1
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ
وبعد، فقد تاهت العقول، وحارت الأذهان، وعجز الخيال، وخابت الآمال، وحكم الصمت، وسيطر الخشوع أمام عظمة الخالق المتعال. فما تلفظت الشفاه إلا بتحميده، وما نطقت الألسن إلا بتسبيحة وتقديسة.
نحمدك اللهم، رب العزة والجلال، سبحانك العظيم المتعال، تقدست وتعاليت، وعلى العرش استويت، سبوحاً قدوساً، ربنا ورب الملائكة والروح.
وإذ أذنت لنا بالدعاء، فنبدؤه بالصلاة على النبي الأمي، قمة الأخلاق، وذروة الكمال، أب الكائنات، صانع المعجزات، محمد النبي الأمين.
والصلوات الدائمات، والبركات الناميات، على آله المعصومين، وأوصيائه المنتخبين، أولهم علي أمير المؤمنين، وخاتمهم القائم المهدي عجل اللََّه تعالى فرجه.
اعلم: أنه إذا قيست علوم الناس إلى علوم النبي وأهل بيته، فإنها تكون كقطرة في بحر، وكل ما تلقّي منهم من العلوم، فهو خير وشفاء ورحمة للعالمين، وخيرها وأشرفها وأعظمها نفعاً هو علم الفقه، ومعرفة الأحكام الشرعية، ولا تخفى أهمية علم الفقه على أحد.
ومن المعلوم أنّ الوصول إلى علم الفقه بعد زمان النبي صلّى اللهُ عليه وآله والأئمة المعصومين، يحتاج إلى وسائل ومقدمات، وأهمها علم أصول الفقه، وعلم قواعد العربية.(1/7)
اعلم: أنه إذا قيست علوم الناس إلى علوم النبي وأهل بيته، فإنها تكون كقطرة في بحر، وكل ما تلقّي منهم من العلوم، فهو خير وشفاء ورحمة للعالمين، وخيرها وأشرفها وأعظمها نفعاً هو علم الفقه، ومعرفة الأحكام الشرعية، ولا تخفى أهمية علم الفقه على أحد.
ومن المعلوم أنّ الوصول إلى علم الفقه بعد زمان النبي صلّى اللهُ عليه وآله والأئمة المعصومين، يحتاج إلى وسائل ومقدمات، وأهمها علم أصول الفقه، وعلم قواعد العربية.
والمعروف من تعريف علم الأصول: أنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية، وهذا الكتاب هو تمهيد القواعد المذكورة في التعريف، وتمهيد بعض قواعد العربية.
نشأة علم الأصول
الباحث بعينٍ بصيرة عن منشأ العلوم الإسلامية، وبدايات تدوينها، يصل بالنتيجة إلى أنّ الأساس في كل ذلك، هو النبي صلّى اللهُ عليه وآله، وأهل بيته عليهم السلام ويليه ابنه الإمام أبو عبد اللََّه الصادق عليه السلام، فقد أمليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله.
وقد جمع بعض المتأخرين ما وصل من تلك المسائل، ورتّبها على الترتيب السائد اليوم، ككتاب «أصول آل الرسول» وكتاب «الفصول المهمة في أصول الأئمة» وكتاب «الأصول الأصلية» كلها بروايات الثقات إلى أهل البيت، وهي مطبوعة، من شاء فليراجعها.
وأول من أفرد بعض مباحثه بالتصنيف: شيخ المتكلمين هشام بن الحكم، تلميذ الإمام الصادق عليه السلام، صنّف كتاب «الألفاظ» ومباحثها أهم مباحث علم الأصول.
ثم يونس بن عبد الرحمن، مولى آل يقطين، تلميذ الإمام موسى الكاظم عليه السلام، صنّف كتاب اختلاف الحديث ومسائله، وهو مبحث
تعارض الحديثين، ومسائل التعادل والتراجيح في الحديثين المتعارضين، رواه عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام. ذكر ذلك أبو العباس النجاشي في كتاب الرّجال.(1/8)
ثم يونس بن عبد الرحمن، مولى آل يقطين، تلميذ الإمام موسى الكاظم عليه السلام، صنّف كتاب اختلاف الحديث ومسائله، وهو مبحث
تعارض الحديثين، ومسائل التعادل والتراجيح في الحديثين المتعارضين، رواه عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام. ذكر ذلك أبو العباس النجاشي في كتاب الرّجال.
وكثر بعدهما التصنيف بين العامة والخاصة في هذا العلم، وأولوه اهتماماً بالغاً. وتشعبوا في طرق البحث فيه، وأهم الطرق المعروفة هي: طريقة المتكلمين، وطريقة الفقهاء.
طريقة الفقهاء
هي طريقة الحنفية، وهي طريقة بدائية، اعتمدوا فيها: استخلاص القواعد الأصولية من الفروع الفقهية المنقولة عن أئمتهم. وذلك بجمع المسائل الفقهية المتشابهة، ومن ثم استنباط القواعد المشتركة منها.
وروح هذه الطريقة هي: إخضاع الأصول للفروع الفقهية، وتأسيس القواعد الأصولية على وفق فتاوى علماء الحنفية، أو تطويعها على ضوء تلك الفتاوى.
هذا مما يجعل الفقه هو الّذي يتحكّم بالأصول.
ولكن مع كل ذلك فهي تمتاز بتوثيق الارتباط بين الأصول والفقه.
وأهم مصنفات أرباب هذه الطريقة هي: مأخذ الشرائع لأبي منصور الماتريدي، وكتاب الأصول للكرخي، وأصول الجصاص، وتقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي، وكتاب البزودي وشرحه كشف الأسرار، وأصول السرخسي.
طريقة المتكلمين
وهي الطريقة السائدة، ويعني أصحابها بطرح المسائل الأصولية، ومن ثم الخوض في الأدلة العقلية والنقليّة، وبالنتيجة إثبات ما اقتضته هذه
الأدلة، مع قطع النّظر عن الفروع الفقهية.(1/9)
وهي الطريقة السائدة، ويعني أصحابها بطرح المسائل الأصولية، ومن ثم الخوض في الأدلة العقلية والنقليّة، وبالنتيجة إثبات ما اقتضته هذه
الأدلة، مع قطع النّظر عن الفروع الفقهية.
وهذه الطريقة تجعل الأصول هو الّذي يتحكم بالفقه.
ومصنفات أرباب هذه الطريقة هي: جعل مصنفات الإمامية في الأصول، ومن مصنفات العامة هي: الرسالة للشافعي، وإثبات القياس للأشعري، واختلاف الناس للأشعري أيضا، وشرح رسالة الشافعي للصيرفي، والتقريب والإرشاد للباقلاني، والمعتمد لأبي الحسين البصري، والبرهان للجويني، والمنخول والمستصفى للغزالي، والمحصول للرازي، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي.
وهناك مصنفات جمعت بين الطريقتين، منها: بديع النظام، الجامع بين أصول البزودي والإحكام للساعاتي، والتنقيح لصدر الشريعة، والتحرير لابن همام، وجمع الجوامع للسبكي، ومسلّم الثبوت لمحب الدين، وشرحه فواتح الرحموت.
تخريج الفروع على الأصول
هذه طريقة ثالثة نشأت بعد تلك الطريقتين، وسبب نشوئها يعود إلى:
وجود بعض الإشكالات في الطريقتين السابقتين، وإلى وجود فائدة في نفس هذه الطريقة.
أما الفائدة فهي كما ستعرف أنها توضح أثر الاختلاف في الأصول على استنباط الأحكام الشرعية، وعلى الفقه.
وأما الإشكالات في الطريقتين السابقتين، فإنه من المعلوم أن طريقة المتكلمين وإن كان لها الأثر الكبير في تنظيم أبحاث علم الأصول، ونفي التكرار عنه، ورفع الغموض منه، ومنع التشابك بين الأبحاث، وبالتالي فإنها فتحت المجال أمام الباحثين لإعمال الدقة اللازمة، والتفريع في آحاد المسائل
الأصولية، وأعطتهم الحرية الأكثر في اختيار ما هو أوفق، وأقرب لحكم العقل. لكنها وبمرور الزمن أوجدت فجوة كبيرة بين الأصول والفقه، بحيث صار تطبيق القواعد الأصولية في الفقه أمراً صعباً، ولا يعرف أثرها في الفقه.(1/10)
وأما الإشكالات في الطريقتين السابقتين، فإنه من المعلوم أن طريقة المتكلمين وإن كان لها الأثر الكبير في تنظيم أبحاث علم الأصول، ونفي التكرار عنه، ورفع الغموض منه، ومنع التشابك بين الأبحاث، وبالتالي فإنها فتحت المجال أمام الباحثين لإعمال الدقة اللازمة، والتفريع في آحاد المسائل
الأصولية، وأعطتهم الحرية الأكثر في اختيار ما هو أوفق، وأقرب لحكم العقل. لكنها وبمرور الزمن أوجدت فجوة كبيرة بين الأصول والفقه، بحيث صار تطبيق القواعد الأصولية في الفقه أمراً صعباً، ولا يعرف أثرها في الفقه.
ومن ناحية أخرى، فإن طريقة الفقهاء فيها كثير من التشابك، والإغلاق، والتكلف، والتقيّد بآراء لا أساس لها، بحيث أصبحت مرفوضة، بل في طي النسيان.
ولذلك دعت الحاجة إلى طرح القواعد الأصولية مع قطع النّظر عن الفقه والاختلافات الموجودة فيها، ومن ثم بيان الفروع التي تطبق فيها القاعدة، وبيان أثر اختلاف الأصوليين في الفقه، وتخريج الفروع على الأصول.
وبذلك كان لهذا الفن ثمرتان، الأولى: ربط الأصول بالفقه، والثانية:
بيان أثر الاختلاف في الأصول على الفقه.
ومع ذلك هناك مصاعب واجهها أرباب هذا الفن، وتتلخص في قلة الفروع المترتبة على كثير من القواعد، وأن أكثرها لا يمكن تصور الثمرة له إلا في الطلاق المتعدد، أو المعلّق على الشرط أو الإقرار، أو مسائل الأيمان والنذور، التي يمكن فيها فرض شروط تطبق فيها القاعدة، وإن لم يكن لها مصداق في الخارج.
وأما الكتب المصنّفة في هذا الفن، فهي معدودة، وقليلة جدّاً، ونذكر منها:
1 - تخريج الفروع على الأصول، للزنجاني، المتوفى سنة 656، يتعرض فيه لمذهب الحنفية والشافعية في الأصول، وبيان أثر اختلافهم في الفقه.
2 - مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، للتلمساني المالكي
المتوفى سنة 771، وقد استعرض فيه أثر الخلاف بين المالكية والشافعية والحنفية.(1/11)
2 - مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، للتلمساني المالكي
المتوفى سنة 771، وقد استعرض فيه أثر الخلاف بين المالكية والشافعية والحنفية.
3 - التمهيد في تخرج الفروع على الأصول، للأسنوي الشافعي، المتوفى سنة 772. واعتمد فيه بيان اختلاف الأشاعرة والجمهور مع غيرهم، ويمتاز عن غيره بتوسعة في ذكر قواعد أكثر وفروع أكثر.
4 - تمهيد القواعد الأصولية والعربية، للشهيد الثاني، المتوفى سنة 965، وسنبحث عن خصوصياته لاحقاً.
ويمكن عد كتب أخرى في رديف هذه الكتب، ككتاب المصباح للمرتضى، وتأسيس النّظر لأبي زيد الدبوسي، والقواعد والفوائد للشهيد الأول. لأنها جمعت بين الأصول والفقه، وذلك بذكر الأمثلة العديدة للقواعد الأصولية.
قواعد العربية
من الأمور التي يتوقف عليها استنباط الأحكام الشرعية هي القواعد العربية. وأثر الاختلاف فيها بين النحويين في الفقه كثير جدّاً. وكذا الاختلاف بين اللغويين.
ولكن المشاهد هو عدم الاهتمام بالأبحاث اللفظية بالشكل المطلوب، وهذا يحدث وللأسف متزامناً مع شدة الحاجة إليها، فإن الابتعاد عن زمان صدور الروايات، وكثرة حدوث النقل في ألفاظ اللغة العربية، بحيث حلّت محل أصالة عدم النقل أصالة النقل.
هذا بالإضافة إلى ظرافة استعمال السابقين للغة العربية، والتعبير بالكنايات، والمجازات، بشكل واسع، كل ذلك حتم على الطالب أن يسعى لأن يكون لغوياً، ومن ثم مستنبطاً للأحكام الشرعية، ولا أقل من الاهتمام الجاد
في مجال الألفاظ واللغة.(1/12)
هذا بالإضافة إلى ظرافة استعمال السابقين للغة العربية، والتعبير بالكنايات، والمجازات، بشكل واسع، كل ذلك حتم على الطالب أن يسعى لأن يكون لغوياً، ومن ثم مستنبطاً للأحكام الشرعية، ولا أقل من الاهتمام الجاد
في مجال الألفاظ واللغة.
ومن هنا اعتقد أن فقه السيد المرتضى أقوى مستنداً، وأوثق عرىً، فإنه استعاض عن ظاهر الروايات المتضاربة المتعارضة، بالاعتماد على تضلعه بالعربية، وقدرته على كشف ألغازها، والنفوذ إلى معانيها، فقد قيل عنه: أنه يفرع في الفقه بجانب تخصصه في الأدب، حتى كان عز الدين أحمد بن مقبل يقول: لو حلف إنسان أن السيد المرتضى كان أعلم بالعربية من العرب لم يكن عندي آثماً.
تخريج الفروع على القواعد العربية
والكلام في هذا الفن كالكلام في الفن السابق، لكثرة التشابه بينهما فهرسةً وعاقبة، ودخلهما في عرض البعض في استنباط الأحكام الشرعية، وتأثير الاختلاف فيهما في الفقه.
ولكن لما كانت علوم العربية تبحث مستقلة، ومع قطع النّظر عن الفقه، تولدت الحاجة لإيجاد الربط بينها وبين الفقه وبيان أثر الاختلاف فيها في الفقه.
ولكن الكتب المصنفة في هذا الفن قليلة ونعد منها:
1 - الكوكب الدري للأسنوي الشافعي المتوفى سنة 772.
2 - تمهيد القواعد الأصولية والعربية، للشهيد الثاني المتوفى سنة 965.
الشهيد الثاني
هو الشيخ الأجل زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد بن محمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح الشامي العاملي.
ولد الشهيد في سنة 911هجرية، في قرية جبع، من قرى جبل عامل،
في لبنان، واستشهد سنة 965في القسطنطنية.(1/13)
ولد الشهيد في سنة 911هجرية، في قرية جبع، من قرى جبل عامل،
في لبنان، واستشهد سنة 965في القسطنطنية.
قيل في وصفه: إنه كان ربعة من الرّجال، بوجه صبيح مدور، وشعر سبط يميل إلى الشقرة أسود العينين والحاجبين، أبيض اللون. كأن أصابع يديه أقلام فضة.
إذا نظر الناظر في وجهه، وسمع لفظه العذب، لم تسمح نفسه بمفارقته، وتسلو عن كل شيء بمخاطبته يمتلئ العيون من مهابته، وتبتهج القلوب لجلالته.
ولد الشهيد في عائلة نذرت نفسها للدين والعلم. فقد كان أبوه من كبار أفاضل عصره، وكان كل أجداده المذكورين من الفضلاء المشهورين، وجده الأعلى الشيخ صالح من تلاميذ العلامة، وأخوه وبعض بني عمومته كانوا علماء أفاضل.
وأما أبناؤه فقد تسلسل فيهم العلم والفضل زمانا طويلًا، وسموا بسلسلة الذهب.
وعلى أي حال فقد كان الشهيد فلتة من فلتأت الدهر، ومفخرة من مفاخر الإسلام، ومنعطفاً في تاريخ العلم، ومدرسة للأجيال. تراه عالماً عاملًا، زاهداً عابداً، فقيهاً ماهراً، كادّا على عياله، صابراً محتسباً، ومشاركاً في جميع العلوم الإسلامية.
وما ظنك برجل يحرس الكرم ليلًا، ويطالع الدروس أو يشتغل بالعبادة وفي الصباح يلقي الدروس على الطلبة، ويحتطب لعياله، ويشتغل بالتجارة أحياناً، ويباشر بناء داره ومسجده الّذي هو إلى جنبها في قرية جبع، فكان زاهداً قانعاً جادّاً كادّا للمعاش والمعاد.(1/14)
وما ظنك برجل يحرس الكرم ليلًا، ويطالع الدروس أو يشتغل بالعبادة وفي الصباح يلقي الدروس على الطلبة، ويحتطب لعياله، ويشتغل بالتجارة أحياناً، ويباشر بناء داره ومسجده الّذي هو إلى جنبها في قرية جبع، فكان زاهداً قانعاً جادّاً كادّا للمعاش والمعاد.
دراسته وأساتذته
ختم الكتاب العزيز وعمره تسع سنوات، وقرأ على والده فنون العربية والفقه في جبع إلى أن توفي والده سنة 925.
وقرأ عند الشيخ علي بن عبد العالي في الفقه في ميس.
ودرس عند السيد حسن بن السيد جعفر في الكلام والأصول في كرك نوح.
واشتغل في دمشق على الفيلسوف شمس الدين محمد بن مكي في الطب والهيئة والحكمة.
وقرأ في علوم القراءة على الشيخ أحمد بن جابر الشاطبية.
واشتغل في مصر على جماعة من العلماء يزهو على ستة عشر عالماً في مختلف العلوم والفنون، من الحديث، والفقه، والأصول، والتفسير، والهيئة، والعروض، والقوافي، وقراءة القرآن، والهندسة، والجبر، والنحو، وغيرها، وأجازه كثير منهم.
وهكذا تراه قدس سره لم يقر له قرار، يتقلب في البلدان طلباً للعلم وبهمة عالية، لم يكتف بجانبٍ من العلوم، بل لم يدع علماً من العلوم حتى قرأ فيه على مشاهير العلماء، وبعدها ألّف في كثير من تلك العلوم مؤلفات قيمة، والفقه أظهر وأشهر فنونه.
وبلغ به علو الهمة إلى قراءة كتب العامة في جلّ الفنون، ورواية أكثرها بالإجازة، وطاف البلاد لأجل ذلك، كدمشق، ومصر، وفلسطين، وإستانبول.(1/15)
بقية حياته
ولما عاد إلى موطنه من مصر والحجاز، كان قدومه إلى البلاد كرحمة نازلة، أو غيوث هاطلة، ازدحم عليه أولوا العلم والفضل، فرتب الطلاب ترتيباً جيداً، وأوضح السبيل لمن طلب، وشرع بتأليف الكتب القيمة.
ثم سافر إلى العراق لزيارة الأئمة سنة 946، ورجع تلك السنة، ثم سافر إلى بلاد الروم سنة 951وأقام بقسطنطنية ثلاثة أشهر، وأعطوه المدرسة النورية ببعلبك، ورجع وأقام بها، ودرّس في المذاهب الخمسة مدة طويلة.
تلامذته
وممن تتلمذ على يده: السيد نور الدين علي بن الحسين الموسوي والد صاحب المدارك، والشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والد الشيخ البهائي، والشيخ البهائي، والسيد علي بن الحسين الحسيني صاحب شرحي الإرشاد والشرائع، وبهاء الملة والدين محمد بن علي العودي وهو من خواص تلاميذه، وغيرهم.
الشهيد أنموذج الوحدة
يعد الشهيد نموذجاً حياً للوحدة الإسلامية، فتراه يدرس مذاهب العامة على علمائها، فقد اشتغل على كثير من علماء الشافعية كالشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي الشافعي، والشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر الشافعي ومن علماء الحنفية كالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي، ومن علماء الحنبلية الشيخ شهاب الدين بن النجّار الحنبلي، ومن علماء المالكية الشيخ زين الدين الجرمي المالكي،
والشيخ المحقق ناصر الدين اللقاني المالكي.(1/16)
يعد الشهيد نموذجاً حياً للوحدة الإسلامية، فتراه يدرس مذاهب العامة على علمائها، فقد اشتغل على كثير من علماء الشافعية كالشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي الشافعي، والشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر الشافعي ومن علماء الحنفية كالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي، ومن علماء الحنبلية الشيخ شهاب الدين بن النجّار الحنبلي، ومن علماء المالكية الشيخ زين الدين الجرمي المالكي،
والشيخ المحقق ناصر الدين اللقاني المالكي.
ولما التزم المدرسة النورية ببعلبك، أقام فيها خمس سنين، يدرِّس في المذاهب الخمسة، ويعاشر كل فرقة بمقتضى مذهبهم.
وتراه يمضي في كتبه وبالخصوص هذا الكتاب على نفس السيرة، فينقل المطالب الصحيحة من كتب العامة والخاصة على السواء، وينقل بعض الاصطلاحات من كتب العامة وطريقتهم إلى كتب الخاصة، وهذا مشهود في كتبه.
مؤلفات الشهيد
تعد مؤلفات الشهيد مشاعل خالدة، تستنير بنورها الأجيال، احتوت على الإتقان والإبداع.
فكتابه الروضة البهية، أهم كتاب يدرّس إلى هذا اليوم، لم يحل محله كتاب آخر وأهم كتبه: مسالك الأفهام، والروضة البهية، وروض الجنان في الفقه، وتمهيد القواعد الأصولية والعربية، ومسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، والدراية وشرحها في علم الدراية. وتبلغ مؤلفاته الثمانين.
مأسي الشهيد وشهادته
مارس الشهيد أعماله على مر الأيّام والأعوام، في حالة الخوف على دمه، وذلك نتيجة تعصبات العامة، والضغوط والمحاصرة التي يفرضونها على الخاصة. وبالإضافة إلى ذلك كان يدبر معاشه، وينقل الحطب بنفسه.
ومن ناحية ثالثة فقد مات له أولاد كثيرون قبل الشيخ حسن الّذي كان لا يثق بحياته أيضا، ولأجل ذلك صنف كتاب مسكن الفؤاد في الصبر على فقد الأحبة والأولاد.
وسبب شهادته أنه ترافع إليه رجلان، فحكم لأحدهما على الآخر، فغضب المحكوم عليه، وذهب إلى قاضي صيدا، واسمه «معروف الشامي» فأرسل القاضي إلى جبع من يطلبه، وكان مقيماً في كرم له مدة، منفرداً عن البلد للتأليف، فقال له بعض أهل البلد قد سافر عنا. فخطر ببال الشهيد أن يسافر إلى الحج بقصد الاختفاء، فسافر في محمل مغطى.(1/17)
ومن ناحية ثالثة فقد مات له أولاد كثيرون قبل الشيخ حسن الّذي كان لا يثق بحياته أيضا، ولأجل ذلك صنف كتاب مسكن الفؤاد في الصبر على فقد الأحبة والأولاد.
وسبب شهادته أنه ترافع إليه رجلان، فحكم لأحدهما على الآخر، فغضب المحكوم عليه، وذهب إلى قاضي صيدا، واسمه «معروف الشامي» فأرسل القاضي إلى جبع من يطلبه، وكان مقيماً في كرم له مدة، منفرداً عن البلد للتأليف، فقال له بعض أهل البلد قد سافر عنا. فخطر ببال الشهيد أن يسافر إلى الحج بقصد الاختفاء، فسافر في محمل مغطى.
وكتب قاضي صيدا إلى سلطان الروم: أنه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع، خارج عن المذاهب الأربعة، فأرسل السلطان رجلًا في طلب الشيخ، وقال له: ائتني به حياً حتى أجمع بينه وبين علماء بلادي، فيبحثوا معه، ويطلعوا على مذهبه، فيخبروني، فأحكم عليه بما يقتضيه مذهبي فجاء الرّجل فأخبر أن الشهيد قد توجه إلى مكة، فذهب في طلبه، فاجتمع به في طريق مكة، فقال له: تكون معي حتى نحج بيت اللََّه ثم افعل ما تريد، فرضي بذلك.
فلما فرغ من الحج سافر معه إلى بلاد الروم، فلما وصل إليها رآه رجل فسأله عن الشهيد، فقال رجل من علماء الشيعة الإمامية، أريد أن أوصله إلى السلطان، فقال: أفلا تخاف أن يخبر السلطان بأنك قد قصرت في خدمته وآذيته، وله هناك أصحاب يساعدونه، فيكون سبب هلاكك؟ بل الرّأي أن تقتله وتأخذ رأسه إلى السلطان، فقتله في مكان من ساحل البحر، ودفن هناك، وأخذ الرّجل رأسه إلى السلطان، فأنكر عليه، وقال: أمرتك أن تأتيني به حياً، فقتله.
الشهيد والتمهيد
جمع الشهيد في هذا الكتاب بين فني: تخريج الفروع على الأصول، وتخريج الفروع على القواعد العربية، وبحق أن هذا الكتاب هو أفضل الكتب
التي صنفت في هذا المجال، لأنه يظهر عند مقارنة هذا الكتاب مع سائر الكتب:(1/18)
جمع الشهيد في هذا الكتاب بين فني: تخريج الفروع على الأصول، وتخريج الفروع على القواعد العربية، وبحق أن هذا الكتاب هو أفضل الكتب
التي صنفت في هذا المجال، لأنه يظهر عند مقارنة هذا الكتاب مع سائر الكتب:
أن الشهيد كان واقفاً على نقاط الضعف الموجودة في سائر المصنفات، فتجنّبها بمهارة تامة.
ومن نقاط الضعف: خروج أكثر المصنفين عن الطريق المؤدي إلى الغاية المرسومة لهذا الفن، والدخول في بحوث جانبية، والتطويل الزائد، وإيراد فروع لا تترتب على القواعد، وإلصاقها بها.
فاعتمد الشهيد السعيد الاختصار، والاكتفاء بماله دخل في الهدف الّذي صنفت له هذه الرسالة وأمثالها وعدم تجاوزه، والاقتصار على الفروع المحقّق ترتبها على القاعدة، ولا أقل من الفروع التي استند فيها البعض إلى القاعدة.
ولم يكتف الشهيد بذكر القاعدة والخلاف فيها، ولكن طعمه بذكر الدليل في بعض الأحيان، كما سار عليه في كتابه الروضة البهية. ولا يعد هذا إخلالًا بالغرض، بل المقترح هو ذكر الأدلة والنقض والإبرام، ومن ثم التفريع، ليكون تاماً من كل جهة، وممهداً لاستنباط الأحكام الشرعية بمعنى الكلمة.
ولا بد من الإشارة إلى المصاعب التي واجهها الشهيد في تصنيف هذا الكتاب، فقد واجه الشهيد مصاعب كثيرة، وتتلخص في سبقه إلى التصنيف في هذا الفن بين علماء الإمامية، وكل ما هو موجود من الكتب المصنفة في هذا الفن، فهو موضوع على وفق قواعد العامة الأصولية والفقهية، وبيّنا سابقاً أن أكثر الفروع التي أوردوها متعلقة بالطلاق المتعدد والمشروط، والتي لا مشروعية لها عند الإمامية، ولهذا واجه مشكلة في التفريع في كثير من القواعد.
وحل الشهيد هذه المشكلة: إما بتحري الفروع النادرة، أو العدول من الطلاق إلى الظهار، لأنه يقبل التعليق على الشرط عند بعض علمائنا، أو إلى اليمين أو النذر أو العتق أو الطلاق، أو التفريع بالطلاق مع التذكير أنه على وفق مذهب العامة، فيقول مثلًا: مما يتفرع عليه عند العامة، أو مما فرع عليه
العامة، وهكذا.(1/19)
وحل الشهيد هذه المشكلة: إما بتحري الفروع النادرة، أو العدول من الطلاق إلى الظهار، لأنه يقبل التعليق على الشرط عند بعض علمائنا، أو إلى اليمين أو النذر أو العتق أو الطلاق، أو التفريع بالطلاق مع التذكير أنه على وفق مذهب العامة، فيقول مثلًا: مما يتفرع عليه عند العامة، أو مما فرع عليه
العامة، وهكذا.
ولكن مع كل محاولته تلك، التجأ إلى إيراد ألفاظ الحديث الواردة من طرق العامة فقط، والبحث حول تطبيق القواعد عليها، ولكنه استقى منها ما ورد مضمونه من طرقنا، وطرح الباقي.
وهنا يبقى المجال مفتوحاً للمحققين لممارسة هذا الفن، وتطويعه مع قواعد الإمامية، وألفاظ حديثهم، ومواكبته مع التقدم الشامخ في مجال علم الأصول.
وعلى أي حال، كتاب التمهيد كنز ثمين، جمع الأصول، وقواعد اللغة العربية، والفقه، وبالأخص المسائل النادرة، التي لم يتعرض لها العلماء، بالإضافة إلى الوقائع والأحداث التأريخية الطريفة، كل ذلك في اختصار غير مخل.
وأعجب ما في هذا الكتاب الاختصار والإيجاز الموجود فيه، حتى قيل: إنه (أي الشهيد) لما رأى كتابي التمهيد والكوكب الدري، كلاهما للأسنوي الشافعي، أحدهما في القواعد الأصولية، والآخر في القواعد العربية، وما يتفرع عليها، وليس لأصحابنا مثلهما، ألف هذا الكتاب، وجمع بين ما في الكتابين في كتاب واحد، بنحو يثير الدهشة.
ونحن نقول: إن الأمر أبلغ من ذلك كما بينا أولا، وبالإضافة إلى المزايا الأخرى للكتاب، التي تكلمنا سابقاً عنها، فلقد أحسن وأجاد فلله درة وجعل الجنة مستقره.
تحقيق الكتاب
اعتمدنا في تحقيق هذه الرسالة القيمة على نسختين خطيتين:
1 - نسخة المكتبة الرضوية المرقمة 7334، والتي تم نسخها سنة 968
على يد السيد محمد بن علي بن محمد الموسوي سبط المؤلف، والمعروف بصاحب المدارك، وهي نسخة مضبوطة ومصححة، وهي الأصل الّذي اعتمدنا عليه، ورمزنا لها برمز «د».(1/20)
1 - نسخة المكتبة الرضوية المرقمة 7334، والتي تم نسخها سنة 968
على يد السيد محمد بن علي بن محمد الموسوي سبط المؤلف، والمعروف بصاحب المدارك، وهي نسخة مضبوطة ومصححة، وهي الأصل الّذي اعتمدنا عليه، ورمزنا لها برمز «د».
2 - نسخة المكتبة الرضوية المرقمة 13856، والتي تم نسخها سنة 987 بخط حسين بن عيسى الحوري، ورمزنا لها برمز «م».
وأشرنا إلى بعض الاختلافات مع النسخة الحجرية ورمزنا لها برمز «ح».
كان أول عملنا مقابلة النسخ الخطية وتثبيت الاختلافات، ومن ثم تقويم النص، بتثبيت نسخة الأصل في المتن، والإشارة إلى النسخة الأخرى والنسخة الحجرية في الهامش غالباً، إلا ما كان خطأ واضحاً، فإنا اخترنا الصحيح من غير نسخة الأصل.
هذا مع تصحيح الأخطاء النحوية والإملائية، وتزيين المتن بالفواصل المعقولة.
وعملنا في المرحلة الثانية كان في الهامش، وهو عبارة عن استخراج أغلب الأقوال، وجميع الروايات، وإضافة بعض التوضيحات.
وفي الختام نتقدّم بالشكر والتقدير للإخوان الذين ساعدونا في إنجاز هذا المشروع ونخصّ بالذكر إخواننا في مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، لتحصيل بعض المخطوطات للكتاب وإعانتهم إيّانا بتوجيه بعض الإرشادات في تصحيح المتن وتكميل العمل.
مكتب الإعلام الإسلامي، في الحوزة العلميّة في قم فرع المشهد المقدّس 2(1/21)
بسم اللََّه الرحمن الرحيم ربّ يسّر وأعن
مقدمة المؤلف
الحمد لله الّذي وفّقنا لتمهيد قواعد الأحكام الشرعية، وتشييد أركانها بتوطيد القواعد العربية (1)، وجعل ذلك عرضة للسعادة الأبدية، ووسيلة إلى الكرامة السرمدية. والصلاة على نبيه محمد مظهر الأسرار الخفية، والبيّنات الجلية، وعلى عترته الأئمة التقية، وذريّته الطاهرة الزكية، المؤيدة بالعصمة الإلهية، والطهارة الخلقية الحافظة للدين من تطرّق الآراء الغوية، والأوهام الرديّة، وعلى صحابته الأنجم المضيّة، وأزواجه الصالحة المرضية.
وبعد، فإنّ علم الفقه لا يخفى شرفه وفضله، وجلالة قدره ونيله،
__________
(1) في «م»: بتوطين القواعد العربية، وفي «د»، «ح» بتوطيد القوانين العربية.(1/23)
ومسيس حاجة المكلفين إليه، وإقبال الخلق عليه، وعناية اللََّه تعالى به خاصة، حتى رفع قدر حامليه على غيرهم من العلماء، وجعلهم ورثة الأنبياء، وفضّل مدادهم على دماء الشهداء، ورجّح منامهم على قيام الجهلاء، ونظم جليسهم في سلك السعداء.
فوجب لذلك مزيد الاهتمام بصرف الهمة إليه، وبذل الوسع في تحقيق مطالبه، وما يتوقف عليه.
و (لما) (1) كان أعظم مقدماته علم أصوله وعلم العربية إذ الأول قاعدته ودليله، والثاني مسلكه وسبيله، وغيرهما من العلوم إما غير متوقف عليه كعلم الكلام، إلا ما لا بد منه في تحقّق الإيمان (2) أو يتوقف عليه (دونهما) (3) ومعه يكفي الرجوع فيه إلى الأصول المصححة في ذلك الشأن، كالحديث وأصوله، واللغة ونحوها من المقدمات المقرّرة (4) في مواضع تليق بها من المصنفات، فلا جرم رتّبنا هذا الكتاب الّذي قد استخرنا اللََّه تعالى على جمعه وترتيبه على قسمين:
أحدهما: في تحقيق القواعد الأصولية، وتفريع ما يلزمها من الأحكام الفرعية.
والثاني: في تقرير المطالب العربية، وترتيب ما يناسبها من الفروع الشرعية.
واخترنا من كل قسم منهما مائة قاعدة متفرقة من أبوابه، مضافة إلى مقدمات وفوائد ومسائل يتم بها المقصود من غرضنا به، ليكون ذلك عونا
__________
(1) أثبتناه من «ح».
(2) في «م»: تحقيق الإيمان.
(3) في «ح»: دركهما.
(4) في «ح»: المفردة.(1/24)
لطالب التفقه في تحصيل ملكة استنباط الأحكام من الموارد ورد الفروع إلى أصولها، المفيد للملكة القدسية التي هي العمدة في الاجتهاد، مراعيا في ذلك سبيل الاختصار بحسب الإمكان، مناسبة لطباع أهل الزمان. وسمّيته «تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع قواعد الأحكام الشرعية».
واعلم أنّ الغرض الذاتي من هذين العلمين للفقيه إنما هو بناء أدلة الفقه عليهما، لا تفريع نفس المطالب. ونحن لم نسلك في هذا الكتاب هذا السبيل لإفضائه إلى الإطناب والتطويل، لأن كل مسألة دوّنها الفقهاء وكل حديث ورد في أبواب الفقه يمكن ردّه إلى بعض هذه الأصول، فيطول ذيل الكلام في ذلك، ولكنا سلكنا في تفريع المسائل على الأصول المذكورة مسلكا آخر، وفرّعنا المسائل الفقهية على نفس القاعدة، من غير مراعاة الدليل المذكور إلا ما شذّ. واللََّه تعالى أسأل أن يعصمني من الخلل في الإيراد، ويوفّقني على منهج السداد، إنه أكرم من أفاد، وأعظم من سئل فجاد.(1/25)
القسم الأول في قواعد الأصول الفقهية
وفيه مقاصد(1/27)
وفيه مقاصد
المقصد الأول: في الحكم
وفيه بابان
الباب الأول: في الحكم الشرعي وأقسامه
مقدمة: الحكم الشرعي: خطاب اللََّه تعالى أو مدلول خطابه، المتعلّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير.
وزاد بعضهم: أو الوضع (1) ليدخل جعل الشيء سببا أو شرطا أو مانعا، كجعل اللََّه تعالى زوال الشمس موجبا للظهر، وجعله الطهارة شرطا لصحة الصلاة، والنجاسة مانعة من صحتها فإن الجعل المذكور حكم شرعي، لاستفادته من الشارع، ولا طلب فيه ولا تخيير، إذ ليس من أفعالنا حتى يطلب منّا أو نخيّر فيه.
وتكلّف المقتصر على الأول بمنع كونها أحكاما، بل هي أعلام له أو
__________
(1) منتهى الوصول: 23، الإحكام للآمدي 1: 136، وحكاه عن الأصوليين في سلم الوصول: 29، وعن بعضهم في مسلم الثبوت راجع فواتح الرحموت 1: 54.(1/29)
بعودها إليها، إذ لا معنى للسببية إلا إيجاب اللََّه تعالى الفعل عنده، وللشرطية كذلك ونحوه عنده [1] والمانعية إلا التحريم، وهكذا.
وهو تكلّف بعيد، ومع ذلك فيتخلف (1) كثيرا في أفعال غير المكلفين، كما ستقف عليه [2].
إذا تقرّر ذلك: فمن فروع كون الحكم الشرعي لا بدّ من تعلّقه بأفعال المكلفين أنّ وطء الشبهة القائمة بالفاعل وهي ما إذا وطئ أجنبية ظانا أنها زوجته مثلا هل يوصف بالحل، أو الحرمة وإن انتفى عنه الإثم، أو لا يوصف بشيء منهما؟ فاللازم من القاعدة الثالث، لأن الساهي ليس مكلفا.
وربما أبدل بعضهم «المكلفين» «بالعباد» ليدخل مثل ذلك، التفاتا إلى تعلّق الحكم الشرعي بكثير (2) من غير المكلفين، كضمان الصبي ما يتلفه من الأموال، ويجنيه على البهائم.
والأشهر اعتبار (القيد) (3) وجعل المكلّف بذلك هو الولي.
وعلى هذا يتفرّع جواز وصف فعل الساهي للمحرّم على غيره بالحل، نظرا إلى عدم ترتب الإثم على فعله.
[1] يعني: ولا معنى للشرطية إلا إيجاب اللََّه تعالى الفعل ونحو ذلك عنده.
[2] من أنه لا يمكن عود الأحكام الوضعيّة في حق غير المكلفين إلى أحكام تكليفية، لأجل عدم تصور التكليف في حقهم. انظر قاعدة: 3.
__________
(1) في «د»: فيختلف.
(2) في «م»: إلى أن تعلّق الحكم الشرعي يكون.
(3) في «م»: العقل. والمراد بالقيد هنا هو قيد «المكلّفين». فالمشهور أخذه في التعريف، انظر المحصول 1: 15، والمستصفى 1: 55، ومسلّم الثبوت (فواتح الرحموت) 1: 54.(1/30)
ويجري ذلك في قتل الخطأ، وأكل المضطر الميتة، والأولى وصف هذا بالإباحة وإن حرم اختيارا.
ومنها: ما لو أتلف الصبي أو المجنون مالا، فعلى مغايرة الحكم الوضعي للشرعي لا إشكال، فيتعلق بهما الضمان، لأن إتلاف مال الغير المحترم سبب في ضمانه، والحكم الوضعي لا يعتبر في متعلّقه التكليف ولكن لا يجب عليهما أداؤه ما داما ناقصين، لأن الوجوب حكم شرعي نعم يجب على وليهما دفعه من مالهما. ولا فرق بين أن يكون لهما مال حال الإتلاف وعدمه.
ومنها: ما لو أودعا ففرّطا فإنه لا ضمان، لأن حفظ الوديعة غير واجب عليهما، لأنه من باب خطاب الشرع، ولو تعدّيا فيها فأتلفاها أو بعضها ضمنا، لما ذكرناه.
وفي هذين خلاف مشهور بين الأصحاب، والموافق منه للقاعدة ما قررناه.
ومنها: ما لو جامع الصبي أو المجنون، فإنه لا يجب عليهما حينئذ الغسل، لأنه من باب خطاب الشرع أيضا، ولكنّ الجماع من قبيل الأسباب التي يشترك فيها المكلّف وغيره، فيجب عند التكليف عليهما الغسل بذلك السبب السابق، إعمالا للسببية.
ولا يقدح فيه تخلّف المسبب عنه لفقد الشرط، كما لا يقدح تخلّفه عنه لوجود المانع، فإذا وجد الشرط أو (1) زال المانع عمل السبب عمله.
ومثله القول بوجوب الوضوء بالحدث الأصغر الواقع قبل التكليف، لو حضر وقت عبادة مشروطة به بعده، قبل وقوع حدث موجب له حينئذ. ونظائر ذلك من الأحكام كثيرة.
__________
(1) في «د»: و.(1/31)
قاعدة «1» الأصل لغة: ما يبنى عليه الشيء (1).
وفي الاصطلاح يطلق على:
الدليل، والراجح، والاستصحاب، والقاعدة.
ومن الأول، قولهم: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة.
ومن الثاني: الأصل في الكلام الحقيقة.
ومن الثالث: تعارض الأصل والظاهر.
ومن الرابع قولهم: لنا أصل، وهو أنّ الأصل يقدّم على الظاهر، وقولهم: الأصل في البيع اللزوم، والأصل في تصرفات المسلم الصحة، أي القاعدة التي وضع عليها البيع بالذات وحكم المسلم بالذات اللزوم وصحة تصرفه، لأن وضع البيع شرعا لنقل مال كل من المتبايعين إلى الآخر، وبناء فعل المسلم من حيث هو مسلم على الصحة.
وذلك لا ينافي (نقضه) (2) بدليل خارجي، كوضع الخيار في البيع، وعروض مبطل لفعل المسلم وتقديم الظاهر على الأصل في موارد.
وأما قولهم: الأصل في الماء الطهارة، فيجوز كونه من هذا القسم وهو الأنسب، وأن يكون من قسم الاستصحاب.
والفقه لغة: الفهم (3). واصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
__________
(1) المصباح المنير: 16. (أصل)
(2) في «د»: وضعه.
(3) «المصباح المنير: 479، النهاية لابن الأثير 3: 465. (فقه)(1/32)
واحترزنا ب «الأحكام» عن العلم بالذوات، كزيد وبالصفات، كسواده وبالأفعال، كقيامه.
وب «الشرعية» عن العقلية، كالحسابيات والهندسة. وعن اللغوية كرفع الفاعل، وكذلك نسبة الشيء إلى غيره إيجابا ك «قام زيد» أو سلبا ك «لم يقم».
وب «العملية» عن العلمية، كأصول الدين، فإنّ المقصود منها هو العلم المجرّد، أي الاعتقاد الخاصّ المستند إلى الدليل.
وب «المكتسب» عن علم اللََّه تعالى، وهو مرفوع صفة للعلم.
وبقولنا «من أدلتها» عن علم الملائكة، وعلم الرسول الحاصل بالوحي فإنّ ذلك كله لا يسمى فقها، بل علما.
وبقولنا «التفصيلية» عن العلم الحاصل للمقلّد في المسائل الفقهية، فإنه لا يسمى فقها، بل تقليدا، لأنه أخذه من دليل إجمالي مطّرد في كل مسألة.
وذلك لأنه إذا علم أنّ هذا الحكم المعيّن قد أفتى به المفتي، وعلم أنّ كل ما أفتى به المفتي فهو حكم اللََّه تعالى في حقه، فيعلم بالضرورة أنّ ذلك المعيّن حكم اللََّه تعالى في حقه، ويفعل هكذا في كل حكم.
وعلى التعريف إيرادان مشهوران:
أحدهما: أنّ الفقه غالبا من باب الظنون، لكونه مبنيا على العمومات، وهي ظنية الدلالة بالنسبة إلى جميع الأفراد وعلى أخبار الآحاد والاستصحاب وغيرها من المظنونات، فكيف يعبّرون عنه بالعلم؟! والثاني: أنّ الأحكام جمع معرّف، فيفيد العموم، وهو لا يتم في جميع المجتهدين أو أكثرهم لأن كل واحد منهم لم يعلم جميع الأحكام، بل بعضها أو أكثرها ومن ثم عبّر الآمدي بقوله: هو العلم بجملة غالبة من الأحكام (1)، فرارا من الثاني.
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1: 7.(1/33)
وأجابوا عن ذلك بأنّ الظن في طريق الحكم، لا فيه نفسه، وظنية الطريق لا تنافي علمية الحكم. وأنّ المراد بالعلم التهيؤ له بالقوة القريبة من الفعل، و (1) أنّ تردد المجتهد يستلزم الحكم بتخييره وتخيير المستفتي في الأخذ بأحد الطرفين.
والأسدّ في الجواب عن الأول: أنه يراد بالعلم معناه الأعم، وهو ترجيح أحد الطرفين وإن لم يمنع من النقيض، وحينئذ فيتناول الظن، وهو معنى شائع، سيما في أحكام الشرع.
وعن الثاني: بأن يراد بالعلم هنا الملكة، كما يفهم ذلك من قولهم:
فلان يعلم العلم الفلاني، يعني أنّ له ملكة يقتدر بها على فهم ما يرد عليه من مسائله، لا أنها حاضرة عنده بالفعل.
هذا بحسب الاصطلاح، وقد يطلق الفقه عرفا على تحصيل جملة من الأحكام وإن كان عن تقليد وهو معنى شائع الآن.
إذا تقرر ذلك: فيتفرع على ما ذكروه من تعريفه مسائل كثيرة، كالأوقاف، والوصايا، والأيمان، والنذور، والتعليقات، وغيرها.
فإذا وقف على الفقهاء مثلا، فإن أراد المجتهدين أو غيرهم انصرف إليهم، وإن أطلق فالأولى حمله على المعنى العرفي، فينصرف إلى من حصل جملة من الفقه ولو تقليدا، بحيث يطلق عليه اسمه عرفا.
ولا يرد أنّ الأول معنى شرعي وهو مقدّم على العرفي، لمنع شرعيته، بل هو معنى اصطلاحي، والعرف العام أشهر منه.
قاعدة «2» ينقسم الحكم الشرعي إلى الخمسة المشهورة،
وهي: الإيجاب،
__________
(1) في «د»، «م»: أو، وما في المتن من «م».(1/34)
والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.
ووجه الحصر فيها: أنّ الحكم إن اقتضى الفعل اقتضاء مانعا من النقيض فهو الأول، أو غير مانع منه فهو الثاني وإن اقتضى الترك اقتضاء مانعا من الفعل فهو الثالث أو لا معه فهو الرابع وإن لم يقتض شيئا منها بل تساوى الأمران فهو الخامس.
ويرد على هذا التقسيم أمور:
أحدها: مكروه العبادة، كالصلاة في الأماكن والأوقات المكروهة، فإنّ الفعل راجح، بل مانع من النقيض مع وصفه بالكراهة المقتضية لرجحان الترك، ومن ثم قالوا: إنّ المراد بمكروه العبادة ناقص الثواب خاصة، وهو اصطلاح مغاير لقاعدة الأصوليين وموجب لانقسام المكروه إلى معنيين: عام وخاص.
وثانيها: مستحبها، مع كونه واجبا، وذلك في الواجب المخيّر، حيث يكون بعض أفراده أفضل من بعض، فإنه يوصف بالاستحباب، مع عدم جواز تركه لا إلى بدل.
وثالثها: أنهم حصروا الأقسام في الفعل، مع أنّ الفقهاء قد استعملوه فيه وفي الترك، كقولهم: يكره ترك الرداء للإمام، ويكره ترك التحنّك، وغيرهما، وهو كثير. وكذا يقولون: يستحب ترك كذا، إذا كان فعله مكروها، وهو خارج عن الأقسام.
وزاد بعض متأخري الأصوليين أمرا سادسا، سمّاه «خلاف الأولى» هربا من الأول (1). وهو حسن.
وحينئذ تنافي اتصاف الفرد المرجوح من العبادة بأصل الرجحان، فإن مرجوحيته بالإضافة إلى غيره من أفرادها الّذي هو أولى منه وإن اشتركا في
__________
(1) أي: الإشكال الأول.(1/35)
أصل مصدرية الرجحان وهو أولى من تسميته مكروها، لرجحان فعله في الجملة، ولا يندفع الأول إلا بذلك.
وأما الثاني، فالاستحباب المتعلق بالفرد الكامل من أفراد المخير لا يقوم غيره مقامه مع جواز تركه والبدل الحاصل من فعل الآخر إنما هو بدل الفرد الآخر من حيث الوجوب، لا الاستحباب، إذ لا يشتمل على فضيلة المتروك، فالاستحباب فيه عيني، والوجوب تخييري، فلا منافاة.
وبهذا يظهر أنّ محلهما مختلف، إذ محل الوجوب أمر كلي، ومحل الاستحباب جزئي شخصي وهو أظهر في عدم التناقض.
وأما الثالث، فمبنى جعلهم الحكم متعلق بالفعل على أنّ المكلف به لا بد أن يكون فعلا ليمكن إحداثه وتركه إذ الترك عدمي لا قدرة على تركه، لاستلزامه تحصيل الحاصل.
ومن ثم جعلوا التكليف به متعلقا بإيجاد ضده، أو توطين النّفس عليه هربا من ذلك (1).
ومعنى كراهة الترك يرجع إلى كراهة الفعل المشتمل عليه أو نحو ذلك.
إذا تقرر ذلك فيتفرع على القاعدة المذكورة فروع كثيرة أمرها واضح بعد ما قررناه.
وذلك كالطهارة بالماء المسخّن بالشمس للأحياء، وبالمسخن بالنار للأموات، والصلاة في الأوقات الخمسة والأماكن المشهورة، واستحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات وبالقراءة في الجمعة وظهرها على قول، والجمعة في حال الغيبة، وقراءة سورة معيّنة في بعض الفرائض والنوافل، والهرولة بالسعي في مواضعه، والجهر للإمام بأذكاره الواجبة، والإخفات
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 98، منهاج الأصول (نهاية السؤل) 2: 305.(1/36)
للمأموم وصوم المندوب سفراً، والمدعو إلى طعام، ويوم عرفة مع الضعف عن الدعاء أو اشتباه الهلال وغيرها.
قاعدة «3» الحكم الوضعي أيضا خمسة أقسام، وهي: السبب، والشرط، والعلة، والعلامة، والمانع
كالوقت، والطهارة، والبيع بالنسبة إلى الملك، والإحصان بالنسبة إلى الحد الخاصّ والحيض بالنسبة إلى العبادات المشروطة بالطهارة. ويمكن رد العلة إلى السبب، والعلامة إليه أو إلى الشرط.
ويضاف إليها الصحة والبطلان وقريب منهما الإجزاء وعدمه.
وهذه الأحكام ليست مشروطة بالتكليف على المشهور، ومن ثمّ حكم بضمان الصبي والمجنون والسفيه ما أتلفوه من المال، ولم ينعقد بسبب الحدث صلاة الصغير، إلى غير ذلك من الأحكام وقد تقدّم بعضها.
ثمّ الأحكام بالنسبة إلى خطاب التكليف والوضع تنقسم أقساماً:
فمنها ما يجتمع فيها الأمران، وهو كثير، كالجماع وغيره من الأحداث، فإنها توصف بالإباحة في بعض الأحيان، وسبب في وجوب الطهارة، وتوصف بالتحريم مع بقاء السببية. وكذا فروض الكفايات، فإنها مع الفرض سبب في سقوط التكليف بها عن الباقين، وأُصول العبادات واجبة وسبب في عصمة دم غير المستحل لتركها، والمعاملات توصف بالأحكام مع سببيّتها لما يترتب عليها.
ومنها: ما هو خطاب تكليف ولا وضع فيه، ومثّل بجميع التطوعات، فإنها تكليف محض ولا سببية فيها، ولا شرطية، ولا مانعية.
ويشكل بأنها سبب لكراهة المبطل، كالصلاة المندوبة أو لتحريمه كما
في الحج، لوجوبه بالشروع.(1/37)
ويشكل بأنها سبب لكراهة المبطل، كالصلاة المندوبة أو لتحريمه كما
في الحج، لوجوبه بالشروع.
ومنها: ما هو خطاب وضع لا تكليف فيه، كالإحداث التي ليست من فعل العبد، من الحيض وأخويه، وكأوقات العبادات الموقتة، فإنها موانع وأسباب محضة.
ومنها: ما هو من خطاب الوضع بعد وقوعه ومن خطاب التكليف قبله، كسائر العقود، فإنها قبل الوقوع توصف بالأحكام الخمسة، وبعد الوقوع يترتب عليها أحكامها.
فائدة: السبب: هو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم، لذاته.
فبالتلازم في الوجود يخرج الشرط، فإنه لا يلزم من وجوده الوجود، وإنما يلزم من عدمه العدم. وبالتلازم في العدم يخرج المانع فإن وجوده يؤثّر في العدم، وعدمه لا أثر له.
واحترز بقوله: لذاته، عن اقتران السبب بعدم الشرط أو وجود المانع، فإنه لا يلزم حينئذٍ الوجود لذلك.
وأما الشرط: فهو الّذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، لذاته، ولا يشتمل على شيء من المناسبة في ذاته، بل في غيره.
فبالأوّل يخرج المانع، وبالثاني السبب.
ويحترز بالثالث عن مقارنة وجوده لوجود السبب، فيلزم الوجود، لكن لا لذاته، بل للسبب، أو قيام المانع، فيلزم العدم لأجل المانع، لا لذات الشرط.
والقيد الرابع احتراز من جزء العلة، فإنه يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم إلا أنه يشتمل على جزء المناسبة، فإن جزء المناسب مناسب.
وأما المانع: فهو الّذي يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه
وجود ولا عدم، لذاته.(1/38)
وأما المانع: فهو الّذي يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه
وجود ولا عدم، لذاته.
فبالأول خرج السبب. وبالثاني الشرط. والثالث احتراز عن مقارنة عدمه لعدم الشرط، فيلزم العدم، أو وجود السبب، فيلزم الوجود، لكن لا لذاته فإن ذاته لا تستلزم شيئاً من ذلك.
فظهر أنّ المعتبر من المانع وجوده، ومن الشرط عدمه، ومن السبب وجوده وعدمه.
وقد اجتمعت في الصلاة، فإنّ الدلوك سبب في وجوبها، والبلوغ شرط، والحيض مانع. وفي الزكاة، فإن النصاب سبب، والحول شرط، والمنع من التصرف مانع.
قاعدة «4» الفرض والواجب عندنا مترادفان، وكذا البطلان والفساد.
وعند الحنفية أنهما متباينان، فقالوا: إن ثبت التكليف بدليل قطعي كالكتاب والسنة المتواترة فهو الفرض كالصلوات الخمس. وإن ثبت بدليل ظني كخبر الواحد والقياس المظنون فهو الواجب، ومثلوه بالوتر على قاعدتهم.
وقالوا: الباطل ما لم يشرّع بالكلية، كبيع ما في بطون الأمهات والفاسد ما يشرّع أصله ولكن امتنع، لاشتماله على وصف (1) كالربا (2).
والحق: أنهم إن ادّعوا أنّ التفرقة شرعية أو لغوية، فليس فيهما ما
__________
(1) في «ح» زيادة: فاسد.
(2) فواتح الرحموت 1: 58، 122، ونقله عنهم في الإحكام 1: 140، 176. والمحصول 1: 19، 26، والتمهيد للأسنوي: 58، 59.(1/39)
يقتضيه، وإن كانت اصطلاحية فلا مشاحة في الاصطلاح. والتفريع عندنا لا يختلف، وإنما يختلف عندهم.
نعم فرّع بعض العامة الموافق لنا على القاعدة ما إذا قال: الطلاق لازم لي أو واجب عليّ، فتطلق زوجته بخلاف ما إذا قال: فرض عليّ، محتجاً بدلالة العرف (1).
والحق أنّ الجميع كناية، فإن أوقعناه بها ثبت فيهما، وإلا انتفى فيهما [1]، وتفرقة العرف ممنوعة.
ووافق الحنفية في الأخيرين الآخرين [2] في أربعة مواضع: الحج، والعارية، والكتابة، والخلع.
وفرض الحج بأنه يبطل بالرّدة ويفسد بالجماع على بعض الوجوه.
وحكم الباطل أنه لا يجب المضيّ فيه. بخلاف الفاسد.
وصوّر الباطل في الكتابة والخلع بما كان على عوض غير مقصود كالدم أو رجع إلى خلل في العاقد كالصغر. والفاسد خلافه. وحكم الباطل أن لا يترتب عليه مال، والفاسد يترتب عليه العتق والطلاق، ويرجع الزوج والسيد بالقيمة.
وفرض الإعارة الفاسدة بإعارة (2) الدراهم والدنانير، فمنهم من جعلها فاسدة، فتكون مضمونة، ومنهم من جعلها باطلة، فلا تكون مضمونة، بناء
[1] أي: إن قلنا بكفاية الكناية في وقوع الطلاق وعدم لزوم التصريح فيثبت الطلاق بهما معاً، وإلا لا يثبت.
[2] المراد بالأخيرين: هما البطلان والفساد، والمراد بالآخرين: هم غير الحنفية. والمعنى: أنّ الحنفية وافقوا غير الحنفية في تباين البطلان والفساد في موارد.
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 58.
(2) في «ح»: باعتبار.(1/40)
على أنها غير قابلة للإعارة.
ولا يخفى أنّ تخصيص هذه العقود تحكّم وثبوت قيمة العوض في بعض موارد المعاوضة لا يقتضي فسادها، بل يقتضي فساد العوض المعيّن خاصة.
قاعدة «5» ذهب الجمهور إلى أنّ المباح حسن،
وكذا المكروه بناء على أنّ الفعل الحسن ما للفاعل القادر عليه العالم بحاله أن يفعله، والقبيح بخلافه أو أنّ ما نهى الشارع عنه فهو قبيح، وإن لم ينهَ عنه فهو حسن، سواء أمر به كالواجب والمندوب، أم لا كالمباح (1).
وقال بعض المعتزلة: إنهما ليسا بحسن ولا قبيح، وقال في تقسيم الفعل: إن اشتمل على صفة توجب الذم وهو الحرام فقبيح، أو على صفة توجب المدح كالواجب والمندوب فحسن، وما لم يشتمل على أحدهما كالمكروه والمباح فليس بحسن ولا قبيح (2).
وأما المحسن فهو فاعل الإحسان، وذهب بعضهم إلى أنه فاعل الحسن أيضا (3). وفرّع عليه عدم ترتب الضمان على مثل قاطع يد الجاني قصاصا فمات، لأنه محسن، أي فاعل للحسن وهو المباح، وقد قال تعالى {مََا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (4).
__________
(1) منهاج الأصول (نهاية السؤل) 1: 82، التمهيد للأسنوي: 61.
(2) نقله في التمهيد: 62.
(3) التمهيد للأسنوي: 62.
(4) التوبة: 91.(1/41)
وفيه نظر، وإنما المتحقق منه فاعل الإحسان. يقال: أحسن يحسن فهو محسن، وأما الحسن ففاعله حسن أيضا.
ويتفرع على ذلك رجوع المنفق على الحيوان من المستودع والمستأجر والمستعير والملتقط ونحوه، حيث يتعذّر إذن المالك فيه والحاكم، فإنه محسن على التقديرين، لأن حفظ الحيوان بالنفقة إما واجب أو مندوب، وكلاهما يوجب الإحسان، وقد قال تعالى:
{مََا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} فيندرج في الآية كل ما قيل إنه محسن. والسبيل المنفي وقع نكرة في سياق النفي فيعم، وعدم رجوعه بما غرم إثبات سبيل عليه.
وقد اختلف في رجوعه في موارد كثيرة، والآية دليل المثبت.
وكذلك اختلف في قبول قول الوكيل في الرد، ومقتضى الآية أنه إذا كان بغير جُعل يكون محسناً، فيترتب عليه قبول قوله.
قاعدة «6» العبادة إن وقعت في وقتها المعيّن لها أولا شرعاً ولم تُسبق بأُخرى مشتملة على نوع من الخلل كانت أداء،
وإن سبقت بذلك كانت إعادة، وإن وقعت بعد الوقت المذكور كانت قضاءً.
واحترزنا بقولنا في الأداء «أولا» عن قضاء رمضان، فإنه موقت بما قبل الرمضان الّذي بعده، ومع ذلك هو قضاء، لأنه توقيت ثان، لا أوّل.
واعتبر بعضهم في الأداء فعلها في الوقت مطلقا (1)، وهو أجود.
__________
(1) كالرازي في المحصول 1: 27.(1/42)
وآخرون لم يعتبروا في الإعادة الفعل في الوقت (1). فعلى الأول بين المفهومات الثلاثة مباينة، وعلى الثاني يكون الأداء أعم من الإعادة مطلقاً، وهما مباينان للقضاء. وعلى الثالث يكون بينهما وبين كل منهما عموم من وجه، لصدقها (2) مع الأداء دون القضاء إذا فعلت في الوقت، ومع القضاء دون الأداء إذا فعلت خارجه، وصدق كل منهما بدونها إذا لم يكن مسبوقاً بإتيان آخر.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا أحرم بالحج ثم أفسده، فإنّ المأتي به بعد ذلك يكون قضاءً، لأنه (بمجرّد إحرامه) (3) يضيّق عليه الإتيان به في ذلك العام اتفاقاً، ولهذا لا يجوز له البقاء على إحرامه (4) إلى عام آخر.
ويحتمل عدم وجوب نيّة القضاء هنا، لأن المضايقة المذكورة ليست توقيتاً حقيقياً، وإلا لزم كون النذر المطلق موقتاً إذا شرع فيه ثم أفسده على تقدير تحريم قطعه، كالصلاة المنذورة (5).
وهذا احتمال موجّه، إلا أنّ الأصحاب وغيرهم أطلقوا على الحج المذكور القضاء، وهو حقيقة في معناه الظاهر، مع احتمال إرادة فعله مرّة أُخرى، فإنه أحد معانيه لغةً ولعل هذا أجود.
ومنها: إذا أحرم بالصلاة في وقتها ثم أفسدها وأتى بها ثانياً في الوقت
__________
(1) نهاية السؤل 1: 110.
(2) أي: الإعادة.
(3) ليس في «م».
(4) في «م»: إحرام.
(5) في «م»: المندوبة.(1/43)
فإنها تكون قضاءً على ما ذكره بعض العلماء (1)، لتعين الوقت لها بالشروع، ومن ثم لم يجز الخروج منها. وقيل: تبقى أداء (2)، وهو الأقوى.
ومنها: ما لو ظنّ الناذر مطلقاً الوفاة قبل الفعل لو أخره عن الوقت المعيّن، أو تعذّر فعله، فإن الفعل يتعين عليه حينئذٍ في ذلك الوقت. فإذا كذب ظنّه بأن عاش بعده أو لم يقع له عذر مانع ولم يكن فَعَلَ المنذور، ففي صيرورته حينئذٍ قضاءً، بناء على فوات الوقت المعيّن المتعبّد فيه بظنّه، أو يبقى أداء على أصله، نظراً إلى خطأ ظنّه، وجهان، أجودهما الثاني.
ومنها: ما لو ظنّ طروء المانع قبل آخر وقت العبادة الموسعة، فإن العبادة تتضيق عليه حينئذٍ، ولا يجوز إخراجها عن الوقت الّذي ظن أنه لا يبقى بعده، أو يطرأ فيه المانع من الفعل فلو أخّرها وأمكن الفعل، فالوجهان. والأقوى بقاء الأداء وإن أثم بالتأخير.
ومن هذا الباب: ما لو ظنّت المرأة طروء الحيض عليها في أثناء الوقت من يوم معيّن، فإنّ الفرض يتضيق عليها أيضا.
وكذا لو ظنّ صاحب السلس أو البطن وقوعه في بعض الوقت من غير انقطاع، وانقطاعه في بعضه بحيث يسع الصلاة، فإنه يتعبّد في جميع ذلك بظنّه، ويجب عليه تحرّي الفترة.
مسألة: الأمر بالأداء، هل هو أمر بالقضاء على تقدير خروج الوقت؟
فيه مذهبان، أصحّهما عند المحققين: أنه لا يكون أمراً به (3).
__________
(1) نقله عن القاضي الحسين والروياني في التمهيد: 63، ونهاية السؤل 1: 116.
(2) نقله عن أبي إسحاق الشيرازي في التمهيد: 64.
(3) كالرازي في المحصول 1: 324، والآمدي في الأحكام 2: 199.(1/44)
ومن فروع المسألة:
ما لو قال لوكيله: أدِّ عني زكاة الفطرة، فخرج الوقت، هل له أن يخرجها بعده؟ يبنى على القولين.
ومنها: إذا نذر أُضحيّة، ووكّل شخصاً في ذبحها وأدائها إلى الفقراء فخرج وقتها. وهي كالأول. والأولى بقاء (1) الوكالة ما لو خرج الوقت بعد ذبحها وقبل تفريقها.
ومنها: وإن لم يوصف بالأداء والقضاء ما إذا قال: بع هذه السلعة في هذا الشهر، فلم يتفق بيعها فيه، فليس له بيعها بعد ذلك. ومثله العتق والطلاق. وربما احتمل الجواز، بناء على القول السابق، وهو ضعيف.
قاعدة «7» الرخصة لغةً: التسهيل في الأمر (2)، والعزيمة: القصد المؤكّد (3).
وشرعاً الرخصة: هي الحكم الثابت على خلاف الدليل، لعذر هو المشقة والحرج.
واحترز بالقيد الأخير عن التكاليف كلها، فإنها أحكام ثابتة على خلاف الأصل، ومع ذلك ليست برخصة مطلقاً لأنها لم تثبت كذلك لأجل المشقة.
إذا عرفت ذلك فالرخصة تنقسم أربعة أقسام:
الأول: أن تكون واجبةً، كحل الميتة للمضطر. وربما قيل بجواز صبره إلى الموت، وهو ضعيف. وكالتيمّم لفاقد الماء أو للخوف من استعماله
و__________
(1) في «د»، «ح»: وأولى ببقاء.
(2) المصباح المنير: 223، الصحاح 3: 1041. (رخص)
(3) معجم مقاييس اللغة 4: 308. عزم)(1/45)
إفطار المريض الّذي يتضرر بالصوم.
والثاني: أن تكون مندوبة، كتقديم غسل الجمعة يوم الخميس لخائف عدم الماء، وفعل المندوب للتقية، حيث لا يتّجه بتركه ضرر.
والثالث: أن تكون مكروهة، كالتقية في المستحب، حيث لا ضرر عاجلًا ولا آجلًا، ويُخاف منه الالتباس على عوام المذهب.
والرابع: أن تكون مباحة، وهو ما رخّص فيه من المعاملات، كبيع العرايا، وقد وقع في بعض الأخبار التصريح بالرخصة فيها، فقال:
«ورخّص في العرايا» (1).
ومنه الاستجمار بالأحجار ونحوها، لأنه أمر خارج عن إزالة النجاسة المعتادة، ولكن اكتفى الشارع به تخفيفاً، لعموم البلوى.
وقد يلحق هذا بالواجب العيني حيث يتعذر الماء، أو التخييري عند وجوب الإزالة لواجبٍ يتوقف عليها.
ومنه إظهار كلمة الكفر عند الإكراه، فإنه مباح على المشهور (2)
وإن أدّى تركه إلى القتل لما في قتله من إعزاز الإسلام، وتوطيد عقائد العوام.
وربما قيل: بوجوبه حينئذٍ، حفظاً للنفس عن التهلكة. وفيه منع التهلكة حينئذٍ.
وقد يقع الاشتباه في بعض الموارد، كالقصر في السفر، فإنّه عزيمة عندنا، على ما صرّح به الأصحاب (3)، مع انطباق تعريف الرخصة عليه،
و__________
(1) الكافي 5: 275باب بيع الزرع الأخضر. حديث 9، التهذيب 7: 143حديث 634، الاستبصار 3: 91حديث 311، الوسائل 13: 25أبواب بيع الثمار باب 14.
(2) تفسير التبيان 6: 428، مجمع البيان 3: 388، تفسير القرطبي 10: 182.
(3) الانتصار: 51، النهاية: 122، الخلاف 1: 569، الشرائع 1: 103.(1/46)
إيماء الآية الشريفة إليه [1].
واعتذر بعضهم عن ذلك: بأنّ الدليل لم يدل على وجوب الصوم سفراً، لأنه مستثنى بالآية [2]، ولا على إتمام الصلاة مطلقاً، لما روي من أنّ الصلاة وضعت ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأُقرّت في السفر (1)، فلم يكن السبب فيهما قائماً، فلا يكونان رخصة حقيقة إلا أنّ المشروعية لما كانت ثابتة في الجملة أمكن إطلاق الرخصة على القصر مجازاً، فكان التعبير بالعزيمة أولى، حتى قال الشيخ رحمه اللََّه: لا يسمى فرض السفر قصراً، لأن فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر (2).
ورد بظاهر قوله تعالى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ} (3).
وأُجيب: بأن الآية مسوقة في الخوف، وإن كان فيها ذكر الضرب، بناء على الأغلبية، والقصر في الخوف داخل في النصوص الموجبة للإتمام في الحضر، فتكون صلاته مقصورة حقيقة، وإن أطلق كثير من الأصحاب القصر على صلاة السفر مجازاً، من حيث مشروعية صلاة الحضر فيه أيضا، كما في كثير السفر.
[1] وهو قوله تعالى {وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ} الآية، النساء: 101.
[2] وهو قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كََانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} البقرة: 185.
__________
(1) الكافي 3: 273حديث 7، الفقيه 1: 454حديث 1317، 1319، التهذيب 2: 113 حديث 424العلل: 115، المحاسن: 327، الوسائل 3: 65أبواب أعداد الفرائض باب 24 حديث 6، 7، 10.
(2) الخلاف 1: 571.
(3) النساء: 101.(1/47)
قاعدة «8» إذا طلب الفعل الواجب من كل واحدٍ بخصوصه،
أو من واحد معيّن كخصائص النبي صلى اللََّه عليه وآله فهو فرض العين.
وإن كان المقصود من الوجوب إنما هو إيقاع الفعل مع قطع النّظر عن الفاعل سمّي فرضاً على الكفاية.
ووجه التسمية بذلك: أنّ فعل البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين، مع كونه واجباً على الجميع بخلاف فرض العين، فإنه يجب إيقاعه من كل عين أي ذات أو من عين معيّنة.
وما ذكرناه من تعلّق فرض الكفاية بالجميع هو مختار جماعة من محققي الأصول (1).
وقال بعضهم: إنه يجب على طائفة غير معينة (2).
وهذا التقسيم أيضا آت في السنة:
فسنة العين كثيرة، كسنن الوضوء والصلاة والصوم وغيرها.
وسنة الكفاية، كتسميت العاطس، وابتداء السلام، والأضحية في حق أهل البيت، والأذان والإقامة للجماعة الواحدة.
ومن فروض الأعيان: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.
ومن فروض الكفاية: الجهاد، ورد السلام، وإقامة الحجج العلمية، والأحكام الدينية، والتفقه في الدين، وحفظ القرآن، وإغاثة المستغيثين في
__________
(1) منهم صاحب مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت 1: 63، والآمدي في الإحكام 1: 11، والأسنوي في التمهيد: 77، وابن الحاجب في المنتهى: 24.
(2) المحصول 1: 288، المعتمد 1: 138، وحكاه عن المحصول في فواتح الرحموت 1: 63.(1/48)
النائبات، وأحكام الموتى الواجبة، وغيرها.
واختلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل هما من الواجب العيني أو الكفائي؟ والأصح الثاني.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه فروع:
منها: تفضيل فرض الكفاية على فرض العين، وقد ذهب إليه جماعة من المحققين، استناداً إلى أن فاعله ساعٍ في صيانة الأمة كلها أو ما في حكمها عن المآثم (1) (2)، ولا شك في رجحان من (حلّ محل) (3) المسلمين أجمعين، بخلاف فرض العين، فإن فاعله يخلّص نفسه خاصة.
ومنها: إذا صلى على الجنازة واحد مكلّف كفى وإن كان أُنثى، وهل تشترط عدالته؟ فيه (4) وجه:
من حيث إنّ الفاسق لا يقبل خبره لو أخبر بإيقاع أفعالها التي لا تُعلم إلا من قِبَله، لوجوب التثبّت عند خبره (5).
ومن صحة صلاة الفاسق في نفسها معتضدة بأصالتها من المسلم (6).
ولو كان طفلًا مميزاً ففي الاجتزاء به وجهان، مبنيان على أنّ عبادته هل هي شرعية أم تمرينية؟
ولو صلى عليه أكثر من واحد دفعةً، أو متعاقبين، بحيث شرع المتأخر قبل فراغ الأول، وقع الجميع فرضاً، لأنه لم يسقط بالشروع سقوطاً مستقراً
__________
(1) نقله عن إمام الحرمين واختاره في المجموع 1: 37، 45.
(2) في «م»: الإثم.
(3) في «م»: خلص.
(4) ليست في «م»، وفي «د»: له.
(5) هذه إشارة إلى مدلول قوله تعالى {إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}.
(6) أي: أصالة الصحة في أفعال المسلم.(1/49)
على الأقوى، وحينئذٍ فينوي كلّ الوجوب.
ولو صلى المتأخر بعد فراغ المتقدم جماعة أو فرادى أو بالتفريق قيل: وقع الجميع فرضاً أيضا كالسابق (1)، لأن الفرض متعلق بالجميع، وإنما سقط عن البعض بقيام البعض به تخفيفاً. و (2) لما فيه من ترغيب المصلين، لأن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل.
وقيل: تكون المتأخرة نفلًا (3)، لسقوط الفرض بالأولى، ولا معنى للواجب إلا ما يأثم بتركه، إما مطلقاً أو بغير بدل، ولا إثم هنا على الباقين.
هذا إذا اعتبرنا نية الوجه، وإلا سقط البحث، واكتفى الثاني بنية القربة ويبقى جعله فرضاً أو نفلًا راجعاً إلى اللََّه تعالى من جهة الإثابة عليه. وقد تظهر فائدته في النذر ونحوه.
ومنها: إذا سلّم شخص على جماعة، فردّ أكثر من واحد، فالتفصيل السابق بالتعاقب وعدمه آتٍ فيه.
ويزيد هنا: أنّ المسلّم عليه لو كان مصلياً وردّ غيره، فإن قلنا بكون الجميع فرضاً جاز له الرد أيضا قطعاً وكذا إن قصد مع الرد قراءة القرآن مطلقاً أو جعلناه قرآناً.
ولو جعلناه سنة، ولم يقصد القراءة، ولم يجعل هذا المقدار قرآناً، ففي جواز ردّه وجهان، أجودهما الجواز، لعموم الأدلة الدالة على الأمر بالردّ على كل من سلّم عليه، الشامل لمن سقط عنه الفرض وغيره.
ووجه المنع سقوط الفرض، وكون الرد من كلام الآدميين، ليس بقرآن
و__________
(1) المجموع 5: 213، 245، فتح العزيز 5: 192.
(2) في «م»: أو.
(3) بدائع الصنائع للكاساني 1: 311.(1/50)
لا دعاء، فيتناوله النهي. وضعفه واضح.
قاعدة «9» الوجوب: قد يتعلق بشيء معين، كالصلاة، والحج وغيره، ويسمى واجباً معيناً.
وقد يتعلق بأحد أُمور معينة، كخصال كفارة اليمين، وكفارة رمضان على أحد القولين. فقيل: كل واحد من أفراده يوصف بالوجوب، ولكن على التخيير بمعنى أنه لا يجب الإتيان بالجميع، ولا يجوز تركه (1).
وقيل: الواجب مبهم عندنا، معيّن عند اللََّه تعالى، إما بعد اختياره أو قبله، فيتعين بأن يلهمه اللََّه تعالى اختياره. وهذا قول مبهم القائل، ينسبه كل من الأشاعرة والمعتزلة إلى صاحبه (2).
والمختار الأول:
وتنقيحه: أن التعدد يرجع إلى محالّه (3)، لأن أحد الأشياء قدر مشترك بين الخصال، لصدقه على كل واحد، وهو واحد لا تعدّد فيه، كما أنّ المتواطئ موضوع لمعنى واحد صادق على أفراده كالإنسان، وليس موضوعاً لمعانٍ متعددة، وإذا كان واحداً استحال فيه التخيير، وإنما التخيير في الخصوصيات، كالإعتاق والكسوة والإطعام. والّذي هو متعلق الوجوب لا تخيير فيه، كما أنّ الّذي هو متعلق التخيير لا وجوب فيه.
__________
(1) كما في المعتمد 1: 77، ونقله عن أبي علي وأبي هاشم في ص 79.
(2) حكاه في فواتح الرحموت 1: 66، والتمهيد: 79.
(3) في «ح»: محالة. والمقصود ب «محالّه» هي مواضعه ومصاديقه.(1/51)
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه فروع:
منها: ما إذا أوصى في الكفارة المخيّرة بخصلةٍ معيّنة، وكانت قيمتها تزيد على قيمة الخصلتين الباقيتين، فهل تعتبر من الأصل؟ وجهان:
أحدهما: نعم، لأنه تأدية واجب مالي، خصوصاً إذا قلنا: إن الواجب أحدها.
وأجودهما: اعتباره من الثلث، لأنه غير متحتم، وتحصل البراءة بدونه.
وعلى هذا فالمعتبر منه ما بين القيمتين، لأن أقلهما لازم على كل حال.
ويحتمل ضعيفاً اعتبار جميع قيمة المخرج من الثلث، فإن لم يف به عُدل إلى غيره، لأنه فرد غير متعيّن للإخراج، فكان كالتبرع.
ومنها: إذا أتى بالخصال معاً، فإنه يثاب على كل واحد منها على ما ذكره جماعة (1)، لكن ثواب الواجب أكثر من ثواب التطوّع، ولا يحصل إلا على واحد فقط، وهو أعلاها إن تفاوتت، لأنه لو اقتصر عليه لحصل له ذلك، فإضافة غيره إليه لا تنقضه، وإن تساوت فعلى أحدها. ولو ترك الجميع عوقب على أقلها، لأنه لو اقتصر عليه لأجزأه.
ومنها: ما لو كان بعض الأفراد داخلًا في البعض الآخر، كمسح الرّأس في الوضوء، حيث إنّ الواجب منه أمر كلي يحصل في ضمن المسح بإصبع وأزيد في محله، فإن مسح جميع المقدّم أُثيب عليه، سواء مسحه دفعة أو على التعاقب، بناء على ما سلف من الإثابة على فعل جميع أفراد الواجب المخيّر، أو بجعل المجموع فرداً واحداً كاملًا، كما إذا مسح أزيد من المسمى.
ولكن هل يوصف المجموع بالوجوب (2) فيثاب عليه ثواب الواجب، أم يكون الواجب مسمّاه والباقي سنة؟ أوجه يأتي الكلام فيها إن شاء اللََّه تعالى.
__________
(1) نقله عن شرح المعالم لابن التلمساني في التمهيد: 81.
(2) في «م»: بالواجب.(1/52)
قاعدة «10» يجوز عندنا تحريم واحد لا بعينه، خلافاً للمعتزلة (1)،
كأن يقول الشارع: حرمت عليك أحد هذين الشيئين لا بعينه، لا أُحرّم عليك واحداً معيناً ولا الجميع ولا أُبيحه. والكلام فيه كالكلام في الواجب المخيّر.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا كان له أمتان، وهما أُختان، فإنه يجوز له وطء إحداهما، ويحرم عليه وطؤهما معاً من غير تعيين ومتى وطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى يُخرج الأولى عن ملكه.
فإن أقدم ووطئها قبل ذلك ففيه قولان مشهوران:
أحدهما: تحرم الثانية دون الأولى (2).
والثاني: أنه إن وطئ الثانية عالماً بالتحريم حرمت عليه الأولى أيضا إلى أن تموت الثانية، أو يخرجها عن ملكه لا لغرض العود إلى الأولى، فإن أخرجها لا لذلك حلّت الأولى، وإن أخرجها ليرجع إلى الأولى فالتحريم باقٍ. وإن وطئ الثانية جاهلًا بالتحريم لم تحرم عليه الأولى (3).
وهذا التفصيل مروي (4) ولا حاجة بنا هنا إلى تحقيق الحال لحصول
__________
(1) نقله عنهم الآمدي في الإحكام 1: 157، والأسنوي في التمهيد: 81، وجوزه أبو الحسين من المعتزلة في المعتمد 1: 169.
(2) المبسوط 4: 207، الشرائع 2: 290.
(3) كما في النهاية: 455، والجامع للشرائع: 430.
(4) الكافي 5: 343حديث 14، التهذيب 7: 290حديث 12211216، الفقيه 3: 448حديث 4551، الوسائل 14: 372أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب 29.(1/53)
المطلوب من المثال على التقديرين.
ومنها: ما لو أعتق إحدى أمتيه لا بعينها، وسوّغناه، وجعلنا الوطء تعييناً (1)، فيصدق عليه ما ذكرناه، لأن كل واحدة منهما تحرم بوطء الأخرى، وهو مخيّر في وطء من شاء منهما، فيكون مخيّراً في تحريم من شاء.
ومنها: ما لو أسلم على خمس نسوة مثلًا، وجعلنا الوطء تعييناً (2) فإذا وطئ ثلاثاً منهنّ، بقي الأمر في الرابعة والخامسة على ما ذكرناه في الأمتين.
ومنها: ما لو طلّق واحدة من زوجتيه لا بعينها، وقلنا بوقوعه، فإنه وإن حرم وطؤهما معاً قبل التعيين، إلا أنه يمكن جعل الوطء تعييناً، فيتخير في وطء أيتهما شاء، فتحرم عليه الأخرى.
قاعدة «11» الواجب قسمان: مطلق، وهو ما أوجبه الشارع من غير تعليق على أمر آخر، كالصلاة. ومشروط،
وهو ما علّق وجوبه على حصول أمر آخر كالحج، فإنه لم يوجب إلا على المستطيع إليه سبيلا. وسواء كان الشرط مقترناً به كالحج، أو منفكاً عنه كالزكاة المشروطة بملك النصاب.
والثاني لا يجب على المكلّف تحصيل شرطه إجماعاً.
واختلف في وجوب ما يتوقف عليه الأول (3) وهو المعبّر عنه بمقدمة
__________
(1) في «م»: معيناً.
(2) في «م» «د»: معيناً.
(3) أي: المطلق.(1/54)
الواجب على مذاهب، أصحها: أنه يجب مطلقاً (1)، ويعبَّر عنه الفقهاء بقولهم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، سواء كان سبباً أم شرطاً.
وسواء كان ذلك السبب شرعياً كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب، أم عقلياً كالنظر المحصل للعلم الواجب، أم عادياً كجز الرقبة في القتل، إذا كان واجباً.
وهكذا الشرط أيضا، فالشرعي كالوضوء، والعقلي كترك أضداد المأمور به، والعادي كغسل جزء من الرّأس في الوضوء للعلم بحصول غسل الوجه.
مثاله: إذا قال السيد لعبده: كن على السطح، فلا يتأتى ذلك إلا بنصب السلم والصعود، فالصعود سبب، والنصب شرط.
والقول الثاني: أنه يكون أمراً بالسبب دون الشرط (2).
والثالث: أنه لا يكون أمراً بواحد منهما (3). وقيل في المسألة غير ذلك (4).
إذا تقرر ذلك فيتخرج على القاعدة فروع:
منها: غسل جزء من الرّأس والرقبة ونحوهما لتيقن غسل الوجه، وغسل جزء من العضد لتيقن غسل اليد، ومسح جزء من الساق، أو ما تجاوز الكعب لتيقن مسح ظاهر القدمين، وغسل جزء من البدن لغسل
__________
(1) كما في المستصفى 1: 71. وفواتح الرحموت 1: 95، والمحصول 1: 289، ومعارج الأصول: 73، وتهذيب الأصول: 27.
(2) كما في الذريعة 1: 83.
(3) حكاه في فواتح الرحموت 1: 95، ومنتهى الوصول: 26.
(4) منتهى الوصول لابن الحاجب: 26، جعله أمراً بالشرط دون السبب واللازم، وكذا في شرح مختصر المنتهى لعضد الدين 1: 244.(1/55)
الرّأس والرقبة في الغسل، وجزء من الجانب الأيمن وبالعكس لتيقن غسل كل منهما.
وأما العورتان فتابعتان للجانبين، فيجب غسل جزء زائداً على نصف كل واحدة عند غسل جانبها، أو غسلهما معاً معهما.
وجعلهما بعضهم عضواً مستقلًا وخيّر في غسلهما قبل الجانبين، وبعدهما، وبينهما وهو ضعيف.
ومثله القول في مسح التيمم، فإن ذلك كله واجب لما ذكرناه.
ومنها: إذا اشتبهت زوجته بأجنبية، فيجب عليه الكفّ عن الجميع.
ومثله ما لو اشتبهت محرمة بأجنبيات محصورات، فليس له أن يتزوج واحدة منهنّ.
أو سقطت تمرة نجسة ونحوها بين تمر كثير منحصر عادة. أما لو لم ينحصر حلّ الجميع إلى أن يبقى منه ما ينحصر كذلك.
ومنها: إذا نسي صلاة من الخمس، ولم يعرف عينها، فيجب عليه صلاة الخمس، أو ثلاث فرائض منها، رباعية مطلقة إطلاقاً ثلاثياً إن كان حاضراً، وصبح ومغرب أو فريضتين إحداهما مغرباً والأخرى ثنائية مطلقة [إطلاقاً] (1) رباعياً إن كان مسافراً. وكذا لو صلّاها، لكن تيقن فساد طهارة منها.
ولو اشتبه الحضر والسفر كفت الثلاث، مع إطلاق الثنائية بين الصبح وثنائيات المسافر.
ومنها: إذا اختلط ثوب نجس فصاعداً بثياب منحصرة طاهرة، ولم يمكنه تحصيل ثوب طاهر يقيناً، فإنه يصلي الواحدة متعدداً، فيما يزيد عن عدد النجس بواحدٍ، مع سعة الوقت.
__________
(1) أضفناه لاقتضاء السياق.(1/56)
ومنها: إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار، فيجب غسل الجميع وتكفينهم والصلاة عليهم. ثم هو بالخيار إن شاء صلى على الجميع دفعة واحدة، وينوي الصلاة على المسلمين منهم وإن شاء صلى على كل واحد، وينوي: أصلي عليه إن كان مسلما.
هذا إذا تعذر الاطلاع على ذكره، واختباره بكونه كميشا أم لا، أو لم يعمل (1) بالرواية التي وردت بالرجوع إلى العلامة المذكورة (2).
وربما قيل هنا بالقرعة، لأنها لكل أمر مشتبه.
ومنها: إذا خرج منه شيء، ولم يعلم هل هو مني أو بول، مع تيقنه انحصاره فيهما فقيل: يجب العمل بموجبهما لتيقن البراءة، فيغتسل ويتوضأ (3).
وقيل: يتخيّر، لأنه إذا أتى بموجب أحدهما، شك في الآخر هل هو عليه أم لا، فلا يجب (4). والأظهر الأول، فيكون من القاعدة.
ومنها: لو علم السهو وجهل متعلقة، لكن علم انحصاره في موجب السجود خاصة أو التلافي، أو في موجب الاحتياط أو التلافي، أو في موجب السجود أو الاحتياط، وجبا معا، لما ذكرناه. أما لو دار بين ما يوجب شيئا وما لا يوجبه، لم يجب، لأصالة البراءة.
ومنها: إذا غصب لوحا، وأدخله في سفينة له، واشتبهت بغيرها من سفنه، فإنه يلزمه نزع ألواح الجميع فلو كانت السفينة في اللجة، وفيها
__________
(1) في «م»: يعلم.
(2) تهذيب الأحكام 6: 173، حديث 636الوسائل 11: 112أبواب جهاد العدو باب 65 حديث 1.
(3) حكاه الأسنوي في التمهيد: 86.
(4) التمهيد للأسنوي: 86.(1/57)
مال للغاصب فقط ولم يشتبه، وكان نزعه يؤدي إلى غرق السفينة، ففي النزع وجهان.
فإن قلنا به (1) وهو الأقوى فاختلطت التي فيها اللوح بسفن أخرى للغاصب أيضا، بحيث لا يعرف ذلك اللوح إلا بنزع الجميع، ففي نزعه وجهان. وأولى بعدمه هنا لو قيل به ثم [1].
ولو كانت سفينة المغصوب منه تشرف على الغرق، إذا لم يجعل فيها اللوح الّذي غصبه منها، فالمتجه وجوب قلعه، وإن منع منه ثم، ترجيحا لحق المالك حيث تعارض غرق إحداهما.
ومنها: إذا نذر صوم بعض يوم، فقد قيل: إنه يجب عليه صوم يوم كامل، لأن صوم بعض اليوم ممكن بصيام باقية، وقد التزم البعض، فيلزمه الجميع، بناء على هذه القاعدة (2). وقيل: لا يلزمه شيء، لأنه غير متعبد به شرعا (3).
ولو قيل بأن مفهوم اللقب حجة، فلا إشكال في الفساد، لأنه حينئذ بمنزلة قوله: علي صوم النصف دون غيره، والأظهر الفساد مطلقا.
ومنها: لو غصب صاعا من الحنطة مثلا، وخلطه بآخر، حيث لا يحكم بالانتقال إلى المثل، فإنه يلزمه تسليم الصاعين إلى المغصوب منه لو طلبه، لأن إعطاء المغصوب لا يمكن إلا بذلك، ويصير حينئذ شريكا.
والقول بتنزيله منزلة التالف، أو الفرق بين خلطه بالأجود وغيره، خارج عن المبحث.
[1] أي: لو قيل بعدم النزع في الصورة السابقة، فالقول بعدم النزع في هذه الصورة أولى.
__________
(1) أي بالنزع.
(2) كتاب الفروع لابن مفلح 6: 407، التمهيد للأسنوي: 88.
(3) تحرير الأحكام 2: 106، إيضاح الفوائد 4: 62، نهاية المحتاج 8: 227.(1/58)
ومنها: ما إذا نذر الصلاة في وقت له فضيلة على غيره، فإنه يتعين إيقاعها فيه، أو مطلقا [1] فلو قال: لله علي أن أصلي ليلة القدر ركعتين مثلا تعينت، ثم يبني بره (1) في ليلة مخصوصة على ما يحكم به فيها، فقد اختلف العلماء في تعيينها من الشهر والسنة اختلافا كثيرا، وكذلك الروايات (2).
فإن قيل بانحصارها في شهر رمضان، وجب عليه الصلاة في كل ليلة منه، أو في العشر الأخير منه فكذلك، أو في ليالي الأفراد أو غيرها.
والقول بانحصارها في العشر الأخير قوي، لاشتراك الأخبار الكثيرة فيه، فيجب تكرارها في ليالي العشر.
وفي انحصارها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين رواية حسنة عن أبي عبد اللََّه عليه السلام (3).
قاعدة «12» الواجب إذا لم يكن معلقا بمقدار معين، بل على اسم تفاوت بالقلة والكثرة،
كمسح مقدم الرّأس في الوضوء، فزاد فيه على الاسم، فهل يقع ذلك الزائد نفلا أم واجبا؟ فيه أقوال.
يفرق في ثالثها بين ما لو أوقعه دفعة، وعلى التعاقب فيما يمكن
[1] أي: إذا نذر الصلاة في وقت وإن لم يكن له فضيلة، فإنه يتعين إيقاعها فيه.
__________
(1) بر النذر: الوفاء به.
(2) الكافي 4: 156باب في ليلة القدر، الوسائل 7: 256أبواب أحكام شهر رمضان باب 31، 32.
(3) الكافي 4: 156حديث 1الوسائل 7: 258أبواب أحكام شهر رمضان باب 32حديث 1.(1/59)
فيه الأمران.
واستند الموجب إلى أن الواجب هو الماهية الكلية المتأدية في ضمن أفراد متعددة، فأي فرد أوقعها في ضمنه كان واجبا، زاد أم نقص ونافية إلى جواز ترك الزائد لا إلى بدل، وهو آية عدم الوجوب.
وفيه منع كلية الكبرى المطوية إن أخذت كلية، ومنع عدم البدلية هنا، فإن المجموع الواقع كيف كان بدل عن الإفراد الناقصة وإن دخلت فيه، لأن الكل مغاير لجزئه.
وقد وقع مثله في القصر والتمام حيث يتخير، فإن الركعتين الأخيرتين يجوز تركهما في القصر، مع أنه لو أتم كانتا واجبتين.
نعم يمكن أن يقال علي تقدير التعاقب: بأن الذّمّة قد برئت بفعل الجزء، والأصل عدم وجوب الزائد، وإن أمكن الحكم به (1)، فإن مجرد الإمكان غير كاف، وحينئذ فالتفصيل أجود.
ويتفرع على القاعدة مسائل:
منها: إذا مسح زيادة على الواجب، أو زاد على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود، أو على الأربع، أو زاد في الحلق أو التقصير على مسماه، أو في الهدي على واحد.
أما لو زاد في الكفارات والزكوات والنذور والديون ونحوها، فالزائد ليس بواجب قطعا، لأن لهذه قدرا مضبوطا محدودا شرعا بخلاف ما سبق.
وفائدة الخلاف تظهر في مواضع:
منها: الثواب، فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب النفل، لقوله صلى اللََّه عليه وآله حكاية عن اللََّه تعالى: «وما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما
__________
(1) أي: الحكم بوجوب الزائد.(1/60)
افترضت عليهم» (1).
وقد روي أيضا: «إن القدر الّذي يمتاز به الواجب هو سبعون درجة» (2). وهذا مبني على الغالب، وإلا فقد يفضل المندوب على الواجب في بعض الموارد. ولتحقيقه محل آخر.
ومنها: وجوب الأكل من الهدي الواجب والإهداء والصدقة، حيث يجب في الواحد. فإن قلنا باستحباب الزائد من الهدي لم يجب شيء من الثلاثة، وإن قلنا بوجوبه وجب.
إما الأضحية فيستحب في المتعدد منها ما يستحب في المتحد على التقديرين. نعم لو نذرها لحقها حكم الإهداء الواجب.
ومنها: الحسبان من الثلث إذا أوصى بذلك، أو فعله في مرض موته، فإن جعلناه نفلا حسب من الثلث قطعا، وإن جعلناه فرضا ففي احتسابه من الأصل أو الثلث وجهان، يلتفتان إلى وجوبه وإطلاق إخراج الواجب المالي من الأصل، وإلى إجزاء ما هو أقل منه عنه فلا يجب الزائد، وقد تقدم نظيره.
ومنها: كيفية النية لما يتوقف عليها منه، كالهدي، فإن جعلنا الجميع فرضا فلا بدّ من نية الهدي الواجب في النسك المعين، كالمتحد، والصدقة المفروضة، ونحوهما.
وإن جعلناه نفلا، كفاه الاقتصار على النية للأول، وإن توقف الثواب وجريان أحكام الهدي في الجملة على النية للباقي.
ومنها: وجوب إكمال الزائد متى شرع فيه لو قلنا بوجوبه، للنهي عن
__________
(1) الكافي 2: 352، باب من آذى المسلمين حديث 7، الوسائل 1: 78أبواب مقدمة العبادات باب 23حديث 17، صحيح البخاري 8: 131كتاب الرقاق باب التواضع، بتفاوت.
(2) نقله عن صحيح ابن خزيمة في رد المختار 1: 85.(1/61)
قطع العمل الواجب إلا ما استثني، وإن قلنا باستحبابه جاز قطعه.
ويحتمل جواز قطعه مطلقا، وعدم احتسابه واجبا إلا بعد إكماله، لجواز تركه ابتداء فيستصحب، ولأصالة البراءة من وجوب الإكمال. وهذا متجه.
ولا يرد استلزامه زيادة ما ليس بواجب في الصلاة على تقدير قطعه على ما لا يتحقق معه ذكر، مما ليس بذكر ولا في معناه، لمنع النهي عن ذلك في المتنازع، فإن الشروع فيه مأذون فيه شرعا، والخروج عن وضع الذّكر طارئ بعد القطع، فلا يقدح فيها بوجه.
قاعدة «13» إذا أوجب الشارع شيئا، ثم نسخ وجوبه، جاز الإقدام عليه،
عملا بالبراءة الأصلية، كما أشار إليه في المحصول، في آخر هذه المسألة [1]، وصرح به غيره (1). ولكن الدليل الدال على الإيجاب قد كان أيضا دالا على الجواز دلالة تضمن، فتلك الدلالة هل زالت بزوال الوجوب أم هي باقية؟ اختلفوا فيه.
فقال الغزالي: إنها لا تبقى، بل يرجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب من البراءة الأصلية والإباحة، أو التحريم، وصار الوجوب بالنسخ كأن لم يكن (2).
[1] المحصول 1: 296، قال في آخر كلامه: لكن الناسخ للوجوب لما رفع الوجوب رفع الحرج عن الترك، فقد حصل بهذا الدليل زوال الحرج عن الترك، وقد بقي أيضا القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو زوال الحرج عن الفعل، فيحصل من مجموع هذين القيدين زوال الحرج عن الفعل وعن الترك معا، وذلك هو المندوب والمباح. ولعله بهذا الكلام أشار إلى البراءة الأصلية.
__________
(1) فواتح الرحموت 1: 69.
(2) المستصفى 1: 73.(1/62)
وذهب الأكثر إلى أنها باقية (1)، ومرادهم بالجواز: هو التخيير بين الفعل والترك، وهو الّذي صرح الغزالي بعدم بقائه، وحينئذ فيكون الخلاف بينهما معنويا، خلاف ما ادعاه بعضهم (2) ويكون الجواز الّذي كان في الواجب جنسا، وفصلة المنع من الترك، قد صار فصله بعد النسخ هو التخيير بين الفعل والترك، فإن الناسخ أثبت رفع الحرج (3) عن الترك، فالماهية الحاصلة بعد النسخ مركبة من قيدين:
أحدهما: زوال الحرج عن الفعل، وهو مستفاد من الأمر.
والثاني: زواله عن الترك، وهو مستفاد من الناسخ. وهذه الماهية هي المندوب أو المباح.
وقد تلخص من ذلك أنه إذا نسخ الوجوب بقي الندب أو الإباحة من الأمر مع ناسخه، لا من الأمر فقط.
وموضع الإشكال، ما إذا قال الشارع: نسخت الوجوب، أو نسخت تحريم الترك، أو رفعت ذلك.
فأما إذا نسخ الوجوب بالتحريم، أو قال: رفعت جميع ما دل عليه الأمر السابق، من جواز الفعل وامتناع الترك، فيثبت التحريم قطعا.
ونحو هذا الخلاف، ما يعبر عنه الفقهاء كثيرا بقولهم: إذا بطل الخصوص هل يبطل العموم؟.
إذا علمت ذلك ففروع مسألة النسخ حقيقة قليلة. ومما فرعه عليه بعض الأصحاب:
__________
(1) كما في مسلم الثبوت (فواتح الرحموت) 1: 103، والمحصول 1: 296. وتهذيب الوصول: 28.
(2) نقله عن ابن التلمساني في التمهيد: 100.
(3) في «م»: الحجر.(1/63)
انعقاد الجمعة حال الغيبة وعدمه، بناء على أن وجوبها إذا ارتفع لفقد الشرط الّذي هو الإمام أو من نصبه، بقي الجواز (1).
وهو تفريع فاسد، لأن الوجوب لم ينسخ، وإنما تخلف على القول به لفقد الشرط، وهو أمر آخر غير النسخ.
ولو كان فقد شرط الوجوب نسخا له، لزم القول بأن العبادات كلها منسوخة، حيث يختل بعض شرائطها، وهو فاسد إجماعا.
والحق أن المرتفع هو الوجوب الخاصّ، وهو العيني على ما ادعاه الأصحاب لا التخييري، وهو أحد أفراد الواجب، فوجوبها في الجملة باق.
وأما ارتفاع الخاصّ مع بقاء العام فمن فروعه تنزيل القراءة الشاذة منزلة الخبر، وسيأتي الكلام فيه (2).
ومنها: إذا بطلت الجمعة بخروج الوقت في أثنائها، قبل إدراك ركعة على القول باشتراطه، فهل تنقلب ظهرا، حيث تعذرت الوظيفة الخاصة للجمعة، وهي الجمعة، فيبقى العام.
أم تبطل، لفقد شرط الصحة، فضلا عن الوجوب، مع عدم نية الظهر التي هي شرط في صحة العمل، ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه، وقد افتتحت على الجمعة، ولم تسلم؟ قولان.
ومنها: إذا نذر صلاة، وعين لها مكانا لا مزية فيه. قيل: بطل.
التعيين، ووجبت الصلاة، ويوقعها في أي موضع أراد على أحد القولين (3). والأقوى تعين ما عينه مطلقا.
__________
(1) إيضاح الفوائد 1: 119.
(2) في ص 84، قاعدة 18.
(3) التنقيح الرائع 3: 526.(1/64)
ومنها: إذا باع السيد العبد المأذون أو أعتقه، ففي انعزاله وجهان:
من أن الإذن تابعة للملك، ومن بقاء معناه العام، وإن توقف تصرفه على إذن المولى المتجدد.
وموضع الخلاف ما إذا عبر بالإذن المطلق، أما لو صرح بالوكالة، لم تبطل على الأقوى. وربما أتى فيه الوجهان.(1/65)
الباب الثاني في أركان الحكم وهي: الحاكم، والمحكوم عليه، وبه
قاعدة «14» الأفعال الصادرة من الشخص قبل بعثة الرسل،
إن كانت اضطرارية، كالتنفس في الهواء، وأكل ما تقوم به البينة، فهي غير ممنوع منها.
وأما الاختيارية، كأكل الفاكهة ونحوها، ففيها ثلاثة أقوال:
أحدها: إنها على الإباحة (1).
والثاني: على الحظر (2).
والثالث: الوقف، بمعنى عدم العلم بأحدهما، مع أنه لا يخلو عنه (3) أو بأنه لا حكم (4).
__________
(1) الذريعة 2: 809، المعتمد 2: 315.
(2) نقله عن المعتزلة البغدادية وأبي علي بن أبي هريرة في المحصول 1: 47.
(3) فواتح الرحموت 1: 48. المحصول 1: 47، ونقله عن أبي الحسن الأشعري وأبي بكر الصيرفي.
(4) الإحكام لابن حزم 1: 51، المستصفى 1: 65، الإحكام للآمدي 1: 130.(1/66)
واستند الأول إلى أن اللََّه خلق العبد وما ينتفع به، فلو لم يبح له كان خلقه (1) عبثا.
وبأنه إذا تحقق أنه لا مفسدة في أكل الفاكهة مثلا ولا مضرة، مع ظهور المنفعة، فذلك حسن.
والثاني إلى أن الفعل تصرف في ملك اللََّه بغير إذنه، وهو قبيح.
وأجيب: بأن الإذن معلومة عقلا، حيث لا ضرر على المالك، كالاستظلال بحائط الغير (2).
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: إذا وقعت واقعة ولم يوجد من يفتي فيها، فقيل: حكمها حكم ما قبل ورود الشرع، وقيل: لا حكم فيها، ولا تكليف أصلا [1].
ومنها: ما لو خفي عليه المقدار المعفو عنه من الدم مثلا، ولم يجد من يعرفه، فقيل: يبني على هذا الأصل (3).
وفيه نظر، لأن النجاسة مانعة، فلا تصح الصلاة بها إلا مع تيقن العفو عنها.
ويحتمل أن يقال: إن الأصل صحة الصلاة وبراءة الذّمّة من وجوب إزالتها، إلى أن يعلم خلافه.
[1] قال الأسنوي في التمهيد: 111، إذا وقعت واقعة ولم يوجد من يفتي فيها فحكمها كما قال في الروضة في كتاب القضاء حكم ما قبل ورود الشرع، قال: والصحيح في ذلك أنه لا حكم فيها، ولا تكليف أصلا، انتهى. وقد يستفاد القول الأول من عموم كلام ابن حزم في الإحكام 1: 59.
__________
(1) في «م»، «ح»: خلقهما.
(2) كما في المعتمد 1: 320.
(3) التمهيد للأسنوي: 111.(1/67)
ومنها: ما فرعه بعضهم (1) فقال: إذا قرر النبي صلى اللََّه عليه وآله غيره على فعل من الأفعال، هل يدل على الجواز من جهة الشرع، أو من جهة البراءة الأصلية، فيكون الأصل هو الإباحة؟
فإن قلنا: أصل الأشياء على التحريم، دل التقرير على الجواز شرعا، وإن قلنا: أصلها على الإباحة، فلا.
ومن فوائد هذا الخلاف الأخير: أن رفعه هل يكون نسخا أم لا؟ فإن رفع البراءة الأصلية بابتداء شرعية العبادات ليس بنسخ، على ما حقق في محله.
قاعدة «15» لا يصح عندنا ابتداء التكليف بمن لا يفهم الخطاب، كالنائم، والمجنون، والسكران، والغافل، مطلقا، بناء على امتناع التكليف بالمحال.
وأطلق الأصوليون بطلان التكليف له من غير تقييد بالمبتدإ، ولكن يظهر من قوة استدلالهم إرادة ذلك.
كقولهم: إن مقتضى التكليف بالشيء الإتيان به امتثالا، وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به، والغافل لا يعلم ذلك، فيمتنع تكليفه، فإن هذا لا تجب مراعاته إلا في نية الفعل المتوقف على النية دون سائره، كما لا يخفى.
ويتفرع على إمكانه له استدامة: عدم بطلان صلاة الساهي عن بعض الأفعال، وصوم النائم، والمعتكف، والمحرم، وغيرهم من المتلبسين بالعبادة، وإن استحال ابتداؤهم بالتكليف.
__________
(1) وهما الماوردي والروياني كما في التمهيد: 111.(1/68)
وما ذهب إليه بعضهم من بطلان الصوم بالنوم بناء على إطلاق القاعدة (1) ضعيف، لما ذكرناه، مع موافقته للإجماع (2) على عدم بطلان الصوم بالأكل سهوا، وهو أقوى منافاة له من النوم، وأبعد عن امتثال الأمر به.
وكذا عدم بطلان صلاة الساهي على كثير من الوجوه. ووجوب القضاء على بعض الغافلين، كالنائم والسكران، وثبوت الحد عليه بالزنى والقذف على الخلاف لدليل خارجي.
وقد روي ما يخالف القاعدة: أنّ السكرى إذا زوجت نفسها ثم أفاقت وأمضته أن العقد يصح [1]، وأنّ المجنون إذا زنى بعاقلة يحد (3). وعمل بمقتضاهما بعض الأصحاب (4) وهو مطرح.
وللعامة خلاف في أن السكران هل هو مكلف أم لا؟ ففي قول لهم: «أن حكمه حكم الصاحي مطلقا» (5) وفي ثان «عدمه
[1] روى محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت، فزوجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت. فأنكرت ذلك، ثم ظنّت أنه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرّجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال: «إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها» قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال: «نعم». انظر الفقيه 3: 409حديث 4430، والتهذيب 8: 392حديث 1571، الوسائل 14: 221أبواب عقد النكاح باب 14 حديث 1.
__________
(1) نقله عن أبي سعيد الإصطخري في المجموع 2: 345.
(2) في «ح»: على الإجماع.
(3) الكافي 7: 192حديث 3، التهذيب 10: 19حديث 56، الوسائل 18: 388أبواب حد الزنا باب 21.
(4) كالشيخ في النهاية: 468.
(5) مسلم الثبوت (فواتح الرحموت) 1: 145، كتاب الأم 5: 253، التمهيد للأسنوي: 113.(1/69)
مطلقا» (1) وفي ثالث: «أنه مكلف فيما عليه دون ماله» (2).
قاعدة «16» شرط التكليف بالفعل: حصول التمكن منه، فإذا كلف به فلا بد أن يمضي زمان فعله متمكنا منه،
وإلا كان تكليفا بما لا يطاق.
وهذا شرط لوجوبه في نفس الأمر، أما بحسب الظاهر فقد يجب الشروع فيه قبل العلم باستمرار الشرط، ثم إن حصل تبين استقرار الوجوب، وإلا تبين سقوطه.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا دخل وقت الصلاة، وجنّ، أو حاضت المرأة، أو نفست، ونحو ذلك، قبل مضي زمان يسعها، فإنّ القضاء لا يجب عليه ولو زال العذر آخر الوقت كفى إدراك قدر ركعة مع الشرائط المفقودة، إذا أمكن فعل الباقي خارج الوقت جامعا للشرائط.
وهذا بحسب الظاهر وإن كان مخالفا للقاعدة من حيث التكليف بعبادة في وقت لا يسعها، إلا أنّ ما خرج من الوقت بمنزلته، للنص الصحيح المستفيض بأن: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» (3) فيكون ذلك شرعا بمنزلة إدراك الوقت أجمع.
وعليه يتفرع كونه مؤديا للجميع، ويضعف كونه قاضيا مطلقا، أو لما وقع
__________
(1) الأحكام للآمدي 1: 200، والمحصول 1: 330.
(2) المستصفى 1: 84.
(3) الذكرى: 122، الوسائل 3: 158أبواب المواقيت باب 30. حديث 4، صحيح البخاري 1: 151باب مواقيت الصلاة.(1/70)
خارج الوقت.
ومنها: إذا وجد المتيمم الماء، وتمكن من استعماله، فإن المشهور انتقاض تيممه حينئذ (1)، وليس كذلك، بل الحق أنّ انتقاضه مشروط بمضي زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة تامة، ليتم الحكم بالقدرة على الطهارة المائية، فلو تجدّد عجزه عنه بمنع المالك أو بمرض ونحوه قبل مضي زمن الطهارة، كشف عن عدم التمكن، فلا ينتقض التيمم.
ومنها: إذا أيسر من لم يحج، ثم مات تلك السنة قبل التمكن من الحج، فلا يجب قضاء الحج عنه، لعدم وجوبه عليه بسبب ما ذكرناه، سواء كان يساره وموته في أشهر الحج أم لا.
وكذا لو ذهب ماله قبل مضي زمن يمكنه فيه الإتيان بواجب الحج، سواء ذهب وهو متلبس بالسفر أم لا.
واشترط العلامة في التذكرة بقاء المال إلى رجوع القافلة، استنادا إلى اشتراط نفقة الرجوع في وجوبه (2).
هذا كله إذا سقط الشرط بغير اختياره، أما لو كان باختياره بأن وهب المال، فظاهر الأصحاب وغيرهم عدم السقوط، إذا كان ذلك بعد التلبس بالسفر أو ما في حكمه. ويمكن إلحاقه بغير الاختياري، لفقد الشرط وإن أثم.
ومنها: إذا نذر التضحية بحيوان معيّن، فمات قبل إمكان ذبحه في وقتها [فلا ضمان] (3). ولو مات قبل انقضاء أيام التشريق، وبعد التمكن، ففي الضمان وجهان: من تفويت النذر مع القدرة، ومن عدم التقصير من
__________
(1) كما في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 25، والنهاية: 50، والشرائع 1: 40.
(2) التذكرة 1: 300.
(3) أثبتناه لاقتضاء السياق.(1/71)
حيث اتساع الوقت.
ونحوه الكلام في وجوب قضاء صلاة موسعة لو مات في وقتها بعد مضي زمن يمكنه فعلها فيه.
ومنها: إذا أحرم وفي ملكه صيد، فمات قبل التمكن من إرساله. وربما احتمل هنا الضمان، بناء على وجوب إرساله حين إرادة الإحرام، كما يجب عليه إزالة الطيب عن بدنه وثوبيه قبله.
وهو ضعيف.
ومنها: إذا فعل ما يوجب التكفير في شهر رمضان، ثم جنّ أو مات ذلك اليوم، فلا كفارة، لتبيّن عدم وجوب الصوم. وكذا لو سافر سفرا ضروريا، بل مطلق السفر الموجب للقصر، على أحد القولين.
وقيل: لا تسقط الكفارة بذلك كله، لصدق فعل موجبها في صوم واجب حين الفعل، فلا يبطله طروء المسقط (1). وربما فرّق بعضهم بين السفر الضروري وغيره (2).
ويمكن بناء المسألة على قاعدة أخرى، وهي أنه إذا علم المكلّف عدم الشرط المعتبر في التكليف، هل يجوز أن يكلّف به؟ فقد جوّزه قوم لما يشتمل عليه من مصلحة توطين النّفس، ونيل الثواب بالرضا بأمر اللََّه تعالى (3).
ورده آخرون، لاستحالته، من حيث إنه تكليف بما لا يطاق (4).
__________
(1) كما في الخلاف 2: 219.
(2) القواعد 1: 66، إيضاح الفوائد 1: 234.
(3) كالآمدي في الإحكام 1: 205، وصاحب فواتح الرحموت 1: 153.
(4) كما في الذريعة 1: 163، والمعتمد 1: 166.(1/72)
قاعدة «17» الإكراه إن كان ملجئا، وهو الّذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار،
كالإلقاء من شاهق، لم يصح معه التكليف لا بالفعل المكره عليه لضرورة وقوعه ولا بضده لامتناعه.
والتكليف بالواجب وقوعه والممتنع وقوعه محال، لاشتراطه بالقدرة، والقادر هو: إن شاء فعل، وإن شاء ترك.
وإن كان غير ملجئ، كما لو قال له: إن لم تكفر أو تقتل زيدا وإلا قتلتك، وعلم أو غلب على ظنه أنه إن لم يفعل وإلا قتله، فلا يمتنع معه التكليف، ويدل عليه بقاء تحريم القتل.
وردّه المعتزلة (1) استنادا إلى اشتراط كون المأمور به بحال يثاب عليه، والمكره آت بالفعل لداعي الإكراه، لا لداعي الشرع، فلا يثاب عليه ولا يمتنع في نقيضه، لأنه إذا أتى به كان أبلغ في إجابة داعي الشرع.
وقيل: إنه إن أتى به لداعي الشرع صح، أو لداعي الإكراه فلا (2).
وهذا يرجع إلى اعتبار نية الإخلاص في العمل، فمن فعله لداعي الإكراه فقد فعله لغير اللََّه، ومن فعله لداعي الشرع فقد أخلص.
إذا علمت ذلك فللقاعدة فروع:
منها: المكره على فعل مبطلات الصلاة والصوم، وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في فساد العبادة به.
ومنشؤه من صدق فعل المفسد اختيارا، حيث لم يذهب القصد، لأنه
__________
(1) المعتمد 1: 165، ونقله عنهم في التمهيد: 120.
(2) المستصفى 1: 90، المنخول: 32.(1/73)
الفرض ومن عموم قوله صلى اللََّه عليه وآله: «رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» (1) والمراد رفع حكمها، ومن جملته إعادة الفعل وقضاؤه.
ولا خلاف في سقوط الكفارة حيث تجب بدونه، كما لا خلاف في الإبطال لو كان المنافي مما يبطل مطلقا كالحدث.
والأجود الإفساد وإن انتفى الإثم.
ومنها: إذا أكره على وطء الحائض والنفساء، حيث يوجب الكفارة.
والأقوى أنها لا تجب حينئذ.
ومنها: إذا أكره على ترك الوضوء فتيمم، وفي وجوب القضاء حينئذ وجهان: من صدق وجود الماء، الّذي عدمه شرط جواز التيمم.
ومن عدم النهي من استعماله، الّذي هو المعتبر من وجوده ولأنه في معنى غصب الماء والأجود عدم القضاء. والفرق بأن غصب الماء أكثري بخلاف الإكراه على ترك الوضوء، لا يكفي في اختلاف الحكم.
ومنها: إذا اخرج من المعتكف مكرها، وفي الإبطال به خلاف مشهور. والأقوى الإبطال مع طول الزمان، بحيث يخرج عن كونه معتكفا، لا بدونه.
ومنها: إذا أخرج أحد المتبايعين من مجلس العقد مكرها، فإن خياره لا ينقطع بهذا إذا منع من الفسخ، بأن حمل من المجلس وسدّ فوه، فإن لم يمنع فوجهان، أجودهما الانقطاع.
ومنها: الإكراه على الذبح، وهو محصّل للمقصود مع اجتماع شرائطه
__________
(1) التوحيد: 364، الخصال 2: 44، الوسائل 11: 259أبواب جهاد النّفس باب 56حديث 1، سنن ابن ماجة 1: 659باب طلاق المكره والناسي حديث 2043.(1/74)
المعتبرة، فإن الاختيار لم يثبت كونه شرطا هنا.
ومثله الإكراه على الدباغ في جواز استعمال الجلد حيث يعتبر، أو في طهارته على قول بعض الأصحاب (1) وقول العامة مطلقا (2).
ومنها: قبول القضاء عند الإكراه عليه، وهو صحيح إن تعين عليه، لأنه إكراه بحق، وإن لم يتعيّن فوجهان.
ومنها: إذا أكره المشتري على قبض المبيع، هل يدخل في ضمانه؟ والمتجه الدخول إن كان المكره البائع، وكان ذلك في حالة يجب عليه قبضه منه، وإن لم يكن كذلك فلا.
ومنها: إكراه المغصوب منه على أكل المغصوب أو إتلافه. وفي براءة الغاصب بذلك وجهان، مبنيان على ترجيح جانب الغرور، أو المباشرة، والأول أولى.
ومنها: إذا وقف على سكان موضع، فأخرج أحدهم كرها، ففي بطلان استحقاقه نظر، ولعل البطلان أوجه مع خروجه عن كونه من سكانه عرفا.
ومنها: إكراه الذمي على الشهادتين، ولا يحصل به الإسلام بخلاف الحربي والمرتد عن ملة، والمرأة مطلقا، والظاهر إلحاق الخنثى بها.
ومنها: إذا فعل المحلوف عليه مكرها، والأقوى عدم الحنث به مطلقا.
وفي انحلال اليمين كالعمد [1] وجهان.
ومنها: الإكراه على العقود، كالبيع ونحوه بغير حق، وهو مانع
[1] في «ح»: كالعهد. والمراد: أنه في صورة فعل المحلوف على تركه عمدا ينحل النذر وتجب الكفارة، فهل ينحل في صورة الإكراه كصورة العمد أم لا؟
__________
(1) نقله عن ابن الجنيد في منتهى المطلب 1: 191.
(2) الأم 1: 9، المجموع 1: 217، بدائع الصنائع 1: 85، بداية المجتهد 1: 76، أحكام القرآن للجصاص 1: 115، التفسير الكبير 5: 16.(1/75)
من صحتها قطعا.
ومنها: التلفظ بكلمة الكفر بالإكراه. والأفضل أن لا يتلفظ وإن قتل.
ومنها: إذا أكره على القتل، فإنه لا يباح إجماعا، ويجب به القصاص إن لم يبلغ حد الإلجاء، وإلا فالدّية. ويتحقق في غيره وإن كان قطعا عندنا.
ومنها: الإكراه على الزنا، وهو متحقق في طرف المرأة عندنا، فلا حدّ ولا إثم. وفي تحققه في طرف الرّجل قولان، أجودهما ذلك، لأن الانتشار طبيعي والإيلاج متصور وإن عدم الداعي.
ومنها: السرقة وشرب الخمر يباحان بالإكراه، ويسقط الحد عندنا.
ومنها: إتلاف المال، وهو يباح بالإكراه. وأما الضمان فيجب على الآمر، وهل يطالب المأمور أيضا؟ وجهان. فإن قيل به رجع على الآمر بما غرم، ويحتمل عدمه.
ومنها: إكراه المحرم على الصيد، وهو كالإكراه على إتلاف مال الغير، فتجب الكفارة على الآمر إن كان محرما. وفي وجوبها على المكره وجهان.
ومنها: الإكراه على الإرضاع، ولا خلاف في ثبوت التحريم به. إذ القصد غير معتبر فيه. وأما غرامة المهر إذا انفسخ به النكاح، ففي وجوبه على المرضعة أو المكره وجهان.
ومنها: إكراه المحلل على الوطء بعد العقد الصحيح، وهو يفيد التحليل واستقرار المهر على ما يقتضيه إطلاقهم.
ومنها: إرث القاتل مكرها لو قيل به في قتل الخطأ، وفيه وجهان من عموم النص على عدم إرثه، ومن ارتفاع حكمه بالإكراه.
مسألة: الكفار هل هم مكلّفون بفروع الشريعة؟
فيه مذاهب: أصحها: أنهم مكلّفون بها مطلقا، لتناول الأمر
بالعبادة العام لهم، والكفر غير مانع، لإمكان إزالته، والآيات الموعدة بترك الفروع، مثل {وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لََا يُؤْتُونَ الزَّكََاةَ} (1) وغيرها (2).(1/76)
فيه مذاهب: أصحها: أنهم مكلّفون بها مطلقا، لتناول الأمر
بالعبادة العام لهم، والكفر غير مانع، لإمكان إزالته، والآيات الموعدة بترك الفروع، مثل {وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لََا يُؤْتُونَ الزَّكََاةَ} (1) وغيرها (2).
فعلى هذا يكون الكافر مكلفا بفعل الواجب وترك الحرام، وبالاعتقاد في (3) المندوب والمكروه والمباح.
والثاني: لا، مطلقا.
والثالث: مكلّفون بالنواهي دون الأوامر.
والرابع: المرتد مكلّف، دون الكافر الأصلي.
والخامس: مكلّفون بما عدا الجهاد، لامتناع قتالهم أنفسهم.
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: إذا زنى الذمي فعندنا يجب عليه الحد، ويتخير الإمام بين إقامته عليه بمقتضى شرعنا، وبين دفعه إلى أهل ملته ليقيموه عليه بموجب شرعهم.
واختلف العامة في ذلك اختلافا كثيرا بسبب الأقوال المتقدمة.
ومنها: إذا تعاطى شيئا يوجب الكفارة على المسلم وجبت عليه. وفي جواز أخذ الإمام ومن في معناه لها من ماله وجهان وكذا في سقوطها لو أسلم كالزكاة، للعموم.
