3 {شُوََاظٌ مِنْ نََارٍ} (1) للمدنيين والمكّي.
4 {يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} (2) للجميع إلّا البصري. وهي سبعون وثماني آيات في الكوفي والشامي، وسبع في المدنيين والمكّي، وست في البصري (3).
سورة الواقعة:
اختلافها أربع عشرة آية (4).
1 {فَأَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ} (5) أسقطها (المكّي) والكوفي (6).
2 {وَأَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ} (7) أسقطها الكوفي وحده.
3 {مَوْضُونَةٍ} (8) أسقطها البصري والشامي.
4 {وَأَبََارِيقَ} (9) عدها المدني الأخير والمكّي.
5 {وَحُورٌ عِينٌ} (10) عدها المدني الأول والكوفي.
6 {وَلََا تَأْثِيماً} (11) أسقطها المدني الأول والمكّي.
7 {وَأَصْحََابُ الْيَمِينِ} (12) أسقطها المدني الأخير والكوفي.
__________
(1) الرحمن: (35) {يُرْسَلُ عَلَيْكُمََا شُوََاظٌ مِنْ نََارٍ}.
(2) الرحمن: (43) {هََذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ}.
(3) يقول شيخنا القاضي:
لشام (الرحمن) مع كوف ورد ... ثم المديني أوّل (الإنسان) رد
وأسقط المكيّ (للأنام) ... كثان (نار) للعراق الشامي
و (المجرمون) ثانيا للكلّ ... إلا لبصريّ كما في النقل. اه
(ص 43).
(4) انظر: البيان للداني (87/ ب) وراجع بصائر ذوي التمييز (1/ 450) وإتحاف فضلاء البشر (ص 407).
(5) آية (8) وكتبت في النسخ بالواو، وهو خطأ.
(6) لعل كلمة (المكي) زيدت سهوا، حيث لم تذكر المصادر التي وقفت عليها أن المكي يشارك الكوفي في إسقاطها.
(7) آية (9).
(8) آية (15) {عَلى ََ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}.
(9) آية (18) {بِأَكْوََابٍ وَأَبََارِيقَ}.
(10) آية (22).
(11) آية (25) {لََا يَسْمَعُونَ فِيهََا لَغْواً وَلََا تَأْثِيماً}.
(12) آية (27).(2/547)
8 {إِنْشََاءً} (1) أسقطها البصري.
9 {وَأَصْحََابُ الشِّمََالِ} (2) أسقطها الكوفي.
10 {سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} (3) أسقطها المكّي.
11 {وَكََانُوا يَقُولُونَ} (4) عدها المكّي.
12 {الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ} (5) عدها المدني والكوفي والبصري (6).
13 {لَمَجْمُوعُونَ} (7) عدها المدني الأخير والشامي.
14 {فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ} (8) عدها الشامي (9). وهي تسعون وست آيات في الكوفي، وتسع في المدنيين والمكّي، والشامي، وسبع في البصري (10).
__________
(1) آية (35) {إِنََّا أَنْشَأْنََاهُنَّ إِنْشََاءً}.
(2) آية (41).
(3) آية (42) {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}.
(4) آية (47) {وَكََانُوا يَقُولُونَ أَإِذََا مِتْنََا وَكُنََّا تُرََاباً وَعِظََاماً أَإِنََّا لَمَبْعُوثُونَ}.
(5) آية (49) {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ}.
(6) الصحيح أن الذي عدها المدني الأول والكوفي والبصري والمكي، كما في كتاب البيان للداني والإتحاف والتبيان ونفائس البيان، وبناء عليه فيظهر أنه سقطت كلمتان من النص وهما: (الأول والمكي) والله أعلم.
(7) آية (50) {لَمَجْمُوعُونَ إِلى ََ مِيقََاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
(8) آية (89) {فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}.
(9) قال شيخنا القاضي فيما يتعلق بسورة الواقعة: كوف وحمص أول (الميمنة) ... قد أسقطا كأول (المشأمة)
(موضونة) للبصر والشامي اردد ... للثاني والمكي (أباريق) أعدد
وأول والكوف (عين) رويا ... (تأثيما) أوّل ومكّ نفيا
أولى (اليمين) الكوف معه الثاني رد ... وليس (إنشاء) لبصريّ يعد
أولى (الشمال) يسقط الكوفيّ ... أولى (حميم) يترك المكيّ
وأعدد (يقولون) لمكّ حمص ... و (الأولون) عنه دع بالنص
(والآخرين) أعدده للمكيّ ... والكوف والأول والبصريّ
عدّ (لمجموعون) ثان شامهم ... ثم الدمشقي (وريحان) وسم. اه
(ص 44، د 4).
(10) كتاب البيان للداني (87/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 450) والإتحاف (ص 407) والتبيان (ص 202).(2/548)
سورة الحديد:
اختلافها آيتان:
1 {مِنْ قِبَلِهِ الْعَذََابُ} (1) للكوفي.
2 {وَآتَيْنََاهُ الْإِنْجِيلَ} (2) للبصري، وهي عشرون وتسع آيات في الكوفي والبصري، وثمان آيات في المدنيين والمكّي والشامي (3).
سورة المجادلة:
اختلافها آية {فِي الْأَذَلِّينَ} (4) أسقطها المدني الأخير والمكّي، وهي عشرون وآية في المكّي والمدني الأخير، وآيتان فيما سوى ذلك (5).
سورة الحشر:
أربع وعشرون آية، لا خلاف فيها (6).
سورة الممتحنة:
ثلاث عشرة آية في جميع العدد (6).
سورة الصف:
أربع عشرة آية بإجماع (6).
سورة الجمعة:
إحدى عشرة آية باتفاق (6).
سورة المنافقون:
مثل الجمعة في العدد والإجماع (6).
سورة التغابن:
ثماني عشرة آية بلا خلاف (6).
سورة الطلاق:
اختلافها ثلاث آيات (12).
__________
(1) الحديد (13) {لَهُ بََابٌ بََاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظََاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذََابُ}.
(2) الحديد (27) {وَقَفَّيْنََا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنََاهُ الْإِنْجِيلَ}.
(3) كتاب البيان (88/ ب) والإتحاف (ص 409) والتبيان (ص 203) وانظر بصائر ذوي التمييز (1/ 453) وغيث النفع (ص 364).
(4) المجادلة (20) {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ أُولََئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ}.
(5) انظر المصادر السابقة مع فارق يسير في بعض الصفحات. قال الناظم فيما يتعلق بسورتي الحديد والمجادلة (قبله العذاب) عن كوفيّهم ... وعدد (الإنجيل) عن بصريّهم
و (في الأذلين) المديني الثاني ... وأيضا المكيّ يهملاني. اه
نفائس البيان (ص 46).
(6) انظر البيان (90/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 467458). والاتحاف (ص 417413) وغيث النفع (ص 368366). ولعل القارئ يلحظ من المصنف تنوع العبارة والنتيجة واحدة. فهو يقول: في جميع العدد بإجماع باتفاق، بلا خلاف!
(12) كتاب البيان (90) وبصائر ذوي التمييز (1/ 469) والتبيان (ص 204) والإتحاف (ص 418).(2/549)
1 {يُؤْمِنُ} [1] بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (2) عدها الشامي.
2 {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (3) أسقطها المدني الأول والشامي والبصري.
3 {يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} (4) عدها المدني الأول. وهي إحدى عشرة آية في البصري، واثنتا عشرة فيما سوى ذلك.
سورة التحريم:
اثنتا عشرة آية بغير خلاف (5).
سورة الملك:
اختلافها آية {قَدْ جََاءَنََا نَذِيرٌ} (6) عدها المدني الأخير والمكّي (7) وهي إحدى وثلاثون في المدني الأخير والمكّي، وهي ثلاثون فيما سوى ذلك (8).
سورة ن:
خمسون وآيتان (9) بإجماع (10).
سورة الحاقة:
اختلافها آيتان.
__________
(1) في د وظ: (يؤمنون) وهو خطأ.
(2) الطلاق (2) {ذََلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كََانَ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
(3) الطلاق (2) {وَمَنْ يَتَّقِ اللََّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}.
(4) الطلاق (10) {فَاتَّقُوا اللََّهَ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ}.
(5) البيان (90/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 471) والتبيان (ص 204) يقول شيخنا القاضي ناظما ما يتعلق بسورتي الطلاق والتحريم.
وللدمشقي عدد (الآخر) جا ... والثان مع مكّ وكوف (مخرجا)
(لألباب) فاعدد للمديني الأول ... (قدير) (الأنهار) للحمصي انقل. اه
نفائس البيان (ص 46).
(6) آية: (9).
(7) وعدها كذلك شيبة ولم يعدها أبو جعفر، كما في البيان لأبي عمرو الداني (90/ ب).
(8) في الإتحاف: وآيها ثلاثون في جميع العدد سوى المكي وشيبة ونافع وإحدى وثلاثون عندهم، خلافها آية اه (ص 420). وكذلك في غيث النفع (ص 371) إلا أن (شيبة) تحرفت إلى (شعبة) يقول الشيخ القاضي:
ثاني (نذير) للحجازيّين قد ... عدّ سوى يزيدهم فما اعتمد
أي أن الحجازيين المكي والمدني قد عدوا هذا الموضع، إلا يزيد وهو أبو جعفر فلم يعتمد عده، فيكون هذا الموضع متروكا لأبي جعفر والبصري والكوفي والشامي، وهذا هو الموضع الرابع من جملة المواضع التي اختلف فيها شيبة وأبو جعفر، فشيبة مع العادين وأبو جعفر مع التاركين اه من نفائس البيان (ص 47).
(9) في د: واثنان.
(10) انظر كتاب البيان للداني (91/ أ) وغيث النفع (ص 371) والتبيان (ص 205).(2/550)
1 {الْحَاقَّةُ} عدها الكوفي.
2 {كِتََابَهُ بِشِمََالِهِ} (1) مدنيان ومكّي، وأما قوله تعالى {مَا الْحَاقَّةُ}، فإنها آية باتفاق، والسورة خمسون وآية في البصري والشامي، وآيتان فيما سوى ذلك (2).
سورة سأل سائل:
أربعون وأربع آيات في العدد كله إلّا الشامي (وآيتان) (3) فإنّها فيه أربعون وثلاث آيات، أسقط {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (4) (وعد) (5) الباقون (6).
سورة نوح: عليه السلام
اختلافها أربع آيات:
1 {وَلََا سُوََاعاً} (7) أسقطها الكوفي.
2 - وكذلك {فَأُدْخِلُوا نََاراً} (8).
3 {وَنَسْراً} (9) عدها المدني الأخير والكوفي والمكّي (10).
__________
(1) الحاقة (25) {وَأَمََّا مَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ بِشِمََالِهِ}.
(2) البيان للداني (91/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 478) والتبيان (ص 205).
(3) هكذا في الأصل: إلا الشامي وآيتان فإنها الخ وهو خطأ من الناسخ.
(4) المعارج (4) {تَعْرُجُ الْمَلََائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.
(5) هكذا في الأصل: وعد الباقون، وهو خطأ. وفي بقية النسخ: وعدها،، وهو الصواب.
(6) انظر البيان في عد آى القرآن (92/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 480) والتبيان (ص 205) والإتحاف (ص 423) وغيث النفع (ص 373).
قال الناظم: فيما يتعلق بسورتي الحاقة والمعارج.
(الحاقة) الأولى روى الكوفيّ ... ثم (حسوما) عده الحمصيّ
(شماله) عدّ حجازيّهم ... و (سنة) غير دمشقيّهم
(7) نوح (23) {وَلََا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلََا سُوََاعاً}.
(8) نوح (25) {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نََاراً}.
(9) نوح (23) {وَلََا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلََا سُوََاعاً وَلََا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}.
(10) في كتابي البيان والتبيان: عده المدني الأخير والكوفي اه وكذلك في نفائس البيان.
وقد نظم شيخنا القاضي هذا بقوله:
و (نورا) الحمصي (سواعا) أهملا ... له وللكوفي كما قد نقلا
(نسرا) لثان حمص الكوفيّ ... (كثيرا) الأول مع مكيّ
و (نارا) اعدده عن البصريّ ... وللحجازيّين والشامي. اه
(ص 48، 49).(2/551)
4 {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} (1) عدها المدني الأول والمكّي، وهي عشرون وثماني آيات في الكوفي، وتسع في البصري والشامي، وثلاثون في المدنيين والمكّي (2).
سورة الجن:
اختلافها آيتان.
1 {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللََّهِ أَحَدٌ} (3) عدها الشامي وحده.
2 {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} (4) أسقطها الشامي وحده.
فهي تسع وعشرون في الشامي وثمان وعشرون فيما سواه (5).
سورة المزمل:
اختلافها ثلاث آيات:
1 {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} عدها المدني الأول والكوفي والشامي (6).
2 {إِنََّا أَرْسَلْنََا إِلَيْكُمْ رَسُولًا} (7) عدها المكّي (8).
3 {الْوِلْدََانَ شِيباً} (9) أسقطها المدني الأخير، وهي تسع عشرة آية في البصري وثماني عشرة آية في المدني الأخير، وعشرون آية فيما سوى ذلك (10).
__________
(1) نوح (24).
(2) كتاب البيان للداني (92/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 482).
(3) الجن (22).
(4) الجن (22).
(5) هنا قضيتان يجب التنبه لهما:
الأولى: أن الخلاف المذكور في الآية الأولى والثانية إنما هو للمكي وليس للشامي، فالمكي يعد الأولى ويسقط الثانية.
القضية الثانية: بناء على ما تقدم فإنه لا خلاف في العدد الإجمالي لآيات السورة، وهي أنها ثمان وعشرون آية عند الجميع، كما في كتاب البيان للداني (92/ ب) وغيث النفع (ص 374) والتبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن (ص 205) وهذا ما يفهم من مقتضى العدّ والاسقاط للمكي، فإنه أسقط آية وعد أخرى فيتساوى مع الجميع في العدد، وهذا يعد سهوا من المصنف رحمه الله، والله أعلم. يقول الشيخ القاضي:
و (أحدّ) ذو الرفع عدّه لدى ... مكيّهم وأترك له (ملتحدا) اه
(ص 49).
(6) وهو كذلك في كتابي البيان والتبيان.
(7) المزمل (15).
(8) في الاتحاف: مكي ونافع اه.
(9) المزمل (17) {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً}.
(10) الاتحاف (ص 426) والتبيان (ص 206).(2/552)
سورة المدثر:
اختلافها آيتان:
1 {فِي جَنََّاتٍ يَتَسََاءَلُونَ} (1) عدها الجميع إلّا المدني الأخير.
2 {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} (2) عدها أيضا الجميع، إلّا المكّي والشامي (3). وهي خمسون وست آيات في المدني الأول والكوفي والبصري، وخمس في المدني الأخير والمكّي والشامي (4).
سورة القيامة:
اختلافها آية {لِتَعْجَلَ بِهِ} (5) عدها الكوفي وحده. فهي فيه أربعون آية، وفيما سواه تسع وثلاثون آية (6).
سورة الإنسان:
إحدى وثلاثون آية باتفاق (7).
سورة المرسلات:
خمسون آية في الجميع (8).
سورة النبأ:
اختلافها آية {عَذََاباً قَرِيباً} (9) عدها البصري وحده. فهي فيه إحدى وأربعون آية، وفيما سواه أربعون آية (10).
__________
ملحوظة: قوله تعالى: {كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا} معدود للجميع، إلا ما ورد من الخلاف عن المكي، والصحيح أنه يعده كغيره من أئمة العدد، كما في كتاب البيان للداني (93/ أ).
(1) المدثر (40).
(2) المدثر (41).
(3) وهو كذلك في كتابي البيان والتبيان وفي الإتحاف: تركها مكي ودمشقي ونافع اه.
ولم يذكر شيخنا القاضي إلا المكي والدمشقي، قال رحمه الله: فيما يتعلق بسورتي المزمل والمدثر:
وقبل (قم) كوف دمشق أوّل ... ثم (جحيما) غير حمص ينقل
(رسولا) المكيّ وخلف الثاني ... له و (شيبا) كلهم لا الثاني
ك (يتساءلون) والمكّي رد ... (المجرمين) مع دمشق في العدد. اه
نفائس البيان (ص 50).
(4) انظر: البيان للداني (93/ ب) والإتحاف (ص 427) والتبيان (206).
(5) القيامة (16) {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
(6) البيان للداني (94/ أ) وانظر بصائر ذوي التمييز (1/ 490) والإتحاف (ص 427) وغيث النفع (ص 376) والتبيان (ص 206).
(7) انظر: المصادر السابقة.
(8) انظر: المصادر السابقة.
(9) النبأ: (40) {إِنََّا أَنْذَرْنََاكُمْ عَذََاباً قَرِيباً}.
(10) وهو كذلك في كتاب البيان للداني (95/ أ) وجاء في بصائر ذوي التمييز (1/ 497) والإتحاف (ص 431) والتبيان (ص 207): وآيتها إحدى وأربعون في عد المكي والبصري، وأربعون في عد(2/553)
سورة النازعات:
اختلافها آيتان:
1 {وَلِأَنْعََامِكُمْ} (1) لم يعدها البصري ولا الشامي، وعدها سواهما.
2 {فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ} (2) عدها الكوفي والبصري والشامي، فهي في الكوفي أربعون وست، وخمس فيما سواه (3).
سورة عبس:
اختلافها آيتان (4).
1 {وَلِأَنْعََامِكُمْ} (5) أسقطها البصري والشامي.
2 {فَإِذََا جََاءَتِ الصَّاخَّةُ} (6) أسقطها الشامي وحده، فهي في الشامي أربعون وفي البصري أربعون وآية (7) وفيما سوى ذلك أربعون وآيتان (8).
__________
الباقين وقد حكى شيخنا القاضي الخلاف عن المكي في هذا الموضع، ورجح عدم عده تبعا للإمام الداني، فقال:
للكوف (تعجل به) مع حمصهم ... (قريبا) البصري وخلف مكّهم. اه
نفائس البيان (ص 51).
(1) النازعات (33) {مَتََاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعََامِكُمْ}.
(2) النازعات (37).
(3) البيان للداني (95/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 499) والإتحاف (ص 432) وغيث النفع (ص 380) والتبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن (ص 207).
قال الناظم:
(أنعامكم) معا لشام بصري ... دع والحجازي (من طغى) لا يجري
اه (ص 51).
(4) في كتابي البيان والإتحاف: خلافها ثلاث اه. والموضع الثالث هو قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسََانُ إِلى ََ طَعََامِهِ} آية: (24) قالا: تركها أبو جعفر اه وكذلك في التبيان (ص 207) ونفائس البيان (ص 51) قال الناظم:
(طعامه) الكل سوى يزيدهم ... و (الصاخة) أعدد لسوى دمشقهم اه.
وهذا هو الموضع الخامس من المواضع التي اختلف فيها أبو جعفر وشيبة وقد سبق حصرها أثناء الحديث عن سورة آل عمران.
(5) عبس (32) {مَتََاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعََامِكُمْ}.
(6) عبس (33).
(7) وعند أبي جعفر بناء على ما تقدم.
(8) البيان (95/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 501).
وفي الإتحاف: وآيها أربعون دمشقي وآية بصري وحمصي وأبو جعفر وآيتان كوفي ومكي وشيبة اه (ص 433) وكذلك في غيث النفع (ص 380).(2/554)
سورة كورت:
هي عشرون وتسع آيات باتفاق (1).
سورة الانفطار:
تسع عشرة آية بإجماع (2).
سورة المطففين:
ست وثلاثون آية بغير خلاف (3).
سورة انشقت:
اختلافها آيتان:
1 {كِتََابَهُ بِيَمِينِهِ} (4) أسقطها البصري والشامي.
2 - وكذلك {وَرََاءَ ظَهْرِهِ} (5).
وهي في البصري والشامي عشرون وثلاث آيات، وخمس فيما سوى ذلك (6).
سورة البروج:
عشرون وآيتان بلا خلاف (7).
سورة الطارق:
اختلافها آية {يَكِيدُونَ كَيْداً} (8) أسقطها المدني الأول وحده فهي فيه ست عشرة آية، وفيما سواه سبع عشرة (9).
__________
(1) نظيرها سورة الفتح وقد تقدمت، إلا ما روى هنا عن أبي جعفر أنه يسقط عد قوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} آية: (26) وتقدمت الإشارة إليه وانظر كتاب البيان للداني (96/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 503) والإتحاف (ص 434) وغيث النفع (ص 381) والتبيان (ص 207)، وهذا هو الموضع الأخير من المواضع الستة المتقدم ذكرها. والتي يختلف فيها أبو جعفر مع شيبة.
(2) انظر: المصادر السابقة.
(3) انظر: المصادر السابقة.
(4) الانشقاق (7) {فَأَمََّا مَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ بِيَمِينِهِ}.
(5) الانشقاق (10) {وَأَمََّا مَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ وَرََاءَ ظَهْرِهِ}.
(6) البيان للداني (97/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 508) والتبيان (ص 208).
(7) البيان للداني (97/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 510) والإتحاف (ص 436) وغيث النفع (ص 382) والتبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن (ص 208).
(8) الطارق (15) {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً}.
(9) هي هكذا في كتاب البيان (97/ ب) وإتحاف فضلاء البشر (ص 436)، وغيث النفع (ص 382) أما في بصائر ذوي التمييز: وآيها سبع عشرة في عد الجميع غير أبي جعفر، فإنها عنده ست عشرة، أسقط {يَكِيدُونَ كَيْداً} وعدها الباقون اه (1/ 512).
ولم يتعرض شيخنا لهذا الخلاف، حيث قال فيما يتعلق بسورة التكوير والانشقاق والطارق:
و (تذهبون) عن سوى يزيدهم ... و (كادح) (كدحا) لدى حمصيّهم
و (فملاقيه) له لم يسر ... ودع (يمينه) لشام بصري
كذاك (ظهره) وعند أول ... (كيدا) يعدّ الكل غير الأوّل. اه
نفائس البيان (ص 52).(2/555)
سورة الأعلى عزّ وجلّ:
تسع عشرة آية في الجميع (1).
سورة الغاشية:
عشرون وست آيات بغير خلاف (2).
سورة الفجر:
اختلافها أربع آيات.
1 {وَنَعَّمَهُ} (3) عدها المدنيان والمكّي.
2 {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} (4) كذلك.
3 {بِجَهَنَّمَ} (5) عدها المدنيان والمكّي والشامي.
4 {فَادْخُلِي فِي عِبََادِي} (6) عدها الكوفي وحده (7) فهي ثلاثون آية في الكوفي والشامي، وثلاثون وآيتان في المدنيين والمكّي، وتسع وعشرون في البصري (8).
سورة البلد:
عشرون لا خلاف فيها (9).
سورة والشمس:
اختلافها آية (10) {فَعَقَرُوهََا} (11) عدها المدني الأول وحده (12)، وهي فيه ست عشرة آية، وخمس عشرة آية فيما سواه (13).
__________
(1) انظر المصادر السابقة.
(2) المصادر نفسها.
(3) الفجر (15) {فَأَمَّا الْإِنْسََانُ إِذََا مَا ابْتَلََاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ}.
(4) الفجر (16) {وَأَمََّا إِذََا مَا ابْتَلََاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}.
(5) الفجر (23) {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}.
(6) الفجر (29).
(7) قال الناظم:
(أكرمني) للحمصي دع و (نعّمه) ... حمص مع الحجاز عدّا يممه
حجاز (رزقه) ويتلوه في ... (جهنم) الشامي (عبادي) الكوفي اه
(ص 53).
(8) كتاب البيان للداني (98/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 518) والإتحاف (ص 438) وغيث النفع (ص 383) والتبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن (ص 208، 209).
(9) انظر المصادر السابقة.
(10) أضاف الدمياطي موضعا ثانيا هو قوله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوََّاهََا} آية: (14) قال: عدها غير الحمصي (ص 440).
(11) الشمس (14) {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهََا}.
(12) قال الداني: عدها المدني الأول والمكي بخلاف عنه ولم يعدها الباقون اه (98/ ب).
(13) في بصائر ذوي التمييز: وآياتها خمس عشرة عند القراء، وعند المكي ست عشرة اه (1/ 522) وهو(2/556)
سورة والليل:
إحدى وعشرون آية في جميع العدد (1).
وليس {مَنْ أَعْطى ََ} (2) رأس آية، وإنما رأس الآية {وَاتَّقى ََ} بغير خلاف.
سورة والضحى:
إحدى عشرة آية بإجماع (3).
سورة ألم نشرح:
ثماني آيات باتفاق (3).
سورة والتين:
مثلها.
سورة القلم
(5): اختلافها آيتان {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ََ} (6) عدها الجميع إلّا الشامي، {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} (7) عدها المدنيان والمكّي. وهي ثماني عشرة في الشامي، وتسع عشرة في الكوفي والبصري، وعشرون في المدنيين والمكّي (8).
__________
بهذا لم يتعرض للمدني الأول الذي ذكره المصنف.
وقال صاحب التبيان: عده المكي والمدني الأول اه (ص 209) وفي الاتحاف: وآياتها خمس عشرة في غير مدني أول، قيل: ومكي وست عشرة فيهما اه (ص 440) وكذلك في غيث النفع (ص 384) وقال الشيخ القاضي: إن الحمصي يعد هذا الموضع، وهو قوله تعالى {فَعَقَرُوهََا} بلا خلاف، وقال: إن الخلاف فيها ثبت للمكي والمدني الأول، فروى عنهما عدة، وروى عنهما تركه اه نفائس البيان (ص 54).
وخلاصة أقوال العلماء في عد هذه الآية هي كما يلي:
1 - قال بعضهم: إن المدني الأول يعدها ومعه المكي بخلف عنه وهذا رأي الداني وتبعه الدمياطي والصفاقسي، إلا أن الدمياطي ضم الحمصي إلى المدني الأول في عدها قولا واحدا.
(2) وقال بعضهم: عدها المدني الأول فقط، وهذا رأي السخاوي.
(3) وقال البعض الآخر: عدها المكي فقط، وهذا رأي الفيروزآبادي.
(4) وقال آخرون: عدها المكي والمدني الأول وهذا ما ذكره أبو طاهر الجزائري.
(5) وحكى شيخنا القاضي عدها للحمصي تبعا للدمياطي قولا واحدا وذكر الخلاف فيها عن المدني الأول والمكي. هذه خلاصة ما ذكره العلماء في هذه الآية عدا أو إسقاطا والله أعلم.
(1) انظر: المصادر السابقة.
(2) الآية رقم (5) {فَأَمََّا مَنْ أَعْطى ََ وَاتَّقى ََ} وليست {أَعْطى ََ} رأس آية كما قال المصنف، وإنما يشبه فواصل السورة، وهي الألف.
(3) انظر المصادر السابقة.
(5) في د وظ: العلق.
(6) العلق (9).
(7) العلق (15) {كَلََّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ}.
(8) البيان (99/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 529) وراجع الإتحاف (ص 441).(2/557)
سورة القدر:
اختلافها آية {لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (1) الثالثة (2) عدها الشامي والمكّي فهي فيهما ست آيات، وفيما سواهما خمس (3).
سورة لم يكن:
اختلافها آية {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4) عدها البصري وحده (5) فهي فيه تسع آيات، وفي غيره ثماني آيات.
(سورة إذا زلزلت)
(6)، وفيما سواهما تسع آيات (7).
سورة العاديات
(8): إحدى عشرة آية بغير خلاف (9).
سورة القارعة
: اختلافها ثلاث آيات:
1 {الْقََارِعَةُ} الأولى عدها الكوفي.
__________
(1) [القدر: 3] {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
(2) في ظ: الثلاثة، وهو خطأ من الناسخ.
(3) انظر البيان للداني (99/ ب) والاتحاف (ص 442) وغيث النفع (ص 390) والتبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن (ص 210). يقول الشيخ القاضي: فيما يتعلق بسورة الشمس والعلق والقدر (فعقروها) الخلف للمكّي ... وأوّل وأعدده للحمصيّ
سواه (سواها) (الذي ينهى) لدى ... غير الدمشقيّ رواه عددا
(لم ينته) اعدده لدى حجازهم ... وثالث القدر) لمك شامهم اه
(ص 53، 54).
(4) البينة: (5) {وَمََا أُمِرُوا إِلََّا لِيَعْبُدُوا اللََّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.
(5) وكذلك ذكر الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (1/ 533) إلا أن كلمة (تسع) حرفت إلى (سبع).
وفي البيان للداني: عدها البصري والشامي على خلاف عنه في ذلك اه (100/ أ).
وذكر الدمياطي والصفاقسي أن الذي يعدها البصري والشامي دون أن يذكرا خلافا في ذلك عن الشامي، انظر الإتحاف (ص 442) وغيث النفع (ص 391). وكذلك قال أبو طاهر الجزائري في كتابه التبيان (ص 210) والشيخ القاضي في نفائس البيان (ص 54).
(6) سقط هذا الكلام من الأصل (سورة إذا زلزلت) اختلافها آية (أشتاتا) أسقطها المدني الأول والكوفي، فهي فيهما ثماني آيات اه. ونص الآية {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النََّاسُ أَشْتََاتاً} الزلزلة: (6).
ومن قوله في هذه العبارة الساقطة: اسقطها المدني الأول الخ من هنا سقطت ورقة كاملة من ظ.
(7) البيان (100/ أ) والإتحاف (ص 442) وغيث النفع (ص 391) والتبيان (ص 210).
قال شيخنا القاضي: فيما يتعلق بسورتي البينة والزلزلة و (الدين) عن بصر وشام قد وقع ... للكوف (أشتاتا) مع الأول دع. اه
(8) في د وظ: والعاديات.
(9) انظر: المصادر السابقة.(2/558)
2 {مَوََازِينُهُ} * (1) أسقطها البصري والشامي (2). فهي فيهما ثماني آيات، وهي عشر آيات في المدنيين والمكّي، وإحدى عشرة آية في الكوفي (3).
سورة التكاثر:
ثماني آيات بغير اختلاف (4).
سورة العصر:
لم يختلف في أنها ثلاث آيات (5) ولكن اختلفوا في رأس آيتين {وَالْعَصْرِ}، عدها الجميع إلّا المدني الأخير {وَتَوََاصَوْا بِالْحَقِّ} أسقطها الجميع إلّا المدني الأخير (6).
سورة الهمزة:
تسع آيات بغير خلاف (7).
سورة الفيل:
خمس آيات بإجماع (8).
سورة قريش:
اختلافها آية {مِنْ جُوعٍ} (9) عدها المدنيان والمكّي. فهي فيهما خمس آيات، وهي فيما سواهما أربع آيات (10).
سورة أرأيت:
اختلافها آية {يُرََاؤُنَ} (11) عدها الكوفي والبصري. فهي فيهما سبع آيات، وست فيما سواهما (12).
__________
(1) القارعة (6، 8) {فَأَمََّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ}، {وَأَمََّا مَنْ خَفَّتْ مَوََازِينُهُ}.
(2) أي في الموضعين كما صرح بذلك الداني.
(3) البيان (100/ ب) والإتحاف (ص 443) والتبيان (ص 210). قال الناظم:
وعدّ كوف أولى (القارعة) ... كلا (موازينه) حجاز تبعه
اه (ص 55).
(4) البيان (100/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 540) والإتحاف (ص 443) وغيث النفع (ص 393) والتبيان (ص 210).
(5) انظر المصادر السابقة.
(6) انظر المصادر السابقة، ونفائس البيان (ص 55).
(7) انظر المصادر السابقة.
(8) المصادر السابقة.
(9) قريش (4) {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.
(10) البيان (101/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 545) وراجع الإتحاف (ص 444) وغيث النفع (ص 395).
(11) الماعون (6) {الَّذِينَ هُمْ يُرََاؤُنَ}.
(12) راجع المصادر السابقة.(2/559)
سورة الكوثر:
ثلاث آيات بغير خلاف (1).
سورة الكافرون:
ست آيات في الجميع بغير خلاف (1).
سورة النصر:
ثلاث آيات بغير خلاف (1).
سورة تبت:
خمس في جميع العدد (1).
سورة الإخلاص:
اختلافها آية {لَمْ يَلِدْ} عدها المكّي والشامي. فهي فيهما خمس آيات، وهي أربع آيات فيما سواهما (5).
سورة الفلق:
خمس آيات باتفاق (6).
سورة الناس:
اختلافها آية {الْوَسْوََاسِ} (7) عدها المكّي والشامي، فهي فيهما سبع آيات، وهي ست آيات فيما سواهما (8).
52/ وقال بعض من عنى بهذا الشأن: جملنا عدد آي القرآن مع آي (9) فاتحة الكتاب، كل ذلك في العدد الكوفي، فكان ذلك ستة آلاف آية ومائتي آية وستا وثلاثين آية (10). /
__________
(1) البيان (101/ ب، 102/ أ) وبصائر ذوي التمييز (1/ 552547) وغيث النفع (400396) والتبيان (ص 211).
(5) انظر المصادر السابقة.
(6) انظر المصادر السابقة.
(7) الناس (4) {مِنْ شَرِّ الْوَسْوََاسِ}.
(8) البيان (102/ ب) وبصائر ذوي التمييز (1/ 557) والإتحاف (ص 446) وغيث النفع (ص 401) والتبيان (ص 212).
هذا وقد نظم شيخنا القاضي هذا كله أي من سورة العصر إلى آخر الناس فقال:
(والعصر) دع للثان عكس (الحق) ... (جوع) نفى العراق والدمشقي
و (هم يراءون) عراق حمصهم ... (يلد) مع (الوسواس) مكّ شامهم
اه نفائس البيان (ص 55).
ومن هذا يتبين لنا أن سور القرآن على ثلاثة أقسام بالنسبة لاختلاف العادين:
أفقسم لم يختلف فيه لا في إجمال ولا في تفصيل وهو أربعون سورة.
ب وقسم اختلف فيه تفصيلا لا إجمالا، وهو أربع سور.
ج وقسم اختلف فيه تفصيلا، وهو سبعون سورة.
راجع الإتقان لمعرفة سور كل قسم على حده (1/ 190، 191). وقد مر معنا كل ذلك في مكانه، والله الموفق.
(9) (آى) ليست في د.
(10) وينسب عددهم إلى أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد تقدم(2/560)
53/ وجملتا ذلك كله للمدني الأخير وهو عدد إسماعيل بن جعفر المدني، فكان ستة آلاف آية ومائتي آية وأربع عشرة آية (1).
وكان في المدني الأول ستة آلاف (2) ومائتي آية وسبع عشرة آية (3). / 55/ وحسبناه في عدد أهل البصرة، فكان ستة آلاف ومائتي آية وأربع آيات (4) / 56. وجمعناه على عدد أهل الشام فكان ستة آلاف ومائتي آية وسبعا وعشرين آية (5)، / 57 (وجمعناه على عدد المكّي فكان ستة آلاف آية ومائتي آية وخمسا وعشرين آية) اه (6) وحسبنا حروف القرآن فكان ثلاثمائة ألف
__________
وانظر كتاب البيان في عد آى القرآن (28/ أ) ومقدمتان في علوم القرآن (ص 246) وبصائر ذوي التمييز (1/ 559).
(1) وقيل: وعشر آيات، وهذا مبني على الخلاف القائم بين أبي جعفر وشيبة. انظر البيان للداني (28/ أ).
(2) جاءت العبارة في «د» هكذا: وكان في المدني الأول فكان ستة آلاف آية.
(3) ذكر هذا الداني بسنده إلى محمد بن عيسى، وهو العدد الذي رواه أهل الكوفة دون تسمية. انظر البيان (28/ أ).
ويروي هذا عن شيبة بن نصاح. انظر: مقدمتان في علوم القرآن (ص 246) وبصائر ذوي التمييز (1/ 560). وفي رواية: وأربع عشرة، وهو العدد الذي رواه أهل الكوفة عن أهل المدينة كما ذكره الفيروزآبادي.
وعن أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني: وعشر آيات. انظر المصدرين السابقين.
(4) قال الداني: وهو العدد الذي عليه مصاحفهم حتى الآن اه البيان (28/ ب) وينسب هذا العدد إلى عاصم الجحدري، وبه قال أيوب بن المتوكل البصري.
وفي رواية عن عاصم الجحدري أنه: خمس ومائتان وستة آلاف.
وفي رواية عن البصريين أنهم قالوا: وتسع عشرة، وروى ذلك عن قتادة انظر مناهل العرفان (1/ 343).
(5) في كتاب البيان للداني (25/ أ) ومقدمتان في علوم القرآن (ص 246). وبصائر ذوي التمييز (1/ 560) ومناهل العرفان (1/ 343): ستة آلاف ومائتان وست وعشرون اه.
وهذا العدد ينسب إلى يحيى بن الحارث الذماري، فقد ساق الداني بسنده إلى سويد بن عبد العزيز قال: سألت يحيى بن الحارث الذماري عن عدد آي القرآن فأشار إليّ بيده اليمنى
وذكره.
(6) سقط هذا الكلام من الأصل وظق (وجمعناه على عدد المكي فكان ستة آلاف آية ومائتي آية وخمسا وعشرين آية) انتهى.
قال الداني: وعدد آى القرآن في قول المكيين ستة آلاف ومائتان وتسع عشر آية، وفي قول أبيّ بن كعب: وعشر آيات اه البيان (28/ أ). وهذه رواية الزعفراني عن عكرمة بن سليمان، ومثله عن مجاهد وعن عبد الله بن كثير. انظر: مقدمتان في علوم القرآن (ص 246).(2/561)
وحسبنا حروف القرآن فكان ثلاثمائة ألف حرف، وإحدى وعشرون (1) ألف حرف (2) وقد عددنا الكلمات فكانت اثنتين وسبعين ألف كلمة (3).
وقد عدوا كلمات كل سورة وحروفها (4) وما أعلم لذلك من فائدة، لأن ذلك إن أفاد فإنّما يفيد في كتاب يمكن الزيادة والنقصان منه، والقرآن لا يمكن ذلك فيه (5) [على إن لا يمكن أن لا يزاد فيه ولا ينقص منه فلا يفيد] (6) فيه حصر كلماته وحروفه، فقد تبدّل كلمة موضع أخرى، وحرف مكان آخر، والقرآن بحمد الله محفوظ من جميع ذلك.
ثم إني رأيتهم قد اختلفوا في عدد الكلمات والحروف فلم يحصل من ذلك حقيقة يقطع بها (7).
__________
زاد الفيروزآبادي: وفي بعض الروايات: وخمس وفي بعضها وأربع اه بصائر ذوي التمييز (1/ 560) وفي مناهل العرفان: «وفي العدد المكي عشرون» اه.
(1) هكذا في الأصل. وفي ظق: واحدا وعشرين، وفي د: واحد وعشرين، أما في نسخة ظ:
فالصفحة ساقطة والصواب: وواحدا وعشرين.
(2) وهناك أقوال أخرى في عدد حروف القرآن، منها ما سبق أن ذكره المصنف عند كلامه عن تجزئة القرآن، حيث قال هناك: أن الذين جمعهم الحجاج أجمعوا على أن القرآن كله ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألف حرف وسبعمائة حرف ونيف وأربعون حرفا اه. وذكره أبو عمرو الداني في البيان (25/ ب).
وإن أراد القارئ مزيدا من الأقوال في ذلك فليراجع: مقدمتان في علوم القرآن (ص 246) وبصائر ذوي التمييز (1/ 561، 562).
(3) وذكر الداني أن عدد كلام القرآن ستة وسبعون ألف كلمة وست مائة وإحدى وأربعون كلمة» اه.
البيان (25/ ب).
وهناك روايات أخرى في عدد كلمات القرآن ذكرها أيضا الداني (25/ ب) وصاحب كتاب المباني في نظم المعاني. انظر: مقدمتان في علوم القرآن (276).
(4) كأبي عمرو الداني في كتابه البيان والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز والخازن في تفسيره، بل ان بعضهم حصر عدد الألفات والباءات في القرآن وهكذا إلى آخر الحروف الهجائية. انظر: مقدمتان في علوم القرآن (ص 250248).
(5) تقدم عند الحديث عن تجزئة القرآن أن السيوطي نقل هذا الكلام عن السخاوي مستدلا به على أن كثرة الانشغال والاستيعاب والخوض في معرفة عدد الكلمات والحروف مما لا طائل تحته.
(6) ما بين المعقوفتين هكذا في الأصل، وهو كلام مضطرب. وجاءت العبارة في بقية النسخ: على أن ما يمكن أن يزاد فيه أو ينقص منه لا يفيد الخ.
(7) قال الداني: ما ملخصه وقد تناول بعض علمائنا من المتأخرين عد حروف القرآن مجملا ومفصلا، إذ رأى الآثار تضطرب في جملة عددها وعدد ما في السور منها، ولم يدر السبب الموجب لذلك وأن استقرارها في التلاوة تختلف عن حال صورتها في الكتابة وذلك من حيث كانت الكلمة قد تزيد(2/562)
فإن قيل: فما الموجب لاختلافهم في عدد الآي؟
قلت: النقل والتوقيف، ولو كان ذلك راجعا الى الرأي لعد الكوفيون {الر} * آية، كما عدوا {الم} *، وكيف عدوا {المص} ولم يعدوا {المر}؟ وما لهم لم يعدوا {طس}
و {ق} و {ن} كما عدوا {طسم} * و {طه} و {يس}؟ وكيف عدوا {كهيعص} آية واحدة، وعدوا {حم} * {عسق} آيتين؟ (1).
ولما عد (2) الشامي {غِشََاوَةٌ وَلَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ} (3) وأسقط {إِنَّمََا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} (4) ولما عد الجميع إلّا الشامي {وَأَنْزَلَ التَّوْرََاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (5) في أول آل عمران ولما أسقط الكوفي وحده {وَأَنْزَلَ الْفُرْقََانَ} (6) وعدها غيره. ولما أسقط الجميع {فَإِذََا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غََالِبُونَ} (7) إلّا البصري. ولما عد الكوفي {مِنَ الْيَمِّ مََا غَشِيَهُمْ} (8) في
__________
أحرفها في اللفظ على ما هي عليه في الرسم، فأتعب نفسه فيما تناوله وأجهد خاطره فيما قصده ألا ترى أن صورة (الم) في الكتابة ثلاثة أحرف ألف ولام وميم، وهي في التلاوة: تسعة أحرف، فلو كانت الكلمة إنما تعد حروفها على حال استقرارها في اللفظ دون الرسم لوجب أن يكون لقارئ (الم) تسعون حسنة، إذ هي في اللفظ تسعة أحرف،، وسبب إختلاف الروايات عن السلف في جملة عدد الكلم والحروف، هو من جهة مرسوم الكلم في المصاحف الموجه بها إلى الأمصار حيث تختلف زيادة ونقصا وحذفا وإتماما وقطعا ووصلا ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَيْنَمََا تَكُونُوا} و {أَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ} وما شاكلهما أنه جاء في بعضها مقطوعا وفي البعض الآخر موصولا، وهكذا فلهذا وقع الاختلاف وتفاوت العدد في جملة الكلم والحروف، والله أعلم.
انظر: كتاب البيان في عد آي القرآن ورقتي (26، 27) باختصار وتقدم الكلام أيضا في أول هذا الفصل عن سبب اختلافهم في الآيات والكلمات والحروف فانظره هناك، والله الموفق.
(1) راجع ذلك في أول الكلام على سورة البقرة من هذا الفصل.
(2) أي لو كان ذلك راجعا إلى الرأي لما عد الشامي الخ.
(3) هذه الآية التي ذكرها المصنف هي رقم (7) من سورة البقرة، وقد كتبت خطأ في النسخ، ثم أن هذه الآية ليس فيها خلاف بين أئمة العدد، وإنما الخلاف هو في عد قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزََادَهُمُ اللََّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ} آية: (10) وقد تقدمت قريبا وأن الشامي انفرد بعدها دون غيره والله أعلم.
(4) البقرة (11) {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قََالُوا إِنَّمََا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.
(5) آل عمران (3).
(6) آل عمران (4).
(7) المائدة (23).
(8) طه (78) {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مََا غَشِيَهُمْ}.(2/563)
{طه} وقد مرّ في السور من هذا كثير يدلّك على التوقف (1) (2).
وقد صنّف عبيد الله بن محمد الناقط (3) كتابا اعتمد فيه على قياس رءوس الآي، فما (4) رآه موافقا للقياس عده وما كان مخالفا (5) لذلك اختار تركه، مثال ذلك أنه قال في سورة النساء في قوله عزّ وجلّ {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} (6) عدها أهل الكوفة، قال:
والقياس تركها، ونحن لا نعدها، قال: لأنها ليست متسقة على ما قبلها، ولا ما بعدها (7) والكتاب كله كذلك (8) ولو كان العدد بالأشباه (9) لما عدوا {مَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ} (10) في القارعة ونحو ذلك، وكذلك {وَأَمََّا مَنْ خَفَّتْ مَوََازِينُهُ} (11) وهو كثير.
__________
(1) هكذا في الأصل: التوقف. وفي بقية النسخ: التوقيف وهو الصواب.
(2) ومما يدل على التوقيف ما رواه الإمام أحمد في مسنده بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «أقرأني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة من الثلاثين من آل حم.
قال: يعني الأحقاف، قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت (الثلاثين)» اه ما أردت نقله (1/ 419).
ومن هذا نفهم أنه لا سبيل إلى معرفة آيات القرآن إلا بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم،، فليس للقياس والرأي مجال فيها إنما هو محض تعليم وإرشاد. راجع مناهل العرفان (1/ 340).
(3) لم أعثر له على ترجمة، وكذلك الكتاب الذي صنفه لم أجد له ذكرا في مظانه.
(4) في د: فيما رآه.
(5) في ظق ود: وما كان على خلاف ذلك.
(6) النساء (44).
(7) لأن قبلها وبعدها تنتهي الآية بالألف، والسورة كلها تنتهي بالألف ما عدا هذه الآية التي ذكرها المصنف فإنها تنتهي باللام وهناك أيضا آية تنتهي بالنون وهي رقم (14) وخمس آيات تنتهي بالميم المضمومة وهي الآيات التي تحمل الأرقام (12، 13، 25، 26، 176). راجع بصائر ذوي التمييز (1/ 169).
(8) أشار الزرقاني إلى هذا الرأي بقوله: وبعض العلماء يذهب إلى أن معرفة الآيات، منها ما هو سماعي توقيفي، ومنها ما هو قياسي، ومرجع ذلك إلى الفاصلة، وهي الكلمة التي تكون آخر الآية
يقولون: فما ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقف عليه دائما تحققنا أنه فاصله، وما وصله دائمة تحققنا أنه ليس فاصلة، وما وقف عليه مرة ووصله أخرى أحتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة، واحتمل الوصل أن يكون غير فاصلة، أو فاصلة وصلها لتقدّم تعريفها، وفي هذا مجال للقياس» اه. مناهل العرفان (1/ 341).
(9) في ظق ود: ولو كان العدد بالاشتباه الخ.
(10) القارعة (6) {فَأَمََّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ}.
(11) القارعة (8) وراجع الكلام على سورة القارعة من هذا الفصل (ص 559).(2/564)
فإن قيل: فلو كان ذلك توقيفا لم يقع اختلاف.
قلت: الأمر في ذلك على نحو من اختلاف القراءات، وكلها مع الاختلاف راجع إلى النقل، والله أعلم (1).
ومما يؤيد ما ذكرته من أن عدد الآي راجع إلى التوقيف: ما روى عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «اختلفنا في سورة من القرآن، فقال بعضنا: ثلاثين، وقال بعضنا: اثنتين وثلاثين، فأتينا (2) النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرناه، فتغير وجهه (3) فأسرّ إلى عليّ بن أبي طالب بشيء، فالتفت إلينا عليّ رضوان الله عليه فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمركم أن تقرءوا القرآن كما علّمتموه» (4).
ففي هذا دليل على أن العدد راجع إلى العلم، وفيه أيضا دليل على تصويب العددين لمن تأمل يفهم.
__________
(1) أي أن كلا وقف عند حدود ما بلغه أو علمه كما يقول الزرقاني ولا شك أن الصحابة رضوان الله عليهم كان الواحد منهم يتعلم شيئا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم يخرج للجهاد أو غير ذلك، وقد لا يبلغه ما بلغ غيره فيتمسك بما علمه.
(2) في د وظ: وآتينا.
(3) في بقية النسخ: فتغير لونه.
(4) رواه الإمام أحمد في مسنده بنحوه (1/ 106) والحاكم في المستدرك بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال الذهبي: صحيح اه كتاب التفسير (2/ 224).
وأبو عبيد في فضائله باب إعراب القرآن الخ (ص 323) والطبري في مقدمة تفسيره بإسنادين وألفاظ متقاربة (1/ 12) وذكره الداني في كتاب البيان في عد آي القرآن ورقة (11/ ب).(2/565)
ذكر الشواذ
الشاذ: مأخوذ من قولهم: شذ الرجل يشذ ويشذ (1) شذوذا، اذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم (2).
وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور والذي لم يزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من الفقهاء والمحدثين وأئمة العربية: توقير القرآن واجتناب الشاذ، واتباع القراءة المشهورة، ولزوم الطرق المعروفة في الصلاة وغيرها (3).
__________
(1) كلمة (ويشذ) ساقطة من ظ.
(2) انظر: لسان العرب (3/ 494) (شذذ) والمعجم الوسيط (1/ 476).
(3) نقل هذا الكلام بلفظه عن السخاوي تلميذه أبو شامة، قائلا: «قال شيخنا أبو الحسن رحمه / الله» انظر المرشد الوجيز (ص 179).
قال القسطلاني: «أجمع الأصوليون والفقهاء وغيرهم أن الشاذ ليس بقرآن، لعدم صدق حد القرآن عليه أو شرطه وهو التواتر، صرح بذلك الغزالي وابن الحاجب والقاضي عضد الدين والسخاوي في «جمال القراء» والجمهور على تحريم القراءة بالشواذ، وأنه ان قرأ بها غير معتقد أنه قرآن، ولا يوهم أحدا ذلك بل لما فيه من الأحكام الشرعية عند من يحتج بها، أو الأحكام الأدبية، فلا كلام في جواز قراءتها.
وعلى هذا يحمل كل من قرأ بها من المتقدمين، وكذلك يجوز تدوينها في الكتب والتكلم على ما فيها، فإن قرأها معتقدا قرآنيته أو موهما ذلك حرم عليه» اه.
ثم ذكر كلام النووي وابن عبد البر وابن الحاجب وغيرهم، والذي يدل على تحريم القراءة بالشواذ. انظر لطائف الإشارات (1/ 72) فما بعدها وراجع غيث النفع (ص 18).
وسيأتي كلام السخاوي على هذا وأنه لا يجوز القراءة بشيء من هذه الشواذ، وأنه قد ظهر في زمانه قوم يطالعون كتب الشواذ ويقرءون بما فيها، وربما صحفوا ذلك فيزداد الأمر ظلمة وعمى.(2/566)
قال ابن مهدي (1): «لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إماما في العلم من روى عن كل أحد، ولا يكون إماما في العلم من روى كل ما سمع» (2).
وقال الحارث بن يعقوب (3): «الفقيه كل الفقيه من فقه في القرآن وعرف مكيدة الشيطان».
وقال خلاد بن يزيد الباهلي (4): قلت ليحيى بن عبد الله بن أبي مليكة (5): «ان نافعا (6) حدّثني عن أبيك (7) عن عائشة رضي الله عنها (إنها كانت تقرأ (إذ تلقونه) (8) (9)
وتقول: إنما هو ولق الكذب) (10).
__________
(1) عبد الرحمن بن مهدي تقدم.
(2) ذكر هذا عن ابن مهدي ابن الجوزي في صفة الصفوة (4/ 5)، ونقله عن السخاوي تلميذه أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز (ص 179).
(3) الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري، ثقة عابد، مات سنة 130هـ. التقريب (1/ 145) والجرح والتعديل (3/ 93) والكاشف للذهبي (1/ 199).
(4) خلاد بن يزيد الباهلي أبو الهيثم البصري المعروف بالأرقط، صدوق جليل، توفي سنة 220هـ.
ميزان الاعتدال (1/ 657) وغاية النهاية (1/ 275) والتقريب (1/ 230).
(5) يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة بالتصغير القرشي التميمي لين الحديث، من أفاضل أهل مكة مات سنة 173هـ. انظر: التقريب (2/ 352) ومشاهير علماء الأمصار (ص 148)، والميزان (4/ 390).
(6) نافع بن عمر بن عبد الله بن جميل الجمحي الحافظ المكي، روى عن ابن أبي مليكة وغيره وعنه عبد الرحمن بن مهدي وغيره ثقة ثبت مات سنة 169هـ. التقريب (2/ 296) والتهذيب (10/ 409) والكاشف (3/ 197) وتذكرة الحفاظ (1/ 231) وفيه توفي سنة 179هـ.
(7) عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله أبي مليكة، التميمي المدني، أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثقة فقيه، مات سنة 117هـ. التقريب (1/ 431). وانظر: تاريخ الثقات (ص 268) وغاية النهاية (1/ 430).
(8) أي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، وهي قراءة ليست سبعية ولا عشرية، قال القرطبي:
«ومعنى هذه القراءة، من قول العرب: ولق الرجل يلق ولقا إذا كذب واستمر عليه، وقراءة الجمهور بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام وهو من التلقي» اه تفسير القرطبي (12/ 204).
وانظر تفسير أبي حيان (6/ 438) وفتح الباري (8/ 482)، قال ابن خالويه: «ففي هذا الحرف عشر قراءات» اه وذكرها انظر: مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه (ص 100).
(9) النور (15) {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوََاهِكُمْ مََا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}.
(10) رواه البخاري بسنده إلى عائشة رضي الله عنها كتاب التفسير (6/ 10) وفي كتاب المغازي بلفظ:(2/567)
فقال يحيى: ما يضرك ألا تكون سمعته من عائشة، نافع ثقة على أبي وأبي ثقة على عائشة، وما يسرني إني قرأتها هكذا، ولي كذا كذا.
قلت (1): ولم وأنت تزعم أنها قد قالت؟ (2).
قال: لأنه غير قراءة الناس (3).
ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين، ما كان بيننا وبينه إلّا التوبة، أو تضرب (4) عنقه، نجيء به عن الأمة عن الأمة (5)، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عن جبريل عن الله عزّ وجلّ، وتقولون أنتم: حدّثنا فلان الأعرج عن فلان الأعمى، ما أدرى (6) ماذا أن ابن مسعود يقرأ غير ما في اللوحتين (7) إنّما هو والله ضرب العنق أو التوبة اه.
وقال هارون (8): ذكر ذلك لأبي عمرو (9) يعني القراءة المعزوة إلى عائشة فقال:
__________
كانت تقرأ (إذ تلقونه بألسنتكم) وتقول الولق: الكذب.
قال ابن أبي مليكة: «وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها» اه فتح الباري (7/ 439).
(1) القائل: خلاد الباهلي.
(2) في المرشد الوجيز نقلا عن المؤلف: قد قرأت.
(3) قال النووي: «مذهبنا أن القراءة الشاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآنا لا يثبت خبرا، والمسألة مقررة في أصول الفقه» اه شرح النووي على مسلم (5/ 131) وقد أشار ابن تيمية رحمه الله إلى الخلاف بين العلماء بالاحتجاج بما لم يتواتر من القراءات التي صحت عن بعض الصحابة، مع كونها ليست في مصحف عثمان رضي الله عنه فإنها تضمنت عملا وعلما، وهي خبر واحد صحيح، فاحتجوا بها في إثبات العمل، ولم يثبتوها قرآنا، لأنها من الأمور العلمية التي لا تثبت إلا بيقين» اه. انظر الفتاوي (20/ 260).
(4) في د وظ: وتضرب عنقه.
(5) في ت: كتب الناسخ الكلمتين ثم وضع خطأ على إحداهما ظنا منه أنها مكررة وليس كذلك، بل المقصود أن الأمة تروي عن الأمة الخ.
(6) في د وظ: وما أدري.
(7) هكذا العبارة في النسخ وهي مضطربة كما ترى وقد وجدتها بنقل أبي شامة عن شيخه السخاوي:
«حدثنا فلان الأعرج عن فلان الأعمى أن ابن مسعود يقرأ ما بين اللوحين، ما أدري ماذا؟! إنما هو والله ضرب العنق أو التوبة» اه المرشد الوجيز (ص 180).
ولعل كلمة (غير) سقطت، وهي موجودة في نص السخاوي وبها يتم المعنى، والله أعلم.
(8) هو هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور العتكي البصري الأزدي مولاهم علامة صدوق، نبيل له قراءة معروفة، وكان من القراء، مات قبل المائتين تقريبا. انظر غاية النهاية (2/ 348) والتقريب (2/ 313).
(9) أبو عمرو بن العلاء بن عمار العريان واسمه زبان على الأصح وقيل غير ذلك، المازني النحوي(2/568)
قد سمعت هذا قبل أن تولد (1) ولكنا لا نأخذ به (2).
وقال محمد بن صالح (3): سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: وكيف تقرأ {لََا يُعَذِّبُ عَذََابَهُ أَحَدٌ * وَلََا يُوثِقُ وَثََاقَهُ أَحَدٌ} (4)؟
قال: {لََا يُعَذِّبُ} [5] عَذََابَهُ أَحَدٌ، فقال له الرجل: كيف، وقد جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم {لََا يُعَذِّبُ} [6] عَذََابَهُ أَحَدٌ (7)؟.
فقال له أبو عمرو: لو سمعت الرجل الذي قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم ما أخذته عنه!.
وتدري لم ذاك؟ لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة اه (8).
وقراءة الفتح ثابتة أيضا بالتواتر، وقد يتواتر الخبر عند قوم دون قوم (9) وإنما
__________
القارئ، ثقة، من علماء العربية وأحد القراء السبعة المشهورين (15468هـ) وقيل غير ذلك.
معرفة القراء الكبار (11/ 100) وغاية النهاية (1/ 288) والتقريب (2/ 454) ومشاهير علماء الأمصار (ص 153) وفيه توفي سنة 146هـ.
(1) في د وظ: قبل أن يولد. بالياء التحتانية.
(2) انظر المرشد الوجيز (ص 180).
(3) لم أستطع الجزم بالمراد بهذا الشخص حيث أن هناك الكثير ممن يسمى بهذا الاسم.
(4) الفجر: 25، 26 {فَيَوْمَئِذٍ لََا يُعَذِّبُ عَذََابَهُ أَحَدٌ}.
(5) أي بكسر الذال المشددة والثاء المثلثة المكسورة، وبها قرأ السبعة غير الكسائي، فإنه قرأ بفتح الذال والثاء على ما لم يسم فاعله. انظر الكشف عن وجوه القراءات (2/ 373) والتبصرة (ص 556)، كلاهما لمكي بن أبي طالب.
(6) أي بفتح الذال، وهي قراء الكسائي كما سبق.
(7) قال السيوطي: أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه وابن جرير والبغوي والحاكم وصححه وأبو نعيم عن أبي قلابة عمن اقرأه النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وفي رواية مالك بن الحويرث «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرأه، وفي لفظ أقرأ إياه {فَيَوْمَئِذٍ لََا يُعَذِّبُ عَذََابَهُ أَحَدٌ. وَلََا يُوثِقُ وَثََاقَهُ أَحَدٌ} منصوبة الذال والثاء» اه. الدر المنثور (8/ 513) قال الحاكم: «عقب إيراده لهذا الحديث هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والصحابي الذي لم يسمه أبو قلابة قد سماه غيره مالك بن الحويرث» اه وأقره الذهبي. انظر المستدرك كتاب التفسير (2/ 255).
(8) انظر: المرشد الوجيز (ص 181).
(9) قال القسطلاني نقلا عن السخاوي: «ولا يقدح في تواتر القراءات السبع إذا استندت من طريق الآحاد، كما لو قلت: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى مدينة سمرقند، وقد علم وجودها بطريق(2/569)
أنكرها أبو عمرو: لأنها لم تبلغه على وجه التواتر (1).
وعن أبي حاتم السجستاني (2) رحمه الله قال: أول من تتبع بالبصرة وجوه القرآن وألفها، وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده: هارون ابن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراء، فكره الناس ذلك، وقالوا: قد أساء حين ألفها، وذلك أن القراءة (3) إنّما يأخذها قرون وأمة عن أفواه أمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء.
وقال الأصمعي: عن هارون المذكور كان ثقة مأمونا، وقال (4): كنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف (5) وكان الأصمعي لا يذكر أحدا بسوء إلا من عرفه ببدعة.
قلت: وإذا كان القرآن هو المتواتر، فالشاذ ليس بقرآن لأنه لم يتواتر فإن قيل: لعلّه قد كان مشهورا متواترا، ثم ترك حتى صار شاذا.
قلت: هذا كالمستحيل بما تحققناه من أحوال هذه الأمة وأتباعها لما جاء عن نبيها صلّى الله عليه وسلّم، وحرصها على امتثال أوامره.
وقد قال لهم صلّى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني ولو آية» (6). وأمرهم باتباع القرآن والحرص عليه، وحضّهم على تعلّمه وتعليمه، ووعدهم على ذلك الثواب الجزيل والمقام الجليل، فكيف استجازوا تركه، وهجروا القراءة به حتى صار شاذا بتضييعهم إياه وانحرافهم عنه؟
فإن قيل منعوا من القراءة به وحرقت مصاحفه.
قلت: هذا من المحال، وليس في قدرة أحد من البشر أن يرفع ما أطبقت عليه الأمة
__________
التواتر لم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها، فقراءة السبع كلها متواترة وقد اتفق على أن المكتوب في المصاحف متواتر الكلمات والحروف» اه لطائف الإشارات (1/ 78).
(1) وقد روى أن أبا عمرو رجع إلى قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم. انظر: تفسير القرطبي (20/ 57).
(2) هو سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد أبو حاتم السجستاني، إمام البصرة في النحو والقراءة واللغة والعروض، له مصنفات في القراءات، توفي سنة 255هـ. الفهرست لابن النديم (ص 86) ومعرفة القراء الكبار (1/ 219) وغاية النهاية (1/ 320).
(3) في د: أن القراء.
(4) في بقية النسخ: قال.
(5) كلام أبي حاتم السجستاني والأصمعي ذكره أبو شامة تلميذ السخاوي نقلا عن «جمال القراء» انظر المرشد الوجيز (ص 181) وراجع غاية النهاية (2/ 348).
(6) رواه البخاري كتاب الأنبياء باب ذكر بني إسرائيل (4/ 145)، والترمذي في أبواب العلم باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (7/ 431).(2/570)
وأجمعت عليه الكافة، وأن يختم على أفواههم فلا تنطق به، ولا أن يمحوه من صدورهم بعد وعيه وحفظه (1) ولو تركوه في الملأ لم يتركوه في الخلوة، ولكان ذلك كالحامل لهم على إذاعته والجد في حراسته كي لا يذهب من هذه الأمة كتابها وأصل دينها.
ولو أراد بعض ولاة الأمر في زماننا هذا أن ينزع القرآن والعياذ بالله من أيدي الأمة أو شيئا منه، ويعفى (2) أثره لم يستطع ذلك، فكيف يجوز ذلك في زمن الصحابة والتابعين؟ وهم هم ونحن نحن، على أنه قد روى أن عثمان رضي الله عنه قد قال لهم بعد ذلك لما أنكروا عليه تحريق المصاحف وأمرهم بالقراءة بما كتب: «اقرءوا كيف شئتم، إنّما فعلت ذلك لئلا تختلفوا» (3).
فإن قيل: فقد قال الطبري: إن عثمان رضي الله عنه إنما كتب ما كتب من القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
قال: وليس اختلاف القراء الآن هو الذي أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة احرف» (4).
واختلاف القراء عن هذا بمعزل، قال: لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرج عن خط المصحف الذي كتب على حرف واحد، قال: والستة الأحرف قد سقطت، وذهب العمل بها بالإجماع على خط المصحف المكتوب على حرف واحد اه (5).
فالجواب: ان هذا الذي ادعاه من ان عثمان رضي الله عنه إنّما كتب حرفا واحدا
__________
(1) في د وظ: بعد وعيد حفظه.
(2) أي يمحوه ويطمسه، مأخوذ من قولهم: «عفت الرياح الآثار، إذا درستها ومحتها» اه. انظر: اللسان (15/ 72) (عفا).
(3) رواه ابن أبي داود بنحوه ضمن حديث طويل، ذكر فيه أنه لما نزل أهل مصر الجحفة يعاتبون عثمان وينقمون عليه بعض الأمور التي فعلها، ومن ضمنها أنه محا كتاب الله عز وجل، فكان هذا من جوابه عليهم. انظر كتاب المصاحف باب اطلاق عثمان رضي الله عنه القراءة على غير مصحفه (ص 45، 46).
وأقول: إنه لا يفهم من كلام عثمان رضي الله عنه هذا أنه أباح لهم القراءة بالشاذ، وإنما يفهم منه أنه جوز لهم القراءة بما هو ثابت وصحيح، فإذا ما رجعوا إلى الثابت الصحيح فإنهم بالطبع سيرجعون إلى المصحف الإمام الذي كتبه على ملأ من كبار الصحابة، فلعلهم أنكروا عليه صنيعه دون النظر في معرفة السبب ودون الرجوع إلى دستوره فيما كتبه رضي الله عنه.
(4) سبق تخريجه أثناء الحديث عن ذكر الأحرف السبعة.
(5) راجع مقدمة تفسير الطبري (1/ 28).(2/571)
من الأحرف السبعة التي أنزلها الله عزّ وجلّ: لا يوافق عليه ولا يسلّم له، وما كان عثمان رضي الله عنه يستجيز ذلك ولا يستحل ما حرّم الله عزّ وجلّ من هجر كتابه وأبطاله وتركه (1).
وإنما قصد سد باب القالة (2) وأن يدعى مدع شيئا ليس مما أنزل الله، فيجعله من كتاب الله عزّ وجلّ، أو يرى أن تغيير لفظ القرآن (3) بغيره مما هو بمعناه لا بأس به، فلما كتب هذه المصاحف وأمر بالقراءة بما فيها لم يمكن أحدا من أولئك أن يفعل ما كان يفعل، والذي فعل ذلك مخطئ، لأن عمر رضي الله عنه أنكر على هشام بن حكيم لفظا لم يسمعه عمر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (4) وعمر رضي الله عنه يعلم أن ذلك جائز في العربية والدليل على أنه جائز في العربية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هكذا أنزلت» فلولا أن تغيير القرآن لا يجوز لما أنكر عمر رضي الله عنه ما أنكر، فأراد عثمان رضي الله عنه أن يجمع القرآن كله بجميع وجوهه السبعة التي أنزل عليها، سدا لباب الدعوى، وردا لرأي من يرى تبديل حرف منه بغيره (5).
__________
(1) قال الطبري: ما ملخصه «فإن قال بعض من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهم إياها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة، لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة واجبا عند من يقوم بنقله الحجة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين، فإذا كان ذلك كذلك لم يكن القوم بتركهم نقل جميع القراءات السبع تاركين ما وجب عليهم نقله» اه باختصار. انظر مقدمة جامع البيان (1/ 28).
وأقول: أن هناك فرقا بين القول بأن المصاحف العثمانية كانت مشتملة ومتضمنة للأحرف السبعة، ولم يوجب علينا الشارع الإحاطة بجميعها، وإنما هي للتيسير والتسهيل، فكل يأخذ منها ما تيسر له فهذا كلام لا غبار عليه، فرق بين هذا وبين كون عثمان رضي الله عنه إنما كتب المصاحف على حرف واحد وترك ما سواها خشية الفرقة والاختلاف، فهذا هو الذي رفضه السخاوي ورد على الطبري القول به، وقد أصاب رحمه الله في ذلك.
والإمام الطبري لم يحالفه الصواب في رأيه هذا، ولكل جواد كبوة والله أعلم.
(2) جمع قائل، فالقول في الخير والشر، والقال والقيل في الشر ويقال: كثر القيل والقال، فحكاية أقوال الناس والبحث عما لا يجدي عليه خيرا ولا يعنيه أمره، من هذا القبيل، والقالة: القول الفاحش في الناس اه اللسان (11/ 573) (قول) التقاطا.
(3) في بقية النسخ: لفظ الكتاب العزيز.
(4) وقد تقدم ذكر حديث عمر مع هشام بن حكيم أثناء الكلام على الأحرف السبعة.
(5) وأيضا فإن كثيرا من الصحابة رضوان الله عليهم قد تلقوا بعض تلك القراءات وانطلقوا دعاة إلى(2/572)
ألا ترى أنه أحضر (المصحف) (1) التي كتبها الصديق رضي الله عنه وكانت بالأحرف السبعة، واستظهر مع ذلك بما كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الرقاع والأكتاف واللخاف (2) إرادة أن لا يبقى لقائل قول ولا لمدع دعوى.
وأما قوله: إنه إنما كتب حرفا واحدا من تلك الأحرف السبعة: فغير صحيح، فقد كتب في بعض المصاحف وأوصى (3) وفي بعضها {وَوَصََّى} وكتب في بعضها {وَقََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ} (4) وفي بعضها {قََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ} * وكتب {سََارِعُوا إِلى ََ مَغْفِرَةٍ} (5) في موضع بغير واو، وفي مصحف {وَسََارِعُوا} وكتب في المدني والشامي {يَرْتَدِدْ} (6) وفي غيرهما {يَرْتَدَّ} *
بدال واحدة و {تَجْرِي تَحْتَهَا} (7) في سورة التوبة، وفي بعض المصاحف {مِنْ تَحْتِهَا} *
__________
الله عز وجل ومجاهديه في سبيله وأخذوا يعلمون الناس ما تلقوه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أنه نسخ ما نسخ في العرضة الأخيرة، ولم تثبت بعض تلك الأحرف التي نزلت للتيسير والتسهيل، فكان كل يقرأ على حسب ما تلقاه وعلمه، وبذلك حدثت الفتنة، وكانت السبب الداعي لعثمان رضي الله عنه أن يكتب تلك المصاحف مشتملة على ما استقر في العرضة الأخيرة، وأن يبعث بها إلى الأمصار، وأمر المسلمين الالتزام بها دون سواها، وأرسل مع كل مصحف إماما يقرئ الناس، وبهذا يكون قد قضى على تلك الفتنة قبل أن يستفحل شرها.
(1) هكذا في الأصل: المصحف، وفي بقية النسخ: الصحف، وهو الصواب.
(2) تقدم شرح هذه الألفاظ أثناء الكلام على الأحرف السبعة.
(3) البقرة (132) {وَوَصََّى بِهََا إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} وقد قرأ نافع وابن عامر بهمزة مخففا، وشدد الباقون من غير همز، الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب (1/ 265)، والنشر (2/ 222).
(4) البقرة (116) {وَقََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً} قرأ ابن عامر بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون (وقالوا) بالواو. الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/ 260) والنشر (2/ 220).
(5) آل عمران (133) {وَسََارِعُوا إِلى ََ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} قرأ نافع وابن عامر بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام وقرأ الباقون بالواو، الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/ 356) والنشر (2/ 242).
(6) المائدة (54) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللََّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
قرأ نافع وابن عامر (يرتدد) بدالين، الثانية ساكنة وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام، وقرأ الباقون بدال واحدة مفتوحة مشددة وكذلك هي في مصاحف أهل الكوفة والبصرة ومكة الكشف عن وجوه القراءات (1/ 412) والنشر (2/ 255).
(7) التوبة (100) {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنََّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهََارُ} قرأ ابن كثير بزيادة (من) وكذلك هي في مصحف أهل مكة وقرأ الباقون بغير (من) وكذلك هي في بقية المصاحف. الكشف (1/ 505) والنشر (2/ 280).(2/573)
{وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتََابِ} (1) في آل عمران في المصحف الشامي، وفي غيره {وَالزُّبُرِ وَالْكِتََابِ}
إلى غير ذلك من المواضع (2) نحو {شُرَكََائِهِمْ} * (3) و {شُرَكََاؤُهُمْ} * (4) وفإن الله الغني (5)
و {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} * وكل وعد الله (6) و {كُلًّا} إلى غير ذلك مما تركت ذكره خشية الإطالة (7).
وقد ذكرت أن الأمة لا ترضى لأحد من خلق الله بترك كتاب الله وما ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن أحدا لا يقدر على أن ينتزع من أيديها ما اشتهر بينها وتداولته النقلة، واستمرت على تلاوته الألسنة حتى يصير نسيا منسيا، لا يعرفه إلّا الشاذ منهم بعد أن كان يعرفه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، هذا من المحال في مجرى العادة.
والذي لا يشك فيه أن عثمان رحمه الله كتب جميع القرآن بجميع وجوهه، ولم يغادر منه شيئا، ولو ترك شيئا منه لم يوافق عليه، وقد جاء بعده علي عليه السلام ولم يزد على ما كتبه حرفا (8).
__________
(1) آل عمران (184) {جََاؤُ بِالْبَيِّنََاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتََابِ الْمُنِيرِ} قرأ ابن عامر (وبالزبر) بالباء بعد الواو، وقرأ هشام (وبالكتاب) كذلك وهو كذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأهما الباقون بغير الباء. الكشف (1/ 370) والنشر (2/ 245).
(2) قال ابن الجزري: بعد أن ذكر بعض الأمثلة على ما كان ثابتا في بعض المصاحف دون البعض الآخر قال: «فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة لمخالفتها الرسم المجمع عليه» اه النشر (1/ 11).
(3) الأنعام (137) {وَكَذََلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ} قرأ ابن عامر (زين) بضم الزاي على ما لم يسم فاعلة، (قتل) بالرفع على أنه مفعول لم يسم فاعله، (أولادهم) بالنصب، اعمل فيه القتل، (شركائهم) بالخفض على إضافة القتل إليهم لأنهم الفاعلون، فأضاف الفعل إلى فاعله وقرأ الباقون بفتح الزاي على ما يسمى فاعله ونصبوا (قتل) ب (زين) وخفضوا (الأولاد) لإضافة (قتل) إليهم، أضافوه إلى المفعول، ورفعوا الشركاء. انظر: الكشف لمكي بن أبي طالب (1/ 453، 454) والنشر (2/ 263).
(4) سقطت الواو من ظق وكتبت الآية خطأ في الأصل.
(5) الحديد (24) قرأ المدنيان وابن عامر بغير (هو) وكذلك هو في مصاحف المدينة وأهل الشام، وقرأ الباقون بزيادة (هو) وكذلك هو في مصاحفهم. انظر: النشر في القراءات العشر (2/ 384).
(6) الحديد (10) {وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ}. قرأ ابن عامر بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب. الكشف (2/ 307) والنشر (2/ 384).
(7) راجع فضائل القرآن لأبي عبيد (ص 294) فما بعدها، وكتاب المصاحف لابن أبي داود باب اختلاف مصاحف الأمصار التي نسخت من الإمام (ص 49) وكتاب الانتصار لنقل القرآن للباقلاني (ص 389) فما بعدها، والمرشد الوجيز (ص 138) فقد أوردوا كثيرا من الأمثلة على ذلك.
(8) راجع الانتصار لنقل القرآن لأبي بكر الباقلاني (ص 359، 387) والمرشد الوجير (ص 143) والنشر(2/574)
قال عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم (1): وقد نبغ نابغ (2) في عصرنا هذا
__________
في القراءات العشر (1/ 3331).
قال الشيخ الزرقاني: «تحت عنوان دستور عثمان في كتابة المصاحف ما ملخصه: ومما تواضع عليه هؤلاء الصحابة أنهم كانوا لا يكتبون في هذه المصاحف إلا ما تحققوا أنه قرآن وعلموا أنه قد استقر في العرضة الأخيرة، وما أيقنوا صحته عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مما لم ينسخ، وتركوا ما سوى ذلك، وكتبوا مصاحف متعددة، لأن عثمان قصد إرسال ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد المسلمين المتعددة أيضا، وكتبوها متفاوتة من إثبات وحذف وغير ذلك، لأنه رضي الله عنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة، وجعلوها خالية من النقط والشكل تحقيقا لهذا الاحتمال أما الكلمات التي لا تدل على أكثر من قراءة عند خلوها من النقط والشكل مع أنها واردة بقراءة أخرى أيضا، فإنهم كانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي بعض آخر برسم آخر يدل على القراءة الثانية
إلى أن قال: والذي دعا الصحابة إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجميع وجوه قراءاته وبكافة حروفه التي نزل عليها، فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها حتى لا يقال: إنهم أسقطوا شيئا من قراءاته، أو منعوا أحدا من القراءة بأي حرف شاء، على حين أنها كلها منقولة نقلا متواترا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم» اه مناهل العرفان (1/ 259257).
(1) البزار أبو طاهر، من أهل بغداد، قرأ على أبي بكر بن مجاهد وغيره، وكان بارعا في الإلقاء والإقراء، توفي سنة 349هـ وله سبعون سنة. تاريخ بغداد (11/ 7) والفهرست لابن النديم (ص 48) ومعرفة القراء الكبار (1/ 312) وغاية النهاية (1/ 475) وهدية العارفين (1/ 633).
(2) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي العطار، أحد القراء بمدينة السلام، كان عالما باللغة والشعر، توفي سنة 362هـ. تاريخ بغداد (2/ 206) وفيه: مولده سنة 265ووفاته سنة 354هـ. والفهرست لابن النديم (ص 49) ومعرفة القراء (1/ 306) وغاية النهاية (2/ 123).
قال الخطيب البغدادي: عند ترجمته لابن مقسم هذا وقد ذكر حاله أبو طاهر بن أبي هاشم المقرئ صاحب أبي بكر ابن مجاهد في كتابه الذي سماه (البيان) فقال فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ، قال: أنبأنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم، قال:
وقد نبغ نابغ الخ ما ذكره السخاوي عن ابن أبي هاشم. ومما ذكره الخطيب البغدادي عن ابن مقسم قوله: كان من أحفظ الناس لنحو الكوفيين وأعرفهم بالقراءات، وله في التفسير ومعاني القرآن كتاب جليل سماه «كتاب الأنوار» وله أيضا في القراءات وعلوم القرآن تصانيف عدة، ومما طعن عليه أنه عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها، فقرأها وأقرأها على وجوه ذكر انها تجوز في اللغة العربية، وشاع ذلك عنه عند أهل العلم، فأنكروا عليه، وارتفع الأمر إلى السلطان، فأحضره واستتابه بحضرة الفقهاء والقراء، فأذعن بالتوبة، وكتب محضر توبته وأثبت جماعة من حضر ذلك المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه وقيل: إنه لم ينزع عن تلك الحروف، وكان يقرأ بها إلى حين وفاته» اه. تاريخ بغداد (2/ 207) وراجع غاية النهاية (2/ 124) ومعرفة القراء الكبار (2/ 308).(2/575)
فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن يوافق خط المصحف (1) فقراءته به (2) جائزة في الصلاة وفي غيرها، فابتدع بدعة ضلّ بها عن قصد السبيل، وتورط في منزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله عزّ وجلّ من الباطل ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسيئ رأيه (3) طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخيّر القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض على أهل الاسلام قبوله، والأخذ به كابرا عن كابر، وخالفا عن سالف، وكان أبو بكر بن مجاهد (4) رحمه الله استتابه عن بدعته (5) وأحضره السلطان ليؤدبه، فاستوهب من السلطان تأديبه عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاد إلى ما كان عليه، واستغوى من أصاغر المسلمين وأهل الغفلة والغباوة جماعة ظنا منه أن ذلك يكون للناس دينا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما، ولن تعدو ضلالته مجلسه (6) لأن الله عزّ وجلّ قد أعلمنا أنه حافظ كتابه من لفظ الزائفين وشبهات الملحدين بقوله عزّ وجلّ: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (7)
وأبو طاهر عبد الواحد هذا إمام من أئمة القرآن، وهو صاحب ابن مجاهد، وفي هذه (8)
__________
قال ابن الجزري: وظن أبو شامة بعد نقله هذا عن أبي طاهر في كتابه المرشد الوجيز أنه ابن شنبوذ» اه غاية النهاية (2/ 124).
قلت: وما ذكرته عن الخطيب صريح بأنه ليس ابن شنبوذ وإنما هو ابن مقسم، ولكن يظهر من كلام أبي شامة وغيره أيضا أن ابن شنبوذ صارت له قضية شبيهة بقضية ابن مقسم، إلا أن ابن شنبوذ فاء إلى رشده ورجع إلى الحق وأعلن توبته ولم يذكر عنه أنه رجع إلى بدعته تلك، والله أعلم.
(1) قال ابن الجزري: «وهذا القسم مردود، وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة، فهذا رده أحق ومنعه أشد، ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر. وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي إلى أن قال: ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق، وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه، ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه» اه النسر (1/ 17).
(2) (به) ساقطة من د وظ.
(3) في د وظ: يسيء قراءته.
(4) أحمد بن موسى بن العباس المقرئ الأستاذ، مصنف كتاب (القراءات السبعة) كان واسع العلم، وفاق سائر نظائره من أهل صناعته (324245هـ). معرفة القراء (1/ 269) وغاية النهاية (1/ 139).
(5) انظر: تاريخ الأدب العربي (4/ 3).
(6) في ظق: مجالسه.
(7) الحجر (9).
(8) في ظ: وفي هذا.(2/576)
الشواذ قطعة كبيرة من هذا الوجه الذي ذكره (1).
قال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ {يَقُصُّ الْحَقَّ} (2) فقلت له: إن أبا عمرو يقرأ يقض الحق وقال: القضاء مع الفصل، فقال نافع: وي! يا أهل (3) العراق، تقيسون في القرآن؟!.
قلت: معنى قول أبي عمرو: القضاء مع الفصل: أي إني اخترت هذه (4) القراءة (لهذا ولم يرد رد القراءة) (5) الأخرى، ومعنى قول نافع: يقيسون في القرآن: لم يرد به أن قراءتهم أخذوها بالقياس، وإنّما يريد أنهم اختاروا ذلك لذلك، والقراءتان ثابتتان عندهما، قال ابن أبي هاشم: قال يريد إياكم (أن) (6) تأخذوا القراءة على قياس العربية، إنا أخذنا (7) بالرواية (8).
وقال بعض أصحاب سليم (9): قلت لسليم: في حرف من القرآن من أي وجه (10) كان كذا وكذا؟ فرفع كمه وضربني به وغضب، وقال: اتّق الله لا تأخذن في
__________
(1) راجع ما ذكره الخطيب حول شبهة ابن مقسم التي تذرع بها، وهي شبهة واهية. تاريخ بغداد (2/ 208).
(2) أي قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلََّا لِلََّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفََاصِلِينَ} الأنعام (57). قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالصاد مضمومة غير معجمة من القصص، وقرأ الباقون بالضاد المعجمة المكسورة من القضاء، ودل على ذلك أن بعده (خير الفاصلين) والفصل لا يكون إلا عن قضاء» اه ملخصا من الكشف (1/ 434) وانظر: النشر في القراءات العشر (2/ 258) والإتحاف (ص 209).
(3) في ظق: يا هل.
(4) في د: أخبرت هذه، وفي ظ: أخبرت بهذه، وهما عبارتان مضطربتان.
(5) سقط هذا الكلام من الأصل: (لهذا ولم يرد رد القراءة) اه.
(6) سقطت (أن) من الأصل ظق.
(7) في بقية النسخ أنا أخذناها بالرواية.
(8) قال ابن الجزري نقلا عن أبي عمرو الداني: «وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها» اه.
النشر (1/ 10).
(9) هو سليم بن عيسى بن سليم أبو عيسى، ويقال: أبو محمد الحنفي مولاهم الكوفي المقرئ صاحب حمزة الزيات وأخص تلامذته، وأحذقهم في القراءة، ولد سنة 130هـ وقيل 119هـ وتوفي سنة 188هـ.
معرفة القراء الكبار (1/ 138) وانظر الجرح والتعديل (4/ 215) والميزان (2/ 131).
(10) في د: حرفت الكلمة إلى (وجد).(2/577)
شيء من هذا، إنّما نقرأ القرآن على الثقات من الرجال الذين قرءوا على الثقات.
وقال الكسائي (1): رحمه الله لو قرأت على قياس العربية لقرأت كُبره (2)
برفع الكاف (3) لأنه أراد عظمه، ولكني قرأت على الأثر.
وقال يحيى بن آدم: ثنا أبو بكر بن عياش (4) بحروف (5) عاصم في القراءة، وقال: سألته عنها حرفا حرفا، فحدّثني بها، ثم قال: أقرأنيها عاصم كما حدثتك بها حرفا حرفا، تعلمتها منه تعلما اختلف إليه نحوا من ثلاث سنين كل غداة في البرد والأمطار، حتى أستحي من أهل مسجد بني كاهل في الصيف والشتاء، وأعملت نفسي فيها سنة بعد سنة، فلمّا قرأت عليه، قال لي: احمد الله، فإنّك قد جئت وما تحسن شيئا، قال: تعلمت القراءة من عاصم كما يتعلّم الغلام في الكتّاب، ما أحسن غير
__________
(1) هو الإمام علي بن حمزة الكسائي أبو الحسن الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ أحد القراء السبعة المشهورين، وأحد الأعلام في النحو والقرآن، ولد في حدود سنة 120هـ وتوفي سنة 189هـ على الصحيح.
معرفة القراء (1/ 128120) وانظر غاية النهاية (1/ 535) وتاريخ بغداد (11/ 403) وطبقات المفسرين للداودي (1/ 404).
(2) أي قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلََّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذََابٌ عَظِيمٌ} النور آية (11).
قال ابن الجزري: قرأ يعقوب بضم الكاف، وهي قراءة أبي رجاء وحميد بن قيس وسفيان الثوري ويزيد بن قطيب وعمرة بنت عبد الرحمن وقرأ الباقون بكسرها، وهما مصدران لكبر الشيء، أي عظم، لكن المستعمل في السن الضم، أي تولي أعظمه.
وقيل: «بالضم معظمه وبالكسر البداءة» اه النشر في القراءات العشر (2/ 331) وانظر إتحاف فضلاء البشر (ص 323). فقراءة ضم الكاف تعتبر قراءة عشرية نسبت إلى يعقوب الحضرمي أحد القراء الثلاثة المتممين للعشرة.
فقول الكسائي: ولكني قرأت على الأثر، لعله يقصد الأثر الذي بلغه في ذلك، وقد سبق أنه قد يبلغ هذا ما لا يبلغ ذاك، والله أعلم.
(3) قال القراء: وهو وجه جيد في النحو، لأن العرب تقول: فلان تولى عظم بضم فسكون كذا وكذا، يريدون أكثره اه. معاني القرآن (2/ 247).
(4) قال الذهبي: اختلف في اسمه على عشرة أقوال، أصحها قولان، أن اسمه كنيته، والثاني شعبة، فهو أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي الإمام، أحد الأعلام قرأ القرآن ثلاث مرات على عاصم وكان سيدا إماما حجة كثير العلم والعمل، منقطع القرين، ولد سنة 95هـ وتوفي سنة 193هـ. كما ورخه يحيى بن آدم وأحمد بن حنبل. معرفة القراء الكبار (1/ 138134).
(5) في د وظ: بحرف.(2/578)
قراءته (1) وقال أبو بكر بن عياش: قال عاصم: ما أقرأني أحد حرفا إلّا أبو (عبد الله) (2)
السلمي، وكان (53/ أ) أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3).
فإن قيل: فهل في هذه الشواذ شيء تجوز القراءة به؟
قلت: لا تجوز القراءة بشيء منها:
ألخروجها عن إجماع المسلمين.
ب وعن الوجه الذي ثبت به القرآن، وهو التواتر، وإن كان موافقا، للعربية وخط المصحف، لأنه جاء من طريق الآحاد، وإن كانت نقلته ثقات، فتلك الطريق لا يثبت بها القرآن.
ج ومنها من نقله (4) من لا يعتد بنقله، ولا يوثق بخبره، (فهذه) (5) أيضا مردود، لا تجوز القراءة به ولا تقبل، وإن وافق العربية وخط المصحف (6) نحو
__________
(1) ذكر هذا بنحوه مختصرا الذهبي عند ترجمته لأبي بكر بن عياش (1/ 137،، 138) وفي موضع آخر قال: عند ترجمته ليحيى بن آدم قال جماعة: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا يحيى بن آدم، قال: سألت أبا بكر عن حروف عاصم التي في هذه الكراسة أربعين سنة، فحدثني بها كلها، وقرأها عليّ حرفا حرفا» اه. المصدر نفسه (1/ 168).
(2) هكذا في الأصل: أبو عبد الله. وقد تكرر هذا الخطأ من قبل وفي بقية النسخ: أبو عبد الرحمن.
وهو الصواب.
(3) ذكر هذا الخبر الذهبي، وقال عقبة: وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر، وكان قد قرأ على عبد الله رضي الله عنه، فقلت لعاصم: لقد استقوثقت. رواها يحيى بن آدم عنه اه.
معرفة القراء (1/ 91).
(4) في بقية النسخ: ما نقله.
(5) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ: فهذا. وهو الصواب.
(6) وفي هذا يقول مكي بن أبي طالب: ما ملخصه: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به، وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ فالجواب أن جميع ما روى في القرآن على ثلاثة أقسام:
أقسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه الشروط الثلاثة نقله عن الثقات، وأن يكون له وجه في العربية التي نزل بها سائغا وأن يكون موافقا لخط المصحف
ب والقسم الثاني: ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف، فهذا يقبل ولا يقرأ به، لأنه لم يؤخذ بإجماع، فلا تجوز القراءة به ولا يكفر من جحده.
ج والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل
قال: ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصارا اه. الإبانة (ص 51، 52). وقد(2/579)
ملك (1) يوم الدين بالنصب (2) (3).
ولقد نبع في هذا الزمان قوم يطالعون كتب الشواذ، ويقرءون بما فيها، وربما صحفوا ذلك، فيزداد الأمر ظلمة وعمى (4).
فإن قيل: فقراءة الكسائي هل تستطيع ربّك (5) راجعة إلى ما روى عبادة بن نسيّ (6) عن عبد الرحمن بن غنم (7) قال: سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين {هَلْ}
__________
نقل هذا عن مكي: ابن الجزري ومثل لكل قسم فانظر ذلك في النشر في القراءات العشر (1/ 14).
(1) في بقية النسخ: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
(2) نقل هذا التساؤل والجواب عنه الشيخ أبو شامة عن شيخه السخاوي وعزاه إلى «جمال القراء».
انظر: المرشد الوجيز (ص 181، 182) قال مكي بن أبي طالب: «وقرأ علي بن أبي طالب ملك يوم الدين بنصب اللام والكاف ونصب يوم، جعله فعلا ماضيا» اه الإبانة (ص 121). وهي إحدى القراءات الكثيرة الشاذة التي أوردها مكي وغيره في هذا اللفظ (مالك) سوى القراءتين المشهورتين المتواترتين (مالك) بالألف لعاصم والكسائي و (ملك) بدون ألف للباقين من السبعة.
انظر تلك القراءات الشاذة التي وردت في لفظ (مالك) في مختصر من شواذ القرآن لابن خالويه (ص 1) وأحكام القرآن للقرطبي (1/ 139) والبحر المحيط (1/ 20).
(3) في المطبوع حصل هنا خلط بالتقديم والتأخير ما يقرب من عشرين سطرا، مما أفسد المعنى، فبعد كلمة (بالنصب) جاءت عبارة: و (فتبينوا) و (فتثبتوا) وجملة ذلك سبعة أوجه وبعد ذكر الوجه الخامس، عاد إلى الكلام: ولقد نبع في هذا الزمان وذكره إلى آخره، ثم عاد إلى ذكر الوجهين السادس والسابع!! ولعل هذا وقع أثناء الطبع.
(4) انظر: المرشد الوجيز لأبي شامة (ص 182). وقد تقدم في أول هذا الفصل نبذة من كلام الأئمة في المنع من القراءات بالشاذ.
(5) المائدة (112) {إِذْ قََالَ الْحَوََارِيُّونَ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنََا مََائِدَةً مِنَ السَّمََاءِ} وقد قرأها الكسائي بالتاء ونصب (ربك) وقرأ الباقون بالياء ورفع (ربك) وحجة من قرأ بالتاء أنه أجراه على مخاطبة الحواريين لعيسى، وفيه معنى التعظيم للرب جل ذكره على أن يستفهم عيسى عن استطاعته، إذ هو تعالى مستطيع لذلك، فإنما معناه هل تستطيع سؤال ربك في إنزال مائدة علينا، أي هل تفعل لنا ذلك؟
وحجة من قرأ بالياء أنه على معنى: هل يفعل ربك ذلك؟ لأنهم لم يشكوا في استطاعة الباري على ذلك، لأنهم كانوا مؤمنين، فإنما هو كقولك للرجل: «هل يستطيع فلان أن يأتي؟ وقد علمت أنه مستطيع» اه الكشف (1/ 422) وراجع تفسير القرطبي (6/ 364) والمهذب (1/ 199).
(6) بضم النون وفتح المهملة الخفيفة الكندي، أبو عمر الشامي، ثقة فاضل، مات سنة 118هـ.
التقريب (1/ 395) وتاريخ الثقات (ص 247) ومشاهير علماء الأمصار (ص 180).
(7) بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار التابعين، مات سنة 98هـ. التقريب (1/ 494) وتاريخ الثقات (ص 297).(2/580)
تستطيع ربك أو {يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}؟ فقال: «أقرأني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هل تستطيع ربّك مرارا بالتاء والنصب» (1).
وهذا حديث يرويه محمد بن سعيد الشامي (2) وهو مشهود على كذبه، ورداءة مذهبه، قلنا: ليس هذا الحديث هو أصل القراءة، ولا هي راجعة إليه، والقراءة ثابتة مقطوع بصحتها، وإذا علم ذلك من غير هذا الحديث، فلا يقدح ذلك فيه.
ومن الشاذ ما هو لحن فلا يقبل لخروجه عن الشهرة والعربية، وكيف لا يخرج عن الشهرة وهو لحن؟
وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبيّ: وهو يقرئ رجلا (قوم لسانه، ثم علمه، فإنك مأجور، الذي أنزله لم يلحن فيه، ولا الذي نزل به، ولا الذي نزل به، ولا الذي نزل عليه، وأنه قرآن (3)
عربي) (4).
فإن قيل: فأين السبعة الأحرف التي أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن القرآن أنزل عليها في قراءتكم هذه المشهورة؟.
قلت: هي متفرقة في القرآن نحو {يُسَيِّرُكُمْ} (5) وينشركم و (نحو) (6) ويقض
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك كتاب التفسير، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (2/ 238) ورواه الترمذي وضعفه، وليس فيه محمد بن سعيد الشامي. أبواب القراءات (8/ 250).
ونسبه السيوطي إلى الحاكم والطبراني وابن مردويه عن عبد الرحمن ابن غنم، قال: سألت معاذ بن جبل وذكره. انظر الدر المنثور (3/ 231).
(2) الأسدي المصلوب، كذبوه، وقتله المنصور على الزندقة وصلبه. التقريب (2/ 164).
قال الذهبي: روى عن الزهري وعبادة بن نسي، وقد غيروا اسمه على وجوه سترا له، وتدليسا لضعفه، ثم ذكر تلك الأسماء. انظر ميزان الاعتدال (3/ 561).
(3) في د وظ: لقرآن عربي.
(4) لم أعثر عليه.
(5) يونس (22) {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}. قرأ ابن عامر بالنون الساكنة بعد الياء وبالشين قبل الراء (ينشركم) من النشور، وقرأ الباقون بالياء والسين من التسيير والمشي انظر الكشف (1/ 516) والنشر (2/ 282).
(6) هنا كلمة ساقطة من الأصل وهي (ونحو).(2/581)
و {يَقُصُّ} (1) و {تَحْتَهَا} ومن تحتها (2) ونحو {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} * ولنثوينهم (3) و {فَتَبَيَّنُوا} *
وفتثبتوا (4) وجملة ذلك سبعة أوجه:
(الأول) (5): كلمتان تقرأ (6) بكل واحدة في موضع أخرى نحو ما ذكرته.
والثاني: أن تزاد كلمة في أحد الوجهين وتترك في الوجه الآخر. نحو {تَحْتَهَا}
ومن تحتها ونحو {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (7) وفإن الله الغني الحميد.
والثالث: زيادة حرف ونقصانه نحو بما {كَسَبَتْ} (8) وفيما كسبت.
والرابع: مجيء حرف في موضع حرف نحو نقول (9) و {يَقُولُ}
__________
(1) تقدمت قريبا في هذا الفصل.
(2) تقدمت أيضا قريبا. وانظر النشر في القراءات العشر (1/ 280).
(3) العنكبوت (58) {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً} قرأ حمزة والكسائي (لنثوينهم) بالثاء المثلثة الساكنة بعد النون وإبدال الهمزة (ياء) من الثواء وهو الإقامة في الجنة. وقرأ الباقون بالباء الموحدة والهمزة من التبوء، وهو المنزل. انظر: الكشف (2/ 181) والنشر (2/ 344).
(4) النساء (94) والحجرات (6) ونص آية النساء {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ فَتَبَيَّنُوا} قرأ حمزة والكسائي (فتثبتوا) في الموضعين من التثبت. وقرأ الباقون بالياء من التبيين.
الكشف (1/ 394)، والنشر (2/ 251).
(5) هنا كلمة ساقطة من الأصل وهي: (الأول).
(6) في د وظ: يقرأ.
(7) الحديد (24) قرأ نافع وابن عامر بغير (هو) وكذلك ثبت إسقاطها في مصاحف المدينة والشام، وقرأ الباقون بزيادة (هو) وكذلك هو في مصاحف أهل الكوفة والبصرة ومكة. انظر: الكشف (2/ 312) والنشر (2/ 384).
(8) الشورى (30) {وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} قرأ نافع وابن عامر بغير فاء وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام وتكون (ما) في قوله (وما أصابكم) بمعنى (الذي) في موضع رفع بالابتداء، فيكون قوله (بما كسبت) خبر الابتداء، فلا يحتاج إلى (فاء).
وقرأ الباقون (فبما) بالفاء، وكذلك هي في جميع المصاحف، إلا مصاحف أهل الشام والمدينة، وتكون (ما) في قوله (وما أصابكم) للشرط، والفاء جواب الشرط.
انظر: الكشف لمكي بن أبي طالب (2/ 251) والنشر في القراءات العشر (2/ 367).
(9) العنكبوت (55) {يَوْمَ يَغْشََاهُمُ الْعَذََابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا}. قرأ نافع والكوفيون بالياء على الأخبار عن الله تعالى أو عن الموكّل بعذابهم لهم، وقرأ الباقون بالنون على الإخبار من الله عن نفسه، لأن كل شيء لا يكون إلا بأمره. الكشف (2/ 180) وانظر النشر (2/ 343).(2/582)
وتتلوا (1) و {تَبْلُوا} (2).
الخامس: تغيير (3) حركات، اما بحركات أخر أو بسكون، نحو {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} (4) ونحو {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ} (5).
والسادس: التشديد والتخفيف نحو {تُسََاقِطْ عَلَيْكِ} (6) وتسّاقط عليك و {بَلَدٍ مَيِّتٍ} (7) وميْت ونحو ذلك.
السابع: التقديم والتأخير (8) كقوله عز وجل: {وَقََاتَلُوا}
__________
(1) يونس (30) {هُنََالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مََا أَسْلَفَتْ}. قرأ حمزة والكسائي (تتلو) بتاءين، من التلاوة، وقرأ الباقون (تبلو) بالباء من الابتلاء وهو الاختبار، أي هناك تختبر كل نفس ما أسلفت لها من عمل. الكشف (1/ 517)، وانظر النشر (2/ 383).
(2) في ظ: (ونتلوا).
(3) في ظ: تغير.
(4) البقرة (37) قرأ ابن كثير بنصب (آدم) ورفع (كلمات) أي أن الكلمات استنقذت آدم بتوفيق الله له لقوله إياها وللدعاء بها، فتاب الله عليه، وقرأ الباقون برفع (آدم) ونصب (الكلمات) والتاء مكسورة في حال النصب، أي أن آدم هو الذي تلقى الكلمات، لأنه هو الذي قبلها ودعا بها وعمل بها فتاب الله عليه الكشف لمكي ابن أبي طالب (1/ 237) وانظر: النشر (2/ 211).
(5) المائدة: 47 {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فِيهِ} قرأ حمزة بكسر اللام على أنه جعلها لام كي فنصب الفعل بها، وقرأ الباقون باسكانهما على أنهم جعلوها لام الأمر. الكشف (1/ 410، 411) وانظر النشر (2/ 354).
(6) مريم (25) {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسََاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا}. قرأ حفص بضم التاء وكسر القاف مخففة، وفتحهما الباقون، وكلهم شدد السين إلا حمزة وحفصا.
فمن قرأ بضم التاء جعله مستقبل (ساقطت) فعداه إلى الرطب فنصبه به، والفاعل النخلة، تضمر في (تساقط) أي تساقط النخلة رطبا جنيا عليك، ومن فتح التاء وخفف السين: أراد (تتساقط)، فحذف إحدى التاءين، ويكون الفعل مسندا إلى النخلة أيضا ويكون نصب (رطب) على الحال، وحجة من شدد أنه أدغم التاء الثانية في السين اه ملخصا من الكشف لمكي بن أبي طالب (2/ 87، 88).
(7) أي قوله تعالى: {وَاللََّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيََاحَ فَتُثِيرُ سَحََاباً فَسُقْنََاهُ إِلى ََ بَلَدٍ مَيِّتٍ} الآية (9) من سورة فاطر. وما شاكله. قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بتشديد الياء، والباقون بالتخفيف انظر: غيث النفع (ص 329) والكشف (1/ 339) والنشر (2/ 224، 225).
(8) نقل هذا الرأي في معنى الأحرف السبعة عن السخاوي: تلميذه أبو شامة المقدسي في كتابه «المرشد الوجيز» قائلا: وأخبرنا شيخنا أبو الحسن رحمه الله في كتابه «جمال القراء» قال: فإن قيل: فأين السبعة التي أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن القرآن أنزل عليها وذكرها. المرشد الوجيز (ص 123).
وقد تقدم أن عقد السخاوي عنوانا (ذكر السبعة الأحرف) وذكر هناك حديث عمر بن الخطاب مع(2/583)
{وَقُتِلُوا} (1) وقتلوا وقاتلوا.
وقوله عز وجل {ثُمَّ انْظُرْ أَنََّى يُؤْفَكُونَ} (2) يقرأ (3) على سبعة أوجه، وكذلك قوله عز وجل {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ (} 53/ ب) {أَوْ سُلَّماً فِي السَّمََاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} (4).
وقوله عز وجل {فَلَوْلََا إِذْ جََاءَهُمْ بَأْسُنََا تَضَرَّعُوا} (5) وكذلك (6) نظائره (7).
__________
هشام بن حكيم رضي الله عنهما، ولم يذكر غير ذلك. وقد ذكرت هناك بعض ما قاله العلماء حول الأحرف السبعة بقدر ما يقتضيه المقام، وقد تعرض لهذا الموضوع كثير من مؤلفي كتب التفسير والقراءات وعلوم القرآن.
(1) آل عمران (195) {فَالَّذِينَ هََاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقََاتَلُوا وَقُتِلُوا}
الآية. قرأ الكسائي وحمزة بتقديم المفعول على الفاعل، على أن الواو لا تعطي ترتيبا، فسواء التقديم والتأخير، أو يحمل على التوزيع أي منهم من قتل ومنهم من قاتل، وقرأ الباقون ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول، لأن القتال قبل القتل. انظر: الكشف (1/ 373) والنشر (2/ 246) وإتحاف فضلاء البشر (ص 184).
(2) المائدة (75) {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيََاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنََّى يُؤْفَكُونَ}.
(3) في د وظ: تقرأ.
(4) الأنعام (35).
(5) الأنعام (43).
(6) في د وظ: ولذلك نظائر، وكذلك في المرشد الوجيز.
