به نوب الدهر
__________
(1) ما بين القوسين غير موجود في ق.
(2) ق: في.
(3) في الأصل: حبي.
(4) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].(2/254)
وإن خضبت أعلاه مجة حبره ... قضى بالحبور الجم عن ذلك الحبر
إليك أبا بكر بعثت عقيلة ... وما أن لها إلا قبولك من مهر
ولست كمن يبغي نوال ممدح ... ولو نولتني الشّعريين (1) يد الشعر
ودونكها غراء أما نسيمها ... فكالروض يندى أو كعنبرة السحر
بقيت مكين العز مقتبل العلا ... فسيح المدى سامي المراتب والذكر
وله:
خليلي من وادي اليمامة خبّرا ... هل البان في أرجائه يتأوّد
وهل سرحة القاع المريع جنابه ... تصيح إذا غنى الحمام المغرّد
وما هي إلا للوداع مواقف ... يراق بها دمع ويفنى تجلّد
فيا راكب الوجناء هل أنت مبلغ ... ديار سليمى ما أقول وأنشد
متى يلتقي جسم برامة متهم ... وجسم بأكناف العقيقين منجد
75* المخزومي الأعمى الغرناطي (2) *
وصفه الحكيم يحي وقال: رأيته وهو نذل هجاء. (3) وصفه بالإجادة في الهجاء والإغارة على الأعراض، والإصابة فيها إلى الأغراض، وكان مهيب الصولة، مرهوب الجولة، مخصوصا بالتحايا والتحف، والهدايا والطرف، وكانت وفاته في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وله في ابن أبي الخصال (4)
الكاتب:
طويس الشؤم يا ابن أبي الخصال ... لقد نكّبت عن كرم الخصال
ترغّب في النقائص والمخازي ... وتزهد في المكارم والمعالي
__________
(1) [الشعريين: نجمان نيران، هما: الشعرى العبور، والشعرى الغميصاء].
(2) سيترجم له العماد مرة أخرى في هذا الكتاب (انظر الفهارس).
(3) من وصفه إلى هجاء ساقط من ق [و (ت)].
(4) لعله أبو عبد الله ابن أبي الخصال كاتب علي بن يوسف بن تاشفين. انظر ترجمته في هذا الكتاب (الفهارس).(2/255)
نكحت حزوّرا وسلكت طفلا ... ولم تقلع وشيبك في اكتهال
ففي وجعاك آثار الفياشي ... كما في البئر آثار الحبال
وقال (1):
ابن وحيد له طباع، ... وقد تشين الفتى طباعه
إن ذكروا فيشلا لديه، ... يرشح من جانبيه قاعه
(2) [وللمخزومي الأعمى أيضا في هجو بعض (3)]:
خلا نجل إبراهيم ليلا بعرسه ... فجامعها في ساعة الدّبران
فجاءت به مأبون أشوه خلقة ... كريم عجان لا كريم بنان
وتزورّ إحدى مقلتيه لأختها ... كأنهما عنزان تنتطحان
وما وقع المأبون من حر أمه ... إلى الأرض إلا فوق رأس ختان]
76* أبو جعفر ابن سلام الشاطبي *
ذكر أنه لم يسمع به إلا من محمد بن محمد القرطبي المعروف بابن اليثربي (4) وأنشد له:
يا سرحة قد كان فيها مسرحي
من تحت أغصان لها [و] (5) فروع
يتهافت العشاق بين ظلالها
ما بين مكلوم وبين صريع
__________
(1) [هذان البيتان، مفقودان من (ت)].
(2) [هذه القطعة انفردت بها (ت)].
(3) [كلمة غير واضحة في الأصل].
(4) هو الأدريسي المشهور انظر ترجمته في هذا الكتاب (الفهارس).
(5) التكملة من ق [و (ت)].(2/256)
قد عجت فيها حيث (1) عاج بنو الهوى
وربعت منها في رسوم ربوع
وبنفسي الرشأ الذي ودعته
والنفس تأبى وقفة التوديع
ألصقت خدي في الوداع بخدّه
وخلطت منه بالدموع دموعي
أبعدته من غيرة عن ناظري
وجعلته بالحب بين ضلوعي
لما أشارت للوداع بكفها
خضب النوى أطرافها بنجيع (2)
ولقد طربت إلى الفرات وماؤه
متسلسل قد حيك (3) حوك دروع
والشمس من هول المطالع تتقي
فرقا وترتعد ارتعاد مروع
قد حشرجت فبدا كليلا طرفها
فكأنها ألمت غداة نزوع
فشعاعها بشعاعها وغروبها
بغروبها وطلوعها بطلوع
__________
(1) في ق: حين.
(2) [إلى هنا ينتهي الموجود في (ت)].
(3) في ق. حيل حول دروعي.(2/257)
77* الأرقم السلمي (1) *
أورد له:
يا ذا الذي يخشى سوى من حكمه ... ما بين كاف الأمر منه ونونه
لا تخش إن الله كاف عبده ... أيخوّفونك بالذي من دونه
78* أبو بكر الملقب بالقمندر (2) *
أورد له في وصف المرية (3):
قالوا المرية صفها ... فقلت جبل وشيح
قالوا: أفيها معاش؟ ... فقلت إن هب ريح
وله في المعنى:
قالوا المرية عدن ... فقلت إذ ذاك إيه
كأنها طست تبر ... ويبصق الدم فيه
79* أبو بكر [محمد] (4) المعروف بالأبيض (5) *
توفي بعد سنة ثلاثين وخمسمائة. أورد له (6) في أبي محمد الزبير صاحب مدينة قرطبة من الملثمة (7):
__________
(1) [هذا الشاعر غير موجود في (ت)].
(2) [في (ت): القلمندر.]
(3) [هذان البيتان ساقطان من (ت)].
(4) كلمة ساقطة في ق [والأصل، وفي (ت): أحمد].
(5) واسمه: محمد بن أحمد أبو بكر ويترجم العماد في آخر هذا الكتاب لشاعر آخر اسمه أحمد بن محمد بن أبي بكر الابيض ويذكر له أبياتا ينسبها المقري إلى محمد بن أحمد هذا.
ولعلهما شخص واحد. انظر ما ذكرناه في ترجمة الابيض (الفهارس).
(6) [في (ت): أورد قوله].
(7) هو: «الزبير بن عمر اللمتوني، ندرة الزمان كرما وبسالة وحزما وإصالة». الاحاطة ص 458. وفي سنة 526كتب عليّ بن يوسف بن تاشفين إلى ابنه تاشفين أمير قرطبة أن يولي الزبير على غرناطة وفي سنة 533توفي سير بن علي فرجع تاشفين إلى مراكش وليا للعهد فولى الزبير أمر قرطبة وغرناطة معا. انظر النفح ج 1ص 307و 384وج 2ص 329. البيان (المرابطون والموحدون) طبع وترجمة هويسي ميراندا بالاسبانية ص 224.(2/258)
يا سائلي عن زبير أين مسكنه
هيهات تطلب شمسا ما لها وضح
لا تطلبنّ زبيرا في مساكنه
واسأل عرابة (1) عنه حين (2) يصطبح
نشوان يكرع في فرج وفي قدح
والملك تحت لبان العود مطرح
يا ضيعة الجيش (3) لن يبقى لهم سبد
أودى السماع ببيت المال والقدح
[والهندنية (؟) في حلي وفي حلل
بها يتم المنى واللهو والفرح] (4)
وهذا الزبير قتل في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. استشهد في حرب الفرنج في موضع يقال له وادي الدروع (5):
[ولأبي بكر ابن الأبيض (6)]:
يا خير مغن وأولاها بعارفة ... شكرا لنعماء عنها الدهر قد نفسا
ليهنك الفارس الميمون طائره ... لله أنت لقد أوليته قبسا (7)
أصاخت الخيل آذانا لصرخته ... واهتزّ كلّ هزبر عند ما عطسا
تعلم الركض أيام المخاض به ... فما امتطى الخيل إلا وهو قد فرسا
تعشق الدرع إذ شدت لفائفه ... وأنكر المهد لما أبصر الفرسا]
__________
(1) كذا في الأصل وفي ق: عراية.
(2) [في (ت): حيث].
(3) في ق: العيش لم يبقى.
(4) أضفنا هذا البيت من ق [و (ت)].
(5) لم نعثر على هذا الخبر في مراجعنا.
(6) [هذه القطعة انفردت بها (ت)].
(7) في الأصل: فنسا.(2/259)
80* محمد بن محمد يعرف بابن اليثربي (1) *
القرطبي. معظم ما يذكره ابن بشرون في المختار من الأندلسيين يرويه عنه ويذكر أنه لقيه في مدينة صقلية (2) [وقد صنف] (3) لمتملكها رجار الإفرنجي (4) في مسالك الأرض وممالكها كتابا كبيرا سماه نزهة المشتاق في مخترق الآفاق، ثم ألّف بعده لولده غليوم (5) صاحب صقلية كتابا في المعنى أكبر منه سماه روض الأنس ونزهة النفس. ووصفه ابن بشرون بتوليد المعاني في الشعر وتجويدها، وتوطيد المباني في السحر وتشييدها، لا سيما في توشية التوشيح، وتوشيع نظمه المليح، فإنه حاذق زمانه، وسابق ميدانه، (وهو قريب في عصرنا هذا) (6). وقد أورد من شعره ما يروع ويروق، ويضوع ويفوق، ويطرب ويشوق، ويحسد عقوده وسعوده العقيان والعيوق، ويصف مزجه ووهجه الرحيق والحريق. فمن ذلك قوله:
وزائر زار في الظلماء إذ هجعت ... عين الرقيب ولم يشعر بنا بشر
فقلت أهلا، وسهلا، قال من دهش ... دعني من القول إنّي خائف حذر
فقلت لا خوف إن الحي قد رقدوا ... والليل محلولك الأرجاء معتكر
ثم اعتنقنا كغصني بانة وفمي ... بين الترائب اشكو وهو معتذر (7)
حتى إذا نمّ واشي الفجر قام وقد ... خاف الفضيحة مغتاظا له ضجر
وقال لما اعتنقنا للوداع وقد ... رأى التياعي ودمعي مسبل همر
__________
(1) في ق: ابن الثرى.
(2) كذا في النسختين.
(3) ما بين المعقفين ساقط من ق [والأصل، والزيادة من (ت)].
(4) «رجار ملك الفرنج صاحب صقلية هلك بالخوانيق سنة 548. ويقال فيه اجار كان فيه محبة لأهل العلوم الفلسفية وهو الذي استقدم الشريف الإدريسي» الوافي في المكتبة الصقلية ص 659. انظر أيضا الدائرة في الإدريسي وزانبور (الفهارس).
(5) (1) توفي عام 550وفي الأصل: غليالم.
(6) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].
(7) ق: أو هو يعتذر [وكذلك في (ت)].(2/260)
لا تبك عيناك بعدي سوف يضحكها ... مني اقتراب وزورات لنا أخر
ثم افترقنا ولو أعطى الخيار به (1) ... لما افترقنا ولكن عاقنا القدر
وقوله (2):
كم ليلة جمعتنا دار بارقة ... في عصبة من ذوي الأخطار والرتب
حيتهم الراح في ثوب معصفرة ... وقلدت جيدها عقدا من الحبب
بتنا بها والرحيق الصرف تصرعنا (3) ... بين الجداول والأنهار والعشب
حتى أتى الصبح في جيش النهار وقد ... ولت عساكر ليل جد في الهرب
قمنا حيارى ندير الكأس ثانية (4) ... بقهوة ترتمي للمزج باللهب
إلى عشاء نهار عيب آخره ... بفرقة سلبتنا بردة الطرب
وقوله من أخرى:
بأبي الذي أذكى الجوانح نارا ... وفّى فوافى في الظلام وزارا
متحملا من صرف زاح نمة ... صفراء يخطف نورها الأبصارا
ناولته كأسا فظل يشجها ... متمززا لمذاقها إطهارا
ثم استمر يسيغها وكأنّه ... ينوي العتاب ويؤثر الاسرارا
حتى إذا لوت المدام بعقله ... وسطا به والي الخمار وجارا
نبذ الوقار وقام يثني طرفه ... غضبا وأعلن بالعتاب جهارا
ما زال يسقيني مدامة عتبه (5) ... حتى سكرت وما شربت عقارا
ونوى المسير فلم تجبه لسيره ... قدم وقيده الخمار عثارا
قبلت أخمص نعله وصددته ... عما أراد من المسير وحارا
__________
(1) ق: ولم أعط الفراق
(2) [هذه القطعة والتي تليها مفقودتان من (ت)].
(3) ق: تصرفنا.
(4) ق: الكأس بالطرب
(5) ق: مدامة عينه.(2/261)
منها:
حتى إذا ما الليل شمر ذيله ... وغدا الصباح يضاحك الأنوارا
نبهته من نومه وكأنّه ... شمس تجلّت للعبون نهارا
أعلمته ما كان منه بسكره ... فأتى الجحود ولازم الإنكارا
وأجاب يمزح عند آخر قوله: ... من حبّ ذلّ ومن تعزّز جارا
وقوله في لزوم ما لا يلزم:
أفدي التي زارت وجنح الدجى ... منسدل تخطو بنا ساريه (1)
أثقلها المشي فلاحت لنا ... كأنّها في ذاتها ساريه (2)
قلت لها أمزح: من أنت ذي ... قالت أنا جئتك من ساريه (3)
فبت مسرورا بها ليلتي ... والجوّ صاف ما به ساريه (4)
وقوله في الزهد (5):
أرى كل يوم للمقيمين رحلة ... ولا شك أنّي فيهم سوف أرحل
وليس معي زاد أعد لرحلتي ... ولا لي عذر عندما أنا أسأل
وعندي ذنوب لا أقوم بعدّها ... يقلّ لها وزن الجبال وتثقل
وليس سوى عفو الإله فإنه ... كريم له عند الرجوع التفضّل (6)
* الأسعد ابن بليطة (7) الشاعر الأندلسي (8) *
ذكر أنه شاعر الأندلس، وأديبها ومصقعها وخطيبها، ووصفه بانفجار عيون الأدب بخاطره، والغوص في بحر المعاني الأبكار واستخراج جواهره.
__________
(1) [من السرى].
(2) [اسطوانة].
(3) [بلدة].
(4) [سحابة].
(5) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].
(6) [هذا البيت موجود في الأصل لم يثبته المحقق].
(7) مضى ذكره سابقا باسم الأسعد بن ابراهيم. انظر الترجمة رقم 8.
[في الأصل: ابن بليط، وفي (ت): بليطية والصحيح ما أثبتناه. (انظر الذخيرة والمطمح والحلة)].
(8) وقد ترجم له العماد مرة أخرى في آخر هذا الكتاب (انظر فهرسة التراجم).(2/262)
والنفث في عقد السحر بنكته ونوادره، ومعظم أشعاره في بني صمادح ملوك المرية، وأنه كان سمح البديهة والروية، ولم يمت حتى نيف على التسعين، ونزف برشائها من ركية العمر ماءها المعين، وقد أورد من شعره ما يناسب نسيبه النسيم ويماثل مزاجه التسنيم.
فمن ذلك قوله (1):
دع دمي بالدمع يمزج، ... والهوى بالنفس يلهج
ربّت الحزن لقلبي ... ربة الصدغ المصولج
ودجى الفرع على ... صبح الجبين المتبلج
والقضيب المتثنّي ... والكثيب المترجرج
أحسني يا عمرة الحسن ... فقتلي بك يسمج
وقوله (2):
عج بذي الأيكتين (3) عج ... وهج الأدهمين هج
وصل الوخد (4) نحو من ... ترك الوجد يعتلج
وارق نجد الغوير واهبط على دوحة الأرج
والتمس روضة المحا ... سن في روضه البهج
فعسى أن ترى نويرة ... والعين تختلج
وعسى غمّة الفؤا ... د بمرأى تنفرج
فدوائي بها دوا ... ئي فقل لي متى الفرج
قمر في دقائق ... من ضميري وفي درج
أيها المعرض الذي ... بات رحماه مرتتج
فنهاري به ظلا ... م وليلي به حجج
__________
(1) [القطعة غير موجودة في (ت)].
(2) [غير موجودة في (ت)].
(3) في ق: الأنكبين.
(4) في ق: الخد نحو من.(2/263)
أجملن أيها الجميل فاعراضكم سمج
وترفق بمهجة ... هي من أنفس المهج
وتحرّج فقتلنا ... في أناجيلكم حرج
فبعيسى بن مريم ... وبما فيكم نهج
والصليب الذي عليه ... على زعمكم عرج
وبتثليثك الذي ... ليس بالعقل يزدوج
وفصوحاتك التي ... بك تزهى (1) وتبتهج
يوم يأتون بالدوا ... جن والصلب والسرج
والسواقين في الأنا ... شيد كالطير في الهزج
وبأجفانك التي ... هي للسحر والدعج
وبخدين كالعقيق ... وصدغين كالسبج
وبثغر وددت لو ... ثلج الصدر بالفلج
وبأعطافك التي ... طوت الخصر فاندمج
وبزنّارك الشحيح ... وخلخالك الحرج
عطفة عطفة على ... مستهام بكم لهج
دينه في هواكم ... دون أمت ولا عوج
قل لمن لج في الملا ... م وتهيامنا ألج
كيف أسطيع ترك من ... هو بالنفس ممتزج
فالهوى في نويرة (2) ... غرق العين في لجج
وفؤادي إلى نوير ... ة ما دمت منزعج
وقوله (3):
ليل حبي فيك داج ... فاجعل الوصل سراجي
فبمنآك اكترابي ... وبلقياك ابتهاجي
__________
(1) في ق: تبهى.
(2) في ق: مرة.
(3) [غير موجودة في (ت)].(2/264)
وبقلبي نار شجو ... وكذاك البعد شاج
وهوى العشاق يرجو ... وهوانا غير راج
واحتياج الناس شتّى ... ولكم كل احتياجي
والهوى حين ومن ينج فإني غير ناج (1)
وقوله:
بنفسي من دهري إذا غاب ليلة ... محيّاه حيّاه الإلاه سراجها
إذا رمت عنه الصبر عزّ مرامه ... وإن لمت فيه النفس زاد لجاجها
وكيف بقلبي أن يسكن لوعة ... أبى الشوق إلا أن يدوم اهتياجها
[وقوله من قصيدة في صفة الديك (2)]:
وقام لنا ينعي الدجى وشقيقه (3)
يدير لنا من بين (4) أجفانه سقطا
إذا صاح أصغى سمعه لندائه (5)
وبادر ضربا من قوادمه الإبطا
ومهما أطابت نفسه قام صارخا
على خيزران نيط من ظفره خرطا
كأنّ أنوشروان أعلاه تاجه
وناطت عليه كفّ مارية القرطا
__________
(1) سقط هذا البيت من ق.
(2) [انفردت بهذه القطعة (ت) وهي من قصيدة يمدح بها ابن صمادح (انظر الذخيرة)].
(3) [في المطمح: ذو شقيقة].
(4) [في المطمح: سن].
(5) [في المطمح: لاذانه].(2/265)
ومنها في العذار:
أرى صورة (1) المسواك في حمرة (2) اللهى
وشرابك المخضرّ بالمسك قد خطّا
عسى قزح قبّلته فإخاله
على الشّفة اللمياء قد جاء مختطّا
توهّم عطف الصّدغ نونا بخدّها
فباتت بمسك الخال تنقطه نقطا]
وقوله:
من لمشتد لوعتي بانفراج ... ولممتدّ كربتي بابتهاج
من مجيري من أجور الناس حكما ... وعذيري من داء صعب العلاج
يجمح القلب فيه أي جماح ... وتلج الدموع أي لجاج
فضلوعي كالجاحم المتلظّي (3) ... ودموعي كالوابل الثجاج
برشا القصر، لارشا القفر أصبحت ... ويومي شبيه ليلي داج
وجفوني من فقده في ظلام، ... وبتخييل طرفه في سراج
قمر للفنا لديه نجوم ... ولمجرى الجياد ليل عجاج
وقوله (4):
بنيت للمنى لعل وليت ... ولشكوى الغرام كيت وكيت
فبماذا تعللي من معلّ ... مؤيس من جنابه ما ارتجيت
قد شجاني جفاؤه وبراني ... وطواني من حبّه ما طويت
فيخال العذول أني حي ... وأنا من هوى نويرة ميت
__________
(1) [في الذخيرة: صفرة، وفي المطمح: نكهة].
(2) [في الذخيرة: حوة].
(3) في ق: فطفوعي كالحماحم المقلظي؟
(4) [غير موجودة في (ت)].(2/266)
فهي ظبي له فؤادي كناس ... وهي شمس لها ضلوعي بيت
فرعى الله بالغوير مقيما ... لا يراعي من حبّه ما رعيت
عجبا للجمال دلّه لبّي ... بعد ما طعت للهوى فارعويت
فبقصر اللوى رأيت محبا ... سلب اللب منه ما قد رأيت
أسفر الصبح منه إذ سفر النقب ... فأجلى تصبري ما اجتليت
وكميت الصبا تميل بعينيه ... وعطفيه لا العقار الكميت
ليتني ما رميت أسهم لحظي ... ففؤادي أصبت حين رميت
لذّ لي ما جنيت من وجنتيه ... وعلى ناظري جنا ما جنيت
ومنها:
واتباع الهوى ضلال وإنّي ... لو تهدّيت للسلوّ اهتديت
أيها المبعدي ونفسي لديه ... هات نفسي فيالها منك هيت
وقوله (1):
قلبي في ذات الأثيلات ... رهين لوعات وروعات
فعرسا من عقدات اللوى ... بالهضبات الزهريّات (2)
[وعرّجا يا فتيي عامر ... بالفتيات العيساويات] (3)
فان بي للروم رئمية (4) ... تكنس ما بين الكنيسات
أهيم فيها والهوى ضلة ... بين صواميع (5) وبيعات
وفي ظباء البدو من يزدري ... بالظبيات الحضريات
أفصح وحدي يوم فصح لهم ... بين الأريطى والدويحات
__________
(1) نسب ابن بسام هذه القصيدة إلى ابن الحداد. انظر الذخيرة ج 2من القسم الأول ص 201 وهي فيها 21بيتا [وهي غير موجودة في (ت)].
(2) في الأصل: الزهرات.
(3) البيت ساقط من الأصل. فاضفنا المصراع الأول من ق والمصراع الثاني من الذخيرة.
(4) الذخيرة: رومية.
(5) الذخيرة: صوامع وق: الجواميع.(2/267)
وقد أتوا منه إلى موعد ... واجتمعوا فيه لميقات
بموقف بين يدي أسقف ... ممسك مصباح ومنساة
وكل قس مظهر للتقى ... بآي إنصات وإخبات
وعينه تسرح في عينهم ... كالذئب يبغي فرس نعجات
وأي مرء سالم من هوى ... وقد رأى تلك الظبيات
فمن خدود قمريات ... على قدود غصنيات
وقد جلوا (1) صحف أناجيلهم ... بحسن ألحان وأصوات
والشمس شمس الحسن من بينهم ... تحت غمامات لثامات (2)
وناظري مختلس لمحها ... ولمحها يضرم لوعاتي
فقي الحشا نار نويرية ... صليتها (3) منذ سنيات
لا تنطفي وقتا فكم رمتها ... بل تلتظي في كل أوقات
فحي عنّي رشأ المنحنى ... وإن أبى رجع تحياتي
وقوله (4):
نأت باصطباري [مثلها] (5) يصل النأيا ... ولم ترع مني هائما يدمن الرعيا
وفي الجنة الالفاف للحسن جنة ... تلازم أنهار الدموع بها جريا
وفي شرع التثليث فرد محاسن ... تنزل شرع الحب من طرفه وحيا
وأذهل نفسي في هوى عيسوية ... بها ضلت النفس الحنيفية الهديا
غزالية المرأى هلالية الرنا ... منارية المجلى نوارية اللقيا
رمتنا (6) بألحاظ تلذ سهامها ... فياليتها في القلب لم ترم الرميا
ومن لجفوني بالتماح نويرة ... فتاة هي المردى لنفسي والمحيا
__________
(1) الذخيرة: تلو.
(2) الذخيرة: اللثامات.
(3) الذخيرة: علقتها
(4) [غير موجودة في (ت)].
(5) سقطت هذه الكلمة من الأصل.
(6) ق: رمتني.(2/268)
سبتني على عهد من السلم بيننا ... ولو أنها حرب لكانت هي السّبيا
فقد صاد ليث الغاب ظبي كنيسة ... فاعجب (1) به ليثا وأعجب به ظبيا
ومن أشعاره في الأوصاف والتشبيهات قوله في وصف الياسمين والنارنج معا:
قد أعجز الياسمين حسنا ... فويق نارنجه صفاتي
كأنه لؤلؤ نظيم ... فوق ثديّ مزعفرات
أو كفراش اللجين صيغت ... على كرات مذهبات
وقوله (2):
وروضة غنّاء أزهارها ... معلنة أسحار هاروت
روحاء في ضفّتي جدول ... كأنه أزرق ياقوت
والكأس تجري منه في زورق ... كأنها البرجيس في الحوت
وقوله في الخمر:
أشرقت في الكؤوس هذي (3) المدام ... وأنارت حتّى أنار الظلام
فاسقنيها مسنة إن تمشت ... في عظام المسنّ فهو غلام
فبها للسرور فيك احتلال ... وبها للهموم عنك انهزام
[ولأبن بلّيطة (4):
سكران لا أدري وقد وافى بها ... أمن الملاحة أم من الجريال
تتنفّس الصهباء في لهواته ... كتنفّس الريحان في الآصال
وكأنما الخيلان في وجناته ... ساعات هجر لازمان وصال
__________
(1) في ق: فاعجبت ليثا وأطرب به ظبيا.
(2) [غير موجودة في (ت)].
(3) [في الأصل: هذا].
(4) [من هنا إلى قول ابن خفاجة: بمقلة زرقاء، انفردت به (ت)](2/269)
وقوله:
جرت بمسك الدّجى كافورة السّحر ... فغاب إلّا بقايا منه في الطّرر
صبح يفيض وشخص الليل منغمس ... فيه كما غرق الزنجيّ في نهر
قد حار بينهما عن برزخ قمر ... يلوح كالشّنف بين الخدّ والشّعر
وقال في مجدور الوجه:
من رأى الورد تحت قطر نداه ... لم يعب فوق وجنتي جدريّا
أنا شمس أردت في الأرض شيئا ... فنثرت النجوم فوقي حليّا (1)
وقوله وينسب إلى غيره:
لبسوا من الزرد المضاعف نسجه ... ما [قد] (2) طفا للبيض فيه حباب
صفّ لحاشية الرداء يؤمه ... صفّ القنا فكأنه هدّاب
وإليه ينظر قول ابن خفاجة:
وغدت تحفّ به الغصون كأنّها ... هدب يحفّ بمقلة زرقاء]
وقوله في تهيّب المحبوب (3):
ألا بأبي رشأ مرّ بي ... وكنت إلى لمحه شيقا
فمادت بي الأرض من هيبة ... فكاد ذمائي أن يزهقا (4)
كأني موسى دعا ربّه ... فألزمه الروع أن يصعقا
وقوله في العناق (5):
ألا بأبي ليلة أسمحت ... بوصل لذيذ الجنى والمذاق
فبت وجسمي بها لاصق ... عناقا لصوق السها بالعناق
__________
(1) [في الذخيرة: النجوم حليا، عليا].
(2) [كلمة ساقطة من (ت) زدناها للميزان].
(3) [غير موجودة في (ت)].
(4) في ق: ذمامي ان يرهقا.
(5) [غير موجودة في (ت)].(2/270)
81* أبو عبد الله محمد بن عثمان * المعروف بابن الحداد
(1) من شعراء المغرب المتأخرين. سألت القاضي الفاضل عنه، وقوله حجة، فقال: كان في الصمادحية (2) وهو أديب فاضل وله القصيدتان المهموزتان وكل واحدة أكثر من مائة بيت وليس في العرب أشعر منه. ووجدت له في مجموع من قصيدة في ابن صمادح الفهري (3):
لعلّك للوادي (4) المقدّس شاطيء
فكالعنبر الهندي ما أنا واطىء
ولي في السرى من نارهم ومنارهم
هداة حداة (5) والنجوم طوافىء
لذلك ما حنت ركابي وحمحمت (6)
عرابي وأوحى سيرها المتباطىء
فهل هاجها ما هاجني أو لعلها
إلى الوخد من نيران وجدي (7) لواجىء
__________
(1) [هذه المقدمة والقطعتان المهموزتان بعدها مفقودة من (ت)].
(2) يقصد بالصمادحية، المرية.
(3) قال ابن بسام، إنه أنشد هذه القصيدة / للمعتصم بن صمادح / سنة 455وأخذ عليه أنه همز فيها ما لم يهمز. والقصيدة 20بيتا في الذخيرة ج 2من القسم الأول ص 201واورد هنا 12بيتا منها وهي: من 1إلى 5، من 7إلى 9من 11إلى 14. انظر أيضا المسالك ورقة 146والأبيات الواردة فيها: 1، 2، 5، 12، 13، 14. وفي المغرب ج 2ص 143: 1و 2وفي ابن خلكان ج 4ص 132، 19بيتا، ورد عشرة أبيات منها في الخريدة وهي من 1إلى 10 وفي النفح ج 2ص 338: من 1إلى 4و 6وترجمة البيت الأول منها في بيريس ص 118وفي المطمح ص 80: من 1إلى 12.
(4) [في الذخيرة والمطمح: بالوادي].
(5) المغرب: حواد هواد.
(6) [في الأصل: جمحت، وفي] ق: جمجت عزامي [والاصلاح من] المطمح [والذخيرة].
(7) [في النفح: قلبي].(2/271)
رويدا فذا وادي لبيى وإنه
لورد لباناتي وإني لظامىء
ويا حبذا من آل لبنى مواطن
ويا حبذا من أرض لبنى مواطىء
ميادين تهيامي ومسرح خاطري
فللشوق غايات بها (1) ومبادىء
فلا تحسبوا غيدا (2) حوتها مقاصر (3)
فتلك قلوب ضمنتها جآجىء
محا ملّة السلوان مبعث حسنها (4)
فكل إلى دين الصبابة صابىء
وآل الهوى جرحى ولكن دماؤهم
دموع هوام والجروح مآقىء
وداريت إعتابا ودارأت عاتبا
فلم يغنني أني مدار مدارىء
ولازمت سمت الصمت لا عن فدامة
ولي منطق للسمع والقلب مالىء
ومنها:
ولولا خلي الدين (5) ابن معن محمد
لما برحت أصدافهن اللآلىء
__________
(1) [الذخيرة: به].
(2) المطمح: سعدى
(3) [في الذخيرة: حمتها معاصر].
(4) ق: حيها والذخيرة: حسنه.
(5) الذخيرة: ولولا علا الملك(2/272)
لآلىء إلا أن ذهني (1) غائض
وعلمي دأماء ونطقي شاطىء
ولولاه كانت كالنسيء وخاطري
لها كفقيم للمحرم ناسىء
هو الحب لم أخرجه إلا لمجده
ومثلي لاعلاق النفاسة خابىء
كأنّ علاه دولة أموية
وما ناب من خطب عمير وضابئى (2)
وإن يمسس العاصين قرحك آنفا
فأيدي الوغى عما قليل توالىء
عصوا فعصوا مستنصرين بخاذل
وأخذل أخذ الحين ما منه لاجىء (3)
وشهب القنا كالنقب والنقع ساطع
هناء وأيدي المقربات هوانىء
يعود تخضيب النصول وإن رأى
نصول خضاب فالدماء برايئ
وله (4):
أربرب بالكثيب الورد (5) أم نشأ
ومعصر في اللثام الورد أم رشأ
__________
(1) الذخيرة: فكرى
(2) في الأصل: وما نابه من خطب عمر وضابئى.
(3) ق: ومن اخذال أخذ الحي؟
(4) البيت الأول والثالث والرابع منها في معجم السلفي ص 17، والوافي ج 2ص 86، والثالث والرابع في الفوات ج 2ص 342
(5) الوافي والسلفي: الفرد(2/273)
وباعث الوجد سحر منك أم حور
وقاتل الصب عمد منك أم خطأ
[وقد هوت بهوى نفسي مها سبأ
وهل درت مضر من تيمت سبأ] (1)
كأن قلبي سليمان وهدهده
لحظي (2) وبلقيس لبنى (3) والهوى النبأ
فاعجب لهم وتروا نفسي وما شعروا
ولا دروا من بعيني ريمهم وجأوا
جلالة لسليمان وملتمح
ليوسف يوم للنسوان متّكأ
ومنها:
تحيد عن أفقك الأملاك مجفلة
ولا تحوّم حيث اللقوة الحدأ
وما صوارمهم إبلا وقد سرحوا
وليس إفرندها عرا وقد هنئوا
وله (4):
هم في فؤادك [خيموا] (5) أو قوضوا ... ومني جفونك أقبلوا أو أعرضوا
وهم رضاك من الزمان وأهله ... سخطوا كما زعمت وشاتك أم رضوا
أهواهم وإن استمر قلاهم ... ومن العجائب أن يحب المبغض
__________
(1) أضفنا هذا البيت من الوافي والفوات.
(2) السلفي والوافي والفوات: طرفي
(3) في المراجع السابقة: ليلى
(4) الأبيات الثلاثة الأولى في الوافي والفوات (في ترجمته).
(5) الوافي والفوات: هم في ضميرك خيموا. وسقط ما بين المعقفين من الأصل [وهي موجودة في (ت)].(2/274)
ينهى النهى عنهم ويأمرني الهوى ... والنفس تعرض والمنى تتعرض
وفويق ذاك الماء من شهب القنا ... جئث ومن حصر الصوارم عرمض
ومنها بيت أنشدنيه القاضي الفاضل:
الناس أغربة إذا قايستهم ... وأخو المصافاة الغراب الأبيض
وقال (1):
واصل أخاك وإن أتاك بمنكر (2) ... فخلوص شيء قلما يتمكّن
ولكل حسن (3) آفة موجودة ... إن السراج على سناه يدخن
وقال من قصيدة في تشبيه الرمح والنبل (4):
والسّمر من قلب القلوب مواتح ... وكأنّها موصولة الأشطان
والنّبل في حلق الدلاص كأنها ... وبل الحيا في مائج الغدران
وقال من قصيدة (5):
أما انها الأعلام من هضباتها ... فكيف تكف العين عن عبراتها
دراني واذراء الدموع لعله ... يسكن ما قد هاج من ذكراتها
فقد عبقت ريح النعامى كأنها (6) ... سلام سليمى فاح (7) من نفحاتها
وتيماء للقلب المتيم منزل ... فعوجا بتسليم على سلماتها
__________
(1) أنظر هما في الذخيرة والمغرب والتكملة ج 1ص 133.
(2) المغرب [والنفح]: سامح أخاك وان أتاك بزلة. والتكملة: سامح أخاك وان أتاك بجفوة.
(3) الذخيرة والتكملة: ولكل شيء [وفي النفح: في كل شيء].
(4) [غير موجودة في (ت)].
(5) هي 21بيتا في الذخيرة ورد ستة أبيات منها في الخريدة وهى: من 3إلى 8، وفي المغرب من 3إلى 8ومن 10إلى آخرها، وفي الوافي: من 3إلى آخرها، وفي الفوات من 3إلى 8. [وهي غير موجودة في (ت)].
(6) الذخيرة: كأنها
(7) الذخيرة والوافي: راح.(2/275)
مشاعر تهيام وكعبة فتنة (1) ... فؤادي من حجاجها ودعاتها
فكم صافحتني في مناها يد المنى ... وكم هب عرف اللهو في عرفاتها
عهدت بها أصنام حسن عهدنني ... هوى عبد عزّاها وعبد مناتها
وقال (2):
[أهل بأشواقي إليها وأتقي ... شرائعها في الحب حق تقاتها] (3)
فتى البأس والجود اللذين تباريا ... إلى غاية حازا له قصباتها
تدين يداه (4) دين كعب وحاتم ... فحتم عليها (5) الدهر وصل صلاتها
يجاهد في ذات الندى بيت مالها (6) ... ولا جيش إلا من أكف عفاتها
إذا البدر انثالت عليهم تخالها (7) ... بأيدي مواليها رؤوس عداتها
وقال من قصيدة (8):
تكاد تغني إذا شاهدت معتركا ... عن أن يسل حسام أو يسال دم (9)
بلحظة منك تثني القرن منعقرا ... كأن لحظك فيه صارم خذم
أقدمت حيث الكماة الشّوس محجمة ... وجدت حيث المنايا السود تزدحم
وما احتدى الموت نفسا من نفوسهم ... إلا وسيفك كعب الجود أو هرم
منها في وصف هام المصلبين: (10)
وقد تلم بها الغربان واقفة (11) ... كأنّها فوق مخلوقاتها لمم
__________
(1) [من الذخيرة، وفي الأصل: فتية].
(2) [القطعة غير موجودة في (ت)، ويبدو أنها من نفس القصيد، وكان الأولى أن يقول: ومنها].
(3) البيت ساقط من الأصل وهو في ق.
(4) المغرب والوافي: يدين نداه.
(5) المغرب والوافي: عليه
(6) المغرب والوافي: ماله
(7) المغرب والوافي: حسبتها.
(8) [هذه القطعة والتي تليها مفقودتان من (ت)].
(9) ق: أن يسيل دم أو يسيل حتام؟
(10) البيت في الوافي مع ثلاثة أبيات أخرى غير موجودة في الخريدة.
(11) الوافي: واقعة.(2/276)
وقال من قصيدة هائية طويلة:
وسقم فؤادي من سقام جفونه ... فإن نقهت عيناه فالقلب ناقه
مراد هوى حفت به مرد العدى (1) ... ودون جنان الخلد تلقى المكاره
وما خيلاء الخيل فيها سجية ... ولكنها لما امتطوها (2) توائه
فلا تكرهن إن خاس قوم بعهدهم ... عسى الخير في الشيء الذي أنت كاره
فنصرك أيّا ما سلكت مساير ... وفتحك أيّا ما اتجهت مواجه (3)
ومن وصفها:
ففي أنفس الحساد منها هزاهز ... وفي ألسن النقاد منها زهاره
وقال [من أخرى] (4) في وصف ضيافة:
سمت السوام به الحمام كأنها ... أخذت لشأن من ذوي الشنآن (5)
وتبعتها ذات الجناح كأنما ... فعلت جناحا قبل في الطيران
حتى غدا حمل السماء وثورها ... حذرين مما حل بالحملان
نار بأرجاء المرية سقطها ... مزر ببيت النار في أرجان
[المرية بلدة] (6).
فلو المجوس تجوس بين ديارنا ... أمّت لديك عبادة النيران
وقال من أخرى:
فلا مهجة إلا إليك نزاعها ... وما زال يطوى عن سواك لها كشح
وليس يحيق المكر إلا بأهله ... وكم موقد يغشاه من وقده لفح (7)
__________
(1) ق: لهو العدى!
(2) في الأصل: انتظرها صح من ق.
(3) [في الأصل: فواجه].
(4) [ما بين المعقفين ساقط من (ت)].
(5) في ق: أخذت جناحا قبل في الطيران وسقط منها المصراع الثاني من البيت التالي.
(6) جملة غير موجودة في ق [وكذلك في (ت)].
(7) ق: لقح.(2/277)
ومن تكن الأقدار مسعدة له ... يعد شبما عذبا له الآجن الملح
إذا خيف أن تشتد شوكة مأزق (1) ... فلا رأي إلا ما رأى السيف والرمح
ومن أخرى:
مضاؤك مهما رمى قرطسا (2) ... ولو يمّم الأنجم الخنّا
إذا رمت أمرا غدا ممكنا ... وإن كان (3) ممتنعا مؤيسا
ومن قصائده قوله من قصيدة في أبي يحي ابن معن الصمادحي (4):
عج بالحمى حيث الاراك (5) العين ... فعسى تعن لنا الظباء (6) العين (7)
واستقبلن أرج النسيم فدارهم ... ندية الأرجاء لا دارين
واسلك على آثار يوم رهانهم ... فهناك تغلق للقلوب رهون
حيث القباب الحمر سامية الذرى ... والأعوجيات الجياد صفون
والسمهرية كالنهود نواهد ... والمشرفية في الجفون جفون
أفق إذا ما رمت لحظ شموسه ... صدّتك للنقع المثار دجون
يغشاك من دون الغزال صوارم (8) ... فيه ومن قبل الكناس عرين
أنّى أراع لهم وبين جوانحي ... شوق يهوّن خطبهم فيهون
أو هل يهاب (9) ضرابهم وطعانهم ... صبّ بألحاظ العيون طعين
__________
(1) ق: بارق [وكذلك في (ت)].
(2) ق: قرطاسا؟
(3) [كلمة: كان، ساقطة من (ت)].
(4) ورد في النفح ج 2ص 491هذه الأبيات منها: 1، 2، 7، 9، 10، 11، 17، 18، 19، 46، 47، وفي المغرب ج 2ص 143: 11، 12، 21، 22، 23، 46. وفيه بيتان آخران لم يردا في الخريدة. [وفي (ت): وله من قصيدة].
(5) [في النفح: الغياض].
(6) [في النفح: المهاة].
(7) قال في قصيدة أخرى: وإليكما تشكو استلاب مطيها ... عج بالحمى حيث الظباء العين.
(8) في الأصل: صيارم.
(9) [في النفح: أنا يصاب].(2/278)
وكأنّما (1) بيض الصفاح جداول ... وكأنما سمر الرماح غصون
ذرني (2) أسر بين الأسنة والظبا ... والقلب (3) في تلك القباب رهين
فلعله يروي صداي بلمحه ... وجها (4) به ماء الجمال معين
ولعي بذات القلب أفقد أضلعي ... قلبا عليه ما يريم يرين
تلهو وأحزن مثل ما حكم الهوى (5) ... لا يستوي المسرور والمحزون
وتذللي لم يجد غير تدلّل ... والحسن عز للحسان مكين
لا غرو أن أصل الغرام بمعرض ... غير المحب بما يدان يدين
يا ربة القرط المعير خفوقه ... قلبي فما (6) لحراكه تسكين
توريد خدك للصبابة مورد ... وفتور طرفك للنفوس فتون
وإذا رمقت فوحي حبك منزل ... وإذا نطقت فإنه تلقين
لولاك ما أودى الجوى بتجلدي ... ولقاك أنك لي منى ومنون
ومنها في التخلص إلى الممدوح ووصف قصره:
أنت الهوى لكن سلوان الهوى ... قصر (7) ابن معن والحديث شجون
فالحسن أجمع ما يريك عيانه ... لا ما رأته سوالف وعيون (8)
والروض ما اشتملت عليه شموله (9) ... لا ما حوته أباطح وحزون
قد عطل الأزهار زاهر حسنه ... لا الورد ملتفت ولا النسرين
فأجل (10) جفونك تجل (11) منه فتوره ... نور الخدود له الأكف جفون
__________
(1) النفح: فكأنما
(2) المغرب والنفح: دعي
(3) المغرب: فالقلب
(4) المغرب: بلحظه وجه
(5) ق: تلهو وأحزن منك يا حكم الهوى.
(6) النفح: أما
(7) المغرب: قصد ابن معن
(8) سقط هذا البيت من ق.
(9) المغرب: سهوله.
(10) [في الأصل: فاجعل].
(11) في الأصل: تحن(2/279)
ومنها (1):
فنجومه زهر ثوابت لم يرم ... تعديلها زيج ولا قانون
والمجلسان النيران تألقا ... هذا لهذا في البهاء قرين
كالمقلتين أو اليدين تأيدا (2) ... والحسن يعضد أمره التحسين
ومنها (3):
عطفت حناياه وضمن بعضها ... بعضا وسحر ذلك التضمين
كتقاطع الأفلاك إلا أنه ... متباينان تحرك وسكون
فلكية لو أنها حركية ... لاعتدّ منها الرأس والتنين
تتعاقب الأعصار فيه وجوّه ... أبدا به آذار أو تشرين
وكأنّ هرمس بثّ حكمته به ... وأدار فيه الفكر أفلاطون
وكأنّ راسم خطّه إقليدس ... فسوائل الأشكال فيه فنون
من دائر ومكعب ومعين (4) ... ومحجن تقويسه (5) التحجين
وقسيّ محنيّ سواريها لها ... نبل ولا يرمي بها فتبين
فهنالك التضعيف والتثليث وال ... تربيع والتسديس والتثمين
نسب جلت نسب الفناء لبعثها ... طرب النفوس وسمعها تعيين
وكأن طرفي مسمعي وكأنه ... صوت وشكل خطوطه تلحين
متلأليء فكأنما سال المها ... فيه وذاب اللؤلؤ المكنون
وكأنّ مبيض الخدود وضاءة ... صحن له لا المرمر المسنون
تغشى بمذهب لمعه فكأنما ... أبدى لديه كنوزه قارون
هو ثالث القمرين في ضوءيهما ... فيه تضيء لنا الليالي الجون
__________
(1) [كلمة: ومنها ساقطة من (ت)].
(2) ق: تألفا.
(3) [كلمة: ومنها، ساقطة من (ت)].
(4) الكلمة ساقطة من ق.
(5) [في (ت): تقويمه].(2/280)
لو أبصرته الفرس قدس نوره ... كسرى وأخبت نارها شيرين
(1) أو لو بدا للروم معجز صنعه ... بدأ السجود إليه قسطنطين
ومنها:
هو جنة الدنيا تبوّأ نزلها (2) ... ملك تملكه التقى والدين
فكأنما الرحمان عجلها له ... ليرى بما قد كان ما سيكون
ومنها في المدح:
عفّ فلا مال يباح ولا دم ... بل آمنان ذخيرة ووتين
وإذا دعا داع بطول بقائه ... خرقت له سمع السما آمين
ملك القلوب بسيرة عمرية ... يحيا بها المفروض والمسنون
لا تألف (3) الأحكام حيفا عنده ... فكأنها (4) الأفعال والتنوين
لو كان أدنى بشره وذكائه ... للنصل ما شحذت ظباه قيون
لو كان لج البحر مثل نواله ... غمر الربا مسجوره المسجون
وقوله من أخرى (5):
هنّ الأماني مدمنات جران ... فصل اعتزاما لات حين توان
وإذا انقضى زمن الفتاء عن الفتى ... فبقاؤه وفناؤه سيان
ومنها:
لا تخدعن فما لإحسان الصبا ... عوض ولا لروائه الحسّان
واخلع على ريعانه حلل المنى ... فمحاسن الأشياء في الريعان
وزيادة الأقمار بدء شهورها ... وتعقب الأعقاب بالنقصان
والشمس في الحمل الذي هو أول ... تسمو كما تنحط في الميزان
__________
(1) [من هذا البيت إلى آخر القطعة، ساقط من (ت)].
(2) في المغرب: ظلها.
(3) [في النفح: لا تلقح].
(4) [في النفح: فكأنما].
(5) انظر عشرة أبيات من هذه القصيدة في الذخيرة ج 2من القسم الأول ص 201 (ترجمته) وقد ورد خمسة منها في الخريدة وهي: 15، 16، 17، 21، 22 [وهي غير موجودة في (ت)].(2/281)
ليس الصبا زمن الصبا لكنه ... قمع العدى ورعاية الخلان
حال يحول (1) الهم فيها يافعا ... والخمر تثني الشيب كالشبان
غيري تتيمه وتقلب قلبه ... حدق المها وسوالف الغزلان
فالنفس تزداد النفاسة والهوى ... هون وما أرضى لها بهوان
ولرب ذي أيد سعى ليضمها ... فرمته بالأيهاء والإيهان
ووعيد أقوام صممت لسمعه ... سمع الأذى من آفة الآذان
وتغطرس من معشر قد أنبأوا ... أن الوهاد تعود (2) شم رعان
قلب الزمان عيانهم وعيالهم ... وكذا الزمان مغير الأعيان (3)
يا سائلا (4) عما زكنت من الورى ... والسر قد يفضي إلى الإعلان
إيها سقطت على الخبير بحالهم ... عند العروض حقائق الأوزان
هم كالقريض وكسرهم (5) من وزنه ... يبدو من التحريك والإسكان
ومتى يحل حالاهما من كنهها ... أنكرت منه واضح العرفان
كم من خليل ساعدته سعادة ... وطوى بها كشحا على الأضغان
من كل ذي حسد يشانئ شانيء ... إن التحاسد باعث الشنآن
هاجوا سكوني (6) فاستدمت هياجه (7) ... إن الحراك لآلة الحيوان
لما فضلت رموا بكل عظيمة ... والفضل موقع (8) أسهم البهتان
يا ما لدهري ليس يعدل حكمه ... أتراه خال العدل في العدوان
أوردت حظي في الحظوظ مصليا ... إن كان ذهني سابق الأذهان
هلا تناءت في التسابق حلبة ... حتى تبرز رب كل رهان
__________
(1) ق: جال نحول.
(2) ق: يقود.
(3) [البيت موجود في الأصل ولم يذكره المحقق].
(4) الذخيرة: يا سائلي.
(5) [في الذخيرة: وكسره].
(6) ق:؟ سجوني
(7) [في الذخيرة: هياجهم].
(8) الذخيرة: موضع.(2/282)
لو مدّ ميدان التناظر بيننا ... علم الورى من فارس الميدان
ذكر الفتى يبدي خفي سنانه ... والنار حامية بغير دخان
وعسى إثارته تري آثاره ... ولكم تدال إدالة بضمان
وملاك بغيتك المليك محمد ... يمّمه تحمد صرف كل زمان
وقال من أخرى في المدح مهموزة. وقد سبق غزلها، والتزم فيها ما لم يلزمه، وذكر أنها قصيدة تنيف على أربعمائة بيت (1):
إذا تجلّى إلى أبصارهم صعقوا ... وإن تغلغل في أفكارهم همأوا
لو أغلظ الملك أمرا فيهم ائتمروا ... لو اقتضى الجيش ردا منهم ردأوا
وكل ما شاء من حكم ومحتكم ... يمضي على ما أحبوا منه أو ندأوا
أغرّ في مجده الأعلى وغرّته ... للّب منحسن واللحظ منخسأ
وفي سناه ومسناه ونائله ... للشّهب والسّحب مستحيا ومنضنأ
سلالة لسليمان وملتمح ... ليوسف يوم للنسوان متّكأ
وللملوك اختفاء أن تشابهه ... وليس تشتبه العيدان والحفأ
والكلّ معترف بالسابقات له ... ومن زكا فله بالحق منزكأ (2)
مملك هو من سمت الهدى ملك ... وواحد هو في شيد (3) العلا ملأ
يقل أن يطأ العيوق أخمصه ... وكل ملك على أعقابه يطأ
حوى المحاسن في قول وفي عمل ... فمثل مهنثة الأملاك ما هنأوا
وللثغور بذكرى عدله ولع ... وللقلوب لمثوى حبه لطأ
والمالكون سواه مثل عصرهم ... فكلما دنأت أحداثه دنأوا
والعدل ألزم ما تعني الملوك به ... فليزجروا عن سبيل الحيف وليزأوا
وكيف يلقي قناة (4) الدهر قائمة ... وفوقنا لقسي الشهب منحنأ
__________
(1) [هذه القطعة مفقودة من (ت)].
(2) في الأصل: مركأ.
(3) ق: في شبل.
(4) الكلمة ساقطة في ق.(2/283)
وما الزمان على حال بمعتدل ... كأنما أهله في شخصه دنأوا
فالدهر ظلماء والمعصوم نور هدى ... يضيء والشمس في أنوارها تضأ
فخل ما قيل عن كعب وعن هرم ... فللأقاويل منهار ومنهرأ
وتلك أنباء غيب لا يقين لها ... وقلما في التناهي يصدق النبأ
وما اختبار كأخبار وما ملك ... إلا ابن معن وذر قوما وما ذرأوا
تغني أياديه ما تغني صوارمه ... وللغناء هو الاقلال والقنأ
سيّان منه فتوح في العدى طرأت ... ومعتفون على إنعامه طرأوا
فكم أناس أقاص عنده نبهوا ... كأنهم قربة في حجره نشأوا
وكيف تحصى عواقي مرتع مرع ... للهائمين به مروى ومحتصأ
ومن نبا وطن منه كمثلهم ... مضى به منتأى عنه ومنتبأ
وللظبى والطلى لثم ومعتنق ... وللقنا والكلى ضم ومرتشأ
وحيث ما أزمعت علياك واعتزمت (1) ... جدا جحافلك التأييد والجدأ
فلا تضع مربأ للجيش تنهده ... فالنصر مرتبئ والسعد مرتبأ
فويحهم يوم للأغلام ملتطم ... عليهم وبهم للجرد ملتطأ
وويلهم إن شآبيت القنا همأت ... وحاق باللام والأجسام منهمأ
حين يظهر في وادي سوالفهم ... كما به في ثغور البيض منكمأ
وقد بدا من عرانين الظبى شمم ... وفي أنوفهم الارغام والغطأ
وللقنا (2) منهوى فيهم ومنسرب ... وللظبى منبرى فيهم ومنبرأ
كأنّ سمرك والاقبال يعطفها ... بنان قوم إليهم بالردى ومأ
وقد غدوا قضبا بالهام مثمرة ... ومجتنيها من الصمصام مجتنأ
وصال منطعن فيهم وممتصع ... فسال منهزم منهم ومنهزأ
وقال حوضهم والسيل يغمره ... قطني فقد هدم الارجاء ممتلأ
هناك يبغون لو يلقونه لجأ ... وما لخلق عن المقدور ملتجأ
__________
(1) ق: ارمقت واعتنقت.
(2) في ق: للفتى(2/284)
وكم لبأسك فيهم من مصال وعى ... للّيث من سمعه روع ومحتبأ
وكان في ذألهم ود ومتعظ ... لو صح من مثلهم وعظ ومتّدأ
هاجوا ظباك التي بالسلم قد هجئت ... فسوف يسكن منها الظمأ والهجأ
راعيت تقواك حتى في جزائهم ... وما رعوا ما تراعيه ولا كلأوا
والآن قد آن من شهب الصفاح لهم ... درّ ومن صافنات الخيل مندرأ
(يهوي لقلب أعاديه مكايدة) ... كأنها قتر للأسد أو برأ) (1)
فدهية الشمس ما في نورها كلف ... وراية الشهب ما في سيرها خطأ
وهمة فوق ما ظن الغواة به ... والقوم آمنة إن أمكن الغوأ (؟)
وبالمعاقل للأملاك مقتنع ... وما له بسوى الأفلاك مجترأ
ولو يروم نزال الطود يبلغه ... أو ينزلوا من صياصيه كما زنأوا
وبرد أيامهم مرفو سلمهم ... والحرب تخرق منهم كلما رفأوا
ملك له العز من ذات ومن سلف ... فحسب كل الملوك الهون والجزأ
نمته بدرا نجوم السرو من يمن ... وما كمثل النجوم النقع والحيأ
تكسبا (2) عصره فخرا وعنصره ... فقد علا الفلك الأعلى به سنأ
إذا صمادحه أبدى وعامره ... وللمنيرين مستخفى ومنطفأ (3)
ومنها في مدح أولية (4) الممدوح:
من الألى ملكوا الدنيا وما برحوا ... يبنون أسمية العليا وما فتئوا
فالحسن في سير منهم وفي صور ... إن موجدوا مجدوا أو روضئوا رضأوا
وأبدعوا (5) في صنيع الجود وابتدعوا ... فكلما سئلوا من معوز سلأوا
فالولاهم (؟) يصوب المزن مسّهم ... متى روى سيّبا من وبله متأوا (؟)
وبيت وفرهم إيمان وفدهم ... فهم مياسير من حمد الورى فكأ (؟)
__________
(1) سقط ما بين القوسين من ق.
(2) ق: مكسبا
(3) الأصل: منضفأ.
(4) في ق: لواية؟
(5) الأصل: فلا أبدعوا؟ ق: فلا أبرعوا؟(2/285)
أقمار ملتئم آساد ملتحم ... يروعنا مجتلى منهم ومختلأ
وما صوا [رمهم] (1) ابلا وقد سرحوا ... وليس افرندها عرا وقد هنأوا
ولا عواملهم غيدا وقد ومقوا ... ولا أسنتها شيبا وقد حنأوا
ومن مناهم مناياهم إذا حملوا ... وليس بالخالد الهيابة الحيأ
إن قوضوا خلت أن الهوج ما ركبوا ... أو خيموا (2) خلت أن الشهب ما خبأوا
لا يعبأون بمكر في مقاومهم ... وليس للأسد بالسيدان معتبأ
إذا خطوا وتروا في الأرض شانئهم ... وللخطوب بها مسرى ومنسرأ
فإن رميت بهم أقصى الندى بلغوا ... وإن منيت بهم شوس العدى نكأوا
والخلق من ملكات الظلم في ظلم ... وقد مضت هنأ من بعدها هنأوا
ومحلب منه للأهواء محتلب ... ومرتم فيه للعلياء مرتمأ
إذا جلا النصر من خرصانه وضح ... علا الغزالة من قسطاله صدأ
من كل أحوش نثر النثر ديدنه ... إذا يرى لدنه مستلئما يرأ (3)
يجيء كالهصر الفضفاض (4) مقتتلا ... أصم كالأرقم النضناض إذ يجأ
وللمنون بيمناه عيون دما (5) ... في جدول يتحامى ورده الظمأ
فراح نحو دم الأبطال تحسبه ... راحا لها بالقنا العسال مستبأ
في موقف للمنايا فيه مرتكض ... على الجياد وللأجناد منهدأ
في وصف الشعر:
وتلك عنقاؤنا وافتك مغربة (6) ... بحسنها فاستوى العقبان والحدأ
بدع من النظم موشيّ الحلى عجب ... تنسي الفحول وما حاكوا وما حكأوا
وكل مخترع للنفس مبتدع ... فمنه للروح روح والحجى حجأ
__________
(1) [ما بين المعقفين ساقط في الأصل].
(2) ق: جنحوا
(3) ق: يدأ.
(4) ق: القصاص
(5) ق: دنا.
(6) ق: اقبل معذبة.(2/286)
أنشأتها للعقول الزهر مصبئة ... كأنها للنفوس الخرد النشأ
لم يأت قبلي ولن يأتي بها بشر ... وحق أن يخبئوا عنها كما خبأوا
قضيت منها ليوث النظم مجترئا ... وغير بدع من الضرغام مجترأ
وفي القريض كما في الغيل (1) مأسدة ... والقوم حوز بمرعى البهم (2) قد جزأوا
وجمع بعض قوافيها يؤودهم ... ولو منوا بمبانيها إذا ودأوا
تشجى مسامعهم [منها] (3) بما سمعوا ... ولا تقر لهم عين إذا قرأوا
وقوله في المراثي من قصيدة:
هيهات ما تغني القبائل والقنا ... والمشرفية في ملاقاة المنى
فعلى م تستاق العتاق وإن جرى ... وجرين جاهدة ونين وما ونى
فعلى م تجتاب الدّلاص فإنّها ... ليست موانع سمره أن تطعنا
إن المنية ليس يدرك كنهها ... فنوافذ الأفهام قد وقفت هنا
في كل شيء للأنام محذّر ... ما كان حذّره شعيب مدينا
وحياتنا سفر وموطننا الردى ... لكن كرهنا أن نحل الموطنا
والعيش أضنك ان تعذر مطلب ... كم من ضناك في مطالبه ضنى
ولربما أعطى الزمان مقاده ... لا تيأسن من قرب صعب أمكنا
لابد أن تتلو الحياة منية ... من شك أن اليوم يرجي الموهنا
لا ترج إبقاء البقاء على امرىء ... كل النفوس تحل أفنية الفنا
تجد الحياة نفيسة ونفوسنا ... غرباء ترغب عندها متوطنا (4)
لو أنها شعرت لها وسقت درت ... ان الوفاة هي الحياة تيقنا
لكنها عميت ولم تر رشدها ... ما كل من لحظ الأمور تبينا
فتبصرن مصاب سيدة الورى ... تبصر دناءة (5) ذي الحياة وذي الدنا
__________
(1) ق: في الغيد
(2) ق: حور كمرعى إليهم؟
(3) في الأصل: أشجى مسامعهم بما سمعوا.
(4) في ق: مستوطنا.
(5) في ق: دياه(2/287)
ومنها (1):
أعظم به من حادث جبنوا له ... ما ظن قبل شجاعهم أن يجبنا
وتروا وما علموا بوتر ضائع ... من ذا يطالب بالتّرات (2) الأزمنا
ذابت سيوفهم أسى فظباتها ... تحكي المدامع والجفون الأجفنا
وتقصدت أرماحهم إن لم تكن ... شجرا وشيك الموت منه يجتنى
لم يذكروا إحسانها إلا نسوا (3) ... حسن العزاء وبعدها أن يحسنا (4)
فكأنما أنفاسهم ومقالهم ... نار تحرق بينهم عود الثنا (5)
ما جف من دمع عليها مدمع ... والحزن ما والى الدموع الهتنا
أعقيلة الأملاك والملك الذي ... لبس السناء به جلابيب السنا
فسقاك مثل نداك أو كدموعنا ... مزن يعيد ثراك روضا محزنا
إن كنت متّ فذا ابنك الملك الرضى ... يحيي البرايا والعطايا والمنى
كثرت محامده فحق بها اسمه ... وأدام إحياء المكارم فاكتنى
فإذا بنى الأعداء هدّم ما بنوا ... والدهر لا يسطيع يهدم ما بنى
يا أيها الملك الذي أوصافه ... تعيى البليغ ولا تطيع الألسنا
إن كان عظم الرزء أصبح كافرا ... بتجلد لا تمس إلا مؤمنا
صبرا وإن جلّ المصاب وسلوة ... فإليهما حكم الحجى أن تركنا
والدهر أهون أن يجيء بحادث ... لم يثنه حسن التجلد أهونا
والبر يقضي أن تكون معظّما ... والحجر يقضي أن تكون مهونا
فلئن صبرت فإن فضلك باهر ... ولئن حزنت فحكمه أن تحزنا
ومن شعره أيضا في فنون شتى، قوله في المعمى في اسم هنيدة:
يا ليت ملكي مائة ليتها (6) ... فهي اقتراحي فافهم التعميه
وليس في الأعداد لي بغية ... لكن لها اسم وافق التسميه
__________
(1) [من هنا إلى آخر القطعة مفقود من (ت)].
(2) في ق: بالتراب
(3) في ق: الانبوا؟
(4) في الأصل: لن يخسنا؟
(5) في ق: عود المنى
(6) في ق: مائة يا ليتها؟(2/288)
وقوله في معمى حسن:
من لي بأن أشكو إليك مدامعا ... تهمي عليك وأضلعا بك تحترق
فترق لي يا من غدا قلب اسمه ... متصحفا (1) ماضده ماضي ترق
ماضي ترق: رقّ، وضدّ رقّ: خشن، ومصحفه حسن.
وقوله في قوس:
حقيق أن تصول بي الرماة ... وأن تعنو بصولتي الكماة
إذا فوقت في الأبطال سهما ... فما تغني الدروع السابغات
وإنّي كالمجرة في اعتلاء ... ونبلي الشهب والجن العداة
وقوله في مهد (2):
مهد جدير أن يسمى أفق ... فإن فيها كوكبا يأتلق
كأنه إنسان عين به ... شاخصة الأبصار لا تنطبق
82* أبو حفص عمر بن رحيق (3) *
قال من قصيدة يندب مدينة الروم (4) وقد فتحها الروم في سنة أربعين (5)
وخمسمائة:
نفسي تحن إلى أهلي وأوطاني ... وهل رأيتم محبا غير حنّان
كانوا لقلبي أحبّاء وفي كبدي ... نار تأجج من شجوي وأحزاني
ما ضر حين نأوا لو ودعوا دنفا ... رهن الحوادث في كف الأسى عان
عزّ اصطباري لرزء قد دهيت به ... وبان عني لوشك البين سلواني
__________
(1) في ق: مصحفا.
(2) [غير موجودين في (ت)].
(3) [هذا الشاعر غير موجود في (ت)].
(4) كذا في النسختين ولم نعثر على اسم هذه المدينة في مراجعنا. وقد قال آمارى في المكتبة الصقلية ص 610أن كلمة الروم محرفة.
(5) في ق: أربع.(2/289)
83* الفقيه الطرطوشي (1) *
[هو] (2) أبو بكر بن أبي محمد الفهري (3) المعروف بالطرطوشي
(كبير الشان، جليل المقدار والميزان) (4)، سكن مصر وانتفع به الفقهاء وتفقهوا عليه، وشدت رواحل الطلبة إليه، ورشدت لديه. حكي أنه سعى بولده إلى القصبة (5) المصرية، فخرج أمرها بنفيه (6) إلى الإسكندرية، وطالت عليه غيبته واشتدت لوعته فكتب إليه (بهذه الرسالة وليس فيها من شعره إلا القصيدة التي ختمها بها، أولها:
جرع الفراق شراب الأحبة والأصفياء، وغصص النأي والبعاد كؤوس أهل المودة والوفاء، كأس وأي كأس، تزعج الأرواح، وتضني الأشباح، كأس أمر من المنون، وأدهى من الحرب الزبون:
يقولون ثكلا ومن لم يذق ... فراق الأحبة لم يثكل (7)
لقد جرعتني ليالي الفراق ... كؤوسا أمر من الحنظل
فيا ليلة الوصل عودي لنا ... كما كنت في الزمن الأول
ومنها (8):
يا بني، فارقتكم على حكم الأقدار ... ، ونأيت عنكم بسبب الاضطرار:
وما كان تركي للأحبة عن قلى ... ولكنه حكم تناهى وأقدار
أراع لذكر البين في كل حالة ... كأن صروف البين عندي لها ثار
__________
(1) في ق: الطرسوسي [وفي الأصل: الطرشوشي، وما أثبتناه من (ت)].
(2) [الزيادة من (ت)].
(3) كذا، واسمه محمد بن الوليد الفهري.
(4) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(5) [في الأصل: العصبة، والإصلاح من (ت)].
(6) [في (ت): ببعثه].
(7) انظر البيت الأول والثاني في النفح ج 1ص 517.
(8) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].(2/290)
يا بني، إذا هاج شوقي وتضعضع اصطباري، واضطربت عزائمي واضطرمت بلابلي، أسرّح طرفي فلا أراكم، واستقبل الركبان فلا ألقاكم، فلا نسيمك أشمه، ولا شخصك أعتنقه وأضمه، ولا وجهك أستدنيه وألتزمه، وأبسط كفا، وأرفع إلى السماء طرفا، وأذرف الدموع ذرفا، وأقول كما قال من فهم عن الله أمره، ولم يعارض قضاءه وقدره، لما ابتلي بفراق أحبّائه، وصبر على بلائه: صبر جميل، والله المستعان على ما تصفون. يا بني كلما ذكرتكم، هاج شوقي إلى رؤيتكم، ألحظ السماء لعلّي ألحظ النجم الذي تلحظونه وأنا أقول (1):
أقلب طرفي في السماء مردّدا (2) ... لعلي أرى النّجم الذي أنت تنظر
وأستعرض الركبان في كل وجهة ... لعلي بمن قد شمّ ريحك (3) أظفر
وأستقبل الأرواح (4) عند هبوبها ... لعل نسيم الريح عنك تخبر
وأمشي وما لي في الطريق مآرب ... عسى نعمة باسم الحبيب تذكر (5)
وألمح من ألقاه من غير حاجة ... عسى لمحة من حسن وجهك تسفر
وإن قرعت سمعي بذكراك قرعة ... فمن مقلتي (6) تبكي السحاب وتقطر
ومنها:
ومن ظلّ في عيد يسر بأهله ... فما لي من الأهلين إلا التحيّر (7)
وإن زار إلفا إلفه زرت منزلا ... وحولي من أهل الحفيظة معشر
يضاحك في ذا العيد كل حبيبه ... وما لي منكم من أناجي وأنظر
يؤوب إلى الأوطان من كان غائبا ... وما لي من الأوطان إلا التذكر
__________
(1) الأبيات الخمسة الأولى في النفح.
(2) النفح: ترددا.
(3) النفح: عرفك
(4) النفح: ارياح.
(5) النفح: ستذكر
(6) الكلمة ساقطة من ق.
(7) ق: التحسر.(2/291)
ويأوي إلى الأحباب من كان حاضرا ... ومن دون أحبابي ليال وأشهر
كأنا خلقنا للنوى وكأنّما ... على شملنا خطّت من البين أسطر
أأحبابنا هل يجمع الله شملنا ... عسى نلتقي قبل الممات ونحضر (1)
أما حذر الواشي من الدهر صرعة ... فللدهر واش لا ينام ويسهر
لعل الذي لا يرتجي الخلق غيره ... يجمع ذا الشمل الشتيت ويجبر
وأرجو من الرحمان إنجاز وعده ... فتقوى أجور الصابرين وتظفر
فيا رب فاحكم بين عبديك واحد ... ضعيف وعبد يستطيل ويقدر
(توفي رحمه الله في حدود سنة ستين وخمسمائة) (2):
84* ابن الحبير * أبو محمد بن حسن الكاتب القرطبي المعروف بابن الحبير (3)
وصفه في البراعة بالجري في حلبتها، والجرأة بصولتها، وهو أبرع أهل بلده وأبلغهم وأحوكهم لحلل النظم والنثر (وحليها وأصوغهم) (4)، وأورد له رسالة كتب بها إلى قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن حمدين (5)، يشفع في قريب له سجن من غير ذنب احتجن، أولها (6):
قولوا لصخرة إذ تسائل جرمها ... جيئي جهينة ترجعي بيقين
أقذيت عيني بالزمان وأهله ... حتى نظرت إلى بني حمدين
قوم إذا حضروا الندي تميزوا ... بعلو مرتبة ونور جبين
__________
(1) [هذا البيت ساقط من (ت)].
(2) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(3) ترجم له العماد مرة أخرى في هذا المجلد (الفهارس).
(4) ق: حليها وصبغها وصواغهم؟ [وما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(5) ترجم له العماد في هذا الكتاب (انظر الفهارس).
(6) انظر القصيدة (15بيتا) في قلا ص 176.(2/292)
[ومنها (1)]:
متبتلين (2) إلى الإلاه فشأنهم ... إصلاح دنيا (3) أو إقامة دين
فمحمّد، لله درّ محمّد ... من مستهام بالعلا مفتون
طود من الفضل استقل [زماعه] (4) ... بإغاثة الملهوف والمحزون
قاض كأن الحق نور ساطع ... يغشى الورى من وجهه الميمون
(5) وهي قطعة طويلة.
ومن النثر في الرسالة (6):
لما أذابتني نفحات (7) الأشواق، إلى تلك الافاق، التي يشرقون بها أقمارا ويقهقهون (8) بحارا، قلت:
وما ذكري (9) بحب تراب أرض ... [ولكن حب من سكن الديارا] (10)
وإنما هو كما قيل:
أحب الحمى من أجل من سكن الحمى
ومن أجل أهليها تحب المنازل
فرابتني زفرات (11) الوجد بذلك المجد، العالية قلله، البارع تبريزه، الغالية حلله، الرائع تطريزه، [الخالص إبريزه] (12) كما راب العليل تغامز
__________
(1) [كلمة: ومنها، ساقطة من (ت)].
(2) ق والقلا: متزلفين [وكذلك في (ت)].
(3) ق: اصلاح شأن
(4) الكلمة ساقطة من الأصل [والزيادة من (ت)].
(5) [من هنا إلى قوله: وأعزها وأسلبها مفقود من (ت)].
(6) انظر تمام الرسالة في القلا.
(7) القلا: لفحات.
(8) القلا: تقهقون فيها
(9) القلا: دهري
(10) أضفنا المصراع من القلا.
(11) القلا: غمرات.
(12) التكملة من القلا.(2/293)
العواد. عاينتها نفسا صبة، وقلبا قد حشي محبة، بما رقمته لعلاك من برود، كصفحات الخدود (1):
جادت عليها كل عين ثرة ... فتركن كل حديقة كالدرهم
ونظمته من حلاك كلاما، لو شرب لكان مداما، ولو ضرب به لكان حساما، ثم أنهيته، بعدما (2) أمهيته:
ليعلم مولاي بأني عبده ... وإن فؤادي عنده وهو في صدري
وإني لا أنفك أخدم مجده ... بكل بديع من قريضي ومن نثري
ويأخذ بأذيال، ما وصفت من هذه الحال، أنه:
رماني الزمان بأحداثه ... فبعضا أطعت وبعضا فدح
ومن أثقلها وأفدحها [وأعلنها] (3) وأفضحها وأغلبها وأعزها وأسلبها [وأبزها] (4) أنه كان لي نسيب قريب، وربيب حبيب.
ربيته وهو مثل الفرخ أعظمه ... أم الطعام ترى في ريشه زغبا
فلما شب، دب، ليلقط الحب، فما قمص، حتى قنص (5)، ولا أخذ في الحركة، حتى وقع في الشركة (6):
ويعدو على المرء ما يأتمر
وذلك أنه أمّ قرطبة (7) طالبا جذم مال كان قد تصدق به عليه جده فإذا هو قد ألفى هناك عاصبه، وقد نصب له مجانبه، وفتح أشراكه،
__________
(1) في الأصل: رود [والاصلاح من القلائد].
(2) [في الأصل: ما أمهنته، والاصلاح من القلائد].
(3) [الزيادة من القلائد].
(4) [الزيادة من القلائد].
(5) القلا: خمص.
(6) [في (ت): الشبكة].
(7) القلا: يحرسها الله ويحذف العماد عادة جميع كلمات الدعاء.(2/294)
وبسط تحت هذا الطمع (1) شباكه، فما ترك حتى كنف، ولا وصل (2)
حتى نتف.
وأصبح مغلوبا مسلوبا (3) محزونا مسجونا (4):
إذا قام غنته على الرجل (5) حلية ... لها خطوه وسط البيوت قصير
هكذا، أعزك الله أورد، بعض من ورد، فأخبر، بعض من استخبر، وفي النوى يكذبك الصادق، فإنه قد حدث غيره أنه في الوثاق، ولكنه غير محلى الساق، وتحت اعتقال شديد، ولكنه في غير حديد.
ومن يسأل الركبان عن كل غائب ... فلا بد أن يلقى بشيرا وناعيا
فلو ترى أمه [أمتك] (6) سترها الله، وهي من أليم اشفاقها، وعظيم وجدها وتطباقها (7)، قد ذهبت أو كربت، بل فاتت أو كادت (8)، لولا ناظر غريق يطرف، وعين سخية تذرف.
رب عيش أخف منه الحمام
[لا حتدمت فما رحمت، ولا استعبرت فما أبصرت] (9) وهذا المظلوم المسجون [المكظوم] (10) المحزون الذي غلب صبرها همه، وملأ صدرها ملمّه، [فقتلها مما أذهلها] (11) فتى يعرف بفلان عبدك ومحل ولدي وسيدي وأعلى
__________
(1) [في القلائد: المطمع].
(2) القلا: نزل حتى كتف ولا حصل
(3) القلا: مسجونا.
(4) في القلائد: مشجونا.
(5) [في القلائد: الساق].
(6) التكملة من القلا.
(7) في ق والقلا وفي [و (ت)]: انطباقها.
(8) القلا: ذهبت أو كادت بل قاربت وزادت.
(9) التكملة من القلا.
(10) [زيادة من (ت)، والقلائد].
(11) التكملة من القلا.(2/295)
عددي (1) أقال الله عثرته، وأزال عسرته، فهل لك بتدراك (2) هذه المسكينة بحسنة تعدل عند الله سبحانه عبادة ألف سنة لقوله عز وجل: «ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا» وإني لا أدري أني تيممت للخير أهله حين خاطبت مولاي فهززت نصله.
85* القاضي أبو بكر محمد ابن العربى *
قاضي الجماعة بمدينة إشبيلية، ورد العراق، وطاف الآفاق، وقرأ على أبي حامد الغزالي، وتحلّى من فضله البهيّ، بأبهج الحلي، وعاد إلى بلاد الأندلس في سنة سبع وخمسمائة. وألّف على نمط الغزالي كتبا، وفرع بها رتبا.
قال ابن بشرون في كتابه: أنشدني محمد بن محمد القرطبي (3) أبياتا قالها ابن العربي في صباه وهي:
قف بالمطي قليلا أيها الساري ... إذا مررت بذات الدوح والحار
واستنطق الركب من تيم وسابلهم ... عن أهيف خنث الأعطاف معطار
يشكو الذي منه أشكو غير أن له ... قلبا صبورا وقلبي غير صبّار
86* أبو العباس أحمد بن حمدين (4) *
قاضي القضاة بقرطبة في عصرنا، له مصنفات شانها بالرد على الغزالي، وشابها بالتعصب الغالي. ذكر أنه حضر مجلس حكمه عبد أسود وامرأة له بيضاء يتحاكمان إليه. فقال بديهة:
__________
(1) من عبدك إلى عددي، ساقط من القلا.
(2) في القلا: ان تتدارك.
(3) يعني الادريسي المشهور.
(4) ق: ابن لغمه وقال العماد في ترجمة أبي عبد الله ابن حمدين: أظنه هو الذي سبق ذكره في مصنف ابن بشرون.(2/296)
رأيت غرابا على سوسنه ... وذاك (1) دليل لسوء السنه
فيا مرود الآبنوس افتخر ... ويا مكحل العاج زد معونه
وله:
وزائرة ليلا فقلت لها أما ... خشيت رقيبا عن طريقك يقطع
فبادرتها لثما وأسرعت ضمها ... عناقا وما كنا بذلك نطمع
وأبدت تعاطيني كؤوس مدامها (2) ... وتسمعني من ذاك ما ليس يسمع
فقلت لها حلي النّقاب (3) تفضلا ... فعما قليل ضوء صبحك يطلع
فأنّت كما أنّ السليم لما به ... وقلبي بتذكار التفرق يصدع
وبتنا، وأيم الله، لا اثم بيننا ... بريئين من حدس به الظن يقطع
إلى أن دعا داعي الصباح فودعت ... ومرت كمرّ البرق بل (4) هي أسرع
87* أبو عبد الله محمد المعروف بابن الحنّاط (5) *
له رسالة طردية أورد منها في وصف الظباء وصيدها (6):
فلما توسطنا وهدات الربا، عنّت لها اسراب الظبا، كأنما ألبسن الدمقس سربالا، واتخذن السندس سروالا:
من كل مخطفة الحشا وحشية ... يحمي مداريها ذمار جلودها
فكأنما أقلام مسك كتّبت ... بمداد عينيها رسوم خدودها
__________
(1) في الأصل: ذلك؟ والبيتان في الرايات ص 39.
(2) [كذا في الأصل: ولعلها: ملامها، لدلالة السياق على ذلك في الشطر الموالي].
(3) [في (ت): خلي العتاب].
(4) ق: أو [وكذلك في (ت)].
(5) في النسختين: ابن الخياط. [وكذلك في (ت)].
(6) في الأصل: وجيدها.(2/297)
[فأرسلنا أولى الحيل على آخرها، وحبساها إياهم فمضت مضي السهام] (1)، وهوت هوي السلام، وهي تجول في أجوالها يمينا وشمالا، فكأنما أنتجت لآجالها آجالا، فغادرناها بين جريح مضرج بدمائه، وقتيل يجود بذمائه (2).
فصل في وصف معرس القوم وأكلهم وشربهم فيه ووصف الساقي:
فنزلنا معرسين، وأقمنا مخيمين (3)، وشبت النار، وتناثر الشرار:
وظلّ طهاة اللحم من بين منصف (4) ... صفيف شواء أو قديد معجّل
فلمّا قرب، وصفّ الشواء وصهب، تعاطينا لحما كالعقيق، وتهادينا شحما كالشقيق ثم قام كل إلى جواده يمشّ بعرفه كفّيه، ويمسح لشعبه بين عينيه، ونحن إذ ذاك بحيث تضاحك الورد والبهار، وتفاوح النور (5)
والأنوار، وأرضنا بمخضر نبت صاغ النور تاجه، وحاك القطر ديباجه، وسماؤنا غدافية الإهاب، جامعة (6) السحاب، فماء الندى مسكوب، ورواق الطل مضروب، والريح تصفق والغصن يتثنى، والقنبرة تصر صر والبلبل يتغنى، وقد خيم السرور، وجعلت الكأس تدور، ولا حديث لسقاتها، غير هاك وهاتها:
إذ دعا الندمان ظبيا سقني ... فضلة الكأس فقد طال العطش
من سلاف سلفت في دنّها ... قبل عاد وهي صرف لم تغش
من يدي ساق يحاكي خده ... قهوة فيها حباب كالنمش
خلع الياقوت ثوبا فوقها ... وكساها وشيه جلد الحنش
__________
(1) سقط ما بين المعقفين من الأصل [وهو موجود في (ت)].
(2) ق: بمائه.
(3) ق: متخيمين.
(4) في ديوان امرئى القيس: منضج.
(5) ق: الزهر.
(6) ق: هامعه.(2/298)
غزال يدير (1) في كفه منها الغزالة، وهلال تحفّه من أصداغه هالة (2)، تنفس الصبح من طوقه وعسعس ليل الشّعر من فوقه، كانّ الجلنار من خده خلق، والاقحوان من ثغره شرق، ذو خصر جوّال الوشاح، وبشر كالدر بنهد كالتفاح، لو مشى الذّرّ عليه لأدماه، أو جرى النفس عليه أجراه.
فصل في وصف ركوبهم (3) في البحر وتصيّدهم لأصناف السمك منه:
ثم رحنا (4) إلى شاطيء البحر، وقد سكن هائجه، وركد ثبجه، وأقبلت الزوارق تهفو بقوادم غربان، وتعطو بسوالف غزلان (5)، تخالها في سمائه أهلة مكسوفة (6)، وتحسبها فوق مائة رعيل دهم مصفوفة، فلما ضمت إلينا ودخلناها، قلنا اركبوا (7) فيها باسم الله مجراها ومرساها، ولا فرش غير ريحان منضد (8)، ولا سقف غير كتان ممدد، فصفعنا بأجنحتها قفاه، ودللنا بمجاذفها مطاه، وابتدر الملاحون فبعض (9) إلى شباك الحرير، وبعض إلى صنانير كأظفار السنانير، قد عطفها القين كالرّاء، وصيّرها الصقل كاللألاء، فجاءت أحدّ من الإبر، وأرقّ من الشّعر، كأنها مخلب صرد، أو نصف حلقة زرد، فتقلدوا سموطها، وأرسلوا خيوطها، مضمنة أكلا وبيّا، وسمّا لآكله وحيّا، فأهووا إلى مقر السمك، وقذفوها في سماء لازوردية الحبك، فما هو إلا ريث قذف تلك الرجوم من فوره،
__________
(1) كذا، وفي ق: غزال تنير وفي
(2) الكلمة ساقطة من ق.
(3) [في (ت): ركوبه البحر].
(4) [في (ت): رجعنا].
(5) ق: بسوالفهم [والأصل: بسالف، وما أثبتناه من (ت)].
(6) [في (ت): مكشوفة].
(7) ق: كبروا
(8) في الأصل: الريحان المنضد [وما أثبت من (ت)].
(9) الكلمة ساقطة من ق.(2/299)
وطلوع النّينان (1) أشباه النجوم من غوره، تبرق بريق الصوارم المسلولة، وتلمع لمعان الذوابل المصقولة، مدنّرة الأصلاب، مفضضة البطون، مذهبة الافواه، مجزّعة العيون، تصلّ صليل السيوف في اضطرابها، وتخطر خطران الفحول بأذنابها، فاستخرجنا (2) لحما طريا واشتوينا، فأكلنا هنيّا مريّا، ورحلنا عنه، وقد تزودنا منه.
(3) فصل في وصف المكان الذي أفضوا إليه عند خروجهم من البحر:
وأفضى بنا الركب إلى رملة بيضاء، مفضية إلى قرارة خضراء، تتفجر فيها عين كعين زرقاء، صفاء مائها، كصفاء إنسانها، وقد أحدق بها النبت كهدب أجفانها، فنهلنا من (4) نميرها، وكرعنا في غديرها، وركزنا رماح الخط، وجعلنا عالينا رباط العصب، وافترشنا مطارف الوشي فوق درائك العشب وجعلنا من اللّجم أوتادا موتودة، واتخذنا من الأعنة أسبابا ممدودة، فقام الخبا، واستوى البنا، والماء يقهقه في خريره (5)، والقمري يقرقر في هديره، والنسيم يعبق عن الروض الزكي، والجو مضمخ بزعفران العشي:
تشدو بعيدان الاراك حمامة ... شدو القيان عزفن بالأعواد
مال النسيم بغصنه فتمايلت ... مهتزة الأعطاف والأجياد
هذي تودع تلك توديع التي ... قد أيقنت منها بوشك بعاد
[واستعبرت لفراقه عين النّدى ... فابتل مئزر غصنها الميّاد] (6)
وإنّا لكذلك، إذ برقت السماء فسلت مذهب نصولها، ورعدت فضربت منذر طبولها، وجعل الغمام يعبّيء مواكبه، وأخذ الرباب يرتب كتائبه،
__________
(1) الكلمة ساقطة من ق [ومن (ت)].
(2) [كلمة: فاستخرجنا، ساقطة من (ت)].
(3) [من هنا إلى ترجمة أصبغ بن محمد القرطبي ساقط من (ت)].
(4) [في الأصل: فملنا في]
(5) في ق: غديرها.
(6) [هذا البيت موجود بالأصل، ولم يثبته المحقق].(2/300)
فبعدما أغذّ السير وامتد طلقه، غلبه البهر فتصبب عرقه، فخر هنالك لقى، فعند ذلك نام الروض فغنّى وسقى، فتنفست (1) الأرض عن نكهة العروس، وتبرجت في حلية الطاووس:
وكأنّ صوت الرعد خلف سحابه (2) ... حاد إذا ونت السحائب صاحا
مرتجة الأرجاء يحبس سيرها ... ثقل فتعطيه الرياح سراحا
أخفى مسالكها الظلام فأثبتت ... من برقها كي تهتدي مصباحا (3)
جادت على التلعات فاكتست الربا ... حللا أقام لها الربيع وشاحا
فساعة خمد البرق، وانقشع ذلك الودق، واعتزمنا على الرحيل، والتحول في برد الأصيل، فبصرنا بمطوّقة قد افردها الدهر عن إلفها، واستاقها الحين إلى حتفها، تصرف من الياقوت طرفا، وتقلب من المرجان كفّا، كأن الزبرجد نظم عقدها، والفيروزج [نمنم] (4) بردها، فبينا هي في سرحها تلتقط بفرخي جلم، وتسرط بفلقي قلم:
أهوى لها أسفع الخدّين مطّرق (5) ... ريش القوادم لم ينصب له شرك
فكأنما اكتحل بلهب، وانتعل بذهب، ملتفت من شذره، وملتحف في حبره، من رماحه أظفاره، ومن سيوفه منقاره، من اللواتي تنافس الملوك فيها، وتمسكها عجبا بها على أيديها، آية بادية، ونعمة من الله نامية، تبذل لك الجهد سراحا، وتعيرك في بغيتك جناحا، وتتفق معك على طلب الأرزاق، على اختلاف الخلق والاخلاق، ثم تلوذ بك لواذ من يرجوك، وتفي لك وفاء لا يلزمه لك ابنك ولا أخوك، فلما ارتقت (6) في السماء اتخذ
__________
(1) في ق: نفست.
(2) الذخيرة: سحابها، والقطعة 7أبيات فيها (ج 1، ق 1، ص 390) ورد منها ثلاثة في الخريدة وهي: 1، 3، 4. وقال ابن بسام: إنه مدح بها علي بن حمود.
(3) في الأصل: من تركها كي يهتدي، وفي الذخيرة: أوقدت من برقها.
(4) في الأصل: نمنمه، والكلمة ساقطة من (ق).
(5) ق: مطوف.
(6) الأصل: أرمقت.(2/301)
إليها سلما من الهواء، وهي تبعد منه بعد الأمل، وهو يقرب منها قرب الأجل، واختطفها أسرع من اللحظ، ولا محيد لها عنه، وانحدر بها أقرب من اللفظ، فكأنما هي منه، فجعل يتناولها بمثل السبعين، وقد أدخلها في أضيق من التسعين، فكان لها موتا عاجلا، وكانت له قوتا حاصلا، والحمد لله الذي منّ بهذه النعمة على الإنسان، وفضّله (1) بما سخر له من الحيوان، وفيه أقول:
فانقض مثل الدلو خلاه الرشا ... ليس يشا غير الذي منه يشا (2)
إن طار عنه صيده وإن مشى ... أو غاب عنه في السماء فتّشا
أو غاص عنه (3) الأرض عليه نبشا ... يسفر عن خد صباح أبرشا (4)
طارت بقايا الليل فيه نمشا ... يخاله من قد رآه أرقشا
عاجا بآبنوسه محرشا
وما زلنا في ذلك نتحول عن تلك المنازل، ونتجول في تلك الخمائل، حتّى ثار من حمرها أفراد حران، كأنهن أولاد غزلان، قد جمع الأجل منها ما افترق، وأخرجها من كل نفق، فأخذت في الهرب، وأخذنا في الطلب، إثر كل رواع ينعطف انعطاف البرة، ووثّاب يجتمع اجتماع الكرة، وحاك الغضب إزاره، وصاغ التبر حلوقه وسواره، وحلك بالعنبر متنه، وضمخ بالكافور بطنه، ونضح بعبير، ولفّع بحرير، ينام بعيني ساهر، ويفوت بجناحي طائر، قصير اليدين، طويل الساقين، هاتان في الصعود تنجده، وتانك عند الوثوب تؤيّده، فلما طال به الجري، وظن أنه نجي، ثم أشلينا كلبا حللناه من ساجوره، وخلّيناه إلى مسروره، فمرّ يخفي شخصه غباره، وفي شدقه [شقرته ناره، إن تنكّب ارتقبه طرفه، وإن
__________
(1) ق: قفى.
(2) في النسختين: نشا، ولعل الصواب: يشا مكان يشاء.
(3) لعلها: في، لاستقامة الميزان.
(4) ق: إرشا [وفي الأصل: أو برشا].(2/302)
تغيّب أشخصه] (1) أنفه، من القبّ الطامحة العيون، والهرت اللاحقة البطون، معرق في نجابته، معم مخول في فراهته، يسمع منك إيماء، ويفهم عنك إيحاء، يمشي فلا يمس الأرض بأربعه، ويجري فلا يسبقه الريح إلى منزعه، معترض كالسمهري المعرض، وأبلق كالإبريق (2) المفضض، طرز بالكافور على قدته، ورسم بالمسك على لبته:
إذا عدا واشتد في طلابه ... يكاد أن يخرج من إهابه
متقدا كالنار في التهابه ... لا يطعن الصيد بغير نابه
فغشيه كالغيث، وأخذه كالليث، ففقر فقاره بشفاره، وقد قميصه بأظفاره، وتلاحقنا به وقد أكبّ على صيده وقعد، كأنها فريسة بين ساعدي أسد، فروّيناه من دمه، وحللنا بينه وبين أدمه، فتهيّأ لنا من السوانح ما أردناه، وتمكن بالجوارح ما قصدناه، وحمدنا الله تعالى إذ علمنا فعلمناها، وجعلها آلة من آلات الرزق فاستعملناها، ثم أظلّنا ليل كظهر الفيل التف جنحه بإهابه، وافتر فجره عن نابه، فكأنّ بدره ينبس عن صبحه بمصباح ومر يحدوه النسر، إلى أن لفّ الرّبا في ملاءة الفجر، فنمنا نومة النصب، وهدأنا هدأة الوصب، فما صحت العين من رقادها، إلا لتغريد الطير في أعوادها، وذكاء قد أذكت نفسها علينا، وسفرت فكشفت عن صفحتها الينا:
بتنا وبات البرد يضربه الندى ... من كل أخضر بارد الانداء
والليل يخفي نفسه في نفسه ... والصبح كشاف لكل غطاء
[وكأنما الاصباح تنشر مهرقا ... اثر المداد به من الإمساء] (3)
وقرّبت السوابق فجلنا في متونها، واطمأنت الأوابد فخليناها لشؤونها [وعدنا] (4) من تلك النزهة وقد تسلّت النفوس، ورجعنا من تلك الوجهة
__________
(1) سقط ما بين القوسين من الأصل [لم ينبه المحقق إلى المصدر الذي أكمل به النص].
(2) ق: كالآبنونس
(3) الزيادة من (ق).
(4) الكلمة ساقطة من الأصل.(2/303)
ولا عطر بعد عروس. فتفرغت إذ ذاك للجواب، وتذكرت ما أوتيه الحاجب أعزه الله من الحكمة وفصل الخطاب، فسقط في يديّ، واستد دوني باب القول فارتج عليّ، غير أني تخيلت، أبقاه الله، صفاته، فجعلت أكتب ما يحكى، وتأملت مكرماته، فأخذت أنسخ ما يملى:
يقولون هذا أبلغ الناس كلهم ... فقلت المعاني علمتني المعاليا
وما لي في قول تضمّن لفظه ... مناقب قوم غير ما كنت راويا
وعسى الأيام أن تسعف فنلتقي، أو تنصف فنستقي، فلو أمكنني مكان كتابي السير، لاستعرت أجنحة الطير، فوافيت حضرة المجد، أسرع من الطرف، ولاقيت غرة السعد، أطوع من الكف، وقلت:
والشعر يبدي عطفه ويهزّ لي ... سيف القريض ورمحه الدعاسا
من طرّقت عنه صروف زمانه ... سمعا أزل وحية نهاسا
يسري إلى ملك تهلل وجهه ... شمسا وراحته ندى رجّاسا
يرمي مع الاقدار رمي مؤيد ... جعلت لأسهم رأيه أقواسا
قد غادرت عين الزمان وأذنه ... ما تسأم الإيناس والإنحاسا (؟)
وكتيبة مكتوبة بفوارس ... يلقون لا كشفا ولا إنكاسا
فإذا تفهمت الجيوش كتابه ... دانت لمن راض الأمور وساسا
وكأنما النقع المثار دجنة ... تقد الأسنّة منهم أقباسا
وكأنّما غرر الجياد أهلّة ... يقطفن من هفواته أغلاسا
وتخاله سلّ المجرة سيفه ... وتحرّك (1) العيوق فيه لباسا
على أنّي أتمهّد من برّ أمير المؤمنين (2) أعزه الله رق الرئال،
__________
(1) ق: تحول.
(2) يقصد به علي بن حمود، قال ابن عذاري عنه: «نسبه علي بن حمود بن إدريس بن علي بن أبي طالب. لقبه الناصر لدين الله، كنيته أبو الحسن خلافته سنة واحدة وتسعة أشهر وتسعة أيام، بويع له بقرطبة سنة سبع وأربعمائة / وتسمى بأمير المؤمنين / وقتل في سنة ثمان وأربعمائة» البيتان ص 119. انظر أيضا الدائرة ج 2ص 269، وميلز، ملوك الطوائف ص 103.(2/304)
وأحل (1) من إكرامه محل الهلال، قد أينع لي روض المنى، وانتظم زهره، وطاب عن غرس الندى، واجتني حلوه، وفيه أقول أيده الله ونصره:
أيا ناصر الدين لم أنتصر ... بغيرك من زمن ظالم
إذا ما تحرك أسكنته ... كما أسكن الفعل بالجازم
يفيض نداك على المجتدي ... كبحر يفيض على العالم
بمكارم هاشمية، وأفعال علوية:
من القوم الذين سمعت عنهم ... بني الزهراء واختصر المقالا
وفيهم أقول:
أبناء فاطمة رسل العلا رضعوا ... وبالسماح غذوا والجود إذ فطموا
قوم إذا حلف الأقوام أنهم ... خير البرية لم يحنث لهم قسم
سما لهم في سماء المجد من شرف ... بيت تداعت إليه العرب والعجم
مناقب سمحت في كل مكرمة ... كأنما هي في أنف العلا شمم
(2) والفقيه المذكور يؤويني كنف رعايته ويلحفني جناح عنايته، فألوذ بما غمر من فضله، وشمل القريب والبعيد من عدله، وفيه أقول:
فتى واحد في عصره غير أنه ... يقوم لراجيه مقام ألوف
وما هو إلا رحمة الله مدها ... على كل ملهوف وكل ضعيف
وأنفذ في الأحكام آراء فيصل ... لها في قضاياه مضاء سيوف
فقل لليالي عن أياديه أنها ... حصوني التي أعددتها وكهوفي
حكم فعدل، وقال ففعل، وزير وضعت به الحرب أوزارها، ومدير جعلت عليه الخلافة مدارها، فتنزّه عن الكبر والعجب و [وضع] (3) الهناء مواضع النّقب، وفي ذلك أقول:
__________
(1) ق: اجعل
(2) [يظهر ان الكلام بداية رسالة أخرى وليس لها صلة بالرسالة الماضية الموجهة الى أمير المؤمنين علي بن حمود].
(3) الكلمة ساقطة من الأصل [وهي مثبتة في المثل السائر].(2/305)
لما قدر الأقوام هذا أن يرى ... أبدا ولكن ذاك فعل قدير (؟)
يلقاك بسّام بوجه ضاحك ... سار السفير إليه دون (1) سفير
ما يسرت يده الكريمة في الورى ... إلا لوضع يد وجبر كسير
إن جئته يوما لدهرك شاكيا ... أغنته فطنته عن التذكير
خشن الزمان لديّ حتى جئته ... فرفلت من نعماه فوق حرير
والفقيه القاضي وفقه الله، ركني الذي آوي إليه من الزمان، ومجنّي الذي أتقي به طوارق الحدثان، علم العلم الذي دل (2) على الفضل دلالة الخطوط على المهارق، وفقيه العصر الذي حلّ من المجد محلّ النواصي من الخيل في المفارق، وفيه أقول (3):
حسنت بحسون خلافة هاشم ... قاض تخيره الخليفة وانتقى
وأغرّ وضاح الجبين مبارك ... يلقي الحياء قناعه عند اللقا
شرفت به الدنيا وأمسى شخصه ... في المغرب الأقصى فأضحى مشرقا
صلى الجميع وصام شكرا واجبا ... لما تولى أمرهم وتصدّقا
هدي في حكمه إلى أقوم الطرق، وحبي على علمه بحسن الخلق، صنع من حكيم عليم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
يا هادي الضّلّال نهج طريقه
وموفي الإسلام كنه حقوقه
وإمام علم الدين والقمر الذي
كشف العمى بسنا الهدى وشروقه (4)
وأخا القضاء العدل والحكم الذي
سوّاه بين عدوّه وصديقه
__________
(1) ق: كمون سفير.
(2) ق: كل.
(3) في الأصل: يقول؟
(4) ق: بسنا الهنا(2/306)
ووقفت فاستقصيت انك واحد
وجدوا صلاح الكل في توفيقه
(1) وما حرك الحاجب أعزه الله ساكنا، ولا نبه بقصده نائما، وقد طلعت الشمس التي صار بها الغرب شرقا، وهبت الريح التي عاد بها الحرمان رزقا، لواء المجد، فارس العقد، يسير صدر الجيش وهو ربه، ويتقلب فيه وهو قلبه:
بكلّ خميس بعيد المدى ... يضيق بمذهبه المذهب
ثقيل الخطى قاده أدهم ... ولكنّه بالظّبى أشهب
كأنّ الحديد على متنه ... لجين بشمس الضّحى مذهب
مياه ترقرق رجراجها ... وللنقع من فوقها طحلب
يسحّ به للندى حاجب ... إذا جاءه الضيف لا يحجب
تهزّ به الخيل أعطافها ... إذا مر (2) من فوقه الموكب
عفاها السرور به كأسه ... فظلّت على ودّه تشرب
وقالت: أفي الحق لو أنّني ... أرى مثل هذا ولا أطرب
كلما لاح بارق ارتحت إليه، أو ذر شارق سلّمت من البعد عليه، فإذا بدت النجوم توهمت همته، وإن نهجت الغيوم تذكرت موهبته ولا أسمع العربية (3) إلا قلت أنها من كلماته، ولا رأيت النّجيبة إلا تيقنت أنها من فعلاته، ولا أحل الرياض إلا وأحسبها شمائله، ولا أرد البحار إلا وخلتها نوافله، وفي ذلك أقول:
وما شبهوا بالبحر كفّيه في الندى ... ولكنها إحدى أنامله العشر
يدان إذا أوما بها اشتاق ضارب (4) ... وحنّ سنان وانبرى سارب يجري
وأظهرت الأيام نخوة قدره ... تزيد بحسن الذكر كبرا على كبر
أمنت به من كل شر أخافه ... من الدهر حتى نمت في مقلة الدهر
__________
(1) [هذه ايضا رسالة أخرى حسب الظاهر موجهة الى من وصفه بالحاجب، وليس لها علاقة بالتي قبلها الموجهة الى القاضي ابن حسون، وقد اندمجت هذه الرسائل في الأصل ولم يترك بينها النساخ فواصل].
(2) ق: إذ اهتز
(3) ق: الغربية.
(4) ق: صارم.(2/307)
يعزّ الملك، ويذل الشرك، ويرفع أعلام الحق، ويبسط العدل بين الخلق، شنشنة أعرفها من أخزم، ومن أشبه أباه فما ظلم، ولا بد أن يمد لي الأمل كفيه، ويهز لي الجذل عطفيه، فلئن أزهى بنظمه، فإنه من شعره، (1)
ولئن أعتزي بفضله، فإنني متعلق بحبله، ومعترف بأن الدر يغترف من بحره، وغير منكر على أن أحلب من أخلاف دره، فخذني أعزك الله إليك، فقد تطارحت بنفسي عليك، ورغبت في حلول فنائك، وآثرت أن أصير تحت لوائك.
وإذا كان عند قلبك قلبي ... لم يضرنا تنازح الأبدان
وتصفح بعين صفحك نظما ... قد غدا عن محبتي ترجمان
قل لريب الزمان كيف تراني ... شاكيا بعدها وأنت تراني
88* أصبغ بن محمد القرطبي *
له في معذر:
بارك الله في سواد الخدود ... إنه سؤدد لكل عميد
لم تجد بالوصال إذ كنت حيا ... يا قتيل العذار جد بالصدود
لو إلينا يكون دفنك حيا ... لدفنّاك في قبور اليهود
89* أبو عامر محمّد بن الأصيلي *
له من رسالة كتب بها إلى ذي الوزارتين أبي محمد بن أبي الفرج (2)
يعرفه مالقيه من رؤساء أهل جزيرة شقر ويذمهم:
كتبت إليك أوان الخروج ... حزينا مهينا إلى دانيه
أسائل ربي أن لا أعود ... إلى أرضكم مرة ثانيه
__________
(1) ق: فانه بشعره.
(2) لم نعثر على ترجمة له.(2/308)
(حللت الجزيرة سحقا لها ... كأنّي حللت بسردانيه) (1)
منعت الدخول إلى أهلها ... فدرت كما دارت السانيه
وبتّ ثلاثا بها طاويا ... قراي همومي وأحزانيه
فقل لابن ذي النون ما باله ... يولّي الحصون بني الزانيه
وإنّ فعال بني آدم ... لتبقى وأشخاصهم فانيه
فارقتك، لا فارقتك السلامة، ولا تخطت إليك الملامة، وحالي على ما أحطت به خبرا، وبلوته سرا وجهرا، من إخفاق سعي، واستيلاء عري (2)، إذ كان الذي وصل إليّ، وحصل في يدي، بكريم عنايتك، وجميل سعايتك يسيرا أنفقت عليه كثيرا، و [قليلا] (3)، أقمت عليه طويلا، فلم أسدد به خللا، ولا استجلبت به جذلا، بل كلما سترت جانبا انكشفت جوانب، وكلما قضيت مأربة عرضت مآرب، لكنني شددت عليه [يد] (4) البخيل، وأعددته لمؤونة الرحيل، وخرجت على بلنسية جبرها الله، راكب حمار، ولابس أطمار، كأنّني سلبت في الطريق، أو أفقيت مرحلة الذريق، (5)
إلى أن وافيت الجزيرة، وآمالي بها كثيرة، ونزلت منها على مقدار شأوي وقدمت كتابك إلى الوزيرين الجليلين أبي جابر وابن طريف (6)، أكرم الله بهما أعواد الكنيف، وكان من برهما أني نزلت خلف السور، أخزى نزول.
حتى إذا رمت دخولا أبت ... نفس أبي الحجاج لي بالدخول
راسلته مستنزلا راغبا ... فكاد أن يقطع رأس الرسول
__________
(1) سقط هذا البيت من ق.
(2) في ق: من اخفى سعى واسئلا؟
(3) الكلمة ساقطة من الأصل [وهي موجودة في (ت)].
(4) [الزيادة من (ت)].
(5) كذا في ق، وفي الأصل: نخلة لذريق.
(6) لم نعثر على ترجمة لهما.(2/309)
أكرم به من قائد ماجد ... يصلح للحرث ورعي العجول
لابدّ لي إن عشت والله أن ... أخرى على لحيته أو أبول
فجعلت عند ذلك أعض أنامل المغبون، وأقول لله در ابن ذي النّون (1)، فلقد تخير للمعاقل، كل جواد عاقل، وأكثر ما ظهر حسن [الاختيار] (2) في البيرشة والمنار (3)، وكم سواهما من حصن حصين، فوض أمره إلى غير أمين، فجاء من ذلك ما قد ظهر، وتولد منه ما قد عرف واشتهر، والله لقد جبت البلاد، وبلوت العباد، فلا شك عندي ولا مرية، أن أرذل الناس أهل شنت برية، الأوغاد الحثالة، معادن الخساسة والنّذالة، اخلاق اللوم، وروايح الثوم، (أحلام) (4) البغال، وأقفاء النّعال، قوم شغلتهم الوراعة والطماعة، عن التحلي بالجود والشجاعة، ناموا عن المكارم، وتجنبوا أخلاق الأكارم، شرق الشرق بدهمائهم، وفسد بآرائهم، فليس لحمد إليهم سبيل، ولا لمجد عليهم (5) دليل، لا أستثني منهم في كل الأمور إلا أنت، والفاضل أبا مخفور (6) فكلاكما شريف جواد، هاد إلى سبيل الرشاد، إن رأى زللا غضى، أو همّ بمكرمة أمضى، لا يتعرض للسباب، ولا يقف قصاده بالباب:
فأقسم بالبيت الذي طاف حوله ... رجال [كرام] من قريش وجرهم
يمينا لنعم السّيدان وجدتما (7) ... على كل حال من مخيل ومبرم
فأما الوزير أبو الحجاج، فقد تقعدد في مرتبة الحجّاج، لا ينقصه من (الخلافة إلا التاج، يختال اختيال ذي رعين، ويتوهم أنه) (8) ولي الحرمين،
__________
(1) [في الأصل: ابن أبي أيوب، وما أثبتناه من (ت)].
(2) [في الأصل: حسن الاحسان، ولا معنى له، وما أثبتناه بطابق السياق والسجعة].
(3) ق: انبيوسة والمنا. ولعل الصواب: البيرة.
(4) الكلمة ساقطة من ق.
(5) [في الأصل: عنهم، وما أثبتناه من (ت)].
(6) غير معروف.
(7) [في الأصل: وبذلك، والاصلاح من (ت)].
(8) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].(2/310)
بذلك (1) إذ يحترم، ولا يكلّم إلا حين يبتسم، وذاك شأن اللئيم إذا أكرم، وعادة المتأخر إذا قدّم، ولطالما عشش الفار في سرجه، وتخالفت الرقاع في خرجه، فواحدة من بدنه سليخة، وأخرى من جلده بطيخة. والوزير أبو المظفر (2)، إذا لبس الفرو الأحمر، وتبرج في مشيته وتبختر، قد أسبل أكمامه، ورتب حشمه أمامه، قابضين على العصي والسّكاكين، لا بسين السلاهم والبرانس، لا يكلم الناس إلّا إيماء، ولا يسلم عليهم نخوة وازدهاء:
مغائظ ليس لها حيلة ... إلا انتظار الحين والوقت
قل لابن ذي النون الرئيس الذي ... ليس له شيء من البخت
يا مالكا يجعل قواده ... قوما غدوا عليه باللفت (3)
جاءوا إلى الشرق جياعا فما ... يشبعهم (4) شيء من السّحت
من كل حرّاث له لحية ... تدهن بالشحم وبالزيت
إن صار في حصن رأى أنه ... قد أدخل العالم في تخت (5)
يحسد فرعون على قوله: ... «وهذه الأنهار من تحتي»
لا جبر الله بني جابر ... وزادهم مقتا إلى مقت
وابن طريف لارنا طرفه ... في جسمه إلا إلى برت (6)
إن تأته في حاجة يعتذر ... عذر يهود غدوة السبت
ما هذه الأشباح تبّا لها ... قد ملئت بالسفه البحت
هيهات لا حر ولا حرّة ... في باب إقليش إلى البونت (7)
__________
(1) [في (ت) سحيد].
(2) [في الأصل: أبو المطرف، وما أثبتناه من (ت)].
(3) في الأصل: قوما غدوا عليه بالسلت واللفت. وفي ق: قوما غدوا عليه بالسلق واللفت.
فالكلمة زائدة.
(4) [من (ت) وفي الأصل: يشبعكم].
(5) في الأصل: لحت، فرجحنا رواية نسخة ق.
(6) كذا في الأصل وفي ق: بيت [وفي (ت): تبت].
(7) في الأصل: الربت وفي ق: إلى البوت.(2/311)
طالعتك أعزك الله بما نلته من المضرة، ولقيته من عدم المسرة (1)، لتعلم ما به دهيت (2)، وعن أي قوس دناءة رميت، ولتدري أن كتابك لم ينفع، وأن خطابك لم ينجع، وأن الكلبين لم يكفهما أن منعاني لقاهما، حتى حجباني عن سواهما:
وإن امرأ ضنّت يداه على امرىء ... بنيل يد من ماله لبخيل
أسأل الله أن يكفلنا برزقه، ولا يحوجنا إلى أحد من خلقه، وأن يجعل سعيك مشكورا، وفضلك مأثورا، وأن يبقي عليك وارف نعمه، وجزيل كرمه، والسلام.
90* أبو الفتح الوزير *
وصفه في الأدب بالغزارة، وفي النظم والنثر بالمهارة، أورد له من رسالة إلى المقتدر في ذم قوم: «استبدلوا بالخير شرا، واعتاضوا من العرف نكرا، واختاروا بالعلم جهلا، وآثروا على الحياة قتلا، ولم تزل تعاملهم بطول التؤدة، وتفسح لهم في مجال التوبة، وتتوكف بهم غفران الحوبة، وتبسط لهم وفيهم بالغ المقدرة، وتترفق بهم ترفق من لا يزال سيبه يسبق سيفه، ورجاؤه يغلب خوفه، ورحمته تفثأ (3) عذابه، وأناته تدرأ عقابه، حتى جرّهم السفه، واستولى عليهم العمه. وسول لهم الشيطان، واستدرجهم وأوبقهم العصيان، وأزعجهم فبذروا الوقائع حتّمها عليهم خلع الطاعة وإلى مصارع حكم بهم فيها فراق الجماعة.
ومنها:
فما كان بين مناهم وتمنّيهم إلا ريثما اشتملت عليهم الحرب، واستوعبهم الطعن والضرب، وتحكمت فيهم الرماح والسيوف، وتراءت
__________
(1) [في (ت): من صد المبرة].
(2) ق: دعيت [وكذلك (ت)].
(3) [في الأصل: كلمة غير واضحة، وما أثبتناه من (ت)].(2/312)
لهم في أقبح صورها الحتوف، وكذلك (أخذ) (1) ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، فالحمد لله معطي الحق أهله، ومؤتي كل ذي فضل فضله، الذي ينصر من اتقاه، ويخذل من عصاه، ولا أعدم الله مولاي برها [نا] (2) يبهر، وسلطانا يقهر، وحقا يظهر، وذكرا يخلد، وفتحا يغور وينجد.
91* أبو عمرو الباجيّ (3) *
ذكر أنه كان من الأيمة الفقهاء، والكتاب البلغاء، وله التصانيف الحسنة الشرعية، والمؤلفات المرضية المرعية، وأورد له من رسالة عن المقتدر، إلى الوزير أبي الفتح في قبول العذر:
ورد كتابك الأثيل، واجتليت ما حواه من القول الجميل، المشتمل على العذر المقبول، وتأملت جميعه تأمل العارف بقدرك، الحامل لبرك، المطيب لذكرك، ومثلك يقرب إذا تعرب، ويعتب إذا استعتب، ويمنح صدق المودة إذا (تودد) (4) وتحبب، وما سلف محمول على ما أوضحته، موضوع حيث وضعته، منسيّ لا يذكر، مدفون لا ينشر، منسوخ العين والأتر بالميل إليك، والحرص عليك، والظن بك، والإيثار لك، والرغبة فيك، والاستكثار منك، وبحسن هذا ينبغي أن يستحكم بجانبي ثقتك، وتصح إليه استنامتك.
92* ابن الجودي *
وصفه بصفاء جوهر الكلام، وطيب عنصر القول، وتفرده بالاستعارة الرقيقة، والإشارة الدقيقة، والعبارة اللطيفة الرشيقة، وأورد من شعره قوله:
__________
(1) الكلمة ساقطة من ق.
(2) في الأصل: برها [والزيادة من (ت)].
(3) ترجم له العماد مرة أخرى في هذا الكتاب. انظر فهرست التراجم.
(4) الكلمة ساقطة من ق.(2/313)
أدر كأس المدام فقد تغنّى ... بفرع الأيك أورقها الصدوح
ونمّ على الرياض نسيم صبح ... تضوع (1) نشره مسك يفوح
وسال النهر يشكو من حصاه ... جراحات كما أنّ الجريح
(2) (وقوله):
رعى الله ذي الدّنيا لقاء وموقفا ... تأتّى اتفاقا لا لوعد ولا عهد
بميثاء تعلوها الرياح بليلة ... وتنظر فيها الشمس بالأعين الرمد
على صخب لمّاع متن كأنّه ... سنا البرق أو سل الحسام من الغمد
وقوله في تسهيل الحجاب:
هو الحرّ يهوى النّدى والعلى ... ويرعى عوارف أربابها
فهل لي لبابك من آذن ... فآتي حقوقك من بابها
وإلا طويت عروض البلا ... د طيّ البحار بأثوابها
وطوّفت أشكر نعمى مضت ... وأرجو اللحاق بغيّابها
وقوله:
عساك تغضّ الطرف والنقد أنها ... هنات، وما بقيا الهنات على النقد
تجاوز لها واحقد على باعث لها ... فإن الهوى والدهر أهلان للحقد
وقال:
هل يقدر الدهر والدنيا وعائدها ... والارحبيات والمهرية القود
أن تدنو الدار لي في فتية سمح (3) ... يندى ويخضر في أرجائها العود
أفديهم طوقوا النعمى مؤملها ... طوق الحمامة لا يشقى به الجيد
من كل أروع مثل السيف منصلت ... تنضى له النجب أو تطوى له البيد
__________
(1) في ق: يضوع
(2) [من هنا إلى قوله: في الدهر مفقود، ساقط من (ت)].
(3) في ق: فئة سمح؟(2/314)
نعم الأحاديث إن حلوا وإن رحلوا ... كالماء والروض مورود ومودود
أبناء زهرة لم يفهم مواضعها ... إلا العلاء وإلا السرو والجود
كالأنجم الزهر لا مرقاتها لمدى ... ولا تلألؤها في الدهر مفقود)
وددتهم للعلى، والقوم ودهم ... رغبى ورهبى ومأمول ومقصود
لولا القضاء، وإن المرء تغلبه ... أحكامه الغر أو أحكامه السود
لقد رجعت على نفسي بلائمة ... ولومها عذل منى وتفنيد
أشكوك يا دهر، قد مل السرى فرسي ... وغال مهري تحديد وتصعيد
عاودني الخفض ليس المرء في خلد ... ولا فؤاد الفتى في الصدر جلمود
أفي ذمام العلى إني لها وبها ... وإنّ حظي مطلوب ومنشود
لا بأس، جد الفتى من جد منجده ... إن الذي يعلق المجدود مجدود
93* أبو محمّد عبد الله ابن سارّة الإشبيلي *
(توفي بعد سنة خمسمائة رحمه الله) (1) ذكره بالعراق الفقيه أبو علي الحسن بن صالح المالقي (2) وقد قدم وأنشدني لابن سارة في الوراقة (3):
أما الوراقة فهي أنكد (4) حرفة ... أغصانها (5) وثمارها الحرمان
شبهت صاحبها بإبرة خائط (6) ... تكسو العراة وجسمها عريان
ثم طالعت بالشام حديقة أبي الصلت فوجدته قد أورد من شعره البيتين وأورد أيضا قوله (7):
__________
(1) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(2) لم نعثر على ترجمة له، وقد روى العماد عنه أشعارا وتراجم كثيرة خاصة في الجزء الحادي عشر من الخريدة [انظر مثلا ص 5و 53من هذا الجزء].
(3) انظر هذين البيتين في الذخيرة، القسم الثاني ورقة 259، والقلا ص 299، والمسالك ج 11 ورقة 134، والبغية للسيوطي ص 288، وابن خلكان ج 2ص 279، والشذرات ج 4 ص 55.
(4) في ق والذخيرة وابن خلكان والشذرات: ايكة.
(5) المسالك وابن خلكان والشذرات [والذخيرة] أوراقها
(6) الذخيرة والمسالك وابن خلكان والشذرات: بصاحب ابرة.
(7) ورد البيتان في المسالك والرايات ص 35.(2/315)
أسنى ليالي الدهر عندي ليلة ... لم أخل فيها الكأس من أعمال
فرّقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال
وقوله (1):
ومهفهف (2) رقّت حواشي حسنه ... فقلوبنا شفقا (3) عليه رقاق
لم يكس (4) عارضه السواد وإنما ... نفضت عليه صبغها (5) الأحداق
وقوله (6):
أبدى سوالف رئم زانها العطل ... واستل صارم لحظ هابه البطل
وافتر عن رتل ألمى فعلّمني ... ترتيل وصفي فيه ذلك الرتل
وما جريت قصار السبق مرتجلا ... في الشعر حتى بدا لي شعره الرجل
وقوله وقد جلس إلى جنبه غلام حسن الصورة، ثم قام وأعقبه رجل أسود (7):
مضت جنة المأوى وجاءت جهنّم ... فأصبحت أشقى (8) بعدما كنت أنعم
وما هي إلا الشمس حان غروبها ... فأعقبها جنح (9) من الليل مظلم
وقوله في فروة خليعة (10):
أودى بذات يدي ذماء فرية (11)
كفؤاد عروة في الضنا والرقة
__________
(1) البيتان في الذخيرة والمسالك والرايات والقلا.
(2) جميع المراجع: ومعذر
(3) جميع المراجع: وجدا.
(4) الرايات: لم يغش
(5) الرايات: سوادها، والقلا: صباغها
(6) [هذه القطعة غير موجودة في (ت)].
(7) البيتان في القلا.
(8) القلا: فها أنا أشقى
(9) القلا: قطع
(10) انظر الأبيات في القلا والنفح ج 2ص 296ومعجم السلفي (الملخص المطبوع) ص 15، والبيت الأول والرابع في المسالك.
(11) كذا في الأصل وق: وفي جميع المراجع: أوردت بذات يدي فرية أرنب.(2/316)
يتجشم الفراء في ترقيعها
طول المشقة في قريب الشقة (1)
[لو أنّ ما أنفقت في ترقيعها]
يحصى لزاد على رمال الرقة] (2)
إن قلت (3) باسم الله عند لباسها (4)
قرأت عليّ «إذا السماء انشقّت»
وذكره الفتح صاحب قلائد العقيان وقال (5):
نادره الدهر، وزهرة الأيام، المثبت في الأعناق من ذمه أو مدحه مياسم كأطواق الحمام، وتراه دميث الهيئة وقورها، طيب النفس صبورها، حتى إذا حرشت ضبابه، ونوزع السبق فانبرى غلابه، طبع من سانح طبعه منصلا، وطبق من ضريبته مفصلا، وأورد من شعره قوله في وصف روض (6):
أمّا الرياض فإنّهنّ عرائس ... لم يحتجبن حذار عين الكالي
جاد الربيع لها بنقد مهورها ... دفعا ولم يبخل بوزن (7) الكالي
تثني الصبا منها أكف زبرجد ... منظومة أطرافها (8) بلآلي
__________
(1) في معجم السلفي: فترى مرقعها يقاسي دهره ... بعد المشقة في قريب الشقة.
(2) لم يرد هذا البيت في الأصل ولا في ق وهو في جميع المراجع.
(3) [في الأصل: إن أقر، وما أثبتناه من (ت)].
(4) معجم السلفي: بين رقاعها.
(5) لم يرد ما بين «نادرة الدهر» و «قوله في وصف روض» في نسخ القلا، ووردت الأبيات الثلاثة التالية في نسخة القلائد الخطية فقط وقد نقل ابن سعيد عن الفتح ما بين «نادرة الدهر» و «الحمام» في المغرب ج 1ص 419.
(6) انظر الأبيات في القلا بنسخة باريس ورقة 202 (رقم 3318) والمسالك.
(7) في المسالك: وزنا ولم يبخل بنقد السكالي.
(8) في القلا (خطية): أطواقها(2/317)
وقوله في وصف نار (1):
لابنة الزند في الكوانين جمر ... كالدّراريّ في دجى (2) الظلماء
خبروني عنها ولا تكذبوني ... ألديها صناعة الكيمياء
سبكت فحمها صفائح (3) تبر ... رصعتها بالفضة البيضاء
كلما رفرف (4) النسيم عليها ... رقصت في غلالة حمراء
(ولابن سنان الخفاجي (5)):
وكأنها والريح عابثة بها ... تزهى فترقص في قميص أحمر
وأصله قول أبي تمام (6):
كأن نيراننا في رأس قلعتهم ... مصبغات على ارسان قصار
عاد إلى شعر ابن سارة) (7):
لو ترانا من حولها قلت شرب ... يتعاطون أكؤس الصهباء
وهذا البيت مقلوب قول أبي نواس (8):
لو ترى الشرب حولها من بعيد ... قلت قوم من قرة يصطلونا
__________
(1) الأبيات في القلا والمسالك والرايات والمغرب ج 1ص 419، والنفح ج 2ص 299، وقد ترجمها الأستاذ بيريس بالفرنسية في «الشعر الأندلسي» ص 232.
(2) النفح: في الليلة الظلماء.
(3) في النفح والمسالك والمغرب: سبائك
(4) في النفح والريات والمسالك والمغرب: ولول النسيم.
(5) هو عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي (466422) مؤلف سر الفصاحة، أنظر ترجمته في الفوات ج 1ص 489وبروكلمن، الذيل الأول ص 454، والحياة الأدبية في العصر العباسي للخفاجي ص 282وكحالة ج 6ص 120. ولم نعثر على هذا البيت في مراجعنا.
(6) لم يرد هذا البيت في ديوان أبي تمام (طبع عزام).
(7) ما بين القوسين ساقط من ق [ومن قوله: عاد إلى شعر ابن سارة، إلى المقطوعة التي أولها:
باتت لنا النار ساقط من (ت) والبيتان الآتيان من همزية ابن سارة ذكرا في (ت) متصلين بالقصيدة].
(8) انظر البيت في ديوانه طبع القاهرة 1953ص 30.(2/318)
عاد إلى شعر ابن سارة:
سفرت في عشائها (1) فأرتنا ... حاجب الشمس طالعا بالعشاء (2)
وقوله فيها أيضا (3):
جاءتك في تنّورها المسجور ... زهراء في حلل من الديجور
لما تهلل في الظلام جبينها ... (لبس الظلام بها غلالة نور
يا حسنها وقد ارتمت جنباتها) (4) ... شررا كمثل العسجد المنثور
والجمر في خلل الرماد كأنه ... ورد عليه ذريرة الكافور
في ليلة خلنا دجاها اثمدا ... ونجومها مرضى عيون الحور
وقوله فيها أيضا (5):
قد شابت النار بكانوننا (6) ... لما تناهى عمرها واكتهل
كأنها لما خبا جمرها ... مطيب الورد إذا ما ذبل
وقوله فيها أيضا (7):
باتت لنا النار درياقا وقد جعلت ... عقارب البرد تحت الليل تلسعنا
زهراء قدّت لنا من دفئها لحفا ... لم يعلم البرد فيها أين موضعنا
لها حريق بكانون نطيف به ... كمثل جام رحيق فيه مكرعنا
تبيحنا قربها حينا وتبعدنا ... كالأم تفطمنا حينا وترضعنا
__________
(1) النفح: عشائنا
(2) سقط هذا البيت من ق.
(3) الأبيات في القلا والمسالك.
(4) سقط ما بين القوسين من ق.
(5) أنظرهما في القلا والمسالك والمغرب.
(6) المغرب: تنورها.
(7) الأبيات في القلا وقد ترجمها بيريس في الشعر الأندلسي ص 233.(2/319)
وقوله في وصف النارنج (1):
يا رب نارنجة يلهو النديم بها ... كأنها كرة من أحمر الذهب
أو جذوة حملتها كف قابسها ... لكنها جذوة معدومة اللهب
وقوله في وصف النارنج أيضا (2):
أجمر على الأغصان زادت (3) غضارة
به أم خدود أبرزتها الهوادج
وقضب تثنّت أم قدود نواعم
أعالج من وجدي بها ما أعالج
أرى شجر النارنج أبدت لنا جنى
كقطر دموع ضرجتها اللواعج
جوامد لو ذابت لكانت مدامة
تصوغ الثرى (4) منها الأكف الموازج (5)
كرات عقيق في غصون زبرجد
بكف نسيم الريح منها صوالج
نقلبها طورا وطورا نشمها
فهنّ خدود بيننا ونوافج
نهى صبوتي أن لا تصيخ إلى النهى
عروس من الدنيا عليها دمالج
__________
(1) البيتان في القلا والمسالك وترجمتهما في الشعر الأندلسي ص 193.
(2) انظرهما في القلا، والأبيات الستة الأولى في الذخيرة، ومن البيت الرابع إلى آخرها في المسالك والخامس والسادس في النفح ج 2ص 281 [والقطعة مفقودة من (ت)].
(3) في القلا: أبدى، والمغرب: دارت.
(4) القلا والذخيرة: البرى
(5) القلا: النوازج.(2/320)
وقوله يصف نجما في السماء انقض (ونزل) (1) فرآه مستطيل ضياء (2):
وكوكب أبصر العفريت مسترقا ... للسمع فانقضّ يذكي (3) اثره لهبه
كفارس حل إحضار عمامته (4) ... فجرها كلها من خلفه عذبه
وقوله في غلام أزرق (5):
ومهفهف أبصرت في أطواقه ... قمرا بآفاق المحاسن يشرق
تقضي على المهجات منه صعدة ... متألق فيها سنان أزرق
وقوله في الزهد (6):
يا من يصيخ إلى داعي السّفاه وقد
نادى بك الناعيان: (7) الشيب والكبر
إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى (8)
في رأسك الواعيان: السمع والبصر
ليس الاصم ولا الأعمى سوى رجل
لم يهده الهاديان: العين والأثر
لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك ال
أعلى ولا النيران: الشمس والقمر
ليرحلنّ عن الدنيا وإن كرهت (9)
فراقها الثاويان: البدو والحضر
__________
(1) سقطت الكلمة من ق وفي القلا: جرى فرآه [وفي (ت): وترك وراءه].
(2) هما في القلا والنفح 1ص 809وترجمتهما في الشعر الأندلسي ص 321.
(3) النفح: يوفي خلفه
(4) النفح: اعصار
(5) البيتان في القلا والذخيرة والمسالك. [وهما ساقطان من (ت)].
(6) الأبيات في القلا والنفح ج 2ص 655 [ومن هنا إلى قوله: يا من عزائمه، الأبيات، ساقط من (ت)].
(7) في ق: الداعيان
(8) القلا: فيم ثوى، النفح: ففيم ثوى.
(9) القلا: كرها(2/321)
وقوله من كلمة (1):
تنمّر الدهر حتّى ما فرقت له ... من قسوريّ الدجى في فروة النمر
لابد أن يقع المطلوب في شركي ... ولو بنى داره في دارة القمر
قاضي الجماعة في دار الإمارة لي ... قاض على الدهر إن لم يقض لي وطري
لولا ضلوع تواري نار فطرته (2) ... لأحرقت وجنات الشمس بالشرر
ومن قصائده في المدح، قوله من قصيدة في مدح قاضي القضاة أبي أمية ابن عصام (3):
قدّمت بين يدي مديحك هذه ... والوبل يبدو أولا برذاذه
[والسهم يبدو في ترنّم قوسه ... مقدار غلوته وكنه نفاذه] (4)
والطرف يعلم عتقه من طرفه ... قبل احتماء الخصر في أفخاذه
وكذا المهند يستبان مضاؤه ... في صفحتيه ولم يقع بجذاذه
كم ذا يعذبني الرجاء ولا أرى ... للحظ إقبالا على إغذاذه
الذكر منك على لسان مودتي ... أحلى من البرنيّ أو آزاذه
في قلب ليل قطعته عزائمي ... فبكت فراقده على أفلاذه
أو في رداء ضحى تراه معصفرا ... عند الأصيل بحمرة من حاذه (5)
وسراب كل ظهيرة مترقرق ... يختال عطفي في ملاءة لاذه
والركب من كأس الكرى مترنح ... كالشرب في المأخور من كلواذه
والشمس في كف الهواء سجنجل ... يتوقد الهنديّ من فولاذه
إن قابلت مرآة رأيك أبصرت ... منها شبيها في يدي إنفاذه
لو أن عدلك يحتذيه زماننا ... لم يلقنا بالجور في استحواذه
__________
(1) انظر الأبيات في القلا.
(2) في ق والقلا: فطنته
(3) انظر ترجمته في هذا الكتاب (فهرست التراجم). والقصيدة في القلا.
(4) زدنا هذا البيت من القلا.
(5) القلا: من ذاذه، والقلا الخطية: جاذه.(2/322)
ولكان بالاسعاف يلقى ناظري ... فيطوف منك بركنه وملاذه
أصبحت فيلا (1) في مخالب ثعلب ... من مطلبي في روعه ولواذه
أستاذه الدهر (2) الخبيث وللفتى ... شيم تلوح عليه من أستاذه
للنّاس عيش درّت الدنيا لهم ... من دوننا بنعيمه وبزاذه (3)
أخذوه موفورا كما شاؤوا ولم ... يؤذن لنا، فنكون من أخّاذه
حضروا وغبنا شذذا ولربما ... حرم الغنى من كان من شذاذه
وأراهم هذّوا وأبطأنا وقد ... يدنو بعيد الخطو من هذّاذه
ليست تود أخا اقتصاد عيلة ... مستظهرا فيها بخفة حاذه
فذّا إذا زحف الزمان بجمعه ... رفض الجميع وحل في أفذاذه
والمرء قد يجني الرضا من سخطه ... كالليث يفرس وهو في إسفاذه
وقذ الزمان جوانحي ووقذته ... فانظر إلى موقوذه ووقاذه
إن صدّ عن رمحي بثغرة نحره ... فسنان عمري واقع في كاذه
لما ذكرتك لاذ بين صروفه ... يبغي النجاة ولات حين لياذه
إني منيت من الزمان بصاحب ... قاسي الفؤاد خبيثه لوّاذه
وافيت مرسية فوافى قائلا ... بتصلف ما شاء ليست هذه
فمتى أصول عليه بابن عصامها ... سباق ميدان العلى بذّاذه
ومتى أرى سعيي بدهري هازلا ... وعلاه منه يجدّ في استنقاذه
ياويح قلبي كم يضيق وكلّه ... يسع الفجاج الفيح في إنقاذه
زادت عوائق دهره في برجه ... إذ حان منها عوذه بمعاذه
قاض يقابلنا حبى أبراده (4) ... بأبي هريرة في التّقى ومعاذه
ظمئت إلى ماء الفرات جوانحي ... وأنا مقيم في ذرى بغداذه
__________
(1) القلا: ليثا
(2) القلا: أستاذه الزمن
(3) ق والقلا: راذه.
(4) القلا (الخطية): أوراده.(2/323)
ناديت بدر التم إن شئت السرى (1) ... في غير نقص فالقه أو حاذه
فلألقينّ به الزمان وأهله ... في تيه قيصره وزهو قباذه
وله يمدحه (2):
يا من عزائمه أمضى إذا انتضيت ... من الحوادث (3) إذ يسطوبها القدر
ومن إذا ما بدا في أفق طرته (4) ... جبينه المسفر استخذى له القمر
عين الرجاء إلى علياك شاخصة ... في حاجة أنت فيها السمع والبصر
ومنها (5):
في حبوتيه إذا استقبلته ملك ... مقدّس الروح إلا أنه بشر
أضفى على الدين أبراد الشباب فقل ... صدّيقه البر أو فاروقه عمر
من ادعى الشرك في أكرومة معه ... فاغلظ عليه وقل للعاهر الحجر
وقل له ما ترى في روضة أنف ... وافت ليسقيها من جودك المطر
وقال يمدحه (6):
هاكها كالجنوب تزجي القطارا ... صافح الورد نفحها والعرارا
في جبين من حالك الحبر تبدي ... لك ليلا من طرسه ونهارا
رقّ ديباجه فكان زلالا ... حيث دارت به النواسم دارا
تتلألا من المعاني شموس ... فوق صفحيه تخطف الأبصارا
خجل الصبح من شكاتي فأبدى (7) ... سوسن الخد منه لي جلّنارا
ورآني بلا عقار فكادت ... صفحة منه تستهلّ عقارا
ورآني الصباح أصحب حالا ... ذات عدم فذاب ماء ونارا
__________
(1) القلا: السنا
(2) القلا: يمدح بها ابن عصام. وقد حذف العماد منها بيتين.