ومنها: إذا نذر شيئا فإنه لا يجب عليه الوفاء به مطلقا، لتعذّر صحة النذر منه من حيث اشتراطه بالقربة، لكن يستحب له الوفاء به لو أسلم.
ومنها: إعانة المسلم له على ما لا يحل عندنا، كالأكل والشرب في نهار رمضان بضيافة وغيرها، فعلى القول بتكليفه بالفروع ففي تحريمه وجهان:
من أنه إعانة على المحرم، وأصالة الحل.
__________
(1) فصلت: 6.
(2) المؤمن: 10، المرسلات: 48، 49.
(3) في «م» وفي.(1/77)
والوجهان آتيان في تمكين الزوجة المحلة والمفطرة للزوج المحرم والصائم وجوبا، والبائع بعد النداء للجمعة ممن عليه الجمعة مع من لا تجب عليه.
والأجود التحريم في الجميع. وعلى القول بعدم تكليفه لا يحرم.
ومنها: إذا جاوز الكافر الميقات مريدا النسك، ثم أسلم فعلى تكليفه يكون كالمتعمد، وعلى الآخر كمن لا يريد النسك.
ومنها: إذا غصب خمرا من ذميّ، واللازم من القاعدة عدم وجوب ردّها، إلّا أنّ المختار هنا الوجوب مع استتاره بها.
ومنها: منعه من لبس الحرير والذهب إذا كان رجلا، واللازم وجوبه أيضا، والظاهر عدم وجوبه.
وحينئذ فلو مات الذمي فأراد قريبه المسلم تكفينه فيه، فهل له ذلك، لأن لبسه حيا جائز أم لا، نظرا إلى تحريمه خصوصا على المسلم؟ وجهان.(1/78)
المقصد الثاني في الكتاب والسنة
وفيه أبواب:
الباب الأول: في اللغات
مقدمة: الكلام ونحوه كالقول والكلمة يطلق عندنا حقيقة على اللساني خاصة،
وهو اللفظ، ويطلق مجازا على النفسانيّ، وهو المعنى القائم بالنفس. وعند الأشاعرة يطلق عليهما بالاشتراك اللفظي، وبالغ في المحصول في باب الأوامر والنواهي فقال: إنه حقيقة في النفسانيّ فقط (1) ووافق الجمهور فيه في باب اللغات (2).
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة:
قوله صلى اللََّه عليه وآله: «فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ
__________
(1) الموجود خلافه كما يظهر بالتأمل، وإن كان ابتداء كلامه يوهم ذلك، انظر المحصول 1: 196، ولعل الشهيد اعتمد على نقل الأسنوي ذلك في التمهيد: 135.
(2) المحصول 1: 55.(1/79)
شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم» (1). فهل يقوله بقلبه أو بلسانه؟ وجهان:
فذهب جماعة إلى أنه: يذكّر نفسه بذلك لينزجر، فإنه لا معنى لذكره بلسانه إلا إظهار العبادة، وهو رياء أو معرض له (2). وبناء هذا التنزيل على الأخير واضح، وعلى الثاني بالحمل على أحد معاني المشترك لقرينة، وعلى الأول بجعل القرينة مرجّحة للمعنى المجازي.
وقيل: بل يقوله بلسانه، حملا على المعنى الحقيقي، أو لأنه أقرب إلى إمساك صاحبه عنه (3).
وفصّل ثالث فقال: إن كان الصوم واجبا قال بلسانه، وإن كان ندبا فبقلبه، لبعد الأول عن الرياء، وقرب الثاني (4). وهو حسن، إلا أن يثق بعدم الرياء والسمعة، فاللسان أولى فيهما، مراعاة للحقيقة.
ومنها: إذا حلف أن لا يتكلم، أو لا يذكر كذا، فإنه لا يحنث إلا بما تكلّم بلسانه، دون ما يجريه على قلبه. ووافق القائل بالكلام النفسيّ هنا، ولعله فهم التخصيص من العرف (5).
ومنها: ما قالوه في حد الغيبة: «أنها ذكر الشخص بما يكرهه بشروطه المقررة» وهو لفظ الحديث النبوي (6).
__________
(1) صحيح البخاري 3: 34كتاب الصوم، صحيح مسلم 2: 507حديث 160، سنن ابن ماجة 1: 539حديث 1691، الموطأ 1: 310كتاب الصيام حديث 57.
(2) فتح العزيز 6: 421، معالم السنن (مختصر سنن أبي داود) 3: 240
(3) المجموع 6: 356، معالم السنن 3: 240.
(4) شرح صحيح مسلم للنووي (إرشاد الساري) 5: 131، واستحسنه الروياني كما في التمهيد للأسنوي: 137.
(5) في «ح»: من أمثال العرف.
(6) مجالس الشيخ: 341، الوسائل 8: 598أبواب أحكام العشرة باب 152ح 9، صحيح مسلم 5: 162باب تحريم الغيبة حديث 70، الموطأ 2: 987كتاب الكلام حديث 10.(1/80)
وقد ذهب جماعة من المحققين (1) إلى أنها تحصل بالقلب كما تحصل باللفظ، وهو سوء الظن به إذا عقد عليه القلب، وحكم عليه بالسوء من غير يقين (2).
وهو من جهة الخبر السابق يوافق القاعدة.
ولنا على تحققها به قوله صلى اللََّه عليه وآله: «إن اللََّه تعالى حرم من المسلم دمه، وماله، وأن يظن به ظن السوء، فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به الدم والمال، وهو تيقن مشاهدة، أو بينة عادلة، أو ما جرى مجراهما من الأمور المفيدة لليقين» (3) وغيره من الأخبار.
قاعدة «18» اختلفوا في أن اللغات هل هي توقيفية أم اصطلاحية (4) على مذاهب:
فذهب الأشعري (5) وجماعة (6) إلى الأول مطلقا، ومعناه أن اللََّه تعالى وضعها ووقفنا عليها، أي أعلمنا بها.
وذهب أبو هاشم إلى الثاني مطلقا (7).
__________
(1) كالغزالي في إحياء علوم الدين 3: 150.
(2) في «د»: تعيين، وفي «ح»: تعين.
(3) من لا يحضره الفقيه 3: 569حديث 4946.
(4) معنى أنها توقيفية: أن اللََّه وضعها ووقفنا عليها أي أعلمنا بها. ومعنى أنها اصطلاحية: انها بوضع البشر.
(5) نقله عنه في المحصول 1: 57، والإحكام للآمدي 1: 109ومبادئ الوصول للعلامة: 3، والتمهيد للأسنوي: 137.
(6) منهم ابن حزم في الإحكام 1: 32، والآمدي في الإحكام 1: 111، والعلامة في مبادئ الوصول: 3، ونقله عن ابن فورك في المحصول 1: 57، واختاره هو في ج 2ص 421.
(7) نقله عنه في المحصول 1: 58.(1/81)
وقال أبو إسحاق الأسفراييني: الألفاظ التي يقع بها التنبيه إلى الاصطلاح توقيفية، والباقي محتمل (1).
وفي المحصول قول رابع: إن ابتداء اللغات اصطلاحي، والباقي محتمل (2).
وتوقف جماعة في المسألة (3).
وذهب عباد بن سليمان الصيمري وجماعة إلى أن الألفاظ لا تحتاج إلى وضع، بل تدل بذاتها، لما بينها وبين معانيها من المناسبة. كذا نقله في المحصول (4). ومقتضى كلام الآمدي في النقل عنه: أن المناسبة مشروطة، لكن لا بد من الوضع (5).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
المسألة المعروفة بمهر السر والعلانية، وهي ما إذا تزوج الرّجل امرأة بألف، وكانا قد اصطلحا على تسمية الألف بألفين، فهل الواجب ألف، وهو ما يقتضيه الاصطلاح اللغوي، أو ألفان، نظرا إلى الوضع الحادث؟ فيه وجهان، مبنيان.
ويمكن القول بالبطلان على القول بالتوقيف، لأن الموضوع اللغوي غير ملفوظ، والملفوظ غير مقصود، ولا يتم العقد إلا بهما.
ومنها: إذا قال يا حلال يا ابن الحلال ونحوه وهما في الخصومة
__________
(1) نقله عنه الآمدي في الإحكام 1: 111، والأسنوي في التمهيد: 138.
(2) المحصول 1: 58.
(3) منهم الرازي في المحصول 1: 64، وابن السبكي في رفع الحاجب ج 1قاعدة 69، ونقله عن القاضي في التمهيد: 138.
(4) المحصول 1: 57، ونقله أيضا في فواتح الرحموت 1: 184.
(5) الإحكام في أصول الأحكام 1: 110.(1/82)
ونوى الزنا، فلا حد عليه، لأن اللفظ لا يحتمله، ويثبت عليه التعزير، للتعريض. هذا إن قلنا بالتوقيف، ولو قلنا اصطلاحية اتجه ثبوته.
وربما احتمل ثبوته مطلقا، لما بين اللفظين من العلاقة الصحيحة، وهي المضادة، فيكون مجازا صحيحا معتبرا في كلام العرب، وقد اعترف به المتكلم بقرائن حاله.
ومنها: البيع المسمى «بالتلجئة» بالتاء المثناة والجيم، وصورته: أن يخاف غصب ماله، أو الإكراه على بيعه، فيلجأ إلى إنسان، فيتفق معه على صدور لفظ الإيجاب والقبول، لا لحقيقة البيع ولكن لدفع المتغلب عليه، ثم يبيعه بيعا مطلقا، فصححه بعض العامة، اعتبارا بالوضع (1). والأجود العدم، اعتبارا بالقصد.
ومنها: إذا باع أو أعتق أو طلق أو حلف ونحو ذلك، ثم ادعى عدم إرادة المعنى من اللفظ، فقد قيل: يبنى على الخلاف السابق، فإن قلنا إن اللغات توقيفية لم يلتفت إلى دعواه، وإن قلنا إنها اصطلاحية دين بنيته (2).
ومنها: إذا غلط الإمام فنبهه المأموم بقوله: سبحان اللََّه ونحوه، قاصدا التنبيه فقط، أو توقفت عليه القراءة فردده بهذا القصد، أو كبر المبلغ قاصدا التبليغ ونحو ذلك، فإن صلاته تبطل بناء على كونها اصطلاحية، لعدم تحقق الذّكر والقراءة حينئذ وعلى القول بأنها توقيفية يحتمل ذلك أيضا، نظرا إلى قصد خلاف المعنى والصحة، لأن اللفظ موضوع للذكر والقراءة، فلا أثر للقصد المخالف.
ويشكل بأنه إذا صرفه إلى غيره التحق بكلام الآدميين وامتنع الثواب عليه.
__________
(1) التمهيد: 139.
(2) الفروق 1: 38، التمهيد للأسنوي: 140.(1/83)
وأشكل منه ما لو لم يقصد شيئا وأولى بالصحّة هنا، حملا للغة على موضوعها، حيث لا معارض. ويجيء على الاصطلاح البطلان حيث لم ينصرف إلى الذّكر وما في معناه، لتخلف قصده.
مسألة: القراءة الشاذة كقراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات (1)
هل تنزل منزلة الخبر أم لا؟ ذهب إلى كل منهما فريق من الأئمة والأصوليين (2)، نظرا إلى (اعتبار) (3) روايته والتفاتا إلى أن الراوي لم ينقلها خبرا، والقرآن لا يثبت بالآحاد.
وفرعوا على ذلك وجوب التتابع في كفارة اليمين وعدمه. وهذا الحكم عندنا ثابت من غير القراءة، وإنما تظهر الفائدة في الحجة من القراءة.
قاعدة «19» إطلاق المشتق كاسم الفاعل واسم المفعول باعتبار الحال حقيقة بلا نزاع،
وإطلاقه باعتبار المستقبل كقوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (4) مجاز قطعا، وباعتبار الماضي فيه مذاهب، أصحها عندنا: أنه حقيقة، سواء أمكنت مقارنته له كالضرب، أم لم تمكن كالكلام (5).
__________
(1) مجمع البيان 2: 238.
(2) نقل الأول عن الرافعي والقاضي أبو الطيب في فواتح الرحموت 2: 16، واختار هو حجيته على كل حال، ونقله عن أبي حنيفة في المستصفى 1: 102، واختار هو الثاني.
(3) ليس في «م»، «د».
(4) الزمر: 30.
(5) كما في المحصول 1: 86، وتهذيب الأصول للعلامة: 10.(1/84)
والثاني: أنه مجاز مطلقا (1).
والثالث: التفصيل بالممكن وغيره (2).
وتوقف الآمدي (3) وجماعة (4)، فلم يصححوا شيئا.
ومحل الخلاف ما إذا لم يطرأ على المحل وصف وجودي يناقض المعنى الأول أو يضاده، كالزناء والقتل والأكل والشرب فإن طرأ من الوجودات ما يناقضه أو يضاده، كالسواد مع البياض، والقيام مع القعود، فإنه يكون مجازا اتفاقا، على ما ذكره في المحصول (5) وغيره (6).
هذا كله إذا كان المشتق محكوما به، كقولك: زيد مشرك أو قاتل أو متكلم، فإن كان محكوما عليه كقوله تعالى {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا} (7) {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} (8) و {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (9)
ونحوه، فإنه حقيقة مطلقا، سواء كان للحال أو لم يكن.
واستدل عليه بأنه لو لم يكن كذلك لامتنع الاستدلال بالنصوص السابقة في زماننا، لأنها مستقبلة باعتبار زمن الخطاب عند إنزال الآية، والأصل عدم التجوز، ولا قائل بامتناع الاستدلال.
__________
(1) كما في مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت 1: 193.
(2) شرح المختصر لعضد الدين 1: 176.
(3) الإحكام 1: 86.
(4) نقله عضد الدين في شرح المختصر 1: 176.
(5) المحصول 1: 86.
(6) شرح المختصر لعضد الدين 1: 176، التمهيد للأسنوي: 154.
(7) النور: 2.
(8) المائدة: 38.
(9) التوبة: 5.(1/85)
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه مسائل:
منها، لو قال: أنا مقر بما تدعيه، أو لست منكرا له، فإنه يكون إقرارا بخلاف ما لو قال: أنا مقر، ولم يقل «به» فإنه لا يكون إقرارا، لاحتمال أن يريد الإقرار بأنه لا شيء عليه.
وبخلاف ما لو أتى بالمضارع، فإنه لا يكون إقرارا وإن أتى بالضمير معه، لأن المضارع مشترك بين الحال والاستقبال.
ومنها: لو قال: وقفت على سكان موضع كذا، فغاب بعضهم مدة ولم يبع داره ولا استبدل دارا، فإن حقه لا يبطل ولا فرق بين غيبته حال الوقف وبعده مع احتمال البطلان هنا، نظرا إلى العرف.
ومنها: إذا قال الكافر: أنا مسلم هل يحكم بإسلامه أم لا؟ ومقتضى جعله حقيقة في الحال الحكم عليه به. ويحتمل عدم الحكم مطلقا، لاحتمال أن يسمي دينه الّذي عليه إسلاما.
ومنها: ما لو عزل عن القضاء، فقال: امرأة القاضي طالق، مع قصد طلاق زوجته، ففي وقوع الطلاق عليه وجهان. وينبغي القطع بالوقوع، نظرا إلى صحة الإطلاق (1)، مضافا إلى القصد. وفيه أيضا إقامة الظاهر مقام الضمير، وهو صحيح، وإن قل لغة.
ومنها: إذا قال: وقفت على حفاظ القرآن. ففي دخول من كان حافظا ونسيه البناء على ما ذكر، ويتجه عدم دخوله هنا، نظرا إلى العرف أيضا.
ومنها: كراهة الحدث تحت الشجرة المثمرة، فإن الكراهة لا تختص بزمان الثمر، بل تبقى وإن زالت.
وفي ثبوتها لما لم يثمر بعد مع قبولها لها وجهان، مبناهما كون الإطلاق
__________
(1) في «م»: الطلاق.(1/86)
حينئذ مجازا كما عرفت، ودلالة العرف على إرادة المثمرة بالصلاحية والقوة القريبة من الفعل.
قاعدة «20» في جواز إقامة كل من المترادفين مقام الآخر بمعنى أنه حيث يصح النطق بأحدهما في تركيب يلزم أن يصح النطق فيه بالآخر مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقا (1)، نظرا إلى أن المقصود من اللفظ إنما هو المعنى، وهو حاصل.
والثاني: عدمه مطلقا (2)، لأن صحة الضم قد تكون من عوارض الألفاظ، إذ يصح أن يقول: مررت بصاحب زيد، ولا يصح: بذي زيد، إن كانت «ذو» مرادفة ل «صاحب» وكما تقول: هيهات بمعنى بعد، ولا يقع فاعله ضميرا منفصلا ولا ظاهرا بعد إلا، فلا تقول: ما هيهات إلا زيد، ولا: زيد ما هيهات الا هو، ويصح ذلك مع بعد.
والثالث: الجواز من لغة واحدة، دون لغات مختلفة (3)، حذرا من اختلاط (4) اللغات، ولأن إحدى اللغتين بالنسبة إلى الأخرى مهملة، فلا يضم إلى المستعمل.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
تكبيرة الإحرام، وقد اختلف المسلمون في جوازها بغير العربية
__________
(1) منتهى الوصول: 14، شرح المختصر لعضد الدين 1: 136.
(2) المحصول 1: 94.
(3) منهاج الوصول (نهاية السؤل) 1: 157، الإبهاج 1: 157.
(4) في «د»: اختلاف.(1/87)
اختيارا لذلك.
وعندنا أن العربية متعينة، للاتباع، ولكن لو عبر بالرحمن أو الرحيم لم يصح أيضا، لما ذكر.
ولو تعذرت وضاق الوقت، ترجمها بما شاء من اللغات، من غير ترجيح على الأقوى. ويمكن إدراجه حينئذ في القاعدة.
وكذا تتعين العربية في العقود اللازمة عندنا. أما الجائزة، فتصح بأي لغة اتفقت.
ومنها: رواية الحديث بالمعنى للعارف، وفيه مذاهب: أصحها الجواز، وهو منصوص عندنا (1)، لا يحتاج إلى رده إلى القاعدة.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللََّه» (2) مقتضاه تعين هذا اللفظ، لكن ذكر بعضهم أنه يقوم مقامه ما دل عليه، كقوله: لا إله غير اللََّه، أو ما عدا اللََّه، ولا إله إلا الرحمن أو البارئ، أو لا رحمان أو لا بارئ إلا اللََّه، أو لا مالك إلا اللََّه، أو لا رازق إلا اللََّه. وكذا لو قال: لا إله إلا العزيز أو العليم أو الحليم أو الكريم، وبالمعكوس.
ولو قال: أحمد أبو القاسم رسول اللََّه، فهو كقوله محمد. وهذا بخلاف ما لو قال في التشهد: اللهم صل على أحمد، فإنه لا يكفي، للاتباع، وقوله صلى اللََّه عليه وآله «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3).
__________
(1) صحيحة محمد بن المسلم قال، قلت لأبي عبد اللََّه عليه السلام: أسمع الحديث منك فأزيده وأنقص قال: «إن كنت تريد معانيه فلا بأس». الكافي 1: 51باب رواية الكتب والحديث حديث 2، الوسائل 18: 54وأبواب صفات القاضي، باب 8، حديث 9.
(2) صحيح البخاري 1: 13كتاب الإيمان، صحيح مسلم 1: 80كتاب الإيمان حديث 32، سنن ابن ماجة 2: 1295حديث 39283927.
(3) صحيح البخاري 1: 162باب الأذان للمسافر، عوالي اللئالي 1: 197حديث 8.(1/88)
قاعدة «21» إذا امتنع الجمع بين مدلولي المشترك، لم يجز استعماله فيهما قطعا،
وذلك كاستعمال لفظ «افعل» في الأمر بالشيء والتهديد عليه، إذا جعلناه مشتركا بينهما، لأن الأمر يقتضي التحصيل، والتهديد يقتضي الترك.
وإن لم يمتنع الجمع، فهل يجوز استعماله فيهما؟
قيل: نعم، ذهب إليه المرتضى والشافعي، وابن الحاجب من المتأخرين (1).
وقيل: لا مطلقا (2).
وقيل: يمتنع في اللفظ المفرد، ويجوز في التثنية والجمع، لتعدده (3).
وقيل: في الإثبات دون النفي، لأن السلب يفيد العموم، فيتعدد، بخلاف الإثبات (4).
وتوقف جماعة (5).
واستند المجوّز مطلقا إلى الوقوع في مثل قوله تعالى:
__________
(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 17، نقله عن الشافعي الآمدي في الإحكام 2: 261، والأسنوي في التمهيد: 176، واختاره ابن الحاجب في منتهى الوصول: 80.
(2) المحصول 1: 102، فواتح الرحموت 1: 201، ونقله عن أبي حنيفة وأبي الحسن الكرخي وأبي علي الجبائي وأبي هاشم، المستصفى 2: 71.
(3) المعتمد 1: 304، وحكاه في التمهيد: 176.
(4) نقله عن كتاب الهداية لابن همام في مسلّم الثبوت (فواتح الرحموت) 1: 201.
(5) منهم الآمدي في الإحكام 2: 261.(1/89)
{إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (1) و {أَنَّ اللََّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} (2) الآية (3). مع أنه قابل للتأويل.
والمانع إلى أنه حيث لم يوضع للمجموع ابتداء، كان استعماله فيه مجازا، وهذا أولى، والقرينة في المثالين قائمة.
ثم على تقدير الجواز، فهل يجب حمل اللفظ على ما يصلح له من المعاني مع عدم قيام قرينة عليها أو على أحدها؟ قولان للفريق الأول.
وبالغ الشافعي فيما نقل عنه، فأوجب حمل اللفظ على حقيقته ومجازه أيضا (4). وعلى القول بالمنع لا يحمل على أحدها ولا عليها إلا بقرينة، وبدونها يكون الدليل مجملا.
إذا تقرر ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا قال لغيره: أنت تعلم أنّ العبد الّذي في يدي حرّ، فإنا نحكم بعتقه، لأنه قد اعترف بعلمه، ولو لم يكن حرا لم يكن المقول له عالما بحريته.
ولو قال: أنت تظن أنه حر، لم نحكم بعتقه، لأنه قد يكون مخطئا في ظنه.
فلو قال: أنت ترى، احتمل العتق وعدمه، لأن الرؤية مشتركة بين العلم والظن. والأصح حينئذ عدم الوقوع، إن لم يفسره بالعلم، لقيام الاحتمال، فتستصحب الرقية.
__________
(1) الأحزاب: 56.
(2) الحج: 18.
(3) التمثيل بالآيتين نظرا إلى أن صلاة اللََّه تعالى تختلف عن صلاة الملائكة، وكذا سجود من في الأرض ومن في السماء.
(4) انظر التمهيد للأسنوي: 177.(1/90)
ومنها: «شرى» يستعمل حقيقة بمعنى اشترى، وبمعنى باع، كقوله تعالى إخبارا عن إخوة يوسف عليه السلام {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرََاهِمَ} (1) أي باعوه (2)، والتحصيل والإزالة معنيان متضادان.
ويتضح تصويره في رجل وكل وكيلين ببيع سلعة، فخاطب أحدهما صاحبه بهذا اللفظ، فيحتمل أن يكون لقصد الشراء منه، وأن يكون لقصد البيع، فيتميز بالنية وبدونها يشكل، ويترتب عليه عدم الحكم بأحدهما.
وهذان فرعان على الشق الأول من قسمي المشترك، وهو امتناع الجمع بين معنييه.
ويتفرع على الثاني أمور:
منها: إذا قال السيد لعبده: إن رأيت عينا فأنت حر، على وجه النذر، فإنه يعتق بما يراه من العيون، ولا تشترط رؤية الجميع، بناء على عدم حمله على جميع معانيه وعلى وجوب الحمل يتجه عدم انعتاقه بدون رؤية جميع معانيها.
وعلى الأول، لو دلت القرينة على إرادة بعضها، أو صرفت عن بعض، تعلق الحكم به أو بغيره.
ومنها: إذا وقف على الموالي، وله موال من أعلى وموال من أسفل، فعلى حمله عليهما ينصرف إليهما وكذا على القول به مع الجمع.
وعلى عدمه يبطل، لعدم العلم بالمصرف، إلا مع قيام قرينة على إرادة أحدهما أو هما، ويحتمل صرفه إلى الموالي من أعلى لقرينة مكافأتهم، وإلى الأسفل لقرينة احتياجهم، غالبا.
ومنها: قولهم: إن الكتابة لا تستحب إلا في عبد عرف كسبه وأمانته،
__________
(1) يوسف: 20.
(2) مجمع البيان 3: 220.(1/91)
لقوله تعالى {فَكََاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} (1) والخير يطلق على العمل الصالح، كقوله تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (2) وعلى المال كقوله تعالى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (3) وقوله تعالى {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} (4).
فعلى حمل المشترك على معنييه يحمل عليهما، وعلى عدمه يحتمل الاكتفاء بأحدهما، لصدق الخير معه.
والأقوى اعتبارهما معا، لتفسيره بهما عندنا في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللََّه عليه السلام (5).
ومنها: أن الشفق يطلق على الأحمر والأصفر، وقد ورد: أنه صلى اللََّه عليه وآله صلى العشاء حين غاب الشفق (6)، فإن كان الشفق مشتركا، وحملناه عليهما، لم يدخل إلا بالثاني، وإن كان متواطئا فقد دخلت عليه «أل» وهي للعموم على أحد القولين، وسيأتي، فتحمل عليهما أيضا.
وعلى الاكتفاء بأحدهما أو عدم إفادة العموم، يكتفى بالأحمر.
والصحيح عندنا ذلك، لوروده مفسرا به في أخبار كثيرة (7).
ويدل عليه أيضا عندهم قوله صلى اللََّه عليه وآله: «وقت المغرب ما لم يسقط ثور
__________
(1) النور: 33.
(2) الزلزلة: 7.
(3) العاديات: 180.
(4) البقرة: 18.
(5) الكافي 6: 187باب المكاتب حديث 9، 10، التهذيب 8: 268حديث 975، وص 270 حديث 984، الوسائل 16: 99أبواب المكاتبة باب 1حديث 1.
(6) التهذيب 2: 253حديث 1001، الاستبصار 1: 257حديث 922، صحيح مسلم 1: 77 كتاب المساجد حديث 178، وسنن النسائي 1: 258كتاب المواقيت.
(7) الوسائل 3: 148أبواب المواقيت باب 22.(1/92)
الشفق» (1) فإن الثور بالثاء المثلثة هو الثوران وروي بالفاء أيضا (2)، وهو بمعناه وهما يدلان على أن المراد هو الأحمر.
ومنها: قوله تعالى {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (3) فقد قيل: إنه شامل للمستطيع بنفسه وبغيره، وهو المغصوب إذا وجد من يحج عنه.
ووجه تناوله لهما مع أن إقامة فعل الغير مقام فعل الشخص مجاز مبني على إعراب الآية.
وللنحاة فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المصدر وهو «حج» مضاف إلى المفعول، و «من» هو الفاعل، والتقدير: أن يحج المستطيع البيت.
والثاني: كذلك، إلا أن «من» شرطية. وجزاؤها محذوف، والتقدير: من استطاع إليه سبيلا فليفعل.
والثالث: أن «من» بدل من الناس، على أنه بدل بعض من كل، والتقدير: ولله على المستطيع من الناس حج البيت.
فعلى الأول يكون الحمل على الأمرين جمعا بين الحقيقة والمجاز، وعلى الثاني والثالث لا يكون جمعا بينهما، لأن قوله {«حِجُّ الْبَيْتِ»} صادق على الحج بنفسه وبغيره.
والأولى أن تناوله لهما من جهة العموم لا الاشتراك، مع أنه عندنا مروي صحيحا عن علي عليه السلام: «أنه أمر شيخا لم يحج وقد عجز عنه بنفسه أن يستنيب
__________
(1) صحيح مسلم 2: 74باب أوقات الصلاة حديث 172، سنن النسائي 1: 260كتاب المواقيت.
(2) لسان العرب 4: 109، النهاية لابن الأثير 3: 478. (ثور)
(3) آل عمران: 97.(1/93)
رجلا يحج عنه» (1).
ويرد على الإعراب الأول، أن المعنى على تقديره: ولله على الناس أن يحج المستطيع، فيلزم تأثيم جميع الناس إذا تخلف مستطيع عن الحج، وهو فاسد.
وفيه من جهة اللفظ: أن الإتيان بالفاعل بعد إضافة المصدر إلى المفعول شاذ، حتى قيل إنه ضرورة (2) فلا يليق بالقرآن.
__________
(1) الكافي 4: 273باب أن من لم يطلق الحج ببدنه جهز غيره حديث 2، التهذيب 5: 14حديث 38، وص 460حديث 1599، الوسائل 8: 43أبواب وجوب الحج باب 24حديث 1، 3، 4.
(2) مغني اللبيب 2: 694.(1/94)
الباب الثاني في الحقيقة والمجاز
الحقيقة: هو اللفظ المستعمل فيما وضع له.
والمجاز: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لمناسبة بينهما، وتسمى العلاقة، وهي أنواع كثيرة، والمشهور منها اثنا عشر نوعا، ورقاها بعضهم إلى ثلاثين (1). وربما يرجع الزائد أو معظمه إلى المشهور.
والحقيقة ثلاثة أنواع: لغوية، وعرفية، وشرعية.
قاعدة «22» إن اتحد مدلول الحقيقة حمل عليه، دون المجاز.
وإن تعدد في النوع الواحد فهو: مشترك أو متواطئ أو مشكك. وفي حمله على الجميع أو البعض بالقرينة، وبدونها، [أو] يصير مجملا خلاف مشهور، تقدمت الإشارة إليه.
وإن تعدد مدلوله بحسب الأنواع الثلاثة، قدمت الحقيقة الشرعية، ثم العرفية، ثم اللغوية.
__________
(1) هو الصفي الهندي كما في التمهيد للأسنوي: 186.(1/95)
فإن تعذر الحمل على الحقيقة لدليل خارج، صرف إلى المجاز. ثم إن اتحد فكالحقيقة، وإن تعدد صار مشتركا. وقد يرجح بعض أفراده بالقرينة كمشترك الحقيقة.
إذا تقرر ذلك فيتفرع على ما ذكر فروع:
منها: ما لو أقر أو أوصى له بدينار مثلا، فإنه يحمل على الدينار من الذهب، لأنه حقيقة فيه لغة وشرعا، ثم إن اتحد تعين، وإن تعدد انصرف إلى الأغلب في الاستعمال، فإن تساوى جاز الاقتصار على أقله قيمة.
ولو دل العرف على إرادة غيره من فضة أو فلوس كما يتفق في بعض البلاد، فالأقوى ترجيح العرف.
ومنها: ما إذا أراد باللفظ ما ليس حقيقة فيه ولا مجازا، كما إذا حلف مثلا على الأكل، وأراد به المشي، فإن ذلك يكون لغوا لا يترتب عليه فيه شيء، أما الحقيقة، فلصرف اللفظ عنها، وأما المجاز، فلأن اللفظ لا إشعار له به، والنية بدون اللفظ لا تؤثر.
نعم، لو قلنا: إن اللغات اصطلاحية، اتجه حمله على ما أراده.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (1) و «لا صلاة إلا بطهور» (2) و «لا نكاح إلا بولي» (3) و «لا صيام لمن لم يبيت الصيام» (4) و «
__________
(1) تفسير أبي الفتوح الرازي 1: 15، عوالي اللئالي 2: 218، مستدرك الوسائل 4: 158أبواب القراءة باب 1حديث 5، 8.
(2) التهذيب 1: 49حديث 144، وص 209حديث 605، الاستبصار 1: 55حديث 160، الوسائل 1: 256أبواب الوضوء باب 1حديث 1.
(3) دعائم الإسلام 2: 218حديث 807، عوالي اللئالي 1: 306، مستدرك الوسائل 14: 317 أبواب عقد النكاح باب 5حديث 1، سنن ابن ماجة 1: 605كتاب النكاح حديث 1880.
(4) سنن الدارقطني 2: 172باب تبييت النية حديث 2بتفاوت يسير، عوالي اللئالي 3: 133.(1/96)
لا يمين لولد مع والده، ولا لزوجة مع زوجها، ولا لمملوك مع سيده» (1)
وأشباه ذلك كثيرة.
فإن نفي الحقيقة غير مراد هنا، لوجودها من المذكورين، فيحمل على إرادة المجاز، وهو متعدد، كنفي الصحة، ونفي الكمال، ونحوهما لكن نفي الأول أقرب إلى نفي الحقيقة، لاقتضاء نفي الصحة انتفاء جميع الأحكام واللوازم بخلاف نفي الكمال، لبقاء الحقيقة معه، فيحمل النفي على الأقرب.
ويتفرع عليه التنبيه على خلاف جماعة من العلماء في هذه المسائل ونظائرها فتفطن له.
وهذه القاعدة قل من تعرض لها من الأصوليين في باب الحقيقة والمجاز، لكنها توجد في تضاعيف كلامهم، ووجهها وجيه.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» (2) فإن المراد نفي المشروعية، حيث لا يراد نفي الماهية مطلقا، لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة.
ثم ينظر حينئذ في لفظ السبق، فإن كان بسكون الباء كان مصدرا، ودل على نفي مشروعية الفعل مطلقا في غير الثلاثة، فتحرم المسابقة بالطيور، والعدو، والمصارعة، ورفع الأحجار، ورميها، ونحو ذلك.
وإن كان بفتح الباء كما قال بعض العلماء: إنه الصحيح
__________
(1) الكافي 7: 439باب ما لا يلزم من الأيمان حديث 1، 6، التهذيب 8: 285حديث 1049، الوسائل 16: 155أبواب الأيمان باب 10.
(2) الكافي 5: 48باب ارتباط الخيل حديث 6، الوسائل 13: 348أبواب أحكام السبق باب 3 حديث 2.(1/97)
رواية (1) فالمراد منه العوض المبذول على العمل، فيكون دالا على نفي مشروعية بذل العوض على غير الثلاثة، ويبقى أصل الفعل بدون العوض على أصل الإباحة.
ويتفرع على تعارض الحقائق الثلاث وبعضها فروع كثيرة (2):
منها: لو حلف أن لا يبني بيتا، فإن البناء حقيقة لغوية في مباشرته له، وعرفية فيما يعم تحصيله ولو بغيره، فيرجح العرف على اللغة، ويحنث بتحصيله مطلقا. ومثله ما لو حلف السلطان أن يضرب عبده ونحوه ممن يقتضي العرف عدم مباشرته له.
ومنها: ما لو حلف أن لا يشرب له ماء من عطش، فإنه لغة حقيقة في شرب مائه إذا كان عطشان، فلو شربه وهو غير عطشان لم يحنث.
والعرف يقتضي اجتناب مائه مطلقا وغيره من أمواله، وأن ذلك مبالغة في اجتنابه للقليل من ماله فضلا عن الكثير.
فيرجح العرف، إلا أن يدل على شيء آخر أخص مما ذكرناه، أو مباين له، فيحمل على ما دل عليه، ويتجدد الحكم بتجدده ويتغير بتغيره.
ومنها: لو حلف أن لا يطأ غائطا، أو لا يشتري رواية أو دابة فإن الغائط في أصل اللغة اسم للمنخفض من الأرض (3)، والرواية اسم للجمل الّذي يحمل عليه الماء (4) والدّابّة لما يدب على الأرض من مطلق الحيوان (5).
لكن العرف نقل الأول إلى الحدث المخصوص، بسبب وقوعه غالبا في
__________
(1) نقله ابن الأثير عن الخطابي في النهاية 2: 338. (سبق)
(2) المراد بالحقائق الثلاث هي: اللغوية، والعرفية، والشرعية.
(3) المصباح المنير: 457، النهاية لابن الأثير 3: 395. (نموط)
(4) انظر المصباح المنير: 246، والنهاية لابن الأثير 2: 279. (روى)
(5) لسان العرب 1: 369. (دبب)(1/98)
تلك الأرض، فأطلق اسم المحل على الحالّ مجازا، ثم غلب فيه حتى صار حقيقة والثاني نقله إلى المزادة (1) والثالث خصه بالفرس فيختص الحكم بما دلّ عليه العرف من ذلك كله دون اللغة، إلا أن يقصد غيره في جميع الفروض.
ومنها: لو نذر الصلاة ونحوها من الألفاظ المنقولة شرعا عن معناها اللغوي فإن الصلاة كانت لغة اسما للدعاء (2)، ثم نقلت شرعا إلى ذات الركوع والسجود. والزكاة لمطلق النموّ (3)، ثم نقلت إلى المال المخصوص.
والصوم لمطلق الإمساك (4)، ثم نقل إلى الإمساك على الوجه المخصوص.
فينصرف إطلاقه إلى المعنى الشرعي دون اللغوي.
ومنها: لو علّق الظهار على تمييزها نوى (5) ما أكلت عما أكل، أو على إخبارها بعدد ما في الرمانة من الحب، أو في البيت من الجوز. فعلى الوضع اللغوي لو فرّقت النوى كل واحدة على حدتها، أو عدّت عددا يتحقق فيه أنه لا ينقص عنه ولا يزيد عليه، تخلّصت من الظهار.
وعلى الثاني لا بد من التعيين والتفريق (6) الحقيقي، لدلالة العرف عليه وفروض هذا الباب كثيرة وأمرها شهير، فلنقتصر على ما ذكرناه.
ولما كان المجاز منقسما إلى أقسام كثيرة، فلنشر إلى التفريع على بعضها، ليكون ذريعة إلى التدرّب على الباقي.
__________
(1) المزادة: شطر الرواية، آلة يستقى فيها الماء. المصباح المنير: 260. (زود)
(2) المعجم الوسيط: 396.
(3) انظر النهاية لابن الأثير 2: 307. (زكا)
(4) الصحاح 5: 1970، العين 7: 171. (صوم)
(5) جمع نواة المصباح المنير: 632. (نوى)
(6) في «م»: التقرير.(1/99)
فمنها: الإضمار. كقوله تعالى {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (1)
وإطلاق المصدر على الذات كقولك: رجل عدل وصوم، على تقدير ذي، أو تقديره بعادل وصائم، فإن أردت المبالغة لم تقدّر شيئا من هذين، كما قاله النحاة.
ومن فروعه: ما إذا قال لزوجته: أنت طلاق، أو الطلاق، أو طلقة، فإنه يكون كناية على الصحيح، فعندنا لا يقع به كما لا يقع بغيره من الكنايات. ومن أجازه بالكناية من العامة أجازه بذلك (2).
وربما قيل: إنه صريح، لأن طالقا صريح بالإجماع، وهو فرع المصدر، فالأصل أولى بذلك (3).
ويضعف بأن العقود والإيقاعات متلقاة من الشارع، ولم يثبت عنه خلاف اسم الفاعل.
ومن ثم وقع بعض العقود بصيغة الماضي خاصة، وبعضها به وبالمستقبل، وبعضها بالأمر، مضافا إلى الأول، إلى غير ذلك.
ومنها: السببية.
وهو نوعان:
أحدهما: إطلاق اسم المسبّب على السبب، كتسمية المرض المهلك بالموت.
والثاني: عكسه، أي إطلاق اسم السبب على المسبب، وهو أربعة أقسام: «قابلي» ويعبّر عنه بالمادي و «صوريّ» و «فاعليّ» و «غائيّ» كقولهم:
__________
(1) يوسف: 82.
(2) نهاية المحتاج 6: 428.
(3) حكاه الأسنوي في التمهيد: 187.(1/100)
سال الوادي، {يَدُ اللََّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (1)، وأنبت الربيع البقل، و {إِنِّي أَرََانِي أَعْصِرُ خَمْراً} (2) كذا مثّلوا به للأربعة بضرب من التكلف.
قيل: ومع التعارض فالثاني من القسمين الأولين أولى، لأن السبب المعين، يدل على المسبب المعين، دون العكس، كالبول مثلا، فإنه يدل على انتقاض الوضوء، والانتقاض لا يدل على البول.
والعلة الأخيرة، وهي الغائية، من أخواتها (3)، لأنها علة في الذهن، من جهة أن الخمر مثلا هو الداعي إلى عصر العنب، ومعلولة في الخارج، لأنها لا توجد إلا متأخرة (4).
إذا تقرر ذلك فمن فروع المسألة:
أن النكاح يطلق على العقد والوطء، فمن الأول قوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ} (5) وقوله تعالى {وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ آبََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} (6) وغيرهما.
ومن الثاني قوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهََا فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (7) والاشتراك مرجوح بالنسبة إلى المجاز، فوجب المصير إلى كونه في أحدهما مجازا. ولا شك أن العقد سبب في الوطء، وهو العلة الغائية له غالبا. فإن جعلناه حقيقة في العقد مجازا في الوطء، كان ذلك المجاز من
__________
(1) الفتح: 10.
(2) يوسف: 36.
(3) أي إذا تعارضت الأقسام الأربعة من أقسام إطلاق السبب على المسبب فالعلة الغائية أولى من أخواتها.
(4) المحصول 1: 135، التمهيد للأسنوي: 189.
(5) النور: 32.
(6) النساء: 22.
(7) البقرة: 230.(1/101)
باب إطلاق اسم السبب على المسبب، وإن جعلناه بالعكس فبالعكس، والأول أرجح، لما تقدم. ومن عكس نظر إلى اعتضاد المرجوح بمجامعة الغاية له.
ويتفرع على ذلك:
ما لو حلف على النكاح، ولم ينو شيئا، فإنه يحمل على العقد، لا على الوطء على الأول.
ومنها: إطلاق اسم البعض على الكل وعكسه، وفي معناه الأخص مع الأعم.
ومن فروعه: ما لو حلف أن يصوم نصف يوم ونوى جميعه، فإنه يلزم ما نواه، لأن ذلك مجاز، واليمين يقبل المجاز بالنية، كما يقبل تخصيص العام وتقييد المطلق وغيرها من الاعتبارات (1) الصحيحة لغة.
ويحتمل عدم الصحة، لعدم التعبد بما تلفظ به، وعدم التلفظ بما يتعبد به، وهو اليوم الكامل. ومثله ما لو نذر ركوعا أو سجودا ونوى الركعة.
ومنها: ما إذا حلف أن لا يشرب له ماء من عطش، ونوى جميع الانتفاعات، فيسري إليها، عملا بالمجاز مع احتمال اختصاصه بما تلفظ به كما ذكر.
ومنها: ما إذا أشار الزوج إلى زوجتيه، فقال: إحداكما طالق، ونواهما معا جميعا، ففي طلاقهما جميعا وجهان:
نعم، لأن مسمّى إحداهما قدر مشترك، وهو صادق عليهما، وقد أوقع الطلاق عليه ونواهما، فتعين وقوعه. (ولأن) (2) إحداهما بعض من كليهما، فيحمل عليه مع النية.
__________
(1) في «م»: العبارات.
(2) ليست في «د»، وفي «م»: لأن.(1/102)
ولا، لأنه خلاف وضع إحداهما لغة وعرفا، كما لو قال: أنت طالق نصف طلقة، ونوى طلقة كاملة. وللشك في مزيل الزوجية حيث لا وثوق بذلك شرعا.
ومنها: ما إذا قال: إن شفى اللََّه مريضي فلله على رقبتي أن أحج ماشيا، فيلزمه، لأن إطلاق الرقبة على الجملة مجاز شائع، وربما بلغ حد الحقيقة ومثلها الرّأس والوجه.
ويحتمل العدم ما لم ينوه، لأن الرقبة حقيقة في العضو الخاصّ، وهو لا يقبل الالتزام منفردا. ولو نوى به الجملة فلا إشكال.
ولو قال: على رجلي، فكذلك مع نيته، ومع الإطلاق أو قصد إلزام الرّجل خاصة نظر، ولا يبعد عدم الانعقاد.
ومنها: المجاورة، كإطلاق اسم المحل على الحال، كالرواية على الإناء الجلد (1) الّذي يحمل فيه الماء، مع أنه لغة: الحيوان المحمول عليه، ومثله الغائط وقد تقدم.
ومن فروعه: ما إذا قال: أصلي على الجنازة، وأتى بالجيم مكسورة، فإنه لا يصح، لأن المكسور اسم للنعش، وإذا أريد الميت فتحت جيمه، وهو معنى قولهم: الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل.
ولا يشكل مع قصد الميت، فإن النية في أمثال ذلك كافية، ولا عبرة باللفظ، وإنما يقع الإشكال مع الإطلاق. والأقوى الصحة مطلقا، ما لم يقصد خلاف الميت، عملا بالقرينة مع أن بعض أهل اللغة جوز إطلاق الأمرين على الأمرين (2)، وغايته مع النية أن يكون قد عبر بلفظ مجازي، للعلاقة المذكورة، وهو شائع.
__________
(1) في «د»: والجلد، وفي «ح»: كالجلد.
(2) المصباح المنير: 111. (جنز)(1/103)
مسألة: إذا غلب الاستعمال المجازي على الاستعمال الحقيقي.
ويعبر عنه بالحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح ففي تساويهما، أو ترجيح الحقيقة، أو المجاز، للأصوليين خلاف مشهور.
ومنشؤه الرجوع إلى الأصل، ومراعاة الغلبة الموجبة للظهور، والتوقف، لتعارضهما.
ومحل الخلاف: ما إذا كان المجاز راجحا، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات، فأما إذا كانت مما لا تراد في العرف، ارتفع النزاع وقدم المجاز، لأنه حينئذ يصير حقيقة شرعية أو عرفية، وهما مقدمتان على الحقيقة اللغوية.
ومن فروع المسألة:
لو قال: لأشربن من هذا النهر، فهو حقيقة في الكرع من النهر بفيه، وإذا اغترف بالكوز وشرب فهو مجاز، لأنه شرب من الكوز، لا من النهر، لكنه المجاز الراجح المتبادر والحقيقة قد تراد، لأن كثيرا من الناس يكرع بفيه من الماء، فيبني الحمل على أيهما على المختار في الأقوال.
ومنها: إذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة، فإن اليمين يحمل على الأكل من ثمرها دون الورق والأغصان، وإن كان هو الحقيقة، لأنها قد أميتت.
بخلاف ما إذا حلف لا يأكل من هذه الشاة، فإن اليمين يحمل على الأكل من لحمها وفي حمله على لبنها الوجهان.
ومنها: إذا أوصى له بدابة، فإنه يعطى من الخيل والبغال والحمير، عملا بالعرف العام أو يختص بالأول دون العصافير والشياه ونحوها.
ومنها: لو كان له زوجتان إحداهما فاطمة بنت محمد، والأخرى بنت رجل سماه أبوه محمدا، إلا أنه اشتهر في الناس بزيد، ولا ينادونه إلا بذلك، فقال الزوج: زوجتي فاطمة بنت محمد طالق. ثم قال: أردت بنت الّذي
يدعونه زيدا، فيبني قبول قوله على الخلاف السابق، فإن جعلناهما متساويين أو رجحنا الحقيقة قبل، وإلا فلا. ويحتمل تقديم الاسم المشهور في الناس، لأنه أبلغ في التعريف.(1/104)
ومنها: لو كان له زوجتان إحداهما فاطمة بنت محمد، والأخرى بنت رجل سماه أبوه محمدا، إلا أنه اشتهر في الناس بزيد، ولا ينادونه إلا بذلك، فقال الزوج: زوجتي فاطمة بنت محمد طالق. ثم قال: أردت بنت الّذي
يدعونه زيدا، فيبني قبول قوله على الخلاف السابق، فإن جعلناهما متساويين أو رجحنا الحقيقة قبل، وإلا فلا. ويحتمل تقديم الاسم المشهور في الناس، لأنه أبلغ في التعريف.
مسألة: صيغ العقود، كبعت أو اشتريت، والفسوخ والإلزامات، كقول القاضي «حكمت»، إخبارات في أصل اللغة.
وقد تستعمل في الشرع أيضا كذلك، فإن استعملت لإحداث حكم كانت منقولة إلى الإنشاء عندنا.
والفارق القصد ودلالة القرائن الحالية والمقالية. ولو حصل الشك في إرادة أحدهما، فالأصل يقتضي بقاءه على الإخبار وعدم نقله.
قاعدة «23» يصرف اللفظ إلى المجاز عند قيام القرينة، وكذلك عند تعذر الحقائق الثلاث،
صونا للفظ عن الإهمال. ويعبر عن ذلك: بأن إعمال اللفظ أولى من إهماله.
إذا تقرر ذلك فللقاعدة فروع:
منها: إذا قال: بنو آدم كلهم أحرار، لا تعتق عبيده بخلاف ما إذا قال:
عبيد الدنيا كلهم أحرار، فإنهم يعتقون.
ووجهه: أن إطلاق الابن علي ابن الابن مجاز على الأصح، فالحقيقة إنما هي الطبقة الأولى، وهم أحرار بغير شك بخلاف قوله: عبيد الدنيا، فإنهم شاملون لعبيدة.
ويحتمل انعتاق عبيده في الأول أيضا، إما بناء على تناول الأولاد
للحفدة، كما ذهب إليه بعضهم (1)، أو لتعذر حمله على المعنى الحقيقي على جهة الإنشاء الشرعي، فيحمل على مجازه.(1/105)
ويحتمل انعتاق عبيده في الأول أيضا، إما بناء على تناول الأولاد
للحفدة، كما ذهب إليه بعضهم (1)، أو لتعذر حمله على المعنى الحقيقي على جهة الإنشاء الشرعي، فيحمل على مجازه.
هذا كله إذا لم ينو المجاز أو ما يشمله، وإلا حمل اللفظ على ما نواه.
ومنها: إذا أوصى بعين، ثم قال: هي حرام على الموصى له، قيل (2):
يكون رجوعا، وإن كان اسم الفاعل حقيقة في الحال، ولا شك أنه في الحال حرام على الموصى له، لكن حمله على ذلك يوجب عرية عن الفائدة، فحمل على المجاز.
ويحتمل قويا عدم كونه رجوعا، استصحابا للحكم، مع الشك في كون ذلك رجوعا.
والأجود الرجوع في ذلك إلى دلالة القرائن الحالية أو المقالية، ومع تعذرها فالوجهان.
ومنها: إذا وقف على أولاده، وليس له إلا أولاد أولاد، فإنه يصح، ويكون وقفا عليهم، لتعذر الحمل على الحقيقة، مع إمكان المجاز وظهور إرادته.
ومثله ما لو استفيد من اللفظ إرادة العموم، كقوله: الأعلى فالأعلى.
ومنها: إذا ناوله شمعة مثلا، وقال: أعرتكها لتستضيء بها، فيحتمل البطلان، لأن شرط المستعار أن لا يتضمن استهلاك عينه، واللفظ حقيقة في العارية.
والمتجه الصحة، حملا للفظ على الإباحة، لدلالة القرائن على إرادتها، مع عدم انحصارها في لفظ.
ومنها: إذا قال: عبدي أو ثوبي لزيد، فإن الإقرار لا يصح على المشهور، لأن إضافته إليه تستدعي أنها ملكه، وذلك مناف لمدلول آخره.
__________
(1) رد المختار 3: 437.
(2) كما في نهاية المحتاج 6: 94، التمهيد للأسنوي: 237.(1/106)
كذا قالوه، ولم يحملوه على المجاز باعتبار ما كان لو تنزلنا وجعلناه مجازا مع أن المختار أنه حقيقة أو بأن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة، كما يقال: هذه دار زيد، الدار التي يسكنها بالأجرة وغيرها. ومثله كثير في لغة العرب، وهو استعمال شائع وحينئذ فحمله عليه أقوى، فيصح الإقرار.
ويقوى الإشكال لو قال: ملكي لفلان، من حيث ظهور التناقض، وإمكان إرادة: ملكي ظاهرا، له في الواقع، كما هو الواقع من معنى الإقرار ومساواته للأول أقوى.
ومنها: إذا قال لغيره: أنت تعلم أن العبد الّذي في يدي حر. فإنا نحكم بعتقه، لأنه قد اعترف بعلمه بذلك، فلو لم يكن حرا لم يكن المقول له عالما بحريته، وحينئذ فيحمل لفظ العبد على المجاز، مع أن مدلوله الحقيقي يناقض ما بعده إلا أن يجعل حقيقة باعتبار ما كان.
ومنها: إذا حلف لا يشرب ماء النهر، فشرب بعضه، لا يحنث، لإمكان حمله على الحقيقة وهو جميع مائه، لإمكان الامتناع منه أجمع بخلاف الإثبات، فإن شربه أجمع غير ممكن، فيحمل على المجاز، وهو ممكن، بحمل الشرب على بعض مائه بخلاف ماء الكوز، فإن شربه أجمع ممكن، فيحمل على مجموعه نفيا وإثباتا.
هذا كله إذا لم يدل العرف على غير ما ذكرناه، كما لو دل على أن المحلوف عليه في ماء النهر بعضه، فيحنث بالبعض، إلا أن يقصد خلافه، فيرجع إلى قصده مطلقا.
ومنها: إذا قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر، لم يلزمه شيء على الصحيح، لأنه حقيقة في الإقرار المعلق، مع احتمال أن يريد به التأجيل، فإن المؤجل لا يجب أداؤه قبل الحلول، إلا أنه مجاز، لأنه ثابت في ذمته قبله، فيصدق أنه عليه، وحمله على الحقيقة ممكن.(1/107)
بحث المفاهيم
ومن لواحق هذا الباب: البحث عن دلالة اللفظ، حقيقة كان أم مجازا، وهي قسمان: منطوق ومفهوم.
فالأوّل ما دل عليه اللفظ في محل النطق، والثاني بخلافه.
ثم المفهوم قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
فالأوّل: أن يكون المسكوت عنه موافقا في الحكم، ويسمى: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب.
والثاني: أن يكون المسكوت عنه مخالفا، ويسمى دليل الخطاب، وهو أقسام.
منها: مفهوم الصفة، ومفهوم الشرط، والغاية، واللقب، والعدد، والحصر، والزمان، والمكان، وغيرها.
قاعدة «24» مفهوم الموافقة حجة عند الجميع، لأن الحكم في المسكوت عنه أولى به في المنطوق،
ومن ثم نرده لو كان مساويا.
ومن مثله دلالة قوله تعالى {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} (1) على تحريم ضربهما ونحوه من أنواع الأذى. والجزاء بما فوق المثقال من قوله تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} (2). وتأدية ما دون القنطار من {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} وعدم الآخر
__________
(1) الإسراء: 23.
(2) الزلزال: 7.(1/108)
من {لََا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (1) وهو تنبيه بالأدنى، فلذلك كان في غيره أولى ويعرف بمعرفة المعنى، وأنه أشد مناسبة في المسكوت عنه.
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما لو أذن المالك للوكيل في بيع متاعه بمائة، فإنه يجوز له بيعه بأزيد بطريق أولى.
نعم لو دلت القرائن على إرادته حصر الثمن في القدر المعيّن للإرفاق بالمشتري ونحوه، لم تجز الزيادة، لانتفاء الدلالة حينئذ.
ومن فروعه المشكلة:
ما لو قال ولي المحجور عليه لغيره: بع هذه العين بعشرة، وكانت تساوي مائة، فإنه لا يصح البيع أصلا، لا بالمائة، ولا بما دونها، مع أنّ الإذن في بيعها بالعشرة يدل بالمفهوم الموافق على الإذن فيها بالمائة. ولو أذن ابتداء في البيع بها صح، فيفيد حينئذ الصحة في الزيادة، حيث يدل عليها بهذا المفهوم.
والوجه في المنع حينئذ: أنّ اللفظ المنطوق به وقع لاغيا شرعا، وهو الأصل في استفادة المفهوم، فإذا لغا الأصل لغا الفرع بطريق أولى.
مسألة: دلالة الالتزام حجة في كثير من الموارد، وإن لم تكن من قبيل المفاهيم،
وذلك مثل أن تتوقف دلالة اللفظ على المعنى على شيء آخر، كقوله: أعتق عبدك عني، فإنه يستلزم سؤال تمليكه، حتى إذا أعتقه تبيّنا دخوله في ملكه، لأن العتق لا يكون إلا في مملوك.
ومن فروع المسألة:
ما إذا قال: أبرأتك في الدنيا دون الأخرى، فتحتمل براءته فيهما، لأن البراءة في الأخرى تابعة للبراءة في الدنيا. ويلزم من
__________
(1) آل عمران: 75.(1/109)
وجودها في الدنيا وجودها في الأخرى، لأن وجود الملزوم يستلزم وجود اللازم.
ويحتمل العكس، لأنه لما لم يبرأ في الأخرى فقط انتفى اللازم، ويلزم من عدم اللازم عدم الملزوم.
ومما تخلّف فيه اعتبار الدلالة الالتزامية دخول ما يتناوله المبيع بالالتزام، فإنه لا يندرج في المبيع عند الإطلاق، كما لو باع السقف، فإنه لا يدخل الحائط، مع أنه دالّ عليه بالالتزام. فموارده كثيرة في تضاعيف الفقه.
قاعدة «25» ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة،
أي يدلان على نفي الحكم عند انتفاء الصفة والشرط (1). وقيل:
ليسا بحجة (2). وفصل آخرون، فجعلوا مفهوم الشرط حجة دون الصفة (3).
ولا فرق فيهما بين النفي والإثبات. ولا إشكال في دلالتهما في مثل الوقف والوصايا والنذور والأيمان، كما إذا قال: وقفت هذا على أولادي الفقراء، أو إن كانوا فقراء، ونحو ذلك.
وإنما تظهر الفائدة في مواضع تتفرع على المذاهب:
منها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» (4)
__________
(1) كالشافعي في الأم 2: 5، ونقله عن الشافعي وجمهور أصحابه الأسنوي في التمهيد: 245.
(2) كالآمدي في الإحكام 3: 80، 96ونقله عن القاضي.
(3) نقله عن فخر الدين في التمهيد: 245، ونقله عن العباس بن سريج في الإبهاج 1: 240.
(4) السرائر 1: 63، سنن النسائي 1: 175باب التوقيت في الماء، عوالي اللئالي 1: 76. سنن الترمذي 1: 46، مختصر سنن أبي داود 1: 56باب ما ينجس الماء حديث 58.(1/110)
وقول الصادق عليه السلام «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» (1).
فعلى حجية مفهوم الشرط، يدل على تنجس ما دونه بمجرّد الملاقاة، لأنه موضع النزاع، إذ لا خلاف في تنجس الماء مطلقا بالتغير بالنجاسة، فيكون حجة على القائل بعدم انفعال القليل كابن أبي عقيل (2)، وعلى من يخصه بالجاري كقول الأكثر (3)، فإنه شامل له ولغيره من حيث العموم أو الإطلاق هنا.
وادعى بعض الفقهاء إجماع الأصوليين على حجية المفهوم في هذا الخبر وإن نوزع في غيره.
وعلى القول بعدم العمل بمفهوم الشرط مطلقا يبقى عموم قوله صلى اللََّه عليه وآله: «خلق اللََّه الماء طهورا لا ينجسه شيء، إلا ما غيّر لونه، أو طعمه، أو ريحه» (4).
وعلى الأول يجب الجمع بينهما بتقييد ما أطلق هنا بما قيّد في السابق.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «ليس لعرق ظالم حق» (5) بالإضافة على الحقيقة، أو الوصف على الإسناد المجازي، فإنه يدل بمفهوم (6) وصفه على أن عرق غير الظالم له حق.
__________
(1) الكافي 3: 2حديث 1، التهذيب 1: 40حديث: 109، الاستبصار 1: 7حديث 6، الوسائل 1: 117أبواب الماء المطلق باب 9حديث 1، 2، 6.
(2) نقله عنه في كشف الرموز 1: 45.
(3) الأم 1: 4، المغني 1: 32.
(4) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 40، الوسائل 1: 101أبواب الماء المطلق باب 1حديث 8.
(5) صحيح البخاري 3: 140كتاب المزارعة، سنن الترمذي 3: 662حديث 1378، سنن أبي داود 3: 178حديث 3073، الموطأ 2: 743كتاب الأقضية حديث 26.
(6) في «د»، «م»: بمضمون.(1/111)
وعليه يتفرّع حكم: ما لو زرع أو غرس المفلس في الأرض التي اشتراها ولم يدفع ثمنها، وأراد بائعها أخذها، فإنه لا يقلع زرعه وغرسه مجانا ولا بأرش، بل عليه إبقاؤه إلى أوان جذاذ الزرع، وفي الغرس يباعان ويكون للمفلس بنسبة غرسه من الثمن.
وكذا لو انقضت مدة المزارعة (1) والزرع باق. ولم يعلما تأخره عن المدة المشروطة وقت العقد، فإن الزرع حينئذ لا يقلع أيضا، لأنه ليس بظالم، نعم يجمع بين الحقين بالأجرة. والفرق أن المشتري دخل على أن تكون المنفعة له مباحة بغير عوض، بخلاف العامل.
وكذا لو أخذ الشفيع الأرض بالشفعة بعد زرع المشتري. ونظائر ذلك كثيرة. وادعى بعضهم الإجماع أيضا على العمل بمفهوم الحديث هنا، وإن منع من العمل بمفهوم الوصف (2).
قاعدة «26» إنما يكون مفهوم الشرط والوصف حجة عند القائل به إذا لم تظهر للتقييد فائدة غير نفي الحكم،
فإن ظهرت له فائدة أخرى لم يدل على النفي.
فمن الفائدة: أن يكون العاري عن تلك الصفة أولى بالحكم من المتصف بها.
أو يكون رجوعا بالسؤال، كالسائل مثلا عن سائمة الغنم هل فيها زكاة؟
فقال: في سائمة الغنم الزكاة فلا يدل على النفي، لأن ذكر السوم والحالة هذه
__________
(1) في «د»، «م»: الزراعة.
(2) كما في الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 392، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3: 93.(1/112)
لمطابقة كلام السائل.
أو لكون السوم هو الغالب، فإن ذكره إنما هو لأجل غلبة حضوره في ذهنه.
إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: لله علي أن أعتق رقبة كافرة، فأعتق مؤمنة أو قال: معيبة، فأعتق سليمة. فقيل: لا تجزي، ويتعين ما ذكره، عملا بمدلول اللفظ (1).
وقيل: تجزي، لأنها أكمل، وذكر العيب والكفر ليس للتقرب، بل لجواز الاقتصار على الناقص، كمن نذر الصدقة بحنطة رديئة، فإنه يجوز له التصدق بالجيدة (2).
هذا إذا كان المنذور مطلقا. أما لو قال: هذا الكافر، أو: هذا المعيب، فإنه لا يجزيه غيره قولا واحدا، لتعلق النذر بعينه.
ومنها: إذا قال: إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي، فتزوجها وظاهرها، فإنه يصير مظاهرا من الأخرى على أحد الوجهين، حملا للوصف على التعريف بالواقع.
ويحتمل أن لا يصير مظاهرا، لأن الوصف لم يوجد.
هذا إذا قصد بظهار الأجنبية مواجهتها باللفظ، ولو قصد المعنى الشرعي لم يقع مطلقا. والكلام في هذه كالتي قبلها.
ومنها: جواز مخالعة الزوجين عند الأمن من إقامة الحدود، والخوف من عدم إقامتها، مع أن اللََّه تعالى قد قال {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (3) لأن الغالب أن الخلع لا يقع إلا في حالة الخوف، فلا يدل ذلك على المنع عند انتفاء الخوف.
__________
(1) النهاية للشيخ الطوسي: 565.
(2) التمهيد للأسنوي: 249، التجريد لنفع العبيد 4: 343، الروضة 3: 307.
(3) البقرة: 229.(1/113)
وذهب بعض العامة إلى عدم جوازه إلا في هذه الحالة، عملا بظاهر الآية (1).
ومنها: أن قوله صلى اللََّه عليه وآله: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» (2)
وإن أشعر تقييده أن التارك عمدا لا يقضي، إلا أن هذا التقييد لا مفهوم له، لأن القضاء إذا وجب على المعذور فغيره بطريق أولى.
وخالف جماعة من العامة فقالوا: لا يقضي تغليظا عليه، قالوا: وليس وجوب القضاء من باب المعاقبة حتى يقال: يجب على غيره بطريق أولى، لأن تأهيل شخص للعبادة من باب اصطفائه وتقريبه، فإن المملوك لا ترضى كل أحد لخدمتها (3).
وهذا البحث على تقدير انحصار الدلالة في الخبر. ويمكن استفادته عندنا من نصوص أخر (4).
قاعدة «27» مفهوم العدد حجة عند جماعة من الأصوليين (5)،
لأنه لما نزل قوله تعالى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ} (6) قال النبي صلى اللََّه عليه وآله: «واللََّه
__________
(1) المغني لابن قدامة 8: 177، ونقله عن العز بن عبد السلام في الإبهاج 1: 235.
(2) صحيح البخاري 2: 155باب من نسي صلاة، صحيح مسلم 2: 127كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث 309، سنن أبي داود 1: 118حديث 435، سنن الدارمي 1: 280.
(3) مغني المحتاج 1: 127، بداية المجتهد 1: 256، وحكاه عن جماعة في التمهيد: 252.
(4) الوسائل 5: 347أبواب قضاء الصلوات ب 1.
(5) نقله عن الشافعي في المنخول: 209.
(6) التوبة: 80.(1/114)
لأزيدن على السبعين» (1).
وذهب المحققون إلى أنه ليس بحجة مطلقا إلا بدليل منفصل (2)، كما إذا كان العدد علة لعدم أمر، فإنه يدل على امتناع ذلك الأمر في الزائد أيضا لوجود العلة، وعلى ثبوته في الناقص لانتفائها، كحديث القلتين.
وكذا إذا لم يكن علة، ولكن أحد العددين داخل في العدد المذكور، زائدا كان كالحكم بالحظر، فإن تحريم جلد المائة مثلا يدل عليه في المائتين ولا يدل في الناقص، لا على إثبات ولا على نفي أو ناقصا، كالحكم بإيجاب العدد أو ندبه أو إباحته، فإنه يدل على ذلك في الناقص، ولا دلالة فيه على الزائد بشيء.
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: إذا قال: بع ثوبي بمائة، ولم ينهه عن الزيادة، فباع بأكثر، صح.
وفيه وجه أنه لا يصح، كما لو نهاه عن الزيادة، وهو الموافق لقاعدة كون المفهوم المذكور حجة.
ويقوى هذا القول مع دلالة القرائن على إرادة المالك الاقتصار على العدد المذكور للإرفاق بالمشتري الخاصّ أو مطلقا، لأنه أمر مطلوب شرعا، ونحو ذلك ومع انتفائها يتخرج على أحد القولين، ويتجه الجواز، لضعف القول الأول.
ومنها: لو قال لزوجته: إن أعطتني فلانة ألفا فأنت علي كظهر أمي، فزادت، فإنه يقع أيضا، إلا على القول السابق، وعدم الوقوع هنا أضعف من السابق، لأن من أعطى مائة ودرهما يصدق أنه أعطى مائة، بخلاف من باع بمائة ودرهم.
__________
(1) تفسير الطبري 10: 138، الدر المنثور 4: 254، مجمع البيان 2: 55.
(2) كالآمدي في الإحكام 3: 88، والغزالي في المستصفى 2: 191، 195، والبيضاوي في المنهاج (نهاية السؤل) 2: 221.(1/115)
ويتفرع على ما سبق:
ما لو قال: بع ثوبي ولا تبعه بأكثر من مائة، لم يبعه بأكثر من مائة، ويبيعه بها وبما دونها، ما لم ينقص عن ثمن المثل.
ولو قال: بعه بمائة، ولا تبعه بمائة وخمسين، فليس له بيعه بمائة وخمسين، ولا بما زاد عليها في الأصح، ويجوز بما دون ذلك، ما لم ينقص عن مائة.
ومنها: إذا قال: أوصيت لزيد بمائة درهم، ثم قال: أوصيت له بخمسين، فوجهان. أصحهما: ليس له إلا خمسون، ولا يجمع بينهما كما لو عكس فأوصى له بخمسين ثم أوصى له بمائة فليس له إلا الموصى به أخيرا وهو المائة.
والوجه الثاني: أن له مائة وخمسين، وهو ضعيف.
وهذا يأتي في كل عقد يجوز تغييره، كما إذا قال: من رد آبقا فله عشرة، ثم قال قبل العمل: فله خمسة (1).
قاعدة «28» مفهوم الزمان والمكان حجة عند جماعة (2) ومردود عند المحققين (3).
ومن فروعه:
ما إذا قال لوكيله: افعل هذا، ثم قال: افعله في هذا اليوم، أو في هذا المكان، فمقتضى العمل بالمفهومين أنه يكون منعا له فيما عدا ذلك.
__________
(1) في «م» زيادة: كذلك الفرض ونحوه.
(2) نقله عن الحنابلة الآمدي في الإحكام 2: 199، وعن الشافعي في المنخول: 209.
(3) المحصول 1: 326، الإحكام في أصول الأحكام 2: 199.(1/116)
ومنها: إذا ادعي عليه عشرة، فأجاب بأنه لا يلزمه تسليم هذا المال اليوم، فقيل: لا يجعل مقرا، لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم (1).
ويتجه عند القائل به اللزوم، لأن مقتضاه لزومه في غيره، فيكون إقرارا بالمؤجل. ويتفرع عليه لزومه حالا إن لم يقبل إقراره بالأجل كما هو المشهور.
ومنها: إذا قال: بعه في يوم كذا، أو في مكان كذا، فخالف الوكيل، فإن العقد لا يصح، وكذا نحوه من العقود والإيقاعات.
والحق أن التقييد في الوكالة ونحوها تابع للفظ، ومختص بما قيده، لا من حيث المفهوم. ومن ثم لم يخالف من رد المفهوم في اختصاص الوكالة أو الوقف ونحوهما بما قيده وصفا، وشرطا، وزمانا، ومكانا، وغيرها.
قاعدة «29» مفهوم اللقب أي تعليق الحكم بالاسم، طلبا كان أم خبرا، ليس بحجة عند الجمهور،
فإذا قال قائل: أكرم زيدا، أو قام زيد، أو بعتك هذا العبد، فلا يدل اللفظ الصادر منه بمفهومه على نفي ذلك عن غيره، بل يكون مسكوتا عنه، وإن كان منفيا بالأصل، لأنه لو دل على ذلك للزم أن يكون قول القائل:
محمد رسول اللََّه، دالا على نفي رسالة غيره من الرسل، وهو كفر.
وذهب الدقاق والصيرفي من الشافعية وجماعة من الحنابلة وبعض المالكية إلى أنه حجة، لأن التخصيص لا بد له من فائدة [1].
[1] قال الآمدي: اتفق الكل على أن مفهوم اللقب ليس بحجة، خلافا للدقاق، وأصحاب الإمام أحمد بن حنبل. الإحكام في أصول الأحكام: 3: 90، وكذا نقله عنهم في التمهيد: 261.
__________
(1) نقله الرافعي عن القاضي حسين كما في التمهيد: 259.(1/117)
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا وكل جماعة في بيع أو تزويج ونحوه، ثم خصص واحدا بالإذن، فإنه لا يكون رجوعا عن غيره بمجرده، إلا أن تدل القرينة الخارجة عليه.
ومنها: إذا أوصى بعين لزيد، ثم قال: أوصيت بها لعمرو، فقال بعضهم: لا يكون رجوعا عن الوصية الأولى، بل يشرك بينهما بناء على القاعدة فإنه خص الاسم بالثاني (1)، فلا يدل على نفيه عن الأول (2).
والأقوى أنه رجوع، لأنه المفهوم منه عرفا، ولا إشكال لو صرح بإرادة التشريك أو الرجوع.
قاعدة «30» الحكم المعلق على اسم يكفي فيه الاقتصار على ما يتحقق (معه في) (3)
أقل مراتبه،
وقيل: لا بد من آخر مراتبه احتياطا (4).
ومن فروعه:
ما إذا أسلم إليه في شيء على أن يسلمه في البلد الفلاني وشبهه، فإنه يكفي تسليمه في أول جزء من البلد، لأن الظرفية قد تحققت، ولا يجب عليه أن يوصله إلى منزله، ولا إلى آخر البلد.
ومنها: ما لو أسلم أو أجل المبيع أو مال الإجارة ونحوها إلى جمادى أو ربيع، فإنه يحمل على أقربهما، لصدق الاسم على الأول. ومثله إلى
__________
(1) كذا، والمراد أن التعبير بالاسم الثاني لا يدل على نفيه عن غيره.
(2) المغني لابن قدامة 6: 483، التمهيد للأسنوي: 262.
(3) في «م»: منه.
(4) نقله عن شرح المحصول والتنقيح الأسنوي في التمهيد: 263.(1/118)
الخميس وغيره من أيام الأسبوع.
وفرّق بعض الأصحاب بين الأمرين، فحمل الإطلاق في الثاني على الأول، دون الأول، استنادا إلى دلالة العرف (1).
وقد يشكل الحكم فيهما معا، بأنه يعتبر علمهما بالأجل على وجه لا يحتمل الزيادة والنقصان قبل العقد، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط، فلا يكفي ثبوته شرعا مع جهلهما أو أحدهما، كما لو أجله إلى النيروز ونحوه، وهما أو أحدهما لا يعلمانه، فإنه لا يكفي في صحته إمكان الرجوع فيه إلى الشارع أو غيره.
ويمكن الفرق: بأن اللفظ، إذا دلّ على شيء مشترك أو مجمل على بعض الوجوه، بحيث يمكن الرجوع عند التنازع إلى مفهوم اللفظ صح، وكذا لو استفيد معناه من العرف ونحوه، بخلاف ما لا يدل اللفظ وما في معناه عليه. وفيه نظر.
ومن ثم ذهب بعضهم إلى عدم جواز التأجيل بذلك من دون التعيين، حيث لا يكون معلوما بينهما. وله وجه وجيه.
ومنها: ما روي من كراهة تقليم الأظفار وحلق الشعر لمريد التضحية إذا دخل عليه عشر ذي الحجة (2)، فلو أراد التضحية بأعداد من النعم، فهل يبقى النهي إلى آخرها، أم يزول بذبح الأول؟ يتخرج على القاعدة، ويتجه زوال الكراهة بذبح واحد أو نحره، لصدق الاسم به.
ومنها: إذا طلّق الحامل فولدت توأمين، فإن عدتها تنقضي بوضع الأول على الأول، وبالثاني، على الثاني.
__________
(1) هذا التفريق للعلامة في قواعد الأحكام 1: 137، والتذكرة 1: 548.
(2) صحيح مسلم 4: 220كتاب الأضاحي حديث 1977، سنن ابن ماجة 2: 1052حديث 31503149، سنن النسائي 7: 211كتاب الضحايا.(1/119)
والمسألة موضع خلاف، ويمكن بناؤه على القولين.
والأقوى توقف انقضائها على وضع الجميع، لتعليق أجلهن في الآية (1)
بوضع حملهن، ولا يتحقق وضع الحمل المضاف إليهن إلا بوضع الجميع، ولأن الغرض من العدة استبراء الرحم من الحمل، ولا يتحقق بدونه. وهذان دليلان من خارج.
ومنها: ما لو نذر الصوم يوم تلد امرأته، فولدت توأمين، كل واحد في يوم، ففي وجوب الأول أو الثاني الوجهان، وأقواهما الأول. وقس عليه نظائر ذلك.
__________
(1) وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهن الطلاق: 4(1/120)
الباب الثالث في الأوامر والنواهي
وفيه فصلان
الفصل الأول في الأوامر
مقدمة: لفظ «الأمر» وما يصرف منه كأمرت زيدا بكذا،
وقول الصحابي:
أمرنا، أو أمرنا رسول اللََّه صلى اللََّه عليه وآله بكذا حقيقة في القول الدال بالوضع على طلب الفعل، فالطلب بالإشارة والقرائن المفهمة لا يكون أمرا حقيقة.
واحترز «بالوضع» عن قول القائل: أوجبت عليك، أو أنا طالبه منك وإن تركته عاقبتك، فإنه خبر عن الأمر، وليس بأمر.
ودخل في إطلاق «الطلب» الإيجاب والندب، بخلاف صيغة افعل، فإنها حقيقة في الإيجاب خاصة، كما سيأتي. فتفطّن لذلك، وربما اشتبه على كثير. وجميع ما ذكر في الأمر يأتي في النهي.
واشترط بعضهم مع ذلك العلو، بأن يكون الطالب أعلى مرتبة من المطلوب منه (1)، وآخرون الاستعلاء (2)، وهو الغلظة ورفع الصوت
__________
(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 35.
(2) المعتمد 1: 43، الإحكام للآمدي 2: 158، منتهى الوصول: 65.(1/121)
ونحوهما، وثالث جمع الأمرين معا (1).
وقيل: إن الأمر مشترك بين القول والفعل (2) ومنه قوله تعالى {وَمََا أَمْرُنََا إِلََّا وََاحِدَةٌ} (3).
قاعدة «31» الأمر سواء كان بلفظ «افعل» كاترك أو اسكت، أو اسم الفعل،
كنزال أو صه، أو المضارع المقرون باللام، كقوله تعالى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (4) للوجوب عند أكثر المحققين، إذا لم تقم قرينة على خلافه (5).
وفي المسألة مذاهب كثيرة، هذا أحدها.
والثاني: أنه حقيقة في الندب (6).
والثالث: في الإباحة (7).
والرابع: أنه مشترك بين الوجوب والندب (8).
__________
(1) نقله عن شرح القاضي عبد الوهاب في التمهيد: 265.
(2) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3: 294.
(3) القمر: 50.
(4) النساء: 102.
(5) منتهى الوصول: 66، المنهاج (نهاية السؤل) 2: 251، شرح المختصر 2: 79، المحصول 1:
204، ونقله عن الشافعي في الإحكام 2: 133، والأشعري في التمهيد: 267.
(6) نقله عن الشافعي في التمهيد: 267، وعن أبي هاشم في شرح المختصر 2: 79، وعن أبي علي في الذريعة 1: 51.
(7) نقله عن بعض أصحاب مالك في التلويح 1: 290.
(8) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 51، ونقله عن الشافعي في المستصفى 1: 165.(1/122)
والخامس: أنه مشترك بين هذين وبين الإرشاد (1).
والسادس: أنه حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطلب (2).
والسابع: أنه حقيقة إما في الوجوب أو الندب، ولكن لم يتعين لنا ذلك (3).
والثامن: أنه مشترك بين الوجوب والندب والإباحة (4).
والتاسع: أنه مشترك بين الثلاثة المذكورة بالاشتراك المعنوي، وهو الإذن (5).
والعاشر: أنه مشترك بين خمسة وهي الثلاثة التي ذكرناها، والإرشاد والتهديد (6).
والحادي عشر: أنه مشترك بين الخمسة الأحكام، هي: الوجوب والندب والكراهة والتحريم والإباحة (7).
والثاني عشر: أنه موضوع لواحد من هذه الخمسة، ولا نعلمه (8).
والثالث عشر: أنه مشترك بين ستة أشياء: الوجوب والندب والتهديد والتعجيز والإباحة والتكوين (9).
__________
(1) أصول السرخسي 1: 14، والإحكام للآمدي 2: 162.
(2) نقله عن أبي منصور الماتريدي في الإبهاج 2: 15.
(3) الموافقات 3: 208ونقله عن الأشعري والقاضي.
(4) التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 290. ونسبه إلينا في فواتح الرحموت 1: 373.
(5) حكاه في كشف الأسرار 1: 37، ومنتهى الوصول: 66.
(6) حكاه الغزالي في المستصفى 1: 164.
(7) حكاه في المحصول 1: 202، والتمهيد: 268، ونهاية السؤل 2: 251.
(8) نقله عن الحاصل في نهاية السؤل 2: 253.
(9) التمهيد للأسنوي: 268.(1/123)
والرابع عشر: أن أمر اللََّه تعالى للوجوب، وأمر رسوله للندب (1).
وإذا أخدت هذه مع الأقوال الثلاثة المفرّعة على القول الأوّل تلخّص منها سبعة عشر قولا.
إذا تقرر ذلك ففروع القاعدة في أدلة الأحكام من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى.
ومن فروعه في الفروع: ما لو قال لمن تجب عليه طاعته كعبده: افعل كذا، ولم يصرح بما يقتضي أحد الأمور المحتملة من اللفظ، ففي وجوب ذلك عليه ما سبق.
قاعدة «32» إذا فرغنا عن أنّ الأمر للوجوب، فورد بعد التحريم، فالأصح أنه يحمل أيضا على الوجوب
لأن الأمر يفيده، والحرمة لا تدفعه.
وقيل: على الإباحة (2).
وقيل: للاستحباب (3).
ومن فروع القاعدة:
ما إذا عزم على نكاح امرأة، فإنه ينظر إليها، لقوله صلى اللََّه عليه وآله: «انظر إليهن» (4)
__________
(1) فواتح الرحموت 1: 373، وحكاه القيرواني في المستوعب عن الأبهري في أحد أقواله كما في التمهيد للأسنوي: 269.
(2) منتهى الوصول: 71، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي 2: 198.
(3) التلويح في كشف حقائق التنقيح، 1: 296ونقله عن القاضي حسين في التمهيد: 271.
(4) سنن ابن ماجة 1: 599باب النّظر إلى المرأة حديث 1865، سنن النسائي 6: 69باب إباحة النّظر قبل التزويج.(1/124)
الحديث، ولكن هل يستحب ذلك أو يباح؟ وجهان، مبنيان على ما ذكر، أما الوجوب فمنفي هنا بدليل خارجي.
ومنها: الأمر بالكتابة في قوله تعالى {فَكََاتِبُوهُمْ} (1) فإنه وارد بعد التحريم على ما ذكره بعضهم (2) من حيث إنّ الكتابة بيع مال الشخص بماله وهو ممتنع. ففي حمل الأمر على الاستحباب أو الإباحة وجهان.
قاعدة «33» إذا ورد الأمر بشيء يتعلق بالمأمور، وكان عند المأمور وازع يحمله على الإتيان به،
فلا يحمل ذلك الأمر على الوجوب لأن المقصود من الإيجاب إنما هو الحث على طلب الفعل، والحرص على عدم الإخلال به، والوازع الّذي عنده يكفي في تحصيل ذلك، كذا ذكره بعض الأصوليين (3).
ومن فروع ذلك: عدم إيجاب النكاح على القادر، فإنّ قوله صلى اللََّه عليه وآله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج» (4) وإن كان بإطلاقه يقتضي الإيجاب، كما قال به داود الظاهري (5)، لكن خالفنا ذلك لما ذكرناه.
__________
(1) النور: 33.
(2) كما قاله القاضي الحسين في باب الكتابة نقله في التمهيد للأسنوي: 272.
(3) التمهيد: 269.
(4) صحيح البخاري 7: 3باب من استطاع الباءة، صحيح مسلم 3: 189باب استحباب النكاح حديث 1400، سنن ابن ماجة 1: 592حديث 1845، سنن النسائي 6: 58باب الحث على النكاح.
(5) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 3: 6، التمهيد للأسنوي: 270.(1/125)
قاعدة «34» الأمر بالأمر بالشيء،
كقوله لزيد: مر عمرا ببيع هذه السلعة، لا يكون أمرا منه للثالث وهو عمرو ببيعها على المختار. وذهب بعضهم إلى أنه أمر لهما (1).
ومن فروع القاعدة:
ما لو تصرّف الثالث قبل إذن الثاني له، هل ينفذ تصرفه أم لا؟ فعلى المختار لا ينفذ إلا بعد إذن الثاني له.
وعلى القولين، فإذا لم يقل الموكل للأول: اجعله وكيلا عني ولا عنك، فإن الثاني يكون وكيلا عن المالك الموكل على الصحيح.
ولو قال: وكل عني، زال الإشكال، أو عنك، فهو وكيل عن الوكيل الأول لكن للمالك عزله على الصحيح، لأنه يسوغ له عزل الأصل، فالفرع أولى.
قاعدة «35» الأمر بالعلم بشيء لا يستلزم حصول ذلك الشيء في تلك الحالة،
فإذا قال مثلا:
اعلم أنّ زيدا قائم، فلا يدل اللفظ على وقوع قيامه.
ووجهه أنه يصح تقسيمه إليه، فيقال: اعلم قيام زيد إذا وقع، أو أعلمه بأنه قد وقع. وتقسيم الشيء إلى الشيء وغيره يدل على أنه أعم من
__________
(1) تهذيب الوصول: 25.(1/126)
كل منهما، والأعم لا يدل على الأخص. ولأن الأمر لا يكون إلا لطلب ماهية في المستقبل، فقد يوجد سببها، وقد لا يوجد.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا قال الشخص: اعلم أني طلّقت زوجتي، فهل يكون ذلك إقرارا بوقوع الطلاق أم لا؟ فقيل: لا يكون إقرارا، لأنه أمره أن يعلم، ولم يحصل هذا العلم (1).
ويحتمل كونه إقرارا، وإن قلنا بالقاعدة، لدلالة العرف على كونه إقرارا وهو أقوى.
قاعدة «36» إذا ورد أمران متعاقبان بفعلين متماثلين، والثاني غير معطوف،
فإن منع من القول بتكرار المأمور به مانع عادي، كتعريف أو غيره، حمل الثاني على التأكيد، نحو: اضرب رجلا، اضرب الرّجل واسقني ماءً، اسقني ماءً.
وإن لم يمنع منه مانع، كصلّ ركعتين، صلّ ركعتين، فقيل: يكون الثاني توكيدا أيضا، عملا ببراءة الذّمّة، ولكثرة التأكيد في مثله (2).
وقيل: بل يعمل بهما، لفائدة التأسيس، واختاره في المحصول، والآمدي في الإحكام (3).
وقيل بالوقف، للتعارض، فإن كان الثاني معطوفا، كان العمل بهما أرجح من التأكيد، فإن حصل للتأكيد رجحان بشيء من الأمرين العاديين
__________
(1) نقله عن القاضي شريح الروياني في تمهيد الأسنوي: 276.
(2) فواتح الرحموت 1: 391.
(3) الذريعة 1: 125، المحصول 1: 271، الإحكام 2: 206.(1/127)
تعارض هو والعطف، وحينئذ فإن ترجّح أحدهما قدمناه، وإلا توقفنا (1).
واختار الأولان العمل بهما في هذا القسم أيضا.
إذا تقرر ذلك فيتفرع على القاعدة:
ما إذا خاطب وكيله بشيء من ذلك، كما إذا كان له زوجتان مثلا، فقال لغيره: طلّق زوجتي، طلق زوجتي، بالتكرار، أو كرّر الأمر بالعتق كذلك من له عبيد، فهل للوكيل تطليق امرأتين، وإعتاق عبدين؟ يبنى على ما ذكر.
وهذا الحكم يأتي في الزوجة الواحدة أيضا، إذا كان طلاقها رجعيا. ونظائر ذلك كثيرة.
ولو كان أحدهما عاما والآخر خاصا، نحو: صم كل يوم، صم يوم الجمعة، قال في المحصول: فإن كان الثاني غير معطوف كان تأكيدا، وإن كان معطوفا فقال بعضهم: لا يكون داخلا تحت الكلام الأول، وإلا لم يصح العطف، والأشبه الوقف، للتعارض بين ظاهر العموم وظاهر العطف (2).
ويتفرع على ذلك:
ما إذا قال: أوصيت لزيد وللفقراء بثلث مالي، وزيد فقير، ففيه أوجه، سواء وصف زيدا بالفقر أم لا، وسواء قدّمه على الفقراء أم أخره:
أحدها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل ما يتموّل، ولكن لا يجوز حرمانه، وإن جاز حرمان بعض الفقراء.
والثاني: أنه يعطى سهما (3) من سهام القسمة، فإن قسم المال على أربعة من الفقراء أعطي زيد الخمس، أو على خمسة أعطي السدس، وهكذا.
والثالث: لزيد ربع الوصية، والباقي للفقراء، لأن الثلاثة أقل من يقع
__________
(1) المعتمد 1: 162.
(2) المحصول 1: 272.
(3) في «د»، «م»: بهما.(1/128)
عليه اسم الجمع.
والرابع: له النصف، ولهم النصف، نظرا إلى الاسمين من غير التفات إلى ما تحتهما من الأفراد.
والخامس: أنّ الوصية في حق زيد باطلة، لجهالة ما أضيف إليه، أي الّذي جعل له.
ولو وصف زيدا بغير صفة الجماعة، فقال أعطوا ثلثي لزيد الكاتب وللفقراء قيل: له النصف حتما (1) (2). ويتجه أن يجيء فيه وجه الربع أيضا.
قاعدة «37» الأمر المطلق لا يدل على تكرار، ولا على مرة،
بل على مجرد إيقاع الماهية. وإيقاعها وإن كان لا يمكن في أقل من مرة، إلا أنّ الأمر لا يدل على التقييد بها، حتى يكون مانعا من الزيادة، بل ساكتا عنه. هذا هو الّذي اختاره المحققون (3).
وذهب قوم: إلى أنه يدلّ بوضعه على المرة (4).
وآخرون إلى أنه يدلّ على التكرار المستوعب لزمان العمر، لكن يشترط الإمكان، كما قاله الآمدي (5).
__________
(1) في «د»: حقا.
(2) كما في الشرائع 2: 487.
(3) الإحكام 2: 174، المحصول 1: 237، مسلم الثبوت (فواتح الرحموت): 380.
(4) كالشيخ الطوسي في العدة: 74، والغزالي في المستصفى 2: 3، والبصري في المعتمد 1: 98.
(5) نقله الآمدي عن أبي إسحاق الأسفراييني وجماعة في الإحكام 2: 173.(1/129)
وتوقف رابع في أعماله في أحدهما، لاشتراكه بينهما، فيتوقف حمله على أحدهما على القرينة (1).
إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لوكيله: بع هذا العبد، فباعه، فرد عليه بالعيب. أو قال: بعه بشرط الخيار، ففسخ المشتري، فليس له بيعه ثانيا على المختار، ويجيء على إفادة التكرار الجواز.
ومنها: إذا سمع مؤذنا بعد مؤذن، فهل يستحب إجابة الجميع، لقوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول» (2) أم يسقط الاستحباب بالمرة؟ الوجهان.
ويمكن القول بالاستحباب وإن لم يجعل الأمر دالا على التكرار، نظرا إلى تعليق الحكم على الوصف المناسب، الدال على التعليل، فيتكرر الحكم بتكرر علته.
قاعدة «38» تعليق الخبر على الشرط كقوله: إن جاء زيد جاء عمرو لا يقتضي التكرار اتفاقا.
وكذا تعليق الإنشاء، كقوله لزوجته: إن خرجت فأنت عليّ كظهر أمي.
وأما تعليق الأمر كقوله: إن خرجت زوجتي من الدار فطلّقها، على
__________
(1) الذريعة 1: 100.
(2) صحيح البخاري 1: 159باب ما يقول إذا سمع المنادي، صحيح مسلم 1: 367كتاب الصلاة حديث 384، سنن النسائي 2: 25باب الصلاة على النبي بعد الأذان، سنن ابن ماجة 1: 238 حديث 718، 719.(1/130)
وجه يصح معه الوكالة المعلقة إذا قلنا إن الأمر لا يفيد التكرار ففيه (ثلاثة) (1)
مذاهب أصحها في المحصول: أنه لا يدلّ عليه من جهة اللفظ، أي لم يوضع اللفظ له، ولكن يدلّ من جهة القياس، بناء على أن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية (2).
والثاني: يدلّ بلفظه (3).
والثالث: لا يدلّ بلفظه ولا بالقياس (4).
ومحل الخلاف: فيما لم يثبت كونه علة كالإحصان، فإن ثبت كالزناء، فإنه يتكرر لأجل تكرر علته اتفاقا. وحكم الأمر المعلق بالصفة حكم الأمر المعلق بالشرط.
ومما يتفرع على ذلك:
الخلاف في وجوب الصلاة على النبي صلى اللََّه عليه وآله كلما ذكر، عملا بقوله صلى اللََّه عليه وآله: «بعد من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» (5).
وقد ذهب إلى وجوبه لذلك جماعة من العلماء، منهم الزمخشري (6)، ونقل عن ابن بابويه (7)، ورجّحه المقداد في الكنز (8)، لما ذكر.
ولما روي عنه صلى اللََّه عليه وآله: «إن اللََّه وكّل بي ملكين، فلا اذكر عند مسلم فيصلي
__________
(1) ليس في «د».
(2) المحصول 1: 243.
(3) التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 301.
(4) كما في المعتمد 1: 106، والذريعة 1: 109، والمستصفى 2: 7، ومنتهى الوصول: 68.
(5) الكافي 2: 495باب الصلاة على النبي حديث 19بلفظ آخر، الوسائل 4: 999باب 10 من أبواب التشهد حديث 3.
(6) الكشاف 3: 557.
(7) عقاب الأعمال: 246.
(8) كنز العرفان 1: 133.(1/131)
عليّ إلا قال ذانك الملكان: غفر اللََّه لك، وقال اللََّه وملائكته: آمين، ولا اذكر عند مسلم فلا يصلي علي إلا قال الملكان: لا غفر اللََّه لك، وقال اللََّه وملائكته: آمين» (1).
وهذا حسن لو صح الحديثان.
ويمكن أن يستدل على الوجوب بحسنة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:
«إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء، وصل على النبي صلى اللََّه عليه وآله كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر، في أذان أو غيره» (2) بناء على حمل الأمر على الوجوب ولكن الأمر السابق بالإفصاح للندب، واختلاف الحكمين بغير قرينة مشكل. إن لم يكن الأول قرينة على استحباب الثاني.
واعلم أن محل الخلاف ما إذا كان الفعل الثاني واقعا في محل الأول، فأما إذا وقع الثاني في غير محله، فإن تكراره يوجب تكرار الحكم، كقوله:
من دخل داري فله درهم، فإذا دخل دارا له، ثم دارا أخرى، استحق درهمين، لتعدد الفعل على وجه لا يحتمل الاتحاد.
قاعدة «39» متى قلنا: إن الأمر المطلق يفيد التكرار، فإنه يفيد الفور أيضا،
وإن لم نقل به لم يدل على فور ولا على تراخ، بل طلب الفعل خاصة على المختار.
__________
(1) الدر المنثور 5: 218.
(2) الكافي 3: 303باب بدء الأذان والإقامة حديث 7، الفقيه 1: 284حديث 875، الوسائل 4: 669باب 42أبواب الأذان ح 1.(1/132)
وقيل: يفيد الفور (1).
وقيل: التراخي (2).
وقيل: مشترك بينهما، لا يدل على أحدهما إلا بقرينة، فإن بادر عد ممتثلا (3).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لشخص: بع هذه السلعة، فقبضها الشخص وأخر بيعها مع القدرة عليه، فتلفت، فعلى المشهور لا ضمان عليه وعلى الفور يضمن، لتقصيره.
واعلم: أنه قد خرج عن ذلك جملة من الأوامر وجبت على الفور بدليل خارج:
منها: دفع الزكاة والخمس والدين عند المطالبة، لأن المقصود من شرعية الزكاة والخمس سد خلة الفقراء، ومعونة الهاشميين، ففي تأخيرهما إضرار بهم، لا سيما مع تعلق أطماعهم به.
ويستثني من فورية الزكاة تأخيرها شهرا أو شهرين، للرواية الصحيحة. ومن الخمس تأخيره في المكاسب إلى تمام حوله احتياطا للنفقة.
وفي حكم الدين مع المطالبة كونه لمن لا يعلم به، فتجب المبادرة إلى وفائه، أو إعلام مستحقه بالحال، وفي معناه الأمانة التي لا يعلم بها مالكها.
ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن تأخيره كالتقرير على المعصية.
__________
(1) الإحكام لابن حزم 3: 307، ونقله عن مالك في مختصر تنقيح الفصول: 46.
(2) المعتمد 1: 111، المنخول: 111ونقله عن الشافعية والقاضي أبي بكر والجبائي وابنه، الآمدي في الأحكام 2: 184.
(3) الذريعة 1: 131.(1/133)
ومنها: الحكم بين الخصوم، لأن المتعدي منهما ظالم، فيجب كفه عن ظلمه، كالأمر بالمعروف.
ومنها: إقامة الحدود والتعزيرات، لأن في تأخيرهما تقليل (1) الزجر عن المفاسد المترتبة عليها، وفي بعض الأخبار: «ليس في الحدود نظرة» (2) اللهم إلا أن يعرض ما يوجب التأخير، كخوف الهلاك والسراية لحر أو برد ونحوهما، حيث لا يكون القصد إتلاف النّفس.
ومنها: الجهاد، لئلا تكثر المفسدة، ومنه قتال البغاة.
ومنها: الحج عندنا، لدلالة الأخبار عليه، ولأن تأخيره كالتفويت، لجواز عروض العارض إذ يتمادى تأخيره من سنة إلى سنة، والسلامة فيها من العوارض مشكوك فيه والعهدة على النص.
ومنها: الكفارات عند بعض أصحابنا، محتجا بأنها كالتوبة الواجبة على الفور من المعاصي.
ومنها: رد السلام، ل «فاء التعقيب» في قوله تعالى {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهََا} (3) ولأن المسلم يتوقعه في الحال، فتأخيره إضرار به.
ومنها: الأمر بتعريف اللقطة حولا، فإنه يجب على الفور، جزم به جماعة، ولأن طالبها إنما يطلبها غالبا عقيب الضياع، فتأخيره يفوت الغرض منه ولكن لا يخرج بالإخلال بالفورية عن الوجوب، وإن أثم كغيره.
ومنها: أداء صلاة الزلزلة، فإنه واجب أيضا عند السبب على الفور على المشهور بين الأصحاب، ولو أخلّ بها بقيت أداء، وإن أثم كذلك.
__________
(1) في «ح»: تعليل.
(2) التهذيب 10: 51حديث 190الفقيه 4: 34حديث 5021الوسائل 18: 336أبواب مقدمات الحدود باب 25حديث 1، وفيها: نظر ساعة.
(3) النساء: 86.(1/134)
ومنها: قضاء الصلوات الفائتة عند أكثر الأصحاب، خصوصا المتقدمين، والأقوى أنه على الاستحباب.
قاعدة «40» الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده مطلقا، أو ضده العام، أو ليس بدال عليه أصلا؟
أقوال، أوسطها وسطها.
وتنقيحها: أنه إذا قال السيد لعبده مثلا: اقعد، فهنا أمران منافيان للمأمور به، وهو وجود القعود:
أحدهما: مناف له لذاته، أي بنفسه، وهو عدم القعود، لأنهما نقيضان، والمنافاة بين النقيضين بالذات، فاللفظ الدال على القعود دال على النهي عن عدمه، أو على المنع منه بلا خلاف.
والثاني: مناف له بالعرض، أي بالاستلزام، وهو الضد، بالقيام في المثال والاضطجاع.
وضابطه: أن يكون معنى وجوديا يضاد المأمور به. ووجه منافاته بالاستلزام أن القيام مثلا يستلزم عدم القعود، الّذي هو نقيض القعود، فلو جاز عدم القعود لاجتمع النقيضان، فامتناع اجتماع الضدين إنما هو لامتناع اجتماع النقيضين، لا لذاتهما، فاللفظ الدال على القعود يدل على النهي عن الأضداد الوجودية كالقيام بالالتزام، والّذي يأمر قد يكون غافلا عنها.
وادعى بعضهم: أن المنافاة بين الضدين أيضا ذاتية، وهو نادر.
ومن هنا نشأت الأقوال:
فقيل: إن الأمر بالفعل هو نفس النهي عن ضده، فإذا قال مثلا: تحرك،
فمعناه: لا تسكن واتصافه بكونه أمرا ونهيا باعتبارين، كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين (1).(1/135)
فقيل: إن الأمر بالفعل هو نفس النهي عن ضده، فإذا قال مثلا: تحرك،
فمعناه: لا تسكن واتصافه بكونه أمرا ونهيا باعتبارين، كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين (1).
وقيل: هو غيره، ولكنه يدل عليه بالالتزام، لأن الأمر دال على المنع من الترك، ومن لوازم المنع من ذلك منعه من الأضداد، فيكون الأمر دالا على المنع من الأضداد بالالتزام (2). وعلى هذا فالأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده بخلاف النهي عن الشيء، فإنه أمر بأحد أضداده كما ستعرفه.
وقيل: إنه لا يدل عليه أصلا، لأنه قد يكون غافلا عنه كما سبق، ويستحيل الحكم على الشيء مع الغفلة عنه (3).
وإذا قلنا بأنه يدل، فهل يختص بالواجب، أم يدل أيضا أمر الندب على كراهة ضده؟ فيه قولان (4).
ويشترط في كونه نهيا عن ضده: أن يكون مضيقا، كما نقله جماعة (5) وإن أطلقه آخرون (6)، لأنه لا بد أن ينتهي عن الترك المنهي عنه حين ورود النهي، ولا يتصور الانتهاء عن تركه إلا مع الإتيان بالمأمور به، فاستحال النهي مع كونه موسعا.
إذا علمت ذلك فتظهر فائدة الخلاف في مواضع:
منها: إذا قال لامرأته: إن خالفت أمري فأنت علي كظهر أمي عندنا، أو طالق عند مجوز تعليقه على الشرط من العامة. ثم قال لها: لا تكلمي
__________
(1) الإحكام لابن حزم 3: 326.
(2) عدة الأصول: 73، المحصول 1: 293، الإحكام للآمدي 2: 192.
(3) المستصفى 1: 83، منتهى الوصول: 69.
(4) ذهب إلى الأول ابن حزم في الإحكام 3: 327، وإلى الثاني الآمدي في الأحكام 2: 192.
(5) عدة الأصول: 73، مسلم الثبوت (فواتح الرحموت) 1: 100، ونقله عن القاضي عبد الوهاب في الإبهاج 1: 79.
(6) كما في المحصول 1: 293، وفواتح الرحموت 1: 100.(1/136)
زيدا، فكلمته، لم يقع ما علقه، لأنها خالفت نهيه لا أمره. وقال الغزالي:
أهل العرف يعدونه مخالفا للأمر (1).
ولو قال: إن خالفت نهيي فأنت علي كظهر أمي، ثم قال لها: قومي، فقعدت، بني الحكم على أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟ فذهب بعض من جعله نهيا إلى وقوع الظهار (2)، والأظهر المنع مطلقا، إذ لا يقال في العرف لمن قال: قم، أنه نهى (3).
ومنها: لو ترك المصلي أداء الدين مع المطالبة به، واشتغل بالصلاة مع سعة وقتها، فإن قلنا إن الأمر بالأداء نهي عن ضده مطلقا، لم تصح صلاته إلى أن يضيق الوقت، للنهي عنها المقتضي للفساد، وإن منعناه مطلقا أو خصصناه بالنهي عن الضد العام صحت.
ومنها: لو سلم على المصلي من يجب الرد عليه، فترك الرد وتشاغل بأفعال الصلاة، فهل تبطل الصلاة أم لا؟ يبنى على الأقوال:
فعلى الأول تبطل، للنهي عن الفعل الواقع في وقت يمكنه الرد فيه، المقتضي للفساد في العبادة، لأن النهي يرجع إلى جزئها وعلى الأخيرين لا تبطل وإن أثم.
وربما فرق بعضهم بين ما لو ترك المصلي التشاغل بالصلاة زمان الرد وعدمه. فأبطل الصلاة بالثاني دون الأول. وهو مبني على الأول، ويزيد فسادا أن الرد وإن كان فوريا لكن لا يسقط وجوبه بالإخلال بالفورية، فيبقى الكلام في الفعل الواقع بعد زمن يمكنه الرد فيه.
ومنها: لو وجد في المسجد نجاسة ملوثة أو مطلقا، حيث
__________
(1) نقله عنه في التمهيد: 97.
(2) نقله عن الروضة للنووي في التمهيد: 98.
(3) هذا كله كلام الرافعي في الوجيز كما حكاه في التمهيد: 97.(1/137)
توجب إزالتها، سواء كان الواجد هو واضعها أم لا، فهل تصح صلاته مع سعة الوقت قبل إزالتها أم لا؟ يبنى على الأقوال أيضا، لأنه مأمور بإزالتها حين الوجدان أمرا مضيقا، فإن جعلناه مستلزما للنهي عن الضد مطلقا بطلت، وإلا صحت. وأشباه ذلك كثير.
الفصل الثاني: في النواهي
مقدمة: النهي: هو القول الدال بالوضع على الترك.
وقد سبق في الكلام على حد الأمر ما يعلم منه شرح هذا الحد، وأن العلو والاستعلاء هل يشترطان أو أحدهما أم لا؟ وأن لفظ النهي يطلق على المحرم والمكروه، بخلاف لا تفعل ونحوه، فإنه عند تجرده عن القرائن يحمل على التحريم على المختار.
واختلفوا أيضا في دلالته على التكرار والفور كالأمر، والمشهور دلالته عليهما. والفرق بينه وبين الأمر واضح.
إذا علمت ذلك فيتفرع على أنه للتحريم:
ما إذا أشار السيد إلى شيء من المباحات بالأصالة وقال لعبده: لا تفعله، أو أذن له في التصرف، ثم ذكر بعده هذا اللفظ، ولم يقم قرينة على إرادة غير هذا المعنى. وهذا يجري في غير المولى من المالكين، إذا أذن في ملكه، ثم نهى بالصيغة المذكورة عن التصرف فيه.(1/138)
قاعدة «41» من قال: إن الأمر بعد التحريم للوجوب قال: إن النهي بعد الوجوب للتحريم أيضا،
طردا لبابي الأمر والنهي.
ومن قال: إنه بعد التحريم للجواز، اختلفوا في أن النهي بعد الوجوب للتحريم أو الإباحة، فقال بعضهم بالثاني، طردا للقاعدة (1).
وقال بعضهم بالأول (2)، لأن النهي يعتمد المفسدة، والأمر يعتمد المصلحة، واعتناء الشارع بدفع المفاسد أشد من اعتنائه بجلب المصالح. والتفريع على القاعدة كالسابقة بالتقريب.
ونقل في المحصول: أن الأمر بعد الاستئذان كالأمر بعد التحريم، لأن المقصود رفع المانع وقياسه أن يكون النهي أيضا بعد الاستئذان كالنهي بعد الوجوب (3).
ومن فروع المسألة: ما إذا أوصى بأكثر من الثلث، وقد اختلف العامة بسبب ذلك في صحته وفساده. وأصحهما عندهم وهو ظاهر اتفاق أصحابنا إلا من شذ (4) أنه صحيح، ولكن توقف على إجازة الورثة.
ومنشأ ترددهم قصة سعد بن أبي وقاص، فإنه مرض في حجة
__________
(1) شرح المختصر لعضد الدين 2: 95، أصول السرخسي 1: 97.
(2) منتهى الوصول: 73، ونقله عن أستاذه.
(3) المحصول 1: 236.
(4) نقله عن علي بن بابويه في التنقيح الرائع 2: 399.(1/139)
الوداع، فعاده النبي صلى اللََّه عليه وآله فقال: يا رسول اللََّه إن لي مالا كثيرا، وليس لي إلّا ابنة واحدة، فأتصدق بالنصف؟ قال:
«لا» قال: فالثلث؟ قال: «بالثلث، والثلث كثير» (1) إلى آخر الحديث.
قاعدة «42» النهي في العبادات يدل على الفساد مطلقا،
وكذا في المعاملات، إلا أن يرجع النهي إلى أمر مقارن للعقد، غير لازم له، بل منفك عنه، كالنهي عن البيع يوم الجمعة وقت النداء، فإن النهي إنما هو لخوف تفويت الصلاة، لا لخصوص البيع، إذ الأعمال كلها كذلك، والتفويت غير لازم لماهية البيع.
وفي المسألة أقوال أخر:
أحدها: لا يدل عليه مطلقا، نقله في المحصول عن أكثر الفقهاء (2)، والآمدي عن المحققين (3).
والثاني: يدل عليه مطلقا، صححه ابن الحاجب (4).
والثالث: يدل في العبادات دون المعاملات، اختاره في المحصول (5).
__________
(1) صحيح البخاري 4: 3باب الوصية بالثلث، صحيح مسلم 3: 446باب الوصية بالثلث حديث 1628، سنن ابن ماجة 2: 903حديث 2708.
(2) المحصول 1: 344.
(3) الإحكام 2: 209.
(4) منتهى الوصول: 73.
(5) المحصول 1: 344، وهو مذهب أبي الحسين في المعتمد 1: 171.(1/140)
وحيث قلنا: يدل على الفساد فقيل: يدل من جهة اللغة (1)، وقيل: من جهة الشرع (2) وهو الأظهر.
وإذا قلنا: لا يدل على الفساد، لا يدل على الصحة بطريق أولى. وبالغ أبو حنيفة وتلميذه محمد فقالا: يدل على الصحة، لأن التعبير به يقتضي انصرافه إلى الصحيح، إذ يستحيل النهي عن المستحيل (3).
إذا تقرر ذلك ففروع القاعدة كثيرة جدا لا تخفى، كالطهارة بالماء المغصوب، والصلاة في المكان المغصوب، والصوم الواجب سفرا عدا ما استثني، والحج المندوب بدون إذن الزوج والمولى، وبيع الرّبا والغرر وغيرها.
ومن هذا الباب ما لو ترك المتوضئ غسل رجليه في موضع التقية، أو مسح خفيه كذلك، وإن أتى بالهيئة المشروعة عنده، لأن العبادة المأمور بها حينئذ هي الغسل والمسح، والعدول عنهما منهي عنه، والواقع بدلهما جزء من العبادة منهي عنه، فيقع فاسدا. بخلاف ما لو ترك التكتف أو التأمين في موضعهما، فإنهما أمران خارجان عن ماهية العبادة فلا يقدحان في صحّتها.
وقد اختلف فيما لو صلى مستصحبا لشيء مغصوب غير مستتر به، هل تصح صلاته أم لا؟ ومقتضى القاعدة الصحة، إذ النهي خارج عن ذات الصلاة وشرطها، وهو اختيار المحقق (4)، والمشهور الفساد (5)، نظرا إلى صورة النهي
__________
(1) حكاه في فواتح الرحموت 1: 396، والتمهيد: 293.
(2) المعتمد 1: 176، منتهى الوصول: 73، الإحكام للآمدي 2: 210.
(3) نقله عنهما أبو زيد كما في الأحكام للآمدي 2: 214، واختاره في المستصفى 2: 28.
(4) المعتبر 2: 92.
(5) المغني والشرح الكبير 1: 626، 464.(1/141)
الواقع في العبادة، ولا يخفى ضعفه.
ومن هذا الباب الصلاة مع سعة الوقت بعد وجوب أداء الحق المضيق من دين مطالب به، أو حق يجب أداؤه على الفور، لأن المستحق في قوة المطالب.
وقد تقدم الكلام فيه (1).
قاعدة «43» المطلوب بالنهي إنما هو فعل ضد المنهي عنه،
فإذا قال: لا تتحرك، فمعناه: اسكن، لا التكليف بعدم الحركة، لأن العدم غير مقدور عليه، إلا أنه متوقف على وجود الفعل.
وقال أبو هاشم والغزالي: المطلوب بالنهي هو نفس ألا يفعل وهو عدم الحركة في مثالنا لأن العدم الّذي لا يقدر عليه إنما هو العدم المطلق لا العدم المضاف (2). وفائدة الخلاف تظهر مما سبق.
وهل هذا الترك من قسم الأفعال أم لا؟ فيه مذهبان، أصحهما عند الآمدي وابن الحاجب وجماعة: نعم، ولهذا قالوا في حد الأمر أنه اقتضاء فعل غير كف (3).
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا نزلت من رأس الصائم نخامة، وحصلت في حدّ الظاهر من الفم، فإن قطعها ومجّها لم يفطر، وإن ابتلعها.
__________
(1) 137، قاعدة 4
(2) نقله عن أبي هاشم في المحصول 1: 350، المستصفى 1: 90.
(3) نقله عن الآمدي في التمهيد: 294، منتهى الوصول: 65، وكالعضدي في شرح المختصر 2: 77، والتفتازاني في حاشية شرح المختصر 2: 77.(1/142)
قصدا أفطر، وإن تركها حتى نزلت بنفسها فوجهان مبنيان، وأصحهما الفطر.
ومنها: ما لو طعنة، فوصلت الطعنة إلى جوفه، وكان قادرا على دفعه ولكن تركه، ففي الفطر أيضا الوجهان.
ويمكن القول بعدم الفطر هنا وإن قيل به ثم (1) لقيام الفعل هنا بالطعن، بخلاف نزول النخامة.
ومنها: ما لو ألقاه في نار لا يمكنه الخلاص منها، فمات، فعليه القصاص. وإن أمكنه التخلص فلم يفعل حتى هلك لم يجب، لأنه قاتل نفسه، نعم يجب ضمان ما تأثر بالنار بأول الملاقاة قبل تقصيره في الخروج، سواء كان أرش عضو أم حكومة.
ومنها: ما لو دبّت (2) الزوجة الصغيرة، فارتضعت من أم الزوج مثلا، وهي مستيقظة ساكتة، فهل يحال الرضاع على الكبيرة لرضاها، أم لا لعدم فعلها؟ وجهان.
ومنها: ما لو قال لزوجته: إن فعلت ما ليس لله تعالى فيه رضى فأنت عليّ كظهر أمي، فتركت صوما أو صلاة، ففي وقوع الظهار عليها الوجهان، من حيث إنه ترك وليس بفعل. ولو سرقت وقع وكذا لو زنت، إلا أن يكون الموجود منها فيه مجرد التمكين على العادة، لأنه أيضا ترك للدفع، وليس بفعل من المرأة.
__________
(1) والمراد أنه وإن قيل بالفطر في مسألة النخامة.
(2) في «م»، «ح»: دنت.(1/143)
قاعدة «44» الأمر والنهي متعلقهما إما أن يكون معينا، أو مطلقا.
والمعين إما أن يتجزأ، أولا.
والأول يشترط في امتثال أمره الاستيعاب، كمن حلف على الصدقة بعشرة، فلا يكفي البعض.
وفي النهي يكفي الانتهاء عن البعض. فلو حلف أن لا يأكل رغيفا، أو علّق الظهار به، لم يحنث بأكل بعضه، ولم يقع الظهار، بل باستيعابه، لأن الماهية المركبة تعدم بعدم جزء منها.
وقال بعض العامة: يحنث في النهي بمباشرة البعض، فلو أكل بعض الرغيف المحلوف على تركه حنث، لأنه إذا أكل منه شيئا فقد أخرجه عن مسمى الرغيف، لأن الحقيقة المركبة تعدم بعدم أجزائها (1).
قلنا: توجه النهي إنما هو على المجموع، ولم يحصل.
أما ما لا يتجزأ فلا فرق فيه بين الأمر والنهي، كالقتل لو حلف على فعله أو تركه.
وأما المطلق ففي الأمر يخرج عن العهدة بجزئي من جزئياته، وفي النهي لا بد من الامتناع عن جميع جزئياته، فلو حلف على أكل رمان، برّ بأكل واحدة، ولو حلف على تركه، لم يبرأ إلا بترك الجميع، لأن المطلق في جانب النهي كالنكرة المنفية في العموم، مثل: لا رجل عندنا.
__________
(1) المدونة الكبرى 2: 127.(1/144)
قاعدة «45» يصح كل من الأمر والنهي عينا.
وكذا الأمر تخييرا، ويتعلق الأمر بالقدر المشترك بين الأفراد، وهو مفهوم أحدها ولا تخيير فيه، ومتعلق التخيير هو خصوصيات الأفراد، لأنه لا يجب عليه عين أحدها، كما لا يجوز له الإخلال بجميعها.
وأما النهي، فقد وقع تخييرا في مثل نكاح الأختين، والأم والبنت، وقد تقدم ذلك كله (1).
وقد ينقدح المنع في النهي من حيث إنّ متعلّقه هو مفهوم أحدها، الّذي هو مشترك بينها، فتحرم جميع الأفراد، لأنه لو دخل فردا إلى الوجود لدخل في ضمنه المشترك، وقد حرم بالنهي، والتحريم في الأختين والأم والبنت ليس على التخيير، لأنه إنما تعلّق بالمجموع عينا، لا بالمشترك بين الأفراد ولما كان المطلوب أن لا تدخل ماهية المجموع في الوجود، وعدم الماهية يتحقق بعدم جزء من أجزائها، أيّ الأجزاء كان فأي أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع، لا لأنه نهي عن القدر المشترك، بل لأن الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك المجموع، ويخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها.
وهكذا القول في خصال الكفارة، فإنه لما وجب المشترك، حرم ترك الجميع، لاستلزامه ترك المشترك، فالمحرم ترك الجميع، لا واحدة بعينها من الخصال، فلا يوجد نهي على هذه الصورة إلا وهو معلّق بالمجموع لا بالمشترك، إذ من المحال عقلا أن يفعل فرد من نوع، أو جزئي من كلي مشترك، ولا يفعل
__________
(1) قاعدة 10.(1/145)
ذلك المشترك المنهي عنه، لاشتمال الجزئي على الكلي ضرورة، وفاعل الأخص فاعل الأعم، فلا يخرج عن العهدة في النهي إلا بترك كل فرد، وذلك يخرج عن التخيير.(1/146)
الباب الرابع في العموم والخصوص
وفيه فصول:
الفصل الأول في ألفاظ العموم
مقدمة: الجمهور على أنّ العرب وضعت للعموم صيغا تخصّه، فإن استعمل للخصوص كان مجازا.
وعكس جماعة (1). وقيل: اللفظ مشترك بينهما (2).
وتوقف آخرون (3).
__________
(1) نقله عن الجبائي والبلخي في التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 73.
(2) الذريعة 1: 201.
(3) الإحكام للآمدي 2: 222. ونقله عن القاضي والأشعري في المستصفى 2: 46.(1/147)
قاعدة «46» صيغ العموم عند القائل به «كلّ» و «جميع» وما يصرف منها،
كأجمع وجمعاء وأجمعين، وتوابعها المشهورة، كأكتع وأخواته.
و «سائر» شاملة إما لجميع ما بقي، أو للجميع على الإطلاق، على اختلاف تفسيريها.
وكذا «معشر» و «معاشر» و «عامّة» و «كافّة» و «قاطبة» و «من» الشرطية والاستفهامية، وفي الموصولة خلاف.
وقال بعضهم: «ما» الزمانية للعموم أيضا وإن كانت حرفا، مثل {إِلََّا مََا دُمْتَ عَلَيْهِ قََائِماً} (1). وكذا «المصدرية» إذا وصلت بفعل مستقبل، مثل: يعجبني ما تصنع.
و «أيّ» في الشرط والاستفهام وإن اتصل بها «ما» مثل: أيّما امرأة نكحت. و «متى» و «حيث» و «أين» و «كيف» و «إذا» الشرطية إذا اتصلت بواحد منها «ما».
و «مهما» و «أيّ» و «أيّان» و «إذ ما» إذا قلنا باسميتها كما قاله المبرد (2)، وعلى قول سيبويه بأنها حرف (3) ليست من الباب.
و «كم» الاستفهامية و «الجمع المضاف» و «المعرّف» و «النكرة المنفية».
وحكم اسم الجمع كالجمع، كالناس والقوم والرهط.
والأسماء الموصولة ك «الّذي» و «التي» إذا كان تعريفهما للجنس،
و__________
(1) آل عمران: 75.
(2) نقله عنه في شرح قطر الندى: 37.
(3) كتاب سيبويه 1: 505.(1/148)
تثنيتهما وجمعهما.
وأسماء الإشارة المجموعة، مثل قوله تعالى {أُولََئِكَ هُمُ الْفََائِزُونَ} * (1)
{أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} (2).
وكذا مثل {لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً إِلََّا أَحْصََاهََا} (3) {وَلََا تَدْعُ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} (4).
وكذا الواقع في سياق الشرط مثل {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (5).
وقيل «أحد» للعموم في قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} (6).
وكذا قيل (7): النكرة في سياق الاستفهام الإنكاري مثل قوله تعالى:
{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (8) {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} (9).
قيل: وإذا أُكّد الكلام بالأبد أو الدوام أو الاستمرار أو السرمد أو دهر الداهرين أو عَوْض أو قطّ في النفي، أفاد العموم في الزمان.
قيل: وأسماء القبائل مثل «ربيعة» و «مضر» و «الأوس» و «الخزرج» (10).
فهذه جملة الصيغ، وسنشير إلى بعضها مفصلا للتدريب.
__________
(1) التوبة: 20.
(2) البقرة: 85.
(3) الكهف: 49.
(4) القصص: 88.
(5) النساء: 176.
(6) التوبة: 6.
(7) نقله عن الجويني في نضد القواعد الفقهية: 150.
(8) مريم: 7.
(9) مريم: 98.
(10) حكى هذه الأقوال في نضد القواعد الفقهية: 150.(1/149)
قاعدة «47» دلالة العموم على أفراده كلّيّة أي يدل على كل واحد منها دلالة تامة،
ويعبّر عنه أيضا بالكلّي التفصيليّ، والكلّي العددي وليست من باب الكل، أي الهيئة الاجتماعية المعبّر عنه بالكل المجموعي، لأنها لو كانت من باب الكل المجموعي لتعذر الاستدلال بها في النفي على البعض، كقوله تعالى {وَمَا اللََّهُ بِغََافِلٍ عَمََّا تَعْمَلُونَ} * (1) {وَمََا رَبُّكَ بِظَلََّامٍ لِلْعَبِيدِ} (2) وكذلك في النهي، كقوله تعالى {وَلََا تَقْرَبُوا الزِّنى ََ} (3)
{وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ} (4) كما لو قال قائل: ما جاءني عشرة، أو:
لا تضرب العشرة، فإنه لا يلزم منه النفي أو النهي عما دونها، بخلاف الإثبات.