(7) قال أبو شامة: عقب ذكره لكلام شيخه هذا قلت: يعني في مجموع هذه الكلم من هذه الآيات سبعة أوجه لا في كل كلمة منها، وقد يأتي في غيرها أكثر من سبعة أوجه بوجوه كثيرة، إذا نظر إلى مجموع الكلم دون آحادها اه المرشد الوجيز (ص 126).(2/584)
الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ (1)
الناسخ هو: الخاطب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه
__________
(1) لا شك أن موضوع النسخ في القرآن الكريم يعتبر من أهم العلوم المتعلقة به، ولقد اهتم به السلف والخلف وأولوه عناية فائقة وكل أدلى بدلوه في هذا الميدان الفسيح المترامي الأطراف المتشعب المسالك، والذي لا زال مثار بحث وتدبر من كثير من العلماء على مر الأزمان، وقد كثر المصنفون فيه فمن مسرف ومفرط فيه، ومن مقتصد بين ذلك، ومن منكر له بالكلية، وكان من الذين أدلوا بدلوهم في هذا الميدان علم الدين بالسخاوي، حيث ضمن كتابه الذي بين أيدينا هذا العنوان البارز (الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ) وهو في الحقيقة اسم على مسمى فهو كالجبل العظيم الراسي كمّا وكيفا.
فقد شبه السخاوي هذا الموضوع بالجبل العظيم في ارتفاع قمته وضخامة منبته، لتشعب أطرافه من ناحية وخطورته من ناحية أخرى، لأن معرفة الناسخ والمنسوخ ليس بالأمر السهل، بل يجب على من يلج في خضم هذا الموضوع الخطير أن يكون لديه دراية بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعرفوا التفسير والتأويل. فليس للعقل فيه مجال حتى يمكنه أن يجد ويجتهد ويستنبط بتفكيره ومهارته، وإنما هو أمر توقيفي ممن لا ينطق عن الهوى صلّى الله عليه وسلّم أو ممن شاهدوا الوحي وعرفوا الناسخ من المنسوخ، وليس عليه إلا أن يعمل فكره في معرفة صحيح ذلك من سقيمه، وأن يغوص في بطون كتب التفسير وعلوم القرآن ليقف على ما توصل إليه العلماء الجهابذة في هذا الشأن رحمة الله عليهم جميعا، وهذا ما فعله الإمام السخاوي في كلامه على الناسخ والمنسوخ، وسأترك هذا الفصل الضخم يتحدث عن نفسه وينبئ عما يحمله في طياته ولكن قبل أن أبدأ في تحقيقه أذكر بعض النقاط حول أهمية هذا الموضوع الخطير، ملخصا ذلك من كتاب مناهل العرفان: أن هذا الموضوع كثير التعاريج متشعب المسالك طويل الذيل.
أنه كان ولا يزال مثار جدال وخلاف شديد بين العلماء.
أن أعداء الإسلام كالملاحدة والمستشرقين والمبشرين قد اتخذوا من النسخ أسلحة مسمومة طعنوا بها(2/585)
لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه (1).
والمنسوخ هو: الحكم الزائل بعد ثباته بخطاب متقدم بخطاب واقع بعده متراخ عنه دال على ارتفاعه، على وجه لولاه لكان ثابتا (2).
وأما النسخ: فإنه زوال شرع بشرع متأخر عنه (3).
والنسخ في العربية.
أ) النقل، تقول: نسخت الكتاب، إذا نقلته.
ب) والإزالة، يقولون: نسخت الشمس الظل، أي أزالته وحلت محله وتقول أيضا، نسخت الريح الأثر، فهذه إزالته لا إلى بدل (4). ونسخ القرآن بمعنى الإزالة.
__________
في صدر الإسلام الحنيف وزينوا للناس للنيل من قدسية القرآن الكريم فوقع في شراكهم بعض المغفلين، فأنكروا وقوع النسخ ظنا منهم أنهم ينزهون الله تعالى عن التغيير والتبديل.
أن إثبات النسخ يكشف النقاب عن سر التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربية الخلق وسياسته للبشر وابتلائه للناس بتجديد الأحكام، وهذا يدل على أن القرآن تنزيل من حكيم حميد.
أن معرفة الناسخ والمنسوخ يهدي الإنسان إلى صحيح الأحكام وينجو عن نسخ ما ليس بمنسوخ حين لا يجد التعارض بين الآيتين» اه. مناهل العرفان: (2/ 174173).
(1) انظر: تفسير ابن عطية (1/ 377). وراجع تفسير القرطبي (2/ 64) فقد تولى شرح هذا التعريف، حتى يكون سالما من الاعتراضات. وهناك تعريفات أخرى للنسخ ذكرت في كثير من كتب التفسير وعلوم القرآن وأصول الفقه.
راجع الإيضاح لمكي ص 85والناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 42، والأحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري (4/ 59)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 90، وشرح النووي على صحيح مسلم (1/ 35) وبصائر ذوي التمييز (1/ 120)، وتفسير النسفي (1/ 67)، وعلم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف (ص 262).
(2) وهذا التعريف مبني على تعريف الناسخ الذي ذكره المصنف، وهو أجمع التعاريف حسب فهمي وأصحها.
وقد عرفه الزركشي بقوله: اختلف العلماء، فقيل: المنسوخ ما رفع تلاوة تنزيله، كما رفع العمل به» اه البرهان في علوم القرآن (2/ 30).
(3) وعرفه ابن جزي الكلبي بقوله: ومعنى النسخ في الشريعة: رفع الحكم الشرعي بعد ما نزل» اه كتاب التسهيل لعلوم التنزيل 1/ 10الباب السابع من المقدمة الأولى. وعرفه ابن الجوزي فقال:
رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد، إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل» اه. نواسخ القرآن ص 90.
(4) انظر: الإيضاح ص: 47، فما بعدها وتفسير ان عطية (1/ 377) ونواسخ القرآن ص 90،(2/586)
وقولنا: ناسخ ومنسوخ أمر يختص بالتلاوة.
وأما المتلو فلا يجوز ذلك فيه (1)، وكذلك المجاز أمر يختص بالتلاوة (2). وكلام الله عزّ وجلّ (3): قديم (4) لم يزل موجودا، وكان قبل إيجاد الخلق غير مكتوب ولا مقروء، ثم بالإنزال كان مقروءا ومكتوبا ومسموعا ولم ينتقل بذلك من حال إلى حال كما أن الباري عز وجل قبل خلق العباد لم يكن معبودا، وإنما عبد بعد إيجاد العباد ولم يوجب له ذلك تفسيرا سبحانه. وحكمة النسخ: اللطف بالعباد وحملهم على ما فيه إصلاح لهم (5).
ولم يزل الباري عز وجل عالما بالأول والثاني، وبمدة الأول وابتداء مدة الثاني قبل إيجاد خلقه وتكليفهم ذلك ونقلهم عنه إلى غيره، وما زال عز وجل مريدا للأول إلى زمن نسخه مريدا (لازالته (6) وحكمه) إلى بدل أو إلى غير بدل (7)، وكلامه صفة له،
__________
وتفسير القرطبي (2/ 62)، والبرهان للزركشي (2/ 29)، والإتقان للسيوطي (3/ 59) وقلائد المرجان ص 22واللسان (3/ 61) (نسخ) والمصباح المنير ص: 603.
(1) أي أن الناسخ قد يرفع حكم المنسوخ وتبقى ألفاظه.
(2) لأن المجاز يتعلق بالألفاظ، والألفاظ أوعية للمعاني.
(3) سبق في آخر فصل (الإفصاح الموجز في إيضاح المعجز) من هذا الكتاب أن تعرض المصنف لقضية كلام الله تعالى وأنه كلام رب العالمين غير مخلوق قال: وعلى ذلك أئمة المسلمين، وفند آراء المعتزلة القائلين بخلق القرآن، وقد سقت بعضا من كلام العلماء في ذلك تأييدا لما ذكره السخاوي فانظره هناك.
(4) ذكر شارح الطحاوية أن الناس افترقوا في مسألة الكلام إلى تسعة أقوال، ثم ذكرها ناسبا كل قول إلى قائله. وأنا أنقل هنا القول التاسع منها، وهو الموافق لما ذكره السخاوي تبعا لأهل الحديث وغيرهم من أئمة السلف.
قال: والتاسع أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم، وأن لم يكن الصوت المعين قديما، وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة اه شرح العقيدة الطحاوية ص: 180.
(5) انظر: الإيضاح ص: 56. وراجع بصائر ذوي التمييز فقد ذكر الفيروزآبادي ست حكم من حكم النسخ (1/ 121).
قال الزرقاني: إن معرفة الحكمة تريح النفس وتزيل اللبس وتعصم من الوسوسة والدس، خصوصا في مثل هذا الموضوع الخطير (النسخ) الذي كثر منكروه وتصيدوا لإنكاره الشبهات من هنا وهناك ثم ذكر كثيرا من الحكم المتعلقة بالنسخ، وهي كلها تؤول إلى ما فيه صلاح البشرية واستقامة أمرها في معاشها ومعادها. انظر مناهل العرفان (2/ 194) فما بعدها.
(6) هكذا في الأصل: لإزالته وحكمه. وفي بقية النسخ: لإزالة حكمه. وهو الصواب.
(7) يشير السخاوي في هذا إلى الفرق بين النسخ والبداء بفتح الباء والدال وهو ظهور الشيء بعد(2/587)
لا تغيير فيه ولا تبديل (1).
وحقيقة التخصيص والاستثناء تخالف حقيقة النسخ (2)، لأن التخصيص: أن يجيء اللفظ عاما والمراد بعض متناولاته، فإذا أتى ما دل على أن المراد غير ظاهر اللفظ ظهر التخصيص.
وقالوا في حده: إخراج بعض ما تناوله الخطاب (3).
ولأن الاستثناء: صيغة دالة على أن المستثني غير داخل في الخطاب، فالتخصيص قريب من معنى الاستثناء، إلا أن الاستثناء لا يكون إلا بحرف دال على إخراج المستثنى، لهذا قالوا في حده: صيغة دالة.
ودلالة التخصيص: أما بنص آخر أو إجماع أو قرينة (4).
__________
خفائه، كقوله تعالى: {وَبَدََا لَهُمْ مِنَ اللََّهِ مََا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} الزمر: 48، أو نشأة رأى جديد لم يكن من قبل كقوله سبحانه {ثُمَّ بَدََا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مََا رَأَوُا الْآيََاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتََّى حِينٍ} يوسف: 35 أي نشأ لهم في يوسف رأي جديد.
فالسخاوي رحمه الله يقصد بهذا الرد على القائلين بالبداء، أي أن الله تعالى كان يأمر بالأمر، ثم يبدو له خلاف ذلك، فينسخه ويأتي بغيره، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
راجع ما ذكره النحاس في الفرق بين النسخ والبداء في الناسخ والمنسوخ له ص: 8، والأحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري (4/ 68) ومناهل العرفان للزرقاني (2/ 181).
(1) وبنحو هذا الذي ذكره السخاوي ذكر غيره من العلماء. فقد قال مكي: «أعلم أن الله جل ذكره هو الآمر فوق كل أمر، قد علم ما سيكون قبل أن يكون وكيف يكون فهو تعالى قد علم ما يأمر به خلقه ويتعبدهم به، وما ينهاهم عنه قبل كل شيء، وعلم ما يقرهم عليه من أوامره ونواهيه وما ينقلهم عنه إلى ما أراد من عبادته، وعلم وقت ما يأمرهم وينهاهم، ووقت ينقلهم عن ذلك قبل أمره لهم ونهيه بلا أمد» اه. انظر بقية كلامه في الإيضاح ص 5655.
(2) قال مكي: «أعلم أن النسخ والتخصيص والاستثناء يجتمعن في معنى أنها كلّها لإزالة حكم متقدم قبلها، ويفترقن في معان أخر.
فالنسخ: إزالة حكم المنسوخ كله بغير حرف متوسط ببدل حكم آخر أو بغير بدل في وقت معين، فهو بيان الأزمان التي انتهى إليها العمل بالفرض الأول، ومنها ابتدأ الفرض الثاني الناسخ للأول.
والتخصيص: إزالة بعض الحكم بغير حرف متوسط، فهو بيان الأعيان الذين عمهم اللفظ، أي أن بعضهم غير داخل تحت ذلك اللفظ. والاستثناء: مثل التخصيص إلا أنه لا يكون إلا بحرف متوسط. ولا يكون إلا متصلا بالمستثنى منه» اه الإيضاح ص: 85. وراجع الأحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري: (4/ 66).
(3) أو قصر العام على بعض أفراده. مناهل العرفان (2/ 184). وقد ذكر الزرقاني سبعة فروق بين النسخ والتخصيص فلتنظر.
(4) انظر: الإيضاح ص 8685.(2/588)
1 - فالتخصيص نحو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1)
بعد قوله عز وجل: {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (2) ولو كان هذا نسخا لكانت آية البقرة المراد بها: الكتابيات. وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (آية المائدة ناسخة لآية البقرة) (3).
وقال قائلون: لا يصح هذا، إلا على أن تكون آية البقرة في المشركات من أهل الكتاب (4).
وأقول: أن هذا (5) الذي قالوه غير مستقيم، فإن قولنا: نسخ وتخصيص واستثناء: اصطلاح وقع بعد ابن عباس، وكان ابن عباس يسمى ذلك نسخا (6).
__________
(1) المائدة: آية 5. {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ} إلى قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ}.
(2) البقرة: آية: 221.
(3) ذكره السيوطي وعزاه إلى أبي داود في ناسخه عن ابن عباس. الدر المنثور (1/ 614). وقد ذكر الطبري رواية عن ابن عباس تدل على أن الله تعالى استثنى من عموم المشركات نساء أهل الكتاب، وذكر أقوال أهل التأويل في المعنى المراد من آية البقرة.
ثم قال: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة من أن الله تعالى ذكره عني بقوله {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ}: من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات، وأن الآية عام ظاهرها، خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء، وأن نساء أهل الكتاب داخلات فيها. ثم أخذ يدلل على ذلك إلى أن قال: فقول القائل: هذه ناسخة، هذه دعوى لا برهان له عليها، والمدعي دعوى لا برهان له عليها متحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحد» اه جامع البيان (2/ 377، 378).
وراجع الإيضاح في ناسخ القرآن ومنسوخة لمكي ص 88، وأضواء البيان للشنقيطي (1/ 204).
(4) قال مكي: عقب ذكره لرواية ابن عباس (ان آية المائدة ناسخة لآية البقرة).
قال: وهذا إنما يجوز على أن تكون آية البقرة يراد بها الكتابيات خاصة، حرّمن إلى وقت، ثم نسخت بآية المائدة في وقت آخر فبيّن الأزمان بالنسخ، وذهب الحكم الأول بكليته. والاستثناء والتخصيص يزيلان بعض الحكم الأول، والنسخ يزيل الحكم كله فاعرفه، ويكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بالسنة فكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة أولى من كونها ناسخة لها، ليكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بنص القرآن اه الإيضاح ص 8988.
وهذا هو الحق، وهو ما قرره الطبري ومكي وغيرهما، من أن هذا من باب التخصيص وليس من النسخ في شيء، والله أعلم.
(5) (هذا): ساقط من د وظ.
(6) ومما يدل على هذا أن في هذه الآية نفسها أي {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ} ذكر الطبري عن ابن عباس(2/589)
ولو وقع الاصطلاح على تسمية جميع ذلك نسخا ويكون النسخ على ثلاثة أضرب (1) لم يمتنع لاجتماع المعاني الثلاثة في الإزالة للحكم المتقدم.
والناسخ / يكون مدنيا لا غير (2). (54/ أ) فأما أن ينسخ مكيا، أو ينسخ (3) مدنيا نزل قبله (4).
وقد تقدم ذكر المدني والمكي (5)، ونزيد هنا فنقول:
__________
والربيع أنه استثنى من ذلك نساء أهل الكتاب.
وذكر ابن القيم بسندين وألفاظ متقاربة عن محمد بن سيرين عن حذيفة أنه قال: (إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه).
قال ابن القيم: «ومراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة وهو اصطلاح المتأخرين ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، أما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى انهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم، وفي لسانهم: هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر» اه. إعلام الموقعين (1/ 35).
(1) أي ويكون برفع الحكم وإزالته، أو باستثناء بعض أفراده، أو بتخصيص عمومه، فإن هذه المعاني الثلاثة تشترك في معنى الإزالة والله أعلم.
(2) أما القول بنسخ المكي للمكي فهو أمر لم يتفق عليه بين العلماء، وهو قليل، وقد مثل له مكي بن أبي طالب بقوله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآية 7من سورة غافر قال: قال ابن وهب: «هذا ناسخ لقوله في (عسق) {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية 5من سورة الشورى.
قال: وهو من نسخ المكي للمكي، وهو قليل غير متفق عليه» اه الإيضاح ص 399. وهذا قول مرجوح لأن كليهما خبر. وقد نقل السيوطي هذا عن مكي، ثم قال: وأحسن من هذا نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها، أو بإيجاب الصلوات الخمس، وذلك بمكة اتفاقا» اه الإتقان (3/ 71).
(3) في د وظ: وأما ينسخ.
(4) قال مكي: وهذان الأصلان عليهما كل الناسخ والمنسوخ، ولا يجوز أن ينسخ المكيّ المدنيّ.
قال: ويجوز أن ينسخ المكيّ المكيّ الذي نزل قبله، كما جاز أن ينسخ المدنيّ المدنيّ الذي نزل قبله» اه الإيضاح ص 113.
(5) وذلك في أول هذا الكتاب تحت عنوان (نثر الدرر في ذكر الآيات والسور).(2/590)
1 - كل سورة فيها (كلا) (1) فهي مكية.
2 - وكل سورة افتتحت بالحروف فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، واختلف في الرعد.
3 - وكل سورة فيها قصة آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله فهي مكية إلا البقرة.
4 - وما فيه (2) ذكر المنافقين فهو مدني (3).
5 - وقيل ما كان من السور فيه القصص والأنباء عن القرون فهي مكية (4).
6 - وما فيه فريضة أو حد فهو مدني.
7 - وقيل: ما فيه {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} * فهو مدني، وما فيه {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} * ولم يكن فيه {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} * فهو مكي (5).
__________
(1) ذكر هذا اللفظ في القرآن الكريم ثلاثا وثلاثين مرة، في خمس عشرة سورة، كلها في النصف الأخير من القرآن الكريم.
انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص 619، ومناهل العرفان (1/ 196)، وتاريخ المصحف (ص: 102).
(2) في ظ: وما فيها.
(3) سوى العنكبوت. انظر: البرهان (1/ 188)، والإتقان (1/ 48). وقد سبق أثناء الكلام على نثر الدرر في ذكر الآيات والسور من هذا الكتاب أن الآيات الإحدى عشرة الأولى من سورة العنكبوت مدنية والباقي مكية. وأضيف هنا قول الزرقاني: و «التحقيق أن سورة العنكبوت مكية ما عدا الآيات الإحدى عشرة الأولى منها فإنها مدنية، وهي التي ذكر فيها المنافقون» مناهل العرفان (1/ 198).
(4) في بقية النسخ فهو مكي.
(5) لمعرفة هذه الفروق راجع الإيضاح لمكي ص 114، والبرهان للزركشي (1/ 188)، والإتقان (1/ 48). وقلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن ص 37.
وبالنسبة للعلامة الأخيرة التي ذكرها السخاوي فهي من العلامات التي وضعها العلماء لتمييز المكي من المدني. ولكن قال بعضهم: إن هذا ليس على إطلاقه وليست هذه العلامة مطردة، وإنما هي الأكثر والأغلب، حيث قد وجد بعض الآيات والسور مصدرة ب {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} * وهي مدنية كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} الآية 21من سورة البقرة، وهي مدنية، وكأول سورة النساء المبدوءة ب {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} وهي أيضا مدنية.
انظر البرهان (1/ 190)، والإتقان (1/ 47)، ومناهل العرفان (1/ 194) وتاريخ المصحف ص 103)، هذا وقد زاد بعضهم ضوابط وعلامات لمعرفة المكي والمدني غير هذه التي ذكرها السخاوي:
1 - منها كل سورة فيها سجدة فهي مكية.
2 - ذكر لفظ (بني آدم) في السورة فهي مكية.(2/591)
وأما نسخ المكيّ (1) فلم يتفق عليه (2).
وقال العلماء: أول (3) ما نسخ الصلاة إلى بيت المقدس (4). وهذا يدل على أن المكي ليس فيه منسوخ، لأن البقرة مدنية. والنسخ إنما يكون في الأحكام، ولا نسخ في الأخبار، لأن خبر الله عز وجل حق، لا يصح أن يكون على خلاف ما هو عليه (5).
وليس في الفاتحة ناسخ ولا منسوخ.
سورة البقرة: وقد عد قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ولا نهي، وإنما هي أخبار، وذلك غلط.
__________
3 - عناية آى السورة بالدعوة إلى أصول الدين وإلى المقصد الأسمى منه كالإيمان بالله وتوحيده
الخ فهي مكية.
4 - تحدث آى السورة عن مثالب المشركين البغيضة وعاداتهم المنكرة الخ فهي مكية.
5 - تضمن آيات السورة حث العرب على التحلي بأصول الفضائل وأمهات المكارم الخ فهي مكية.
وهذه العلامات الثلاث الأخيرة: بحسب الغالب، إذ قد توجد بعض الآيات في سور مدنية مشتملة على ما اشتملت عليه الآيات المكية والعكس.
6 - ومن علامات المدني: طول أكثر سوره وآياته
7 - ومنها أيضا دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا الانضواء تحت لواء الإسلام، وإقامة البراهين على فساد عقيدتهم
8 - اشتمال السورة على بيان قواعد التشريع التفصيلية والأحكام العملية في العبادات والمعاملات
الخ.
9 - اشتمال السورة على الأذن بالجهاد وبيان أحكامه الخ. انظر: تاريخ المصحف (ص 102، 106) التقاطا.
(1) كلمة (المكي) الثانية ساقطة من ظ. ظنّا منه أنه مكرر.
(2) انظر: الإيضاح ص 113، 399، وسبق قريبا التنويه عنه.
(3) في ظ: أولها نسخ الصلاة.
(4) سيأتي الكلام عليه قريبا بإذن الله.
وقد قال الفيروزآبادي: وأما ترتيب المنسوخات فأولها الصلوات التي صارت من خمسين إلى خمس، ثم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة الخ. بصائر ذوي التمييز (1/ 124).
(5) لأن المخبر يصير بنسخ خبره كاذبا، وشذ قوم فأجازوا النسخ في الأخبار والصحيح أن لا نسخ في الأخبار، وما جاء أنه خبر فهو مقصود به الإنشاء. راجع بصائر ذوي التمييز (1/ 122)، والإيضاح ص 66، وتفسير القرطبي (2/ 65)، والأحكام في أصول الأحكام لابن حزم (4/ 71) والإتقان (3/ 61) والمصفى ص 12.(2/592)
2 (1) نحو قوله تعالى: {وَمِمََّا رَزَقْنََاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2) زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة (3).
3 - وعدوا أيضا من الأوامر والنواهي جملة فقالوا: هي منسوخة نحو قوله عز وجل {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} (4).
4 - وقوله عز وجل: {وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (5)، وذلك لا يصح، ومتى كان للخطاب طريق في الحكم بأنه محكم كان أولى من حمله على أنه منسوخ (6).
__________
(1) الرقم الأول، أي نمرة واحد، تقدم عند قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. ص 589.
ورد السخاوي على من جعل ذلك من باب الناسخ والمنسوخ، وإنما هو من باب التخصيص، كما سبق.
(2) البقرة: 3.
(3) حكاه هبة الله بن سلامة ص 32. وقد رد ابن الجوزي القول بأنها منسوخة، وقال: «بل الصحيح أنها محكمة باقية على عمومها».
انظر نواسخ القرآن ص 128، والمصفى بأكف أهل الرسوخ ص: 14، وكذلك فعل السيوطي، حيث قال: «إن هذا القسم ليس من النسخ في شيء،، ولا من التخصيص ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه، بل حكمها باق، وهي خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق، وذلك يصلح في الزكاة وفي غيرها» اه باختصار. الإتقان (3/ 63).
(4) البقرة: 83قال مكي: من قال: إن معنى الآية: سالموا الناس، وقابلوهم بالقول الحسن جعلها منسوخة بآية السيف، وهو قول قتادة. ومن قال: معناها: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، قال: هي محكمة إذ لا يصلح نسخ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو قول عطاء» اه الإيضاح ص 124.
وراجع الناسخ والمنسوخ لعبد القاهر البغدادي ص 170. وقد حكى الفيروزآبادي القولين، أي أنها منسوخة بآية السيف وقيل محكمة. البصائر (1/ 136).
قال السيوطي: عده بعضهم من المنسوخ بآية السيف، وقد غلطه ابن الحصار بأن الآية حكاية عما أخذه على بني إسرائيل من الميثاق فهو خبر لا نسخ فيه، وقس على ذلك» اه الإتقان (3/ 64).
وأقول: إن القول باحكامها هو الحق إن شاء الله تعالى فإن الآية سيقت لحكاية ما أخذ الله على بني إسرائيل من الميثاق بأن يقولوا للناس حسنا، وهو عام شامل لكل الناس، والله أعلم.
(5) البقرة: 190والصحيح أن الآية محكمة كسابقتها. انظر تفسير الطبري (2/ 190)) والإيضاح ص 156، ونواسخ القرآن ص: 181.
وسيأتي مزيد بيان للكلام حولها إن شاء الله تعالى وذلك عند قوله تعالى: {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ وَلََا تَعْتَدُوا} الآية: 190، من سورة البقرة ص 609.
(6) قال النووي:. «مهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه» اه شرح مسلم (1/ 35).(2/593)
5 - نحو قوله عز وجل: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} (1)، فحمل هذا على أنه محكم أولى (2).
6 - وأما قول عطاء في قوله عز وجل: {لََا تَقُولُوا رََاعِنََا وَقُولُوا انْظُرْنََا} (3) أنه ناسخ لما كانوا عليه من قولهم في الجاهلية والإسلام: راعنا سمعك، أي فرغه لنا، لما وجد اليهود بهذه الكلمة سبيلا إلى السب (4)، لأنها في كلامهم سب (5)، فليس ذلك بصحيح.
ولو كان ذلك ناسخا لكان جميع ما أمرهم به من مكارم الأخلاق، ومما يستحسن في القول والفعل ناسخا لما كانوا عليه (6)، ولهذه الآية نظائر كثيرة.
وكل ما (7) قيل في ذلك بأنه ناسخ لعادة جرت أو شريعة تقدمت، فهذه سبيله، فأعلم ذلك.
__________
(1) البقرة: 109.
(2) قال السيوطي: وهذا من قسم المخصوص لا من قسم المنسوخ، وقد اعتنى ابن العربي بتحريره فأجاد، كقوله {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} وغيرها من الآيات التي خصت باستثناء أو غاية وقد أخطأ من أدخلها في المنسوخ» اه الإتقان (3/ 64). وكان السيوطي قد نقل قبل ذلك قول مكي بن أبي طالب: ذكر جماعة أن ما ورد في الخطاب مشعر بالتوقيت والغاية مثل قوله {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} محكم غير منسوخ، لأنه مؤجّل بأجل، والمؤجّل بأجل لا نسخ فيه» اه المصدر نفسه (3/ 61).
(3) البقرة: 104 {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقُولُوا رََاعِنََا وَقُولُوا انْظُرْنََا وَاسْمَعُوا} الآية.
(4) في ظ: السبب.
(5) ذكره بنحوه مختصرا الطبري بسنده عن عطاء وغيره، إلا إنه لم يذكر في ذلك نسخا. انظر: تفسيره (2/ 470).
وذكره الواحدي مطولا، قال: قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلّى الله عليه وسلّم أعجبهم ذلك، وكان (راعنا) في كلام اليهود سبأ قبيحا، فقالوا: إنا كنا نسب محمدا سرا، فالآن أعلنوا السب لمحمد، فإنه من كلامه، فكانوا يأتون نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، فيقولون: يا محمد (راعنا) ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار، وهو سعد بن عبادة، وكان عارفا بلغة اليهود، وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها؟! فأنزل الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقُولُوا رََاعِنََا} الآية اه. أسباب النزول ص 18وراجع الدر المنثور (1/ 252).
(6) قال مكي: «وقد كان حق هذا ألا يذكر في الناسخ، لأنه لم ينسخ قرآنا، إنما نسخ ما كانوا عليه، وأكثر القرآن على ذلك» اه الإيضاح ص 125، وراجع الإتقان (3/ 64).
وسيأتي مزيد بيان حول هذا إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية فانظره هناك ص 601من هذا الفصل.
(7) في ظ: وكلما.(2/594)
قوله عز وجل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} (1) الآية.
قالوا: هي ناسخة للصلاة إلى بيت المقدس قالوا: والصلاة إلى بيت المقدس، أول ما نسخ (2).
وهذا ليس بناسخ لقرآن، (لأن الصلاة التي للنبي) (3) صلّى الله عليه وسلّم لم تكن بقرآن أنزل عليه (4).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما (أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة قال الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) (5). فصلى النبي (6) صلّى الله عليه وسلّم نحو بيت المقدس ثم صرف إلى البيت (7) العتيق (8)) فعلى هذا تكون الآية ناسخة لقوله سبحانه {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (9) لأنه سبحانه أباح له صلّى الله عليه وسلّم استقبال ما شاء من الجهات ثم نسخه بما ذكرنا (10).
__________
(1) البقرة: 144.
(2) انظر الإيضاح ص 126، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 15وابن سلامة ص 41.
(3) هكذا في الأصل: لأن الصلاة التي للنبي، وفي بقية النسخ: لأن صلاة النبي الخ وهو الصواب.
(4) والصحيح أن الآية محكمة وليست منسوخة كما يقول ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 149، وابن حجر في الفتح (8/ 194)، والكرمي في قلائد المرجان ص 115، والزرقاني في المناهل (2/ 256).
(5) البقرة: 115.
(6) في د: فصلى الله، صلّى الله عليه وسلّم!.
(7) من هنا حصل سقط في (ظق) بمقدار ورقة، تبدأ من كلمة (العتيق) وتنتهي عند عبارة (والذكر والأنثى، وقد مر الكلام الخ) الآتية.
(8) رواه النسائي مختصرا في كتاب الطلاق باب ما استثنى من عدة الطلاق (6/ 187).
وأخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص 146، والحاكم بلفظ أطول وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة»، ووافقه الذهبي (انظر المستدرك كتاب التفسير 2/ 267) وزاد السيوطي عزوه، إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه كلهم عن ابن عباس رضي الله عنهما الدر المنثور ((1/ 265). وذكره الواحدي في أسباب النزول ص 21، والقرطبي في تفسيره 2/ 83.
(9) الآية 115من سورة البقرة.
(10) ويروي هذا عن قتادة ومجاهد انظر سنن الترمذي أبواب التفسير (8/ 294)، وانظر الناسخ والمنسوخ لقتادة ص: 32. قال الفخر الرازي: «أن فسرنا الآية بأنها تدل على تجويز التوجه إلى أي جهة أريد، فالآية منسوخة، وأن فسرناها بأنها تدل على نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فالآية(2/595)
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه (نزلت في صلاة التطوع،، يصلي حيثما توجهت به الراحلة) (1).
وقيل: نزلت في قوم عمّيت عليهم القبلة، فصلوا باجتهادهم إلى جهات مختلفة فأعلموا أن صلاتهم جائزة (2).
وروى عامر بن ربيعة (3) عن أبيه (4) (كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في سفر
__________
ناسخة، وأن فسرناها بسائر الوجوه، فهي لا ناسخة ولا منسوخة» اه.
وقال: إن قوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} مشعر بالتخيير، والتخيير لا يثبت إلا في صورتين:
أحدهما: في التطوع على الراحلة، وثانيهما: في السفر عند تعذر الاجتهاد للظلمة أو لغيرها، لأن في هذين الوجهين المصلي مخير، فأما على غير هذين الوجهين فلا تخيير اه 4/ 19. وسيذكر المصنف الأدلة على هاتين الصورتين أعني التطوع على الراحلة حيثما توجهت به الراحلة، أو الصلاة المكتوبة عند تعذر معرفة القبلة.
وقال ابن الجوزي: وأعلم أن قوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} ليس فيه أمر بالتوجه إلى بيت المقدس ولا إلى غيره، بل هو دال على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها.
ثم قال: فأما التوجه إلى بيت المقدس، فاختلف العلماء، هل كان برأي النبي صلّى الله عليه وسلّم واجتهاده أو كان عن وحي؟
فروى عن ابن عباس وابن جريج أنه كان عن أمر الله تعالى له. وقال الحسن وعكرمة وأبو العالية والربيع: بل كان برأيه واجتهاده ثم ذكر أدلة القولين. نواسخ القرآن ص 146، 148.
والذي يظهر أنه يميل إلى أن ذلك كان باجتهاد منه صلّى الله عليه وسلّم واختياره، بدليل ذكره لخلاف العلماء في سبب اختياره بيت المقدس والله أعلم.
(1) روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} اه.
ثم ذكر مسلم أحاديث تدل على أنه كان صلّى الله عليه وسلّم يصلي صلاة التطوع حيثما توجهت به الراحلة.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (5/ 209). ورواه الترمذي في أبواب التفسير باب ومن سورة البقرة (8/ 292)، وراجع أسباب النزول للواحدي ص 20، 21، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 141.
(2) انظر حديث عامر بن ربيعة الآتي:
(3) الذي روى عن أبيه هو عبد الله بن عامر بن ربيعة وليس عامر هو الذي روى عن أبيه، كما في صحيح مسلم (5/ 212) وسنن الترمذي: (2/ 321) فهو عبد الله بن عامر بن ربيعة، حليف بني عدي، أبو محمد، ولد على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين، مات سنة بضع وثمانين. التقريب (1/ 425)، وتاريخ الثقات ص 263.
(4) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك، حليف آل الخطاب، صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر، وشهد(2/596)
فتغيمت (1) السماء، وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وعلّمنا (2)، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فنزلت {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (3).
8 - ومن هذا: قول الحسن البصري في قوله عز وجل: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ} (4) أنها نزلت في نسخ التراجع الذي كانوا يفعلونه إذا قتل الرجل امرأة كان أولياؤها بالخيار بين قتله مع تأدية نصف ديته، وبين أخذ دية الرجل أو تركه (5)، وأن كان قاتل الرجل امرأة، كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة، وأخذ نصف دية الرجل، فإن (6) شاءوا أخذوا الدية كاملة، ولم يقتلوها.
قال: فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه) (7) اه.
__________
بدرا، مات سنة 33هـ، وقيل غير ذلك. انظر التقريب (1/ 387)، ومشاهير علماء الأمصار ص 33، والإصابة (5/ 277) رقم 4374.
(1) الغيم: السحاب، وقد غامت السماء وأغامت وأغيمت وتغيمت وغيمت، كله بمعنى واحد.
اللسان (12/ 446) (غيم).
(2) وعلمنا بتشديد اللام المفتوحة أي وضعنا أعلاما وخطوطا، تدل على الجهة التي صلينا إليها، حتى نعرف أصبنا أم أخطأنا.
(3) رواه الترمذي بنحوه بسنده إلى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه. أبواب الصلاة باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم (2/ 321)، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك.
قال: وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا، قالوا: إذا صلى في الغيم لغير القبلة، ثم استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة، فإن صلاته جائزة، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق اه. وهذا ما رجحه ابن الجوزي، فقد قال: وهذا الحكم باق عندنا وأن من اشتبهت عليه القبلة فصلى بالاجتهاد فصلاته صحيحة مجزية، وهو قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي، وأبي حنيفة) اه نواسخ القرآن ص 140، وقد أعاد الترمذي ذكره في أبواب التفسير باب ومن سورة البقرة: (8/ 292)، وقال فيه: حديث غريب) اه.
(4) البقرة: (178).
(5) في د وظ: وتركة.
(6) في د وظ: وان شاءوا.
(7) ذكره بنصه النحاس ومكي بن أبي طالب وأبو حيان.
انظر الإيضاح ص 136، والناسخ والمنسوخ ص 20، والبحر المحيط 2/ 10، وذكره الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكن دون أن يذكر أنها نسخت التراجع الذي كانوا يفعلونه.
انظر جامع البيان (2/ 105)، وعزاه القرطبي إلى علي بن أبي طالب أيضا والحسن بن أبي الحسن البصري، وقال: روى هذا الشعبي عن علي ولا يصح، لأن الشعبي لم يلق عليا اه تفسيره (2/ 248).(2/597)
فإن كانت هذه الآية نزلت في ذلك فهي محكمة، ولا يقال: إنها ناسخة لفعلهم لأن فعلهم ذلك لم يكن بقرآن نزل ولا هو حكم من أحكام الله عز وجل (1).
ولا يقال: أيضا لذلك الفعل الذي كانوا يفعلونه منسوخ.
لأنه لم يكن حكما ثابتا بخطاب سابق لهذا الخطاب.
وعن ابن عباس: (أن هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل في المائدة: {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (2) فهذه أوجبت قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل والحر بالعبد والعبد بالحر) (3)، وليس هذا مما أصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما لأن هذه الآية إنّما هي (4) أخبار من الله عزّ وجلّ بما أنزل في (5) التوراة.
فإن قيل: فقد قال: بعد ذلك: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} (6)، قلت: أراد سبحانه أن اليهود خالفوا التوراة، ولم يحكموا بها، وقال بعد ذلك: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتََابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ}
__________
قال الفخر الرازي: وهو أيضا ضعيف عند النظر، لأنه قد ثبت أن الجماعة تقتل بالواحد ولا تراجع، فكذلك يقتل الذكر بالأنثى ولا تراجع، ولأن القود نهاية ما يجب في القتل فلا يجوز وجوب غيره معه اه. تفسيره (5/ 15).
(1) انظر: تفسير أبي حيان (2/ 10).
(2) المائدة: (45).
(3) رواه النحاس في الناسخ عن ابن عباس ص 20، وفي سنده جويبر بن سعيد الأزدي صاحب الضحاك، ضعيف جدا، ليس بشيء، توفي نحو 140هـ. التقريب (1/ 136) والميزان (1/ 427)، وأيضا فإن أبا عبيد يقول: إن ابن عباس يذهب إلى أن آية المائدة ليست بناسخة للتي في البقرة، ولكنها كالمفسرة لها، فهما محكمتان. انظر الناسخ والمنسوخ له ص 336.
وقد ذكر كل من مكي، وابن الجوزي النسخ عن ابن عباس ورداه. قال مكي: وهذا لا يجوز عند جماعة من العلماء اه الإيضاح ص 134. وقال ابن الجوزي: وهذا القول ليس بشيء لوجهين:
أحدهما: أنه إنما ذكر في آية المائدة ما كتبه على أهل التوراة، وذلك لا يلزمنا
والثاني: أن دليل الخطاب عند الفقهاء حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه، وقد ثبت بلفظ الآية أن الحر يوازي الحر فلأن يوازي العبد أولى، ثم أن أول الآية يعم، وهو قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ}، وإنما نزلت فيمن كان يقتل حرا بعبد وذكرا بأنثى، فأمروا بالنظر بالتكافؤ اه نواسخ القرآن ص 156، 157، وانظر: زاد المسير (1/ 180).
(4) (إنما هي): ساقطة من ظ: وكان الناسخ أضافها في الحاشية إلا أنها لم تظهر.
(5) (في): ساقطة من ظ.
(6) أي آخر الآية سالفة الذكر {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ}.(2/598)
{وَلََا تَتَّبِعْ أَهْوََاءَهُمْ عَمََّا جََاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنََا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهََاجاً} (1).
فأعلمنا سبحانه أن (2) لنا شرعة تخالف شرعتهم، ومنهاجا يخالف منهاجهم. وقال الشعبي وغيره: آية البقرة نزلت في قوم اقتتلوا، فقتل بينهم جماعة كثيرة، وكانت احدى الطائفتين تعاظمت على الاخرى، وأرادت أن تقتل بالعبد منها الحر من الاخرى، وبالأنثى الرجل، فنزلت (3).
ثم هي لمن أراد مثل ما طلبوا (4).
قال هؤلاء: فهي محكمة، وليس هذا بصحيح، فإن الرجل يقتل بالمرأة (5) عند عامة الفقهاء (6).
إلّا ما ذكر عن (7) عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة (8)، إلّا أن يريدوا قتل الرجل الحر بالأمة، فيكون قول الله عزّ وجلّ {وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ} أي الأنثى من الاماء بالأنثى منهن أي لا يقتل (9) بالأمة الرجل الحر، إنما (10) يقتل بها أنثى
__________
(1) المائدة (48).
(2) في ظ: فأعلمنا سبحانه وأن لنا شرعة الخ. حيث أقحمت الواو.
(3) ذكر هذا الطبري بسنده إلى الشعبي وقتادة ومجاهد. انظر: جامع البيان (2/ 103)، وعزاه النحاس والواحدي إلى الشعبي. انظر الناسخ والمنسوخ ص 20، وأسباب النزول ص: 26. ونسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
انظر: أسباب النزول له ص 65، والدر المنثور (1/ 418).
(4) انظر الإيضاح ص 135.
(5) في الأصل: حصل تداخل في بعض العبارات هنا، فاستدرك الناسخ ذلك في الحاشية، ولم يغير في الصلب.
(6) انظر: تفسير الطبري (2/ 105)، والإيضاح ص 137136قال القرطبي: «وأجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل والجمهور لا يرون الرجوع» بشيء اه الجامع لأحكام القرآن (2/ 248)، قال الشوكاني: وهو الحق اه انظر: فتح القدير (1/ 175).
وراجع المسألة مفصلة في تفسير القرطبي ونيل الأوطار (7/ 16).
(7) في ظ: إلا ما ذكر عن ابن عبد العزيز، وكان الناسخ أضافها في الحاشية إلا أنها لم تظهر.
(8) قال أبو حيان: وهذا خلاف شاذ. انظر: البحر المحيط: 2/ 11. وقد قال هؤلاء ومن نحا نحوهم: لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية. راجع نيل الأوطار (7/ 16).
(9) في ظ: لا تقتل.
(10) في ظ: بما.(2/599)
مثلها أو عبد مثلها، وفيه بعد، لأن قوله عزّ وجلّ {وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ} يقتضي ألا تقتل الأنثى إلّا بأنثى (1) (2).
وقيل: إنهم أرادوا قتل امرأتين بامرأة، وقتل رجلين برجل (3)، فعلى هذا يصح معنى الآية.
وقال السدي وغيره: اقتتل فريقان على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في ديات قتلاهم، ديات النساء بديات النساء، وديات الرجال بديات الرجال (4).
قال هؤلاء: فهي في شيء بعينه، وهي على هذا الحكم باقية لمن أتى بعدهم، وهي محكمة (5).
وعلى هذا الذي ذكروه يصح تأويل الآية ومعناها أيضا.
وذهب سعيد بن المسيب والثوري، والنخعي، وقتادة، وأبو حنيفة، وأصحابه، إلى أن آية البقرة منسوخة بقوله عزّ وجلّ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فأجروا القصاص بين الحر والعبد (6) والذكر والأنثى (7)، وقد مرّ الكلام على أنها غير
__________
(1) في ظ: بالأنثى.
(2) وتقتل الأنثى بالرجل من باب أولى كما سبق قريبا وهو قول الجمهور وقد نقل أبو حيان عن مالك قوله: أحسن ما سمعت في هذه الآية أنه يراد به الجنس الذكر والأنثى سواء فيه، وأعيد ذكر الأنثى توكيدا واهتماما بإذهاب أمر الجاهلية اه. البحر المحيط (2/ 11).
(3) قال أبو حيان: وكانوا في الجاهلية يفعلون ذلك ويقتلون بالواحد الاثنين والثلاثة والعشرة اه البحر المحيط (2/ 15).
(4) أخرجه ابن جرير بسنده إلى السدي. انظر: جامع البيان 2/ 104، وكان الطبري قد قال قبل ذكره لرواية السدي هذه قال قوم: «نزلت هذه الآية في فريقين كان بينهم قتال على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقتل من كلا الفريقين جماعة من الرجال والنساء، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلح بينهم بأن يجعل ديات النساء من كل واحد من الفريقين قصاصا بديات النساء من الفريق الآخر، وديات الرجال بالرجال، وديات العبيد بالعبيد» اه وانظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 20.
(5) راجع الإيضاح لمكي ص 136.
(6) إلى هنا نهاية الورقة الساقطة من ظق.
(7) قال الشوكاني: وقد استدل القائلون بأن الحر لا يقتل بالعبد بقوله تعالى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} وهم الجمهور، وذهب أبو حنيفة وأصحابه، والثوري وابن أبي ليلى وداود إلى أنه يقتل به.
قال القرطبي: وروى ذلك عن علي وابن مسعود، وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي، وقتادة والحكم بن عيينة، واستدلوا بقوله تعالى {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، وأجيب بأن آية البقرة مفسرة لآية المائدة، وآية المائدة أيضا حكاية عما شرعه الله لبني إسرائيل، ومن جملة ما(2/600)
منسوخة، وأن آية المائدة لا تصلح أن تكون (1) ناسخة.
9 - ومما عدوه ناسخا وليس كما قالوا: قوله عزّ وجلّ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (2).
قالوا: هو ناسخ لما كان عليه بنوا إسرائيل، أباح الله به العفو عن القاتل، وأخذ الدية، ولم يكن ذلك لهم (3).
والكلام في ذلك كما تقدم في قوله عزّ وجلّ {لََا تَقُولُوا رََاعِنََا} (4).
10 - وقوله عزّ وجلّ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (5) الآية، يجوز أن تكون منسوخة بآية الميراث (6) وأن تكون (7)
محكمة (8).
__________
استدل به الآخرون: قوله صلّى الله عليه وسلّم «المسلمون تتكافأ دماؤهم»، وأجيب عنه بأنه مجمل والآية بينته، ولكنه يقال: «ان آية البقرة إنما أفادت بمنطوقها أن الحر يقتل بالحر، والعبد يقتل بالعبد، وليس فيها ما يدل على أن الحر لا يقتل بالعبد إلا باعتبار المفهوم، فمن أخذ بمثل هذا المفهوم لزمه القول به هنا، ومن لم يأخذ بمثل هذا المفهوم لم يلزمه القول به هنا» اه باختصار فتح القدير 1/ 175. فالأولى التعويل على الأحاديث القاضية بأنه لا يقتل الحر بالعبد، وعلى ما ورد من الأحاديث القاضية بأنه يقتل الذكر بالأنثى. راجع نيل الأوطار 7/ 17.
(1) في د: أن يكون.
(2) أي آخر الآية التي سبق الحديث عنها وهي قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}.
(3) روى نحوه ابن جرير عن قتادة. انظر: جامع البيان (2/ 111) وروى نحوه كذلك النحاس بسنده عن مجاهد عن ابن عباس. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 21.
وذكره مكي بن أبي طالب، ثم قال: وقد كان يجب ألا يذكروا هذه الآية وشبهها في الناسخ والمنسوخ، لأنها كآي القرآن كلها التي نسخت شرائع الكفار وأهل الكتاب، ولو نسخت آية أخرى لوجب ذكرها اه الإيضاح ص 138137.
(4) أي قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقُولُوا رََاعِنََا وَقُولُوا انْظُرْنََا وَاسْمَعُوا} الآية 104من سورة البقرة: راجع الكلام عليها ص 594من هذا البحث.
(5) البقرة: 180.
(6) آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية 11من سورة النساء.
(7) في ظ: وأن تكن.
(8) الذي تبين لي من كلام العلماء أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث حيث جعل الله لمن يرث نصيبا معلوما مفروضا، والحق بكل ذي حق حقه من الميراث، وليست لهم وصية، وتبقى الوصية مندوبة لمن لا يرث من قريب أو غيره، لأنه لا وصية لوارث، كما دلت على ذلك الأحاديث. انظر في هذا(2/601)
وقالوا (1): كانت الوصية للوالدين والأقربين، ثم نسخ ذلك.
وقيل: معناها: أن يوصى للوالدين والأقربين بإمضاء ما فرضه الله لهم وسوّغه من مال الميت، وأن لا يتعدى حكم الله فيه (2)، فتكون (3) على هذا محكمة، قالوا: ومما يؤيد أنها منسوخة أنها نزلت قبل أن ينزل ما في النساء (4).
وقال طاوس، والحسن وغيرهما: هي محكمة (5).
وقيل: بعضها منسوخ، وهو قوله تعالى {لِلْوََالِدَيْنِ}، وبعضها محكم وهو (قول) (6) الوصية للأقربين.
وممن قال ذلك: الشعبي والنخعي واختاره الطبري، ويروى ذلك عن الحسن وعن قتادة والضحاك (7).
وقال الضحاك: (من مات ولم يوص للأقربين فقد ختم عمله بمعصية) (8).
وقال الحسن وطاوس: إذا أوصى بثلث ماله للأجنبي، فلقرابته من ذلك (9)
الثلثان، وللأجنبي الثلث (10).
__________
الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 35، وسنن الدارمي كتاب الوصايا باب الوصية للوارث: (2/ 419) والناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 25، وللبغدادي ص 237، والإيضاح لمكي ص 141، ونواسخ القرآن ص 159، وزاد المسير (1/ 182)، والدر المنثور 1/ 424والتسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي (1/ 71) وتفسير ابن كثير 1/ 211، وقلائد المرجان ص 59، ومناهل العرفان (2/ 257).
(1) في بقية النسخ: قالوا. بدون واو.
(2) ذكره الفخر الرازي بنحوه، وقال: انه اختيار أبي مسلم الاصفهاني انظر: مفاتيح الغيب 5/ 61.
(3) في د: فيكون.
(4) قال مكي: قد أجمع المفسرون أن قوله «الوصية للوالدين» نزل قبل نزول آية المواريث اه الإيضاح ص 142.
(5) انظر: قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن ص 59.
(6) هكذا في الأصل: وهو قول الوصية للأقربين. وفي بقية النسخ بدون كلمة (قول) وهو الصواب.
(7) انظر: الإيضاح لمكي ص 143، وراجع تفسير الفخر الرازي: 5/ 63.
(8) أخرجه الطبري بسنده عن جويبر عن الضحاك. انظر: جامع البيان 2/ 116، وقد سبق قريبا عند الكلام على قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ} أن جويبر هذا ضعيف جدا سيّئ الحفظ، فالأثر ضعيف من حيث السند، ثم إنه أيضا من ناحية المعنى فإنه يحكم على عمل بكونه معصية، وهذا لا يقال إلا من المشرع الذي لا ينطق عن الهوى ولا يقال بالاجتهاد والرأي.
والله أعلم.
(9) الإشارة تعود إلى الثلث، فلقرابته الثلثان من ذلك الثلث، وللأجنبي ثلث الثلث.
(10) أخرجه ابن جرير عن الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى. انظر تفسيره 2/ 117.(2/602)
11 - وقال قوم: في قوله عزّ وجلّ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1) أن الآية منسوخة (2)، وأن المسلمين كانوا يقتدون بفعل أهل الكتاب في
__________
وذكره مكي في الإيضاح ص 144، وعزاه إلى الحسن وطاوس. وعزاه السيوطي إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن وطاوس الدر المنثور (1/ 423).
تتمة: رأيت في ختام الكلام عن هذه الآية أن أنقل ما ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى حولها ففيه ما يشفي ويكفي، وهو عبارة عن خلاصة ما ذكره المفسرون حول هذه الآية قال: «اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبا على أصح القولين قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل منة الموصي، ولهذا جاء في الحديث الذي في السنن وغيرها عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب وهو يقول: ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، ثم ساق الآثار عن ابن عباس وغيره، والتي تدل على أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث، قال: ومن العلماء من يقول انها منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث وهو مذهب ابن عباس والحسن ومسروق وطاوس والضحاك ومسلم بن يسار والعلاء بن زياد، وبه قال سعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان، ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخا في اصطلاحنا المتأخر، لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية، لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى، وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت، فأما من يقول إنها كانت واجبة وهو الظاهر من سياق الآية فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء.
فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع، بل منهى عنه للحديث المتقدم، فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض والعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلية، بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم، يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية وشمولها، ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما حق امرى مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده اه باختصار من تفسير ابن كثير 11/ 212211.
(1) البقرة: 183.
(2) حكاه النحاس عن أبي العالية والسدي، انظر الناسخ والمنسوخ ص 25، وممن قال بنسخها ابن حزم، قال: نسخت بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} الآية 187من سورة البقرة. وقال بنسخها ابن سلامة ص 6255، وعبد القاهر البغدادي، بل ادّعى الاتفاق على نسخها، حيث أورد هذه الآية في باب ذكر الآيات التي اتفقوا على نسخها وناسخها من القرآن.
وقال: ان الذي نسخها قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية 185من السورة نفسها. انظر الناسخ والمنسوخ ص 72.
ويفهم من كلام مكي أنه كذلك يميل إلى القول بنسخها، حيث أورد الأقوال في كونها منسوخة أو ناسخة أي لصوم يوم عاشوراء أو ثلاثة أيام من كل شهر.(2/603)
صومهم، فكانوا إذا ناموا حرّم عليهم بعد نومهم أن يأكلوا أو يشربوا أو يقربوا النساء، وكذلك بعد صلاة العشاء الآخرة وإن لم يناموا.
وليس هذا القول بشيء، وإنّما المعنى: فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم، أي أوجبه الله تعالى عليكم كما أوجبه على الذين من قبلكم (1).
قال علي رضي الله عنه (أولهم آدم، وجميع الأمم مفروض عليهم الصوم) (2)، وقال قوم: أراد بقوله {أَيََّاماً مَعْدُودََاتٍ} يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان (3)، وهذا غير صحيح (4)، لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عزّ وجلّ {شَهْرُ رَمَضََانَ}.
__________
إلى أن قال: وقوله عز وجل {عَلِمَ اللََّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتََانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتََابَ عَلَيْكُمْ وَعَفََا عَنْكُمْ} الآية 187من السورة نفسها، يدل على أن الله فرض علينا ما كان فرضه على من كان قبلنا من الصيام وترك الطعام والشراب والوطء بعد النوم، فهو منسوخ بما بعده، دليل ذلك أن الخيانة لا تلحق إلا من ترك ما أمر به وفعل ما نهى عنه اه الايضاح ص 147. وقال بنسخها كذلك ابن العربي وتابعه السيوطي. انظر: الإتقان 3/ 65.
فهذه أقوال الذين قالوا بنسخها مع اختلافهم في الناسخ كما ترى، وهي أقوال مرجوحة، وإنما الصحيح أن الآية محكمة كما سيذكره المصنف وكما ذكره ابن الجوزي وغيره فيما يأتي. والله أعلم.
(1) وهذا ما رجحه الإمام الطبري أي أن الآية لا ناسخة ولا منسوخة انظر: جامع البيان (2/ 131، 132).
وقد ذكر مكي بن أبي طالب عن الشعبي ومجاهد والحسن أن الآية محكمة، غير ناسخة ولا منسوخة) اه الإيضاح ص 148. وقد مال ابن الجوزي إلى أن الإشارة بقوله: {كَمََا كُتِبَ}
ليست إلى صفة الصوم ولا إلى عدده، وإنما إلى نفس الصوم، والمعنى: كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم.
قال: وأما صفة الصوم وعدده، فمعلوم من وجوه أخر، لا من نفس الآية، وهذا المعنى مروي عن ابن أبي ليلى، وقد أشار السدي والزجاج والقاضي أبو يعلى (إلى هذا)، وما رأيت مفسرا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومى إليه، وهو الصحيح
وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخة أصلا اه نواسخ القرآن ص 170، وذكره كذلك بنحوه مختصرا في كتابه المصفى بأكف أهل الرسوخ ص 18. وممن نفى النسخ الشيخ الزرقاني. انظر مناهل العرفان (2/ 259).
(2) لم أقف على من ذكره مسندا إلى علي رضي الله عنه وإنما ذكره أبو حيان عنه دون إسناد. انظر:
البحر المحيط 22/ 29.
(3) انظر: الإيضاح ص 147146.
(4) أي تفسير الأيام المعدودات بيوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. وأنها نسخت بشهر رمضان،(2/604)
12 - وأما قوله عزّ وجلّ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين (1) قيل: إنها منسوخة، وكانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2).
__________
فهذا غير صحيح، بل الصحيح الذي قاله العلماء المحققون أن المراد بالأيام المعدودات «شهر رمضان» كما بينه السخاوي رحمه الله وهو اختيار الطبري، فقد ساق الروايات في ذلك ثم قال:
وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال: عني الله جل ثناؤه بقوله: {أَيََّاماً مَعْدُودََاتٍ} أيام شهر رمضان. ورد على القائلين الذين قالوا: إن الله فرض على الأمة الإسلامية صياما غير صيام شهر رمضان وفند ذلك قائلا: فمن ادعى ذلك فعليه بالدليل والبرهان) اه جامع البيان (2/ 131).
وبناء على هذا فلا نسخ، وراجع أحكام القرآن لابن العربي (1/ 76). وتفسير الفخر الرازي (5/ 71) وزاد المسير (1/ 185)، وتفسير القرطبي (2/ 276)، والبحر المحيط (2/ 30)، ولباب التأويل (1/ 129) وروح المعاني (2/ 57).
ويفهم من كلام المصنف أن صيام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر كان مكتوبا على رسول الله، وقد سمعنا ما قاله الإمام الطبري في الرد على هذا القول، ولكن بالنسبة لفرضية صوم يوم عاشوراء، فقد روى البخاري رحمه الله أحاديث تدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصومه وأنه أمر الناس بصيامه، حتى فرض رمضان فصار بالخيار فمن شاء صام ومن شاء أفطر
قال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك وذكر عدة مؤكدات، ومنها قول ابن مسعود الثابت في مسلم (لما فرض رمضان ترك عاشوراء) مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه اه فتح الباري (4/ 244، 247).
وبالنسبة لصيام ثلاثة أيام من كل شهر فقد روى النسائي بأسانيد مختلفة وألفاظ متقاربة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بصيامها وليس فيها ما يدل على أنها كانت فرضا مكتوبا عليه وعلى أمته ثم نسخت بشهر رمضان. انظر سنن النسائي (4/ 222)، من كتاب الصيام.
(1) البقرة: 184. وهي هكذا في النسخ «فدية طعام مساكين» قرأ نافع وابن ذكوان، (فدية طعام) بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين في «فدية»، وبرفع «الطعام»، وقرأ نافع وابن عامر «مساكين» بالجمع، وقرأ الباقون بالتوحيد منونا مخفوضا بالاضافة الكشف (1/ 282)، والتبصرة ص 266، والنشر: 2/ 226.
(2) البقرة: 185. روى البخاري في صحيحه بسنده عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين» كان من أراد أن يفطر ويفتدي فعل، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها كتاب التفسير (5/ 155).
ورواه مسلم في كتاب الصيام باب بيان قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} 8/ 20، وانظر:
الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد 190184، قال ابن حزم: بعد أن ذكر نص الآية هذه الآية نصفها منسوخ وناسخها قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} يعني فمن شهد منكم الشهر حيا بالغا حاضرا صحيحا عاقلا فليصمه اه. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 26، وراجع الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 37، ولابن سلامة ص 64.(2/605)
وقيل: أنها محكمة (1).
وقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} يريد به من أفطر لمرض، ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر. فإنه يصوم الذي أدركه، فإذا فرغ منه قضى الذي فاته، وأطعم عن كل يوم مدا (2).
وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي بعد ذلك إذا أطاق (3)، ولا اطعام عليه.
وهذا القول: قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه (4).
ويجوز والله أعلم أن تكون (5) محكمة، ويكون المعنى قوله {وَعَلَى الَّذِينَ}
__________
فالأشهر في هذه الآية والمعول عليه أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
كما قال مكي في الإيضاح ص 149والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 2926. واختار القول بنسخها ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 79) والجصاص (1/ 177)، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 177، 178، وفي المصفى بأكف أهل الرسوخ ص 18، قال: «وفي هذا مضمر تقديره: وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية» اه.
وانظر تفسير النسفي 1/ 94، ومناهل العرفان (2/ 259).
(1) حكاه النحاس، قال: من لم يجعلها منسوخة جعلها مجازا، قال: المعنى: يطيقونه على جهد، أو قال: كانوا يطيقونه، فأضمر (كان) وهو مستغن عن هذا. اه وحكى الأحكام مكي وابن الجوزي، والقرطبي، والزرقاني، انظر: المصادر السابقة، والجامع لأحكام القرآن (2/ 228).
(2) انظر: الموطأ للإمام مالك كتاب الصيام باب إذا لم يقض حتى دخل رمضان أطعم وقضى 1/ 303.
وهذا يعد خروجا عن معنى الآية وعما يقصده المصنف من النسخ وعدمه.
(3) في بقية النسخ: فإنه يقضي إذا أطاق ذلك.
(4) ذكر هذا بنحوه مكي. انظر الإيضاح ص 151.
قال الجصاص: وقد اختلف الفقهاء فيمن أخر القضاء حتى حضر رمضان آخر، فقال أصحابنا جميعا: يصوم الثاني عن نفسه ثم يقضي الأول، ولا فدية عليه، وقال مالك والثوري والشافعي والحسن بن صالح: إن من فرط في قضاء الأول أطعم مع القضاء كل يوم مسكينا. وقال الثوري والحسن بن حيّ: لكل يوم نصف صاع بر، وقال مالك والشافعي: كل يوم مدا.
وان لم يفرط بمرض أو سفر، فلا إطعام عليه) اه أحكام القرآن: 1/ 210، وراجع المحرر الوجيز لابن عطية (1/ 513)، والإيضاح لمكي ص: 151. وشرح النووي على مسلم 8/ 21، 23، والمغني لابن قدامة (3/ 144)، ونيل الأوطار (4/ 234).
(5) في د وظ: أن يكون.(2/606)
{يُطِيقُونَهُ}: أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر، فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين.
والسنة بينت الاطعام، وزادت العتق والصيام (1).
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم، بمتفق عليه بين الصحابة، إنّما ذلك قول معاد بن جبل رحمه الله (2)، وقد خالفه
__________
(1) لم يبين المصنف رحمه الله تعالى نوع الإفطار المتعمد هل كان بالجماع أم بغيره؟ فإن كان بالجماع فقد تولت السنة بيان الكفارة في ذلك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: هلكت يا رسول الله قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟
قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا) الحديث 7/ 225بشرح النووي.
ورواه البخاري في كتاب الصوم باب إذا جامع في رمضان (2/ 235). وإن كان الإفطار بغير الجماع فالصحيح من أقوال أهل العلم، أن الذي يفطر بأي أنواع المفطرات غير الجماع، فإنه يلزمه القضاء دون الكفارة، قال الإمام الشافعي: (فإن أكل أو شرب عامدا للأكل والشرب ذاكرا للصوم فعليه القضاء) اه. كتاب الأم باب ما يفطر الصائم 2/ 96. وقال ابن تيمية: ولا أعلم خلافا بين أهل العلم أن من استقاء عامدا فعليه القضاء، ولكن اختلفوا في الكفارة، فقال عامة أهل العلم ليس عليه غير القضاء.
وقال عطاء: عليه القضاء والكفارة، وحكى عن الأوزاعي، وهو قول أبي ثور، قلت: ابن تيمية وهو مقتضى إحدى الروايتين عن أحمد في إيجابه الكفارة على المحتجم، فإنه إذا أوجبها على المحتجم، فعلى المستقيء أولى، لكن ظاهر مذهبه أن الكفارة لا تجب بغير الجماع كقول الشافعي الفتاوي 25/ 221، 222.
وفي زاد المستقنع لشرف الدين الحنبلي: ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان اه ص 81، ولعل قائلا يقول: قد جاء في بعض روايات مسلم في الحديث السابق (أن رجلا أفطر في رمضان) الحديث 7/ 226.
قال الشوكاني: وبهذا استدلت المالكية على وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بجماع أو غيره والجمهور حملوا المطلق على المقيد، وقالوا: «لا كفارة إلا في الجماع» نيل الأوطار 4/ 215.
وهذا هو الصحيح حيث لم يرد نص في غير الجماع ولا يقاس غيره عليه. والله تعالى أعلم.
(2) هو جزء من حديث طويل مروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب كيف الأذان (1/ 338)، وأحمد في مسنده (5/ 546) والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. انظر المستدرك (2/ 274) وراجع الدر المنثور (1/ 427).
ولم ينفرد معاذ رضي الله عنه بهذا القول كما يفهم من عبارة المصنف فقد ذكره ابن الجوزي عن معاذ وابن مسعود وابن عمر والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والنخعي والزهري رضي الله عنهم.
انظر نواسخ القرآن ص 175.(2/607)
ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وقرءا وعلى الذين يطوّقونه بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو (1).
وقال ابن عباس: رضي الله عنه (نزلت في الكبيرين الذين لا يقدران (2) على الصوم، والمريض أيضا (3)) (4).
وعلى هذه القراءة أيضا: عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة (5). وعن مجاهد: (يطّوّقونه) بفتح الياء وتشديد الطاء والواو أي يتكلفونه (6). ومعنى الأولى: يكلفونه على جهد وعسر.
ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل انها منسوخة، ولها وجه (7) تحمل عليه فتكون محكمة (8) من ذلك:
__________
وراجع زاد المسير (1/ 186) والمحرر الوجيز لابن عطية (1/ 512) والبحر المحيط (2/ 36).
وهو قول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه كما سبق قريبا في الحديث الذي رواه البخاري عنه.
(1) وهي قراءة شاذة وسيذكر المصنف معناها. انظر مختصر شواذ القرآن لابن خالويه ص 11، وتفسير الطبري (2/ 132)، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 27، وزاد المسير (1/ 186)، ونواسخ القرآن ص 177.
(2) في ظ: لا يقدرون.
(3) كلمة (أيضا) ليست في بقية النسخ.
(4) رواه الدارقطني في سننه كتاب الصوم، وقال: هذا إسناد صحيح (2/ 205)، وهذا يشمل جميع أهل الأعذار الذين يباح لهم الفطر. وانظر الدر المنثور (1/ 432) وتفسير القرطبي (2/ 288) ونواسخ القرآن ص 176.
(5) انظر الإيضاح ص 151، وجامع البيان (2/ 138137).
(6) الإيضاح ص 152، وهي قراءة شاذة كسابقتها، ونسب ابن عطية والقرطبي هذه القراءة إلى ابن عباس، وعائشة وطاوس وعمرو بن دينار. انظر المحرر الوجيز (1/ 511)، وتفسير القرطبي:
(2/ 287)، قال القرطبي: «وهي صواب في اللغة، لأن الأصل (يتطوقونه)، فأسكنت التاء وأدغمت في الطاء فصارت طاء مشددة، وليست من القرآن، خلافا لمن أثبتها قرآنا، وإنما هي قراءة على التفسير) اه وراجع البحر المحيط (2/ 35).
(7) في د: ولها وجهة.
(8) يفهم من كلام المصنف رحمه الله أنه شرع في ذكر الآيات التي قيل إنها منسوخة وقيل إنها محكمة وهذا مخالف لما سبق أن ذكره في بعض الآيات والتي حكى فيها القولين، وأكبر دليل على ذلك كلامه على الآية السابقة (وعلى الذين يطيقونه) حيث حكى القول بنسخها وبإحكامها فليتأمل.(2/608)
1 - قوله عزّ وجلّ {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ وَلََا تَعْتَدُوا} (1) قيل: هي منسوخة (2)، نزلت في قتال من قاتل، ونسخها الأمر بقتال المشركين، وهي محكمة، على أن قوله سبحانه {وَلََا تَعْتَدُوا} أي لا تعتدوا، فتقتلوا الصبيان والنسوان، ومن لا قدرة له على القتال، كالشيخ الفاني والراهب الذي (3) لا يقاتل (4).
2 - وقوله عزّ وجلّ {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ} (5) قال قتادة:
هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (6).
أي شرك، وبقوله: {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} (7) (8).
وقيل: إنها ناسخة لقوله عزّ وجلّ {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (9). ثم
__________
(1) البقرة: 190.
(2) حكى البغدادي نسخها عن ابن عباس. انظر الناسخ والمنسوخ ص 79وذكره الطبري بسنده إلى الربيع وابن زيد، جامع البيان (2/ 189)، وممن قال بالنسخ هنا ورجحه مكي بن أبي طالب والقرطبي، انظر: الإيضاح ص 196، والجامع لأحكام القرآن (2/ 348).
(3) (الذي) في ظ: مكررة.
(4) أما بالنسبة لآخر الآية {وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فقد سبق أن ذكرها المصنف ضمن الآيات التي ادّعي فيها النسخ، والصحيح أنها محكمة لأنها جاءت في سياق الأوامر والنواهي، فالقول بنسخها لا يصح، لأنه متى كان للخطاب طريق في الحكم بأنه محكم، كان أولى من حمله على أنه منسوخ. انظر ص 593. وأما بالنسبة لأول الآية فقد حكي الطبري أحكامها عن ابن عباس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز.
وقال: (بعد أن سرد الروايات في ذلك وأولى هذين القولين بالصواب القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز أي لا تقاتل من لا يقاتلك، يعني النساء والصبيان والرهبان لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحد) اه جامع البيان (2/ 190). وممن قال ان الآية محكمة: ابن حزم الأنصاري ص 27، والنحاس:
ص 33. وراجع كلام العلماء بتوسع حول هذه الآية في نواسخ القرآن ص 178فما بعدها.
(5) البقرة (191).
(6) البقرة (193).
(7) التوبة (36).
(8) انظر: كتاب الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 33. ونقل الطبري ومكي قول قتادة هذا. انظر: جامع البيان (2/ 192) والإيضاح ص 157، وراجع الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 27، وللبغدادي ص 185، والنحاس ص 34، وتفسير القرطبي (2/ 351)، والدر المنثور (1/ 495).
(9) النساء (91).(2/609)
نسخت بقوله عزّ وجلّ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1)، فصارت أعني آية البقرة ناسخة لآية النساء منسوخة بآية التوبة، وهذا معدوم النظير (2).
وقيل: ليست آية البقرة بناسخة ولا منسوخة، وإنما هي مخصوصة بالنهي عن القتال في الحرم، ولا يحل القتال فيه، إلّا لمن قاتل، قال ذلك: مجاهد وطاوس (3).
وأكثر العلماء على وجوب قتال المشركين أينما كانوا بآية التوبة، وآية التوبة نزلت بعد البقرة بمدة متطاولة (4).
3 - قوله عزّ وجلّ {الشَّهْرُ الْحَرََامُ بِالشَّهْرِ الْحَرََامِ وَالْحُرُمََاتُ قِصََاصٌ فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ}
__________
(1) التوبة: 5وهي التي تسمى بآية السيف.
(2) ذكر هذا مكي في الإيضاح ص 157. وهذا ان سلم القول بالنسخ، وإلا فإن الراجح الأحكام كما سيأتي قريبا في الهامش الآتي والذي بعده.
قال ابن الحزم الظاهري: تحت عنوان هل يجوز نسخ الناسخ؟ قال: (ولا فرق بين أن ينسخ الله تعالى حكما بغيره، وبين أن ينسخ ذلك الثاني بثالث وذلك الثالث برابع، وهكذا كل ما زاد، كل ذلك ممكن إذا وجد وقام برهان على صحته) اه الأحكام في أصول الأحكام (4/ 80).
(3) ذكره النحاس بنحوه عن مجاهد وطاوس ص 34. وهذا هو الذي عليه جمهرة العلماء، فقد قال القرطبي: قال مجاهد الآية محكمة، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل وبه قال طاوس، وهو الذي يقتضيه نص الآية، وهو الصحيح من القولين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه اه الجامع لأحكام القرآن (2/ 351)، وانظر أحكام القرآن للجصاص (1/ 259)، ولابن العربي (1/ 108107) وزاد المسير (1/ 199)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 182، والبحر المحيط (2/ 67).
(4) ذكره النحاس بنحوه عقيب ذكره لرواية قتادة التي تفيد أن الآية منسوخة وقد سبق ذكرها قال:
وأكثر أهل النظر على هذا القول أي أن الآية منسوخة ص 53. وذكره كذلك مكي بن أبي طالب بنحو ما ذكره المصنف. انظر: الايضاح ص (157، 158).
والذي ظهر لي كما قلت آنفا من خلال ما قاله العلماء كالقرطبي وابن الجوزي وغيرهما أن الآية محكمة وأنه لا يجوز قتال المشركين في الحرم إلا بعد قتالنا، عند ذلك يجوز لنا أن ندفع عن أنفسنا، بدليل الآية التي ذكرها المصنف {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ} وتمامها، {فَإِنْ قََاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} فهذا خاص، والأمر بقتال المشركين كافة عام، فيكون هذا من باب التخصيص لا من باب النسخ. والله أعلم.
أما بالنسبة لنزول التوبة بعد نزول البقرة بمدة طويلة، فقد سبق الكلام عن ترتيب السور المكية والمدنية في أول هذا الكتاب، وذكر السخاوي هناك أن البقرة من أوائل السور نزولا بالمدينة وأن التوبة من أواخر ما نزل فيها على القول الراجح. وراجع الإتقان (1/ 7372).(2/610)
{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ} (1).
قال مجاهد: هي محكمة، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، فأباح (أن تقاتل) (2) في الحرم من قاتلك، ولا يحل أن تبدأه بالقتال فيه، وهو حكم ثابت الى الابد (3). وعن ابن عباس: أنها منسوخة، وقد نسخ اعتداء من اعتدي عليه برد أمره إلى السلطان، فلا يقتص بيده، إنما يقتص له السلطان (4).
قالوا: قال ابن عباس نسخها قوله عزّ وجلّ {فَقَدْ جَعَلْنََا لِوَلِيِّهِ سُلْطََاناً} (5) ولا يصح ذلك عن ابن عباس (6)، لأن (سبحان) مكّية باتفاق، والمكّي لا ينسخ المدني.
4 - قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتََّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (7)، قيل: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ بعد ذلك {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} (8).
__________
(1) البقرة: 194.
(2) سقط من الأصل: قوله (أن تقاتل) وفي ظ (أن يقاتل).
(3) أخرجه ابن جرير مختصرا، قال: وهو أشبه الأقوال بما دل عليه ظاهر الآية، لأن الآيات قبلها إنما هي أمر من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة، وذلك قوله {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ}، وقوله {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}: إنما هو في سياق الآيات التي فيها الأمر بالقتال والجهاد
إذا فمعنى الآية: (فمن اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم، فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم) اه جامع البيان (2/ 199) وانظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 36، والإيضاح لمكي ص 159، وهذه الآية {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ} نظير قوله تعالى: {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ}، وقد سبق الحديث عنها قريبا وأن الراجح أنها محكمة.
(4) أخرجه ابن جرير بنحوه دون تصريح بالنسخ. جامع البيان (2/ 199)، وزاد السيوطي نسبته إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه كلهم عن ابن عباس رضي الله عنهما الدر المنثور: (1/ 498)، وانظر النحاس ص 36، والبغدادي ص 97ومكي ص 158.
(5) الإسراء: 33 {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنََا لِوَلِيِّهِ سُلْطََاناً}.
(6) الإشارة بعدم الصحة تعود إلى قول ابن عباس: ان الناسخ آية الإسراء، وقد قال بعدم ثبوت هذا عن ابن عباس: مكي في المصدر السابق. وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 186. والسلطان المراد به هنا: الحجة كما قال مكي، والرجوع إلى السلطان في القصاص إنما أخذ بالإجماع، والإجماع لا ينسخ القرآن لكنه يبينه كما تبينه الأخبار من السنن اه الإيضاح ص 158.
(7) البقرة: 196.
(8) جزء من الآية نفسها. قال ابن حزم الأنصاري: نسخت بالاستثناء بقوله تعالى: {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ}(2/611)
قال كعب بن عجرة الأنصاري (1): (لما نزلنا الحديبية مربي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أطبخ قدرا لي، والقمل يتهافت عن رأسي، فقال: يا كعب، لعلك تؤذيك هوام رأسك؟ فقلت: نعم، فقال: احلق رأسك (2).
ونزل {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} (3) الآية.
وقال قوم: الآية محكمة (4)، ولم يكن قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ}
متناولا للمريض ولمن به أذى من رأسه (5).
5 - قوله عزّ وجلّ {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ} (6)، قال ابن عباس وقتادة والضحاك وابن المسيّب والأوزاعي: هي منسوخة بآية السيف، اذ أباحت قتالهم في كل (7) مكان وزمان (8).
__________
{مَرِيضاً} الآية. انظر الناسخ والمنسوخ له ص 28. وقد رد كل من مكي وابن الجوزي القول بالنسخ، فقد قال مكي: والظاهر في هذا البيّن أنه ليس فيه نسخ، لأنه متصل بالأول غير منفصل منه، وإنما يكون الناسخ منفصلا من المنسوخ، فهي أحكام مختلفة في شروطها متصل بعضها ببعض لا ينسخ بعضها بعضا اه الايضاح ص 159، 160، وانظر نواسخ القرآن ص 190، 191.
(1) كعب بن عجرة بن أمية الأنصاري المدني أبو محمد، صحابي مشهور مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون سنة. التقريب (2/ 135)، والإصابة (8/ 294) رقم (3/ 74).
(2) رواه البخاري بلفظ قريب مما هنا، كتاب التفسير باب (فمن كان منكم مريضا) 6/ 158، وفي كتاب المحصر (2/ 208)، ومسلم، كتاب الحج باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى (8/ 119) والترمذي أبواب التفسير (8/ 313)، وانظر جامع البيان (2/ 234229) وجامع الأصول (2/ 33).
(3) قال الطبري: قد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن هذه الآية نزلت بسبب كعب بن عجرة، إذ شكا كثرة أذى برأسه من صئبانه، وذلك عام الحديبية» اه المصدر نفسه، وراجع ابن سلامة ص 67.
(4) وهذا هو الصحيح كما سبق تقريره عن مكي، وابن الجوزي، وأما ابن حزم فقد سمي ذلك استثناء كما سبق ذلك عنه، وصار معنى الآية كما يقول ابن الجوزي: ولا تحلقوا رءوسكم إلا أن يكون منكم مريض أو من يؤذيه هوامه، فلا ناسخ ولا منسوخ) اه نواسخ القرآن ص 191.
(5) وإنما المراد به الإحلال من الإحرام بسبب الإحصار. راجع تفسير الطبري (2/ 220).
(6) البقرة: 217.
(7) (كل) ساقط من ظ.
(8) انظر: الإيضاح ص 160، وقد مال الطبري إلى القول بنسخها. انظر جامع البيان (2/ 353)، وتابعه السيوطي في الإتقان (3/ 65)، وحكى النحاس إجماع العلماء ما عدا عطاء على القول بهذا النسخ. انظر الناسخ والمنسوخ ص 39، وكذلك ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 147)، والقرطبي (3/ 43)، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 197.(2/612)
وقال مجاهد وعطاء: هي محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم (1)، والعلماء على خلاف ذلك.
فإن قيل: فقد قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2)، فهذا يؤيد قول عطاء ومجاهد.
وكيف تكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة، وإنما (أباحه) (3) قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم؟ (فالجواب أن الأشهر الحرم) (4) في براءة، ليست هي التي قال الله عزّ وجلّ فيها {مِنْهََا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (5)، إنما هي أربعة أشهر أخر، وهي أشهر السياحة، أمر المؤمنين بقتل المشركين بعد انسلاخها حيث وجدتموهم، وفي أي زمان لقوهم، وكان أولها بعد يوم النحر من ذلك العام (6).
وأما الأشهر الحرم التي حرّم فيها القتال ثم نسخ (فهي) (7) محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة بغير خلاف (8)، وإنما الخلاف في أنها من سنة أو من عامين، فأهل المدينة يجعلونها في عامين، يقولون: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.
وقال أهل العراق: أولها محرم، فتكون من عام واحد (9).
6 - وقوله عزّ وجلّ {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ وَإِثْمُهُمََا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا} (10).
__________
(1) انظر: الإيضاح ص 160، ونسب البغدادي هذا القول إلى جابر بن عبد الله ومجاهد، وابن جريج. انظر الناسخ والمنسوخ له ص 184وسيذكر المصنف المراد بالأشهر الحرم هنا.
(2) التوبة: 5.
(3) هكذا في الأصل: أباحة. وفي بقية النسخ: أباحت. وهو الصواب.
(4) سقط من الأصل قوله (فالجواب أن الأشهر الحرم).
(5) التوبة: 36 {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللََّهِ اثْنََا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتََابِ اللََّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهََا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}.
(6) انظر: الإيضاح ص 160، والناسخ والمنسوخ لقتادة ص 34، ولابن حزم ص 28، وتفسير ابن كثير (2/ 335)، والقرطبي (4/ 64، 72).
(7) كلمة (فهي) ساقطة من الأصل.
(8) انظر صحيح البخاري كتاب التفسير (5/ 204)، وأحكام القرآن لابن العربي (2/ 938)، وتفسير القرطبي (8/ 133)، وفتح الباري (8/ 325)، وتفسير ابن كثير (2/ 355).
(9) انظر: الإيضاح ص 161، والنحاس ص 40، وتفسير الطبري (10/ 125) والدر المنثور (4/ 183).
(10) البقرة: 219.(2/613)
قال بعض مؤلفي الناسخ والمنسوخ (1): أكثر العلماء (2) على أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر، قال: لأن الله تعالى أخبرنا أن في الخمر إثما، وأخبرنا أن الإثم محرّم بقوله عزّ وجلّ {قُلْ إِنَّمََا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ مََا ظَهَرَ مِنْهََا وَمََا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (3).
قال: فنصّ على أن الإثم محرّم، وأخبر أن في شرب الخمر إثما، فهي محرّمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه (4)، قال: وما حرّم كثيره فقليله حرام كلحم الميتة والخنزير والدم.
وسورة البقرة مدنية، فلا يعترض على ما فيها بما في الأنعام المكّيّة في قوله عزّ وجلّ {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [5] عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (6)، لأن هذه الآية والتحريم نزل بمكّة (7) والخمر نزل تحريمها بالمدينة، وزادنا الله في تأكيد تحريم الخمر بقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (8)؟ فهذا تهديد ووعيد، يدلان على تأكيد تحريم الخمر.
وزاد ذلك بيانا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «حرّمت الخمر لعينها والمسكر من غيرها» (9)
وأكد الله تعالى ذلك وحققه بقوله {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (10) ولعلّ من
__________
(1) اعتمد السخاوي في هذا على ما كتبه مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 166، وسيأتي تصريح السخاوي بالنقل عن مكي في هذا السياق ومناقشته له في كثير مما ذكره حول هذه الآية.
(2) في ظ: وأكثر.
(3) الأعراف: 33.
(4) قال ابن عطية: وهذا ليس بجيد، لأن الإثم الذي فيهما هو الحرام، لا هي بعينها على ما قالوا) اه بتصرف. المحرر الوجيز (2/ 63).
(5) إلى هنا ينتهي نص الآية في ظق وظ.
(6) الأنعام: 145.
(7) في ظ: لأن هذا التحريم نزلت بمكة. وفي د وظق: لأن هذا التحريم نزل بمكة. وهو الصواب.
(8) المائدة: 91. {إِنَّمََا يُرِيدُ الشَّيْطََانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدََاوَةَ وَالْبَغْضََاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللََّهِ وَعَنِ الصَّلََاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
(9) رواه النسائي في سننه بأسانيد مختلفة وألفاظ متقاربة، كتاب الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر (8/ 321). وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه كما ذكره السيوطي. انظر الدر المنثور (3/ 162).
(10) المائدة: 90 {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطََانِ فَاجْتَنِبُوهُ}.(2/614)
الله واجبة (1)، فضمن الفلاح مع اجتنابها، فنظيره الخسران مع مواقعتها، وكما أنه تعالى حرّم أكل الخنزير، وقليله ككثيره (2) بإجماع، كذلك يجب أن تكون الخمر والمسكر من غيرها، فقليلهما ككثيرهما (3) في التحريم، وزاد لذلك بيانا (ما أسكر كثيره فقليله حرام) (4).
قال: وقال ابن جبير: (لما نزلت {قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ} كره قوم الخمر للإثم (5)، وشربها قوم للمنافع حتى نزل {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} (6)، فتركوها عند الصلاة، حتى نزل {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فحرمت بهذا) (7) اه.
فهذا (8) يدل على أن (9) آية البقرة منسوخة بآية المائدة، والمائدة نزلت بعد البقرة بلا شك، وهذا سياق قول مكّي بن أبي طالب (10) في كتابه المسمى ب (الموضح في الناسخ والمنسوخ) (11).
__________
(1) سيعقب المصنف على مكي قوله هذا بأن (لعل) من الله واجبة.
(2) في ظ: وقليله كثيره.
(3) في ظ: فقليلهما كثيرهما.
(4) رواه الترمذي في سننه كتاب الأشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام (5/ 605)، وأبو داود كتاب الأشربة باب النهي عن المسكر (4/ 87) والنسائي كتاب الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر كثيره 8/ 300، وزاد صاحب تحفة الأحوذي نسبته إلى ابن ماجة وابن حبان وصححه قال ابن حجر:
ورجاله ثقات اه.
(5) في ظق وظ: كره الخمر قوم للاثم، وكذلك في الإيضاح.
(6) النساء: 43.
(7) أخرجه ابن جرير بسنده عن سعيد بن جبير (2/ 361)، وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز (2/ 62)، وعزاه السيوطي بنحوه إلى ابن المنذر عن سعيد بن جبير. انظر: الدر المنثور (3/ 159).
(8) أي كلام سعيد بن جبير.
(9) (أن) ساقطة من ظق.
(10) مكي بن أبي طالب حموش بن محمد القيسي، النحوي، المقرئ المتوفي سنة 437هـ، طبقات المفسرين للداودي (2/ 337).
(11) انظر الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ومعرفة أصوله واختلاف الناس فيه ص 166، 168، هكذا طبع بهذا العنوان، ولهل السخاوي تصرف في عبارة (الإيضاح). وراجع مقدمة كتاب الإيضاح التي كتبها الدكتور أحمد حسن فرحات محقق الكتاب ص 14.(2/615)
وأقول مستعينا بالله قوله أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر يلزم منه أن الله عزّ وجلّ أنزل إباحتها، ثم نسخ ذلك.
ومتى أحلّ الله عزّ وجلّ شرب الخمر؟! وإنما كانوا مسكوتا عنهم في شربها جارون على عادتهم (1)، ثم نزل التحريم، كما سكت عنهم في غيرها من المحرّمات إلى وقت التحريم.
وهذه الآية، وما ذكر من الآيات: الكل في التحريم (2)، كما جاء تحريم الميتة في (غير) (3) آية (4).
وقوله: إن الله عزّ وجلّ أخبرنا أن في الخمر إثما، وأخبرنا أن الإثم محرّم
إلى قوله: فهي محرّمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه: كلام لا وجه له لأن الإثم هو الذنب، وإذا كان الذنب كبيرا أو كثيرا في ارتكاب شيء لم يجز ارتكابه، فكيف يسمعون قوله عزّ وجلّ {قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ وَإِثْمُهُمََا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا} ثم يقدمون عليهما مع التصريح بالخسران، إذا كان الإثم أكبر من النفع؟، بل هذا (5)
كاف في التحريم.
وقوله: فأخبر أن في شرب الخمر إثما، ونص على أن الإثم محرّم بقوله:
{وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ}: لا حاصل له، لأنه إن أراد أن الخمر هي الإثم، فكيف يقول:
فنصّ على أن الإثم محرم، وأخبر أن في شرب الخمر إثما، فكيف يكون هي الإثم المحرّم على هذا؟! وإن أراد بالإثم: الذنب، لم يحتج إلى شيء آخر (6).
__________
(1) وسبق تقرير هذا مرارا. انظر ص: 594.
(2) أي وهكذا كل الآيات التي جاءت في شأن الخمر تدل على التحريم، وليس فيها ما يدل على التحليل حتى تنسخ بالتحريم بعد ذلك وسيأتي بإذن الله مزيد بيان لهذا قريبا.
(3) ساقطة من الأصل كلمة (غير).
(4) كقوله تعالى: {إِنَّمََا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} الآية 173من سورة البقرة.
وانظر: آية 3من سورة المائدة وآية 145من سورة الأنعام وآية 115من النحل.
(5) لفظ (هذا) مكرر في الأصل.
(6) وأوضح، من هذا ما ذكره الإمام الطبري عند تأويل قوله تعالى {وَإِثْمُهُمََا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا} قال: يعني بذلك عز ذكره: والإثم بشرب الخمر هذه، والقمار هذا: أعظم وأكبر مضرة عليهم من النفع الذي يتناولون بهما، وإنما كان ذلك كذلك، لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضا، وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشر، فأداهم ذلك إلى ما يأثمون به، ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرح بتحريمها، فأضاف الإثم جل ثناؤه إليها وإنما الإثم بأسبابهما إذ كان عن(2/616)
وإنما معنى آية الأعراف: إنما حرّم ربي الفواحش، وما فيه الإثم، وكلامه كله فاسد إلى آخره.
وقوله: {لَعَلَّ} * من الله عزّ وجلّ واجبة: ليس بصحيح، فقد قال الله عزّ وجلّ {فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} (1)، وقد ألانا له القول {فَكَذَّبَ وَعَصى ََ * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى ََ * فَحَشَرَ فَنََادى ََ * فَقََالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ََ} (2)، وإنما معنى قوله عزّ وجلّ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} * فاجتنبوه راجين الفلاح (3)، أو فاجتنبوه وأنووا إرادة الفلاح (4).
وأما قول ابن جبير: (كره الخمر قوم للإثم، وشربها قوم للمنفعة): وأي منفعة تبقى مع أن الإثم أكبر منها، فكيف يقدم مقدم على الانتفاع بشيء فيه وبال أكثر وأكبر من الانتفاع به (5)؟.
وأطرف من هذا قوله: تركوها عند الصلاة (6)!، فاعلم أن الآية محكمة غير
__________
سببهما يحدث، قال: وإنما اخترنا ما قلنا من التأويل لتواتر الأخبار وتظاهرها بأن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر والميسر، فكان معلوما بذلك ان الإثم الذي ذكر الله في هذه الآية فأضافه اليهما إنما عني به الإثم الذي يحدث عن أسبابهما على ما وصفنا، لا الإثم بعد التحريم) اه جامع البيان (2/ 360).
(1) طه: 44.
(2) النازعات: 2421.
(3) في ظق: راجين فلاح.
(4) قال الراغب الأصفهاني: (لعل) طمع واشفاق، وذكر بعض المفسرين أن (لعل) من الله واجب، وفسّر في كثير من المواضع ب (كي) وقالوا: ان الطمع والاشفاق لا يصح على الله تعالى و (لعل) وأن كان طمعا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون:
{لَعَلَّنََا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ} فذلك طمع منهم، وقوله في فرعون {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} فإطماع لموسى عليه السلام مع هارون، ومعناه: فقولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى اه المفردات ص 451، وراجع قطر الندى لابن هشام ص 207.
(5) لأن هذه الآية كانت ممهدة لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرحة بل معرضة، فأما الإثم فهو في الدين، وأما المنافع فكانت دنيوية بحتة كلذة شربها، وكذا بيعها والانتفاع بثمنها، وما كان يحصل لبعضهم من الميسر فينفقه على عياله، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين فاثمهما أكبر من نفعهما. انظر تفسير ابن كثير (1/ 255).
(6) يظهر من عبارة السخاوي رحمه الله التعجب والإنكار من هذا القول، وليس هناك ما يدعو إلى هذا، فقد ذكر الإمام الطبري آثارا كثيرة تدل على هذا المعنى، وأن بعض الصحابة كان يشربها قبل تحريمها، ثم أنه حصل منهم خلط في الصلاة، فنزلت الآية الكريمة في سورة النساء تنهاهم عن قرب(2/617)
ناسخة ولا منسوخة، وهي مصرّحة بتحريم الخمر (1)، وأما (2) قول الله عزّ وجلّ {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} (3)، فإن قلنا: ان السّكر الطعم (4)، كما قال:
جعلت عيب الأكرمين سكرا (5)، فلا كلام، وإن قلنا: إن السكر: الخمر (6)، فليس فيه دليل على الإباحة، لأنه عزّ وجلّ امتنّ عليهم بما ذكره من ثمرات النخيل والأعناب، ثم قال: تتخذون من المذكور سكرا ورزقا حسنا فنبّه بقوله عزّ وجلّ {وَرِزْقاً حَسَناً} على أن السكر ليس كذلك، وأشار فيه إلى ذم الخمر، إن كان المراد بالسكر (
الخمر، وإن كان المراد بالسكر الخ) (7): الطعم، فهو سكر (8) ورزق حسن، أي:
__________
الصلاة وهم في حالة السكر، وقد تظاهرت الأخبار في هذا عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. انظر:
جامع البيان 5/ 96، وتفسير ابن كثير: (1/ 500)، والدر المنثور (2/ 545).
(1) هي محكمة سواء سلمنا أن الآية دالة على تحريم الخمر تحريما قاطعا وآية المائدة مؤكدة لهذا التحريم، أم قلنا إنها دالة على ذم الخمر وهذا هو الصحيح، والذي قاله جمهرة العلماء.
انظر الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 35، 36، وللبغدادي ص 80وتفسير ابن عطية (2/ 63)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 198، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 60).
(2) في ظ: بدون واو.
(3) النحل: 67 {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}.
(4) وهو اختيار أبي عبيدة والطبري، انظر مجاز القرآن (1/ 363)، وجامع البيان (14/ 138).
وبناء عليه فلا نسخ، وقد رد الطبري على دعوى النسخ في هذه الآية. وقال القرطبي: بعد أن نقل رأي أبي عبيدة والطبري فالسكر على هذا ما يطعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، فاللفظ مختلف والمعنى واحد، مثل {إِنَّمََا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللََّهِ}، وهذا أحسن ولا نسخ) اه تفسيره (10/ 129).
(5) الشطر ورد نصه هكذا في مجاز القرآن لأبي عبيدة (1/ 363)، وكذلك في تفسير الطبري (14/ 138) والقرطبي (10/ 129) وجاء في اللسان: (جعلت أعراض الكرام سكرا أي جعلت ذمهم طعما لك) اه (4/ 374) (سكر).
(6) ذكر ابن العربي أقوالا عدة في المراد بقوله (سكرا) ومنها عن ابن عباس أنه قال: إن السكر: الخمر، والرزق الحسن: ما أحله الله بعدها من هذه الثمرات، قال: وهذا أسد الأقوال، ويخرج ذلك على معنيين:
أ) أما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر.
ب) وأما أن يكون المعنى: أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه ما حرم الله عليكم اعتداء منكم، وما أحل الله لكم اتفاقا وقصدا إلى منفعة أنفسكم، والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر، فإن هذه الآية مكية باتفاق من العلماء، وتحريم الخمر مدني اه أحكام القرآن (3/ 1153). وراجع تفسير القرطبي (10/ 128)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 109).
(7) سقط من الأصل.
(8) في د وظ: فهو مسكر.(2/618)
تتخذون منه طعاما (1) تأكلونه رطبا {وَرِزْقاً حَسَناً} يعني التمر والزبيب.
وزعموا أن قوله عزّ وجلّ {وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ} منسوخ بنسخ إباحة الخمر (2)، وهذا ما (أردى) (3) ما يقال فيه!.
7 - وقالوا: في قوله عزّ وجلّ {قُلِ الْعَفْوَ} (4) هي منسوخة بفرض الزكاة وحكوا ذلك عن ابن عباس (5).
والعفو: القليل الذي لا يظهر في المال نقصه.
وقال طاوس: هو اليسير من كل شيء (6).
وقال الحسن وعطاء: العفو: (ما يكون) (7) إسرافا ولا اقتارا (8).
وقال مجاهد: العفو: الصدقة عن ظهر غني (9).
وقال الربيع: العفو: ما طاب من المال (10)، وكذلك قال قتادة (11).
__________
(1) في بقية النسخ: طعما.
(2) وهي عبارة مكي في الإيضاح ص 166. وذلك لأن إباحة الخمر لم يكن بخطاب سابق يحله لهم، ولكن كان مسكوتا عنه، فجاءت هذه الآية آية البقرة تذمه وتنفر منه، وتقرر بأن ضرره أكبر من نفعه، توطئة لتحريمه بآية المائدة، وهذا من حكمة التشريع الإلهي. وهو التدرج في تكليف العباد، وعدم أخذهم بالطفرة لما اعتادته نفوسهم حيث نشئوا وترعرعوا منذ نعومة أظفارهم على شربها والتلذذ بها، فجاء الإسلام يحرمها عليهم، ولكن تدريجيا، حتى قالوا: انتهينا، والله أعلم.
(3) هكذا في الأصل: ما أردى بتقديم الراء على الدال وهو تحريف.
(4) البقرة: 219. {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} الآية.
(5) أخرجه ابن جرير بسنده عن ابن عباس والسدي. انظر: جامع البيان (2/ 367)، ثم رجح خلافه كما سيأتي: وانظر الناسخ والمنسوخ لابن حزم الأنصاري ص 28، ولابن سلامة ص 84، 85، ونواسخ القرآن ص 200.
(6) انظر: جامع البيان (2/ 364) والدر المنثور (1/ 608).
(7) هكذا في الأصل (ما يكون) وهو خطأ يحيل المعنى. وفي بقية النسخ: ما لا يكون.
(8) جامع البيان: (2/ 364، 365، 368).
(9) المصدر نفسه (2/ 365).
(10) المصدر نفسه.
(11) وهذا سياق مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 168.
قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال: قول من قال: معنى العفو: الفضل من مال الرجل عن نفسه وأهله في مؤنثهم وما لا بد لهم منه، وذلك هو الفضل الذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإذن في الصدقة اه جامع البيان (2/ 365).(2/619)
وقال قوم: كانوا قبل (1) فرض الزكاة قد فرض عليهم من كان له مال أن يمسك لنفسه منه ألف درهم، أو قيمة ذلك من الذهب، ويتصدّق بالباقي (2).
وقال آخرون: فرض عليهم أن يمسكوا الثلث ويتصدقوا بالباقي، وإن كانوا من أهل الزراعة: أمسكوا ما يقيمهم حولا، وتصدّقوا بما بقى ومن لم يكن له إلّا العمل بيده: أمسك ما يقوته يومه وتصدق بما بقى، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله عزّ وجلّ فرض الزكاة (3).
قلت: فلتكن آية الزكاة إذا ناسخة لا منسوخة، لأنها موافقة لقوله عزّ وجلّ {قُلِ الْعَفْوَ} لأنها نقيض ما كانوا فيه من الجهد واستفراغ الوسع، وهذه حقيقة العفو، كما قالوا: العفو: الأرض (4) السهلة (5).
والآية محكمة، فإن أريد بها الزكاة فذاك، وإن أريد بها (6) التطوع فذاك (7).
8 - قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (8)، قيل: سبب نزولها أن مرثد بن أبي مرثد (9) بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكّة ليخرج ناسا من المسلمين، فقالت له عناق وهي امرأة كان يخلو بها في الجاهلية هل لك في الخلوة؟ فقال: حال بيننا الإسلام،
__________
(1) في ظق: قيل.
(2) في د: ويتصدق الباقي.
(3) وهذا سياق هبة الله بن سلامة مع تصرف يسير من السخاوي. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 82، 83، وانظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 201، 202.
(4) في ظق: للأرض.
(5) وفي اللسان: والعفو: الأرض الغفل لم توطأ وليست بها آثار) اه اللسان (15/ 78) (عفا).
(6) (بها) ليست في ظق ود.
(7) وممن قال بأن الآية محكمة: ابن جرير الطبري (2/ 368) والنحاس ص 67.
قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه عطية من أن قوله (قل العفو) ليس بايجاب فرض فرض من الله حقا في ماله، ولكنه أعلام منه ما يرضيه من النفقة مما يسخطه جوابا منه لمن سأل نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم عما فيه له رضا فهو أدب من الله لجميع خلقه على ما أدبهم به في الصدقة غير المفروضات، ثابت الحكم غير ناسخ لحكم كان قبله بخلافه، ولا منسوخ بحكم حدث بعده) اه وهو كلام في غاية الوضوح والبيان، وهو كاف في الرد على من ادعى النسخ في هذه الآية، والله الموفق للصواب.
(8) البقرة: 221.
(9) مرثد بن أبي مرثد الغنوي بفتح المعجمة والنون صحابي بدري استشهد في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم سنة ثلاث أو أربع. التقريب (2/ 236)، والإصابة 9/ 162رقم (7871).(2/620)
قالت له: فتزوج بي، فقال: أرجع إلى رسوله الله صلّى الله عليه وسلّم، فأستأمره (1)، (فاستأمره) (2)، فنزلت هذه الآية (3). فالآية على هذا محكمة، لأن نكاح الكفار غير أهل الكتاب محرّم (4). وقيل: هي محكمة محرّمة لنكاح المشركات والكتابيات اللواتي في دار الحرب، ويروى ذلك عن ابن عباس، وقاله قتادة وابن جبير وأكثر العلماء (5).
وعن ابن عمر أنها محكمة، عامة في كل مشركة، كتابية وغير كتابية، حربية وغير حربية (6).
وقيل: إنه إنما كره ذلك، ولم يحرّمه، لأن آية المائدة أباحت الكتابيات كلهن الحربيات والذميات (7).
__________
(1) الأول فعل مضارع والثاني فعل ماض، أي أستأذنه.
(2) ساقط من د وظ: ظنا أنه تكرير.
(3) انظر: أسباب النزول للواحدي ص 39، وللسيوطي ص 108على هامش الجلالين، وزاد المسير (1/ 245).
وعزاه السيوطي مختصرا إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حيان. الدر المنثور:
(1/ 614).
(4) وهذا هو الراجح، وقد تقدم الكلام حول هذه الآية مستوفي في هذا الفصل فانظره ص 850.
(5) ذكر هذا مكي بن أبي طالب، وقال: لا يحل نكاح كتابية مقيمة في دار الحرب لأنها ليست من أهل ذمة المسلمين، وهو قول أكثر العلماء، فالآية محكمة على هذا القول غير عامة وغير منسوخة ولا مخصّصة) اه الإيضاح ص 169، وراجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 69).
(6) روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الأشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله) اه كتاب الطلاق باب قول الله تعالى: {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (6/ 172).
قال النحاس: عقب ذكره لهذا الحديث عن ابن عمر وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة، لأنه قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة وذكر عددا كبيرا منهم، إلى أن قال: وأيضا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة الآية التي في سورة المائدة، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة، والمائدة من آخر ما نزل، وإنما الآخر ينسخ الأول.
وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه، لأن ابن عمر كان رجلا متوقفا، فلما سمع الآيتين بواحدة التحليل، وفي الأخرى التحريم، ولم يبلغه النسخ توقف، ولم يوجد عنه ذكر النسخ وإنما تؤل عليه، وليس يوجد الناسخ والمنسوخ بالتأويل اه الناسخ والمنسوخ ص 70وراجع تفسير القرطبي (3/ 68)، وفتح الباري (9/ 417).
(7) ذكره مكي في الإيضاح ص 170، وانظر الدر المنثور (1/ 615).(2/621)
وقيل: هي عامة في الكتابيات كلهن، وهي منسوخة بآية المائدة، وكره بعض العلماء نكاح الحربيات ولم يحرّمه، وروى مثل ذلك عن مالك، وحرّمه (1) جماعة منهم، (وخصوصا) (2) آية المائدة بالذميات، وآية المائدة: عن أكثر العلماء عامة في كل كتابية، وعلى ذلك أكثر الصحابة (3) والعلماء (4).
9 - وأدخلوا في هذا (5) الباب (6) قوله عزّ وجلّ {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} (7) وقالوا: هي ناسخة لما كان عليه بنو إسرائيل من اجتناب الحائض على كل حال، من مؤاكلة ومضاجعة وغير ذلك، فنسخ بأنا لا تعتزلها إلّا في الوطء خاصة (8).