(3) في القلا: عن حادث الدهر
(4) [في (ت): مكرمة].
(5) [كلمة: ومنها، ساقطة من (ت)].
(6) [من هنا إلى قوله: وقال يمدح الفقيه القاضي أبا بكر بن العربي ساقط من (ت)].
(7) القلا: فاهدى.(2/324)
عثر الدهر بي وقد جئت حرّا ... زاكي الأصل ينعش الأحرارا
إن تكن عصمة فإن عصاما ... جده لم يزل يقيل العثارا
قاضي الشرق أشرقتني بريقي ... نائبات يطلبن عندي ثارا
لا لذنب إلا لأني أديب ... طاب عود منه فكان نضارا
أجل درا يزف حسنا وإن كا ... نت ضلوعي تهفو عليه حرارا
حاش لي (1) أن أزفها ثيبات ... عنّسا بل كواعبا أبكارا
لفحت أضلعي بها فاستهلت ... بين كفيك تنشد الأشعارا
طلعت في أهلة من ضلوع ... لي تجلو بناتها (2) أقمارا
أرضعتها در البلاغة منها ... أمهات لم تحتلب أظآرا
وأرتك الرياض منها كمام ... جادها النّيل وابلا مدرارا
ما على بابل لو استقبلتها ... واجتنت من ثمارها الاسحارا
كل خمرية ولم تسق خمرا ... تلبس الحسن والدلال خمارا
تذر السامعين يثنون أعطا ... ف سكارى وما هم بسكارى (3)
لو تغلغلن في مسامع رضوى ... لانثنى راقصا وخلى الوقارا
ليس في فسحة من العذر إلا ... من صبا خالعا إليها العذارا
وبها (4) أجزل المهور فلولا ... أنت ما أدلجت بهن المهارى
أبصرتها النجوم أشرق منها ... فسرت تخبط الظلام حيارى
وقال يمدح الأمير أبا يحي ابن إبراهيم وقد قدم واليا (5):
اليوم أخمدت الضلالة نارها ... فاسترجعت دار الهدى عمارها
واستقبلت حدق الورى غرناطة ... وهي الحديقة فوّفت أزهارها
__________
(1) في الأصل: لله.
(2) في الأصل: تخلو بنا بناتها؟
(3) سقط هذا البيت من ق.
(4) في قلا: ووجهها
(5) أنظر القصيدة في القلا، وقد ترجم بيريس الأبيات الثمانية الأولى منها في «الشعر الأندلسي» ص 147. ومدح ابن سارة بهذه القصيدة الأمير أبا بكر بن ابراهيم اللمتوني في سنة 499
انظر الشعر الأندلسي ص 137.(2/325)
وكأن تشرينا بها نيسان إذ ... يكسو رباها وردها وبهارها
في غبّ سارية ترقرق أدمعا ... يحكي الجمان صغارها وكبارها
ما شئت من نهر كصدر عقيلة ... شقت أناملها عليه صدارها
أو جدول كالنصل في يد ثائر ... أمهى صفيحته وهز غرارها
ما بين أشجار تميد كأنها ... شراب جريال يدير عقارها
مترنحون إذا لحاها عاذل ... تركت سكون حلومها ووقارها
لله أروع من ذوائب حمير ... راع العداة فما تقر قرارها
وافت (1) به أرض الجزيرة عزمة ... خلعت على حب الجمان عذارها
ما هالها بيد تعسفها ولا ... لجج كجنح الليل خاض بحارها
في فتية تسري إلى نصر (2) الهدى ... فتظنهم سدف الدجى أقمارها
خضبوا السواعد وبالرقاق تفاؤلا، ... أن سوف تخضب بالنجيع شفارها
وتلثموا صونا لرقة أوجه ... جعل السماح شعارها ودثارها
المنعمين على العفاة إذا شتوا (3) ... والناقضين على العدى أوتارها
غرسوا الأيادي في ثرى معروفهم ... فجنوا بألسنة الثناء ثمارها
لم لا تراح شريعة التقوى بهم ... وجفونها منهم ترى أنصارها
ضربوا سرادق بأسهم من دونها ... وقد اشرأب الكفر يهدم دارها
فوقوا بخرصان الرماح جنابها ... وحموا بقضبان الصفاح ذمارها
ومسومات شزّب * إن أحضرت ... نفضت على ثوب السماء غبارها
لبسوا الدروع على القلوب فدوخوا ... أرض العدى واستأصلوا أنفارها (4)
شهب إذا أوفت على أفق الوغى ... جعلت أبا يحي الأمير مدارها
متلثم بالصبح فوق أسرة ... تهدي إلى شمس الضحى أنوارها
أورت زناد المسلمين له يد ... بالنجح تقدح مرخها وعفارها
__________
(1) في القلا: رافت
(2) القلا: قصر الهدى.
(3) القلا: إذا وشوا
(4) القلا: كفارها.(2/326)
حاشا لأزند شرعنا من كبوة ... ويد ابن إبراهيم توري نارها
أصفى مواردها، أزاح سقامها ... أحيى خواطرها، (1) أقال عثارها
أوليّ أمّة أحمد أبهجتها ... مذ صرت من جور الحوادث جارها
حلبت لك الأنعام ضرعا حافلا ... فرأت (2) على أفنانها أطيارها
وأرى زناد الرأي منذ قدحتها ... أوريت في مثل النجوم شرارها
فحط الرعية في مريع جنابها ... وارأب ثآها واصطنع أحرارها
وزد الأكابر من بنيها خطة ... واردد كبارا بالحباء صغارها
واقذف نحور المشركين بجحفل ... يمحو معالم أرضها ومنارها
لجب تظن السابقات به أصى (3) ... زرقا ونقع السابحات بحارها
واحلل عرى تلك الجماجم إنها ... عقدت على نقض (4) العدى زنارها
وكأنني بك قد ثللت عروشهم ... وسلبت بيضة ملكه جبارها
وقتلت بين (5) نجادها أنجادها ... وصرعت في أغوارهم أغوارها
لا ترض منهم بالنفوس تحوزها ... سمر القنا حتى تحوز ديارها
وترى بها عيناك ليل ضلالها ... ويد الهدى فيها تشق زرارها
ضمنت سيوفك في الغمود وجردت ... يوم النزال فحدثت أخبارها
لما احتست خمر الهياج نصالها ... أهدت إلى هام الطغاة خمارها
زارتك في قصر الإمارة كاعب ... زانت محاسن جيدها تقصارها
وضعت من الآداب محض لبانها ... وتجنبت ممذوقها وسمارها
تثني الليالي هائمات كلما ... نفثت على اسحارها (6) أسحارها
فأجل جفون رضاك في أعطافها ... كرما وشرّف بالقبول مزارها
__________
(1) القلا: أرخى حرارتها
(2) القلا: وأرت
(3) في الأصل: السابغات بوارضا.
(4) القلا: بغض
(5) القلا: من نجادها
(6) القلا: علي بسحرها.(2/327)
وقال يمدح الفقيه القاضي أبا بكر ابن العربي (1):
أيها البدر لا عداك التمام ... وسقانا من راحتيك الغمام
لح طليقا لنا بصفح جميل (2) ... مثلما رقرق الفرند الحسام
واجل ثغرا نشيم منه الاماني ... بارقا للسماح فيه ابتسام
قد حططنا الرحال في ظل دوح ... أثمر البر فيه والإكرام
ورأينا تواضعا من مهيب ... بمعاليه توّج الاعظام
قاعد والزمان بين يديه ... قائم والصروف والأيام
كلها سامع إليه مطيع ... ينفذ النقض فيه والابرام
من يطع ربه تطعه الليالي ... وتجيه الورى وهم خدام
هو رضوان في سكينة رضوى ... رضي الله عنه والإسلام
يا كتابي، بالله قبل يديه ... بدلا من فمي ففيه احتشام
ثم بيّن له بأن ثوابي ... كان (3) عاما والان قد جاء عام
ولبيد لم يشترط لبكاه (4) ... غير حول مضى وقال سلام
قل له قد أتته منا (5) قوافي ... كالأزاهير شق عنها الكمام
جالبات من المديح إليه ... مسك دارين فض عنه الختام
فأزرنا (6) فرائد المدح بحرا ... يغرق الدر فيه وهو تؤام
والأماني شبائب لم تفارق ... غرة العيش والرجاء غلام
يتغنّى من المديح بلحن ... فهمته منه الأيادي الجسام
رش وطوّق فإنما أنت دوح ... رفّ بالمكرمات وهي حمام
حثنا للرحيل عنك اضطرار ... ولأرواحنا لديك مقام
__________
(1) انظر ترجمته في ص 89. والقصيدة في القلا وترجم منها بيريس الأبيات 10، 11، 12في الشعر الأندلسي ص 84.
(2) القلا: بسيف صقيل.
(3) [في (ت): كل].
(4) [في (ت): نزكاة].
(5) القلا: منك.
(6) القلا: فأرتنا(2/328)
(1) وطالعت كتاب الجنان لابن الزبير (2) فوجدت فيه منسوبا إلى ابن سارة قوله يصف بركة وسلاحفها (3):
لله مسجورة في شكل ناظرة ... من الأزاهير أهداب لها وطف
فيها سلاحف ألهاني تقامسها (4) ... في مائها ولها من عرمض لحف
تنافر الشط إلا حين يحضرها ... برد العشي (5) فتستدني وتنصرف (6)
كأنها حين يبديها تصرفها ... جيش النصارى على أكتافها الحجف
قال الرشيد ابن الزبير: هذا معنى بديع لا يفطن لحسنه إلا من رأى فرسان الفرنج في طوارقها ورؤوسهم [أشبه الأشياء برؤوس] (7) السلاحف لما عليها من البخانق. (وقوله:
ومعذر رقت حواشي حسنه
فقلوبنا حذرا (8) عليه رقاق
لم يكس عارضه السواد وإنما
نفضت (9) عليه صباغها الاحداق) (10)
__________
(1) [هذه القطعة والتعليق بعدها، ساقطان من (ت)].
(2) هو: «القاضي الرشيد أحمد بن علي بن الزبير من أهل اسوان الساكن بمصر، كان ذا علم غزير وفضل كثير» وقد تقدم في عهد طلائع بن رزيك وولي بثغر الاسكندرية في الدواوين السلطانية سنة 559. «وهذا ممدوحه شاور الذي لم ينج من شره، فإن شاور قتله صبرا في سنة اثنين وستين ونسب إليه أنه شارك أسد الدين شيركوه في قصده» الخريدة، قسم شعراء مصر ج 1ص 200. انظر أيضا ياقوت: ج 4ص 51، وابن خلكان طبع فوستينفلند رقم 64وشذرات الذهب ج 4ص 197و 203ولم يصل إلينا نسخة من كتابه جنان الجنان ورياض الاذهان الذي جعله ذيلا ليتيمة الدهر، وقد نقل العماد كثيرا عنه في الخريدة قسم شعراء مصر والمغرب والأندلس، وهو أيضا من منابع ابن سعيد في المغرب.
(3) القطعة في المسالك والقلا وترجمتها الفرنسية في «الشعر الأندلسي» ص 203.
(4) القلا: تقامص.
(5) القلا: برد الشتاء
(6) المسالك: فيستدن وينصرف.
(7) [هذه الجملة موجودة في الأصل ولم يذكرها المحقق].
(8) [في الذخيرة: وجدا].
(9) [في الذخيرة: نثرت].
(10) سقط ما بين القوسين من ق.(2/329)
وقوله يرثي امرأة (1):
تفطرت كبد العليا للؤلؤة ... لم تودع الترب إلا من كرامتها
نوارة ملأت أفق التقى أرجا ... وردها الزهر صونا في كمامتها
وقوله:
ولما رأيت الغرب قد غصّ بالدجى ... وفي الشرق من ضوء الصباح دلائل
توهمت أن الغرب بحر أخوضه ... وأن الذي يبدو من الشرق ساحل
وقوله يمدح (2):
متى تلتقي (3) عيناي بدر مكارم ... تود الثريا أنها من مواطئه
ولما أهل المدلجون بذكره ... وفاح تراب البيد (4) مسكا لواطئه
عرفنا بحسن الذكر حسن صنيعه ... كما عرف الوادي بخضرة شاطئه
أيا من محل النجم في جنباته ... منيف مدى الأيام ليس بلاطئه
عليك بأغراض ودع ما وراءها ... فما صائبات النبل مثل خواطئه
وقوله في فقهاء الأندلس:
يا ذئابا بدت لنا ... في ثياب ملونه
أحلالا رأيتم ... أكلنا في المدونه
وقوله (5):
ومهفهف يختال في أبراده
مرح القضيب (6) اللدن تحت البارح (7)
__________
(1) ورد البيتان في المسالك [وهما ساقطان من (ت)].
(2) القطعة في القلا والأبيات الثلاثة الأولى منها. في النفح ج 2ص 639 [وهي ساقطة من (ت)].
(3) القلا: تجتلي.
(4) القلا: وفاح نسيم الترب
(5) الأبيات في القلا والذخيرة والمسالك وترجمتها في الشعر الأندلسي ص 310. [وهي ساقطة من (ت)].
(6) القلا: مرح الغصن؟
(7) القلا: المارح.(2/330)
أبصرت (1) في مرآة فكري خده
فحكيت فعل جفونه بجوارحي (2)
لا غرو ان جرح التوهم خدّه
فالسحر يفعل في البعيد النازح
وقوله يصف سيفا (3):
وصقيل مدارج النمل فيه (4) ... وهو مذ كان ما درجن عليه
أخلص القين صقله فهو ماء ... يتلظى السعير في صفحتيه
وقوله في الزهد (5):
بنو الدنيا بجهل عظموها ... فجلت (6) عندهم وهي الحقيره
يهارش بعضهم بعضا عليها ... مهارشة الكلاب على عقيره
وقوله في صفة نهر (7):
النهر قد رقت غلالة صبغه (8) ... وعليه من صبغ الأصيل طراز
تترقرق الأمواج فيه كأنّه ... عكن الخصور تهزها الأعجاز
وقوله في موت بنت (9):
ألا يا موت كنت بنا رؤوفا ... فجددت الحياة لنا بزوره
حمدت لفعلك المأثور لمّا ... كفيت (10) مؤونة وسترت عوره
فأنكحنا الضريح بغير مهر (11) ... وجهزنا الفتاة بغير شوره
__________
(1) المسالك: عانيت
(2) الذخيرة والمسالك: جوانحي.
(3) [ساقطة من (ت)].
(4) في ق: منه.
(5) هما في القلا والنفح ج 2ص 502وترجمتهما في الشعر الأندلسي ص 237
(6) النفح: فعزت
(7) هما في القلا والنفح ج 1ص 327وترجمتهما في الشعر الأندلسي ص 207.
(8) النفح: خصره.
(9) الأبيات في القلا.
(10) القلا لفعلك المشكور، لما كففت.
(11) القلا: بلا صداق.(2/331)
94* أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجة السرقسطي *
لم يبلغ درجته أحد من أهل عصرنا في الحكمة، وله تصانيف في الرياضيات والمنطق والهندسة فاق فيها المتقدمين، وله من قصيدة في الخمر قافية:
قبضنا بها روح الظلام لأنّنا ... نرى الغبن أن نفنى (1) وأوقاتنا تبقى
ومنها (2):
ولم تبك منها العين لكنّ لحظها ... حسام بماء الدمع أحسبه يسقى
(3) وذكره ابن بشرون المهدوي في كتابه الموسوم بالمختار من النظم والنثر لأفاضل أهل العصر، ووصفه بالتفرد بعلم الهيئة والهندسة العلمية والنظرية، وسائر العلوم الحكمية والأدبية، وذكر أنه استوزره أبو بكر، يحي بن تاشفين (4) مدة عشرين سنة وكانت شيمته حسنة، وانتفع به الناس، وأمن به البؤس والباس، وصلحت الأحوال، ونجحت الامال، وحسده أطباء البلد (5) فكادوه، ونالوا بقتله مسموما ما أرادوه، فكانت وفاته في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. وأورد من شعره قوله عند الموت وقد أحسّ بالفوت:
__________
(1) في ق: يغني
(2) [كلمة: ومنها، ساقطة من (ت)].
(3) [من هنا إلى قوله: هم رحلوا يوم الخميس ساقط من (ت)].
(4) كذا في النسختين، وفي المغرب ج 2ص 119 «استوزره أبو بكر بن تيفلويت ملك سرقسطه» (والملك هنا بمعنى صاحب انظر دوزي)، وحاء في شرح ابن زاكور على القلائد أثناه ترجمته (نسخة الأستاذ بيريس) أنه وزر لعلي بن يوسف عشرين سنة بالمغرب.
(5) ومن هؤلاء الأطباء أبو العلاء زهر بن عبد الملك ابن زهر الذي قال فيه ابن باجة: (النفح ج 2ص 294).
يا ملك الموت وابن زهر ... جاوزتما الحد في النهايه
ترفقا بالورى قليلا ... في واحد منكما كفايه
(نسبهما العماد إلى أبي الطيب البزاز انظر ترجمته في رقم 37)، فأجابه أبو العلا:
لابد للزنديق أن يصلبا ... شاء الذي يعضده أو أبى
قد مهد الجذع له نفسه ... وسدد الرمح إليه الشبا(2/332)
آه من حادثات صرف الليالي ... فلحالي انظر أعظك بحالي
أمس أبكيت حاسدي شرقا بي ... وهو اليوم رحمة قد بكى لي
وقوله قبل ذلك:
خليليّ لا والله ما القلب صاحيا ... وإن ظهرت منه الشمائل صاح
وإلا فما لي حين لم أشهد الوغى ... أبيت كأنّي مثقل بجراح
وقال:
هم رحلوا يوم الخميس غدية (1) ... فودعتهم لما استقلوا وودعوا
ولما تولوا ولت النفس إثرهم ... فقلت ارجعي، قالت: إلى أين أرجع
الى جسد ما فيه لحم ولا دم ... ولا هو إلا أعظم تتقعقع
وعينين قد أعماهما كثرة البكا ... وأذن عصت عذالها ليس تسمع
وقال يرثي أبا بكر بن تافلويت المرابط (2):
سلام وإلمام ووسميّ مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره (3)
أحق أبو بكر تقضّى فلا يرى ... ترد جماهير الوفود ستوره
لثن أنست تلك القبور بلحده (4) ... لقد أوحشت أمصاره (5) وقصوره
وقال:
يا صاحب القبر الغريب ... بالشام في طرف الكثيب
بالشّعب بين صفائح ... صلد ترصص بالجنوب
__________
(1) في ق: وودعوا
(2) هو أبو بكر بن إبراهيم بن تيفلويت المرابط، ولاه علي بن يوسف على بلنسية وسرقسطة.
انظر المعجم لابن الأبار ص 40والاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى للسلاوي ط. القاهرة ج 1ص 125والأبيات في القلا والمغرب ج 2ص 119. [والقطعتان هذه والتي تليها، ساقطتان من (ت)].
(3) في المغرب: سلام والمام ودوح ورحمة على جسد.
(4) المغرب: قبره
(5) القلا: أقطاره(2/333)
تبكي عليه حمائم ... ورق ترنّج في قضيب
لما سمعت بكاءها ... وحنينها عند المغيب
علق الغرام بأضلعي ... والداء يعلق بالطبيب
وقال في وصف مصلوب. قال ابن بشرون وأظنه لغيره:
وسنان لا قرة الظلماء توقظه ... ولا الهجيرة في البيداء تؤذيه
أغفى فياليت شعري هل يلم به ... إذا دجا الليل، طيف كان يأتيه
خط السنان كتابا بين أضلعه ... فمال يقرأه سرا ويخفيه
كأنه مصقع من فوق منبره ... يبدي الخشوع لرب كان باريه
(وله:
إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء طاهره ... فمن لحر على الاحشاء يتقد
البيتان عليهما تشطيب بغير خط هما لبعض الصحابة) (1):
95* ابن الفخار المالقي الأندلسي *
الفقيه المشاور، هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن كامل المعروف بابن الفخار (2). أنشدني الشيخ الصالح أبو علي الحسن بن علي بن صالح الأندلسي وقد قدم البصرة في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وخمسمائة (3) قال:
أنشدني الفقيه المشاور هذا لنفسه، وذكر أنه عمله ارتجالا يخاطب شاعرا جاراه في التوحيد وهو موشح العروض:
رويدك أيها الرجل المعنّى ... فإن الرفق أجمل باللبيب
ولا تعجل فرب فتى تأنّى ... فأدرك غاية القرم النجيب
__________
(1) سقط ما بين القوسين من ق والبيتان في اللسان جاء فيه الثاني: هذا بردت ظاهره فمن
لسان في برد. [وهي ساقطة من (ت)].
(2) [من هنا إلى قوله: إلى كم يجد المرء، ساقط من (ت)].
(3) ق: خمس وخمسين.(2/334)
فكم عقد سديد قد تسنّى ... بلا تعب ولا طرب مريب
فإن الجيش ليس يطيق شنا (1) ... لغارته بلا قدر مصيب
ولا يمضي الحسام يسنّ سنّا ... إذا لم يقض علّام الغيوب
أخوك محمد لما تغنّى ... أصاخت نحوه أذن الغريب
وقفّاها بواحدة فثنّى ... كمثل الرمح قوّي بالقضيب
فخذها غادة خضبت يرنّا ... لها ثوب قد اقدم بالصّبيب
[اليرنّا: الحنّاء] (2).
إذا ما رامها من قد تبنّى ... تعرض دونها شبح الحروب
جميع بيانها لفظا ومعنى ... كما جمع الحبيب مع الحبيب (3)
وذكر أنه توفي بالمغرب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وأورده أبو النصر القيسي في كتاب قلائد العقيان وقال (4): صاحب لسن، وراكب هواه من قبيح وحسن، لا يصد إذا صمم، ولا يرد عما يمم، حمى الانف لا ينام، قوي الشكيمة لا يضام، وأورد من شعره قوله (5):
بأي حسام أم بأي سنان ... أنازل ذاك القرن حين دعاني
لئن عري اليوم الجواد لعلة ... فبالأمس شدوا سرجه لطعان
وإن عطل السهم الذي كنت رائشا ... ففيه دم الأعداء أحمر قاني
ألا ان درعي نثرة تبعية ... وسيفي صدق أن هززت يمان
وما قصبات السبق إلا لأدهمي ... له الخيل جالت في مجال رهان
تمنى لقائي من حللت وثاقه ... وأعطى غداة المن ذلة عان
[وقد علم الأقوام من صح ودّه ... ومن كان منا دائم الشنئان] (6)
__________
(1) الأصل: شيئا؟
(2) ما بين القوسين ساقط من ق.
(3) [هذا التعليق ورد في الأصل، ولم يذكره المحقق].
(4) انظر القلا ص 337.
(5) الأبيات، 1، 2، 3، 4في المغرب ج 1ص 432و 11، 12، 13منها في المسالك ورقة 143.
(6) أضفنا هذا البيت من القلا والمغرب.(2/335)
وما يردهيي قول كل مموه ... وليس له بالمعضلات يدان
وإني لنهاض بكل عظيمة ... يضيق عليها ذرع كل جبان
ويزعم أني في البيان مقصر ... ويأبى بياني (1) واقتدار لساني
نهضت بها وحدي وغيري مدع ... يشارك أهل القول شرك عناني
أينسى مقامي إذ أكافح دونه ... وقد طار قلب الذعر (2) بالخفقان
ويذكر يوما (3) قمت فيه بخطبة ... كآثار عهد الماء بالسيلان
فقرّي جعار إن دونك حارشا ... يمنّيك بالإخلاف والولعان
وما هو إلا المرء يقطع رأسه ... وإن دهنوه حيلة بدهان
تهاون بالإنصاف حتى أحله ... وقد كان ذا عز بدار هوان
ولو كان يعطي الزائرين حقوقهم ... لما تركوه في يد الحدثان
وقوله (4):
إلى كم يجدّ المرء والدهر يلعب ... ويبعد عنه الأمن والخوف يقرب
وهل نافعي إن كنت سيفا مصمما ... إذا لم يكن يلقى (5) بحدي مضرب
أبيّتهم (6) والليل كالنفس أسود ... وأهجمهم والصبح كالطرس أشهب
فلا أنا عما رمت من ذاك مقصر ... ولا خيل عزمي للمقادير تغلب
أبا حسن سائل لمن شهد الوغى ... لئن كنت لم أصبح أهش وأطرب
وأعتنق الأبطال حتى كأنما ... يعانقني عنهم من البيض ربرب
ومنها:
وفي كل باب قد ولجت لكيدهم ... ولكن أمور ليس تقضى فتصعب
فوا أسفا كم قد أبيت بذلة ... وسيفي ضجيعي والجواد يقرب
__________
(1) القلا: بناني
(2) في ق: الذرع
(3) ق: قوما.
(4) انظر البيت الأول والثاني منها في المسالك.
(5) في المسالك: تلقاء حدى
(6) [في الأصل: أتيتهم، وما أثبتناه من (ت)].(2/336)
وقوله (1):
أمستنكر شيب المفارق في الصبا
وهل ينكر النور المفتح في الغصن
أظن طلاب المجد شيّب مفرقي
وإن كنت في إحدى وعشرين من سنّى
وقوله في أبي عبد الله بن أبي زنغي (2):
بمن حلّ في سرغ (3) فؤادك هائم
وهيهات منك اليوم من حل في سرغ (3)
وتكلف (4) بالداعي هلم إلى الوغى (5)
طماعا بأن ندنو من ابن أبي زنغي
وكنا به نبغي قضاء لبانة
ولو أنه يبغي لقضّى الذي نبغي (6)
سلام عليه عذّب النفس بعده
عقارب همّ لا تفيق من اللدغ (7)
وشوقا إليه أصبح القلب عنده
ولم تثنه خود معقربة الصدغ
__________
(1) [من هنا إلى آخر مختارات هذا الشاعر، ساقط من (ت)].
(2) في النسختين: زبغي. وفي القلا: «كتب إلى أبي عبد الله بن أبي زنغي عند ولايته سلجماسة».
(3) في النسختين: شرع
(4) في ق: تكلم؟
(5) القلا: النوى.
(6) في القلا: ولو أنه يبقى، والكلمة ساقطة في ق.
(7) سقط هذا البيت من ق.(2/337)
وقوله (1):
أقلّ عتابك ليس الكريم ... يجاري على حبّه بالقلا
وخل اجتنابك ان الزمان ... يمر يتكديره ماحلا
وواصل أخاك بعلاته ... فقد يلبس الثوب بعد البلى
وقل كالذي قاله شاعر ... نبيل وحقك أن تنبلا
إذا ما خليل (2) أسا مرّة ... وقد كان في ما مضى مجملا
ذكرت المقدم من فعله ... فلم يفسد الاخر الأوّلا
أبا حسن ان أتى حادث ... يجرد لي سيفك المنصلا
إذا صيد للشعر طير بغاث ... رئيت لها الطائر الأجدلا
ومما أنشدنيه لنفسه في الأمير محمد بن سعد بن مردنيش ملك شرق الأندلس (3) من قصيدة أولها (4):
إهتز منسم (5) عرفه عن عنبر ... وافترّ مبسم ثغره عن جوهر
ولوى ذرائب ليله في نومه ... فأنار عن وجه الصباح المسفر
واختال في ثوب الشبيبة وانثنى ... كالغصن بين مورق ومنوّر
زارت تثنّى في الوشاح تفترا ... والردف ينبي عنه عقد المئزر
ظنت بأن الليل يكتم سرها ... والحسن يفضح غرة المتستر
كالنور لم يفتنك رائق حسنه ... حتى تبسم في القضيب الأخضر
وأقام زهرة وردها في خدها ... ماء الصبا وحيا الشباب الأنضر
__________
(1) تمام القصيدة (19بيتا) في القلا، والخامس والسادس منها في المغرب، والقطعة في النفح ج 2ص 267.
(2) المغرب: خليلي
(3) ولد الأمير محمد سنة 518في بنشكة وتوفي عام 567بمرسية. انظر أخباره في الاحاطة ج 2ص 85وأعمال الاعلام ص 298والدائرة ح 2.
(4) لم ترد هذه القصيدة في القلا [ونسبت في مخطوطة (ت) مع البيتين بعدها إلى الفقيه أبي يحي اليسع بن عيسى بن اليسع الغافقي الأسدي الأندلسي الذي لم تتعرض لاسمه مخطوطة الأصل].
(5) في النسختين: بنسيم؟(2/338)
بخلت عليّ وقد سألت قطافه ... وجنته أزرار الرّدا والمعجر
ساومت هذا الحبّ طيب وصاله ... والهجر يغمزني بأن لا أشتري
فالحسن ينكرني ويعرفني الهوى ... شتان بين معرف ومنكّر
إن جار هذا الحب في أحكامه ... فالجور في ذا الحب ليس بمنكر
نفسي ألومك كان ينهاني الهوى ... فأمرت قاسي صعبه وتصبري
من منصفي من ظالم ومحلل ... غصب الهوى مني جميل تصبري
إلّا المهنّا بالسرور الأكبر ... إلا الممدّح بالثناء الأعطر
أمؤمل غير الأمير محمد ... ذاك ابن سعد، يا مدائح فابشري
كم جبتم من أطهر في أطهر ... ونقلتم من أظهر في أظهر
وجنيتم ثمر الفتوح بروضة ... للرزق تنبت بالرعاف الممقر
وجلوتم صدأ الدهور فأصبحت ... كالسيف كشف صقله عن جوهر
وصقلتم مرأى الزمان فمن يشأ ... نظر السرور فهاكه فلينظر
جاءت بك الأفلاك في دورانها ... كالغيث جاد على الزمان المعسر
يهتز عطف الحمد منه نافحا ... عن مدحة فتقت بمسك أذفر
ما عطرت بل عطرت أمداحه ... نفس الزمان فيا زمان تعطر
عهدي به شكل الضلوع بأبيض ... عهدي به نقط القلوب بأسمر
حتى إذا ما البأس حل ذماره ... صبغ الفضائل في النجيع الأحمر
(وأنشدني له من قصيدة في عبد المؤمن) (1) وأنشدني لنفسه في مراكش بأقصى المغرب:
وأرض سكناها فيابئس (2) مسكن ... بها العيش نكد والجناح مهيض
نروح ونغدو ليس إلا مروع ... عقارب سود أو أراقم بيض
__________
(1) هو عبد المؤمن بن علي الموحدي، أمير المؤمنين بالمغرب، ظل حكمه من سنة 522إلى سنة 558 انظر أخباره في أعمال الأعلام ص 307ودائرة المعارف الاسلامية ج 1ص 321. [وما بين القوسين ساقط من (ت)].
(2) في ق: شرمسكن.(2/339)
96* أبو الحجاج يوسف بن محمد بن فاروا (1) *
الانصاري الأندلسي من ثغر شرقي الأندلس من بلاد المغرب، أصله من مجريت تمريط (2) ومولده باشكرب (3) وتربيته ونشؤه بجيان، دخل بغداد ورحل إلى خراسان في طلب الحديث، وتوفي ببلخ، سلخ ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
وقال السمعاني (4) في تاريخه (5): أنشدنا أبو الحجاج المغربي لنفسه بهراة:
نسيم الصبا بالله حي ذوي ودّي
وقولي لهم إني مقيم على عهدي
فيا ليت شعري هم على ما عهدتهم
أم استبدلوا غيري بوصلهم بعدي
فو الله لا أنسى وإن شط بي النوى
فلا حدت عن وصلي ولا حلت عن عقدي
وصلتم، قطعتم، أو ذكرتم، نسيتم
فكونوا كما شئتم فهذا الذي عندي
__________
(1) في ج 2ص 170من معجم البلدان (جيان): فاروا بالف وفي ج 1ص 281 (اشكرب) فارو الاشكربي [وكذلك في «ت» بدون ألف].
(2) كذا في النسختين ولعل الصواب: مجريت (بتاء) ثم بط (بطاء) [؟]
(3) في الأصل: اسكرت.
(4) هو أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، ولد بمرو سنة 506وتوفي بها سنة 562، أحد العلماء والمصنفين الكبار، ذيل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ومن مؤلفاته أيضا كتاب الانساب وتاريخ مرو. انظر ترجمته في ابن خلكان ج 1ص 301والشذرات ج 4ص 205والنجوم الزاهرة ج 5 (الفهرست) بروكلمن المجلد الأول ص 329والذيل الأول ص 564وكحالة ج 6ص 4.
(5) قال العماد في الخريدة قسم شعراء الشام ج 1ص 178: «ثم طالعت ما صنفه أبو سعيد وسماء المذيل لتاريخ بغداد وذلك في سنة ست وخمسين ببغداد وكان بعد التاريخ من مرو إلى بغداد قبلها بسنة»(2/340)
عليكم سلامي دائبا لا عدمتم
على قدر ما بي من ضنائي ومن وجدي
قال وأنشدني لنفسه ببلخ في الإجازة:
أجزت لهم رواية ما أحبوا ... من المسموع لي والمستجاز
لأحظى منهم بدعاء خير ... وفي الأخرى إلهي لي المجازي
وخط المغربي لهم شهيد (1) ... على وجه الحقيقة لا المجار
97* الفقيه خطاب التلمساني *
أبو الحسن الخطاب بن أحمد بن عدي بن خطاب بن خليفة بن عبد الله بن الوليد بن أبي الوليد، ذكر الفقيه أبو الحجاج يوسف بن محمد بن مقلد التنوخي الدمشقي (2) ببغداد أن خطابا كان إماما فاضلا، وورد بغداد، وله شعر حسن ويد باسطة في اللغة، وأنه أنشده لنفسه:
حرام على نفسي لذاذة عيشها ... إلى أن تقر النفس عينا بما تدري
بعلم يزكي النفس عند مليكها ... وتؤنسها أنواره في دجى القبر
ويحشر ان أضحى الأنام بظلها ... لواء علوم يوم يدعى إلى الحشر
فإن نلت ما أملته أبت فائزا ... وإلا فنفسي قد أقمت بها عذري
__________
(1) في ق: سعيد.
(2) نقل العماد كثيرا عن السمعاني عن أبي الحجاج هذا في الخريدة قسم شعراء الشام ولم نعثر على ترجمة له.(2/341)
المحتوى
صحيفة كلمة الدار التونسية للنشر 7
مقدمة 9
تقديم الاستاذ آذرنوش 13
باب في ذكر محاسن اعيان المغرب والاندلس 23
جماعة من شعراء الاندلس العصريين اوردهم ابن بشرون الصقلي المهدوي 249(2/343)
تتمة القسم الرابع: شعراء الأندلس
بسم الله الرحمن الرحيم القسم الثانى من [الكتاب] الرابع(18/9)
بسم الله الرحمن الرحيم القسم الثانى من [الكتاب] الرابع
باب فى ذكر محاسن فضلاء جزيرة صقلية(18/11)
أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن أبى البشائر
الكاتب الصقلى الأنصارى، سماه أبو الصلت فى رسالته: من أهل العصر، وأثنى على بلاغته، بعد ذكر أبيات لنفسه فى وصف النيل كتبها إلى الأفضل ليلة المهرجان وهى:
أبدعت للناس منظرا عجبا ... لا زلت تحيى السرور والطّربا
جمعت بين الضّدّين مقتدرا ... فمن رأى الماء خالط اللهبا
كأنما النيل والشموع به ... أفق سماء تألّقت شهبا
قد كان من فضّة فصيّره ... توقد النار فوقه ذهبا
قال: وقد تعاون الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء، ومن مليح ما قيل فيه قول بعض أهل العصر وهو أبو الحسن على بن أبى البشائر الكاتب:
شربنا مع غروب الشمس شمسا ... مشعشعة إلى وقت الطّلوع
وضوء الشمس فوق النيل باد ... كأطراف الأسنة فى الدروع
(ا) لأبى الصلت فى المعنى (1):
بشاطىء نهر كأنّ الزجاج ... وصفو اللّجين به ذوّبا
إذا جمّشته الصّبا بالضحى ... توهّمته جوشنا (2) مذهبا (3)
__________
(1) نوادر المخطوطات، تحقيق عبد السلام هارون ص 29.
(2) الجوشن: الدرع ونسب إليها عبد الوهاب بن رواج بن الجوشنى لشهرته بصنعها.
(3) ورد بهامش النسخة بخط مخالف لها أن هذين البيتين مأخوذان من قول بعضهم.
غدير تدرج أمواجه ... هبوب النسيم ومر الصبا
إذا الشمس من فوقه أشرقت ... توهمته جوشنا مذهبا(18/13)
(ب) لابن خفاجة الأندلسى (1):
(والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء)
وقرأت فى مجموع شعره نظما جيدا يفوق ياقوتا ودرا منسوبا إلى أبى الحسن بن أبى البشائر مشتملا من المعانى على الغرر، فمن ذلك قوله فى راقصة:
هيفاء إن رقصت فى مجلس رقصت ... قلوب من حولها من حذقها طربا
خفيفة الوطء لو جالت بخطوتها ... فى جفن ذى رمد لم يشتك الوصبا
وقوله:
لنا فى كل مقترح وصوب ... مفاجأة بأسرار القلوب
فنفهم بالتشاكى ما نلاقى ... بلا واش نخاف ولا رقيب
وقوله:
وساق كمثل الغزال الربيب ... بصير الّلحاظ بصيد القلوب
جسرت عليه فقبّلته ... مجاهرة فى جفون الرّقيب
فلما توسّد كفّ الكرى ... وأهداه لى سكره من قريب
تعجلت ذنبا بفتكى به ... ولكنّه من مليح الذنّوب
وقوله:
كتبت فهلّا إذ رددت جوابى ... جعلت الرضا عنى مكان عتابى
لئن كان ذنبا أنّنى لم أزركم ... لفقدى للقياكم أشدّ عقاب
__________
(1) الديوان ص 129طبع المحمودية(18/14)
وهذا كقول الصابى:
إن يكن تركى لقصدك ذنبا ... فكفى ألّا أراك عقابا
وقال أبو الحسن بن أبى البشائر:
الله يعلم كيف سر ... ت وما لقيت وكيف بتّ
حذرا عليك وقيت فيك من الحوادث ما حذرت
إن لم تمنّ بوصف حا ... لك لى بخطّ يديك متّ
وقال: وما يقرأ على خمسة أوزان (1):
__________
(1) الوزن الأول (بحر الخفيف)
وغزال مشنف قد رثى لى ... بعد بعدى لما رأى ما لقيت
مثل روض مفوف، لا أبالى ... وهو عندى فى حبه إذ ضنيت
وجهه البدر طالعا تاه لما ... حاز ودى فإننى قد شقيت
فى قضيب مهفهف لذ فيه ... طول وجدى، جفا فكدت أموت
مانع غير مسعف ليس يأبى ... نقض عهدى، وليس إلا السكوت
جائر غير منصف مال عما ... كان يبدى، إن الوصال بخوت
الوزن الثانى (مجزوء الحفيف)
وغزال مشنف ... مثل روض مفوف
وجهه البدر طالعا ... فى قضيب مهفف
مانع غير مسعف ... جائر غير منصف
الوزن الثالث (بحر المجتث)
لمّا رأى ما لقيت ... فى حبه إذ ضفيت
فإننى قد شقيت ... جفا فكدت أموت
وليس إلا السكوت ... إن الوصال بخوت
الوزن الرابع (مجزوء الرمل)
قد رثى لى بعد بعدى ... لا أبالى وهو عندى
تاه لما حاز ودى ... لذ فيه طول وجدى
ليس يأبى نقض عهدى ... مال عما كان يبدى
الوزن الخامس (منهوك الرمل، ولم يستعمله العرب وإن كان سائغا مقبولا، (ولهذا استعمله المحدثون)(18/15)
وغزال مشنّف ... قد رثى لى بعد بعدى
لما رأى ما لقيت
مثل روض مفوّف ... لا أبالى وهو عندى
فى حبّه إذ ضنيت
وجهه البدر طالعا ... تاه لما حاز ودى
فإنّنى قد شقيت
فى قضيب مهفهف ... لذّ فيه طول وجدى
جفا فكدت أموت
مانع غير مسعف ... ليس يأبى نقض عهدى
وليس إلّا السّكوت
جائر غير منصف ... حال عمّا كان يبدى
إنّ الوصال بخوت
__________
قد رثى لى ... بعد بعدى
لا أبالى ... وهو عندى
تاه لما ... حاز ودى
لذ فيه ... طول وجدى
ليس يأبى ... نقض عهدى
مال عما ... كان يبدى
وكان من الممكن أن يكون الوزن من مشطور المنسرح (مع تسكين القافية فى العروض والضرب).
لما رأى ما لقيت ... فى حبه إذ ضنيت
...
ولكن العروضيين يمنعون دخول العلى فيه، فإن مفعولات فيه لا يمكن أن تتحول إلى فاعلات(18/16)
وقال (1):
أيرانى أحيا إلى أن يعودا ... نازح لم يدع لعينى هجودا
كيف أرجو الحياة بعد حبيب ... كان يومى به من الدهر عيدا
كنت أشكو الصدود فى القرب ... والآن قد استغرق البعاد الصّدودا
أشتهى أن أبوح باسمك لكن ... لقّنتنى (2) الوشاة فيك الجحودا
وقال:
إلى الله أشكو دخيل الكمد ... فليس على البعد عندى جلد
ومن كنت فى القرب أشتاقه ... فكيف أكون إذا ما بعد
وقال:
إليك أشكو عيونا أنت قلت لها ... فيضى فقد فضحتنى بين جلاس
وما تركت عدوا لى علمت به ... إلا وقد رق لى من قلبك القاسى
فإن رضيت بأن ألقى الحمام فيا ... أهلا بذاك على العينين والراس
وقال وقد سئل إجازة البيت الأخير (3):
تولوا وأسراب الدموع تفيض ... وليلى طويل بالهموم عريض
ولما استقلّوا أسلم الوجد مهجتى ... إلى عزمات ما لهنّ نهوض
توقّد نيران الجوى بين أضلعى ... إذا لاح من برق العشاء وميض
ولم تبق لى إلا جفون قديمة ... وعظم براه الشوق فهو مهيض
__________
(1) نفح الطيب ح 7ص 154.
(2) علمتنى.
(3) نفح الطيب ح 6ص 123بدون خلاف.(18/17)
فغنّ لمحزون جفا النوم جفنه ... فليس له حتّى الوصال غموض
«شجانى مغانى الحىّ وانشقت العصا ... وصاح غراب البين: أنت مريض»
وقال:
ألم يأن للطيف أن يعطفا ... وأن يطرق الهائم المدنفا
جفا بعدما كان لى واصلا ... وخلّف عندى ما خلّفا
أما تعطفين على خاضع ... لديك يناجيك مستعطفا
إذا كتبت يده أحرفا ... إليك محا دمعه أحرفا
ولو كنت أملك غرب الدموع ... منعت جفونى أن تذرفا
غراما بإشعال نار الغرام ... وما عذر صبّ بكى واشتفى
وقال (1):
قد أنصف السّقم من عينيك، وانتصفا ... فها هما يحكيان العاشق الدّنفا
يا ساهر الطرف قد أغريت بى كلفا ... برحا (2)، وصيّرتنى استحسن الكلفا
أظنّ خدّيك من جارى دمى اختضبا ... لقد تناهيت فى قتلى، وقد ظرفا
وقال:
يا سيّىء القدرة كم ذا الجفا ... لقد شفى هجرك بى، واشتفى (3)
تراك لم يكفك ما حلّ بى ... بعدك من طول الضنى، أو كفى
__________
(1) الحلة السيراء ص 111.
(2) البرح: الشدة، ولقى فيه برحا بارحا أى ألما بالغا ولقى منه البرحين أى الدواهى.
(3) أى شفا الحساد واشتفى هو منى، ولما هجا حسان قريشا قال النبى (ص) لقد اشتفى واشتفى أى شفى المؤمنين واشتفى بنفسه.(18/18)
وقال ملغزا:
اثم الّذى صيّرنى مدنفا ... لمّا انتضى من جفنه مرهفا
يلعب إن رخّم معكوسه ... لأنّه قد نسق الأحرفا
ألم تر كيف غدا ثلثه ... جذرا لثلثيه إذا ألّفا
قد غلب القلب على صبره ... وهكذا يخرج إن صحّفا (1)
وقال:
يا غزالا صاغه الصا ... ئغ من حسن وظرف
لا وزهر في رياض ... غير مبذول لقطف
ما تعرضت لريب ... إنّما نزّهت طرفى
وقال:
كيف لم يشتعل بنار اشتياقى ... قلم لى أبثّه ما ألاقى
كان حلو المذاق عيشى للقر ... ب فأضحى للبعد مرّ المذاق
فواصبرى لآخذنّ بثارى ... من ليالى الفراق يوم التلاقى
وقال:
هجرتك يا سؤل نفسى، ولى ... فؤاد متى يدّكر يخفق (2)
وما ذاك منّى اطراح الملول ... ولكنّه نظر المشفق
__________
(1) اسم الحبيب (على) وإذا رخمنا الفعل (يلعب) بحذف حرف الباء فإن ما بقى هو عكس كلمة (على)، وهي مكونة من ثلاثة أحرف الأخير منها وهو ثلثها يرمز إلى عدد 10بحروف الجمل، والعين ترمز إلى 70واللام إلى 30، ومجموع العين واللام 100وجذر هذا العدد هو 10أى حرف الياء، وتصحيف (على). غلب.
(2) فى الأصل: متى يذكرنى، والوزن يقتضى ما حررناه.(18/19)
أخاف عليك، فلولاك لم ... أكن أتقى جلّ ما أتقى
كما تتركين برود الشرا ... ب ظمأى مخافة أن تشرقى
فإن سرّ حاسدنا بعدنا ... فنحن على رغمه نلتقى
ومهما علمت فلا تجهلى ... فإن المحبّ سعيد شقى
وقال:
عذّبت قلبى ببخلك ... فامنن علىّ بوصلك
يا علّتى وشقائى ... ما [ذا] لقيت لأجلك (1)
بحسن وجهك إلّا ... أمّنتنى قبح فعلك
أرجو انعطافك، لكن ... أخاف من طول مطلك
نهاك أهلك عنى ... من أجل أهلك أهلك
وقال:
[وهذان البيتان يجمعان حروف المعجم]
مزرفن الصّدغ يسطو لحظه عبثا (2) ... بالخلق جذلان، إن يشكو الهوى ضحكا
لا تعرضنّ لورد فوق وجنته ... فإنّما نصبته عينه شركا
وقال في مغن:
ولنا مغنّ لا يزا ... ل يغيظنا ما يفعل
__________
(1) فى الأصل «ما لقيت بتملك» والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) الزرفين: حلقة الباب، والصدغ: ما بين العين والأذن ويسمى الشعر المتدلى عليه صدغا أيضا، والمعنى أنه جعل خصلات شعره النازلة على خده فى شكل حلقات ودوائر.(18/20)
صلف وتيه زائد ... وتبظرم وتمحّل (1)
غنّى ثقيلا أوّلا ... وهو الثّقيل الأوّل
وقال فى الشيب والتغزل:
تبلّج هذا الصبح أو كاد (2) يفعل ... فأقصر واستحيى معنّى مضلّل
أتاه نذير الشيب قبل أوانه ... فأقلع عن لذّاته وهو معجل
فأهلا بضيف قال هزلى لجدّه: ... ترفّق فإنّى حين تنزل أرحل
سعى ورعى الله الشباب فإنّه ... على ما جنى ستر من اللهو مسبل
بنفسى من شطّت به غربة النّوى ... ومن هو فى لحظى وفكرى ممثّل
ومن لجّ قلبى فى هواه وغرّنى ... رضاه فلا يسلو ولا يتبدّل
صحوت وعندى من هواه بقية ... تعمّ جميع العاشقين وتفضل
عجبت لطرف قد تضرّج من دمى ... فما احمرّ إلّا خدّه وهو أكجل
وما كنت أدرى قبل لقيا لحاظنا ... بأنّ لدى الألحاظ سهم ومقتل
وقال:
يا ذا الذى كلّ يوم ... يزيد عقلى خبالا
دلّهتنى بك حتّى ... رأيت رشدى ضلالا
أدعو عليك، وقلبى ... يقول: يا رب لا لا!!
__________
(1) التبظرم: العجب التيه فى حمق مع الإشارة بالبظرم (كجعفر) وهو الخاتم، ويصح أن تكون الكلمة (تبرطم) وهو الغضب فى الكلام أو الانتفاخ غضبا، والتمحل:
التكلف
(2) التصحيح من تكملة الصلة لابن الأبار ص 69.(18/21)
وقال:
ولقد وجدت الصبر بعدكم ... صعبا، وكنت أظنّه سهلا
واستعبرت عينى، فقلت لها ... هلّا حذرت الأعين النّجلا
لا مرحبا بالبين من أجل ... تنأى الحياة به، ولا أهلا
قد كان لى ملكا دنوّكم ... فالآن أصبح بعدكم عزلا
وقال:
كيف أعتدّ بلقيا هاجر ... قبل ما حاول وصلى صرما
عجبى من سقم فى طرفه ... يورث السّقم ويشفى السّقما
لو تجاسرت على الفتك به ... لم أعد أقرع سنّى ندما (1)
أىّ شىء ضرّنى لو أنّنى ... كنت فى الحلّ طرقت الحرما (2)
أنا عندى: من شفا غلّته ... من حبيب مسعد ما أثما (3)
وقال: (4)
فيه لى جنّة، وفيه نعيم ... وعذاب أشقى به ونعيم
جاءنى عائدا ليعلم ما بى ... من تجنّى هواه وهو عليم
هو يدرى ما أوجب السّقم لكن ... ليس يدرى ماذا يقاسى السّقيم
ثم نادى وقد رأى سوء حالى ... جلّ محيي العظام وهى رميم
__________
(1) يندم لأنه تعفف عن وصاله، وقت أن كانت الفرصة سانحة لنيله.
(2) يقول ما الذى كان يضرنى حين حل بساحتى لو أننى نلت منه ما أصبح حراما على.
(3) يزعم أنه لا إثم على من شفا غليله من حبيب يجود بوصاله.
(4) الشعر الأندلسى جمع أميليو غرسيه ص 110.(18/22)
وقال:
ألا فليوطّن نفسه كلّ عاشق ... على خمسة محثوثة بغرام
رقيب، وواش كاشح، ومفنّد ... ملح. ودمع واكف وسقام
وقال:
لا فرّج الله عنّى ... ولا شفى طول حزنى
وألهب الشّوق قلبى ... وأمكن العجز منّى
إن لم أرح بدنى من ... هذا القلى والتجنى (1)
وقال:
وصل الكتاب وكان آنس واصل ... عندى، وأحسن قادم ألقاه
لا شىء أنفس منه مهدى جامعا ... شمل المعانى للّذى أهداه (2)
ففضضته، وجعلت ألثم كلّ ما ... كتبته أو مرّت عليه يداه
وفهمت مودعه فرحت بغبطة ... جذلان مبتهجا بما أذّاه
وعجبت من لفظ تناسق فيه ما ... أعلاه!! ما أحلاه!! ما أجلاه
ولقد غبطت عليه علق مضنّة ... عدمت له الأشكال والأشباه
كالرّوض باكره الحيا، فتفتّحت ... أزهاره وتضوّعت ريّاه
كالعقد فصّل لؤلؤا وزبرجدا ... فتقابلت أولاه مع أخراه
در ترفع قدره عن قيمة ... منظومة كبراه مع صغراه (3)
__________
(1) فى الأصل: إن لم أرح بدنى ... من ذا القلى والتجى
ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) التصحيح من الذخيرة وفى الأصل: يشمل المعنى إلا الذى أهداه.
(3) صححت الأبيات طبقا لما فى الذخيرة. وكانت فى الأصل مضطرية.(18/23)
وقال معمّى وهو تميم وموضعه حرف الباء:
اسم الذى أضحى فؤادى به ... معذبا صبّا بتعذيبه
إن صيّروا أوّله ثانيا ... غدا اسمه بعض صفاتى به (1)
وقال:
الموت فى صحف العشّاق مكتوب ... والهجر من قبل تنكيد وتعذيب
إن طال ليلى فوجه الصّبح مطلعه ... من وجه من هو عن عينى محجوب
من لى بإعلامه أنّى لغيبته ... ذيل المدامع فى خدّىّ مسحوب
كأنّ أجفان عينى من تذكره ... غصن مروح من الطّرفاء مهضوب (2)
طالعت كتابا صنّفه بعض فضلاء عصرى هذا الأقرب بالمهدية، وذكر فضلاء صقلية فمنهم:
__________
(1) بهذا التغيير يتحول اسم تميم إلى متيم.
(2) غصن مروح: صفقه الريح، الطرفاء: أنواع من الشجر منها الأثل، مهضوب:
أصابه مطر شديد.(18/24)
أبو الفضل جعفر بن البرون الصقلى
ذكر أنه أحد الأفراد فى النظم المستجاد، وأورد من شعره ما يصف الراح ويصافى الأرواح، فمن ذلك قوله:
وساحر المقلتين تحسبه ... من حور عين الجنان منفلتا
يبسم عن لؤلؤ وعن برد ... ما بين زهر العقيق قد فتتا
تكسف بدر السماء بهجته ... وإن رنت مقلتاه أسكرتا
فالوجه كالشمس مذهب شرق ... والصدر والجيد جوهر نحتا
قلت له والغرام يعبث بى ... وناظرى فى سناه قد بهتا
بالله هل عطفة تقرّبنى ... منك فإن العذول قد شمتا
فقال عنى إليك [شمت سنا ... يسوم ذا] الشوّق فى الهوى عنتا (1)
ومرّ كالبدر فى سماوته ... يختال فى زهوه وما التفتا
وقوله:
إنّى أبثّك سيّدى ... ما ليس يحمله بشر
محن كتبن بمفرقى ... وافى بهنّ لى القدر (2)
لاه علقت (3) ولم أكن ... أدرى لعمرك ما الخبر؟
__________
(1) فى الأصل: فقال عنى إليك شيم بشو ... م ذا الشوق فى الهوى عبثا
ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل: وافى بهن إلى القدر، ولعل الصواب ما حققناه.
(3) فى الأصل علقت لاه، ولعل الصواب ما أثبتناه: والمعنى، وأنا لاه أحببت ولم أدر ما يخبئه لى القدر(18/25)
أبصرته فى يلمق ... كالغصن أثمر بالعمر (1)
فسطا علىّ بجوره ... أكذا الكريم إذا قدر؟
وقوله:
حتّى متى قلبى عليك عليل؟ ... وإلى متى هذا الصدود يطول؟
أشكو إليك كأننى لك راغب ... ألّا يكون علىّ منك قبول
وإذا تعرّض لى هواك بنظرة ... أعرضت حتى ما إليك سبيل
وقوله:
ولولا أننى أغفى لعلى ... ألاقى الطيف مزورّ الجناب
فأقضى من ذمامك بعض حقّ ... تقاصر دونه أيدى الركاب
لما طعمت جفونى الغمض حتّى ... يجدّد عهدها منك اقترابى
__________
(1) اليلمق: القباء فارسى معرب.(18/26)
الفقيه أبو محمد بن صمنة الصقلى
وصفه بحسن المحاضرة والمحاورة، وطيب المفاكهة والمذاكرة، واستضافة علم الشعر إلى علم الشرع، وظرافة (1) الطبع وأورد له شعرا سنىّ الصّنع جنىّ الينع.
وهو قوله:
تركوا العتاب وجانبوا العتبا ... فأقلهم، وأنلهم العتبى
واصفح لهم عمّا جنوا كرما ... حبّا لهم وكرامة، حبّا
أحبابنا لى عندكم مقة ... نهبت جميع إساءتى نهبا
ومحبة فى الصدر ثابتة ... محت الذنوب فلم تدع ذنبا
أوليتكم منى صحيح هوى ... فسقى مريض سقامكم طبا
وجزيتكم بقطيعة صلة ... وحملت ما حمّلت من أعبا
ووردت ملحا ماء ودّكم ... فشربته، وسقيتكم عذبا
وذكر أن الفقيه عيسى بن عبد المنعم الصقلى بلغه عنه كلام أحفظه فكتب إليه:
جنّبنا الله سيّىء القاله ... وصاننا عن مواقف الخاله (2)
منا وفينا، فلا دعوا أبدا ... حرّابة بالمقال نبّاله
ذوو بضاع تعدّ ألسنة ... وهى مدى فى النفوس فعّاله (3)
__________
(1) المصدر: ظرف، واستعمال الظرافة قليل.
(2) الخالة: جمع خائل مثل بائع وباعة والخائل هو المتكبر المختال.
(3) فى الأصل: ذوو مصاع: ولعل الصواب ما أثبتناه، والضاع: ج بضعة وهى القطعة من اللحم ومعنى أن ألسنتهم قطع من اللحم ولكنها تفعل فعل المدى المرهفة فى الفتك يأعراض الناس.(18/27)
فأجابه وقرن بالعتبى عتابه:
ما لحبيبى معاتبا ما له؟ ... أحال إفك الوشاة أحواله
غيّره مين كاشح مذق ... وشى وكان الإله سأّله (1)
بفيه عفر التّراب، بل تربت ... يداه فيما حكى وما قاله
أراد تقطيع (2) وصلنا حسدا ... قطّع حدّ الحسام أوصاله
[وكنت] (3) رضوى شددت عقدته
فكيف رام البغى زلزاله (4)
بل كيف أرمى بأسهمى بصرى ... أعمى ويحوى الحسود آماله (5)
يا ولدى والمسكين من خلدى ... فى موضع لم أبحه إلّا له
فناقل الزّور غير مائقة ... إذ كان يسعى ليفسد الحاله
__________
(1) المذق: المنافق.
(2) هذه الكلمة ساقطة من الأصل والسياق والصياغة يقتضيانها.
(3) لم ترد هذه الكلمة فى الأصل والسياق والوزن يقتضيانها.
(4) فى الأصل دام البغى زلزاله، ولعل الصواب ما أثبتناه، وقد استعمل الشاعر كلمة البغى، ولم نجدها فى كتب اللغة إلا بمعنى المرأة الفاجرة، ولعلها «الشقى».
(5) فى الأصل: ونحوى الحسود أماله، ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/28)
عبد الرحمن بن رمضان
قال: ويعرف بالقاضى وليس له فى علوم الشريعة يد، بل هو شاعر له من بحر خاطره وغزارة غريزته مدد، ومعظم شعره فى مدح روجار الأفرنجى المستولى على صقلية يسأله العودة إلى مدينة مالطة، ولا يحصل منه إلا على المغالطة، له وقد احتجب عنه بعض الرؤساء:
تاه الذى زرته ولا ذا ... عنى، ولم يخف ذا، ولا ذا
وكان من قبل إن رآنى ... يبسط لى سندسا ولاذا (1)
فصار كلّى عليه كلّا ... يا ليتنى متّ قبل هذا
وقال فى ذم إخوان الزمان:
إخوان دهرك فالقهم ... مثل العدا بسلاحكا
لا تغترر بتبسّم ... فالسّيف يقتل ضاحكا
__________
(1) لاذ جمع: لادة، واللاذة ثوب حريرى صينى أحمر(18/29)
عبد الحليم بن عبد الواحد
[السوسىّ (1)] الأصل، الإفريقى المنشأ، الصقلى الدار، سكن مدينة بلرم واستدر من ذوى كرمها الكرم، وله نظم كالعقود، ونثر كالعنقود، له فى صقلية:
عشقت صقلّية يافعة ... وكانت كبعض جنان الخلود
فما قدّر الوصل حتى اكتهلت ... وصارت جهنم ذات الوقود
ونسبت إليه هذه الأبيات وهى مشهورة جدا:
قالت لأتراب لها يشفعن لى ... قول امرىء يزهى على أترابه
وحياة حاجته إلىّ وفقره ... لأواصلنّ عذابه بعذابه
ولأمنعنّ جفونه طعم الكرى ... ولأمزجنّ دموعه بشرابه
لم باح باسمى بعد ما كتم الهوى ... دهرا وكان صيانتى أولى به؟
ونسبت إليه أيضا هذه الأبيات:
شكوت فقالت: كلّ هذا تبرّما ... بحبّى، أراح الله قلبك من حبّى!!
فلما كتمت الحبّ قالت لشدّ ما ... صبرت، وما هذا بفعل شجى القلب
فأدنو فتعصينى، فأبعد طالبا ... رضاها، فتعتدّ التّباعد من ذنبى
فشكواى تؤذيها، وصبرى يسوءها ... وتجزع من بعدى وتنفر من قربى (2)
__________
(1) الزيادة من معجم الشعر لأبى طاهر السلف.
(2) فى الأصل: فشكوى وتحرج من بعدى، وقد آثرنا رواية صاحب تزبير الأسواق(18/30)
فيا قوم هل من حيلة تعلمونها؟
أشيروا بها، واستوجبوا الأجر من ربى (1)
وقوله:
كرّرت لحظى فيمن لحظه سقمى ... فقال لى: فيم تكرار وترداد؟
فقلت: عيناك مرضى، يا فديتهما!! ... فلا تلم لحظاتى فهى عوّاد
__________
(1) فى رواية تزيين الاسواق: من حيلة تعرفونها الشكر من ربى.(18/31)
البشيرى الصقلى
هو عبد الرحمن بن محمد بن عمر من مدينة بثيرة حامل القرآن ومساجل الأفران ذكر أنّ باعه فى الترسّل أمدّ، وخاطره فى النثر أحدّ، وأورد له قصيدة مدح بها رجار الفرنجى صاحب صقلية يصف المبانى والجنان (1) الصقلية، ذكر أنه أنشدها لنفسه. منها:
أدر العقيق العسجديّه ... وصل اصطباحك بالعشيّه
واشرب على وقع المثا ... نى والأغانى المعبديّة (2)
ما عيشة تصفو سوى ... بذرى صقلّية هنيّه
فى دولة أربت على ... دول الملوك القيصريّه
ومنها:
وقصور منصوريّة ... حط السرور بها المطيّة
أعجب بمنزلها الذى ... قد أكمل الرحمن زيّه
والملعب الزاهى على ... كلّ المبانى الهندسيه
ورياضه الأنف الّتى ... عادت بها الدّنيا زهيّه
وأسود شاذروانه ... تهمى مياها كوثريه (3)
وكسا الربيع ربوعها ... من حسنه حللا بهيّه
__________
(1) فى الأصل المبانى البنان ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) نسبة إلى معبد المغنى المشهور.
(3) الشاذروان: ما ترك خارجا عن مستوى جدار البيت ويسمى تأزيرا لأنه مثل الإزار للبيت.(18/32)
وغدا وكلّلّ وجهها ... بمصبّغات جوهريّه
عطّرن أنفاس الصّبا ... عند الصبيحة والعشيّه
وهى قصيدة طويلة، وقال ابن بشرون: لما عرض عبد الرحمن على هذه القصيدة سألنى أن أعمل على وزنها ورويّها فقلت:
لله منصوريّة ... راقت (1) ببهجتها البهيه (2)
وبقصرها الحسن البنا ... والشكل والغرف العليّه
وبوحشها ومياهها ال ... غزر العيون الكوثريّه
فقد اكتست جنّاتها ... من بينها حللا بهيه
غطّى عبير ترابها ... بمدبّجات سندسيّه
يهدى إليك نسيمها ... أفواه طيب عنبريّه
واستوسقت أشجارها ... بأطايب الشّجر الجنيّه
وتجاوبت أطيارها ... فى الصبح دأبا والعشيّه
وبها (رجار) سما العلى ... ملك الملوك القيصريّه (3)
فى طيب عيش دائم ... ومشاهد فيها شهيّه
واقتصرت (4) من القصيدتين على ما أوردته لأنهما فى مدح الكفار فما أثبته.
__________
(1) فى الأصل (افنبهجنها) البهية ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الذخيرة القسم المخطوط ص 97 (رقت ببهجتها)
(3) رجار: حاكم صقلية فى زمن الشاعر وكانت فى زمنه خاضعة لحكم المسيحيين.
(4) فى الأصل: واختصرت.(18/33)
عبد الرحمن بن أبى العباس الكاتب الأطرابنشى
أورد له فى وصف متنزه المعتزية المعروف بالفوّارة:
فوارة البحرين جمّعت المنى ... عيش يطيب ومنظر يستعظم
قسمت مياهك فى جداول تسعة ... يا حبّذا جريانها المتبسّم
فى ملتقى بحريك معترك الهوى ... وعلى خليجيك الغرام مخيّم (1)
لله بحر النخلتين وما حوى ال ... بحر المشيد به المقام الأعظم (2)
وكأن ماء المفرعين وصفوه ... در مذاب والبسيطة عندم (3)
وكأنّ أغصان الرياض تطاولت ... ترنو إلى سمك المياه وتبسم
والحوت يسبح فى صفاء مياهها ... والطير بسين رياضها تترنّم
وكأن نارنج الجزيرة إذ زها ... نار على قضب الزبرجد تضرم
وكأنما الليمون صفرة عاشق ... قد بات من ألم النوى يتألم
والنخلتان كعاشقين استخلصا ... حذر العدا حصنا منيعا منهم
أو ريبة علقتهما فتطاولا ... يستمجنان ظنون من يتوهّم
يا نخلتى بحرى (بلرم) سقيتما ... صوب الحيا بتواصل لا يصرم (4)
__________
(1) فى الأصل فى ملتقى تحريك ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الذخيرة المشيد والمقام.
(3) فى الأصل عدرم ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) بلرم هى مدينة بالرمو عاصمة صقلية.(18/34)
هنّئتما أمد الزمان، ونلتما ... كلّ الأمانى، والحوادث نوّم
بالله [فيئا] واسترا أهل الهوى ... فبأمن ظلكما الهوى يتحرّم (1)
هذا العيان بلا امتراء، إنما
سمع اللغاة زخارف تتوّهم (2)
__________
(1) فى الأصل بالله وسترا الهوى ستحرم، ولعل الزيادة والتصحيح هما الصواب
(2) فى الأصل: سمع الكبان، ولعل الصواب ما أثبتناه واللغاة جمع لاغ وهو الذى يثرثر فى الأحاديث.(18/35)
الغاون الصقلى
هو أبو الحسن بن واذ الملقب بالغاون وجدت فى شعره لحنا كثيرا، له من قصيد:
وكم من رفيع حطّه الدهر للتى ... تضعضع منه الحال بعد بسام
وكم خامل فى الناس أمسى مرفّعا ... ترقّى إلى العلياء كلّ سنام
فتعسا لدهر حطّ علو مراتبى ... وقلّل إخوانى، وأكثر ذامى
إذا اخضرّ يوما منه للمرء جانب ... غدا فجلا للعين كف لثام
وله:
ألا لا تكن فى الهوى ظالمى ... فما قطّ أفلح من يظلم
ومنها:
ألا فى سبيل الهوى ميتتى ... ومثلك فى الحبّ لا يظلم (1)
إليك استنمت فما قد ترى ... أتنعم بالوصل أم تصرم (2)
ألا أرحم عبيدك هذا الضعيف ... فكلّ رحيم له يرحم
ولاتك بالجور رأى ... فإنى لك الدهر مستسلم (3)
__________
(1) فى الأصل منينى والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل استمت ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) هكذا ورد البيت فى الأصل، ولعل صحته.
ولا تك بالجور رأس العدا ... فإنى لك الدهر مستسلم(18/36)
الفقيه أبو موسى عيسى بن عبد المنعم الصقلى
ذكر أنه كان كبير الشأن، ذا الحجة والبرهان، فقيه الأمة، له المعانى والأفكار البعيدة مرامى مرامها، والألفاظ التى هى كالرياض جاد هامى رهامها، وقد أورد من كلامه ما يأسو سماعه الكلوم، ويجلوسنا إحسانه العلوم، ويحكى درر الأصداف ودرارى النجوم، فمن بديع قوله فى الغزل وهو أحلى من نجح الأمل.
يا بنى الأصفر أنتم بدمى ... منكم القاتل لى والمستبيح
أمليح هجر من يهواكم ... وحلال ذاك فى دين المسيح
يا عليل الطرف من غير ضنى ... وإذا لاحظ قلبا فصحيح
كلّ شىء بعد ما أبصرتكم ... من صنوف الحسن فى عينى قبيح
وقوله:
سلب (1) الفؤاد من الجوانح غادة ... أدلت إليه بدلها المستحكم
عذراء ينهب درعها من خدها ... وخمارها من ذى ذوائب أسحم (2)
وعقودها من نهدها فى شكلها ... وحلاؤها من لونى المتسهم (3)
فكأنّها ووشاحها وخمارها ... وحليّها للناظر المتوسّم
شمس توشحت السّنا، وتتوجت ... جنح الدجى وتقلدت بالأنجم
__________
(1) الشعر الأندلسى ص 118جمع اميليو غوسيه [2]
(2) فى الأصل ينسب درعها ولعل الصواب ما أثبتناه، الأسحم: الأسود.
(3) الحلاء: نوع من الكحل، سهم لونه: تغير، فكأن الكحل الذى اكتحلت به استعار سوداه من لون الذى تغير لبعدها، ولم نجد فى معجمات اللغة تسهم بمعنى سهم فى غوسيه (من لونها).(18/37)
وقال:
يا أملح الناس وجها ... جاوزت فى الحسن حدك
للغصن منك انعطاف ... يكاد يشبه قدّك
قد كان قلبى عندى ... والآن أصبح عندك
وكنت من قبل حرّا ... فها أنا صرت عبدك
وقال فى جارية مصفرة اللون بديعة الحسن:
فضح الهوى دمعى وعيل تصبّرى ... بخريدة ترنو بعينى جؤذر
صفراء تدلع بالبياض لباسها ... وخمارها بمعصفرات الأخمر (1)
فكأنّها فى درعها وخمارها ال ... مبيّض والمحمرّ عند المنظر
ياقوتة كسيت صفيحة فضّة ... وتتوجت صفح العقيق الأحمر (2)
وله من قصيدة طويلة فى الرثاء:
جلّ المصاب وجلّ الخطب أوّله (3) ... فالحزن آخر ما آتى وأوّله
ومنها:
وكلّ وجد وإن جلّت مواقعه ... فقد الأخلّاء إن فكّرت أثكله (4)
أبا علىّ بن عبد الله، إنّ بنا ... عليك وجدا غدا أدناه أقتله
هل فى السرور وقد أوديت من طمع ... لصاحب أو عديم كنت تكفله
__________
(1) هكذا بالأصل، والخمرة: الورس، والخمار ما تغطى به المرأة رأسها وكلاهما لا يجمع على أخمر.
(2) صفح الشىء: عرضه، صفح الكف باطنها، وصفح كل شىء: وجهه وناحيته
(3) جل الخطب أوله. أصعب المصاب مستهله، وقد ورد فى الأثر «الصبر عند الصدمة الأولى».
(4) فى الأصل أشكله ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/38)
كم صاحب نال ما يبغى بجاهكم ... عفوا، وكم سرور كنت تشمله
قد كان سعيك فى محياك أحمده ... وذكرك اليوم بعد الموت أجمله
وله من قصيدة فى المجون يصف قول معشوقته وقد أرسلت إليه:
أشتهى أن أرى له وتد الأر ... ض لنا فى بيت الرجا والسعادة
وله:
قف باللّوى المنعرج ... وناديا ركب عج (1)
واسأل سليمى أين با ... ن ركبها بالدّلج (2)
كأنّها شمس الضحى ... مكنونة فى الهودج
غرّاء يهدى ركبها ... فى غسق المدلّج (3)
فلا يكاد دائبا ... يخطى سواء المنهج
كأنّها فى درعها ... كافورة لمدرج (4)
لاعبتها فتيّة ... بمثلها فى منعج (5)
فأصحب الدهر لنا ... إصحاب غير محرج (6)
ينعم كلّ بالذى ... يهداه غير مزعج (7)
__________
(1) عاج: مال: والمعنى مل الينا أيها الركب.
(2) الدلج: السير من أول الليل.
(3) أدلجوا: ساروا: آخر الليل.
(4) هكذا بالاصل والمدرج المسلك، ولعلها كافورة بدهنج، والدهنج كجعفر.
جوهر كالزمرد.
(5) كذا بالأصل، ولعلها: ما مثلها فى منعج.
(6) فى الأصل: لنا الدهر لنا أصبيان، ولعل الصواب ما أثبتناه، والمعنى انفاد الدهر لنا فى بسر وسهولة.
(7) فى الأصل يعم كل الذى، ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/39)
من لثم خدّ أصبح ... ورشف ثغر أفلج
وغصن نهد معصر ... وعضد مدملج
من عكن كأنّها ... طىّ رباط المدرج (1)
وفوقها وتحتها ... من موكب ومولج
كلّ على كلّ كما ... ركّب زوجا مسحج (2)
فى راحتى ريح بلي ... ل وظلال سجسج
كأس السرور بيننا ... صافية لم تمزج
حتى أتت من دونها ... زعازع فى رهج
هل راجع عهدى بها ... بالكرخ أو بالكرج
هيهات ما فى أوبة ... من طمع لمرتجى
فدع هديت ما مضى ... وخذ فديت ما يجى
واسمع حديثا حسنا ... تقصر عنه حججى
أبصرت بدرا ساعيا ... بالأرض غير منبج (3)
وحوله كواكب ... تضيء مثل السّرج
بيضاء كالثلج ترى ... وجها كصبح أبلج
منعمّا مكلّلا ... بغيهب من سبج (4)
__________
(1) فى الأصل الدرج، والمدرج هو المسلك، ولعلها البرزج ومعناها ما يظهر من ثنايا الثياب.
(2) فى الأصل مسجح، ولعل الصواب ما أثبتناه والمسحج: حمار الوحش.
(3) فى الأصل مثبج ولعل الصواب ما أثبتناه والمنبج كمنبر: هو المخلف للوعد.
(4) أصل السبج: الثوب الأسود. ويريد أن شعرها الأسود يكلل رأسها ويحيط بوجهها الأبيض أو أنها تضع الخمار الأسود على رأسها وحول وجهها.(18/40)
وحولها لداتها ... عوابث بالمهج
يفتكن بالألحاظ فتك البطل المدجّج (1)
يجذب خصرا مخطفا (2) ... بكفل مرجرج
كمثل زقّ ناقص ... على حمار أعرج
يشقّه صدر لها ... كأنّه فى نهج (3)
مواخر الفلك غدت ... زخّارة فى لجج (4)
تبسم إذ تبسم عن ... ذى أشر مفلّج
يا ليتنى قبّلته ... ففى لماه فرجى
تصبى الحليم ذا النّهى ... بذى احورار أدعج
وبدلال فاحم ... معقرب مصولج
ومن رسائله فى وصف الخط:
ورد عليه كتاب فلان أطال الله بقاء فلان لفلك السيادة والكرم، وعمادا تعلو به الهمم ليشيد من عرصات الفضل دارسها، ويبين من أعلام المجد طامسها، وينير من آفاق المعالى حنادسها ويبسط من أوجه الليالى عوابسها، فنظرت منه إلى خط موصوف (5)، معتدل الحروف، أملس المتون، مفتّح
__________
(1) فى الأصل المرجح ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الخصر المخطف: الضامر.
(3) فى الأصل يشقق صدر لها ولعل الصوب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل لحج.
(5) هكذا فى الأصل ولعله موصوف:(18/41)
العيون، لطيف الإشارات، رقيق الحركات، ليّن المعاطف والأرداف، متناسب الأوائل والأطراف، يروق العيون حسنه وشكله ويعجز المحاول بيد التناول صنعه وفعله، متضمنا معانى كأنها رقية الزمان، وضمة (1) الأمان، لو كانت مسارب كانت الحياة، أو مشارب زادت النجاة، فأوجب تأمل لها تألّبى (2)
واستنار بفكرى فيها تعجبى، قلت: سبحان ربى القيوم، أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون! أكل هذا الإحسان فى طاقة الانسان؟ وما أرى ذلك فى الممكن والإمكان، ولئن كان ذلك فنحن الأنعام يشملنا اسم الحيوان، ثم رجعت إلى نفسى، وثاب إلىّ حسّى، فقلت عند سكون جأشى، وثبوت طيشى وإفراخ روعى وذهاب دهشى: إن من دب فى الفصاحة، ودرج فى وكرها، ورضع بلبانها، وجرع من درّها وصاحب السادات مقتبلا، والأمجاد مكتهلا، لخليق أن يحل من الفضل وسائطه ويجمع قطريه بل يستولى على عذاريه ويملك شطريه.
وله من رسالة أسقط منها حرف الألف واللام:
رقعتى تحول (3) سيّدى وسندى، وذخرى وعضدى، ومن بذّ وبزّ (4)، جميع من سبق وعز، فذّ دهره، ووحيد عصره، وغريب زمنه، ونسيج وحده، مرى مرّته (5) فى مربوب نعمته، ومدد نصرته. وكنت من نكب فى ودك
__________
(1) فى الأصل وصمته.
(2) فى الأصل تالنى.
(3) لعلها «بجواب سيدى»
(4) بذ: فاق وعلا أو سبق، بز: غلب وقهر واستولى وفى المثل: من عز بز أى من غلب استولى على أسلاب المغلوب.
(5) فى الأصل مددى مدتك ولعل الصواب ما أثبتناه، والمرة: القوة أو حدة الذكاء، فيكون المعنى مظهر قوته أو حكمته مشفوعة بنعمه وألطافه على وليه وقد تكون: مر مودته.(18/42)
يعظم زجره، ومخوف زجره وضيره (1)، موطىء قدميك، وصريع نكبته بين يديك، وسوّغك (2) من ضروب نعمه بهنيّه ومريّه، ومتّعك من موفور قسمه يحميده ومزيده، كتبت وكبدى يسعر (3) بجحيم ودك ومهجتى تصهر بسموم توقك، ونفسى تجد (4) من قطيع بعدك ونفسى يحصر (5) بوجيع نقدك.
وكنت من بعد غير مين (6) ... قدير عيش قدير عين
حتى رمتنى صروف دهر ... عن قوس غدر بسهم بين
فشتتت زمرتى، وهدّت ... ركنى، ومرّت تجرى بحينى
عجبت من عيشتى وعمرى ... وكيف بى عشت بين ذين
* * * فصل له من رقعة:
لولا أن ذنوب الحبيب تصغر عن التأنيب. وقدر الرئيس يكبر عن اللوم والتعنيف، لكان لنا وللرئيس مجال واسع، ومتسع بالغ، فيما أتاه، إن لم نقل جناه، وفيما غلّظ وخلّف، إن لم نقل الذنب اقترف، ومهما أجللنا قدره عن أن ينسب إليه خلف الوعد، وإن كان جليلا، ما عذره إن لم يكتب بوجه العذر أنه
__________
(1) فى الأصل ومخوف زجره وصبره ولعلها زبره وضبره، والزبر هو والنهر والنهى والمنع، والضبر فرقة من الجيش المهاجم أو آلة خشبية مكسوة بالجلد يحتمى بها الجنود ليهاجموا الحصون المنيعة وهى بمثابة الدبابة فى العصر الحديث.
(2) فى الأصل وسومك.
(3) فى الأصل تصغر.
(4) فى الأصل تجر.
(5) فى الأصل تخطر، يحصر: يضيق.
(6) فى الأصل مبين، ولعل الصواب ما أثبتناه والمين الكذب والمعنى: من غير شك.(18/43)
ما وجد سبيلا، وقد كنا نتوقّع العناق فصرنا نقنع بأمانى التلاق، فجميل الصبر والصفح بهذا الشأن أولى.
قل ومن شاء المصافا ... ة على ذى الشرط أولا (1)
وذكر المهم أبرّ وأهمّ، فشوق البعيد شديد وسؤال القاضى أكيد، وكلاهما على الأيام يزيد فكلهما إلى يوم جديد.
__________
(1) فى الأصل المصافاة على ذى الشرط أولى، والتصحيح ما أثبتناه والمعنى: من شاء المصافاة على هذا الشرط صافيناه أو لا مصافاة.(18/44)
ولده أبو عبد الله محمد بن عيسى الفقيه
ذكر أنه كاتب شاعر ماهر مهندس منجم، لغارب الفصاحة متسنّم، وفى ملتقى أولى العلم كمىّ معلم، وقد أورد من شعره ما يهز أعطاف القلوب مراحا، ويدير على الأسماع من الرحيق المختوم راحا.
وله من قصيدة:
أفشى هواه بأدمع الأجفان ... وأبت عليه مطالب الكتمان
رام التّجمّل للوشاة، فلم يطق ... فعصى النصيح، ولجّ فى العصيان
عنت له فأرته بدرا طالعا ... من فوق غصن بان فى كثبان
هيفاء يحسد جيدها رثم الفلا ... ظلما، ويغبط وجهها القمران
ومنها:
سلبت نهاه وأورطته تعمّدا ... فى فتنة من لحظها الفتّان
إنى ابتليت بحبها، وأجبته ... لما بدا لى شخصه ودعانى
فنهيت من ولهى العظيم عن النهى ... وسلوت من شغفى عن السلوان
قولى لها ما تأمرين لمدنف ... كلف بحبك هائم حرّان؟
سنة له لم يدر ما سنة الكرى ... ملقى أسنّة طرفك الوسنان
أشمتّ طوعا فى المحبة حسّدى ... ورضيت قسرا فى الهوى بهوانى (1)
وصرفت نحو هوى الملاح تصرّفى ... وسرحت فى ميدانهن عنانى (2)
__________
(1) فى الأصل أبليت طوعا فى المحبة حدى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) سرح: أرسل والمعنى أطلقت لنفسى العنان فى هوى الملاح.(18/45)
حتى تبيّن لى الصواب، وإننى ... أفنيت فى طلب الضلال زمانى
فتركت لهوى واطّرحت مجانتى ... وجفوت من نبذ الهوى وجفانى
وله من قصيدة:
كتمت الذى بى، فانتفعت بكتمانى ... وأعلنت حالى، فاتّهمت بإعلانى
وما خلت أن الأمر يفضى إلى الذى ... رأيت، ولكن كلّ شىء يرى دانى
وله:
لا تعذلوه فإنه مفتون ... سلبت نهاه مها القصور العين
برزت فتاة منهم فى خدها ... ورد وفى وجناتها نسرين (1)
فى طرفها سقم وفى، ألحاظها ... غنج، وفى تلك المعاطف لين
عنّت له وتبخترت فى مشيها ... فأرت غصون البان كيف تلين (2)
وترجرجت أردافها فرأى بها ... كيف النّقا كثبانها يبرين (3)
ولو انّها سفرت فأبدت وجهها ... لأرت ضياء الصبح كيف يبين
أنسيت ليلتنا وقد خلص الهوى ... منا، وحبل الوصل وهو متين؟
بتنا على فرش العفاف، وبيننا ... نجوى ترق لها الصّفا وتلين
والليل كالزنجى شدّ وثاقه ... والنجم مطّلع عليه أمين
__________
(1) زهر أبيض، وهو اسم فارسى معرب ورد فى القاموس أنه بكسر النون. وفى شفاء الغليل بالفتح.
(2) فى الأصل غنت بالغين والمعنى لا يستقيم به.
(3) يبرين مكان فيه الرمال وتشبه به الأرداف، والنقا: القطعة من الرمل تنقاد محدودبة وفى الأصل (انتفى) ولا يستقيم بها المعنى.(18/46)
ومنها فى المدح:
هذا الذى جدواه سبعة أبحر ... [زخرت] (1) ولكن ماؤهن معين
ذو هيبة كالليث إلّا أنّه ... متودّد (2) وله النفوس عرين
برّ فليس الوعد منه بمخلف ... أبدا وليس العهد منه يخون
فوليّه فى الأكرمين معظم ... وعدوّه فى الأصغرين مهين
وله إلى الفعل الجميل توثّب ... وله من القول القبيح سكون
فالظلّ لا متنقّل، والودّ لا ... متكدر، والمّن لا ممنون
خلق كنوّار الحدائق زاهر ... وحجّى كأعلام الجبال رصين
وحميّة تولى الأذلة عزة ... وتعلم الأيام كيف تكون
ونصيحة لله يوضح نورها ... ظلم الشكوك إذا دجت فتبين
وله فى الغزل ويغنى به:
مولاى يا نور قلبى ... ونور كلّ القلوب
أما ترى ما بجسمى ... من رقّة وشحوب؟
وما بداخل قلبى ... من لوعة ووجيب
فلم بخلت بوصلى ... وليس لى من ذنوب؟
فإن يكن لى ذنب ... فأنت فيه حسيبى
ومحنتى فيك جلّت ... عن فهم كل لبيب
وما لسقمى شفاء ... ولا له من طبيب
__________
(1) زيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(2) فى الأصل متردد ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/47)
ولا لدائى دواء ... إلا وصال الحبيب
مولاى إن ذبت عشقا ... فليس ذا بعجيب
برّد غليل فؤادى ... بزورة عن قريب
ففى صميم فؤادى ... جهنم فى اللهيب
وله:
بمهجتى ظبى خدر زار مكتتما ... فردّ روحى إلى جسمى، وما علما
أبدى القبول مع الإقبال حين بدا ... وقدّم البشر والتسليم إذ قدما
فقلت مولاى صل من شفّه سقم ... فجاد لى بوصال أذهب السّقما
فعاد شكّى يقينا فى زيارته ... فلو ترحّل عن عينى لما عدما
وله فى المعنى:
أتانى من أهوى على [غير] (1) موعد ... فخيل لى أنّ الزيارة فى الحلم
تبختر فى الأرداف كالغصن فى النّقا ... ولاح على الأزرار كالقمر التّمّ
خضعت له والذل من شيم الهوى ... فأسعد بالتقبيل والضّمّ واللثم
وأطلعته عمدا على ما يحسّه (2) ... جنانى من البلوى، وجسمى من السّقم
فأشفق من حالى، ورق لذلّتى ... وجاد بوصل ردّ روحى إلى جسمى
ولمّا مضى فكرت فى كل ما انقضى ... فصار يقينى فيه أثبت من وهمى
وله:
جاد بالياسمين والورد خد ... وحبا الأقحوان والخمر ثغر
__________
(1) الزيادة يقضيها السياق والوزن.
(2) فى الأصل يحبه.(18/48)
أنا والله عاشق لك حتى ... ليس لى عنك يا منى النفس صبر
فحياتى إن تمّ لى منك وصل ... ومماتى إن دام لى منك هجر
وله:
بأبى ظبى مليح فائق ... بابلىّ اللحظ غصنىّ القوام
عسلىّ الريق، خمرى الهوى ... لؤلؤىّ الثغر درّىّ الكلام
إن تثنّى ماس غصنا فى نقا ... أو تبدّى لاح بدرا فى تمام
حزت إذ نادمنى من وجهه ... دعوة تمت بروض ومدام
وخشيت البين إذ ودّعنى ... فانثنى يوم وداعى بالسلام
وله من المراثى ما يحل للقيام حبى المستمع الجاثى، فمنه قوله من قصيدة طويلة:
عزّ الفداء وجل البين والجزع ... وحلّ بالنفس منه فوق ما تسع
يا عين جودى بدمع خالص ودم ... فما عليك لهذا الرزء ممتنع
فالجسم ينحل والأنفاس خانقة ... والقلب [يخفق] (1) والأحشاء تنصدع
كونى على الحزن لى يا عين مسعدة ... فإن قلبى لما تأتينه تبع
ومنها:
وكانت الأرض لا تحوى محاسنه ... وقد حوى شخصه اللحد الذى وضعوا
من لليتامى وأبناء السبيل وهم ... قد ارتووا من أياديه وقد شبعوا
بعدا ليوم أتاه الموت فيه فما ... به لذى بصر من بعد مطّلع
بكته شمس ضحاها، واختفت جزعا ... وألفيت تحت ستر الغيم تطّلع
__________
(1) الزيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/49)
سعوا مشاة وهم فى الزّىّ (1) أغربة ... مسودّة من وراء النعش تتبع
ولم يكن لهم بالعيد من فرح ... ولا لهم فى التّسلّى بعده طمع (2)
لو يفتدى لافتدته من عشيرته ... ذوو الحفيظة والأنصار والشّيع
لكنّ من غاله الموت المحتم لا ... يفدى، ولا من نيوب الخطب ينتزع
جاءت ملائكة الرضوان معلمة ... بأنه بجنان الخلد مرتفع
وقد أعدت له أعماله غرفا ... فيها لأنفس أهل الفضل مرتبع (3)
الموت ورد وكلّ الناس وارده ... وقد رأوه عيانا بعد ما سمعوا
ما بالهم شعروا بالموت أنهم ... سفر وهم (فى) (4) اقتناء الزاد ما شرعوا
نالوا مغبّة ما قد قدّموه له ... فعلا به حصدوا منه الذى زرعوا
يا فجعة لم تدع فى العيش من أرب ... وغصة فى لهاه ليس تبتلع
أضرمت نارا على الأحشاء مؤصدة ... أكبادنا فى لظى أنفاسها قطع
ومنها:
بنى لبانة إن الله فضلكم ... على الورا، فبكم فى الدهر ينتفع
آراؤكم لذوى الإرشاد مرشدة ... وجودكم لذوى الإكثار منتجع
وقدركم قد سما (5) عزّا مدى زحل ... وجاهكم فى ذراه الخلق قد وقعوا
__________
(1) فى الأصل الذى.
(2) فى الأصل التشكى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل لها أعمالها ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) الزيادة يقتضيها الوزن والبيان.
(5) كذا بالاصل ولعلها: شأى.(18/50)
وقوله من قصيدة أخرى استهلال:
شهاب المنايا من سماء الردى انقضّا ... وركن المعالى والجلال قد انقضّا (1)
ومنها:
بكته المذاكى المقربات وقطّعت ... شكائمها إذ منه أعدمت الركضا (2)
مشت وهى بين الخيل أغزرها دما ... وأبرزها جسما وأهزلها نحضا (3)
وكادت سيوف الهند تندقّ حسرة ... وأجفانها تنشق عنها لكى تنضا
وخط على الخطّيّة الرّزء أحرفا ... أرادت لها خفضا فحولها خفضا (4)
شهدنا على قرب بمشهد موته ... مشاهد لم تخط القيامة والعرضا (5)
ومنها:
أعاد سرور الميد حزنا مماته ... ومبرم أمر فيه حوّله نقضا
فما أحد وافى المصلّى ضحى ولا ... دجى أبصرت من همه عينه غمضا (6)
ومنها:
ألا لا يمت من كان خلّف بعده ... أخاه عليّا، إذ إليه العلا أفضى
__________
(1) انقض الشهاب: هوى. وانقض البناء تصدع.
(2) المذاكى: الخيل الشابة الفتية، المقربات: المكرمات المعززات، الشكائم: الحدائد المعترضة فى فم الخيل من اللجم.
(3) فى الأصل أنزرها دما ولعل الصواب ما أثبتناه، والنحض: المكتنز من اللحم، المعنى أن هذه الخيل تبكيه دما، وهى ذات هياكل فخمة ولكن اخزن عليه أنحل جسمها وأذاب لحمها
(4) الخفض الأولى: الدعة وطيب العيش وانخفض الثانية: الانحطاط والانحدار.
(5) العرض: موقف الحساب يوم القيامة حين يعرض الناس على الله قال تعالى «وعرضوا على ربك صفا» والمعنى أن مشهد موته فى أهواله يوم البعث والعرض مع الله.
(6) فى الأصل أبصرت همه، وما أثبتناه يقتضيه الوزن والبيان.(18/51)
أحبّ محبّ للفضائل كلّها ... وأفضل إنسان على كسبها حضّا
ومنها:
تعزّوا فإنّ الموت حتم على الورى ... توافى به الآجال فى الوقت إذ يقضى
وكم أسوة فى المصطفى وصحابه ... وقدما قفا آثارهم فقضى الفرضا (1)
لقد مات فيه عدّة أى عدّة ... لنا فعدمنا كلّ عيش به يرضى
وأبصارنا كانت تسامى له وقد ... غدا الكلّ منّا طرفه اليوم قد غضا
وقد كان طرفى ليس يغضى على القذى ... فأضحى على أقذائه اليوم قد أغضى (2)
ومن شعره المودع رسائله فى وصف كتاب:
تضوّع منه إذ فضضت ختامه ... نسيم فتيت المسك والعود والنّدّ
ونزهت طرفى فى حدائق أزهرت ... بها زهرة السّوسان والآس والورد
بصفحة نور من نهار دجت بها ... سطور ظلام حالك اللون مسودّ
وطالعت ألفاظا يواقيت نظّمت ... مع الجوهر المكنون والدّر فى عقد
يزيل الضنى عن ذى السقام مرورها ... به، بل يقيم الميت من رقدة اللحد
ومنها:
مضمّنة من علم أحواله الذى ... يسرّ سرور الوصل فى زمن الصد
وله صدر رسالة:
ما حال خال لسقم النفس والجسد ... قد ردّ عن ورد ماء الأمن والرّشد (3)
__________
(1) فى الأصل: وقد قضى آثاهم ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل عن الغذى، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل يا خال خال ولعل الصواب ما أثبتناه، والخال: هو الملازم للشىء، أو ضعيف القلب والجسم، المعنى ما حال من تلازمه الأسقام والأوجاع، ويصح أن تكون حال خال بمعنى ما الظن بمريض أدنفه سقمه النفس والجسم.(18/52)
قد قيّدته الليالى عن تصرفه ... إلى النجاة بقيد الأهل والولد
ولو أمنت عليهم بعد منصرفى ... صرف الليالى لصدّت عزّتى جلدى (1)
من بعد (لقمة (2)) لم تنعم بلذتها ... نفسى ولا برّدت من لوعة كبدى
قد أسّس البين عندى منزلى وله ... فمهجتى للجوى، والعين للسهد
وأرّق البعد جفنى ثم فرّقنى ... فالجسم فى بلد، والروح فى بلد
أخى ومولاى علّ الدهر يجمعنا ... بمنزل عن جميع الشر مبتعد (3)
شوقى إلى لقائك شوق الظمآن إلى الماء الزّلال، وارتياحى إلى ما يرد من تلقائك ارتياح السقيم إلى الصحة والإبلال وتلهفى على فراقك [تلهف (4)] الحيران (5) وتأسفى على بعدك تأسف الولهان، لكنى إذا رجعت إلى شاهد العقل، وعدلت إلى طريق العدل، يمازج قلبى سرور ويخالط شوقى بهجة وحبور (6) بما ألهمك الله تعالى إليه من صفاء النية والإخلاص، والظفر بأمل النجاة، والخلاص، وأتلو عند ذلك: يا ليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما، ثم أرجع إلى قول النبى صلى الله وعليه وسلم: الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن. فأعلم أن الأمور كلها مقدورة (7) وأنها فى اللوح مسطورة، فأفزع إلى الدعاء لمقدّر الأمور، الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، أن يحسن لنا العقبى، ويقضى لنا بالحسنى. ويسبل علينا من العافية سترا سابغا ضافيا.
__________
(1) فى الأصل لصرت عزتى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) لعله اسم حبيبته.
(3) فى الأصل: على الدهر جمع السر ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) زيادة يقتضيها السياق.
(5) فى الأصل الجدان.
(6) فى الأصل: سرورا وحبورا.
(7) فى الأصل مقدرة والسجع يرجح ما أثبتناه.(18/53)
ويوردنا من السلامة موردا سائغا صافيا. وأن يقرب بك الاجتماع، حيث يوجد الاستمتاع، بما تقربه [العيون] (1) وتلذ الأسماع.
فصل من رسالة أخرى فى العتب:
قد عاملنى فى مشاهد هذه الأيام، التى قمعت الخاص والعام بأشياء لو جرت (2) بينى وبينه على خلوة لعددتها من لذيذ الأنس، لكنها أتت فى الملأ بما آلم النفس. واحتملت ذلك منه رجاء أن يقلع عنه، فازداد لجاجة وازددت صراحه حتى ستفحل البغاة (3) علىّ بسبب (4) ذلك المزاح (5) واستنسر البغاث (6) إلى وهزّوا الجناح، ولو شئت حينئذ لعرّفت كلّ واحد بما جهله من أبوته وقيمته، وأعلمته بما لم يعلمه من خلقه وشيمته.
فمن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره فيه ما لا يرى
لكننى أغضيت على موجع (7) القذى ... ، وصبرت على مفجع (8) الأذى
وأعرضت عن أشياء لو شئت قلتها ... ولو قلتها لم أبق للصّلح موضعا
وأنا أحرص على صحبته ممن يرعاها حق رعايتها. وألاوم حفظ دلك بالمحافظة على ما سلف بيننا من المصافاة، والاعتداد بماله قبلى من الحقوق المثبتة بخالص
__________
(1) فى الأصل بما نقر به تلذ الاسماع، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل صدق ولعل الصواب ما حررناه.
(3) فى الأصل البغاء.
(4) فى الأصل فسبب.
(5) فى الأصل المداج.
(6) البغاث: من الطيور الضعيفة الهزيلة، وفى المثل أن البغاث بأرضنا يستنسر أى يقوى ويشتد ويتشبه بالنسور
(7) فى الأصل مدجع.
(8) فى الأصل مضجع.(18/54)
المؤاخاة، واطرح ما أعاين من الزلات والهفوات، فأحب أن يحسن الظنّ بى والذكر عنى، فإن فعل ذلك فعل الأشكل به والأليق بأدبه، والأولى بجميل مذهبه وقد أطفأت عن قلبى هذه المعاتبة نارا مؤصدة، وبردت من صدرى غلّة موقدة.
فصل من أخرى:
مسترقّ أياديها، يرغب إلى شريف معاليها أن تحله من نفسه النقية محل المصطفين المخلصين، وتنزله من حضرتها الرئيسية منزلة الأولياء المختصين، فإن غرس فضلها السابق إليه أثمر عنده شكرا وحمدا وأثبت لديه محبة وودا، وهو يقسم بالله العظيم أنه من موالاتها لعلى صراط مستقيم، ومن الإقرار بفضلها لعل منهج قويم، ومن الدعاء لها لعلى حال مقيم. وكيف لا يكون ذلك وقد صيّره سالف إحسانها فى الرّق وملكه (1) فارط امتنانها (2) ملك مستحق، فهو لا يخلى من جميل شكرها لسانا، ولا يفتر من خلوص ودها جنانا.
__________
(1) فى الأصل وسلكها.
(2) فارط امتنانها: سابق نعمتها(18/55)
أبو حفص عمر بن حسن النحوى الصقلى
ذكر أنه شيخ لغة ونحو، وله فى علمهما سيح (1) صحة وصحو، حصل فى اعتقال الإفرنج فى صقلية، وسيم أنواع البلية، وشعره متناسب الحوك، متناسق السلك والسبك، وله قصيدة فى مدح (رجار) صاحب صقلية. وهو فى قبضة الإسار أولها.
طلب السّلوّلوانّ غير سعاده ... حلّت سويدا قلبه وفؤاده
ورجا زيارة طيفها فى صدّها (2) ... وغرامه يأبى لذيذ رقاده
والله لولا الملك روجار الذى ... أزرى محبيه (3) عظيم وداده
ما عاف كأس الوجد يوم فراقها ... ورأى محيّا المجد فى ميلاده
ومنها فى المدح:
يهتز للجدوى اهتزاز مهنّد ... يهتز فى كفّيه يوم جلاده
ويضىء فى الديجور صبح جبينه ... فتخال ضوء الشمس من حسّاده
ومطالع الجوزاء أرض خيامه ... والنجم والقمران من وفاده (4)
وإذا الأمور تشابهت فلعضبه (5) ... خط يبيّض سودها بمداده
ومنها:
يا أيها الملك الذى ثبتت به (6) ... قدما الفطانة فى صفا أملاده
__________
(1) السيح: الفيض.
(2) فى الأصل درجا زيادة طبعها فى صدرها، والتصويب من إنباه الرواه:
(3) فى الأصل أردى بحبيبه وفى إنباه الرواه لحبيبه. ولعل الصواب ما أثبتناه وأزرى بمعنى أهدى.
(4) فى إنباه الرواة من أوفاده.
(5) فى الأصل قلنصية، والتصحيح من إنباه الرواة.
(6) فى إنباه الرواة ثنيت به.(18/56)
ودعته أرواح العدا فرمى بها ... لعبا تلقتها ظبى أغماده
وافتقدت منها على هذه البغية مع الظمأ (1) إليها، فما أوثر إثبات مدح اللغو، عجل لله بهم إلى لفح ناره المسعّرة.
وهذا الشاعر مغرور فإنه مأسور.
__________
(1) فى الأصل الظلماء ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/57)
وقال من قصيدة:
ويختال بك الطّرف (1) ... كما يختال نشوان
تراه وهو لا يدرى ... درى أنك سلطان (2)
وقال فى العذار:
إذا كنت تهوى خدّه وهو روضة
به الورد غضّ والأقاحى مفلّج
فزد كلفا (3) فيه وفرط صبابة ... وقد (4) زيد فيه من عذار بنفسج
__________
(1) الجواد الكريم.
(2) المعنى: أتراه عرف أنك سلطان، مع أنه بطبيعة خلقته لا يستطيع التمييز فجملة «لا يدرى» جملة اعتراضية.
(3) فى الأصل فرد كلنا وهو تحريف.
(4) فى المختصر والتيمورية: فقد.(18/57)
(عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن السوسى)
مطالعه (1) مسقط راسه، ومربط ناسه، ومغبط كاسه.
وبها تهذّب، وقرأ على أبيه الأدب، ثم سكن بلرم واتّخذها دارا ووجد بها قرارا، ونيّف على السبعين ومتّع ببنين، وله شعر صحيح المعنى قديم المبنى، لذيذ المجنى وذكر أنه أنشده لنفسه قبل وفاته بأيام قلائل، مرثية فى بعض رؤساء المسلمين بصقلية تدل على ما حواه من فضائل، وهى قصيدة طويلة أولها:
ركاب المعالى بالأسى رحله حطّا ... وطور العلى العالى تهدّم وانحطا
فنائى مساءات الأسى متقرب ... وقرب مودات السرور لنا شطا (2)
وكيف لنور الشمس والنّور عودة ... وهذا منار المجد والعزّ قد قطّا
أصيب، فما ردّ الرّدى عنه رهطه
بلى أودع الأحزان إذ روّع الرّهطا (3)
ومنها
يعزّ علينا أن ثوى فى بسيطة ... وردّ الردى عن كفّه القبض والبسطا
كأن حماما للحمام قد انبرى ... لأرواح أهل الفضل يلقطها لقطا
فيا رزء ما أنكى!! ويا حزن ما أبكى!!
ويا دهر ما أعدى!! ويا موت ما أسطا!!
عزاء عزاء قد محا الموت قبلنا ... ملوكا كما يمحون من كتب خطّا
__________
(1) هكذا بالأصل ولعلها (مالقه) وهى مدينة بالأندلس من أعمال ربة على شاطىء البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية وقد تكون «طالقه» وهى ناحية من أعمال أشبلية وقد تكون مالطه وهى بلدة من الأندلس ذكرها ياقوت فى معجمه.
(2) فى الأصل: فنائى مساء إلى وقرب مرات ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل بل أودع الأحزان الرهط، ولعل الصواب ما حررناه.(18/58)
جماعة من شعراء جزيرة صقلية
ذكرهم أبو القاسم على بن عبد الرحمن بن جعفر بن على السعدى المعروف بابن القطاع فى كتابه الدرّة الخطيرة والمختار من شعراء الجزيرة، وهم أقدم عصرا، وأسبق شعرا، وقد أوردت منها [غررا] (1) والتقطت من عقدها دررا فمنهم:
ابن القطاع (2)
مؤلف الدرة الخطيرة، ذكر أن مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وأنه قال الشعر صبيا سنة ست وأربعين، وعمّر ورأيت أنا بمصر من رآه، وعاش إلى آخر زمان الأفضل، ورأيت خطّه على دفتر فى سنة تسع وخمسمائة، فمما أورده من شعره قوله من قصيدة:
فلا تنفدنّ العمر فى طلب الصبا ... ولا تشقين يوما بسعدى ولا نعم
[ولا تندبن أطلال ميّة باللوى ... ولا تسفحن ماء الشئون على رسم] (3)
__________
(1) الزيادة يقتضيها السياق.
(2) هو على بن جعفر بن على السعدى المعروف بابن القطاع اللغوى النحوى ولد بصقلية وقرأ الأدب على فضلاء صقلية ومهر فى النحو وعلوم اللغة، ولما كادت صقلية تسقط فى حكم الإفرنج رحل عنها إلى الإسكدرية فى حدود سنة 500هـ وأقام بها مؤلفا باحثا معلما ومات سنة 515هـ بالقاهرة ودفن بقرب ضريح الإمام الشافعى [راجع فى ترجمته إنباه الرواة وبغية الوعاة ووفيات الأعيان ومعجم الأدباء، والدرة الخطيرة مفقودة. ولكن مختصرها المسمى «الكتاب المنتخل من الدرة الخطيرة فى شعراء الجزيرة» للشيخ أبى اسحق بن أعلب هذا المختصر توجد منه نسخة محفوظة بالمكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية رقم 2216 تاريخ وقد نشره فى روضة العلامة المستشرق أمبر توربزيتانو.
(3) البيت زيادة عن وفيات الأعيان.(18/59)
فإن قصارى المرء إدراك حاجة ... وتبقى مذمّات الأحاديث والإثم
وقوله من أخرى:
قهوة إن تبسّمت لمزاج ... خلت ثغرا فى كأسها لؤلؤيّا
فاصطبحها سلافة تترك الشيخ ... إذا ما أصاب منها حبيّا
واغتنم غفلة الزمان فإن ال ... مرء رهن ما دام يوجد حيّا
قطع العذر يا عذولى عذار ... كهلال أنار بدرا سويّا
وقوله من أخرى فى مدح الأفضل أولها:
صاحبىّ وا أسفا!! ... ذى ديارها فقفا
وأسمعا أنبّكما ... من حديثها طرفا
وقوله من أخرى:
فيا نفس عدّى عن صباك فإنّه ... قبيح برأس بالمشيب معمّم
أفق إنّ فى خمسين عاما لحجّة ... على ذى الحجى إن لم يكن قلبه عمى
وقوله من أخرى:
من ذا يطيق صفات قوم مجدهم ... وسناهم من عهد سام سامى
وحماهم من عهد حام لم يزل ... يحميه ليث غالب بحسام
وقوله من أخرى:
إذا ابتسمت يوما رأيت بثغرها ... سموطا من الياقوت قد رصّعت درّا (1)
__________
(1) فى الأصل إذا ابتسمت يوما بثغرها شمولها: من الياقوت قد رصعت درا، وفى المختصر شمولها من الياقوت ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/60)
وإن سفرت عاينت شما منيرة ... تردّ عيون الناظرين لها حسرى
وتسلب عيناها العقول إذا رنت ... كأن بعينيها إذا نظرت سحرا
ومنها:
ألا إنّما البيض الحسان عواذر ... ومن قبحت أفعاله استحسن العذرا
يملن إلى سود القرون ومينها
إلى البيض منها كان لو أنصفت أحرى (1)
وقوله فى وصف الرّمان (2):
رمّانة مثل هذا العانق الريم ... يزهى (3) بلون وشكل غير مسئوم
كأنها حقّة من عسجد ملئت ... من اليواقيت نثرا غير منظوم
وقوله:
أنت كالموت تدرك الخلق طرّا ... مثل ما يدرك الصباح الماء
كيف يرجو الذى أخفت نجاء ... منك؟ عيهات أين منك النجاء؟ (4)
وقوله فى لثغة اللسان:
وشادن فى لسانه عقدة ... حلّت عقودى وأوهنت جلدى
__________
(1) القرون: خصل الشعر.
(2) فى الأصل الزمان.
(3) العانق: الحسن، الريم: الظى الخالص البياض، ونلاحظ أن وجه الشبه هنا ضعيف وفى الأصل «زمانه فعل هذا العاشق» ولعل الصواب رمانة مثل هذا العانق الرومى وهو بهذا يشبه الرمانة بوجه فتى رومى أحمر الوجه أصفر الشعر.
(4) فى الأصل كيف يرجو من أضعت رجاء ولعل الصواب ما أثبتنا.(18/61)
عابوه جهلا بها فقلت لهم: ... أما سمعتم بالنّفث فى العقد؟
وقوله:
أقبل الصبح وصاح الدّيكه ... فاسقنيها قهوة منسفكه
قهوة لو ذاقها ذونسك ... لزم الفتك وخلّى نسكه
فأهن دنياك تعززك، ولا ... تترك المال كمن قد تركه (1)
واغتنم عمرك فيها طائرا ... قبل أن تحصل وسط الشبكه
وقوله:
انظر إلى الماء حاملا لهبا ... واعجب لنار تضىء فى ماء
وقوله:
شربت درياقة لل ... هموم إذ لبستنى (2)
دبّت بجسمى فأردت ... همومه، وشفتنى (3)
قتلتها بمزاج ... وبعد ذا قتلتنى
كأنها طلبتنى ... بالثأر إذ صرعتنى
وقوله فى الزهد:
تنبه أيها الرجل النّئوم، ... فقد نجمت بعارضك النّجوم
وقد أبدى ضياء الصبح عمّا ... أجنّ ظلامه الليل البهيم
__________
(1) فى الأصل فأهن دنياك نعودلت ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الدرياق والدرياقة: الخمر
(3) فى الأصل وسفتنى ولعل الصواب ما أثبتناه(18/62)
[عنى بالضياء الرشاد، وبالصبح الشيب، وبالظلام الغىّ وبالليل الشباب].
فلا تغررك يا مغرور دنيا ... غرو لا يدوم لها نعيم (1)
ولا تخبط بمعوجّ غموض ... فقد وضح الطّريق المستقيم
__________
(1) فى الأصل دنياك والوزن يحتم ما ذكرناه.(18/63)
أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الطوبى (1)
ذكر أنه كان صاحب ديوان الرسائل والإنشاء ومن ذوى الفضائل البلغاء، طبيبا مترسلا شاعرا، وأورد من نظمه كلّ مليح الحوك صحيح السّبك فمن ذلك قوله فى الغزل:
يا قاسى القلب ألا رحمة ... تنالنى من قلبك القاسى
جسمك من ماء فما لى أرى ... قلبك جلمودا على النّاس
أخاف من لين ومن نعمة ... عليك من ترديد أنفاسى
سبحان من صاغك دون الورى ... بدرا على غصن من الآس
وقوله:
أىّ ورد يلوح من وجنتيه ... طار منّى الفؤاد شوقا إليه
فإذا رمت اجتنيه ثنانى ... عنه وقع السيوف من مقلتيه (2)
قوله فى العذار:
انظر إلى (حسن) وحسن عذاره ... لترى محاسن تسحر الأبصارا
__________
(1) الطوبى نسبة إلى قصر الطوب وهو موضع بأفريقية وقد التبس اسمه على المستشرق أمارى فقرأ اسمه «الطزى»، وقد ذكره السلفى فى كتابه معجم السفر، كما ترجم له القفطى فى إنباه الرواة، وذكره ابن دحية فى المطرب وأورد له البيتين الآتيين:
بخدك آس وتفاحة ... وسيردان فى الصفحات التالية
وأورد له السلفى البيتين الآتيين:
يا ولدا حل داخل الكبد ... خالفت أمرى فزدت فى كمدى
والله يا قوم ما عققت أبى ... فليت شعرى لم عقنى ولدى
وقد صحح اسمه المستشرق الإيطالى أمبر توريزيتانو
(2) فى الأصل فإذا رامت احتذبه تنادى. ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/64)
فإذا رأيت عذاره فى خدّه ... أبصرت ذا ليلا وذاك نهارا
وقوله فى العذار:
قام عذرى بعذاري ... هـ فما أعظم كربى!!
قلت لما أن تبدّى ... نبته: سبحان ربى!!
أحرقت فضّة خدّيك ... لكى تحرق قلبى
وقوله فى غلام عرضت بفيه حرارة:
قالوا بفيك حرارة ... فعجبت كيف يكون ذاكا
ورضاب ريقك مطفىء ... نيران أقوام سواكا
يقع لى أن المعنى حسن ولكن اللفظ مضطرب.
وقوله فى المعنى وهو أجود سبكا:
شكا لحرارة فى فيه أعيت ... معالجة فبات لها كئيبا
وكيف يصح ذا تفديه نفسى ... وبرد رضابه يطفى اللهيبا
وقوله:
مالا منى قطّ فيه ... إلّا الذى لا يراه
حتى يراه فيضحى ... مشاركى فى هواه
وقوله:
بخدّك آس وتفاحة ... وعينك نرجسة ذابله
وريقك من طيبه قهوة ... فوجهك لى دعوة كامله
وقوله:(18/65)
بخدّك آس وتفاحة ... وعينك نرجسة ذابله
وريقك من طيبه قهوة ... فوجهك لى دعوة كامله
وقوله:
ومسقمى من طرفه ... بما به من سقم
أوما لتقبيل يدى ... فقلت ما ذنب فمى؟
وقوله:
قسّم الحسن على الخل ... ق، ولكن ما أقلّه!!
فهو فى الأمّة تفصي ... ل وفى وجهك جمله
وقوله فى غلام ناوله حصرما:
اتعبت قلبى بالصدود ... ولست أيأس من وصالك (1)
فخذ الدليل فقد زجر ... ت لما أؤمل من نوالك
ناولتنى من حصرم ... فرجوت نقلك عن فعالك
إذ كان يحمض أولا ... وتراه حلوا بعد ذلك
وقوله:
يا سميى وحبيبى ... نحن فى أمر عجيب
اتفاق فى الأسامى ... واختلاف فى القلوب
وقوله:
فمه فيه لؤلؤ فى شقيق ... فوقه خاتم له من عقيق
وله فى جفونه حدّ سيف
مرهف الشّفرتين عضب رقيق
__________
(1) فى الأصل ولبس أبأس(18/66)
فإذا رمت أن أقبل فاه ... صد عما أريد خوف الطريق
وقوله فى النحول:
يا من لجسم تقضّى ... حراكه والسكون (1)
فعاد شكلا بسيطا ... تزلّ عنه العيون
يخفى على الموت لفظا ... فما يكاد يبين
فلو تجسّم يوما ... تناولته المنون (2)
وقوله فى المعنى:
رقّ حتى لا تراه ... فهو كالمعنى الخفىّ
أو كما يهجس فى الخا ... طر شىء غير شىّ
وقوله فى المعنى:
سهام اللحظ ترشقه ... فتدميه وتؤلمه
ودقّ فما تكاد ترى ... له شخصا تكلّمه
كمثل الروح ينبى عن ... حقيقته توهّمه (3)
وقوله فى غلام قبّله فقيل له سرقت الورد من خدّه، والقطع لازم فى حدّه (4):
__________
(1) فى الأصل حركة بسكون. وحركة الروى تقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل النون ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل كمثل الروح ينبى عن حقيقة توهمه.
والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(4) قطع يد السارق حد من حدود الإسلام.(18/67)
قالوا سرقت الورد فى قبلة ... من خدّ يحيى بن أبى العزّ
فقلت لا قطع على سارق ... إلا إذا استخلص من حرز (1)
وقوله:
بى سيّد جار على عبده ... وعبده باق على ودّه
يمنعنى من يده قبلة ... حذار أن ترقى إلى خدّه
وقوله فى سوداء:
تحبّك يا سوداء نفسى بجهدها ... فما لك لا تجزينها بودادها (2)
وأنت سواد العين منى ارى به ... وليس بياض العين مثل سوادها؟
وقوله فى وصف مغن:
إذا (3) غنّى يزيل الهمّ عنا ... ويأتينا بما نهواه منه
له وتر يطالب كلّ همّ ... بوتر، فالهموم تفرّ عنه
وقوله مما تكتبه الشيعة على فص أسود غروى:
أنا غروىّ شديد السواد ... وقد كنت أبيض مثل الّلجين
وما كنت أسود لكننى ... صبغت سوادا لقتل الحسين
وقوله فى فص أحمر:
حمرتى من دم قلبى ... أين من يندب؟ أينا؟
__________
(1) أى يسرق شيئا محفوظا لا مباحا.
(2) فى الأصل بحبك يا سوداء
(3) زيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/68)
أنا من أحجار أرض ... قتلوا فيها الحسينا
هو من قول الشاعر فى فص أخضر:
لا تعجبوا من خضرتى ... فإنها مرارتى
تقطّرت لما رأت ... ما صنعوا بادتى
وقوله فى وصف اللون الأخصر:
أرابك اللون له لذة ... تجلّ عن وصف ومقدار
انظر إليه، فله خلقة ... قد أحكمتها صنعة البارى
لؤلؤة فى خده ضمنت ... حقّا وقد قيّر بالقار
وقوله فى وصف لحية كبيرة:
ما إن رأيت ولا سمعت بلحية ... عرضت كلحية جعفر بن محمد
سدّت عليه وجهه فكأنّما ... عيناه فى ثقبى كساء أسود (1)
وقوله: فى اعتزاله عن الناس.
يا لائمى فى انتزاعى ... عن الورى وانقطاعى (2)
لا أستطيع على أن ... أكون بين الأفاعى
وقوله فى الخضاب:
__________
(1) فى مختصر الخريدة: عيناه ثقب فى كساء أسود
(2) الانتزاع: الامتناع والكف، يريد أنه امتنع عن المعاشرة وكف نفسه عن الاجتماع بالناس.(18/69)
يا خاضب الشّيب دعه ... فليس يخفى المشيب
حصلت منه على أن ... يقال شيخ خضيب
وقوله فى عذر الخضاب:
ما خضبت المشيب (1) للغانيات ... لا، ولكن سترته عن عداتى
حذرا أن يروا مشيبى فيبدو ... لى منهم سرورهم بوفاتى
وقوله فى ذم الخضاب:
رضيت يا خاضب الشّي ... ب خطّة ليس ترضى
سوّدت منك ثلاثا: ... وجها، وعقلا وعرضا
وفى مدح الشيب:
يا باكيا للشّباب إذ ذهبا ... بكيت فى إثر غادر هربا
الشّيب أوفى منه بذمّته ... هل فارق الشّيب قطّ من صحبا
وقوله فى المعنى:
بكى الشباب رجال بئس ما صبغوا ... والشّيب أفضل فى التّحصيل والنّظر
إن الشّباب كليل ضلّ مسلكه
والشيب كالصّبح بهدى العين للأثر
وقوله فى صفة الخشخاش:
حقّ من العاج وفى وسطه ... رقّ من اللؤلؤ منثور (2)
__________
(1) فى الأصل شيبتى، والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) الرق: الرقيق ضد الغليظ ولعها مصحفة عن كلمة (عقد).(18/70)
وقوله فى لبس بنى العباس السواد:
بنو العبّاس قد فطنوا لسرّ ... بنزعهم لمبيضّ الثياب
لئن لبسوا السواد لقد أصابوا ... لأنهم حكوا لون الشباب
وقوله فى استدعاء صديق له إلى مجلس أنس:
قد شربنا المدام من كفّ خود ... أقبلت كالهلال، والليل داج (1)
ونعمنا لولا مغيبك عنا ... بسماع الأرمال والأهزاج (2)
وعجبنا للماء يحمل نارا ... فى قنان كأنها خرط عاج
وفتاة تكشّفت للندامى ... وعجوز تستّرت بالزّجاج (3)
فاغتنم لذة الزمان وبادر ... كلّ ضيق تخافه لانفراج
وقوله فى كبير اللحية:
لحية حمدون دثار له ... تكنّه من شدة البرد
كأنها إذ غاب فى وسطها ... قطيفة لفّت على قرد
وقوله فى العناق:
لم أنس إذ عانقت بدر التمام ... فى غسق اللّيل وجنح الظّلام
كأنّنا لامان قد قوربا ... فألصق الخطّ فصارا كلام (4)
__________
(1) الخود: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة.
(2) بسماع الأوزان المختلفة من أنغام الرمل والهزج وهما بحران من بحور الشعر ولحنان موسيقيان.
(3) يقصد بالعجوز الخمر المعتقة.
(4) يريد أنه عند العناق أصبحا مثل لامين التصقا فى الخط، وفى مختصر الخريدة فألصق الخد.(18/71)
وقوله فى الخضاب:
خضبت شعرك زورا ... والشيب قد فاض فيضا
كذبت فى كل شىء ... حتى على الشّعر أيضا
وقوله فى المعنى:
صبغ المشيب بلّيه ... على الفتى ورزيّه
حصلت منه على أن ... أضحكت منى البريّه
وقوله فى البخل:
يا لائمى باشتغالى ... بحفظ ما قليل
البخل أجمل بالحرّ ... من سؤال البخيل
وقوله فى نار الفحم:
ونار فحم ذى منظر عجب ... يطرد عنه الشرار باللهب
كأنما النار مبرد جعلت ... تبرد منه برادة الذهب
وقوله فى فتى بارد:
أتيت إليه فى قيظ شديد ... فحيّانى محيّاه بثلج
فقلت عدمت عندى بادهنج ... ولكن وجه هذا بادهنج (1)
__________
(1) فى الأصل باذهنج، ولعل الصواب ما أثبتناه، وهى كلمة فارسية معناها المنفذ الذى يجىء منه الريح وسماه بعضهم راووق النسيم قال أبو الحسن الأنصارى:
ونفحة بادهنج أسكرتنا ... وجدت لروحها برد النعيم
صفا جرى الهواء به رقيقا ... فسميناه راووق النسيم(18/72)
وقوله فى بخيل.
أتيته زائرا أحدّثه ... ولست فى ماله بذى طمع
فظن أنى أتيت أسأله ... فكاد يقضى من شدّة الجزع
وقوله فى النرجس وقد أتى فيه بأربعة تشبيهات:
أريد لأشفى سقم قلبى بنرجس ... فيذبل إن صافحته بتنفسى (1)
له مقلة كالتّبر، والجفن فضة ... وقد كغصن البان، فى ثوب سندس
وقوله فى ذم مغنّ:
غنى وإن كان مقيتا فلا ... ينسبه الله إلى المقت (2)
من حمّ فلينظر إلى وجهه ... فإنّه يبرد فى الوقت
وقوله:
لا تصل من صدّ تيها ... أبدا، واستغن عنه
كن كمثل الكرم يعلق ... بالذى يقرب منه
وقوله:
يحب بنو آدم ربّهم ... ولكنهم بعد يعصونه
__________
(1) فى الأصل لأشفى قلبى بنرجس فيذبل إن صافحته بنفسى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) هكذا بالأصل والمقت هو زواج الرجل لزوجة أبيه فإذا بنى بها سمى المقنى، والمقتى أيضا هو الولد الناتج من هذا الزواج، ولعل الصواب المحت والمحت هو اليوم الشديد الحرارة، ويرجع هذا البيت التالى والمحت أيضا: العاقل الذكى،(18/73)
وإبليس قد أشربوا بغصه ... وهم بعد ذاك يطيعونه
فهذا التنافى فما بالهم ... يرون الضّلال ويأتونه (1)
وقوله فى الشيب:
أرى عينى إذا نقلت مشيبا ... يكون لها انقباض وانخفاض
كأنّ العين تشفق أن تراه ... مخافة أن يحلّ بها البياض
وقوله:
سلونا حبّه لمّا جفانا ... وكان بموضع منا شريف
كمثل الزّهر تكرمه طريّا ... ويطرح إن تغيّر فى الكنيف
وقوله:
إن أنت لم تجنح إليك الورى ... كنت بهم فى تعب متعب
ألا ترى الماء إذا لم يكن ... شاربه عطشان لم يشرب
وقوله:
احذر صديقك، إنّه ... يخفى عليك ولا يبين
إنّ العدو مبارز ... لك، والصديق هو الكمين
وقوله فى راقصة:
راقصة كالغصن من فوقه ... بدر ينير تحت ظلماء
__________
(1) فى الأصل فما لهم والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/74)
تلهب مثل النّار فى رقصها ... وهى من النعمة كالماء
كأنّما فى رجلها عودها ... وزامر يتبع بالنّاء (1)
ساحرة الرّقص غلاميّة ... منها دوائى، وبها دائى
إذا بدت ترقص ما بيننا ... يرقص قلبى بين أحشائى
وقوله فى العذار:
عذاره فى خدّه، إنه ... سبحان ربى الخالق البارى!!
معجزة يا قوم ما مثلها ... هل ينبت الآس على النار
وقوله فيه:
قلت لما كثّر الشّ ... عر عليه: عاشقيه
أحرقت فضة خدّ ... يه فغالى الناس فيه
وقوله فيه:
كأنما عذاره ... والخدّ منه الأحمر
غلالة ورديّة ... فيها طراز أخضر
__________
(1) الناى والناء هو المزمار والكلمة أعجمية الأصل معربة، ويجوز إبدال الباء فيها بالهمزة قال ابن المعتز:
ابن التورع من قلب يهيم إلى ... ساق بهيج وحسن العود والناء؟
وقال آخر:
والطير فى عذبات الدوح ساجعة ... تطابق اللحن حين العود والناء(18/75)
وقوله:
جدّر فازدادت مداجاته ... ونحن فى الحبّ له زدنا (1)
وكان كالفضة ما نقّشت ... فزادها أن نقّشت حسنا (2)
وقوله فى العذار أيضا:
يقول الآس قل لى ... علام تكثر لثمى؟
فقلت أشبهت عندى ... عذار من لا أسمّى
وقوله:
يخصّ البعيد بإحسانه ... وذو القرب من سيبه مخفق
كمثل العيون ترى مانأى ... وليست ترى ما بها يلصق
وقوله:
لا تنكرى أخلاقى الخارجه ... واختبرى أخلاقى الوالجه
فالمسك ما فى الطيب شبه له ... وإنما كسوته نافجة (3)
وقوله فى ذم مغنّ:
ومغنّ لو تغنّى ... لك صوتين لمتّا
__________
(1) المداجاة: الممانعة بين الشدة والرخاء، والمقصود أنه زاد دلالا.
(2) لعلها وكان كالفضة إن نقشت والمعنى: إنه ازداد وجهه حسنا بالتجدير كما تزداد الفضة حسنا بالنقش.
(3) النافجة: وعاء المسك والمعنى أن مظهرى لا يدل على حقيقتى كما أن الوعاء لا يدل على ما يحويه بداخله من المسك.(18/76)
سمج الخلقة غثّ ... ينحت الآذان نحتا
ويغنى ما اشتهاه ... لا يغنّى ما أردنا
كلما قال اقترح قل ... ت اقتراحى لو سكتّا
وقوله فى مثله:
غنّى كمن قد صاح فى خابيه ... لا وهب الله له العافيه
ما أحد يسمعه مرّة ... فيشتهى يسمعه ثانيه
وقوله فى مثله:
ومغنّ نحن منه ... بين أسقام وكربه
يضرب العود ولكن ... ضربه يوجب ضربه
وقوله فى مثله:
ومغنّ قد لقينا ... منه كربا وبلاء
هو من برد غناء ... يجعل الصّيف شتاء
وقوله فى مثله:
يغنى فنهوى انسداد الصّماخ ... ونبصره فنحبّ العمى
دعاه رجال إلى عرسهم ... فصيّر عرسهم مأتما
وقوله فى مثله:
لنا مغنّ، غناه ... يعود شرّا عليه
لم يأت منزل قوم ... فعاد قطّ إليه
وقوله فى العذار:(18/77)
لنا مغنّ، غناه ... يعود شرّا عليه
لم يأت منزل قوم ... فعاد قطّ إليه
وقوله فى العذار:
لمّا رأيت عذارا ... له خلعت عذارى
وبان للناس عذرى ... فما أخاف اشتهارى
كأنه لام مسك ... خطّت على جلّنار (1)
أو البنفسج فى الور ... د خضرة فى احمرار
وقوله فيه:
وعذار كأنه لام مسك ... خطّها كاتب على جلنار (1)
عجب العاذلون منه، وقالوا
طاب فى ذا العذار خلع العذار (2)
ما رأينا بنفسجا قبل هذا ... نابتا فى صحيفة من نضار (3)
وقوله فى أبخر:
مالى أرى صاحبنا (معمرا) ... قد عدم المنظر والمخبرا
تفسد ريح المسك أنفاسه ... وتبطل الكافور والعنبرا
وكل من حدّثه ساعة ... يقيم أيّاما يشمّ ال را
__________
(1) الجلنار: زهر الرمان.
(2) العذار: الشعر النابت فى وجهه، وخلع العذار بمعنى طرح اللجام، وهو معنى مجازى يرمز إلى الانطلاق فى الغواية والانهماك فى اللذات دون أن يكبحه عائق أو يمنعه مانع.
(3) النضار: الذهب.(18/78)
وقوله فى أبخر دميم الخلقة:
وأبخر فى فمه دبره ... تراه إن حدّث يفسد فمه
يخفى عن الأعين لكنّه ... يظهره النّتن ولا يكتمه
وقوله فى بارد:
لو كان فى النار لما أحرقت ... وخاف أهلوها من الفالج
وعذّبوا فوق الذى عذّبوا ... إن هو لم يطرح إلى خارج
وقوله فى مثله:
قالوا به حمّى لها صولة ... فقلت هذا كذب بيّن
قد أجمع الناس على أنّه ... ما سخن الثلج، ولا يسخن
وقوله فى تفضيل السود على البيض:
شبيهات المشيب تعاف نفسى ... وأشباه الشبيبة هنّ حور
سواد العين نور العين منه ... وما لبياضها فى العين نور
وقوله فى بخيل:
تبرّم إذ دخلت عليه، لكن ... فطنت فقلت فى عرض المقال
علىّ اليوم نذر فى صيام ... فأشرق لونه مثل الهلال
وقوله:
منجّم بكّر فى حاجة ... ونجمه فى الفلك الأعلى
حتى إذا حاول تحصيلها ... قارنت المرّيخ والدّلوا (1)
وقوله فى بعض إخوانه وقد استبطأ جواب كتابه:(18/79)
منجّم بكّر فى حاجة ... ونجمه فى الفلك الأعلى
حتى إذا حاول تحصيلها ... قارنت المرّيخ والدّلوا (1)
وقوله فى بعض إخوانه وقد استبطأ جواب كتابه:
أمثلى يا فدتك النفس يجفى ... ويصرف عنه وجه الود صرفا
كتبت فلم تجبنى عن كتابى ... ولم يعد الرسول علىّ حرفا
فآها ثم آها ثم آها ... وأفّا ثم أفّا ثم أفّا
وله من قطعة يستدعى بعض إخوانه:
عندى الذى تتمنّى ... عندى الذى تشتهيه
وما يتمّ سرور ... إلّا إذا كنت فيه
وقوله:
تأمل إنّ فى اسمك شرّ معنى ... وقد يدرى الغرائب مبتغيها
لئن سمّوك (يعلى) ما أرادوا ... بفتح الياء إلا الضمّ فيها
وقوله:
صبرت على سوء أخلاقه ... زمانا أقدر أن يصلحا
فلما تزوّج قاطعته ... لأنى تخوفت أن ينطحا
وقوله:
إذا سبّك إنسان ... فدعه يكفك الرّبّ
ولا تنبح على كلب ... إذا ما نبح الكلب
__________
(1) فى الأصل قارنه المريخ بالدلو، ولعل الصواب ما ذكرناه لأن قافية البيت الأول تعينه ولأن الإعراب يقتضى قارنت، والمريخ والدلو نجمان يرمز بهما للشؤم والنحس. والمعنى أن نجمه جعل حاجته شؤما عليه إذ صاحبتهما.(18/80)
وقوله:
يقرّب قوله لك كلّ شىء ... وتطلبه فتبصره بعيدا
فما يرجو الصديق الوعد منه ... ولا يخشى العدوّ له وعيدا
طابق ثلاثة بثلاثة فى هذا البيت، وقوله:
قاطعت عمران ولم أستطع ... صبرا على أشياء ليست تليق
فالكف إن حلّت بها آفة ... يقطعها المرء فكيف الصديق؟
وقوله فى التصوف:
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ... ولا بكاؤك إن غنّى المغنونا
ولا صياح، ولا رقص ولا طرب
ولا تعاش كأن قد صرت مجنونا (1)
بل التصوف أن تصفو بلا كدر ... وتتبع الحقّ والقرآن والدينا
وأن ترى خائفا لله ذاندم ... على ذنوبك طول الدهر محزونا
وقوله فى الزهد:
لو قلت لى أىّ شىء ... تهوى لقلت: خلاصى (2)
__________
(1) التعاشى: التغافل والتجاهل، وفى الأصل تحاش.