والفرق بين المعنيين: أن الكلي هو المعنى الّذي يشترك فيه كثيرون، كالعلم والجهل والإنسان والحيوان، واللفظ الدال عليه يسمى مطلقا، وقسيمه الجزئي. والكل هو المجموع من حيث هو مجموع، ومنه أسماء الأعداد فإن ورد في النفي أو النهي صدق بالبعض، لأن مدلول المجموع ينتفي به، ولا يلزم نفي جميع الأفراد، ولا النهي عنها، فإذا قال: ليس له عندي عشرة، جاز أن يكون له عنده تسعة، بخلاف الثبوت، فإنه يدل على الأفراد بالتضمن، لأن الجزء بعض الشيء.
__________
(1) البقرة: 74.
(2) فصّلت: 46.
(3) الإسراء: 32.
(4) الأنعام: 151.(1/150)
إذا تقرر ذلك فيتفرع عليه فروع:
منها: ما إذا قال المالك لجماعة: بيعوا هذه السلعة، أو: وكّلتكم في بيعها، أو: وكلت فلانا وفلانا، أو: أوصيت إليهما أو قالت المرأة لجماعة: زوّجوني، اشترط الاجتماع، لأن الحكم مرتب على الكل المجموعي، لا على الكلي.
ولو قال: واللََّه لا أكلّم الزيدين، أو: لا ألبس هذه الثياب، أو: لا آكل هذه الرغيفان أو عبّر بالمثنى، كالثوبين، والرغيفين، والزيدين فلا يحنث إلا بالجميع.
وفي معناه ما لو قال: لا أكلم زيدا وعمرا، أو: لا آكل اللحم والعنب، فإنه لا يحنث إلا بكلامهما وبأكلهما معا.
ولو كرر «لا» فقال: لا أكلم زيدا ولا عمرا، فهما يمينان، فلا تنحل إحداهما بالحنث في الأخرى.
ولو قال: لا أكلم أحدهما، أو قال: واحدا منهما، حنث بكلام الواحد، وانحلّت اليمين، فلا يحنث بكلام الآخر.
ومن مواضع الإشكال على القاعدة: ما لو حلف أن لا يأكل بسرا أو رطبا، فأكل منصفا، فقد قيل: إنه يحنث (1). وعلّل بأن المنصف يشتمل عليهما، مع أن الرطب جمع «رطبة» كما صرّح به الجوهري (2) وغيره (3)، والبسر مثله.
وقد نصّ الجوهري أيضا على أنّ العنب جمع «عنبة» (4) وهو مثلهما. والمتجه أن لا يحنث به لذلك، أما البسرة والرطبة فلا يحنث بالمنصفة قطعا.
ومنها: ما لو قال لزوجاته الأربع: واللََّه لا وطئتكنّ، فإن الإيلاء يتعلق
__________
(1) المغني لابن قدامة 11: 314.
(2) الصحاح 1: 136.
(3) كالفيومي في المصباح: 230.
(4) الصحاح 1: 189.(1/151)
بالمجموع من حيث هو مجموع لا بكل واحدة، فله وطء ثلاث، فيتعين التحريم في الرابعة، ويثبت لها الإيلاء بعد وطئهن. ولها المرافعة حينئذ وتجب الكفارة بوطء الجميع.
ولا يزول الحكم بطلاق واحدة ولا أزيد متى بقي واحدة، لإمكان وطء المطلقة ولو بالشبهة. وفي زواله بموتها وجهان، من الشك في تحقق إطلاق الوطء عليها، ولعلّ تحققه أوضح.
ومنها: ما لو قال: واللََّه ما ألبس حليا، فلبس فردا منه، كخاتم أو سوار أو نحوه، فقد حكموا بأنه يحنث، مع أن الحلي بفتح الحاء وسكون اللام مفرد، وجمعه حلي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء، وفيه لغة بكسر الحاء. ووزنه على اللغتين «فعول» فإن «فعلا» يجمع على «فعول» كفلس وفلوس. وأصله حلوى، اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمتا على القاعدة الصرفية، ثم كسرت اللام، لما في الانتقال من الضمة إلى الياء من العسر. ثم أجازوا مع ذلك كسر الحاء إتباعا للّام.
ومقتضى القاعدة: أنّ المحلوف عليه إن كان هو الحلي المضموم المجموع لا يحنث بالواحد، وإن كان المفتوح حنث، فينبغي التنبه له حيث يوجد في كلامهم، لئلا يلتبس، فيقع الإشكال، كالسابق.
قاعدة «48» صيغة «كلّ» عند الإطلاق من ألفاظ العموم الدالة على التفصيل،
أي ثبوت الحكم لكل واحد كما قررناه. وقد يراد بها الهيئة الاجتماعية بقرينة.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا قال أجنبي لجماعة: كل من سبق منكم فله دينار، فسبق ثلاثة، ففي
استحقاق الجميع دينارا، أو استحقاق كل واحد دينارا، وجهان، أجودهما الثاني بخلاف ما لو اقتصر على «من» فإنهم يشتركون في الدينار قطعا. كذا قاله بعضهم (1)، وفيه نظر.(1/152)
ما إذا قال أجنبي لجماعة: كل من سبق منكم فله دينار، فسبق ثلاثة، ففي
استحقاق الجميع دينارا، أو استحقاق كل واحد دينارا، وجهان، أجودهما الثاني بخلاف ما لو اقتصر على «من» فإنهم يشتركون في الدينار قطعا. كذا قاله بعضهم (1)، وفيه نظر.
ومنها: إذا قال: واللََّه لا أجامع كل واحدة منكنّ فإن حكم الإيلاء، من ضرب المدة والمطالبة يثبت لكل واحدة على انفرادها، حتى إذا طلّق بعضهن كان للباقيات المطالبة.
ولو وطئ واحدة منهن ففي انحلال اليمين في حق الباقيات وجهان: من أنها يمين واحدة، وقد خالف مقتضاها، ومن تعددها في المعنى بحسب تعدد متعلقها. وبالثاني قطع الفاضل (2)، وفيه نظر.
قاعدة «49» «من» عامة في أولي العلم، و «ما» عامة في غيرهم، هذا هو الأصل،
وهو المعروف أيضا [1] (3). ولسيبويه نصّ يوهم أنّ «ما» لأولي العلم وغيرهم (4)، وقال به جماعة (5). وشرط كونهما للعموم كما قاله في المحصول
[1] جاء في هامش «د»، بخطه: المشهور في عبارة الأصوليين وأهل العربية أن «من» لمن يعقل ويحسن، عبّرنا عنه بأولى العلم لعدم تناول من يعقل لله، مع تناول «من» له في مواضع كثيرة، وسيأتي تحريره في قسم النحو من باب الموصول قاعدة 112.
__________
(1) التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 116.
(2) قواعد الأحكام 2: 87، تحرير الأحكام 2: 63.
(3) كما في المحصول 1: 345، والمعتمد 1: 191.
(4) نقل ذلك في التمهيد: 303.
(5) التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 115، شرح الكافية 1: 55.(1/153)
وغيره (1) أن تكونا شرطيتين أو استفهاميتين.
فأما النكرة الموصوفة نحو: مررت بمن أو بما معجب لك، أي شخص معجب، والموصولة نحو: مررت بمن قام أو بما قام، أيّ بالذي، فإنهما لا يعمان. وكذلك إذا كانت «ما» نكرة غير موصوفة، وهي ما التعجبية.
ونقل القرافي عن بعض الأصوليين أن الموصولة تعم، وردّ عليه نقله (2).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: من يدخل الدار من عبيدي فهو حر، على وجه النذر، فينظر إن أتى بالفعل مجزوما مكسورا على أصل التقاء الساكنين عمّ العتق جميع الداخلين، وإن أتى به مرفوعا لزمه عتق واحد فقط، هذا مقتضى لفظ «من» بعرف النحو فإن لم يعرفه سئل عن مراده، فإن تعذّر حمل على المحقق، وهو الموصولة.
ومنها: الواقعة المشهورة، وهي أنه وقع حجر من سطح، فقال رجل لامرأته: إن لم تخبريني الساعة من رماه فأنت طالق، عند العامة، أو عليّ كظهر أمي، عندنا.
قال بعضهم: إن قالت رماه مخلوق، لم يقع، وإن قالت رماه آدمي وقع، لجواز أن يكون رماه كلب أو ريح (3).
وفي الاكتفاء بلفظ المخلوق مع كون السؤال وقع بمن الموضوعة للعقلاء نظر، مرتب على الخلاف السابق، مع أن السائل بها إنما يجاب بتعيين الشخص لا بالنوع.
ومنها: إذا أوصى بما تحمله هذه الشجرة أو الجارية، ولم يبيّن مدة
__________
(1) المحصول 1: 354، نهاية السؤل 2: 324.
(2) شرح التنقيح: 180.
(3) منقول عن القاضي حسين في التمهيد للأسنوي: 304.(1/154)
الاستحقاق، فإنه يعطى له حمل يحدث، دون حمل موجود.
لكن هل يعطى الحمل الأول خاصة لأنه المحقق، أم يستحق الجميع لأن اللفظ يصدق عليه؟ وجهان، مبنيان على أن «ما» الموصولة هل تعم أم لا.
ومنها: لو كان في يد شخص عين فقال: وهبنيها فلان وأقبضنيها في صحّة، وأقام بذلك بينة، فأقام باقي الورثة بينة بأن الواهب رجع فيما وهبه، حيث يجوز له الرجوع فيه، فالأجود أن لا تنزع العين من يده بهذه البينة، لاحتمال أنّ هذه العين ليست من المرجوع فيه، بناء على أن الموصولة لا تعم، مع أنه يحتمل كونها أيضا نكرة موصوفة وغير ذلك.
قاعدة «50» صيغة «أي» عامة في أولي العلم وغيرهم.
كذا ذكره جمهور الأصوليين، منهم الفخر الرازي وأتباعه (1)، إلا أنها ليست للتكرار، بخلاف «كل» ونحوها، فإنها تقتضي التكرار.
ومن فروعه:
ما لو قال لوكيله: أيّ رجل دخل المسجد فأعطه درهما، اقتصر على إعطاء واحد، لأنه المتيقن بخلاف ما لو قال: كل رجل دخل المسجد فأعطه درهما، فإنه يعطى الجميع.
واعلم أن بين «أي» و «كل» فرقا ظاهرا، وذلك لأنه يصح أن يقول: أيّ أولادك أسنّ؟ ولا يصح ذلك مع «كل».
وكذلك: أيّ أولادك ضرب، أزيد أم عمرو أم بكر؟ ولا يصح «مع كل»
__________
(1) المحصول 1: 354، تهذيب الوصول: 35.(1/155)
مطلقا. وبذلك يظهر أن عموم «أيّ» ليس للشمول بل للبدل، إلا أن الفرق بينها وبين النكرة: أنّ النكرة إذا لم يسند الحكم فيها إلى ماضٍ تدل على فرد وأفراد غير متعينة، بخلاف «أي».
والفرق بينهما وبين المطلق: أن المطلق لا يدل على شيء من الأفراد، بل على الماهية فقط.
قاعدة «51» الجمع، إذا كان مضافا أو محلّى ب «ال» التي ليست للعهد يعمّ عند جمهور الأصوليين،
إذا لم تقم قرينة تدل على عدم العموم.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه فروع:
منها: إذا قال: إن كان اللََّه يعذّب الموحدين فأنت عليّ كظهر أمي، وقع الظهار إن قصد تعذيب أحدهم، ولو قصد تعذيب الجميع أو لم يقصد شيئا لم يقع، لأن التعذيب يختص ببعضهم.
ومنها: التلقيب بملك الملوك ونحوه، ك «شاة شاة» (1) بالتكرار، فإنه بمعناه أيضا، فينظر إن أراد ملوك الدنيا ونحوه، وقامت قرينة للسامعين تدل على ذلك جاز، سواء كان متصفا بهذه الصفة أم لا، كغيره من الألقاب الموضوعة للتفاؤل (2) أو المبالغة.
وإن أراد العموم فلا إشكال في التحريم، أي تحريم الوضع بهذا القصد، وكذلك التسمية بقصده، سواء قلنا: إنه للعموم أم مشترك بينه وبين الخصوص.
__________
(1) كذا، ومن الواضح للعارف بالفارسية أنه تصحيف شاهنشاه.
(2) في «م»، «ح»: للتناول.(1/156)
وكذلك لو قلنا إنه للخصوص، لأنه أحدث له وضعا آخر.
وإن أطلق عارفا بمدلوله بني على أنه للعموم أم لا؟
وهذه المسألة وقعت ببغداد في سنة تسع وعشرين وأربعمائة لما استولى الملك الملقب بجلال الدولة، أحد ملوك الديلم على بغداد، وكانوا متسلطين على الخلفاء العباسيين، فزيد في ألقابه شاهان شاه (1) الأعظم ملك الملوك، وخطب له بذلك على المنبر، فجرى في ذلك ما أحوج إلى استفتاء علماء بغداد في جواز ذلك، فاختلفوا فيه، وأفتى الأكثر بالجواز وجرى بينهم في ذلك مباحث ورسائل نقضا وجوابا.
وكان من حجة المحرم: ما روي عن النبي صلى اللََّه عليه وآله أنه قال: «إنّ أخنع اسم عند اللََّه تعالى رجل يسمى ملك الأملاك (2)» وفي رواية: «أخنى» وفي رواية: «أغيظ رجل عند اللََّه تعالى يوم القيامة وأخبثه رجل كان يسمى ملك الملوك، لا ملك إلا اللََّه تعالى» رواه البخاري ومسلم إلا الأخيرة، فإنها لمسلم (3).
وأخنع وأخنى بالخاء المعجمة والنون ومعناهما: أذل وأوضع وأرذل.
ومنها: جواز الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب، أو بعدم دخولهم النار. فقيل: يحرم ذلك، لأنا نقطع بإخبار اللََّه تعالى وإخبار الرسول أنّ منهم من يدخل النار (4). وأما الدعاء بالمغفرة في قوله تعالى
__________
(1) كذا، وفي هامش «د»: شاهنشاه. وهو الأصوب.
(2) في «م»: الملوك.
(3) صحيح البخاري 8: 56باب أبغض الأسماء، صحيح مسلم 4: 355باب تحريم التسمي بملك الأملاك حديث 2143.
(4) الفروق للقرافي 4: 281.(1/157)
حكاية عن نوح {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوََالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنََاتِ} (1) ونحو ذلك مما ورد في الأخبار والدعوات وهو كثير، فإنه ورد بصيغة الفعل في سياق الإثبات، وذلك لا يقتضي العموم، لأن الأفعال نكرات ولجواز قصد معهود خاص، وهو أهل زمانه.
ومنها: ما لو أوصى للفقراء ونحوهم، أو فقراء بلد. فإن كانوا منحصرين وجب صرفه إليهم أجمع، عملا بالعموم مع إمكانه.
وإن كانوا غير منحصرين صرف إلى ثلاثة فصاعدا، لأن العموم غير مراد، فيحمل على الجميع. والمروي صرفه إلى من بالبلد منهم وإن زادوا عن ثلاثة (2).
ومنها: لو حلف على معدود كالمساكين، فإن كانت يمينه على الإثبات، لم يبرّ إلا بثلاثة، اعتبارا بأقل الجمع كما قلناه وإن كانت على النفي، حنث بالواحد، اعتبارا بأقل العدد.
والفرق: أنّ نفي الجميع ممكن، وإثبات الجميع متعذّر، فاعتبر أقل الجمع في الإثبات، وأقل العدد في النفي.
ومنها: لو حلف ليصومنّ الأيام، فيحتمل حمله على أيام العمر لإمكانه وعلى ثلاثة، نظرا إلى عدم الانحصار عادة كما سلف.
فائدة: إذا احتمل كون «أل» للعهد، وكونها لغيره، كالجنس أو العموم، حملت على العهد،
لأصالة البراءة من الزائد، ولأن تقدّمه قرينة مرشدة إليه.
__________
(1) نوح: 28.
(2) الكافي 7: 38باب ما يجوز من الوقف. حديث 37، الفقيه 4: 240حديث 5574، التهذيب 9: 133حديث 563، الوسائل 13: 308أحكام الوقوف باب 8.(1/158)
ومن فروعها:
ما لو حلف لا يشرب الماء، فإنه يحمل على المعهود، حتى يحنث ببعضه، إذ لو حمل على العموم لم يحنث.
ومنها: إذا حلف لا يأكل البطيخ، قال بعضهم: لا يحنث بالهندي، وهو الأخضر (1). وهذا يتم حيث لا يكون الأخضر معهودا عند الحالف إطلاقه عليه إلا مقيدا.
ومنها: الحالف لا يأكل الجوز، لا يحنث بالجوز الهندي. والكلام فيه كالسابق، إذ لو كان إطلاقه عليه معهودا في عرفه حنث به، إلا أنّ الغالب خلافه، بخلاف السابق، فإنه على العكس.
قاعدة «52» الجمع إذا لم يكن مضافا، ولم يدخل عليه «أل» نحو: أكرم رجالا،
قال الجبائي: إنه للعموم، استنادا إلى أنه حقيقة في الثلاثة والألف وغيرهما من أنواع العدد، والمشترك عنده يحمل على جميع معانيه (2).
والجمهور على أنه لا يعمّ، بل أقله ثلاثة على الصحيح عند جمهور الأصوليين، كما هو الصحيح عند النحاة والفقهاء. وقيل: اثنان (3).
وهذا الخلاف المذكور آخرا يجري في المضاف والمقرون «بال» إذا قامت قرينة تدل على أنّ العموم غير مراد.
وينبغي تحرير محل النزاع، فنقول: الخلاف في اللفظ المعبّر عنه بالجمع،
__________
(1) نقله عن الرافعي في التمهيد: 315.
(2) نقله عنه في كشف الأسرار 1: 122، ومعارج الأصول: 87.
(3) منتهى الوصول: 77، المستصفى 2: 91.(1/159)
نحو الزيدين ورجال، لا في لفظ «ج م عليه السلام» فإنه يطلق على الاثنين بلا خلاف، كما قاله جماعة من المحققين، منهم الآمدي (1) وابن الحاجب في المختصر الكبير (2)
لأن مدلوله ضمّ شيء إلى شيء ولا في لفظ الجماعة أيضا، فإن أقله ثلاثة.
واعلم أنه لا فرق عند الأصوليين والفقهاء بين التعبير بجمع القلة كأفلس، وبجمع الكثرة كفلوس، على خلاف طريقة النحويين.
إذا تقرر ذلك فيتخرج عليه مسائل كثيرة في باب الأقارير والوصايا والعتق والنذور وغيرها.
قاعدة «53» النكرة في سياق النفي تعمّ، سواء باشرها النفي، نحو: ما أحد قائما، أم باشر عاملها، نحو: ما قام أحد.
وسواء كان النافي «ما» أم «لم» أم «لن» أم «ليس» أم غيرها.
ثم إن كانت النكرة صادقة على القليل والكثير ك «شيء»، أو ملازمه للنفي نحو «أحد»، وكذا صيغة «بدّ» نحو: ما لي عنه بدّ، كما نقله «القرافي» في شرح التنقيح (3) أو داخلا عليها «من» نحو: ما جاء من رجل أو واقعة بعد «لا» العاملة عمل «إن» وهي «لا» التي لنفي الجنس، فواضح كونها للعموم، وقد صرّح به مع وضوحه النحاة والأصوليون.
وما عدا ذلك، نحو: ما في الدار رجل ولا رجل قائما، بنصب الخبر ففيه مذهبان للنحاة، أصحهما وهو مقتضى إطلاق الأصوليين أنها للعموم
__________
(1) الإحكام 2: 242.
(2) منتهى الوصول: 77.
(3) شرح تنقيح الفصول: 183.(1/160)
أيضا، وهو مذهب «سيبويه» وممن نقله عنه أبو حيّان في الكلام على حروف الجر (1) ونقله من الأصوليين إمام الحرمين في «البرهان» في الكلام على معاني الحروف (2)، لكنها ظاهرة في العموم، لا نصّ فيه.
قال الجويني: ولهذا نصّ سيبويه على جواز مخالفته، فيقول: ما فيها رجل بل رجلان، كما يعدل عن الظاهر، فيقول: جاء الرّجال إلا زيدا (3).
وذهب المبرد إلى أنها ليست للعموم (4)، وتبعه عليه الجرجاني في أول «شرح الإيضاح» (5) والزمخشري في تفسير قوله تعالى {مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} *
وقوله {مََا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ} * (6).
نعم، يستثني مما ذكرناه: سلب الحكم عن العموم، كقولنا: ما كل عدد زوجا، فإن هذا ليس من باب عموم السلب، أي ليس حكما بالسلب على كل فرد، وإلا لم يكن في العدد زوج، بل المقصود به إبطال قول من قال: إنّ كل عدد زوج، فأبطل السامع ما ادعاه من العموم.
إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال المدعي: ليس لي بينة حاضرة، فحلف المدعى عليه، ثم جاء المدعي ببينة، فإنها تسمع.
ولو قال: ليس لي بينة حاضرة ولا غائبة، فوجهان، أجودهما السماع، لأنه قد لا يعرفها أو ينساها. وإن قال: لا بينة لي، واقتصر وهي مسألتنا فالأقوى أنه كالقسم الثاني، ففيه الوجهان.
ومنها: أنه قد تقرر أنّ اسم «لا» إذا كان مبنيا على الفتح، كان نصا في
__________
(1) كما في التمهيد: 319.
(2) هذه الأقوال نقلها الأسنوي في التمهيد: 319.
(3) هذه الأقوال نقلها الأسنوي في التمهيد: 319.
(4) هذه الأقوال نقلها الأسنوي في التمهيد: 319.
(5) هذه الأقوال نقلها الأسنوي في التمهيد: 319.
(6) الكشاف 2: 113.(1/161)
العموم، بخلاف المرفوع، فإذا قال الكافر: لا إله إلا اللََّه، بالفتح، مع ما يعتبر معه، حصل به الإسلام، ويكون الخبر محذوفا، ولفظ «اللََّه» مرفوع على البدلية، فلو رفع لفظ «الإله» احتمل عدم الحصول، لما سبق من كونه ظاهرا لا نصا.
ومنها: إذا حلف لا يكلم أحدهما، أو أحدهم، أو واحدا منهما، أو منهم، ولم يقصد واحدا بعينه، فإذا كلّم واحدا حنث، وانحلت اليمين، فلا يحنث إذا كلّم الآخر.
والحكم في الإثبات كالحكم في النفي أيضا، كما إذا قال: واللََّه لأكلمنّ أحدهما، أو واحدا منهما.
ولو زاد كلا، فقال: كلّ واحد منهم، فكذلك على الظاهر، مع احتمال كون المحلوف عليه كلام الجميع من حيث هو مجموع، فلا يحنث بكلام البعض.
وجه الحنث في المسائل كلها بكلام واحد: أنّ المحلوف عليه هو مسمّى الواحد الموجود في كل فرد، وقد وجد، فيحنث به، ولا يحنث بما عداه، لانحلال اليمين بوجود المحلوف عليه. وقد تقدم الكلام في نظيره والإشكال في الحكم به.
ومنها: إذا كان له زوجات، فقال: واللََّه لا أطأ واحدة منكن، فله ثلاثة أحوال:
إحداها أن يريد الامتناع عن كل واحدة، فيكون موليا منهنّ كلهنّ، ولهنّ المطالبة بعد المدة فإن طلّق بعضهن بقي الإيلاء في حق الباقيات وإن وطئ بعضهن حصل الحنث، لأنه خالف قوله: لا أطأ واحدة منكنّ، وتنحل اليمين، ويرتفع الإيلاء في حق الباقيات.
الحالة الثانية: أن يقول: أردت الامتناع عن واحدة منهنّ لا غير، فيقبل قوله، لاحتمال اللفظ ويحتمل عدم القبول، للتهمة.
ثم قد يريد معيّنة، وقد يريد مبهمة، فإذا أراد معينة فهو مول منها، ويؤمر بالبيان، كما في الطلاق، لو جوّزنا فيه عدم التعيين، فإذا بيّن وصدقه الباقيات فذاك. وإن ادعت غير المعينة أنه أرادها، وأنكر، صدّق بيمينه، وإن نكل حلفت المدعية، وحكم بأنه مول منها أيضا.(1/162)
الحالة الثانية: أن يقول: أردت الامتناع عن واحدة منهنّ لا غير، فيقبل قوله، لاحتمال اللفظ ويحتمل عدم القبول، للتهمة.
ثم قد يريد معيّنة، وقد يريد مبهمة، فإذا أراد معينة فهو مول منها، ويؤمر بالبيان، كما في الطلاق، لو جوّزنا فيه عدم التعيين، فإذا بيّن وصدقه الباقيات فذاك. وإن ادعت غير المعينة أنه أرادها، وأنكر، صدّق بيمينه، وإن نكل حلفت المدعية، وحكم بأنه مول منها أيضا.
فلو أقرّ في جواب الثانية أنه نواها، أخذناه بموجب الإقرارين، وطالبناه (1) بالفيئة أو الطلاق، ولا يقبل رجوعه عن الأول.
وإذا وطئهما في صورة إقراره تعدّدت الكفارة وإن وطئهما في صورة نكوله ويمين المدعية لم تتعدد، لأن يمينها لا تصلح لإلزامه الكفارة.
ولو ادّعت واحدة أولا: أنك أردتني، فقال: ما أردتك، أو ما آليت منك، وأجاب بمثله الثانية والثالثة، تعيّنت الرابعة للإيلاء.
وإن أراد واحدة مبهمة، وجوّزناه كذلك، أمر بالتعيين، فإذا عيّن واحدة لم يكن لغيرها المنازعة.
وفي كون ابتداء المدة من وقت اليمين أو وقت التعيين وجهان، كالطلاق المبهم إذا عيّنه، هل يقع من اللفظ أم من التعيين؟
وإن لم يعين ومضت أربعة أشهر طولب إذا طالبن (2) بالفيئة أو الطلاق. وإنما يعتبر طلبهنّ كلهنّ، ليكون طلب المولى منها حاصلا.
فإن امتنع طلق الحاكم واحدة على الإبهام، ومنع منهنّ إلى أن يعين المطلقة، وإن فاء إلى واحدة، أو ثنتين، أو ثلاث، أو طلّق، لم يخرج عن موجب الإيلاء.
وإن قال: طلّقت التي آليت منها، يخرج عن موجب الإيلاء، لكن المطلقة مبهمة، فعليه التعيين.
الحالة الثالثة: أن يطلق اللفظ، فلا ينوي تعميما ولا تخصيصا، فهل
__________
(1) في «ح»: طالبتاه.
(2) في «د»: طالبت.(1/163)
يحمل على التعميم أو التخصيص بواحدة؟ وجهان، أصحهما الأول، عملا بظاهر الصيغة.
قاعدة «54» النكرة في سياق الشرط تعمّ عند جماعة من الأصوليين (1)،
وصرّح به الجويني في «البرهان» وتابعه عليه الأنباري في شرحه له (2)، واقتضاه كلام الآمدي (3).
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما لو قال الموصي: إن ولدت ذكرا فله ألف، وإن ولدت أنثى فلها مائة، فولدت ذكرين أو أنثيين، فإنه يشرّك بين الذكرين في الألف، وبين الأنثيين في المائة، لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر، فيكون عاما.
ومثله ما لو قال: إن كان في بطنها ذكر فله ألف، أو أنثى فمائة، ويحتمل استحقاق كل منهما ألفا أو مائة، لصدق الاسم في كل منهما مع مراعاة العموم. وفي وجه ثالث: استحقاق أحدهما خاصة، بناء على كون الموصى له متواطئا، وأن النكرة هنا غير عامة وحينئذ فيتخير الوارث في التعيين كما في كل متواطئ.
ولو ولدت في هذا المثال ذكرا وأنثى، فلكل منهما ما عيّن له على القولين، لتحقق المعنى فيهما.
__________
(1) التلويح في كشف حقائق التنقيح 1: 106.
(2) نقله عنهما الأسنوي في التمهيد: 324.
(3) الإحكام في أصول الأحكام 2: 225.(1/164)
قاعدة «55» النكرة في سياق الإثبات إن كانت للامتنان عمّت، كما ذكره جماعة (1)،
كقوله تعالى {فِيهِمََا فََاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمََّانٌ} (2).
ووجهه: أنّ الامتنان مع العموم أكثر، إذ لو صدق بالنوع الواحد من الفاكهة لم يكن في الامتنان بالجنسين (3) كثير معنى.
ومن فروعه:
الاستدلال على طهورية كل ماء، سواء نزل من السماء، أم نبع من الأرض، بقوله {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (4).
ولو لم تكن النكرة المثبتة للامتنان لم تعمّ.
وذكر في «المحصول» كلاما يوهم خلاف هذا، فقال: إنها إن وقعت في الخبر، نحو: جاء رجل فإنها لا تعمّ، وإن وقعت في الأمر، نحو:
أعتق رقبة، عمّت عند الأكثرين، بدليل الخروج عن العهدة بإعتاق ما شاء (5). هذا كلامه.
وقد علم منه أنه ليس المراد هاهنا عموم الشمول، وحينئذ فيكون الخلاف إنما هو في إطلاق اللفظ. ووجه كونها لا تعم في الخبر، أن الواقع شخص ولكن التبس علينا، بخلاف الأمر.
__________
(1) منهم القاضي أبو الطيب في أوائل تعليقته كما في التمهيد: 325.
(2) الرحمن: 68.
(3) في «ح» بالحبتين.
(4) الأنفال: 11.
(5) المحصول 1: 370.(1/165)
قاعدة «56» المفرد المحلّى ب «أل» والمضاف، للعموم عند جماعة من الأصوليين (1).
والمعروف من مذهب البيانيين (2)، ونقله «الآمدي» عن الأكثرين (3)، ونقله «الفخر الرازي» عن الفقهاء و «المبرد» ثم اختار هو ومختصر وكلامه عكسه (4)، وهو الأظهر.
وللقاعدة فروع:
منها: دعوى أنّ الأصل جواز البيع في كل ما ينتفع به، عملا بقوله تعالى {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} (5) حتى يستدل به مثلا على جواز بيع كل فرد وقع فيه النزاع، كبيع أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه، والسباع، والمسوخ، والكلاب المختلف فيها، وجواز بيع الغرر، وغير ذلك، وإنما يخرج عنه ما بطل بالإجماع.
ومنها: دعوى جواز التكبير في الصلاة بقول المصلي: اللََّه أكبر، والكبير، استدلالا بقوله صلى اللََّه عليه وآله: «تحريمها التكبير» وكذا الخروج منها بأي صيغة اتفقت للتسليم، لقوله: «وتحليلها التسليم» (6).
ويمكن دفع ذلك بجعل اللام للعهد، وهو الواقع منه صلى اللََّه عليه وآله فإنه لم ينقل عنه
__________
(1) منهم الغزالي في المستصفى 2: 53.
(2) الطراز 2: 20، المطول: 81.
(3) الإحكام 2: 219.
(4) المحصول 1: 382.
(5) البقرة: 275.
(6) الكافي 3: 69باب النوادر حديث 2، الوسائل 1: 256أبواب الوضوء باب 1حديث 1، سنن ابن ماجة 1: 101حديث 275.(1/166)
سوى اللََّه أكبر، والسلام عليكم.
ومنها: ما لو قال لوكيله: بع يوم السبت لا غير، عمّ يوم السبت الأول وما بعده على الأول، ودخل الأول خاصة على الثاني، لأنه المتيقن.
ومنها: لو حلف الحالف: لا رأى منكرا إلا رفعه إلى الوالي، من غير تعيين، فهل يتعين المنصوب في الحال، أم يبرّ بالرفع إلى كل من ينصب بعده، ولا يجتزئ برفعه إلى الأول؟ قولان مبنيان. ويمكن ردّه إلى قاعدة تردد اللام بين الجنس والعهد السابقة.
ومنها: إذا قال لغيره: إذا قرأت القرآن فلك كذا، فقرأ بعضه، هل يستحق المجعول، أم يتوقف الاستحقاق على قراءة جميعه؟ وجهان مبنيان.
ويمكن جعل اللام هنا للعهد أيضا، فلا يستحق إلا بالجميع، عملا بالظاهر إلا أن تدل القرينة على غيره.
ومنها: المسألة المشهورة الدائرة على ألسنة الأفاضل، وهي ما إذا قال لثلاث نسوة: من لم تخبرني منكن بعدد ركعات الصلاة المفروضة فهي طالق، على طريقة مجوز تعليق الطلاق أو هي عليّ كظهر أمي، على طريقتنا فقالت واحدة: سبع عشرة ركعة، وثانية: خمس عشرة، وثالثة: إحدى عشرة، لم تطّلق واحدة منهن، ولم يقع بها ظهار. فالأوّل معروف، والثاني يوم الجمعة، والثالث في السفر، كذا أطلق جماعة.
وهو كلام غير محرر. وتحريره يتوقف على ذكر أقسام المسألة، والبحث في اللام الواقعة في المفرد هل تعم أم لا؟ والأقسام خمسة:
القسم الأول: أن يقول: بعدد ركعات كل صلاة مفروضة في كل يوم، فإن قصد التمييز،
فلا بدّ من ذكر عدد كل صلاة بخصوصها، وعدد صلاة كل يوم وليلة
بخصوصه. وحينئذ ففي الإخبار بما لا يتكرر كيوم الجمعة نظر، لأنها ليست مفروضة في كل يوم وليلة، وكذلك صلاة السفر، والمتجه عدم دخولها في ذلك.(1/167)
فلا بدّ من ذكر عدد كل صلاة بخصوصها، وعدد صلاة كل يوم وليلة
بخصوصه. وحينئذ ففي الإخبار بما لا يتكرر كيوم الجمعة نظر، لأنها ليست مفروضة في كل يوم وليلة، وكذلك صلاة السفر، والمتجه عدم دخولها في ذلك.
وإن لم يقصد التمييز، فيكفي إخبارهنّ بأعداد تشتمل على الأعداد المفروضة، كما ذكروه في إخبارها بعدد حب الرمانة.
القسم الثاني: أن يأتي بما ذكرناه بعينه، لكن بحذف «كلّا» الأولى، ويأتي بالثانية،
فله حالان:
أحدهما: أن يأتي بالصلاة منكّرة، فيقول بعدد ركعات صلاة مفروضة في كل يوم وليلة، فتتخلص كل امرأة بذكر صلاة واحدة من الصلوات المتقدم ذكرها.
الثاني: أن يأتي بها معرّفة، فيقول: بعدد ركعات الصلاة إلى (آخره) (1) فالمتجه استغراق صلوات اليوم والليلة، إن جعلنا المفرد المعروف للعموم عند تعذر العهد، والحمل على الجنس بعيد. وإن لم نجعله عامّا فكالنكرة.
القسم الثالث: أن يكون بالعكس، وهو أن يحذف «كلا» الثانية، ويأتي بالأولى،
فيقول: بعدد ركعات كل صلاة مفروضة، أو كل الصلاة المفروضة في اليوم والليلة، فإن جعلت «أل» للعموم فكالسابق، وإلا كفى الإخبار بما فرض منها في يوم من الأيام.
__________
(1) في «د»، «م»: الخمس.(1/168)
القسم الرابع: أن يحذفهما معا،
فله حالان:
أحدهما: أن يأتي بما بعدهما منكّرين، فيقول: بعدد ركعات صلاة مفروضة في يوم وليلة، فتتخلص كل واحدة بذكر صلاة واحدة، من أيّ يوم كان. ويبقى النّظر في أنه هل يكفي مجرد العدد، أم لا بد من اقترانه بالمعدود؟
فتقول مثلا صلاة الجمعة ركعتان.
الثاني: أن يأتي بهما معرّفتين، فيقول: بعدد ركعات الصلاة المفروضة في اليوم والليلة، فيبني حمله على العموم في الصلوات والأيام على ما سبق، فعليه لا تبرأ إلا بذكر الجميع.
القسم الخامس: أن يحذفهما،
ويحذف معهما ما يدخل عليه «كلّ» الثانية، فله أيضا حالان:
أحدهما: أن يأتي بالصلاة منكّرة، فيقول: بعدد ركعات صلاة مفروضة، فلا إشكال في خلاص كل واحدة بعدد ركعات صلاة واحدة، أي صلاة كانت.
الثاني: أن يأتي بها معرّفة، فيقول: بعدد ركعات الصلاة المفروضة، فعلى جعله للعموم خلاص كل واحدة أن تخبر بجميع الصلوات، حتى لا تبرأ إلا بذكر الجميع وإن لم يجعله للعموم فكالتي قبلها، فيحصل الخلاص بذكر واحدة. هذا كله مع عدم قرينة العهد بفريضة مخصوصة.(1/169)
قاعدة «57» ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، على ما ذكره جماعة من المحققين (1).
مثاله: أنّ غيلان أسلم على عشر نسوة، فقال له النبي صلى اللََّه عليه وآله: «أمسك أربعا، وفارق سائرهن» (2) ولم يسأله هل ورد العقد عليهن معا أو مرتبا، فدل على أنه لا فرق، خلاف ما يقوله أبو حنيفة من أنّ العقد إذا ورد مرتبا تعيّنت الأربع الأوائل (3).
وأصل هذا الكلام والقاعدة للشافعي (4) وروي عنه كلام آخر يعارضه ظاهرا، وهو: أن حكايات الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال (5). وللأصوليين في ذلك قولان كالعبارتين.
واختلف أصحابه عنه، فقيل: هما قولان له أيضا، والأكثر على الجمع بينهما، وأن له قولا واحدا مفصلا، فقال بعضهم: إن الاحتمال المرجوح لا يؤثر، وإنما يؤثر الراجح والمساوي. وحينئذ فالاحتمال إن كان في محل الحكم وليس في دليله لا يقدح، كحديث غيلان، وهو مراده بالكلام الأول وإن كان
__________
(1) تهذيب الوصول: 38، المحصول 1: 392، المنهاج (نهاية السؤل) 2: 367، التمهيد: 337.
(2) سنن ابن ماجة 1: 628باب 40حديث: 1953، الموطأ 2: 586باب جامع الطلاق.
(3) نقله عنه في السنن الكبرى للبيهقي 7: 185، والمغني لابن قدامة 7: 540، والفقه على المذاهب الأربعة 4: 68.
(4) كتاب الأم 5: 49.
(5) نقله عنه القرافي في الفروق 2: 88، وشرح التنقيح: 186.(1/170)
في دليله قدح، وهو المراد بالكلام الثاني (1).
واعترض في المحصول على القاعدة: باحتمال أنه صلى اللََّه عليه وآله أجاب بعد أن عرف الحال (2).
وأجيب: بأن الأصل عدم العلم، وهو ظاهر.
وفصّل آخرون، فقسموا ترك الاستفصال إلى أقسام:
الأول: أن يعلم اطلاع النبي صلى اللََّه عليه وآله على خصوص الواقعة، ولا ريب حينئذ أنّ حكمه لا يقتضي العموم في كل الأحوال.
الثاني: أن يثبت بطريق «ما» استفهام كيفيتها، وهي تنقسم إلى حالات يختلف بسببها الحكم، فينزل إطلاقه الجواب عنها منزلة اللفظ الّذي يعم تلك الأحوال كلها.
الثالث: أن يسأل عن الواقعة باعتبار دخولها الوجود، لا باعتبار أنها وقعت، فهذا أيضا يقتضي الاسترسال على جميع الأقسام التي ينقسم عليها، إذ لو كان الحكم خاصا ببعضها لاستفصل، كما فعل النبي صلى اللََّه عليه وآله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر: «أينقص إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: فلا، إذن» (3).
الرابع: أن تكون الواقعة المسئول عنها قد وقعت في الوجود، والسؤال عنها مطلق، فالالتفات إلى العقد الوجوديّ يمنع القضاء على الأحوال كلها، والالتفات إلى إطلاق السؤال وإرسال الحكم من غير تفصيل
__________
(1) الفروق للقرافي 2: 88، إدرار الشروق لابن الشاط 2: 88، وشرح التنقيح للقرافي: 187.
(2) المحصول 1: 393.
(3) سنن ابن ماجة 2: 761حديث 2264، سنن النسائي 7: 268باب اشتراء التمر بالرطب، الموطأ 2: 624كتاب البيوع حديث 22.(1/171)
يقتضي استواء الأحوال في غرض المجيب، فمن قال بالعموم لأجل ترك الاستفصال (1) التفت إلى هذا الوجه، وهو أقرب إلى مقصود الإرشاد وإزالة الإشكال.
وفرّقوا بين ترك الاستفصال وقضايا الأحوال، بأن الأول ما كان فيه لفظ وحكم من النبي صلى اللََّه عليه وآله، بعد سؤال عن قضية يحتمل وقوعها على وجوه متعددة، فيرسل الحكم من غير استفصال عن كيفية القضية، كيف وقعت، فإن جوابه يكون شاملا لتلك الوجوه، إذ لو كان مختصا ببعضها والحكم يختلف لبيّنه النبي صلى اللََّه عليه وآله.
وأما قضايا الأعيان التي حكاها الصحابي ليس فيها سوى مجرّد فعله صلى اللََّه عليه وآله، أو فعل الّذي يترتب الحكم عليه، ويحتمل ذلك الفعل وقوعه على وجوه متعددة، فلا عموم له في جميعها، فيكفي حمله على صورة منها.
إذا تقرر ذلك، فيتفرع على القاعدة فروع كثيرة في أدلة وردت بنحو هذه الألفاظ:
فمنها: وقائع من أسلم على أكثر من أربع، وخيّره النبي صلى اللََّه عليه وآله، كغيلان بن سلمة (2)، وقيس بن الحارث (3)، وعروة بن مسعود الثقفي (4)، ونوفل بن معاوية (5).
ومنها: حديث فاطمة بنت خنيس: أنّ النبي صلى اللََّه عليه وآله قال لها وقد ذكرت أنها
__________
(1) الفروق للقرافي 2: 87، وشرح المحلى على جمع الجوامع 1: 426.
(2) سنن ابن ماجة 1: 628حديث 1953، سنن الترمذي 2: 298حديث 1138.
(3) سنن ابن ماجة 1: 628حديث 1952.
(4) سنن البيهقي 7: 184، الموطأ 2: 586كتاب الطلاق حديث 76.
(5) المغني لابن قدامة 7: 437.(1/172)
تستحاض: «إنّ دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلّي» (1) ولم يستفصل هل لها عادة قبل ذلك أم لا؟
وبه احتج من قدّم التمييز على العادة.
ومنها: سؤال كثير من الحاج النبي صلى اللََّه عليه وآله عن الجمرة في التقديم والتأخير، فيجيب: «لا حرج» (2) ولم يستفصل عن العمد والسهو، والجهل والعلم.
ومنها: جوابه بنعم للمرأة التي سألت عن الحج عن أمها بعد موتها (3).
ولم يستفصل هل أوصت أم لا.
ومن فروع قضايا الأعيان وحكايات الأحوال: ترديد النبي صلى اللََّه عليه وآله ماعزا أربع مرات في أربعة مجالس (4)، فيحتمل أن يكون قد وقع ذلك اتفاقا، لا أنه شرط، فيكفي فيه حمله على أقل مراتبه.
ومنها: حديث أبي بكر لما ركع ومشى إلى الصف حتى دخل فيه، فقال له النبي صلى اللََّه عليه وآله: «زادك اللََّه حرصا، ولا تعد» (5) إذ يحتمل أن يكون المشي غير كثير عادة كما يحتمل الكثرة، فيحمل على ما لم يكثر،
__________
(1) الكافي 3: 83باب جامع في الحائض حديث 1، الوسائل 2: 538أبواب الحيض باب 3 حديث 4، صحيح البخاري 1: 87كتاب الحيض، بتفاوت.
(2) التهذيب 5: 240حديث 810، الوسائل 10: 181أبواب الحلق باب 2حديث 2، صحيح مسلم 3: 122كتاب الحج حديث 328.
(3) صحيح البخاري 3: 23باب الحج عمن لا يستطيع، صحيح مسلم 3: 147كتاب الحج حديث 407، سنن البيهقي 4: 335حديث 1، 2.
(4) صحيح البخاري 8: 204كتاب المحاربين، صحيح مسلم 3: 525كتاب الحدود حديث 16 23، سنن ابن ماجة 2: 854كتاب الحدود حديث 2554.
(5) صحيح البخاري 1: 198باب الأذان، سنن أبي داود 1: 182حديث 683، 684، سنن النسائي 2: 118باب الركوع دون الصف.(1/173)
فلا يبقى فيه حجة على جواز المشي في الصلاة مطلقا.
ومنها: صلاة النبي صلى اللََّه عليه وآله على النجاشي (1) إن حملت على غير الدعاء، فقيل (2): يحتمل أن يكون رفع له سريره حتى شاهده، كما رفع له بيت المقدس حتى وصفه (3).
وردّ ببعد هذا الاحتمال، ولو وقع لأخبرهم به، لأن فيه خرق عادة فيكون معجزة، كما أخبرهم بقصة بيت المقدس (4).
وحمله بعضهم على أنّ النجاشي لم يصلّ عليه، لأنه كان يكتم إيمانه، فلم يصلّ قومه عليه الصلاة الشرعية (5)، فمن ثم قال بعضهم: لا يصلّي على الغائب الّذي صلّي عليه (6).
ويمكن أن يكون ذلك خصوصية للنجاشي رحمه اللََّه.
وإنما احتيج إلى حمل الواقعة، لرواية أصحابنا: أنه لا يصلّي على الغائب (7).
مسألة: قول الصحابي مثلا: «نهى رسول اللََّه صلى اللََّه عليه وآله عن بيع الغرر» (8)،
«وقضى
__________
(1) صحيح البخاري 5: 64باب هجرة الحبشة وموت النجاشي، صحيح مسلم 2: 348كتاب الجنائز حديث 6762، سنن ابن ماجة 1: 490حديث 15381534.
(2) فتح الباري 3: 188.
(3) تفسير روح البيان 5: 127، وتفسير الكشاف 2: 647.
(4) صحيح البخاري بشرح الكرماني 5: 56، المغني لابن قدامة 2: 255.
(5) بلوغ الأماني للساعاتي 7: 222.
(6) حلية العلماء للقفال 2: 352.
(7) الوسائل 2: 795أبواب صلاة الجنازة باب 18.
(8) صحيح مسلم 3: 333كتاب البيوع حديث 4، سنن ابن ماجة 2: 739حديث 2194، الموطأ 2: 664كتاب البيوع حديث 75.(1/174)
بالشاهد واليمين» (1) لا يفيد العموم على تقدير دلالة المفرد المعرف على العموم لأن الحجة في المحكي وهو كلام الرسول صلى اللََّه عليه وآله، لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصا، فيتوهمه عاما.
وكذا قوله: «سمعته يقول قضيت بالشفعة للجار» (2) لاحتمال كون «أل» للعهد، كذا قاله في المحصول (3) وتبعه عليه مختصر وكلامه (4) وغيرهم من المحققين (5).
وأما إذا كان منوّنا، كقوله صلى اللََّه عليه وآله: «قضيت بالشفعة لجار» وقول الراوي:
«قضى بالشفعة لجار» فجانب العموم أرجح. واختار ابن الحاجب أنّ الجميع للعموم (6).
إذا تقرر ذلك، فيتفرع عليه صحة الاستدلال بعموم أحاديث كثيرة وردت بهذه الصيغ، منها: الأحاديث السابقة.
ومنها: ما رووه عن عمار بن ياسر: «من صام اليوم الّذي شك فيه، فقد عصى أبا القاسم» (7) وغير ذلك.
مسألة: المدح والذم،
كقوله تعالى:
__________
(1) صحيح مسلم 3: 547كتاب الأقضية حديث 3، الموطأ 2: 721كتاب الأقضية حديث 75.
(2) الظاهر أنّ هذا والّذي بعده مجرد أمثلة، فلم ترد روايات بهذه الألفاظ، وأورد ما يقرب منها في سنن النسائي 7: 321باب ذكر الشفعة، وسنن البيهقي 6: 106.
(3) المحصول 1: 394.
(4) التحصيل للأرموي 1: 364، شرح تنقيح الفصول: 188.
(5) المستصفى 2: 68، المعتمد 1: 228، الإحكام للآمدي 2: 274.
(6) مختصر المنتهى (شرح المختصر لعضد الدين) 1: 236، منتهى الوصول: 82.
(7) صحيح البخاري 3: 34كتاب الصوم، سنن ابن ماجة 1: 527كتاب الصيام، حديث: 1645، سنن النسائي 4: 153صيام يوم الشك.(1/175)
{إِنَّ الْأَبْرََارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجََّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (1) وقوله {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (2) الآية، لا يخرجان الصيغة عن كونها عامة، لعدم المنافاة.
وقيل: يخرجانها، لأنها سيقت حينئذ لقصد المبالغة في الحث أو الزجر، فلا يلزم التعميم (3). وظاهر أنّ مثل ذلك لا ينافي التعميم، بل التعميم أبلغ.
ومن فروع المسألة: ما لو قال لعبيدة أو زوجاته: واللََّه من يعمل كذا منكم ضربته، أو إن فعلتم كذا ضربتكم، فمقتضى عدم عمومه حصول البرّ بضرب أحدهم ونحوه.
قاعدة «58» مساواة الشيء للشيء كقولنا: استوى زيد وعمرو، أو تماثلا، أو هو هو،
ونحو ذلك وما يصرف منه، إن كانت معه قرينة تشعر بإرادة شيء معين حملناه عليه وإن لم تقم قرينة على ذلك، فهل يدل على التساوي من جميع الوجوه الممكنة، أو يدل على البعض؟ فيه مذهبان. (وعليهما) [1] يبتنى النفي، كقولنا: لا يستويان، فإن قلنا: مقتضاها في الإثبات هو المساواة من كل وجه، فلا يستوي ليس بعام، لأن نقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية. وإن قلنا: إنه من بعض الوجوه، كان النفي عاما، لأن نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية.
[1] بدل ما بين القوسين في «د»، «م»: منشؤهما كونه نفيا ورد على نكرة، وكون نفي الاستواء أعم من نفيه من كل الوجوه وبعضها، فلا يدل على الخاصّ. وهذا لا يخلو بمصادرة، وعلى القولين. ولكن أشير في نسخة «د» إلى أنها زيادة.
__________
(1) الانفطار: 14.
(2) التوبة: 34.
(3) نقله عن الشافعي الآمدي في الإحكام 2: 298. وابن الحاجب في المنتهى: 87.(1/176)
ويتفرع عليه فروع كثيرة:
منها: أنّ المسلم هل يقتل بكافر أم لا، لقوله تعالى {لََا يَسْتَوِي أَصْحََابُ النََّارِ وَأَصْحََابُ الْجَنَّةِ} (1)؟.
ومنها: جواز تزويج الفاسق لغيره، فمنع منه بعض العامة (2) لقوله تعالى {أَفَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً لََا يَسْتَوُونَ} (3).
ومنها: أن الزوجة الكافرة لا يقسم لها بقدر المسلمة، للآية [1]، بل تجعل كالأمة، فلها ليلة من ثمان ولو كانت أمة، فمن ست عشرة، لئلا تساوي الأمة المسلمة.
ومنها: اشتراط عدالة الوصي، فقد استدل بعضهم عليه بالآية، من حيث إنه لو جازت وصية الفاسق لزم مساواته للمؤمن العدل، وهو منفي بالآية السابقة.
وفيه نظر، لأنه يلزم على ذلك عدم جواز معاملته وإكرامه وغير ذلك من الأحكام السابقة للمؤمن، وهو باطل بالإجماع، إلا أن يجعل الإجماع هو المخصص، وتجعل الآية دليلا في موضع الخلاف.
ومنها: ما إذا قال السيد لعبده: أنت حرّ مثل هذا العبد، وأشار إلى عبد آخر له، فيحتمل أن لا يعتق المشبّه، لعدم حرية المشبّه به، وتكون الحرية في كلامه محمولة على حرية الخلق ونحوه.
ولو قال: أنت حر مثل هذا، ولم يقل: العبد، احتمل أيضا أن يعتق بطريق أولى، ويحتمل عتقهما معا في الثانية. والأجود عتق
[1] وهو قوله تعالى {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ.} (4)
__________
(1) الحشر: 20.
(2) الشرح الكبير لابن قدامة 7: 466.
(3) السجدة: 18.
(4) البقرة: 221.(1/177)
المشبّه في الثانية دون الأولى.
ومنها: ما ذكره بعضهم (1) في واقعة مخصوصة، وهي أنّ رجلا رأى امرأته تنحت خشبة، فقال: إن عدت إلى مثل هذا الفعل فأنت علي كظهر أمي، فنحتت خشبة من شجرة أخرى. ففي وقوع الظهار عليها الوجهان، لأن النحت كالنحت، لكن المنحوت غيره. والوجه الوقوع هنا.
ومنها: ما لو قال: أحرمت كإحرام زيد، وجوّزناه، فإنه يصير محرما بعين ما أحرم به زيد من حج أو عمرة، تمتع أو غيره، إن جعلناه للعموم، وإلا كفى كونه مشابها له في أصل الإحرام، وعيّن ما شاء، لكن فيه أنه لا يبقى لقوله «كإحرام فلان» مزيد فائدة، والمتبادر هنا عرفا إرادة النوع الخاصّ.
ومنها: ما لو قال: أوصيت لزيد بمثل ما أوصيت به لعمرو، فعلى العموم يكون وصية بذلك المقدار وجنسه وصفته.
ومثله ما لو قال: بعتك بمثل ما اشتريت. ولو حذف الموصي «الباء» الداخلة على «مثل» احتمل أن لا يتعين ذلك المقدار.
ويقرب منه ما لو قال: أوصيت لعمرو كما أوصيت لزيد.
وكذا في الإقرار، لو قال: لزيد عليّ ألف، ولعمرو عليّ كما لزيد، أو كالذي له.
قاعدة «59» المأمور به إذا كان اسم جنس مجموعا مجرورا بمن،
كقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوََالِهِمْ صَدَقَةً} (2) فمقتضاه الإيجاب من كل نوع لم يقم الدليل على
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 341.
(2) التوبة: 103.(1/178)
إخراجه عند جماعة (1)، ونقله الآمدي وابن الحاجب عن الأكثرين وصحّحا خلافه (2)، وهو الصحيح، لصدق البعضية بالبعض.
ومن فروعه:
الاستدلال بالآية على ما وقع فيه الخلاف في وجوب الزكاة فيه، كالخيل ونحوه.
ومنها: ما اتفق في واقعة مخصوصة، وهي أنّ واقف مدرسة شرط على مدرّسها أن يلقي كل يوم ما تيسر من علوم ثلاثة، وهي: التفسير والأصول والفقه، فهل يجب البحث من كل واحد منها، أم يكفي من علم واحد؟.
مسألة: إطلاق الأصوليين (3) يقتضي أنّ الفرد النادر يدخل في العموم،
وصرّح بعضهم بعدم دخوله (4).
ومن فروع المسألة: دخول الاكتساب النادر كاللقطة والهبة في المهاياة.
ومنها: إذا غلط الحجيج بالتقديم، فوقفوا يوم الثامن، فإنه لا يجزيهم على الأصح لأن الغلط بالتأخير يحصل بالغيم ونحوه، وهو كثير، بخلاف التقديم، فإنه نادر، فلا يدخل تحت قوله صلى اللََّه عليه وآله: «عرفة يوم يعرّفون، أو اليوم الّذي يعرّف الناس فيه» (5).
__________
(1) منهم الرازي في المحصول 1: 381، والشافعي في الرسالة: 187، ونقله عن البويطي في التمهيد: 344.
(2) الإحكام للآمدي 2: 298، شرح المختصر للقاضي عضد الدين 1: 246، منتهى الوصول:
86، فواتح الرحموت 1: 282.
(3) أي: كلام الأصوليين.
(4) حكاه في التمهيد: 345.
(5) سنن الدارقطني 2: 224، الجامع الصغير للسيوطي 2: 154حديث 5426.(1/179)
قاعدة «60» المتكلم يدخل في عموم متعلق خطابه عند الأكثرين (1)،
سواء كان خبرا، أم أمرا، أم نهيا، كقوله تعالى {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} * (2) وقول القائل: من أحسن إليك فأكرمه، أو فلا تهنه، لوجود المقتضي، وهو العموم، وانتفاء المانع، فإن كونه مخاطبا لا يقتضيه. وخروجه في مثل {خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} * (3)
بدليل منفصل.
إذا علمت ذلك فللقاعدة فروع:
منها: إذا قال: نساء المسلمين طوالق، ففي طلاق زوجته وجهان مبنيان، ومثله لو قال: نساء العالمين.
ولو ضمّ إلى ذلك قوله: وأنت يا زوجتي كذلك، لم يؤثر عندنا كما لو طلّق واحدة ثم قال للأخرى: شركتك معها، أو وأنت كذلك.
ومنها: لو وقف على الفقراء واقتصر، وكان فقيرا حال الوقف، فإنه يدخل في الوقف، وأولى بالدخول لو تجدّد فقره.
ومنها: لو وقف مسجدا على المسلمين، فإن الواقف يدخل فيه. ولو صرّح في هذه المواضع بإخراج نفسه لم يستحق، كما لو صرح بإخراج بعض من يدخل في العموم.
ومنها: إذا قال: وقفت على الأكبر من أولاد أبي، أو الأفقه، وكان
__________
(1) منهم الغزالي في المستصفى 2: 88، والآمدي في الإحكام 2: 296، والأسنوي في نهاية السؤل 2: 372.
(2) الحديد: 3.
(3) الرعد: 16.(1/180)
الواقف بتلك الصفة، فإن قلنا: إنّ المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، صحّ وصرف إلى غيره ممن اتصف بتلك الصفة.
وإن قلنا بدخوله احتمل كونه كذلك، حذرا من إلغاء الصيغة، إذ لا يصح عندنا أن يوقف على نفسه.
ويحتمل بطلان الوقف رأسا.
هذا كله إذا أطلق أو أراد العموم، أما لو قصد ما عدا نفسه صحّ.
ومنها: ما لو قال: هذه الدار وكانت تحت يده لورثة أبي، فهل يدخل هو معهم، فلا يكون إقرارا بما يخصه من الحصة؟ وجهان مبنيان.
ولو كان الإقرار بدين، لم يدخل هو، لاستحالة أن يستحق في ذمة نفسه شيئا، بخلاف العين، فإنه يمكن دعوى استحقاقها ولو ضمنا.
ومنها: ما لو قال لزوجته: إن كلمت رجلا فأنت عليّ كظهر أمي، فكلمت الزوج، ففي وقوع الظهار وجهان، مبنيان، ويقوّى هنا عدم الوقوع، عملا بالقرينة الدالة عادة على إرادة الرّجل الأجنبي.
مسألة: المخاطب بالفتح هل يدخل في العمومات الواقعة معه، ك «من» و «الذين» ونحوهما؟
وجهان، مخرجان على المسألة السابقة.
والمرجح عند أكثر الأصوليين: أن الخطاب العام مثل (يا أيها الناس) يتناول الرسول (1).
وقيل: «لا يتناوله» (2).
__________
(1) الإحكام للآمدي 2: 291، 296، المحصول 1: 452، المستصفى 2: 81، فواتح الرحموت 1: 277.
(2) حكاه في المستصفى 2: 81، ونهاية السؤل 2: 372، ومنتهى الوصول: 85.(1/181)
وقيل: إلا أن يكون معه (قل) (1).
ومن فروعها:
ما إذا دفع إليه مالا وقال له: أعطه من شئت، أو اصنع فيه ما شئت، ففي جواز أخذه منه وجهان مبنيان، وللأصحاب فيه خلاف وروايات مختلفة (2).
ومنها: ما لو وكّله في بيع شيء كذلك، هل يجوز له بيعه من نفسه أم لا؟
ومنها: ما لو وكّله في إبراء غرمائه، وكان هو منهم، هل يدخل أم لا؟
ومنها: المؤذن، هل يستحب له أن يجيب نفسه أم لا؟
ومنها: إذا أذن لعبده أن يتّجر بماله، هل يجوز له بيع نفسه أو يؤجرها حيث يجوز له بيع مال التجارة واتجاره أم لا؟
ومنها: إذا قالت المرأة لوكيلها: زوّجني ممن شئت، فهل يصح تزويجها من نفسه أم لا؟
ومنها: لو قال الزوج لزوجته: طلّقي من نسائي من شئت، هل لها أن تطلّق نفسها أم لا؟
وفي هذه الفروع إشكال، وللأصحاب وغيرهم (3) في كثير منها خلاف بأدلة خارجة عن القاعدة.
__________
(1) نقله عن أبي بكر الصيرفي والحليمي الآمدي في الإحكام 2: 292، وعن الأول الرازي في المحصول 1: 452، وعن الثاني في مسلم الثبوت 1: 277.
(2) الكافي 3: 555باب الرّجل يدفع إليه شيء يفرقه حديث 1، التهذيب 6: 352حديث 1000، الوسائل 12: 206أبواب ما يكتسب به ب 84.
(3) قواعد الأحكام 1: 256. وكابن قدامة في المغني 5: 221وج 7ص 362.(1/182)
قاعدة «61» العموم الوارد من الشرع، كالمسلمين، والمؤمنين، ونحوهما، يتناول الرقيق على خلاف فيه.
وفصّل ثالث فقال: إن كان الخطاب بحق اللََّه تعالى شملهم، وإن كان بحق الآدميين فلا، لأنه قد ثبت صرف منافعه إلى سيّده، فلو خوطب بصرفها إلى غيره لتناقض.
ومن فروع القاعدة:
وجوب إحرامه بالحج أو العمرة إذا أذن له السيد في دخول الحرم، لما روي عن ابن عباس مرفوعا: «لا يدخل أحد مكة إلا محرما» (1).
ومنها: وجوب الجمعة عليه إذا أذن له سيده في حضورها، لأن المانع من جهة السيد قد زال.
ولا إشكال في دخوله في عموم آيات الطهارة، والصلاة، والصوم، وتحريم المحرمات وعدم دخوله في عموم آية الحج والجهاد، لكن ذاك بدليل خارج.
قاعدة «62» لفظ الذكور وهو الّذي يمتاز عن الإناث بعلامة ك «المسلمين» و «فعلوا»
لا يدخل فيه الإناث حقيقة، وإن دخلن تبعا في بعض الموارد لأن الجمع تكرير الواحد ولعطفهنّ عليهم في قوله تعالى:
__________
(1) الخلاف 2: 376مسألة 222، الأم 2: 142.(1/183)
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمََاتِ} (1) الآية، والعطف يقتضي المغايرة. وقيل: يدخلن (2).
وللقاعدة فروع:
منها: لو وقف على بني زيد، فإنهن لا يدخلن.
نعم لو وقف على بني هاشم، أو بني تميم، دخلن على الأصح لأن القصد حينئذ الجهة عرفا.
ومنها: لو خاطب ذكورا وإناثا ببيع أو وقف أو غيرهما، فقال: بعتكم، أو وقفت عليكم، أو ملّكتكم، فمقتضى ذلك عدم دخولهنّ في الإطلاق. نعم لو قصدهنّ دخلن تبعا.
ومنها: ما لو كان له رقيق كفار، فقال: لله عليّ أن أعتق كل من آمن منكم، فلا تدخل الإناث، إلا مع العلم بقصدهنّ، فيدخلن تبعا.
والظاهر أن الخناثى بحكمهن، للشك في الذكورية الموجب للشك في دخولهنّ في صيغتهم.
ومنها: إذا صلّت المرأة وأتت بدعاء الاستفتاح، فهل تقول: وما أنا من المشركين، وأنا من المسلمين، أو تأتي بجمع المؤنث؟ احتمالان والوجه جواز كل منهما، إذ لا إشكال في دخولهنّ تبعا مع قصده.
وقد روى الحاكم في المستدرك، عن عمران بن الحصين: أنّ النبي صلى اللََّه عليه وآله لقّن فاطمة هذا الذّكر في ذبح الأضحيّة، فقال لها: «قومي، فاشهدي أضحيّتك، وقولي {إِنَّ صَلََاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيََايَ} إلى قوله من المسلمين» (3) (4).
__________
(1) الأحزاب: 35.
(2) الإحكام لابن حزم 3: 336، ونقله عن الحاوي للماوردي والبحر للروياني في التمهيد: 356، ونقله عن الحنابلة الآمدي في الإحكام 2: 285، وصاحب فواتح الرحموت 1: 273.
(3) الأنعام: 162.
(4) مستدرك الحاكم 4: 222.(1/184)
ومنها: الدعاء في خطبة الجمعة واجب للمؤمنين والمؤمنات. فهل يجوز الاقتصار على المؤمنين مطلقا، بناء على دخولهنّ؟ وجهان مرتبان. ويقوى الاجتزاء به مع القصد، كما لا شبهة في عدمه مع التخصيص.
ومنها: أن اللََّه تعالى جعل أزواج النبي صلى اللََّه عليه وآله أمهات المؤمنين، فقال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلى ََ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوََاجُهُ أُمَّهََاتُهُمْ} (1)
وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، لا في النّظر والخلوة.
وقيل: يطلق اسم الإخوة على بناتهن، واسم الخئولة على إخوتهن، لثبوت حرمة الأمومة لهن (2).
إذا تقرر ذلك، فهل تدخل الإناث فيما ذكرناه؟ فيه خلاف مترتب.
وعلى القولين لا يجوز أن يقال إنه صلى اللََّه عليه وآله أبو المؤمنين، لقوله تعالى {مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ} (3).
وجوّزه بعضهم بمعنى الاحترام، وجعل المنفي أبوّة النسب (4).
قاعدة «63» خطاب المشافهة، نحو: يا أيها الناس، ليس خطابا لمن بعدهم، وإنما يثبت الحكم بدليل آخر كالإجماع.
ونقل عن الحنابلة أنه يعمّهم (5).
__________
(1) الأحزاب: 6.
(2) {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} الآية (النساء: 23).
(3) الأحزاب: 40.
(4) الجامع لأحكام القرآن 14: 40، تفسير أبي السعود 7: 106.
(5) كما في الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2: 481، ومنتهى الوصول: 86.(1/185)
ومن فروع القاعدة:
ما إذا خاطب عبيده فقال مثلا: يا عبيدي ليحمل كل واحد منكم حجرا من هذه الأحجار، ثم اشترى عبدا، فهل يدخل في ذلك الأمر أم لا؟ وجهان مبنيان.
واعلم أنّ استدلال بعضهم يشعر بأن الخلاف في «يا أيها الناس» ونحوه يجري في جميع المكلفين بشريعتنا حيث يصلح له، حتى يدخل الإنس والجن، وحينئذ فيكون قوله تعالى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجََالِكُمْ} (1)
وقوله {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2) دليلا على الاكتفاء باثنين من الجن.
وفيه نظر، إذ الظاهر أن الخطاب للأنس خاصة، كما يختص بهم قوله:
{«يََا أَيُّهَا النََّاسُ»} *.
الفصل الثاني في الخصوص
مقدمة: القابل للتخصيص هو الحكم الثابت لمتعدّد (3) من جهة اللفظ،
كقوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (4) أو من جهة المعنى، كتخصيص العلة، ومفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة.
فأما تخصيص العلة، فجوّزه بعضهم (5)، ومنعه جمهور المحققين (6).
__________
(1) البقرة: 282.
(2) الطلاق: 2.
(3) في «ح»: المتعدد.
(4) التوبة: 5.
(5) فواتح الرحموت 2: 278، ونقله عن أبي زيد وحنفية العراق، وأبي حنيفة وصاحبيه.
(6) كالرازي في المحصول 2: 373، والسرخسي في أصوله 2: 208.(1/186)
ومن فروع المسألة:
جواز بيع العرايا، وهو بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض بشروطه، فإن الشارع نهى عن بيع الرطب بالتمر، وعلله بالنقصان عند الجفاف (1)، وذلك بعينه موجود في العرايا، مع الاتفاق على جوازه، إلا أنّ ذلك كالمستثنى من القاعدة، فلذلك اتفقوا على جوازها مع بقاء التعليل.
وأما مفهوم الموافقة، كقوله تعالى {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} (2) يدل بمنطوقه على تحريم التأفيف، وبمفهومه على تحريم الضرب وسائر أنواع الأذى، فيجوز تخصيصه، لأنه دليل عام.
ومن فروعه: جواز حبس الوالد لحق الولد، وفي جوازه وجهان، وظاهر المذهب جوازه.
وأما مفهوم المخالفة، كقوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» (3)
أي لم يتنجس، أو لم يظهر فيه الخبث، فإنه يدل بمفهومه على أنّ ما دونه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة، فيجوز تخصيصه، لما سبق من كونه دليلا عاما.
ومن فروعه: ما لا نفس له سائلة كالذباب، للأمر بغمسه (4)
إن قلنا إنه نجس.
__________
(1) الكافي 5: 189باب المعاوضة في الطعام حديث 12، التهذيب 7: 90حديث 384، الاستبصار 3: 93حديث 315، الوسائل 12: 445أبواب الرّبا باب 14، سنن ابن ماجة 2: 761حديث 2264، سنن النسائي 7: 268باب اشتراء التمر بالرطب، الموطأ 2: 624 كتاب البيوع حديث 22.
(2) الإسراء: 23.
(3) السرائر 1: 63، عوالي اللئالي 1: 76حديث 156.
(4) مكارم الأخلاق: 152، وعنه في البحار 63: 376باب آداب الشرب، صحيح البخاري 7: 181كتاب الطب، سنن ابن ماجة 2: 1159كتاب الطب حديث 3504.(1/187)
ومنها: ما لا يدركه الطرف على ما اختاره الشيخ (1) وجماعة (2)، استنادا إلى رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام (3)، وإن كان في دلالتها على ذلك نظر.
فائدة إطلاق الأصوليين يقتضي أنه لا فرق في جواز تخصيص العام بين أن يكون الحكم مؤكدا «بكل» ونحوها أم لا،
لوجود المقتضي.
ومن فروعها: ما إذا قال: أنتنّ طوالق كلكنّ، أو أعتقتكم جميعكم، ونوى إخراج بعضهم، فإنه لا يقع على المخرج طلاق، ولا عتاق، على ما دل عليه الإطلاق.
فائدة: استنباط معنى من النص يزيد على ما دل عليه هو القياس المعروف.
واستنباط معنى يساويه هو العلة القاصرة، ولا يجوز أن يستنبط منه معنى يعلو على أصله بالبطلان.
فمن فروع المسألة الأخيرة: أن قوله صلى اللََّه عليه وآله: «في أربعين شاة شاة» (4)
ونحوه، لا يجوز أن يقال فيه: المعنيّ في إيجاب الشاة إنما هو إغناء الفقير، وإغناؤه بالنقد أتم، وحينئذ فيجوز إخراج القيمة لأن استنباط ذلك من وجوب الشاة يؤدي إلى عدم وجوبها، لجواز الانتقال إلى القيمة على هذا التقدير كذا قيل (5).
__________
(1) الاستبصار 1: 23، المبسوط 1: 7.
(2) غاية المراد: 6.
(3) الكافي 3: 74، باب النوادر حديث 16، التهذيب 1: 412حديث 1299، الاستبصار 1: 23حديث 57، الوسائل 1: 112أبواب الماء المطلق ب 8ح 1.
(4) سنن ابن ماجة 1: 577حديث 1805، سنن الترمذي 3: 17حديث 621.
(5) التمهيد للأسنوي: 374.(1/188)
وفيه نظر، لجواز رجوعه إلى الوجوب المخيّر، فلا يلزم ارتفاع الوجوب مطلقا.
ومنها: التحريم بالرضاع، استنبطوا منه معنى، وهو وصول اللبن إلى الجوف، وعدّوه إلى ما لا يصدق عليه اسم الرضاع، كالاستعاط (1) وأكل الجبن المعمول من لبن المرأة.
وهذا عندنا فاسد، وإنما المعتبر صدق اسم الرضاعة، الّذي لا يتحقق إلا بالتقام الرضيع الثدي وشربه منه.
ومنها: جواز الحط عن المكاتب بدلا عن الإيتاء المأمور به في قوله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مََالِ اللََّهِ} (2) قالوا: لأن المعنيّ في الإيتاء هو الرفق، والرفق في الحطّ أكثر من تكليف إعطائه ثم ردّه عليه.
وهذا عندنا على سبيل الاستحباب إن لم يجب على المولى حق كالزكاة، وإلا وجب مع حاجة المكاتب إليه.
مسألة: اختلفوا في المقدار الّذي يشترط بقاؤه بعد تخصيص العام على أقوال:
أحدها وإليه ذهب الأكثرون (3) أنه لا بد من بقاء جمع كثير، سواء كان العام جمعا كالرجال، أم غير جمع كمن وما وأين، إلا أن يستعمل ذلك العام في الواحد تعظيما له، وإعلاما بأنه يجري مجرى الكثير كقوله {فَقَدَرْنََا فَنِعْمَ الْقََادِرُونَ} (4).
__________
(1) استعط الدواء: أدخله في أنفه (أقرب الموارد 1: 517، لسان العرب 7: 314).
(2) النور: 33.
(3) كالرازي في المحصول 1: 399، وأبي الحسين في المعتمد 1: 236، والبيضاوي في المنهاج (نهاية السؤل) 2: 385.
(4) المرسلات: 23.(1/189)
واختلفوا في ذلك الكثير: ففسره ابن الحاجب: بأنه الّذي يقرب من مدلوله قبل التخصيص (1). ومقتضى هذا أن يكون أكثر من النصف.
وفسّره البيضاوي: بأن يكون غير محصور (2).
وقيل: يجوز التخصيص إلى أن ينتهي إلى أقل المراتب التي يطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص، مراعاة لمدلول الصيغة (3)، فعلى هذا يجوز التخصيص في الجمع كالرجال ونحوه إلى ثلاثة، لأنها أقل مراتبه على الصحيح. وفي غير الجمع كمن وما إلى الواحد، فيقول: من يكرمني أكرمه، ويريد به شخصا واحدا.
وقيل: يجوز إلى الواحد مطلقا، جمعا كان أم غيره (4)، لقوله تعالى {الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ} (5) والمراد به نعيم بن مسعود الأشجعي (6).
ومن فروع المسألة:
ما إذا قال: نسائي طوالق، ثم قال: كنت أخرجت ثلاثا، فعلى الأول لا يقبل، لأن اسم النساء لا يقع على الواحدة، ولو قال: عزلت واحدة بنيتي قبل.
ولو قال: عزلت اثنتين، فوجهان مرتبان.
ومنها: ما إذا قال: واللََّه لا أكلّم أحدا، ونوى زيدا أو لا آكل طعاما، ونوى معينا. وظاهر الأصحاب هنا قبوله مطلقا. وتقييد المطلق كتخصيص العام.
__________
(1) منتهى الوصول: 87.
(2) منهاج الأصول (نهاية السؤل) 2: 385، و (الابتهاج): 88.
(3) نقله عن القفال في المحصول 1: 399، والمعتمد 1: 236، واختاره الغزالي في المستصفى 2: 91.
(4) كما في عدة الأصول: 149، تهذيب الأصول: 39، فواتح الرحموت 1: 306، والإحكام لابن حزم 4: 429.
(5) آل عمران: 173.
(6) مجمع البيان 1: 541.(1/190)
الفصل الثالث في المخصص
اعلم أنّ تخصيص العام ونحوه كتقييد المطلق قد يكون باللفظ، وقد يكون بغيره.
فغير اللفظ ثلاثة أشياء: النية، والعرف الشرعي، والعرف الاستعمالي، ويعبّر عنه بالقرينة.
فالتخصيص بالنية، كقوله: واللََّه لا أكلّم أحدا، وينوي زيدا والعرف الشرعي، كقوله لا أصلي، فإنه محمول على الصلاة الشرعية خاصة والعرف الاستعمالي، كقوله: لا آكل الرءوس، فإن العرف يخرج رءوس العصافير ونحوها.
وهل المعتبر نفس البلد الّذي ثبت فيه العرف، أم كون الحالف من أهله؟ وجهان.
ويتفرع على ذلك فروع:
منها: ما لو حلف: لا يسلّم على زيد، فسلّم على قوم هو فيهم، واستثناه بقلبه، فإنه لا يحنث على الصحيح، كما لو استثناه لفظا بخلاف ما لو حلف: لا يدخل عليه، فدخل على قوم هو فيهم واستثناه، فإنه لا يتخصص على الأقوى.
ومنها: لو قالت: لا طاقة لي على الجوع معك، فقال: إن جعت يوما في بيتي فأنت عليّ كظهر أمي، لم يقع الظهار بالجوع في أيام الصوم، للعرف.
ومنها: إذا قال له في الصيف: اشتر لي ثلجا، فليس له شراؤه في الشتاء، للعرف أيضا.
ومنها: ما لو قال لزوجته: إن علمت من أختي شيئا فلم تقوليه لي فأنت عليّ كظهر أمي، انصرف ذلك إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة، دون ما لا
يقصد العلم به كالأكل والشرب.(1/191)
ومنها: ما لو قال لزوجته: إن علمت من أختي شيئا فلم تقوليه لي فأنت عليّ كظهر أمي، انصرف ذلك إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة، دون ما لا
يقصد العلم به كالأكل والشرب.
ومنها: لو حلف: لا يشرب الماء، حنث بالبحر المالح، لدخوله في عمومه أو إطلاقه ومن ثم جازت الطهارة به، نظرا إلى دخوله فيه وهو يشكل على القاعدة من حيث العرف.
ومنها: لو حلف: ليخدمنّه بالليل والنهار، لم يدخل في اليمين ما أخرجه العرف، من زمن الأكل والشرب ونحوهما، وزمان الاستراحة والنوم المألوف.
ولو حلف: ليضربنّه الليل والنهار خرج ما ذكرناه، وكذلك الزمان الّذي يكون ألم الضرب فيه باقيا، لأنّ العرف يقتضي تخلّل فترات بين الأفعال.
وسيأتي لهذا المقام مزيد بحث (1).
ثم المخصص أقسام:
القسم الأول: الاستثناء
وهو الإخراج ب «إلّا» التي ليست للصفة، أو بما كان نحو «إلّا» في الإخراج. وضابط ما تكون للصفة: أن تكون تابعة لجمع منكور غير محصور، كقوله تعالى {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} (2) وقال جماعة: لا يشترط فيها ذلك (3). فعلى هذا إذا قلت: عليّ ألف إلّا مائة برفع المائة كان إقرارا بالألف.
ونبّه بقوله: ما كان نحو «إلّا» على خلاف ما ذكره بعضهم في تعريفه، من أنه الإخراج ب «إلّا» وأخواتها إلى آخره (4).
__________
(1) قاعدة 76.
(2) الأنبياء: 22.
(3) نقله عن سيبويه في مغني اللبيب 1: 100.
(4) منتهى الوصول: 89.(1/192)
وتظهر الفائدة في أمور:
منها: إذا قال: هذه الدار لزيد، وهذا البيت منها لي أو: هذا الخاتم له، وفصّه لي فإنه يقبل، لأنه إخراج بعض ما تناوله اللفظ، لكنه ليس ب «إلا» وأخواتها.
ومنها: إذا قال: عليّ ألف أحط منها مائة، أو أستثنيه، ونحو ذلك، فمقتضى التعريف قبوله أيضا.
قاعدة «64» الاستثناء من العدد جائز، كما جزم به جماعة من الأصوليين (1)
ولا فرق بين أن يكون من معيّن أم لا.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا قال مثلا: له عليّ عشرة إلا واحدا، فيلزمه تسعة.
ومنها: ما إذا قال لنسوته الأربع: أربعتكنّ طوالق إلا فلانة، فإنه يقع الطلاق عليهنّ دونها.
وذهب بعض الشافعية إلى عدم صحة هذا الاستثناء، لأن الأربع ليست صيغة عموم، وإنما هي اسم (2).
وردّ بأن مقتضى التعليل بطلان الاستثناء من الأعداد في الإقرار، وهو معلوم البطلان (3).
__________
(1) فواتح الرحموت 1: 317، المعتمد 1: 204، المحصول 1: 377.
(2) نقله عن أبي بكر في كتاب الفروع 5: 407، وعن القاضي حسين والمتولي في التمهيد:
386.
(3) نقله عن الرافعي في التمهيد: 387.(1/193)
وفرّق بعضهم بين ما لو قدّم المستثنى منه فقال: أربعتكنّ إلا فلانة طوالق وبين ما لو أخّره، فصحح المتقدم دون المتأخر (1)، وهو تحكّم.
مسألة: اختلفوا في أنّ الاستثناء، هل هو إخراج قبل الحكم أو بعده؟
فإذا قال مثلا: له عليّ عشرة إلا ثلاثة. فالأكثرون على أنّ المراد بالعشرة سبعة، و «إلا» قرينة مثبتة لذلك كالتخصيص (2).
وقال القاضي: عشرة إلّا ثلاثة، بإزاء سبعة، كاسمين مركب ومفرد (3).
وقيل: المراد بالعشرة مدلولها، ثم أخرجت منها ثلاثة، وأسندنا إليه بعد الإخراج، فلم يسند إلا إلى سبعة (4).
وقد تبيّن بما ذكرناه أنّ الاستثناء على قول القاضي ليس بتخصيص وعلى رأي الأكثرين تخصيص، لأن اللفظ قد أطلق لبعضه إرادة وإسنادا وعلى الأخير محتمل لكونه أريد الكل وأسند إلى البعض.
ومن فروع المسألة:
ما ذكره بعضهم: أن الاستثناء من العدد يجوز مع تقديم الاستثناء عن المستثنى منه، ولا يجوز مع تأخيره، كقولنا: له عليّ عشرة إلا درهما. وعلّله بأن صيغ الأعداد ليست صيغ عموم، وإنما هي أسماء الأعداد خاصة، فقوله: إلا كذا، رفع للحكم عنه بعد التنصيص عليه (5).
قيل: ومن فوائد الخلاف أيضا التقديم به عند التعارض، فإنا إذا
__________
(1) المغني والشرح الكبير 8: 311، ونقله عن الترغيب في كتاب الفروع 5: 413.
(2) كما في مسلّم الثبوت (فواتح الرحموت) 1: 316.
(3) نقله عنه في فواتح الرحموت 1: 320، ومنتهى الوصول: 89، والتمهيد: 388.
(4) فواتح الرحموت 1: 317، منتهى الوصول: 89.
(5) كتاب الفروع 5: 413، التمهيد للأسنوي: 388.(1/194)
قلنا: إنّ الاستثناء بعد الحكم، فقد صار المستثنى منه يدل على إدخال ذلك الفرد، ولكن الاستثناء عارضة، فإذا عارض الاستثناء دليل آخر يقتضي إدخاله في المستثنى منه، قدمناهما عليه، لأن كثرة الأدلة من جملة المرجحات (1).
قاعدة «65» يشترط اتصال المستثنى منه بالمستثنى الاتصال العادي عند جمهور الأصوليين والفقهاء،
بأن لا يفصل بينهما بأجنبي، ولا سكوت طويل (2) يخرج عن الاتصال عادة.
ومن فروعها:
ما لو قال: له عليّ ألف أستغفر اللََّه إلا مائة، أو عليّ ألف يا فلان إلا مائة، فإن الأصح عدم سماع الاستثناء.
وأجازه بعض الشافعية فيهما، محتجا بأنه فصل يسير، فلم يؤثر (3).
ولو وقع هذا الفصل بين الشرط والمشروط كقوله: أنت عليّ كظهر أمي استغفر اللََّه إن دخلت الدار، فالوجهان حكما وتعليلا.
قاعدة «66» لا يجوز تقديم المستثنى في أول الكلام،
كقولك: إلا زيدا قام القوم، كحرف العطف، إذ معنى إلا زيدا: لا زيد.
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 389.
(2) في «م» زيادة: بل.
(3) التمهيد: 389، نهاية المحتاج 6: 466.(1/195)
ولو تقدمه حرف نفي فالمنع بحاله كقولك: ما إلا زيدا في الدار أحد. وأما قول الشاعر:
وبلدة ليس بها طوري ... ولا خلا الجن بها الإنسي [1] فشاذ، بخلاف ما لو كان النافي فعلا، فإنه يجوز، كقولك: ليس إلا زيدا فيها أحد وكذلك لم يكن.
ويجوز توسط المستثنى بين المستثنى منه والمحكوم به وما في معناه، كقولك: قام إلا زيدا القوم، والقوم إلا زيدا ذاهبون، وفي الدار إلا عمرا أصحابك، وأين إلا زيدا قومك؟ وضربت إلا زيدا القوم.
نعم، إذا تقدم على المستثنى منه وعلى العامل ففيه مذاهب، ثالثها: إن كان العامل متصرفا كقولك: القوم إلا زيدا جاءوا، جاز أو غير متصرف نحو: الرّجال إلا عمرا في الدار، فلا يجوز.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: له عليّ إلّا عشرة دنانير مائة دينار. فإن الاستثناء صحيح على الصحيح، وقيل: لا يصح (1). وقس على ذلك ما شئت.
قاعدة «67» الاستثناء المنقطع وهو الّذي لم يدخل في المستثنى منه صحيح،
وهل إطلاق الاستثناء عليه إطلاق حقيقي أو مجازي؟ فيه مذهبان، أصحهما الثاني.
[1] هذا البيت للعجاج، ذكر ذلك في خزانة الأدب 3: 311، وحاشية الجرجاني على شرح الكافية: 228، وأورده في شرح الكافية وقال: إنه شاذ عند البصريين، وقيل: تقديره ليس بها طوري، ولا بها إنسي، خلا الجن، فأضمر الحكم والمستثنى منه و «بها إنسي» تفسير له (شرح الكافية: 228). ومعنى البيت: وبلدة ليس فيها أحد خلا الجن.
__________
(1) حكاه الرافعي كما في التمهيد: 391.(1/196)
وعلى القول بأنه حقيقة فقيل: مشترك (1)، وقيل: متواطئ (2).
إذا تقرر ذلك: فلو قال المقرّ: عليّ ألف درهم إلا ثوبا، أو عبدا، أو غير ذلك، صحّ، وحمل اللفظ على المجاز. ثم عليه أن يبيّن ثوبا لا تستغرق قيمته الألف، فإن استغرقت ففيه كلام يأتي (3).
واعلم أنّ بعضهم فسّر المنقطع بكونه من غير جنس المستثنى (4)، وهو فاسد كما نبّه عليه ابن مالك (5) وغيره (6)، لأن قول القائل: جاء بنوك إلا بني زيد، منقطع، مع أنه من جنس الأول.
قاعدة «68» إذا احتمل الاستثناء أن يكون متصلا، وأن يكون منقطعا،
فحمله على الاتصال أولى، لأنه حقيقة، والمنقطع مجاز، واللفظ إنما يحمل على حقيقته مع إمكان حمله عليها.
لكن هذه القاعدة خولفت في باب الإقرار، كما إذا قال: له عليّ ألف إلا ثلاثة دراهم، فإن له تفسير الألف بما أراد بلا خلاف، ولا يكون تفسير المستثنى تفسيرا للمستثنى منه. وسببه (7) قيام الاحتمال فيما خالف الأصل، إذ الأصل براءة الذّمّة مما زاد على ذلك.
__________
(1) الكافية (شرح الكافية): 224.
(2) حكاه في فواتح الرحموت 1: 316، ومنتهى الوصول: 88.
(3) قاعدة 70.
(4) كابن حزم في الأحكام 4: 420.
(5) نقله عنه في التمهيد: 392.
(6) حاشية الصبان 2: 142.
(7) في «د»: وشبهه، وفي «م»: وشبيه.(1/197)
قاعدة «69» الاستثناء من الإثبات كقولك: قام القوم إلا زيدا يكون نفيا للقيام عن زيد بالاتفاق،
كما ادعاه جماعة، وإن اختلفوا في مدركه (1).
وأما الاستثناء من النفي نحو: ما قام أحد إلا زيد، فالأكثر على أنه يكون إثباتا.
وقال أبو حنيفة: لا يكون إثباتا له، بل دليلا على إخراجه عن المحكوم عليهم. وحينئذ فلا يلزم منه الحكم بالقيام في المثال، أما من جهة اللفظ، فلأنه ليس فيه على هذا التقدير ما يدل على إثباته كما قلنا.
وأما من جهة المعنى، فلأن الأصل عدمه، بخلاف الاستثناء من الإثبات، فإنه يكون نفيا، لأنه لما كان مسكوتا عنه، وكان الأصل هو النفي، حكمنا به (2).
فعلى هذا: لا فرق عنده في دلالة اللفظ بين الاستثناء من النفي، والاستثناء من الإثبات.
واختار الرازي في «المعالم» مذهب أبي حنيفة (3) وفي «المحصول» مذهب غيره (4).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: له عليّ عشرة إلا خمسة، أو ماله عليّ شيء إلا خمسة، فإنه
__________
(1) تهذيب الوصول: 41، حاشية التفتازاني على شرح المختصر 2: 143.
(2) نقله عن أبي حنيفة في المحصول 1: 411، والإحكام 2: 330.
(3) نقله عنه في التمهيد: 393.
(4) المحصول 1: 411.(1/198)
يلزمه خمسة فيهما على المشهور.
ومنها: لو قال: ماله عشرة إلا خمسة، يلزمه أيضا خمسة.
وقيل: لا يلزمه شيء هنا، لأن العشرة إلا خمسة مدلولها خمسة، فكأنه قال: ليس عليّ خمسة (1).
وسيأتي البحث فيه إن شاء اللََّه مستوفى في التفريع على القواعد العربية (2).
ومنها: إذا قال: واللََّه لا أعطيتك إلا درهما، أو لا آكل إلا هذا الرغيف، أو لا أطأ في السنة إلا مرة، ونحو ذلك، كقوله: لا أضرب، أو لا أسافر كذلك، فلم يفعل بالكلية، ففي حنثه وجهان، أحدهما: نعم، لاقتضاء اللفظ ذلك، وهو كون الاستثناء من النفي إثباتا، والثاني: لا، لأن المقصود منع الزيادة، لا إثبات المذكور، فتجعل «إلا» بمعنى «غير» بدلالة العرف.
ومنها: لو قال: واللََّه ما لي إلا مائة درهم، وهو لا يملك إلا خمسين درهما، فإن نوى أنه لا يملك زيادة على مائة، صدق (وإن أطلق) (3) فالوجهان.
ومنها: إذا قلنا: إن التحالف تكفي فيه يمين واحدة تجمع بين النفي والإثبات، فأتى بهذه الصيغة، فقال: واللََّه ما بعته إلا بكذا، فهل يكفي ذلك عنهما؟ فيه الوجهان. ومقتضى القاعدة الاكتفاء.
ومنها: لو قال: لا لبست ثوبا إلا الكتان، فقعد عاريا، فقيل:
لا تلزمه كفارة (4).
__________
(1) نضد القواعد الفقهية: 398، التمهيد: 393.
(2) قاعدة 175.
(3) في «م»: وإلا.
(4) الفروق للقرافي 2: 93.(1/199)
ورد بما تقدم (1).
وجوابه: أن «إلا» في الحلف انتقلت عرفا إلى معنى الصفة، مثل «سوى» و «غير» فكأنه قال: لا لبست ثوبا غير الكتان، فلا يكون الكتان محلوفا عليه، فلا يضر تركه ولا لبسه.
قاعدة «70» الاستثناء المستغرق باطل اتفاقا،
على ما نقله جماعة، منهم الرازي (2)
والآمدي (3) وأتباعهما (4). ولإفضائه إلى اللغو.
ونقل القرافي عن المدخل لابن طلحة أن في صحته قولين (5).
ونقل أبو حيان عن الفراء. أنه يجوز أن يكون أكثر ومثّل بقوله: عليّ ألف إلا ألفين، قال: إلا أنه يكون منقطعا (6).
وفروعه كثيرة في باب الإقرار لا تخفى، ومنها في غيره إذا قال: كل امرأة لي طالق إلا عمرة، أو إلّا أنت، ولم يكن له غيرها، فإن الطلاق يقع عليها بمقتضى القاعدة، لبطلان الاستثناء، فيبقى الباقي.
ولو أتى ب «غير» أو نحوها ك «سوى» فقال: كل امرأة لي غيرك طالق، أو طالق غيرك، فالمتجه عدم وقوع الطلاق لأن أصل «غير» الصفة. ويحتمل إلحاق «إلا» ب «غير» لأنها قد تقع صفة.
__________
(1) ص 199، وأورد هذا الرد في نضد القواعد الفقهية: 398.
(2) المحصول 1: 410.
(3) الإحكام في أصول الأحكام 2: 318.
(4) تهذيب الفروق 1: 118، منتهى الوصول: 91، الإبهاج 2: 90.
(5) شرح التنقيح: 244.
(6) كما في التمهيد: 395.(1/200)
وقد اختلفوا فيما لو عطف بعض العدد على بعض، إما في المستثنى أو في المستثنى منه، هل يجمع بينهما (1) حتى يكون كالكلام الواحد، كقوله: له عليّ درهم ودرهم إلا درهما؟
وقال ابن حداد من الشافعية: لا يجمع، لأن الجملتين المعطوفتين تفردان بالحكم، وإن لم تكن الواو للترتيب، كما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق، لا يقع إلا واحدة، بخلاف ما لو قال: أنت طالق طلقتين اثنتين، فإنهما تقعان عندهم.
ويتفرع على ذلك: له عليّ ثلاثة دراهم إلا درهمين ودرهما، وكذا له عليّ درهمان ودرهم إلا درهما، وله عليّ ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما.
قاعدة «71» الاستثناء المجهول باطل، فيبطل في المبيعات وسائر العقود،
كقوله:
بعتك الصبرة إلا جزءا منها. ويجيء في الإيقاعات، كقوله: عبيدي أحرار إلا واحدا، أو له نخلي إلا نخلة.
ولو قال: بعتك الصبرة إلا صاعا منها، وهي متفرقة، وأراد واحدا من المتفرقة، ولم يعينه بطل البيع. وكذا لو قال: بعتك صاعا من الصبرة متفرقة الأصناف.
ولو كانت مجتمعة وقال: بعتكها إلا صاعا منها، فإن كانت مجهولة الصيعان بطل البيع، لعدم معرفة قدر المبيع. وكذا لو قال: بعتك صاعا منها، إن نزّلناه على الإشاعة، وإلا صحّ إذا علم اشتمالها عليه.
__________
(1) في «م»، «ح»: منها.(1/201)
ولو كانت معلومة، واستثنى منها عددا معينا صحّ قطعا. واختلف في تنزيله، فقيل: هو بمثابة جزء من الجملة كالربع والعشر. فلو كانت الصبرة أربعة أصواع فالمبيع ربع، وعلى هذا حتى إذا تلف منها شيء يسقط بالحساب (1)
وقيل: بل المبيع جزء شائع منها مقدّر، فلو لم يبق إلا صاع بقي المبيع فيه، وعليه دلّ خبر بريد بن معاوية عن الصادق عليه السلام [1].
قاعدة «72» إذا لم يكن الاستثناء مستغرقا، جاز على الصحيح عند الأكثر، مساويا كان المخرج أم أكثر (2).
وقيل: لا يجوز استثناء الأكثر (3).
قيل: ولا المساوي أيضا (4).
[1] بريد بن معاوية عن أبي عبد اللََّه عليه السلام: في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، وأعطاه من ثمنه ألف درهم، ووكل المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب، فاحترق منه عشرون ألف طن، وبقي عشرة آلاف طن، فقال: «العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي احترقت من مال البائع» التهذيب 7: 126حديث 549، الوسائل 12: 272 أبواب عقد البيع ب 19حديث 1.
__________
(1) المغني لابن قدامة 4: 213.
(2) المبسوط للشيخ الطوسي 5: 60، معارج الأصول: 95، تهذيب الوصول: 40، منتهى الوصول: 91، المحصول 1: 410، الإحكام للآمدي 2: 318.
(3) نقله عن القاضي في المحصول 1: 410، والمستصفى 2: 171، ونقله عن الحنابلة في فواتح الرحموت 1: 324، ونقله عن ابن درستويه من أهل العربية في المبسوط 5: 60.
(4) نقله عن القاضي في المحصول 1: 410.(1/202)
وتفاريع الإقرار عليها واضحة، كما إذا قال: له عليّ عشرة إلا تسعة، وله هذه الدار إلا الثلثين منها.
ولو تعدد الاستثناء، ولم يستغرق التالي لمتلوّه، ولا عطف عليه، رجع كل تال إلى متلوّه.
وعليه وعلى ما سبق من قاعدة النفي والإثبات يتفرع: ما لو قال: له عليّ عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلى (1) الواحد، فإنه يكون إقرارا بخمسة.
ولو أنه لما وصل إلى الواحد قال إلا اثنين إلا ثلاثة إلى (2) التسعة، فالإقرار بواحد. وتحريره يظهر من القواعد.
وضابطه: أنّ تجمع الأعداد المثبتة وهي الأزواج على حدة، والمنفيّة وهي الأفراد على حدة، وتسقطها منها، فالإقرار بالباقي، فهي في الأول ثلاثون وخمسة وعشرون، وفي الثاني خمسون وتسعة وأربعون.
وقس عليه ما يرد عليك في هذا الباب، كما لو بدأ بالمنفي، أو لم يصل إلى الواحد. كذا أطلقه جماعة (3)، وفي بعض فروعه بحث.
ومنها: ما لو قال المريض: أعطوه ثلث مالي إلا كثيرا منه، جاز إعطاؤه أقل متموّل. ولو قال: إلا شيئا، فكذلك.
قيل: وكذا لو قال: إلا قليلا (4)، وفيه نظر.
__________
(1) في «م»: إلا.
(2) في «م»: إلا.
(3) كما في المحصول 1: 412، والمبسوط للشيخ 5: 60.
(4) التمهيد للأسنوي: 397.(1/203)
قاعدة «73» الاستثناءات المتعددة إذا لم تتعاطف، وكان الثاني مستغرقا لما قبله،
أما بالتساوي كقوله: له عشرة إلا ثلاثة، وكرر اللفظ الأخير، وهو استثناء الثلاثة وإما بالزيادة كقوله: عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة، فإنها لا تبطل، بل تعود (1)
جميعها إلى المستثنى منه، حملا للكلام على الصحة. كذا جزم به في «المحصول» (2) وتبعه جماعة (3).
وفي المساوي قول آخر: [وهو] أنّ الثاني يكون توكيدا (4).
وثالث: وهو أنه يلزمه في المثال عشرة، لأن الاستثناء من النفي إثبات (5)
وهما نادران.
ولو تعاطفت رجعت جميعا إلى المستثنى منه، ما لم تستغرقه، فيبطل ما حصل به الاستغراق خاصة، كما لو قال: له عشرة إلا خمسة وإلا ستة، فيكون إقرارا بخمسة. وكذا لو قال ثانيا: وإلا خمسة. ولو قال: وإلا أربعة، فواحد، وهكذا.
وكذا يبطل ما حصل به الاستغراق لو لم تتعاطف، ولكن كان بعضها مستغرقا لبعض، كقوله: له عشرة إلا خمسة إلا خمسة، فيصح الأول خاصة، ويلزمه خمسة.
__________
(1) في «د»، «م»: بل يقع
(2) المحصول 1: 412
(3) تهذيب الوصول: 41، جامع المقاصد 1: 554، منهاج الأصول (نهاية السؤل) 2: 429.
(4) حكاه عن الرافعي في التمهيد: 397.
(5) حكاه عن الرافعي في التمهيد: 398.(1/204)
قاعدة «74» الاستثناء عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض يعود إلى الجميع، ما لم تقم قرينة على إخراج البعض.
وقال أبو حنيفة: يعود إلى الأخيرة خاصة (1)، واختاره الرازي في المعالم (2). وقال جماعة من المعتزلة منهم القاضي وأبو الحسين: إن تبيّن الإضراب عن الأولى فللأخيرة، وإلا فللجميع (3). وهو في معنى ما ذكرناه من القرينة.
وقال المرتضى بالاشتراك، لوروده لهما (4). وتوقف الغزالي وجماعة (5).
ووافق الحنفية على عود الشرط والاستثناء بالمشيئة (6) إلى الجميع، وكذلك الحال والصفة بمعناه، والتقييد بالغاية كالتقييد بالصفة، صرح به في المحصول (7). وشرط الجويني في عوده إلى الجميع شرطين، أحدهما: أن يكون العطف بالواو، فلو كان ب «ثم» اختص بالجملة الأخيرة.
والثاني: أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلّل كما لو قال في صيغة الوقف: [وقفت] (8) على أولادي، على أنّ من مات منهم وأعقب
__________
(1) أصول السرخسي 2: 44، ونقله عنه في المحصول 1: 413.
(2) نقله عنه في التمهيد: 398.
(3) نقله عن قاضي القضاة، واختاره أبو الحسين في المعتمد 1: 246.
(4) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 249.
(5) المستصفى 2: 177.
(6) المراد بالمشيئة: هي مشيئة اللََّه سبحانه وتعالى، وهي قول: إن شاء اللََّه.
(7) المحصول 1: 420.
(8) أثبتناه لاستقامة العبارة.(1/205)
فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن لم يعقب فنصيبه للذين في درجته فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي، إلا أن يفسق أحدهم. فالاستثناء يختص بإخوته.
والتعبير ب «الجمل» مبني على الغالب، وإلا فلا فرق بينها وبين المفردات.
إذا تقرر ذلك فلا يخفى ما يتفرع على القاعدة في باب الأقارير، كقوله:
عليّ عشرة وخمسة وثلاثة إلا درهمين.
وتظهر الفائدة فيما لو استغرق الاستثناء ما قبله دون الجميع.
ومنها: ما لو قال: عليّ ألف درهم ومائة دينار إلا خمسين، فإن أراد بالخمسين جنسا غير الدراهم والدنانير، قبل منه. وكذا إن أراد عوده إلى الجنسين معا أو إلى أحدهما. وإن لم يبيّن عاد إليهما معا، أو إلى الأخير على الخلاف.
وعلى تقدير عوده إليهما، فهل يعود إلى كل منهما جميع الاستثناء، فيسقط خمسون دينارا وخمسون درهما، أو يعود إليهما نصفين، فيسقط خمسة وعشرون من كل جنس؟ وجهان.
القسم الثاني الشرط
إذ قيّد به أحد المتعاطفين، فمقتضى كلام جماعة أنه يعود إليهما اتفاقا (1)، ولكن في المحصول بعد أن قال: «إن الحنفية قد وافقونا على عود الشرط إلى الجميع» نقل في الكلام على التخصيص بالشرط عن بعض الأدباء أنّ الشرط يختص بالجملة التي تليه، فإن تقدم اختص بالأولى، وإن تأخر اختص بالثانية، ثم قال: والمختار الوقف، كما في الاستثناء (2). وابن الحاجب
__________
(1) منهاج الوصول (نهاية السؤل) 2: 430.
(2) المحصول 1: 424.(1/206)
سوّى بينه وبين الاستثناء (1). والتفريع عليه واضح.
القسم الثالث: الصفة
وإذا تعقّبت الجمل عادت إلى الجميع كالشرط.
ومن فروع ذلك: ما إذا قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي المحتاجين، فتكون الحاجة شرطا في الجميع.
وكذا لو تقدمت الصفة عليهما كقوله: على المحتاجين من كذا وكذا.
وهذا مقتضى إطلاق الجماعة. وشرط إمام الحرمين فيه الشرطين السابقين في الاستثناء (2).
القسم الرابع: الغاية
وهي بعد الجمل كالتقييد بالصفة، كقوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي إلى أن يستغنوا.
القسم الخامس: التقييد بالحال
وهو كذلك أيضا، وسيأتي البحث فيه إن شاء اللََّه مستقصى في القواعد العربية (3).
ومن فروعه: ما إذا نذر أن يحج ماشيا، فيلزمه المشي حالة الدخول في أفعال الحج والتلبّس به إلى أن يكمله، وذلك من حين الإحرام إلى حين الفراغ منه. هذا هو المفهوم من جعله المشي وصفا للحج. ويحتمل في جانب الأخير
__________
(1) منتهى الوصول: 94.
(2) نقله عنه في التمهيد: 398.
(3) قاعدة: 179.(1/207)
انقطاعه بالتحلّل التام، نظرا إلى زوال صورة الحج، كالتحلّل من الصلاة.
وهذا هو الّذي أطلقه الأصحاب وغيرهم، فيكون آخره طواف النساء.
وأما أوله، فقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب المشي من بلده.
وهو خارج عن حقيقة الوصف المختص بالحج، إلا أن يدل عليه العرف المقدّم على اللغة.
القسم السادس: التمييز
وهو كالصفة أيضا في عوده إلى الجميع.
ومن فروعه: إذا قال مثلا: له عليّ خمسة وعشرون درهما، فالجميع دراهم. وكذا لو ضمّ إلى ما ذكر لفظ المائة، فقال: مائة وخمسة وعشرون درهما، أو ضم لفظ الألف إلى ذلك كله. ومثله ألف وثلاثة أثواب، بخلاف ألف ودرهم، وألف وثوب.
ويحتمل في الجميع كون الأول باقيا على إبهامه وكذا ما قبل الأخير خصوصا إذا لم يصلح المميّز للسابق، كمائة وعشرون درهما، فإن مميز المائة مجرور والعشرين منصوب، إلا أن العرف مساعد على انصرافه إلى الجميع في هذه الأمثلة.
القسم السابع والثامن: ظرف الزمان والمكان
كقوله: أكرم زيدا اليوم، أو في مكان كذا وعمرا (1) فهل يكون القيد راجعا إلى المعطوف أيضا؟ توقّف فيه ابن الحاجب في مختصره (2).
__________
(1) في «م»: أو عمراً.
(2) منتهى الوصول: 94.(1/208)
وذكر البيضاوي الاتفاق على عوده إليه (1).
ويمكن الفرق بين أن يتأخر الظرف عن المعطوف عليه، كما في هذا المثال، وبين أن يتقدم كقولنا: أكرم اليوم زيدا وعمرا، فيعود إليهما هاهنا قطعا.
ولو قلنا بالرجوع إليهما فاختلف المعنى، كقوله: طلّق زوجتي اليوم وأعتق عبدي، أو كان المعنى واحدا، لكن أعيد العامل، نحو: أكرم زيدا اليوم وأكرم عمرا، ففي الرجوع إليهما أيضا نظر.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة ما إذا قال: طلّق هندا اليوم وزينب، ونحو ذلك من التصرفات بالبيع والشراء والوقف وغيرها.
قاعدة «75» الخاصّ إذا عارض العام يؤخذ بالخاص، متقدما كان أم متأخرا
لأن إعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما. هذا مختار الأكثر.
وعلى هذا لا يحتاج إلى البحث عن تاريخ الخبرين.
وقال أبو حنيفة: يكون المتأخر ناسخا للمتقدم (2).
ويشكل حينئذ مع جهل التأريخ، لتردده بين النسخ والتخصيص. فمن ثم تردد أبو حنيفة هنا (3).
ومن فروعه:
قوله صلى اللََّه عليه وآله: «خلق اللََّه الماء طهورا لا ينجّسه شيء، إلا ما غيّر لونه أو طعمه
__________
(1) منهاج الوصول (الابتهاج): 96.
(2) المستصفى 1: 302، المحصول 1: 442، أصول السرخسي 1: 133.
(3) المحصول 1: 444.(1/209)
أو ريحه» (1) وقوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا بلغ الماء كرّا أو قلّتين لم ينجّسه شيء» (2) فإن تاريخهما مجهول، فلا يعلم التخصيص. فمنهم من أعمل العام فلم ينجس القليل بالملاقاة (3)، والجمهور على التخصيص واشتراط عدم الانفعال ببلوغ الكرية، جمعا بين الدليلين.
ومنها: ما إذا قال لوكيله: لا تطلّق زوجتي زينب، ثم قال له بعد ذلك:
طلّق زوجاتي. ومقتضى القاعدة أنه لا يطلّق زينب.
وهكذا في الوصية لو قال: أوصيت بهذه العين لزيد، ثم قال: أوصيت بما في هذا البيت لعمرو، وكانت تلك العين فيه.
فلو عمّم، ثم خصّص بعضهنّ بالإخراج، ثم بعد ذلك عمّم أيضا، ففيه نظر. والمتّجه الدخول، لأنا لو خصصنا العام المتأخر للزم التأكيد، والتأسيس خير منه.
ومنها: عدم وجوب قضاء العيدين وأيام التشريق ورمضان، إن قلنا بعدم دخوله في النذر على من نذر صوم سنة معيّنة، لقيام الدليل المقتضي للتخصيص. والأقوى دخول رمضان في النذر، بناء على جواز نذر الواجب.
ومنها: لو لزمه صوم شهرين متتابعين عن كفارة قتل أو ظهار أو جماع في رمضان، ونذر صوم الأثانين (دائما) (4) قدّم صوم الكفارة على الأثانين، لإمكان قضاء الأثانين (5).
__________
(1) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 40، الوسائل 1: 101أبواب الماء المطلق باب 1حديث 8.
(2) سنن الترمذي 1: 46، سنن النسائي 1: 175باب التوقيت في الماء، مختصر سنن أبي داود 1: 56باب ما ينجس الماء حديث 58.
(3) نقله عن ابن أبي عقيل في ذكري الشيعة: 9.
(4) في «د»، «م»: وإنما.
(5) الاثنين لا يثنى ولا يجمع، فإن أردت جمعه قدرت أنه مفرد وجمعته على أثانين المصباح المنير: 86. (ثني)(1/210)
ولو عكس اتجه تقديم النذر، وعدم انقطاع التتابع به كأيام الحيض، إن لم نجوّز تأخير الكفارة عن زمان النذر، حيث يكون مقيدا بزمان (1) وإلا ففي جواز تعجيلها نظر، من القدرة على المتابعة بالتأخير وعدم الوثوق بالبقاء، وحصول المشقة بالتأخير كما لا يجب التأخير على الحائض إلى زمان اليأس. ويمكن الفرق بين المدة الطويلة والقصيرة كالسنة ونحوها.
قاعدة «76» تخصيص العموم بالعرف جائز، وكذا بالعادة، والشرع، وشاهد الحال.
أما الأول
، فله صورتان:
إحداهما: أن يكون قد غلب استعمال الاسم العام في بعض أفراده، حتى صار حقيقة عرفية، فهذا يخصّ به العموم بغير خلاف، كما لو حلف:
لا يأكل شواء، اختصت يمينه باللحم المشوي، دون البيض وغيره مما يشوى.
وكذلك لو حلف، على لفظ الدّابّة والسقف والسراج والوتد، لا يتناول إلا ما يسمى في العرف كذلك، دون الآدمي والسماء والشمس والجبل، فإن هذه التسمية فيها هجرت حتى صارت مجازا.
الصورة الثانية: أن لا يكون كذلك، وهو نوعان، أحدهما: ما لا يطلق عليه الاسم العام إلا مقيدا به، ولا يفرد بحال، فهذا لا يدخل في العموم بغير إشكال، كخيارشنبر شنبر، وتمر هندي، لا يدخلان في مطلق التمر والخيار، كما لا يدخل ماء الورد في الماء المطلق.
__________
(1) في «د»، «م»: بزمانه. والعبارة لا تخلو من غموض ولعل الصحيح هو: حيث تكون مقيدة بزمانه.(1/211)
والثاني: ما يطلق عليه الاسم العام، لكن الأكثر أن لا يذكر معه إلا بقيد أو قرينة، ولا يكاد يفهم عند الإطلاق دخوله فيه، وفيه وجهان.
ويتفرع عليهما مسائل:
منها: لو حلف أن لا يأكل الرءوس، فإنه ينصرف إلى الغالب من رءوس النعم وفي رءوس الطير والجراد والسمك وجهان، أجودهما عدم الدخول.
ومنها: لو حلف لا يأكل البيض، ففي حنثه ببيض السمك ونحوه الوجهان.
ومنها: لو حلف لا يأكل اللحم، ففي الحنث بلحم السمك الوجهان أيضا.
ومنها: لو حلف لا يدخل بيتا، فدخل مسجدا أو حمّاما، ففي الحنث الوجهان.
ومنها: لو حلف لا يأكل لحم بقر، ففي اختصاصه بالأهلي أو عمومه للوحشي الوجهان.
ومنها: لو حلف لا يتكلّم، فقرأ أو سبّح، ففي الحنث وجهان مرتبان، والأولى العدم.
وأما تخصيصه بالعادة فيتحرّر بمسائل:
منها: لو استأجر أجيرا يعمل له مدة معيّنة، حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان، دون غيره، بغير خلاف.
ومنها: لو حلف لا يأكل من هذه الشجرة، اختصت يمينه بما يؤكل منها عادة، وهو الثمر، دون ما لا يؤكل عادة، كالورق والخشب وإن جاز أكله.
ومنها: لو وقف على بعض أولاده (و) (1) سمّاهم، ثم على أولاد
__________
(1) ليس في «د».(1/212)
أولاده، فهل يختصّ البطن الثاني بأولاد المسمين، أم يشمل جميع ولده؟ ربما دلت العادة على الأول، لأنها عطية واحدة، يظهر منها عادة تخصيص ولد من وقف عليهم ويمكن رجوع هذه المسألة إلى القاعدة السابقة. ولو حصل الشك في دلالة العادة على ذلك، فلا معارض لعموم اللفظ.
وأما تخصيصه بالشرع فيظهر في مسائل:
منها: إذا نذر صوم الدهر، لم يدخل في ذلك ما يحرم صومه من أيام السنة، كالعيد وأيام التشريق، ولا ما يجب كرمضان على القول بعدم انعقاد نذر الواجب، والأقوى انعقاده فيدخل.
وتظهر الفائدة في زيادة الباعث على الفعل، وتعدّد الكفّارة بإفساده، من جهة النذر وكونه من شهر رمضان.
ومنها: لو حلف لا يأكل لحما، لم يتناول يمينه اللحم المحرم، ويمكن رجوع هذا إلى ما سبق.
وأما تخصيصه بشاهد الحال:
فيظهر فيما لو أذن مالك العقار المغصوب في الصلاة فيه على العموم أو مطلقا، فإن الغاصب لا يدخل، لشهادة الحال بأن المالك إنما يريد الانتقام من الغاصب والمؤاخذة له، لا الإذن له. وقد نصّ الأصحاب على عدم دخوله في إطلاق الإذن وعمومه.
ومنها: ما لو أوصى أو وقف على الفقراء، فإنه ينصرف إلى فقراء ملّة الموصي والواقف، لا جميع الفقراء، وإن كان جمعا معرفا مفيدا للعموم والمخصّص أيضا شاهد الحال الدال على عدم إرادة فقراء غير ملّته.(1/213)
قاعدة «77» النية: تعمم الخاصّ، وتخصّص العامّ، وتقيّد المطلق.
فهنا أقسام:
الأول: تعميم الخاصّ
، وله صور:
منها: لو قال: إن رأيتك تدخلين هذه الدار فأنت عليّ كظهر أمي، فإن أراد أن لا تدخلها بالكلية، فدخلت ولم يرها، وقع الظهار وإن كان نوى إذا رآها، لم يحنث حتى يراها تدخلها.
ومنها: لو حلف لا يدخل هذا البيت، ويريد هجران قوم، فدخل عليهم بيتا آخر، حنث، على ما ذكره بعضهم (1).
ومنها: لو حلف لا يشرب له ماء، ونوى الامتناع من جميع ماله حنث بتناول كل ما يملكه. ومثله لو حلف لا يشرب له ماء من عطش.
ومنها: لو حلف أن لا يضربه، ونوى أن لا يؤلمه، حنث بكل ما يؤلمه من خنق وعض وغيرهما على مقتضى القاعدة.
ومنها: لو حلفت المرأة أن لا تخرج في تهنئة ولا تعزية، ونوت أن لا تخرج أصلا، حنثت بخروجها لغيرهما على الظاهر.
وأما القسم الثاني:
فهو كثير جدا.
فمن مسائله: أن يقول: نسائي طوالق، ويستثني بقلبه واحدة. أو يحلف لا يسلّم على زيد، فسلّم على جماعة هو فيهم واستثناه بقلبه، بخلاف ما لو حلف على الدخول عليه، فدخل على قوم هو فيهم واستثناه.
والفرق: أن السلام المنسوب إلى الجماعة عامّ، فيدخله التخصيص،
__________
(1) المغني لابن قدامة 11: 283.(1/214)
ومثله قوله لجماعة: بعتكم، فإنه بمنزلة عقود متعددة. ومن ثم جاز للشفيع الأخذ من بعضهم دون بعض، بخلاف الدخول، فإنه فعل واحد في نفسه، فلا يقبل التخصيص.
وبهذا يظهر ضعف قول الشيخ [1] بجواز تخصيصه بالنية كالقول، استنادا إلى أن النية مؤثرة في الأفعال، لاعتبارها في العبادات، ومعظمها أفعال، فتكون مؤثرة هنا، وهذا خلاف المتنازع ولانتظام:
سلّم على العلماء إلا على قوم منهم، دون: دخل عليهم إلا على قوم منهم.
وما قيل: من أنّ الباعث على الدخول يكون هو المشخّص، قد عرفت فساده، فإن الواحد لا يقبل التخصيص، وإن تخصّص الباعث، والنزاع في الأول، لا في الثاني.
ومنها: إن لبست الثوب الفلاني فأنت عليّ كظهر أمي، ونوى به وقتا مخصوصا، فإنه يختص به، ويقبل قوله في نية ذلك، ويدين مع اللََّه بنيته.
ومنها: إذا نذر الصدقة بماله ونوى في نفسه قدرا معينا، اختصّ بما نواه ومن المطلق ما إذا قال: زوّجتك بنتي، وله بنات، ونوى واحدة معينة مع علم الزوج بالحال وتفويضه التعيين إليه.
[1] المبسوط 6: 226، قال: إذا حلف لا دخل على زيد بيتا، فدخل على عمر بيتا وزيد في ذلك البيت. فإن علمه هناك واستثناه بقلبه، فدخله معتقدا أنه داخل على عمرو دون زيد فهل يحنث أم لا؟ مبنية على أصل، وهو إذا حلف لا كلم زيدا فسلم على قوم فيهم زيد واستثناه بقلبه واعتقد أن السلام عليهم دونه فهل يصح هذا الاستثناء فلا يحنث قال قوم: يصح، وهو الأقوى عندي.(1/215)
قاعدة «78» إذا ورد دليل بلفظ عام مستقل بنفسه [1] ولكن على سبب خاص،
كقوله صلى اللََّه عليه وآله: «الخراج بالضمان» حين سئل عمن اشترى عبدا فاستعمله، ثم وجد به عيبا فرده، هل يغرم أجرته (1)؟
وكقوله صلى اللََّه عليه وآله وقد سئل عن بئر بضاعة: «خلق اللََّه الماء طهورا لا ينجسه شيء» (2) إلى آخره.
فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، عند أكثر المحققين (3)، لأنه لا منافاة بين ذكر السبب والعموم.
وذهب بعضهم إلى أنّ العبرة بخصوص السبب (4)، لأنه لو لم يكن
[1] الخطاب الّذي يرد جوابا على سؤال سائل إما أن لا يكون مستقلا بنفسه أو يكون والأول على قسمين، لأن عدم استقلاله إما أن يكون لأمر يرجع إليه كقوله صلى اللََّه عليه وآله وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر: أينقص إذا جف؟ قالوا نعم، قال: فلا إذن. وإما أن يكون لأمر يرجع إلى العادة كقوله: واللََّه لا آكل، في جواب من يقول: كل عندي، لأن هذا الجواب مستقل بنفسه، غير أن العرف اقتضى عدم استقلاله حتى صار مفتقرا إلى السبب الّذي خرج عليه، والقسم الثاني على ثلاثة أنواع، لأن الجواب إما أن يكون أخص أو مساويا أو أعم، والأعم إما أن يكون مما سئل عنه كقوله صلى اللََّه عليه وآله لما سئل عن بئر بضاعة. المحصول 1: 447.
__________
(1) سنن ابن ماجة 2: 754باب الخراج بالضمان حديث 2243، مختصر سنن أبي داود 5: 158 حديث 3365.
(2) سنن ابن ماجة 1: 174باب بئر بضاعة، سنن النسائي 1: 174باب ذكر بئر بضاعة، مختصر سنن أبي داود 1: 73حديث 61.
(3) التلويح في كشف حقائق التنقيح: 121، الذريعة 1: 308، المحصول 1: 448.
(4) الرسالة للشافعي: 556، ونقله عنه في منتهى الوصول: 79، ونقله عن مالك وأبو ثور والمزني في نهاية السؤل 2: 477.(1/216)
مخصّصا لم يكن لذكره فائدة.
وأجيب: بأن معرفة السبب من الفوائد (1).
إذا تقرر ذلك، فمن فروعها:
أنّ العرايا (2) هل تختصّ بالفقراء أم لا؟ فإن اللفظ الوارد في جوازه عام (3) وقد قالوا: إنه ورد على سبب، وهو الحاجة إلى شرائه، وليس عندهم ما يشترون به إلا التمر (4)، فذهب بعض العامة إلى اختصاصه بالفقراء لذلك (5).
وهو ضعيف، والسبب مشكوك فيه.
ومنها: إذا دعي إلى موضع فيه منكر، فحلف أن لا يحضر في ذلك الموضع فإن اليمين يستمر وإن رفع المنكر، بناء على القاعدة.
ومنها: إذا سلّم على جماعة وفيهم رئيس هو المقصود بالسلام، فهل يكفي رد غيره؟ وجهان. ويمكن إخراج هذا الفرد من القاعدة، نظرا إلى دلالة القرينة على تخصيص هذا العام بالنية، والسلام يقبل التخصيص.
قاعدة «79» إذا كان السبب عاما، واللفظ خاصا، فالعبرة أيضا باللفظ، كما تقرر.
__________
(1) التلويح في كشف حقائق التنقيح: 121، منتهى الوصول: 79، التمهيد للأسنوي: 411.
(2) العرايا وهي أن تخرص نخلات بأن رطبها إذا جفّ يكون ثلاثة أوسق مثلا فيبيعه بثلاثة أوسق من التمر.