قالوا: وإنما أدخلنا ذلك في باب الناسخ والمنسوخ لقوله عزّ وجلّ: {فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} (9).
قالوا: فشريعتهم لازمة لنا حتى نؤمر بتركها.
والصحيح أن مثل هذا لا يدخل في الناسخ والمنسوخ (10) لأنه لم ينسخ
__________
(1) في ظ: بدون واو.
(2) هكذا في الأصل: وخصوصا. خطأ. وفي بقية النسخ: وخصوا.
(3) كلمة (الصحابة) ساقطة من ظق.
(4) انظر: الايضاح ص 171. وقد تقدم كلام السخاوي على النسخ والتخصيص والاستثناء، وقد أورد آية المائدة هذه مستدلا بها على التخصيص لآية البقرة، وقال: انه لو كان من قبيل النسخ لكانت آية البقرة المراد بها الكتابيات، حتى يستقيم نسخها بآية المائدة، وليس الأمر كذلك، فآية المائدة إذا محكمة غير منسوخة، لكنها مخصّصة ومبينة لآية البقرة. وهذا هو الصحيح. والله أعلم.
(5) في د: في هذه.
(6) قال السخاوي فيما سبق: وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل انها منسوخة ولها وجه تحمل عليه، فتكون محكمة، وأخذ يذكر الآيات في ذلك، ومنها هذه الآية.
(7) البقرة: 222.
(8) انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 773، ونواسخ القرآن ص 204.
(9) الأنعام: 90 {أُولََئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللََّهُ فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ}.
(10) وكذا قال مكي في الإيضاح ص 173. قال: لأن معنى (فبهداهم اقتده) يعني في التوحيد خاصة، لا في الشرائع، بدليل قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنََا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهََاجاً} المائدة: 48، ولأن شرائع من كان قبلنا مختلفة في الأحكام، ولا سبيل لنا إلى الجمع بين التحليل والتحريم في شيء واحد ولا إلى فعل شيء وتركه في عبادة واحدة، فقد كانت لحوم الإبل وألبانها وشحوم البقرة والغنم حلالا لمن كان قبل يعقوب من الأنبياء، ثم حرمت على يعقوب وعلى بني إسرائيل فلا سبيل إلى الجمع بين الشريعتين البتة(2/622)
(57/ ب) قرآنا، ولأن الحاجة إلى معرفة الناسخ والمنسوخ، أن لا يظن (1) في منسوخ أنه محكم فيعمل به، وأما إذا لم تكن آية منسوخة تحتاج إلى بيان منسوخة فلا وجه لذلك (2) الناسخ لغير القرآن، ولا فائدة في ذكره، ولا يضرنا أن نجهل ما حرّم على من كان قبلنا أو أحل لهم، حتى يقال: نسخت هذه الآية ما كان عليه من قبلنا.
10 - ومن ذلك قولهم: كان الرجل يؤلى من امرأته السنة وأكثر من ذلك ولا تطلق (3)
عليه، فنسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسََائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (4) (5).
11 - ومن ذلك قولهم في قوله عزّ وجلّ {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} (6)، قالوا: هي ناسخة لشيء كانوا عليه في أول الإسلام، كان الرجل يطلّق ثلاثا، وهي حبلى، ويكون أحق بارتجاعها ما دامت في العدة (7).
وقيل: هي ناسخة لما كانوا (8) عليه في الجاهلية، ثم في صدر الإسلام، كان
__________
فلم يجتمع الانبياء إلا على التوحيد والتصديق بالله ورسله وكتبه، واختلفوا في الشرائع، فليس علينا أن نقتدي من فعلهم إلا بما اجتمعوا عليه فعلى هذا كان يجب ألا تدخل هذه الآية في الناسخ والمنسوخ اه مختصرا، وكذلك رد ابن الجوزي دعوى النسخ في هذه الآية وفندها. انظر المصدر السابق.
(1) في د وظ: لا يظن. وفي ت غير واضحة.
(2) في بقية النسخ: لذكر.
(3) في د وظ: ولا يطلق عليه.
(4) البقرة: 226.
(5) انظر الإيضاح ص 175. وراجع تفسير القرطبي (3/ 103، 108).
قال السيوطي: أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي والخطيب في تالي التلخيص كلهم عن ابن عباس (كان ايلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقت الله أربعة أشهر، فإن كان ايلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء اه الدر المنثور (1/ 647) قلت: ولا يفهم من كلام ابن عباس النسخ، وإنما يفهم منه أنهم كانوا يفعلون هذا، فلم يقرهم الإسلام، وغيّر ما كانوا عليه، وليس هذا من قبيل النسخ، وقد تقدم نظير هذا الكثير، ولذلك لم يذكرها كثير من مؤلفي الناسخ والمنسوخ ضمن الآيات التي قيل إن فيها نسخا.
(6) البقرة: 229.
(7) انظر الإيضاح ص 177، وابن حزم ص 29، وابن سلامة ص 89، 90والصحيح أن هذه الآية لا تدخل في الناسخ والمنسوخ، كما سيأتي قريبا.
(8) في ظ: لما كان.(2/623)
أحدهم يطلّق امرأته ما شاء مرة بعد مرة، يطلّقها، فإذا كادت تخرج من العدة ارتجعها، يفعل ذلك ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية (1) (لا تدخل) (2)
هذه الآية في الناسخ لما ذكرته.
وقيل: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (3) (4)، والآيتان محكمتان لم تنسخ واحدة منهما الأخرى، التي في البقرة لبيان عدّة الطلاق، والتي في الطلاق فيها بيان وقت الطلاق (5).
12 - وقوله عزّ وجلّ {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (6)، قالوا: هي عامة في كل مطلّقة، فنسخ منها غير المدخول بها، والتي يئست من المحيض والحامل، قال ذلك قتادة (7).
__________
(1) انظر الإيضاح ص 177، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 81، وتفسير القرطبي (3/ 126). قال مكي: وقد كان يجب ألا تذكر هذه الآية في الناسخ والمنسوخ على هذا القول لأنها لم تنسخ قرآنا اه. قلت: وقد سبق تقرير مثل هذا، وهو أن هذا لا يعد من قبيل النسخ المصطلح عليه بين العلماء، وإنما هو إبطال لما كانوا عليه من أخلاق ذميمة وتصرفات سيئة، فجاء الإسلام واجتثها من جذورها، ووضع الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم.
قال ابن الجوزي: بعد أن ذكر القول بنسخها عن ابن عباس وقتادة وهذا يجوز في الكلام، يريدون به تغيير تلك الحال، وإلا فالتحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ، وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة اه نواسخ القرآن ص 208.
(2) هكذا في الأصل: بدون واو. وفي بقية النسخ: ولا تدخل، وهو الصواب.
(3) الآية الأولى من سورة الطلاق. وكتبت الآية في ت ود وظ: بالواو بدل الفاء.
(4) انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 82.
(5) انظر: الإيضاح ص 178.
قال ابن الجوزي: زعم قوم أن هذه الآية لما اقتضت إباحة الطلاق على الإطلاق من غير تعيين زمان، نزل قوله {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، أي من قبل عدتهن، وذلك قول من لا يفهم الناسخ والمنسوخ، وإنما أطلق الطلاق في هذه الآية وبيّن في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع، ثم إن الطلاق واقع، وإن طلقها في زمان الحيض، فعلم أنه تعليم أدب والصحيح أن الآية محكمة) اه. نواسخ القرآن ص 208.
(6) البقرة: 228.
(7) أخرجه عبد بن حميد عن قتادة. انظر الدر المنثور (1/ 657)، ونسبه بنحوه البغدادي إلى ابن عباس.
انظر الناسخ والمنسوخ ص 90وانظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 76، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 206، قال البغدادي: (ولولا إجماع المفسرين على هذا النسخ لكنا نراه تخصيصا لا نسخا) اه.(2/624)
وليس كما ذكروا، وإنما أريد بالمطلّقات: المدخول بهن اللواتي يحضن الخاليات من الحمل، يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ {ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ}.
13 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} (1).
قال أبو عبيد: نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {إِلََّا أَنْ يَخََافََا أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (2) اه (3).
وهذا ظاهر الفساد، وهذا استثناء وليس بنسخ.
وقال قوم: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (4).
وليس كذلك، لأن آية البقرة في منع الزوج من ارتجاع ما أعطاه من غير رضى المرأة، والتي في النساء في إباحة ذلك إذا كان عن رضى، فليس بينهما نسخ (5).
14 - ومن ذلك، قولهم في قوله عزّ وجلّ {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ} (6)
إنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {فَإِنْ أَرََادََا فِصََالًا عَنْ تَرََاضٍ مِنْهُمََا وَتَشََاوُرٍ فَلََا جُنََاحَ}
__________
قلت: بل هذا هو الحق، أي أن الآية التي في البقرة عامة في كل مطلقة، ثم جاء في التخصيص من هذا العموم للحامل والآيسة والصغيرة في قوله عز وجل: {وَاللََّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسََائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلََاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللََّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الآية 4من سورة الطلاق.
والغير مدخول بها في قوله سبحانه: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمََا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهََا}) الآية 49من سورة الأحزاب. وكلام السخاوي في هذا واضح لا أشكال فيه. وراجع الايضاح ص 176، ونواسخ القرآن ص 207، وتفسير القرطبي: (3/ 112).
(1) البقرة: 229.
(2) جزء من الآية نفسها.
(3) الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 294. وقد ذكر كل من ابن حزم ص 29وابن سلامة ص 91، 92 أنها منسوخة بالاستثناء، وقد رد كل من مكي في الإيضاح ص 178وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 210هذا وفنداه. قال ابن الجوزي: وهذا من أرذل الأقوال) اه. وانظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 83.
(4) النساء: 4.
(5) انظر: الإيضاح ص 178.
(6) البقرة: 233.(2/625)
{عَلَيْهِمََا} (1)، وليس كذلك، فإنه تعالى قال {لِمَنْ أَرََادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضََاعَةَ} (2).
15 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} (3). اختلف في الوارث، فقيل: هو من يرث والد الرضيع، إذا مات قام ورثته مقامه، وكان عليهم للصبي ما كان على أبيه (4).
وقيل: الوارث من يرث الصبي إذا مات (5).
قال (6) ابن عباس: (على وارث الصبي من أجر الرضاع ما كان على أبيه إن لم يكن للصبي مال) (7).
وقال زيد بن ثابت: (يلزم من يرث الصبي من الفقه على رضاعه بقدر حصته من ميراثه منه) (8).
وروى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار (9) (أن رجلا مات وترك ابنا مسترضعا، ولم يترك مالا، فقضى عمر رضي الله عنه أن رضاعه على ورثته،
__________
(1) جزء من الآية نفسها. وممن ذكر النسخ هنا هبة الله بن سلامة ص 92، 93، وابن حزم ص 29، إلا أنه قال أي ابن حزم نسخت بالاستثناء بقوله {فَإِنْ أَرََادََا فِصََالًا} فصارت هذه الإرادة باتفاق ناسخة لحولين كاملين) اه.
(2) فالمقصود منه التخيير وليس الإلزام، فهو محكم. انظر: الإيضاح ص 179، ونواسخ القرآن ص 211.
(3) جزء من الآية السابقة نفسها.
(4) ذكره النحاس عن عمر بن الخطاب والحسن بن أبي الحسن. الناسخ والمنسوخ ص 85.
قال ابن الجوزي: وروى هذا القول عن الحسن والسدي. انظر: زاد المسير (1/ 273).
(5) أخرجه الطبري عن قتادة والسدي. انظر جامع البيان (2/ 500). وسيأتي ترجيحه لغير هذا القول.
وزاد ابن الجوزي نسبة هذا القول إلى عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ومقاتل في آخرين) اه زاد المسير (1/ 272).
(6) في ظق: وعن ابن عباس.
(7) أخرجه بنحوه الطبري عن ابن عباس وقتادة. انظر جامع البيان (2/ 503) وانظر الإيضاح ص 182.
وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي. الدر المنثور (1/ 407).
(8) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 85، وأحكام القرآن للجصاص الحنفي (1/ 407).
وهذا هو القول الراجح كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
(9) سليمان بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة، وقيل: أم سلمة ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، من كبار الثالثة، مات بعد المائة وقيل قبلها. التقريب (1/ 331).(2/626)
وقال: لو لم أجد له ورثة لجعلته على عاقلته) (1).
وقال قتادة: (رضاع الصبي على جميع ورثته بالحصص) (2).
وقيل: الوارث من يرث الولاية على الرضيع، ينفق من مال الصبي عليه مثل ما كان ينفق أبوه (3).
وقيل: الإشارة في قوله عزّ وجلّ {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} إلى ترك المضارة (4).
وقيل: الوارث: الصبي، لأنه وارث الأب، فعليه النفقة في ماله أي أن نفقة الرضاعة على الصبي في ماله، قال ذلك (5): الضحاك واختاره الطبري (6).
__________
(1) انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 407).
(2) وبه قال أهل العراق كما قال مكي فالآية محكمة عندهم. انظر: الإيضاح ص 182.
(3) قال مكي: وهو الصواب ان شاء الله وهذا ان حملت الإشارة على النفقة، فإن حملتها على ترك المضارة، كان معناه: وعلى وارث ولاية المولود أن لا يضارّ بالأم، وكلا القولين على هذا المعنى حسن صواب اه الإيضاح ص 181.
(4) وهذا ما رجحه ابن العربي ووافقه القرطبي، حيث قال ابن العربي: إن هذا هو الأصل أي أن قوله تعالى {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} لا يرجع إلى جميع ما تقدم وإنما يرجع إلى تحريم الإضرار، والمعنى:
وعلى الوارث من تحريم الإضرار بالأم ما على الأب، فمن ادعى أنه يرجع العطف فيه إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل، وهو يدعي على اللغة العربية ما ليس منها، ولا يوجد له نظير) اه أحكام القرآن (1/ 205)، وانظر الجامع لأحكام القرآن (3/ 170).
وأما ابن الجوزي فقد مال إلى أن الإشارة ترجع إلى أجرة الرضاع والنفقة والنهي عن الضرار، قال: (ويشهد لهذا أنه معطوف على ما قبله، وقد ثبت أن على المولود له النفقة والكسوة وأن لا يضار، فيجب أن يكون قوله (مثل ذلك) مشيرا على جميع ما على المولود له) اه زاد المسير (1/ 273)، وانظر أحكام القرآن للجصاص: (1/ 406).
(5) في ظق: قال بذلك.
(6) ذكره الطبري عن بشر بن نصر المزني وكان قاضيا في زمن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعن قبيصة بن ذؤيب والضحاك. ثم قال: وتأويل ذلك على ما تأوله هؤلاء: وعلى الوارث المولود مثل ما كان على المولود له اه جامع البيان (2/ 502)، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 168)، وقد ساق الطبري بقية الأقوال، ثم قال: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ}: أن يكون المعنى بالوارث ما قاله قبيصة بن ذؤيب والضحاك بن مزاحم، ومن ذكرنا قوله آنفا، من أنه معنى بالوارث: المولود، وفي قوله {مِثْلُ ذََلِكَ} أن يكون معنيا به مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف ان كانت من أهل الحاجة، وهي ذات زمانه وعاهة، ومن لا احتراف فيها، ولا زوج لها تستغني به، وأن كانت من الغنى والصحة، فمثل الذي كان على والده لها من أجر الرضاعة) اه المصدر نفسه (2/ 505).(2/627)
وقال مكّي: وهو قول حسن (1) اه. وما أراه كما قال (2).
وعن مالك رحمه الله ان الآية منسوخة (3)، قال: ولا يجب على الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة اه وليس الآية بمنسوخة، ولم يذكر مالك رحمه الله لها ناسخا (4).
16 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (5).
قالوا: نسخ منها الحوامل، بقوله عزّ وجلّ {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (6) (7).
وهذا ليس بنسخ، والآية ليست في الحوامل، يدل على ذلك قوله عزّ وجلّ:
{فَإِذََا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِيمََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (8) أي في ابتغائهن الأزواج، والحامل ليس (9) لها ذلك.
__________
(1) انظر: الإيضاح ص 182.
(2) هكذا ساق الإمام السخاوي رحمه الله الأقوال ويظهر أنه لم يترجح عنده شيء منها حيث لم يبد رأيه وإنما اكتفى بذكرها وعدم التسليم بما اختاره الطبري واستحسنه مكي، والذي ترجح عندي وملت إليه أن المراد بالوارث: كل الورثة من الرجال والنساء غير الأب والأم على قدر نصيبهم من الإرث من مال الصبي إن هو مات، والله أعلم.
وهذا ما ذكر آنفا عن ابن عباس وقتادة والسدي وزيد بن ثابت وعمر وغيرهم. وهو أيضا ما رجحه الجصاص الحنفي في أحكام القرآن (1/ 407).
(3) ذكره النحاس ص 85، ومكي ص 180، وابن العربي (1/ 205)، وابن الجوزي ص 212، وقد رد هذا القول الجصاص وابن العربي، فقد قال ابن العربي: (وهذا كلام تشمئز منه قلوب العاقلين وكان العلماء المتقدمون من الفقهاء والمفسرين يسمون التخصيص نسخا) اه.
(4) قال النحاس: بعد أن ذكر النسخ عن مالك ورده والذي يشبه أن يكون الناسخ لها عنده والله أعلم أنه لما أوجب الله سبحانه للمتوفي عنها زوجها من مال المتوفي نفقة حول والسكنى، ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث» اه الناسخ والمنسوخ ص 86.
(5) البقرة: 234.
(6) الطلاق: 4.
(7) والصحيح أن هذا من باب التخصيص والبيان فهي محكمة خص منها الحوامل في آية الطلاق، وهذا هو مراد من قال بالنسخ في هذا وأمثاله.
انظر الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 187، والإيضاح ص 184، وتفسير القرطبي (3/ 174).
(8) جزء من آية البقرة السابقة 234.
(9) سقط من ظ. كلمة (ليس).(2/628)
17 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرََاجٍ} (1).
قال جماعة: هي منسوخة بالتي تقدمت، وهو قوله عزّ وجلّ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}.
قالوا: نسخت هذه الحول، ونسخت آية الميراث النفقة عليها إلى الحول (2).
وقال الربيع: كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها أقامت إن شاءت حولا ولها السكنى والنفقة، فنسخ ذلك آية الميراث (3).
وقال عبد الملك بن حبيب (4): كانت الحرة المتوفى عنها زوجها، تخير بين أن تقيم في بيته وينفق عليها من ماله سنة، وبين أن تخرج فلا يكون لها شيء من ماله، فنسخ ذلك بآية الميراث (5).
وليست هذه الآية بمنسوخة بالتي قبلها، لأن الناسخ متأخر (6) نزوله عن المنسوخ فكيف يكون نزولها متأخرا، ثم يوضع (7) في التأليف (قيل (8) ما نزل) بعده ناسخة له من غير فائدة في لفظ ولا معنى؟.
__________
(1) البقرة: 240.
(2) وممن قال بالنسخ ابن عباس وقتادة والضحاك وعطاء وابن زيد والربيع وعكرمة والحسن والنخعي.
انظر جامع البيان (2/ 581579) راجع الدر المنثور (1/ 738)، والناسخ والمنسوخ لقتادة ص 36، ولابن حزم الانصاري ص 29، والبغدادي ص 189، وابن سلامة ص 93، والإيضاح ص 182، وقلائد المرجان ص 73وقد حكى ابن حزم الظاهري الاجماع في هذه القضية، وهي نسخ الآية المتأخرة في التلاوة بالآية المتقدمة، قال: ولا يضر كون الآية المنسوخة في ترتيب المصحف في الخط والتلاوة متقدمة في أول السورة، أو في سورة متقدمة في الترتيب) اه الأحكام في أصول الأحكام (4/ 93). وممن مال إلى القول بالنسخ القرطبي (3/ 174)، وابن حجر في الفتح (8/ 194)، والسيوطي في الإتقان (3/ 65)، والزرقاني في مناهل العرفان (2/ 261).
أما السخاوي فلم يرتضى القول بنسخها، وسيأتي كلامه ورده لدعوى النسخ قريبا بإذن الله.
(3) أخرجه ابن جرير بنحوه عن الربيع. جامع البيان (2/ 579).
(4) عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي، أبو مروان، عالم الأندلس وفقيهها في عصره (238174هـ) الميزان (2/ 652)، والديباج ص 154والأعلام (4/ 157).
(5) ذكره مكي عن ابن حبيب. انظر الإيضاح ص 183.
(6) في بقية النسخ: يتأخر.
(7) في ظق: توضع.
(8) هكذا في الأصل: قيل ما نزل. تحريف. وفي بقية النسخ: قبل ما نزل. وهو الصواب.(2/629)
واحتجوا لذلك بأن المكّي قد يؤخر عن المدني في السور، وليس هذا مثل ذلك، وليس في تقديم السور وتأخيرها شيء من الإلباس، بخلاف الآيات (1).
قال (2) الزمخشري (3): فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟
قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة، وهي متأخرة في التنزيل، كقوله تعالى:
{سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ مِنَ النََّاسِ} (4) مع قوله: {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} (5) (6).
والذي قال غير صحيح، بل التلاوة على ترتيب التنزيل، وقد تقدم (أنّ) (7)
قوله عزّ وجلّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} (8) نزل بعد قوله (9) {مََا وَلََّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كََانُوا عَلَيْهََا} (10) أي: دم على ذلك، {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (11).
__________
(1) قال مكي: وهذا مما تقدم الناسخ فيه على المنسوخ في رتبة التأليف للقرآن، وحق الناسخ في النظر أن يأتي بعد المنسوخ، لأن الناسخ ثان أبدا، والمنسوخ متقدم أبدا، وإنما استغرب هذا لأنه في سورة واحدة، ولو كان في سورتين لم ينكر أن يكون الناسخ في الترتيب قبل المنسوخ، فهو كثير في سورتين، لأن السور لم تؤلف في التقديم والتأخير على النزول ألا ترى أن كثيرا من المكي بعد المدني والمكي نزل أولا؟! وإنما حكم في هذا بأن الأول نسخ الثاني دون أن ينسخ الثاني الأول على رتبة الناسخ والمنسوخ بالإجماع على أن المتوفي عنها زوجها ليس عليها أن تعتد سنة، وأن عدتها أربعة أشهر وعشرا
والنبي صلّى الله عليه وسلّم بين هذا، فعلم أن الأول ناسخ للثاني وعلم أن الأولى في التلاوة نزلت بعد الثانية ناسخة لها) اه الإيضاح: ص 184183.
(2) في بقية النسخ: وقال.
(3) هو محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله أبو القاسم من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب، جاور بمكة، وتنقل في البلدان وكان من معتزلي المذهب.
(538467هـ). طبقات المفسرين للداودي (2/ 314)، والبداية والنهاية: (12/ 235) والأعلام:
(7/ 187).
(4) البقرة: (142).
(5) البقرة: (144).
(6) الكشاف للزمخشري (1/ 377).
(7) ساقط من الأصل حرف (أنّ).
(8) جزء من الآية السابقة: (144).
(9) في ظق ود وظ: بعد قولهم.
(10) جزء من الآية السابقة: (142).
(11) جزء من الآية السابقة: (144).(2/630)
وقد قيل: أن أول ما نزل في ذلك قوله عزّ وجلّ: {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (1)، قيل: أعلم الله عزّ وجلّ نبيه ما هم قائلون.
فقال: إذا قالوا ذلك، فقل لهم: {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}. وقد تقدم أيضا قوله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقََامِ إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى} (2)، فهذا يدل على ما قلناه من أن قوله عزّ وجلّ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ}، (58/ ب) أمر بالدوام على ما كان أمره به من اتخاذ المقام مصلى (3)، ثم أن هذه الآيات كلها في قصة واحدة بخلاف الناسخ والمنسوخ، ولم يقل أحد من المفسّرين أن قوله عزّ وجلّ: {سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ} نزل بعد قوله عزّ وجلّ {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} وإنما وهم الزمخشري، فظن الأخبار بما يكون بعد الشيء قبل وقوعه هو الواقع بعده، وهذا غلط بين (4)، وإنما مثال هذا أن يقول الملك لمن يريد أن يوليه ناحية: سيطعن (5) السفهاء في ولايتك، ثم يقول (له) (6) بعد ذلك: تولّ ناحية كذا، كذلك قال (7) الله عزّ وجلّ {سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ مِنَ النََّاسِ مََا وَلََّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} الآية، أخبارا بما سيكون بعد التولية، ثم قال سبحانه بعد ذلك: {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} الآية.
وهذا واضح جدا، وقد خفى عليه هذا، فصار إلى ما صار إليه من تقدم الآية في التلاوة، وتأخرها في الإنزال، وليس بهين أن يجعل كلام الله عزّ وجلّ بهذه المثابة.
بل أقول: إن الآية غير منسوخة بالتي تقدمت (8)، بل معناها: أن المتوفى
__________
(1) البقرة: (115).
وقد سبق أن ذكر المصنف أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ}
على أحد الأقوال التي قيلت في ذلك.
(2) البقرة: (125).
(3) يريد السخاوي أن هذه الآية متقدمة في التلاوة وفي ترتيب آيات السورة، وجاءت قبل {سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ} وقبل {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} وغيرها من الآيات التي تتحدث عن القبلة، مما يدل على أن الله أمره صلّى الله عليه وسلّم بالدوام على ما كان عليه، إذا فليس هناك نسخ، والله أعلم.
(4) في د: وهذا غلط منه. وفي ظ: وهم هذا غلط منه.
(5) في د وظ: ستطعن السفهاء.
(6) ساقط من الأصل (له).
(7) في د: فقال الله.
(8) وهذا قول مجاهد وسيأتي وقد تقدم أن الجمهور يقولون بالنسخ هنا.(2/631)
عنها زوجها كانت لها متعة، كما أن للمطلّقة متعة، فكانت متعة المتوفى عنها زوجها أن تخير بعد انقضاء العدة بين أن تقيم إلى تمام الحول، ولها السكنى والنفقة، وبين أن تخرج، يدلّ على صحة ذلك قوله عزّ وجلّ {مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرََاجٍ}، أي لا تخرج إذا لم ترد، ثم قال تعالى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِي مََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}، فأباح لها أن تخرج، ولو كانت العدة حولا لم يبح لها ذلك، ولم تكن مخيّرة فيه، ومن لم يفرّق بين هذا وبين قوله عزّ وجلّ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذََا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ} ويميز (1) بين المكث الواجب كيف جاء بهذا اللفظ، وبين المكث الراجع الى الاختيار، كيف جاء باللفظ الآخر، فقد سلب آلة التمييز، بل الآية المتأخرة دالة على تقدم الأولى بقوله عزّ وجلّ {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِي مََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}.
أي فإن اخترن الخروج بعد بلوغ الأجل المذكور في الآية المتقدمة فلا حرج.
وقد قال مجاهد: إن الآية محكمة (2)، ولها السكنى والنفقة من مال زوجها إن شاءت.
وإن قلنا: إن ذلك قد كان، ثم بطل بأنه لا وصية لوارث، فذاك موافق لما عليه الجمهور (3).
__________
(1) في د: ويميزه.
(2) روى البخاري في صحيحه عن مجاهد {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} قال: كانت هذه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجب، فأنزل الله {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرََاجٍ، فَإِنْ خَرَجْنَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِي مََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}.
قال: جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى: {غَيْرَ إِخْرََاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ} فالعدة كما هي واجب عليها، زعم ذلك عن مجاهد).
انظر: كتاب التفسير (8/ 193)، بشرح ابن حجر، وأخرجه الطبري أيضا في تفسيره (2/ 581). قال ابن حجر: والجمهور على خلافه، وهذا الموضع مما وقع فيه الناسخ مقدما في ترتيب التلاوة على المنسوخ اه.
(3) أما الكلام بأنه لا وصية لوارث فقد سبق الحديث عنه عند قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} (ص 601) من هذا الفصل فلينظر.
وأما وجه إيراد السخاوي لهذا فإنه يخدم ما ذهب إليه من عدم النسخ فكأنه يقول لا تعارض بين هذه الآية وبين سابقتها، فالسابقة في التلاوة في بيان العدة والمدة التي يجب عليها أن تمكثها، والآية(2/632)
وأما أن نقول (1): أنها منسوخة بما تقدمها فلا.
وهذا الموضع من أقبح ما ذكروه في كتاب الله عزّ وجلّ (2)، ثم ذكر بعد هذه المتعة، متعة الطلاق، فقال عزّ وجلّ عقيب هذه الآية {وَلِلْمُطَلَّقََاتِ مَتََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (3).
18 - ومن ذلك: قول ابن زيد (4) في قوله عزّ وجلّ {إِلََّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً} (5) أنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَلََا تَعْزِمُوا} [6] عُقْدَةَ النِّكََاحِ (7) (8) وليس كما قال، بل هي محكمة، والمراد بذلك التعريض بالنكاح.
19 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتََاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (9).
قال ابن المسيب (10): وجبت المتعة لغير المدخول بها بهذه الآية، وبقوله عزّ وجلّ في الأحزاب {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (11)، قال: ثم نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ
__________
الثانية خاصة فيما إذا كان هناك وصية للزوجة بذلك، ولم تخرج ولم تتزوج، وهما مقامان مختلفان.
وقد رد هذا الزرقاني ورجح القول بالنسخ وعزاه إلى الجمهور.
انظر مناهل العرفان (2/ 261).
(1) في د وظ: أن تقول.
(2) الحقيقة أن تقبيح القول بالنسخ في هذا الموضع ليس سليما، سيما وقد قال به جمهرة من العلماء كما سبق.
(3) سورة البقرة: (241).
(4) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم المدني، ضعيف، له التفسير والناسخ والمنسوخ، مات سنة 282، طبقات المفسرين للداودي (1/ 271).
(5) البقرة (235) {عَلِمَ اللََّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلََّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً}.
(6) في ظ: ولا تقربوا عقدة النكاح. وهو خطأ في الآية الكريمة.
(7) جزء من الآية نفسها.
(8) أخرجه ابن جرير بسنده عن ابن زيد. جامع البيان (2/ 527)، وذكره مكي عن ابن زيد، وقال:
أكثر العلماء أنه محكم اه الإيضاح ص 185.
(9) البقرة (236) {لََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ مََا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}.
(10) في د، ظ: ابن السكيت. خطأ.
(11) الأحزاب: (49) وهي قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمََا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهََا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرََاحاً جَمِيلًا}.(2/633)
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مََا فَرَضْتُمْ} (1) (2).
وهذا ليس بنسخ لذلك، لأن الأول في التي لم يفرض لها، والثاني في التي قد فرض لها.
وقال ابن المسيب أيضا: كانت المتعة واجبة بقوله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ}، ثم نسختها آية البقرة، وهو قوله عزّ وجلّ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} قال: ولم يقل: (حقا عليكم، ولا واجبا عليكم) (3) وهذا أيضا ليس كذلك، لأن قوله عزّ وجلّ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} و {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} لا يعارض قوله عزّ وجلّ {فَمَتِّعُوهُنَّ}، ولذلك قال علي رضي الله عنه: (المتعة واجبة لكل مطلّقة)، وإليه ذهب الحسن البصري والضحاك وابن جبير (4).
وقال شريح: (هي مندوب اليها، فمتّع، إن كنت تحب أن تكون من المحسنين، ألا تحب أن تكون من المتقين) (5)؟
__________
(1) البقرة (237).
(2) أخرجه الطبري بنحوه عن سعيد بن المسيب. جامع البيان (2/ 533) وذكره مكي عن ابن المسيب أيضا. انظر الإيضاح ص 186.
(3) انظر: الإيضاح ص 186.
(4) المصدر نفسه ص 187.
وأخرجه الطبري عن الحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير، وبعد أن ذكر الأقوال في ذلك رجح وجوب المتعة لكل مطلقة، وانتصر لهذا القول وفند ما سواه. انظر جامع البيان (2/ 535).
وعزا القرطبي الوجوب إلى ابن عمر وعلي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير، وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك ابن مزاحم.
قال: وتمسك هؤلاء، بمقتضى الأمر، قال: وهو أولى، لأن عمومات الأمر بالإمتاع في قوله {مَتِّعُوهُنَّ} وإضافة الإمتاع إليهن بلام التمليك في قوله {وَلِلْمُطَلَّقََاتِ مَتََاعٌ} أظهر في الوجوب منه في الندب، وقوله {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} تأكيد لإيجابها، لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه اه.
الجامع لأحكام القرآن (3/ 200)، وراجع (3/ 203) من المصدر نفسه.
(5) أخرجه ابن جرير بنحوه عن شريح. انظر جامع البيان (2/ 534)، وذكره مكي بن أبي طالب، وقال: وهذا هو المختار، وهو مذهب مالك. الإيضاح ص 187.
قال القرطبي: وتمسك أصحاب هذا القول بقوله تعالى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} و {عَلَى الْمُتَّقِينَ}، ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق {أَجْمَعِينَ} * اه المصدر السابق.(2/634)
وقال ابن عباس: رضي الله عنهما وغيره (هي واجبة للتي لم يفرض لها اذا طلّقت قبل الدخول، على الموسر خادم، ويمتّع المتوسط بالورق، ودون المتوسط بالكسوة والنفقة)، وكذلك قال قتادة (1).
وليس الغرض إيراد المذاهب، وإنما الغرض أن الآية غير منسوخة ولا ناسخة (2).
20 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ} (3).
قال قوم: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ {جََاهِدِ الْكُفََّارَ وَالْمُنََافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} * (4)، والجمهور (5) على أنها محكمة (6).
__________
وقد سبق أن ذكرت أن الطبري والقرطبي يرجحان الوجوب، وهذا الذي تطمئن إليه النفس وترتاح، وبه تسود المحبة في الأسرة، والمجتمع، وتجبر القلوب المكسورة بسبب الطلاق، والله الموفق للصواب.
(1) ذكره مكّي بنحوه، قال: وبه قال العراقيون اه الإيضاح ص 189. وقد ساق الطبري بسنده إلى ابن عباس أنه قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة اه.
جامع البيان 2/ 530.
وزاد السيوطي نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. الدر المنثور (1/ 697).
والآية جاءت عامة غير مقدرة ولا محددة للمتعة (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فكل يمتع بقدر استطاعته، هذا بخادم وهذا بثوب وهذا بنفقة، هذا قول الحسن ومالك بن أنس. انظر: تفسير القرطبي (3/ 201).
(2) لأن شرط النسخ غير موجود، والجمع ممكن، وقد قال فريق من العلماء، منهم الثوري: المتعة لكل مطلقة عموما، وهذه الآية إنما بينت أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض لها، ولم يعن بالآية إسقاط متعتها بل لها المتعة ونصف المفروض.
انظر: الجامع لأحكام القرآن (3/ 204).
وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى.
(3) البقرة (256).
(4) التوبة (73) التحريم: (9).
(5) في ظ: والجمهور أنها محكمة.
(6) انظر: الإيضاح ص 193، 194، والناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 572وقد نسب ابن الجوزي القول بالنسخ إلى الضحاك والسدي وابن زيد ونسب القول بأحكامها إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة.
قال: وهو من العام المخصوص، وأنه خص منه أهل الكتاب، فإنهم لا يكرهون على الإسلام، بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية اه نواسخ القرآن ص 219.(2/635)
قال ابن عباس رضي الله عنهما (نزلت في أهل الكتاب، لا يكرهون إذا أدّوا الجزية) (1).
21 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} (2)، قالوا: هي ناسخة لما كانوا عليه من بيع المعسر فيما عليه من الدّين (3). وقد قدمت أن مثل هذا لا يجمل أن يذكر في الناسخ (4).
لأنه نقل عن فعل كانوا عليه بغير قرآن نزل فيه، ولا أمر من الله عزّ وجلّ، ولو كان ذا ناسخا لكان القرآن كله ناسخا، لأنه نزل في تغيير ما كانوا عليه وإبطاله (5).
22 - ومن ذلك قوله عزّ وجلّ {إِذََا تَدََايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (6) {وَلََا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى ََ أَجَلِهِ} (7) فأمر بالكتاب (8) والإشهاد، قالوا:
__________
وقد رجح أحكام هذه الآية كل من الطبري والنحاس وابن العربي.
انظر: جامع البيان (3/ 17)، والناسخ والمنسوخ ص 98، وأحكام القرآن (1/ 233).
(1) أخرجه ابن جرير بنحوه عن ابن عباس رضى الله عنهما. جامع البيان (3/ 17).
وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس كذلك. الدر المنثور (2/ 21).
(2) البقرة: (280).
(3) انظر: الإيضاح ص 194، وراجع تفسير القرطبي (3/ 371)، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 99.
قال الطبري: الصواب من القول في هذه الآية أنه معنى به غرماء الذين كانوا أسلموا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولهم عليهم ديون، قد أربوا فيها في الجاهلية، فأدركهم الإسلام قبل أن يقبضوها منهم، فأمر الله بوضع ما بقى من الربا بعد ما أسلموا، وبقبض رءوس أموالهم ممن كان منهم من غرمائهم موسرا، وأنظار من كان منهم معسرا برءوس أموالهم إلى ميسرتهم اه جامع البيان (3/ 112).
(4) ولذلك لم يتعرض لذكرها ضمن الناسخ والمنسوخ كل من قتادة وابن حزم وابن سلامة والبغدادي وابن الجوزي والكرمي والسيوطي الزرقاني.
(5) سبق أن ذكر السخاوي نحو هذا عند قوله تعالى {لََا تَقُولُوا رََاعِنََا} ص 594.
قال مكي: وقد كان يجب أن لا تذكر هذه الآية في الناسخ والمنسوخ، لأنها لم تنسخ قرآنا ولا سنة ثبتت، إنما نسخت فعلا كانوا عليه بغير أمر من الله، والقرآن كله أو أكثره على هذا، نقلهم حكمه عما كانوا عليه اه الإيضاح ص 195.
(6) سقط من الأصل بانتقال النظر {إِذََا تَدََايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله عز وجل اه.
اه.
(7) البقرة: (282).
(8) في د وظ: بالكتابة.(2/636)
ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمََانَتَهُ} (1)، وليس هذا بنسخ، وفيه بيان كون الأمر بالكتابة والإشهاد ليس (2) على الوجوب (3).
وذهب ابن عمر وابن عباس وأبو موسى الأشعري وجابر بن زيد وابن سيرين والضحاك وأبو قلابة وعطاء والشعبي وداود إلى وجوب الكتاب (4) والإشهاد، وأوجبوا على رب الدّين أن يكتب وأن يشهد إذا قدر على ذلك.
قالوا: وأما قوله عزّ وجلّ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}، فإنما ذلك عند عدم القدرة على الكتابة والإشهاد، إذا عفا عن الرهن أو لم يجده (5).
وقال الشعبي وعطاء: أشهد إذا بعت (6) واشتريت بدرهم أو بنصف درهم أو بثلث درهم (7)، وبهذا يقول الطبري، وعلى الجملة فالآية محكمة على كل حال (8).
23 - ومن ذلك قولهم في قوله عزّ وجلّ {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ}
__________
(1) البقرة: (283).
(2) في بقية النسخ: وليس.
(3) وحمله على التخيير والإرشاد والندب هو قول أكثر أهل العلم.
انظر الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 348، والإيضاح ص 196.
(4) في د وظ: الكتابة.
(5) انظر: الإيضاح ص 198، وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 101.
(6) في بقية النسخ: أو اشتريت.
(7) رواه أبو عبيد بنحوه عن عطاء وإبراهيم النخعي. انظر الناسخ والمنسوخ ص 344، 346، 347.
وروى أبو عبيد أيضا عن الشعبي والحسن التخيير في ذلك. المصدر نفسه، وراجع الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص 97، وقلائد المرجان ص 75.
(8) وهذا هو الظاهر، لأنه لا تعارض بين الآيتين، فالآية الأولى تأمر بالكتابة والإشهاد عند التبايع بغض النظر عن الخلاف في الوجوب وعدمه كما سبق فإن كان ندبا فلا تعارض، ويكون الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن من باب الندب والإرشاد، فإذا أمن كل من البائع والمشتري الآخر، ولم يكتبا ولم يشهدا فليس عليهما حرج، وما جعل الله علينا في الدين من حرج، وأما إن كان على سبيل الإلزام والفرض فأيضا ليس هناك تعارض، فإن الآية تنص على الرخصة في عدم الكتابة عند عدم وجود الكاتب.
وقد قال بعدم النسخ ابن جرير الطبري ووافقه النحاس وابن الجوزي غير أنهما يخالفانه في وجوب الكتابة والإشهاد، ويحملان ذلك على الندب، وهو ما صوبه مكي كما سبق وهو كذلك ما يفهم من كلام السخاوي المتقدم.
يقول الإمام الطبري: بعد أن ذكر قول الذين قالوا بالنسخ ورجح أن الأمر للوجوب ولا وجه(2/637)
{اللََّهُ} (1) (إنه) (2) منسوخ بقوله عزّ وجلّ {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} (3).
وليس في هذين ناسخ ولا منسوخ (4)، والنسخ لا يدخل في الأخبار، ففي هذه السورة ثلاثون موضعا أدخلت في الناسخ والمنسوخ (5)، لم يقع الاتفاق على شيء منها بل فيها ما لا يشك في أنه ليس بناسخ ولا منسوخ ومستند قولهم في ذلك الظن لا اليقين، ولا يثبت ناسخ القرآن ومنسوخه بالظن والاجتهاد.
__________
لاعتلال من اعتل بأن الأمر بذلك منسوخ بقوله {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ} الآية، لأن ذلك إنما أذن الله تعالى ذكره به حيث لا سبيل إلى الكتاب أو إلى الكاتب، فأما والكتاب والكاتب موجودان، فالفرض إذا كان الدين إلى أجل مسمى ما أمر الله تعالى ذكره به في قوله {فَاكْتُبُوهُ}
وإنما يكون الناسخ ما لم يجز اجتماع حكمه وحكم المنسوخ في حال واحدة على السبيل التي قد بيناها فأما ما كان أحدهما غير ناف حكم الآخر فليس من الناسخ والمنسوخ في شيء اه. جامع البيان (3/ 120).
(1) البقرة (284).
(2) ساقط من الأصل كلمة (أنه).
(3) البقرة (286).
وقد ذكر الطبري النسخ بأسانيده عن ابن عباس وعائشة، وابن مسعود ومجاهد وقتادة والحسن والشعبي والسدي وغيرهم.
انظر: جامع البيان (3/ 147144)، وراجع الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 37، وابن حزم ص 30، وابن سلامة ص 98، والبغدادي: ص 92والإيضاح لمكي ص 200، والإتقان 3/ 65.
وسيأتي بإذن الله قريبا قول الذين قالوا بأحكامها، وأنه هو الراجح.
(4) وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى من أقوال أهل العلم، وهو ما أخرجه الطبري عن ابن عباس والربيع بن أنس والحسن البصري ومجاهد جامع البيان 3/ 147فما بعدها.
ومال إليه النحاس، ومكي وابن الجوزي والكرمي. انظر الناسخ والمنسوخ ص 105، والإيضاح ص 200، والمصفى بأكف أهل الرسوخ ص 21، وهو ما يفهم من كلام ابن الجوزي أيضا في كتابيه نواسخ القرآن ص 234، 235، وزاد المسير 1/ 344، وراجع كذلك قلائد المرجان للكرمي ص 77.
(5) وقد تبع السخاوي في هذا العدد الإجمالي للآيات التي أدخلت في الناسخ والمنسوخ أبا جعفر النحاس ص 104، وهبة الله بن سلامة ص 32ولكن على خلاف فيما بينهم في ذكر الآيات المدعي فيها النسخ. ومن الملاحظ أن السخاوي ذكر أكثر من هذا العدد، فقد ذكر ثلاثا وعشرين موضعا ابتداء من قوله: «وأنا أذكر بعون الله تعالى الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة». وكان قد ذكر قبل ذلك اثني عشر موضعا ادّعى فيها النسخ.
وأما ابن الجوزي فقد ذكر سبعا وثلاثين آية أدعى فيها النسخ. وذكر كل من ابن حزم والفيروزآبادي ستا وعشرين آية فقط.
انظر: الناسخ والمنسوخ ص 19، وبصائر ذوي التمييز 1/ 135.(2/638)
سورة آل عمران
ذكروا فيها أربعة عشرة (1) موضعا (2)، ليس منها موضع متفق في صحته (3):
الأول: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلََّهِ} (4)، قالوا: نسخها قوله عزّ وجلّ {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (5) وليس (هذا) (6) بنسخ، إذ يجوز أن يجمع بين الأمرين (7) (8).
الثاني: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} (9) (10).
__________
(1) هكذا في الأصل: عشرة. وفي بقية النسخ: عشر. وهو الصواب.
(2) ذكر قتادة والسيوطي موضعا واحدا فقط، انظر: الناسخ والمنسوخ: ص 38، والاتقان:
3/ 66، وذكر النحاس ص 105، وابن الجوزي في المصفى ص 22، والكرمي ص 89، ثلاث آيات.
واقتصر ابن حزم الأنصاري ص 30، ومكي ص 205201، والفيروزآبادي 1/ 160، على خمس آيات.
وأما ابن سلامة ص 102، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 246237، فقد ذكرا عشر آيات ادعيا فيها النسخ.
(3) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ: ليس منها موضع متفق على صحة النسخ فيه. وهي أوضح.
(4) آل عمران: (20).
(5) النحل: (125).
(6) سقط من الأصل كلمة (هذا).
(7) في ظ: بين الاميرين.
(8) انظر: الايضاح: ص 202201.
(9) آل عمران: 20.
(10) انظر: ابن حزم الانصاري ص 30، وابن سلامة ص 103، وابن الجوزي في نواسخ القرآن(2/639)
«قالوا: نسختها آية السيف وإنما المعنى: {فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ}» (1) اه، وليس عليك الهداية، لأنه قال قبل ذلك {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} (2).
الثالث: قوله عزّ وجلّ {لََا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ} (3).
قالوا: نسخ منها {إِلََّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقََاةً} (4) بآية السيف (5)، وليس كما قالوا، قال الحسن: إنما ذلك في الكفار إذا أكرهوا المؤمنين على الكفر، فيتكلمون بذلك وقلوبهم كارهة (6).
وقال قتادة: التقيّة (7): أن تصل رحمك من الكفار من غير أن تواليهم على المسلمين (8).
__________
ص 237، والكرمى ص 79.
قال ابن الجوزي: قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى الاقتصار على التبليغ دون القتال ثم نسخ بآية السيف وقال بعضهم:
لما كان صلّى الله عليه وسلّم حريصا على إيمانهم مزعجا نفسه في الاجتهاد في ذلك سكن جأشه بقوله {إِنَّمََا أَنْتَ نَذِيرٌ} الآية 12من هود وإنما {عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} والمعنى لا تقدر على سوق قلوبهم إلى الصلاح، فعلى هذا لا نسخ اه.
قلت: وهو الصواب إن شاء الله تعالى: وعليه فلا نسخ، فإنما عليه صلّى الله عليه وسلّم هداية الدلالة والإرشاد، وعليه تعالى هداية التوفيق والصلاح. وراجع النسخ في القرآن 1/ 429.
(1) سقط من الأصل.
(2) جزء من الآية نفسها.
(3) آل عمران (28) {لََا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
(4) جزء من الآية نفسها.
(5) وكذا ذكر هبة الله بن سلامة ص 103، وابن البارزي ص 27، وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية كثير ممن تكلموا في النسخ كقتادة والنحاس والبغدادي وابن حزم الأنصاري ومكي والسيوطي والكرمي وغيرهم.
وأما ابن الجوزي فإنه حكى النسخ ورده.
قال: قد نسب قوم إلى أن المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل والفرقة، ثم نسخ ذلك بآية السيف، وليس هذا بشيء، وإنما المراد من الآية جواز اتقائهم إذا أكرهوا المؤمن على الكفر بالقول الذي يعتقده، وهذا الحكم باق غير منسوخ اه نواسخ القرآن ص 238، والمصفى ص 22.
(6) عزاه السيوطي بمعناه مختصرا إلى عبد بن حميد عن الحسن. قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة اه الدر المنثور: 2/ 176.
(7) التقية والتقاة والتقوى والاتقاء كله واحد. اللسان: 15/ 402 (وقى).
(8) أخرجه الطبري بنحوه عن قتادة. انظر: جامع البيان: 3/ 229. وزاد السيوطي نسبته إلى(2/640)
وقيل: نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه لأنه خاف أن يقتله المشركون فتكلّم ببعض ما أحبوا (1).
وفي حاطب بن أبي بلتعة (2) حين كتب بأخبار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى كفار مكة ليرعوه في أهله وماله، وقلبه مطمئن بالإيمان (3).
الرابع والخامس والسادس: من قوله عزّ وجلّ {كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} إلى قوله {وَلََا هُمْ يُنْظَرُونَ} (4).
قالوا: نسخها قوله {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا} (5) وهذا ليس بناسخ ولا منسوخ (6).
__________
عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم الدر المنثور: 2/ 176.
(1) انظر: تفسير القرطبي: 4/ 58.
وقد ذكر الواحدي قصة عمار ومن معه من المسلمين الذين عذبهم المشركون وفتنوهم عن دينهم، وذلك عند قوله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللََّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِهِ إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ} الآية 106من سورة النحل انظر: أسباب النزول ص 162.
وكذلك ذكر السيوطي في أسباب النزول على هامش الجلالين ص: 468وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: (فأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقيه) اه. وانظر: الدر المنثور:
3/ 170.
(2) بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها مثناة ثم مهملة مفتوحة ابن عمرو بن عمير اللخمي صحابي، شهد بدرا والحديبية، مات سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، وله خمس وستون سنة.
الإصابة: 2/ 192رقم 1534والاستيعاب: 2/ 280.
(3) انظر: زاد المسير: 1/ 371.
وراجع قصة حاطب بن أبي بلتعة في أسباب النزول للواحدي ص: 240وللسيوطي ص 730، وفي الدر المنثور 8/ 125فما بعدها.
(4) آل عمران الآيات: 8886.
(5) آل عمران (89).
(6) قال ابن حزم: فهذه الآيات نزلت في ستة رهط، ارتدوا عن الإسلام بعد أن أظهروا الإيمان، ثم استثنى واحد من الستة وهو سويد بن الصامت فقال تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ وَأَصْلَحُوا}
فهذه الآية ناسخة لها اه.
الناسخ والمنسوخ ص 31، وانظر ابن سلامة ص 104.
وممن قال بالنسخ ابن البارزي ص 28، والفيروزآبادي 1/ 160هذا ولم يتعرض لدعوى النسخ هنا كل من النحاس والبغدادي ومكي، وأما ابن الجوزي فقد ذكر دعوى النسخ عن السدي ورده وفنده، وقال: إن هذا محكم لا وجه لدخول النسخ عليه اه وانظر بقية كلامه في نواسخ القرآن ص 241.(2/641)
السابع: قوله عزّ وجلّ {آيَتُكَ أَلََّا تُكَلِّمَ النََّاسَ ثَلََاثَةَ أَيََّامٍ إِلََّا رَمْزاً} (1).
قالوا: هو منسوخ بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صمت (2) يوما إلى الليل» (3)، وفساد هذا القول واضح (4).
الثامن: قوله عزّ وجلّ {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (5).
قال السدي: هو منسوخ بقوله سبحانه: {مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (6)، وهذا أيضا باطل (7).
__________
(1) آل عمران: (41).
(2) العرب تقول: لا صمت يوما إلى الليل، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا صمت يوم إلى الليل، فمن نصب أراد: لا صمت يوما إلى الليل، ومن رفع أراد: لا يصمت يوم إلى الليل، ومن خفض فلا سؤال فيه، والصمت: السكوت. انظر: اللسان: 2/ 54 (صمت).
(3) رواه أبو داود في سننه كتاب الوصايا باب ما جاء متى ينقطع اليتم: 3/ 294بلفظ: (لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل).
قال الخطابي: قوله (لا صمات يوم إلى الليل) كان أهل الجاهلية من نسكهم الصّمات، وكان الواحد منهم يعتكف اليوم والليلة فيصمت ولا ينطق فنهوا عن ذلك وأمروا بالذكر والنطق بالخير اه.
المصدر نفسه.
والحديث ذكره النحاس ص 106ومكي ص 202، وابن عطية في المحرر الوجيز 1/ 411، والقرطبي في تفسيره: 4/ 81.
(4) انظر: النحاس ومكي وابن عطية والقرطبي الصفحات السابقة.
قال القرطبي: قال بعض من يجيز نسخ القرآن بالسنة: أن زكريا منع الكلام، وهو قادر عليه، وإنه منسوخ بقوله عليه السلام (لا صمت يوما إلى الليل)، وأكثر العلماء أنه ليس بمنسوخ، وأن زكريا إنما منع الكلام بآفة دخلت عليه منعته إياه، وتلك الآفة عدم القدرة على الكلام مع الصحة، كذلك قال المفسرون.
وذهب كثير من العلماء إلى أنه (لا صمت يوما إلى الليل) إنما معناه عن ذكر الله، وأما عن الهذر وما لا فائدة فيه، فالصمت عن ذلك حسن. المصدر السابق.
(5) آل عمران: (97).
(6) جزء من الآية نفسها.
(7) ذكر دعوى النسخ ابن سلامة وعزاه إلى السدي، قال: قال السدي: هذا على العموم ثم استثنى الله تعالى بعدها فصار ناسخا اه الناسخ والمنسوخ ص 105، وذكره ابن البارزي دون عزو ص 28.
هذا وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية معظم الذين تكلموا في النسخ، إلا أن ابن الجوزي ذكره عن السدي أيضا كما ذكره ابن سلامة وفنده وقبح القول به. نواسخ القرآن ص 241.(2/642)
التاسع: قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (1)، قال قتادة:
هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) (3)، وقال السدي وابن زيد والربيع بن أنس وجماعة من العلماء: ليس هذا بنسخ (4)، والآيتان (5) معناهما واحد، والأمر بتقوى الله لا ينسخ (6).
وقوله {حَقَّ تُقََاتِهِ} أي ما أطقتم (7)، قيل: يا رسول (الله) (8)، ما حق تقاته؟
قال: «هو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» (9). وقال ابن عباس: (أن يجاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذه فيه لومة لائم، وأن تقوم لله
__________
(1) آل عمران: (102).
(2) التغابن: (16).
(3) حكي النسخ كل من قتادة ص 38، والنحاس ص 106، وابن حزم الأنصاري ص 31، وابن سلامة ص 106، والبغدادي ص 92ومكي ص 203، وابن البارزي ص 28، والفيروزآبادي 1/ 160، والسيوطي 3/ 66، إلا أن النحاس ومكي ردا القول بالنسخ، وأما السيوطي فقد حكي فيها القولين، قال: وليس فيها أي آل عمران آية يصح فيها دعوى النسخ غير هذه الآية اه.
(4) هكذا ذكر المصنف عن هؤلاء، وما ذكره مكي وابن الجوزي عنهم يخالف ما ذكره السخاوي، فقد حكيا عنهم القول بالنسخ.
انظر: الإيضاح ص 203، وزاد المسير 1/ 432، وراجع جامع البيان للطبري 4/ 29.
(5) في ظق: وإلا كان معناهما.
(6) وهذا هو الصحيح، وهو ما رجحه النحاس ص 107، ومكي ص 203والقرطبي في تفسيره 4/ 157، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 244، وفي المصفى ص 22، والزرقاني في مناهل العرفان 2/ 262.
(7) قال القرطبي: وهذا أصوب، لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى اه 4/ 157.
(8) لفظ الجلالة سقط من الأصل.
(9) عزاه ابن كثير إلى ابن مردويه بسنده عن ابن مسعود يرفعه.
انظر: تفسيره 1/ 387.
وأخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ له ص 534، وابن جرير موقوفا على ابن مسعود، جامع البيان 4/ 28.
كما أخرجه ابن جرير أيضا عن عمرو بن ميمون والربيع بن خيثم. ورواه الحاكم دون الجملة الثالثة، وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. المستدرك 2/ 294.
وراجع الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 92والإيضاح ص 204، وتفسير ابن كثير 1/ 387.(2/643)
بالقسط ولو على نفسك أو أبيك أو ابنك) (1) وهذا كله لا ينسخ.
العاشر: قوله عزّ وجلّ {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلََّا أَذىً} (2)، قالوا: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3) (4) وهو أيضا فاسد.
الحادي عشر: قوله عزّ وجلّ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (5)، قالوا: هو ناسخ للقنوت الذي كان يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للدعاء على الكفار (6) وهذا ليس شرط الناسخ (7)، لأنه لم ينسخ قرآنا (8).
الثاني عشر: قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهََا} (9).
قالوا (10): هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ {عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (11)، وهذا ظاهر البطلان (12).
__________
(1) أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ باب التقوى وما فيها من النسخ ص 534، وابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباس: 4/ 29. والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 107.
وراجع تفسير القرطبي: 4/ 157، وابن كثير: 1/ 388، والدر المنثور: 2/ 283.
(2) آل عمران (111).
(3) التوبة: (29).
(4) في بقية النسخ: وهذا. وممن حكي النسخ ابن سلامة ص 108، وابن البارزي ص: 27، وحكاه ابن الجوزي عن السدي ورده، قال: قال جمهور المفسرين معنى الكلام: لن يضروكم ضرا باقيا في جسد أو مال، إنما هو شيء يسير سريع الزوال، وتثابون عليه، وهذا لا ينافي الأمر بقتالهم، فالآية محكمة على هذا، ويؤكده أنهما خبر اه نواسخ القرآن ص 245.
(5) آل عمران (128).
(6) انظر: الحديث برواياته في صحيح البخاري، كتاب التفسير باب ليس لك من الأمر شيء 8/ 225 بشرح ابن حجر.
وفي مسلم كتاب المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلوات: 5/ 176فما بعدها.
وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 108، وجامع الأصول: 2/ 70، وتفسير ابن كثير:
1/ 402، والدر المنثور 2/ 312.
(7) في د: وليس هذا شرط الناسخ.
(8) ولذلك لم يذكر دعوى النسخ في هذه الآية معظم الذين تكلموا في النسخ، والذين ذكروه، إنما ذكروه للرد عليه كالنحاس ص 108، ومكي في الإيضاح ص 204، والقرطبي في تفسيره: 4/ 200.
(9) آل عمران (145.
(10) في ظ: قال.
(11) الإسراء (18). {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الآية.
(12) حكي النسخ ابن سلامة ص 109وابن البارزي (ص 28) وقد أعرض غيرهما عن ذكرها ضمن الآيات التي أدعي فيها النسخ، إلا أن ابن الجوزي ذكر النسخ وعزاه إلى السدي ورده، وقال:(2/644)
الثالث عشر: قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ أَمْوََاتاً بَلْ أَحْيََاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمََا آتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلََّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1)، قالوا: هذا ناسخ لقرآن كان يقرأ، نزل في الذين قتلوا يوم بئر معونة (2) لأنهم لما أدخلوا الجنة، قالوا: يا ليت قومنا يعلمون بما أكرمنا ربّنا، فقال تعالى: أنا أعلمهم عنكم، فأنزل: (بلّغوا عنا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضى عنا ورضينا عنه) (3).
روى مطرف عن مالك عن ابن شهاب عن أنس قال: فكان ذلك قرآنا قرأناه ثم نسخ بقوله {وَلََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ أَمْوََاتاً} (4)، وليس هذا من شرط الناسخ والمنسوخ، لأن ذلك لم يثبت قرآنا فينسخه هذا، ولو كان أيضا قرآنا يتلى لم يكن منسوخا، ولم يكن هذا ناسخا له، لأن ذلك خبر (5).
الرابع عشر: قوله عزّ وجلّ {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذََلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (6)
قالوا: نسخها آية السيف (7)، وليس هذا مما ينسخ (8).
__________
وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ، فلا يعول عليه اه.
نواسخ القرآن ص 246، وراجع زاد المسير: 1/ 470.
(1) آل عمران (179) (170).
(2) بفتح الميم وضم العين، موضع في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة. اه اللسان: 13/ 411 (معن) وراجع سيرة ابن هشام: 2/ 184.
(3) أصل الحديث في صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الرجيع 5/ 42.
وفي مسلم كتاب المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلوات: 5/ 178، بشرح النووي.
وأخرجه ابن جرير بنحوه دون ذكر النسخ. انظر: جامع البيان 4/ 173، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن المنذر مع ذكر النسخ. الدر المنثور: 2/ 372. وراجع جامع الأصول: 8/ 260.
(4) ذكره مكي بسنده ولفظه. انظر الإيضاح ص 205.
وأخرجه البغوي بسنده عن قتادة عن أنس. معالم التنزيل 1/ 376.
(5) وقد تقدم مرارا ذكر هذا، أي أن الأخبار لا يدخلها النسخ، لذلك لم أقف على من ذكرها من علماء هذا الشأن ضمن الآيات التي أدعي فيها النسخ، إلا أن مكي بن أبي طالب ذكرها للرد على القول بنسخها، وتابعه السخاوي. انظر: الإيضاح ص 205.
(6) آل عمران (186).
(7) ذكر هذا هبة الله بن سلامة ص 109، ولم أقف على من ذكر ذلك غيره، إلا أن ابن الجوزي ذكره عن قوم، وقال: الجمهور على إحكام هذه الآية لأنها تضمنت الأمر بالصبر والتقوى، ولا بد للمؤمن من ذلك اه نواسخ القرآن ص 246.
(8) فإنه لا تناقض بين الصبر والتقوى وبين قتال الأعداء، بل أن المؤمن مأمور بذلك في كل وقت وبخاصة عند لقاء العدو، ولا يخفى هذا على ذي لب.(2/645)
سورة النساء
الكلام فيها في ثلاثين موضعا (1):
الأول: قوله عزّ وجلّ {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} (2) إلى آخر الآية.
قالوا: هي ناسخة لما كان في الجاهلية من نكاح ما شاءوا من النساء وهذا لا يسمى ناسخا، وقد تقدم القول فيه (3).
الثاني: قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (4).
قالوا: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} [5] إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً (6).
__________
(1) تفاوت العلماء في ذكر المواضع التي ذكر فيها الناسخ والمنسوخ في هذه السورة، فقد ذكر قتادة أربعة مواضع فقط، وتحدث النحاس عن عشر آيات، أما ابن حزم وابن سلامة والفيروزآبادى فذكروا أربعا وعشرين موضعا، وذكر ابن البارزي اثنين وعشرين، وذكر ابن الجوزي ستا وعشرين في نواسخ القرآن وأحد عشر موضعا في المصفى. وعند الكرمي عشرون آية، بينما اقتصر السيوطي والزرقاني على ذكر ثلاثة مواضع فقط ومن هذا يتبين أن هذه المواضع التي ذكرها السخاوي هي مؤلفة من مجموعة كتب فلم يعتمد فيها على كتاب واحد.
(2) النساء: (3).
(3) تقدم القول في هذا عند قوله تعالى {لََا تَقُولُوا رََاعِنََا وَقُولُوا انْظُرْنََا} ص 594وانظر الإيضاح ص 207، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 110، وتفسير القرطبي 5/ 12.
(4) النساء: (6).
(5) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(6) النساء: (10).(2/646)
وقيل: نسخت (1) بقوله {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ} (2).
والجمهور على أنها محكمة (3)، واختلفوا في معناها، فقال سعيد بن المسيب وربيعة (4): المعنى: ومن كان فقيرا من اليتامى فليأكل بالمعروف لئلا يذهب ماله ويبقى فقيرا (5).
وقال الحسن وقتادة والنخعي وعطاء وابن زيد: معنى بالمعروف: أي للوصي سد جوعته إذا احتاج، وليس عليه رد ذلك (6).
__________
ونسبه النحاس إلى ابن عباس ص 112، وزاد مكي نسبته إلى زيد بن أسلم، الإيضاح ص 208.
ورواه ابن الجوزي عن ابن عباس أيضا والضحاك، قال: (وهذا مقتضى قول أبي حنيفة أعني النسخ لأن المشهور عنه أنه لا يجوز للوصي الأخذ من مال اليتيم عند الحاجة على وجه القرض وإن أخذ ضمن) اه نواسخ القرآن ص 252.
(1) (نسخت) ساقطة من د وظ.
(2) البقرة (188) بهذا النص، وأما التي في سورة النساء فنصها: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ} الآية 29ولعل المصنف يقصدها فزيدت الواو في أولها فصارت آية البقرة. والله أعلم.
ثم إني وجدتها كذلك في الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 112، وزاد المسير: 2/ 17، وتفسير القرطبي 5/ 42حيث نسب القرطبي القول بالنسخ إلى مجاهد.
(3) قال ابن الجوزي: (وهو قول عمر وابن عباس والحسن والشعبي وأبي العالية ومجاهد وابن جبير والنخعي وقتادة في آخرين وحكمها عندهم أن الغني ليس له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، فأما الفقير الذي لا يجد ما يكفيه وتشغله رعاية مال اليتيم عن تحصيل الكفاية، فله أن يأخذ قدر كفايته بالمعروف من غير إسراف) اه زاد المسير: 2/ 17.
(4) ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي، مولاهم أبو عثمان المدني المعروف ب (ربيعة الرأي) كانوا يتقونه لموضع الرأي ثقة فقيه مشهور، مات سنة 136هـ. على الصحيح.
التقريب: 1/ 247، وانظر تاريخ بغداد: 8/ 420، والجرح والتعديل: 3/ 475.
(5) انظر الإيضاح ص 209والدر المنثور: 2/ 438.
وقد رد هذا القول القرطبي وابن حجر، حيث قال القرطبي: لأن اليتيم لا يخاطب بالتصرف في ماله لصغره ولسفهه، والله أعلم الجامع لأحكام القرآن: 5/ 41.
وقال ابن حجر: وأعرب ربيعة فقال: (المراد خطاب الولي بما يصنع باليتيم إن كان غنيا وسع عليه وإن كان فقيرا أنفق بقدره وهذا أبعد الأقوال كلها) اه فتح الباري 8/ 241.
(6) انظر: الإيضاح ص 109.
قال القرطبي: وعليه الفقهاء قال الحسن هو طعمة من الله له وذلك أنه يأكل ما يسد جوعته، ويكتسي ما يستر عورته اه الجامع لأحكام القرآن 5/ 42.
وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى في المراد بقوله تعالى: {بِالْمَعْرُوفِ} من بقية الأقوال.(2/647)
وقيل: أبيح له (أكل) (1) التمر واللبن لقيامه عليه، فكأنه أجرة له (2).
وقال أبو العالية: معنى (بالمعروف): أي من الغلة (3)، ولا يأكل من الناض (4)
قرضا ولا غير قرض (5)، وقيل (6): معنى قوله (بالمعروف): القرض إذا احتاج والرد إذا أيسر، ويدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ {فَإِذََا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوََالَهُمْ}، أي ما اقترضتموه (7)، {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} قال ذلك عمر رضي الله عنه وابن عباس والشعبي وابن جبير (8)، فالآية على جميع هذه الأقوال محكمة، وإنما سقطت هذه الأقوال ليعلم (9)
أن القول بالنسخ ظن لا يقين (10).
الثالث: قوله عزّ وجلّ {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} (11).
__________
(1) سقط من الأصل كلمة (أكل).
(2) ذكره مكي أيضا المصدر السابق.
فليس له أن يأخذ شيئا من الذهب والفضة إلا على وجه القرض. تفسير الطبري: 4/ 258.
(3) الغلة: الدخل الذي يحصل من الزرع والثمر واللبن والإجارة والنتاج ونحو ذلك، وفلان يغلّ على عياله، أي يأتيهم بالغلة. اللسان: 11/ 504 (غلل).
(4) الناض: الدرهم والدينار عند أهل الحجاز ويسمى ناضا إذا تحول نقدا بعد أن كان متاعا اه اللسان: 7/ 237 (نضض). القاموس: 2/ 358.
(5) ذكره مكي عن أبي العالية. انظر الإيضاح ص 209. وذكره القرطبي عن أبي قلابة. انظر الجامع لأحكام القرآن: 5/ 43.
(6) في د: بدون واو.
(7) قال القرطبي: والصحيح أن اللفظ يعم هذا وسواه اه. تفسيره 5/ 45أي يعم الاقتراض والإنفاق على اليتامى من أموالهم، حتى لو وقع خلاف بينهما أمكن إقامة البينة اه. المصدر نفسه.
(8) ذكر هذا مكي بن أبي طالب واستحسنه. انظر: الإيضاح ص 208. وذكره القرطبي عن هؤلاء وأضاف إليهم عبيدة ومجاهدا وأبا العالية، قال: وهو قول الأوزاعي اه الجامع لأحكام القرآن:
5/ 41، وانظر الآثار المروية عن هؤلاء في تفسير الطبري 4/ 257255، وقد مال الطبري إلى هذا، وقال: إنه أولى الأقوال بالصواب.
(9) في ظق: لتعلم.
(10) رد ابن العربي القول بالنسخ، وقال: إنه بعيد لا أرضاه، لأن الله تعالى يقول {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}
وهو الجائز الحسن، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} فكيف ينسخ الظلم المعروف؟
بل هو تأكيد له في التجويز لأنه خارج عنه مغاير له، وإذا كان المباح غير المحظور لم يصح دعوى نسخ فيه) اه أحكام القرآن: 1/ 325.
(11) النساء: (8).(2/648)
قيل: هي منسوخة بآية الوصية والميراث (1)، قاله ابن المسيّب (2).
وعن ابن عباس والضحاك والسدي وعكرمة: نسخها آية الميراث.
وعن ابن عباس أيضا: أنها محكمة (3)، وكذلك قال ابن جبير ومجاهد وعطاء (4).
والأمر على الندب لا على الايجاب.
وعن ابن عباس أيضا: أن الخطاب للموصى، يقسم وصيته بيده، والأمر على الندب، وروى مجاهد أيضا والحسن والزهري، أنها محكمة فيما طابت به أنفس الورثة عند القسمة على الندب (5).
الرابع: قالوا: أن الورثة المذكورين في هذه الآيات (6) كالآباء والأبناء والاخوة
__________
(1) وهي قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآيتان 11، 12، من سورة النساء.
(2) ذكره قتادة عن ابن المسيب ص 38، وصححه ابن حجر عنه.
انظر: فتح الباري: 8/ 242، وراجع جامع البيان للطبري: 4/ 264ونواسخ القرآن ص 255، فما بعدها.
(3) روى البخاري في صحيحه بسنده عن عكرمة عن ابن عباس: قال: هي محكمة وليست بمنسوخة.
تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقد ذكر ابن حجر أن القول بأحكامها عن ابن عباس هو المعتمد، وما عداها من الروايات عنه فهي ضعيفة اه فتح الباري: 8/ 242.
(4) وذكره قتادة عن أبي موسى الأشعري. انظر الناسخ والمنسوخ ص 39وكذلك البغدادي، إلا أنه قال عنه: إنها محكمة وواجب على الورثة إذا أرادوا قسمة الميراث أن يرضخوا شيئا منها لمن حضرها من أولي القربى واليتامى والمساكين اه ص 194.
قال ابن الجوزي: والقول بأحكامها هو قول أبي موسى الأشعري وابن عباس والحسن وأبي العالية والشعبي وعطاء بن أبي رباح وسعيد ابن جبير ومجاهد والنخعي والزهري اه.
انظر: زاد المسير: 2/ 18.
وهذا هو الصواب من كلام العلماء ويكون الأمر للندب، وسيأتي بإذن الله.
(5) قال النحاس: بعد أن ذكر الأقوال في الآية والروايات في ذلك أحسن ما قيل في الآية أن تكون على الندب والترغيب في فعل الخير والشكر لله جل ثناؤه، فأمر الله الذين فرض لهم الميراث إذا حضروا القسمة وحضر معهم من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أن يرزقوهم منه شكرا لله على ما فرض لهم اه. الناسخ والمنسوخ ص 115. وراجع الإيضاح ص 211، وأحكام القرآن لابن العربي: 1/ 329، وتفسير القرطبي: 5/ 49، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 255، وزاد المسير: 2/ 21، وفتح الباري: 8/ 243، ومناهل العرفان للزرقاني: 2/ 263.
(6) أي آيات الميراث المبدوءة بقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} وسبق ذكرها قريبا.(2/649)
والأزواج، كان ذكرهم عاما، ثم نسخت السنة من خالف دينه دين الميت (1). ونسخ الإجماع من أكثر الأمة من كان فيه بقية رق (2) فإنه لا يرث، وليس هذا بنسخ (3).
الخامس: قوله عزّ وجلّ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعََافاً خََافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللََّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً} (4)، قالوا: تضمنت هذه الآية إمضاء الوصية على ما أمر الموصي، ثم نسخت بقوله عزّ وجلّ {فَمَنْ خََافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ} (5)، أي فلا حرج على الموصى إليه إذا خاف ذلك (أن) (6) يأمر الموصي بالعدل (7)، وهذا ليس بنسخ (8).
__________
(1) وذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) رواه البخاري في كتاب الفرائض:
12/ 50بشرح ابن حجر.
ومسلم في أول كتاب الفرائض 11/ 51، وأبو داود في كتاب الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر: 3/ 326.
وراجع تفسير القرطبي 5/ 59، ونيل الأوطار: 6/ 73.
(2) انظر: نيل الأوطار باب ميراث المعتق بعضه: 6/ 72.
(3) لم أقف على من ذكر هذا النوع من النسخ، إلا مكي بن أبي طالب ورده، حيث قال عقيب ذكره، والذي عليه العمل وهو قول أهل النظر أن هذا كله ليس بنسخ، وإنما تخصيص وتبيين من النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن الإجماع، بين النبي صلّى الله عليه وسلّم أن المراد بالآيات أهل الدّين الواحد، وبين الإجماع أن المراد الأحرار في ذلك كله، فهو مخصص مبيّن غير منسوخ اه الإيضاح ص 212.
وكان مكي قد خصص قبل هذا بابا تحت عنوان (أقسام ما يخصّص القرآن) ومن تلك الأقسام:
أن يخصّص القرآن بالإجماع بخلاف النسخ، ومثل له بقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}
انظر بقية كلامه في الإيضاح ص 102.
وراجع فتح الباري: 12/ 52، وأحكام القرآن لابن العربي 1/ 352.
(4) النساء: (9).
(5) البقرة: (182).
(6) سقطه من الأصل (أن).
(7) ذكر هذا هبة الله بن سلامة ص 114، وذكره مختصرا ابن حزم ص 31وابن البارزي ص 29، والفيروزآبادي 1/ 171، والكرمي في قلائد المرجان ص 84.
(8) قال ابن الجوزي: بعد أن ذكر الأقوال في معنى الآية والنسخ منها بعيد، لأنه إذا أوصى بجور لم يجز أن يجري على ما أوصى اه. نواسخ القرآن ص 260.
وقد أكثر المفسرون من ذكر الأقوال التي قيلت في معنى الآية. راجع تفسير الطبري 4/ 269، وابن العربي 1/ 230، والقرطبي 5/ 51، 52وزاد المسير 2/ 22.(2/650)
السادس: قوله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} (1)، قالوا: هو منسوخ بقوله {وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (2).
قالوا: والمعروف: القرض، فإن أيسر رد، وإن مات قبل أن يوسر فلا شيء عليه (3).
وليس هذا إن قيل (4) بنسخ، لأن هذا ليس بظلم.
السابع: قالوا: قال الله عزّ وجلّ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} * (5) في (أربع) (6) مواضع ولم نجد (7) للموصى في ماله حدا، ثم نسخ هذا بقوله عليه السلام (الثلث والثلث كثير) (8).
__________
(1) النساء: (10) وتمامها {إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}.
(2) النساء: (6).
(3) هكذا ذكر المصنف هنا، وقد مر في الموضع الثاني من هذه السورة العكس، أي أن قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ} الآية كانت ناسخة لقوله سبحانه {وَمَنْ كََانَ فَقِيراً} الآية.
وانظر الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 597ولابن حزم ص: 32، ولابن سلامة ص 115، وقلائد المرجان ص 85.
قال أبو عبيد: عقيب ذكره لهذا النوع من النسخ والذي دار عليه المعنى من هذا أن الله عز وجل لما أوجب النار لأكل أموال اليتامى أحجم المسلمون عن كل شيء من أمرهم حتى مخالطتهم كراهية الحرج فيها، فنسخ الله عز وجل ذلك بالإذن في المخالطة والأذن في الإصابة من أموالهم بالمعروف، إذا كانت لوالي تلك الأموال الحاجة إليها المصدر السابق ص 500.
وقد حكى ابن الجوزي دعوى النسخ هنا ورده، وقال: وهذا قبيح لأن الأكل بالمعروف ليس بظلم، فلا تنافي بين الآيتين اه نواسخ القرآن ص 262.
وقد كان ابن الجوزي حكي قولا آخر في ناسخ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ}
قال: قد توهم قوم لم يرزقوا فهم التفسير وفقهه أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} الآية 220من سورة البقرة، وأثبتوا في ذلك في كتب الناسخ والمنسوخ المصدر نفسه ص 260.
(4) في ظق وظ: إن قبل بالباء الموحدة.
(5) أي في آيتي المواريث 11، 12من سورة النساء.
(6) هكذا في الأصل وظ: أربع. وفي ظق ود: أربعة وهو الصواب.
(7) في ظق: ولم يحدّ.
(8) انظر صحيح البخاري كتاب الوصايا 3/ 186، ومسلم أول كتاب الوصية 11/ 76، وسنن أبي داود كتاب الوصايا باب ما جاء في ما لا يجوز للموصي في ماله 3/ 284.(2/651)
وهذا ليس بنسخ، إنما بيان، كما بين مقدار ما تجب فيه الزكاة، وعدد أركان الصلاة (1).
الثامن: قوله عزّ وجلّ {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} (2) الآية، والتي بعدها (3).
هي منسوخة بالحدود (4)، وهذه الآية في النساء المحصّنات والأبكار، والتي بعدها في الرجال الثيب منهم والبكر (5)، ونسخ الجميع بالحدود.
وقيل: إن الآية الأولى في المحصنين، والثانية في البكرين، وعليه جماعة (6)، والأول هو الصحيح، وهو قول ابن عباس.
وقيل: ليس هذا بنسخ (7) لأنه سبحانه قال {أَوْ يَجْعَلَ اللََّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} لأنه قد كان
__________
(1) قال مكي: وهو الصواب إن شاء الله تعالى الإيضاح ص 213، وراجع أحكام القرآن لابن العربي: 1/ 344.
(2) النساء (15) وتمامها {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتََّى يَتَوَفََّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللََّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}.
(3) ونصها {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا فَإِنْ تََابََا وَأَصْلَحََا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمََا} الآية.
(4) أي بآية الحدود وهي قوله تعالى {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلََا تَأْخُذْكُمْ بِهِمََا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللََّهِ} الآية الثانية من سورة النور.
(5) واختار هذا النحاس، قال: وهو أصح الأقوال، ثم بين ذلك بالأدلة والحجج الواضحة. انظر الناسخ والمنسوخ ص 118، وراجع تفسير القرطبي 5/ 86.
(6) قال مكي: وعليه أكثر الناس اه الإيضاح ص 214.
وهو قول مرجوح وتخصيص بغير دلالة، وإن كان عليه الأكثر. انظر: زاد المسير: 2/ 35.
(7) أما بالنسبة لقضية النسخ هنا فقد ذكرها جمع غفير من العلماء الذين تكلموا في الناسخ والمنسوخ وغيرهم من المفسرين، انظر: قتادة ص 39، وأبا عبيد ص 324، والطبري: 4/ 298291 وابن حزم ص 32، والنحاس ص 117، والجصاص 2/ 105، وابن سلامة ص 119ومكي ص 213، والبغدادي ص 99، وابن الجوزي في نواسخ القرآن: ص 262، وابن كثير: 1/ 462، والفيروزآبادي: 1/ 171، وابن البارزي ص 29، والكرمي ص 86، والسيوطي 3/ 66، والزرقاني 2/ 264.
وأما بالنسبة للمعنى المراد من الآيتين فقد أكثر فيها العلماء من الأقوال والقول الراجح فيها والذي اطمأنت إليه نفسي هو ما ذكره الجصاص الحنفي وابن الجوزي من أن هذا كان حد الزواني في بدء الإسلام وهو حبسهن حتى الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا، ولم يكن عليهن في ذلك الوقت شيء غير هذا، وليس في الآية فرق بين البكر والثيب فهذا يدل على أنه كان حكما عاما في البكر والثيب، وقوله تعالى {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا} والمراد الرجل والمرأة فاقتضت الآيتان بمجموعهما أن حد(2/652)
الحكم منتظرا (1).
التاسع: قوله عزّ وجلّ {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} (2).
قالوا: هي منسوخة بالتي بعدها، وهي قوله عزّ وجلّ {حَتََّى إِذََا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قََالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفََّارٌ}، قالوا: فقد احتجر التوبة في هذه الآية على أهل المعصية فقال عزّ وجلّ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئََاتِ حَتََّى إِذََا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قََالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [3] وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفََّارٌ أُولََئِكَ أَعْتَدْنََا لَهُمْ عَذََاباً أَلِيماً قالوا: ثم نسخت في أهل الشرك، أي نسختها هذه الآية وبقيت محكمة في أهل الإيمان (4).
__________
المرأة كان الحبس والأذى جميعا إلى أن تموت، وحد الرجل التعيير والضرب بالنعال، إذ كانت مخصوصة في الآية الأولى بالحبس ومذكورة مع الرجل في الآية الثانية بالأذى، فاجتمع لها الأمران جميعا، ولم يذكر للرجل إلا الأذى فحسب، ويحتمل أن تكون الآيتان نزلتا معا، فأفردت المرأة بالحبس وجمعا جميعا في الأذى، وتكون فائدة أفراد المرأة بالذكر أفرادها بالحبس إلى أن تموت، وذلك حكم لا يشاركها فيه الرجل، وجمعت مع الرجل في الأذى لاشتراكهما فيه اه أحكام القرآن للجصاص: 2/ 106، وانظر نواسخ القرآن ص 262.
(1) قال ابن العربي: اجتمعت الأمة على أن هذه الآية ليست منسوخة، لأن النسخ إنما يكون في القولين المتعارضين من كل وجه، اللذين لا يمكن الجمع بينهما بحال، وأما إذا كان الحكم ممدودا إلى غاية ثم وقع بيان الغاية بعد ذلك فليس بنسخ لأنه كلام منتظم متصل لم يرد ما بعده ما قبله، ولا اعتراض عليه اه أحكام القرآن: 1/ 354كذا قال ابن العربي، وقد ذكر مكي نحو هذا، ثم قال: وهذا لا يلزم لأنه لم يبين وقتا معلوما محدودا، وإنما كان يمتنع من النسخ لو قال: {حَتََّى يَتَوَفََّاهُنَّ الْمَوْتُ} (أو يبلغن وقت كذا أو كذا) اه. الإيضاح: ص 214.
قلت: ولا أدري ماذا يقصد ابن العربي من قوله: أجمعت الأمة على عدم القول بالنسخ في هذه الآية، وقد رأينا الذين قالوا بالنسخ هنا وهم الكثرة الغالبة من العلماء!، هذا بالنسبة لما يتعلق بالآية الأولى {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ}، أما بالنسبة للآية التي بعدها {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ} فإنه مع الجمهور القائلين بالنسخ، حيث قال في المسألة الرابعة: أن الجلد بالآية والرجم بالحديث نسخ هذا الإيذاء في الرجال، لأنه لم يكن محدودا إلى غاية، وقد حصل التعارض وعلم التاريخ ولم يمكن الجمع فوجب القضاء بالنسخ، وأما الجلد فقرآن نسخ قرآنا، وأما الرجم فخبر متواتر نسخ قرآنا ولا خلاف فيه بين المحققين اه.
أحكام القرآن: 1/ 360.
(2) النساء (17) {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللََّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهََالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولََئِكَ يَتُوبُ اللََّهُ عَلَيْهِمْ}.
(3) ساقط من (د) كلمة الآن.
(4) انظر الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة ص 125121.(2/653)
وقال قوم: نسخت هذه الآية وهي قوله {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئََاتِ}
بقوله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} * (1).
فحرّم الله مغفرته على من مات وهو مشرك، ورد أهل التوحد الى مشيئته (2)، وهذا كله تخليط من قائله، ولا نسخ في هذه الآيات لأنها أخبار جاءت تبيّن بعضها بعضا (3).
العاشر: قوله عزّ وجلّ {لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً} (4).
قالوا: فقوله عزّ وجلّ {وَلََا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مََا آتَيْتُمُوهُنَّ} (5) هو منسوخ (6) وكان الرجل إذا تزوج امرأة فأتت بفاحشة كان له (أن) (7) يأخذ ما أعطاها (8).
وقال الأكثر: هي محكمة، وأنها إذا زنت فله (9) أن يأخذ منها بالخلع (10).
__________
وممن ذكر النسخ هنا ابن حزم الأنصاري ص 32، والفيروزآبادي 1/ 171وابن البارزي ص 30، والكرمي ص 87.
قال ابن الجوزي: بعد أن أورد الآيتين إنما سمّى فاعل الذنب جاهلا، لأن فعله مع العلم بسوء مغبته فأشبه من جهل المغبة.
والتوبة من قريب: ما كان قبل معاينة الملك، فإذا حضر الملك لسوق الروح لم تقبل توبة، لأن الإنسان حينئذ يصير كالمضطر إلى التوبة فمن تاب قبل ذلك قبلت توبته، أو أسلم عن كفر قبل إسلامه، وهذا أمر ثابت محكم وحكم الفريقين واحد اه. نواسخ القرآن ص 266وراجع قلائد المرجان ص 87.
(1) النساء (48، 116).
(2) أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس ص 539، وذكره الطبري في جامع البيان:
4/ 304. وانظر: الإيضاح ص 215، وزاد المسير: 2/ 38.
(3) وهذا هو الصواب، ولله الحمد والمنة.
(4) النساء: (19) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً وَلََا تَعْضُلُوهُنَّ} الآية.
(5) جزء من الآية نفسها.
(6) قال ابن حزم: ثم نسخت بالاستثناء بقوله تعالى {إِلََّا أَنْ يَأْتِينَ بِفََاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} اه ص 33.
وكذا قال الكرمي في قلائد المرجان ص 88.
وقد سبق القول بأن الاستثناء لا يدخل في النسخ إلا على اصطلاح المتقدمين.
(7) سقط من الأصل (أن).
(8) قاله عطاء الخراساني. انظر تفسير الطبري 4/ 310، والإيضاح ص 216والدر المنثور: 2/ 464، وأحكام القرآن لابن العربي 1/ 362، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/ 96.
(9) (فله) ساقطة من ظ.
(10) وهذا قول ابن سيرين وأبي قلابة، كما في تفسير القرطبي، وقد قال القرطبي نقلا عن ابن عطية:(2/654)
وقيل: إذا نشزت عنه جاز له أن يأخذ منها بالخلع.
وقال قوم: الفاحشة: الزنا، وقيل: النشوز، وقيل: فاحشة اللسان (1)، والصحيح: ألا نسخ (2).
وقالوا: في (أول) (3) الآية في قوله عزّ وجلّ {لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً}
هو ناسخ لما كانوا عليه في الجاهلية إذا توفّي الرجل كان ابنه أولى بامرأته يمنعها من التزويج حتى تموت فيرثها (4).
وقال ابن عباس: كان حميم الميت يلقى ثوبه على امرأته (5)، فإن شاء تزوجها بذلك وإن شاء حبسها حتى تموت فيرثها (6).
قال غيره: فنسخ ذلك بهذه الآية، وقد بيّنا فيما تقدم أن هذا وشبهه ليس بنسخ.
الحادي عشر: قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ آبََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} (7).
__________
والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال، ثم قال: قال أبو عمر أي ابن عبد البر قول ابن سيرين وأبي قلابة عندي ليس بشيء، لأن الفاحشة قد تكون البذاء والأذى، ومنه قيل للبذيء: فاحش ومتفحش، وعلى أنه لو اطلع منها على الفاحشة كان له لعانها، وإن شاء طلقها، وأما أن يضارها حتى تفتدي منه فليس له ذلك اه تفسير القرطبي:
5/ 96.
وأقول: إن هذا المعنى هو الذي ترتاح إليه نفس المؤمن الغيور، فإن الأمر خطير جدا، وهو فوق مسألة المال، ولا أظن أن أحدا يجد امرأته على الفاحشة فينصرف ذهنه إلى طلب المال منها وكفى، إلا إن كان ديوثا والعياذ بالله قد سلب الغيرة، إذا فليس له إلا الطلاق أو الملاعنة، والله تعالى أعلم.
(1) انظر: تفسير الطبري 4/ 310، 311، والإيضاح ص 216، 217وتفسير القرطبي 5/ 95، وزاد المسير 1/ 41.
(2) انظر: تفسير الطبري 4/ 312، وابن العربي: 1/ 362.
(3) لفظ (أول) ساقط من الأصل.
(4) انظر: الإيضاح ص 217، وراجع جامع البيان: 4/ 305، والدر المنثور: 1/ 462.
(5) في د: على المرأة.
(6) انظر: الآثار في ذلك عن ابن عباس في تفسير الطبري والدر المنثور الصفحات السابقة.
(7) النساء: (22).(2/655)
قال قوم: هي منسوخة، والمعنى: ولا ما قد سلف فأنزلوا عنه (1).
وقال قوم: محكمة، والمعنى: إلّا ما قد سلف، فقد عفوت عنه.
وأما من قال: هي منسوخة، والمعنى: ولا ما قد سلف، فلا يخلو أن يريد: ولا ما قد سلف من نكاح حلائل الآباء، فانزلوا عنه، فإن أراد هذا فكيف تكون منسوخة؟ بل هي أولى أن (2) تكون محكمة، وإن أراد بقوله: ولا ما قد سلف من الأنكحة الفاسدة التي كانت في الجاهلية فأقرهم الإسلام عليها، إذا أسلموا فاقتضت الآية نزولهم عن النساء، ثم نسخت، فليس كذلك، وليس في العربية (إلّا) بمعنى (ولا)، والآية محكمة، والاستثناء منقطع، والمعنى: لكن ما قد (3) سلف فإنه مغفور (4).
وقيل: لكن ما قد سلف: إنه كان فاحشة (5).
وقال الطبري: المعنى: ولا تنكحوا (6) من النساء نكاح آبائكم، ف (ما) بمعنى (7)
(المصدور) (8)، والاستثناء منقطع (9) كما سبق.
وقال الزمخشري: في هذا الاستثناء هو مثل قوله: غير أن سيوفهم
حيث استثنى من قوله: ولا عيب فيهم (10) * * قال: يعني أن أمكنكم أن
__________
(1) قال ابن حزم الأنصاري: نسخت بالاستثناء بقوله {إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} أي من أفعالهم فقد عفوت عنه اه الناسخ والمنسوخ ص: 33، وراجع ابن سلامة ص: 125.
(2) في بقية النسخ: بأن تكون.
(3) في ظ: لكن ما قل سلف. تحريف.
(4) قال ابن الجوزي: بعد أن أورد الآية الكريمة هذا كلام محكم عند عامة العلماء، ومعنى قوله {إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} أي بعد ما قد سلف في الجاهلية، فإن ذلك معفو عنه، وزعم بعض من قل فهمه أن الاستثناء نسخ ما قبله، وهذا تخليط لا حاصل له، ولا يجوز أن يلتفت إليه نواسخ القرآن ص 267.
(5) ذكر ابن الجوزي ستة أقوال في معنى {إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ}.
انظر: زاد المسير 2/ 44، 45وراجع تفسير القرطبي: 5/ 104.
(6) في ظ: ولا ينكحوا.
(7) في ظ: فما معنى المصدر.
(8) هكذا في الأصل: المصدور. خطأ.
(9) انظر: تفسير الطبري: 4/ 319. وراجع البحر المحيط: 3/ 207.
(10) البيت للنابغة الذبياني.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب(2/656)
تنكحوا ما قد سلف فانكحوا فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه، وسد الطريق إلى إباحته، كما يعلق بالمحال في التأبيد، في قولهم: حتى يبيضّ القار (1) و (حتى يلج الجمل في سم الخياط) (2) (3) وقال في قوله عزّ وجلّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} (4): ولكن ما مضى مغفور، بدليل قوله: {إِنَّ اللََّهَ كََانَ غَفُوراً رَحِيماً} (5).
الثاني عشر: قوله عزّ وجلّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ}، قالوا:
المعنى: ولا ما قد سلف، كما تقدم في التي قبلها، والكلام على ما قالوه كما سبق (6).
الثالث عشر: قوله عزّ وجلّ {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (7)
قالوا: هي المتعة، وقد نسخت، واختلفوا في ناسخها، فقيل: قوله عزّ وجلّ (8) {وَلَهُنَّ}
__________
انظر: ديوانه ص: 11، دار صادر بيروت.
وفلول السيوف كناية عن كمال الشجاعة، فكونه من العيب محال، وقد استشهد الزمخشري بالبيت المذكور في سورة الأعراف عند قوله تعالى: {وَمََا تَنْقِمُ مِنََّا إِلََّا أَنْ آمَنََّا} الآية: 126.
أي ما تنقم منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها، وهو الإيمان انظر: تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات شرح شواهد الكشاف: 4/ 330.
(1) القار: شيء أسود يذاب وتطلى به الإبل والسفن يمنع الماء أن يدخل، وقيل: هو الزفت. اللسان:
5/ 124، (قير) والقاموس 2/ 128.
(2) الأعراف: (40) {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيََاتِنََا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهََا لََا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوََابُ السَّمََاءِ وَلََا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتََّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيََاطِ}.
(3) انظر: هذا في الكشاف للزمخشري: 1/ 515، ونقله عنه أبو حيان في البحر: 3/ 208، وراجع فتح القدير: 1/ 442.
(4) النساء (23) وأولها {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَبَنََاتُكُمْ} الآية.
(5) ولقائل أن يقول: ما السر في قوله تعالى {إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} عقيب النهي عن نكاح ما نكح الآباء، وعن الجمع بين الأختين؟ يذكر القرطبي إجابة عن هذا التساؤل عن بعض العلماء أنه قال: كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها التي ذكرت في هذه الآية إلا اثنتين، إحداهما نكاح امرأة الأب، والثانية الجمع بين الأختين ألا ترى أنه قال: {وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ آبََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ}، {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ}، ولم يذكر في سائر المحرمات {إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ}؟ والله أعلم. الجامع لأحكام القرآن: 5/ 119.
(6) راجع الكلام على هذا في الموضع الحادي عشر قبل هذا مباشرة.
(7) النساء (24).
(8) في د وظ: هو قوله عزّ وجلّ.(2/657)
{الرُّبُعُ مِمََّا تَرَكْتُمْ} {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمََّا تَرَكْتُمْ} (1).
وعن الشافعي: رحمه الله موضع تحريم المتعة قوله عزّ وجلّ {إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ} (2) إلى قوله سبحانه {فَأُولََئِكَ هُمُ العََادُونَ} (3)، قال: وقد أجمعوا على أنها ليست زوجة ولا ملك اليمين (4).
وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها (5) كما قال الشافعي رحمه الله، قالت:
كانت المتعة: أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم ويشترط ألا طلاق بينهما، ولا ميراث ولا عدة، قالت: فحرّمها الله تعالى بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ} وقال ابن المسيب: نسخت المتعة آية المواريث (6) (7).
والظاهر قول من قال من العلماء: ليس قوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} في المتعة،
__________
(1) النساء: (12).
قال ابن حزم: ووقع ناسخها موضع ذكر ميراث الزوجة الثمن والربع فلم يكن لها في ذلك نصيب اه الناسخ والمنسوخ ص: 33. وراجع الإيضاح ص 221، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 126، ولابن سلامة ص 128.
(2) كتبت الآية في ت خطأ (إلا على أزواجكم أو ما ملكت أيمانكم)!
(3) الآيتان في (المؤمنون) 6، 7، وفي المعارج: 30، 31.
(4) انظر: نحوه في أحكام القرآن للشافعي: 1/ 194، 195، وللكيا الهراسي 1/ 412. والناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 33، ولابن سلامة ص 128وتفسير القرطبي 5/ 130.
(5) ذكره مكي عن عائشة رضي الله عنها قال: وهو قول حسن، لأن المتعة لم تكن زواجا صحيحا ولا ملك يمين، ففرض الله في هذه الآية حفظ الفروج إلا على زوجة أو ملك يمين، ونكاح المتعة ليس بملك يمين، ولا بنكاح صحيح
قال: (وهذا إنما يجوز على أن تكون إباحة المتعة بالسنة، ثم نسخت بالقرآن، ولا يجوز إباحة المتعة على هذا القول بالقرآن، لأنها إنما نزلت في سورة مدنية، وهي النساء، وقوله {إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ} الآية مكي، والمكي لا ينسخ المدني) اه.
الإيضاح ص 222، 223.
(6) في الأصل: كتبت الكلمة (الميراث) ثم كتب فوقها (المواريث).
(7) رواه عنه النحاس ص 126.
وزاد السيوطي نسبته إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر والبيهقي الدر المنثور: 2/ 486، وذكره القرطبي في تفسيره عن ابن المسيب 5/ 130.
قال مكي: وأكثر الناس على أن آية الميراث نسخت المتعة التي كانت نكاحا بشرط أن لا توارث بينهما اه. الإيضاح ص 222.(2/658)
وإنّما ذلك في الزوجات، وفي إيتاء (1) الصداق، فتكون الآية محكمة (2).
الرابع عشر: قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ إِلََّا أَنْ تَكُونَ تِجََارَةً عَنْ تَرََاضٍ مِنْكُمْ} (3)، قالوا: نسخها قوله عزّ وجلّ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (4) قالوا: لأنهم لما أنزلت (5) {لََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ}: اجتنبوا الأكل مع الأعمى لأنه لا يبصر فيختار لنفسه ما يريد، والأعرج لا يتمكن في جلوسه، والمريض يسبقه الصحيح في الأكل والابتلاع، فنسخت آية النور تحرجهم.
قال ذلك الحسن وعكرمة (6)، والجمهور على أنها محكمة (7)، والمراد بالباطل
__________
(1) في د وظ: في ابتداء الصداق.
(2) انظر: تفسير الطبري: 5/ 11، 13، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 127، والإيضاح ص 221، وأحكام القرآن للكيا الهراسي: 1/ 412، 413.
قال ابن الجوزي: اختلف العلماء في المراد بهذا الاستمتاع على قولين:
أحدهما: أنه النكاح، والأجور: المهور، وهذا مذهب ابن عباس ومجاهد والجمهور.
والثاني: أنه المتعة التي كانت في أول الإسلام، كان الرجل ينكح المرأة إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، فإذا انقضت المدة ليس له عليها سبيل، قاله السدي، ثم اختلفوا هل هي محكمة أو منسوخة فقال قوم: هي محكمة وقال آخرون: هي منسوخة، ثم فند القول بنسخها بقوله:
إن الآية سيقت لبيان عقدة النكاح بقوله: {مُحْصِنِينَ} أي متزوجين، عاقدين النكاح، فكان معنى الآية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} على وجه النكاح الموصوف، {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وليس في الآية ما يدل على أن المراد نكاح المتعة الذي نهى عنه، ولا حاجة إلى التكلف.
وإنما أجاز المتعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم منع منها اه نواسخ القرآن ص 269، 271.
وقد ذكر نحو هذا الرد في تفسيره زاد المسير: 2/ 53، 54. وهذا هو الحق والذي لا ينبغي الالتفات إلى سواه والله الموفق للصواب.
(3) النساء (29).
(4) النور (61).
(5) في بقية النسخ: نزلت.
(6) أخرجه بنحوه الطبري عن الحسن وعكرمة. جامع البيان: 5/ 31. وممن ذكر القول بالنسخ ابن حزم الأنصاري ص 33وهبة الله بن سلامة ص 129، والفيروزآبادي: 1/ 172، وابن البارزي ص 30، والكرمي ص: 90.
(7) وهذا هو الصحيح، وهو ما رجحه الطبري في جامع البيان: 5/ 31، والنحاس ص 237، ومكي ص 225، والقرطبي 12/ 312.
ورواه ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود قال: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ(2/659)
الغصب والسرقة والبخس والربا والقمار ونحو ذلك، والقول بأنها منسوخة: يؤدي إلى إباحة أكلها بالباطل مع الأعمى والأعرج والمريض، وإنما فعلوا ذلك تورعا وليس هذا أكل مال بالباطل، ولا يقع مشاحة بين الناس في مثل هذا كما لا يتشاحون في أخذ هذا لقمة كبيرة وهذا لقمة صغيرة، وقد قال الزهري: (نزلت آية النور في الثلاثة، لأن الغزاة كانوا يخلّفونهم في بيوتهم، يحرسونها إلى أن يعودوا، فأبيح لهم أن يأكلوا منها) (1).
وقال ابن زيد: (زلت فيهم في رفع الحرج عنهم في الجهاد) (2).
الخامس عشر: قوله عزّ وجلّ والذين عاقدت (3) أيمانكم فآتوهم (4)
__________
إلى يوم القيامة. الدر المنثور: 2/ 494. ورواه ابن الجوزي عن الحسن ومسروق، ثم قال: وقد زعم بعض منتحلي التفسير ومدعي علم الناسخ والمنسوخ: أن هذه الآية لما نزلت تحرجوا من أن يؤاكلوا الأعمى والأعرج والمريض، وقالوا: أن الأعمى لا يبصر أطيب الطعام، والأعرج لا يتمكن من الجلوس، والمريض لا يستوفي الأكل. فأنزل الله عزّ وجلّ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ} * الآية فنسخت هذه الآية، وهذا ليس بشيء، ولأنه لا تنافي بين الآيتين، ولا يجوز أكل المال بالباطل بحال، وعلى ما قد زعم هذا القائل قد كان يجوز أكل المال بالباطل اه نواسخ القرآن ص 272.
(1) أخرجه أبو عبيد بنحوه عن الزهري. انظر الناسخ والمنسوخ ص 508وكذلك ابن جرير. انظر جامع البيان: 18/ 169.
وعبد بن حميد كما في الدر المنثور: 6/ 224.
قال ابن جرير: وأشبه الأقوال في معنى الآية قول الزهري اه وقد انتصر لهذا القول وفند ما سواه. المصدر السابق.
(2) أخرجه ابن جرير عن ابن زيد. انظر جامع البيان: 18/ 169. ونسبه ابن الجوزي إلى الحسن وابن زيد. انظر زاد المسير: 6/ 64ثم قال ابن الجوزي: وقد كان جماعة من المفسرين يذهبون إلى أن آخر الكلام، {وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} * وأن ما بعده مستأنف لا تعلق له به، وهو يقوي قول الحسن وابن زيد اه المصدر نفسه وانظر: تفسير القرطبي: 12/ 313.
والذي يظهر أن حمل الآية على العموم أولى، وأن الله تعالى رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض في كل ما يتعلق بالتكليف، ولم يستطيعوا أداءه بعد حسن نيتهم وصفاء سريرتهم من جهاد وصوم وغيرهما فإن الحرج والإثم مرفوع عنهم. والله أعلم.
راجع تفسير القرطبي المصدر السابق.
(3) هكذا في النسخ (عاقدت) بألف بعد العين، وهي قراءة غير أهل الكوفة، على إسناد الفعل إلى الأيمان، وهو من باب المفاعلة، كان الحليف يضع يمينه في يمين صاحبه، ويقول: دمي دمك، وأرثك وترثني، وقرأ أهل الكوفة (عقدت) بغير ألف بعد العين، وذلك على إسناد الفعل إلى الأيمان أيضا، والمراد إضافة الفعل إلى المخاطبين الخ. انظر: الكشف: 1/ 388، والنشر 2/ 249 والقراءات القرآنية وأثرها في علوم العربية 1/ 533.
(4) في د: حرفت الكلمة إلى (فأقرهم).(2/660)
{نَصِيبَهُمْ} (1)، قيل: هي منسوخة، ومعنى المعاقدة عند من قال أنها منسوخة مختلف فيه: فقيل: كانوا يتوارثون بالأخوة التي آخى بينهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أي بين المهاجرين والأنصار، ثم نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ} (2) فهذه على قولهم آية نسخ أولها آخرها (3).