(2) فى الأصل قلت: والوزن واللغة يستدعيان زيادة اللام.(18/81)
الناس طرا أفاع ... فلات حين مناص
نسوا الشريعة حتّى ... تفاخروا بالمعاصى (1)
فشرهم فى ازدياد ... وخيرهم فى انتقاص
حتى يوافوا المنايا ... فيؤخذوا بالنّواصى
يا ويحهم!! لو أعدّوا ... لهول يوم القصاص!!
__________
(1) فى الأصل تغامزوا: ولعل الصواب ما اثبتناه.(18/82)
ابو الحسن على بن الحسن بن الطوبى
ذكر أنه إمام البلغاء وزمام الشعراء، مؤلف دفاتر، ومصنّف جواهر، ومقلّد دواوين، ومعتمد سلاطين، سافر إلى المشرق، وحل منه فى الأفق، وكان فى زمان المعزّ بن باديس عنفوانه وله فيه قصيدة رصّع (1) بها ديوانه:
أجارتنا شدّى حزيمك للتى
هى الحزم، أولا تعذلى فى ارتكابها (2)
وكفّى فإنّ العذل منك زيادة ... علىّ، كفى نفس الحزينة ما بها
ومنها:
فإمّا المنى أو فالمنية إنها ... حياة لبيب لم ينل من لبابها
وهل نعمة الأببؤس، وإنما ... عذوبة دنيا المرء عند عذابها
سآوى إلى عزّ المعزّ لعلّه ... سيأوى لنفس حرّة واكتئابها (3)
إليك معزّ الدين وابن نصيره ... حملت عقود المدح بعد انتخابها
وأثواب حمد حكت أبواب وشيها ... على ثقة منى بعظم ثوابها (4)
__________
(1) فى الأصل وضع، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل: شدى حريمك لكنى هى الحرم. ولعل الصواب ما أثبتناه.
والحزيم هو الوسط أو الصدر كالحيزوم، والمراد شمرى واستعدى لبلوغ غاية كريمة.
(3) سآوى إلى عز الأمير: سألجأ إليه وأسكن فى ظله سيأوى لنفس حرة: سيرق وفعله أوى يأوى أية ومأوية ومأواة: إذا رق وأشفق وفى الأصل «سيأوى كنفس حر» ولعل الصواب ما ثبتناه.
(4) فى الأصل خلت أثواب، ولعلها حكت أهداب وشيها.(18/83)
وله من قصيدة:
أجارتنا إنّ الزمان لجائر ... وإنّ أذاه للكرام لظاهر
أجارتنا إنّ الحوادث جمّة ... ومن ذا على ريب الحوادث صابر؟
ومنها:
أجيراننا إنّ الفؤاد لديكم ... لثاو، وإنّ الجسم عنكم لسائر
أأترك قلبى عندكم وهو حائر؟ ... وآخذ طرفى منكم وهو ساهر؟
كذا يغلب الصبر الجميل كما أرى ... ويخسر فى بيع الأحبّة تاجر
وله:
أعددت للدهر إن رابت حوادثه ... عزما يحلّ عليه كلّ ما عقدا (1)
وصارما تتخطى العين هزّته ... كأنما [خاف] من حدّيه فارتعدا (2)
وذابلا توضح العليا ذبالته ... كأنها نجم سعد لاح منفردا (3)
ونثرة ليس للريح المفىء بها ... إلا كما عرضت للنّهى فاطردا (4)
وسابحا لا تروغ الأرض أربعه ... كأنه ناقد مالا قد انتقدا (5)
__________
(1) فى الأصل دابت حوادثه، وفى المختصر رأيت ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الزيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(3) الذابل: الرمح الدقيق، والذبالة. الفتيلة الملتهبة.
(4) فى الأصل: الريح المفنى عرضت للبنى ولعل الصواب ما أثبتناه، النثرة: الدرع السابغة، المفىء: الراجع النهى بفتح النون وكسرها: الغدير، والمعنى أن الدرع تشبه الريح التى تمر على سطح الغدير.
(5) تروغ: تطلب، انتقد الدراهم: قبضها والمعنى: إن له جوادا يكاد يطير فوق الأرض فلا تطلب أرجله الأرض كأنه صيرفى قبض ما يريد فلا يطالب به، وفى الأصل يردع الأرض أربعة ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/84)
فداك مال متى يحرزه وارثه ... فخير ما وجد الإنسان ما وجدا (1)
وله:
سل الليل عنى هل أنام إذا سجى؟
وهل كلّ جنب مضجمى ومكانى؟ (2)
على أننى جلد إذا الضر مسّنى ... صبور على مانابنى وعرانى
وقوله فى الغزل: (1)
ما أحسب السحر غير معناها ... والعنبر الجون غير ريّاها (3)
إنّا جهلنا ديارها، فبدا ... من عرفها ما به عرفناها
كأنما خلّفت بساحتها ... منه دليلا لكلّ من تاها
لا كثب دارها فأغشاها ... ولا فؤادى يريم ذكراها (4)
ومنها:
الموت أولى متى قضيت بها ... نحبى، فمحياى فى محيّاها
وأغبط الماء حين ترشفه ... إذ كان دونى مقبّلا فاها (5)
__________
(1) وجد: الأولى بمعنى أدرك والثانية بمعنى أحب، والمعنى أن خير ما يناله الإنسان هو ما وقع حبه فى قلبه.
(2) سجا: سكن وهدأ الجنب: الناحية.
(3) الجون: الابيض أو الأسود ضد.
(4) كثب: قريب يريم: يبارح، والمعنى ليست دارها قريبة فأطمع فى زيارتها، وليس فؤادى ساليا عنها فأنساها.
(5) فى الأصل إذا كان والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/85)
ومنها:
وما ثنائى على قلائدها ... إلا بأن أشبهت ثناياها
أجزع من عتبها، ويبعثنى ... [إليه] كرها طلاب عتباها (1)
دنوّها منك من شمائلها ... وبعدها عنك من سجاياها
وله أخرى من أولها:
رأى نورها أو رأى نارها ... فلما تجلى اجتلى دارها
وقد ضرب اللّيل أرواقه ... وأرخت دياجيه أستارها (2)
فقل فى جمال يضىء الدّجى ... ويغشى النجوم وأنوارها
ومنها:
وشاطرة ردفها شطرها ... وما يبلغ الخصر معشارها (3)
ومنها:
فيالك عصرا قطفنا به ... ليالى تشبه أسحارها
ولذّات عيش مضى عينها ... فها أنا أطلب آثارها
وهاهى لم يبق منها سوى ... أحاديث أعشق تكرارها (4)
__________
(1) العتبى: الرضا: والمعنى أنه يفزع من عتابها ولكنه يسعى إليه مرغما لعله يفوز برضاها بعد العتاب، والزيادة فى البيت يقتضيها المعنى والوزن.
(2) فى الأصل أوراقه: ولعل الصواب ما اخترناه، وفى المختصر: أوتاده.
(3) الشاطر: من أعيا أهله خبثا، والمراد هنا فتاة لعوب، والشطر: النصف.
(4) هكذا فى المختصر وفى الأصل فها هى.(18/86)
قضيت الصّبا دين أو طاره ... ولم تقض نفسى أو طارها
وله من أخرى:
أما من وقفة أم من مقام ... أبثّك عنده داء دخيلا؟
جفوت فضاقت الدّنيا وكانت ... علىّ رحيبة عرضا وطولا
لعلك يا قضيب البان يوما ... تمهّد فى ظلالك لى مقيلا
أما لو كان قلبك من صفاة ... لشايعنى على حبّى قليلا (1)
ولكنى دفعت إلى حديد ... ينوّل كلّما قرع الصليلا (2)
لئن أنبطت من عينى دموعا ... لقد أذ كيت فى قلبى غليلا
فيا عجبا دموع ليس ترقى ... ووجد ليس يمكن أن يزولا
ولم أسمع بأن حيا توالى ... على أرض تزيد به محولا (3)
أين هذا من قول القاضى أبى (4) بكر الأرّجانى حيث قال وابتكر المعنى:
تروّى ضاحى الوجنات دمعى
ويعدل عن لهيب جوى دخيل (5)
وما نفعى وإن هطلت غيوث ... إذا أخطأن أمكنة المحول
__________
(1) فى الأصل: لشبعنى ولعل الأصح ما ذكرناه، وشايعه: والاه وتابعه.
(2) فى الأصل دفعت إلى جديد، ولعل الصواب ما أثبتناه ينول: يعطى.
(3) فى الأصل تولى تريد، ولعل الصواب ما أثبتناه والمعنى لم أسمع بمطر توالى نزوله على أرض فازدادت حدبا بعد نزوله.
(4) فى الأصل أبو بكر.
(5) فى الأصل: صاحى ويعذل إذا أخطأ فى أمكنة ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/87)
فالقصيب اهتز والبدر بدا ... والكثيب ارتج، والعنبر فاح
والثريا رجح الجوّ بها ... كابن ماء ضمّ للوكر جناح
فكأن الغرب منها ناشق ... باقة من ياسمين أو أقاح
وكأن الصبح ذا الأنوار من ... ظلم الليل على الظلمان صاح (1)
ثقل الراحة من كاساتها ... برداح من يد الخود الرّداح (2)
فى حديق عرّس الغيث به ... غدق الأرواح موشى البطاح (3)
يعقد الطرف أزاهير به ... ثم يعطيه أزاهير صراح (4)
أرضع الغيم ليانا بانة ... قرنت فيه بقامات الملاح
من شعر ابن سنان الخفاجى (5):
(نشأت للحسن فيهم مزنة ... أنبتت فى كل حقف غصنا)
كلّ غصن تعترى أعطافه ... رعدة النشوان من كاس اصطباح
لابس صبغة ورد كلما ... وذعت فى طرف اليوم يراح (6)
__________
(1) الظلمان: جمع ظليم وهو ذكر النعام ويضرب بها المثل فى السرعة. فكأن الظلام فر فى سرعة الظلمان أمام صيحة النهار.
(2) التمس المنعة الدائمة من كاساتها بجفنة عظيمة نتبادلها من يد فتاة ناعمة رابية الردف الرداح: الجفنة العظيمة، والمرأة الثقيلة الأوراك.
(3) عرس الغيث: أقام، غدق الأرواح: ندى النسمات، موشى البطاح: مزخرف الربوات.
(4) المعنى حينما تتجه إليه الأنظار محدقة به تصبح مثل الأزهار المتفتحة، وهو يهدى إليها أزهاره الحقيقية الفواحة بالعبير.
(5) عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجى شاعر معروف أخذ الشعر والأدب عن أبى العلاء المعرى. وكانت له قلعة فى جوار حلب تمرد بها قدس إليه الحاكم السم فمات سنة 466وله ديوان شعر مطبوع، وله كتاب سر الفصاحة مطبوع.
(6) وذع: سال، راح يراح: جرى نسيمه وخفقت ريحه، أو وجد راحة واطمئنانا يقال: راح للمعروف يراح إذا أخذت له خفة وأريحية.(18/87)
ولأبى الحسن الطوبى
خالسته نظرا (1) يحمّل بيننا ... نجوى هوى خفيت على الجلّاس
فاحمرّ ثم اصفرّ خيفة كاشح ... فعل المدامة عند مزج الكاس
وله:
أيا رب قرّب دارها ونوالها
وإلّا فأعظم إن هلكت بها أجرى
ويا ربّ قدّر أن أعيش بأرضها
وإلّا فقدّر أن يكون بها قبرى
وله:
هبنى أسأت فأين إق ... رارى بذنبى، واعتذارى؟
هلّا ثناك عن الجفا ... ء غناك عنىّ وافتقارى (2)؟
لو أن غيرك رام [بى] ... غدرا لكان بك انتصارى (3)
وله:
أرفق بعينيك، فإن الذى ... [قد (4)] ضمّنا من سقم زائد
__________
(1) قلائد العقيان ص 101دون خلاف.
(2) فى الأصل: عن الجفا والوزن يقتضى مد المقصور
(3) الزيادة يقتضيها الوزن والمعنى.
(4) زيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/88)
فكأنّ التّرب مسك أذفر ... وكأن الطل كافور رباح (1)
وكأن الروض رشّت زهره ... بمياه الورد أفواه الرّياح
أفلا تغنم عيشا يقتضى ... سيره عنك غدوّ ورواح
وإذا فارقت أيام الصبى ... فالليالى بأمانيك شحاح
وقال فى الشيب والعصا:
ولى عصا من طريق الأمّ أحمدها ... بها أقدّم فى تأخيرها قدمى
كأنها وهى فى كفى أهشّ بها ... على ثمانين عاما لا على غنمى
كأننى قوس رام وهى لى وتر ... أرمى عليها رمىّ الشيب والهره
أملح منه للمكر بل العسقلانى:
قوّس الدهر قامتى ... فاتخذت العصا وتر (2)
__________
(1) الرباح: بلد يجلب منه الكافور يقال كافور رباحى.
(2) فى الأصل: وترا. وهو تحريف.(18/88)
فاستودع اللحظ لأجفانها ... فهى مراض وهى العائد (1)
وله أيضا:
وعيش هززناه هزّ النّسيم ... قضيب الأراكة عند الهبوب
مزجناه باللهو مزج الكؤوس ... بشكوى الهوى ورضاب الحبيب
فيالك عصرا قضينا به ... حقوق الشبيبة دون المشيب
وله فى العذار:
البدر فى أزراره ... والغصن فى زنّاره (2)
وكأنما فتّ العبير على مخطّ عذاره
وله أيضا:
يا عاذلى أنت الخلىّ فخلنى ... وحشى عليه من الصّبابة نار (3)
كيف السّلوّ وكيف صبرى عند ما ... قامت بعذرى قامة وعذار؟
وله فى الخمر وغيرها من قصيده.
قضيت أوتار نفس غير مترك ... ولم أبقّ على لحق ولا درك (4)
__________
(1) لعله يريد أن يطلب منه إغماض جفنيه رفقا بالعشاق، وبصف عينيه بالسقم والأجفان بأنها هى العائد المواسى.
(2) شارة خاصة كان النصارى يلبسونها.
(3) فى الأصل من الصبا نار والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(4) فى الأصل: ولم أبقها، والوزن يقتضى ما أثبتناه، والدرك: إدراك الحاجة.(18/89)
ومنها:
وكم رددت على العذّال ما سهروا ... فى حوكه، وهو لم ينجح ولم يحك
وكم عدوت إلى الحانات منهمكا ... بكل عاد إلى اللذّات منهمك
أهين مالى وأغلى الراح دونهم
فى ظل عيش كما تهوون مشترك
ومسمعا يجمع الأسماع فى قرن ... من صوت غرّ عليه لحن محتنك (1)
وساقيا تسكب الصهباء نظرته ... إلى صريع من الفتيان منبتك (2)
غدا يصرّفها فينا ويخرجها ... فنحن وهى مع الأيام فى ضحك
والماء يحذر منها أن تطير، فقد ... صاغ الحباب عليها صيغة الشبك (3)
ومنها:
كأنها جوهر فى ذاته عرض
قد شيب منسكب منه بمنسبك (4)
__________
(1) فى الأصل: من صوت عن ولعل الصواب ما حررناه، والغر: الشاب أو الفتاة دون تجربة والمعنى أن الصوت لفتى رقيق، ولكنه يدل على خبرة وتجربة ومران كأنه صوت كهل محنك مدرب.
(2) فى الأصل: تركب الصهباء قطر به من الفتيان منتبك ولعل الصواب ما أثبتناه، والمعنى أن نظراته تثير السكر، وهو فى هذا ينظر إلى قول بشار:
هيفاء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
والمنتبك: المنقطع، ومعناها أنه انقطع عن الصحو ومالت به نشوة السكر.
(3) فى الأصل ضيعة الشبك. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل قد شيب منسبك ولعل الصواب ما أثبتناه والمعنى: امتزح جسمها السائل الشفاف بصورتها المسبوكة فى الزجاج.(18/90)
فاسمع بعينيك عنها مثل ما سمعت ... أذناك ما قيل عن نوح وعن لمك (1)
وليلة بتّها والأرض عامرة ... حولى بالجوهرين الماس والبنك (2)
ومنها فى الدبيب:
والكأس تخدعهم عنّى وقد نذروا ... بأننى غير مأمون على التّكك (3)
حتى إذا قبلوا منها ومال بهم
أخذ الكرى وتداعى كل ممتسك (4)
دببت أكتم فى انفاضهم قدمى ... كأنّنى بينهم ماش على الحسك (5)
وقد تخلّص غيّى من يدى رشدى
فيهم، وأطلق فتكى من عرى نسكى (6)
فبتّ انفذ مما حوّلوا سككا ... وكنت قدما أجيد النفذ للسكك (7)
وقد وثقت بعفو الله عن زللى ... فما أبالى بما خطّت يد الملك (8)
__________
وهو فى هذا ينظر إلى قول الشاعر:
رق الزجاج وراقت الخمر ... فتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
(1) لمك ولا مك: اسم والد نوح عليه السلام.
(2) فى الأصل حولى بالحجرتان ماس فى نبكى ولعل الصواب ما أثبتناه. البنك: طيب مشهور، والمعنى أن الأرض فى حسن المنظر وطيب الأريج.
(3) نذروا: علموا التكك: أربطة السراويل.
(4) فى الأصل: حتى إذا أقبلوا ولعل الصواب ما أثبتناه قبلوا الكأس من يد الساقى أخذوها منه، أخذ السكرى: تأثيره، يقال أخذت فيه الخمر إذا أثرت فيه.
(5) الأنفاض: ما سقط من الورق والثمر، وفى الأصل أنفاسهم ولعل الصواب ما أثبتناه
(6) فى الأصل وقد تخلص عنى.
(7) فى الأصل مما خولوا حولوا الشيء: جعلوه مستحيلا، والمعنى، لقد نلت منهم ما حرصوا على صيانته حتى جعلوا نيله مستحيلا، والسكك: الطرق أو الأزقة، الفذ فى الشىء: الولوج فيه.
(8) فى الأصل ما خطب والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/91)
وله أخرى فى الخمر:
وصهباء كالإبريز تبصر كأسها ... من اللّمع فى مثل الشراع الممدّد
كما خفّ نور البدر من حول هالة
وفاض لهيب الشوق من قلب مكمد
إذا ما احتذتها راحة المرء أمسكت ... بهدّاب ظل من سناها مورّد (1)
وإن ناولتها بالمزاج يد علا ... لها زبد مثل الدّلاص المسرّد (2)
إذا ما تبدّى تحسب العين أنّه ... نجوم لجين لحن فى أفق عسجد (3)
وله:
حيّا بريحان، وقد ... حصر اللسان فناب عنه (4)
وفهمت من معكوسه ... تأخير ما أبغيه منه (5)
أحسن من هذا ما طالعته من مجموع فى الأترج:
أترجّة قد أتتك تهدى ... لا تقبلنها وإن سررتا
لا تهو أترجّة فإنى ... رأيت مقلوبها هجرتا
عدنا إلى شعر ابن الطوبى، نبذ منه فى الأوصاف والتشبيهات، له فى وصف الثريا:
__________
(1) هداب الشىء: أطرافه.
(2) الدلاص: الدرع الملساء اللينه، المسرد المنسوح نسجا محكما رقيقا.
(3) اللجين: الفضة، العسجد: الذهب.
(4) حصر اللسان: أدركه العى فلم يستطع الإبانة.
(5) فى الأصل من أبيعه ولعل الصواب ما أثبتناه ومقلوب ريحان هو ناحير وهو تصحيف تأخير.(18/92)
أنظر إلى الأفق كيف بهجته ... وللثريا عليه تنكته (1)
كأنها وهى فيه طالعة ... قميص وشى وتلك عروته
وله فى الخضاب ومدحه:
بعيشك ما أنكرت من ذى صبابة
تحيّل فى ردّ الصبا فأعاده
هب الشيب فى خدّى بياض أديمه ... زمان شبابى فى الخضاب سواده
وله فى العذار:
قدّ من الأغصان يشرق فوقه ... وجه عليه بهجة الأقمار
وكأن ممتدّ العذار بخده ... ليل أمرّ على ضياء نهار
وله:
يا حبذا كأس يكون بها ... ريق كأنّ ختامه مسك
باتت تعلّلنى بها، وبه ... حسناء ما فى حسنها شكّ
هاتيك كالدنيا، فلا أحد ... إلا لها بفؤاده فتك
وقوله فى العذار:
قال العذول التحى، فقلت لهم ... حسن جدبد قضى بتجديد
أما ترى عارضيه فوقهما ... لام ابتداء ولام توكيد
__________
(1) تحدث فيه نكتة أى أثرا أو لونا مخالفا لبقيته، وفى الأصل شكته وهو تحريف.(18/93)
وله يصف الكأس والحباب:
يا حبذا كأس بدت فوقها ... حبابها (1) زهراء ما تذهب
أدارها السّاقى فردّ الضّحى ... وانجابت الظلماء والغيهب
فقلت للشّرب انظروا واعجبوا ... من حسن شمس وسطها كوكب
وله يصف قوّادا بحسن الصناعة:
وأحور مائل النظرات عنّى ... دسست إليه من يسعى وسيطا
فجاء به على مهل وستر ... كما يستدرج اللهب السّليطا
__________
(1) فى الأصل حاته زهرا. الحباب الفقاقيم التى تطفو على الكاس، الزهراء: المرأة المشرقة الجميلة أو سحابة بيضاء تبرق بالعشى ما تذهب: لا تزول، أو تذهب من أذهب بمعنى موهه بالذهب.(18/94)
أبو محمد عبد العزيز بن الحاكم
عمر بن عبد العزيز المعافرى، وصفه بالبراعة، فى الصناعة، والمهارة، فى العبارة، والتنزه فى رياض الرياضات، والتنبه فى سحريات السّحريّات (1)
وأورد له ما اخترت منه قوله فى العذار:
فيه للعين منية واعتذار ... حين أبدى البديع منه العذار
فات حدّ القياس إذ صيغ ماء ... وسط درّ مركّب فيه نار
وقوله من الأوصاف:
انظر إلى الزّهرة والمشترى ... إذ قابلا البدر يريك العجب (2)
قد أشبها قرطين قد علّقا ... فى جانبى تاج صقيل الذّهب
وله:
وكأنّ البدر والمرّيخ إذ وافى إليه
ملك توقد ليلا ... شمعة بين يديه
وله فى القناعة:
أنا لعمرى يئست ... من الغنى فاسترحت
وقد قنعت، فحسبى ... من الغنى أن قنعت (3)
__________
(1) السحريات جمع سحرية نسبة إلى السحر بمعنى ساحرة، والسحريات: جمع سحرية بفتح السين، وهى الوقت السابق للصباح، والمعنى التيقظ فى ساحرات الأسحار.
(2) فى الأصل يريكا العجب وهو تحريف.
(3) قنع الأولى: بمعنى زهد، وقنع الثانية: بمعنى رضى(18/95)
أبو الحسن على بن أبى إسحق
إبراهيم ابن الوردانى، وصفه بالنفاسة والرياسة، ومن شعره قوله يصف ليلة (1):
من يشترى منّى النجوم بليلة ... لا فرق بين نجومها وصحابى؟
دارت على فلك السماء، ونحن قد ... درنا على فلك من الآداب
وأتى الصباح فلا أتى!! وكأنّه ... شيب أطلّ على سواد شباب
وله فى المشيب:
وبرغمى لمّا أتانى مشيبى ... قلت أهلا بذا الضحوك القطوب
ولعمرى ما كنت ممن يحييّ ... هـ ولكن تملّق المقلوب (2)
كان فى عهد ابن رشيق وبينهما مكاتبات
__________
(1) أورد له هذه المقطوعة صاحب المختصر من الكتاب المنتحل من الدرة الخطيرة.
(2) فى مختصر الخريدة.
ولعمرى ما كنت ممن يحب الش ... يب لكن تملق المغلوب(18/96)
ابو القاسم احمد بن إبراهيم الودانى
له:
ترفّق بنفسك لا تضنها
بحرص فحرصك لا ينفع
فكم عاجز واسع ماله
وكم حازم فقره مدقع(18/97)
ترفّق بنفسك لا تضنها
بحرص فحرصك لا ينفع
فكم عاجز واسع ماله
وكم حازم فقره مدقع
أبو عبد الله محمد بن على بن الصباغ (1) الكاتب
كان فى عهد ابن رشيق وبينهما مراسلات، ذكر أنه ناظم ناثر له:
وليل قطعناه بأخت نهاره ... إلى أن أماط الصبح عنه لثامه (2)
إذا ما أردنا أن نشب لقاصد ... ضراما، سكبناها فقامت مقامه
ليالى نوفى اللهو منا نصيبه ... ونعطى الصبى ممّا أراد احتكامه (3)
وله:
قومى الذين إذا السنّابك أنشأت ... دون السحاب سحائبا من عثير (4)
برقت صوارمهم وأمطرت الطّلى ... علقا كشريان الحيا المتفجر (5)
الواترين فلا يقاد وتيرهم ... والفاتكين بحمير وبقيصر
والمانعين حماهم أن يرتعى ... والحاسمين لكل داء يعترى
وله:
لا يخدعنك حب ... يطول منه السكوت
فالزّند يضمر نارا ... وهو الأصّم الصّموت (6)
__________
(1) فى الأصل الصباع، والتصحيح عن أمارى.
(2) فى الأصل ناخب نهاره والمقصود بأخت النهار هى الخمر المشعشعة.
(3) فى الأصل: ونعطى الصبا ما أراد، والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(4) العثير: الغبار الذى تثيره حوافر الخيل.
(5) الطلى: بضم الطاء الأعناق العلق، الدم الغليظ.
(6) فى الأصل والمختصر وهم الأصم، والوزن والمعنى يقتضى ما أثبتناه.(18/98)
وكتب إليه أبو على بن رشيق (1) عند وصوله من القيروان إلى مازر فى أول رسالة:
كتاب من أخ كشفت ... قناع ضميره يده
تذكر منزلا رحبا ... وعذبا طاب مورده
وكان يطير من شوق ... إلى عهد يجدّده
فكتب إليه فى جوابه:
أح بل أنت سيّده ... على ما كنت تعهده
بودّ غير محتاج ... إلى شىء يؤكّده
لعل الله بالّلقيا ... كما يختار يسعده
وله فى وصف ذكى:
أذكى الورى كلّهم، وأعلمهم ... فما ترى مثل لبّه لبّ
يوضح بالفهم كلّ مشكلة ... كأنما كلّ جسمه قلب
__________
(1) هو أبو الحسن بن رشيق الكاتب الناقد الشاعر صاحب كتاب العمده(18/99)
الأمير مستخلص الدولة عبد الرحمن بن الحسن الكلبى (1)
له فى بعض الكتاب:
نحن كلانا يضمنا أدب ... حرمتنا فيه حرمة النسب
فعدّ عمن معناك خالفه ... فى كل فنّ تسلم من التعب
واجنح إلينا، فإنّ ألفتنا ... تدفع باليمن حرفة الأدب
وقوله:
قلت يوما لها وقد أخرجتنى ... قولة ما قدرت أنفكّ عنها
أشتهى لو ملكت أمرك حتّى ... آمر الآن فيك قهرا وأنهى
فبكت ثم أعرضت ثم قالت ... خنتني فى محبة لم أخنها (2)
قلت إن أنت لم تجودى بوصل ... فالمنى ما عليك [لو نلت] منها (3)
__________
(1) أسرة الكلبيين رأسها الحسن بن على بن أبى الحسين الكلبى استطاع أن يخمد الفتن القائمة بصقلية وكان مواليا للفاطميين وتلقى معونتهم، واستمر حكم هذه الأسرة فى جزيرة صقلية نحو مائة عام ابتدأت سنة 336هـ.
(2) فى الأصل خنتبى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل فالمنى ما عليك منها والزيادة أو مثيلها يحتمها الوزن والسياق.(18/100)
الأمير ابو محمد القاسم بن نزار الكلبى
وذكر أنه كان مقيما بمصر وتولى شرطتها وله:
عضّ تفاحة وناولنيها ... آه منها!! وآه من مهديها!!
فإن اشتقت منه طيب ثنايا ... هـ أقبّل مواضع العضّ فيها
وله:
إنى متى يجفو الحبي ... ب وصلت جفوته ببين
ومنعت عينى أن ترا ... هـ ولو رأته فقأت عينى
وجعلته بفعاله ... فى العين مثل قذاة عين
ووضعته دون الحضيض لو أنّه فى الفرقدين
وقطعته لو كان يشبه أحمد بن أبى الحسين (1)
__________
(1) لعله يقصد الأمير أحمد بن الحسن بن على بن أبى الحسين وهو المؤسس الثانى لحكم أسرة الكلبيين بصقلية، بل يعتبر دعامة ملكهم فقد استطاع أن يعقد عهدا مع المعز الدين الله الفاطمى وهو بإفريقية قبل فتحه مصر ثبت به دعائم الحكم بعد اضطرابه.(18/101)
ابو على احمد بن محمد بن القاف الكاتب
له:
ولما رأيت الناس لا خير عندهم ... صددت وبيت الله عن صحبة الناس
وصرت جليس الفكر ما دمت فيهم
وأعملت حسن الصبر فيه مع الياس
وله:
سأكرم نفسى جاهدا وأصونها ... وإن قرّحت من ناظرىّ جفونها
ولست بزوّار لمن لا يزورنى ... ولا طارحا نفسى على من يهينها
وله:
إذا ما أراد المرؤ إكرام نفسه ... رعاها ووقّاها القبيح وزينّا
وإن هو لم يبخل بها وأهانها ... ولم يرعها كانت على الناس أهونا
وله فى إفشاء السر:
حديث خلىّ بهمّ ... رجوت منه انفراحى
وكان سرّى لديه ... كالنار والليل داج
وله:
أيها الخائف المكا ... ره وطّن لها الحشا
ربّ أمر كرهته ... نلت فيه الذى تشا(18/102)
أيها الخائف المكا ... ره وطّن لها الحشا
ربّ أمر كرهته ... نلت فيه الذى تشا
اخوه ابو العباس بن محمد بن القاف
له:
يا تائها بجماله رفقا!! ... أنت الذى عذبتنى عشقا
وزعمت أنك لا تكلّمنى ... عشرا، فمن لك أننى أبقى؟
وله:
وسقانا الراح ساق ... ما له فى الحسن ندّ
فهى فى الكأس أقاح ... وهى فى خدّيه ورد
وله:
أموالكم فى النجم إن رمتها ... ولا تقرّون الجفا والأذى (1)
وتكرهون الهجو منّى لكم ... هيهات ما تسمح نفس بذا
__________
(1) فى الأصل: أن رمتم ولا تعدون ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/103)
حيث الدماء مدام، والقنا زهر
والقوم صرعى بكاس الحتف قد سكروا
ومما ينسب إليه:
ووعدتنى وعدا حسبتك صادقا ... فجعلت من طمعى أجىء وأذهب
وإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس ... قالوا مسليمة (1) وهذا أشعب (2)
وكان مشهورا بالهجاء، وله فى الشريف فخر الدولة النقيب وفى رقبته غدة:
بلع الأمانة فهى فى حلقومه ... لا ترتقى صعدا ولا تتنزل
وقال فى الوزير البابلى وقد احترقت ترقوته وصارت رقبته تسيل:
إن الوزير أبا على لم يزل ... للنيل لا لوزارة مخلوق
(مخلوق مرفوع جعله خبر إنّ: أى أن الوزير مخلوق لم يزل لكذا لا لكذا).
وكأنه صنم الجماد إذا مشى ... وعذاره فى خدّه محلوق
__________
(1) فى نفح الطيب فإذا اجتمعت، وفى بعض رواياته فإذا جمعت. مسيلمة بنى حنيفة الذى ادعى النبوة فى أواخر أيام النبى عليه الصلاة والسلام واشتهر باسم مسيلمة الكذاب وقضى على فتنته المسلمون فى عهد أبى بكر رضى الله عنه.
(2) أشعب المشهور بالطمع والجشع ويضرب بتطفله الأمثال، وله نوادر مشهورة فى كتب الأدب. راجع نهاية الأرب ج 4ص 3725.(18/104)
القائد ابو الفتوح
ابن القائد بدير المكلانى سند الدولة حاجب السلطان
له:
ليس فى الدنيا سرور ... إنّما الدنيا غموم
وإذا كان سرور ... فقليل لا يدوم
تركها أفضل منها ... ذا بهذا لا يقوم(18/104)
ليس فى الدنيا سرور ... إنّما الدنيا غموم
وإذا كان سرور ... فقليل لا يدوم
تركها أفضل منها ... ذا بهذا لا يقوم
ابو الحسن على بن عبد الجبار بن الودانى
من شعره:
لحا الله الفراق، وما أقاسى ... من البين المشتّت والبعاد
فألف روحنا بلطيف معنى ... وفرّقت الهياكل فى البلاد
لئن بعدت نفوس من نفوس ... لأنتم نور عينى فى فؤادى(18/105)
لحا الله الفراق، وما أقاسى ... من البين المشتّت والبعاد
فألف روحنا بلطيف معنى ... وفرّقت الهياكل فى البلاد
لئن بعدت نفوس من نفوس ... لأنتم نور عينى فى فؤادى
ابو الحسن بن ابى الحسن (1)
من أهل الفران (2) وسبق ذكر والده وعمه، له:
يا قانطا من حاله ... إنّ القنوط من البليّه
لا تيأسنّ من الغنى ... لله ألطاف خفيّه
__________
(1) ما بين القوسين زيادة من مختصر الخريدة ولعل أبا الحسن بن أبى الحسن هو ابن أبى الحسن على بن الحسن بن الطوبى، وعمه هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الطوبى، وقد سبق ذكرهما فى ص 56، 79أما أبو الحسن على بن الجبار بن الودانى فلم يسبق ذكر أبيه ولا عمه
(2) كذا بالأصل ولعلها القيروان، ويؤيد هذا أن عمه كان من شعراء بلاط المعز بن باديس فترة من الزمن، وله فيه مدائح كثيرة.(18/106)
أبو على بن حسين بن خالد الكاتب
له:
وشادن قدّ قميص الهوى ... فى حبّه، ما عنه لى مذهب
كأنما الصّدغ على خدّه ... ياقوتة تلبسها عقرب
وله:
لا تحاول من يزيد ... فضله، واستغن عنه
ربما عضّك كلب ... إن طلبت العظم منه(18/107)
لا تحاول من يزيد ... فضله، واستغن عنه
ربما عضّك كلب ... إن طلبت العظم منه
أبو بكر محمد بن سهل
الكاتب المعروف بالرزيق، له:
ضرائب النّاس وأخلاقهم ... شتّى ضروب عندما تخبر
منها الذّلال العذب إن ذقته ... يوما، ومنها الآجن الأكدر
فالخير فيهم ثمد آجن ... والشر فيهم حصرم يزحر (1)
[وله:
وفوارة ثأرها فى السماء ... فليست تقصّر عن ثارها (2)
تردّ على المزن ما أسبلت ... إلى الأرض من صوب مدرارها]
__________
(1) الثمد: الماء القليل، الآجن: الماء المتغير الطعم والرائحة.
يزحر: يطلق البطن والأمعاء.
(2) ما بين القوسين زيادة نسبها إليه صاحب المختصر.(18/108)
أبو الفضل مشرف بن راشد
له:
سرت ورداء الليل أسحم حالك ... ولا سائر الّا النجوم الشّوابك
عشيّة أعشى الدمع إنسان مقلتى ... ونمّت بأسرارى الدموع السوافك
وطاف الكرى بالطرف وهو محجّب ... كما طاف بالبيت المحجّب ناسك
سرت موهنا ثم استبانت فودّعت ... يجاذبها حقف من الرمل عاتك (1)
به غصن بان أثمر البدر طالعا ... عليه قناع من دجى الليل حالك
غريبة حسن يحسن الهجر عندها ... وأعجب بها محبوبة وهى فاتك
وأحور مكحول المدامع عاقنى ... عن الصبر فاستولت عليه مهالك (2)
رعى الله أكناف الجزيرة أن رعى ... سوائمها ماضى الغرارين باتك (3)
يشيد أعاديه الحصون منيفة ... وهل منع الأفشين ما شاد بابك (4)
وإنى لآتى الحقّ فيما أقوله ... وما أنا فيما يعلم الله فانك (5)
__________
(1) الحقف: المعوج من الرمل، العاتك المرتج أو المتثنى، وفى الأصل ثم استأت فودعت، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الضمير فى قوله فاستولت عليه يعود على الضمير
(3) فى الأصل «سوائمها الغرارين فانك» والوزن والسياق يقتضيان ما أثبتناه.
(4) بابك الخرمى ادعى الألوهية وقام بثورة عارمة فى شمال بلاد الفرس. وأباح لأتباعة المحرمات وسائر اللذات فاتبعه شذاذ كثيرون واعتصم بالجبال الشامخة وأرسل إليه الخليفة المأمون والمعتصم جيوشا عدة لم تستطع معه غناء ثم رماه المعتصم بقائده الأفشين فاستطاع أن يقضى على ثورته وأن يحمله أسيرا إلى المعتصم فقتله سنة 221هـ ويبلغ عدد من قتلتهم بابك، 50ر 25نسمة، وكان فى أسره 7600أسير من المسلمين.
(5) فانك: كاذب، وفى الأصل فاتك وهو تحريف.(18/109)
شهدت لقد حاز العلا بيمينه ... غداة تصدّاه الرّدى وهو ضاحك
ليوث وغى أذكت خلال ضلوعها ... لهيبا أثارته لهنّ الحسائك (1)
ومنها يصف القتلى وطابق أربعة بأربعة فى بيت واحد:
فاقصاهم رضوان عن روح جنّة ... وأدناهم من نفحة النار مالك (2)
وأنا أقول: إن كان قد طابق، ولكن فى البيت اضطراب بيّن، من قبل المقابلة، فأمعن النظر فيه.
وله من أخرى:
للتلاقى يهون ما قد ألاقى ... من سهاد وعبرة واشتياق
لو تخلصت للّقاء لأطفأ ... ت غليلى بدمعى المهراق
[فدموع الفراق كالنّار حرّى ... وكذا ضدّها دموع التلاقى
كنت فى غبطة وطيب حياة ... لو وقانى من سطوة البين واق
كم قطعت الدجى بوصل حبيب ... وسّع العيش منه ضيق العناق] (3)
آه من صبوتى التى لم تدعنى ... نازعا عن صبابة العشّاق (4)
وله من أخرى:
أيها الغصن لن بعطفيك عطفا ... وليكن منك للقطيعة رفض (5)
__________
(1) فى الأصل: أنارته لهن الحسابك، ولعل الصواب ما أثبتناه، والحسائك: الأحقاد والأضغان.
(2) فى الأصل وأدناهم عن نفحة النار. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) نسب هذه الأبيات الثلاثة صاحب مختصر الخريدة إلى الشاعر السابق أبى بكر محمد ابن سهل.
(4) فى الأصل نازعا من، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) فى الأصل لن يعطفك غصن، ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/110)
واجز ودّى بمثله، ودع السخط، ... وعد للرضى فللختم فضّ
يا شقيق الفؤاد حكمك جور ... لك منّى حب ولى منك بغض
نم هنيئا، فما دنا من جفونى ... مذ تناءيت عن جفونى غمض
غير أنّى إذا تأخّر حظى ... منك، والدّمع واكف مرفضّ
كان لى مدح صاحب الخمس إبرا ... هيم حظّا له على العجز حضّ (1)
وله:
ما للحبيب وما لى؟ ... تفديه نفسى، ومالى
أريد عنه سلوّا ... فإن بدا لى بدا لى (2)
[وله] (3):
بثناياك العذاب ... لا تطل فيك عذابى
كن رحيما بى رفيقا ... واجعل الوصل ثوابى
لا يغرنّك صبرى ... واحتمالى منك مابى
فالأسى بين ضلوعى ... والضنا بين ثيابى
وقوله فى ذم مغن
غنّى فكدّ وعنّى ... منى فؤادا معنى
فقلت ماذا غناه ... فنحّ بالله عنّا
__________
(1) فى الأصل (له على الفجر). ولعل الصواب، ما أثبتناه.
(2) فإن بدالى: فإن ظهر لى، بدالى: نشأ لى رأى جديد والمعنى أننى أصمم على هجره فإذا ظهر أمامى تبدد عزمى وتغير تصميمى.
(3) زيادة يقتضيها السياق.(18/111)
وله:
ما روضة بالحزن ممطورة ... لم تنتهبها أعين الناس (1)
بكى عليها الغيث فاستضحكت ... عن نرجس غضّ وعن آس
أحسن من وجه أبى طاهر ... وإن رمى قلبى بوسواس
وله فى صفة الليل الطويل:
وليل كأنّ الحشر أول ساعة ... به، بتّه والصبر ليس بنافعى
غنائى به لحن الثّقيل من الأسى
وشربى عليه من كؤوس مدامعى (2)
فيالك من ليل أضاق مذاهبى
وإن بتّ فى ثوب من الحزن واسع (3)
__________
(1) الحزن موضع لبنى يربوع بالجزيرة العربية فيه رياض يضرب بها المثل، وفى الأمثال العربية «من تربع الحزن، وتشتى الصمان وتقيظ الشرف فقد أخصب».
(2) فى الأصل: وشربى وإن أطمن عليه كئوس مدامعى. ولعل الصواب أو قريبا منه ما أثبتناه.
(3) فى الأصل: أضاف مذاهبى. ولعل الصواب ما أثبتناه،(18/112)
سليمان بن محمد الطرابلسى
ذكر أنه سافر إلى أفريقية وانتقل إلى الأندلس وتوطنها واتخذها لمخالطة ملوكها سكنا، ومن شعره قوله من قصيدة:
نبهته لمّا تغنى الحمام ... ومزّق الفجر قميص الظّلام
وقلت قم يا بدر تمّ أدر ... فى فلك الّلهو شموس المدام
فقام نشوان، وشمل الكرى ... له بجفنى مقلتيه التئام (1)
ومجّ فى الدّن حلوقيّة ... عتّقها فى الدّنّ طول المقام (2)
لاحت تحاكى ذهبا خالصا ... دار من الدّرّ عليها نظام
بنت عناقيد إذا خامرت ... شيخا أعارته مجون الغلام
يا هل لعيشى معه أوبة ... تعيد فى وجه حياتى ابتسام
وله من قصيدة:
أجر جفونى من دمع ومن سهر ... وأضلعى من جوى فيهن مستعر
جرى علىّ بما شاء الهوى قدر ... يا قوم ما حيلة الإنسان فى القدر؟
ما كنت أحسب دمعى سافكا لدمى
حتى أبحت لعينى لذّة النظر
__________
(1) فى الأصل وسمك الكرى له يرتعى مقلبه ولعل ما أثبتناه أو قريبا منه هو الصواب.
(2) نسبة إلى الخلوق وهو ضرب من الطيب.(18/113)
رميت نبلا أصابتنى، فلست أرى ... يوما أعاود ذاك النزع فى وترى
وله:
سبحان من صاغ الأنام بقدرة ... منه، وأفرد بالملاحة جعفرا
جمل المحاسن كلّها مجموعة ... فى وجهه كالصيد فى جوف الفرا (1)
__________
(1) الفرا: حمار الوحش.(18/114)
ابن شرف أبو عبد الله محمد بن أبى سعيد (1)
ابن أحمد بن شرف الجذامى القيروانى وأظنه والد جعفر وقد أوردنا شعره، هو أقدم عصرا من الذين أوردناهم، وكان فى عصر ابن رشيق، والجميع متقاربو العصر، طالعت مصنف محمد بن شرف الموسوم بأبكار الأفكار ومن منثور كلامه فيه: أذى البراغيث إذا البراغيث (2) برا (3) عليل برانا (4) وأثرى فقير ثرانا وتاريخ ذلك انصرام ناجر (5)، وقد بلغت القلوب الحناجر، بحمارّة (6)
أحمرت لها خضرة السماء، واغترت مرآة الماء، حتى انهلّ طالع وسمىّ (7) وتلاه تابع ولىّ (8) دنا فأسّف، ووكف (9) فما كفّ، فما فتئ ثرّا قطره (10)،
__________
(1) أبو عبد الله محمد بن أبى سعيد بن أحمد بن شرف كاتب مترسل وشاعر رقيق وناقد بارع، ولد بالقيروان ونشأ نشأة أدبية فألحقه المعز بن باديس بديوانه وخاصته، ثم رحل إلى صقلية ومنها إلى الأندلس وتوفى بإشبيلية سنة 461هـ وكان أعور، وله مقامات نثرية نشرت باسم أعلام الكلام وهو اسم كتاب مفقود له، وله كتاب أبكار الأفكار وهو مختارات من شعره ونثره.
(2) البرا: التراب. غيث الحقل أصابه الغيث والمعنى: يكثر أذى البراغيث حين يشتد هطول الأمطار.
(3) مسهلة من برأ، وبرأ من المرض: (بفتح الراء) لغة أهل الحجاز وبرىء عنه لغة بقية القبائل.
(4) البرا هنا بمعنى الثرى.
(5) ناجر: علم يطلق على كل شهر من شهور الصيف، وفى الأصل باحر وهو تحريف.
(6) الحمارة (بالتشديد والتخفيف): شدة الحر.
(7) الوسمى: مطر الربيع الأول لأنه يسم الأرض بالنبات.
(8) الولى: المطر بعد المطر.
(9) وكف: هطل.
(10) فى الأصل فما فتىء ثرنار أقطره.(18/114)
أبو الفتح محمد بن الحسين بن القرقورى (1) الكاتب
أثنى على نظمه ونثره كثيرا، وذكر أنه كان قدره كبيرا، له:
حسب العواذل ما قد مرّ من عذلى ... شغلن بى، وأنا عنهنّ فى شغل
يسمننى النسك لا يسأمن معتبتى
ولا وحقّ الصّبا ما النسك من عملى (2)
هيهات خامرنى خمر العيون، كما ... تخامر الخمر عقل الشّارب الثّمل (3)
إن العيون نفثن السحر فى عقدى ... سحرا يوهّن كيد الفاتك البطل
وله:
بلا مرية إن العذول لمسرف ... غداة اغتدى فى مجهل اللوم يعسف
أطال صحيحا من ملامة مدنف ... وشتّان فى أمر صحيح ومدنف
فيا طيبها من كفّه إذ يديرها ... ويدنى ثناياه إلىّ فأرشف
رضاب: أبن لى ما بردت ببرده ... غليلى أم ماء زلال وقرقف (4)
ووجهك أم صبح، وفرعك أم دجىّ
ولحظك أم عضب الغرارين مرهف (5)
__________
(1) فى المكتبة الصقلبية القرقورى، ولعله منسوب إلى القرقور بمعنى السفينة.
(2) فى الأصل. لسبنى النسك لابسا من معتبتى ولعل الصواب ما أثبتناه، المعتبة: الملامة وسامه الأمر: كلفه إياه.
(3) فى الأصل الشامل الثمل، وهو تحريف.
(4) القرقف: الخمر يرعد شاربها.
(5) الغرار: حد الرمح أو السهم أو السيف.(18/115)
فيا زهرة الدنيا التى ليس تجتنى ... من الصون، إلّا بالعيون وتقطف
تقاسمك الضّدان شطر مثقّل ... يحمّل أعباء وشطر مخفّف
أقلبى الذى راع العذول اضطرابه ... فأقصر عنى، أو جناح يرفرف
ضلال رجاء العاذلين إنابتى ... وإن قيدونى جاهلين وعنّفوا
وفى المخلص:
وماذا عليهم أن أجود بتالدى ... وأفنى طريفى قبل يومى وأتلف (1)
لهم ما اقتنوا فليحرصوا فى ادّخاره ... ولى كنز شعر لا يبيد و (يوسف) (2)
__________
(1) فى الأصل نومى ولعل الصواب ما أثبتناه ويقصد يوم انتهاء عمره. وقد تكون:
قومى. بمعنى موتى يقال نامت الشاة: ماتت، والنائمة: الميتة.
(2) المقصود أبو الفتح يوسف بن أبى الحسين الملقب بثقة الدولة وهو الحاكم الرابع من أسرة الكلبيين بصقلية، وقد ضبط الحكم بعد اضطرابه، وأبلى فى جهاد الروم بلاء حسنا وظهر من جوده وكرمه على سائر الناس ما لا يحيط به وصف كما يقول ابن خلدون وكان بلاطه فى بلرم مقصد العلماء والشعراء والأدباء والشاعر فى هذا البيت يتخلص من الغزل إلى المديح كعادة الشعراء.(18/116)
أبو عبد الله محمد بن الحسن
ابن القرنى الكاتب، وذكر أنه منجم حاسب كاتب له فى وصف الغرق ينضج جسمى على الفراش لما ... بالقلب من لوعة ومن حرق
بعارض يستهل واكفه ... علىّ واش بالوابل الغدق (1)
مثل غريق نجا بمهجته ... وكابد الموج خشية الغرق
__________
(1) يريد الشاعر أن يعبر بأن الواشى يستنزل عليه واكف النوائب، وقد جعل الفعل يستهل متعديا مع أنه لازم.(18/117)
ابو القاسم هاشم بن يونس
الكاتب، ذكر أنه كان صاحب ترسل ومقامات وملح وروايات وله من قصيدة:
ألّمت بنا والليل سود ذوائبه ... تطالعنا راياته ومواكبه
وبين سواد الليل أبيض ماجد ... تمر لديه ساجدات كواكبه
على حين نام الليل وانتبه (1) الهوى ... وأونس مغناه وأوحش راكبه
ولما بدا طيف البخيلة سامحت ... بوصل ولا وصل لمن هو طالبه
عجبت لدان وصله، وهو نازح ... كأنى على بعد الديار أقاربه
بعيد. قريب فى الفؤاد محلّه ... فدارتنا تنأى ونحن نصاقبه (2)
وبتنا ونار الحب تضرم بيننا ... ودمع الهوى يهمى على الخدّ ساكبه
أقبّله طورا وطورا أضمّه ... وأعرضت عن دهرى فلست أعاتبه
وفارقنى عند الصباح برغمه ... وكل عطاء النوم فالصبح سالبه
وله من أخرى:
وأغيد مجدول القوام مهفهف ... دعانى فلم ألبث ولم أتخلّف
فلما استمر الحب بينى وبينه ... وفيت له بالعهد فيه ولم يف
__________
(1) وردت حروف هذه الكلمة فى الأصل غير منقوطة، وقد صححناها بما يناسب المقام.
(2) فى الأصل (قد أرتنا إنه ونص نصا فيه) ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/118)
ومنها:
أكل خليل هكذا غير مسعف ... وكلّ حبيب فى الهوى غير منصف
نعم كلّ مسدول الغدائر غادر ... وكل لطيف الكشح ليس بملطف
ومنها:
ويوم كأن الشمس فيه عليلة ... لها من وراء السّجف نظرة مدنف
جمعت الهوى فيه لأبيض جائد ... علىّ ببكر من ثناياه قرقف (1)
وصحب سمت بى همة فصحبتهم ... فمن متلف مالا وآخر مخلف
ومنها:
ويوم تنادوا: من يجير من الردى؟ ... وما لخيول القوم من متصرّف
وقفت أبا نصر تكفكف عنهم ... وتطعن بالخطّىّ أشرف موقف
ومنها:
لقاء أعاد وامتطاء مطيّهم ... وتقليب هندى وهزّ مثقّف (2)
أحبّ إليه من مدام وقينة ... وأحور معشوق الشمائل أهيف (3)
وله:
رب ليل سواد ... كسواد الذوائب
__________
(1) فى الأصل، ماجد على تنكر من ثناياه ولعل الصواب ما أثبتناه القرقف: الخمر.
(2) الهندى: السيف، والمثقف: الرمح المستوى المحدد.
(3) القينة: الأمة مغنية أو غير مغنية، والأول أشهر.(18/119)
صارمى فيه حاجبى ... والردينىّ كاتبى (1)
سرت فيه كأننى ... بعض زهر الكواكب
راكبا عزمة الهوى ... أىّ طرف وراكب (2)
ونهار بياضه ... كبياض الترائب (3)
وهجير يحرّ قل ... بى كهجر الجنائب (4)
واشتياقى إليك كا ... ن دليلى وصاحبى
وله مما يكتب على سكين:
مطبوعة من شفار ... ومن شبا الأشفار (5)
أعارها فعل عينيك فاتك لا يبارى
__________
(1) الصارم: السيف القاطع، الردينى: الرمح المثقف.
(2) الطرف: الكريم من الخيل.
(3) الترائب: عظام الصدر.
(4) فى الأصل: وهجير بحر قلبى كهجير الجنائب، ولعل الصواب ما أثبتناه. الهجر والهاجرة:
نصف النهار عند زوال الشمس أو من وقت زوالها إلى العصر الجنائب: الرياح الجنوبية وهى فى الجزيرة العربية شديدة الحرارة، يقال حر الماء يحره: إذا أسخنه.
(5) الشفار: جمع شفر وهو حد السلاح الأشفار جمع شفر أصل منبت الشعر فى جفن العين، الشبا: الحد(18/120)
القاضى أبو الفضل
الحسن ابن ابراهيم بن الشامى الكنانى، له من قصيدة مرثيه:
فلا البؤس مدفوع بما أنت جازع ... ولا الخير مجلوب بعلم ولا فهم
وإن الحريص الغمر يلقيه حرصه (1) ... إلى حرّة جوفاء واهية الرضم (2)
تعلم بأن الموت أزين للفتى ... وأهون من عيب يشين ومن وصم (3)
__________
(1) الغمر: الغر الذى لم يجرب الأمور، وفى الأصل: إلى جوفاء ذاهبة الرضم.
(2) فى الأصل:
يلقيه حرصه ... إلى جوفاء ذاهبة الرضم
ولعل ما أثبتاه أو قريبا منه هو الصواب والمعنى: هو أن الحرص لا يدفع المنية وفى الأمثال: الحين يسبق جهد الحريص الحرة أرض ذات حجارة سود نخرات كأنها أحرقت بالنار والصماء الأرض الغليظة، والرضم والرضام صخور عظيمة يرضم بعضها فوق بعض وهذا كله وصف للقبر.
(3) فى الأصل من غيث بسن ومن وصم ولعل الصواب ما أثبتناه، والوصم هو العار.(18/121)
أبو الفضل أحمد بن على الفكهرى
صاحب الشرطة، له:
خليلىّ مالى قد حرمت التدانيا؟ ... وأصبحت عن وصل الأحبة نائيا؟
وما كان لى صبر على البين ساعة ... فها أنا فى بين سنين ثمانيا
رعى الله أحبابا وقرّب دارهم ... وبلغ مشتاقا، وأطلق عانيا (1)
__________
(1) فى الأصل وقرب ديارهم ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/122)
عبد الجبار بن عبد الرحمن
ابن سرعين الكاتب، له فى حاسد:
وحاسد لا يزال منّى ... فؤاده الدهر فى اشتعال
كانت يمناه مثل حالى ... ومثله كاتب الشمال (1)
ذاك فى راحة، وهذا ... فى تعب منه واشتغال
وله:
يا بدر تم على غصن من الآس ... ألا يرقّ لقلبى قلبك القاسى
ما لامنى الناس إلّا زدت فيك هوى
قلبى بحبك مشغول عن الناس
__________
(1) كاتب يمناه فى راحته مثلى لا يجد ما يكتبه لأن الحاسد لا حسنات له يسجلها كاتب اليمين أما كاتب شماله فهو يسجل سيئاته، ولا يفرغ من تسجيلها لكثرتها، فهو مثل هذا الحاسد يرصد العيوب وبسجل السيئات.(18/123)
وذات ابنة (1) ما إن تزال تعقّها ... وتضربها حتى يرقّ لها القلب
وما تشتكى منها العقوق ولا الأذى
وبينهما مع ذا وذا الحبّ والقرب
وقال فى الحبل الذى تنشر عليه الثياب للغسيل:
ما ضئيل له الهواء مقيل ... مكتس يومه وفى الليل عارى
وترى فوقه صفوف ثياب ... وهو ذو فاقة حليف افتقار
تعتليه الكسى ثقالا، ويلقي ... يا خفافا فى أخريات النهار
__________
(1) المقصود بالابنة هنا الإرز.(18/124)
الأمير أبو محمد عماد بن المنصور الكلبى
ذكر أنه من أفاضل العلماء، وسادات الأمراء، وذويد فى الفقه والحديث وله:
تقول لقد رأيت رجال نجد ... وما أبصرت مثلك من يمانى
ألفت وقائع الغمرات حتّى ... كأنك من رداها فى أمان
إلى كم ذا الهجوم على المنايا ... وكم هذا التعرض للطّعان
فقلت لها سمعت بكل شىء ... ولم أسمع بكلبىّ جبان
ويقول فى ابن عمه شكاية:
ظننتك سيفا أنتضيك على العدى ... وما خلت أنى أنتضيك على نفسى
وجئتك أبغى رفعة وكرامة ... فأمسيت مقهورا بقربك فى حبس(18/124)
ظننتك سيفا أنتضيك على العدى ... وما خلت أنى أنتضيك على نفسى
وجئتك أبغى رفعة وكرامة ... فأمسيت مقهورا بقربك فى حبس
الأمير ثقة الدولة
جعفر بن تأييد الدولة الكلبى (1)، كان أحد ملوك صقلية، كتب إليه بعض الكتاب:
أنت مولى الندى ومولاى، لكن ... ربّ مولى يجور فى الأحكام
قد وعدت الإنعام، فامنن، فإنجا ... زك ماقد وعدته من الإنعام (2)
فكتب إليه:
حاش لله أن أقصد فيما ... يبتغيه الولىّ من إنعامى
أنا موف بما وعدت، ولكن ... شغلتنى حوادث الأيام
__________
(1) يظهر أن المصنف خلط فى الألقاب، والصحيح هو: الأمير تاج الدولة جعفر ابن الأمير ثقة الدولة أبى الفتح يوسف بن عبد الله بن محمد بن الحسين: وقد تولى جعفر الحكم فى حياة أبيه بعد إضابته بالفالج.
(2) فى الأصل وقد وعدت فإنجازك ما قد وعدت من إنعام ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/125)
أبو الحسن على بن عبد الله
ابن الشامى، له من قصيدة.
يا سيدى، لى أوامر كرمت ... فارع لها لا عدمتك الذّمما
فكم أناس حقوقها جحدوا ... ظلما، وما عادل كمن ظلما
فحسّنوا مجدها بلؤمهم ... وإنما هجّنوا به الكرما (1)
وله فى الوداع:
ودّعنى وانصرفا ... يحمل وجدا متلفا
ملتفتا وكلّما ... نقّل رجلا وقفا (2)
لو أنّنى أنصفته ... متّ مكانى أسفا
وله:
إذا نحن أعيينا اللقاء فودنا ... بمحض التصافى كلّ حين له ورد (3)
__________
(1) فى الأصل يحسنوا مجدها، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل منلفنا والوزن يقتضى ما حررناه.
(3) فى الأصل إذا نحن أغنينا ولعل الصواب ما أثبتناه والمعنى إذا نحن قللنا من اللقاء فإن ودنا لا يقل لأنه ود ثابت أكيد.(18/126)
القائد أبو محمد الحسن بن عمر بن منكود (1)
وله يصف النيلوفر (2):
كؤوس من يواقيت ... تفتّح عن دنانير
وفى جنباتها زهر ... كألسنة العصافير
__________
(1) ورد اسمه فى مختصر الدرة الخطيرة (متلود).
(2) فى الأصل اللينوفر. ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/127)
أبو حفص عمر بن الحسن
ابن العونى (1) الكاتب، ذكر أنه لغوى شاعر كاتب منجم مهندس، وله فى مرثية أولها:
للموت ما يولد، لا للحياه ... وإنما المرء رهين الوفاه
كأنّما ينشر (من) عمره ... حتى إذا الموت أتاه طواه (2)
من ترم أيدى الدهر لا تخطه ... والدهر لا يخطىء من قد رماه
وله:
نفس الفتى عارية عنده ... ما بخله بالردّ إلّا سفاه
وله:
بأبى من غدا صمي ... م فؤادى محلّه
والذى عقد حبّه ... ليس خلق يحلّه
أيها العاذل الذى ... طال فى الحب عذله
أترانى مللته ... لست ممن يملّه
لا ولا اعتضت غيره ... بل له الودّ كلّه
__________
(1) وردت فى الأصل بحيث يمكن قراءتها: العونى، الغونى، القونى، الفونى.
(2) فى الأصل كأنما ينشر عمره، والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/128)
يهاب حاكيه صدقا أن يبوح به
فكيف ظنّك بالحاكين لو أفكوا
أودى المعزّ الذى كانت بموضعه ... وباسمه جنبات الأرض تمتسك
فالصوت فى صحن ذاك القصر مرتفع
والسّتر عن باب ذاك البهو منهتك
مضى فقيدا وأبقى فى خزائنه
هام الملوك وما أدراك ما ملكوا
فهل يزول عداد الليل عن أفق؟ ... وهل يكون لصبح بعده ضحك؟
وقال من قصيدة فى القاضى جعفر بن عبد الله الكرخى:
أرى الناس من ضدّين صيغت طباعهم
فظاهرهم ماء وباطنهم نار (1)
وإنّ ابن عبد الله قاضى عصره ... لأفضل من يثنى عليه ويختار (2)
كريم أراد الله إتمام فضله ... فأخلاقنا أرض وجدواه أمطار (3)
له بدهات حين لا ينطق الورى
ورأى إذا ما استعجز السيف بتار
ولم أر بحرا قط يدعى بجعفر ... سواه وإلا فالجعافر أنهار (4)
__________
(1) كناية عن الحقد الدفين الذى يستره النفاق.
(2) فى الأصل: من ثنى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل: فأخلاقه أرض ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) الجعفر: النهر الصغير أو الواسع، ضد.(18/128)
وله:
ما لدمعى أعلن السّرّ ... م وقد كان مصونا (1)
باح بالوجد فأبدى ... للورى داء دفينا
ما كذا تصلح عينى ... قبحّ الله العيونا (2)
جلبت حتفى ونمّت ... فأحقّت بى الظنونا (3)
وغدا ما كان شكا ... عند أقوام يقينا
__________
(1) فى الأصل بالدمع، والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل ما لذا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل فاحتفت بى الظنونا ولعل الصواب ما أثبتناه وأحقت بى الظنون:
حققتها فى.(18/129)
أبو بكر محمد بن على
ابن الجبار الكمونى، له:
ما إن رأيت كراقص ... مستطرف فى كل فن
يحكى الغناء برقصه ... كمراقص يحكى المغنّى
رجلاه مزمار وعو ... د فى نهاية كل حسن
فهو السرور لكل عي ... ن والنعيم لكلّ أذن
وله:
يا بأبى ريّان طاوى الحشا ... يقطعه الدّل إذا ما مشى
يحسبه الناس إذا ما خطا ... منتشيا، لكنه ما انتشى(18/130)
يا بأبى ريّان طاوى الحشا ... يقطعه الدّل إذا ما مشى
يحسبه الناس إذا ما خطا ... منتشيا، لكنه ما انتشى
رزيق (1) بن عبد الله الشاعر
كان محارفا (2) ولم يزل حرمانه يضاعف حظه تضاعفا (3)، برّه بعض الرؤساء بدنانير وظنه أنه يغنيه، فلما عاد إلى بيته وجد لصاقد سرق جميع ما فيه، فقال:
محانى الله من ديوان سعده ... وأياس راحتى من نيل رفده
إذا ما السّعد أسعفنى بشىء ... يقوم النحس محتسبا لردّه
__________
(1) يمكن قراءة الكلمة أيضا «زريق».
(2) محارما: المحدود المحروم.
(3) فى الأصل يضعف حظه متضاعفا ولعل الصواب ما أثبتاه،(18/131)
أبو محمد عبد الله بن مخلوف
الفأفأ، له:
يا من أعلّ فؤادى ... ولحظ عينى أعلّه (1)
صلنى تصلنى حياتى ... وامنن علىّ بقبله
وله:
يا من يجود بدائه ... لا تبخلن بدوائه
واعطف على قلب غدا ... مثواك فى سودائه
وانضح بماء الوصل نا ... ر الهجر فى أحشائه
أمرضته بجفونك ال ... مرضى فجد بشفائه
__________
(1) فى الأصل من يا أقل فؤادى ولحظ عينى عليه، ولعل الصواب ما أثبتناه، والمعنى يا من أمرضنى بحبه، ولحظ عينى برشف جماله رشفة بعد رشفة.(18/132)
أبو حفص عمر بن حسن
ابن السطبرق (1)، ذكر أنه من أهل الدين والورع والعفاف، وله فى الزهد:
سيلقى العبدما كسبت يداه ... ويقرأ فى الصحيفة ما جناه
ويسأل عن ذنوب سالفات ... فيبقى حائرا فيما دهاه
فياذا الجهل مالك والتمادى؟ ... ونار الله تحرق من عصاه
فعوّل فى الأمور على كريم ... توحد فى الجلالة فى علاه
وأمّل عفوه وافزع إليه ... وليس يخيب مخلوق رجاه
__________
(1) وردت هذه الكلمة فى الأصل غير معجمة بحيث نقرأ: السطبرق أو النطيرق أو ما شابههما.(18/133)
أبو حفص عمر بن خلف
ابن مكى، ذكر أنه انتقل إلى تونس، وولى قضاءها (1) وهو فقيه محدث خطيب لغوى، وفضله بالألسنة فى جميع الأمكنة مأثور مروىّ، وله خطب لا تقصر عن خطب ابن نباته، تعجب رواته، ومن شعره قوله:
يا حريصا قطع الأيام فى ... بؤس عيش وعناء وتعب
ليس يعدوك من الرزق الذى ... قسم الله، فأجمل فى الطلب
وقوله:
نعماكم طردتنا عن زيارتكم ... وقنّتنا حياء آخر الأبد
إن الزيادة فى الإحسان طاردة ... للحرّ عن موضع الإحسان، فاقتصد
قوله:
لا تبادر بالرأى من قبل أن تس ... أل عنه، وإن رأيت عوارا
أحمق النّاس من أشار على النا ... س برأى من قبل أن يستشارا
وقوله:
لا تصحبن إذا صحبت أخا ... جهل ولو أن الحياة معه (2)
__________
(1) هاجر من صقلية وقت المحنة التى تعرضت لها حيا شن روجار حربا عنيفة على المسلمين، وانتهت الحرب بسقوط الجزيرة فى يد المسيحيين، وقد اشتهر باللغة والنحو وعلوم الشريعة، وله كتاب تثقيف اللسان.
(2) فى الأصل الحياء معه، ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/134)
إن الجهول يضر صاحبه ... من حيث يحسب أنه نفعه
وقوله:
صديقى الذى فى كل يوم وليلة ... يكلّفنى من أمره ماله بال
ولا يؤثر التخفيف عنّى، فإنما ... علامة صدق الود عندى إدلال
وقوله من قطعة:
عاد الجهول فإنه ... ممن يعينك فى هلاكه
واحذر معاداة اللبيب ... فليس تخلص من شباكه
وقوله:
اجعل صديقك نفسك ... وجوف بيتك حلسك (1)
واقنع بخبز وملح ... واجعل كتابك أنسك
واقطع رجاءك إلّا ... ممن يصرّف نفسك
تعش سليما كريما ... حتى توافى رمسك
وقوله:
وإذا الفتى من بعد طو ... ل خصاصة بلغ الأمل
فكأن بؤسى لم تكن ... وكأن نعمى لم تزل
وقوله فى مدح الانفراد:
من كان منفردا فى ذا الزمان فقد ... نجا من الذلّ والأحزان والقلق
__________
(1) الحلس: كساء يبسط فى البيت، ويقال لان حلس بيته إذا لم يبرح مكانه(18/135)
تزويجنا كركوب البحر ثم إذا ... صرنا إلى ولد صرنا إلى الغرق
وقوله فى الشيب:
أيروم من نزل المشيب برأسه ... ما قد تعدّد قبله من فعله
من لم يميز نقصه فى جسمه ... فى الأربعين فإنه فى عقله
وقوله:
عجبا للموت ينسى ... وهو لا ندحة منه (1)
قل لمن يغفل عنه ... وهو لا يغفل عنه
كيف تنساه وقد جا ... ءتك رسل من لدنه
سوف تلقى الويل إن جئ ... ت بعذر لم تبنه
وترى جسمك فى النّا ... ر غدا إن لم تصنه
والذى ينجو من النّا ... ر أخو التقوى فكنه
__________
(1) فى الأصل وهو لا بد منه، والوزن يقتضى ما ذكرناه أو قريبا منه، يقال هو فى ندحة من أمره أى فى نسخة وسعة منه، ولا ندحة أو مندوحة منه أى لا مفر منه.(18/136)
أبو الحسن بن عبد الله الطرابلسى
له فى بدوّ الشيب:
وزائدة للشيب حلّت بعارضى ... فعاجلتها بالنّتف خوفا من الحتف
فقالت على ضعفى استطلت ووحدتى ... رويدك للجيش الذى جاء من خلفى
وله:
أتدرى ما يقول لك العذول؟ ... وتدرى ما يريد بما يقول؟
يريد بك السّلوّ وهل جميل ... سلوّك عن بثينة يا جميل
وله من نظمه:
يا ربة الهودج المزرور كيف لنا ... بالقرب منك، وهل فى وصلكم طمع (1)
إن تبذليه فإن الماء من حجر ... أو تبخلى فمنال الشمس يمتنع (2)
__________
(1) فى الأصل الهودج المزوور ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل إن تبذلى فإن الماء فهناك الشمس والوزن يقتضى ما أثبتناه(18/137)
أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الغنى
المقرئ الواعظ، له مرثية:
سيف المنّية آفة العمر ... كلّ العباد بحدّه يفرى
حكم المهيمن بالفناء لنا ... فمن الذى يبقى على الدهر؟
وله:
أيا من نال فى الدنيا مناه ... تأهّب للفراق وللرحيل
ولا تفرح بشىء قد تناهى ... فما بعد الطلوع سوى النزول(18/138)
أيا من نال فى الدنيا مناه ... تأهّب للفراق وللرحيل
ولا تفرح بشىء قد تناهى ... فما بعد الطلوع سوى النزول
أبو بكر عتيق بن عبد الله
ابن رحمون الخولانى المقرىء.
وله:
لا تخش فى بلدة ضياعا ... حيث حياة فثمّ رزق
قد ضمن الله للبرايا ... رزقهم فالعناء حمق(18/139)
لا تخش فى بلدة ضياعا ... حيث حياة فثمّ رزق
قد ضمن الله للبرايا ... رزقهم فالعناء حمق
أبو سعيد عثمان بن عتيق
له من قصيدة فى الأمير المعتصم أبى يحيى محمد بن معن بن صمادح:
فاض عقيق الدمع فوق البهار ... وانحدر الطّلّ على الجلّنار (1)
واجتمع الغصنان لكنّ ذا ... ذاو وهذا يانع ذو اخضرار
وكاد ذا ينقدّ من لينه ... وكاد هذا يعتريه انكسار
واضطرمت فى القلب نار الجوى ... فهذه الأدمع منه شرار (2)
__________
(1) البهار: زهر يسميه العرب العرار ويعرف عند العامة بعين البقر الجلنار زهر الرمان.
(2) فى الأصل عنه شرار ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/140)
أبو حفص عمر بن عبد الله الكاتب
له:
أرق أراق مصون دمعى كاربه ... وهوى هوى بجميل صبرى غالبه
ومنها:
نازعته بعد الجماح عنانه ... والليل أليل ترجحنّ غياهبه
فقضيت بالتمويه منه لبانة ... وجعلت إعتابى بحيث أعاتبه (1)
وتشاكل الحالين أشكل أمره ... لما استوى صدق العناق وكاذبه (2)
وله:
ألا إن قلبى بالغرام موكّل ... ومذغبت عن عينى فقدت هجوعى
منحت سواد القلب صفو ودادكم ... وقسّمته بين الحشا وضلوعى
فإن كنت لا تأسى لبعدى فإننى ... [لبعدك] (3) وجدا ما تجف دموعى
__________
(1) فى الأصل: أو جعلت أعيانى منه بحيث أعاتبه، ولعل الصحيح ما أثبتناه، الإعتاب:
الصفح.
(2) فى الأصل ويشاغل الحالين ولعل الصواب ما أثبتناه التشاكل. التشابه، وفى الأصل ويشاغل وهو تحريف.
(3) زيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/141)
الأمير أبو محمد جعفر بن الطيب الكلبى
أثنى عليه مصنف الدّرة الخطيرة بالفضائل الكثيرة وذكر أن بينهما مكاتبات، وسرد (1) منها طرفا وطرفا وأورد من شعره قوله.
ما الصبر بعد فراقكم من شانى ... رحل العزاء برحلة (2) الأظعان
ما كنت أحسب للمنيّة ثانيا ... فإذا الفراق هو الحمام الثانى
بعدا لذاك اليوم بعدا!! إنه ... أجرى دموع العين بالهملان
من ساتر دمعا بفضل ردائه ... أو ممسك قلبا من الخفقان
وألفت فيك الحزن حتى إننى ... لأسرّ فيك بكثرة الأشجان
ومنها فى المديح:
ملك إذا لاذ العفاة ببابه ... أخذوا من الأيام عقد أمان
يعطى الجزيل، ولا يمنّ، كأنما ... فرض عليه نوافل الإحسان
وله من قصيدة:
أراها للرحيل مثوّرات ... جمالا بالجمال محملات
تتيه على الركائب فى سراها ... بأقمار عليها طالعات
ولو نظرت لمن تسرى إليه ... لصدّت عن وجوه الغانيات
وسارت والفلاة لها ركاب ... كما كانت ركابا للفلاة
__________
(1) فى الأصل وسدا، وهو تحريف.
(2) فى الأصل العزا بالقصر والمد يقتضيه الوزن.(18/142)
ولم تعلن بشىء غير شعر ... منابته بأفواه الرواة
تمر على المياه ولم تردها ... كأن الرّىّ فى زجر الحداة
أقول لها وقد علقت ذميلا ... بأجفان لزجرى سامعات
سأنزل عنك فى مرعى خصيب ... وماء بارد عذب فرات (1)
بأرض مدافع مأوى الأمانى ... وقتّال السنين المجدبات (2)
فيحمل عنك همى فوق طرف ... سبوق من خيول سابغات
أغر تخاله ريحا أعيرت ... قوائم باللجين محجّلات
كساه الليل أثوابا، ولكن ... تراها بالصباح مرقعات
وحسبك ما تفرّق من نوال ... بأيد للمكارم جامعات
فقد أطمعت فى جدواك حتى ... سباع الطير من بعض العفاة
وله من أخرى:
ضحوك مرة جهلا وباك ... وشاكر حاله حينا، وشاك (3)
ومفتبط بعيش غير باق ... يروم سلامة تحت الهلاك
ألا ياحار قد حارت عقول ... وغلّت بالقليل عن الحراك (4)
وقد نصبت لك الدنيا شباكا ... فإيّاك الدنو من الشباك (5)
__________
(1) فى الأصل سأترك عنك ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) يمدح مدافع من رشيد بن كامل آخر حكام بنى جامع الهلاليين أمراء قابس لعهد الصهاجيين.
(3) فى الأصل: ضحوك مرة جهد، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل وعلت بالغليل ولعل الصواب ما أثبتناه والمعنى وقيدت بالظمأ فلم يستطع حراكا.
(5) فى الأصل وقد قضيت، والوزن والمعنى يقتضيان ما ذكرناه(18/143)
وإن شيّدت له ياحار بيتا ... فحاول أن يكون على السّماك
وأبعد إن قدرت على مكان ... فإنى والحوادث فى عراك
وله فى الغزل:
لقد بليت بشىء لست أعرفه ... مولى يجور على ضعفى وأنصفه
ما زال يطمعنى لفظ له خنث ... يمنّ بالوعد سرّا ثم يخلفه
يا ربّ زدنى غراما فى محبته ... ودع فؤادى بالأشواق يتلفه
وله:
فارقتكم لا عن قلى وتركتكم ... رغما على رغم الزمان الجائر
وفقدتكم من ناظرى فوجدتكم ... لمّا أردت لقاءكم فى خاطرى
وله فى ذم الاجتداء من البخلاء.
وحقك لونلت النوال معجّلا ... لغير سؤال كان غير جميل
فكيف وما فى الأرض وجه مؤمّل ... ولا يرتجى للجود غير بخيل
وله:
ألا سكن إذا ما ضقت يوما ... سكنت إليه فى شكوى همومى
أوسّع صدره وأحلّ منه ... محلّ الجود فى قلب الكريم(18/144)
ألا سكن إذا ما ضقت يوما ... سكنت إليه فى شكوى همومى
أوسّع صدره وأحلّ منه ... محلّ الجود فى قلب الكريم
أبو الفتح أحمد بن على الشامى
ذكر أنه زين الأدباء وعزة الدهماء، له:
فى السّمهرىّ مشابه ... ممّن أحبّ وأعشق
الّلون والقدّ الرشيق وطرفه إذ يرمق
قلبى لسهم لحاظه ... غرض ففيه يرشق (1)
قال مصنف الدرّة: سألته أن ينفذ إلى بشىء من شعره فى حين تأليف الكتاب فكتب إلى:
أبا قاسم والفضل فيك سجية ... وأنت بكل المعلوات خليق (2)
ومن مجده فوق السماك محلّق ... ومنصبه فى المكرمات عريق
يكلفنى إظهار ما قد نظمته ... ليالى غصن ناضر ووريق
وإذ لمّتى تحكى خوافى ناعب ... وعندى لوصل الغانيات طريق
فكن ساترا عورات خلّك [إنّه] (3) ... شقيقك، والخلّ الصديق شقيق
وله فى المجون:
احتل لإيرك فى درع مضعّفة ... فبين فخذيه أرماح من الشعر
__________
(1) فى الأصل: كسهم لحاظه، ولعل الصواب ما أوردناه.
(2) فى الأصل المعلومات خليق ولعل الصواب ما أثبتناه، والمعلوات جمع معلاة، وهى كسب الشرف.
(3) زيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/145)
الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن ابى بكر
السرقوسى. له:
أما منكم من مسعد ومعاون ... على حرّ وجد فى السويداء كامن؟
أبان الكرى عن مقلّتىّ التهابه ... وما هو يوما عن فؤادى ببائن
ومنها:
وبيداء قفر ذات آل كأنما ... هو البحر إلّا أنه غير آسن
ترى ظعنهم فيها غداة تحملوا ... طوافى فوق الآل مثل السفائن
وله:
أسارقه اللحظ الخفىّ مخافة ... عليه من الواشين والرقباء (1)
وأجهد أن أشكو إليه صبابتى ... فيمنعنى من ذاك فرط حيائى
وإنى وإن أضحى ضينينا بودّه ... لأمنحه ودّى وحسن صفائى
سأكتم ما ألقاه من حرق الأسى ... عليه، ولو أنى أموت بدائى
وله:
أسقم جسمى بسقم مقلته ... وشفّنى باحمرار وجنته
فالويل لى من لظى جهنمه ... إذا تندّت رياض جنته
وله:
لا تبغ من أهل الزمان تناصفا ... والغدر من شيم الزمان وأهله
فإذا أردت دوام ودّ مصاحب ... فاغضض جفونك جاهدا عن فعله (2)
__________
(1) فى الأصل أسارقة اللحظ.
(2) فى الأصل: إذا أردت والوزن يقتضى ما أثبتناه(18/146)
أبو عبد الله محمد بن قاسم
ابن زيد اللخمى الكاتب القاضى (1) له من قصيدة (2):
يا عذبة الريق عودى بعض مرضاك ... وعلليه برشف من ثناياك
قد حاربته اللّيالى فيك جاهدة ... فصار من حيث [ما] (3) يرجوك يخشاك
وله:
أيها المهدى لعينى السهرا ... كان وجدى بك مقدورا جرى (4)
لم أكن أعلم ما علّمته ... من هواك اليوم إلّا خبرا
ربّ لا حول ولا قوة لى ... صرت بعد العين أقفو الأثرا
عاذلى مهلا!! فما العذر على ... عاشق مثلى حديث يفترى
أنت لا تأسى فدعنى والأسى ... أشتفى منه وأقضى الوطرا
إن أوفى الناس حبّا كلف ... ظلّ فيه بالأسى مشتهرا
فعصى العاذل فيما قد نهى ... وأطاع الشوق فيما أمرا
وله يصف ضيق يده عن مساعدة صديقه فيما يقوم بأوده:
__________
(1) ورد فى وصفه فى مختصر الدرة الخطيرة: «منزلته فى الشعر رقيقة وطريقته فيه بديعة وله نثر كالوشيع أو زهر الربيع.»
(2) أورد صاحب المختصر القصيدة فى 21بيتا
(3) زيادة يقتضيها الوزن والسياق، وقد أثبتها صاحب المختصر
(4) فى الأصل مقرورا حرى ولعل الصواب ما أوردناه(18/147)
ولى مال من يغنى به فيكفّه ... ويعجز عن برّ الصديق الملاطف (1)
فلا البخل أرضاه، ولا الجود أنتهى ... إليه، لقد أوقفت شرّ المواقف
وما حيلة الحر المساعف إن سعى ... ولم يعط حظا من زمان مساعف
وله فى الشيب من قصيدة:
أساء صنيعا شيبه بشبابه ... وأوقف خطّاب الخطوب ببابه
تجنبه الأحباب عن غير زلة ... سوى ما تبدى من نصول خضابه
وما أن وشى واش به فأجيبه ... ولكنّ شيب العارضين وشى به
ومن كانت الخمسون منه قريبة ... تباعد عن نيل المنى باقترابه
بنفسى شباب بان غير مذمّم ... ووكل قلبى بالأسى وعذابه
فياليت إذ ولىّ تولىّ بحرمة ... وأبرأنى من موبقات اختضابه
ولكنه أبقانى الدهر بعده ... بعفو إلهى أو لمس عقابه
عدمت الأمانى فاجتزيت بدونها ... ومن عدم الماء اجتزى بترابه
وله فى الزهد:
يا رب صفحا وغفرانا ومعذرة ... لمذنب كثرت منه المعاذير
يبكيه إجرامه طورا ويضحكه ... رجاؤه (2) فهو محزون ومسرور
__________
(1) المعنى: إن لدى مالا قليلا يغنينى عن السؤال، ولكنه لا يسعفنى بمعونة الصديق المحتاج إلى معونتى
(2) فى الأصل رجاه والوزن يقتضى ما أثبتناه(18/148)
عبد الوهاب بن عبد الله بن مبارك
له:
نفسى الفداء لظبى ... قد جاز فى التيه حدّه
حكى القضيب انعطافا ... كما حكى الليث نجده
بالدمع طرّز خدّى ... مذ طرّز الشّعر خدّه
كأنه بدر تمّ ... فى الأفق قابل سعده
يا ليته بات عندى ... أو ليتنى بتّ عنده
يا عاذلى فيه دعه ... يطل كما شاء صدّه
فإنما هو مولى ... أضحى يؤدّب عبده
وله:
إذا المرء لم يعرف بجدّ ولا أب ... ولم يشتهر فى الناس إلا بأمّه
فلا تسألن عن حاله فهو ساقط ... وإن لم يشع فى الناس أسباب ذمّه(18/149)
إذا المرء لم يعرف بجدّ ولا أب ... ولم يشتهر فى الناس إلا بأمّه
فلا تسألن عن حاله فهو ساقط ... وإن لم يشع فى الناس أسباب ذمّه
أبو عبد الله محمد بن العطار
الكاتب. له:
لولا عيون جآذر وظباء ... ما راضت الأشواق صعب إبائى
واقتاد قلبى بعد طول تمنع ... نحو الصبابة قائد البرحاء
وصبوت صبوة عاشق ذى غرّة ... لعبت بمهجته يد الأهواء(18/150)
لولا عيون جآذر وظباء ... ما راضت الأشواق صعب إبائى
واقتاد قلبى بعد طول تمنع ... نحو الصبابة قائد البرحاء
وصبوت صبوة عاشق ذى غرّة ... لعبت بمهجته يد الأهواء
باب فى ذكر محاسن جماعة من الغرب الأدنى والقيروان وأفريقية، من أهل هذا العصر:(18/151)
ابن فرحان القابسى
هو سلام بن أبى بكر بن فرحان، من قابس مدينة من أعمال القيروان، فكان جليسا ووزيرا لأميرها مدافع بن رشيد بن رافع بن مكى (1) بن كامل بن جامع الهلالى من بنى فادغ من بنى على ثم من هلال (2)، وقتل ابن فرحان يوم خروج الأمير المذكور من قابس واستيلاء المصامدة بها عسكر عبد المؤمن على بن هلل (3) وذلك فى سلخ شعبان سنة أربع وخمسين وخمسمائة، قال الشريف إدريس الأدريسى: أنشدنى أبو عمران شاكر بن عامر بن محمد بن عسكر بن كامل بن جامع الهلالى الكلاعى لابن فرحان فى تهنئة الأمير مدافع المذكور بشهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة من قصيدة: بربع رامة رام الركب إلماما ... فغاض صبرى وفاض الدمع تسجاما (4)
وقلّ للربع منا أن نلمّ به ... وأن نحيى به رسما وأعلاما (5)
__________
(1) ورد فى الأصل: مكن، والتصحيح عن الإحاطة ص 320، والأدب التونسى لحسن حسنى عبد الوهاب ص 3.
(2) من بنى على إحدى بطون رباح.
(3) فى هذه العبارة اضطراب، والمعروف أن عبد المؤمن بن على بن علوى الكومى مؤسس دولة الموحدين فتح تونس واستولى على معظم البلاد التى كانت خاضعة أو موالية لحاكم صقلية المسيحى، ومن البلاد التى فتحها قابس وكان آخر حكامها مدافع بن رشيد الهلالى والمصامدة هم عماد جيش عبد المؤمن بن على زعيم الموحدين وقد امتد حكمه إلى معظم بلاد المغرب والأندلس.
(4) تسجاما: مدرارا، وفى الأصل انسجاما وهو لا يتفق مع الوزن.
(5) فى الأدب التونسى لحسن حسنى عبد الوهاب ورد البيت على هذه الصورة
وقل إلى الركب منا أن يلم به ... وأن يحيى به رسما وأعلاما(18/153)
سقيا لعصر الصبا لو كان متصلا ... ما كان أطيب ذاك العيش لوداما!!
ولو كتمت الهوى جهدى لمّ به ... دمعى وما زال دمع العين نمّاما (1)
فاخلع عذارك فى راح وفى رشأ ... طاوى الوشاح ولا تحفل بمن لاما
لله ريم رمى قلبى فأقصده ... وأضرم النّار فى الأحشاء إضراما
بخصره هيف أهدى النحول إلى ... جسمى وأهدى بسقم اللّحظ أسقاما
ومنها:
ذرنى أكف عن التّطواف راحلتى ... ملّت جيادى إسراجا وإلجاما (2)
ما زلت أفرى أديم الأرض منفردا ... أطوى المفاوز غيطانا وأعلاما (3)
حتى حططت رحالى فى ذرى ملك ... غمر المواهب للقصّاد بسّاما (4)
ومنها:
فى متن أدهم ما ينفك يقحمه ... على أعاديه يوم الروع إقحاما
ما أبصرت مقلتى من قبل صافنه ... طرفا غدا حاملا فى الحرب ضرغاما (5)
فى عصبة كأسود الغاب قد جعلت ... سمر الرماح وبيض الهند آجاما
يهنى المدافع أنّ الله خوّله ... عزا ينال به كلّ الذى راما
__________
(1) فى الأصل فتم به.
(2) فى الأدب التونسى: ذرنى أكف عن الإطلاق راحلتى.
(3) الغيطان: الأراضى المطمئنة المنخفضة، والأعلام: الجبال، وفى الأدب التونسى:
أديم السير.
(4) فى الأصل يماما، ولعل الصواب ما أثبتناه
(5) الصافنة: الجواد الواقف على ثلاث قوائم وقد أقام الرابعة على طرف الحافر كأنه متحفز للجرى. وفى الأصل صافية والطرف: لكريم من الخيل.(18/154)
إذا رآه العدا فى يوم ملحمة ... غشّى عيونهم نورا وإظلاما (1)
وقبّلوا التّرب تعظيما لطلعته ... كما رأت فارس كسرى وبهراما
يا أيّها الملك المرهوب جانبه ... شملت هذا الورى فضلا وإنعاما
سست الرعايا وصنت الملك فامتنعا ... بصارم ذكر تفرى به الهاما
ومنها:
قم فافتح الأرض فالأملاك كلّهم ... سواك أضحوا عن العلياء نوّاما
ومنها:
فهاكها يا أبا الحملات نظم فتى ... ما زال فى مدحكم للدرّ نظّاما (2)
يشدو بأفنان أغصان الثناء على ... علاك فيها صوار المدح ترناما
فى بلدة بك مثل الخلد قد جمعت ... برا وبحرا وحيتانا وآراما
كما جمعت خلالا كلها حسن ... تقى وحلما ومعروفا وإقداما
لا زلت تغنى زمانا بعده زمن ... مؤثل المجد وهّابا وغنّاما (3)
__________
(1) فى الأصل يغشى عيونهم وقد آثرنا رواية الأدب التونسى.
(2) فى الأصل «خذها كهايا أبا الحملات» ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) أورد له الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب فى كتابه عن الأدب التونسى هذين البيتين قالهما قبيل وفاته.
أكذا أموت وما بلغت مرادى ... بين الصوارم والقنا المياد
حيث العيون لوامح وطوامح ... ما بين أحباب وبين أعادى(18/155)
أبو الفضل بن الفقيه عبد الله بن نزار الهوارى
القابسى، وهو حى إلى الآن يخدم ولد عبد المؤمن كاتبا، وهوّارة قبيلة من قبائل البربر، قال: أنشدنى للمذكور فى مدح الأمير محمد بن رشيد الهلالى (1) أخى مدافع من قصيدة أولها:
لم يبق لى بعد الرحيل عزاء ... بان الخليط وشتّت الأهواء (2)
فاصرف عنان اللوم عن قلق الحشا ... مغرى، فإن ملامه إغراء (3)
فعلت به أحبابه يوم النوى ... والبين ما لا تفعل الأعداء
ساروا ولمّا يسمحوا بوداعه ... فكأن خالص ودّه شحناء
أتراهم خالوا الوداع محرما ... أم أجمعوا ألّا يكون لقاء
رقّت مياه الحسن فوق خدودهم ... وقست قلوبهم فبان جفاء
ومنها:
يا ويح من عبث الهوى بفؤاده ... وتحكمت وقضت عليه ظباء
من كل من فى القلب من لحظاتها ... نفثات سحر مالهن دواء
للبدر سنّة وجهها، وقوامها ... للغصن، مخطفة الحشا هيفاء (4)
__________
(1) من امراء بنى هلال من بنى عامر بن صعصعة ينتهى نسبهم إلى قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وقد ظلوا يحكمون قابس نحو مائة عام، وقد سقطت مدينتهم فى يد عبد المؤمن بن على زعيم الموحدين سنة 555هـ.
(2) فى الأصل «وشنف أهواء» والوزن يقتضى ما أثبتناه،
(3) ينظر الشاعر فى هذا إلى قول أبى نواس.
دع عنك لومى فإن اللوم إغراء ... وداونى بالتى كانت هى الداء
(4) للبدر سنة وجهها: صورته، والسنة: الوجه أو حره أو دائرته أو الصورة، أو الجبهة والجينان.(18/156)
إن امتداحى ما يلمّ من الورى ... إلا بمن دانت له العلياء (1)
مثل المليك ابن الرشيد، فإنه ... بهر الملوك وحلّ حيث يشاء
وتشابهت آراؤه وسيوفه ... كل بما يهوى له ضمناء
لبس الجلالة حلّة أعلامها ... حلم يزيّن ثوبها وحياء
فهو القريب تطولا وتجمّلا ... وهو البعيد محلّه الجوزاء
وله المهابة فى النفوس وإن غدا ... متواضعا والعزة القعساء
يا من شكا جور الزمان وظلمه ... وأصابه من مسّه الضّمراء
لذ بالمليك محمد، فبجوده ... يحيى السماح وتكشف الغمّاء
سله تفد، واقصد تجد، واشرع ترد ... عذب النمير، وما به أقذاء (2)
هذا العيان يريك من أوصافه ... فوق الذى أهدت لك الأنباء (3)
لو نظّم الأملاك سلكا لاغتدى ... لسناه وهو الدرة الغراء
__________
(1) ألم: نزل والمعنى أن مدائحى لا تتجه لأحد من الورى إلا هذا الأمير الذى خضعت له المعانى.
(2) فى الأصل سله بعد وأسرع ترد ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل. «هذا البيان» والسياق يرجح ما اثبتناه(18/157)
يحيى بن التيفاشى القفصى
من قفصة مدينة بالقيروان، انتقل إلى قابس وسكن بها ومدح بنى هلال، وقتله الإفرنج بصقلية بعد سنة خمسين وخمسمائة عند فتكهم بالمسلمين، قال:
وأنشدنى لهذا الشاعر من قصيدة فى الأمير مدافع:
رأى البرق فازدادت جوانحه جمرا ... وبات يراعى النجم يرتقب الفجرا
وما البرق مماهاجه غير أنه ... تذكر من يهوى فما ملك الصبرا
خليلىّ عوجا نندب الربرب الذى ... غدا بعدهم من بعد سكانه قفرا (1)
ديارا بها قدما ملأن جوانحى ... عيون المها جمرا كما ملئت سحرا
كأن لم أجل فبها بمعترك الصبا ... ولم أرتشف ثغرا، ولم أنتشق زهرا
ولم أدع فيها الفاتنات مجيبة ... بكلّة أغصان تميس بها خضرا (2)
ويا بأبى ذات الوشاح إذا بدت
كشمس الضحى وجها وجنح الدجى شعرا
تميس لنا غصنا وترنو غزالة ... وتعبق كافورا وتبدو لنا بدرا
ويأبى لها النهدان والردف أن ترى ... تمسّ لها الأثواب بطنا ولا ظهرا (3)
__________
(1) هكذا فى الأصل ولعلها المربع، أو الربة بمعنى الدار الكبيرة حينئذ تكون بقية البيت التى غدت سكانها
(2) فى الأصل ولم أدع التائبات فيها مجيبة مكالى ولعل الصواب أو قريبا منه ما أثبتناه.
(3) فى الأصل تميس لها الأثواب وهو تحريف.(18/158)
أتتنى وقلب البرق ترعد غيرة ... عليها وعين النجم تنظرها شزرا (1)
وقد هجعت عنّا الوشاة وأسبلت ... علينا الدياجى من ملابسها سترا
فبتنا إلى وجه الصباح كأننا ... قضيبان لا صدّا نخاف ولا هجرا
إلى أن رأيت الفجر عند طلوعه ... قد التاح فى إنر الدجنة وافترا
كأن محياه مدافع قد بدا ... بغرته فى النقع يسطوبها قهرا (2)
رضيع الندى ثديا، حليف العلا وفا،
شقيق الحيا بذلا نقيب الورى طرا (3)
هو الغيث فى بذل النوال إذا طما ... هو الليث فى يوم النزال إذا كرّا (4)
يريك الردى سخطا ووجه المنى رضا ... وصوب الحيا بذلا وحكم القضا أمرا
ومنها:
ولولاك ما أوحشت أهلى [ولا] الحمى ... ولا أصبحت يوما يدى منهم صفرا (5)
فلى مهجة تهفو بقابس لوعة ... وقلب إذا فارقتها يألف الضرا
__________
(1) فى الأصل انثنى وقلب البرق وهو تحريف.
(2) فى الأصل كان محياه الدافع ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل لغير الورى طرا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل ظما وهو تحريف.
(5) فى الأصل ما أوحت أهلى والحمى والزيادة يقتضيها الوزن والسياق(18/159)
محمد التيفاشى
عمّ الشاعر المقدم ذكره يحيى، وهو الذى وفد على عبد المؤمن بن على ملك الغرب فمدحه بالقصيدة المشهورة التى أولها:
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل ... مثل الخليفة عبد المؤمن بن على
قال عبد المؤمن لا تنشد بعده شيئا وأمر له بألف دينار (1).
__________
(1) ورد فى الاستقصا لأخبار دول الغرب الأقصى أن الخليفة الممدوح عبد المؤمن بن على أشار على الشاعر أن يقتصر على هذا البيت وأمر له بألف دينار(18/160)
السكدلى من اهل قفصة
قال: وأنشدنى للسكدلى فى مدافع بن رشيد يهنيه بعيد النحر من قصيدة موسومة بالممدوح أولها.
خليلىّ عوجا [لى] بتلك المرابع ... لنسفح بالسفحين درّ مدامعى (1)
ولا تبخلا بالدمع علّ الذى بنا ... يبرده سحّ الدموع الهوامع (2)
منازل ساداتى ومغنى أحبتى ... وموضع أطرابى وخير مواضعى
بها قد جنيت العيش غضّا وملبسى ... شبابى، ومن أهواه غير ممانعى
ومنها:
ألا قاتل الله اللوى من محلّة ... وقاتل دهرا باللوى غير راجع
يكاد فؤادى من تذكره الحمى ... وأهل الحمى ينقدّ بين الأضالع
ومنها فى التخلص:
لقد ملّكت روحى كما ملك العلى ... وحاز الندى جود المليك مدافع (3)
ومنها فى المديح:
فما أنت إلا جوهر قام ذاته ... بنور هدى من جوهر العدل ساطع
وراجيك موفور وثانيك هالك ... وأيامك الدنيا بغير مضارع
__________
(1) فى الأصل عوجا بتلك المرابع والزيادة يقتضيها الوزن.
(2) فى الأصل على الذى بنا وهو تحريف.
(3) فى الأصل المدافع.(18/161)
«التراب السوسى»
من أهل سوسة وهى مدينة بالقرب من المهدية وتوفى بسوسة، قال:
وأنشدنى التّراب فى مدح صاحب سوسة الأمير جبارة بن كامل بن مرجان (1)
بن أبى العنين (2) الفادغى العلوى الهلالى من قصيدة:
سلّم على ذى سلم ... تغنى الهوى المستغنم
وقف عليه سائلا ... عن قاصرات الخيم
واستمطر العين به ... صوب دموع ودم
فهذه أطلاله ... مندرسات الأرسم
وهذه عراصه ... مستوحشات المعلم
كئيبة فى حالة ال ... منفرد المتيم (3)
لم يبق منهنّ الصّبا ... ومغرقات الديم (4)
سوى ثلاث صائمات ... قائمات جثّم (5)
وأشعث معفر ... فى بونها المهدم (6)
أضحت خلاء بلقعا ... بواليا كالرمم (7)
__________
(1) فى المكتبة الصقلية: سرحان.
(2) هكذا بالأصل وبالمكتبة الصقلية.
(3) فى الأصل كتبته فى حاله وهو تحريف
(4) ««ومقرقات الديم ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) صائمات: صامتات ومن معانى الصوم: الصمت
(6) فى الأصل فى تونها المهدم ولعل الصواب ما أثبتناه، البون: أعمدة الخباء.
(7) فى الأصل خلا بلقعا، والوزن يقتضى ما أثبتناه(18/162)
ومنها:
وطال ما عهدتها ... خضر الربا والأكم
مأهولة فى زينة ... من نعم وأنعم (1)
وللقيان حولها ... بمفصحات النغم
تغاتغ ما خلقت ... إلا لقتل المغرم (2)
والغانيات كالدمى ... نسجن كلّ معلم (3)
من أبيض مفضّض ... وأخضر منمنم
من كل خود كحلت ... مقلتها بالسقم (4)
جبينها من قمر ... وفرعها من ظلم
تريك فى بنانها ... وكفها والمعصم
رقما من الوشى حكى ... رقم إهاب الأرقم (5)
يفتر عن مفلّج ... عذب الثنايا شبم (6)
حلو اللمى، وإنما ... لحظى جناه، لا فمى
__________
(1) فى الأصل ماهوله فى زينة، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) التغتغة: حكاية صوت الحلى أو صوت الضحك: والمعنى وللقيان بأنغامها المفصحة ألحان جميلة كوسوسة الحلى أو ترديد الضحكات. هذه الألحان ما وجدت إلا للنأثير على المحب المغرم.
(3) المعلم: الثوب المميز بلونه.
(4) الخود: الحسنة الخلقة الشابة أو المنعمة.
(5) فى الأصل رقم من الوشى وهو تحريف الرقم: الكتابة، إهاب: جلد، الأرقم:
الحية التى فيها سواد وبياض.
(6) الفلج فى الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات وهو من علامات الجمال عند المعرب، شبم: بارد.(18/163)
سقيا لأيامى [بها] (1) ... وعيشنا المنصرم
أيام غصنى أخضر ... ولمتى كالحمم (2)
وقامتى قويمة ... شبابها لم يهرم
وللهوى فى خلدى ... سرائر لم تعلم
والدهر لم يخط إلى ... مساءتى عن قدم
ولا لهانى صاحبى ... ولا نهانى لوّمى
ثم انقضت عن سرعة ... أيام ذاك الموسم
كأننى كنت أرى ... عيشى به فى الحلم
يا رسم أحباب نأوا ... عن عاشق متيم
إذا أباح شوقهم ... عن شوقه المكتّم
تناثرت دموعه ... عن سلكله المنظّم
أنعم صباحا واسلم ... سقيت نوء المرزم (3)
إن لم أمت من أسف ... وحسرة عليهم
كذبت فى دعوى الهوى ... لست لهم بمغرم
ومنها:
كأننى بالوصل من ... نعمان لم أنعّم
__________
(1) زيادة يقتضيها الوزن.
(2) اللمة: الشعر الذى يجاوز شحمة الأذن: والحمم: الرماد أو الفحم، والمعنى: شعرى أسود لم يظهر فيه الشيب، وفى الأصل كاللحم، وهو تحريف.
(3) النوء: المطر، أرزم الرعد: اشتد صوته، ونوء المرزم يطلق على مطر الشتاء البارد(18/164)
ولم أبت ريّان من ... رشف عقار المبسم (1)
فى فرش وثيرة ... لم تفترش لمحرم
ومنها:
حتى تولى الليل فى ... خميسه المنهزم
وأقبل الصباح فى ... جحفله العرمرم
كأنه لما بدا ... يشرق تحت الظلم
وجه الأمير بن الأمير الأكرم بن الأكرم
جبارة بن كامل ... كهف النهى والكرم
العارض الذى إذا ... أخلف صوب الديم
سرت سحاب جوده ... من غيثه المنسجم (2)
وأمطرت من الحيا ... نهرا لكل معدم
الفارس الذى إذا ... أسرج كل شيظم (3)
وسل كلّ مرهف ... وسل كل لهذم (4)
واضطرمت نار الوغى ... وفرّ حامى الحرم (5)
وافى على طاوى الحشى ... عبل الشوى مسوم (6)
__________
(1) العقار: الخمر، ويعنى بها هنا الرصاب.
(2) فى الأصل من عينه ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) الشيظم: الجسيم الطويل الفتى من الخيل، أو الناس أو الإبل.
(4) المرهف: السيف القاطع، اللهذم: السنان الحاد
(5) فى الأصل حال الحرم وهو تحريف، والحرم هو كل ما يحميه الإنسان ويدافع عنه من عرض وولد ومال.
(6) عبل الشوى: ضخم الأطراف، مسوم: معلم(18/165)
من الهلال مسرج ... من الثريا ملجم
تراه إن صاح بهم ... تحت وطيس قد حمى
تراكبوا من خوفه ... بعضا على بعضهم
وله من قصيدة على وزن قصيدة مهيار الديلمى.
«بكر العارض يحدوه النعامى»:
بات بالأبرق برق يتسامى ... فجفا الجفن لمرآه المناما
طلعت رايته خافقة ... خفقان القلب أمسى مستهاما
يسحب الحب به فى أفقها ... معصفات من جنوب ونعامى
تحت ليل كسواد البين فى ... عين من ذاب من البين سقاما
فأعارته كراها مقلتى ... واستعارت منه للدمع انسجاما
ثم بتنا نتبارى لوعة ... وبكاء (1) ونرى النّوم حراما
فإذا شب ضرام فى الدّجى ... قدح الشوق على قلبى ضراما
وإذا حيّى بغيث دمنة ... جدت بالدمع فأسبلت الرهاما (2)
فتشابهنا بكاء واضطراما ... وتخالفنا اهتماما وهياما (3)
أيها البارق قد هجت إلى ... ساكن الأبرق شوقا وغراما
وأذعت السرّ بالدمع الذى
لم أطق إذ فاض للحب اكتتاما
__________
(1) فى الأصل وبكا، والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل فألبست الرهاما: والرهام هو المطر الخفيف.
(3) فى الأصل اهتماما واهتماما، ولعل الصواب ما أثبتناه(18/166)
ومنها:
بذما الحبّ يا برق عسى ... لك علم: حيهم أين أقاما
وعسى فى الحب (1) من ماء ثووا ... حوله من جرعة تبرى سقاما
أنسوا عاما فلما ملكوا ... رقّ قلبى أوحشوا عاما وعاما (2)
واستمالونى بوصل فى الهوى ... فكما ملت رأوا وصلى حراما
بعثوا العرف فأذكى لوعتى ... وسنا البرق فأبكانى سجاما
فكأن البرق سيف ضارب ... وكأن الدّيم دمعى حين داما (3)
ومنها:
وإذا هبّت صبا قلت لها ... بلّغى ياريح من نهوى السلاما
عج سواحى الحب تحدوه الصبا ... مثل ما تحدو يد الحادى السواما (4)
واسق أوطانا بعلياء الحمى ... وابل الودق وجيرانا كراما (5)
دمنا حررت أذيال الصبى ... والتصابى فى مغانيها غلاما
ومنها:
وعليها قام لى عذر الهوى ... فى عذارى كاليواقيت اليتامى
كبدور التّم حسنا وبهاء ... وغصون البان لينا وقواما
__________
(1) الحب بالضم: الخابية فارسى معرب، وفى الأصل وعس فى الحب، وهو تحريف.
(2) فى الأصل أوهشوا عاما وعاما
(3) الديم: دوام المطر.
(4) يسأل السحب العالية التى يحملها ربح الصبا أن تسقى أوطان الأحباب، السوام:
الماشية التى ترعى الكلأ.
(5) الوابل: المطر الشديد. الودق: المطر.(18/167)
يتدللن فيورثن الضنا ... ويواصلن فيشفين السقاما (1)
ومنها:
خلّ أوصاف التصابى والصبى ... والمغانى والغوانى والنّدامى
وانقل الهزل إلى الجد، ولا ... تله عن أوصاف من ساد الأناما
من إذا أبصرته أكبرته ... وإذا خاطبت خاطبت هماما
وإذا استصرخته فى حادث ... فعلى الحادث جرّدت حساما
مقبل القلب على سبل الهدى ... معرض عن كل ما جرّ الأثاما
ليس يدرى ما المزامير ولا ... يسمع الصّنج ولا ذاق المداما (2)
لا ولا تحمله الأطماع أن ... ينقض العهد إذا أعطى الذّماما
بيته كعبة بشر نصبت ... يفصم العسر عن الناس انفصاما (3)
ركنها يمنى يديه فاجعلوا ... بدل الركن بيمناه استلاما (4)
لذوى الحاج زحام حولها ... زحمة الحجاج قد زاروا المقاما
كلّ ورد هكذا مستعذب ... يكثر الناس حواليه الزحاما
__________
(1) فى الأصل فيورثين الصبا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الصنج: آلة نحاسية يضرب فيها صنجة على الأخرى أو آلة بأوتار يضرب بها:
معرب.
(3) فى الأصل العر ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل يمنى يده. والوزن يقتضى ما أثبتنا.(18/168)
الشيخ أبو الحسين بن الصبان المهدوى
قال: ورد الشام، واشتمّ بارق الفضل وشام، ولقى دولة نور الدين وتوفى بدمشق سنة ستين، فمما أنشد لنفسه فى مدح جبارة بن أبى العينين (1)
صاحب سوسة قوله:
أرى دمع عينيك فاض انهمالا ... أظن الأحبة راموا زيالا
أعدوا الجمال ليوم الرحيل ... فزدت اشتياقا وزادت جمالا
وبين السجوف هلالية ... تحل النقاب فتبدى الهلالا
وتبدى أنامل مثل اللجين ... كسين من الوشى سحرا حلالا
بعيدة مهوى مجال الشنوف ... وفى الجيد أدمت بذى القرط خالا (2)
من البدويات تهوى البروق ... إذا هبت الريح عنها شمالا
وتنتجع الغيث حيث استهل ... فتطلب سهلا سقى أم تلالا (3)
تشد سحيرا لغاراتها ... فتلزم سرجا وتلقى حلالا
منازلنا بالحمى بجواشى الكثيب ... سقيت الغوادى غزارا بلالا
__________
(1) سبق ذكره باسم أبى العنين.
(2) الشنوف: جمع شنف وهو القرط، وبعيدة مهوى القرط، كناية عن طول الجيد وفى الأصل وفى جيد أدمى ولعل الصواب ما أثبتناه. ذو القرط: سيف خالد بن الوليد، والخال علامة فى الخد أو الرجل الخلى من الحب أو العزب من الرجال أو الرجل السمح أو المعجب بنفسه وفى البيت تورية، والمعنى أن قرطها المتحرك جرح خدها، أو جرح السيف المنسوب إلى خالد كل متكبر مختال.
(3) فى الأصل وتنجع الغيث، والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/169)
فكيف عهدت الصبى ناسيا ... تناجى غزالته والغزالا
ويا ربّ بيداء عند الهجير ... قطعت سباسبها والرمالا (1)
بعيرانة أجد عرمس ... تجدّ فتجذب عنها الإفالا (2)
إذا ونيت قمت فى غرزها ... أقول لها سوف تنسى الكلالا (3)
سألقى زمامك فى منزل ... يشدّ الرجال إليه الرحالا (4)
بحيث (جبارة) مستمطرا ... يجود على معتفيه نوالا
فتى للعشيرة عزّلها ... غدا لجميع البرايا ثمالا (5)
إذا ما العشيرة فى حادث ... شكت مرضا طبّ منها اعتدالا
وقال فى صبى نصرانى خمار بمدينة صقلية:
ومزز عقد الصليب بنحره ... وأدار حول وشاحه إنجيلا
خمدت بجنح الليل جمرة ناره ... فأقام خمرة دنّه قنديلا
متطلع لذوى السّرى من كأسه ... نجم يكون إلى الصباح دليلا
__________
(1) فى الأصل قطعت سبابها والوزن يقتضى ما أثبتناه، والسباسب جمع سبسب وهو المفازة أو الأرض المستوبة البعيدة.
(2) العيرانة: الناقة الصلبة المتحركة فى نشاط الأجد الناقة القوية الموثقة الخلقة، العرمس: الناقة الشديدة السلسة القياد تجد تقطع الجدد وهو الأرض الغليظة المستوية تجذب الفصيل: تقطعه عن الرضاع، الإفال جمع أفيل وهو الفصيل وفى الأصل نجد فتجذب الإفالا، والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(3) الغرز: ركاب من جلد يوضع فوق الناقة.
(4) فى الأصل لشد الرجال ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) الثمال: الغياث الذى يقوم بأمر قومه.(18/170)
أبو عمران شاكر بن عامر الهلالى
أصله من عرب بنى هلال بأفريقية، قد مضى ذكر نسبه وهو مغنى الفضل فى مطلع أدبه، ورد إلى دمشق، ولما أنشد فى الشريف إدريس شعره ذكر أنه مقيم بها فى سنة إحدى وسبعين، وهو الذى أفادنا من أوردناهم من الشعراء وذكرناهم من الفضلاء، ومن شعره:
إذا مرّ من أهوى أغضّ له طرفى ... وأخفى الذى بى من سقام ومن ضعف
وأكتم عن سرى هواه صيانة ... ولو كان فى كتمانه أبدا حتفى
مخافة أن يشكو فؤادى تحرقى ... إلى مقلتى يوما فتبدى الذى أخفى
وأنشده زيد المحتسب بدمشق هذا البيت:
هدّدت بالسلطان فيك، (1) وإنما ... أخشى صدودك لا من السلطان
__________
(1) فى الأصل فيكم والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/171)
والده أبو شاكر عامر بن محمد بن عسكر الهلالى
ذكر أنه بدوى وأمير سرى، أنشد له والده من قصيدة كتب بها:
إلى قومه:
يا حاد طرفى غير هاجع ... والدمع من عينىّ هامع
ولقد أرقت مسامرا ... بحما بدا فى الشرق طالع
متذكرا لصروف دهر ... أصبحت فينا قواطع (1)
إنى من الشّمّ الألى ... أهل العلى أبناء جامع
أهل المراتب والكتا ... ئب والمواهب والصنائع
يتسابقون إلى المعا ... لى كلهم فينا مسارع (2)
ولقد أحلوا قابسا ... بالمشرفيات القواطع
تسعين عاما لم يكن ... خلق لنا فيها منازع
كم من عزيز كان يأ ... تى نحونا بالرغم خاضع
كم قاصد أو طالب ... لنوالنا يأتيه طامع
وجنابنا للمعتفين ... بزهرة المعروف يانع
وإذا شهدنا مجمعا ... يومى إلينا بالأصابع
فى كل يوم عروبة (3) ... تدعو لنا زمر الجوامع
عبثت بنا أيدى الزما ... ن وأحدثت فينا البدائع
__________
(1) فى الأصل تتذكر.
(2) فى الأصل يتابعون، والوزن والسياق يقتضيان ما أثبتناه.
(3) يوم الجمعة.(18/172)
الأمير عبد الرحمن بن زيرى الصنهاجى
كتب إلى الأمير ساكن بدمشق (1) وقد وعده بكتاب:
سرى البرق من عليا معالم قابس ... وفى القلب من لمع البروق كوامن
يذكرنى عهدى بها ومثارتى ... بساحتها والحادثات سواكن
فويحى على تلك المواطن والصبا ... ظليل ووشك البين بالوصل بائن (2)
أخادع عن سكّانها الدهر وحده ... كأنى لما يأتى به الدهر ضامن
فمن لى بتبليغ السلام إليهم ... فكيف وقد شاقتك تلك المواطن
ولما سرى البرق الذى ذكّر الصبى ... تأوّهت شوقا والدموع هواتن
وناديت من عليا هلال بن عامر ... فتى صادق الدعوى إذا مان مائن
نمته رياح من صيابة فادع ... لآل على وهو للمجد صائن (3)
وحلّت بنودهان منه بقوة ... وعزّ به ثاو وناضل ظاعن (4)
فما هو إلّا فى ذرى عسكر [العلا] ... لعامرهم نجل وذلك ساكن (5)
__________
(1) يظهر أن الكناية كانت من دمشق وأن الشاعر انتقل إليها وحن إلى موطنه بقابس وكتب إلى أميرها ولعل اسمه ماكن أو ماجن أو مجن كما نذكره بعض المراجع واسم ساكن لم نره فيما رحعنا له من المصادر، وأسرة الحاكم تسمى أسرة بنى حامع من الهلاليين
(2) فى الأصل ويخفى على تلك المواطن والذى يزول ووشك الدين ولعل ما أثبتناه هو الأقرب للصواب.
(3) فى الأصل من صلة فادغ ولعل الصواب ما أثبتناه. صبابة كل شىء خياره.
(4) فى الأصل:
رحلت بنو دهمان منه بعشوة ... وغيره تنفاش أفاضل طاعن
ولعل الصواب أو قريبا منه ما أثبتناه، ومعناه أن قبيلة بنى دهمان اعتزت بقوته وتاهت بعظمته، فاعتز به المقيم وفاضل باسمه المسافر.
(5) ورد البيت ناقصا كلمة العلا وقد زدناها للوزن والسياق، وفى الأصل لعامرهم نحل وهو تحريف. والمقصود أنه فخر للجيوش الرفيعة وهو ينتمى لعامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن من قيس عيلان والشاعر يريد أن يقول إن عامرا لم ينجب مثل هذا الممدوح ولعله (ماكن) وهو ماكن أو مجن (باختلاف الروايات) بن كامل بن جامع بن دهمان بن على وأسرة جامع ظلت تحكم مقاطعة قابس فترة طويلة من الزمان.(18/173)
الملك أبو يحيى تميم بن المعز بن باديس (1)
صاحب المهدية: نسبه تميم بن المعز بن باديس بن منصور بن بلكين بن زيرى بن مناد بن منقوش (2) بن زناك بن زيد الأصغر بن واشفال (3)
بن وزغفى (4) بن سرى (5) بن وتلكى (6) بن سليمان بن الحارث بن عدى الأصغر وهو المثنى بن المسور بن يحصب بن مالك بن زيد بن الغوث الأصغر بن سعد وهو (7) عبد الله بن عوف بن عدى بن مالك بن زيد بن سدد (8) بن زرعة وهو حمير الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم (9) بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان (10) بن قطر (11) بن عوف بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميع بن عمرو بن حمير وهو العرنجج (12) بن العرنجج بن سبأ الأكبر بن يشجب (13) بن يعرب (14) [بن] قحطان بن عابر (15) وهو هود
__________
(1) له ترجمة وافية فى وفيات الأعيان ج 1ص 271
(2) فى الأصل منتوش وجميع التصحيحات فى النسب وحقائقها رجعنا فيها الى وفيات الأعيان ونهاية الأرب والعقد الفريد وسفر التكوين من العهد القديم.
(3) فى الأصل زيد الأصغر وأشقال.
(4) فى الأصل ودغفى
(5) فى الأصل السرى.
(6) فى الأصل وبلكى.
(7) فى الأصل هو.
(8) فى الأصل شداد.
(9) فى الأصل حيثم.
(10) فى الأصل حدان.
(11) فى الأصل قطن.
(12) فى الأصل حمير بن العرمجج.
(13) فى الأصل بسحب.
(14) زيادة فى الأصل وفى نهاية الأرب وهى ناقصة فى الوفيات.
(15) فى الأصل عامر، والتصحيح عن وفيات الأعيان ونهاية الأرب والعقد الفريد.(18/174)
عليه السلام (بن (1) شالخ (2) بن أرفخشذ (3) بن سام بن نوح عليه السلام) ابن لمك (4) بن متوشلح (5) بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام ابن برد (6)
بن مهلايل (7) بن تينان (8) بن الوشن (9) بن شيث بن آدم عليه السلام (10)، مولده المنصورية يوم الاثنين ثالث عشر رجب الفرد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وفاته ليلة السبت خامس عشر رجب سنة إحدى وخمسمائة، وولد له من الأولاد الذكور مائة وعشر بنين، وأقام فى ملك المهدية وما يليها من البلاد معظم عمره عظيم القدر كريم النجر (11) طيب الذكر مهذب الأمر مذهب العصر (12)، لقيت بدمشق ولد ولده وهو الأمير عبد العزيز بن شداد بن تميم وبها مقيم وأعارنى فى سنة إحدى وسبعين ديوان جده فطالعته فاطّلعت على كل مادل على جدّه وجودته وجدّه، وأثبت من شعره ماتترح له أعطاف السامعين اهتزازا، فمن ذلك قوله:
__________
(1) ما بين القوسين زيادة عن ابن خلكان نقلا عن نسخة من الخريدة لم تصلنا. وهى أيضا رواية نهاية الأرب والعقد الفريد ويظهر أن النسابين العرب اعتمدوا فى هذا على الإصحاحين الخامس والعاشر من سفر التكوين من العهد القديم.
(2) فى سفر التكوين شالح.
(3) فى سفر التكوين أرفكشا.
(4) فى نهاية الأرب لا مخ وفى سفر التكوين لامك.
(5) فى نهاية الأرب متوشلخ وفى سفر التكوين متو شالح.
(6) فى سفر التكوين ونهاية الأرب يارد.
(7) فى سفر التكوين مهللئيل وفى نهاية الأرب مهلائيل.
(8) فى الأصل فينان.
(9) فى الأصل الوش والتصحيح عن سفر التكوين ونهاية الأرب.
(10) نلاحظ أن ابن خلكان اكتفى فى ذكر النسب إلى نوح عليه السلام، أما الأصل فقد وصل به إلى آدم عليه السلام وهو موافق لما ورد فى سفر التكوين ونهاية الأرب.
(11) النجر: الأصل.
(12) تربى فى قصور المنصورية حيث ولد بها سنة 422ولما بلغ أشده ولاه أبوه على المهدية سنة 445فضبط أمورها حتى مات أبوه فخلفه على الإمارة الإفريقية سنة 454وقمع المخالفين وخاض حروبا طويلة مع الأعراب الهلاليين الزاحفين إلى القطر. وكان عظيم القدر(18/175)
ما اختلف الصبح والمساء ... وأنقذ الحكم والقضاء
إلا ولله فيه سر ... يحكم فى الخلق ما يشاء
وقوله فى بعض السقاة:
وساق قد تكنّفه الحياء ... فوجنته وقهوته سواء
يمجّ المسك من ثغر نقىّ ... كأن رضابه خمر وماء
وقد ولع الخمار بمقلتيه ... وظل التيه يفعل ما يشاء (1)
ويبخل بالسلام وما يليه ... فليس لمدنف منه شفاء
وقوله:
وجه هو البدر المنير وقامة ... كالغصن ماس نضارة وشبابا
يسقيك من حلب العصير مدامة ... ومن المؤشر مسكة ورضابا (2)
غنت وكاسات المدام مدارة ... عذب الوصال لنا بهنّ وطابا
كأس من الذهب السبيك تضمه ... قصب الّلجين تقمقمت عنّابا
وقوله:
سعاد قد ألمت بى ... ستمحو البعد بالقرب
__________
محمود السيرة والآثار محبا للعلماء مقربا للأدباء ينظم الشعر ويثيب عليه فتوافد على بلاطه الشعراء والأدباء، وظل ضابطا للملك حنى توفى سنة 501هـ ودفن بقصره، وقد ترك من البنين أكثر من مائه ومن البنات بنتين كما ذكره حفيده أبو محمد عبد العزيز بن شداد بن تميم فى كتاب أخبار الفيروان.
(1) الخمار: بقية الخمر.
(2) المؤشر: الرقيق، والمقصود هنا الأسنان المحززة طبيعة أو صناعة. والرضاب:
الربق، والمعنى أن هذا الساقى يطوف عليك بكأسه كما يسقيك من ثغره رضابا عذبا.(18/176)
كبدر خته غصن ... على جقف من الكثب (1)
فحلّت فى حمى قلبى ... على التأهيل ولرحب (2)
وقوله:
وجاهلة بالحب لم تدر طعمه ... وقد تركتنى أعلم الناس بالحب
أقامت على قلبى رقيبا وحارسا ... فليس لدان من سواها إلى قلبى
أدرت الهوى حتى إذا صار كالرّحى ... جعلت له قلبى بمنزلة القطب
وقوله يصف منافقا مماذقا:
رأيتك قاعدا عن كل خير ... وأنت الشهم فى قالوا وقلت
وأطوار له لطف وحذق ... وألفاظ ينمقها وسمت (3)
وثقت إليه من حسب وبيت ... ولولا ذاك منه ما وثقت
وقد يعد الوعود وليس يوفى ... وليس بقائل يوما، فعلت
كجمز الماء فوق الماء طاف ... يروق وماله أصل ونبت (4)
كذلك زهرة الدفلى تراها ... تشوق العين حسنا وهى سحت (5)
وقوله:
ألا يا نداماى الكرام وسادتى ... سألتكم ألّا أجبتم مقالتى (6)
__________
(1) الحقف: المعوج من الرمل.
(2) الرحب بالضم: السعة، والرحب بالفتح: الواسع.
(3) فى الأصل وطرارا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل كخز الماء ولعل الصواب ما أثبتناه، والجمز ما بقى من عرجون النخل
(5) الدفلى والدفل: نبت له زهر أحمر كالورد ولكنه مر وزهره قتال.
(6) فى الأصل سألتم والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/177)
[ألا هل سبيل] (1) للكئوس وحسنها ... وحسن المثانى كارتجاع الفواحت
[وهل ينجلى عنّا] (2) زمان مصرد ... تحكم فى الفتيان حكم الشوامت
وقوله:
بنفسى تفّاح الخدود المضرّج ... وأنفسنا أشهى إليه وأحوج (3)
بنفسى وجه جيشه نبل لحظه ... يحمّشه ذاك الجبين المتوّج (4)
وأسقيه من كأسى وأشرب فضله ... [فينهل] من فيه ومن فيه أمزج (5)
هو الخمر إلّا أنه خمر مرشف ... يمج به الثغر النقى المفلّج (6)
وقوله من قطعة:
ما العيش إلا مع التهجير والدّلج ... أو المدام وصوت الطائر الهزج (7)
والشرب بين الغوانى والقيان معا ... فإن أوجهها تغنى عن السّرج
والقصر والبحر والبستان فى نسق ... ونحن فى مشرف من منظر بهج
والكأس دائرة فى كف غانية ... بيضاء فى دعج صفراء فى [وهج] (8)
أقول والكأس تزهى فى أناملها ... رفقا على هذه الأرواح والمهج
__________
(1، 2) نقص فى الأصل ويمكن أن تم البيتان على هذا النحو.
(3) فى الأصل بنفس والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(4) فى الأصل بجيشه، والتحميش: الجمع، ولعلها يجنده.
(5) فى الأصل فيعل من فيه ولعل ما أثبتناه الصواب.
(6) الخمر مؤنثه وقد نذكر، الأسنان المفلجة: المتباعدة وهى سمة من سمات الجمال.
(7) التهجير: السير فى الهاجرة وهى شدة القيظ فى وسط النهار والتدليج: السير فى آخر الليل.
(8) الوهج: التلألأ واللمعان، والزيادة يقتضيها الوزن والقافية.(18/178)
الله فى مدنف أودى بمهجته ... طرف تقلب بين السحر والغنج
كم حجّة لى ولكن ليس تقبلها ... لو كان ينتفع المشتاق بالحجج
وقوله:
بنيل الجفون وسحر العيون ... وميل الغصون كميل الرماح
ولمع الثغور وبيض النحور ... وضيق الخصور وجول الوشاح
وورد الخدود وميس القدود ... وضم النهود ولتم الأقاح
وساق مليح كظبى ربيب ... وعود فصيح يهيج ارتياحى
وكأس المدام غداة الغمام ... يلفّ الغمام، فراح براح
كأن الرحيق بكفّ العشيق ... نظام العقيق بجيد الرّداح (1)
على المستهام حليف الغرام ... فما فى السلام له من جناح
وقوله:
بلحظك يقتل البطل المشيح ... وبعض جيوشك الوجه المليح (2)
وأنت البدر يكمل كلّ شهر ... وغصن البان فالظبى السنيح (3)
دنوّكم يزيّد من غليلى ... وودكم هو الود الصحيح (4)
__________
(1) الرداح: المرأة الثقيلة الأوراك.
(2) المشيح: الجاد فى أمره.
(3) السنيح: السانح، والسانح ضد البارح فالأول ما يمشى إلى يمين المشاهد والثانى ما يمشى إلى يساره والأول موضع تفاؤل بعكس الثانى. وفى الأصل السبيح وهو تحريف.
(4) فى الأصل يذود ولعل الصواب ما أثبتناه فالفعل ذود معناه مد بالزاد وزبد بمعنى زاد.(18/179)
وقوله فى جارية نصرانية:
أليس الله يعلم أن قلبى ... يحبك أيها الوجه المليح
وأهوى لفظك العذب المفدى ... إذا درس الذى قال المسيح
أظاهر غيركم بالود عمدا ... وودكم هو الود الصحيح
وفيكم أشتهى عيد النصارى ... وأصواتا لها لحن فصيح
وقوله من قطعة:
رمتنى سهام من لحاظ غريرة ... معقربة الصدغين قائمة النهد (1)
محسنة الأعطاف مهضومة الحشى ... غلامية التقطيع ممشوقة القد
وقوله من أخرى:
لئن خنتم أو ملتم لملالة ... فإنى سأرعاكم على القرب والبعد
وما أنس لا أنسى العناق عشية ... وبردى ذكى النّشر من ذلك البرد
وقوله من أخرى:
أيا من حلّ فى عينى وقلبى ... وجال من السويدا فى السواد
ليهنك إن حللت حمى فؤادى ... وسلطت السّهاد على رقادى
وأنك قد خلعت على جفونى ... من الأشواق أثواب الحداد (2)
__________
(1) فى الأصل عريرة ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل على جنونى ولعل الصواب ما اثبتناه(18/180)
وله:
أتسقينى وتسكرنى بلحظ ... فلى سكران: من هذا وهذا
فإن كان المراد بذاك قتلى ... على حبّيك صبرا كان ماذا (1)
وقد فنيت دموعى من جفونى ... فأمسى وبل أجفانى رذاذا
وله.
يا قمرا أبصرته طالعا ... ما بين أطواق وأزرار
يرنو بعينى شادن أحور ... قد عقد الخصر بزنّار (2)
يطوف بالكأس كبدر الدّجى ... وكأسه كالكوكب السّارى
قد كتب الحسن على خدّه ... هذا طراز الخالق البارى
وله من أخرى.
فناد بمسمعيك لكى يغنوا ... وحثّ [اللّحن] من بمّ وزير (3)
ولا تشرب بلا طرب فإنى ... رأيت الخمر تشرب بالصغير
وله من أخرى:
قم يا نديمى هاتها ... حمراء ترمى بالشرر
وأمر سقاتك تسقنا ... فالديك ينذر بالسّحر
__________
(1) فى الأصل على حبك والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل قد عقد الحقد ولعل الصواب ما حررناه.
(3) البم: الوتر الغليظ والزير: الوتر الدقيق وكلمة اللحن ساقطة من الأصل والوزن يقتضيها والسياق. وقد ساق النواجى فى حلبة الكميت البيتين الآتيين غير منسوبين ص 179:
وليس الشرب إلا بالملاهى ... وبالنغمات من مثنى وزير
فلا تشرب بلا طرب. فإنى ... رأيت الخمر تشرب بالصغير(18/181)
واشرب على قمر الورى ... إن غاب فى الغرب القمر
ما العيش إلّا بالسلام ... وبالقيان وبالوتر
يسقيكها ممشوقة ... أو أهيف زين الطرر
وكأنما هى رقّة ... دين المعرى فى الخبر
وله:
يا غزالا إذا نظر ... وقضيبا إذا خطر
أنت علمت مقلتى ... رعية النّجم والسّهر
طاف بالكأس أغيد ... وجهه كاسمه قمر
كيف لى بالسلو عن ... هـ، وما عنه مصطبر
وله من أخرى:
أغرّك قول النّاس يا غاية المنى ... ويا مخجل الشمس المنيرة والقمر
وما خلقت عيناك إلّا لآفتى ... وما آفة الإنسان إلّا من النظر
وله:
بأبى وجه مليح ... فيه ماء الحسن جارا
وله طيف إذا ما ... لجّ فى الهجران زارا
وله من أخرى:
أخود الّمت بنا آنفا ... أم الشمس والقمر الباهر (1)
__________
(1) الخود: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة.(18/182)
أرتك الهلال وغصن النقا ... يميّله روضه الزاهر
بعثت إليها بلحظ الهوى ... وطرفى لموعدها ساهر
منعمة من بنات الملو ... ك، فالحسن فى وجهها حائر
وله يصف الراووق:
تأمّل [إلى] الراووق والخمر يقطر ... كعينى محب للتفرّق تنظر (1)
براه الهوى فالدمع يغلب جفنه ... فيخفيه أحيانا ولا بد يظهر
وله:
فما شفق قد ضمّ بدر غمامة ... ولا كأس بلّور دهاق من الخمر
بأحسن منها حين مرت عشية ... تميس بتيه فى غلائلها الحضر
وله من أخرى:
سأصبر مغلوبا على بعد دارنا ... وما كل مشتاق على البعد صابر
فيا عزّ قد عز الذى أنت واصل ... كما ذل يا عز الذى أنت هاجر
فللغصن ما شدت عليه مناطق ... وللحقف ما ليثت عليه المعاجر (2)
تميس كغصن البان تهتز ناعما ... وتثقلها أردافها والغدائر
__________
(1) فى الأصل تأمل الراووق ولعل الصواب ما أثبتناه ومعنى الفعل هنا تطلع إلى الراووق، والراووق هو الوعاء الكبير الذى يستقطر فيه الخمر.
(2) فى الأصل للغصن ما لبثت ولعل الصواب ما أثبتناه. الحقف: المعوج من الرمل، لاث العمامة يلوثها: لفها، المعاجر جمع معجر كمنبر: ثوب تلتف به المرأة حول وسطها، والمعنى أن خصورها نحيلة وأردافها مليئة.(18/183)
وله:
ألا حبذا راح براح تديرها ... ظباء قصور بين تلك المقاصر
معتقة لم لمفح النار وجهها ... بعيدة عهد من قطاف وعاصر
على حلو أخبار إذا ما تكررت ... ثنينا على تذكارها بالخناصر
وله وقد أوقد الراهب نارا فى منارة:
يا راهب الدير [الذى] ... عمر النار بناره (1)
هل أبصرت عيناك لى ... ظبيا نأى عن داره؟
لبس الصليب مقلّدا ... إذ ماس فى زناره (2)
كالسيف فى آثاره ... والعصن فى إثماره
عيناه أوشك فعلة ... من غربه وغراره (3)
وله:
كأن الكأس لؤلؤة وفيها ... عقار عتّقت فى لون تبر
وله:
هلال ألمّ بنا موهنا ... تحير فى حسنه ناظرى (4)
وأوما إلىّ بتقبيله ... فردّ عليه نعم خاطرى
__________
(1) يا راهب الدير عمر والزيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(2) فى الأصل إذا ماس والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(3) فى الأصل قتلة والمعنى عيناه أسرع فى الفعل من حد السيف.