(3) أخرج في صحيح البخاري ج 3ص 9896عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى اللََّه عليه وآله رخص في بيع العرايا بخرصها.
(4) المغني والشرح الكبير 4: 153، 186، ونقله عن الخطابي في شرح الكرماني 9: 48.
(5) حكاه عن الشافعي في أحد قوليه في المغني 4: 153.(1/217)
ومن فروعها:
ما إذا حلف لا يشرب له ماء من عطش، فإنه لا يحنث بالأكل والشرب من غير عطش. وإن كانت المنازعة بينهما والمنافرة تقتضي العموم، لأن اللفظ لا يحتمله.
قيل: وكذا إن نوى العموم، لعدم صلاحية اللفظ له (1). وفيه نظر، فإن ذلك من المجازات المشتهرة، بأن يطلق البعض ويريد الكل، أو يطلق الخاصّ ويريد العام. فالمتجه الحمل على ما نواه، وقد تقدم في بابه (2).
مسألة: الراوي لحديث عام إذا فعل فعلا يقتضي تخصيص العموم الّذي رواه،
أو أفتى بما يقتضي ذلك، فهل يؤخذ به، لكونه قد اطّلع على الحديث فلو لم يخالفه لدليل وإلا كان قدحا فيه أو لا يؤخذ بذلك، لأنه ربما خالف لما ظنه دليلا وليس بدليل؟ فيه مذهبان. وصحّح أكثر المحققين الثاني.
وفرّع عليه العامة: قتل المرأة إذا ارتدت، فإن قوله صلى اللََّه عليه وآله: «من بدّل دينه فاقتلوه» (3) يقتضي بعمومه قتلها، لكن راويه هو ابن عباس، ومذهبه أنّ المرتدة لا تقتل، بل تحبس (4)، وهو قول أصحابنا وأبي حنيفة (5). وذهب الشافعي إلى وجوب قتلها لما تقدم (6). وهذا البحث عندنا ساقط، لأن المخصّص
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 412.
(2) قاعدة 22.
(3) صحيح البخاري 9: 19كتاب الاستتابة، سنن ابن ماجة 2: 848. باب المرتد عن دينه حديث 2535، سنن النسائي 7: 104باب الحكم في المرتد.
(4) الأم 5: 167.
(5) المبسوط 8: 282، السرائر 2: 707، قواعد الأحكام: 275.
(6) الأم: 6: 159.(1/218)
عندنا من الأخبار موجود (1).
قاعدة «80» المخصّص بشيء معيّن حجة في الباقي عند المحققين، لأن كونه حجة في بعض موارده لا يتوقف على كونه حجة في البعض الآخر،
وإلا دار أو ترجح بغير مرجح، ولأن أكثر العمومات أو جميعها كذلك.
وأما إذا خرج عنه فرد غير معيّن، فلا يجوز العمل بذلك العام في شيء من الأفراد، ولا الاستدلال به عليه بلا خلاف، كما نقله جماعة، منهم الآمدي (2)، لأنه ما من فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج.
مثاله: قوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ} (3)
وربما نقل بعضهم القول بأنه يعمل به إلى أن يبقى واحد (4).
إذا علمت ذلك: فمن فروع القاعدة:
الاستثناء، فإنه من جملة المخصصات، ومع ذلك لو قال: أعتق هؤلاء إلا واحدا، صحّ، بل لو قال: له عليّ درهم إلّا شيئا، فإنه يصحّ، مع أنه مبهم من كل وجه، ثم يفسّر الشيء بما أراده.
ومنها: ما إذا وكّل شخصا في إعتاق عبيده مثلا، ثم قال: منعتك من
__________
(1) التهذيب 10: 143حديث 556، الفقيه 3: 150حديث 3548، الوسائل 18: 549أبواب حد المرتد باب 4حديث 1.
(2) الإحكام في أصول الأحكام 2: 253.
(3) الحج: 30.
(4) الإبهاج في شرح المنهاج: 138، حكاه ابن برهان كما في التمهيد: 414، واختاره في أصول السرخسي 1: 144.(1/219)
إعتاق واحد منهم، فمقتضى القاعدة امتناع عتق الجميع، إلا أن يقوم دليل على إرادة المنع من التعميم، فلا كلام فيه.
ومنها: ما إذا قال: عليّ عشرة إلا خمسة أو ستة بلفظ «أو» فقد قال بعضهم: يلزمه أربعة، لأن الدرهم الزائد مشكوك فيه، فصار كقوله: عليّ أربعة أو خمسة (1).
ويمكن أن يقال: يلزمه خمسة، لأنه أثبت عشرة واستثنى خمسة، وشككنا في استثناء الدرهم السادس.
ويقرب من هذا الباب: ما إذا اشتبهت محرمة بأجنبيات، أو إناء نجس بأواني طاهرة، أو ميتة بمذكّاة، فإن كان العدد محصورا، لم يجز أن يهجم ويأخذ ما شاء، وإن كان غير محصور، فله أن يأخذ بعضها بغير اجتهاد.
وإلى أي حد ينتهي الأخذ؟ فيه وجهان، أظهرهما: إلى أن يبقى واحد، والثاني: إلى أن ينتهي إلى عدد لو كان عليه ابتداء وهو العدد المحصور لم يجز أن يأخذ شيئا.
قاعدة «81» إذا حكم على العام بحكم، ثم أفرد منه فرد وحكم عليه بذلك الحكم بعينه في كلام آخر منفصل عن الأول،
لم يكن إفراده بذلك تخصيصا للعام، أي حكما على باقي أفراده بنقيض ذلك، وقيل: يكون تخصيصا (2).
__________
(1) المغني لابن قدامة 5: 302.
(2) نقله عن أبي ثور في منتهى الوصول: 98، والتمهيد: 416.(1/220)
ومن فروعها:
ما إذا أذنت المرأة لجماعة في التزويج، ثم أذنت فيه لواحد معين، فهل يكون منعا لغيره؟ يبنى على القولين، وأصحهما العدم.
وكذا نحوه من التوكيل في البيع وغيره.
وقد مثّله العامة بقوله صلى اللََّه عليه وآله: «أيّما إهاب دبغ فقد طهر» (1) مع قوله صلى اللََّه عليه وآله في شاة ميمونة: «هلّا أخذتم إهابها فدبغتموه؟» (2) فقال أبو ثور: التعبير بذلك الفرد يدل بمفهومه على التخصيص، فحكم باختصاص الطهارة بالدبغ بشاة ميمونة (3) وخالفه الباقون، وهذان عندنا مردودان.
قاعدة «82» إذا ذكر العام، وذكر قبله أو بعده اسم لو لم يصرّح به لدخل في العامّ،
إلا أنه حكم عليه بحكم أخص مما حكم به على بقية الأفراد الداخلة فيه، لم يدلّ ذلك على عدم دخول ذلك الفرد في العام، لعدم التنافي. وقيل: بل يقتضي عدمه (4).
ومن فروعها: ما إذا أوصى لزيد بعشرة دنانير وبثلثه للفقراء، وزيد فقير، فهل يجوز أن يعطى مع الدنانير شيء من الثلث باجتهاد الوصي لكونه فقيرا؟
فيه وجهان، مدركهما ما ذكرناه.
__________
(1) سنن النسائي 7: 173جلود الميتة، وفي صحيح مسلم 1: 352كتاب الحيض حديث 105، والموطأ 2: 498كتاب الصيد حديث 17، إذا دبغ الإهاب.
(2) صحيح مسلم 1: 350حديث 100، سنن النسائي 7: 173جلود الميتة.
(3) نقله عنه في الإحكام في أصول الأحكام 2: 359، والمحصول 1: 451.
(4) حكاه الروياني كما في التمهيد: 416.(1/221)
الباب الخامس في الإطلاق والتقييد
مقدمة: المطلق كالعام في وجوب حمله على إطلاقه في كل فرد يصح إطلاقه عليه،
إلى أن يوجد المقيد لبعضها، فإذا وجد وجب الجمع بينهما بتقييد المطلق، إعمالا للدليلين.
والفرق بينهما مع اشتراكهما في الحكم: أنّ العام هو الدال على الماهية باعتبار تعدّدها، والمطلق هو الدال عليها من حيث هي، لا بقيد وحدة ولا تعدد. ومرجعه إلى أن العام هو الماهية بشرط شيء، والمطلق الماهية لا بشرط شيء.
قاعدة «83» إذا ورد لفظ مطلق ولفظ مقيّد، فقد يختلف حكمهما، وقد يتحد.
فإن اختلف، مثل اكس ثوبا هرويّا، وأطعم طعاما، لم يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق، بمعنى أنّ الطعام لا يتقيد بالهروي، لعدم المنافاة.
واستثنى الآمدي وابن الحاجب صورة واحدة، وهي ما إذا قال: أعتق رقبة، ثم قال: لا تملك كافرة أو لا تعتقها (1)، وهو واضح.(1/222)
فإن اختلف، مثل اكس ثوبا هرويّا، وأطعم طعاما، لم يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق، بمعنى أنّ الطعام لا يتقيد بالهروي، لعدم المنافاة.
واستثنى الآمدي وابن الحاجب صورة واحدة، وهي ما إذا قال: أعتق رقبة، ثم قال: لا تملك كافرة أو لا تعتقها (1)، وهو واضح.
ولا فرق في هذا القسم وهو حالة الاختلاف بين أن يتحد سببهما ويختلف، وقيل: يجمع بينهما مع اتحاد السبب (2) كالوضوء والتيمم، فإن سببهما واحد وهو الحدث، وقد وردت اليد في التيمم مطلقة، وفي الوضوء مقيدة بالمرافق، فحمله عليه بعضهم لاتحاد السبب (3).
وإن اتحد حكمهما، نظر إن اتحد سببهما، كما لو قيل في الظهار: أعتق رقبة، وقيل فيه أيضا: أعتق رقبة مؤمنة، فلا خلاف في حمل المطلق على المقيد، حتى يتعين إعتاق المؤمنة، لأن فيه إعمالا للدليلين، لا المقيد على المطلق حتى يجزي إعتاق الكافرة، لأنه يؤدي إلى إلغاء أحدهما.
ثم اختلفوا، فصحّح جماعة أنّ هذا الحمل بيان للمطلوب، أي دالّ على أنه كان المراد من المطلق هو المقيد (4). وقيل: يكون نسخا، أي دالّا على نسخ حكم المطلق السابق بحكم المقيد الطارئ (5).
وإن لم يتحد سببهما، كإطلاق الرقبة في آية الظهار (6)، وتقييدها بالأيمان في آية القتل (7) ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن تقييد أحدهما يدل بلفظه على تقييد الآخر، لأن القرآن
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 3: 6، منتهى الوصول: 99.
(2) نقله عن أصحابه الشافعية في التمهيد: 419، ونقله الغزالي عن أكثر الشافعية كما في مسلم الثبوت 1: 361.
(3) الأم 1: 49.
(4) المعتمد 1: 289، الإحكام للآمدي 3: 7، منتهى الوصول: 99.
(5) فواتح الرحموت 1: 362، أصول السرخسي 1: 159.
(6) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا. (المجادلة: 3).
(7) ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله (النساء: 92).(1/223)
كالكلمة الواحدة. ولهذا لما قيّدت الشهادة بالعدالة مرة واحدة، وأطلقت في سائر الصور، حملنا المطلق على المقيد.
والثاني: أنه لا يجوز تقيده مطلقا، لا باللفظ ولا بالقياس، وهو الحق.
والثالث: أنه إن حصل قياس صحيح يقتضي تقييده قيّد، كالرقبة في آية الظهار والقتل. وإن لم يحصل ذلك فلا.
واعلم أنّ مقتضى كلام الرازي في المحصول (1) وصرّح به في المنتخب (2)
أنه لا فرق في حمل المطلق على المقيد حيث يحمل عليه بين الأمر والنهي، فإذا قال: لا تعتق مكاتبا، وقال أيضا: لا تعتق مكاتبا كافرا، فإنا نحمل الأول على الثاني، ويكون المنهيّ عنه هو إعتاق المكاتب الكافر.
لكن ذكر جماعة من المحققين منهم الآمدي في «الإحكام» وابن الحاجب: أنه لا خلاف في العمل بمدلولهما، والجمع بينهما في النفي، إذ لا تعذر فيه، لإمكان العمل بهما (3)، وهذا هو الحق.
وعلى هذه القاعدة يتخرج كثير من المسائل الخلافية، ويظهر بها ضعف قول كثير من الأكابر غفلوا عن تحقيق الحال في الاستدلال، إذ لم يفرّقوا بين النفي والإثبات في مدرك الحكم.
منها: ما اختلفوا فيه من اعتبار المساحات الثلاث بثلاثة مواسح، أو الاكتفاء بها بأي آلة اتفقت، ولو بواحدة تشتمل على ثلاث جهات.
فذهب الأكثر إلى الثاني، واستدلوا عليه بورود ثلاث مسحات مطلقة في أخبار، وورود ثلاثة أحجار وشبهها في أخبار، فحملوا الأحجار المتعددة على
__________
(1) المحصول 1: 457.
(2) نقله عنه في التمهيد: 419.
(3) الإحكام 3: 7، منتهى الوصول: 99.(1/224)
إرادة المسحات (1).
وهذا كما ترى واه جدا، فإن الواجب على مقتضى القاعدة حمل المسحات المطلقة على المقيدة في الأحجار وشبهها، المقتضي لتعدد الآلة، دون العكس، كما لا يخفى.
ومنها: اختلافهم في التيمم، هل يكفي مجرّد وضع اليد على الأرض، أم لا بد معه من اعتماد ما يتحقق معه اسم الضرب؟ بسبب اختلاف الأخبار في إطلاق اسم الضرب، المقتضي للاعتماد، وإطلاق الوضع، وهو لا يقتضيه، فحملوا الضرب على الوضع (2).
وهو كالسابق، فإن الوضع مطلق، والضرب مقيد والواجب حمل المطلق على المقيد، دون العكس.
ومنها: ما اختلفوا فيه من أن مورد النهي عن بيعه قبل قبضه هو ما يكال أو يوزن، أو الطعام فخصّه الأكثر بالطعام، حملا لما يكال أو يوزن عليه.
والحق أنه لا منافاة ولا تقييد هنا، لأن الحكمين منفيان، فنعمل بهما معا كما حقق في القاعدة مع أن الطعام ربما كان أعم من وجه من المكيل والموزون إن لم نخصه بالحنطة والشعير كما هو بعض معانيه في بعض الموارد الشرعية.
ومنها: ما اختلفوا فيه من أنّ النهي عن إجارة الأرض للزراعة بالحنطة والشعير، هل يختص بما يخرج منهما منها، أم يعمّ جنس ما يزرع فيها، سواء خرج منها أم لا بسبب اختلاف الأخبار المشتمل بعضها على تقييد النهي بما يخرج منها، وبعضها على إطلاقه، فحمل الأكثر المطلق منها على المقيد.
وهو غير جيد، لما عرفت من أنهما نافيان، فلا يفتقر إلى الجمع بينهما،
__________
(1) المغني والشرح الكبير 1: 149، 96، الأم 1: 22.
(2) المبسوط 1: 32، شرائع الإسلام 1: 39، قواعد الأحكام 1: 23.(1/225)
لعدم المنافاة. وقس على ما ذكرناه ما يرد عليك في هذا الباب.
هذا ما يتعلق من حيث الاستدلال، وأما ما يتفرع على القاعدة من نفس الأحكام الشرعية فهو أمور:
منها: ما إذا قال: أوصيت لزيد بهذه المائة، ثم قال: أوصيت له بمائة.
أو يعكس، فيوصي أولا بغير المعينة، ثم بالمعينة. فإنا نحمل المطلقة في المثالين على المعينة، حتى يستحق مائة فقط. كما لو أطلقهما معا، فإنه لا يستحق إلا المائة. ولو كانتا معينتين فلا إشكال.
ومنها: إذا قال من حجّ: لله عليّ أن أحج، ثم قال، لله عليّ أن أحج في هذا العام، فإنه تكفيه حجة واحدة. وفائدة النذر الثاني تعجيل ما كان له تأخيره. كما لو نذر من لم يحج أن يحج في هذا العام.
ومثله، نذر الصوم والصدقة وسائر العبادات، كذا قيل (1). وفيه نظر، لما تقرّر من أنّ فائدة التأسيس أولى من التأكيد عند الإطلاق.
ومنها: ما لو قال: لزيد عندي ألف، ثم أحضرها وقال: هذه التي أقررت (2) بها كانت عندي وديعة. وكذا لو قال: له عليّ ألف، ثم أحضر ألفا وقال: هذه له، وكنت قد تعدّيت فيها فوجب عليّ ضمانها، فإنه يقبل منه على قول.
فرع:
قال بعضهم: المراد بحمل المطلق على المقيد: إنما هو المطلق بالنسبة إلى الصفة، كما في وصف الرقبة بالإيمان، وكوصف اليد في الوضوء بكونها إلى المرفق، مع إطلاقها في التيمم. فأما المطلق بالنسبة إلى الأصل، أي المحذوف بالكلية، كالرأس والرجلين، فإنهما مذكوران في الوضوء دون التيمم،
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 422.
(2) في «د»، «م»: أردت.(1/226)
وكالإطعام فإنه مذكور في كفارة الظهار دون كفارة القتل، فإنا لا نحمله على المقيد لأن فيه إثبات أصل بغير أصل (1).
وقيل: يحمل المطلق على المقيد في الأصل أيضا، كما حمل عليه في الوصف (2).
قاعدة «84» إذا كان كل واحد من الدليلين المتعارضين مطلقا من وجه ومقيدا من آخر،
وجب تقييد كل منهما بالآخر، لاستحالة الترجيح من غير مرجح، وإعمالا لدليل وجوب الجمع بين المطلق والمقيد مطلقا.
ومن فروع القاعدة:
قوله صلى اللََّه عليه وآله: «خلق اللََّه الماء طهورا لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» (3) وقوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» (4) ونحوه من عباراته، فإن الأول مطلق من جهة المقدار، ومقيد من جهة الأوصاف، والثاني بالعكس. فيقيد الأول بما لو كان كرا، والثاني بما إذا لم يتغير في أحد أوصافه الثلاثة. ولا يخفى ما يترتب عليه من حكم الماء حينئذ، وقوة الأقوال المختلفة فيه وضعفها.
وقد تقدم الكلام على الخبرين في باب تعارض العام والخاصّ، وإنما ذكرناهما في البابين للشك في أن دلالة الماء هل هي من
__________
(1) نقله عن كتاب البحر في التمهيد: 422.
(2) تأسيس النّظر: 64، ونقله عن ابن خيران في التمهيد: 432.
(3) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 40، الوسائل 1: 101أبواب الماء المطلق باب 1حديث 9
(4) السرائر 1: 63، مستدرك الوسائل أبواب أحكام المياه ب 9حديث 6.(1/227)
باب العموم أو الإطلاق، نظرا إلى أن المفرد المعرّف هل يعم أم لا، فناسب البابين.
قاعدة «85» إذا علّق حكم بفرد غير معيّن من أفراد، ووجدنا دليلين متعارضين كل منهما يقتضي انحصار ذلك الحكم في فرد بخصوصه غير الفرد الّذي دلّ عليه الآخر،
فيتساقطان، ويستوي الفردان مع غيرهما.
وعبّر الأصوليون ومنهم الرازي في المحصول (1) عن هذه القاعدة بقولهم:
«إذا ورد تقييد المطلق بقيدين متنافيين، ولم يقم دليل على تعيين أحدهما، فإنهما يتساقطان، ويبقى أصل التخيير بينهما وبين غيرهما مما دل عليه المطلق أولا».
ومثّلوه بقوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» (2) فإنه قد ورد في رواية: «إحداهن بالتراب» رواها الدارقطني من رواية علي، ولم يضعفها (3) وذكر النوويّ في المسائل المنثورة أنه حديث ثابت (4)، وبها عمل ابن الجنيد منا (5).
وفي رواية: «أولاهن» رواها مسلم (6)، وهي الصحيحة عندنا، لكن مع
__________
(1) المحصول 1: 460.
(2) صحيح مسلم 1: 297كتاب الطهارة حديث 92، سنن ابن ماجة 1: 130حديث 363، سنن النسائي 1: 176باب سؤر الكلب.
(3) سنن الدارقطني 1: 65، وفيه: إحداهن بالبطحاء.
(4) نقله عنه في التمهيد: 424.
(5) نقله عنه الشهيد في القواعد: 96.
(6) صحيح مسلم 1: 296كتاب الطهارة حديث 91.(1/228)
ثلاث خاصة (1).
وفي أخرى: «السابعة بالتراب» رواها أبو داود (2) وهو معنى ما رواه مسلم «وعفّروه الثامنة بالتراب»، (3) قالوا: وأنما سمّيت ثامنة لأجل استعمال التراب معها (4). فلما كان القيدان متنافيين تساقطا ورجعنا إلى الإطلاق الوارد في رواية «إحداهنّ».
وجعل بعضهم سقوط التقييد بالنسبة إلى تعيين الأولى والسابعة خاصة، لأنهما لما تعارضا، ولم يكن أحد القيدين أولى من الآخر، تساقطا، وبقي التخيير فيما حصل فيه التعارض لا في غيره، وحينئذ فلا يجوز التعفير فيما عداهما، لاتفاق القيدين على نفيه (5).
ويؤيّده: ما رواه الدارقطني بإسناد صححه «أولاهنّ أو أخراهنّ» (6)
بصيغة «أو» وبهذا عمل الشافعي فيما نقل عنه (7) والمشهور بين أصحابه خلافه، وأن التخيير في الجميع، عملا بإطلاق القاعدة (8).
ومن فروع القاعدة الشرعية:
ما لو استأجره رجلان للحج عنهما، فأحرم عنهما معا، فإنه لا ينعقد عن واحد منهما، لأن الجمع بينهما متعذر، فلغا القيدان.
ولا فرق بين كون الإجارة في الذّمّة وعلى العين، لأنه وإن كانت إحدى
__________
(1) الخلاف 1: 176، القواعد والفوائد: 96.
(2) سنن أبي داود 1: 19.
(3) صحيح مسلم 1: 297كتاب الطهارة حديث 93.
(4) التجريد لنفع العبيد 1: 104، المجموع للنووي 2: 588.
(5) الأم 1: 6، التمهيد: 424.
(6) سنن الدارقطني 1: 65.
(7) الأم 1: 6، ونقله عن مختصر البويطي في التمهيد: 424.
(8) المجموع 2: 586.(1/229)
إجارتي العين فاسدة، إلا أنّ الإحرام عن غيره لا يتوقف على صحة الإجارة.
ومنها: ما إذا تعارضت البينتان في مال، فإنهما تتساقطان، سواء كان في أيديهما أم خارجا عنهما إذا كانتا مطلقتين، أو مؤرختين بتأريخ واحد، أو إحداهما مؤرخة والأخرى مطلقة ولكن يقسّم بينهما إن كان في أيديهما، وهو أمر آخر كما أنه لو كان في يد أحدهما قدّم على أحد القولين، أو الخارج على الآخر (1).
ومنها: إذا تعارض المني والحيض في الخنثى، بأن حاض بفرج النساء، وأمنى من فرج الرّجال، فلا يحكم بكونه ذكرا ولا أنثى، للتعارض.
ولكن يكون بلوغا على الأقوى، لتحققه على التقديرين. وقيل: لا، للتعارض (2). وجوابه: أنهما متفقان على البلوغ، والتعارض إنما وقع في الذكورة والأنوثة.
فائدة: ما ذكر في المسألة السابقة محلّه إذا أطلقت الصورة الواحدة،
ثم قيّدت تلك الصورة بعينها بقيدين متنافيين كما تقدم تمثيله، فأما إذا وقع ذلك في الجنس الواحد، كتقييد صوم الظهار بالتتابع، حيث قال تعالى {فَصِيََامُ شَهْرَيْنِ مُتَتََابِعَيْنِ} (3) وتقييد صوم التمتع بالتفرقة، حيث قال تعالى {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ} (4) مع إطلاق الصوم في كفارة اليمين، حيث
__________
(1) أي: على القول الآخر من القولين.
(2) حكاه في التمهيد: 427.
(3) النساء: 92.
(4) البقرة: 196.(1/230)
قال {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ} (1) فيجب بقاء المطلق على إطلاقه من هذه الجهة، لأنه ليس حمله على أحدهما بأولى من حمله على الآخر. ويجب أيضا بقاء كل واحد من المقيدين على تقييده.
__________
(1) المائدة: 89.(1/231)
الباب السادس في المجمل والمبين
مقدمة: المجمل: ماله دلالة غير واضحة، سواء كان لفظا أو فعلا.
واللفظ يكون مفردا مترددا في معانيه بالأصالة، ك «القرء» المشترك بين الطهر والحيض وبالإعلال ك «المختار» المتردد بين أن يكون صيغة الفاعل أو المفعول ومركبا، نحو {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} (1) لتردده بين الزوج والولي.
والإجمال إما حال استعماله في موضوعه، كالمشترك المحتمل لمعانيه، والمتواطئ المحتمل لكل فرد من جزئياته أو أجزائه عند الأمر بأحدها، مثل {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} (2).
أو حال استعماله في بعض موضوعه، كالعام المخصص بالمجمل، مثل {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوََالِكُمْ مُحْصِنِينَ} (3) حيث قيّد بالإحصان المجهول. وقوله تعالى:
__________
(1) البقرة: 237.
(2) الأنعام: 141.
(3) النساء: 24.(1/232)
{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ} (1) ونحو ذلك.
والمبيّن: ما اتضح المراد منه نصا أو ظهورا.
ويتحقق الإجمال في الفعل حيث يتجرّد عن الوجه، كما إذا صلى النبي صلى اللََّه عليه وآله صلاة لا يعلم أنها مندوبة أو واجبة، فهو مجمل، إلا أن يقترن به ما يدل على الوجه.
قاعدة «86» لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة عند كل من منع تكليف ما لا يطاق.
وذهب أكثر الأصوليين إلى «جواز تأخيره عن وقت الخطاب» (2).
وقالت المعتزلة: لا يجوز مطلقا (3).
وقال جماعة: إن كان مشتركا جاز، وإلا فلا، إلا إذا اقترن به بيان إجمالي، كقوله: إن هذا العام مخصوص، وإن المراد باللفظ مجازه لا حقيقته، وبالمطلق أو النكرة فرد معين، ونحو ذلك لأن ترك البيان الإجمالي يوقع في المحذور (4).
ثم بيان المجمل يقتضي أنّ المراد من ذلك المجمل وقت إطلاقه، هو ما دلّ عليه المبيّن، وإلا لم يكن بيانا له.
إذا تقرر ذلك فللقاعدة فروع شرعية:
منها: ما إذا قال: له عليّ عشرة إلا ثوبا، ثم فسّر الثوب بما لا تستغرق
__________
(1) الحج: 30.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 363، الإحكام في أصول الأحكام 3: 36.
(3) المحصول 1: 478.
(4) المحصول 1: 478.(1/233)
القيمة العشرة، فإنه يقبل، ولو استغرقت لم يقبل الاستثناء.
وقيل: يبطل التفسير خاصة، ويفسّره بغير هذا المقدار مما لا يستغرق (1).
ومنها: إذا قال لعبديه: أحدكما حر، ولم ينو معينا، فإنا نأمره بالتعيين، فإذا عيّن كان ابتداء وقوعه عند الإيقاع (على) (2) الصحيح، لما ذكرناه. وقيل:
عند التعيين (3).
ومثله إذا قال لزوجتيه: إحداكما طالق، وتبنى عليه العدة.
وفرّع عليه العامة: ما إذا قال لها: أنت طالق ثلاثا إلا طلاقا، أعني باستثناء المصدر، فإنه يصح عندهم، ويؤمر بالتفسير. فإن فسّره بواحدة أو اثنتين قبل، وإن فسّره بثلاث ففي بطلان الاستثناء أو التفسير خاصة ما سبق في مسألة الثوب. ومثله ما لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا شيئا.
وهذا التفريع عندنا ساقط، لعدم صحة الزيادة على الواحد مطلقا.
مسألة: اختلف الأصوليون في آية السرقة،
وهي قوله تعالى {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (4) هل هي مجملة أم لا؟ فذهب جماعة إلى أنها مجملة (5)، لأن اليد تحتمل الكل والبعض، إما إلى المرفق، أو إلى الكوع (6)، ولكن بيّنتها السنة.
وقال الأكثرون: لا إجمال فيها، بل اليد حقيقة في جميعها، وهي من
__________
(1) قواعد الأحكام: 284.
(2) ليس في «د»، «م».
(3) جعله أحد القولين في الإيضاح 3: 466.
(4) المائدة: 38.
(5) كنز العرفان 2: 349.
(6) الكوع: طرف الزند الّذي يلي الإبهام المصباح المنير: 544. (كوع)(1/234)
رءوس الأصابع إلى المنكب، ولكنها تطلق على البعض مجازا (1). وهو خير من الاشتراك.
إذا تقرّر ذلك فيتفرع على المسألة:
ما إذا قال لزوجته: إن دخلت الدار فيمينك علي كظهر أمي، فقطعت يمينها ثم دخلت الدار، فهل يقع الظهار على القول بصحته لو لم تقطع؟
وجهان مبنيان على أنه على تقدير وقوعه هل هو من باب السراية، أي يقع على الجزء ثم يسري، أو من باب التعبير بالبعض عن الكل؟ المتّجه الثاني.
وعليه فيقع الظهار هنا، لبقاء متعلقة دون الأول، لزوال المتبوع، وامتناع تعلقه بالتابع بدونه.
ولو قطعت يدها من الكوع مثلا، فإن قلنا: إنّ اليد حقيقة في الكل اتّجه وقوعه على التقديرين. وقال بعض العامة: لا يقع هنا (2) ولو عبّر باليد تعلّق الحكم باليد الباقية.
__________
(1) منهم الرازي في المحصول 1: 471، والبصري في المعتمد 1: 310.
(2) التمهيد: 433.(1/235)
الباب السابع في الأفعال
قاعدة «87» فعل النبي صلى اللََّه عليه وآله حجة، كما أنّ قوله حجة،
إذا لم يكن من الأفعال الطبيعية، كالقيام والقعود والأكل والنوم والحركة والسكون وكذا ما ثبت تخصيصه به صلى اللََّه عليه وآله، كالوصال والزيادة على الأربع في النكاح الدائم.
وإذا أمكن حمل فعله صلى اللََّه عليه وآله على العبادة أو العادة، ففي حمله على العادة لأصالة عدم التشريع أو العبادة، لأنه صلى اللََّه عليه وآله بعث لبيان الشرعيات، خلاف.
ويتفرع عليه أمور:
منها: جلسة الاستراحة، وهي ثابتة من فعله صلى اللََّه عليه وآله (1). وزعم بعض العامة أنه إنما فعلها بعد أن بدن وحمل اللحم، فجعلها للجبلّة (2).
وقد ثبت عندنا أنها عبادة.
__________
(1) صحيح البخاري 1: 209باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام، صحيح مسلم 1: 449كتاب الصلاة حديث 240، سنن النسائي 2: 234باب الاعتماد على الأرض عند النهوض.
(2) المغني لابن قدامة 1: 567.(1/236)
ومنها: دخوله صلى اللََّه عليه وآله مكة من «ثنية كداء» بفتح أوله مع المد، وهي الثنية العليا بها، مما يلي المقابر وهي «المعلّى» وخروجه من «ثنية كدا» بالضم والقصر، الثنية السفلى مما يلي باب العمرة (1) فهل ذلك لأنه صادف طريقه، أو لأنه سنة؟ وتظهر الفائدة في استحبابه لكل داخل.
ومنها: نزوله «بالمحصّب» لما نفر في الأخير (2)، وتعريسه لما بلغ «ذا الحليفة» (3) وذهابه في العيد بطريق وعوده بآخر (4). وعندنا ذلك كله محمول على الشرعي، لعموم أدلة التأسي.
قاعدة «88» ما كان من الأفعال ممنوعا لو لم يكن واجبا، فإذا فعله الرسول صلى اللََّه عليه وآله فإنا نستدل بفعله على وجوبه.
وذلك كالقيام والركوع الزائدين في الكسوف، فإن الزيادة عمدا في الصلاة مبطلة في غيره، فمشروعية جوازهما دليل على وجوبهما، كذا ذكره في المحصول ومن تبعه (5).
ومن فروعها أيضا:
وجوب الختان لما ذكرناه في الذّكر دون الأنثى، بل هو فيها سنة، هذا في الواضح. وأما الخنثى المشكل ففي وجوب ختانه توصلا إلى الواجب، أم لا، لأن فيه قطع عضو يمنع قطعه مع عدم ثبوت
__________
(1) صحيح البخاري 2: 178.
(2) صحيح البخاري 2: 221، صحيح مسلم 3: 124كتاب الحج حديث 345337.
(3) صحيح البخاري 2: 170، صحيح مسلم 3: 154كتاب الحج حديث 434430.
(4) صحيح البخاري 2: 29.
(5) المحصول 1: 515.(1/237)
مجوّزة، وجهان.
ومنها: سجود السهو في الصلاة لو قلنا به.
قاعدة «89» ما فعله صلى اللََّه عليه وآله يمكن فيه مشاركة الإمام دون غيره،
فالظاهر عندنا أنه على الإمام، كما كان صلى اللََّه عليه وآله يقضي الديون عن الموتى لكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم (1)، وهذا حاصل في الإمام. والمروي عندنا «أن على الإمام أن يقضي عنهم» (2).
ولما أقرّ النبي صلى اللََّه عليه وآله أهل خيبر على الذّمّة قال: «أقركم ما أقركم اللََّه» (3)
وذلك جائز أيضا للإمام. وقيل بالمنع، لأن المعنى الّذي فعله صلى اللََّه عليه وآله لأجله هو انتظار الوحي، وهو لا يمكن في حق الإمام (4).
مسألة: كل فعل ظهر فيه قصد القربة، ولم يعلم وجوبه،
اختلف فيه هل هو على الوجوب في حقنا أم الندب لظاهر الأمر بالتأسي به صلى اللََّه عليه وآله الشامل لذلك، وكذلك الأمر باتّباعه، والأخذ بما أتى، والانتهاء عما نهى، وغير ذلك.
__________
(1) صحيح مسلم 3: 429كتاب الفرائض حديث 14، سنن ابن ماجة 2: 807حديث 2415، 2416.
(2) الكافي 5: 94باب الدين حديث 7، الوسائل 13: 92أبواب الدين والقرض باب 9 حديث 4.
(3) الموطأ 2: 703كتاب المساقاة حديث 1، عوالي اللئالي 1: 401حديث 57.
(4) حكاه في القواعد والفوائد: 96.(1/238)
ويظهر أثر ذلك في مواضع:
منها: الموالاة في الطهارات غير الغسل، وفي الطواف، وخطبة الجمعة والعيد، والقيام في الخطبة، والمبيت بمزدلفة. ولكن ذلك صحّ عندنا وجوبه وإن لم تثبت القاعدة.
فائدة: لو تعارض فعله صلى اللََّه عليه وآله وقوله،
كما نقل «أنه صلى اللََّه عليه وآله قام للجنازة وأمر به ثم قعد» (1) فالثاني ناسخ للأول. وهذا من التفريع على القاعدة، وحيث يستفاد منه حيث تثبت.
مسألة: شرع من قبلنا إذا ثبت بطريق صحيح
كقوله تعالى {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (2)، الآية ولم يرد عليه ناسخ، هل يكون شرعا لنا؟ قولان للأصوليين، جزم بالعدم الآمدي والرازي ومختصر وكلامه (3)، واختار جماعة ثبوته (4).
وفروعه كثيرة:
منها: ما لو حلف ليضربنّ زيدا مثلا مائة خشبة، فضربه بالعثكال ونحوه، فإنه يبرأ على القول بثبوته، لقوله تعالى لأيوب لما حلف ليضربنّ زوجته ذلك {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ} (5) والضغث: هو
__________
(1) صحيح البخاري 2: 107باب من قام لجنازة يهودي، سنن النسائي 4: 47باب الرخصة في ترك القيام، سنن ابن ماجة 1: 492حديث 1543.
(2) المائدة: 45.
(3) الإحكام 4: 147، المحصول 1: 518.
(4) فواتح الرحموت 2: 184.
(5) ص: 44.(1/239)
الشماريخ القائمة على الساق الواحد، وهو المسمى بالعثكال (1).
وهذا الحكم مروي عندنا في اليمين بشروط خاصة (2). وفي الحدود كذلك (3) لا مطلقا.
ومنها: احتجاج بعض الأصحاب على أرجحية العبادة على التزويج حيث لا تتوق النّفس إليه، استنادا إلى مدح اللََّه تعالى يحيى بكونه {سَيِّداً وَحَصُوراً} (4).
ومنها: الاحتجاج على صحة كون عوض الجعالة مجهولا بقوله تعالى {وَلِمَنْ جََاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} (5) مع أنّ حمل البعير غير معلوم المقدار، لاختلافه بالزيادة والنقيصة. ويمكن الاحتجاج أيضا على مشروعية أصل الجعالة بالآية المذكورة.
ومنها: الاحتجاج على صحة ضمان (مال) (6) الجعالة قبل العمل، بقوله تعالى {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (7) أي ضامن للحمل، وهو ضمان واقع قبل العمل.
ومنها: الحكم باشتراط الإخلاص في العبادة، وبطلان عبادة الرياء، لقوله تعالى {وَمََا أُمِرُوا إِلََّا لِيَعْبُدُوا اللََّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (8) فإنه حكاية عن
__________
(1) لاحظ المصباح المنير: 362. (ضغث)
(2) نقله عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى في الوسائل 16: 206أبواب الأيمان ب 38ح 2.
(3) التهذيب 10: 32حديث 109107، الاستبصار 4: 211حديث 786، 787، الوسائل 18: 320كتاب الحدود والتعزيرات باب 13حديث 1، 5، 7، 9.
(4) آل عمران: 39.
(5) يوسف: 72.
(6) في «د»: ما في.
(7) يوسف: 72.
(8) البينة: 5.(1/240)
أهل الكتاب، فيتوقف ثبوته في حقنا على استمرار حكمه. وربما قيل هنا بثبوت الحكم وإن لم تثبت القاعدة، لتعقبه بقوله {وَذََلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
فقد قيل في تفسيره: إن المراد بها الثابتة في جهة الصواب بحيث لم تنسخ.
فائدة تصرّف النبي صلى اللََّه عليه وآله فعلا وقولا: تارة بالتبليغ،
وهو الفتوى وتارة بالإمامة، كالجهاد والتصرّف في بيت المال وتارة بالقضاء، كفصل الخصومة بين المتداعيين بالبينة أو اليمين أو الإقرار. وكل تصرف في العبادة فإنه من باب التبليغ.
وقد ورد التردد في مواضع بين القضاء والتبليغ:
منها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» (1) فقيل: تبليغ وإفتاء، فيجوز الإحياء لكل أحد، وإن لم يأذن له الإمام (2).
وقيل: تصرّف بالإمامة، فلا يجوز الإحياء إلا بإذن الإمام، وهو قول أكثر الأصحاب (3).
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين قالت له: إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني، فقال لها صلى الله عليه وآله: «خذي لك ولولدك
__________
(1) صحيح البخاري 3: 139كتاب الحرث، مختصر سنن أبي داود 4: 265باب في إحياء الموات، الموطأ 2: 743كتاب الأقضية حديث 26، وفي الكافي 5: 279باب في إحياء أرض الموات حديث 4، التهذيب 7: 152حديث 673، والاستبصار 3: 108حديث 382، الوسائل 17: 327، كتاب إحياء الموات باب 1حديث 5، مواتا بدل ميتة.
(2) الشرح الكبير 6: 151، ونقله عن الشافعي وأبي يوسف ومحمد، شرح الكرماني 10: 159 كتاب الحرث، معالم السنن 4: 265.
(3) المبسوط 3: 270، 295، شرائع الإسلام 3: 791، قواعد الأحكام 1: 219، تحرير الأحكام: 129.(1/241)
ما يكفيك بالمعروف» (1) فقيل: إفتاء، فتجوز المقاصّة للمسلّط بإذن الحاكم وبغير إذنه (2). وقيل: تصرف بالقضاء، فلا يجوز الأخذ إلا بقضاء قاض (3).
وأغلبية تصرّفه بالتبليغ يرجّح الأول، ترجيحا للغالب على النادر. ويشترط (4) إذنه في الإحياء بدليل خارج على تقدير ترجيح هذا الغالب.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «من قتل قتيلا فله سلبه» (5) فقيل: فتوى، فيعمّ، وهو قول ابن الجنيد (6).
وقيل: تصرّف بالإمامة، فيتوقف على إذن الإمام (7).
وهو أقوى هنا، لأن القصة في بعض الحروب، فهي مختصة بها.
ولأن الأصل في الغنيمة أن تكون للغانم، لقوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} (8) الآية، فخروج السلب منه ينافي ظاهرها.
ولأنه كان يؤدي إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره،
__________
(1) صحيح مسلم 3: 549كتاب الأقضية باب 4حديث 7 «بتفاوت يسير»، سنن ابن ماجة 2:
769 - حديث 2293، عوالي اللئالي 1: 403حديث 59.
(2) المغني لابن قدامة 9: 245، شرح مسلم (إرشاد الساري) 7: 263.
(3) جعله أحد وجهي أصحابه في شرح مسلم (إرشاد الساري) 7: 263.
(4) في «ح»: واشتراط.
(5) صحيح البخاري 6: 112باب فرض الخمس، صحيح مسلم 4: 21كتاب الجهاد والسير حديث 41، سنن ابن ماجة 2: 947حديث 2838، الموطأ 2: 454كتاب الجهاد حديث 18، 19.
(6) نقله عنه في تحرير الأحكام 1: 144.
(7) شرائع الإسلام 1: 249، الشرح الكبير لابن قدامة 10: 453.
(8) الأنفال: 41.(1/242)
فيختل نظام المجاهدة.
ولأنه ربما أفسد الإخلاص المقصود من الجهاد.
ولا يعارض بالاشتراط، لأن ذلك إنما يكون عند مصلحة غالبة على هذه العوارض.(1/243)
الباب الثامن في الأخبار
مقدمة: المركّب التام وهو المفيد فائدة يحسن السكوت عليها
إن احتمل التصديق والتكذيب فهو: الخبر، والقضية، والقول الجازم.
وإن لم يحتملهما، فهو الإنشاء، وهو جنس للأمر، والنهي، والقسم، والتمنّي، والترجي، والعرض، والدعاء، والنداء. وقد ظهر الفرق بينه وبين الخبر من التقسيم.
ويفرّق بينهما أيضا: بأن الإنشاء يوجد مدلوله في نفس الأمر، والخبر تقرير لا إيجاد وأنّ الإنشاء سبب لمدلوله، والخبر ليس كذلك. ويلزمه أن يتبعه مدلوله، بخلاف الخبر، فإنه تابع لمدلوله، بمعنى أنه تابع لتقرره في زمانه، ماضيا كان أم حاضرا أم مستقبلا لا أنه تابع لمخبره في وجوده، وإلا لم يصدق إلا في الماضي، فإن الحاضر مقارن، فهو مساو في الوجود، والمستقبل وجوده بعد الخبر، فكان متبوعا لا تابعا.
ثم الخبر يكفي فيه الوضع الأصلي، والإنشاء قد يكون منقولا عن وضعه كما في صيغ العقود والإيقاعات، فإن الصحيح أنها منقولة عن الخبر إلى الإنشاء، لئلا يلزم الكذب، أو توقف كل صيغة على أخرى فيتسلسل.
وقال بعض الأصوليين: هي إخبار عن الوضع اللغوي، والشرع مقدم مدلولاتها قبل النطق بها بآن، لضرورة صدق المتكلم بها، والإضمار أولى من النقل. وهو مع ندوره تكلّف.(1/244)
ثم الخبر يكفي فيه الوضع الأصلي، والإنشاء قد يكون منقولا عن وضعه كما في صيغ العقود والإيقاعات، فإن الصحيح أنها منقولة عن الخبر إلى الإنشاء، لئلا يلزم الكذب، أو توقف كل صيغة على أخرى فيتسلسل.
وقال بعض الأصوليين: هي إخبار عن الوضع اللغوي، والشرع مقدم مدلولاتها قبل النطق بها بآن، لضرورة صدق المتكلم بها، والإضمار أولى من النقل. وهو مع ندوره تكلّف.
قاعدة «90» الخبر كما عرفت هو الكلام الّذي يحتمل التصديق والتكذيب،
كقولنا: قام زيد، ولم يقم.
وإنما عدلنا عن الصدق والكذب إلى ما ذكرناه، لأن الصدق مطابقة الخبر للواقع، والكذب عدم مطابقته، ونحن نجد من الأخبار ما لا يحتمل الكذب، كخبر اللََّه تعالى وخبر رسوله، وقولنا: محمد رسول اللََّه وما لا يحتمل الصدق، كقول القائل: مسيلمة رسول اللََّه، مع أن كل ذلك يحتمل التصديق والتكذيب، لأن التصديق هو كونه يصح من جهة اللغة أن يقال لقائله: صدق، وكذلك التكذيب. وقد وقع ذلك، فالمؤمن صدّق خبر اللََّه وخبر رسوله وكذّب مسيلمة، والكافر بالعكس مع أن التعبير بالصدق والكذب يحتمل التأويل أيضا بكونه يحتملهما باعتبار شخص ما، ولو كان سوفسطائيا، أو أنه يحتمله بحسب نوعه، أو باعتبار أنه ثبوت شيء لشيء مع قطع النّظر عن مخبره، وغيره من الأحوال الخارجة عنه، ونحو ذلك.
إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لزوجاته: من أخبرتني بقدوم زيد فهي عليّ كظهر أمي، فأخبرته إحداهن بذلك كاذبة، وقع الظهار.
ومنها: وهو مشكل على القاعدة ما لو قال: من أخبرني بموت زيد أو
بقدومه فله علي كذا، على وجه الجعالة أو النذر، فأخبره مخبر بذلك كاذبا، فمقتضى القاعدة اللزوم.(1/245)
ومنها: وهو مشكل على القاعدة ما لو قال: من أخبرني بموت زيد أو
بقدومه فله علي كذا، على وجه الجعالة أو النذر، فأخبره مخبر بذلك كاذبا، فمقتضى القاعدة اللزوم.
ولكن يشكل بأن ظاهر حاله إرادة الخبر الصادق، ليترتب عليه سروره وحصول غرضه، وهو لا يحصل بالكاذب.
والأمر في النذر سهل، لأنه يتخصّص بالنية والقصد، أما الجعالة فيتعارض فيها الأصل والظاهر.
ومنها: ما أطلقوه وهو مشكل على القاعدة أيضا ما إذا قال: إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها فأنت علي كظهر أمي، ولم يقصد معرفة الّذي فيها على التمييز، قالوا: فالخلاص أن تذكر عددا تعلم أن الرمانة لا تنقص عنه، ثم تزيد واحدا فواحدا، حتى تبلغ ما تعلم أنها لا تزيد عليه.
وعلى القاعدة لا يفتقر إلى ذلك، بل يكفي في تخلّصها إخبارها بأي شيء اتفق، لأن غايته أن يكون كذبا، والخبر يصدق مع الكذب.
ومنها: ما لو قال لثلاث: من لم تخبرني بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة فهي عليّ كظهر أمي، فقالت واحدة: سبع عشرة، وأخرى: خمس عشرة، وثالثة: إحدى عشرة، تخلّصن عن تعليقه، لأن الأول المعروف، والثاني ليوم الجمعة، والثالث للمسافر، كذا قال جماعة من الفضلاء (1). وفيه ما سبق.
وإنما يتمّان لو أراد الخبر المطابق، لا مطلق الخبر، ولعلّهم أرادوا ذلك، بقرينة ما اعتبروه في الجواب، وإلا لكفى في التخلص إخبارهن بأيّ عدد اتفق.
وقد تقدّم في هذا المثال بحث في باب المفرد المضاف والمحلى فراجعه ثمّ (2).
__________
(1) التمهيد: 444.
(2) قاعدة 56.(1/246)
قاعدة «91» المحققون على أنّ الخبر إما صدق أو كذب، والصدق هو المطابق للواقع، والكذب غير المطابق.
وجعل الجاحظ بينهما واسطة، فقال: الصدق هو المطابق مع اعتقاد كونه مطابقا، والكذب هو الّذي لا يكون مطابقا مع اعتقاد عدم المطابقة فأما الّذي ليس معه اعتقاد فإنه لا يوصف بصدق ولا كذب، مطابقا كان أم غير مطابق (1).
فالقسمة عنده ثلاثية.
واستند في ذلك إلى قوله تعالى {أَفْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} (2)
حيث حصر المشركون دعوى النبي صلى اللََّه عليه وآله للرسالة في الافتراء والإخبار حال الجنون، بمعنى امتناع الخلو، وليس إخباره حال الجنون كذبا، لجعلهم الافتراء في مقابلته، ولا صدقا، لأنهم لم يعتقدوا صدقه، فيكون قسما ثالثا.
وأجيب: بأن الافتراء هو الكذب عن عمد، فهو نوع من الكذب، فلا يمتنع أن يكون الإخبار حال الجنون كذبا أيضا، لجواز أن يكون نوعا آخر من الكذب، وهو الكذب لا عن عمد، فيكون التقسيم للخبر الكاذب أو للخبر مطلقا، والمعنى: أفترى أم لم يفتر، وعبّر عن الثاني بقوله {أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} لأن المجنون لا افتراء له.
إذا عرفت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما لو قال: إن شهد شاهدان بأن عليّ كذا فهما صادقان، فإنه يلزمه الآن
__________
(1) نقله عنه الآمدي في الأحكام 2: 17.
(2) سبأ: 8.(1/247)
على القولين معا، لأنا قد قررنا أنّ الصدق هو المطابق للواقع، وإذا كان مطابقا على تقدير الشهادة لزم أن يكون ذلك عليه، لأنه يصدق كلما لم يكن ذلك على تقدير الشهادة، لم يكونا صادقين، لكنه قد حكم بصدقهما على تقديرها، فيكون ذلك عليه الآن.
ومثله لو قال: إن شهد عليّ شاهد، إلى آخره.
وليس كذلك لو قال: إن شهد فلان عليّ بكذا فهو صادق. وإن صدق الدليل المذكور، لأن الشخص المعيّن يجري عليه عرفا ما لا يجري على الشاهد مطلقا، لجواز أن يعتقد المقرّ استحالة شهادته بذلك لاعتقاده صدقه، وأنه بريء من المذكور.
ومثل ذلك في المحاورات واقع كثيرا، يقول أحدهم: إن شهد فلان أني لست لأبي فهو صادق، ولا يريد به صدقه في هذا الخبر، بل استحالة نطقه بالخبر، لاعتقاده صدقه.
وهذا لا يجري في مطلق الشاهدين، بل الشاهد الواحد المطلق، لأن الإنسان لا يعتقد في جميع الشهود أنهم لا يشهدون إلا صدقا، وإنما يجري في المعيّن.
قاعدة «92» الخبر المحفوف بالقرائن يفيد العلم، وإن لم يفده بدونها،
كمن يخبر عن مرضه عند الحكيم، ونبضه ولونه يدلان عليه. وكذا من يخبر عن موت أحد والنياح والصياح في بيته، وكنّا عالمين بمرضه. وأمثال ذلك كثير.
وهل الإفادة من القرائن، أو منها ومن الأخبار؟ وجهان.
وتظهر الفائدة: فيما لو دلّت القرائن على شيء من غير خبر، ولعل الأول أظهر.
ومن فروع القاعدة:(1/248)
وتظهر الفائدة: فيما لو دلّت القرائن على شيء من غير خبر، ولعل الأول أظهر.
ومن فروع القاعدة:
جواز أكل الضيف بتقديم الطعام من غير إذن، والتصرف في الهدية من غير لفظ، والشهادة بالإعسار عند صبره على الجوع والعري في الخلوة، والقبول من الصبي المميز في الهدية، وفتح الباب.
وفي رجوع بعض هذه إلى القاعدة نظر، لأنها إنما تستفاد من الظن الغالب لا العلم.
وقد اختلف الأصوليون والمحدّثون في قبول خبر الصبي الّذي لم يجرّب عليه كذب. والأصح عندهم عدم القبول، إلا أن تحتف به القرائن كما ذكر، أو يكون ذا يد على ما يخبر بطهارته أو تنجيسه، أو يخبر بأن مثل هذا المرض يبيح التيمم أو الفطر، أو مخوّف يقتضي كون التصرفات من الثلث على القول بأنه الضابط، فيقبل من حيث إنّ ضابط ذلك الظن الغالب كيف اتفق، وأن ذا اليد قوله مقبول فيما في يده كذلك.
ومن هذا الباب إخبار غير العدل من المكلّفين بما ذكر؟ لأن شرط المخبر العدالة، كما يشترط فيه البلوغ والعقل ولكن هذه الموارد خرجت بدليل آخر.(1/249)
المقصد الثالث في الإجماع
وهو اتفاق المجتهدين من أمة النبي صلى اللََّه عليه وآله على حكم، وهو حجة عند العلماء إلا من شذ.
واختلفوا في مدرك حجيته، فالجمهور على أنه للآية [1] والرواية [2]، والخاصة على أنه دخول المعصوم فيهم.
وتظهر الفائدة فيما لو خالف غيره من المجتهدين، فإنه لا يقدح في حجية ما وافق هو عليه عند الخاصة، لأن العبرة بقوله لكن يصدق معه أن الإجماع حجة وإن لم يكن من حيث هو إجماع.
ومن هنا نسب بعضهم إلينا القول بأن الإجماع ليس بحجة (1)
[1] وهي قوله تعالى: ({وَمَنْ يُشََاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مََا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ََ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}) النساء: 115، وقوله تعالى: ({وَكَذََلِكَ جَعَلْنََاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ}).
البقرة: 143.
[2] الروايات التي تمسكوا بها كثيرة منها «أمتي لا تجتمع على خطأ»، و «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللََّه حسن» و «لا تجتمع أمتي على ضلالة»، و «يد اللََّه مع الجماعة»، و «سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على الضلالة فأعطيتها»، وغيرها.
__________
(1) منهم الرازي في المحصول 2: 8، وصاحبا مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت 2: 213، المطبوع مع المستصفى للغزالي.(1/251)
وليس بصحيح، وإنما الاختلاف في الحقيقة.
وعند الجمهور تقدح مخالفة غير النادر، واختلفوا فيه على أقوال محرّرة في الأصول.
وفرّع أصحابنا على ما وجّهوه من حجية الإجماع كون إجماعهم خاصة حجة مع عدم تمييز المعصوم فيهم بعينه.
وعليه لو قدّر مخالفة واحد أو ألف معروفي النسب فلا عبرة بهم. ولو كانوا غير معروفين قدح ذلك في الإجماع. وفي هذا كله عندي نظر قد حققته في محل مفرد.
ولا يخفى ما يتفرع عليه في تضاعيف الفقه من المسائل الخلافية، وهي أكثر من أن تحصى، بل هذا من أهم الأصول التي تبتني عليها الأحكام.
وكلامهم فيه غير منقّح، ومذاهبهم فيه مختلفة جدا لمن استقرأ كلامهم.
قاعدة «93» إذا قال بعض المجتهدين قولا وعرف به الباقون فسكتوا عنه ولم ينكروا عليه،
فالحق عندنا أنه لا يكون حجة ولا إجماعا لأن السكوت أعم من الرضا به، وجاز أن يكون سكوته لتوقفه في المسألة، أو ذهابه إلى تصويب كل مجتهد، أو الخوف، أو غيرها. ومن وجيز العبارة قولهم: لا ينسب إلى ساكت قول (1).
وفي المسألة للأصوليين مذاهب:
منها: أن يكون حجة وإجماعا مطلقا (2).
__________
(1) حكاه عن الشافعي في المستصفى 1: 191، والمحصول 2: 75.
(2) نقله عن الجبائي في المحصول 2: 74.(1/252)
ومنها: أنه حجة لا إجماع، لأن الظاهر الموافقة. اختاره الآمدي ووافقه ابن الحاجب في المختصر الكبير (1). وأما في المختصر الصغير فإنه جعل اختياره محصورا في أحد مذهبين، وهما القول بكونه إجماعا، والقول بكونه حجة (2).
ومنها: أنه مع انقراض العصر، أي موت الساكتين، يتبين أنه إجماع، لأن استمرارهم على السكوت إلى الموت يضعّف الاحتمال (3).
وفصّل خامس فقال: إن كان ذلك في غير عصر الصحابة فلا أثر له. وإن كان في عصرهم، فإن كان فيما يفوت استدراكه، كإراقة الدم واستباحة الفرج، فيكون إجماعا، وإن كان فيما لا يفوت، كأخذ الأعيان، كان حجة (4).
وفي كونه إجماعا حتى يمتنع الاجتهاد وجهان.
إذا تقرر ذلك فللقاعدة فروع:
منها: إذا أتلف شيئا ومالكه ساكت يلزمه الضمان.
ومنها: إذا حضر المالك عند الفضولي وسكت، فإنه لا يكون إجازة.
وكذا سكوت البائع على وطء المشتري في مدة خياره.
ومنها: إذا قال في ملأ من الناس عن رجل معيّن: هذا عدل، ولم ينكر عليه أحد، لم تثبت عدالته بذلك عندنا، خلافا لأبي حنيفة، سواء كان القائل عدلا أم فاسقا (5).
ومنها: إذا استلحق بالغا بنفسه، بأن قال: هذا ولدي، فسكت، فإنه لا يلحقه، بل لا بد من تصريحه بالتصديق. وقيل: يكفي هنا السكوت، اختاره
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1: 315، منتهى الوصول: 42، وهو المختصر الكبير.
(2) شرح المختصر لعضد الدين 1: 134.
(3) نقله عن أبي علي من المعتزلة في المعتمد 2: 66، وهو منقول عن البدنيجي من الشافعية.
(4) نقله عن الماوردي والروياني في التمهيد: 453.
(5) أصول السرخسي 1: 370.(1/253)
الشيخ رحمه اللََّه (1).
ومنها: إذا استدخلت المرأة المولى منها ذكر الزوج لم تنحلّ يمينه بذلك، وهل تحصل به الفيئة ويرتفع حكم الإيلاء؟ وجهان.
وبقي أمور مخالفة لحكم القاعدة بدليل خارج:
منها: ما إذا (2) استؤذنت البكر فسكتت، فإنه يكفي على الصحيح، للنص (3)، بخلاف غيرها. وينبغي تقييده بعدم ظهور أمارة الكراهة منها.
ومنها: ما إذا أخرج أحد المتبايعين من المجلس مكرها، فإن منع من الفسخ بأن سدّ فمه، لم ينقطع خياره وإن لم يمنع انقطع. ويمكن إخراج هذا من القاعدة، من حيث إنّ المبطل لخياره حينئذ استصحاب حكم العقد، وتحقق المفارقة الموجبة للزوم.
ومنها: ما لو حلق المحلّ رأس المحرم مع قدرته على الامتناع، فالسكوت فيه موجب للكفارة ولو كان مكرها أو نائما فلا.
وأمور أخر مشكلة:
منها: إذا فعل مع الصائم ما يقتضي الإفطار، بأن طعن جوفه، وكان قادرا على دفعه، فلم يفعل، ففي فطره وجهان: من قدرته، وعدم فعله.
ومثله ما إذا نزلت النخامة إلى الباطن، وكان قادرا على مجّها، فتركها حتى جرت بنفسها.
ومنها: إذا زوّج صغيرة بصغير، ثم دبّت الزوجة فارتضعت من أم
__________
(1) فتح العزيز 11: 188، النهاية للشيخ الطوسي: 684.
(2) في «د» زيادة: قال.
(3) الكافي 5: 394باب استيمار البكر حديث 8، الوسائل 14: 206أبواب عقد النكاح باب 5 حديث 31.(1/254)
الزوج رضاعا محرّما، وكانت الأم مستيقظة ساكتة، فهل يحال الرضاع على الكبيرة لرضاها، أم لا لعدم فعلها كالنائم؟ وجهان. وتظهر الفائدة في لزوم المهر.
ومنها: إذا حلف لا يدخل الدار، فحمل بغير أمره، وكان قادرا على الدفع، فهل هو كدخوله مختارا؟ وجهان.
ومنها: إذا ادّعى رقّ شخص بالغ في يده وباعه، ولم يصرّح الشخص له بالملك ولا بعدمه، فهل يكون اعترافا بملكه؟ وجهان.
وعلى التقديرين يجوز الإقدام على شرائه عملا بالظاهر، من أن الحر لا يسترق. ويحتمل عدم جواز شرائه حتى يصرّح بأنه مملوك.
ومنها: إذا نقض بعض المشركين الهدنة، وسكت الباقون، فلم ينكروا على الناقضين بقول ولا فعل، ففي انتقاض عهدهم بذلك وجهان.
وإن أنكروا بالفعل أو القول، بأن بعثوا إلى الإمام بأنا مقيمون على العهد، لم ينتقض عهدهم.
مسألة: إذا اختلف أهل العصر على قولين، جاز بعد ذلك حصول الاتفاق منهم على أحد القولين، ويكون حجة، خلافا للصيرفي (1).
وادّعى بعضهم أنّ هذا الإجماع أقوى من إجماع لم يتقدمه خلاف، لأنه يدل على ظهور الحق بعد التباسه (2).
وهذه المسألة لم يذكرها أصحابنا في كتب الأصول كغيرهم، وهي قليلة الجدوى على أصولنا، لأن العبرة إذا كانت بقول المعصوم، فلا أثر لقول من خالفه أولا، ولا لمن وافقه ثانيا. وفرضها في اتفاق جماعة غير منحصرين بعد
__________
(1) نقله عنه في المحصول 2: 66. ومنهاج الوصول (الابتهاج): 199.
(2) حكاه الماوردي والروياني كما في التمهيد: 458.(1/255)
اختلافهم كذلك بعيد.
وعلى هذا فلو اختلفوا، ثم ماتت إحدى الطائفتين أو ارتدّت والعياذ بالله تعالى فإنه يصير قول الباقين إجماعا، لكونه قول كل الأمة.
إذا عرفت ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا مات وخلّف ولدين، فأقرّ أحدهما بثالث، وأنكر الآخر، ثم مات المنكر ولم يخلّف وارثا غير الأخ، فإن المقرّ به يشاركه في النصف، لانحصار الإرث في المقرّ.
قاعدة «94» إذا أجمعوا في شيء على حكم، ثم حدث في ذلك الشيء المجمع عليه صفة، جاز الاجتهاد فيه بعد حدوث الصفة.
وقيل: لا يجوز، بل يستصحب الإجماع قبل الصفة بعدها، ويمتنع الاجتهاد (1).
ومن فروعها:
جواز الاجتهاد في بطلان التيمم وعدمه بقدرة المتيمم على استعمال الماء بعد دخوله في الصلاة، مع أنهم أجمعوا على بطلان التيمم برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة.
والأصح عندنا عدم بطلانها، وهو موافق للقاعدة.
__________
(1) أصول السرخسي 2: 116، ونقله عن داود في التمهيد: 459.(1/256)
المقصد الرابع في القياس
مقدمة: الاستدلال إما من الكلي على الجزئي، وهو القياس عند المنطقيين
أو من الجزئي على الجزئي، وهو القياس عند الفقهاء أو من الجزئي على الكلي، وهو الاستقراء.
وحاصل القياس المبحوث عنه هنا: تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لعلة متحدة فيهما، كما يقال: النبيذ حرام كالخمر، لاشتراكهما في علة الحرمة وهي الإسكار، وكل واحد منهما جزئي للمسكر.
ثم العلة إن كانت منصوصة، فالعمل به جائز على أصح القولين عندنا، وإن كانت مستنبطة لم يجز.
والنص الدال عليها، إما أن يكون قطعيا في دلالته عليها، مثل: لعلة كذا، أو لسبب كذا، ومن أجل كذا.
أو ظاهرا، مثل: لكذا، أو بكذا، أو أنه كذا. كما في قوله تعالى {وَمََا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلََّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
__________
(1) الذاريات: 56.(1/257)
وقوله تعالى {ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللََّهَ} * (1)
وقوله صلى اللََّه عليه وآله في الهرّة: «إنها من الطّوافين عليكم» قال ذلك لما امتنع من الدخول على قوم عندهم كلب، فقيل له: إنك تدخل بيت فلان وعنده هرة، فقال صلى اللََّه عليه وآله «أنها ليست بنجسة» إلى آخره (2).
أو بالإيماء، كما إذا وقع جوابا عن السؤال، كما لو قيل له صلى اللََّه عليه وآله: أفطرت في شهر رمضان، فيقول صلى اللََّه عليه وآله: عليك الكفارة، فإنه يفيد ظن وجوب الكفارة للإفطار.
وكتقريره صلى اللََّه عليه وآله على وصف الشيء المسئول عنه، كقوله صلى اللََّه عليه وآله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر: «أينقص إذا جف؟» قيل: نعم، قال: «فلا إذن» (3) ففهم منه أنّ النقص بسبب الجفاف علة الحكم، ونحو ذلك.
إذا عرفت ذلك فمما يتفرع عليه:
المنع من بيع العنب بالزبيب، وكل رطب بيابسه، للعلة المومى إليها. ووجوب غسل الجنابة لغيره، لقول الصادق عليه السلام لما سئل عن المرأة الجنب تريد الاغتسال فيأتيها الحيض وهي في المغتسل: «قد جاءها ما يفسد الصلاة، فلا تغتسل» (4) ففي قوله «قد جاءها ما يفسد الصلاة» إيماء إلى أنّ غسل الجنابة إنما وجب لأجل الصلاة، فإذا لم تجب عليها الصلاة لم يجب عليها الغسل.
__________
(1) الأنفال: 13.
(2) سنن النسائي 1: 55باب سؤر الهرّة، سنن ابن ماجة 1: 131حديث 367.
(3) سنن ابن ماجة 2: 761حديث 2264، سنن النسائي 7: 268باب اشتراء التمر بالرطب، الموطأ 2: 624كتاب البيوع حديث 22.
(4) الكافي 3: 83باب المرأة ترى الدم وهي جنب حديث 1، التهذيب 1: 370حديث 1128، وفي ص 395حديث 1224، الوسائل 2: 565أبواب الحيض باب 22 حديث 1.(1/258)
مسألة: اختلف مجوز والقياس مطلقا في جوازه في الحدود والكفارات والتقديرات والرخص.
فجوّزه الشافعية فيها (1)، ومنعه الحنفية (2).
فمن فروع الحدود:
إيجاب قطع النبّاش (3)، قياسا على السارق والجامع أخذ مال الغير خفية.
ومن فروع الكفارات:
إيجابها على قاتل النّفس عمدا، قياسا على المخطئ، لأنه هو المنصوص في الآية [1].
وإيجابها بالإفطار بالأكل قياسا على الوقاع بجامع الإفساد.
وبقتل الصيد خطأ، قياسا عليه عمدا، المقيّد به النص، قال تعالى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (4).
ومن فروع المقدّرات:
إجزاء نزح دلو واحد في الفأرة إذا كان يسع عشرين دلوا.
وذكروا للرخص فروعا:
منها: جواز التداوي بغير أبوال الإبل من النجاسات ما عدا الخمر الصرف على أصحّ القولين عندهم وأصل الخلاف أنه صلى اللََّه عليه وآله أمر الجماعة الذين قدموا المدينة فمرضوا فيها أن يخرجوا إلى إبل النبي صلى اللََّه عليه وآله في البادية، ويشربوا من
[1] {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى ََ أَهْلِهِ} الآية (النساء: 92).
__________
(1) الإحكام للآمدي 4: 64.
(2) فواتح الرحموت 2: 317، أصول السرخسي 2: 163.
(3) أي: قطع يد النبّاش الّذي ينبش القبور ويسرق الأكفان.
(4) المائدة: 95.(1/259)
أبوالها وألبانها، فشربوا فصحوا (1). فشربهم للأبوال رخصة، جوّز لأجل التداوي عند القائل بالنجاسة.
ومنها: إذا صلى صلاة شدة الخوف، فمشى في أثنائها، واستدبر القبلة للحاجة إليه، لم تبطل صلاته، لورود النص بذلك (2). فلو ضرب ضربات متوالية أو ركب وحصل من ركوبه فعل كثير فقيل: تبطل، لأن النص ورد في هذين، فلا يقاس عليهما غيرهما، لأن الأصل في الفعل الكثير هو البطلان (3)
وقيل: لا تبطل، قياسا على ما ورد (4).
ومنها: أنه ورد الحديث الصحيح بجواز الصوم عن الميت (5)، مع أنّ القاعدة امتناع النيابة في الأفعال البدنية، فاختلفوا في تعديته إلى الصلاة والاعتكاف، فالأكثر على منعه.
ونقل النوويّ في «شرح مسلم عن جماعة من العلماء أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك. قال:
وحكى صاحب «الحاوي» عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه: أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت، ومال الشيخ أبو سعيد عبد اللََّه بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه «الانتصاف» إلى اختيار هذا، قال: ودليلهم
__________
(1) صحيح البخاري 7: 160كتاب الطب، صحيح مسلم 3: 499كتاب القسامة حديث 1671، سنن ابن ماجة 2: 1158كتاب الطب حديث 3503.
(2) الكافي 3: 459باب صلاة المطاردة حديث 6، 7، التهذيب 3: 173حديث 283، الوسائل 5:
482 - أبواب صلاة الخوف باب 3حديث 42.
(3) شرح فتح القدير 2: 66، المهذب (المجموع) 4: 425، ونقله عن الشافعي.
(4) التمهيد للأسنوي: 464، فتح العزيز 4: 646، المجموع 4: 427، ونقلوه عن ابن سريج والقفال وأبي إسحاق.
(5) الكافي 3: 196باب الرّجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان وغيره، الوسائل 7: 340 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23، صحيح البخاري 3: 45باب من مات وعليه صوم.(1/260)
القياس على الدعاء والصدقة والحج، فإنها مما تصل بالإجماع (1).
مسألة: اختلفوا أيضا في جواز القياس في اللغات، كما إذا ثبتت تسمية محل باسم لمعنى مشترك بينه وبين غيره،
فهل يسمى ذلك الغير بذلك الاسم، لوجود المعنى المقتضي للتسمية، وذلك كتسمية اللائط زانيا، والنباش سارقا؟
فجوّزه في المحصول (2)، ونقله ابن جني في الخصائص عن أكثر اللغويين، كأبي علي، والمازني (3).
وذهب جماعة منهم الآمدي (4)، وابن الحاجب (5)، وجزم به في المحصول في كتاب الأوامر والنواهي في آخر المسألة الثانية (6) إلى منعه.
وفائدة الخلاف في هذه المسألة: ما ذكره في المحصول (7)، وهي صحة الاستدلال بالنصوص الواردة في الخمر، والسرقة، والزنا، على شارب النبيذ، والنباش، واللائط.
مسألة: ترتيب الحكم على الوصف المناسب يقتضي العلية عند أكثر مجوّزي القياس بالعلة المستنبطة،
بمعنى كون الوصف المناسب علة لذلك الحكم، كقولك: اقطع يد السارق، واقتل هذا القاتل.
__________
(1) شرح مسلم (إرشاد الساري) 4: 374.
(2) المحصول 2: 418.
(3) الخصائص 1: 111.
(4) الإحكام 1: 88.
(5) منتهى الوصول: 18.
(6) المحصول 1: 197.
(7) المحصول 2: 418.(1/261)
فإن لم يكن مناسبا، فالمختار عند الآمدي وابن الحاجب وجماعة أنه لا يفيدها (1). واختار البيضاوي عكسه (2)، واستدل عليه بأن قول القائل: أهن العالم وأكرم الجاهل مستقبح، مع أنّ ذلك قد يحسن لمعنى آخر، فدل على أنه لفهم التعليل. فإن كان الترتيب بالفاء أفاد العلية، سواء دخلت على الحكم، كقوله تعالى {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (3) وقول الراوي: زنى ماعز فرجم (4)، أو على الوصف، كقوله صلى اللََّه عليه وآله «لا تقربوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» (5).
إذا تقرّر ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا سمع مؤذنا بعد مؤذن، فأصح الوجهين استحباب حكاية الجميع، لقوله في الحديث: «إذا سمعتم المؤذن» (6) وهو متحقق فيهما، إلا أنّ الأول متأكد الاستحباب.
ومنها: إذا لم يسمع بعض الفصول، فالمتجه أن يجيب فيه، لقوله في الحديث: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» ولم يقل: فقولوا مثل ما تسمعون.
__________
(1) الإحكام 3: 285، منتهى الوصول: 133.
(2) منهاج الأصول (نهاية السؤل) 4: 63، منهاج الأصول (الابتهاج): 227
(3) المائدة: 38.
(4) صحيح مسلم 3: 527كتاب الحدود حديث 18.
(5) صحيح مسلم 3: 39كتاب الحج حديث 103، سنن ابن ماجة 2: 1030حديث 3084، سنن النسائي 5: 196كتاب المناسك باب كم يكفن المحرم.
(6) صحيح البخاري 1: 159باب ما يقول إذا سمع المنادي، صحيح مسلم 1: 367كتاب الصلاة حديث 384، سنن ابن ماجة 1: 238حديث 720، سنن النسائي 2: 25باب الصلاة على النبي بعد الأذان.(1/262)
مسألة: صلاحية كون الشيء جوابا لسؤال مغلّبة على الظن أنه جواب،
كقول الأعرابي: واقعت أهلي يا رسول اللََّه، فقال: «أعتق رقبة» (1). وهذا من قياس الإيماء كما تقدم.
وللمسألة فروع:
منها: ما إذا قالت له زوجته واسمها فاطمة: طلّقني، فقال: فاطمة طالق، ثم قال: نويت فاطمة أخرى، طلّقت الملتمسة على أحد الوجهين، ولا يقبل قوله، لدلالة الحال. بخلاف ما لو قال ابتداء: طلقت فاطمة، ثم قال:
نويت أخرى.
ومنها: لو قيل له: كلّم زيدا اليوم، فقال: واللََّه لا كلمته، فمقتضى الجواب الحلف على ترك كلامه اليوم، وإطلاقه يقتضي الأبد. هذا إذا لم ينو شيئا، وإلا تعيّن ما نواه. ولعل العمل بالتأبيد هنا مع الإطلاق أقوى.
ومنها: إذا قالت له زوجته: إذا قلت لك طلقني ما تقول؟ فقال، أقول:
أنت طالق. فقيل: لا يقع الطلاق عليه ظاهرا، لأنه إخبار عما يفعل في المستقبل (2)، عملا بالجواب المطابق للسؤال إلا أن يقصد غيره، وهو طلاقها المنجز، فتطلق.
مسألة: التعليل بالمظنة صحيح عند مجوّزي التعليل المستنبط، كتعليل جواز القصر وغيره من الرخص بالسفر الّذي هو مظنة للمشقة،
وهو قريب من اختلاف النحاة في حد الضرورة المجوّزة في الشعر ما يمنع في غيره.
__________
(1) صحيح البخاري 3: 41كتاب الصوم، صحيح مسلم 2: 481باب تغليظ تحريم الجماع في رمضان حديث 111، سنن ابن ماجة 1: 534حديث 1671.
(2) نقله عن الرافعي في التمهيد: 476.(1/263)
وللمسألة فروع:
منها: إذا قال لزوجته: إن كنت حاملا فأنت عليّ كظهر أمي، وكان يطؤها، وهي ممن تحمل، فهل يجب التفريق إلى أن يستبرئها الزوج؟
فيه وجهان، أجودهما: لا، لأن الأصل عدم الحمل ووجه المنع أن الوطء مظنة له.
ومنها: تعليلهم بمنع العبد من الصوم المندوب بغير إذن سيده، لأنه مظنة الضرر، بضعفه عن خدمته.
وهل يجوز أن يصوم في وقت لا ضرر عليه فيه؟ الأصح (1): لا، لأن الضرر أمر مظنون به، وقد يظنه العبد غير مؤثر في الخدمة، مع أنه مؤثر.
ومنها: أنهم جوّزوا للمعتكف الخروج إلى بيته للأكل، وقضاء الحاجة، لاستحيائه من فعل ذلك مع الطارقين هناك.
فلو اعتكف في موضع مغلق عليه، أو كان المسجد نفسه مهجورا يغلقه على نفسه إذا دخل إليه، فيتّجه امتناع الخروج، لانتفاء المعنى. ويحتمل الجواز، اعتبارا بالمظنة، لأن المسجد من شأنه الطروق.
مسألة: إذا تردد فرع بين مشابهة أصلين، أحدهما يشبهه في الصورة والآخر يشبهه في المعنى،
وعبّر بعضهم عنه بالمشابهة في الحكم، فلا خلاف بينهم كما قاله الغزالي في المستصفى (2) أن ذلك حجة، لتردده بين قياسين مناسبين (3). ولذلك سمي: قياس غلبة الأشباه (4).
__________
(1) في «م»: الصحيح.
(2) المستصفى 2: 315.
(3) في «م»، «ح»: متناسبين.
(4) في «ح»: الاشتباه.(1/264)
واختلفوا في المعتبر منهما، فقال الشافعي: تعتبر المشابهة المعنوية (1). وقال أبو بكر بن عليّة: تعتبر الصورية (2). ومنه إيجاب أحد التشهد الأول كالثاني (3)، وعدم إيجاب أبي حنيفة الثاني كالأول (4).
إذا تقرر ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا قتل عبدا وكانت قيمته تزيد على الدية، فإن القيمة تجب عند الشافعي (5) وإن زادت، إلحاقا له بسائر المملوكات، لمشاركته لها في المعنى.
وقال غيره: لا يزاد على الدية، نظرا إلى مشابهته الحرفي الصورة. وهذا القول عندنا منصوص الثبوت لا لهذه العلة.
ومنها: السلت بسين مهملة مضمومة ولام ساكنة وتاء مثناة من فوق وهو حبّ يشبه الحنطة في الصورة، إذ هو على لونها ونعومتها، ويشبه الشعير في برودة الطبع. هذا هو المنقول عن اللغويين (6) والمعروف عند الفقهاء (7)، وعكسه بعضهم (8).
وقد اختلف فيه فقيل: إنه يلحق بالحنطة حتى يكمل به نصابها (9).
__________
(1) الرسالة: 542، ونقله عنه في نهاية السؤل 4: 105، والتمهيد: 479.
(2) نقله عنه في نهاية السؤل 4: 105، والتمهيد: 479.
(3) المغني 1: 578.
(4) المغني 1: 578.
(5) الأم 6: 25.
(6) المصباح المنير 1: 284، ونقله عن الأزهري في مجمع البحرين 2: 205. (سلت)
(7) الخلاف 2: 65، الشرح الكبير 9: 525.
(8) انظر النهاية لابن الأثير 2: 388.
(9) قواعد الأحكام 1: 55.(1/265)
وقيل: بالشعير (1)، وقيل: جنس مستقل لتعارض المعنيين (2).
قاعدة «95» تعليل الحكم الواحد بعلتين جائز في العلل المنصوصة عندنا،
ووافقنا جماعة ممن جوّز التعليل بالمستنبطة، منهم الرازي في «المحصول» في الكلام على الفرق (3)، وتابعه البيضاوي (4). وأصحاب هذا القول سمّوا علل الشرع معرّفات لا مؤثرات، فلا يضر اجتماعها، كما يمتنع اجتماع العقلية.
وفي المسألة أقوال، ثانيها: الجواز مطلقا، لما ذكر في الأول (5).
وثالثها: المنع مطلقا، لأن استناد الحكم إلى أحدهما يقتضي صرفه عن الآخر، واختاره الآمدي (6).
ورابعها: يجوز في المنصوصة للدليل الأول، دون المستنبطة، للدليل الثاني (7).
قال الآمدي: ومحل الخلاف الواحد بالشخص، كتحريم امرأة بعينها، ووجوب قتل شخص بعينه، قال: وأما الواحد بالنوع كالتحريم من
__________
(1) الأحكام السلطانية للفراء الحنبلي 122، الأحكام السلطانية للماوردي: 118. المغني والشرح الكبير 2: 55، شرائع الإسلام 1: 116.
(2) الأم 2: 35، التمهيد: 480.
(3) المحصول 2: 380.
(4) نهاية السؤل 4: 195، منهاج الوصول (الابتهاج): 237.
(5) منتهى الوصول: 128.
(6) الإحكام 3: 258.
(7) المستصفى 2: 342، وهو منقول عن القاضي الباقلاني.(1/266)
حيث هو فيجوز بلا خلاف (1).
إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا أحدث إحداثا، ثم نوى حالة الوضوء رفع بعضها، وفيه وجوه، أصحها: يكفي، لأن الحدث نفسه كالنوم ونحوه لا يرتفع، وإنما يرتفع حكمه، وهو واحد وإن تعدّدت أسبابه.
والثاني: لا يكفي مطلقا.
والثالث: إن نوى الأول صح، وإلا فلا.
والرابع: عكسه.
والخامس: إن نفى غير المنويّ لم يصح، وإلّا صح.
ومنها: إذا صادف نذران زمانا واحدا، كما إذا قال: إن قدم زيد فلله عليّ أن أصوم اليوم الثاني لقدومه، وإن قدم عمرو فلله عليّ أن أصوم أول خميس، فقدما معا يوم الأربعاء، فلا يجزي صيامه عنهما معا على القول بعدم اجتماع العلل، بل يصوم عن أول نذر، ويقضي يوما للنذر الثاني. والأقوى إجزاؤه عنهما.
ومثله ما لو نذر صوم سنة معيّنة، ثم قال: إن شفى اللََّه مريضي فلله عليّ صوم الأثانين من هذه السنة، بناء على جواز نذر الواجب.
ومنها: إذا شرط المتبايعان خيارا، ففي ابتداء الخيار المشروط من حين العقد أم التفرق قولان: أصحهما الأول، فيجتمع قبل التفرق خياران، وحينئذ فيبقى له الفسخ بكل منهما.
ولو اشترى غائبا بالوصف فخيار الرؤية يثبت أيضا عندها، وقد يجامع الخيارين الآخرين، وقد يجامعها خيار الغبن والعيب والحيوان وغيرها.
ثم إن فسخ العاقد بجميعها انفسخ بها، وإن صرّح بالبعض انفسخ به،
__________
(1) الإحكام 3: 258.(1/267)
وإن أطلق انفسخ بالجميع أيضا، لأنه ليس بعضها أولى من بعض. وكذا في الإجازة إذا أجاز الجميع أو أطلق، ولو أجاز في البعض بقي الخيار بالباقي.
ومنها: ما إذا وطئ امرأتين، واغتسل عن الجنابة، وأخبر أنه لم يغتسل عن الثانية، فعلى القول بعدم تعددها، وأن المؤثر الأول، فهو صادق، وعلى الأول كاذب.
ومنها: أن المرأة إذا كانت جنبا فحاضت ثم اغتسلت، وكانت قد حلفت أنها لا تغتسل عن الجنابة في وقت معيّن ينعقد فيه النذر، فالعبرة بنيتها، فإن نوت الاغتسال عنهما تكون مغتسلة عنهما وتحنث، وإن نوت عن الحيض وحده لم تحنث، لأنها لم تغتسل عن الجنابة، وإن كان غسلها مجزيا عنهما معا.
ويحتمل الحنث مطلقا حيث نقول بتداخل الأغسال، لأن ارتفاعه يدل على الاغتسال له.(1/268)
المقصد الخامس في أدلة اختلف فيها
قد سبق في أول الكتاب الخلاف في الأفعال قبل البعثة، هل هي على الإباحة، أم التحريم، أم على التوقف؟
وأما بعد الشرع، فمقتضى الأدلة الشرعية أن الأصل في المنافع الإباحة، لقوله تعالى {خَلَقَ لَكُمْ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} (1)
وفي المضارّ أي مؤلمات القلوب هو التحريم، لقوله صلى اللََّه عليه وآله: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (2)
كذا ذكره الرازي (3) والآمدي (4) وأتباعهما (5). ونقل بعضهم فيها ثلاثة أوجه كالسابقة (6).
__________
(1) البقرة: 29.
(2) الفقيه 4: 243حديث 1، الوسائل 17: 376أبواب موانع الإرث باب 1 حديث 10.
(3) المحصول 2: 541.
(4) نقله عنه في التمهيد: 487.
(5) التحصيل من المحصول للأرموي 2: 311، 314.
(6) منقول عن التحقيق وشرح المهذب كما في التمهيد: 488.(1/269)
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: إذا وجدنا شعرا ولم ندر هل هو من مأكول أم لا، من نجس العين أم لا، فهل هو نجس أم طاهر؟ وعلى تقدير طهارته، هل هو يعفى عنه في الصلاة أم لا؟ أوجه، مبنية على هذا الأصل.
ويقوى الفرق بين الطهارة والعفو، لأن النجاسات محصورة، والأصل عدم كونه منها بخلاف غير المعفوّ عنه، فإنه غير منحصر، لكثرة الحيوان المحرم على وجه لا ينضبط، كما نبهوا عليه في مواضع:
منها: في المتولد بين مأكول وغيره، إذا لم يلحق بأحدهما، ولا بمعلوم الجنس، فإنهم حكموا بطهارته وتحريمه، عملا بالأصلين المنضبطين. وعلى هذا فيحكم بطهارة الشعر المذكور وعدم العفو عنه.
وكذا القول في العظم ونحوه.
ومن هنا حكموا أيضا بأنه لو اشتبه الدم الطاهر بالنجس، يحكم بطهارته.
ولكن حكموا أيضا بأنه لو اشتبه بالمعفو عنه حكم بالعفو.
وهذا لا يتم على ما ذكرناه، بل على القاعدة، وهي بعكسه على التفصيل إلا أن يقال: المعفو عنه من الدم أيضا غير منحصر، لعدم انحصار أفراده من الحيوان الّذي من جملته دم ما نفس له، بخلاف أفراد ما يعفى عنه من الشعر والعظم، فإنه منحصر في الحيوان المحلل، وهو محصور. وهذا حسن.
ومنها: إذا رأى شخصا ولم يدر هل هو ممن يحرم النّظر إليه أم لا، كما لو شك هل هو ذكر أم أنثى، أو شك في أنّ الأنثى محرم أم أجنبية، أو أن الأجنبية حرة أم أمة. ونحوه، فيتجه تخريج جوازه على هذه القاعدة.
ومنها: إذا لم يعرف حال النهر، هل هو مباح أم مملوك، فهل يجري عليه حكم الإباحة أو الملك؟ وجهان، مفرعان على الأصل المذكور.
ومنها: الثوب المركب من الحرير وغيره، إذا شككنا في استهلاك
الحرير، فهل يجوز لبسه أم لا؟ وجهان مرتبان. ولعل المنع هنا أوجه، لوجود الحرير المانع، مع الشك في المبيح، وهو الاستهلاك، فإن الأصل عدمه.(1/270)
ومنها: الثوب المركب من الحرير وغيره، إذا شككنا في استهلاك
الحرير، فهل يجوز لبسه أم لا؟ وجهان مرتبان. ولعل المنع هنا أوجه، لوجود الحرير المانع، مع الشك في المبيح، وهو الاستهلاك، فإن الأصل عدمه.
قاعدة «96» استصحاب الحال حجة عند أكثر المحققين،
وقد يعبّر عنه: بأن الأصل في كل حادث تقديره في أقرب زمان، وبأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
وهو أربعة أقسام:
أحدها: استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل، وهو المعبّر عنه بالبراءة الأصلية.
وثانيها: استصحاب حكم العموم إلى أن يرد مخصص، وحكم النص إلى أن يرد ناسخ، مع استقصاء البحث عن المخصص والناسخ إلى أن يظن عدمه أو مطلقا، على اختلاف الرأيين للأصوليين.
وثالثها: استصحاب حكم ما ثبت شرعا، كالملك عند وجود سببه، وشغل الذّمّة عند إتلاف أو التزام إلى أن يثبت رافعه.
ورابعها: استصحاب حكم الإجماع في موضع النزاع، كما تقول:
الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، للإجماع على أنه متطهر قبل هذا الخارج، فيستصحب، إذ الأصل في كل متحقق دوامه إلى أن يثبت معارض، والأصل عدمه. وكما تقول في المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة: لا ينتقض تيممه، للإجماع على صحة صلاته قبل وجوده، فيستصحب حتى يثبت دليل يخرج عن التمسك به.
إذا تقرر ذلك فللقاعدة فروع كثيرة مشهورة:
منها: لو علم بنجاسة الماء بعد الطهارة منه، وشك في سبقها عليها، فإن
الأصل عدم تقدمها وصحة الطهارة كما أنه لو علم سبقها، وشكّ في بلوغ الكرية، فالأصل عدمه.(1/271)
منها: لو علم بنجاسة الماء بعد الطهارة منه، وشك في سبقها عليها، فإن
الأصل عدم تقدمها وصحة الطهارة كما أنه لو علم سبقها، وشكّ في بلوغ الكرية، فالأصل عدمه.
وقيل: هو من باب تعارض الأصلين، لأن الأصل طهارة الماء والشك في تأثيره بالنجاسة. ويضعف بأن ملاقاة النجاسة المعلومة رفعت حكم الأصل السابق.
ومنها: لو كان كرا فوجد متغيّرا، وشك في تغيّره بالنجاسة أو بالأجون (1)، فالبناء على الطهارة، لأنها الأصل المستصحب، ولا معارض له هنا.
ومنها: لو شك في الطهارة مع تيقن الحدث أو بالعكس، فإنه يستصحب حكم ما علمه ويطرح المشكوك فيه. أما لو تيقنهما وشك في السابق منهما، فإنه من باب تعارض الأصلين، وسيأتي.
ومنها: ما لو وجد على بدنه أو ثوبه المختص منيا، فإنه يحكم بجنابته من آخر نومة، أو جنابة ظاهرة يحتمل كونه منها، لأصالة عدم تقدمه. ويضعف به قول من حكم بها من أول نومة، وإن كان أحوط. فعلى ما اخترناه يعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها، وعلى القول الآخر يعيد كل صلاة لا يعلم سبقها.
ومنها: ما لو وجب عليه زكاة أو خمس أو كفارة وشك في أدائها، فإن الأصل عدمه، واستصحاب ما وجب أولا، وعكسه لو شك في بلوغ النصاب فالأصل عدمه.
وليس منه ما لو علم النصاب في الجملة فأخرج عن بعضها، بحيث يشك في وجود النصاب في الباقي، فإن ذلك لا يكفي في إسقاط الواجب، لتعلّق الزكاة سابقا بالذمة، بل بالمال، فلا يبرأ منه إلا بتيقن الخروج عن العهدة.
بخلاف ما لو شك في تعلق الوجوب بالمال ابتداء، فإن أصالة البراءة وعدم بلوغ النصاب لا معارض له.
__________
(1) الآجن: الماء المتغير الطعم واللون، وقد أجن يأجن أجنا وأجونا (الصحاح 5: 2067). (أجن)(1/272)
ومنها: ما لو شك في عروض مبطل للطهارة، أو الصلاة، أو الصوم، أو الاعتكاف، أو غيرها من العبادات، فالأصل عدمه، واستصحاب الصحة التي افتتحت عليها العبادة.
ومنه ما لو شك المعتكف في زمن خروجه، هل هو طويل يخرج عن كونه معتكفا عادة أم لا، مع الاضطرار إليه ونحوه.
وكذا الشك في الأفعال بعد الفراغ من الفعل، لأصالة البراءة وعدم المفسد. ويشكل لو كان الفعل مما يقضى، فإن الأصل عدم فعله والإفساد (1).
وكذا لو أوجب سجود السهو، فالأولى حينئذ أن يكون من باب تعارض الأصلين، وإن كان الحكم هنا شرعا البناء على الفعل، للنص. ويمكن جعله أيضا من باب تعارض الأصل والظاهر.
أما الشك في نفس فعل الصلاة، فإن كان في وقتها فالأصل عدم فعلها، فيجب عليه الصلاة، وإن كان بعده تعارض الأصل والظاهر، وسيأتي.
ومنها: عدم قتل الصبي الّذي يمكن بلوغه، لأصالة عدمه حيث لا يوجد ما يدل على بلوغه.
ولو وجد منبتا فادعى استعجاله بالدواء، تعارض الأصلان، وسيأتي.
ومنها: دعوى المشتري العيب أو تقدّمه، ودعوى الغارم نقصان القيمة في أبواب المعاملات أجمع، وهي مشهورة.
ومنها: إذا شك الصائم في دخول الليل، فالحكم استصحاب بقاء النهار، فلا يجوز الفطر إلى أن يتحقق الدخول حيث يمكن.
ولو شك في طلوع الفجر جاز له استصحاب الليل، فيأكل إلى أن يتحقق دخوله، عملا بالأصل فيهما، وإن وجب القضاء لو تبين خلافه، حيث يكون
__________
(1) في «د»، «م»: ولا إفساد.(1/273)
مقصرا في المراعاة على بعض الوجوه، فإن ذلك بدليل خارجي.
وكذا القول لو شك في دخول وقت الصلاة حيث يمكنه العلم، فلا يجوز له الدخول فيها حتى يتبين الدخول. ولو شك في خروجه فالأصل بقاؤه، فينوي الأداء.
ولو لم يكن له طريق إلى العلم بالوقت جاز التعويل على الظن في أوله.
وفي الرجوع إليه في آخره أو استصحاب البقاء إلى أن يثبت، وجهان، أظهرهما الثاني.
ومنها: ما إذا ادعى عينا، فشهدت له بينة بالملك في وقت سابق، أو أنه كانت ملكه، ففي قبولها وجهان: من أن ثبوت الملك سابقا يوجب استصحاب حكمه، فيحصل الغرض منها، ومن عدم منافاة الشهادة لملك غيره له، إذ يصدق ما ذكره الشاهد وإن كان الآن ملكا لغيره، مع علم الشاهد به وعدمه.
فمن ثم احتاط المتأخرون وأوجبوا (ضميمة أنه) (1) باق إلى الآن، أو لا نعلم له مزيلا، لينتفي احتمال علمهما بملك غير المشهود له ظاهرا.
وعلى القاعدة يجوز للشاهد أن يشهد باستمرار الملك إلى الآن، حيث لا يعلم له مزيلا، عملا بالاستصحاب، كما له أن يشهد بأنه لا يعلم له مزيلا.
وقد حكموا بأنه لو قال: لا أدري زال أم لا، لا يقبل. وينبغي عدم الفرق بينه وبين السابق، لانتفاء المانع المذكور مع الحكم بالاستصحاب.
وأما الفرق بين الصيغتين: بأن الثانية تشتمل على تردد مع اشتراط الجزم في الشهادة بخلاف الأولى، فمما لا يجدي، لتحقق الجزم فيهما بأصل الملك والشك في استمراره لا يزول بكونه لا يعلم المزيل، والاستصحاب يجري فيهما.
ويتفرع عليه أيضا، ما لو قال المدعى عليه: كان ملكك بالأمس، أو قال
__________
(1) في «د»: ضمانة.(1/274)
المقر بذلك ابتداء، فقيل: لا يؤاخذ به، كما لو قامت بينة بأنه كان ملكه بالأمس (1). والأقوى أنه يؤاخذ، كما لو شهدت البينة أنه أقر أمس.
والفرق على هذا بين أن يقول: كان ملكه بالأمس، وبين أن تقوم البينة بذلك، أنّ الإقرار لا يكون إلا عن تحقيق، والشاهد قد يخمّن، حتى لو استندت الشهادة إلى تحقيق بأن قال: هو ملكه اشتراه منه بالأمس، قبلت.
ومنها: لو تعارض الملك القديم واليد الحادثة، ففي ترجيح أيّهما قولان.
ومأخذ تقديم الملك السابق قاعدة الاستصحاب، فيتعارض حينئذ الملك واليد، والأول مقدّم، كما لو شهدت البينة لأحدهما بالملك، وللآخر باليد في الحال.
ومنها: لو اتفقا على الإنفاق على الولد من يوم موت الأب، ولكن تنازعا في تاريخ موته، فقال الولد: من سنة مثلا، وقال الوصي: من سنتين، فالقول قول اليتيم، لأصالة بقاء الحياة إلى وقت الاتفاق على زوالها، وبراءة الصبي من الغرم، وماله من استحقاق غير المالك.
ومنها: لو شكّت الحائض في انقضاء أيام العادة مع استمرار الدم، بأن لم تحفظ الأيام الماضية، أو شكت المرضعة في عدد الرضعات، أو ابتداء الرضاع، لتغييره بالزمان، أو شك ذو الخيار في انقضاء مدته ونحو ذلك، فالأصل يقتضي بقاء ما كان من حل وحرمة وخيار وحيض، وعدم مضيّ الزمان المشكوك فيه.
وكذا لو شكّت في أثناء المدة التي يتحقق معها اليأس، فإن الأصل بقاؤها، ولا تعارضه أصالة وجوب العبادة قبل حصول الدم، فيستصحب، لأن ذلك الوجوب ساقط مع الدم في وقت إمكان كونه حيضا ويمكن على بعد كونه من باب تعارض الأصلين.
ومنها: لو شكّت المرأة في كونها قرشية، فإن كل من لا يعرف نسبها
__________
(1) حكاه الرافعي في فتح العزيز 11: 115.(1/275)
يمكن كونها قرشية في سائر الآفاق، ما لم يعلم انتفاؤها عنها. فالأصل عدم كونها منها، لأن هذا النسب طارئ على الناس، والأصل يقتضي عدم التولد من «النضر بن كنانة». ويمكن ردها إلى تعارض الأصلين أيضا، استصحابا لحكم سقوط العبادة مع رؤية الدم الّذي يمكن كونه حيضا في نفس الأمر.
ومنها: لو اختلف الموهوب له والوارث في أنّ الهبة ونحوها من التبرعات وقعت في الصحة أو المرض، فإن علم موت الموروث في مرض فالأصل عدم تقدّم الهبة عليه، فيقدم قول الوارث وإن لم يعلم موته في مرض (1) بأن احتمل موته فجأة أو بالقتل، فالمقدم قول الموهوب، لأصالة عدمه.
وفي المسألة وجه بتقديم قول الوارث مطلقا، نظرا إلى الغالب، فيرجع الأمر حينئذ إلى تعارض الأصل والظاهر.
ومنها: ما لو أوصى بحمل (2) فلانة، فإنه إنما يعطى ولدها إذا تيقنّا وجوده في حال الوصية، بأن ولدته لدون ستة أشهر. فلو ولدته لأزيد منها إلى الأقصى، وكان لها زوج أو مولى يغشاها لم يعط، لإمكان تجدده. ولو كانت خالية منهما تعارض الأصل والظاهر، وسيأتي (3). وكذا لو أقر له بشيء.
ومنها: لو أقر بجميع ما في يده أو ينسب إليه لغيره، فتنازعا في بعض ما في يده، هل كان موجودا حال الإقرار أم لا؟ فالقول قول المقر، لأصالة عدم تقدمه. ولو قال: ليس في يدي إلا ألف والباقي لزيد، قبل أيضا.
ومنها: ما لو شكّ هل أحرم بالحج قبل أشهره أم فيها، كان محرما بالحج، لما ذكرناه. فإنه على يقين من هذا الزمان، وشك في تقدمه.
ومنها: لو نوى الملتقط تملّك اللقطة قبل التعريف أو الحول، ضمن، وإن
__________
(1) في «م»: مرضه.
(2) كذا، والأصح: لحمل.
(3) قاعدة: 99.(1/276)
عاد إلى نية الأمانة، استصحابا لما سبق.
ومثله ما لو فرّط الأمين كالودعي ثم ردّه إلى الحرز ونحوه، فإن الضمان لا يزول بذلك، استصحابا لما ثبت.
ومنها: إذا ادعى بهيمة أو شجرة وأقام عليها بينة، فإنه لا يستحق الثمرة والنتاج الحاصلين قبل إقامة البينة، لأن البيّنة وإن كانت لا توجب ثبوت الملك، بل تظهره بحيث يكون الملك سابقا على إقامتها، إلا أنه لا يشترط السبق بزمن طويل، ويكتفى بلحظة لطيفة في صدق الشهود، ولا يقدّر ما لا ضرورة إليه.
ومقتضى هذا الأصل: أنّ من اشترى شيئا فادعاه مدع وأخذه منه بحجة مطلقة لا يرجع على بائعه بالثمن، لاحتمال انتقال الملك من المشتري إلى المدعي. وقد ذهب إليه بعضهم (1)، لكن المشهور ثبوت الرجوع (2).
بل لو باع المشتري أو وهب وانتزع المال من المتّهب أو المشتري منه كان للمشتري الأول الرجوع أيضا.
قيل: وسبب ذلك الحاجة إليه في عهدة العقود، ولأن الأصل أن لا معاملة بين المشتري والمدعي، ولا انتقال منه، فيستدام الملك المشهود به إلى ما قبل الشراء (3).
ومنها: لو قال البائع: بعتك الشجرة بعد التأبير (4) فالثمرة لي، وقال المشتري: بل قبله فهي لي. وتقديم قول البائع هنا أقوى، لأصالة بقاء ملكه.
ويمكن رده إلى تعارض الأصلين، لأصالة عدم تقدم كل منهما، فيرجح البائع
__________
(1) نقله عن القاضي حسين في التمهيد: 495.
(2) منهم المحقق في الشرائع 3: 771، والعلامة في التحرير 2: 242، وابن قدامة في الشرح الكبير 5: 427، والرافعي في فتح العزيز 11: 289.
(3) هذا قول الرافعي كما في التمهيد: 496.
(4) التأبير: التلقيح (الصحاح 2: 574).(1/277)
بما ذكر بعد التساقط.
ومنها: إذا قالت: طلّقني على ألف، فطلقها، ثم اختلفا، فقال الزوج:
طلّقتك عقيب سؤالك، وقالت المرأة: بل بعده بحيث لا يعد جوابا، فالقول قولها لما ذكرناه، وليس معه هنا ترجيح بأصالة الصحة، لأن طلاقه صحيح على التقديرين بل معها أيضا أصالة براءة ذمتها من الألف.
ومنها: إذا استأجر الصبي مدة يبلغ فيها بالسن، فإن الإجارة لا تصح في المدة الواقعة بعد البلوغ على الأصح.
هذا إذا كان رشيدا حال الإجارة، وإنما يتوقف كماله على البلوغ. أما لو كان غير رشيد، فيمكن أن يقال بالصحّة، لأصالة بقاء الحجر بالسفه، فيلحق ما بعد البلوغ بالمدة التي يشك في البلوغ فيها كالسنة الرابعة عشر، مع أن الأقوى فيها الصحة.
نعم لو بلغ رشيدا حيث لم يكن حاصلا حالة الإجارة، وقف في الباقي على إجازته على الأقوى. ولا يخفى رجوع هذه الفروع إلى القاعدة.
ومما يتفرع على ذلك: ما لو غاب الصبي عن وليّه مدة يبلغ فيها بالسن، فهل يجوز له التصرف في ماله بناء على أصالة عدم الرشد، أم يصير أمره إلى الحاكم بحكم الغيبة؟ المتجه على ما فصلناه بقاء ولاية الأب، وعلى ما أطلقه جماعة من عدم صحة إجارة مدة تزيد عما يحصل فيه البلوغ زوالها حينئذ.
فهذه نبذة من الفروع المترتبة على القاعدة، وألحق بها ما يحضرك منها، فإنه كثير جدا، وهي من أشرف القواعد.
مسألة: قول الصحابي ليس بحجة عندنا مطلقا من حيث هو صحابي،
وعند الشافعي هو حجة فيما ليس للاجتهاد فيه مجال. فإنه قال: روي عن علي عليه السلام أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو
ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه، فالظاهر فعله توقيفا (1).(1/278)
وعند الشافعي هو حجة فيما ليس للاجتهاد فيه مجال. فإنه قال: روي عن علي عليه السلام أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو
ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه، فالظاهر فعله توقيفا (1).
وأما قوله في الأمور المجتهد فيها، فلا يكون حجة على أحد من الصحابة المجتهدين بالاتفاق، كما قاله الآمدي (2) وابن الحاجب (3). وهل يكون حجة على غيرهم حتى يجب عليهم العمل به؟ فيه مذاهب، أصحها أنه ليس بحجة.
وفرّعوا على ذلك فروعا:
منها: ما إذا أصاب الرّجل بمكة حماما من حمامها فعليه شاة، اتباعا لجماعة من الصحابة (4). وربما علّل بأن الشاة مماثلة للحمامة في ألف البيوت فيدخل في إطلاق الآية (5).
ومنها: ترك قتل الراهب اتباعا للأول، وغير ذلك (6).
__________
(1) الرسالة للشافعي: 1807597.
(2) الإحكام في أصول الأحكام 4: 155.
(3) منتهى الوصول: 154.
(4) كتاب الأم 2: 195.
(5) الأنعام: 95.
(6) كتاب الأم 4: 240.(1/279)
المقصد السادس في التعادل والتراجيح
مقدمة: الأمارتان أي الدليلان الظنيان يجوز تعارضهما في نفس المجتهد بالاتفاق،
وأما تعادلهما في نفس الأمر فمنعه جماعة، لعدم فائدتهما (1)، وذهب الجمهور إلى الجواز (2).
وعلى هذا فقيل: يتخيّر المجتهد بينهما (3) وقيل: يتساقطان ويرجع إلى البراءة الأصلية (4).
وإذا قلنا بالتخيير لو وقع ذلك للقاضي فحكم بإحداهما مرة، فهل يجوز له الحكم بالأخرى مرة أخرى؟ وجهان.
وفصّل الرازي في الأمارتين طريقة ثالثة فقال: إن كانتا على حكمين متنافيين لفعل واحد كإباحة وحرمة، فهو جائز عقلا ممتنع شرعا، وإن كانتا على
__________
(1) نقله عن أبي الحسن في المعتمد 2: 306، وعنه وعن أحمد بن حنبل في الإحكام 4: 203.
(2) كما في المحصول 2: 434، واختاره ابن الحاجب في منتهى الوصول: 160، والآمدي في الأحكام 4: 203.
(3) فواتح الرحموت 2: 189، منهاج الوصول (الإبهاج 3: 132، نهاية السؤل 4: 437).
(4) حكاه في التمهيد: 505، ونهاية السؤل 4: 437.(1/281)
حكم واحد في فعلين متنافيين فهو جائز وواقع، ومقتضاه التخيير (1).
والدليل على الوقوع تخيير المالك لمائتين من الإبل بين أربع حقاق وخمس بنات لبون.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا تحيّر المجتهد في القبلة، فعند الجمهور يصلي إلى أيّ جهة شاء، عملا بالقاعدة وعندنا الأمر كذلك مع ضيق الوقت عن الصلاة إلى الأربع جهات، وإلا وجب مقدما على ذلك، لقدرته على الصلاة إلى القبلة أو ما في حكمها يقينا، فلا يجوز له الانتقال إلى غيره. فإذا صلى إلى أربع جهات متقاطعة على زوايا قوائم فهو إما مصل إلى القبلة أو منحرف عنها إلى حد لا يبلغ اليمين أو اليسار، وذلك أيضا في حكم القبلة للمتحيّر في صحة الصلاة مطلقا بخلاف ما إذا اقتصر على واحدة، أو صلى متعددا على غير ذلك الوجه.
نعم لو ضاق الوقت عن ذلك رجعنا إلى القاعدة.
ولكن يبقى أنه لو قدر على ما دون أربع فهل تجزيه الواحدة؟ مقتضى التعليل الإجزاء لأنه لا يقدر على اليقين بالثلاث، فضلا عما دونها، فتكون الثلاث والواحدة سواء، فيتخير، عملا بالقاعدة.
ويحتمل الوجوب، وبه صرّح بعضهم (2)، للأمر بالأربع في مرسلة خداش عن الصادق عليه السلام (3)، فيدخل ما دونها عند تعذرها في وجوب الإتيان بما يستطاع من الأمر حيث يتعذر إكماله.
__________
(1) المحصول 2: 434.
(2) الشرائع 1: 52، القواعد 1: 27.
(3) التهذيب 2: 45حديث 144، الاستبصار 1: 295حديث 1085، الوسائل 3: 226أبواب القبلة باب 8حديث 5.(1/282)
وهذا إنما يتم لو جعلنا الخبر حجة على الحكم كالشيخ (1) وجماعة (2).
وفيه نظر، لإرساله وجهالة راويه.
وإنما صرنا نحن إليه جعلا للزائد عن الفريضة من باب المقدمة حيث توقفت البراءة عليه كوجوب الصلاة الواحدة متعددة في الثياب المشتبهة بالنجس بحيث يزيد عن عدد النجس بواحد من باب المقدمة ومثل هذا لا يحتاج إلى نصّ. وعليه فلو تعذر فعل ما يحصل به اليقين، لم يحصل الغرض من الزائد عن واحدة، وإن كان أقرب إلى احتمال المطابقة، فإن مجرد ذلك غير كاف في الحكم بوجوب الزائد.
وذهب السيد رضي الدين بن طاوس رحمه اللََّه هنا إلى الرجوع إلى القرعة، استضعافا لمستند وجوب الصلاة إلى الأربع (3)، وهو حسن حيث لا يمكن فعل المجموع كما ذكر، لتعذّر الصلاة إلى القبلة وما في حكمها يقينا، فيرجع إلى القرعة الواردة شرعا لكل أمر مشتبه (4). أما مع إمكان الصلاة إلى الأربع فإنه يقدم على القرعة لما حققناه.
قاعدة «97» إذا تعارض دليلان فالعمل بهما ولو من وجه أولى من إسقاط أحدهما بالكلية،
لأن الأصل في كل واحد منهما هو الإعمال، فيجمع بينهما بما أمكن،
__________
(1) كما في التهذيب 2: 45.
(2) كالعلامة في المنتهى 1: 220.
(3) الأمان من إخطار الأسفار والأزمان: 94.
(4) التهذيب 6: 240حديث 593، الوسائل 18: 187أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى باب 13حديث 11، 18بلفظ آخر.(1/283)
لاستحالة الترجيح من غير مرجح.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا أوصى بعين لزيد، ثم أوصى بها لعمرو، فقيل: يشرك بينهما، لاحتمال إرادته، عملا بالقاعدة (1). والأصح كونه رجوعا.
وهذا بخلاف ما لو قال: (الّذي أوصيت به لزيد قد أوصيت به لعمرو) (2) أو قال لعمرو: قد أوصيت لك بالعبد الّذي أوصيت به لزيد، فإنه رجوع هنا قطعا.
والفرق: أنه هناك يجوز أن يكون قد نسي الوصية الأولى، فاستصحبناها بقدر الإمكان على القول بالتشريك، وهنا بخلافه.
ومنها: إذا قامت البينة بأن جميع الدار لزيد، وقامت أخرى بأن جميعها لعمرو، وكانت في يدهما، أو لم تكن في يد واحد منهما، فإنها تقسم بينهما.
ولو كان بين الدليلين عموم وخصوص من وجه، وهما اللذان يجتمعان في صورة، وينفرد كل منهما عن الآخر في أخرى، كالحيوان والأبيض، طلب الترجيح بينهما، لأنه ليس تقديم خصوص أحدهما على عموم الآخر بأولى من العكس، فإن الخصوص يقتضي الرجحان، وقد ثبت هاهنا لكل واحد منهما، خصوصا بالنسبة إلى الآخر، فيكون لكل منهما رجحان على الآخر. كذا جزم به في «المحصول» (3) وغيره (4).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
تفضيل فعل النافلة في البيت على المسجد الحرام، فإن قوله صلى اللََّه
__________
(1) الأم 4: 118، المغني لابن قدامة 6: 483، التمهيد: 506.
(2) بدل ما بين القوسين في «ح»: أوصيت لك بالعبد الّذي أوصيت به لعمرو.
(3) المحصول 2: 451.
(4) نهاية السؤل 4: 453.(1/284)
عليه وآله: «صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما عداه، إلا المسجد الحرام» (1) يقتضي تفضيل فعلها فيه على البيت، لعموم قوله صلى اللََّه عليه وآله: «فيما عداه»، وقوله صلى اللََّه عليه وآله: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (2) يقتضي تفضيل فعلها فيه على المسجد الحرام ومسجد المدينة.
ويرجح الثاني أن حكمة اختيار البيت عن المسجد: هو البعد عن الرياء المؤدي إلى إحباط الأجر بالكلية، وهو حاصل مع المسجدين.
وأما حكمه المسجدين: فهي الشرف المقتضي لزيادة الفضيلة على ما عداهما، مع اشتراك الكل في الصحة، وحصول الثواب، ومحصل الصحة أولى من محصل الزيادة.
ويمكن ردّ هذا إلى الأولى، فيعمل بكل منهما من وجه، بأن يحمل عموم فضيلة المسجد على الفريضة، وعموم فضيلة البيت على النافلة، لأن النافلة أقرب إلى مظنة الرياء من الفريضة، وهذا هو الأصح، وفيه مع ذلك إعمال الدليلين، وهو أولى من اطراح أحدهما.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» (3) فإن
__________
(1) الكافي 4: 555حديث 8، 10، التهذيب 6: 15حديث 3330، الوسائل 3: 435أبواب أحكام المساجد باب 57. صحيح البخاري 2: 76باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، صحيح مسلم 3: 180كتاب الحج حديث 510505، سنن ابن ماجة 1: 450حديث 1404 1405، الموطأ 1: 196كتاب القبلة حديث 9.
(2) صحيح البخاري 1: 186باب صلاة الليل، صحيح مسلم 2: 209كتاب صلاة المسافرين حديث 213، مسند أحمد 5: 182، الموطأ 1: 130كتاب صلاة الجماعة حديث 4.
(3) صحيح البخاري 1: 155باب من نسي صلاة، صحيح مسلم 2: 127كتاب المساجد 15 حديث 309، 315، 316، سنن النسائي 1: 295فيمن نسي الصلاة، مختصر سنن أبي داود.
1: 250حديث 408باب فيمن نام عن صلاة، الموطأ 1: 15كتاب وقوت الصلاة حديث 25، الوسائل 5: 347أبواب قضاء الصلوات باب 1حديث 1، باب 2حديث 3.(1/285)
بينه وبين نهيه صلى اللََّه عليه وآله عن الصلاة في الأوقات المكروهة (1) عموما وخصوصا من وجه، لأن الخبر الأول عام في الأوقات، خاص ببعض الصلوات، وهي المقضية والثاني عام في الصلاة، خاص ببعض الأوقات، وهو وقت الكراهة، فيصار إلى الترجيح.
والمرجح للأول أنه صلى اللََّه عليه وآله قضى سنّة الظهر بعد فعل العصر، وقال:
«شغلني عنها وفد عبد القيس» (2) ولما في المبادرة إلى القضاء من الاحتياط والمسارعة إلى الخير وبراءة الذّمّة.
هذا بالنظر إلى ما ورد عنه صلى اللََّه عليه وآله، وأما على ما رواه أصحابنا من اختصاص الكراهة بغير ذات السبب (3) فالحكم واضح.
ومنها: عدم كراهة الصلاة في الأوقات المكروهة بمكة شرّفها اللََّه تعالى فإن قوله صلى اللََّه عليه وآله: «يا بني عبد مناف من ولي منكم أمر هذا البيت فلا يمنعنّ أحدا طاف أو صلى آية ساعة شاء من ليل أو نهار» (4) مع نهيه صلى اللََّه عليه وآله عن الصلاة في الأوقات المكروهة، فيتعارضان من وجه، فقيل: يقدّم خصوص مكة، لعموم:
«الصلاة خير موضوع» (5) ونحوه، وظاهر الأصحاب تقديم عموم الكراهة.
__________
(1) صحيح البخاري 1: 152باب الصلاة بعد الفجر، صحيح مسلم 2: 244كتاب صلاة المسافر باب 53حديث 833، سنن النسائي 1: 275الساعات التي نهي عن الصلاة فيها، مختصر سنن أبي داود 2: 81حديث 12351229باب الصلاة بعد العصر.
(2) صحيح البخاري 1: 153باب مواقيت الصلاة، صحيح مسلم 2: 245كتاب صلاة المسافرين ب حديث 297، مختصر سنن أبي داود 2: 80حديث 1228باب الصلاة بعد العصر، سنن النسائي 1: 280باب الرخصة في الصلاة بعد العصر، إلا أن فيه: فشغلت عنها.
(3) الاستبصار 1: 290حديث 1061، وص 277حديث 10111007.
(4) سنن النسائي 1: 284باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة (بتفاوت يسير)، سنن ابن ماجة 1: 1254398باب 149.
(5) معاني الأخبار: 333.(1/286)
فائدة: إذا تعارض ما يقتضي إيجاب شيء مع ما يقتضي تحريمه، فإنهما يتعارضان،
كما قاله في «المحصول» (1) وغيره (2) حتى لا يعمل بأحدهما إلا بمرجح، لأن الخبر المحرّم يتضمن استحقاق العقاب على الفعل، والموجب يتضمنه على الترك. وجزم الآمدي (3) وجماعة (4) بترجيح المحرّم، للاعتناء بدفع المفاسد. ولكن ذكر الآمدي وابن الحاجب أيضا أنه: «يرجح الأمر بالفعل على النهي عنه» (5).
وفي معنى ما ذكرناه ما لو دار الأمر بين ترك المستحب، وفعل المنهي عنه.
إذا علمت ذلك فللقاعدة فروع:
منها: إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار، فإنه يجب غسل جميعهم والصلاة عليهم. فإن صلّى عليهم دفعة جاز، ويقصد المسلمين منهم وإن صلّى عليهم واحدا فواحدا جاز، ونوى الصلاة عليه إن كان مسلما، ويقول اللهم اغفر له إن كان مسلما. والصلاة عليهم دفعة أفضل، فيكون تخصيص المسلم كتخصيص العام بالنية.
واختلاط الشهداء بغيرهم، كاختلاط المسلمين بالكفار، لأن الشهداء لا يجوز تغسيلهم.
ومنها: إذا لم يعرف أنّ الميت مسلم أو كافر. فإن كان في دار الإسلام صلّى عليه، لأن الغالب فيها الإسلام بخلاف ما إذا كان في دار الكفر.
__________
(1) المحصول 2: 450.
(2) نهاية السؤل 4: 452، 460.
(3) الإحكام في أصول الأحكام 4: 259، 269.
(4) منهم صاحب فواتح الرحموت 2: 206، وابن الحاجب في المنتهى: 167.
(5) حكاه عنهما في التمهيد: 510.(1/287)
ولا فرق بين كون الغالب في تلك البقعة المسلمين أو الكفار. ولو قيل بالتفصيل كان وجها، إلا أنه مطرح عند الفقهاء.
وعلى الأول، فلو استوى المسلمون والكفار في الدار بحيث لا يحكم لأحدهما، أو استويا في تلك البقعة على الوجه الآخر، بني على تغليب الحرمة على الوجوب وعدمه.
ومنها: إذا لم يعلم الميت شهيدا أم غيره، فالمتجه وجوب تغسيله وتكفينه، لأن المقتضي له وهو الإسلام قائم، وقد شككنا في المسقط، والأصل عدمه والتعليق هنا على قوله إن كان كذا، بعيد، لأنه (لم) (1) يعتمد أصلا يتمسك به بخلاف الاختلاط، فإن الموجب متحقق، فيجب تعاطيه بما يمكن التوصل إليه.
ومنها: إذا شك المتوضئ هل غسل مرّة أو مرتين، احتمل الأخذ بالأكثر، فلا يغسل أخرى، لأنه مرتكب بدعة بتقدير الزيادة، وتارك للسنة بتقدير النقصان، ولكن المشهور هنا أن يأتي بالمشكوك فيه، لأصالة عدم الفعل.
وإنما تكون الزيادة بدعة بتقدير العلم بها، لا مطلقا.
قاعدة «98» إذا تعارض معنا أصلان عمل بالأرجح منهما، لاعتضاده بما يرجحه.
فإن تساويا خرج في المسألة وجهان غالبا، ولذلك صور:
منها: ما إذا وقعت في الماء نجاسة، وشك في بلوغه الكرية، فهل يحكم بنجاسته أم بطهارته؟ فيه وجهان:
أحدهما: الحكم بنجاسته، وهو المرجّح، لأن الأصل عدم بلوغ الكرية.
__________
(1) ليست في «م».(1/288)
والثاني: أنه طاهر، لأن الأصل في الماء الطهارة.
ويضعّف بأن ملاقاة النجاسة رفعت هذا الأصل، لأن ملاقاتها سبب في تنجيس ما تلاقيه مع اجتماع جميع المعدات لقبول التنجيس، ومنها كونه لا يبلغ الكر، وهو مشكوك فيه، فينتفي بالأصل.
ولا يخفى أن الحكم بالنجاسة مطلقا لا يتم إلا مع عدم تعيّن الاستعمال، وإلا وجب اعتباره، لأنه إذا توقف استعمال الماء الطاهر على الاعتبار وجب، ولم يجز التيمم بدونه، ولا الصلاة بالنجاسة.
وإطلاقهم الحكم بنجاسته حينئذ محمول على تعذر اعتباره، بوقوع ماء آخر فيه حصل به الجهل بقدر الماء الأول حين ملاقاة النجاسة له، ونحوه.
هذا كله إذا أمكن الحكم بأصالة القلة، فلو كان الماء كثيرا ثم نقص، ولاقته النجاسة، وشك في قدر الباقي منه، فالأصل استصحاب الكثرة السابقة، وعدم نقصان ما ينقصه عن الكر، ووجوب الطهارة به، فلا يعدل عنه إلى التيمم وما في معناه إلا مع تيقن عدمه، كما لو كان كرا فوجد فيه نجاسة وشك في وقوعها قبل بلوغ الكرية أو بعده، لوجود المقتضي للطهارة، وهو بلوغ الكرية، والشك في المانع، وهو سبق النجاسة، فينتفي بالأصل.