وقيل: بل كانوا يتعاقدون، ويتحالفون أن من مات قبل صاحبه ورثه الآخر، فنزلت هذه الآية تأمر (4) بالوفاء بذلك، ثم نسخت بآية المواريث، وبقوله عزّ وجلّ في آخر الأنفال {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ} * (5).
وقيل: كان المهاجرون إذا (6) قدموا المدينة يرثون (7) الأنصار دون ذوي أرحامهم لما بينهم من المودة، فأنزل الله تعالى يقرر (8) ذلك بقوله عزّ وجلّ {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ثم نسخ ذلك بآية المواريث، وبآية (9) الأنفال، وهذه الأقوال كلها مرويّة عن ابن عباس (10).
__________
(1) النساء: (33).
(2) أي الشطر الأول من الآية السابقة.
(3) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس. جامع البيان 5/ 53.
وذكره مكي كذلك، قال: وهو قول ابن جبير ومجاهد وقتادة اه الإيضاح ص 227.
(4) في ظ: يأمر.
(5) الأنفال: (75) والأحزاب: (6).
وذكر هذا القول بنحوه قتادة ص 40وابن حزم ص 34، وابن سلامة ص 132، والكرمي ص 91، ونسبه مكي إلى ابن عباس رضي الله عنهما. الإيضاح ص 227، وانظر تفسير الفخر الرازي 10/ 85وبصائر ذوي التمييز: 1/ 172، وابن البارزي ص 30.
قال ابن الجوزي: وهذا القول: أعني نسخ الآية {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ} بهذه، أي آية الأنفال.
قول جمهور العلماء منهم الثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد ابن حنبل اه. نواسخ القرآن ص 276.
(6) في بقية النسخ: لما قدموا.
(7) في بقية النسخ: يورثون.
(8) في ظق: تقرير، وفي د وظ: تقدير.
(9) في د وظ: وبآخر الأنفال،.
(10) راجع الروايات في ذلك عن ابن عباس في الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 478، 479، وجامع البيان 5/ 52، فما بعدها والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 128، والدر المنثور: 2/ 509.
وراجع هذه الأقوال أو نحوها في زاد المسير: 2/ 71، وتفسير القرطبي: 5/ 165.(2/661)
واختلاف الرواية عن شخص واحد دليل الضعف (1).
وقيل: هي محكمة (2)، وهو الصحيح إن شاء الله والمعى: وفّوا لهم بما عاقدت (3) إيمانكم من النصر والمعونة والرّفد (4).
السادس عشر: قوله عزّ وجلّ {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ حَتََّى تَعْلَمُوا}
__________
(1) قلت: وهذا لا يمنع أن يكون بعضها صحيحا، وقد حاول ابن حجر أن يجمع ما روي في هذا عن ابن عباس وغيره أثناء شرحه للحديث الذي رواه البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ} قال: ورثة والذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهم، فلما نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ} نسخت، ثم قال: والذين عاقدت أيمانكم من النصرة والرفادة والنصيحة.
وقد ذهب الميراث ويوصي له اه الحديث.
قال ابن حجر: هكذا حملها ابن عباس على من آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهم، وحملها غيره على أعم من ذلك، فأسند الطبري عنه قال كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك، ومن طريق سعيد بن جبير، قال: كان يعاقد الرجل فيرثه، وعاقد أبو بكر رجلا فورثه.
ثم ساق بقية الروايات التي ذكرها الطبري عن ابن عباس أيضا وقتادة وجماعة من العلماء، والتي تفيد أن الناسخ هو قوله تعالى {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} *.
قال: وهو المعتمد، ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين. الأولى: حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت {وَلِكُلٍّ} وهي آية الباب، فصاروا جميعا يرثون، وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس.
ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة، وبقى للمعاقد النصر والأرفاد ونحوهما، وعلى هذا يتنزل بقية الآثار. وقد تعرض له ابن عباس في حديثه أيضا لكن لم يذكر الناسخ الثاني، ولا بد منه، والله أعلم. فتح الباري 8/ 249.
(2) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 129، وتفسير الطبري 5/ 56، 57، والقرطبي 5/ 166، قال الفخر الرازي: (وهو يحكي أقوال الذين قالوا أن الآية غير منسوخة المراد بالذين عاقدت أيمانكم الزوج والزوجة، والنكاح يسمى عقدا، قال تعالى {وَلََا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكََاحِ} فذكر تعالى الوالدين والأقربين وذكر معهم الزوج والزوجة ونظيره آية المواريث في أنه لما بين ميراث الولد والوالد، ذكر معهم ميراث الزوج والزوجة) انتهى من تفسيره 10/ 85، وانظر نحو هذا في تفسير المنار:
5/ 64.
وأقول: أن الناظر في سياق الآيات القرآنية في هذه السورة، وهي تتحدث عن أحكام الإرث وغير ذلك يجد أن هذا المعنى هو الأقرب إلى معنى الآية الكريمة، ولا يحتاج معه إلى أعمال فكر في فهمها ولا إلى القول بالنسخ، والله أعلم.
(3) في د: بما عاقدتم.
(4) انظر: الإيضاح ص 227، وأخرج الطبري نحوه عن ابن عباس ومجاهد جامع البيان 5/ 53.(2/662)
{مََا تَقُولُونَ} (1) قالوا: مفهوم خطاب هذه الآية جواز السكر، وإنما حرّم قربان الصلاة في تلك الحال.
فنسخ ما فهم من جواز الشرب والسكر بتحريم الخمر (2).
وروى أبو ميسرة عن عمر رضي الله عنه (أن منادى (3) رسول الله لما نزلت كان ينادي عند الإقامة (4): لا يقربن الصلاة سكران) (5).
وأعجب من هذا: قول عكرمة {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} منسوخ بقوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} (6) الآية (7) أي أنه أبيح لهم أن يؤخروا الصلاة حتى يزول السّكر، ثم نسخ ذلك، فأمروا بالصلاة على كل حال، ثم نسخ شرب الخمر بقوله عزّ وجلّ {فَاجْتَنِبُوهُ} (8) وبقوله سبحانه {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (9) (10)، وليس في هذا كله نسخ، ولم ينزل الله هذه الآية في إباحة الخمر فتكون
__________
(1) النساء (43).
(2) انظر: الإيضاح ص 228، وذكر ابن الجوزي نحو هذا.
انظر: زاد المسير: 2/ 89، ونواسخ القرآن ص 279.
قال النحاس: أكثر العلماء على أنها منسوخة اه. الناسخ والمنسوخ ص 130.
(3) في ظ: أن ينادي.
(4) في د: عند الإمامة.
(5) هو جزء من حديث طويل رواه أبو داود في كتاب الأشربة باب في تحريم الخمر: 4/ 79، والطبري في جامع البيان: 7/ 33، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 52، وانظر: تفسير ابن كثير:
1/ 255، 500.
(6) المائدة: (6) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}
الآية.
(7) رواه النحاس بسنده عن عكرمة عن ابن عباس ص 130. قال فيكون على هذا قد نسخت الآية على الحقيقة، يكونون أمروا بأن لا يصلوا إذا سكروا، ثم أمروا بالصلاة على كل حال، فإن كانوا لا يعقلون ما يقرءون وما يفعلون فعليهم الإعادة اه وهو قول مرجوح. انظر تفسير القرطبي 5/ 201.
(8) المائدة (9) وقد سبقت في سورة البقرة.
(9) المائدة (91).
(10) ذكر هذا مكي بن أبي طالب، قال: وهذا قول أكثر العلماء. انظر الإيضاح ص 229، ولعل الإشارة ب (هذا) تعود إلى قوله: ثم نسخ شرب الخمر الخ.
وليست إلى قول عكرمة الذي عجب منه المصنف. والله أعلم.(2/663)
منسوخة، ولا أباح بعد إنزالها مجامعة الصلاة مع السكر (1).
والآية محكمة على هذا (2)، لا على قول من قال: أراد بالسكر: سكر النوم (3) وهو قول الضحاك وابن زيد (4).
السابع عشر: قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} (5) الآية.
قيل: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ {ذََلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} (6)، فذلك نسخ لتلك (7) الإباحة العامة، وهو ظاهر الفساد، وإنما الإباحة المتقدمة لمن لم يجد الطّول (8)،
__________
(1) أي حتى يقال إنها نسخت بآية المائدة.
(2) وهذا هو الصحيح حيث إن هذه الآية {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} نص صريح دال على تحريم السكر في حالة قرب الصلاة، وما عدا تلك الأوقات فحكمه باق مسكوت عنه، ثم جاء التحريم والنهي القاطع فشمل تلك الأوقات المسكوت عنها وغيرها.
وبناء على هذا فلا نسخ كما قال المصنف والله أعلم.
(3) أي أن كلام المصنف ليس في هذا المعنى، وإنما كلامه يدور حول المعنى الأول للسكر وهو الخمر، أما هذا المعنى الآخر الذي ذكره عن الضحاك وابن زيد فهي محكمة قولا واحدا كما سيأتي إن شاء الله قال ابن العربي: وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن المراد بهذا السكر سكر الخمر اه أحكام القرآن 1/ 434.
(4) أخرجه ابن جرير بإسنادين عن الضحاك. انظر جامع البيان 5/ 96وزاد ابن كثير نسبته إلى ابن أبي حاتم عن الضحاك أيضا.
انظر تفسيره: 1/ 500.
وقد رد هذا القول النحاس وابن الجوزي. انظر الناسخ والمنسوخ ص 53، 131، وزاد المسير: 2/ 89.
وذكره مكي عن الضحاك وزيد بن أسلم وقال: إنها على قولهما محكمة الإيضاح ص 229.
وراجع تفسير القرطبي 5/ 201.
(5) النساء (25) {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنََاتِ الْمُؤْمِنََاتِ فَمِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ} الآية.
ويلاحظ أن المصنف لم يلتزم هنا بترتيب المصحف.
(6) جزء من الآية السابقة.
(7) في ظ: بتلك.
(8) الطول: بفتح الطاء المشددة وسكون الواو خص به الفضل والمن، وهو هنا كناية عما يصرف إلى المهر والنفقة.
انظر المفردات للراغب الأصفهاني ص 312، وراجع تفسير القرطبي 5/ 136.(2/664)
وخشي العنت (1) (2).
الثامن عشر: قوله عزّ وجلّ {فَإِذََا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفََاحِشَةٍ} (3)، قال قوم:
هذا ناسخ لقوله عزّ وجلّ {فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (4) ولم يفرّق بين الإماء وغيرهن وليس كما ذكروا، ولم تكن الأمة داخلة في قوله عزّ وجلّ {فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، وإنما ذلك في الحرة (5) بإجماع، ولا كان حد الأمة قط أكثر من خمسين، محصنة كانت أو غير محصنة (6).
التاسع عشر: قوله عزّ وجلّ {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً} (7).
قالوا: هذا تقديم وتأخير، وإنما المعنى: فعظهم واعرض عنهم، ثم نسخ الوعظ والأعراض بآية السيف (8)، وليس كذلك، لأن آية السيف في قتال المشركين، وهذه الآية في أهل النفاق، وليس فيها تقديم ولا تأخير.
ومعنى {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}: دعهم لا تعاقبهم (9)، واقتصر على وعظهم، والقول
__________
(1) يقال: عنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه التلف، يعنت عنتا، والمراد به هنا: الزنا.
انظر المفردات للراغب ص 349، وتفسير ابن العربي: 1/ 407، والقرطبي: 5/ 138.
(2) ذكره مكي، وقال: ليس ذلك بمنسوخ، لأن الناسخ لا يكون متصلا بالمنسوخ، وإنما هو تخصيص وتبيين، بين الله جل ذكره أن الإباحة المتقدمة إنما هي لمن خشي العنت، ولم يجد طولا لحرة، فبهذين الشرطين أرخص للمؤمن الحر في نكاح الإماء، فالآيتان محكمتان اه الإيضاح ص 219.
ولذلك لم يتعرض لذكرها ضمن الناسخ والمنسوخ سوى مكي حسب اطلاعي وتابعه السخاوي، والله أعلم.
(3) النساء (25) {فَإِذََا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفََاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مََا عَلَى الْمُحْصَنََاتِ مِنَ الْعَذََابِ}
الآية.
(4) النور (2). {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلََا تَأْخُذْكُمْ بِهِمََا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللََّهِ}.
(5) في د وظ: في الحر.
(6) انظر: الإيضاح في ناسخ القرآن ومنسوخه ص 220.
(7) النساء (63).
(8) ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 34، وابن سلامة ص 135، ومكي ص 120، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 281، وابن البارزي ص 28، والفيروزآبادي 1/ 172.
وقد تولى المصنف رحمه الله الرد على دعوى النسخ فأحسن صنعا.
(9) في بقية النسخ: ولا تعاقبهم.(2/665)
البليغ: هو (1) التخويف (2).
الموضع الموفي عشرين: قوله عزّ وجلّ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جََاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللََّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللََّهَ تَوََّاباً رَحِيماً} (3).
قالوا: نسخ بقوله عزّ وجلّ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (4) الآية (5)، وليس كذلك، فإن آية النساء في قصة مخصوصة (6)، لو تابوا واستغفروا واستغفر لهم الرسول (7) (صلّى الله عليه وسلّم) (8) لغفر لهم، وآية براءة في المنافقين الذين استغفر لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهم مصرّون على النفاق، ومعلوم أن المنافق والكافر إذا تاب واستغفر غفر (9) له.
الحادي والعشرون: قوله عزّ وجلّ {فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} (10)، قالوا: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (11) الآية (12)، وما أحسب هؤلاء فهموا كلام الله عزّ وجلّ (13).
__________
(1) في بقية النسخ: وهو التخويف.
(2) راجع زاد المسير: 1/ 122، والجامع لأحكام القرآن: 5/ 265.
(3) النساء (64).
(4) التوبة (80) {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ}.
(5) قال بذلك ابن حزم الأنصاري ص 34، وابن سلامة ص 136، والفيروزآبادي: 1/ 172، وابن البارزي ص 30، والكرمي ص: 92.
(6) أي في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف. كما رواه الطبري بسنده عن مجاهد 5/ 157، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم. الدر المنثور: 2/ 583.
(7) في بقية النسخ: النبي.
(8) في بقية النسخ: صلّى الله عليه وسلّم. وهي إضافة حسنة.
(9) وقد رد ابن الجوزي على القائلين بالنسخ هنا.
وقال: إنه قول مرذول اه. نواسخ القرآن ص 281، 182.
(10) النساء (71) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}.
(11) التوبة (122).
(12) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 443، وللبغدادي ص 199، وابن حزم ص 34، وابن سلامة ص: 137، وابن البارزي ص: 31وبصائر ذوي التمييز: 1/ 172، والدر المنثور 4/ 322، وقلائد المرجان ص 92.
(13) فالصحيح أن الآيتين محكمتان ولا تعارض بينهما، وسيذكر المصنف معنى كل منهما، ومنه يتضح أنه لا نسخ، فإن آية النساء تأمرهم بأخذ الحيطة وأن ينفروا جماعات متفرقة أو مجتمعين تحت لواء واحد، ولا يفهم من هذا الأمر لهم بأن يخرجوا جميعا دون استثناء، وعلى فرض أن اللفظ يقتضي(2/666)
أما قوله عزّ وجلّ {خُذُوا حِذْرَكُمْ} فمعناه: احذروا عدوكم، ولا تغفلوا عنه فيتمكن منكم، (والفرق) (1) إليه ثبات أي: جماعات، سرية بعد أخرى أو انفروا عسكرا واحدا.
وأما قوله عزّ وجلّ {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية، فاختلف فيه، فقيل:
نزل في قوم بعثهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمون الناس الإسلام، فرجعوا إليه صلّى الله عليه وسلّم لما نزل قوله عزّ وجلّ {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللََّهِ} (2) خشية أن يكونوا داخلين فيمن تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} هذا (3) قول مجاهد (4)، أي فهلا نفر من كل فرقة (5) طائفة (6) ليتفقهوا في الدين إذا رجع بعض المسلمين (7) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبقي بعض فإذا نفروا كلهم، لم يبق من يعلّم، فإذا رجع الذين تعلّموا من أهل البوادي إلى قومهم أخبروهم بما تعلّموا لعلّهم يحذرون مخالفة أمر الله، فليس هذا بناسخ لقوله عزّ وجلّ {فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}، لأن المعنى: إذا نفرتم إلى العدو فعلى احدى الحالتين، أما مجتمعين أو سرايا متفرقين () (8) إذا غزوا وليس معهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لينفروا كلهم وتركوه (9)، لا يبقى منهم أحد فإذا بقي بعد النافرين قوم ونزل قرآن تعلّموه.
__________
ذلك في ظاهره، أي الأمر بأن يخرجوا كلهم فليس فيه ما يدل على النسخ، ولكن حسبما يقتضيه الحال، فقد يطلب منهم النفير جميعا عند الحاجة، وقد لا يطلب منهم ذلك وآية التوبة تتفق مع قوله في سورة النساء {فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ} أي عند الاكتفاء بطائفة منكم، فيكون على سبيل الفرض الكفائي. والله أعلم.
(1) في الأصل: رسمت الكلمة هكذا (والفرق).
وفي بقية النسخ (وانفروا) وهو الصواب.
(2) التوبة (120).
(3) في بقية النسخ: وهذا.
(4) انظر: تفسير الطبري: 11/ 66، ومعالم التنزيل للبغوي: 3/ 137وزاد المسير 3/ 517، وتفسير القرطبي: 8/ 292، والدر المنثور 4/ 324.
(5) في ظ: كانت مضطربة هكذا: فلا نفر كل من فريقة.
(6) كلمة (طائفة) ساقطة من ظق.
(7) في بقية النسخ المعلمين. خطأ.
(8) سقط من الأصل قوله: ولم يرد بقوله: {جَمِيعاً} لا يبقى منكم أحد. وقال ابن عباس وقتادة:
المعنى: ما كان المؤمنون الخ.
(9) هكذا في النسخ، ولعل الأصح: ويتركوه.(2/667)
فإذا رجع النافرون أخبرهم القاعدون بما أنزل (1)، ثم ينفر (2) القاعدون، ويمكث الأولون عند النبي صلّى الله عليه وسلّم (3) وهذا المعنى أيضا، لا يعارض آية النساء، فتكون هذه الآية ناسخة لها.
وروى عن ابن عباس أيضا أنها نزلت في غير هذا المعنى، وإنما أقبلت قبائل مضر إلى المدينة من أجل الجدب الذي أصابهم بدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، تأتي القبيلة تزعم أن الإسلام أقدمها، وإنما أقدمها الضر، فأعلم الله النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنهم كاذبون، ولو كان ذلك غرضهم لاكتفوا بإرسال بعضهم إلى المدينة ليتفقهوا ولينذروهم إذا انقلبوا إليهم (4) (5).
واختلاف الرواية دليل الضعف، والمخبر عنه واحد والقصة واحدة، ومع ذلك فلا تعارض بين الآيتين ولا نسخ.
وقال عكرمة: إنما نزلت في تكذيب المنافقين، لأنهم لما نزل قوله عزّ وجلّ {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} الآية.
قال المنافقون: لمن تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعذر من المؤمنين هلكتم بتخلفكم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله عزّ وجلّ {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (6)، وهذا تأويل بعيد عن سياق الآية، ومع ذلك فلا نسخ. وقال الحسن البصري هي في الجهاد، والمعنى ليتفقه الطائفة النافرة بما تراه من نصره وتخبر إذا رجعت بما رأته من ذلك قومها المشركين وتحذّرهم أخذ الله وبأسه (7).
وروى أنها نزلت في أعراب قدموا المدينة فأغلوا الأسعار، وملئوا (8) الطرق بالأقذار (9).
__________
(1) في بقية النسخ: بما نزل.
(2) في ظ: ثم ينفروا القاعدون.
(3) أخرجه أبو عبيد بنحوه عن ابن عباس ص 444، وابن جرير الطبري: انظر تفسيره: 11/ 67، وراجع تفسير البغوي: 3/ 136، والدر المنثور 4/ 322، وقد مال إلى هذا القرطبي. انظر تفسيره: 8/ 295.
(4) كلمة (إليهم) غير واضحة في الأصل.
(5) أخرجه ابن جرير بنحوه عن ابن عباس. انظر: جامع البيان: 11/ 68وراجع زاد المسير 3/ 516، والدر المنثور: 4/ 323.
(6) انظر: المصادر السابقة.
(7) ذكره الطبري عن الحسن ورجحه وانتصر له.
انظر جامع البيان 11/ 70، وراجع معالم التنزيل: 3/ 137.
(8) جاءت العبارة في (ظ) مضطربة هكذا: فأعلموا الأسعار ومكر الطرق الخ.
(9) انظر: معالم التنزيل: (3/ 137). فعلى هذه المعاني والأقوال التي ذكرت في معنى الآية يمكن أن(2/668)
الثاني والعشرون: قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ} [1] تَوَلََّى فَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (2)، قالوا: نسخ بآية السيف (3)، وهذا كقوله عزّ وجلّ {فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} (4) وقد تقدم القول فيه (5) (6).
الثالث والعشرون: قوله عزّ وجلّ {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} (7).
قالوا: هو منسوخ بآية السيف، وإنما هو كالذي قبله ليس بمنسوخ، وإنما نزل في المنافقين.
فإن قلت: أفلا يكون منسوخا بقوله عزّ وجلّ {جََاهِدِ الْكُفََّارَ وَالْمُنََافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (8)؟
قلت: قال ابن عباس: (أمروا بجهاد المنافقين باللسان والكفار بالسيف).
وقال الضحاك: (جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام).
وقال الحسن وقتادة: (واغلظ على) (9) المنافقين بإقامة الحدود عليهم، وقيل: بإقامة الحجة عليهم (10).
__________
يقال: إنها متعلقة بالجهاد وأحكامه، ويمكن أن يقال: إنها كلام مبتدأ لا تعلق له بالجهاد انظر تفسير الخازن: 3/ 137.
(1) في د: (فمن). خطأ.
(2) النساء (80) {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اللََّهَ وَمَنْ تَوَلََّى}.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 34، ولابن سلامة ص: 138وتفسير القرطبي:
5/ 288، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن البارزي ص 28، وبصائر ذوي التمييز: 1/ 172.
وقد رد ابن الجوزي القول بالنسخ في مثل هذا واستبعده، وإنما معنى الآية: فما أرسلناك عليهم رقيبا تؤاخذ بهم ولا حفيظا محاسبا لهم. انظر نواسخ القرآن ص 283.
(4) آل عمران (20) {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ}.
(5) كلمة (فيه) ساقطة من ظ.
(6) راجع ص 639من هذا الفصل.
(7) النساء (81) {وَيَقُولُونَ طََاعَةٌ فَإِذََا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طََائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللََّهُ يَكْتُبُ مََا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ} وقد تقدم شيبة هذه الآية وهي آية 63من السورة نفسها والكلام عنها فانظره ص 665.
(8) التوبة (73) وهي بلفظها كذلك في سورة التحريم (9).
(9) سقط من الأصل وظق (واغلظ علي) وفي ظق: والمنافقين.
(10) أخرج هذه الآثار ابن جرير الطبري بأسانيده عن ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة. انظر جامع البيان: 10/ 183، 184.(2/669)
فإن قلت: فيكون قوله عزّ وجلّ في النساء {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} منسوخا بهذه؟ قلت:
آية النساء في قوم منهم بأعيانهم، وقد قيل في معنى قوله عزّ وجلّ {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} لا تخبر بأسمائهم (1).
الرابع والعشرون: قوله عزّ وجلّ {فَقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ لََا تُكَلَّفُ إِلََّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
قالوا: نسخ بآية السيف (3)، وليس كما قالوا، لأن هذه الآية إنما نزلت بعد الأمر بالقتال، ولكن (لما) (4) تثبطوا عن القتال على ما ذكر (في) (5) الآيات قبلها، وبيتوا غير ما قالوا من إظهار الطاعة، قال له الله عزّ وجلّ {فَقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ}، ولا تعتمد على نصرهم، فإن تخلّفوا عنك ولم يخرجوا معك فما كلّفت غير نفسك وحدها (وحرض المؤمنون)، أي وما (6) يلزمك (7) في أمرهم إلّا التحريض (8)، وفي هذا تحريك لهم وإلهاب.
وقيل: دعاهم إلى الخروج إلى (9) بدر الصغرى (10)، فكرهوا الخروج فخرج رسول
__________
وراجع الدر المنثور: 4/ 239، وزاد المسير: 3/ 469، وتفسير القرطبي: 8/ 204، وابن كثير: 2/ 371، قال ابن كثير: عقيب ذكره للأقوال في ذلك وقد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال، والله أعلم. اه.
(1) انظر: الجامع لأحكام القرآن: (5/ 290).
(2) النساء: (84).
(3) حكاه ابن سلامة ص 139، وابن البارزي ص 28.
ورده ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 184.
(4) سقط من الأصل (لما).
(5) سقط من الأصل في.
(6) (وما) ساقط من د وظ.
(7) في ظ: يلزك.
(8) في د وظ: إلا تحريض.
(9) في بقية النسخ: في بدر.
(10) وذلك أن أبا سفيان بعد انتهاء معركة أحد توعد المسلمين بالقتال في بدر من العام المقبل فوافق المسلمون على ذلك، وكانت بدر الصغرى في شعبان من السنة الرابعة، حيث خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر وأقام عليه ثمانيا ينتظر أبا سفيان، لكن أبا سفيان خرج من مكة متوجها نحو بدر، ثم بدا له الرجوع، فرجع وكفي الله المؤمنين القتال. راجع البداية والنهاية لابن كثير: 4/ 39، 89.(2/670)
الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يلو على أحد، فلم يتبعه إلّا سبعون (ولم يتبعه أحد فخرج وحده) (1)، وكان أبو سفيان (2) واعده اللقاء، فكان الأمر كما قال الله عزّ وجلّ، فكف بأس الذين كفروا، ورجع أبو سفيان، لأنه لم يكن مع أصحابه (زاد) (3) إلّا السويق (4).
فقال لهم: هذا عام مجدب، ولم يقدم (على) (5) لقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (6).
الخامس والعشرون: قوله عزّ وجلّ {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} (7).
قالوا: قال الله عزّ وجلّ {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (8) ثم استثنى من ذلك أهل الميثاق، ومن اتصل بهم وانحاز إلى جملتهم، ثم نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ في براءة {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (9)، قال قتادة: نبذ إلى كل عهد
__________
(1) هكذا في الأصل: ولم يتبعه أحد فخرج وحده. وهي عبارة غير مستقيمة مع سابقتها. وفي بقية النسخ: ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده.
(2) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، أبو سفيان صحابي مشهور، أسلم عام الفتح ومات سنة 32هـ، وقيل بعدها التقريب: 1/ 365، وانظر: الإصابة 5/ 127 رقم 4041.
(3) سقط من الأصل كلمة (زاد).
(4) وهو طعام يتخذ من الحنطة والشعير. اللسان 10/ 170 (سوق).
(5) سقط من الأصل حرف (على).
(6) راجع تفسير الطبري 4/ 181، والقرطبي 5/ 293، والفخر الرازي 9/ 99، 10/ 204. والبداية والنهاية: 4/ 89.
(7) النساء (90).
(8) النساء (89).
(9) التوبة (5) وهي الآية التي تسمى بآية السيف.
ذكر هذا بنحوه أبو عبيد عن ابن عباس.
انظر الناسخ والمنسوخ ص 428، وابن جرير الطبري عن الحسن وعكرمة وقتادة وابن زيد.
انظر: جامع البيان 5/ 200.
وقال به ابن حزم ص 34، وابن سلامة ص 139، والنحاس ص: 132ومكي ص 230، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 285، وزاد المسير 2/ 159، والقرطبي في تفسيره 5/ 308، والثعالبي في الجواهر الحسان 1/ 399، والكرمي في قلائد المرجان ص 93.
وقد حكى البغدادي النسخ عن ابن عباس، ثم قال: وقال غيره الآية محكمة، وإنما نزلت في قوم مخصوصين وهم بنو خزيمة وبنو مدلج عاقدوا حلفاء المسلمين من خزاعة فنهى عن قتلهم، ونزلت آية السيف بعد إسلام الذين ذكرناهم اه الناسخ والمنسوخ ص 201.(2/671)
عهده، ثم أمر عليه السلام (1) بالقتال والقتل حتى يقولوا: لا إله إلّا الله، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عاهد كفار مكة عام الحديبية عهدا بقى من مدته عند نزول براءة أربعة أشهر، فأمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يوفي بعهدهم إلى مدتهم، وأن يؤخر قتال من لا عهد له إلى انسلاخ محرّم، ثم يقاتل الجميع حتى يدخلوا في الإسلام، لا يقبل منهم سوى ذلك، هذا كله قول قتادة (2).
وقال السدي: كان آخر عهد الجميع تمام أربعة أشهر، وذلك لعشر خلون من ربيع الآخر، وهذا كله كان في موسم تسع (3).
وقال السدي: أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بإتمام أربعة أشهر لمن كان بينه وبينه عهد أربعة أشهر فما دون ذلك، وأما من كان عهده أكثر من (ذلك) (4) أربعة أشهر فهو الذي (5) أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتم له عهده في قوله عزّ وجلّ {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى ََ مُدَّتِهِمْ} (6)، فمن نقض منهم العهد، دخل فيمن أخر إلى تمام أربعة أشهر.
وهذا اختيار الطبري (7)، وهو قول الضحاك، فعلى هذا لا يكون قوله {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} منسوخا، لأنه قد جعل له حكم المعاهدين وأدخل في جملتهم، وقد أخّر قتالهم إلى انقضاء مدتهم.
وروى أن عليا عليه السلام كان يقول في ندائه: ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فعهده إلى مدته (8) اه.
__________
(1) (عليه السلام) ليست في بقية النسخ.
(2) انظره مختصرا في الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 40.
وأخرجه الطبري بتمامه عن قتادة عند تفسير سورة براءة 10/ 61، وكان قد ذكره مختصرا في سورة النساء: 5/ 200، وانظر: الإيضاح لمكي ص 230، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 286.
(3) أخرجه الطبري بأسانيده عن السدي ومحمد بن كعب القرظي وقتادة ومجاهد. جامع البيان:
10/ 61، وانظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 195.
(4) هكذا في الأصل: أكثر من ذلك أربعة أشهر. فكلمة (ذلك) مقحمة لا معنى لها هنا.
(5) في ظ: فو الذي. خطأ.
(6) التوبة (4) {إِلَّا الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظََاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا} 6.
(7) انظر: جامع البيان للطبري: 10/ 62والجامع لأحكام القرآن 8/ 64والإيضاح ص 308.
(8) قال الطبري: منتصرا لهذا ففي الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه حين بعث عليا رضي الله عنه ب (براءة) إلى أهل العهود بينه وبينهم، أمره فيما أمره أن ينادي فيهم: ومن كان بينه وبين(2/672)
ويدل عليه قوله عزّ وجلّ {إِلَّا الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ فَمَا اسْتَقََامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (1)، فأمر الله (2) لمن استقام على عهده ولم ينقضه بأن يتم له عهده، وأن يؤخر من نقض عهده وظاهر على النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أشهر (3).
قال تعالى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} ففسح لمن كان له عهد ونقض قبل انتهائه، ومن له أربعة أشهر فما دون أن يتصرفوا في الأرض مقبلين ومدبرين، ثم لا أمان لهم بعد ذلك.
قال مجاهد: أولها من يوم النحر إلى عشر من ربيع الآخر (4).
وقال الزهري: أولها شوال وآخرها آخر محرم (5). وتسمى أشهر السماحة أيضا، لأنه سمح لهم فيها بالتصرّف.
وقال ابن عباس: (من لم يكن له (6) عهد إنما جعل أجله خمسين ليلة، عشرين من ذي الحجة والمحرم) (7)، يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا}
__________
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فعهده إلى مدته. أوضح دليل على ما قلنا، وذلك أن الله لم يأمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بنقض عهد قوم كان عاهدهم إلى أجل، فاستقاموا على عهده بترك نقضه، وأنه إنما أجل أربعة أشهر من كان قد نقض عهده قبل التأجيل، أو من كان له عهد إلى أجل غير محدود، فأما من كان أجل عهده محدودا، ولم يجعل بنقضه على نفسه سبيلا، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان بإتمام عهده إلى غاية أجله مأمورا وبذلك بعث مناديه ينادي به في أهل الموسم من العرب اه جامع البيان: 10/ 63.
وانظر: بقية الآثار التي ساقها الطبري بأسانيده عن علي رضي الله عنه وغيره في هذه القضية.
(1) التوبة (7).
(2) لفظ الجلالة ليست في ظق. وفي د وظ: فأمر من استقام.
(3) وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لهذا في أول سورة التوبة. والله الموفق.
(4) قال القرطبي: وهذا قول مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب، قال: وقيل لها حرم:
لأن الله حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والتعرض لهم إلا على سبيل الخير اه.
الجامع لأحكام القرآن 8/ 72، وانظر: تفسير الطبري: 10/ 79وقد سبق أن قرر هذا السخاوي أثناء كلامه على قوله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ} حيث قال هناك:
إن المراد بالأشهر في قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} إنما هي تبدأ من يوم النحر
الخ ص 613.
(5) انظر: تفسير الطبري: 10/ 62والإيضاح ص 308، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 195، قال ابن الجوزي: قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا أضعف الأقوال لأنه لو كان كذلك لم يجز تأخير أعلامهم به إلى ذي الحجة، إذ كان لا يلزمهم الأمر بعد الإعلام اه. زاد المسير: 3/ 394.
(6) ساقط من د.
(7) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 425، وتفسير القرطبي 8/ 72.(2/673)
{الْمُشْرِكِينَ}، وكان النداء بسورة (براءة) يوم عرفة، وبه يتم (1) خمسين ليلة.
وقيل: يوم النحر (2)، ونزلت (براءة) أول شوال، ومن ذلك اليوم أجّل أربعة أشهر لأهل العهد.
وقال الزهري: من أول شوال هو (أول) (3) الأربعة أشهر، وهو للجميع، فمن كان له عهد: كان أجله أربعة أشهر من ذلك الوقت.
ومن لم يكن له عهد: انسلاخ الأشهر الحرم، وذلك أربعة أشهر أيضا (4).
السادس والعشرون: قوله عزّ وجلّ {أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [5] أَنْ يُقََاتِلُوكُمْ (6) قيل: معناه: ولا الذين جاءكم قد ضاقت صدورهم عن قتالكم وعن قتال قومهم، قال الحسن، وعكرمة، وابن زيد: هو منسوخ بالجهاد (7) اه.
وأقول: والله أعلم أن هؤلاء الذين حصرت صدورهم عن القتال: هم الذين ذكروا في قوله عزّ وجلّ {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} ذكر لهم حالتان:
أ) الاتصال بالمعاهدين.
ب) أو المجيء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، والتقدير: إلّا الذين حصرت صدورهم، فاتصلوا بقوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاءوكم، يدلّ على ذلك قراءة أبيّ {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ}
__________
(1) هكذا في ت. على إنه حال تقديرها: وبه يتم الوقت كاملا، ويجوز أن يكون (خمسين) مفعولا ل (تم)، لأن معناه: بلغ فهو كقولهم بلغت أرضك جريبين. راجع أملا ما من به الرحمن: 3/ 61 على هامش الفتوحات الإلهية، وفي بقية النسخ: وبه تتم خمسون ليلة على إنه فاعل، وهذا واضح.
(2) وهذا مبني على الخلاف في المراد بالحج الأكبر، هل هو يوم عرفة أو يوم النحر.
والراجح أنه يوم النحر. انظر: جامع البيان: 10/ 7467.
(3) سقط لفظ (أول) من الأصل).
(4) انظر: الإيضاح ص 308، وقد سبق أن هذا القول ضعيف، وإنما الصحيح أن الأربعة الأشهر تبدأ من أول النداء، وكان يوم النحر والله تعالى أعلم. وانظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 195.
(5) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(6) النساء (90) وهي جزء من الآية السالفة الذكر.
(7) انظر: تفسير الطبري: 5/ 200، وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 133، وابن سلامة ص 140، والإيضاح ص 231، وزاد المسير 2/ 159، والبحر المحيط: 3/ 315، والجواهر الحسان للثعالبي 1/ 399.(2/674)
{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (1)، وليس في قراءته {أَوْ جََاؤُكُمْ}.
وقوله عزّ وجلّ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، إنما أراد كفار مكة ومن معهم، يدل على ذلك قوله عزّ وجلّ {أَلََا تُقََاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمََانَهُمْ} (2)، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية حين قاضى (المشركون) (3) أدخل معه بني كعب ابن خزاعة في القضية وأدخل المشركون معهم بني بكر ابن كنانة في القضية، فنقض المشركون أيمانهم، وأغاروا (4) مع بني بكر ابن كنانة على بني كعب ابن خزاعة قبل انقضاء مدة العهد، فغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «والله لانتصرن لهم»، فنصره الله عزّ وجلّ بفتح مكّة (5)، وشفي صدره وبني خزاعة (6) وأذهب غيظ قلوبهم، وهم القوم المؤمنون وحلفاء (7) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (8) فتأمل في (9) هذا فإنه (10) لا يعارض ما في سورة النساء، إلّا أن يكون (الذين) (11) حصرت صدورهم ممن نقض العهد ونكث اليمين وأعان على خزاعة.
والجرأة على الناسخ والمنسوخ خطر عظيم، ولا يعارض ما في سورة النساء أيضا قوله عزّ وجلّ {وَ} [12] قََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً (13).
السابع والعشرون: قوله عزّ وجلّ {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} [14] (15) الآية، قالوا
__________
(1) انظر: الكشاف للزمخشري 1/ 552، وتفسير القرطبي: 5/ 309، وأبي حيان: 3/ 316. وهي قراءة شاذة.
(2) التوبة (13).
(3) هكذا في الأصل: حين قاضى المشركون. وفي بقية النسخ: المشركين وهو الصواب.
(4) في ظ: وغاروا.
(5) في ظ: وجعل يفتح مكة.
(6) في بقية النسخ: وشفا صدور بني خزاعة.
(7) في د: وخلفاء.
(8) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 4/ 278، والإصابة 7/ 107، وتفسير القرطبي 8/ 64، فما بعدها.
(9) ساقطة من بقية النسخ.
(10) في د: وأنه.
(11) (الذين) ساقط من الأصل.
(12) سقطت الواو من الأصل.
(13) التوبة (36).
(14) في ت حرفت إلى (آخرون).
(15) النساء (91) {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمََا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهََا} الآية.(2/675)
نسخها آية السيف (1).
الثامن والعشرون: قوله عزّ وجلّ {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} * (2).
ذهب قوم إلى أنها منسوخة بقوله عزّ وجلّ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا} (3) الآية (4).
وروى (5) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: في قوله عزّ وجلّ في (سورة) (6) الفرقان {وَلََا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ إِلََّا بِالْحَقِّ وَلََا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً * يُضََاعَفْ لَهُ الْعَذََابُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً * إِلََّا مَنْ تََابَ} (7).
إن هذا لأهل الشرك إذا أسلموا، ولا توبة للقاتل متعمدا (8) اه.
وروى أن رجلا سأل أبا هريرة وابن عمر وابن عباس عن قتل العمد، فكلهم قال:
هل يستطيع أن يحييه (9)؟!.
والصحيح أن هذا ليس من الناسخ والمنسوخ في شيء، لأن هذا إخبار من الله عزّ وجلّ، وإخبار الله عزّ وجلّ صدق لا يدخله نسخ (10) وآية الفرقان وآيات النساء محكمات.
__________
(1) قال بذلك ابن حزم ص 34، وابن سلامة ص 140، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 187، والفيروزآبادي 1/ 172، وابن البارزي ص 28، والكرمي ص 93.
(2) النساء (48، 116).
(3) النساء (93).
(4) انظر: الكلام على هذه الآية وما قيل فيها في الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 545، وجامع البيان 5/ 215، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 133، وابن حزم ص 35، والبغدادي ص 203، وابن سلامة ص 141، والإيضاح لمكي ص 249232، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 288، وزاد المسير: 2/ 168، والجامع لأحكام القرآن 5/ 332، وقلائد المرجان للكرمي ص 94.
(5) في د وظ: ورواه. وفي ظق: ورووا.
(6) كلمة (سورة) سقطت من الأصل.
(7) الفرقان (7068).
(8) انظر: صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري كتاب التفسير، باب {يُضََاعَفْ لَهُ الْعَذََابُ}
8/ 494، والإيضاح ص 241.
(9) عزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور وابن المنذر. الدر المنثور 2/ 626وانظر الإيضاح ص 245.
(10) قال مكي: والنسخ في آية الفرقان لا يحسن لأنه خبر، والأخبار لا تنسخ بإجماع
فالآيتان محكمتان اه الإيضاح ص 233.(2/676)
وقد قال الله عزّ وجلّ في سورة النساء: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ}، ثم قال عزّ وجلّ فيها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا}، ثم قال بعد ذلك (1): {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ} ما {دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ}.
فإن قيل: إن قلت: إن هذه أخبار، والنسخ لا يدخل الأخبار، فما تقول في تعارضها؟.
قلت: قوله عزّ وجلّ {فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا} قد روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الآية هو جزاؤه إن جازاه (2) وقال الطبري: جزاء القاتل جهنم حقا، ولكن الله يغفر ويتفضّل على من آمن به وبرسوله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، فإما أن يغفر فلا يدخلهم، وإما أن يدخلهم ثم يخرجهم بفضل رحمته، وهذا خبر عام ولا يجوز نسخه (3) اه وكذلك روى عن إبراهيم التيمي ومجاهد (4).
وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كاف، وإنما أذكر هؤلاء لأن ذكرهم كالشهادة لصحة الحديث.
فإن قيل: فما تقول فيما تقدم ذكره عن ابن عباس؟
قلت: قد روى عاصم بن أبي النّجود عن ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (هو جزاؤه إن جازاه) (5).
__________
(1) في بقية النسخ: ثم قال بعد ذلك أيضا.
(2) لكن رفعه الله إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يصح. انظر: تفسير ابن كثير 1/ 517، وراجع الدر المنثور:
2/ 627.
قال مكي: وقد قال من اعتقد هذا: أن الله إذا وعد الحسنى وفي ولم يخلف، وإذا وعد بالعذاب جاز أن يعفو اه. الإيضاح ص 233.
(3) انظر: تفسير الطبري 5/ 221، والإيضاح ص 241، وراجع تفسير ابن كثير: 1/ 517،.
(4) انظر: الإيضاح ص 233.
(5) أخرجه أبو عبيد بنحوه عن عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ ص 556، وانظر: الإيضاح ص 233.
قال البغدادي: قال ابن عباس: هذه الآية محكمة، ومعناها أن ذلك جزاؤه إن جازاه، ولكنه لا يجازي بالخلود في النار إلا الكافرين لقوله تعالى {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} الآية 17من سورة سبأ.
وقال غيره: إن الآية منسوخة بقوله {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} * اه الناسخ والمنسوخ ص 203. وقال القرطبي: نص على هذا أبو مجلز لاحق بن حميد وأبو صالح وغيرهما اه.(2/677)
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللََّهَ يَجِدِ اللََّهَ غَفُوراً رَحِيماً} (1)، وقال: فلو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال لجاز أن يغفرها الله تعالى.
قال ابن عباس: وقد دعا الله عزّ وجلّ إلى مغفرته من قال {عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} (2)
ومن زعم أن الله فقير (3)، ومن زعم أن يد الله تعالى مغلولة (4)، ومن زعم أنه عزّ وجلّ (ثالث ثلاثة) (5) فقال (6) عزّ وجلّ {أَفَلََا يَتُوبُونَ إِلَى اللََّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللََّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (7).
قال ابن عباس: وقد دعا الله عزّ وجلّ إلى التوبة من هو أعظم جرما من هؤلاء من قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ََ} (8)، و {مََا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرِي} (9).
قال: ومن أيأس العباد من التوبة، فقد جحد كتاب الله تعالى، ومن تاب إلى الله تاب الله عليه.
قال: وكما لا ينفع مع الشرك إحسان، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين (10).
__________
أي نصوا على أن ذلك جزاؤه إن جازاه وهو مستحق لذلك لعظيم ذنبه. وراجع تفسير الطبري 5/ 217، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص 295.
(1) النساء (110).
(2) التوبة (30) {وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} الآية.
(3) أي في قوله تعالى {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيََاءُ} الآية 181آل عمران.
(4) أي في قوله تعالى: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللََّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمََا قََالُوا} الآية 64 المائدة.
(5) أي قوله تعالى حكاية عن النصارى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} الآية 73من سورة المائدة.
(6) في د: فقال الله عزّ وجلّ.
(7) المائدة (74).
(8) النازعات (24).
(9) القصص (38) وكلا الآيتين تحكي قول فرعون.
(10) حكي هذه الأقوال مكي بن أبي طالب عن ابن عباس. انظر الإيضاح ص 243.
قال ابن كثير: والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ، فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا، بدل الله سيئاته حسنات وعوض(2/678)
قال ابن عباس: مع قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «لو وضعت قول (1): لا إله إلّا الله في كفة، ووضعت السموات والأرض وما بينهن (2) وما فيهن في كفة لرجحت قول (3): لا إله إلّا الله» (4).
وهذا هو الصحيح عن ابن عباس إن شاء الله تعالى (5) إذ أجمع المسلمون على صحة توبة قاتل العمد، وكيف لا تصح توبته وتصح توبة الكافر وتوبة من ارتد عن الإسلام، ثم قتل المؤمنين متعمدا ثم رجع إلى الإسلام (6)؟.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (كنا معشر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا نشك في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم يعني لا نشك في الشهادة لهم بالنار حتى نزلت {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} *، فأمسكنا عن الشهادة لهم) (7) اه.
فإن قيل: فما تقول في قولهم: هل تستطيع (8) أن تحييه؟ قلت: ذلك على وجه تعظيم (أمر) (9) القتل والزجر، أو يكون ذلك قبل أن تنزل {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} *
__________
المقتول من ظلامته وأرضاه، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} إلى قوله {إِلََّا مَنْ تََابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صََالِحاً} الآية. وهذا خبر لا يجوز نسخه، وحمله على المشركين، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، ويحتاج حمله إلى دليل، والله أعلم انظر بقية كلامه في تفسيره: 1/ 537.
وراجع فتح الباري: 8/ 496495.
(1) (قول) ليست في بقية النسخ.
(2) (وما بينهن) ليست في د وظ.
(3) (قول) ليست في بقية النسخ.
(4) انظر: الإيضاح ص 244.
والحديث في كنز العمال معزوا إلى أبي يعلى عن أبي سعيد 1/ 53وأخرجه الحاكم بلفظ أطول، وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. المستدرك: 1/ 6.
(5) قال القرطبي: وهذا مذهب أهل السنة وهو الصحيح، وأن هذه الآية أي {وَمَنْ يَقْتُلْ}
مخصوصة ودليل التخصيص آيات وأخبار اه الجامع لأحكام القرآن 5/ 333.
(6) انظر: الإيضاح ص 241.
(7) أخرجه ابن جرير. جامع البيان: 5/ 126، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي حاتم.
انظر: الدر المنثور: 2/ 556، وراجع الإيضاح ص 244.
(8) في ظق: هل يستطيع.
(9) سقط من الأصل لفظ (أمر).(2/679)
{وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ} * على قول ابن عمر، ومن زعم أن القاتل عمدا لا توبة له: جعل الغفران لما دون الشرك، وآية (1) الفرقان: منسوخا. قالوا: ونزلت آية الفرقان فيما روى زيد بن ثابت قبل آية النساء بستة أشهر (2)، وقد قدمت أن النسخ لا يدخل الأخبار، فلا نسخ في جميع هذه الآيات، وكلها محكمة (3).
التاسع والعشرون: قوله عزّ وجلّ {وَإِذََا} [4] ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (5)، زعم قوم أنها منسوخة بما جاءت به السّنة من جواز قصر الصلاة في السفر من غير تقييد بالخوف، وهذا غير صحيح، وصلاة الخوف باقية لم تنسخ، والقصر في السفر غير صلاة الخوف (6).
الثلاثون: قوله عزّ وجلّ {إِنَّ الْمُنََافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النََّارِ} (7) زعموا أنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا} (8) فما أدري أي الأمرين أعجب، إدخال
__________
(1) في ظق: في آية الفرقان.
(2) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 549، وتفسير الطبري: 5/ 220والقرطبي: 5/ 332 والإيضاح ص 232، والدر 2/ 625.
(3) انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 334، والإيضاح ص 236. وقد رجح ابن الجوزي القول بالأحكام وقال: إنه لا وجه للقول بالنسخ بحال. نواسخ القرآن 294.
(4) سقطت الواو من د وظ.
(5) النساء (101).
(6) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 139، والإيضاح ص 250، وتفسير القرطبي 5/ 363.
وقد كثر كلام المفسرين في المراد بالقصر في هذه الآية، وأنا أكتفي بما ذكره الإمام الطبري ونقله عنه النحاس والقرطبي، وهو الذي اطمأنت إليه نفسي، حيث قال: وأولي هذه الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية، قول من قال: عنى الله بالقصر فيها القصر من حدودها وذلك ترك إتمام ركوعها وسجودها وإباحة أدائها كيف أمكن أداؤها مستقبل القبلة فيها ومستدبرها وراكبا وماشيا، وذلك في حال الشبكة والمسايفة والتحام الحرب وتزاحف الصفوف، وهي الحالة التي قال الله تبارك وتعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجََالًا أَوْ رُكْبََاناً} آية 239، من سورة البقرة، وأذن بالصلاة المكتوبة فيها راكبا إيماء بالركوع والسجود على نحو ما روي عن ابن عباس من تأويل ذلك. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بهذه الآية وذكرها لدلالة قول الله تعالى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ}، على أن ذلك كذلك لأن إقامتها إتمام حدودها من الركوع والسجود وسائر فروضها دون الزيادة في عددها التي لم تكن واجبة في حال الخوف اه جامع البيان: 5/ 249.
(7) النساء (145).
(8) النساء (146).(2/680)
النسخ في الأخبار أو جعل الاستثناء نسخا؟ فهذه ثلاثون موضعا لا ترى فيها ناسخا ومنسوخا متيقنا.
__________
وقد ذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن حزم الأنصاري في الناسخ والمنسوخ ص 35، وابن سلامة ص 145، وابن البارزي ص 29، والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز: 1/ 173.
وسبق مرارا أن الاستثناء ليس بنسخ، ومنها هذا الموضع، الذي تعجب المصنف من القول بالنسخ فيه، ومما زاد تعجبه رحمه الله أن هذه أخبار، والأخبار لا تدخل في النسخ.
وراجع نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 296.(2/681)
سورة المائدة
وهي (1) من آخر ما نزل من القرآن، وهي في الإنزال بعد «براءة» عند أكثر العلماء، وقال آخرون: براءة بعدها (2).
وذهب جماعة إلى أن (3) المائدة ليس (فيها) (4) منسوخ، لأنها متأخرة النزول (5)، وقال آخرون: فيها من المنسوخ عشرة مواضع:
الأول: قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ} [6]
__________
(1) كلمة (وهي) ليست في د.
(2) انظر: الإيضاح ص 259، ونص ابن سلامة على أن (براءة) آخر ما نزل. الناسخ والمنسوخ ص 182.
وقد سبق أثناء الكلام عن (نثر الدرر في ذكر الآيات والسور) من هذا الكتاب الخلاف في هذا فانظره.
(3) كلمة (أن) سقطت من د.
(4) (فيها) سقطت من الأصل. ولعلها أضيفت في الحاشية إلا أنها لم تظهر.
(5) أخرجه أبو عبيد عن الحسن وأبي ميسرة. انظر الناسخ والمنسوخ ص 333332. والنحاس عن أبي ميسرة. الناسخ والمنسوخ ص 141وابن الجوزي عن الحسن والشعبي. انظر نواسخ القرآن ص 297.
وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر عن الحسن كذلك. الدر المنثور 3/ 4.
قال أبو حيان: وقول الحسن وأبي ميسرة ليس فيها منسوخ قول مرجوح. اه البحر المحيط 3/ 420.
(6) {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ} هذا الجزء من الآية سقط من د وظ.(2/682)
{وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوََاناً} (1).
قال الشعبي وغيره: لم ينسخ من المائدة غير هذه الخمسة، نسخها الأمر بقتال المشركين (2).
وقال ابن زيد: هذا كله منسوخ بالأمر بقتالهم كافة (3).
وقال ابن عباس وقتادة: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} يعني: منع المشركين من الحج، ثم نسخ ذلك بالقتل (4).
والشعائر: جمع شعيرة، وشعيرة: بمعنى مشعرة أي معلمة (5).
واختلف فيها فقيل: حدوده التي جعلها أعلاما لطاعته في الحج.
قال ابن عباس: هي مناسك الحج (6). نهاهم أن يحلوا ما منع المحرّم من إصابته.
__________
(1) الآية الثانية من سورة المائدة.
(2) أخرجه أبو عبيد عن الشعبي. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 332، والطبري في جامع البيان 6/ 60، والنحاس ص 142، وانظر: الإيضاح ص 257.
وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وأبي داود في ناسخه وابن المنذر عن الشعبي. الدر المنثور 3/ 4.
(3) انظر: جامع البيان: 6/ 60.
(4) الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 40، والنحاس ص 143، وتفسير الطبري 6/ 60، والإيضاح ص 256.
قال الطبري: عند تفسير هذه الآية ثم اختلف أهل العلم فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أن منها منسوخا، فقال بعضهم: نسخ جميعها وقال آخرون: الذي نسخ من هذه الآية قوله {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} وقال آخرون: لم ينسخ من ذلك شيء إلا القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحا الشجر إلى أن قال: وأولي الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: نسخ الله من هذه الآية قوله {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} لإجماع الجميع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة كلها، وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع الحرم!! لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان اه جامع البيان 6/ 6159، وراجع تفسير الخازن 2/ 5.
(5) انظر: الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 208، وتفسير الفخر الرازي 11/ 128، والقرطبي:
6/ 37، وأبي حيان 3/ 419قال القرطبي: قال ابن فارس: ويقال للواحدة شعارة، وهو أحسن والشعيرة: البدنة تهدي وأشعارها أن يجز سنامها حتى يسيل منه الدم، فيعلم أنها هدى اه المصدر السابق.
(6) أخرجه ابن جرير في جامع البيان: 6/ 54، وذكره مكي في الإيضاح ص 257.(2/683)
قال (1) زيد بن أسلم: هي ست:
1 - الصفا والمروة. 2والبدن. 3والجمار.
4 - والمشعر الحرام. 5وعرفة. 6والركن.
قال: والمحرّمات خمس:
1 - البلد الحرام. 2والكعبة البيت الحرام. 3والشهر الحرام.
4 - والمسجد الحرام. 5والمحرم حتى يحل (2).
قال (3) الكلبي: كانت عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يقفون إذا حجوا عليهما، وكانت الخمس، لا يعدون عرفات من الشعائر، ولا يقفون (4) بها في الحج، فنهى الله المؤمنين عن ذلك (5).
وقال السدي: شعائر الله: حرمه (6). وقيل: هي العلامات بين الحل والحرم، نهوا أن يجازوها غير محرمين (7).
وقال عطاء: شعائر الله: حرماته، نهاهم عن ارتكاب سخطه وأمرهم باتباع طاعته.
وقيل: الشعائر: الهدايا، وقيل: الإشعار: أن تجلل (8)، وتقلّد وتطعن (9) في سنامها فيعلم أنها هدى (10).
__________
وذكره البغوي عن ابن عباس ومجاهد. انظر: معالم التنزيل 2/ 4. قال مكي: فمعنى الآية: لا ترتكبوا ما نهيتكم عنه من صد وغيره، وهذا كله لا يجوز نسخه اه.
(1) في بقية النسخ: وقال.
(2) انظر: البحر المحيط: 3/ 419.
(3) في بقية النسخ: وقال.
(4) من قوله: ولا يقفون إذا حجوا إلى هنا ساقط من ظ. بانتقال النظر.
(5) انظر البحر المحيط: 3/ 419.
(6) أخرجه الطبري عن السدي، قال: إن الذين قالوا بهذا القول وجهوا معنى قوله {شَعََائِرِ اللََّهِ} أي معالم حرم الله من البلاد.
جامع البيان: 6/ 54.
(7) انظر: البحر المحيط: 3/ 419.
(8) أي تغطي لصيانتها. راجع اللسان: 11/ 119 (جلل).
(9) في د وظ: كلها بالياء التحتانية المثناة.
(10) قال الإمام الطبري: بعد أن ذكر الأقوال التي قيلت في معنى الشعائر وأولي التأويلات بقوله(2/684)
والشهر الحرام: قيل: هو ذو القعدة، وقيل: هو رجب (1)، كانت مضر تحرّم فيه القتال، فأمروا بأن يحرّموه ولا يقاتلوا فيه عدوهم.
وقيل: كانوا يحلونه مرة ويحرّمونه أخرى، فنهوا عن إحلاله.
والهدى: ما أهداه المسلمون إلى البيت من بعير أو بقرة أو شاة، حرّم الله عزّ وجلّ أن يمنع أن يبلغ محله.
والقلائد: قيل: هي الهدايا المقلدات (2)، نهى عن الهدى غير المقلّد وعن المقلّد.
وقيل: هي ما كان المشركون يتقلّدون به، كان أحدهم إذا خرج من بيته يريد الحج تقلّد من السّمر فلا يعرض له أحد، وإذا انصرف تقلّد من الشعر قلادة فلا يعرض له أيضا.
وقيل: إنّما نهى الله عزّ وجلّ أن ينزع شجر الحرم، فيتقلّد به على عادة الجاهلية.
وقيل: كان الرجل إذا خرج من أهله حاجا أو معتمرا وليس معه هدى، جعل في عنقه قلادة من شعر أو وبر، فأمن بها إلى مكّة، وإذا قفل من مكة: علّق في عنقه من لحاء شجر مكة، فيأمن بها حتى يصل إلى أهله (3).
وقوله عزّ وجلّ {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} قيل: نهوا أن يعرضوا لمن أمّ البيت الحرام من المشركين.
__________
{لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ}: قول عطاء فكان معنى الكلام: لا تستحلوا أيها المؤمنون معالم الله، فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لأن كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل، يعلم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه اه. جامع البيان: 6/ 55. وراجع زاد المسير: 2/ 272، وتفسير الفخر الرازي: 11/ 128.
(1) انظر: تفسير القرطبي: 6/ 55، والإيضاح ص 258.
قال الفخر الرازي: وأعلم أن الشهر الحرام هو الشهر الذي كانت العرب تعظم القتال فيه {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللََّهِ اثْنََا عَشَرَ شَهْراً} الآية فقيل: هي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، فقوله {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ} يجوز أن يكون إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس، ويجوز أن يكون المراد هو رجب لأنه أكمل الأشهر الأربعة في هذه الصفة اه. مفاتيح الغيب 11/ 128.
(2) في بقية النسخ: المتقلدات.
(3) انظر: تفسير الطبري: 6/ 56، 57، والقرطبي 6/ 39، وراجع الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 208.(2/685)
واختلف في سبب نزولها: فقيل نزلت في الحطم البكري (1).
قال ابن جريج: قدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إني داعية قومي وسيدهم، فأعرض عليّ أمرك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أدعوك إلى الله، أن تعبده لا تشرك به شيئا، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت».
فقال الحطم: في أمرك غلظه، أرجع إلى قومي، فأذكر (2) لهم ما ذكرت، فإن قبلوا قبلت معهم، وإن أدبروا كنت معهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع»، فلما خرج، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر، وما الرجل بمسلم»، فمرّ على سرح (3) المسلمين (4)، فانطلق به (وطلب) (5) فلم يدرك، ثم (أنه) (6) خرج إلى الحج بتجارة عظيمة فأراد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعرضوا (7) له ويأخذوا ما معه، فأنزل الله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} (8) الآية (9) لما استاق السرح قال:
قد لفها الليل بسوّاق حطم ... ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم ... باتوا نياما وابن هند لم ينم
بات يقاسيها غلام كالزّلم ... خدلّج الساقين خفاق القدم (10)
__________
(1) قال ابن سلامة: واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل البكري ص 147.
(2) في ظق: وأذكر.
(3) والسرح: المال يسام في المرعى من الأنعام. اللسان 2/ 478 (سرح).
(4) في د: للمسلمين.
(5) (وطلب) ساقط من الأصل.
(6) (أنه) ساقطة من الأصل.
(7) في د: أن يتعرضوا.
(8) أخرج نحوه ابن جرير بسنده عن ابن جريج عن عكرمة، وبسنده عن أسباط عن عكرمة، وذكره عن ابن جريج دون إسناد. انظر: جامع البيان: 6/ 58، 59. وانظر: أسباب النزول للواحدي ص 107، وزاد المسير: 2/ 270والبحر المحيط 3/ 419، والإيضاح لمكي ص 258، والناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 207.
(9) سقطت الواو من الأصل.
(10) الأبيات في تفسير الطبري: 6/ 58، مع خلاف يسير في بعض ألفاظها وفي زاد المسير: 2/ 271، وتفسير القرطبي 6/ 43، وفي اللسان 12/ 138، 139، (حطم)، والمراد بالحطم: العنيف برعاية الإبل في السّوق والإيراد والإصدار، قليل الرحمة بالماشية فلا يمكنها من المراتع الخصيبة ويقبضها ولا يدعها تنتشر في المرعى.
اللسان نفس الجزء والصفحة.(2/686)
وهذا القول يبطله قوله الله عزّ وجلّ {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوََاناً} (1). وقال وقال ابن زيد: جاء ناس من المشركين يوم الفتح يقصدون البيت، فقال المسلمون: نغير عليهم، فقال الله عزّ وجلّ في ذلك: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (2).
وقال قتادة: نسخ من (المائدة) {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} نسخها آية القتل في (براءة) (3).
وقد تقدّم أنها (نزلت) (4) بعد براءة عند أكثر العلماء، وهذا مانع أن يكون (5) براءة ناسخة لها.
ومن قال: ليس فيها منسوخ، قال: أما الشعائر: فحدود الله عزّ وجلّ، وأما الشهر الحرام: فذو القعدة، لا يحلّه المحرم فيتعدى فيه إلى ما أمر باجتنابه.
__________
والوضم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب وغيره يوقي به من الأرض.
اللسان: 12/ 640 (وضم).
والزّلم: بضم الزاي وفتحها القدح الذي لا ريش عليه، والجمع: أزلام وهي السهام التي كان أهل الجاهلية يستقسمون بها.
اللسان 12/ 270 (زلم).
وخدلج الساقين: عظيمهما. اللسان: 2/ 249 (خدلج) ورجل خفاق القدم: إذا كان صدر قدميه عريضا.
وقيل: معناه: أنه خفيف على الأرض ليس بثقيل ولا بطيء. اللسان 10/ 82 (خفق).
ويقصد أن الإبل قد جمعها الليل على سائق عنيف قوي عديم الرفق بها لأنها حصلت له دون جهد وتعب، فإن سلمت فبها ونعمت، وإن تلفت فلم يخسر شيئا إلى آخر ما قاله.
(1) قال الفخر الرازي: أن الله تعالى أمرنا في هذه الآية أن لا نخيف من يقصد بيته من المسلمين، وحرم علينا أخذ الهدى من المهدين إذا كانوا مسلمين، والدليل عليه أول الآية وآخرها، أما أول الآية فهو قوله {لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ}، وشعائر الله: إنما تليق بنسك المسلمين وطاعتهم لا بنسك الكفار، وأما آخر الآية فهو قوله {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوََاناً}، وهذا إنما يليق بالمسلم لا بالكافر اه من تفسيره: 11/ 130.
وعلى هذا فالآية محكمة. وراجع الإيضاح ص 259.
(2) أخرجه الطبري عن ابن زيد. جامع البيان: 6/ 59، وانظر تفسير القرطبي: 6/ 42، والإيضاح ص 255.
(3) انظر الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 41، والبحر المحيط 3/ 419، والدر المنثور: 3/ 8.
(4) (نزلت) ساقطة من الأصل.
(5) هكذا في الأصل: وهذا مانع أن يكون براءة الخ. وفي بقية النسخ: وهذا مانع من أن تكون براءة الخ. وهي الصواب.(2/687)
وأما الهدى: فظاهر، وأما القلائد: فالنهي عن نزع شجر الحرم ليتقلّد به، وعن الهدى المقلّد، والتقدير على حذف مضاف (1)، أي: ولا ذا القلائد (2)، {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ}، قيل: أنها للمسلمين (لأن المشركون) (3)، لا يبتغون فضلا (4) من الله، فنهى المسلمون عنهم لأجل ذلك (5)، فيجوز أن يكون (آمين) حالا من المخاطبين، أي لا تحلو شعائر الله آمين (يبتغون فضلا) (6) على الالتفات (7)، كقوله عزّ وجلّ {وَلَوْ أَنَّهُمْ، إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جََاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللََّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} (8).
الثاني (9): قوله عزّ وجلّ {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (10).
قال ابن زيد: (نسخ بالأمر بالقتل والجهاد). والأكثر على أنها محكمة، وإنّما نزلت ناهية عن المطالبة ب (ذحول) (11) الجاهلية لصدهم إياهم عام الحديبية وقد (لعن النبي صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي: 6/ 40.
(2) في د وظ: ولا ذو القلائد.
(3) هكذا في الأصل: لأن المشركون!. وهو خطأ نحوي واضح. وفي بقية النسخ: لأنّ المشركين.
وهي الصواب.
(4) في بقية النسخ: لا يبتغون رضوان الله.
(5) انظر كلام الفخر الرازي المتقدم قريبا ص 687.
(6) سقط هذا الكلام من الأصل: {الْبَيْتَ الْحَرََامَ}، أي لا تحلوها قاعدين عن الحج، ولا آمين البيت الحرام، وقوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا} اه.
(7) وهو الرجوع عن أسلوب من أساليب الكلام إلى غيره، ومن فوائده: تطرية سمع السامع وإيقاظه للإصغاء، فإن اختلاف الأساليب أجدر بذلك من الأسلوب الواحد اه من كتاب الإكسير في علم التفسير للطوفي البغدادي ص 140.
(8) النساء (64).
وانظر: الكشاف للزمخشري: 1/ 538.
(9) أي الموضع الثاني من المواضع التي قيل فيها إنها منسوخة.
(10) المائدة (2).
(11) غير واضحة في النسخ وبالرجوع إلى كتب الناسخ والمنسوخ وغيرها في الموضوع تبينت الكلمة.
والذحول: جمع (ذحل) بفتح الذال وسكون الحاء وهو الثأر، يقال: طلب بذحله، أي بثأره.
اللسان: 11/ 256، والقاموس المحيط: 3/ 390.(2/688)
من قتل بذحل في الجاهلية) (1) وهذا أولى وأحسن عند الأكثر (2).
الثالث: قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} (3) قال قوم:
أنها (4) منسوخة، لأنها تقتضي إيجاب الوضوء على من قام إلى الصلاة، وإن لم يك محدثا.
قال عكرمة وابن سيرين بإيجاب ذلك على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا (5).
وإنما معنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين. يدل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (6)، والآية (7) محكمة عند العلماء، ومعناها (8) ما ذكرته (9).
الرابع: قوله عزّ وجلّ: {وَ} [10] امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (11).
قال: قوم هو منسوخ بوجوب غسل الرجلين.
قال الشعبي: نزل القرآن / بمسح الرجلين، وجاءت السّنة بالغسل (12) والصحيح
__________
(1) انظر مسند الإمام أحمد: 2/ 187، 4/ 32.
(2) انظر الإيضاح ص 260، وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 144. ونواسخ القرآن ص 302، وقد روي الطبري النسخ عن ابن زيد، والأحكام عن مجاهد، قال: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد إنه غير منسوخ، لاحتماله أن تعتدوا الحق فيما أمرتكم به، وإذا احتمل ذلك لم يجز أن يقال: هو منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها اه جامع البيان: 6/ 66.
(3) المائدة: (6).
(4) في بقية النسخ: هي.
(5) من قوله: قال عكرمة وابن سيرين إلى هنا ساقط من ظ، ويظهر أن الناسخ أضاف ذلك في الحاشية لكن لم يظهر.
(6) جزء من الآية السادسة السالفة الذكر.
(7) في بقية النسخ: فالآية محكمة.
(8) في ظ: ومعناها على ما ذكرته.
(9) انظر: تفسير الطبري: 6/ 114110، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 147، والإيضاح ص 264، 265، ونواسخ القرآن ص: 306، وتفسير القرطبي: 6/ 8280، وزاد المسير:
2/ 298، 299.
(10) في بقية النسخ (فامسحوا) وهي خطأ.
(11) جزء من الآية السادسة السالفة الذكر.
(12) أخرجه النحاس عن الشعبي ص 149، وعبد بن حميد عن الأعمش كما في الدر المنثور: 3/ 29.
وذكره ابن العربي والقرطبي عن أنس.
انظر: أحكام القرآن: 2/ 577، والجامع لأحكام القرآن: 6/ 92.(2/689)
أنها محكمة. قال أبو زيد: المسح: خفيف الغسل، وأريد ترك الإسراف، لأن غسل الرجلين: مظنة ذلك (1).
وقال أبو عبيد (2) في قوله عزّ وجلّ: {فَطَفِقَ مَسْحاً} (3): المسح هاهنا: الضرب كذلك المسح هاهنا: الغسل (4).
وقيل: المسح: التطهير، يقال: تمسحت للصلاة، كما يقال: تطهرت لها (5).
وقيل: قراءة الخفض معناها: مسح الخفين وقراءة النصب لغسل الرجلين (6)
والصحيح أنها محكمة.
الخامس: قوله عزّ وجلّ {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} (7) (8).
قال قتادة: نسخها قوله عزّ وجلّ {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ}
__________
(1) سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري أبو زيد، أحد أئمة الأدب واللغة من أهل البصرة، ووفاته بها، كان يرى رأي القدرية، وهو من ثقات اللغويين (215119هـ)، تاريخ بغداد: 9/ 77، والتقريب: 1/ 291، والإعلام: 3/ 92.
(2) قال القرطبي: قال ابن عطية: وذهب قوم ممن يقرأ بالكسر إلى أن المسح في الرجلين هو الغسل، ثم قال القرطبي: وهو الصحيح فإن لفظ المسح مشترك يطلق بمعنى المسح ويطلق بمعنى الغسل، قال الهروي: وساق السند إلى أبي زيد الأنصاري أنه قال: المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه: تمسح، ويقال: مسح الله ما بك إذا غسلك وطهرك من الذنوب، فإذا ثبت بالنقل عن العرب أن المسح يكون بمعنى الغسل فترجح قول من قال:
أن المراد بقراءة الخفض: الغسل، وبقراءة النصب التي لا احتمال فيها، وبكثرة الأحاديث الثابتة بالغسل، والتوعد على من ترك غسلها في أخبار صحاح لا تحصى كثرة، أخرجها الأئمة اه.
انظر: تفسيره 6/ 92وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 148. والإيضاح ص 266، وأحكام القرآن لابن العربي: 2/ 577.
(3) هكذا في النسخ، ولعل الصواب: أبو عبيدة معمر بن المثنى. وانظر: كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1/ 183. وهو كذلك في الإيضاح وزاد المسير.
(4) سورة ص (33) {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ}.
(5) انظر الإيضاح ص 268والكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/ 406وزاد المسير: 2/ 302.
(6) انظر: اللسان: 2/ 593 (مسح).
(7) قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص بالنصب، وقرأ الباقون بالخفض انظر: الكشف 1/ 406، والنشر: 2/ 254وقد ذكر هذا المعنى الذي أشار إليه السخاوي على هاتين القراءتين: ابن العربي في أحكام القرآن: 2/ 578.
(8) المائدة 13 {وَلََا تَزََالُ تَطَّلِعُ عَلى ََ خََائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلََّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}
الآية.(2/690)
{الْآخِرِ} (1) وقال ابن عباس: نسخها قوله عزّ وجلّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2).
وقيل: بقوله عزّ وجلّ {وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً} [3]، والصحيح أنها محكمة، لا سيما على قول من قال: إن «المائدة» بعد «براءة» وإنّما نزلت في قوم من اليهود، أرادوا الغدر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فحماه الله عزّ وجلّ، وأمره بالعفو والصفح ما داموا في الذمة، والسياق يدل على ذلك (4).
السادس: قوله عزّ وجلّ {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} (5)،
قالوا: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا} (6)، وهذا ظاهر الفساد، وقد تقدّم له نظائر.
__________
(1) التوبة (29).
وانظر الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 41، وتفسير الطبري: 6/ 157ونواسخ القرآن ص 308.
(2) التوبة (5) وهي الآية التي تسمى بآية السيف.
وقد ذكر هذا عن ابن عباس: مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 269قال: وهذا يدل على أن (براءة) نزلت بعد (المائدة) اه وذكره مسندا إلى ابن عباس: ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 308.
(3) الأنفال (58) {وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى ََ سَوََاءٍ}. ذكر هذا مكي وابن الجوزي والقرطبي، دون أن ينسبوه إلى أحد انظر: الإيضاح ص 269، ونواسخ القرآن ص 309، والجامع لأحكام القرآن: 6/ 116.
(4) انظر تفسير الطبري: 6/ 157، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 151والإيضاح ص 269، ونواسخ القرآن ص 309.
(5) المائدة (33) {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسََاداً أَنْ يُقَتَّلُوا}
الآية.
(6) المائدة (34).
وممن ذكر النسخ هنا بالاستثناء ابن حزم الأنصاري ص 36، وابن سلامة ص 150، وابن البارزي ص 32، والفيروزآبادي: 1/ 180، والكرمي في قلائد المرجان ص 98.
أما النحاس ومكي فقد حكيا فيها القول بأنها ناسخة لما كان فعله عليه الصلاة والسلام في أمر العرنيين من التمثيل بهم وسمل أعينهم الخ. انظر: بقية كلامهما في الناسخ والمنسوخ ص 152، والإيضاح ص 270.
وأما ابن الجوزي فقد قال: (هذه الآية محكمة عند الفقهاء وقد ذهب بعض مفسري القرآن ممن لا فهم له أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء لعدها) نواسخ القرآن ص 310، وقد تقدم مرارا أن الاستثناء ليس بنسخ.(2/691)
السابع: قوله عزّ وجلّ {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (1) قالوا:
نسخ هذا التخيير بقوله عزّ وجلّ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} (2) فأوجب عليه الحكم بينهم، ونسخ التخيير (3)، وقيل: هي محكمة، وهو الصحيح (4) إنما المعنى: إذا (5)
أردت الحكم فاحكم بينهم بما أنزل الله، وهو معطوف على قوله: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (6).
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وعمر بن عبد العزيز وعكرمة والزهري: ليس للإمام أن يردّهم إلى حكّامهم إذا جاءوه، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال عطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومالك والشعبي والنخعي وأبو ثور:
الإمام مخيّر، وهو أحد قولي الشافعي (7).
الثامن: قوله عزّ وجلّ {مََا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلََاغُ} (8)، قيل: نسخ بالجهاد، وقد سبق القول على مثله (9).
التاسع: قوله عزّ وجلّ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (10)، قيل: هي (11) منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (12).
__________
(1) المائدة (42).
(2) المائدة (49).
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 42وابن حزم ص 36، وابن سلامة ص 151.
(4) وهو اختيار الطبري ومكي وابن العربي وابن الجوزي. انظر: جامع البيان: 6/ 246، والإيضاح ص 272، وأحكام القرآن 2/ 632ونواسخ القرآن ص 314، وزاد المسير: 2/ 361.
(5) في د: إن أردت.
(6) الآية 42من السورة نفسها، أي أن الآية 49المدعي فيها النسخ معطوفة على الآية السابقة 42.
(7) انظر: أحكام القرآن للشافعي: 2/ 7973، والام: 4/ 210، والإيضاح لمكي ص 271 273.
وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 159فما بعدها، وأحكام القرآن للكيا الهراسي الشافعي 3/ 75. وتفسير القرطبي 6/ 185، فما بعدها، 6/ 210، 212.
(8) المائدة (99).
(9) راجع ص 639أثناء الكلام على الآية 20من سورة آل عمران، وهو الموضع الثاني من السورة.
(10) المائدة (105) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية
(11) كلمة (هي) ليست في د وظ.
(12) قال ابن حزم: نسخ آخرها أولها، والناسخ منها قوله تعالى: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} والهدى هاهنا الأمر(2/692)
والأكثر على أنها محكمة، والمعنى: عليكم أنفسكم لا يضرّكم من (ظل) (1) إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم (2) يقبل منكم.
وقال عبد الله بن عمر رحمه الله هذه لأقوام يأتون بعدنا، إن قالوا لم يقبل (منلم) (3) وأما نحن فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليبلّغ الشاهد الغائب، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب» (4).
وقال جبير بن نفير: قال لي جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية:
(عساك أن تدرك ذلك الزمان، فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك لا يضرك من ضلّ إذا اهتديت) (5).
وقال ابن مسعود: (لم يجيء تأويل هذا بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل فمنه ومنه ومنه ومنه، أي فمنه آيات قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آيات قد وقع تأويلهن على عهد رسول (6) الله صلّى الله عليه وسلّم، ومنه آيات قد وقع تأويلهن بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم بيسير، ومنه آيات يقع تأويلهن يوم الحساب، فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض فامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، (فإذا اختلف) (7) الأقوال والأهواء ولبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، عند ذلك جاء تأويل
__________
بالمعروف والنهي عن المنكر وليس في كتاب الله آية جمعت الناسخ والمنسوخ إلا هذه الآية اه الناسخ والمنسوخ ص 36.
وانظر: الإيضاح ص 274، والناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 582وهبة الله بن سلامة ص 154152.
(1) هكذا في الأصل: من ظل. خطأ من الناسخ.
(2) والأفصح بالواو.
(3) هكذا في الأصل رسمت الكلمة (منلم). وفي بقية النسخ: منهم. وهو الصواب.
(4) أخرجه الطبري بنحوه عن ابن عمر. انظر جامع البيان: 7/ 95. وزاد السيوطي نسبته إلى ابن مردويه عن ابن عمر أيضا. الدر المنثور 3/ 216، وانظر تفسير القرطبي: 6/ 343.
(5) أخرجه الطبري بلفظ أطول عن جبير بن نفير. جامع البيان 7/ 96. وأخرج الترمذي وأبو عبيد والطبري نحوه عن أبي أمية الشعباني عن أبي ثعلبة الخشني.
انظر سنن الترمذي كتاب التفسير: 8/ 424، والناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 583، وجامع البيان: 7/ 97، وأخرج ابن مردويه نحوه عن معاذ بن جبل كما في الدر المنثور 3/ 217.
(6) في بقية النسخ: على عهد النبي الخ.
(7) هكذا في الأصل: فإذا اختلف. وفي بقية النسخ: اختلفت وهي الصواب.(2/693)
هذه الآية) (1) اه. فهي على هذا كله محكمة (2).
العاشر: قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} (3).
قال قوم: أجاز في هذه الآية شهادة غير أهل الملة بقوله عزّ وجلّ {مِنْ غَيْرِكُمْ} ثم نسخه بقوله سبحانه {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ} (4) وبقوله عزّ وجلّ (5) {وَ} [6] أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (7) (8).
والجمهور على أنها محكمة (9).
قال الحسن وعكرمة (من غيركم) أي من غير قبيلتكم، أي من سائر المسلمين
__________
(1) أخرجه أبو عبيد والطبري عن ابن مسعود. الناسخ والمنسوخ ص 587وجامع البيان: 7/ 96.
(2) وهذا هو الصحيح، فإن الآية خبر، وهي تقرر أن المؤمنين متى استقر الإيمان في قلوبهم، واهتدوا وفعلوا ما يؤمرون به واجتنبوا ما ينهون عنه وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، عند ذلك لا يضرهم من حاد عن الطريق وضل سواء السبيل، وليسوا مؤاخذين بما صنع أولئك المصرون على ضلالهم.
وهذا ما رجحه الطبري: 7/ 99.
قال مكي: وأكثر الناس أنها محكمة اه الإيضاح ص 274.
وانظر: نواسخ القرآن ص 316.
(3) المائدة (106) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} الآية.
(4) جزء من آية: 282من سورة البقرة {فَإِنْ لَمْ يَكُونََا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتََانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ} الآية.
(5) من قوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} إلى هنا سقط من د وظ بانتقال النظر.
(6) في الأصل: كتبت الآية بالفاء. وهو خطأ.
(7) الطلاق (2).
(8) وممن حكي النسخ ابن حزم ص 36، وابن سلامة ص 154، فما بعدها والنحاس ص 163، ومكي ص 276، وابن الجوزي ص 319وابن البارزي ص 32، والفيروزآبادي: 1/ 180إلا أن مكي وابن الجوزي والنحاس ذكروا من قال بالأحكام ومن قال بالنسخ.
وهو بنحو ما ذكره السخاوي.
وقد قال مكي: أكثر الناس على أن هذا محكم غير منسوخ اه.
المصدر السابق.
(9) قال ابن الجوزي: بعد أن حكي الأقوال في ذلك والقول بأحكامها أصح، لأن هذا موضع ضرورة فجاز كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال اه نواسخ القرآن ص 321، وانظر زاد المسير: 2/ 446.(2/694)
ويروي ذلك عن الشافعي ومالك ويدل على ذلك قوله عزّ وجلّ {تَحْبِسُونَهُمََا مِنْ بَعْدِ الصَّلََاةِ}.
وذا لا يقال لغير المسلمين (1).
وعن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما (2) وأبي موسى الأشعري وابن سيرين ومجاهد وابن جبير والشعبي وابن المسيب والنخعي والأوزاعي وشريح: أنها محكمة، ومعنى (من غيركم): من أهل الكتاب، وشهادتهم جائزة في الوصية خاصة في السفر عند فقد المسلمين للضرورة (3).
__________
(1) انظر الإيضاح ص 276.
(2) في ظق: عنها.
(3) انظر الإيضاح ص 279276، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 163، وتفسير القرطبي:
7/ 349.
وقد رجح الطبري العموم في هذا سواء كانا من أهل الكتاب أو من غيرهم وعلى أي ملة كانا، لأن الله تعالى لم يخصص الآخرين من أهله ملة دون ملة بعد أن لا يكونا من أهل الإسلام اه جامع البيان 7/ 107.(2/695)
سورة الأنعام
فيها ستة عشر موضعا (1):
الأول: قوله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (2)
قالوا: نسخ بقوله عزّ وجلّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} (3). وهذا غير صحيح (4)، والخوف مشروط بالعصيان (5)، وكيف لا يخاف الله من عصاه وقد قال صلّى الله عليه وسلّم:
«والله إني لأخوفكم لله» (6).
__________
(1) اقتصر قتادة بن دعامة السدوسي على ذكر موضع واحد فقط ص 42. والنحاس على خمسة مواضع ص 174. ومكي على ثمانية مواضع ص 289281. والكرمي على اثني عشر موضعا ص 103.
وابن البارزي على ثلاثة عشر موضعا ص 32. وذكر كل من ابن حزم ص 37، والفيروزآبادي 1/ 188أربعة عشر موضعا، وذكر ابن سلامة خمسة عشر موضعا ص 161. أما ابن الجوزي فقد أوصلها إلى ثماني عشرة آية، أدّعي فيها النسخ انظر: نواسخ القرآن ص 337323.
(2) الأنعام: (15).
(3) الآية الثانية من سورة الفتح، وممن قال بهذا ابن حزم ص 37، وابن سلامة ص 161، والفيروزآبادى 1/ 188، والكرمي ص 104.
(4) رجح ابن الجوزي أن الآية محكمة، وأكد ذلك أنها خبر، والأخبار لا تنسخ. نواسخ القرآن ص 323.
(5) لفظ الجلالة ليس في د وظ.
(6) رواه البخاري بلفظ قريب منه، كتاب «النكاح» 6/ 116.
وكذلك مسلم في كتاب «الصوم» باب حكم التقبيل في الصوم، وباب «صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب» 7/ 219، 224.
ومالك في الموطأ كتاب «الصوم» «باب يصح صوم من أصبح جنبا» 1/ 289.(2/696)
(هذا موضع العصمة) (1)، وإنما معنى الآية: (قيل) (2) لهؤلاء الذين لا يخافون ما في معصية الله من العذاب العظيم.
الثاني: قوله عزّ وجلّ: {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (3)، قالوا: نسخ بآية السيف (4)، والصحيح أنها مكملة، وإنما أمر (5) صلّى الله عليه وسلّم بأن يخبر عن نفسه بذلك، والنبي صلّى الله عليه وسلّم داع ومبلغ وليس بوكيل على من أرسل إليه، ولا بحفيظ يحفظ أعماله.
الثالث: قوله عزّ وجلّ: {وَإِذََا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيََاتِنََا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [6]، حَتََّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إلى آخر الآية التي بعدها {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (7).
قالوا: نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ: {فَلََا} [8] تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتََّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (9).
وعند أهل التحقيق لا نسخ في هذا، لأن قوله عزّ وجلّ: {وَمََا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (10) خبر، أي ليس على من اتّقى المنكر من حساب (11) من ارتكبه
__________
(1) هكذا في الأصل: هذا موضع العصمة، وفي د وظ: هذا العصمة. وفي ظق: هذا مع العصمة، وهي الصواب.
(2) هكذا في الأصل: قيل، ولا معنى لها. وفي بقية النسخ: قل. وهو الصواب.
(3) الأنعام (66).
(4) حكاه النحاس ورده ص 168.
وحكاه كل من ابن سلامة ص 162، وابن البارزي ص 33والكرمي ص 104. وسكتوا عنه، وحكاه مكي وضعفه ص 281، وكذلك ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 324حيث ذكر قولين للعلماء في الآية، وقال: «أن الصحيح الأحكام، لأنه خبر والأخبار لا تنسخ» اه.
أما القرطبي، والخازن فقد حكيا القولين أعني النسخ والأحكام ولم يرجحا أحدهما على الآخر.
انظر: الجامع لأحكام القرآن 7/ 11. ولباب التأويل 2/ 119.
(5) في د وظ: إنما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(7) الآيتان 68، 69من سورة الأنعام.
(8) في الأصل (ولا تقعد) وهو خطأ في الآية الكريمة. وفي د وظ {فَلََا تَقْعُدْ} وهو أيضا خطأ.
(9) النساء (140) {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتََابِ أَنْ إِذََا سَمِعْتُمْ آيََاتِ اللََّهِ يُكْفَرُ بِهََا وَيُسْتَهْزَأُ بِهََا فَلََا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} الآية.
(10) الأنعام (69).
(11) في ظ: وقعت العبارة مضطربة.(2/697)
من شيء، إنما عليه أن ينهاه، ولا يقعد معه راضيا بقوله (1).
الرابع: قوله عزّ وجلّ: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} (2)، قالوا: (نسخ بآية السيف (3)، وهذا تهدّد ووعيد، ومثل هذا لا ينسخ) (4).
الخامس: {قُلِ} [5] اللََّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (6)، قالوا: نسخ بآية السيف (7)، والكلام فيه كالذي قبله.
السادس: قوله عزّ وجلّ: {وَمََا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} (8)، وهذا (9) كالذي تقدّم في (10) ذكر النسخ فيه والجواب عنه (11).
السابع: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (12)، قالوا: نسخ بآية السيف. وقد تقدّم القول في مثله (13).
__________
(1) وقد رد القول بالنسخ هنا كل من أبي جعفر النحاس، ومكي، وابن الجوزي، والقرطبي، والخازن. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 169، والإيضاح ص 282، ونواسخ القرآن ص 325، والجامع لأحكام القرآن 7/ 15، ولباب التأويل 2/ 120.
(2) الأنعام (70).
(3) الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 42، ولابن حزم ص 3، وابن سلامة ص 163، وتفسير الطبري 7/ 231والقرطبي 7/ 15، 17.
(4) وهذا ما اختاره النحاس، ومكي، وابن الجوزي، انظر: الناسخ والمنسوخ ص 170، والإيضاح ص 283، ونواسخ القرآن ص 327.
(5) في الأصل: (قال الله) وهو خطأ.
(6) الأنعام (91) ونصها: {وَمََا قَدَرُوا اللََّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قََالُوا مََا أَنْزَلَ اللََّهُ عَلى ََ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتََابَ الَّذِي جََاءَ بِهِ مُوسى ََ نُوراً وَهُدىً لِلنََّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرََاطِيسَ تُبْدُونَهََا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مََا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلََا آبََاؤُكُمْ قُلِ اللََّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.
(7) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 37، وابن سلامة ص 163، والإيضاح ص 283، ونواسخ القرآن ص 327، وتفسير القرطبي 7/ 38. وقد رجّح مكي، وابن الجوزي القول بالأحكام. انظر المصدرين السابقين.
(8) الأنعام (104) {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهََا وَمََا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}.
(9) في بقية النسخ: وهو.
(10) في د وظ: من ذكر.
(11) راجع الكلام على قوله تعالى {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} الموضع الثاني من هذه السورة ص:
697.
(12) الأنعام (102).
(13) وسيأتي أيضا في آخر الأنعام إن شاء الله رد المصنّف على الذين توسعوا في الكلام على النسخ،(2/698)
الثامن: قوله عزّ وجلّ: {وَمََا جَعَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (1)، قالوا: نسخ بآية السيف، وقد تقدّم القول (2) فيه في نظائره (3).
التاسع: قوله عزّ وجلّ: {وَلََا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ فَيَسُبُّوا اللََّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (4)، قالوا: نسخت بآية السيف (5)، قالوا: لأن الله عزّ وجلّ أمر بقتلهم، والقتل أغلظ وأشنع من السب، فهو داخل في جنب القتل، وذلك (أمر) (6) المشركين.
قالوا: لتنتهنّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجوّن ربّكم، فأمر الله المسلمين أن لا يسبّوا آلهتهم لئلا يسبّوا الله عزّ وجلّ، لأن المسلمين إذا علموا (7) أنهم يسبون الله عزّ وجلّ إذا سبّوا آلهتهم كانوا (بسبّ آلهتهم) (8) متسببين في سبّ الله عزّ وجلّ، فليس هذا نهيا عن سب آلهتهم، إنما هو في الحقيقة نهى عن سب الله عزّ وجلّ (9)، وفعل ما هو سبب له وذريعة
__________
وفتحوا الباب على مصراعيه، فجعلوا آية السيف ناسخة لمائة وأربع وعشرين آية، دون يقين منهم، وإنما هو الظن وعدم الفهم للآيات القرآنية.
هذا وقد ذكر مكي بن أبي طالب النسخ هنا عن ابن عباس. ثم قال: «وأكثر الناس على أنها محكمة، وأن المعنى: لا ينبسط إلى المشركين، من قولهم: أوليته عرض وجهي. وهذا المعنى لا يجوز أن ينسخ، لأنه لو نسخ لصار المعنى: انبسط إليهم وخالطهم، وهذا لا يؤمر به ولا يجوز أ.
هـ. الإيضاح ص 286.
وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 178عند آخر كلامه على سورة الأنعام.
(1) الأنعام (107).
(2) في بقية النسخ: قولنا فيه وفي نظائره. وهي الأصح.
(3) وانظر: نواسخ القرآن ص 328. ومما يؤكد أن الآية محكمة ما ذكره الطبري في معناها. حيث قال: «وإنما بعثتك إليهم رسولا مبلغا، ولم نبعثك حافظا عليهم ما هم عاملوه، وتحصى ذلك عليهم، فان ذلك إلينا دونك، ولست عليهم بقيم تقوم بأرزاقهم وأقواتهم، ولا بحفظهم فيما لم يجعل إليك حفظه من أمرهم» أأه.
جامع البيان 7/ 309.
(4) الأنعام (108).
(5) وممن قال ذلك ابن حزم ص 38، وابن سلامة ص 165، وابن البارزي ص 33، والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز 1/ 189، والكرمي في قلائد المرجان ص 106.
(6) هكذا في الأصل: أمر وفي بقية النسخ (أن) وهو الصواب.
(7) كلمة (علموا) ساقطة من ظ.
(8) سقط من الأصل: (بسب آلهتهم).
(9) من قوله: «فليس هذا نهيا» إلى هنا ساقط من ظ بانتقال النظر.(2/699)
إليه، وليست آية القتال من هذا في شيء، وهذا الحكم باق ولا يجوز أن يسبّ ما يسبّ الله عزّ وجلّ بسببه (1).
العاشر: قوله عزّ وجلّ: {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (2)، قال (3) عكرمة، وعطاء، ومكحول: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ} (4)، وهم لا يسمّون.
ويروى عن أبي الدرداء، وعبادة بن الصامت مثل ذلك (وأجاز أكل) (5) ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر عليها اسم الله عزّ وجلّ، وذهب جماعة إلى أن هذه الآية محكمة، ولا يجوز لنا أن نأكل من ذبائحهم إلّا ما ذكر اسم الله عليه، وروى ذلك عن (عليّ) (6)، وعائشة، وابن عمر رضي الله عنهم، وكذلك لو ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله لم يؤكل عندهم، إذا تعمّد ذلك، وقال بجواز الأكل جماعة من الأئمة، وتأولوا قوله عزّ وجلّ:
{وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} بالميتة، {وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} * (7) أي ما ذكر عليه اسم غير الله عزّ وجلّ، والآية على هذا أيضا محكمة.
وذهب قوم إلى أن قوله عزّ وجلّ: {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ}: يراد به ما ذبح للأصنام، وآية «المائدة» في ذبائح أهل الكتاب.
فالآيتان محكمتان في حكمين مختلفين، ولا نسخ بينهما (8).
__________
(1) والحقيقة أن القول بالنسخ هنا ضعيف، وأن قال به من قال ممن سبق ذكرهم، حيث لم يذكروا مستندهم في ذلك، وأيضا فإنه لا تعارض بين ما تحمله الآية في طياتها من النهي عن سب آلهتهم، وبين الأمر بقتالهم، حيث إن الآية التي في الأنعام لا يفهم منها ترك قتالهم، حتى يقال: إنها منسوخة بآية السيف.
قال ابن الجوزي: «ولا أرى هذه الآية منسوخة، بل يكره للإنسان أن يتعرض بما يوجب ذكر معبوده بسوء، أو نبيّه صلّى الله عليه وسلّم» اه نواسخ القرآن ص 329، وراجع تفسير القرطبي 7/ 61.
(2) الأنعام (121).
(3) (قال) في الأصل: مكررة.
(4) المائدة (5).
(5) جاءت العبارة في ت ود وظ هكذا: (وأجاز أكل) وفي ظق: (وأجازوا أكل) وهي الصواب.
(6) اسم (عليّ) ليس في الأصل. وكأن الناسخ أضافه في الحاشية، إلا أنه لم يظهر.
(7) المائدة (3). والنحل (115).
(8) انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 261.
قال الإمام الطبري بعد أن ساق الأقوال والأدلة عليها في هذه الآية: «والصواب من القول في(2/700)
وكره (1) مالك رحمه الله أكل ما ذبح الكتابيون، ولم يذكروا عليه اسم الله عزّ وجلّ، وما ذبحوه لكنائسهم، وما ذكروا عليه اسم المسيح، ولم يحرّم ذلك عملا بظاهر قوله عزّ وجلّ: {وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2).
وقد قال الله عزّ وجلّ: {وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} (3)، {وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} * (4).
وقال عطاء، ومكحول، وربيعة، وعبادة بن الصامت، ويروى عن أبي الدرداء:
(تؤكل وإن سمّوا عليها غير اسم الله تعالى، ولو سمعته يقول: باسم جرجس (5)! لأن الله عزّ وجلّ قد علم ذلك منهم وأباح لنا ذبائحهم (6)، والصحيح انتفاء النسخ في هذه
__________
ذلك عندنا، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت لم ينسخ منها شيء، وأن طعام أهل الكتاب حلال ذبائحهم ذكية سمّوا عليها أو لم يسموا لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب الله يدينون بأحكامها، يذبحون الذبائح بأديانهم كما ذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه اه.
جامع البيان 8/ 21. وراجع لباب لتأويل 2/ 147.
(1) في د وظ: بدون واو.
(2) انظره بنحوه في المدونة للإمام مالك 2/ 67.
وإنما كره مالك رحمه الله ما ذبح أهل الكتاب لأعيادهم وكنائسهم تورعا منه، خشية أن يكون داخلا فيما أهلّ لغير الله به، ولم يحرمه لأن معنى ما أهلّ لغير الله به عنده بالنسبة لأهل الكتاب إنما هو فيما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها، ولا يأكلونه، فأما ما يذبحونه ويأكلونه فهو من طعامهم، وقد قال تعالى: {وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ}، وهذه الفتوى من أظهر الأدلة على فقه الإمام مالك ودينه وورعه رحمه الله إذ لم يسارع إلى التحريم كما يفعل بعضهم اليوم، واكتفى بالقول بالكراهية، حيث وجد عمومين متعارضين: عموم ما أهلّ لغير الله به، وعموم طعام أهل الكتاب، وقد جمع بينهما.
انظر: الحلال والحرام في الإسلام ص 60.
(3) البقرة (173).
(4) تقدم عزوها قريبا.
(5) جرجيس: اسم نبي من الأنبياء عليهم السلام.
انظر: اللسان 6/ 37 (جرجس)، والقاموس 2/ 211.
(6) قال ابن قدامة: «قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم، قال:
لا بأس به، وإن ذبحها الكتابي وسمى الله وحده حلت أيضا، لأن شرط الحل وجد، وإن علم أنه ذكر اسم غير الله عليها، أو ترك التسمية عمدا لم تحل» قال حنبل: «سمعت أبا عبد الله قال: «لا يؤكل. يعني ما ذبح لأعيادهم وكنائسهم، لأنه أهلّ لغير الله به، وقال في موضع: «يدعون التسمية على عمد، إنما يذبحون للمسيح، فأما ما سوى ذلك، فرويت عن أحمد الكراهة فيما ذبح لكنائسهم وأعيادهم مطلقا، وهو قول ميمون بن مهران، لأنه ذبح لغير الله وروي عن أحمد إباحته، وسئل عنه العرباض بن سارية، فقال: «كلوا وأطعموني، وروي مثل ذلك عن أبي أمامة الباهلي: وأبي(2/701)
الآيات (1) (2).
الحادي عشر: {قُلْ يََا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى ََ مَكََانَتِكُمْ} (3).
الثاني عشر: {فَذَرْهُمْ وَمََا يَفْتَرُونَ} * (4).
الثالث عشر: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنََّا مُنْتَظِرُونَ} (5).
قالوا: نسخ جميع ذلك بآية السيف، وهذا تهديد ووعيد، وليس بمنسوخ بآية السيف (6).
__________
مسلم الخولاني، وأكله أبو الدرداء، وجبير بن نفير، ورخّص فيه عمرو بن الأسود، ومكحول وضمرة بن حبيب. لقول الله تعالى: {وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ}، وهذا من طعامهم، قال القاضي: «ما ذبحه الكتابي لعيده أو نجم أو صنم أو نبي فسماه على ذبيحته، حرم لقوله تعالى:
{وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} *، وإن سمى الله وحده، حل. لقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمََّا ذُكِرَ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ}، لكنه يكره لقصده بقلبه الذبح لغير الله أ. هـ. المغني 8/ 569. والذي ترجح عندي من كلام العلماء أنه إذا ذبح الكتابي، ولم نعلم منه أنه سمى غير اسم الله، فذبيحته حلال، وأما إذا علمنا أنه يسمى عند الذبح بغير اسم الله، فهو مما أهلّ به لغير الله فلا تحل. والله أعلم.
(1) في بقية النسخ: الآية.
(2) اعتمد الإمام السخاوي في كلامه على هذه الآية على ما كتبه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 2177. ومكي في الإيضاح ص 262261. فقد ابتدأ النحاس كلامه على هذه الآية بقوله:
«وفي هذه السورة شيء قد ذكره قوم، هو عن الناسخ والمنسوخ بمعزل، ولكنا نذكره ليكون الكتاب عام الفائدة الخ.
وراجع الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 38، وابن سلامة ص 167، والبغدادي ص 214، والإيضاح ص 286، وأحكام القرآن للجصاص الحنفي 2/ 322، ولابن العربي 2/ 748.
ونواسخ القرآن ص 329. وتفسير القرطبي 7/ 75فما بعدها، والدر المنثور 3/ 348.
(3) الأنعام (135).
(4) الأنعام (112)، (137).
(5) الأنعام (158).
(6) ذكر ابن حزم الموضع الحادي عشر، والثاني عشر فقط، وقال: «أنهما منسوخان بآية السيف» ص 38، وكذلك الكرمي في قلائد المرجان ص 106، 108، وذكر ابن سلامة المواضع الثلاثة المذكورة. وقال: «أنها منسوخة بآية السيف، إلا قوله عزّ وجلّ: {فَذَرْهُمْ وَمََا يَفْتَرُونَ} * فحكي فيه» الخلاف ص 168، وحكي ابن الجوزي في هذه الآيات الثلاث القولين أعني القول بالنسخ والأحكام. وصحح الأحكام في الموضع الحادي عشر، وسكت عن الموضعين الثاني عشر، والثالث عشر، لأنه قد سبق له أن ناقش مثلهما ورجح الأحكام في ذلك.
انظر: نواسخ القرآن ص 331329. وراجع ص 327من المصدر نفسه.(2/702)
الرابع عشر: قوله عزّ وجلّ: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ} (1) الآية.
قال قوم: هي منسوخة بما حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (2) والآية محكمة، وحكمها باق، وما حرمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضموم إلى ما حرّمته الآية.
وقال قوم: إنها (3) محكمة، وهي جواب قوم سألوا عما ذكر فيها، والذي حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضموم إليها (4).
وقال سعيد بن جبير، والشعبي: هي محكمة، وأكل لحوم الحمر جائز (5)، وإنما حرمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الوقت لعلة ولعذر، قالا: وذلك أنها تأكل القذر.
مع ما أنه (6) صلّى الله عليه وسلّم لم يحرّمه وإنما كرهه (7).
وأقول والله أعلم: أن الآية محكمة، ومعنى قوله عزّ وجلّ {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا}
__________
(1) الأنعام (145). {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} الآية.
(2) قال النحاس: «قالت طائفة: «هي منسوخة، لأنه وجب منها أي الآية أن لا محرّم إلا ما قبلها، فلما حرم النبي صلّى الله عليه وسلّم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، نسخت هذه الأشياء منها، وهذا غير جائز، لأن الأخبار لا تنسخ» أ. هـ من الناسخ والمنسوخ ص 175. وراجع صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 9/ 657653، وأحكام القرآن لابن العربي 2/ 768764.
(3) في بقية النسخ: هي محكمة.
(4) واستحسن هذا القول النحاس وصححه. قال: «وكل ما حرمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضموم إليها، لأنها إذا كانت جوابا فقد أجيبوا عما سألوا عنه، وثم محرمات لم يسألوا عنها، فهي محرّمة بحالها والدليل على أنها جواب، أن قبلها: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}، وهذا مذهب الشافعي» أ. هـ بتصرف يسير من الناسخ والمنسوخ ص 176.
(5) في د وظ: جائزة.
(6) هكذا في النسخ. ويظهر أن العبارة غير مستقيمة، ولعلّ الصواب (مع أنه) بدون (ما). والله أعلم.
(7) اعتمد الإمام السخاوي في كلامه على هذه الآية على ما كتبه مكي بن أبي طالب في الإيضاح. فانظره بنصه أو قريب منه ص 289288. هذا. وقد ساق النحاس الأحاديث المسندة والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في هذه المسألة، ثم قال: وهذه الأحاديث كلها تعارض سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثابتة عنه إلى أن قال: «والذي تأوله سعيد بن جبير يخالف فيه ومع هذا فليس أحد له مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجة أ. هـ الناسخ والمنسوخ ص 176.(2/703)
{أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}: أي لا أجد محرما مما حرمتموه مما ذكر قبلها، إلّا ما كان من ذلك ميتة أو دما مسفوحا (1).