(4) الوهن والموهن: نحو نصف الليل، وقال الأصمعى: هو حين يدبر الليل.(18/184)
يريك الردينىّ من قدّه ... ويرنو عن المرهف الباتر
فكم شعلة فى صميم الفؤاد ... تضّرّم من لحظه الفاتر (1)
وله:
يا قبلة قد نلتها من مؤنس ... فتضوّعت أنفاسها فى المجلس
وضممته فضممت غصنا مائلا ... ورشفت من ريم ثنايا ألعس
وتأرجت أثوابه فكأنها ... ريح القبول على جفون النرجس
وتضرّجت وجناته فتوردت ... وتحكمت ألحاظه فى الأنفس
وله من أخرى:
وخمر قد شربت على وجوه ... إذا وصفت تجلّ عن القياس
خدود مثل ورد، فى ثغور ... كدر، فى شعور مثل آسى
وله:
يا ربّ راح جلونا كأسها سحرا ... عذراء صافية فى حلّة الورس (2)
فى راحة رخصة الأطراف ناعمة ... من كف جارية تدمى من اللّمس
بيض ترائبها سود ذوائبها ... كأن طرّتها غيم على شمس
وله فى جارية بوجهها أثر جرح:
ومجروحة فى الوجه أحسن من مشى ... وترنو بعينى ظبية تكلا الرّشا
__________
(1) فى الأصل تقنعه بين. والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) الورس صبغ نباتى أصفر.(18/185)
وما جرحها فى الوجه مما يشينها ... وما ضرب الدينار إلّا لننعشا (1)
مهفهفة تصبى الحليم بدلّها ... فلو حدثت صخرا من الصّمّ لا نتشى
تريك النقا والغصن إمّا تعرضت ... مثقلة الأرداف مهضومة الحشى
مسحبة فيها من الحسن مسحة ... فشا حسنها مثل الذى بى قد فشا
وله:
فكرت فى نار الجحيم وهولها ... يا ويلتاه ولات حين مناص (2)
فدعوت ربى أن خير وسائلى (3) ... يوم المعاد شهادة الإخلاص
وله:
ومجلس فيه ريحان وفاكهة ... نظلّ نلهو به طورا، ونغتبط
كأن سوسنه المبيضّ حين بدا ... رأس لراهبة ببدويها الشمط (4)
وله:
لله من وجهه لنا قمر ... على قضيب مهفف طلعا
ضممته مرة فقبّلنى ... فخلت زهر الرياض قد سطعا
وله:
سل المطر العامّ الذى عم أرضكم ... أجاء بمقدار الذى فاض من دمعى؟
إذا كنت مطبوعا على الصدّ والجفا ... فمن أين لى صبر فأجعله طبعى (5)
__________
(1) نعش فلانا: جبرء من فقر.
(2) فى الأصل وليت حين والتصحيح عن الوفيات.
(3) فى الوفيات وسيلتى.
(4) فى الأصل بادية الشمط، والوزن والقافية تقتضى ما أثبتناه أو قريبا منه.
(5) فى الأصل طبعى وهو تحريف.(18/186)
وله:
تلوّت علىّ بوعد كما ... تلوّى على الخدّ أصداغها
أيا دمية الدير فى بيعة ... تنوّق فيها الذى صاغها (1)
بقلبى أمور طواها الهوى ... أريد الى فيك إبلاغها
إلى شفتين بهاها الهوى ... فسبحت ما شئت صباعها
وله من أخرى:
فيا من وجهها سبب التصابى ... ويا من وصلها للقلب رافه
إليك صبوت يا من حلّ منى ... فأكلؤه بإشفاق المخافه
فيا من ريقها شهد جىّ ... بماء الورد نكهته مضافه
وله:
بليت بظبية تهوى لجاجى ... هى الشمس المنيرة فى السجوف (2)
مبرقعة بخد من سواد ... كمثل البدر فى وقت الكسوف
بلا قلبى وطرفى كان يخبى ... فقلبى المبتلى والطرف عوفى (3)
وله:
رويدك يا منى نفسى ... فما فى الحب من أنفه
__________
(1) فى الأصل أبا دبنه الزين يوق،. ولعل الصواب ما أثبتناه. تنوق وتنيق:
جود وبالغ فى الإنقان.
(2) فى الأصل تهوى لحاحى، واللجاج واللجاجة: الحضومة.
(3) فى الأصل كان يحى ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/187)
بحق الجمر إذ يرمى ... بحقّ الحج فى عرفه
بحق منّى ومن فيه ... وركب حلّ مزدلفه (1)
ألمى بى ولو يوما ... لنحيا مهجتى الكلفه (2)
وله:
يا ربّ غانية حمر غلائلها ... كأنها قمر فى حمرة الشفق
كأن غرّتها من تحت طرتها ... بدر التمام بدا فى ظلمة الغسق
قد زرفنت فوق خديها سوالفها ... كأنما كتبت لامين فى يقق (3)
باتت تعللنى راحا وترشفنى ... فبتّ أشرب راح الكرم والحدق
وله:
أهلا وسهلا بقيصرىّ ... يرشقنى قده الرشيق
تفعل ألحاظه بلبىّ ... أضعاف ما يفعل الرحيق
يا حاملا خده وكأسا ... فذاك ورد وذا شقيق
يا مشبه البدر فى كمال ... يا حبذا وجهك الطليق
__________
(1) فى الأصل يحل مزدلفة. والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل ليحي ولعل الصواب ما أثبتناه:
(3) فى الأصل ورفيت، زرفن صدغيه جعلهما كالزرفين وهى حلقة الباب وهى كلمة معربة والفعل منها مولد قال الشاعر:
خدود لثمها يبرى ... من الأسقام لو أمكن
فما نجنى، وحارسها ... بقفل الصدغ قد زرفن
واليقق: البياض الناصع أو القطن، وجمار النخل.(18/188)
وله:
يا مليكا على القلو ... ب بحيش من الحدق
بأبى صدغك الهي ... م على خدك اليقق (1)
وله:
ألّمت بوجه كبدر الدجى ... تقنّع بالمعجر الأزرق (2)
كبدر السماء بدا طالعا ... تحفّ به زرقة المشرق
وله:
أضحك من فى هواك باك ... حبّك عن حبّ من سواك
إذ لا وصال سوى نسيم ... من نشر مرط ومن سواك (3)
وله.
أبدين أقمار الوحوه طوالعا ... من فوق أغصان القدود الميّل
وبسمن عن در الثغور فخلته ... بردا تحدّر من سحاب هطّل
وله من أخرى:
ربّ يوم نحن فى ظلّ القنا ... رب يوم نحن مع بيض الدّحى
إن يكن حرب صلينا نارها ... أو يكن سلم بذلنا النّعما (4)
__________
(1) الصدغ: ما بين العين والأذن أو الشعر المتدلى من الرأس على هذا الموضع.
(2) المعجر كمنبر: ثوب تلتف به المرأة.
(3) النشر: الريح الذكية، المرط، كساء من خز تأتزر به المرأة.
(4) فى الأصل بذلنا النعى والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه،(18/189)
وله:
منع التنسك والوقار وبجمه ... مقل تقلبها بنات الروم (1)
مقل لها فعل المدام وتاره ... فعل الحسام بمهجة المهزوم
بيض كأن شعورها ووجوهها ... ليل تبلّجه ضياء نجوم
حدّثننى وخلال ذاك تبسّم ... كالدر منثور على منظوم
لله ليلتنا ونحن نديرها ... كأسا معتقة من الخرطوم
والطبل يخفق والمزامر حوله ... كتحالف العيدان فى التّرنيم (2)
فلئن صبوت فقد صبا أهل النّهى ... ولئن هفوت فلست بالمعصوم
وله:
لسقام جفونك من سقم ... وشحوب خدودى [من] ألم (3)
وولوع الحب بذى شجن ... وبقرع السن على ندم (4)
ولقد أصبحت لنا شغلا ... كعكوف الشرك على الصّنم
فلئن أسفرت فعن قمر ... ولئن سلّمت فبالعنم
إذ لا أشفى يوعود منك شفاء المحل من الديم (5)
أهوى وجوى، ونوى وأسى ... ووقوف الحال على العدم
وهم أشجوك وقد سلموا ... وهم أردوك بذى سلم
__________
(1) فى الأصل ونحمه ولعل الصواب ما أثبتناه، البجم هو الانقباض.
(2) فى الأصل تخالف العبدان فى المرموم ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل وشحوب خدودى ألم، والزيادة يقتضيها الوزن والمقام.
(4) فى الأصل وولوع الحب يدنى شجن ... ويقرع ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) فى الأصل إذا لا شقى المحل: الجدب، الديم: الأمطار غير المصحوبة برعد.(18/190)
وهم قصدوك بنبلهم ... وأقاموا الحرب على قدم
وهم ذلوك بدلّهم ... وهم راموك فلم ترم (1)
ولقد أزمعت سلوكم ... وعرضت الغدر على شيمى (2)
فكرهت الغدر لخسّته ... وأبته نفوس ذوى الهمم
وله:
يا شبيه الغزال عينا وجيدا ... وشبيه القضيب قدا وقامه
أنت بدر الجمال فوق قضيب ... خدك الورد والرضاب مدامه
وله:
ألا حبذا الوجه الذى جمع الحسنا ... كأن سناه الشمس لكنه أسنى
ويا من هواه فى ضميرى مخلّد
وأدنى إذا فكرت من ثوبى الأدنى
طلبت سلوا من هواك فلم أجد ... وألزمت نفس الصبر عنك فما أغنى
هواك إلى قلبى ألذّ من المنى ... وأعذب من ماء السحائب بل أهنى
وله:
بنفس القنانى بأيدى الغوانى ... وشدو القيان وصوت المثانى
وقد ستر الشمس ثوب الغمام ... وقد ودج العلج نحر الدنان (3)
__________
(1) الصواب أذلوك، ولكن الوزن جعل الشاعر تعدى الفعل اللازم.
(2) فى الأصل على شيم ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل وقد ودح العلج، ولعل الصواب ما أثبتناه، ودج: قطع الودج وهو عرق فى العنق أى ذبح. العلج: أحد كفار العجم وكانوا يباشرون السقى فى الحانات.
الدنان: أوانى الخمر التى يصنع فيها.(18/191)
فخذها عقارا ترى لونها ... كحمرة خد بقرص البنان
وبادر زمانا قليل الوفاء ... فكلّ مع الدهر، والعيش فان (1)
وله:
أيها البدر إلينا ... لا تبع بالنقد دينا (2)
دع نقبل كفك المخضو ... ب شئنا أم أبينا (3)
واسقنا سحرا بلحظ ... وأدر كأسا علينا
اسقنيها مرّة الطعم ... تريك الشّين زينا
أنت أبهى كلّ من يم ... شى على الأرض الهوينى
وله:
أيا من وجهه حلو ... ويا من قلبه خلو
ويا من لحظه سكر ... ويا من لفظه صحو
ويا من قدّه غصن ... نماه الدل والزّهو
لقد أصبحت ذاجور ... على من جسمه نضو (4)
وقد طالت مواعيدى ... أهذا منك بى لهو؟
فإن كنت أخا ذنب ... أما عندك لى عفو؟
__________
(1) فى الأصل قليل الوفاء ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل لبنا، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) المعنى: دعنا نقبل كفك، ولعلها لح.
(4) النضو: ما زيل.(18/192)
وله فيمن قد غنى بين يديه بقول ابن أخى عتاب الجوهرى.
إذا لم أطق صبرا رجعت إلى الشكوى ... وناديت جنح الليل: يا عالم النجوى
فعمل ارتجالا:
أيا قلب كم حذّرتك البثّ والبلوى ... أليس قصارى العاشقين إلى الشّكوى؟
فإن قلت: إن الطرف أصل بليتى ... فأنت الذى تصبو وأنت الذى تهوى
لعمرى لقد بالغتما فى نكايتى ... وحمّلتمانى فى الهوى فوق ما أهوى
بليت بقاسى القلب فى غاية المنى ... فصيّرنى فى الحب فى الغاية القصوى
ولا يقبل الأيمان إن جئت حالفا
ولا يرحم الشكوى، ولا يسمع النجوى
وله:
إن نظرت مقلتى لمقلتها ... تعلم مما أريد نجواه (1)
كأنها فى الفؤاد ناظرة ... تكشف أسراره وبحواه (2)
وله:
وكأس مثل عين الديك صرف ... وماء المزن بالشّهد الجنىّ
يطوف بها مليح ذو دلال ... مريض الطرف ذو خلق رضىّ
__________
(1) فى الأصل إلى مقلتها وبه يختل الوزن: والتصحيح عن وفيات الأعيان.
(2) فى الوفيات تكشف أسراره وفحواه.(18/193)
أقام عقارب الأصداغ تيها ... ليمنع بهجة الوجه الوضىّ
شربت على لواحظه مداما ... كماء المزن والمسك الزكىّ
وقوله من أخرى:
وإذا حرك المثانى عبد ... وسمعنا زمرا ولحنا شجيا
وسعى بالكؤوس بدر منير ... وسقانا الرحيق صرفا، وحيّا
ما أبالى إذا شربت ثلاثا ... أىّ قاض بالجور يقضى عليّا(18/194)
وإذا حرك المثانى عبد ... وسمعنا زمرا ولحنا شجيا
وسعى بالكؤوس بدر منير ... وسقانا الرحيق صرفا، وحيّا
ما أبالى إذا شربت ثلاثا ... أىّ قاض بالجور يقضى عليّا
حميد بن سعيد بن يحيى الخزرجى
من ندماء تميم بن المعز بن باديس بالمهدية وشعرائه المجيدين فى البديهة والرويّة وهو الذى جمع شعر الملك تميم ونظم فى عقد سلكه كل در يتيم، ومما أورده لنفسه فيه أبياتا عملها على وزن شعر لتميم، قال: قرأت من جمعه أنه حضرنا ليلة بين يديه فأملى علىّ يعنى تميما:
يا باعث السكر من كأس ومن مقل ... تسبى الحليم بتكسير وتخنيث
وحامل البدر فوق الغصن منتصبا ... وخالط الدّرّ تذكيرا بتأنيث
عاهدتنى عهد من للعهد ينكثه ... فصرت تأخذ فى طرق المناكيث
حدثتنى بأحاديث منمّقة ... فما حصلت على غير الأحاديث
فالوعد ينشرنى، والخلف يقتلنى ... فصرت ما بين مقتول ومبعوث
قال حميد: وسأل (1) الحاضرين إجازته فأنشدته:
يا من حرمت وصالا منه ينعشى ... وصرت أقنع منه بالأحاديث
تشبث السّقم بى لما هجرت، فما ... بغير طول الأسى والهجر تشبيثى
الله فى هجر مقتول أضرّ به ... وسد عليك وميت غير مبعوث
قال: ثم أنشده الحصبى:
يا ساقى الكأس ليس الكأس يسكرنى
السكر من مقلة أغرت بتخنيثى (2)
__________
(1) السائل هنا هو تميم بن المعز.
(2) فى الأصل أعرت. والتخنث والتخنيث: الطراوة والميوعة واللين.(18/195)
وهذا الحصيبى من شعراء العصر، ويستغنى بذكره هاهنا عن ذكره فى موضع آخر ثم أنشده الكفيف.
بثثت حبّك إذ ضاق الفؤاد به ... فمن يلوم بسر فيك مبثوث
نفثت فى القلب سحرا لا طبيب له ... فيا لسحر من الألحاظ منفوث (1)
وقد حلفت يمينا لا أكلّمه ... والشوق يقضى على رغمى بتحنيثى (2)
فقال له تميم: انا انتقدت على الحصيبى فانتقد أنت على الكفيف، فقلت: كلامه كلّه مختل لأنه ذكر ضيق صدره بمحبوبه، ومن كان صحيح المحبة فما يضيق فؤاده ثم قال: فمن يلوم بسر فيك مبثوث. والبهاثم لو نطقت تلومه وإنما الصواب: فلا تلمنى لسر فيك مبثوث. والمبثوث لا وجه له. فإن المبثوث بمعنى المفرق وكيف يبث حبه بمعنى يفرقه. وإنما أراد أن يقول نثثت حبّك بالنون أى ذكرته بعد ما كان مكتوما (3).
قال حميد الخزرجى وعملت بيتين إبتداء الأبيات وهما:
وغانية محياها ... به نغنى عن السّرج
لو اطلعت على الحجّا ... ج ألهتهم عن الحج
وبعدهما من شعر تميم:
لها وجه لها شعر ... كمثل الروم والزّنج
__________
(1) فى الأصل بعثت فى القلب والصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل لا يكلمنى بتخنيث، ولعل الصواب ما ذكرناه.
(3) نث الحديث ينثه وبنثه: أفشاه والنثاث: المغتابون، والمعنى أفشيت حبك لما ضاق عنه صدرى.(18/196)
لها جفنان قد شحنا ... بنبل السّحر والغنج
لها ثغر، لها ريق ... كمثل الخمر والبنج (1)
لها نهدان قد نجما ... كنابى فيل شطرنج
وحكى حميد أنه دخل إلى أبى عبد الله بن النعناع وفى يده رقعة من الملك تميم إليه يتأملها ويكثر النظر فيها وقد ألهته عنّا معانيها، فقلت:
عجبت لرقعة ألهتك عنّا ... وعمّا كنت فيه من الحديث
أظنك قد شغفت بها لسر ... قديم قد حوته أو حديث
وحكى أبو الصلت فى الحديقة: أخبرنى محمد بن حبيب المهدوى. قال:
حضرنا ليلة فى جملة الندامى مجلس السلطان أبى يحيى تميم بن المعز فالتفت حميد بن سعيد الشاعر إلى غلامين من مماليكه متناجيين قد ضمّا خدا لخد، فقال حميد:
أنظر إلى اللّمّتين قد حكتا (2) ... جنحى ظلام على صباحين
فقال: واعجب لغصنين كلّما انعطفا.
فقلت: ماسا من اللين فى وشاحين (3)
__________
(1) البنج: نبات منوم مسكن للأوحاع غير الحشيش، وفد عم استعماله الآن فى التخدير سواء كانت مادته نباتية أو غير نباتية.
(2) اللمة: الشعر الذى يجاوز شحمة الأذن، وفى الأصل اللمين قد حكيا، وهو تحريف.
(3) فى الأصل ما سامنى اللين فى وشاحين وهو تحريف، والوشاح: لباس عريض من الأديم يرصع بالجواهر وتشده المرأة بين كتفها وخصرها(18/197)
فقال: واعجب لحمى حماهما أسد (1).
فقلت: لولاه كانا لنا مباحين.
فقال: لو تدانيت منهما لدنت.
فقلت: منى فى الحين أسهم الحين (2).
__________
(1) الحمى: الحماية، والمقصود بها هنا الشىء المحمى كناية عن الغلامين وفى الأصل واعجب بحمى.
(2) الحين: الوقت، وحان حينه: قرب وقته، والحين الهلاك.(18/198)
محمد بن حبيب المهدوى القلانسى (1)
ذكره أبو الصلت فى الحديقة وأورد قوله:
بدور وجوه فى ليالى ذوائب ... لعبن بلبىّ بين تلك الملاعب
تبرقعن من خوف العيون وإنما ... طلعن شموسا تحت غرّ السحائب (2)
وفوّقن من تحت البراقع أسهما ... من اللحظ ترمى عن قسىّ الحواجب (3)
__________
(1) أشار إليه ابن دجنة فى المطرب ص 50وقال. ق: إنه ممن نسج على منواله (يقصد أبا عبد الله بن قاضى ميلة) وضرب فى بديع الصافى والألفاظ على مثاله.
(2) فى الأصل يتبرقعن والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(3) فى الأصل وفرقن ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/199)
باب فى ذكر (1)
من العصر أوردهم عثمان بن بشرون المهدوى. وذكر أنهم من المقلّين (2).
__________
(1) بياض بالأصل، ويظهر أن هذه التراجم منقولة عن كتاب «المختار فى النظم والنثر لأفاضل أهل العصر. لمؤلفه عثمان بن بشرون الصقلى (راجع كشف الظنون).
(2) فى الأصل المعتلين ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/201)
محمد بن عبد الله المهدى المعروف بابن تومرت (1)
هو الذى خرج بالمغرب ودعا إلى التوحيد وتولى بعده عبد المؤمن (2)، ذكر ابن بشرون: أنشدنى محمد بن محمد النثرى لابن تومرت أبياتا قالها قبل قيامه بالمغرب وهى:
إنى وفى النفس أشياء مخبّأة ... لألبسنّ لها درعا وجلبابا
كيما أطهّر دين الله من دنس ... وأوجب الفضل للسادات إيجابا
تالله لو ظفرت كفّى بمطلبها ... ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبى
__________
(1) يزعم بعض المؤرخين أن نسبه ينتهى إلى الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم ولد فى سوس من قبيلة تسمى هرغة ورحل إلى الشرق فتفقه ودرس وسمع الحديث، ورجع إلى الإسكندرية ومنها إلى المغرب، فاستقر فى بجاية أو المهدية فى رواية أخرى، فأظهر الوعظ والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتف حوله الدعاة والمريدون ومنهم عبد المؤمن بن على الذى أصبح أقرب أتباعه إليه وظل يتنقل فى بلاد المغرب وأتباعه يتزايدون
وقد وضع أساس دولة الموحدين وأقام أركانها خليفته من بعده عبد المؤمن بن على.
ومولده سنة 485ووفاته سنة 524.
(2) عبد المؤمن بن على هو الذى أقام أركان دولة الموحدين هو وعقبه، وقد امتد سلطانه فشمل الأندلس الإسلامية ومعظم شمال أفريقيا، ومولده سنه 485هـ ووفاته سنة 558هـ.(18/203)
اليمان بن فاطمة المرابط
أورد له:
صل مستهاما بكم قد شفّه السّقم ... لا يرقد الليل من فكر ومن قلق
قد أنفد الدمع فيما قد يكابده ... فالدمع فى نزف والقلب فى حرق
يا ويح من قد بلى من حبّه بنوى ... إن قال صل مال للإعراض والنّزق (1)
وقال موعد وصلى الحشر، فاغن بما ... ترى إذا، أو فهاك الحبل فاختنق
كم مرة قلت: علّ الدهر يسعدنى ... بالوصل منك فيحيى عنده رمقى (2)
قال: اصطبر واحتسب [ما كنت] لاقيه
مثل احتساب الشّجى المشفى على الغرق (3)
ثم انثنى مرحا والتيه يعطفه ... ووردة الخد تحكى حمرة الشّفق
وقال: دعنى واصنع ما تشاء، ولا
تلمم بربعى، واحذر أن تسى خلقى (4)
فحين أبصر ذلى فى هواه رثى ... لحالتى واعترته سورة الفرق
__________
(1) فى الأصل مال إلى الإعراض والبرق ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل على الدهر والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(3) فى الأصل واحتسب لاقيه، والوزن يقتضى ما زدناه أو قريبا منه، وفى الأصل أيضا احتساب السجن المشفى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الأصل: (تلم بربعى واعدان فسحر حلقى) ولعل الصواب ما أثبتناه أو قريبا منه.(18/204)
ومنها:
ومال نحوى يفدّينى بأسرته ... وسار بى لدراه سير منطلق
وقال خذها عقارا فى زجاجتها ... تلألأت كتلالى الشمس فى الأفق (1)
ونل وصالى، وقبّل عند ذاك فمى ... وعضّ خدّى ولا تعبأ بمطّرق
فلم يزل دأبنا هذا ومقصدنا ... أيام شهر جرت طلقا على نسق
يا حبذا زمن قضّيت أطيبه ... ما بين عود وناى خائر الطّرق (2)
فى روضة أنف تزهو بأحمرها ... نعم، وأصفرها والأبيض اليقق
إذا بكى القطر وانهلّت مدامعه ... تبسمت ورنت إليه بالحدق
__________
(1) فى الأصل كتلألىء الشمس والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) الطرق مسهلة الطرق، والطرق كل صوت أو كل نغمة من العود ونحوه.(18/205)
عبد الله بن حماد المراكشى
أورد من شعره قوله يتنجّز وعدا ويقتضى رفدا:
يا من إليه فى الحوادث يسند ... وعليه ألوية المحامد تعقد
إنّى أتيت بشطر بيت سائر ... (اليوم يومكم فأين الموعد) (1)
وقوله فى المعنى:
بتّ ليلى أنافر النوم حتّى ... لاح لى الصّبح لا أغمّض عينا (2)
وكأنى لما وعدت ضرير ... أجذم قد أتاك يطلب دينا
__________
(1) فى الأصل إنى أبيت ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل فبت ليلى ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/206)
عبد المؤمن بن يحيى السجلماسى
له فى ذم قاض:
أيا عرّة فى جميع القضاة ... وأجور قاض قضى واحتكم (1)
أمثلك يصلح فى قطرنا ... يلى الحكم فى الشرع بين الأمم
ودارك مفسقة للزناة ... يناك بها لك كلّ الحرم
فقل لولاة الأمور اللئام ... أبعد الفقيه علىّ الحكم
نولىّ القّضا مثل هذا البغيض؟ ... ونجم قيادته قد نجم (2)
نصحت لكم فاقبلوا انصح من ... يرى قتل قاضيكم فى الحرم
__________
(1) فلان عرة بالضم والتشديد وعارور وعارورة: قذر.
(2) يقصد بالقيادة الاشتغال بجمع النساء والرجال للفحش، نجم: ظهر.(18/207)
عبد الخالق بن عبد الصمد
النّولى أورد له من قطعة:
يا لقومى ما بصبّ ... مستهام من نصير
شفّه حبّ غزال ... غنج اللّحظ غرير
أهيف الخصر مليح القد ... كالغصن النضير
بمحيّا ذى جمال ... مثل بدر مستنير
ليته جاد بوصل ... بعد بعد ونفور
وغدا وهو عنيقى ... وضجيعى فى السرير (1)
أجتنى الوصل هنيئا ... فى خوّ من غيور
وشرابى ريق ثغر ... طيّب الطعم خصير (2)
وانتقالى ورد خد ... مع رمّان الصدور (3)
__________
(1) العنيق، العانق.
(2) الخصير: العذب البارد، وقد استعمل الشاعر كلمة الخصير بمعنى الخصر ولم ترد فى معاجم اللغة.
(3) النقل ما يتناوله الشارب أثناء شربه الراح ومثله الانتقال.(18/208)
الأفرم
هذا لقبه وهو محمد بن على المسيلى أورد من شعره فى الرزق وطلبه وأنه يجرى من الله بقدره:
يقولون إن الرزق بالحرص يجلب ... وليس بمقدور ينال ويكسب
فصّوب وصعّد فى البلاد مطالبا ... لرزق تنل منه الذى تتطلب
وإياك والتضجيع فيه وإنما ... أخو الرزق من يشقى عليه ويتعب (1)
فما الرزق يوما بالتواكل إنّه ... بعيد لذى التضجيع لا يتقرب (2)
فقلت بعيد أن تنال معيشة ... بحرص عليها فالحريص معذّب
ألا إنما الأرزاق تجرى بقدر ما ... يقدّر والمقدور عنّا مغيّب
وما إن ينال المرء منها سوى الذى ... به الله يقضى، والقضاء مغلّب
فأرزاق هذا الخلق بينهم جرت ... وذا سائل عفوا وذاك مخيّب
ولكن علينا الاجتهاد، وأن نرى ... لربّ الورى فى الرزق ندعو ونرغب
فرب الورى يعطى ويمنع كيفما ... أراد، وما فى ذاك منه معقّب
رضيت به ربا ومولى وسيدا ... وحسبى من ربّ يرجّى ويرهب
__________
(1) التضجيع: الرقود والكسل.
(2) فى الأصل: بالتوكل ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/209)
محمد المكناسى
المعروف بنيطلق، له فى الفراق:
إن يوم الفراق يوم عسير ... يتوقى وقوعه المهجور
كم أدينت للشوق فيه دموع ... واستحرّت للبين فيه صدور
واغتدى العاقل الصبور جزوعا ... للنّوى والنوى عليه أمير
أىّ عقل يبقى وأىّ اصطبار ... لمحب فؤاده مستطير؟
إذ أحبّاؤه أشاعوا ارتحالا ... بينهم غدوة، وقالوا المسير
ومطاياهم تشدّ ولم يب ... ق سوى أن يقال للركب سيروا
لو ترانى يوم ارتحال المطايا ... وبنان الحبيب نحوى يشير
لرأيت امرأ [تهاوى] من الشو ... ق فأضحى كأنه مسحور (1)
ليس يستطيع أن يودع حيّا ... دونه كاشح له وغيور
لم يزل يتبع الحبيب بطرف ... دمعه للفراق دمع غزير (2)
وينادى والشوق يضرم فى ال ... أحشاء نارا لها لديه سعير
يا إلهى قرّب مزار حبيبى ... ولأنت القدير نعم النصير
__________
(1) الزيادة يقتضيها أو ما يشبهها الوزن والسياق.
(2) فى الأصل لم ينزل ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/210)
حماد بن الوفا الفاسى الشاعر
له فى الاستعطاف والتنصل من الذنب والاستعفاء من العتب:
دع العتب وارجع لى حنانيك للعتبى ... وواصل إلىّ الكتب واغتفر الذنبا (1)
وكن كالذى ما زال فى الناس محسنا ... وإن هم أتوا ذنبا وهاجوا به كربا
وللعفو عن ذنب المسىء عبادة ... تطيب بها ذكرا وترضى بها الربّا
وتحرز فى أثنائها خير مكسب ... يكون جمالا فى الحياة وفى العقبى
فإنّ اعترافى أننى لك مذنب ... يجدد لى عهدا ويثمر لى قربا
لعل الليالى تستجدّ لقاءنا ... فأشكو بعادا زادنى فيكم حبّا
لقد طال هذا البعد حتى أذاقنى ... عذابا ولقانى به خطبه خطبا
* * * (2)
إذا الريح هبت من سماوة أرضكم ... ذهلت فلم أملك فؤادا ولا لبّا
__________
(1) العتبى: الرضاء.
(2) هنا بياض بالأصل يتسع لبيت مفرد.(18/211)
واستخبر الركبان عنكم لعلّنى ... (أقرّو) أقضى من سلام لكم نحبا (1)
ولا مبلغ عنكم إلىّ رسالة ... ولا قائل خبرا ولا دافع كتبا
فأرجع مكلوم الفؤاد (معذبا) ... تشبّ به نار الصبابات لى شبّا (2)
لعلّ الذى أفضى بنا لمفرّق ... يسّنى لنا لقيا ويسنى لنا قربا (3)
__________
(1) الزيادة يقتضيها الوزن والسياق، والنحب: الحاجة.
(2) الزيادة أو ما يشبهها يقتضيها الوزن والسياق.
(3) فى الأصل أقصى بنا، ولعل الصواب ما أثبتناه سنى: سهل، أسنى: رفع.(18/212)
يحيى بن عمارة
له من قطعة:
قد كنت من قبل أن أهوى وأعشق لا
أرثى لأهل الهوى فى كل ما صنعوا
فاليوم أعذرهم فيه وأرحمهم ... إذ نحن فيه سواء كلنا شرع (1)
فدع عتابك فى ريم علقت به ... فقلّما عاشق بالعتب ينتفع
قد حصحص الحق إنى عاشق كلف ... والعاشقون لسلطان الهوى تبع
__________
(1) فى الأصل أعذرهم فيهم ولعل الصواب ما أثبتناه، شرع: سواء:(18/213)
على بن عبد الله المقدسى
أورد قوله فى الطيف:
طاف (بى طيفه) الحبيب وزارا
ما رثى بى لما ألم ازورارا (1)
عجبا منه إذ أتى ما تأنّى ... بل ثنى طيفه الملمّ وسارا (2)
هاج لى ساكنا وأقلق حتى ... أضرم الشوق فى الجوانح نارا
ولقد نمت قبل زورة سار ... عن أمور هيّجن لى تذكارا
أذكر الحىّ والصّبى وسليمى ... وأمورا أظهرت منها استتارا
إذ عيون الخطوب عنّا نيام ... وثغور القبول تبدى افترارا
أمطر الله بالغوير ربوعا ... وسقاهنّ وابلا مدرارا
كم قطعنا بها ليالى وصل ... ووصلنا بها السرور نهارا (3)
ولنشر الصباح عرف ذكىّ ... عنبرىّ النسيم لما استثارا (4)
فى رياض مدبّجات بنور ... مدبجات كمامها أزهارا (5)
__________
(1) فى الأصل طاف طيف الحبيب وزارا والوزن يقتضى ما أثبتناه، أو قريبا منه.
(2) فى الأصل طيفه السلم وهو تحريف.
(3) فى الأصل ثم قطعنا والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(4) فى الأصل زكى، ولعل الصواب ما أثبتناه، العرف الذكى، والنشر الرائحة الطيبة وفى الأصل لما استنارا. والاستثارة السطوع وهو أنسب بالمقام.
(5) مدبجات: مزينات، النور: الزهر أو الأبيض منه، ولعلها مولجات كمامها أزهارا: بمعنى تجمل الأكمام حاوية للأزهار.(18/214)
وكئوس المدام تجلى علينا ... حملت فى الجنين (منها) نضارا (1)
من رحيق فى الدّنّ يذكر كسرى ... قدما فى الزمان والنّو بهارا (2)
أنجم فى الكئوس تبدى طلوعا ... لعيون، وفى اللهى أنوارا (3)
والتى يتمّ الفؤاد هواها ... شمس حسن بها العقول حيارى
يخجل الناظرين منها محيّا ... كمحيا الصباح حين أنارا
هى أنسى ولذّتى وندبمى ... ودوائى إذا شكوت أوارا (4)
شمّرت للوقوف منها برودا ... وأماطت عن وجنتيها خمارا (5)
ورمتنى بأسهم من لحاظ ... خالطت من فؤادى الأعشارا (6)
ومتى شئت وصلها كان منها ... كون منع ولا رقيب يدارى
فلقد حال من زمانى حال ... ترك العقل والفؤاد مطارا
وسعى بيننا من البين راع ... شتّ شملا مستجمعا حين ثارا
__________
(1) الزيادة يقتضيها المقام.
(2) النوبهار ببلخ بيت بناه أحد أجداد خالد بن برمك عارض به هو وأهوانه الكعبة المشرفة، وكانوا يطوفون به ويحج إليه أهل مملكتهم ويكسونه الحرير.
(3) اللها: جمع لهاة وهى مضغة فى أقصى سقف الحلق، والأنوار جمع نار، والمعنى أن الخمر تشرق فى الكئوس وتشعل الحرارة فى الأفواه وفى الأصل تنوارا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) الأوار: حدة العطش.
(5) الابراد: الثياب، أماطت: أزاحت، الخمار: اللثام.
(6) قلب أعشار: مجزأ إلى عشر قطع، قال امرؤ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربى ... بسهميك فى أعشار قلب مقتل
وفى الأصل ما حطت من فؤادى الأعشار، وقد تكون حطمت.(18/215)
قدر سابق وحكم نفوذ ... وخطوب رددن منها المعارا
أودعتنا الخطوب فى كل أرض ... ودعتنا لحكمهنّ اضطرارا
ليت شعرى وقد تنكر دهرى ... هل أرى لى عليه منه انتصارا
لا جزى الله زائر الطيف خيرا ... أنه هاج لى أمورا كبارا
سوف أبكى أيام قرب سليمى ... ما حييت وأندب الأقدارا (1)
__________
(1) ولعلها: واندب الآثار.(18/216)
جماعة اوردهم ابن بشرون (1)
فى مختاره (2) من المغرب الأوسط الذى كان لبنى حماد (3) واستولى عليهم عبد المؤمن (4).
__________
(1) عثمان بن بشرون الصقلى.
(2) المختار فى النظم والنثر لأفاضل أهل العصر.
(3) كان لبنى مناد الحميرى الصنهاجى جاه قديم بإفريقيا. فما قامت دولة العبيديين بإفريقيا اعتمدت عليهم، ولما فتحت مصر على يد المعز لدين الله الفاطمى استخلف على إفريقية زعيمهم بلسكين بن زيرى بن مناد الصنهاجى. ومع الوقت ازداد نفوذه وأصبحت تبعيته للفاطميين اسمية، ثم انقسم بنو مناد إلى فريقين بنى حماد بقلعتهم التى بنوها فى أشير وبنى باديس بالقيروان والمهدية، وأول أسرة بنى حماد هو حماد بن بلسكين بن زيرى وتوفى سنة 4107هـ ملك بعده ابنه القائد حتى سنة 446ثم محسن بن القائد وآخر حكامهم يحيى بن العزيز وقد استولى عبد المؤمن بن على على مدينة بجاية وعلى قلعة بنى حماد وقضى على دولتهم سنة 547هـ.
(4) زعيم دولة الموحدين ومؤسس ملكهم فى شمال إفريقيا عبد المؤمن بن على.(18/217)
الفقيه ابو حفص عمر بن فلفول
قال: هو كاتب السلطان بتلك البلاد يحيى بن العزيز الحمادى وخالصته وصاحب سرّه، وله اليد الطولى فى الإنشاء الدال إعجازه فيه على البلاغة الودية بسحره فى نثره، قال أنشدنى له الأمير عبد الله بن العزيز الحمادى عند الاجتماع به فى جزيرة صقلية:
وقالوا نأى عنك الحبيب فما الذى ... تراه إذا بان الحبيب المواصل
فإن أنت أحببت التّصبّر بعده ... ولم تستطع صبرا فما أنت فاعل (1)
فإن الهوى مهما تمكن فى الحشى ... وحلّ شغاف القلب ليس بزائل
فكم رام أهل الحب قبلك سلوة ... وزادهم عنها هوى متواصل (2)
فقلت ألا للصّبر مفزع عاشق ... وللصّبر أحرى بى وإن غال غائل
سأصبر حتى يفتح الله فى الهوى ... بوصل حبيب طال فيها الطوائل (3)
__________
(1) فى الأصل أحببت الصبر بعده ولم يستطع ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل وزادهم عنها ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) الطوائل: المزايا والفوائد.(18/218)
ابو عبد الله محمد الكاتب
المعروف بابن دفرير، ذكر أنه أحد كتاب الدولة الحمادية المتصرفين فى الكتابة السلطانية وأورد له رسالة كتبها عن سلطانها يحيى بن العزيز الحمادى، وقد فرّ من مدينة بجاية أمام عسكر عبد المؤمن يستنجد بعض أمراء العرب بتلك الولاية:
«كتابنا ونحن نحمد الله على ماساء وسرّ رضى بالقسم، وتسليما للقدر، وتعويلا على جزائه الذى يجزى به من شكر، ونصلى على النبى محمّد خير البشر، وعلى آله وصحبه مالاح نجم بسحر، وبعد: فإنه لمّا أراد الله أن يقع ما وقع، بقبح آثار من خان فى دولتنا وضبع، استفزّ أهل موالاتنا الشيطان (1)
وأغرى من اصطفيناه وأنعمنا عليه الكفران. فأتوا من حيث لا يحذرون ورموا من حيث لا ينصرون، فكنّا فى الاستعانة بهم والتعويل عليهم كمن يستشفى من داء بداء ويفر من صلّ خبيث إلى حية صمّاء. حتى بغت مكرهم (2) وأعجل عن التلاقى أمرهم وردّ وبال أمرهم إليهم، فعند ذلك اعتزلنا محلّة الفتنة، وملنا إلى مظنّة الأمنة، وبعثنا فى أحياء هلال نستنجد منهم أهل النجدة، ونستنفر من كنّا نراه للمهم عدّة، وأنتم فى هذا الأمر أول من يليهم الخاطر ويثنى عليه الحاضر.
__________
(1) فى الأصل استقر أهل موالاتنا الشان، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) بغت مكرهم: ظهر مكرهم بغتة.(18/219)
أبو القاسم عبد الرحمن الكاتب
المعروف بابن العالمى من كتّاب الدولة الحمادية، له من رسالة:
ولما كنت فى مضمار سلفك جاريا، ولنا مواليا، وفى قضاء طاعتنا متباهيا.
رأينا أن نثبت مبانيك ونؤكد أواخيك (1) ونوجب لك ولخلفك، ما أوجبه سلفنا لسلفك، تمييزا لهم عن الأكفاء، ومجازاة لهم على محض الصفاء والولاء، فاستدم هذه النعمة العظيم خطرها بالشكر، فأنت به جدير، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور.
__________
(1) الأواخى: الروابط القوبة وهى جمع أخيه وأصل معناها عود فى حبل أو حائط يدفن طرفاه فى الأرض ومبرز طرفه كالحلقة تشد فيها الدابة.(18/220)
على بن الزيتونى الشاعر
ذكر أنه شاعر المغرب الأوسط وأديبه وألمعيه وأريبه، وهو صاحب توشيح وتوشيع وتقصيد وتطليع وقد ساد شعره غناء، وأورد من شعره قوله فى ذم المركاز (1):
لا آكل المركاز دهرى ولو ... تقطعه كفى بروض الجنان (2)
لأنه أشبه فيما يرى ... أضالع المصلوب بعد الثمان
وقوله من قصيدة فى مدح بعض القضاة وهى:
نهاه عن محارمه نهاه ... وقرّبه لخالقه تقاه
وقال الله ليس سواى رب ... ولا لشريعتى أحد سواه
هو البرّ العطوف غلى البرايا ... وبالأيتام، يرحم من أتاه
وشدّ به عرى الإسلام حتّى ... رأينا النّجح وانعقدت عراه
أمين عدله غمر البرايا ... فما يخشى على أحد قضاه
فسيح خطوه فى كل علم ... ومن ذا يقتفى أبدا خطاه؟
أبىّ شأنه طلب المعالى ... ومن يحصى ثناه أو نداه (3)
لقد ظفرت يد علقت نداه ... ومن ناواه قد تبّت يداه
__________
(1) المركاز: النقانق بلغة أهل المغرب، وهى الضفادع أو الغزلان تحشى باللحم المدقوق وتغلى، وينسب هذان البيتان أيضا إلى أبى أحمد المعروف بالمبثل كما ينسبان إلى الرقاس (يقاف وسن) راجع شفاء الغليل.
(2) فى الأصل الا لا آكل والتصحيح يقتضيه الوزن. كما أن البيتين وردا مصححين فى شفاء العليل.
(3) لعلها نثاه أو نداه، والنثى هى الأخبار المروية.(18/221)
ابراهيم بن الهازى
ذكر أنه صاحب توشيح مليح، وربما قصر إذا قصّد، وأحسن إذا قطع (1).
ومن شعره:
ألا فدعوا عذلى فما أسمع العذلا ... كفاكم، فإن العذل قد زادنى خبلا
وهى قصيدة واهية ومقطعها:
فواصل وقاطع لست أبغى تحولا ... فإن شئتم جورا، وإن شئتم عدلا
__________
(1) يريد أنه يحسن فى المقطوعات القصيرة. ولا يحسن فى القصائد المطولة.(18/222)
على بن الطبيب
ذكر أنه أديب وطبيب وأورد من شعره قوله:
يا جملة الحسن هب لى منك إحسانا ... إنى أحبك إسرارا وإعلانا
ومنها:
إنى لعبدك لا أبغى بكم بدلا ... ولا أحب سواك الدهر إنسانا(18/223)
إنى لعبدك لا أبغى بكم بدلا ... ولا أحب سواك الدهر إنسانا
يوسف بن المبارك
ذكر أنه من موالى بنى حماد، وله فى مدائحهم من الشعر ما انسحب عليه ذيل حماد (1) من ذلك قوله.
هناكم النصر ونيل النجاح ... فى يومكم هذا بسمر الرماح
فأنتم الصيّد الكرام الأولى ... شادوا العلى بالنائل المستماح (2)
ما منكم إلّا همام حوى ... منافبا جلّى ومجدا صراح
لا ترهبون الدّهر أعداءكم ... وتمنعون العرض من أن يباح
وتبذلون الرّفد يوم الندى ... وتسعرون الحرب يوم الكفاح
وترفعون الجار فوق السّهى ... وتكرمون الضّيف مهما استماح
لا زلتم تجنون زهر العلى ... فى معرض العزّ بحد الصّفاح
__________
(1) يقصد أن حمادا جر ذيله تيها وخيلاء بهذه المدائح.
(2) النائل المستماح: العطاء المطلوب المبذول.(18/224)
ابن أبى المليح الطبيب
ذكر أنه طبيب ماهر، وكاتب وشاعر، واشتهاره بالطب وله مقطعات جالبة للحبّ سالبة للّب، وله من قصيدة عيدية فى الأمير عبد الله بن العزيز الحمادى يصف جنائبه، وقضاءه حق العيد وواجبه:
وجالت به جرد المذاكى كأنّها ... عذارى ولكن نطقهن تحمحم (1)
بصفراء كالتبر العتيق صقيلة ... ودهماء يتلوها كميت وأدهم (2)
وأشقر لو يجرى وللبرق جهده (3) ... لكان له يوم الرّهان التقدّم
وقام لواء النصر يتبع راية ... بها العزّ معقود عليها متمم
فلما قضى حقّ الصلاة معظما ... ثنى والهدى فى وجهه يتوسّم
فلا زال يقضى نفله وفروضه ... وبرد علاه بالمدائح معلم
__________
(1) المذاكى: الخيل التى أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان والمقصود الخيل الفتية الشابة.
(2) فى الأصل لصفراء صقلية، ولعل الصواب ما أثبتناه العتيق: الخيار من كل شىء صقيلة: ناعمة مجلوة، كميت، ساطع الحمرة، الدهمة: السواد.
(3) فى المختصر وكذلك فى الذخيرة: جريه.(18/225)
على بن مكوك التطيبى
أورد له هذه الأبيات:
ألا ليت شعرى هل من الدهر عودة ... ليقرب ناء ليس يدرى له أين
تكدر صفو العيش مذ جدّ بيننا ... وأىّ التذاذ لا يكدّرة البين
لعلى الذى يبلى ويشفى من الأسى ... يعيد الذى ولّى فكل به هين
غدوت من الأيام فى حال عسرة ... تطالبنى دينا وليس لها دين(18/226)
ألا ليت شعرى هل من الدهر عودة ... ليقرب ناء ليس يدرى له أين
تكدر صفو العيش مذ جدّ بيننا ... وأىّ التذاذ لا يكدّرة البين
لعلى الذى يبلى ويشفى من الأسى ... يعيد الذى ولّى فكل به هين
غدوت من الأيام فى حال عسرة ... تطالبنى دينا وليس لها دين
حماد بن على الملقب بالبين
له:
لمن أتشكّى ما أراب من الدهر ... وقد ضاق بى عن حمل أيسره صدرى
وقل الذى يجدى التّشكىّ، وأين من ... أرجّيه فى يومى لقاصمة الظهر؟
أرانى قد أصبحت فى قطر باجة ... غريبا وحيدا فى هوان وفى قهر
فقيرا لمن قد كنت أغنى بنيله ... وأنعم فى أيامه جلوة العمر (1)
وأرمق عيشا كدّر الدهر صفوه ... وصيّره بعد انجبار إلى الكسر (2)
وعهدى به روضا أريضا وجنة ... مذّللّة الأكناف رائقة الزهر
وإن رمت أن أعدو لأهلى عاجلا ... بلا مهل فى أول الركب والسفر (3)
ثنانى عنه عامل الثغر وانثنى ... يقابلنى بالعنف منه وبالزجر
وقال اقتنع واقنع برزق تناله ... بلطف لعل اليسر يذهب بالعسر
وأطرق إطراق البغاث لدى الصقر ... كأن لم أكن إذ ذاك منه على فكر
__________
(1) فى الأصل فقيد ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل أرمق والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(3) فى الأصل أن أغدو ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/227)
محمد بن البين
أورده الرشيد بن الزبير فى كتاب الجنان من الأندلسيين ولم أعرفه إلّا منه، وأورد له:
جعلوا رضابك كى يحرّم راحا ... ورأوا به قتل النفوس مباحا
نشروا عليك من الذوائب حندسا ... فملأته من وجنتيك صباحا
ومتى أحسّوا منك طيفا طارقا ... ملأوا أعنّتهم إلىّ رياحا
ضربوا عليك من القتام سرادقا ... ركزوا شعاع الشمس فيه رماحا
وجلوا ظلام الليل بالصبح الذى ... قسموه بين جيادهم أوضاحا
وأتوا بغدران المياه جوامدا ... قد فصلوها ملبسا وسلاحا
هذا معنى حسن قد جوّده الأعشى النحوى من شعراء المغرب ولا أدرى أيهما أسبق إليه:
ملك إذا ادّرع الدّلاص حسبته ... لبس الغدير وهز منه منصلا
ولمحمد بن البين:
برود قد خلقن علىّ حتى ... حكين الصبر فى يوم الوداع (1)
فجدّدها ليشهد كل راء ... بأنى من هباتك باتساع
وحمّل عاتقى ثقل المعالى ... فإنى بالتحمّل ذو اضطلاع (2)
__________
(1) خلق: قدم، وثوب خلق: بال. وفى الأصل برود قد خلعن ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل: فإنى بالحمل. والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/228)
باب فى ذكر عدة من شعراء المغرب(18/229)
الأديب الحكيم ابو الصلت (1)
أمية بن عبد العزيز بن أبى الصلت، كان أوحد زمانه وأفضل أقرانه متبحرا فى العلوم وأفضل فضائله إنشاء المنثور والمنظوم، وكان قدوة فى علم الأوائل، ذا منطق فى المنطق بذّ سحبان وائل، سمعت أبا الفتح نصر بن عبد الرحمن بن اسماعيل الفزارى فى ذى الحجة سنة ستين ببغداد وروى لى الكثير.
من أهل المغرب، وسكن ثغر الاسكندرية وله (2).
فى الأصول التصانيف الحسنة (3) وله كتاب الحديقة على أسلوب كتاب اليتيمة للثعالبى، ثم وقع لى ديوان أبى الصّلت هذا (4) دمشق فأخذته وانتخبت منه ما أوردته ونبهت على ما رويته فى (5).
__________
(1) ترجم له ابن الأبار فى التكملة وابن أبى أصيبعة فى عيون الأنباء وابن خلكان فى الوفيات وياقوت فى معجم الأدباء، وأورد له المقرى كثيرا من المختارات الشعرية فى مواضع متفرقة من نفح الطيب.
(2) بياض بالأصل.
(3) أورد ياقوت من تآليفه: تقويم الذهن فى المنطق، وكتاب الرسالة المصرية، وديوان شعر كبير، ورسالة فى عمل الاصطرلاب، وكتاب الديباجه فى مفاخر صنهاجة، وديوان رسائل، وكتاب الحديقة فى مختار من أشعار المحدثين، وكتاب سر الردة وزاد عليها ابن أبى أصيبعة كتاب الأدوية المفردة على ترتيب الأعضاء المتشابهة الأجزاء والآلية، وكتاب الملح العصرية من شعراء أهل الأندلس والطارئين عليها رسالة فى الموسيقى، وكتاب فى الهندسة، وسمى رسالته فى المنطق باسم كتاب تقويم منطق الذهن ويتضح من مراجعة ترجمة حياته أنه كان شاعرا كاتبا مهندسا طبيبا فيلسوفا. وقد برز فى كل فن من هذه الفنون، وقد حفظ لنا مئات الأبيات من شعره الرقيق ولد سنة 460سنة 529هـ.
(4) بياض بالأصل.
(5) بياض بالأصل.(18/231)
وكل شعره منقّح، ملقح، ممدّح، مستملح، صحيح السبك، محكم الحوك نظيم السلك، قويم الفلك، وذلك على ترتيب الحروف، وقد قرأت فى ديوانه شعره بتاريخ سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ولا شك أنه عاش بعد ذلك (1)،
(الهمزة):
فمن ذلك قوله فى غلام اسمه واصل، وهو مليح.
يا هاجرا سمّوه عمدا واصلا ... وبضدها تتبين الأشياء (2)
ألغيتنى حتى كأنك واصل ... وكأننى من طول هجرك راء (3)
وله ملغزا بالظل من قطعة:
أحاجيك مالاه بذى اللب هازىء ... على أنه لا يعرف اللهو والهزؤا (4)
بعيد على لمس الأكف مناله ... وإن هو لم يبعد عيانا ولا مرأى (5)
يراسل خلا إن عدا عدو مسرع ... حكاه وإن يبطىء لأمر حكى البطأ (6)
__________
(1) أورد ابن خلكان هذه العبارة:
قال العماد فى الخريدة: «أعطانى القاضى الفاضل كتاب الحديقة وفى آخرها مكتوب أنه توفى يوم الاثنين ثانى عشر من محرم سنة 546رحمه الله تعالى» والصحيح أنه توفى سنة 529فإن أكثر الناس عليه وهو الذى ذكره الرشيد بن الزبير فى الجنان ومات بالمهدية ودفن بالمنستير.
(2) المثل: «وبضدها تتميز الأشياء».
(3) الأصل: أتعبتنى، ولعل الصواب ما اثبتناه. وكان واصل بن عطاء من شيوخ المعتزلة ألثع لا يستطيع نطق حرف الراء فجانبها فى كلامه وخطبه. ودل بهذا على قدرة فائقة حتى أصبح مضرب الأمثال، وفيه يقول الشاعر:
عليم بإبدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحق باصله
ويقول آخر مخاطبا حبيبته:
أجعلت وصلى الراء لم تنطق به ... وقطعتنى حتى كأنك (واصل)
(4) فى الأصل ودونك مالاه ولعل ما أثبتناه أو قريبا منه هو الصواب.
(5) فى الأصل منال له وإن هو والوزن يقتضى ما أثبتناه
(6) فى الأصل عدو مرح وإن تبطىء الأمر والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/232)
ترى الرحل محمولا عليه كأنما ... مراسله من دونه يحمل العبأ (1)
ولم يخش يوما من تعسف قفرة ... أساودها تسعى وآسادها تدأى (2)
[وينساب فى جنح الدّجى متسلّلا ... لواذا] (3) ويبدو كلما آنس الضوءا
[وكم مدة يحيى علينا بسيبه] (4) ... فلا جرعتنا الحادثات به رزءا
[مليك إذا] استسقى العفاة يمينه ... توهّمتها من فيض نائلها نوءا (5)
[كوى] مجده قلب الحسود لما به ... وأعياه أن يلقى لعلته برءا (6)
وقوله:
كم أرجّى الأراذل اللؤماء ... وإخال السراب فى القفر ماء (7)
ويح نفسى ألا جعلت لربى ... دون هذا الأنام هذا الرجاء
__________
(1) المعنى: أن الظل صورة مطابقة للأصل حتى يتوهم الناظر أن الظل هو الذى يحمل العبء دون الأصل.
(2) فى الأصل من تعسف فقره، وهو تحريف الأساود. الحيات الكبيرة تدأى:
تختل وتتسلل لاصطياد الفريسة.
(3، 4) بياض بالأصل ويمكن أن يستقيم المعنى إذا سددنا النقص بما يلى:
[وينسل فى جنح الدجى متسللا ... لواذا] وبدو كلما آنس الضوءا
[وكم مده «يحيى» علينا بسيبه] ... فلا جرعتنا الحادثات به رزءا
ويحيى هو الأمير المرتضى أبو طاهر يحيى بن تميم بن المعز حاكم القيروان وكان الشاعر يقيم فى ظله بعد مغادرته مصر وقد ظل فى كنفه حتى أدركته الوفاة.
(5) ورد البيت فى الأصل هكذا: استشفى العفاة والزيادة والتصحيح يقتضيهما المقام.
(6) ورد البيت فى الأصل هكذا: مجد قلب والزيادة والتصحيح يقتضيهما المقام.
(7) فى الأصل واللؤما، والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/233)
وقوله:
لاغر وأن سبقت لهاك مدائحى ... وتدفقت جدواك ملء إنائها (1)
يكسى القضيب ولم يحن إثماره (2) ... وتطوق (3) الورقاء قبل غنائها
__________
(1) اللها: المطايا وفى معجم الأدباء لحقت لهاك فتدفقت نعماك.
(2) فى معجم الأدباء: إبانه.
(3) فى الأصل: ويطوق والتصحيح عن معجم الأدباء وفى نفح الطيب: وتطقطق الورقاء(18/234)
الباء
وقوله من قصيدة فى الأفضل سنة أربع عشرة وخمسمائة:
نسخت غرائب مدحك التشبيبا ... وكفى به غزلا لنا ونسيبا
لله شاهنشاه عزمتك التى ... تركت لك الغرض البعيد قريبا (1)
لا تستقرّ ظباك فى أغمادها ... حتى تروّحها دما مصبوبا (2)
والخيل لا تنفك تعتسف الدجى ... [لا تأتلى خببا ولا] تقريبا (3)
تصبو إلى ما عوّدت من متنها ... فتواصل الإسآد والتأويبا (4)
وترى نمير الماء صفوا كلما ... وردته طرقا بالدماء مشوبا (5)
فى صفة الخيل:
من كل منتصب القذال تخاله ... رشأ بإحدى الجلهتين ربيبا (6)
__________
(1) شاهنشاه تعبير فارسى معناه ملك الملوك، وقد منع الماوردى إطلاق شاهنشاه وملك الملوك وقاضى القضاة على أحد من البشر وقال إنما ذلك لله عز وجل، وفى الحديث:
«اشتد غضب الله على من قتل، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الملوك، لا ملك إلا الله» وقال قوم يجوز ذلك «راجع شفاء الغليل».
(2) فى الأصل: لا تستقر صباك وهو تحريف.
(3) ورد البيت ناقصا، والزيادة يقتضيها الوزن والمقام أى تظل هذه الخيل تخوض بحار الظلام ولا تمل العدو بأنواعه. الخبب: أن ينقل الفرس يمينيه معا وبساريه معا والتقريب: رفع الأماميتين معا ووضعهما معا.
(4) فى الأصل الآماد والتقريب وهو تحريف. الإسآد: السير طول الليل بغير راحة والتأويب السير طول النهار.
(5) الطرق: الماء الذى تخوض فيه الإبل وتبول فتعكره.
(6) القذال: معقد اللجام من الفرس. الرشأ: الظبى الفنىء الريب: المنعم، الجلهة:
ناحية الوادى أو محلة النوم أو صخرة عظيمة مستديرة.(18/235)
حكم الوجيه له وأعوج أنه ... سيجىء فردا فى الجياد نجيبا (1)
من أدهم للحلى فوق لبانه ... شهب تضىء ظلامه الغربيبا (2)
متألق إفرنده فى حلكة ... وكأنما سبج عليه أذيبا (3)
أو أشهب صبغ النجيع أديمه ... لونا أعاد لحسنه تذهيبا (4)
ما خلت ريحا قبله امتطيت ولا ... أبصرت برقا قبله محبوبا
تردى بكل فتى إذا شهد الوغى ... نثر الرماح على الدروع كعوبا (5)
قد لوحته يد الهواجر فاغتدى ... مثل الفتاة قصافة وشحوبا (6)
يتسابقون إلى الكفاح بأنفس ... ترك الإباء ضرامها مشبوبا
تخذوا القنا أشطانهم واستنبطوا ... فى كل قلب بالطعان قليبا (7)
أحييت عدل السابقين إلى الهدى ... وسلكت فيه ذلك الأسلوبا
وبثثت فى كل البلاد مهابة ... طفق الغزال بها يؤاخى الذيبا
وهمت يداك بها سحائب رحمة ... ينهل كل بنانة شؤبوبا (8)
__________
(1) الوجيه وأعوج فرسان مشهوران بالأصالة تضرب العرب بهما الأمثال.
(2) اللبان: الصدر، الغربيب: السواد الكالح.
(3) الحلكة: شدة السواد، وفرند السيف وإفرنده: حليته ووشيه، السبح: الخرز الأسود.
(4) الشهبة: البياض الغالب على السواد، النجيع: الدم الأسود.
(5) تردى الأعداء: تميتهم بفرسانها ولعل الصواب تزهى.
(6) فى الأصل: الفتاة قضافة: ولعل الصواب ما أثبتناه والقصافة والقصف:
النحافة.
(7) الأشطان: الحبال، القليب: البئر.
(8) همت: أمطرت، الشؤبوب: الدفعة من المطر، وفى الأصل: وهمت بها يداك سحائب رحمة والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/236)
ومنها:
ونصرت دين الله حين رأيته ... متحيّفا بيد الردى منكوبا (1)
فالخيل تسرع، والفوارس ترتمى ... مردا إلى أجر الجلاد وشيبا
فى الدرع:
متسر بلى غدر المياه ملابسا ... مستنبطى زبر الحديد قلوبا (2)
ونصبت من هام العدى لك منبرا ... أو فى حسامك فى ذراه خطيبا (3)
لما أعدوا البيض هيفا خرّدا ... والطاس يفهق مرة والكوبا (4)
أعددت للغمرات خير عتادها ... رمحا أصم وسابحا يعبوبا (5)
فى الدرع:
ومفاضة كالنهر درج متنه ... ولع الرياح به صبا وجنوبا (6)
__________
(1) فى الأصل متخفيا ولعل الصواب ما أثبتناه، المتحيف: المنتقص من جوانبه.
(2) الغدر: جمع غدير وهى البعيرات الصغيرة المتخلفة من ماء المطر. فإذا مر عليها النسيم أصبحت آسنة بالدروع، زبر الحديد: قطعه.
(3) الهام: جمع هامة وهى الرأس، أوفى: أشرف.
(4) المعنى: اهتم أعداؤه بالغيد الحسان الممشوقات القوام والكئوس المفعمة بالشراب وفى الأصل هيفا جردا ولعل الصواب ما أثبتناه، والخرد جمع خريدة، والخريدة: الفتاة العذراء التى لم تمس أو الفتاة الحيية الخافتة الصوت المتسترة.
(5) فى الأصل أعددت للعمران وهو تحريف والغمرات: الشدائد السابح: الجواد السريع وسمى سابحا لسبحه بأطرافه أثناء سيره السريع، اليعبوب: الفرس السريع الطويل أو الجواد السهل فى عدوه أو البعيد الشأو فى الجرى.
(6) درج متنه: نقش صفحته، الصبا: ريح تهب من الشرق.(18/237)
فى السيف:
ومهند عضب الغرار كأنما ... درجت صغار النمل فيه دبيبا (1)
ذكر الكمىّ مضاءه فى وهمه ... فرأيته بنجيعه مخضوبا
تعطى الذى أعطتكه سمر القنا ... أبدا فتعدو السالب المسلوبا (2)
وكلت فكرك بالأمور مراعيا ... وأقمت منه على القلوب رقيبا
ومنها:
وأنا الغريب مكانه وبيانه ... فاجعل صنيعك فى الغريب غريبا
وقوله من قصيدة فى يحيى بن تميم سنة اثنتى عشرة وخمسمائه فى صفة الحرب:
تألق منك للخرصان شهب ... على لمم الدجى منها مشيب (3)
نجوم فى العجاح لها طلوع ... وفى ثغر الكماة لها غروب
ومنها:
وقد غشاك من سود المنايا ... سحائب ودقهنّ [له صبيب] (4)
__________
(1) عضب الغرار: ماضى الحد.
(2) فى نفح الطيب فتغدو سالبا مسلوبا.
(3) الخرصان: الرماح أو الأسنة، وفى الأصل تألق للخرصان، والزيادة والتصحيح يقتضيهما المعنى، واللمم: خصل الشعر التى تجاوز شحمة الأذن.
(4) ورد البيت ناقصا والزيادة يقتضيها المقام هى أو ما يشبهها، والصبيب: الدم أو العصفر أو العرق، الودق: المطر.(18/238)
فلا برق سوى بيض خفاف ... تقطّ بها الجماجم والتريب (1)
تغادر كل سابغة دلاص ... كما شقّت من الطرب الجيوب (2)
وقوله من قصيدة فى مدحه:
بكم فضل المشرق المغرب ... وفى مدحكم قصّر المطنب (3)
وما اعترف المجد إلا لكم ... فليس إلى غيركم ينسب
توارثتموه أبا عن أب ... كما اطّردت فى القنا الأكعب
ومنها:
إذا بلد ضاق عن آمل ... فعندكم البلد الأرحب (4)
بحيث ينادى الندى بالعفا ... ة هلموا، فقد طفح المشرب
ومنها:
دنا كرما ونأى هيبة ... فتاه به الدست والموكب (5)
__________
(1) فى الأصل: بيض حفاف تغط بها الجماجم والريب. ولعل الصواب ما أثبتناه، والمقصود بالبيض الخفاف: السيوف. التريب: عظام الصدر ومثلها الترائب جمع تريبة.
(2) السابغة: وصف للدرع الواسعة ودرع دلاص. ملساء لينة.
(3) فى الأصل: فضل المشرق والمغرب. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى الاصل عن أمل والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(5) الدست: كلمة معربة استعملها المتأخرون بمعنى الديوان ومجلس الوزارة والرياسة، قال المعرى:
من آلة الدست ما عند الوزير سوى ... تحريك لحيته فى حال إيماء
فهو الوزير، ولا إزر بشد به ... مثل العروض له بحر بلا ماء(18/239)
وسالت ندى وردى كفّه ... فهذا يرجّى وذا يرهب (1)
وقوله من قصيدة فى مدح حسن بن على بن يحيى بن تميم:
عذيرى من شيب أمات شبابى ... وداع لغير اللهو غير مجاب
فقدت الصّبا إلا حشاشة نازع ... تداركتها إذ آذنت بذهاب
بصفراء من ماء الكروم سقيتها ... بكف فتاة كالغلام كعاب
[ويشرق من خلف] الزجاجة نورها
كما ذر قرن الشمس دون سراب (2)
[فهل من ملام] ويكما أو تباعة
على رجل أحيى صبا بتصاب (3)
ومنها:
(أيطفىء) نار الهمّ مثل زجاجة ... تشجّ حميّاها بماء رضاب (4)
ولثم خدود كالشّقائق غضّة ... وضمّ قدود كالغصون رطاب
فقم يا نديمى سقّنى (ثم سقنّى) ... فبى ظمأ أصبحت منه لما بى (5)
__________
(1) فى الأصل ندى وودى، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) الزيادة يقتضيها المقام.
(3) فى الأصل ويكما أو تباعه، والزيادة يقتضيها الوزن والسياق ويكما: ويحكما التباعة: التبعية قال الشاعر.
أكلت جنيفة ربها ... زمن التفحم والمجاعه
لم يحذروا من ربهم ... سوء العواقب والتباعه
(4) الزيادة يقتضيها الوزن والمقام وفى الأصل تسح حمياها، وهو تحريف. وتشج حمياها يمزج رحيقها، يقال شج فلان الماء بالشراب إذا مزجه به، قال كعب بن زهير:
شجت بذى شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى، وهو مشمول
(5) الزيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/240)
أما والذى شاء لم يخلق الهوى ... لهونى، ولا عذب اللّمى لعذابى
لقد طال ذمى الدهر حتى أقرّنى ... من ابن على فى أعز خصاب (1)
وجدت ذراه الرحب أكرم منزل ... فقيّدت أفراسى به وركابى
وكم ردّدت نحوى الملوك خطابها ... فما حظيت منى برد جواب (2)
وقوله من قصيدة فى مدحه:
لم يدعنى الشوق إلا اقتادنى طربا ... ولم يدع لى فى غير الصّبا أربا
وذو العلاقة من لجّ الغرام به ... وكلما ليم أوسيم النزوع أبى (3)
كانت لنا وقفة بالشّعب واحدة ... عنها تفرّع هذا الحب وانشعبا
ولائم لى لم أحفل ملامته ... ولا سمحت له منّى بما طلبا
قال اسل فالحب قد عنّاك قلت: أجل
حتى أراجع من لبّى الذى عزبا
طرفى الذى جلب البلوى إلى بدنى ... فلمه دونى فى الخطب الذى جلبا
هو الهوى، وهوانى فيه محتمل ... ورب مرّ عذاب فى الهوى عذبا
أما ترى ابن علىّ حين تيّمه
حبّ العلى كيف لا يستنكر النّصبا (4)
__________
(1) لعلها فى أعز جناب لأن خصاب لم ترد فى اللغة بهذا العنى.
(2) فى الأصل فما جلبت منى، وهو تحريف.
(3) العلاقة: الحب، النزوع عن الشىء: الإقلاع عنه.
(4) فى الأصل: لا يستنكر الرقبا ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/241)
أغرّ ما برحت تثنى عزائمه ... سيف الهدى بنجيع الشّرك مختضبا (1)
قد أصبح الملك منه فى يدى ملك ... مرّ الحفيظة يرضى الله إن غضبا (2)
لو أن أيسر جزء من محاسنه ... بالغيث ما كفّ أو بالبدر ما غربا
ومنها فى وصف قصر له بناه:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية ... فليسق قصرك صوب الراح ما شربا
قصر تقاصرت الدنيا بأجمعها ... عنه وضاق من الأقطار ما رحبا
ومنها يصف شجر النارنج:
وحبذا قضب النارنج مثمرة ... بين الزبرجد من أوراقها ذهبا
وفى صفة النهر:
وحبذا الورق فوق القضب ساجعة ... والماء فى خلل الأشجار منسربا
سلّت سواقيه منه صارما عجبا ... لا يأتلى الجدب منه ممعنا هربا (3)
حسام ماء إذا كفّ الصّبا انبعثت ... لصقله تركت فى متنه شطبا
صفا ورقّ فكاد الجوّ يشبهه ... لو أن جوا جرى فى الروض وانسكبا
صفة الخمر:
[تركته لعقار ترتقى] شررا ... فوق البنان وهذا يرتقى حببا (4)
__________
(1) فى الأصل: أعز ماء حث وهو تحريف.
(2) الحفيظة: الحمية والغضب.
(3) فى الأصل ممنع هربا وهو تحريف.
(4) التكملة مناسبة للمقام.(18/242)
شمطاء ما برحت فى الدّنّ قائمة ... تفنى الليالى والأيام والحقبا
حتى لقد جهلت للبعد عاصرها ... وأنسيت لتراخى عهدها العنبا
وقوله فيه:
بسمر الرماح وبيض القضب ... تنال العلى وتحاز الرتب
وما بلغ المجد إلا فتى ... يمتّ إليه بأقوى سبب
فكن كلفا بالقنا والظّبى ... إذا كلفوا باللمى والشّنب
إلى [أن] تناهى الهوى مثلما ... إلى ابن على تناهى الحسب
كأنّ هواى قدود الملاح ... هواه قدود الرماح السّلب
أهيم ببيض الدّمى مثلما ... تهيم يداه ببيض القضب
وتسهرنى خصرات اللّمى ... وتسهره نيل أعلى الرتب (1)
ولا أقبل العدل فيمن أحبّ ... ولا يقبل العذل فيما يهب
ويخفق قلبى جوى كالبروق ... وتهمى يداه ندى كالسحب
وقد فعل السقم بى والنحول ... فعل عوارفه بالنشب
فلا حسّ فى بدنى للحياة ... ولا حسّ فى ظله للنّوب (2)
وعهد جفونى بطيب الكرى ... كعهد مغالبه بالغلب (3)
ووجدى ومفخره باقيا ... ن فى كل حين بقاء الحقب
__________
(1) فى الأصل صد ذات اللمى، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل فلا حسن فى بدنى: ولا حسن، وهو تحريف.
(3) يقصد أن جفونى لا تطمع فى النوم. كما أن خصمه لا يطمع فى النصر.(18/243)
فأبقى لى الوجد جيد وخال ... وأبقى له المجد جدّ وأب
وقرأت فى مجموع السيد أبى الرضا الراوندى بخطه:
أنشدنى الزكى بن طارق أنشدنى سليمان بن الفياض لأبى الصلت:
إذا كان جسمى من تراب فكلها ... بلادى، وكل العالمين أقاربى (1)
ولا بدلى أن أسأل العيش حاجة ... تشق على شمّ الذرى والغوارب (2)
وقوله:
ورب قريب [الدار] أبعده القلى ... رب بعيد الدار وهو قريب (3)
وما ائتلفت أجسام قوم تناكرت ... على القرب أرواح لهم وقلوب
وقوله يصف بركة الحبش:
علّل فؤادك باللذات والطرب ... وباكر الرّاح بالطاسات والنّخب (4)
أما ترى البركة الغنّاء قد لبست ... فرشا من النّور حاكته يد السحب (5)
وأصبحت من جديد النبت فى حلل ... قد أبرز القطر فيها كل محتجب (6)
من سوسن شرق بالطل محجره ... وأقحوان شهىّ الظّلم والشّنب
__________
(1) فى نفح الطيب إذا كان أصله من تراب.
(2) فى الأصل: يشق على أخفافها شم الذرى والغوارب، والتصحيح عن الوفيات ونفح الطيب، الذرى هنا بمعنى الأسنة، والغوارب: ما بين الأسنمة والأعناق.
(3) فى الأصل ورب قريب أبعده القلى، والزيادة عن المختصر ويقتضيها الوزن والمقام.
(4) فى نوادر المخطوطات، بالغايات والنخب والنخب: جمع نخبة، وهى المختار من كل شىء.
(5) فى نوادر المخطوطات لابسة وشيا.
(6) فى نوادر المخطوطات، قد أبرز القطر منها.(18/244)
وانظر إلى الورد يحكى خدّ محتشم ... من نرجس ظلّ يحكى لحظ مرتقب (1)
والنيل من ذهب يطفو على ورق ... والراح من ورق يطفو على ذهب (2)
ورب يوم نقعنا فيه غلتنا ... بجاحم من حشى الإبريق ملتهب (3)
شمس من الراح حيانابها قمر ... موف على غصن يهتزّ فى كثب
أرخى ذوائبه واهتزّ منعطفا ... كصعدة الرمح فى مسودة العذب (4)
وقوله فى العذار.
دب العذار بخده ثم انثنى ... عن لثم مبسمه البرود الأشنب
لا غرو أن خشى الردى فى لثمة ... فالريق سم قاتل للعقرب
يقال من خواص ريق الإنسان أنه يقتل العقرب وهو مجرب.
وقوله وهو من رائق شعره:
صبا إذ تنسّم ريّا الصّبا ... ولج فأنّب من أنّبا
وكان على العذل سهل المرا ... م سمح المقادة، فاستصعبا
ولم يدع للغىّ إلا أطاع ... ولم يدع للرّشد إلا أبى
__________
(1) فى الأصل ظل يحكى وفى النوادر ظل يودى.
(2) فى النوادر:
والياسمين وقد أربى على درر ... والراح من درر تطفو على ذهب
الورق: الدراهم المضروبة من الفضة.
(3) فى النوادر:
كم مرة قد شفينا فيه غلتنا ... بجاحم من فم الإبريق ملتهب
وفى الأصل: ورب يوم تقنعنا فيه علينا بحاجم، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى النوادر: وانهز منعطفا، الصعدة، القناة المستوية استواء طبيعيا.(18/245)
فكيف السّلو لصبّ يرى ... عذاب الصبابة مستعذبا (1)
خليلىّ لى والهوى والرقيب ... حديث يحلّ عقود الحبا
وبى والركائب والظاعنين ... ظباء لواحظهنّ الظّبى
وخلف الستور وطىّ الخدور ... ودون العجاج وتحت الكبا (2)
شموس مطالعهنّ الجيوب ... وقضب مغارسهن الرّبا
حشدن لقتلى جيش الغرام ... وفرّقن صبرى أيدى سبا
وقوله:
لا مدعنا ولتدع من شئته ... إليك من عجم ومن عرب (3)
فنحن أكّالون للسحت فى ... ذراك سماعون للكذب (4)
ومن قوله وقد جفا بعض إخوانه فى سكره:
يا ليت أن حباب الرمل ساورنى ... فيما استدار بأعلاها من الحبب (5)
__________
(1) فى الأصل: فكيف يسلك صب برى، والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) الكبا: جمع كباء وهو البخور الذى تنبعث منه الروائح الطيبة.
(3) فى الأصل لا تدعنا وادع، والتصويب عن المختصر ونفح الطبب.
(4) فى الأصل فى دراك والتصويب عن المختصر وهو يشير إلى قوله تعالى فى بنى إسرائيل «سماعون للكذب أكالون للسحت».
(5) فى الأصل باليت أن حات الرمل ساورى فما استدار بأعلاها من الجنب ولعل الصواب ما أثبتناه: الحباب: الحبة والمعنى ليت الحية المتسللة فى الرمال لدغتنى وحلت محل الحباب فى كأس الشراب.(18/246)
فما يوافى الذى أخفيت من ندم ... ما نلت بالكأس من لهو ومن طرب (1)
اصرف كئوسك عنى يا مصرّفها ... فليس لى بعدها فى اللهو من أرب
فى ابن الغمامة لى مغن يؤمننى ... من أن يحكم فى عقلى ابنة العنب (2)
ومنها:
ترى رضيت فعاد الودّ أم بقيت ... بقية تتقاضى عودة الغصب
__________
(1) فى الأصل فما بقى الذى.
(2) ابن الغمامة: الماء(18/247)
التاء (1)
وقوله فى ذم عبيده (2).
قيّض لى العبيد بخت ... أتعسه الله فى البخوت
لم أحظ منهم بغير فدم ... أرعن أو مبرم مقيت
يكلم عند الكلام إن لم ... يفلح سكيتا لدى السكوت (3)
ورب علق ملكت منهم ... كالظبى فى مقلة وليت (4)
أتى على انصبر كل شىء ... أعطى من حسنه وأوتى
تعجّ أحقاؤه عليه ... فويق خلخاله الصموت (5)
سهل على طالبيه سمح ... يجذبه خيط عنكبوت
لا يأتلى من مقيل سوء ... عند ذوى الفسق أو مبيت
يوسع أعفاجه طعانا ... من بطل غير مستميت
__________
(1) وردت مقطوعات بائية لم ترد هنا فى المراجع الآتية: وفيات الأعيان ج 1ص 59 ومعجم الأدباء ج 7ص 68، 70وعيون الأنباء ج 3ص 93، 95، 9996.
(2) يشكو فى هذه القصيدة من عبيده فهم بين غبى ثقيل الظل أو جميل مخنث ينقاد للشذوذ الجنسى أو قبيح الخلقة خبيث الأخلاق.
(3) يكلم: يجرح السكيت: آخر الخيل فى السباق
(4) العلق: النفيس، الليت: صفحة العنق
(5) فى الأصل يعج حقناته، ولعل الصواب ما أثبتناه، ولعلها تبانه، الأحقاء.
معقد الأزر من الخصور، والتبان السراويل القصيرة عج: صاح، والمعنى أن خصره رقيق تتحرك حوله ثيابه فتحدث صوتا بينما ساقه ممتلئه لا يتحرك فيها الخلخال بل يظل صامتا، ومن سمات الجمال المعهودة عندهم ضمور الخصر ومتلاء الساق. وقد يكون جمع الحقاب على حقبان وإن كان هذا الجمع لم نجده فى كتب اللغة والحقاب: شىء تعلق المرأة به الحلى وتشده فى وسطها.(18/248)
فى كل يوم يجر عرضى ... فى سكك الدّور والبيوت (1)
أنعت بالفسق فيه إفكا ... والفسق من أقبح النعوت
ورب يوم حميت غيظا ... من أسود اللون كالخبيت (2)
أرفع صوتى به اشتكاء ... والرفع فى الصوت رفع صيت (3)
أقول يا رب هل أراه ... تحت الدبابيس واللتوت (4)
(فى) شمل كرب به جميع ... وشمل أنس به شتيت (5)
ويحك يا نفس أىّ جهد ... من لؤم أخلاقهم لقيت
وقوله فى مدح حسن بن على:
أيحبى الدهر منّى ما أماتا ... ويرجع من شبابى ما أفاتا؟
وما بلغ الفتى الخمسين إلّا ... ذوى غصن الصّبا منه فماتا
يقول الركب: هاتا دار هند ... فهل يجدى مقال الركب هاتا؟
ومنها:
بكيت على الفرات غداة شطّوا ... فظّن الناس من دمعى الفراتا
وبى من ساكن الأحداج رئم ... كريم القفز صدا والتفاتا (6)
__________
(1) فى الأصل فى شكل الدور. والسكك: الطرق أو الأزقة
(2) حمى عن كذا: أنف منه واستعظم فعلته، الخبيت: الحقير الردىء. أو الخبيث أو الفاسد وفى الأصل كالحميت وهو التمر الحلو ولا معنى له هنا إلا إذا شبهه به فى السواد
(3) الصيت: السمعة الحسنة أو المطرقة.
(4) اللتوت: جمع لت كلمة أصلها فارسى معناها الفأس أو القدوم
(5) الزيادة يقتضيها الوزن والمقام
(6) فى الأصل ساكن الأحداج جوى كريم القفر ولعل الصواب ما أثبتناه، ولعلها كثير القفز، الأحداج: محفات تحمل فيها النساء فى السفر.(18/249)
أعاد دلاله وجدى جميعا ... وأوسع صدّه صبرى شتاتا
وولىّ بالعزاء غداة ولّى ... وكيف يردّ ما ولّى وفاتا
فسائل عن جفونى كيف باتت ... وعن قلبى المعذب كيف باتا
أما لو عادنى لأعاد روحى ... وأحيى أعظمى الرمم الرفاتا
كما أحيى ندى الحسن البرايا ... وكان الغيث إذ كانوا النباتا (1)
مليك ما لجأت إليه إلّا ... قهرت من الحوادث ما أماتا (2)
يهز الرّفد عطفيه ارتياحا ... ويحكى الطود فى الهيجا ثبانا (3)
وصلت بحبله الممدود حبلى ... فما أخشى له الدهر انبتاتا
وهابتنى الليالى فى ذراه ... فلست بخائف (منها افتئاتا) (4)
ولمّا حدث الركبان عنه بما ... أولاه من فضل (أفاتا) (5)
مرقت إليه من حلل الدياجى ... مروق الهم إذ جدّ انفلاتا
إلى أن حطّ رحلى فى ذراه ... بحيث انقاد لى زمنى وواتى
فلا عدمت به الدنيا جمالا ... ولا فقدت له العلياء ذاتا
__________
(1) فى الأصل كما أحبيا بذى الحسن، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل: قهرت به الحوادث ماتا. والزيادة والتصحيح يقتضيهما الوزن والمقام
(3) فى الأصل بهز الوفد وهو تحريف والرفد: هو العطاء.
(4) الزيادة تقتضيها القافية والوزن والمقام
(5) أفات الفضل: أتى بما يزيد عليه، وقد اكملنا البيت بما يناسب المقام.(18/250)
الثاء
وقوله:
خل لها فى الزمام تنبعث ... وارم بها البيد غير مكترث (1)
من كل موّارة الملاط لها ... وخد متى تسترثه لم ترث (2)
فالحىّ كالميت، ما أقام على ... حالة بؤس والبيت كالجدث
أقسمت بالله بارىء النّسم ... الباعث الحقّ خير منبعث
والراقصات العجال تبتدر الر ... كن بغرّ فويقها شعث (3)
إليه، لا أخاف من كذب ... يقدح فى صدقها ولا حنث
إن ابن يحيى كهل البصيرة والر ... أى وإن لم يجز مدى الحدث (4)
الواعد الوعد غير منتقض ... والعاهد العهد غير منتكث
والأسد الورد والمكر والمو ... ت غرثان والكماة جثى
[من يستمح جدواه] يجد ومتى
يدع به فى يغث (5)
__________
(1) فى الأصل فى الزمان تنبعث وهو تحريف، وهو يتحدث عن العيس
(2) فى الأصل متى تستتره، والصياغة تقتضى ما أثبتناه استراث استبطأ: أبطأ
(3) فى الأصل بغرة فويقها، وهو هنا يقسم بقوافل الحجيج إلى مكة مسافرين شعث غبر متجهين إلى بيت الله الحرام.
(4) يريد أنه فى حداثته كهل العقل والبصيرة.
(5) ورد البيت ناقصا محرفا فى الأصل هكذا: يشمح يجد وقومناه بما يناسب المقام.(18/251)
[فأىّ] أرض لم يسق ماحلها ... يعبوب معروفه ولم يغث (1)
[لم تلهه عن علاه فاتنة ... من رائعات] الدّلال والخنث (2)
[ممّن يثرن الهوى] لكل فتى ... لم يكتسب مجده ولم يرث (3)
ما الطيّب النّجر كالخبيت ولا ... يعد صفو النّضار كالخبث (4)
من نفر لم تدر عمائمهم ... يوما على ريبة ولم تلث (5)
فالشعر وقف على محاسنهم ... وليس جدّ المقال كالعبث
وقوله فى الغزل:
جدّ بقلبى وعبث ... ثمّ مضى وما اكترث
وا حزنى من شادن ... فى عقد الصّبر نفث (6)
يقتل من شاء بعيني ... هـ ومن شاء بعث
فأىّ ود لم يخن؟ ... وأىّ عهد ما نكث
وقوله من قصيدة فى مدح حسن بن يحيى بن على بن تميم وقد كثر الإرجاف بخروج أسطول صاحب صقلية إلى أفريقية وقصده به المهدية (7) فى سنة سبع عشرة وخمسمائة.
__________
(1) ورد البيت ناقصا محرفا هكذا: أرض لم يسق بحرابها بعيوب معروفه ولم بعت، وقد قومناه وأكملناه بما يناسب السياق، اليعيوب: المطر أو الجدول المتدفق.
(2) ورد البيت ناقصا ومحرفا وقد أكملناه وصححناه بما يناسب المقام.
(3) ورد صدر البيت مبتورا ومحرفا، وقد أكملناه وصححناه بما يتفق والسياق.
(4) ورد البيت محرفا هكذا: ما الطيب النحر كالحبيب ولا بعد صفو النصار كالحث، وقد صححناه بما يتسق والمعنى، النجر: الأصل، النضار: الذهب: الخبث: ما يلقيه الكير من نفاية الحديد.
(5) لاث العمامة يلوثها: لفها.
(6) فى نفح الطيب ومختارات الشعر الأندلسى والوفيات: واحربا من شادن، وفى الأصل فى عقد الصبر والتصحيح من نفح الطبيب والمختارات والوفيات.
(7) فى الأصل وقصد به الهدنة، وهو تحريف وقد حصن الأمير حسن المهدية وأقام(18/252)
الجيم
للفظك يهجر الرّوض البهيج ... ودون ثيابك المسك الأريج
وأنت الشمس مطلعها ذراها ... وليس سوى الدسوت لها بروج (1)
وإن قدحت زناد الحرب يوما ... وكان لنار معركة أجيج
تركت برأيك الأبطال فيها ... ومن تحت العجاج لها عجيج
نماك بنو المعزّ فظلت فرعا ... كذى الخطى ينميه الوشيج (2)
وأمّ جنابك العافون أطرا ... كما يتيمم الركن الحجيج
وأعداهم سماحك فاستميحوا ... ولولا البحر لم يفض الخليج
ولما أن توعّدك النصارى ... كما يتوعّد الأسد المهيج
أتتك غزاتها بالقرب تترى ... لينقض ما تعالجه العلوج (3)
وحولك من حماتك كلّ ذمر ... له فى كل مشتجر ولوج (4)
__________
بها للدفاع عنها، وارسل روجار حاكم صقلية أسطولا كبيرا استولى على جزيرة قوصرة وهاجم حصن الديماس حتى استولى عليه ثم جدد المسلمون هجومهم فانتصروا انتصارا ساحقا [راجع الكامل لابن الأثير فى حوادث سنة 517].
(1) الدسوت: جمع دست وهى كلمة فارسية جرى استعمالها أخيرا بمعنى الديوان ومجلس الوزارة أو الرياسة.
(2) العجاج: غبار الحرب، عجيج: صياح والمقصود به هنا صياح الذعر.
(3) الخطى: الرمح المنسوب الى مرفأ بالبحرين بهذا الاسم، الوشيج: الشجر الذى تؤخذ منة الرماح.
(4) توافدت القبائل العربية بالمغرب على المهدية من بنى هلال وبنى زغبة وبنى رياح وغيرهم واستماتوا مع جنود الحسن فى الدفاع حتى هزموا المغيرين، العلج: العير أو حمار الوحش القوى السمين ثم أطلق على الرجل القوى الضخم من كفار العجم جمعه علوج، فى الأصل كل دمر، والذمر: الشجاع(18/253)
ومقربة تفرّج كلّ كرب ... إذا ملئت من الركض الفروج (1)
إذا كسيت دم الأبطال عادت ... ودون لبوسها الذهب النسيج (2)
وقد ريعت قلوب الشّرك حتى ... كأنّ لهام أندلس ضجيج (3)
فبلغهم رسولك كى يقرّوا ... فإن الأمر بينهم مريج
وأنا الداخلون إلى (بلرم) ... إذا ما لم يكن منهم خروج (4)
لأنا القوم ترضينا المذاكى ... إذا صهلت وتؤنسنا الرهوج (5)
بقيت لنا وللإسلام ركنا ... تجانبه الخطوب ولا يعيج (6)
ولا غمدت لنصرتك المواضى ... ولا حطّت عن الخيل السروج
شأى الدّرّ القريض بكم، وتاهت ... على أدراجه هذى الدّروج (7)
وقوله فى يحيى بن تميم بن المعز بن باديس:
ذكر المعاهد والرسوم فعرّجا ... وشجاه من طلل البخيلة ما شجى
__________
(1) مقربة: فرس فتيه، الفروج: ما بين القوائم.
(2) اللبوس: الثياب النسيج: المنسوج.
(3) واللهام: هو الجيش الكثير العدد، والمعنى هنا غير واضح ولعله يقصد أن جيوش الكفر بالأندلس داخلها الرعب من انتصار المسلمين بأفريقيا.
(4) بلرم عاصمة صقلية وهو يقصد بهذا تهديد الأعداء بأنه سيستولى على عاصمتهم إذا لم يخرجوا من حصن الديماس، وقد اضطروا فعلا للخروج منه مدحورين [راجع الكامل فى حوادث سنة 517].
(5) المذاكى والمذكيات الخيل التى تم سنها وكملت قوتها: الرهوج: سحب الغبار المثار فى الحروب.
(6) يعيج: يكترث أو يبالى.
(7) ورد البيت فى الأصل هكذا:
سامى الدفا القريض بكم ... وتأهيت على أدراجه هذى الدروج
ولعل الصواب ما أثبتناه، شأى: فاق، الأدراج: الطرائق، الدروج: الصحف(18/254)
هيفاء أخجلت القضيب معاطفا ... والريم سالفة وطرفا أدعجا (1)
وسقى النعيم بذوبه وجناتها ... فوشى بها حلل الرياض ودبّجا (2)
الآس أخضر والشقائق غضّة ... والأقحوان كما علمت مفلّجا
لا تسألنّى عن صنيع جفونها ... يوم الوداع وسل بذلك من نجا
لو كنت أملك خدّها للثمته ... حتى أعيد به الشّقيق بنفسجا
أو كنت أهجع لا حتضنت خيالها ... ومنعت ضوء الصبح أن يتبلّجا
وبثثت فى الظلماء كحل جفونها ... وعقدت هاتيك الذوائب بالدجى
عرضت بعطفيها القضيب على النقا ... فتأوّدا وتموّجا وترجرجا (3)
وكأنما استلبت غلالة خدّها ... من سيف يحيى حدّه المتضرجا
ملك عنت منه الملوك مهابة ... لأغرّ فى ظلم الحوادث أبلجا
أحلى على كيد الولىّ من المنى ... وأمرّ فى حنك العدو من الشجا (4)
من سرّ يعرب ما استقل بمهده ... حتى استقل له المجرة معرجا (5)
يا من إذا نطق العلاء بمجده ... خرس العدو مهابة وتلجلجا
__________
(1) المعاطف: الجوانب. والغرض هنا أنه أخجل القضيب باعتدال قوامه، كما يخجل الرئم وهو الظبى الأبيض بجيده، والسالفة. ناحية مقدم العنق. الدعج: شدة سواد العين مع سعتها.
(2) دبج: وشى وزين.
(3) ورد البيت فى الأصل هكذا: عرضت فغلطان القضيب على نأودا وتموجا وترجرجا، وقد أكملناه وأصلحناه بما يناسب السياق.
(4) الحنك: باطن أعلى الفم من الداخل، وقال ابن الأعرابى: الحنك من الفم هو الأسفل وأما الأعلى فهو الفم.
(5) تنتمى أسرة المعز بن باديس إلى يعرب كما ذكرنا فى ترجمة تميم بن المعز.(18/255)
فى صفة الفرس:
عجبا لطرفك إذ سمابك متنه ... كيف استقلّ بما عليه من الحجا (1)
سبق البروق وجاء يلتهم المدى ... فثنى الرياح وراءه تشكو الوجى (2)
وعدا فألحق بالهجائن (لاحقا)
وأراك (أعوج) فى الحقيقة أعوجا (3)
كالسيل مجّته المذانب فانكفا ... والبحر هزته الصّبا فتموجا (4)
ومشى العرضنة بالكواكب ملجما
مما عليه وبالأهلة مسرجا (5)
ما دون كفك مرتجى لمؤمل ... لم يلف بابك دون سيبك مرتجا
بك يستجار من الزمان وريبه ... وإليك من ثوب الليالى يلتجا
فمتى نقس بك ذاندى كنت الحيا ... صدقت مخيلته وكان الزّبرجا (6)
وإذا عداك بغوا وسعتهم ندى ... وتكرما وتعففا وتحرجا
__________
(1) الطرف بكسر الطاء هو الكريم من الخيل، وقال أبو زيد هو نعت للدكور خاصة.
(2) فى الأصل: وجائلتهم المدى، وهو تحريف الوجى: الحفاء.
(3) فى الأصل وغدا بالهجائين وهو تحريف، فرس هجين: غير عتيق وقال الأزهرى:
الهجين من الخيل الذى وردته برذونة من حصان عربى، لا حق والأعوج: جوادان مشهوران يضرب العرب فى الجاهلية بهما الأمثال قال بشر بن أبى خازم.
وبكل أجرد سابح ذى ميعة ... متماحل فى آل أعوج ينتمى
وقال طفيل بن عوف:
بنات الوجيه والغراب ولا حق ... وأعوج تنمى نسبة المنتسب
(4) المذانب: جمع مذنب وهو الجدول المتدفق، أو السيل المتدافع، انكفا: مال.
(5) العرضنة والعرضى بفتح الراءين وكسرهما: البغى فى المشى من حدة النشاط، وفى الأصل ومشى العريضة.
(6) الزبرج: السحاب الرقيق فيه حمرة وهو غالبا غير ممطر.(18/256)
بشمائل تبدى ولكن طيّها ... لفحات بأس تستطير تأجّجا
والبأس ليس ببالغ فى نفعه ... حتى يقارن بالسماح ويمزجا
لم يأل يدأب فى المكارم والعلى ... متوقلا هضباتها متدرجا (1)
حتى أقرك ذو العلى بقرارها ... وشقى بدولتك الصدور وأثلجا
فأقمت من حد السياسة ما وهى ... وجلوت من ظلل الضلالة مادجا (2)
فاسلم لدفع ملمّة تخشى، ودم ... أبد الزمان لنيل حظ يرتجى
وأنشد فى نصر الفزارى قال: أنشدنى أبو الحسن بن شهاب قال: أنشدنى أمية لنفسه:
سترت وجهها بخزوجاءت ... بمدام منقّب فى زجاج
فتأملت فى النقابين منها ... قمرا طالعا وضوء سراج
__________
(1) فى الاصل: لم يال متوفلا لهضباتها وقد صححناه بما يناسب الوزن والسياق توقل فى الجبل وقل فيه: صعد.
(2) الظلل: السحب أو الغواشى.(18/257)
الحاء
وقوله من قصيدة:
صب براه السّقم برى القداح ... يودّ لو ذاق الرّدى فاستراح
غرامه الدهر غريم له ... وما لبرح الشوق عنه براح (1)
لم يرم الوجد حشاه ولا ... خلت له جارحة من جراح (2)
له إذا آنس برق الحمى ... جوانح تخفق خفق الجناح (3)
وإن شدت ورقاء فى أيكة ... عاوده ذكر حبيب فناح
أصبحت فى حلبة أهل الهوى ... أركض فى طرف شديد الجماح (4)
وفى سبيل الحب لى مهجة ... كان لها صبر جميل فطاح
أغرى بها السقم هوى شادن ... لم يخش فى سفك دمى من جناح (5)
يعذب القلب بهجرانه ... وليس للقلب سواه انشراح
تلاقت الأضداد فى خمسة ... على اتفاق بينهم واصطلاح
إن لان عطفاه قسا قلبه ... أو ثبت الخلخال جال الوشاح (6)
__________
(1) البرح: الشدة: براح: زوال.
(2) فى الأصل خلت له خارجة وهو تحريف.
(3) فى الأصل إذا أنس وهو تحريف.
(4) الطرف: الفرس الكريم وهو صفة للذكور فقط
(5) الشادن: الغن ال الفتى نجم قرناه، واستغنى عن أمه، وهو هنا كناية عن الحبيب
(6) الخمسة: هى العطفان مثنى عطف [وهو الجنب] والقلب، والخلخال. والوشاح، جعل العطفين اثنين من الخمسة.(18/258)
يا ابن الملوك الصّيد من حمير ... ووارث المجد القديم الصراح
ليهنك الجدّ الذى نلته ... بالجدّ من أمرك لا بالمزاح
مزجت بالبأس الندى والتقى ... ملح أجاج وزلال قراح
كم منهل مطرد بالردى ... فى موقف مشتجر بالرماح
أوردته كل سليم الشوى ... منعلة أربعه بالرياح (1)
كأنما سربل جنح الدجى ... وبرقعت غرته بالصباح
ينصت للنّبأة من حشرة ... كأنها قادمة من جناح (2)
وقوله:
أصحوت اليوم أم لست صاحى ... يوم نادوا أصلا بالرواح؟
يوم تصميك لحاظ الغوانى ... بسهام نافدات الجراح (3)
جدّ بى ما كان منى مزاحا ... رب جد حادث عن مزاح (4)
فالح إن شئت أودع، فإنّى ... قد تمرست بخطب اللّواحى
ولئن غال شبابى مشيب ... كفّ من شأوى بعد المراح
__________
(1) الشوى: القوائم وفى الأصل سليم السط، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل ينصت للتياه من قشرة، ولعل الصواب ما أثبتناه، يقال أذن مشرة مشرة أى أدن عليها سمات العنق من الحسن والنضارة، والمعنى ينصب أذنه لأقل صوت فتمتد أذنه كأنها مقدمة الجناح الطائر. قال امرؤ القيس:
لها أذن حشرة مشرة ... كإعليط مرخ إذا ما صقر
أى أن أذنه دقيقة كالورقة قبل أن تتشعب.
(3) فى الأصل يوم تضمك.
(4) فى الأصل جدنى.(18/259)
فلكم ردّ بغيظ عذولى ... فتولى مؤيسا من صلاحى
ببدور من سقاة أماروا ... أنجم الراح بأفلاك راح (1)
كلما ولّى أوان اغتباق ... شفعوه بأوان اصطباح (2)
ورخيم الدّل عذب الثنايا
شرق الخلخال صادى الوشاح (3)
بات يسقينى إلى أن تردّى ... منكب اللّيل رداء الصباح
كلما أقبل قبّلت فاه ... مج خمرا فى فمى من أقاح (4)
وبنفسى لك يابن علىّ ... نظرات منك راشت جناحى (5)
نزل الدهر بها عند حلمى ... وأجاب الحظ حسب اقتراحى (6)
وأياد شفعتها أياد
سبقت شكرى لكم وامتداحى (7)
__________
(1) فى الأصل بين ود من سقاه أرادوا ولعل الصواب ما أثبتناه، الراح الأولى. الخمر والراح الثانية: جمع راحة وهى الكف.
(2) فى الأصل كما ولى له وان اعتباق وهو تحريف الاغتباق والغبوق: شرب الليل والاصطباح والصبوح: شرب الصباح.
(3) يريد أن يقول أن خصره نحيل وساقه ممتلئة.
(4) فى الأصل كلما قال: والوزن والسياق يرجحان ما أثبتناه.
(5) فى الأصل كنفس لك: ولعل الصواب ما أثبتناه.
(6) فى الأصل ترك الدهر ولعل الصواب ما أثبتناه، والمعنى حقق الدهر بك أحلامى وأجاب الحظ آمالى.
(7) فى الأصل: شغفتها أياد. سقت سكرى لكم وامتداحى، ولعل الصواب ما أثبتناه شفعتها: ثنتها أى أضافت إليها.(18/260)
بك راضت جامحات الأمانى ... فتأتّت لى بعد الجماح (1)
يصف خلعة ممدوحه عليه:
وحوى رقّى بردا سناء ... فوق عطفىّ بكفّ السماح (2)
رحت من هذا وهذا كأنى ... قد تغشّيت دجى فى صباح
ومنها:
حكت الأعلام منه بدا لا ... تتهاداها بنان الرّياح (3)
كلما أرسلته فوق متنى ... نازعتنيه صدور الرّماح
أفصحت فى شكره وهى خرس ... عجبا منها لخرس فصاح
منح من ملك ليس يفنى ... بحر جدواه على الامتياح (4)
يملأ المعفر والتاج منه ... قمر الدست وليث الكفاح (5)
من ملوك ملكوا الناس قدما ... واسترقوا كلّ حى لقاح (6)
كلما اقتيد لهم واستقيلوا ... غمد وافى الصفح بيض الصّفاح (7)
دام فى عمر مديد وعيش ... خضل الأكناف زاهى النواحى
__________
(1) فى الأصل ملك راضت، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل برد سناء فوقى عطفى والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(3) يد الثوب: ما فصل فيه إذا التحفت به.
(4) الامتباح: العطاء.
(5) فى الأصل يملأ الغفر وهو تحريف والمغفر: زرد ينسج من الدروع على قمر الرأس يلبس تحت القلنسوة، والدست صدر الديوان.
(6) الحى اللقاح: الجماعات التى تأنف من الخضوع لحكم الملوك.
(7) كلما خضع لهم الناس وطلبوا منهم إقالة ذنوبهم أغمدوا سيوفهم كرما منهم وصفحا.(18/261)
وقوله:
قل لذى الوجه المليح ... ولذى الفعل القبيح
وشبيه القمر الطا ... لع والغصن المروح (1)
نم خليا ودع التسهيد للصب القريح
يا عليل الجفن علل ... بجنى ريقك روحى (2)
جد بوصل منك، أو مو ... ت من الصد مريح
__________
(1) غصن مروح ومريح: هزته الريح، ويوم مروح: طيب الريح.
(2) الجنى: العسل.(18/262)
الخاء
وقوله فى جواب أبى عبد الله (1) بن بشير الشاعر التنوخى عن قطعة كتبها إليه فى الوزن والروى:
غير مجد ملام غير مصيخ ... وممضّ الكلام كالتوبيخ (2)
أنت فى اللوم لى كمن لقى النّا ... ر بريح وقال يا نار بوخى (3)
أنا مالى وللهياج وقرع ال ... بطل المستميت فى اليافوخ
بين أسد جرّوا الأساود واستغ ... شوا إلى الطّعن ما نضت من سلوخ (4)
قم خليلى فأنت أنبل من عو ... شر فى مذهب المجون وأوخى (5)
قم أدرها سلافة حبست من ... قبل شيث فى الدّنّ أو أخنوخ (6)
فهى معلومة المناسب فى أك ... رم عرق، مجهولة التاريخ (7)
بنت كرم تحبو الشباب شبابا ... وتريك الشيوخ غير شيوخ
__________
(1) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن بشير التنوخى المهدوى من شعراء الأمير على ابن يحيى بن تميم، وسيأتى ذكره.
(2) المعنى لا يجدى توحيه لمن لا يسمعه، والنصيحة القاسية: تشبه التوبيخ فهى غير ذات غناء.
(3) فى الأصل: يا نار نوحى وهو تحريف باخت النار خمدت.
(4) فى الاصل نصبت من سلوخ، ولعل الصواب ما أثبتناه الأساود: جمع أسود، والأسود: العظيم من الحيات، استغشى ثوبه تغطى به نضت: خلعت، السلوخ: جمع سلخ:
الجلد الذى تستبدله وتلقيه جمعه سلوخ والمعنى أن هؤلاء الفرسان اصطادوا الحيات العظيمة واتخذوا من جلودها ثيابا يذهبون بها إلى ميادين القتال.
(5) فى الأصل من عوشى وهو تحريف.
(6) شيث هو الابن الأول لآدم عليه السلام وأخنوخ من نسله وهو ابن يارد بن ميهلائيل ابن فينان بن أنورش بن شيث بن آدم عليه السلام كما ورد فى الإصحاح الخامس من سفر التكوين والمراد أنها خمر معتقة من أقدم عهود البشرية.
(7) المعنى: إنها تنتسب إلى أكرم أصل وهو العنب، ولكنها وجدت قبل التاريخ.(18/263)
فاسقنيها صفراء كالشمس أو ... حمراء فهى كالمريخ
فى ذرى من يستجبن الليث إن هي ... ج، ويستبخل الحيا إن سوخى (1)
قلت لمّا سرت إلى المدلج السّا ... رى عطاياه والمقيم المنيخ (2)
أين ثمد من غامر ونضوب ... من جموم، وراشح من نضوخ؟ (3)
دام كهف العانى الطّريد وغيث ال ... رائد المقتفى وغوث الصّريخ
فى ارتقاء وعزّة وتماد ... وثبوت فى ملكه ورسوخ (4)
__________
(1) فى الأصل يستجن الليث ويستحيل الحياء ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل: تلك لما سرت إلى المديح السارى ولعل الصواب ما أثبتناه، الإدلاج:
السير فى أول الليل.
(3) فى الأصل أيمن ثمد من عامر ويصوب من خموم وراشح من نصوح، وهو تحريف الثمد: الماء القليل، الغامر: الكثير، ونضوب: ناضب من نضب الماء إذا زال الجموم:
البئر الكثيرة الماء نضوخ: غيث غزير هتان.
(4) فى الأصل: فى أريافى عزة ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/264)
الدال
وقوله من تهنئة بمولود اسمه يحيى:
وأفضل الأيّام يوم غدا ... لمثل يحيى المرتضى مولدا
أعزّ مأمول الجدا عن أب ... أغرّ نائى العيب دانى الجدا (1)
يلوح فى المجد على وجهه ... تجهّم اليأس وبشر النّدى (2)
نحلت منه الليث والغيث ذا ... يرهب غضبان، وذا يجتدى
وكوكب الحسن الذى لا ينى ... يضىء وجه الرّغنة الأزبدا (3)
والشمس والبدر إذا استجمعا ... لم يلبثا أن يلدا فرقدا (4)
فابق له حتّى نرى نجله ... وإن عدا خطب فنحن الفدا
وقوله فى الشمعة:
وناحلة صفراء لم تدر ما الهوى ... فتبكى لهجر أو لطول بعاد
حكتنى نحولا واصفرارا وحرقة ... وفيض دموع واتصال سهاد
__________
(1) فى الأصل أعز ما مؤل الجد أخا عن أعز تأى الصب داى الجدا وهو تحريف ولعل الصواب ما أثبتناه، الجدا: العطاء.
(2) فى نفح الطيب وبشدى الندى.
(3) الرغنة: الأرض السهلة، والمعنى أنه كوكب يشرق فيضىء وجه الأرض المغير وفى الأصل يضىء وجه الرمى، والوزن والسياق يرححان ما أثبتناه.
(4) الفرقد: نجم قريب من الفطب يهتدى به.(18/265)
وقوله فى استزارة صديق:
بمعاليك وجدّك ... جد بلقياك لعبدك
حضر الكلّ ولكن ... لم يطب شىء لفقدك
وقوله:
وورد عبق أهدي ... ته غضّا إلى عبدك (1)
فلم أدر ومن أنق ... ذنى بالوصل من صدّك
أذاك الورد من خدّي ... ك أم خدّاك من وردك؟
وقوله:
لا تتركن يوما صفا ... لك فيه طيب العيش للغد
أنعم بها ورديّة ... من كف ذى خدّ مورّد
ذاب النضار بوجنتي ... هـ، وقام دونهما الزّبرجد
قال الحكيم وقد رآ ... ها فى زجاجتها توقّد
ما بال هذى النار لا ... ترقى كعادتها وتصعد؟
أوما ترى الذهب المذا ... ب أبى الجمود فليس يجمد؟ (2)
__________
(1) الأبيات من بحر الهزج، ويدخل فيه الكف أحيانا وهو حذف السابع من تفعيلة (مفاعيلن).
(2) فى الأصل: أم ما أرى الذهب وفى المختصر والتيمورية أو ما رأى الذهب
ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/266)
وقوله فيمن يجتهد فى العلم ولا يفهمه:
وراغب فى العلوم مجتهد ... لكنه فى القبول جلمود
فهو كذى عنّة به شبق ... ومشتهى الأكل وهو ممعود (1)
وقوله فى غلام لابس قباء أحمر:
أفدى الذى زار فى قباء ... قايس فى احمرار خدّه (2)
صين به جسمه فحاكى ... سوسنة علّقت بورده
وقوله فى تمنى قرب الدار:
لئن عرضت [نوى] (3) وعدت عوادى ... أدالت من دنوّك بالبعاد
فما بعدت عن اللقيا جسوم ... تدانت بالمحبة والوداد
ولكن قرب دارك كان أندى ... على كبدى وأحلى فى فؤادى
وقوله فى مجمرة:
ومحرورة الأحشاء لم تدر ما الهوى؟ ... ولم تدر ما يلقى المحبّ من الوجد؟
إذا ما بدا برق المدام رأيتها ... تثير غماما فى الندىّ من النّد (4)
ولم أر نارا كلما شب حمرها ... رأيت الندامى منه فى جنة الخلد
__________
(1) هكذا بالأصل ونفح الطيب، وفى عيون الأنباء: أو مشتهى.
(2) فى الأصل قابس ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) زيادة يقتضيها المقام. وقد وردت فى نفح الطيب.
(4) الندى: النادى، الند: عود تفوح منه فى البخور رائحة طيبة، أو العنبر.(18/267)
وقوله من قطعة:
لا تظنوا الدمع يطفىء ما ... ضمّنت من حرها الكبد
إن نيران الهوى أبدا ... بمياه الدمع تتّقد
قصر البلوى على جسدى ... قيصرى عيده الأحد (1)
منتض من لحظه ظبة ... ما لمن أوذى بها قود (2)
وقوله (3):
لم أدر والله وقد أقبلت ... تخجل غصن [البان من قدّها] (4)
واستضحكت من لمّتى إذ رأت ... [كافورها يطغى على ندّها] (5)
أعقدها ألّف من ثغرها؟ ... أم ثغرها [ألّف من عقدها؟] (6)
__________
(1) منسوب إلى قيصر. ويقصد بهذا غلاما مسيحيا.
(2) الظبة: حد السيف أو السنان أو الرمح أو الخنجر، القود: القصاص.
(3) وردت هذه الأبيات ناقصة فى أعجازها، وقد استلهمنا القافية بما يوحى به البيت الأخير.
(4) الزيادة يقتضيها المقام.
(5) الكافور نوع من الطيب أبيض اللون، والند: العنبر والمراد يطغى شيبها على سوادها ويمكن أن يصاغ العجز هكذا فبيضها يودى بمسودها أو ما يشبه هذا أو ذاك ويظهر أن هناك بيتا أو أبياتا ساقطة تمهد للبيت الأخير ولو كان إلينا التكملة لقلنا.
وقلت لما لثمت عقدها ... وصانت القبلة عن عبدها
عقدها ألف من ثغرها ... أم ثغرها ألف من عقدها
(6) الزيادة يقتضيها السياق.(18/268)
وقوله من قصيدة:
معاهد الحىّ كنت أعهدها ... بسلا على الحائمين موردها (1)
والبيض بيض الظّبى مجردة ... يحمى حمى هندها مهندها (2)
وكم وكم ليلة غنيت بها ... تسعدنى غيدها وأسعدها
إذ لمّتى كالغداف حالكة ... يروق بيض الحسان أسودها (3)
وإذ ليالىّ كّلها غرر ... لا ينقضى لهوها ولا ددها (4)
وربّ بيضاء من عقائلها ... تبيت شمس النهار تحسدها
نشيم من جفنها إذا نظرت ... صوارما فى القلوب تغمدها (5)
طرقتها موهنا على خطر ... والنفس تدنى المنى وتبعدها (6)
فبت ألهو بضم ناعمة ... يندى بريّا العبير موقدها
طاو حشاها فعم مخلخلها ... عذب لماها بضّ مجرّدها
ترشفنى من فويهها بردا ... يشبّ نار الهوى ويوقدها
__________
(1) البسل: الحرام، ويطلق على الحلال من باب الأضداد والمراد هنا المعنى الأول، ويستوى فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث.
(2) الظى: جمع ظبة وهى حد أى سلاح ماض من سيف أو رمح أو سكين، وأضاف هنا العلم (هند) يجعلها رمزا لأى فتاة من هذا الحى من باب قولهم:
علا زيدنا يوم اللقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضى الشفرتين يمان
(3) اللمة: الشعر الذى يجاوز شحمة الأذن، الغداف: غراب الغيط، والمراد أن شعره أسود لم يشتعل فى طيه الشيب.
(4) الدد: اللعب واللهو، وفى الحديث «ما أنا من دد ولا الدد منى» وفى الأصل لهوها ولا ردها وهو تحريف.
(5) شام يشيم: تطلع.
(6) الوهن والموهن نحو نصف الليل، وقال الأصمعى: هو حين يدبر الليل.(18/269)
وقوله فى مغن قبيح الوجه حسن الصنعة (1):
ومسمعنا ما فى الزمان له ندّ ... ولكنه فى قبح صورته قرد (2)
[تباين] حالاه، فهذى بهذه ... إذا ما سمت حال تخيّفها [الضد] (3)
[ويطرف طرفى حين] يلحظ وجهه
وينعم سمعى دونه عند ما يشدو (4)
[تعادل] مرآه بإحسان فعله
كفاء، فلا نحس يدوم ولا سعد (5)
__________
(1) وردت هذه الأبيات مبتورة محرفة كل التحريف، وقد حاولنا إتمامها وتصحيحها بما يتبق مع المعنى والمقام بقدر ما وسعنا الجهد.
(2) فى الأصل: وسمع ما فى الزمان والتصحيح يتفق مع الوزن.
(3) فى الأصل
(حالان هذى لهذى ... إذا قايست تفهمها)
وقد أكملنا ما فيه من نقص وصححنا ما فيه من تحريف بما يصله بالصواب أو بما هو قريب منه.
(4) فى الأصل (يلحظ وجههه وينحم سمعى دونه عند ما يشدد) ولعل ما زدناه وما صححناه قريب من الصواب.
(5) فى الأصل (أناه مرآة بالإحسان فعله كفاء فلا حسن يدوم ولا سعد) ولعل ما زدناه وأصلحناه هو الصواب أو مقارب له.(18/270)
الذال (1)
وقوله فى كلب صيد:
خير معد متّخذ ... ليوم عيش مستلذ
منفرد بالحسن قد (2) ... سوبق بالجرد فبذ (3)
سبق النّصول للقذذ (4) ... فما انبرى إلا نفذ
ولا رأى حتى أخذ
__________
(1) وردت مقطوعات ذالية أخرى فى وفيات الأعيان ج 1، ص 221، 222ومعجم الادباء ج 7ص 63، 69، ونفح الطيب ج 1ص 326والجزء الثانى ص 324والمقتضب ص 6 ونهاية الأرب ج 1ص 358.
(2) فى الأصل قذ وهو تحريف.
(3) الخيل لا رجالة فيها، بذ: فاق وعلا.
(4) فى الأصل للفدذ وهو تحريف، القذذ: جمع قذة ريش السهم والنصل يكون متقدما عليها لأنها تليه.(18/271)
الراء
وقوله من قصيدة:
أجدّك لا يسليك بين ولا هجر ... وأنّ مواعيد الهوى دونها الحشر
ومنها:
ومهما طرقت الحىّ لاقاك دونه ... عراب وأعراب لقاؤهما مر (1)
فهزّت دوين البيض بيض، وأشرعت
إلى الطعن دون السّمر خطّيّة سمر (2)
فلا قرب إلا أن يخيّله الكرى ... ولا وصل إلا أن يسهّله الفكر (3)
وبرق دوين الأبرقين، كأنّما ... تهز له فى الجوّ ألوية حمر
أرقت له حتى طوى الليل ثوبه
وولت توالى الشهب يطردها الفجر
لعزم قصرت العيش فيه على السّرى
وقلت لها سيرى فموعدك القصر
فما برحت ترمى بعزمى وهمتى ... إليه الفجاج الغبر واللجج الخضر
__________
(1) فى الأصل: غرائب وأعراب وهو تحريف، العراب: الخيل الكريمة السالمة من الهجنة.
(2) المعنى: قامت السيوف المرهفة دون الوصول إلى الفتيات البيض، كما قامت الرماح السمر دون الوصول إلى الفتيات السمر.
(3) المعنى لا سبيل للوصول إلى هؤلاء الفتيات إلا فى الأحلام أو هواجس الأفكار.(18/272)
وأسرى ولا يدرى سوى الليل موضعى
كأن الدجى صدرى، وشخصى به سرّ
إلى أن حططت الرحل منه بعرصة ... أقام الغنى فى ظلها ونأى الفقر
وعرّست حيث العيش أزهر مونق
وشرب الندى غمر وفيضانه نضر (1)
ومنها:
تأتّى لى الإحسان لما مدحته ... وساعدنى فى شكره النظم والنثر
وأوفت قوافى الشعر تترى كأنها ... عوارفه عندى ونائله الغمر (2)
وقوله من قصيدة (3):
هى العزائم من أنصارها القدر ... وهى الكتائب من أشياعها الظفر
جردت للدين والأسياف مغمدة ... سيفا تغلّ به الأحداث والغير
وقمت إذ قعد الأملاك كلهم ... تذب عنه وتحميه وتنتصر
بالبيض يسقط فوق البيض أنجمها ... والسمر تحت ظلال النّقع تشتجر (4)
__________
(1) فى الأصل وحرست حيث العيش، ولعل الصواب ما أثبتناه. عرس بمنزل: إذا نزل فيه فى أى وقت.
(2) أوفى: أنى. يقال أو فى فلان القوم أتاهم ولقيهم.
(3) ذكر ابن أبى أصيبعة أن الشاعر رفع هذه القصيدة إلى الأفضل بذكر تجريده العساكر إلى الشام لمحاربة الفرنج بعد انهزام عسكره فى الموضع المعروف بالبصة، وكان انفق فى أثناء ذلك التاريخ أن قوما من الأجناد وغيرهم أرادوا الفتك به فوقع على خبرهم فقبض عليهم وقتلهم [عيون الأنباء ج 3ص 91].
(4) البيض: السيوف أو الخوذات.(18/273)
بيض إذا خطبت بالنصر ألسنها ... فمن منابرها الأكباد والقصر (1)
وذبّل من رماح الخط مشرعة ... فى طولهن لأعمار الورى قصر (2)
يغشى بها غمرات الموت أسد شرى
من الكماة إذا ما استنجدوا ابتدروا
مستلئمين إذا شاموا سيوفهم ... شبهتها خلجا مدّت بها غدر (3)
قوم تطوّل بيض الهند أذرعهم ... فما يضير ظباها أنّها بتر (4)
إذا انتضوها وذيل النقع فوقهم ... فالشمس طالعة والليل معتكر
ترتاح أنفسهم نحو الوغى طربا ... كأنما الدم راح والظّبى زهر
وإن همو نكصوا يوما فلا عجب
قد يكهم السيف وهو الصارم الذكر (5)
العود أحمد والأيام ضامنة ... عقبى النجاح ووعد الله منتظر
وربما ساءت الأقدار ثم جرت ... بما يسرك ساعات لها أخر
ومنها (6):
لله بأسك والألباب طائشة ... والخيل تردى ونار الحرب تستعر
__________
(1) القصر: جمع قصرة وهى أصل العنق.
(2) فى الأصل مسرعة والتصحيح عن عيون الأنباء، وذبل: جمع ذابل وهو الرمح الدقيق.
(3) استلأم: لبس لأمته وهى الدرع، شام السيف سله فبرق، الغدر: برك الماء.
(4) المعنى تطول السيوف بأيديهم وإن كانت قصيرة، وفى عيون الأنباء فما بصر.
(5) يكهم: يكل.
(6) مكان هذه العبارة بيت ورد فى عيون الأنباء هو.
الله زان بك الأيام من ملك ... لك الحجول من الأيام والطرر(18/274)
وللعجاج على صمّ القنا ظلل ... هى الدخان وأطراف القنا شرر (1)
إذ يرجع السيف يبدى خدّه علقا
كصفحة البكر أدمى خدّها الخفر (2)
أما يهولك ما لاقيت من عدد ... سيان عندك قلّ القوم أم كثروا
هى السماحة إلا أنها شرف ... وهى الشجاعة إلّا أنها غرر (3)
ومنها فى الحث على الفتك بجماعة:
فاضرب بسيفك من ناواك منتقما ... إن السيوف لأهل البغى تدّخر
ما كل حين ترى الأملاك صافحة ... عن الحرائر تعنو حين تقتدر
ومن ذوى البغى بمن لا يستهان به ... وفى الذنوب ذنوب ليس تغتفر
إن الرماح غصون يستظلّ بها ... وما لهن سوى هام العدا ثمر
وليس يصبح شمل الملك منتظما ... إلا بحيث ترى الهامات تنتثر (4)
أضحى شهنشاه غيثا للندى غدقا ... كل البلاد إلى سقياه تفتقر (5)
__________
(1) العجاج: الغبار أو الدخان، وفى الأصل ضم الفتا وهو تحريف.
(2) كذا بالأصل ولعله يبدى حده علقا. العلق: الدم العليظ، وورد فى عيون الأنباء بعد هذا البيت بيت آخر هو.
وإذ تسد مسد السيف منفردا ... ولا يصدك لا جبن ولا خور
(3) الغرر: التعرض للهلكة، وسرد ابن أبى أصيبعة أربعة أبيات بعد هذا البيت يصور فيها المؤامرة على حياة الأفضل (ج 2ص 92).
(4) ذكر ابن أبى أصيبعة بيتا تاليا لهذا البيت هو.
والرأى رأيك فيما أنت فاعله ... وأنت أدرى بما تأتى وما تذر
(5) شاهنشاه لقب فارسى: معناه ملك الملوك.(18/275)
الطاعن الألف إلا أنها نسق
والواهب الألف إلا أنها بدر (1)
ملك تبوّأ فوق النجم مقعده ... فكيف يطمع فى غاياته البشر؟
يرجى نداه ويخشى حد سطوته ... كالدهر يوجد فيه النفع والضرر (2)
ولا سمعت ولا حدّثت عن أحد ... من قبله يهب الدنيا ويعتذر (3)
جاءتك من كلمى الحالى محبّرة ... تطوى لبهجتها الأبراد والحبر (4)
هى اللآلىء إلا أن لجتها ... طى الضمير ومن غواصها الفكر
تبقى وتذهب أشعار ملفقة ... أولى بقائلها من قولها الحصر
ولم أطلها لأنى جد معترف ... بأن كل ما قيل فيك مختصر (5)
وقوله من قصيدة:
مظلومة باللحظ ظلّامة ... تفعل بالأشفار فعل الشفار (6)
للدمع فيما احمرّ من خدها ... ترقرق الطل على الجلّنار (7)
__________
(1) البدر: جمع بدرة وهى عشرة آلاف درهم.
(2) فى عيون الأنباء عند سطوته.
(3) سقط هنّا بيت أورده ابن أبى اصيبعة هو بأنها الملك السامى الذى ابتهجت ... به الليالى وممر البيد والحضر
(4) فى عيون الأنباء من حكمى الحاكى.
(5) ورد بعد هذا البيت ييت آخر ذكره ابن أبى أصيبعة هو.
بقيت للدين والدنيا ولا عدمت ... أجياد تلك المعالى هذه الدرر
(6) الأشفار: حروف أجفان العيون التى ينبت عليها الشعر، والشفار: السكاكين.
(7) الجلنار: زهر الرمان.(18/276)
قيل لى وأنا قد انتهيت إلى كتابة هذا البيت: قد عرفنا معنى كونها ظلّامة باللحظ فما معنى مظلومة باللحظ؟ قلت: قد وقعت لى عدة معان منها:
يجوز أن يكون المراد أنها يؤثر فيها لحظ من ينظر إليها لرقة بشرتها فهى مظلومة بلحظ الناس ظلّامة بلحظها وذكر اللحظ وهو يعم الجميع، ومنها يجوز أن يكون المراد أن لحظها مريض سقيم دون سائر جوارحها فهى مظلومة به (1)
ومنها أنها بلحظها تظلم الناس بقتلها وتظلم نفسها بتقلد الدماء وتأثيمها فهى مظلومة بلحظها ظلّامة.
ومنها فى المدح:
موقّر الشيمة إن جاذبت ... يوما يد الخفة عطف الوقار
وقوله من قصيدة:
وقائل لو سلوت!! قلت له ... مالى على ما يسومنى قدره
قليل عقل وصادنى قمر
مبلبل الصّدغ حالك الطّرّه (2)
لم يصح منذ انتشت لواحظه ... وكيف تصحو وريقه الخمره
ومنها:
كم صاحب غرّنى بظاهره ... وخان عند السّفار والخبره
__________
(1) ورد فى هامش النسخة هذا التعليق:
«هذا الوجه ليس بشىء فإن مرض العيون معدود من المحاسن ومما يزبن المليصة ويكسوها جمالا، فكيف يكون لحظها ظالما لها، أما الوجه الأول والثالث فلا بأس بهما». وليس لنا أن نعلق على هذا التعليق.
(2) بلبل: حرك وهيج، الصدغ هنا بمعنى: الشعر المتدلى بين العين والأذن، والعقل هنا بمعنى الفكر أو بمعنى الملجأ.(18/277)
يزورنى مثريا ويطرقنى ... ولا أراه فى الضيق والعسره
نفضت منه يدى، وقلت له ... لا أشتهى الخلّ سىّء العشره
حسبى انحرافى عن الورى خلفا ... وحسب عينى بفقدهم قرّه
وقوله يصف فرسا أحمر ذا غرّة (1):
كأنّ الصّباح الطّلق قبّل وجهه ... وسال على باقيه صافية الخمر
ولما رآه الورد يحكيه صبغة ... تعاظم واستعلى على سائر الزهر
كأنك منه إذ جذبت عنانه
على منكب الجوزاء أو مفرق النسر (2)
كأنك اذ أرسلته فوق موجة
تدفّعها أيدى الرياح إلى العبر (3)
تدفّقتما بحرين جودا وجودة ... ومن أعجب الأشياء بحر على بحر
وقوله يصف الهرمين:
بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا
على طول ما أبصرت من هرمى مصر
__________
(1) هذه المقطوعة مقتيسة من قصيدة صاغها الشاعر فى مدح يحيى بن تميم وأورد صاحب المقتضب قطعة منها ص 4ويسبق ما ورد منها هنا ثلاثة أبيات هى:
شهدت لقد فات الجياد وبذها ... جوادك هذا من وراد ومن شقر
جواد تبدت بين عينيه غرة ... تريك هلال الفطر فى غرة الشهر
وما استن إلا قلت اسأل صاحبى ... بعيشك من أهدى الهلال إلى البدر
(2) النسر: كوكبان أحدهما النسر الطائر والآخر النسر الواقع.
(3) المعنى كأنك تركب موجة حين تركبه وترخى له العنان، العبر: الشاطىء والناحية، وفى المقتضب فوق لجة.(18/278)
أنافا بأعنان السماء وأشرفا
على الجو إشراف السّماك أو النّسر (1)
وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا ... كأنهما ثديان قاما على صدر (2)
[وله (3)]
تقريب ذى الأمر لأهل النهى ... أفضل ما ساس به أمره
هذا به أولى وما ضرّه ... تقريب أهل اللهو فى الندره (4)
عطارد فى جلّ أوقاته ... أدنى إلى الشمس من الزهره (5)
وقوله:
تفكر فى نقصان مالك دائما ... وتغفل عن نقصان جسمك والعمر
ويثنيك خوف الفقر عن كل بغية
وخوفك حال الفقر شىء من الفقر (6)
ألم تر أنّ الفقر حكّم صرفه
وأن ليس من شىء يدوم على الدهر (7)
__________
(1) فى نوادر المخطوطات أنافا عنانا للسماء وقد وافق الأصل نفح الطيب ونهايه الأرب.
(2) فى نوادر المخطوطات كأنهما نهدان، وقد وافق الأصل نهاية الأرب ونفح الطيب:
(3) وردت هذه الابيات متصلة مع ما قبلها.
(4) فى الأصل تقريب أهل اللهو فى البدرة، والتصحيح عن نفح الطيب ج 2ص 323، عيون الأنباء ص ج 3ص 94.
(5) فى الأصل أدنى السماء من الزهرة والتصحيح عن نفح الطيب وعيون الأنباء.
(6) فى نفح الطيب وخيفة حال الفقر شر من الفقر، وفى عيون الأنباء: وخوفك حال الفقر من أعظم الفقر.
(7) رواية عيون الأنباء: ألم تر ان الدهر حم صروفه.(18/279)
فكم فرحة فيه أزيلت بترحة
وكم حال عسر فيه آلت إلى اليسر (1)
وقوله فى أبخر كثير الكلام:
وذى حديث لا ينقضى أبد الدّ ... هر على ما فيه من البخر (2)
يصدمنى منه إذ يكلّمنى ... تنفس المستراح فى السّحر
لم أدر لمّا دنا أحدّثتى ... أم بال فى جوف منخرى وخرى
وقوله الاصطلاب (3):
افضل ما استصحب النبيل ولا ... تعدل به المقام والسفر (4)
جرم إذا ما التمست قيمته ... جل عن التّجر وهو من صفر (5)
مختصر وهو إذ تفتّشه ... عن ملح العلم غير مختصر (6)
ذو مقلة يستبين ما رمقت ... عن صائب اللحظ صادق النظر (7)
__________
(1) فى الأصل: فكم ترجة إذ قلت تفرجة آلت إلى الشر والتصحيح عن عيون الأنباء.
(2) فى الأصل من بخر والوزن يقتضى ما أثبتناه، وفى المختصر والتيمورية:
وذى حديث لا ينقضى أبدا ... دوما على بفيه من بخر
والبحر مختل الوزن على الرواية الأخيرة لأن المقطوعة من بحر المنسرح.
(3) آلة ترصد لقاس الزمن، وذكر المقرى فى نفح الطيب تعقيبا على هذا الوصف بقوله «وهى من أحسن ما سمعت فى الإصطرلاب».
(4) فى الأصل ولا تعدل، والتصحيح عن نفح الطيب وعيون الأنباء.
(5) الصفر: النحاس الأصفر فى الأصل عن صفر والتصحيح من عيون الأنباء ونفح الطيب.
(6) فى الأصل إذ نفشته والتصحيح عن المصدرين السابقين.
(7) فى نفح الطيب صادق الخبر، والأصل متفق مع عيون الأنباء.(18/280)
تحمله وهو حامل فلكا ... لو لم يدر بالبنان لم يدر (1)
مسكنه الأرض منبئنا ... عن جلّ ما فى السماء من خبر (2)
أبدعه رب فكرة بعدت ... غايتها أن تقاس بالفكر (3)
فاستوجب الشكر والثناء له ... من كل ذى فطنة من البشر
فهو لذى اللب شاهد عجب ... على اختلاف العقول والفطر
وإن هذه النجوم بائنة ... بقدر ما أعطيت من الصور (4)
وقوله فى قصر الليل فى الوصل:
يا ليلة لم تبن من القصر ... كأنها قبلة على حذر (5)
لم تك إلّا كلا ولا ومضت ... تدفع فى صدرها يد السّحر (6)
زار بها من هويت مستترا ... والبدر فى الليل غير مستتر
فبتّ حتى الصباح مضطجعا ... بين النقا والقضيب والقمر
حتى انقضت ليلة عدلت بها ... ما مرّ طافى الشباب من عمرى
__________
(1) فى الأصل تحمل والتصويب عن المصدرين السابقين.
(2) فى المصدرين السابقين وهو ينبئنا.
(3) فى المصدرين السالفين فى اللطف عن أن تقاس بالفكر.
(4) فى الأصل وإن هذى بانية، وفى عيون الأنباء وإن هذى الجسوم بائنة، والبيت ساقط من نفح الطيب، والمعنى أن هذه النجوم مختلفة الأحجام والأبعاد بقدر اختلاف صورها.
(5) فى الأصل على الحذر وقد آثرنا رواية نفح الطيب.