ومنها: مسألة الصيد الواقع في الماء القليل بعد رميه بما يمكن موته به، واشتبه استناد الموت إلى الماء أو الجرح، فإن الأصل طهارة الماء، وتحريم الصيد، حيث إنّ الأصل عدم حصول شرائط التذكية والأصلان متنافيان، لأن طهارة الماء تقتضي عدم نجاسة الصيد، المقتضي لعدم موته حتف أنفه، وتحريمه يقتضي عدم ذكاته، المقتضي لموته حتف أنفه، فالعمل بهما مشكل.
فإنه كما يستحيل اجتماع الشيء مع نقيضه، يستحيل اجتماعه مع نقيض لازمه، وموت الصيد يستلزم نجاسة الماء، فلا يجامع الحكم بطهارته، كما لا
يجامع تذكيته وكذلك ترجيح أحد الأصلين من غير مرجّح.(1/289)
فإنه كما يستحيل اجتماع الشيء مع نقيضه، يستحيل اجتماعه مع نقيض لازمه، وموت الصيد يستلزم نجاسة الماء، فلا يجامع الحكم بطهارته، كما لا
يجامع تذكيته وكذلك ترجيح أحد الأصلين من غير مرجّح.
ولا ريب أن مراعاة جانب الاحتياط أولى، إن لم ينحصر الماء الواجب استعماله فيه، بأن يضيق وقت العبادة المشروطة بالطهارة، ولا يجد غير ذلك الماء، ونحو ذلك.
وربما قيل: إنّ العمل بالأصلين المتنافيين واقع في بعض المسائل، كما لو ادّعت الزوجة وقوع العقد في الإحرام، فإنه يحلف، وليس لها حينئذ المطالبة بالنفقة، ولا له التزويج بأختها. والفرق بينه وبين ما هنا لا يصح.
ومنها: إذا وقع في الماء القليل روثة، وشك هل هي من مأكول اللحم، أو غيره أو مات فيه حيوان، وشك هل هو ذو نفس أم لا. وفيه وجهان:
أحدهما: أنه نجس، لأن الأصل في الأرواث والميتات النجاسة، ومتى حكم بطهارة شيء منها فهو رخصة في أمور مخصوصة، والأصل عدم كونه منها بخلاف ما يوجب النجاسة، فإنه غير منحصر.
والثاني: أنه طاهر، لأن الأصل في الماء الطهارة، فلا يزال عنها بالشك.
وقد منع بعضهم أن الأصل في الأرواث النجاسة، لأن ما روثه طاهر من الحيوان غير منحصر أيضا، فإذا تعارضا بقي الماء على أصل الطهارة.
والّذي تقتضيه أصولنا أنّ المحلّل من الحيوان غير الطير منحصر، والمحرّم غير منحصر وفي الطير غير منحصر فيهما، لأن ضابط المحلّل والمحرّم منه ما اشتمل على أحد الأوصاف الثلاثة التي هي: القانصة، والحوصلة، والصيصية، وعدمه. فإن احتمل كون الروثة من طائر فالثاني أقوى، وإلا فالأوّل.
ومنها: إذا وقع الذباب على نجاسة رطبة، ثم سقط بالقرب على ثوب، وشك في جفاف النجاسة ففيه وجهان، أحدهما: ينجس، لأن الأصل بقاء الرطوبة. والثاني: لا، لأن الأصل طهارة الثوب. ويمكن أن يدفع الأصل الأول الثاني، لأنه طارئ عليه ينافيه، وهو الوجه.
ومنها: ما لو تيقن الطهارة والحدث في وقت سابق، وشك في اللاحق منهما للآخر، فإن استصحاب حكم كل واحد يوجب اجتماع النقيضين، ولا ترجيح.(1/290)
ومنها: إذا وقع الذباب على نجاسة رطبة، ثم سقط بالقرب على ثوب، وشك في جفاف النجاسة ففيه وجهان، أحدهما: ينجس، لأن الأصل بقاء الرطوبة. والثاني: لا، لأن الأصل طهارة الثوب. ويمكن أن يدفع الأصل الأول الثاني، لأنه طارئ عليه ينافيه، وهو الوجه.
ومنها: ما لو تيقن الطهارة والحدث في وقت سابق، وشك في اللاحق منهما للآخر، فإن استصحاب حكم كل واحد يوجب اجتماع النقيضين، ولا ترجيح.
وفي المسألة أوجه، وفي تحقيقها طول والأقوى البناء على الحدث، حيث لا نستفيد من الاتحاد والتعاقب حكما يخالفه.
ومنها: إذا صلي جمعتان فصاعدا في فرسخ فما دون، واشتبه السبق والاقتران، تعارض أصلا عدم تقدم كل منهما، فيحصل التعارض. وذلك في قوة الاقتران، فيعيدون جميعا الجمعة (1) كما لو لم يصلوها ولأنها ثابتة في الذّمّة فتستصحب إلى أن يعلم المزيل، وهو مرجح آخر.
وقيل: تجب عليهم جميعا جمعة وظهر، لاحتمال سبق أحدهما، وهو يوجب الظهر عليهم حيث يقع الاشتباه، كما لو علم السابق واشتبه والاقتران (2) وهو يوجب الجمعة. فأحدهما في الذّمّة، ولا يعلم بعينه، فيجبان، كما يجب الفرضان المختلفان كمية على من فاته أحدهما ولم يعلمه بعينه (3).
ومنها: إذا أدرك الإمام في الركوع، فكبّر وركع معه، وشك هل رفع إمامه قبل ركوعه أم بعده؟ والمذهب أنه لا يعتد له بتلك الركعة، لأن الأصل عدم الإدراك، مع أنه معارض بأصالة بقاء الإمام في الركوع.
ومنها: إذا شكّ في شيء من أفعال الصلاة بعد الفراغ الموجب فواتها للإعادة، أو القضاء، أو لسجود السهو، فإن الأصل عدم الإتيان به، والأصل صحة الصلاة، وعدم وجوب القضاء وسجود السهو، والمذهب هو الثاني.
ومنها: العبد الآبق المنقطع خبره، هل تجب فطرته أم لا؟ وجهان،
__________
(1) في «د»: بجمعة.
(2) أي: ولاحتمال التقارن.
(3) إيضاح الفوائد 1: 123.(1/291)
أصحهما الوجوب، لأصالة بقاء حياته ووجه العدم أصالة براءة الذّمّة من وجوب الزكاة، وهو مندفع بأن الأصل الأول طارئ عليه رافع له.
ومنها: جواز عتقه عن الكفارة. والأقوى الجواز، لأصالة بقاء الحياة.
ووجه العدم أنّ الأصل بقاء الكفارة في الذّمّة إلى أن تتحقق البراءة بحياته وقد يعضده الظاهر الدال على هلاك العبد من انقطاع خبره ونحوه.
ومنها: إذا ظهر بالمبيع عيب، واختلفا، هل حدث عند المشتري أم عند البائع. ففيه وجهان:
أحدهما: القول قول البائع، لأن الأصل سلامة المبيع، ولزوم البيع بالتفرق.
والثاني: القول قول المشتري، لأن الأصل عدم القبض المبرئ.
ومنها: إذا ادعى بعد بلوغه وعقله أنه باع وهو صبي، وادعى المشتري أنه كان بالغا، تعارض أصلا بقاء الصبا وتأخر العقد لكن مع المشتري مرجح أصالة صحة العقد، فالعمل بأصله أقوى.
ومثله ما لو ادعى وقوعه حالة الجنون إن عرف له حالة جنون، وإلا فلا إشكال في تقديم المشتري.
وكذا القول في غيره من العقود، كما إذا ادعى الزوج عدم البلوغ حالة العقد، أو الزوجة كذلك، ونحوه.
ومنها: إذا وجد رأس المال في يد المسلّم إليه، فقال المسلّم: أقبضتكه بعد التفرق فيكون باطلا، وقال الآخر: بل قبله، ولا بيّنة لأحدهما، تعارض أصلا عدم القبض قبل التفرق، والتفرق قبله والترجيح هنا لمدعي الصحة.
ومثله ما لو وجد في يد المسلّم فقال المسلّم إليه: قبضته قبل التفرق ثم رددته إليك، وقال المسلّم: إنه لم يقبضه. إلا أن التعارض هنا بين عدم القبض
وأصالة الصحة.(1/292)
ومثله ما لو وجد في يد المسلّم فقال المسلّم إليه: قبضته قبل التفرق ثم رددته إليك، وقال المسلّم: إنه لم يقبضه. إلا أن التعارض هنا بين عدم القبض
وأصالة الصحة.
أما لو اختلفا في أصل القبض من غير تعرّض لما ذكر فالقول قول البائع وإن تفرّقا، لأنه منكر.
وفي مسألة الرد إنما يقبل قوله في الصحة، لا في رد الثمن، لأنها دعوى تفتقر إلى البينة بعد اعترافه بوصوله إليه. نعم يتوجه له على المسلّم اليمين في عدم الرد، كما يثبت على المسلّم إليه اليمين (1) في كونه قبضه.
ومنها: لو اختلف المتبايعان في وقت الفسخ، فقال أحدهما: فسخت في وقته، وقال الآخر: بل بعد مضيّ وقته، تعارض أصلا بقاء وعدم تقدّم الفسخ على الوقت الّذي يعترف به مدعي التأخر، والترجيح مع مدعي الصحة كالسابق.
ومنه ما لو اتفقا على التفرّق، وقال أحدهما: فسخت للمجلس قبله، وأنكر الآخر.
ومنها: ما لو باعه غير المشاهد حال البيع مع العلم به قبله، ثم اختلفا في التغيّر، تعارض أصلا عدم التغير، وعدم علم المشتري بهذه الحالة. وقد اختلف في تقديم أيّهما.
والوجه تقديم المشتري إن كان هو المدّعي للتغيّر الموجب للخيار، لانعضاد أصله بأصالة عدم وصول حقه إليه، وبقاء يده على الثمن. ولو انعكس الفرض، بأن ادعى البائع تغيّره بالزيادة، وأنكر المشتري، فالوجهان، والأصلان. إلا أنّ المرجّح هنا مع البائع.
ولو اتفقا على تغيّره، لكن اختلفا في تقدّمه وتأخره، واحتمل الأمران، فالوجهان.
ولو وجداه تألفا، واختلفا في تقدّم التلف عن البيع وتأخره، أو لم
__________
(1) في «د»، «م»: الثمن.(1/293)
يختلفا، تعارض أصلا عدم تقدم كل منهما، ويتّجه تقديم حق المشتري، لأصالة بقاء يده على الثمن، وملكه له مع الشك في تأثير العقد، لتعارض الأصلين.
ومنها: لو اختلف الراهن والمرتهن في تخمير العصير عند الرهن أو بعده، لإرادة المرتهن فسخ البيع المشروط به، فالأصل صحة البيع، والأصل عدم القبض الصحيح، إلا أنّ الأول أقوى، لتأيّده بالظاهر من صحة القبض.
وكذا لو كان المبيع عصيرا.
ومنها: لو أذن المرتهن للراهن في البيع، ثم رجع واختلفا، فقال الراهن:
إنما رجعت بعد البيع، وقال المرتهن: قبله، فالأصل عدم الرجوع قبل البيع، وعدم البيع قبل الرجوع، فيتعارضان. وتبقى مع الراهن أصالة صحة البيع، فقيل: يترجّح به (1)، ومع المرتهن أصالة بقاء الرهن، فقيل: يترجح به، للشك في صحة البيع مستجمعا للشرائط (2)، وهو آت في بقاء الرهن كذلك، إلا أنّ الشك في بقائها يوجب استصحابه، بخلاف البيع، فكان ترجيح جانب الوثيقة أقوى.
هذا إذا أطلقا الدعويين، أو اتفقا على زمن واحد تتعارض فيه الأصول، أما لو اتفقا على زمن أحدهما، واختلفا في تقدّم الآخر، فإن الأصل مع مدعي التأخر ليس إلا.
ومنها: من لزمه ضمان عين لو وصفها (3) بعيب ينقص القيمة، وأنكر المستحق، فهل يقبل قوله في دعوى العيب، لأنه غارم والأصل براءة ذمته، أو قول خصمه في إنكار العيب، لأن الأصل عدمه؟ أوجه، ثالثها وهو الأجود التفصيل، فإن أقرّ بالعين مطلقا، أو قامت بها البينة، ثم ادعى العيب، فالقول
__________
(1) قواعد الأحكام 1: 167.
(2) قواعد الأحكام 1: 167.
(3) في «د»: وضعها.(1/294)
قول المستحق، لأصالة السلامة.
وإن أقرّ بها ابتداء معيبة، بحيث اتصل وصف العيب بالإقرار بها، لم يلزمه زيادة عما أقرّ به، والأصل براءة ذمته من غير ما أقر به وأصالة السلامة منتفية هنا، إذ لم تتحقق في ذمته عين صحيحة ولا مطلقة، بل موصوفة بالعيب الّذي ادعاه ابتداء.
ومنها: لو قال الكفيل: لا حقّ لك على المكفول حالة الكفالة، ولا يلزمني إحضاره، تعارض أصلا براءة الذّمّة، وصحة العقد والأقوى ترجيح قول المكفول له كغيره ممن يدعي صحة العقد، والآخر فساده، فيحلف المكفول له، ويلزم الكفيل إحضاره.
ومنها: ما لو أجره عبدا وسلّمه إليه، ثم ادعى المستأجر أنّ العبد آبق من يده، وأنكر الآخر، ففي قبول قوله وجهان: من أصالة عدم الإباق، وأن الموجر يملك الإجارة كلها بالعقد، فيستصحب، ومن أصالة عدم تسليم المنفعة المعقود عليها.
ولو ادعى أنّ العبد مرض، فالقول قول المؤجر، لأصالة عدمه. والفرق بينه وبين الإباق: أنّ المرض يمكن إقامة البينة عليه، بخلاف الإباق. ولو قيل بالتسوية بينهما كان حسنا.
ومنها: إذا ادعى أنّ شريكه اشترى بعده، وأنه يستحق عليه الشفعة، فأنكر الشريك، فالأصل عدم استحقاقه عليه الشفعة لكنه معارض بأن الأصل عدم تقدم شراء الشريك، فيحكم بتأخره إلى أن يتحقق وجوده، وذلك يوجب تأخره عن شريكه، فيتعارض الأصلان. وحينئذ فيبقى ملكه في يده لعدم دليل يخرجه عنه.
ومنها: لو تداعيا معا السبق، وأراد كل منهما الأخذ من الآخر بالشفعة، فالأصل يقتضي عدم سبق كل منهما، وعدم استحقاق الآخر للشفعة عليه،
فيتساقطان، ويتحالفان، ويستقر ملكهما على ما كان، وتنتفي الشفعة.(1/295)
ومنها: لو تداعيا معا السبق، وأراد كل منهما الأخذ من الآخر بالشفعة، فالأصل يقتضي عدم سبق كل منهما، وعدم استحقاق الآخر للشفعة عليه،
فيتساقطان، ويتحالفان، ويستقر ملكهما على ما كان، وتنتفي الشفعة.
ومنها: لو اختلف الجاعل والمجعول له في السعي، فقال المالك: حصل في يدك قبل الجعل، وقال الراد: بل بعده، تعارض أصلا براءة ذمة الجاعل من المال، وعدم تقدّم الحصول على الجعل. وإذا تعارضا لم يبق دليل على شغل ذمة المالك، فيقدم قوله بيمينه.
ومثله ما لو قال: حصل في يدك قبل علمك بالجعل، أو من غير سعي، وإن كان بعد صدوره.
ومنها: ما لو وكّل في تزويج ابنته، فحصل موت الموكّل ووقوع النكاح، وشككنا في السابق، فالأصل عدم النكاح، وبقاء الحياة. والمتجه عدم صحة النكاح، لتعارض الأصلين، فتبقى أصالة التحريم. أو يقال: إذا وجب في الحادث تقدير وجوده في أقرب زمان، لزم اقترانهما في الزمان، وحينئذ فيحكم بالبطلان.
ومنها: لو حصل العدد المعتبر من الرضاع، وشك في وقوعه في الحولين أو بعدهما، تعارض أصلا بقائهما وبقاء الحل. وفي ترجيح أيّهما قولان مشهوران (1).
ومنها: إذا ضرب للعنين الأجل واختلفا في الإصابة، والمرأة ثيّب، فهل القول قول الزوجة، لأن الأصل عدم الوطء، أو قول الزوج، لأن الأصل عدم موجب الفسخ؟ قولان.
وفيها قول ثالث، وهو أن يحشى قبلها خلوقا ويؤمر بوطئها، فيصدق مع ظهوره على العضو، وهو يرجع إلى ترجيح الظاهر على الأصل، وسيأتي.
ومنها: إذا أسلم الزوجان بعد الدخول، فقال: أسلمت في عدّتك،
__________
(1) انظر قواعد الأحكام 2: 11.(1/296)
فالنكاح باق، وقالت: بل أسلمت بعد انقضائها، ففي ترجيح أيّهما، وجهان، من أصالة بقاء النكاح، وأصالة عدم إسلامه في العدة.
ومنها: إذا قال: أسلمت قبلك، فلا نفقة لك، وقالت: بل أسلمت قبلك، فلي النفقة. وفيه وجهان أيضا، منشؤهما أصالة وجوب النفقة، وأصالة عدم وجود (1) التمكن من الاستمتاع الّذي هو شرط وجوبها.
ومنها: إذا طلّقت الأمة طلقتين، وأعتقها سيدها، فإن وقع العتق أولا، فللزوج رجعتها، وتجديد نكاحها وإن طلّق أولا لم تحلّ إلا بالمحلل.
فلو أشكل السابق، واعترف (2) الزوجان، تعارض أصلا عدم تقدّم كل من الطلاق والعتق.
ولا يمكن هنا الاقتران، لأن العتق لا يقارن الطلقتين معا، فيقع الإشكال.
وفي الحكم حينئذ بالتحريم إلا بمحلل احتياطا، أو التحليل، للشك في المحرم بدونه، وجهان.
ولو اختلفا في السابق نظر، إن اتفقا على وقت الطلاق، كيوم الجمعة مثلا، وقال: عتقت يوم الخميس فلي الرجعة، وقالت: بل يوم السبت، فالقول قولها، للقاعدة المذكورة وإن اتفقا على أن العتق يوم الجمعة، وقال:
طلقت يوم السبت، فقالت: بل يوم الخميس، فالقول قوله، لما ذكرناه.
وإن لم يتفقا على وقت أحدهما، بل قال: طلقتك بعد العتق، وقالت:
بل قبله، واقتصرا عليه، فالقول قوله، للتعليل السابق أيضا ولأنه أعرف بوقت الطلاق.
ومنها: إذا اتفقا على الرجعة وانقضاء العدة، واختلفا في السابق
__________
(1) في «م»: وجوب.
(2) كذا، والأصح: واختلف.(1/297)
منهما. وفيه التفصيل السابق، ومع الاشتباه يقدم قوله، لأصالة صحة الرجعة.
ومنها: لو ادعى المطلّق الرجعة والعدة باقية، وأنكرت، تعارض أصلا عدم انقضائها قبل الرجعة، وعدم تقدم الرجعة على انقضائها. فإن اتفقا على وقت الانقضاء حلف، أو على وقت الرجعة حلفت كما سلف، وإلا ففي تقديم أيّهما نظر. هذا كله إذا لم تتزوج، وإلا لم يقبل منه مطلقا.
ومنها: لو قال: خلعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل في ذمة زيد، فالأصل براءة ذمتها، والأصل في مال الخلع أن يكون في ذمتها. وفي تقديم أيهما قولان، أجودهما الأول.
ومنها: لو نشزت وعاودت، ثم اختلفا في مدة النشوز، لتسقط فيه النفقة، فالأصل استمرار النشوز، وعدم تقدمه في الوقت الّذي يدعيه ولكن المقدّم هنا الزوج، لاعتضاد أصل براءة الذّمّة (1).
ومنها: لو اختلف الزوجان بعد الفرقة، فقالت المرأة: قذفتني بعد الطلاق فلا لعان، وقال الزوج: بل قبله، فالقول قول الزوج، لتعارض الأصلين، فيرجح بأصالة عدم الحد المستقر. وكذا لو قالت: قذفتني قبل التزويج، فقال: بل بعده.
ومنها: لو اختلف المكاتب ومولاه في قدر المال أو النجوم، فإن الأصل عدم الزيادة، وعدم العتق إلا بما يوافق عليه المولى. وقد اختلف في تقديم أيّهما، والمشهور تقديم قول من يدعي النقصان فيهما، وهو المكاتب في الأول، والمولى في الثاني (2).
ومنها: إذا رمى صيدا فجرحه، ثم غاب عنه، ووجده ميتا ولا أثر به غير سهمه، أو جرحه جرحا موجعا، ثم سقط في ماء ونحوه، فهل يباح؟ وجهان
__________
(1) في «ح»: لاعتضاد أصله ببراءة الذّمّة.
(2) اختاره المحقق في شرائع الإسلام 3: 682، والعلامة في تحرير الأحكام 2: 92.(1/298)
من أصالة عدم مشاركة سبب آخر في قتله، وأصالة تحريم الحيوان حتى تتيقن إباحته. ويمكن اعتضاد الأصل الأول بأن الظاهر موته بهذا السبب دون غيره.
ومنها: لو كان متزوجا رقيقة أو كافرة على وجه يصح، فمات الزوج، وله وارث غيرها، واتفقت ورثته معها على إسلامها أو عتقها، لكن قالوا: إن ذلك بعد موت الزوج، وقالت المرأة: بل قبله، فإن المصدّق هو الورثة، لتعارض الأصلين. فتبقى معهم أصالة عدم الإرث.
ومنها: لو قذفه قاذف، وعرف له حالة جنون سابقة، وادعى القاذف أنه قذفه حالة جنونه، فالقول قول القاذف، وإن تعارض أصلا عدم تقدّم كل من القذف والجنون، لأصالة عدم الحد.
ومنها: من قتل من لا يعرف، ثم ادعى رقّه أو كفره، وأنكر الولي، فهل يقبل قوله، لأصالة عصمة دمه، أو قول الولي، لأن الأصل في القتل إيجاب القصاص إلا أن يمنع مانع، ولم يتحقق ذلك؟ ويؤيّده أصالة عدم الإسلام، وأما الرق فإنه طارئ فالأصل عدمه.
ويمكن هنا القدح في الأصل الثاني: بمنع أصالة إيجاب القصاص في القتل، لأنه مشروط بشرائط، والأصل عدم اجتماعها عند الشك فيه.
ومنها: لو جنى على بطن حامل، فألقت ولدا لوقت يعيش المولود في مثله، واختلفا في حياته عند الوضع، تعارض أصلا الحياة وبراءة الذّمّة، وفيه الوجهان.
ومنها: لو قد ملفوفا، وادعى أنه كان ميتا، وقال الولي: بل كان حيا، تعارض أصلا بقاء الحياة، وبراءة الذّمّة من القصاص أو الدية.
وفي المسألة قولان مشهوران: تصديق الولي، لتحقق شغل الذّمّة
بالجناية والجاني، للبراءة الأصلية (1). وفي تقديم أصل الحياة قوة.(1/299)
وفي المسألة قولان مشهوران: تصديق الولي، لتحقق شغل الذّمّة
بالجناية والجاني، للبراءة الأصلية (1). وفي تقديم أصل الحياة قوة.
وربما فرّق بعضهم بين كونه في كفن وشبهه، وفي ثياب الأحياء (2)، وهو ضعيف، لأن الميت قد يصاحب ثياب الأحياء، والحي قد يلبس ثياب الأموات، خصوصا المحرم. ولعل هذا القائل يرجع بتعارض الأصلين إلى الظاهر، فيجعله مرجحا، كما سيأتي في نظائره.
ومنها: لو زاد في القصاص من الجراح، وقال: إنما حصلت الزيادة باضطراب المقتص منه، وأنكر ذلك، فالأصل عدم الاضطراب، وبراءة الذّمّة. ويعضد الأول أصالة وجوب الضمان للزائد، لأنه غير مستحق وقع على نفس محترمة.
ومنها: إذا جاء بعض العسكر بمشرك، فادعى المشرك أنّ المسلم أمّنه، وأنكر، ففي قبوله وجهان: من أصالة عدم الأمان، وأصالة الحظر في الدماء إلا بيقين الإباحة. وقد وقع الشك هنا.
ومثله ما لو دخل حربي دار الإسلام، وادعى أن بعض المسلمين عقد له أمانا. وفي قبول قوله الوجهان، والوجه أنه يرد إلى مأمنه للشبهة.
ومنها: لو ادعى الأسير المنبت استعجاله بالدواء، مع إمكانه في حقه، فإنه يتعارض أصلا عدم البلوغ، وعدم التداوي. والأقوى ترجيح الأول، لأنه شبهة يدرأ بها القتل كالسابق.
قاعدة «99» قاعدة شريفة تختم بها باب التعارض:
إذا تعارض الأصل والظاهر، فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها
__________
(1) المبسوط 7: 255، قواعد الأحكام 2: 311.
(2) انظر المغني لابن قدامة 9: 396.(1/300)
شرعا، كالشهادة والرواية والأخبار، فهو مقدّم على الأصل بغير إشكال وإن لم يكن كذلك بل كان مستنده العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظن ونحو ذلك، فتارة يعمل بالأصل، ولا يلتفت إلى الظاهر، وهو الأغلب، وتارة يعمل بالظاهر، ولا يلتفت إلى هذا الأصل، وتارة يخرج في المسألة خلاف.
فهاهنا أقسام:
القسم الأول: ما يترك العمل بالأصل للحجة الشرعية، وهو قول من يجب العمل بقوله،
وله صور كثيرة:
منها: شهادة العدلين بشغل ذمة المدعى عليه.
ومنها: شهادتهما ببراءة ذمة من علم اشتغال ذمته بدين ونحوه.
ومنها: شهادتهما بدخول الليل للصائم، وطلوع الفجر له، ورؤية الهلال للصوم والفطر، والنجاسة، والطهارة، ودخول وقت الصلاة، حيث يجوز التقليد، إن قدمناهما على تقليد الواحد، كما هو الظاهر، ونحو ذلك.
ومنها: إخبار الواحد ذي اليد بطهارة ما بيده، بعد العلم بنجاسته أو بالعكس، وإن لم يكن عدلا.
ومنها: إخبار العدل الواحد بهلال رمضان، على قول بعض الأصحاب (1).
ومنها: إخباره بعزل الموكل الوكيل، فإنه كاف وحده، كما دلّت عليه
__________
(1) المراسم: 96.(1/301)
صحيحة هشام بن سالم (1).
ومنها: 7إخباره بدخول وقت الصلاة والفطر للمعذور، كالأعمى، والمحبوس، ومن لا يعلم الوقت، ولا يقدر على التعلم، إما مطلقا، أو مع تعذر خبر العدلين كما مر.
ومنها: إخباره إذا كان مؤذنا بدخول الوقت بالأذان للمعذور كما مر قطعا، ولغيره أيضا على قول المحقق (2) وبعض الأصحاب (3) استنادا إلى قوله صلى اللََّه عليه وآله: «المؤذنون أمناء» (4) ولا تتحقق الأمانة إلا مع قبول قولهم.
ومنها: إخباره بكون «الجدي» من المستقبل على الجهة الموجبة للقبلة، ونحوه من العلامات، وإخباره بوصول الظل إلى محل مخصوص يعلم المخبر بأنه يوجب دخول الوقت على قول بعض الأصحاب، وإن لم يجز تقليده في نفس دخول الوقت.
ومنها: قبول قول الأمناء، ونحوهم، ممن يقبل قوله في تلف ما اؤتمن عليه من مال وغيره.
ومنها: قبول قول المعتدة في انقضاء عدتها بالأقراء، ولو في شهر واحد، سواء كانت عادتها منتظمة بما يخالف ذلك أم لا وإخبارها بابتداء الحيض بها وانقطاعه عنها بعد العلم بخلافه، ما لم يعلم كذبها، ونحو ذلك، وهو كثير جدا.
__________
(1) الفقيه 3: 83حديث 3385، التهذيب 6: 213حديث 503، الوسائل 13: 286كتاب الوكالة باب 2حديث 1.
(2) المعتبر في شرح المختصر 2: 63.
(3) نقله عن الموجز لأبي العباس في مفتاح الكرامة 2: 44.
(4) الفقيه 1: 292حديث 905، مجالس الصدوق: 127، الوسائل 4: 618أبواب الأذان والإقامة باب 3حديث 7.(1/302)
ومنها: ادعاء المطلّقة ثلاثا التحليل في وقت إمكانه مطلقا، أو مع كونها ثقة على رواية (1)، أو إصابة المحلل وإن أنكرها على الأقوى.
القسم الثاني: ما عمل فيه بالأصل،
ولم يلتفت إلى القرائن الظاهرة، وله صور كثيرة:
منها: إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء، أو ثوب، أو أرض، أو بدن، وشك في زوالها، فإنه يبنى على الأصل، وإن دلّ الظاهر على خلافه، كما لو وجد الثوب نظيفا بيد من عادته التطهير إذا نظّف (2) ونحوه إلا أن يتفق مع ذلك خبر محتفّ بالقرائن الكثيرة، الموجب للعلم، أو الظن المتاخم له، فيقوى العمل به.
وفي الاكتفاء بالقرائن منفكة عن الخبر وجه، من حيث إنّ العبرة في إفادة الخبر المحفوف بالقرائن العلم [العلم] (3) بالقرائن، لا به. وكذا القول فيما علم من نكاح وطلاق وغيرهما.
ومنها: إذا شكّ في طلوع الفجر في شهر رمضان، فإنه يباح له الأكل حتى يستيقن الطلوع، وإن ظنّ خلافه بالقرائن المحتملة لظهور خلافه، أو كان المخبر ثقة واحدا، في ظاهر المذهب.
ومنها: ثياب من لا يتوقّى النجاسة من الأطفال، والقصابين، ومدمني الخمر، والكفار، فإن الظاهر نجاستها، والأصل يقتضي طهارتها وقد رجّح الأصحاب هنا الأصل على الظاهر.
ومنها: إذا وجد كلبا خارجا من بيت فيه إناء مكشوف، ومعه أثر مباشرته
__________
(1) التهذيب 8: 34حديث 105، الاستبصار 3: 275حديث 980، الوسائل 15: 370أبواب أقسام الطلاق باب 11حديث 1.
(2) في «د»: إذ الظن.
(3) أضفناه ليتم المعنى.(1/303)
له برطوبة، فإنه يعمل بالأصل، وهو الطهارة، وعدم مباشرته، وإن كان الظاهر خلافه. حتى لو كان الإناء فيه مثل اللبن مما يظهر على العضو، ووجد على فم الكلب أثره، لم يحكم بالنجاسة، على ما صرّح به جمع من الأصحاب (1).
ومنها: معاملة الظالمين، ومن لا يتوقّى المحارم، بحيث يظن تحريم ما بيده، فإن الأصل الحل، وإن كرهت معاملتهم.
ومنها: البناء على تمام الشهر، لو لم يتمكن من رؤية الهلال لغيم ونحوه، حيث لا قائل بالرجوع إلى غيره من الأمارات وإلا كان من باب الخلاف في ترجيح أيهما، كما لو غمّت الشهور.
منها: إذا ادّعت الزوجة بعد (2) طول بقائها مع الزوج ويساره أنه لم يوصلها النفقة الواجبة، فقد قال الأصحاب: القول قولها، لأن الأصل معها، مع أن العادة والظاهر لا يحتمل ذلك.
ولو قيل بترجيح الظاهر كان وجها في المسألة ليس بذلك البعيد، إلا أنّ القائل به غير معلوم لكن بعضهم أشار إليه في تعريف المدعي والمنكر حيث إنّ معها الأصل، ومعه الظاهر، فهو مدّعي على الأول، وهي على الثاني. وكذا على القول بأنه يخلّى وسكوته، أو يترك لو ترك.
القسم الثالث: ما عمل فيه بالظاهر،
ولم يلتفت إلى الأصل، وله صور:
منها: إذا شكّ بعد الفراغ من الطهارة، أو الصلاة أو غيرهما من العبادات، في فعل من أفعالها، بحيث يترتب عليه حكم، فإنه لا يلتفت إلى الشك، وإن كان الأصل عدم الإتيان به، وعدم براءة الذّمّة من التكليف به
__________
(1) جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 410.
(2) في «م»: مع.(1/304)
لكن الظاهر من أفعال المكلفين بالعبادات أن تقع على الوجه المأمور به، فيرجّح هذا الظاهر على الأصل. وللحرج لو أمر بالتحفّظ إلى بعد حين.
وهو مرويّ عندنا صحيحا عن الصادق عليه السلام، أنه قال لزرارة بن أعين: «إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء» (1).
وكذا لو شكّ في فعل من أفعال الصلاة بعد الانتقال منه إلى غيره، وإن كان فيها، لأن الظاهر فعله في محله، مع أن الأصل عدمه، وليس كذلك الطهارة، والفارق النص (2)، وإلا لأمكن القول باتحاد الحكم.
ومنها: شك الصائم في النية بعد الزوال، فإنه لا يلتفت وإن كان الأصل عدمها، عملا بالظاهر السابق، من عدم إخلاله بالواجب، ولو كان قبل الزوال وجب الاستئناف.
وهذا الفرع في معنى الشك في أفعال الصلاة بعد تجاوز محله، فإنّ محل النية ما قبل الزوال في الجملة.
ويحتمل على السابق: الاكتفاء في عدم الالتفات بالشك فيها بعد الفجر مطلقا، لفوات محلها الاختياري لكن لما أمكن استدراكها في الجملة، وجب على الشاك فيها قبل الزوال التجديد، عملا بالأصل، مع سهولة الحال.
ومنها: لو شكّ بعد خروج وقت الصلاة في فعلها، فإنه يبني على الفعل، ولا يجب عليه القضاء، وإن كان الأصل عدم الفعل، بناء على الظاهر من أنّ المكلّف لا يفوّت العبادة في وقتها اختيارا، وهو قريب من السابق.
ومنها: لو صلى ثم رأى على ثوبه أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها، وشكّ
__________
(1) التهذيب 2: 352حديث 1459، الوسائل 5: 336أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 23 حديث 1.
(2) الوسائل 1: 330أبواب الوضوء باب 42.(1/305)
هل لحقته قبل الصلاة أو بعدها، وأمكن الأمران، فالصلاة صحيحة، وإن كان الأصل عدم انعقاد الصلاة عليها، وبقاءها في الذّمّة حتى يتيقن صحتها، لكن حكموا بالصحّة، لأن الظاهر صحة إعمال المكلفين وجريانها على الكمال. وعضد ذلك: أنّ الأصل عدم مقارنة النجاسة للصلاة.
ويمكن رجوع المسألة إلى تعارض الأصلين، فيرجّح أحدهما بظاهر يعضده.
هذا إذا أوجبنا على الجاهل الإعادة مطلقا أو في الوقت، وكان يمكن، وإلا سقط الفرع.
ومنها: إذا ظنّ دخول الوقت، ولا طريق إلى العلم، لغيم وحبس ونحوهما، فيجوز البناء على الظاهر من الدخول، وإن كان الأصل عدمه.
ومنها: ما لو شك في دخول الليل للصائم، حيث لا طريق إلى العلم، فيجوز البناء على الظاهر والإفطار.
ومنها: أن المستحاضة المعتادة ترجع إلى عادتها، وإن لم يكن لها عادة فإلى تمييزها، وإن لم يكن لها عادة ولا تمييز رجعت إلى نسائها، ثم إلى الروايات، على ما فصّل في محله، لأن الظاهر مساواتها لهنّ، وكون ما هو بصفة الحيض حيضا بشرائطه الباقية، مع أن الأصل عدم انقضاء حيضها حينئذ حيث قد علم ابتداؤه، وعدم ابتدائه، وبقاء التكليف بالعبادة حيث لا يعلم.
ومنها: امرأة المفقود تتزوج بعد البحث عنه أربع سنين على ما فصّل، لأنّ الظاهر حينئذ موته، وإن كان الأصل بقاءه.
وهل تثبت له أحكام الموتى مطلقا أم للزوجة خاصة؟ ظاهر الأصحاب والأخبار: الثاني، حتى ورد الأمر بأن الحاكم يطلّقها بعد المدة، ثم
تعتد بعده.(1/306)
وهل تثبت له أحكام الموتى مطلقا أم للزوجة خاصة؟ ظاهر الأصحاب والأخبار: الثاني، حتى ورد الأمر بأن الحاكم يطلّقها بعد المدة، ثم
تعتد بعده.
ووجه الأول: الأمر باعتدادها عدة الوفاة، فلو كان الحكم للطلاق لاعتدّت عدّته، وجاز كون الطلاق احتياطا للفروج.
وأما قسمة ماله، فظاهر الأكثر توقفه على مضيّ مدة لا يعيش مثله إليها عادة، مع ما فيه من الخلاف المشهور، المستند إلى اختلاف الروايات في التحديد.
ومنها: إذا ادّعى من نشأ في دار الإسلام من المسلمين الجهل بتحريم الزنا والخمر ووجوب الصلاة ونحو ذلك، فإنه لا يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك. ومثله من يدّعي ما يشهد الظاهر بخلافه، كالجهل بالخيار وعدمه.
ومنها: لو ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها في يوم معيّن بمهر مسمّى، وشهد به شاهدان ثم ادعت عليه أنه تزوجها في يوم آخر معيّن بمهر معيّن، وشهد به شاهدان، ثم اختلفا، فقالت المرأة: هما نكاحان، فلي المهران، وقال الزوج: بل نكاح واحد تكرر عقده، فالقول قول الزوجة، لأن الظاهر معها.
وكذا لو شهدت بيّنة أنه باعه هذا الثوب في يوم كذا بثمن، وشهدت بيّنة أخرى أنه باعه منه في يوم آخر بثمن، فقال المشتري: هو عقد واحد كررناه، وقال البائع: بل عقدان، فالقول قول البائع، لأن الظاهر معه. ويحتمل تقديم منكر التعدد، لأصالة براءة الذّمّة من الثاني.
ومنها: ما لو ادّعى زوجية امرأة، وادعت أختها زوجيته، وأقاما بيّنة، مع انضمام الدخول إلى بيّنتها، وهي المسألة المشهورة، فالرواية والفتوى على تقديم قولها، لشهادة الظاهر لها، وهو الدخول.
ومنها: ما لو اختلف البائع والمشتري في نقصان المبيع، وكان المشتري قد حضر الكيل أو الوزن، فإنّ القول قول البائع كما ذكروه، لشهادة الظاهر له من أنّ المشتري إذا حضر الاعتبار يحتاط لنفسه، وإن كان الأصل عدم قبض الجميع. ولو لم يحضر قدّم قوله، عملا بالأصل.(1/307)
ومنها: ما لو ادّعى زوجية امرأة، وادعت أختها زوجيته، وأقاما بيّنة، مع انضمام الدخول إلى بيّنتها، وهي المسألة المشهورة، فالرواية والفتوى على تقديم قولها، لشهادة الظاهر لها، وهو الدخول.
ومنها: ما لو اختلف البائع والمشتري في نقصان المبيع، وكان المشتري قد حضر الكيل أو الوزن، فإنّ القول قول البائع كما ذكروه، لشهادة الظاهر له من أنّ المشتري إذا حضر الاعتبار يحتاط لنفسه، وإن كان الأصل عدم قبض الجميع. ولو لم يحضر قدّم قوله، عملا بالأصل.
ويمكن رد هذا الفرع إلى تعارض الأصلين مع شهادة الظاهر لأحدهما، بأن يقال: إنّ المشتري عند قبضه للحق وقبل دعواه الاختبار كان يعترف بوصول حقه إليه وقبضه إياه كمّلا فإذا ادّعى بعد ذلك النقصان كان مدعيا لما يخالف الأصل، إذ الأصل براءة ذمة البائع من حقّه بعد قبضه، ويخالف الظاهر أيضا كما قلناه.
ولا يرد مثله لو لم يحضر الاعتبار، لأنه حينئذ لا يكون معترفا بوصول حقه إليه، لعدم اطلاعه عليه، وإنما اعتمد على قول غيره.
ومنها: نجاسة البلل الخارج من الفرج إذا لم يستبرئ فإنه يحكم بنجاسته وإن كان الأصل فيما عدا النجاسات العشرة الطهارة، لشهادة الظاهر بأنه من البول إن كان السابق بولا، ومن المني إن كان منيا.
ومنها: غيبة المسلم بعد نجاسته، أو نجاسة ما يصحبه من الثياب ونحوها، فإنه يحكم بطهره إذا مضى زمان يمكنه فيه الطهارة، عملا بظاهر حال المسلم أنه يتنزّه عن النجاسة في ظاهر مذهب الأصحاب. ومن التعليل يظهر اشتراط علمه بها واعتقاده نجاستها.
وألحق به بعضهم اعتقاده استحباب التنزّه عنها، وإن لم يعتقد نجاستها، كالمخالف في بعض النجاسات التي لا يحكم بنجاستها، بل يُسن عنده التنزه عنها للخلاف فيها أو غيره.
ومنها: إذا شكّ المصلي في عدد الركعات، أو في فعل من الأفعال، وغلب ظنه على فعله، فإنه يبني على وقوعه، عملا بالظاهر وإن
كان الأصل عدم فعله.(1/308)
ومنها: إذا شكّ المصلي في عدد الركعات، أو في فعل من الأفعال، وغلب ظنه على فعله، فإنه يبني على وقوعه، عملا بالظاهر وإن
كان الأصل عدم فعله.
وأما كثير السهو، فإنه وإن حكم بالوقوع المخالف للأصل، إلا أنه لا ظاهر معه يشهد له، وإنما مستند حكمه النص العام برفع الحرج وإرادة اليسر، أو الخاصّ به في الصلاة.
ومنها: لو قال: له عليّ ألف درهم ودرهم ودرهم، وأطلق، فإن الثالث يمكن كونه معطوفا على الثاني، ويمكن كونه تأكيدا، لاتحاد لفظهما مقترنا بالواو لكن الظاهر العطف، والأصل يقتضي براءة الذّمّة مما زاد على الدرهمين.
وقد رجّحوا هنا الظاهر على الأصل، وحكموا بلزوم الثلاثة. لكن لو قال: أردت التأكيد، قبل، ولزمه درهمان، فرجّحوا هنا الأصل على الظاهر، رجوعا إلى نيته التي لا تعلم إلا منه.
القسم الرابع: ما اختلف في ترجيح الظاهر فيه على الأصل أو العكس،
وهو أمور:
منها: غسالة الحمام، وهو الماء المنفصل عن المغتسلين فيه، الّذي لا يبلغ الكثرة حال الملاقاة. والمشهور بين الأصحاب الحكم بنجاسته، عملا بالظاهر، من باب مباشرة أكثر الناس له بنجاسة (1). ومستنده مع ذلك رواية مرسلة ضعيفة السند عن الكاظم عليه السلام (2).
وقيل: يرجح الأصل، لقوته مع معارضة تلك بأخرى مرسلة مثلها
__________
(1) السرائر 1: 90، المعتبر 1: 92، المختصر النافع 1: 2، وإرشاد الأذهان 1: 238، وانظر مفتاح الكرامة 1: 97.
(2) الكافي 3: 14باب الحمام حديث 1، التهذيب 1: 373حديث 1143، الوسائل 1: 158أبواب الماء المضاف باب 11حديث 1، 3.(1/309)
عنه عليه السلام، بنفي البأس عما يصيب الثوب منها (1) (2) وهذا هو الظاهر.
ومنها: طين الطريق إذا غلب على الظن نجاسته، فإن الظاهر يشهد بها، والأصل يقتضي الطهارة. والمشهور: الحكم بطهارته (3). لكن ذهب العلامة في النهاية إلى العمل بالظن الغالب هنا، عملا بالظاهر (4).
ومنها: ما بأيدي المخالفين من الجلد واللحم، فالمشهور بين الأصحاب أنه طاهر مطلقا، ما لم نحكم بكفر من بيده منهم (5). وبه نصوص كثيرة (6) مؤيدة بظاهر حال المسلم من تجنبه للمحرم والنجس والميتة.
وقيل: يحكم بنجاسته، لأصالة عدم التذكية، مع عدم اشتراطهم لجميع ما نشترطه من الأمور المعتبرة في التذكية، كالتسمية والقبلة، واستحلالهم لجلد الميتة بالدبغ (7)، ويعضده أيضا ظاهر حالهم في ذلك.
ومنها: لو سمع مصليا يلحن في صلاته، أو يترك آية، أو كلمة، وكان المصلي من أهل المعرفة بالقراءة، بحيث يظهر أنه ما فعل ذلك إلا سهوا، ففي وجوب تنبيهه عليه وجهان: من أصالة عدم معرفته بذلك على الوجه المجزي، فيجب تعليمه ودلالة ظاهر حاله على كونه قد ترك ذلك سهوا، والحال أنه غير مبطل للصلاة، فلا يجب، كما لا يجب تنبيهه على السهو، وإن استحب،
__________
(1) منتهى المطلب 1: 25.
(2) الكافي 3: 15حديث 4، الفقيه 1: 12حديث 17، التهذيب 1: 379حديث 1143، الوسائل 1: 154أبواب الماء المضاف باب 9حديث 9.
(3) منتهى المطلب 1: 180.
(4) نهاية الأحكام 1: 276.
(5) المقنعة: 580، النهاية: 582، المعتبر 2: 78، شرائع الإسلام 3: 741، تحرير الأحكام 2: 159.
(6) الوسائل 2: 1071أبواب النجاسات باب 50.
(7) المنتهى 1: 226، التذكرة 1: 94.(1/310)
معتضدا بأصالة البراءة من وجوب تنبيهه، وهذا هو الأظهر.
ولو احتمل في حقه الجهل بذلك وجب تعليمه، لتطابق الأصل والظاهر، أو عدم معارضة غير الأصل له، فيعمل عمله مع احتمال عدم الوجوب أيضا، نظرا إلى الاحتمال مع أصالة البراءة.
ومنها: لو غمّت الشهور فقيل: يعمل في كل شهر بالأصل، وهو التمام، فيعد كل ما اشتبه ثلاثين (1).
وقيل: يرجع إلى العدد، وهو عدّ خمسة أيام من هلال الماضية أو عدّ شهر تاما وشهر ناقصا، عملا بالظاهر من نقصان بعض الأشهر وتمام بعض (2)، وهو الأقوى.
ومنها: الجلد المطروح في بلاد الإسلام إذا ظهرت عليه قرائن التذكية، كما لو كان جلدا لبعض كتبنا التي لا تتداولها أيدي الكفار عادة، فالأصل يقتضي عدم تذكيتها، والظاهر يقتضيها وفي تقديم أيّهما وجهان، والمشهور الأول (3).
ومنها: إذا قال: أحلتك عليه، فقبض، فقال المحيل: قصدت الوكالة، وقال المحتال: إنما أحلتني بما عليك، فالأصل يقتضي براءة ذمة المحيل من حق عليه للمحتال والظاهر مع المحتال، لأن ظاهر لفظ الحوالة إرادة معناها، لا معنى الوكالة، وإن جاز إطلاقها عليها، من حيث إن الوكالة من العقود الجائزة، يكفي فيها ما دلّ على الإذن فيما وكّل فيه، ولفظ الحوالة صالح له.
وقد اختلف في تقديم قول أيّهما، والمشهور تقديم قول المحيل، لأنه أعرف بقصده.
__________
(1) شرائع الإسلام 1: 148.
(2) المبسوط 1: 268، قواعد الأحكام 1: 69.
(3) تحرير الأحكام 2: 152، الذكرى: 143.(1/311)
ومنها: لو أقرّ لحمل، فولد لأقصى الحمل فما دون إلى ستة أشهر، وكانت المرأة خالية من زوج أو مولى، فإن الظاهر وجوده حال الإقرار، والأصل يقتضي عدمه.
وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في تقديم أيّهما على الآخر، والمشهور تقديم الظاهر. ومثله ما لو أوصى له بشيء.
ومنها: لو اختلف المتعاقدان ببيع وغيره في بعض شرائط صحته، كما لو ادعى البائع أنه كان صبيا أو غير مأذون له أو غير ذلك، وأنكر المشتري، فالقول قوله على الأقوى، وإن كان الأصل عدم اجتماع الشرائط، عملا بظاهر حال المسلم من إيقاعه العقد على وجه الصحة. وكذا القول في الإيقاعات. ويمكن ردّه إلى تعارض الأصلين، وقد تقدم.
ومنها: اختلاف الزوجين في أصل المهر، ولا بيّنة، فإنّ الأصل يقتضي براءة ذمته مما زاد عما يعترف به، والظاهر يشهد لها بمهر المثل. وفي ترجيح أيّهما خلاف، فالمشهور تقديم قول الزوج.
والأقوى عندي التفصيل، فإن كان النزاع قبل الدخول فالقول قوله، لأصالة عدم التسمية وبراءة ذمته، وإن كان بعده يعارض ما ذكر مع أصالة ثبوت عوض للبضع المحترم، وأنّ عدم التسمية يوجب مهر المثل مع الدخول، والأصل عدم سقوطه، والظاهر يشهد به أيضا، فيرجح قولها في مهر المثل بيمينها.
ويمكن ردّ هذه المسألة إلى تعارض الأصلين مع شهادة الظاهر لأحدهما.
هذا كله إذا لم يمكن تعلّق المهر بذمة غير الزوج، فلو أمكن فقيل: القول قوله في نفيه مطلقا، إذ لا معارض لأصالة براءة ذمته وذلك بأن يكون صغيرا قد زوّجه أبوه، أو عبدا زوّجه مولاه، على خلاف هنا أيضا ناشئ من تعارض
الأصل والظاهر أو أنه فرد نادر فلا يلتفت إليه، أو أنّ أصالة عدم التسمية توجب مع الدخول مهر المثل على الزوج، فيأتي هنا أيضا، وهذا متجه.(1/312)
هذا كله إذا لم يمكن تعلّق المهر بذمة غير الزوج، فلو أمكن فقيل: القول قوله في نفيه مطلقا، إذ لا معارض لأصالة براءة ذمته وذلك بأن يكون صغيرا قد زوّجه أبوه، أو عبدا زوّجه مولاه، على خلاف هنا أيضا ناشئ من تعارض
الأصل والظاهر أو أنه فرد نادر فلا يلتفت إليه، أو أنّ أصالة عدم التسمية توجب مع الدخول مهر المثل على الزوج، فيأتي هنا أيضا، وهذا متجه.
ولو كان اختلافهما في القدر مع اتفاقهما على التسمية فالقول قوله مطلقا، عملا بالأصل.
ولو كان النزاع بين ورثة أحدهما والآخر، أو ورثته، فكالاختلاف بين الزوجين، فيستفسران حين يطلقان الدعوى.
ولو قالا أو وارث (1) الزوج: لا ندري، فإشكال، لتعارض الأصلين، وشهادة الظاهر بمهر المثل، مع أصالة عدم المسقط، والمشهور السابق آت هنا.
ومنها: إذا أسلم الزوجان قبل الدخول، وقال الزوج: أسلمنا معا، فنحن على نكاحنا، وقالت الزوجة: بل على التعاقب، فلا نكاح، فوجهان:
أحدهما: القول قول الزوج، لأن الأصل معه، لأصالة عدم تقدم كل منهما، فيلزم الاقتران.
والثاني: القول قول الزوجة، لأن الظاهر معها، إذ وقوع إسلامهما معا في آن واحد نادر، والظاهر خلافه.
ومنها: إذا خلا بامرأته خلوة تامة، ثم اختلفا في الدخول، فأنكره، تعارض هنا الأصل وهو عدم الدخول، والظاهر وهو الدخول بالحليلة عند الخلوة بها أولا (2). وقد اختلف الأصحاب في تقديم أيّهما، والأشهر تقديم قوله، عملا بالأصل.
ومنها: لو قال المقرّ: له عليّ شيء أو حق، وفسّرهما برد السلام، والعيادة، وتسميت العاطس، فإن الأصل يقتضي براءة ذمته من غير ذلك، والظاهر يشهد بخلافه، لأن مثل ذلك لا يعدّ حقا وشيئا في معرض الإقرار،
__________
(1) في «م»: لوارث
(2) كذا في النسخ.(1/313)
والعرف يأباه.
وقد اختلف في تقديم أيهما، والأقوى تقديم الثاني لما ذكر، ولأن المتبادر منه الحق الّذي يثبت في الذّمّة بقرينة «عليّ» وهذه الأشياء لا تثبت في الذّمّة.
وما روي «أن للمسلم على المسلم ثلاثين حقا: يرد سلامه، ويسمّت عطسته» إلى آخره (1) مع تسليم سنده لا يقتضي استقراره في الذّمّة.
وفرّق بعضهم: بين الشيء والحق، فقبل تفسيره بهذه الأمور في الثاني دون الأول، نظرا إلى ظاهر الخبر.
ويشكل: بأن الشيء أعم من الحق، فكيف يقبل تفسير الأخص بما لا يقبل به تفسير الأعم.
ومنها: لو قال: له عليّ أكثر من مال فلان، ثم تأوله بأن قال: مال فلان حرام أو شبهة أو عين، والحلال والدين أكثر نفعا من ضديهما، فالأصل يقتضي براءة ذمته من غير ما يعترف به، والظاهر يشهد بخلافه، وأنّ المراد الكثرة المقدارية. وفي تقديم أيّهما قولان، أجودهما تقديم الظاهر.
ومنها: ما لو ادعى اللقطة مدع، وعرّفها بأوصاف تخفى على غير مالكها غالبا، فالظاهر [يقتضيه والأصل] (2) يقتضي عدمه، وفي تقديم أيهما قولان، أشهرهما جواز دفعها إليه حينئذ وإن لم يجب، ومنعه ابن إدريس للأصل (3).
ومنها: لو وجد على اللقطة الكنز ونحوه أثر الإسلام، وهو في بلاد الإسلام، فإن المشهور بين الأصحاب كونه لقطة، لشهادة الظاهر بسبق (4) يد
__________
(1) الوسائل 8: 550أبواب أحكام العشرة باب 22حديث 24، نقلا عن كنز الفوائد.
(2) أضفناه لاقتضاء السياق.
(3) السرائر 2: 111.
(4) في «د»: لسبق.(1/314)
المسلم فتستصحب (1).
وقيل: يكون لواجده، لأصالة عدم ملك المسلم وعدم دلالة الأثر على يد المسلم قطعا، لجواز وقوعه من غيره (2).
هذا إذا وجد في خربة باد أهلها، أو أرض غير مملوكة.
ومثله الموجود في جوف سمكة ودابة ملكت بالاصطياد، لعدم توجه القصد بحيازتها إلى تملك ما لم يشاهد في بطنها، مما لا يخطر بالبال غالبا، ولأصالة عدم تملّكه بخلاف المملوكة لغيره، مما لا يتوقف على القصد إلى التملك. وبهذا يظهر عدم الفرق بين السمكة والمملوكة، فإن كلا منهما قد يملك بالحيازة وبغيرها.
ومنها: ما لو ادعي على الحاكم المعزول القضاء بشهادة فاسقين، قيل:
يكلّف (3) البينة، لاعترافه بنقل المال، وادعائه مزيل الضمان (4). وقيل: يقبل قوله بيمينه، لأن الظاهر من الحكام الاستظهار في حكمهم، فيرجح الظاهر (5)، وهو أقوى.
ومنها: لو حاسب وكيل الحاكم أمناء المعزول، فادعى واحد منهم أنه (6)
أخذ شيئا أجرة قدّرها له المعزول، لم يقبل وإن صدّقه المعزول، لكن هل يقبل قوله في قدر أجرة المثل (7)؟ وجهان:
__________
(1) المبسوط 1: 236، الشرائع 1: 134، الإيضاح 1: 216.
(2) الخلاف 2: 122، السرائر 1: 487.
(3) أي: الحاكم المعزول.
(4) المبسوط 8: 103.
(5) الشرائع 4: 867، وحكاه الشيخ في المبسوط 8: 103.
(6) في «د»: إني، وفي «م»: أن.
(7) يعنى: بمقدار أجرة المثل.(1/315)
أحدهما: لا، لأنه مدع والأصل عدم استحقاقه.
والثاني: نعم، لأن الظاهر أنه لا يعمل مجانا، وقد فاتت منافعه، فلا بدّ من عوض.
ومنها: لو قذف مجهول النسب وادعى رقّه، وأنكر المقذوف، فهل يحدّ؟ فيه قولان، لأن الأصل عدم لزوم الحد، والأغلب على الناس الحرية، فكانت أظهر.
ويمكن ردّه إلى تعارض الأصلين، بناء على أنّ الأصل في الناس الحرية، ويكون الظاهر عاضدا له. وهذا هو الأقوى، ولكن يعزر (1)
القاذف مطلقا.
__________
(1) في «د»: يعذر، وفي «م»: يقدر.(1/316)
المقصد السابع في الاجتهاد والإفتاء
مسألة: اختلفوا في جواز الاجتهاد لأمة محمد صلى اللََّه عليه وآله في زمنه على مذاهب (1):
أحدها: يجوز مطلقا.
والثاني: يمنع مطلقا.
والثالث: يجوز للغائبين من القضاة والولاة، دون الحاضرين.
والرابع: إن ورد فيه إذن خاص جاز، وإلا فلا.
والخامس: أنه لا يشترط الإذن، بل يكفي السكوت مع العلم بوقوعه.
ثم اختلف القائلون بالجواز، فمنهم من قال: وقع التعبّد به، ومنهم من توقف فيه مطلقا، ومنهم من توقف في الحاضر دون الغائب.
ويتفرع على هذا الخلاف: جواز الاجتهاد في الأحكام بالظن مع القدرة على اليقين بالتأخير في موارد، كالاجتهاد في وقت الصلاة مع إمكان الصبر إلى اليقين، ومثله وقت الصوم، والأصح الجواز هنا حيث لا طريق إلى اليقين
__________
(1) حكى هذه المذاهب الآمدي في الأحكام 4: 184.(1/317)
معجّلا، لغيم ونحوه.
ومنها: إذا روى الصحابي حديثا عن غيره، ثم لقيه صلى اللََّه عليه وآله، فهل يلزمه سؤاله؟ فيه وجهان مرتبان، أحدهما: نعم، لقدرته على اليقين. والثاني: لا، لأنه لو لزمه السؤال إذا حضر لكانت الهجرة تجب إذا غاب.
قاعدة «100» لا يجوز للمجتهد بعد اجتهاده تقليد غيره اتفاقا.
وفيما قبله مذاهب، أصحها: المنع مطلقا.
والثاني: الجواز كذلك.
والثالث: في ما يخصه دون ما يفتي به.
والرابع: في ما يفوت وقته مما يخصه.
والخامس: إن كان المقلّد أعلم.
والسادس: إن كان صحابيا، وهو أرجح في نظره من غيره.
والسابع: كذلك أو تابعيا.
والثامن: إن كان أعلم وتعذّر الاجتهاد.
إذا تقرر ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قدر العارف بأدلة القبلة على اعتبارها، فلا يجوز له التقليد. ولو خفيت عليه لغيم أو ظلمة يرجى زوالهما فوجهان، أحوطهما الصبر إلى أن يضيق الوقت، أو يستبين الحال.
ومنها: الأعمى إذا أمكنه معرفتها بلمس الكعبة، لا يجوز له التقليد، وكذا لو أمكنه بلمس محراب يعتمد، بل علامة نصبها له المبصر وكانا عدلين، فإنه يقدّم على التقليد.
ومنها: عدم جواز تقليد المؤذن الثقة لغير المعذور، وقيل بالجواز هنا (1)، لقوله صلى اللََّه عليه وآله: «المؤذنون أمناء» (2) فلا تتحقق الأمانة إلا مع تقليدهم.(1/318)
ومنها: الأعمى إذا أمكنه معرفتها بلمس الكعبة، لا يجوز له التقليد، وكذا لو أمكنه بلمس محراب يعتمد، بل علامة نصبها له المبصر وكانا عدلين، فإنه يقدّم على التقليد.
ومنها: عدم جواز تقليد المؤذن الثقة لغير المعذور، وقيل بالجواز هنا (1)، لقوله صلى اللََّه عليه وآله: «المؤذنون أمناء» (2) فلا تتحقق الأمانة إلا مع تقليدهم.
وفيه: أنّ إثبات أمانتهم غير عام، فيتحقق للمعذور.
وقريب من ذلك جواز الاستنابة لعادم الماء في طلبه.
والأقوى (هنا) (3) الجواز.
مسألة: من لم يبلغ رتبة الاجتهاد، هل له التقليد؟
فيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: الجواز، بل الوجوب، لقوله تعالى {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لََا تَعْلَمُونَ} * (4) ولأن المعاش يفوت باشتغال جميع الناس بأسباب الاجتهاد.
والثاني: لا يجوز، بل يجب عليه أن يقف على الحكم بطريقه، ذهب إليه معتزلة بغداد (5)، ونسبه في الذكرى إلى قدماء علمائنا وفقهاء حلب منهم (6).
وثالثها: يجوز ذلك في المسائل الاجتهادية، كإزالة النجاسة بالمضاف دون المنصوصة، كتحريم الرّبا في الأشياء الستة.
__________
(1) المعتبر 2: 63، التمهيد: 525.
(2) الفقيه 1: 292حديث 905، مجالس الصدوق: 127، الوسائل 4: 619أبواب الأذان والإقامة باب 3حديث 7.
(3) ليس في «د».
(4) النحل: 43.
(5) نقله عنهم في المعتمد 2: 360، والتمهيد: 526.
(6) الذكرى: 2. ومن القدماء: العماني والإسكافي والجعفي، ومن فقهاء حلب: ابن زهرة، وأبو الصلاح، وعلاء الدين صاحب إشارة السبق.(1/319)
ولا فرق في هذا الخلاف (1) بين العاميّ المحض وغيره.
وفائدة المسألة ظاهرة في تقليد العاميّ في أحكام العبادات والمعاملات وغيرهما.
ومنها: إذا لم يكن عالما بأدلة القبلة، ولكن يمكنه تعلّمها، فهل يجوز له أن يقلّد؟ فيه خلاف يبنى على أنّ تعلّمها فرض عين فلا يجوز، أو كفاية فيجوز. والأظهر الأول فيما يبتلى بالكون به (2) غالبا دون النادر، إلا أن يعرض له سفر إليه، فيجب تعلّم أماراته حينئذ.
مسألة: إذا وقعت للمجتهد حادثة، فاجتهد فيها وأفتى وعمل، ثم وقعت له ثانيا،
ففي وجوب إعادة الاجتهاد ثلاثة أقوال، ثالثها: إن كان (ذاكرا لما مضى) (3)
من طرق الاجتهاد لم يجب، وإلا وجب.
ومن فروع المسألة:
ما إذا اجتهد للقبلة وصلّى، ثم حضر وقت أخرى، ففي وجوب تجديد الاجتهاد خلاف مبني.
وما إذا طلب الماء في المقدار المعتبر وصلّى بالتيمم، ثم دخل وقت فريضة أخرى، ففي وجوب الطلب ثانيا خلاف مبني على المسألة.
مسألة: قال في المحصول: اتفقوا على أنّ العامي لا يجوز له أن يستفتي إلا من غلب على ظنه أنه من أهل الاجتهاد والورع،
وذلك بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق، ويرى إجماع المسلمين على سؤاله.
__________
(1) في «ح»: الحكم، بدل الخلاف.
(2) في «م»: فيما يكون. والمراد هو الكون في محل تشتبه عليه فيه القبلة.
(3) من «ح».(1/320)
فإن سأل جماعة: فاختلفت فتاواهم فقال قوم:
لا يجب عليه البحث عن أورعهم وأعلمهم، وقال آخرون: يجب عليه ذلك (1). وهذا هو الحق عندنا، وهو مروي في مقبول عمر بن حنظلة المشهور (2).
وحينئذ فإذا اجتهد، فإن ترجّح أحدهما مطلقا في ظنه تعيّن العمل بقوله، وإن ترجّح أحدهما في الدين واستويا في العلم أو بالعكس، وجب الرجوع إلى أعلم الورعين، وأورع العالمين. وإن استويا مطلقا وقد قيل بعدم جواز وقوعه (3) تخيّر. والتفريع على ذلك واضح.
فائدة، وهي خاتمة القسم الأول:
ليس كل مجتهد في العقليات مصيبا، بل الحق فيها واحد. فمن أصابه أصاب، ومن أخطأه أخطأ وأثم إجماعا.
وأما المجتهد في المسائل الفرعية ففيه خلاف يبنى على أنّ كل صورة هل لها حكم معيّن أم لا؟
وقد لخّص الرازي هذا الخلاف (4) فقال: اختلف العلماء في الواقعة التي لا نصّ فيها على قولين:
أحدهما: وبه قال الأشعري وجمهور المتكلمين، أنه ليس لله تعالى فيها
__________
(1) نقل الأول عن القاضي أبي بكر واختاره في الإحكام 4: 242، واختار الثاني في المحصول 2:
533، ونقله الآمدي عن أحمد وابن سريج والقفال.
(2) الكافي 7: 412باب كراهية الارتفاع إلى قضاء الجور حديث 5، الفقيه 3: 9حديث 3233، التهذيب 6: 301حديث 845، الاحتجاج: 94، الوسائل 18: 75أبواب صفات القاضي باب 9حديث 1.
(3) المحصول 2: 533.
(4) راجع المحصول 2: 503.(1/321)
قبل الاجتهاد حكم معيّن، بل حكمه تعالى فيها تابع لظن المجتهد. وهؤلاء هم القائلون بأن «كل مجتهد مصيب».
واختلف هؤلاء فقال بعضهم: لا بد أن يوجد في الواقعة ما لو حكم اللََّه تعالى فيها بحكم لم يحكم إلا به، وقال بعضهم: لا يشترط ذلك.
والقول الثاني: أنّ له تعالى في كل واقعة حكما معينا.
وعلى هذا فثلاثة أقوال:
أحدها: وهو قول طائفة من الفقهاء والمتكلمين، يحصل الحكم من غير دلالة ولا أمارة، بل هو كدفين يعثر عليه الطالب اتفاقا، فمن وجده فله أجران، ومن أخطأه فله أجر.
والقول الثاني: عليه أمارة، أي دليل ظني، والقائلون به اختلفوا فقال بعضهم: لم يكلف المجتهد بإصابته لخفائه وغموضه، فلذلك كان المخطئ فيه معذورا مأجورا، وهو قول جمهور الفقهاء وينسب إلى الشافعي وأبي حنيفة.
وقال بعضهم: إنه مأمور بطلبه أولا، فإن أخطأ وغلب على ظنه شيء آخر تغير التكليف، وصار مأمورا بالعمل بمقتضى ظنه.
والقول الثالث: أن عليه دليلا قطعيا، والقائلون به اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه، لكن اختلفوا، فقال الجمهور: إن المخطئ فيه لا يأثم ولا ينقض قضاؤه، وقال بشر المريسي بالتأثيم، والأصم بالنقض.
والّذي نذهب إليه: أنّ له تعالى في كل واقعة حكما معينا عليه دليل ظني، وأنّ المخطئ فيه معذور، وأنّ القاضي لا ينقض قضاؤه (1).
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: أنّ المجتهد في القبلة إذا ظهر خطؤه، هل يجب عليه القضاء أم لا؟
__________
(1) هذا حاصل كلام الرازي في المحصول 2: 503.(1/322)
المنصوص عندنا وجوب الإعادة إن علم في الوقت، لا في خارجه مطلقا (1).
ولنا (2) قول آخر: أنّ المستدبر يعيد مطلقا (3) وهذا كله مبني على أن المجتهد قد لا يكون مصيبا.
ومنها: لو صلّى خلف من لا يرى وجوب السورة أو التسليم أو نحو ذلك، ولم يفعله، أو فعله على وجه الاستحباب حيث يعتبر الوجه، ففي صحة الاقتداء به قولان مرتبان. وينبغي على القول بالتخطئة عدم الجواز.
ومنها: إنفاذ المجتهد حكم مجتهد آخر يخالفه في مأخذ الحكم، وفي جوازه أيضا وجهان مرتبان. إلى غير ذلك من الفروع، واللََّه ولي التوفيق.
__________
(1) الوسائل 3: 229أبواب القبلة باب 11.
(2) في «ح»: وله.
(3) النهاية للشيخ الطوسي: 64.(1/323)
القسم الثاني في تقرير المطالب العربية وما يتفرّع عليها من الأحكام الشرعية
فيه أربعة مقاصد(1/325)
فيه أربعة مقاصد
المقصد الأول: في الأسماء
وفيه أبواب
الباب الأول: في الكلام وما يتعلق به
مقدمة: الكلام في اللغة اسم جنس يقع على القليل والكثير،
كما صرح به الجوهري، ثم زاده إيضاحا فقال: يقع على الكلمة الواحدة وعلى الجماعة، بخلاف الكلم، فإنه لا يكون أقلّ من ثلاث كلمات (1).
وقال ابن عصفور: الكلام في أصل اللغة اسم لما يتكلم به من الجمل، مفيدة كانت أو غير مفيدة.
وما ذكره من كونه اسما لا مصدرا موافق لما سبق عن الجوهري، وأما تقييده بالجمل فمخالف له ولغيره (2)، وكأنه عبّر بذلك نظرا إلى الغالب.
__________
(1) الصحاح 5: 2023.
(2) كالفيومي في المصباح: 539.(1/327)
هذا كله إذا لم يستعمل استعمال المصدر كقولك: سمعت كلام زيد، وقوله تعالى {حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ} (1) ونحو ذلك، فإن استعمل استعماله كقولك:
كلمت زيدا كلاما، أو (2) تكلّم كلاما، فاختلفوا فيه، فقيل: إنه مصدر، لأنهم أعملوه فقالوا: كلامي زيدا حسن (3)، وقيل: إنه اسم مصدر (4) ونقله ابن الخشاب عن المحققين (5).
ومما يدل على أنه اسم مصدر أنّ الفعل الماضي المستعمل من هذه المادة أربعة:
أحدها: «كلّم» ومصدره التكليم، كقوله تعالى {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً} (6).
الثاني: «تكلّم» ومصدره التكلّم بضم اللام، ومنه قوله:
ونشتم بالأفعال لا بالتكلّم.
الثالث: «كالم» ومصدره المكالمة.
والرابع: «تكالم» ومصدره تكالما بضم اللام.
فظهر من ذلك أنّ الكلام ليس مصدرا، بل اسم مصدر.
والفرق بينهما: أنّ المصدر مدلوله الحدث، واسم المصدر مدلوله لفظ، وذلك اللفظ يدل على الحدث. ومثله الفعل مع اسمه كصه.
هذا ما يتعلق بالكلام من جهة اللغة.
__________
(1) التوبة: 6.
(2) في «د»: إذا، بدل أو.
(3) الخصائص 1: 25.
(4) شذور الذهب لابن هشام: 412، شرح المفصل 1: 21.
(5) المرتجل: 29.
(6) النساء: 164.(1/328)
وأما حدّه عند النحاة ففيه عبارات، أجودها: أنه قول دال على نسبة إسنادية مقصودة لذاتها.
واحترز بالإسنادية عن النسبة التقييدية، كنسبة الإضافة نحو «غلام زيد» ونسبة النعت نحو «جاء الرّجل الكاتب».
وبالمقصودة لذاتها عن الجمل الواقعة (1) صلة نحو «جاء الّذي قام أبوه».
إذا عرفت ذلك، وعلمت أنه يطلق على الكلمة الواحدة مستعملة كانت أم لا، وأنّ أقل ما يمكن أن تكون الكلمة على حرفين، وأنّ انتقال الكلمة والكلام إلى ما ذكره النحاة عرف حادث على اللغة، وأنّ الأمر من الأفعال المعتلّة الطرفين مثل «ق» و «ع» (2) يطلق على الحرف الواحد منها أنه كلام، بل أولى بالتسمية، لأنه جملة مفيدة إنشائية، ففرّع عليه ما ذكره الفقهاء من بطلان الصلاة بذلك، لأن قوله صلى اللََّه عليه وآله: «إنّ صلاتنا لا يصح (3) فيها شيء من كلام الآدميين» (4) متناول له لغة كما تقدم، وعرفا. فإن المغمى عليه ونحوه إذا نطق بكلمة واحدة كقوله: اللََّه، يقول الحاضرون: قد تكلّم. فتفطّن لهذا المدرك، فإنه يشكل على كثير، وبسببه حصل الاختلاف في مواضع، وظهر به أنّ بطلان الصلاة بقوله: «ق» أولى من بطلانها بقوله: سماء، أو أرض.
وبقي الكلام في الحرف الّذي بعده مدة، فقد اختلفوا فيه، هل يصدق
__________
(1) في «د»: الواردة بدل الواقعة.
(2) في «م» زيادة: أ، وبدل كل تلك الحروف في «د»: قاع.
(3) في «ح»: يصلح.
(4) صحيح مسلم 2: 20كتاب المساجد. حديث 33، سنن النسائي 3: 17باب الكلام في الصلاة، مسند أحمد 5: 447.(1/329)
عليه اسم الكلام أم لا وكذلك الحرفان الخارجان من نحو التنحنح. وظاهر إطلاق الكلمة وإن لم تكن مفيدة يتناوله. ويتفرع عليه أيضا ما إذا حلف لا يتكلم، فأتى بذلك.
قاعدة «101» لا يشترط في الكلام صدوره من ناطق واحد،
ولا قصد المتكلم الكلام (1)، ولا إفادة (2) المخاطب شيئا يجهله على الصحيح في الثلاث (3).
أما الأول: فصورته أن يتواطأ مثلا شخصان على أن يقول أحدهما: زيد، ويقول الآخر: قائم.
ومن فروعها الشرعية:
ما إذا كان له وكيلان بإعتاق عبد، أو بيعه، أو غير ذلك، فاتفقا على أن يقول أحدهما مثلا: هذا، ويقول الثاني: حر. ومقتضى القاعدة صحة ذلك، لكن لم أقف فيه على كلام لأحد نفيا، ولا إثباتا.
ومنها: إذا قال: لي عليك ألف، فقال المدعى عليه: إلا عشرة، أو غير عشرة، ونحو ذلك. فهل يكون مقرا بباقي الألف؟ وجهان: من ظاهر القاعدة، ومن أنه لم يوجد منه إلا نفي بعض ما قاله خصمه، ونفي الشيء لا يدل على ثبوت غيره، وهذا أقوى.
وأما الثاني: فحاصله إدخال كلام الساهي والنائم والطيور ونحو ذلك.
__________
(1) في «ح»: لكلام.
(2) في «د»: لإفادة.
(3) في «م»: الصلاة، وفي «د»: الثالث.(1/330)
وفائدته من الفروع: استحباب سجود التلاوة عند قراءة هؤلاء، أو وجوبها حيث يستمع.
ومن فوائده أيضا: ما إذ حلف لا يكلّم زيدا، فكلّمه نائما أو مغمى عليه، فإنه لا يحنث قطعا، ولكن هل تنحل اليمين بذلك؟ المتجه ذلك، حيث جعلناه كلاما، إن قلنا بالانحلال مع السهو والجهل، لاشتراك الجميع في عدم التكليف، مع احتمال الفرق.
وأما الثالث: فيبني عليه أيضا ما إذا حلف لا يتكلم، فقال مثلا: النار حارة، والسماء فوقنا، ونحو ذلك، فإنه يحنث بذلك.
قاعدة «102» كما يطلق الكلام لغة على اللفظ، يطلق أيضا على المعاني النفسانيّة.
والصحيح كما ذكر في «الارتشاف» وغيره أنه إطلاق مجازي، وقيل:
مشترك بينهما (1)، وهو ضعيف.
إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا حلف لا يتكلم، أو لا يقرأ، أو لا يذكر، فإنه لا يحنث إلا بما يتكلم به بلسانه، دون ما يجريه (2) على قلبه، حملا للفظ على حقيقته.
ومنها: ما قالوه في حد الغيبة: أنها ذكر الشخص بما يكرهه، وقد قال جماعة: إنها تحصل بالقلب. والحق أنّ ذلك بدليل خارجي.
ومنها: الكلام على قوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا كان يوم صيام أحدكم، فلا يرفث،
__________
(1) المحصول 1: 55، التمهيد للأسنوي: 136.
(2) في «د»: يحدثه.(1/331)
ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم» (1) هل يقوله بقلبه أو بلسانه؟ وقد تقدم الكلام على ذلك في القسم الأول (2).
قاعدة «103» إطلاق الكلام على الكتابة والإشارة وما يفهم من حال الشيء، إطلاق مجازي على الصحيح، لا من باب الاشتراك.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا حلف لا يكلّمه، فكاتبه، أو أشار إليه، فلا يحنث بذلك.
ومنها: من له زوجتان إذا قال: إحداهما طالق، وأشار إلى واحدة منهما، فإن جعلنا الإشارة كالكلام وقع ظاهرا، حتى لو ادعى عدم قصدها لم يقبل، كما لو صرّح بها ثم ادعى خلافه، وإلا افتقر مع ذلك إلى القصد، وقبلت (3) دعواه خلاف ما أشار به حتى لو ادعى عدم التعيين كان الطلاق غير معيّن، فيبني على القولين في انعقاده وعدمه.
ومنها: إذا كان قادرا على النطق، فكتب صيغة البيع لعين، أو زوجتي طالق، أو وكّل إنسانا، ونحو ذلك، فالحق عدم الوقوع، لكن في الوكالة قول للعلامة بوقوعها بالكتابة (4)، لأنها عقد جائز، والغرض
__________
(1) صحيح البخاري 3: 34كتاب الصوم، صحيح مسلم 2: 507باب حفظ اللسان للصائم حديث 160، سنن ابن ماجة 1: 539كتاب الصيام باب ما جاء في الفقيه والرفث للصائم حديث 1691، الموطأ 1: 310كتاب الصيام حديث 57.
(2) ص 79.
(3) في «د»، «م»: وقيل.
(4) التذكرة 2: 114.(1/332)
منها مجرد الإذن، وهو يحصل بذلك مع أمن التزوير. ويلزم من هذا تعديته إلى غيرها من العقود الجائزة، لكنه لا يقول به.
وللشيخ رحمه اللََّه قول بوقوع الطلاق خاصة بالكتابة إذا نوى بها الطلاق وكان غائبا (1)، لصحيحة أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام، قال:
«لا يكون طلاقا ولا عتقا حتى ينطق بلسانه، أو يخطه بيده، وهو يريد الطلاق أو العتق، ويكون غائبا عن أهله» (2) ولم ينقل عنه جواز العتق بها. وباقي الأصحاب شرطوا في الاجتزاء بها مطلقا تعذر النطق.
وللشافعية في وقوع العقود والإيقاعات مطلقا بالكتابة مع النية أوجه، ثالثها: الجواز للغائب دون الحاضر (3).
وعلى تقدير جواز الطلاق للغائب أو مع العجز يشترط أن ينوي الزوجة حين يكتب «زوجتي» والطلاق حين يكتب «طالق» والإشهاد على الكتابة، لأنها قائمة مقام النطق.
فلو كان له زوجتان، فإن عيّن واحدة بقلبه فلا كلام، وإن لم يعين، نظر إن انتفى التعيين في خطه أيضا، عيّن بعد ذلك ما أراد منهما وإن عيّن في الخطّ فلا بدّ أن ينوي المعيّنة أيضا عند كتابتها كما قلناه، فإن لم ينوها فلا أثر لتعيينها بالخط.
ولو ادعى مع تعيينه بالخط إرادة غير ما عيّن، ففي قبوله وجهان: من
__________
(1) النهاية: 511.
(2) الكافي 6: 64باب الرّجل يكتب بطلاق امرأته حديث 1، الفقيه 3: 503حديث 4766، التهذيب 8: 38حديث 114، الوسائل 15: 291أبواب مقدمات الطلاق باب 14 حديث 3. ولكن في «ح» والفقيه والتهذيب: لا يكون طلاق ولا عتق، وفي بعض نسخ الكافي:
لا يكون بطلاق ولا عتق.
(3) المجموع 9: 162، 167.(1/333)
حيث إنّ النية غير كافية، والكتابة لم تنضم هنا إلى المقصودة، لأن التعيين بالخط قائم مقام الإشارة، فإذا اختلفت هي والقصد تخلّف الشرط الّذي هو قائم مقام التلفظ بالصيغة ومن صدق كتابة صيغة الطلاق في الجملة مع القصد إلى معينة، والمرجع فيه إليه، وهو ضعيف.(1/334)
الباب الثاني في المضمرات
قاعدة «104» الضمير إذا سبقه مضاف ومضاف إليه وأمكن عوده إلى كل منهما على انفراده،
كقولك: مررت بغلام زيد فأكرمته، فإنه يعود إلى المضاف دون المضاف إليه، لأن المضاف هو المحدّث عنه، والمضاف إليه وقع ذكره بطريق التبع، وهو تعريف المضاف أو تخصيصه.
وبهذه القاعدة أبطل أبو حيّان (1) استدلال جماعة على نجاسة الخنزير بقوله تعالى {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (2) حيث زعموا أن الضمير في قوله تعالى {فَإِنَّهُ} يعود إلى الخنزير، وعلّلوه بأنه أقرب مذكور (3).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: له عليّ ألف درهم ونصفه، فإنه يلزمه ألف وخمسمائة،
__________
(1) تفسير البحر المحيط 4: 241.
(2) الأنعام: 145.
(3) كنز العرفان للسيوري 1: 99.(1/335)
لا ألف ونصف درهم. وهكذا القول في الوصايا والبيوع والوكالات والإجارات (1) وغيرها من الأبواب.
قاعدة «105» من المضمرات «أنت» بفتح التاء في المذكر، وكسرها في المؤنث،
واختلفوا، فقال الفرّاء: جميعه هو الضمير (2).
وقيل: الاسم منه التاء فقط، وهي التاء التي في «فعلت» ولكن زيد معها «أن» تكثيرا للّفظ، واختاره أبو حيان (3).
وذهب جمهور البصريين إلى العكس، فقالوا: الاسم هو «أن» والتاء حرف خطاب (4).
وفائدة الخلاف فيما لو سمّي به، فعند الفراء يعرب، وعند غيره يحكى، لكونه مركبا من اسم وحرف، كذا جزم به في «الارتشاف».
وذكر ابن بابشاذ في شرح الجمل ما يخالف ذلك، فإنه لما تكلم على تفعلين وقال: إنّ التاء فيه اسم عند سيبويه، وحرف يدل على التأنيث عند الأخفش، قال: فلو سمي به، فإنه يحكى عند سيبويه، ويعرب عند الأخفش، هذا كلامه. مع كونه مركبا من فعل وحرف، وهو بالحكاية أولى.
قال أبو حيّان: وإذا قلنا بالإعراب فيعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية
و__________
(1) في «د»: الإجازات.
(2) شرح التصريح على التوضيح 1: 103.
(3) وقيل هو ابن كيسان نقله عنه في شرح التصريح على التوضيح 1: 103.
(4) شرح التصريح على التوضيح 1: 103.(1/336)
شبه العجمة، لأنه لا نظير له في كلام العرب.
إذا عرفت ذلك: فقد ذكر في الارتشاف وغيره أنه قد يشار إلى المؤنث بإشارة المذكر على إرادة الشخص، وعكسه كذلك أيضا بتقدير الذات أو النسمة (1) ونحوهما، ومثله الضمير.
ومن فروع القاعدة:
ما إذا قال لامرأة: زنيت بفتح التاء، أو لرجل بكسرها، فإنه يكون قذفا.
وكذا لو قال: زانية للرجل وزان للمرأة.
وكذا القول في الطلاق والعتق ونحوهما من صيغ العقود والإيقاعات، كقوله: أنت بالفتح طالق، أو أنت بالكسر حرا، وبعتك بالكسر أو الفتح، وما أشبه ذلك.
قاعدة «106» ضمير الغائب كما يعود على ملفوظ، يعود على غير ملفوظ به،
كالذي يفسره سياق الكلام.
فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: له عليّ درهم ونصفه، فإنه يلزمه درهم كامل ونصف، والتقدير كما قاله ابن مالك: ونصف درهم آخر.
إذ لو كان عائدا إلى المذكور لكان يلزمه درهم واحد، ويكون قد أعاد النصف تأكيدا، وعطفه لتغاير الألفاظ. ومثله لو قال: بعتك بدرهم ونصفه، ونحو ذلك.
ومنها: لو قال الزوج: امرأته طالق، وعنى نفسه. وفي وقوعه وجهان، أحدهما: نعم، وهو الّذي تقتضيه القاعدة، والآخر: العدم، لمخالفته لظاهر
__________
(1) في «ح»: التسمية، وفي «د»: القسمة.(1/337)
السياق من عوده إلى المتكلم.
قاعدة «107» الضمير المرفوع للواحد المتكلم «تاء» مضمومة، وللمخاطب «تاء» مفتوحة
وما خرج عن ذلك لحن يبطل به العقد حيث يعتبر إعرابه.
ومن فروعها:
ما إذا قال البائع: بعتك، أو الولي للزوج: زوجتك، بفتح التاء، ونحو ذلك،. ومقتضى القياس أنّ العقد لا يصح، لأنه خطأ (1) يخل بالمعنى، فإن مدلوله أنّ المخاطب قد باع نفسه أو زوّجها، وإذا أخلّ به بطل، كما لو قال المصلي: أنعمت بضم التاء أو كسرها.
وهذا بخلاف ما لو قال: الحمد لله بكسر الدال، فإنه لا يخل بالمعنى، ومع ذلك فهو لغة، إلا أنه قراءة شاذة. فيبني جواز الصلاة به على جواز اللحن الّذي لا يختل به المعنى، وقد قال به جماعة، منهم المرتضى منا (2).
وذكر الغزالي في فتاواه: أنه إذا قال الولي: زوّجت لك أو زوّجت إليك، صحّ، لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينزل منزلة الخطأ في الإعراب بالتذكير والتأنيث، ولو قال: زوجتكه (3). وأشار إلى ابنته صحّ.
هذا كلامه، وحاصله جواز اللحن الّذي لا يخل بالمعنى، وأما مثال
__________
(1) في «د»: حكاية.
(2) رسائل السيد المرتضى 2: 387.
(3) في «م»: زوجتك.(1/338)
التزويج فقد تقدّم ما يدل على جوازه (1).
قاعدة «108» الظاهر قد يقع موقع الضمير في الصلة وغيرها،
ومنه قول العرب: أبو سعيد الّذي رويت عن الخدري، أي عنه، وقول الشاعر:
فيا رب ليلى أنت في كل موطن ... وأنت الّذي في رحمة اللََّه أطمع (2)
أي في رحمته. ومذهب سيبويه أنّ ذلك لا ينقاس، وخالف فيه بعضهم. وجعله منقاسا.
إذا عرفت ذلك فمن فروع القاعدة:
أنه لو قيل لرجل اسمه زيد: يا زيد، فقال: امرأة زيد طالق، فحكموا فيها بطلاق امرأته. وهذا يصح مع قصده إلى طلاقها. وينبغي أن يرجع فيه إليه في ذلك، لجواز أن يريد زيدا آخر.
ولو اشتبه العلم بقصده ففي وقوع الطلاق على زوجته وجهان: من ظهور إرادتها، واحتمال غيرها احتمالا وجيها.
ومنها: ما لو قال الوكيل: بعتك ثوب زيد الفلاني وسيفه، وكتاب زيد، وأراد به الأول، ونحو ذلك، فإن الصيغة صحيحة لغة، فيقع البيع حيث تعتبر العربية الصحيحة، وإن كان غير فصيح. ويتوجه على قول سيبويه القدح في صحة العقد حيث تعتبر العربية، لأن ذلك غير قياس.
__________
(1) قاعدة 105.
(2) الشعر لمجنون ليلى، والشاهد فيه إقامة الاسم مقام الضمير، وكان حقه أن يقول في رحمتك.
أورده في مغني اللبيب 2: 655.(1/339)
ومنها: لو قال المصلي في التشهد: أشهد أن لا إله إلا اللََّه وحده لا شريك لله، أو قال بعد الشهادة الأولى: وحده لا شريك له، ثم قال: وأشهد أنّ محمدا رسول اللََّه، أو قال: عبده ورسول اللََّه، أو جمع بين ذلك، إذا لم يعيّن (1) التشهد الخاصّ، كما ذهب إليه بعض الأصحاب (2)، عملا بظاهر الأخبار الدالة على الاجتزاء بالشهادتين مطلقا (3)، فيصح التشهد كما ذكر.
ولو قلنا بعدم قياسه لم يصح، وأولى منه لو عيّنا التشهد المشهور.
قاعدة «109» إذا اشتركت الجملة الأولى والجملة المعطوفة عليها في اسم،
جاز أن يأتي به في الثانية ظاهرا، كقولك في كلمتي الشهادة: أشهد أن لا إله إلا اللََّه، وأشهد أن محمدا رسول اللََّه وضميرا كقوله: من يطع اللََّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه:
ما إذا أتى به في التشهد في الصلاة ضميرا، فقال: رسوله، وفي الاكتفاء به وجهان. ومقتضى القاعدة الصحة حيث لا يعين التشهد الخاصّ، لتحقق الإتيان بالشهادتين على الوجه المعتبر في اللغة العربية.
ولو اعتبرنا الصيغة الخاصة كما يظهر من بعض الأخبار (4) سقط هذا التفريع وما قبله.
__________
(1) في «م»: يعتبر.
(2) كالشيخ الطوسي في المبسوط 1: 115، والعلامة في الإرشاد 1: 256.
(3) وسائل الشيعة 4: 991أبواب التشهد ب 4، 5.
(4) وسائل الشيعة 4: 989أبواب التشهد ب 3.(1/340)
قاعدة «110» الفصل ضمير مرفوع منفصل، يؤتى به بين المبتدأ والخبر،
كقولك: زيد هو القائم، أو ما أصله المبتدأ والخبر، نحو: كان زيد هو القائم. وهكذا «إنّ» و «ظننت» وأخواتهما نحو {أُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} * (1) {وَإِنََّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} (2) {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (3) {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللََّهِ هُوَ خَيْراً} (4) {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا وَوَلَداً} (5).
وأجاز الأخفش وقوعه بين الحال وصاحبها، كجاء زيد هو ضاحكا، وجعل منه {هََؤُلََاءِ بَنََاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (6) فيمن نصب «أطهر».
ويشترط كونه (7) معرفة كما مثلنا، وأجاز الفرّاء (8) وجماعة من الكوفيين (9) كونه نكرة، نحو: ما ظننت أحدا هو القائم، وكان رجل هو القائم، وحملوا عليه {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى ََ مِنْ أُمَّةٍ} (10) فقدروا «أربى» منصوبا (11).
__________
(1) الأعراف: 157.
(2) الصافات: 165.
(3) المائدة: 117.
(4) المزمل: 20.
(5) الكهف: 39.
(6) هود: 78، ونقله عن الأخفش في مغني اللبيب 2: 641.
(7) أي في الاسم الّذي قبل ضمير الفصل.
(8) نقله عنه في مغني اللبيب 2: 642.
(9) مغني اللبيب 2: 642.
(10) النحل: 92.
(11) مغني اللبيب 2: 642.(1/341)
ويشترط فيما بعده أمران: كونه خبرا لمبتدإ في الحال أو في الأصل، وكونه معرفة أو كالمعرفة في أنه لا يقبل «أل» كما تقدم في «خيرا» و «أقل».
وشرط الّذي كالمعرفة أن يكون اسما كما مثّلنا. وخالف فيه الجرجاني (1)
فألحق المضارع بالاسم لتشابههما، وجعل منه {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} (2) وهو عند غيره توكيد أو مبتدأ وتبعه أبو البقاء (3)، فأجاز الفصل في {وَمَكْرُ أُولََئِكَ هُوَ يَبُورُ} (4).
وشرطه في نفسه أمران: أن يكون بصيغة المرفوع، فيمتنع زيد إياه الفاضل، وأنت إياك العالم وأن يطابق ما قبله، فلا يجوز كنت هو الفاضل.
وفائدته: الإعلام من أول الأمر بأن ما بعده خبر لا تابع. ولذلك سمّي فصلا، لأنه فصل بين الخبر والتابع. وعمادا، لأنه يعتمد عليه في معنى الكلام والتأكيد، ولهذا لا يجامع التوكيد، فلا يقال: زيد نفسه هو الفاضل. ويسمى لذلك دعامة، لأنه يقوّى ويؤكّد به.
والاختصاص، بمعنى أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره.
واختلفوا في حقيقته. فقيل: هو حرف لا محل له (5)، وقيل: هو اسم ومحله بحسب ما بعده (6)، وقيل: ما قبله (7). فمحله بين المبتدأ والخبر رفع، وبين معمولي «ظن» نصب، وبين معمولي «كان» و «إنّ» رفع أو نصب على القولين.
__________
(1) كما نقله في مغني اللبيب 2: 642.
(2) البروج: 12.
(3) نقله عنه في مغني اللبيب 2: 642.
(4) فاطر: 10.
(5) نقله عن البصريين في مغني اللبيب 2: 645، واختاره في التسهيل: 29.
(6) نقله عن الخليل في مغني اللبيب 2: 645.
(7) نقله عن الفراء في مغني اللبيب 2: 645.(1/342)
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه التعاليق كلها والأيمان كقوله: واللََّه إنّ زيدا هو الّذي أبيعه اليوم كذا، فهل يحنث إذا باع غيره؟ فإن قلنا إنه يفيد الحصر كما قلنا واختاره الزمخشري فقال في قوله تعالى {أُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} * أن فائدته الدلالة على أنّ الوارد بعده خبر لا صفة، والتوكيد، وإيجاب أنّ فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره (1) حنث، وكذا يكذب لو قال: واللََّه إنّ زيدا هو القائم، إذا كان غيره أيضا قد قام. وقس على ذلك غيره.
__________
(1) الكشاف 1: 46.(1/343)
الباب الثالث في الموصولات
قاعدة «111» الأصل في «من» إطلاقها على العاقل وتقع أيضا على المختلط بمن يعقل،
كقوله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ رِجْلَيْنِ} (1) فإنه يشمل الإنسان والطائر. وعلى المنزّل منزلة من يعقل، كقوله تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللََّهِ مَنْ لََا يَسْتَجِيبُ لَهُ} (2) يعني الأصنام، وقول الشاعر:
أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلّي إلى من قد هويت أطير (3)
فإن عبادة الأصنام ومخاطبة القطا تنزيل لهما منزلة العاقل.
وذهب قطرب إلى أن «من» تقع على ما لا يعقل من غير اشتراط شيء بالكلية (4).
__________
(1) النور: 44.
(2) الأحقاف: 4.
(3) وهو قول العباس بن أحنف، التصريح 1: 133.
(4) نقله عنه في التسهيل: 36.(1/344)
وأما «ما» فهي لما لا يعقل، وتقع أيضا كما قاله ابن مالك (1) على المختلط بالعاقل (2) كقوله تعالى {وَلِلََّهِ يَسْجُدُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ مِنْ دََابَّةٍ} (3) ولصفات من يعقل كقوله تعالى {وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا} (4) وقوله تعالى {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} (5).
وذهب جماعة إلى أنها تطلق أيضا على من يعقل بلا شرط (6)، وادعى ابن خروف أنه مذهب سيبويه (7).
وتطلق «ما» أيضا على العاقل إذا كان مبهما لا يعلم أذكر هو أم أنثى؟
كقوله تعالى {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مََا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} (8).
وما ذكرناه من التعبير بالعاقل هو المعروف بين النحاة (9)، والصواب كما قال ابن عصفور في أمثلة المقرّب (10) إنما هو التعبير بأولى العلم، لأن من يطلق على اللََّه تعالى كقوله {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لََا يَخْلُقُ} (11) وقوله {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتََابِ} (12) واللََّه سبحانه يوصف بالعلم ولا يوصف بالعقل، ولذلك
__________
(1) التسهيل: 36.
(2) في «د»: العاقل.
(3) النحل: 48.
(4) الشمس: 4.
(5) النساء: 3.
(6) التمهيد للأسنوي: 302.
(7) التمهيد للأسنوي: 302.
(8) آل عمران: 34.
(9) مغني اللبيب 1: 392.
(10) التمهيد للأسنوي: 303.
(11) النحل: 16.
(12) الرعد: 43.(1/345)
يقسّمون العقلاء إلى ثلاثة أنواع، وهي: الملائك، والإنس، والجن.
وينبغي أن يراد بالعاقل وذي العلم: ما من شأنه أن يكون كذلك، كالأجناس الثلاثة، وإن كان بعض أفراد الجنس غير عاقل ولا عالم، كالمجنون والطفل.
إذا عرفت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لوكيله: من دخل داري فأطعمه شيئا، فدخل عليه صبي أو مجنون جاز أن يطعمهما، لأنهما من جنس أولي العلم والعقل.
ولو دخلت بهيمة لم يجز له إطعامها، لأن «من» لم تتناولها على القول الشهير، وعلى قول قطرب تدخل. ولو قال: فأعطه درهما لم تدخل مطلقا، لأنها غير قابلة للعطاء.
ولو قال: فألبسه أو فاخلع عليه فكالإطعام، إلا أن يدل العرف على خلافه. ولو قال: ما أتاك فأطعمه، دخلت الدّابّة قطعا، وفي دخول العاقل ما تقدم.
ومنها: إذا قال: غصبتك ما تعلم، أو ما أنا أعلم به، قيل: لا يلزمه شيء، لأنه قد يغصب نفسه فيحبسه. ويشكل بأنه جعل للغصب مفعولين، فيجب مغايرته للأول.
ومثله ما لو قال: غصبتك شيئا، ثم قال: أردت نفسك. وقد تقدّم في القسم الأول فروع أخر عليها.
ومنها: ما لو نذر أن يكون ما يولد له من مملوكاته صدقة، وله حيوان صامت وإماء، فإن الجميع يدخل في النذر إن لم يستثن بعضه ولو بالنية، إن جعلناها مطلقة على الجميع، وإلا دخل ما لا يعقل خاصة.
ولو قال: كل من يولد، لم يدخل غير الإنسان. والأولى دخول الإنسان في الأول مطلقا، لدلالة العرف على استعماله فيه أيضا.(1/346)
قاعدة «112» صيغة «ما» في قول القائل: أعطيتك ما شئت، ونحو ذلك، يجوز أن تكون موصولة،
أي: الّذي شئت، وأن تكون مصدرية ظرفية، أي: مدة مشيئتك.
إذا تقرر ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما لو قال لوكيله: أعط فلانا ما شئت، فإنه يتخير في إعطائه أي عدد شاء. لكن إذا أعطاه مرة هل يصح له إعطاؤه مرة أخرى؟ يبنى على أن «ما» هل هي موصولة أو ظرفية. فعلى الأول ينبغي عدم الصحة، لامتثاله الأمر، وهو لا يقتضي التكرار، وإنما دل على إعطائه أيّ عدد شاء، وقد شاء عددا وأعطاه إياه ويحتمل جواز إعطائه مرّة أخرى، لأن العدد المعطى ثانيا إذا انضم إلى الأول صار عددا شاءه أيضا. ويضعف بما فيه من تكرر الأمر، وهو لا يقتضيه.
ولو جعلناها ظرفية جاز، لأن التقدير: مدة مشيئتك، فهو كقوله: أكرمه مدة إقامته عندك، فيصح تكرار الإكرام تلك المدة، ففيه تنصيص على الإذن في التكرار بتعيين المدة، بخلاف الإطلاق.
وحيث احتملت «ما» الأمرين فالمتيقن منها أقل الحكمين، وما زاد عليه مشكوك فيه، لأنها تكون حينئذ مشتركة، والمشترك لا يحمل على أحد معانيه إلا بقرينة. نعم إعطاؤه المرة الأولى قدر مشترك بين أفراد المشترك، فيتناوله الإذن، ويقع الشك في الباقي.
ومنها: ما لو قال: قارضتك على هذا المال ما شئت، فقال: شئت سنة، فهل يصح له أن يشاء أزيد منها؟ يبنى على ما سلف.
ومثله ما لو قال: أعرتك هذا ما شئت، فعيّن وقتا أو عددا معينا ثم تجاوزه
إلى غيره، ولعل العرف هنا قاض بجواز تعدّد المشيئة. ويؤيده أن «ما» عامة، فتتناول ما يشاءوه ثانيا و (1) ثالثا أبدا.(1/347)
ومثله ما لو قال: أعرتك هذا ما شئت، فعيّن وقتا أو عددا معينا ثم تجاوزه
إلى غيره، ولعل العرف هنا قاض بجواز تعدّد المشيئة. ويؤيده أن «ما» عامة، فتتناول ما يشاءوه ثانيا و (1) ثالثا أبدا.
وفرّع بعض الشافعية عليه: ما إذا قال لامرأته: أنت طالق ما شئت، قال: فيحتمل أن يكون: المقدار الّذي شئت، فيرجع فيه إلى العدد الّذي تشاؤه المرأة من الطلاق، ويشترط الفورية فيه، كقوله: إن شئت فأنت طالق. قال: ويحتمل أن يريد مدة مشيئتك للطلاق، فتطلق عند مشيئتها، أيّ وقت شاءت.
__________
(1) في «د»: أو.(1/348)
الباب الرابع في المعرف بالأداة
قاعدة «113» إذا احتمل كون «أل» للعهد، وكونها لغيره، كالعموم والجنس، فإنا نحملها على المعهود،
لأن تقدمه قرينة مرشدة إليه. ويتحقق ذلك بأن يذكر الاسم مرتين معرفا فيهما، أو منكرا في الأول ومعرفا في الثانية. فالأوّل كقوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (1) والثاني كقوله تعالى {كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (2).
ولو كانتا معا نكرتين لم يكن أحدهما هو الآخر وكذا لو كان الأول معرّفا والثاني منكرا.
ومن هذه القاعدة: «لن يغلب عسر يسرين»، بمعنى أنّ اللََّه تعالى وعد في الآية بمقتضى القاعدة أنه ينزل مع كل عسر يسرين، لأنه جعل العسر فيهما معرفا، فالثاني هو الأول، لأن حمل اللام فيه على العهد أولى من حملها على غيره. وأتى باليسر منكرا فيهما، فدلّ على تعددهما، فكأنه تعالى قال: إني
__________
(1) الانشراح: 65.
(2) المزمل: 1514.(1/349)
أنزل مع العسر يسرا ثم إني أنزل مع ذلك العسر يسرا آخر. وكذا يحمل على العهد لو لم يتكرر واحتمل مع غيره.
ويتفرع على القاعدة فروع:
منها: لو قال لوكيله: إن جاء فلان فبعه بمائة، ثم قال: إن جاء الرّجل فبعه بخمسين، فيصح له بيعه المتاع بخمسين، عملا بمقتضى الإذن، وإن كانت قيمة المتاع تساوي أكثر ولا يصح بيعه لغيره بذلك القدر، بل بثمن المثل حيث لا يعيّن (1) غيره. ولو قال بعد تعيين الرّجل: وإن جاءك رجل فبعه بخمسين، فهو إذن في بيع من شاء من الرّجال الذين يجيئون إليه، سواء الرّجل المذكور سابقا وغيره.
ومنها: لو قال فلانة وعيّن بعض زوجاته طالق، ثم قال: والزوجة طالق، فإنه ينصرف إلى المطلّقة أولا فإن كان قد راجعها وقع عليها الطلاق ثانيا، وإلا وقع لاغيا.
هذا بحسب الظاهر، وأما بحسب نفس الأمر فينصرف الطلاق إلى التي نواها من زوجاته.
وتظهر الفائدة عند اشتباه قصده، فإنه يعمل حينئذ بمدلول لفظه.
ولو ادعى قصد غير المطلّقة قبل قوله، لصلاحية اللفظ له، وإن كان خلاف الظاهر فيدين بنيته فيما بينه وبين اللََّه تعالى، خصوصا لو لم يكن رجع في طلاق الأولى، لأن إعمال الطلاق خير من إلغائه، وعوده إلى المطلقة أولا يوجب إلغاءه.
ومنها: مسألة الكفالة المشهورة، وهي قوله: عليّ كذا إلى كذا إن لم أحضره، وقوله: إن لم أحضره كان عليّ كذا إلى كذا. فإن الفرق بين الصيغتين بحسب اللغة غير واضح، لأن تقديم الشرط على الجزاء وتأخيره سيّان لكن
__________
(1) في «د»: يعني.(1/350)
وردت الرواية بالفرق بينهما، وأنه إذا قدّم المال فهو ضامن للمال إن لم يحضره، وإن قدّم عدم الإحضار فهو له كفيل (1).
وقد اختلفوا في تنزيل الرواية لمخالفتها للأصول، والغرض هنا بيان فساد بعض تأويلاتها، فإنه يتفرع على هذه القاعدة، وهو ما نقل عن العلامة (2) أنه حمل الرواية على أنه التزم في الصورة الأولى بما ليس عليه، كما لو كان عليه دينار فقال: إن لم أحضره فعليّ عشرة دنانير مثلا، فهنا لا يلزمه المال، لأنه التزم بما ليس عليه. وأما الثانية فإنه التزم بما عليه وهو الدينار مثلا، فكأنه قال: علي الدينار الّذي عليه إن لم أحضره.
وطريق فساد هذا التأويل من القاعدة: أنّ لفظ الرواية: سألته عن الرّجل يكفل بنفس الرّجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما، قال: «إن جاء به إلى الأجل فليس عليه مال، وهو كفيل بنفسه أبدا إلا أن يبدأ بالدراهم، فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل هذا لفظها.
وأنت خبير بأنه أتى بالدراهم أولا نكرة، ثم أتى بها معرفة في قوله: «إلّا أن يبدأ بالدراهم» وقوله: «فإن بدأ بالدراهم» وحينئذ فيجب حمل اللام على المعهود، وهو المذكور سابقا، كما في قوله تعالى {كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (3) فيبطل التنزيل، مع ما فيه من مفاسد أخر لا تتعلق بالقاعدة.
ومن فروع حمله على المعهود مع عدم تكرره: ما لو حلف لا يأكل الجوز مثلا، فإنه يحمل على المعهود منه، دون الجوز الهندي، إلا أن يكون في بلاد
__________
(1) الكافي 5: 104باب الكفالة. حديث 3، الفقيه 3: 96حديث 3403، التهذيب 6: 209 حديث 488، الوسائل 13: 157أبواب أحكام الضمان باب 10.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 102.
(3) المزمل: 1514.(1/351)
يعهد فيها حمله عليه، أو على ما هو أعم منه.
ومثله: لا آكل البطيخ، حيث تكون أصنافه متعددة، وإطلاقه محمول على بعضها، وهو واقع فيه في كثير من البلاد، حتى قال بعضهم: إنه لا يحنث بأكل البطيخ الهندي، وهو الأخضر (1). وكأن هذا الاسم لا يعهد في بلاده إطلاقه على هذا النوع، وإلا فهو واقع في كثير، فيحنث به عندنا، لأن إطلاقه عليه معهود.
قاعدة «114» الاسم المعرّف ب «أل» التي ليست للعهد يفيد العموم عند جماعة من النحويين والأصوليين،
منهم أبو حيان وابن مالك (2).
واحتج الجميع له بوصف العرب له بصفة الجمع، حيث قالوا: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض (3).
واستدل في «الارتشاف» تبعا لابن مالك بقوله تعالى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى ََ عَوْرََاتِ النِّسََاءِ} (4).
وفيهما نظر، لأن الأول لو كان حقيقة لا طرد، وهو منتف، مثله في قوله تعالى {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (5) فإنه إنما صح الاستثناء منه حملا له على الاستغراق مجازا، بدليل عدم اطراده أيضا، إذ لا يصح أن يقال:
__________
(1) نقله عن الرافعي في التمهيد: 315.
(2) التسهيل: 42، تفسير البحر المحيط 6: 449، التمهيد: 327.
(3) البهجة المرضية 1: 75.
(4) النور: 30.
(5) العصر: 2.(1/352)
رأيت الإنسان إلا المؤمنين.
وأما الثاني، فقد نقل الجوهري أنّ الطفل يطلق على الواحد والجمع (1).
إذا تقرّر ذلك فتتفرع عليه فروع كثيرة أصلية وفرعية، وقد تقدم في القسم الأول جملة منها.
ومنها: الاحتجاج بقوله صلى اللََّه عليه وآله: «إذا بلغ الماء كرا» (2) وقوله: صلى اللََّه عليه وآله: «خلق اللََّه الماء طهورا» (3) إلى آخره. فإن جعلناه للعموم استدل به على أفراد الماء، وإلا دلّ بإطلاقه عليها، فيستوي فيه النابع، وما في الآنية، وماء البحر، وغيره من أفراد المياه التي اختلف في انفعالها بمجرد ملاقاة النجاسة وعدمه، أو في طهوريتها وعدمها.
ومنها: لو دفع إلى وكيله مالا يفرّقه، وقال له: أعط الفقير درهما، والفقيه درهما، وغيرهما الباقي، فإن جعلناه للعموم لم يصح الاقتصار على إعطاء أقل من ثلاثة من الصنفين، وإلا جاز الاقتصار على واحد.
ومنها: ما إذا استفاض أنّ الملك الفلاني وقف على المسجد، أو مسجد البلد الفلاني، وفيه عدة مساجد، ولم يعلم الموقوف عليه منها، هل هو واحد (4) أم أكثر أم الجميع. فإن جعلناها للعموم وجب صرف غلته إليها أجمع بالسوية، وإلا كان لواحد منها مشتبها، فيستخرج بالقرعة. ونظائر ذلك كثيرة.
__________
(1) الصحاح 5: 1751. (طفل)
(2) سنن الترمذي 1: 46، سنن النسائي 1: 175باب التوقيت في الماء، مختصر سنن أبي داود 1:
56 - باب ما ينجس الماء حديث 58.
(3) الخلاف 1: 173، السرائر 1: 64، المعتبر 1: 40، الوسائل 1: 101أبواب الماء المطلق باب 1حديث 8.
(4) في «م» زيادة: معين، وفي «د»: معنى.(1/353)
الباب الخامس في المشتقات
قاعدة «115» اسم الفاعل يطلق على الحال، وعلى الاستقبال، وعلى الماضي،
وكذلك اسم المفعول. وإطلاق النحاة يقتضي أنه إطلاق حقيقي.
واختلف الأصوليون في كونه حقيقة بمعنى الماضي، فعند أصحابنا والمعتزلة هو حقيقة (1)، وعند الأشاعرة مجاز (2).
ويتفرع على ذلك فروع:
منها: إذا قال لزوجته: أنت طالق، وقد (3) جزموا بصراحته. ومقتضى مذهب الأصحاب أنّ ذلك لا يتعدى إلى غيره من العقود، كقوله: أنا واقف هذا، أو مطلّق للمرأة، أو بائع للشيء، أو مؤجر له، أو مزوج ابنتي. وأولى منه إطلاق اسم المفعول، كقوله مطلقة، أو مبيع، ونحوهما لأن الصيغ عندهم توقيفية، فلا (4)
__________
(1) تهذيب الأصول للعلامة: 10، ونقله عن المعتزلة في التمهيد: 153.
(2) التمهيد للأسنوي: 153.
(3) في «م»: فقد.
(4) في «د»: لا.(1/354)
يتعدى إلى غيرها ولأنه باشتراكه بين الحال والاستقبال أعم من المطلوب، فلا يدل عليه. وكذا لو جعلناه متواطئا.
ومنها: لو عزل عن القضاء فقال: امرأة القاضي طالق، ففي وقوع الطلاق على زوجته ظاهرا وجهان.
وللمسألة التفات إلى قواعد:
منها: أنّ المتكلم هل يدخل في عموم كلامه؟
منها: إقامة المظهر مقام المضمر.
ومنها: إطلاق المشتق باعتبار الماضي هل هو حقيقة أم لا؟
ومنها: أن المفرد المعرّف هل يعم أم لا؟
هذا كله إذا اشتبه القصد، أما لو قصدها، فلا إشكال، ولو ادعى عدم قصدها، وحكمناه بالمقدمات الموجبة للدخول، ففي القبول منه نظر، والمتجه القبول.
ومن الفروع على القاعدة:
ما لو قال: أنا مقر بما يدعيه، أو لست منكرا له، فالمشهور أنه يكون إقرارا، مع أنه يحتمل الاستقبال فيكون وعدا، والمشترك لا يحمل على أحد معنييه بدون القرينة، ولهذا لو قال: أنا أقر به، لم يكن إقرارا، وإن أتى بالضمير معه، لكونه مشتركا بين الحال والاستقبال.
ومنها: لو وقف على سكان موضع كذا، فغاب بعضهم، ولم يبع داره، ولا استبدل دارا، فإن حقه لا يبطل بذلك. ولا فرق في ذلك بين الغيبة حال الوقف وبعده، إلا أن يخرج عن كونه منهم عرفا.
ومنها: لو قال: وقفت على حفّاظ القرآن، لم يدخل فيه من كان حافظا ونسيه، عملا بالعرف، وإن كانت القاعدة تقتضيه. وقد تقدّم
ذلك في القسم الأول (1).(1/355)
ومنها: لو قال: وقفت على حفّاظ القرآن، لم يدخل فيه من كان حافظا ونسيه، عملا بالعرف، وإن كانت القاعدة تقتضيه. وقد تقدّم
ذلك في القسم الأول (1).
قاعدة «116» إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال نصب معموله.
وإن أريد الماضي، فإن كانت معه «أل» جاز النصب به، ويجوز الجر أيضا، وإن عري منها فلا، بل تتعين إضافته.
وقال الكسائي: يجوز أن ينصب به مطلقا (2).
وحيث يجوز النصب به يجوز الجر أيضا، بل هو أولى عند بعضهم (3)، لأنه الأصل. وقال سيبويه: النصب والجر سواء (4). وقيل: النصب أولى (5).
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال شخص: أنا قاتل زيد، ثم وجدنا زيدا ميتا، واحتمل أن يكون قبل كلامه، وأن يكون بعده، فإن نوّنه ونصب به ما بعده، لم يكن ذلك إقرارا، لأن اللفظ لا يقتضي وقوعه وإن جرّه فكذلك، لجواز أن يكون المضاف بمعنى الحال أو الاستقبال. هذا هو مقتضى القواعد.
وقال بعضهم: إنه مع الجر يكون إقرارا (6)، بناء منه على أنّ (إعمال اسم الفاعل النصب بغير «أل» مختص بالحال والاستقبال، وأنه تمتنع معهما
__________
(1) قاعدة: 19.
(2) نقله عنه في التسهيل: 137، وشرح العوامل (جامع المقدمات) 1: 601.
(3) في «م» زيادة: هو أبو حيان الأندلسي.
(4) الكتاب 1: 171.
(5) شرح الكافية للرضي 1: 280.
(6) إيضاح الفوائد 2: 426.(1/356)
الإضافة، وقد عرفت خلافه.
نعم لو قيل: إن اسم الفاعل) (1) بمعنى الماضي حقيقة بناء على القاعدة الأصولية، ومع الحال والاستقبال مجاز، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه، توجّه كونه إقرارا، وإن صحت الإضافة على التقادير الثلاثة.
وعلى هذا يتجه (إلحاق) (2) النصب به أيضا حيث يجوز أعماله بمعنى الماضي (3)، كما إذا كان صلة «أل» كقوله: أنا القاتل زيدا، لأنه وإن احتمل الثلاثة الأحوال، إلا أن أحدها وهو الماضي حقيقة دون الآخرين. ولكنّ الظاهر من كلام النحاة مطلقا أنه حقيقة مطلقا، كما تقدم في القاعدة السابقة (وحينئذ لا يتعين كونه إقرارا موجبا مطلقا) (4) وهذا هو الأصح.
قاعدة «117» مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه.
ويتفرع عليه:
ما إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بما يستلذه هو أو غيره. بخلاف ما لو قال: شيئا لذيذا، فإن العبرة فيه بالحالف فقط. كذا ذكره بعضهم، وفرّق
__________
(1) بدل ما بين القوسين في «د»: اسم الفاعل.
(2) في «ح»: الحال و.
(3) في «ح»: مع، بدل: بمعنى.
(4) في «د»: وحينئذ فلا يقتضي كونه إقرارا موجبا لا مطلقا، وفي «ح»: وحينئذ يتعين كونه إقرارا موجبا مطلقا.(1/357)
بينهما بأن المستلذ من صفات المأكول، والفعل واقع عليه من غير اعتبار فاعل معيّن، واللذيذ من صفات الأكل، أي أكلا لذيذا. ويمكن دلالة العرف عليه أيضا، بقرينة إرادة كسر النّفس وقهرها بترك المشتهيات، وإنما يتم ذلك بما يستلذه الحالف دون غيره.
قاعدة «118» اسم المفعول من «افتعل» المعتل العين كاختار مساو في اللفظ لصيغة اسم الفاعل منه،
فإذا قلت مثلا: هذا مختار، فألفه منقلبة عن «ياء» لتحركها وانفتاح ما قبلها، فإن كانت حركتها كسرة كان اسم فاعل، وإن كانت فتحة كان اسم مفعول.
إذا تقرر ذلك، فيتفرع عليه:
ما إذا أسلم الكافر عن خمس نسوة مثلا. فأشار إلى واحدة منهن فقال:
هذه مختارة لي، رجع إليه في البيان، فإن أراد اسم المفعول كان اختيارا، أو اسم الفاعل فلا، لأن اختيارها له غير معتبر (1) فإن تعذر (2) بموت ونحوه رجع إلى القرينة، لأنه لفظ مشترك، فإن دلت على أحدهما، رجّح بها أحد فردي المشترك، وإلا فلا، لأن الأصل عدمه.
قاعدة «119» أفعل التفضيل مقتضاها المشاركة، فإذا قال: زيد أشجع من عمرو،
__________
(1) في «م»: معين.
(2) أي: الرجوع إليه في البيان.(1/358)
فحقيقتها: اشتراكهما في الشجاعة، وزيادة زيد فيها على عمرو.
ويلزمه أن يكون معناه قابلا للتفاضل، فلا يبنى من نحو: فني ومات وأن يكون فعلا، فلا يبنى من مثل الجلف والحمار، فلا يقال أجلف ولا أحمر منه.
وشرط فعله أن يكون ثلاثيا، فلا يبنى من مثل ضارب واستخرج، إلا «أفعل» فقيل: يجوز بناؤه منه مطلقا (1). وقيل: يمتنع مطلقا (2). وقيل: إن كانت الهمزة لغير النقل (3)، نحو هذه الليلة أظلم من البارحة وأبرد، وهذا المكان أقفر من غيره. وسمع: هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف (4).
ويتوصل إلى التفضيل فيما امتنع بناؤه منه «بأشد» ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزا، فيقال: هو أشد استخراجا، وانطلاقا، وحمرة.
إذا عرفت ذلك: فلا تخفى تفاريع القاعدة من النذور والأوقاف والوصايا وغيرها، كما لو نذر أو أوصى أو وقف على أتقى الناس، أو أزهدهم، أو أعقلهم، أو أجهلهم، أو أحمقهم، أو أعلمهم، ونحو ذلك. والحكم في الأتقى والأزهد واضح.
وأما الأعلم، فذكر الأصحاب وغيرهم أنه يصرف إلى الأعلم بعلوم الشريعة، وهي الفقه والتفسير والحديث، دون غيرها، وإن كان مقدمة لها.
ومثله ما لو وقف على العلماء.
وأما الأعقل فقيل: ينصرف إلى الزهاد والعلماء (5)، وقيل: إلى
__________
(1) نقله الرضي عن سيبويه في شرح الكافية 2: 214. وقال: ومجوزة قلة التغيير، لأنك تحذف منه الهمزة وترده إلى الثلاثي ثم تبني من أفعل التفضيل، فتخلف همزة التفضيل همزة الأفعال.
(2) شرح الكافية لملا جامي: 324، شرح ابن عقيل 2: 147.
(3) كذا، والأنسب لغير الفعل، وقد يستفاد هذا التفصيل من شرح الكافية للرضي 2: 213.
(4) شرح الكافية للرضي 2: 213.
(5) نقله عن الشافعي في التذكرة 2: 269.(1/359)
أجودهم تدبيرا في دينه ودنياه (1)، وهو حسن.
وأما الأجهل والأحمق فينصرف إلى العرف.
منها: إذا شرط الواقف النّظر للأرشد من أولاده، فإنه ينصرف إلى أشدهم اتصافا به، فإن تساوى فيه اثنان أو أكثر اشتركوا، ولو شهد لكل من الاثنين اثنان بأنه أرشد، اشتركا في النّظر من غير استقلال، لتساقط البينتين بتعارضهما، فيبقى أصل الرشد، كما لو قامت البينة برشدهما من غير مفاضلة.
ومنها: إذا قال: يا زاني، فقال: أنت أزنى مني، فالمشهور أنه لا يكون قاذفا، إلا أن يقول: نعم زنيت ولكنك أزنى مني. وكذا لا يكون قذفا لو قال ابتداء: أنت أزنى مني.
وهذا مما يخالف القاعدة، لاقتضائها اشتراكهما في أصل الزنا وزيادة المفضّل وإنما لم يجعلوه قذفا، لعدم تصريحه بكون المفضّل عليه زانيا، والقذف لا يتحقق إلا بالتصريح، وقد لا يكون المفضل عليه موصوفا بالصفة المفضّل فيها، فإن ذلك يقع لغة حقيقة وإن شذ، أو مجازا مضافا إلى أصل البراءة. ومن ثم حكموا بثبوت القذف لو قال قبله: نعم زنيت.
وكذا لو قال: أنت أزنى الناس، فإنه لا يكون قذفا حتى يقول: وفيهم زناة.
ولا يشكل بالقطع بأن في الناس زناة، لأن ألفاظ القذف لا تحمل على مثل ذلك، مع إمكان حملها على غيره، إما بأن يريد أنه أزنى ممن ليس بزان منهم، أو يريد أن الناس صلحاء حتى أنّ هذا أزناهم (2) فيه صلاح، فما ظنك بغيره، ونحو ذلك.