الخامس عشر: قوله عزّ وجلّ: {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2)، قالوا: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (3)، وليست بمنسوخة، وإنّما النهي أن يقرب مال اليتيم بغير الحسنى، والمخالطة: داخلة في قوله عزّ وجلّ: {إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4).
السادس عشر: قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمََا أَمْرُهُمْ إِلَى اللََّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمََا كََانُوا يَفْعَلُونَ} (5).
قال السدي: نسختها آية السيف (6).
__________
(1) أخرج هذا المعنى الطبري بسنده عن طاوس. جامع البيان 8/ 69. وعزاه ابن الجوزي إلى طاوس، ومجاهد. نواسخ القرآن ص 335، قال ابن حجر: وعن بعضهم أن آية الأنعام خاصة ببهيمة الأنعام، لأنه تقدم قبلها حكاية عن الجاهلية، أنهم كانوا يحرمون أشياء من الأزواج الثمانية بآرائهم، فنزلت الآية: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} أي من المذكورات، إلا الميتة منها والدم المسفوح، ولا يرد كون لحم الخنزير ذكر معها، لأنها قرنت به علة تحريمه، وهو كونه «رجسا»، ونقل إمام الحرمين عن الشافعي أنه يقول بخصوص السبب، إذا ورد في مثل هذه القصة، لأنه لم يجعل الآية حاصرة لما يحرم من المأكولات مع ورود صيغة العموم فيها، وذلك أنها وردت في الكفار الذين يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به، ويحرمون كثيرا مما أباحه الشرع، فكان الغرض من الآية إبانة حالهم، وأنهم يضادون الحق، فكأنه قيل: لا حرام إلا ما حللتموه مبالغة في الرد عليهم أ. هـ فتح الباري 9/ 657.
(2) الأنعام: (152).
(3) البقرة: (220). {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ قُلْ إِصْلََاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ}
الآية.
(4) انظر: الإيضاح: ص 289.
(5) الأنعام (159).
(6) ذكره ابن الجوزي عن السدي. نواسخ القرآن ص 337.
وذكره ابن حزم، وابن البارزي، والفيروزآبادي، والكرمي دون عزو، الناسخ والمنسوخ ص 38، وناسخ القرآن العزيز ومنسوخه ص 33، وبصائر ذوي التمييز 1/ 189، وقلائد المرجان ص 108، ورواه النحاس بسنده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.
الناسخ والمنسوخ ص 179.
وقد سبق أن جويبر هذا ضعيف سيّئ الحفظ، ولذلك قال النحاس: «أن هذا من الناسخ والمنسوخ بمعزل» أ. هـ.(2/704)
وليست آية السيف والأمر بالقتال معارضا لما في هذه الآية. ومعنى (لست منهم في شيء): أي من السؤال عن تفرقتهم، ومعنى تفرقة الدين: اختلافهم فيه. وقيل: إنّما أمرهم في المجازاة إلى الله عزّ وجلّ، فعلى هذا هي محكمة.
وقيل: إنّما هو خبر من الله عزّ وجلّ لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم عمن يحدث في دينه من بعده من (1) أمته، أو يكفر (2).
وقد جعلوا آية السيف ناسخة لمائة وأربع وعشرين آية (3)، وليس ذلك عن يقين منهم، وإنما يظنون إذا سمعوا أمر الله سبحانه لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم (وللمؤمنين) (4) بالصبر وترك الاستعجال ظنّوا أن ذلك منسوخا بآية القتال، وإنما يكون منسوخا بآية القتال النهي عن القتال، وإنما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يشكو إلى الله ما يلاقيه من أذى المشركين، فيأمره بالصبر، ويعده بالنصر، ويقص عليه أنباء الرسل، وما صبروا عليه من الأذى في ذات الله عزّ وجلّ، (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) (5)، ولم ينسخ بآية السيف شيء من ذلك، ولا يحل أن يقال بالظن هذا ناسخ لكذا، ولا هذا منسوخ بكذا (6)، ولو كان هذا الناسخ والمنسوخ مقطوعا به، لم يقع فيه اختلاف، كيف؟ وهذا يقول في الآية: منسوخة، ويقول الآخر: بل هي محكمة!.
__________
(1) في د وظ: في أمته.
(2) قال الإمام الطبري بعد أن حكى الأقوال في هذه الآية: «والصواب من القول في ذلك أن يقال:
«إن قوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} إعلام من الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه بريء، ومن الأحزاب من مشركي قومه، ومن اليهود والنصارى، وليس في إعلامه ذلك ما يوجب أن يكون نهاه عن قتالهم، لأنه غير محال أن يقال في الكلام: لست من دين اليهود والنصارى في شيء فقاتلهم، فإنّ أمرهم إلى الله في أن يتفضل على من شاء منهم فيتوب عليه، ويهلك من أراد إهلاكه منهم كافرا، فيقبض روحه، أو يقتله بيدك على كفره، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون عند مقدمهم عليه ولم يكن في الآية دليل واضح على أنها منسوخة أه.
جامع البيان 8/ 106، وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 179178.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 12، وابن سلامة ص 169، 184، والإتقان 3/ 69، وقلائد المرجان ص 116.
وقد سردها ابن حزم مبتدئا بسورة البقرة ومنتهيا بسورة «الكافرون».
(4) كلمة (وللمؤمنين) سقطت من الأصل. وفي د وظ: «والمؤمنين».
(5) هود: (120).
(6) وقعت العبارة مضطربة في ت.(2/705)
ثم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن قادرا على القتال. فكيف ينهى عنه؟!. وكيف يقال للعاجز عن القيام: لا تقم؟!. وإنّما هذا كالفقير يؤمر بالصبر على الفقر، فإذا استغنى، وجبت عليه الزكاة، فوجوب الزكاة لا (1) يعارض الصبر فيكون ناسخا له، والنسخ إنّما هو: رفع حكم الخطاب الثابت بخطاب آت بعده، لولاه لكان ثابتا وهذا واضح.
فإن قيل: فما تصنع فيما يروى عن السلف رضي الله عنهم كابن عباس وغيره، فقد أطلقوا على هذا (2) النسخ؟.
قلت: لم يريدوا بالنسخ ما حدّدناه به، إنما كانوا (3) يسمّون (4) ما يغير الأحوال نسخا.
__________
(1) في ظ وظق: لم يعارض.
(2) في بقية النسخ: على ذلك.
(3) كلمة (كانوا) ساقطة من د وظ.
(4) في ظق: يسموا.(2/706)
سورة الأعراف
قالوا: فيها موضعان:
الأول: قوله عزّ وجلّ: {وَأُمْلِي لَهُمْ} (1)، قالوا: نسخ بآية السيف، وهذا خطأ ظاهر (2).
الثاني (3): قوله عزّ وجلّ: {خُذِ الْعَفْوَ} (4) الآية.
قالوا: هي من أعجب الآيات، أولها منسوخ وآخرها منسوخ وأوسطها محكم (5).
قالوا: قوله عزّ وجلّ: {خُذِ الْعَفْوَ} منسوخ بالزكاة.
وقال ابن زيد: منسوخ بآية السيف بالأمر بالغلظة والقتال. اه والصحيح أنها محكمة.
وقال (6) مجاهد: العفو: يعنى به الزكاة، لأنها قليل من كثير (7).
__________
(1) الأعراف (183).
(2) ذكر النسخ هنا ابن سلامة ص 170، وابن البارزي ص 34، ورده ابن الجوزي. وقال: «هذا قول لا يلتفت إليه» أ. هـ. نواسخ القرآن ص 340.
(3) في بقية النسخ: والثاني بالواو.
(4) الأعراف (199). {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ}.
(5) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 38، وابن سلامة ص 170، وزاد المسير 3/ 308، والبرهان 2/ 41، والإتقان 3/ 69، وقلائد المرجان ص 110.
(6) في بقية النسخ: قال. بدون واو.
(7) قال القرطبي: «وفيه بعد لأنه من عفا، إذ درس» أ. هـ. الجامع لأحكام القرآن 7/ 346.(2/707)
وقال (1) سالم والقاسم: هي محكمة، والمراد بالعفو: غير الزكاة، وهو ما كان عن ظهر غني، وذلك على الندب.
وقال عروة بن الزبير وأخوه عبد الله: هي محكمة، والعفو: من أخلاق الناس (2).
وقال ابن زيد: (وأعرض عن الجاهلين) منسوخة بآية السيف. اه وليس كما قال (3).
قال العلماء: أعرض عن مودتهم والانبساط إليهم في المجالسة والمخالطة (4)، وهذا لا ينسخ (5).
__________
(1) أما سالم: فهو ابن عبد الله بن عمر سبقت ترجمته. وأما القاسم: فهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق التميمي، ثقة، فاضل، أحد الفقهاء في المدينة، مات سنة 106هـ على الصحيح.
التقريب 2/ 120.
(2) قال النحاس: «وهذا أولى ما قيل ما في الآية، لصحة اسناده، وأنه عن صحابي خبير بنزول الآية، وإذا جاء الشيء هذا المجيء لم يسع أحدا مخالفته، والمعنى عليه: خذ العفو، أي السهل من أخلاق الناس، ولا تغلظ عليهم، ولا تعنف بهم، وكذا كانت أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه ما لقى أحدا بمكروه في وجهه، ولا ضرب أحدا بيده أ. هـ ص 180.
(3) بل الصحيح أنها محكمة. انظر: الإيضاح ص 293، ونواسخ القرآن ص 342، وتفسير القرطبي 7/ 347.
(4) لكن المعنى القريب للآية، والمتبادر إلى الذهن: أي إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف، فجهلوا عليك، فأعرض عنهم، صيانة له عليهم، ورفعا لقدره عن مجاوبتهم، {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً}. انظر: تفسير القرطبي 7/ 346.
(5) انظر ما كتبه مكي في الإيضاح ص 293291، حول هذه الآية تجد أن السخاوي اعتمد عليه مع تصرف في بعض العبارات فقط، وراجع تفسير الطبري 9/ 153، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 181179. ففيهما أيضا كل الأقوال التي ذكرها السخاوي معزوة إلى أصحابها.
وراجع أيضا نواسخ القرآن ص 340، وزاد المسير 3/ 307.(2/708)
سورة الأنفال
فيها (تسع) (1) مواضع:
الأول: قوله عزّ وجلّ: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} (2)، نزلت في غنائم بدر، روى أنهم سألوه عنها، لمن هي (3)؟، وروى أنهم سألوها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (4).
والأنفال: جمع نفل (5)، والنفل هاهنا: العطية، سميت بذلك لأنها تفضل من الله عزّ وجلّ (وعطية) (6) لهذه الأمة، لم يحلّها (7) لمن كان قبلهم (8).
وقيل: أراد بالأنفال: الزيادات التي يزيدها الإمام لمن شاء في مصلحة المسلمين (9).
__________
(1) هكذا في الأصل ود وظ: تسع. وفي ظق: تسعة. وهو الصواب.
(2) الآية الأولى من سورة الأنفال. {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ} الآية.
(3) قال الطبري: «قال بعضهم: هي الغنائم. وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر لمن هي؟ فقل: هي لله ولرسوله» أ. هـ. جامع البيان 9/ 168.
(4) أخرجه الطبري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. جامع البيان 9/ 175. وزاد السيوطي نسبته إلى ابن مردويه. الدر المنثور 4/ 6.
(5) بفتح الفاء والنون.
(6) في بقية النسخ: وعطية لهذه الأمة.
(7) في د وظ: لم يجعلها.
(8) انظر: تفسير القرطبي 7/ 361، وابن كثير 2/ 184، ولسان العرب 11/ 670 (نفل).
(9) وهذا ما رجّحه الطبري في جامع البيان 9/ 171. وذكره النحاس ضمن الأقوال التي قيلت في الآية ص 183.(2/709)
وقيل: الأنفال: ما شذّ من العدو من عبد أو دابة، للإمام أن يعطي ذلك لمن شاء (1).
وقال مجاهد: الأنفال: الخمس (2).
فذهب (قوم) (3) ممن قال: الأنفال الغنيمة إلى أنها منسوخة بقوله عزّ وجلّ:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} (4).
وذهب قوم (منهم) (5) إلى أنها محكمة، والحكم في الغنيمة أنها لله ولرسوله.
وقيل: إن أولى القوة غنموا يوم بدر أكثر من غيرهم (فرأوا) (6) أنهم أحق بما غنموه، فنزلت (7).
__________
(1) أخرجه ابن جرير، والنحاس عن عطاء. جامع البيان 9/ 169، والناسخ والمنسوخ ص 184، وزاد السيوطي نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ. كلهم عن عطاء. الدر المنثور 4/ 9. وعزاه مكي إلى عطاء، والحسن. انظر: الإيضاح ص 296.
قال ابن كثير: «وهذا يقتضي أي قول عطاء بن أبي رباح أنه فسر الأنفال بالفيء، وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال». أ. هـ من تفسيره 2/ 283.
(2) ذكره النحاس عن مجاهد في رواية ابن نجيح عنه. الناسخ والمنسوخ ص 184، وانظر: الإيضاح ص 296.
(3) في بقية النسخ: فذهب قوم ممن قال الخ.
(4) الأنفال: (41). {فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الآية.
وقد روى النسخ ابن جرير بأسانيده عن مجاهد، وعكرمة، والسدي جامع البيان 9/ 175، ورواه أبو عبيد عن ابن عباس، ومجاهد. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 465، 466، وراجع الدر المنثور 4/ 8، والإيضاح ص 295، وتفسير ابن كثير 2/ 184، قال النحاس: «للعلماء في هذه الآية أقوال، وأكثرهم على أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ} الآية.
وقد احتج هؤلاء بأنها لما كانت من أوّل ما نزل بالمدينة من قبل أن يؤمر بتخميس الغنائم، وكان الأمر في الغنائم كلها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وجب أن تكون منسوخة بجعل الغنائم حيث جعلها الله قائلو هذا القول يقولون: الأنفال هاهنا: الغنائم وممن روي عنه هذا القول ابن عباس، وهو قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك والشعبي، والسدي، وأكثر الفقهاء» انتهى بتصرف يسير واختصار من الناسخ والمنسوخ ص 181، 182.
وسيأتي قريبا إن شاء الله أن الراجح خلاف هذا، وأن الآية محكمة.
(5) كلمة (منهم) مبتورة في الأصل.
(6) كلمة (فرأوا) ساقطة من الأصل.
(7) راجع الآثار في ذلك عند الطبري 9/ 171، وابن كثير 2/ 284. والسيوطي في الدر 4/ 6.(2/710)
وقيل: كانوا ثلاث فرق، فرقة اتبعت العدو، وفرقة حازت الغنائم، وفرقة لزمت النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقالت كل فرقة: نحن أحق بالغنيمة، فنزلت، أي الأنفال لله والرسول، أي الحكم فيها لله والرسول، لا لكم (1).
ومن قال: الأنفال غير الغنيمة على ما سبق قال: هي محكمة لا غير (والقضايا) (2) بأنها محكمة ظاهر (3).
وقول (4) مجاهد: الأنفال: الخمس، جمع بين الآيتين، فيكون {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ} مفسّرة لقوله عزّ وجلّ: {قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ} (5).
الثاني: قوله عزّ وجلّ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} (6) الآية، قالوا: نسخها قوله عزّ وجلّ: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتََالِ} (7) الآيتين.
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي 7/ 360، وابن كثير 2/ 283، والدر المنثور 4/ 5.
(2) هكذا في الأصل: والقضايا. والصواب: والقضاء.
(3) وهذا هو المتبادر إلى الذهن من الآيتين، إذ لا تعارض بينهما ولا داعي للقول بالنسخ هنا، حيث إن الآية الثانية {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ} جاءت مبينة ومفصلة لما أجملته الآية التي في أول السورة فقد بينت الآية الأولى أن حكم الأنفال لله ولرسوله يحكمان فيها (وقد تولى). سبحانه الحكم فيها بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الآية، وأنها توزع أخماسا، ويؤخذ منها خمس واحد للذين ذكروا في هذه الآية، ويبقى الأخماس الأربعة، هي حق للغانمين تقسّم عليهم للرجل سهم، وللفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وله عليه الصلاة والسلام أن ينفل من الغنائم ما شاء لمن يشاء لأسباب يراها والله أعلم.
راجع تفسير الطبري 9/ 176، والناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 121، والإيضاح لمكي ص 295.
قال ابن الجوزي وهو يناقش الأقوال في هذه الآية، ودعوى النسخ فيها: والعجب ممن يدعي أنها منسوخة، فإن عامة ما تضمنت أن الأنفال لله والرسول، والمعنى: أنهما يحكمان فيها، وقد وقع الحكم فيها بما تضمنته آية الخمس، وأن أريد أن الأمر بنفل الجيش ما أراد، فهذا حكم باق، فلا يتوجه النسخ بحال، ولا يجوز أن يقال عن آية إنها منسوخة إلّا أن يرفع حكمها، وحكم هذه ما رفع، فكيف يدّعي النسخ؟ أهـ. نواسخ القرآن ص 344.
(4) في د وظ: بدون واو.
(5) انظر: الإيضاح ص 296.
(6) الأنفال (16). {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ فَقَدْ بََاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ}.
(7) الأنفال (65، 66).(2/711)
قالوا: فأطلق (1) في هاتين الآيتين أن يفرّوا ممن هو أكثر من هذا العدد (2).
وقال الحسن: ليس الفرار من الزحف من الكبائر، والآية في أهل بدر خاصة (3).
وقال ابن عباس: هي محكمة، وحكمها باق إلى يوم القيامة، والفرار من الزحف من الكبائر (4).
وأكثر العلماء على ذلك، وأيضا فهي خبر، والخبر لا ينسخ (5).
الثالث: قوله عزّ وجلّ: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (6).
قالوا: هي (7) منسوخة بما بعدها، {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} (8) (9)، وليس كما
__________
(1) في ظق: وأطلق.
(2) روي دعوى النسخ هنا عن عطاء بن أبي رباح، كما في جامع البيان للطبري 9/ 203، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 184، والإيضاح ص 297، وانظر: الدر المنثور 4/ 38. وراجع كلام ابن حزم الظاهري في الجمع بين هذه الآيات في الأحكام في أصول الأحكام 4/ 91، 92.
(3) أخرجه الطبري، والنحاس عن الحسن. جامع البيان 9/ 202، والناسخ والمنسوخ ص 184، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ.
انظر: الدر المنثور 4/ 37، وراجع الإيضاح ص 297.
قال ابن الجوزي: «وقد ذهب قوم منهم ابن عباس، وأبو سعيد الخدري والحسن، وابن جبير، وقتادة، والضحاك. إلى أنها في أهل بدر خاصة» أ. هـ نواسخ القرآن ص 344.
(4) أخرجه الطبري، والنحاس. انظر: جامع البيان 9/ 203، والناسخ والمنسوخ ص 185، وانظر: الإيضاح ص 197.
(5) وهذا هو الصحيح، وهو الذي مال إليه ابن جرير الطبري، والنحاس ومكي، وابن الجوزي، والقرطبي. انظر: جامع البيان 9/ 203، والناسخ والمنسوخ ص 185، والإيضاح ص 297، ونواسخ القرآن ص 346، والجامع لأحكام القرآن 7/ 382.
قال النحاس بعد أن روى الأحكام عن ابن عباس: «وهذا أولى ما قيل فيه، ولا يجوز أن تكون منسوخة، لأنه خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد أ. هـ. قال مكي:
«وعليه أهل النظر والفهم» أ. هـ. انظر المصدرين السابقين.
(6) الأنفال (33).
(7) (هي) ساقطة من ظ.
(8) الأنفال (34). {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ وَمََا كََانُوا أَوْلِيََاءَهُ}.
(9) دعوى النسخ هنا مروية عن عكرمة، والحسن. كما في جامع البيان 9/ 238، وزاد السيوطي نسبتها(2/712)
قالوا، والسورة مدنية، ذكر فيها ما فعلوه بمكة، فقيل: إنما منعهم من (الإنزال) (1)
العذاب بهم في ذلك الوقت أنك كنت فيهم، وما عذّب الله قوما (2) إلّا بعد إخراج نبيّهم من بينهم، فالعذاب لا ينزل مع حالين: إحداهما (3): أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم بين القوم أو يستغفرون ويتوبون، وهؤلاء ما استغفروا ولا تابوا، ولا نبيّهم بينهم، فما لهم أن لا يعذبهم الله؟.
وعبّر عن إخراج النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن ترك التوبة والاستغفار بقوله: «وهم يصدون عن المسجد الحرام» وصدّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المسجد الحرام وتركهم الاستغفار:
مفهوم من قوله عزّ وجلّ: {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} لأنهم لو آمنوا واستغفروا لما صدّوا عنه، وما صدّوه عن المسجد الحرام، إلّا بعد خروجه من بينهم، فكأنه قيل:
{وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} ولست بين ظهرانيهم، وليسوا بمستغفرين ولا تائبين (4).
الرابع: قوله عزّ وجلّ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (5)، قالوا: هو منسوخ بآية السيف (6)، وليس كذلك، إنما أمره الله بدعوتهم إلى الإسلام،
__________
إلى ابن أبي حاتم. الدر المنثور 4/ 57، ورواه ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنهما ورده. نواسخ القرآن ص 346، وذكره النحاس عن الحسن ورده، وكذلك مكي. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 186، والإيضاح ص 298.
(1) هكذا في الأصل: من الإنزال. وفي بقية النسخ: من إنزال. وهو الصواب.
(2) في بقية النسخ: وما عذب الله أمة من الأمم الخ.
(3) في د وظ: أحدهما.
(4) قال الإمام الطبري مؤيدا لأحكام الآية ومفندا للقول بالنسخ: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: تأويله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرون عليه، فهم للعذاب مستحقون «إلى أن قال: «ولا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بالآية التي بعدها، لأنه خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي» أ. هـ. جامع البيان 9/ 238.
وكذلك رد دعوى النسخ النحاس ص 186، ومكي ص 298، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 346.
(5) الأنفال (38).
(6) قال ابن حزم: «منسوخة بقوله تعالى: {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} * الآية 39من سورة الأنفال، والآية 193من سورة البقرة. الناسخ والمنسوخ ص 39. وكذلك قال ابن سلامة ص 181، وابن البارزي ص 34. والفيروزآبادي 1/ 224، والكرمي ص 113.(2/713)
ووعدهم الغفران على ترك الكفر، والهلاك إن عادوا إلى قتاله (1).
وإنه يفعل بهم ما فعل بالأولين، وهم الذين قتلوا يوم بدر (2).
الخامس: قوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهََا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ} (3)، قيل: نزلت في اليهود، ثم نسخت بقوله عزّ وجلّ: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ} [4] وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله عزّ وجلّ: {حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صََاغِرُونَ} (5) (6)، وليس هذا بنسخ، لأن إعطاء الجزية ميل إلى السلم.
وقال قتادة: نسخها: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (7) ولا هذا أيضا، لأن هذا محمول على من لم يكن بيننا وبينهم صلح (8).
__________
(1) في د: إلى قاله!.
(2) راجع تفسير الطبري 9/ 247.
(3) الأنفال (61).
(4) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(5) التوبة (29). {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلََا يُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ وَرَسُولُهُ، وَلََا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}.
(6) أخرجه أبو عبيد عن ابن عباس، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كلهم عن ابن عباس.
الناسخ والمنسوخ ص 424، والدر 4/ 99، ورواه ابن جرير عن عكرمة، والحسن. جامع البيان 10/ 34، وقال به ابن حزم في الناسخ والمنسوخ ص 39. وحكاه مكي دون عزو. انظر الإيضاح ص 300.
(7) التوبة: (5). وهي الآية التي تسمى بآية السيف، وانظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 42، وللنحاس ص 188، وتفسير الطبري 10/ 34، والإيضاح ص 300، وقلائد المرجان ص 113، وتفسير الخازن 3/ 39، وبهامشه معالم التنزيل، وانظر كذلك: الدر المنثور 4/ 99، وتفسير القرطبي 8/ 39، 40.
(8) قال الطبري مفندا لدعوى النسخ المروية عن قتادة: «فأمّا ما قاله قتادة، ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة. فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة، ولا فطرة عقل، فالناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه، فأمّا ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا، وآية (براءة) غير ناف حكمها آية (الأنفال)، لأن آية الأنفال إنما عنى بها بنو قريظة، وكانوا يهودا أهل كتاب، وقد أذن الله جلّ ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب، ومتاركتهم الحرب، على أخذ الجزية منهم، وأما آية (براءة) فإنما عنى بها مشركوا العرب من عبدة الأوثان الذين لا يجوز قبول الجزية منهم، فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه» أ. هـ ببعض الاختصار من جامع البيان 10/ 34.(2/714)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما نسخها: (1) {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} (2).
وقيل في الجواب عنه: (وإنما) (3) أمره في سورة (الأنفال) بالصلح إن جنحوا إليه، وابتدءوا بطلبه، وفي سورة (القتال) نهاه أن يكون هو المبتدئ بالصلح.
فالآية محكمة، (ليس) (4) ما في (القتال) بناسخ لها (5).
السادس: قوله عزّ وجلّ: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتََالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (6).
فأوجب الله عزّ وجلّ على الواحد أن يقف لعشرة من الكفّار، قال ابن عباس:
وكان هذا (و) (7) العدد قليل، فلمّا كثروا، نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ} إلى قوله سبحانه: {وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ} (8) (9).
__________
(1) وكتبت الآية في النسخ بالواو. وهو خطأ.
(2) سورة محمد: صلّى الله عليه وسلّم (35).
وذكر هذا عن ابن عباس: النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 188، ومكي في الإيضاح ص 300. وأخرجه أبو الشيخ عن السدي كما في الدر المنثور 4/ 98.
(3) هكذا في الأصل: وإنما. وفي بقية النسخ: إنما. وهو الصواب.
(4) هكذا في الأصل: ليس. بدون واو. وفي بقية النسخ: وليس. وهو الصواب.
(5) انظر: الإيضاح ص 300، وهنا يحسن أن أنقل ما ذكره الخازن أثناء حديثه عن هذه الآية {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ}. حيث يقول: قيل: إن الآية تتضمن الأمر بالصلح إذا كان فيه مصلحة ظاهرة، فإن رأى الإمام أن يصالح أعداءه من الكفار وفيه قوة فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة، وإن كانت القوة للمشركين جاز أن يهادنهم عشر سنين، ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.
فإنه صالح أهل مكة مدة عشرة سنين، ثم إنهم نقضوا العهد قبل انقضاء المدة أ. هـ. من تفسيره 3/ 39. وراجع الوجيز لأبي حامد الغزالي 2/ 204.
(6) الأنفال (65).
(7) سقطت الواو من الأصل، فأحدث اشكالا في خبر كان. وفي بقية النسخ: وكان هذا والعدد قليل.
(8) الأنفال (66). {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صََابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ}.
(9) أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص 422، ورواه ابن جرير الطبري، والنحاس، وابن الجوزي عن ابن عباس. جامع البيان 10/ 39، والناسخ والمنسوخ ص 189، نواسخ القرآن ص 351، وذكره البغدادي في الناسخ والمنسوخ ص 140، لكن لم يصرح الطبري والنحاس بذكر النسخ، وإنما فيهما التخفيف، والمعنى متقارب، باعتبار أن التخفيف نسخ. وراجع الدر المنثور 4/ 102فما بعدها.(2/715)
ولا شك في أن هذه منسوخة بهذه، وأما من قال: ليس هذا بنسخ، وإنما هو تخفيف ونقص من العدد (1)، وحق الناسخ أن يرفع حكم المنسوخ كله، ولم يرتفع، وهي باقية على حكمها، لأن من وقف لعشرة فأكثر، فهو مثاب مأجور، وليس (2) ذلك بمحرّم عليه: فإنه عن المعرفة بمعزل، لأن الوقوف للعشرة كان واجبا فرضا على الواحد، وليس هو الآن بواجب، فقد ارتفع ذلك الحكم كله ونسخ (3).
السابع: قوله عزّ وجلّ: ما (4) كان لنبي أن تكون (5) له أسرى حتى يثخن في الأرض (6).
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها منسوخة بقوله عزّ وجلّ {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (7)، ومكان ابن عباس من العلم يجل عن هذا، وهل هذا إلّا عتاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، لما أسر أهل بدر ولم يقتلهم وقبل منهم الفداء؟!.
__________
(1) في بقية النسخ: ونقص من العدة.
(2) في بقية النسخ: ليس. بدون واو.
(3) انظر: الإيضاح ص 300، 301. وكان مكي قد تحدث عن هذا تحت عنوان باب «بيان شروط الناسخ والمنسوخ». قال: ومن شروطه: أنه يجوز أن ينسخ الأثقل بالأخف أ. هـ. من المصدر نفسه ص 110. وقد اكتفى كثير من العلماء بالقول بالنسخ دون ذكر للأحكام، منهم ابن حزم الأنصاري ص 39، وابن سلامة ص 177، وابن البارزي ص 35، والسيوطي في الاتقان 3/ 67، والخازن في تفسيره 3/ 40، وابن كثير 2/ 324. وحكي الزرقاني القولين، وانتصر للقول بالنسخ. مناهل العرفان 2/ 266.
(4) في الأصل: (وما كان) خطأ.
(5) في النسخ هكذا بالتاء. وهي قراءة أبي عمرو البصري، وقرأ باقي السبعة بالياء. الكشف 1/ 495، والنشر 2/ 277.
(6) الأنفال (67).
(7) سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم (4). {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ حَتََّى إِذََا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثََاقَ فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} الآية.
وقد روى هذا القول النحاس بإسناده عن ابن عباس، ونسبه ابن الجوزي إلى ابن عباس، ومجاهد في آخرين، وذكره مكي عن ابن عباس انظر: الناسخ والمنسوخ ص 190، ونواسخ القرآن ص 352، والإيضاح ص 301. ورواه أبو عبيد عن السدي. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 451. قلت: وما رواه النحاس مسندا إلى ابن عباس، فأحد رجال السند بكر بن سهل الدمياطي. قال النسائي: «ضعيف». انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 346. وبكر هذا روى عن عبد الله بن صالح (أبو صالح المصري)، قال ابن حجر: «صدوق، كثير الغلط». التقريب 1/ 423.(2/716)
ولو كان هذا تحريما ومنعا لم يجز أن يأخذ (1) الفداء، ولقتلهم وقت نزول هذه الآية، ولرجع عن قبوله، وقد قال عزّ وجلّ: {فَكُلُوا مِمََّا غَنِمْتُمْ حَلََالًا} (2)، قيل: أراد الفداء، لأنه من جملة الغنائم، على أن هذه الآية قد أباحت المن وقبول الفداء بعد الإثخان، وآية القتال نزلت بعد الإثخان، فهما في معنى واحد، ولا نسخ (3).
الثامن: قوله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا} (4).
واختلف (5) في تفسير هذا. فقيل: معناه: ما لكم من ميراثهم من شيء حتى يهاجروا، أي أنهم لمّا لم يهاجروا لم يتوارثوا، فلا ميراث بين المسلم المهاجر والمسلم الذي لم يهاجر، ثم نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ: {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهََاجِرِينَ} (6)، أي أولى بميراث بعض (7).
وقيل: كان المسلمون المهاجرون والأنصار يتوارثون، يرث بعضهم بعضا، وقيل لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، ولا يرث المؤمن الذي لم يهاجر، من قريبه المهاجر شيئا، فنسخ ذلك بقوله (8) عزّ وجل: {وَ} [9] أُولُوا الْأَرْحََامِ (10) بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ (11)،
__________
(1) في ظ: أن يأخذوا.
(2) الأنفال (69).
(3) وهذا هو الصحيح، وهو ما رجحه أبو عبيد، والنحاس، ومكي، وابن الجوزي انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 456، والنحاس ص 190، والإيضاح ص 302، ونواسخ القرآن ص 352.
(4) الأنفال (72).
(5) في بقية النسخ: اهتلف.
(6) الأحزاب (6).
(7) أخرجه الطبري عن ابن عباس. جامع البيان 10/ 52. وانظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 43، وابن حزم ص 39، والنحاس ص 191والإيضاح لمكي ص 305.
قال مكي: فذكر هذه الآية على قول قتادة في الناسخ والمنسوخ: حسن، لأنه قرآن نسخ قرآنا، وذكرها على الأقوال الأخرى لا يلزم لأنها لم تنسخ قرآنا، إنما نسخت أمرا كانوا عليه أه المصدر نفسه.
(8) في بقية النسخ: قوله.
(9) سقطت الواو من ظ.
(10) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(11) رواه الطبري بنحوه عن قتادة. جامع البيان 10/ 53.(2/717)
والظاهر أن قوله عزّ وجلّ: {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ} ليس بناسخ لما ذكروه، وإنّما المعنى: أن أولي (1) الأرحام المهاجرين بعضهم أولى ببعض، أي أن الموارثة من الرحم (2)، والقرابة من (3) المهاجرين: أولى من التوارث بالهجرة، وإذا اجتمع القرابة والهجرة، كان ذلك مقدما على مجرد الهجرة الذي كانوا يتوارثون به، وإنّما نسخها آية المواريث (4).
واختار الطبري أن (5) تكون الولاية بمعنى: النصرة (6)، وليس كما قال، ولو كان (7) الولي في اللغة: الناصر، لأن قوله عزّ وجلّ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}: يرد ذلك (8).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا آخى بين أصحابه كانوا يتوارثون بذلك ثم نسخ بالآية المذكورة (9).
__________
(1) في د: أن أولوا. خطأ نحوي واضح.
(2) في بقية النسخ: بالرحم.
(3) في بقية النسخ: بين المهاجرين.
(4) انظر الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 145.
(5) في ظ: بأن تكون.
(6) انظر نص كلام الطبري في: جامع البيان 10/ 56.
(7) في بقية النسخ: وإن كان.
(8) وأقول: «أن الذي يستعرض آيات السورة والمواضيع التي تعالجها، يجد أن الحق مع الإمام الطبري، لأنه لا مكان للميراث فيها، لأنها بصدد الحديث عن القتال وأسبابه ونتائجه، والآيات في آخر السورة تتحدث عن ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، بمعنى النصرة والمحبة والمودة. والله أعلم. يقول الفخر الرازي: «احتج الذاهبون إلى أن المراد من هذه الولاية: الإرث بأن قالوا: لا يجوز أن يكون المراد منها: الولاية بمعنى النصرة، والدليل عليه أنه تعالى عطف عليه قوله: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} ولا شك أن ذلك عبارة عن الموالاة في الدين، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فوجب أن يكون المراد بالولاية المذكورة أمرا مغايرا لمعنى النصرة، وهذا الاستدلال ضعيف، لأنّا حملنا تلك الولاية على التعظيم والإكرام وهو أمر مغاير للنصرة، ألا ترى أن الإنسان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض المهمات، وقد ينصر عبده وأمته، بمعنى: الإعانة، مع أنه لا يواليه، بمعنى التعظيم والإجلال، فسقط هذا الدليل» أهـ من تفسيره 15/ 210. وراجع نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 355.
(9) أي بالآية المذكورة سابقا: {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ} الآية. وقد روى هذا بنحوه النحاس عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ ص 191. وأخرجه الطيالسي، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه. انظر: الدر المنثور 4/ 118. كما أخرجه أيضا ابن مردويه، وابن أبي حاتم. بلفظ أطول. المصدر نفسه 4/ 114.
وذكره مكي عن ابن عباس. انظر: الإيضاح ص 305.(2/718)
وقيل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا} يراد به الأعراب الذين آمنوا ولم يهاجروا، لا ميراث بينهم وبين أقاربهم ممن هاجر (1).
التاسع: قوله عزّ وجلّ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلََّا عَلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} (2).
قالوا: كان بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أحياء من العرب موادعة، لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، وإن احتاج إليهم عاونوه، وإن احتاجوا إليه عاونهم، فصار ذلك منسوخا بآية السيف (3).
والصحيح أنها في المسلمين الذين لم يهاجروا، إما الذين بقوا بمكة، وإما الأعراب المسلمين، الذين لم يهاجروا، والثاني: قول ابن عباس (4)، لأنهم أعني الفريقين من جملة المسلمين، لهم ما لهم من نصر المسلم المسلم، وعليهم ما عليهم من الوفاء بعهد المعاهدين وميثاقهم (5).
__________
وراجع الكلام على قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ص: 660. وهو الموضع الخامس عشر من سورة النساء.
(1) أخرجه بنحوه أبو عبيد عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ ص 475، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 354، وهو قول عكرمة. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 191، والإيضاح ص 305 وعزاه ابن الجوزي إلى عكرمة، والحسن. انظر: المصدر السابق.
(2) جزء من الآية السابقة 72من سورة الأنفال.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص 180، وقلائد المرجان ص 115.
(4) رواه عنه ابن جرير الطبري. جامع البيان 10/ 54، وانظر: تفسير ابن كثير 2/ 329.
(5) وهذا استثناء، وقد سبق مرارا أن الاستثناء ليس بنسخ، والله أعلم.(2/719)
سورة التوبة
فيها ثمانية مواضع:
الأول: قوله عزّ وجلّ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (1)، قالوا: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2) (3)، وإنما قال عزّ وجلّ ذلك بعد انسلاخ الأشهر الحرم، وهذه مدة الذين نقضوا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأما الذين لم ينقضوه شيئا ولم يظاهروا عليه أحدا، فقد أمرنا بأن نتم عهدهم إلى مدتهم (4).
الثاني: قوله عزّ وجلّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إلى قوله عزّ وجلّ: {كُلَّ مَرْصَدٍ} (5).
__________
(1) الآية الثانية من سورة التوبة.
(2) الآية الخامسة من سورة التوبة.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 425، وابن حزم ص 40، وابن سلامة ص 182، وقلائد المرجان ص 116.
قال ابن الجوزي مبطلا لدعوى النسخ هنا: «زعم بعض ناقلي التفسير ممن لا يري ما ينقل، أن التأجيل منسوخ بآية السيف» إلى أن قال: وقوله {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}. قال الحسن: يعني الأشهر التي قيل لهم فيها {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، وعلى هذا البيان فلا نسخ أصلا أهـ نواسخ القرآن ص 359357.
(4) انظر: الإيضاح: ص 308.
قال النحاس: «وهذا أحسن ما قيل في الآية» أه الناسخ والمنسوخ ص 195.
وهو ما رجحه الطبري وانتصر له. انظر: جامع البيان 10/ 62، 63.
(5) تقدم عزوها قريبا، ونص الآية: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} الآية.(2/720)
قالوا: هذه الآية التي نسخت مائة وأربعا وعشرين آية (1)، نسخت بقوله عزّ وجلّ في آخرها (2): {فَإِنْ تََابُوا وَأَقََامُوا الصَّلََاةَ وَآتَوُا الزَّكََاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (3).
ولا يقول مثل هذا ذو علم، إنما هو (4) خبط جاهل في كتاب الله، إنما قال عزّ وجلّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ما قال: اقتلوا المسلمين. وقال الحسن، والضحاك، والسدي، وعطاء: هي منسوخة من وجه آخر، وذلك أنها اقتضت قتل المشركين على كل حال، فنسخت بقوله عزّ وجلّ: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (5)، فلا يحل قتل أسير صبرا (6).
وقال قتادة، ومجاهد: بل هي ناسخة لقوله عزّ وجلّ: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً}، فلا يجوز في أسرى المشركين إلّا القتل دون المن والفداء (7).
__________
(1) قال ابن الجوزي: «وقد ذكر بعض من لا فهم له من ناقلي التفسير أن هذه الآية وهي آية السيف نسخت من القرآن مائة وأربعا وعشرين آية ثم صار آخرها ناسخا لأولها، وهو قوله: {فَإِنْ تََابُوا وَأَقََامُوا الصَّلََاةَ وَآتَوُا الزَّكََاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}. وهذا سوء فهم، لأن المعنى: اقتلوهم وأسروهم، إلا أن يتوبوا من شركهم، ويقروا بالصلاة والزكاة فخلّوا سبيلهم ولا تقتلوهم» أ. هـ ص 360.
قلت: وقد تقدم كلام السخاوي ورده على من قال: أن آية السيف نسخت أربعا وعشرين ومائتي آية وشنع على القائلين بذلك، وذلك في آخر سورة الأنعام. ص 705.
(2) أي في آخر آية السيف السالفة الذكر.
(3) حكى دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 40، وابن سلامة ص 184، قال مكي بعد أن حكى القول بالنسخ عن ابن حبيب الذي قال: أن الآية منسوخة، مستثنى منها بقوله {فَإِنْ تََابُوا} قال:
«ولا يجوز في هذا نسخ، لأنها أحكام لأصناف من الكفار، حكم الله على قوم بالقتل إذا أقاموا على كفرهم، وحكم لقوم بأنهم إذا آمنوا وتابوا أن لا يعرض لهم، وأخبر بالرحمة والمغفرة لهم، وحكم لمن استجار بالنبي عليه السلام وأتاه أن يجيره ويبلغه إلى موضع يأمن فيه، فلا استثناء في هذا، إذ لا حرف فيه للاستثناء، ولا نسخ فيه، إنما كل آية في حكم منفرد، وفي صنف غير الصنف الآخر، فذكر النسخ في هذا وهم، وغلط ظاهر، وعلينا أن نبيّن الحق والصواب» أ. هـ الإيضاح ص 311.
(4) (هو): ساقط من ظ.
(5) سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم 4.
(6) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 197، والإيضاح ص 309، ونواسخ القرآن ص 359، وتفسير القرطبي 8/ 73.
وسيأتي قريبا ان شاء الله أن هذا القول مرجوح وأن الآيتين محكمتان.
(7) ذكر هذا القول النحاس في المصدر السابق ص 198، دون أن يعزوه لأحد، وذكره مكي معزوا إلى قتادة، ومجاهد. الايضاح ص 309. وكذلك ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 360، والقرطبي 8/ 73.(2/721)
وقال ابن زيد: الآيتان محكمتان (1)، أما قوله عزّ وجلّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، فإنه قال بعد ذلك: {وَخُذُوهُمْ}، أي للمن والفداء، على حسب ما يرى الإمام، وقد فعل جميع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقتل من الأسرى يوم بدر: عقبة ابن أبي معيط، والنضر بن الحارث، ومنّ على قوم وقبل الفدية من قوم (2).
الثالث: قوله عزّ وجلّ: {إِلَّا الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ فَمَا اسْتَقََامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (3).
قالوا: نسخ بآية السيف (4)، وهذا مستثنى وليس بناسخ لما تقدم (5)، وكيف يكون الاستثناء نسخا، ولم يدخل في الأول في مراد المتكلم؟ ولو قال قائل: اضرب القوم إلّا زيدا، لم يكن زيد داخلا في المضروبين في نيّة المتكلم، وقد انكشف ذلك للسامع أيضا.
الرابع: قوله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}، إلى قوله عزّ وجلّ: {فَذُوقُوا مََا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (6)، قالوا: نسخ جميع ذلك بآية الزكاة (7).
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أراها منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {خُذْ مِنْ}
__________
(1) في ظ: المحكمتان.
(2) وهذا هو الصحيح، وعليه عامة الفقهاء، كما ذكره النحاس، ومكي وابن الجوزي والقرطبي.
انظر: المصادر السابقة. وسيأتي مزيد بيان لهذا ان شاء الله تعالى عند قوله تعالى: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} الآية 4من سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم ص 836.
(3) التوبة: (7). وأولها: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللََّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ}.
(4) حكي النسخ هنا ابن سلامة ص 185، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 362، وابن البارزي ص 35.
(5) ولذلك أعرض ابن حزم، والنحاس، ومكي وغيرهم من المفسرين، أعرضوا عن ذكرها في الناسخ والمنسوخ، وإن كان ابن الجوزي قد حكاه في نواسخ القرآن، إلا أن عبارته في المصفّى بأكفّ أهل الرسوخ، وزاد المسير تنبئ بعدم قبوله لدعوى النسخ، حيث قال: «زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف» انظر: المصدرين المذكورين ص 38، 3/ 401.
(6) التوبة: (34، 35). {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلََا يُنْفِقُونَهََا فِي سَبِيلِ اللََّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمى ََ عَلَيْهََا فِي نََارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى ََ بِهََا جِبََاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هََذََا مََا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مََا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}.
(7) قاله ابن حزم ص 40، وابن سلامة ص 185، وابن البارزي ص (35)، والكرمي ص 117، والفيروزآبادي 1/ 230.(2/722)
{أَمْوََالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهََا} (1). والصحيح أنها محكمة غير منسوخة (2).
والكنز عند العلماء: كل مال وجبت فيه الزكاة، ولم تؤد زكاته.
قال ابن عمر رضي الله عنه: (كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا، وكل مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن لم يكن مدفونا) (3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «هي فيمن لم يؤد زكاته من المسلمين، وفي أهل الكتاب كلهم، لأنهم يكنزون ولا ينفقون في سبيل الله، وإنما ينفق في سبيل الله المؤمنون» (4).
الخامس: قوله عزّ وجلّ: {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} إلى قوله عزّ وجلّ: {ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5)، قالوا: نسخ هذه الآيات قوله عزّ وجلّ (6): {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (7)، ورووا ذلك عن ابن عباس (8).
__________
(1) التوبة (103).
وقد أخرج هذا ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عراك بن مالك، وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله انظر: الدر المنثور 4/ 179، ورواه عنهما ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 364. وذكره عنهما مكي ص 314. وقال «وروي عن ابن شهاب مثل قول عمر في الآية، فهي محكمة مخصوصة في الزكاة» أه.
(2) قال ابن الجوزي أثناء مناقشته للأقوال في هذه الآية: «وقد زعم بعض نقلة التفسير أنه كان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام، ثم نسخ بالزكاة، وفي هذا القول بعد» أ. هـ نواسخ القرآن ص 364.
(3) أخرجه ابن جرير، وابن الجوزي بسنديهما عن ابن عمر رضي الله عنهما جامع البيان 10/ 118، ونواسخ القرآن ص 363.
وراجع صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/ 271فما بعدها، 8/ 324، والموطأ مع شرحه المسوي 1/ 256، والدر المنثور 4/ 177.
قال القرطبي بعد أن حكى الأقوال في ذلك: «وهو الصحيح» أ. هـ، من تفسيره 8/ 125.
(4) أخرج ابن جرير بسنده إلى ابن عباس قال: «هم أهل الكتاب». وقال: هي خاصة وعامة، يعني بقوله خاصة وعامة: «هي خاصة من المسلمين فيمن لم يؤد زكاة ماله منهم، وعامة في أهل الكتاب لأنهم كفار لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا» أ. هـ جامع البيان 10/ 120.
(5) التوبة (4139).
(6) من قوله: {ذََلِكُمْ} إلى هنا: ساقط من ظ بانتقال النظر.
(7) التوبة (122).
(8) رواه عنه النحاس بسنده إلى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.(2/723)
وقال الحسن، وعكرمة (1)، وكثير من العلماء: هي محكمة.
ومعنى {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}: أي إذا احتيج إليكم واستنفرتم فلم تنفروا (2).
السادس: قوله (3) عزّ وجلّ: {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} إلى قوله عزّ وجلّ: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (4) (5).
قالوا: نسخ هذه الآيات (الثلاثة) (6) قوله عزّ وجلّ: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} (7)، قال ذلك الحسن وعكرمة (8).
واختلف عن ابن عباس، فقيل عنه: مثل هذا (9)، وقيل عنه: أنه قال: الثلاث محكمات، نزلن في المنافقين الذين استأذنوا في القعود، والتي في النور إنّما هي في المؤمنين يستأذنون لبعض أمورهم ثم يعودون إليه صلّى الله عليه وسلّم.
__________
انظر: الناسخ والمنسوخ ص 201. وذكره مكي عن ابن عباس. انظر: الإيضاح ص 314.
وقد سبق أن جويبر هذا سيّئ الحفظ ليس بشيء. وممن ذكر دعوى النسخ هنا: ابن حزم ص 40، وابن سلامة ص 186والكرمي ص 118.
(1) هكذا قال المصنف: أن الحسن وعكرمة يقولان بإحكام الآية، وقد تبع المصنف في ذلك مكي ابن أبي طالب، ولكن ما رواه الطبري وذكره النحاس وابن الجوزي يخالف هذا، حيث ذكروا عنهما القول بالنسخ وهو قول مرجوح كما سيأتي جامع البيان 10/ 135. والناسخ والمنسوخ ص 201، ونواسخ القرآن ص 365.
(2) قال النحاس بعد أن حكي القول بالنسخ عن الحسن وعكرمة وقال غيرهما: «الآيتان محكمتان، لأن قوله تعالى {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} معناه: إذا احتيج إليكم وإذا استنفرتم، هذا مما لا ينسخ لأنه وعيد وخبر، وقوله تعالى: {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} محكم، لأنه لا بد أن يبقى بعض المؤمنون لئلا تخلوا دار الإسلام من المؤمنين فيلحقهم مكيدة، وهذا قول جماعة من الصحابة والتابعين أه الناسخ والمنسوخ ص 201.
(3) في د وظ: من قوله عزّ وجلّ.
(4) في د: ترددون.
(5) التوبة: (4543).
(6) هكذا في الأصل: الثلاثة. خطأ. وفي بقية النسخ: الثلاث.
(7) النور: (62).
(8) رواه عنهما الطبري في جامع البيان 10/ 143، وذكره عنهما النحاس، ومكي. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 202، والإيضاح ص 316. وقال بالنسخ: قتادة في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 43. ورواه عنه النحاس في المصدر السابق.
(9) روى النسخ: أبو عبيد عن ابن عباس ص 420، 421، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه. الدر المنثور 4/ 211.(2/724)
قيل: كان ذلك وهم يحفرون الخندق، وهذا هو الحق والصواب والاستئذانان مختلفان، ولا نسخ بينهما (1).
السابع: قوله عزّ وجلّ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (2) الآية، قالوا:
هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً وَلََا تَقُمْ عَلى ََ قَبْرِهِ} (3) (4)، وهذا غير صحيح، بل هو مؤكد للأول وإنما معنى الأول: أن استغفارك لهم غير نافع، ففعله وتركه سواء ولم يرد بذلك الصلاة عليهم، ولا تخيير بين الاستغفار وتركه، وكيف يستغفر لهم أو يصلّي عليهم، وقد قال الله عزّ وجلّ في الآية: {ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ}؟!.
فإن قلت: فقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لأزيدن على السبعين» فنزلت:
{سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [5] لَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ (6).
قلت: يرد هذه الرواية قوله عزّ وجلّ: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ}، فكيف يقول صلّى الله عليه وسلّم: «لأزيدن على السبعين»، وهو يعلم أن (7) الزيادة على السبعين الى ما لا نهاية له من العدد لا ينفع الكافر؟ هذا ما لا يصح (8).
__________
(1) وهذا هو الصحيح، وعليه فطاحل العلماء. انظر: جامع البيان 10/ 143والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 202حيث ذكر النحاس الروايتين عن ابن عباس، ورجح الأحكام وكذلك مكي ذكر القولين عن ابن عباس مرجحا القول بالأحكام. انظر: الإيضاح ص 316، وقال ابن الجوزي بعد روايته للنسخ عن ابن عباس فالصحيح أنه ليس للنسخ هنا مدخل» اه نواسخ القرآن ص 368.
(2) التوبة: (80).
(3) التوبة: (84).
(4) حكاه النحاس ورده ص 208. وكذلك ص 319.
(5) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(6) المنافقون: (6).
وقد حكى هذا القول أي أن آية التوبة منسوخة بآية المنافقين ابن حزم ص 40، وابن سلامة ص 187، وعزا هذا القول النحاس إلى ابن عباس من طريق جويبر عن الضحاك، وجويبر ضعيف (كما سبق)، وأورده مكي عن ابن عباس أيضا في الإيضاح ص 319، وانظر: نواسخ القرآن ص 369، وذكره الطبري بصيغة (روى) دون أن يعزوه لأحد، ودون تصريح بالنسخ. جامع البيان 10/ 198.
(7) أن: ساقطة من ظ.
(8) قال القرطبي: «قال القشيري: ولم يثبت أنه قال: (لأزيدن على السبعين)، ثم قال القرطبي:(2/725)
فإن قيل: فكيف كفّن ابن أبيّ (1) (2) في قميصه وهو رأس المنافقين؟ قلت: أرسل إليه عند موته يطلب قميصه (3)، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إني أؤمل أن يدخل في الإسلام خلق كثير، وأن قميصي لن يغني عنه من الله شيئا» (4)، فأسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بقميص النبي صلّى الله عليه وسلّم (5).
فإن قيل: ألم يقم على قبره ويصل عليه؟ قلت: قد روى أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يصل عليه (6)
__________
«وهذا خلاف ما ثبت في حديث ابن عمر: (وسأزيد على السبعين)، وفي حديث ابن عباس: (ولو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر لهم لزدت عليها قال: فصلى عليه أي على ابن أبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخرجه البخاري. اه الجامع لأحكام القرآن 8/ 319.
وسيأتي مزيد بيان لهذا قريبا إن شاء الله وإن هذا هو الصواب الذي عليه أهل العلم.
وفي نظري: أن الإمام السخاوي لم يحالفه الصواب في رده لهذه الرواية التي ثبتت، وقال بها الأئمة وفسروها بتفسيرات تتفق ومقام النبوة، كما سيأتي بإذن الله تعالى.
(1) (ابن أبيّ): ساقط من د وظ.
(2) هو عبد الله بن أبي مالك المشهور ب «ابن سلول»، وسلول جده لأمه من خزاعة، رأس المنافقين في الإسلام، من أهل المدينة، كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم، مواقفه السيئة ضد الإسلام والمسلمين: مشهورة، وأخباره معروفة، توفي في السنة التاسعة من الهجرة.
انظر: جمهرة الأنساب ص 354، والبداية والنهاية 5/ 31، والأعلام 4/ 65.
(3) أي أرسل إليه ابنه عبد الله الصحابي الجليل، قال ابن حجر: وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، فلذلك التمس من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحضر عنده ويصلي عليه، ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه،، ثم أورد ابن حجر ما يؤيد ذلك من الأدلة إلى أن قال:
«وكأنّ عبد الله بن أبيّ، أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك، وهذا من أحسن الأجوبة فيما يتعلق بهذه القصة أ. هـ فتح الباري 8/ 334.
(4) جاء في رواية الطبري بسنده عن قتادة: (ذكر لنا أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم كلّم في ذلك أي في تكفينه والصلاة عليه فقال: (وما يغني عنه قميصي من الله أو ربي وصلاتي عليه، وأني لأرجو أن يسلم به ألف من قومه) أ. هـ جامع البيان 10/ 206.
(5) وهناك تعليل آخر ذكره ابن كثير، وهو أنه إنما ألبسه قميصه مكافأة لما كان كسي العباس قميصا حين قدم المدينة، فلم يجدوا قميصا يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي» اه. البداية والنهاية 5/ 32.
وذكر هذا البغوي والخازن عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} الآية 39من سورة النجم. انظر: لباب التأويل وبهامشه معالم التنزيل 6/ 223.
(6) انظر: الإيضاح ص 319.
والصحيح أنه صلى عليه، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره. انظر: فتح الباري(2/726)
وإن كان صلّى عليه، فذلك لظنه أنه قد تاب حين بعث يطلب قميصه لينال بركته، ويتّقي به عذاب الله عزّ وجلّ، وهذا إيمان إن (1) كان صادرا عن صدر سليم (2).
فإن قلت: ألم يجذبه عمر رضي الله عنه حرصا على ترك الصلاة عليه؟ وقال له: أليس قد نهاك الله عزّ وجلّ؟ فقال: (إنما خيّرني بين الاستغفار وتركه)، فصلّى عليه (3).
قلت: هذا بعيد أن يظن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ذلك تخيير، وقد أخبره بكفرهم، وهذا ظاهر لمن تأمله (4).
__________
8/ 333، والدر المنثور 4/ 254. قال القرطبي: تظاهرت الروايات بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى عليه، وأن الآية أي {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ} نزلت بعد ذلك اه. من الجامع لأحكام القرآن 8/ 218.
(1) في ظ: وإن كان.
(2) قد سبق كلام ابن حجر أن عبد الله بن عبد الله بن أبي، كان يحمل أباه على ظاهر الإسلام، عند ما طلب من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحضر عنده ويصلي عليه، كذلك ذكر ابن حجر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأخذ بقول عمر، وصلى على عبد الله بن أبي، إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه، ودفع المفسدة لا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين وبهذا التقرير يندفع الاشكال اه. وانظر: بقية كلامه على هذه القضية المهمة في: الفتح 8/ 336.
(3) كلمة (عليه) ساقطة من ظ.
(4) أما لفظ التخيير فقد ورد في صحيح البخاري، وأما معناه: فقد قال ابن حجر وهو يشرح حديث البخاري: «كان عمر قد فهم من الآية المذكورة: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن (أو) ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور، أي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء، وهو كقوله تعالى: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ}. لكن الثانية أي آية المنافقين أصرح، ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة» اه.
إلى أن قال: «وقد جاء في لفظ الحديث: «إني خيرت فاخترت» أي: خيرت بين الاستغفار وعدمه، وحديث ابن عباس (لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها)، وحديث ابن عمر جازم بقصة الزيادة، وآكد منه ما روى عبد بن حميد من طريق قتادة. قال: «لما نزلت {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قد خيّرني ربي، فو الله لأزيدن على السبعين)، وأخرجه الطبري من طريق مجاهد مثله، والطبري أيضا وابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثله، وهذه الطرق وإن كانت مراسيل فإن بعضها يعضد بعضا» اه من الفتح 8/ 335. ومن أراد مزيدا من معرفة الأحاديث وأقوال الأئمة في هذه القضية، فليراجع تفسير الطبري 10/ 198، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 208، وابن سلامة ص 187، والإيضاح ص 318، ونواسخ القرآن ص 368، وزاد المسير 3/ 477، والجامع لأحكام القرآن(2/727)
الثامن: قوله عزّ وجلّ: {الْأَعْرََابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفََاقاً} إلى قوله:
{وَاللََّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1).
قالوا: نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ: {وَمِنَ الْأَعْرََابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مََا يُنْفِقُ قُرُبََاتٍ عِنْدَ اللََّهِ وَصَلَوََاتِ الرَّسُولِ أَلََا إِنَّهََا قُرْبَةٌ لَهُمْ} (2) الآية.
وهذا مما ينبغي أن يتصامم (3) عنه ولا يسمع (4).
__________
8/ 218، وتفسير ابن كثير 2/ 376، وفتح الباري 8/ 333، والدر المنثور 4/ 253، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 8/ 495فما بعد الصفحات المذكورة.
(1) التوبة (9897).
(2) التوبة (99).
(3) الصمم: انسداد الأذن وثقل السمع. اللسان 12/ 342 (صمم). فكان السخاوي يقول: إنه لا ينبغي الالتفات إلى هذا القول والاستماع إليه لضعفه وعدم فائدته.
(4) ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 40، وابن سلامة ص 188، ومكي ص 318، ونسبه إلى ابن حبيب ورده، وكذلك ذكر دعوى النسخ ابن البارزي ص 36، والكرمي ص 120.
قال مكي: «وهذا خبر لا ينسخ، ولا معنى للنسخ فيه، لأن الله أعلمنا أن الأعراب أصناف، وبين ذلك، وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا، وهو لفظ عام معناه الخصوص في قوم بأعيانهم، دلّ على أنه مخصوص قوله عزّ وجلّ: {وَمِنَ الْأَعْرََابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية. ف (من) للتبعيض، فلا نسخ يحسن في هذا» أه المصدر نفسه.(2/728)
سورة يونس (عليه السلام)
فيها (سبع) (1) مواضع:
الأول: قوله عزّ وجلّ: {إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (2).
قالوا: نسخت بقوله عزّ وجلّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} (3).
وما ذلك بصحيح، فإن خوفه على المعصية من عذاب الله لو قدر وقوعها منه، وحاشاه أن يزل (4)، ولا نسخ، وهو صلّى الله عليه وسلّم يقول: لمّا قام حتى تورمت قدماه، وقيل له:
أتفعل هذا بنفسك وقد غفر لك (5) {مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ}؟ والله إني لأخوفكم لله (6) على أن هذه الآية نزلت في طلبهم منه تبديل كلام الله والإتيان بغيره (7)، فقال الله عزّ وجلّ: {قُلْ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ إِنِّي}
__________
(1) هكذا في الأصل: سبع. وفي بقية النسخ: سبعة. وهو الصواب.
(2) يونس (15).
(3) الفتح (2).
وقد ذكر دعوى النسخ هنا: ابن حزم ص 41، وابن سلامة ص 190والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز 1/ 240، والكرمي ص 121.
(4) في بقية النسخ: لم يزل.
(5) في بقية النسخ: وقد غفر الله لك.
(6) تقدم الكلام عنه في الموضع الأول من سورة الأنعام: ص 696.
(7) وهو معنى الشطر الأول من الآية الآتية 15من السورة نفسها. وأول الآية: {وَإِذََا تُتْلى ََ عَلَيْهِمْ آيََاتُنََا بَيِّنََاتٍ قََالَ الَّذِينَ لََا يَرْجُونَ لِقََاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هََذََا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي} الآية.(2/729)
{أَخََافُ} [1] إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، أفهذا ينسخ بما ذكروه (2)؟!.
الثاني: قوله عزّ وجلّ: {لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلََّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ} [3] الْمُنْتَظِرِينَ (4).
قالوا: نسخت بآية السيف (5)، وليس ذلك بصحيح، إنما نزل ذلك في طلبهم الآيات المهلكة، لو {لََا تَأْتِينَا السََّاعَةُ} (6)، أمطر {عَلَيْنََا حِجََارَةً مِنَ السَّمََاءِ} (7)، فقيل له: قل إني {لََا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (8)، كما قال نوح عليه السلام لما قيل له: {قَدْ جََادَلْتَنََا فَأَكْثَرْتَ جِدََالَنََا فَأْتِنََا بِمََا تَعِدُنََا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصََّادِقِينَ * (قََالَ)} [9] إِنَّمََا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللََّهُ إِنْ شََاءَ وَمََا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (10)، وكذلك أمر نبينا صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلََّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} (11) وهذا تهديد ووعيد، أي فانتظروا ما طلبتم، إني منتظر ذلك معكم، وكما قال (له) (12): {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مََا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (13)، ومثل هذا لا ينسخ بآية القتال (14).
__________
(1) في ت. كتبت الآية خطأ (إليّ قل اني).
(2) الجواب: لا. وانظر الكلام على نظير هذه الآية في الموضع الأول من سورة الأنعام ص: 696.
وهي الآية الخامسة عشرة، وراجع نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 371. وزاد المسير 4/ 14.
(3) كتبت الآية خطأ في د: (من المنتظرون)!.
(4) يونس (20). وأولها: {وَيَقُولُونَ لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} الآية.
(5) قال بذلك ابن سلامة ص 192، والكرمي ص 122، وابن البارزي ص 36. وذكره ابن حزم ص 41، والفيروزآبادي 1/ 240، ولكن ليس في هذه الآية، بل في آية أخرى شبيهة بها، وهي قوله تعالى: {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} آية 102من السورة نفسها.
(6) لعل المصنف أراد الاقتباس فحسب، ولم يرد الاستدلال بآية قرآنية، لأنه لا يوجد آية بهذا النص، وأقرب آية إلى ما ذكره المصنف قوله تعالى: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَأْتِينَا السََّاعَةُ} سبأ آية 3.
(7) الأنفال (32).
(8) وردت آية في الأنعام: {قُلْ لََا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزََائِنُ اللََّهِ وَلََا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، وليس هناك آية في القرآن الكريم بهذا النص الذي أورده المصنف ولعله أراد الاقتباس أيضا. والله أعلم.
(9) سقطت من النسخ.
(10) هود: 32، 33.
(11) وهي الآية التي نحن بصدد الحديث عنها.
(12) في بقية النسخ: وكما قال له:.
(13) الأنعام (58).
(14) وهذا هو الحق، لأنهم طلبوا شيئا ودليلا آخر يبرهن على صدق نبوته، فأجابهم بقوله: ان الذي(2/730)
الثالث: قوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} (1)
الآية، قالوا: نسخت بآية السيف (2).
الرابع: قوله عزّ وجلّ: {وَإِمََّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنََا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللََّهُ شَهِيدٌ عَلى ََ مََا يَفْعَلُونَ} (3).
الخامس: قوله عزّ وجلّ: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النََّاسَ حَتََّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (4).
السادس: قوله عزّ وجلّ: {فَمَنِ اهْتَدى ََ فَإِنَّمََا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمََا يَضِلُّ عَلَيْهََا وَمََا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (5).
السابع: قوله عزّ وجلّ: {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحََاكِمِينَ} (6).
قالوا: نسخ جميع ذلك بآية السيف (7).
__________
تطلبونه مني شيء غيبي، لا يعلمه أحد إلّا الله تعالى، ثم هددهم ووعدهم بقوله: فانتظروا قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم، عند ما يظهر الله الحق ويبطل الباطل، وينتقم من أهله وهذا لا نسخ فيه والله الموفق للصواب.
(1) يونس (41).
(2) نسبة مكي إلى ابن زيد وغيره. انظر: الايضاح ص 323. وذكره ابن سلامة دون عزو ص 192، ونسبه ابن الجوزي إلى أبي صالح عن ابن عباس ورده، وفنده من عدّة وجوه. انظر: نواسخ القرآن ص 372، وسيرد المصنف هذا القول عقب ذكره لبقية المواضع في هذه السورة والتي قيل انها منسوخة بآية السيف.
(3) يونس (46).
(4) يونس (99).
(5) يونس (108).
(6) يونس (109).
(7) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص 193191، وقد نقل ابن الجوزي دعوى النسخ في هذه المواضع أعني الرابع والخامس والسادس والسابع وعزا بعضها إلى ابن عباس، وبعضها إلى مقاتل بن سليمان، ودحضها كلها، ورد القول بالنسخ فيها، وقال: «إنه لم يثبت شيء عن ابن عباس في هذا». نواسخ القرآن ص 373، 374. وأدخل ابن حزم الموضع الثالث، والسادس فقط ضمن الآيات المدعي فيها النسخ بآية السيف. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 41.
وذكر النحاس دعوى النسخ في الموضع السابع فقط، وعزاه إلى ابن زيد انظر: الناسخ والمنسوخ ص 210. وتابعه مكي في الإيضاح ص 323إلّا أن مكي ذكر أيضا دعوى النسخ في الموضع الثالث. وقد سبقت الإحالة إليه.(2/731)
ولم ينسخ (آية) (1) السيف شيء من ذلك، ولا هي معارضه له (2).
__________
(1) هكذا في الأصل: آية السيف. وفي بقية النسخ: بآية السيف. وهو الصواب.
(2) وهذا هو الصحيح، فإن كل آية من الآيات المذكورة تحمل في طياتها معنى لا يتعارض مع آية القتال، فالآية في الموضع الخامس مثلا تفيد بأن الإيمان موضعه القلب، وهذا لا يمكن الإكراه عليه، وهي أيضا خبر، والأخبار لا تنسخ كما سبق مرارا وفي الموضع السادس فيه الترغيب في الإيمان والتحذير من ضده، وتشويق المؤمنين إلى الثبات على الهدى والإيمان وتحذيرهم من الضلال وعواقبه، وأن الضالين إنما يعود وبال ضلالهم عليهم، وهذا لا ينسخ بآية السيف، وكذلك الأمر في الموضع السابع، وهو الأمر بالصبر على أذى المشركين وجهل الجاهلين، بل وفي أثناء المعركة، فإنه صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين مأمورون بالصبر والثبات حتى يفصل الله بينهم وبين عدوهم، وهذا أيضا لا ينسخ.
قال ابن الجوزي: «ثم أن الأمر بالصبر هاهنا مذكور إلى غاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها» ا. هـ نواسخ القرآن ص 374.(2/732)
سورة هود (عليه السلام)
(فيها ثلاثة مواضع) (1):
الأول: قوله عزّ وجلّ: {إِنَّمََا أَنْتَ نَذِيرٌ} (2)، قالوا: نسخت بآية السيف والكلام في ذلك كما تقدم (3).
الثاني: قوله عزّ وجلّ: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا} (4) الآية، قالوا: نسخت بقوله عزّ وجلّ: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (5).
وذلك باطل، لأنه خبر، والخبر لا يدخله النسخ، ورووا ذلك عن: ابن عباس،
__________
(1) سقطت من الأصل، وظق عبارة: (فيها ثلاثة مواضع).
(2) هود: (12). {فَلَعَلَّكَ تََارِكٌ بَعْضَ مََا يُوحى ََ إِلَيْكَ وَضََائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جََاءَ مَعَهُ مَلَكٌ}.
(3) قلت: سبق ما يماثل هذه الآية في الموضع الثاني من سورة آل عمران ص: 639وقد قال ابن سلامة هنا: «نسخ معناها لا لفظها بآية السيف ص 194وكذلك قال ابن البارزي ص 36.
وممن قال بأنها منسوخة بآية السيف: الكرمي في قلائد المرجان ص 124. أما ابن الجوزي فقد أوردها ضمن الآيات المدعي فيها النسخ في هذه السورة، وفنّد القول بذلك قائلا: «قال بعض المفسرين: «معنى هذه الآية: اقتصر على انذارهم من غير قتال، ثم نسخ ذلك بآية السيف والتحقيق أنها محكمة، لأن المحققين قالوا: معناها: إنما عليك أن تنذرهم بالوحي، لا أن تأتيهم بمقترحاتهم من الآيات» اهـ نواسخ القرآن ص 375.
(4) هود (15). {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمََالَهُمْ فِيهََا وَهُمْ فِيهََا لََا يُبْخَسُونَ}.
(5) الإسراء (18).(2/733)
ومكانه في العلم والمعرفة يرد ذلك (1).
وقيل في قوله تعالى {لِمَنْ نُرِيدُ} (2): أي لمن نريد إهلاكه (3).
الثالث: قوله عزّ وجلّ: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى ََ مَكََانَتِكُمْ إِنََّا عََامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنََّا مُنْتَظِرُونَ} (4) إلى آخر السورة، زعموا أنه منسوخ بآية السيف، وليس كما زعموا، وقد تقدم القول في مثل ذلك (5).
__________
(1) رواه النحاس عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ ص 210، وجويبر هذا ضعيف (كما سبق)، ثم أن النحاس رد هذا القول بقوله: «محال أن يكون هناك نسخ، لأنه خبر، والنسخ في الأخبار محال، ولو جاز النسخ فيها ما عرف حق من باطل ولا صدق من كذب، ولبطلت المعاني، ولجاز لرجل أن يقول: لقيت فلانا، ثم يقول: نسخته. ما القيته»! اه المصدر نفسه ص 210. كما رد دعوى النسخ مكي بن أبي طالب بعد ن أورده عن الضحاك عن ابن عباس.
الإيضاح ص 325.
وكذلك فعل القرطبي في تفسيره 9/ 15.
وأورده ابن الجوزي عن مقاتل بن سليمان ورده. انظر: نواسخ القرآن ص 376. وقد سبق ما يماثل هذه الآية في الموضع الثاني عشر من سورة آل عمران. فانظره ص: 644.
(2) في ظ: لمن يريد. وكذلك في التي بعدها.
(3) انظر: تفسير الطبري 15/ 59، وزاد المسير 5/ 20.
(4) هود (123121).
(5) وذلك في الموضع الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من سورة الأنعام ص: 702. حيث قال السخاوي هناك: «أن هذا تهديد ووعيد وليس بمنسوخ بآية السيف».
هذا وممن قال بالنسخ هنا: ابن حزم ص 41، وابن سلامة ص 194، وابن البارزي ص 37، والكرمي ص 125.
أما ابن الجوزي فقد حكي فيها القولين ورجح القول بالأحكام. وقال: «أنه قول المحققين».
نواسخ القرآن ص 376.(2/734)
سورة يوسف (عليه السلام)
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وزعم من لا معرفة له أن قوله عزّ وجلّ: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ} (1) منسوخ بقوله عليه السلام: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به) (2)، فهذا باطل ظاهر البطلان (3)، لأن هذا خبر أخبر الله (4) عزّ وجلّ به عن يوسف عليه السلام فكيف يصح نسخه؟.
ولأن يوسف عليه السلام سأل الله الوفاة على الإسلام، ونحن نسأل الله عزّ وجلّ برحمته وبكرمه أن يقبضنا على الإسلام، وليس قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المذكور من هذا، إنما ذلك فيمن اشتد ألمه لضر نزل به، فتمنى (5) الخلاص منه بالموت ضجرا وكراهة لما ابتلي به.
__________
(1) يوسف (101).
(2) تقدم تخريجه عند ذكر تلاوة القرآن الخ. ص: 327.
(3) قال النحاس: رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن في سورة يوسف آية منسوخة وذكرها مع ناسخها، قال: وهذا قول لا معنى له ولولا أنا أردنا أن يكون كتابنا متقصيا لما ذكرناه ا. هـ.
الناسخ والمنسوخ ص 211.
وقد أطال مكي في الرد على الذين ذكروا دعوى النسخ في هذا الموضع وفنده. انظر: الإيضاح ص 328327. وراجع الأحاديث والآثار وأقوال العلماء في تفسير هذه الآية، والجمع بينها وبين الحديث المذكور في تفسير ابن كثير 2/ 492.
(4) في ظ: أخبره الله.
(5) في ظ ود: فيتمنى.(2/735)
سورة الرعد
ليس فيها شيء من المنسوخ والناسخ، وزعم زاعمون أن قوله عزّ وجلّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنََّاسِ عَلى ََ ظُلْمِهِمْ} (1) منسوخ بقوله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} * (2)، وهذا (3) ظاهر البطلان (4)، وهذا خبر حق لا يدخله نسخ، وما زال ربّنا (غافر) (5) غير معامل بالعقوبة {وَلَوْ يُؤََاخِذُ اللََّهُ النََّاسَ بِمََا كَسَبُوا مََا تَرَكَ عَلى ََ ظَهْرِهََا مِنْ دَابَّةٍ} (6)، فله الحمد على حلمه مع علمه، وله الحمد على عفوه مع قدرته، وقالوا في
__________
(1) الرعد (6). وتمامها: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقََابِ}.
(2) النساء (48، 116).
(3) في بقية النسخ: وذلك.
(4) وممن حكى الخلاف في نسخ هذه الآية: ابن حزم ص 42، على أن الظلم في الآية: الشرك، وكذلك زعم ابن سلامة ص 202، وقال بالنسخ ابن البارزي ص 37، وأما الكرمي فقد حكى النسخ عن الضحاك والأحكام عن مجاهد، قلائد المرجان ص 126، وقد رد ابن الجوزي هذا الزعم، وهذا التوهم الفاسد بقوله: «قد توهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة، لأنه قال:
المراد بالظلم هاهنا: الشرك، ثم نسخت بقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} *، وهذا التوهم فاسد، لأن الظلم عام، وتخصيصه بالشرك هاهنا يحتاج إلى دليل، ثم إن كان المراد به الشرك، فلا يخلو الكلام من أمرين: أما أن يراد به التجاوز عن تعجيل عقابهم في الدنيا، أو الغفران لهم إذا رجعوا عنه، وليس في الآية ما يدل على أنه يغفر للمشركين إذا ماتوا على الشرك اه نواسخ القرآن ص 377.
(5) هكذا في الأصل: غافر. خطأ نحوي واضح. وفي بقية النسخ: غافرا وهو الصواب.
(6) فاطر (45).(2/736)
قوله عزّ وجلّ: {فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسََابُ} (1): نسخ بآية السيف، وليس كما قالوا، وقد تقدم القول فيه (2).
__________
(1) الرعد (40).
(2) وذلك في الموضع الثاني من سورة آل عمران ص: 639. فقد قال هناك: والمعنى: فإنما عليك البلاغ وليس عليك الهداية، وكذلك صنع في الموضع الثاني والعشرين من سورة النساء: {وَمَنْ تَوَلََّى فَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}. فقد أحال إلى الموضع الثاني من سورة آل عمران ص: 669.
ومن العجيب هنا: أن ابن حزم ص 42، وابن سلامة ص 201، 202حكيا الإجماع على نسخ هذه الآية.
وممن حكى النسخ: ابن البارزي ص 37، والكرمي ص 126، وقد أعرض عن ذكرها ضمن الآيات المدعى فيها النسخ كل من: الطبري والنحاس، ومكّي، والقرطبي، وغيرهم من العلماء، وأورده ابن الجوزي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه نسخ بآية السيف وفرض الجهاد، قال:
«وكذلك قال قتادة». ثم قال: «وعلى ما سبق تحقيقه في مواضع من أنه ليس عليك أن تأتيهم بما يقترحون من الآيات، إنما عليك أن تبلغ تكون محكمة، ولا يكون بينها وبين آية السيف منافات» اه نواسخ القرآن ص 378.(2/737)
سورة إبراهيم (عليه السلام)
ليس فيها من المنسوخ والناسخ شيء، وأما قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إن فيها آية منسوخة، وهي قوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا إِنَّ الْإِنْسََانَ لَظَلُومٌ كَفََّارٌ} (1) نسخها قوله عزّ وجلّ في النحل (2): {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا إِنَّ اللََّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) فمما لا يلتفت إليه، ولا يعرّج عليه، ولا يستحق أن يكون جوابه إلّا السكوت عنه (4).
__________
(1) إبراهيم (34).
(2) صحفت في د إلى: (البخل).
(3) النحل (18).
(4) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 42، وابن سلامة ص 203، 204وقلائد المرجان ص 127، وحكى ابن البارزي فيها القولين: النسخ والأحكام، دون أن يعزو ذلك لأحد كعادته.
انظر: ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه ص 38.
وإذا أمعنا النظر في الآيتين الكريمتين، فإننا نجد أنه لا تعارض بينهما فالآية الأولى تتحدث عن المشركين بالله، وموقفهم من نعمه عليهم وهو موقف الجاحدين الظالمين، فناسب أن تختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَظَلُومٌ كَفََّارٌ}. والآية الثانية التي قيل: إنها ناسخة يقرر الله تعالى في أولها ما قرره في أول الآية الأولى، التي قيل: إنها منسوخة، ويعد بالغفران والتوبة من اهتدى فآمن به بعد كفر، وشكر نعمة الله عليه بعد جحودها، فناسب أن يضيف إلى فضائل الله ونعمه التي دعانا إلى تأملها في الآية، فضيلة أخرى يختم بها الآية، وهي الرحمة والمغفرة، هذا بالإضافة إلى أنهما خبران مؤكدان، ولا يسوغ النسخ في الأخبار.
انظر: النسخ في القرآن 1/ 449، 450.(2/738)
سورة الحجر
ليس فيها منسوخ ولا ناسخ. وزعموا أن قوله عزّ وجلّ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا} (1)
الآية، منسوخ بآية السيف (2)، وهذا وعيد وتهديد، وآية السيف لا تنسخ (3) الموعظة والتهديد.
وقوله عزّ وجلّ: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (4)، قالوا: نسخ بآية السيف (5)،
__________
(1) الحجر: (3) {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
(2) ذكر هذا ابن حزم ص 42، وابن سلامة ص 205، وابن البارزي ص 38، والكرمي ص 128، والفيروزآبادي 1/ 273.
وذكره ابن الجوزي وسكت عنه. انظر: زاد المسير 4/ 382، وذكره كذلك في نواسخ القرآن ورده بقوله: «قد زعم كثير من المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، والتحقيق أنها وعيد وتهديد، وذلك لا ينافي قتالهم، فلا وجه للنسخ» اه ص 379.
(3) في د وظ: لا ينسخ.
(4) الحجر: (85).
(5) أخرجه ابن جرير بأسانيده عن قتادة، والضحاك، ومجاهد. جامع البيان 14/ 51. وأورده النحاس عن سعيد عن قتادة، وكذلك مكّي انظر: الناسخ والمنسوخ ص 213، والإيضاح ص 329. وراجع نواسخ القرآن ص 380، وتفسير ابن كثير 2/ 556. وذكره ابن حزم ص 42 وابن سلامة ص 205، والبغوي في معالم التنزيل 4/ 59، والكرمي ص 128. هذا ولم يناقش كل من: الطبري، والنحاس، ومكّي، وابن الجوزي قضية النسخ هنا، وكأنها قضية مسلمة، لكن القرطبي بعد إيراده النسخ عن قتادة، وعكرمة، ومجاهد قال: «وقيل: ليس بمنسوخ وأنه أمر بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم» اه الجامع لأحكام القرآن 10/ 54.
وقال الخازن بعد ذكره للنسخ: «وقيل: فيه بعد، لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن(2/739)
وهذا (1) أمر من الله عزّ وجلّ لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالصبر في حال لم يكن فيها مطيقا لقتالهم، فليس بمنسوخ بآية السيف.
وقوله عزّ وجلّ: {لََا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ََ مََا مَتَّعْنََا بِهِ أَزْوََاجاً مِنْهُمْ} (2)، قالوا: نسخ بآية السيف (3).
وإنما المعنى: إنا أعطيناك المثاني والقرآن العظيم، فالذي أعطيناك أفضل من كل عطية، فلا تمدن عينيك إلى دنياهم، واستغن بما أعطيناك عما متعنا به صنوفا منهم (4).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} (5) نسخ معناه بآية السيف دون لفظه، وليس كما قالوا، وذلك محكم لفظا ومعنى (6).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ: {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ} هذه الآية نصفها محكم، ونصفها منسوخ، وهو قوله عزّ وجلّ: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (7)، وهذا كأنه نوع من اللعب!
__________
يظهر الخلق الحسن، وأن يعاملهم بالعفو والصفح الخالي من الجزع والخوف» اه لباب التأويل 4/ 60.
قلت: وهذا هو الصحيح، فإنه لا تلازم بين كون هذه الآية مكّية وكونها منسوخة، فمن ذهب إلى قبول دعوى النسخ والسكوت عنه اعتمادا على مكّية الآية، وأن مشروعية القتال كان بعد الهجرة فليس صحيحا، وبخاصة أن الله تعالى توعدهم على أنه قد وقع منهم ما يقتضي الصفح عنهم بعذاب في الآخرة، راجع النسخ في القرآن 2/ 537.
(1) في بقية النسخ: وهو.
(2) الحجر (88).
(3) ذكره ابن حزم ص 43، وابن سلامة ص 205، وابن البارزي ص 38، والفيروزآبادي 1/ 274، والكرمي ص 129.
(4) راجع تفسير الطبري 14/ 60، ونواسخ القرآن ص 381، وزاد المسير 4/ 416، وتفسير القرطبي 10/ 56.
(5) الحجر (89).
(6) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 43، وابن سلامة ص 206، وناسخ القرآن لابن البارزي ص 38. قال ابن الجوزي: زعم بعضهم أن معناها نسخ بآية السيف، لأن المعنى عنده: اقتصر على الإنذار، وهذا خيال فاسد، لأنه ليس في الآية ما يتضمن هذا، ثم هذا خبر فلا وجه للنسخ اه نواسخ القرآن ص 381.
(7) الحجر (94).
وقد روي النسخ: ابن جرير الطبري في جامع البيان 14/ 69بسنده، عن ابن عباس،(2/740)
وإنما المعنى: بلّغ ما أمرت بتبليغه واصدع به، ولا تخش المشركين فإنا قد كفيناك المستهزئين.
وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخفي أمره مخافتهم، فأمره الله بإظهاره أمره، وإظهار القرآن الذي يوحي إليه، وقيل: لم يزل النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة (1) مستخفيا حتى نزلت، فخرج هو وأصحابه (2).
وعن ابن عباس: (المستهزئين) (3): الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي (4) وعدي (5) بن قيس، والأسود بن عبد يغوث الزهري (6) وهو ابن خال رسول (7) الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو زمعة الأسود بن عبد المطلب، كانوا يستهزءون برسول
__________
والضحاك، وفي السند عن ابن عباس الحسين بن الحسن بن عطية، وهو ضعيف، كما في ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 532. وأما الراوي عن الضحاك فهو: جويبر. وقد تقدم أنه ضعيف أيضا.
كما ذكر النسخ معزوا إلى ابن عباس كل من: النحاس ص 213، ومكي ص 329، والقرطبي 10/ 62، وذكره دون عزو ابن حزم ص 43، وابن سلامة ص 206، وابن البارزي ص 38، والفيروزآبادي 1/ 273، والكرمي ص 129، هذا ولم يناقش الطبري، والنحاس، ومكي، وابن الجوزي قضية القول بالنسخ هنا، بل حكوا ذلك وسكتوا عنه.
وقد أحسن الإمام السخاوي صنعا في رده القول بالنسخ ورفضه وعدم قبوله، والحق معه رحمه الله فإن الله تعالى أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية أن لا يهتم بما يقال له من كلمات تدل على السخرية والاستهزاء، وأن لا يشغل باله بذلك، بل عليه أن يوجه كل اهتماماته إلى نشر الدعوة، وهو سيصرف عنه أولئك وسيكفيه إياهم بما شاء كما سيأتي فعليه أن لا يبالي بإصرارهم على الكفر والضلال، وهذا فيه نوع من التسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين معه. والله أعلم.
(1) حرفت في د وظ إلى: (بمكية).
(2) راجع تفسير القرطبي 10/ 62، والخازن 4/ 63.
(3) هكذا في الأصل: المستهزئين. وفي بقية النسخ: المستهزءون. وهو الصواب.
(4) وقد ماتا مشركين في السنة الأولى من الهجرة. انظر: البداية والنهاية 3/ 234.
(5) وفي بعض الروايات كما في سيرة ابن هشام، وتفسير الطبري، والقرطبي: «الحارث بن الطّلاطلة»، وفي معالم التنزيل للبغوي: «الحارث بن قيس بن الطّلاطلة، قال ابن الجوزي بعد نسبته هذا القول إلى ابن عباس: وكذلك ذكرهم سعيد بن جبير، إلا أنه قال مكان الحارث بن قيس: الحارث بن غيطلة». قال الزهري: غيطلة: أمه، وقيس: أبوه، فهو واحد وفي رواية ابن عباس، مكان الحارث بن قيس: عدى بن قيس اه زاد المسير 4/ 421. قلت: وهي موافقة لما ذكره المصنف عن ابن عباس.
(6) مات كافرا. انظر: جمهرة أنساب العرب ص 129.
(7) في د وظ: خال النبي صلّى الله عليه وسلّم.(2/741)
الله صلّى الله عليه وسلّم فبينما النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعه جبريل عليه السلام إذ مرّوا به واحدا بعد واحد فإذا مرّ واحد منهم قال له جبريل: كيف تجد هذا؟ فيقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بئس عبد الله» (1)، فيقول جبريل عليه السلام: كفيناك هو فهلكوا في ليلة واحدة، أما الوليد: فتعلّق بردائه سهم، فقعد ليخلصه فقطع أكحله (2)، فنزف فمات، وأما الأسود بن عبد يغوث: فأتي بغصن فيه شوك، فضرب به وجهه، فسالت حدقتاه (3) على وجهه، وأما العاص بن وائل: فوطئ شوكة فتساقط لحمه عن عظمه، وأما الأسود بن عبد المطلب، وعدي بن قيس: فأحدهما (4) لدغته حيّة فمات، والآخر شرب من جرة فما زال يشرب حتى انشق بطنه (5).
أي: إنا كفيناك الساخرين منك الجاعلين مع الله الها آخر.
قال عكرمة: وهم (6) قوم من المشركين كانوا (يقول) (7): سورة البقرة سورة العنكبوت!!، يستهزءون بالقرآن وأسمائه (8).
__________
(1) وفي رواية الطبري قتادة ومقسم: بئس عدو الله. جامع البيان 14/ 71.
(2) الأكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده. اللسان 11/ 586 (كحل).
(3) الحدقة: السواد المستدير وسط العين. اللسان 10/ 39 (حدق).
(4) في د وظ: واحد منهما.
(5) راجع في هذا: تفسير الطبري 14/ 69، وابن عيينة ص 282، وسيرة ابن هشام 1/ 408، البداية والنهاية 3/ 103، ومعالم التنزيل 4/ 63، ولباب التأويل 4/ 63، وتفسير القرطبي 10/ 62، وابن الجوزي 4/ 421، وابن كثير 2/ 559، والدر المنثور 5/ 100.
(6) في بقية النسخ: بدون الواو.
(7) هكذا في الأصل: كانوا يقول: خطأ. وفي بقية النسخ: يقولون وهو الصواب.
(8) أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة كما في الدر المنثور 5/ 104وذكره البغوي دون عزو. انظر:
معالم التنزيل 4/ 64.(2/742)
سورة النحل
فيها (خمس) (1) مواضع: الأول: قوله عزّ وجلّ: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} (2)، قالوا: نسخت بقوله عزّ وجلّ في المائدة (فاجتنبوه)، وبقوله سبحانه: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (3)، وليس هذا (منسوخ) (4) بهذا، لأن الله عزّ وجلّ أخبر عن حالهم في سورة النحل وعما كانوا بفعلون، ولم يبح لهم بذلك الخمر ولا أمر (5) باتخاذها.
قالوا: وهذا الخبر وشبهه، جائز نسخه، لأن الخبر على ضربين: ضرب لا يجوز نسخه، مثل أن يخبر الله عزّ وجلّ عن شيء أنه كان أو أنه سيكون، وضرب (6) يجوز نسخه، مثل أن يخبرنا عزّ وجلّ عن قوم أنهم فعلوا شيئا أو استباحوه (7) وتمتعوا (8) به، ولم يحرّم ذلك عليهم، ثم أخبرنا أنه محرّم علينا، فنسخ ما كان أخبرنا به، وأنه (9) كان مباحا
__________
(1) هكذا في الأصل: خمس. وفي بقية النسخ: خمسة. وهو الصواب.
(2) النحل (67).
(3) المائدة (90، 91). وتقدم نص الآيتين.
(4) هكذا في الأصل: وليس هذا منسوخ. وفي بقية النسخ: وليس هذا بمنسوخ. وهو الصواب.
(5) في ظ: ولأمر.
(6) سقطت الواو من: د وظ.
(7) في د وظ: استباحوه. بدون (أو).
(8) في بقية النسخ: أو تمتعوا.
(9) في بقية النسخ: أنه. بدون (واو).(2/743)
لمن كان قبلنا، فهذا النسخ (1) المسكوت عنه من فهم الخطاب، لأنه قد فهم من قوله:
{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} أنه (2) كان مباحا لهم وسكت عن حكمنا فيه، فجاز أن يكون لنا مباحا أيضا، ثم نسخ جواز إباحته بالتحريم في المائدة (3).
وهذا غير صحيح، لأنا لم نفهم من قوله عزّ وجلّ: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} أنه (4)
كان مباحا لهم، ولو فهمنا ذلك (مثلا) (5) لم ندر ما حكمه فيه علينا، فكما (6) يجوز أن يكون مباحا لنا، كذلك يجوز أن يكون (محرّم) (7) علينا، ثم أن القرآن إنما ينسخ القرآن، وليس تجويزنا أن يكون مباحا لنا بقرآن فينسخ على أن الله عزّ وجلّ قد أومأ إلى تحريمه، وعرض بذمه بقوله عزّ وجلّ بعده: {وَرِزْقاً حَسَناً} فأشار بذلك إلى أن السّكر:
رزق مذموم غير حسن.
وقال أبو عبيدة: السكر: الطعم. اه (8).
وقيل: السكر: ما سد الجوع (9).
وفيما قدّمته ما يغني عن هذين التأويلين.
الثاني: قوله عزّ وجلّ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ الْمُبِينُ} (10)، قالوا: نسخ
__________
(1) في د وظ: فهذا نسخ المسكوت عنه.
(2) في د وظ: أن كان.
(3) اعتمد السخاوي رحمه الله في هذا النص على مكي بن أبي طالب مع تصرف يسير، انظر:
الإيضاح ص 333331. وراجع الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 44، وأبي عبيد ص 520، وابن حزم ص 43، والنحاس ص 211، وابن سلامة ص 207، ونواسخ القرآن ص 386383 وتفسير الطبري 135، والقرطبي 10/ 128، والخازن وبهامشه معالم التنزيل للبغوي 4/ 82، والدر المنثور 4/ 142.
(4) في د وظ: أن كان.
(5) في بقية النسخ: ولو فهمنا ذلك مثلا لم ندر الخ.
(6) في د: وكما.
(7) هكذا في الأصل: محرم. خطأ نحوي. وفي بقية النسخ: محرما وهو الصواب.
(8) انظر: مجاز القرآن 1/ 363.
(9) هذا القول: ذكره النحاس دون عزو إلى أحد. قال: «هو مشتق من قولهم: سكرت النهر، أي:
سددته، فيتخذون منه سكرا، وعلى هذا السكر: ما كان من العجوة والرطب. وهو معنى قول أبي عبيدة» أه. الناسخ والمنسوخ ص 215.
(10) النحل (82).(2/744)
بآية السيف (1)، وقد تقدم مثل هذا، والجواب عنه، وإنما المعنى: فإنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم (2).
الثالث: قوله عزّ وجلّ: {مَنْ كَفَرَ} [3] بِاللََّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِهِ (4).
قال قوم: نسخ هذا بقوله: {إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ} (5)، وقد بينت أن الاستثناء ليس بنسخ (6).
وقال قوم: إن (7) الآية كلها منسوخة بقوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هََاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا فُتِنُوا} (8)، يعني أنهم فتنوا عن دينهم، فأخبر عزّ وجلّ أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا أنه غفور رحيم، وهذا غلط ظاهر لأن هذا فيمن أسلم بعد أن أكره على الكفر فكفر، وذاك (9) فيمن شرح بالكفر صدرا، ودام عليه، {ذََلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيََاةَ الدُّنْيََا عَلَى الْآخِرَةِ، وَأَنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكََافِرِينَ * أُولََئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} إلى قوله: {هُمُ الْخََاسِرُونَ} (10).
__________
(1) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 43، وابن سلامة ص 209، ونواسخ القرآن ص 386، وناسخ القرآن العزيز لابن البارزي ص 38، وبصائر ذوي التمييز 1/ 280.
وقد رد ابن الجوزي في المصدر السابق دعوى النسخ هنا، كما رده في نظائره.
(2) راجع الكلام على الموضع الثاني من سورة آل عمران. وهي الآية رقم 20. ومر مثله أيضا عند قوله تعالى: {فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسََابُ} الآية 40من سورة الرعد ص: 737.
(3) في الأصل: (ومن يكفر) خطأ.
(4) النحل (106). {مَنْ كَفَرَ بِاللََّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِهِ إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ وَلََكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللََّهِ وَلَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ}.
(5) جزء من الآية نفسها.
(6) ذكر دعوى النسخ هنا: ابن حزم ص 43، وابن سلامة ص 209، وحكيا فيها قولا آخر، وهي أنها منسوخة بآية السيف.
كما ذكر دعوى النسخ ابن البارزي في ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه ص 39.
(7) (أن) ليست في بقية النسخ.
(8) النحل (110).
(9) في بقية النسخ: وذلك.
(10) النحل (109107).(2/745)
وقد قرئ (فتنوا) بفتح (1) الفاء والتاء (2): أي فتنوا غيرهم عن دينهم، ثم أسلموا (3) أو تابوا (4).
الرابع: قوله عزّ وجلّ: {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (5)، قالوا: هو منسوخ بآية السيف (6).
وقيل: بل هي محكمة، والتي هي أحسن: اللين غير فظ غليظ ولا جاف.
وقيل: الانتهاء إلى ما أمر الله به ونهى عنه، وكل ذلك غير منسوخ (7) وما زال يدعو إلى الله عزّ وجلّ بالرفق واللين، وما قاتل قوما قط إلّا (8) دعاهم إلى الإيمان وعرضه عليهم وبيّنه لهم، وأما المفاجأة بالقتال من غير أن يقدم القول والدعاء إلى الإسلام، فلا، وكان أمره صلّى الله عليه وسلّم وحاله كما قيل:
__________
(1) كلمة (بفتح) مكررة في د.
(2) وبها قرأ ابن عامر. وقرأ غيره بضم الفاء وكسر التاء. الكشف 2/ 41، والنشر 2/ 305. فقراءة ابن عامر بالبناء على الفاعل، أي: فتنوا المؤمنين بإكراههم على الكفر، وقراءة الباقين بالبناء للمفعول، أي: فتنهم الكفار بالتلفظ بالكفر، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان. المهذب في القراءات العشر 1/ 276.
(3) في الأصل: أو تابوا. وفي بقية النسخ: وتابوا. وهي أصح.
(4) نسب مكي هذا القول أي نسخ {مَنْ كَفَرَ بِاللََّهِ} الآية بقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هََاجَرُوا} الآية، نسبه إلى ابن حبيب، ورده وفنّده بما ملخصه: «وهذا لم يقله أحد غيره، وهو غلط ظاهر، فإنه خبر عن مجازاتهم، فلا يجوز نسخه، ولا يحسن من الآدميين. فكيف من علّام الغيوب تعالى الله عن ذلك»؟.
فالآية الأولى: نزلت في قوم أكرهوا على الكفر، وفي قوم شرحوا صدورهم بالكفر، وفي قوم كفروا بعد إيمانهم، والآية الثانية: نزلت في صنف آخر غير الصنف الأول، فالآيتان في أصناف مختلفة، يختلف الحكم فيهم وفي مجازاتهم، فلا ينسخ شيء منه شيئا اه من الإيضاح ص 335.
(5) النحل: (125).
(6) قال ذلك النحاس ص 215، وابن سلامة ص 210، وابن البارزي ص 38، والفيروزآبادي 1/ 280، والكرمي ص 133، وحكي ابن حزم الخلاف فيها. انظر: الناسخ والمنسوخ له ص 44.
(7) حكي مكي النسخ. ثم قال: «وقيل هو محكم، والمجادلة بالتي هي أحسن: الانتهاء إلى أمر الله به، والكف عما نهى الله عنه، وهذا لا يجوز نسخه، فالآية محكمة» أه. الإيضاح ص 336.
وكذلك حكاه ابن الجوزي ورده بنحو ما ذكره مكي، والسخاوي.
انظر: نواسخ القرآن ص 387، وراجع تفسير القرطبي 10/ 200.
(8) في بقية النسخ: حتى دعاهم. وهي الأصح.(2/746)
«أناة فإن لم تغن أردف بعدها ... وعيدا فإن لم يغن أغنت صوارمه» (1).
الخامس: قوله عزّ وجلّ: {وَاصْبِرْ وَمََا صَبْرُكَ إِلََّا بِاللََّهِ} (2)، قالوا: نسخ الصبر بآية السيف (3).
ولا يصح ما قالوه، لأنه قد قال عزّ وجلّ قبلها: {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ فَعََاقِبُوا بِمِثْلِ مََا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصََّابِرِينَ} (4)، فما نزلت إلّا بعد الأمر بالقتال، وكان المسلمون قد عزموا على المثلة بالمشركين لما (فعلوا المشركون) (5) يوم أحد بحمزة رحمه الله وغيره من المسلمين (6)، وقالوا (7): لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب (8)، فقال لهم الله عزّ وجلّ: {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ فَعََاقِبُوا بِمِثْلِ مََا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [9] لَهُوَ خَيْرٌ لِلصََّابِرِينَ، إما (10) عن المثلة المماثلة لما فعل بكم، وإما عن تركها رأسا، والاقتصار على
__________
(1) البيت لإبراهيم بن العباس الصولي، وهو كلام موجه إلى بعض البغاة الخارجين عن أمير المؤمنين، يتهددهم ويتوعدهم، وهو كلام مع وجازته في غاية الإبداع. انظر: ديوانه ضمن الطرائف الأدبية ص 179والأغاني 10/ 42، ووفيات الأعيان 1/ 44، ومعجم الأدباء 1/ 188.
والصوارم: جمع صارم، وهو السيف القاطع. اللسان 12/ 335 (صرم).
(2) النحل (127).
(3) قاله ابن سلامة ص 210، وابن البارزي ص 38، وذكره مكي ضمنا. انظر الإيضاح ص 119. وحكى ابن حزم الخلاف فيها. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 44.
قال ابن الجوزي: هذه الآية متعلقة بالتي قبلها، فحكمها حكمها، وقد زعم بعض المفسرين أن الصبر هاهنا منسوخ بآية السيف اه. نواسخ القرآن ص 389، وكان ابن الجوزي قد حكي قولين للمفسرين في الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ فَعََاقِبُوا بِمِثْلِ مََا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
الآية أحدهما: أنها نزلت قبل (براءة) فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقاتل من قاتله، ولا يبدأ بالقتال ثم نسخ ذلك، وأمر بالجهاد، قاله ابن عباس والضحاك
والثاني: أنها محكمة، وأنها نزلت فمن ظلم ظلامة، فلا يحل له أن ينال من ظلامة أكثر مما نال الظالم منه، قاله الشعبي والنخعي وابن سيرين والثوري، وعلى هذا القول يكون المعنى: ولئن صبرتم على المثلة لا عن القتال، وهذا أصح من القول الأول اه المصدر نفسه.
(4) النحل: (126).
(5) هكذا في الأصل: لما فعلوا المشركون. وفي بقية النسخ: لما فعل المشركون وهي الصواب.
(6) في د: من المسلمون!.
(7) في د وظ: قالوا: بدون واو.
(8) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 213.
(9) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(10) في ظ: ما عن المثلة.(2/747)
القتل دونها، ثم قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {وَاصْبِرْ وَمََا صَبْرُكَ إِلََّا بِاللََّهِ}، لأنه صلّى الله عليه وسلّم لما وقف على (1) حمزة رضي الله عنه، فنظر إلى شيء لم ينظر قط إلى شيء كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه وقد مثل به فقال: (رحمة الله عليك، فإنك كنت ما علمتك فعولا للخيرات، وصولا للرحم، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر (2)
من أفواه شتى، أما والله مع ذلك لأمثلنّ بسبعين منهم)، فنزل جبريل عليه السلام والنبي صلّى الله عليه وسلّم واقف بخواتيم سورة الحل {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ} الآيات (3) الثلاث، فصبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وكفّر عن يمينه، ولم يمثل بأحد، فقوله عزّ وجلّ لنبيه صلّى الله عليه وسلّم:
{وَاصْبِرْ}، كما يقال لمن يعزّى في مصيبة: (واصبر) (4) واحتسب، وهذا حكم باق إلى يوم القيامة، لم ينسخ، وكل من نزلت به نازلة، فهو مأمور بالصبر، وهذه السورة مكية إلّا الآيات (5) الثلاثة (6).
__________
(1) في د وظ: لما وقف على عمه حمزة.
(2) في د: يحشر. بالياء.
(3) أضافها الناسخ في حاشية ت. لكنها لم تظهر واضحة.
(4) كلمة (واصبر) ساقطة من الأصل.
(5) هكذا في الأصل: إلّا الآيات الثلاثة، خطأ. وفي بقية النسخ: الثلاث. وهي الصواب.
(6) ساق الإمام الطبري الأقوال التي قيلت في سبب نزول هذه الآية، وهل هي منسوخة أو محكمة؟. ثم قال: والصواب من القول في ذلك أن يقال: أن الله تعالى ذكره أمر من عوقب من المؤمنين بعقوبة أن يعاقب من عاقبه بمثل الذي عوقب به، إن اختار عقوبته، وأعلمه أن الصبر على ترك عقوبته على ما كان منه إليه خير، وعزم على نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يصبر، وذلك أن ذلك هو ظاهر التنزيل، فإذا كان ذلك كذلك. فيقال: أن الآية محكمة، أمر الله تعالى ذكره عباده أن لا يتجاوزوا فيما وجب لهم قبل غيرهم من حق من مال أو نفس الحقّ الذي جعله الله لهم إلى غيره، وأنها غير منسوخة، إذ كان لا دلالة على نسخها، وأن للقول بأنها محكمة وجها صحيحا مفهوما». أه.