(6) المعنى أنها مرت سريعا كما نلفظ كلمة لا، ولا.(18/281)
وقوله فى غلام نظر إليه فأعرض عنه:
فالوا ثنى عنك بعد البشر صفحته ... فهل أصاخ إلى الواشى فغيّره (1)
فقلت لا بل درى وجدى بعارضه ... فردّ صفحته عمدا لأبصره (2)
وقوله:
وعاقد فى الخصر زنّارا ... أضرم فى أحشائى النارا
ما أطول الليل إذا لم يزر ... وأقصر الليل إذا زارا
كأنما ليلى فى حسبه ... يجرى على ما شاء واختارا (3)
وقوله:
إنّى كلفت ببعض أر ... باب المقاصر والخدور
بغريرة ذلت فؤادى ... فى هواها بالغرور (4)
هيفاء تذكر إن مشت ... مشى القطاة إلى الغدير
الرّدف منها كالنقا ... والقد كالغصن النّضير
حكت الزمان تلونا ... لمحبها العانى الأسير
فوصالها برد الأصي ... ل وهجرها هجر الهجير (5)
__________
(1) فى الأصل قالوا انثنى والتصحيح عن نفح الطيب.
(2) العارض: صفحة الخد.
(3) الحسب: هو الحساب.
(4) عدى الشاعر الفعل ذل وهو لازم.
(5) فى النفح حر الهجير، الهجر: شدة الحر، الهجير: قيظ نصف النهار.(18/282)
وقوله يستدعى صديقا فى يوم مطر وبرد:
هو يوم كما تراه مطير ... كلب القرّ فيه والزمهرير (1)
وهمى ماؤه كما ذرّف الدّم ... ع من الوجد عاشق مهجور
وأرانا الغمام والبدر ثوبي ... ن علينا كلاهما مجرور (2)
ولدينا شمسان شمس من الرا ... ح وشمس تسعى بها وتدور (3)
ومغن جيش الهموم بما ... تبدع أوتاره لنا موتور
وعلى الدير كان قدر نغور ... لشهىّ الطعام فيها وفور (4)
ولدينا من التّذاكر روض ... ولدينا من المدام غدير
فمن الرأى أن تشبّ الكواني ... ن بأجذالها وترخى الستور
ويحثّ الكبير. إن نكيرا ... أن يحثّ الكبير إلا الكبير (5)
فاترك الاعتذار فيه فتر ... ك الشّرب فى مثل يومنا تعذير (6)
وقوله بداهة (7) فى شهر الصوم:
أشهر الصوم ما مثل ... ك عند الله من شهر
__________
(1) كلب: اشتد.
(2) ورد البيت محرفا بالأصل هكذا «ورادنا الغمام والندو ملتن علينا كلاهما مجرور» وقد صححناه نقلا عن نفح الطيب.
(3) فى الأصل والدنيا سخسان وشمس يسعى بها وبدور، والتصحيح عن نفح الطيب. والمعنى أن فتاة كالشمس تحمل راحا كالشمس تدور بها على الشاربين.
(4) قدر نغور: فائرة بغلى فيها الطعام، يقال نفرت القدر: غلت.
(5) الأصل إن كثيرا أن يهم الكبير. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(6) تعذير. تقصير وفى نفح الطيب تعزير.
(7) المقصود بالبداهة هنا الارتجال.(18/283)
ولكنّك حجّرت ... علينا لذّة السّكر
وغمز اللحظ باللحظ ... وقرع الثغر بالثغر
وإنى والذى شرّ ... ف أوقاتك بالذّكر
وما بات يصلى فيك ... من شفع ومن وتر
لمسرور بأن تفنى ... على أنك من عمرى
وقوله:
غبت عنّا فغاب كلّ جمال ... ونأى إذ نأيت كلّ سرور
ثم لما قدمت عاودنا الأن ... س وقرّت قلوبنا فى الصدور
فلو انا نجزى البشير بنعمى ... لو هبنا حياتنا للبشير (1)
__________
(1) توجد مقطوعات رائية أخرى فى: وفيات الأعيان ج 1ص 222وعيون الأنبا ج 2ص 98 (مقطوعتان) ونفح الطيب ج 1ص 326، 571.(18/284)
«الزاى»
وقوله:
وقائلة ما بال مثلك خاملا ... أأنت ضعيف الرأى أم أنت عاجز؟
فقلت لها ذنبى إلى القوم أننى ... لما لم يحوزوه من المجد حائز
وما فاتنى شىء سوى الحظ وحده ... وأمّا المعالى فهى فىّ غرائز(18/285)
وقائلة ما بال مثلك خاملا ... أأنت ضعيف الرأى أم أنت عاجز؟
فقلت لها ذنبى إلى القوم أننى ... لما لم يحوزوه من المجد حائز
وما فاتنى شىء سوى الحظ وحده ... وأمّا المعالى فهى فىّ غرائز
«السين»
وقوله وهى قصيدة تامة من غرر قصائده:
نفسى الفداء لمطمع لى مؤيس ... غريت لواحظه بقتل الأنفس (1)
ما ضرّ من كملت محاسن وجهه ... لو كان يحسن فى الصنيع كما يسى
رشأ جعلت له ضلوعى مرتعا ... ومدامعى وردا فلم يتأنس (2)
وكتمت سر هواه خيفة كاشح ... مترقب لحديثنا متجسس (3)
فوشى به دمعى ولم أر واشيا ... كالدمع يعرب عن لسان أخرس
فلئن تكنّفنى الوشاة وراعنى
أسد العرين دوين ظبى المكنس (4)
فلربّ مقتبل الشباب مقابل ... بين الغزالة والغزال الألعس (5)
عاطيته حلب الكروم ودرّها ... وخلوت منه بمسعدلى مؤنس (6)
__________
(1) المؤيس: هو الذى يدعو إلى اليأس والفعل أيس أويئس ومصدر الفعلين اليأس غرى بالشىء: أولع به.
(2) علم يستأنس
(3) الكاشح: الذى يضمر العداء.
(4) تكنفنى: أحاط بى، المكنس كمقعد: مقر الوحش من الظباء والبقر تسكن فيه من الحر.
(5) مقتبل الشباب: شرخ الشباب الذى لا يلابسه أى كبر، قال الزمخشرى: كأنه يستقل الشباب كل ساعة الغزالة هنا بمعنى الشمس اللعس: سواد مستحسن فى الشفه والوصف منه ألعس
(6) حلب الكروم: الخمر.(18/286)
ثم انثنى عجلا يكتّم سره ... ويشى به ولع الحلىّ المجرس (1)
كالظبى آنس نبأة من قانص ... فرنا بمقلة خائف متوجّس (2)
قم يا غلام وذر مجالسة الكرى ... لمهجّر يصف النوى ومغلّس (3)
أو ما ترى النّوّار بشّر بالندى
والفجر ينصل من خضاب الحندس (4)
والترب فى خلل الحديقة مرتو
والغصن فى حلل السبيبة مكتس (5)
والروض يبرز فى قلائد لؤلؤ ... والأرض ترفل فى غلائل سندس
لا تعدم اللحظات كيف تصرّفت
وجنات ورد أو لواحظ نرجس (6)
والجو بين مكفّر ومصندل ... وممسّك ومورّد ومورّس (7)
__________
(1) كتم بمعنى كتم، ولع به يولع لج فى أمره وحرص على إيذائه، المجرس: المرنفع الصوت، وفى الأصل المخرس وهو تحريف، والمعنى أنها انسلت متخفية فتم عليها صوت حليها الذى يلح فى الوشابة.
(2) فى الأصل طبأة من قانس، ولعل الصواب ما أثبتناه. النبأة: الصوت الخفى.
(3) فى الأصل النوى ويجلس، والتصويب عن المقتضب، المهجر: الذى يسير فى الهاجرة والمغلس الذى يسير فى أواخر الليل.
(4) فى الأصل أو ما ترى النور نشر، ولعل الصواب ما أثبتناه وفى المقتضب أو ما رأيت النور والنور والنوار: الزهر. يشرق: يفص. ينصل يخرج من لونه الحندس: الظلام الشديد.
(5) فى المقتضب فى حلل الحديقة مرتق، بالغصن من حلل الشبيبة، وفى الأصل: من حلل الحديقة والتصويب عن المقتضب.
(6) كيف تصرفت: أنى اتجهت.
(7) المعنى: الجو تغشاه الألوان المختلفة من بيضاء كالكافور أو خضراء كالصندل أو سوداء كالمسك أو حمراء كالورد أو صفراء كالورس.(18/287)
وكأنما تسقى الأباطح والربى ... بنوال يحيى لا الحيا المتبجس (1)
وكأنما نغمت حدائق زهرها ... عن ذكره المتعطر المتقدس (2)
يا ابن الذين بجودهم وسماحهم ... جبر الكسير وسدّ فقر المفلس
الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين بكل أسمر مدعس (3)
من كل أزهر فى العمامة أبلج
أو كل أخزر فى التّريكة أشوس (4)
سلبت أكفهم المنايا والمنى
سلب الصواعق فى الغيوم الرّجّس (5)
وله يصف داره:
لله مجلسك المنيف قبابه ... بموطّد فوق السماك مؤسس
موف على حبل المجرة تلتقى
فيه الجوارى بالجوارى الخنس (6)
__________
(1) الحيا المتبجس: المطر المتفجر.
(2) المتقدس: المتطهر.
(3) المخذم: السيف القاطع، المدعس: الرمح يطعن به.
(4) فى الأصل أخرز فى البربكة أشوس ولعل الصواب ما أثبتناه الأخرز الصبق العين، وقد يصيق الشجاع عينه كبرا واستخفافا يقال خزر فلان خصمه: نظره بلحظ عينه تيها وكبرا، التريكة: بيضة الحديد للرأس، الأشوس: الرافع رأسه تكبرا أو الجرىء على القتال العنيف
(5) السحاب الراجس: الشديد الصوت الذى يصحبه الرعد.
(6) فى نفح الطيب حبك المحرة بالجوارى الكنس، حبل المجره: طرائقها، الجوارى الخنس: الكواكب التى يخفف ضوؤها. وجميع الكواكب يخفت ضوؤها نهارا ومثلها الكنس، قال تعالى «فلا أقسم بالخنس الجوارى الكنس» والمراد جميع الأجرام مثل قوله تعالى {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ}.(18/288)
تتقابل الأنوار من جنباته ... فالليل فيه كالنهار المشمش
عطفت حناياه دوين سماته
عطف الأهلة والحواجب والقسى (1)
واستشرفت عمد الرخام وظوهرت ... بأجلّ من زهر الربيع وأنفس
فهواؤه من كل قدّ أهيف ... وقراره فى كل خد أملس (2)
فلك تحير فيه كلّ منجّم ... وأقرّ بالتقصير كلّ مهندس (3)
فبدا للحظ العين أحسن منظر
وغدا لطيب العيش خير معرّس (4)
فاطلع به قمرا إذا ما أطلعت
شمس الخدور عليك شمس الأكؤس (5)
فالناس أجمع دون فضلك رتبة ... والأرض أجمع دون هذا المجلس (6)
وقوله فى أحبة له ركبوا البحر مسافرين:
لا واخذ الله من هويتهم ... بما جرى منهم على راسى (7)
__________
(1) فى التيمورية والمختصر عطفت خباياه.
(2) فى الأصل فهواه التصحيح من نفح الطيب، وفى النفح وقراره من كل خد. والمراد أن أرضه مكسوة بالرخام الأملس.
(3) فى الأصل تحير فيه كل مهندس والتصحيح عن نفح الطيب.
(4) المعرس: مكان النزول.
(5) فى الأصل شمس الخدود والتصحيح عن نفح الطيب.
(6) فى نفح الطيب دون قدرك.
(7) واخذ: آخذ، وهى لغة اليمن يقولون: واخذه الله بذنبه: عاقبه، والشاعر ينزل فى كنف اسرة تنتمى إلى اليمن هى أسرة المعز بن باديس.(18/289)
توعّدونى بوشك بينهم ... والبين يمحو الرجاء بالياس (1)
حتى إذا لجّجت سفائنهم ... ولج وجدى بهم ووسواسى (2)
قلت لصحبى والدمع مستبق ... يظهر مابى لأعين الناس
ما ركبوا البحر بل جرت بهم ... فى بحر دمعى رياح أنفاسى
وقوله فى عود الغناء:
عجبا لهذا العود لا ... ينفك عن غرد مؤانس (3)
شدت الحمام عليه رط ... با والغوانى وهو يابس (4)
__________
(1) البين: الفراق: الياس مخففة الهمزة: اليأس وفى الأصل (يمحو الرجا) بالقصر والمد يقتضيه الوزن فالمقطوعة من بحر المنسرح.
(2) لججت السفينة: خاضت اللجة.
(3) الغرد: المغرد.
(4) له مقطوعتان صينيتان غير ما أورده المصنف هنا، أولاهما فى نفح الطيب ج 2ص 219 فى التنويه بالأمير الحسن بن على بن تميم بن المعز، والأخرى فى عيون الأنباء ج 3ص 98.(18/290)
«الشين»
وقوله:
تحكم فى مهجتى كيف شا ... سقيم الجفون هضيم الحشا (1)
سقته يد الحسن خمر الدلال ... فعربد بالصدّ لمّا انتشى
وصدّ بالفتى شادن ... أضلّ الخميلة فاستوحشا (2)
حبيب كتمت غرامى به ... فما زال يعظم حتى فشا
خذوا اللوم عنى وخلّوا الفؤا ... د لطائر حسن به عشّشا (3)
ومن جرّحته لحاظ العيون ... فكيف يكون إذا جمّشا؟ (4)
ومن أمّ ورد بن يحيى الرضا ... فكيف يكون إذا باء أن يعطشا؟ (5)
وليس بمحوجه واردا ... إلى أن يمد له فى الرّشا (6)
أغرّ قضى الله أن لا يردّ ... عمّا يريد وعمّا يشا
تنوب مهابته فى القلو ... ب مناب ظباه وما جيّشا
__________
(1) كيف شاء.
(2) السالفة ناحية مقدم العنق من معلق القرط إلى أعلى عظام الكتف. الشادن ولد الظبية إذا استطاع العدو.
(3) فى الأصل به عشا، وما أثبتناه يتفق مع الوزن والسياق.
(4) جمش الجارية: غازلها ولاعبها.
(5) فى الأصل فكيف إذا بادر إذ يعطشا. ولعل الصواب ما أثبتناه، باء: رجع، والمعنى أن من قصد مناهل الأمير لن يعود عطشان من عنده.
(6) الرشا: مقصور الرشاء: حبل الدلو، وفى المثل: أتبع الدلو رشاءها، والمعنى أنه لا يحوج مادحه إلى الإطالة فى المدح والاستعطاء.(18/291)
مقيم من الملك فى شدة ... ترى الذيب يصحب فيه الرّشا (1)
تكاد تزاحم أفق السماء ... مناكب أرض عليها مشى
وجدنا مخائله الزاكيات ... نواطق عن مجده مذ نشا
* * * وقوله يصف بركة الحبش بمصر وأورد السمعانى هذه الأبيات (2):
لله يومى ببركة الحبش ... والأفق بين الضياء والغبش (3)
والنيل تحت الرياح مضطرب ... كصارم فى يمين مرتعش (4)
ونحن فى روضة مفوفة ... دبّج بالنّور عطفها ووشى
قد نسجتها يد الربيع لنا ... فنحن من نسجها على فرش (5)
فعاطنى الراح إن تاركها ... من سورة الهم غير منتعش (6)
وسقّنى بالكبار مترعة ... فتلك أشفى لشدة العطش (7)
__________
(1) الرشا: مخفف الهمزة: الرشأ وهو ولد الظبية الذى تحرك ومشى مع أمه.
(2) مهد المقرى لهذه المقطوعة بقوله «ذكر أمية بن عبد العزيز الأندلسى ما معناه أنه عزم بمصر هو ورفقة له على الاصطباح فقصدوا بركة الحبش فى وقت ولاية الغبش وحلوا منها روضا بسم زهره ونسم عطره فأداروا كئوسا تطلع من المدام شموسا وعابنوا نجوما تكون لشياطين الهموم رجوما فطرب حتى أظهر الطرب نشاطه وأبرز ابتهاجه وانبساطه فقال:
الأبيات».
(3) فى نفح الطيب: والجو بين الضباء وفى معجم الأدباء: والصبح بين الضياء، الغبش: ظلمة آخر الليل.
(4) فى معجم الأدباء كطائر، ونفح الطيب ونوادر المخطوطات يتفقان مع ما فى الأصل.
(5) فى نفح الطيب: قد نسجتها يد الغمام فنحن من نورها.
(6) السورة: الحدة والسطوة.
(7) يتفق الأصل مع نوادر المخطوطات ونفح الطيب، وفى المعجم واسقنى: وفى نفح الطيب ونوادر المخطوطات: فهن أروى.(18/292)
فأثقل الناس كلّهم رجل ... دعاه داعى (؟؟؟) (1)
وقوله:
قم يا غلام اسقنا فإنا ... إلى معاطاتها عصر
قم فانتعشنا بها دراكا ... فليس إلّا بها الانعاش (2)
كم قتل الهمّ من أناس ... ثم سقوا صرفها فعاشوا
فى دونها وهى دون مثل ... خفّ وقار وطاش جاش (3)
إن قصّ من صبوة جناح ... فهو بأقداحها يراش
وقوله:
لما رأيت الناس قد أصبحت ... صدورهم بالغل مغشوشه
فكل من أحببته منهم ... منقلب العهد، ولا الريشه
لزمت بيتى وتجنبتهم ... فصرت من أطيبهم عيشه
__________
(1) آثرنا رواية نفح الطيب حيث أورد هذا البيت فى آخر المقطوعة. مع أنها وردت فى الأصل وفى معجم الأدباء بين البيت الرابع والخامس، ولكننا نرى السياق بتسق مع رواية نفح الطيب، ونوادر المخطوطات، وفى الأصل ومعجم الأدباء: وأثقل الناس وفى نوادر المخطوطات ورد البيت الخامس (فعاطنى الراح) بعد البيت الثالث (ونحن فى روضة)
وأسلم ترتيب عندنا هو ترتيب نفح الطيب.
(2) الدراك: المتلاحق.
(3) الجاش بالتخفيف: الجأش وهو ثبات القلب يقال للشجاع الواثق بنفسه رابط الجأش.(18/293)
وقوله وأول الأبيات استطراد:
أبا القاسم اشرب واسقينها سلافة
صفت فأتت تحكى وداد أبى الجيش (1)
خليل فقدت الأنس يوم فقدته ... وودّعت إذ ودعته لذة العيش (2)
معنّى بإرضاء النديم مساعد ... على كل حال من وقار ومن طيش (3)
__________
(1) فى الأصل أبا القسم والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل خلتك فقدت الأنس والوزن والسياق يوجبان ما أثبتناه.
(3) فى الأصل مضى بإرضاء النديم على كل حال ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/294)
«الصاد»
وقوله:
يا قوم هل لفؤدى ... مما يجن خلاص
إنى بليت بظبى ... فى القرب منه اعتياص (1)
أضحت دموعى الغوالى ... وهنّ فيه رخاص
جرحت باللحظ خديّه والقنا عرّاص (2)
فشك قلبى بلحظ ... لم تحمنيه الدّلاص (3)
وقال هذا بهذا ... إن الجروح قصاص
وقوله وقد حبس:
يا ربّ ذى حسد قد زدته كمدا ... إذ رام ينقص من قدرى فما نقصا
إنى رخصت ولم أنفق فلا عجب ... للفضل فى زمن النقصان أن رخصا (4)
وإن حبست فخير الطير محتبس ... متى رأيت حداء تودع القفصا؟ (5)
__________
(1) اعتياص: نفرة أو مشقة وجهد.
(2) العراص: الرمح اللدن يقال فى يده رمح عراص المهزة وكذا فى السيف.
(3) الدلاص: الدروع اللينة البراقة.
(4) نفقت السلعة: راجت.
(5) فى الأصل: متى رأيت حداه أودع القفصا ولم ترد فى المعاجم حداة وإنما وردت حدأة وتجمع على حدأ وعلى حداء أيضا قال كثير:
لك الويل من عينى خباب وثابت ... وحمزة أشباه الحداء التوائم
وقواعد اللغه تحتم إلحاق علامة التأنيث بالفعل إذا كان الفاعل أو نائبه ضميرا يعود على مؤنث حقيقى أو مجازى.(18/295)
«الضاد»
وقوله فى الشيب:
عذيرى من طوالع فى عذارى ... منيت بمنظر منها بغيض
لها لونان مختلفان جدا ... كما اختلط الدجى بسنا الوميض
فسود من شبابى غير سود ... وبيض من مشيبى غير بيض
وقوله فى صدر رسالة يصف كتاب صديق ورد عليه:
تدانت به الأقطار وهى بعيدة ... وصحت به الآمال وهى مراض
فمن صدغ لام جال فى خد مهرق ... فراق سواد منهما وبياض (1)
ومن زهر لفظ صابه الدّجن فازدهت ... له بين هاتيك السطور رياض (2)
تراح لها منّا قلوب وأنفس ... وتوسى كلام بالحشى وعضاض (3)
فلله طود للنّهى ليس يرتقى ... وبحر من الآداب ليس يخاض
وميدان سبق جلت فيه لغاية ... يقصّ جناحى دونها ويهاض (4)
__________
(1) الصدغ: الشعر المتدلى بين العين والأذن، وكثيرا ما يشكل بشكل حرف اللام المهرق: الصحيفة كلمة فارسية معربة وجمعها مهارق وفى الأصل: بياض ولعل الصحيح ما أثبتناه.
(2) صاب المطر: هطل بغزارة، الدحن إلياس الغيم السماء وفى الأصل صابه الدهر، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) راح اليوم يراح ريحا: طاب ريحه، وراح فلان للمعروف راحة أخذته له خفة الكلوم: جمع كلم وهو الجرح، العضاض: العض.
(4) فى الأصل يخص جناحى، ولعل ما أثبتناه هو الصواب.(18/296)
«الطاء»
وقوله فى الزهد:
حسبى فكم بعدت فى اللهو أشواطى ... وطال فى الغىّ إسرافى وإفراطى (1)
أنفقت فى اللهو عمرى غير مزدجر ... وجدت فيه بوفرى غير محتاط (2)
علّى أخلّص من بحر الذنوب وقد ... غرقت فيه على بعد من الشّاطى (3)
نعم ومالى ما أرجو رضاك به ... إلّا اعترافى بأنى المذنب الخاطى (4)
وقوله.
سرت فتخيّلت الثّريا لها قرطا
وشهب الدجى فى صبح لبّتها سمطا (5)
ولمّا رنت عن مقلة الرّئم أقصدت ... فؤادى بسهم فوّقته فما أخطا (6)
__________
(1) فى الأصل
حسبى فكم يعذب فى اللهو إشراطى ... فى الغى إسرافى وإفراطى
وقد صححناه بما يقارب ما فى الأصل وفى معجم الأدباء
حسبى فقد بعدت فى الغى أشواطى ... وطال فى اللهو إيغالى وإفراطى
(2) فى معجم الأدباء غير متعظ وجدت فيه
(3) فى معجم الأدباء فكيف أخلص من بحر الذنوب.
(4) فى معجم الأدباء يا رب مالى
(5) اللبة: المنحر، السمط: الخيط مادام فيه الخرز وإلا فإنه سلك.
(6) فى الأصل بسهم من فوقته والوزن والسياق لا يسمحان بزيادة (من)، الرئم: الظبى الخالص البياض. أقصد السهم أصاب فقتل فى الحال، فوق السهم: جعل له فوقا، وهو مشق رأس السهم حيث يقع الوتر تمهيدا لإطلاقه أخطا: أخطأ.(18/297)
وخطت بقلبى أسطر الشوق صفحة
قرأت بها سطرا من المسك قد خطا
ونونات أصداغ كأن جفونها ... تولت بحبات القلوب لها نقطا
ومنها فى صفة المجاذيف:
كأن حباب الماء درّ مبدد ... وهنّ أكف الغيد تعجلنه لقطا
وقوله فى الاستعطاف:
لعل الرضا يوما بديل من السّخط
فيعقب روحات الدّنوّ من الشّحط (1)
وينصف من دهر على الحر معتد
وللجور معتاد وفى الحكم مشتط (2)
أنا المذنب المخطى وأنت فلم تزل
تغمّد ما يأتى به المذنب المخطى
وأجدر خلق الله بالعفو والرضا
محب أتت منه الإساءة فى الفرط (3)
وقوله يستدعى بعض الأدباء مداعبا:
أيها الخلّ الذى جدّد ... م للقصف نشاطى
__________
(1) الشحط: البعد.
(2) فى الأصل وفى الحلم مشتط ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) الفرط: الحين، يقال آتيك بعد فرط أى بعد فترة، والغرض أن الإساءة منه ليست أصيلة، وإنما تقع منه فى الحين بعد الحين أى على ندرة.(18/298)
والإمام الفرد فى الشّع ... ر وفى دين اللواط
أنا ما بين دنان ... وقيان وبواطى (1)
وأباريق صفوف ... مثل غزلان عواطى (2)
من سلاف تذر العا ... قل فى حال اختلاط
وترى الشيخ بها كالطّف ... ل فى حال القماط (3)
كلما رامت لها مز ... جايد الساقى المعاطى
وثبت كالمهرة الشّق ... راء من تحت السّياط
فأتنا دون اعتلا ... ل وتراخ وتباطى (4)
وقوله فى المنع من ركوب البحر:
يا من يخوض البحر مقتحما ... ما بين لجّته إلى الشّط
لا يطمعنّك ما حباك به ... فالبحر يأخذ ضعف ما يعطى
__________
(1) البواطى: جمع باطية وهى إناء أعلاه واسع وأسفله ضيق وتوضع فيه الخمور.
(2) عطا الظبى: رفع رأسه ليتناول الأوراق، فالظبى عاط جمعه عواطى.
(3) القماط: خرقة عريضة تلف على الطفل الصغير إذا شد فى المهد.
(4) فى الأصل اغتلال وهو تحريف، الاعتلال: الاعتذار، واعتل بالأمر: تعلل به، واعتل زيدا: اعتاقه عن أمره أو تجنى عليه.(18/299)
«الظاء»
كم ضيّعت منك المنى حاصلا ... كان من الأحزم أن يحفظا (1)
فالفظ بها عنك فمن حقّ ما ... يخفى صواب الرأى أن يلفظا
وإن تعلّلت بأطماعها ... فإنما تحلم مستيقظا (2)
وقوله:
أقول وقد شطّت به غربة النوى ... وللحبّ سلطان على مهجتى فظّ
لئن بان عنى من كلفت بحبه ... وشط فما للعين من شخصه حظّ
فإن له فى أسود القلب منزلا ... تكنّفه فيه الرعاية والحفظ (3)
أراه بعين الوهم، والوهم مدرك ... معانى شتى ليس يدركها اللحظ
__________
(1) فى الأصل: كم صنعت فيك المنى حاصلا ... كان من الإجرام أن يحفظا
والتصحيح عن نفح الطيب.
(2) فى نفح الطيب: فإن نعللت، وفى الأصل: فإنما يحلم وقد آثرنا رواية نفح الطيب.
(3) فى الأصل فإنه له فى أسود القلب، وفى عيون الأنباء فإن له أسود القلب، ولعل الصواب ما أثبتناه، أسود القلب: سويداؤه وسويداؤه: حبته والمراد فى قرارة القلب.(18/300)
«العين»
وقوله:
يا قاتل الله قلبى كم يجشّمنى ما ... يعجز النّاس عن همّ وإزماع (1)
كم مهمه قذف تمشى الرياح به
حسرى تلوذ بأكناف وأجزاع (2)
لا يملك الذّمر فيه قلبه فرقا ... ولا يهم به طرف بتهجاع (3)
يبيت للجنّ فى أرجائه زجل
كالشّرب هزّ بتطريب وإيقاع (4)
أعملت للمجد فيه كل يعملة ... كالهيق تنصاع من أثناء أنساع (5)
__________
(1) الهم: العزم، الإزماع: الرحيل.
(2) مهمه: صحراء، فلاة قذف. وقذف: تنقاذف بمن يسلكها أكتاف: جمع كتف: وهو الجانب أو الناحية أجزاع جمع جزع وهو منعطف الوادى أو ما اتسع من مضايقه، ولعلها أجزاع جمع جزع وهو الرملة المستوية أو الأرض ذات الحزونة. وأمية ينظر هنا إلى قول الشاعر فى وصف صحراء قائظة:
تمشى الرياح بها حيرى مولهة ... حسرى تلوذ بأكناف الجلاميد
(3) فى الأصل الزمر ببهجاع وهو تحريف. الذمر: الشجاع، الفرق: الخوف، تهجاع: هجوع أى نوم.
(4) الزجل: الحلبة، وزجل الجن: عزيفها، الشرب: المجتمعون على الشراب.
(5) فى الأصل أعلمت للمجد ولعل الصواب ما أثبتناه يعملة: نافة نجيبة مطبوعة على العمل، الهيق: الظليم وهو ذكر النعام، تنصاع: تنتقل مسرعة، أنساع: جمع نسع وهو حبل من أدم عريض تشدبه الرحال، أو الفصل بين الكتف والساعد.(18/301)
فى ليلة كحجاج الطير دامسة
يأوى بها الذئب من ذعر إلى الراعى (1)
مرقت من جوزها كالنجم مرتديا ... بمرهف الحدّ مثل النجم قطاع (2)
لا يكسب المجد إلا كلّ ذى مرح ... يرخى العنان لليل منه دفّاع
بكل أبيص ماضى الغرب منصلت
فى كف أبيض رحب الصدر والباع (3)
يلقى الخطوب بجأش غير مكترث ... بالنائبات وقلب غير مرتاع
وقوله فى التجنيس:
ذكرت نواهم لدى قربهم ... فجدت بأدمعى الهمّع
فكيف [بكائى] إذ هم نأوا ... وهذا بكائى إذ هم معى (4)
وقوله فى الغزل:
ما قطع القلب إلّا ... غزال آل قطاعه (5)
__________
(1) الحجاج بالفتح والكسر: العظم المطبق على رقبة العين وعليه منبت شعر الحاجب وفى الأصل فى ليلة لحجاج الطير، ولعلها كحجاج العين والمعنى أن ظلامها مطبق كما تطبق الاجفان على العين.
(2) الجوز: الوسط ومنه حديث على رضى الله عنه أنه قام من جوز الليل يصلى به.
(3) الغرب: الحد، منصلت مرهف صقيل.
(4) فى الأصل: فكيف إذاهم نأوا والزيادة يقتضيها المقام ومراعاة الجناس الذى قصده الشاعر، والبكاء من بكأت العين قل دمعها والمعنى كيف يقل دمعى بعد رحيلهم مع أن دموعى لا تجف وهم معى، والاستفهام هنا إنكارى.
(5) هكذا الأصل، والآل: السراب، قطاعة: منقطع عن الكلام، ولعله يقصد أن هذا الغلام ينتمى إلى أسرة (قطاعة).(18/302)
وسنان ليس على الصح ... ب فى هواه استطاعه
لما دعانى إلى الحب قلت سمعا وطاعة
وقوله فى الصبر على الشدة:
يقولون لى صبرا وإنى لصابر ... على نائبات الدهر وهى فواجع
سأصبر حتى يقضى الله ما قضى ... وإن أنا لم أصبر فما أنا صانع؟
وقوله فى جارية قدمت شمعة:
بأبى خود شموع ... أقبلت تحمل شمعه (1)
فالتقى نوراهما واخ ... تلفا قدرا ورفعه (2)
ومسير الشمس تستهدى ... بضوء النجم بدعه (3)
__________
(1) الخود: المرأة الشابة الفتية. الشموع من النساء: اللعوب الضحوك المزاحة.
(2) فى الأصل نورها والتصحيح عن نفح الطيب.
(3) له مقطوعة عينيه أخرى لم ترد هنا صاغها فى الهجاء ص 70من معجم الأدباء ج 7(18/303)
«الغين»
وقوله:
إنى لأشفق أن يرانى حسّدى ... إلّا مفيديد، ومرغم باغى
أو معملا لزجاجة يسعى بها
خنث الجفون مبلبل الأصداغ (1)
فلو أنّ عمرى عمر نوح لم أبل ... فيه بمهلة عطلة وفراغ
وقوله فى شاعرين مدحاه وكان أول قولهما وعرّض بشاعر آخر خبيث الطبع:
وا بأبى شاعران قد نبغا ... بل بأبى نيّران قد بزغا
لم يبلغ الأولون قاطبة ... من رتب الفضل بعض ما بلغا
تدفقا والقريض قد نضبت ... بحوره، والكلام قد فرغا
وأبرزا فيه كلّ معجزة ... يعجز عنها أئمّة البلغا
ومنها:
إن نسبا أطربا وإن مدحا ... زانا، وإن يهجوا فقد لدغا
من قال: فى العالمين مثلهما ... فقد هذى فى مقاله ولغا
__________
(1) الأصداغ: خصل الشعر المتدلية على جانب الوجه، مبلبل الأصداغ: مضطرب خصلات الشعر.(18/304)
ليسا كمن كنت حين ينشدنى ... أقول ما بال ذا البعير رغا (1)
كلب هراش تراه منصلتا ... عند حضور الخوان ليث وغى (2)
عيب به ثغرنا المصون فلو ... يكون ثغرا لكان فيه شغا (3)
ما زلت ألقى سفاهة بحجى ... يروع شيطانه إذا نزغا (4)
أفديكما شاعرين لو شهدا ... عصر زياد إذا لما نبغا (5)
صاغا لجيدى حلىّ لفظهما ... فأتقناه، وأحكما الصّيغا
وأهديا لى مدحا سحبت به ... برد جمال علىّ قد سبغا
أنشده حاسدى فأكمده ... حتى توهمت أنه دمغا
لو عدمت مقلتاى شخصهما ... مارفه العيش لى ولا رفغا (6)
__________
(1) فى الأصل يسأل كن كنت ذا البعير رعا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل كلب هراسى تراه منفلتا وهو تحريف. هارش بعض الكلاب على بعض مهارشة وهراشا: حرضها، وتهارشت الكلاب: تحرش بعضها بالبعض الآخر منصلتا:
سريع سباق.
(3) الشغا: اختلاف الأسنان طولا وقصرا ودخولا وخروجا وذلك معيب. الثفر بالمعنى الأول: الحصن القائم على الحدود المعرض لهجوم الأعداء، أو الناحية من الأرض والثغر بالمعنى الثانى: الفم.
(4) الحجا: العقل، نزغ الشيطان بين القوم: أفسد بينهم ونزغ الشيطان فلانا إلى المعاصى حثه عليها قال تعالى: وإما ينزغنك من اليشطان نزغ فاستعذ لله». وفى الأصل كحجا مودع وهو تحريف.
(5) المقصود زياد بن أبيه، وهو من خطباء العرب المعدودين.
(6) رفه الرجل لان عبشه ورغد رفغ عيشه: اتسع.(18/305)
«الفاء»
وقوله من قصيدة:
فهاتها إذا النديم أغفى ... نارا بها نار الهموم تصفا
أشدّ من كلّ لطيف لطفا ... ترى الهواء عنده يستجفا (1)
من يد ساق يستحثّ الحتفا ... بمقلة تفرى الدّلاص الزّغفا (2)
تنعش إلفا وتميت إلفا ... صوّره الله فأعيا الوصفا
بدرا وغصنا ناعما وحقفا ... ترتّج نصفا وتميس نصفا (3)
وصير الحسن عليه وقفا ... فما رآه أحد فعفّا
وقوله فى غلام واعظ حسن الوجه:
واحزنى من جفنك الأوطف ... وخصرك المختصر المخطف (4)
يا واعظا ما زادنى وعظه ... إلّا جوى أيسره متلفى
ما بال ذا الورد بخديك قد ... أينع للقطف ولم يقطف
وما لفيك العذب لم يلثم ... وريقك المعسول لم يرشف
برزت فى معرض أهل التّقى ... وما بدا منك سوى ما خفى
__________
(1) استجفاه: عده خشنا وطلب بعده، وفى الأصل يستخفى وهو تحريف.
(2) فى الأصل: من يد ساق نحوى. الحتفا الدلاص الرعفا، الدلاص الدروع اللينة البرقة، الزغف: الواسعة.
(3) الحقف: المعوج من الرمل، وتشبه به الأرداف.
(4) الجفن الأوطف: كثيف شعر الحواجب، الأخطف والمخطف: الضامر.(18/306)
أيمنع القرقف من ريقه ... أشدّ إسكارا من القرقف (1)
يا موقدا بالهجر فى أضلعى ... نارا بغير الوصل ما تنطفى
إن لم يكن وصل فعدنى به ... رضيت بالوعد وإن لم تفى
وقوله فى التجنيس:
وقائلة سر وابتغ الرزق طائفا ... فإنك فيما لا يفيد لطائف
فقلت ذرينى رب ساع مخيّب (2) ... ولله فى كل الأمور لطائف (3)
__________
(1) القرقف: الماء البارد المرعد، والخمر التى تبعث الرعدة فى شاربها.
(2) فى الأصل رب ساع يخيب:
(3) للشاعر مقطوعتان فائيتان لم يردا فى هذا المصنف فى المقتضب ص 5وفى معجم الأدباء ص 60ج 7.(18/307)
«القاف»
وقوله من قصيدة فى وصف جيش:
وملمومة ظلّت بها أوجه الرّدى ... تدير عيونا من أسنتها زرقا (1)
مظاهرة بالأسد غلبا وبالظّبى
حدادا، وبالخرصان مذروبة ذلقا (2)
إذا نشأت للنّقع فيه غمامة ... فلست ترى غير النجيع لها ودقا (3)
ملأنا بها قلب العدوّ وسمعه ... وناظره والبرّ والبحر والافقا
وقوله فى البراغيث:
وليلة دائمة الغسوق ... بعيدة الممسى من الشّروق (4)
كليلة المتيم المشوق ... أطال فى ظلمائها تأريقى (5)
أخبث خلق للأذى مخلوق (6) ... يرى دمى أشهى من الرّحيق
يعب فيه غير مستفيق ... لا يترك الصّبوح للغبوق (7)
__________
(1) الملمومة: الكتبية المتساندة المضمومة بعضها إلى بعض كأنها جسم واحد.
(2) الظبى: جمع ظبة وهو حد السلاح سواء كان رمحا أو سيفا أو مدية، حداد:
قواطع، الخرصان: الرماح مذروبة: حادة، ذلقا: مرهفة الحد وفى الأصل مدروزة ولعل ما أثبتناه هو الصواب قال ابن جابر الحنفى:
ومن الرجال أسنة مذروبة ... ومزندون حضورهم كالغائب
(3) النجيع من الدم: ما كان ضاربا إلى السواد، وقال الأصمعى هو دم الجوف خاصة، الودق: المطر.
(4) فى الأصل دائمة الفسوق والتصحيح عن عيون الأنباء.
(5) فى عيون الأنباء أطال فى ظلمائها تشريقى.
(6) فى عيون الأنباء: أحب خلق لأذى مخلوق.
(7) الصبوح: الشرب فى الصباح والغبوق: الشرب فى المساء.(18/308)
لو بتّ فوق قمة العيّوق (1) ... ما عاقه ذلك عن طروقى
كعاشق أسرى إلى معشوق ... أعلم من بقراط بالعروق (2)
من أكحل منها وباسليق ... يفصدها بمبضع رقيق (3)
من خطمه المذرّب الذّليق ... فصد الطبيب الحاذق الرفيق (4)
وقوله فى سحّاقة:
وعن السّحق الذى عنّاك زورا ... فلم تستشف ساحقة بسحق (5)
ودونك فيشة غلظت وطالت ... بها ما شئت من نزق وخرق (6)
متى أبصرت ويحك قطّ خرقا ... بحال سدّه أحد بخرق؟
وقال:
طرقتنى لدى الهجوع، فقالت ... آلذا يهجع المحب المشوق؟
قلت لا تعجلى فلم أغف إلّا ... طمعا أن يكون منك طروق
__________
(1) فى الأصل لويت فوق فمه العيوق، وفى عيون الأنباء لويت فوق فمه العيون ولعل ما أثبتناه هو الصواب: العيوق: نجم أحمر مضىء فى طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا ولا يقدمها.
(2) بقراط: طبيب إغريقى يضرب به المثل فى الحذق.
(3) الأكحل: عرق فى الذراع يسمونه عرق الحياة أو نهر البدن، الباسليق عرق آخر فى الذراع وهى كلمة أعجمية عربها المولدون. وفى عيون الأنباء بمبضع دقيق.
(4) فى الأصل من خطبة المذرب الذليق، والتصحيح من عيون الأنباء، والخطم:
أنف الإنسان ومقدم أنف الدابة وفمها، ومنقار الطائر، المذرب: الحاد، الذلق: المرهف.
(5) السحاق: شذوذ جنسى تتصل فيه المرأة جنسيا بالمرأة وصيغة المبالغة فيه سحاقة.
(6) فى الأصل فيشبه ملظت من نزق وخرق، ولعل الصواب ما أثبتناه، الفيشة رأس عضو التناسل فى الذكر، تزق: خفة، خرق: طيش وحماقة.(18/309)
فتولت تقول لفظ ذوى الأل
باب سحر يصبى النّهى ويروق (1)
قد يمجّ الكلام وهو صحيح ... ويلذّ المزوّر المخلوق
وقوله يستدعى صديقا له إلى أكل تين وشرب:
قد نفش التين خلال الورق ... وراح من جلدته فى خلق (2)
فانشط إليه وإلى سلافة ... لم يبق منها الدهر غير الرمق (3)
كأنها فى الكأس ياقوتة ... فى درّة أو شفق فى قلق
وقوله فى غلام غزّى (4) عليه قرمزية.
أقبل يسعى أبو الفوارس فى ... مرأى عجيب ومنظر أنق (5)
أقبل فى قرمزية عجب ... قد صبغت لون خدّه الشّرق
كأنما جيده وغرّته ... من دونها إذ برزن فى نسق
عمود فجر فويقه قمر ... دارت به قطعة من الشفق
__________
(1) المخلوق: المختلق المفتعل والمعنى: قد يكون الصدق ثقيل الوطأة وقد يكون الافتعال الذيذ الوقع فى القلب والسمع.
(2) الخلق: الثوب البالى، والمراد أنه نضج وتمزق جلده.
(3) فى الأصل وإلى قهوة لم يبق منها إلا الرمق، والوزن وضوابط النحو تقتضى ما أثبتناه، فالمقطوعة من بحر الرجز كما هو ظاهر.
(4) غزى: تركى.
(5) فى الأصل أقبل يسعى أبو الفوارس فى منظر عجيب ومنظر أنق، والوزن يقتضى ما أثبتناه فالمقطوعة من بحر المنسرح.(18/310)
وقوله:
دعها أمام العيس تعنق ... كالسّيل فى صيب تدفق (1)
لم يستعن بزميلها ... يوما أخو أمل فأخفق
وأغن نور الصبح أس ... فر تحت غرّته وأشرق
قد صيغ فتنة من تنسّك بل منيّة من تعشّق (2)
حسن المخلخل والمؤز ... ر والموشح والممنطق
أبكى دما جفنى بهج ... رته فأغرقنى وأحدق
لم يدر قلبى إذ تعلّقه بأى هوى تعلق
وسعى بها فكأن بر ... قا فى زجاحتها تألّق
والنجم يجنح للأفو ... ل كما هوى القرط المعلق
وكأن فارة تاجر
منها خلال الشّرب تعبق (3)
وكأنّها من رقّة ... دمع المحبّ إذا ترقرق
__________
(1) تعنق: تسرع ونفذ فى السير، قال الشاعر:
يا ناق سيرى عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا
الصيب: ما انحدر من الأرض.
(2) فى الأصل من يعشق وهو تحريف.
(3) فأرة المسك نافجته. ويروى الجاحظ أنها تؤخذ من دم حيوان يشبه الظبى الصغير [لعله قط الزياد] ولعل هذا ما عناه المتنبى بقوله:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم العزال(18/311)
إنّى رأيت شبيبتى ... وصباى يوما سوف يخلق (1)
وعلمت أنى للذها ... ب وإن ونيت فسوف أسحق (2)
فالعمر ظل، والمنى ... خدع، ووعد الله أصدق
وقوله:
لم تعل كأس الراح يمنى الساق ... إلا لترجع ذاهب الأرماق
فادر علىّ دهاقها إنى امرؤ
لا أستسيغ الكأس غير دهاق (3)
أو ما ترى ضحك الرّبا بغمائم ... تبكى كمثل مدامع العشّاق
من كل باكية تسيل دموعها ... من غير أجفان ولا آماق
طفقت تزجّيها البوارق حفّلا ... تروى البلاد بوبلها الغيداق (4)
حتى تسربل كل جزع روضة ... محتفة بغديره الرقراق (5)
وإذا الهواء الطلق جرّ نسيمه ... أذيال أردية عليه رقاق
ضمّ الغصون على الغصون كما التقى ال ... أحباب بالأحباب غبّ فراق
__________
(1) يخلق: يبلى.
(2) فى الأصل:
وعلمت أنى للذها ... ب أنى دنيت فوق أسحق
ولعل الصواب ما أثبتناه سحق: عدا عدوا شديدا.
(3) الدهاق: الكأس الممتلئة.
(4) غيث غيداق: كثير الماء، تزجيها تدفعها برفق وفى الأصل طفقت برحبها.
وهو تحريف.
(5) احتف: حوله: استدار، ولعلها (محفوفة) أى محلطة.(18/312)
فانعم بورد كالخدود ونرجس ... غضّ الجنى لنواظر الاحداق
حيّا به الساقى المدير، وربّما ... ألهاك عنه بمقلتيه الساقى (1)
رشأ ينير دجى الظلام بغرّة ... كالبدر بل كالشمس فى الإشراق
كتب الجمال بخطه فى خدّه ... «هذى بدائع صنعة الخلّاق»
الدّعص حشو إزاره، والغصن طىّ ... وشاحه، والبدر فى الأطواق (2)
ما بان صبرى يوم بان وإنما ... بددته من دمعى المهراق (3)
__________
(1) فى الأصل حسابه الساقى. وهو تحريف.
(2) الدعص: كثيب الرمل المجتمع. جمعه أدعاص ويشبه به الردف.
(3) المهراق: المصبوب. فعله هراق يهريق قال جرير العجلى:
إذا ما قلت قد صالحت قومى ... أبى الأضغان، والنسب البعيد
ومهراق الدماء بواردات ... تبيد المخزيات ولا تبيد(18/313)
«الكاف» (1)
وقوله من قصيدة:
ملك أعزّ بسيفه دين الهدى ... وأذل دين الكفر والإشراك
وأنار فى ظلم الحوادث راية ... فأراك فعل الشمس فى الأحلاك
لم يبق فى ظهر البسيطة جامع ... إلا استقاد لسيفه الفتاك (2)
ومنها:
يا شاكيا عنت الزمان وجوره ... ألمم به تلمم بمشكى الشاكى (3)
يا أرض لولا حلمه ووقاره ... ما دمت ساكنة بغير حراك
يا شمس لو واجهت غرّة وجهه ... لسترت نورك دونها وسناك
يا سحب لو شاهدته يوم الندى ... لخفرت جودك عنده ونداك
شتان بين اثنين هذا ضاحك ... أبدا لآمله وهذا باكى (4)
__________
(1) له مقطوعة أخرى ثانية فى وفيات الأعيان ج 1ص 221.
(2) هكذا بالأصل ولعلها لم يبق فى ظهر البسيطة جامح.
(3) أشكى فلانا: قبل شكواه وأرضاه ونزع عنه شكايته.
(4) ورد له بيت مفرد فى التيمورية والمختصر هو: ويراعة تنهل مسكا أذفرا ... من راحة لا تعرف الإمساكا
ولعله بيت من قصيدة فى المديح.
واليراعة: القلم قال الشاعر:
فلا تغترر أن قد دعوك يراعة ... فإن صريرا منه يستهزم الجندا(18/314)
«اللام»
وقوله يشكر حسن وساطة الممدوح فى خلاصه من الحبس (1):
حيّيّت من طلل برامة محول ... عبثت به أبدى الصبا والشّمأل (2)
وغدابك النّوّار من درر الندى ... ينآد بين مؤزّر ومكلّل (3)
وإذا أدار بك الغمام كئوسه ... شرب النبات على غناء البلبل
دع ذا لهمّ فى فؤادك شاغل ... عن ذكر دار للحبيب ومنزل
طرقت عواد للخطوب عدتك عن ... ذاك الغزال، فلات حين تغزّل
إنى سقيت من الخطوب سلافة ... جعل السقاة مزاجها من حنظل
كأس ثملت بها فملت وإنما ... دحضت بها قدمى من الشرف العلى (4)
فاحلب بضبعى منقذى من هوّة ... أصبحت منها فى الحضيض الأسفل (5)
وامدد إلىّ يد المغيث فكم يد ... لك أنقذت من كل خطب معضل
إنّى دعوتك حين أجحف بى الردى ... فأغث فإنىّ منه تحت الكلكل (6)
__________
(1) لعل هذا بعد خلاصه من سجنه بمصر.
(2) فى الأصل حييت من طلل براقة محول ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
أحولت الدار: أتت عليها أحوال، الطلل المحول، المتغير الذى تبدل حالا بعد حال.
الصبا: ريح تهب من الشرق، الشمأل والشأمل ريح الشمال.
(3) ينآد: يتثنى أزر النبت الأرض: غطاها، مكلل: متوج.
(4) دحضت: زلت.
(5) احلب: استعن، وفى الأمثال «حلبت بالساعد الأشد» أى استعنت بمن يقوم بأمرك ويعنى بحاجتك، الضبع العضد كلها، والمعنى استعن بساعدى هذا المنقذ الكريم.
(6) فى الأصل حين أحجفت فأغث إنى ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/315)
فإليك مفزع كل عان خائف ... ولديك فرجة كلّ باب مقفل
قد طالت الشكوى، وأقصر وقتها ... مود بكل تصبّر وتجمّل
واشتدت البلوى وأنت لدفعها ... فأجب فإنى قد دعوتك يا (على) (1)
عمر يمّر وكربة ما تنقضى ... أبد الزمان، وغمّة لا تنجلى
وزمان سخط ماله من آخر ... ورجاء عفو ماله من أول
كم ذا التغافل عن وليك وحده ... والآن يحرم دون كل معوّل (2)
وعلام يهمل أمره ويضيعه ... من ليس للصنع الجميل بمهمل
قم فى صلاحى واصطنعنى تصطنع ... رطب اللسان قدير باع المقول (3)
يثنى عليك بما صنعت وربما ... كرم الثناء فذم عرف المبذل
وقوله ملغزا بالبكرة من قصيدة (4):
فما كدريّة لم تع ... ل مذ طارت ولم تسفل (5)
لها فى الجو وكر لم ... ترم عنه ولم ترحل (6)
__________
(1) نرجح أن المقصود بالخطاب هنا هو أبو القاسم على بن سليمان المعروف بابن الصيرفى، وكان الشاعر يستشفع به وهو سجين بمصر وينفذ إليه القصائد فى مدح الأفضل ليرفعها إليه استرضاء له وقد حفظ لنا ابن أبى أصيبعة رسالة وجهها ابن الصيرفى إلى الشاعر وهو سجين (ج 3ص 87، 88).
(2) فى الأصل والأمر يحرم، ولعل الصواب ما أثبتناه، معول: مصدر ميمى بمعنى عون، والمعنى، والآن يحرم من كل معونة وقد يكون الفعل يحزم من حزم الرجل: غص فى صدره.
(3) فى الأصل مدير باع القول ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) البكرة: خشبة مستديرة فى وسطها محز يستقى عليها.
(5) كدرية: ضرب من القطا غبراء اللون مرقشة الظهر قصيرة الرجلين.
(6) لم ترم: لم تبرح.(18/316)
قما ترقى مع النسر ... ولا تهوى مع الأجدل (1)
عوان نكحت دهرا ... فلم تعلق ولم تحبل (2)
تشبّثت بها دهرا ... وفى ساحتها أنزل (3)
وواصلت مراسيها ... ولكن كنت من أسفل
فلمّا أن أصبت الما ... ء صوب العارض المسبل (4)
تنجيت ولم أستحى ... من فعلى ولم أخجل
وثبت [فوق عطفيها] ... ولم أعى ولم أنكل (5)
وقوله:
حجبت مسامعه عن العذال ... وأبى فليس عن الغرام بسال (6)
ويح المتيم لا يزال معذّبا ... بخفوق برق أو طروق خيال
وإذا البلابل بالعشىّ تجاوبت ... بعثت بأضلعه جوى البلبال (7)
وارحمتا لمعذّب يشكو الجوى ... بمنعّم يشكو فراغ البال
نشوان من خمرين: خمر زجاجة ... عبثت بمقلته وخمر دلال
__________
(1) الأجدل: الصقر.
(2) العوان: النصف فى سنها لم تعلق ولم تحب.
(3) فى الأصل تشبث بها دهرا فى ساحتها نزل، والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(4) أصبت الماء: أرقته، الصوب: السحاب ذو الصوب وفى الأصل وصب العارض وهو تحريف، والعارض: السحاب الذى يعترض الأفق.
(5) فى الأصل: وثبت ولم أعى وأنكل والزيادة يقتضيها الوزن هى أو ما يشبهها.
(6) فى الأصل وأتى فليس عن الغرام بسال، وفى عيون الأنباء فأبى.
(7) فى الأصل: ومن البلابل والتصحيح عن عيون الأنباء البلبال والبلبالة: الهم والضيق والوسوسة.(18/317)
كالريم إلا أن هذا عاطل ... أبدا وذا فى كل حال حالى (1)
لا يستفيق وهل يفيق بحالة ... من ريق فيه سلافة الجريال
علم العدوّ بما لقيت فرقّ لى ... ورأى الحسود بليتّى فرثى لى
يا من برى جسمى بطول صدوده ... ألّا سمحت ولو بوعد وصال
قد كنت أطمع فيك لو عاقبتنى ... بصدود عتب لا صدود ملال (2)
وقوله وذلك مما أنشدنيه الفقيه نصر بن عبد الرحمن الإسكندرانى الفزارى ببغداد، قال أنشدنى أبو الحسن، على بن الحسن بن معبد القرشى بالإسكندرية، قال: أنشدنى أبو الصلت لنفسه بالمهدية سنة تسع عشرة وخمسمائة فى داره يصف فرسا:
وأشهب كالشّهاب أضحى ... يلوح فى مذهب الجلال (3)
قال حسودى، وقد رآه ... يجنب خلفى إلى القتال (4)
من ألجم الصبح بالثّريّا ... وأسرج البرق بالهلال
قال: قال أمية: عملت هذه قبل أن أسمع بشعر ابن خفاجة الأندلسى. لامية له، منها:
__________
(1) الرئم: الظبى الخالص البياض.
(2) فى عيون الأنباء أطمع منك.
(3) فى عيون الأنباء يجول فى مذهب الجلال، الجلال: الغطاء والجلال: جمع جل.
وهو ما تلبسه الدابة لصيانتها.
(4) هكذا بالأصل وعيون الأنباء، وفى نفح الطيب يخب تحنى إلى القتال.(18/318)
أشهب اللون أثقلته حلىّ ... خبّ فيهن فهو ملقى الجلال
فبدا الصبح ملجما بالثّريّا ... وسرى البرق مسرجا بالهلال
فما أعجب توارد خاطريهما. وهما فى زمان واحد فى بلدين متباعدين.
وقوله فى كاتب:
ومجيد فى النظم والنثر فذ ... لست تدرى ألفظه الدرأم لا؟
ظلّ يملى فكان أبلغ ممل ... بهر السمع حكمة حين أملى
وقوله:
أقول لمسرور بأن ريع سربنا ... وصوّح مرعانا، وزلّت بنا النّعل (1)
لنا حسب إن غالنا الدهر مرة ... وزلت بنا نعل فإنا به نعلو
وقوله فى الحث على الكسب والحركة:
لا تقعدنّ بكسر البيت مكتئبا ... يفنى زمانك بين اليأس والأمل
واحتل لنفسك فى شىء تعيش به ... فإن أكثر عيش الناس بالحيل (2)
ولا تقل إنّ رزقى سوف يدركنى
وإن قعدت فلبس الرزق كالأجل
وقوله:
لا ترج فى أمرك سعد المشترى ... ولا تخف فى فوته نحس زحل
__________
(1) صوح المرعى: تم جفافه ويبسه قال أبو على البصير:
ولكن البلاد، إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعى الهشيم
(2) فى عيون الأنباء فى رزق تعيش به.(18/319)
وارج وخف ربّهما، فهو الذى ... ما شاء من خير ومن شر فعل
وقوله:
رمتنى صروف الدهر بين معاشر ... أصّحهم ودّا عدوّ مقاتل
وما غربة الإنسان فى بعد داره ... ولكنّها فى قرب من لا يشاكل (1)
وقوله فى ثقيل:
لى جليس عجبت كيف استطاعت ... هذه الأرض والجبال تقلّه
أنا أرعاه مكرما وبقلبى ... منه ما يتلف الحياة أقلّه (2)
فهو مثل المشيب أكره مرآ ... هـ ولكن أصونه وأجلّه (3)
__________
(1) فى نفح الطيب: فى غير داره.
(2) فى نفح الطيب أنا أرعاه مكرها.
(3) له مقطوعات لامية أخرى فى عيون الأنباء: ص 95، 99وبيت مفرد ص 87.(18/320)
«الميم»
وقوله:
كبد تذوب ومقلة تدمى ... فمتى أطيق للوعتى كتما
يا تاركى غرضا لأسهمه ... إذ لم تخف دركا ولا إثما (1)
زدنى جوى بل استزدك جوى ... وإذا ظلمت فعاود الظّلما (2)
فالحب أعدل ما يكون إذا ... صدع الفؤاد وأنحل الجسما
بأبى وغير أبى وقلّ له ... قمر ليقضى بالضنى تمّا (3)
يرنو إليك بعين مغزلة ... لم ترن إلا فوّقت سهما (4)
قبّلته إذ زار مكتتما ... وهصرت بانة قدّه ضمّا (5)
ورشفت من فيه على ظمأ ... بردا إذا نقع الصّدى أظما (6)
ثم انثنى حذر الرقيب، وقد ... نمّ الصباح عليه إذهمّا
__________
(1) الدرك: التبعة، وفى الأصل غرضا لاسمه والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) هكذا بالأصل. ويظهر أن الشاعر عطف فعل استزيدك على فرض فعل مقدر ومحذوف فتكون الجملة هكذا. «زدنى جوى أقبل بل استزدك» فيكون العطف على جواب الأمر المقدر. وهو نادر ولعل الصواب زدنى عذابا استزدك جوى.
(3) المعنى أفدى بأبى وبغير أبى هذا الحبيب الذى يشبه القمر والذى تم حسنه كما يتم البدر ليزيد الهيام به، وقل لهذا الحبيب الفداء وإن غلا.
(4) فى الأصل: لا تزن إلا فرقت سهما، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) فى الأصل: هصرت بأنه قده صنما، وهو تحريف.
(6) فى الأصل بردا إذا أنقع. والوزن يقتضى ما أثبتناه نقع الصدى أزال الظمأ.(18/321)
وطفقت أرقب لمّتى خدع ... شيما لذاك البرق أو شما (1)
وإذا اقتضى زمن فكيف به ... إلا أن استوهبته الحلما
وقوله من قصيدة طويلة:
تقول سليمى مالجسمك ناحلا؟ ... كأن قدرأت أنّ الحوادث لى سلم
فقلت لها لا تعجبى ربّ ناحل ... محاسنه شتّى، وسؤدده ضخم (2)
ولا تنكرى همّ امرئ فاق همّه ... فكان على مقدار همّته الهمّ (3)
وما أنا من يثرى فيبطره الغنى ... ويعدم أحيانا فيضجره العدم (4)
وقوله من قصيدة:
لا أحمد الدمع إلا حين ينسجم ... فخلّ دمعك يسقى الرّبع وهودم
أما ترى الحى قد زمّت ركائبه ... وصاح بالبين حادى الركب بينهم
وفى حشى الهودج المزرور شمس ضحى
تنير للركب من أنوارها الظلم (5)
__________
(1) اللمة: الشعر الذى يتجاوز شحمة الأذن، الخدع: الخداع أو الضباب المراوغ ولعلها وطفقت أرقب لمتى جزعا، واللمة بالضم هو المؤنس، شام البرق: تطلع إليك مترقبا مكانه وموضع سقوط المطر منه.
(2) فى الأصل فقلت لها تعجبى والزيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(3) هم امرىء: همومه فاق همه ازداد عزمه.
(4) أعدم الرجل: افتقر.
(5) فى الأصل تتور للركب على أنوارها والوزن يقتضى ما أثبتناه والمعنى يصبح الظلام مضيئا أمام الركب من أنوار هذه الشمس.(18/322)
بيضاء فضّلها فى الحسن خالقها
فأصبحت وهى فى الأرواح تحتكم (1)
سكرى من الدّلّ لكن ما بها سكر ... سقيمة اللحظ لكن ما بها سقم (2)
كروضة الحزن فى رأد الضحى خطرت ... بها الصّباحين روّت تربها الدّيم (3)
ليست تزور وإن زارت لنمّ بها ... برق من الثغر يبدو حين تبتسم
بانوا فأى بدور عنهم غربت ... بمغرب، وغصون ضمّها إضم (4)
وللظباء وأسد الغيل ما ضمنت ... تلك البراقع يوم البين والّلثم
وخلّفوا الدّنف المشتاق منطويا ... على جوانح مشبوب بها الضّرم (5)
يرعى كواكب ليل لا براح لها ... كان إصباحه فى الناس متّهم (6)
يزيدنى اللوم فيهم لوعة بهم ... كالنار بالريح تستشرى وتضطرم
فما تغيرنى الأقداح دائرة ... ولا تحركنى الأوتار والنّغم
__________
(1) فى الأصل تحتلم وهو تحريف.
(2) السكر: كل ما يجلب السكر.
(3) الحزن: ما غلظ من الأرض فى ارتفاع، وموضع معروف من أرض بنى أسد كانت ترعى فيه إبل الملوك. ويضرب المثل برباضه، رأد الضحى وقت ارتفاع الشمس وانبساط النور ويسمون ذلك شباب النهار، قال الطغرائى.
مجدى أخيرا، ومجدى أولا شرع: والشمس رأد الضحى الطفل.
وفى الأصل زوت تربها الرمم، وهو تحريف.
(4) إضم: جبل، والوادى الذى فيه المدينة المنورة على نبينا الصلاة والسلام.
(5) الضرم: حطب ترعاه النار.
(6) فى الأصل كان إصباحه الناس منه هم، ولعل الصواب ما أثبتناه، والمتهم:
المشكوك فيه والشاعر هنا يريد. أنه أنى بعد أوانه فلم يعطه الدهر حقه على اعم من عظمته. وهو ينظر فى هذا إلى قول المتنبى: أتى الزمان بنوء فى شبيته فسرهم وأثبتاه على الهرم(18/323)
مالى وللدهر أرضيه ويسخطنى ... واستجدّ له مجدا ويهتدم؟
تقلدتنى لياليه مولّية ... كما تقلّد نصل السيف منهزم
إن يخف عن أهل دهرى كنه منزلتى ... فالصبح عن بصر العميان منكتم
ولم يزل مرتقى الأقلام سامية ... فيه وتستسفل الهامات والقمم (1)
وقوله من أخرى.
وكأن الشقيق خد شكول ... ضرجت دما بموجب لطم
وكأن الأقاح بيض ثنايا ... جال فيها من النّدى ماء ظلم (2)
وقوله:
صل هائما بك مغرما ... أبكيت مقلته دما
دمع إذا ما قيل غا ... ض وهمّ أن يرقا همى (3)
وكفى بدمع أخى الغرا ... م عن الضمير مترجما
قد دقّ حتى ليس يد ... رك دون أنى يتوهّما
وعداه خوف عداه عن ... بثّ الغرام فجمجما
وشفاء ما يشكوه من ... ألم الهوى ذاك الّلما (4)
__________
(1) فى الأصل ويستقل الهامات. والوزن يقتضى ما أثبتناه والمعنى: أن هذا الدهر يرفع الأدنى ويستنزل الأعلى. فيعكس القيم وينقض الأوضاع السليمة.
(2) الأقحوان نبات له زهر أبيض فى وسطه كتلة صغير صفراء وأوراق زهره مفلجة صغيرة يشبهون بها الاسنان، الظلم: ماء الأسنان وبريقها.
(3) رقا: مخففة من رقأ، ورقأ الدمع والدم: سكن، وفى الحديث لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم أى أنها تعطى فى الديات فتحقن بها الدماء.
(4) اللمى سمرة فى الشفة مستحسنة. فى الأصل أن قبلت والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/324)
أسلمتنى لجوى الصبا ... بة يوم رحت مسلما
وأريتنى قدّ القضيب على الكثيب مقوّما
عيناك عاونتا علىّ وأصل ما بى منهما
بل يا أخا قيس إذا ... جئت الحطيم وزمزما
فلتبلغنّ عشيرتى ... أنى قتلت على الحمى
عرّضت قلبى للحا ... ظ ولم أخلها أسهما
وقوله:
رشأ تفعل عيناه بنا ... ضعف ما تفعل باللب المدام
أشعلت وجنته من صبغها ... حمرة فى كبدى منها ضرام (1)
ورمى قلبى فأدمى خدّه ... أتراه انعكست فيه السّهام
وقوله فى غلام مستحسن صلى إلى جنبه:
صلّى إلى جنبى من لم يزل ... يصلى به قلبى نار الجحيم
فلم يكن لى فى صلاتى سوى ... كونى فى المقعد منها المقيم (2)
وقلّما صحّت صلاة امرىء ... مبلبل البال بطرف سقيم
__________
(1) فى الأصل سالت وجنته والوزن والسياق يقتضيان ما أثبتناه.
(2) المقعد المقيم أو المقيم المقعد: الأمر الموجب للاضطراب، والمعنى أنه لم يكسب من صلاته سوى عناء القيام والقعود.(18/325)
وقوله فى غلام مرّ وسلم عليه:
أصبحت صبا مدنفا مغرما ... أشكو جوى الحب وأبكى دما (1)
هذا وقد سلم إذ مرّبى ... فكيف لو مرّ وما سلّما
وقوله:
قلت لمّا رأيت بالدرب عمرا ... تحت جحش ين كه وحريمه
وهو من دائه المبرّح قد ... قام على أربع بغير شكيمه
كيف حال الشيخ الأجل؟ فقال ال ... حال: ما حال هكذا مستقيمه
وقول فى غلام يرمى بالنشاب (2) ويلعب فى الميدان بالصولجان:
نفس فداء أبى الفوارس فارسا ... من مقلتيه سنانه وحسامه
بطل كأن بسرجه من قدّه ... غصنا بعطفيه يميل قوامه
يزهى الجواد [به] فتحسب أنّه ... ذو نشوة قد رنّحته مدامه (3)
وكأنّ عطف الصولجان بكفّه ... صدغ بدا فى الخد منه لامه (4)
وكأنما قلبى له كرة فما ... تعدوه جفوته ولا إيلامه (5)
يرمى [فما] يخطى الرّمىّ كأنما ... نجلت لواحظ مقلتيه سهامه (6)
__________
(1) فى نفح الطيب أصبحت صبا دنفا.
(2) النشاب: السهام.
(3) فى الأصل يزهى الجواد فتحسب والزيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(4) الصدغ: الشعر المتدلى بين العين والأذن، ويكون منعطفا أحيانا مثل حرف اللام أو مستديرا مثل حرف الواو.
(5) فى الأصل تعدوه جفونه وهو تحريف.
(6) فى الأصل يرمى بخطى الرمى وهو تحريف والزيادة يقتضيها المعنى والسياق.(18/326)
يا من تقول البدر يشبه وجهه ... مهما تكشف عن سناه لثامه (1)
من أين للقمر المنير ضياؤه ... وبهاؤه وكماله وتمامه؟
الله صوّره، وقدّر أنّه ... حتف المحبّ وسقمه وحمامه (2)
وقوله:
وأغيد للنّقا ما ارتجّ منه ... وللغصن التّثنىّ والقوام
تصادم وصله وهواى حتّى ... كأنّهما جفونى والمنام
وقوله فى طبيب اسمه شعبان:
يا طبيبا ضجر العا ... لم منه وتبرّم
فيك شهران من العا ... م إذا العام تصرّم
إنت شعبان ولكن ... قتلك الناس المحرّم (3)
وقوله:
غربت يدى بثلاثة عجب ... الكأس، والمضراب، والقلم
بثلاثة لم تحوهنّ يد ... إلّا يد طبعت على الكرم
هذان للأفراح إن شردت ... يوما، وذا الشوارد الحكم (4) (5)
__________
(1) فى الاصل عن سناه سهامه ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل الله صوره وقد زانه وهو تحريف.
(3) المحرم فيها تورية فمعناها عمل محرم، وشهر المحرم أول السنة الهجرية.
(4) فى الأصل لشوارد الحلم وهو تحريف.
(5) للشاعر مقطوعتان أخريان ميميتان ص 95، 100من عيون الأنباء ج 3.(18/327)
«النون»
وقوله من قصيدة:
وقفنا للنوى فهفت قلوب ... أضرّ بها الجوى، وهمت شئون (1)
يناجى بعضنا بالّلحظ بعضا ... فتعرب عن ضمائرنا العيون
فلا والله ما حفظت عهود ... كما ضمنوا ولا قضيت ديون
ولو حكم الهوى يوما بعدل ... لأنصف من يفى ممّن يخون
أمر بداركم فأغضّ طرفى ... مخافة أن يظنّ بنا الظنون (2)
ومنها:
جحاجح ما ادلهمّ الخطب إلّا ... دعوا ورجوا ونودوا واستعينوا
كأنّ على أسرّتهم شموسا ... تنير بها الحنادس والدّجون
إذا حكموا بأمر لم يميلوا ... وإن سبقوا بوعد لم يمينوا (3)
وقوله فى اعتقاله من قصيدة (4).
هموم سكنّ القلب أيسرها يضنى ... ووقد خطوب بعضها المهلك المضنى
عذيرى من دهر كأنى وترته ... بباهر فضلى فاستقاد به منى (5)
__________
(1) همت شئون: فاضت دموع.
(2) فى نفح الطيب: وأغض طرفى مخافة أن تظن.
(3) المعنى إذا حكموا لم يظلموا أو يميلوا مع الهوى وإذا وعدوا وعدا أنجزوه.
(4) سجنه الأفضل بالقاهرة حين تغير عليه أثناء مقامه بها ثم أفرج عنه ورحل إلى المغرب
(5) وترته أصبته بترة أو ما يوجب الثأر: فى الأصل يناهز فضلى والتصحيح عن المقتضب، واستقاد: اقتص.(18/328)
تعجّلنى بالشّيب قبل أوانه ... فجرّعنى الدّردىّ من أول الدّن (1)
ومنها:
ولو لم أكن حرّ الخلائق ماجدا ... لما كان دهرى ينطوى لى على ضغن
وما مرّبى كالسجن فيه ملمّة ... وشرّ من السجن المصاحب فى السجن
أظن الليالى مبقياتى لحالة ... تبدل فيها حالتى هذه عنى (2)
وإلا فما كانت لتبقى حشاشتى ... على طول ما ألقى من الذّل والغبن (3)
ومنها (4):
وكم شامت بى أن جلست ومادرى ... بأنى حسام [مرهف قرّ فى الجفن] (5)
وناظر عين غضّ منه التفاته ... إلى منظر مقذ [فعمض فى الجفن] (6)
متى صفت الدنيا لحر فأبتغى
بها صفو عيشى [أو خلوّى من الحزن] (7)
__________
(1) الدردى: الأقذار الراسبة فى أسفل إناء الزيت ونحوه وتكون كدرة الدن:
واحد الدنان وهى الأوانى الكبيرة التى يصنع فيها الخمر.
(2) فى الأصل أظن الليالى سقالى لحالة والتصحيح عن المقتضب.
(3) فى المقتضب من الضيم والغبن.
(4) هنا أبيات ثلاثة حفظها لنا صاحب المقتضب رأينا من الخير إثباتها
وقالوا: حديث السن يسمو إلى العلى ... كأن العلا وقف على كبر السن
وما ضرنى سن الحداثة والصبا ... إذا لم يضف خلقى إلى النقص والأفن
فعلم بلا دعوى، ورأى بلا هوى ... ووعد بلا خلف، ومن بلا من
(5) ورد البيت ناقص العجز فى الأصل، ولم يرد فى المقتضب، وقد أكملناه بما يناسب المقام والقافية والجفن هنا غمد السيف.
(6) فى الأصل فمغمض فى عينى، وقد صححناه بما يناسب المقام وبما يجنبنا عيب السناد فى القافية: ولعل الصواب ما أثبتناه، والجفن هنا غطاء العين.
(7) فى الأصل بها صفو عيش أو مضرب عنى، ولعلها أو نضوب الأسى عنى، وفى المقتضب بها طيب عيش أو خلوى من الحزن. وقد آثرنا تكملة العجز نقلا عن المقتضب.(18/329)
وهل هى إلا دار كل ملمة
أمضّ لإحشاء الكرام من [الطعن] (1)
وإن هى لانت مدة لك فاخشها
فإن أشد الطعن طعن [ذوى الجبن] (2)
ومن أخرى:
إلى كم أستنيم إلى الزمان ... وتخدعنى أباطيل الأمانى
ومنها:
ومضطرم الضلوع علىّ غيظا ... ألنت له قيادى فازدرانى
تسحّب فى المقال علىّ لمّا ... سكنت له سكون الأفعوان (3)
ولو أنى أساجل منه كفؤا ... بيوم الفخر أو يوم الطّعان
لكفّ لسانه عنى بليغ ... كأن لسانه العضب اليمانى
ومنها:
نجاءك من لسانى فهو أمضى ... بمعترك الجدال من السّنان
ولا تعرض لهجوى فهو باق ... على مرّ الزمان وأنت فانى
__________
(1) ورد البيت ناقصا وقد أكملنا قافيته من المقتضب ورواية المقتضب أمض لأحشاء اللبيب من الطعن.
(2) لم يرد هذا البيت فى المقتضب، وورد ناقصا فى الأصل وقد أكملنا القافية بما يناسب المقام.
(3) فى الأصل سكت له سكوته، ولعلها سكنت له سكوته. أو سكت له سكوت.(18/330)
وجرح السيف يبرأ عن قريب ... ويعني البرء من جرح اللسان (1)
ومن أخرى:
حتّام تنوح على الدّمن ... وتسائلهن عن السّكن؟
وتروح أخا شجن فيها ... باد للناس ومكتمن (2)
[ماذا يهدى] الألّاف إلى ... جفن يشكو فقد الوسن (3)
[ما أسرع] جريك منهتكا ... فى طرق اللهو بلا رسن!! (4)
[فإلام تعاقر] صافية ... تعدى الأفراح على الحزن (5)
أفناها الدهر سوى رمق ... لو لم تتداركه لفنى
يسقيك سلافتها رشأ ... خلقت عيناه من الفتن
وكأنّ بأعلاه قمرا ... فى جنح ظلام فى غصن
وكأنّ لواحظ مقلته ... نجلت أطراف ظبى الحسن (6)
__________
(1) فى الأصل ويعن البرء والوزن يقتضى ما أثبتناه والمفعول محذوف للتعميم.
(2) فى الأصل وتروح أخا سجين فما ... باد للناس ومكتمن
ولعل الصواب ما أثبتناه، الشجن: الحزن، اكتمن: اختفى، مكتمن: مختف.
(3) ورد البيت ناقص الصدر فى الأصل وقد أكملناه بما يناسب السياق.
(4) ورد البيت ناقص الصدر وقد أكملناه بما يتسق مع المبنى، الرسن: الحبل، والمقصود أنه ينطلق بلا ضابط.
(5) ورد البيت ناقص الصدر وقد أكملناه بما يناسب السياق: تعاقر: تدمن الشراب تعدى: تعين.
(6) هو الأمير الحسن بن على بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس.(18/331)
ملك هطلت كفاه لنا ... بحيا الجود الجون الهتن (1)
فى سنّ البدر وسنّته ... وسناه ومنظره الحسن
يعطيك بلا منّ، ولقد ... يحمى بالمنّ حمى المنن (2)
ندب ندس حلو شرس ... شهم فطن لين خشن (3)
لو للأيّام شمائله ... لم تجن عليك ولم تخن
ولو أنّ البحر كنائله ... لم يدن مداه على السفن (4)
ومن قوله فى غلام اسمه جوشن:
صيّرت صبرى جوشنا (5) لمّا رمت ... نحوى بأسهمها لواحظ جوشن
ولقد رميت بأسهم، لكننى ... لم ألق أقتل من سهام الأعين
وقوله:
عذبتنى بالتجنى ... يا غاية المتمنى
قسمت لحظى وقلبى ... ما بين حسن وحزن
وأىّ أعجب شىء ... يكون منك ومنى
إنى إذا جئت ذنبا ... أسومك الصفح عنى
وقوله فى جارية سوداء اسمها عزة:
يا عزّ عزّ الوجد صبرى بما ... أصبحت من حسنك تبدينه (6)
__________
(1) فى الأصل يحيا الجواد الجود الهتن الحيا: المطر، أو الخطب، الجود: جمع جائد وهو المطر الغزير الذى لا مطر فوقه، الجون: السود، الهتن. جمع هاتن وهتون وهى السحب الهاطلة:
(2) فى الأصل يعطيك ولا يمن، والوزن وقواعد اللغة تقتضى ما أثبتناه.
(3) ندس: كيس ذكى.
(4) فى الأصل لم يدن مراه ولعل الصواب، ما أثبتناه والمعنى لو كان البحر مماثلا لسخائه لا تسعت رقعته على السنن ولم تستطع بلوغ شواطئه.
(5) الجوشن: الدرع.
(6) عز الوجد صبرى: غلبه وقهره ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطََابِ}.(18/332)
ما أنت إلا لعبة ما بدت ... للمرء إلا أفسدت دينه
وقد أفدت المسك فخرا بأن ... أصبح يحكيك وتحكينه
لا شّكّ إذ لونكما واحد ... أنكا فى الأصل من طينه
وقوله فى غلام زنجى حسن الوجه سابح:
وشادن من بنى الزن ... ج ساحر المقلتين
قد حال صيّر عيني ... هـ بين صبرى وبينى (1)
أبصرته وسط نهر ... طاف على الضفتين
فقلت أسود عينى ... يعوم فى دمع عينى
وقوله فى العذار وقد لزم فيه التجنيس:
لو يعلم العاذلان ما اجترحا ... ما عذلانى جهلا ولا مانى (2)
أودعنى من هواه وسوسة ... لم يلقها خالد ولا مانى (3)
ظبى بخديه لا عد متهما ... راءان من عنبر ولا مان (4)
__________
(1) الصير: الحسن الصورة والشأن وفى الأصل صير. والوزن يقتضى ما أثبتناه، وقد تكون قد حال تحديق عينيه
(2) فى الأصل: لو يعلم العاذلان ما جرى ... إذ عذلانى جهلا ولا مانى
والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه، مان: كذب.
(3) خالد بن يزيد ويعرف بالكاتب كان أحد كتاب الجيش فى الدولة العباسية واشتهر بالرقة وحسن الشعر ثم اعتراه الجنون لفشله فى الحب وكان يركب بعيرا ويطوف به شوارع بغداد، وكان يفيق أحيانا ويصوغ الشعر الرقيق أحيانا وله شعر رقيق فى تزيين الأسواق ص 113، 114. ومانى الموسوس كان معاصرا لأبى نواس ويقول الشعر الرقيق أحيانا ويخلط أحيانا وله عدة مقطوعات رقيقة فى العقد الفريد «ج 7ص 163161».
وكلاهما كان يعيش فى أوائل الدولة العباسية.
(4) خصلات الشعر المسدلة على خديه تشبه حرف الراء وحرف اللام.(18/333)
وقوله:
قم يا غلام إلى المدام ففضّها ... وأدر زجاجتها علىّ وثنّها
حتى أعوض من دمى بسلافها ... وأعود من عدم الحراك كدنّها
وقوله فى جارية اسمها (تجنّى) قدمت شمعة:
لله هيفاء قدمتها ... هيفاء كالغصن فى التّثنّى
إشراقها والضياء منها ... وحدّها والدموع منّى
جاءت بها ساطع سناها ... يرفع سجف الظلام عنى
تلك (تجنّى) التى برتنى ... بالبثّ والصدّ والتجنى
وقوله من قصيدة:
أقصرت من كلفى بالخرّد العين ... فما الصبابة من شغلى ولا دينى (1)
ورب أكلف قد طال الثّواء به ... فى بيت أشمط من رهبان جيرون (2)
يممت ساحته بالشهب من نفر ... بيض وجوههم شم العرانين (3)
ثم انتحيت له أستام ذروته ... بمرهف الحد ماضى الغرب مسنون (4)
__________
(1) الخرد: جمع خريدة وهى البكر من المنساء أو الخفرة الحيية منهن، العين: جمع عيناء وهى حسنة العين واسعتها.
(2) فى الأصل حيرون وهو تحريف، أكلف: أسود مشرب بحمرة، الثواء. الإقامة أشمط: اختلط بياض رأسه بالسواد. والشاعر يصف هنا باطية خمر أعدها أحد الرهبان، وكان الرهبان مشتهرين بإعداد الخمر المعتقة جيرون: دمشق أو بابها الذى يقع بقرب الجامع.
(3) الشمم: ارتفاع قصبة الأنف، العرنيبن: من الأنف ما هو تحت مجتمع الحاجبين، شم العرانين: مرتفعى الأنوف كناية عن العزة والسيادة.
(4) أستام: أطلب، مأخوذة من استام المشترى البائع سلعته سأله أن يبيعها له بثمن ميسور الغرب: الحد، والشاعر يقصد أنه فتح سداد الإناء بمديته.(18/334)
فانصاب منه على كفى غبيط دم ... كأنه سرب من جوف مطعون (1)
دم من الراح مسفوك بمعركة ... يغادر الشّرب صدعى دون تجنين
أيام لهو ولذات جريت بها ... مرخى الأعنة فى تلك الميادين
استنزل البدر من أعلى منازله ... وأقنص الظبى من بين السراحين (2)
ثم ارعويت فلم أعط الهوى رسنى ... وانجاب عنى [فلم] اتبع شياطينى (3)
وقوله:
جرّد معانى الشعر إذ رمته ... كيما توقىّ الّلوم والطعنا (4)
ولا تراع اللفظ من دونها ... فاللفظ جسم روحه المعنى
وقوله فى وصف كتاب وصل إليه:
وافى كتابك قد أودعته فقرا ... شكا افتقارا إليه لفظ سحبانا (5)
نظما ونثرا تكافا الحسن بينهما ... حتى لخلتهما شكرا وإحسانا
__________
(1) انصاب الماء: تدفق الغبيط: سيل من الماء كالوادى فى السعة سرب: ماء متدفق، ويصح أن تكون كأنه سرب بفتح الراء، والسرب: الماء السائل من المزادة أو القناة يدخل منها الماء، ويمكن أن تكون عبيط دم، والعبيط: الذبيحة تنحر من غير علة.
(2) السراحين: جمع سرحان وهو الأسد أو الذئب، وفى الأمثال «وقع العشاء به على سرحان».
(3) فى الأصل وانجاب عنى اتبع شياطينى والزيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(4) فى الأصل جرد معانى الشعر. كما توفى. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) فى الأصل شكا افتقارا إليها اللفظ سحبانا ولعل الصواب ما أثبتناه، سحبان:
هو سحبان وائل: سحبان بن زفر بن إياس الوائلى من باهلة يضرب به المثل فى البيان يقال أفصح من سحبان وأخطب من سحبان، اشتهر فى الجاهلية وعاش زمنا فى الإسلام أسلم فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به وتوفى سنة 54هـ.(18/335)
ومنها:
لله أى كتاب زار مكتئبا ... منه وحرّ كلام زار حرّانا
ولم أكن حيث بستان ولا نهر ... فزار لحظى وفكرى منه بستانا (1)
أرى قوافيه أطيارا مغردة ... بألسن الحمد والأبيات أغصانا
أجل، وأقطف من ميماته زهرا ... إذا وردت من الصادات غدرانا
زهر تقيم على الأيام جدته ... وإنما توجد الأزهار أحيانا (2)
من كل لفظ كماء المزن يوسعنى ... ما شئت ريا ولا أنفكّ ظمآنا
وقوله فى ذم الدهر:
ساد صغار الناس فى عصرنا ... لا دام [من] عصر ولا كانا (3)
كالدّست مهما همّ أن ينقضى (4) ... عاد به البيدق فرزانا (5)
__________
(1) فى الأصل فزاد لحظى. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل يقيم على الأيام حدته ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل لا دام عصر ولا كانا والزيادة من عيون الأنباء.
(4) الدست كلمة فارسية بمعنى اليد ولها فى العربية معان: اللباس والرياسة والحيلة ودست الفخار، يقال المغلوب تم عليه الدست. وقد جمع الحريرى المعانى الأربعة فى قوله:
«نشدتك الله ألست الذى أعاره الدست؟ فقلت: لا والذى أجلسك فى هذا الدست!! ما أنا بصاحب الدست، بل أنت الذى تم عليه الدست» البيدق: الجندى الراجل وهو العسكرى فى قطعة الشطرنج، قال الفرزدق:
منعتك ميراث الملوك وتاجهم ... وأنت لدرعى بيدق فى البيادق
الفرزان: كلمة فارسية يعنى الملك فى لعبة الشطرنج وفى الأمثال تفرزن البيدق ويقابله فى العربية استنسر البغاث أى تطاول الصغير فادعى العظمة ومنه قول الشاعر:
يقولون ساد الأرذلون بأرضنا ... وصار لهم مال وخيل سوابق
فقلت لهم: شاخ الزمان، وإنما ... تفرزن فى أخرى الدسوت البيادق
(5) للشاعر مقطوعات نونية أخرى فى نفح الطيب ج 1ص 531ووفيات الأعيان ج 1 ص 223وعيون الأنباء ج 3ص 87.(18/336)
«الهاء»
وقوله يصف منزلا فى قصر (1):
منزل ودّت المنازل فى أع ... لى ذراها لوأنها إياه (2)
فأجل فيه لحظ عينيك تبصر ... أىّ حسن دون القصور حواه
سال فى سقفه النضار ولكن ... جمدت فى قراره الأمواه
ومنها (3):
منظر يبعث السرور، ومرأى ... يذكر المرء طيب عصر صباه
طاب ممساه للعيون، فأكد ... طيبه بالصّبوح فى مغداه (4)
وأدرها سلافة كدم الخشف ... لجفن السرور عنها انتباه (5)
__________
(1) ذكر صاحب نفح الطيب أن هذه الأبيات صاغها الشاعر فى قصر بناه بمصر حسن ابن على بن تميم بن المعز العبيدى. وساق ثلاثة عشر بيتا أولها:
منزل العز كاسمه معناه ... لا عدا العز من به سماه
وقد وهم المقرى فى موضعين: الأول أن القصر لم يكن بمصر لأن الأمير حسن بن على لم يكن فى مصر وإنما مقر حكمه وحكم أسرته فى المهدية (فى الأقليم المعروف بتونس الآن) والوهم الثانى تلقيبه الأمير حسن بن على بالعبيدى والصحيح الصنهاجى لأن العبيدى لقب الأسرة الفاطمية الحاكمة بمصر فى ذلك العصر.
(2) فى الأصل دوت المنازل فى ذراها والزيادة عن نفح الطيب وفى نفح الطيب فى أعلى ذراه لو صيرت إياه.
(3) أورد صاحب النفح هنا ثمانية أبيات من القصيدة تعد من عيون الشعر ج 1 ص 325.
(4) الصبوح: شراب الصباح.
(5) الخشف: ولد الظبى أول ما يولد.(18/337)
من يدى كل فاتن اللحظ عينا ... هـ على فعل كاسه عبداه (1)
ريم قفر بل ريم قصر شغاف ال ... قلب مأواه، والحشى مرعاه (2)
قوبل الحسن فيه فاختصرت خص ... راه عمدا، وذرّفت عيناه (3)
وقوله:
أسلفتنى الغرام سالفتاه ... وأطارت عنى الكرى طرّتاه (4)
وأعانت وجدى على الصبر عينا ... هـ، فويحى مما جنت عيناه
رشأ: ورده المدامع، والأض ... لع مأواه، والحشى مرعاه (5)
لم يعدنى بالوصل يوما فأخشى ... بتمادى الصدود أن ينساه (6)
وقوله فى وصف فرس:
وخير ذخائر الأملاك طرف ... يروق الطّرف حين يجول فيه (7)
ترى ما بينه والخيل طرا ... كما بين الرّويّة والبديه
وقوله فى أمرد التحى فقبح:
قد صوّحت نرجستا مقلتيه ... واصفر ذاك الورد من وجنتيه (8)
__________
(1) فى الأصل عيناه على مقل كاسه عنداه وهو تحريف، والعبد هنا بمعنى النصل القصير العريض.
(2) الرئم: الظى الخالص البياض.
(3) فى الأصل وأذرفت عيناه، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) السالفة: ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى الترقوة الطرة: الناصية.
(5) الرشأ: ولد الظبية الذى تحرك ومشى مع أمه.
(6) فى الأصل يتمادى الصدود وهو تحريف.
(7) الطرف: الكريم من الخيل.
(8) فى الأصل نرجسا مقلتية والوزن يقتصى ما أثبتناه.(18/338)
وكان قيد اللحظ فى حسنه ... فصار لا يومى بلحظ إليه
قد مسخت صورته لحية ... أفرغ منها كلّ ذلّ عليه
كأنما رقّت لعشّاقه ... فاسترجعت أرواحهم من يديه
وقوله:
قامت تدير المدام كفّاها ... شمس ينير الدجى محياها
إن أقبلت فالقضيب قامتها ... أو أدبرت فالكثيب ردفاها
للمسك ما فاح من مراشفها ... والبرق ما لاح من ثناياها
غزالة أخجلت سميتها ... فلم تشبه بها وحاشاها (1)
هبك لها حسنها وبهجتها ... فهل لها خدها وعيناها (2)
وله يذم كاغدا:
كاغدنا يشبه حالاتنا ... فى كلّ معنى ويحاكيها
خسّ فللخطّ به صورة ... لا شىء فى القبح يداينها (3)
لو كان خلقا كان مستشنعا ... أو كان خلقا كان تشويها (4)
يعثر الأقلام حتى ترى ... مغلولة الحد مواضيها (5)
__________
(1) فى عيون الأنباء:
غزالة أخملت سميتها ... فلم تشبه بها وشاحاها
(2) فى عيون الأنباء: فهل لها.
(3) فى نوادر المخطوطات جنس للخط.
(4) فى نوادر المخطوطات كان مستبشعا، وفى الأصل أو خلقا كان تشويها والتصحيح عن نوادر المخطوطات.
(5) فى نوادر المخطوطات: مغلولة فيه موضبها ونلاحظ أن هناك أبيات زائدة فى نوادر المخطوطات. اختلاف فى الترتيب.(18/339)
يتركها تشبه أعجازها ... فى عدم البرى هواديها (1)
من بعد ما ضاها بأطرافها ... أطراف سمر الخط باريها (2)
ومنها (3):
[يقول] من أبصر أطباقها ... شلّت يد باتت تعبيها (4)
قد عبث السوس بأوساطها (6) ... وقرض الفأر حواشيها (5)
__________
(1) الهوادى جمع هادية وهى العنق أو مقدمة الشىء. والمعنى تشبه مقدماتها مؤخراتها أى أن الأقلام تتعثر فى الورق فيتشابه أطرافها برءوسها.
(2) ضاهى: شابه والمعنى كانت أطرافها دقيقة حددها من يراها حتى أصبحت أطرافها أشبه بأسنة الرماح ولكن الورق الردىء ثلم أطرافها.
(3) هناك أبيات أخرى من هذه المخطوطة فى نوادر المخطوطات.
(4) تعبيها: تعبئها أى تهيئها وتعدها أو تصنعها وتخلطها.
(5) قرضه: قطعه.
(6) للشاعر مقطوعة هائية أخرى وردت فى عيون الأنباء ص 99.(18/340)
«الياء»
وقوله:
عزفت عن التشاغل بالملاهى ... وحثّ الكأس والطاس الروّية (1)
فما لى رغبة فى غير علم ... تعين بديهتى فيه الروية (2)
__________
(1) الطاس: إناء للشراب.
(2) فى الأصل تعبر بديهتى ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/341)
ومن مراثيه قوله فى مرثية:
أم على بن يحيى
تضايقنا الدنيا ونحن لها نهب ... وتوسعنا حربا ونحن لها حرب (1)
وما وهبت إلا استردّت هباتها ... وجدوى الليالى إن تحقّقتها سلب (2)
تؤمّل أن يصفو بها العيش ضلّة ... وهيهات أن يصفو لساكنها شرب (3)
إذا سقبت دار بأهل مودّة ... رغا بتنائى الدّار بينهم سقب (4)
ألا إن أيام الحياة بأسرها ... مراحل نطويها ونحن بها ركب
ومنها:
وما أنشبت كفّ المنية ظفرها ... فينجو طبيب من شباها ولا طبّ (5)
ولا وألت من صيدها ذات مخلب ... به كل حين من فرائسها خلب (6)
ولا حيدر ذو لبدتين غضنفر ... له من قلوب الأرض فى صدره قلب (7)
__________
(1) فى الأصل ونحن له حرب والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(2) الجدوى: العطاء.
(3) الشرب: الورد جمعه أشراب.
(4) فى الأصل إذا صفيت دار.؟ وهو تحريف سقبت الدار: قربت، رغا: صوت، السقب: ولد الناقة.
(5) الطب: الحاذق الماهر فى عمله أو العالم بالطب، وفى الأصل فينجى طبيب
وهو تحريف.
(6) وأل: نجا وخلص، الخلب: حجاب الكبد أو غلاف البطن.
(7) الحيدر والحيدرة: الأسد، اللبدة: شعر رقبة الأسد وفى الأمثال هو أمنع من لبدة الأسد قلوب الأرض: حياتها البيضاء.(18/342)
ومنها:
ولم أر يوما مثل يوم شهدته
وقد غاب حسن الصبر واستحوذ الكرب (1)
ومأتم شكوى وانتحاب تشابهت ... دموع البواكى فيه واللؤلؤ الرّطب
فلا قلب إلّا وهو دام مفجّع ... ولا دمع إلّا وهو منهمل سكب
وقد كسفت شمس العلى وتضاءلت ... لها الشمس حتى كاد مصباحها يخبو
ومنها:
مشت حولها الصّيد الكرام كرامة ... إلى أن تلقّتها الملائك والرب (2)
ومنها:
فإن لا تكن شمس النهار التى وهت ... وهيل عليها التّرب فهى لها ترب
لها كنف من رحمة الله واسع ... ومنزل صدق عند فردوسه رحب
وقوله من قصيدة فى مرثية نمى بن زياد:
أتدرى من بكته الباكيات ... ومن فجعت بمصرعه النّعاة
ألا فجعت بأبلج من هلال ... عليه لكل معلوة سمات (3)
__________
(1) فى الأصل واستحوذ الركب ولعل الصواب ما أثبتناه، واستحوذ: استولى.
(2) الصيد: جمع أصيد، وهو الأسد، أو الملك الذى لا يلتفت من زهوه يمينا ولا شمالا، أو الرافع رأسه كبرا، وفى الأصل إلى أن قلقتها وهو تحريف.
(3) المعلوات: جمع معلوة وهى كسب الشرف، السمات: جمع سمة وهى العلامة وفى الأصل من هلل سماء وهو تحريف.(18/343)
ضمين أن تكاد به الأعادى ... علىّ أن تنال به التّراث (1)
نمى فى دوحتى شرف وعز ... تزينه العلى والمكرمات
بحيث تكنّه السّمر العوالى ... وتكنفه الجياد الصّافنات
فلا برحت جفون المزن تهمى ... عليه دموعهنّ السافحات
غوادى كل حين رائحات ... إذا ونت الغوادى الرائحات
تزجيّها الجنائب موقّرات ... كما مشت العشار المثقلات (2)
ومنها:
فلا تنفكّ ترقى التّرب منها ... رياض بالشقائق مذهبات (3)
ومنها:
رمته يد الحمام فأقصدته ... ولم تغن العوائد والاساة (4)
ولو غير الحمام بغى نميا ... لفلّ شباة أسرته السّراة (5)
__________
(1) الترات: جمع ترة وهى الثأر.
(2) تزجيها: تدفعها يرفق، الجنائب: جمع جنوب وهى الريح التى تهب من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا قال الأصمعى إذا جاءت الجنوب جاء معها خير وتلقيح، موقرات. حاملات المطر من أوقر الدابة: حملها العشار: جمع عشراء وهى الناقة التى مضى لحملها عشرة أشهر وقيل العشار اسم يطلق على النوق حتى ينتج بعضها وبعضها ينتظر نتاجها.
(3) ترقى: تصعد، وربما كانت ترفو بمعنى تصلح. الشقائق: أزهار تنسب إلى النعمان فيقال شقائق النعمان وهى حمراء مبقعة بنقط سوداء كبيرة.
(4) أقصد السهم: أصاب فأردى.
(5) السراة: جمع أو اسم جمع لسرى وهو الكريم ذو المروءة أو السيد الشريف الكريم.(18/344)
وهبّ لآل ريّاد أسود ... براثنها السيوف المرهفات
إذا وقع الصريخ نحاه منهم ... ثبات من سجّيتها الثّبات (1)
وأحسن ما تلاقيهم وجوها ... إذا كلمت من الطعن الكماة (2)
وأسمح ما توافيهم أكفا ... إذا ذهبت بوفرهم الهبات (3)
وخير ذخائر الدنيا لديهم ... جواد أو حسام أو قناة
وسابغة الذيول كما تغشت ... ذيول الريح صافية أضاة (4)
فما عبثت بلبّهم الحميّا ... ولا شربت عقولهم السّقاة
هذا البيت يتشربه العقل السليم ويشرئب إلى حماه الخاطر المستقيم:
ولا حضروا لأنّ العزّ شىء ... تضمّنه البداوة والفلاة (5)
لهم همم بعيدات المرامى ... وأيد بالمواهب دانيات
جروا وجرى الكرام ليدركوهم ... فخلّوهم وراءهم وفاتوا
محوت بهم ذنوب الدهر عندى ... وبالحسنات تمحى السّيّئات
عليهم عمدتى إن راب دهر ... وهم ثقتى إذا خان الثّقات
__________
(1) الثبات جمع ثبة وهى الجماعة من الناس والعصبة من الفرسان، الصريخ:
المستصرخ، نحاه: قصده.
(2) كلمت من الكلوم وهى الجراح. الكماة: الشجعان المستعدون بكامل أسلحتهم.
(3) المعنى: أنهم أجود ما بكونون فى حالة قلة مواردهم. وهى الحالة التى يبخل فيها الأسخياء.
(4) الشاعر يصف الدرع، الأضاة: الغدير.
(5) حضروا: أقاموا بالحضر: والشاعر هنا يرى أن العزة والأنفة من سجايا البدو وأن الحضارة مدعاة للاستكانة والهوان والفلاة: الصحراء تضمن: تتضمنه وتحتويه.(18/345)
وقوله فى صديق له:
فجعتنى يد المنون بخلّ ... ثابت الود صادق الإخلاص
غائص الفكر فى بحور علوم ... كل بحر منها بعيد المغاص
فجعتنى فيه صروف الليالى ... بالحلال الحلو اللباب المصاص (1)
وترتنى فيه وما لقتيل ... صرعته يد الردى من قصاص
حادث أرخص الدموع الغوالى ... وكعهدى بهنّ غير رخاص
فلئن فاتنى فللدهر خلفى ... مستحثّ يجد فى إشخاصى (2)
أيها المبتغى مناصا من المو ... ت رويدا فلات حين مناص (3)
قهر الموت كلّ عز وأوهى ... كلّ حرز وفضّ كلّ دلاص (4)
لو حللنا على الذرى فى الصياصى ... ما طمعنا من الردى بخلاص (5)
وقوله فى شريف قتل:
حق للجفن أن يصوب نجيعا ... لنعىّ برح أصمّ السميما (6)
__________
(1) الحلال الحلو: الرجل الذى فوق مستوى الريبة قال الشاعر:
إذا كان أولاد الرجال حزازة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
وقال ابن زيدون فى رثاء أبى بكر بن ذكوان:
يا قبره العطر الثرى. لا يبعدن ... حلو من الفتيان فيك حلال
اللباب: الخالص النقى: المصاص: الخالص من كل شىء أو سره ومنبعه يقال فلان مصاص قومه إذا كان أخلصهم نسبا كما يقال فلان كريم المصاص أى كريم الأصل.
(2) أشخص فلانا من المكان أزعجه وأقلقه ليصرفه عنه، وأشخص فلان: حان سيره وذهابه.
(3) المناص: الملجأ، لات حين مناص، لم يعد هناك مجال للنجاة.
(4) الدلاص: الدرع اللينة البراقة.
(5) الصياصى: الحصون.
(6) البرح: الشدة أو الشر يقال لقيت منه برحا بارحا أى شدة وأذى النغى:
النعى أو الناعى أو المنعى، يصوب: ينصب، النجيع من الدم: ما كان يضرب للسواد.(18/346)
جلّ رزء الشريف عن أن نشقّ ال ... جيب فيه، وأن نريق الدموعا (1)
ندس إن طرقت منزله الرّح ... ب ووافيت بابه المشروعا (2)
لم تجد بشر وجهه عنك محجو ... با، ولا سيب كفه ممنوعا (3)
عاد شمل العلى شتاتا وقد كا ... ن به آهل المحل جميعا
[فتأمّل بعينك] الأرض هل تب ... صر إلّا مرزءا مفجوعا (4)
أين من كان للعداة سموما ... أين من كان للعفاة ربيعا (5)
من يد الثغور بعدك يا سيّ ... د فهر أم من يقود الجميعا
من يعول الفقير من ينعش العا ... ثر؟ من يؤنس المخوف المروعا
أيها البدر قد أطلت غروبا ... عن جفونى فهل تطيق طلوعا؟
أيها الغيث إن روض الأمانى ... آض يبسا فهل تطيق هموعا (6)
ما ظننا بأن [هوى] قبلك ال ... مجد قتيلا ولا السماح صريعا (7)
__________
(1) فى الأصل أن يشق الجيب يريق الدموعا.
(2) ندس وندس بكسر النون: الذكى الكيس.
(3) السيب: العطاء.
(4) فى الأصل «فأجل عينيك فى الأرض» وبه يختل الوزن، لأن القصيدة من بحر الخفيف.
(فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ... فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن)
والأصل على وزن فاعلن مستفعلن.
ولا نعتقد أن الشاعر يقع فى مثل هذا الخطأ وإنما نعتقد أنه تحريف من الناسخ ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) فى الأصل سماما ولعل الصواب ما أثبتناه، والسموم الريح الشديدة الحرارة النافذة فى المسام.
(6) آض يئيض: رجع وعاد، الهموع: المطر أو نزوله.
(7) فى الأصل ما ظننا بأن قبلك والزيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/347)
وقوله يرثى والدته، وتوفيت فجأة، وكان بعض المنجمين قد حكم بذلك فى مولدها، واتفقت الإصابة، من قصيدة طويلة:
منها:
مدامع عينى استبدلى الدمع بالدم ... ولا تسأمى أن يستهلّ وتسجمى (1)
لحق بأن يبكى دما جفن مقلتى ... لأوجب من فارقت حقا وألزم
أخلّاء صدق بدّد الدهر شملهم ... فعاد سحيلا منهم كل مبرم (2)
طوت منهم الأجداث أوجه أوجه ... وأيمن أيمان وأعظم أعظم
فقد كثرت فى كل أرض قبورهم ... ككثرة أشجانى ولهفى عليهم
وما تلك لو تدرى قبور أحبّة ... ولكنها حقا مساقط أنجم
رزئت بأحفى الناس [بى] وأبرهم ... وأكبر بفقد الأم رزءا وأعظم (3)
فأصبح درّ الشعر فيك منظّما ... وأصبح در الدمع غير منظّم
تصرّم أيامى، وأمّا تلهّفى ... فباق على الأيام لم يتصرّم (4)
كأن جفونى يوم أودعتك الثّرى ... نضحن على جيب القميص بعندم (5)
يهيج لى الأحزان كل فلا أرى ... سوى موجع لى بادّ كارك مؤلم
أنوح لتغريد الحمائم بالضحى ... وأبكى للمع البارق المتبسم
__________
(1) يستهل: يشتد انصبابه، سجم الدمع: سال وفى الأصل أن يستهل ويستجمى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) السحيل: الخيط غير المفتول، والمبرم المفتول من الحبال.
(3) فى الأصل رزئيك أحفى الناس وأبرهم والوزن والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(4) تصرم: تتصرم بمعنى تنقضى.
(5) العندم: مادة حمراء اللون ولعل هى التى نسميها الآن بدم الأخوين.(18/348)
وأرسل طرفا لا يراك فأنطوى ... على كبد حرّى، وقلب مكلم
وما أشتكى فقد الصباح لأننى ... لفقدك فى ليل مدى الدهر مظلم (1)
تطول ليالى العاشقين وإنما ... يطول عليك الليل ما لم تهوّم (2)
وما ليل من وارى التراب حبيبه ... بأقصر من ليل المحب المتيّم
فكم بين راج للإياب وآيس
وأين (جميل) فى الأسى من (متمّم) (3)
ومنها:
ولم يبق فى الباقين حافظ خلّة ... فعش واحدا ما عشت تنج وتسلم (4)
فلست ترى إلّا صديقا لموسر ... حسودا لمجدود عدوا لمعدم (5)
وكنت إذا استبدلت خلا بغيره ... كمستبدل [سرحان] قفر بأرقم (6)
__________
(1) المعنى إننى لا أشكو فقد الصباح فقد تساوى عندى النهار والليل بعدك وأصبح يومى كله ظلاما فى ظلام.
(2) هوم هز رأسه لفرط النعاس قال الفرزدق يصف صيادا:
عارى الأشاجع مشفوه أخو قنص ... ما تطعم العين نوما غير تهويم
(3) فى الأصل «من متيم» وهو تحريف، جميل بثينة هو جميل بن عبد الله بن معمر العذرى من شعراء العرب وعشاقهم العذربين، تعلق بحب بثينة وصاغ فيها شعرا يذوب وجدا ورقة وتوفى دون أن يظفر بها سنة 82هـ متمم بن نويرة اليربوعى التميمى أبو نهشل شاعر فحل من أشراف قومه ويعد من الصحابة وقضى الشطر الأخير من حياته ينوح على أخيه مالك ويقول فيه الشعر الموجع الحزين. والمعنى إن جميلا مع شدة وجده كان يرجو الظفر بحبيبته أما متمم فإنه لا يرجو عودة أخيه بعد مصرعه.
(4) الخلة: الصداقة.
(5) المجدود: الموفق صاحب الحظ العظيم وعكسه المحدود بمعنى المحروم، والمعدم: الفقير.
(6) فى الأصل كمستبدل ذئب قفر بأرقم. وبه يختل الوزن، ولعل الصواب ما أثبتناه، والسرحان: الذئب أو الأسد والباء هنا داخلة على المتروك والمعنى إننى حينما استبدل صديقا بصديق أكون مثل من يفر من الأفعى ليقع بين براثن الذئب أو الأسد.(18/349)
فجانبهم ما اسطعت، واقبل نصيحتى ... ومن لم يطع يوما أخا النصح يندم (1)
فإن لم يكن بد من الناس فالقهم ... ببشر وصن عنهم حديثك واكتم
فمن يلقهم بالبشر يحمد بفعله ... ومن يلقهم بالكبر يعتب ويذمم
(ومن لم يصانع فى أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم) (2)
وحين وفاة أميّة بن أبى الصلت، أهدى إلى سيدنا القاضى الفاضل حديقة أبى الصلت وقرأت فى آخرها مكتوبا: توفى الشيخ الأجل أمية بن أبى الصلت يوم الاثنين الثانى عشر من محرم سنة ست وأربعين وخمسمائة (3)، وكان آخر ما سمع منه:
سكنتك يا دار الفناء مصدقا ... بأنى إلى دار البقاء أصير
__________
(1) فى الأصل (ما استطعت) وبه يختل الوزن، واستطاع واسطاع بمعنى، حذفت التاء استثقالا لاجتماعها مع الطاء.
(2) البيت مقتبس من معلقة زهير بن أبى سلمى.
(3) صحح ابن خلكان هذا التاريخ وحقق أن الشاعر ولد فى دانية بالأندلس سنة 460هـ وقدم الاسكندرية مع أمه فى عيد الأضحى سنة 489، ونفاه الأفضل شاهنشاه من مصر سنة 505وغادر الإسكندرية سنة 506حيث نزل بالمهدية ونزل من صاحبها على بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس منزلة جليلة وولد له بها ابنه عبد العزيز، وتوفى الشاعر يوم الاثنين فى مستهل سنة 529أما الذى توفى سنة 546فهو ابنه عبد العزيز ويقول ياقوت إنه حظى عند المرتضى أبى طاهر يحيى بن تميم بن المعز كما يقرر هذا ابن الأبار ولا يعارض بين النصين لأن الشاعر وصل إلى المهدية قبل وفاة يحيى بن تميم الذى توفى سنة 509هـ حيث بقى فى ظله أكثر من عامين والشاعر قام بالمهدية حيث كان على بن يحيى ينوب عن أبيه فى حكمها قبل وفاته ولما توفى والده، ولى الأمر من بعده ثم توفى سنة 515 وولى ابنه الحسن الأمر بعده وظل قائما بالحكم حتى فر من مقر حكمه أمام هجوم ردجار حاكم صقلية سنة 543والتجأ إلى حماية عبد المؤمن بن على. وإن كان ابن عذارى يقول إن أبا الصلت توفى سنة 536هـ وإن كان لم يذكر بقية اسمه. ولعله رجل آخر. «البيان المغرب ج 1ص 450».(18/350)
وأعظم ما فى الأمر أنّى صائر ... إلى عادل فى الحكم ليس يجور
فيا ليت شعرى كيف ألقاه بعدها ... وزادى قليل والذنوب كثير
فإن أك مجزيا بذنبى فإننى ... بحر عذاب المذنبين جدير
وإن يك عفو ثمّ عنّى ورحمة ... فثم نعيم دائم وسرور
وقال لعبد العزيز ولده:
عبد العزيز: خليفتى ... ربّ السماء عليك بعدى
أنا قد عهدت إليك ما ... تدريه فاحفظ فيه عهدى
ولئن عملت به فإنّ ... ك لا تزال حليف رشد
ولئن بكيت فقد ضلل ... ت، وقد نصحتك حسب جهدى
وقرأت فى موضع آخر أنه توفى فى المحرم سنة تسع وعشرين.(18/351)
جماعة من الفضلاء
كانت بينهم وبين الحكيم أبى الصلت مكاتبات منظومة ومنثورة، ولم أثبت من شعرهم شيئا فأننى لم أصادفه.(18/352)
الجزء الثامن عشر
تتمة القسم الرابع: شعراء المغرب والأندلس
باب فى ذكر محاسن شعراء قلائد العقيان(18/353)
«أبو الضوء سراج بن أحمد بن رجا الكاتب»
قرأت من ديوان أبى الصلت ما كتبه إلى سراج الكاتب، فمن جملة ما قرأت فيه ما يقول فيه أبو الصلت من قصيدة طويلة جوابا عن أبيات، قوله وهو يدل على فضله ونبله:
حلفت بها أنضاء كلّ تنوفة ... إذا قطعت شهبا أتيح لها حزم (1)
تزور لوفد الله أكرم بقعة ... وأفضل ما تنحو الركاب وما يمّوا (2)
لقد نال فى رفق أبو الضوء رتبة ... يقصر عن غاياتها العرب والعجم (3)
فتى خصّنى منه على الشحط والنوى ... بعهد وفاء ما لعروته فصم
تناهى لديه العلم والحلم والحجى ... وكمّل فيه الظّرف والنبل والفهم
رقيق حواشى الطبع رقّ حواشيا ... لأن عدّ من أبنائه الزمن العدم (4)
إذا هدم الناس المعالى شادها ... ولن يستوى البانى ومن شأنه الهدم
__________
(1) فى الأصل أيضا كل تنوفة، ولعل الصواب ما أثبتناه أنضاء: جمع نضو وهو المهزول من الإبل وغيرها، التنوفة: الفلاة التى لا ماء بها ولا أنيس، الشهب: الجبل المكلل بالثلوج، الحزم: المرتفع من الأرض أو ما غلظ منها وخشن وكثرت حجارته، والشاعر هنا يقسم بالقوافل الميممة الحجاز وقد كدها السفر وما تعانى من وعورة الطريق.
(2) فى الأصل: «ما تنحو الركاب وما تم» وهو تحريف ويم مبدلة من أم قال الشاعر:
فلم أنكل، ولم أجبر، ولكن ... يممت بها أبا صخر بن عمرو
والمعنى إن مشاعر الحج أفضل ما يذهب إليه الوفود وتؤمه.
(3) فى الأصل: لقد قال وهو تحريف.
(4) العدم: الفقدان وغلب على المال، وقد أخذ المصدر معنى الصفة.(18/353)
وإن أخّر الأقوام نقص تقدمت ... به رتبة تعنو لها الرتب الشّمّ
له قلم ماضى الشباة كأنما ... يمجّ به فى طرسه الأرقم السّم (1)
كفيل بصرف الدهر يصرف كيده ... وقد عزّ من حد الحسام له حسم (2)
شدوت بذكراه فمصغ وقائل ... أخو كرم حيّاه بابنته الكرم
أبا الضوء وافانى كتابك يزدهى ... به النّثر من تلك البلاغة والنظم
كتاب لو استدعى به العصم قانص ... لما استعصمت من أن تخرّله العصم (3)
ولما فضضت الختم عنه تضوّعت ... لطيمة سفر فضّ عن مسكها الختم (4)
وسرّحت طرفى فى رياض محاسن ... وشاها الحيا المنهلّ بل علمك الجمّ (5)
فدم وابق واسلم واستطل عزة وصل ... وسد وارق واغنم واستزد رفعة وانم (6)
فلن يتنافى اثنان رأيك والنّهى ... ولن يتلاقى اثنان فعلك والذّم
__________
(1) الشباة والشبا: الحد وترتيب الكلام فى البيت كأنما السم يمج به الثعبان الأرقم فى صحيفة الكاتب.
(2) فى الأصل وقد عزق وهو تحريف.
(3) العصم: الظباء أو الوعول التى فى ذراعيها أو فى أحدهما بياض وسائرها أسود وأحمر. وهى تسكن قلل الجبال ومن الصعب اصطيادها.
(4) اللطيمة: المسك، وقيل هى القافلة التى تحمله أو الثياب التى امتزجت به حتى أصبحت طيبة الرائحة دائما.
(5) وشى: زين وحسن.
(6) حشد الشاعر فى هذا البيت عشرة أفعال، وقد أولع الشعراء بهذا النهج تقليدا للمتنبى الذى جمع فى بيته أربعة عشر فعلا حيث يقول:
أئل. أنل، أقطع أحمل، عل، سل، أعد ... زد، هش، بش، تفضل، أدن، سر، صل
وقول ابن زيدون من قصيدة فى استعطاف ابن جهور:
أجر، أعد، آمن، أحسن، ابدأ، عد، أكف، حط ... تحف، ابسط، استألف، صن، احم، اصطنع، أعل
وقد بالغ الشعراء حتى أسلموا أنفسهم إلى التكلف المقيت: وإن كان أبو الصلت لم يصل إلى هذه الغاية المرذولة.(18/354)
ولأبى الصلت أيضا فيه من قصيدة جوابا:
إيه أبا الضوء هل يقضى اللقاء لنا ... وبيننا لجج والموج يلتطم
وافى كتابك مختوما على درر ... يروق منتثر منها ومنتظم
طرس غدا الغيث بالتقصير معترفا ... عما وشاه به من روضه القلم
قد أودع الزهر إلا أنه فقر ... والأنجم الزّهر إلّا أنها كلم
ولأبى الصلت أيضا فى أبى الضوء فى صدر كتاب جوابا عن أبيات:
أزهر الرّبا برضاب الغوادى؟ ... أم الحلى فوق نحور الغوانى؟ (1)
أم الإلف زار بلا موعد ... فأبرأنى منه ما قد برانى
وغيض دمعى وكم قد طفقن ... وعيناى عينان نضّاختان (2)
أم الطّرس أعمل فيه اليراع ... وأودع أحسن رقم البنان (3)
فذم لمرآه وشى الصّناع ... وبيع له الدّرّ بيع الهوان
وما خلت أن برود الكلام ... تقدّر حسب قدود المعانى
ولم أدر أن بنات العقو ... ل تفعل فعل بنات الدنان
وما السحر سحر مراض الجفون ... ولكنّما السحر سحر البيان (4)
__________
(1) فى الأصل برضوب الغوادى، وهو تحريف: الرضاب: الريق المرشوف، أو فتات المسك، وقطع الثلج، والسكر، والبرد، ولعاب النحل، ورغوة العسل، وما تقطع من الندى على الشجر. الغوادى: جمع غادية وهى السحابة التى تنشأ غدوة أو مطرة الغداة.
(2) عين نضاخة: فوارة غزيرة، يشير إلى قوله تعالى: {فِيهِمََا عَيْنََانِ نَضََّاخَتََانِ}.
(3) الرقم: ضرب مخطط من الوشى.
(4) فى الأصل ولكن السحر سحر البيان وبه يختل الوزن، فالقصيدة من بحر المتقارب: ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/355)
* باب * في ذكر محاسن شعراء قلائد العقيان تصنيف أبي نصر الفتح ابن خاقان (القيسي الأندلسي) (1) بالأندلس والمغرب طالعت كتاب قلائد العقيان في محاسن الأعيان بعد إيراد الذين ذكرتهم من الشعراء، فوجدته مشتملا على ذكر طائفة من أهل [هذا] (2) العصر الفضلاء، شذوا عن الاثبات، وقد بذوا الغايات، فأوردتهم في هذا المجموع، ليشرقوا في آفاقه إشراق السعود في الطلوع، ولو نقلت كلام مصنف الكتاب المذكور لكان أشرح للصدور، وأوقع في نفوس الجمهور، فإنه كاللؤلؤ المنثور، والفرائد المستخرجة من البحور، والقلائد المتبلجة على النحور، لكنني أجريت جواد خاطري في جواد الخطر، وأنضيت ضامر ضميري في مضمار الفكر، المضيئة الفطن بأضواء الفطر، فاستغنيت بعسلي الشافي، عن سكر غيري الكافي، ونسجت على منواله، وما عرجت على نواله، فالحكاية له واللفظ لي، وتركت له عمله ولي عملي، فمن سبق ذكره وورد شعره وألفيت له فائدة زائدة، بحسنها للألباب صائدة، وللأداب شائدة، ولأعطاف الاستحسان مائدة، ولأضياف الامتحان مائدة، رددت سمطه إلى عقده، وأوردت شرطه في عقده، ومن استفدت من هذا الكتاب اسمه ونظمه افردته في هذا الموضع، ونوهت بذكره في هذا المجمع (3) ونبهت على نوره في هذا المطلع، فمنهم:
__________
(1) سقط ما بين القوسين من ق.
(2) [من (ت)].
(3) [في الأصل: المجموع، وما أثبتناه من (ت)].(18/355)
98* المتوكل أبو محمد عمر بن المظفر *
كان قبل سنة خمسمائة (1) أورده (2) في الملوك بعد المعتمد وابنه الراضي (3)، وأثنى على عزمه الماضي، وحزمه القاضي، ووصفه بسوق الجنود، وخفق البنود، وسبق الملوك في البأس والجود، واعتمار الآمال إلى كعبته، وائتمار الليالي والأيام لإمرته، وحلاوة جنى جنابه، ورحب ساحته، وطلاوة لهجته، وحلاوة بهجته، وعذب فصاحته، وسياسته في نهيه وأمره، وسلاسته في نظمه ونثره، وصفاء أيامه، ومضاء أحكامه، ونمو مكارمه، وسمو دعائمه، حتى رمته مصيبات (4) الأيام، بمصيبات السهام، وعدّا عليه الدهر العادي، ووقع في الاسر (5) حيث لا فادي، ونقل هو وابناه، إلى حيث أمرت المنون جنى مناه، قد ألحفوا أرداء الردى، وعطل منهم نادي الندى، وأنزلوا من الثريا إلى الثرى، وصاروا عبرة لمن يرى، واحل ذمام ذمائهم، وطلّ حرام دمائهم، وطلوا بنجيع طلاهم، وعلّوا بكأس البؤس بعد رفيع علاهم، وحليت ترائبهم بالترب عاطلين من حلاهم، وخليت مطالبهم من النجح لما عراهم، من جور الزمان وعلاهم، وقتل ولداه بين يديه صبرا، وقام ليصلي فبادروه (6) وكشفوا منه بدرا، وصار لأشلائهم بطن النسر قبرا، ولم يقبل كسرهم (بعدها) (7) جبرا. وهذه عادة الأيام، غمة مصيبتها بالغم صائبة الغمام، وحمى حماتها المصون مبتذل بيد الحمام.
__________
(1) في النسختين: بعد سنة وقد قتل المتوكل سنة 488.
(2) انظر القلا ص 37.
(3) ترجم الفتح للراضي في القلا ص 35.
(4) [في (ت): مصيبات].
(5) في ق: الكسر.
(6) [كلمة: فبادروه، ساقطة من (ت)].
(7) ما بين القوسين ساقط من ق.(18/356)
وأين الخدود من الجلنار ... وأين الثّغور من الأقحوان (1)
كتاب نفيت اكتئابى به ... ونلت الأمانى بظل الأمان
أتى من بعيد مرامى الضّمي ... ر والفكر مرهف غرب اللسان (2)
زرى فى الترسل بابن العميد ... كما قد شأى فى القريض ابن هانى (3)
فقرّب من فرحى كلّ ناء ... وأبعد من ترحى كلّ دان
صفىّ نأى ودنا ذكره ... فناب السماع مناب العيان
ومهما تصافت قلوب الرجال ... فحال تباعدها كالتدانى (4)
ولكن على ذاك قرب المزا ... ر أشهى وأحلى جنى فى الجنان (5)
أبا الضوء سدت فبات الحسود ... يراك بحيث يرى الفرقدان (6)
فجادك عارض صوب الغمام ... وجازك عارض صرف الزمان
هذا الفاضل لم يقع إلى من شعره شىء لكننى أحببت ذكره بإثبات
__________
(1) الجلنار زهر الرمان، الأقحوان: من نبات الربيع له نور أبيض وفى وسطه كتلة صغيرة صفراء وأوراق زهره مفلجة صغيرة يشبهون بها الأسنان.
(2) يصف الكاتب بأنه عميق التفكير مرهف اللسان.
(3) زرى: أعاب شأى: سبق، ابن هانى إما الحسن بن هانىء المشهور بأبى نواس أو ابن هانىء الأندلسى. وفى الأصل. «كما شأنى فى القريض ابن هانى» وبه يختل الوزن.
(4) يريد أنه إذا تقاربت القلوب قلا تضر مباعدة الأجسام لأن قربها وبعدها على حد سواء
(5) فى الأصل وأشهى وأحلى ولعل الصواب ما أثبتناه. الجنى: الثمر، الجنان: القلب.
(6) فى الأصل سدت بنات الحسود وهو تحريف.(18/356)
فمن شعره ما كتبه إلى يحيى المنصور أخيه (1) وقد بلغه أنه ذكر بسوء في ناديه (2):
فما بالهم لا أنعم الله بالهم
ينوطون (3) بي ذاما وقد علموا فضلي
يسيئون فيّ القول جهلا وضلة
وإني لأرجو أن بسوءهم فعلي
لئن كان حقا ما ادعوه فلا مشت (4)
إلى غاية العلياء [من] بعدها رجلي
ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة
ولم أمنح الباقين (5) في زمن المحل
وكيف وراحي درس كل غريبة
وورد التقى شمي وحرب العدى نقلي
ولي خلق في السخط كالشري طعمه
وعند الرضا أحلى جنى من جنى النّحل
فيا أيها الساقي أخاه على النوى (6)
كؤوس القلا مهلا رويدك بالعل (7)
__________
(1) هو يحيى بن المظفر الملقب بالمنصور، ولي بعد أبيه شرق الأندلس واستقل أخوه المتوكل في الغرب منها، وتوفي المنصور في سنة 473فاستولى المتوكل على الأندلس كلها. انظر الدائرة ج 1ص 182.
(2) انظر القصيدة (17بيتا) في الحلة (دوزي) ص 105وترجمة البيت الخامس والعاشر في الشعر الأندلسي ص 375.
(3) القلا: ينيطون
(4) الحلة: فلا حظت. [وكلمة: من في العجز زيادة من (ت) والقلائد].
(5) القلا والحلة: العافين
(6) القلا: التوى.
(7) القلا: بالعسل [والبيت ساقط من (ت)].(18/357)
ما قيل فيه وشهادة ذلك على قدره النبيه، وإن سمح الدهر الضنين بعد هذا بشىء من فوائده اغتنمت إثباته. وجمعت فى هذا المؤلف شتاته، ثم وقع بيدى كتاب ألفه ابن بشرون الكاتب بصقلية فى عصرنا هذا. ووسمه (بالمختار فى النظم والنثر لأفاضل العصر) وذكر فيه الشيخ أبا الضوء سراجا وأوضح من محاسنه الغر ومناقبه الزهر منها حلو وصفه بصحة التصور وصدق التخيل وسداد الرأى وحدة الخاطر، وإن شعره بديع الحوك رفيع السلك فمنه أن الفقيه عيسى بن عبد المنعم الصقلى (1) كتب إليه يستعير كتابا:
لنا حاج وأنت بها ملىّ ... ورأيك فى السماح بها علىّ (2)
فإن وافت فذلك ما ظنّنا ... وأشبه أهله الفعل الزّكىّ (3)
وإن يعتاقها منع فقل لى ... إلى من يثبت الفعل الرّضىّ (4)
فأجابه أبو الضوء (5):
[ألا الإعجاب فاضلنا الحفىّ] ... وأعشى الأعين القمر المضىّ (6)
__________
(1) سبق إيراد ترجمة له كما سبق ذكره فى ترجمة الفقيه أبى محمد بن حتمية.
(2) الملىء والملى هو الحسن القضاء.
(3) فى الأصل وأنبه أهله الفعل الزكى ولعل الصواب ما أثبتناه، الزكى: الطيب الصالح الزائد الخير.
(4) فى الأصل: إلى من نثنبت، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) فى الأصل أبو الصلت، والسياق يقتضى أن يكون القائل أبو الضوء سراج بن أحمد، ويؤيد هذا ما يذكره المؤلف بعد ذلك.
(6) فى الأصل: ألا إيجاب فضالنا الخفى» ولعل الصواب ما أثبتناه ألا فلانا الشىء أعطاه إياه، قال الشاعر:
أخالد لا ألوك إلا مهندا ... وجلد أبى عجل وثيق القبائل
أى لا أعطيك إلا سيفا وترسا من جلد ثور، والمعنى أثار إعجابنا هذا الفاضل الحفى:
العالم الذى يستقصى ما يبحثه.(18/357)
وما خابت بما شامت نفوس ... سقى غلاتها جود ورىّ
من الخير الذى وافى فكرنا ... أعيسى المجد أم عيسى النبى (1)
وكيف بدا وما إن حان حشر ... وكل موات هذا الخلق حىّ
رويدك ربّ خوّار ضعيف ... غدا وهو القوىّ القسورىّ (2)
أعد نظرا وجلّ بحسن ظنّ ... عنان الشك يبلغك الجلىّ (3)
ألا خذها ودادا لا عنادا ... أجدّ صفاءها قلب صفىّ
وقال فى رمد الحبيب والبيت الآخر تضمين:
قالوا حبيبى أصابه رمد ... جفا الكرى جفنه لما وجدا
يا ليتنى كنت دونه، وله ... نفسى فداه، وقلّ ذاك فدا
مرّ فأبدى احمرار وجنته ... من دم قلبى هواه ما وجدا
فراعنى بهجة وأدهشنى ... فظلت أدعوه منشدا غردا
«يا رمد العين قف بساحتنا ... كيما نداوى من جفنك الرمدا»
وله (4) من مرثية فى ولد رجار الأفرنجى صاحب صقلية أولها.
__________
(1) فكر فى الشىء: أعمل النظر فيه وتأمله وفى الأصل الذى وافى تكرما» وهو تحريف.
(2) القسورى نسبة إلى القسورة وهو الأسد.
(3) فى الأصل عنايا الشك بتلك الحلى ولعل الصواب ما أثبتناه، وعليه يكون المعنى أعد نظرك فى الأمر واشفعه بحسن الظن فإن الشك ينجلى ويأتيك الخبر الجلى الواضح، إن سوء الظن يثير الشكوك.
(4) لأبى الضوء سراج بن أحمد بن رجاء «راجع كتاب العرب فى صقلية ص 279.(18/358)
لتطفىء نارا أضرمت في نفوسنا
فمثلي لا يقلى ومثلك لا يقلي
وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيا
فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي
فبادر إلى الاولى وإلا فإنني
سأشكوك في الأخرى إلى الحكم العدل (1)
قال: وصل أبو يوسف المغني والمتوكل مقلع عن الشرب، متورع بالجد عن اللعب، قد لبس ثوب الخشوع، واستسقى واكف الدّموع (2)، وكثرة السجود والركوع، وقد أجيبت دعوته في إغاثة الغيث بتربة مجدب (3)
الثرى، وإنامة عيون الورى، بعد السهاد، لقدوم العهاد، في مهاد الكرى، وهو باق على التوبة، متوق على الحوبة، فكتب إليه (4):
ألمّ أبو يوسف والمطر ... فيا ليت شعري ما ينتظر
ولست بآب وأنت الشهيد ... حضور نديك فيمن حضر
ولا مطلعي وسط تلك السما ... ء بين النجوم وبين القمر
وركضي فيها جياد المدا ... م محثوثة بسياط الوتر
فبعث إليه المتوكل مركوبا وكتب معه (5):
بعثت إليك جناحا فطر ... على خفية من عيون البشر
على ذلل من نتاج البروق ... وفي ظلل من نسيج الشجر
فحسبي ممن (6) نأى من دنا ... فمن (غاب) (7) كان فدا من حضر
__________
(1) الحلة: ساشكوك يوم الحشر للملك العدل.
(2) [في (ت): لاستسقاء الغيث الهموع، بصوب الدموع الخ]
(3) في ق: بثرته فحدب.
(4) الأبيات في الحلة والنفح ج 1ص 440.
(5) الأبيات في الحلة والنفح ج 1ص 440.
(6) الحلة: عمن.
(7) الكلمة ساقطة من ق.(18/358)
وكتب إليه الوزير أبو محمد بن عبدون (1) مع خمر وورد أهداهما له (2):
إليكها فاجتلها منيرة ... وقد خبا حتى الشهاب الثاقب
واقفة بالباب لم يؤذن لها ... إلا وقد كاد ينام الحاجب
فبعضها من المخاف جامد ... وبعضها من الحياء ذائب
فقبلها وكتب إليه (3):
قد وصلت تلك التي زففتها ... بكرا وقد شابت لها ذوائب
فهبّ حتى نسترد ذاهبا ... من أنسنا ان استرد ذاهب
وكتب إلى أبي طالب بن غانم (4) أحد وزرائه وكان وزير رأيه، ونديم أنسه، وحميم نفسه، يستدعيه (5):
أقبل أبا طالب (6) إلينا ... وقع وقوع (7) الندى علينا
فنحن عقد بغير وسطى ... إن لم (8) تكن حاضرا لدينا
__________
(1) هو أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري، توفي عام 529انظر ترجمته في الذخيرة ج 2 ص 376. وبروكلمن ج 1ص 271و «شرح تاريخي لابن بدرون على قصيدة ابن عبدون» لدوزي (بالفرنسية).
(2) الأبيات في الحلة والنفح ج 1ص 440. [ومن هنا إلى آخر مختارات هذا الشاعر، ساقط من (ت)].
(3) البيتان في النفح ج 1ص 441.
(4) في ق: غنائم [وفي الأصل: ابن غنام] وهو أبو طالب ابن غانم أحد كتاب المتوكل ووزرائه وورد اسمه في النفح ج 1ص 441وج 2ص 221وأعمال الأعلام ص 214.
(5) انظر البيتين في المغرب ج 2ص 364وأعمال الأعلام ص 214وفي النفح 1ص 441حيث لا تختلف روايته عن رواية الخريدة وجاء في ج 2ص 221منه خرج المعتصم بن صمادح يوما إلى بعض متنزهاته فتشوق إلى الوزير أبي طالب بن غانم أحد كبراء دولته
فكتب إليه البيتين.