ومنها: لو أوصى لأقرب الناس إليه، أو لأقرب أقاربه، فإنه ينزّل على
__________
(1) التذكرة 2: 469.
(2) في «د»: أدناهم.(1/360)
مراتب الإرث، فيقدّم الآباء والأولاد على غيرهم من الأقارب، ثم الإخوة والأجداد، ثم أولاد الإخوة، وهكذا لكن هنا يتساوى الذكر والأنثى، والأخ من الأبوين أو الأب والأخ من الأم، وهكذا مراتب من يرث أكثر مع من يرث أقل، لأن ذلك حكم زائد في الإرث عن القرب.
وقد يشكل الحكم في بعض موارده، كتقديم ابن العم من الأبوين على العم من الأب، حيث إنه في الإرث مقدّم. والأقوى تقديم العم هنا، لأن تأخره هناك على خلاف الأصل. وفي مقدار (1) نصيب الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين، والأقوى التسوية بينهما هنا وإن اختلف ثمّ.
ومنها: الكلام على الخبر المشهور، وهو قول النبي صلى اللََّه عليه وآله: «نية المؤمن خير من عمله» (2)، وروي أيضا: «ونية الكافر شر من عمله» (3) فإن عليه إشكالا مشهورا، وهو أنه روي أيضا: «أن أفضل الأعمال أحمزها» (4) والعمل أحمز من النية، فكيف يكون مفضولا؟ وروي أيضا: «أن المؤمن إذا همّ بحسنة كتبت بواحدة، فإذا فعلها كتبت له عشرا» (5) وهو صريح في أنّ العمل أفضل من النية.
وروي أيضا «أنّ النية المجردة لا عقاب فيها» (6) فكيف تكون شرا من العمل.
وقد اختلفت آراء الفضلاء قديما وحديثا في جواب هذا الإشكال، فمن الناس من جعل الخبر عاما مخصوصا، أو مطلقا مقيدا (7)، أي نية بعض
__________
(1) في «د»: مقدر.
(2) الكافي 2: 84باب النية حديث 2، المحاسن: 260، الوسائل 1: 35أبواب مقدمة العبادات باب 6حديث 3.
(3) الكافي 2: 84باب النية حديث 2، المحاسن: 260، الوسائل 1: 35أبواب مقدمة العبادات باب 6حديث 3.
(4) النهاية لابن الأثير 1: 440.
(5) التوحيد: 408حديث 7، الوسائل 1: 39أبواب مقدمة العبادات باب 6حديث 20.
(6) الوسائل 1: 40أبواب مقدمة العبادات باب 6.
(7) رسائل السيّد المرتضى 3: 239.(1/361)
الأعمال الكبار كنية الجهاد خير من بعض الأعمال الخفيفة، كتسبيحة أو تحميدة أو قراءة آية، لما في تلك النية من تحمّل النّفس المشقة الشديدة، والتعرّض للهم الّذي لا يحصل بتلك الأفعال الخفيفة. ولا يخفى أنه خلاف الظاهر.
والتجأ بعضهم (1) إلى أنّ «خيرا» في الخبر ليست بمعنى أفعل التفضيل، بل هي الموضوعة لما فيه منفعة، ومعنى الخبر على ذلك: أنّ نية المؤمن من جملة الخير من أعماله، حتى لا يقدّر مقدّر أنّ النية لا يدخلها الخير والشر، كما يدخل ذلك في الأعمال. أو أنّ أفعل التفضيل قد تكون مجردة عن الترجيح، كما في قوله تعالى {وَمَنْ كََانَ فِي هََذِهِ أَعْمى ََ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ََ وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (2) وهذا أيضا تكلّف.
ومنهم (3) من أجراه على ظاهره، وجعل المفضّل عليه هو العمل بغير نية. وفيه: أنّ العمل حينئذ لا خير فيه مع اقتضاء أفعل التفضيل المشاركة في أصل المصدر.
أو أن تفضيلها عليه بسبب دوامها، بخلاف العمل، فإنه ينقطع أحيانا، فإذا نسبت الدائمة إلى المنقطع كانت خيرا منه. وفيه: أن النية تنقطع أيضا كثيرا، فإن نية الصلاة مثلا التي هي أفضل الأعمال لا تتفق إلا في لحظات معدودة بخلاف العمل.
أو لأن النية لا يدخلها الرياء ولا العجب، بخلاف العمل، وفيه: أن المراد من الأمرين (4) الخالي عنهما، وإلا لم يقع تفضيل.
أو أنّ خلود المؤمن في الجنة والكافر في النار إنما هو على نيته أنه لو عاش
__________
(1) رسائل السيّد المرتضى 3: 237.
(2) الإسراء: 72.
(3) رسائل السيد المرتضى 1: 120.
(4) أي: النية والعمل.(1/362)
أبدا أطاع أو عصى أبدا، فكانت النية سببا في الخلود، بخلاف العمل. وهذا مناف للحكمة والنقل الدال على عدم المؤاخذة على النية، فكيف يدوم العقاب لأجلها أو استحقاق الثواب؟! وإنما العمدة في الخلود على السمع.
أو أنّ النية سرّ لا يطّلع عليه إلا الله، وعمل السر أفضل من عمل الجهر. وفيه: أن العمل أيضا قد يكون سرا، كما لو نوى التفكّر في الملكوت، الّذي ورد أنّ ساعة منه من أفضل العبادات، أو نوى أن يذكر اللََّه بقلبه، فلا يحصل للنية مزية على العمل، فكيف تفضّل عليه لذلك.
والأظهر في الجواب أن يقال: إنّ الخبر جار على عمومه، وأنّ المعنى به أنّ كل طاعة تنتظم بنية وعمل، كانت النية من جملة الخيرات، وكذلك العمل، ولكن النية خير منه.
وأما سبب كونها خيرا منه فلا يفهمه إلا من فهم مقصد الدين وطريقه، ومبلغ أثر الطريق في الإيصال إلى المقصد، وقاس بعض الآثار بالبعض، فإن من قال مثلا: إن الخبز خير من الفاكهة، فإنما أراد أنه خير منها بالإضافة إلى مقصد القوت والاغتذاء، ولا يلزم أن يكون خيرا منها مطلقا حتى لو استغنى في بعض الأوقات عن الغذاء، وافتقر إلى الفاكهة، لحاجته إلى الترطيب ونحوه، كان الخبز أفضل، وإنما يفهم هذا من علم أن للغذاء مقصدا، وهو الصحة والبقاء، وأن الأغذية مختلفة الآثار فيها، وفهم أثر كل واحد، وقاس بعضها إلى بعض.
وكذا نقول هنا: إن الطاعات غذاء القلوب، والمقصود شفاؤها وبقاؤها وسلامتها في الآخرة وسعادتها وتنعّمها بلقاء اللََّه تعالى، فالمقصد له السعادة بلقاء اللََّه تعالى فقط، ولن يتنعم (1) به إلا من مات محبا لله عارفا به، ولن يحبه إلا من عرفه، ولن يتأكد ذلك إلا بالمواظبة على الطاعات وأعمال
__________
(1) في «د»: ينتفع.(1/363)
الجوارح إلا أن القلب هو الأصل في جميع ذلك، وهو بمنزلة الأمير والراعي والجوارح كالخدم والرعايا والأتباع. ولذا قال النبي صلى اللََّه عليه وآله: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد» (1) وقال صلى اللََّه عليه وآله: «اللهم أصلح الراعي والرعية» (2) وأراد بالراعي القلب وقال تعالى {لَنْ يَنََالَ اللََّهَ لُحُومُهََا وَلََا دِمََاؤُهََا وَلََكِنْ يَنََالُهُ التَّقْوى ََ مِنْكُمْ} (3)، هو صفة القلب.
فمن هذا الوجه يجب أن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل من حركات الجوارح، والنية من جملتها أفضل، لأنها عبارة عن ميل القلب إلى الخير وإرادته، والغرض من الأعمال بالجوارح أن يعوّد القلب إرادة الخير ويؤكد فيه الميل إليه، ليتفرغ من شهوات الدنيا، ويكبّ على (الفكر والتفكر) (4)، فبالضرورة يكون خيرا بالإضافة إلى غيره من الأعمال، لأنه متمكن من نفس المقصود.
وهكذا تأثير الطاعات كلها إنما المطلوب منها تأثير القلوب، وتبديل صفاتها دون الجوارح، فلا يظنّ أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة والأرض، بل من حيث إنه بحكم العادة يولّد صفة التواضع في القلب، ولهذا لم يكن العمل بغير نية مفيدا أصلا، كما أنّ من يمسح رأس اليتيم مثلا، وهو غافل بقلبه عن الرّقة عليه والشفقة، لم ينتشر من أعضائه أثر إلى قلبه لتأكيد الرقة، الّذي هو الحكمة في مسحه وتقبيله. وكذلك من يسجد وهو مشغول باله بأغراض الدنيا لم ينتشر من ذلك أثر إلى قلبه يتأكد به التواضع.
__________
(1) الخصال: 31، صحيح البخاري 1: 20باب فضل من استبرأ لدينه، مسند أحمد 4: 270.
(2) كشف الخفاء 1: 206، الأسرار المرفوعة: 67، إتحاف السادة المتقين 10: 17.
(3) الحج: 37.
(4) في «م»، «ح»: الذّكر والفكر.(1/364)
فهذا وجه كون النية خيرا من العمل، وبه يعرف معنى قوله صلى اللََّه عليه وآله: «من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة» (1) لأن همّ القلب هو ميله إلى الخير، وانصرافه عن الهوى وحب الدنيا، وهي غاية الحسنات، وإنما الإتمام بالعمل يزيدها تأكيدا.
وبه يظهر سر كونها شرا من العمل، وغير ذلك من المقاصد التي تترتب عليها، واللََّه أعلم بأسراره.
فائدة لفظ الأكثر بالثاء المثلثة أفعل تفضيل في أصل الوضع.
ومن فروعه ما لو قال: له عليّ أكثر الدراهم، قال بعضهم: يلزمه عشرة دراهم، لأن نهاية ما يعبّر عنه بالدراهم عند العدد عشرة، فيقال: ثلاثة دراهم إلى عشرة دراهم، ثم يقال: أحد عشر درهما (2) والأظهر أنه يرجع إلى بيانه.
ومنها: ما لو قال المريض: أعطوه أكثر مالي، كانت الوصية بما فوق النصف، ويرجع إلى الورثة فيما زاد.
ومنها: لو قال: ضعوا عن المكاتب أكثر نجومه، وضع عنه أكثر من نصفها كذلك. ويحتمل أن يوضع عنه من النجوم أكثرها قدرا وإن نقص عن نصف المجموع. ولو تساوت قدرا تعيّن الحمل على المعنى الأول، لانتفاء الثاني.
ولو قال: أكثر ما عليه، وضع أزيد من نصف المال.
ولو قال: أكثر ما عليه ومثله، انصرف إلى الجميع، ولغا في الزائد.
ولو قال: أكثر ما عليه ونصفه، انصرف إلى ثلاثة أرباعه وزيادة، وإن
__________
(1) صحيح مسلم 1: 118كتاب الإيمان حديث 206، مسند أحمد بن حنبل 1: 279، الكافي 2: باب فيما أعطى اللََّه عز وجل آدم عليه السلام حديث 1، الوسائل 1: 37أبواب مقدمة العبادات باب 6حديث 8.
(2) شرح فتح القدير 7: 307.(1/365)
قلّت. وفي اعتبار ضميمة نصفها إلى ذلك عملا بظاهر اللفظ نظر، لأن الزيادة المعتبرة من أول الكلام تقبل التجزئة إلى النصف وأقل إلى أن تنتهي إلى الجوهر الفرد، فيمكن فرضها من الجانبين.
وربما اعتبر كونها متموّلة ليمكن إفرادها بالمعاوضة، وهو ضعيف، لمنع اشتراط ذلك في الوصية، ومع تسليمه فإنما يعتبر حيث تكون منفردة، أما منضمة إلى نصف ما عليه أو أزيد فلا، لأنها حينئذ كالجزء منه، وأجزاء المال وإن كثر لا بد أن تنتهي إلى ما لا يتمول، لأنه مركب منها.
وبعضهم اعتبر التموّل في الزيادة على النصف دون ما انضم إلى نصفه، نظرا إلى أنه تصريح بالوصية بما لا يتموّل حيث ذكر نصف أقل ما يتموّل فلا يلتفت إليه. وفساده ظاهر مما قررناه.
ومنها: لو قال: لفلان عليّ مال أكثر من مال فلان، كان مبهما جنسا ونوعا وقدرا. فإن فسّره بأكثر منه قدرا أو عددا ألزم بمثله وزيادة يرجع إليه فيها ولو فسّر الأكثرية بالبقاء أو المنفعة أو البركة، وجعله أقل في القدر والعدد بأن يقول: الدين أكثر بقاء من العين، أو الحلال أكثر من الحرام أو أنفع ونحوه، فالأقوى القبول وحينئذ فيقبل تفسيره بأقل ما يتموّل وإن كثر مال فلان وعلم به المقرّ.
ولو قال: عليّ من الذهب أكثر من مال فلان، فالإبهام في القدر والنوع والكلام كما سبق، إلا أنه لا يقبل تفسيره بغير الذهب، ولو قال: من صحاح الذهب، ونحوه من الألفاظ الدالة على النوع، فالإبهام في القدر وحده.
ولو قال: له عليّ مال أكثر مما شهد به الشهود على فلان، قبل تفسيره أيضا بأقل متموّل، لأنه قد يعتقدهم شهود زور، ويقصد أن قليل الحلال أكثر بركة من كثير الحرام. ولو قال: أكثر مما قضى به القاضي، فهو كالشهادة لجواز الخطأ والتزوير عليه.(1/366)
فائدة: «أول» الّذي هو نقيض «الآخر» الصحيح أنّ أصله «أوال» على وزن «أفعل» مهموز الوسط،
فقلبت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت.
قال الجوهري: ويدل على ذلك قولهم: هذا أوّل منك، والجمع الأوائل والأوالي أيضا على القلب، وقال قوم: أصله «ووءل» على «فوعل» فقلبت الواو الأولى همزة (1).
وله استعمالان:
أحدهما: أن يكون اسما فيكون مصروفا، ومنه قولهم: ماله أول ولا آخر، قال في الارتشاف: وفي محفوظي أنّ هذا يؤنث بالتاء ويصرف أيضا، فنقول: أوّلة وآخرة بالتنوين.
والثاني: أن يكون صفة، أي أفعل تفضيل بمعنى الأسبق، فيعطى حكم غيره من صيغ أفعل التفضيل، كمنع الصرف، وعدم تأنيثه بالتاء، ودخول «من» عليه، فنقول: هذا أول من هذين، وما رأيته مذ أول من أمس، أي يوما قبل أمس (قال الجوهري: فإن لم تره مدة يومين قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أول من أمس) (2) ولم تجاوز ذلك (3).
إذا علمت ذلك، فمعنى الأوّل في اللغة: ابتداء الشيء، ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون، كما تقول: هذا أول ما اكتسبته، فقد تكتسب بعده شيئا وقد لا تكتسب. ذكره جماعة منهم مفسرون (4) في قوله تعالى:
__________
(1) الصحاح 5: 1838، ذكره في وال.
(2) ما بين القوسين ليس في «د».
(3) الصحاح 5: 1839، وفيه: مذ يومين.
(4) كالطبرسي في مجمع البيان 1: 477، والشيخ الطوسي في التبيان 2: 535، معاني القرآن للزجاج 1: 445.(1/367)
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنََّاسِ} (1) واستدل الزجاج على ذلك بقوله تعالى حكاية عن الكفار المنكرين للبعث {إِنَّ هََؤُلََاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلََّا مَوْتَتُنَا الْأُولى ََ} (2) فعبّر بالأولى وليس لهم غيرها.
ومن فروع المسألة:
ما إذا نذر أو أوصى بالصدقة، أو لفلان بأول ما كسبه أو يكسبه، فكسب شيئا ولم يكسب بعده، فينصرف النذر والوصية إلى ما كسبه.
ومنها: ما إذا قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فهو حر، على وجه النذر، فولدت ذكرا ولم تلد غيره وجب إعتاقه.
ومثله ما لو قال: إن كان أول ما تلده ذكرا فلله عليّ أن أتصدق بكذا، ونحو ذلك.
ومنها: لو قال: إن كان أول ما تلدينه أنثى فأنت عليّ كظهر أمي، فولدتها ولم تلد غيرها وقع الظهار.
وحينئذ فشرط الأول أن لا يتقدم عليه غيره، لا أن يكون بعده غيره.
وفي وجه ضعيف عدم وقوع جميع ذلك، وأنّ الأول (3) يقتضي آخرا، كما أنّ الآخر يقتضي أولا.
وقيل: إن السبق يخالف الأولية في ذلك، فإذا قال لعبيدة: من سبق منكم فهو حر، جاعلا له نذرا، فسبق اثنان ثم جاء بعدهما ثالث عتقا، وإن لم يجئ بعدهما أحد لم يعتقا، لأنه ليس فيهما سابق.
ومثله ما لو قال: من سبق إلى كذا فله عندي كذا، بطريق النذر أو الجعالة.
__________
(1) آل عمران: 96.
(2) الدخان: 34، 35.
(3) في «ح» زيادة: مبنى.(1/368)
الباب السادس في المصدر
قاعدة «120» المصدر المنسبك، نحو: يعجبني صنعك، إن كان بمعنى الماضي أو الحال،
فينحل إلى «ما» والفعل، نحو: ما صنعت أو تصنع وإن كان بمعنى الاستقبال فينحل إلى «أن» والفعل، وكذلك «أنّ» المشددة مع الفعل.
وذكر في الارتشاف أنّ النحاة فرّقوا بين «انطلاقك» مثلا وبين «أنّك منطلق» بأن المصدر لا دليل فيه على الوقوع من فاعل معيّن والتحقق، و «أنّ» يدل عليهما، والعرف يدل على ذلك.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: أوصيت إليك بأن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فإنه يكون إباحة لا تمليكا حتى تبطل الوصية بموت الموصى إليه ولا يؤجر (1)، وفي الإعارة وجهان. بخلاف ما لو أتى بالمصدر المنسبك فقال:
بسكناها أو بخدمته، فإنه يكون تمليكا، بمعنى أنه يورث عنه، ويجوز له أن
__________
(1) أي: لا يتمكن الموصى إليه من تأجيره.(1/369)
يفعل به ما يفعل بأملاكه من الإجارة وغيرها.
ومنها: إذا قال: وكّلتك في أن تبيع هذا، فليس له التوكيل. ولو قال: في بيعه، ففي جواز التوكيل حيث يجوز له مع الإطلاق نظر، ومقتضى ما ذكر جوازه.
قاعدة «121» يجوز إيقاع المصدر موقع فعل الأمر، كقولك: ضربا زيدا، أي اضرب زيدا.
ومنه قوله تعالى {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (1) أي:
فاضربوا رقابهم.
ومن فروع القاعدة:
أن يقول لوكيله: إعتاق عبدي وبيع داري، ونحو ذلك، قاصدا به الأمر وكذا ما أشبهه من العقود والإيقاعات من الطلاق وغيره. ومقتضى القاعدة وقوع الوكالة بذلك. وهذا إنما يتم لو لم يحتمل اللفظ سواه، وإلا كان كالمشترك في توقفه على القرينة في الدلالة على أحد معنييه.
قاعدة «122» يحذف المصدر وتقام صفته مقامه، كقوله: ضربته شديدا، أي: ضربا شديدا.
وهكذا قليلا وكثيرا ونحو ذلك.
ومن فروعها:
ما لو وكّله في بيع متاع، فقال: بعه صحيحا، فعاب قبل البيع،
__________
(1) محمّد: 4.(1/370)
فباعه ثم اختلفا، فقال الموكل: أردت الأمر ببيعه في حال صحته، فلما عاب لم يكن لك بيعه بالأمر السابق. وقال الوكيل: إنما أردت البيع صحيحا، وجعلت صحيحا صفة لمصدر محذوف، والتقدير: بعه بيعا صحيحا، فكلتا الدعويين صحيحة. ولكن الأصح تقديم الموكّل، لأنه أخبر بنيته، ولأن الصحيح على زعمه يفيد فائدة لا تستفاد من إطلاق الأمر بالبيع، بخلاف دعوى الموكّل، فإنه يفيد عنده (1) مجرد التأكيد، لأن إطلاق البيع محمول على الصحيح، وفائدة التأسيس خير من فائدة التأكيد.
وفرّع عليه بعض العامة:
ما إذا قال: أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة، فنقل القاضي حسين في تعليقه أن هذه وقعت بنيسابور، فأفتى فيها بعضهم بوقوع طلقتين، وبعضهم بوقوع ثلاث.
ووجه الأول: جعل «أقل» صفة لمصدر محذوف، أي طلاقا أقل من طلقتين وأكثر من طلقة، وذلك طلقة وشيء، فتطلق اثنتين بالسراية.
ووجه الثاني: أنه لما قال أقل من طلقتين كانت طلقة وشيئا، ولما قال:
أكثر من طلقة وقعت أيضا طلقتان، فيكون المجموع ثلاث طلقات وشيئا، فتقع الثلاث، فيرجع الأول إلى الثاني. وهو خطأ، لأن قوله «وأكثر من طلقة» ليس بإنشاء طلاق، بل هو عطف على أقل، وأقل صفة للمصدر المحذوف كما مر، وهو تفسير للمقدار (2)، فيكون المجموع تفسيرا، والتقدير: طلاقا أقل من طلقتين وأكثر من طلقة، وهذا المجموع لا يزيد عن طلقتين قطعا، بل هما غايته
__________
(1) في النسخ: عقده.
(2) في «م»: للمقدر.(1/371)
بما ذكر، وهذا كله عندنا ساقط.
قاعدة «123» إطلاق المصدر على الذات بمعنى اسم الفاعل والمفعول جائز،
كقولك:
رجل عدل وصوم، ودرهم ضرب الأمير، وثوب نسج اليمن، أي: عادل، وصائم، ومضروب، ومنسوج. ومنه قول الشاعر:
فأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم ... فيبني بها أن كنت غير رفيقة ... فما لامرئ بعد الثلاثة مقدم
ثم إن قصد بإطلاق المصدر على الذات المبالغة لم يؤوّل، وإن لم يرد المبالغة فقال البصريون: إنه على حذف مضاف، تقديره: ذو صوم وعدل، أي عدالة. وقال الكوفيون: إنه واقع موقع اسم الفاعل بتقدير صائم وعادل.
وهذا كله إذا لم يكن في أوله ميم، فإن كان لم يجز الوصف به رأسا. ومن ذلك قوله:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها (1)
أي إقامة فيقول: مررت برجل إقامة على التأويلين السابقين، ولا يقول:
برجل مقام.
إذا علمت ذلك، فيتفرع عليه:
ما إذا قال لزوجته. أنت طلاق أو الطلاق، فإنه يكون كناية لا صريحا، لأن إطلاق المصدر كذلك مجاز لا حقيقة، كما صرّح به النحاة والأصوليون، فلا يقع به الطلاق عندنا خلافا للجمهور، حيث أوقعوه
__________
(1) هذا البيت لبشير بن جذلم، وتمامه «قتل الحسين فأدمعي مدرار».(1/372)
بمطلق الكناية، وللبيتين السابقين مع الرشيد ومحمد بن الحسن والكسائي واقعة مشهورة [1].
[1] كتب الرشيد ليلة إلى القاضي أبي يوسف يسأله عن قول القائل:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم ... فأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فقال ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها؟ قال أبو يوسف، فقلت: هذه مسألة نحوية فقهية، ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيي، فأتيت الكسائي وهو في فراشه، فسألته فقال: إن رفع ثلاثا طلقت واحدة، لأنه قال: أنت طلاق، وأخبر أن الطلاق التام ثلاث. وإن نصبها طلقت ثلاثا، لأن معناه: أنت طالق ثلاثا، وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد، فأرسل إليّ بجوائز، فوجهت بها إلى الكسائي. انتهى (مغني اللبيب 1: 76).(1/373)
الباب السابع: في الظروف
قاعدة «124» «مع» اسم لمكان الاستصحاب أو لوقته على حسب ما يليق بالاسم،
وحركته حركة إعراب ويجوز بناؤه بالسكون على لغة ربيعة وتميم، ومنه قولهم:
قرشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لما ما (1)
ولم يحفظها سيبويه وزعم أنه ضرورة (2). وأصل «مع» معي، فحذفوا الياء للتخفيف.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما لو حلف ألّا يخرج من البلد إلا مع فلان، فإنه يبرّ بخروجهما معا بغير تقدّم ولا تأخر ولو تقدم أحدهما على الآخر بخطوات يسيرة ففي الحنث وجهان، أجودهما العدم، للعرف.
__________
(1) هذا البيت للراعي النميري، وهو عبيد بن حصين من قبيلة نمير الأغاني 20: 168، معاني القرآن للزجاج 1: 88.
(2) نقله عنه في مغني اللبيب 1: 439.(1/374)
ومنها: إذا قال: بع هذا العبد مع هذه الجارية، فإن علم إرادته اجتماعهما في صفقة واحدة، أو في أصل البيع، بمعنى أنّ العبد يباع كما أن الجارية كذلك، اتّبع (1).
وإن اشتبه الحال ففي حمله على أيّهما وجهان: من أنّ عادة الناس ضمّ الرديء إلى الجيد وبيعهما بيعة واحدة، وكون ذلك هنا هو الظاهر ومن احتمال الأمرين، فلا يتعين الأول، لأن الثاني أعم منه. والأجود الأول، لأنه المتيقن.
ومنها: إذا قال لامرأته زنيت مع فلان، فإنه يكون قذفا صريحا في حقها وفي كونه قذفا له، وجهان: من جواز الشبهة في حقه ونحوها مع تحقق زناها، وأصالة عدمها وظهور القذف من اللفظ، وهو الأقوى.
ومنها: إذا قال: له عليّ درهم مع درهم، فإنه يلزمه واحد، وإن كانت المعيّة تقتضي مصاحبة الآخر، لأنه قد يريد مع درهم لي ونحوه، فيتطرق الاحتمال.
ومنها: إذا قال: بعتك هذه الدّابّة مع حملها، فإنه كقوله: بعتكها وحملها، فإن كان تابعا صحّ، وإن كان مقصودا بالذات كالأم بطل. أما لو قال: بحملها، فإنه يحتمل كونه كذلك، بحمله على المصاحبة والفرق لاحتمال جعله وصفا لها لأنها للحال، والتقدير متلبسة بحملها، والحال كالصفة فلا يقدح في الصحة.
قاعدة «125» إذا قطعت «مع» عن الإضافة فإنها تنوّن، وحينئذ فتساوى جميعا في المعنى،
قاله ابن مالك في التسهيل (2). قال في الارتشاف: ومعناه أنها لا تدل على الاتحاد في الوقت، بل معناها التأكيد خاصة، كقولك: كلاهما وكلتاهما
__________
(1) في «م»: تباع.
(2) التسهيل: 98.(1/375)
قال: وذكر أحمد بن يحيى: أنها تدل على الاتحاد في الوقت كما في حال الإضافة، بخلاف قولنا جميعا. انتهى. ويدل عليه قول «متمم بن نويرة» يرثي أخاه مالكا:
فلما تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكذلك قول إمرئ القيس في وصف الفرس:
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل (1)
فإنه إنما أراد الاتحاد في الوقت، ولكن على سبيل المبالغة، ولا يستقيم فيه وفي البيت قبله غيره.
وقد صرّح أيضا بذلك ابن خالويه في شرح الدريدية، فإنه ذكر بيت إمرئ القيس ثم قال: إنّ هذا الوصف بالمعية من الوصف بالمستحيل.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لامرأتيه: إن ولدتما معا أو دخلتما، فأنتما عليّ كظهر أمي، أو قال لعبديه على وجه النذر: فأنتما حرّان، فهل يتوقف الوقوع على دخولهما وما في معناه في وقت واحد، أم يكفي مطلق الاجتماع فيه وإن تفرّقا؟ وجهان مبنيان على ما ذكر.
ولو قال: إن دخلتما جميعا، فمقتضى كلام أبي حيان الاتفاق على أنه غير دال على المعية. ووجهه مع ذلك من وقوعه في التأكيد موقع أجمعين، وهي لا تقتضيه على الصحيح، كما ستعرفه في بابه.
واعترض عليه من حيث الاستعمال والمعنى، أما الأول فقوله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتََاتاً} (2) أي:
مجتمعين أو متفرقين.
__________
(1) وهو في ديوانه: 154، وفي شرح الزوزني: 113، وفي كتاب سيبويه 2: 309، وفي المغني لابن هشام 1: 205.
(2) النور: 61.(1/376)
وأما المعنى، فلأن الحال مقيدة للعامل، فإذا قلت: جاء القوم جميعا، اقتضى ذلك تقييد المجيء بوصف الجمعية، وهو معنى الاتحاد في الوقت.
قاعدة «126» أيام الأسبوع أولها الأحد عند أهل اللغة.
فإنهم قالوا: سمّي الأحد بذلك لأنه أول أيام الأسبوع، وسمّي الّذي بعده بالاثنين لأنه ثانيه، ثم الثلاثاء لأنه ثالثة، وهكذا الأربعاء والخميس.
وذهب جماعة من الفقهاء والمحدثين إلى أنّ أوله السبت. واحتجوا له برواية مسلم في صحيحة عن أبي هريرة، قال: «أخذ رسول اللََّه صلى اللََّه عليه وآله بيدي فقال: خلق اللََّه التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق اللََّه آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» (1).
وفيه أيضا من حديث الأعرابي الّذي قال للنبي صلى اللََّه عليه وآله وهو يختضب: «فادع اللََّه عز وجل أن يسقينا، الحديث، إلى أن قال في آخره: فواللََّه ما رأينا الشمس سبتا إلى جمعة» (2)، فعبّر (3) بأول أيامه.
ويتفرع على ذلك:
ما لو نذر صوم أول الأسبوع، أو كل أسبوع، أو آخره، ونحو ذلك.
وفرّعوا عليه أيضا: ما لو عيّن يوما من الأسبوع والتبس عليه، فقيل:
__________
(1) صحيح مسلم 5: 336باب ابتداء الخلق. حديث 27.
(2) صحيح مسلم 2: 296كتاب صلاة الاستسقاء حديث 8 «مع اختلاف».
(3) في «م»: وفسر.(1/377)
يصوم آخره، وهو الجمعة أو السبت على القولين، فإن لم يكن هو المعين أجزأه وكان قضاء، والأقوى وجوب صوم أسبوع كامل من باب المقدمة، لتوقف يقين البراءة عليه، كقضاء الخمس أو ثلاث فرائض عن الواحدة المشتبهة.
فائدة: الأشهر الحرم أربعة،
قال اللََّه تعالى {مِنْهََا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (1) وقد اختلفوا في كيفية عدها، وهو في الحقيقة اختلاف في أولها، فالذي عليه الجمهور، ومنهم أهل المدينة، وجاءت به الأخبار، أنه يقال: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم ورجب. فتعدها ثلاثة سردا، وواحدا فردا. وذهب الكوفيون إلى الابتداء بالمحرم.
وفائدة الخلاف تظهر في النذور والآجال والتعاليق، فإذا علّق وهو في شوال مثلا حكما على أول الأشهر الحرم، فهو ذو القعدة على الأول، والمحرم على الثاني.
قاعدة «127» صيغة «بعد» ظرف زمان تدل على تأخر ما قبلها عما بعدها،
فإذا قال مثلا: واللََّه لأضربن زيدا بعد عمرو، لم يبرّ إلا بضرب عمرو ثم زيد. وهكذا في التوكيل في التصرفات ونحو ذلك.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: وقفت على أولادي، وأولاد أولادي، بطنا بعد بطن، فإنها تقتضي الترتيب لما ذكرناه.
__________
(1) التوبة: 36.(1/378)
وقال بعضهم: لا تفيد الترتيب، لاحتمال أن يريد استحقاق البطون الموجودة بعضها بعد بعض، مضافا إلى الواو التي لا تفيده.
ويضعف بأن «بعد» في اقتضاء الترتيب أصرح من «ثم» و «الفاء» مع قيام ما ذكر فيهما.
ولو اقتصر على قوله: وقفته على أولادي بطنا بعد بطن، ولم يذكر أولاد الأولاد، احتمل قويا أن تدخل فيه البطون كلها، بقرينة البعدية في البطون وعدمه لعدم اقتضاء الأولاد ذلك، مع احتمال أن يكون المراد من يحدث من أولاد صلبه وسمّاه بطنا لذلك، ولو كان حيّا اتجه الرجوع إليه.
قاعدة «128» «إذ» ظرف للوقت الماضي من الزمان، لازم للنصب على الظرفية والإضافة إلى جملة ملفوظ بها أو مقدّرة.
وأجاز الأخفش والزجّاج نصبه على المفعولية (1). وتبعهما أكثر المعربين (2). وجعلوا منه قوله تعالى {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ} (3) وقدّروا لفظ اذكر حيث وقع.
وذكر ابن مالك وابن هشام أنها تجيء حرفا للتعليل (4)، ونسبه بعضهم إلى سيبويه (5) وجعلوا منه قوله تعالى:
__________
(1) نقله عن الأخفش في التسهيل: 92، معاني القرآن للزجاج 2: 403، ونقله عنهما في غنية الأريب: 42.
(2) إملاء ما من به الرحمن للعكبري: 16، 21.
(3) الأنفال: 26.
(4) التسهيل: 93، مغني اللبيب 1: 113.
(5) نقله في الدراسات لأسلوب القرآن الكريم 1: 50، وانظر كتاب سيبويه 1: 29، 284.(1/379)
{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هََذََا إِفْكٌ قَدِيمٌ} (1) وقوله تعالى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذََابِ مُشْتَرِكُونَ} (2) أي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب لأجل ظلمكم في الدنيا.
إذا عرفت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: أنت طالق إذ قام زيد، أو إذ فعلت كذا، فيقع عليه الطلاق. وإذ للتعليل معناه لأجل القيام والفعل كما لو قال: أن فعلت كذا بفتح الهمزة.
ويمكن الفرق بين من يعرف النحو وغيره، فلا يقع ممن لا يعرف الحال، لجواز جعله معلّقا ك «إن» المكسورة.
وذهب جماعة منهم ابن هشام في المغني إلى أنها تقع للزمان المستقبل أيضا كإذا، وبالعكس (3). وجعلوا منه قوله تعالى {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبََارَهََا} (4)
وقوله تعالى {وَإِذْ قََالَ اللََّهُ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} (5) الآية وقوله تعالى {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلََالُ فِي أَعْنََاقِهِمْ} (6) فإنّ «يعلمون» مستقبل لفظا ومعنى، لدخول حرف التنفيس عليه، وقد عمل في «إذ» فيلزم أن يكون بمنزلة إذا وقول ورقة بن نوفل للنبي صلى اللََّه عليه وآله: ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: «أو مخرجي هم؟» (7).
ويتفرع على ذلك أيضا:
ما إذا قال: أنت طالق إذ قام زيد، وادعى إرادة ذلك أو لم يدعه، حيث
__________
(1) الأحقاف: 11.
(2) الزخرف: 39.
(3) مغني اللبيب 1: 113.
(4) الزلزلة: 4.
(5) المائدة: 116.
(6) غافر: 70، 71.
(7) صحيح البخاري 1: 4باب بدء الوحي.(1/380)
يكون اللفظ محتملا للأمرين، فلا يحصل الجزم بالصيغة. ويمكن الفرق أيضا بين العارف بالحال والجاهل.
قاعدة «129» «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان، وفيه معنى الشرط غالبا، وقد يقع للماضي،
ومنه قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقََالُوا لِإِخْوََانِهِمْ إِذََا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} (1) وقوله تعالى {وَلََا عَلَى الَّذِينَ إِذََا مََا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لََا أَجِدُ مََا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا} (2) {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا} (3).
وقد لا يكون فيها معنى الشرط، كقوله تعالى {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ وَالنَّهََارِ إِذََا تَجَلََّى} (4) أي: وقت تجلّية وتغشّيه.
وإذا دلّت على الشرط، فلا تدل على التكرار على الصحيح، وقيل: تدل عليه ك (كلّما) واختاره ابن عصفور.
إذا عرفت ذلك، فيبني على القاعدة: الأيمان والتعاليق والنذور، فإذا قال لغيره: إذا فعلت كذا مثلا فلك عليّ درهم، ففعله مرة بعد أخرى.
ومثله «متى» و «متى ما» وقيل: إنهما للتكرار، وقيل «متى ما» تقتضيه دون «متى».
وكما لا تدل «إذا» على التكرار، لا تدل أيضا على العموم، على
__________
(1) آل عمران: 156.
(2) التوبة: 92.
(3) الجمعة: 11.
(4) الليل: 1، 2.(1/381)
الصحيح، ذكره في الارتشاف في باب الجوازم. وقيل تدل عليه.
ومن فروعه:
أن يكون له عبيد ونساء فيقول: إذا ولدت امرأة فعبد من عبيدي حر، فولدت أربع بالتوالي أو المعية، فلا يعتق إلا عبد واحد، وتنحل اليمين.
ومن فروع شرطيتها:
ما لو قال: إذا دخلت الدار فأنت عليّ كظهر أمي، يقع الظهار بدخولها كما لو علّقه ب «إن» المكسورة، وكذا: إذا كلّمت زيدا. ولو قال: إذا لم تدخلي أو تكلمي، وقع مع مضي زمان يمكن فيه الدخول من وقت التعليق ولم تدخل، أو يمكن فيه الكلام ولم تكلم بخلاف ما لو علّقه ب «إن»، فإنه لا يقع إلا باليأس من الدخول، كأن ماتت قبله، فيحكم بوقوعه قبل الموت، أو مات أحدهما قبل الكلام.
والفرق: أنّ «إن» حرف شرط لا إشعار له بالزمان، و «إذا» ظرف زمان كمتى للتناول للأوقات، فإذا قيل: متى ألقاك؟ صح أن يقول: متى شئت أو إذا شئت، ولا يصح: إن شئت، فقوله: إن لم تدخلي الدار، معناه: إن فاتك دخولها، وفواته باليأس، وقوله: إذا لم تدخلي الدار، معناه: أي وقت فاتك الدخول، فيقع بمضي زمن يمكن فيه الدخول ولم تدخل، ولو قال: أردت ب «إذا» ما يراد ب «إن» قبل باطنا، وكذا ظاهرا في الأصح، لخفاء الفرق.
فائدة: حيث كانت «إذا» للشرط فلا يلزم اتفاق زمان شرطها وجوابها بخلاف «متى»،
فإنه يشترط فيها ذلك، فيصح أن يقول: إذا زرتني اليوم زرتك غدا، ولا يصح ذلك في «متى».
ويتفرع عليه: ما إذا قال: إذا جاء زيد اليوم فلله عليّ أن أتصدق غدا بكذا.(1/382)
فائدة: تقول: صمت رمضان وقمته، ونحو ذلك وإن شئت أضفت إليه شهرا،
فتقول: قمت شهر رمضان أو صمته. وكلام سيبويه يقتضي جواز إضافة الشهر إلى سائر أعلام الشهور (1)، وخص بعضهم ذلك برمضان والربيعين، وضبطه بكل شهر في أوله «راء» إلا رجب (2) وقد ورد عندنا النهي عن التلفظ برمضان من دون إضافة الشهر (3). وهو نهي كراهة.
إذا علمت ذلك، فللمسألة ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يأتي بالاسم وحده، فيقول: صمت رمضان مثلا وسرته، ونحو ذلك، فيكون العمل في جميعه على حسب ما يقبله العمل من الوقت، فإن الصوم مثلا إنما يكون في أوقات خاصة، وكذا الأذان. ومثلهما السير، إلا أن المخصّص فيه عرفي وفي الأول شرعي.
الحال الثاني: أن يأتي بالشهر وحده، فيقول: صمت شهرا، فإن الفعل يعمه كذلك.
الحال الثالث: أن يجمع بينهما فيقول مثلا: صمت شهر رمضان، فذهب الجمهور إلى أنّ العمل يجوز أن يكون في جميعه وبعضه. وذهب الزجّاج إلى أنه لا فرق بينهما، بل كل منهما يحتمل البعض والتعميم.
ولو قال: صمت الشهر الفلاني، فإنه يعم أيضا، خلافا لابن خروف.
إذا تقرر ذلك، فيتفرع عليه:
ما إذا قال: لله عليّ أن أصوم رمضان، أو شهرا، أو أعتكفه، أو شهر
__________
(1) كتاب سيبويه 1: 134.
(2) الكتاب لابن درستويه: 90.
(3) الكافي 4: 69باب في النهي عن قول رمضان حديث 1، 2، الوسائل 7: 231أبواب أحكام شهر رمضان. باب 19حديث 41.(1/383)
كذا، أو سنة كذا، ونحوه كيوم كذا. فيلزمه استيعاب جميعه على الأصح في الجميع، لدلالة العرف العام عليه، وإن وقع في بعضه خلاف، ويلزم القائل بصلاحية بعضه للبعض والجميع عدم وجوب الجميع.
ولو حلف لا يساكنه شهر رمضان عم أيضا، وكذا شهرا ونحوه. ويحنث بمساكنته ولو لحظة فيه، كما لو حلف لا يكلمه الشهر. وقيل: إنما يحنث بمساكنته جميع الشهر.
واعلم أنه يتلخّص في المسألة أربعة أقسام: فإن المصدر إن كان منسبكا، فإما أن يكون معه «في» كقوله: اعتكاف في رمضان، أم لا، كقوله: اعتكاف رمضان.
وإن كان منحلا ففيه القسمان أيضا، كقوله: لله عليّ أن أعتكف رمضان، أو أن أعتكف فيه.
والمتّجه في المقترن ب «في» عدم وجوب التعميم فيهما، فيجزئ بأقل ما يشرع منه. ولو نوى أزيد من ثلاثة وجعله من النذر صح. وفي جواز الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك نظر. وفي غير المقترن وجوب التعميم.
فائدة: إذا علّقت فعلا بعلم من أعلام الأيام كالسبت، فيجوز أن يكون العمل في جميعه وفي بعضه،
سواء أضيف إليه يوم أم لم يضف، حتى يجوز أن يقال: مات زيد الخميس أو يوم الخميس، وكذا سار وصام.
وقال ابن خروف: إنها كأعلام الشهور، فيأتي فيها ما سبق، فإذا قلت مثلا: سرت السبت، فإن العمل لا بد أن يكون في جميعه، حتى يمتنع أن يقول: مات زيد السبت، وكذا قدم ونحوهما مما لا يمتد.
وفصول السنة وهي: الصيف والخريف والشتاء والربيع، يجوز أن يكون العمل في الجميع والبعض، حتى يصلح أن يكون جوابا ل «متى» وجوابا ل «كم» وأن يقول: انطلقت الصيف، كما يقول: سرته.
ويتفرع على ذلك أبواب النذور والأيمان ونحوها. ولو صرح ب «في» اتجه عدم وجوب التعميم كما سبق.(1/384)
وفصول السنة وهي: الصيف والخريف والشتاء والربيع، يجوز أن يكون العمل في الجميع والبعض، حتى يصلح أن يكون جوابا ل «متى» وجوابا ل «كم» وأن يقول: انطلقت الصيف، كما يقول: سرته.
ويتفرع على ذلك أبواب النذور والأيمان ونحوها. ولو صرح ب «في» اتجه عدم وجوب التعميم كما سبق.
فائدة: غرّة الشهر تطلق إلى انقضاء ثلاثة أيام من أوله، بخلاف المفتتح، فإنه إلى انقضاء اليوم الأول.
واختلفوا في الهلال، فقيل: إنه كالغرة، فلا يطلق إلا على الثلاثة الأوائل، وأما بعد ذلك فيسمى قمرا (1)، ومنهم من خصّه بأول يوم، وهذا هو الصحيح، كما قاله في الارتشاف، وحكى اللغويون قولين: أحدهما: إن هذا الاسم يطلق عليه إلى أن يستدير، فإذا استدار أطلق عليه القمر (2)، والثاني: إلى أن يشتد ضوؤه (3).
إذا تقرر ذلك فيتخرّج عليه تعليق الآجال والنذور وغيرهما، فإذا قال في السلم: إلى غرّة الشهر الفلاني، فإنه يحل بأول جزء من الشهر، لأن الظرفية قد تحققت. ولو قال في مثل النذر: أردت بالغرّة اليوم الثاني أو الثالث دين بنيته، لأن هذه الثلاثة تسمى غررا، بخلاف ما لو قال: أردت غير الثلاثة.
ولو قال: في رأس الشهر، ففي إلحاقه بالغرة، أو حمله على أول يوم خاصة، وجهان، أجودهما الثاني.
فائدة: سلخ الشهر وانسلاخه ومنسلخة بضم الميم وفتح السين واللام وهو اليوم الأخير.
وأما الليلة الأخيرة فتسمى «دأداء» بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة وبعدهما ألف ثم همزة، وجمعها دآدئ.
إذا تقرر ذلك، فيبني عليه:
__________
(1) الصحاح 5: 1851، ونقله عن الفارابي في المصباح المنير: 639.
(2) أقرب الموارد 2: 1399، وحكاه الزجاج عن الأصمعي في معاني القرآن 1: 259.
(3) لسان العرب 11: 703.(1/385)
ما إذا علّق الأجل والنذر ونحوهما بسلخ الشهر وما في معناه، وفي وقته أوجه: أجودها آخر جزء من الشهر، والثاني: أول اليوم الأخير، وهو الموافق لما سبق نقله عن النحاة. والثالث: بمضي أول جزء من الشهر، فإن الانسلاخ يأخذ منه حينئذ، وهو أبعدها.
وقال بعضهم: اسم السلخ يقع على الثلاثة الأخيرة من الشهر، كما سبق في الغرّة (1). فيحتمل حينئذ أن يقع في أول جزء من الثلاثة.
فائدة: الوسط بسكون السين ظرف مكان، فيقول: زيد وسط الدار. وأما مفتوحها فهو اسم، يقول: طعنت أو ضربت وسطه.
والكوفيون لا يفرقون بينهما، ويجعلونهما ظرفين.
وفرق ثعلب وغيره فقالوا: ما كانت أجزاؤه ينفصل بعضها من بعض كالقوم قلت فيه: وسط، بالسكون وما كان لا ينفصل كالدار فهو بالفتح (2).
إذا علمت ذلك، فإذا أجل المال في البيع أو السلم أو الكتابة أو غيرها بوسط السنة، فهل هو مجهول؟ وجهان.
ولو حلف ليجلسن وسط الجماعة، فإن كان عددهم زوجا ففيه ما سبق، وإن كان فردا ففي حمله على المطلق نظر. ومثله استحباب كون إمام العراة وسط الصف، وكذا المرأة إذا أمّت النساء.
قاعدة «130» تقع «أين» للأمكنة شرطا واستفهاما، و «متى» «وأيان» للأزمنة فيهما.
__________
(1) فانظر معاني القرآن للزجاج 1: 262.
(2) حاشية الصبّان على شرح الاشموني 2: 131.(1/386)
وكسر همزة «أيان» لغة سليم، ولا يستفهم بها إلا عن المستقبل، وبه جاء القرآن، كقوله تعالى {وَمََا يَشْعُرُونَ أَيََّانَ يُبْعَثُونَ} * (1).
وأما «إنّي» بتشديد النون وبالألف بعدها، فتكون شرطا في الأمكنة بمعنى «أين» وتكون أيضا استفهاما بمعنى ثلاث كلمات، وهي «متى» و «أين» و «كيف» قال في الارتشاف: إلا أنها بمعنى من أين، بزيادة الحرف الدال على الابتداء، لا بمعنى أين وحدها ألا ترى أن مريم عليها السلام لما قيل لها {أَنََّى لَكِ هََذََا} أجابت بقولها {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} ولم تقل: هو عند اللََّه، بل لو أجابت به لم يحصل المقصود (2).
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال مثلا: واللََّه لأقولنّ لك: أنّى زيد. فإن أراد شيئا معينا من الثلاثة المتقدمة تعيّن، وإن لم يرد ذلك، فإن قلنا بحمل المشترك على جميع معانيه فلا بدّ من الثلاثة، وإلا فيخرج عن العهدة بذكر واحد. ويحتمل الخروج بواحد مطلقا.
ومما يتفرع على ذلك: الاستدلال بقوله تعالى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنََّى شِئْتُمْ} (3) على جواز الوطء في الدبر، كما قاله بعض العلماء (4). حملا لها على معنى «أين» ويمكن دفعه بكونها مشتركة، فلا تدل على واحد بعينه بغير قرينة، فيجوز أن يراد بها معنى آخر لا يدل عليه. ويؤيد إرادة الكيفية ما ورد في سبب نزولها (5).
__________
(1) النحل: 21.
(2) نقله عنه في حاشية الصبّان 4: 9.
(3) البقرة: 223.
(4) النهاية: 482، شرائع الإسلام 2: 496، إيضاح الفوائد 3: 125.
(5) التبيان في تفسير القرآن 2: 222، تفسير القاسمي المسمّى محاسن التأويل 3: 231.(1/387)
الباب الثامن: في التثنية والجمع
قاعدة «131» يشترط في التثنية والجمع بطريق الحقيقة اتحاد المفردات في اللفظ،
وما ورد بخلاف ذلك كالقمرين في الشمس والقمر، والعمرين في أبي بكر وعمر، والأبوين في الأب والأم، ونحوها، فيحفظ ولا يقاس عليه.
وقيل: ينقاس (1). وجعلوا ضابط ذلك أنه مع اشتراك اللفظين في التذكير والتأنيث، وتساويهما في الخفة والثقل، يثنيان بأيهما أريد، وكذا الجمع ومع اختلافهما يثنيان بالأخف والمذكر، كالعمرين والأبوين، دون العكس، لثقل الأول في الأول، وتأنيث الثاني في الثاني. ومن هذا الباب تعبير الفقهاء بالكسوفين والجمعتين والظهرين والعشاءين ونحوها.
ويشترط مع ذلك أن لا يحصل التباس، بأن يطلق على الابن والابنة ابنين أو ابنتين.
وهل يشترط فيهما اتحاد المعنى، حتى تمتنع تثنية المشترك باعتبار معانيه
و__________
(1) شرح الكافية 2: 172، الإنصاف 2: 756.(1/388)
الحقيقة والمجاز وجمعها؟ فيه مذهبان، أشهرهما كما قاله في الارتشاف، وأصحهما على ما (1) اقتضاه كلام ابن مالك في التسهيل (2): أنه لا يشترط، لأن ألف التثنية في المثنى وواو الجمع في المجموع بمثابة واو العطف. فإذا قلت جاء الزيدان، فكأنك قلت: جاء زيد وزيد، وإذا قلت: جاء الزيدون، فكأنك كررته ثلاثا. وكما يصح عطف المتفق في المعنى بالواو، يصح عطف المختلف.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا أوصى للموالي أو وقف عليهم أو نحو ذلك، وله موالي من أعلى، وهم الذين أعتقوه، أو انتقل إليهم ولاؤه من المعتق وموالي من أسفل، وهم عتقاؤه، ففيه وجوه:
أحدها: أنه يقسم بينهما، لتناول الجمع المعرّف لهما، حيث لم يشترط فيه اتحاد المعنى، أو لأن المشترك يحمل على معنييه.
والثاني: صرفه إلى الموالي من أعلى، لقرينة مكافأتهم.
والثالث: لهم من أسفل، لجريان العادة بكونهم محتاجين غالبا.
والرابع: البطلان، لأن المشترك لا يحمل على معانيه، ولا على بعضها بغير قرينة والفرض انتفاؤها هنا.
ومثله ما لو وقف على المولى بلفظ الإفراد، لأنه مشترك، إلا أن الإشكال السابق في جميع المختلف لا يأتي هنا.
قاعدة «132» القوم: اسم جمع بمعنى الرّجال خاصة،
واحدة في المعنى رجل ولا
__________
(1) في «ح»: كما.
(2) التسهيل: 12.(1/389)
واحد له من لفظه، كذا نصّ عليه النحاة واللغويون. ويدل عليه قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى ََ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ، وَلََا نِسََاءٌ مِنْ نِسََاءٍ عَسى ََ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} (1) وقول الشاعر:
فما أدري ولست أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء (2).
ومن فروع القاعدة:
ما إذا أوصى لقوم زيد أو وقف عليهم ونحو ذلك، فلا يصرف للإناث منه شيء.
ومنها: عدم إجزاء النساء والخناثى والصبيان في نزح ما يعتبر نزحه يوما، لورود الحكم بلفظ القوم، وإن قام غيرهم بعملهم (3).
قاعدة «133» إذا لم يضف الجمع أو لم يدخل عليه «أل» فليس للعموم،
بل إن كان جمع كثرة، فأقلّه أحد عشر، وإن كان جمع قلّة، فأقله ثلاثة على الصحيح عند النحاة وغيرهم، وقيل: أقله اثنان (4). وأما أكثره فعشرة، وما زاد فأوّل حد الكثرة.
وهذا الخلاف يجري أيضا في المضاف والمقرون ب «أل» إذا امتنع العموم لمانع.
ويتفرع على القاعدة: أبواب الإقرار والعتق والنذر والوصية والوقف
و__________
(1) الحجرات: 11.
(2) هذا قول زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر جاهلي حكيم من أصحاب المعلقات، والبيت في ديوانه: 73. والقوم هنا الرّجال.
(3) التهذيب 1: 242حديث 699، الاستبصار 1: 38حديث 104، الوسائل 1: 143أبواب المياه ب 23ح 1.
(4) الهداية (جامع المقدمات): 201، عدة الأصول: 116، المستصفى 2: 91.(1/390)
غيرها، كقوله: لزيد علي دراهم، أو أعتقت عبيدا، أو لله عليّ أن أعتق عبيدا.
أو أتصدق بدراهم.
هذا بالنظر إلى الأقل، فلا يجزئ أقل من ثلاثة على الصحيح، وأما بالنسبة إلى الأكثر وأقل الكثرة، فالتحقيق حمله على المتعارف. والعرف لا يفرق بين جمع الكثرة والقلة، فيحمل الجميع على ما دل عليه جمع القلة قلة، ولا يتقدر بقدر كثرة. وقد تقدم في القسم الأول تفريع القاعدة (1).
ومما ذكرناه يظهر ضعف قول كثير من الأصحاب في باب البئر في تفسير الدلاء اليسيرة في الدم القليل، أن المراد بها عشرة بناء على أنها جمع قلة، وأنّ أكثر ما يضاف إلى هذا الجمع عشرة، كما صنع الشيخ في التهذيب (2). أو أنه جمع كثرة ولكن أقله عشرة، كما صنع العلامة في المنتهى (3). فإن ذلك ظاهر الفساد كما لا يخفى.
وأغرب منه قوله في المختلف: إنه جمع كثرة، وإن أقله ما زاد على العشرة بواحد (4). ثم حمله عليها عملا بالبراءة الأصلية، مضافا إلى ما قررناه من حوالة هذه الأحكام على العرف دون هذا الاصطلاح الخاصّ، وهم قد اعترفوا به في مواضع.
قاعدة «134» جمع القلة خمسة،
وهي: «أفعل» بضم العين كأفلس، و «أفعال»
__________
(1) راجع قاعدة: 52.
(2) التهذيب 1: 245باب تطهير المياه. ذيل حديث 705.
(3) المنتهى 1: 14.
(4) المختلف 1: 6.(1/391)
كأجمال، «و «أفعلة» كأكسية، و «فعلة» كصبية، والخامس جمع السلامة، كقائمين وهندات. هذا مذهب سيبويه، وقيل: هو للكثرة. وقد نظم بعضهم هذه الألفاظ الخمسة في بيتين وهما:
بأفعل وبأفعال وأفعلة ... وفعلة يعرف الأدنى من العدد ... وسالم الجمع أيضا داخل معها ... في ذلك الحكم فاحفظها ولا تزد
ومن هذه القاعدة يعلم أنّ الدلاء المذكورة فيما تقدم جمع كثرة، وأن إطلاقها على العشرة لا يستقيم.
وفرّع عليها بعض العامة (1) مسألة استحباب أخذ الحصى من جمع للرمي، وأنه هل يؤخذ ما يرمى به ذلك اليوم خاصة، وهو سبع حصيات، أم يؤخذ لرمي جميع الأيام، وهو سبعون حصاة؟ وأن الأصح الأول، لما رووه عن الفضل بن العباس: «أن النبي صلى اللََّه عليه وآله قال له غداة يوم النحر: التقط لي حصى، فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف (2)» (3) فلما عبّر بالحصيات وهو جمع قلة على ما تقدم ونهايته عشرة كان دليلا على أنه لم يلتقط الباقي. وفيه نظر، يعلم مما تقدم، فإن المحاورات العرفية لا يفرّق فيها بين الجمعين. والبحث عندنا ساقط على كل حال، لأنه ورد عندنا في عدة أخبار الأمر بأخذ حصى الجمار من جمع (4). فعبّر بجمع الكثرة مضافا، فأفاد الجميع.
__________
(1) مغني المحتاج 1: 500.
(2) حصى الخذف: الحصى الصغار المصباح المنير: 165.
(3) سنن ابن ماجة 2: 1008باب قدر حصى الرمي حديث 3029 «ما بمعناه».
(4) الكافي 4: 477باب حصى الجمار حديث 31، الوسائل 10: 71أبواب رمي جمرة العقبة باب 4حديث 2.(1/392)
الباب التاسع: في الألفاظ الواقعة في العدد
قاعدة «135» لفظ العدد أقلّه اثنان فصاعدا، فالواحد ليس بعدد، بل هو أصل له.
ويتفرع عليه الإقرار والوصايا والنذور ونحوها، إذا قال: له عليّ أقل عدد الدراهم، أو أوصى له به، أو نذره صدقة ونحوها، فيلزمه درهمان.
ولو قال: له عليّ مائة عدد من الدراهم، فإن كان لفظ العدد مجرورا فمقتضى القاعدة وجوب مائتي درهم، لأنه اعترف بمائة من العدد، وأقل العدد اثنان.
وإن كان منصوبا فكذلك، لأنه تفسير للمائة، كما لو قال: له مائة ثوبا بالتنوين، فإن المائة تجب كذلك، وإن كان الجمهور من النحاة قد منعوا النصب.
وإن كان مرفوعا فالمائة مبهمة، ويلزمه تفسيرها بما لا تنقص قيمته عن درهمين عددا، لأنه يجعل حينئذ بدلا من المائة، كما لو قال: له عليّ ألف درهم، برفعهما وتنوينهما بغير عطف، فإنه يفسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم.
ولو كانا ساكنين أوجبنا الأقل، لاحتمال إرادته.(1/393)
وإن كان مرفوعا فالمائة مبهمة، ويلزمه تفسيرها بما لا تنقص قيمته عن درهمين عددا، لأنه يجعل حينئذ بدلا من المائة، كما لو قال: له عليّ ألف درهم، برفعهما وتنوينهما بغير عطف، فإنه يفسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم.
ولو كانا ساكنين أوجبنا الأقل، لاحتمال إرادته.
هذا إذا لم يكن المتعارف في العدد خلاف ما ذكرناه، وإلا حمل عليه، لأنه مقدّم على الاصطلاح الخاصّ، بل يحتمل الاكتفاء بتفسيره العدد بالدرهم مطلقا.
وكذا ينبغي أن يقال في المائة المنصوب مميزها عددا، لجواز تفسير المائة بعدد واحد، لجواز نصبه على الحال، أو (1) بتقدير عامل يقتضيه، والأقوى الرجوع إلى تفسيره في الجميع كغيره من الكنايات العددية.
قاعدة «136» «كم» اسم، يدل عليه دخول حرف الجر،
حيث قالوا: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ خلافا لمن زعم أنها حرف (2). وهي بسيطة، خلافا للكسائي والفراء، حيث ذهبا إلى أنها مركبة من كاف التشبيه وما الاستفهامية، فحذفت ألفها كما تحذف مع سائر حروف الجر، ثم سكّنت الميم لكثرة الاستعمال (3).
وتستعمل لمطلق الأعداد، كقولك: خذ كم شئت. وتكون أيضا استفهامية، فتفسّر باسم منصوب وخبرية للتكثير، فتفسّر باسم مجرور، فيقول: كم درهم عند زيد، بجر درهم، أي: عنده كثير من الدراهم.
ثم الخبرية والاستفهامية تشتركان في خمسة، وتفترقان في خمسة:
فالأوّل: في الاسمية، والإبهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء، ولزوم
__________
(1) في «م»، «ح»: و.
(2) الكتاب 1: 291.
(3) حاشية الصبان على شرح الاشموني 4: 85، مغني اللبيب 1: 246.(1/394)
التصدير. والثاني: في أنّ الكلام مع الخبرية محتمل للتصديق والتكذيب، وأنّ المتكلم بها لا يستدعي من مخاطبة جوابا، بخلاف الاستفهامية.
وأنّ الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بهمزة، فيقال: كم عبيد لي، خمسون بل ستون، بخلاف المبدل من الاستفهامية، فإنه يقال: كم مالك، أعشرون أم ثلاثون؟
وأنّ تمييز الخبرية مفرد أو مجموع، يقول: كم عبد ملكت، وكم عبيد، ولا يكون تمييز الاستفهامية إلا مفردا.
وأنّ تمييز الخبرية واجب الخفض، وتمييز الاستفهامية منصوب، ولا يجوز جره مطلقا، خلافا للفراء والزجاج وابن السراج وآخرين، فجوزوا جرّه إما مطلقا أو مع جر «كم» بحرف جر، كقولك: بكم درهم اشتريت (1).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لوكيله: بع هذا الثوب بكم درهم شئت، مجرورا أو منصوبا، فإنه يبيعه بالقليل والكثير من الدراهم، ولكن لا يبيعه بغيرها، كما يتعين الحال ونقد البلد.
ولو قال: بكم شئت، تخيّر مطلقا في الحال بنقد البلد بخلاف ما إذا قال: بما شئت، فإن له أن يبيع بنقد البلد وغيره، لأنها موضوعة للحقيقة، ولكن لا يبيعه إلا بثمن المثل حالا وبخلاف ما لو قال له: كيف شئت، فإنه يبيع بالحال والمؤجل لأن كيف للصفة، ولا يبيعه إلا بثمن المثل من نقد البلد، لأنه لم يأذن له في البيع بغيرهما، فحملنا الإطلاق عليه، كذا أطلقه جماعة.
وينبغي تقييده بمن يعلم المعنى، وإلا كان ذلك بمنزلة الإطلاق، فيقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد مطلقا.
__________
(1) معاني القرآن 1: 169، الجمل في النحو 2: 135، ونقله عنهم في مغني اللبيب 1: 245.(1/395)
قاعدة «137» «كذا» أصلها كاف التشبيه واسم الإشارة.
ثم إنّ العرب نقلوها عن ذلك، فاستعملوها للعدد ولغيره: فإن كانت لغير العدد كانت مفردة ومعطوفة، فتقول: له عندي كذا، أي شيء، ونزل المطر مكان كذا، ومررت بدار كذا وكذا بمكان كذا. وتقول أيضا: أعجبني دار كذا بتنوين «دار» ووصفها بكذا.
وإذا كانت كناية عن العدد، فمذهب البصريين: أنّ تمييزها لا يكون إلا مفردا منصوبا مطلقا، وقال الكوفيون: إنها تفسّر بما يفسر به العدد الّذي هو كناية عنه، فمن الثلاثة إلى العشرة يميز بجمع مجرور بعد مفرد، نحو: له عندي كذا دراهم وعن المركب كأحد عشر إلى تسعة عشر، بمفرد منصوب بعد تركيب كذا، تقول: له عندي كذا كذا درهما وعن العقود بمفرد منصوب بعد إفراد كذا فإن كنّيت بها عن عقد معطوف كأحد وعشرين إلى تسعة وتسعين عطفت ونصبت تمييزها وإن كنيت عن المائة والألف فتفردها وتجر تمييزها.
إذا تقرر ذلك، فقد اختلف الأصحاب وغيرهم، فذهب الشيخ رحمه اللََّه ومن تبعه إلى سلوك ما سبق أنه مقتضى النحو (1). وقيّده بعضهم بمن كان عارفا به.
والأصح خلافه، وأنه يلزمه درهم واحد مع الرفع والنصب مطلقا وفي الجر وجهان: لزوم درهم كذلك، وجزء درهم، وهو الأقوى، ويرجع إليه في تفسيره.
__________
(1) الخلاف 3: 366، المبسوط 3: 13.(1/396)
ولو وقف لزمه الأقل (1)، سواء كرّر اللفظ أم لم يكرّره، وسواء عطفه مع التكرار أم لا، لأن كذا كناية عن الشيء، فمع الرفع يكون الرفع بدلا منه، والتقدير: شيء درهم ومع النصب يكون تمييزا له، ومع الجر تقدّر الإضافة بيانية كحب الحصيد، والتقدير: شيء هو درهم على الأول، أو يجعل الشيء جزءا من الدرهم أضيف إليه، فيلزمه جزء على الثاني. ومع تكرره يكون الثاني تأكيدا للأول. ومع عطفه يكون الأول مبهما والثاني معطوفا عليه، أو تمييزا، أو بدلا، أو بيانا، أو أضيف الجزء إلى الجزء كما ذكر.
ولو قال: علي كذا، وسكت، فهو كقوله: شيء ومثله ما لو أوصى له بكذا. وكذا جميع ما ذكر من التفصيل.
قاعدة «138» النيّف بفتح النون وتشديد الياء مكسورة وقد تخفف يكون بغير تاء للمذكر والمؤنث، ولا يستعمل إلا معطوفا على العقود.
فإذا كان بعد العشرة فهو لما دونها، وأن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها، وإن كان بعد الألف قيل: فهو للعشرة فأكثر.
وفي الصحاح: كلما زاد على العقد فهو نيّف حتى يبلغ العقد الثاني (2).
إذا علمت ذلك، فلا يخفى ما يتفرع عليه من الأقارير والوصايا والنذور وغيرها من الأبواب وحيث يطلقه كذلك يرجع إليه في تفسيره بعدد يصح إطلاقه عليه، ولا يقبل بغيره، ولو تعذر تفسيره فالمتيقن الأقل (3).
__________
(1) في «ح»: الأول.
(2) الصحاح 4: 1437.
(3) في «د»، «م»: الأول.(1/397)
قاعدة «139» البضع بكسر الباء من الواحد إلى التسعة، وقيل من الثلاثة.
فإن استعمل دون العقد، قال الفراء: لا يجوز (1). وقال غيره: يجوز (2). لقوله تعالى {فِي بِضْعِ سِنِينَ} (3) إلا أنه لا يصدق إلا على الثلاثة فصاعدا.
وتقول في مذكّرة: عندي بضعة عشر رجلا، وفي المؤنث: بضع عشرة امرأة، بإثبات التاء في البضع مع المذكر، وحذفها مع المؤنث.
وكذلك الحكم إذا عطفت عليه أيضا تقول: بضعة وعشرون رجلا، وبضع وعشرون امرأة، هكذا تقول إلى التسعين.
إذا علمت ذلك، فلا يخفى عليك تنزيل الفروع عليه في باب الوصايا والأقارير والنذور ونحوها. ويلزمه الأقل مما يصدق عليه، إلا أن يفسره بأكثر منه.
قاعدة «140» زهاء بزاي معجمة مضمومة وهاء مخففة وهمزة ممدودة معناه المقدار.
فإذا قال: أوصيت له، أو له عليّ زهاء ألف، فمعناه مقدار الألف، كذا قال النحاة وأهل اللغة (4). وقال بعض الفقهاء: إنه أكثر الشيء، حتى يستحق في مثالنا خمسمائة وحبّة، ولا شاهد له.
__________
(1) نقله عنه في حاشية الصبّان 4: 72.
(2) النهاية لابن الأثير 1: 134.
(3) الروم: 4.
(4) المصباح المنير 1: 258، (زهو) النهاية 2: 323.(1/398)
خاتمة قواعد الأسماء:
المشهور بين النحاة والأصوليين أنّ المبتدأ منحصر في خبره دون العكس، وذلك لأن المبتدأ إما أخص من الخبر أو مساو، والخبر لا يكون أخص من المبتدأ، بل إما أعم أو مساو. فإذا قلت مثلا: زيد قائم، أفاد انحصار زيد في القيام، ولا يفيد انحصار القيام فيه، وذلك ظاهر. ولو قلت: القائم زيد، أفاد انحصار القيام في زيد، لأن القيام حينئذ هو المبتدأ وزيد الخبر، لأنهما معرفتان، فجعل الثاني منهما خبرا.
وسواء في ذلك كانت القضية صادقة أم محتملة للصدق، كما إذا كان الحصر إضافيا بالنسبة إلى قوم مخصوصين، أم كاذبة، إذا كان الحكم مطلقا.
وبهذا فرّقوا بين قولنا: زيد عالم، وبين قولنا: العالم زيد، فإن الأول لا يفيد انحصار العلم في زيد، بخلاف الثاني.
وأما قول بعض الأصوليين، أن قولنا: زيد العالم يفيد انحصار العلم فيه أيضا، فمستفاد من دليل آخر لو تم (1).
ويشكل الحكم في أصل القاعدة من حيث إنّ الإخبار بالأخص واقع أيضا وإن قل، إما مطلقا كقولنا: حيوان متحرك كاتب، أو من وجه كقولنا:
زيد قائم فإن المراد من الإخبار الإسناد في الجملة، فلا يجب تساوي المفردين في الصدق، ولا في المفهوم، ولأنه يستلزم كفر من قال: النبي محمد، لاقتضائه إنكار نبوة الأنبياء، وكون قولنا: النبي لهذه الأمة محمد، تكرارا.
نعم إفادة ذلك الحصر أكثري، لا كلي، للفرق الظاهر عرفا بين قولك:
صديقي زيد، وبين قولك: زيد صديقي، فإن الأول يظهر منه حصر الصداقة فيه دون الثاني كما سلف.
__________
(1) الإحكام للآمدي 3: 141.(1/399)
إذا تقرر ذلك، فقد فرّعوا على القاعدة أمورا:
منها: قول النبي صلى اللََّه عليه وآله: «تحريمها التكبير» (1) فإنه يفيد انحصار التحريم بها في التكبير، دون غيره من الأذكار وغيرها، سواء كان نقيضا له، وهو عدم التكبير، أو ضدا، وهو الهزء واللعب، أو خلافا، وهو الخشوع والتعظيم بغيره، فلو فعل أحد هذه لم تحرم.
وهل يراد من التكبير المعهود، وهو «اللََّه أكبر» فيجعل اللام للعهد، أو مطلق التكبير بجعله للجنس، سواء أفاد العموم أم لا، فيدخل فيه مطلق التكبير، سواء وقع بصيغة أفعل التفضيل أم لا، علّق على اسم اللََّه أم غيره، باللغة العربية أم غيرها، كما ذهب إليه الحنفي (2)؟ الصحيح الأول، للنقل والتأسي (3).
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله في الخبر: «وتحليلها التسليم» (4) فإنه يقتضي انحصار المحلّل فيه أيضا، دون نقيضه، الّذي هو عدمه، وضده، وهي أضداد التكبير، وخلافه، الّذي هو الحدث. والكلام في انحصار المحلّل في الصيغة الخاصة أو فيما هو أعم منها كما تقدم في التكبير.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» (5) بالرفع فيهما، فإنه يقتضي
__________
(1) الكافي 3: 311باب افتتاح الصلاة حديث 8، الفقيه 1: 33حديث 68، الوسائل 4: 715أبواب تكبيرة الإحرام باب 1حديث 10.
(2) المغني والشرح الكبير 1: 505.
(3) الكافي 3: 486باب نوادر الصلاة، حديث 1، الفقيه 1: 306حديث 920، المجالس: 113، الوسائل 4: 715أبواب تكبيرة الإحرام باب 1حديث 11، سنن ابن ماجة 1:
264 - حديث 803.
(4) الكافي 3: 69باب النوادر حديث 2، الفقيه 1: 33حديث 68، الوسائل 4: 715أبواب تكبيرة الإحرام باب 1حديث 10، سنن ابن ماجة 1: 296حديث 914.
(5) الجامع الصغير 1: 664حديث 4326. سنن ابن ماجة 2: 1067باب ذكاة الجنين ذكاة أمه حديث 3199.(1/400)
حصر ذكاته في ذكاة أمه، فلا يحتاج إلى ذكاة أخرى. ولا يقدح كونه مجازا من حيث إن ذكاة الأم فري الأعضاء المخصوصة، وهو غير حاصل فيه، لأن إضافة المصادر تخالف إسناد الأفعال، فيكفي فيها أدنى ملابسة، كقوله تعالى {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (1) وإن امتنع أن يقال: حج البيت على الفاعلية، وذكيت الجنين على المفعولية.
ومن رواه بنصب الثانية فهو بنزع الخافض، أي ذكاته داخلة في ذكاة أمه، فحذف حرف الجر، ونصبه على المفعولية، كدخلت الدار.
وبه (2) احتج الموجبون لذكاته، أي: يذكى مثل ذكاتها، فحذف المضاف مع بقية الكلام، وأقيم المضاف إليه مقامه.
وفيه مع مخالفته لرواية الرفع الصحيحة الموافقة لرواياتنا صريحا (3)
تعسّف ظاهر.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله في المواقيت لما عدها: «هن لهنّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» (4) فإنه يفيد حصر المواقيت (5) في الأهل دون العكس، لأن ضمير «هن» راجع إلى المواقيت، وهو المبتدأ وفي «لهن» ضمير (6) راجع إلى أهل المواقيت، وهو الخبر، والتقدير: المواقيت لأهل هذه الجهات، أي لإحرامهم.
__________
(1) آل عمران: 97.
(2) أي: وبرواية النصب.
(3) الوسائل 16: 328أبواب الذبائح باب 18.
(4) صحيح البخاري 2: 165باب مهل أهل الشام، صحيح مسلم 3: 11الحج حديث 11، سنن النسائي 5: 124باب ميقات أهل اليمن، وص 126باب ميقات من كان أهله دون الميقات.
(5) في «ح» زيادة: لما عداهنّ لهن وبمن.
(6) ضمير ليست في «د»، «م».(1/401)
فيجب انحصار المواقيت فيهم، ومن أتى عليها من غير أهلها، ولا يجب انحصار إحرام أهل الجهات في المواقيت، قضية للقاعدة، وهو عند العامة مطلق، فيجوز الإحرام من غيرها مطلقا (1). وعندنا مع النذر وشبهه، ولمن خاف تقضّي رجب قبل الوصول إلى أحدها للعمرة المفردة (2).
وهذا بخلاف ميقات الإحرام الزماني للحج وعمرة التمتع، فإنه لا يجوز التقديم عليه مطلقا، لقوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ} (3). فيجب بمقتضي القاعدة انحصار الحج في الأشهر الثلاثة مطلقا.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «الشفعة فيما لم يقسم» (4) فإنه يفيد انحصارها في المشترك، فلا تثبت بمجرّد الجوار (5) عندنا.
وقد يستفاد أيضا اشتراط قبوله للقسمة، باعتبار وصفه السلبي، الدال على أنّ من شأنه ذلك. ولو نوقش في ذلك فهو مستفاد من دليل آخر، واللََّه الموفق.
__________
(1) كتاب الأم 2: 139، المبسوط للسرخسي 4: 166، المغني لابن قدامة 3: 215.
(2) الخلاف 2: 286مسألة 62، الشرائع 1: 178، القواعد 1: 79.
(3) البقرة: 197.
(4) صحيح البخاري 3: 114باب الشفعة، سنن النسائي 7: 321باب الشفعة، سنن ابن ماجة 2: 834حديث 2497، 2499.
(5) في النسخ: الجواز، انظر الخلاف 3: 427، والشرائع 4: 777.(1/402)
المقصد الثاني في الأفعال
قاعدة «141» الفعل المضارع المثبت كقولنا: زيد يقوم، مشترك بين الحال والاستقبال على المشهور بين النحاة،
وزاد ابن مالك أنّ الحال يترجّح عند التجرّد عن القرائن، وذهب بعضهم إلى أنه حقيقة في الحال، ومجاز في الاستقبال، وبعض إلى عكسه وآخرون إلى أنه حقيقة في الحال خاصة، لا يستعمل في الاستقبال حقيقة ولا مجازا، وآخرون إلى عكسه.
وهذه الأقوال حكاها أبو حيان في «الارتشاف» واختار المشهور، وو جعله ظاهر كلام سيبويه (1).
إذا تقرر ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: واللََّه لأضربن زيدا، فيتخير بين ضربه الآن وفي المستقبل. ويجيء على القول الثاني والرابع (2) تعيّن الحال. وعلى القول بوجوب حمل المشترك على جميع معانيه لا يبرّ إلا بضربه في الحال
و__________
(1) كما في التمهيد للأسنوي: 145.
(2) يعني: القول الثاني والرابع مما عدا القول المشهور من الأقوال.(1/403)
ضربه (1) أيضا فيما بعده. وبه صرّح بعض الشافعية، تفريعا على مذهبه فيه (2).
ومنها: إذا قال المدعى عليه: أنا أقرّ بما يدعيه، فعلى المشهور لا يكون إقرارا، لاحتماله الوعد، إلا أنه خلاف المشهور في الفتوى من قبول الإقرار بذلك، ولعل القرينة مرجحة للحال هنا. وأما على قول ابن مالك ومن جعله حقيقة في الحال فواضح.
وكذا لو حملنا المشترك على جميع معانيه حيث لا تقوم قرينة على البعض، فإن الحال يدخل ضمنا ويقع الإقرار.
ومنها: إذا أوصى بما تحمله هذه الشجرة، أو الجارية، فإنه يعطى الحمل الحادث، دون الموجود في الحال، كما ذكره جماعة (3). وهو خلاف السابق، ومشكل على المشهور، إلا مع دعوى القرينة على نفي الحال.
ومنها: إذا قال الكافر: أشهد أن لا إله إلا اللََّه إلى آخره، فإنه يكون مسلما بالاتفاق، حملا له على الحال. وهو لا يجزئ على المشهور أيضا، ولعل الشرع خصه به.
ومنها: إذا أتى الشاهد عند الحاكم بصيغة أشهد، فإنها تقبل بالاتفاق، حملا له على الحال أيضا، والكلام فيه كالذي قبله.
ومنها: إذا أسلم الكافر على ثمان نسوة مثلا، فقال لأربع: أريدكن، ولأربع: لا أريدكن، ففي حصول التعيين بذلك وجهان مبنيان على القاعدة، مضافا إلى قرينة الحال المخصصة بالحال دون الوعد.
__________
(1) في «د»: بضربة في الحال وضربة.
(2) التمهيد: 146.
(3) التمهيد: 147.(1/404)
قاعدة «142» المضارع المنفي بلا يتخلص للاستقبال عند سيبويه (1).
وقال الأخفش:
إنه باق على صلاحيته (2). واختاره ابن مالك في «التسهيل» (3).
فإن دخلت عليه لام الابتداء، أو حصل النفي ب «ليس» أو «ما» ففي تعيّنه للحال مذهبان، الأكثرون كما قاله في أوائل التسهيل على أنه يتعين (4).
ثم صحح في الكلام على ما الحجازية خلافه.
إذا علمت ذلك فيبني على هذه المسائل:
ما إذا حلف على شيء بهذه الصيغ، وتفريعها لا يخفى.
ومن فروعها أيضا: ما إذا قال: لا أنكر ما يدعيه، فعلى الأول لا يكون إقرارا بل وعد وعلى القول ببقائه مشتركا وجهان، أجودهما العدم، للاشتراك الرافع للجزم بأحدهما، منضما إلى ثبوت واسطة بين الإقرار والإنكار.
ويحتمل كونه إقرارا، نظرا إلى أنّ الإنكار وقع نكرة منفية فيعم سائر أفراده، مضافا إلى دلالة ظاهر العرف عليه.
ولو قال: ما أنا منكر، أو لست منكرا، فالوجهان، وأولى بكونه إقرارا.
ومنها: إذا أذن المرتهن للراهن في التصرف ببيع وعتق ونحوهما، فقال الراهن: لا أفعل، ثم فعل، هل يكون ردا للإذن أم لا؟ وجهان مبنيان، فإن جعلناه للاستقبال، لم يناف القبول بعده، وكذا إن جعلناه مشتركا، للشك في
__________
(1) غنية الأريب: 127، شرح المفصل 8: 108.
(2) نقله عنه في التمهيد: 149.
(3) التسهيل: 5.
(4) التسهيل: 5.(1/405)
مفسد الإذن، مع احتماله هنا خاصة أو مطلقا لبطلان الإذن بالرد. وقال بعضهم: الإذن لا تبطل بالرد مطلقا. وليس ببعيد.
وعليه يتفرع ما لو ردّ الإذن في تناول الطعام، أو ردّ الوكيل الوكالة ثم قبل إن جعلناها إذنا مجردا، خصوصا إذا ردّ من غير أن يعلم الموكل.
ومنها: إذا قال الوصي: لا أقبل هذه الوصية، فهل يكون ردا لها؟
الوجهان. ولو قال: لست أقبلها، أو: ما أقبلها، فأولى بكونه ردا.
ومنها: لو قال المالك بعد أن عقد الفضولي على ماله، أو الولي بعد أن عقد الفضولي على المولى عليه عقد النكاح: لا أجيز، فهل له الإجازة بعده؟
الوجهان. وكذا لو قال: لست أجيز أو ما أجيز.
قاعدة «143» الفعل الماضي إذا وقع شرطا انقلب إلى الإنشاء باتفاق النحاة.
ومن فروعه إذا قال: إن قمت فأنت عليّ كظهر أمي، فلا يحمل على قيام صدر منها في الماضي إلا بدليل آخر، وكذا لو قال: إن دخلت داري فلك عليّ كذا، على جهة النذر أو قال لولده: إن حفظت القرآن مثلا فلك كذا، ونحو ذلك.
قاعدة «144» إذا وقع الفعل المذكور صلة أو صفة لنكرة عامة، احتمل المضي والاستقبال،
كما قاله في التسهيل (1). ومن مثل (2) الاستقبال في الصفة
__________
(1) التسهيل: 6.
(2) في «د»، «ح» زيادة: في.(1/406)
قوله صلى اللََّه عليه وآله: «نضّر اللََّه امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها» (1). ونازع أبو حيان فيما ذكره ابن مالك، وقال: الّذي نراه حمله على الحقيقة، إلا أن يقوم دليل من خارج كما في الاستشهاد.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: إن أكرمت الّذي أهنته، أو رجلا أهنته، فأنت عليّ كظهر أمي. فإن أكرمت الّذي أهانه قبل التعليق وبعده وقع الظهار، وإن أهانه في أحدهما روجع، فإن تعذّرت مراجعته لم يقع شيء على مقتضى ما قاله ابن مالك، وقياس على ما قاله أبو حيان من تعلقه بالماضي فقط.
وقريب منه ما لو قال: إن أكرمت الّذي أكرمته فلك عليّ كذا، على وجه النذر وما لو حلف لا يلبس مما غزلته، ففي حنثه بما غزلته قبل اليمين، أو به وبما بعده، الوجهان.
ولو قال: مما تغزله، لم يحنث إلا بما يتجدد بعدها، كما أنه لو قال: من غزلها، دخل فيه الماضي والمستقبل وكذلك الحكم في نظائره.
ومنها: عموم تحريم وسم الدواب على وجهها، فإنه روي عن النبي صلى اللََّه عليه وآله:
«أنه رأى حمارا قد وسم على وجهه فقال: لعن اللََّه من فعل هذا» (2)
فإن هذا الماضي وهو «فعل» إن كان للاستقبال دلّ على التحريم وإن كان باقيا على حقيقته من المضي، فإن قلنا: إن ترتيب الحكم على الوصف يفيد العلية، دلّ أيضا على تحريمه، وكذا إن جعلنا فيه إيماء إلى العلة.
__________
(1) سنن الترمذي 4: 141حديث 2794، سنن ابن ماجة 1: 86حديث 236، مسند أحمد 4: 82 بتفاوت يسير.
(2) صحيح مسلم 4: 337حديث 107، سنن أبي داود 3: 26حديث 2526.(1/407)
وإن قلنا: لا يفيدها، فإن حملنا المشترك على معنييه، دلّ أيضا على تحريمه، وإلا فلا، لأنه أخبر عن هذا الشخص بخصوصه بأن اللََّه تعالى قد لعنه أو دعا عليه بذلك، وسكت عن الموجب له.
قاعدة «145» «كان» تدل على اتصاف اسمها بخبرها في الماضي، وهل تدل على انقطاعه، أم لا، بل هي ساكتة عنه؟
فيه مذهبان، والأكثرون كما قاله في الارتشاف على أنها تدل عليه، ثم استدل بالقياس على سائر الأفعال الماضية.
وما ادعاه من الانقطاع في غيرها ممنوع.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا ادعى عينا، فشهدت له البينة بالملك في الشهر الماضي مثلا، أو أنها كانت ملكه فيه أو مطلقا أو ادعى اليد، وأقام بينة بنحو ما ذكرناه، ففي قبولها وجهان مرتبان، وأصحهما أنها لا تقبل.
نعم يجوز أن يقول: كان ملكه ولا أعلم له مزيلا، فيقبل حينئذ وأن يشهد بالملك في الحال، استصحابا لما عرفه قبل ذلك من شراء وإرث وغيرهما.
ومنها: لو قال المدعى عليه: كان ملكك بالأمس، فقيل: لا يؤاخذ به، كما لو قامت بينة بذلك، فإنها لا تسمع، والأصح أنه يؤاخذ به. والفرق بين صحة إقراره بالملك في الزمان الماضي، وعدم صحة الشهادة عليه: أنّ الإقرار لا يكون إلا عن تحقيق، والشاهد قد يخمّن، حتى لو استندت الشهادة إلى تحقيق، بأن قال: هو ملكه اشتراه، قبلت.
ومنها: لو قال: واللََّه لا أتزوج امرأة قد كان لها زوج، فطلق امرأته ثم
نكحها، فهل يحنث بذلك؟ وجهان مبنيان على ما ذكر وزيادة، هي: أن المتكلم هل يدخل في عموم كلامه وإطلاقه أم لا؟ وكذا الإشكال لو كانت مطلقة بائنا له قبل اليمين، فتزوجها بعد ذلك.(1/408)
ومنها: لو قال: واللََّه لا أتزوج امرأة قد كان لها زوج، فطلق امرأته ثم
نكحها، فهل يحنث بذلك؟ وجهان مبنيان على ما ذكر وزيادة، هي: أن المتكلم هل يدخل في عموم كلامه وإطلاقه أم لا؟ وكذا الإشكال لو كانت مطلقة بائنا له قبل اليمين، فتزوجها بعد ذلك.
وأما دلالة «كان» على التكرار، فلم أقف فيه للنحاة على كلام. نعم اختلف الأصوليون فيه، فصحح ابن الحاجب أنها تفيده. قال: ولهذا استفدناه من قولهم: كان حاتم يقري الضيف (1). وصحّح في المحصول أنها لا تقتضيه لا عرفا ولا لغة (2).
قاعدة «146» «ليس» فعل على المشهور (3).
وقيل: إنها حرف بمنزلة «ما» لعدم تصرفها، إذ الأصل في الأفعال هو التصرف، وأيضا فإن وزنها ليس على شيء من أوزان الأفعال (4).
وأجابوا عن الثاني بأن ياءها مكسورة في الأصل، ولكن سكنوها للتخفيف، وكان قياسها على هذا كسر أولها عند إسنادها للضمير، وقد نقله الفراء، ونقل أيضا ضمها. وهو يدل على أن أصل الياء فيها هو الضم لا الكسر.
واعترض على ذلك كله: بأن الياء لو كانت محركة في الأصل، لكان
__________
(1) الفوائد الضيائية: 273.
(2) المحصول 1: 395.
(3) مغني اللبيب 1: 387.
(4) القائل به هو: ابن السراج، وتابعه الفارسي في الحلبيات وابن شقير وجماعة، نقله عنهم في مغني اللبيب 1: 387.(1/409)
يلزم انقلابها ألفا، لتحركها، وانفتاح ما قبلها.
ثم اختلفوا في معناها، فقيل: إنها للنفي مطلقا (1). وقال الزمخشري:
لا يصح نفيها للمستقبل. وقال جماعة: لا يجوز نفيها للماضي، ولا للمستقبل، الكائنين مع «قد» فلا تقول: ليس زيد قد ذهب، ولا قد يذهب.
وذهب أبو علي الشلوبين إلى أنها لنفي الحال في الجملة التي لم تقيد بزمان، وأما المقيدة به فإنها لنفي ما دل عليه التقييد. وصححه في «الارتشاف».
ونحوه ذكر ابن هشام في المغني فجعلها لنفي الحال، وتنفي غيره بالقرينة، نحو: ليس خلق اللََّه مثله (2).
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لولد يلحق به: ليس قد تولّدت مني. فعلى حمل النفي على الماضي أو الحال أو الشامل لهما وللمستقبل، يكون نفيا، تترتب عليه أحكامه، وعلى القول بعدم نفيه للمقترن بقد، لا يكون نفيا، ولا يترتب عليه أثر، والأقوى تحققه، لدلالة العرف عليه، مضافا إلى ما ذكره جماعة.
ومنها: ما لو قال: الشيء الفلاني لست أملكه، ثم ادعاه وأقام به بينة، فإنه مكذّب لها على الأقوال الأول، فلا تسمع دعواه ولا بينته.
وعلى قول الشلوبين وأبي حيان إنما يفيد نفي الملك فيما دلّ عليه الفعل من الزمان، وهو المستقبل، فلا ينافي ملكه في الحال، فيسمع.
ويحتمل قويا عدم السماع مطلقا، لأن ملكه له في الحال يستلزم ملكه في الاستقبال المتصل به، وهو زمن الدعوى، استصحابا لحكم الملك السابق، فيقع التنافي.
__________
(1) حكاه في همع الهوامع 1: 115.
(2) مغني اللبيب 1: 386.(1/410)
قاعدة «147» صيغة «تفاعل» وما تصرف منها كقولنا: تخاصم زيد وعمرو يتخاصمان تخاصما، يدل على المشاركة،
أي وقوع الفعل من كل واحد.
ومن فروع القاعدة:
ما لو باع عينا لرجلين بألف، بشرط أن يتضامنا، فإنه يصح العقد، ويلزم كل منهما أن يضمن صاحبه ولكن لا يفيد عندنا فائدة، لانتقال ما على كل واحد منهما إلى ذمة الآخر، فيبقى الأمر كما كان، إلا أن يختلف ما على كل منهما قدرا أو صفة، كالحلول والتأجيل، فيفيد.
وعلى القول بأنه ضم ذمة إلى ذمة تتحقق الفائدة مطلقا، لجواز مطالبة كل منهما بالمجموع. والشافعية مع ظهور الفائدة عندهم لقولهم بالضم، منعوا اشتراط التضامن هنا، من حيث إنّ اشتراط ضمان المشتري لغيره باطل عندهم، لأنه شرط خارج عن مصلحة عقده، بخلاف اشتراط ضمان غيره له.
قاعدة «148» «استفعل» وما تفرع عليه، كالمضارع والأمر، يدل على طلب الفعل،
فإذا قيل: استعان فلان بغيره، فمعناه: طلب منه الإعانة، وكذا استطعم ونحوه.
وقد يخرج عن ذلك، ويفيد صدور أصل الفعل، ومنه قوله تعالى {اسْتَوْقَدَ نََاراً} (1) أي أوقد.
__________
(1) البقرة: 17.(1/411)
ويتفرع على ذلك أمور:
منها: الاستعانة في الطهارة، فإن مقتضاه على الغالب طلب الإعانة عليها، فلا تكره الإعانة مطلقا، كما إذا وقعت من غير طلب.
وتجيء على فرض وقوعها بمعنى الفعل الكراهة وهذا هنا هو الحق، لأن الاستعانة ليست لفظ النصوص، وإنما وردت بكراهة الاشتراك في العبادة، مع أنّ المعين في بعضها كان مبتدئا بها، فنهاه الإمام عنها معللا بالآية. وحينئذ فحمل كلام الفقهاء على أصل الإعانة أولى.
ويتفرع على ذلك أيضا: كراهة الفعل من كل من المعين والمتطهّر، لأن النهي تعلق بإيقاع الفعل كيف كان، وعلى الأول يحتمل عدم الكراهة في حق المعين، لجعلهم المكروه هو الاستعانة لا الإعانة والأقوى الكراهة في حقه أيضا، لأنه معين عليها، كما تحرم الإعانة على المحرّم، وإن لم يكن محرّما في الأصل على المعين، كما لو باع بعد النداء من لا يخاطب بالجمعة للمخاطب بها، لدخوله في عموم {وَلََا تَعََاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوََانِ} (1).
ويمكن الفرق بأنّ هذا قد تناوله النهي الدال على التحريم، وأما فاعل المكروه فلم يدخل في نهي الآية، فيبقى على أصالة الإباحة.
ومنها: إذا حلف لا يستخدم فلانا، فخدمه، والحالف لم يطلب ذلك منه، فإنه لا يحنث، لأن مدلوله الأغلبي لم يوجد، ويجيء على المثال النادر الحنث.
ولو طلب منه الخدمة، فخدمه، حنث. وإن لم يخدمه، فمقتضى القاعدة الحنث أيضا، لتحقق الطلب.
أما الإشارة من القادر على اللفظ، فلا أثر لها، لأن اسم الطلب لا يصدق
__________
(1) المائدة: 2.(1/412)
عليها حقيقة ولو تعذر عليه النطق، فأشار، ففي حنثه وجهان.
ومنها: إذا قال صاحب الدين لغريمه: استوفيت منك، أو قال أجنبي له:
هل استوفيت من غريمك؟ فقال: نعم، فمقتضى القاعدة أنه لا يكون إقرارا بالقبض، لأن معناه طلب الوفاء، لا حصوله، ولعل الأقرب كونه إقرارا، لقضاء العرف به، مع عدم منافاة الطلب له.
ولكن هل يكون إقرارا باستيفاء جميعه، أو ما هو أعم، فيقبل قوله في استيفاء البعض؟ وجهان، أجودهما قبوله في البعض، حيث لا يدل اللفظ على غيره، بأن قال: استوفيت مالي منه، أو جميع مالي، ونحوه.
وكذا الحكم لو لم يذكر السين بأن قال: أليس قد أوفيتك؟ فقال: بلى.
ولو قال السيد: استوفيت منه مال الكتابة، أو ما كاتبته عليه، أو قال البائع: قبضت ثمن مبيعي، أو قال الموجر: استوفيت الأجرة، أو أجرة بيتي ونحوه، لم يقبل في البعض. وكذا لو قال: أوفيتك كذا، فقال: نعم، أو أليس أوفيتك؟ فقال: بلى.
ومنها: لو قال جاريتي هذه قد استولدتها، أو هي مستولدتي، ففي ثبوت الاستيلاد بذلك الوجهان. ولو ادعى موت الولد بعد ذلك، فالأقوى عدم القبول، لأصالة بقائه، فيكلّف إثبات موته. ومثله ما لو ثبت الاستيلاد بأيّ وجه كان، ثم ادعى موت الولد.
ومنها: ما ذكره الأصحاب من بطلان خيار المشتري بالتصرف على بعض الوجوه، الّذي من جملته الاستعمال. فلو كان عبدا فخدمه وهو ساكت، لم يمنع الرد، لعدم صدق الاستعمال، ولا التصرف. ولو طلبه منه ولم يفعل، فمقتضى الاستعمال سقوط الخيار، لصدقه بذلك، وفيه نظر، لأن ذلك ليس مدلول النص. ومن فروع إرادة أصل الفعل من الاستفعال:
قولهم «يجب الاستقلال في القيام للصلاة» فإن المراد به الاستقلال به، وهو
الاستبداد من غير معين، لا طلبه.(1/413)
قولهم «يجب الاستقلال في القيام للصلاة» فإن المراد به الاستقلال به، وهو
الاستبداد من غير معين، لا طلبه.
قاعدة «149» «رأى» يستعمل بمعنى «علم»
ومنه قول الشاعر:
رأيت اللََّه أكبر كل شيء ... محاولة وأكثرهم جنودا (1)
أي: علمت.
وبمعنى «ظنّ» كقولهم: رأى فلان كذا، أي أدّى اجتهاده إليه، وغلب ظنه عليه. ومن ذلك إطلاق أهل الرّأي على الحنفية، لاستعمالهم الأقيسة كثيرا.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال لغيره: أنت تعلم أنّ العبد الّذي في يدي حر، فإنا نحكم بعتقه، لأنه قد اعترف بعلمه، ولو لم يكن حرا ذلك الوقت لم يكن المقول له عالما بحريته.
ولو قال: أنت تظن أنه حر، لم يحكم بعتقه، لأنه قد يكون مخطئا في ظنه.
ولو قال: أنت ترى أنه حر، احتمل العتق وعدمه، لأن الرؤية تطلق على العلم والظن، وحينئذ فلا يقع العتق للاحتمال. ويجيء على استعمال المشترك في جميع معانيه توجه الحكم بعتقه أيضا والأولى مراجعته في ذلك حيث يمكن، وإلا لم يعتق.
وعلى قولهم «أنه لو قال: عبدي لزيد، لم يصح الإقرار للتناقض» يجيء
__________
(1) البيت لخداش بن زهير، أحد بنى بكر بن هوازن، وقد أورده ابن هشام في شرح قطر الندى:
170 - رقم 67، وابن عقيل رقم 118.(1/414)
بطلان الإقرار هنا أيضا، لاستحالة وصفه بالعبودية والحرية.
ويندفع بإمكان حمله على أنه كان قبل ذلك حقيقة أو مجازا، أو أنّ العبد الّذي ينسب إليّ ظاهرا حر في نفس الأمر.
ومثله ما لو قال: ثوبي أو بستاني وما شاكل ذلك لزيد، والأقوى القبول في الجميع، فإن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة، ككوكب الخرقاء وشهادة اللََّه، وحج البيت.(1/415)
المقصد الثالث: في الحروف
وهي أقسام
الأول حروف الجر
قاعدة «150» الباء الموحدة تقع للإلصاق،.
قيل: وهو معنى لا يفارقها، فلهذا اقتصر عليه سيبويه (1). ثم الإلصاق حقيقي، كأمسكت بزيد، إذا قبضت على شيء من جسمه، أو على ما يلبسه من ثوب ونحوه. ومجازي، نحو مررت بزيد، أي ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد.
وللاستعلاء، نحو {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطََارٍ} (2) الآية بدليل {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلََّا كَمََا أَمِنْتُكُمْ عَلى ََ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} (3) ونحو
__________
(1) كما في مغني اللبيب 1: 137، كتاب سيبويه 4: 217.
(2) آل عمران: 75.
(3) يوسف: 64.(1/417)
{وَإِذََا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغََامَزُونَ} (1) بدليل {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} (2).
وللتبعيض، إما مطلقا، كما اختاره جماعة، منهم الفارسي، والقتيبي، وابن مالك، والكوفيون (3) وجعلوا منه {عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا عِبََادُ اللََّهِ} (4).
وقوله:
شربن بماء البحر ثم ترفعت [1] وقوله:
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج [2] أو مع دخولها على المتعدي بنفسه، كما اختاره جماعة من الأصوليين (5). وبه فرّقوا بين مسحت المنديل، ومسحت به.
وللسببية، كقوله تعالى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هََادُوا حَرَّمْنََا عَلَيْهِمْ طَيِّبََاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخََاذِكُمُ الْعِجْلَ} {فَكُلًّا أَخَذْنََا بِذَنْبِهِ} (6).
[1] هو لأبي ذؤيب الهذلي يصف سحبا، وتمام البيت: «متى لجج خضر لهن نئيج»، ومعنى البيت: أن السحب شربت من ماء البحر وارتفعت من لجج خضر ولهن نئيج، يعني لهن سرعة وصوت. والبيت في ديوان الهذليين 1: 51.
[2] هذا البيت منسوب إلى جميل بثينة، وينسب إلى عمر بن أبي ربيعة وعبيد بن أوس، وصدره:
«فلثمت فاها آخذا بقرونها» ومعنى البيت: أنه لثم فاها وهو ماسك بشعرها لثما كشرب النزيف أي العطشان من ماء الحشرج، أي الحفرة في الجبل يجتمع فيها الماء، والبيت في ديوان جميل بثينة: 42.
__________
(1) المطففين: 30.
(2) الصافات: 137.
(3) الألفية (شرح السيوطي): 126.
(4) الإنسان: 6.
(5) منهم الرازي في المحصول 1: 167، وأبو الحسين في المعتمد 1: 33.
(6) النساء: 160، البقرة: 54، العنكبوت: 40بالترتيب.(1/418)
وللظرفية، بمعنى «في» كقوله تعالى {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ بِبَدْرٍ} {نَجَّيْنََاهُمْ بِسَحَرٍ} {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} (1) أي وفي الليل.
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
الاكتفاء في مسح الرّأس في الوضوء ببعضه، كما اختاره أصحابنا، حملا للباء على التبعيض، إما للنص عليه عندنا، كما ورد مصرحا في خبر زرارة (2). أو لدخولها على المسح المتعدي بنفسه، أو مطلقا على مذهب جماعة. أو لاشتراكها بين معان منها التبعيض، فيجوز الاقتصار على مسح البعض، لأصالة عدم وجوب الزائد.
وقيل: إنّ الباء هنا للإلصاق (3)، وهو لا ينافي التبعيض، مضافا إلى الأصل، مع أنه لا منافاة بين الإلصاق والتبعيض، كما لا منافاة بينه وبين غيره من المعاني كما سبق.
ومنها: إذا قال: إن عصيت بسفرك فأنت عليّ كظهر أمي، أو قال لعبده:
ضربتك كذا، فينظر إن أراد أحد الأمرين الأخيرين، ترتب الحكم عليه، وإن تعذر معرفة إرادته أو أطلق، فالمتجه أنّ الحكم لا يترتب على أحدهما فقط، لجواز إرادة الآخر، أو لأنه أعم منه، فلا يحمل عليه بغير قرينة، ولأصالة البراءة.
ومن هنا يعلم أنّ قول الأصحاب: إن العاصي في سفره يترخص، دون العاصي بسفره، إنما يستقيم على أن يريدوا بالباء السببية، لا الظرفية، فما احترزوا عنه وفرّوا منه لم يتم معهم مطلقا.
__________
(1) آل عمران: 123، القمر: 34، الصافات: 137، 138بالترتيب.
(2) الكافي 3: 30حديث 4، 1، الفقيه 1: 56حديث 212، وسائل الشيعة 1: 290أبواب الوضوء باب 23حديث 1.
(3) مغني اللبيب 1: 143.(1/419)
قاعدة «151» «من» تستعمل لمعان، منها: الابتداء،
وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أنّ سائر معانيها راجعة إليه (1). ويقع في غير الزمان نحو {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} [1] و {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} [2].
وقال الكوفيون وجماعة (2): وفي الزمان أيضا، كقوله تعالى {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [3] وفي الحديث: «مطرنا من الجمعة إلى الجمعة» (3).
ومنها: التبعيض، كقولك: أخذت من الدراهم. ويعرف بصلاحية إقامة صيغة «بعض» مقامها، فتقول في المثال: أخذت بعض الدراهم ومنه {حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ} (4) وقرأ ابن مسعود: حتى تنفقوا بعض ما تحبون (5).
ومنها: بيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعد «مهما» و «ما» وهما بها أولى، لإفراط إبهامهما، نحو {مََا يَفْتَحِ اللََّهُ لِلنََّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلََا مُمْسِكَ لَهََا} {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} {مَهْمََا تَأْتِنََا بِهِ مِنْ آيَةٍ} (6) وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال.
[1] «{سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}» الإسراء: 1.
[2] «{إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}» النمل: 29.
[3] «{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ََ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}» التوبة: 108.
__________
(1) منهم الفيروزآبادي في القاموس 4: 275، وحكاه في المغني 1: 419.
(2) حكاه في مغني اللبيب 1: 419، والإنصاف 1: 37.
(3) صحيح البخاري 2: 36كتاب الاستسقاء.
(4) آل عمران: 92.
(5) الكشاف 1: 385.
(6) فاطر: 2، البقرة: 106، الأعراف: 131بالترتيب.(1/420)
ومن وقوعها بعد غيرهما {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيََاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} (1). والشاهد في غير الأولى، فإن تلك للابتداء، وقيل زائدة (2) ونحو {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثََانِ} (3).
وأنكر قوم مجيء «من» لبيان الجنس، وقالوا: هي في {مِنْ ذَهَبٍ} *
و {مِنْ سُنْدُسٍ} * للتبعيض وفي {مِنَ الْأَوْثََانِ} للابتداء، والمعنى: فاجتنبوا من الأوثان الرجس، وهي عبادتها (4).
ومنها: التعليل، كقوله تعالى {كُلَّمََا أَرََادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهََا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهََا} وقوله {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (5). وقول الشاعر:
وذلك من نبإ جاءني (6)
وقول الفرزدق:
يغضي حياء ويغضى من مهابته (7)
إذا تقرر ذلك، فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: بع ما شئت من أموالي، واقبض ما شئت من ديوني، ونحو ذلك فإنه يحمل على التبعيض، فلا يصح له بيع الجميع، ولا قبضه، إما لعدم صلاحية غيره، أو للشك في إرادته. و (8) المتيقن البعض، فيقتصر عليه، ولكن
__________
(1) الكهف: 31.
(2) إملاء ما من به الرحمن 2: 102.
(3) الحج: 30.
(4) البحر المحيط 6: 122، إملاء ما من به الرحمن 2: 122، همع الهوامع 1: 34.
(5) الحج: 22، نوح: 25بالترتيب.
(6) وتمام البيت «وخبرته عن أبي الأسود» وهو لإمرئ القيس، انظر: ديوانه: 76.
(7) وتمام البيت «فما يكلم إلا حين يبتسم» والبيت من قصيدة قالها في علي بن الحسين عليه السلام، ديوان الفرزدق 2: 179.
(8) في «ح»: أو.(1/421)
يجوز إبقاء شيء وإن قلّ، لدخول ما عداه في المشيئة. ومثله: بع من شئت من عبيدي، فلو باعهم إلا واحدا صحّ.
ومنها: لو قال: ضعوا عن المكاتب ما يشاء من مال الكتابة، قال العلامة:
لو شاء الجميع لم يصح، لأن «من» للتبعيض (1). وهذا إما مبني على إنكار مجيئها لبيان الجنس، أو تجوّز في العبارة، بمعنى اختيار كونها هنا للتبعيض، أي محمولة عليه لاشتراكها، فلا تحمل على الجنس للشكّ فيه، ويبقى البعض داخلا على التقديرين. وهذا حسن، ولكن لا يدفع المؤاخذة على ظاهر العبارة.
وأما ما أورده العلامة قطب الدين الرازي عليه، بإمكان كونها للتبيين، فتصح مشيئته للكل فقد عرفت ما فيه، فإنه وإن أمكن كونها كذلك لكن لا يحكم به، لأن المشترك لا يحمل على أحد معانيه بدون القرينة، ولا قرينة هنا على إرادة التبيين، كما لا قرينة على إرادة البعض، وإنما حملناه عليه لدخوله على التقديرين ولكن النّظر وارد على إطلاقه كونها للتبعيض إن لم يكن منكرا لذلك المعنى، كما أنكره من حكيناه عنه.
ومنها: قوله صلى اللََّه عليه وآله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (2) والظاهر أنّ «من» فيهما تعليلية، أي يحرم بسب الرضاع ما يحرم بسبب النسب، وحينئذ فكل امرأة تحرم بالنسب كالأم والأخت والبنت والعمة والخالة تحرم بالرضاع. كما إذا أرضعت أمه أو زوجته أوجدته أنثى الرضاع المعتبر، فإن الرضيعة تصير بمنزلة واحدة ممن ذكر، وكذا ما أشبهه. ومفهوم الخبر مضافا إلى الأصل: أنّ التي تحرم بالمصاهرة كبنت الزوجة لا تحرم بالرضاع.
__________
(1) قواعد الأحكام 2: 125.
(2) الكافي 5: 437باب الرضاع حديث 2، 3، الفقيه 3: 475حديث 4665، الوسائل 14: 280 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 1حديث 1، 3، 4، سنن ابن ماجة 1: 623حديث 1937، 1938.(1/422)
ويتفرع على ذلك: تحريم زوجة الفحل عليه لو أرضعت ولد أخيها، لأنها حينئذ تصير عمة ولده من الرضاع، وعمة الولد محرمة بالنسب بخلاف ما لو أرضعت ولد أختها، لأن خالة الولد ليست محرمة على الوالد.
ولو أرضعت ولد ولدها ابنا أو بنتا صارت جدة ولده، وجدة الولد وإن كانت محرمة إلا أنّ تحريمها ليس منحصرا في النسب، بل قد يكون بالمصاهرة كما لا يخفى. وقس على ذلك ما يرد عليك في هذا الباب.
ومنها: ما لو قال: بعتك الثوب بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة.
فيحتمل كون «من» تبعيضية، فيكون الثمن تسعين، لأن الوضع فيه من نفس العشرة وكونها ابتدائية، فيكون التقدير: من كل مائة تسلم لي، فيكون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم وبطلان البيع، لاشتراكها الموجب لاختلاف الثمن بسببه، الموجب لتجهيله. ورجّح الأكثر الأول، لأنه أظهر، فكان قرينة ترجيح بعض أفراد المشترك.
ومنها: لو قال لوكيله: اقبض حقي من فلان، فإنها تحمل على الابتداء، ويجعل مبدؤها المديون، فلا يتعدى إلى غيره، فلو مات بطلت الوكالة، وليس له القبض من وارثه. نعم له القبض من وكيل المديون، لأن يده يده، وهو نائب عنه، بخلاف الوارث، فإن المال لم ينتقل إليه بحق النيابة. ومن ثم يحنث لو حلف على فعل شيء (1) بفعل وكيله له، لا بفعل وارثه.
وهذا بخلاف ما لو قال: اقبض حقي الّذي على فلان، فإنه يتناول الوارث، لأن جملة الموصول والصلة فيه صفة للحق، وليس فيه تعيين للمقبوض منه بوجه، بل الإذن تعلّق بقبض الحق الموصوف بكونه في ذمة فلان، فالوكيل يتبع الحق حيث ما انتقل.
ولا يشكل بأن متعلق الوكالة مركب من كونه حقا، وكونه على فلان،
__________
(1) المراد: الحلف على ترك فعل شيء.(1/423)
فكونه عليه بمنزلة الصفة، فإذا مات زالت الصفة المخصصة لمتعلق الوكالة لمنع كون الصفة هنا مخصصة للمقبوض منه، بل للحق، بمعنى كونها احترازا من حق له في ذمة غيره، كما هو الظاهر منها.
قاعدة «152» تجوز زيادة «من» في النفي وشبهه وهو النهي والاستفهام
إذا كان المجرور نكرة كقوله {مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} * (1) {وَمََا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلََّا يَعْلَمُهََا} (2) {مََا تَرى ََ فِي خَلْقِ الرَّحْمََنِ مِنْ تَفََاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى ََ مِنْ فُطُورٍ} (3).
وأما في الإثبات، فلا يجوز عند سيبويه وجمهور البصريين (4). وقال الأخفش: يجوز مطلقا، لقوله تعالى {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} * (5) وقيل (6):
إن كانت نكرة جاز، كقوله تعالى {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} * (7).
وإن كانت معرفة فلا (8). واختار ابن مالك في الألفية الأول، وفي التسهيل الثاني (9).
وأجاز الفارسي (10) دخولها مع النفي على الشرط، كقوله:
__________
(1) الأعراف: 59.
(2) الأنعام: 59.
(3) الملك: 3.
(4) كتاب سيبويه 2: 315.
(5) الأحقاف: 31.
(6) المقتضب 4: 137.
(7) الكهف: 31.
(8) السيوطي: 122، ونقله عن الكوفيين في مغني اللبيب 1: 428.
(9) الألفية (البهجة المرضية) 1: 247، التسهيل: 144.
(10) نقله عنه في مغني اللبيب 1: 425.(1/424)
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم (1)
إذا علمت ذلك، فمن فروعه:
ما إذا قال الولي: زوجت منك، ففي وقوع النكاح وجهان مبنيان على جواز زيادتها في الإثبات، وإلا كان لحنا مفسدا عند من يعتبر الصحيح في اللغة (2). ومن جوّز اللحن غير المحيل للمعنى فيصح النكاح هنا مطلقا.
وكذا لو قال: زوجت لك وإليك، لأن الخطأ في الصلاة حيث لا يخل بالمعنى ينزّل منزلة الخطأ في الإعراب، والتذكير والتأنيث، كما لو قال:
زوجتكه، وأشار إلى ابنته. وقد تقدّم أن مثل ذلك قد ينزّل بتأويل الشخص.
ومثله يجري فيما لو قال: بعت منك، وآجرت، ورهنت، وغيرها من العقود اللازمة.
قاعدة «153» «إلى» حرف يدل على انتهاء الغاية زمانا أو مكانا،
تقول: سرت إلى البصرة، وإلى طلوع الشمس. وإذا لم تقم قرينة على أنّ ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل ففي دخوله مذاهب:
الدخول مطلقا. وعدمه مطلقا، وعليه أكثر المحققين (3).
ودخوله إن كان من جنس ما قبله، نحو: بعتك الرمان إلى هذه الشجرة، فينظر في تلك الشجرة، هل هي من الرمان أم لا، ومنه قولهم: قرأت القرآن
__________
(1) البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى، وهو في ديوانه صلى اللََّه عليه وآله 32وفي شرح الزوزني: 197.
(2) في «ح»، «م»: من اللغة.
(3) مغني اللبيب 1: 104، لسان العرب 15: 434 (إلى) فواتح الرحموت 1: 244.(1/425)
من أوله إلى آخره، وحفظته كذلك، فإن المتبادر دخول الغاية لذلك وإن كانت من غيره لم تدخل. ومن ثمّ لم يدخل الليل في قوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1).
ودخوله إلا أن يقترن بمن، نحو بعتك من هذه الشجرة إلى هذه، فلا تدخل الغاية حينئذ، ولو أتى بما مثلناه سابقا دخلت.
ودخوله إن لم يكن منفصلا عما قبله بمفصل محسوس كآية الصوم، وإلا دخل، كقوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ} (2) فإن المرفق منفصل بجزء مشتبه، وليس تعيين بعض الأجزاء أولى من تعيين البعض، فوجب الحكم بالدخول. وفي المسألة مذاهب أخر.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
دخول المرافق في الغسل، والكعبين في المسح، أصالة أو من باب المقدمة.
وتظهر فائدته: لو قطعت اليد أو الرّجل من المفصل، وتميّز المرفق والكعب، إن لم نجعلهما غيره.
لكن يبقى فيه بحث: وهو أنّ أكثر المحققين (3) كما عرفت قائلون بخروج الغاية، وإذا جعل المرفق هنا غاية للغسل على ما هو المتبادر من تعلق «إلى» ب «اغسلوا» تكون المرافق خارجة على القول المعتبر، مع أنّ دخولها في الغسل أقوى عند المحققين (4)، وهو لا يجامع القاعدة ظاهرا.
وطريق التخلّص من ذلك، ما ذكره بعض المحققين: من أنّ ما قبل الغاية
__________
(1) البقرة: 187.
(2) المائدة: 6.
(3) منهم ابن هشام في مغني اللبيب 1: 104، والشافعي كما في التمهيد: 221، شرح الكافية 2: 324.
(4) إملاء ما من به الرحمن 1: 121.(1/426)
لا بد أن يتكرر قبل الوصول إليها، كما تقول: ضربته إلى أن مات، ولا يجوز قتلته كذلك، وغسل اليد لا يتكرر قبل الوصول إلى المرافق. قال: والصواب تعلّق «إلى» ب «أسقطوا» محذوفا، لأن اليد شاملة لرءوس الأنامل والمناكب وما بينهما، ويستفاد من ذلك دخول المرافق على ذلك القول، لأن الإسقاط ليس من رءوس الأنامل إجماعا، بل من المناكب، وقد انتهى إلى المرافق، وإذا لم تدخل في الإسقاط بقي داخلا في المأمور بغسله (1).
ويمكن التخلّص من إشكال عوده إلى الغسل بجعل الغاية للمغسول، وهو الأقوى، حيث إنها تطلق على الأكف خاصة، كأيدي التيمم، وعلى ما زاد، فقبل غسله التعدد بذلك.
ومنها: ما لو جعل أجل السلم ونحوه من الأثمان والأعواض، كمال الإجارة إلى يوم كذا، أو شهر كذا، فإنه يحل بأول جزء منه، إما بناء على خروج الغاية مطلقا، أو حيث تنفصل بمحسوس، أو لدلالة العرف على خروجها هنا.
لكن يشكل الأول بما لو جعل الأجل إلى شهر مثلا، فإنه لا يتم إلا بآخره قطعا، مع كونه هو الغاية. نعم يتجه الفرق بدلالة العرف فيهما، كما دل على خروج بعض الغايات، ودخول بعض.
وينضم إلى العرف في الثاني قرينة أخرى، وهي أنه لولا دخول الغاية فيه لخلا المؤجّل أو المسلم عن الأجل وقد صرّحا به.
وأما ما فرّق بعضهم (2) به بين الأمرين، بأن المعنيّ في المبهم مسمّى المدة، وهو لا يصدق إلا بالمجموع، والمعنيّ في المعين مسمى المعيّن، وهو يصدق بأول جزء منه، ضرورة صدق الشهر كصفر مثلا بأول جزء منه، ففيه
__________
(1) هذا منقول عن المبسوط كما في فواتح الرحموت 1: 244.
(2) كالعلامة في قواعد الأحكام 1: 137.(1/427)
نظر بيّن لأن المطلق لما حمل على الشهر المتصل مثلا، وهو الهلالي إن اتفق، وإلا فثلاثون يوما، كان مسمى المدة المبهمة هو المجموع المركب من الأيام المخصوصة المتصل بالعقد، فإن صدقت الغاية بأولها ثبت الحكم فيهما، وإنما الفارق العرف.
ومنها: ما إذا حلف لا يخرج امرأته إلى العرس، فأخرجها بقصده، ولم تصل إليه، فإنه لا يحنث إن قلنا: إن الغاية داخلة مطلقا، لأن الغاية لم توجد.
وكذا لو خرجت لغير العرس ثم دخلت إليه.
ولو قلنا بخروجها، أو مع انفصالها بمحسوس، أو مع مغايرتها لما سبق جنسا، حنث، لأنها حينئذ ليست داخلة، وقد صدق إخراجها إليه في الأول، أما الثاني فيتجه عدم الحنث مطلقا.
ولو أتى باللام فقال: للعرس، لم يشترط وصولها إليه مطلقا أيضا، بل الشرط أن تخرج له وحده أو مع غيره، لأن التعليل يتحقق.
ومنها: لو وكّل رجلا ببيع عين بعشرة إلى يوم الخميس مثلا، ففي دخول الخميس في الأجل ما تقدم. وعلى خروجها بأحد الأمور لا يدخل هنا، حتى لو دخل يوم الخميس ولم يبعه لم يكن له بيعه حينئذ، لأن الأجل الّذي هو قيد في الموكّل فيه قد فات، وبيعه بالحال خلاف المأذون فيه، وله بيعه قبل الخميس بجزء من الزمان كيف اتفق.
ومنها: لو حلف ليقضينّه حقه إلى رأس الشهر، لم يدخل رأس الشهر في اليمين على ما تقدم من الأقوال التي لا تدخل هذه الغاية، بل يجب تقديم القضاء عليه.
قاعدة «154» «في» للظرفية الحقيقية،
كقولك: زيد في الدار والمجازية، كقوله
تعالى {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (1) فإنه لما كان المصلوب متمكنا على الجذع، كتمكن المظروف من الظرف، عبّر عنه به مجازا. وجعلها بعضهم هنا بمعنى «على» (2).(1/428)
كقولك: زيد في الدار والمجازية، كقوله
تعالى {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (1) فإنه لما كان المصلوب متمكنا على الجذع، كتمكن المظروف من الظرف، عبّر عنه به مجازا. وجعلها بعضهم هنا بمعنى «على» (2).
والظرفية تكون: زمانية ومكانية، وقد اجتمعا في قوله تعالى:
{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} (3). ومن المجازية قوله تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ} (4).
وتأتي أيضا للمصاحبة، نحو {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} (5) {فَخَرَجَ عَلى ََ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} (6).
وللتعليل، نحو {فَذََلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} (7). و {لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَفَضْتُمْ} (8). وفي الحديث: «إن امرأة دخلت النار في هرة ربطتها» (9).
ومرادفة «من» كقوله:
وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال (10)
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
وجوب الزكاة في عين النصاب لقوله صلى اللََّه عليه وآله: «في خمس من الإبل شاة،
__________
(1) طه: 71.
(2) مغني اللبيب 1: 224.
(3) الروم: 2، 3.
(4) البقرة: 179.
(5) الأعراف: 38.
(6) القصص: 79.
(7) يوسف: 32.
(8) النور: 14.
(9) صحيح البخاري 4: 157كتاب بدء الخلق، مسند أحمد 2: 507.
(10) هذا البيت لإمرئ القيس وهو في ديوانه: 175.(1/429)
وفي أربعين شاة شاة، وفي خمسة أوسق زكاة» (1) ونحو ذلك، حملا ل «في» على الظرفية حقيقة أو مجازا.
ويمكن جعلها تعليلية، أي: بسببها، كما يدل عليه اللفظ الأول، فإن الشاة لا تدخل في حقيقة الإبل، وإنما وجبت بسببها.
وفيه احتمال الظرفية المجازية، نظرا إلى القيمة.