جامع البيان 14/ 197.(2/748)
سورة بني إسرائيل
(فيها ستة مواضع) (1):
الأول: قوله عزّ وجلّ {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمََا كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً} (2)، قالوا: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كََانُوا أُولِي قُرْبى ََ} (3).
قالوا: وبقوله عزّ وجلّ {فَلَمََّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلََّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} (4) (5).
وذلك غير صحيح، لأن الآية خطابها للمؤمنين في الاستغفار لآبائهم المؤمنين إذا ماتوا، وقد علم أن الله لا يغفر لمن مات وهو كافر (6)، فلا وجه لتناولها الآباء الكفار.
الثاني: {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (7).
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) الإسراء (24) {وَقَضى ََ رَبُّكَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ وَبِالْوََالِدَيْنِ إِحْسََاناً إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} إلى {كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً}.
(3) التوبة (113).
(4) التوبة (114).
(5) انظر الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 44، وأبي عبيد ص 576، وابن حزم ص 44، والنحاس ص 215، وابن سلامة ص 211، وتفسير الطبري: 15/ 67، والإيضاح لمكي ص 337، ونواسخ القرآن ص 390، وزاد المسير 5/ 26، وتفسير القرطبي: 10/ 244، وتفسير الخازن وبهامشه تفسير البغوي: 4/ 126،.
(6) في بقية النسخ: لمن مات كافرا.
(7) الإسراء (34).(2/749)
قالوا: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (1).
وقال آخرون: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (2)، وليس ذلك بصحيح، فإن الله عزّ وجلّ قال: {إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} *، وقال في الأخرى: {وَاللََّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
الثالث: قوله عزّ وجلّ {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (3)، قالوا: نسخ بآية السيف، وقد تقدم الكلام على مثله (4)، وإنّما الرسول صلّى الله عليه وسلّم مبلغ، وليس بوكيل، وليست الهداية إليه.
الرابع: قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} [5] وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا (6).
زعموا أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: في الأعراف {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً} (7) الآية، أي أنه أمر في (سبحان) أن لا يخافت
__________
(1) البقرة (220) {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ قُلْ إِصْلََاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ}
الآية.
(2) النساء (6). {وَمَنْ كََانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} الآية.
وقد أورد دعوى النسخ قتادة ص 45، ونقله عنه الطبري: 15/ 84والنحاس ص 217، ونقله مكي عن مجاهد. انظر: الإيضاح ص 339ثم قال مكي: والذي يوجبه النظر وعليه جماعة من العلماء أنه غير منسوخ لأنه قال تعالى {إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} * ففي هذا جواز مخالطتهم بالتي هي أحسن وهو قوله {وَاللََّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} فكلا الآيتين يجوّز مخالطة اليتيم، فلا يجوز أن تنسخ إحداهما الأخرى لأنهما بمعنى واحد اه. وكذلك رد ابن الجوزي دعوى النسخ وشدد النكير على القائلين به ورماهم بالجهل. انظر نواسخ القرآن ص 392قلت: وقد تقدم مثل هذا في الموضع الخامس عشر من سورة الأنعام ص 704.
وأما الكلام على معنى قوله تعالى {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فقد سبق أيضا في الموضع الثاني والسادس من سورة النساء ص 646، 651.
(3) الإسراء (54).
(4) راجع الكلام على الموضع الثاني من سورة آل عمران، والموضع الثاني والعشرين من سورة النساء، والموضع الثاني والثامن، والموضع السادس من سورة يونس.
(5) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(6) الإسراء (110). وكان ينبغي أن تكون هذه الآية هي الموضع السادس والأخير من السورة حسب ترتيب الآيات، لكن المصنف لم يلتزم بذلك.
(7) الأعراف (205). ولفظة (تضرعا) ليست في بقية النسخ.(2/750)
بصلاته وأمر (1) في (الاعراف) بالمخافتة (2). وقد (1) تقدم أن ابن عباس رضي الله عنهما يطلق النسخ على غير ما نطلقه نحن عليه هذا إن صح ذلك عنه.
وقد (1) قال أبو موسى وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم: المراد بالصلاة هاهنا: الدعاء (5).
__________
(1) سقطت الواو من ظ في هذه المواضع الثلاثة.
(2) ذكره النحاس وابن الجوزي عن الضحاك عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ ص 218، ونواسخ القرآن ص 393.
وذكره مكي عن ابن عباس كذلك. انظر الإيضاح ص 340، وممن حكى النسخ ابن سلامة ص 214، والكرمي ص 135.
(5) ذكره عنهم النحاس ومكي في المصدرين السابقين، ورواه البخاري والبغوي بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها قال البغوي: وهو قول النخعي ومجاهد ومكحول.
انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير: 8/ 405، بشرح ابن حجر ومعالم التنزيل:
4/ 154، وراجع تفسير الطبري: 15/ 183، وأسباب النزول للواحدي ص 170.
هذا وقد روى البخاري في صحيحه بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} قال: نزلت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ} أي بقراءتك، فيسمع المشركون القرآن {وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} من أصحابك فلا تسمعهم {وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا}.
انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير: 8/ 404، بشرح ابن حجر. وهذا الحديث يفيد أن المراد: رفع الصوت بالقرآن، لكن النحاس يرجح أن المراد بذلك رفع الصوت بالدعاء، كما ورد عن عائشة وغيرها. قال: «وهذا من أحسن ما قيل في الآية، لأن فيه هذا التوقيف عن عائشة، والمعروف من كلام العرب: أن الصلاة: الدعاء ولا يقال للقراءة صلاة، إلا على مجاز، وأيضا فإن العلماء مجمعون على كراهة رفع الصوت في الدعاء، وقد قال الله تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية:
(55) من سورة الأعراف. وأما أن تكون الآية منسوخة بقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} فبعيد، لأن هذا عقيب قوله {وَإِذََا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
فإنما أمر الله تعالى إذا أنصت أن يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة من عقابه، ولهذا كان هاهنا (وخفية) وثم (وخفية)، ومع هذا فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في كراهية رفع الصوت في الدعاء ما يقوي هذا، وقد قال ابن جريج في قول الله تعالى {إِنَّهُ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} جزء من الآية السابقة 55من سورة الأعراف قال: من الاعتداء: رفع الصوت في الدعاء والنداء والصياح به» اه الناسخ والمنسوخ ص 218.
وقد جمع ابن حجر بين قول ابن عباس وعائشة بقوله: ورجح الطبري قول ابن عباس كما رجحه غيره، لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت داخل الصلاة، وقد روى ابن مردويه من حديث أبي(2/751)
وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن رفع الصوت بالدعاء، وقال: إنكم لا تنادون أصمّ (1).
وقيل: (يا رسول الله، أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه)؟ فأنزل الله عزّ وجلّ {وَإِذََا سَأَلَكَ عِبََادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (2)، فالآية على هذا محكمة. وقال الحسن:
المعنى: (لا تجهر بصلاتك)، أي لا ترائي بها في العلانية (ولا تخافت بها) أي لا تهملها وتتركها في السر (3). ولكن هذا التأويل يبطله قوله عزّ وجلّ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا} إلّا أن يريد أن الإخلاص والمحافظة سبيل بين الرياء والتهاون، فتكون الآية على هذا محكمة.
الخامس: قوله عزّ وجلّ {إِنَّ الْعَهْدَ كََانَ مَسْؤُلًا} (4).
قال السدي: هذا منسوخ بقوله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللََّهِ وَأَيْمََانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا} (5).
__________
هريرة قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت» اه فتح الباري: 8/ 405.
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات باب الدعاء إذا علا عقبة 11/ 187، بشرح ابن حجر، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء باب استحباب خفض الصوت بالذكر الخ 17/ 25بشرح النووي، كما رواه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 218والبغوي في معالم التنزيل: 1/ 134.
(2) البقرة (186) {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} الآية. وقد أخرج هذا ابن جرير الطبري عن الصلت بن حكيم عن أبيه عن جده جامع البيان: 2/ 158، وزاد السيوطي نسبته إلى البغوي في مجمعه وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده. انظر الدر المنثور: 1/ 469. وذكره ابن الأثير عن رزين، قال: ولم أجده في الأصول. انظر: جامع الأصول: 2/ 24.
(3) أخرجه ابن جرير من طرق عن الحسن. جامع البيان: 15/ 187، وأخرجه ابن عساكر بنحوه عن الحسن كما في الدر المنثور: 5/ 351وذكره مكي والقرطبي عن الحسن كذلك. انظر: الإيضاح ص 342، والجامع لأحكام القرآن: 10/ 344.
قال مكي: فالمعنى على قوله: لا يجتمع منك الجهر بالصلاة في العلانية وترك فعلها في السر، ولا يجوز أن ينسخ هذا المعنى اه.
(4) الإسراء (34) {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كََانَ مَسْؤُلًا}.
وكان حق هذا الموضع أن يتقدم على الموضع الثالث الذي سبق الحديث عنه حسب ترتيب الآيات.
(5) آل عمران (77). وسيذكر المصنف نص بقية الآية.(2/752)
قال (1): فاقتضى قوله عزّ وجلّ {إِنَّ الْعَهْدَ كََانَ مَسْؤُلًا} أن من يسأل عن العهد يجوز أن يدخل الجنة، ثم نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {أُولََئِكَ لََا خَلََاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلََا يُكَلِّمُهُمُ اللََّهُ وَلََا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَلََا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ} (2).
وليس الأمر كما قال: فإن قوله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللََّهِ وَأَيْمََانِهِمْ} الآية.
نزلت في اليهود (3)، وعهد الله عزّ وجلّ: ما (4) في كتابهم من نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه (5) للناس ولا يكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا (6).
وقيل: إن قوما من اليهود اشتدت عليهم معيشتهم فلجئوا إلى المدينة، فلما رجعوا سألهم رؤساؤهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: هو الصادق لا شك فيه، (فقالوا) (7)
رؤساؤهم: حرمتم أنفسكم برّنا ونفعنا، فحكوا من كتبهم صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأثبتوا صفة غيره، وقالوا لرؤسائهم: إنا كنا غالطين (8)، وقالوا: إن الأمر فيه كما تقولون، وأخرجوا
__________
(1) (قال) ساقطة من ظ.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي دون تصريح بالنسخ كما في الدر المنثور: 5/ 284.
وذكره مكي بن أبي طالب عن السدي، ثم قال: والذي عليه الجماعة ويوجبه النظر أن هذا غير منسوخ، لأنه خبر لا يجوز نسخه، ولو نسخ هذا لصار المعنى: أن الله لا يسأل عن العهد، لأن نسخ الشيء: رفع حكمه، وهذا الحكم لا يجوز أن يرفع، فالآيتان محكمتان، يسأل الله عباده عن الوفاء بالعهد، ثم يعاقب من باعه ولم يف به بما شاء، ويعفو عمن يشاء من أهل الإيمان اه الإيضاح ص 342. هذا ولم أقف على من ذكر هذه الآية ضمن الناسخ والمنسوخ سوى مكي بن أبي طالب، وقد رد القول بذلك كما رأيت، والله أعلم.
(3) انظر: تفسير الطبري: 3/ 321، والبغوي: 1/ 310، والإيضاح ص 343، وزاد المسير:
1/ 411، وأسباب النزول للسيوطي ص 157بهامش الجلالين.
(4) (ما) ساقطة من ظق.
(5) هكذا في النسخ بالياء وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وشعبة على إسناد الفعل إلى أهل الكتاب، وقراءة الباقين بالتاء على الحكاية، أي قلنا لهم: لتبيننه الخ، وكذلك في لفظ (يكتمونه).
الكشف: 1/ 371، والنشر: 2/ 246، والإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية ص 100، والمهذب: 1/ 147.
(6) آل عمران 187.
(7) هكذا في الأصل: فقالوا. خطأ وفي بقية النسخ: فقال. وهو الصواب.
(8) في بقية النسخ: إن كنا لغالطين.(2/753)
فيه (1) ما (2) غيّروه وبدّلوه، فنفعوهم وبروهم (3).
وأما قوله عزّ وجلّ {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أي إذا عاهدتم الناس عهدا على شيء فأوفوا به فإن العهد مسئول، أي مطلوب، أو مسئول عنه، وليس بين الآيتين تعارض.
السادس: قال السدي في قوله عزّ وجلّ {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذََا كِلْتُمْ} (4) الآية نسخها قوله عزّ وجلّ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (5)، قال: فآية (سبحان) تقتضي أن من نقص الكيل والوزن، كان مؤمنا، ثم أوجب الله تعالى له الويل.
والآية محكمة عند جميع العلماء، وإنّما أخبر (6) الله تعالى في (سبحان) أن إيفاء الكيل والوزن العدل: خير لمن فعله وأحسن عاقبة. والتأويل: العاقبة، ومثل هذا من الخبر لا ينسخ، وأخبر تعالى في (المطففين) بالويل لمن طفف، ولا تعارض بينهما ولا نسخ (7).
__________
(1) (فيه): ليست في بقية النسخ.
(2) في د وظ: من.
(3) انظر أسباب النزول للواحدي ص 63.
(4) الإسراء (35) وتمامها {وَزِنُوا بِالْقِسْطََاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذََلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
(5) الآية الأولى من سورة المطففين.
(6) هكذا قال رحمه الله والذي يظهر أن الجملة ليست خبرية، وإنما تدل على الطلب، والأمر للوجوب.
(7) انظر الإيضاح ص 343.
وراجع معنى الآية في جامع البيان: 15/ 85، والجامع لأحكام القرآن 10/ 257. هذا ولم يتعرض لدعوى النسخ هنا إلا مكي بن أبي طالب حسب اطلاعي وهذا يدل على ضعف القول به، وقد تولى المصنف الرد على ذلك تبعا لمكي. والله أعلم.(2/754)
[سورة الكهف (1)]
وليس في سورة الكهف شيء (2)، إلّا أن السدي قال في قوله عزّ وجلّ: {فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} (3): هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * (4).
والذي قاله باطل، والمراد (التهديد) (5) لا التخيير، ولو فرض ما قاله لم يكن قوله عزّ وجلّ {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * معارضا له.
ويلزم من القول بأن هذا على التخيير إباحة الكفر، ومن اعتقد أن الله أباح الكفر فهو كافر.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) في د: وليس في سورة الكهف ليس فيها من المنسوخ.
(3) الكهف (29) وأولها {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ} الآية.
(4) الإنسان (30) والتكوير (29).
وقد ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم عن السدي وقتادة ص 44، وابن سلامة عن السدي ص 216، وكذلك ذكره ابن الجوزي عن السدي ورده بقوله: هذا تخليط في الكلام وإنما هو وعيد وتهديد ولا وجه للنسخ اه نواسخ القرآن ص 395وراجع الإيضاح ص 401، وتفسير القرطبي 10/ 393، وقلائد المرجان ص 136.
وممن ذكر دعوى النسخ دون عزو ابن البارزي ص 39، وذكره الفيروزآبادي وعزاه إلى قتادة 1/ 298.
والحق ما ذكره ابن الجوزي والسخاوي في الآيتين. والله الموفق للصواب.
(5) كلمة (التهديد) سقطت من الأصل. ووضع الناسخ سهما لكتابتها في الحاشية، لكنها لم تظهر.(2/755)
سورة مريم عليها السلام
ليس فيها من المنسوخ شيء.
1 - وقال قوم: قوله عزّ وجلّ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (1) نسخ بآية السيف (2)، وهذا من أعجب الجهل، أترى أنه لما نزلت آية السيف بطل إنذاره وتذكيره بيوم القيامة؟
2 - وقالوا في قوله عزّ وجلّ {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (3).
قالوا: نسخ بقوله عزّ وجلّ {إِلََّا مَنْ تََابَ} (4).
وقد تقدّم ذكر هذا (5).
__________
(1) مريم (39). {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لََا يُؤْمِنُونَ}.
(2) ذكره ابن حزم ص 45، وابن سلامة ص 217، وابن البارزي ص 40والفيروزآبادي 1/ 306، والكرمي ص 137.
(3) مريم (59). {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضََاعُوا الصَّلََاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوََاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
(4) مريم (60) {إِلََّا مَنْ تََابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً فَأُولََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلََا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}.
(5) أي تقدم أن الاستثناء ليس بنسخ، وإنما هو إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ.
راجع على سبيل المثال الموضع الرابع والخامس والسادس من سورة آل عمران ص 641 وكذلك الموضع (الثلاثون) من سورة النساء ص 680مع التعليق على تلك المواضع.
أما دعوى النسخ هنا فقد ذكرها ابن حزم ص ابن حزم ص 45، وابن سلامة ص 218وابن البارزي ص 40 والكرمي ص 137.
ورده ابن الجوزي بقوله: زعم بعض الجهلة أنه منسوخ بالاستثناء بعده وقد بينا أن الاستثناء ليس بنسخ اه نواسخ القرآن ص 396.(2/756)
3 - وكذلك قالوا في قوله عزّ وجلّ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا} (1) هو منسوخ بقوله {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} (2)، وهذا خبر، والخبر لا يصح نسخه من الله عزّ وجلّ.
وأيضا فإن الذين اتّقوا نجو بعد (الورد) (3)، فأين النسخ (4)؟!.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الورود: الدخول، لا يبقى برّ ولا فاجر إلّا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما» (5).
وسأل جابر بن عبد الله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال بعضهم لبعض: أليس وعدنا ربّنا أن نرد النار؟ (قعال) (6) لهم: قد وردتموها، وهى خامدة» (7).
وقال ابن مسعود وقتادة والحسن: الورود: الجواز على الصراط (8) اه.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون خطابا للكفار (9). أعني (منكم)، وعلى الجملة فهو غير منسوخ.
__________
(1) مريم (71) {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا كََانَ عَلى ََ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا}.
(2) مريم (72) {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظََّالِمِينَ فِيهََا جِثِيًّا}.
(3) هكذا في الأصل: الورد. وفي بقية النسخ: الورود. وهو الصواب.
(4) ذكر دعوى النسخ ابن سلامة ص 218، وكذلك مكي إلا أنه قال: أن الناسخ لها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ} الآية 101من سورة الأنبياء، وقد رده وقال بعدم جوازه لأنه خبر انظر: الإيضاح ص 345. وقال ابن الجوزي: زعم ذلك الجاهل أن الآية {وَإِنْ مِنْكُمْ} نسخت بقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}، وهذا من أفحش الإقدام على الكلام في كتاب الله سبحانه بالجهل.
وهل بين الآيتين تناف؟ فإن الأولى تثبت أن الكل يردونها، والثانية تثبت أنه ينجو منهم من اتقى، ثم هما خبران، والأخبار لا تنسخ. اه نواسخ القرآن ص 397.
(5) انظر: مسند الإمام أحمد: 3/ 328، 329، والمستدرك كتاب الأهوال: 4/ 587، وزاد السيوطي نسبته إلى عبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث. الدر المنثور 5/ 535.
(6) هكذا رسمت الكلمة في الأصل (قعال). وفي بقية النسخ: فيقال. وهي الصواب.
(7) انظر: تفسير الطبري: 16/ 109، وابن كثير: 3/ 132، والدر المنثور: 5/ 535.
(8) رواه الترمذي والدارمي والحاكم بنحوه عن عبد الله بن مسعود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. انظر: سنن الترمذي أبواب التفسير: 8/ 605، وسنن الدارمي: 2/ 329، والمستدرك كتاب التفسير: 2/ 375، وراجع:
4/ 587، من كتاب المستدرك أيضا.
(9) قال مكي: فأما من قال: أن الآية في الورود للكفار خاصة، فلا تخصيص فيها ولا نسخ اه الإيضاح ص 346.(2/757)
4 - و (1) قالوا في قوله عزّ وجلّ {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} (2): نسخ معناه بآية السيف (3).
وهذا خبر جاء على (لفظ) (4) الأمر إعلاما بأن ذلك كائن ولا بد، لأن أمر الله لنفسه بمعنى: الخبر، وقيل: إنه دعاء، أي فمد الله له في عمره، وعلى الجملة فليس بمنسوخ.
5 - وقالوا في قوله عزّ وجلّ {فَلََا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} (5) إنه منسوخ بآية السيف (6) وهذا تهديد ووعيد، وليس بمنسوخ بآية السيف.
__________
وهذا القول أعني تخصيص الورود بالكفار ضعيف، فإن ظاهر اللفظ القرآني لا يعطيه، بل هو عام شامل، والله أعلم.
(1) سقطت الواو من د وظ.
(2) مريم (75) {قُلْ مَنْ كََانَ فِي الضَّلََالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} الآية.
(3) ذكره ابن حزم ص 45، وابن سلامة ص 218، وابن البارزي ص 40والفيروزآبادي: 1/ 506، والكرمي ص 138.
قال ابن الجوزي: زعم ذلك الجاهل أنها منسوخة بآية السيف، وهذا باطل.
قال الزجاج: هذه الآية لفظها لفظ أمر ومعناها الخبر، والمعنى: أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، وعلى هذا لا وجه للنسخ. اه نواسخ القرآن ص 397.
(4) كلمة (لفظ) ساقطة من الأصل.
(5) مريم (84) {فَلََا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمََا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}.
(6) انظر: المصادر السابقة نفسها.
يقول ابن الجوزي: زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، وهذا ليس بصحيح، لأنه إن كان المعنى: لا تعجل بطلب عذابهم الذي يكون في الآخرة، فإن المعنى: أن أعمارهم سريعة الفناء، فلا وجه للنسخ، وإن كان المعنى: ولا تعجل بطلب قتالهم، فإن هذه السورة نزلت بمكة، ولم يؤمر حينئذ بالقتال، فنهيه عن الاستعجال بطلب القتال واقع في موضعه، ثم أمره بقتالهم بعد الهجرة، لا ينافي النهي عن طلب القتال بمكة، فكيف يتوجه النسخ؟! فسبحان من قدر وجود قوم جهال يتلاعبون بالكلام في القرآن، ويدّعون نسخ ما ليس بمنسوخ وكل ذلك من سوء الفهم، نعوذ بالله منه. اه المصدر السابق.(2/758)
سورة طه
ليس فيها منسوخ.
1 - وأما قولهم في قوله عزّ وجلّ {وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} (1):
هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} (2) (3) فهو (4) ظاهر البطلان، فإن أمره بالتأني إلى أن يسمع من الملك حكم ثابت (5) لا ينسخ (6).
2 - وكذلك قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (7): قالوا: إنه
__________
(1) طه (114).
(2) الأعلى (6).
(3) ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 45، وابن سلامة ص 224219، وابن البارزي ص 41، والفيروزآبادي 1/ 312والكرمي ص 140.
(4) في ظ: فهذا.
(5) في بقية النسخ: لم ينسخ.
(6) وهذا هو الصواب، فإن آية (طه) تفيد نهي الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن العجلة أثناء تلقى القرآن، حيث كان عليه الصلاة والسلام يبادر جبريل، فيقرأ قبل أن يفرغ من الوحي حرصا على حفظه وخوفا على ذهابه ونسيانه، وهذا كقوله تعالى {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} الآية 16من سورة القيامة.
وأما الآية التي في سورة (الأعلى) {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} فهي تؤكد معنى آية (طه) وتطمئن الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الحفظ وعدم النسيان، فلا تعارض بينهما ولا نسخ.
(7) طه (130) {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهََا وَمِنْ آنََاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرََافَ النَّهََارِ}.(2/759)
منسوخ بآية السيف وما نزل من الفرائض (1). وليس كذلك وأما (2) قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ}، فقد تقدم القول في مثله.
وأما قوله عزّ وجلّ (3): {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}: فقد قيل: أراد بقوله {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ}: صلاة الفجر، {وَقَبْلَ غُرُوبِهََا}: الظهر والعصر {وَمِنْ آنََاءِ اللَّيْلِ}: العشاء الآخرة، {وَأَطْرََافَ النَّهََارِ}: المغرب والصبح (4).
وكرّر ذكرها كما قال عزّ وجلّ {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} (5).
3 - وكذلك قوله عزّ وجلّ {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا} (6).
قالوا: نسخ بآية السيف (7)، وهذا وعيد وليس فيه نسخ.
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 45، وابن سلامة ص 224، ونواسخ القرآن ص 399، وزاد المسير: 5/ 333. وناسخ القرآن العزيز ومنسوخه لابن البارزي ص 40، وقلائد المرجان ص 140، وبصائر ذوي التمييز: 1/ 312.
وحكى القرطبي فيها القولين أعني النسخ والاحكام وفسرها بما يؤكد أحكامها. انظر تفسيره 11/ 260.
قلت: والقول باحكام الآية وعدم نسخها هو الصحيح، فإن الآية تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر على قولهم وسبهم له، ويفهم من هذا أن الآية تحمل في طياتها الوعيد الشديد لهم بعقاب من عند الله عاجلا وآجلا، وقد قاتلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم واستمر في قتالهم وصبر وتحمل كل العقبات التي وقفت في طريقه صلّى الله عليه وسلّم فلا نسخ ولا تعارض. والله أعلم.
(2) في بقية النسخ: أما. بدون واو.
(3) من قوله: أما قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ} إلى هنا ساقط من د وظ بانتقال النظر.
(4) انظر تفسير الفخر الرازي: 22/ 133، وراجع تفسير الطبري 16/ 233والبغوي 4/ 232، والقرطبي: 11/ 261، والزاد: 5/ 333.
(5) البقرة (238).
(6) طه (135).
(7) قال بذلك ابن حزم ص 45، وابن سلامة ص 224، وابن البارزي ص 40والفيروزآبادي:
1/ 312، والكرمي ص 140.
وأما ابن الجوزي فقد ذكره في نواسخ القرآن وسكت عنه. انظر: ص 399.
وذكره في زاد المسير بصيغة: قيل هذه منسوخة بآية السيف وليس بشيء اه 5/ 377.
نعم ليس بشيء لأنه تهديد ووعيد وتخويف للكفار بالعذاب، فالكل منتظر لمن يكون النصر، والكل متربص بالآخر، وسيعلم الكفار لمن النصر في الدنيا والفوز بالآخرة، ومثل هذا لا ينسخ، والله الموفق للصواب.(2/760)
سورة الأنبياء عليهم السلام
ليس فيها شيء من المنسوخ.
وقال قوم في قوله (1) عزّ وجلّ {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهََا وََارِدُونَ} (2): إنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ} (3).
فما أدرى (بم) (4) يرد هذا القول لكثرة الوجوه المبطلة له؟!.
أبكونه خبرا من الله عزّ وجلّ، وخبره لا ينسخ؟ أم بكونه خطابا لكفار قريش بقوله عزّ وجلّ {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهََا وََارِدُونَ}، وما كانوا يعبدون المسيح ولا الملائكة؟! أم بقوله {وَمََا تَعْبُدُونَ} و (ما) لما لا يعقل، أم بكونه قد
__________
(1) سقطت كلمة (قوله) من د وظ. وهو سقط فاحش.
(2) الأنبياء (98).
(3) الأنبياء (101).
وقد ذكر دعوى النسخ ابن حزم وابن سلامة وابن البارزي والكرمي في المصادر السابقة.
أما مكي فقد حكى النسخ عن بعض الناس ورده وفنده، وقال: إنما هو تخصيص وتبيين وهو أيضا خبر والخبر لا ينسخ إلى آخر كلامه في الإيضاح ص 351350.
وقال ابن الجوزي: وقد ذكروا في سورة الأنبياء ما لا يحسن ذكره مما ادعوا فيه النسخ، فأضربنا عنه. اه نواسخ القرآن ص 399.
(4) سقطت (بم) من الأصل.(2/761)
تبيّن بقوله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ}، أنه لم يرد العموم بقوله {وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ؟} (1).
__________
(1) قال الإمام الطبري: بعد ذكره لأقوال العلماء فيها ما ملخصه: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ} ما كان من معبود، كان المشركون يعبدونه، والمعبود لله مطيع، وعابده بعبادتهم إياه كفار، لأن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم حيث قال بعضهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما الأمر كما تقول لأنا نعبد الملائكة، ويعبد آخرون المسيح وعزيرا، فرد الله عليهم قولهم
فأما قول الذين قالوا: ذلك استثناء من قوله {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ} فقول لا معنى له لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى، إنما هم أما ملائكة وأما أنس أو جان، وكل هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها ب (من) لا ب (ما)، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حصب جهنم ب (ما)، قال: {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب، لا من كان من الملائكة والإنس اه جامع البيان: 17/ 9897.(2/762)
سورة الحج
ليس فيها منسوخ.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَإِنْ جََادَلُوكَ فَقُلِ اللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا تَعْمَلُونَ} (1) نسخها آية السيف (2). وقد قلنا: إن آية السيف لا يصح أن تكون ناسخة لشيء من هذا، لأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن قادرا على القتال منهيا عنه، وإنما تنسخ آية السيف أية يكون فيها نهيه عن القتال، ولا نجد ذلك في القرآن لأن العاجز عن القتال لا ينهى عنه! أفترى أنه بعد آية السيف لا يجوز له أن يقول لهم: {اللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا تَعْمَلُونَ}؟.
وما يروى عن السلف رحمهم الله مثل ابن عباس وغيره من إطلاق النسخ في هذا إنما يريدون به: الانتقال من حال الى أخرى، فأطلقوا على ذلك النسخ، ونحن نريد بالنسخ: رفع الحكم الثابت نصا بنص آخر لولاه لكان الأول ثابتا، وابن عباس وغيره لا يريدون بالنسخ هذا (3).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} (4): هو منسوخ بقوله عزّ
__________
(1) الحج (68).
(2) قاله ابن سلامة ص 233، وابن البارزي ص 41، وحكاه القرطبي في تفسيره: 12/ 94.
قال ابن الجوزي: اختلفوا في هذه الآية على قولين: أحدهما: أنها نزلت قبل الأمر بالقتال، ثم نسخت بآية السيف.
والثاني: أنها نزلت في حق المنافقين، كانت تظهر منهم فلتات، ثم يجادلون عليها، فأمر أن يكل أمورهم إلى الله تعالى، فالآية على هذا محكمة. اه نواسخ القرآن ص 400.
(3) وقد سبق تقرير هذا مرارا.
(4) الحج (78).(2/763)
وجلّ {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)، وقد تقدم الكلام في هذا (2).
وأما ما ذكروه في قوله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ} (3) من أنه منسوخ بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} (4): فهذيان لا يسمع ولا يلوى (5) عليه (6).
__________
(1) التغابن: 16.
(2) أي في الموضع التاسع من سورة آل عمران ص 643وممن قال بالنسخ هنا ابن سلامة ص 234، وابن البارزي ص 41، قال النحاس: من جعلها منسوخة، قال: هي مثل قوله تعالى: {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} الآية 102من سورة آل عمران.
قال: وهذا لا نسخ فيه اه الناسخ والمنسوخ ص 227.
ومال إلى القول بالأحكام مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 356والقرطبي في تفسيره 12/ 99.
وقد حكى ابن الجوزي النسخ، ثم قال: والقول الثاني: أنها محكمة لأن حق الجهاد: الجد في المجاهدة وبذل الإمكان مع صحة القصد فعلى هذا هي محكمة، ويوضحه أن الله تعالى لم يأمر بما لا يتصور فبان أن قوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} تفسير لحق الجهاد، فلا يصح نسخ. اه نواسخ القرآن ص 401.
(3) الحج (52). ولم يلتزم المصنف الترتيب. والآية تمامها: {إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللََّهُ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللََّهُ آيََاتِهِ وَاللََّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
(4) الأعلى (6) وتقدمت قريبا في سورة (طه).
(5) أي لا ينبغي أن يلتفت إليه. راجع اللسان 15/ 264 (لوى).
(6) ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 46، وابن سلامة ص 233231. قال مكي: وليس في الآية ناسخ ولا منسوخ إنما هي دالة على جواز النسخ لما ليس من القرآن مما يلقيه الشيطان على لسان النبي صلّى الله عليه وسلّم اه الإيضاح ص 355.
وراجع كلام النحاس حول ما قيل في هذه الآية ودعوى النسخ فيها وناسخها وتفنيده لذلك ص 225.(2/764)
سورة المؤمنين
لا نسخ فيها. وأما قولهم في قوله عزّ وجلّ {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} (1)، و (2) قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} (3) إنهما منسوختان بآية السيف، فغير صحيح، وقد تقدّم الكلام في مثله (4).
__________
(1) المؤمنون (54).
(2) سقطت الواو الأولى من ظ.
(3) المؤمنون (96).
(4) وذلك في الموضع الرابع والخامس من سورة الأنعام ص 698وفي الموضع الرابع من سورة النحل 746فانظره وقد ذكر النسخ هنا ابن حزم ص 46وابن سلامة ص 234، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 402وابن البارزي ص 42، والفيروزآبادي 1/ 330، والكرمي ص 148. وحكى القرطبي النسخ في الآية الثانية فقط {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} انظر، تفسيره: 12/ 147.
وقال فيها ابن الجوزي، أي في الآية الثانية: بعد أن حكى في معناها أربعة أقوال وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة وقال بعض المحققين من العلماء: لا حاجة بنا إلى القول بالنسخ لأن المداراة محمودة ما لم تضر بالدين ولم تؤد إلى إبطال حق وإثبات باطل. اه المصدر نفسه.(2/765)
سورة النور
1 - قوله عزّ وجلّ {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (1)، في معنى هذه (2) الآية أقوال:
قال ابن المسيب: فيما رواه مالك عن يحيى بن سعيد (3) (عنه) (4) إنها عامة، وإنها منسوخة بقوله عزّ وجلّ {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ} (5) (6) ولم يفرّق بين زانية ولا عفيفة.
فكل من زنا بامرأة أو زنا بها غيره: جاز له أن يتزوجها.
قال الشافعي: رحمه الله الآية منسوخة إن شاء الله كما قال ابن المسيب (7).
__________
(1) النور (3).
(2) كلمة (هذه) ليست في د وظ.
(3) يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني مات سنة 144هـ، أو بعدها التقريب: 2/ 348.
(4) (عنه) سقطت من الأصل.
(5) النور (32).
(6) انظر أحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1331، وتفسير القرطبي 12/ 169وقد أخرج هذا الأثر أبو عبيد وابن جرير والنحاس وابن الجوزي كلهم عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب. انظر الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 274، والنحاس ص 229، وجامع البيان: 18/ 74، 75، ونواسخ القرآن ص 405، وانظر الدر المنثور: 6/ 160.
(7) انظر كتاب الأم للشافعي: 5/ 12، 148.(2/766)
وكذلك يقول ابن عمر: إنها (1) منسوخة بجواز نكاح الزانية، وسالم (2)
وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك وأبو حنيفة (3).
والقول بأن الآية منسوخة: يوجب أن الزاني كان محرّما عليه أن ينكح عفيفة ولا يجوز له أن ينكح إلّا زانية أو مشركة، وأن الزانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك، وادعاء ذلك ليس بالهين، ومتى أباح الله عزّ وجلّ نكاح المشركات غير الكتابيات لزناة المسلمين؟ ومتى أباح الله للزانية المسلمة أن تنكح المشرك؟ فهذا القول واه ظاهر السقوط (4).
ثم أن قوله عزّ وجلّ: {وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}: يوجب على هذا القول أن يكون الزاني والزانية غير المشركين، أن يكونا غير مؤمنين.
وقال مجاهد وقتادة والزهري: هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين أرادوا نكاح مومسات (5) معلوم منهن الزنا في الجاهلية (6) اه.
وقال ابن عمر رضي الله عنه استأذن رجل من المؤمنين النبي صلّى الله عليه وسلّم في نكاح امرأة يقال لها: أم مهزول، اشترطت له أن تنفق عليه، وكانت تسافح (7).
والآية (8) لا تطابق ما ذكروه، فكيف يكون سببا لنزولها؟ وكان ينبغي على ما ذكروه أن يكون أول الكلام: المؤمنون لا ينكحون الزواني، وفي ذلك أيضا ما ذكرته فيما سبق.
__________
(1) في بقية النسخ: هي.
(2) أي وكذلك يقول سالم ومن عطف عليه.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 229، وراجع الإيضاح لمكي ص 359وتفسير القرطبي:
12/ 169.
(4) في ظق: البطلان.
(5) في ظ: حرفت الكلمة إلى (المؤمنات) وهو تحريف قبيح.
(6) ذكره عنهم ابن جرير الطبري في جامع البيان: 18/ 73.
(7) رواه الطبري والنحاس بسنديهما عن عبد الله بن عمرو، قال النحاس: وهذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية اه انظر جامع البيان 18/ 71، والناسخ والمنسوخ ص 231وراجع أسباب النزول للواحدي ص 180، وأحكام القرآن لابن العربي 3/ 1328، وتفسير القرطبي:
12/ 168. والدر المنثور 6/ 128. قال الكيا الهراسي الشافعي: فأقوى التأويلات أن الآية نزلت في بغايا الجاهلية، والمسلم ممنوع من التزوج بهن، فإذا تبن وأسلمن: صح النكاح وإذا ثبت ذلك فلا يجب كونه منسوخا اه. أحكام القرآن 2/ 296.
(8) كلمة (الآية) مكررة في ظ.(2/767)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن (1) المراد بالنكاح: الوطء. أي أن الزاني من أهل القبلة لا يزني إلّا بزانية مثله من أهل القبلة أو بمشركة، والزانية من أهل القبلة لا تزني إلّا بزان مثلها من أهل القبلة أو بمشرك {وَحُرِّمَ ذََلِكَ} أي وحرّم الزنا على المؤمنين.
واختار هذا القول الطبري، وقال في قوله عزّ وجلّ {وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}: أي وحرّم على المؤمنين نكاح المشركات الوثنيات، وعلى المؤمنات نكاح المشركين (2)، وليس هذا القول بمستقيم، وأي فائدة في الإخبار بأن الزاني لا ينكح إلّا زانية أي لا يطأ إلّا زانية؟ وفي أن الزانية لا يطأها إلّا زان (3)؟.
ورد (4) قوم من العلماء القول بأن المراد بالنكاح: الوطء بقوله عزّ وجلّ {وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
وقالوا (5): هو محرّم على المؤمنين وغيرهم. وإنما المراد بالنكاح: التزويج (6) أي وحرّم نكاح البغايا والزناة، وهذا الرد غير سديد، لأنه لا يلزم من قوله عزّ وجلّ {وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أن يكون مباحا لغيرهم، وقد قال عزّ وجلّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (7) و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} (8) الآية، وإنما ردّه بما ذكرته.
__________
(1) أن: ليست في بقية النسخ.
(2) انظر نص كلام الطبري في جامع البيان: 18/ 75، وهو بنصه أو قريب منه في الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 230، والإيضاح ص 360، وراجع أيضا الجامع لأحكام القرآن للقرطبي:
12/ 167.
(3) قال ابن العربي: بعد أن أورد الأقوال في الآية والذي عندي أن النكاح لا يخلو من أن يراد به الوطء كما قال ابن عباس أو العقد، فإن أريد به الوطء فإن معناه: لا يكون زنا إلا بزانية وذلك عبارة عن أن الوطئين من الرجل والمرأة زنا من الجهتين، ويكون تقدير الآية: وطء الزنا لا يقع إلا من زان أو من مشرك، وهذا يؤثر عن ابن عباس وهو معنى صحيح. فإن قيل: وأي فائدة فيه وكذلك هو؟
قلنا: علمناه كذلك من هذا القول، فهو أحد أدلته اه أحكام القرآن: 3/ 1330.
(4) كلمة (ورد) مطموسة في ظ.
(5) في بقية النسخ: وقال.
(6) قال القرطبي: وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية: الوطء.
وأنكر ذلك الزجاج، وقال: لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى: التزويج وليس كما قال. وفي القرآن {حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} الآية 230من سورة البقرة.
وقد بينه النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه بمعنى: الوطء اه من تفسيره: 12/ 168.
(7) المائدة (3).
(8) النساء (23).(2/768)
وقال صاحب الكشاف في هذه الآية: الفاسق: الخبيث الذي من شأنه الزنا والتقحب (1) (2)، لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء، واللاتي على خلاف صفته وإنما يرغب في فاسقة خبيثة من شكله أو مشركة (3)، والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها وإنما يرغب فيها من هو في شكلها من الفسقة أو المشركين، ونكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة (المتّسمون) (4) بالزنا: محرّم عليه محظور، لما فيه من التشبه (5) بالفساق وحضور موقع التهمة، والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة وأنواع المفاسد، ومجالسة الخطّاءين، كم فيها من التعرض (6) لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب (7)؟! وقد نبّه الله (8) تعالى (9) على ذلك بقوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ وَالصََّالِحِينَ مِنْ عِبََادِكُمْ وَإِمََائِكُمْ} (10) اه.
وقد قال هذا، وهو يحسب أنه قد قال شيئا! ومتى كان الزاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة؟ بل الزاني المتوغل في الزنا أكثر غيرة من غيره، ألا ترى إلى قولهم: (بقدر العفة تكون الغيرة) (11)، فهو لا يرضى لنفسه أن تكون قعيدة بيته إلّا في أبلغ درجات التصون (12)، وتراه يتخيل من أدنى (13) شيء لما عرفه من أحوال الزناة، ولهذا أجاز
__________
(1) حرفت في ظ إلى (التعجب).
(2) أي التمثل بالقحبة البغي، لأنها كانت في الجاهلية تؤذن طلابها بقحابها، وهو سعالها. اللسان:
1/ 661 (قحب).
(3) في الكشاف: أو في مشركة.
(4) هكذا في الأصل: المتسمون. وفي ظ: بالمتسمين.
وفي ظق ود (المتسمين) وهي الصواب.
(5) في ظق: من التشبيه.
(6) في ظ: حرفت الكلمة إلى (التعوض).
(7) في د وظ: الفجار.
(8) لفظ الجلالة ليس في بقية النسخ.
(9) كلمة (الله تعالى) ليست في الكشاف.
(10) الكشاف للزمخشري: 3/ 48.
(11) مثل عربي لم أستطع العثور عليه.
(12) في ظ: حرفت الكلمة إلى (التصوم).
(13) في د: أنى شيء.(2/769)
مالك رحمه الله ولاية الفاسق في النكاح (1)، ومتى أبيح للزاني نكاح المشركة الوثنية حتى لا يرغب إلّا فيها؟ ومتى رأينا الزناة يطلبون المشركات لنكاحهن كتابيات أو غير كتابيات؟.
ثم أن نكاح المشركات ليس فيه (2) شيء مما ذكر، ولو كان فيه ذلك لما أباح الله عزّ وجلّ نكاح الكتابيات وأحلّه للمؤمنين، فكيف تكون مخالطتهن والكون معهن محرّما على المسلمين؟ فإن قيل: فما بقي للآية معنى تحمل عليه؟.
قلت: معناها: تنفيرهم عن الزنا وتقبيحه في نفوسهم، لأنه عزّ وجلّ ذكر في الآية التي قبلها حد الزنا، ونهى عن الرأفة بمن زنا، وذكر أنها لا تجامع الإيمان، ثم قال في هذه الآية: كالمؤكد لذلك إذا كان الزاني المشهور بالزنا غير مرضي لنكاح من ولّيتم أمره، بل هو مردود عن ذلك مصدود استنكافا له فلا ينكح إلّا زانية مثله، والزانية لا تجد ناكحا لهجنتها إلّا زانيا أو مشركا إن كانت مشركة، فإذا كانت هذه حال الزنا عندكم، فكيف ترضونه لأنفسكم؟ فقد حرّمه الله عليكم لما فيه (من) (3)
رفع أقداركم (4)، وصرف السوء والفحشاء عنكم.
والزاني في قوله عزّ وجلّ {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ} (أو مشرك) (5): عام في كل زان مسلم أو مشرك (6) وفي كل زانية، فهذا الجنس لا ينكح إلّا زانية إن كان مسلما أو مشركة إن كان مشركا، ونزّه الله المؤمنين (7)
من ذلك فحرّمه عليهم، والآية محكمة، والله أعلم (8).
__________
(1) انظر: منح الجليل شرح على مختصر سيدي خليل 3/ 289، وراجع فقه السنة للسيد سابق:
2/ 111.
(2) في د: فنه. وفي ظ: منه.
(3) (من) ساقط من الأصل.
(4) في ظ: أنذاركم.
(5) قوله: {أَوْ مُشْرِكٌ}: سقط من الأصل وظق. ووضع الناسخ إشارة في (ت) لإضافتها في الحاشية لكنها لم تظهر.
(6) في ظ: عام في كل زان أو مشرك عام في كل زان مسلم.
(7) في د وظ: في ذلك.
(8) قلت: صدر ابن كثير تفسيره للآية بما يؤيد إحكامها، حيث قال: بعد إيراد الآية: هذا خبر من الله عزّ وجلّ بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك الزانية لا ينكحها إلا زان أي عاص بزناه أو مشرك لا يعتقد(2/770)
2 - وقوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا} [1] بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا (2): ليس بمنسوخ بقوله عزّ وجلّ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [3] فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ (4) كما ذكروا (5)، لأن الأولى في البيوت المسكونة، يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ {وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} والثانية في البيوت التي ينزلها المسافرون وبيوت الخانات، والبيوت التي ليس لها أرباب ولا سكّان (6).
3 - وقوله عزّ وجلّ {وَ} [7] قُلْ لِلْمُؤْمِنََاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ (8) الآية ليس ذلك بمنسوخ، بل هو محكم واجب على جميع النساء (9).
وقال قوم: نسخ بعضها بقوله عزّ وجلّ {وَالْقَوََاعِدُ مِنَ النِّسََاءِ اللََّاتِي لََا يَرْجُونَ}
__________
تحريمه ثم ساق عن سفيان إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وهذا إسناده صحيح عنه.
قال: وقد روى عنه من غير وجه أيضا. وقد روى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن زبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغير واحد نحو ذلك
ومن هنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب فإن تابت صح العقد عليها، وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} اه من تفسيره: 3/ 262.
(1) في د: لا يدخلوا. خطأ.
(2) النور (27).
(3) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(4) النور (29).
(5) أخرجه ابن الجوزي عن ابن عباس وعكرمة وكذلك النحاس.
انظر جامع البيان 18/ 115والناسخ والمنسوخ ص 231.
وزاد ابن الجوزي عزوه إلى الحسن والضحاك. انظر نواسخ القرآن ص 407كما عزاه مكي إلى ابن عباس دون إسناد كعادته. انظر الإيضاح ص 365وذكره دون عزو ابن حزم ص 48وابن سلامة ص 245، وراجع تفسير القرطبي 12/ 221.
(6) وقد رد القول بالنسخ كل من الإمام الطبري والنحاس ومكي وابن الجوزي انظر المصادر السابقة.
(7) سقطت الواو من د وظ.
(8) النور (31).
(9) وهذا هو الصحيح كما سيأتي قريبا بإذن الله.(2/771)
{نِكََاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنََاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيََابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجََاتٍ بِزِينَةٍ} (1) اه وليس هذا بناسخ لما تقدم لمن تأمل (2).
4 - وقوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (3) روى عن ابن عباس رضي الله عنهما إنها منسوخة، وكذلك قال سعيد بن المسيب، وهذا مما يوضح ما قلته من أنهم كانوا يطلقون النسخ على غير ما نطلقه نحن عليه لأن ابن عباس رضي الله عنهما سأل (4) عن هذه الآية، فقال: لا يعمل بها اليوم قال:
وذلك أن القوم لم يكن لهم ستور ولا حجال (5) (6)، فربما دخل الخادم والولد و (7) اليتيم على الرجل وهو يجامع فأمر الله عزّ وجلّ (8) بالاستئذان في هذه الساعات الثلاث ثم جاء الله عزّ وجلّ باليسر وبسط الرزق فاتخذ الناس الستور والحجال (9)، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم عن الاستئذان (10).
__________
(1) النور (60).
وقد ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 48، وابن سلامة ص 246، وعزاه مكي إلى ابن عباس كما في الإيضاح ص 366، ورواه ابن الجوزي بسنده عن ابن عباس، قال: وهو قول الضحاك اه نواسخ القرآن ص 409.
(2) قال ابن الجوزي: قد زعم قوم أن هذا نسخ وليس هذا بصحيح لأن الآية الأولى فيمن يخاف الافتتان بها، وهذه الآية في العجائز فلا نسخ اه المصدر نفسه.
(3) النور (58). {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلََاثَ مَرََّاتٍ} الآية.
(4) هكذا في الأصل: سأل. وهو خطأ إملائي. وفي بقية النسخ: سئل وهو الصواب.
(5) في ظ: ولا حجاب.
(6) الحجال: جمع حجلة بفتحات مثل القبة، وحجلة العروس بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.
اللسان 11/ 144 (حجل).
(7) سقطت الواو من ظ.
(8) سقطت الباء من ظ.
(9) في د وظ: والحجاب.
(10) رواه بنحوه أبو عبيد والنحاس وأبو داود كلهم عن ابن عباس.
انظر الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص 471، والنحاس ص 235، وسنن أبي داود كتاب الأدب باب الاستئذان في العورات الثلاث: 5/ 377قال النحاس: عقيب ذكره لأثر ابن عباس هذا وهذا القول متنه حسن وليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على أنها كانت على حال ثم زالت فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان اه المصدر نفسه. وانظر تفسير القرطبي: 12/ 303، وراجع نحو كلام السخاوي في الإيضاح لمكي ص 367366.(2/772)
وقال ابن المسيب: هي منسوخة لا يعمل بها اليوم (1)، وهذا من قوله دليل واضح على ما ذكرته، فلا تغتر بقولهم: منسوخ، فإنهم لا يريدون به ما تريد أنت بالنسخ والدليل على هذا: أن هذه الآية لم يرد لها ناسخ من القرآن (2)، ولا من السّنة على قول من يجيز نسخه بالسّنّة، وأن حكمها باق فيمن يكون حاله كحال من أنزلت فيه بإجماع.
قال الشعبي: ليست بمنسوخة. فقيل له: إن الناس لا يعملون بها اليوم، فقال: الله المستعان (3).
وأكثر العلماء على أنها محكمة وأن (4) حكمها باق، والاستئذان غير (5)
منسوخ (6).
__________
(1) رواه النحاس عن سعيد بن المسيب، كما رواه أيضا بنحوه أبو عبيد والطبري عن سعيد بن جبير الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 234، وأبي عبيد ص 470، وجامع البيان: 18/ 163.
(2) يريد المصنف رحمه الله أنه لم يرد لها ناسخ من القرآن يعول عليه وإلا فقد أورد ابن الجوزي نسخها بقوله تعالى في الآية التي بعدها {وَإِذََا بَلَغَ الْأَطْفََالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وعزاه إلى ابن المسيب، وقال: وهذا ليس بشيء، لأن معنى الآية {وَإِذََا بَلَغَ الْأَطْفََالُ مِنْكُمُ} أي من الأحرار الحلم فليستأذنوا، أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني: كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم، فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث اه نواسخ القرآن ص 411.
كما أورد النسخ بهذه الآية دون عزو ابن حزم ص 48، وابن سلامة ص 247، وابن البارزي ص 43، والفيروزآبادى في بصائر ذوي التمييز: 1/ 336، والكرمي ص 155.
(3) أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص 470، والطبري في تفسيره 18/ 162، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 235.
قال: وهو قال القاسم بن محمد وجابر بن زيد اه.
وذكره مكي والقرطبي عن الشعبي. انظر الإيضاح ص 368، والجامع لأحكام القرآن 12/ 304.
(4) «أنّ» ليست في د وظ.
(5) في د وظ: خبر.
(6) قال أبو عبيد: ولا نعلم أحدا من العلماء أخبر عن نسخ هذه الآية بل أغلظوا شأنها. اه الناسخ والمنسوخ ص 468 (وكان في العبارة اضطراب فصوبها محققه).
وقال مكي: وأكثر العلماء على أن الآية محكمة، وحكمها باق، والاستئذان في هذه الأوقات واجب اه الإيضاح ص 367.(2/773)
5 - وقوله عزّ وجلّ {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْهِ مََا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مََا حُمِّلْتُمْ} (1)، قالوا: نسخت بآية السيف (2). وهذا خبر، وخبر الله عزّ وجلّ لا ينسخ.
__________
(1) النور (54). ولم يلتزم المصنف الترتيب.
(2) ذكره ابن حزم ص 48، وابن سلامة ص 147وابن البارزي ص 42قال ابن الجوزي: وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوخ بآية السيف، وليس بصحيح اه. من زاد المسير: 6/ 56.(2/774)
سورة الفرقان
ليس فيها نسخ.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} (1).
قال أبو العالية: قوله (قالوا سلاما) منسوخ بآية السيف (2).
وتكلّم في ذلك سيبويه، ولم يتكلم في شيء من الناسخ والمنسوخ، إلّا في هذه (الآية) (3) (4).
قال: ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركون.
قال: ولكنه على قولك: لا خير بيننا ولا شر، يعني أن قوله: (قالوا سلاما)
__________
(1) الفرقان (63) {وَعِبََادُ الرَّحْمََنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ} الآية.
(2) ذكره البغوي في تفسيره عن الكلبي وأبي العالية: 5/ 88.
قال ابن حزم الأنصاري: منسوخة في حق الكفار بآية السيف، وبعض معناها محكم في حق المؤمنين اه. الناسخ والمنسوخ ص 49.
وحكي الكرمي النسخ فيها بآية السيف، ثم قال: وقيل: هي محكمة، إذ لا شك أن الاغضاء عن السفهاء وترك المقابلة بالمثل مستحسن في الأدب والمروءة والشرع، وأسلم للعرض اه. قلائد المرجان ص 159.
قلت: وهذا هو الصحيح، وسيأتي بإذن الله مزيد بيان لهذا من كلام السخاوي وغيره، والله أعلم.
(3) كلمة (الآية) سقطت من الأصل وظق.
(4) قاله النحاس والقرطبي. انظر الناسخ والمنسوخ ص 239، وتفسير القرطبي: 13/ 70.(2/775)
معناه: تسلما منكم ومتاركة، لا نجاهلكم، و (1) لا خير بيننا ولا شر.
أي نتسلم منكم تسلما، فأقيم السلام مقام التسليم (2) اه.
وهذا التأويل يحتاج فيه إلى إثبات أن الجاهلين هم المشركون، وأيضا فإن الله عزّ وجلّ وصف المؤمنين وأثنى عليهم بصفات، منها الحلم عند جهل الجاهل، والمراد بالجاهلين: السفهاء، وهذه صفة محمودة باقية إلى يوم القيامة، وما زال الإغضاء عن السفهاء والترفّع عن مقابلة ما قالوه بمثله من أخلاق الفضلاء، وبذلك يقضي الورع والشرع والأدب والمروءة، ثم (و) (3) أي حاجة إلى القول بأن ذلك منسوخ؟.
وقال زيد بن أسلم: التمست تفسير هذه الآية فلم أجده عند أحد فأتيت (4) في النوم فقيل لي: هم الذين لا يريدون فسادا في الأرض (5).
وقال ابن زيد: هم الذين لا يتكبّرون في الأرض ولا يتجبرون ولا يفسدون، وهو قوله عزّ وجلّ {تِلْكَ الدََّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهََا لِلَّذِينَ لََا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلََا فَسََاداً} [6]
وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (7).
وقال الحسن: يمشون حلماء علماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم لم يجهلوا {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً}، أي إذا خاطبهم الجاهلون بما يكرهون من القول، أجابوهم بالمعروف والسداد من الخطاب، قالوا: تسلما منكم وبراءة بيننا وبينكم، ذلّت والله منهم الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضي، وما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء القلوب، دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فلمّا وصلوا إلى بغيتهم قالوا: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا}
__________
(1) الواو ليست في بقية النسخ.
(2) انظر الكتاب لسيبويه: 1/ 325.
(3) في بقية النسخ: ثم وأي حاجة الخ.
(4) في د وظ: فأنبيت.
(5) أخرجه ابن جرير بسنده عن زيد بن أسلم. جامع البيان: 19/ 34.
وذكره القرطبي في تفسيره: 13/ 68.
(6) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(7) القصص: (83).(2/776)
{الْحَزَنَ} [1] إِنَّ رَبَّنََا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (2) والله ما حزنتهم الدنيا، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة، أبكاهم الخوف من النار، وإنه من لم يعتزّ بعزّ الله تقطّع نفسه حسرات اه (3) وكلام الحسن وما ذكرته من كلام غيره، يدل على أن الآية محكمة (4).
وقول سيبويه الذي قاله: فيه نظر، لأنه قال: لم يؤمر (المسلمين) (5) يومئذ أن يسلموا على المشركين، وهذا ليس بأمر، إنما هو (شيء) (6) حكاه الله عزّ وجلّ عنهم وأثنى عليهم به (7) (8).
فإن قيل: أراد سيبويه رحمه الله لم يؤمروا أن يسلموا عليهم، فكيف يسلمون عليهم؟
قلت: لا يفتقرون في ذلك إلى أمر من الله عزّ وجلّ، فقد كانوا يسلّمون عليهم، وإن كان سلام عليكم أصله الدعاء، إلّا أنه (9) قد يقوله من لا يريد الدعاء، إنما يريد الإحسان والإجمال في المخاطبة.
__________
(1) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(2) فاطر (34).
(3) أخرج هذا المعنى الطبري بأسانيده عن الحسن ومجاهد. انظر جامع البيان 19/ 34، 35.
وأخرجه ابن كثير عن عبد الله بن المبارك بسنده عن الحسن.
انظر: تفسير القرآن العظيم 3/ 324.
(4) قال ابن الجوزي: وهذه الآية محكمة عند الجمهور. انظر: نواسخ القرآن ص 415، وراجع تفسير القرطبي: 13/ 70.
(5) هكذا في الأصل: لم يؤمر المسلمين. وفي بقية النسخ: لم يؤمر المسلمون. وهو الصواب.
(6) كلمة (شيء) سقطت من الأصل.
(7) (به) ليست في د وظ.
(8) قال النحاس: وزعم محمد بن يزيد أن سيبويه أخطأ في هذا وأساء العبارة، لأنه لا معنى لقوله: ولم يؤمر المسلمون أن يسلموا على المشركين، وإنما كان ينبغي أن يقول: ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يحاربوا المشركين، ثم أمروا بحربهم.
قال: وكلام محمد بن يزيد يدل على أن الآية أيضا عنده منسوخة، وإنما جاز فيها أن تكون منسوخة، لأن معناها معنى الأمر.
إذا خاطبكم الجاهلون، فقولوا: (سلاما) فعلى هذا يكون النسخ فيها، فأما كلام سيبويه فيحتمل أن يكون معناه: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنهم أمروا أن يتسلموا منهم ويتبرءوا ثم نسخ ذلك بأمر الحرب اه. الناسخ والمنسوخ ص 239، وراجع تفسير القرطبي:
13/ 70.
(9) (إلا أنه) مكررة في ظ.(2/777)
فإن أراد سيبويه هذا فهو حسن، وإن أراد أنهم لم يأتوا بالتسليم يريدون به (1)
التبرّؤ، فإن ذلك يبطل بقوله عزّ وجلّ في سورة القصص حين أثنى على قوم من أهل الكتاب أسلموا: {وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقََالُوا لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ سَلََامٌ عَلَيْكُمْ لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ} (2).
وهذه الآية أخت تلك، وقد عيب عليه قوله، لا خير بيننا ولا شر.
وقال مكّي في هذه الآية: إن هذا وإن كان خبرا فهو من الخبر الذي يجوز نسخه.
قال: لأنه ليس فيه خبر من الله عزّ وجلّ لنا عن شيء يكون، أو شيء كان فينسخ بأنه لا يكون أو (بآية) (3) لم يكن، هذا الذي لا يجوز فيه النسخ، وإنما هذا خبر من الله عزّ وجلّ لنا أن هذا الأمر كان من فعل هؤلاء الذين هم عباد الرحمن، قبل أن يؤمروا بالقتال، وأعلمنا في موضع آخر (نزلت) (4) بعد فعلهم ذلك أنه أمر بقتالهم وقتلهم، فنسخ ما كانوا عليه.
قال: ولو أعلمنا (5) في موضع آخر أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين: (سلاما) لكان هذا نسخا للخبر الأول، وهذا لا يجوز، وهو نسخ الخبر بعينه.
والله عزّ وجلّ يتعالى عن ذلك.
قال: فإذا (6) كان الخبر حكاية عن فعل قوم جاز نسخ ذلك الفعل الذي أخبرنا به عنهم، بأن يأمر بأن لا يفعلوه (7)، ولا يجوز نسخ ذلك الخبر، والحكاية بعينها بأنها لم تكن (8)، أو كانت على خلاف ما أخبر به أولا، فاعرف الفرق في ذلك (9) اه وقوله هذا لو فرضنا أن تأويل الآية: أن الجاهلين هم المشركون لا يصح به نسخ الآية، لأن الله عزّ
__________
(1) في بقية النسخ: مريدين.
(2) القصص (55).
(3) هكذا في الأصل: بآية. وفي بقية النسخ (بأنه) وهو الصواب.
(4) هكذا في الأصل: نزلت. وفي بقية النسخ (نزل) وهو الصواب.
(5) سقطت الهمزة من ظ.
(6) في ظ: فإن كان.
(7) في ذ وظ: تفعلوه.
(8) في د: لم يكن.
(9) انظر: الإيضاح ص 371، 372مع تصرف السخاوي في بعض العبارات.(2/778)
وجلّ إن كان نهاهم عن فعله (وأمرهم) (1) أن لا يفعلوه (2) بآية السيف.
فإن هذا الخلق الذي أخبر به عنهم، وهو قولهم: (سلاما) لم يكن بأمر من الله عزّ وجلّ، وإنما كانوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم حلما وتبرءوا (3) من المشركين، كما زعم من قال ذلك، فإذا نزلت آية السيف ناسخة لذلك، كانت ناسخة عادة كانوا يفعلونها (4)، ولم تكن ناسخة قرآنا.
وهذه الآية مخبرة بما كانوا يفعلونه، فكيف تنسخها آية السيف، وهذا واضح (5).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} (6) إلى قوله عزّ وجلّ {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً} (7): ذلك منسوخ بالاستثناء، وهو قوله عزّ وجلّ: {إِلََّا مَنْ تََابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا} [8] صََالِحاً فَأُوْلََئِكَ يُبَدِّلُ اللََّهُ سَيِّئََاتِهِمْ حَسَنََاتٍ (9) وهذا ظاهر
__________
(1) هكذا في الأصل: وأمرهم. وفي بقية النسخ: أو أمرهم. وهو الصواب.
(2) في ظ: أن تفعلوه. بالتاء. وفي د: بدون نقط.
(3) في ت: غير واضحة، وفي د: وتبرأ.
(4) في د: يفعلونه.
(5) قال ابن العربي: لم يؤمر المسلمون أن يسلموا على المشركين، ولا نهوا عن ذلك، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، وقد كان من سلف من الأمم في دينهم التسليم على جميع الأمم، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقف على أنديتهم ويحييهم ويداينهم، ولا يداهنهم اه أحكام القرآن باختصار 3/ 1430.
(6) كلمة (آخر) ليست في د.
(7) الفرقان (6968). {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ وَلََا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ إِلََّا بِالْحَقِّ وَلََا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً * يُضََاعَفْ لَهُ الْعَذََابُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً}.
(8) كلمة (عملا) ساقطة من د وظ.
(9) وهي الآية التي تلي الآيتين السابقتين.
وقد ذكر النسخ هنا ابن حزم ص 48، وابن سلامة ص 248، وابن البارزي ص 43، والكرمي ص 159.
أما ابن الجوزي فقد ناقش هذه القضية ورد دعوى النسخ فيها وأبطلها بقوله: اختلف العلماء في ناسخها على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا} الآية (93) من سورة النساء وقد سبق القول فيها.
وهذا قول ابن عباس، والأكثرون على خلافه في أن القتل لا يوجب الخلود.
الثاني: قوله عزّ وجلّ {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} الآية 48من سورة النساء.(2/779)
البطلان، وقد تقدم القول في مثله (1).
__________
قال: وهذا لا يصح، لأن الشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه.
والثالث: أنها نسخت بالاستثناء في قوله: {إِلََّا مَنْ تََابَ}. وهذا باطل، لأن الاستثناء ليس بنسخ اه. نواسخ القرآن ص 416.
(1) راجع على سبيل المثال الموضع الرابع والخامس والسادس من سورة آل عمران والموضع الثلاثين من سورة النساء، والثالث من سورة التوبة.(2/780)
سورة الشعراء (1)
ليس فيها نسخ.
وزعم قوم أن قوله عزّ وجلّ {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} (2)، منسوخ بقوله عزّ وجلّ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} (3) إلى آخرها، وليس ذلك بنسخ لما ذكرته (4).
__________
(1) في الأصل: أضيفت كلمتان في الحاشية يصعب قراءتهما.
(2) الشعراء (224).
(3) الشعراء (227).
(4) تكلم المصنف آخر سورة الفرقان على هذا، وقال: إنه باطل.
وقد ذكر دعوى النسخ هنا النحاس بسنده إلى ابن عباس، وأحد رجال الإسناد جويبر، وهو ضعيف كما سبق ويفهم من كلام النحاس أنه لم يرتض القول بالنسخ، فقد قال: هذا الذي تسميه العرب استثناء لا نسخا الناسخ والمنسوخ ص 241.
كما رد مكي دعوى النسخ بعد أن عزاها إلى ابن عباس.
انظر: الإيضاح ص 373.
وكذلك فعل ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 417، وراجع تفسير القرطبي: 13/ 153.
وقد ذكر النسخ ابن حزم ص 49وابن سلامة ص 251. وابن البارزي ص 43، والكرمي ص 161.(2/781)
سورة النمل
ليس فيها نسخ.
وقال قوم في قوله عزّ وجلّ {وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى ََ فَإِنَّمََا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} (1)
الآية: هو منسوخ بآية السيف (2).
وقد تقدم القول في مثله (3)، وأنه ليس بمنسوخ كما ذكروا.
__________
(1) النمل (92) وتمامها {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمََا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.
(2) ذكره ابن حزم 49، وابن سلامة ص 252، والفيروزآبادى 1/ 349والكرمي ص 162، والبغوي في معالم التنزيل 5/ 133، والقرطبي 13/ 246.
قال ابن الجوزي: روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذا منسوخ بآية السيف، وكذلك قال قتادة.
ثم قال: وقد تكلمنا على جنس هذا، وبينا أن الصحيح أنه ليس بمنسوخ. اه نواسخ القرآن ص 419.
(3) قلت: وقد سبق كلام الإمام السخاوي على مثل هذا.
انظر على سبيل المثال كلامه على الآية 89من سورة الحجر، والتعليق على ذلك ص 740.
وقد فسر الإمام الطبري الآية بما يؤيد أحكامها. انظر جامع البيان: 20/ 25.(2/782)
سورة القصص
ليس فيها نسخ.
وأما قول من قال في قوله عزّ وجلّ {وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} (1) الآية أنه منسوخ بآية السيف (2)، فقد تقدم القول فيه (3).
قال مجاهد: هي محكمة، والمعنى (4): أن المؤمنين كانوا إذا آذاهم الكفار أعرضوا عنهم، وقالوا: {سَلََامٌ عَلَيْكُمْ}، أي أمنة لكم منا، لا نجاوبكم ولا نسابكم، {لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ} أي لا نطلب عمل الجاهلين (5).
__________
(1) القصص (55). وتمامها {وَقََالُوا لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ سَلََامٌ عَلَيْكُمْ لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ}.
(2) ذكره ابن حزم ص 49، وابن سلامة ص 254، ورده كل من النحاس ص 241، ومكي ص 375، وسكت عنه ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 420.
(3) راجع مناقشة السخاوي للآية 159من سورة الأنعام (الموضع السادس عشر) ص 705، وراجع كذلك مناقشته للآية التي مرت قريبا في آخر سورة الفرقان 63ص 775.
(4) سقطت الواو من د وظ.
(5) انظر: كلام مجاهد في الإيضاح ص 375، وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 241.(2/783)
سورة العنكبوت
لا نسخ فيها.
وأما قوله عزّ وجلّ {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)، وقول من قال: إنها (2) نسخت بآية السيف، وهو قول قتادة (3)، فالآية محكمة عند الجمهور (4).
قال ابن زيد: هي محكمة، والمراد من آمن من أهل الكتاب، يعني: لا تجادلوا من آمن من أهل الكتاب فيما يحدثون به في (5) كتابهم، لعلّه كما (6) يقولون (7) اه.
__________
(1) العنكبوت (46).
(2) كلمة (إنها) ليست في بقية النسخ.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 45.
ورواه عنه ابن جرير الطبري في جامع البيان 21/ 2، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 242، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 422. وقال مكي روى عن قتادة أنه قال: نسخها قوله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية. انظر الإيضاح ص 377.
(4) قال الطبري: لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة، لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة أو عقل اه. المصدر السابق 21/ 3 وبنحوه قال النحاس، ثم أردف قائلا: فيكون المعنى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالقول الجميل، أي بالدعاء إلى الله والتنبيه على حججه، وإذا حدثوكم بحديث يحتمل أن يكون كما قالوا، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فهذا الذي هو أحسن اه ص 242.
(5) في بقية النسخ: عن كتابهم.
(6) في د وظ: لعله كانوا يقولون. ولا معنى لها.
(7) رواه الطبري بنحوه عن ابن زيد، وذكره النحاس وهو بلفظه في الإيضاح ص 377. انظر: جامع البيان 21/ 2، والناسخ والمنسوخ ص 242.(2/784)
وكانوا يفسرون التوراة بالعربية (1).
وقال مجاهد: هي محكمة، والمراد: المعاهدون، أي إنما يجادل (2) من لا عهد له، ويقاتل حتى يعطي الجزية أو يسلم (3).
وقيل: الذين ظلموا: هم المفرطون في العناد، الذي لا تنفع (4) فيهم المجادلة بالتي هي أحسن.
وقيل: الذين ظلموا واعتدوا، فجعلوا لله (ولدا) (5) شريكا.
والذين قالوا: {إِنَّ اللََّهَ فَقِيرٌ} [6] وَنَحْنُ أَغْنِيََاءُ (7) و {يَدُ اللََّهِ مَغْلُولَةٌ} (8) تعالى الله عن قولهم (9).
وقيل: من نقض الذمة ومنع الجزية، فحينئذ يجادل (بغير) (10) التي هي أحسن أي بالسيف (11).
وعن (12) النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسوله، فإن كان باطلا لم تصدقوهم، وإن كان حقا لم تكذبوهم» (13) اه.
__________
(1) قال البخاري: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام
كتاب التفسير 5/ 150.
(2) في د وظ: إنما يجادلون.
(3) ذكره مكي بنحوه وابن الجوزي عن مجاهد. انظر الإيضاح ص 378، ونواسخ القرآن ص 423.
(4) في ظق: لم تنفع. وفي د وظ: لم ينفع.
(5) في الأصل: طمس الناسخ كلمة (ولدا أو شريكا) وأضاف في الحاشية كلمة (شريكا) فقط.
(6) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(7) جزء من آية 181من سورة آل عمران.
(8) جزء من آية 64من سورة المائدة، وقد ذكر نصّهما كاملا في الموضع الثامن والعشرين من سورة النساء.
(9) ذكر هذا المعنى الأخير ابن جرير وأسنده إلى مجاهد. جامع البيان: 21/ 3.
(10) في الأصل: طمس الناسخ (بغير) ثم أضيفت في الحاشية إلا أنها لم تظهر.
(11) راجع هذه المعاني أو نحوها في تفسير الفخر الرازي 25/ 75، والقرطبي 13/ 350.
(12) حرف (عن) مطموس في ظ.
(13) انظر صحيح البخاري، كتاب الشهادات باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة 3/ 163، وكتاب(2/785)
فهي على جميع ما ذكرته محكمة، والظاهر أنها نزلت في من آمن أو أعطى الجزية، إذا ذكر للمسلمين شيئا من كتابه فلا يجادل، فأما من أقام على الكفر، ولم يدخل في الذمة، فجداله السيف.
وقوله عزّ وجلّ: {وَ} [1] قُولُوا آمَنََّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنََا (2) وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ إلى آخره. هو المراد بالتي هي أحسن (3).
وقيل: إن هذه السورة نزلت من أولها إلى رأس العشر بمكة، ونزل باقيها بالمدينة (4).
وإذا كانت مجادلة الذين ظلموا منهم السيف، فكيف تنسخها آية السيف وهي آية السيف؟!.
(و) (5) الذين ظلموا: (هم) (6) الذين ذكرهم الله (7) في (براءة) في قوله عزّ وجلّ: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلََا يُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ وَرَسُولُهُ وَلََا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صََاغِرُونَ} (8).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنَّمَا الْآيََاتُ عِنْدَ اللََّهِ وَإِنَّمََا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (9) نسخ معنى النذارة بآية السيف. وهذا ظاهر البطلان (10).
__________
التفسير: 5/ 150، وكتاب الاعتصام 8/ 160، وكتاب التوحيد 8/ 213، وسنن أبي داود كتاب العلم باب رواية حديث أهل الكتاب 4/ 59، ومسند الإمام أحمد: 4/ 136.
(1) سقطت الواو من الأصل.
(2) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(3) في ظق: هي الحسن.
(4) سبق الحديث عنه في أول الكتاب ص 189.
(5) سقطت الواو من الأصل.
(6) (هم) سقطت من الأصل وظق.
(7) في د وظ: هم الذين ذكر في براءة. وفي ظق: ذكرهم في براءة.
(8) التوبة (29). وهذه هي الآية التي روي عن قتادة كما سبق أنها ناسخة لآية العنكبوت.
(9) العنكبوت: (50).
(10) لأنه لا منافاة بين هذه الوظيفة الشريفة، وهي تبليغ الرسول صلّى الله عليه وسلّم دعوة الله إلى الناس وبين قتالهم، وهو آخر المراحل التي يلجأ إليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
وممن ذكر دعوى النسخ هنا ابن سلامة ص 256، وابن الجوزي ورده انظر: نواسخ القرآن ص 423، وابن البارزي ص 44، والكرمي ص 163.(2/786)
سورة الروم
ليس فيها نسخ.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ} (1) نسخها آية السيف (2).
وقد تقدم رد ذلك (3).
__________
(1) الروم (60).
(2) انظر المصادر السابقة، ابن سلامة، وابن الجوزي، وابن البارزي والكرمي.
وقال ابن الجوزي: زعم السدي أنها نسخت بآية السيف.
وهذا إنما يصح له لو كان الأمر بالصبر عن قتالهم، فأما إذا احتمل أن يكون صبرا على ما أمر به أو عما نهى عنه، لم يتصور نسخ اه نواسخ القرآن ص 425.
(3) انظر الموضع الرابع عشر من سورة آل عمران والخامس من سورة المائدة والسابع من سورة يونس.
وانظر كذلك مناقشة السخاوي للآية 85من سورة الحجر ص 739.(2/787)
سورة لقمان
ليس فيها نسخ.
وزعم قوم أن قوله عزّ وجلّ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوََالِدَيْكَ} (1).
منسوخ بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل: ما شاء الله وشئت ولكن قل: ما شاء الله ثم شئت» (2).
أي نسخ الجمع (3) بين الشكرين بالواو فيستوي الشكران، ولكن يكون ب (ثم) فتقدم الشكر لله كالمشيئة (4).
__________
(1) لقمان: (14). وأولها {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسََانَ بِوََالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى ََ وَهْنٍ وَفِصََالُهُ فِي عََامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي} الآية.
(2) انظر: سنن أبي داود، كتاب الأدب باب لا يقال: خبثت نفسي 5/ 259وسنن الدارميّ كتاب الاستئذان باب في النهي أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان 2/ 295، والمسند للإمام أحمد 5/ 384، 394، 398.
وعنوان الباب الثامن من كتاب الأيمان والنذور من صحيح البخاري 7/ 223.
(3) كلمة (الجمع) ساقطة من د وظ.
(4) نقله السخاوي عن مكي في الإيضاح ص 379، ولم يعلق مكي على ذلك بشيء، وإنما اكتفى بنسبته إلى بعض العلماء.
ولم أقف على من ذكر النسخ هنا سوى مكي بن أبي طالب ممن تكلموا في الناسخ والمنسوخ، وقد فسر الطبري 21/ 70، والقرطبي 14/ 65الآية بما يؤيد إحكامها، وهو الصحيح، فإنه يجب على الإنسان أن يشكر الله على جميع نعمه وفي مقدمة ذلك نعمة الإسلام ويجب عليه أن يشكر للوالدين ما قاما به تجاهه، وفي مقدمة ذلك نعمه التربية.(2/788)
فعلى هذا لا يجوز أن تتلى هذه الآية! وهذا خلف من القول.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ كَفَرَ فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} (1): نسخ معناها بآية السيف (2).
وليس كما قالوا، وقد (3) تقدّم الجواب.
__________
(1) لقمان (23).
(2) ذكر ابن حزم أن الآية المذكورة منسوخة، إلا أنه لم يذكر لها ناسخا ص 50، وقال بنسخها بآية السيف ابن البارزي ص 45، وحكي الكرمي فيها النسخ والاحكام ص 165.
وقد رد ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 426، وفي تفسيره 6/ 325دعوى النسخ، وقال: إنه ليس بشيء، لأنها إنما تضمنت التسلية له من الحزن، وذلك لا ينافي القتال اه.
قال الإمام الطبري: عند تفسير هذه الآية {وَمَنْ كَفَرَ فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ}، ولا تذهب نفسك عليهم حسرة، فإن مرجعهم ومصيرهم يوم القيامة إلينا، ونحن نخبرهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا ثم نجازيهم عليها جزاءهم اه جامع البيان: 21/ 80.
وهذا التفسير لا شك يؤيد إحكام الآية، ويدل على عدم التعارض بينها وبين آية السيف.
(3) كلمة (وقد) مطموسة في ظ.(2/789)
سورة السجدة
ليس فيها نسخ.
وأما قولهم: إن قوله عزّ وجلّ في آخر السورة {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} (1).
منسوخ بآية السيف (2) فليس كذلك، وهو وعد من الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، ووعيد لهم.
__________
(1) السجدة (30).
(2) رواه النحاس بسنده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ ص 244، وجويبر ضعيف كما سبق.
كما حكى النسخ مكي ص 381، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 427وابن حزم ص 50، وابن سلامة ص 257، وابن البارزي ص 45، والفيروزآبادي 1/ 374، والكرمي ص 166.
هذا ولم يناقش كل من النحاس ومكي وابن الجوزي قضية دعوى النسخ بل ذكروها وسكتوا عنها.
وأقول: أن الناظر في سياق الآيات التي تتحدث عن يوم الفتح الواردة في قوله تعالى {وَيَقُولُونَ مَتى ََ هََذَا الْفَتْحُ} السجدة (2928). وهو يوم القيامة على القول الصحيح وهو اليوم الذي يفتح الله بين أنبيائه وبين أعدائه ويفصل بينهم، ويرى كل منهم عاقبة أمره.
أقول: أن الناظر في هذا يظهر له جليا أن الآية خبر تحمل في طياتها الوعد لأنبيائه وأوليائه والوعيد والتنديد والتهديد من يوم الوعيد للمشركين الذي طالما أنكروه واستبعدوا وقوعه، فالله تعالى يطمئن رسوله ويعده بأنه سيرى عاقبة صبره، كما أنهم سيجدون عاقبة أمرهم وما ينتظرهم فانتظر {إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ}.(2/790)
وليس معنى قوله عزّ وجلّ {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}: أترك قتالهم، فإنه صلّى الله عليه وسلّم لن يكن قادرا على ذلك.
__________
ومثل هذا لا يقال عنه منسوخ، وأما الأعراض عن قتالهم، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن قادرا على قتالهم كما قال السخاوي من قبل، وبعد القدرة على ذلك قاتلهم، وهذا معروف، والله الموفق للصواب.(2/791)
سورة الأحزاب
ليس فيها نسخ.
وقالوا: نسخ قوله عزّ وجلّ {وَلََا تُطِعِ الْكََافِرِينَ وَالْمُنََافِقِينَ وَدَعْ أَذََاهُمْ} [1] وَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ (2) بآية السيف (3).
وليس كذلك، وقد تقدّم القول في مثله.
__________
(1) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(2) الأحزاب (48).
(3) قاله ابن حزم ص 51، وابن سلامة ص 258، وابن البارزي ص 45والكرمي ص 167، والقرطبي: 14/ 202.
وحكاه ابن الجوزي عن المفسرين، ولم يعلق على ذلك بشيء.
نواسخ القرآن ص 428، لكنه في المصفى بأكف أهل الرسوخ عبر عن ذلك بقوله: زعم جماعة نسخها بآية السيف اه ص 47. اه وهذا التعبير يدل على عدم رضاه عن دعوى النسخ. والله أعلم.
هذا وقد أعرض عن ذكر هذه الآية ضمن الناسخ والمنسوخ كل من الإمام الطبري والنحاس، ومكي، وابن كثير وغيرهم، وهذا يدل على ضعف القول به، وهو كذلك وقد سبق مثله مرارا، وهذه الآية خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم تأمره بأن يدع أذى الكفار والمنافقين، وأن يعرض عن ذلك ويصير عليه، وهذا لا يمنع القيام بأمر الله في عباده والنفوذ لما كلف به، دون طاعة للكفار والمنافقين، وآية السيف تأمره بقتل طائفة من المشركين، فموضوع الآيتين مختلف، فلا يجوز دعوى النسخ.
ثم أن آخر الآية يجيء بعد النهي عن طاعة الكفار والمنافقين والأمر بترك أذاهم بمثابة الإنذار لهم، وهو انذار لهم بالانتقام الشديد منهم في الآخرة {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ} وهذا لا يقبل النسخ بحال.
راجع تفسير الطبري 22/ 18، والنسخ في القرآن 2/ 572.(2/792)
وقوله عزّ وجلّ لا تحلّ (1) لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلّا ما ملكت يمينك (2) زعم (3) قوم أنه منسوخ.
واختلفوا في ناسخه، فقال قوم: نسخت بالسّنة، رووا عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما «ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحل له (4) النساء (5)».
وأخبار الآحاد (6) لا تنسخ القرآن، لأن القرآن العظيم (7) مقطوع به.
وخبر الواحد ليس كذلك، فكيف يزال ما قطع به بما لم يقطع به (8)؟
وقيل: الناسخ قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ} (9)،
قالوا: وهي من الأعاجيب، نسخها بآية قبلها في النظم (10).
__________
(1) هكذا بالتاء، وهي قراءة أبي عمرو البصري لتأنيث الجماعة ولتأنيث معنى جماعة النساء، وقرأ الباقون بالياء لتذكير لفظ الجمع الكشف 2/ 199، والنشر: 2/ 349، وانظر المهذب 2/ 148.
(2) الأحزاب (52).
(3) في د: وزعم.
(4) (له) سقطت من د وظ.
(5) رواه الترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها وقال: حديث حسن صحيح.
أبواب التفسير باب ومن سورة الأحزاب 9/ 78، والنسائي في سننه كتاب النكاح باب ما افترض الله عزّ وجلّ على رسوله عليه السلام 6/ 56، وأحمد في المسند 6/ 41، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 246، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 431، وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم نحوه عن أم سلمة. انظر الدر المنثور 6/ 637.
(6) أخبار الآحاد: هي ما لا ينتهي إلى حد خبر المتواتر المفيد للعلم، فما نقله جماعة من خمسة أو ستة مثلا، فهو خبر واحد، ولا يراد خبر الواحد الخبر الذي ينقله الواحد، ولكن كل خبر عن جائز ممكن لا سبيل إلى القطع بصدقه، ولا إلى القطع بكذبه، فهو خبر الواحد وخبر الآحاد سواء نقله واحد أو جمع منحصرون. جامع الأصول 1/ 124.
(7) في بقية النسخ: العزيز.
(8) انظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 101، والإيضاح ص 386.
أما ابن حزم الظاهري فيرى عدم الفرق بين السنة المتواترة وغيرها متى صحت في النسخ.
انظر: الأحكام في أصول الأحكام 4/ 107.
(9) الأحزاب (50).
(10) المراد بالنظم هنا: أي سياق الآيات.
قلت: وقد تقدم نظير هذا في سورة البقرة أثناء الكلام عن آيتي عدة المتوفى عنها زوجها ص 629.(2/793)
وقيل: نسخت بقوله عزّ وجلّ قبلها {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشََاءُ} (1).
وهذا القول إنما يقوله من قاله ظنا، ألا ترى اختلاف القولين في الناسخ ما هو (2)؟
وإنما حملهم على ذلك ما ظنّوه من التعارض، ولا تعارض، لأن قوله عزّ وجلّ: {إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ اللََّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}، لا يعارض قوله سبحانه لا تحل (3) لك النساء من بعد ولا قوله عزّ وجلّ {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ} (4) لأن قوله عزّ وجلّ {إِنََّا}
__________
أما نسخ {لََا يَحِلُّ لَكَ} ب {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ} فقد عزاه ابن الجوزي إلى ابن عباس وعلي بن أبي طالب وعائشة وأم سلمة وعلي بن الحسين والضحاك. انظر نواسخ القرآن ص 431.
ومال إليه الزرقاني وانتصر له. انظر مناهل العرفان 2/ 267.
(1) الأحزاب (51).
(2) حكى النحاس ثمانية أقوال في الآية الكريمة {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ} وسأقتصر على ذكر واحد منها فقط ومضمونه أنها منسوخة بآية أخرى وهي قوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ} وكان الله قد حظر عليه التزويج بعد من كان عنده، ثم اطلقه له وأباحه بقوله عزّ وجلّ {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ}.
قال: وهذا القول عن جماعة من أجلة الصحابة والتابعين، وساق بسنده إلى أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء، إلا ذات محرم، وذلك قوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ}، وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية، وهو وقول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ، وقد يجوز أن تكون أرادت: أحل له ذلك بالقرآن وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك، قال: وقد عارض بعض الفقهاء الكوفيين، فقال: محال أن تنسخ هذه الآية، يعني {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ} {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ} وهي قبلها في المصحف الذي أجمع المسلمون عليه، وقوى قول من قال: نسخت بالسنة، لأنه مذهب الكوفيين.
قال النحاس: وهذه المعارضة لا تلزم، وقائلها غالط، لأن القرآن نزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا في شهر رمضان المبارك، ويبين لك أن اعتراض هذا لا يلزم قوله {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرََاجٍ} الآية 240من سورة البقرة منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافا بالآية التي قبلها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} الآية 234من السورة نفسها اه الناسخ والمنسوخ ص 246، وراجع الإيضاح ص 385، وتفسير القرطبي 14/ 219، وابن كثير 3/ 501، 502.
(3) في د وظ: (لا يحل) بالياء، وفي ظق: خالية من النقط. وقد سبق ذكر القراءات فيها.
(4) ولا قوله عزّ وجلّ {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ}: تكررت في د وظ.(2/794)
{أَحْلَلْنََا لَكَ} وقوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ} نزل في نسائه اللاتي كن في عصمته.
فكيف يكون ذلك ناسخا لقوله (1) عزّ وجلّ لا تحل لك النساء من بعد وهذا في هذا الطرف كقول من قال في الطرف الآخر، بل لا تحل لك النساء من بعد ناسخ لما تقدّم من الآيتين (2).
وقد بيّنت (3) أنه لا تعارض، فلا ينسخ المتقدّم المتأخر، ولا المتأخر المتقدّم (4). وقد قال الحسن وابن سيرين: إنها محكمة، وحرّم الله على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يتزوج على نسائه، لأنهن اخترن الله ورسوله، فجوزين في الدنيا بهذا.
وهو قول حسن، وهو (5) الذي يشهد به القرآن (6).
__________
(1) في د وظ: كقوله.
(2) وهو قول محمد بن كعب القرظي كما في الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 248، والإيضاح ص 387، وتفسير القرطبي: 14/ 220.
(3) غير واضحة في الأصل.
(4) وقد رجح ابن جرير الطبري إحكام الآية. انظر جامع البيان 22/ 30.
(5) كلمة (وهو) ساقطة من د وظ.
(6) انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 247، والإيضاح ص 386.
وقد زاد النحاس نسبة هذا القول إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام قال: وهذا القول يجوز أن يكون هكذا، ثم نسخ.
فإن قال: كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا؟ قيل: يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب، فيكون هذا (نسخ) وعوضن منه أنهن أزواجه في الجنة، وهذا أعظم خطرا وأجل قدرا
فلذلك حظر على نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوجن بعده اه وقد استهل ابن كثير تفسيره للآية بقوله: ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ورضا عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما تقدم في الآية {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوََاجِكَ} {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَالدََّارَ الْآخِرَةَ} آية 28من السورة نفسها فلما اخترن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حرج عليه فيهن، ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهن اه تفسير ابن كثير 3/ 501.(2/795)
وإن (1) كان ابن عباس رضي الله عنهما قد روى أنها منسوخة بما تقدّم، فقد روى عنه أنها محكمة، وقال: نهى الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوج بعد نسائه الأول (2) شيئا (3) اه.
وكذلك قال قتادة: لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة قصره الله عليهن وقصرهن عليه.
فقال عزّ وجلّ: لا تحل لك النساء من بعد أي من بعد التسع اللواتي مات عنهن (4).
وقال أبي بن كعب: {وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوََاجٍ} معناه: ليس لك أن تطلقهن بعد أن اخترن الله ورسوله اه.
وقيل: معنى (من بعد) أي من بعد هذه القصة، والسبب المتقدّم الذكر. وقال مجاهد وابن جبير: إنما حرّم عليه نكاح الكتابيات، لأنهن كوافر، لئلا يكن أمهات للمؤمنين.
ومعنى (من بعد) أي من بعد المسلمات، أي من بعد نكاحهن (5).
__________
(1) سقطت الواو من د وظ.
(2) في ظ: الأولى.
(3) أخرجه ابن جرير في جامع البيان: 22/ 28دون تصريح بالأحكام وذكره ابن الجوزي بسنده عن ابن عباس والحسن. نواسخ القرآن ص 432وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه عن ابن عباس. الدر المنثور 6/ 637قال ابن الجوزي: وهذا قول ابن سيرين وأبي إمامة بن سهل وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث والسدي اه.
(4) أخرجه ابن جرير عن قتادة. جامع البيان 22/ 28، وانظر الإيضاح ص 386، وأحكام القرآن للجصاص 3/ 368.
(5) انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 247.
وقد أورد مكي هذه الأقوال عن أبي بن كعب، ومجاهد وابن جبير انظر الإيضاح ص 387 وأخرج قول مجاهد: ابن جرير الطبري بنحوه ورده. انظر جامع البيان 22/ 30.
قال النحاس: وهذا بعيد، لأنه يقدره: من بعد المسلمات، ولم يجر للمسلمات ذكر اه المصدر السابق. وانظر تفسير القرطبي: 14/ 220.(2/796)
سورة سبأ
ليس فيها نسخ.
وقوله عزّ وجلّ {قُلْ لََا تُسْئَلُونَ عَمََّا أَجْرَمْنََا} (1).
زعم قوم أنها منسوخة بآية السيف (2).
وقد تقدّم القول في مثله.
__________
(1) سبأ (25). وتمامها {وَلََا نُسْئَلُ عَمََّا تَعْمَلُونَ}.
(2) قاله ابن حزم ص 51وابن سلامة ص 259، وابن البارزي ص 45، والكرمي ص 170.
وذكره ابن الجوزي عن المفسرين ورده بقوله: قال المفسرون: المعنى: لا تؤاخذون بجرمنا، ولا نسأل عما تعملون من الكفر والتكذيب والمعنى: إظهار التبري منهم، قالوا: وهذا منسوخ بآية السيف.
ولا أرى لنسخها وجها، لأن مؤاخذة كل واحد بفعله لا يمنع من قتال الكفار اه نواسخ القرآن ص 434.
قلت: وزيادة على ذلك فإن الآية خبرية، وقد سبق مرارا أن الأخبار لا تنسخ. ثم أنه لا تعارض بينها وبين آية السيف، فهي تقرر أن كل إنسان مرهون بعمله ومأخوذ به.(2/797)
سورة فاطر
ليس فيها نسخ.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {إِنْ أَنْتَ إِلََّا نَذِيرٌ} (1) معناها: منسوخ بآية السيف (2).
وليس كذلك، وقد تقدّم (3).
__________
(1) فاطر (23).
(2) قاله ابن حزم ص 51، وابن سلامة ص 260، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ورده ص 435، وابن البارزي ص 46، والكرمي ص: 171.
(3) راجع على سبيل المثال الموضعين الثاني والسادس من سورة الأنعام، والموضع الأول من سورة هود عليه السلام والكلام على الآية 89من سورة الحجر والموضع الثاني من سورة النحل، وراجع النسخ في القرآن 1/ 429.(2/798)
سورة يس
لا نسخ فيها.
(ولا بصحيح) (1) قول من قال: (فلا يحزنك قولهم) (2) نسخ بآية السيف (3).
__________
(1) هكذا في الأصل: ولا بصحيح. وفي بقية النسخ: وليس بصحيح وهي الصواب.
(2) سورة يس (76).
(3) ذكر نسخها بآية السيف ابن سلامة ولم يرتضه ص 260، وذكره ابن البارزي ص 46.
ولم أقف على من ذكر دعوى النسخ في هذه الآية غيرهما، وهذا دليل الضعف، وأنه لا يلتفت إلى القول به، والآية تحمل في طياتها تطمينا وتسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتخفف العبء الثقيل الذي يشعر به من تكذيبهم له ورميهم له بالسحر والكهانة وغيرهما، وهذه سنة الله في أنبيائه والدعاة إليه إلى يوم القيامة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/799)
سورة و (1) الصافات
ليس فيها نسخ.
وقوله عزّ وجلّ {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتََّى حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} (2)، وكذلك {وَتَوَلَّ} [3] عَنْهُمْ حَتََّى حِينٍ (4) * وَأَبْصِرْ (5) زعم قوم أن الآيات الأربع نسخن بآية السيف (6).
__________
(1) في ظ: سورة الصافات.
(2) الصافات: (174، 175).
(3) في الأصل وظق: (فتول). خطأ.
(4) كلمة (حين) سقطت من الأصل. ووضع الناسخ سهما لإضافتها في الحاشية لكنها لم تظهر.
(5) الصافات: (178، 179).
(6) زعم ذلك ابن حزم ص 52، وابن سلامة ص 261، وابن البارزي ص 46وحكاه القرطبي:
15/ 139، وفصل في ذلك الكرمي فقال: قال ابن عباس: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتََّى حِينٍ} يعني الموت.
قال: فعلى هذا تكون الآية منسوخة، قال مقاتل: نسخها آية القتال اه.
وقال السدي: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي حتى تؤمر بالقتال اه. فعلى هذا تكون الآية محكمة اه من قلائد المرجان ص 172.
قلت: وعلى كل حال فالآية محكمة، لأن الأمر بالتولي مغيا إلى غاية كقوله تعالى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} الآية 109من سورة البقرة.
وقد سبق أن قال المصنف عند هذه الآية: فحمل هذا على أنه محكم أولى. انظر ص 594من هذا الكتاب.
هذا وقد ذكر ابن الجوزي أقوال المفسرين في هذه الآيات، ومال إلى القول بإحكامها.(2/800)
وليس كذلك (لأنه) (1) قد بينت أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن قادرا على قتالهم فيؤمر بتركه، ثم جاءت آية السيف آمرة بالقتال.
__________
انظر نواسخ القرآن ص 436، 438، وراجع النسخ في القرآن 2/ 526.
(1) هكذا في الأصل: لأنه. وفي بقية النسخ: لأني. وهو الصواب.(2/801)
سورة ص
لا نسخ فيها.
وقوله عزّ وجلّ: {اصْبِرْ} [1] عَلى ََ مََا يَقُولُونَ (2)، زعموا أنه منسوخ بآية السيف (3)
وقد قدمت (4) إبطاله (5).
وكذلك (6) قوله عزّ وجلّ {إِنْ يُوحى ََ إِلَيَّ إِلََّا أَنَّمََا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (7).
__________
(1) في النسخ (فاصبر) خطأ في الآية.
(2) سورة ص (17).
(3) ذكره مكي في الإيضاح وسكت عنه ص 391.
وذكره النحاس، ثم قال: وقد يجوز أن يكون هذا غير منسوخ، ويكون هذا تأديبا من الله له، (وأمر) لأمته بالصبر على أذاهم، لأن التقدير اصبر على ما يقولون مما يؤذونك به اه. الناسخ والمنسوخ ص 251واستدل على ذلك بسياق الآيات التي تتحدث عن مؤاذاتهم له صلّى الله عليه وسلّم واستهزائهم وإنكارهم لما جاء به {وَقََالُوا رَبَّنََا عَجِّلْ لَنََا قِطَّنََا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسََابِ} الآية 16من السورة نفسها.
كما ذكر دعوى النسخ هنا ابن البارزي ص 46، والقرطبي في تفسيره 15/ 158، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 110.
(4) في د وظ: وقد تقدم.
(5) راجع على سبيل المثال الموضع الرابع عشر من سورة آل عمران.
وكلام المصنف في آخر سورة الأنعام، ورده على الذين جعلوا آية السيف ناسخه ل (114) آية، ومنها الآيات التي تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر وتحمل الأذى.
(6) في د وظ: بدون واو.
(7) سورة ص 70، ولم يلتزم المصنف الترتيب بالنسبة للموضع الآتي.(2/802)
قالوا: معناها منسوخ بآية السيف (1)، وليس كذلك.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} (2).
قالوا: هو منسوخ بتحريم ذلك بالإجماع وبالسّنة، وهذا خلف من القول وإنما (3)
حكى الله عزّ وجلّ ذلك عن نبيه، ولم يشرّع ذلك لنا، ثم ينسخ بسنة ولا بإجماع (4).
وقوله عزّ وجلّ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} [5] فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ (6) زعم قوم أن ذلك منسوخ. قالوا: وقال به مالك بن أنس رحمه الله.
وقال: البر بأتم الافعال، والحنث بأقلها احتياطا للدين، فلا يجزئ عن مائة ضربة، ضربة واحدة بمائة قضيب (7) اه.
وقال مجاهد وغيره: هذا حكم خص به أيوب عليه السلام (8) اه.
__________
(1) حكاه ابن حزم ص 52، وابن سلامة ص 262، وابن البارزي ص 46، والكرمي ص 173.
وأما ابن الجوزي فقد رد على القائلين بالنسخ ووصفهم بقلة الفهم ورجح أنّ الآية محكمة
الخ.
انظر نواسخ القرآن ص 439، وراجع كلام السخاوي على الآية رقم 89من سورة الحجر.
(2) سورة ص (23). وأولها {رُدُّوهََا عَلَيَّ فَطَفِقَ} الآية.
(3) في بقية النسخ بدون واو.
(4) قال النحاس: من العلماء من قال: أبيح هذا، ثم نسخ وحظر علينا. فقال الحسن: قطع سوقها وأعناقها فعوضه الله مكانها خيرا منها وسخر الريح اه.
وأحسن من هذا القول ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: طفق مسحا، يمسح أعناقها وعراقيبها حبا لها.
وهذا أولى، لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي من الأنبياء أنه عاقب خيلا ولا سيما بغير جناية منها، إنما اشتغل بالنظر إليها ففرط في صلاته فلا ذنب لها في ذلك اه الناسخ والمنسوخ ص 252.
وكذلك ذكر مكي في الإيضاح ص 391.
وراجع أقوال المفسرين واختلافهم في معنى هذه الآية بتوسع في تفسير الطبري 23/ 156، والقرطبي 15/ 195، وزاد المسير: 7/ 130.
(5) سيشرح المصنف معنى (الضغث) قريبا.
(6) سورة ص (44).
(7) انظر: الإيضاح ص 392، وراجع نحوه في المدونة للإمام مالك: 2/ 140.
(8) انظر: الإيضاح ص 392، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 252.(2/803)
قال (1) بعض مصنفي الناسخ والمنسوخ (2): وجعل الشافعي الآية محكمة عامة (معمول) (3) بها، قال: وهو قول عطاء (4).
و (أ) (5) جاز مالك في الرجل يحلف ليضربن عبده عشر ضربات أن يضربه ضربة واحدة بعشرة قضبان (6).
وجعل الآية محكمة غير منسوخة ولا مخصوصة (7).
قال: وهذا مذهب يدلّ على أن شريعة من قبلنا لازمة لنا، حتى يأتي نص (ينقلها) (8) عنها.
وقال: وهذا مذهب يتناقض (9)، لأن شرائع من قبلنا مختلفة في كثير من الأحكام والهيئات والرتب والأعداد، وغير ذلك من تحريم، وتحليل، كما قال عزّ وجلّ: {لِكُلٍّ جَعَلْنََا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهََاجاً} (10).
__________
قال النحاس: وأهل المدينة إلى هذا القول يميلون اه وقال ابن العربي: روى ابن زيد عن ابن القاسم عن مالك: (من حلف ليضربن عبده مائة، فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر.)
قال: وكذلك روي عن عطاء أنها لأيوب خاصة. انظر أحكام القرآن 4/ 1652، وراجع أحكام القرآن للجصاص 3/ 382.
(1) في د وظ: وقال. وفي ظق: كما قال.
(2) وهو مكي بن أبي طالب.
(3) هكذا في الأصل: معمول بها. خطأ نحوي. وفي بقية النسخ (معمولا) وهو الصواب.
(4) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 252.
قال الكيا الهراسي الشافعي: وهو قول الشافعي، ومذهب أبي حنيفة ومحمد وزفر.
وقال مالك: لا يبر، ورأى أن ذلك مختصا بأيوب، وقال: لا يحنث.
وإذا قال: افعل ذلك ولا تحنث، علم أنه جعله بارا إذ لا واسطة اه. أحكام القرآن 2/ 361
(5) سقطت الهمزة من الأصل. وفي بقية النسخ: وأجاز. وهو الصواب.
(6) قال الشوكاني: وقد اختلف العلماء هل هذا خاص بأيوب أو عام للناس كلهم؟ وأن من حلف خرج عن يمينه بمثل ذلك، قال الشافعي: إذا حلف ليضربن فلانا مائة جلدة أو ضربا ولم يقل: ضربا شديدا ولم ينو بقلبه، فيكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية، حكاه ابن المنذر عنه وعن أبي ثور وأصحاب الرأي اه فتح القدير: 4/ 437.
(7) انظر: نحوه في أحكام القرآن للشافعي 2/ 117.
(8) هكذا في الأصل: ينقلها عنها، وفي بقية النسخ: ينقلنا عنها. وهو الصواب.
(9) في ظ: تناقض.
(10) المائدة (48).(2/804)
قال: وإذا كانت مختلفة في التحريم والتحليل، فكيف يلزمنا تحريم شيء وتحليله في الحال الواحدة؟.
ولأن الشرائع مختلفة، فبأي شريعة يلزمنا العمل؟ إذ لا سبيل إلى العمل بالجميع (1)
لاختلافها.
وأما قوله عزّ وجلّ {فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} (2)، فإنما أراد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما لا يختلف (3) فيه الأديان، إذ غير جائز أن يكون المراد: فبشرائعهم اقتد.
قال: فإن ادعى مدع أن أيوب عليه السلام بر بذلك من يمينه، وأنه إجماع من شرائع الأنبياء، فيلزمنا فعله، سئل عن الدليل، فلا يجد (4) إليه سبيلا. وقال:
واختلف أصحاب مالك في مذهبه، فمنهم من قال: مذهبه العمل بشريعة من قبلنا، لأنه قد احتج بقوله عزّ وجلّ {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا} (5) الآية ومنهم من قال: ليس ذلك مذهبه، لأنه لم يخرج الحالف بمثل يمين أيوب عليه السلام بمثل ما برّ به في يمينه.
قال: والذي عليه أكثر أصحابه (6) أن ما قصّ الله علينا من شرائع من كان قبلنا ولم ينسخه قرآن ولا سنّة، ولا افترض علينا ضده، فالعمل به واجب نحو قوله تعالى {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ}.
قال: وقد اعترض على هذا القول بقصة أيوب عليه السلام في بره بضربة فيها مائة قضيب، ولا يقول به مالك، واعترض بقصة موسى عليه السلام (7) في تزويج
__________
(1) في د: الجميع.