(6) المراجع كلها: انهض أبا غانم
(7) المراجع: واسقط سقوط
(8) في القلائد: ما لم.(18/359)
بكاء، وما سالت عيون وأجفان
شجون، وما ذابت قلوب وأبدان (1)
ومنها:
خبا القمر الأسنى فأظلمت الدّنا ... وماد من العلياء والمحد أركان
أحين استوى فى حسنه وجلاله ... وتاهت به أطوار عزّ وأوطان
تخطّفه ريب المنون مخاتلا ... على غرّة، إن المنون لخوّان (2)
كذلك أعراض البدور يعوقها ... إذا كملت من حادث الدهر نقصان (3)
لحق بأن يبكى عليه بأدمع ... لها فى مسيل الخدّ درّ ومرجان (4)
وتحرق أكباد وتمرض أنفس ... وتعظم أتراح وتكبر أشجان
وتبتاع أحزان وتهمى مدامع ... وتجمع أمواه غزار ونيران
ومنها:
تبكّت له خيماته وقصوره ... وناحت عليه مرهفات ومرّان (5)
وعاد صهيل الخيل فى لهواتها ... حنينا وعافتهن لجم وأرسان (6)
وما ناح ورق الأيك إلّا له، فلو ... درت لبكت قبل الحمائم أغصان
__________
(1) فى الأصل بكى دما سالت والتصحيح عن المكتبة الصقلية.
(2) فى المكتبة الصقلية على غمره.
(3) فى المكتبة الصقلية أعراض البدور بعفوها. وفى العرب فى صقلية: كذلك أعراض البدور.
(4) فى المكتبة الصقلية بحق بأن يبكى
(5) المران جمع مرانة وهى الرمح.
(6) فى المكتبة الصقلية دعا فيهن لجم وأرسان. أرسان جمع رسن وهو الحبل.
وفى العرب فى صقلية وعافتهن لحم وإرسان.(18/359)
99* الحاجب ذو الرئاستين أبو مروان عبد الملك بن رزين *
وصفه (1) بالجلالة والاصالة والبسالة، وموروث المجد التالد ومكتسبه الطارف. وترويجه سوق أولي المعارف بإيلاء العوارف، وتبليجه وجوه المكارم بشمس فضله (الوافر في ظله) (2) الوارف، وأنه من قوم قوّموا الجوانح، وذللوا الجوامح، وراضوا من الخطوب صعابا، وفاضوا ثوابا وعقابا، وهو واسطة عقدهم، ورابطة عقدهم، وأسد خيسهم، وهزبر عرّيسهم. وكانت دولته حافلة الاخلاف، كافلة بالإنصاف، رافلة في ثوب الائتلاف (3)، مهتزة الأعطاف، معتزة الأطراف، ولكنه كثير الشطط على ندمانه، سريع السخط على خلّانه، وربما عاد نواله وبالا، وإرغابه إرغاما، وإنعامه انتقاما، لا يرى الجاني صفحة (صفحه) (4) ولا يرضى من دم المذنب إلا بسفكه وسفحه، وكان حيا النادي في الندى، وحية الوادي على العدى، وله نظم ونثر لم يقصرا عن الغاية، وكلاهما في الجود عالي الراية. فمما أورد من شعره الرائق، وسحره الفائق، قوله في وصف روضة أرجت أرجاؤها، وتلألأت آلاؤها، وتشابه لمقابلة الزهر الزّهر أرضها وسماؤها، وحكت جلاؤها صفاء (الصفاح) (4) ونشرت معاطفها ملاء الملاح، وأطلعت أسحارها صباح الصباح (5).
فروض (6) كساه الطل وشيا مجددا
فأضحى مقيما للنفوس ومقعدا
__________
(1) انظر القلا ص 58.
(2) سقط ما بين القوسين من الأصل [وما أثبت من (ت)].
(3) في ق: الانصاف.
(4) سقط ما بين القوسين من ق.
(5) [انظر الأبيات في الحلة والمغرب ج 2ص 428، والذخيرة ق 3ورقة 31].
(6) القلا والحلة: وروض(18/360)
فيا لك من رزء عظيم وحادث ... يعزّ له صبر ويعوز سلوان
ويا يومه ما كان أفظع هوله ... تشيب لمرآه المروّع ولدان
كأن منادى البعث قام مناديا ... لحشر فهبّ الخلق طرا كما كانوا
وقد ضاق رحب الأرض بالخلق، والتقت
جموعهم مرجا رجال ونسوان (1)
وشقّت قلوب لا جيوب، ورجّعت ... بلابل، وارتّجت نفوس وأذهان
وكانوا بلبس اللهو بيضا حمائما ... فعادوا وهم فى ملبس الحزن غربان
__________
(1) المرج: الاختلاط.(18/360)
إذا صافحته الريح خلت غصونه
رواقص في خضر (1) من العصف (2) ميدا
إذا ما انسكاب الماء (3) عاينت خلته
وقد كسرته راحة الريح مبردا
وإن سكنت عنه حسبت صفاءه
حساما صقيلا صافي المتن جرّدا
وغنت به ورق الحمائم حولنا (4)
غناء ينسّيك الغريض (5) ومعبدا
فلا تجفونّ الدهر (6) ما دام مسعدا
ومد إلى ما قد حباك به يدا
وخذها مداما من غزال كأنه
إذا ما سعى، بدر تحمل فرقدا
وركب في يوم غيم (7) للصيد، وقد فصم المدام منه عرى الأيد، وشمس الضحى (8) محجوبة، وكأس الودق مسكوبة، والسماء متدفقة، والأرض مزلقة، فعثر به جواده، وقد تفرد وغابت عنه أجناده وأنجاده، فآل تعثّر كميته، إلى التأخّر في بيته، وبلغه أنّ عدوا له سرّ بسقطته، وفرح بفرطته، في ورطته، فقال (9):
__________
(1) الذخيرة: حصن
(2) [في الأصل و (ت): العضب، وما أثبتناه من القلائد].
(3) الحلة: انسياب الماء
(4) القلا: بيننا
(5) في القلا والحلة: القريض.
(6) الذخيرة: لا تحقرن
(7) [في (ت): عيد].
(8) في ق: شمس الأفق. [وكذلك في (ت)].
(9) انظر الأبيات في الأعمال.(18/361)
«ابو عبد الله محمد بن عبد الصمد (1)»
ابن بشير التنوخى الشاعر. هو من معاصرى الحكيم أبى الصلت أمية، وقد أثبتنا شعر أمية فيه. وهو قطعة خائية موسومة بتنوخ، ولم يقع إلينا من شعره ما نورده إلا ما ذكره فى الحديقة، وكان أبو الصلت يرى فى المنام كثيرا أبا عبد الله ابن بشير وتجرى بينهما محاورات فى فنون الآداب وملح الأشعار ويجد هو أيضا من نفسه مثل ذلك فى المنام. فقال أبو الصلت:
بأبى من صفا فأصبح فى اليق ... ظة والنّوم مؤنسى ونديمى
قدّ بينى وبينه الود والأخلا ... ص فى الحالتين قدّ الأديم (2)
نلتقى فيهما فنرتع من آ ... دابنا الغرّ فى جنان النعيم (3)
غير أنّ اللّقاء فى الحلم أشفى ... لجوى الشوق عند أهل الحلوم
فتلاقى الأرواح ألطف معنى ... فى المصافاة من تلاقى الجسوم
__________
(1) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن بشير التنوخى المهدوى من شعراء الأمير على بن يحيى بن تميم الصنهاجى يجمع بين رقة المعنى وجودة السبك. وقد أورد له العلامة حسن حسنى عبد الوهاب مقطوعة فى وصف أسطول الأمير على بالمهدية ومقطوعة أخرى يمدح بها الأمير عقب فتحه لقابس وفرار حاكمها رافع الهلالى الذى والى النورمان الصقليين سنة 511 «راجع الأدب التونسى ص 93»
(2) الأديم الجلد والغرض أنهما تقاسما الإخلاص والمودة فأخذ كل منهما شطرا.
(3) فى الأصل تلتقى فيها. وما أثبتناه يفتضيه الوزن والسياق.(18/361)
إني سقطت ولا جبن ولا خور (1) ... وليس يدفع ما قد ساقه (2) القدر
لا يشمتن حسودي إن سقطت فقد ... يكبو الجواد وينبو الصارم الذكر
هذا الكسوف يرى تأثيره أبدا ... ولا يعاب به شمس ولا قمر
وقال في خليط ودع، وأسال فراقه المدمع (3):
دع الدمع يفني الجفن (4) ليلة ودعوا ... إذا انقلبوا بالقلب لا كان مدمع
سروا كاقتداء الطير لا الصبر بعدهم ... جميل ولا طول الندامة ينفع
أضيق بحمل الحادثات (5) من النوى ... وصدري من الأرض البسيطة أوسع
وإن كنت خلاع العذار فإنني ... لبست من العلياء ما ليس يخلع
إذا سلت الألحاظ سيفا خشيته ... وفي الحرب لا أخشى ولا أتوقع
وقال فيمن سكر فمثّل له سكره معترك النزال، ومقتحم الأبطال، فاستدعى حرب الحرب، واستحلى طعم الطعن وضرب الضرب (6):
نفس الذليل تعز بالجريال ... فيقاتل الأقران دون قتال
كم من جبان ذي افتخار باطل ... بالخمر تحسبه من الأبطال
كبش النديّ تخبّطا وعرامة ... وإذا تشد الحرب شاة نزال (7)
وقال في الحنين والنزاع، إلى التلاقي والاجتماع (8):
أترى الزمان يسرنا بتلاقي ... ويضم مشتاقا إلى مشتاق
__________
(1) في ق: خبر؟
(2) في الأعمال والقلا: شاءه.
(3) انظر الأبيات في المغرب والذخيرة والحلة [والقطعتان الآتيتان ساقطتان من (ت)].
(4) المغرب: دع الجفن يفني الدمع
(5) المغرب والحلة: قادحات وفي الذخيرة: أطيق بحمل القادحات
(6) الأبيات في الذخيرة.
(7) في القلا: تشب وفي الذخيرة: تشاب
(8) انظر الأبيات في المغرب.(18/362)
وأورد أبو الصلت فى الحديقة هذه الأبيات ونسبها إلى محمد بن بشير:
ولقد نظمت من القريض لآلئا ... غرّا جعلت سلوكهنّ طروسا
ورميت علوىّ الكلام بمنطق ... حتى انتظمت بليله البرجيسا (1)
وجليت للحسن الهمام قلائدى ... فحبوت منها بالنفيس نفيسا
ملك يود البدر لو يلفى له ... فى منتدى شرف الجلال جليسا
__________
(1) البرجيس: نجم المشترى.(18/362)
وتعض تفاح الخدود (1) شفاهنا ... ونرى منى (2) الأحداق للأحداق
ويعيد (3) أنفسنا إلى أجسادنا (4) ... فلطالما (5) شردت على الآفاق
وقال (6):
برّح السقم بي فليس صحيحا ... من رأت عينه عيونا مراضا
إن للأعبن المراض سهاما ... صيرت أنفس الورى أغراضا
وقال في شمعة (7):
ربّ صفراء تردت ... بشحوب (8) العاشقينا
مثل فعل النار فيها ... تفعل الآجال فينا
وبقي بعد ملوك الأندلس وانقراض ملكهم، وانتقاض سلكهم، ملكا مطاعا، ضرارا نفاعا، لم تخطئه الأمنية إلى أن تخطت إليه المنية، وبقي ابنه على رسمه. يجري الزمان على حكمه، إلى أن دب إليه الكيد، ووهن منه الأيد. وأوحش منه عرشه، وأنس به نعشه، فتبارك الواحد الذي ليس له ثان. ولا يفنى ملكه وكل شيء فان.
100* الرئيس الأجل أبو عبد الرحمان محمد بن طاهر *
وصفه (9) بالملكة في البراعة، والمملكة في تصريف (10) اليراعة، والتفرد بالبيان، والتوحد في الإحسان، في جده طود الوقار، وفي مزحه
__________
(1) القلا: نهود.
(2) في الأصل: يرى بي [وما أثبت من القلائد].
(3) القلا: تعود.
(4) المغرب: أجسامنا.
(5) المغرب: من بعدما.
(6) البيتان في الذخيرة [وهما ساقطان من (ت)].
(7) البيتان في المغرب.
(8) القلا والمغرب: برداء العاشقينا.
(9) انظر القلا ص 64.
(10) في ق: تصنيف.(18/363)
«أبو جعفر عبد الولى البتى الكاتب (1)»
معروف من أهل الفضل. ولم يقع إلى أيضا شىء من شعره لكننى قرأت فى ديوان أبى الصلت أمية الأندلسى أنه كتب إلى عبد الولى البتى مجاوبا عن قصيدة خاطبه بها، ومن جملة أبيات أبى الصلت فيه يصفه بكثرة الأسفار:
__________
(1) اضطربت الروايات فى شأن البتى هذا بين القدماء والمحدثين فقد ترجم العماد فى شعراء المغرب لشاعر سماه أبا جعفر عبد الولى البتى. ثم ترجم له فى شعراء الأندلس باسم جعفر بن البتى. واختار لكل منهما مجموعة خاصة من الشعر، وفعل هذا ابن دجنة فى (المطرب) حيث أورد ترجمتين الأولى باسم أبى جعفر أحمد بن محمد البتى (ص 124) والثانية باسم أبى جعفر بن عبد الولى البتى ص 195وقد ذكر الاساتذة محققوا كتاب المطرب أن الاسمين لشاعر واحد وقد ترجم له ابن خاقان فى القلائد ص 295والمطمح ص 103باسم أبى جعفر بن البتى، وترجم له ابن سعيد فى المغرب «ج 2ص 357» باسم أبى جعفر أحمد بن عبد الولى البتى ونقل مختارات له عن المطمح والقلائد ونحن نرجح بل نجزم أن هناك شاعرين متشابهين فى الاسم أولهما أبو جعفر بن عبد الولىّ البتى من شعراء الأندلس أحرقه القمبيطور «المعروف باسم السيد» حين فتح بلاده سنة 488أو سنة 490هـ وثانيهما هو أبو جعفر أحمد بن محمد البتى وكان شاعرا مستهترا ملحدا نفى من الأندلس إلى المغرب وحاصر أبا بكر البكى المتوفى سنة 560هـ وكانت بينهما مطارحات ولما ارتفع شأن الفقهاء فى عهد على بن يوسف بن تاشفين [تولى الحكم من سنة 500إلى سنة 533] سل أحمد بن محمد البتى لسانه وهجا الفقهاء ثم هجا ابن حمد بن قاضى قرطبة [ولم يتول القضاء إلا فى أوائل القرن السادس] ومن هنا يتضح أن الأول قتل حرقا بالأندلس سنة 488أو سنة 490وأن الثانى كما يقرر ابن دجنة فى المطرب (ص 124) مات مترديا فى حفرة، والأول ظل فى بلده والثانى نفى إلى خارج الأندلس ومات بعد هذا بكثير. وكما التبس الاسمان التبس على المؤلفين نسبة أشعارهما فحدث بينهما خلط كبير وقد تنبه إلى هذا ابن الأبار حيث قال فى التكملة ج 1ص 24 [بعد أن ذكر البيتين: غصبت الثريا فى البعاد]: «وقد أنشد مؤلف قلائد العقبان هذين البيتين لأبى جعفر البتى اليعمرى وأحدهما غالط من قبل اشتباه نسبهما والتفرقة بينهما مستوفاة فى تأليفى الموسوم بهداية المتعسف فى المؤتلف والمختلف» وقد نقل عنه هذه العبارة المقرى فى نفح الطب (ج 2ص 429) ونعتقد أن الشاعر المقصود هنا من شعراء المغرب هو أبو جعفر أحمد بن محمد البتى وأن الأمر التبس على المصنف كما التبس على غيره وينبغى أن نلاحظ أن هناك شاعرا ثالثا سابقا لهما هو أحمد بن على البتى المتوفى سنة 403 أبو الحسن وقد ترجم له ياقوت فى معجم الأدباء ج 3ص 254.(18/363)
مزج العقار، وعلى مفرقه تاج الملك، وفي مهرقه مزاج المسك، تسلطت عليه الخطوب في سلطانه، ونزع من أوطاره، ونزح من أوطانه، وبقي في أسر ابن عمار وزير المعتمد عانيا، للمحن معانيا، حتى خلصه الوزير أبو بكر بن عبد العزيز (1)، وآواه ببلنسية إلى معقله الحريز، وتنقّلت الأحوال به بين نعمى وبؤس، وبشر وعبوس، وشدة ورخاء، وسعادة وشقاء. قال مصنف قلائد العقيان: شهدت وفاته سنة سبع وخمسمائة (2) وقد نيف على التسعين، وجف ماء عمره المعين، وزعم أنه انقرض بانقراضه الكلام، وبدأ به وهو الختام، وأورد من رسائله كثيرا، ونظم من فضائله درا نثيرا.
قال: ولم أسمع له شعرا إلا ما أنشدني في أبي أحمد بن جحاف (3) عند قتله الملك الملقب بالقادر (4) فظن أنه تتم له الرئاسة فقصده القدر (5) الناثر.
أيها الأخيف مهلا ... فلقد جئت عويصا (6)
إذ قتلت الملك يحيى ... وتقمصت القميصا
رب يوم فيه تجزى ... لم تجد عنه محيصا
(ومن نثره من جملة كتاب إلى المعتصم (7) أيام رئاسته يصف العدو العابث بالأندلس: كتابي أعزك الله، وقد ورد كتاب للمنصور ملاذي والمعتمد بك
__________
(1) ترجم له العماد في هذا الكتاب (انظر الفهارس).
(2) في الأصل: وخمس. [والإصلاح من (ت) والقلائد].
(3) هو جعفر بن جحاف المعافري أبو أحمد القاضي ببلنسية. «لما ملك القادر / بن ذي النون / بلنسية أحدث فيها أحداثا وغير أحكامه وأظهر منكرا كثيرا وصادق الفنش فخاف أهل بلنسية منه أن يملكها للفنش فعزموا على قتله فدخل ابن جحاف عليه وقتله سنة 485وبويع ابن جحاف في صبيحة / ليلة قتله / فكانت دولته ثلاث سنين وأربعة أشهر وسبعة أيام» إلى أن قتله القنبطور. البيان ص 304والأعمال ص 234.
(4) هو يحي بن ذي النون القادر بالله.
(5) [في الأصل: القصد، وما أثبتناه من (ت)].
(6) انظر هذه الأبيات في الذخيرة، 3ورقة 24.
(7) هو محمد بن معن بن صمادح.(18/364)
مجدك علوىّ أبا جعفر ... والشهب لا تعرف سكنى القرار
أنست بالبين وطول السرى ... فالناس أهل لك والأرض دار
إن سرت كنت الشمس، أو لم تسر
فأنت كالقطب عليه المدار
ثم طالعت كتاب الجنان لابن الزبير، وذكر أنه خليع العذار قليل المحاشمة فى اللهو والاعتذار لا يبالى أى مذهب ذهب. ولا يفكر فيمن عذر أو عتب، وله أهاج أرغمت المعاطس وبدائع أخّرت بتقدّمها المنافس وأجدّت المنافس، له:
قالوا تصيب طيور الجو أسهمه ... إذا رماها [فقلنا عندنا الخبر] (1)
تعلمت قوسه من قوس حاجبه ... وأيد السهم [من ألحاظه الحور] (2)
يلوح فى بردة كالنّقس حالكة ... كما أضاء بجنح الليلة القمر (3)
وربما راق فى خضراء مونقة ... كما تفتح فى أوراقه الزّهر (4)
وله:
وكأنما رشأ الحمى لما بدا
[لك] فى مضلّعة الحديد [المعلم] (5)
__________
(1، 2) ورد البيتان ناقصين والتكملة عن المغرب ج 2ص 359والقلائد ص 297 والمطمح ص 6، وفيهما «نقلنا عندها الخبر».
(3) النقس: المداد وفى الأصل: كالتيس والتصحيح عن المصادر الثلاثة السابقة وفى المغرب «كما يلوح بجنح الليلة القمر».
(4) فى المصادر الثلاثة السابقة فى خضراء مورقة.
(5) ورد عجز البيت ناقصا ومحرفا، والتكملة والتصحيح عن القلائد والمطمح، والشاعر يصف غلاما يلبس درعا حديديا.(18/364)
أيده الله أودعه ما ودع (1) من حياة، ولم يدع مكانا لمسلاة، فإنه للقلوب مؤذ، وللعيون مقذ، وللظهور قاصم، ولعرى الحزم فاصم، فليندب الإسلام نادب (2)، وليبك له شاهد وغائب. فقد طفيء مصباحه، ووطيء ساحه، وهيض (3) عضده، وغيض ثمده) (4).
ومن أخرى: (5) الآن عاد الشباب خير معاده، وابيض الرجاء بعد اسوداده (6) [وترك الزمان فضل عنانه، فلله الشكر المردد بإحسانه] (7). وافاني [أيدك الله] (7) لك كتاب كريم كما طرز البدر النهر، أو كما بلل الغيث الزهر، طوقني (8) طوق الحمامة، وألبسني ظل الغمامة.
وله إلى إقبال الدولة (9) برجوع أحد معاقله إليه من رسالة (10):
جراحات الأيام هدر، وجنايتها (11) قدر، وليس للمرء حيلة، وإنما هي ألطاف لله جميلة، تستنزل الأعصم من هضابه، وتأخذ المعتر (12) بأثوابه، أحمده عودا وبدءا بالنعمة التي ألبسك سربالها، والفتنة التي أطفأ عنك اشتعالها، والرئاسة التي حمى فيها حماك، فرد خاتمها بيمناك، وقد تناولته للباطل يد خشناء، فاستقالته يدك الحسناء، فأقر [الله] (13) عز وجل الحال في نصابها، وأبرزها في كمالها، تتراءى بين أترابها، ووضعت الحرب أوزارها
__________
(1) القلا: أيدك الله ما أودع
(2) القلا: نوادبه وشاهده وغائبه.
(3) الذخيرة: وقص
(4) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].
(5) هي رسالة إلى المأمون ابن ذي النون. انظرها في المغرب ج 2ص 247.
(6) القلا والمغرب: سواده.
(7) التكملة من القلا والمغرب.
(8) القلا: طوقتني وألبستني
(9) هو علي بن مجاهد، ولي الحكم بدانية بعد أبيه في سنة 436وظلت دولته عليها إلى سنة 468 وأخرجه المقتدر ابن هود منها انظر الدائرة ج 1ص 963وج 3ص 666والبيان ص 157 والأعمال ص 253.
(10) في ق: من رسالة بعد الدولة؟
(11) القلا: جناتها.
(12) القلا: المعتثر. [وفي (ت): المعنى].
(13) التكملة من القلا.(18/365)
غصب الحمام قسيّه، وأعارها
من حسن معطفه [قويم] الأسهم (1)
وله:
غصبت الثريا فى البعاد مكانها
وأودعت فى عينىّ صادق نوئها (2)
وفى كل حال لم تزالى بخيلة
فكيف أعرت الشّمس حلة ضوئها؟
وله:
صدنى عن حلاوة التّشييع ... اجتنابى مرارة التوديع
لم يقم أنس ذا بوحشة هذا ... فرأيت الصواب ترك الجميع (3)
__________
(1) التكملة من القلائد والمطمح.
(2) فى الأصل عصت الثريا والتصحيح عن القلائد والتكملة فى الأصل: فى حل حال والتصحيح عن المصدرين السابقين.
(3) ينظر الشاعر فى معناه إلى قول البحترى لا تعذلنى فى مسي ... رى يوم سرت ولم ألاقك
إنى خشيت مواقفا ... للبين تسفح غرب ماقك
وعلمت أن بكاءنا ... حسب اشتياقى واشتياقك
وذكرت ما يجد المود ... ع عند ضمك واعتناقك
فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك(18/365)
أبو حفص عمر بن على المعروف بالزكزمى المهدوى الشاعر
لم يقع إلى شىء من شعره. قرأت لأبى الصلت أمية الأندلسى فيه قصيدة ضادية وهى:
سوابق عبرتى سحّى وفيضى ... وإن تغض الدموع فلا تغيضى (1)
[رمى] حد الرّدى من كان منّى
بمنزلة الشّفاء من المريض (2)
[وكم لاقى] الردى بطعان سمر
وشدّ سوابق وقراع بيض (3)
أبا حفص ذهبت بحسن صبرى ... وبنت فبان عن عينى غموضى
خلصت إلى النعيم وبى اشتياق ... دفعت به الطويل إلى العريض (4)
فما أصبو إلى عبّ الحميّا ... ولا أهفو إلى نغم القريض
ذهبت فمن تركت لكلّ معنى ... شديد اللبس بعدك والغموض
ومن خلّفت بعدك للمعمّى ... وللشّعر المحكّك والعروض (5)
__________
(1) فى الأصل وإن تعصى الدموع فلا تفيضى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) ورد البيت ناقص الصدر وقد أكملناه بما يناسب السياق.
(3) ورد البيت ناقصا فى المصدر وقد أكملناه بما يتسق مع المعنى
(4) لعله يقصد دفعت به الألم الطويل إلى الدعاء العريض أو العمر الطويل إلى الفردوس العريض.
(5) هكذا بالأصل ولعلها وللشعر المجود.(18/366)
وأخفت [الأسود] (1) أخياسها وزؤارها (2) ومن كانت مذاهبه كمذاهبك، وجوانبه للسلامة كجوانبك، أعطته القلوب أسرارها، وأعلقته المعاقل أسوارها، وانجلت عنه الظلماء، وأكرم قرضه والجزاء، فليهنئك الإياب والغنيمة، وهما المنة العظيمة، وليكن لها من نفسك مكان، ومن شكرك الله بالموهبة إعلان، وأما حظي منها فحظ مسلوب أمكنه سلبه، وذي مشيب عاوده شبابه وطربه، ولما اقترنا لي، وكانا معظم آمالي، وعلمت أن بهما زوال الخلاف، وتواطيء الأكناف، وأن بالصّدر تثلج الصّدور وينتهج السرور، بادرت إلى توفية الحق لك، وتعرف الحال بك (3)، مشيعا بالدعاء في مزيدك، ضارعا في الإدامة لتأييدك، فإن الوقت إساءة وأنت إحسانه، والخير عين (4) وأنت إنسانه، فإن مننت بما سألته، أفضلت وأحسنت إن شاء الله.
وله إلى صاحب ميورقة ناصر الدولة (5):
أطال الله بقاء الأمير منيفا (6) حرمه، رفيعا علمه، إن الذي بيّنته الدنيا من مناقبك العليا فتجلت منه أقاصيها، وتكللت به نواصيها، لجاذب نحوك أحرارها، وجالب إلى ظلك أعيانها، وأخيارها، بقلوب تملّكها هواها، وحركها نهاها، وهذا الوزير الكاتب أبو جعفر ابن البنّي (7) عبدك الآمل صمّمت به إلى ذراك همم عوال، كأنها للرماح عوال يحملها السفين والعزم الناهد المكين، وريح جدّ ما تلين، إلى حلي من البيان يتقلدها، يكاد السحر يحسدها، وخلائق محمودة كأنها الخلوق، تنفح مسكا وتشوق، وإن
__________
(1) سقطت هذه الكلمة من الأصل وقد حذف العماد من الرسالة جملا.
(2) في الأصل: فزارها؟ وزءارها.
(3) القلا: الحال قبلك
(4) القلا: طرف
(5) ورد ذكره في المطمح ص 91والنفح ج 2ص 586، والمغرب ج 2ص 466. [وهذه الرسالة والتي تليها ساقطتان من (ت)].
(6) في ق والقلا: منيعا.
(7) سيترجم له العماد في هذا الكتاب.(18/366)
فيا لرجاء نفس منك أفضى ... إلى نبأ بموتك مستفيض
مصاب صاب بالمهجات فيضى ... ورزء قال للعبرات فيضى (1)
فإن قصّرت فى التأبين فاعذر
فقد شغل الجريض عن القريض (2)
شرقت بأدمعى وصليت وجدى ... فها أنا منك فى طرفى نقيض (3)
سقاك وجاد قبرك صوب حزن ... يشق ثراه من روض أريض
إذا استقرى الحيا نحرت عليه ... عشار المزن مرهفة الوميض (4)
وإن مسحت جوانبه النّعامى ... أعيرت نفحة المسك الفضيض (5)
فقدتك والشباب وريع فودى ... بمرأى من مطالعه بغيض
ألم بلمتى وذؤابتيها ... فعوّضهنّ من سود ببيض
وقبلك ما انتحت عودى اللّيالى ... بناب من نوائبها عضوض (6)
__________
(1) هكذا بالأصل ولعلها صاب بالنكبات، صاب السهم القرطاس: أصابه الفيض: الموت.
(2) يشير إلى قول عبيد بن الأبرص حين قدمه النعمان بن المنذر إلى القتل واستنشده فقال عبيد: حال الجريض دون القريض وينسب هذا المثل إلى جومش بن منقذ الكلابى، الجريض: الغصة بالريق.
(3) فى الأصل وصليت وحدى ولعل الصواب ما أثبتناه
(4) استقرى، تتبع الحيا: المطر، العشار: الأبل التى بلغت عشرة أشهر من الحمل
(5) النعامى: من أسماء ريح الجنوب لأنها أبل الرياح وأصيبها قال أبو ذؤيب:
مرته النعامى فلم يعترف ... خلاف النعامى من الشام ريحا
فى الأصل وذوائبها والوزن يقتضى ما أثبتناه، وفى الأصل من سود وبيض ولعل الصواب ما أثبتناه، والذؤابة منبت الناصية من الفرس.
(6) انتحى: اعترض.(18/367)
للوشي ما خط، وربما أزرى به إذا حط، والخبر يغنيه عن الخبر، ويعلمه بالعين لا بالأثر (1) لا زلت كلفا بالإحسان، منصفا من الزمان، إن شاء الله تعالى.
وله إليه:
أطال الله بقاء الأمير (2) وأيده، وأعلى يده، الشفاعات على مقدار ملتحفيها، ولكل عندك منزلة توافيها، ولما تأمل ذو الوزارتين أبو الحسن العامري (3) مالك في الناس، من الطول والإيناس، بما جبلت عليه من شرف السجية، والهمم السنية، حتى مالت إليك الأهواء ورفع لك بالحمد اللواء، قصد ذراك، واعتقد اليمن في أن يراك، فملأ (4) من زهر العلى أجفانا، ومن نهر الندى جفانا، ويستبدل من صد الزمان إقبالا، ومن تهاون الأيام اهتبالا، وله قدم الوجاهة، وقدم النباهة، ويدل عليه عيانه، كما يدل على الجواد عنانه. وأرجو أن ينال بك (5) الآمال غضة، والأيادي منك مبيضة، فأقوم عنه على منبر الثناء خطيبا، وأوقد على جمر الآلاء عودا رطيبا، لا زلت للقاصدين ملاذا، وللراغبين معاذا، إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى الوزير ابن عبد العزيز (6) حين نجا من اعتقاله بسعيه، ونجا إلى بلنسية، راجيا لا جئا إلى فيئه (7):
كتابي وقد طفل العشي، وسال (8) بنا إليك المطي، لها من ذكراك حاد، ومن لقياك هاد، وسنوافيك الماء، فنغفر للدهر (9) ما قد أساء،
__________
(1) في القلا: والتبر تعلمه منيف القدر والأثر.
(2) يحذف العماد جميع العناوين والألقاب وجمل الدعاء.
(3) لم نعثر على ترجمة له.
(4) القلا: يملأ
(5) [في الأصل: تلك، والإصلاح من القلائد].
(6) له ترجمة في هذا الكتاب (فهارس).
(7) في الاصل: ونجاه من في بلنسية راجيا لاجيا الى فيه، وهو خطأ أصلحناه بما يقتضيه السياق.
(8) القلا: مال بنا
(9) القلا: للزمان(18/367)
فما فوجئت ذا قلب جزوع ... ولا ألفيت ذا طرف غضيض
ولكن قائلا يا نفس شقّى ... غمار الموت مقدمة وخوضى
فما قعد الأنام عن المعالى ... لعجزهم وحان بها نهوضى
وما بلغ العلاء كشمّرىّ ... قئوم بالذى يعيى نهوض (1)
سأعملها هملّعة دقاقا ... تقلقل فى الأزمة والعروض (2)
لها من كلّ مرقبة وفجّ
هوىّ القدح من كفّ المفيض (3)
فإمّا أخمص فوق الثّريّا ... وإما مفرق تحت الحضيض (4)
فأشقى الناس ذو عقل صحيح ... يعود به إلى حظّ مريض (5)
__________
(1) فى الأصل وما بلغ العلا كشرى قدوم. ولعل الصواب ما أثبتناه. الشمرى:
محنك ماض فى الأمور.
(2) الهملع: الجمل السريع أو الذئب الخفيف الأزمة. المقاود، العروض: الطريق فى عرض الجبل فى مضيق.
(3) المرقبة: والمرقب الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب الفج: لطريق الواسع بين الجبلين القدح: سهم الميسر، المفيض: الذى يضرب القداح فى الميسر ليعرف النصيب:
(4) الأخمص. من باطن القدم لا يمس الأرض المفرق، الموضع الذى يفرق فيه الشعر
(5) فى الأصل إلى خط وهو تحريف.(18/368)
ونرد ساحة الأمن، ونشكر عظيم ذلك المن. فهذه النفس أنت مقيلها، وفي برد ظلك يكون مقيلها، فلله مجدك وما تأتيه، لا زلت للوفاء تحميه، فدانت لك الدنيا، ودامت لك (الأخرى) (1) العليا. إن شاء الله تعالى.
وكتب إليه:
من ذا يضاهيك، وإلى النجم مراميك، فثناؤك (2) لا يدرك، وشعبك لا يسلك، أقسم لأعقدن على علاك من الثناء إكليلا، يرد (3) اللحظ من سناه كليلا، ولأطوفنه شرق البلاد وغربها، ولأحملنه عجم الرجال وعربها، وكيف لا، وقد نصرتني نصرا مؤزرا، وصرفت عني الضيم عفيرا معفرا، وألبستني البأو بردا مسهما (4)، وأوليتني البر متمما.
وله في الاعلام بخبر السيل بمرسية (5):
ورد كتابه (6) مستفهما لما طار إليه الخبر، من السيل الحامل الذي عظم منه الضرر. وقد (كنت) (7) آخذا في الاعلام، بحوادثه العظام، فإنه أذهل الأذهان، وشغل الجنان، إذ أقبل يملأ السهل والجبل، والجنوب كما اضطجعت، والعيون قد هومت للنوم أو هجعت، فمن ماض قد استلبه، وناج قد حربه وفازع قد أثكله، وحائر لا يدري ما حمّ له، والبرق يجب فؤاده، والودق ينسرب مزاده، قد استسلم للقدر، واعتصم بالله عز وجل [ليس سواه] (8)
من وزر، حتى أرانا آية إعجازه وبراهينه، وغيض الماء لحينه، وطلع
__________
(1) الكلمة غير موجودة في ق والقلا.
(2) القلا: شاوك
(3) القلا: يذر
(4) القلا: مسنما
(5) القلا: وكتب إلى المنصور بن أبي عامر يعلمه بخبر السيل وكان ورده كتابه مستفهما عن خبره
(6) القلا: وزدني أيدك الله، كتابك الكريم لما طار به إليك الخبر
(7) الكلمة ساقطة من ق.
(8) التكملة من القلا.(18/368)
الصباح على معالم قد غيرها، وآكام قد خربها (1)، لا ينقضى منها عجب النّاظر، ولا يسمع بمثلها في الزمن الغابر، فالحمد لله على وافي دفعه، ومتلافي عونه ونفعه، لا إلاه إلا هو (2).
وله من رسالة في وصف جوارح (3):
قصدني (4) مملوكه في ارتياد أفرخ من الشوذانقات عند أوانها (5)
والبعثة بها وقت تهيّئها وإمكانها، فلم أفارق لها ارتقابا، ولا حدّرت للمباحثة عنها نقابا، ولمظانها طلابا، إلى أن حان حين ظهورها [وامتلأت منها حجور وكورها] (6) وبدا سعيها، واكتسى عريها، وجهت طبّا رفيقا لاستنزالها، يرتقي إلى ذرى أجبالها، ويميز أفرهها ويحوز أشرهها، فحصلت (7) منها عددا، جربت (8) يدا فيدا، إلى أن تخرج منها ثلاثة أطيار، كأنها شعل نار، صيدها أجل كلّ صيد (9) وقيدها (10) أيما قيد، تقلب حوادق (11) مقل، وتنظر نظر مختبل، وتسرع في الانقضاض، كالوحي والإيماض، وترجع إلى يد وثاقها. كأنما أشفقت من فراقها بمخلب دام، وأبهة مقدام (12).
__________
(1) القلا: حدرها
(2) في القلا: لا رب غيره.
(3) في القلا: «وكتب إلى / المنصور / مع شوذانقات وإني شيعته وبت في المحلة الكريمة معه قصدني نائل مملوكه» [وهذه الرسالة ساقطة من (ت)].
(4) ق: فقدي.
(5) ق: أوزانها.
(6) [هناك بياض بالاصل] والتكملة من القلا.
(7) القلا: فجلب منها
(8) القلا: دربت.
(9) القلا: نار، أجل كل صيد.
(10) القلا: قيده.
(11) [في الأصل: صوادق].
(12) حذف العماد منها جمل المدح.(18/369)
الشيخ أبو الفضل جعفر بن الطيب
ابن أبى الحسن الواعظ، لم يقع إلى أيضا من نظمه شىء وإنما أثبت اسمه من ديوان أبى الصلت لما لقيه فشكا إليه الإجبال (1) للضعف والكبر، فقال فيه أبو الصلت من قطعة:
إمام الهدى رفّه بدائهك التى ... بهرت بها كل الانام خطابا
فإن يك عاصاك القريض فلم يجب ... فقد طال ما استدعيته فأجابا
ولا غرو أن خلى عن النزع خاطر ... رمى زمنا عن قوسه فأصابا (2)
ألست ترى الصمصام لم ينب حده ... عن الضرب إلّا حين كلّ ضرابا
__________
(1) الإجبال: الإفحام من أجبل الشاعر إذا صعب عليه القول فصار لا يبدىء ولا يعيد.
(2) النزع: الرمى بالسهام.(18/369)
وله في تولية حاكم:
قلدت فلانا سلمه الله النظر في أحكام فلانة وتخيرته لها بعد ما خبرته واستخلفته، وقد عرفته واثقا بدينه، راجيا لتحصينه، لأنه ان احتاط سلم، وإن أضاع أثم، فليقم الحق على أركانه، ليضع العدل في ميزانه، وليسوّ (1) بين خصومه، وليأخذ من الظالم لمظلومه، وليقف في الحكم عند اشتباهه، ولينفذه عند اتجاهه، ولا يقبل غير المرضي في شهادته، ولا يتعرف (2) الاستقامة إلا من عادته، وليعلم أن الله مطلع على خفياته، وسائله يوم ملاقاته.
وكتب إلى صاحب (قلبيرة) يستدعي منه أقلاما (3):
قد عدمت أيدك الله (4) بهذا القطر الأقلام، وبها يتشخص الكلام، وهي حلية البيان وترجمة (5) اللسان، عليها تفرع شعاب الفكر [وذكرها] (6)
منزل فى محكم الذكر، ومنابتها بلدك، ويدك فيها يدك، وأريد أن ترتاد منها سبعة كعدد الأقاليم، حسنة التقليم، فضية الأديم، ولا يعتمد [منها] (7)
إلا صليبها والطوال أنابيبها، وإذا استمدت من أنفاسها، وافاك الشكر بطيب أنفاسها (8) إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى الوزير (9) عبد الملك بن عبد العزيز عند الحادثة بقونكة (10):
__________
(1) في الأصل: وليساو؟
(2) القلا: لا يعرف سوى الاستقامة من
(3) [هذه الرسالة ساقطة من (ت)].
(4) القلا: أطال الله بقاءك.
(5) القلا: ترجمان
(6) التكملة من القلا.
(7) [الزيادة من القلائد].
(8) القلا: وافاك الشكر من أنفاسها.
(9) في القلا: أبي عبد الملك.
(10) الذخيرة، القسم الثالث ورقة 67والبيان ج 3ص 165: «عند نزول الحادثة من حضرة طليطلة إلى قلعة كونكة». والمراد بالحادثة: حملة المأمون بن ذي النون على ملك عبد الملك ابن عبد العزيز في سنة 458.(18/370)
كتبت [أعزك الله] (1) والحد فليل. والذهن كليل. بما حدث من عظيم الخرق، على جميع الخلق. فلتقم على الدين نوادبه، فقد جب سنامه وغاربه، ولتفض عليه مدامعه وعبراته، فقد غشيه حمامه وغمراته، وكان منيع الذرى، بعيدا عن أن يلحظ أو يرى، تحميه المناصل البتر، والذوابل السمر، والمسوّمة الجرد، ومشيخة كأنهم من طول ما التثموا مرد، فأبى القدر إلا أن يفجع بأشمخ مدائنه ومعاقله، ولا يترك له سوى سواحله، وكانت لطليطلة أختا، فاستلبها فجأة وبغتا، وقبل ما سلب الجزيرة وسطى عقدها، بلنسية جبرها الله. وأرجو أن يتلافى جميعها، من نظر أمير المسلمين ما يعيدها، فيملؤها خيلا ورجالا، وينفر بهم خفافا وثقالا، عليهم من قوادها شيبها وشبانها، وفيهم من أجناده زنجها وعربانها.
من كل أبلج [باسم يوم الوغى] (2) ... يمشي إلى الهيجاء مشي غضنفر
يلقى الرماح بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر
حتى يستقال (3) جدّها العاثر، ويحيا رسمها الداثر، فتبتهج الأرض بعد غبرتها، وتكتسي الدنيا (4) بزهرتها، وما قصر القائد الأعلى في الجد والتشمير، والاحتفال بالأبطال المغاوير، حتى بلغ بنفسه أبلغ المجهود والجود بالنفس أقصى غاية الجود (5)، ولكن نفذ حكم من له الحكم، ورمى قضاؤه فما أخطأ السهم، والله لا يضيع له مقامه في العام السالف، وما أورد المشركين فيه من المتالف، فما انقضى فتح إلا ورد فتح (6)، كالفجر يتبعه صبح، مد الله بسطته، وثبت وطأته، ولا زال الصنع الجميل على هذا الدّين مراميا، وله محاميا، بعزته.
__________
(1) [الزيادة من القلائد].
(2) في الأصل: إلى الحرب والتكملة من القلا.
(3) الأصل: يستقل. [والإصلاح من القلائد].
(4) القلا: يكتسي الدهر.
(5) الأصل: غاية الموجود. [والإصلاح من (ت) والقلائد].
(6) القلا: حتى اعقبه فتح.(18/371)
وله (1):
[كتبت] (2) أعزك الله عن ضمير اندمج على سر اعتقادك صدره (3)، وتبلج في أفق مرادك (4) بدره، وسال على صفحات ثنائك مسكه، وصار في راحتي سنائك ملكه، ولما ظفرت بفلان حملته من تحيتي زهرا جنيا، يوافيك عرفه ذكيا، ويواليك أنسه نجيا، ويقضي من حقك فرضا مأتيا، على أن شخص جلالك لي ماثل، ويبين ضلوعي نازل، لا يملّه (خاطر) (5)
ولا يمسه عرض دابر.
وله (6):
كل المعالي (7) إليك ابتسامها، وفي يدك انتظامها، وعليك إصفاقها، ولديك إشراقها، وإن كتابك الرفيع وافاني فكان كالزهر الجني، والبشرى أتت بعد النعي، سرى (8) إلى نفسي فأحياها، وأجلى عني كرب الخطوب (9)
وجلاها، وتنبه لي وقد نامت عني العيون، وتهمّم بي وقد أغفلني الزمن الخؤون، فملكني (10) بإجماله، واستخفني باهتباله، فلتأتينه بالثناء الركائب، تحمله أعجازها والغوارب. وأما ما وصف به الأيام من ذميم أوصافها، وتقلبها واعتسافها، فما جهلتها، ولقد بلوتها خبرا، ورددتها على أعقابها
__________
(1) [من هنا إلى قوله: وحكى القيسي، ساقط من (ت)].
(2) التكملة من القلا.
(3) القلا: دره
(4) القلا: مرافق ودادك.
(5) الكلمة ساقطة من ق.
(6) «خاطبه ابن رزين برقعة يخطب فيها وداده ويستميل فؤاده، فراجعه ابن طاهر» «الذخيرة» 3 ورقة 12.
(7) الذخيرة كل المعالي أدام الله، إليه ابتسامها.
(8) القلا: أسزى.
(9) الذخيرة: وسلى على خطوب الركوب.
(10) القلا: تملكني.(18/372)
صغرا (1) فلم أخضع بجفوتها. ولم أتضعضع لنبوتها، وعمت أن الدنيا قليل بقاؤها، وشيك فناؤها، فأعدت (2) قول القائل (3):
تفانى الرجال على حبها ... وما يحصلون على طائل
وعلى (4) حالاتها فما عدمت بها من الله صنعا لطيفا، وسترا كثيفا، له الحمد ما أومض بارق، ولمع شارق، (5) وأما ما عرضه من الانتقال إلى ذراه، والتقلب في نعماه (6)، والحلول بجنابه، فكيف، وأنّى به، وقد قيدني الهرم فما أستطيع نهضا، ولا أطيق بسطا ولا قبضا، ولو أمكنني لاستقبلت العمر جديدا، والفضل مشهودا، عند من تقر بسوابقه العجم والعرب، وتؤكل خلائقه بالضمير وتشرب، جازاه الله بالحسنى وأولاه، ثواب ما تولى بعزته [تعالى].
وله وقد دعي إلى زفاف بعض الملوك (7):
نعمه. أيده الله، قد أغرقتني مدودها. وأثقلتني لواحقها ووفودها.
وافاني كتابه العزيز داعيا إلى المشهد الأعظم، والمحفل الأكرم، الذي ألبس الدنيا إشراقا، والمجد إبراقا، فألفى الدعاء مني سميعا، لا سيما وقد قلدتني به
__________
(1) الذخيرة: نكرا
(2) [في الأصل: وما عدت].
(3) الذخيرة: وفي ذلك أنشدوا.
(4) الذخيرة: مع ذلك لا عدمت من الله سترا.
(5) من هنا تختلف رواية الذخيرة عن رواية القلا والخريدة، ففيها: «رأيت ما انتدب إليه بسنائه من الشفاعة عند القائد الأعلى والصدق مواعده وقد كان بدأني بالاجمال الوعاد عائده وبيد الله تعالى لأمور يقتضيها عليه المتوكل (بياض) ومهمة ما أوصى إليه من التنقل إلى ذراه والورد على نداه وأنى لي بذلك وقد قيدني الهرم فما استطيع نهضا على قدم ولو اطقت ذلك لأعدت العمر غصنا جديدا ولقيت الكمال شخصا وحيدا من تقر بسوابقه العجم والعرب ويؤكل بخلائقه ويشرب.»
(6) [في الأصل: إلى داره، والتقلب في نعمائه، والأصلاح من القلائد].
(7) في القلا: «ولما نهضت بنت الوزير أبي بكر بن عبد العزيز إلى سرقسطة لتزف إلى المستعين، استدعى المؤتمن أعيان الأندلس»(18/373)
الشرف والسؤدد (1) والبر جميعا، وسما لناظري فيه إلى حيث النجوم شوابك (2) والمعالي أرائك، إلا أنه أيده الله أتم نظرا، وأوضح (3) تدبرا من أن يلحق بخاصته الزلل، ويوقع عليهم الخلل (4). وقد علم أن الأيام تركن بالي كاسفا، وخطوي (5) واقفا، فكيف يسوغ (6) أن القاه بذهن كليل، وفكر عليل، إذن فقد أخللت بأياديه، وما أجللت رفيع ناديه، وأقسم القسم البر بحياته أطالها الله ما كان من وطري أن أتأخر عنه ولي فيه الآمال العريضة، والقداح المفيضة، وفي يدي منه مواعد زهر النظام، ومواهب زرق الجمام، وإذا عرف الحقيقة رأى العذر واضحا، والسر لائحا، وعسى أن يلاحظ سعد، ويستنجز للمنى وعد، وينفسح خاطر، ويهتدي حائر، فيقف ببابه ملازما، ويخر على بساطه لاثما، إن شاء الله تعالى.
وحكى القيسي مؤلف قلائد العقيان أنه دخل بلنسية سنة ثلاث وخمسمائة فلقي أبا عبد الرحمان قد انحنى وهو يمسي (7) بالعيش على صخر، ويمشي على ساق من الشجر، ودارت بينهما مراسلات. وكتب إليه الرئيس أبو عبد الرحمان:
أنا أعزك الله عليك شحيح، ولك فيما تأتيه وتحتذيه نصيح، فالزمان لا يساعد، والأيام تعوق وتباعد، فاقصر من هذه الهمة، واقتصر من أمورك على المهمة، التي تفجأ مع الأوقات، ولا تلجأ فيها إلى ميقات، واقتصد في مواهبك، واقصد إلى العدل في مذاهبك، ولا تكلف في الجود بشرف، ولا تقف من التبذير على سرف (8)، فلو أن البحر لك مشرب،
__________
(1) في الأصل: الشرق والتودد؟
(2) في الأصل: بثوابك لمدائك.
(3) القلا: أصح
(4) في ق: الخجل
(5) ق: خطوبي
(6) القلا: يسوغ لي ان.
(7) في النسختين: يمشي.
(8) في القلا: سرف شرف(18/374)
قال: وأنشدنا عبد الغافر بن اسماعيل الفارسى كتابة أنشدنا أبو الحسن ابن فضال المجاشعى لنفسه:
يا يوسفىّ الجمال عبدك لم ... يبق له حيلة من الحيل
إن قدّ فيه القميص من دبر ... قد قدّ فيك الفؤاد من قبل (1)
قال: وأخبرنا أبو الحسن بن أبى عبد الله بن أبى الحسين النسوى أجازة. قال أنشدنا على بن فضال لنفسه:
والله إن الله ربّ العباد ... وخالص النية والاعتقاد (2)
يا أملح الناس بلا مرية ... من غير مستثنى ولا مستعاد
ما زادنى صدّك إلّا هوى ... وسوء أفعالك إلّا وداد
وإننى منك لفى لوعة ... أقلّ ما فيها يذيب الجماد
فكن كما شئت، فأنت المنى ... واحكم بما شئت فأنت المداد
وما عسى تبلغه طاقتى ... وإنما بين ضلوعى فؤاد
وقرأت فى بعض الكتب للمجاشعى يمدح نظام الملك:
__________
(1) الدبر: الخلف، القبل: الأمام، والشاعر يشير هنا إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام وشهادة الشاهد فى موقف زوجة العزيز منه فى قوله تعالى {إِنْ كََانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكََاذِبِينَ وَإِنْ كََانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصََّادِقِينَ}
(2) يقسم الشاعر بالله كما يقسم بنيته الخالصة واعتقاده السليم، وجواب القسم فى البيت الثالث «ما زادنى صدك إلا هوى البيت»(18/375)
والترب مكتسب (1). لنفدا معا، ولم يسدا موضعا، ولو كان النجم لك مصعدا، والفلك مقعدا، لما ثنيت إلى ذلك عنانا، ولا ارتضيتها لهمتك مكانا، وقد خطبتك في الحظوة سرا وجهرا، وبذلت لك الامرة اسنى مراتبك مهرا (2).
وكتب إليه بعد مفارقته:
يا كوكب مجد أظلمت لغروبه منيرات الآفاق، وذهب ما كنت عهدته من الإشراق، لقد استرجعت مسراتي أجمعها، وأزلت (3) عن نفسي في السلوة طمعها. فسقيا لعهدك، وقل له السقيا ويالهفي بعدك، إن قضى لك البقيا (4) وإن لي من الشوق ببعدك، والكدر لفقدك، ما لو كان بالفلك الدوار لم يدر، ولقد كانت [غراء] (5) أيام تلاقينا، والأنس يساقينا، وإنها لممثلة لعيني، ما يحول السلو بينها وبيني، وعساها تعود، فتطلع معها السعود، إن شاء الله تعالى.
101* ذو الوزارتين القائد أبو عيسى ابن لبّون *
وصفه القيسي (6) بعزة العظماء، وهزة الكرماء، والشغف بالجود، الكلف بالوفود، ونفاق بضائع البدائع في زمانه، واشراق مطالع الصنائع بإحسانه. واتسقت مناظم سلكه، في مراسم ملكه، وجرى مدار فلكه على مراد ملكه (7) وكانت مربيطر (8) مربض جياده، ومنهض أجناده،
__________
(1) القلا: مكسب
(2) حذف العماد منها بعض جمل.
(3) الأصل: أزالت
(4) القلا: ان قضى لي بالبقيا.
(5) التكملة من القلا.
(6) انظر القلا ص 111.
(7) [في الأصل: على مدار فلكه، والإصلاح من (ت)].
(8) في النسختين: مربيطو. [والإصلاح من (ت)].(18/375)
ومربط أفراس بأسه، ومسقط رأس إيناسه، والدهر مسالمه، والقدر مساعده، والأمل مساعفه، والوطر معاضده، فأخذها منه ابن رزين (1)، وتركه على أرض السائب (2) الحزين، وانعكس حظه، وانتكس لحظه، ونابه القدر في قدره النابه السلطان بنابه السلط، وشابه العير من دهره المتشابه الحدثان بعد الرفع بالحط، ورابه الزمن بالمكاره دون مكارمه، وحار مهتما في بحار مهامه بحارمه.
وله نظم نظمأ إلى مناهل ورده، ونجتلي الحسن من مطالع سعده، فمن ذلك قوله [في] (3) خليط مزائل، وحبيب راحل (4):
سقى أرضا ثووها كل مزن ... وسايرهم (5) سرور وارتياح
فما ألوى بهم ملل ولكن ... صروف الدهر والقدر المتاح
سأبكي بعدهم حزنا عليهم ... بدمع في أعنّته جماح
وقال (6):
قم يا نديم أدر عليّ القرقفا ... أو ما ترى زهر الرياض مفوّفا
فتخال محبوبا مدلا وردها ... وتظن نرجسها محبا مدنفا
والجلنار دماء قتلى معرك ... والياسمين حباب ماء قد طفا
وقال يعاتب بعض إخوانه ويخاطب (7) بعض خلّانه (8):
لحى الله قلبي كم يحنّ إليكم ... وقد بعتم حظّي وضاع لديكم
إذا نحن أنصفناكم من نفوسنا ... ولم تنصفونا فالسلام عليكم
__________
(1) تقدمت ترجمته رقم: 99
(2) [في (ت): السليب].
(3) [من هنا إلى قوله: قم يا نديم، ساقط من (ت)].
(4) انظر هذه الأبيات في الذخيرة ج 3ورقة 27والمغرب ج 2ص 376والحلة (دوزي) ص 192 والبيت الأول والثالث في المسالك ج 17ورقة 174.
(5) الذخيرة والمسالك: وسار بهم.
(6) انظرها في المغرب والنفح ج 1ص 445والحلة والاول والثالث منها في الذخيرة والمسالك.
(7) الأصل: يعاتب [والإصلاح من (ت)].
(8) هما في الذخيرة والمغرب.(18/376)
قالوا الوزير ابن عباد حوى شرفا
فكم وكم لك عبد كابن عباد (1)
ما جاوز الرّىّ شبرا رأى صاحبه
وأنت بالشام شمس الحفل والنادى
ولابن فضال المجاشعى:
إن تلفك الغربة فى معشر ... قد أجمعوا فيك على بغضهم
فدارهم ما دمت فى دارهم ... وأرضهم مادمت فى أرضهم
__________
(1) الصاحب اسماعيل بن عباد وزير مؤيد الدولة بن بويه الديلمى ثم أخيه فخر الدولة ولقب بالصاحب لصحبته مؤيد الدولة من صباه فكان يدعوه بذلك، طارت شهرته فى الكتابة وغزارة العلم بما فى علوم اللغة والتاريخ والآداب وله رسائل يضرب بها المثل فى البلاغة والبيان جعلته من كتاب اللغة العربية المعدودين كما أن له شعرا رفيعا وكان من تلاميذ ابن العميد وقد حذا حذوه فى أسلوبه كما نهج نهجه فى تشحيع العلوم والآداب توفى سنة 385هـ(18/376)
وقال بعد التسلط عليه في سلطانه، يحنّ إلى أوطاره في أوطانه (1):
يا ليت شعري وهل في ليت من أرب ... هيهات لا تنقضي من ليت (2) آراب
وأين تلك الليالي إذ تلم بنا (3) ... فيها وقد نام حرّاس وحجّاب
أين الشموس التي كانت تطالعنا (4) ... والجو من فوقه لليل جلباب
تهدي إلينا لجينا حشوه ذهب ... أنامل العاج والأطراف عنّاب
وقال يندب أيامه الموسومة السعود بالإشراق، المنظومة العقود على الاتساق، ويذكر تعثر آماله، وتغير أحواله (5):
خليليّ عوجا بي على مسقط اللوى (6)
لعل رسوم الدار أن (7) تتغيرا
وأسأل عن ليل تولى بأنسنا
وأندب أياما تقضّت وأعصرا
ليالي إذ كان الزمان مسالما
وإذ كان غصن العيش فينان أخضرا (8)
وإذ كنت أسقى الراح من كف أغيد
يناولنيها رائحا ومبكرا
أعانق منه الغصن يهتز ناعما
وألثم منه البدر يطلع مقمرا
__________
(1) الأبيات في الذخيرة والمغرب وتصحيح المغرب والحلة (دوزي) ص 118والبيت الثالث والرابع منها في المالك.
(2) المغرب: للمرء
(3) المغرب: فلم بها
(4) الذخيرة: كانت مطالعنا والجوف
(5) الأبيات في الذخيرة ومن البيت 12إلى آخر القصيدة في المغرب وتصحيح الحلة وترجمة الأبيات 2، 4إلى 8في بيريس ص 364.
(6) الذخيرة: الحمى
(7) القلا: لم تتغيرا
(8) ق: احمرا.(18/377)
دائم اللهو والمطايبة، سمعت بعض أهل أصحاب عمى يقول: كان يأتى إليه الغلام وما به شىء فيريه نبضه فيقول له: تصلح لك الهريسة، وما زال يخدم ملازما للعم إلى حين نزول الحادث الملم فآلى ألّا يقيم بالعراق بعده وآثر على قربه منها بعده، وركب مطية الغسق إلى دمشق وأقام بها إلى أن أتاه الأجل المحتوم والقدر المعلوم. فأقول: الحكيم أبو الحكم حكم له بالحكم (1) ولم يمنعه حكمه وحكمته عن الجرى فى ميدان الهزل والجمع فى نظمه [بين السخف والفضل و] (2) بين الإبريسم (3) والغزل، ولم يميز فى شعره حلاوة العمل من مرارة الغزل (4) بل مزج السخف بالظّرف، ولم يتكلّف مكابدة النّقد بالصرف، فخلط المدح بالهجو وشاب الكدر بالصفو. ونظمه فى فنه سلس وللقلوب مختلس، ومقطعاته مقطعات للأعراض مفوّقات إلى أغراض الأعراض إذا جال فى مضمار القريض الطويل العريض يؤمن عثاره ولا يشق غباره،
__________
(1) الحكم: العلم والفقه والحكمة قال تعالى منوها بداود عليه السلام «وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب» ومنوها بيوسف عليه السلام «ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما»، وفى موسى عليه السلام: «ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما».
(2) فى الأصل فى نظمه السخف بين الإبريسم والزيادة يقتضيها السياق.
(3) الإبريسم: الحرير قبل أن تخرقه الدود.
(4) هكذا بالأصل ولعلها: «ولم يميز فى شعره بين حلاوة الغزل ومرارة الغزل» والغزل بالمعنى الأول هو التحبب إلى النساء والإشادة بجمالهن، وبالمعنى الثانى فتور كلب الصيد وذلك بأنه يطلب الغزال حتى إذا أدركه ووقف الغزال من شدة خوفه انصرف عنه الكلب لاهثا. ولعل العبارة بهذه الصيغة تتسق مع أسلوب العماد المشغوف بالجناس.(18/378)
وقد ضربت أيدي الأماني رواقها (1)
علينا وكف الدهر عنا وأقصرا
فما شئت من لهو وما شئت من دد
ومن مبسم يجنيك عذبا مؤشّرا (2)
وما شئت من عود (3) يغنيك مفصحا
سما لك شوق بعد ما كان قصرا (4)
ولكنّها الدنيا تخادع أهلها
تغرّ بصفو وهي تطوي مكدّرا (5)
لقد أوردتني بعد ذلك كله
موارد ما ألفيت عنهنّ مصدرا
وكم كابدت نفسي لها من ملمّة
وكم بات طرفي من أساها مسهّرا
خليليّ ما بالي على صدق عزمتي (6)
أرى من زماني ونية وتعذرا
وو الله ما أدري لأيّ جريمة
تجنّى ولا عن أيّ ذنب تغيّرا
ولم أك عن كسب المكارم عاجزا (7)
ولا كنت في نيل أنيل مقصّرا
__________
(1) [في القلائد: قبابها].
(2) القلا: مؤثرا.
(3) الذخيرة: لهو
(4) القلا: اقصرا.
(5) القلا: تكدرا.
(6) القلا: نيتي.
(7) الذخيرة: عارجا.(18/378)
لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي
لقد رد عن جهل كثير وبصّرا
وأيقظ من نوم الغرارة نائما
وكسّب علما بالزمان وبالورى
وقال (1):
يا رب ليل شربنا فيه صافية ... صفراء (2) في لونها ننفي التباريحا
نرى الفراش على الأكواس (3) ساقطة ... كأنّها أبصرت منها مصابيحا
وقال يأنف من المقام والربوض، ويتقاضى عزمه بالسير والنهوض، ويعاف ما رتب له من الإجراء، ويميل إلى الإدلاج والإسراء (4):
ذروني أجب شرق البلاد وغربها ... لأسعى (5) بنفسي أو أموت بدائي
فلست ككلب السوء يرضيه مربض ... وعظم ولكنّي عقاب سماء (6)
تحوم لكيما يدرك الخصب حومها ... أمام أمام أو وراء وراء (7)
وكنت إذا ما بلدة (8) لي تنكرت ... شددت إلى أخرى مطي إبائي
وسرت ولا ألوي على متعذر ... وصممت لا أصغى إلى النصحاء
كشمس تبدت للعيون بمشرق ... صباحا وفي غرب أصيل مساء
وقال عند زهده في الدنيا وانقباضه، ونفض يده عنها وإعراضه (9):
نفضت كفي عن الدنيا وقلت لها ... إليك عنّي فما في الحق أغتبن
من كسر بيتي لي روض ومن كتبي ... جليس صدق على الأسرار مؤتمن
__________
(1) البيتان في الذخيرة والمغرب والحلة والمسالك وترجمتهما في بيريس ص 373.
(2) جميع المراجع: حمراء
(3) المسالك: الأكواب
(4) الأبيات في المغرب وتصحيح الحلة و 1و 2منها في المسالك وترجمتها في بيريس ص 463.
(5) [في القلائد: لأشفي].
(6) [من هنا إلى آخر المختارات، ساقط من (ت)].
(7) شرح دوزي هذا المصراع في تصحيح الحلة ص 116.
(8) المسالك: اذا بلدة يوم علي
(9) الأبيات في الذخيرة والنفح ج 2ص 404وتصحيح الحلة وترجمتهما في بيريس ص 450.(18/379)
للحسن سطر من فوق وجنتها ... فليس يقراه غير من كتبه (1)
ففلّ صبرى لما طمعت بها ... أصبح من وصلها على خربه (2)
يا حبذا [ليلة] لهوت بها ... أرشف من برد ريقها شنبه (3)
تخاف أن يغدر الظّلام بنا ... فهى لضوء الصباح مرتقبه
ومنها فى صفة المطية:
هذا وكم جبت مهمها قذفا ... على بعير ظهره حدبه (4)
فى الهزل:
إذا ذباب الفلاة طاف به ... حرك من خوف قرصه ذنبه
يأمن مما يخاف راكبه ... لأنه عصمة لمن ركبه
إن هو أرخى الزمام أسرع فى السّي ... ر، وإن رام مهلة جذبه
ومنها فى المديح:
ولست أعتد للفتى حسبا ... حتّى أرى فى فعاله حسبه (5)
سميّه لوغدا مشاكله ... فى المجد والمكرمات ما غلبه (6)
__________
(1) يقراه: يقرأه سهلت الهمزة للوزن، وفى الأصل يقرأه وبه يختل الوزن.
(2) فى الأصل: فقل صبرى، ولعل الصواب ما أثبتناه، الأصبح: الأسد، الخربة:
الجناية، والمعنى أن هذا الأسد الحارس لها أيأسنى من وصلها.
(3) فى الأصل يا حبذا لهوت بها، والزيادة يقتضيها الوزن والسياق، الشنب: ماء ورقة وبريق فى الأسنان.
(4) فى الأصل مهما قدما وهو تحريف، المهمه: المفازة السحيقة، قذف: تتقاذف السالكين فيها.
(5) الفعال: بالفتح اسم للفعل الحسن وقيل يكون للخير والشر.
(6) يقصد حاتما الطائى ويضرب به المثل فى السخاء وهو من أجواد العرب المعدودين.(18/380)
أدري به ما جرى في الدهر من خبر ... فعنده الحق مسطور ومختزن
وما مصابي سوى موتي ويدفنني ... قوم (1) وما لهم علم بمن دفنوا
* الوزير أبو عمرو الباجي (2) *
الكاتب، قرأت له من مجموع هذين البيتين:
غلطت يا دهر أكثر الغلط ... فارجع فإن الأنام في قنط
فلم تزل ترفع الخفاف (3) على ... حال ولكن من غير ذا النمط
ووصفه كتاب قلائد العقيان (4) بالإعجاز في البيان، والسبق في ميدان الإحسان، وأنه كان في زمان نفاق الفضائل، وإشراق الوسائل، وتزيّن سماء السماح بكواكب الأكارم، وترنّم أطيار الأوطار في رياض النجاح بغناء الغنائم، وحظي من المعروف بالمقتدر، بكل معروف وقدر، وتمكن منه تمكن القلب في الصدر، ولقي من أهل سرقسطه، ما أجزل من كل عارفة قسطه، ثم رحل عنهم، فحن إلى لقائهم، فقال يخاطبهم ويثني على آلائهم (5):
سلام على صفحات الكرم ... على الغرر الفارجات الغمم
على الهمم الفارعات النجوم ... على الأيمن الغامرات الديم (6)
سلام شج لانقلاب المزار ... نوى غربة عن جوار أمم
شجى (7) عن نزاع يذيب الدموع ... بنار الجوانح لا عن ندم (8)
__________
(1) المغرب: قومي.
(2) الأصل: ابن الباجي. وقد سبق ذكره في رقم (91).
(3) في ق: الخساس
(4) انظر القلا ص 115.
(5) الأبيات 1، 9إلى 12و 14منها في المغرب ج 1ص 405.
(6) [من هنا إلى البيت: وساعة أنس، مفقود من (ت)].
(7) [في الأصل: ضحى، والإصلاح من القلائد].
(8) الأصل: على الندم؟(18/380)
مبرّأ من خنا ومن دنس ... مطهر الجيب سالم الجنبه (1)
تصبح من عفة صحيفته ... مبيضة ليس تتعب الكتبه (2)
لم يعدم الراغبون نائله ... ولم يضيّع لقاصد تعبه (3)
وكلّ شخص يؤمّ منزله ... يقرع بابا مبارك العتبه
ما يصف الآن منه مادحه؟ ... أبشره أم نداه أم أدبه؟
أعيت سجاياه وصف مادحه ... وإن أجاد المديح وانتخبه
أهلا بمن جاد بالعقار ومن ... جاء به مسرعا ومن شربه
فدّيت قطّافه وعاصره ... ومن سعى فيه وانتقى عنبه
ومن دعاه فى دنّه زمنا ... واكتاله فى الظروف إذ حلبه
بنى سرايا لله درّهم ... ليس بهم بين ذا الأنام شبه
من أبصر الأجنبىّ بينهم ... يظنه واحدا من العصبه (4)
لا متّ حتى أرى عدوهم ... مسنّدا ظهره إلى خشبه (5)
__________
(1) الجيب: القلب، الجنبة: كهمزة: ما يجتنب من القبائح.
(2) يقصد الملائكة الموكلين بالبشر لكتابة حسناتهم وسيئاتهم وينظر فى هذا إلى قوله تعالى «كلا بل تكذبون بالدين وإنّ عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون».
(3) فى الأصل لم يعد الراغبون ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) فى المختصر والتيمورية كأنه واحد من العصبة، العصبة: قوم الرجل الذين يتعصبون له.
(5) يقصد: مصلوبا إلى خشبة، وفى المختصر والتيمورية:
لا تمنعنى أرى عدوهم ... مستندا ظهره إلى خشبة(18/381)
وأيّ الندامة من مجمع ... على ما نوى (1) همّه أي هم
وهل يتلوّن رأي الأريب (2) ... إذا جدّ في أمره واعتزم
[عزمت على رحلتي عنكم ... فسرت بقلب شديد الألم] (3)
أضاحك ضيفي وأطوي الفجاج ... وفي كبدي لاعج كالضرم
فما أنس لا أنس ذاك السّنا (4) ... وذاك السناء (5) وتلك الشيم
ودنيا بكم طلقة المجتلى ... ودهرا بكم واضح المبتسم
وساعة (6) أنس تجول النفو ... س (7) فيها مجال حمام الحرم
أحنّ إليكم فمن شاقه ... تذكر عهدكم لم يلم (8)
وإن كنت مغتبطا ساحبا ... ذيول الرضى في قرار النعم
وأنشر من فضلكم ما حييت (9) ... على أنه سافر (10) كالعلم
فما روضة الحزن ذات الفنون ... إذا ما الصباح عليها ابتسم (11)
وقد بلل الطل أحداقها ... كأنّ الفريد عليها انتظم
بأطيب من نفحات الثناء ... أسيّرها عنكم في الأمم
أروح وأغدو بها خاطبا ... لدى سامعي عرب أو عجم
لدى كل معترف تابع ... إذا قلت، ألقى إلي السلم
[ومن حقكم شكر آلائكم ... ومن حق شانئكم أن يذم] (12)
__________
(1) الأصل وق: برى [والإصلاح من القلائد].
(2) القلا: اللبيب.
(3) أضفنا هذا البيت من القلا.
(4) [في القلائد: الحياء].
(5) المغرب: وتلك المعالي وتيك الشيم.
(6) القلا والمغرب: ساعات. [وكذلك في (ت)].
(7) المغرب: النفوس لديها
(8) [هذا البيت ساقط من (ت)].
(9) المغرب: ما علمت. [وفي القلائد: ما وليت].
(10) المغرب: ظاهر
(11) [في القلائد: بسم].
(12) [أضفنا هذا البيت من القلائد].(18/381)
ومن نثره كنظم السمط، يصف المطر غب القحط (1):
إنّ لله تعالى قضايا واقعة بالعدل، وعطايا جامعة للفضل، ومنحا يبسطها إذا شاء ترفيها وإنعاما، ويقبضها إذا أراد تنبيها وإلهاما، ويجعلها لقوم صلاحا وخيرا، وعلى آخرين فسادا وضيرا، «وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد»، وأنه بعد ما كان من امتساك الحيا، وتوقف السقيا (2)، الذي ريع به الآمن، واستطير له الساكن، ورجفت الأكباد فزعا، وذهبت الألباب جزعا، [وأذكت ذكاء حرها، ومنعت السماء درها] (3) واكتست الأرض غبرة بعد خضرة، ولبست شحوبا بعد نضرة، وكادت برود الأرض (4) تطوى، ومدود نعمه تزوى. يسّر الله (5) تعالى رحمته، وبسط نعمته، وأتاح منته، وأزاح محنته، فبعث الرياح لواقح، وأرسل الغمام سوافح، بماء دفق، ورواء غدق، من سماء طبق، استهل جفنها فدمع، وسح مزنها وهمع، وصاب وبلها ونفع، فاستوفت الأرض ريا، واستكملت من نباتها أثاثا وريّا، فزينة الأرض مشهورة، وحلة الرياض (6) منشورة، (ومنّة الرّبّ موفورة، والقلوب ناعمة بعد بؤسها، والوجوه ضاحكة بعد عبوسها، وآثار الجوع (7) ممحوة، وسور الحمد متلوة) (8) ونحن نستزيد الواهب نعمة التوفيق، ونستهديه في قضاء الحقوق إلى سواء الطريق، ونستعيذ به من المنة أن تصير فتنة، ومن المنحة أن تعود محنة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________
(1) انظر هذه الرسالة في الذخيرة القسم الثاني ورقة 62.
(2) الذخيرة: وانه كان من امتساك السقيا
(3) أضفنا ما بين المعقفين من القلا والذخيرة.
(4) الذخيرة: الرياض.
(5) الذخيرة: ثم نشر الله
(6) الذخيرة: حلة الزهر
(7) القلا والذخيرة: الجزع.
(8) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].(18/382)
ومنها:
فيا من يظل لسانى له ... يترجم عمّا يكنّ الضمير
تجنب وجيشا فإنّ الفتى ... على حيف من يصطفيه يدور
فأخّر ودادك عنه فقد ... يؤخّر فى رمضان السّحور
وله يتشوق إلى ابن سهيل وقد طالت غيبته:
وحشتى لابن سهيل ... أسهرتنى طول ليلى
فيه قد كان أنسى ... وإليه كان ميلى (1)
كم أنادى واشقائى ... بعده!! وا طول ويلى!!
كان يكتال لى الود ... م بكيل أىّ كيل
فلقد طوّل بالإن ... عام والمعروف ذيلى
لم يكن يخلى الّذى وا ... لاه من بر ونيل
حقّ لى بعدك مما ... ذبت أن يسقط حيلى (2)
مالدائى اليوم من طبّ، ولو عاش الجبيلى (3)
__________
(1) فى الأصل فيه قد كان وهو تحريف.
(2) فى الأصل مما ذنبت، وهو تحريف له، حق له (بالبناء للمفعول): وجب فإذا بنيتها للمعلوم قلت حق على.
(3) الطب بالفتح: العالم بالطب أو الحاذق فى عمله، والطب بالكسر: علاج الجسم والنفس، ولم نعثر على ترجمة للجبيلى المذكور فيما بين أيدينا من مراجع ولعله محمد بن عبدون الجبلى أندلسى رحل إلى البصرة والقاهرة ونظم مارستانيهما.(18/383)
* 102 الوزير أبو [بكر] (1) محمد بن القصيرة *
قرأت له في بعض التعاليق، هذا البيت [شاهدا له] (2) بجودة النظم بالتوفيق والتحقيق، وهو من أبيات يهنىء فيها بمولود:
لم يستهل بكى ولكن منكرا ... أن لم تعدّ له الدروع لفائفا
ولم يورد القيسي مصنف قلائد العقيان شيئا من شعره، لكنه وشح كتابه بنثره (3)، ووصفه بترجح الأقلام في بيانه، وتبجح الأيام بمكانه، وإنه كان في سماء العلى وتاجها دريا ودرّه، ولمشرفي الشرف وجهة الوجاهة غرارا وغرة، واشتملت عليه دولة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اشتمال الجفن على البصر، والأكمام (4) على الثّمر، والهالة على القمر، إلى أن أضمر رمسه (5)، وكورت شمسه (6). قال القيسي: فمن كلامه رقعة راجعني بها (7):
وافتني لك أطال الله بقاءك (8) أحرف كأنها الوشم في الخدود، تميس في حلل إبداعها كالغصن الاملود، وإنك لسابق هذه الحلبة لا يدرك غبارك (9) في مضمارها، ولا يضاف سرارك إلى إبدارها (10). وما أنت في أهل البلاغة إلا نكتة فلكها، ومعجزة تتشرف (11) الدول بتملكها، وما
__________
(1) سقطت هذه الكلمة من الأصل وفي ق: أبو بكر بن محمد [وفي (ت): أبو بكر محمد]، واسمه الكامل: أبو بكر محمد بن سليمان الكلاعي.
(2) الكلمة ساقطة من الأصل وفي ق: شاهدا بإجادة. [وفي (ت): شاهدا له بإجادة].
(3) انظر القلا ص 117.
(4) [في الأصل: الكمام، والإصلاح من (ت)].
(5) [في الأصل: أمسه، والإصلاح من (ت)].
(6) [من هنا إلى قوله: وكتب عن أمير المسلمين ساقط من (ت)].
(7) انظر هذه الرسالة في المغرب ج 1ص 350.
(8) القلا: اعزك الله.
(9) في الأصل: غبارها. [والإصلاح من القلائد].
(10) في النسختين: اقمارها [وما أثبت من القلائد].
(11) المغرب: تشرف.(18/383)
كان أخلقك بملك يدنيك، وملك يقتنيك، ولكنها الحظوظ لا تعتمد من تتجمل به وتتشرف، ولا تقف إلا على من توقف، ولو اتّفقت بحسب الرتب لما ضربت إلا عليك قبابها، ولا خلعت إلا عليك (1) أثوابها، وأما ما عرضته فلا أرى إنفاذه قواما، ولا أرضى (2) لك أن تترك عيون آرائك (3) نياما، ولو كففت من هذا الخلق، وانصرفت عن تلك الطرق، لكان أليق بك، وأذهب مع حسن مذهبك، فقديما أوردت الأنفة أهلها (4) موارد لم يحمدوا صدرها (5) والموفق من أبعدها وهجرها، وسأستدرك الأمر قبل (6) فواته، وأرهف لك مفلول شباته، فتوقف قليلا، ولا تنفذ فيه دبيرا ولا قبيلا، حتى ألقاك هذه العشية، وأعلمك بما تنبني عليه القضية.
وكتب عن أمير المسلمين (7) إلى طائفة متعدية:
يا أمة لا تعقل رشدها، ولا تجري إلى ما تقتضيه نعم الله عندها، ولا تقلع عن أذى تفشيه قربا وبعدا جهدها، فإنكم لا ترعون لجار ولا غيره حرمة، ولا تراقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة، قد أعماكم عن مصالحكم الأشر، وأضلكم ضلالا بعيدا البطر، ونبذتم المعروف وراء ظهوركم، وأتيتم ما ينكر مقتديا في ذلك صغيركم بكبيركم، وخاملكم بمشهوركم، ليس فيكم زاجر، ولا منكم إلا غويّ فاجر، وما ترى إلا الله عز وجل [قد شاء] (8) مسخكم و [أراد نسخكم] (8) وفسخكم، فسلط عليكم الشيطان الرجيم يغركم ويغريكم، ويزين لكم قبائح معاصيكم، وكأنكم به قد نكص على عقبيه
__________
(1) المغرب: ولا عطفت عليك الا
(2) المغرب: ولا أرى.
(3) المغرب: عيون رايك
(4) في الأصل: مع أهلها [والإصلاح من القلائد].
(5) [في الأصل: مصدرها، والإصلاح من القلائد].
(6) [في الأصل: بعد، والإصلاح من القلائد].
(7) المراد: يوسف بن تاشفين.
(8) التكملة من القلا.(18/384)
عنكم، وقال إني بريء منكم، وترككم في صفقة خاسرة، لا تستقيلونها إن لم تتوبوا في دنيا ولا آخرة، وحسبنا هذا إعذارا لكم، وإنذارا قبلكم، فتوبوا وأنيبوا وأقلعوا وانزعوا، واقضوا (1) من أنفسكم كل من وترتموه، وأنصفوا جميع من ظلمتموه وغششتموه (2) ولا تستطيلوا على أحد بعد، ولا يكن إلى أذاه صدر ولا ورد، إلا عاجلكم من عقوبتكم ما يجعلكم مثلا سائرا، وحديثا غابرا، فاتقوا الله في أنفسكم وأهليكم، وإياكم والاغترار فإنه يورطكم فيما يرديكم ويسوقكم، إلى ما يشمت به أعاديكم، وكفى بهذا تبصرة وتذكرة، ليست [لكم] (3) بعدها حجة ولا معذرة
وكتب عن أمير المسلمين إلى صاحب قلعة حماد (4):
وصل كتابك، الذي أنفذته من وادي منى صادرا عن الوجهة التي استظهرت عليها بأضدادك، وأجحفت فيها بطارفك وتلادك، وأخفقت فيها من مطلبك ومرادك، فوقفنا على معانيه، وعرفنا المصرح به والمشار إليه فيه، ووجدناك [تتجنى وتثرّب على من لم يستوجب التّثريب] (5) وتجعل سيّئك حسنا، ونكرك معروفا وخلافك (6) صوابا بينا، وتقضي لنفسك بفلح الخصام، وتوافيها (7) الحجة البالغة في جميع الأحكام، ولم تتأوّل أنّ وراء كلّ حجة أدليت بها ما يدحضها، وإزاء كل دعوى أبرمتها ما ينقضها، وتلقاء (8)
كل شكوى صححتها ما يمرّضها، ولولا استنكاف الجدال، واجتناب تردد القيل والقال، لفضضنا (9) فصول كتابك أولا فأولا، وتقريناها
__________
(1) القلا: اقتصوا
(2) القلا: غشيتموه
(3) التكملة من القلا.
(4) انظر تمام الرسالة في الذخيرة القسم الثاني ورقة 82. ولم يذكر ابن بسام اسم هذه القلعة.
[وهذه الرسالة ساقطة من (ت)].
(5) التكملة من الذخيرة.
(6) الذخيرة: خطاك
(7) القلا: توليها
(8) [في الأصل: تلقى، والإصلاح من القلائد].
(9) في القلا: لقصصنا وفي الذخيرة: لنصصنا.(18/385)
عدم المنحوس فى جلّ ... ق خصييه وأيره (1)
ما أراه بعدها يط ... مع فى جلد عميره (2)
وله فى الهزل:
إذا جاءنى يوما نعىّ أبى الوحش
وأبصرته فوق الرّءوس على نعش (3)
وقد جعلوا من نهر قلوط غسله ... وكفّن فى كرش وألحد فى حشّ (4)
وظلّ لما يلقاه من هول منكر ... وشدة ضيق القبر يضرط كالجحش
بذلت لصحبى زق خمر وقينة ... وزخرفت دارى بالنمارق والفرش (5)
فإن قيل لى ماذا التكرم والسخا ... أقول لهم مات الوضيع أبو الوحش
وله فى الأديب أبى الوحش، وعده بليمو (6) ولم ينفذه إليه:
أبا الوحش يا من غدت عرسه ... تجود بما بين أفخاذها
__________
(1) جلق من أسماء دمشق الفيحاء
(2) جلد عميرة: رمز للعادة السرية.
(3) النعى: مصدر نعى بمعنى أخبر بموت فلان، ويأتى بمعنى الناعى وبمعنى المنعى
(4) هكذا بالأصل ولعلها من نهر قيليط، والقيليط هو منتفخ الخصية ولعله يريد أنه غسل بماء الخصيتين. الحش: المرحاض وأصله جماعة النخل لأنهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إلى مجتمع النخل، أو هو المخرج.
(5) النمارق: الطنافس أو الوسائد الصغيرة المعدة للاتكاء عليها جمع نمرقة، بذلت لصحبى جواب إذا فى أول القطعة.
(6) الليمو هو الليمون، والواو والنون زائدنان وبعضهم يحذف النون فيقول ليمو (راجع المصباح وشفاء العليل):(18/385)
تفاصيل وجملا، وأضفنا إلى كل فصل ما يبطله، ويخجل من ينتحله، حتى لا يدفع حجته دافع، ولا ينبو عن قبول أدلته راء ولا سامع (1).
ومنها:
وأنت (2) تحتفل وتحتشد، وتقوم وتقعد، وتبرق غيظا (3) وترعد، وتستدعي ذؤبان العرب (4)، وصعاليكهم من مبتعد ومقترب، فتعطيهم ما في خزائنك جزافا، وتنفق عليهم ما كنزه أوائلك إسرافا، وتمنح أهل العشرات مئين وأهل المئين آلافا، كل ذلك لتعتضد بهم، وتعتمد على تعصبهم (5)، وتعتقد أنهم جنّتك من المحاذير، وحماتك من المقادير، وتذهل عما في الغيب من أحكام العزيز القدير (6)
وكتب إلى أهل مكناسة عنه (7):
أما بعد، أصلح الله من أعمالكم ما اختل، وأصح من وجوه صلاحكم ما اعتل، فقد بلغنا ما أنتم بسبيله من التقاطع والتدابر، وما ركبتم رؤوسكم فيه من التنازع والتهاتر، قد استوى في ذلك عالمكم وجاهلكم، وصار شرعا سواء فيه نبيهكم وخاملكم، لا تأتمرون رشدا، ولا تطيعون مرشدا، ولا تقيمون (8) [سددا] (9) ولا تنحون مقصدا، ولا تفلحون إن لم ترعووا عن غوايتكم أبدا، فلا يسوغ لنا أن نترككم فوضى وندعكم سدى، ولا بد لنا من أخذ قناتكم بثقاف إما أن تستقيم أو تتشظى قصدا، فتوبوا من ذنب التباغض بينكم والتباين، واعصوا شياطين التحاقد والتشاحن، وكونوا على الخير أعوانا،
__________
(1) انظر ما حذف العماد منها في القلا ص 119.
(2) القلا والذخيرة: وأنت خلال ذلك
(3) الذخيرة: غضبا
(4) القلا: ذؤابات والذخيرة: دمان العرب.
(5) الذخيرة: تعصبهم لك وتألبهم
(6) انظر تمام الرسالة في الذخيرة.
(7) [كلمة: عنه، ساقطة من (ت)].
(8) القلا: ولا تأتون
(9) [زيارة من القلائد].(18/386)
وفي ذات الله إخوانا، ولا تجعلوا للغواية (1) عليكم يدا ولا سلطانا. [واعلموا أن من نزغ بينكم بشر، أو نفث في فتنة بضرّ، وقام عندنا عليه الدليل، واتجه إليه السبيل، أخرجناه عنكم، وأبعدناه منكم] (2). فاتّقوا الله وكونوا مع الصادقين، ولا تتولوا عن الموعظة وأنتم معرضون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون.
103* الوزير أبو المطرّف (3) ابن الدباغ الكاتب *
لم يورد له نظما، ووصفه (4) بالاشتهار بالبلاغة، والاقتصار على حسن البلاغ في كل إراغة، وكلف المعتمد به، فاعتماده عليه لحسن مذهبه، فانبرى لشأنه الشاني، فأصابت كماله عين الراني، فأحله اضطراب الحالة حلة الاضطرار، وأفضى به الاغترار إلى الاعترار (5). وحصل دون درك الإيثار، في شرك العثار، فانتقل إلى المتوكل متوكلا، فرفع ووسع له منزلة ومنزلا، وكر إلى سرقسطة بلده ومحله، ليكون مع ولده وأهله، فبات ليلة في بعض حدائقها، فرمقته النوائب بأحداق بوائقها، فطرقه عدوّ له وهنا، وكسا قواه بفري أوداجه وهنا، وطعنه بمداه وردّاه رداه، وسقاه من الموت الأحمر كأس حمامه، وتركه لا يستيقظ من منامه.
ومن كتبه، وكان كثير الشكوى من الدهر ونوبه (6):
كتابي، (7) وأنا كما تدريه، غرض للأيام ترميه، ولكن غير شاك
__________
(1) القلا: للعقوبة.
(2) التكملة من القلا.
(3) في الذخيرة: الوزير أبو المظفر
(4) انظر القلا: ص 120.
(5) في ق: الاغترار إلى الإغرار.
(6) انظر هذه الرسالة في الذخيرة، القسم الثالث ورقة 68. [وفي الأصل: وكان كثيرا يشكو فيها، وما أثبتناه من (ت)].
(7) هي رسالة إلى ابن حسداي.(18/387)
وأصلب منه رأسا ما رأينا ... تقاسى ما قليل منه يكفى
وكانوا كلما صفعوه ألفا ... أبى إلا مغالطة بألف
ولا يرضيه منهم ذاك حتى ... يحابوه ببرطاش وخف (1)
وله وقد زين سوق دمشق وعلق سبع على ريح (2):
يا ربّ سوق مزين حسن ... جزت به والنهار منسلخ
رأيت من فوق بابه سبعا ... يدخل فيه الهوا فينتفخ (3)
وله من قطعة:
وللمنايا مواقيت مقدّرة
وذاك حكم جرى فى سالف الأبد
ولم تزل أسهم الأقدار صائبة ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود (4)
وله من قصيدة:
ألا ربّ وغد قدّم الموت درّه
كما أخرجت ضغن الشّموس المهامز (5)
__________
(1) يريد أنه لا يرضى حتى يقذفوه بالنعال
(2) يظهر من سياق البيتين أنه تمثال لأحد السباع تدخله الريح فينتفخ وفى الأصل على رمح ولعل الصواب ما أثبتناه
(3) السبع بسكون الباء وضمها وفتحها: الضارى من الحيوان أو الطير
(4) العقل: الدية قيل سميت به لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولى المقتول ثم كثر استعمال هذا الحرف حتى قالوا عقلت المقتول إذا أعطيت ديته دراهم ودنانير، القود: القصاص.
(5) الدر: الخير، وقد تكون الدر بمعنى اللآلىء الشموس: الجامح، المهامز: جمع مهماز وهو حديدة فى مؤخر خف الفارس يروض بها الجواد وهو يريد بهذا أن الميت يكثر مادحوه(18/388)
لآلامها، لأن (1) قلبي في أغشية من سهامها. فالنصل على مثله يقع، والتألم بهذه الحالة قد ارتفع (2). كذلك التقريع إذا تتابع هان، والخطب إذا أفرط في الشدة لان (3)، والحوادث تنعكس إلى الأضداد، إذا تناهت في الاشتداد، وتزايدت على الآماد.
وكتب في مثل ذلك (4):
كتابي، وعندي من الدهر ما يهزّ (5) أيسره الرواسي، ويفتّت الحجر القاسي (6)، ومن أجلها (7) قلب محاسني مساويا، و [انقلاب] (8) أوليائي أعاديا (9)، وقصدني بالبغضة من جهة المقة، واعتمدني بالخيانة من جانب (10)
الثقة، فقس هذا على سواه، وعارض به ما عداه، ولا تعجب إلا لثبوتي لما لا يثبت عليه الحلق السرد (11)، وبقائي على ما لا يبقى [عليه الحجر الصلد] (8)، ولا أطول عليك فقد غير علي حتى شرابي، وأوحشتني ثيابي، فها أنا أتهم عياني، وأستريب من بناني، وأجني الإساءة من غرس إحساني، وقاتل الله الحطيئة في قوله، فلشد ما غرّر بقوله (12):
من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... وزارع الشر منكوس على الراس
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
__________
(1) الذخيرة: الا ان.
(2) الذخيرة: يرتفع.
(3) القلا: اذا اشتد لان.
(4) انظر هذه الرسالة في الذخيرة والمغرب ج 2ص 440 [وهي ساقطة من (ت)].
(5) جميع المراجع: يهد
(6) في الذخيرة: القاسي فرس رهان يحيد نوائبا وأحيد صبرا ومن أجلها
(7) المغرب: اقلها
(8) التكملة من القلا.
(9) المغرب: مكارمي مخازيا.
(10) المغرب: جهة الثقة، والذخيرة: حيث
(11) القلا: الخلق السرد.
(12) كذا في النسختين وفي القلا: الحطيئة في قبره فطالما غر بقوله. ولم يرد فيه الا البيت الأول، والبيتان في ديوان الحطيئة طبع بيروت ص 77.(18/388)
وقدما رأينا اللّؤم يفضح أهله ... وتشهد للقوم الكرام الغرائز
وفى الناس محظوظ سعيد ومدبر ... وفيهم إذا فتّشت ضان وماعز
وله يرثى كلبا من قصيدة:
كان ذا ألفة بنا وحفاظ ... لم يكن فيه خصلة مذمومة (1)
لم يزل دائما يبصبص للضيف ... فأعتدّ ذاك منه غنيمه (2)
لو يباح الفدا فديناه بالنّف ... س وإن لم تكن له النفس قيمه
إن هذا الزمان شيمته الغد ... ر قديما، والغدر أقبح شيمه
لو تأمّلته لراقك حسنا ... وتمنّيت أن تكون نديمة
وله وكان ابن منير الشاعر بشيزر (3). وأراد أبو الوحش الأديب السفر إليه فسأل أبا الحكم أن يكتب أبياتا إليه فى حقّه فكتب:
أبا الحسين استمع مقال فتى ... عوجل فيما يقول فارتجلا (4)
هذا أبو الوحش جاء ممتدحا ... للقوم نوّه به إذا وصلا (5)
__________
(1) الخصلة بالفتح: الخلة والطبيعة: وبالضم لفيفة من الشعر
(2) بصبص الكلب وتبصبص: حرك ذنبه، والتبصبص: التملق
(3) شيزر: قلعة قرب حماة، وابن منير هو أبو الحسن أحمد بن منير الطرابلسى ولد بطرابلس سنة 473هـ وتوفى بحلب سنة 548هـ وكان شاعرا هجاه خبيث اللسان سجنه بودى ابن أتابك بسبب فحشه. ثم شفع فيه فنفاه، وقد رثاه أبو الحكم الشاعر متشفيا هاجيا بقوله:
أتوا به فوق أعواد تسير به ... وغسلوه بشطى نهر قلوط
وأسخنوا الماء فى قدر مرصعة ... وأشعلوا تحته عيدان بلوط
«راجع ترجمة فى الوفيات ج 1ص 143»
(4) فى الأصل أبا الحسن، وهو تحريف فكنية الشاعر أبو الحسين والوزن يقتضى هذا
(5) فى الوفيات: ممتدح القوم فنوه(18/389)
أنا والله فعلت (1) خيرا فعدمت جوازيه، وما أحمدت (2) عوائده ومباديه، وزرعته فلم أحصد إلا شرّا، [ولا اجتنيت منه إلا ضرا] (3)، وهكذا جدي فما أصنع، وقد أبى لي القضاء إلا أن أفني عمري في بوس، ولا أنفك من نحوس. ويا ليت باقيه قد انصرم، وغائب الحمام قد قدم، وعسى أن تكون بعد الممات راحة من هذا النصب، وسلوة عن هذه الخطوب والنوب (4)، ودع بنا هذا التشكي فالدهر ليس بمعتب [من] (3) يجزع (5)، ولا في الأيام رجاء ومطمع.
وله [من] (6) فصل في تعزية:
[من أي] (7) الثنايا طلعت النوائب. وأي حمى رتعت فيه المصائب، فواها لحشاشة الفضل أرصدها الردى غوائله، وبقية الكرم جرّ عليها الدهر كلاكله، ويا حسرتا للجة المواهب كيف سجرت، ولشمس المعالي كيف كورت، ويالهفي على هضبة الحكم كيف [زلزلت، وحدة الذكاء والفهم كيف فللت] (3)، فإنا لله وإنا إليه راجعون [أخذا بوصاياه، وتسليما لقضاياه] (8).
وله فصل (9):
لئن كانت الأيام تنئيك. فالأماني تدنيك، ولئن كنت محجوبا عن
__________
(1) الذخيرة: أنا والله اعتررت به وفعلت خيرا.
(2) الذخيرة: اذممت
(3) التكملة من القلا.
(4) الذخيرة: الكروب.
(5) وبعدها في الذخيرة: ولا بمشفق على من يرجع واطرح بنا هذا القول في الرياح واعدل بنا على الجد والمزاح.
(6) [من (ت)].
(7) [من (ت)، والقلائد].
(8) [الزيادة من (ت)، والقلائد].
(9) [هذا الفصل والذي يليه، ساقطان من (ت)].(18/389)
الناظر، فإنك مصور في الخاطر، أناجيك بلسان الضمير. وأعاطيك سلاف السرور.
وله فصل في ذم كتاب:
وردني لك كتاب خلته للطفه سماء، وتوهمته من خفته هباء، وفضضته عن أسطر فيها سواد، لم يتحصل منه مستفاد، فتعوذت برب ذلك الفلق، من شر ذلك الغسق.
وله (1):
كنت عهدتك لا تمتنع من مداعبة من يداعبك، ولا تنقبض عن مراجعة من يخاطبك، فمن أين حدث هذا التعالي، وما سبب هذا التغالي، عرفني، جعلت فداك، ما الذي عداك، ولعلك رأيت الحضرة قد خلت من قاض فطمعت في القضاء وجعلت تأخذ نفسك بأهبته، وتترشح لرتبته، وأنت الآن لا شك تتفقه في الأحكام، وتتطلع شريعة الإسلام، وهبك تحليت بهذا السمت، وتأهبت وتهيأت لذلك الدست، ما تصنع في قصة السبت. دع عنك هذا التخلق وارجع إلى أخلاقك، وعد في إطراقك، وتجاهل، ما قبلك جاهل، وتحامق مع الحمقى وأنت عاقل، فلا تمنع لذة الاسترسال، ولا تبع الدنيا بخدمتك في سائر الأحوال، فما أشبه إدبارها بالإقبال، وكثرتها بالإقلال.
وله يستدعي خمرا (2):
أوصافك العطرة، ومكارمك المشتهرة، تنشط سامعها من غير توطية، في اقتضاء ما عرض من أمنية، وللراح من قلبي محل لا تصل إليه سلوة، ولا تعترضه جفوة، إلا أن معينها (قد) (3) جف، وقطينها (قد) (3) خف،
__________
(1) هي رسالة إلى ابن حسداي.
(2) انظر هذه الرسالة في الذخيرة 3ورقة 81.
(3) الكلمة ساقطة من ق.(18/390)
واتل عليهم بحسن شرحك ما ... أتلوه من شرح حاله جملا (1)
وخبّر القوم أنه رجل ... ما أبصر الناس مثله رجلا
تنوب عن وصفه شمائله ... لا يبتغى عاقل به بدلا
ومنها:
وهو على خفّة به أبدا ... معترف أنه من الثّقلا
يمت بالثلب والرقاعة والسخف ... وأما بما سواه فلا
إن أنت فاتحته لتخبر ما ... يصدر عنه فتحت منه خلا
فسمه إن حلّ خطّة الخسف وال ... هوان، ورحّب به إذا انتقلا
وأسقه المرّ إن ظفرت به ... وامزج له من لسانك العسلا (2)
وله مقصورة هزلية فى الشعراء وطردية واقتصرت على ما كتبه.
__________
(1) فى الأصل أتلوه من حديثه جملا وبه يختل الوزن، والتصحيح عن وفيات الأعيان.
(2) المختصر والتيمورية وسقه السم ورواية الوفيات توافق النص.(18/390)
الشيخ ابو محمد عبد الله بن محمد
ابن المغربى الأندلسى، وله فى عميد الدولة ابن جهير (1) من قصيدة:
لازال مجدك يكبت الحسّادا ... ويبير من ناوى وصدّ عنادا (2)
ويعيد أرواحا أبت لنوائب ... دارت بها أن تصحب الأجسادا
لله أيام بقربك أنعمت ... ما ضرها أن لم تكن أعيادا
راقت محاسنها وطاب نعيمها ... فأتى الزمان حدائقا وعهادا (3)
أسفى على زمن مضى فى غيرها ... يا ليت ذاهبه، استعيد فعادا (4)
من مبلغ عنى الأحبة إذ نأت ... أوطانهم والمعشر الحسادا
أنى وجدت الجوّ طلقا بعدهم ... والماء مصقول الأديم برادا (5)
وقررت عينا فى قرارة ماجد ... بطباعه يستعبد الأمجادا
وحللت فى كنف السّيادة فانثنى
زمنى، وعاد المنصف النّقّادا (6)
__________
(1) هو عميد الدولة أبو منصور محمد بن محمد ولى الوزارة ببغداد لثلاثة من الخلفاء وكان كاتبا فصيحا مترسلا مهيبا يروى إن عشرة آلاف شاعر مدحوه بنحو مائة ألف بيت قتله المستظهر سنة 492أو سنة 493هـ
(2) فى الأصل ويثير ولعل الصواب ما أثبتناه
(3) العهاد: أول المطر فى الربيع
(4) فى الأصل استعاد ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) الأديم: الصفحة، البراد: البارد
(6) النقاد: صيغة مبالغة من الناقد وهو الذى يميز الأمور ويضع الشىء فى موضعه ويعرف الطيب من الخبيث.(18/391)
فما توجد للسّباء (1)، ولو بحشاشة الحوباء، فصلني منها بما يوازي قدري، ويقوم له شكري، فإن قدرك أرفع من أن تقتضي (2) حقه زاخرات البحار، ولو سالت بذوب النضار، لا يصافنه العقار.
وله يستدعي إلى مجلس أنس (3):
يومنا يوم قد تجهم محياه، ودمعت عيناه، وبرقعت شمسه الغيوم، ونثرت صباه لؤلؤه المنظوم، وملأ الخافقين دخان دجنه، وطبق بساط الأرض هملان جفنه (4)، فأعرضنا عنه إلى مجلس وجهه كالصباح المسفر، وجلبابه كالرداء المحبر (5)، وحليه يشرق في ترائبه، ونده يعبق في جوانبه، وطلائع أنواره تظهر، وكواكب إيناسه (6) تزهر، وأباريقه تركع وتسجد، وأوتاره تنشد وتغرد، وبدوره تستحث أنجمها محيّية، وتقبل أنملها (7) مفدية، وسائر نغماتها خذ وهاتها، وأملها أن تحث خطاك، حتى يلوح سناك، ونشتفي بمرآك.
وله (8):
ورد كتابك فنور ما كان بالإغياب داجيا، وحسن مشافها عنك ومناجيا، واسترد إلى الخلة بهاءها، وأجرى في صفحة الصلة ماءها، وعند شدة الظّمأ يعذب الماء، وبعد مشقة السهر (9) يطيب الاغفاء (10)، ورأيت ما وعدت
__________
(1) [من القلا والذخيرة: للسباء. وفي الأصل: الشراء].
(2) الذخيرة: تقصي؟
(3) انظر الرسالة في الذخيرة.
(4) الذخيرة: الأرض سملا حقنه؟ فاعترض عنه إلى مجلس وحبه.
(5) في القلا: الرداء المجر.
(6) الذخيرة: تتمر وكواكب اكواسه
(7) في ق: أيديها.
(8) انظرها في الذخيرة، 3ورقة 79. [ومن هنا إلى آخر المختارات ساقط من (ت)].
(9) الذخيرة: السفر
(10) بعدها في الذخيرة: ولا تعد إلى هذا فتحكي ما يجنيه علينا حادث إلى (كذا) حتى يريد بقطع الأثر والعين(18/391)
به من الزّيارة فسرني سرورا بعث من إطرابي، وحسن لي دين التصابي (1)، فارتحت كأنما أدار علي المدام مديرها، وجاوب المثاني والمثالث زيرها، ولا تسأل عن حالي (استطلعتها فهي كاسفة بالي، كاشفة عن خبالي) (2) بصبح لاح من خلال ذؤابتي، وتنفس في ليل لمتي، فأدجى مطالع أعمالي، وأراني مصارع آمالي.
وله فصل (3):
يا ليت شعري كيف اتغير على بعضي، وأمنحه قطيعتي وبغضي.
وله فصل (4):
طلع علينا هذا اليوم فكاد يمطر من الغضارة صحوه، ويقبس (5) من الإنارة جوه، ويحيي الرميم اعتداله، ويصبي الحليم جماله (6)، فلفتنا زهرته، ونظمتنا (7) بهجته، في روضة أرضعتها السماء شآبيبها (8)
ونثرت عليها كواكبها، ووفد عليها النعمان بشقيقه، أو قبّل (9) فيها الهند بخلوقه، وبكر إليها بابل برحيقه، (10) فالجمال يثني بحسنه (11) طرفه، والنسيم يهزّ لأنفاسه عطفه، وتمنينا أن يتبلج صبحك من خلال فروجه.
__________
(1) بعد التصابي في الذخيرة: «ولم اتمالك ان استرسلتها إلى المزاح وتجليت في يد الارتياح حتى كأنما أدار علي زيرها ولعل الأيام تفعل ذلك فقد يحسن في بعض الاحيان الصنيع ويشعب الشمل الصديع ولا تسأل عن حال استطلعتها فهي يثر (كذا) ما عهدت من صبح لاح آمالي وكشف لي عن اسوداد المطالب»
(2) التكملة من ق والقلا.
(3) انظر الذخيرة 3، 81.
(4) الرسالة في الذخيرة 3، 81.
(5) الذخيرة: حسنه وجماله.
(6) الذخيرة: يعشي؟
(7) القلا: ضمتنا يهجته ونضارته.
(8) الذخيرة: خلعت علينا السماء سبانها؟
(9) القلا والذخيرة: احتل فيها
(10) الذخيرة: فكر إليه نابل؟
(11) الذخيرة: شخص لحسنه(18/392)
وقد سكّنت عنه أعداؤه ... كما سكّن الفعل جزما بلم (1)
فليست على فم ذى البخل (لا) ... بأولى على فمه من (نعم) (2)
سل العضب عنه تجد مخبرا ... فلولا به من قراع البهم (3)
ويشكو امتلاء بما قد غذا ... هـ فيرعف فى كل حين بدم (4)
__________
(1) فى الأصل وقد سكنت عن أعدائه، وبه يختل الوزن ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) تسهل كلمة (لا) على فم البخيل ولكن كلمة (نعم) أسهل على فم الممدوح من كلمة لا على فم الشحيح.
(3) البهم صغار الضأن، والشاعر يقصد أنك إذا سألت السلاح القاطع عنه أجابتك الفلول التى به عن كثرة ما ذبح من الأنعام فى إكرام ضيفه.
(4) يقصد أن السيوف تشكو من كثرة ما أراق عليها من دماء حتى إنها تسيل بالدماء وحدها من كثرة امتلائها.(18/393)
وتحل شمسك في منازل بروجه، فيطلع (1) علينا الأنس بطلوعك، وتهديه بوقوعك، ولن تعدم (2) نورا يحكي شمائلك طيبا وبهجة، وراحا تخالها خلالك صفاء ورقة، وألحانا تثير أشجان الصب، وتبعث أطراب (3) القلب، وندامى (4) ترتاح إليهم الشمول، وتتعطر بأرجهم القبول، ويحسد الصبح (5) عليهم الأصيل، ويقصر بمجالستهم الليل الطويل.
104* الوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم ابن الجدّ *
وصفه (6) بالإعجاز، في الصدور [والأعجاز] (7)، وإقطاع استعارته جانبي الحقيقة والمجاز (8)، وإنارة أفق أدبه، ونضارة روض السداد به، والافتتان بالعلم (9)، والازديان بالحلم، قد احتوت على السحر الحلال مهارقه، وأضاءت بنور الإقبال مشارقه، وجادت بصوب النوال بوارقه، كان بالدرس مشتغلا، وللأنس بالعلم معتزلا، حتى استدعاه أمير المسلمين (10) فأجاب، وأحسن عنه المناب (11). وقد أورد من نثره الباهر، ونظمه الزّاهر، ما تسلب الألباب أساليبه، وتروي الآداب شآبيبه، (12)
(وفي رسائله ما هو مؤرخ لسنة اثنتي عشرة وخمسمائة وقد عاش بعد ذلك
__________
(1) الذخيرة: فان رأيت أن تطلع
(2) الذخيرة: تهدى الفرج بوقوعك وان تقدم
(3) الذخيرة: أفراح القلب.
(4) القلا: ومن ندى ترتاح؟
(5) الذخيرة: الضحى
(6) انظر القلا ص 123.
(7) [بياض في الأصل، والتكملة من (ت) والقلائد].
(8) في الأصل: الايجاز، ورجحنا رواية ق [و (ت)].
(9) [في (ت) والقلائد: في العلم].
(10) والمراد بأمير المسلمين: يوسف بن تاشفين أمير المرابطين.
(11) في ق: المآب.
(12) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].(18/393)
طويلا (1)، وأوتي جاها عريضا طويلا). فمن ذلك رقعة ذكر القيسي أنه راجعه بها عن معاتبة، في توقف مجاوبة وهي:
لو أطعت (2) نفسي، أعزك الله، بحسب هواها (3)، ومحتمل قواها، لما خططت طرسا، ولا سمعت للقلم جرسا، ولنمت (4) في حجر العطلة مستريحا، ولزمت بيت العزلة حلسا طريحا، ولكنني بحكم الزّمان مغلوب، وبحقوق الإخوان مطلوب، فلا أجد بدا من إعمال الخاطر وإن غدا طليحا، وتناهى تبليحا (5) ولمّا طلع علي طالع خطابك الكريم، في صورة المقتضي الغريم، تعين الأداء، ووجب الأعداء، [واتصل بالتلبية النداء] (6) وقد كنت تغافلت عن الكتاب الأول، تغافل الساكن إلى العدوّ المنازل (7)، فهزتني من الثاني كلمات مؤلمات، ولكنها في وجوه (8) الحسن والإحسان سمات، لم توجد في المعرفة (9) طريقا، ولا سوغتني في النظرة ريقا، فتكلفت هذه الأسطر تكلف المضطر، حفزه (ثقل) (10) البر، وأنت بفضلك تقبل وجيزها، ولا تبخل بأن تجيزها، والله يطيل بقاءك محسود النجابة، ولا يخلي دعوتي لك من الإجابة.
وله من قصيدة (11):
لئن راق مرأى للحسان ومسمع ... فحسناؤك الغراء أبهى وأمتع
__________
(1) كانت وفاته في سنة 515.
(2) في النسختين: اطلعت [وما أثبت من القلائد].
(3) في النسختين: بسبب [وما أثبت من القلائد].
(4) في النسختين: لثمت [وما أثبت من (ت) والقلائد].
(5) [في الأصل: لميحا، وفي (ت): مليحا، وما أثبتناه من القلائد].
(6) التكملة من القلا.
(7) القلا: إلى العذر المتأول [وكذلك في (ت)].
(8) القلا: في وجه
(9) القلا لم توجدني إلى المعذرة.
(10) ساقطة من ق.
(11) [القطع الثلاث الآتية ساقطة من (ت)].(18/394)
عبد الودود الطبيب الأندلسى (1)
من بلنسية (2) بالأندلس. هاجر إلى العراق وخراسان وعرف عند السلاطين فى عصر السلطان ملكشاه، وهو الذى يقول فيه بعض أهل العصر وقد ضمّن شعر المتنبى، أنشد فيه الشيخ عبد الرحيم بن الأخوة:
عبد الودود طبيب طبّه حسن
[«أحيى وأيسر ما قاسيت ما قتلا؟»] (3)
لولا تطببه فينال [«ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا] (4)
وأنشدنى الأمير جمال الدين بن الصيفى سنة ثمان وستين لعبد الودود بيتين يكتبان بالذهب على بيضة النعام. وكان يستحسنهما:
قبيح لمثلى أن يحلّى بعسجد ... وألبس أثوابا وملبسى الدرّ
ولو كنت فى بحر لعزّت مطالبى ... ولكن عيبى أنّ مسكنى البرّ
__________
(1) أشار إليه صاحب المغرب (ج 2ص 322) باسم عبد الودود البلنسى الطبيب، ولم يزد شيئا فى ترجمته بل اكتفى بنقل بضعة أسطر عن الخريدة وصرح بهذا النقل.
(2) فى الأصل من مليس، ونرجح أنها بلنسية وقد نسبه ابن سعيد صاحب المغرب إليها. وهو خبير بمدن الأندلس والمنتسبين إليها
(3) مقتبسة من قول المتنبى:
أحيا، وأيسر ما قاسيت ما قتلا ... والبين جار على ضعفى وما عدلا
(4) مقتبسة من قول المتنبى:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا(18/395)
عروس جلاها مطلع الفكر فانثنت ... إليها النجوم (1) الزاهرات تطلع
زففت بها بكرا تضوّع طيبها ... وما طيبها إلا الثناء المضوّع
لها من طراز الحسن وشي مهلل ... ومن صنعة الإحسان تاج مرصّع
وله مراجعا:
سلام كأنفاس الأحبّة موهنا
سرت بشذاها العنبري صبا نجد
سلام كإيماض الغزالة بالضحى
إلى الروضة الغناء غبّ (2) الحيا العد
[على من تحراني بمعجز شعره
فأعجز أدنى عفوه منتهى جهدي] (3)
حبانيّ (4) من حبك اللسان بلامة
مضاعفة التأليف محكمة السرد
دلاص من النظم البديع حصينة
ترد سنان النقد منثلم الحد
عليها من الإحسان والحسن رونق
كما ديس متن السيف من صدأ الغمد
وفيها على الطبع الكريم دلالة
كما افترّ ضوء السقط (5) عن كرم الزند
أبا عامر لا زال ربعك عامرا
بوفد الثناء الحر والسؤدد الرغد
__________
(1) في النسختين: نجوم [والإصلاح من القلائد].
(2) الأصل: تحت الحياء [وما أثبت من القلائد].
(3) التكملة من القلا.
(4) القلا: غزاني.
(5) القلا: كما افترضوا للسقط(18/395)
«ابو هارون موسى بن عبد الله»
ابن ابراهيم بن محمد بن سنان بن عطاء بن عبد العزيز بن عطية بن ياسين ابن عبد الوهاب بن عاصم القحطانى المغربى الأغماتى وأغمات آخر مدينة بالمغرب عند السوس الأقصى بينها وبين بحر الظلمات (1) مسيرة ثلاثة أيام، رحل موسى إلى مصر والحجاز والعراق والجبال وخراسان وأقام بنيسابور يتفقه على أبى نصر القشيرى وببخارى على البرهان، قرأت فى تاريخ السمعانى يقول: ذكره أبو حفص عمر بن النسفى اليخشبى فى كتاب «القند (2) فى ذكر علماء سمرقند» وقال موسى بن عبد الله الأغماتى قدم علينا سنة ست عشرة وخمسمائة، وهو شاب فاضل فقيه مناظر بليغ شاعر، وفيه قلت:
لقد طلع الشمس من غربها ... على خافقيها وأوساطها
فقلت: القيامة قد أقبلت ... فقد جاء أول أشراطها (3)
__________
(1) على هامش النسخة تعقيب خطى قديم نصه: «ليس كما قال المؤلف، وإنما هو البحر الكبير المحيط، وأما محل الظلمات منه فهى مواضع خصوصة فى دواخله ومواسطه لبعد الشمس عن ذلك المحل إذ كانت فى المنطقة الشمالية كما هو مقرر فى كتب الهيئة».
وفيه يقول النويرى (نهاية الأرب ج 1ص 229) «فأما البحر المحيط وجزائره ويسمى باليونانية أوقيانوس ويسمى بحر الظلمات سمى بذلك لأن ما يتصاعد من البخار عنه لا تحلله الشمس لأنها لا تطلع عليه فيغلظ ويتكائف فلا يدرك البعد هيئته»
ومن المعروف أن شمال المحيط الأطلسى تتكاثف فيه السحب ولا تبددها الشمس لقربه من القطب الشمال أما فى المنطقة المعتدلة والاستوائية فكثيرا ما تظهر الشمس وتبدد السحب والضباب.
(2) القند: عسل قصب السكر إذا جمد.
(3) أشراط الساعة: علاماتها.(18/396)
لقد سمتني في حومة القول خطة
لففت لها رأسي حياء من المجد
وكتب إلى أحد الشعراء مراجعا (1):
أما ونسيم الروض طاب به فجر ... وهبّ له من كلّ زاهرة [عطر]
تحامى له من سرّه زهر الرّبى (2) ... ولم يدر (3) أن السر في طيه نشر
قفي كلّ سهب من أحاديث طيبه ... تمائم لم يعلق بحاملها وزر
لقد فغمتني من ثنائك (4) نفحة ... ينافسني في طيب أنفاسها العطر (5)
تضوّع منها العنبر الورد فانثنت ... وقد أوهمتني أن منزلها السّحر
سرى الكبر في نفسي لها ولربّما ... تجانف عن مسرى ضرائبي (6) الكبر
وشيت (7) بها معنى من الراح مطربا ... فخيل لي أن ارتياحي بها سكر
أبا عامر، أنصف أخاك فإنّه ... وإياك في محض الهوى الماء والخمر
أمثلك يبغي في سمائي كوكبا (8) ... وفي جوك الشمس المنيرة والبدر
ويلتمس الحصباء في ثعب الحصى ... ومن بحرك الفيّاض يستخرج الدر
عجبت لمن يهوى من الصّفر تومة ... وقد سال في أرجاء معدنه التبر
ومن رسائله، كتب عن أمير المسلمين (9)، وناصر الدين، إلى أهل إشبيلية:
__________
(1) يراجع بها أبا عامر الأديب، انظر الذخيرة 2ورقة 103حيث ورد تمام القصيدة (17بيتا) انظر أيضا في المغرب ج 1ص 341والمطرب ص 174.
(2) [في القلائد: عن سره زهرة].
(3) [في الأصل: وإن لم يدر، والإصلاح من القلائد].
(4) [في الأصل: ثناياك، والإصلاح من القلائد].
(5) المغرب: زهر
(6) المغرب: ضرائبها
(7) هكذا قرأ البستاني (أثناء ترجمته في الدائرة). الذخيرة والمغرب: وشيب، وفي القلا: وشبت.
(8) في النسختين: سمائك. [والإصلاح من القلائد].
(9) المراد به علي بن يوسف بن تاشفين (537500).(18/396)
قال: وفيه قلت:
سرّ قرب الشيخ موسى ... كلّ قلب كان يوسى
ومحا الهمّ كما يم ... حو شعور الرأس موسى
قرأت فى كتاب السمعانى. أنشدنا أبو بكر محمد بن محمد بن على السعدى بسمرقند أنشدنا عمر بن محمد اليخشبى أنشدنى موسى المغربى لنفسه مما قاله بنيسابور:
لعمر الهوى إنى وإن شطت النوى
لذو كبد حرّى، وذو مدمع سكب (1)
فإن كنت فى أقصى خراسان نازحا
فجسمى فى شرق، وقلبى فى غرب
__________
(1) فى الاصل لذو كبد حر ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/397)
كتابنا أبقاكم الله، وعصمكم بتقواه، ويسركم من الاتفاق والائتلاف لما يرضاه، وجنبكم من أسباب الشقاق والخلاف ما يسخطه ويأباه (1)، من حضرة مراكش حرسها الله لستّ بقين من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وقد بلغنا ما تأكد بين أعيانكم من أسباب التباعد والتباين، ودواعي التحاسد والتضاغن، واتصال التباغض والتدابر، وتمادي التقاطع والتهاجر، وفي هذا على فقهائكم وصلحائكم مطعن بيّن. ومغمز لا يرضاه مؤمن ديّن.
فهلا سعوا في إصلاح ذات البين، سعي الصالحين، وجدّوا في إبطال أعمال المفسدين، وبذلوا في تأليف الآراء المختلفة، [وجمع الاهواء المفترقة] (2)، جهد المجتهدين، ورأينا والله الموفق [للصواب] (2)، أن نعذر إليكم بهذا الخطاب، فإذا وصل إليكم، وقرىء عليكم، فاقمعوا الأنفس الأمارة بالسوء، وارغبوا في [السكون] (2) والهدوء، ونكّبوا عن طريق البغي الذميم المشنوء، واحذروا دواعي الفتن، وعواقب الإحن، وما يجرّ داء (3) الضمائر، وفساد السرائر، وعمى البصائر، ووخيم المصائر، وأشفقوا على دياركم (4) وأعراضكم، [وثوبوا إلى الصلاح في جميع أغراضكم] (2) وأخلصوا السمع والطاعة لوالي أموركم. وخليفتنا في تدبيركم وسياسة جمهوركم، أخينا الكريم [علينا] (2)
أبي القاسم إبراهيم (5)، أبقاه الله، وأدام عزّه بتقواه، واعلموا أن يده فيكم كيدنا، ومشهده كمشهدنا، فقفوا عند ما يحضكم عليه، ويدعوكم إليه، ولا تختلفوا في أمر من الأمور لديه، وانقادوا أسلس انقياد لحكمه وعزمه، ولا
__________
(1) في القلا: ينعاه
(2) التكملة من القلا.
(3) في الأصل: رداءة [والإصلاح من القلائد].
(4) القلا: أديانكم.
(5) هو أخو علي بن يوسف أمير المسلمين «توفي / عبد الله بن فاطمة / في اشبيلية عام 511
ثم وليها ابراهيم بن يوسف بن تاشفين بعد ولايته سبتة، ووليها عام 511وعزل عنها في جمادى الأولى عام 516» البيان، القسم الخاص بالمرابطين والمطبوع في «هيسبريس تمودة» الجزء الأول من ج 2سنة 1961، ص 110وترجمته الاسبانية (هويسي ميزاندا) ص 154و 242.(18/397)
«أبو محمد عبد الله بن يحيى بن محمد بن بهلول السرقسطى (1)،
الأندلسى، وسرقسطة من بلاد الأندلس، كان من الفقهاء الفضلاء ويعد من الشعراء النبلاء، حسن الكلام فصيحه طريف النظم مليحه مستقيم اللفظ صحيحه، قرأت فى مؤلف السمعانى أنه ورد بغداد وأقام بها مدة فى المدرسة النظامية فى حدود سنة ست عشرة وخمسمائة أو قبلها ثم خرج إلى خراسان وسكن بمرو الرّوذ (2) إلى أن توفى فى حدود سنة ست عشرة وخمسمائة، (3) قال:
أنشدنى ولده أبو محمود سالم، قال: أنشدنى سيدى أبو محمد بن بهلول لنفسه.
ومهفهف يحتال فى أبراده
مرح القضيب اللّدن تحت البارح (4)
__________
(1) أشار إليه المقرى فى نفح الطيب ج 1ص 532وذكر نبذة من قول العماد الأصفهانى فى الخريدة والسمعانى فى الذيل.
(2) المرو بالفارسية: المرج، والروذ: الوادى، وعلى هذا يكون معنى اسم هذا البلد: وادى المرج لأن الإضافة فى الفارسية عكس العربية، وهى البلدة التى ولد فيها أبو مسلم الخراسانى، وهى إحدى قرى مرو الشاهجان ومعنى الاسم الأخير مرج نفس الملك «إعجام الإعلام ص 236».
(3) لعلها سنة ست وعشرين وخمسمائة. إلا إذا اعتبرنا أنه ورد إلى بغداد قبل سنة 516هـ كما أشار المصنف لأنه يذكر أنه أقام بها فى المدرسة النظامية مدة ثم خرج إلى خراسان وسكن مرو الروذ حتى توفى سنة 516هـ.
(4) البارح: الريح الشمالية التى تهب صيفا لا شتاء ويضرب بها المثل فيقال:
«كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب».(18/398)
تقيموا على ثبج عناد بين حده ورسمه، والله تعالى يفيء بكم إلى الحسى، وييسركم لما فيه صلاح الدّين والدنيا، بقدرته.
وله فصل لأجل الفقيه (أبي الفضل) (1) ابن عياض (2) إلى أحمد بن حمدين (3):
أما وكنف برك لمن أمّك من أهل الفضل [ممهد] (4)، وجفن رعايتك لهم مسهد، ومنزل حفايتك بهم متعهد، وكلّ وعر يلقونه في سبيل قصدك مستسهل، لا يرويهم دونك منهل (5)، ولا يضلّ بهم للعلم مجهل، وممن رأى أن يقتحم نحوك ظهري لجة ومحجّة، ويقرن في أم كعبة فضلك بين عمرة وحجة، ويرحل إلى حضرتك المألوفة مهاجرا، ويعتمدها في طلب العلم تاجرا، ليجتهد في جمعه وكسبه اجتهاد مغترب (6)، ويملأ من بضائعه وفوائده وعاء غير سرب، ومذهبه الاقتباس من أنوارك، والالتباس برهة [من الدهر] (4) بجوارك، والاستئناس بأسرّة بشرك ومسرة جوارك، فلان وله في الفضل مذاهب (يبهرج عندها الذهب) (7)، وعنده من النّبل ضرائب لا يفارق زندها اللهب، وستقربه، فتستغربه، وتخبره، فتكبره. إن شاء الله تعالى.
وكتب عن أمير المسلمين في معنى ابن عياض إلى ابن حمدين:
فلان أعزّه الله، وأعانه على ما نواه، ممن له في العلم حظ وافر، ووجه سافر، وعنده دواوين إغفال، لم تفتح لها على الشيوخ أقفال، وقصد تلك
__________
(1) [ما بين القوسين ساقط من (ت) والقلائد].
(2) وفي القلا: فصل في جانب الفقيه سيترجم له في هذا الكتاب (الفهارس).
(3) لعله أحمد بن محمد بن علي بن حمدين، قاضي الجماعة بقرطبة، توفي عام 521، انظر المغرب ج 1ص 162.
(4) التكملة من القلا.
(5) في النسختين: منهم [والإصلاح من القلائد].
(6) في النسختين: معرف [والإصلاح من (ت) والقلائد].
(7) سقط ما بين القوسين من ق.(18/398)
أبصرت فى مرآة فكرى خدّه
فحكيت فعل جفونه بجوارحى
ما كنت أحسب أن فعل توهمى ... يقوى تعدّيه فيجرح جارحى
لا غرو أن جرح التوهم خدّه ... فالسحر يعمل فى البعيد النازح (1)
وقال: أنشدنا سالم أنشدنى والدى أبو محمد بن بهلول لنفسه مما يخاطب به ممدوحه:
أيا شمس إنّى إن أتتك مدائحى ... وهن لآل نظمت وقلائد
فلست بمن يبغى على الشعر رشوة ... أبى ذاك لى جدّ كريم ووالد (2)
وإنّى من قوم قديما ومحدثا ... تباع عليهم بالألوف القصائد
وقال سمعت سالم بن عبد الله بمرو الرّوذ يقول: لما دنا أجل سيدى أبى محمد بن بهلول الأندلسى وكان مريضا أنشأ هذه القطعة عشية:
خليلىّ لو أبصر تمانى وقد جنى ... علىّ الضنى ما كنتما تعرفانيا
خليلىّ لو غير الذى بى أضرّنى ... لكنت أعانيه بعلمى وماليا
__________
(1) يريد الشاعر أن يقول: إن تفكيرى فى تأثير جفونه فى أعضاء جسمى انتقلت إيحاءاته إليه فاحمر وجهه كأنما سالت منه الدماء، وهذا يشبه فعل السحر الذى يحدث آثاره من مسافة بعيدة وفى الأصل فالسحرة تعمل وهو تحريف
(2) فى نفح الطيب فلست بمن يبغى عن الشعر رشوة.(18/399)
الحضرة ليقيم أود متونها، ويعاني رمد عيونها، وله إلينا ماتّة مرعية أوجبت الإشادة بذكره، والاعتناء بأمره، وله عندنا مكانة حفية تقتضي مخاطبتك بخبره، وإنهاضك إلى قضاء وطره، وأنت إن شاء الله تسدد عمله، وتقرب أمله، وتصل أسباب العون له.
وكتب عن أمير المسلمين إلى أهل سبتة بولاية الأمير أبي زكرياء يحي بن أبي بكر (1):
كتابنا، أبقاكم الله وأكرمكم بتقواه، ويسركم لما يرضاه، وأسبغ عليكم نعماه، وقد رأينا، والله بفضله يقرن جميع آرائنا بالتسديد، ولا يخلينا في كافة أنحائنا من النظر الحميد، أن نولي أبا زكريا [يحي بن أبي بكر] (2) محل ابننا الناشيء في حجرنا أعزه الله، وسدده في ما قلدناه إياه، مدينتي فاس وسبتة وجميع أعمالهما حرسهما الله، على الرسم الذي تولاه غيره قبله فأنفذنا ذلك لما توسمناه من مخائل النجابة قبله، ووصيناه بما نرجو أن يحتذيه ويمتثله، ويجري عليه قوله وعمله، ونحن من وراء اختباره، والفحص عن أخباره، لأنني بحمد الله في امتحانه وتجريبه، والعناية بتخريجه وتدريبه، والله عز وجل يحقق مخيلتنا فيه، ويوفقه من سداد القول والعمل لما يرضيه، فإذا وصل إليكم خطابنا فالتزموا له السمع والطاعة، والنصح والمشايعة [جهد الاستطاعة] (3)، وعظموا بحسب مكانه منا قدره، وامتثلوا في كل عمل من أعمال الحق نهيه وأمره، والله تعالى يمده بتوفيقه وهدايته، ويعرفكم يمن ولايته بعزّته.
__________
(1) كان يحي واليا على فاس، ثم على سبتة، «ولي علي بعد موت أبيه يوسف وكان ابن أخيه أبو زكريا أميرا على فأس من قبل جده يوسف فلما وصله الخبر بموت جده وولاية عمه عظم ذلك عليه وامتنع من البيعة ووافقه على ذلك جماعة من قواد لمتونة. فخرج إليه أمير المسلمين علي من مراكش حتى قرب من مدينة فاس فخاف يحي ابن أخيه على نفسه ففر من مدينة فاس وأسلمها لعمه» وذلك في سنة 550، انظر روض القرطاس، طبع فاس ص 110.
(2) التكملة من القلا.
(3) [زيادة من القلائد].(18/399)
ولكنّ ما أشكوه وجد مبرّح ... ألا إنه أعيى الطبيب المداويا
إذا سألوه قال قول معلّل ... وإن كان يدرى أنه غير مابيا
فهل لمحب قد تناءى حبيبه ... بشىء سوى وصل الحبيب تداويا
أيا رب فارجعنى بخير معجّلا ... إلى خير دار ظل فيها شفائيا
هذا شعر أضعفه مرض قائله ولا بأس به.(18/400)
وكتب عنه إلى أبي محمد عبد الله بن فاطمة (1):
كتابي، أطال الله في طاعته عمرك، وأعز بتقواه قدرك، وشد في ما تتولاه (2) أزرك، وعضد بالتسديد والتوفيق أمرك (من حضرة مراكش [حرسها الله] (3) وقد رأينا والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق، أن نجدّد عهدنا إلى عمالنا عصمهم الله بالتزام أحكام الحق، وإيثار أسباب الرفق، لما نرجوه في ذلك من الصلاح الشامل، والخير العاجل [والآجل] (4)، والله تعالى ييسّر لما يرضيه من قول وعمل منه، وأنت أعزك الله، ممن يستغني بإشارة التذكير، ويكتفي بلمحة التبصير، لما تأوي إليه من السياسة والتجربة، فاتخذ الحق أمامك، وملك يده زمامك، وأجر عليه في القوي والضعيف أحكامك، وارفع لدعوة المظلوم حجابك، ولا تسد في وجه المضطهد المهضوم (5) بابك، ووطيء (6) للرعية حاطها الله أكنافك، وابذل لها إنصافك، واستعمل عليها من يرفق بها، ويعدل فيها، واطرح كل من يحيف عليها ويؤذيها، ومن سبب عليها من عمالك (7) زيادة، أو خرق في أمرها عادة، أو غير رسما، أو بذل حكما، أو أخذ لنفسه [منها] (8) درهما ظلما، فاعزله عن عمله، وعاقبه في بدنه، وألزمه رد ما أخذ متعديا (9) إلى أهله، واجعله نكالا لغيره حتى لا يقدم أحد منهم على مثل فعله، إن شاء الله وهو تعالى ولي تسديدك، والمليّ بعضدك وتأييدك، لا إلاه غيره.
__________
(1) القائد أبو محمد بن عبد الله، والي بلنسية وفاس ثم اشبيلية (سنة 508) وتوفي بها في سنة 511، انظر البيان (المرابطون)، هيسبريس، تمودة) الجزء 1ج 2ص 110و 71. والمعجم لابن الأبار ص 40.
(2) القلا: تولاه.
(3) [الزيادة من القلائد] وانظر الرسالة من: «وقد رأينا» إلى آخرها في البيان (المرابطون في هيسبريس) ص 79.
(4) [الزيادة من القلائد].
(5) البيان: المضطر المظلوم.
(6) في النسختين: واطيء [والإصلاح من القلائد].
(7) ق: أعمالك؟
(8) [زيادة من القلائد].
(9) في القلا: تعديا.(18/400)
وكتب عنه إلى أهل غرناطة من كتاب (1):
قد اتصل بنا أنكم من مطالبة فلان على أولكم، وفي عنفوان عملكم، وإنه لا يعدم تشغيبا وتأليبا من قبلكم، فإلى متى تلحّون في الطلب، وتجدّون (2)
في الغلب، وتقرعون النبع بالغرب، ولقد آن لحركتكم (3) به أن تهدأ، وللنائرة بينكم أن تطفأ، ولذات بينكم أن تصلح، ولوجوه المراشد قبلكم أن تتضح [وإذا وصل إليكم خطابنا هذا] (4) فاتركوا متابعة الهوى، واسلكوا معه الطريقة المثلى، ودعوا التنافس على حطام الدنيا. وليقبل كل واحد منكم على ما يعنيه، ولا يشتغل بما ينصّبه ويعنّيه، ولا بد لكل عمل، من أجل، ولكل ولاية، من غاية، ولن يسبق شيء إناه، وإذا أراد الله أمرا أسناه، و «عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) (5)، والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، وفقكم الله لما فيه صون أديانكم وأعراضكم، وتسديد أنحائكم وأغراضكم.