وتظهر الفائدة فيما لو تلف النصاب، أو بعضه، بعد الحول، وقبل إمكان أداء الزكاة، فعلى الوجوب في العين يسقط من الزكاة بحسبه.
ومنها: ما إذا قال لزوجته وهما بالشام مثلا: أنت طالق في مكة، فإنه يحتمل عدم وقوعه، لأنه الآن غير واقع، وبعده معلّق ووقوعه منجزا (2)،.
لأن المطلقة في بلد مطلقة في باقي البلاد.
وفيه مع احتمال اللفظ الأمرين أنّ حمل الكلام على فائدة أولى من إلغائه، وعلى الأول هو ملغى. وعند العامة المجوّزين لتعليقه لا تطلّق حتى يدخل مكة، ولهم وجه بوقوعه منجزا لما ذكرناه.
ومنها: لو قال الموصي: إن كان في بطنها ذكر فله درهمان، أو أنثى فدرهم، فخرجا معا، فلكل منهما ما عيّن له، لصدق الظرفية في كل منهما.
ولو أتى ب «الّذي» وخرجا معا، بطلت، لأن الموصول وقع صفة للحمل، فكان شرطا لكون مجموع الحمل كذلك، فإذا وجدا معا لم يصدق أن الحمل ذكر، وإن صدق أنّ في بطنها ذكرا، وهذا بخلاف الظرفية. فإنها تصدق
__________
(1) الكافي 3: 531باب صدقة الإبل حديث 1، وص 534باب صدقة الغنم حديث 1، الوسائل 6: 74أبواب زكاة الأنعام باب 2حديث 6وباب 6حديث 1، 3، صحيح مسلم 2: 146باب زكاة الغنم، سنن ابن ماجة 1: 573باب صدقة الإبل حديث 1798.
(2) أي: ويحتمل وقوعه منجزا.(1/430)
بكل منهما من غير تناف.
ولو اتفق الحمل ذكرين أو أنثيين، ففي استحقاق كل منهما ما عيّن له، أو اشتراكهما في المعين، أو أحدهما خاصة ويتخير الوارث، أوجه، سبق التنبيه عليها في القسم الأول.
ولو اتفق ذلك مع الإتيان بالموصول بطلت الوصية أيضا لما ذكر.
ومنها: لو قال: اشتر لي دارا في البلد الفلاني، فإنه يقتضي شراءها في داخلها وفي تناولها للدور المتصلة بها من خارج نظر: من خروجه عن الظرفية، ومن كونها ظرفا لها مجازا شائعا.
ومثله ما لو قال اشتر بها، لأنها بمعنى «في» كما سلف، مع احتمال الفرق، وتناول الدور الخارجة المتصلة بها هنا، حملا لها على الإلصاق حقيقة أو مجازا.
ومنها: إذا قال: له في هذا العبد ألف، فإن «في» تحتمل الظرفية الحقيقية، والمجازية، والسببية، والمصاحبة، ومرادفة «من» إذ يحتمل أن يكون للمقرّ له من العبد مقدار ألف، بأن يكون قد اشتراه بألفين مثلا، منها ألف للمقرّ له، والشراء لهما، أو يكون قد أوصى له منه كذلك، أو يكون قد دفع (1) في ثمنه ألفا للمقرّ له، والشراء للمقر خاصة. وأن يكون قد جنى عليه جناية توجب ذلك، وهو يستحقها. وأن يكون بيد العبد ألف للمقر له، فيرجع إليه في بيانه، ويقبل تفسيره بأنه وزن في شرائه ألفا، ولو في عشره، فيكون شريكا بالنسبة، حيث تحتمل قيمته ذلك عند الشراء.
ومثله ما لو قال اشتر بها، لأنها بمعنى «في» كما سلف، مع احتمال فالثلث، وهكذا.
__________
(1) في «م»: وقع.(1/431)
وبأنه أوصى له بألف من ثمنه، فيباع، وتصرف إليه ألف.
وبكونه مرهونا عنده على ألف، وهذه ترجع إلى الظرفية حقيقة أو مجازا. وقريب منه مرادفة «من» والمصاحبة، وهو فيما عدا الأخير ظاهر.
وفيه: أنّ الدين وإن كان محله الذّمّة، إلا أن له تعلقا بالمرهون، فجازت نسبته إليه على ذلك الوجه لذلك، مع احتمال عدم القبول هنا، لأن محل الدين الذّمّة، والمرهون وثيقة عليه خاصة. وكذا يقبل تفسيره بأرش الجناية، وهو راجع إلى السببية، إلى غير ذلك من الفروض الممكنة.
ومنها: لو قال: له درهم في دينار، فيجيء فيه الأقسام السابقة، فيحتمل الشركة فيه بحسبه، وكونه معه فيلزمه دينار ودرهم، وكونه لزمه بسببه، بأن يكون قد أدخل عليه نقصا بقدره، ونحو ذلك، فيرجع إليه في البيان، لكن مع تعذره يلزمه هنا درهم في الجملة، بخلاف السابق.
فائدة: الظرفية المستفادة من «في» ظرفية مطلقة،
بمعنى أنه لا إشعار لها بكون المظروف في أول الظرف، أو وسطه، أو آخره، لاشتراك الثلاثة في معناه.
ويتفرع على ذلك:
ما لو وكّله أن يشتري دارا في البلد الفلاني، وقد تقدم.
وما لو أسلم في شيء على أن يؤديه في يوم كذا، أو باع أو أجّر كذلك، فيتناول (1) جميع أجزاء اليوم، ويقوى البطلان هنا، للجهالة المؤدية إلى النزاع.
وأولى منه ما لو قال: في شهر كذا أو سنة كذا، أو في سنة مثلا، ونحو ذلك بخلاف ما لو قال: مؤجلا إلى يوم كذا، أو شهر كذا، فيحل بأوله، بناء على خروج الغاية، وقد تقدم.
__________
(1) في «د»: تساوى.(1/432)
قاعدة «155» «كاف» التشبيه كقولك: زيد كالأسد حرف يدل على مطلق التشبيه،
ويتعين محل ذلك التشبيه بالقرائن، وقد تخرج عن الحرفية إلى الاسمية.
فتستعمل فاعلة، ومفعولة، ومجرورة، وغير ذلك، فتقول: جاءني كالأسد، أي: مثله، ورأيت كالأسد، ومررت بكالأسد، لكن خروجها إلى الاسمية، لا يكون عند سيبويه والمحققين إلا في ضرورة الشعر (1).
كقوله:
يضحكن عن كالبرد المنهّم (2)
وقال كثير، منهم الأخفش والفارسي: يجوز في الاختيار (3). فجوّزوا في نحو «زيد كالأسد» أن تكون الكاف في موضع رفع، والأسد مخفوضا بالإضافة، ويقع مثل هذا في كتب المعربين كثيرا، قال الزمخشري في {فَأَنْفُخُ فِيهِ} (4): الضمير [راجع] (5) للكاف من {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} أي فأنفخ في ذلك الشيء المماثل فيصير كسائر الطيور (6).
وعكس بعضهم فقال: تكون اسما دائما (7). وفي معنى الدلالة على
__________
(1) نقله عنهم في مغني اللبيب 1: 238، وشرح التصريح 2: 18.
(2) البيت للعجاج، وصدره بيض ثلاث كنعاج صم أورده في خزانة الأدب 4: 462.
(3) كما في مغني اللبيب 1: 239.
(4) آل عمران: 43.
(5) أثبتناه من المصدر.
(6) تفسير الكشاف 1: 364.
(7) نقله عن أبي جعفر بن مضاء في همع الهوامع 2: 31.(1/433)
مطلق التشبيه لفظ «مثل» وما أخذ منها، وكذلك المساواة إذا احتملت أنواعا، وتقع زائدة مؤكدة.
إذا علمت ذلك، فمن فروعه:
ما إذا قال: أحرمت كإحرام زيد، فإنه يصح عند الشيخ (1) رحمه اللََّه ويصير محرما بنفس ما أحرم به زيد من حج أو عمرة أو تمتع أو قران أو إفراد، لاقتضاء التشبيه ذلك.
قال: ولو لم يعلم ذلك، بأن يهلك زيد قبل العلم بما أحرم به فليتمتع احتياطا للحج والعمرة.
واحتج على جوازه مع تضمنه عدم الجزم في النية بما روي من إحرام أمير المؤمنين عليه السلام حين جاء من اليمن كإحرام النبي صلى اللََّه عليه وآله، وقال: «إهلالا كإهلال نبيك» وأقرّه النبي صلى اللََّه عليه وآله (2).
وردّه المتأخرون بعدم الجزم، وحملوا الرواية على علمه بما أحرم به النبي صلى اللََّه عليه وآله (3).
وأجازه العامة أيضا (4). وفرع عليه بعضهم ما لو قال: كإحرام زيد وعمرو، وكان أحدهما محرما بالحج والآخر بالعمرة، صار قارنا (5).
ويمكن أن يتفرع على مذهب الشيخ رحمه اللََّه تخييره هنا بين الحج والعمرة، فإنه حكم في الخلاف (6): بأن من أهلّ بحجتين أو عمرتين أو بالتفريق
__________
(1) المبسوط 1: 316.
(2) الكافي 4: 246باب حج النبي صلى اللََّه عليه وآله حديث: 4، التهذيب 5: 456حديث 1588، الوسائل 8: 152أبواب أقسام الحج باب 2حديث 4.
(3) منهم العلامة في المختلف: 264.
(4) المغني لابن قدامة 3: 251.
(5) حكاه في المجموع 8: 230.
(6) الخلاف 2: 383مسألة 235.(1/434)
انعقد إحرامه بواحدة، وبطلت الأخرى، وأنه لو أحرم ولم يعيّن حجا ولا عمرة كان مخيرا بين الحج والعمرة، أيهما شاء فعل، إذا كان في أشهر الحج، وإن كان في غيرها لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة.
ومنها: لو قال الزوج: أنت طالق كالثلج أو كالنار، طلّقت في الحال ولغا التشبيه، كما لو قال: طلاقا حسنا، أو قبيحا، أو باردا، أو حارا، أو أقبح طلاق، أو أحسنه، ونحو ذلك.
وقال بعض العامة: إن قصد التشبيه بالثلج في البياض، وبالنار في الاستضاءة، طلّقت للسنة، وإن قصد بالثلج في البرودة، وبالنار في الحرارة والإحراق، طلقت في زمن البدعة (1).
ومنها: لو قال للزوجة: أنت علي كأمي، وقصد الظهار، قيل: وقع، لاشتمال المشبه به على الظهر وغيره، فيدخل الظهر ضمنا ولقول الصادق عليه السلام في رواية سدير حين سأله عن الرّجل يقول لامرأته: أنت عليّ كشعر أمي أو ككفها أو كبطنها أو كرجلها: «ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار» (2) وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى، والأولوية واضحة (3).
والأشهر عدم الوقوع بذلك، لأن لفظ الظهر شرط في صحة الظهار بظاهر الآية، لاشتقاقه من الظهر، وصدق المشتق يستلزم صدق المشتق منه، والرواية ضعيفة (4). والأولوية ممنوعة.
__________
(1) نقله عنه في التمهيد: 341.
(2) التهذيب 8: 10باب حكم الظهار حديث 29، الوسائل 15: 517كتاب الظهار باب 9 حديث 2.
(3) المبسوط 5: 149، المغني لابن قدامة 8: 559.
(4) لوقوع سهل بن زياد في طريقها وهو ضعيف، ضعفه النجاشي في رجاله: 132والشيخ في رجاله: 416.(1/435)
ومنها: لو قال: لزيد عليّ ألف، ولعمرو عليّ كما لزيد، فيحتمل وجوب الألف، لدلالة التشبيه عليه. والأقوى الرجوع في تفسير الواجب إليه، لجواز كون التشبيه في أصل الوجوب.
ومثله ما لو أوصى لزيد بشيء، ثم قال: أوصيت لعمرو كما أوصيت لزيد، أو مثل ما أوصيت له به. أما لو قال: بمثل ما أوصيت له به، كان وصية له بمقداره.
ومنها: لو قال لعبده: أنت حر مثل هذا العبد، ففي عتق المشبّه خاصة، أو هو والمشبّه به، أو عدم عتقهما، أوجه، أجودها الأخير لأنه جعل حرية المشبّه كالمشبّه به، والحال أنه ليس بحر، فلم يقع العتق على الأول، لعدم الصيغة الصريحة، ولا على الثاني، لعدم عتقه أصلا وتحمل الحرية في كلامه على حرية الأخلاق ونحوها.
ولو لم يذكر العبد، بل قال: أنت حر مثل هذا، فالأوجه، وأولى بعتق المشبه لو قيل به ثمّ. والأصح أنهما لا يعتقان أيضا.
ووجه وقوعه على المشبه أن قوله: «حر» و «مثل» خبران مستقلان، وصيغة المشبه تامة في العتق، وإنما القصور في المشبه به، إذ يحتمل أنت مثله في الحرية، فلا يقع، وكون الخبر الثاني صيغة أخرى لعتق الثاني، وليس في الكلام تصريح بأنه مثله في الحرية، فلا يقع الثاني خاصة. وهذا متجه، إلا أن قيام الاحتمال يوجب الشك في عتق الأول، وعدم التصريح بصيغة صحيحة للثاني يوجب عدم عتقه كذلك.
فائدة: من مثل زيادتها المشهورة قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1)
عند
__________
(1) الشورى: 11.(1/436)
الأكثر، والتقدير: ليس شيء مثله، إذ لو لم تقدر زائدة صار التقدير: ليس شيء مثل مثله، فيلزم إثبات المثل وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل، لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا، قاله ابن جني (1). ولأنهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا: مثلك لا يفعل كذا، ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته، ولكنهم إذا نفوه، عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه.
وقيل: الكاف في الآية غير زائدة (2)، ثم اختلفوا فقيل الزائد «مثل» كما زيدت في {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مََا آمَنْتُمْ بِهِ} (3). قالوا: وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير، وقرأ ابن عباس: بما آمنتم به (4).
وقيل: الزائد هو الباء في المفعول المطلق، أي إيمانا مثل إيمانكم به، أي بالله سبحانه، أو بمحمد، أو بالقرآن (5).
وقيل: «مثل» للقرآن و «ما» للتوراة، أي فإن آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم (6).
وقيل في الآية الأولى: إنّ الكاف ومثلا لا زائد فيهما، ثم اختلفوا فقيل:
مثل بمعنى الذات، وقيل: بمعنى الصفة (7)، وقيل: الكاف اسم مؤكد بمثل (8) كما عكس ذلك من قال:
__________
(1) الخصائص 2: 284. وكذا نقله عنه في مغني اللبيب 1: 238.
(2) جامع البيان لابن جرير الطبري 25: 9.
(3) البقرة: 137.
(4) تفسير التبيان 1: 484.
(5) إملاء ما منّ به الرحمن 1: 39، تفسير التبيان 1: 483.
(6) الكشاف 4: 213.
(7) الكشاف 4: 215213.
(8) الكشاف 4: 215.(1/437)
فصيّروا مثل كعصف مأكول (1)
وقيل: حرف مؤكد للتشبيه، ووجهه أنك تقول في التشبيه: زيد كعمرو، وزيد مثل عمرو، فإذا أردت المبالغة قلت: زيد كمثل عمرو. ومثله قول الشاعر:
ليس كمثل الفتى زهير ... خلق يوازيه في الفضائل
ويمكن حمله على المعنى الحقيقي، ويلزم منه نفي المثل مطلقا، لأنه إذا انتفى مثل المثل، يلزم انتفاء المثل مطلقا، لأنه لو تحقق المثل في الجملة يلزم أن يكون اللََّه تعالى مثلا لمثله، والتقدير أنّ مثل مثله منتف.
وأما الكاف في الثناء الوارد بعد قراءة التوحيد، وهو قوله: كذلك اللََّه ربي (2). فتحتمل الزيادة أيضا، لأن الموصوف بالصفات المذكورة هو اللََّه لا غيره حتى يشبّه به، والشيء لا يشبّه بنفسه، لأن المشبّه به لا بد أن يكون أبلغ في وجه الشبه من المشبه، والشيء لا يكون أبلغ من نفسه. وتحتمل الأصالة، بناء على أنّ المقول ما أمر به النبي صلى اللََّه عليه وآله من توحيد اللََّه تعالى، فقارئ السورة لا يكون موحدا بمجرّد قراءتها، وإنما هو تال لما أمر به صلى اللََّه عليه وآله في جواب من سأله من المشركين بقولهم: ربك من ذهب أو فضة أو نحاس أو غيرها، فنزل قوله تعالى: قل يا محمد لهم اللََّه أحد إلى آخره (3) فإذا قال القارئ: كذلك اللََّه ربي، فقد وحّد. ويمكن جعلها مؤكدة على هذا التقدير أيضا.
__________
(1) وصدره «ولعبت طير بهم أبابيل» نسب سيبويه هذا البيت لحميد الأرقط في كتابه 1: 203.
(2) الكافي 1: 91باب النية حديث 4، التهذيب 2: 126حديث 481، توحيد الصدوق: 3284، الوسائل 4: 754أبواب القراءة باب 20حديث 1، 2.
(3) الدر المنثور 6: 410، تفسير النيشابوري 30: 302.(1/438)
قاعدة «156» اللام المفردة الجارة تقع لمعان تنيف عن العشرين،
والغرض منها هنا أمور:
أحدها: الاستحقاق، وهي الواقعة بين معنى وذات، نحو: الحمد لله، والملك له.
والثاني: الاختصاص، نحو: الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، والسرج للدابة، والجبة للعبد ونحوه {فَإِنْ كََانَ لَهُ إِخْوَةٌ} (1).
والثالث: الملك، نحو {لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} * (2).
وبعضهم يستغني بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الأخيرين، ويمثّل له بالأمثلة المذكورة أو نحوها.
ورجحه ابن هشام بأن فيه تقليلا للاشتراك، وأنه إذا قيل: هذا المال لزيد والمسجد، لزم القول بأنها للاختصاص، مع كون زيد قابلا للملك، لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه دفعة. وأكثرهم يمنعه (3).
والرابع: التمليك، كقوله: وهبت لزيد دينارا.
والخامس: شبه التمليك، نحو {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوََاجاً} * (4).
والسادس: التعليل، كقوله تعالى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (5) أي من
__________
(1) النساء: 11.
(2) النساء: 171.
(3) شرح الكافية للرضي 2: 328.
(4) النحل: 72.
(5) العاديات: 8.(1/439)
أجل حب المال لبخيل، وقوله تعالى {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ} (1).
إذا تقرر ذلك فيتفرع عليه فروع كثيرة:
منها: الخلاف الواقع في عقر الأمة الزانية بغير إذن مولاها، هل يستحقه مولاها على الواطئ؟ فقيل: لا (2)، لعموم قوله صلى اللََّه عليه وآله «لا مهر لبغي». وهذه بغية. والحق ثبوته، لأنه عوض منفعة مملوكة للغير، مستوفاة بغير إذنه، متقومة بالمال ولا دلالة في الخبر على نفيه من وجهين:
أحدهما: من جهة اللام، فإنه إما للملك، أو الاختصاص، أو الاستحقاق، والكل منتف عن الأمة، لأنها لا تملك، ولا تستحق، ولا تختص، وإنما المتصف بأحدها مولاها، فلا ينافي ذلك اختصاصه واستحقاقه وملكه والخبر إنما يدل على حكم الحرة البغي، لما ذكرناه من قبولها لأحد الثلاثة. وليس اختصاص الأمة بالمهر على حد اختصاص العبد بالجبة، والفرس بالسرج، إذ لا تعلّق للأمة به أصلا ولا مطالبة، ولا يجوز أداؤه إليها، ولا مدخل ليدها فيه، بخلاف ما ذكر من الأمثلة.
والثاني: من جهة قوله «مهر» فإنه مختص بالحرة اصطلاحا، وأما عوض وطء الأمة، فلا يطلق عليه اصطلاحا اسم المهر، وإنما يطلق عليه العقر أو العشر أو نصفه أو نحو ذلك، ومن ثم سميت الحرة مهيرة.
ومن الفروع الشهيرة: لو تزوجها على أنها بنت مهيرة، فظهرت بنت أمة، والمهيرة فعيلة بمعنى المفعول، أي الممهورة.
ومنها: لو قال: له عندي شيء، ثم فسّره بالخمر والخنزير، فإن كان المقرّ له كافرا يمكن تملكه لهما، قبل التفسير بهما، وإن كان مسلما قيل: لا يقبل،
__________
(1) النحل: 44.
(2) تحرير الأحكام 2: 22، إيضاح الفوائد 3: 141.(1/440)
لإفادة اللام الملك، والمسلم لا يملكهما (1).
وفيه نظر، لإمكان كونها للاختصاص، أي مختصة به، وغايتها أنها مشتركة، فيلحق بالإقرار المجهول، فيرجع في تفسيره إليه حيث يحتمله اللفظ ويمكن اختصاص المسلم بالخمر، بأن يكون محرزا له لأجل التخليل، وكذا الخنزير على بعض الوجوه.
والعلامة حكم في التذكرة (2) بصحة التفسير بهما، محتجا بأنه شيء مما عنده، مع جزمه في القواعد بعدمه، محتجا بلام الملك (3). وما عللنا به أوضح، خصوصا في الخمر.
ومنها: لو قال: له عليّ ألف من ثمن خمر أو خنزير، أو ثمن مبيع هلك قبل قبضه، أو ثمن مبيع فاسد ونحو ذلك لم يقبل، لدلالة اللام على خلاف ما يدعيه أخيرا، فيكون معقبا للإقرار بما ينافيه، فلا يسمع المنافي.
ومنها: الخلاف الواقع بين العلماء في وجوب صرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية، أو جواز تخصيص بعضهم، وسببه دعوى دلالة اللام ظاهرا على الملك الموجب للبسط عليهم على السوية، والاستحقاق كذلك.
وفيه نظر، لأن الحمل على الملك غير لازم، والاستحقاق والاختصاص لا يفيدان المطلوب. ومن ثمّ ذهب أصحابنا وجماعة من غيرهم (4) إلى أنّ
__________
(1) المبسوط 3: 5، شرائع الإسلام 3: 692.
(2) التذكرة 2: 152.
(3) قواعد الأحكام 1: 279.
(4) منهم الشيخ في المبسوط 1: 245، والعلامة في تحرير الأحكام 1: 70، وابن قدامة في المغني 2: 529، والزمخشري في الكشاف 2: 282.(1/441)
الآية لبيان المصرف، بمعنى بيان أنّ الصدقة لا تخرج عنهم، بقرينة سياق الآية من دفع عتب من عتب على النبي صلى اللََّه عليه وآله في شأنها، ولمزه فيها (1). ولأن في الرقاب ليس فيه ما يقضي الملك، ولا قائل بالفرق.
فائدة: لام الجر أصلها الفتح، وإنما كسرت مع الاسم الظاهر،
نحو لزيد ولعمرو، مناسبة لعملها. ويدل عليه فتحها مع المضمر، نحو لنا ولكم ولهم، والإضمار يرد الشيء إلى أصله.
ويستثني من ذلك لام المستغاث المباشر لياء مفتوحة، نحو: يا لله.
وأما قراءة بعضهم (2): الحمد لله، بضم اللام، فهو عارض للاتباع. ومع ياء المتكلم فمكسورة.
إذا تقرر ذلك فمن فروعه:
ما إذا ادعى عليه شيئا فقال: ماله عليّ حق، فإن فتح كان منكرا، وإن ضم وكان ممن يحسن العربية لزمه، وإلا فلا.
ولكن هل يلزمه الحق المدعى أم مال في الجملة، ويرجع في تفسيره إليه؟
قال بعضهم بالأول، إما لأنه المحدّث عنه، أو لأن المفرد المضاف يعم، فلا أقل من أن يتناول المدعى.
ويحتمل الثاني، لقيام الاحتمال، واشتراك اللفظ، وأصالة البراءة من الزائد عما يفسر به.
ومثله ما لو سمع منشدا لمال ضائع فقال له: مالك عندي، فإنه يكون إقرارا بوصوله إليه. وأولى منه ما لو قال: في يدي أو في ذمتي، ونحو ذلك.
__________
(1) تفسير التبيان 5: 242، تفسير الطبري 10: 108، الكشاف 2: 281.
(2) حكاها عن ابن أبي عبلة في مغني اللبيب 1: 274.(1/442)
القسم الثاني: حروف العطف
قاعدة «157» واو العطف: تفيد مطلق الجمع، من غير ترتيب، ولا معية، وإن كثر فيها الترتيب.
وقيل عكسه (1).
ومما عطفت فيه الشيء على مصاحبه {فَأَنْجَيْنََاهُ وَأَصْحََابَ السَّفِينَةِ} (2) وعلى سابقه {أَرْسَلْنََا نُوحاً وَإِبْرََاهِيمَ} (3) وعلى لاحقة {كَذََلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} (4).
وإذا قيل: قام زيد وعمرو، احتمل الثلاثة.
ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب وتراخ كما في {إِنََّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجََاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (5).
__________
(1) نقله عن ابن مالك وقطرب وربعي والفراء في مغني اللبيب 1: 463.
(2) العنكبوت: 15.
(3) الحديد: 26.
(4) الشورى: 3.
(5) القصص: 7.(1/443)
هذا هو المختار عند أكثر المحققين (1) بل ادّعي عليه الإجماع (2).
وذهب بعض البصريين وجماعة من الكوفيين، منهم الفراء، ونقل عن الأخفش والكسائي وثعلب والربعي وابن درستويه (3)، وبعض الفقهاء أنها تفيد الترتيب (4).
وقد تخرج عن إفادة مطلق الجمع، وذلك على أوجه:
أحدها: بمعنى «أو» كقولنا: الكلمة اسم وفعل وحرف، وهي التقسيمية. وبمعناها في الإباحة، ك: جالس الحسن وابن سيرين. وبمعناها في التخيير نحو:
وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكاء (5)
الثاني: بمعنى باء الجر نحو: أنت تعلم ومالك، أي بمالك.
والثالث: بمعنى لام التعليل مثل {يََا لَيْتَنََا نُرَدُّ وَلََا نُكَذِّبَ} (6).
والرابع: بمعنى واو الاستئناف نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فيمن رفع. والخامس: بمعنى واو المفعول معه، ك: سرت والنيل.
والسادس: واو القسم، ولا تدخل إلا على مظهر، ولا تتعلق إلا بمحذوف نحو {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (7)، فإن تلتها واو أخرى فالثانية للعطف، وإلا لاحتاج كل إلى جواب نحو {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} (8).
__________
(1) منهم الآمدي في الإحكام 1: 96، والرازي في المحصول 1: 160، شرح الكافية 2: 336.
(2) نقله عن السيرافي في المغني 1: 464، وعن الفارسي في التمهيد: 209، والمحصول 1: 160.
(3) المغني لابن هشام 1: 464، التمهيد للأسنوي: 209.
(4) الناقل هو الماوردي في الحاوي كما في التمهيد: 209.
(5) قائله كثير عزة، وهو في ديوانه 2: 251.
(6) الأنعام: 27.
(7) يس: 2.
(8) التين: 1.(1/444)
والسابع: واو ربّ، ولا تدخل إلا على منكر.
والثامن: الزائدة، مثل {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا} (1).
والتاسع: واو الثمانية، مثل {سَبْعَةٌ وَثََامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} (2).
والعاشر: واو الوقت، وتقرب من واو الحال، مثل: اعمل وأنت صحيح، وواو الحال مثل: أتيته والشمس طالعة.
ذكر نحو ذلك في القاموس، وزاد في معانيها إلى نحو من سبعة وعشرين معنى (3)، ذكرنا منها ما يناسب المقام. وأنكر في المغني واو الثمانية غاية الإنكار (4).
ومعنى قولهم: الواو لمطلق الجمع: أنه يجمع بها بين أمرين في ثبوت، نحو: ضرب زيد وأكرم عمرو، وفي حكم، نحو: ضرب زيد وعمرو، وفي ذات، نحو: ضرب وأكرم زيدا.
إذا علمت ذلك فالظاهر عند الإطلاق والتجرّد عن القرائن الدالة على أحدها حملها على الجمع مطلقا، كما قررناه، لمبادرة الذهن إليه عند إطلاق قولك: جاء زيد وعمرو، وأكرمت خالدا وبكرا، ونحو ذلك.
ويتفرّع عليه أمور:
منها: ما لو قال: بعتك الدار والثوب بكذا، فإنه يحمل على بيع الاثنين معا، دون أحدهما، وغيره، مما يحتمله اللفظ من معانيها، ويوزع الثمن عليهما بنسبة القيمتين. وكذا لو قال: بعتك الدار بألف درهم ومائة دينار، ونحو ذلك.
ومنها: لو قال: وكلتك في بيع الدار والثوب، أو في شرائهما، فيصح له
__________
(1) الزمر: 73.
(2) الكهف: 22.
(3) القاموس المحيط 4: 416.
(4) مغني اللبيب 1: 474.(1/445)
بيع كل واحد منهما، وبيعهما معا، وشراؤهما كذلك، على الجمع والتفريق، مقدما لكل منهما.
ومنها: لو قال لزوجته: إن دخلت الدار وكلمت زيدا، فأنت عليّ كظهر أمي، فلا بدّ من اجتماع الشرطين، ولا فرق بين أن يتقدم الكلام على الدخول، أو يتأخر عنه. ويجيء على القول بإفادتها الترتيب اشتراط تقدّم المذكور أولا.
ومنها: إذا أوصى في مرض موته بعتق سالم وغانم، وضاق الثلث عنهما، فإن جعلنا الواو للترتيب، فلا إشكال في تقديم الأول، وإلا احتمل تساويهما، فيعتق من كل منهما بحساب ما يخصّه من الثلث، والأقوى تقديم الأول مطلقا.
ومنها: إذا قال لوكيله خذ مالي من زوجتي وطلّقها، فعلى الترتيب لا بد من أخذ المال منها قبل الطلاق. وإلا فوجهان، من عدم اقتضاء الصيغة ترتيبا، ومن أنه هنا احتياط، لاحتمال إنكارها بعد الطلاق، والاحتياط في مال الموكّل واجب على الوكيل، إذا لم يكن في لفظ الموكل ما ينفيه.
ولو قال: طلّقها وخذ مالي منها، لم يشترط تقديم الأخذ، مع احتماله للاحتياط، وفي وجوبه مطلقا نظر. والعمل بمقتضى دلالة اللفظ حيث لا يدل العرف على خلافه قوي.
ومنها: لو قال: خذ هذا وديعة يوما، وعارية يوما، قيل: هو وديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني، ثم لا يعود وديعة أبدا، لتعليق الوديعة في اليوم الثالث على شرط فتبطل.
بخلاف ما إذا قال: خذه وديعة يوما وغير وديعة يوما، فإنه يكون وديعة أبدا، كذا نقله العلامة في التذكرة عن الشافعية، وحكم بموجبة (1). وتنزيله على القاعدة مشكل.
__________
(1) التذكرة 2: 199، وهو في التمهيد: 211.(1/446)
فائدة: ذكر جماعة من النحاة منهم ابن مالك في شرح التسهيل في الكلام على تثنية المشترك وجمعه:
أنّ واو العطف بمثابة ألف التثنية مع الاثنين، وبمثابة واو الجمع مع الثلاثة فصاعدا، حتى يكون قول القائل: قام الزيدان كقوله: قام زيد وزيد.
ويتفرع على ذلك أمور:
منها: ما لو قال: بعتك هذا وهذا بكذا، فإنه لا فرق بينه وبين قولك:
بعتك هذين بكذا. وكذا غيره من العقود، كرهنتك، أو أجّرتك، أو أقرضتك هذا وهذا وكذلك الفسوخ.
ويشكل ذلك بما مر من وصية المريض بعتق سالم وغانم، حيث حكموا بعتق الأول خاصة حيث يضيق الثلث عنهما، بخلاف ما لو قال: أعتقوا هذين، أو أعتقهما منجزا كذلك، فإنه يقرع بينهما، أو يتحرر من كل واحد جزء.
وكذا يشكل بما لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، فإنها تطلق واحدة عندنا (1)، ويلغو الزائد، ويقع الجميع عند العامة (2) بخلاف ما لو قال: أنت طالقتان، أو طوالق، فإنه لا يقع عندنا، لمخالفته الصيغة المنقولة شرعا (3).
وعندهم يقع واحدة خاصة (4).
ومنها: لو قال: له علي درهم ودرهم ودرهم، فيلزمه ثلاثة لما ذكر، إلا أن يقول: أردت بالثالث تأكيد الثاني، فيقبل، ويلزمه درهمان. ولو قال:
أردت بالثاني تأكيد الأول لم يقبل، لأن التأكيد اللفظي يشترط فيه اتحاد اللفظ،
__________
(1) المبسوط للشيخ الطوسي 5: 58، مختلف الشيعة: 586.
(2) المبسوط للسرخسي 6: 133، المغني لابن قدامة 8: 401، شرح فتح القدير 3: 392.
(3) المختلف: 586.
(4) نهاية المحتاج 6: 426، التمهيد للأسنوي: 213، ونقله عن القفال.(1/447)
والثاني والثالث متفقان فيه، بخلاف الأول.
ولو قال: له عليّ درهم ودرهم ودرهم إلا درهما، ففيه وجهان، أحدهما: أنا نجمع هذا المفرق ويصح الاستثناء، فكأنه قال: عليّ ثلاثة دراهم إلا درهما.
والثاني: أن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة، فيبطل الاستثناء. لكونه مستغرقا. وهذا مما تخالف فيه واو العطف ألف التثنية وواو الجمع، فإنه لو قال:
له درهمان إلا درهما، صح قولا واحدا، إلا عند من لا يجوّز استثناء المساوي والأكثر.
ويأتي الخلاف فيما إذا كان المستثنى منه مجموعا والاستثناء مفرغا، كقوله: له عليّ ثلاثة إلا درهمان ودرهم. فإن جمعنا أبطلنا، لصيرورته مستغرقا وإن لم نجمع صححنا الاستثناء في درهمين وأبطلناه في الثالث، لحصول الاستغراق.
ومثله ما لو قال: له درهمان ودرهمان إلا درهمين، أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين، أو ثلاثة وثلاثة إلا ثلاثة، ونحو ذلك، وهذا كله يخالف القاعدة.
ومنها: لو قال: بعتك بدرهم ودرهم، صحّ البيع بدرهمين، لأنه في معناه، كما لو قال بدرهم وثوب مخصوص، ونحو ذلك.
ومنها: لو أكرهه على طلاق حفصة مثلا، فقال لها ولعمرة: أنتما طالقتان، فقيل: إنهما تطلّقان، لأنه عدل عن المكره عليه، فأشعر بالاختيار.
بخلاف ما لو قال: حفصة طالق وعمرة طالق، فإن المكره عليها لا تطلّق، وتطلّق الأخرى.
ويحتمل وقوع الطلاق بهما في الصورتين، للعدول عن الوجه المكره عليه، كما لو أكرهه على طلاق حفصة، وطلّق عمرة، فعلى الأول يخالف القاعدة، وعلى الاحتمال لا.(1/448)
فائدة: الواو العاطفة يجوز حذفها إذا دلّ عليها دليل،
على ما ذكره جماعة (1)، منهم الفارسي وابن عصفور وابن مالك. واستدلوا بقول العرب: أكلت لحما سمكا تمرا، وخرّجوا عليه قوله تعالى في سورة الغاشية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خََاشِعَةٌ عََامِلَةٌ} ثم قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاعِمَةٌ} (2). أي ووجوه، وذهب ابن جني والسهيلي إلى منع ذلك في غير الشعر (3).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما إذا قال مثلا: بعتك عبدي سالما غانما بألف، أو زوجتك بنت عمّي فلان بنت خالتي فلانة، ونحو ذلك من العقود، مريدا العطف، فإنه يصح. ولو كان العقد مما يستقل به الشخص كالوقف والعتق والطلاق اتجه الرجوع إليه فيه.
قاعدة «158» الفاء العاطفة تفيد ثلاثة أمور:
أحدها: الترتيب المعنوي،
ك: قام زيد فعمرو أو الذكري، فهو عطف مفصل على مجمل، نحو {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطََانُ عَنْهََا فَأَخْرَجَهُمََا مِمََّا كََانََا فِيهِ} (4) {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى ََ أَكْبَرَ مِنْ ذََلِكَ فَقََالُوا أَرِنَا اللََّهَ جَهْرَةً} (5) {وَنََادى ََ نُوحٌ رَبَّهُ فَقََالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (6) ونحو: «توضأ فغسل وجهه
__________
(1) نقله عن سعيد بن أوس الأنصاري والأخفش الأوسط في مغني اللبيب 2: 831.
(2) الغاشية: 2.
(3) أمالي السهيلي: 103.
(4) البقرة: 36.
(5) النساء: 151.
(6) هود: 45.(1/449)
ويديه ومسح رأسه ورجليه».
وقال الفراء: لا تفيد الترتيب مطلقا (1). وهذا مع قوله السابق: إن الواو تفيد الترتيب، غريب. واحتج بقوله تعالى {أَهْلَكْنََاهََا فَجََاءَهََا بَأْسُنََا بَيََاتاً أَوْ هُمْ قََائِلُونَ} (2).
وأجيب بأن المعنى: أردنا إهلاكها، كقوله تعالى {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} (3) أو أنها للترتيب الذكري (4).
وقال الجرمي (5): لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الأمطار، بدليل قوله: بين الدخول فحومل (6).
وقولهم: مطرنا مكان كذا فمكان كذا، وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.
وثانيها: التعقيب،
وهو في كل شيء بحسبه، فيقال: تزوّج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن طالت ودخلت البصرة فبغداد، إذا لم يقم في البصرة، ولا بين البلدين.
ومنه قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} (7).
__________
(1) معاني القرآن 1: 371.
(2) الأعراف: 4.
(3) النحل: 98، المائدة: 6.
(4) نقل قول الفراء والجواب عنه في مغني اللبيب 1: 214.
(5) نقله عنه في مغني اللبيب 1: 214.
(6) جاء هذا في مطلع معلقة إمرئ القيس وتمامه «قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل بسقط اللوى.». انظر ديوان إمرئ القيس: 143، وشرح الزوزني: 79. وسقط اللوى والدخول وحومل أسماء مواضع.
(7) الحج: 63.(1/450)
وقيل: الفاء هنا للسببية، وهي لا تستلزم التعقيب، بدليل صحة قولك:
إن يسلم فهو يدخل الجنة، مع ما بينهما من المهلة (1).
وقيل: تقع الفاء بمعنى «ثم» كما في قوله تعالى {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظََاماً فَكَسَوْنَا الْعِظََامَ لَحْماً} (2) لتراخي ما بين معطوفاتها.
وبمعنى الواو، كقوله: بين الدخول فحومل (3).
وثالثها: السببية،
وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة (4). فالأوّل نحو {فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ عَلَيْهِ} {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ فَتََابَ عَلَيْهِ} (5). والثاني نحو {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمََالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشََارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} (6).
وقد تجيء في ذلك (7) لمجرد الترتيب، نحو {فَرََاغَ إِلى ََ أَهْلِهِ فَجََاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هََذََا فَكَشَفْنََا عَنْكَ غِطََاءَكَ} (8).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه أمور:
منها: إذا قال: إن دخلت الدار فكلّمت زيدا فأنت عليّ كظهر أمي، اشترط تقديم الدخول على الكلام. وفي اشتراط اقترانه بالكلام، أم يكفي تراخيه، وجهان مرتبان، والأجود عدم اشتراطه.
ومنها: إذا قال: بعتك بدرهم فدرهم، انعقد البيع بدرهمين، كما لو
__________
(1) القاموس المحيط 4: 412. (الفاء)
(2) المؤمنون: 14.
(3) القاموس المحيط 4: 412. (الفاء)
(4) في «د»، «م»: صلة.
(5) القصص: 15، البقرة: 37.
(6) الواقعة: 5553.
(7) في «د»: وقد يجيء ذلك.
(8) الذاريات: 26، ق: 22.(1/451)
عطف بالواو. ويحتمل هنا عدم الانعقاد، لاقتضاء الفاء كون السابق ثابتا قبل اللاحق، والثمن يثبت جملة. ويضعف بالحمل على التعقيب الذكري خاصة.
ومنها لو قال: له عليّ درهم فدرهم، فإنه يلزمه درهمان، حملا على الغالب من العطف. ولو قال: أردت فدرهم لازم، قبل بيمينه لو خالفه المقرّ له.
وقيل: يلزمه واحد مطلقا، لأن احتمال إرادة ذلك يوجب سقوط الجزم بالإقرار بالدرهم الثاني، إلا أن يصرّح بإرادة العطف المغاير، والأول أقوى.
فائدة: ظاهر كلام النحاة وبه صرّح ابن مالك في التسهيل (1) وغيره (2) أن الفاء الداخلة على خبر المبتدأ
كقولك: الّذي يأتيني فله درهم، أو كل رجل يأتيني فله درهم، وما أشبه ذلك مشعر باستحقاق ذلك بالإتيان، بخلاف حذفها، فإن الكلام حينئذ يدل على مجرد الإخبار من غير استناد إلى الإتيان، وكذلك إذا وقعت بعد «من» شرطية كانت أم موصولة.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه:
عدم استحقاق الجعل في هذه الحالة، إذا صدر ذلك من المالك بغير الفاء، وكلام الأصحاب يشعر بذلك أيضا، فإنهم ضبطوا الإيجاب بقولهم في الصيغة الدالة على الإذن في العمل بعوض يلتزمه. وقد ذكر أهل اللسان أن حذف حرف الفاء لا يدل على الالتزام، ولما مثلوه قرنوه بالفاء، فدل على ما قلناه.
ويحتمل الاجتزاء به، خصوصا إذا دلّ العرف عليه، لأن الجعالة من العقود الجائزة، التي يكفي في ثبوتها ما دل من الألفاظ عليها عرفا، وإن لم يكن على النهج العربي، وهذا متجه.
__________
(1) التسهيل: 51.
(2) مغني اللبيب 1: 219.(1/452)
فائدة فاء الجزاء كقولك: من يقم فإني أكرمه، هل تدل على التعقيب، كما تدل عليه لو كانت لمجرد العطف،
فيه مذهبان.
ومن فوائد الخلاف: استتابة المرتد، فإنه صلى اللََّه عليه وآله قال: «من بدّل دينه فاقتلوه» (1). فإن جعلناها للتعقيب كانت دليلا على عدم الوجوب، وإلا فلا، وهذا الخلاف يجري بين العامة، نظرا إلى مجرد الحديث، وأما عندنا فالمروي استتابة الملّي دون الفطري (2).
قاعدة «159» «ثمّ» من حروف العطف، ويجوز إبدال ثائها فاء،
كقولهم في جدث:
جدف (3)، وأن تلحق آخرها تاء التأنيث، متحركة تارة، ساكنة أخرى. وهي تفيد الترتيب لكن بمهلة، وقد تستعمل أيضا للترتيب بلا مهلة كالفاء. وقال الفراء والأخفش وقطرب: إنها لا تدل على الترتيب بالكلية (4).
والحاصل أنها تقتضي على المشهور ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة. وفي كل منها خلاف.
فأما التشريك: فزعم الأخفش والكوفيون أنها تقع زائدة، فلا تكون عاطفة البتة، وحملوا على ذلك قوله تعالى:
__________
(1) صحيح البخاري 4: 74باب لا يعذّب بعذاب اللََّه، سنن النسائي 7: 104كتاب تحريم الدم، سنن ابن ماجة 2: 848باب المرتد حديث 2535.
(2) الوسائل 18: 545أبواب حد المرتد باب 1حديث 2، 3، 5.
(3) لاحظ المصباح المنير: 92، (جدث) وجعلها لغة نجد.
(4) نقله في التمهيد: 216.(1/453)
{حَتََّى إِذََا ضََاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمََا رَحُبَتْ} إلى قوله {ثُمَّ تََابَ عَلَيْهِمْ} (1). وأجيب بتخريجها على تقدير الجواب (2).
وأما الترتيب: فخالف فيه من ذكر، تمسكا بقوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهََا زَوْجَهََا} (3) {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسََانِ مِنْ طِينٍ}
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلََالَةٍ مِنْ مََاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوََّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} (4) {ذََلِكُمْ وَصََّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنََا مُوسَى الْكِتََابَ} (5). وقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده (6)
وأجيب عن الآية: بأنّ العطف على محذوف، أي: من نفس واحدة، أنشأها ثم جعل منها زوجها، أو أن الذرية محمولة في ظهر آدم كالذر، ثم خلقت حواء من قصيراه أو أن خلق حواء من آدم لما لم تجر العادة بمثله، جيء بثم، إيذانا بترتبه وتراخيه في الإعجاب، وظهور القدرة، لا لترتيب الزمان وتراخيه أو إنه لترتيب الإخبار كما يقول: أعجبني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: أخبرك أنّ الّذي صنعت أمس أعجب.
والأجوبة السابقة أنفع من هذا، لأنها تصحح (الترتيب والمهلة، وهذا يصحح) (7) الترتيب فقط، إذ لا تراخي بين الإخبارين، ولكن (8) الجواب
__________
(1) التوبة: 118.
(2) نقل زعم الأخفش والكوفيين والجواب عن حملهم في مغني اللبيب 1: 158.
(3) الزمر: 6.
(4) السجدة: 97.
(5) الأنعام: 153.
(6) البيت لأبي نواس «الحسن بن هاني» والموجود في ديوانه: 493:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ... قبله ثم قبل ذلك جده
(7) ما بين القوسين ليس في «م».
(8) في «م»: وكذا.(1/454)
الأخير أعم، لأنه يصح أن يجاب به عن الآية الأخيرة والبيت (1).
وأجيب عن الآية الثانية أيضا: بأن «سوّاه» عطف على الجملة الأولى لا الثانية. وعن البيت: بأن السؤدد، قد يأتي للأعلى من الأدنى (2) كما قيل:
وكم أب قد علا بابن ذرى حسب ... كما علت برسول اللََّه عدنان (3)
وأما المهلة: فزعم الفراء أنها تتخلف، للآية الأخيرة، وقولهم: أعجبني إلى آخره (4). وقد تقدمكم جوابه.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه أمور:
منها: إذا قال لوكيله: بع هذا ثم هذا، ونحو ذلك.
ومنها: في الوقف، إذا قال: وقفت على زيد ثم عمرو، أو قال:
أوصيت إلى زيد ثم عمرو، فلا بدّ من الترتيب.
وقياس كونها للانفصال: أن لا يصح تصرّف الوكيل والوصي متصلا بولاية الأول، وأن يكون الوقف منقطعا في لحظة، ويشكل على القول ببطلان المنقطع. والأولى حمل «ثم» هنا على معنى الفاء، كما تقدم في عكسه (5).
ومنها: لو قال لوكيله: طلّق زوجتي ثم خذ مالي منها، وقد قال بعضهم هنا: إنه يجوز تقديم أخذ المال، لأنه زيادة خير، خلاف القاعدة (6).
وفيه نظر، لأنه ممنوع من القبض قبل ذلك، وزيادة الخير إنما تسوغ للوكيل إذا لم يصرح الموكّل بخلافه، كما لو قال: بعه بمائة، ولا تبعه بزيادة
__________
(1) مغني اللبيب 1: 159.
(2) نقله عن ابن عصفور في مغني اللبيب 1: 160.
(3) القائل هو ابن الرومي، وهو علي بن العباس بن جريج (283هـ) شاعر كثير الهجاء والتشاؤم، نقله في المغني 1: 160.
(4) نقله عنه في المغني 1: 160.
(5) ص 451، قاعدة 158.
(6) نقله عن الرافعي في التمهيد: 217.(1/455)
عليها، فإنه لا يبيع بذلك، وإن كان فيه زيادة خير.
نعم لو استفيد ذلك من القرائن العرفية أمكن الرجوع إليه لذلك، لكنه بعيد.
ومنها: ما لو قال لعبده: إن صمت يوما ثم يوما آخر فأنت حر، على جهة النذر، فمقتضى القاعدة: أنه لا يكفي اليوم الّذي بعد الأول، لأنه متصل به، إذ الليل لا يقبل الصوم، فلا بدّ من الفصل بيوم، لتتميز «ثم» عن «الواو» ويحتمل الاكتفاء بذلك، لصدق الانفصال في الجملة.
قاعدة «160» «أو» حرف عطف،
ويقع لمعان:
منها: التخيير، وهي الواقعة بعد الطلب، وقبل ما يمتنع فيه الجمع، نحو: تزوج هندا أو أختها، وخذ من مالي درهما أو دينارا.
ومنها: الإباحة، وهي الواقعة بعد الطلب، وقبل ما يجوز فيه الجمع، نحو: جالس العلماء أو الزهاد، وتعلّم الفقه أو النحو.
وإذا دخلت «لا» الناهية امتنع فعل الجميع نحو {وَلََا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} (1) إذ المعنى، لا تفعل أحدهما. وكذا حكم النهي الداخل على التخيير، كذا قاله في الارتشاف والمغني (2). وقال ابن كيسان: لا يلزم ذلك، بل يحتمل الجميع والبعض.
إذا علمت ذلك، فمن فروعه:
ما إذا قال: واللََّه لا أدخل هذه الدار أو هذه، فأيتهما دخل حنث على
__________
(1) الإنسان: 24.
(2) المغني 1: 88.(1/456)
الأول بخلاف الداخلة بين إثباتين، فإنها تقتضي ثبوت أحدهما، حتى إذا قال: لأدخلن اليوم هذه الدار أو هذه، فيبر بدخول إحداهما.
وعلى قول ابن كيسان إذا دخلت بين نفيين كفى للبرّ أن لا يدخل واحدة، ولا يضر دخول الأخرى، كما تكفي الواحدة في ظرف الإثبات.
وعلى الأول لو دخلهما هل تلزمه كفارة أو كفارتان؟ المتجه الأول، لأنها يمين واحدة، كما لو قال: واللََّه لا أدخل (1) كل واحدة منهما، وينحلّ اليمين بالدخول الأول. ومثله ما لو حلف لا يطأ واحدة منهما، أو لا يأكل لحما أو خبزا ونحو ذلك.
هذا كله إذا لم يقصد أحد الأمرين، وإلا تعين ما قصده.
ومنها: ما لو قال: بع هذا أو هذا، ثم نهى عنه باللفظ المذكور، أو أبحت لك هذا أو هذا فخذ أيهما شئت، ثم نهى عنه بهذه الصيغة أو قال لعبده: خط هذا القميص أو ذاك، ثم قال: لا تخط ذا أو ذاك، أو أمر الخياط كذلك ثم نهاه. فيبني استحقاقه الأجرة على ما فعل وعدمه على القولين.
ومن فروع التخيير فيما يمتنع فيه الجمع: إيتاء الكفارة والفدية، فإنه يمتنع الجمع بين الخصال الثلاث، وبين الصيام والصدقة والنسك على وجه الكفارة والفدية (2). وإن أمكن الجمع بينها قربة مستقلة، فلو نوى بالثانية الكفارة أو الفدية لم يجز.
ومن معاني «أو» الجمع المطلق كالواو، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي (3). ومنه قول النابغة:
__________
(1) في «ح»: لأدخل.
(2) في «ح» زيادة: فإنه يمتنع الجمع به.
(3) نقل قولهم في المغني 1: 88.(1/457)
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد (1)
ومنه «أو» في قوله تعالى {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبََائِكُمْ} (2) الآية، فيصح الأكل من بيوت الجميع على الجمع.
وزعم ابن مالك أن «أو» التي للإباحة حالّة في محل الواو (3). وذكر الزمخشري عند الكلام على قوله تعالى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} ما يؤيد ذلك، فقال: إن «أو» تأتي للإباحة نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، وإنه إنما جيء بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الإباحة في {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ} (4) (5). وأنكر ذلك كله ابن هشام في المغني (6). ثم اعترف به في حواشي التسهيل، وعليه يتفرع ما ذكرناه في الآية وغيرها.
ومن معانيها أيضا: التقسيم، كقولهم: الكلمة اسم أو فعل أو حرف، والطهارة: وضوء أو غسل أو تيمم، سواء كان الكلام خبرا أم إنشاء، تعليقا كان أم تخييرا.
ومن فروعه:
ما إذا قال: إن دخلت الدار أو كلّمت زيدا فأنت عليّ كظهر أمي، فيقع بأيهما وجد، أو علّق الإيلاء منها على أحدهما كذلك، لو قلنا بصحة الإيلاء المعلق، لكن هنا تنحل اليمين بأيهما، فلا يلزم بالآخر شيء.
ومنها: لو قال: أنت طالق وهذه أو هذه، ولم يشترط تعيين المطلقة، رجع إلى قصده، فإن أراد ضم الثانية إلى الأولى فهما حزب، والثالثة حزب،
__________
(1) هذا البيت في ديوان النابغة: 45، و «قالت» يعود إلى زرقاء اليمامة.
(2) النور: 61.
(3) التسهيل: 176.
(4) البقرة: 196.
(5) الكشاف 1: 241.
(6) المغني 1: 88.(1/458)
والطلاق مردد بين الأولتين والثالثة، فإن عيّن الثالثة طلّقت وحدها، وإن عيّن الأولتين أو إحداهما طلقتا. وإن ضم الثانية إلى الثالثة وجعلهما حزبا والأولى حزبا، طلّقت الأولى وإحدى الأخيرتين. وهذا الضم والتحزيب يعرف من قرينة الوقفة والنغمة. فإن لم تكن قرينة وتعذر الرجوع إليه في التفسير، فمقتضى الواو الجمع بين الأولى والثانية في الحكم، فيجعلا حزبا والثالثة حزبا.
هذا إذا كان عارفا بالعربية، ولو كان جاهلا طلّقت الأولى بيقين (1) وتخيّر بين الأخيرتين أو وقع الاشتباه فيهما.
ولو انعكس فقال: هذه طالق أو هذه وهذه، قيل: طلقت الثالثة، ويعيّن من شاء من الأولى والثانية. وهو يتم إن قصد عطف الثالثة على إحداهما، فلو قصده على الثانية عين الأولى أو الثانية والثالثة، ولو مات قبل التعيين أقرع.
ولو قيل لا يقع الطلاق على غير من واجهها بالصيغة، دون من عطفها كان حسنا.
ومنها: لو قال: بع هذا العبد أو ذاك، قيل: لا يصح التوكيل (2)، حملا ل «أو» على التقسيم أو الشك، كقوله تعالى {لَبِثْنََا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} * (3)، أو الإبهام كقوله تعالى {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} (4)، والشاهد في «أو» الأولى.
ويحتمل الصحة، حملا لها على التخيير أو الإباحة، فيكون كقوله: بع أحدهما. وحملها على الشك بعيد، لأنه إنما يتجه ويظهر في شيء وقع.
ويمكن أن يقال: اشتراكها بين المعاني المتباينة الدال بعضها على صحة التوكيل، وبعضها على بطلانه، يوجب عدم الصحة، للشك في إرادة أيّهما.
__________
(1) في غير «د»: بتعين
(2) المبسوط 1: 392.
(3) الكهف: 19.
(4) سبأ: 24.(1/459)
نعم لو دلّت القرينة على إرادة بعضها فلا إشكال في الحمل عليه والعمل بمقتضاه، من صحة أو بطلان.
ومنها: لو قال: بعتك بدرهم أو دينار ونحوه، فإن أراد الجمع فلا إشكال في الصحة، كما لا إشكال في البطلان لو أراد أحدهما لا بعينه، إما بجعله مخيرا أو مشكوكا فيه ونحوه. وإن اشتبه الحال بطل، لاشتراك اللفظ بين المصحّح والمبطل، فلم يحصل الشرط الّذي هو تعيين العوض بما لا يحتمل الزيادة والنقصان.
ومنها: لو قال: له عليّ درهم أو دينار، لزمه أحدهما وطولب بالبيان، فإن عيّن قبل. ولو عكس قيل: يلزمه دينار، لعدم قبول الرجوع إلى الأقل بخلاف الأول، فإنه رجوع إلى الأكثر. ويشكل بجواز كونه شاكا في أيّهما اللازم، فلا يكون إقرارا، ولا من باب تعقيب الإقرار بالمنافي، وإلا لزم مثله في جميع الصور، فيقال في الأولى: يلزمه درهم أيضا، وكذا في غيره. ولو قال:
إما درهم أو درهمان، ثبت الدرهم وطولب بالجواب عن الثاني، فلعله يتذكر إن كان ناسيا.
ومنها: لو قال: هذه الدار لزيد أو عمرو، فيلزم بالبيان، فإن عيّن قبل.
وللآخر إحلافه وإحلاف الآخر، ولو رجع بالإقرار إلى الثاني غرم له، إلا أن يصدّقه الأول. وهل له إحلاف الأول؟ وجهان: من أنه مكذّب لنفسه في إقراره الأول، فلا يلتفت إليه، ومن إمكان تذكره فيدفع عن نفسه الغرم، ولأن الأول لو أقرّ لزمه، ولعله ينكل عن اليمين. وهو قوي إن أظهر لإقراره الأول تأويلا ممكن القبول. نعم للثاني إحلاف الأول قطعا.
ولو قال: هي لزيد أو للحائط، ففي صحة الإقرار وجهان: من الترديد بين من يملك وما لا يملك، فهو في قوة: هو لزيد أو ليس له، فلم يفد (1) زيادة
__________
(1) في «د»، «م»: يقدر.(1/460)
على عدم الإقرار ومن أنّ زيدا هو الّذي يملك منهما وقد أقرّ بملكه (1) فيبطل في غير الّذي يملك، ويبقى هو ولأن ذكر الحائط وجوده كعدمه.
قاعدة «161» «بل» حرف عطف وإضراب إن تلاها مفرد
ثم إن تقدّمها أمر أو إيجاب كاضرب زيدا بل عمراً، أو قام زيد بل عمرو، فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فلا يحكم عليه بشيء، ويثبت الحكم لما بعدها. وإن تقدّمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حالته، وجعل ضده لما بعدها نحو: ما قام زيد بل عمرو.
وأجاز المبرّد (2) وعبد الوارث (3) أن تكون ناقلة معنى النفي أو النهي إلى ما بعدها، وعلى قولهما فيصح: ما زيد قائما بل قاعدا، وبل قاعد، ويختلف المعنى، فتكون الحالتان منفيتين في الأول، دون الثاني.
ومنع الكوفيون أن يعطف بها غير النفي وشبهه (4). والحق جوازه وإن قل وقوعه.
وتزاد قبلها «لا» لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب، ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي. ومنع بعضهم (5) زيادتها بعد النفي، وهو محجوج بالوقوع ممن يحتج بكلامه كقوله:
__________
(1) في النسخ: بملك.
(2) مغني اللبيب 1: 152.
(3) مغني اللبيب 1: 152، وهو: أبو المكارم عبد الوارث بن عبد المنعم، عالم في النحو واللغة والأدب.
(4) مغني اللبيب 1: 153.
(5) منهم ابن درستويه كما في المغني 1: 153.(1/461)
وما هجرتك لا بل زادني شغفا (1)
وإن تلاها جملة كان معنى الإضراب أما الإبطال نحو {وَقََالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً سُبْحََانَهُ بَلْ عِبََادٌ مُكْرَمُونَ} (2) أي: بل هم عباد، ونحو {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جََاءَهُمْ بِالْحَقِّ} (3).
وإما الانتقال من غرض إلى آخر، نحو {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا} (4) وقوله تعالى {وَهُمْ لََا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هََذََا} (5) وهي هنا حرف إضراب خاصة، لا عاطفة على الصحيح. وقيل: عاطفة أيضا كالمفرد.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما لو قال: له عليّ درهم بل درهمان، وبالعكس، وهذا الدرهم بل هذا وقفيز حنطة بل قفيز شعير، وقفيز بل قفيزان، ونحو ذلك، فيلزمه الدرهمان في الثلاثة الأول، والقفيزان في الأخيرين.
ولو قال: درهم بل درهم، فواحد على الأقوى. ولو عيّن أحدهما وأبهم في الآخر فكذلك على الأقوى، بخلاف ما لو عينهما.
ولو قال: درهم بل دينار، ثبتا معا.
ولو قال: ماله درهم بل درهمان، ثبتا، وكذا: ماله هذا الدرهم بل هذين، ولو عكس ثبت الدرهم خاصة. وتخريج ذلك ونظائره على القاعدة واضح، فرتب عليه ما يرد عليك في الباب.
__________
(1) وتمامه «هجر وبعد تراخى لا إلى أجل السيوطي: 120، ومغني اللبيب 1: 153.
(2) الأنبياء: 26.
(3) المؤمنون: 70.
(4) الأعلى: 1614.
(5) المؤمنون: 62، 61.(1/462)
القسم الثالث: في حروف متفرقة
قاعدة «162» «لو» حرف يدل على امتناع لامتناع، أي: يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط.
هذا هو المشهور على ألسنة المعربين، وهو باطل بمواضع كثيرة، منها قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّنََا نَزَّلْنََا إِلَيْهِمُ الْمَلََائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ََ وَحَشَرْنََا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مََا كََانُوا لِيُؤْمِنُوا} (1). {وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ} إلى قوله {مََا نَفِدَتْ كَلِمََاتُ اللََّهِ} (2). لأن كل شيء امتنع ثبت نقيضه، فإذا امتنع «ما قام» ثبت «قام» وبالعكس.
وعلى هذا فيلزم في الآية الأولى ثبوت إيمانهم مع عدم نزول الملائكة وتكليم الموتى وحشر كل شيء عليهم، وفي الثانية. نفاد الكلمات مع عدم كل ما في الأرض من شجرة أقلاما تكتب الكلمات وغير ذلك.
ومن ثم ذهب بعضهم إلى أنها لا تفيد الامتناع أصلا، بل على مجرّد
__________
(1) الأنعام: 111.
(2) لقمان: 27.(1/463)
التعليق في الماضي، كما دلّت «إن» على التعليق في المستقبل (1). وهو خلاف البديهي.
والحق أنها تفيد امتناع الشرط خاصة، ولا دلالة لها على امتناع الجواب، ولا على ثبوته ولكنه إن كان مساويا للشرط في العموم لزم انتفاؤه، وإلا فلا. فظهر أنّ أصح تعريفاتها ما قاله ابن مالك (2) وابن هشام (3): إنها حرف يقتضي امتناع ما يليه، واستلزامه لتاليه.
وقد تأتي لو حرف شرط في المستقبل ك «إن» إلا أنها لا تجزم، كقوله تعالى {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعََافاً خََافُوا عَلَيْهِمْ} (4). وعليه نزّل قوله: «نعم العبد صهيب لو لم يخف اللََّه لم يعصه» (5). وأنكر ورودها بهذا المعنى قوم، منهم ابن مالك (6).
إذا عرفت ذلك فمن فروعه:
ما لو قال: أنت عليّ كظهر أمي لو دخلت الدار، ومقتضى القاعدة أن يرجع إليه في التفسير، فإن أراد معنى «إن» فواضح، وإن أراد أنه لو حصل في الماضي دخول لكان يقع الظهار، قبل أيضا ولم يقع فإن تعذرت المراجعة فالأصل عدم الوقوع، ولأن وقوع «لو» على الوجه الأول أكثر أو متعين.
__________
(1) حكاه عن الشلوبين وابن هشام الخضراوي في المغني 1: 337.
(2) البهجة المرضية 2: 161، التسهيل: 240.
(3) مغني اللبيب 1: 342.
(4) النساء: 9.
(5) هذا مروي عن عمر بن الخطاب.
(6) البهجة المرضية: 2: 165.(1/464)
قاعدة «163» «لولا» تقع لمعان:
أحدها: أن تكون حرف امتناع لوجود، نحو: لولا زيد لأكرمتك، أي:
امتنع الإكرام لأجل وجود زيد. وحينئذ فتدخل على جملة اسمية ففعلية، لربط امتناع الثانية بوجود الأولى.
وما يليها مرفوع بالابتداء عند الأكثر، وخبره «كون» مطلق محذوف.
فإن أريد الكون المقيّد جعلت مصدره هو المبتدأ، أو تدخل «أنّ» على المبتدأ فتقول: لولا قيام زيد لأتيتك، أو لولا أنّ زيدا قائم لأتيتك. «وأنّ» وصلتها هنا مبتدأ محذوف الخبر وجوبا، أو مبتدأ لا خبر له، أو فاعل «يثبت» محذوفا، على الخلاف.
ولا تقل: لولا زيد قائم، ولا تحذفه. وقيل: يجوز (1). وعليه نزّل قوله صلى اللََّه عليه وآله «لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة» (2) إلى آخره.
وثانيها: حرف تحضيض وعرض بمعنى «هلا» فتختص بالمضارع أو ما في تأويله، نحو {لَوْلََا تَسْتَغْفِرُونَ اللََّهَ} {لَوْلََا أَخَّرْتَنِي إِلى ََ أَجَلٍ قَرِيبٍ} (3).
والفرق بينهما أنّ التحضيض طلب بحثّ وإزعاج (4)، والعرض طلب بلين وتأدّب.
__________
(1) مغني اللبيب 1: 360.
(2) صحيح البخاري 2: 180كتاب الحج، صحيح مسلم 3: 142كتاب الحج حديث 398، سنن الترمذي 3: 224حديث 875.
(3) النمل: 46، المنافقون: 10.
(4) «م»: وانزعاج.(1/465)
وثالثها: أن تكون للتوبيخ والتنديم، فتختص بالماضي، نحو {لَوْلََا جََاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} (1) {فَلَوْلََا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللََّهِ قُرْبََاناً آلِهَةً} (2). {لَوْلََا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} (3). {فَلَوْلََا إِذْ جََاءَهُمْ بَأْسُنََا تَضَرَّعُوا} (4) {فَلَوْلََا إِذََا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلََكِنْ لََا تُبْصِرُونَ فَلَوْلََا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهََا} (5)، المعنى:
فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا، أو بالملائكة، ولكنكم لا تشاهدون ذلك، و «لولا» الثانية تكرار للأولى.
وزاد بعضهم رابعا (6): وهو الاستفهام، ومثّل له بقوله تعالى {لَوْلََا أَخَّرْتَنِي إِلى ََ أَجَلٍ قَرِيبٍ} (7) {لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} (8). وأنكره الأكثر، وجعلوا الأولى للعرض، والثانية للتوبيخ.
وخامسا: وهو النفي، بمعنى لم، وجعل منه قوله تعالى {فَلَوْلََا كََانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهََا إِيمََانُهََا إِلََّا قَوْمَ يُونُسَ} (9) ويمكن جعلها للتوبيخ، ويؤيده قراءة بعضهم (10): فهلا.
__________
(1) النور: 13.
(2) الأحقاف: 28.
(3) النور: 16.
(4) الأنعام: 43.
(5) الواقعة: 8386.
(6) مغني اللبيب 1: 362.
(7) المنافقون: 10.
(8) الأنعام: 8.
(9) يونس: 98.
(10) وهما أبي وعبد اللََّه بن مسعود كما في المغني 1: 363.(1/466)
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما إذا قال: وكّلتك في بيع العبد لولا فعل كذا، ففي وقوع الوكالة منجزة، جعلا ل «لولا» تحضيضية أو توبيخية، فالعبارة غير معلّقة أو عدمه، جعلا لها حرف امتناع. كل محتمل. والحق أنها لاشتراكها يمنع من الحمل على أحدها بغير قرينة، فإن وجدت عمل بها فيما دلّت عليه وإلا لم تقع (1)، للشك.
ومنها: لو قال: أنت طالق لولا دخلت الدار، ونحوه. والكلام فيه كالسابق، إذ يحتمل إرادة التحضيضية وما في معناها، وأتى بها بعد إيقاع الطلاق إما حثا لها على الدخول، أو إنكارا أو تعليلا للإيقاع، وهو الظاهر.
ويحتمل إرادة الامتناعية، إلا أنه أخطأ في الإعراب، فأتى بالجملة الفعلية عقيبها، والاسمية جوابا لها.
وحينئذ فيرجع إليه في الإرادة، فإن تعذرت مراجعته ففي الوقوع نظر، والأصل حينئذ يقتضي عدمه.
وكذا لو قال: أنت عليّ كظهر أمي لولا فعلت كذا، ونحو ذلك.
قواعد ثلاث تتعلق بتاء التأنيث
الأولى: قاعدة «164» هذه التاء تدخل على اسم العدد،
من ثلاثة إلى عشرة، إذا كان المعدود مذكّرا، فإن كان مؤنثا لم تدخل عليه فتقول: ثلاثة رجال وثلاث نسوة. قال اللََّه تعالى {سَخَّرَهََا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيََالٍ وَثَمََانِيَةَ أَيََّامٍ حُسُوماً} (2). هذا هو
__________
(1) أي: لم تقع الوكالة منجزة.
(2) الحاقة: 7.(1/467)
الأصل على تفصيل فيه لأهل العربية يطول ذكره.
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا أوصى فقال: أعطوه عشرا أو عشرة من الإبل، بالتاء أو بحذفها.
وفيه وجهان، أحدهما: سلوك القاعدة العربية، فإن أتى بالتاء أعطي ذكورا، وإن لم يأت بها أعطي إناثا. وأصحهما: جواز إعطاء النوعين في الحالتين، لأن الاسم يتناولهما عرفا مطلقا، ولغة بالتأويل. وعليه نزّل قوله صلى اللََّه عليه وآله: «في خمس من الإبل شاة» (1). وغيره مما دل على التأنيث، مع وجوب الزكاة في الذكور والإناث.
ومثله ما لو أوصى بصرف مال مخصوص أو غلة، على خمسة من المسلمين مثلا أو خمس، أو وقف كذلك. أو وكّل وكيلا في الصدقة عليهم كذلك، ونحوه.
الثانية: قاعدة «165» التاء المذكورة تأتي للمبالغة،
ومنه قولهم: رواية، لكثير الرواية، وكذا قول العرب ما من ساقطة إلا ولها لاقطة، قال بعضهم: معناه أنّ ما من شيء ينتهي في السقوط إلى الغاية، إلا له من يبالغ في التقاطه ويحرص عليه (2).
وأما قولهم: علّامة ونسّابة، فالتاء فيه لتأكيد المبالغة، لحصول أصلها بهذين اللفظين من قبل دخول التاء، فإن فعّالا المشددة العين للمبالغة في فاعل.
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا قال لرجل: يا زانية، فإن الحدّ يجب عليه، ولا يمنع ذلك حصول
__________
(1) صحيح البخاري 2: 146كتاب الزكاة، سنن أبي داود 2: 96حديث 1567، سنن ابن ماجة 1:
573 - حديث 1798.
(2) المصباح المنير 1: 280 (سقط).(1/468)
التاء، فإنها تأتي للمبالغة، وحينئذ فيكون أبلغ من التعبير بالزاني. وذكر بعضهم أنّ ورودها للمبالغة لا ينقاس (1)، وهو غير قادح هنا، لأنه دال على القذف بالزنى عرفا.
الثالثة: قاعدة «166» التاء في أسماء الأجناس كالشاة ونحوها ليست للتأنيث، بل للدلالة على الوحدة.
بخلاف ما حذفت منه، فإن أقلّه ثلاثة ومنه البقرة، كما نصّ عليه النحاة واللغويون. قال الجوهري: البقرة يقع على الذّكر والأنثى (2).
إذا تقرر ذلك فمن فروعه:
ما إذا أوصى بشاة، ففي جواز إعطاء الذّكر وجهان: أصحهما الجواز، للقاعدة.
ومنها: لو أوصى ببقرة، فمقتضى القاعدة إجزاء الذّكر، إلا أنّ الأصح هنا وجوب الأنثى، لقضاء العرف المقدّم على اللغة. نعم لو اضطرب رجع إلى اللغة، وهي دالة على إجزائه.
وأما ما اشتهر بين الأصحاب من نزح كر لموت البقرة في البئر، فيحتمل الرجوع فيها إلى اللغة، فيشمل الثور، وإلى العرف، وهو الأجود، فيختص بالأنثى. ولكن هذا حكم غير مؤصّل في النص، ونحن لا نقول به فيها، بل يلحق بما لا نصّ فيه، كما حققناه في محالّه (3).
__________
(1) المبسوط 5: 214، المغني لابن قدامة 10: 217، الأم 5: 295.
(2) الصحاح 2: 594 (بقر).
(3) الروضة البهية 1: 261.(1/469)
قاعدة «167» حروف الجواب ستة: أجل وبجل وإي، وبلى، ونعم، وإنّ.
فالأوّل بلام ساكنة حرف جواب مثل «نعم» فيكون: تصديقا للمخبر (1). وإعلاما للمستخبر، ووعدا للطالب. فتقع بعد نحو: قام زيد، وأ قائم زيد؟ واضرب زيدا.
وقيّده بعضهم بالخبر المثبت، والطلب بغير النهي (2).
وقيل: لا تجيء بعد النفي ولا الاستفهام (3).
وقيل: تجيء فيما عدا الاستفهام (4).
وقال الأخفش: يجاب بها مطلقا، قال: وهي بعد الخبر أحسن من نعم، ونعم بعد الاستفهام أحسن منها (5).
وقيل: تختص بالخبر، وهو قول الزمخشري (6) وابن مالك (7). وجماعة (8).
والثاني: «بجل بباء موحدة وجيم مفتوحين ولام ساكنة، ومعناه معنى «نعم» وقد تأتي اسم فعل بمعنى يكفي، واسما مرادفا لحسب (9). ويقال علي
__________
(1) في «د»: للخبر.
(2) حكاه عن المالقي في مغني اللبيب 1: 29.
(3) الإحكام للآمدي 1: 104.
(4) شرح الكافية 2: 381.
(5) شرح الكافية 2: 383.
(6) المفصل (شرح المفصل لابن يعيش) 8: 122.
(7) التسهيل: 245.
(8) الهداية في النحو (جامع المقدمات): 212، الإحكام للآمدي 1: 104.
(9) انظر النهاية لابن الأثير 1: 97، ومغني اللبيب 1: 151.(1/470)
الأول: بجلني، وعلى الثاني: بجلي. وهما نادران.
والثالث: «أي» بهمزة مكسورة، فسكون الياء معناه «نعم» إلا أنه لا بد من القسم بعده، كما قال تعالى {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} (1). وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام، كما وقع في الآية (2). وإذا قيل: إي واللََّه، ثم أسقطت الواو جاز إسكان الياء وفتحها وحذفها، وعلى الأول فيلتقي ساكنان على غير حدّهما.
والرابع: «بلى» وهو ثلاثي الوضع، وقيل: أصله «بل» التي هي للعطف، فدخلت الألف للإيجاب (3). وقيل: للإضراب والرد (4). وقيل:
للتأنيث كالتاء في ربّت وثمّة بدليل إمالتها (5).
وتختص بالنفي، وتفيد إبطاله، سواء كان مجردا نحو {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي} (6). أو مقرونا بالاستفهام، حقيقيا كان نحو:
أليس زيد بقائم؟ فتقول: بلى، أو توبيخيا نحو {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنََّا لََا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوََاهُمْ بَلى ََ} (7) {أَيَحْسَبُ الْإِنْسََانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظََامَهُ بَلى ََ} (8)، أو تقريريا نحو {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قََالُوا بَلى ََ} (9) {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} (10).
__________
(1) يونس: 53.
(2) حكاه عنه في الإتقان 2: 212، وشرح الكافية لملا جامي: 411.
(3) حكاه عن الفراء في شرح الكافية 2: 382.
(4) الإتقان للسيوطي 2: 220.
(5) مغني اللبيب 1: 153.
(6) التغابن: 7.
(7) الزخرف: 80.
(8) القيامة: 3.
(9) الملك: 98.
(10) الأعراف: 172.(1/471)
أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرّد في رده ب «بلى» ولذلك قال ابن عباس: لو قالوا: نعم، كفروا (1). ووجهه أنّ «نعم» تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب.
وقد يجاب بها بعد الاستفهام المجرّد عن النفي على قلة، ومنه في الحديث قوله صلى اللََّه عليه وآله لأصحابه «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى» (2).
وقوله صلى اللََّه عليه وآله لرجل أراد هبة بعض أولاده «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن» (3).
وقوله صلى اللََّه عليه وآله لرجل «أنت الّذي لقيتني بمكة؟ فقال له المجيب:
بلى» (4).
ومن ثم ذهب بعضهم إلى عدم اختصاصها بالنفي، ونازع في المحكي عن ابن عباس (5).
والخامس: «نعم» وفيه أربع لغات: فتح العين، وكسرها، وبه قرأ الكسائي (6) وإبدال عينها حاء كذلك، وبه قرأ ابن مسعود (7).
وفيه لغة خامسة، وهي كسر النون إتباعا لكسرة العين، تنزيلا لها منزلة الفعل في قولك: نعم وشهد بكسرتين، بل كما نزّلت «بلى» منزلة الفعل في الإمالة. وهي حرف تصديق، ووعد، وإعلام فالأوّل بعد الخبر، والثاني بعد افعل الفعل وما في معناه كهلا تفعل، وبعد الاستفهام نحو: هل
__________
(1) مغني اللبيب 1: 154.
(2) سنن ابن ماجة 2: 1432حديث 4283.
(3) صحيح مسلم 3: 438كتاب الهبات حديث 17، سنن ابن ماجة 2: 795حديث 2375.
(4) صحيح مسلم 2: 243كتاب صلاة المسافر حديث 294.
(5) نقله عنه في مغني اللبيب 1: 154.
(6) مغني اللبيب 1: 451، التبيان 4: 406.
(7) مغني اللبيب 1: 451.(1/472)
تعطيني والثالث للتعيين بعد الاستفهام، نحو {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مََا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} (1) {قََالُوا إِنَّ لَنََا لَأَجْراً} * (2).
ثم إن وقعت في موجب أو سؤال عنه فهي تصديق للثبوت، وإن وقعت في جواب النفي والسؤال عنه فهي تصديق للنفي، فإذا قال: قام زيد، أو هل قام زيد؟ فقلت: نعم، فمعناه أنه قام. وإذا قال: لم يقم زيد أو ألم يقم زيد، بالهمزة، فأجبت بنعم، فمعناه أنه لم يقم. ومنه ما تقدم نقله عن ابن عباس.
والحاصل أن الإثبات تصديقه: نعم، وتكذيبه: لا والنفي تصديقه:
نعم، وتكذيبه: بلى، دون «لا» لأنها لنفي الإثبات، لا لنفي النفي.
والاستفهام كالمجرد عنه، فإذا قيل: أقام زيد؟ فهو مثل: قام زيد، تقول في إثباته: نعم، وفي نفيه: لا. ويمتنع بلى.
وإذا قيل: ألم يقم زيد؟ فهو مثل: لم يقم [تقول] في إثباته «بلى» دون «لا» وفي نفيه «نعم» قال تعالى {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قََالُوا بَلى ََ} (3) {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ} (4). ومن هنا خرج قول ابن عباس (5).
والحاصل أنّ «بلى» لا تأتي إلا بعد النفي، وأنّ «لا» لا تأتي إلا بعد الإيجاب، وأن «نعم» تأتي بعدهما، هذا هو المشهور بين النحاة.
وذهب جماعة (6) منهم إلى أنّ جواز وقوع «نعم» بعد الاستفهام للمنفي المراد به التقرير للمنفي رعاية للفظه، وللإيجاب رعاية لمعناه. وعليه جاء قول
__________
(1) الأعراف: 44.
(2) الشعراء: 41.
(3) الملك: 9.
(4) البقرة: 260.
(5) يعني قوله في قوله تعالى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} أنهم لو قالوا نعم لكفروا.
(6) كما في مغني اللبيب 1: 453، وشرح الكافية للرضي 2: 381، وتسهيل الفوائد:
245.(1/473)
الأنصار للنبي صلى اللََّه عليه وآله وقد قال لهم: «ألستم ترون ذلك لهم» نعم (1). وقول جحدر:
أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك بنا تداني ... نعم وأرى الهلال كما تراه ... ويعلوها النهار كما علاني (2)
والسادس: «إنّ» المكسورة المشددة، قال سيبويه (3) وجماعة (4): يكون بمعنى «نعم» وخالف أبو عبيدة (5) وابن عصفور.
واستدل المثبتون بقوله:
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه (6)
وقوله:
اكس بنياتي وأمّهنّه ... وقل لهن إنّ إنّ إنّه
أي «نعم».
وقول ابن الزبير لمن قال له لعن اللََّه ناقة حملتني إليك: إنّ وراكبها. أي: نعم ولعن اللََّه راكبها (7). وحمل عليه قراءة
__________
(1) مغني اللبيب 1: 453.
(2) أورد هذا الشعر في خزانة الأدب 4: 480، وفيه روايات أخرى.
(3) الكتاب 1: 555، وج 2: 334. إلا أن فيه: إن بمنزلة أجل.
(4) مغني اللبيب 1: 56، الهداية (جامع المقدمات): 212، الإتقان 2: 206، الإحكام للآمدي 1: 104، ونقله عن المبرد وإسماعيل القاضي في التبيان 7: 184.
(5) نقله عن أبي عبيدة في تحفة الغريب للدماميني 1: 80، ومغني اللبيب 1: 56.
(6) هذا البيت لعبيد اللََّه بن قيس الرقيات، وهو في ديوانه: 66، وفي خزانة الأدب 4:
485.
(7) حكى ذلك ابن الأثير في النهاية 1: 78، والدماميني في تحفة الغريب 1: 80، وابن هشام في المغني 1: 57.(1/474)
{إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} (1) والمنكرون تأولوا الشواهد.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما لو قال: لي عليك كذا. فقال: نعم، أو أجل أو بجل أو أي، فإنه يكون إقرارا، بخلاف ما لو قال: بلى، فإنه لحن لا يفيد نفيا، ولا إثباتا. ولو قال: إنّ، بني على القولين، وينبغي الرجوع إليه فيه.
ولو قال: ليس لي عليك، أو ما لي عليك كذا، انعكس الحكم، فإن قال:
نعم وأخواتها لم يلزمه شيء، وإن قال بلى لزمه.
ولو قال: أليس لي عليك كذا، فقال: بلى، كان إقرارا لما ذكر وإن قال: نعم، فعلى المشهور لا يكون إقرارا، لأنه تصديق للنفي، وتقرير له، وعلى القول الآخر يحتمل الإقرار، والعرف يشهد له أيضا. فالأقوى إفادته الإقرار، للعرف الموافق للاستعمال.
قاعدة «168» «قد» الحرفية تدخل على الماضي المتصرف لتقريب زمانه من الحال،
فإنك إذا قلت: قام زيد، احتمل القريب والبعيد، فإذا قلت:
قد قام، اختص بالقريب. ويبتني على إفادتها ذلك أنها لا تدخل على «ليس» و «عسى» و «نعم» و «بئس» لأنّهن للحال، ولا يتصرفن، فأشبهن الاسم.
وتدخل على المضارع، وتفيد توقعا على المشهور، كقولك: قد يقدم الغائب اليوم، لمن تتوقع قدومه.
__________
(1) طه: 63، وهذا الحمل للمبرد.(1/475)
وأثبته قوم (1) في الماضي أيضا إذا قلت: قد فعل، لقوم ينتظرون الخبر.
ومنه قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لأن الجماعة منتظرون لذلك وفي التنزيل {قَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجََادِلُكَ فِي زَوْجِهََا} (2) لمّا كانت تتوقع إجابة اللََّه لدعائها. وأنكره بعضهم فيه (3) من حيث إنّ التوقع انتظار الوقوع، والماضي قد وقع.
وأنكر ابن هشام كونها للتوقع مطلقا، لاستفادته في المضارع من دون «قد» إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع وأما في الماضي فواضح (4).
وترد للتحقيق نحو {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (5) {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} (6). وقد تفيد التقليل للفعل، كقولك: قد يصدق الكذوب، أو لمتعلقه كقوله تعالى {قَدْ يَعْلَمُ مََا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} (7) أي: ما أنتم عليه أقل معلوماته تعالى. وقيل: إنّها هنا للتحقيق، وإنّ التقليل قد استفيد من الصيغة لا من «قد».
وتفيد التكثير عند سيبويه (8) (والزمخشري) (9). وجعل منه
__________
(1) حكاه عن الأكثر والخليل في المغني 1: 228، وفي شرح الكافية: 414، وشرح الكافية للرضي 2: 388، تسهيل الفوائد: 242.
(2) المجادلة: 1.
(3) حكاه في مغني اللبيب 1: 228، وانظر البرهان للزركشي 4: 305.
(4) مغني اللبيب 1: 228.
(5) المؤمنون: 1.
(6) الشمس: 9.
(7) النور: 63.
(8) كتاب سيبويه 2: 307.
(9) الكشاف 1: 201.(1/476)
{قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} (1)
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما إذا قال لعبد الغير: قد أعتقتك، فإن ذكره في معرض الإنشاء فلغو، وإن ذكره في معرض الإقرار أو اشتبه الحال، حكم عليه به إن ملكه. وإنما جعلناه مع الاشتباه إقرارا، لأن «قد» مؤكدة معنى المضي في الفعل، وهو يقتضي سبق عتقه له. بخلاف قوله: أعتقتك، مجردا، فإنه يحتمل الأمرين على السواء، فيرجع إليه فيه.
ويحتمل قويا الحكم عليه بالإقرار هنا أيضا، لا لذلك، بل لأن حقيقة الفعل الماضي وقوعه سابقا، وحمله على الإنشاء خلاف مدلوله لغة، فلا يصار إليه حيث لا يقصد الإنشاء.
ولو قال البائع في الإيجاب: قد بعتك، احتمل عدم الصحة، نظرا إلى أن الإنشاء يفيد تحصيل مدلوله من اللفظ، و «قد» تفيد تقريب الماضي من الحال، لا تحقيقه، ومن ثم لم تدخل على ما يفيد الحال.
ويحتمل الوقوع بذلك، التفاتا إلى أن ذلك هو الأصل فيها حيث تدخل على الفعل الماضي، وهنا قد دخلت على صيغة منقولة إلى الإنشاء، فلم يقصد منه لازمه من الفعل، بل مجرّد التحقيق، وهذا أقوى.
ولو أتى به المشتري فقال: قد قبلت، فالوجهان. وفي صحته منه شك ثان، وهو كونه فاصلا بين الإيجاب والقبول بما هو مستغن عنه. ويقوّى اغتفار مثل ذلك، لأنه لا يعدّ فاصلا لغة ولا عرفا، بل هو كالجزء من القبول، مفيد لفائدة فيه لم تحصل بدونه، وهو تأكيد ثبوته وتحقيقه، ولم يعهد من الشارع المضايقة في مثل ذلك، ولا فيما هو أبلغ منه.
__________
(1) البقرة: 144.(1/477)
وهذا البحث آت في سائر العقود اللازمة، كالإجارة والوقف والنكاح، وأولى منه في اللازمة من وجه، كالرهن، أما الجائزة فلا يؤثر فيها قطعا.
قاعدة «169» «إلّا» بكسر الهمزة والتشديد تدل على الحصر قطعا.
وكذا «إنما» عند كثير من المحققين (1). إما لنقلها من المركبة من «إنّ» المثبتة و «ما» النافية إلى هيئة مفيدة للحصر لغة، كما نقله جماعة عنهم.
قال في القاموس: «أنما» بفتح الألف تفيد الحصر ك «إنما» بكسرها، واجتمعا في قوله تعالى {قُلْ إِنَّمََا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى ََ إِلَيَّ أَنَّمََا إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ} * (2) (3).
فالأولى لقصر الصفة على الموصوف، والثانية لعكسه.
أو لما ذكره في المحصول من أنّ «إنّ» للإثبات و «ما» للنفي، ولا يتواردان على محل واحد، ولا يمكن صرف النفي إلى المذكور والإثبات إلى غيره، فتعيّن العكس (4). وعلى هذا فدلالتها عليه بالمنطوق لا بالمفهوم، وبه صرح الفارسي (5) وجماعة (6). وقيل: إنما تدل بالمفهوم (7).
__________
(1) المنهاج (نهاية السؤل) 2: 189، مختصر المعاني: 181، شرح ابن عقيل 1: 235، ونقله عن الفارسي في المحصول 1: 168، والتمهيد: 218.
(2) الكهف: 110.
(3) القاموس المحيط 4: 200 (ان).
(4) المحصول 1: 169.
(5) نقله عنه في المحصول 1: 168، والتمهيد: 218.
(6) منهم التفتازاني في مختصر المعاني: 180، والبيضاوي (نهاية السؤل) 2: 189.
(7) منتهى الوصول: 112.(1/478)
وقيل: لا تدل عليه مطلقا (1)، لمنع إفادة التركيب ذلك، فإن «إنّ» إنما تقتضي التحقيق، فإن دخلت على السالبة يكون تحقيقا للسلب، أو على الموجبة فيكون تحقيقا للإيجاب، فلا منافاة بين إنّ وإنما.
أو لأن «ما» ليست للنفي، لأن «إنّ» لا تدخل إلا على الاسم، وما النافية لا تنفي إلا ما دخلت عليه.
أو لأن وقوعها لغير الحصر لغة ثابت، كقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (2) مع الإجماع على أنّ من ليس كذلك قد يكون مؤمنا، والاعتماد على النقل، وهو حجة وحينئذ يتسع باب التأويل.
إذا عرفت ذلك فمن فروعه:
الاكتفاء به في التحالف حيث يثبت بين المتبايعين أو المتآجرين أو غيرهم، وذلك لأنه لا بد فيه من الجمع بين النفي والإثبات في يمين واحدة فيقول مثلا: واللََّه ما بعته بكذا، ولقد بعته بكذا، لأنه مدع ومدعى عليه، فلو قال: واللََّه إنما بعته بكذا، فمقتضى القول بإفادتها الحصر الاكتفاء بذلك، سيما إذا كان من باب المنطوق. ولكن إنما يتجه ذلك إذا قلنا إنّ تقديم النفي على الإثبات ليس بواجب، وظاهرهم وجوبه، بل الأقوى جواز الاقتصار عليه (3). وتأخير يمين الإثبات إلى أن ينكل الآخر عن يمينه، فيحلف الأول عليه لإثبات حقه وإلا لم يتوقف عليه. وعلى هذا فيسقط التفريع.
والقائل بوجوب الجمع بين النفي والإثبات في اليمين الواحدة، يكتفي بالإثبات السابق على تقدير نكول الآخر.
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 3: 106، فواتح الرحموت 1: 434، ونقله عن أبي حيان في الإتقان 3: 168.
(2) الأنفال: 2.
(3) أي: على يمين النفي.(1/479)
ومنها: لو حلف إلّا يفعل اليوم إلا كذا، فإنه يحنث حيث يفعل غيره أو حيث لا يفعله وإن لم يفعل غيره، أو حيث يفعله ويفعل معه غيره وإنما يبر بفعله دون غيره.
ولو قال: إنما أفعل كذا، بني على القولين: فعلى إفادته الحصر حكمه كذلك، وعلى الآخر إنما يفيد تأكيد إثبات فعل المذكور، ولا يلزم ترك غيره.
ومنها: لو قال لزوجته لا تفعلي اليوم إلا كذا، وإنما يقع منك اليوم كذا، ثم قال: إن خالفت شرطي فأنت عليّ كظهر أمي، ففي وقوع الظهار بفعلها غير ما عيّنه على الثاني القولان. وقس على ذلك نظائره.
قاعدة «170» «أن» المكسورة الخفيفة تقع على وجوه:
أحدها: أن تكون شرطية، نحو {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (1).
وقد تقترن بلا النافية نحو {إِلََّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللََّهُ} (2) {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ} (3) {وَإِلََّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخََاسِرِينَ} (4).
وثانيها: أن تكون نافية، وتدخل حينئذ على الجملة الاسمية نحو {إِنِ الْكََافِرُونَ إِلََّا فِي غُرُورٍ} (5) {إِنْ أُمَّهََاتُهُمْ إِلَّا اللََّائِي وَلَدْنَهُمْ} (6)
__________
(1) الأنفال: 38.
(2) التوبة: 40.
(3) التوبة: 39.
(4) هود: 47.
(5) الملك: 20.
(6) المجادلة: 2.(1/480)
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ إِلََّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} (1) {إِنْ أَرَدْنََا إِلَّا الْحُسْنى ََ} (2) {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلََّا إِنََاثاً} (3) {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلََّا قَلِيلًا} * (4) {إِنْ يَقُولُونَ إِلََّا كَذِباً} (5).
وقد ترد النافية بغير إلّا، خلافا لبعضهم، ومنه {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطََانٍ بِهََذََا} (6) {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مََا تُوعَدُونَ} (7) {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} (8).
وثالثها: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين، فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها، خلافا للكوفيين (9).
ويدل عليه قراءة الحرميين وشعبة {وَإِنَّ كُلًّا لَمََّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمََالَهُمْ} (10) (11).
ويكثر إهمالها، ومنه قوله تعالى {وَإِنْ كُلُّ ذََلِكَ لَمََّا مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (12) {وَإِنْ كُلٌّ لَمََّا جَمِيعٌ لَدَيْنََا مُحْضَرُونَ} (13). وقراءة حفص
__________
(1) النساء: 159.
(2) التوبة: 107.
(3) النساء: 117.
(4) المؤمنون: 114.
(5) الكهف: 5.
(6) يونس: 68.
(7) الجن: 25.
(8) الأنبياء: 111.
(9) نقله عنهم في مغني اللبيب 1: 36.
(10) هود: 111.
(11) الحرميّان هما ابن كثير المكي، ونافع المدني، وشعبة هو أبو بكر بن عياش الأزدي الكوفي الخياط، ونقل قراءتهم في مغني اللبيب 1: 36.
(12) الزخرف: 35.
(13) يس: 32.(1/481)
{إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} (1)، وكذا قرأ ابن كثير، إلا أنه شدّد نون «هذان» (2). ومنه {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} (3) في قراءة من خفّف «لما» (4).
وإن دخلت على الفعلية وجب إهمالها.
وحيث وجدت «إن» وبعدها اللام المفتوحة فاحكم بأن أصلها التشديد، وحيث تهمل تجب اللام بعدها، للفرق بينها وبين أن المفتوحة على تفصيل فيه مذكور في موضعه، ومنه قوله تعالى {وَإِنْ كََانَتْ لَكَبِيرَةً} (5) {وَإِنْ كََادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} (6) {وَإِنْ وَجَدْنََا أَكْثَرَهُمْ لَفََاسِقِينَ} (7).
وأنكر الكوفيون تخفيفها. وقالوا: ما ورد من ذلك فإن فيه نافية واللام بمعنى «إلا» (8).
ورابعها: إن تكون بمعنى «قد» ذهب إلى ذلك قطرب، وجعل منه قوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ََ} (9) (10).
وخامسها: بمعنى «إذ»، ذهب إليه الكوفيون، وجعلوا منه قوله تعالى {وَاتَّقُوا اللََّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (11) (12)
__________
(1) مغني اللبيب 1: 37.
(2) تفسير القرآن العظيم 3: 165، ونقله عنه في الكشاف 3: 72.
(3) الطارق: 4.
(4) مغني اللبيب 1: 37، والمقصود: تخفيفها في الآيات الأربع السابقة.
(5) البقرة: 143.
(6) بني إسرائيل: 73.
(7) الأعراف: 102.
(8) مغني اللبيب 1: 37.
(9) الأعلى: 9.
(10) الإتقان للسيوطي 2: 201. مغني اللبيب 1: 39.
(11) المائدة: 57.
(12) الإتقان للسيوطي 2: 201، مغني اللبيب 1: 39.(1/482)
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (1). وقوله صلى اللََّه عليه وآله «وإنا إن شاء اللََّه بكم لاحقون» (2). ونحو ذلك مما الفعل محقق الوقوع.
إذا عرفت ذلك فمن فروعه:
ما لو قال: أنت طالق إن دخلت الدار وإن كلمت زيدا، فعلى المشهور يقع لاغيا، لتعليقه على الشرط وعلى القولين الأخيرين يستفسر، فإن أراد به معنى «قد» أو «إذ» وقع منجزا ويقبل تفسيره، ولو تعذر تفسيره فالأصل يقتضي عدم الوقوع.
ولو أوقع الظهار كذلك صحّ مطلقا، لكن يرجع إليه في التفسير من حيث التنجيز والتعليق. ولو تعذّر حمل على التعليق، إما لأنه الأغلب، أو للشك في المنجز. فإن [قال: ان] (3) دخلت أو كلّمت، وقع قطعا، لتحقق الشرط على التقديرين.
ومنها: لو قال: إن هند لطالق، بالرفع، فإن جعلناها مخفّفة مهملة كما قاله البصريون وقع الطلاق ونحوه، كالعتق إذا قال: إن فلان لحر (4) ونحوه وإن قلنا بمقالة الكوفيين احتمل أن لا يقع، لبعده عن الإنشاء.
وكذا لو صرّح به فقال: ما هند إلا طالق، أو ما عبدي إلا حر، ونحوه.
ولو نصب كان معملا لها، وتعيّن أن تكون مخففة، فيقع. وكذا القول في الظهار.
__________
(1) الفتح: 27.
(2) صحيح مسلم 2: 363كتاب الجنائز حديث 102، مختصر سنن أبي داود 4: 351حديث 3107.
(3) أضفناه لاستقامة العبارة.
(4) في «د»: إن فلان بالجر، وفي «ح»: إن فلانا لحر.(1/483)
قاعدة «171» «أن» المفتوحة الهمزة الساكنة النون، إذا كانت حرفا تقع على وجوه:
أحدها: أن تكون حرفا مصدريا، سواء وقعت قبل المضارع، كقوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (1) {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (2) {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} (3) {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ََ} (4).
أم قبل الماضي، نحو {لَوْلََا أَنْ مَنَّ اللََّهُ عَلَيْنََا} (5) {لَوْلََا أَنْ ثَبَّتْنََاكَ} (6).
وثانيها: أن تكون مخفّفة من الثقيلة، فتقع بعد فعل اليقين، أو ما نزل منزلته، نحو {أَفَلََا يَرَوْنَ أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (7). {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ} (8) {وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ} (9). فيمن رفع «تكون».
و «أن» هذه ثلاثية الوضع، وهي مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر عند غير الكوفيين (10) وعندهم لا تعمل شيئا. وشرط اسمها أن يكون
__________
(1) البقرة: 184.
(2) النساء: 25.
(3) النور: 60.
(4) البقرة: 237.
(5) القصص: 82.
(6) الإسراء: 74.
(7) طه: 89.
(8) المزمل: 20.
(9) المائدة: 71.
(10) مغني اللبيب 1: 47.(1/484)
ضميرا محذوفا وقد يثبت وخبرها أن يكون جملة، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الأمران.
وثالثها: أن تكون مفسرة بمعنى «أي» نحو {فَأَوْحَيْنََا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} (1) {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} (2). وأنكره الكوفيون وجعلوها هنا مفسّرة (3).
ورابعها: أن تكون زائدة نحو {وَلَمََّا أَنْ جََاءَتْ رُسُلُنََا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ} (4).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما لو قال لزوجته: أنت طالق أن دخلت الدار، بالفتح والسكون، فإن الطلاق يقع منجزا، حملا ل «أن» على المصدرية مضمرة لام العلة، أي لأجل دخولك كما في قوله تعالى {أَنْ كََانَ ذََا مََالٍ وَبَنِينَ} (5). ولا فرق بين كونه صادقا فيما علّل به وكاذبا بخلاف ما لو كسر الهمزة، فإنه يستفسر كما مر.
ومثله: ما لو قال لوكيله: بع عبدي أن فعل كذا، فتقع الوكالة منجزة على الفتح، لعدم احتمال غير المصدرية. ويستفسر مع الكسر، فإن فسّرها بمعنى «قد» أو «إذ» وقعت منجزة، وإن فسّرها بالشرطية بني على صحتها بمطلق الإذن حيث تكون مشروطة وعدمه. وتظهر الفائدة في فساد نحو الجعل المشروط فيها. والأظهر البطلان مطلقا.
__________
(1) المؤمنون: 27.
(2) الأعراف: 43.
(3) مغني اللبيب 1: 47وفيه: وعن الكوفيين إنكار «أن» التفسيرية، وهو عندي متجه.
(4) العنكبوت: 33.
(5) القلم: 14.(1/485)
ولو قال لعبده: أنت حر ان فعلت، بالفتح أو الكسر، فكالطلاق، لاشتراط التنجيز في العتق عندنا.
ولو علّق ما يقبل التعليق على عدم الدخول، لم يقع إلا باليأس من الدخول كأن ماتت معلق (1) ظهارها عليه قبله، فيحكم بالوقوع قبل الموت إن أفاد فائدة.
ولو قال: أنت طالق أن طلقتك، وقع في الحال، لأن المعنى: أنت طالق لأني طلقتك، والظاهر أن الواقع هو الطلاق بالإقرار لا بالصيغة، لاستلزامه الإقرار به سابقا. والطلاق الواقع بعده غير واقع لفقد شرطه ولو جعل العلة هذا الطلاق الواقع لم يكن التعليل صحيحا، لكن يقع به، وكذا لو قال: إذ طلقتك.
ويمكن في جميع هذه الفروع الفرق بين النحوي وغيره، فيترتب ما ذكرناه على العارف، أما غيره فيقبل منه ما يحتمل قصده عرفا للجاهل، كما لو ادعى التعليق بأن المفتوحة ونحوه.
قاعدة «172» «واو مع» كقولك: لأضربن زيدا وعمرا، إذا لم ترد به العطف بل (2)
المعيّة، تدل على المقارنة في الزمان.
ويعلم ذلك من حدّهم للمفعول معه، وقد حدّه ابن مالك في التسهيل بقوله: هو الاسم التالي واوا يجعلها بنفسها في المعنى كمجرور «مع» وفي
__________
(1) كذا في «د» و «ح»، وفي «م» فمعلق، والأنسب: من علق، والمراد: موت الزوجة التي علق ظهارها على عدم الدخول قبل موت الزوج.
(2) في «ح»: على بدل بل.(1/486)
اللفظ كمنصوب «معدّى» بالهمزة (1). وفي التوضيح: هو اسم بفضلة، تال لواو بمعنى «مع» (2).
وقد سبق في باب الأسماء أن «مع» تفيد المقارنة في الوقت.
وأما «معا» المنونة كقولك جاء الزيدان معا، ففي دلالتها على الاتحاد خلاف (3)، أوضحناه هناك فراجعه (4).
ولا يخفى ما يتفرع على القاعدة من أبواب الفقه:
كما لو قال لوكيله: بع هذا العبد وذاك، مريدا المعية.
ويظهر الأمر لو كان الأول غير منصوب، كوكلتك في بيع العبد وثوبا، فلا يجوز له إفرادهما بالبيع.
ولو قال: إن دخلت على فلان وفلانا فأنت عليّ كظهر أمي، لم يقع إلا مع دخولها عليهما معا.
ولو قال لعبديه: إن دخلتما على فلان وفلانا أو كلمتما فلانا وفلانا بقصد واو المعية فأنتما حران، على جهة النذر، توقف الانعقاد على دخولهما عليهما معا، وتكليمهما كذلك، ونحو ذلك.
قاعدة «173» «أل» الموضوعة للتعريف كالداخلة على الغلام ونحوه تقوم مقام الضمير المضاف إليه،
كقولك: مررت بالرجل الحسن الوجه، بالرفع، أي:
__________
(1) التسهيل: 99.
(2) شرح التصريح على التوضيح 1: 342.
(3) في «د» زيادة: ما.
(4) ص: 375، قاعدة: 125.(1/487)
وجهه، عند الكوفيين (1)، وتبعهم ابن مالك (2) والزمخشري (3). وجعل منه قوله تعالى {جَنََّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوََابُ} (4) أي أبوابها، وقوله تعالى {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ََ} (5). {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ََ} (6) أي: مأواه.
ونسبه بعضهم لسيبويه أيضا (7) فإنه نصّ على أن بدل البعض من الكل لا بد فيه من ضمير. ثم فسر قول العرب: ضرب زيد الظهر والبطن، بقوله: أي ظهره وبطنه، وخالف في ذلك أكثر البصريين، وسيبويه على المشهور عنه (8).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما لو قال: بعتك العبد، حيث لا معهود، مريدا عبدي، وقصده المشتري، فإن العقد يقع صحيحا في نفس الأمر، وإن قبل قول البائع في عدم قصده معينا.
وكذا لو قال: العبد حر، ولم يعيّن، ثم أخبر بإرادة عبده، قبل وحكم بعتقه بتلك الصيغة.
ولو قال الزوج: قبلت النكاح أو التزويج، صح العقد بذلك عند من يعتبر ضميمة «النكاح» ونحوه إلى «قبلت» إقامة للام مقام المضاف إليه. وإن أمكن الصحة من حيث جعل اللام للعهد أي: المعهود الّذي أوجبه الولي معه.
والفرق أن إرادة العهد لا تعلم إلا من جهته، فلم يحكم بصحة العقد بها،
__________
(1) شرح الكافية 2: 131، 341.
(2) البهجة المرضية 2: 24.
(3) الكشاف 4: 100.
(4) ص: 50.
(5) النازعات: 41.
(6) النازعات: 39.
(7) الكتاب 1: 246.
(8) حكاه في الإتقان 2: 187، ومغني اللبيب 1: 77، وشرح الكافية 2: 131.(1/488)
لعدم اطلاع الشهود عليها، بخلاف اللام المجعولة عوضا عن المضاف إليه.
وعندنا هذا الفرع ساقط، لعدم اعتبار الضميمة، وعدم اعتبار اطلاع الشهود على ما قصده.
وفرّعوا على ذلك ما إذا قال الكافر: آمنت بمحمد النبي، فإنه يكون إيمانا برسول اللََّه صلى اللََّه عليه وآله، بخلاف ما إذا قال: آمنت بمحمد الرسول، لأن النبي لا يكون الا لله تعالى، فالمضاف إليه الّذي ناب عنه اللام معلوم، بخلاف الرسول فإنه يكون لغيره، فلم ينحصر المضاف إليه في اللََّه تعالى، واللََّه أعلم.(1/489)
المقصد الرابع: في التوابع وباقي التراكيب وما يتعلق بها من المعاني
وهي أمور:
الأول: في قواعد الاستثناء
وقد تقدم المهم منها في القسم الأول ونذكر هنا نبذة منها
قاعدة «174» أدوات الاستثناء منحصرة في ثمان عند الجمهور (1)،
وهي: حرفان «إلّا» عند الجميع، و «حاشا» عند سيبويه (2) ويقال فيها: «حاش» و «حشا».
وفعلان، وهما: «ليس» و «لا يكون».
ومترددان بين الحرفية والفعلية، وهما «خلا» عند الجميع، و «عدا» عند
__________
(1) شرح التصريح على التوضيح 1: 347.
(2) كتاب سيبويه 1: 421.(1/491)
غير سيبويه (1).
واسمان، وهما: «غير» و «سوى» بلغاتها الأربع.
وزاد الفراء وعلي بن المبارك الأحمر والسهيلي «ما» النافية، فجعلوها تقع للاستثناء (2). وخرّجوا على ذلك قول العرب: كل شيء مهه ما النساء وذكرهن (3)، يعني: إلا النساء، فإن الكلام في الحريم صعب. والجمهور منعوا ذلك، وخرّجوا ما ورد على أنه منصوب بإضمار «عدا» (4).
ويتفرع عليه ما إذا قال: له عليّ عشرة ما ثلاثة مثلا فعلى القول بصحة الاستثناء بها يقبل، وعلى المشهور ففي قبوله نظر، لأن الإضمار على خلاف الأصل. وينبغي قبوله ممن يعرف الخلاف ويدعي إرادة الاستثناء دون غيره.
قاعدة «175» الاستثناء ب «إلّا» في كلام موجب يوجب نصب المستثنى ليس إلّا،
ومنه {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلََّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (5).
وفي غير الموجب، إذا كان تاما والاستثناء متصل، فالأرجح اتباع المستثنى للمستثنى منه، بدل بعض عند البصريين (6)، وعطف نسق عند
__________
(1) الكتاب 1: 421، ونقله عنه في التصريح على التوضيح 1: 347، ومغني اللبيب 1: 189.
(2) مجمل اللغة 4: 290.
(3) القاموس المحيط 4: 414 (ما).
(4) شرح الكافية للرضي 1: 230، التسهيل: 106.
(5) البقرة: 249.
(6) نقله عنهم في مغني اللبيب 1: 98، شرح التصريح على التوضيح 1: 350.(1/492)
الكوفيين (1)، نحو {مََا فَعَلُوهُ إِلََّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (2) {وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} (3) {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضََّالُّونَ} (4). ويجوز النصب، قال ابن هشام: وهو عربي جيد، وقد قرئ به في السبع في «قليل» و «امرأتك» (5).
وإن كان منقطعا، فإن لم يمكن تسلط العامل على المستثنى فالنصب اتفاقا، نحو: ما زاد هذا المال إلا ما نقص، إذ لا يقال: زاد النقص وإن أمكن تسلّطه جاز النصب، وهو لغة الحجاز، وبه قرأ السبعة {مََا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبََاعَ الظَّنِّ} (6)، والإتباع، وهو لغة تميم، وعليه حمل الزمخشري {قُلْ لََا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللََّهُ} (7) (8).
وإن كان غير تام، وهو الّذي لم يذكر فيه المستثنى منه، فلا عمل ل «إلا» بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها.
وقد تكون «إلا» بمعنى «غير» فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه، ومنه قوله تعالى {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} (9) عند الجمهور.
__________
(1) نقله عنهم في مغني اللبيب 1: 98، شرح التصريح على التوضيح 1: 350.
(2) النساء: 66.
(3) هود: 81.
(4) الحجر: 56.
(5) شرح التصريح على التوضيح 1: 350، شرح شذور الذهب: 265.
(6) النساء: 157.
(7) النمل: 65.
(8) الكشاف 3: 378.
(9) الأنبياء: 22.(1/493)
إذا عرفت ذلك فمن فروعه:
ما لو قال: له عليّ عشرة إلا درهما بالنصب فيلزمه تسعة، لأن «إلا» استثنيت من موجب فانتصب ما بعدها، فيكون منفيا. ولو قال: إلا درهم بالرفع لزمه عشرة، حملا ل «إلا» على معنى «غير» فيكون ما بعدها مرفوعا، والتقدير: له عليّ عشرة موصوفة بكونها غير درهم، وكل عشرة فهي موصوفة بذلك، فالصفة هنا مؤكدة صالحة للإسقاط مثلها في «نفخة واحدة».
ولو قال: ماله عليّ عشرة إلا درهم بالرفع فهو إقرار بدرهم، لأنه نفى العشرة واستثنى منها الدرهم، حيث جعله مرفوعا بعد الاستثناء من المنفي التام.
ولو قال: إلا درهما بالنصب فالمشهور أنه لا يكون مقرّا بشيء، لأنه وإن جاز كونه منصوبا على الاستثناء كالمرفوع، إلا أنه يحتمل كونه منصوبا على الاستثناء من الموجب على أصله، ثم ادخل على الجملة المشتملة على الاستثناء حرف النفي، فلا يكون مقرا بشيء، إذ التقدير حينئذ: عشرة إلا درهما ليست له علي.
وإذا كان ذلك محتملا من اللفظ وإن كان خلاف الظاهر يحصل الشك في لزوم شيء بهذا الإقرار، فلا يلزمه شيء. ويحتمل أن يلزمه درهم كالرفع، لما تقدم من أن المستثنى المذكور يجوز رفعه ونصبه.
ولو قال: ما له عليّ إلا عشرة أو إلا درهم بالرفع لزمه ما بعد «إلا» خاصة، لأنه مستثنى من المنفي الناقص.
ولو نصب المستثنى كان لاحنا وفي كونه إقرارا بالمستثنى نظر من ظهور كونه استثناء من المنفي وإن كان لحنا، خصوصا لو كان جاهلا بالعربية ومن احتمال كون النفي داخلا على المستثنى وإن لم يكن التركيب عربيا صحيحا، فلا يكون مقرا بشيء، وأصالة براءة الذّمّة تقتضي ذلك.
وبما حققناه يظهر عليك فساد ما علّل به كثير من الأصحاب (1) عدم وجوب شيء لو قال: ماله عليّ عشرة إلا درهما، حيث جعلوه غير منصوب على الاستثناء من المنفي، بل خصوه بكون النفي داخلا على المجموع، فتأمل في كلامهم.(1/494)
ولو نصب المستثنى كان لاحنا وفي كونه إقرارا بالمستثنى نظر من ظهور كونه استثناء من المنفي وإن كان لحنا، خصوصا لو كان جاهلا بالعربية ومن احتمال كون النفي داخلا على المستثنى وإن لم يكن التركيب عربيا صحيحا، فلا يكون مقرا بشيء، وأصالة براءة الذّمّة تقتضي ذلك.
وبما حققناه يظهر عليك فساد ما علّل به كثير من الأصحاب (1) عدم وجوب شيء لو قال: ماله عليّ عشرة إلا درهما، حيث جعلوه غير منصوب على الاستثناء من المنفي، بل خصوه بكون النفي داخلا على المجموع، فتأمل في كلامهم.
قاعدة «176» اتفق النحاة على أنّ أصل «غير» هو الصفة، وأن الاستثناء بها عارض، بخلاف «إلّا» فإنها بالعكس.
ويشترط في «غير» أن يكون ما قبلها ينطبق على ما بعدها، فتقول: مررت برجل غير طويل، أو بطويل غير عاقل، ولا يجوز: مررت برجل غير امرأة، ولا رأيت طويلا غير قصير. بخلاف «لا» النافية، فإنها بالعكس. نعم إن كانا علمين جاز العطف «بلا» و «غير».
إذا عرفت ذلك فمن فروعها:
إذا قال: له عليّ درهم غير دانق، قال النحاة: إن رفع «غيرا» فعليه درهم تام، لأنه صفة، والمعنى: درهم لا دانق وإن نصب، فقال الفارسي: أنه منصوب على الحال (2)، واختاره ابن مالك ونقله عن ظاهر كلام سيبويه (3)، فعلى هذا يلزمه درهم كامل.
وقيل إنه منصوب على الاستثناء (4)، وهو المشهور، فيلزمه خمسة
__________
(1) قواعد الأحكام 1: 284، شرائع الإسلام 3: 696، مفتاح الكرامة 9: 312.
(2) شرح التصريح على التوضيح 1: 361.
(3) الكتاب 1: 439.
(4) اختاره ابن عصفور كما في مغني اللبيب 1: 211.(1/495)
دوانيق (1). وتؤيده أصالة براءة ذمته من الزائد مع إمكان (2) البراءة.
ومنها: إذا قال: كل امرأة لي غيرك أو سواك طالق، ولم يكن له إلا المخاطبة، وتفريعه على كلام النحاة قد علم مما سبق. والمتّجه أن الطلاق لا يقع، حملا لغير على الصفة ولو جعلت للاستثناء كان مستغرقا، فيتجه بطلانه ووقوع الطلاق بها.
والأمر في سوى أقوى، لأن جماعة (3) قالوا: إنها لا تكون للصفة، وكذا لو أخر اللفظ المخرج، فقال: كل امرأة لي طالق غيرك أو سواك، فإنه لا يقع أيضا، لأن الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر جائز كما سيأتي إن شاء اللََّه (4).
قاعدة «177» إذا قصد بالنفي رد الكلام على من أوجب لم يكن إثباتا،
مثاله: إذا قال القائل: قام القوم إلا زيدا، والسامع يعلم أنّ الأمر على خلاف ما قاله، فله نفي كلامه بأن يقول: ما قام إلا زيدا، أي: لم يقع ما قلت.
وهذه القاعدة ذكرها ابن مالك في التسهيل (5) وشرحه، وسبقه ابن السرّاج، وفرّع ابن مالك على ذلك بقاء النصب على حاله، وإن كان بعد نفي، لأن المتكلم لم يقصد النفي والإثبات، بل النفي المحض.
__________
(1) وذلك لأن الدانق سدس الدرهم (راجع المصباح المنير: 201).
(2) في «ح»: زيادة: أصالة.
(3) نقله عن ابن الشجري في مغني اللبيب 1: 188.
(4) قاعدة: 191، ص 516.
(5) التسهيل: 102.(1/496)
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا قال: ما له عليّ ألف إلا مائة بالنصب أو ليس له علي عشرة إلا خمسة، فلا يلزمه شيء، حملا على وقوعه لدفع كلام ملفوظ أو متوهّم.
ويجوز تعليله بما سبق من توجه النفي إلى جملة المستثنى والمستثنى منه، فإن «الألف إلا مائة» مدلولها تسعمائة، وحينئذ فكأنه قال: ليس لك عليّ هذا العدد. وعلى هذا القياس عشرة إلا خمسة، ونحو ذلك.
وقال بعضهم: يلزمه مائة في المثال الأول، وخمسة في الثاني (1). وهو ضعيف، لقيام الاحتمال المانع من اللزوم.
قاعدة «178» إذا تأخّر الاستثناء عن اسمين، يحتمل عوده إلى كل واحد منهما،
فعوده إلى الثاني أولى، فاعلا كان أم مفعولا، نحو: غلب مائة مؤمن مائة كافر إلا اثنين، لأن الأصل في المستثنى أن يكون متصلا بالمستثنى منه.
وإن تقدّم عليهما، نظر إن لم يكن أحدهما مرفوعا لا في اللفظ ولا في المعنى، فعوده إلى الأول أولى، نحو: استبدلت إلا زيدا أصحابنا بأصحابكم لما ذكرناه من الاتصال. وإن كان أحدهما مرفوعا لفظا، نحو: ضرب إلا زيدا أصحابنا أصحابكم، أو معنى، نحو: أعطيت أو ملكت إلا الأطفال عبيدنا أبناءنا، فعوده إليه أولى، متقدما كان أم متأخرا.
إذا تقرر ذلك: لم يخف تنزيل الفروع عليه، كما إذا أمر وكيله بالاستبدال ونحو ذلك.
__________
(1) التمهيد: 393.(1/497)
وهذا كله إذا لم يكن الاستثناء متعقبا للجمل، فإن كان متعقبا لها، نظر إن كان العامل فيها واحدا عاد إلى جميعها، كقولك: اهجر بني فلان وبني فلان إلا الصالح منهم. وكذا لو أعاد «اهجر» ثانيا للتأكيد.
ولو كان العامل مختلفا، فإن اختلف المعمول أيضا عاد إلى الأخيرة خاصة، كما قاله ابن مالك وغيره (1)، كقولك: اكس الفقراء وأطعم المساكين إلا الفسقة.
وإن اتحد، كقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً وَلََا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهََادَةً أَبَداً وَأُولََئِكَ هُمُ الْفََاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا} (2). فقال ابن مالك: يعود إلى تلك الجمل، وقال الفارسي يعود إلى الأخيرة خاصة (3). وقد تقدّم في القسم الأول خلاف الأصوليين في كل ذلك وما يتفرع عليه (4).
الثاني في الحال
قاعدة «179» الحال: وصف من جهة المعنى، يفيد التقييد به في الإنشاء وغيره،
فإذا قال مثلا: أكرم زيدا صالحا، استفدنا تقييد الأمر بحالة الصلاح، كما لو قال:
أكرم زيدا إن كان صالحا.
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا قال: أنت أن دخلت الدار طالقا بفتح أن ونصب طالق واقتصر
__________
(1) المحصول 1: 414.
(2) النّور: 4.
(3) نقله عنه في فواتح الرحموت 1: 332.
(4) قاعدة: 74.(1/498)
عليه، فإن قال: نصبت على الحال، ولم أتم الكلام، قبل منه، ولم يقع الطلاق.
وإن قال: أردت ما يراد عند الرفع، ولحن، وقع إن لم تعتبر العربية الصحيحة، وإلا فلا.
وكذا لو قال: «إن دخلت» بكسر الهمزة، عند من قال بوقوعه معلقا، إلا أنه قال هنا يقع إذا دخلت الدار حيث يريد مدلول الرفع.
ومنها: إذا قال: أنت طالق مريضة، لم تطلق إلا في حال المرض، إن اتفق وقت الطلاق وعلم به، لأن القيد مؤكد لم يفد فائدة زائدة. وعند العامة القائلين بوقوعه معلقا يحكم بوقوعه متى مرضت، وإن لم تكن مريضة عند الإيقاع (1). ولو رفع كان خبرا آخر، ووقع منجزا ولو أخبر بأنه قصد الحال ولكن لحن أو ما في معنى الحال، احتمل القبول حيث يمكن في حقه، فيكون كالأول، خصوصا لو لم تكن مريضة ظاهرا عند الصيغة. وعلى الأول فالأخبار بمرضها غير مناف لوقوع الطلاق منجزا، وإن كذب خبره، أو يحمل على مرض باطني أو نفسي عناه.
ومنها: لو نذر أن يصلي قائما، لزمه القيام حيث يلزم في الواجبة. وهل يجب القيام في جميع الصلاة، أم يكفي القيام في جزء منها؟ وجهان، أجودهما الأول، لأنه المفهوم منه عرفا.
ووجه الثاني أنه بالقيام في جزء من الصلاة الصحيحة، يصدق عليه أنه قام في الصلاة، بدليل ما لو حلف لا يصلي، فإنه يحنث بمجرد الإحرام صحيحا، وحينئذ فإذا قام في بعض الصلاة صدق عليه أنه صلى في حال قيامه. وفي الشاهد نظر.
ومنها: لو نذر أن يصلي فريضة مثلا جماعة، فإنه يجب عليه تحريها
__________
(1) المغني والشرح الكبير 8: 318، 395، التمهيد للأسنوي: 404.(1/499)
ونيتها على وجه يصح كذلك، ولا يكفي حضور جماعة أهل الخلاف وإن قامت بثواب الجماعة الصحيحة وزيادة.