(2) الأنعام (90) {أُولََئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللََّهُ فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} الآية.
(3) في ظق: تختلف. وهي أفصح.
(4) في د وظ: فلا نجد.
(5) المائدة (45) {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} الآية هذا وقد سبق أن رجح السخاوي أن لنا شرعة تخالف شرعتهم ومنهاجا يخالف منهاجهم، وذلك أثناء حديثه عن قوله تعالى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} الآية 178من سورة البقرة.
وسيزيد المصنف الأمر توضيحا قريبا، أي في حديثه عن هذه الآية.
(6) في د وظ: أكثر الصحابة. وهو خطأ فاحش.
(7) يريد ما قصه الله تعالى علينا في كتبه بقوله: {قََالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هََاتَيْنِ عَلى ََ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمََانِيَ حِجَجٍ} الآية 27من سورة القصص.(2/805)
احدى (1) الابنتين من غير تعيين (2) اه.
وأقول (3): إن مالكا رحمه الله إذا قال بنسخ هذه الآية، فهو يقول: بأن شريعة من قبلنا لازمة لنا، وإلّا فأي حاجة أن يجعل (4) الآية منسوخة؟.
وأما الشافعي رحمه الله فما حجته فيما صار إليه في أن (5) من حلف ليضربن عشر ضربات فضرب (بعشر) (6) قضبان أنه يخرج من يمينه إلّا أنه رأى أن عشرة قضبان يصيب كل واحد منها (7) المضروب، هي كعشر ضربات، لا فرق بين ذلك، كما لو كان في (يديه قضبان (8) فضرب بهما مرة واحدة بكلتا يديه، أن ذلك مساو لضربة بيده الواحدة مرتين، وكما (9) لو ضربه عشرة (10) في مرة واحدة كان ذلك بمنزلة عشر ضربات من واحد، لا فرق بين ذلك، وليست الآية بحجة لما ذهب إليه، لأن الآية لم يشترط فيها أن تصيب (11) جميع قضبان الضغث جسم المضروب، والشافعي رحمه الله يشترط ذلك.
فإن قيل: فقد (12) جاء في الكلام في هذه المسألة ما يدل على اعتقادهم أن الشافعي رحمه الله إنما بنى الكلام فيها على الآية.
__________
(1) في ظ: في تزويج في إحدى!
(2) انظر: الإيضاح بلفظه ص 395393.
قلت: أما الاعتراض بقصة تزويج موسى عليه السلام فليس في مكانه فقد قال القرطبي: هذا يدل على أنه عرض لا عقد، لأنه لو كان عقدا لعين المعقود عليها له، لأن العلماء وإن كانوا قد اختلفوا في جواز البيع إذا قال: بعتك أحد عبدي هذين بثمن كذا فإنهم اتفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح، لأنه خيار، وشيء من الخيار لا يلصق بالنكاح إلى أن قال: أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة وإنما عرض الأمر مجملا وعين بعد ذلك اه الجامع لأحكام القرآن 13/ 272.
(3) في بقية النسخ: فأقول.
(4) في د وظ: أن تجعل.
(5) في د وظ: في أن أي من حلف.
(6) هكذا في الأصل بعشر قضبان. وفي بقية النسخ: بعشرة قضبان وهو الصواب.
(7) في د وظ: منهما.
(8) هكذا في الأصل قضبان وفي بقية النسخ قضيبان وهو الصواب.
(9) في د وظ: كما. بدون واو.
(10) أي كما لو ضربه عشرة رجال أو أشخاص مرة واحدة.
(11) في د وظ: أن يصيب. وفي الأصل: غير واضحة.
(12) في د وظ: فما جاء.(2/806)
قال أبو حامد (1): إذا قال لأضربنك مائة خشبة حصل البرّ بالضرب بشمراخ عليه مائة من القضبان.
قال: وهذا بعيد على خلاف موجب اللفظ، قال الله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ} [2] بِهِ وَلََا تَحْنَثْ في قصة أيوب عليه السلام ثم لا بد أن يتثاقل على المضروب بحيث تنكبس (3) به القضبان (4) حتى يكون لكل واحد أثر، ولا بأس أن يكون وراء حائل، إذا كان لا يمنع التأثير أصلا.
وفيه وجه: أنه لا بد من ملاقاة الجميع بدنه، ولا يكفي انكباس البعض على البعض قال: ثم لو شككنا (5) في حصول (التنقل (6) والمماسة) أن شرطناها: قال الشافعي: حصل البرّ، ونص أنه لو قال: لا أدخل الدار إلّا أن يشاء زيد، ثم دخل، ومات زيد، ولم يعرف أنه شاء أم لا: حنث.
فقيل: قولان بالنقل والتخريج، لأجل الاشكال (7).
وقيل: الفرق أن الأصل عدم المشيئة، ولا سبب يظن به وجودها، وللضرب هاهنا سبب ظاهر.
قال: ولو قال: مائة سوط بدل الخشبة، لم يكفه الشماريخ، بل عليه أن يأخذ مائة سوط ويجمع ويضرب دفعة واحدة.
ومنهم من قال: يكفيه الشماريخ، كما في لفظ الخشبة، أما إذا قال: لأضربن مائة ضربة لا يكفي الضرب مرة واحدة بالشماريخ.
__________
(1) هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد، تفقه على إمام الحرمين، وبرع في علوم كثيرة، وله مصنفات كثيرة منتشرة في فنون متعددة، وكان من اذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه، وكان فيلسوفا متصوفا، عمل مدرسا في المدرسة النظامية في بغداد، ثم ارتحل إلى دمشق وبيت المقدس، وعاد إلى بلده، مولده ووفاته في طوس في خراسان (505450هـ).
انظر: البداية والنهاية: 12/ 185، والإعلام: 7/ 22.
(2) في د: فالضرب.
(3) أي حتى تصيب كلها جسده.
(4) في د: الضبان. وفي ظ: لا تقرأ.
(5) في د: شكنا.
(6) هكذا في الأصل: التنقل والمماسة. وفي بقية النسخ: التثقيل أو المماسة. وهو الصواب.
(7) يعني الأخذ بالنصوص المنقولة إلينا التي تفيد إقامة الحدود، أو اللجوء إلى المخرج والحيلة إذا وجدت أسباب ذلك لرفع الإشكال، وبهذا نكون قد عملنا بهذا وذاك. والله أعلم.(2/807)
فاستبعاده ذلك الحكم من الآية، يدل على أن الآية هي الأصل في ذلك (1) اه.
قلت: لا يليق نسبة مثل هذا إلى الشافعي رحمه الله وكيف تكون الآية عنده الأصل في هذه المسائل، وليس في الآية (2) صورة يمين أيوب عليه السلام إنما فيها (3)
صورة خروجه من اليمين، وهذه الأحكام تختلف باختلاف (4) صورة اليمين ونحن لا ندري هل حلف أيوب عليه السلام ليضربن مائة ضربة أو مائة سوط أو مائة عصا أو مائة خشبة؟ ثم إن صورة خروجه من اليمين أيضا غير مذكورة في الآية.
إنما قال عزّ وجلّ: {وَ} [5] خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً، والضغث: الحزمة الصغيرة، إما من النبات أو من قضبان الشجر، فأين شرط المماسة أو الانكباس (6)؟.
وعلى الجملة فليست الآية من هذه المسائل في شيء، ولا يصح أن يقال: إنها منسوخة، وكيف تنسخ وهي خبر عما أمر الله به أيوب عليه السلام ورخّص له فيه (7)
رحمة منه بالحالف والمحلوف عليه، وإن كانت منسوخة فأين الناسخ؟.
أيجوز أن يكون الناسخ لها قول إمام من الأئمة بخلافها، مع أنها خبر لا يجوز نسخه؟
وأما شريعتنا فناسخة لجميع الشرائع، ولا يلزمنا العمل بشيء من شرائع من قبلنا ولو قصّ علينا، وإنما عملنا بما فرض الله لنا وأمرنا به.
وقوله تعالى: {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (8) الآية، لم يلزمنا ما فيها، لأن الله عزّ وجلّ كتبه عليهم في التوراة، وإنما ألزمنا ذلك بما أنزله إلينا، كقوله (9)
__________
(1) انظر: النص في كتاب الوجيز لأبي حامد الغزالي: 2/ 231.
وراجع شرح منح الجليل: 1/ 660.
(2) في د وظ: وليس في هذه الآية.
(3) كلمة (فيها) ليست في د وظ.
(4) في د: يختلف اختلاف. وفي ظ. يختلف باختلاف.
(5) سقطت الواو من بقية النسخ.
(6) حصل تديم وتأخير في د وظ: فمن قوله: (فأين) إلى قوله (الانكباس) جاءت بعد قوله: (في شيء).
(7) في بقية النسخ: فيه له.
(8) المائدة (45)، وتقدمت قريبا.
(9) في د وظ: لقوله.(2/808)
عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ} (1).
وبما حكم به نبينا صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، وقد قال الله عزّ وجلّ {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتََابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ وَلََا تَتَّبِعْ أَهْوََاءَهُمْ عَمََّا جََاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (2) أي (3) أنهم يهوون أن تحكم بشريعتهم فلا تحكم بها {لِكُلٍّ جَعَلْنََا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهََاجاً وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وََاحِدَةً} (4) إلى آخر الآية.
ثم (5) قال عزّ وجلّ بعدها (6): {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ وَلََا تَتَّبِعْ أَهْوََاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مََا أَنْزَلَ اللََّهُ إِلَيْكَ} (7).
وأما قوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً} (8)، فإنما معناه: أن شريعتك هذه هي ملّة إبراهيم، فاتبعها.
وقال عزّ وجلّ: {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ هُوَ اجْتَبََاكُمْ وَمََا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرََاهِيمَ هُوَ سَمََّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هََذََا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ} (9).
فمعنى قوله عزّ وجلّ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرََاهِيمَ} أي اتبعوا ملّتكم هذه، فهي ملّة أبيكم إبراهيم.
وقد عد قوم هذه الآية من المتشابه، وليس كذلك، وإنما أشكل عليهم عود الضمير والمعنى: والله أعلم أن قوله: (هو اجتباكم) عائد إلى (ربّكم)، وقوله {لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ} متعلّق به، وقوله عزّ وجلّ {هُوَ سَمََّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} عائد أيضا إلى ما عاد إليه الضمير الأول، أي سمّاكم فيما تقدم من الزمان لأنبيائه، وفيما أنزله من كتبه، (وفي هذا): أي وفي زمانكم (10).
__________
(1) البقرة (178).
(2) المائدة (48).
(3) كلمة (أي) ساقطة من د وظ.
(4) جزء من الآية نفسها، وتمامها {وَلََكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مََا آتََاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرََاتِ إِلَى اللََّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمََا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
(5) (ثم) غير واضحة في ظ.
(6) كلمة (بعدها) ساقطة من د وظ.
(7) المائدة (49).
(8) النحل (123).
(9) الحج (78).
(10) راجع تفسير الطبري: 17/ 209، 208، والكشاف: 3/ 24والبحر المحيط: 6/ 391، وإملاء ما من به الرحمن: 4/ 49بهامش الفتوحات الإلهية، وتفسير القرطبي: 12/ 101.(2/809)
سورة الزمر
ليس فيها نسخ (1).
وزعم قوم أن قوله عزّ وجلّ: {اعْمَلُوا عَلى ََ مَكََانَتِكُمْ إِنِّي عََامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (2)
منسوخ بآية السيف (3).
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (4)، وليس ذلك بمنسوخ، والقول فيه كما تقدّم.
__________
(1) في ظ: ليس فيها ناسخ.
(2) الزمر (39).
(3) ذكره ابن حزم ص 53، وابن سلامة ص 265، ونسبه مكي إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال: هذا تهديد ووعيد لا يحسن نسخه اه. الإيضاح ص 397وكذلك رده ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 442.
وممن ذكر النسخ هنا ابن البارزي ص 47، والكرمي ص 176، والفيروزآبادي 1/ 405، وقد سبق أن ذكر المصنف موضعا شبيها بهذا ورد القول بالنسخ فيه انظر: الموضع الحادي عشر من سورة الأنعام ص 702.
(4) الزمر (41).
وقد ذكر النسخ هنا ابن سلامة ومكي والكرمي وسكتوا عنه، ورده ابن الجوزي انظر المصادر السابقة.
وسبق للمصنف أن رد على نظير هذا في الموضع الثاني من سورة الأنعام ص 697والموضع السادس من سورة يونس ص 731.(2/810)
وقوله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللََّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (1).
قال قوم: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ (2): {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} * (3) وليس كما زعموا، وإنما المعنى: لا تقنطوا من رحمة الله عزّ وجلّ للذنوب التي ارتكبتموها في حال الكفر (4)، فإن الإسلام يمحوها، {وَأَنِيبُوا إِلى ََ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} إلى قوله عزّ وجلّ:
{وَكُنْتَ مِنَ الْكََافِرِينَ} (5) وهذا خبر لا يجوز نسخه (6).
__________
(1) الزمر (53) {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ إِنَّ اللََّهَ يَغْفِرُ}
الآية.
(2) من قوله: {إِنَّ اللََّهَ يَغْفِرُ} إلى (بقوله عزّ وجلّ) هذه العبارة أضيفت في حاشية ظ، لكنها كانت مبتورة.
(3) النساء (48، 116) {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} *.
(4) هكذا قصرها المصنف على الذنوب التي ارتكبها الكفار في حال كفرهم وأرى أنه لا داعي لقصرها على ذلك، بل هي عامة في الكفر والنفاق والمعاصي، فالله تعالى وعد بغفران الذنوب لمن أسرف في ذلك ثم تاب وأناب.
قال ابن كثير: «هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة، لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه ثم سرد بعض الأحاديث المتعلقة بهذه الآية، التي تدل على سعة رحمة الله وفضله، إلى أن قال: وهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة، ولا يقنطن عبد من رحمة الله، وإن عظمت ذنوبه وكثرت، فإن باب الرحمة والتوبة واسع» اه من تفسيره 4/ 58.
(5) الزمر (5954).
(6) راجع الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 398.(2/811)
سورة المؤمن (1)
ليس فيها نسخ.
وهي أول (آل حم) (2) نزولا، ثم التي تليها إلى انقضاء السبع، فهي في التأليف على حسب النزول عند قوم (3).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ} * في الموضعين منها (4): إنه منسوخ بآية السيف (5)، وليس كذلك، وقد سبق القول في ذلك (6).
__________
(1) وتسمى سورة غافر.
(2) سبق الكلام على (آل حم) في فصل (منازل الإجلال والتعظيم في فضائل القرآن العظيم) من هذا الكتاب ص 263.
(3) راجع الكلام على ألقاب القرآن من هذا الكتاب ص 200وانظر الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص 267.
(4) الآيتان: 55، 77.
(5) قاله ابن حزم ص 53، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ورده ص 444، وابن البارزي ص 47، وتعرض الكرمي للموضع الثاني فقط.
انظر قلائد المرجان ص 178.
(6) أي أن الأمر بالصبر لا ينسخ، ولا يتعارض مع آية السيف.
راجع كلام المصنف على الموضع السادس عشر في آخر سورة الأنعام ص 705وانظر: الموضع السابع من سورة يونس ص 731وكذلك راجع كلام المصنف عند قوله تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} ص 739.(2/812)
سورة السجدة (1)
ليس فيها نسخ.
وقال ابن حبيب في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مََا شِئْتُمْ} (2): هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * (3).
وليس هذا بمنسوخ كما (ذكروا) (4)، وقد تقدم القول في مثل هذا (5).
وكيف يظن من له تحصيل أن قوله عزّ وجلّ {اعْمَلُوا مََا شِئْتُمْ}، تفويض؟ وهذا قول مظلم، كيف ما تدبرته ازداد ظلمة، ومما فيه (أن) (6) كان لنا أن نعمل ما شئنا من غير مشيئة الله تعالى، ثم نسخ بأنا لا نشاء شيئا (7)، إلّا أن يشاء الله، وهذا ضرب من الهذيان.
__________
(1) وهو أحد أسمائها وتسمى سورة فصلت.
(2) فصلت (40).
(3) الإنسان (30)، والتكوير (29).
(4) هكذا في الأصل: كما ذكروا. وفي بقية النسخ: كما ذكر. وهو الصواب.
(5) راجع كلام المصنف على الآية رقم 29من سورة الكهف ص 755.
وقد حكي مكي بن أبي طالب عن ابن حبيب القول بالنسخ.
ثم قال: وحكي ابن حبيب أن بعض الناس قال: هو تهديد ووعيد، وليس بتفويض، يريد أنه غير منسوخ، وهذا هو الصواب إن شاء الله اه انظر بقية كلامه في الإيضاح ص 401.
(6) هكذا في الأصل: أن كان. وفي بقية النسخ: أنه. وهو الصواب.
(7) كلمة (شيئا) ليست في د وظ.(2/813)
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) إنه منسوخ بآية السيف (2).
وليس كذلك، إنما هذا (3) ندب إلى الحلم عند جهل الجاهل (4).
قال ابن عباس: رضي الله عنهما هما الرجلان يسبّ أحدهما الآخر، فيقول المسبوب للساب إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك، فيصير الساب كأنه صديق لك وقريب منك (5) اه.
والحميم: الخاص بك، قاله أبو العباس محمد (6).
وقيل: الحميم: القريب، أي ادفع بحلمك جهل من جهل، وبعفوك إساءة المسيء.
وقال ابن عباس: أمر الله المسلمين بالصبر عند الغضب، وبالعفو والحلم عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم من أساء حتى يصير (كأنه ولي حميم) (7) اه.
__________
(1) فصلت: (34).
(2) قاله ابن حزم ص 53وابن سلامة ص 168.
قال ابن الجوزي: وقد زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وساق بسنده إلى السدي، قال: هذا قبل القتال. ثم قال ابن الجوزي: وقال أكثر المفسرين: هو كدفع الغضب بالصبر، والإساءة بالعفو، وهذا يدل أنه ليس المراد بذلك معاملة الكفار. فلا يتوجه النسخ اه نواسخ القرآن ص 445.
هذا وممن ذكر دعوى النسخ هنا ابن البارزي ص 47، والكرمي ص 179والقرطبي في تفسيره 15/ 361.
(3) في د وظ: إنما هو.
(4) انظر تفسير الطبري: 24/ 119.
(5) أخرجه بنحوه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه انظر: الدر المنثور:
6/ 113، 7/ 119.
وأورده القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال: ويروى عن أبي بكر أنه قال ذلك لرجل نال منه اه الجامع لأحكام القرآن 15/ 361.
(6) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، أبو العباس المعروف بالمبرد، إمام العربية ببغداد في زمنه، وأحد أئمة الأدب والأخبار، مولده بالبصرة ووفاته ببغداد (286210هـ).
انظر: تاريخ بغداد: 3/ 373، والإعلام: 7/ 144.
(7) أخرجه ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما.(2/814)
وقال مجاهد: «ادفع (بالإسلام) (1) إساءة من أساء إليك، تقول له إذا لقيته السلام عليكم» اه.
وقال عطاء مثل ذلك (2).
__________
جامع البيان: 24/ 119، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه كلهم عن ابن عباس.
انظر: الدر المنثور: 7/ 327، وراجع فتح القدير: 4/ 517. وذكره ابن كثير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. انظر: تفسيره 4/ 101، وراجع تفسير القرطبي: 15/ 362.
(1) هكذا في الأصل: بالإسلام. وفي بقية النسخ: بالسلام. وهو الصواب.
(2) أخرجه ابن جرير عن مجاهد وعطاء. جامع البيان: 24/ 119.
ورواه بنحوه ابن الجوزي بسنده عن مجاهد. نواسخ القرآن ص 446، وانظر الدر المنثور:
7/ 327.(2/815)
سورة الشورى
ليس فيها نسخ.
وما ذكروه عن (وهب) (1) بن منبه (2) أنه قال في قوله عزّ وجلّ:
1 {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (3) هو منسوخ (بقوله عزّ وجلّ) (4) في سورة المؤمن {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (5).
__________
(1) اسم (وهب) سقط من الأصل.
(2) وهب بن منبه بن كامل اليماني أبو عبد الله، ثقة وكان قاضيا على صنعاء مات سنة بضع عشرة ومائة. انظر تاريخ الثقات ص 467، والتقريب: 2/ 339.
(3) الشورى (5). {وَالْمَلََائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية.
(4) سقط من الأصل هذه العبارة (بقوله عز وجلّ).
(5) غافر (7). {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} الآية.
وهذا الأثر رواه النحاس عن وهب بن منبه، ورده، وتأول كلام وهب بقوله: هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ، لأنه خبر من الله تعالى، ولكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية جاءت على نسخة تلك الآية لا فرق بينهما، وكذلك يجب أن يتأول للعلماء ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم إذا كان لما قالوه وجه اه من الناسخ والمنسوخ بتصرف يسير ص 253.
وقد حذا ابن الجوزي حذو النحاس في الرد على دعوى النسخ هنا بعد عزوه إلى وهب بن منبه والسدي ومقاتل بن سليمان، وقال: إن هذا زعم قبيح، لأن الآيتين خبر، والخبر لا ينسخ ثم ليس بين الآيتين تضاد لأن استغفارهم للمؤمنين استغفار خاص، لا يدخل فيه إلا من اتبع الطريق المستقيم، فلأولئك طلبوا الغفران، والإعاذة من النيران وإدخال الجنان، واستغفارهم لمن في الأرض، لا يخلو من أمرين: أما أن يريدوا الحلم عنهم والرزق لهم، والتوفيق ليسلموا، وأما أن يريدوا به، من في الأرض من المؤمنين، فيكون اللفظ عاما. والمعنى خاصا، وقد دل على تخصيص(2/816)
وقيل: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تََابُوا} (1)، وهذا تفسير استغفارهم (2)، وليس غير الأول (3).
وعلى الجملة فليس (4) هذا (5) بناسخ لما في (الشورى)، فإن استغفارهم للمؤمنين ليس بمعارض لقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} وهذا خبر من الله عزّ وجلّ.
فلا يصح أن تتناقض (6) أخباره، وينسخ بعضها بعضا.
وأيضا فإن سورة (المؤمن) نزلت قبل (الشورى) فيؤدي إلى أن الله عزّ وجلّ أنزل كلاما منسوخا حين أنزله.
2 - وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (7) هو منسوخ بآية السيف (8).
وليس (9) كذلك، وإنما المعنى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيََاءَ} أي آلهة يعبدونها
__________
عمومه قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، والدليل الموجب يصرفه عن العموم إلى الخصوص أن الكافر لا يستحق أن يغفر له، فعلى هذا البيان لا وجه للنسخ اه. نواسخ القرآن ص 448، وراجع تفسير القرطبي: 16/ 4، 5.
(1) جزء من الآية السابقة 7من سورة غافر.
(2) في ظ: استفارهم.
(3) وهذا هو الصحيح كما سبق في كلام النحاس وابن الجوزي.
وقال مكي: الصواب فيه أنه مخصوص ومبيّن بآية غافر، وليس بمنسوخ بها». الإيضاح ص 403. وكان مكي قد بين هذا عند كلامه عن النسخ والتخصيص ومثل له بآيتي الشورى وغافر المذكورتين هنا. انظر الإيضاح ص 89.
(4) في د: ليس بدون الفاء.
(5) كلمة (هذا) ليست في د وظ.
(6) في د وظ: فلا يصح أن يتناقض أخباره.
(7) الشورى (6).
(8) قاله ابن حزم ص 54، وابن سلامة ص 269، وابن الجوزي ورده في نواسخ القرآن ص 448، وابن البارزي ص 49، والكرمي ص 182.
وقد سبق نظير هذه ورد المصنف على دعوى النسخ فيها.
راجع على سبيل المثال الموضع الثاني والثامن من سورة الأنعام والموضع السادس من سورة يونس عليه السلام والثالث من سورة الإسراء.
(9) في د وظ: فليس.(2/817)
من دون الله، الله حافظ عليهم أعمالهم (1) يحصيها ويجازيهم عليها، {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} تحفظها عليهم، إنما أنت مبلغ ورسول ومنذر، فعليك التبليغ، والحساب على الله عزّ وجلّ (2).
3 - وقالوا أيضا في قوله عزّ وجلّ {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ} (3) إلى آخر الآية: منسوخ بآية السيف (4). وليس كما قيل (5)، وهو خطاب لليهود والنصارى، أي: لنا جزاء أعمالنا، ولكم جزاء أعمالكم (لا حجة بيننا وبينكم).
وقال مجاهد وابن زيد وغيرهما: لا خصومة (6) (7)، لأن الحق قد تبيّن لكم، فجدلكم بعد ذلك فيما علمتم صحته: عناد فلا نحاجكم فيما علمنا (إنكم تعلمون
__________
(1) كلمة (أعمالهم) ساقطة من ظ.
(2) انظر: تفسير الطبري 25/ 8.
(3) الشورى (15). {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ اللََّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنََا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
(4) رواه النحاس بسنده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.
قال: الآية مخاطبة لليهود، أي لنا ديننا ولكم دينكم {لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} أي لا خصومة، هذا لليهود، ثم نسختها {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية 29من سورة التوبة، هذا قول، والقول الثاني أنها غير منسوخة الناسخ والمنسوخ ص 253.
قلت: وجويبر هذا قد سبق أنه ضعيف سيّئ الحفظ.
وأورد مكي النسخ عن ابن عباس ومجاهد بنحو ما رواه النحاس عن ابن عباس، ثم قال:
وقيل: الآية محكمة غير منسوخة، ومعناها: أن الحجج في صحة دين الله قد ظهرت، وبراهين الإيمان قد تبينت فلا حجة بيننا وبينكم، أي الأمر الذي نحن عليه ظاهر الحق والصواب لا يحتاج إلى حجة اه الإيضاح ص 404403.
وكذلك حكى ابن الجوزي قولين فيها للمفسرين، أحدهما أنها منسوخة وهو نحو ما تقدم ذكره عن النحاس ومكي.
والثاني أنها محكمة، قال: وهو الصحيح اه نواسخ القرآن ص 449، 450.
هذا وممن حكى النسخ ابن سلامة ص 270، والقرطبي في تفسيره: 16/ 13، 14، وابن البارزي ص 48، والكرمي ص 182.
(5) العبارة غير واضحة في ت.
(6) من هنا حصل سقط كبير في (ظق) إلى أثناء الكلام على سورة المزمل.
(7) رواه عنهما ابن جرير الطبري في جامع البيان 25/ 18.(2/818)
صحة عناده وتنكرونه) (1)، (الله يجمع بيننا وبينكم) في الموقف (2).
4 - وقالوا (3) في قوله عزّ وجلّ {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} (4) هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (5).
روي ذلك عن (6) الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما (7).
وليس بين الآيتين نسخ، وهما محكمتان، وهذا خبر، والخبر من الله عزّ وجلّ لا ينسخ.
ولا تعارض بين الآيتين أيضا، لأن معنى قوله عزّ وجلّ {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} إن شئنا (8)، لأن من المعلوم أن الأشياء إنما يفعلها بمشيئة الله تعالى (9) لا مكره له عليها،
__________
(1) هكذا: جاءت العبارة في الأصل (أنكم تعلمون صحة عناده وتنكروه) ولا معنى لها. وفي بقية النسخ: إنكم تعلمون صحته وتنكرونه.
(2) وهذا هو الصحيح، أي أن الآية محكمة وهو ما سبق أن حكاه مكي ورجحه ابن الجوزي، فالآية تبين أن كل إنسان مسئول عن عمله ومحاسب عليه، وعند ما يجمع الله الخلائق في عرصات القيامة ويحكم بينهم، يظهر عندئذ أهل الحق من أهل الباطل، وهذا أمر لا يقبل النسخ بحال من الأحوال، والله أعلم.
(3) كلمة (وقالوا) غير واضحة في ظ.
(4) الشورى (20) وتمامها {وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا وَمََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}.
(5) الإسراء (18).
(6) (عن) ليست في د وظ.
(7) هذا الأثر المروي عن الضحاك عن ابن عباس، رواه النحاس وفي سنده جويبر تلميذ الضحاك، وقد سبق التنويه عنه مرارا بأنه ضعيف.
وبناء عليه فيسقط الاستدلال به في مثل هذه الدعوى ثم أن النحاس رحمه الله بعد أن روى القول بالنسخ، قال: والقول الآخر أنها غير منسوخة. وهو الذي لا يجوز غيره اه الناسخ والمنسوخ ص 254.
وقد اختار الإحكام في هذه الآية مكي بن أبي طالب وابن الجوزي انظر: الإيضاح ص 404، ونواسخ القرآن ص 246، 450.
وما قاله المصنف رحمه الله من الرد على دعوى النسخ، فيه ما يشفي ويكفي. هذا وممن ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم ص 54، وابن سلامة ص 271، وابن البارزي ص 48، وذكر الكرمي فيها القولين أعني الإحكام والنسخ انظر: قلائد المرجان ص 183.
(8) حصل شطب في بعض العبارات هنا في (ت).
(9) في د وظ: إنما يفعلها بمشيئة ولا مكره له عليها.(2/819)
فمعنى الآيتين أيضا واحد، فإن (سبحان) (1) نزلت قبل (الشورى) فإن كانت آية ناسخة لآية بعدها فالآية الثانية نزلت منسوخة، وإذا نزلت منسوخة سقطت فائدتها، هذا لو كان ذلك في الأحكام فكيف في الأخبار التي لا يجوز نفسها، وفي هذه (2) الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما نظر.
وقال بعض العلماء: معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما في هذا ونظيره إن صح قولهم عنه إنه ناسخ ومنسوخ، أي هو على نسخته، أي مثله في المعنى وإن لم يكن مثله في اللفظ.
ولا يعجبني هذا التأويل (3).
5 - وقالوا في قوله عزّ وجلّ {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} (4) هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ في سورة (سبأ): {قُلْ مََا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} (5)، وهذا غير صحيح، لأن (سبأ) نزلت قبل (الشورى) فتكون آية الشورى قد نزلت منسوخة.
__________
(1) في بقية النسخ فمعنى الآيتين واحد أيضا فإن (سبحان) الخ.
(2) في ظ: وفي هذا الرواية.
(3) سبق قريبا ذكر كلام للنحاس نحو هذا المعنى، ذكره معتذرا به عن العلماء الذين روي عنهم مثل هذا، ومدافعا عنهم. ص 816.
وانظر: الناسخ والمنسوخ ص 253.
(4) الشورى (23).
(5) سبأ (47).
والقول بالنسخ هنا رواه النحاس بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما ص 254.
وأورده ابن الجوزي عن ابن عباس كذلك.
قال: وإلى هذا ذهب مقاتل، وهذا على أن الاستثناء من الجنس فعلى هذا يكون سائلا أجرا، قال: والقول الثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون على تبليغهم أجرا وإنما المعنى: لكني أذكركم المودة في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم طاوس والعوفي ثم ساق بسنده إلى طاوس عن ابن عباس قال: لم يكن بطن من قريش إلّا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم قرابة، فنزلت {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم هذا هو الصحيح، ولا يتوجه على هذا نسخ أصلا اه.
من نواسخ القرآن ص 451.
قلت: وهكذا رواه البخاري بنحوه وابن جرير. انظر: صحيح البخاري 8/ 564، مع شرحه فتح الباري وتفسير الطبري: 25/ 23.(2/820)
ومعنى قوله {مََا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}: أي إني لا أسألكم أجرا فإن سألتكم أجرا فخذوه فهو لكم.
وقوله (1): {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} لا يعارض هذا ولا ينافيه (2). وقيل:
معناه: ما أسألكم من أجر إلّا هو لكم وعائد بنفعه عليكم، وهو الإيمان والإسلام، وطاعة الله عزّ وجلّ، فتكون الآية على هذا في معنى {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} لأن المودة في القرابة يلزمهم كما يلزمه، فإذا سألهم المودة في القربى فقد سألهم ما هو لهم، وما نفعه لهم، وذلك أن بطون قريش كلها بينها وبينه صلّى الله عليه وسلّم قرابة، فما سألهم على ما جاء به من الهدى والفوز والنجاة، إلّا مودتهم وصلة الرحم بينهم وبينه، ولا خفاء أن ذلك راجع بالنفع عليهم فالذي (3) سألهم هو لهم.
وقيل: أن الأنصار افتخرت بأفعالها على قريش، فقال بعض عترة النبي صلّى الله عليه وسلّم:
لنا الفضل عليكم، فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله فقال: ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟ قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: أفلا تجيبونني؟ قالوا: ما نقول (4) يا رسول الله؟ قال: ألا تقولون: ألم يخرك قومك فآويناك؟ ألم يكذبوك فصدقناك؟ ألم يخذلوك فنصرناك؟ فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله فنزلت {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} (5).
__________
(1) كلمة (وقوله) مطموسة في ظ.
(2) قال القرطبي نقلا عن الثعلبي والقول بالنسخ ليس بالقوي، وكفى قبحا بقول من يقول: إن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته منسوخ اه الجامع لأحكام القرآن 16/ 22.
وانظر: تفسير البغوي والخازن حيث لم يرتضيا القول بالنسخ، وقالا: لا يجوز المصير إليه اه 6/ 101، 102.
(3) في د وظ: والذي.
(4) في د: برسول الله.
(5) انظر: صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الطائف 8/ 43، بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم كتاب الزكاة باب إعطاء المؤلفة ومن يخاف على إيمانه 7/ 157، وتفسير الطبري:
25/ 25، واللفظ له.
وتفسير القرطبي: 16/ 24.
قال القرطبي: عقيب ذكره لهذا السبب وقال قتادة: قال المشركون لعل محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا، فنزلت هذه الآية ليحثهم على مودة أقربائه.
قال الثعلبي: وهذا أشبه بالآية، لأن السورة مكية اه.(2/821)
وهذا المعنى أيضا لا يعارض (آية) (1) (سبأ) لأن مودة النبي صلّى الله عليه وسلّم نفعها لهم، على أن هذا التأويل يعترض عليه، أن السورة مكّية والمعنى الأول أحسن وعليه العلماء.
وقال ابن عباس: (المعنى: قل (2) لقريش: قل (3) لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلّا أن تتوددوا إلى الله عزّ وجلّ وتتقرّبوا إليه بالعمل الصالح).
وكذلك قال الحسن: إلّا التقرب إلى الله عزّ وجلّ والتودد إليه بالعمل الصالح (4).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (5) إنه منسوخ بآية السيف (6).
__________
(1) كلمة (آية) سقطت من الأصل.
(2) كلمة (قل) هذه مكررة في ظ.
(3) (قل) هذه: ليست في بقية النسخ. وعدم وجودها أولى.
(4) رواه ابن جرير بنحوه عن ابن عباس مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن الحسن موقوفا عليه.
قال النحاس: وهذا أجمع الأقوال وأبينها، وهو قول حسن، فهذا المبيّن عن الله قد قال هذا، وكذا الأنبياء عليهم السلام قبله {إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا عَلَى اللََّهِ} * اه. الناسخ والمنسوخ ص 255.
وانظر: جامع البيان 25/ 25، وراجع تفسير القرطبي 16/ 22، 23. هذا وممن حكى في الآية القولين أعني النسخ والإحكام، مكي بن أبي طالب ص 405، وابن حزم ص 54، وابن سلامة ص 273وابن البارزي ص 48، والكرمي ص 183.
(5) الشورى (39).
(6) قال النحاس: زعم ابن زيد أنها منسوخة، قال: المسلمون ينتصرون من المشركين ثم نسخها أمرهم بالجهاد.
وقال غيره: هي محكمة، والانتصار من الظالم بالحق محمود ممدوح صاحبه، كان الظالم مسلما أو كافرا، روى أسباط عن الزهري قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يتعدوا.
وهذا أولى من قول ابن زيد، لأن الآية عامة اه. الناسخ والمنسوخ ص 255، وانظر تفسير الطبري: 25/ 38، والإيضاح ص 405، ونواسخ القرآن ص 452.
أما ابن حزم ص 55، وابن سلامة ص 272، وابن البارزي ص 48فقد قالوا: إنها نسخت بقوله عز وجل {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذََلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الآية 43من السورة نفسها.
وكذلك حكاه ابن الجوزي والكرمي على أنه قول ثان في الآية.
انظر نواسخ القرآن المصدر السابق، وقلائد المرجان ص 184.
قال ابن الجوزي: فكأنها نبهت على مدح المنتصر، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح، فبان وجه النسخ.(2/822)
وليس كذلك.
قال النخعي: (كانوا يكرهون أن يذلّوا أنفسهم، فتجترئ عليهم الفساق) (1).
وهذا تأويل حسن به يظهر معنى الآية، لأن من كان بهذه المثابة استحق أن يثنى عليه، فلذلك أثنى الله عزّ وجلّ عليهم.
وقال السدي: (هو في كل باغ أباح الله عزّ وجلّ الانتصار منه) (2).
7 - وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} (3): نسخ بقوله عزّ وجلّ {فَمَنْ عَفََا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ} (4).
وهذا غير صحيح، لأن الله عزّ وجلّ حد لمن جازى من أساء أن لا يتجاوز المماثلة، ولم يحتّم عليه أن يجازي المسيء، ولا أوجب ذلك عليه، ثم ندب إلى العفو بقوله سبحانه {فَأَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ} فأي نسخ في هذا (5)؟.
8 - وكذلك قالوا في قوله عزّ وجلّ {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولََئِكَ مََا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النََّاسَ} (6) الآية.
__________
قال: والقول الثاني أنها محكمة، لأن الصبر والغفران فضيلة والانتصار مباح، فعلى هذا تكون محكمة، وهو الصحيح اه نواسخ القرآن ص 452.
(1) عزاه السيوطي بنحوه إلى سعيد بن منصور. وعبد بن حميد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم كلهم عن إبراهيم النخعي.
الدر المنثور: 7/ 357.
ولم أجده في تفسير الطبري في مظانه، فالله أعلم.
وقد أورده الكيا الهراسي الشافعي في أحكام القرآن 2/ 366، وكذلك ابن العربي 4/ 1669، وراجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/ 39.
(2) رواه ابن جرير بسنده عن السدي قال: وهو أولى بالصواب جامع البيان 25/ 37.
(3) الشورى (40).
(4) جزء من الآية نفسها.
(5) قال ابن الجوزي: زعم بعض من لا فهم له أن هذا الكلام منسوخ بقوله: {فَمَنْ عَفََا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ}، وليس بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ، لأن معنى الآية: أن من جازى مسيئا، فليجازه بمثل إساءته، ومن عفا فهو أفضل اه. نواسخ القرآن ص 453.
وراجع تفسير الطبري: 25/ 38، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 255.
(6) الشورى (41، 42).(2/823)
قالوا: هاتان الآيتان منسوختان بقوله عزّ وجلّ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذََلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (1) (2)، والقول فيها كالقول في التي قبلها.
9 - ومن العجائب: قولهم: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النََّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}: إنه منسوخ. (3).
10 - وقالوا: في قوله عزّ وجلّ {وَمَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَمََا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلََاغُ} (4). نسخ جميع ذلك بآية السيف (5).
وقد سبق من القول في ذلك ما فيه كفاية (6).
__________
(1) الشورى (43).
(2) قاله ابن حزم ص 55، وابن البارزي ص 48.
ورده ابن الجوزي بقوله: زعم بعض من لا يفهم أنها نسخت بقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} الآية، وليس هذا بكلام من يفهم الناسخ والمنسوخ، لأن الآية الأولى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} تثبت جواز الانتصار، وهذه تثبت أن الصبر أفضل اه نواسخ القرآن ص 454.
وراجع تفسير الطبري: 25/ 38، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص 256.
(3) حكاه مكي، قال: قال ابن وهب عن ابن زيد: إنها منسوخة بقوله تعالى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} *
المؤمنون: 96، وفصلت: 34قال: وقيل: هي محكمة، والانتقام من الظالم حسن اه الإيضاح ص 406.
(4) الشورى (4846).
(5) لم أقف على من قال بنسخ هذه الآيات، ابتداء من قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ} وإنما تكلموا على نسخ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} الآية، انظر الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 55، وابن سلامة ص 172، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 454وابن البارزي ص 48، والكرمي ص 184، والفيروزآبادي: 1/ 419، وقد فسر الطبري الآية بما يؤيد إحكامها، ورد ابن الجوزي القول بنسخها انظر جامع البيان 25/ 43، ونواسخ القرآن ص 454.
(6) راجع كلامه على قوله تعالى {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} آية 6من هذه السورة ص 817وهناك أحلت إلى بعض المواضع المتقدمة الشبيهة به.(2/824)
سورة الزخرف
لا نسخ فيها.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتََّى يُلََاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} (1).
وقوله عزّ وجلّ: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (2): نسختا (3) بآية السيف (4).
__________
(1) الزخرف: (83).
(2) الزخرف: (89).
(3) في د وظ: نسخها.
(4) قاله ابن حزم (ص 55) وابن سلامة (ص 275) وابن البارزي (ص 49) والفيروزآبادي (1/ 422) والكرمي (ص 185)، وحكى ابن الجوزي النسخ كذلك في الآيتين، ورد القول به في الآية الأولى كما رده في نظائرها.
أما الآية الثانية فقال: إن النسخ فيها بآية السيف، مروي عن الضحاك عن ابن عباس قال:
وهو مذهب قتادة ومقاتل بن سليمان اه نواسخ القرآن (ص 445، 456).
قلت: أما الرواية عن الضحاك عن ابن عباس فقد أوردها النحاس بسنده إلى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. الناسخ والمنسوخ (ص 256).
وقد سبق مرارا أن جويبر هذا ضعيف سيّئ الحفظ، وأما الرواية عن قتادة، فقد أخرجها الطبري بإسناده إليه، ورواها النحاس وابن الجوزي كذلك وسكتوا عنها. انظر جامع البيان (25/ 106) والناسخ والمنسوخ ونواسخ القرآن في الصفحات الماضية نفسها.
وقد ذكر مكي بن أبي طالب الآية الثانية {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} ثم قال: أكثر العلماء على أنها منسوخة بالأمر بالقتال والقتل، وهو قول ابن عباس وقتادة وغيرهما اه. انظر الإيضاح (ص 407)(2/825)
وقد تقدّم رد ذلك (1).
__________
والآية من المحكم لا من المنسوخ، لأنه وعيد وتهديد لهم على إصرارهم على الشرك، وعلى إيذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد نص صحيح يجب اتباعه يفيد بأنها منسوخة وأيضا لا تعارض بين أمره تعالى بالصفح عن المشركين في مكة وهو فيهم ولم ينقضوا عهدهم وأمره بقتال طائفة من المشركين في المدينة نقضوا عهدهم وظاهروا عليه أعداءه انظر النسخ في القرآن (2/ 538).
(1) راجع على سبيل المثال الكلام على آخر سورة السجدة (ص 790)، وقد سبق نظير ذلك كثيرا.(2/826)
سورة الدخان
لا نسخ فيها.
وقوله عزّ وجلّ: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} (1).
قالوا: هو منسوخ بآية السيف (2) وقد تقدّم الدليل على بطلان (3) ذلك ونظائره.
__________
(1) الدخان: (59).
(2) قاله ابن حزم (ص 55) وابن سلامة (ص 276) وابن البارزي (ص 49) والفيروزآبادي (1/ 424) والكرمي (ص 186) وقد رد ابن الجوزي دعوى النسخ هنا بقوله: قد ذهب جماعة من المفسرين إلى أنها منسوخة بآية السيف، ولا نرى ذلك صحيحا، لأنه لا تنافي بين الآيتين، وارتقاب عذابهم، أما عند القتل، أو عند الموت، أو في الآخرة، وليس في هذا منسوخ اه.
نواسخ القرآن (ص 457) وراجع النسخ في القرآن (2/ 528).
(3) العبارة غير واضحة في ت.(2/827)
سورة الشريعة (1)
قوله عزّ وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} (2).
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يعرض (على) (3)
المشركين إذا آذوه، وكانوا يهزءون به ويكذبونه، ثم أمره الله عزّ وجلّ أن يقاتلهم كافة» (4).
قال: فكان هذا من (5) المنسوخ (6).
وقد قلت فيما تقدّم: ان ابن عباس رضي الله عنهما يسمّي تغيّر الأحوال
__________
(1) وتسمى أيضا سورة الجاثية.
(2) الجاثية: (14).
(3) هكذا في الأصل (على) وفي بقية النسخ: (عن) وهو الصواب.
(4) (كافة) حرفت في د إلى (كأنه).
(5) (من) ساقط من ظ.
(6) أخرجه ابن جرير وابن الجوزي عن محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس. جامع البيان (25/ 144) ونواسخ القرآن (ص 458).
قلت: وهذا الأثر عن ابن عباس لم يصح، فإن في سنده رجالا ضعفاء، فمحمد بن سعد كان ليّنا في الحديث، كما في الميزان (3/ 560) وأبوه سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي، قال الإمام أحمد: كان لا يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعا لذلك اه تاريخ بغداد (9/ 127) وانظر لسان الميزان (3/ 18، 19) وفي سنده أيضا عمّ سعد بن محمد، وهو الحسين بن الحسن بن عطية العوفي، وقد سبق التنويه بضعفه أثناء الكلام على قوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ}
(ص 740).(2/828)
نسخا، وإنما يصح أن يكون هذا منسوخا على المراد بالنسخ عندنا، أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قادرا على قتالهم منهيا عنه، ثم جاء الأمر بالقتال، فيكون ذلك ناسخا، وليس في هذه الآية زيادة على الآيات التي أمر فيها بالصبر.
وقد أشار فيها إلى وعيدهم والنصر عليهم بقوله سبحانه {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ} (1) (2).
وروى عن ابن عباس أيضا والضحاك وقتادة أنها نزلت في رجل من المشركين سبّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهم أن يبطش به، فنزلت (3) وذلك بمكّة قبل الهجرة (4) فإن أريد بالذين آمنوا عمر رضي الله عنه وأريد بالذين لا يرجون أيام الله:
ذلك الذي سبّه، فقوله عزّ وجلّ: {وَ} [5] قََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً (6) لا يكون ناسخا لهذه، وإن أريد العموم، فقد كانوا غير قادرين على قتالهم، فلا يكونون منهيين عنه، وإنما كانوا مأمورين بالصبر.
وقال قتادة والضحاك: نسخها {فَإِمََّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} (7).
وقال أبو هريرة: رضي الله عنه نسخها {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (8).
__________
(1) جزء من الآية نفسها.
(2) فهذا الجزء من الآية، والآية التي تليها {مَنْ عَمِلَ صََالِحاً فَلِنَفْسِهِ} دليلان على أن الآية محكمة لا منسوخة فإنهما يقرران أن كل إنسان مجزي بعمله، فمن عمل صالحا، فثواب هذا العمل الصالح له لا لغيره، ومن أساء، فعقاب إساءته عليه لا على سواه
انظر النسخ في القرآن (2/ 553).
(3) كلمة (فنزلت) ساقطة من ظ.
(4) راجع الكلام على سورة (الجاثية) في فصل (نثر الدرر في معرفة الآيات والسور) من هذا الكتاب (ص 138) وانظر الإيضاح (ص 409).
(5) كتبت الآية بالفاء في (ت) خطأ.
(6) التوبة (36).
(7) الأنفال (57) وتمامها {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} الآية أخرج هذا الأثر الطبري وابن الجوزي عن قتادة. جامع البيان (25/ 144) ونواسخ القرآن (ص 460).
(8) الحج (39).
أخرجه ابن جرير عن أبي صالح. جامع البيان (25/ 145). وذكره ابن الجوزي وعزاه إلى أبي صالح. نواسخ القرآن (ص 460).(2/829)
ولو كان قولهم في النسخ راجعا إلى النقل لما اختلفوا في الناسخ ما هو، واختلافهم يدلّ على أنهم قالوا ذلك (1) ظنا.
__________
(1) وهذا واضح من اختلافهم في الناسخ للآية الكريمة، فمن قائل: إنها آية السيف، ومن قائل: إنها آية الأنفال {فَإِمََّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} وقائل آخر يقول: إنها آية الحج {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ} وآخر يقول: إنها نزلت بمكة بسبب عمر رضي الله عنه والرجل الذي شتمه من المشركين، وغير ذلك من الأسباب التي ذكرها المفسرون، والتي لا يتسع المقام لذكرها. فلتنظر في زاد المسير (7/ 357).
قال الفخر الرازي: بعد أن حكى النسخ عن أكثر المفسرين والأقرب أن يقال: أنه محمول على ترك المنازعة في المحقرات، وعلى التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية، والأفعال الموحشة اه من تفسيره (27/ 263).(2/830)
سورة الأحقاف
ليس فيها نسخ.
وقال قوم: فيها آيتان:
الأولى (1) قوله عزّ وجلّ {وَ} [2] مََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ (3).
قال أبو القاسم هبة الله (4) بن سلامة (5): ليس (6) في كتاب الله عزّ وجلّ (منسوخ) (7) طال حكمه كهذه الآية عمل بها بمكّة عشر سنين، وعيّره به المشركون ثم هاجروا إلى المدينة، فبقوا ست سنين يعيّرهم (المنافقين) (8) فلمّا كان عام الحديبية، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه، ووجهه يتهلّل فقال: (لقد نزلت عليّ اليوم آية أو قال:
آيات هي أحب إليّ من حمر النّعم، أو (9) قال: مما طلعت عليه شمس) فقال له أصحابه:
__________
(1) كلمة (الأولى) ساقطة من ظ.
(2) سقطت الواو من الأصل.
(3) الأحقاف (9).
(4) في ظ: لعتبة الله بن سلامة.
(5) هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي أبو القاسم الضرير المقرئ النحوي المفسر البغدادي، كانت له حلقة في جامع المنصور، من مؤلفاته: الناسخ والمنسوخ في القرآن، وفاته ببغداد سنة 410هـ.
انظر: تاريخ بغداد (14/ 70) وطبقات المفسرين للداودي (2/ 348) والإعلام (8/ 72).
(6) في د وظ: وليس.
(7) كلمة (منسوخ) ساقطة من الأصل.
(8) هكذا في الأصل: يعيرهم المنافقين خطأ نحوي واضح، وفي بقية النسخ: المنافقون، وهو الصواب.
(9) (أو) ساقطة من ظ.(2/831)
وما ذاك (1) يا رسول الله، فقرأ عليهم {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ} إلى قوله عزّ وجلّ {وَكََانَ اللََّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (2) فقال له أصحابه: ليهنك (ما أنزل) (3) الله فيك، فقد أعلمك ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللََّهِ فَضْلًا كَبِيراً} (4).
وقوله عزّ وجلّ {لِيُدْخِلَ} [5] الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنََاتِ جَنََّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ
إلى قوله: {فَوْزاً عَظِيماً} (6) (7).
فقال المنافقون والمشركون: قد أعلمه الله ما يفعل به وما يفعل بأصحابه، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت: {بَشِّرِ الْمُنََافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذََاباً أَلِيماً} (8) ونزلت {وَيُعَذِّبَ الْمُنََافِقِينَ وَالْمُنََافِقََاتِ} من أهل المدينة {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكََاتِ} * من أهل مكّة (9) وغيرهم {الظََّانِّينَ بِاللََّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دََائِرَةُ السَّوْءِ} (10).
وقال ابن أبيّ: هب أنه غلب (اليهود) (11) فكيف له طاقة بفارس والروم؟ فنزلت {وَلِلََّهِ جُنُودُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} * (12) أكثر من فارس والروم.
قال (13): وليس في كتاب الله عزّ وجلّ كلمات منسوخة نسختها سبع آيات إلّا هذه (14) اه.
__________
(1) في د وظ: وما ذلك.
(2) الفتح (41).
(3) مشطوبة في الأصل، وأضيفت في الحاشية فلم تظهر.
(4) الأحزاب (47).
(5) في الأصل: (ويدخل) خطأ.
(6) الفتح (5).
(7) انظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص 46) قال البغوي والخازن: وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة اه انظر لباب التأويل وبهامشه معالم التنزيل (6/ 131).
وكذلك عزاه ابن كثير بنحوه إلى ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة انظر تفسيره (4/ 155).
(8) النساء: (138).
(9) انظر قلائد المرجان للكرمي (ص 188).
(10) الفتح (6).
(11) في الأصل: هب أنه غلب الروم. ثم طمس الناسخ كلمة (الروم) وصححها في الحاشية فلم تظهر.
(12) الفتح (74).
(13) أي هبة الله بن سلامة.
(14) انظر نص كلام هبة الله بن سلامة في كتابه (الناسخ والمنسوخ) (ص 279، 283) مع تصرف يسير من السخاوي.(2/832)
وقال مكّي بن أبي طالب: رحمه الله روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نسخها: {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} (1) الآية.
قال: وإلى هذا ذهب ابن حبيب، لأن الله عزّ وجلّ (2) قد أعلمه حاله، وأنه مغفور له ذنوبه في الآخرة.
قال مكّي: وهذا إنما يجوز على قول من قال: معناها: (ما يفعل بي ولا بكم) في الآخرة، قال: فأما من قال: (ما يفعل بي ولا بكم) في الدنيا من تقلّب الأحوال فيها، فالآية (3) عنده محكمة، وهو قول الحسن رحمه الله (4) وهو قول حسن لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما نفى عن نفسه علم الغيب فيما يحدث عليه وعليهم في الدنيا.
وقال: ألا ترى إلى قوله تعالى {إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ} (5) يريد في الدنيا.
قال: وأيضا فإن الآية خبر، ولا ينسخ الخبر، وأيضا فإنه صلّى الله عليه وسلّم قد علم أن من مات على الكفر فهو مخلد في النار، فكيف يقول (6): {مََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} في الآخرة؟ وقد أعلمه الله عزّ وجلّ بما يؤول إليه أمر الكفار في الآخرة، وهذا مثل قوله:
{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمََا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [7] إِنْ أَنَا إِلََّا نَذِيرٌ (8)
أي لو علمت الغيب لتحفظت من الضر، فلم يلحقني في الدنيا ضر.
__________
(1) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس دون تصريح بالنسخ، وعن الحسن البصري، وعكرمة مصرحا بالنسخ. انظر جامع البيان (26/ 7).
وكذلك عزاه السيوطي إلى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه كلهم عن ابن عباس دون تصريح بالنسخ أيضا. انظر الدر المنثور (7/ 435).
وعزاه كذلك إلى ابي داود في ناسخه من طريق عكرمة عن ابن عباس مصرحا بالنسخ. المصدر نفسه.
(2) في د وظ: لأن الله جل ذكره.
(3) في ظ: في الآية.
(4) أخرجه الطبري مطولا عن الحسن. جامع البيان (26/ 7) وأخرجه النحاس مختصرا عن الحسن كذلك. انظر: الناسخ والمنسوخ (ص 257).
(5) يونس: (15).
(6) كلمة (يقول) سقطت من ظ.
(7) إلى هنا ينتهي نص الآية في د وظ.
(8) الأعراف: (188).(2/833)
قال: فالظاهر أن الآية محكمة، نزلت في أمور الدنيا (1) اه.
وأقول مستعينا بالله عزّ وجلّ: إن الآية محكمة على كل حال (2).
قول مكّي: إن نسخها إنما يجوز على قول من قال: (ما يفعل بي ولا بكم) في الآخرة دون الدنيا لأن الله قد أعلمه أنه مغفور له في الآخرة (3) فليس بمنسوخة، وإن كان الله عزّ وجلّ قد أعلمه بذلك، لأن المعنى: إني لا أعلم من الأمور شيئا إلّا ما أعلمني به الله عزّ وجلّ يدلّ (4) على ذلك قوله عزّ وجلّ: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ} (5) وليس لي من علم الغيب شيء، لأنهم كانوا يسألونه عن المغيبات، فأمر بأن يقول ما أنا ببدع من الرسل، خارج عما كانوا عليه، إذ كانوا (إنّما) (6) يفوهون بما يوحى إليهم، ولا يخبرون بغير ذلك، {قُلْ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ}، فإعلامه بعد ذلك بما يكون منه في الآخرة، لا يكون ناسخا لهذا.
وأما قول هبة الله: فقال المشركون، وقال المؤمنون: فما يكون منا؟ فأنزل الله عزّ وجلّ كذا وكذا، إلى آخر ما ذكره (فكلامهم) (7) غير مستقيم.
أما ما ذكره عن المؤمنين وما أنزل فيهم (على) (8) قوله عزّ وجلّ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
__________
(1) انظر نص كلام مكي في الإيضاح (ص 411، 412) ونحوه في الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 257) وتفسير الطبري (26/ 8) وقد رجح هذا القول وصححه كل من الإمام الطبري والنحاس في المصدرين السابقين. وابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص 464) وابن كثير في تفسيره (4/ 155) والقرطبي كذلك (16/ 186).
(2) وهذا هو الصحيح إن شاء الله كما سبق.
فقد أعلم الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولا يصح أن يتطرق الشك في هذا، لأن الله تعالى أعلمه في كتابه العزيز أن أولياءه في أمن واطمئنان لا يصيبهم الخوف والحزن كما يصيب غيرهم، قال تعالى: {أَلََا إِنَّ أَوْلِيََاءَ اللََّهِ لََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} الآيات (6462) من سورة يونس.
وهو صلّى الله عليه وسلّم أرفع درجة من الأولياء بل وسيد الأنبياء عليهم السلام، راجع كلام الأستاذ سامي عطا حسن في تحقيقه لكتاب قلائد المرجان للكرمي (ص 190).
(3) إلى هنا ينتهي كلام مكي ويبدأ رد المصنف ومناقشته له.
(4) في ظ: ويدل على ذلك.
(5) سبق قريبا عزوها، وسيذكر المصنف قريبا أيضا نص الآية من أولها.
(6) في بقية النسخ: إذا كانوا إنما يفوهون الخ.
(7) هكذا في الأصل: (فكلامهم) وفي بقية النسخ: فكلام، وهو الصواب.
(8) هكذا في الأصل: (على) خطأ، وفي بقية النسخ (من)، وهو الصواب.(2/834)
فلا يكون ناسخا لهذه الآية، لأن قوله عزّ وجلّ: {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ}
الآية، إنّما هو خطاب للمشركين، فكيف ينسخه {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وكذلك (1) قوله في المنافقين.
وأما ما ذكره عن المشركين في قوله عزّ وجلّ: {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكََاتِ} فليس بناسخ لهذه الآية، لأن الإعلام وقع بتعذيب المشركين والمشركات، ولم يقع بتعذيب المخاطبين، ولا أعلم بما يفعل بهم، ولقد آمن منهم جمع كبير وعدد كثير، فليس في الإعلام بتعذيب الكافرين والمنافقين وفوز المؤمنين ونعيمهم في الآخرة، نسخ لقوله سبحانه {وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} لأن ذلك (2) إعلام بعاقبة الفريقين من المؤمنين وغيرهم، وهذا خطاب لقوم لا يدرى من أي الفريقين هم في الآخرة.
والآية الثانية: قوله عزّ وجلّ: {فَاصْبِرْ كَمََا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (3).
قالوا: نسخ بآية السيف (4) وقد ذكرت أن ذلك غير صحيح، وقدّمت القول فيه (5).
__________
(1) في د وظ: بدون واو.
(2) في د وظ: لأن ذاك.
(3) الأحقاف: (35).
(4) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص 56) وابن سلامة (ص 288) وقلائد المرجان (ص 191).
قال ابن الجوزي: زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف، ولا يصح له هذا، إلا أن يكون المعنى: فاصبر عن قتالهم، وسياق الآيات يدل على غير ذلك.
قال بعض المفسرين: كأنه ضجر من قومه، فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم، فأمر بالصبر اه نواسخ القرآن (ص 465) وانظر النسخ في القرآن (2/ 523).
(5) راجع الكلام على قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ} من آخر سورة الروم (ص 787).(2/835)
سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم
ليس فيها نسخ (1).
وقال ابن جريج والسدي وغيرهما في قوله عزّ وجلّ {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} إلى قوله عزّ وجلّ {حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} (2): نسخ جميع ذلك بآية السيف (3)، فلا يجوز المنّ على المشرك ولا الفداء، إلّا على من لا يجوز قتله كالصبي والمرأة (4).
وقال الضحاك وعطاء: هذه الآية ناسخة لقوله عزّ وجلّ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (5) فلا يقتل مشرك صبرا، لكن يمنّ عليه، ويفادى به إذا أيسر (6).
وهذا يدلّك على أنهم تكلّموا في النسخ بالظن والاجتهاد.
__________
(1) كلمة (نسخ) سقطت من ظ.
(2) سورة محمد: صلّى الله عليه وسلّم (4) {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ حَتََّى إِذََا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثََاقَ فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} الآية.
(3) قاله قتادة في الناسخ والمنسوخ (ص 47).
وأخرجه الطبري عن ابن جريج والسدي. انظر جامع البيان (26/ 40).
ورواه النحاس عن ابن جريج، قال: وهو قول جماعة، منهم السدي وكثير من الكوفيين اه الناسخ والمنسوخ (ص 258).
(4) في د: المرا.
(5) التوبة: (5) وهي الآية التي تسمى بآية السيف.
(6) انظر: الإيضاح لمكي (ص 414) حيث قال مكي: أنه قول شاذ اه.(2/836)
فمن ثم قال قوم: هو منسوخ، وقال قوم: بل هو ناسخ.
وقال عامة العلماء: بأن لا نسخ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم مخيّر بين الفداء والمنّ والقتل والاسترقاق.
وقد (1) روى مثل هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما (2).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَلََا يَسْئَلْكُمْ أَمْوََالَكُمْ} (3).
قال هبة الله: هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {إِنْ يَسْئَلْكُمُوهََا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغََانَكُمْ} (4) وهذا من أعجب ما مرّ بي، وكيف يقول هذا ذو لب ومعرفة؟
__________
(1) كلمة (وقد) ليست في د وظ.
(2) قال النحاس: وهو يحكي أقوال العلماء في الآية والقول الخامس أنها غير ناسخة ولا منسوخة، والإمام مخير وهذا القول قاله كثير من العلماء، وساق بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} قال: فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم بالخيار في الأسارى، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم، وإن شاءوا منّوا عليهم، وهذا على أن الآيتين محكمتان، معمول بهما، وهو قول حسن، لأن النسخ، إنما يكون بشيء قاطع، فأما إذا أمكن العمل بالآيتين، فلا معنى في القول بالنسخ وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد، وبالله التوفيق اه. الناسخ والمنسوخ (ص 258، 259) قال مكي: وهو الصواب إن شاء الله تعالى فالآيتان محكمتان اه انظر: الإيضاح (ص 414) وراجع تفسير الطبري (26/ 42) وابن العربي (4/ 1701) والبغوي (6/ 145)، وزاد المسير (7/ 397) وتفسير القرطبي (16/ 228).
وقد سبق أن تعرض السخاوي لهذه القضية في الموضع الثاني من سورة التوبة فلتنظر هناك.
(3) سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم (36) وأولها: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلََا يَسْئَلْكُمْ أَمْوََالَكُمْ}.
(4) السورة نفسها (37).
وقد أورد ابن سلامة الآيتين المذكورتين على أنهما منسوختان بقوله تعالى بعدهما {هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ} الآية. انظر: الناسخ والمنسوخ (ص 289).
وبهذا يكون ما نقله المصنف مخالفا لما ذكره ابن سلامة.
والذي ذكره المصنف هو قول: ابن حزم الأنصاري في الناسخ والمنسوخ (ص 57) وابن البارزي في ناسخ القرآن ومنسوخه (ص 50).
وقد رد ابن الجوزي هذا القول وشنع على قائليه بقوله: زعم بعضهم أنها منسوخة بآية الزكاة، وهذا باطل، لأن المعنى: لا يسألكم جميع أموالكم.
قال السدي: أن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا.
وزعم بعض المغفلين من نقلة التفسير أنها منسوخة بقوله {إِنْ يَسْئَلْكُمُوهََا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} وهذا ليس معه حديث اه. نواسخ القرآن (ص 468) وراجع قلائد المرجان (ص 192).(2/837)
وهل يفهم من هذا أنه عاد إلى خلاف ما أخبر به؟
وإنّما المعنى: ولا يسألكم جميع أموالكم، فيكون ذلك إحفاء (1) في المسألة، ألا ترون أنه (يدعوكم) (2) لتنفقوا في سبيل الله فيبخل بعضكم؟ فكيف لو سألكم أموالكم؟!.
ولم يذكروا في الفتح ولا الحجرات شيئا من المنسوخ، فلتهنهما العافية!!
__________
(1) في ظ: إخفاء.
(2) كتب الناسخ في ت (دعاكم) ثم شطب عليها وأضاف الصحيح في الحاشية فلم يظهر.(2/838)
سورة ق
ليس فيها منسوخ.
وقالوا: فيها (1) آيتان منسوختان، قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} (2)، وقوله عزّ وجلّ {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبََّارٍ} (3) قالوا: نسختا (4) بآية السيف (5) وقد قدّمت القول في ذلك.
__________
(1) في د وظ: وقالوا في فيها.
(2) سورة ق: (39).
(3) سورة ق: (45).
(4) في د: نسختها بآية السيف.
(5) قاله ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 57) وابن سلامة (ص 290) وابن البارزي في ناسخ القرآن ومنسوخه (ص 50) والكرمي في قلائد المرجان (ص 194).
وقد تعرض النحاس ومكي لذكر الآية الأولى ضمن الناسخ والمنسوخ، وحكيا فيها القولين النسخ والإحكام، وذكرا في سبب نزولها ما حكاه المصنف. انظر الناسخ والمنسوخ (ص 261) والإيضاح (ص 417).
وأما ابن الجوزي فقد تعرض لذكر الآية الثانية فقط.
قال: قال ابن عباس: لم تبعث لتجبرهم على الإسلام، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم، قالوا:
ونسخ هذا بآية السيف اه نواسخ القرآن (ص 470).
ويلاحظ أن الآية الأولى جاءت في سياق الكلام عن الأمم السابقة وما حاق بها من الهلاك والدمار، وهي تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر، بل كل الآيات التي تأمره بذلك، تؤدي هذا المعنى، وإن اختلف الأسلوب التعبيري عنه. فنجد السياق قد مهد للأمر بالصبر على ما يقولون بالكلام على قدرة الله إذ خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ولم يمسه مع ذلك اعياء ولا تعب سبحانه(2/839)
وقد قال قوم في الآية الأولى: إنها نزلت في قوم من اليهود سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم مسائل بمكّة، وتكلّموا بكلام منكر، فأمر صلّى الله عليه وسلّم بالصبر عليهم، فهى مخصوصة في قوم بأعيانهم.
__________
وتعالى كما زعمت اليهود، عليهم من الله ما يستحقون راجع النسخ في القرآن (2/ 517).
وأما الآية الثانية: فإنها لا تفيد أن الغاية من القتال في الإسلام هي جبر الكفار على الدخول فيه، أضف إلى ذلك أن هذه الآية خبرية، والأخبار لا تنسخ راجع نفس المصدر (2/ 770).(2/840)
سورة (1) الذاريات
ليس فيها منسوخ.
وقال الضحاك في قوله عزّ وجلّ {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2): هو منسوخ بآية الزكاة، قال: وحسن نسخه لأنه خبر في معنى الأمر اه (3).
وقال الحسن والنخعي: الآية محكمة، وفي المال حق غير الزكاة (4) اه.
قال مكّي: وهو الذي يوجبه النظر، وبه قال أهل العلم إنها في غير الزكاة على الندب لفعل الخير والتطوّع بالصدقة، فهي ندب غير منسوخة اه (5).
فأما قول الضحاك، فليس بشيء، لأن الله عزّ وجلّ ما أوجب في المال قبل الزكاة فرضا آخر فتنسخه الزكاة.
وقال (6) الحسن والضحاك أيضا والنخعي: أن في المال حقا غير الزكاة، فهذه الآية ليست في ذلك، وإنما وصفهم الله عزّ وجلّ بما فعلوه من غير إيجاب عليهم ولا ندب
__________
(1) في د وظ: والذاريات.
(2) الذاريات: (19).
(3) أخرجه النحاس بسنده عن الضحاك. الناسخ والمنسوخ (ص 263) قال ابن الجوزي: وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة ولا يصح اه من زاد المسير (8/ 33).
(4) ذكره عنهما النحاس في المصدر السابق.
(5) انظر الإيضاح (ص 419).
(6) في د وظ: وقول. ويظهر والله أعلم أنها أصح، مع الاستغناء عن إضافة اسم الضحاك، حتى يستقيم الكلام، لأن الضحاك قد سبق ذكره وأنه يقول بالنسخ.(2/841)
لهم، وإنما فعلوا ذلك ويفعلونه تسخيا ومروءة، سواء كانوا ممن يجب عليه الزكاة، أو ممن لا يبلغ ماله ذلك يرون أن عليهم حقا للسائل والمحروم (1) فالسائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي لا يسأل الناس، قاله الزهري وعن ابن عباس: المحارف (2).
وقال ابن الحنفية (3): هو الذي لا (4) يشهد الحرب، فيكون لهم سهم في الغنيمة.
وقال زيد بن أسلم: هو الذي لحقته في زرعه جائحة، فأتلفته.
وقال عكرمة: هو الذي لا ينمى له شيء.
وهذا هو قول ابن عباس بعينه، وفي معناه أيضا قول مالك رحمه الله هو الفقير الذي يحرم الرزق.
وعن عمر بن عبد العزيز: المحروم: الكلب. وهو بعيد عن سياق الآية (5).
__________
(1) ويرى ابن العربي أن المراد بهذه الآية الزكاة حيث يقول: والأقوى في هذه الآية أنه الزكاة لقوله تعالى في سورة (سأل سائل): {وَالَّذِينَ فِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} الآيتان (24، 25) الحق المعلوم: هو الزكاة التي بيّن الشرع قدرها وجنسها ووقتها، فأما غيرها لمن يقل به فليس بمعلوم، لأنه غير مقدر ولا مجنس ولا مؤقت اه.
أحكام القرآن (4/ 1730).
(2) المحارف: بضم الميم وفتح الراء هو الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه إليه.
وقيل: هو المحروم المحدود الذي إذا طلب فلا يرزق، أو يكون لا يسعى في الكسب. اللسان (9/ 43) (حرف).
(3) محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو القاسم المعروف بابن الحنفية، أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام، وهو أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، ينسب إليها تمييزا له عنهما، كان واسع العلم ورعا.
وكان يقول: الحسن والحسين أفضل مني وأنا أعلم منهما، توفي بالمدينة سنة 81هـ. انظر: صفة الصفوة (2/ 77) والاعلام (6/ 270).
(4) في د وظ: هو الذي لم يشهد، وهي أفصح.
(5) ذكر هذه الأقوال معزوة إلى أصحابها النحاس.
قال: وإنما وقع الاختلاف في هذا لأنه صفة أقيم مقام الموصوف، والمحروم: هو الذي قد حرم الرزق واحتاج، فهذه الأقوال كلها داخلة في هذا، غير أنه ليس فيها أجل مما روي عن ابن عباس، ولا أجمع من أنه المحارف اه.
انظر الناسخ والمنسوخ (ص 263).(2/842)
وقال هبة الله في قوله عزّ وجلّ {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (1): هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى ََ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
وقال الضحاك: هي منسوخة بالأمر بالإقبال عليهم وتبليغهم الرسالة ووعظهم (3)، (ويزلم) (4) من هذا أنه أمره في هذه الآية بترك التبليغ والرسالة، ثم أرسل بعد ذلك، فنسخ ما (كان) (5) أمر به من ترك الرسالة والإنذار! وهذا لم يكن قط، وإنما معناه: فتول عن تكذيبهم وإصرارهم على الكفر، كما قال عزّ وجلّ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} (6) ولم يرد بذلك الإعراض عن التبليغ والإنذار، وإنما أراد الإعراض عما يصدر منهم، وما كان يشق عليهم من (ظلالهم) (7) وما يأخذ به من شدة الحرص على إيمانهم (8) (لعلّك (9) باخع نفسك ألّا يكونوا مؤمنين) (10).
__________
وراجع: تفسير الطبري (26/ 200) والبغوي والخازن (6/ 202) وزاد المسير (8/ 32) والجامع لأحكام القرآن (17/ 38) وتفسير ابن كثير (4/ 234).
(1) الذاريات (54).
(2) وهي الآية التي تليها (55) وانظر الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص 292) وقاله من قبله ابن حزم (ص 58).
(3) ذكره النحاس عن الضحاك. انظر الناسخ والمنسوخ (ص 263).
قال مكي: وهو قول الضحاك وغيره اه. الإيضاح (ص 419) وانظر تفسير القرطبي (17/ 54) وزاد المسير (8/ 42).
(4) هكذا في الأصل: ويزلم. تحريف. وفي بقية النسخ: ويلزم وهو الصواب.
(5) سقط من الأصل كلمة (كان).
(6) النساء (63).
(7) هكذا في الأصل: من ظلالهم. خطأ إملائي، والصواب: من ضلالهم، كما في بقية النسخ.
(8) قال ابن الجوزي: زعم قوم أنها منسوخة، ثم اختلفوا في ناسخها فقال بعضهم: آية السيف.
وقال بعضهم: أن ناسخها {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى ََ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} وهذا قد يخيل أن معنى قوله {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}: أعرض عن كلامهم فلا تكلمهم، وفي هذا بعد، فلو قال هذا: أن المعنى: أعرض عن قتالهم، صلح نسخها بآية السيف، ويحتمل أن يكون معنى الآية: أعرض عن مجادلتهم، فقد أوضحت لهم الحجج وهذا لا ينافي قتالهم اه. نواسخ القرآن (ص 472). وراجع النسخ في القرآن (2/ 770) فما بعدها.
(9) في الأصل: (فلعلك) خطأ.
(10) الشعراء: (3).(2/843)
وقال بعض العلماء (1): وليس قوله {فَمََا} [2] أَنْتَ بِمَلُومٍ بوقف بل هو مأمور بالتذكير مع التولي.
وقال قتادة: ذكر لنا أنها لما نزلت اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وظنّوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، فأنزل الله بعد ذلك (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (3).
قلت: وفي هذا دليل على أنه لم يرد بالتولي ما وقع للضحاك.
وقال مكّي: الظاهر في هذه الآية أنها منسوخة بالأمر بالقتال في (براءة) وغيرها اه (4) وليس كذلك لأنها لا تتضمن الأمر بترك القتال.
__________
(1) وهو النحاس في كتاب القطع والائتناف (ص 683) بنحوه.
(2) في الأصل (وما أنت) خطأ.
(3) أخرجه الطبري عن قتادة. جامع البيان (27/ 11) وعزاه البغوي إلى المفسرين. انظر معالم التنزيل (6/ 205)، وعزاه أبو حيان إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه انظر: البحر المحيط (8/ 143).
(4) انظر: الإيضاح (ص 419).(2/844)
سورة الطور
ليس فيها نسخ.
وقال قوم: فيها ثلاث آيات نسخت بآية السيف، {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ} (1)
{وَ} [2] اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ (3) {فَذَرْهُمْ حَتََّى يُلََاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} (4) (5)، وقد تقدّم قولي في رد هذا وشبهه.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (6): إنه فرض عليه صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) الطور (31) {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}. وقد كتبت الآية في النسخ (فتربصوا إني معكم)
(2) كتبت الآية في النسخ بالفاء، وهو خطأ، والصحيح ما أثبته.
(3) الطور: (48).
(4) الطور: (45) وقد كتبت الآية في النسخ {حَتََّى يُلََاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} * وهو خطأ والصحيح ما أثبته، ويلاحظ أن المصنف لم يلتزم الترتيب.
(5) ذكر دعوى النسخ في الآيات الثلاث ابن سلامة في الناسخ والمنسوخ (ص 292، 293) وابن البارزي في ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 51) وابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص 473، 474) ورد ابن الجوزي القول بالنسخ في الآيات الثلاث، وقال: إن القول بذلك ليس صحيحا.
وذكر القرطبي الآيتين الثانية والثالثة ضمن الآيات المنسوخة بآية السيف، انظر الجامع لأحكام القرآن (17/ 77).
وذكر الكرمي الآيتين الأولى والثالثة. انظر قلائد المرجان (ص 196) بينما تعرض ابن حزم والفيروزآبادي لذكر الآية الثانية فقط ضمن الآيات المدعي فيها النسخ.
انظر الناسخ والمنسوخ (ص 58) وبصائر ذوي التمييز (1/ 441). وقد سبق رد هذا الادّعاء، وأنه لا تعارض بين آية السيف وبين هذه الآيات ومثيلاتها.
(6) الطور: (48).(2/845)
حين يكبّر تكبيرة الإحرام «سبحانك اللهم وبحمدك، و (1) تبارك اسمك، وتعالى جدك (2) ولا إله غيرك» (3) ثم إن ذلك منسوخ بالإجماع على أنه ليس بفرض، وما ادعوه من ذلك (4) فلا دليل عليه، ومن أين علم أن ذلك كان مفروضا عليه؟
وقد قال العلماء: (حين تقوم) من نومك.
وقال سفيان: (حين تقوم) إلى الصلاة المكتوبة.
وقيل: التسبيح: أريد به الصلاة: وقيل: هو تكبيرة الإحرام (5).
__________
(1) في د وظ: بدون واو.
(2) أي علت عظمتك على عظمة غيرك، وتعالى غناك عن أن ينقصه إنفاق أو يحتاج إلى معين ونصير.
انظر تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (2/ 48).
(3) رواه الترمذي في سننه كتاب الصلاة باب ما يقول عند افتتاح الصلاة (2/ 47) والنسائي في سننه كتاب الافتتاح باب الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة (2/ 132) ورواه مسلم موقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاب الصلاة باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (4/ 111).
(4) من ذلك غير واضحة في ظ.
(5) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 264) والإيضاح لمكي (ص 421) وراجع تفسير الطبري (27/ 38) والبغوي والخازن (6/ 211) وزاد المسير (8/ 60) والجامع لأحكام القرآن (17/ 78، 79) وتفسير ابن كثير (4/ 245).(2/846)
سورة (1) النجم
ليس فيها منسوخ.
وأما قوله عزّ وجلّ {فَأَعْرِضْ} [2] عَنْ مَنْ تَوَلََّى عَنْ ذِكْرِنََا (3) وقولهم: إنه منسوخ بآية السيف (4) فقد ثبت بطلانه.
وأما قوله عزّ وجلّ (5) {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} (6) وقولهم: إنه منسوخ
__________
(1) في د: والنجم.
(2) (فأعرض) مشطوبة في ظ.
(3) النجم: (29).
(4) قاله ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 58) وابن سلامة كذلك (ص 293) ومكي في الإيضاح (ص 424) وابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص 475) والقرطبي في تفسيره (17/ 105).
ولم يناقش كل من مكي وابن الجوزي قضية النسخ كعادتهما في الآيات التي تشبه هذه الآية، والتي تحمل في طياتها معنى الإعراض لكن عبارة ابن الجوزي تنبئ بعدم قبوله للنسخ حيث قال:
المراد بالذكر هاهنا: القرآن، وقد زعموا أن هذه الآية منسوخة بآية السيف اه وقد سبق للمصنف رد مثل هذه الدعوى مرارا.
والذي يلقي نظرة على ما قاله العلماء حول تفسير هذه الآية، يدرك أنه لا وجه لدعوى النسخ فيها، حيث فسروها بما يؤكد إحكامها. انظر تفسير الطبري (17/ 63) والبغوي (6/ 219) وابن كثير (4/ 255) وراجع النسخ في القرآن (2/ 530).
(5) في ظ: وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم. ثم وضع الناسخ كلمة (عزّ وجلّ) فوق عبارة صلّى الله عليه وسلّم ولم يمسحها.
(6) النجم: (39).(2/847)
بقوله عزّ وجلّ والذين آمنوا واتّبعتهم (1) ذرياتهم (2) بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم (3).
قالوا: لأنه عزّ وجلّ أخبر أنه أدخل الأبناء مدخل الآباء، وألحقهم بهم لصلاح الآباء (4).
واحتجوا بقول ابن عباس: رضي الله عنهما هو المؤمن يرفع الله به ذريته (ليقر) (5) بذلك عينه، وإن كانوا دونه في العمل وعنه أيضا:
المؤمن يلحق الله به ذريته الصغار التي لم تبلغ الإيمان
(6) والجواب: أن هذا خبر من الله عزّ وجلّ، لا يجوز نسخه، وليس قوله عزّ وجلّ والذين آمنوا وأتبعناهم (7) ذرياتهم (8) مما يعارض قوله عزّ
__________
(1) في الأصل: وتبعناهم. ولعل المصنف كتب (وأتبعناهم) فسقطت الألف، لأن قراءة أبي عمرو بالألف كما سيأتي.
(2) في د وظ: (ذريتهم) وهي قراءة غير أبي عمرو كما سيأتي.
(3) الطور: (21).
وقد قرأ أبو عمرو (وأتبعناهم) بقطع الألف وإسكان التاء والتخفيف وبعد العين نون وألف، وقرأ الباقون بوصل الألف وتشديد التاء وبعد العين تاء ساكنة (وأتبعتهم).
وقرأ أبو عمرو (ذرياتهم) بالجمع وكسر التاء وكذلك قرأ ابن عامر غير أنه ضم التاء، وقرأ الباقون بالتوحيد وضم التاء، وقرأ الكوفيون وابن كثير {أَلْحَقْنََا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} بالتوحيد وفتح التاء، وقرأ الباقون بالجمع وكسر التاء. التبصرة لمكي (ص 514) وانظر الكشف (2/ 190) والنشر (2/ 377) والإرشادات الجلية (ص 443).
(4) انظر الناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص 58) والنحاس (ص 265)، وتفسير الطبري (27/ 74) والإيضاح (ص 423) وناسخ القرآن العزيز ومنسوخه لابن البارزي (ص 51) وقلائد المرجان (ص 198) قال ابن الجوزي: بعد أن عزا القول بالنسخ إلى ابن عباس ولا يصح، لأن لفظ الآيتين لفظ الخبر، والأخبار لا تنسخ اه زاد المسير (8/ 81) وانظر نواسخ القرآن (ص 475، 476).
(5) هكذا في الأصل: ليقر. وفي بقية النسخ: لتقر، وهو الصواب.
(6) أخرجه الطبري بأسانيده عن ابن عباس رضي الله عنهما جامع البيان (27/ 24).
قال: وهو أولى بالصواب وأشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل اه وراجع تفسير ابن كثير (4/ 241).
وأخرجه النحاس كذلك عن ابن عباس. انظر الناسخ والمنسوخ (ص 266).
قلت: لكن هذا الاحتجاج بقول ابن عباس ليس في مكانه في تصوري بل إنه يؤيد أحكام الآية وسيرد المصنف على هذا الاحتجاج ففيه ما يكفي.
(7) في د: {وَاتَّبَعَتْهُمْ} وقد سبق بيان القراءات فيها.
(8) كلمة ذرياتهم ليست في د وظ.(2/848)
وجلّ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} ولو كان ذلك على ما توهموه، لم يصح مضاعفة الحسنات، ولا أن تبدّل بها السيئات، ولم تصح الصدقة عن الميت (1) ولا الحج عنه، وقد صحّ في الخبر خلاف ذلك.
وأما إلحاق الأبناء بالآباء لصلاح الآباء، فإنهم لم يعطوا سعي (2) آبائهم، ولكنهم لمّا كانوا مؤمنين ضاعف الله لهم الحسنات وألحقهم (3) بآبائهم في الدرجات، وإنما يكون هذا نسخا لو أعطاهم أعمال آبائهم، وأما إكرامهم لأجل الآباء: فلا يعارض قوله عزّ وجلّ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ}.
وهذا كقوله عليه السلام (4): «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء» (5)، فهذا لمّا سنّ السّنة الحسنة ضاعف (الله) (6) له الأجر، وما أعطاه سعي غيره، وأما الصدقة عن الميت والحج، فإن الذي تصدّق وحج لمّا نواه عن الميت ولم ينوه عن نفسه كان كالنائب عنه والوكيل فيه.
وإنّما يكون معارضا للآية لو نواه عن نفسه، وأعطى (7) ما عمله لنفسه لغيره، فليس للإنسان إلّا ما سعى.
وأما من قال في قوله عزّ وجلّ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ}: هو محكم، فلا ينفع أحدا عمل (أخيه) (8) من صدقة ولا صيام ولا حج.
__________
(1) قوله: الصدقة عن الميت: غير واضحة في ظ.
(2) كلمة (سعى) سقطت من ظ.
(3) في د: فألحقهم. وفي ظ: مطموسة.
(4) في د وظ: لقوله عليه السلام
(5) انظر: صحيح مسلم كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة الخ (16/ 226) وسنن الترمذي كتاب العلم باب من دعا إلى هدى الخ (7/ 437) ومسند الإمام أحمد (4/ 357، 359، 360، 361) وسنن الدارميّ باب من سن سنة حسنة أو سيئة (1/ 130).
(6) لفظ الجلالة: سقط من الأصل.
(7) في د وظ: فأعطى.
(8) هكذا في الأصل: حرفت إلى (أخيه) وفي بقية النسخ: عمل أحد وهو الصواب.(2/849)
فقد خالف الخبر، وإن كانت الآية محكمة (1) كما ذكر، إلّا أن المعنى ما سبق وتقرّر (2).
__________
(1) في ظ: لمحكمة.
(2) قال مكي: بعد أن حكي النسخ والبيّن في هذا الذي يوجبه النظر، وعليه أكثر العلماء، أنه ليس بمنسوخ وأنه محكم، لا يعمل أحد عن أحد صلاة ولا جهادا، إلا ما خصصته السنة وبينته من جواز الحج عن من لم يحج من ميت، وفي الحج عن الحي اختلاف كثير، ومن أجازه، قال: إنما يجوز لعذر نزل بالحي، وهذا إذا بذل وأعطى لمن يحج عنه، فقد سعى في خير، وكذلك الميت إذا أوصى بالحج، فقد سعى في فعل الخير فهما داخلان في سعي الساعين الذين ضمن الله لهم الجزاء على سعيهم اه. الإيضاح (ص 423) وراجع في هذا كله الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 268266) وتفسير القرطبي (17/ 114) والخازن (6/ 223).(2/850)
سورة القمر
ليس فيها نسخ (1).
وأمّا قولهم في (قولهم) (2) عزّ وجلّ {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} (3) إنه منسوخ بآية السيف (4) فقد تقدّم القول فيه (5).
__________
(1) في د وظ: ناسخ.
(2) هكذا في الأصل: قولهم. والصواب (قوله) كما في بقية النسخ.
(3) القمر: (6).
(4) قاله ابن سلامة في الناسخ والمنسوخ (ص 294) وابن البارزي في ناسخ القرآن ومنسوخه (ص 51) والفيروزآبادى في بصائر ذوي التمييز (1/ 445) والكرمي في قلائد المرجان (ص 199) وقال ابن الجوزي: وقد زعم قوم أن هذا التولي منسوخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائره، وبينا أنه ليس بمنسوخ اه نواسخ القرآن (ص 477) وراجع النسخ في القرآن (2/ 531).
(5) انظر: أقرب مثال على ذلك كلامه على قوله تعالى {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} آية (54) من سورة الذاريات.(2/851)
سورة الرحمن عزّ وجلّ
ليس فيها نسخ (1).
وكذلك الواقعة. ومن العجائب قول مقاتل بن سليمان في قوله عزّ وجلّ {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} (2): إنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} (3) وهذا ممّا يجب أن يتصامم عنه (4)!.
__________
(1) في د وظ: ناسخ.
(2) الواقعة: (13، 14).
(3) الواقعة: (39، 40).
(4) قد تقدم معنى يتصامم عنه (ص 728).
وقد ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 59) وابن سلامة كذلك (ص 297) والفيروزآبادى في بصائر ذوي التمييز (1/ 451) معزوة إلى مقاتل بن سليمان.
وحكى ابن البارزي فيها النسخ والأحكام دون عزو كعادته.
انظر: ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 52).
قال ابن الجوزي: وقد زعم مقاتل أنه لما نزلت الآية الأولى وهي قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}
وجد المؤمنون وجدا شديدا حتى أنزلت {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} فنسختها.
وروي عن عمرة بن رويم نحو هذا المعنى.
قلت: أي ابن الجوزي وإدّعاء النسخ هاهنا لا وجه له لثلاثة أوجه: أحدها أن علماء الناسخ والمنسوخ لم يوافقوا على هذا، والثاني: أن الكلام في الآيتين خبر، والخبر لا يدخله النسخ، فهو هاهنا لا وجه له.
والثالث: أن الثلة بمعنى الفرقة والفئة. قال الزجاج: اشتقاقهما من القطعة، والثّل: الكسر والقطع.(2/852)
فإن قيل: كيف يتصامم عنه، وقد روى (أبا) (1) هريرة: لما نزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}: شقّ ذلك على أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} (2)؟.
قلت: ذلك لا يصح أن يكون ناسخا للأول، لأنه خبر من الله عزّ وجلّ (3) وخبر الله عزّ وجلّ لا ينسخ (4) وأيضا فإن الثاني في أصحاب اليمين، والأول في السابقين، وليس في الحديث ما يوهم ما ذكروه، ولم يفهموا معنى الحديث.
وإنّما معناه: أنهم لما شق عليهم قلة السابقين أخبرهم الله عزّ وجلّ بكثرة أصحاب اليمين، فسّروا بذلك وقال صلّى الله عليه وسلّم: «الثلتان من أمتي، إني لأرجو (5) أن يكونوا نصف أهل الجنة، ويغلبوهم في النصف الثاني» (6).
__________
فعلى هذا قد يجوز أن تكون الثّلة في معنى القليل اه.
من زاد المسير (8/ 143).
(1) هكذا في الأصل: أبا. خطأ نحوي واضح، والصحيح (أبو) كما في بقية النسخ.
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 391) وزاد السيوطي والشوكاني نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه انظر الدر المنثور (8/ 7) وفتح القدير (5/ 151) وراجع تفسير القرطبي (17/ 200).
(3) قوله: من الله عزّ وجلّ: ساقط من د وظ.
(4) انظر: تفسير الخازن (7/ 18).
(5) في ظ: لا أرجوا. خطأ فظيع.
(6) قال الإمام الطبري: وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من وجه عنه صحيح أنه قال: (الثلتان جميعا من أمتى) انظر: جامع البيان (27/ 191). وراجع الدر المنثور (8/ 19) وتفسير ابن كثير (4/ 284).
وراجع تخريج حديث أبي هريرة السابق، لما نزلت: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} * الخ.(2/853)
سورة الحديد
لا نسخ فيها.(2/854)
لا نسخ فيها.
سورة المجادلة
قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً} (1): هي منسوخة بالتي بعدها (2).
وقيل: إنها نسخت بالزكاة في الآية التي بعدها (3).
وروى (4) عن علي عليه السلام أنه قال: «في (5) كتاب الله آية لم يعمل بها أحد قبلي، ولم (6) يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار، فصرفته بعشرة دراهم (فكنت) (7)
إذا ناجيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (تصدق) (8) بدرهم» (9).
__________
(1) المجادلة: (12).
(2) سيذكرها المصنف فيما بعد.
وأكثر العلماء على أن هذه الآية منسوخة. انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 270) والإيضاح لمكي (ص 426).
(3) روي هذا عن ابن عباس بسند ضعيف كما سيأتي قريبا.
(4) كلمة (روى): غير واضحة في ظ.
(5) في د وظ: إن في كتاب الله الخ.
(6) في د وظ: ولا يعمل.
(7) كلمة (فكنت) ساقطة من الأصل.
(8) هكذا في الأصل: تصدق. وفي بقية النسخ (تصدقت). وهي الصواب.
(9) أخرجه بنحوه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (ص 532) والطبري في جامع البيان (28/ 20) والحاكم في المستدرك كتاب التفسير وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (2/ 482). وذكره الواحدي في أسباب النزول (ص 235) وابن الجوزي في نواسخ القرآن(2/855)
وفي طريق أخرى: «فكنت كلما أردت أن أسأله عن مسألة تصدقت بدرهم، حتى لم يبق معي غير درهم واحد، فتصدقت به وسألته، فنسخت الآية، ونزل ناسخها {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقََاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتََابَ اللََّهُ عَلَيْكُمْ} (1)
الآية».
واختلفوا في سبب الأمر بذلك:
فقال قائلون: كان ذلك تعظيما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال ابن عباس وقتادة: أكثروا من المسائل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فصبر كثير من الناس، وكفوا عن المسألة، ثم وسّع الله عليهم بالآية التي بعدها (2).
وابن عباس رضي الله عنهما يجلّ محله من العلم عن مثل هذا، لأنه قول ساقط، من قبل أن ذلك (لا) (3) يكفّهم عن المسألة، لأنه عزّ وجلّ قال (4): {فَقَدِّمُوا} [5] بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً، فلو تصدّق أحدهم بتمرة واحدة أجزأه، فمن يشق عليه أن يتصدق بذلك؟.
وقال الزمخشري: كف الأغنياء شحا والفقراء لعسرتهم اه (6).
وهذا غير صحيح، لأن ذلك إنّما كان على الأغنياء لقوله سبحانه {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وأيضا فكيف يخفف عن نبيّه، ثم يعود فيشق عليه؟.
وقال ابن زيد: ضيّق الله عليهم في المناجاة كي لا يناجي أهل الباطل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، (فيشق) (7) ذلك على أهل الحق فقالوا: يا رسول الله (لا نستطيع) (8) ذلك ولا
__________
(ص 449) والسيوطي في الدر المنثور (8/ 84) وابن سلامة في الناسخ والمنسوخ (ص 299) ومكي في الإيضاح (ص 426).
(1) وتمامها {فَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ} الآية.
(2) انظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص 48) وأبي عبيد (ص 531) وتفسير الطبري (28/ 20) ومعالم التنزيل للبغوي (7/ 44) والدر المنثور (8/ 83).
(3) (لا) ساقطة من الأصل.
(4) في د وظ: لأنه قال عزّ وجلّ.
(5) في د وظ: «تقدموا».
(6) انظر الكشاف (4/ 76).
(7) هكذا في الأصل: فيشق. وفي بقية النسخ (فشق) وهي الصواب.
(8) غير واضحة في ت.(2/856)
نطيقه، فنزل التخفيف (1) اه.
و (2) أقول: أن المراد بذلك والله أعلم أنه جعل هذه الصدقة تطهيرا لهم قبل المناجاة، كما جعل طهارة الأعضاء قبل المناجاة الأخرى فإن المصلي يناجي ربّه عزّ وجلّ، يدل على ذلك قوله سبحانه: {ذََلِكَ} [3] خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (4) ولو كان للتخفيف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يؤمر به الأغنياء دون الفقراء، والفقراء أكثر ومسائلهم أعظم، قال الله عزّ وجلّ: {فَإِنْ لَمْ} [5] تَجِدُوا فَإِنَّ اللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
و (6) اختلفوا في مدتها، فقال قوم: ساعة من نهار (7).
وسياق الحديث عن علي بن أبي طالب (8) عليه السلام يرد هذا.
وقال ابن عباس: «كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا» (9).
__________
(1) أخرجه ابن جرير بنحوه عن ابن زيد. جامع البيان (28/ 21).
(2) سقطت الواو في ظ.
(3) في الأصل: (ذلكم) خطأ.
(4) جزء من الآية المنسوخة. وانظر تفسير ابن كثير (4/ 326).
(5) في ظ: (فإن تجدوا) خطأ.
(6) سقطت الواو من ظ.
(7) أخرجه الطبري بسنده عن معمر عن قتادة. جامع البيان (28/ 20) وابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص 480).
وذكره القرطبي والشوكاني عن قتادة، وزاد القرطبي نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
انظر الجامع لأحكام القرآن (17/ 303) وفتح القدير (5/ 190).
(8) عبارة: (بن أبي طالب) ليست في د وظ.
(9) أخرجه الطبري بنحوه وابن الجوزي واللفظ له بسند مسلسل بالضعفاء كما سبق في سورة الجاثية (ص 828) انظر جامع البيان (28/ 20) ونواسخ القرآن (ص 480).
كما أخرجه أيضا الطبري بسنده عن عكرمة والحسن. المصدر نفسه (28/ 20).
وأخرجه كذلك ابن الجوزي من طريق علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما. ومن طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس كذلك. انظر نواسخ القرآن (ص 479).
وعزاه السيوطي بنحوه إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس. الدر المنثور (8/ 84).(2/857)
وقيل: كان ذلك عشر ليال، ثم نسخ (1) وهذا الناسخ والمنسوخ لا نظير له (2)، أما المنسوخ (إنه) (3) إنما كان راجعا إلى اختيار الإنسان، فإن أحب أن يناجي تصدق وإلّا فلا، وليست المناجاة بواجبة.
وأما الناسخ فقد ارتفع حكمه وحكم المنسوخ بوفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فإن قيل (4): أي فائدة بالأمر (5) بهذه الصدقة ونسخها قبل العمل بها؟.
قلت: تعريف العباد برحمة الله لهم، وإظهار المنة (6) عليهم وتمييزا لولي من أوليائه (بفضله) (7) لم يجعلها لغيره، وهو عليّ عليه السلام (8).
قال عبد الله بن عمر: رضي الله عنهما كانت لعلي ثلاث، لو كانت لي واحدة
__________
قال ابن الجوزي: عقيب ذكره لرواية ابن عباس كأنه أشار إلى الآية التي بعدها {فَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} اه نواسخ القرآن (ص 480).
(1) عزاه ابن الجوزي والقرطبي والشوكاني إلى مقاتل بن حيان.
انظر نواسخ القرآن (ص 481) والجامع لأحكام القرآن (17/ 303) وفتح القدير (5/ 190).
وذكره الزمخشري دون عزو، كما ذكر أيضا القول السابق: (ساعة من نهار) انظر: الكشاف (4/ 76).
وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن مقاتل في أثر طويل. انظر الدر المنثور (8/ 84).
(2) في د: كتب الناسخ في الحاشية (الناسخ والمنسوخ لا نظير له) وهي واضحة في الصلب.
(3) هكذا في الأصل: إنه وفي بقية النسخ: فانه وهو الصواب.
(4) فإن قيل: غير واضحة في ظ.
(5) في د وظ: في الأمر.
(6) في د وظ: وإظهارا للمنة عليهم.
(7) هكذا في الأصل: بفضله. وفي بقية النسخ: بفضيلة. وهو الصواب.
(8) قال الحازن: فان قلت: في هذه الآية منقبة عظيمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ لم يعمل بها أحد غيره، قلت: هو كما قلت، وليس فيها طعن على غيره من الصحابة ووجه ذلك أن الوقت لم يتسع ليعملوا بهذه الآية، ولو اتسع الوقت لم يتخلفوا عن العمل، وعلى تقدير اتساع الوقت ولم يفعلوا ذلك، إنما هو مراعاة لقلوب الفقراء الذين لم يجدوا ما يتصدقون به لو احتاجوا إلى المناجاة، فيكون ذلك سببا لحزن الفقراء إذ لم يجدوا ما يتصدقوا به عند مناجاته.
ووجه آخر: وهو أن هذه المناجاة لم تكن من المفروضات ولا من الواجبات ولا من الطاعات المندوب إليها، بل إنما كلفوا هذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة، ولما كانت هذه المناجاة أولى بأن تترك لم يعملوا بها، وليس فيها طعن على أحد منهم اه لباب التأويل في معالم التنزيل (7/ 44).(2/858)
منهن كانت أحب إليّ من حمر النّعم، تزوجه (1) فاطمة رضي الله عنها (وإعطائه) (2)
الراية يوم خيبر، وآية النجوى (3).
__________
(1) في د وظ: تزويجه.
(2) هكذا في الأصل: وإعطائه. وفي بقية النسخ: وإعطاؤه. وهو الصواب.
(3) رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر، لكن فيه بدل (آية النجوى): وسد الأبواب إلا بابه في المسجد.
انظر: المسند (2/ 26).
قال ابن كثير: وكذلك رواه أبو يعلى، وذكر السند عن أبي هريرة قال: قال عمر: لقد أعطي علي بن أبي طالب وذكره، إلا أنه قال: أيضا بدل (آية النجوى) وسكناه المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحل له منه ما يحل له. انظر البداية والنهاية (7/ 354).(2/859)
سورة الحشر
قوله عزّ وجلّ {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ فَلِلََّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (1).
زعم قتادة أنها منسوخة بقوله عزّ وجلّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} (2) الآية.
وقال: «كان في أول الإسلام (يقسم الغنيمة على الأصناف) (3) المذكورة في سورة الحشر، ولا يعطى لمن قاتل شيء، إلّا أن يكون من هذه الأصناف».
قال: ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال فجعل (4) الخمس في (5) الأصناف المذكورين في سورة الأنفال، وجعل لمن قاتل أربعة (6) أخماس (7) اه.
__________
(1) الحشر: (7).
(2) الأنفال: (41).
(3) سقط من الأصل قوله: (يقسم الغنيمة على الأصناف).
(4) ساقط من د وظ.
(5) في د وظ: للأصناف.
(6) في ت كتبت كلمة (أربعة مرتين بالتعريف والتنكير. وفي د وظ الأربعة الأخماس).
(7) انظر الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص 48) ورواه الطبري عن قتادة بلفظ أطول. جامع البيان (28/ 37).
وأورده النحاس ومكي عن قتادة أيضا، وزاد ابن الجوزي والقرطبي نسبته إلى يزيد بن رومان في آخرين. انظر الناسخ والمنسوخ (ص 370، 371) والإيضاح (ص 429) ونواسخ القرآن (ص 482) وتفسير القرطبي (18/ 12).(2/860)
والذي قاله لا يصح، من قبل أن سورة الأنفال نزلت قبل سورة (1) الحشر على ما ذكره عطاء الخراساني (2) ورواه (3)، فكيف ينزل الناسخ قبل المنسوخ؟ وأيضا فإن آية الحشر في الخراج (4).
قال القاضي إسماعيل بن إسحاق رحمه الله (5): قوله عزّ وجلّ {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ}: هو في الخراج، فلم يختلف المسلمون أن خراج هذه القرى التي افتتحها المسلمون يفرّق (6) في جميع ما يقرب إلى الله ورسوله من ذي القربى وغيرهم من السبل والطرق والثغور وعمارة المساجد، (و) (7) في جميع نوائب المسلمين من أرزاق من يقوم بمصالحهم والذب عنهم، يفعل ذلك كله بالاجتهاد والتوخي.
قال: وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية حتى بلغ {لِلْفُقَرََاءِ الْمُهََاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَأَمْوََالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللََّهِ وَرِضْوََاناً وَيَنْصُرُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ أُولََئِكَ هُمُ الصََّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدََّارَ وَالْإِيمََانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هََاجَرَ إِلَيْهِمْ} إلى قوله عزّ وجلّ {رَبَّنََا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} (8).
فقال عمر: رضي الله عنه «هذه الآية قد استوعبت الناس كلهم فلم يبق أحد
__________
ثم قال النحاس: بعد إيراده بقية الأقوال أما القول إنها منسوخة فلا معنى له، لأنه ليست إحداهما تنافي الأخرى فيكون النسخ اه من المصدر نفسه.
(1) كلمة (سورة) ساقطة من د وظ.
(2) في ظ: الخراسان. وقد سبقت ترجمته.
(3) راجع نثر الدرر في معرفة الآيات والسور من هذا الكتاب (ص 109) وانظر تفسير القرطبي (18/ 14) ونواسخ القرآن (ص 484).
(4) الخراج: شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم، وهي الأتاوة، تؤخذ من أموال الناس. انظر اللسان (12/ 251) (خرج)، وراجع ارواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (9/ 192). ومختصر سنن أبي داود للمنذري 4/ 269.
(5) هو إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد الجهضمي الأزدي، قاضي بغداد والمدائن، فقيه على مذهب مالك، من بيت فضل وعلم، له مصنفات جليلة في علوم القرآن والحديث والفقه، منها كتاب في الرد على الإمام الشافعي في مسألة الخمس، وغيره، توفي ببغداد (282200هـ) انظر تاريخ بغداد (6/ 284)، والديباج المذهب في أعيان المذهب (ص 9592) والأعلام (1/ 310).