105* ذو الوزارتين المشرّف أبو بكر محمد بن أحمد بن رحيم *
(6) (ذكره لي الفقيه اليسع بمصر (7)، وقال أدركته سنة عشرين وخمسمائة وهو صاحب ديوان إشبيلية) وذكره الفتح في قلائد العقيان (8)
__________
(1) وبداية الرسالة: كتابنا من حضرة مراكش يوم الجمعة التاسع عشر من شهر الصوم المعظم سنة سبع وخمسمائة وقد اتصل (القلا).
(2) في النسختين: يجرون [والإصلاح من القلائد].
(3) في النسختين: آن تحكيكم به [والإصلاح من القلائد].
(4) التكملة من القلا.
(5) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].
(6) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].
(7) هو اليسع بن عيسى بن اليسع أبو يحي مصنف كتاب المعرب في محاسن (أو آداب) المغرب، كان بالأندلس يكتب عن المستنصر بن هود و «رحل واستوطن الاسكندرية ثم رحل إلى القاهرة واشتمل عليه الملك صلاح الدين وتوفي سنة 575» التكملة ج 2ص 744، وقد نقل العماد عنه كثيرا ولم يشر إلى كتابه المغرب. انظر ترجمته أيضا في المغرب ج 2ص 88 والمعجم للسلفي (المختصر المطبوع) ص 149والشذرات ج 4ص 250والنفح ج 1.
(8) انظر القلا ص 129.(18/401)
وأثنى عليه وعلى نجاره، وثنى الحمد إلى علاء مجاره، ووصفه بشرف السؤدد، وكرم المحتد، والسّجاحة (1) في السجية، والسماحة والأريحية، والسلامة من الكبر والخيلاء، والاستقامة في الفكر والذكاء، والاستقلال بالإبرام والنقض، والاستبداد بالبسط والقبض، والرفع والخفض، وافتقار الدولة إليه افتقار الجسد إلى الروح، والمشكل إلى الوضوح. وقد أورد من شعره قصيدة نظمها في شعبان سنة خمس عشرة وخمسمائة في الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين (2):
سقى الله الحمى صوب الولي ... وحيا بالاراكة كل حي
وإن ذكر العقيق فباكرته ... سحائب معقبات بالروي
تروي (3) مسقط العلمين سكبا ... تلبّسه (4) جنى الزهر الجني
ولا بليت لمرسية برود ... مطرزة بأسباب (5) الحلي
ذكرت معاهدا أقوت وكانت ... أواهل بالقريب وبالقصي
أقول وإن غدوت حليف شجو ... أعلل لوعة القلب الشجي
لأصرف عفة طرفي وكفي (6) ... عن اللحظ العليل النرجسي
وأخزن منطقي عن كل هجر (7) ... وأهجر كلّ ملسان بذيّ
ولما أن رأيت الدهر يدني ... دنيّا ثم يسطو بالسني
وجدت به على الأيام غيظا (8) ... كما وجد اليتيم على الوصي
طلبت فما سقطت على خبير ... يخبّر عن ودود أو صفي
كما أني بحثت على كريم ... فما ألفيت ذا خلق رضي
__________
(1) [في الأصل: والشجاعة، والإصلاح من (ت)].
(2) وردت هذه القصيدة (من البيت 1إلى 21) في المحمدون ورقة 23.
(3) في ق والقلا والمحمدون: تروض
(4) المحمدون: يلامسه
(5) القلا: بأشتات
(6) القلا: كفي ولحظي.
(7) القلا: هجو.
(8) في ق: وجدت على الام غيظا؟(18/402)
جماعة أخرى من أهل المغرب
«الشيخ أبو على الطليطلى المغربى»
متبحر فى جميع العلوم ذو فنون، كلامه فيها كلؤلؤ مكنون، لم يسمح الدهر بنظيره، وافر العلم غزيره، مشرق الفضل منيره، ذكره القاضى البرهان أبو طالب النحوى عند وصوله فى خدمة الوزير عون الدين يحيى بن محمد ابن هبيرة إلى واسط لما انحدر السرادق الشريف المقتفوى إلى العراق فى رمضان سنة أربع وخمسين وخمسمائة وكنت نائبا للوزير بواسط فى أسبابه فتقدم إلى بمقام أبى طالب النحوى عندى إلى حين العود من العراق، وكنا نتبارى فى العلوم مدة مقامه، وأقتبس من كلامه، فذكر يوما أبا على الطليطلى وأثنى على فضله، وقال: لا يجود الزمان بمثله، وقال: أنشدنى الشيخ أبو على لنفسه:
قد مللت العيش فى دار دنيا ... حلوها مر فما إن تملّ
وأرى دينى فيها عيانا ... كلما أكثرت منها يقل
كلما زادت يزيد انتقاصا ... فإذا لو كملت يضمحلّ
جماعة مدحوا عميد الدولة بن جهير (1): فى الأيام المقتدية والمستظهرية من أهل المغرب.(18/403)
ولولا واحد لسددت عيني ... فلم تفتح على شخص سري
هو الملك المعظم من ملوك ... ينير بها سنا الأفق السني
لهم همم تعالى كل حين ... يفوت بها ذرى النجم العلي
وحسن خلائق رقت فجاءت ... كما هب النسيم مع العشي
مصون العرض مبذول العطايا ... ندي الترب مبرور الندي
جواد جوده أن سيل سيل ... ويأتي عرفه مثل الأتي
يمد إلى العفاة يمين يمن ... تليّن قسوة (1) الدهر الأبي
تحلى ملكه بعلى نهاه ... كما ازدان المقلد بالحلي
تدار عليه أكواس المعالي ... فتأخذ من هزبر أريحي
يطارد بالضحى خيل الأعادي ... ويأوي كل وفد بالعشي
لإبراهيم عند الله سرّ ... يدق به عن النظر الخفي
يرى غيب الأمور إذا ادلهمّت ... بعين الرأي والفكر البدي
ويوضح كل مشكلة فيرمي ... بها فيصيب شاكلة الرمي
درت صنهاجة ولها علاها ... بأن علاه مفتخر الندي
وتعلم أنه سيف محلّى (2) ... لدفع الخطب أو قرع الكمي
وكم من سيد فيهم ولكن ... أتى الوادي فطمّ على القريّ
أيا ليث الحروب ومن تردّى ... رداء الفضل والخلق الرضي
لقد أصبحت روح العدل حقا ... وأسود مقلة الملك الحفي
سواك يريح من وخد المطي ... ويقصر عن مدى الأمد القصي (3)
وأنت تصادم العلياء لما ... غدت مرقى لكل فتى علي
تصادر كل معضلة نؤود (4) ... متى هجمت بصدر السمهري
[وتكشف كل غماء بهدي ... حكى هدي النبي الهاشمي] (5)
__________
(1) المحمدون: يلين قواه
(2) القلا: السيف المحلى.
(3) [من هذا البيت إلى قوله: وله: نفديك من منزل، ساقط من (ت)].
(4) [في الأصل: بورد، والإصلاح من القلائد].
(5) التكملة من القلا.(18/403)
أبا إسحاق يا [ابن] (1) أمير ملك ... يقصر عنه ملك التّبّعيّ
ليوسف مفخر يروى ويتلى ... كما يتلى الحديث عن النبي
ركبت مناهج التقوى ففاتت (2) ... أمورك كل أمر معتلي
وسرت بسيرة العمرين عدلا ... ولم تقعد مضاء عن علي
أيا ملك الملوك لدي قول ... فوطيء لي على كنف وطي
وحسّن فضل أخلاق كرام ... إذا حيّت فعن مسك ذكي
لك الفضل الذي أوليتنيه ... فأشكره ولي حق الولي
وأمري مظلم (3) بالشرق حتّى ... تبلجه لدى المولى العليّ (4)
وهذا وقت خدمة كل أمر ... فسبب لي إلى السّبب الحظي
ومهما دار قول نمقته ... رجال لا تضاف إلى سري
فلا تسمع لمشاء نميم (5) ... ودع أقوال همّاز غوي
دعي في الصفاء فليس يعطي ... بقدر الحب والود الخفي
وليت قلوبنا شقت فتدري ... بها فضل الخؤون على الوفي
ويهني المجد عزّ (6) نلت فيه ... جزيل (7) الاجر بالسعي الزكي
كلامي قاده ودي فأهدي ... إليك قصيدة مثل الهدي
فخذها كالعروس تفوت طبعا ... أيا ويح (8) الشجي من الخلي
وله من قصيدة فيه (9):
بيني وبين النوى دخل فان صدعت ... شملي فعندي تفويض وتسليم
وإن تكن نثرت سلكي نوى قذف ... فان سلك رجائي فيك منظوم
__________
(1) التكملة من القلا.
(2) [في القلائد: ففاقت].
(3) في النسختين: فأمري مسلم [والإصلاح من القلائد].
(4) [في الأصل: علي، وما أثبتناه من القلائد].
(5) القلا: لمشاء بنم.
(6) ق والقلا: غزو.
(7) ق والقلا: جسيم
(8) ق والقلا: ويا ويل
(9) وأورد الفتح 27بيتا من هذه القصيدة وقال: «وجه بها إليه في عيد الفطر سنة 515».(18/404)
قد مللت العيش فى دار دنيا ... حلوها مر فما إن تملّ
وأرى دينى فيها عيانا ... كلما أكثرت منها يقل
كلما زادت يزيد انتقاصا ... فإذا لو كملت يضمحلّ
جماعة مدحوا عميد الدولة بن جهير (1): فى الأيام المقتدية والمستظهرية من أهل المغرب.
«الأديب أبو الحسن على بن محمد المغربى القيروانى» (2)
تلميذ الشيخ أبى إسحاق الشيرازى رحمة الله تعالى عليه، طالعت مجموعا من قصائد مدح بها عميد الدولة بن جهير الوزير فوجدت لأبى الحسن المغربى من قصيدة فيه.
هجر الظّلوم وزاد فى الهجران ... وسطا علىّ بجوره وجفانى
غدر الزمان كغدره، فتظاهرا ... فبقيت بينهما الأسير العانى (3)
فمتى يؤمّل طيب عيش من غدا ... فى صدّ محبوب وجور زمان؟
قل للزمان تراك تعدل ساعة ... أخرى فتصلح ساعة من شانى؟
هيهات قد خرف الزمان فماله ... فى الاجتماع بمن أحب يدان
ومنها فى المدح:
لو أن ثهلانا وحلمك قنطرا ... لأمال حلمك قنتى ثهلان (4)
فاصعد هضاب المجد إنك حزتها ... بالجاه والتمكين والإمكان
قرأت فى مصنف السمعانى (5): قرأت فى كتاب الوشاح لأبى الحسن على ابن محمد بن القيروانى.
ما فى زمانك ماجد ... لو قد تأمّلت الشواهد
فاشهد بصدق مقالتى ... أولا، فكذّبنى بواحد
__________
(1) راجع بنده عنه فيما سبق فى ترجمة أبى محمد عبد الله بن محمد بن المغربى.
(2) لعله شقيق أبى محمد عبد الله بن محمد المغربى السابق ذكره.
(3) فى الأصل أسيرا عانى وصحّتها أسيرا عانيا، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) قنطر: وزن بالقنطار وهو استعمال مستحدث لم يستعمله العرب والشاعر يقصد أن حلمك إذا وزن بجبل ثهلان فإن حلمك يرجح فى الميزان.
(5) يريد أنه قرأ فى كتاب السمعانى وقرأه السمعانى فى كتاب الوشاح.(18/404)
وله:
نفديك من منزل بالنفس والذات ... كم لي بمغناك من أيام لذات
نجني بك العيش والآمال دانية ... أعوام وصل قطعناها كساعات
تسقى لديك اغتباقات مسلسلة ... والدهر قد نام عنا باصطباحات
يا قبة الدهر (1) لا زالت مجددة ... تلك المعالم ما دامت مقيمات
حفظت من قبة بيضاء حف بها ... نهر تفضض يجري بين دوحات
عليك منّي ريحان السماء (2) كما ... حيتك مسكة دارين بنفحات
لله يوم ضربنا للمدام به ... رواق لهو بكاسات (3) وجامات
ومنها (4):
وللمياه ابتسام في جداولها ... كما تشق جيوب فوق لبات
حدائق أحدقتها للمنى شجر ... خضر وأودية حفت بروضات
جنات أنس رعى الرحمان بهجتها ... حسبت نفسي منها وسط جنات
منازل لست أهوى غيرها سقيت ... حيا يعم وخصت (5) بالتحيات
وله من قصيدة يهنيء فيها أخاه الوزير أبا الحسن بمولود (6):
خلصت إليك مع الأصيل (7) الأنور ... أمنية مثل الصباح المسفر
غراء إلا أنها من خاطري ... بمكان أسود ناظري من محجري
أرجت شذى أرجاؤها فكأنها ... قد ضمخت بلخالخ من عنبر
أهدت إليك مع النسيم تحية ... فتقت نوافجها بمسك أذفر
فأتت كما زارتك عاطرة اللمى ... بيضاء صيغت جوهرا في جوهر
__________
(1) [في الأصل، و (ت) المهر، وما أثبتناه من القلائد].
(2) في القلا: السلام كما
(3) [في القلائد: بطاسات].
(4) حذف العماد منها ثلاثة أبيات.
(5) في النسختين: حفت
(6) [من هنا إلى قوله: خليلي سيرا، ساقط من (ت)].
(7) [في الأصل: النسيم، وما أثبت من القلائد].(18/405)
طائفة من أهل المغرب: ذكرهم السمعانى فى جملة أصحاب الحديث.
«العدل أبو الفضل بن لادخان»
هو عطية بن على بن عطية بن على بن الحسن بن يوسف القرشى الطيى القيروانى. كان أحد الشهود ببغداد، وهو ظريف كيّس له نظم سلس حسن الشعر رقيقه غامض المعنى دقيقه قرأت فى الذيل للسمعانى يقول: لا أدرى ولد بالمغرب أو بمكة فى مجاورة أبيه بها. وانتقل من مكة إلى بغداد، وسكنها إلى أن توفى بها سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، قال: أنشدنا الشيخ الأجل أبو الحسين عبيد الله بن على المعمر الحسينى غير مرة أنشدنى أبو الفضل بن لادخان الشاهد لنفسه:
قالوا التحى وانكسفت شمسه ... ومادروا عذر عذاريه
مرآة خديه جلاها الصّبا ... فبان فيه ضوء صدغيه (1)
وقرأت فى مدائح ابن جهير الوزير لابن لادخان من قصيدة فيه:
أراك من معجزات السعد إسعادا ... جدّ أعاد لك الأفلاك حسّادا (2)
أيا بشير المعالى عود مالكها
فوق المنى لك، قد أطربت إنشادا (3)
__________
(1) الصدغ: ما بين العين والأذن، أو الشعر المتدلى عليه، وهو المقصود هنا والمعنى أن خده أصبح شفافا فانعكست عليه صورة خصلات الشعر المتدلية عليه.
(2) الجد: الحظ، والمعنى أراك حظك الحسن من معجزات السعد آيات من السعادة والنعيم جعلت النجوم من حسادك.
(3) يبدو أن القصيدة قيلت بعد عودة الممدوح إلى الوزارة، كما أشرنا فى ترجمته سابقا، والمعنى أيها المبشر لنا بعودة سيد المعالى الى منصبه عودة فاقت الآمال لقد أطربتنا بهذه البشرى الطيبة وملك إنشادك الأسماع.(18/406)
هيفاء رود ذات خصر صائم ... ومعاطف لدن وردف مفطر
هزت جوانب همتي (1) فكأنما ... عجبا بها أنا تبّع في حمير
يا حسن موقع ذلك الأمل الذي ... تزري حلاوته بطعم السكر
نظم السرور كما نظمت لآلئا ... بيد الصبابة في مقلد معصر
ورد الكتاب، به فرحت كأنني ... نشوان راح في ثياب تبختر
لما فضضت ختامه فتبلجت ... بيض الأماني من سواد الأسطر
قبلت من فرح به خد الثرى ... شكرا ولا حظّ لمن لم يشكر
يا مورد الخبر الشهي وحامل (2) ... الأمل القصي وهادي النبأ السري
زدني من الخبر الذي أوردته ... يا برد ذاك على فؤاد المخبر
صفحا وعفوا للزمان فإنه ... ضحكت أسرّة وجهه المتنمر
طلع البشير بنجم سعد لاح من ... أفق العلى وبشبل ليث مخدر
لله درك أي فرع سيادة ... أعطيته وقضيب دوحة مفخر
طابت أرومته وأينع فرعه ... والفرع يعرف فيه طيب العنصر
أنت الجدير بكل فضل نلته ... وحويته وبكل مكرمة حري
تهنى رحيما انها قد أنجبت ... برحيم المحمود أسنى مذخر
نامت عيون الدهر عن جنباته ... وحمت مناهله متون الضمر
وصفا له ولأخوة يتلونه ... ماء الحياة لديك غير مكدر
فلأنت بدر السعد وهو هلاله ... ولأنت سيف المجد وهو السمهري
[أفدي البشير بمهجتي وبتالدي ... وبطارفي وعذرت ان لم يعذر] (3)
بأبي أبوه أخي كبيري سيدي ... أسدى إليّ مواهبا لم تصغر
ذاك الذي علقت بعلق نفاسة ... منه المنى (4) فكأنه لم يشعر
__________
(1) [في الأصل: لمتى، وما أثبتناه من القلائد].
(2) القلا: حادى الامل
(3) أضفنا هذا البيت من القلا.
(4) في القلا: العلى(18/406)
مصباح من هامت به ظلماؤه ... ومنار هدي السائر (1) المتحير
بدر ولكن إن تطلع كامل ... ليث ولكن عند عزمته جري
ندب تدل على علاه خلاله ... كالسيف يدري فضله في الجوهر
سيف تحلى بالعلاء رئاسة ... وصفت جواهره لطيب المكسر
لو كانت العلياء شخصا ماثلا ... لرأيته منها مكان المغفر
ومنها (2):
نحن الرحيميون إن ذكر الندى ... نذكر وإن ذكر الخنى لم نذكر
إن أخبروك أو اختبرت علاهم ... أنساك طول (3) الخبر طيب المخبر
شرف سقاه الفضل وسمي العلى ... فتضوع أزهار الثناء الأعطر
ساداتنا سادات كل معاشر ... إن حصلوا ولأنت سيد معشري
فإذا تلاحظت المكارم من فتى ... مضر أشار إليك أهل المحضر
وإذا جروا يوم المكرّ سبقتهم ... وأتوا لقسمة مغنم، لم تحضر
ومنها:
هو مفخري يوم الجدال ومنصلي ... يوم النزال ورايتي في العسكر
من لم يرد علياه لم يرد العلى ... ما لم يرد (4) بحريمه لم ينصر
ومنها:
أنا ذاك شيمتي الوفاء وإنّني ... لا بالملول ولست بالمتغيّر
وإذا تنكرت الأحبة فالرضى ... مني الجزاء ولست بالمتكبر (5)
إني لأصبر عند كل عظيمة ... وإذا ظلمت مجاهرا لم أصبر
__________
(1) القلا: هدى السادر المتحير.
(2) حذف منها 30بيتا.
(3) في ق والقلا: فضل الخير
(4) القلا: لم يلذ والكلمة ساقطة من ق.
(5) القلا: متنكر.(18/407)
أطرت أنفس من بشرت من فرح ... وقبل يوم النوى ما كن أخلادا (1)
أبعد ما تمّ بين لا بليت به ... أبكى وأقرح أجفانا وأكبادا
وليلة بت من بعد النعيم بها ... أشقى وأكثر إعوالا وتعدادا (2)
وموقف من سليمى لست أذكره ... إلا رأيت لجيش الشوق أمدادا
بيضاء تخطر فى ثوب الصبا مرحا ... كما تمايل خطّ البان وانآدا (3)
ظلّت تساقط درّ الدمع والهة ... والوجد ينهب أرواحا وأجسادا
وقد جلا البين من أزرارها قمرا ... لا يعدم الركب فى لألائه صادا (4)
بكيت فى إثر من أهوى وصحت فما ... عاج الحمول ولا حاديهم حادا (5)
راحوا بشمس سحاب النقع يسترها
والمشرفيّة لا يعرفن إغمادا (6)
وفتية لقنا الخطّىّ مشرعة ... لا يألفون سوى الأدراع أبرادا (7)
__________
(1) الأخلاد جمع خلد وهو النفس والمعنى أن النفوس طربت لهذه البشرى، ولم تكن هذه النفوس من قبل مستكملة كيانها أسفا عليه.
(2) التعداد مأخوذة من عدد الميت إذا ذكر مناقبه.
(3) الخط: مرفأ السفن فى البحرين وإليه تنسب الرماح فيقال رماح خطية وهى تتخذ من شجر البان، تأود وانآد بمعنى تثنى وتمايل.
(4) فى الأصل إسنادا، وبه يختل الوزن، والصاد عرق بين عينى البعير وأنفه، ومعناه أن وجهها يضىء فى الظلام حتى يتبين الركب به العرق فى وجه البعير.
(5) الحمول: النساء الراحلات فى الهوادج، حاد: مال.
(6) المشرفية نسبة لموضع فى الشام أو اليمن وفيه تصنع السيوف الماضية والشاعر يعنى أن القافلة رحلت بحبيبه وحولها من أهلها فرسان أشداء لا يكفون عن القتال ولا يغمدون أسيافهم عن الأعداء.
(7) الخط: موضع باليمامة أو البحرين تنسب إليه الرماح، والمعنى أن هؤلاء الفتيان يشرعون دائما رماحهم ولا يلبسون من الثياب إلا الدروع السابغة.(18/407)
مهما تقسني بالرّجال وجدتهم ... مثل الحصا ووجدتني كالجوهر
فإليكها مثل العروس زففتها ... سكرى تجرّ ذيولها بتبختر
ومنها:
فابسط بفضلك عذر وافدة العلى ... وابسط لها وجه الكريم الموسر
واسمح لها لا تنتقدها إنها ... مع مفرط الاعجاز قول مقصر
وغني له بشعر يشهد قبول القلوب بحسنه، فعمل على وزنه، والشعر الذي غنّي به (1):
خليلي سيرا واربعا بالمناهل ... وردّا تحيات الخليط المنازل (2)
فإن سأل الأحباب عني تشوقا ... فقولا تركناه رهين البلابل
فقال:
وإن يتناسوني (3) لعذر فذكرا ... بأمري ولا تدري بذاك عواذلي (4)
لعل الصبا تأتي فتحيي بنفحة (5) ... فؤادي من تلقاء من هو قاتلي
فياليت أعناق الرياح تقلني ... وتنزلني ما بين تلك المنازل
وله من قطعة أولها (6):
خص يا غيث مربع الأحباب ... وتعاهد بالعهد عهد التصابي
ولتسلم على معرس سلمى ... ولتصل بالرباب دار الرباب
هي روضات كل أنس وطيب ... ومغان سكانها أصل ما بي
فكساها العلاء ثوب بهاء ... وسقاها الجمال ماء الشباب
__________
(1) انظر الابيات أيضا في المغرب ج 2ص 417.
(2) القلا والمغرب: المزائل.
(3) [في الأصل و (ت): يتناساني، وما أثبتناه من القلائد].
(4) المغرب: يشعر بذاك عواذلي.
(5) في ق: بنظرة.
(6) [هذه القطعة ساقطة من (ت)].(18/408)
ثم سارت (1) ألبابنا فبقينا ... بين أهل الهوى بلا ألباب
فأصيبت بها القلوب فصارت ... لشقائي مآلف الأوصاب
أمرضتني مرضى صحاح ولكنّ ... عذابي بين الثنايا العذاب
أقسم الشوق أن يقسم قلبي ... بين قوم لم يسألوا عن مصابي
فرقة آثرت صدودي وأخرى ... أخذت جدّ سيرها في الذهاب
أي وجد أشكو وقد صار قلبي ... رهن أيدي الصدود والاغتراب
بعت حظي من الوفاء متى ما ... لم أمت حسرة على الأحباب
ولئن همت بالجمال فإني ... أبدا عفت موضع الارتياب
ودعتني عن المقابح (2) نفس ... خلقت من محاسن الآداب
وله:
يا بغيتي قلبي لديك رهينة ... فلتحفظيه، فربما قد ضاعا
أوقدته وتركته متضرما ... بأوار حبّك يستطير شعاعا
لا تسلميه فإنه نزعت به ... تلك الخلال إلى هواك نزاعا
حاشا لمثلك أن تضيع ضراعتي ... ولمثل حبي أن يكون مضاعا
إني لأقنع من وصالك بالمنى ... ومن الحديث بأن يكون سماعا
106* الوزير الكاتب أبو محمد ابن القاسم *
(كان والده صاحب شنتبريه) (3)، وصفه (4) بالكرم والنفاسة، والشرف والرئاسة، والتدبير والسياسة، والوقار، الذي لا تستخفه كأس
__________
(1) القلا: طارت
(2) [في الأصل: المنائح، وما أثبتناه من القلائد].
(3) الجملة غير موجودة في ق [وكذلك في (ت)] وفي الأصل: صاحب سهرية، ولعل الصواب ما ذكرناه، لأن بني القاسم كانوا اصحاب مدينة البنت في كورة شنت برية من بداية عصر ملوك الطوائف إلى حدود سنة 550.
(4) انظر القلا ص: 144.(18/409)
العقار، والمآثر التي آثرتها ألسنة الإيثار، بحسن الآثار، وذكر أن الدولة مع فقرها إلى غنائه، وفخرها بمضائه، وإنارة فجرها بأضوائه، ونضارة روضها بنواره وأنواره، تخلت عنه تخلي الحسناء عن حليها، والعقود عن درها، والبروج عن دريّها، وذكر أنه قد أنس بوحشة انفراده، ولبس حلة انزوائه عن أنداده، وانقبض عن مخالطة الناس، ورفض مجالسة سائر الأنواع والأجناس، وولى وجهه شطر مسجد التقوى، ولزم بيته ونفسه تتقوت بغذاء العلم وتتقوى.
فهذا على ما ذكره صاحب قلائد العقيان، قريب الزمان من عصر أهلنا الأعيان، وحكى عنه أنه لما انفصل عن أمير المسلمين (1)، اختار لمسكنه سلا، واعتقد أنه بمجاورة بني القاسم (2) يتسلى، وكانت ولايتها إلى أبي العباس، ولأبي محمد لديه يد أنجته من نكبة تمت له (من البؤس واليأس، فلما سار إليه لم يرفع له الرأس) (3) ولم يوله في حال الوحشة الإيناس، فنسبه فيه إلى قلة الوفاء، وحسبه من كثرة الجفاء، فكتب إليه أبو العباس يعتذر، بأنه من أمير المسلمين يحذر:
وا حسرتا لصديق ما له عوض ... إن قلت من هو لا يلقاك معترض
ألقاه بالنفس لا بالجسم من حذر ... لعلة ما رأيت الحر ينقبض
فكتب الوزير أبو محمد ابن القاسم إليه في جوابه (4):
شدّ الجياد إذا أجريت منقبض ... ما للوجيه على الميدان معترض
أنى تضاهيه فرسان الكلام ومن ... غباره في هواديهن ما نفضوا
جرت على مستو من طبعه كلم ... هي المشارب لكن ما لها فرض
__________
(1) لعله يريد بأمير المسلمين علي بن يوسف، فان دولة بني القاسم دامت في مدينة البنت حتى السنة 500وهي السنة التي توفي فيها يوسف بن تاشفين.
(2) في الأصل: بني العباس [وما أثبت من القلائد] ولم نعثر على ترجمة لبني القاسم اصحاب سلا.
(3) سقط ما بين القوسين من الأصل [والزيادة من (ت) والقلائد].
(4) [من هنا إلى قوله: يا من يعز علينا، ساقط من (ت)].(18/410)
كأن منشدها نشوان من طرب ... أو بلبل من سقيط الطل ينتفض
تحية من أبي العباس زار بها ... طيف من العذر في أثوابه (1) يمض
لا بالجلي فتستوفي حقيقته ... ويستبان بعين ما لها غمض
لكن أغض عليه جفن ذي مقة ... كما يسد مكان (2) الجوهر العرض
يا من يعز علينا أن نعاتبه ... إلا عتاب محبّ ليس يمتعض
ناشدتك الله والانصاف مكرمة ... أما الوفاء بحسن العهد مفترض
هب المزار لمعنى الريب مرتفع ... ما الوداد بظهر الغيب ينخفض
أما لكل نبيه في العلى حيل ... تقضى الحقوق بها والمرء منقبض
كن كيف شئت فمن دأبي (3) محافظة ... على الذمام وعهد ليس ينتقض
وهمة لم تضق ذرعا بحادثة ... إن الكريم على العلات ينتهض
والحر حر وصنع الله منتظر ... والذكر يبقى وعمر المرء ينقرض
(4) ومن منثوره ما ذكر القيسي في كتابه، أنه كتب إليه في جوابه، فراجعه به من رقعة كتبها إليه مودعا ووصف النجوم:
عذيري من ساحر بيان، وناثر جمان، ومظاهر إبداع وإحسان، ما كفاه أن اعتام الجواهر اعتياما، وجلاها في أبهج مطالعها نثرا ونظاما، حتى حشر الكواكب والافلاك، وجلبها نحوي كتائب من هنا وهناك، وقدما حمل لواء النباهة، وأعجز دواء البداهة، فكيف بمن نكل حتى عن الروية، ورفض الخطابة رفضا غير ذي مثنوية، وليس الغمر كالنزر، رويدك أبا النصر، فما سميّت فتحا لتفتح علينا أبواب المعجزات، ولا مليت سروا لترتقي عنا إلى الأنجم الزاهرات، فتأتي بها قبيلا، وتريد منا أن نسومها كما
__________
(1) القلا: اثنائها
(2) [في القلائد: مسد].
(3) في ق: رأيي
(4) [من هنا إلى آخر مختارات هذا الشاعر، ساقط من (ت)].(18/411)
سمتها قودا (1) وتذليلا، وأنّى لنا أن نساجل احتكاما، أو نباسل اقداما، من أقدم حتى على القمرين، وتحكّم حتى في انتقال الفرقدين، وقص قوادم النسرين. ثم ورد المجرة وقد تسلسلت غدرانها، وتفتح في حافاتها (2)
أقحوانها، وهناك اعتقد التّنجيم، وأحمد المراد الكريم، حتى إذا رفع قبابه، ومد ما أحبّ أطنابه، سئم الدهناء، وصمم المضاء، فاقتحم على العذراء رواقها، وفصم عن الجوزاء نطاقها، وتغلغل في تلك الارجاء، واستباح ما شاء أن يستبيحه من نجوم السماء، ثم ما أقنعه أن بهر بإدلاله، حتى ذعرها بجياد أقواله، وغمرها باطراد سلساله، فله ثم خيل وسيل، لأجلهما شمر عن سوق التوأمين ذيل، وتعلق برجل السفينة سهيل، هنالك سلم المسالم، وأسلم المعارض والمقاوم، فما الأسد وإن لبس الزبرة يلبا، واتخذ الهلال مخلبا، وإنما انتهض تحت صبا أعنته، وقبض على شبا أسنته، وما الشجاع وإن هال مقتحما، وفغر عن الدواهي فما، وقد أطرق مما رآه، وما وجد مساغا يأباه. وما الرامي وقد أقعص عن مرامه، ووجئت لبّته بسهامه، أو السماك وقد قطر دفينا، وغودر بذابله طعينا، وما الفوارس وقد جللت سربتها عجاجة، ومسخت حليتها زجاجة، وكذلك قطب زحل، واضطرب المريخ في نار وجده واشتعل (3)، ووجل المشتري فامتقع لونه وضياؤه، وشعشع بالصفرة بياضه ولألاؤه، وتاهت الزهرة بين دل (4) الجمال، وذل الاستبسال، فلذلك ما تتقدم آونة وتتأخر، وتغيب تارة ثم تظهر، وأما عطارد فلاذ بكناسه، ورد بضاعته في أكياسه، وتحجبت الشمس بالغمام، واعتصم بمغربه قمر التمام. هذه حال النجوم معك، فكيف بمن يتعاطى أن يشرع في قول مشرعك، أو يطلع من ثنية فضل مطلعك.
__________
(1) القلا: سمت قودا.
(2) [في القلائد: جاماتها].
(3) [في الأصل: يشتعل، والإصلاح من القلائد].
(4) [في الأصل: كمال الجمال، وما أثبتناه من القلائد].(18/412)
ومنها في وداعه:
فخذ السانح من عفوي، وتجاوز لمقتي وصفوي، ثم متعني بفكري فقد رجع فليلا، ودع لي ذهني عسى أن يتودع قليلا، وإنّي وقد أضله من بينك الشغل الشاغل، وردعه (1) من قربك الظّل الزائل، ولا أنس بعدك إلا في تخيل معاهدك، وتذكر مصادرك النبيلة ومواردك، فسر في أمن السلامة محافظا، وتوجه في ضمن الكرامة مشاهدا بالأوهام ملاحظا، رعاك الله في حلك ومرتحلك، وقدمت على السني من متمناك والمرضي من أملك، بمن الله وفضله.
وكتب إليهما الفقيه الحافظ أبو الفضل ابن عياض (2) في ذلك:
قد وقفت أعزكما الله على بدائعكما الغريبة، ومنازعكما [البعيدة] (3)
القريبة، ورأيت ترقيكما من الزّهر إلى الزّهر، وتنقلكما من الدّراري بعد الدّر، فأبحتما حمى النجوم، وقذفتماها من ثواقب افهامكما بالرجوم، وتركتماها بعد الطلاقة ذات وجوم، فحللتما بسيطها غارة شعواء، لها عوت أكلب العواء، هناك افترست الفوارس، ولم تغن عن السماك الداعس، وغودرت النثرة نثارا، وأغشى لألأؤها نقعا مثارا، كأن لكما عندها (4)
ثأرا، وأشعرت الشعريان ذعرا، وقطعت إحداهما أواصر الأخرى، فأخذت بالحزم منها العبور، وبدرت خيلكما وسيلكما بالعبور، وحذرت اللحاق عن أن تعوق، عن منحنى العيّوق. فخلفت أختها تندب الوفاء، وتجهد جهدها في الاختفاء، وكأن الثريا حين ثرتم بقطينها، اتقتكم بيمينها، فجذذتم بنانها، وبذلتم للخضيب أمانها، فعندها استسهل سهيل الفرار، فأبعد بيمينه القرار، وولّى الدبران إثره مدبرا، فذكر البعاد فوقف متحيرا، وعادت العوائد
__________
(1) القلا: ودعه
(2) سيترجم له العماد في هذا الكتاب (انظر الفهارس).
(3) التكملة من القلا.
(4) القلا: قبلها(18/413)
بعراقها وشامها، وألقت الجوزاء الأمان بنطاقها ونظامها، فمهلا أعزكما الله سكنّا الدهماء، فقد ذعرتما حتى نجوم السماء، فغادرتماها بين برق وفرق، وغرق أو حرق، فزحزحا (1) في مجد كما قليلا، واجعلا بعدكما للناس إلى البيان سبيلا، فقد أخذتما بآفاق المعالي والبدائع، لكما قمراها والنجوم الطوالع.
فكتب أبو محمد ابن القاسم إليه مراجعا عنها:
لمثل نباهتك سارت الأخبار، وفيك وفي بداهتك اعتبار، لقد نلت فيها كل طائل، وقلت فلم تترك مقالا لقائل، وعززت بثالث هو الجميع، وبرزت فأين من شأوك الصاحب والبديع (2)، جلاء بيان، في خفاء معان، هذا أثبت للسهى جلالا، وأشاد فيه لذوي النهى أمثالا، وذاك رفع للأقمار لواء، وألقى على شمس النهار بهجة وضياء، أقسم بسبقك، ومقدم حقّك، لئن أفحمت (3) بما نطقت، لقد أفهمت عن أي صبوح رققت، ومهما أبهمت تفسيرا، فدونك منه شيئا يسيرا، لما اعتمدنا نحن ذلك المظهر، فما أبعدنا هنالك الأثر، بل اقتصدنا في الإصعاد، وقدنا من تلك النيرات كل سلس القياد، حتى إذا اشمأزّ طلقها، فعز أبلقها، وصبحنا مواردها، فافتتحنا ماردها، وثنينا عنان الكريمة، وارتضينا إيابا ببعض الغنيمة، هببت أنت هبوب زيد الفوارس، وقربت تقريب الالدّ (4) المداعس، تومض في رجوم (5)، وتمتعض للنجوم، فاستخرجتها من أيدينا، وازعجتها عن نواحينا، ثم صيرت إليك شملها، وكنت أحق بها وأهلها، ومن هنالك أوصلت سراك، فصبحت [الفيالق] (6)، وفتحت المغالق، وتسنّمت تلك الحصون،
__________
(1) القلا: فتزحزحا
(2) يعني الصاحب ابن عباد وبديع الزمان الهمداني.
(3) في الأصل: أفهمت [والإصلاح من القلائد].
(4) القلا: الاسد
(5) القلا: وجوم
(6) التكملة من القلا.(18/414)
«الفقيه أبو الفضل يوسف المعروف بابن النحوى» (1)
قال أنشدنى عمر بن الصقلى قال أنشدنى أبو الفضل لنفسه بالقلعة فى مدح مصر:
أين مصر وأين سكان مصر؟ ... بيننا شقّة النوى والبعاد
حدّثانى عن نيل مصر فإنّى ... منذ فارقته إلى الماء صادى
والرياحين التى على جانبيه ... واجعلاه من الأحاديث زادى
رق قلبى حتى لقد [كدت ألقى] ... بين أيدى الزوار والعواد (2)
ما ترانى أبكى على كلّ ربع ... ما ترانى أهيم فى كلّ واد (3)
روشن من رواشن النيل خير ... بعد من دجلة ومن بغداد (4)
ومن القصر قصر شدّاد ذاك ال ... مشرف المرتقى ومن سنداد (5)
__________
(1) هو أبو الفضل يوسف بن محمد بن يوسف المشهور بابن النحوى التوزرى طاف بأنحاء الغرب واستقر أخيرا بقلعة بنى حماد (قرب بجاية بإقليم قسنطينة أسسها الأمير حماد الصنهاجى وكانت قاعدة ملكه) وتصدر للتدريس وكان لا يقبل من أحد شيئا فإنما يعيش من دخل ضيعة له بتوزر وقصر حياته على نشر العلم وندوينه ولد فى سنة 513هـ وهو صاحب القصيدة المشهورة بالمنفرجة التى مطلعها:
اشتدى أزمة تنفرجى ... قد آذن ليلك بالبلج
[راجع الأدب التونسى ص 92].
(2) فى الأصل: لقد كلت أى بين أيدى ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) فى الأصل: ما مل أنى أبكى على ربع، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) الروشن: الرف وهو ما يوضع عليه طرائف البيت، أو الكوة. أو ما نسميه الآن (بالفرندة).
(5) فى الأصل: قصر سداد على سند ولعل الصواب ما أثبتناه شداد بن عاد ملك يمنى جاهلى قديم من ملوك حمير، وسع مملكته حتى أصبحت امبراطورية وبنى قصرا يجانب السد يقول الرواة إنه لم يكن فى الدنيا مثله. سنداد قصر بالعذيب فى ضاحية الكوفة يضرب به المثل فى روعة البناء.(18/414)
وأقسمت لتخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون، فأذعن لشروطك الشرطان، وازدحمت بالبطين حلقتا البطان، وثار بالثريا ثبور، وعصفت بالدبران دبور، وهكذا استعرضت المنازل، واستهضم جميعنا الخطب النازل، ثم تيامنت نحو الجنوب، فواها للمعاصم والجنوب:
لم يبق غير طريد غير منفلت ... وموثق في حبال القدّ مسلوب
استخرجت السفينة من لججها، وجالت الناقة بهودجها، وغودرت العقرب يخفق فؤادها، وذعرت النعائم فخاب إصدارها وإيرادها، ولما تصفحت (1) تلك الآفاق، وأنخت فيها وشددت الوثاق، عطفت الشمال، واتبعت أسباب الشمال، فلا مطلع إلا ألقى إليك اليمين، واستدارت حوله (2)
الفكة فسميت قصعة المساكين، وانتهيت إلى القطب فكان عليه المدار، وتبوأته ففيه عن جلالتك افتخار، ثم أزحت صعادك، وأزحت ممسك الأعنة جيادك، ونعمت بدار منك محلال (3)، ثم ما نمت عن ذي إكبار لك وإجلال، تتيّمه بسحر الكلام، وتشجمه أن يستقبل استقلالك بالإعلام، وإذ لا يتعاطى مضمارك، ولا يشق غبارك، فدونك ما قبلي من بضاعة مزجاة، وإليك مني معطي طاعة وطالب نجاة، إن شاء الله عز وجل.
وله من رسالة:
أبابل في ضمن (4) أقلامك، وما أنزل على الملكين في وزن كلامك، أم وهو البيان (5) لا غطاء دونه، وما أحقه بأن يكونه.
__________
(1) القلا: مسحت وق: سنحت
(2) كذا في القلا وفي ق، حولك، والكلمة ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: محلا لك وفي ق: محال [وما أثبت من القلائد].
(4) القلا: ضمر اقلامك.
(5) كذا في ق والقلا وفي الأصل: لسان لإعطاء(18/415)
107* الوزير أبو عامر ابن أرقم *
وصفه بالارتواء (1) من ورد الآداب النمير، والاحتواء على كنز الفضل الغزير، والاستواء على سرير الملك في البراعة، والاستيلاء على إبداع الصنائع بسر الصناعة، والانتشاء من سلاف سلفه، في فضله وشرفه، فقد كان أبوه الوزير الكاتب أبو الأصبغ (2) مبرّا في الكتابة على مباريه، سابقا لمجاريه، فنشأ ولده أبو عامر عامرا بحد أبيه، مربوبا في حجر حجره، مهادا في مهاد الإحسان بين سحر البيان ونحره، ومن شعره الذي أورده ما يشعر بفضله، ويعرف بفرده، في مدح الأمير عبد الله بن مزدلي (3):
سريت والليل من مسراك في وهل ... مبرأ العزم من أين ومن كسل
وسرت في جحفل يهدي فوارسه ... سناك تحت الدجى والعارض الهطل
والبدر محتجب لم تدر أنجمه ... أغاب عن سرر أم غاب عن خجل
هوت أعاديك من سار يؤرّقه ... ركض الجواد وحمل اللامة الفضل
إذ الملوك نيام في مضاجعهم ... يستحسنون بهاء الحلي والحلل
لله صومك برا يوم فطرهم ... وما توخيت من وجه ومن عمل
نحرت فيه الكماة الصيد محتسبا ... وحسب غيرك نحر الشاء والإبل
إذا صرير المدارى هزهم طربا ... ألهاك عنه صرير البيض والأسل
وإن ثنتهم عن الاقدام عاذلة ... مضيت قدما ولم تأذن إلى العذل
كم ضم ذا العيد من لاه به غزل ... وأنت تنشد أهل اللهو والغزل
في الخيل والخافقات البيض لي شغل ... ليس الصبابة والصهباء من شغلي
ظللت يومك لم تنقع به ظمأ ... وظل رمحك في علّ وفي نهل
__________
(1) انظر القلا ص 150.
(2) انظر ترجمته في الذخيرة القسم الثالث ورقة 105.
(3) «في سنة 508توفي الأمير مزدلي الوالي على قرطبة في شوال ونسبه: مزدلي بن بوبلنكان ابن حسن بن محمد، وولي بعده علي بن يوسف ابنه الأمير عبد الله بن مزدلي على غرناطة
فتحرك الأمير عبد الله من مراكش» البيان (المرابطون في هيسبيريس) ص 76.(18/416)
«أبو بكر عتيق بن محمد بن الوراق» (1)
له يرثى رجلا دفن بليل:
دفنوا صبحهم بليل وجاءوا ... حين لا طلب يطلبون الصباحا (2)
__________
(1) نقله أبو بكر عتيق بن محمد بن عبد الحميد الأنصارى كان يتولى الصلاة والخطبة بجامع دانية وكان خيرا فاضلا (الصلة ج 2ص 427).
(2) الطلب: المطلوب.(18/416)
وكلما رامت الروم الفرار أتت ... من كل صوب وضمتها يد الاجل
فصار مقبلهم نهبا ومدبرهم ... وعاد غانمهم من جملة النفل
وكم فككت من الاغلال عن عنق ... وكم سددت بهذا الفتح من خلل
أنت الأمير الذي للمجد همّته ... وللمسالك يحميها وللدول
وللمواهب أو للخطّ أنمله ... [ما] (1) لم تحنّ إلى الخطية الذبل
ومنها (2):
الجابرين صدوع المعتفي كرما ... والكاسرين الظبى في هامة البطل
والعادلين عن الدنيا ونضرتها ... والسالكين على الاهدى من السبل
(3) ومن نثره ما كتبه في حق رجل حرفته استجداء الأعيان، واستعداء معروفهم على نوب الزّمان، يعرف بالزّريزير ويصف الزرزور:
يا سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، وسراجي الأجلى، ومن أبقاه الله، والأمكنة بمساعيه فسيحة، والألسنة بمعاليه فصيحة، موصّله وصل الله حبلك (4) حيوان يصفر كل أوان، ويسفر (5) بين الإخوان، رقيق الحاشية، أنيق الشاشية، يعتمد على كدواء (6)، ويسمع بجدواء، وينظر من عين، كأنّها عين، ويلقط بمنقار، كأنه من قار، أطبق على لسانه كأنّه (7)
إغريضة، في جوف إحريضة، يسلي المحزون، بالمقطع والموزون، وينفس عن المكظوم، بالمنثور والمنظوم، مسكي الطيلسان، تولد بين الطائر والإنسان، كما سمعت بسمع الفلاة، وعمرو بن السعلاة، قطع من منابت الربيع، إلى منازل الصقيع، ومن مطالع الزيتون، إلى مواقع السحاب الهتون، فصادف
__________
(1) سقط ما بين القوسين من الأصل [والتكملة من (ت) والقلائد].
(2) حذف العماد من هذه القصيدة 9أبيات [وكلمة: ومنها، ساقطة من (ت)].
(3) [من هنا إلى آخر المختارات، ساقط من (ت)].
(4) القلا: جذلك
(5) الأصل: يقر [والإصلاح من القلائد].
(6) [في الأصل: كرواء، والإصلاح من القلائد].
(7) القلا: تخاله.(18/417)
«خدوج»
امرأة من أهل رصفة لقبت بهذا اللقب واسمها خديحة ابنة أحمد بن كلثوم العامرى وهى شاعرة حاذقة مشهورة ولها ترسّل لا يقع مثله إلّا لحذّاق المترسلين، ومن شعرها:
فرّقوا بيننا فلما اجتمعنا ... فرّقونا بالزور والبهتان
ما أرى فعلهم بنا اليوم إلّا ... مثل فعل الشيطان بالإنسان
لهف نفسى عليك بل لهف نفسى ... حين أن بنت يا أبا مروان (1)
كان أبو مروان هذا من أهل الأندلس شاعرا يودها ويشبّب بها فغار لذلك إخوتها وفرقوا بينهما، فعملت لذلك أشعارا وكتبت إلى أخيها:
أأخى الكبير وسيدى ورئيسى ... ما بال حظى منك حظّ نحيس
أبغى رضاك بطاعة مقرونة ... عندى بطاعة ربّى القدوس
يا سيدى ما هكذا حكم النّهى ... حقّ الرئيس الرفق بالمرءوس
وإذا رضيت لى الهوان رضيته ... ورأيت ثوب الذل خير لبوس
__________
(1) فى الأصل مثل أن بنت ولعل الصواب ما أثبتناه.(18/417)
من الجليد، ما يذهب [قوى] (1) الجليد، ومن البرد، ما لا يدفعه ريش ولا برد، والحدائق قد غمضت أحداقها، وانحسرت أوراقها، والبطاح قد قيدت الفور، بحبائل الكافور، وأوقعت الصرد، في شرك (2) الصرد، فمني (3)
البائس بما لم يعهده، كما وسم بالزرزور ولم يشهده، ولما فال رأيه، وأخفق أو كاد سعيه، التفت إلى عطفة أشمط، وإلى أديمة أرقط، فناح، ثم سوى الجناح، وقد نكر مزاجه، ونسي ألحانه وأهزاجه، ولا شك أنه واقع بفنائك، وراشف من إنائك، وآمل حسن غنائك واعتنائك، وأنت بارق ذلك العارض، ورائد ذلك الأنف البارض، تهيّء له حبّا، يجزيك عنه ثناء جميلا رحبا، وقد تحفظ يا سيدي رسائل، جعلت له وسائل، فسام بها أهل الأدب، سوء العذاب، ودعي البطي منهم إلى الإهذاب:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
وإذا ألقي كتابي إليك، يفسر هذه الجملة عليك، لا زلت منافسا للعلوم، آسيا للأحوال والكلوم.
108* الوزير أبو محمّد ابن سفيان *
قرضه (4) صاحب القلائد بالرتبة العالية، والحالة الحالية، والجد الصاعد، والهمة الواطئة بأخمصها هام الفراقد، والرأي المتوصّل به إلى إنالة المقاصد، وإلانة الشّدائد، واليراع المستخدم به بيض الصفائح لسود الصّحائف (5)، والبلاغة الموضّحة غرر الكلم الفصائح في جباه المعارف، وقيامه في دولة آل ذي النون، قيام الأمين المأمون، حتى أنقت نظارة أيامها،
__________
(1) [كلمة ساقطة من الأصل، أضفناها من القلائد].
(2) القلا: شباك.
(3) [في الأصل: فمن، والاصلاح من القلائد].
(4) انظر القلا ص 154.
(5) [في الأصل: الصفائح، والإصلاح من (ت)].(18/418)
«باب» فى ذكر جماعة وافدين إلى مصر وغيرها من المغرب(18/419)
وأغدقت غزارة انعامها، ورجيت بوارقها، وأمنّت بوائقها، ووصفه بالأدب العذب الجنى، الرحب الجناب، السامي الرّبى، الهامي الرباب، والكلمات الآخذة بمجامع القلوب الوالجة في مسامع القبول، وأثبت من عقوده ما يثبت شهادة العقول، بشهدها المعسول. فمن ذلك من أبيات كتبها إلى (القادر ابن) (1) ذي النون (2):
خطبت بسيفي في الزمان يراعة ... سبقت إلى (3) كفي وصلى المنصل
[أو لست من وطيء السماء تأوّدا ... وسما فقد سفل السماك الاعزل] (4)
أغشى العوالي والمعالي باسما ... وأقوم في الخطب البهيم فأفضل (5)
ومتى أعد ليلا نهار صحيفة ... وضحت كواكبه عليه تهلل
وإذا أجلت جياد فكري في مدى ... سبقت فكبر حاسدون وعللوا
رمدت عيون الحاسدين أما ترى ... قمر العلى والمجد ليلة يكمل
ما الذنب عندهم ودونك فاختبر (6) ... إلا هوى بالمكرمات موكل
همم إلى صرف العلى مصروفة ... وحجى أقام وقد تزحزح يذبل
[وبلاغة بلغت بآفاق الدنا ... وغدت تحية من يقيم ويرحل] (7)
ولئن يضع فضلي ويذهب نقصهم ... صعدا فأرجح كفّة من يسفل
فلأغشينّ الحادثات بصارم ... خذم غراره حريق مشعل
وبصيرة تذر الخطوب (8) لوائحا ... فكأنّها في كفّهن (9) سجنجل
ومشرب (10) كالنّار إن يذهب به ... حضر وإن يسكن فماء سلسل
__________
(1) سقط ما بين القوسين من الأصل [والزيادة من القلائد].
(2) [هذه القطعة ساقطة من (ت)].
(3) القلا: سجدت
(4) أضفنا هذا البيت من القلا.
(5) في القلا: باسها فأول فأفضل.
(6) القلا: فاخبرن.
(7) أضفنا هذا البيت من القلا.
(8) [في القلائد: العقول].
(9) القلا: كشفهن
(10) [في الأصل: ومشرف، والإصلاح من القلائد].(18/419)
نهد إذا استنهضته لملمّة ... أعطاك عفوا عدوه (1) ما تسأل
قيد الأوابد والنواظر إن بدا ... قلت: الجواد أم الحبيب المقبل
ومفاضة زغف كأنّ قميصها ... ماء الغدير جرت عليه الشمأل (2)
ترد العوالي منه شرعة حتفها ... وتعب فيه مناصل فتفلّل
وعزائم بيض الوجوه كأنها ... سرج توقد أو زمان يقبل
شيم عمرن ربوع مجد قد خلت ... فأضاء معتكر وأخصب ممحل
وله:
يا ضرة الشمس قلبي منك في وهج ... لو كان بالنّار لم تسكن ذرى حجر
أبيت أسهر لا أغفي وإن سنحت ... إغفاءة فكمثل اللمح بالبصر
إذا رأيت الدجى تعلو غواربها ... والنجم في قيده حيران لم يسر
أقول ما بال بازي الصبح ليس له ... وقع وما لغراب الليل لم يطر
فإن سمحت بوصل (3) أو بخلت به ... شكوت ليلي من طول ومن قصر
لا أفقد النجم أرعاه وأرقبه ... في الوصل منك وفي الهجران من قمر
وله في الغزل أيضا (4):
نفسي فداك وعدتني بزيارة ... فظللت أرقبها إلى الإمساء
حتى رأيت قسيم وجهك طالعا ... لم تنتقصه غضاضة استحياء
فعلمت أنك قد حجبت وأنه ... لوراء وجهك ما سرى بسماء
وله يعرّض بأحد الملوك، ويخاطب أبا أمية إبراهيم بن عصام (5):
امرر بقاضي القضاة إن له ... حقا على كل مسلم يجب
وقل له إن ما سمعت به ... عن سرّ من راء كلّه كذب
__________
(1) [في الأصل: عذرة، وما أثبتناه من القلائد].
(2) انظر ترجمة هذا البيت في بيريس ص 202.
(3) في الأصل: بليل [وما أثبت من القلائد].
(4) انظر ترجمتها في بيريس ص 406.
(5) سيترجم له العماد (انظر الفهارس).(18/420)
قد غرّني مثل ما غررت به ... فجئته يستحثّني الطرب
حتى إذا ما انتهيت سرت إلى ... سراب قفر من دونه حجب
وملّة للسماح ناسخة ... لها نبيّ الاهه الذهب
وله إليه وقد كتب عين زمانه فوقعت نقطة على العين، فظن أبو أميّة أنه أبهمها (1)، واعتقدها وعددها وانتقدها:
لا تلزمنّي ما جنته يراعة ... طمست بريقتها عيون ثنائي
حقدت عليّ لزامها فتحولت ... أفعى تمجّ سمامها بسخاء
غدر الزمان وأهله عرف ولم ... أسمع بغدر يراعة وإناء
ومن نثره ما كتبه إلى الوزير أبي محمد ابن القاسم (2) من رسالة:
كتبت وما عندي من الود أصفى من الراح، وأضوأ من سقط الزّند عند الاقتداح، وليس فيما أدعيه من ذلك لبس، وكيف وهو ما تجزي به نفسا نفس، فإن شككت فيه، فسل ما تطوي لي جوانحك عليه، أو اتهمته فارجع، إلى ما أرجع، عند الاشتباه إليه، تجده عذبا قراحا. سائل الغرّة ليّاحا.
ولم لا يكون ذلك وبيننا ذمة تجلّ أن تحصى بالحساب، بيض الوجوه كريمة الأنساب (3)، لو كانت نسيما لكان بليلا (4)، ولو كانت زمانا لم تكن إلا سحرا أو أصيلا.
فراجعه أبو محمد برقعة فيها.
كتبت عن ود ولا أقول كصفو الراح فإنّ فيها جناحا، ولا كسقط الزند فربما كان شحاحا، ولكن أصفى من ماء الغمام، وأضوأ من القمر في التمام (5).
__________
(1) القلا: توهمها.
(2) مرت ترجمته رقم 106.
(3) القلا: الاحساب.
(4) في النسختين: وكان ليلا [والإصلاح من القلائد].
(5) في القلا: متوافي التمام.(18/421)
فراجعه عنها (1):
كتبت دام عزّك عن ودّ كماء الورد نفحة، وعهد كصفائه صفحة.
ولا أقول أصفى من ماء الغمام، فقد يكون معه الشرق، ولا أضوأ من القمر في التمام، فقد يدركه النقص ويمحق، وليس ما وقع به الاعتراض مختصا بصفو الراح، ولا بسقط الزند عند الاقتداح، فإنّ أمور العالم هذه سبيلها، وجياد الكلم تجول كيف شاء مجيلها، وإنما نقول ما قبل، ونتبع من أجاد التحصيل، وحسّن التأويل، فنستعير ما استعار، ونسير في التملّح (2)
في القول إلى ما أشار، وبيّن أنا لم نرد من الرّاح الجناح، ولا من الزند (3)
الشحاح، ولا من ماء الورد ما فيه مادة الزكام، ولا زيادة في بعض الأسقام.
109* الوزراء بنو القبطرنه (4) *
ذكر (5) أنهم أركان المجد وأثافيه، ولهم قوادم الحمد وخوافيه، وإنّهم للمعالي نجوم، وللأعادي رجوم، ولهم النظم الفائح الفائق، والنثر الشائع (6) السابق، فمنهم:
* أبو محمّد *
ذكر أنه كتب إليه وذكر منها أبياتا:
أبا النصر إن الجدّ لا شكّ عاثر ... وإن زمانا شاء بينك جائر
ولا توّجت من بعد بعدك راحة ... براح ولا حنّت عليك المزامر
ولا اكتحلت من بعد نأيك مقلة ... بنوم ولا ضمّت عليها المحاجر
__________
(1) [في الأصل: فراجعها عنها أبو محمد برقعة فيها، وهو غلط واضح من الناسخ].
(2) القلا: في التمليح.
(3) [في الأصل: الرماد، والاصلاح من القلائد].
(4) الكلمة ساقطة من ق. وفي الأصل: القنطرية، [والقلائد: القبطرنية، وفي (ت): القبطرنة].
(5) انظر القلا ص 169.
(6) [في (ت): الشائق].(18/422)
ومنها (1):
تشيّعك الألباب وهي أواسف ... وتتبعك الألحاظ وهي مواطر
وله (2):
يا خليليّ لقلب ... نيل من كل الجهات
ليم أن هام بريّا ... وبليلى (3) والبنات
وبأن صادته أسما (4) ... بين بيض خفرات (5)
بلحاظ ساحرات ... وجفون فاترات
وبجيد الظبية ارتا ... عت وظلت في التفات
وبعيني مغزل تر ... عى غزالا في الفلاة
تتمشّى بين أترا ... ب لها حور لدات
وعليها الوشي و ... الخزّ وبرد الحبرات
راعها لما التقينا ... ما درت من فتكات
عشرت ذعرا (6) فقلنا ... لا لعا للعثرات
ضحكت عجبا وقالت ... لأخصّ الفتيات
راجعيه ثم قولي ... إئتنا في السمرات
وارقب الأعداء واحذر ... للعيون الناظرات
فإذا أعلق فيها النو ... م أشراك السنات
وعلا البدر جلابيب ... لباس الظلمات
فاطرق الحي تجدنا ... في ظهور الحجرات
فالتقينا بعد يأس ... بدليل النفحات
__________
(1) حذف العماد منها خمسة أبيات.
(2) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(3) [في القلائد: بالبنينا].
(4) [في القلائد: سمر].
(5) القلا: خافرات.
(6) [في الأصل: ذرعا].(18/423)
ما التمس، وكان بارقه خلّبا لا يجود بقطرة، وشرابه سرابا بقفرة، ولما تحقق إكداء كدّه (1) وصلود قدحه فى مدحه (2)، قال:
يشقى رجال ويشقى آخرون بهم ... ويسعد الله أقواما بأقوام
وليس رزق الفتى من حسن حيلته
لكن جدود بأرزاق وأقسام
كالصيد يحرمه الرامى المجيد، وقد ... يرمى فيرزقه من ليس بالرّامى
وقال فى هجو ابن قادوس:
تسلّ فللأيام بشر وتعبيس
وأيقن فلا النّعمى تدوم ولا البوس
صدئت على قرب وخلقك عسجد
وملت إلى لغو ولفظك تقديس
ومنها:
ترحّل إذا مادنس العزّ ملبس ... فغيرك من يرضى به وهو ملبوس
وما ضاقت الدنيا على ذى عزيمة
ولا غرقت فلك، ولا نفقت عيس (3)
__________
(1) أكدى: افتقر بعد غنى.
(2) صلد الفرند: أحدث صوتا ولم يقدح نارا.
(3) فى الأصل ولا غرقت فلك لا نفقت، والوزن يقتضى ما أثبتناه.(18/423)
وكم من أخى عزم جفته سعوده ... يموت احتراقا وهو فى الماء مغموس
تفلّ السيوف البيض وهى صوارم
ويرجع صدر الرمح والرمح دعّيس (1)
ولولا أناس زينوا بسعادة ... لما ضرّ تربيع ولا سرّ تسديس (2)
ولكن فى الأفلاك سرّ حكومة ... تحيرّ بطليموس فيها وإدريس (3)
أفاضت سعودا بالحجارة دونها
يطاف سبوعا حولها الغلب والشوس (4)
وصار فلانا كلّ من كان لم يكن ... ودان له بالرق قوم مناحيس (5)
__________
(1) الدعيس: الطعان
(2) فى المختصر والتيمورية: وفقوا لسعادة، التربيع والتسديس اصطلاحات للمنجمين والفلكيين القدماء حول منازل النجوم وعلاقتها بالسعود والنحوس.
(3) بطليموس من أشهر علماء الفلك والجغرافيا عند الإغريق صاحب كتاب المجسطى وقد نفى القفطى فى كتابه أخبار العلماء بأخبار الحكماء أنه من أسرة البطالسة الثى حكمت معمر، وإدريس هو إدريس النبى (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) وتسميه الأساطير القديمة «هرمس» ونزعم أنه مصدر كبير من العلوم والمعارف والأسرار وأنه بانى الهرم، ويدعى الصائبة أنه صاحب شريعتهم «راجع ديوان ابن زيدون تحقيق على عبد العظيم ص 645، 646»:
(4) أفاض الرامى القداح: ضرب بها ليعرف حظه ونصيبه. صبوعا: صبعة أيام، وفى الحديث: طاف بالبيت صبوعا، الغلب: جمع أغلب وهو الأسد الشوس: جمع أشوس وهو الرافع رأسه تكبرا أو الجرىء على القتال العنيف. والمراد أن الحظوظ تصيب الحجارة أحيانا فتجعلها موضع التكريم ومحل التقديس يطوف حولها الكماة والفرسان سبعة أيام.
(5) المعنى: تصدر من لا يستحق الصدارة وأصبح النكرة علما يشار إليه بالبنان ويحاط من الأوشاب بالتكريم والتبجيل.(18/424)
وتلازمنا اعتناقا ... كالتواء الألفات
وبثثنا بيننا شجوا ... كنفث الراقيات
وبردنا لوعة الحبّ ... بماء العبرات
وتشاغلنا ولم نعلم ... بأن الصبح آت
وبدت فيه تباشير ... مشيب في شوات
وله (1):
ومنكرة شيبي لعرفان مولدي ... ترجّع والاجفان ذات غروب
فقلت: يسوق الشيب من قبل (2) وقته ... زوال نعيم أو فراق حبيب
وله:
إذا ما الشوق أرقني ... وبات الهمّ من كثب
فضضت الطينة الحمرا ... ء عن صفراء كالذهب
وذكر صاحب قلائد العقيان أنه بات مع إخوته في أيام الصبا، في روضة رائقة الحلى، موهوبة الربى، وقد عاقروا العقار، ونبذوا الوقار، وقد ارتضعوا للانتشاء درا، وصرعوا للإغفاء سكرا، فلما خلع الصباح رداءه على الأفق، وهزم كتائب الغياهب يقق الفلق، قام الوزير أبو محمد فقال (3):
يا شقيقي وافى (4) الصباح بوجه ... ستر الليل نوره وبهاؤه
فاصطبح واغتنم مسرّة يوم ... لست (5) تدري بما يجيء مساؤه
__________
(1) انظر البيتين في المسالك ج 11ورقة 131.
(2) المسالك: في غير وقته.
(3) انظر هذا الخبر في الذخيرة ج 2ص 240، والمغرب ج 1ص 367، والمطرب ص 170 والاحاطة ج 1ص 340، والنفح ج 1ص 421، وورد أيضا بيتا أبي بكر في المسالك 11 ورقة 131.
(4) المغرب: أتى
(5) القلا والمغرب: ليس تدري(18/424)
ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال:
يا أخي قم تر النسيم عليلا ... باكر الروض والمدام شمولا (1)
[في رياض تعانق الزهر فيها ... مثلما عانق الخليل خليلا] (2)
لا تنم واغتنم مسرّة يوم ... إن تحت التراب نوما طويلا (3)
ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن، وقد هبّ من الوسن (4)، فقال:
يا صاحبيّ ذرا لومي ومعتبتي
قم نصطبح خمرة من خير ما ذخروا (5)
وبادرا غفلة الأيام واغتنما
فاليوم خمر ويبدو في غد خبر
وقال الوزير أبو بكر يستدعي (6):
دعاك خليلك واليوم طل ... وعارض خدّ (7) الثرى قد بقل
لقدرين فاحا وشمّامة ... وإبريق راح ونعم المحل
فلو شاء زاد ولكنّه ... يلام الصديق إذا ما احتفل
وللوزير أبي بكر أيضا في المعنى (8):
هلمّ إلى روضنا يا زهر ... ولح في سماء المنى يا قمر
هلمّ إلى الأنس سهم الإخاء (9) ... فقد عطلت قوسه والوتر
__________
(1) المغرب: المدام الشمولا.
(2) لم يرد هذا البيت الا في القلا.
(3) سقط هذا البيت من ق.
(4) في ق: وقد ذهب من عقله الوسن.
(5) الذخيرة: من قبر ما دخر؟
(6) انظرها في المغرب والنفح ج 2ص 404 [والقطعة ساقطة من (ت)].
(7) المغرب والنفح: وجه الثرى
(8) الأبيات 1، 3، 4في المغرب و 1، 4في المسالك.
(9) في ق: الرجاء.(18/425)
إذا لم تكن عندنا حاضرا ... فما لغصون الأماني ثمر (1)
وقعت من القلب وقع المنى ... وحسّنت في العين حسن الحور
وله إلى الوزير أبي محمد ابن عبدون (2) يستدعي شوذانقا (3):
أغادية باتت مع النّور (4) والتقت
على الغور ريح الفجر مرت بدارين
خطت فوق أرض من عرار وحبوة
وحطت بروض من بهار ونسرين
وباتت بوادي الشحر تحت ندى الصّبا
إلى الصبح فيما بين رشّ وتدخين
ومرّت بوادي الرند ليلا فأيقظت
به نائمات الورد بين الرياحين
إذا ملت عن مجرى الجنوب (5) فبلّغي
سلامي مبلول الجناح ابن عبدون
وبين يدي شوقي إليه لبانة
تخفّق من قلب للقياه محزون
مضى الأنس إلّا لوعة تستفزّني
إلى الصيد إلا أنّني دون شاهين
فمنّ به ضافي الجناح كأنّه
على دستبان الكف بعض السلاطين
__________
(1) المغرب: لعيون الاماني ممر.
(2) انظر ترجمته رقم 12.
(3) الأبيات، 7، 8، 9في المسالك وترجمة السابع والثامن منها في بيريس ص 348 [والقطعة ساقطة من (ت) والشوذانق: الصقر أو الشاهين].
(4) ق، [والقلائد: مع الروض].
(5) [في الأصل: النجوم، وما أثبت من القلائد].(18/426)
وقالوا سديد الدولة السيد الرضا
فأكثر حجّاب وسدّد ناموس (1)
وأعجب من ذا أن يلقب قاضيا
وأكثر ما يجرى من الحكم تلبيس (2)
وأصدق ما نصّ الحديث فكاذب ... وأظهر ما صلى الصلاة فمنجوس (3)
وأعرف منه بالفرائض راهب ... وأفقه منه فى الحكومة قسّيس (4)
وما الغبن إلا أن تحكم نعجة
وضرغام أسد الغاب فى الغيل مفروس (5)
ومالى فوق الأرض مغرز إبرة ... وتحمل دمياط إليه وتنّيس
مصائب من يسكت لهامات حسرة
ومن قالها بتّا يمت وهو منحوس (6)
وفى جور هذا الدهر ما بأقلّه
سيضرب فى أرجاء مكّة ناقوس (7)
__________
(1) أكثر حجاب: بالغ الحجاب فى تقديس صاحبهم، وسدد ناموس: وصفه بالسداد ناموسه، والناموس هو النمام أو الكذاب أو تابع الأمير وصاحب سره.
(2) تلبيس: تدليس وغش وخداع.
(3) نص الحديث: رفعه بإسناده إلى راوية، وقد ورد: «ما رأيت رجلا أنص لحديث من الزهرى» أى أرفع له وأسند.
(4) المعنى: إنه لا يفقه شيئا من أمور الإسلام فالراهب والقسيس كلاهما أعلم منه بشريعة الإسلام.
(5) الغيل: مكان الأسد.
(6) فى الأصل: ومن يغلها بتا، وهو تحريف: والبت: أشد الحزن.
(7) المعنى: إن أحداث الزمان وجوره الفادح ستجعل مكة معقلا للمسيحية لا للإسلام.(18/426)
إذا أخذت كفاه (1) يوما فريسة
فمن عقد سبعين إلى عقد تسعين
ولأبي الحسن أخيه (2):
ذكرت سليمى وحرّ الوغى ... كجسمي (3) ساعة فارقتها
وأبصرت بين القنا قدّها (4) ... وقد ملن نحوي فعانقتها
110* أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الرزاق *
الوزير الكاتب، وصفه (5) باشتمال مطارف المعارف، واعتلاق حبائل الفضائل، وإعلام اعلام العلوم، والتبحر في علوم النجوم، واشتغاله آخر عمره بطلب الكيمياء، واشتعاله بحبّها اشتعال النار في الحلفاء، وأفسد ذلك شكل عينيه، ولم يحصل منها طائل في يديه، وأورد له هذين البيتين في الغزل:
إن التي منتك نفسك نائلا ... منها وبرق عداتها لك خلب
أمست يعللها سواك فأصبحت ... علقت معالقها وصرّ الجندب
* أبو محمد [ابن الحبيّر] (6) *
الوزير الكاتب، قال (7): شيخ الأوان، القاعد على كيوان، ووصفه بالكلام الرائق، والنظام المتناسق، ومن شعره الذي أورده (8):
__________
(1) في ق: عيناه.
(2) انظرهما في المغرب والنفح ج 2ص 183.
(3) النفح: نار الوغا بقلبي
(4) النفح: شبهها
(5) لم ترد ترجمة أبي محمد هذا في نسخ القلا المطبوعة.
(6) مرت ترجمته في رقم 84 [والزيادة من القلائد].
(7) انظر القلا ص 176.
(8) انظر ترجمة هذه الأبيات في بيريس ص 85 [والأبيات ساقطة من (ت)].(18/427)
ويبتاع (منلا) بالجراء مدلّس
ويعبد خنزير ويرسل جاموس (1)
وقالوا: ابن قادوس تقدّس إسمه
ومن هو قادوس؟ فلا كان قادوس!!
أيا من غدا ضدا لكل فضيلة ... ومن نجمه فى طالع السّعد منكوس
ومنها:
وقد قلتها هجوا وأنفك راغم ... فلا يدخلن ريب عليك وتلبيس
أبا الفضل إن أصبحت قاضى أمة
وللحكم فى أرجاء ذكرك تعريس (2)
فإن قريضى بين أذنيك درّة ... وإن هجائى فى دماغك دبّوس (3)
ورأسى ومثلا شعره سفن خردل
أيور بغال فى حرامّك مدسوس (4)
__________
(1) المنلا: القاضى بلغة التتار وقد تحولت إلى (ملا) وهى مشهورة الآن بالباكستان بمعنى الفقيه، الجراء: جمع جرو: ولد الكلب مدلس: غشاش، والمعنى: يبتاع غشاش لقب القاضى ومنصبه بالثمن البخس النجس، وتنقلب الأوضاع فيصبح الخنزير إلها والجاموس رسولا إليهم، وفى الأصل ويبتاع منك بالجزاء مدلس، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) المشهور فى اسمه «أبو الفتح» ولعلها الصواب. التعريس بالمكان: النزول فيه.
(3) الدرة: السوط، الدبوس: المقمعة من الحديد.
(4) الخردل حب أسود صغير يستعمل ضمادا للأورام فتذبل من شدة حرارته، والشاعر يقصد أن رأسه ومجموعة من سفن الخردل تعادل ضعف شعر رأسه تنحول جميعها إلى:
يغال تندس فى أم المهجو.(18/427)
رأيت الكتابة والجاهلو ... ن قد لبسوا عزّها لامه
فقلت لكل فتى عالم ... بديع الفصاحة علّامه
إذا عزّ غيركم بالوداد ... فلا أنبت الله أقلامه
وله:
أركابهم (1) شطر العذيب تساق ... يوم النوى أم قلبي المشتاق
عميت عليّ عيون رأيي في الهوى ... لله ما صنعت بي الأشواق
ولقد أقول لصاحب ودّعته ... وقد استهل بدمعي الإشفاق
يا فائزا قبلي برؤية دوحة ... أضفت ظلال فروعها الأعراق (2)
من تغلب الحرب التي إن غولبت ... شقيت بحد سيوفها الأعناق
فهم إذا ما جالسوا أو راكبوا ... أخذوا بحقهم الصدور فراقوا
(3) قاض كأنّ الليث حشو بروده ... وكأنّ ضوء جبينه الإشراق
بالله ربّك خصّه بتحية ... من ذي خلوص قلبه تواق
يصبو إلى تلك العلى فكأنّه (4) ... صبّ أصابت لبّه الأحداق
ثاو بأرض بداوة لكنّها ... بالمالكيّين الكرام عراق
قوم إذا ومضت بروقهم همى ... صوب الحيا وأنارت الآفاق
وإذا استقل بنانهم بيراعة ... لبست وشيع برودها الأوراق
وإذا انتدوا وتكلموا أنسيت ما ... صانته من أعلاقها الأحقاق
[أنصاركم وحماة مجدكم وما ... أولا كموه من العلى الخلّاق] (5)
بلقالق ذلق كأنّ حديثها ... درّ يفصّل بينها النساق
فهم إذا ألقوا حبال كلامهم (6) ... غلبوا جهابذة الكلام وفاقوا
__________
(1) [في القلائد: أركابكم].
(2) [في القلائد: الأطواق].
(3) [من هذا البيت إلى آخر القصيد، ساقط من (ت)].
(4) [في الأصل: فكأنما، وما أثبتناه من القلائد].
(5) أضفنا هذا البيت من القلا.
(6) القلا: بنانهم(18/428)
لمّا جروا شأوا ونالوا ما اشتهوا ... وثنوا أعنتهم وهم سبّاق
نصبت لهم حسدا على ما خوّلوا ... من سؤدد ونفاسة أوهاق
111* أبو محمّد ابن عبد الغفور *
الوزير الكاتب. ذكره لي الفقيه اليسع بمصر (1) وقال: أدركته بمرّاكش سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وهو كاتب أمير المسلمين (2)، ووجدت مؤلف قلائد العقيان يذكر (3) هوجه، ويستوعر منهجه، ويرميه بالحقد والحسد، وينميه إلى الغلّ والنكد، غير أنّه يثني على نظمه البديع، ونثره [الصنيع] (4). ومن شعره في مدح الأمير، أبي بكر يحيى بن سير (5)، يذكر فرسا أشهب سابقا:
يا ملكا لم يزل قديما ... بكلّ علياء جدّ وامق
وسابقا في الندى أتتنا ... جياده في المدى سوابق
لله منها أسيل خدّ ... هريت شدق مثل الجوالق
[حديد قلب حديد طرف ... ذو منكب يشبه البواسق] (6)
ذو وحشة في الصهيل دلت (7) ... منه على أكرم الخلائق
أشهب، كالرجع مستطير ... كأنّه الشيب في المفارق
حثّ غداة الرهان حتّى ... أجهد في إثره البوارق
__________
(1) انظر ترجمته رقم 57.
(2) نقل ابن سعيد قول اليسع عن الخريدة، المغرب، ج 1ص 237.
(3) انظر القلا ص 182.
(4) [الزيادة من (ت)].
(5) لما توفي سير والي اشبيلية (سنة 507) وليها يحي بن سير بن أبي بكر في ذي الحجة من عام 507، وعزل عنها في ذي الحجة أيضا عام ثمانية وخمسمائة فكانت ولايته سنة واحدة البيان (القسم الخاص بالمرابطين في هيسبيريس) ص 110.
(6) [أضفنا هذا البيت من (ت) والقلائد].
(7) في النسختين: جلت [وما أثبت من القلائد].(18/429)
«القاضى الرشيد أحمد بن قاسم الصقلى»
من الطارئين على مصر، وكان قاضى قضاتها فى أيام الأفضل فدخل يوما إلى الأفضل وبين يديه دواة من عاج محلاة بمرجان فقال:
ألين لداود الحديد بقدرة ... فقدّره فى السّرد كيف يريد
ولان لك المرجان وهو حجارة ... على أنه صعب المرام شديد
وكان الأفضل قد أجرى الماء إلى قرافة مصر فكتب إليه يسأله إجراء الماء إلى دار له بها:
أيا مولى الأنام بلا احتشام ... وسيدهم على رغم الحسود
لعبدك بالقرافة دار نزل ... لموجود الحياة أو الفقيد (1)
لموجود يعيش بها لوقت ... ومفقود يوارى فى الصعيد
وفى أرجائها شجر ظماء ... عد من الحسن من ورق وعود
فمذ غدت المصانع ممتعات ... عدمن الرى فى زمن الوجود (2)
يقلن إذا سمعن شجى السّواقى ... مقالة هائم صبّ عميد (3)
__________
(1) النزل: مكان الضيافة، ومكان نزل: أى واسع بعيد: والنزل: المجتمع.
(2) المصانع: القصور والحصون والقرى، ممتعات: منعمات بالماء والرى، وفى الأصل ممنعات ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) الشجا: الحزن الشديد، العميد: الذى هده العشق.(18/430)
ما أنس لا أنس إذ شآها ... مشرّبات (1) مثل البواشق
وبذّها شرّبا عتاقا ... لم يرض عن حضرها العواتق
فقمن يمسحن (2) منه رشحا ... مطيّبات به المخانق
أفديه من شافع لبيض ... قد كنّ عن بغيتي عوائق
أنصع منه لرأي عيني ... سود عذار الفتى الغرانق
وله من قصيدة يمدح أمير المسلمين (3):
خليليّ عوجا بي على جانب الحمى ... عسى الظبية اللعساء تكشف عن ضرّي
وإن خفتما جورا عن القصد فاكشفا ... نوافج يفعمن التنوفة بالعطر
ولما رنت تلك الفتاة وأعرضت ... إلى القبة الغراء بالكشب العفر
خلعت لها نعلي حياء من الحجى ... وطفت بأركان العلى ثاني النّحر
قبّل منها ترب كسرى جلالة ... وأستنزل الشعرى بأدمعي الغزر (4)
فيا مقلة ما كان أضيع دمعها ... ويا لوعة يغلي بها مرجل الصدر
ومنها:
أمير له في سدفة الخطب مطلع ... كما انشقت الظلماء عن وضح الفجر
لأذهب بالضرغام هاجر نومه ... وأرعب فالدنيا به جمّة الوكر (5)
ومنها يصف الخيل:
بأشقر وقاد الإهاب كأنّما ... تشجّم من خمر صريح ومن جمر
أظل بهاديه على كل ريعة ... كما نبهت نار المعالم للسفر
__________
(1) في الأصل مسربات وفي ق: سبروات [وصدر البيت في الأصل: لا أنس لا أنس، وما أثبت من القلائد].
(2) في النسختين: يرشحن [وما أثبت من القلائد].
(3) المراد به علي بن يوسف. ولم ترد هذه القطعة في نسخ القلا التي بين أيدينا [والقطعة ساقطة من (ت)].
(4) في ق: الغر
(5) في ق: الوفر.(18/430)
خفي السرى للطيف لم يسم الندى ... بوقع ولم يشعر به نوّم الكدر
تودّ الثريا أن تكون عليقة ... (1) بالسماكين والنسر
وله من قصيدة (2):
أرعى من النجم للرعايا ... أروع سام عن النظير
لذت به من صروف دهري ... وكان من جورها مجيري
ومدّ نحوي كفا (3) بجود ... أهمى من العارض المطير
ألقى شعاعا عليّ ليلا ... فخلتني في ضحى منير
حمى بأرض الاله (4) ثغرا ... حقا له لذّة الثغور
[وأصبح الشرك في تباب ... يدعون بالويل والثّبور] (5)
قرّت به أعين البرايا ... وأعملوا أكؤس السرور (6)
ومنها:
وشنّ غاراتها عليهم ... مثل العراجين في ضمور
أهلّة لا تزال تسري ... لتحرز الحظ من ظهور
(7) وله إلى أمير المسلمين في غزوة غزاها (8):
__________
(1) بياض في النسختين.
(2) حذف العماد من هذه القصيدة ثمانية أبيات.
(3) القلا: يدا
(4) القلا: حمى فأرضى
(5) [أضفنا هذا البيت من (ت)].
(6) [هذا البيت ساقط من (ت)].
(7) [من هنا إلى قوله: وكتب إلى أمير المسلمين، ساقط من (ت)].
(8) انظر هذه الأبيات في المطرب ص 182، والمغرب ج 1ص 237، والنفح ج 2ص 223.
وقال المقري: «قال في الامير أبي بكر سير من أمراء المرابطين» والبيتان الاولان للمتنبي الا انه غير البيت الثاني كما يشير إليه بقوله: هذا ما تمناه الولي لا ما تمناه الجعفي، فرواية الديوان:
وإذا ارتحلت فشيّعتك سلامة ... حيث اتجهت وديعة مدرار
انظر شرح ديوان المتنبي للواحدي طبع برلين سنة 1861ص 406.(18/431)
سر حيث شئت (1) تحلّه النوار ... وأراد فيك مرادك المقدار
وإذا ارتحلت فشيّعتك سلامة ... وغمامة لا ديمة مدرار
تنفي الهجير بظلها وتنيم ... بالرش القتام وكيف شئت تدار
وقضى الإلاه بأن تعود مظفرا ... وقضت بسيفك نحبها الكفار
هذا ممّا تمنّاه الولي، لا ما تمنّاه الجعفي (2) فإنه قال: حيث ارتحلت وديمة، ما تكاد تنفذ معها عزيمة، وإذا سفحت على ذي سفر، فما أحراها بأن تعوق عن الظفر، ونعتها بمدرار، وكأنّ ذلك أبلغ في الإضرار (3):
فسر ذا راية خفقت بنصر ... وعد في جحفل بهج الجمال
إلى حمص فأنت لها حلي ... تغاير فيه ربّات الحجال
وحمص أيضا بلدة في المغرب وهي إشبيلية (4).
وكتب (5) عن أمير المسلمين إلى بعض الأمراء جوابا عن كتاب يعتذر فيه عن هزيمة انهزمها، ويصف من فر [من] العساكر ومن لزمها:
وما بعثناك لتشهد، وإنما بعثناك لتجهد، في طعن بخطي أو ضرب بمهند، فإذا لم تفعل فلا أقل من أن تجلد (6)، وتصبر وتحمل من معك على الصبر، ولا تكون أول من فر، فتعدي بفرارك، تثبت جارك، ولو كتمتها من شهادة لما أثم قلبك، فلا تؤثر الكتب، بما يثير عليك العتب، ولتأنف، من المستأنف، من إيثار الدنية، على المنية، ولتكن لك نفس أبية، والسلام.
__________
(1) في الديوان والمطرب: سر حل حيث
(2) في النفح: «هذا غير ما تمناه الجعفي حيث قال: حيث ارتحلت وديعة»
(3) في ق: الاصغرار؟
(4) الجملة غير موجودة في ق.
(5) لم ترد هذه الرسالة في نسخ القلا التي بين أيدينا.
(6) ق: من أن تستجلد [وفي الاصل: مما تجلد].(18/432)
«أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن زكريا القلعى»
الأصم من قلعة بنى حماد بالمغرب، ذكره ابن الزبير فى مجموعه وقال: كان جيّد الشعر، وارى زناد الفكر، لكنه منحوس الحظ، منحوس الجد، ورد إلى الاسكندرية ومصر وأقام بها زمانا لا يجد من يروى ظمأته، ولا يسد خلّته، (1) وعاد إلى المغرب فى غير أوان سفر المركب، فسار راجلا، نعله مطيته، وزاده كديته (2)، إلى أن وصل إلى قوم يعرفون ببنى الأشقر من طرابلس الغرب فامتدحهم بالقصيدة الميمية التى أولها:
«ترى فاض شؤبوب من الغيم ساجم» فأحسنوا صلته وعظموا جائزته ولم أدر ما فعل به بعد ذلك فمن قصيدته الميمية فى مدح بنى الأشقر:
ترى فاض شؤبوب من الغيم ساجم
وأومض مشبوب من البرق جاحم (3)
وماذا الندى والوقت بالصيف حائم؟
وماذا السنا والجو بالليل فاحم؟ (4)
__________
(1) الخلة: الفقر والحاجة، قال الشاعر:
رأى خلتى من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت
(2) الكدية: شدة الدهر أو التسول.
(3) الشؤبوب: الدفعة من المطر أو شدة دفعه، ساجم متدفق، الجاحم: الحجر الشديد الاشتعال، وتوقد النار والنهابها.
(4) حائم: عطشان، والمعنى ما هذا الندى المترقرق فى وقت اشتدت فيه الحرارة حتى أصبح الزمن ظمآن وما هذا النور المتوهج والليل حالك الظلام؟(18/432)
112* أبو بكر ابن عبد العزيز الأندلسي * الوزير الكاتب المعروف بابن المرخي (1)
(قال الفقيه اليسع (2)، ما كتب قط لأحد لجلالة قدره، توفي سنة أربعين وخمسمائة (3)، والفتح مصنف القلائد) (4) وصفه (5) بالبراعة القاضية، واليراعة الماضية، والهمة العالية، والحالة الحالية، والنظم الباهر، والفضل الظاهر، ومما أورد له قوله (6):
قد هززناك في المكارم غصنا ... واستلمناك في النوائب ركنا
ووجدنا الزمان قد لان عطفا ... وتأنّى فعلا وأشرق حسنا
فإذا ما سألته كان سمحا ... وإذا ما هززته كان لدنا
مؤثرا أحسن الخلائق لا يعرف ... ضنا ولا يكذب ظنا
أنت ماء السماء أخصب واديه ... ورقت رياضه فانتجعنا
نزعت بي إلى ودادك نفس ... قل ما استصحبت من الفضل (7) خدنا
(8) وله يودع الوزير أبا محمد ابن عبدون (9):
في ذمة المجد والعلياء مرتحل ... فارقت صبري إذ فارقت موضعه
ضاءت (10) به برهة أرجاء قرطبة ... ثمّ استقل فسدّ البين مطلعه
__________
(1) قال ابن دحية: «وصوابه عند أهل النحو: المرخى بفتح الخاء»، المطرب ص 189 [وكلمة الأندلسي، ساقطة من (ت)].
(2) انظر ترجمته رقم 57.
(3) توفي أبو بكر هذا سنة 536كما في الصلة ج 2ص 529وبغية الملتمس ص 201.
(4) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(5) انظر القلا ص 182.
(6) انظر الابيات في المطرب ص 189والذخيرة ج 2ورقة 172.
(7) المطرب: سوى الفضل
(8) [من هنا إلى قوله: وكتب إليه مسليا عن نكبته، ساقط من (ت)].
(9) البيتان في المطرب، وانظر تمام القطعة في الذخيرة ج 2ورقة 186.
(10) [في الأصل: ضمان، والاصلاح من القلائد].(18/433)
وما هذه مزن، وما ذى بوارق ... ولكنها أيمانكم والصوارم
بنى الأشقر استعلوا بحق على الورى
كما لم تزل فوق الكعوب اللهاذم (1)
مشيتم إلى العليا وطار سواكم ... فلم تبلغ الأقدام فيها القوادم (2)
وأوقع من تلقاه من طار للعلى ... إذا لم يكن ريش الجناح المكارم
وفى ذا الحمى المأمول يأمن خائف ... وفى ذا الندى المعسول ينقع حائم (3)
عضدتم على أحسابكم بفعالكم ... كما عضدت أسّ البناء الدعائم (4)
تغار على مسّ الدروع جسومكم ... غلائل فيها للنضار مراقم (5)
تتوجتم بالبيض حتى تخيّلت ... بأنكم حرمتموها العمائم (6)
ولم تحظ منكم بالبنان خواتم ... مذ اتّفقت أيديكم والقوائم (7)
وما اختلفت أقوالكم وفعالكم ... مذ انفقت آراؤكم والعزائم
__________
(1) اللهاذم جمع لهذم وهو القاطع من الأسنة.
(2) قوادم الطير: مقاديم ريش جناحيه، وهى عشر فى كل جناح، مفردها قادمة والمعنى بلغتم العلياء فى يسر وسهولة وخلق غيركم إليها فلم تصل أجنحته بعد جهد إلى مواطىء أقدامكم.
(3) الحائم: العطشان.
(4) عضده: سانده وأعانه، وفى الأصل إحسانكم ولعل الصواب ما أثبتناه.
(5) والمعنى أنكم زكيتم حسبكم بمكارمكم، المراقم: جمع مرقم وهو القلم أو أداة النقش، والمعنى: تعودتم لبس الدروع الحديدية وتركتم لبس الغلائل الحريرية الموشاة بالذهب حتى أصبحنا نحسد الدروع على أنها تمس أجسادكم.
(6) البيض: جمع بيضة وهى خوذة حديدية تحمى الرأس فى القتال، والمعنى: لكم تعودتم لبس البيض حتى أصبحت العمائم تظن نفسها محرمة عليكم.
(7) قائم السيف: مقبضه والمعنى تعودت أيديكم ملازمة قوائم السيوف فاعتصدتم بها عن التزين بالخواتم.(18/433)
ومن نثره مما كتبه إلى الوزير أبي محمد ابن القاسم (1):
كيف رأي مولاي في عبد له موات (2) يرى الوفاء دينا وملة، ولا يعتقد في حفظ الأخاء ملة، فصدته (3) الأقدار عن رأيه، وأخرته الأيام عن سعيه، فادرع العقوق ولبئست الحلة، وضيّع الحقوق ولم تضع الخلة، أيردّه بعيب ما جناه الدهر، أم يسمح فشيمته الصبر (4)، بل يسمح ويصفح (5)، ولو كان الغضب يفيض على صدره ويطفح، وله أعزه الله العقل الأرجح، والخلق الأسجح، والأناة (6) التي يزل الذنب عن صفحاتها، ولا يتعلق العيب بصفاتها، وإنّ كتابه الكريم وردني مشيرا إلى جملة تفصيلها في يد العواقب، والزمان المتعاقب.
ومنها:
وفلان أيده الله كما يدريه يردد محاسنه ويرويها، وينشر فضائله ويطويها، إلا أن الأمور انقلبت عليه في هذه البلاد ولا تعرف له حالة، إلا وقد داخلتها استحالة، وربما عاد ذلك إلى نقصان في الوفاء، وإن كان باطنه على غاية الأستيفاء، ولله تعالى نظر، وعنده خير منتظر.
وكتب إليه مسليا عن نكبته:
الوزير الفقيه أدام الله عزه، وكفاه ما عزه، أعلم بأحكام الزمان من أن يرفع إليها طرفا (7) (أو ينكر بها صرفا، أو يطلب في مشارعها شربا زلالا أو صرفا، فشهدها مشوب بعلقم، وروضها مكمن (8) لكل صل أرقم،
__________
(1) مرت ترجمته في ص 145.
(2) في القلا: مرات وهوانا.
(3) ق: فصدمته والقلا: قصرته
(4) في ق: قسمته الدهر
(5) في القلا: يعفو ويصفح
(6) القلا: الانابة
(7) سقط ما بين القوسين من ق.
(8) ق: ملس؟(18/434)
على كل أرض من نداكم مياسم ... وفى كل ناد من ثناكم مواسم (1)
وليتم على (طلميثة) وهى معلم
لكم بالندى والبأس فيها معالم (2)
ومنها:
فإن لم أعدّد فى قريض كناكم ... وأسماكم فليفتقد ذاك لائم
ويغنى اشتهار البيت عن ذكر أهله
ويغنى عن اسم المسك بالشم ناسم
وله يمدح الأفضل:
ملك أنت أم ملك؟ ... حار طرف تأمّلك
أنت إن أسعد الورى ... فلك مسعد فلك (3)
وله:
بما استرقته من جفونك بابل
بما علمت من مقلتيك المناصل (4)
__________
(1) مياسم: جمع ميسمة وهو العلامة المميزة.
(2) فى الأصل وليتم على (طمينة) وهى معكم، ولعل الصواب ما أثبتناه.
طلميثة: حصن قديم بين برفة وطرابلس. المعلم: ما يستدل به على الطريق من أثر ونحوه، ومعلم الشىء: موضعه الذى يظن وجوده فيه.
(3) الفلك: مدار النجوم، والفلك أيضا: الماء الذى حركته الريح أو موج البحر.
(4) فى الأصل (بابل) وهو تحريف، استرق بمعنى سرق. المناصل: جمع منصل وهو السيف، والمعنى أن بابل (وهى مدينة مشهورة بالسحر منذ عهد قديم) تعلمت السحر من عينيك، وأن السيوف تعلمت المضاء من مقليتك.(18/434)
وما فجأته الحوادث بنكبة، ولا حطّته النوائب (1) عن رتبة)، [ولا كانت الأيام قبل رفعته بوزارة ولا كتبه] (2). فهو المرء يرفعه دينه ولبه، وينفعه لسانه وقلبه، ويشفع له علمه وحسبه، وتسمو به همته وأدبه، ويعنو بين يديه شانئه وحاسده، ويثبت في أرض الكرم حين يريد أن يجتثه حاصده، ويقرّ له بالفضل من لا يوده، وينصره الله بإخلاصه حين لا ينصره سوّاعه ولا ودّه.
شعر:
وإن أمير المسلمين وعتبه ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر
وما هو إلا نصل أغمد ليجرد، وسهم سد طريقه ليسدد، وجواد ارتبط عنانه، وقطر يأتي به سحابه وسيسيله عنانه، وإن المهارق لتلبس بعده من ثياب حداد، وإن ألسنة الأقلام لتخاصم عنه بألسنة حداد، وسينجلي هذا القتام عن سابق لا يدرك مهله، ويعتمده الملك [الهمام بإكرام لا يكدر منهله، ويؤنس ربع الملك] (3) الذي أوحش ويوهله، ويرقيه أيده الله إلى أعلى المنازل ويؤهله، وينشد فيه وفي طالبيه:
وسعى إلي بعيب (4) عزّة نسوة ... جعل الإلاه خدودهن نعالها
وأنا أعلم أنه سيتبرم بهذا الكلام، ويوليني جانب الملام، ويعدّ قولي مع السفاهات والأحلام، فقد ذهب في رفض الدنيا مذهبا، وتجلّى التوفيق عن عينيه غيهبا، وتركنا عبيد الشهوات نمسك بخطامها، ونرتع في حطامها، وأسأل الله عملا صالحا، وقلبا مصالحا، ويقينا نافعا، وإخلاصا شافعا، بمنّه.
ومن مكاتبة (5) إلى الوزير أبي الحسن ابن مهلّب (6):
__________
(1) القلا: النائبات.
(2) التكملة من القلا.
(3) [الزيادة من القلائد].
(4) القلا: بهجر عزة
(5) لم ترد هذه الرسالة في نسخ القلا المطبوعة، انظرها في نسخة باريس ورقة 112ظهر.
(6) لم نعثر على ترجمته.(18/435)
بوجهك ماء الحسن فى صفحاته
كذكرك منّى فى الضمائر جائل (1)
خذونى على التجريب عبدا فإن أكن
أخالف أمرا فاطراح معاجل
فما طويت إلّا عليكم جوانح ... ولا بسطت إلّا عليكم أنامل
وله يعظم حرفته (2):
مضى الناس يستسقون من كل وجهة ... إلى كلّ مسموع الدّعاء مجاب (3)
فطرفاهم الغيث الذى سمحت به ... لهم بعد طول المنع كلّ سحاب
وفى ظنهم أن قد أجيب دعاؤهم ... وما علموا أنى غسلت ثيابى
وله فى صفة فوّارة:
وحاكية بالماء لولا اضطرابه
قواما وحسنا حين يبدو ويرعص (4)
__________
(1) المعنى: يترقرق ماء الحسن فى وجهك كما تدور ذكراك وتتردد فى ضميرى وخاطرى.
(2) الحرفة: الحرمان. وفى الحديث «لحرفة أحدهم أشد على من عيلته» أى إغنائه.
(3) يستسقون: يطلبون السقيا فى الجدب بالصلاة والدعوات.
(4) فى الأصل يبدو ويوبص وفى المختصر والتيمورية يبدو ويرقص، والمعنى على هذه الرواية مستقيم ولكن هذا يوقع الشاعر فى الإبطاء فإن كلمة (يرقص) تتكرر فى القافية فى البيت الثالث، وهو عيب نرجح أن الشاعر لا يقع فيه فإن علماء القافية لا يبيحونه إلا بعد سبعة أبيات على الأقل، ولعل الصواب ما أثبتناه، يرعص: يهز ويجذب ويحرك، ورعص عليه جلده اختلج وارتعش.(18/435)
أسير وقد ختمت على فؤادي ... بحبك أن يحل به سواكا
فلو أني استطعت خفضت طرفي ... فلم أبصر به حتّى أراكا
عمادي الأعلى وصل الله اعتلاءه ممن قدس الله شريعته، وأنفس طبيعته، وصيّر كرم الرأي في مضمار التجارب طليعته، وجعل الحق ينطق على لسانه، والفضل يجري على إنسانه، فمن حصل منه أدنى محبّة، وأعطي من إخائه (1) ولو مثقال حبة، نال ما اشتهاه، وبلغ من الأمل منتهاه، وعد ممن رجحت نهاه، كما عد من (2) بهرج في نقده، وأخرج من عقده، وأسقط من ديوانه، وأهبط عن إيوانه، تبرّأت منه ذمة الأدب، وهلك نعمه (3)
وزنده فلم يقم على ندب، وما زلت منذ أحرزت وده، وعلمت مكاني عنده، أحسن الظن بفهمي، وألقي بين أهل الحظوة سهمي، وأعلم أني في ولادة الإخاء منجب، ولفضل المسعى موجب، فإن واليت المخاطبة فللإدلال، وإن هبت المكاتبة فللإجلال، وإني لأنتظر من رأيه في الحالين ما يسدد سمتي (4)
ويحسن كلامي أو صمتي، وما أخلو مع تقديم المشاورة من هداية يطلع نجمها أفقه، ودراية يفتح علمها وفقه، وهو أدرى بالجميل يؤمى إليه، ويحمل عليه، إن شاء الله.
ومنها:
وقد كنت أسلفت من الرغبة في أمر الوزير أبي فلان [ما هو] (5)
باهتباله منوط، وبين يدي إجماله (6) مبسوط، ومن شروط رغبتي على إنعامه، وشفاعتي على إكرامه، أن ترد عنه ظلم ذلك الخارص الذي جمع الإصرار مع الإضرار، واللجاج إلى الاعوجاج، ومتى تم عليه اعتداؤه زادت
__________
(1) القلا الخطية: احسانه.
(2) ق والقلا الخطية: عد ان بهرج
(3) القلا الخطية: معتمه وق: معمه [ولعلها بغمه].
(4) القلا الخطية: سهمي
(5) التكملة من القلا الخطية.
(6) ق: اخواله.(18/436)
فإن كان [ذا] فعل اللّيالى ودأبها ... فلا تأس إن فرّفت أن نتجمعا (1)
وله:
إيّاك من حتف يسمّى طرّة ... من حاسر فى حسنه مستلئم (2)
فمصارع العشاق بين جفونه ... انظر تجد فى خدّه أثر الدم
__________
(1) فى الأصل، فإن كان نصل الليالى أن تجمعا والوزن يقتضى ما أثبتناه.
(2) فى الأصل يسمى بطرة، وهو تحريف، الطرة: الناصية أو الجبهة، والمعنى: احذر من الجمال المتجلى فيما يسمونه طرة من هذا الجميل الفتان الحاسر الرأس ولكنه متسلح بجماله الرائع فإن هذه الفتنة الطاغية تصرع العشاق.(18/437)
حاله اختلالا، وأمره اعتلالا، وعمادي (1) المعظم يجعل دونه من حمايته سدا لا يستطيع الظالم أن يظهره، ويسكنه من عنايته ظلالا لا تبلغ تلك السمائم أن تصهره، [بزينه واستخدامه] (2) وأقرأ عليك سلاما يترجم عن ودي، وينوب عنّي فيما يؤدي.
113* الوزير أبو القاسم ابن عبد الغفور (3) *
وصفه (4) بالذكاء والدهاء، والبهجة والبهاء، والنظم المصون من الوهاء، والفضل المقرون حسن ابتدائه بحسن الانتهاء، والخاطر الغنيّ غربه في اقتضاب كل غريبة، واقتصاص كل رغيبة، عن آلامها (؟) وقد أورد منه شعرا كالوشي المنسوج، والرحيق المختوم الممزوج، فمن ذلك قوله (5):
تركت التصابي للصواب وأهله ... وبيض الطلى للبيض والسمر للسمر
مدادي مدامي (6) والكؤوس محابري ... وندماي أقلامي ومنقلتي شعري (7)
ومسمعتي ورقاء ضنت بحسنها ... فأسدلت الاستار من ورق خضر
وقال (8):
لا تنكروا أننا في رحلة (9) أبدا
نحثّ في نفنف طورا وفي هدف
__________
(1) ق: امره المعظم
(2) التكملة من القلا الخطية.
(3) في الأصل: أبي القاسم بن أبي بكر بن عبد العزيز وفي ق: ابن عبد الرحمان.
(4) لم ترد هذه الترجمة في القلا وانما هي في المطمح ص 29.
(5) نقل المقري جميع هذه الأبيات عن المطمح، انظر النفح ج 2ص 373.
(6) المطمح: مرادى مدادى
(7) المطمح: العين كالسفر، والنفح: سفري [والبيت مفقود من (ت)].
(8) انظر الأبيات أيضا في المغرب ج 1ص 236 [ومن هنا إلى آخر المختارات، ساقط من (ت)].
(9) المغرب: مهمه(18/437)
فدهرنا سدفة (1) ونحن أنجمها
وليس ينكر مجرى النجم في السدف
لو أسفر الدهر لي أقصرت في سفري (2)
وملت عن كلفي بهذه الكلف
وقال (3):
رويدك يا بدر التمام فإنني ... أرى العيس حسرى والكواكب طلعا
كأنّ أديم الصبح قد قدّ أنجما ... وغودر درع الليل منه (4) مرقعا
فيا ليل هل أضمرت عني رحلة ... ويا صبح هل أسررت نحوي مرجعا
يحض على زور الشباب سمية ... لأصبح شيخا بالشباب مبرقعا
وإني وإن كان الجمال (5) محبّبا ... وأشهى إلى قلبي وأبرد موقعا (6)
لآنف من حسن بشعري مفترى ... فآنف من حسن بشعري مدّعى (7)
114* الوزير أبو جعفر ابن أحمد (8) *
(9) (ذكره اليسع وقال: وزر لعبد المؤمن (10) سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، ليس هذا ذاك، فإن وزير عبد المؤمن هو ابن عطية (11) ومصنف
__________
(1) المغرب: سدف
(2) النفح: عن سفر.
(3) انظر ترجمة البيتين الأولين في بيريس ص 226. ولم يرد البيت الثالث والرابع في مراجعنا.
(4) المطمح: فيها
(5) المطمح: الشباب
(6) النفح والمطمح: الي وفي قلبي أجل وأوقعا.
(7) المطمح: مقنعا، والنفح: قنعا.
(8) في الأصل [و (ت)]: ابن أبي محمد، وفي ق: ابن لغمة [والإصلاح من القلائد].
(9) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(10) أمير المؤمنين عبد المؤمن الموحدي (558522).
(11) هو أبو جعفر ابن عطية ورد ذكره في المغرب ج 2ص 256والنفح ج 2ص 342.(18/438)
القلائد) وصفه (1) بالعقل والإصابة، والإجادة في الكتابة، لكنه كان منحوسا غير مبخوت، [ومنحوا بصرف الحدثان ذا أثل بخطواته منحوت] (2)، وقد أورد من نثره، ما يدل على كرم فرنده وجودة أثره، فمن ذلك [قوله] وقد أهدي إليه ورد:
زارنا الورد بأنفاسك، وسقانا مدامة الأنس من كأسك، وأعاد لنا معاهد الأنس جديدة، وزفّ إلينا من فتيات البر خريدة، واحمر حتى خلته شفقا، وابيض حتى أبصرته من النور فلقا، وأرج حتى قلت أرج (3) المسك في ذكائه، وتضاعف حتى قلت الورد من حيائه، فليتصور شكري في رواه، وليتخيله في نفحته ورياه. إن شاء الله تعالى.
115* الوزير أبو مروان ابن مثنى *
وصفه (4) بالتقعير والتقعيب، والتوغير (5) في المبهج الغريب، وكان من ورّاد حياض دولة ابن ذي النون، ورواد رياض جوده الهتون. وله إلى ابن عكاشة (6) يذكر من عدم الراح استيحاشه (7):
يا فريدا دون ثان ... وهلالا في العيان
عدم الراح فصارت ... مثل دهن البلسان
__________
(1) انظر القلا ص 188.
(2) سقط ما بين المعقفين من الأصل [والزيادة من (ت) والقلائد].
(3) القلا: حتى كان المسك
(4) انظر المطمح ص 30ولم ترد ترجمته في القلا.
(5) في الأصل: التوغر.
(6) هو حريز ابن عكاشة أمير قلعة رباح في حوالي طليطلة، وكان بينه وبين المأمون، ابن ذي النون مكاتبة، اشتهر خاصة بشجاعته وقتل سنة 480. انظر النفح ج 2ص 378والحلة (مؤنس) ج 2ص 179.
(7) انظر هذا الخبر في الحلة (مؤنس) ج 2ص 179والنفح ج 2ص 378.(18/439)
وأعيد الحافظ بعد ضياعه وأذن ذلك بتأهيل رباعه وتطويل باعه، فنظم الطميش فيه قصيدة، منها (وقال ابن الزبير هى منسوبة إليه مما ادعاها): ولا بد من عزم يخيّل أننى
قدحت على الظلماء من زنده فجرا (1)
يجوب ظلاما كالظّليم إذا سرى
فإن جنّ جون كان بيضته البدرا (2)
وليل صحبت السيف يرعد حدّه
وقد شاب فيه مفرق الصعدة السّمراء (3)
حملت به درعى وسيفى، وإنما ... حملت غدير الماء والغصن والنهرا
وأشقر ورد اللون لولا انتسابه
إلى البرق سيرا خلته المسك والهجرا (4)
إلى أن بدا وجه الصباح كأنه ... لحافط دين الله آيته الكبرى
__________
(1) فى الأصل: قد حث على الظلماء من زنده فخرا ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) فى الأصل: فإذا أجن جو كان بيضته البدرا، ولعل الصواب ما أثبتناه جن:
استتر، الجون: النهار، الظليم: الذكر من النعام، والمعنى أنه يخوض الظلام مثل ذكر النعام، فإذا ولى النهار وأقبل الليل كانت بيضته البدر (مع أن الذكر لا يبيص).
(3) المفرق بفتح الراء وكسرها: الموضع الذى يفرق فيه الشعر، الصعدة: القناة المستوية نيتت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف.
(4) المسك: الجلد، الهجر: الخصام، والمعنى لولا معرفتك أن هذا الجواد يسرى كالبرق اللامع فى سرعته لحسبته لشدة جريه مثل الجلد الممتد المسحوب باللجام أى أن جسمه تحول إلى امتداد مندفع فى الهواء.(18/439)
فكتب إليه ابن عكاشة (1):
يا فريدا لا يجارى ... بين أبناء الزمان
جاء من شعرك روض ... جاده صوب البيان
فبعثناها سلافا ... كسجاياك الحسان
116* الوزير القائد أبو الحسن علي بن محمد (2) ابن اليسع *
(3) (قال الفقيه اليسع، هو ابن عم جده حزم ولم يدركه. ومصنف القلائد) (4) وصفه مع علوّ شانه، وسموّ مكانه، بخلع العذار، والاشتهار في الاستهتار، واقتصاص عذرة الخدّ مع العذراء ذات الخمار، وأخذ العقار، ونبذ الوقار، وحبّ المجون، وشرب الزّرجون، فأفضى به ذلك إلى وهن ملكه، ووهي سلكه، وخلعه بسبب الخلاعه، وضياع قدره لما قدره من الإضاعه. وأورد من شعره ما يدلّ على حسنه وإحسانه في العبارة والبراعه. فمن ذلك قوله يخاطب أبا بكر ابن اللبانة (5)، وكانا على طريقين فلم يظفرا من التلاقي باللبانة (6).
تشرق آمالي وشعري (7) يغرب ... وتطلع أشجاني (8) وأنسي يغرب
سريت أبا بكر اليك وإنّما ... أنا الكوكب الساري تخطّاه كوكب
__________
(1) ترتيب الأشعار في الحلة: 3، 1، 2، ولم يرد البيت الأول منها في المطمح.
(2) [في (ت): بن عمر].
(3) [ما بين القوسين ساقط من (ت)].
(4) انظر القلا ص 190.
(5) هو أبو بكر محمد بن عيسى المعروف بابن اللبانة، شاعر أديب من أهل دانية، اتصل بابن صمادح فكان من رجالات دولته، توفي في سنة 507انظر ترجمته في التكملة ج 2ص 145، الفوات ج 2ص 260، القلا ص 282، المغرب ج 2ص 409، الشذرات ج 4 ص 20
(6) انظر هذه الأبيات في المغرب ج 2ص 87و 248، والحلة (مؤنس) ج 2ص 173.
(7) القلا: سعدى، والمغرب: سعيى.
(8) جميع المراجع: اوجالي(18/440)
فبالله إلا ما منحت تحية ... تكر بها السبع الدراري وتذهب
وبعد فعندي كل علق (1) تصونه ... خلائق لا تبلى (2) ولا تتقلّب
كتبت على حالين بعد وعجمة ... فيا ليت شعري كيف يدنو ويقرب (3)
وذكر أنه قصد المعتمد فأمر الوزيرين أبا الحسن ابن سراج وأبا بكر ابن القبطرنه (4) بالمشي إليه إجلالا لموضعه، واحتفالا بموقعه، وتنويها بقدومه، وتنبيها على خصوص فضله وعمومه، فوافياه وهو في خلوة مع خشف، وطرف ونشوة ورشف، فاختفى عنهما خشفه، وشفّ لهما عنه سجفه، فلما انصرفا عزما على أن يكتبا إليه. كتب الوزير أبو الحسن إليه (5):
سمعنا خشفة الخشف ... وشمنا طرفة الطرف
وصدقنا ولم نقطع ... وكذبنا ولم ننف
وأغضينا لإجلالك عن أكرومة الضيف (6)
ولم تنصف وقد جئنا ... ك ما تنهض من ضعف
وكان الحق (7) أن تحمل ... أو تردف في الردف
فكتب إليهما مراجعا لهما:
أيا أسفي على حال ... سلت بها من الظرف
ويا لهفي على جهل ... بضيف كان من صنفي (8)
__________
(1) المغرب: كل ذخر
(2) كذا في القلا والحلة، وفي المغرب: تفنى وفي الأصل: تبغى.
(3) القلا: فيعرب، والحلة: ندنو فنعرب.
(4) انظر ترجمتهما في هذا الكتاب (الفهارس).
(5) انظر الأبيات في المغرب.
(6) المغرب: الطرف.
(7) القلا: الحكم
(8) القلا: جهلي من صنفى [وفي (ت): من طيفي].(18/441)
117* الوزير المشرف أبو محمد ابن مالك *
(من غرناطة، مات سنة ثلاثين) (1). وصفه (2) بسمو الهمم، ونمو الكرم، وصفو الشيم، كصوب الديم، ووفور الوقار، وظهور المقدار، وذكر أنه ولاه أمير المسلمين ابن تاشفين ما له بالأندلس، وتمكّن قبوله الأنفس من الأنفس، وبحر أدبه زاخر، وزهر فضله باهر، وأورد من نظمه بيتين زعم أنه قالهما في مجلس طرب مؤنس وهي (3):
لا تلمني إذا (4) طربت لشجو (5) ... يبعث الأنس والكريم طروب
ليس شق الجيوب حقا علينا ... إنما الحق أن تشقّ القلوب
(6) وذكر أنه اجتاز عليه بطرطوشة (7)، والحدود فيها بحده (8)
منغوشة، وأنه أسمعه من شعره كل مستطاب مستفاد، استطابته العين السّاهدة للرقاد، فمن ذلك قوله:
سالت بميّ صروف الدهر والنّوب ... وبان حظك منها وانقضى السبب
فماء خدّك (9) في الخدين منسجم ... ونار وجدك في الأحشاء تلتهب
تعجّب النّاس من حاليك فاعتبروا ... وكل أمرك فيه عبرة عجب
ضدّان في موضع كيف التقاؤهما ... النار مضرمة والماء منسكب
وذكر أنه اجتمع به في إشبيلية في روض مونق، وزهر مفتق، وقطف
__________
(1) في النفح ج 2ص 156، مات سنة 518 [وما بين القوسين ساقط من (ت)].
(2) انظر القلا ص 193.
(3) الأبيات في المغرب والنفح ج 2ص 156.
(4) القلا: بأن
(5) القلا: والمغرب: شدو
(6) [من هنا إلى قوله: فقال أبو محمد، ساقط من (ت)].
(7) في النسختين: طرشوشة.
(8) في ق: بحده الجنوب؟
(9) القلا: حزنك(18/442)
«الفقيه أبو محمد عبد الله بن سلامة»
أصله من بجاية ومقامه بالأسكندرية ثم مصر والصعيد والريف، وهو القائل:
لحرمة الضيف لو كنتم ذوى كرم
وحرمة الجار لو كنتم ذوى حسب (1)
لكنكم يا بنى اللخناء ليس لكم ... فضل، ولا أنتم من طينة العرب
كم لا أزال على حال أساء بها
منكم، وأغضى على الفحشاء والرّيب
لأتركنّ لكم أرضا بكم عرفت
فأجنت البوم يأوى أخبث الخرب (2)
وما مقامى بأرض تسكنون بها
منىّ يطيب، ولكن، حرفة الأدب (3)
__________
(1) هذه المقطوعة فى الهجاء. وفى الأصل إلى حرمة الضيف وبه يختل الوزن فهى من بحر البسيط، ولعل الصواب ما أثبتناه، والمعنى أنكم لا تراعون حرمة الضيف لأنكم مفطورون على البخل ولا تراعون حرمة الجار لأنكم من أصل خسيس.
(2) فى الأصل لا تتركن والسياق يقتضى ما أثبتناه، أجنت: أثمرت والمعنى لأرحلن عن أرضكم التى لم تثمر إلا طير البوم المشئوم الذى يأوى إلى أخبث الأراضى الخربة، الخرب: جمع خربة وهى الأرض الخراب المهجورة.
(3) حرفة الأدب مثل يضرب فى مقاساة الشدائد يقال أدركته حرفة الأدب إذا مسه الفقر وحل به الضيق.(18/443)
وسيم زهره، كأنّما البدر قارن الزهرة، فسألني وهي في كفه، أن أقول شيئا في وصفه، فقلت (1):
وبدر بدا والطرف مطلع حسنه ... وفي كفه من رائق النور كوكب
فقال أبو محمد:
يروح لتعذيب القلوب (2) ويغتدي ... ويطلع في أفق الجمال ويغرب
ويحسد منه الغصن أيّ مهفهف ... يجيء على مثل الكثيب ويذهب
118* الوزير أبو القاسم ابن السقاط الكاتب *
كان كاتبا لأبي محمد ابن مالك المذكور. وصف (3) استعذاب مقاطعه، واستغراب مطالعه، وتضوّع نشر وفائه، وتوضح بشر صفائه، وتبسم ثغر أدبه عن أقاحي المعاني الزهر، وتنسم أرج فضله في نواحي الأماني الغر، لكنه عابه بالاشتهار بالمردان، والاستهتار بحب الصبيان، وأورد من نظمه ما شاكل عقود اللآلي في نحور الحسان، فمن ذلك قوله (4):
سقى الله أيامنا بالعذيب ... وأزماننا الغرّ صوب السحاب
[إذا الحب يا بثن ريحانة ... تجاذبها خطرات العتاب] (5)
وإذ أنت نوّارة تجتنى ... بكف المنى (6) من رياض التصابي
[ليالي والعيش سهل الجنى ... نظير الجوانب طلق الجناب] (7)
رميتك طيرا بدوح الصبا ... وصدتك ظبيا بوادي الشباب
__________
(1) انظر النفح ج 1ص 447حيث جاء ترتيب الأشعار كما في الخريدة، وفي ج 2ص 155 نسب المقري البيتين الأولين إلى الفتح والثالث إلى أبي محمد.
(2) النفح: النفوس
(3) انظر القلا ص 195.
(4) انظر الأبيات في المغرب ج 1ص 428.
(5) التكملة من القلا والمغرب [و (ت)].
(6) القلا: الهنا
(7) [هذا البيت موجود في الأصل، ولم يثبته المحقق].(18/443)
وقوله يصف يوما رق ظله، وراق طله، ودارت أفلاك سعادته، ودرّت أخلاف إرادته (1):
ويوم ظللنا والمنى تحت ظله
تدار (2) علينا بالسعادة أفلاك
بروض سقته الجاشرية مزنة
لها صارم من لامع البرق بتاك (3)
توسّدنا الصهباء أضعاف (4) كأسه
كأنا على خضر الأرائك أملاك (5)
وقد نظمتنا للرضى راحة الهوى
فنحن اللآلي (6) والمودات أسلاك
تطاعننا فيه ثديّ نواهد
نهدن لحربي (7) والسنوّر أفناك (8)
وتجلى لنا فيه وجوه نواعم
يخلن بدورا والغدائر أحلاك (9)
وقوله:
ويوم لنا بالخيف راق أصيله ... كما راق تبر للعيون مذاب
نعمنا به والنهر ينساب ماؤه ... كما انساب ذعرا حين ريع حباب
__________
(1) انظر الأبيات في المغرب ج 1ص 428.
(2) القلا والمغرب: تدور
(3) في ق: فتاك.
(4) [في القلائد: أضغاث].
(5) ق: افلاك.؟
(6) ق: الليالي؟
(7) الأصل [و (ت)]: مهدن لخزي؟ وق: نهدن حزبي [والإصلاح من القلائد].
(8) في النسختين: افلاك [والاصلاح من القلائد]. انظر ترجمة هذا البيت في بيريس ص 230.
(9) المغرب: افلاك.(18/444)
«على بن يقظان السبتى»
شاعر أديب متطبب أصله من سبته ذكره بعض أهل الأدب بمصر، وقال رد إلى البلاد المصرية سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ومضى منها إلى اليمن، فى غدن من (عدن) (1)، وسافر إلى الشرق، فى طلب الرزق، وزار العراق، ودار الآفاق، وله من قصيدة فى الوزير الجواد جمال الدين أبو جعفر محمد بن على بن أبى منصور (2) بالموصل.
أإخواننا ما حلت عن كرم العهد
فياليت شعرى هل تغيّرتم بعدى؟
وكم من كؤوس قد أدرت بودّكم
فهل لى كأس بينكم دار فى ودّى؟
أحنّ إلى مصر حنين متيّم ... بها مستهام القلب محترق الكبد
ومنها:
أراهم بلحظ الشّوق فى كل بلدة
كأنهم بالقرب منّى أو عندى
__________
(1) الغدن: النعمة واللين، وعدن ميناء مشهورة فى جنوب اليمن.
(2) هو أبو جعفر جمال الدين محمد بن على بن أبى منصور الأصفهانى قربه إليه أتابك زنكى بن آق سنقر صاحب الموصل وأطرافها وولاه نصيبين وأضاف إليه الرحبة فظهرت كفايته، فولاه الإشراف على مملكته كلها واختصه لمنادمته، ولما قتل أتابك اتجه أبو جعفر إلى الموصل فأقره سيف الدين غازى بن أتابك على وزارته وفوض إليه الأمور، ولما مات سيف الدين وتولى أخوه قطب الدين بن أتابك قبض على أبى جعفر وسجنه حتى توفى فى السجن سنة 559هـ «وفيات الأعيان» و «الأعلام».(18/444)
وللموج تحت الريح منه تكسّر ... تؤلف (1) فوق المتن منه حباب
وقد نجمت قضب لدان بشطه ... حكتها قدود للحسان رطاب
وأينع مخضر النبات خلالها ... كما أقبلت نعمى فراق (2) شباب
قال (3): وكتبت إليه:
عسى روضة تهدي إليّ أنيقة ... تدبّج أسطارا على ظهر مهرق
أحلّي بها نحري علاء وسؤددا ... وأجعلها تاجا بهيّا لمفرقي (4)
فكتب إليّ مراجعا:
أتتني عن شخص العلاء تحية ... كرأد الضحى في رونق وتألق
أنمّ من الريحان ينضح بالندى ... وأطرب من سجع الحمام المطوق
سطيران في مغزاهما أمن خائف ... وساوة مشغوف وأنس مشوّق
نصرت أبا نصر بها همم العلى ... وأطلقت من آمالها كل موثق
قال: فزارني متجهما فبسطني، وواجما فنشطني، والسماء قد نسخ صحوها، وغيّم جوها، فأنشدني (5):
يوم تجهّم فيه الأفق وانتثرت (6) ... مدامع الغيث في خد الثرى هملا
رأى وجومك فارتدت (7) طلاقته ... مضاهيا لك في الاخلاق ممتثلا
ومن رسائله المعسولة، وفضائله المقبولة، مما تهشّ إليه كل نفس، مكاتبته في استدعاء صديق إلى مجلس أنس:
__________
(1) ق والقلا: تولد
(2) ق: وراق
(3) [أي الفتح صاحب القلائد والأبيات ساقطة من (ت)].
(4) القلا: بمفرقي.
(5) انظرهما في النفح ج 1ص 448.
(6) القلا: انتشرت.
(7) النفح: اربدت(18/445)
ولو أن طعم الصاب جرّعت فيهم ... لفضلته للحبّ فيهم على الشّهد
ومنها فى المخلص:
فكم قد قطعنا من مفاوز بعدهم
وخضنا بها الصعب المرام من الوهد (1)
إلى أن وصلنا الموصل الآن فانتهت ... بنا لجمال الدين راحلة القصد
وله من قصيدة فى مدح الداعى عمران بن محمد بن سبا (2) بمدينة عدن:
صبا الفؤاد لريم رمته فأبى ... وكان من شأنه التبريز فاحتجبا
عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها
من ذلك الشّنب المعسول إذ عذبا (3)
حتى إذا غازلت أجفانه سنة ... وصيّرته يد الصهباء مقتربا
ظلنا به طربا من حسن نغمته ... فى عوده نجتنى التّأنيس والطّربا
__________
(1) الوهد: المكان المنخفض، ولعلها الصعب المراد. والمراد هو المكان الذى يذهب فيه السائر ويجىء.
(2) هو الداعى المكرم عمران بن محمد بن سبأ الزريفى حكم جانبا كبيرا من اليمن بعد زوال الدولة الصالحية. وقد ورث الحكم عن أبيه «فى حب وذى جبلة وأعمالها» سنة 547وقيل سنة 550وقيل سنة 560وكانت اليمن مضطربة فى هذا الوقت موزعة بين عدد من الأمراء المتنازعين حتى فتحها توران شاه الأيوبى سنة 569هـ «راجع:
الصليحيون والحركة الفاطمية فى اليمن لحسين فيض الله الهمدانى وحسن سليمان محمد مطعبة الرسالة سنة 1955ص 140، 241239وطبقات فقهاء اليمن لعمر بن على بن سمرة الجعدى تحقيق فؤاد سيد مطبعة السنة المحمدية سنة 1957ص 169».
(3) الشنب: برد ورقة وماء فى الأسنان.(18/445)
يومنا أعزك الله يوم نقبت شمسه بقناع الغمام، وذهبت كأسه بشعاع المدام، ونحن من قطار الوسمي، في رداء هدي، ومن نضير النوار، على نضائد النضار (1)، ومن نواسم الزهر، في لطائم العطر، ومن غر الندمان، بين زهر البستان، ومن حركات الأوتار، خلال نغمات الأطيار، ومن سقاة الكؤوس، ومعاطي المدام، بين مشرقات الشموس، وعواطي الآرام، فرأيك في مصافحة الأقمار، ومنافحة الأنوار، واجتلاء (2) غرر الظباء الجوازي، وانتقاء درر الغناء الحجازي، موفقا إن شاء الله تعالى.
وله فصل من رسالة في إهداء فرس (3):
قد بعثنا (4) إليك بجواد يسبق الحلبة وهو يرسف ويتمهل، متى ما ترقى (5) العين فيه تسهل، يزحم منكب الجوزاء بك منكبه، وينزل (6)، عنه مثله حين يركبه، إن بدا قلت [ظبية ذات غرارة تعطو إلى العرارة، أوعدا، قلت] (7) انقضاضة شهاب، أو اعتراضة بارق ذي التهاب، فاضممه إلى آري جيادك، واتخذه ليومي رهانك وطرادك، إن شاء الله تعالى.
وله فصل (8):
ما روضة الحزن، وقد نفح بها النسيم بليلا (9)، وسفح عليها الغمام دمعا همولا، فريعت (10) أحداق أنوارها، وتفتحت نوافج آسها وعرارها،
__________
(1) القلا: على نظائر النظار
(2) ق: اجلاء
(3) [هذا الفصل، ساقط من (ت)].
(4) القلا: بعثت إليك ايدك الله
(5) القلا: ترمق
(6) القلا: تنزل تركبه.
(7) [الزيادة من القلائد].
(8) لم ترد هذه القطعة في نسخ القلا!
(9) ق: عليلا
(10) ق: فرنقت(18/446)
بأعطر من شكري لك وقد غص النّديّ بزواره، وقرئت آيات القطر واستقريت معالم آثاره.
وكتب عن أحد الأمراء إلى قوم علية شفعوا لجناة:
طاعتكم وفقكم الله (1) ثابتة الرسوم، واضحة الوسوم، وصانتكم بالسلطان عصمه الله (صيانة الجبان بالحياة) (2)، وإعدادكم للمكافحة عن الدولة وطدها الله، إعداد المهلب للبيات. فما لكم والشفاعة، لرعاع ندوا عن عصمة الجماعة، ونفروا وخاسوا بذمام الطاعة، وختروا ثم ودوا لو تكفرون كما كفروا فارفضوهم عن جماعتكم، وذودوهم عن حياض شفاعتكم، ذياد الأجرب، عن المشرب، [نحن] (3) لا نقبل على توسل مستخف بالنفاق مستتر، ولا نقبل الخدعة من متماد (4) على الغواية مصرّ.
(5) وله يستشفع لمدل بذمام شباب صوّح نوره، وبرّح به الزمان وجوره:
يا سيدي الأعلى وظهيري، ومنجدي في الجلّى ونصيري، المنيف في دوحة النبل فرعه، الحنيف في ملة الفضل شرعه، ومن أبقاه الله لرحمة أدب مجفوّة (6) ينظمها، وحرمة مقطوعة يلحمها، الوفاء لمحاسن الأخلاق، وقى الله جديد أنعمك من الدروس والاخلاق، كالعلم المذهب، والخضاب الموشى لراحة الحسب، تستفيد به بهجة التكحل في العين، ورونق التشبب في مصوغ التبر واللجين، وقد رتبته النهى أشرف ترتيب، وبوبّته العلى أبدع تبويب، فما أحقه بصدر النادي، وأسبقه (7) إلى المرتبة بشرف المبادي،
__________
(1) القلا: أبقاكم الله.
(2) سقط ما بين المعقفين من ق.
(3) سقط ما بين المعقفين من الأصل [والزيادة من (ت) والقلائد].
(4) في ق: متوال.
(5) [من هنا إلى آخر المختارات، ساقط من (ت)].
(6) القلا: لرحيم أدب مجفوة.
(7) ق: استبقنا؟(18/447)
رعاية لأواصر الآداب، والمحافظة على الخلة (1) في أعصر الشباب، وتذكرا بعهود (2) الصبا وأطلاله، وأوقات (3) اللذات المنثالة (4) في بكره وآصاله وما أسحبت الليالي في ميادينه من لبوس، نعيم وبوس، وأجنت الأيام في بساتينه من زهرات، أفراح ومسرّات، حذوا للخلق الاكمل، وأخذا بقول الأول:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
وموصله وصل الله سراءك، وأثل علاءك، [أبو فلان] (5) ذاكر مشاهدك الغر الحسان، وناشر ما تعتمده في صلته من مقاصد (6) الحسن والإحسان، ما نظمني معه سمط ناد، وما احتواني وإياه مضمار شكر وأحماد، إلا وأثبت من مآثرك خليطي الدرّ والمرجان، وجاء بطليعة السوابق في إمضاء (7)
مفاخرك رخي اللبب مرخي العنان، ولقد فاوضني من أحاديث ائتلافكما في العصور الدارسة العافية، وانتظامكما في زهرات الأنس في ظلال العافية، واتساقكما في حبرات العيش الرقاق الضافية، وارتشافكما لسلافة النعيم المزة الصافية، بأفاتين [الغيطان] (5) والنجود، وزخارف الروض المجود، ومعاطف الطرر بين خيلان الخدود، ما لو لقيت بشاشته الصخر (8) لمنح بهجة الإيراق، ولو ألقيت عذوبته في البحر لأصبح حلو المذاق، ولو رقي به البدر لوقي آفة المحاق، ولو مرّ [ببيداء] (5) لعادت كسواد العراق وأزمع أن يسير بنواعج لواعجه في ذلك الدّوّ، ويطير بجناح ارتياحه (9) إلى متقاذف ذلك الجو، ليكحل بالتماحك جفونه، ويجلو بأوضاحك دجونه،
__________
(1) القلا: الخلة الواشجة.
(2) القلا: لربوع الصبا
(3) القلا: عهود اللذات
(4) الأصل: منثابة وق: مستاتة [والإصلاح من القلائد].
(5) التكملة من القلا.
(6) الأصل: ما يعتمده من صلته تقاصد؟
(7) القلا: احصاء
(8) الأصل: بشاشتها الصحو [وما أثبت من القلائد].
(9) القلا: لواعجه في طرقه ومناهجه ويطير بجناح الارتياح في الدو(18/448)
ومنها:
وما هو إلّا رحمة لمن اهتدى
وغوث وغيث هاطل شمل الخلقا
وشدّ عرى التوحيد فاشتدّ أزره
فدونك فاستمسك بعروته الوثقى
هو البحر حدّث عن عطاياه إنها ... عطايا جواد عمّت الغرب والشرقا
ودع حاتما فى جوده فهو مثل ما
تحدّث عن بيض الأنوق أو العنقا (1)
«وله إلى صديق له»
دعنى أطيل تأسّفى وتفجّعى ... قلبى غداة البين جدّ مروّع
__________
(1) الأنوق: العقاب أو الرخمة أو طائر أسود مثل الدجاجة العظيمة أصلع الرأس أصفر المنقار، وفى المثل هو «أعز من بيض الأنوق» لأنها تحرزه فى رءوس الجبال والمواضع الصعبة المرتقى. وقد ورد أن رجلا سأل معاوية عطاء له فأجابه ثم سأله عطاء لابنه فرفض فعاد يسأله عطاء لعشيرته فرفض. وقال متمثلا: طلب الأبلق العقوق، فلما ... لم ينله أراد بيض الأنوق
والأبلق: الجمل الذكر، والعقوق: الناقة الحامل، فكأنه طلب جملا ذكرا حاملا والعنقاء طائر خرافى يضرب به المثل فى الاستحالة ويزعمون أنه ضخم حتى إنه يخطف الفيل فى مخالبه وبيضه مثل قلل الجبال وكان القاضى الفاضل كثيرا ما ينشد:
وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهى حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان
«راجع حياة الحيوان للدميرى ج 1ص 42، ج 2ص 140، 143بالمطبعة الخيرية سنة 1309هـ وثمار القلوب للثعالبى مطبعة الظاهر سنة 1326هـ ص 357، 390.(18/448)
ويجدد بلقائك عهدا أنهج البين رسمه، ويشاهد بمشاهدة علائك سرورا محت يد البين وسمه، ويحط من أفناء بشرك بالآهل العامر، ويسقط من أنواء برّك على الحافل الغامر، فخاطبت معرضا عن التحريض، ومجتزيا بنبذ العرض ولمح التعريض، وبائحا له بأسرارك الخطرات ذكر العهود القديمة، وارتياحك للقاء (مثله) (1) من أعلاق العشرة الكريمة، وأنت ولي ما تتلقاه من تأنيس ينشر موت (2) رجائه، ويعمر مقفر أرجائه، لا زلت عاطفا على الاخلاء بكرم الود، قاطفا (3) زهر الثناء من كمام الحمد.
119* ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد ابن أبي الخصال * الكاتب الغافقي ثم القرطبي
(4) (ذكره مصنف تاريخ الأندلسيين وقال: مات في أول وهلة من الفتنة الثانية بالأندلس في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة (5). لقيته طائفة من عبيد لمتونة المتغلبين على قرطبة وهو يخرج من داره للفرار إلى موضع يتحصن فيه فذبح عند باب ولم يعرفوا قدره ولا علموا مكانه)، وأما مصنف قلائد العقيان (6) فإنه وضفه بالرواء والنباهة، والروية والبداهة، والنبل والوجاهه، والفضل والنزاهة، والوقار الواقي حلمه من السفاهة، والفخار العاري رسمه من عار العاهة، والأدب الزاخر البحر، والحسب الزاهر البدر، والمذهب الباهر الفخر، لكنه نبه على خمول منشاه، ونزول مرباه، وإنما ظهر بذاته، وتطهر من بذا ذاته، وقدمته براعته، وفخمته عبارته، وبلغت به بهو البهاء بلاغته، (وخصته للمراتب خصاله، وأخلصته للمناصب خلاله) (7)، وأورد من
__________
(1) سقط ما بين القوسين من ق.
(2) القلا: ميت
(3) القلا: قاطعا
(4) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(5) في الصلة ص 530والاحاطة ج 2ص 264استشهد سنة 540.
(6) انظر القلا ص 199.
(7) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].(18/449)
ونأى بهم [جرى] القطار، فأصبحت
كبدى وقلبى يجريان بأدمعى (1)
أبكى على زمن الوصال كأننى ... لم أستظل بظلّه فى مربع
فلأمنعنّ الجفن من طعم الكرى
أسفا على ذلك الزمان الممرع
ولأحفظنّ العهد من خل نأى ... بعد التألّف والوداد الممتع
ومنها يصف السفينة ويحث صاحبه على ركوبها.
فاركب على اسم الله متن ركوبة ... خضراء تسبح فوق لجّ مترع (2)
تخذت جناحا مثل قلبى خافقا
وحوت قوادم كل طير مسرع (3)
نسرى وتزجيها الرياح إذا سرت ... وتمرّ مرّ العارض المتقشّع (4)
__________
(1) فى الأصل سدت بهم الفطار فأصبحت، وبه يختل الوزن والمعنى ولعل الصواب، أو قريبا منه ما أثبتناه، ولعله وخد القطار، وإن كانت هناك مناسبة بين جرى القطار وجرى الكبد والقلب فى الدمع والقطار هو القافلة التى تتوالى فيها الإبل صفا واحدا متتابعا.
(2) الركوبة: الناقة المذللة أو كل دابة معدة للركوب. المتن: الظهر والشاعر يشبه السفينة هنا بدابة الركوب.
(3) فى التيمورية والمختصر: مقانب كل طير مسرع، وفى الأصل مقادم. ولعل الصواب ما أثبتناه القوادم جمع قادمة وهى عشر ريشات فى مقدم الجناح وهى كبار الريش والخوافى صغار الريش وهى تحت القوادم، ومنه قول المتنبى: ضممت جناحيهم على القلب ضمة ... تموت الخوافى تحتها والقوادم
(4) العارض: السحاب المعترض فى الأفق ومنه قوله تعالى «قالوا هذا عارض ممطرنا» المنقشع: المتبدد الزائل.(18/449)
تستعذب الملح الأجاج لدى الظما
مهما العطاش وردن عذب المشرع (1)
وكأنما ركبانها أبناؤها ... تحنو عليهم رأفة بالأضلع
وكانما الملاح فيها آمر ... يمضى أوامره لأول موقع
«وله فى مولود ولد عند موت أخيه»
الله أكبر بدر تم أطلعا ... فى إثر بدر بالأفول تقنّعا
فعجبت من قمرين: ذلك آفل ... بادى السرار، وذا تبلّج مطلعا
وعجبت من غصنين ذلك ذابل ... بادى النحول، وذار طيب أينعا
وعجبت من عين بذا قرّت وقد ... سخنت بمصرع ذاك فى حال معا
يا من رأى من سرّ حالة حزنه ... ورأى الهناء مع العزاء تجمّعا
يهنى المعانى أنها قد أسمعت
حسن الحديث غداة صمّت مسمعا
هذا بنسج اليمن جاء مبشّرا ... لكم الغداة، مكان ناع قد نعى
ولك الهناء أبا محمد الرضى ... ولك العزاء: مسرّة وتفجعا
فيما تسرّ به نسرّ وبالذى ... يوما [تساء] به نساء توجّعا (2)
__________
(1) فى الأصل مهما العطاش ودون وهو تحريف والمعنى إن العطاش إذا وردن المناهل العذبة فإن هذه السفينة تستعذب الماء الملح الإجاج وإن برح بها الظمأ.
(2) ورد عجز البيت فى الأصل هكذا: يوما به تساء توجعا والزيادة يقتضيها الوزن والسياق.(18/450)
بدائعه ما بدا به سنا إحسانه، وجرى شأن شانئه حسدا لعلو شأنه، فمن ذلك قوله في مغن زار بعد الإغباب، ومحا رسم العتاب بالإعتاب (1):
وافى وقد عظمت علي ذنوبه ... في غيبة قبحت بها آثاره
فمحا إساءته بها إحسانه ... واستغفرت لذنوبه أوتاره
وذكر أنه كان باشبيلية سنة ثلاث وخمسمائة، ورحل أمير المسلمين عنها فسار ابن أبي الخصال معه، وأخلى بالبلد مجمعه (2)، فكتب إليه يستدعي من كلامه، ما يثبته في ديوانه، وينبته بين زهر بستانه، فكتب إليه الوزير جوابا:
الحذر أعزك الله، يؤتى من الثقة، والحبيب يؤذى من المقة، وقد كنت أرضى من ودك، وهو الصحيح بلمحة، وأقنع من ثنائك، وهو المسك بنفحة، فما زلت تعرضني للامتحان، وتطالبني بالبرهان، وتأخذني بالبيان، وأنا بنفسي أعلم، وعلى مقداري أحوط وأحزم، والمعيدي يسمع به لا أن يرى، وإن وردت أخباره تترى، فشخصه مقتحم مزدرى، لا سيما بمن لا يجلي ناطقا، ولا يبرز سابقا، [فتركه] (3) والظنون ترجمه، والقيل والقال يقسمه، والأوهام تحله وتحرمه، [وتحفيه وتخترمه] (3) أولى به من كشف القناع، والتخلف على منزلة الامتناع، وفي الوقت من فرسان هذا الشأن، وأذمار هذا المضمار، وقطان هذه المنازل (4)، وهداة تلك المجاهل، من تحسد فقره الكواكب، ويترجل إليه منها الراكب، فأما الأزاهر فملقاة في رباها، ولو حلّت عن المسك حباها، وصيغت من الشمس حلاها، فهي من الوجد تنظر بكل عين شكرا لا نكرا (5)، وإذا كانت أنفاس هؤلاء
__________
(1) انظر البيتين في المطرب ص 172والذخيرة ج 3ورقة 215.
(2) في ق والقلا: مجتمعه
(3) التكملة من القلا.
(4) القلا: المناهل
(5) في النسختين: شكرى لا نكرى [وما أثبت من القلائد].(18/450)
«يونس القسطلى» (1)
من الجزيرة الخضراء (2) وهو حى فى زماننا هذا، له فى ابن عبد المؤمن أبى سعيد (3) وقد جاء إلى البلد:
أهلا بمرآك السعيد ومرحبا ... اليوم رقّ لنا الزمان وأعتبا
ومنها:
بكم تحلّى الدهر أحسن حلية ... فغدت لياليه صباحا أشهبا
وأنارت الدنيا بهديكم الذى ... أحيى مشارقها وخصّ المغربا
[غصن تأوّد من نضارته]، له
نور من العلم المصون تشعّبا (4)
__________
(1) هو أبو الوليد يونس بن محمد من أهل الجزيرة الخضراء، رحل إلى المشرق وكان كما يقول ابن الأبار من خيار البلغاء وفحول الشعراء منصرفا فى أساليب الأدباء وتوفى سنة 576هـ «المغرب ج 1ص 328، والمطرب ص 241ونفح الطيب ج 2ص 467».
(2) هى بلدة تقع فى جنوب الأندلس إلى غرب جبل الفتح المعروف بجبل طارق، وهى أقرب موقعا إلى البحر الأبيض المتوسط منها إلى المضيق وبينها وبين جزيرة طريف ثمانية عشر ميلا.
(3) هو أبو سعيد بن عبد المؤمن بن على كان قائد فصيلة من جيش الموحدين بالأندلس.
أرسله أبوه إليها لإخضاع بعض الأمراء المتمردين بها ودارت بينه وبين ابن مرديتش حروب طاحنة انتهت بانتصار جيوش الموحدين «أعمال الأعلام لابن الخطيب تحقيق ليفى بروفنسال طبع دار المكشوف بيروت سنة 1956ص 261، 262».
(4) ورد البيت ناقص العجز وقد أكملناه بما يتسق مع السياق، والشاعر يريد أن يصور الأمير بأنه فى شبابه الغض نال من العلوم حظا وافرا متشعب الأركان.(18/451)
الأقران (مبثوثة) (1)، وبدائعهم منثوثة، وجواهرهم على محاسن الكلام مبعوثة، فما غادرت متردما، ولا استقبلت لمتأخرها متقدما، فعندها يقف الاختيار، وبها يقع المختار، وأنا أنزّه ديوانه النزيه، وتوجيهه الوجيه، عن سقط من المتاع، قليل الإمتاع، [ثقيل روح السرد، مهلك صر البرد] (2)
إلا أن يعود به جماله، ويحرس بنقصه كماله، وهبه أعزه الله استسهل استلحاقه، وطامن له أخلاقه (3)، أتراني أعطي الكاشحين في إثباته يدا، وأترك عقلي لهم سدى، وما إخالك ترضاها لي مع الود خطّة خسف، ومهواة حتف، لا يستقل ظعينها، ولا يبل طعينها (4).
وله من أخرى (5):
أوثر حقك وإن أبقى علي دركا، وبوأني دركا، وقد حملت فلانا ما سمح به الوقت، وإن اشتبه القصد والسمت.
ومن أخرى:
نبذ الوفاء، فحذفنا الفاء، وجفا الكريم، فالغينا الميم أقسم بالمتبسّم البارد، [والحبيب الوارد] (2)، قسما تبقى على الشيب (6) حدّته، (ويعزّ) (7) على المشيب جدته، ذكرى من ذلك العهد مدّت بسببه، ومتّت إلى القلب بنسبه
وله يعتذر من استبطاء المكاتبة (8):
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ق.
(2) التكملة من القلا.
(3) [في (ت): أحداقه].
(4) القلا: غبينها.
(5) هذه القطعة جزء من الرسالة السابقة وليست من أخرى [ومن هنا إلى قوله: وله من رسالة إلى وزير نكب، ساقط من (ت)].
(6) في ق: الشوق.
(7) سقط ما بين القوسين من ق.
(8) انظرها في الذخيرة ج 3ورقة 215.(18/451)
ألم تعلموا والقلب رهن لديكم ... يخبركم عني بمضمره بعدي
ولو قلبتني (1) الحادثات مكانكم ... لأنهبتها وفري وأوطأتها خدي (2)
ألم تعلموا أنّي وأهلي وواحدي ... فداء ولا أرضى بتفدية وحدي
وله من رسالة إلى وزير نكب، وكبير للنصب نصب، وهو أبو محمد ابن القاسم (3):
مثلك ثبت الله [فؤادك] (4)، وخفف عن كاهل المكارم (5) ما آدها وآدك (6)، يلقى دهره غير مكترث، وينازله بصبر غير منتكث، ويبسم عند قطوبه، ويفل شباة خطوبه، فما هي إلا غمرة ثم تنجلي، وخطرة يليها من الصنع الجميل ما يلي، لا جرم أن الحر كيف (7) كان حر، وإن الدر برغم من جهله درّ، وهل كنت إلا حساما انتضاه، قدر أمضاه، وساعد ارتضاه (8)، فإن أغمده فقد قضى ما عليه، وإن جرده فذلك إليه، أما أنه ما سلم (9) حده، ولبس جوهر الفرند خده، لا يعدم طبنا يشترطه، ويمينا تخترطه، هذه الصمصامة، تقوم على ذكرها القيامة، طبقت البلاد أخباره، وقامت مقامه، في كل أفق آثاره (10). وأمّا حامله فنسي منسي
وما الحسن إلا المجرد العريان، وما الصبح إلا الطلق الإضحيان، وما النّور إلا ما صادم الظلام (11)، ولا النور إلا ما فارق الكمام، وما ذهب ذاهب،
__________
(1) الذخيرة: قبلتني؟
(2) الذخيرة: فكرى وأوطأتها
(3) انظر الرسالة في الذخيرة ج 3ورقة 220.
(4) [التكملة من (ت) والقلائد].
(5) الذخيرة: كاهل المعالي
(6) الذخيرة: ما هاضك وادك تلقاك دهرك؟
(7) القلا: حيث كان
(8) الأصل: انضاه [وما أثبت من القلائد].
(9) القلا: انتئم
(10) في الأصل: في طرائق آثاره، [وما أثبت من (ت) والقلائد].
(11) الذخيرة: صارنه الظلام؟(18/452)
أجزل حظه لعوض (1) واهب (2) إلى هاهنا من قلائد العقيان.
وذكر محمد الغرناطي في نزهة الأنفس، في أخبار أهل الأندلس (3)، الوزير أبا عبد الله محمد ابن أبي الخصال وأثنى عليه، وأورد له مسمّطة في منادب قرطبة والزهراء. وهي (4):
سمت لهم بالغور والشمل جامع ... بروق بأعلام العذيب لوامع
فباحت بأسرار الضمير المدامع ... ورب غرام لم تنله المسامع
أذاع بها مرفضها المتصوب
ألا في سبيل الشوق قلب موكّل ... بركب إذا شاموا البروق تحملوا
هو الموت إلا أنّني أتجمّل ... إذا قلت هذا منهل عنّ منهل
وراية برق نحوها القلب يجنب
أفي الله أما كل بعد فثابت ... وأما دنوّ الدار منهم ففائت
ولا يلفت البين المصمّم لافت ... ويا ربّ حتى البارق المتهافت
غراب بتفريق الأحبة ينعب
خذوا بدمي ذاك الوميض المضرجا ... وروضا لقبر العاشقين تأرّجا
عفا الله عنه قائلا ما تحرجا ... تمشّى الردى في نشره وتدرجا
وفي كل شيء للمنية مرهب
سقى الله عهدا قد تقلّص ظلّه ... حيا نظرة يحيي الربى مستهله
وحيا به شخصا كريما أجلّه ... يصحّ فؤادي تارة ويعلّه
ويلأمه بالذكر طورا ويشعب
__________
(1) القلا والذخيرة: منه العوض
(2) [من هنا إلى آخر مختارات هذا الشاعر، ساقط من (ت)].
(3) لم يرد ذكر لمحمد الغرناطي هذا في مراجعنا.
(4) أورد احسان عباس أبياتا من هذه القصيدة في كتابه «تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف والمرابطين» ص 247نقلا عن «ترسل الفقيه الكاتب» لابن أبي الخصال. (نسخة خطية بالقاهرة).(18/453)
رماني على فوت بشرح ذكائه ... فأعشت جفوني نظرة من ذكائه
وغصت بأدنى شعبة من سمائه ... سعاني وجاء البحر في غلوائه
فكل قريّ ردع خدّيه يركب
ألم يأته أني ركبت قعودا ... وأجمعت عن وفد الكلام قعودا
ولم أهتصر للبين بعدك عودا ... وأرهقني هذا الزمان صعودا
فربع الذي بين الجوانح سبسب
على تلك من حال دعوت سميعا ... وذكّرت روضا بالعقاب مريعا
وشملا بشعب المذحجي جميعا ... وسربا بأكناف الرصافة ريعا
وأحداق عين بالحمام تقلب
ولم أنس ممشانا إلى القصر ذي النخل ... بحيث تجافى الطود عن دمث سهل
وأشرف لا عن عظم قدر ولا فضل ... ولكنّه للملك قام على رجل
تقيه تباريح الرياح وتحجب
وكم مرجع ينتابه برسيسه ... ومعتبر ألقى بأرجل عيسه
يرى أم عمرو في بقايا دريسه ... كسحق اليماني معتليه نفيسه
فرفعته تسبي القلوب وتعجب
ببيضاء للبيض البهاليل تعتزي ... وتعتزّ بالبالي جلالا وتنتزي
سوى أنها بعد الصنيع المطرّز ... كساها البلى والثكل أسمال معوز
فتبكي وتبكي الزائرين وتندب
وكم لك بالزهراء من متردد ... ووقفة مستنّ المدامع مقصد
تسكن من خفق الجوانح باليد ... وتهتك حجب الناصر بن محمد (1)
ولا هيبة تخشى هناك وترقب
__________
(1) المراد به: عبد الرحمان ابن المنصور آخر ملوك العامرية في قرطبة، ولي بعد أخيه عبد الملك وتلقب بالناصر، وقتل عام 399وكانت ولايته أقل من سنة. انظر الدائرة ج 1ص 57.(18/454)
المورد الرايات بيضا فى الكلى ... ومعيدها كشقائق النعمان (1)
والملجم الأسياف أرقاب العدا
ومعلّها علق النجيع القانى (2)
والقائد الخيل العتاق كأنها ... طير تمطّر من عنان عنان (3)
تغزو [بها] بدنا فترجع ضمّرا ... قبّا كأطراف القسبىّ حوان (4)
ومنها:
من كل حطّان إذا اشتجر القنا
ينقضّ كالضارى من العقبان (5)
يهدى إلى حدّ الأسنّة غرّة ... ويردّها والموت ذو ألوان
فى حيث يعتنق الفوارس، لا هوى
ويبيح أنفسها لغير هوان
__________
(1) الكليات والكلى: جمع كلية وكلوة، وكسر الكاف فيها خطأ وإن كان مشهورا على ألسنة العوام. شقائق النعمان زهر أحمر مزين بنقط سوداء كبيرة، تنسب إلى النعمان بن المنذر لأنه كان مولعا بهذه الأزهار والمعنى: أن الرماح تكون بيضاء ثم يطعن بها الأعداء فتعود حمراء كشقائق النعمان:
(2) العلق: الدم الغليظ، النجيع من الدم: ما يضرب إلى السواد، وقال الأصمعى:
هو دم الجوف خاصة.
(3) العتاق: الجياد والرائعة الجميلة القوية. تمطر: تتمطر من تمطرت الطير: أسرعت فى هويها، المستمطر: الفرس السريع وراكبه، وفى الأصل من عيون عنان ولعل الصواب ما أثبتناه. العنان: الجانب ومنه عنان الدار: جانبها، والعنان أيضا ما ظهر من السماء وارتفع منها
(4) فى الأصل: تغزو بدنا، والزيادة يقتضيها السياق والوزن، والمعنى أنه يبدأ غزواته بالخيل السمينة فتعود من الحروب تحيلة ضامرة محنية لكثرة ما قاست من الجهاد.
(5) اشتجر القنا: تشابكت الرماح.(18/454)
لنعم مقام الخاشع المتنسك ... وكانت محل العبشميّ المملك
متى يزد النفس العزيزة يسفك ... وإن يسم نحو الأبلق الفرد يملك
وأي مرام رامه يتصعّب
قصور كأن الماء يعشق مبناها ... وطورا يرى تاجا بمفرق أعلاها
وطورا يرى خلخال أسوق سفلاها ... إذا زل وهنا عن ذوائب مهواها
يقول هوى بدر أو انقض كوكب
أتاها على رغم الجبال الشواهق ... وكلّ منيف للنجوم مراهق
وكم دفعت في الصدر منه بعائق ... فأودع في أحشائها والمفارق
حساما بأنفاس الرياح يذوّب
هي الخود من قرن إلى قدم حسنا ... تناصف أقصاها جمالا مع الأدنى
ودرجن بالأفلاك مبنى على مبنى ... توافقن في الإتقان واختلف المعنى
وأسباب هذا الحسن قد تتشعّب
فأين الشموس الطالعات بها ليلا ... وأين الغصون المائلات بها ميلا
وأين (الظباء) (1) الساحبات بها ذيلا ... وأين الثرى رحلا وأين الحصا خيلا
فواعجبا لو أن من يتعجب
كم احتضنت فيها القيان المزاهرا ... وكم قد أجاب الطير فيها المزامرا
وكم فاوحت فيها الرياض المجامرا ... وكم شهدت فيها الكواكب سامرا
عليهم من الدنيا شعاع مطنب
كأن لم يكن يقضى بها النهي والأمر ... ويجنى إلى خزّانها البر والبحر
ويسفر مخفورا بذمتها الفجر ... ويصبح مختوما بطينتها الدهر
وأيامه تعزى إليها وتنسب
ومالك عن ذات القسي النواضح ... وناصحة تعزى قديما لناصح
وذي أثر باق على الدهر واضح ... يخبّر عن عهد هنالك صالح
ويعمر ذكر الذاهبين ويخرب
__________
(1) سقط ما بين القوسين من ق.(18/455)
تلاقى عليها فيض نهر وجدول ... تصعد من سفل وأقبل من عل
وهذي جنوبيّ ودلك شمألي ... وما اتفقا إلا على خير منزل
وإلا فإنّ الفضل فيه مجرب
كأنّهما في الطيب كانا تنافرا ... فسارا إلى فصل القضاء (1) وسافرا
فلما تلاقى السابقان تناظرا ... فقال ولي الحق مهلا تضافرا
فكلكما عذب المجاجة طيب
ألم تعلما أن اللجاج هو المقت ... وأن الذي لا يقبل النصح منبتّ
وما منكما إلا له عندنا وقت ... فلما استان الحق واتجه السمت
تقشّع عن نور المودة غيهب
وإن لنا بالعامري لمظهرا ... ومستشرفا يلهي العيون ومنظرا
وروضا على شطي خضارة أخضرا ... وجوسق ملك قد علا وتجبرا
له ترة (2) عند الكواكب تطلب
تخيّرة في عنفوان الموارد ... وأثبته في ملتقى كل وارد
وأبرزه للأريحي المجاهد ... وكل فتى عن حرمة الدين ذائد
حفيظته في صدره تتلهب
تقدم عن قصر الخلافة فرسخا ... وأصحر (3) بالأرض الفضاء ليصرخا
فخالته أرض الشرك فيها منوخا ... كذلك من جاس الخلال ودوخا
فروعته في القلب تسري وتذهب
أولائك قوم قد مضوا وتصدعوا ... قضوا ما قضوا من أمرهم ثم ودّعوا
فهل لهم ركن يحس ويسمع ... تأمّل فهذا ظاهر الأرض بلقع
ألا انهم في بطنها حيث غيّبوا
__________
(1) في ق: النضاء؟
(2) في ق: قوة
(3) في الأصل: واسخر(18/456)
الفهارس العامة
الأبناء(18/457)
ألست ترى أن المقام على شفا ... وأن بياض الصبح ليس بذي خفا
وكم رسم دار للأحبة قد عفا ... وكان حديثا للوفود معرّفا
فأصبح وحش المنتدى يتجنّب
ولله في الدارات ذات المصانع ... أخلاء صدق كالنجوم الطوالع
أشيع منهم كل أبيض ناصع ... وأرجع حتى لست يوما براجع
فياليتني في فسحة أتأهّب
أقرطبة لم يثنني عنك سلوان ... ولا مثل (1) إخواني بمغناك إخوان
وإني إذا لم أسق ماءك ضمآن ... ولكن عداني عنك خطب له شان
وموطىء آثار تعد وتكتب
لك الحق والفضل الذي ليس يدفع ... وأنت لشمس الدين والعلم مطلع
ولولاك كان العلم يطوى ويرفع ... وكل التقى والهدي والخير أجمع
إليك تناهى والحسود معذب
ألم تك خصت باختيار الخلائف ... ودانت لهم (2) فيها ملوك الطوائف
وعض ثقاف الملك كل مخالف ... بكل حسام مرهف الحد راعف
به تحقن الآجال طورا وتسكب
إلى ملكها انقاد الملوك وسلّموا ... وكعبتها زار الوفود ويمموا
ومنها استفادوا شرعهم وتعلموا ... وعاذوا بها من دهرهم وتحرموا
فنكب عنهم صرفه المتصحب
علوت فما في الحسن فوقك مرتقى ... هواؤك مختار وتربك منتقى
وجسرك للدنيا وللدين ملتقى ... وبيتك مرفوع القواعد بالتقى
إلى فضله الأكباد تنضى وتضرب
__________
(1) ق: ولا شك
(2) ق: له(18/457)
تولّى خيار التابعين بناءه ... ومدوا طويلا صيته وثناءه
وخطّوا بأطراف العوالي فناءه ... فلا خلع الرحمان منه بهاءه
ولا زال مسعى (1) كائديه يخيب
وتابع فيه كل أروع أصيد ... طويل المعالي والمكارم باليد
وشادوا وجادوا سيدا بعد سيد ... فبادوا جميعا عن صنيع مخلد
يقوم عليهم بالثناء ويخطب
مصابيحه مثل النجوم الشوابك ... تخرق أثواب الليالي الحوالك
وتحفظه من كل لاه وسالك ... أجادل تنقض انقضاض النيازك
فأنشازهم بالطبطبية تنهب
أجدّك لم تشهد به ليلة القدر ... وقد جاش مد الناس منه إلى بحر
وقد أسرجت فيه جبال من الزهر ... فلو إن ذاك النور يقبس من فجر
لأوشك نور الفجر يفنى وينضب
كأن الثريا ذات أطواد نرجس ... ذوائبها تهفو بأدنى تنفس
وطيب دخان الند في كل معطس ... وأنفاسه في كل جسم وملبس
وأذياله فوق الكواكب تسحب
إلى أن تبدت راية الفجر تزحف ... وقد قضي الفرض الذي لا يسوف
تولوا وأزهار المصابيح تقطف ... وأبصارها صونا تغض وتطرف
كما تنصل الأرماح ثم تركب
سلام على غيّابها وحضورها ... سلام على أوطانها وقصورها
سلام على صحرائها وقبورها ... ولا زال سور الله من دون سورها
فحسن دفاع الله أحمى وأرهب
وفي ظهرها المعشوق كل مرفع ... وفي بطنها الممشوق كل مشفع
متى تأته شكوى الظّلامة ترفع ... وكلّ بعيد المستغاث مدفع
من الله في تلك المواطن يقرب
__________
(1) في ق: يسعى(18/458)
وكم كربة ملء الجوانح والقلب ... طرقت وقد نام المواسون من صحبى
بروعتها قبر الولي أبي وهب ... وناديت في الترب المقدس: يا رب
فلبّت بما يهوى الفؤاد ويرغب
فيا صاحبي إن كان قبلك مصرعي ... وكنت على عهد الوفا والرضا معي
فحط بضاحي ذلك الترب مضجعي ... وذرني فجار القوم غير مروع
وعندهم للجار أمن ومرحب
رعى الله من يرعى العهود على النوى ... ويظهر بالقول المخير ما نوى
ولبيه من مستحكم الود والهوى ... يرى كل واد غير واديه محتوى
وأهدى سبيليه التي يتجنب
* ذو الوزارتين الكاتب أبو محمد ابن عبد البرّ (1) *
ذكره صاحب قلائد العقيان (2) بأنه كان واحد الأندلس، وهادى الأنفس بالهدى، وبحر البيان، وفخر الزمان، إلا أنه حصل عند عبّاد المنبوز بالمعتضد في طالع سعده آفل، وبغمام نعماه حافل، ولولا فراره، لأظلم نهاره، ولولا هربه، لم يقض (قبل أن يقضى) (3) نحبه أربه، وقد أورد من نظمه ونثره ما يسخر بالسحر، ويسخر له قلائد الدر، فمن ذلك في رجل مات مجذوما (4):
مات من كنّا نراه أبدا ... سالم العقل سقيم الجسد
بحر سقم ماج في أعضائه ... فرمى في جلده بالزبد
كان مثل السيف إلا أنه ... حسد الدهر عليه فصدي
__________
(1) مرت ترجمته أيضا في رقم 23.
(2) انظر القلا ص 206.
(3) سقط ما بين القوسين من ق.
(4) انظر الأبيات في المغرب ج 2ص 402والنفح ج 2ص 496.(18/459)
الأبناء
(ا) ابن الأبّار: 13، 342، 355، 443
ابن أحمد بن قاضى قرطبة: 355
ابن الأعرابى: 247
ابن أبى أصيبعة: 265، 268، 308
ابن أبى المليح الطبيب: 217
ابن بشرون عثمان بن بشرون
ابن تومرت محمد بن عبد الله المهدى
ابن جابر الحنفى: 200
ابن جمهور: 346
ابن جهير الوزير (عميد الدولتين): 397، 398
ابن حميد الدمياطى: 415، 419
ابن خاخ الصبّاغ: 386
ابن خفاجة الأندلسى: 5، 310، 428
ابن خلدون: 108
ابن خلكان: 342
ابن دحية: 386
ابن دفرير محمد الكاتب أبو عبد الله
ابن راشد أحمد
ابن الرشيد (محمد بن رشيد): 149
ابن رشيق (الحسن القيروانى):
88، 90
ابن الزبير (صاحب كتاب الجنان): 356، 403، 431
ابن زيدون: 338، 346
ابن سبأ عمران بن محمد بن سبأ
ابن سهل: 375
ابن السوسى عثمان بن عبد الرحمن
ابن شرف: 432
ابن شقرق السبتى: 439
ابن الطوبى على بن الحسن بن الطوبى
ابن العالمى عبد الرحمن الكاتب
ابن عبّاد (الوزير): 268
ابن عذارى 342
ابن على حسن بن على بن يحيى بن تميم
ابن العميد (أبو الفضل): 348، 368(18/459)
وقوله (1):
لا تكثرنّ تأملا ... واحبس عليك عنان طرفك
فلربما أرسلته ... فرماك في ميدان حتفك
ومن نثره من رسالة:
كتابي عن حال قد طال جناحها، وآمال قد أسفر صباحها، ويد قد اشتد زندها، ونفس قد انتجز (2) في كل محاول وعدها، بما وردني به كتابك (3).
ومن أخرى:
مكاتبة الصديق عوض من لقائه إذا امتنع اللقاء، واستدعاء لأنبائه إذا انقطعت الأنباء، وفيهما أنس، تلذ به النفس، وارتياح تنعش به الارواح، وارتباط يتصل فيه الاغتباط، وافتقاد، يتبين منه الاعتقاد والوداد، ومثل خلتك الكريمة عمرت معاهدها، ومثل عشرتك الجميلة شدت معاقدها، ومثل مكارمك البرة حمدت مصادرها ومواردها، وإذ قد تسببت لي أسبابها، فلا أقطعها، وإذ قد انفتحت لي (4) أبوابها، فلا أدعها
120* الوزير الكاتب أبو الفضل ابن حسداى *
وصفه (5) بالإجراء في ميدان البلاغة إلى أبعد أمد، والاستمداد من البيان والبراعة أغزر مدد، وكان من درجة الأكفاء محطوطا غير محظوظ، وبأهل الذمة ملحقا غير ملحوظ، محفوفا (6) بالحرمة لكن في منصب غير
__________
(1) [من هنا إلى آخر المختارات، ساقط من (ت)].
(2) القلا: انتجز بنجح كل محاول. وفي ق: محافل
(3) القلا: كتاباك
(4) القلا: بيننا
(5) انظر القلا ص 209.
(6) في ق: محفوظا(18/460)
ابن فرحان القابسى سلام بن أبى بكر بن فرحان
ابن فضّال المجاشعى: 368
ابن قادوس محمود بن اسماعيل
ابن القطاع (على بن عبد الرحمن): 410
ابن القطّان: 369
ابن لادخان عطية بن على القيروانى
ابن المرخّم يحيى بن سعيد
ابن المعتز: 67
ابن منير أبو الحسن أحمد بن منير
ابن ميسر: 414
ابن نباتة (الخطيب): 126
ابن هانى: 348
ابن هانىء الأندلسى الحسن بن هانىء
ابن الهمدانى: 400
ابن الوفاء على بن اسماعيل بن خلف الكندى
ابن يحيى: 243، 283(18/460)
(الكنى)
أبو أحمد (المعروف بالمبثل): 213
أبو اسحاق بن أعلب: 51
أبو اسحاق الشيرازى: 396
أبو بكر الأرجانى (القاضى): 79
أبو بكر البكى: 355
أبو بكر بن ذكوان: 338
أبو بكر عتيق بن عبد الله بن رحمون الخولانى
أبو بكر عتيق بن محمد بن الوراق
أبو بكر بن سهل: 428
أبو بكر محمد بن سهل الكاتب المعروف بالرزيق
أبو بكر محمد بن على بن عبد الجبار الكمونى
أبو بكر محمد بن محمد بن على السعدى
أبو تمام (حبيب بن أوس الطائى) 428
أبو جعفر: عبد الولى البتى الكاتب 355
أبو جعفر محمد بن على بن أبى منصور
أبو الجيش: 286
أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى
أبو الحسن أحمد بن على البتى
أبو الحسن أحمد بن منير الطرابلسى
أبو الحسن بن أبى الحسن: 98
أبو الحسن بن أبى عبد الله بن أبى الحسين النسوى: 367
أبو الحسن بن رشيق الكاتب: 91
أبو الحسن بن شهاب: 246
أبو الحسن الطوبى: 80
أبو الحسن بن عبد الله الطرابلسى: 129
أبو الحسن عبد الودود بن عبد القدوس القرطبى
أبو الحسن على بن اسحاق بن إبراهيم بن الوردانى
ابو الحسن: على بن اسماعيل بن خلف الكندى
أبو الحسن على بن الحسن بن معبد القرشى
أبو الحسن على بن الحسن الطوبى 980
أبو الحسن على بن عبد الجبار ابن الوردانى(18/461)
محفوظ، حتى هداه الله للحق فلحق به، وسما بعد ذلك في رتبه، وكان في زمان المنعوت في المغرب بالمقتدر، وأورد له قطعة فيه [كالدر] (1) المنتثر نظمها في مجلس أنس دارت كؤوسه، وأنارت شموسه، ورقدت حوادثه، وتنبهت مثانيه ومثالثه، وهي (2):
توريد خدك للأحداق لذّات ... عليه من عنبر الأصداغ لا مات
نيران هجرك للعشاق نار لظى ... لكن وصلك (3) إن واصلت جنات
كأنما الراح والراحات تحملها ... بدور تم وأيدي الشرب هالات
حشاشة ما تركنا الماء يقتلها ... إلا لتحيا بها منا حشاشات
قد كان في كأسها من قبلها ثقل ... فخف إذ ملئت منها الزجاجات
عهد (4) للبنى تقاضته الأمانات ... بانت وما قضيت منها لبانات
يدني التوهم للمشتاق منتزحا (5) ... من الأمور وفي الأوهام راحات
تقضى عدات إذا عاد الكرى وإذا ... هب النسيم فقد تهدى تحيّات
زور تعلل قلب المستهام به ... دهرا وقد بقيت في النفس حاجات
لعل عتب الليالي أن يعود إلى ... عتبي (6) فتبلغ أوطار ولذات
حتى تفوز بما جاد (7) الخيال به ... فربما صدقت تلك المنامات
وله وقد ركب مع المنعوت بالمستعين في زورق، في يوم مونق (8):
__________
(1) سقط ما بين المعقفين من الأصل [والزيادة من (ت) والقلائد].
(2) انظر الأبيات في النفح ج 1ص 423، والأبيات الخمسة الأولى في المطرب ص 179والأبيات 6، 7، 8، 10، 11في الذخيرة ج 3ورقة 133ظهر.
(3) المطرب: لكن وصالك
(4) الذخيرة: عهدي
(5) الذخيرة: ممتزجا
(6) الذخيرة: عشي
(7) الذخيرة: بشرى تحقق ما زار الخيال به.
(8) انظر الأبيات في الذخيرة والنفح ج 1ص 425وترجمتها في بيريس ص 210.(18/461)
لله يوم أنيق واضح الغرر ... مفضض مذهب الآصال والبكر
كأنما الدهر لما ساء أعتبنا ... فيه بعتبى وأبدى صفح معتذر
نسير في زورق حف السفين به ... من جانبيه بمنظوم ومنتثر
مد الشراع به نشرا على ملك ... بذ الأوائل في أيامه الأخر
[هو الإمام الهمام المستعين حوى ... علياء مؤتمن عن هدي مقتدر] (1)
تحوي السفينة منه آية عجبا ... بحر تجمع حتى صار في نهر
[تثار في قعره النينان مصعدة ... صيدا كما ظفر الغوّاص بالدرر] (1)
وللندامى به عبّ ومرتشف ... كالريق يعذب في ورد وفي صدر
والشرب في [ود مولى] (2) خلقه زهر ... يذكو (3) وغرّته أبهى من القمر
(4) ومن نثره استدعاء كبير إلى عرس أمير وهو أبو عبد الرحمان ابن طاهر (5) صاحب المظالم: محلك أعزك الله في طي الجوانح ثابت وإن نزحت الدار، وعيانك في أحناء (الضلوع) (6) باد وإن شحط المزار، فالنفس فائزة منك لتمثّل الخاطر بأوفر الحظ. والعين منازعة إلى أن تمتع من لقائك بظفر اللحظ، فلا عائدة أسبغ بردا (7)، ولا موهبة أسوغ وردا، من تفضلك بالحفوف إلى مأنس يتمّ بمشاهدتك التئامه، ويتصل بمحاضرتك انتظامه، ولك فضل الإجمال، بالإمتاع من ذلك بأعظم الآمال، وأنا، أعزّك الله على شرف سؤددك حاكم، وعلى مشرع سنائك حائم، وحسبي ما تتحققه من نزاعي وتشوقي، وتتبيّنه من تطلعي وتتوفي، وقد تمكن الارتياح.
__________
(1) التكملة من المراجع.
(2) سقط ما بين القوسين من الأصل [والتكملة من (ت) والقلائد].
(3) الذخيرة: يذكي
(4) [هذه الرسالة، ساقطة من (ت)].
(5) مرت ترجمته في رقم 100.
(6) سقط ما بين القوسين من ق.
(7) في ق: مودا؟(18/462)
باستحكام الثقة، واعترض الانتزاح (1)، بارتقاب الصلة (2)، وأنت، وصل الله سعدك، بسماحة (3) شيمك، وبارع كرمك، تنشىء للموانسة عهدا، وتوري بالمكارمة زندا، وتقتضي (4) بالمشاركة شكرا، حافلا وحمدا، لا زلت مهنئا بالسعود المستقبلة (5)، مسوّغا اجتلاء (غرر) (6) الأماني المتهللة، بمنه.
121* الوزير أبو عامر ابن ينق (7) *
قال اليسع: طبيب كاتب شاعر، وأنا أروي عنه شعره كلّه وأجازني.
ومصنف القلائد وصفه (8) بالذكاء الباهر، والذهن الزاهر، والفهم الحاضر، وحدة القريحة والخاطر، لكنه ذو عجب مستهو، غير أن فضله الحسن على نسخ قبح [عجبه] (9) محتو، وأورد من شعره المستبدع، ونظمه المصرع لمرصع قوله (10):
حسبي من الدهر أن الدهر يفتح (11) لي
بكر الخطوب وإني عاثر الأمل
دعني أصادي زماني في تقلّبه
فهل سمعت بظل غير منتقل
__________
(1) في الأصل: الارتياع [وما أثبت من القلائد].
(2) في ق: بارتياب الضلة؟
(3) ق: بسعادة
(4) النسختان: تقضي
(5) القلا: مقتبلة
(6) سقط ما بين القوسين من ق.
(7) [هذا الشاعر مفقود من (ت)].
(8) انظر القلا ص 212.
(9) سقط ما بين المعقفين من الأصل.
(10) من البيت الثاني إلى السابع في المغرب ج 2ص 388.
(11) القلا: ينتج(18/463)
أبو الفضل أحمد بن على الفكهرى صاحب الشرطة
أبو الفضل جعفر بن البرون
أبو الفضل جعفر بن الطيب بن أبى الحسن الواعظ
أبو الفضل الحسن بن إبراهيم ابن الشامى الكنانى القاضى
أبو الفضل بن الفقيه عبد الله ابن نزار الهوارى القابسى
أبو الفضل بن لادخان عطية بن على ابن الحسن بن يوسف القرشى الطيبى القيروانى
أبو الفضل مشرف بن راشد
أبو الفضل يوسف المعروف بابن النحوى
أبو الفوارس 302، 318
أبو القاسم: 286
أبو القاسم (صاحب الدرة الخطيرة):
137 - أبو القاسم أحمد بن إبراهيم الوردانى
أبو القاسم طلحة بن نصر المقدسى
أبو القاسم عبد الرحمن بن أبى بكر السرقوسى
أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الغنى المقرئ الواعظ
أبو القاسم عبد الرحمن الكاتب المعروف بابن العالى
أبو القاسم على بن عبد الرحمن ابن جعفر بن على السعدى المعروف بابن القطّاع
أبو القاسم هاشم بن يونس الكاتب
أبو محمد بن بهلول عبد الله بن يحيى
أبو محمد جعفر بن الطيب الكلبى الأمير
أبو محمد بن ابى حبيب الأندلسى:
394 - أبو محمد بن حتمية: 349
أبو محمد الرضا: 431
أبو محمود: سالم
أبو محمد بن صمنة الصقلى الفقيه: 19
أبو محمد عبد الله بن محمد بن المغربى
أبو محمد عبد الله بن مخلوف الفأفاء(18/464)
وكلما راح جهما رحت مبتسما
والبدر (1) يزداد إشراقا مع الطفل
ولا يروعك إطراقي لحادثة
فالليث مكمنه في الغيل للغيل
فما تأطّر عطف الرمح من خور
فيه ولا احمرّ صفح السيف من خجل
لا غرو إن عطلت من حليها هممي
فهل يعيّر جيد الظبي بالعطل
ويلاه هلا أنال القوس باريها
وقلد السيف (2) جيد الفارس البطل
ومنها في المديح:
أغرّ إن تدعه يوما لنائبة
جلى ولا يكشف الجلى سوى جلل
قد أوسع الأرض عدلا والبلاد ندى
والروض طلق الربى والشمس في الحمل
يرعى الممالك (3) في قرب وفي بعد
ويأخذ الأمر بين الريث والعجل
ذو عزمة لخطوب الدهر جردها
أمضى من الصارم المطرور في القلل
وذو أياد على العافين جاد بها
أشفى من البارد السلسال للغلل
__________
(1) المغرب: كالبدر
(2) المغرب: العضب
(3) القلا: المماليك(18/464)
مصرّف قصب الأقلام نال بها
مناله بشبا الخطية الذبل
من كل أهيف ما في متنه خطل
والسمهرية قد تعزى إلى خطل
دع عنك ما خلدت يونان من حكم
وسار (1) في حكماء الفرس من مثل
وانظر إليها تجدها أحررت سبقا
في الحمد (2) منها وحاز السبق في مهل
وله يتغزل (3):
وهيفاء يحكيها القضيب تأودا ... إذا ما انثنت في الرّيط أو حبراتها
يضيق الإزار الرحب عن ردفها كما ... تضيق بها الأحناء (4) من زفراتها
وما ظبية وجناء (5) تألف وجرة ... ترود ظلال الضال (6) أو أثلاتها
بأحسن منها يوم أومت بلحظها ... إلينا ولم تنطق حذار وشاتها
122* الوزير الكاتب أبو بكر ابن قزمان *
خدم في أول عمره المنعوت بالمتوكل. (في الغرب آخر يعرف بابن قزمان (7) ينظم الأزجال) (8) وصفه (9) بالإعجاز والإيجاز، والتبريز في
__________
(1) ق. صار
(2) القلا: الجهد
(3) البيتان الثالث والرابع منها في المغرب [وقد نسبت هذه القطعة في (ت) لابن حسداي].
(4) القلا: أحشاء
(5) القلا والمغرب: أدماء
(6) القلا: ظلال الغيل
(7) هو محمد بن عيسى بن عبد الملك ابن أخي أبي بكر صاحب الترجمة: ولد حول سنة 480، وتوفي سنة 555، انظر دائرة المعارف الاسلامية (في ابن قزمان) ومراجعها.
(8) سقط ما بين القوسين من ق [وكذلك من (ت)].
(9) انظر القلا ص 213.(18/465)
فهرس الاعلام
(ا)
آدم (عليه السلام): 167
الآمدى: 413
الآمر بن المستعلى (الخليفة): 430
ابراهيم: 103
ابراهيم بن الهازى: 214
الأبيوردى محمد بن أحمد بن محمد القرشى الأموى
أتابك زنكى بن آق سنقر (الأمير الإسفهلار): 378، 436
أحمد بن ابراهيم الوردانى (أبو القاسم): 89
أحمد بن أبى الحسين: أحمد بن الحسن ابن على بن أبى الحسين
أحمد بن حامد بن محمد (أبو نصر): 369، 371
أحمد بن الحسن بن على بن أبى الحسين (أحمد بن أبى الحسين): 93
أحمد بن راشد: 438
أحمد بن على البتى: 355
أحمد بن على الشامى أبو الفتح: 137
أحمد بن على الفكهرى أبو الفضل: 114
أحمد بن قاسم الصقلى القاضى الرشيد: 422
أحمد بن محمد بن القاف الكاتب (أبو على): 94
أحمد بن منير الطرابلسى (أبو الحسن): 381
أخنوخ: 355
إدريس (عليه السلام) 416
إدريس الإدريسى (الشريف): 145، 163
الأزهرى: 248
إسماعيل بن حميد: 414
إسماعيل الطليطلى: 386
إسماعيل بن عباد (الصاحب الوزير):
368 - الأصمعى (عبد الملك بن قريب): 176، 261، 300، 336، 446
الأعشى النحوىّ: 220(18/466)
البيان في ميدان الإحراز، وإن صدور عمره كانت أحسن له من الأعجاز، فإنه مني بالذلة بعد الاعتزاز، وأخلف الدهر له في مواعده فلواها دون النجاز، وأورد له من قوله ما يترنح لحسنه عطف الاهتزاز (1)، وهو:
ركبوا السيول من الخيول وركّبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطاف (2)
وتجللوا الغدران من ماذيهم ... مرتجة إلا على الأكتاف
123* الوزير الكاتب أبو بكر ابن الملح *
وصفه (3) بالأخذ من طرفي الدين والدنيا، وحلول كنفي العلم والعلياء، فإنه لاذ بالتوبة، بعد الحوبة، وطلب الوزر، من الوزر، وخطا بالصفوة، بعد الصهوة، ورقى صهوة المنابر بعد القهوة، وكاس، بعد الكأس، وأدنى سنا الطّهر بعد دجى الأدناس، ولبّى سريعا منادي الهدى في نزع ما ارتداه في خلع العذار من اللباس، وقد أورد من قوله ما هو أنضر من روض الورد والآس، وهو قوله (4):
والروض يبعث بالنسيم كأنما ... أهداه يضرب لا صطباحك موعدا
سكران من ماء النعيم فكلّما ... غنّاه طائره وأطرب رددا
يأوي (5) إلى زهر كأن عيونه ... رقباء تقعد للأحبة مرصدا
زهر يبوح به اخضرار نباته ... كالزهر أسرجها الظلام وأوقدا
__________
(1) انظر البيتين في المغرب ج 1ص 99والنفح ج 2ص 431حيث يقول المقري: «الماذي:
العسل والنطاف: جمع نطفة وهي الماء الصافي قل أو كثر». انظر أيضا الذخيرة ج 2 ورقة 342، وجاء فيها بيت ثالث وهو:
واستودعوا خلل الجداول واصطفوا ... بيض الرؤوس من الجياب الطاف
(2) الذخيرة: قطاف.
(3) انظر القلا ص 214.
(4) انظر الأبيات في المغرب ج 1ص 383والذخيرة ج 2ورقة 143حيث أورد ابن بسام 17 بيتا من هذه القصيدة.
(5) الأصل: يهوى [والإصلاح من (ت) والقلائد].(18/466)
ويبيت في فنن توهم ظله ... يمسي ويصبح (1) في القرارة مرودا
قد خفّ موقعه عليه وربّما ... مسح النعيم بعطفه وتأودا
وله يتغزل (2):
حسب القوم أنني عنك سال ... أنت تدري قضيتي (3) ما أبالي
قمري أنت كل حين (4) وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي
أنت كالشمس لم تغبّ (5) ولكن ... حجبت ليلها حذار الملال
وله يتغزل أيضا (6):
ظبي يموج الهوى بناظره ... حتى إذا ما رمى به انبعثا
مبتدع الخلق (7) لا كفاء له ... يعد شكوى صبابتي رفثا
أنكر سقمي وما قصدت له ... وما تعرّضت للهوى عبثا
أقسم في الحب أن أموت به (8) ... فما قضى برّه ولا حنثا
124* الوزير الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية *
(توفي سنة اثنتين وعشرين) (9) أثنى عليه (10) بكل فضيلة، وثنى عليه عنان كلّ محمدة جميلة، ونزّهه من كل رذيلة، ووصفه بأنه في وفاء الوقار، ونجاء النجار، يبقي بوفائه ذماء الذمار، ويذكي لذكائه كباء الكبار، رأيه
__________
(1) الذخيرة: بالصبح في عين القرارة مرودا.
(2) انظرها في الذخيرة، وجاء البيتان الأولان منها في المغرب.
(3) القلا: صبابتي
(4) المغرب: يوم
(5) الذخيرة: لم تغبر؟
(6) الأبيات في الذخيرة وترجمة البيت الثاني منها في بيريس ص 312.
(7) الذخيرة: النجل
(8) في الأصل: له، [وما أثبتناه من (ت) والقلائد].
(9) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(10) انظر المطمح ص 28.(18/467)
ريّ، وزنده وري، شيم بارق الحسنى والحسن من شيمه، ولمّ شعث الأمل كرمه من كرمه، يستسقى الحيا بمحياه، ويستنشق نشر الخير من رياه، وذكر أنه دعي للقضاء فاستعفى، وعاف الأوزار وناظر ديانته ما أغفى، وإن لديه ينبت الحق وينبتّ الباطل، ويثبت العالم وينتفي الجاهل، وإنه كالبحر الزاخر في المحاضرة، (1) وكالبدر الزاهر في المجاورة، وهو واحد الأندلس الأوحد، وعضبها المجرد، وله إنشاء، للسامع منه انتشاء، وقد أثبتّ من شعره ما يثني الإحسان إلى جيده الجيد، وتغري الاعراب بصيده الصيد، فمن ذلك يصف متنزها حلّه (2):
يا منزل الحسن أهواه وآلفه ... حقا لقد جمعت في صحنك البدع
لله ما اصطنعت نعماك عندي في ... يوم نعمت به والشمل مجتمع
وله أيضا في وصف متنزه (3):
يا دار أمّنك الزما ... ن صروفه ونوائبه
وجرت سعودك (4) بالذي ... يهوى نزيلك دائبه
فلنعم مثوى الضيف أنت (5) إذا تحاموا جانبه
خطر شأوت (6) به الديا ... ر فأذعنت لك ناصبه (7)
وله فيه (8):
أمسك دارين حيّاك النسيم به ... أم عنبر الشحر (9) أم هذي البساتين
بشاطىء النهر حيث النور (10) مؤتلق (11) ... والراح تعبق أم تلك الرياحين
__________
(1) في ق: المحاورة
(2) انظر البيتين في النفح ج 2ص 371.
(3) انظرها في النفح ج 2ص 372 [والقطعتان الآتيتان، ساقطتان من (ت)].
(4) المطمح: دنت سعودك
(5) المطمح: أنت لي أما تحاموا جانبه.
(6) المطمح: خطر سأرت
(7) النفح: قاطبه.
(8) أوردهما ابن سعيد في المغرب والعمري في المسالك ورقة 162نقلا عن الذخيرة.
(9) المطمح: البحر
(10) المطمح: الروض حيث الروض.
(11) المغرب: مؤتنق، والمسالك: مؤتلف.(18/468)
125* الوزير الفقيه القاضي أبو الفضل جعفر ابن الأعلم *
وصفه (1) بتدرّع التورّع عبادة (2)، متنسكا (3) زهادة، واعتقال العقل واعتلاقه، والاعتناء بالنبل واعتناقه، (إلا صبوة أخذت بالعافية صبوة، ونوبة لم يجد في الاقلاع منها نبوة) (4)، وجدّه أبو الحجّاج الأعلم، وهو في عصره العلامة والعلم، وأورد لأبي الفضل ما أبى الفضل به أن يصادف نظير، وعرّف أن روض معرفته بالأدب مؤنق نضير، وذكر أنه لقبه بشنتمرية داره، ومطلع اهلاله وابداره، ومن جملة ما أشعرنا به من شعره وأدرأنا به من دره، في وصف قلم:
متألّق تنبيك صفرة لونه ... بقديم صحبته لآل الأصفر
[ومهفهف ذلق صليب المكسر ... سبب لنيل المطلب المتعذر] (5)
ما ضرّه أن كان كعب يراعة ... وبحكمه اطّردت كعوب السمهري
وله عند فراق الصبا والصبوة، واكتهال نبت الكهولة وشد عقد التوبة، بانحلال ما كان للحوبة من الحبوة:
أما أنا فقد ارعويت عن الصبا ... وعضضت من ندم عليه بناني
وأطعت نصّاحي وربّ نصيحة ... جاءوا بها فلججت في العصيان
أيام أحيا بالغواني والغنا ... وأموت بين الرّاح والريحان
أيام أسحب من ذيول شبيبتي ... مرحا وأعثر في فضول عناني
وأجل كأسي أن ترى موضوعة ... فعلى يدي أو في يدي ندماني
في فتية فرضوا اتصال هواهم ... بمناهم دينا من الأديان (6)
__________
(1) انظر المطمح ص 64.
(2) الأصل: عابدا [والإصلاح من (ت)].
(3) [في (ت): والتمسك بالمنسك].
(4) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(5) سقط هذا البيت من الأصل [وهو موجود في (ت) وترتيبه الأول].
(6) المطمح: ومناهم دنا من الادنان.(18/469)
(خ)
خالد بن برمك: 207
خالد بن علقمة الدارمى: 374
خالد بن الوليد: 161
خالد بن يزيد الكاتب: 325
خبّاب: 287
خدّوج: خديجة بنت أحمد بن كلثوم العامرى
خديجة بنت أحمد بن كلثوم العامرى (خدوج): 409
(د)
داود (عليه السلام): 370
(ذ)
ذو البلاغتين: أبو الحسن عبد الودود ابن عبد القدوس
(ر)
رافع الهلالى: 353
روجار الأفرنجى: 21، 24، 25 48، 126، 245، 342، 350
رزيق بن عبد الله الشاعر: 123
الرشيد بن الزبير: 220، 224
رضوان (خازن الجنان): 102
الرقّاس: 213
ريحان: 371
(ز)
الزكزمى: عمر بن على المهدوى
الزكىّ بن طارق: 236
زنكى: 379
زهير بن أبى سلمى: 342
زياد بن أبيه: 297
زيد المحتسب: 163
(س)
ساكن (الأمير): 165
سالم بن عبد الله (أبو محمود): 390
سام: 52
سحبان وائل: 223، 327
سحيم الرياحى: 374
سراج بن أحمد بن رجا الكاتب
(أبو الضوء): 345، 349، 350
السكدلى: 153
سلام بن أبى بكر بن فرحان القابسى: 145(18/470)
هزت علاهم اريحيات الصبا ... فهي النسيم وهم غصون البان
من كل مخلوع الأعنة لم يبل ... في غيّه بتصارف الأزمان
أنحى على الجريال حتّى نوّرت ... في وجنتيه شقائق النعمان (1)
أقول: قد هز عطف طربي هذا المعنى، وانتشيت لما انتشقت هذا النسيم الذي يبل به المعنّى. وله في الزهد والعظة، وذكر الموت لاستقامة (2)
اليقظة (3):
الموت شغل ذكره ... عن كلّ معلوم سواه
فاعمر به ربع إدّكا ... رك بالعشيّ وبالغداه
واكحل به طرف اعتبا ... رك طول أيام الحياه
قبل ارتكاض النفس ما ... بين الترائب واللهاه
فيقال هذا جعفر ... رهن بما كسبت يداه
عصفت به ريح المنو ... ن فصيرته كما تراه
فضعوه في أكفانه ... ودعوه يجني ما جناه
وتمتّعوا بمتاعه المخزون واحووا ما حواه
يا مصرعا (4) مستبشعا ... بلغ الكتاب به مداه
لقّيت فيك (5) بشارة ... تشفي فؤادي من جواه
ولقيت بعدك أحمدا ... عبد الإلاه ومجتباه (6)
في دار خفض ما اشتهت ... نفس المقيم به أتاه
وأورد من نثره في الأوصاف، ما هو أروق وأرق من السوالف والسلاف.
فمن ذلك في وصف فرس:
__________
(1) لم يرد هذا البيت في المطمح.
(2) في ق: استدامة [وكذلك في (ت)].
(3) انظر هذه الأبيات في النفح ج 2ص 436.
(4) في النفح: منظرا
(5) المطمح والنفح: فيه
(6) في المطمح والنفح: لقيت بعدك خير من ... نباه ربي واجتباه(18/470)
انظر إليه سليم الأديم، كريم القديم، كأنّما نشأ بين غبراء واليحموم، نجم إذا بدا، ووهم إذا عدا، يستقبل بغزال، ويستدبر برال، ويتحلى بشيات تقسمت الجمال.
وفي وصف سرج:
بزة جياد، ومركب أجواد، جميل الظاهر، رحيب ما بين القادم والآخر، كأنّما قدّ من الخدود أديمه، واختص بإتقان المجيد تحكيمه (1).
وفي وصف لجام:
متناسب الأشلاء، صحيح الانتماء، إلى ثريا السماء، نكله نكال، وسائره جمال.
وفي وصف رمح:
مطرد الكعوب، صحيح اتصال العالية بالأنبوب، أخ كلما استنبته ينوب (2)، ويصدق كلّ أمل مكذوب (3)، خطي الأرومة، سهمي العزيمة، يستدّ برديني، ويرد بقعضيني، ظمآن على كثرة وروده، عريان تنسب صنعاء إلى وشي بروده.
في وصف قميص:
كافوري الأديم، بابلي الرسوم، تباشر منه الجسوم، ما يباشر الروض من النسيم.
__________
(1) المطمح: اتقان الحبك تقويمه.
(2) المطمع: صحيح اتصال الغالب والمغلوب، أخ ينوب كلما استنبب ويصيب. وهذا آخر الرسالة فيه.
(3) [في (ت): كذوب].(18/471)
سليمان بن الفياض: 236
سليمان بن محمد الطرابلسى: 105
سليمى: 208
السمعانى: 366
سيف الدين غازى بن أتابك: 346
(ش)
شاكر بن عامر بن محمد بن عسكر ابن كامل بن جامع الهلالى الكلاعى (أبو عمران): 145، 163
شاهنشاه: 227
شبيب: 405
شجاع بن فارس الدهرى الشهرزورى أبو غالب: 366
شداد بن عاد: 406
الشريف إدريس (إدريس الإدريسى)
الشريف الرضىّ: 423
شعبان (طبيب): 319
شهنشاه (ملك الملوك): 267
شيث (عليه السلام): 255
شيخ الدولة عبد الرحمن بن لؤلؤ الأمير
(ص)
الصابى (أبو اسحاق): 7
(ط)
الطاهر الحريرى: 421
الطغرائى: 315
طفيل بن عوف: 248
طلحة بن نصر المقدسى (أبو القاسم):
402 - الطميش على بن اسماعيل القلعى
(ع)
عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن:
165 - عامر بن محمد بن عسكر الهلالى:
أبو شاكر
عبد الجبار بن عبد الرحمن بن سرعين الكاتب: 115
عبد الحليم بن عبد الواحد السوسى: 00
عبد الخالق بن عبد الصمد النولى: 200
عبد الرحمن بن أبى بكر السرقوسى:
أبو القاسم الفقيه
عبد الرحمن بن أبى العباس الكاتب الأطرابنشى: 26(18/471)
وفي وصف بغل:
مقرف (1) النسب، مستخبر للشرف من كثب (2) إن ركب أقنع اعتماله، وإن نسب (3) استقل به أخواله (4).
في وصف حمار:
وثيق المفاصل، عتيق النهضة إذا ونت المراسل، يشفي امتهانه ويدني من الأمل رديانه.
126* الفقيه القاضي أبو الوليد الباجي *
(5) (إمام في الأصول والفروع، ومن مصنفاته: الوصول إلى معرفة الأصول، كتاب التسديد في أصول الدين (6)، الإشارة) (7).
ذكر (8) أنه كان فقيه الأندلس وامامها، والذي جلّى بنور علمه ظلامها، وأنه رحل إلى المشرق فأشرقت أنوار أقباسه، وأحيا ليالي الطلب بنعي نعاسه، وأنفق أنفاسه في العلم حتى اقتبس من أنفاسه، وعاد إلى الأندلس فاستقر من العزة في الأعين والأنفس الأندلس، وصار إلى المنعوت بالمقتدر، فراش جناح نجاحه في الورد والصّدر (9)، وذكر أن نظمه موقوف، على ذاته غير مصروف، إلى رفث القول وبذا ذاته، وله في الزهد (10):
__________
(1) الأصل: مقترف
(2) المطمح: آمن الكبب
(3) المطمح: أو ركب
(4) المطمح: أحواله.
(5) [ما بين القوسين، ساقط من (ت)].
(6) لعل الصواب، كتاب التسديد في معرفة التوحيد.
(7) المراد: كتاب الإشارة في أصول الفقه.
(8) انظر القلا ص 215.
(9) [في الاصل: والصدور].
(10) انظرهما في المغرب ج 1ص 404والنفح ج 1ص 509وابن خلكان ج 2ص 142وياقوت ج 11ص 246والشذرات ج 3ص 345وترجمتهما في بيريس ص 435.(18/472)
عبد الودود البلنسى عبد الودود الأندلسى
عبد الودود الطبيب الأندلسى: 387
عبد الولى البتى الكاتب (أبو جعفر) 355
عبد الوهاب بن رواح بن الجوشنى 50
عبد الوهاب بن عبد الله بن مبارك 141
عبيد بن الأبرص: 359
عبيد الله بن على المعمر الحسينى (أبو الحسين): 398
عبيد الله بن المظفر بن عبد الله المرى (أبو الحكم المغربى): 369
عتاب الجوهرى: 185
عتيق بن عبد الله بن رحمون الخولانى المقرئ أبو بكر: 131
عتيق بن محمد بن الوراق أبو بكر: 408
عثمان بن بشرون المهدوى: 25، 193، 209، 329
عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن السوسى: 50
عثمان بن عتيق (أبو سعيد): 132
عزة (جارية): 324
العزيز (عزيز مصر): 367: 15
العزيز أبو نفر أحمد بن حامد بن محمد
عزيز الدولة المستوفى: أحمد بن حامد ابن محمد
عطية بن على القرشى الطيبى القيروانى العدل أبو الفضل بن لادخان: 398 على (الفقيه): 199
على (بن أبى طالب): 294، 413 432
على بن اسحاق إبراهيم بن الوردانى أبو الحسن: 88
على بن اسماعيل بن خلف الكندى أبو الحسن: 430
على بن اسماعيل القلعى المعروف بالطميش: 430
على بن الجهم: 428
على بن الحسن الطوبى أبو الحسن: 75
على بن الحسن بن معبد القرس أبو الحسن: 310
على بن الزيتونى: 213(18/473)
إذا كنت أعلم مستيقنا (1) ... بأن جميع حياتي كساعه
فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه
وله يرثي ولديه وقد ماتا غريبين، وذويا قضيبين (2):
رعى الله قبرين (3) استكانا ببلدة
هما أسكناها في السواد من القلب
لئن غيبا عن ناظري وتبوّءا
فؤادي لقد زاد التباعد في القرب
يقر بعيني أن أزور ثراكما (4)
وألزق (5) مكنون الترائب بالترب
وأبكي وأبكي ساكنيها لعلنّي
سأنجد من صحب وأسعد من سحب (6)
فما ساعدت ورق الحمام أخا أسى
ولا روّحت ريح الصبا عن أخي كرب
ولا استعذبت عيناي بعدكما (7) كرى
ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب
أحنّ ويثني اليأس نفسي عن الأسى
كما اضطر محمول على المركب الصعب
__________
(1) جميع المراجع: علما يقينا.
(2) انظرها في المغرب والنفح ج 1ص 510وياقوت.
(3) المغرب: قلبين
(4) في ق والمراجع: ثراهما [وكذلك في (ت)].
(5) المغرب وياقوت: الصق
(6) في ق: صحب؟
(7) المراجع: بعدهما(18/473)
127* الوزير الفقيه أبو مروان ابن سراج *
ذكر (1) أنه درس علوما درست معالمها، ودعا للرفع آدابا تداعت دعائمها، فتح أقفال المبهمات، وبين أغفال المشكلات، وشرح وأوضح، ونصح مناضليه وفصح، ولما طوي بساط عمره طويت المعارف، وتنقّص فضلها الوافر وتقلص ظلها الوارف، ووصفه بالضجر عند السؤال فما يكاد يجيب، والمستفيد منه يكاد لغيظه [عليه] (2) يخيب، وأورد من شعره قوله في مدح المظفر ابن جهور (3):
أمّا هواك ففي أعزّ مكان ... كم صارم من دونه وسنان
وبني خروب (4) لم تزل تغذوهم ... حتّى الفطام ثديها بلبان
في كلّ أرض يضربون قبابهم ... لا يمنعون تخيّر الأوطان
أو ما ترى أوتادها قصد القنا ... وحبالهنّ ذوائب الفرسان
عجبا لأسد في القباب تكفّلت ... برعاية الظبيات والغزلان
ولقد سريت وما صحبت على السرى ... غير النجوم إرادة الكتمان
(5) في ليلة نظرت إليّ نجومها ... ومقحم (6) الغمرات غير جبان
قالت فتاتهم وقد نبهتها ... والليل ملقي كلكل وجران
كيف اجترأت على تجاوز من ترى ... من نائم حولي ومن يقظان
أو لست إنسانا وما إن تنتهي ... هذي نهاية جرأة الإنسان
فأجبتها: أنّ ابن جهور الرّضى ... منع المخاوف أن تحل جناني
__________
(1) انظر القلا ص 217.
(2) [الزيادة من (ت)].
(3) الأبيات الاربعة الأولى في المغرب ج 1ص 115وترجمة الأبيات 12، 13، 16، في بيريس ص 81.
(4) القلا: بين الحروب
(5) [من هنا إلى آخر المختارات، ساقط من (ت)].
(6) القلا: اتقحم(18/474)
عمر بن النسفى اليخشبى (أبو حفص): 388
عمران بن محمد بن سبأ: 437
عمرو بن العاص: 432
عميد الدولة ابن جهير (أبو منصور محمد بن محمد): 383، 396
عنترة: 379
عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة الوزير
عيسى بن عبد المنعم الصقلى: 19، 29، 349
عيسى (المجد): 350
عيسى (بن مريم): 350
غ
الغاون الصقلى أبو الحسن بن واذ
ف
فخر الدولة: 368
الفرزدق: 328، 341، 365
الفقيه أبو محمد بن صمنة الصقلى أبو محمد
فؤاد سيد: 437
ق
القاسم بن نزار الكلبى (الأمير أبو محمد): 93
القاضى أبو الفضل الحسن بن ابراهيم بن الشامى الكنانى
القاضى البرهان أبو طالب النحوى:
395 - القاضى الرشيد أحمد بن قاسم الصقلى
القاضى الفاضل (عبد الرحيم البيسانى): 224، 342، 440
القاضى المفضل كافى الكفاة: 414
القائد بن حماد بن بلكين: 209
القائد أبو الفتوح بن القائد بدير المكلانى سند الدولة حاجب السلطان: 96
القائد أبو محمد الحسن بن عمر ابن منكود
القائم (المنتظر): 430
القمبيطور أميم السيد
قيصر: 260(18/475)
ومنها في العتاب والاستماحة:
أتعود دلوي من بحور سماحكم ... صفرا وليست رئّة الأشطان
ويكون ربعي مستبينا جدبه ... حتى أهيم بنجعة البلدان
قسني بمن ينأى برفع مكانه ... [بنديّك] (1) العالي وخفض مكاني
أمن السوية أن تحلوا بالربى ... من أرضه وأحل بالغيطان
إن ترخصوا خطري فكم مغل له ... يستام فيه بأرفع الأثمان
128* الوزير الفقيه أبو عبيد (2) البكري *
ذكر (3) أنه رأى هذا الفقيه في (سن) (4) ابن محكم، وقد فاق كل متكلم، وهو غلام ما أبدر قمره، ولا أينع ثمره، ولا تفتق لعذاره زهره، وقرظه بأنه كان حلي الزمان العاطل، وصيت الدهر الخامل، وقطب مدار الأدب في أفلاكه، وواحد المغرب ومقرب أملاكه، وكانوا يتهادونه تهادي العيون للوسن، والأسماع للصوت الحسن، غير أنّ شربه المدام مدام، ولم يزل منه له من غير ندامة ندام، قد صار هجيره، لا يهجره أصيله وهجيره، وله في البيان مصنفات. بفرائد الحكم مشنفات، قال أبو نصر صاحب قلائد العقيان إنه رآه وقد جرى ذكر ابن مقلة وخطه فقال (5):
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو أصبحت (6) مقلا
[فالدّرّ يصفر لاستحسانه حسدا ... والورد يحمرّ من إبداعه خجلا] (7)
__________
(1) سقط ما بين المعقفين من الأصل [والتكملة من القلائد].
(2) في الأصل: أبو بكر عبيد [وفي (ت): أبو عبد الله] والقلا أبو عبيد الله.
(3) انظر القلا ص 218.
(4) سقط ما بين القوسين من ق.
(5) انظر هذا الخبر في المغرب ج 1ص 438
(6) المغرب: بدلت
(7) زدناه من القلا.(18/475)
ك
كثّير عّزة: 287
كرامة بن المنصور بن الناصر بن علناس ص 428
كسرى: 207
كعب بن زهير: 232
ل
لامك لمك
لمك (والد نوح عليه السلام): 83
ليفى بروفنسال: 443
م
مالك (خازن النار): 102
مالك (بن نويرة): 341
مانى (الموسوس): 325
الماوردىّ: 227
المأمون (الخليفة): 101
متمم بن نويرة: 341
المتنبى 303، 315، 346، 387، 439، 441
المتوكل (الخليفة): 248
المجاشعى أبو الحسن بن فضال
محسن بن القائد بن حماد بن بلكين: 209
محمد بن أبى بكر: 297
محمد بن أبى بكر الصقلّى: 410
محمد بن أبى بكر بن عبد الرازق شرف الدين أبو عبد الله ص 410
محمد بن أحمد بن القرشى الأموى الأبيوردى ص 401
محمد بن بشير: 354
محمد بن البين: 220
محمد التيفاشى: 152
محمد بن حبيب المهدوى: 189، 191
محمد بن الحسن الطوبى (أبو عبد الله): 56، 98،
محمد بن الحسن بن القرنى الكاتب أبو عبد الله: 109
محمد بن الحسين بن القرقورى الكاتب (أبو الفتح): 107
محمد بن الحسين أبو المكارم: 413
محمد بن رشيد الهلالى: 148، 149(18/476)
وله فصل من كتاب راجع به الفقيه أبا الحسن ابن دري (1):
وتالله إني لأتطعّم جنى محاورتك (2) فتقف في اللهاة، وأجد لتخيل مجالستك ما يجده الغريق من النجاة، وأعتقد في مجاورتك ما يعتقده الجبان في الحياة.
أما تخطىء الأيام فيّ بأن ترى ... بغيضا تنائي أو حبيبا تقرّب (3)
ورأيت رغبتك في الكتاب الذي لم يتحرر ولم يتهذب، وكيف التفرغ لقضاء ارب، والنشاط قد ولى وذهب، فما أجد، إلا كما قال:
نزرا كما استنكهت (4) عائر نفحة ... من فارة المسك التي لم تفتق
وإن يعن الله على المراد، فيك والله يستفاد، وبرغبتك أخرجه إلى الوجود من العدم (5)، وإليك يصل أدنى ظلم.
وله فصل يهنّي الوزير أبا بكر بن زيدون (6) بالوزارة:
أسعد الله بوزارة سيدي الدنيا والدين، وأجرى لها الطير الميامين، ووصل بها التأييد والتمكين، فالحمد لله على أمل بلغه، وجذل قد سوغه، وضمان حققه، ورجاء صدقه، وله المنة في ظلام كان أعزه [الله] (7)
صبحه ومستبهم، غدا شرحه، وعطل نحر كان حليه، وضلال [دهر] (8)
صار هديه:
فقد عمر الله الوزارة باسمه ... ورد إليها أهلها بعد إقصار
__________
(1) لم نعثر على ترجمة له.
(2) القلا: محلورتك؟
(3) القلا: متى بأن أرى ينأى ويقرب.
(4) القلا: استكرهت
(5) الأصل: من الوجود إلى العدم [والإصلاح من (ت) والقلائد].
(6) هو ابن أبي الوليد ابن زيدون الأديب المشهور، وزر بعد موت أبيه للمعتمد (انظر المغرب، ج 1ص 69) [وهذا الفصل ساقط من (ت)].
(7) [التكملة من القلائد].
(8) [زيادة من القلائد].(18/476)
محمد بن سهل الكاتب المعروف بالرزيق (أبو بكر): ص 100، 102،
محمد بن عبد الصمد بن بشير التنوخى: 255، 253
محمد (صّلى الله عليه وسلّم): 369
محمد بن عبد الله بن زكريا القلعى أبو عبد الله ص 424
محمد بن عبد الله المهدى المعروف بابن تومرت ص 195
محمد بن عبدون الجبيلى: 375
محمد بن العطار الكاتب أبو عبد الله: 142
محمد بن على بن أبى منصور جمال الدين أبو جعفر ص 436
محمد بن على بن الصباغ الكاتب (أبو عبد الله): 90
محمد بن على بن عبد الجبار الكمونى أبو بكر: 122
محمد بن على المسيلى الأفرم: 201
محمد بن عيسى الفقيه أبو عبد الله 37: 1
محمد بن قاسم بن زيد اللخمى الكاتب القاضى (أبو عبد الله) ص 139
محمد الكاتب المعروف بابن دفرير (أبو عبد الله): 211
محمد بن محمد بن على السعدى (أبو بكر): 389
محمد بن محمد الغزالى الطوسى (أبو حامد الغزالى) ص 407
محمد بن محمد النثرى: 195
محمد بن محمود النيسابورى أبو العلاء: 402
محمد بن معن بن صمادح الأمير المعتصم أبو يحيى ص 132
محمد المكناسى المعروف بنيطلق: 202
محمد بن الوليد الأندلسى: 402
محمود بن اسماعيل بن حميد: 414
محمود السلجوقى (السلطان) 369
محمود بن عبد الجبار الأندلسى الطرسوسى: 413
محمود بن ملكشاه: 369، 371(18/477)
129* الفقيه الأجل قاضي الجماعة أبو عبد الله ابن حمدين (1) *
وأظنه هو الذي سبق ذكره في مصنف ابن بشرون (2)، وصفه (3)
بحماية الدين ورعاية أهله، والهداية إلى سبله، وأنه مالك زمام العلوم ومحيي رسمها، ومعلي اسمها. وبه اجتثت أصول الملحدين، ورثّت حبال المفسدين، في سنة تسع وتسعين، وأورد من نثره ما لذت قطوفه، وبذت قلائد الدر صنوفه، وذلك من كتاب، فصل يراجع به ابن شماخ (4):
عمّر (5) بابك، وأخصب جنابك، وطاوعك زمانك، ونعم به إيوانك (6):
وسقى بلادك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي
فما درج لسبيله (7) من كنت سلالة سليله، ووارث معرسه ومقيله (8):
ومنها: بيننا وسائل، أحكمتها الأوائل، ما هي بالأنكاث، والوشائج الرثاث، من دونها عهد (9) جناه شهد، أرج عرف النسيم، مشرق جبين الأديم، رائق رقعة الجلباب، مقبل (10) رداء الشباب، كالصباح المنجاب، تروق (11) أساريره، ويلقاك قبل اللقاء تباشيره.
ورثناهن عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بنينا
__________
(1) [هذه الترجمة ساقطة من (ت)].
(2) [انظر الترجمة رقم 86وكنيته هناك أبو العباس، وهذا ابو عبد الله محمد ابن حمدين توفي 508هـ اما الاول فالظاهر انه أحمد ابن حمدين المتوفي 521هـ أو أخوه حمدين المتوفي 547وعلى هذا فظن العماد انه هو الأول غير صواب].
(3) انظر القلا ص 219.
(4) ستاتي ترجمته. وقد ذكر ابن بسام فصولا من هذه الرقعة في الذخيرة القسم الثاني من المجلد الأول ص 326.
(5) في النسختين: غشى، والذخيرة: غنى [وما أثبت من القلائد].
(6) القلا: بك أوانك
(7) [في الأصل: اشبيلية، وما أثبت من القلائد].
(8) الذخيرة: وارث مجده ومقبله.
(9) الذخيرة: ود
(10) القلا والذخيرة: مقتبل
(11) الذخيرة: تشوق.(18/477)
130* الفقيه الأستاذ أبو محمد عبد الله بن محمد ابن السيد البطليوسي *
ذكر (1) أنه ركن في آخر زمانه إلى إقراء علوم النحو، وإثبات ما عفت منه يد المحو، والقناعة بشكر الحظ بعد الصحو، وأورد من كلامه، ما يجلو عن الليل بسناه دجى ظلامه، فمن ذلك قوله في طول الليل (2):
ترى ليلنا شابت نواصيه كبرة ... كما شبت، أم في الجو روض بهار (3)
كأن الليالي السبع في الأفق علقت ... (4) ولا فصل فيها بينها لنهار
وله رقعة يصف فيها كتاب قلائد العقيان:
تأملت كتابه الذي شرع في إنشائه، فرأيت كتابا ينجد ويغور (5)، ويبلغ حيث لا يبلغ البدور، وتبين به الذرى والمناسم، وتغتدي له غرر في أوجه ومواسم، فقد أسجد الله الكلام لكلامك، وجعل النّيّرات طوع أقلامك، فأنت تهدي بنجومها، وتردي برجومها، فالنثرة من نثرك، والشعرى من شعرك، والبلغاء لك معترفون، وبين يديك متصرفون، وليس يباريك مبار، ولا يجاريك إلى الغاية مجار، إلا وقف حسيرا، وسبقت ودعي أخيرا، وتقدمت لا عدمت شفوفا، ولا برح مكانك بالآمال محفوفا.
وله في وصف زير طانة (6):
وذات عمى لها طرف بصير ... إذا رمدت فأبصر ما تكون
لها من غيرها نفس معار ... وناظرها لدى الأبصار طين
وتبطش باليمين إذا أردنا ... وليس لها إذا بطشت يمين
__________
(1) انظر القلا ص 221.
(2) البيتان في ابن خلكان ج 2ص 282.
(3) في الأصل والقلا، نهار.
(4) القلا: علمت.
(5) القلا: سينجد ويغور.
(6) في الأصل: زبربطانة، وفي ق مكان هذه الجملة: وأنشد.(18/478)
وله يجيب شاعرا قرطبيا (1):
قل للذي غاص في بحر من الفكر ... بذهنه فحوى ما شاء من درر
لله عذراء زفّت منك رائحة ... تختال من حبرها المرقوم في حبر
صداقها الصدق من ودي ومنزلها ... بصيرتي وسواد القلب والبصر
هزّت بدائعها عطفيّ من طرب ... لحسنها هزّة المشغوف بالذكر
كأنما خامرتني من بشاشتها ... راح وسكر بلا راح ولا سكر
ما كنت أحسب أن النيرات غدت ... يصيدها شرك الأوهام والفطر (2)
[ولا توهّمت أيام الربيع ترى ... في ناضر غضّة الأنوار والزهر] (3)
أما الجزاء (4) بشيء لست مدركه ... ولو بدرت إلى التوجيه بالبدر
لكن جزائي صفاء الود أضمره ... إذا القلوب انطوت منه على كدر
جاراك ذهني في مضمارها فكبا ... ذهني وفزت بخصل السبق والظفر
وهل بطليوس في نظم مناظرة ... يوما لقرطبة في حكم ذي نظر (5)
وله من مكاتبة (6):
نحن نتدانى إخلاصا، وإن كنا نتناءى أشخاصا، ويجمعنا الأدب، وإن فرقنا النسب، فالأشكال أقارب، والاداب مناسب، وليس يضر تنائي الأشباح، مع تقارب (7) الأرواح، وما مثلنا في هذا الانتظام، إلا كما قال أبو تمام:
نسيبي في رأيي وعلمي ومذهبي ... وإن باعدتنا في الأصول المناسب
__________
(1) [هذه القطعة، ساقطة من (ت)].
(2) القلا: والفكر.
(3) أضفنا هذا البيت من القلا.
(4) [في الأصل: لها الجزاء تدركه، وما أثبت من القلائد].
(5) ق: فطر.
(6) القلا: إلى أبي الحسن ابن الأخضر.
(7) القلا: إذا تقاربت الأرواح.(18/479)
نور الدين: 161
نيطلق محمد المكناسى
هـ
هاشم بن يونس الكاتب أبو القاسم: 110
هرمس إدريس عليه السلام
همام بن غالب الفرزدق
هند: 241
الهيتى (الأديب): 374
وواصل بن عطاء: 224
وجيش (الأديب): 374، 375
ى
يحيى (مولود): 257
يحيى بن تميم بن المعز: 225، 230، 246، 247، 270، 280، 342
يحيى بن التيفاشى القفصى: 150، 152
يحيى بن سعيد بن يحيى بن المظفر المعروف بابن المرخم: ص 369
يحيى بن أبى العزّ: 60
يحيى بن عبد العزيز الحمادى: 209، 210، 211
يحيى بن عمارة: 205
يحيى بن محمد بن هبيرة عون الدين الوزير ص 395
يحيى بن نزار: 371
يزيد: 99
يعلى: 72
اليمان بن فاطمة المرابط: 196
يوسف (عليه السلام): 367، 370
يوسف بن أبى الحسين أبو الفتح (ثقة الدولة): 108
يوسف بن المبارك: 216
يوسف المعروف بابن النحوى الفقيه أبو الفضل ص 406
يونس بن محمد القسطلى أبو الوليد: 443(18/479)
وله فى الزهد:
وما دارنا إلا موات لو اننا ... نفكر والأخرى هي الحيوان
شربنا بها عزّا بدون جهالة (1) ... وشتان عز للفتى وهوان
وله من قصيدة يمدح المستعين ابن هود (2):
هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا
بأقمار أطواق مطالعها بان
لئن غادروني في اللوى إنّ مهجتي
مسائرة أضعانهم أينما (3) كانوا
سقى عهدهم بالخيف عهد غمائم
ينازعها (4) مزن من الدمع هتّان
أأحبابنا هل ذلك العهد راجع
وهل لي عنكم آخر الدهر سلوان
ولي مقلة عبرى وبين جوانحي
فؤاد إلى لقياكم الدهر حنّان
تنكّرت الدنيا لنا بعد بعدكم
وحفت (5) بنا من معضل الخطب ألوان
ومنها:
رحلنا سوام الحمد (6) عنها بغيرها
فلا ماؤها صدّا ولا النبت سعدان
__________
(1) القلا: جلالة
(2) انظر تمام القصيدة (32بيتا) في النفح ج 1ص 428والأبيات 1إلى 6و 8في ابن خلكان.
(3) ق وجميع المراجع: حيثما
(4) في النسختين: منازعها
(5) ابن خلكان: حلت
(6) ذكر ناشر نفح الطيب روايات مختلفة في الحاشية وظن ان النساخ قد حرفوا هذه الكلمات(18/480)
فهرس القبائل
آل زياد: 337
آل علىّ: 165
أبناء جامع: 164
الأدباء: 108، 137، 168، 371 443
أصحاب الحديث: 398
الإغريق: 416
الافرنج: 48، 50، 150
الإمامية: 430
الأمراء: 116
الأملاك (الملوك): 265، 330
الأندلسيون: 220
أهل الأندلس: 409
أهل الجزيرة الخضراء: 443
أهل الحمى: 153
أهل رصفة: 409
أهل سوسة: 154
أهل قفصة: 153
أهل القيروان: 365
أهل المرّيّة: 369
أهل المغرب: 313، 363، 396، 398
البربر: 148
البطالسة: 416
البلغاء: 296، 443
بنو أسد: 315
بنو الأشقر: 424
بنو جامع الهلاليون: 135، 165
بنو حماد: 209، 424
بنو دهمان: 165
بنو رياح. 245
بنو زغبة: 245
بنو الزنج: 325
بنو عامر بن صعصعة: 148
بنو العباس: 63(18/480)
بنو علىّ: 145
بنو فادغ: 145
بنو مناد: 209
بنو المعزّ: 245
بنو هلال: 148، 150، 163، 211، 245
بنو يربرع: 104
التتار: 419
تغلب: 384
الحجيج (حجاج بيت الله الحرام): 243
حمير: 406
خطباء العرب: 297
الدولة الصالحية: 437
الدولة الفاطمية (الفاطميون): 414
دولة الموحّدين: 439
رباح: 145
رهبان جيرون: 226
الرواة: 406
الروم: 108، 182، 379
الزنج: 188
السلاطين: 387
الشعراء: 5، 108، 163، 168 246، 253، 255، 371، 382، 390، 443
شعراء الأمير على بن يحيى بن تميم:
255، 353
شعراء الأندلس: 350
شعراء جزيرة صقلية: 51
شعراء صقلية: 421
شعراء المغرب: 220، 221، 355
الشمعة: 60
الصابئة: 416
الصحابة (صحابة رسول الله): 341
الصقليون: 353
الصنهاجيون: 125
العبيديون: 209
العجم: 238، 245، 345
العرب: 7، 132، 155، 167 211، 228، 238، 297، 341، 345، 396، 435
العروضيون: 8
العلماء: 108، 166، 168
علماء الفلك: 416(18/481)
إلى ملك حاباه بالمجد (1) يوسف
وشاد له البيت الرفيع سليمان
إلى مستعين بالإلاه مؤيد
له النصر حزب والمقادير أعوان
بوجه ابن هود كلما عرض الورى
صحيفة إقبال لها البشر عنوان
فتى المجد في برديه بدر وضيغم
وبحر وقدس ذو الهضاب وثهلان
من النفر البيض (2) الذين أكفهم
غيوث ولكن الخواطر نيران
(3) ليوث شرى ما زال منهم لدى الوغى
هزبر بيمناه من السمر ثعبان
وله يعزّي الوزير أبا عيسى ابن لبون (4) في أخيه:
للمرء في أيامه عبر ... والصفو يحدث بعده كدر
خرس الزمان لمن تأمّله ... نطق وخبر صروفه خبر
نادى فأسمع لو وعت أذن ... وأرى العواقب لو رأى بصر
كم قال: هبّوا طالما هجعت ... منكم عيون حقها السهر
أبأذن من هو مبصري صمم ... أم قلب من هو سامعي حجر
لولا عماكم عن هدى نذري ... ومواعظي ما جاءت النذر
هذي مصارع معشر هلكوا ... ووعظتكم بالصمت فاعتبروا
__________
(1) ابن خلكان: بالحسن
(2) القلا والنفح: النفر الشم.
(3) [من هنا إلى قوله: فلما كان من الغد وافاه بخمسين دينارا الخ من ترجمة الأديب الحاج أبو عامر ابن عيشون مفقود من (ت)، ويبدو أن هذا النقص الكبير كان نتيجة لتلف حل بالمخطوطة].
(4) ستأتي ترجمته.(18/481)
ومنها في الشيب:
قالت أرى ليل الشباب بدت ... للشيب فيه أنجم زهر
فأجبتها: لا تكثري عجبا ... من شيبة لم يجنها كبر
لكن طويت من الهموم لظى ... أضحى لها في عارضي شرر
ومنها:
حسنت شمائلكم وأوجهكم ... فتطابقا مرأى ومختبر
والحسن في صور النفوس وإن ... راقتك من أجسامها الصور
لا ضعضعت أيدي الخطوب لكم ... ركنا ولا راعتكم الغير
وله في وصف فرس (1):
وأدهم من آل الوجيه ولا حق
له الليل لون والصباح حجول
تحيّر (2) ماء الحسن فوق أديمه
فلولا التهاب الخضر ظل يسيل
كأن هلال الأفق (3) لاح بوجهه
فأعيننا شوقا إليه تميل
كأنّ الرياح العاصفات تقلّه
إذا ابتلّ منه محزم وتليل،
إذا عابد الرحمان في متنه علا
بدا الزهو في العطفين منه يجول
فمن رام تشبيها له قال موجزا
وإن كان وصف (الحسن) (4) منه يطول
__________
(1) انظرها في النفح ج 1ص 430وترجمة الأبيات الأربعة الأولى في بيريس ص 336.
(2) القلا: تجر لماء
(3) القلا: هلال الفطر
(4) سقط ما بين القوسين من ق.(18/482)
هو الفلك الدوار في صهواته
لبدر الدياجي مطلع وأفول
وله يتشوق مكة حرسها الله تعالى:
أمكّة تفديك النفوس الكرائم ... ولا برحت تنهل فيك الغمائم
وكفت أكفّ السوء عنك وبلّغت ... مناها قلوب فى ثراك (1) حوائم
فإنّك بيت الله والحرم الذي ... لعزّته ذل الملوك الأعاظم
وقد رفعت منك القواعد بالتقى ... وشادتك أيد برّة وعواصم
وساويت في الفضل المقام كلاهما ... ينال به الزلفى وتمحى المآثم
ومن أين تعدوك الفضائل كلّها ... وفيك مقامات الهدى والمعالم
ومبعث من ساد الورى وحوى العلى ... بمولده عبد الإلاه وهاشم
نبي حوى فضل النبيين واغتدى ... لهم أولا في فضله وهو خاتم
وفيك يمين الله يلثمها الورى ... كما يلثم اليمنى من الملك لاثم
[وفيك لإبراهيم إذ وطيء الصفا ... ضحى قدم برهانها متقادم] (2)
دعا دعوة فوق الصّفا فأجابه ... قطوف من الفج لعميق وراسم
فاعجب بدعوى لم تلج مسمعي فتى ... ولم يعها إلا ذكيّ وعالم
ألهفي لأقدار عدت عنك همّتي ... فلم تنتهض مني إليك العزائم
فيا ليت شعري هل أرى منك داعيا ... إذا جأرت لله فيك الغماغم (3)
وهل تمحون عني خطايا اقترفتها ... خطى فيك لي أو يعملات رواسم
[وهل لي من سقيا حجيجك شربة ... ومن زمزم يروي بها النفس حائم] (2)
وهل لي في أجر الملبين مقسم ... إذا بذلت للناس فيك المقاسم
وكم زار مغناك المعظم مجرم ... فحطت به عنه الخطايا العظائم
ومن أين لا يضحي مرجيك آمنا ... وقد أمنت فيك المها والحمائم
__________
(1) [في القلائد: كي تراك].
(2) زدنا هذا البيت من القلا.
(3) القلا: الغمائم؟(18/483)
فهرس الأماكن
آ
آمد: 413
ا
الاسكندرية: 51، 195، 223، 310، 342، 393، 402، 424، 435
أشبونة: 386
أشبيلية: 50، 393
أشير: 209
إضم: 315
أغمات: 388
أفريقية: 56، 93، 105، 143، 163، 195، 209، 244، 246
الأندلس: 50، 105، 145، 195، 242، 246، 369، 387، 390، 393، 409، 443
أوقيانوس (البحر المحيط): 388
ب
بابل: 426
باحة 219، 393
باديس: 209
الباكستان: 419
بالرمو بلرم
البان: 423
باهلة: 327
بثيرة: 24
بجاية: 195، 209، 211، 406، 435
البحران: 245
البحر الأبيض المتوسط: 443
بحر الظلمات: 388
البحر المحيط: 388
بخارى: 388
برجة: 393
برقة: 421
بركة الحبش: 236، 284
البصرة: 375(18/483)
لئن فاتني منك الذي أنا رائم ... فإن هوى نفسي عليك لرائم
وإن يحمني حامي المقادير مقدما ... عليك فإني بالفؤاد لقادم
عليك سلام الله ما طاف طائف ... بكعبتك العليا وما قام قائم
إذا نسم لم يهد عني تحية ... إليك فتهديها الرياح النواسم
أعوذ بمن أسناك (1) من شر خلقه ... ونفسي فما منها سوى الله عاصم
وأهدي صلاتي والسلام لأحمد ... لعلّي به من كبّة النار سالم
131* الوزير الأستاذ أبو الحسين ابن سراج *
أطرى (2) فضله، بما أطرب أهله، وذكر أنه لما ضمت عليه من القبر ضلوعه، عفت رسوم المجد ودرست ربوعه، وتفرقت جموعه، وعادت المعارف مناكر، والمعالم مجاهل، وأورد له من رقعة خاطبه بها:
كتبت وروض العهد قد أفصحت أناشيده، وديوان الود قد صحت أسانيده، ودوح الإخاء يتفاوح زهرا، ويتناوح مجتنى ومهتصرا، والله يصوب مزنته بشآبيب الوفاء، ويمنح نغبته، أعلى درجات العذوبة والصفاء، برحمته، وأما تلك المراجعة فكأنها لمّا عاقت عقّت، وقد نالها من عتابي في ذلك ما استحقت.
وله يصف كتابا:
كتاب يزدري بالسحر حسنا ... وسمت به زمانك وهو غفل
معان تعبق الآفاق عنها ... يشيب لها حسودك وهو طفل
وله في ثوب رآه على غير أهله، وكان عهده، على من كان يوده (3):
__________
(1) في النسختين: انشاك [وما أثبت من القلائد].
(2) انظر القلا ص 231.
(3) في ق: وكان عهده يراه على من يوده.(18/484)
يا لابس الثوب لا عرّيت من سقم ... ولا تخطاك صرف الدهر والغير (1)
ويحي عليه ولهفي من تبدّله ... كم قد تطلّع من أطواقه القمر
وكم ترنّح في أثنائه غصن ... منعم النبت يدمي خده النظر (2)
وكم ثنيت يدي عنه وقد نعمت ... وظل منها فتيت المسك ينتثر
فاليوم أوحش عما كنت أعهده ... كذاك صفو الليالي بعده الكدر
وله (3):
لما تبوأ (4) من فؤادي منزلا ... وغدا يسلط مقلتيه عليه
ناديته مترحما من زفرة (5) ... أفضت بأسرار الضمير (6) إليه
رفقا بمنزلك الذي تحتلّه ... يا من يخرّب بيته بيديه
وله:
لئن لم تفز عيناي منك بنظرة ... ولم أقض من لقياك ما كنت آمل
فعالم ما تخفي السرائر عالم ... بأنّك في عيني وقلبي ممثل
وأنّك ممن أنتحيه بخلتي (7) ... وأمحضه ودي لصدر وأوّل
وله:
بما بعينيك من غنج ومن دعج
ومن صوارم تنضوها على المهج
لا ترتضي الحلف في وعد تركت به
قتيل حبك قد أوفى على الفرج
__________
(1) القلا: لخطر.
(2) في الأصل: الحفر [وما أثبت من القلائد].
(3) انظر الأبيات في الذخيرة ج 1من القسم الأول ص 319والمغرب ج 1ص 116والرايات ص 44والمسالك ورقة 132وترجمة البيتين الثاني والثالث في بيريس ص 407.
(4) الذخيرة والمسالك: تمكن
(5) الذخيرة والمسالك: عبرة، وفي المغرب: لوعة.
(6) المغرب: ضلوع
(7) القلا: بخلة.(18/485)
خراسان: 387، 388، 389،
390، 393، 407، 428
الخطّ 399
د
دار الكتب المصرية: 51
دار هند: 241
دانية: 408، 432
دجلة: 406، 413
الدست (الديوان): 231
دمشق: 161، 163، 165، 167، 369، 370، 371، 377، 380، 413
دمياط: 418
ديار بكر: 413
ذ
ذو جبلة: 437
ذو سلم: 154
ر
رامة: 145
ربة: 50
الرحبة: 436
رصفة: 409
الرها 379
رومة: 51
الريف: 435
الرّىّ: 368، 400
ز
زمزم: 317
س
سبتة: 436
سرقسطة: 390
سلوق: 378
سمرقند: 389
سنداد: 406
السوس الأقصى: 195، 388
سوسة: 154
سوق دمشق: 380
ش
الشام: 161، 265، 363، 368، 374، 399، 402
الشرق: 195، 436
شيزر: 381(18/485)
أولا فثنيّه للمشتاق يله [به] (1)
وفيت أم لم تفي قولي (2) بلا حرج
وكتب شافعا (3):
بثّ الصنائع لا تحفل بموضعها (4) ... فيمن نأى أو دنا ما كنت مقتدرا (5)
كالغيث ليس يبالي حيثما (6) انسكبت ... منه الغمائم تربا كان أو حجرا
132* ذو الوزارتين الفقيه القاضي، قاضي قضاة المشرق أبو أمية إبراهيم ابن عصام *
وصفه (7) بالمهابة التي يطرق الدهر لها توقيرا، ويشرق السعد لبهائها منيرا، وإنه نظم الرئاسة في سلك القضاء، وهزم الكتائب بالمضاء، مستنير بذكائه لا يستشير غير رأيه (8)، وأورد من نظمه ونثره ما يستمد البحر من غزارته، والروض من نضارته، فمن ذلك أنه كتب إليه أبو الحسن ابن الحاج (9):
__________
(1) سقط ما بين المعقفين من الأصل، [والتكملة من القلائد].
(2) في النسختين: قل لي
(3) انظرهما في المطرب ص 123والرايات ص 44والصلة ج 1ص 226وبغية الوعاة ص 251 وياقوت ج 4ص 226ط مرجليوث.
(4) في الرايات والصلة وياقوت: بموقعها.
(5) الصلة: من آمل شكر الاحسان أو كفرا. وياقوت: في أمل سكر؟ المعروف أو كفرا.
(6) المطرب والصلة: أينما
(7) انظر القلا ص 232.
(8) [في هذه الجملة اضطراب في الأصل، أصلح بما يتناسب مع السجعة والسياق].
(9) في النسختين: أبو الحسين، وهو: جعفر بن ابراهيم ابن الحاج اللورقي، قال الضبي في البغية ممن نسك وعف وكان مقدما في النثر والنظم» وقال الفتح في القلائد: «شيخ الجلالة وفتاها. أقام زمنا على المدامة ثم فاء عن تلك الساحة واختار تعب النسك على تلك الراحة» البغية ص 241، والقلا ص 158، انظر أيضا المغرب ج 2ص 77والرايات ص 80والنفح، فهرست الاسماء. وورد شعر ابن الحاج وجواب ابن عصام في المغرب ج 2ص 258.(18/486)
قلعة تكريت: 371
القيروان: 91، 98، 143، 145، 150، 209، 225، 403، 405
ك
الكعبة المشرّفة (بيت الله الحرام): 207
الكوفة: 406
ل
لبنان: 402
اللّوى: 51، 153
م
مازر: 91
مالطة: 21
مالقة: 50
متنزّه المعزيّة الفوّارة
المدرسة النظامية: 390
المدينة المنوّرة: 315
مرو الرّوذ: 390، 391
مرو الشاهجان: 390
المرّيّة: 369، 393
المزدلفة: 180
المشرق: 231، 402، 443
مصر: 93، 209، 225، 270، 284، 307، 308، 329، 342، 388، 393، 402، 406، 407، 411، 414، 416، 422، 424، 430، 435، 436، 439
مطالعه: 50
المطبعة الخيرية: 440
مطبعة دار المكشوف ببيروت: 443
مطبعة الرسالة: 437
مطبعة السنة المحمدية: 337
مطبعة الظاهر: 440
معسكر السلطان السلجوقى: 369
المغرب: 145، 195، 209، 213، 220، 221، 223، 231، 245، 320، 388، 395، 398، 411، 424، 439
مكّة: 243، 393، 398، 438
منجة: 393
المنستير: 224(18/487)
ما زلت أضرب في علاك بمقولي ... دأبا وأورد في رضاك وأصدر
واليوم أعذر من يطيل ملامة ... وأقول زد شكوى وأنت مقصر
فأجابه أبو أمية:
الفخر يأبى والسيادة تحجر ... أن يستبيح حمى الوفاء (1) مزوّر
[وعليك أن ترضي بسمع ملامة ... عنّي السناء وعهده لا يخفر] (2)
ولديّ ان نفث الصديق لراحة ... صبر الوفي (3) وشيمة لا تغدر
وكتب إليه أبو العباس الغرباقي (4):
أما ترى اليوم يا ملاذي ... يحكيك في البشر والطلاقه
والقلب (5) يرتج مثل قلب ... راقب من إلفه فراقه
[والجو صافي الأديم زهر ... مدّ على أرضه رواقه] (2)
فامنن بمشي إليه إنّي ... مالي على الصبر عنه طاقه
فأجابه أبو أمية (6):
عندي لما تشتهي بدار ... يشهد أني على علاقه
فاخبر بما شئت صدق عهدي ... تجد دليلا على الصداقه
واسكن إلى رأي ذي احتفاء ... يعجز من رامه لحاقه
يطلع برّ الصديق بدرا ... أمّنه عمره محاقه
وكتب إلى أبي العباس المذكور:
كتبت وعندي للنزاع عزيمة
تسهل تجشيم اللقاء على بعد
__________
(1) المغرب: الوقار
(2) أضفنا هذا البيت من القلا.
(3) المغرب: الوفاء
(4) في النسختين: الغرباني. ولم نعثر على ترجمة له [وما أثبت من القلائد].
(5) القلا: البحر
(6) حذف العماد ثلاثة أبيات من هذه القطعة.(18/487)
ومعهد (1) أنس ما عهدت تحفيا
فهل مقرض بري (2) ومستقرض حمدي
وإن عاق من عهد لبرك عائق
تلطفت في العذر الجميل إلى ودّي
وكتب إليه كاتبه باق (3) وهو بالعدوة، بهذه الأبيات:
قصي الدار في أسر الغرام ... أليم القلب من وقع الملام
يضاهي دمعه دمع الغوادي ... ويحكي شجوه شجو الحمام
وتذكره البدور سنا وجوه ... (زهاها الحسن عن حمل اللثام
ترق له الرياح فتقتضيه) (4) ... إذا هبّت تحية مستهام
ولولا طاعة ملكت قيادي ... لأبلج في الذؤابة من عصام
لما آثرت بعدا عن حبيب ... تجرع بعده غصص الحمام
فأجابه أبو أمية:
ذخرنا البر من لطف النظام ... ومال برأينا سحر الكلام
وعندي للمطيع مطاع أمر ... يجرد للقاء ظبى اعتزام
133* الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر ابن عطية *
ذكر (5) أنه حافظ الحديث النبوي، وضابط المسموع منه والمروي، وشيخ العلم وحامل رايته، والعارف بالأدب وروايته، طال عمره، وطار ذكره، وطاب نشره، وطاف في الآفاق (6) نظمه ونثره. فمن شعره قوله يحذر من أهل الزمان (7):
__________
(1) في ق: ويعهد
(2) القلا: شكرى
(3) سيترجم له العماد في هذا الكتاب (انظر الفهارس) [والترجمة رقم: 145].
(4) سقط ما بين القوسين من ق.
(5) انظر القلا ص 237.
(6) في ق: البلاد.
(7) انظر ترجمة البيتين الأولين في بيريس ص 446وجميع ما جاء هنا لأبي بكر في النفح ج 1ص 816.(18/488)
كن بذئب صائد مستأنسا ... وإذا أبصرت إنسانا ففر
إنما الإنسان بحر ما له ... ساحل فاحذره إياك الغرر
واجعل الناس كشخص واحد ... ثم كن من ذلك الشخص حذر
وقوله في الزهد:
أيها المطرود عن (1) باب الرضا ... كم يراك الله تلهو معرضا
كم إلى كم أنت في جهل الصبا ... قد مضى عمر الصبا وانقرضا
قم إذا الليل دجت ظلمته ... واستلذ الجفن أن يغتمضا
فضع الخد على الأرض ونح ... واقرع السن على ما قد مضى
وله في هذا المعنى:
قلبي يا قلبي المعنّى ... كم أنا أدعى فلا أجيب
كم أتمادى على ضلال ... لا أرعوي لا ولا أنيب
ويلاه من سوء ما دهاني ... يتوب غيري ولا أتوب
وا أسفي كيف برء دائي ... (داء كما) (2) شاءه الطبيب
لو كنت أدنو لكدت أشكو ... ما أنا من بابه قريب
أبعدني منه سوء فعلي ... وهكذا يبعد المريب
ما لي قدر وأي قدر ... لمن أحلت به الذنوب
وله في الزهد أيضا:
لا تجعلن رمضان شهر فكاهة ... تلهيك فيه من القبيح فنونه
واعلم بأنك لا تنال قبوله ... حتى تكون تصومه وتصونه
وله في المعنى:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون
وفي بصري غضّ وفي مقولي صمت
__________
(1) القلا: من
(2) سقط ما بين القوسين من ق.(18/489)
فحظي إذن من صومي الجوع والظما
وإن قلت إني صمت يومي، فما صمت
وله يعاتب بعض إخوانه (1):
وكنت أظن أن جبال رضوى ... تزول وأنّ ودك لا يزول
ولكن الأمور لها اضطراب ... وأحوال ابن آدم تستحيل
فإن يك بيننا وصل (2) جميل ... وإلا فليكن صبر جميل
وله:
كيف السلو ولي (3) حبيب هاجر ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا
لما درى أن الخيال مواصلي ... جعل السهاد على الجفون رقيبا
ابنه
134* الوزير الفقيه الحافظ القاضي أبو محمد عبد الحق ابن عطية *
قرظه (4) بأنه فرع أصل العلاء، ونبع دوح الذكاء، وهو في كل علم علم، وله في كل معرفة يد وقدم. وأورد من نظمه المستجاد ما يتضوع كباء، ويتضوح ذكاء، فمن ذلك قوله من قصيدة (5):
وليلة جبت فيها الجزع مرتديا
بالسيف أسحب أذيالا من الظلم
__________
(1) نسب ابن سعيد هذه الأبيات إلى أبي محمد بن عطية. انظر المغرب ج 2ص 117.
(2) [في الأصل: وصف، والإصلاح من القلائد].
(3) القلا: السلو وكل والنفح: السلوك.
(4) انظر القلا ص 239.
(5) انظر الأبيات في الرايات ص 54والنفح ج 1ص 817والبغية للضبي ص 376وترجمة البيتين الثاني والثالث في بيريس ص 220.(18/490)
والنجم حيران في بحر الدجى غرق (1)
والبرق فوق رداء (2) الليل كالعلم
كأنما الليل زنجي بكاهله
جرح فيثعب أحيانا له بدم
وله يتخلق بأخلاق الشيب قبل المشيب من قطعة (3):
سقيا لعهد شباب [ظلت] (4) أمرح في
ريعانه وليالي العيش أسحار
أيام روض الصبا (5) لم تذو أغصنه
ورونق العمر غض (6) والهوى جار
والنفس تركض من تضمير شرتها
طرفا له في رهان الفتك (7) إحضار
عهدا كريما لبسنا منه أردية
كانت عيونا ومحت وهي (8) آثار
مضى وأبقى بقلبي منه نار أسى
كوني سلاما وبردا فيه يا نار
وله في الامير عبد الله ابن مزدلي وقد قفل منصورا في بعض غزواته (9):
__________
(1) في ق قلق.
(2) الرايات والنفح: البرق في طيلان الليل.
(3) انظرها في النفح ج 1ص 817والبغية وأورد الضبي 16بيتا من هذه القصيدة.
(4) سقط ما بين المعقفين من الأصل [والتكملة من القلائد].
(5) البغية: عهد الصبا
(6) القلا: عض
(7) القلا: رهان اللهو. النفح: زمان اللهو
(8) في ق: وشي آثار؟
(9) انظر القطعة في البغية. وحذف العماد منها 5أبيات.(18/491)
ضاءت بنور إيابك الأيام ... فاعتز تحت لوائك الاسلام
أما الجميع ففي أعم مسرة ... لما انجلى بظهورك الاظلام
ومنها:
كم صدمة لك في العدى (1) مشهورة ... غصّ العراق بذكرها والشام
في مأزق فيه الأسنة والظبى ... برق ونقع العاديات غمام
والضرب قد صبغ النصول كأنما ... يجري على ماء الحديد ضرام
والطعن يبتعث النجيع كأنما ... ينشق عن زهر الشقيق كمام
وله يصف روضا ونرجسا غضا:
نرجس باكرت (2) منه روضة ... لذّ قطع الروض (3) فيها وعذب
حثّت الريح بها خمر حيا ... رقص النبت لها ثم شرب
فغدا يسفر عن وجنته ... نوره الغض ويهتز طرب
خلت لمع الشمس في مشرقه ... لهبا يحمله منه لهب
وبياض الطل في صفرته ... نقط الفضّة في خط الذهب
ومن نثره (4):
[فأول ما أقول في] (5) شكره الذي أفعم (6) الأفق طيبا، وأسمع الصم خطيبا [واعتقادك في جهتي أن] (5) الوشاة أثنوا بالذي عابوا، وصافت (7) سهامهم فما أصابوا، الغواة لا يتركون أديما صحيحا، ولا يدرون (8) في المعالي رأيا رجيحا، بل يتسنمون إلى ذوائب الشرف بالأذى،
__________
(1) في ق: العلى، والقلا والبغية: فيهم
(2) في النسختين: باكر [والإصلاح من القلائد].
(3) القلا: قطع الدهر
(4) نقل هذه الرسالة مع بعض اختصار.
(5) التكملة من القلا.
(6) [في الأصل: فغم، وما أثبت من القلائد].
(7) القلا: خابت
(8) ق: يدعون(18/492)
ويطرقون المشارب الزرق الحمام بالقذى، فإن ألفوا مهزا، أو صادفوا الشفرة محزا، سدوا وألجموا وصرخوا بالغضاضة وهيمنوا، وأي حيلة فيمن يخلق ما يقول، وإني (بالخلاصة) (1) والسلامة من الناس شيء ما إليه سبيل، وما زلت مذ صحبت الأمجاد، وثافنت (2) الحساد، أجعل هذه الأمور دبر الأذن، وأقنع لها بابلاء التجارب والفتن، علما بأن سرّي سيبيّنه اطراد الإعلان، وأن قول الغوي ستفضحه شواهد الامتحان، وبأواخر الأمور يقضى للأوائل (3)، والله عز وجهه عند لسان كل قائل، ولو تتبعت كل وشاية بالتكذيب، وأجبت كل نعيق ونعيب (4)، لما اتسع لغير ذلك العمر، ولا استراح من وساوسه الفكر، وعياذا أن يخفى الصواب (5)
بين عهدك الوفي، وظنك الألمعي، وتثبتك الشرعي، والله تعالى يعمر بالسؤدد ربعك، ويوسع بحمل أثقال (6) المعالي وأعبائها ذرعك، ويجعل من كفايته ووقايته جنّتك من الزمن ودرعك
وله من كتاب تعزية إلى الأمير عبد الله ابن مزدلي بمصاب أخيه المستشهد (7):
أدام الله تأييد الأمير الأجل محروسة بحسام القدر جوانبه، مكتنفة بجنن السعد مذاهبه، جارية مسرى الأنجم مراتبه، وأطال بقاءه، جابر صدوع الرئاسة عند انفصامها، وخلف سلف النفاسة ووسطى نظامها، ولا زال توزن به [الأوائل] (8) فيرجح، ويعارض بعزته بهيم النوائب فيصبح.
كتبته من فؤاد دام، ودمع هام، ولب حائر، وقلب في جناحي طائر،
__________
(1) [هكذا في الاصل، ولعلها: وان الخلاص الخ] والكلمة ساقطة من ق.
(2) [في الأصل: نافيت، والإصلاح من القلائد].
(3) في النسختين: تقضى الأوائل [والإصلاح من القلائد].
(4) القلا: نصيب وضغيب
(5) القلا: للصواب
(6) ق: يوسعك انتقال المعالي؟
(7) المراد: محمد ابن مزدلي المستشهد على نبرة انظر القلا ص 243.
(8) سقط ما بين القوسين من الأصل [والتكملة من القلائد].(18/493)
ونفس يجري بذوبها النفس، ولا تفيق إلا ريثما تنتكس، بهذا الطارق المطرق، والنبأ المغص المشرق، والضارب بين مفرق الإسلام وجبينه، والمغيل في غيل الملك وعرينه، مصاب أخيك (1) سقى الله ثراه، وضوّأ بأنوار الشهادة أفقه وذراه، وبرد له بنوافح الرحمة مضجعا، وأزجى إليه الغوادي مربعا ثم مربعا، هلال ملك بادره السرار عند إبداره، ودوح مجد هصرته المنون أوان إثماره، حين مالت به الرئاسة كما اهتز الغصن تحت البارح، وافتر بابه عن شباة القارح، فإنا لله وإنا إليه راجعون تسليما فيه للقضاء المصمم، وتأسفا منه على فرد يفدى بالخميس العرمرم، ولله دره حين التقت عليه الفوارس وحمى الوطيس واشتد التداعس، وعظم المطلوب فقل المساعد، وهب من سيفه مولى نصله (2) لا يجارد، فرأى المنية، ولا الدنية، وجرع الحمام، ولا النجاء برأس طمرّة ولجام، فشمّر عن أكرم ساعد وبنان، وقضى حق المهند والسنان، ولبس قلبه فوق درعه، ولم يضق بالجلاد رحيب ذرعه.
وأثبت في مستنقع الموت رجله
وقال لها من تحت أخمصك الحشر (3)
ومضى وقد وقع على الله أجره، ورفع في عليين ذكره، وخلد في ديوان الشهادة فخره ولا غرو أن عض الزمان في غارب، فالشر لا يحسب ضربة لازب، أو أناخ كلكله مرة، فالعيش طورا شماس وطورا غرة، ومثلك، دام أمرك من حلب الدهر أشطرا، وعرف الأيام بطونا وأظهرا، وخبر امتزاج النعم بالنوائب، وغني بفهم التجارب (4)، يرغم بجميل الصبر أنف الحادث، ويفل بلامة الجلد حد الكارث، ويعلم أن الدهر وإن سرّ حينا فهمه ناصب، والدنيا إذا اخضر منها جانب جف جانب، فأنت
__________
(1) القلا: الامير الاجل أبي عبد الله أخيك
(2) [في الأصل: نصره ولا يجارد، وما أثبت من القلائد].
(3) البيت لأبي تمام.
(4) القلا: غني بفهمه عن التجارب.(18/494)
أعلى الله يدك أثقف قناة، وأصلد صفاة، وأصلب على البري عودا، وأثقب مع الوري زنودا، من أن يضعضع الريب لهضبة عزمك ركنا، أو يعمر الخطب بساحة حلمك مغنى، أو يقذف الدهر عليك بصرف، أو يبدع إلا بسجيّة وعرف لا يعتب الجازع الزمن، ولا يرد الفائت الحزن، والله عز وجل يلم بسعدك الشعث ويرأب الشعب، ويضفي من رئاستك الذوائب ويعلي الكعب، ويذيق الذين يضاهونك هونك، ويجعل الذين يحسدونك دونك.
وله يصف فحما:
جعلوا القرى للقرّ فحما حالكا ... قدح الزناد به فأورى نارا
فبدا دبيب السقط في جنباته ... كالبرق في جنح الظلام أنارا
ثم انبرى لهبا وثار كأنّه ... في الحرق ذو حرق يطالب ثارا
فكأنّه ليل تفجّر فجره ... نهرا فكان على المقام نهارا
وله في الوداع:
أستودع الله من ودعته ويدي ... على فؤادي خوفا من تصدّعه
بدر من الود حازته مغاربه ... فالنفس قد أشخصت (1) طرفا لمطلعه
أتبعته بعد توديعي له نظرا ... إنسانه غرق في بحر أدمعه
ما أوجع البين في قلب الكريم غدا ... يفارق المجد (2) في ثوبي مودّعه
يذيقه (3) البين تعذيبا ويمنعه ... من أن يطير شعاعا أسر أضلعه
يسطو به البين مغلوبا فليس سوى ... تململ في فراش من تفجعه (4)
وله يصف الزمان وأهله:
داء الزمان وأهله ... داء يعزّ له العلاج
أطلعت في ظلمائه ... ودّا كما سطع السراج
__________
(1) ق: أرخصت
(2) القلا: القلب
(3) القلا: يذيبه
(4) القلا: توجعه.(18/495)
لصحابة أعيا ثقا ... في من قناتهم اعوجاج
كالدر ما لم تختبر ... فإذا اختبرت فهم زجاج
ومن مكاتبة له (1):
لا زال منهلّ سحاب العدل، ممتدّ أطناب الظل، مخضر جوانب (2)
الفضل، لا يقرع باب أمل إلا ولجه، ولا يعن لما تكره النفوس من أمر إلا فرّجه. كتبته عن منبر ودك الذي لا تخبو ناره (3)، ولا تأفل عندي شموسه وأقماره، ونظير عهدك الذي لا يخلع لبسة الكرم، ولا يزداد إلا طيبا على القدم، وعطر حمدك الذي بنوافجه أحاور وأحاضر، وبمحاسنه أباهي وأكاثر (4)، والله تعالى يملأ بمحامدك أسماعا ويطلق ألسنا، ويبقيك للفضل عينا كريمة (5) وأثرا حسنا، ويديم ما بيننا في ذاته زكي الفروع ثابت الأصول حصين الشّكة مرهف النصول. ورد كتابك الكريم روضة الحزن، غبّ المزن، وحديقة الزهر، تبسمت لوفد المطر، تتجارى إلى محاسنه العين والنفس، ويترقرق من خلاله الأنس، فانتهيت منه إلى ما يقتضي رضى وتسليما، ويسر كما سمي اللديغ سليما (6) أطل عليهم إطلال الفجر على الظلام، وأخذ هنالك بضبع الإسلام، وأقام مرة كالحية النضناض، وطورا كالأسد القضقاض، يسرب إلى محلتهم من يضرم نار الحرب في أكنافها، ويأتي أرضهم ينقضها من أطرافها، ولولا [هـ] ما علا هنالك للإسلام اسم، ولا حيي (7)
للمدافعة رسمّ ولا لاح للمكافحة وسم، ولا عنّ لتلك العلل المجهولة (8)
__________
(1) كتبها إلى القاضي أبي سعيد خلوف بن خلف من حضرة بلنسية وقد نهض في صحبة الأمير الأجل عبد الله ابن مزدلي عند منهضه إلى سرقسطة. القلا. وحذف العماد منها قطعا.
(2) في الأصل وق: جناب [والإصلاح من القلائد].
(3) القلا: كتبته عن حضرة بلنسية لا تخبو لدى ناره.
(4) القلا: أفاخر.
(5) القلا: عيثا كريما.
(6) حذف منها القطعة التي تشير إلى الحوادث نفسها.
(7) القلا: ولا عاد
(8) القلا: المجهزة(18/496)
على تلك الأقطار جسم، ولكنه ركب صعب الأهوال (1) وصدق الصيال، وهي أقطار ان لم تقم القوة منها ميلا وجنفا، ويستعمل الجد لها نظرا أنفا، وإلا فعقدها بمدرج نثار، وهي في طريق انتكاث وعثار، والله يكفي المسلمين فيها، وينعم عليهم بتلافيها
135* الوزير الفقيه الحسيب المشاور القاضي أبو الحسن ابن أضحى *
وصفه (2) بالنسب المضي، والحسب الرضي، والشرف الباذخ، والعلم الراسخ، والحلم الراجح، والعمل الصالح، والمحتد القديم، والعنصر الكريم، والمعشر الأكابر، الموروث مجد أوائلهم للأواخر، إن سخا فالغيث، أو سطا فالليث، له الوقار والسكينة واللبث، وفي المعالي الاسراع وعن الدنايا الابطاء والمكث، قال: وبما أحليه وعنه تقصر الحلى، وبه يتزين الدهر ويتحلى، ما عرفت له صبوة، ولا حلّت له في محظور حبوة، وقد تولى القضاء وحكم بالعدل، وأتى بالخطاب الفصل. ومن شعره المعتدل المزاج، المشتعل السراج، العذب المجاج، الرحب الفجاج، قوله في جواب شفيع رفيع (3):
ومستشفع عندي بخير الورى عندي ... وأولاهم بالشكر مني وبالحمد
وصلت فلما لم أقم بجزائه ... لففت له رأسي حياء من المجد
قال صاحب قلائد العقيان: كان لصاحب البلد الذي تولى القضاء به ابن من أحسن الناس صورة، وكانت محاسن الأقوال والأفعال عليه مقصورة
فكتبت إلى القاضي فيه مداعبا له فراجعني بهذه القطعة (4):
__________
(1) [في الأصل: صعب الاهواء الاهوال والإصلاح من القلائد].
(2) انظر القلا ص 248.
(3) انظر البيتين في الحلة (دوزي) ص 207والنفح ج 2ص 533.
(4) الأبيات في النفح ج 1ص 448وج 2ص 534.(18/497)
أتتني أبا نصر نتيجة خاطر ... سريع كرجع الطرف في الخطرات
فأعربت (1) عن وجد كمين طويته ... بأهيف طاو فاتر اللحظات
غزال أحم المقلتين عرفته ... بخيف منّى للحين أو عرفات
رماك فأصمى والقلوب رمية ... لكل كحيل الطرف ذي فتكات
فظن بأنّ القلب منك محصب ... فلباك من عينيه بالجمرات
تقرب بالنساك من كلّ منسك ... وضحى غداة النحر بالمهجات
وكانت له جيان (2) مثوى فأصبحت ... ضلوعك مثواه بكلّ فلاة
يعز علينا أن تهيم فتنطوي ... كئيبا على الأشجان والزفرات
فلو قبلت للناس في الحب فدية ... فديناك بالأموال والبشرات
وله (3):
يا ساكن القلب رفقا كم تقطّعه ... الله في منزل قد ظلّ مثواكا
يشيّد الناس للتحصين منزلهم ... وأنت تهدمه بالعنف عيناكا
والله والله ما حبي (4) لفاحشة ... أعاذني (5) الله من هذا وعافاكا
وله يتوجع من الفراق ويصف الوداع (6):
أزف الفراق وفي الفؤاد كلوم ... ودنا الترحل والحمام يحوم
قل للأحبة كيف أنعم بعدكم ... وأنا أسافر والفؤاد مقيم
قالوا الوداع يهيج منك صبابة ... ويثير (7) ما هو في الهوى مكتوم
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ... ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم
__________
(1) القلا والنفح: فأعرب
(2) النفح: جبان؟
(3) الأبيات في الحلة والنفح ج 2ص 534.
(4) الحلة: حفي؟
(5) الحلة: أعادني
(6) انظر الأبيات في المطرب ص 194والحلة (دوزي) ص 207.
(7) المطرب: يهيج(18/498)
وله إلى الأمير عبد الله ابن مزدلي من قطعة:
يا أيها الملك مضمون (1) لك الظفر ... أبشر فمن جندك التأييد والقدر
ومنها (2):
وقد طلعت على البيضاء من كثب ... كما تطلّع من جنح الدجى القمر
حللت في أرضنا في جحفل (3) لجب ... كما يحل بها في الأزمة المطر
وحولك الصيد من لمتونة وهم ال ... أبطال يوم الوغى والأنجم الزهر
والعرب ترفل فوق الغرب سابحة ... كالأسد ليس لها إلا القنا ظفر
من كل أروع وضّاع عمامته ... كالبدر نحو لقاء البدر يبتدر
شعاره البر والتقوى ومؤنسه ... في ليله رمحه والصارم الذكر
ذؤابة المجد من قحطان كلهم ... أبوهم حمير (4) ذو المجد أو مضر
136* الفقيه الكاتب أبو عبد الله اللوشي (5) *
وصفه (6) [بالشيمة] (7) المشيمة منها بارقة الوفاء، والسريرة المديمة له بحسن السيرة ديمة الصفاء، والفضل المحتوية عليه أثوابه، والنبل المنتمية إليه آدابه، ووصمه بعد ذلك بالخلق الحرج، والعطن الضيق اللجج، وأورد من نظمه ونثره، ما يعرب عن رفعة قدره، فمن ذلك من قطعة راجع بها أبا القاسم ابن السقاط (8):
__________
(1) في النسختين: يا أيها الملك المصون [والإصلاح من القلائد].
(2) حذف منها 4أبيات.
(3) في ق: محفل
(4) في النسختين: أدد [وما أثبت من القلائد].
(5) في الأصل: ابن اللوشي [وما أثبت من القلائد].
(6) انظر القلا ص 252.
(7) [زيادة اقتضاها سياق المعنى].
(8) مرت ترجمته في رقم 118. وقد حذف العماد من هذه القطعة 6أبيات.(18/499)
لله أبيات أتتنا خمسة ... مثل الفرند نظمن نظم الجوهر
جمعت من السحر الحلال محاسنا ... من كل معنى رائق مستندر
سوّى وشيعتها لسان حائك ... ووشى سداها خاطر كالسمهري
فأتت «حبيبا» أن يفوه (1) بمثلها ... وأتت بما يزري بنبل «البحتري»
فالبس هنيئا برد مجد سابغ ... واسحب ذيولك زاهيا وتبختر
وله من رسالة إلى الفقيه عبد الحق ابن عطية (2):
أطال الله بقاءك مخدوما بأيدي الأقدار، معصوما من عوادي الليل والنهار، مكتنفا من لطائف الله الخفية، وعوارف صنائعه الحفية، بما يدفع عن حوزتك نوائب الخطوب، ويصنع لك في طي المكروه نهاية المحبوب، لله تعالى أقدار لا يتجاوز مداها، وأحكام لا تخطىء مراميها (3) ولا تتخطاها، وآثار يحلها المرء ويغشاها، ولهذا من كتبت عليه خطى مشاها، غير أنه قد يخير الله لعبده في الأمر المكروه، ويلبسه في أثناء المحنة ثوبا من المنحة لا يسروه، فمن الحزامة لمن تحقق بالأيام ومعرفتها، وعلم صروف الليالي بكنه صفتها، أن يضحى عند الخطوب شهما يواثبه، ولا يتوقى ظهر ما هو راكبه، إذ لا محالة أن العيش ألوان، وأن حرب الزمان عوان، وحتم أن يستشعر الصبر والجلد مناوي (4) الرجال، ويقرر (5) في نفسه أن الأيام دول وأن الحرب سجال، ويعتقد أن ما يعرضه في خلال النّضال من وخز الكفاح، ويعترضه بمجال الرجال من حفز الرماح، غمار يقلع، وغبار يقشع، لا سيما إذا كان الذي أصابه جرح أشواه، وسهم غرب صاف عن المقتل إلى سواه، ثم أجلت الحرب عن قرنه ترب الجبين، شرقا بدم الوتين، وقد أربت لذة غلبه، وفرحة منقلبه، على ما غاله من وصبه، وناله
__________
(1) القلا: لن يفوه
(2) مرت ترجمته في رقم 134.
(3) القلا: مرميها
(4) القلا: من يناوى
(5) القلا: يقرى(18/500)
من تجشم نصبه، وراح بعزة الظفر، وهزة بلوغ الأمل وقضاء الوطر وأيم الله يا سيدي تكدر (1) بعدك المحيا، ونغض فراقك الدنيا، واقشعرت بعدك النعمى (2)، وأصبح طرف لا أراك به أعمى، إلى أن وافى راجلك بشيرا، فاغتديت (جذلا) (3) وارتددت بصيرا، وقلت عودة من الزمان، وعطفة من درك الآمال والأمان، فالحمد لله الذي وهب هذه المسرة بتمامها، وأطلق النفس من عقلة اغتمامها، والشكر له على ما منّ به من إيابك، وأنعم فيه من فيئتك واقترابك، فإنها النعمة المالكة خلدي، المالئة لساني ويدي، التي هي أحلى من الأمان، وأسنى من كرة العمر وعودة الزمان.
137* الفقيه الحافظ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى ابن عياض *
توفي بفاس سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة (4). وصفه (5) بالاعتناء بعلوم الشريعة، واختصاصه برتبتها الرفيعة، والانتباه للنباهة، والاتجاه للوجاهة، وكان كبير الشان، غزير البيان، وأورد من نثره رقعة ذكر أنه كتبها على يده تحية للرئيس أبي عبد الرحمان ابن طاهر (6) وهي:
عمادي أبا نصر، مثنى الوزارة وحيد العصر، هل لك في منة تفوت الحصر، تخف محملا، وتبلغ أملا، وتشكر قولا وعملا، شكرا تترنم (7) به الحداة ثقيلا ورملا، إذا بلغت الحضرة (8) مسلّما (9)، ولقيت الطاهر
__________
(1) القلا: سيدي الاعلى تكدر
(2) القلا: العلياء
(3) سقط ما بين القوسين من ق.
(4) الصلة ج 2ص 664: توفي بمراكش مغربا عن سبتة وسط سنة 544.
(5) انظر القلا ص 255.
(6) مرت ترجمته في رقم 100.
(7) في ق: يترمل
(8) القلا: الحضرة العلية
(9) [في القلائد: مستلما].(18/501)
ابن الطاهر فخر الوزارة مسلّما، وحللت من فنائه الأرحب حرما، ولمست بمصافحته ركن المجد يندى كرما، فقف شوقي بعرفات تلك المعارف، وانسك شكري بمشاعر تلك العوارف، وأطف إكباري بكعبة ذلك الجلال سبعا، وبوئى لودادي في مقر ذاك الكمال ربعا، وأبلغ عني تلك الفضائل سلاما، يلتئم بصريح الحب التئاما، ويحسن عني بظهر الغيب مقاما، ويسير [عني] بارح [الجد] (1) إنجادا وإتهاما.
وله إليه:
أبا النصر إن شدّوا رحالك للنوى ... فإن جميل الصبر عنك بها شدّوا
وإن تتركوا قلبي مقيما وترحلوا ... فماذا ترى في مهجة معكم تغدو
ومن شعره قوله:
عسى تعرف العلياء ذنبي إلى الدهر ... فأبدي له جهد اعتوافي أو عذري
فقد حال ما بيني وبين أحبة ... ألفتهم إلف الخمائل للقطر
هم أودعوا قلبي تباريح لوعة ... بنانهم أذكى وأنكى من الجمر
على أن لي سلوى بأنّ فراقهم ... فإن طال لم يمزج بصد ولا هجر
سأفزع للريح الشمال لعلّني ... أحمّلها نجوى تلجلج في صدري
تبلغ منها للوزير تحية ... معطرة الأرجاء دائمة النشر
تظلله من حر كل هجيرة ... وتؤنسه في وحشة البلد القفر
وتنبئه أني أكنّ صبابة ... لحسن بدا في غير شعر ولا شعر
[أهزّ بها عطفيّ من غير نشوة ... وأرخي بها ذيلا من التيه والكبر] (2)
وإني أشدو في النّوادي بذكره ... كما شدت الورقاء في الغصن النضر
أجل، وعساها أن تبلغ مهجتي ... فأبلي بها عذري وأقضي بها نذري
__________
(1) التكملة من القلا.
(2) أضفنا هذا البيت من القلا.(18/502)
وله في زر [و] ع بينها شقائق النعمان (1):
أنظر إلى الزرع وخاماته ... تحكي وقد هبت عليها الرياح (2)
كتيبة خضراء (3) مهزومة ... شقائق النعمان فيها جراح
وله عند ارتحاله من قرطبة، أنشدني الفقيه اليسع بمصر قال أنشدني القاضي عياض لنفسه (4):
أقول وقد جدّ ارتحالي وغرّدت
حداتي وزمّت للفراق ركائبي
وقد غمضت (5) من كثرة الدمع مقلتي
وصارت هواء من فؤادي ترائبي
ولم تبق إلا وقفة يستحثها
وداعي للأحباب لا للحبائب
رعى الله جيرانا بقرطبة العلى
وجاد (6) رباها بالعهاد السواكب
وحيّا زمانا بينهم قد ألفته
طليق المحيا مستلان (7) الجوانب
أإخواننا بالله فيها تذكروا
معاهد جار أو مودّة صاحب
__________
(1) البيتان في المطرب ص 90والرايات ص 76وحسن المحاضرة ج 2ص 273.
(2) القلا والرايات: ماست أمام الرياح.
(3) القلا: كتائبا تجفل الرايات: تدبر
(4) انظر الأبيات في النفح ج 1ص 358.
(5) القلا: غمصت
(6) القلا: وسقى رباها
(7) القلا: مستلين(18/503)