(6) في د وظ: تفرق.
(7) سقطت الواو من الأصل.
(8) الحشر: (108).(2/861)
إلّا وله في هذا المال حق، حتى الراعي ب (عدن) (1)» اه.
قال: فعلم أن (2) عمر رضي الله عنه لم يعن أن يقسم الخراج على أجزاء معلومة، وإنما يقسم على الاجتهاد والتوخي في منافع المسلمين ومصالحهم.
قال: وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: «سبيل الخراج وسبيل الخمس واحد» (3).
قال القاضي إسماعيل: وهو الذي مضى عليه العمل، والذي يتشاكل على ما جاء من القرآن في الموضعين، قال: فهذه جملة أمر الخراج وأمر الخمس، فأما ما يأخذه المسلمون من أموال الكفار بغير قتال مثل أن يلقي الريح مراكب الكفار إلى سواحل المسلمين، فيأخذونها، أو يضل قوم من الكفار فيقعون في أيدي المسلمين، فإن ذلك داخل في قوله عزّ وجلّ {وَمََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمََا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلََا رِكََابٍ} (4) فهذه الغنيمة إلى وإلى المسلمين يصرفها في مصالحهم، ويجري أمرها مجرى الخراج والخمس، وان رأى أن يخص بها الجماعة الذين تولوا أخذها من المسلمين، خص من ذلك بما رأى على الاجتهاد فيه.
قال: وأما غنائم بدر، فإن الأمر رد فيها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسمها على ما يرى، ولم يكن فيها أربعة أخماس لمن شهد الوقعة، لأن ذلك قبل أن ينزل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} الآية.
قال: وأما قوله عزّ وجلّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} الآية، فذلك إذا غنم المسلمون غنيمة من الكفار بقتال، كان لمن حضر الوقعة أربعة أخماس الغنيمة، والخمس (الثافي) (5) في الوجوه التي ذكر (6) الله عزّ وجلّ، يعني التي تقدم ذكرها في قوله عزّ وجلّ {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ فَلِلََّهِ} (7).
__________
(1) أخرجه الطبري بنحوه عن عمر رضي الله عنه وفيه ثم قال عمر لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسيّر حمرة نصيبه لم يعرق فيها جبينه اه جامع البيان (28/ 37).
(2) (أن) ساقط من د وظ.
(3) انظر نواسخ القرآن (ص 484).
(4) الحشر (6).
(5) هكذا رسمت الكلمة في الأصل (الثافي) وفي بقية النسخ (الباقي) وهو الصواب.
(6) في د وظ: التي ذكرها الله.
(7) كلمة (فلله) ليست في د وظ.(2/862)
قال (1): وقد ذهب بعض الناس إلى أن الخمس يقسّم أخماسا، ثم اضطربوا في سهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فدلّ اضطرابهم في ذلك على أنهم لم (يبنوا) (2) أمرهم على أصل ثابت (3).
واضطربوا أيضا في أمر ذي القربى:
فقال (4): تصير (5) في الكراع (6) والسلاح.
قال (7): وجميع هذا الذي وصفناه من قولهم غير مأخوذ به ولا معمول عليه، وإنما العمل في الخمس على (ما) (8) روي فيه من عمل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أنه يقسم على الاجتهاد، فإن رأى الإمام أن يعطي ذوي القربى أكثر من خمس الخمس لخلّة تكون فيهم، ولكثرة عدد أعطاهم، وإن (9) رأى أن ينقصهم من خمس الخمس نقصهم، وكذلك، يفعل باليتامى (10) والمساكين وابن السبيل يعطيهم على الاجتهاد على قدر خلتهم، وإن رأى أن يصرف مثله ما رأى في مصالح المسلمين وثغورهم ونوائبهم فعل، لأن ذلك (كله) (11) داخل في قوله عزّ وجلّ (وللرسول)، لأن المعنى فيه والله أعلم فيما يقرب من الله ورسوله.
__________
(1) (قال): غير واضحة في ظ، وبعدها عبارة مطموسة.
(2) كلمة (يبنوا) لا تقرأ في النسخ.
(3) قال ابن الجوزي: واختلف العلماء فيما يصنع بسهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته.
فقال قوم: هو للخليفة بعده.
وقال قوم: يصرف في المصالح.
قال: فعلى هذا تكون هذه الآية مبينة لحكم الفيء، والتي في الأنفال مبينة لحكم الغنيمة، فلا يتوجه النسخ اه.
نواسخ القرآن (ص 483) وانظر تفسير القرطبي (18/ 12، 13).
(4) قوله: فقال. أي بعض الناس.
(5) في د وظ: نصير.
(6) الكراع: السلاح، وقيل: هو اسم يجمع الخيل والسلاح. اللسان (8/ 307) (كرع).
(7) القائل: إسماعيل بن إسحاق القاضي.
(8) سقط من الأصل (ما).
(9) عبارة (أعطاهم، وإن رأى): بعضها مطموسة في د. وفي ظ: أعطاهم إن رأى. أي سقطت الواو، وهو سقط يخل بالمعنى.
(10) في د وظ: في اليتامى.
(11) كلمة (كله) سقطت من الأصل.(2/863)
قال: وقد أعيد هذا اللفظ الذي ذكر في الخمس في قوله عزّ وجلّ {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} الآية: فدلّ جميع ما ذكرته على أن الآية التي في (الحشر) ليست بمنسوخة بآية الأنفال، لأمرين:
أحدهما: أن آية (الحشر) في خراج القرى، وفيما أفاء الله على المسلمين من غير قتال، وآية (الأنفال) في غنيمة القتال.
وهذا (1) مع أن الأنفال نزلت قبل سورة الحشر، (والناسخ إنما ينزل بعد (2) المنسوخ لا قبله) (3).
وإنما غلط قتادة ومن قال بقوله، لأنه رأى غنيمة القتال في بدر قد قسمت على ما في سورة (الحشر) من آية الخراج، فلمّا نزلت {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ} ظنّ أنها ناسخة لما في سورة الحشر، والذي في سورة (الحشر) حكمه باق لم ينسخ (والذي) (4) في سورة (الأنفال) لم تنسخ قرآنا، إنما نسخت ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم في غنيمة بدر.
فتأمل هذه النكتة فإنها فائدة جليلة ومعنى دقيق لا تجده في كتاب (5) (الله) (6).
وقد قال جماعة من العلماء: منهم سفيان الثوري رحمه الله الغنيمة غير الفيء، والغنيمة (7) ما أخذت عن قتال وغلبة، فيكون خمسه (8) للأصناف المذكورين في (الأنفال) وأربعة أخماسه لمن قاتل عليه.
__________
(1) يظهر أن هذا هو الأمر الثاني.
(2) في الأصل: والناسخ إنما ينزل قبل المنسوخ لا بعده. ثم كتب الناسخ فوقها (يقدم).
(3) ولذلك قال ابن حزم الأنصاري: أن آية الحشر نسخت آية الأنفال الناسخ والمنسوخ (ص 59).
(4) هكذا في الأصل: والذي. وفي بقية النسخ (والتي) وهي الصواب.
(5) سبق عند ترجمة القاضي إسماعيل المذكور أن من مصنفاته «الرد على الشافعي في مسألة الخمس» والظاهر والله أعلم أن السخاوي اعتمد فيما نقله هنا على ذلك الكتاب، لأن كل الذي نقله متعلق بالخمس وأين وكيف يصرف الخ.
(6) هكذا في الأصل: لا تجده في كتاب الله. وهو خطأ فاحش.
(7) هكذا في الأصل: والغنيمة. وفي بقية النسخ: فالغنيمة.
(8) الضمير عائد على (ما) وهو المال المأخوذ غنيمة بعد قتال.(2/864)
والفيء: ما صولح عليه أهل الحرب من غير قتال، فحكمه أن يقسم على المذكورين في سورة (الحشر) ولا خمس، فالآية محكمة على هذا (1).
ومما يؤيد هذا قول بعض العلماء (2): إن آية (الحشر) نزلت في بني النضير حين خرجوا من ديارهم بغير حرب، وتركوا أموالهم، فجعلها الله عزّ وجلّ لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم خاصة، فلم يستأثر النبي صلّى الله عليه وسلّم بها، وفرّقها في المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلّا رجلين:
__________
(1) رواه وكيع عن سفيان الثوري. انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 271).
قال النحاس بعد ذكر هذه الرواية: والقول إن الفيء خلاف الغنيمة، قول مستقيم صحيح، وذلك أن الفيء: مشتق من فاء يفيء إذا رجع، فأموال المحاربين حلال للمسلمين، فإذا امتنعوا ثم صالحوا رجع إلى المسلمين ما صولحوا عليه اه. المصدر نفسه وانظر الإيضاح لمكي (ص 430).
ونفهم من هذا الكلام الذى ذكره السخاوي عن سفيان الثوري، وذكره من قبله النحاس ومكي كذلك عن سفيان ومالوا إليه، وكذلك ما سبق أن ذكرته عن ابن الجوزي، نفهم من هذا أنهم يختارون إحكام الآية وعدم القول بنسخها، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى وهو ما رجحه ابن العربي واستحسنه القرطبي. انظر أحكام القرآن (4/ 1732) وتفسير القرطبي (18/ 14) وهنا كلام نفيس لابن العربي أنقل منه ما يحصل به الغرض ويزيل ما قد يبقى من إشكال في معنى الآيات الثلاث أعني آيتي الحشر وآية الأنفال.
قال: واختلف الناس هل هي ثلاثة معان أو معنيان؟ ولا إشكال في أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات.
أما الآية الأولى: فهي قوله {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مِنْ دِيََارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} وهي الآية الثانية من سورة (الحشر) ثم قال: {وَمََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْهُمْ}
يعني من أهل الكتاب، معطوفا عليه {فَمََا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلََا رِكََابٍ} يريد كما بينا فلا حق لكم فيه، ولذلك قال عمر: إنها كانت خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني بني النضير وما كان مثلها فهذه آية واحدة ومعنى متحد.
الآية الثانية: قوله تعالى {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ فَلِلََّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ}
فهذا كلام مبتدأ غير الأول لمستحق غير الأول.
الآية الثالثة: آية الغنيمة، وهي آية الأنفال، ولا شك في أنه معنى آخر باستحقاق ثان لمستحق آخر، بيد أن الآية الأولى والثانية اشتركتا في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه الله على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثالثة وهي قوله {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال فنشأ الخلاف من هاهنا، فمن طائفة قالت: هي ملحقة بالأولى وهو مال الصلح كله ونحوه، ومن طائفة قالت: هي ملحقة بالثانية، وهي آية الأنفال اه بتصرف يسير من أحكام القرآن (4/ 1772).
(2) في د وظ: قول بعض أهل العلم.(2/865)
سهل بن حنيف (1) وسماك بن خرشة (2) (أبي دجانة) (3) وهذا كله داخل في قول القاضي إسماعيل رحمه الله.
__________
(1) سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري الأوسي، صحابي من أهل بدر، واستخلفه عليّ على البصرة، ومات في خلافته. التقريب (1/ 336) وانظر الاعلام (3/ 142).
(2) سماك بكسر أوله وتخفيف الميم بن أوس بن خرشة بن لوذان الخزرجي الأنصاري المعروف بأبي دجانة، كان شجاعا بطلا، له مواقف وآثار جميلة في الإسلام، شهد بدرا، وثبت يوم أحد، واستشهد باليمامة في السنة الحادية عشرة من الهجرة.
انظر الكنى للإمام مسلم (1/ 305) وجمهرة أنساب العرب (ص 366) والاعلام (3/ 138).
(3) أخرجه الطبري بنحوه عن عبد الله بن أبي بكر. جامع البيان (28/ 41) وانظر الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 271) والإيضاح لمكي بن أبي طالب (ص 430).(2/866)
سورة الامتحان
قوله عزّ وجلّ {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلى قوله {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1).
قال هبة الله (2): هي منسوخة بما بعدها، وهي قوله عزّ وجلّ {إِنَّمََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ قََاتَلُوكُمْ} (3) وهذا كلام ساقط، لأن الآية الأولى معناها: (جواب) (4)
الإحسان والبر من المسلمين إلى أقاربهم من (5) المشركين الذين لم يقاتلوا ولم يعاونوا من قاتل، ولم يخرجوا المسلمين من مكّة ولم يساعدوا على ذلك من أراده.
والثانية: في منع البر والصلة إلى من هو على غير (6) الصفة الأولى. فالأولى: في قوم، والثانية في قوم آخرين، فكيف تكون ناسخة لها؟.
قال الحسن وغيره: في المذكورين في الآية الأولى هم خزاعة كانوا عاهدوا رسول
__________
(1) الممتحنة: (8) وتمامها {وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيََارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}.
(2) انظر كتابه الناسخ والمنسوخ (ص 303).
وقد تولى السخاوي الرد على القائلين بالنسخ، فأحسن صنعا رحمه الله.
(3) وهي الآية التاسعة، ونصها {إِنَّمََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ قََاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيََارِكُمْ وَظََاهَرُوا عَلى ََ إِخْرََاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ}.
(4) هكذا في الأصل: جواب. وفي بقية النسخ: جواز. وهي الصواب.
(5) (من) ليست في د وظ.
(6) في د وظ: إلى من هو على خلاف الصفة الأولى.(2/867)
الله صلّى الله عليه وسلّم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه، ولم ينقضوا عهدهم، فالآية على هذا محكمة (1).
وقال مجاهد: هي في الذين آمنوا بمكّة ولم يهاجروا، أباح الله للمهاجرين أن يبرّوهم. اه (2).
والقول الأول أقوى (3) وهي على هذا أيضا محكمة غير منسوخة.
وقال قتادة وابن زيد: هي منسوخة بآية السيف (4).
ولا يصح ما قالا (5).
وقد قال جماعة من العلماء: هي محكمة عامة في كل مسلم بينه وبين مشرك قرابة، فبرّه جائز (6).
قوله عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا جََاءَكُمُ الْمُؤْمِنََاتُ مُهََاجِرََاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}
__________
(1) عزا النحاس والقرطبي هذا القول إلى الحسن وأبي صالح، وعزاه مكي إلى الحسن. انظر: الناسخ والمنسوخ (ص 274) والإيضاح (ص 432) والجامع لأحكام القرآن (18/ 59).
(2) أخرجه الطبري بسنده عن مجاهد. جامع البيان (28/ 65).
وأورده النحاس ومكي والقرطبي عن مجاهد كذلك. الناسخ والمنسوخ (ص 274) والإيضاح (ص 432) وتفسير القرطبي (18/ 59).
قال النحاس: وهذا القول مطعون فيه، لأن أول السورة {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيََاءَ} والكلام متصل، فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوا لله وللمؤمنين اه.
وكذلك رد قول الحسن وأبي صالح بمثل هذا الرد. انظر المصدر نفسه.
(3) أي القول الذي فسر به السخاوي الآيتين.
(4) ساق الطبري والنحاس وابن الجوزي بأسانيدهم إلى قتادة أنه قال: نسختها: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} جامع البيان (28/ 66) والناسخ والمنسوخ (ص 274) ونواسخ القرآن (ص 485)، كذلك أخرجه الطبري بسنده عن ابن زيد. المصدر نفسه.
وأورده مكي عن قتادة إلى أن قال: ابن زيد: نسختها قوله {لََا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوََادُّونَ مَنْ حَادَّ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} الآية (22) من سورة المجادلة. انظر الإيضاح (ص 431).
وأورده القرطبي عن قتادة وابن زيد. انظر الجامع لأحكام القرآن (18/ 59).
(5) وقد رد القول بالنسخ كل من النحاس (ص 274) ومكي (ص 431).
(6) وممن مال إلى هذا القول الطبري والنحاس ومكي والقرطبي ونقله ابن الجوزي عن الطبري. انظر:
جامع البيان (28/ 66) والناسخ والمنسوخ (ص 274) والإيضاح (ص 432) ونواسخ القرآن (ص 485) وتفسير القرطبي (18/ 59).(2/868)
إلى قوله عزّ وجلّ {وَآتُوهُمْ} [1] مََا أَنْفَقُوا (2) وذلك أن سبيعة بنت الحارث (3) من قريش جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا (4) رسول الله جئتك مؤمنة بالله مصدّقة لما جئت به، فقال صلّى الله عليه وسلّم (5): «نعم ما جئت به، ونعم ما صدقت به» فجاء زوجها، فقال: يا محمد، أرددها عليّ، فإن ذلك من شرطنا عليك، وهذه طينة كتابنا لم تجف، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم شرط لهم عام الحديبية ذلك، فنزلت (6) {فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ لََا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلََا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مََا أَنْفَقُوا} فأعطاه النبي صلّى الله عليه وسلّم مهره الذي كان أعطاها، ثم نسخ ذلك، فلا يرد إلى الكفار مهر ولا غيره، ولا يجوز لنا أن نرد من جاءنا مسلما إلى الكفار، ولا يجوز المصالحة على ذلك، وإنما (7) كان هذا في قضية مخصوصة، زال حكمها بزوالها (8).
قوله (9) عزّ وجلّ {وَلََا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوََافِرِ} (10).
__________
(1) في ظ: كتب الناسخ حرفا بين {وَآتُوهُمْ} و {مََا أَنْفَقُوا} ولم يقرأ.
(2) الممتحنة: (10) وتمامها {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللََّهُ أَعْلَمُ بِإِيمََانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنََاتٍ فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ لََا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلََا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مََا أَنْفَقُوا} الآية.
(3) نص عليه البغوي ونسبه إلى ابن عباس. انظر معالم التنزيل (7/ 66) وانظر الإصابة (12/ 297) رقم (521).
وقيل: أن سبب نزول الآية أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهو الأكثر المشهور عن أهل العلم.
وقيل: أن سبب نزول الآية كانت أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف.
انظر زاد المسير (8/ 239) وتفسير القرطبي (18/ 61).
وذكر ابن الأثير أن اسمها سعيدة. انظر: أسد الغاية (7/ 142) رقم (6986).
(4) في د: يرسول الله.
(5) في د وظ: فقال رسول الله الخ.
(6) في ظ: نزلت. سقطت الفاء.
(7) سقطت الواو من ظ.
(8) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 285) ولابن سلامة (ص 303) والإيضاح (ص 433) وأسباب النزول للواحدي (ص 241) ونواسخ القرآن (ص 486) وتفسير القرطبي (18/ 63).
قال القرطبي: ومذهب مالك والشافعي أن هذا الحكم غير منسوخ اه المصدر السابق.
قلت: ولعل هذا هو الصواب، وليس هناك ما يدعو إلى القول بالنسخ.
(9) (قوله): غير واضحة في ظ.
(10) جزء من الآية العاشرة السابقة.(2/869)
قيل: الآية في غير الكتابيات (1).
وقيل: هو منسوخ بقوله تعالى {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2).
وقوله عزّ وجلّ {وَسْئَلُوا مََا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مََا أَنْفَقُوا} (3): هذا الحكم زال بزوال المهادنة (4).
قوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ} (5) الآية: هذا
__________
(1) حكاه النحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 286) ومكي في الإيضاح (ص 435) والقرطبي في تفسيره (18/ 66).
(2) المائدة: (5) وأولها {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعََامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الْمُؤْمِنََاتِ وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية.
وانظر النحاس ومكي والقرطبي المصادر السابقة، وزاد المسير (8/ 143) ونواسخ القرآن (ص 489).
قال مكي: والقول الأول أولى وأحسن، فيكون الحكم فيمن كانت له امرأة بمكة ممن هاجر مسلما إلى المدينة، وهي كافرة بمكة فإن العصمة منقطعة بينهما، فإن كانت كتابية، فإن العصمة تبقى بينهما اه من الإيضاح (ص 435).
وقال ابن الجوزي: وقد زعم بعضهم أنه منسوخ بقوله: {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ}
وليس هذا بشيء، لأن المراد بالكوافر الوثنيات، ثم لو قلنا: إنها عامة، كانت إباحة الكتابيات تخصيصا لها لا نسخا اه من نواسخ القرآن (ص 489).
(3) جزء من الآية العاشرة السابقة.
(4) نقل السخاوي هذا عن مكي. انظر الإيضاح (ص 435) وراجع الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص 49).
وقد نقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى أنه قال: وهذه الأحكام من أداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب: منسوخ عند جماعة من أهل العلم، وقد نص أحمد بن حنبل على هذا، وكذلك قال مقاتل بن سليمان: كل هؤلاء الآيات نسختها آية السيف اه نواسخ القرآن (ص 491) ومن هذا نفهم أن مكي وابن الجوزي والسخاوي يميلون إلى القول بالنسخ.
وأقول: والله أعلم أن هذا الجزء من الآية حكمه حكم سائرها وقد تقدم بيان ذلك قريبا، والقول بالاحكام أولى.
وراجع تفسير الطبري وابن كثير للآية الكريمة تجد أن كلا منهما فسرها بما يؤيد احكامها، جامع البيان (28/ 83) وتفسير ابن كثير (14/ 351، 352).
(5) الممتحنة: (11) وتمامها: {فَعََاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوََاجُهُمْ مِثْلَ مََا أَنْفَقُوا} الآية.(2/870)
أمر اختص بزمان المهادنة التي جرت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين أهل مكّة، وذلك أن أم حكيم (1) بنت أبي سفيان فرّت من زوجها عياض بن حكيم (2) إلى الكفار ولحقت بهم، فأنزل الله هذه الآية (3) فكان الحكم لمن فاتت (4) زوجته إلى الكفار أن يعطى ما أنفقه عليها من غنائم الكفار، ثم زال هذا الحكم ونسخ، وقد أجاز بعضهم أن يكون منسوخا بقوله عزّ وجلّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} (5) لأنه (6) بين مصارف الغنيمة، ولم يذكر فيها هذا، ولا جعل لمن ذهبت زوجته مما غنم المسلمون شيئا. (7) وذا غير صحيح، لأن (الأنفال) نزلت قبل سورة (الممتحنة) ولا يصح نزول (8) الناسخ قبل المنسوخ.
وقال ابن زيد وقتادة: نسخت هذه الأحكام التي في هذه السورة (براءة) إذ أمر الله عزّ وجلّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأن يقتلوا حيث وجدوا، وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية (9).
__________
(1) انظر: الإصابة (13/ 195) رقم (1216) والاستيعاب (13/ 208) وأسد الغابة (7/ 320) رقم (7409).
(2) لم أقف على من ذكر أن اسمه عياض بن حكيم، وإنما ذكر ابن سلامة أن اسمه عياض بن غنم، وذكر البغوي والخازن أن اسمه عياض بن شداد الفهري، كما نقل القرطبي عن القشيري أن اسمه عياض بن غنم القرشي، ونقل كذلك عن الثعلبي أن اسمه عياض بن أبي شداد الفهري، ولعله وقع خلاف في اسمه، والأمر في ذلك سهل.
انظر الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص 309) ولباب التأويل وفي هامشه معالم التنزيل (7/ 67) وتفسير القرطبي (18/ 70) وراجع الإصابة (7/ 189) رقم (6135) وأسد الغابة (4/ 227) رقم (4155).
(3) انظر: المصادر السابقة.
(4) في د وظ: فاتته.
(5) الأنفال: (41).
(6) في د وظ: الآية. خطأ.
(7) انظر: الإيضاح (ص 435، 436).
(8) في د وظ: بزوال.
(9) انظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص 50) والإيضاح (ص 437) قال النحاس: وأكثر الناس على أنها منسوخة، ونقل قول قتادة بنحو ما ذكره السخاوي. الناسخ والمنسوخ (ص 287).
وأورده السيوطي مطولا، وعزاه إلى عبد بن حميد وأبي داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر كلهم عن قتادة. انظر: الدر المنثور (8/ 134).(2/871)
وليس في الصف ولا في الجمعة ولا في المنافقين، ولا فيما بعد ذلك إلى سورة (ن) منسوخ (1).
__________
قال القرطبي: بعد أن حكى قول الذين قالوا بالنسخ وقال قوم: هو ثابت الحكم الآن أيضا، حكاه القشيري اه الجامع لأحكام القرآن (18/ 69).
قلت: وهذا الذي تطمئن إليه النفس كما سبق.
وقد أغفل ابن جرير دعوى النسخ على الآية، مع أنه أورد آثارا كثيرة في تأويلها، وختمها بقوله:
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أمر الله عزّ وجلّ في هذه الآية المؤمنين أن يعطوا من فرّت زوجته من المؤمنين إلى أهل الكفر إذا هم كانت لهم على أهل الكفر عقبى، إما بغنيمة يصيبونها منهم، أو بلحاق نساء بعضهم بهم، مثل الذي انفقوا على الفارة منهم إليهم، ولم يخصص إيتاءهم ذلك من مال دون مال، فعليهم أن يعطوهم ذلك من كل الأموال التي ذكرناها اه جامع البيان (28/ 77) وانظر النسخ في القرآن (2/ 798).
(1) إلا أن ابن الجوزي ذكر أن قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الآية (14) من سورة التغابن منسوخ بآية السيف، ثم رد هذا الادّعاء لتعارضه مع سبب نزول الآية.
انظر: نواسخ القرآن (ص 492) وراجع النسخ في القرآن (2/ 581579).(2/872)
سورة ن
قال هبة الله: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعجب بها (1) اه.
قلت: فيكون بسورة (والضحى) (2) أشد إعجابا (3).
قال: وفيها منسوختان: قوله عزّ وجلّ {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لََا يَعْلَمُونَ} (4)
نسخها آية السيف (5).
__________
(1) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص 313).
(2) (والضحى) مكررة في الأصل.
(3) وذلك أن سورة (الضحى) تحمل في طياتها بيان ما للرسول صلّى الله عليه وسلّم من الشرف والمنقبة، ووعده فيها بالشفاعة يوم القيامة {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ََ} بعد أن منّ عليه وصانه من الفقر واليتم وغير ذلك، وأعطاه في الدنيا النصر والظفر على الأعداء وكثرة الأتباع والفتوح في زمانه وبعده إلى يوم القيامة، وأعلى دينه ورفع ذكره، وأمته خير الأمم، وأعطاه في الآخرة الشفاعة العامة والخاصة، والمقام المحمود، وغير ذلك مما أعطاه في الدنيا والآخرة صلّى الله عليه وسلّم.
انظر: لباب التأويل للخازن (7/ 215) وبصائر ذوي التمييز (1/ 525).
(4) القلم: (44).
(5) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص 314) وابن حزم (ص 61)، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن البارزي (ص 54) وبصائر ذوي التمييز (1/ 476) وقلائد المرجان (ص 212) وأورده ابن الجوزي ورده بمثل كلام السخاوي. انظر نواسخ القرآن (ص 494).
وهذا هو الصحيح، لأن الآية تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم وتهديد لهم، أي كل أمر المكذبين إليّ فأنا أكفيك إياهم وأنا حسيبهم أنتقم منهم، فخل بيني وبينهم، فأنا عالم بما يستحقون ومثل هذا لا يقبل النسخ بحال، والله أعلم.(2/873)
وهذا خبر، والخبر لا ينسخ، وهو (وعد) (1) من الله عزّ وجلّ.
قال: والآية الثانية قوله عزّ وجلّ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} (2).
قال: نسخ الله أمره بالصبر بآية السيف (3).
وقد مضى من القول في مثل هذا ما فيه كفاية.
__________
(1) هكذا في الأصل: وعد، وفي بقية النسخ: (وعيد) وهو الصواب.
(2) القلم: (48).
(3) انظر المصادر السابقة الصفحات نفسها.(2/874)
سورة الحاقة
ليس فيها نسخ.(2/875)
ليس فيها نسخ.
سورة المعارج
قال هبة الله فيها منسوختان:
الأولى: قوله عزّ وجلّ: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا} (1) نسخ بآية السيف.
الثانية: قوله عزّ وجلّ: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} (2) نسخ (الله) (3) ذلك بآية السيف اه (4).
وهذا يدلّ ممن قاله على أنه أمره أن يتركهم (5) خائضين لاعبين وإنما هذا تهديد ووعيد، ولا يقال أنه منسوخ بآية السيف.
وليس في (نوح) ولا في سورة (6) (الجن) نسخ.
__________
(1) المعارج: (5).
(2) المعارج: (42).
(3) لفظ الجلالة ألحق في ت ولم يقرأ.
(4) انظر: الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة (ص 315)، وناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 54) وبصائر ذوي التمييز (1/ 480) وقلائد المرجان (ص 213) وقد حكى ابن الجوزي دعوى النسخ في الآيتين عن المفسرين، وأحال إلى نظائرهما مما لا وجه للنسخ فيه. انظر نواسخ القرآن (ص 495).
أما النحاس ومكي فقد تعرضا لذكر دعوى النسخ في الآية الأولى فقط وعزواه إلى ابن زيد، ثم قال النحاس: وردّ على ابن زيد بعض أهل العلم اه كما قال مكي أيضا: وقد قيل: هي محكمة، ولم يزل صلّى الله عليه وسلّم صابرا عليهم رفيقا بهم اه.
انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 290) والإيضاح لمكي (ص 441).
قلت: وهذا هو الصحيح، وقد سبق نظيره مرارا.
(5) في د وظ: بتركهم.
(6) في د: ولا الجن. وفي ظ: ولا في الجن.(2/876)
سورة المزمل
قوله عزّ وجلّ {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا} (1).
قالوا: أمره الله تعالى بقيام الليل عن آخره، ثم استثنى بقوله {إِلََّا قَلِيلًا} ثم نسخ القليل بنصفه، فقال: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} إلى الثلث، فنسخ الله من القليل ثلثه، ثم قال: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} أي من النصف إلى الثلث (2).
وهذا كما تراه خبط حاصل عن عدم التحصيل.
إنما المعنى: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت حاله تختلف في قيام الليل، فيقوم مرة نصف الليل، ومرة يقوم قبل النصف، ومرة يقوم بعده، ولا يحصى وقتا واحدا، فقال له الله عزّ وجلّ: مهوّنا عليه أمره في ذلك {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ} فنصفه بدل من الليل، أي قم نصف الليل إلّا قليلا (3) ولم يأمره بقيام الليل كله، {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} أي انقص من النصف قليلا، ولم ينسخ الله بهذا من الليل ثلثه، كما زعم من تقدم ذكره.
ثم قال عزّ وجلّ: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} يجوز أن تكون (4) الهاء عائدة (5) (أعلى) (6)
__________
(1) الآية الثانية من سورة المزمل {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا}.
(2) ذكر هذا ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 62) وكذلك ابن سلامة (ص 316) وانظر قلائد المرجان (ص 214).
(3) في ظ: جاءت بعض العبارات هنا مضطربة ومكررة.
(4) في د وظ: أن يكون.
(5) في ظ: عائد.
(6) هكذا في الأصل: أعلى. خطأ، وفي بقية النسخ (على) وهو الصواب.(2/877)
النصف، وهو الظاهر، لقوله عزّ وجلّ {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} (1)
أي أقل من ثلثي الليل، وهذا تصريح بالزيادة على النصف.
وقيل: يجوز أن تكون الهاء عائدة على القليل، كأنه قيل: قم نصف الليل إلّا قليلا، أو زد على ذلك القليل.
وكذلك قالوا في الهاء في (منه): إنها عائدة على القليل أيضا.
قال الزمخشري: فيكون التخيير على هذا فيما وراء النصف، فيما بينه وبين الثلث اه (2) وهذا غير مستقيم، لأن القليل المستثنى من النصف غير معلوم، فكيف تعقل الزيادة عليه أو النقصان منه؟
ويدلّ على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم الليل تطوعا قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} وهذا هو الزيادة على النصف (ونصفه) فيمن قرأ بالنصب (3)
(وثلثه): أي ويقوم النصف والثلث.
وفي قراءة الخفض في (النصف والثلث): المعنى: ويقوم أدنى من النصف والثلث.
والمعنى: أن الله تعالى قد رضى منك هذه الأحوال كلها، فأيّها اتّفق لك فهو حسن، ولا يريد الله بك وبمن يقوم معك العسر، فيضيق عليكم بوقت تتكلفونه، وقد (علم أن سيكون منكم مرضى) يجدون خفه في بعض هذه الأوقات دون بعض، ومسافرون لا يمكنهم مع (4) أحوال السفر إلّا التخفيف عليهم، والمجاهدون كذلك.
فإن قيل: كيف يكون تطوعا، وقد قال عزّ وجلّ (5): {فَتََابَ عَلَيْكُمْ}؟
قلت: {فَتََابَ عَلَيْكُمْ} كقوله عزّ وجلّ {فَإِذْ لَمْ} [6] تَفْعَلُوا وَتََابَ اللََّهُ عَلَيْكُمْ (7)
__________
(1) المزمل: (20).
(2) انظر: الكشاف (4/ 175، 178) وراجع تفسير القرطبي (19/ 3735، 52) وأبي حبان (8/ 361).
(3) قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وخلف بالنصب في (النصف والثلث) وهما معطوفان على (أدنى) المنصوب على الظرفية ب (تقوم) وقرأ الباقون بالخفض فيهما، وهما معطوفان على (ثلثي الليل) المجرور ب (من). انظر: النشر (2/ 393) والمهذب (2/ 310).
(4) في د وظ: من.
(5) في د وظ: وقد قال الله عزّ وجلّ.
(6) في ظ: (فإن لم) خطأ.
(7) المجادلة: (13).(2/878)
أي رخص لكم، فلا تبعة عليكم، فلمّا كانت حالهم في أن لا تبعه حال التائب (1) عبّر عن الترخيص بالتوبة، ويلزم من قال بالوجوب أن تكون الآية منسوخة، لأنه قد ثبت أن لا فرض من الصلاة إلّا الخمس، وهو إجماع المسلمين.
وقول الأعرابي: (هل عليّ غير ذلك؟ فقال رسول (2) الله صلّى الله عليه وسلّم: لا، إلّا أن تطوع) (3).
ولا بد من ذكر أقوال العلماء، لأنه من غرض (4) الناسخ والمنسوخ (5).
قال أكثرهم: كان قيام الليل فرضا على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى المسلمين، ثم خفّف عنهم في الآيتين في آخر السورة، فنسخ بهما أولها (6).
وقد قلت: أن ذلك ليس بنسخ، وإنما هو تخفيف من (7) المقدار لأنهم لا يحصونه.
وقيل: كان فرضا على النبي صلّى الله عليه وسلّم وحده، ثم نسخ بآخر السورة.
وقيل: (8) كان ندبا، وهو الصواب إن شاء الله تعالى والقول (9) بأنه كان تطوعا، أوضح منه.
وقوله (10) عزّ وجلّ {قُمِ اللَّيْلَ}: أي دم على ما تطوعت به، مدحا لحاله وتحسينا لها (11).
__________
(1) غير واضحة في الأصل.
(2) في د وظ: فقال صلّى الله عليه وسلّم.
(3) ورد الحديث في عدد من كتب السنة في قصة الأعرابي الذي جاء يسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
انظر: صحيح البخاري كتاب الإيمان باب الزكاة في الإسلام (1/ 17) وكتاب الصوم، باب وجوب صوم رمضان (2/ 225)، وصحيح مسلم كتاب الإيمان باب من إقام الفرائض فقد أفلح (1/ 166) وسنن الترمذي أبواب الزكاة باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك (3/ 246) وسنن أبي داود كتاب الصلاة باب فرض الصلاة (1/ 272).
(4) في د وظ: ممن عرض.
(5) إلى هنا انتهى السقط الكبير الذي حصل في (ظق) والذي ابتدأ من سورة الشورى.
(6) هكذا قال المصنف: في الآيتين. والظاهر أنها آية واحدة ابتداء من قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ} الآية إلى آخر السورة. وهي التي يدور الكلام حولها.
(7) في د وظ: تخفيف في المقدار.
(8) سقطت الواو من ظ.
(9) سقطت الواو من ظ.
(10) سقطت الواو من ظ.
(11) قاله الزمخشري في الكشاف (4/ 174).(2/879)
وقال ابن عباس: «كان بين أول السورة وآخرها سنة» اه (1).
وعن عائشة رضي الله عنها «لما نزلت {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} كان الرجل يربط الحبل، ويتعلّق به، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله عزّ وجلّ ما يبتغون (2) من رضوانه، فرحمهم، فردّهم إلى الفريضة وترك قيام الليل» اه (3).
وأنت في هذه الرواية بين أمور ثلاثة:
1 - إما إبطال قول من يقول: إن (المزمل) من أول ما نزل، لأن عائشة رضي الله عنها لم تكن هناك في ذلك الوقت (4).
2 - وإما أن تصحح أن (المزمل) من أول ما نزل، فتبطل هذه الرواية.
3 - وإما أن تقول: (5) أن عائشة رضي الله عنها سمعت ذلك من غيرها، فأخبرت به (6).
ومما يدل (على) (7) أن عائشة رضي الله عنها أخبرت عن مشاهدة لا عن سماع: (إنما
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه (2/ 72).
وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (ص 529) والطبري في تفسيره (29/ 124).
وفيه: وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة، وفي رواية: نحو من سنة اه.
ورواه النحاس كذلك في الناسخ (ص 291).
والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. كتاب التفسير (2/ 505) وبهامشه التلخيص. وانظر الدر المنثور (8/ 312).
(2) في ظ: ما يتبعون.
(3) أخرجه بنحوه ابن جرير الطبري. جامع البيان (29/ 125). وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي حاتم. الدر المنثور (8/ 312).
(4) قال ابن المنيّر: وما نقل أن ذلك كان في مرط عائشة رضي الله عنها فبعيد، فإن السورة مكية، وبنى النبي صلّى الله عليه وسلّم على عائشة رضي الله عنها بالمدينة، والصحيح في الآية أن ذلك كان في بيت خديجة عند ما لقيه جبريل أول مرة، فبذلك وردت الأحاديث الصحيحة، والله أعلم اه بتصرف يسير من كتاب الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال (4/ 174) على هامش الكشاف للزمخشري.
(5) في ظق: أن يقول:
(6) في د وظ: فأخبرت بذلك.
(7) ليست في الأصل، ووضع الناسخ سهما لإضافتها فلم تظهر.(2/880)
سألت) (1) ما كان تزميله؟ (قال) (2) (كان مرطا (3) أربعة (4) عشرة ذراعا) (5) نصف عليّ وأنا نائمة، ونصف عليه وهو يصلّي، فقيل لها: فما كان؟
فقالت: والله ما كان خزا (6) ولا قزا (7) كان (شداه) (8) شعر ولحمته (9) وبر (10)
اه.
ويؤيد هذا ما دلّت عليه السورة من كثرة المسلمين بقوله: {وَطََائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}.
وفي قوله: {وَطََائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} دليل على أنه لم يكن فرضا، إذ لو كان فرضا (11) لقام الكل ولم يخص طائفة منهم.
__________
(1) هكذا في الأصل: إنما سألت، وفي بقية النسخ: أنها سئلت وهي الصواب.
(2) هكذا في الأصل وظق، وهو خطأ، وفي د وظ: قالت. وهو الصواب.
(3) المرط: كل ثوب غير مخيط، وهو كساء من خز أو صوف أو كتان. وقيل: هو الثوب الأخضر، وجمعه: مروط. اللسان (7/ 401) (مرط) وانظر معالم السنن (4/ 315).
(4) هكذا في الأصل: أربعة عشرة ذراعا. وفي ظق: أربع عشر ذراعا وفي د وظ: أربع عشرة ذراعا.
(5) جاءت العبارة في ظق، قال: مرطا طويلاه أربع عشر ذراعا، وهي عبارة مضطربة.
(6) قال ابن منظور: الخز: معروف من الثياب مشتق منه، عربي صحيح، وهو من الجواهر الموصوف بها اه اللسان (5/ 345) (خزز).
(7) والقز من الثياب والابريسم، أعجمي معرّب، وجمعه: قزوز، وهو الذي يسوي منه الإبريسم.
اللسان (5/ 395) (قزز).
(8) هكذا في الأصل: شداه. وفي بقية النسخ: سداه وهو الصواب.
(9) الوبر: بفتح الواو والباء صوف الإبل والأرانب ونحوها، والجمع أوبار. اللسان (5/ 271) (وبر).
(10) لم أقف عليه في كتب الحديث أو التفسير، وإنما أورده الزمخشري دون عزو. انظر الكشاف (4/ 174).
وأورده القرطبي وعزاه إلى الثعلبي. انظر الجامع لأحكام القرآن (19/ 32) وقد سبق ما ذكر ابن المنيّر حول هذا واستبعاده أن ذلك كان في المدينة بدليل أن السورة مكية، وزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بعائشة كان في المدينة الخ.
وقال أبو حيان: وما رووه أن عائشة رضي الله عنها سئلت ما كان تزميله إلى آخر الرواية: كذب صراح، لأن نزول (المزمل) بمكة في أوائل مبعثه، وتزويجه عائشة كان بالمدينة اه البحر المحيط (8/ 360).
(11) عبارة (إذ لو كان فرضا) سقطت من ظق بانتقال النظر.(2/881)
وقال ابن جبير: «مكث النبي صلّى الله عليه وسلّم يقوم الليل كما أمره الله عزّ وجلّ عشر سنين، ثم خفّف عنهم بعد عشر سنين» اه (1).
وقال عكرمة: {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا} نسختها التي في آخرها {عَلِمَ أَنْ لَنْ} [2] تُحْصُوهُ فَتََابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مََا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ.
وقد ثبت (3) أن ذلك في القيام (المقرر) (4) والوقت المعين، علم أن لن تحصوا ذلك {فَاقْرَؤُا مََا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (5) لأنه يلزم من قراءة ما تيسّر من القرآن، قيام ما اتّفق من الأوقات.
وقال قتادة: قاموا حولين حتى تنفخت (6) أقدامهم وسوقهم، فأنزل الله عزّ وجلّ تخفيفا في آخر السورة اه (7).
فهذه أقوال العلماء، فإن حملت أول السورة على التطوع أو على الندب، وآخرها
__________
(1) أخرجه ابن جرير بسنده عن سعيد بن جبير. انظر جامع البيان (29/ 125).
وزاد السيوطي نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم. انظر الدر المنثور (8/ 312).
وأورده القرطبي معزوا إلى سعيد بن جبير. انظر الجامع لأحكام القرآن (19/ 34).
قلت: وهذا الأثر المروي عن سعيد بن جبير ضعيف بدليل ما يأتي.
أولا: أنه مخالف لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما كما سبق.
ثانيا: أن رجال السند الذين ذكرهم ابن جرير إلى سعيد بن جبير قد تكلّم فيهم علماء الجرح والتعديل، فابن حميد الذي روى عنه ابن جرير ضعيف. انظر الميزان (3/ 530).
وابن حميد يروي عن يعقوب القمي، وهو صدوق يهم. انظر التقريب (2/ 376)، ويعقوب القمي يروي عن جعفر بن أبي المغيرة، وهو كذلك صدوق يهم. انظر التقريب (1/ 133).
(2) في د: (علم أن لا تحصوه) خطأ.
(3) في د وظ: وقد بينت.
(4) هكذا في الأصل: المقرر، وفي بقية النسخ: المقدر.
(5) في ظق: سقط بمقدار سطر من قوله {مََا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} السابقة إلى هنا بانتقال النظر.
(6) في بقية النسخ: حتى انتفخت.
(7) ونص كلام قتادة: بعد ذكر أول السورة قال: ففرض الله عزّ وجلّ قيام الليل في أول هذه السورة، فقام أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى انتفخت أقدامهم، فأمسك الله خاتمتها حولا، ثم أنزل الله عزّ وجلّ التخفيف في آخرها، قال الله عزّ وجلّ {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ}
الآية. فنسخت هذه ما كان قبلها من قيام الليل، فجعل قيام الليل تطوعا بعد فريضة وقال:
{وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} وهما فريضتان لا رخصة لأحد فيهما اه الناسخ والمنسوخ (ص 50).(2/882)
على ترك المؤاخذة بالمقدار (كان) (1) الآيتان (محكمتان) (2) وإن حملت أولها على الوجوب كان آخرها ناسخا لأولها، وكانوا في آخرها مأمورين بأن يصلّوا ما تيسّر لهم، ثم كان آخرها أيضا منسوخا بالصلوات الخمس (3) جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتّبعون احسنه.
قوله عزّ وجلّ {إِنََّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (4) زعموا أنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {يُرِيدُ اللََّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (5) وهذا خبر لا يجوز نسخه.
وعن (6) ابن عباس رضي الله عنهما (كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه، وتربد (7) له وجهه) (8).
وعن عائشة رضي الله عنها «كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم (9) عنه، وإن جبينه ليتفصد (10) عرقا (11)» اه.
__________
(1) هكذا في النسخ (كان) وهو خطأ والصحيح (كانت).
(2) هكذا في الأصل (محكمتان) وهو خطأ نحوي واضح. وفي بقية النسخ: (محكمتين) وهو الصواب.
(3) راجع تفسير القرطبي (19/ 36).
(4) المزمل: (5).
(5) النساء: (28).
وقد قال هذا ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 62) وكذلك ابن سلامة (ص 317).
(6) من هنا إلى قوله: وتربد له وجهه. أضيف في حاشية ظ فلم يظهر.
(7) الرّبد: تغير بشرة الوجه، وكان يحصل له صلّى الله عليه وسلّم ذلك لعظم موقع الوحي. وراجع اللسان (3/ 170) (ربد) وشرح النووي على صحيح مسلم (11/ 190).
(8) رواه الإمام مسلم بنحوه في حديث طويل عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه كتاب الحدود باب حد الزنا (11/ 190)، وفي كتاب الفضائل باب طيب عرقه صلّى الله عليه وسلّم والتبرك به (15/ 89) ورواه الإمام أحمد في المسند (5/ 317، 318، 327).
(9) أصل الفصم: القطع فقوله: (فيفصم) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع ويتجلى ما يغشاني. فتح الباري (1/ 20) واللسان (12/ 454) (فصم).
(10) ليتفصد: بالفاء وتشديد المهملة، مأخوذ من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم، شبه جبينه بالعرق المفصود، مبالغة في كثرة العرق، فتح الباري (1/ 20) وانظر اللسان (3/ 337) (فصد).
(11) رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي (1/ 18) بشرح ابن حجر، ومالك في الموطأ باب كيف كان يأتيه الوحي (2/ 474) والترمذي في أبواب المناقب باب ما جاء كيف كان ينزل الوحي على النبي صلّى الله عليه وسلّم (10/ 112) والنسائي في كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن (2/ 149) وأحمد في المسند (6/ 257).(2/883)
وقال زيد بن ثابت: أملى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {لََا يَسْتَوِي الْقََاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
{وَالْمُجََاهِدُونَ} [1] فِي سَبِيلِ اللََّهِ (2) فجاء ابن أم مكتوم (3) وهو يملها عليّ، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، قال: فأنزل الله عليه وفخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فثقلت، حتى خشيت أن (4) ترتض (5) فخذي، فأنزل الله عزّ وجلّ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (6) (7) اه.
وقيل: ثقيل في الميزان.
وقيل: ثقيل على أهل النفاق.
وقال الحسن: «إن الرجل ليهذ القرآن (8) ولكن العمل به ثقيل» اه.
وقال قتادة: «فرائض القرآن وحدوده ثقيل والله» اه.
وعن (9) عروة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها (10).
فما تستطيع (11) أن تتحرك حتى يسرى عنه» (12) اه.
__________
(1) في الأصل: (والمهاجرين) خطأ.
(2) أي قبل أن ينزل عليه {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} الآتية.
(3) وهو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم، وقيل: اسمه: عبد الله واسم أمه: عاتكة، وتكنى أم مكتوم، صحابي شجاع، كان ضرير البصر، أسلم بمكة، وهاجر إلى المدينة بعد وقعة بدر وكان مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع بلال، وحضر حرب القادسية، فقاتل وهو أعمى ورجع بعدها إلى المدينة، فتوفى سنة 23هـ انظر جمهرة أنساب العرب (ص 171) وصفة الصفوة (1/ 582)، والتقريب (2/ 70) والأعلام (5/ 83).
(4) (أن) ساقطة من د وظ.
(5) أي تدقها، كما في فتح الباري (8/ 261).
(6) فيصير نص الآية {لََا يَسْتَوِي الْقََاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجََاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} الآية (95) من سورة النساء.
(7) رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب {لََا يَسْتَوِي الْقََاعِدُونَ} (8/ 259) بشرح ابن حجر، والترمذي في سننه أبواب التفسير باب ومن سورة النساء (8/ 390) وانظر الدر المنثور (2/ 639).
(8) سبق ذكر معنى (الهذ) وأنه بمعنى سرعة القراءة.
(9) (وعن) غير واضحة في ظ.
(10) أي باطن عنقها، وقيل: الجران: مقدم العنق من مذبح البعير إلى منحره فإذا برك البعير ومد عنقه على الأرض، قيل: ألقى جرانه على الأرض. اللسان (13/ 86) (جرن).
(11) في د وظ: فما يستطيع أن يتحرك.
(12) رواه الإمام احمد في المسند بنحوه (6/ 118) والطبري واللفظ له جامع البيان (29/ 127) والحاكم(2/884)
وقال ابن زيد: «هو والله ثقيل مبارك، كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة» (1) اه.
وقوله عزّ وجلّ {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} (2).
قالوا: نسخ بآية السيف (3).
وقد قدّمت القول في ذلك (4).
وقوله عزّ وجلّ {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} (5) الآية.
قالوا: نسخت بآية السيف (6).
__________
في المستدرك، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، كتاب التفسير (2/ 505).
(1) أورد ابن جرير قول الحسن وقتادة وعروة وابن زيد، ثم قال: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل، فهو كما وصفه به، ثقيل محمله، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه اه جامع البيان (29/ 127، 128).
وراجع معالم التنزيل للبغوي (7/ 138) وزاد المسير (8/ 389) والجامع لأحكام القرآن (19/ 38) وتفسير ابن كثير (4/ 435) والدر المنثور (18/ 315).
(2) المزمل (10) {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا}.
(3) قاله ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 62) وابن سلامة (ص 317) وابن البارزي في ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 55) والكرمي في قلائد المرجان (ص 216).
ورواه الطبري والنحاس بسنديهما عن قتادة. جامع البيان (29/ 134) والناسخ والمنسوخ (ص 292).
وعزاه مكّي وابن الجوزي والقرطبي إلى قتادة كذلك دون إسناد، الإيضاح (ص 444) ونواسخ القرآن (ص 499) والجامع لأحكام القرآن (19/ 45).
(4) سبق مرارا كلام المصنف على مثل هذا حيث أثبت الإحكام في كل الآيات التي تحمل في طياتها معنى الصبر وادعى بعض العلماء القول بنسخها بآية السيف. وراجع النسخ في القرآن (2/ 517، 518).
(5) المزمل (11) {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا}.
(6) قاله ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 62) وابن البارزي في ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 55) والكرمي في قلائد المرجان ورده (ص 216) والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (1/ 487) قال ابن الجوزي: زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح، لأن قوله (ذرني) وعيد، وأمره بإمهالهم ليس على الإطلاق، بل أمره بإمهالهم إلى حين يؤمر بقتالهم، فذهب زمان الإمهال، فأين وجه النسخ؟ اه.
نواسخ القرآن (ص 500) وراجع النسخ في القرآن (1/ 497).(2/885)
وهذا تهديد ووعيد غير منسوخ بها.
وقوله تعالى {إِنَّ هََذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شََاءَ اتَّخَذَ إِلى ََ رَبِّهِ سَبِيلًا} (1).
قالوا: نسخ ذلك بقوله سبحانه {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * (2) (3).
وقد تقدّم ذكره (4) والقول في إبطاله (5).
__________
(1) المزمل (19).
(2) الإنسان (30) والتكوير (29).
(3) حكاه ابن حزم في الناسخ والمنسوخ، قال: وقيل: نسخت بآية السيف اه (ص 63) وابن سلامة (ص 318).
وقال ابن البارزي والفيروزآبادي: نسخت بآية السيف اه.
ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 55) وبصائر ذوي التمييز (1/ 487) وقد رد ابن الجوزي القول بالنسخ هنا وفنده بقوله: زعم بعض من لا فهم له أنها نسخت بقوله {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * وليس هذا بكلام من يدري ما يقول، لأن الآية الأولى أثبتت للإنسان مشيئة، والآية الثانية أثبتت أنه لا يشاء حتى يشاء الله وكيف يتصور النسخ؟. اه نواسخ القرآن (ص 500) وراجع النسخ في القرآن (1/ 475).
(4) في ظق: وقد تقدّم ذكره أن الكلام والقول في إبطاله. حيث أدرج كلمة (أن الكلام) ولا معنى لها.
(5) ويكفي في رد هذا وإبطاله قول ابن الجوزي المتقدم قريبا. وقد سبق للمصنف كلام حول هذا أثناء مناقشته لدعوى النسخ في قوله تعالى {فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} الآية (29) من سورة الكهف (ص 755).(2/886)
سورة المدثر
لا منسوخ فيها.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (1) أي (خلى) (2) بيني وبينه فإني أتولى إهلاكه، مع القصة إلى آخرها: نسخ ذلك بآية السيف (3) وكيف يعده بإهلاكه، وبأنه يتولى ذلك منه على ما (ذكره) (4) ثم ينسخه بآية السيف؟ (5).
__________
(1) المدثر (11).
(2) هكذا في الأصل وظق: (خلى) خطأ نحوي، وفي د وظ (خل) وهو الصواب.
(3) قاله ابن حزم (ص 63) وابن سلامة (ص 319) وابن البارزي (ص 55) والفيروزآبادي (1/ 488) والكرمي (ص 218).
(4) هكذا في الأصل: على ما ذكره. وفي ظق: على ما ذكروا وفي د وظ: على ما ذكروه.
(5) قال ابن الجوزي: هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، والمعنى خل بيني وبينه فإني أتولى إهلاكه، وقد زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف، وهذا باطل من وجهين:
أحدهما: أنه إذا ثبت أنه وعيد، فلا وجه للنسخ، وقد تكلمنا على نظائرهما فيما سبق.
والثاني: أن هذه السورة مكّية، وآية السيف مدنية، والوليد هلك بمكة قبل نزول آية السيف اه.
نواسخ القرآن (ص 501) وراجع النسخ في القرآن (1/ 497).(2/887)
سورة القيامة
لا نسخ فيها.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (1) إنه منسوخ بقوله عزّ وجلّ {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} (2) وهذا خلف من القول، لأن الله عزّ وجلّ لم يأمره بالنسيان ثم نهاه عنه!.
وأظنهم توهموا ذلك، وأن (لا) في قوله: (فلا تنسى) للنهي وما هي للنهي (3)
(لا) (4) من جهة المعنى، ولا من جهة اللفظ، أما اللفظ فغير مجزوم، وأما المعنى، فليس النسيان مما يقدر الإنسان على اجتنابه فينهي عنه (5).
وهذا خبر، أخبر الله عزّ وجلّ به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أنه يقرئه فلا ينسى، فما معنى النسخ؟
فإن قالوا: كان يعجّل بالقرآن خوف النسيان، فقال الله عزّ وجلّ: {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ}.
__________
(1) القيامة (16).
(2) الأعلى (6).
ذكر هذا ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 63) وكذلك ابن سلامة (ص 319) وابن البارزي في ناسخ القرآن العزيز (ص 56)، والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (1/ 490).
ونقله الكرمي عن هبة الله بن سلامة ورده، قال: ووجه النسخ هنا غير ظاهر جدا اه قلائد المرجان (ص 219).
(3) عبارة: (وما هي للنهي) ساقطة من ظ بانتقال النظر.
(4) غير واضحة في ت.
(5) وراجع البحر المحيط (8/ 458) والجامع لأحكام القرآن (20/ 19).(2/888)
قلت: فأين النسخ؟! والآيتان في معنى واحد (1).
قال ابن عباس: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يلقى في التنزيل شدة، فكان يحرّك شفتيه كراهة أن يتفلت منه، فأنزل الله جلّ ذكره {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي جمعه في صدرك وأن تقرأه، {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي (فأنصت) (2)
واستمع، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ} أي علينا أن نبيّنه بلسانك، قال: فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع (3) فإذا انطلق قرأ كما قرأ» (4) اه.
وقال الضحاك: كان (5) يفعل ذلك مخافة أن ينساه، قيل له إن علينا أن نحفظه في قلبك، وأن تقرأه بعد حفظه.
وروى ذلك عن ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة.
وقال قتادة: (إن علينا جمعه وقرآنه) أي جمعه في قلبك حتى تحفظه (وقرآنه) أي تأليفه (6). فأي فرق بين هذه الآية وبين آية (الأعلى) فالقول بأن هذا منسوخ بذلك (7)
__________
(1) قلت: ونظير هاتين الآيتين قوله تعالى {وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ}
الآية (114) من سورة طه.
وقد سبق أن ذكرها المصنف في موضعها (ص 759) ورد على القائلين بأنها منسوخة بقوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} وأبطله.
(2) غير واضحة في ت.
(3) في بقية النسخ: يستمع.
(4) أصل الحديث في صحيح البخاري كتاب التفسير (8/ 680) بشرح ابن حجر.
وصحيح مسلم كتاب الصلاة باب الاستماع للقراءة (4/ 165) بشرح النووي، وسنن الترمذي أبواب التفسير باب ومن سورة القيامة (9/ 248) وسنن النسائي كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن (2/ 149) وانظر جامع البيان (29/ 187) وجامع الأصول (2/ 420) والدر المنثور (8/ 348).
(5) كلمة (كان) ساقطة من د وظ.
(6) انظر الآثار في ذلك عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة في جامع البيان للطبري (29/ 188) والدر المنثور (8/ 348). قال الطبري: وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وذلك أن قوله {إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ينبئ أنه إنما نهي عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبي صلّى الله عليه وسلّم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك اه المصدر نفسه.
(7) في ظق: بذاك.(2/889)
خطأ من جهة أن (1) الخبر لا يدخله النسخ، ومن جهة أن المعنى فيهما واحد.
وما كان ينبغي أن (2) (يتكلم) (3) على هذا، فإنه لفساده يوقع كلام المتكلم عليه في الضيم (4).
__________
(1) (أن) ساقطة من د وظ.
(2) ينبغي أن: ساقط من ظق.
(3) هكذا: في الأصل: أن يتكلم. وفي بقية النسخ: أن نتكلم، وهي الصواب.
(4) قلت: ولذلك لم يتعرض لذكر هذه الآية ضمن الآيات المدعي عليها النسخ معظم علماء التفسير والنسخ، مثل قتادة والطبري والنحاس ومكي وابن الجوزي والقرطبي وغيرهم.(2/890)
سورة الإنسان
ليس فيها منسوخ.
وزعم هبة الله وأظنه نقله عن غيره (1) أن فيها آيتين منسوختين وبعض آية:
قوله عزّ وجلّ {وَأَسِيراً} (2).
قال: هذا منسوخ، وهو من غير أهل القبلة (3) اه.
والله تعالى مدح قوما بإطعام الأسير ولم ينه عن ذلك إذا كان مشركا فكيف يكون منسوخا، وفي إطعام الأسير المشرك مثوبة؟ (4).
__________
(1) ليس هناك ما يدل على أن ابن سلامة نقل هذا القول عن أحد، وإنما هو رأيه، والله أعلم.
(2) الإنسان (8) {وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}.
(3) انظر: الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة (ص 320).
وقال ابن البارزي والفيروزآبادي: أنها منسوخة بآية السيف.
انظر: ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 56) وبصائر ذوي التمييز (1/ 493) وراجع قلائد المرجان (ص 220) قال ابن الجوزي: زعم بعضهم أن هذه الآية تضمنت المدح على إطعام الأسير المشرك.
قال: وهذا منسوخ بآية السيف، وساق بسنده إلى سعيد بن جبير أنه قال: «وأسيرا» قال: يعني من المشركين، نسخ السيف الأسير من المشركين. اه.
ثم قال ابن الجوزي: وإنما أشار بهذا إلى أن الأسير يقتل ولا يفادي، فأما إطعامه ففيه ثواب بالإجماع والآية محمولة على التطوع، فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار أه نواسخ القرآن (ص 502).
(4) ولعل من المناسب هنا أن أنقل هذا الخبر عن الزركشي فيما يتعلق بكلام هبة الله بن سلامة هذا، حيث قال: أي الزركشي ومن ظريف ما حكي في كتاب هبة الله أنه قال في قوله تعالى(2/891)
وقد قال قتادة: إنه المأسور المشرك.
وقال الحسن: ما كان إسراؤهم إلّا المشركين.
وقال عكرمة: الأسير في ذلك الزمان: المشرك.
وقال مالك: يعني أسرى المشركين.
وقال مجاهد وابن جبير وعطاء: المراد بالأسير: المسجون من المسلمين (1).
وهذا كله من صفات الأبرار، والآية غير منسوخة، وليس قول قتادة: وأخوك المسلم أحق منه مما يوجب تقويله بالنسخ.
قال: والآية الكاملة قوله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} (2) الآية، قال:
نسخت بآية السيف اه (3).
__________
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} منسوخ من هذه الجملة {وَأَسِيراً} والمراد بذلك أسير المشركين، فقرئ الكتاب عليه وابنته تسمع فلما انتهى إلى هذا الموضع، قالت: أخطأت يا أبت في هذا الكتاب، فقال لها: وكيف يا بنيه؟ قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا اه البرهان (2/ 29).
(1) ذكر الطبري هذه الأقوال بأسانيدها عن قتادة والحسن وعكرمة ومجاهد وعطاء وابن جبير، ثم قال:
والصواب من القول في ذلك أن يقال: أن الله وصف هؤلاء الأبرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الأسير واسم الأسير قد يشمل الفريقين، وقد عم الخبر عنهم أنهم يطعمونهم، فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له، وأما قول من قال: لم يكن لهم أسير يومئذ إلا أهل الشرك فإن ذلك وإن كان كذلك فلم يخصص بالخبر الموفون بالنذر يومئذ، وإنما هو خبر من الله عن كل من كانت هذه صفته يومئذ وبعده إلى يوم القيامة، وكذلك الأسير معنى به أسير المشركين والمسلمين يومئذ وبعد ذلك إلى قيام الساعة اه جامع البيان (29/ 209، 210).
وراجع معالم التنزيل للبغوي (7/ 159) وزاد المسير (8/ 433) والجامع لأحكام القرآن (19/ 129) والدر المنثور (8/ 371).
(2) الإنسان: (24).
(3) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص 321) وحكاه ابن حزم (ص 63) والكرمي (ص 220) والفيروزآبادى (1/ 493) قال ابن الجوزي: زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف، وقد تكلمنا عن نظائرها وبينا عدم النسخ اه. نواسخ القرآن (ص 503) قلت: وكذلك سبق للمصنف مناقشة الآيات التي تتكلم عن الصبر وتأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بتحمل الأذى الذي يلاقونه من المشركين، وفي الوقت نفسه كانوا مطالبين بقتلهم وقتالهم، وقرر رحمه الله مرارا أنه لا تعارض بين تلك الآيات وبين آية السيف، والله الموفق للصواب.(2/892)
وليس في هذا نهي عن القتال، فيكون منسوخا بالأمر بالقتال وحكم الأمر بالصبر على (1) الشدائد باق.
والآية الأخرى قوله عزّ وجلّ {فَمَنْ شََاءَ اتَّخَذَ إِلى ََ رَبِّهِ سَبِيلًا} (2).
قال: نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * (3) اه، وهذا ضرب من الجهل عظيم، فإنه (4) عزّ وجلّ لم يطلق المشيئة للعبيد، ثم حجزها (5) عنهم ونسخها، وإنما أعلم أن العبد إذا شاء أمرا من صلاح أو ضلال، فلا (6) يكون ذلك إلّا أن يشاء الله، وهذا وعيد وتهديد، لأن الله عزّ وجلّ بيّن في هذه السورة الطريقين (7) ثم قال: على (8) وجه التهديد من شاء النجاة اتّخذ إلى ربّه سبيلا (9) ومن شاء غير ذلك فسيرى ما يناله (10) من العذاب الأليم المعد للظالمين.
__________
(1) في بقية النسخ: في الشدائد.
(2) الإنسان (29).
(3) الإنسان (30) والتكوير (29).
وانظر: الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة (ص 321).
وحكاه ابن حزم والكرمي، قالا: نسخ التخيير بآية السيف اه الناسخ والمنسوخ (ص 63) وقلائد المرجان (ص 220) وحكي ابن الجوزي النسخ عن بعضهم. انظر: نواسخ القرآن (ص 503).
وقد سبق لابن الجوزي والسخاوي رد دعوى النسخ في نظير هذه الآية من سورة المزمل (ص 886) فلينظر.
(4) في د وظ: وإنه.
(5) في بقية النسخ: حجرها. بالراء.
(6) في د وظ: ولا يكون.
(7) أي في قوله تعالى: {إِنََّا هَدَيْنََاهُ السَّبِيلَ إِمََّا شََاكِراً وَإِمََّا كَفُوراً} الآية الثالثة من السورة نفسها.
(8) (على) ساقطة من ظ.
(9) في ظ: كتب الناسخ بعد قوله {سَبِيلًا}: قال: نسخ ذلك بقوله عزّ وجلّ {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * وهذا ضرب من الجهل، ومن شاء غير ذلك الخ. وهو تكرير لما سبق قبل عدة أسطر.
(10) في د وظ: فيرى ما ناله.(2/893)
سورة المرسلات
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
وسورة النبأ: ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم هاجر من غداة يوم إنزالها (1) فهي من آخر المكّي الأول، لأن المكّي الأول: ما نزل قبل (2) الهجرة والمكّي الثاني بعد الفتح (3).
__________
(1) في ظق: من يوم غداة إنزالها.
(2) في ظ: من قبل الهجرة.
(3) انظر الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة (ص 322).
قال الزركشي: أعلم أن للناس في ذلك ثلاثة اصطلاحات: أحدها: أن المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة. والثاني: وهو المشهور أن المكي ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بالمدينة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة.
والثالث: أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة اه البرهان (1/ 187) قلت: وقد سبق الحديث عن هذا أثناء الكلام عن (نثر الدرر في معرفة الآيات والسور) وقد كانت سورة (النبأ) تحمل رقم (79) في ترتيب السور المكية وبعدها سورة {النََّازِعََاتِ} ثم {إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ} ثم {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} ثم {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} ثم (العنكبوت) ثم سورة (المطففين) وهذا على ما ذكره السخاوي من رواية عطاء الخراساني. انظر (ص 108) من هذا الكتاب.(2/894)
سورة النازعات
لا ناسخ فيها ولا منسوخ. سورة عبس: كذلك.
وقالوا: قوله عزّ وجلّ {فَمَنْ شََاءَ ذَكَرَهُ} (1) منسوخ بقوله {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} * (2) وقد تقدّم القول فيه (3). وكذلك سورة التكوير.
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {لِمَنْ شََاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (4) هو منسوخ بقوله عزّ وجلّ {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ رَبُّ الْعََالَمِينَ} (5)، وقد تقدّم (6).
وليس في سورة (الانفطار) وما بعدها إلى (الطارق) ناسخ ولا منسوخ
__________
(1) عبس (12).
(2) الإنسان (30) والتكوير (29).
وقد ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم (ص 64) وابن سلامة (ص 324) وابن البارزي (ص 57) وحكاه ابن الجوزي ورده. انظر نواسخ القرآن (ص 504) وقال الفيروزآبادي والكرمي: إنها منسوخة بآية السيف اه بصائر ذوي التمييز (1/ 501) وقلائد المرجان (ص 221).
(3) راجع مناقشة السخاوي لدعوى النسخ في قوله تعالى {إِنَّ هََذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شََاءَ اتَّخَذَ إِلى ََ رَبِّهِ سَبِيلًا}
(آية 19) من سورة المزمل (ص 886).
(4) التكوير: (27).
(5) التكوير: (29).
وقد ذكر دعوى النسخ هنا ابن سلامة في الناسخ والمنسوخ (ص 324) والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (1/ 503) وحكى فيها ابن البارزي القولين النسخ والأحكام. انظر ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 57) وحكاه ابن الجوزي ورده. انظر نواسخ القرآن (ص 505).
وكذلك أورده الكرمي، ثم قال: قال بعضهم: إن دعوى النسخ في هذا وشبهه غير متجه، لأنه سبحانه إنما أخبر أن مشيئتهم لا تقع إلا بعد مشيئة الله تعالى اه قلائد المرجان (ص 222) قلت:
وهذا هو الصحيح، وقد تقدم.
(6) أي في سورة المزمل السالفة الذكر.(2/895)
سورة الطارق
قوله عزّ وجلّ {فَمَهِّلِ الْكََافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (1) نسخ بآية السيف (2) وقد تقدّم القول في ذلك (3).
__________
(1) الطارق: (17).
(2) ذكر هذا ابن حزم (ص 65) وابن سلامة (ص 326) وابن البارزي (ص 57) والفيروزآبادي (1/ 512) والكرمي (ص 223).
(3) قلت: لعله يريد عند قوله تعالى {فَلََا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} الآية (84) من سورة مريم، حيث قال هناك: أن هذا تهديد ووعيد، وليس بمنسوخ بآية السيف اه (ص 758).
وهو كما قال رحمه الله وبناء عليه فلا نسخ، وراجع نواسخ القرآن (ص 506) والنسخ في القرآن (1/ 497).(2/896)
سورة الأعلى
لا نسخ فيها (1).
وكذلك (الغاشية).
وقالوا في قوله عزّ وجلّ {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (2) نسخت بآية السيف (3) وليس بصحيح، وقد تقدّم (4).
وليس بعد ذلك في السور ناسخ ولا منسوخ (5) إلى {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، فإنهم
__________
(1) أي لا نسخ فيها يعول عليه، وإلا فقد سبق له أن ذكر أن قوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} ناسخ لقوله سبحانه {وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ولقوله {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} وقد رد القول بالنسخ هناك وفنده. انظر (ص 759و 888) من هذا الكتاب.
(2) الغاشية: (22).
(3) أورده النحاس ومكي معزوا إلى ابن زيد. انظر الناسخ والمنسوخ (ص 296) والإيضاح (ص 446) ورواه ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنهما انظر نواسخ القرآن (ص 507) قال مكي:
وقيل: هي محكمة، والمعنى: لست بجبار، أي لست تجبرهم في الباطن على الإسلام، لأن قلوبهم ليست بيدك، إنما عليك أن تدعوهم إلى الله، وتبلغ ما أرسلت به إليهم اه المصدر السابق.
وذكر نحوه ابن الجوزي، ثم قال: فعلى هذا لا نسخ اه من المصدر السابق.
(4) تقدم نظير هذا في سورة {ق} عند قوله تعالى {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبََّارٍ} الآية (45) (ص 839).
(5) قلت: الا أن النحاس ومكي حكيا النسخ عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى {فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} الآية (7) من سورة الشرح.
وإنما أدخلت هذه الآية في الناسخ والمنسوخ، لأن ابن مسعود يرى أن معنى الآية: فإذا فرغت من(2/897)
زعموا أن قوله عزّ وجلّ: {أَلَيْسَ اللََّهُ بِأَحْكَمِ الْحََاكِمِينَ} (1) نسخ منها المعنى بآية السيف (2) وهو غير صحيح.
وليس في باقي القرآن نسخ باتفاق، إلّا ما ذكروه في سورة (العصر) في قوله عزّ وجلّ {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (3) قالوا: هو منسوخ بالاستثناء بعده (4).
وقالوا في قوله (5) {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ}: نسخ منها {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (6)
بآية السيف (7) ولا يصح.
__________
شغلك فانصب في قيام الليل، وهو أمر حتم، ثم نسخ بما نسخ به قيام الليل في (المزمل). وقد فسرت الآية بتفسيرات أخرى مروية عن ابن مسعود أيضا وقتادة ومجاهد والحسن البصري تؤيد أحكامها.
انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص 296) والإيضاح (ص 446) وراجع النسخ في القرآن (2/ 775).
(1) التين: (8).
(2) قاله ابن حزم (ص 66) وابن سلامة (ص 329) وابن البارزي (ص 58) والفيروزآبادى (1/ 527) والكرمي (ص 225) وقد رد ابن الجوزي على القائلين بالنسخ بقوله: زعم بعضهم أنه نسخ معناها بآية السيف، لأنه ظن أن معناها: دعهم وخل عنهم، وليس الأمر كما ظن، فلا وجه للنسخ اه نواسخ القرآن (ص 508) وكذلك رفض السيوطي دعوى النسخ هنا وفنده، حيث أورد هذه الآية المدعي عليها النسخ كمثال من الأمثلة التي أوردها المكثرون من ذكر الآيات المنسوخة، وأن هذه الآية من القسم الذي ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص، ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه.
انظر الإتقان (3/ 63).
(3) الآية الثانية من سورة العصر.
(4) قاله ابن حزم في الناسخ والمنسوخ (ص 67) وابن سلامة كذلك (ص 332) وابن البارزي في ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (ص 58) وحكى فيها الفيروزآبادى القولين النسخ والإحكام. انظر بصائر ذوي التمييز (1/ 542). أما الكرمي فحكى القولين أيضا، ولكن لم يرتض القول بالنسخ، قال:
لأن فيه ما فيه. انظر قلائد المرجان (ص 225).
قلت والذي فيه أنه استثناء، وقد سبق للمصنف الرد على مثل هذا الادّعاء وتفنيده. انظر على سبيل المثال رده على دعوى النسخ في قوله تعالى {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلََّا أَنْ يَخََافََا أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (الآية 229) من سورة البقرة (ص 625).
والموضع (الثلاثون) من سورة النساء (ص 680) وآخر الفرقان (ص 116) وآخر الشعراء (ص 781).
(5) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ: وقالوا في {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} وهو الصحيح.
(6) الكافرون: (6).
(7) قاله ابن حزم الأنصاري (ص 48) وابن سلامة (ص 337) وابن البارزي (ص 58) والفيروزآبادي(2/898)
قال أبو القاسم هبة الله بن سلامة: (1) كل ما في القرآن من {أَعْرِضْ عَنْهُمْ} *
و {تَوَلَّ عَنْهُمْ} * وما شاكل هذا المعنى: فناسخه آية السيف.
وقد أوضحت القول في ذلك (2).
قال: وكل ما في القرآن {إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} * (3) نسخه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} (4) (5).
قلت: أفترى أنه زال خوفه من الله؟ وقد قام صلّى الله عليه وسلّم حتى تورمت قدماه، فقيل له:
__________
(1/ 548) والكرمي (ص 226) وعزاه البغدادي إلى ابن عباس رضي الله عنهما انظر الناسخ والمنسوخ له (ص 161) قال ابن الجوزي: قال كثير من المفسرين هو منسوخ بآية السيف قال: وإنما يصح هذا إذا كان المعنى: قد أقررتم على دينكم وإذا لم يكن هذا مفهوم الآية، بعد النسخ اه نواسخ القرآن (ص 509) ففي هذه الآية نرى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه المؤمنين يعبدون الله بما شرع، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله عزّ وجلّ، وقد كان المشركون عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ويعبد آلهتهم سنة، فنزلت السورة بيانا لحالهم وتيئيسا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من إيمان طائفة منهم بأعيانهم، وبناء عليه فلا يطمع في إيمانهم. راجع تفسير ابن كثير (4/ 560) وهكذا نأتي إلى نهاية المطاف في آخر آية أدّعي فيها النسخ بعد هذه الجولة الطويلة.
ولعل القارئ يشاركني الرأي في هذه الآية بل وفي كل الآيات التي سبق الحديث عنها من هذا النوع أنه لا مجال للقول بالنسخ فيها وقد سبق بيان ذلك في مواضعه، وأنه لا تعارض بين تلك الآيات وبين آية السيف حتى نلجأ إلى القول بالنسخ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(1) من هنا إلى قوله: وهذه الجملة استخرجتها الخ سقط من كتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة في طبعتيه على هامش أسباب النزول، وطبعة مصطفى البابي الحلبي.
وقد كنت تتبعت هذه المواضع التي ذكرها السخاوي في أماكنها المتفرقة من الكتاب حيث لا توجد مجتمعة، وظننت أن السخاوي جمعها من أقوال ابن سلامة المتناثرة في ثنايا الكتاب، ثم رجعت إلى نسخه مخطوطة من كتاب ابن سلامة، فوجدت الكلام الذي نقله السخاوي في مكانه من آخر الكتاب مجتمعا، وأن الخطأ وقع من أصحاب الطباعة، والله أعلم، أو من بعض النساخ حيث سقط النص المذكور من نسخة حيدرآباد، ولعل الذي قام بطبع الكتاب اعتمد على نسخه حيدرآباد رقم (13241) ثم إني وقفت على الكتاب مطبوعا في المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى عام 1404 هـ فوجدت النص بنحوه.
(2) وذلك في الموضع التاسع عشر والثالث والعشرين من سورة النساء (ص 665، 669) وراجع كذلك مناقشة السخاوي للآية (54) من سورة الذاريات {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (ص 843).
(3) الأنعام: (15)
(4) الآية الثانية من سورة الفتح.
(5) راجع الموضع الأول من سورة الأنعام من هذا الكتاب (ص 696).
وكذلك الموضع الأول من سورة يونس عليه السلام (ص 729).(2/899)
أتفعل (1) هذا وقد غفر لك (2) ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال: «والله إني لأخوفكم لله»، وكان يسمع لصدره (أزيزا) (3) كأزيز المرجل (4).
قال: وكل ما في القرآن من خبر الذين أوتوا الكتاب والصفح عنهم: نسخه {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا} [5] بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (6).
وقد قدّمت القول في ذلك (7).
وقال: وكل ما في القرآن من الأمر بالشهادة: نسخه {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} (8) (9).
قال: وكل ما في القرآن من التشديد والتهديد: نسخه بقوله عزّ وجلّ {يُرِيدُ اللََّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [10] وَلََا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (11) (12).
وقد قدّمت القول في جميع ذلك.
قال رحمه الله: وهذه الجملة يعني (ما ذكروه) (13) من (14) كتاب «الناسخ والمنسوخ»
__________
(1) في د وظ: أفتفعل.
(2) في بقية النسخ: وقد غفر الله لك.
(3) هكذا في الأصل: أزيزا. وفي د وظ: أزير كأزيز المرجل. وفي ظق: (أزيز) وهو الصواب.
(4) سبق تخريج الحديث وشرح مفرداته أثناء الكلام على البكاء والدعاء عند قراءة القرآن (ص 322).
(5) (لا) ساقطة من ظ.
(6) التوبة: (29).
(7) انظر على سبيل المثال الموضع الخامس من سورة المائدة (ص 690).
(8) البقرة: (283).
(9) سقط من د وظ بانتقال النظر قوله: قال: وكل ما في القرآن من الأمر بالشهادة، نسخه {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} اه.
(10) في ظ: اليسرى، خطأ.
(11) البقرة: (185).
(12) راجع كلام السخاوي على نظير هذا في آخر سورة البقرة {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}
الآية (284) (ص 637) والناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة (ص 101).
(13) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ: ما ذكره، وهو الصواب.
(14) في بقية النسخ: في كتاب.(2/900)
له استخرجتها من كتب المحدثين وشيوخ المفسرين، وعلمائهم، من كتاب أبي صالح (1)
ثنا أبو (2) إسحاق إبراهيم بن أحمد البزوري (3) ثنا أبو جعفر أحمد بن الفرج بن جبريل المفسر (4) ثنا أبو عمر حفص بن عمر الدوري (5) عن محمد (بن) (6) السائب الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي عليه السلام عن ابن عباس.
قال: ومن كتاب مقاتل بن سليمان أنبا به عبد الخالق بن الحسين السقطي (7) ثنا عبد الله بن ثابت (8) عن أبيه (9) عن الهذيل بن حبيب (10) عن مقاتل.
__________
(1) واسمه باذام بالذال المعجمية ويقال: آخره نون، أبو صالح مولى أم هانئ، ضعيف مدلس، من الطبقة الثالثة. التقريب (1/ 93) وانظر الكنى للإمام مسلم (1/ 435).
(2) في ظ: ثنا أبي. خطأ نحوي.
(3) إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم أبو إسحاق البزوري البغدادي، مقرئ كبر، قرأ على أحمد بن فرح وغيره. انظر تاريخ بغداد (6/ 16) ومعرفة القراء الكبار (1/ 325).
(4) أحمد بن فرح بالحاء المهملة بن جبريل أبو جعفر البغدادي، العسكري الضرير المقرئ المفسر، قرأ على أبي عمر الدوري وغيره، توفي سنة 303هـ وقد قارب التسعين.
انظر: تاريخ بغداد (4/ 345) ومعرفة القراء الكبار (1/ 238) وطبقات المفسرين للداودي (1/ 64) وسير أعلام النبلاء (14/ 163).
(5) حفص بن عمر بن عبد العزيز الأزدي الدوري، أبو عمر، إمام القراءة في عصره وهو صاحب الكسائي كان ثقة ثبتا ضابطا، وكان ضريرا توفي سنة 246هـ.
انظر: تاريخ بغداد (8/ 203) والتقريب (1/ 187) ومعرفة القراء الكبار (1/ 191) وشذرات الذهب (2/ 111) والنشر في القراءات العشر (1/ 134) والأعلام للزركلي (2/ 264).
(6) (بن) ساقط من الأصل.
(7) عبد الخالق بن الحسن بن محمد بن أبي روبا، أبو محمد السقطي نسبة إلى بيع السقط، وهي الأشياء الخسيسة المعدل البغدادي، كان ثقة، توفي سنة 356هـ.
انظر: تاريخ بغداد (11/ 124) والأنساب للسمعاني (7/ 151) والعبر للذهبي (2/ 305) وشذرات الذهب (3/ 19).
(8) عبد الله بن ثابت بن يعقوب المقرئ النحوي، سكن بغداد، وروى بها عن أبيه عن الهذيل بن حبيب تفسير مقاتل بن سليمان (308223هـ) تاريخ بغداد (9/ 426).
(9) ثابت بن يعقوب بن قيس، سكن بغداد، وحدث بها عن أبي صالح الهذيل بن حبيب عن مقاتل بن سليمان كتاب التفسير، رواه عنه ابنه عبد الله بن ثابت، وقال: سمعته منه سنة 240هـ، ومات وهو ابن 85سنة، تاريخ بغداد (7/ 143).
(10) الهذيل بن حبيب أبو صالح الدنداني، حدث عن حمزة بن حبيب الزيات، روى عن مقاتل بن سليمان كتاب التفسير، حدث عنه ثابت بن يعقوب، وسمع منه كتاب تفسير مقاتل من أوله إلى آخره سنة 190هـ. تاريخ بغداد (14/ 78).(2/901)
ومن كتاب مجاهد بن جبر (1) ثنا به أبو بكر محمد بن الخضر بن زكريا (2) عن مجاهد (3).
ومن كتاب النضر بن عربي (4) عن عكرمة [عن ابن عباس، ثنا به عمر بن أحمد الدوري (5) وأبو بكر بن إبراهيم البزار (6) قالا: ثنا عمر بن أحمد الدوري (7) عن محمد بن إسماعيل الحساني (8) عن وكيع بن الجراح عن النضر بن عربي عن عكرمة] (9).
ومن كتاب محمد بن سعد العوفي عن أبيه عن جده عن عطية (10) عن ابن عباس، ثنا
__________
(1) في الناسخ والمنسوخ لابن سلامة في طبعاته الثلاث: مجاهد بن حبيب. تحريف.
(2) محمد بن الخضر بن زكريا بن عثمان بن أبي حزام، ويقال ابن حزام أبو بكر المقري، كان ثقة. تاريخ بغداد (5/ 241).
(3) في الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: بعد كلمة: مجاهد بن جبر التي حرفت إلى (حبيب) كما سبق قال: حدثنا محمد بن الخضر المقرئ المعروف بابن أبي حزام، قال: حدثنا به الشيخ الصالح رحمة الله عليه قال: حدثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عيسى البرقي، قال: حدثنا أبو حذيفة عن شبل بن أبي نجيح عن مجاهد.
(4) في الناسخ والمنسوخ لابن سلامة المخطوط: النضر بن عدى، وفي المطبوع النصر بن المقرئ.
وهو النضر بن عربي الإمام العالم المحدث الثقة، أبو روح، روي عن عكرمة وغيره، وروى عنه وكيع وغيره، وكان لا بأس به، وبعضهم يوثقه مات سنة 168هـ. انظر الجرح والتعديل (8/ 475) وسير أعلام النبلاء (7/ 403) والتقريب (2/ 302).
(5) هو عمر بن أحمد بن علي بن إسماعيل أبو حفص القطان المعروف (بالدري) كذا في تاريخ بغداد ولعله تحريف.
سمع محمد بن إسماعيل الحساني وغيره، وكان ثقة، مات سنة 327هـ. تاريخ بغداد (11/ 229).
(6) لم أقف له على ترجمة.
(7) هكذا، ولم أفهم معنى هذا التكرار.
(8) في الناسخ والمنسوخ لابن سلامة المطبوع: الحساني الرازي، وفي مخطوطة تونس السجستاني بدل الحساني، وفي مخطوطة حيدرآباد الواسطي. اه وهو محمد بن إسماعيل البختري أبو عبد الله الواسطي المعروف بالحساني، سكن بغداد، وحدث بها عن وكيع بن الجراح وغيره، وروى عنه عمر بن أحمد الدوري وغيره، وثقه العلماء، مات سنة 258هـ. تاريخ بغداد (2/ 36).
(9) ما بين المعقوفتين أضيف في حاشية (ت) وكانت الأسماء مبتورة لسوء التصوير.
(10) أما محمد بن سعد العوفي وأبوه فقد سبق أنهما ضعيفان أثناء الكلام على قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} (ص 828).
وأما جده فهو محمد بن الحسن بن عطية العوفي، فهو أيضا ضعيف يخطئ. انظر: الميزان (3/ 513) والتقريب (2/ 154).(2/902)
به المظفر بن نظيف (1) قال: ثنا به (ابن مالك) (2) القاضي (3) ثنا محمد بن سعد العوفي عن أبيه عن جده عن عطية عن ابن عباس.
ومن كتاب سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، ثنا به (أبو) (4) القاسم عبيد الله بن جنيقا الدقاق (5) ثنا أبو الحسن على محمد المصري الواعظ (6) ثنا الحسين بن عبد الله بن محمد (7)
عن محمد بن يحيى (8) عن سعيد عن قتادة.
قال: فهذه جملة كافية.
قلت: وهبة الله هذا رجل صالح، وقد سمعت كتابه هذا من أبي محمد القاسم بن علي (ابن الحسين) (9) بن هبة الله (10) الحافظ (11) رحمه الله و (12) أنبا به عن أبي الكرم
__________
وكذلك عطية بن سعد العوفي صدوق يخطئ كثيرا، ضعفه العلماء وكان شيعيا مدلسا، مات سنة 113هـ. التقريب (2/ 24)، والميزان (3/ 79).
(1) في الناسخ والمنسوخ لابن سلامة المطبوع: المطرف بن نصيف (تحريف).
وهو المظفر بن نظيف بن عبد الله أبو نصر، كان قاصا كذابا، روي عن القاضي المحاملي. انظر تاريخ بغداد (13/ 129) وميزان الاعتدال (4/ 132).
(2) هكذا في الأصل: ابن مالك. تحريف، وفي بقية النسخ: ابن كامل، وهو الصواب.
(3) أحمد بن كامل بن حنبل خلف القاضي البغدادي، تلميذ ابن جرير الطبري، حدث عن محمد بن سعد العوفي وغيره، وكان من العلماء بالأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر والتواريخ، وله في ذلك مصنفات (350260هـ) تاريخ بغداد (4/ 357) وسير أعلام النبلاء (15/ 544) ومعجم المؤلفين (2/ 52).
(4) (أبو) ساقط من الأصل.
(5) عبيد الله بن عثمان بن يحيى أبو القاسم الدقاق المعروف بابن جنيقا كان صحيح الكتاب كثير السماع ثبت الرواية، وكان ثقة مأمونا، فاضلا حسن الخلق (390318هـ) تاريخ بغداد (10/ 377).
(6) علي بن محمد بن أحمد بن الحسن أبو الحسن الواعظ المعروف بالمصري، وهو بغدادي، أقام بمصر مدة ثم رجع إلى بغداد فعرف بالمصري، وكان ثقة أمينا عارفا، صنف كتبا كثيرة في الزهد توفي سنة 338هـ. تاريخ بغداد (12/ 75) وسير أعلام النبلاء (15/ 381) ومعجم المؤلفين (7/ 179).
(7) لم أقف له على ترجمة.
(8) لم أقف له على ترجمة.
(9) ابن الحسن: غير واضحة في ت.
(10) من قوله: قلت: وهبة الله إلى هنا سقط من ظ بانتقال النظر ثم أضيف في الحاشية فلم تظهر بعض العبارات.
(11) سبقت ترجمته أثناء الكلام عن شيوخ السخاوي (ص 26).
(12) في د وظ: بدون واو.(2/903)
يحيى بن عبد الغفار بن عبد المنعم (1) عن أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي (2) عن هبة الله المصنّف.
وإنما وقع الغلط (3) للمتأخرين من قبل عدم المعرفة بمراد المتقدمين، فإنهم كانوا يطلقون على الأحوال المنتقلة: النسخ (4).
والمتأخرون يريدون بالنسخ: نزول النص ثانيا رافعا لحكم النص (5) الأول (6) ولا يثبت النسخ باجتهاد مجتهد من صحابي ولا غيره (7) (8) ولا بد في ذلك من النقل، والله أعلم (9).
قال ناسخ الكتاب: وافق الفراغ منه يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ذي القعدة في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة (733هـ)، غفر الله لكاتبه ولقارئه ولصاحبه ولمصنفه، ولجميع المسلمين أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين بلغ مقابلة بحسب الطاقة.
لا زال يعلو شأنه على المدى صاحب هذا الكتاب.
ما غردت ورقاء في دوحة وأضحك الروض السحاب.
الحمد لله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين،،،
__________
(1) لم أقف له على ترجمة.
(2) رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث أبو محمد التميمي البغدادي الحنبلي المقرئ الفقيه الواعظ المفسر (488400هـ) معرفة القراء الكبار (1/ 441) وشذرات الذهب (3/ 384) وغاية النهاية (1/ 284) وطبقات المفسرين للداودي (1/ 177)، والبداية والنهاية (12/ 160) والأعلام (3/ 19).
(3) في د وظ: العدد.
(4) سبق للمصنف أن ذكر نحو هذا أثناء حديثه عن الموضع السادس عشر من سورة الأنعام (ص 704)
(5) كلمة (النص) ساقطة من د وظ.
(6) سبق تعريف النسخ في أول الكلام على الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ (ص 586).
(7) في ظ: ولا غير.
(8) انظر: الإتقان (3/ 71).
(9) وبهذا انتهى الكتاب المحقق.(2/904)
الخاتمة
وأسأله تعالى أن يحسنها، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه.
لقد عشت أتتلمذ على الإمام العلامة علم الدين السخاوي المتوفى سنة 643هـ / بواسطة كتابه القيم «جمال القراء» قرابة أربع سنوات، وكنت أراجع كل ما كتبته مع أستاذي فضيلة الدكتور / محمد سالم محيسن المشرف على بحثي، قضيت هذه الفترة الزمنية من زهرة عمري في دراسة وتحقيق هذا الكتاب، الذي ألفه إمام من أئمة القراءات والتفسير والعربية وغير ذلك.
ولا بد لي بعد هذه الجولة العلمية أن أجمع شتات هذا البحث، وأن ألخصه وأقرب أبعاده، وأن أبين بعض النتائج التي توصلت إليها، مستعينا بالله تعالى ومستمدا منه العون والسداد:
لقد كانت هذه الرسالة في قسمين اثنين.
الأول: قسم الدراسة، والثاني: قسم التحقيق.
كتبت قبل الدخول في الدراسة مقدمة للبحث وتمهيدا، تطرقت في المقدمة إلى أهمية علوم القرآن واهتمام العلماء قديما وحديثا بهذه العلوم التي تخدم كتاب الله عزّ وجلّ.
ومن هؤلاء علم الدين السخاوي الذي أدلى بدلوه في هذا الميدان فكتب كتابه «جمال القراء» الذي نال إعجاب العلماء، حيث إنه كتاب يتناول كثيرا من مباحث علوم القرآن التي تتسم بالموضوعية.
وتوصلت من هذا البحث إلى أن تحقيق التراث ليس بالأمر السهل الميسور بل ان
فيه مشقة لا يعرفها إلّا من عايشها، وهذه المشقة قد تختلف من مخطوط إلى آخر، وأيضا فإن هذه المشقة قد لا يجدها من لا يكلف نفسه عناء في خدمة المخطوط، خدمة تليق بالتراث الذي خلفه لنا علماؤنا رحمة الله عليهم.(2/905)
وتوصلت من هذا البحث إلى أن تحقيق التراث ليس بالأمر السهل الميسور بل ان
فيه مشقة لا يعرفها إلّا من عايشها، وهذه المشقة قد تختلف من مخطوط إلى آخر، وأيضا فإن هذه المشقة قد لا يجدها من لا يكلف نفسه عناء في خدمة المخطوط، خدمة تليق بالتراث الذي خلفه لنا علماؤنا رحمة الله عليهم.
أما التمهيد فقد تطرقت فيه إلى الحديث عن ثلاث قضايا هي:
أ) تعريف علوم القرآن بمعنييه الخاص والعام، أي باعتباره «علما» وباعتباره مركبا إضافيا.
ب) والقضية الثانية هي ذكر أهم المصنفات في علوم القرآن من بدء التدوين حتى عصر الإمام السخاوي، وذكرت خمسة وعشرين مؤلفا في ذلك، بين مطبوع ومخطوط، ورتبتها حسب وفيات مؤلفيها.
ج) والقضية الثالثة هي أثر كتاب «جمال القراء» فيمن جاء بعده من المؤلفين، توصلت من خلال هذه القضية إلى شخصية هذا الإمام ومكانته في المجتمع الذي نشأ فيه وترعرع في أحضانه، وقضى فيه بقية زمانه، حيث كان فريد عصره ووحيد دهره وأوانه. وبناء عليه فقد تأثر به وبكتابه كثير من العلماء منذ عصره إلى وقتنا الحاضر.
فقد اقتبس منه الكثيرون وأفادوا منه فوائد عظيمة
أما قسم الدراسة فقد جعلته في بابين:
الباب الأول:
ضمنته الحديث عن النهضة العلمية في عهد السخاوي، وقد تبين لي أن الحركة العلمية في هذه الحقبة الزمنية ازدهرت ازدهارا كبيرا. وقد تمثل ذلك في اعتناء الحكام بالعلم والعلماء، فقد كان معظم حكام ذلك العصر مثقفين، وكانوا يحيطون أنفسهم بالعلماء، ويبالغون في اكرامهم معنويا وماديا
وتمثل أيضا في كثرة المدارس والمساجد والمعاهد العلمية في سورية والقاهرة وبغداد، والتي تولت نشر المذهب السنّي بدلا عن المذهب الشيعي
حتى بلغ عدد المدارس في العصر الأيوبي ستا وعشرين مدرسة وقد ذكرت أشهر هذه المدارس
وتمثل ازدهار النهضة العلمية كذلك في دور المكتبات في ذلك العصر ونشاط التأليف والترجمة، فكثرت بذلك المكتبات التي تزخر بالكتب الدينية والعلمية والأدبية وغيرها من الكتب التي حمل لواءها أعلام نبغوا في شتى العلوم
وكان للعلوم الشرعية الحظ الأوفر في الانتشار والازدهار في ذلك العصر، كالقراءات والتفسير والحديث والفقه والنحو. حيث تناول البحث ذكر نبذة مختصرة عن كل علم من هذه العلوم. مع ذكر مجموعة من العلماء الذين برزوا في كل منها(2/906)
وتمثل ازدهار النهضة العلمية كذلك في دور المكتبات في ذلك العصر ونشاط التأليف والترجمة، فكثرت بذلك المكتبات التي تزخر بالكتب الدينية والعلمية والأدبية وغيرها من الكتب التي حمل لواءها أعلام نبغوا في شتى العلوم
وكان للعلوم الشرعية الحظ الأوفر في الانتشار والازدهار في ذلك العصر، كالقراءات والتفسير والحديث والفقه والنحو. حيث تناول البحث ذكر نبذة مختصرة عن كل علم من هذه العلوم. مع ذكر مجموعة من العلماء الذين برزوا في كل منها
وتكلمت في هذا الباب عن حياة الإمام علم الدين السخاوي، فذكرت اسمه وكنيته ولقبه ونسبته ومن يشاركه في هذه النسبة من العلماء السابقين عليه واللاحقين به مرتّبين حسب وفياتهم.
وذكرت مولده، وأسرته وترجمت لبعض شيوخه مبيّنا مدى تأثره بهم، وتنقله في طلب العلم من مسقط رأسه إلى الإسكندرية ثم القاهرة ثم دمشق، وصنفت شيوخه إلى ثلاثة أصناف مبتدئا بشيوخه في القراءات ثم الحديث ثم بقية شيوخه الذين أغفلت المصادر ذكر المادة العلمية التي تلقاها عنهم
ثم ذكرت تلاميذه الذين تلقوا عنه كثيرا من العلوم وبخاصة علم القراءات مبيّنا مدى أثره فيهم، وقد أخذ عنه خلق كثير لأنه مكث نيفا وأربعين سنة يقرئ الناس.
وتحدثت عن أخلاقه ومنزلته العلمية وأقوال العلماء فيه، وقلت إن السخاوي تقدم على معاصريه في كثير من الميادين العلمية، واعترف له المؤرخون المعاصرون واللاحقون بالصلاح والتقوى وغزارة العلم، ووصفوه بالمقرئ المجود المتكلم المفسر المحدث الفقيه الأصولي اللغوي النحوي إلخ.
وتطرق البحث في هذا الباب إلى الحديث عن قوة شخصية السخاوي إذ كانت شخصيته واضحة، يتمثل ذلك بعرض أقوال العلماء ومناقشتها ونقد الكثير منها، وقد سقت أمثلة على ذلك من كتابه (جمال القراء).
وتعرض البحث لذكر مذهبه رحمه الله فقد كان مالكي المذهب ثم انتقل إلى المذهب الشافعي واستقر عليه حتى صار من أعيانه
كما تناول البحث في هذا الباب ذكر مؤلفات السخاوي، حيث إنه شارك في كثير من العلوم بقسط كبير، مما أهله لأن يكون في مقدمة المبرزين من علماء عصره، وقد أثنى الذين ترجموا له على مؤلفاته وأشادوا بها، وكانت مؤلفاته متنوعة كالقراءات وعلوم القرآن والتفسير واللغة والقصائد النبوية وغير ذلك.
وقد حاولت جمع شتاتها فبلغت اثنين وأربعين مؤلفا، ورتبتها ترتيبا موضوعيا ثم
رتبت كل موضوع ترتيبا هجائيا، مبينا إن كانت مطبوعة أو مخطوطة وأماكن وجودها قدر المستطاع.(2/907)
وقد حاولت جمع شتاتها فبلغت اثنين وأربعين مؤلفا، ورتبتها ترتيبا موضوعيا ثم
رتبت كل موضوع ترتيبا هجائيا، مبينا إن كانت مطبوعة أو مخطوطة وأماكن وجودها قدر المستطاع.
وختم الباب الأول المتعلق بحياة السخاوي بذكر أبرز أعماله، ثم وفاته
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجمعنا وإياه وجميع المسلمين في دار كرامته.
وأما الباب الثاني من قسم الدراسة:
فقد تعرضت فيه لدراسة الكتاب، وشمل ذلك تحقيق عنوانه وصحة نسبته إلى مؤلفه، ثم وصف نسخه الخطية.
وقلت إن معظم الذين ذكروا هذا الكتاب سموه «جمال القراء وكمال الإقراء» وبينت أن العلماء لم يختلفوا في نسبته إلى مؤلفه علم الدين السخاوي.
وتكلمت في هذا الباب عن مصادر السخاوي، وتبين لي أنه رحمه الله قد اعتمد على مصادر عدة، استقى منها مادته العلمية، بالاضافة إلى ثقافته التي تلقاها مشافهة عن شيوخه، مما كان له أثره البارز في مصنفاته وبخاصة «جمال القراء».
وقد صنفت تلك المصادر حسب موضوعاتها إلى سبعة أصناف، هي التفسير، والقراءات، والناسخ والمنسوخ، والحديث، والعدد وكتاب المصاحف، والفقه، ثم النحو وغريب الحديث.
هذا بالإضافة إلى النقولات التي كان ينقلها عن بعض العلماء دون أن يذكر أسماء مؤلفاتهم التي أفاد منها
وتكلمت في هذا الباب كذلك عن منهج السخاوي في تصنيف كتابه، وما اشتمل عليه من علوم تتعلق بالقرآن الكريم.
وقلت إنه قسمه إلى سبعة علوم رئيسة، كل علم يكاد يكون موضوعا مستقلا بذاته، وهذه العلوم:
1 - نثر الدرر في ذكر الآيات والسور.
2 - الإفصاح الموجز في إيضاح المعجز.
3 - منازل الإجلال والتعظيم في فضائل القرآن العظيم.
4 - تجزئة القرآن.
5 - أقوى العدد في معرفة العدد.
6 - ذكر الشواذ.(2/908)
5 - أقوى العدد في معرفة العدد.
6 - ذكر الشواذ.
7 - الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ.
وقد استعرضت منهجه في كل علم من هذه العلوم، وبينت الطريقة التي سلكها في تصنيفه لها.
«القسم الثاني» التحقيق
وقد اشتمل على تحقيق النص وتوثيقه، والمقارنة بين النسخ، وعزو الآيات القرآنية وتخريج الأحاديث النبوية والآثار الواردة في ذلك وتخريج الأبيات الشعرية، وشرح غريب بعض الألفاظ، والتعريف ببعض الأماكن والبلدان والترجمة للأعلام، واتمام بعض الآيات القرآنية التي أورد المصنف جزءا منها، ومناقشة بعض القضايا العلمية والتنبيه على بعض المسائل العلمية التي أغفل المصنف التنبيه عليها.
ورجعت في توثيقي للمسائل العلمية التي اشتمل عليها الكتاب إلى المصادر المعنية بذلك.
واتضح لي أن كتاب «جمال القراء» من أنفس الكتب في موضوعه.
وتبين لي أن الإمام السخاوي كان يجل العلماء ويقدر جهودهم ويثني عليهم وبخاصة مشايخه الذين تلقى عنهم وإلى جانب هذا فقد كان ينكر على بعض العلماء أقوالهم الخارجة عن الصواب، وبخاصة فيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ إذ أن موضوع النسخ موضوع خطير.
وقد جعل بعض العلماء آية السيف سيفا صارما نسخت أكثر من مائة آية تتعلق بالأمر بالصبر والإعراض عن المشركين والصفح عنهم، وغير ذلك مما يدخل تحت هذا المعنى، وقد تولى السخاوي رحمه الله الرد على كل ذلك. وقد أيدته في رأيه، ودعمت كل ذلك بأقوال العلماء.
هذا وقبل أن أختم كلمتي هذه أتوجه إلى الله عزّ وجلّ بخالص الشكر وجزيل الثناء إذ وفقني وأعانني على اتمام بحثي هذا.(2/909)
وقد جعل بعض العلماء آية السيف سيفا صارما نسخت أكثر من مائة آية تتعلق بالأمر بالصبر والإعراض عن المشركين والصفح عنهم، وغير ذلك مما يدخل تحت هذا المعنى، وقد تولى السخاوي رحمه الله الرد على كل ذلك. وقد أيدته في رأيه، ودعمت كل ذلك بأقوال العلماء.
هذا وقبل أن أختم كلمتي هذه أتوجه إلى الله عزّ وجلّ بخالص الشكر وجزيل الثناء إذ وفقني وأعانني على اتمام بحثي هذا.
وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وصلّ اللهم على نبينا وحبيبنا (محمد) صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(2/910)