وهل يجب عليه جعل جميع الصلاة جماعة بحيث يتلبس بها في صلاة للإمام تساوي عدد فريضته، ويدخل في أول ركعة، أم يجزئه الدخول بها في جزء منها؟ وجهان، أصحهما الأول، لأن القدر المتخلف من صلاته عن صلاة الإمام يقع فرادى، فلا يصدق إيقاع جميع فريضته جماعة.
ولكن يجزئه أن يدخل في الركعة الأولى والإمام راكع بحيث يدرك الركعة، مع احتمال وجوب الدخول من أول الركعة.
ووجه الاجتزاء بإدراك جزء من الصلاة ولو قبل التسليم، صدق اسم الجماعة في تلك الفريضة، وحصول ثواب الجماعة به كما نصوا عليه (1). فلا يجب الزائد.
ومثله ما لو نذر أن يصليها في جماعة، لتحقق معنى الحالية الموجب لإيقاع جملة الصلاة في تلك الحالة.
ومنها: لو نذر الحج ماشيا، فيلزمه المشي من حين الإحرام قطعا إلى حين التحلل التام.
وقيل: يجب من بلده (2). وهو أقوى، للعرف، إلا أن يريد غيره.
ويحتمل قويا في جانب الآخر أن يجب إلى أن تكمل أفعاله، وإن حصل التحلل بطواف النساء.
ولو عكس فقال: لله عليّ أن أمشي حاجا، فكالعكس، ويحتمل قويا الاكتفاء بمشيه لحظة بعد الإحرام، لصدق مشيه في حالة كونه حاجا، كما
__________
(1) الفقيه 1: 393، الاستبصار 1: 435.
(2) تحرير الأحكام 2: 107.(1/500)
يقال: جامع محرما أو صائما ونحو ذلك، بخلاف العكس. وهكذا لو أتى بالحال جملة، اسمية كانت أم فعلية في الأمرين.
قاعدة «180» لا يكون الحال لغير الأقرب إلا لمانع، كما قاله في التسهيل (1).
فإذا قلت مثلا: لقيت زيدا راكبا، كان ذلك حالا من زيد، بخلاف ما إذا قلت: لقيته راكبين، فإنه يتعين كون الحال منهما، لمانع وهو تعذّر اختصاصه بالراكب المثنى (2).
ومن كلام العرب: لقيت زيدا مصعدا منحدرا. وقد اختلفوا فيه، فالصحيح كما قاله في الارتشاف: أن الأول للثاني والثاني للأول، لأن فيه اتصال أحد الحالين بصاحبه. وقيل بالعكس (3) مراعاة لما سبق.
إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة:
ما إذا قال: إن كلمت زيدا في المسجد فأنت علي كظهر أمي، فيشترط حصول المكلّم فيه دون المكلّم بالكسر وكذا: إن ضربت زيدا فيه، اشترط حصول المضروب فيه دون الضارب، حتى لو كلّمته أو رمته من خارج المسجد لم يقع.
ولو ادعى إرادة العكس أو إرادة الحال منهما فالظاهر القبول، خصوصا
__________
(1) التسهيل: 109.
(2) كذا في «د»، «م»، وفي «ح»: التراكيب المثنى، والمراد: تعذر اختصاص الأقرب بصفة الراكب المثنى أو التركيب المثنى.
(3) شرح الكافية للرضي 1: 200.(1/501)
مع قيام القرينة بصدقة، كقوله: إن شتمته في المسجد مثلا، حيث جعل الغرض الامتناع عما يهتك حرمة المسجد، والهتك يحصل بذلك.
هذا إذا وقعت الحال بعد المفردات، أما لو وقعت بعد الجمل، فالمحققون (1) على أنها تعود إلى الجميع إلا مع القرينة، كالاستثناء وغيره.
ومن فروعه:
ما إذا قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي محتاجين بتنكير اللفظ حتى يكون حالا فإن الاحتياج يكون شرطا في الجميع.
وعند بعضهم يعود إلى الأخيرة كالاستثناء (2).
واستثنى بعضهم من ذلك ما لو قال: من يدخل الدار من عبيدي ويكلم فلانا وهو راكب فهو حر، على وجه النذر فإن الجملة الدالة على الركوب حال من العبد المكلّم لا من فلان، لأنه المحدث عنه بالأصالة.
قاعدة «181» يجوز إيقاع الجملة موقع الحال كقولك: جاء زيد وهو راكب،
عوضا عن قولك: راكبا، وهو ظاهر.
إذا تقرر ذلك فيتفرع عليه فروع كثيرة من الأيمان والنذور والتعليقات، كقوله: واللََّه لا آكل متكئا، أو: وأنا متكئ، أو نذر ذلك. أو قال: إن أكلت متكئة أو وأنت متكئة، فأنت عليّ كظهر أمي، ونحو ذلك.
وفرّق بعضهم (3)، بينهما فيما إذا قال: لله عليّ أن أعتكف ثلاثة أيام
__________
(1) منهم البيضاوي والأسنوي في نهاية السؤل 2: 430، والتمهيد: 403.
(2) المحصول 1: 421.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 287.(1/502)
مثلا صائما، فإنه يلزمه بهذا النذر ثلاثة أشياء وهي الصوم والاعتكاف، وكذا الجمع بينهما. بخلاف ما لو أتى بالجملة كقوله: وأنا صائم، وما في معناه كقوله: وأنا فيه صائم، فإن النذر المذكور لا يوجب صوما، وإن وجب إيقاعه حالة الصوم، فلو اعتكف في رمضان صائما أجزأه، لأنه لم يلتزم الصوم، وإنما نذر الاعتكاف بصفة، وقد وجدت.
وفي الفرق نظر، والمتجه عدمه، وأن حكم الأول كالأخير.
ولو قال: أن أعتكف بصوم، فحكمه حكم المفرد، لأنه في موضع الصفة لمصدر محذوف تقديره: أعتكف اعتكافا بصوم أو متعلق بمفرد، كما قاله ابن مالك (1) وجماعة (2)، وتقديره: كائنا بصوم.
__________
(1) التسهيل: 143.
(2) نقله عن سيبويه والأخفش في التسهيل: 143.(1/503)
الثالث: في العدد
قاعدة «182» إذا ميّزت العدد المركب بمختلط كقولك: عندي ستة عشر عبدا وأمة، أو درهما ودينارا، كان المجموع ستة عشر فقط.
ثم إن كان العدد يقتضي التنصيف كمثالنا كان التمييز منصفا وإن كان لا يقتضيه كخمسة عشر كان تمييزه مجملا، حتى يحتمل أن يكون العبيد أكثر وأقل. كذا جزم به في الارتشاف.
إذا علمت ذلك فلا يخفى ما يترتب عليه من الفروع في باب الإقرار والنذر واليمين والوكالة في البيع بذلك الثمن ونحوها. ولو قال: له عليّ اثنا عشر درهما ودانقا، فإن ينصف، فهما على التسوية كما مر، فيلزمه سبعة دراهم. ويحتمل أن يلزمه درهم واحد، ويجعل الباقي دوانق، لأنه المتيقن، والأصل براءة الذّمّة من الزائد.
وحكى بعضهم في المسألة وجها ثالثا، وهو أنه يلزمه ثمانية دراهم إلا دانقا، لجواز أن يريد اثني عشر من الدوانق والدراهم، وغاية ما يطلق عليه اسم الدوانق خمسة، لأن ما زاد عليه يسمى درهما، فتجعل الدوانق خمسة
والباقي وهو السبعة دراهم، ومجموع ذلك ثمانية إلا سدسا، كما ذكر. وهذا وجه لطيف متفرع على التصنيف مع زيادة نظر.(1/504)
وحكى بعضهم في المسألة وجها ثالثا، وهو أنه يلزمه ثمانية دراهم إلا دانقا، لجواز أن يريد اثني عشر من الدوانق والدراهم، وغاية ما يطلق عليه اسم الدوانق خمسة، لأن ما زاد عليه يسمى درهما، فتجعل الدوانق خمسة
والباقي وهو السبعة دراهم، ومجموع ذلك ثمانية إلا سدسا، كما ذكر. وهذا وجه لطيف متفرع على التصنيف مع زيادة نظر.
ولو رفع دانقا أو خفضه، لزمه اثني عشر درهما بزيادة دانق، وهو السدس، لأن العطف يقتضي الزيادة.
ولو أتى بالدانق ساكنا من غير إلحاق الألف، انحصر في الرفع والجر، فيلزمه حكمهما. وفيه وجه أنه يجب معه الأقل، لأنه المتيقن، فيكون حكمه حكم المنصوب. ويضعف بأنه غير عربي صحيح، إن لم يحتمل في حق المقر مثله. ولو قيل باختصاص لزوم ما فصّل بالعالم بالعربية والرجوع إلى تفسير غيره كان حسنا.
قاعدة «183» إذا وقع المختلط تمييزا لعدد مضاف
فله حالان:
أحدهما: أن يكون له تنصيف جمعي، كقوله القائل: له عندي عشرة أعبد وإماء، فلا بدّ في تفسيره من جمع لكل من النوعين، وقال الفراء: لا يعطف المذكر على المؤنث، ولا المؤنث على المذكر، بل إن وقع ذلك كانا كاملين مستقلين حتى يلزمه في مثالنا عشرة أعبد وعشر إماء.
الثاني: أن لا يكون له تنصيف جمعي، فيعطف على العدد لا المعدود، ويصير المعطوف مجملا.
فإذا قال مثلا: له عليّ أربعة أعبد وإماء، فيجب رفع الإماء حينئذ، فيلزمه أربعة من العبيد وثلاث من الإماء، لأنها أقل الجمع. ولو جرّ ففيه نظر، من إمكان التجوّز وفساد التركيب.
إذا عرفت ذلك فالتفريع عليه لا يخفى.(1/505)
قاعدة «184» أحد عشر إلى تسعة عشر يدل على العدد المعروف،
لكن هل يدل على جملة العدد بالمطابقة، بحيث يكون الواحد والعشرة من أحد عشر مثلا كالاثنين والثلاثة في أنهما جزءان من المسمّى يدل اللفظ عليهما بالتضمن أم يدل على الواحد بالمطابقة وعلى العشرة أيضا بالمطابقة، وأما على أجزاء العشرة فبالتضمن؟ مقتضى كلام النحويين (1) هو الثاني، لأنهم نصوا على أن أحد عشر أصله واحد وعشر، وأن الواو مقدّرة بعد التركيب، وأنه بني لأجل ذلك (2). وقولهم: إنهما جعلا بالتركيب اسما واحدا، لا ينافيه، لأن ذلك صحيح بالنسبة إلى اللفظ، فإنهما لا يعربان، حتى لو أضيف المركب يبقى البناء أيضا، ويجوز إعراب العجز (3) وحده في لغة. وكل هذا دليل على أنهما في اللفظ خاصة كالاسم الواحد.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما إذا قال: له عندي أحد عشر درهما. فإن هذا التمييز وهو الدرهم يعود إلى الأفراد كلها. ولو صرح بالعطف لكان فيه وجهان، وإن كان الأصح عوده أيضا إلى الجميع.
وفرّع عليه العامة (4) المجوزة لوقوع الطلقات ولاء: ما لو قال لزوجته قبل
__________
(1) الهداية (جامع المقدمات): 196.
(2) الهداية (جامع المقدمات): 196.
(3) كذا في «د»، وفي «م»، «ح»: الفجر.
(4) منهم الشافعي في الأم 5: 261، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير 8: 240، 407 والرملي في نهاية المحتاج 6: 462.(1/506)
الدخول: أنت طالق إحدى عشرة طلقة: فعلى الأول تقع ثلاث، وهو الّذي جزم به الرافعي. وعلى الثاني تقع طلقة واحدة، لأنها بانت بها فأشبه ما لو قال: إحدى وعشرين طلقة، وفيه وجهان عندهم، أصحهما وقوع الواحدة فقط.
واعلم أن تعليلهم السابق يشعر بأن التمييز يعود إلى المعطوف والمعطوف عليه، فإذا قال: له عندي خمسة وعشرون درهما، كان الجميع دراهم.
والأقوى أنّ الأمر كذلك، لدلالة العرف عليه. ويحتمل عوده إلى الثاني وبقاء الأول على إبهامه حتى يميزه بما أراد.
وكذا لو ضم إلى ما ذكرناه لفظ «المائة» فقال: مائة وخمسة وعشرون درهما. أو ضمّ أيضا لفظ «الألف» إليه. وكذا لو قال ألف وثلاثة أثواب، بخلاف ألف وثوب، فإن الألف تقع مبهمة.
قاعدة «185» إذا قلت: له عندي عشرة بين عبد وأمة، كانت العبيد خمسا، والإماء خمسا.
وإذا عطفت فقلت: أربعة وعشرين بين عبد وأمة، فكذلك، على ما دل عليه كلام النحاة (1). بخلاف ما إذا لم ينقسم، كأحد وعشرين، فيرجع إليه حينئذ في البيان.
ومقتضى المذهب وجوب التسوية حيث يمكن، كما اقتضاه كلام النحاة. وقد نبّهوا عليه فيما لو قال: الدار التي في يدي بين زيد وعمرو (2).
__________
(1) الإتقان للسيوطي 2: 221، شرح المفصل لابن يعيش 2: 128.
(2) شرح المفصل 2: 128.(1/507)
الرابع: في العطف
قاعدة «186» إذا قلت: قام زيد وعمرو ونحوه،
فالصحيح. أنّ العامل في الثاني هو العامل في الأول، بواسطة الواو (1). وثاني الأقوال: أنّ العامل فعل آخر مقدر بعد الواو (2). والثالث: أن الواو نفسها قامت مقام فعل آخر (3).
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف وهذا الرغيف، فعلى الأول لا يحنث إلا بأكلهما جميعا، كما لو عبّر بالرغيفين. وعلى القول بأنه مقدّر يكون كل منهما محلوفا عليه بانفراده، فيحنث بأكل كل منهما. وكذا على الثالث.
ومنها: إذا قال: وقفت هذا على زيد وعمرو ثم على الفقراء، فمات أحدهما. فإن قلنا إن العامل مقدر فهما جملتان، إذ التقدير: وقفته على زيد
و__________
(1) مختصر المعاني: 81، وحكاه عن سيبويه في شرح الكافية 1: 300، وشرح المفصل 3: 89، 75.
(2) حكاه عن الفارسي في شرح الكافية 1: 300، وشرح المفصل 8: 89.
(3) نقله عن ابن سراج في شرح المفصل 8: 89.(1/508)
وقفته أيضا على عمرو، لكن ظاهره مستحيل، فيكون المعنى: وقفت نصفه على زيد ثم على الفقراء، ونصفه الآخر على عمرو ثم على الفقراء، فإذا مات أحدهما صرف إلى الفقراء.
وإن قلنا بالأصح إن العامل هو الأول بواسطة الحرف، فإذا مات أحدهما صرف إلى صاحبه، لأنه جملة واحدة دالة على وقف واحد على متعدد، ثم على الفقراء.
ومنها: هل يجب في التشهد إعادة «أشهد» في المرة الثانية، فيقول:
وأشهد أن محمدا رسول اللََّه، أو مع ما جامعه من النسب؟ فيه خلاف، فعلى القول الأول يكون الإتيان به ثانيا تأكيدا واهتماما، وحذفه مفوّت لذلك ويؤيده وروده في الخبر الصحيح (1). وعلى القول بالتقدير لا يجب، لأن المعنى حينئذ لا يختلف بين تقديره والتصريح به. وهو مختار العلامة رحمه اللََّه عليه (2).
قاعدة «187» إذا عطف على منفي بإعادة «لا» النافية كقولك: ما قام زيد ولا عمرو، كان ذلك نفيا لكل واحد،
بخلاف ما إذا لم تكن معادة، فإنه يكون نفيا للمجموع، حتى يصدق ذلك بانتفاء قيام واحد. كذا جزم به في التسهيل وشرحه (3).
__________
(1) التهذيب 2: 99حديث 141، الاستبصار 1: 342حديث 1289، الوسائل 4: 992أبواب التشهد باب 4حديث 4.
(2) تحرير الأحكام 1: 43، قواعد الأحكام 1: 35.
(3) التسهيل: 175.(1/509)
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا قال: واللََّه لا أكلّم زيدا ولا عمرا، فيحنث الحالف بكل واحد منهما، ولا ينحل اليمين بأحدهما، بخلاف ما إذا لم يكرر «لا» فإن ذلك يكون يمينا واحدة، حتى ينعكس الحكم الّذي ذكرناه في الحنث بأحدهما. ويحتمل كون التصويرين يمينا واحدة، ولا أثر لتكرار «لا». وقس على ذلك نظائره.
قاعدة «188» يغتفر في المعطوف ما لا يغتفر في المعطوف عليه.
ويعبر عنه أيضا بعبارة هي أعم مما ذكرناه، فيقال: يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل.
وبيان ذلك بذكر مسألتين:
الأولى: اسم الفاعل المقرون ب «أل» يجوز إضافته إلى ما فيه «أل» فتقول: جاء الضارب الرّجل بالكسر. ولا تجوز عند سيبويه (1) والجمهور (2)
إضافته إلى العاري عنها، فلا يقال: جاء الضارب زيد بالكسر، بل بالنصب.
فإن كان معطوفا على ما فيه «أل» كقولك: جاء الضارب الرّجل وزيد، فقال سيبويه (3) وغيره (4): يجوز جرّه، لكونه في الثواني كما سبق. ومنعه المبرد (5).
__________
(1) الكتاب 1: 114.
(2) شرح الكافية للرضي 1: 281، شرح العوامل (جامع المقدمات): 167.
(3) الكتاب: 114.
(4) الكافية (شرح الرضي) 1: 284، التسهيل: 138.
(5) نقله في حاشية المقتضب 4: 163.(1/510)
الثانية: مجرور «ربّ» لا يكون إلا نكرة، فلا يجوز أن يكون ضميرا، لكونه معرفة. ويجوز أن يعطف على مجرورها مضاف إليه، ومنه قولهم: ربّ شاة وسخلتها، وربّ رجل وأبيه، كذا قال الأخفش (1) وغيره (2) واختاره أبو حيان، وعلل بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل.
وقيل: إنّ ضمير النكرة نكرة أيضا (3)، ونقل ذلك عن سيبويه (4) وأشار إليه في التسهيل في الكلام على عدّ المعارف، حيث عبّر بقوله: ثم ضميرا لغائب السالم عن إبهام (5). وعلى هذا لا يتم ما ذكروه.
إذا عرفت ذلك فمن فروع القاعدة:
ما إذا وقف على أولاده، فإن أولاد الأولاد لا يدخلون. فلو نصّ عليهم فقال: وعلى أولاد أولادي، دخلوا وإن كانوا معدومين حال الوقف، مع أنه لو وقف ابتداء على من يحدث له منهم لم يصح.
ومثله ما لو وقف على مدرسة أو مسجد سيبنيه لم يصح، فإن قال: على هذه المدرسة أو المسجد وما سأبنيه منهما، صحّ.
ومنها: إذا وكّله باستيفاء حقوقه وما يجب منها، ونحو ذلك، كالتوكيل في بيع ما هو في ملكه وما سيملكه، وفي صحته وجهان. ولو وكّله في المتجدد ابتداء لم يصح.
وقريب منه ما لو وكّله في تزويج امرأة وطلاقها، أو شراء عبد وعتقه، أو استدانة دين وقضائه، فإنه يصح. كما جزم به العلامة في التذكرة (6)، مع أنه لو
__________
(1) التسهيل: 148.
(2) مغني اللبيب 2: 908، شرح الكافية للرضي 2: 332.
(3) القائل هو ابن عصفور والزمخشري، نقله عنهما في شرح التصريح على التوضيح 2: 4.
(4) الكتاب 1: 248.
(5) التسهيل: 21.
(6) تذكرة الفقهاء 2: 117.(1/511)
وكّله فيما سيملكه ابتداء لم يصح، ويقرب من ذلك ما لو وكّلته المرأة في العقد عليها بمهر معيّن وبراءة الزوج منه أو من بعضه.
ومنها: لو باعه حمل الدّابّة أو الجارية ابتداء لم يصح للجهالة، ولو باعه الحامل والحمل صح واغتفرت الجهالة، لأن المجهول تابع، والمقصود بالذات معلوم. ومثله كل مجهول يضم إلى معلوم، بحيث يكون تابعا له، فإنه يصح، بخلاف ما لو انفرد.
قاعدة «189» إذا أمكن عود المعطوف إلى ما هو أقرب لم يعد إلى الأبعد،
لأن الأصل في التابع أن يلي المتبوع. ولو تعذّر عوده إليه، صرف إلى ما قبله بغير فصل، دون السابق، وهكذا.
إذا تقرر ذلك فمن فروعه:
ما لو قال: له عليّ عشرة إلا ثلاثة وثلاثة، فيعود المعطوف إلى المستثنى قبله، فيبقى من العشرة أربعة. ولا تجعل الثلاثة الثانية معطوفة على العشرة، ليكون المقرّ به ثلاثة عشر استثني منه ثلاثة، كما لو قال: له سبعة وثلاثة.
ولبعض الفقهاء وجه، أنه في نظائر ذلك يعود إلى المستثنى منه، لأنه هو المقصود بالكلام، والمستثنى فضلة، فكان الأول أولى، وهو نادر ضعيف.
قاعدة «190» إذا حكم على العام بحكم ثم عطف عليه فرد من أفراده محكوما عليه بذلك الحكم، لم يقتض ذلك العطف عدم دخول ذلك الفرد في العام،
كما
صرح به أبو علي الفارسي (1)، وابن جني (2) وذهب ابن مالك في باب العطف من التسهيل إلى اقتضائه عدم دخوله فيه، وبنى عليه وجوب عطفه بالواو خاصة (3). ومن مثله قوله تعالى {مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِلََّهِ وَمَلََائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكََالَ} (4). وقوله تعالى {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} (5).(1/512)
كما
صرح به أبو علي الفارسي (1)، وابن جني (2) وذهب ابن مالك في باب العطف من التسهيل إلى اقتضائه عدم دخوله فيه، وبنى عليه وجوب عطفه بالواو خاصة (3). ومن مثله قوله تعالى {مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِلََّهِ وَمَلََائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكََالَ} (4). وقوله تعالى {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} (5).
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا قال: أوصيت لزيد وللفقراء بثلث مالي. وزيد فقير، سواء وصفه بالفقر أم لا، وسواء قدّمه على الفقراء أم أخره وفي مقدار استحقاقه أوجه:
أحدها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل ما يتموّل، ولكن لا يجوز حرمانه.
والثاني: أنه يعطى سهما من سهام القسمة، فإن قسّم المال على أربعة من الفقراء، أعطي زيد الخمس، أو على خمسة فالسدس، وعلى هذا.
والثالث: أنّ له ربع الوصية والباقي للفقراء، لأن الثلاثة أقل من يقع عليه اسم الفقراء.
والرابع: له النصف ولهم النصف.
والخامس: وهو أضعفها، أن الوصية له باطلة، لجهالة ما أضيف إليه.
والوجه الأول والثاني متفقان على دخوله، والثالث والرابع على عدمه.
ولو وصف زيدا بغير صفة الجماعة فقال، أعطوا ثلثي لزيد الكاتب وللفقراء، قوي الوجه بالتنصيف.
__________
(1) نقل عنه القول بالاقتضاء الزركشي في البرهان، 2: 467.
(2) نقل عنه القول بالاقتضاء الزركشي في البرهان 2: 467.
(3) التسهيل: 178.
(4) البقرة: 98.
(5) البقرة: 238.(1/513)
الخامس: في النعت
مقدمة: النعت: تابع مشتق، أو مؤوّل به، يفيد تخصيص متبوعه، أو توضيحه، أو غيرهما.
ومن الأول قوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} * (1). ومن الثاني {نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ} (2) و {عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} (3) {لََا تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ} (4).
ومما خرج عنهما: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}، فإن النعت في الأول للذم وفي الباقي للمدح.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه أمور:
منها: الاختلاف في ملك العبد وعدمه، من قوله تعالى {عَبْداً مَمْلُوكاً لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ} (5) فإن جعلناه للتوضيح دلّ على عدم ملكه مطلقا، وإن
__________
(1) النساء: 92.
(2) الحاقة: 13.
(3) البقرة: 196.
(4) النحل: 51.
(5) النحل: 75.(1/514)
جعلناه للتخصيص فمفهومه الملك، لأن التخصيص بالوصف يدلّ على نفيه عن غيره. والحق أنّ اشتراكه يمنع دلالته بمجرده.
ومنها: الاختلاف في اشتراط القبض في الرهن من قوله تعالى {فَرِهََانٌ مَقْبُوضَةٌ} (1) فإن جعلناه للتوضيح دلّ على اشتراطه، أو التخصيص فلا، بل يفيد حينئذ تخصيص الفرد من الرهان الّذي يحصل به التوثّق لصاحب الدين.
ويؤيده قرينة السياق، حيث رتّبه على السفر وفقد الكاتب، مع أنهما غير شرط فيه. والقول في دلالته كالأول.
ومنها: الاختلاف في العارية، فإنها عندنا لا تضمن إلا بالشرط، أو مع كون المستعار ذهبا أو فضة أو للرهن، على ما فصّل (2). وعند بعض العامة تضمن من غير شرط (3). لأن النبي صلى اللََّه عليه وآله استعار من صفوان بن أمية دروعا فقال له: أغصبا؟ فقال النبي صلى اللََّه عليه وآله: «بل عارية مضمونة» (4) فجعلوا الوصف للتوضيح. ويجوز عندنا كونه للتخصيص، ويكون ذلك شرطا لضمانها.
ومنها: ما لو قال لوكيله: استوف ديني الّذي على فلان، فمات، استوفاه من وارثه، لأن الصفة للتوضيح. وقال بعضهم بالمنع، بناء على أنها للتخصيص. وهذا بخلاف ما لو قال: اقبض حقي من فلان، لأن الجار يتعلق بالقبض لا بالحق، ومن ابتدائية، والقبض من وارثه ليس قبضا منه.
__________
(1) البقرة: 283.
(2) شرائع الأحكام 2: 410.
(3) المغني لابن قدامة 5: 355.
(4) الكافي 5: 240باب ضمان العارية والوديعة حديث 10، الفقيه 3: 302باب العارية حديث 4086، التهذيب 7: 182حديث 802، 803. الوسائل 13: 236كتاب العارية باب 1 حديث 4، 5، الأم 3: 245، مختصر سنن أبي داود 5: 198حديث 3418. باب تضمين العارية، سنن البيهقي 6: 89باب العارية المضمونة.(1/515)
بخلاف الأول، فإن قبضه من الوارث قبض للحق الّذي على المورث. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة (1).
ومنها: لو قال لزوجته إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت عليّ كظهر أمي. فإن جعلنا الأجنبية للتوضيح، وظاهر منها بعد تزويجها، وقع الظهاران وإن جعلناها للتخصيص لم يقع، لأن التزويج يخرجها عن كونها أجنبية، وهو الّذي قوّاه الأصحاب (2). هذا إذا لم يقصد أحدهما، وإلا انصرف إلى ما قصده.
ومنها: لو حلف لا يكلم هذا الصبي، فصار شيخا، أو لا يأكل من لحم هذا الحمل، فصار كبشا، أو لا يركب دابة هذا العبد، فعتق وملك دابة فركبها فعلى التوضيح يحنث، وعلى التخصيص لا.
ويقرب منه ما يعبّر عنه الفقهاء باجتماع الإضافة والإشارة كقوله: لا كلمت هذا عبد زيد، أو هذه زوجته، فإن الإضافة في معنى الصفة، فإن جعلناها للتوضيح فاليمين باقية وإن زال الملك والزوجية، أو للتخصيص انحلت بزوالهما.
قاعدة «191» الفصل بين الصفة والموصوف يجوز بالمبتدإ،
كقوله تعالى {أَفِي اللََّهِ شَكٌّ فََاطِرِ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (3). وبالخبر، كقولك: زيد قائم العاقل.
وبجواب القسم، كقوله تعالى {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عََالِمِ الْغَيْبِ} (4).
__________
(1) تقدم في ص 423.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 5: 153.
(3) إبراهيم: 10.
(4) سبأ: 3.(1/516)
إذا تقرر ذلك فيتفرع عليه:
ما تقدم في باب الاستثناء، وهو ما لو قال الزوج: كل امرأة لي غيرك أو سواك طالق، ولم يكن له إلا المخاطبة، فإنها لا تطلق. وكذا لو أخّر سوى ونحوها وفصل بالخبر، وهي مسألتنا، وقد تقدم (1).
ومثله لو قال المقرّ: كل دابة تحت يدي لفلان سوى هذه الفرس، أو كل دار سوى هذه، أو قال البائع أو المؤجر ذلك فإن الإقرار والبيع والإجارة لا يتناولها.
قاعدة «192» إذا تعقّب النعت جملا متعددة،
ففي رجوعه إلى الجميع، أو الأخيرة، أو التوقف، أو التفصيل بالإضراب عن الأولى فيعود إلى الأخيرة وعدمه فيعود إلى الجميع، خلاف، تقدّمت الإشارة إليه في القسم الأول، وأن عوده إلى الجميع ما لم تقم قرينة على خلافه أظهر.
وتفصيل أبي الحسين يرجع إلى القرينة، ولا نزاع فيه معها (2).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما لو أوصى لأولاده وأولاد أولاده المحتاجين. أو قال لوكيله: فرّق هذا المال على القرّاء وطلبة العلم الصالحين أو العدول، أو وقف على أولاده وأولاد أولاده المتصفين بطلب العلم مثلا، ونحو ذلك. فعلى ما اخترناه يرجع الوصف إلى الجميع في هذه الفروض، لعدم القرينة وإن فرضت اتبعت.
__________
(1) تقدم في ص 200، قاعدة 70.
(2) المعتمد لأبي الحسين 1: 246، 247، 239.(1/517)
ومن مشكل ما يتفرع عليه:
تحريم أمهات النساء عند عدم الدخول بالأزواج وعدمه. وتنقيح المبحث:
إنه لا خلاف في اشتراط الدخول بالأم في تحريم الربيبة، وإنما الخلاف في اشتراطه في تحريم أم الزوجة ومنشأ الاختلاف من قوله تعالى {وَأُمَّهََاتُ نِسََائِكُمْ وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسََائِكُمُ اللََّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (1).
فذكر جملتين، إحداهما: أمهات النساء، والثانية: الربائب، ثم وصفهن بقوله {مِنْ نِسََائِكُمُ اللََّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فإن جعلنا الوصف راجعا إلى الجملة الأخيرة مطلقا أو مع اشتباه الحال انحصر اشتراط الدخول في التحريم بالربائب، وبقيت جملة (أمهات) عامة شاملة لأمهات المدخول بهنّ وغيرهن.
وإن قلنا بعوده إلى الجملتين، فمنهم (2) من إعادة إليهما هنا، وجعل الدخول بالنساء شرطا في تحريم أمهاتهن وبناتهن، إما من جهة مفهوم الوصف، أو من قوله بعد ذلك {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ} (3) وإلى هذا القول ذهب ابن أبي عقيل من أصحابنا (4). وهو أحد قولي الشافعي، بناء على أصلهما من عود الصفة إلى الجميع.
ومنهم (5) من منع من عوده هنا إلى الجملتين لعارض، وإن عاد إليهما لولاه، وهو في معنى القرينة الصارفة عنهما (6) وذلك من جهة قوله
__________
(1) النساء: 23.
(2) حكاه عن داود ومالك في التذكرة 2: 630، وعن بشر المربسي ومحمد بن شجاع في شرح فتح القدير 3: 119.
(3) النساء: 23.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 2: 522.
(5) نهاية المحتاج 6: 275، تذكرة الفقهاء 2: 630.
(6) الكشاف 1: 494.(1/518)
تعالى {مِنْ نِسََائِكُمُ} فإن الجار إن تعلق بنسائكم من قوله تعالى {وَأُمَّهََاتُ نِسََائِكُمْ} كانت لبيان الجنس، وتمييز المدخول به من النساء من غير المدخول به، إذ لو جعلناها للابتداء لكان التقدير: أمهات نسائكم الكائنات من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فينقلب المعنى إلى اشتراط الدخول بأمهات النساء وهو فاسد الوضع. وإذا علق بربائبكم من قوله تعالى {وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} كانت «من» لابتداء الغاية، كما تقول بنات رسول اللََّه صلى اللََّه عليه وآله من خديجة، وحينئذ فيمتنع تعلقه بهما معا، حذرا من استعمال المشترك في معنييه دفعة، وحينئذ فيتعين عوده إلى إحداهما، ولا قائل بعوده إلى الأولى دون الأخيرة، فيتعين الآخر، ولأن عوده إلى الثانية اتفاقي بل منصوص، وكذا حكمها، بخلاف الأولى. وهذا هو الّذي تمسك به في الكشاف (1) على تعلق الجار بالثانية دون الأولى، ثم جوّز جعل «من» لمجرد الاتصال، على حد «من» في قوله تعالى {الْمُنََافِقُونَ وَالْمُنََافِقََاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} (2) إذ النساء متصلات بالنساء، لأنهن أمهاتهن، كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهن بناتهن.
واعلم أنّ ابن هشام نقل في المغني عن جماعة: أن سائر معاني «من» راجعة إلى الابتداء بعد أن جعله الغالب (3). وعلى هذا فحملها على الابتداء ممكن ولو بتكلّف، فيقوى الإشكال في دلالة الآية. وأما الأخبار فمتعارضة من الجانبين (4). وكيف كان فالمذهب اختصاص الوصف هنا بالثانية.
واللََّه أعلم.
__________
(1) الكشاف 1: 494.
(2) التوبة: 67.
(3) مغني اللبيب 1: 419.
(4) وسائل الشيعة 14: 354أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب 20حديث 1، 2.(1/519)
السادس التوكيد
قاعدة «193» التوكيد: تقوية مدلول ما ذكر بلفظ آخر.
وهو إما معنوي، كقولك: جاء القوم كلهم أجمعون، أو لفظي وهو ما وقع بإعادة اللفظ الأول بعينه، كقولك: جاء القوم جاء القوم، بالتكرار.
وقد اتفقوا على أن التأكيد خلاف الأصل، لأن الأصل في وضع الكلام إنما هو إفهام السامع ما ليس عنده، فإذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد تعيّن حمله على التأسيس.
وفروع القاعدة كثيرة، وقد يقع النّظر في بعضها:
فمنها: إذا كرّر الظهار (1) كقوله: أنت عليّ كظهر أمي، أنت عليّ كظهر أمي، أو كرّر الطلاق على مذهب العامة (2). وفي حمله على التأكيد أو التأسيس وجهان. وكذا القول لو كرّر الإيلاء.
ومقتضى القاعدة القطع بالتكرر مطلقا، لكن الأصحاب في الإيلاء على
__________
(1) في «د»، «م»: المخبر، وفي «ح»: المتجر.
(2) المغني لابن قدامة 8: 399.(1/520)
خلافه (1). واختلفوا في تكرر الكفارة في الظهار. والأقوى التكرر لذلك.
أما تكرار العقود كالبيع والنكاح وغيره فلا يفيد شيئا، لتحقق الحكم بالأول، فيفوت شرط الصحة في الثاني، من كون البائع مثلا مالكا للمبيع، والمشتري مالكا للثمن، والزوجة قابلة لعقد النكاح، وغيره، فلا يتكرر المهر بذلك، سواء وقع المتعدد ظاهرا، أم سرا، أم بالتفريق.
ومنها: لو كرر القذف الموجب للحد، وغيره من أسبابه، كالشرب والزنا والسرقة، ومقتضى القاعدة تكرره، ولكن الفتوى على اشتراطه بتخلل الحد، وإلا لم يتكرر (2)، وذلك بدليل خارج.
أما ما يوجب التعزير، فإن كان مقدرا فالحكم فيه كالحد، وإلا لم تظهر له فائدة، لأن تقديره حينئذ منوط بنظر الحاكم، فيجوز له الزيادة في الضرب.
اما لو اتحد الشتم لم يقبل نظره الزيادة. وقد يلحق بالحد أيضا في جانب الزيادة، فإن الواجب فيه أن لا يبلغ الحد، ولو حكمنا بتعدده أمكن زيادة المجموع عنه، مع أن الواجب أن لا يبلغ التعزير عن المجموع ذلك، فيكون هنا في معنى الحد.
ومنها: إذا كرر الجملة الشرطية دون الجزاء، كقوله: إن دخلت الدار، إن دخلت الدار، فأنت عليّ كظهر أمي، أو طالق عند العامة. فهل يكون تأسيسا، حتى لا تحرم ولا تطلق إلا بالدخول مرتين، ويصير كأنه قال: إن دخلت بعد أن دخلت، كما لو اختلف الشرط فقال: إن دخلت هذه الدار، و (3) إن دخلت تلك، أو تأكيدا، لأنه المتبادر في مثل ذلك، ولأن أصالة التأسيس عارضها أصالة بقاء الحل والزوجية؟ وجهان، والثاني لا يخلو من قوة.
__________
(1) قواعد الأحكام 2: 89.
(2) المبسوط 5: 216.
(3) الواو ليست في «د».(1/521)
ولا فرق بين تقديم الشرطين وتأخيرهما وتفريقهما. ولو ادعى المتلفظ أنه أراد أحدهما فلا إشكال في القبول، خصوصا لو ادعى إرادة التأكيد.
ومنها: إذا كرر المتكلم «ما» النافية ونحوها، فقال مثلا: ما ما قام زيد.
فالمفهوم من كلام العرب كما قاله أبو حيان (1)، بل صريح بعضهم، كقول كثير:
لا لا أبوح بحب غرّة إلى آخره، أنّ الكلام باق على النفي، وأن «ما» الثانية توكيد لفظي للأولى.
ويتفرع على ذلك فروع كثيرة تجري في أبواب متفرقة كقوله: ما ماله عندي شيء، وما ما بعته هذه العين ونحو ذلك، فلا يترتب على هذا الكلام شيء.
لكن ذكر بعضهم (2) أن نفي النفي إثبات، وأن التقدير يصير في المثالين المذكورين: له عندي شيء، وبعته هذه العين بناء على أنّ التأسيس خير من التأكيد، وهو بعيد. نعم لو ادعى المقرّ أنه أراده قبل منه.
ولو ادعى المقرّ له إرادة المقر ذلك، ففي توجه اليمين على المقر وجه قوي مأخذه عموم اليمين على من أنكر. ووجه العدم أنه اختلاف في الإرادة، وهي من الأمور الخفية على غير المريد.
وفي أبواب الفقه نظائر كثيرة يتوجه فيها اليمين على مدعي الإرادة تؤيد الأول.
فائدة: قال بعض العلماء العرب: لا تؤكد أكثر من ثلاث مرات (3).
__________
(1) التمهيد للأسنوي: 169.
(2) نقله عن الرافعي في التمهيد: 170.
(3) حكاه في التمهيد: 171.(1/522)
ويشهد له الحديث: أنه صلى اللََّه عليه وآله كان إذا ذكر كلاما أعاده ثلاثا (1).
وفرع عليه: أنّ من كرر ما يقبل التكرار أربع مرات مثلا، وادعى قصد التأكيد، لا يقبل في الرابعة والمتجه خلاف ذلك، وقبول التأكيد مطلقا، وإن خرج عن القانون النحوي، على تقدير تسليمه.
قاعدة «194» جزم النحويون بأنّ فائدة التوكيد بكل ونحوه رفع احتمال التخصيص،
وعلى أن فائدته في «النّفس» و «العين» رفع احتمال التجوّز، فإنك لو قلت مثلا: جاء الأمير، فيحتمل إرادة أتباعه وخدمه.
إذا تقرر ذلك فمقتضاه: أنه لو قال: زوجاتي كلّهن طوالق، وعبيدي كلّهم أحرار، وأخرج بعضهم بنيته، لم يؤثر التخصيص شيئا.
والحق جوازه، لأنه لو امتنع لامتنع التصريح به، وليس كذلك، بدليل قوله تعالى {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلََّا عِبََادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (2).
وحيث يقبل التخصيص فهو بحسب الواقع. ولكن هل يقبل قوله في قصده؟ يحتمله، لأنه لا يعلم إلا من قبله وعدمه، لمخالفته دلالة اللفظ، كما لو ادعى عدم القصد إلى الصيغة الصريحة في موضع لا يجوز له الرجعة.
والتحقيق ما قاله البيانيون (3) من احتمال التوكيد فوائد غير ما ذكر، منها تقرير المسند إليه، وتحقيق مفهومه، بحيث لا يظن به غيره، نحو: جاء زيد زيد، إذا ظن غفلة السامع عن سماع المسند إليه، أو حمله على معناه.
__________
(1) مختصر سنن أبي داود 5: 249.
(2) الحجر: 40.
(3) مختصر المعاني: 78.(1/523)
ومنها: دفع السهو، كالمثال، مريدا بتكراره دفع توهم أنّ الجائي عمرو، وإنما ذكر زيد على سبيل السهو.
ومثله في دفع السهو يأتي في تأكيد الجمع، دفعا لتوهم أن الحكم على واحد، والإسناد إلى الجميع وقع سهوا. ومثل هذا يقبل التخصيص حيث يبقى أزيد من واحد.
قاعدة «195» الحرف الّذي يجاب به مثل نعم وبلى ولا يجوز تكراره للتوكيد، وإن لم يجب به.
قال ابن السراج والسهيلي: لا يجوز تكراره إلا بإعادة ما دخل عليه نحو: إنّ زيدا قائم. وخالف الزمخشري (1) وابن هشام (2) فجوزا تكراره وحده.
إذا تقرر ذلك: فإذا كرر المتكلم كلمة نافية لا يتأتى دخولها على الكلمة التي صاحبتها نحو: لم لم يقم زيد، بتكرار «لم» وكذا «لن» ونحو ذلك كان الحرف مؤكدا، والكلام باق على ما كان عليه، وإن كان شاذا عند بعضهم (3). وهكذا إذا كرر «ليس».
وإن كرر «ما» النافية فقيل مثلا: ما ما قام زيد، فالمفهوم من كلام العرب أنّ الكلام باق على النفي، وأن «ما» الثانية توكيد لفظي.
ويتفرع على ذلك فروع كثيرة تجري في أبواب متفرقة كالأقارير والأيمان.
فإذا قال: ما ماله عندي شيء، لم يترتب عليه شيء.
__________
(1) المفصل (شرح المفصل) 3: 41.
(2) شرح التصريح على التوضيح 2: 127، 129.
(3) شرح التصريح على التوضيح 2: 130.(1/524)
وقد استشكل بعضهم (1) ذلك بما تقرر من أنّ نفي النفي إثبات، وأن فائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد، فينبغي أن يكون إقرارا بشيء يرجع فيه إليه.
وفيه نظر، لأن الصيغة المذكورة لما كانت مشتركة بين التأكيد ونفي النفي، لم يجب حملها على ما يخالف البراءة الأصلية وغيرها من الأصول العقلية بمجرد ورودها له، خصوصا مع دعوى المقرّ إرادة التأكيد.
فائدة: إذا أتيت ب «أجمعين» في التأكيد،
فقلت مثلا: جاء القوم أجمعون، أو كلهم أجمعون، قال الفراء: يفيد الاتحاد في الوقت (2) والجمهور على أنه لا يفيده (3)
وإنما هو بمثابة كل، ودليله قوله تعالى {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (4) فإن وقت إغوائهم مختلف متعاقب ضرورة.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه:
ما إذا أمر وكيله بتصرفات بهذه الصيغة، أو حلف على ذلك. نعم لو وقعت لفظة «جميع» منصوبة على الحال أفادت الاتحاد في الحال، كما سبق إيضاحه في باب الظروف في الكلام على «مع» (5).
قاعدة «196» لا يجوز الفصل بين المؤكّد والمؤكد.
__________
(1) نقله عن الرافعي في التمهيد: 170.
(2) حاشية الصبّان 3: 77.
(3) حاشية الصبّان 3: 77.
(4) الحجر: 40.
(5) قاعدة: 124، ص 374.(1/525)
ومن فروعه:
ما لو قال: له عليّ درهم ودرهم ودرهم ودرهم، وقال: أردت بالدرهم الرابع تأكيد الثاني، فإنه لا يقبل.
ولو قال: أردت تأكيد الثالث قبل، وكذا لو قال أردت بالثالث تأكيد الثاني. ولو قال هنا: وأردت بالرابع تأكيد الثاني قبل أيضا، لأنه بمنزلة تأكيد الثالث، نظير جاء القوم كلهم أجمعون.
ولو قال أردت بواحد من الثلاثة تأكيد الأول لم يقبل، لعدم اتفاق اللفظين باعتبار الواو.
ولو قال: له عليّ درهم له عليّ درهم، ثم قال: أردت بالثاني تأكيد الأول قبل. وكذا لو كرره ثلاثا وقال: أردت بالأخيرين تأكيد الأول. ولو قال: أردت بالثالث تأكيد الأول لم يقبل للفصل.
ولو قال: أردت بالثاني تأكيد الأول: وبالثالث الاستئناف قبل.
ومثله ما لو قال: أردت بالثاني الاستئناف وبالثالث تأكيد الثاني. وقس على ذلك نظائره.
واعلم أن حمل اللفظ على فائدة جديدة أولى من حمله على التأكيد، لأن الأصل في وضع الكلام إنما هو إفهام السامع ما ليس عنده، ومن ثم حمل ما تقدم من الأمثلة على التأسيس مع إمكان حمله على التأكيد، إلا مع دعواه إرادته.
وفروع ذلك كثيرة، تقدم منها جملة في القسم الأول، وفي بعضها خلاف، وفي بعض ما يخالف القاعدة، فراجعها ثمة (1).
__________
(1) تقدم في ص 520قاعدة 193، وليس في القسم الأول.(1/526)
السابع البدل
قاعدة «197» البدل: هو التابع المقصود بالحكم من غير توسط حرف متبع،
كقولك:
مررت بأخيك زيد، أو بزيد أخيك.
واحترز بالقيد الأول عن النعت والتأكيد وعطف البيان، وبالقيد الثاني عن عطف النسق.
إذا عرفت ذلك فمن فروعه:
ما إذا كان له بنت واحدة اسمها زينب مثلا، فقال: زوجتك بنتي حفصة، فمقتضى ذلك وبه صرّح بعض النحاة (1) أنه إن قصد البدلية صح، وإن قصد عطف البيان لم يصح.
والفرق أن البدل يجب تقدير العامل معه، فهو هاهنا في تقدير جملتين، فكأنه قال: زوجتك بنتي زوجتك حفصة، ولو نطق هكذا وقع العقد صحيحا بالجملة الأولى، عند من يجوّز الفصل اليسير بالأجنبي، بخلاف عطف البيان، فإن العامل ليس مقدّرا، بل هو عامل واحد توجه إلى قوله: بنتي، المفسرة
__________
(1) مغني اللبيب 2: 597.(1/527)
بحفصة، وليست له بنت بهذا التفسير، وأيضا فإن البدل لا يستلزم أن يكون مدلوله مدلول المبدل منه، فإنه قد يكون للإضراب، وقد يكون للغلط وعطف البيان يستلزم ذلك، فمراده بالبنت هو ما بعده، وليس له ذلك، فأبطلناه.
والأقوى البطلان مطلقا للفصل، وإن كان الفرق المذكور حسنا لو تم اغتفار ذلك الفصل.
ومنها: لو كانت له بنتان فأراد تزويج إحداهما، فلا بدّ من تمييزها عن الأخرى، إما بالنية، أو بالإشارة، أو الصفة، ونحو ذلك فلو ميّزها باسمها، فقال مثلا: بنتي فاطمة، فمقتضى ما تقدم عكس ما ذكر، فإن أراد عطف البيان صح، لأنه بيّن مراده، وإن أراد البدل لم يصح، لأنه لو كانت له بنتان فاطمة وزينب، فقال: زوجتك فاطمة، ولم يقل بنتي، فإنه لا يصح، لكثرة الفواطم. فإرادة البدل هاهنا تجعله جملتين كما تقدم، فكأنه قال: زوجتك بنتي زوجتك فاطمة ولو قال هكذا لم يصح، لأنه لم يحصل تفسير، لا للبنت، ولا لفاطمة. ولو أطلق صح وحمل على عطف البيان.
فائدة: ما سبق من العطف والنعت والتأكيد والبدل تسمى توابع،
لأنها تتبع الاسم السابق في الإعراب وفي غيره، كما أوضحوه في موضعه (1).
والتابع لا يكون له تابع أي: لا يعطف على المعطوف، فإذا قلت مثلا: جاء زيد وعمرو وبكر، فلا يكون بكر معطوفا على عمرو، بل على ما عطف عليه عمرو وهو زيد. وكذلك في باقي التوابع. وجوّز بعضهم (2) أن يكون للتابع تابع.
__________
(1) الألفية (شرح السيوطي): 160، شرح الكافية للرضي 1: 298، الهداية في النحو: 194.
(2) حكاه عن سيبويه في النحو الوافي 3: 500.(1/528)
إذا علمت ذلك فهنا فروع مناسبة للمسألة وإن لم تكن لازمة لها:
منها: إذا خطب إمام الجمعة بأقل العدد الّذي تنعقد به الجمعة وأحرم بهم، ثم لحقهم عدد آخر يتم به، وأحرموا مع الإمام، ثم انفض السامعون جميعهم، وبقي العدد اللاحق، وهم الذين لم يسمعوا الخطبة، صحّت الجمعة بهم تبعا للسامعين المنفضين، وإن لم تنعقد بهم لولا التبعية. فلو لحق بالعدد الثاني ثالث يتم به، وانفض الثاني أيضا، فالأظهر الصحة أيضا، تبعا للثاني الّذي هو تابع للأول.
ومنها: إذا حضر الجمعة من لا تنعقد به كالمرأة لم يصح إحرامه إلا بعد إحرام العدد الّذي تنعقد به، لأنه تبع له، كما في أهل (الكمال) (1) مع الإمام.
كذا ذكره بعضهم (2) وفيه نظر، والأجود الجواز.
ومنها: إذا تباعد المأموم عن إمامه أكثر من القدر المغتفر، وكان بينهما شخص يحصل به الاتصال، صحّ بشرط أن يحرم قبله، لأنه تبع له، كما أنّ الواسطة تابع لإمامه.
ولو انتهت صلاة الواسطة قبل البعيد، وجب على البعيد الانفراد قبل انتهاء صلاته، أو الانتقال إلى موضع تصح معه القدوة إن أمكن، وإلا فسدت صلاته، لزوال الواسطة المصححة.
وجوّز بعض الأصحاب [أن] يحرم البعيد قبل القريب، ووافق على الحكم الثاني (3). وهو ضعيف، لأن الحكم فيه أقوى من السابق، من حيث إنه مؤتم بالفعل، وقد انعقدت صلاته على الصحة، والاستدامة أقوى من الابتداء، بخلاف الأول فلو عكس الحكم أمكن.
__________
(1) في «د»: الكتاب.
(2) مغني اللبيب 2: 196.
(3) البيان: 235.(1/529)
الثامن في الشرط والجزاء
مقدمة: إذا اعترضت جملة شرطية على مثلها،
كقوله تعالى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرََادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهََا} (1) الآية. وقوله تعالى {وَلََا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كََانَ اللََّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} (2).
وكقول القائل: إن أكلت إن دخلت كان كذا، ففيه مذهبان:
أحدهما: وهو ما جزم به ابن مالك في شرح الكافية، أن الشرط الثاني في موضع نصب على الحال.
والثاني: وهو ما صححه في الارتشاف، أن المذكور ثانيا متقدّم في المعنى على المذكور أولا، وإن تأخره في اللفظ، لأن الشرط متقدم على المشروط، والشرط الثاني قد جعل شرطا لجميع ما قبله، ومن جملة ذلك الشرط الأول والآية السابقة تدل عليه، لأن الشرط الثاني وهو إرادة اللََّه تعالى سابقة على إرادة المخلوقين.
وفي المسألة قول ثالث نسب إلى الفرّاء: أنه إن كان بينهما ترتب
__________
(1) الأحزاب: 50.
(2) هود: 34.(1/530)
في العادة كالأكل مع الشرب قدّم المعتاد، وإن لم يكن، فالمقدّم هو الثاني.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه:
ما لو قال: إن دخلت الدار إن كلمت زيدا فأنت عليّ كظهر أمي، ففيه أوجه:
أحدها: اشتراط تقدّم الثاني على الأول، سواء كانا متقدمين على المشروط أم متأخرين أم بالتفريق، وسواء كانا متفقين كما ذكر أم مختلفين، ك «إن» و «إذا» (ووجهه يظهر مما سبق) (1). ولأن التعليق يقبل التعليق، فعلى هذا لو قدّمت الأول لم يقع (2).
والثاني: أنه يشترط تقديم المذكور أولا.
والثالث: عدم اشتراط الترتيب مطلقا، بل يقع حيث يجتمع الشرطان مطلقا. ولعله أعرف. ويمكن بناؤه على حذف حرف العطف، ويكونا شرطين للظهار، لا أحدهما شرطا للآخر. ولو كان الشرطان بفعل واحد كما لو كرر «إن دخلت الدار» فالمتّجه حمله على التأكيد.
قاعدة «198» إذا عطف شرط على شرط بالواو،
فإن كان بإعادة أداة الشرط نحو: إن صمت وإن قرأت فأنت حر، على وجه النذر، كفى وجود أحدهما في حصول العتق. وإن لم يكن بإعادتها فلا بدّ منهما. كذا جزم به في الارتشاف في آخر باب الجوازم وقال بعض الفقهاء: لا بد من تحققهما معا في الصورتين، لأنه
__________
(1) ليس في «د».
(2) في «د» زيادة: ووجهه يظهر مما سلف.(1/531)
علّق على الأمرين معا (1).
قال النحويون (2): ولو كان العطف ب «أو» فالجواب لأحدهما، حتى لو اختلفا بالتذكير أو الإفراد أو ضدهما (3)، كنت بالخيار في مطابقة ما شئت.
فتقول: إن جاءك زيد وإن جاءتك هند فأكرمه، وإن شئت فأكرمها.
إذا عرفت ذلك فلا يخفى ما يتفرع عليه من الفروع في باب التعليق والنذور.
فائدة: التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول الشرط والتعليق على الشرط أربعة أقسام:
الأول: ما لا يقبل شرطا ولا تعليقا عليه، كالإيمان بالله ورسوله والأئمة عليهم السلام، وبوجوب الواجبات القطعية، وتحريم المحرمات كذلك.
الثاني: ما يقبل الشرط والتعليق على الشرط، كالعتق، فإنه يقبل الشرط في العتق المنجز مثل: أنت حر وعليك كذا ويقبل التعليق في صورتي النذر والتدبير.
وكالوصية، فإنها تقبل الشرط، كما لو أوصى لولده مع بقائه على الاشتغال بالعلم أو على العدالة، وعلى أم ولده ما لم تتزوج، وبناته ما لم يتزوجن.
ويقبل التعليق كما لو قال: إن متّ في مرضي هذا أو في سفري فأعطوا فلانا كذا وكالاعتكاف، فإنه يقبل الشرط، كالرجوع فيه متى عرض له عارض، أو متى شاء. والتعليق بالنذر وشبهه.
الثالث: ما يقبل الشرط ولا يقبل التعليق عليه، كالبيع والرهن والصلح
__________
(1) المغني والشرح الكبير 8: 357، وحكاه في حاشية الصبان 4: 30.
(2) حاشية الصبان على شرح الأشموني 4: 31.
(3) في «م»: أحدهما.(1/532)
والإجارة، فإنها تقبل الشروط السائغة، كالبيع بشرط الرهن والكفيل ونحوه، والصلح والإجارة كذلك، والوقف على أولاده ما داموا بوصف خاص، كالاشتغال بالعلم والقرآن أو الصلاح، أو على أمهاتهم ما دمن في داره أو لم يتزوجن، أو بناته كذلك.
وعلّل عدم صحة تعليق هذه العقود على الشرط مع الاتفاق عليه، بأن الانتقال (1) مشروط بالرضا، ولا رضا إلا مع الجزم، ولا جزم مع التعليق، لأنه بعرضة عدم الحصول، ولو قدّر علم حصوله كالمعلّق على الوصف الّذي يعلم حصوله عادة كطلوع الشمس لأن الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه وأفراده، اعتبارا بالمعنى العام دون خصوصيات الأفراد، كما في نظائره من القواعد الكلية المعللة بأمور حكمية تتخلف في بعض مواردها الجزئية.
الرابع: ما يقبل التعليق ولا يقبل الشرط، كالنذر واليمين المتعلق بالصلاة والصوم، فيجوز تعليقه على الشرط، كبرء المريض وقدوم المسافر، ولا يجوز اقترانه بشرط مثل: أصلي على أن لي ترك سجدة، ونحوها.
فائدة: إذا قال: أي عبيدي ضربك فهو حر، على وجه النذر، فضربه الجميع، عتقوا
وإذا قال: أي عبيدي ضربته فهو حر، فضرب الجميع، عتق واحد فقط فإن ترتبوا، عتق الأول، وإن ضربوا دفعة، اختار واحدا منهم. كذا ذكره ابن جني والزمخشري (2) في خطبة المفصل مشفوعا به، وغيرهما من النحاة (3) وفرقوا بوجوه.
منها: وهو الأشهر، أن فاعل الفعل في الكلام الأول وهو الضمير في
__________
(1) في «م»: الانتفاع.
(2) المفصل (شرح المفصل) 1: 14.
(3) أصول السرخسي 1: 161، فواتح الرحموت 1: 253.(1/533)
ضربك عام، لأنه ضمير «أي» وحينئذ فيكون الفعل الصادر عنه عاما، لأنه يستحيل تعدّد الفاعل وانفراد الفعل، إذ فعل أحدهم غير فعل الآخر، فلهذا قيل: يعتق الجميع.
وأما الكلام الثاني وهو قوله: أي عبيدي ضربته. فالفاعل فيه وهو تاء المخاطب خاص، والعام فيه إنما هو ضمير المفعول، أعني الهاء واتحاد الفعل مع تعدد المفعولين ليس محالا، فإن الفاعل الواحد قد يوقع في وقت واحد فعلا واحدا لمفعولين أو أكثر.
ومنها: أنّ الفاعل كالجزء من الفعل، بدليل تسكين آخر الفعل الماضي إذا كان الفاعل ضميرا، مع قولهم: إنّ الماضي مبني علي الحركة وإذا كان الفعل والفاعل كالكلمة الواحدة، فيلزم من عموم أحدهما عموم الآخر، فلهذا قلنا:
بعتق الجميع.
وأما الكلام الثاني فالعام فيه إنما هو ضمير المفعول، أعني الهاء من ضربته، وهو قرينة الانفصال عن الفعل، وليس كالجزء منه، بدليل بقائه على فتحه، فلذاك قلنا: لا يتعدد.
وفي الفرقين نظر، وفي أصل الحكم إشكال، ولو قيل بالتعميم في الصورتين كان حسنا، عملا بالعموم.
وقال الغزالي في فتاواه: إنه لا يتكرر فيهما، عملا بالمتيقن (1). وهو وجه في المسألة.
ومثله ما لو قال: أي عبيدي حج فهو حر، على وجه النذر، أو قال لوكيله: أي رجل دخل المسجد فأعطه درهما، فدخل أو حج جماعة. وقريب منه لو قال: طلق من نسائي من شئت أو من شاءت، أو: أعتق من عبيدي من شئت أو من شاء، أو: بع من أموالي ما شئت، ونحو ذلك.
__________
(1) نقله عنه الأسنوي في التمهيد: 308.(1/534)
قاعدة «199» إذا وقعت الجملة الاسمية جوابا للشرط، فلا بدّ من تصديرها بالفاء، أو بإذا الفجائية،
ومنه قوله تعالى {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} (1) {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2). وضابط ما يجب اقترانه بأحدهما ما يمتنع جعله شرطا، ومنه الجملة الطلبية نحو {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللََّهَ فَاتَّبِعُونِي} (3). وأما قول الشاعر:
من يفعل الحسنات اللََّه يشكرها ... والشر بالشر عند اللََّه مثلان (4). فإنه شاذ أو لضرورة.
وقال أبو حيان (5): في حفظي أنّ بعضهم أنكر هذه الرواية قال: وإن الرواية: من يفعل الخير فالرحمن يشكره. كذا ذكره في الارتشاف وشرح التسهيل.
وهذا الّذي ذكره ولم يستحضر ناقله قد ذكره المبرد (6). ونقله عنه الرازي في المحصول والمنتخب (7)، وخرّج بعضهم عليه قوله تعالى:
__________
(1) الروم: 36.
(2) الأنعام: 17.
(3) آل عمران: 31.
(4) هذا قول عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت، وهو شاعر كأبيه، سكن المدينة، ومات حوالي 104، ويروى «من يفعل الخير فالرحمن يشكره» ولا شاهد فيه حينئذ. وينسب الشعر أيضا لأبيه، وليس في ديوانه، ولكعب بن مالك، وهو في كتاب سيبويه 1: 435، والخزانة 3: 644، 655، 4: 547.
(5) تفسير البحر المحيط 2: 20.
(6) ذكر ذلك في مغني اللبيب 1: 141، وهو خلاف ما هو موجود في المقتضب 2: 72.
(7) المحصول 1: 165.(1/535)
{إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ} (1).
إذا علمت ذلك فمن فروعه:
ما إذا قال: إن دخلت الدار فأنت عليّ كظهر أمي، فلا شبهة في وقوعه من حيث الصيغة. ولو قال بعد الشرط: أنت عليّ كظهر أمي، بغير فاء، فإن كان عارفا بالعربية سئل، فإن قال: أردت التنجيز، حكم به، وإن قال أردت التعليق، ففي وقوعه كذلك واغتفار هذا اللحن وجهان، أصحهما الوقوع، فقد قيل: إنه لغة، كما عرفت (2) فلا أقل من اغتفاره حيث لا يغير المعنى.
ولو تعذرت مراجعته ففي حمله على التنجيز، لأنه مقتضى اللفظ على اللغة الصحيحة أو الغالبة، ولأصالة عدم التعليق أو على التعليق، لأصالة عدم التحريم، وصونا للفظ عن الهذر (3) أو (4) يقع الشرط بدونه لغوا، وجهان، أجودهما الثاني. ولو كان جاهلا بالعربية حمل على التعليق مطلقا، إن لم يفسره بغيره.
ولو قال: إن دخلت الدار وأنت علي كظهر أمي، بالواو. روجع مع إمكانه، فإن قال: أردت التعليق، قبل مع احتمال عدمه، نظرا إلى اللحن أو التنجيز فيقع كذلك.
وإن قال: أردت جعل الدخول وظهارها شرطين لأمر آخر لم أتلفظ به، قبل، لإمكانه من حيث قبول الصيغة له.
فإن لم يقصد شيئا أو تعذرت مراجعته، ففي وقوعه منجزا وإلغاء الواو، كما لو قال ابتداء: وأنت عليّ كظهر أمي أو وقوعه معلقا على
__________
(1) البقرة: 180. ونقل ذلك عن الأخفش في مغني اللبيب 1: 219، والإتقان للسيوطي 3: 212.
(2) القاموس المحيط 4: 412. (الفاء)
(3) هذر في منطقه هذرا: خلط وتكلم بما لا ينبغي (المصباح المنير: 636).
(4) كذا، والأنسب: إذ.(1/536)
الشرط، وجهان. ولو كان جاهلا بالعربية فوقوعه معلقا أظهر، إن لم يفسر بغيره.
ولو قال من يعرف العربية: أردت «بان» النافية، والواو بعدها للحال، قبل ولم يقع أو واو العطف، وقع منجزا. والمتجه حينئذ عدم الوقوع لو تعذرت مراجعته، لاشتراك لفظه بين ما يقع مطلقا وما يقع معلقا ومنجزا.
ولو جهل حاله، هل يحسن العربية أم لا، ففي وقوعه كالجاهل وجهان:
من أصالة عدم العلم وصحة الصيغة، ومن احتمال الصيغة لما ذكر من المعاني وأصالة عدم التحريم. وهو أجود.
فائدة: الجمل الاسمية الواقعة جوابا يجوز حذف المبتدأ فيها عند العلم به.
ومنه قوله تعالى {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (1)
أي: فهم إخوانكم.
ومن فروعه:
أن يقول: إن دخلت الدار فعليّ كظهر أمي. ومقتضاه صحة التعليق إن لم يكن له زوجة غيرها، فيقع بالمخاطبة ولو كان له غيرها وقع بإحداهما، ورجع إليه في التعيين. ويحتمل عدم الوقوع مطلقا، لمخالفته للمعهود من الصيغة شرعا.
__________
(1) البقرة: 220.(1/537)
التاسع في مباحث متفرقة
قاعدة «200» الإضافة المعنوية، وهي ما كان المضاف فيها غير صفة مضافة إلى معمولها قبل الإضافة،
سواء لم يكن صفة كغلام زيد، أم كان صفة ولكن غير مضافة إليه، كمصارع مصر، وكريم البلد، إما أن تكون بمعنى اللام، فيما إذا لم يكن المضاف إليه من جنس المضاف ولا ظرفه نحو: غلام زيد، فإنّ زيدا ليس جنسا للغلام، صادقا عليه وعلى غيره، ولا ظرفا له.
وإما بمعنى «من» البيانية، [إذا كان المضاف] (1) في جنس المضاف إليه الصادق عليه وعلى غيره، مع كون المضاف أيضا صادقا على غير المضاف إليه، كما هو مقتضى البيانية، فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه.
وإما بمعنى «في» وذلك إذا كان المضاف إليه ظرفا، كضرب اليوم، ومكر الليل.
والقسم الأخير قليل، بل ردّه كثير من النحاة إلى الأول (2)، لأن معنى
__________
(1) أضفناه لاستقامة العبارة.
(2) منهم الرضي في شرح الكافية 1: 274.(1/538)
ضرب اليوم ضرب له اختصاص به. وهذا وارد في الثاني، لكن لكثرة أفراده جعل قسما برأسه.
والحاصل: أنّ المضاف إليه إن باين المضاف، وكان ظرفا له، فهي بمعنى «في» وإلا فبمعنى اللام، وإن كان أخص مطلقا كيوم الأحد وعلم الفقه فالإضافة أيضا بمعنى اللام أو أخص من وجه، فإن كان المضاف إليه أصلا للمضاف، بحيث يخبر به عنه، كخاتم فضة، وأربعة دراهم، فهي بمعنى «من» وإلا فهي بمعنى اللام، فإضافة فضة إلى خاتم بيانية، وبالعكس بمعنى اللام كقولك: فضة خاتمك جيدة. وأما كون المضاف إليه مساويا للمضاف أو أعم مطلقا فممتنع، كليث أسد وأحد اليوم.
وقلّ من صرح بكون «من» الواقعة هنا بيانية، لكن المحققون نبهوا عليه كالشيخ الرضي (1) وابن هشام وغيرهما (2).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه:
ما لو قال: بعتك الثوب بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة، فيكون الثمن تسعين. ويحتمل كونه أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم، وقد تقدّم وجهه في قاعدة «من».
ولو قال: لكل عشرة درهم فالثمن كما ذكر في الاحتمال، لأن التسعين حينئذ وضيعتها تسعة، فيبقى واحد يوضع منه جزء من أحد عشر، ويضم الباقي، وهو عشرة أجزاء من أحد عشر جزء من درهم إلى التسعين، فيكون هو الثمن.
ولو قال: ووضيعة العشرة درهم وهو فرع القاعدة قيل: يكون كقوله:
من كل عشرة، حملا للإضافة على معنى من، لأن الموضوع من جنس
__________
(1) شرح الكافية 1: 273.
(2) شرح الكافية لملا جامي: 189، حاشية الصبان على شرح الاشموني 2: 237.(1/539)
الموضوع منه (1).
وقيل: يكون بمعنى اللام، لأن المواضعة على حد المرابحة، للتقابل بينهما، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني، فكذا المواضعة (2).
وقيل: يبطل العقد، لاحتمال الأمرين الموجب لجهالة الثمن (3).
ويضعف الأول بما ذكرناه في القاعدة، من أن شرط الإضافة بمعنى «من» أن تكون بيانية، بحيث يمكن الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف كخاتم فضة، وباب ساج، وأربعة دراهم (4). فإنك تقول: هذا الخاتم فضة، وهذا الباب ساج، وهذه الأربعة دراهم، كما في قوله تعالى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثََانِ} (5)
أي: هو الأوثان، وهذا ممتنع في المسألة المفروضة، لأن الموضوع وإن أمكن كونه بعض العشرة، إلا أنه لا يصح الإخبار بها عنه، كما لا يصح إطلاق زيد والقوم في قولك: يد زيد وبعض القوم، على المضاف، لأن الكل لا يطلق على بعضه، بل الكلي على جزئية، مع أنه لا يتعين كون الموضوع بعضا من العشرة، لأنها إذا جعلت بمعنى اللام كان المضاف خارجا عن المضاف إليه. فتعين كون الإضافة فيه بمعنى اللام فقط، وسقط وجه البطلان بالاشتراك كما ضعف وجه كونها بمعنى «من» ليكون على حد المرابحة، فإنه لا ملازمة بين الأمرين، بل الوجه ما حققناه، فتنبه له، فإنه مما غفل عنه من سبق من الفقهاء المحررين للمسألة.
فائدة: الترخيم: حذف أواخر الأسماء في النداء،
ويجوز الترخيم في غير
__________
(1) المبسوط 2: 142.
(2) الخلاف 3: 136مسألة 225.
(3) جامع المقاصد 4: 261.
(4) جامع المقاصد 4: 261.
(5) الحج: 30.(1/540)
النداء للضرورة.
إذا تقرر ذلك فمن فروع المسألة:
ما إذا قال: أنت طال، بحذف القاف، ففي وقوع الطلاق وجه، من حيث إنه لغة صحيحة في الجملة. والأقوى العدم، إما لقصره في غير النداء على الضرورة ولا ضرورة هنا، أو لمخالفته للصيغة المعهودة شرعا.
وجوّز العامة القائلون بوقوعه بصيغة النداء إيقاعه به هنا، لصحته حينئذ اختيارا. ولهم وجه آخر بعدمه، لاختصاصه بالشعر (1).
أخرى: قد يتغير مدلول الكلام بمجرد التقديم والتأخير الجائز،
فمن ذلك ما إذا قال: له عليّ درهم ونصف، أو مائة درهم ونصف، فليس النصف مجملا على قول (2). بخلاف ما لو عكس، فإنه مجمل اتفاقا.
أخرى: إذا قال لا أكلّم زيدا ما دام عمرو قائما،
فمدلول ذلك هو الامتناع من الكلام مدة دوام اتصاف عمرو بالقيام، فلو قعد عمرو ثم قام انقطع الدوام.
وحينئذ فمقتضى اللفظ أنه لا يحنث. وعليه يتفرع نظيره في باب الأيمان والنذور ونحوهما.
أخرى: إبدال الهاء من الحاء لغة قليلة،
وكذلك إبدال الكاف من القاف.
ومن فروع الأول:
إذا قرأ في الصلاة: الهمد لله، بالهاء عوضا عن الحاء أو الرهمن الرهيم كذلك، فإن الصلاة لا تبطل عند من لا يبطلها بمخالفة القراءات المتواترة، حيث
__________
(1) شرح المفصل 2: 19.
(2) تفسير البحر المحيط 2: 20، شرائع الإسلام 3: 693، التذكرة 2: 154.(1/541)
يكون صحيحا في العربية، أو حيث لا يختل المعنى كالمرتضى. وجماعة من العامة (1). والأقوى البطلان به مع إمكان التصحيح، وإلا كان من أفراد الألثغ (2).
ومنه لو قرأ «المستقيم» بالقاف المعقودة المشبهة بالكاف وهي قاف العرب فإنها لغة عربية، والكلمة معها باقية على مدلولها.
ولو أبدل قاف «طالق» بالكاف المذكورة، ففي صحته وجهان: من حيث إنه لغة صحيحة، ومخالفته المعهود شرعا. وهذا بخلاف الإتيان بالدال المهملة في «الذين» عوضا عن المعجمة، أو بالزاي المعجمة عوضا عنها، فإنها مبطلة مع إمكان الإتيان بالصحيح.
وللعامة (3) خلاف في إبدال ضاد المغضوب والضالين بالظاء، وكذا في غيرها، بسبب عسر التمييز في المخرج، وعدم ظهور إحالة المعنى. وأما أصحابنا فأطلقوا القول بالبطلان بإبدال الضاد ظاء وبالعكس مطلقا (4). لأنه لحن، خصوصا في الضالين، للفرق بين الكلمة بالضاد والظاء، فلا بدّ من الإتيان بالمطلوب شرعا في الفاتحة.
نسأل اللََّه تعالى حسن الخاتمة، كما أصلح لنا الفاتحة، إنه جواد كريم.
وحيث انتهى الغرض، وتمّ العدد الّذي قصدناه، فنحمد اللََّه تعالى على تسهيله وتوفيقه ونصلي على سيد رسله محمد، وعلى آله وصحبه، ونبتهل إلى اللََّه تعالى بهم عليهم السلام في قبوله، وإجرائه في صحائف الحسنات،
__________
(1) الأم 1: 110.
(2) اللّثغة وزان غرفة حبسة في اللسان حتى تصير الراء لاما أو غينا، أو السين ثاء ونحو ذلك المصباح المنير: 549 (لثغ)، وانظر المبسوط 1: 153، والمغني لابن قدامة 2: 32.
(3) شرح فتح القدير 1: 282، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1: 32.
(4) المبسوط 1: 106منتهى المطلب 1: 273، جامع المقاصد 2: 244.(1/542)
وأن يغفر لنا ما أخطأنا فيه سبيل الصواب، إنه غفور رحيم.
فرغ من تأليفه عصر يوم الجمعة المفتتح للشهر الحرام، محرم المفتتح لعام ثمان وخمسين وتسعمائة، مؤلفه الفقير إلى عفو اللََّه تعالى ورحمته زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي، عامله اللََّه بفضله، وعفا عن سيئاته بكرمه، حامدا مصلّيا مسلما مستغفرا.(1/543)
«كشف الفوائد من كتاب تمهيد القواعد»
بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة على سيّد المرسلين وأشرف الأولين والآخرين محمّد وآله أجمعين.
أما بعد فلمّا كان «كشف الفوائد من كتاب تمهيد القواعد» الّذي ألّفته عسرا لتفرقها حسب القواعد الكلية، فربما كان بعض المسائل المطلوبة في أوائل الكتاب مذكورة في أواخره وبالعكس اجتهدت في الإشارة إلى جميع مسائله إجمالا، ورتبتها على أبواب الفقه المألوفة، وفهرست مسائله على وجه يسهل تحصيله ويعم نفعه إن شاء اللََّه تعالى، فإذا أردت المسألة من أيّ القواعد هي فانظر إلى حروف الجمل مرموزة بالأحمر عقيب كل مسألة واطلبها منها.
مثاله: إذا كان عقيب المسألة (أ) فاعلم أنها مذكورة في القاعدة الأولى، أو (ب) ففي الثانية، وهكذا إذا وجدت عقيبها (يد) مثلا فالدال بأربعة والياء بعشرة فهي في الرابعة عشرة، أو (ق) فهي في المائة وعلى هذا، وإنما أشرنا إليها في الفهرست مجملة ليرجع إليها في محلها ويكون كالعنوان لها.
وإذا كان الحكم مذكورا في مسألة أو فائدة نسبتها إلى القاعدة التي قبلها، تعليلا للمنسوب إليه، ولأنهما من متمماتها.
فإذا لم تجدها في نفس القاعدة فاعتبرها فيما بعدها من المسائل والفوائد إلى أن تصل إلى قاعدة أخرى.
وإن كان الحكم مذكورا في مقدمة نسبته إلى القاعدة التي بعدها لأنها كالجزء منها، وكذا إن وقع في مسألة أو فائدة بعد المقدمة.
وإذا كان الفرع مذكورا في قاعدتين أو أكثر ذكرت حروفها جميعا فاصلا بينها بواو أسود، وعلى اللََّه قصد السّبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[ونحن بدورنا أبدلناه بالأرقام تسهيلا للأمر، ولملاءمته مع طباع أهل هذا الزمان]
كشف الفوائد(1/547)
[ونحن بدورنا أبدلناه بالأرقام تسهيلا للأمر، ولملاءمته مع طباع أهل هذا الزمان]
كشف الفوائد
الطهارة
لو أحدث الصبي أو المجنون حدثا لم تجب عليهما الطهارة قبل التكليف وتجب بعده 31.
لا تنعقد صلاة غير المكلف بالحدث 373.
إذا خرج منه شيء ولم يعلم هل هو مني أو بول وجب الوضوء والغسل 5711.
كراهة الحدث تحت الأشجار المثمرة لا يختص بزمان الثمر 8619.
الاستجمار بالأحجار رخصة لا عزيمة 467.
يجب الاستجمار عينا عند تعذر الماء، وتخييرا عند وجوده 467.
الطهارة بالماء المسخن بالشمس للأحياء، وبالنار للأموات مكروهة 362.
هل يعتبر في المسحات الثلاث ثلاثة مواسح أم لا؟ 22483.
تقديم غسل الجمعة لخائف عوز الماء فيه 467.
لو مسح الرّأس بأزيد من إصبع هل يوصف بالوجوب أم لا؟ 529.
لو مسح جميع مقدّم رأسه هل يثاب أم لا؟ 529.
يجزئ في مسحه مسماه قضية للباء في الآية 419150.
دخول المرفق في الغسل والكعبين في المسح هل هو أصالة أم مقدمة؟ 426153.
يجب غسل جزء من الرّأس والرقبة في غسل الوجه وغسل جزء من العضد في غسل اليد وجزء من السّاق أو ما تجاوز الكعبين في مسح الرجلين 5511.(1/548)
دخول المرفق في الغسل والكعبين في المسح هل هو أصالة أم مقدمة؟ 426153.
يجب غسل جزء من الرّأس والرقبة في غسل الوجه وغسل جزء من العضد في غسل اليد وجزء من السّاق أو ما تجاوز الكعبين في مسح الرجلين 5511.
وكذا يجب في الغسل إدخال كل جزء من كلّ جانب من حد الأعضاء 5511.
وغسل العورتين مع الجانبين ولا تقدّمان عليهما ولا تؤخّران 5611.
لو شك في عدد الغسلات بنى على الأقل 28897.
الطهارة بالمغصوب باطلة 14142.
غسل الجنابة واجب لغيره كغيره 25895.
لو أحدث إحداثا كثيرة فنوى بعضها هل يرتفع الجميع أم لا؟ 26895.
لو وجد على بدنه أو ثوبه المختص منيا حكم بجنابته من آخر نومة أو جنابة 27296.
فعل المندوب تقية حيث لا ضرر مستحب 467.
ويكره فيه كذلك مع خوف الالتباس على العامة 467.
لو ترك المتوضئ غسل رجليه في موضع التقية، أو مسح خفه كذلك وأتى بالمشروع بطل 14142.
تحقيق الاستعانة المكروهة في الطهارة 412148.
ولو شكت الحائض في انقضاء أيام العادة مع استمرار الدّم فالأصل بقاؤه 27596.
وكذا لو شكت في انقضاء المدّة التي يتحقق معها اليأس 27596.
وكذا لو شكت في كونها قرشية فالأصل عدم كونها منها 27596.
المستحاضة ترجع إلى عادتها عند الاشتباه ثمّ إلى التّمييز ثم إلى نسائها ثم إلى الروايات على ما فصّل 30699.
لو أكره على وطء الحائض لم تجب الكفارة ولم تستحب 7417.
لو ظنّت المرأة طروء الحيض في أثناء الوقت هل يتعين عليها تقديم الصلاة في الوقت الموسع أم لا؟ 446.
ولو ظن السّلس والمبطون انقطاعه في بعض الوقت مقدار الصلاة وجب عليه تحريه 446.
ولو دخل وقت الصلاة فحاضت أو نفست قبل مضيّ زمن يسعها فلا قضاء 7016.
لو زال العذر آخر الوقت وقد بقي مقدار ركعة مع باقي الشرائط وجبت 7016.(1/549)
ولو دخل وقت الصلاة فحاضت أو نفست قبل مضيّ زمن يسعها فلا قضاء 7016.
لو زال العذر آخر الوقت وقد بقي مقدار ركعة مع باقي الشرائط وجبت 7016.
توجيه الميت إلى القبلة وحمله إلى المغتسل وغسله وتكفينه الصلاة عليه وحفر قبره ودفنه فيه واجب على الكفاية 498.
لو اشتبه موتى المسلمين بموتى الكفار وجب غسل الجميع وتكفينهم والصلاة عليهم مخصّصا للمسلم بالنّية 5711.
هل يجوز تكفين الكافر في الحرير أم لا؟ 7817.
إذا لم يعرف أن الميّت مسلم تبع الدار 28797.
لو لم يعلم هل هو شهيد أم لا وجب تغسيله وتكفينه 28897.
لو أكره على ترك الوضوء فتيمّم لم يقض 7417.
إذا وجد المتيمم الماء وتمكن من استعماله انتقض تيمّمه 7116.
إذا عرض له مانع من إكمال الطّهارة المائية هل يزول ما حكم به من الانتقاض أم لا؟ 7116.
هل يعتبر في التّيمّم الضّرب أم يكفي مُسمّى الوضع؟ 22583.
لو دخل في الصلاة بالتّيمم هل يجوز له الاجتهاد في إبطاله بوجود الماء أو لا؟ 25694.
لو طلب الماء ثمّ صلّى بالتيمم، ثمّ دخل وقت أخرى هل يجب تجديد الطلب أم لا؟ 320100.
إذا اشتبه الثوب النجس في ثياب طاهرة محصورة ولم يجد الطّاهر وجب تكرار الصّلاة فيما يزيد عن النجس بواحد 5611.
لو خفي عليه مقدار المعفو عنه ولم يجد معرّفا ما حكمه؟ 6714.
لو أكره على دباغ الميتة طهر عند مطهره به 7517.
تحقيق قوله صلى اللََّه عليه وآله (إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا) 11125.
ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء القليل بموته فيه 18764.
لو اشتبه إناء نجس بطاهر، أو ميّت بمذكى، أو محرم بأجنبيّة، اجتنب الجميع مع الحصر، وإلّا فلا 5611.
لو وجدنا شعرا أو عظما ولم ندر هل هو من مأكول اللحم أم لا، من نجس العين أم لا، هل يحل استعماله أو لا؟ 27096.
لو اشتبه الدّم الطاهر بالنجس أو المعفو عنه بغيره حكم بالطّهارة والعفو 27096.
ولو لم يعلم حال النّهر مثلا هل هو مباح أو مملوك، هل يحل استعماله أم لا؟ 27096.
لو علم نجاسة الماء بعد الطّهارة وشكّ في سبقها عليها فالأصل عدمه ولو علم سبقها وشك في بلوغ الكرية فالأصل عدمه 96و 28827198.(1/550)
ولو لم يعلم حال النّهر مثلا هل هو مباح أو مملوك، هل يحل استعماله أم لا؟ 27096.
لو علم نجاسة الماء بعد الطّهارة وشكّ في سبقها عليها فالأصل عدمه ولو علم سبقها وشك في بلوغ الكرية فالأصل عدمه 96و 28827198.
الشّك في الفعل مطلقا بعد الفراغ منه لا يلتفت إليه 96و 20427398.
مسألة الصيد الواقع في الماء القليل بعد رميه بما يمكن موته به، واشتبه استناد موته إليهما 28998.
لو وقع في الماء القليل روثة، وشك هل هي من مأكول اللحم أو لا، أو مات فيه حيوان وشك هل هو ذو نفس أم لا 29098.
لو وقع الذباب على نجاسة رطبة ثمّ سقط بالقرب على ثوب وشك في جفاف النّجاسة 29098.
لو أخبر ذو اليد بالنجاسة أو الطهارة قبل 30199.
لو تيقن طهارة ثوب أو ماء أو أرض وشك في زوالها أو بالعكس استصحب المتيقن 30399.
لو أخبره مخبر بالطهارة أو دلت عليها القرائن هل يقبل أم لا؟ 30399.
لو وجد كلبا خارجا من بيت فيه إناء مكشوف ومعه أثر مباشرته هل ينجس أم لا؟ 30399.
البلل الخارج بدون الاستبراء نجس ومعه طاهر 30899.
غيبة المسلم بعد نجاسته مطهرة بشرطها 30899.
غسالة الحمام هل هي طاهرة أم لا؟ 30999.
طين الطريق إذا غلب على الظّن نجاسته هل يحكم به أو لا؟ 31099.
ما بأيدي المخالفين مما يعتبر فيه التّذكية هل هو طاهر أم لا؟ 31099.
الجلد المطروح في بلاد الإسلام هل يحكم بطهارته أم لا؟ 31199.
لا يجزئ النساء والخناثى والصبيان في نزح التراوح 390132
الصلاة
الصلاة في الأوقات الخمسة المكروهة 352.
كراهة الصلاة في الأوقات الخمسة هل تشمل مكة أم لا؟ 28697.
لا يكره القضاء في الأوقات المكروهة 28597.
الشّفق المعتبر في العشاء هو الأحمر لا الأبيض 9221.
لو شك في دخول الوقت فإن كان له طريق إلى العلم لم يصح بدونه، وإلا بنى على الظّن 27496.(1/551)
الشّفق المعتبر في العشاء هو الأحمر لا الأبيض 9221.
لو شك في دخول الوقت فإن كان له طريق إلى العلم لم يصح بدونه، وإلا بنى على الظّن 27496.
لو شكّ في خروجه فالأصل بقاؤه 27496.
لو أخبر الواحد المعذور بدخول الوقت قبل 30299.
هل يقبل أخبار المؤذن لغير المعذور أم لا؟ 99و 319302100.
لو أخبر الواحد بكون الجدي في محله المقرر هل يقبل أم لا؟ 30299.
إذا اجتهد لصلاة ثمّ حضر وقت أخرى هل يجب تجديد الاجتهاد أم لا؟ 320100.
إذا ظهر خطأ المجتهد في القبلة هل يجب عليه القضاء أم لا؟ 322100.
إذا أدرك ركعة في الوقت هل يكون مؤدّيا للجميع أم لا؟ 7016.
إذا أحرم بالصلاة في وقتها ثم أفسدها، هل يكون البدل قضاء؟ 436.
لو ظنّ طروء المانع قبل آخر وقت الصلاة تضيقت 446.
لو أخرها حينئذ وأمكن الفعل بعدها هل يصير قضاء أم لا؟ 446.
الصلاة في المكان المغصوب باطلة 14142.
لو أذن المالك مطلقا لم يدخل الغاصب 21376.
الثوب المركب من الحرير وغيره إذا شك في استهلاك الحرير هل يجوز لبسه أم لا؟ 27096.
هل يجب منع الكافر من الذّهب والحرير أم لا؟ 7817.
لو صلّى مستصحبا للمغصوب غير مستتر به هل تصح صلاته أم لا؟ 14142.
تجوز الصلاة في ثياب من لا يتوقى النجاسة وإن كان الظاهر نجاستها 30399.
لو صلى ثمّ وجد على ثوبه أو بدنه نجاسة، وشك هل لحقته قبل الصلاة أم بعدها 30599.
لو سمع مؤذنا بعد مؤذن هل يستحب له إجابة الجميع أم لا؟ 13037.
هل يشرع له حكاية أذان نفسه أم لا؟ 18260.
إذا لم يسمع بعض الفصول هل يحكيه أم لا؟ 26295.
تحقيق قوله صلى الله عليه وآله (تحريمها التكبير وتحليلها التّسليم) 400140.
لو كبّر بغير العربيّة أو بمرادفه 7820.
هل يجزي التّكبير والتّسليم بغير المعهود نظرا إلى عموم اللّفظ أم لا؟ 16656 إذا أتت المرأة بدعاء الاستفتاح هل تقول: وما أنا من المشركين أو المشركات؟ 18462.
لو قال: الحمد لله بكسر الدال هل يصلح أم لا؟ 338107.(1/552)
هل يجزي التّكبير والتّسليم بغير المعهود نظرا إلى عموم اللّفظ أم لا؟ 16656 إذا أتت المرأة بدعاء الاستفتاح هل تقول: وما أنا من المشركين أو المشركات؟ 18462.
لو قال: الحمد لله بكسر الدال هل يصلح أم لا؟ 338107.
لو قرأ الهمد لله بالهاء، أو الرهمن الرهيم هل يصلح من حيث إنّه لغة عربيّة؟ ومثله قاف المستقيم بالقاف المشبهة للكاف 541200.
لو أبدل الذّال المعجمة من الذين ونحوه زايا بطل، وكذا لو أبدل الضّاد ظاء ونحوه 541200.
لو ترك التكتف أو التأمين للتقية لم تبطل 14142.
لو سمع ملحنا في صلاته هل يجب عليه تنبيهه أم لا؟ 31099.
استحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات 362.
استحباب الجهر بالقراءة في الجمعة وظهرها 362.
استحباب قراءة سورة معيّنة في الفرائض والنّوافل 362.
استحباب جهر الإمام بالأذكار الواجبة غير القراءة، والإخفات للمأموم 362.
لو سلّم على المصلي فرد غيره هل يجوز له الرّد أم لا؟ 508.
لو زاد على تسبيحة في الركوع والسجود هل يوصف الزّائد بالوجوب أم لا؟ 6012.
وكذا لو زاد على التّسبيحات الأربع في الأخيرتين 6012.
لو زاد على الواجب المخير كالتسبيح هل يجب إكمال ما شرع فيه زائدا أم لا؟ 6112.
جلسة الاستراحة عبادة أو عادة؟ 23687.
لو قال في التشهد اللهم صلّ على أحمد لم يصح 8820.
لو قال أشهد أن لا إله إلا اللََّه وحده لا شريك لله أو قال وحده لا شريك له، ثم قال وأشهد أن محمدا رسول اللََّه، أو قال عبده ورسول اللََّه أو جمع بين ذلك هل يصح أم لا؟ 340108.
لو قال: وأشهد أن محمدا رسوله هل يصحّ؟ 340109.
هل يجب في التّشهد إعادة أشهد في الثّانية؟ 509186.
تحقيق الكلام المبطل للصلاة 329101.
لو ترك أداء الدّين مع المطالبة واشتغل بالصلاة مع السّعة هل يصحّ أم لا؟ 13740.
لو ترك المصلي رد السلام هل تبطل صلاته أم لا؟ 13740.(1/553)
لو ترك أداء الدّين مع المطالبة واشتغل بالصلاة مع السّعة هل يصحّ أم لا؟ 13740.
لو ترك المصلي رد السلام هل تبطل صلاته أم لا؟ 13740.
لو وجد في المسجد نجاسة ملوثة ثمّ صلى مع السّعة هل تصح أم لا؟ 13840.
لو أكره على مفسدات الصلاة هل تفسد أم لا؟ 7317.
البحث عن استحباب الجمعة من حيث نسخ الوجوب 6413.
إذا بطلت الجمعة بخروج وقتها قبل إدراك ركعة هل تنقلب ظهرا أم لا؟ 6413.
إذا أذن السيّد في صلاة الجمعة وجبت 18361.
الدّعاء في خطبتها هل يجوز فيه الاقتصار على المؤمنين أم لا؟ 18562.
الموالاة فيها وفي خطبة العيد واجبة 23989.
لو صلي جمعتان فصاعدا في فرسخ واشتبه السّبق والاقتران 29198.
لو شك هل أدرك الإمام راكعا أو رافعا 29198.
ولو خطب إمام الجمعة بأقل العدد وأحرم بهم، ثمّ لحقهم عدد آخر وأحرموا مع الإمام فانفض السّامعون هل يقع أم لا؟ 529197.
إذا حضر الجمعة من لا تنعقد به كالمرأة هل يصح إحرامه قبل أن يحرم العدد المعتبر أم لا؟ 529197.
إذا غلط الإمام فنبهه المأموم بالتّسبيح أو القراءة قاصدا للتّنبيه فقط 8318.
لو تباعد الإمام عن المأموم أكثر من القدر المعتبر وكان بينهما شخص يحصل به الاتصال صحّ 529197.
ولو انتهت صلاة الواسطة أو فسدت افتقر البعيد إلى الانفراد أو التقدم 529197.
لو صلى خلف من لا يعتقد وجوب السّورة أو التّسليم ونحوه ولم يفعله، أو فعله مستحبا هل تصح قدوته أم لا؟ 323100.
إذا صلى على الجنازة واحد مكلف كفى، وهل يشترط فيه العدالة أم لا؟ ولو كان غير بالغ هل يجزئ أم لا؟ 498.
لو صلى عليها أكثر من واحد دفعة أو متعاقبين فالجميع واجب 498.
لو نوى الصلاة على الجنازة بالكسر لم يقع إلّا مع قصد الميت 10322.
صلاة الزلزلة تجب على الفور، ولو أخلّ بها بقيت أداء 13439.
لو علم السهو وشك هل هو موجب للسجود أم لا، أو علم إيجابه وشك هل مع السجود شيء آخر أم لا، أو علم انحصاره فيما يوجب الاحتياط أو التلافي 5711.
لو سها عن بعض الأفعال غير الأركان لم تبطل 6815.(1/554)
لو سها عن بعض الأفعال غير الأركان لم تبطل 6815.
لو شك في عروض مبطل في مطلق العبادة فالأصل الصّحة 27396.
لو شك في شيء من أفعالها بعد الفراغ لم يلتفت 3042919998.
لو شك بعد خروج الوقت في الصلاة لم يلتفت 30599.
لو شك في الأفعال أو الركعات ثم غلب على ظنّه شيء بنى عليه 30899.
كثير السهو يبني على وقوع المشكوك فيه 30999.
هل القضاء واجب على الفور أو التراخي؟ 13539.
لو نسي صلاة من الخمس ولم يعرف عينها وجب عليه الخمس أو ثلاث فرائض 9611.
لو تيقن فساد طهارة من الخمس فكذلك 9611.
ولو كان مسافرا فالخمس أو ثنائية مطلقة ومغرب، ولو اشتبه السفر والحضر فالثلاث 5611.
يجب القضاء على النّائم والسكران 6915.
قوله صلى اللََّه عليه وآله: (من نام عن صلاة أو نسيها) يدل على أن التارك عمدا لا يقضي 11426.
البحث عن شرعية قضاء الصلاة وغيرها عن الميت 26095.
لو شكّ في أفعال الصلاة في وقتها وجبت لا بعده 27396.
يجب أخذ السلاح في صلاة الخوف مع الاختيار 12231.
المشي والاستدبار لا يبطل صلاة الخوف، وهل يبطلها الفعل الكثير غيرهما أم لا؟ 26095
الزكاة
دفع الزكاة واجب على الفور حيث تجب، وكذا الخمس والدّين عند المطالبة 13339.
لو قال لوكيله أد عنّي زكاة الفطرة فخرج الوقت قبل أدائه 656.
لو زاد في الزكاة عن الواجب هل يوصف بالوجوب أم لا؟ 6012.
الاستدلال على وجوب زكاة الخيل ونحوها مما وقع فيه الخلاف بقوله تعالى (خذ من أموالهم) 17859.
يجوز إخراج القيمة في الزكاة أم لا؟ 18864.
السلت هل يلحق بالحنطة أم بالشّعير، أم جنس برأسه؟ 26595.(1/555)
يجوز إخراج القيمة في الزكاة أم لا؟ 18864.
السلت هل يلحق بالحنطة أم بالشّعير، أم جنس برأسه؟ 26595.
لو وجب عليه زكاة أو خمس أو غيرهما وشك في أدائها فالأصل عدمه، بخلاف ما لو علم النصاب فأخرج عن بعضه بحيث يشك بلوغ الباقي فإنه لا يسقط الواجب 27296.
لو شك في تعلّق الوجوب بالمال ابتداء فالأصل البراءة 27296.
العبد الآبق المنقطع خبره تجب فطرته ويجوز عتقه عن الكفارة 29198.
الزكاة تجب في العين 429154.
هل يجوز تخصيص بعض الأصناف أم يجب البسط؟ 441156
الصّوم
صوم المندوب سفرا 372.
صوم المدعو إلى طعام 372.
الصوم يوم عرفة مع الضّعف أو اشتباه الهلال 372.
صوم النائم صحيح 6815.
الأكل سهوا في الصوم لا يفسده 6915.
إذا فعل موجب التّكفير في رمضان ثمّ جن أو مات هل تسقط الكفارة أم لا؟ 7216.
لو أكره على تناول مفسدات الصّوم هل يفسد أم لا؟ 7317.
هل تصحّ إعانة الكافر على الأكل ونحوه في شهر رمضان؟ 7717.
الصّوم الواجب سفرا باطل عدا ما استثني 14142.
حكم النخامة النّازلة من الرّأس 14243.
لو طعنة فوصلت الطّعنة إلى جوفه مع قدرته على دفعه هل يفسد أم لا؟ 14343.
لو فعل مع الصائم ما يقتضي الإفطار مع قدرته على دفعه هل يفسد أم لا؟ 25493.
لا يصح صوم العبد ندبا بغير إذن سيّده وإن لم يضرّه 26495.
يجوز الاجتهاد في الليل وإن رجا العلم 317100.
لو شك الصّائم في دخول اللّيل أو النهار استصحب المعلوم 27296.
شهادة الواحد بالهلال هل تقبل أم لا؟ 30199.
لو شك في انقضاء الشّهر بنى على إتمامه 31199.(1/556)
شهادة الواحد بالهلال هل تقبل أم لا؟ 30199.
لو شك في انقضاء الشّهر بنى على إتمامه 31199.
لو شك في النيّة بعد الزّوال لم يلتفت 30599.
لو شك في دخول اللّيل ولا طريق إلى العلم بنى على الظنّ 96و 30127399.
لو غمّت الشّهور هل يعمل على التمام أم لا؟ 31199
الاعتكاف
سهو المعتكف لا يفسد 6815.
نومه لا يفسد كالصّوم 6815.
لو خرج المعتكف مكرها لم يبطل إلا أن يطول زمانه 7417.
يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لأجل الأكل، إلّا أن يكون مهجورا أو مغلق الباب فوجهان 26495.
لو شك المعتكف هل خروجه طويل يخرج عن الاعتكاف أو لا فالأصل الصّحة 27396.
الاعتكاف يقبل الشرط والتعليق على الشرط 532198
الحج
الحج واجب على الفور عندنا 13439.
إذا أيسر من لم يحج ثم مات قبل التمكن منه هل يجب أم لا؟ 7116.
ولو ذهب ماله قبل مضي زمن يمكنه فيه الحج 7116.
إذا وجد المغصوب من يحج عنه هل يجب أم لا؟ 9321.
الحج المندوب بدون إذن الزوج والمولى باطل 14142.
لو أذن السيّد في دخول الحرم وجب عليه الحج أو العمرة 18361.
استحباب الهرولة بالسّعي في موضعه واستحباب الهرولة في وادي محسر 362.
لو أحرم بالحج ثمّ أفسده هل يكون الواقع بعده قضاء أم لا؟ 436.
لو فعل المحرم الممنوع سهوا لم يفسد إحرامه 6815.
إذا جاوز الكافر الميقات ثمّ أسلم فهل هو كالمتعمد أم لا؟ 7817.
لو قال أحرمت كإحرام زيد 58و 434178155.
لو غلط الحجيج بالتقديم فوقفوا يوم الثامن لم يجز بخلاف التأخر 17959.
لو زاد في الحلق على مسماه هل يوصف بالوجوب أم لا؟ 6012.(1/557)
لو غلط الحجيج بالتقديم فوقفوا يوم الثامن لم يجز بخلاف التأخر 17959.
لو زاد في الحلق على مسماه هل يوصف بالوجوب أم لا؟ 6012.
لو أهدي أزيد من واحد هل يجب الأكل من الزائد أم لا؟ 6112.
لو ضحى بأزيد من واحد استحب الأكل من الجميع 6112.
هل ينوي على ما زاد عن واحد الوجوب أم لا؟ 6112.
لو نذر التّضحية بحيوان معين فمات قبل إمكان ذبحه 7116.
يكره حلق الشّعر وتقليم الأظفار لمريد التّضحية 11930.
إذا أحرم وفي ملكه صيد فمات قبل التمكن من إرساله 7216.
لو أكره المحرم على قتل الصّيد فلا ضمان 7617.
لو استأجراه للحج عنهما معا فأحرم عنهما معا لم ينعقد 22985.
دخول النّبي صلى اللََّه عليه وآله من ثنية كداء عبادة لا اتفاقية، وكذا نزوله بالمحصب وتعريسه وذهابه في العيد بطريق وعوده من أخرى 23787.
لو حلق المحل رأس المحرم مع قدرته على منعه لزمت الكفارة 25493.
لو شك هل أحرم بالحج قبل أشهره أم فيها كان محرما بالحج 27696.
تحقيق الإحرام من غير الميقات وفي غير أشهر الحج من الحديث 401140.
الجهاد واجب على الفور حيث يجب 13439.
رد السّلام واجب على الفور 13439.
ووجوبه على الكفاية 488.
وكذلك التفقه، وحفظ القرآن، ومعونة المحتاج، وإقامة الحجج العلمية 488.
لو سلم على جماعة فرد أكثر من واحد 508.
لو سلم على جماعة فيهم رئيس هو المقصود بالسّلام هل يكفي ردّ غيره أم لا؟ 21778.
هل يتوقف استحقاق السّلب على اذن الإمام أم لا؟ 24289.
لو نقض بعض المشركين الهدنة وسكت الباقون هل يكون نقضا منهم أم لا؟ 25593.
لا يقبل قول الصّبي وإن أمكن بلوغه ولو ادعى استعجال الإنبات بالدّواء قبل 30029298.
لو ادعى أن بعض المسلمين أمنه هل يقبل أم لا؟ 30098.(1/558)
الأمر بالمعروف
الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجبان على الفور 13339.
هل وجوبهما على الأعيان أم الكفاية؟ 498
البيع
تعتبر العربية في البيع وغيره من العقود اللازمة 8820.
لو قال شريتك بمعنى بعتك صح 9121.
لو دفع إليه مالا وقال أعطه من شئت قيل هل يجوز له الأخذ منه أم لا؟ 18260.
لو قال بعت منك أو آجرت أو رهنت ونحوه هل تصح أم لا؟ 425152.
لو خاطب ذكورا وإناثا فقال بعتكم ونحوه لم تدخل الإناث إلا مع قصدهن 18462.
لا تكفي الكتابة بعقد البيع وغيره من العقود اللازمة مع القدرة على النطق 332103.
لو قال بعتك بدرهم ونصفه فالثّمن درهم كامل ونصف 336106.
لو قال بعتك بفتح التّاء هل يصح أم لا؟ 338107.
لو قال بعتك الدّابّة وحملها أو مع حملها وكان بائعا صح وإلا فلا 375124.
لو أجله إلى غرّة الشهر أو سلخه أو وسطه على ما يحمل؟ 385129.
لو قال المالك بعد عقد الفضولي لا أجيز هل يكون ردا أم لا؟ 406142.
لو اشترى عبدا فخدمه من غير أمره لم يعد تصرفا بخلاف ما لو طلبه منه 413148.
لو باعه بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة 423151.
لو باع العبد المأذون أو أعتقه هل ينعزل أم لا؟ 6513.
لو أخرج أحد المتبايعين من المجلس كرها لم يبطل خياره 7417.
لو أكره المشتري على قبض المبيع دخل في ضمانه إن كان المكره البائع حيث يجب قبضه 7517.
لو أكره على البيع بغير حق لم يقع وكذا غيره من العقود 7517.
بيع العرايا رخصة 467.
التواطؤ على البيع حذرا من متغلب 8318.
لو باعه ثم ادعى عدم إرادة المعنى من اللّفظ 8318.(1/559)
التواطؤ على البيع حذرا من متغلب 8318.
لو باعه ثم ادعى عدم إرادة المعنى من اللّفظ 8318.
لو باع السّقف لم يدخل الحائط 11024.
لو أسلم إليه في شيء على أن يسلمه في البلد الفلاني كفاه تسليمه في أول جزء من البلد 11830.
لو أسلم في شيء على أن يؤديه في يوم كذا أو باع أو أجر كذلك هل يصح أم لا؟ 432154.
لو أجل المبيع إلى جمادى أو ربيع حمل على أقربهما، ومثله الخميس ونحوه 11830.
بيع الرّبا والغرر باطل 14142.
جواز بيع ما وقع فيه النّزاع استنادا إلى قوله تعالى (وأحل الله البيع) 16656.
لو اذن لعبده في بيع ماله أو إجارته هل يجوز له بيع نفسه وإجارتها أم لا؟ 18260.
بيع العرية مستثنى من تحريم بيع المزابنة ونهيه عليه السّلام عن بيع الرّطب بالتمر 18764.
إذا قلنا بالتّحالف عند التحالف في الثمن فحلف ما بعتك إلّا بكذا هل يكفي عن اليمين الجامعة بين النفي والإثبات أم لا؟ 19969.
لو قال بعتك الصبرة إلا جزءا منها لم تصح أو إلا صاعا وأراد واحدا غير معين وباقي أقسام الصبرة العشرة 20171.
النّهي عن بيع ما لا يقبض هل يختص بالطّعام أم يعم ما يكال ويوزن 22583.
لو حضر المالك عقد الفضولي لم يكن إجازة 25393.
لو أخرج أحد المتبايعين من المجلس كرها فإن لم يمنع من التّلفظ انقطع خياره وإلّا فلا 25493.
لو باع شخصا بالغا وهو ساكت هل يكون إقرارا بملكه له أم لا؟ 25593.
المنع من بيع كل رطب بيابسه 25895.
ابتداء خيار الشّرط هل هو من حين العقد أم التفرق؟ 26795.
لو ادعى المشتري العيب أو تقدمه فالأصل عدمه 96و 29227398.
لو شكّ في انقضاء مدة الخيار فالأصل بقاؤه 27196.
لو قال بعتك الشجرة بعد التأبير وقال المشتري قبله قدم البائع 7796.
لو اختلفا في تغيير المبيع حيث يحتمل، أو اتّفقا على تغيره واختلفا
في تقدّمه وتأخره أو وجداه تألفا واختلفا في التقدم 29398.(1/560)
لو اختلفا في تغيير المبيع حيث يحتمل، أو اتّفقا على تغيره واختلفا
في تقدّمه وتأخره أو وجداه تألفا واختلفا في التقدم 29398.
لو ادعى أنه باع وهو صبي أو مجنون ونحوه من العقود 29298.
لو كان الثمن في يد المسلم إليه فاختلفا في قبضه قبل التفرق، أو بعده، أو بالعكس لو قال فسخت في وقته فأنكر الآخر 29298.
تكره معاملة الظالمين ومن لا يتوقى المحارم في ماله 30499.
لو اتّفقا على وقوع عقدين بثمنين وقال البائع هما بيعان، وقال المشتري واحد مكرر قدم قول البائع 30799.
لو اختلفا في نقصان المبيع فإن كان المشتري حضر الاعتبار قدم البائع وإلا المشتري 30899.
لو قال بعتك الدار والثوب بكذا حمل على بيع الاثنين معا وكذا بعتك بألف درهم ومائة دينار ونحوه 445157.
لو قال بعتك هذا وهذا بكذا فهو كقوله بعتك هذين 447157.
وكذا غيره من العقود 447157.
لو قال بعتك بدرهم ودرهم فالثمن درهمان 449157.
لو قال بعتك عبدي سالما غانما بألف ونحوه من العقود، صح ورجع إليه فيه 449157.
لو قال بعتك بدرهم أو دينار وأراد الجمع صح وإلا فلا 460160.
لو قال البائع قد بعتك أو غيره من العقود، أو قال المشتري قد قبلت ونحوه هل يقع أم لا؟ 477168.
كيفية التحالف لو قلنا به عند الاختلاف في قدر الثمن 479169.
لو قال بعتك العبد حيث لا معهود مريدا عبدي 488173.
لو باعه حمل الدّابة ابتداء، لم يصح ولو باعه الحامل والحمل صح 512188 البيع يقبل الشّرط ولا يقبل التعليق عليه وكذا الرهن والصّلح والإجارة والوقف ونحوها 532198.
لو قال بعتك بمائة ووضيعة العشرة درهم فما قدر الموضوع؟ 539200
الشّفعة
لو أخذ الشّفيع الأرض بالشفعة بعد زرع المشتري 11225.
لو ادعى أنّ شريكه اشترى بعده أو تداعيا معا السبق 29598.
تحقيق الشفعة فيما لم يقسم 402140(1/561)
لو ادعى أنّ شريكه اشترى بعده أو تداعيا معا السبق 29598.
تحقيق الشفعة فيما لم يقسم 402140
الرهن
لو اختلف الرّاهن والمرتهن في تخمير العصير عند الرهن أو بعده 29498.
لو أذن للراهن في البيع ثمّ رجع واختلفا في تقدمه عليه وتأخره 29498.
لو أذن المرتهن للراهن في التصرف فقال الرّاهن لا أفعل فهل يكون ردا للإذن أم لا؟ 405142.
هل يشترط قبض الرّهن أم لا؟ ودليله 515191
الحجر
ضمان السفيه ما يتلفه من المال 373.
لو زرع المفلس أو غرس وأراد البائع أخذ الأرض 11225.
لو تعارض المني والحيض في الخنثى لم يحكم له بأحدهما ولكن يكون بلوغا فيه 23085.
الشهادة بالإعسار عند صبره على الجوع والعري 24992.
لو اختلفا في مدّة الإنفاق على المولى عليه فالقول قول منكر الزائد 27596.
لو غاب الصبي عن وليه مدة يبلغ فيها بالسّن هل يجوز له التصرف في ماله أم لا؟ 27896.
العبد هل يملك شيئا؟ 514191
الضمان وتوابعه
لو باع لرجلين بألف بشرط أن يتضامنا صح العقد ولزمهما ذلك وتحقيق فائدته 411147.
لو قال أحلتك فقبض، ثم قال أردت الوكالة هل يقبل أم لا 31199.
لو قال عليّ كذا إلى كذا إن حضره أو عكس 350113.
لو قال الكفيل لا حق لك على المكفول حالة الكفالة 29598
الشركة
هل يدخل النادر كاللقطة أو الهبة في المهاياة في المشترك أم لا؟ 17959.(1/562)
المزارعة
لو انقضت مدة المزارعة والزّرع باق 11225
إحياء الموات
هل يتوقف الإحياء على إذن الإمام أم لا؟ 24189
الوديعة
لو أودع الصبي والمجنون ففرطا هل يضمنان أم لا؟ 311.
لو تعديا فيها فأتلفاها 311.
لو أنفق المستودع على الوديعة 425.
لو فرط الأمين ثمّ رده إلى الحرز لم يبرأ 27796.
لو قال خذه وديعة يوما وعارية يوما هل يقع كذلك أم لا؟ 446157
العارية
لو أنفق المستعير على العين 425.
لو ناوله شمعة وقال أعرتكها لتستضيء بها 10623.
لو قال أعرتك هذا ما شئت فعيّن وقتا هل له تجاوزه أم لا؟ 347112.
العارية هل تضمن مطلقا أم بالشرط؟ 515191
اللقطة
لو أنفق الملتقط هل يرجع؟ 425.
التعريف واجب على الفور 13439.
لو نوى الملتقط تملك اللقطة قبل التعريف أو الحول ضمن 27696.
لو ادعى اللّقطة مدع وعرفها بأوصاف خفية هل يجوز دفعها إليه أم لا؟ 1499.
لو وجد على الكنز أثر الإسلام في بلاده فهو لقطة 31499
الجعالة
لو قال من رد آبقا فله عشرة ثم قال فله خمسة 11627.
لو قال من دخل داري فله درهم فدخل دارا له ثم أخرى استحق درهمين 381129.
لو قال لجماعة كل من سبق منكم فله دينار فسبق ثلاثة أو اقتصر على من 15248.(1/563)
لو قال من دخل داري فله درهم فدخل دارا له ثم أخرى استحق درهمين 381129.
لو قال لجماعة كل من سبق منكم فله دينار فسبق ثلاثة أو اقتصر على من 15248.
لو قال لغيره إذا قرأت القرآن فلك كذا هل يتوقف الاستحقاق على قراءة جميعه؟ 16756.
يصح كون عوض الجعالة مجهولا على بعض الوجوه 24089.
يصح ضمان مال الجعالة قبل العمل على قول 24089.
لو قال من أخبرني بقدوم زيد أو بموته فله علي كذا فأخبره مخبر كاذبا هل يستحق أم لا؟ 24624590.
لو قال حصلت في يدك قبل الجعالة وقال الآخر بل بعده 29698.
لو قال من سبق إلى كذا فله عندي كذا 368119.
لو قال إذا فعلت كذا فلك علي درهم ففعله مرة بعد أخرى هل يستحق متعددا أم لا؟ 381129.
لو صدر الجزاء من المالك بغير الفاء هل يصح أم لا؟ 452158
الغصب
لو غصب لوحا وأدخله في سفينته واشتبه لزمه نزع الجميع، ولو كانت في اللجة وخيف الغرق لم يجز النزع إلّا أن تشرف سفينة المغصوب منه على الغرق أيضا فيجب 5711.
لو أكره المغصوب منه على أكل المغصوب أو إتلافه لم يبرأ الغاصب 7517.
إذا غصب خمرا من ذمي مستتر بها ضمنها 7817.
لو أتلف شيئا بحضرة مالكه ضمن 25393.
من لزمه ضمان عين لو وصفها بعيب ينقص القيمة وأنكر المستحق 29498.
الأمة الزّانية بغير إذن مولاها هل يستحق عقرها أم لا؟ 440156
الإجارة
لو استأجر من يعمل له مدة حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه دون غيره 21276.
النهي عن إجارة الأرض للزراعة بالحنطة والشعير هل يختص بما يخرج منها أم لا؟ 22583.
لو استأجر الصبي مدة يبلغ فيها بالسّن لم يصح في المعلومة فيه وفي المحتمل يراعى 27896.(1/564)
لو استأجر الصبي مدة يبلغ فيها بالسّن لم يصح في المعلومة فيه وفي المحتمل يراعى 27896.
لو آجره عبدا وسلمه إليه ثم ادعى إباقه من يده أو مرضه 29598
الوكالة
لو ادعى الوكيل العين 425.
لو وكّل شخصا في ذبح أضحيته في وقت فخرج الوقت قبل فعله 456.
ولو خرج الوقت بعد ذبحها وقبل تفريقها 456.
وإذا قال بع هذه السلعة في هذا الشّهر فلم يتفق بيعها فيه 456.
لو وكله في عتق عبده أو طلاق زوجته في وقت فخرج قبل الفعل 456.
لو وكله في بيع متاعه بمائة جاز بيعه بأزيد 24و 11510927.
لو قال ولي المحجور بع هذه العين بعشرة، وكانت تساوي مائة لم يصح البيع مطلقا 10924.
لو قال بع ثوبي ولا تبعه بأكثر من مائة أو قال بعه بمائة ولا تبعه بمائة وخمسين 11627.
لو قال لوكيله افعل كذا ثمّ قال افعله في هذا اليوم أو في هذا المكان 11628.
لو قال بعه يوم كذا أو مكانه فخالف، وكذا غيره من العقود والإيقاعات 11728.
لو وكل جماعة في بيع أو تزويج ونحوه ثم خصص واحدا بالإذن لا تكون رجوعا عن الأول 11829.
لو قال لزيد مر عمراً ببيع هذه السلعة هل يكون أمرا منه للثالث أم لا؟ 12634.
ولو تصرف الثّالث قبل إذن الثاني هل ينعقد تصرفه أم لا؟ 12634.
لو كان له زوجتان فقال لغيره طلق زوجتي بالتكرار أو عبدين فقال أعتق عبدي كذلك هل له تطليق امرأتيه أو عتق عبدين؟ 12836.
لو قال لوكيله بع هذا العبد فباعه، فردّ عليه بعيب أو بشرط الخيار ففسخ المشتري لم يكن له بيعه ثانيا 13037.
لو قال لشخص بع هذه السلعة فقبضها الشّخص وأخر بيعها فتلفت هل يضمن أم لا؟ 13339.
لو قال لجماعة بيعوا هذه السلعة أو قالت لهم زوجوني اشترط اجتماعهم 15147.(1/565)
لو قال لشخص بع هذه السلعة فقبضها الشّخص وأخر بيعها فتلفت هل يضمن أم لا؟ 13339.
لو قال لجماعة بيعوا هذه السلعة أو قالت لهم زوجوني اشترط اجتماعهم 15147.
لو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد فأعطه درهما اقتصر على واحد بخلاف كل رجل 15550.
لو قال لوكيله بع يوم السّبت هل يعم الأول وما بعده أم لا؟ 16756.
لو وكله في بيع شيء هل يجوز له بيعه من نفسه أم لا؟ 18260.
لو قال لزوجته طلقي من نسائي من شئت هل لها أن تطلق نفسها أم لا؟ 18260 لو قال لوكيله في الصّيف اشتر لي ثلجا لم يكن له شراؤه في الشتاء 19164.
لو قال طلق هندا اليوم وزينب ونحوه من التّصرفات، هل يرجع الظّرف إليهما أم لا؟ 20974.
لو وكل شخصا في إعتاق عبده مثلا ثم قال منعتك من إعتاق واحد منهم هل يمتنع الجميع أم لا؟ 21980.
لو قال لوكيله أعتق هؤلاء إلّا واحدا 21980.
لو وكلت المرأة جماعة في تزويجها ثم أذنت لواحد معين هل يكون منعا لغيره أم لا؟ 22181.
لو وكل في تزويج ابنته فحصل موت الموكل ووقوع النكاح، وشك في السّابق 29698.
تقبل شهادة الواحد في عزل الوكيل 30199.
لو كان له وكيلان فقال أحدهما بعتك هذا مثلا فقال الآخر بكذا هل يصح أم لا؟ وكذا غيره من العقود والإيقاعات 330101.
لو قال الوكيل بعتك ثوب زيد الفلاني وسيفه وكتاب زيد وأراد به الأول هل يصحّ أم لا؟ 339108.
لو قال لوكيله من دخل داري فأطعمه شيئا، فدخل صبي أو مجنون جاز إطعامهما 346111.
ولو دخلت دابة هل له إطعامها أم لا؟ 346111.
لو قال لوكيله أعط فلانا ما شئت تخير أي عدد شاء 347112.
لو قال لوكيله إن جاء فلان فبعه بكذا، ثم قال إن جاء الرّجل فبعه بخمسين صح بذلك بيعه 350113.
ولو قال إن جاءك رجل فبعه بخمسين صح له ولغيره 350113.
لو قال وكلتك في أن تبيع كذا ليس له التوكيل، ولو قال في بيعه جاز 370120.(1/566)
ولو قال إن جاءك رجل فبعه بخمسين صح له ولغيره 350113.
لو قال وكلتك في أن تبيع كذا ليس له التوكيل، ولو قال في بيعه جاز 370120.
لو قال لوكيله إعتاق عبدي أو بيع داري قاصدا للأمر وكذا غيره من العقود والإيقاعات هل يصح أم لا؟ 370121.
لو وكله في بيع متاع فقال بعه صحيحا فعاب قبل البيع فباعه ثم اختلفا في الحال 370122.
لو قال بع هذا العبد مع هذه الجارية هل يقتضي الصفقة الواحدة أم لا؟ 375124.
لو قال لوكيله بع بكم شئت أو بما شئت أو كيف شئت على ما يحمل؟ 395136.
لو قال بع ما شئت من أموالي واقبض ما شئت من ديوني حمل على البعض 421151.
لو قال اقبض حقي من فلان أو قال اقبض حقي الّذي على فلان والفرق بين الصيغتين 423151.
لو وكله في بيع عين بعشرة إلى يوم الخميس مثلا هل يدخل الخميس أم لا؟ وكذا غيره من الآجال 428153.
لو قال اشتر لي دارا في البلد الفلاني على ما يحمل منه؟ 431154.
لو قال وكلتك في بيع الدّار والثوب أو في شرائهما هل يقتضي الجميع أم لا؟ 445157.
لو قال خذ مالي من زوجتي وطلقها هل يفيد التّرتيب أم لا؟ 455159.
لو قال بع هذا أو هذا ثم نهى باللّفظ المذكور، أو قال بع هذا أو ذاك هل يصح أم لا؟ 457160.
لو قال وكلتك في بيع العبد لولا فعل كذا هل يصح أم لا؟ 467163.
لو قال بع هذا وذاك مريدا المعية ونحو ذلك 487172.
لو قال لوكيله بع عبدي أن فعل كذا بالفتح باعه 485171.
لو وكله في استيفاء حقوقه وما يجب منها، وفي بيع ملكه أو ما سيملكه أو تزويج امرأة أو طلاقها أو شراء عبد وعتقه أو استدانته دين وقضائه ونحو ذلك هل يصح أم لا؟ 497178.
لو قال لوكيله، فرق هذا المال على طلبة العلم والقراء الصّالحين، هل يعود النّعت إلى الجميع أم إلى الأخير؟ 517192.
لو قال لوكيله بع عبيدي أجمعين ونحوه هل يقتضي اتحاد الفعل في الوقت أم لا؟ 525195(1/567)
الوقف
لو وقف على الفقهاء 341.
لو وقف على سكان موضع فأخرج أحدهم كرها هل يخرج عن الاستحقاق؟ 7517.
لو غاب واحد منهم لم يبطل حقه 8619.
لو وقف على حفاظ القرآن هل يدخل من نسيه بعد حفظه أم لا؟ 19، 35586115.
لو وقف على مواليه 21و 38991131.
لو وقف على أولاده وليس له إلا أولاد أولاد 10623.
شرط واقف مدرسة على مدرسها أن يلقي كل يوم ما تيسر من علوم ثلاثة هل يكفي الواحد؟ 17959.
لو وقف على الفقراء وكان فقيرا دخل 18060.
لو وقف مسجدا على المسلمين دخل فيه إلا أن يصرح بإخراج نفسه فيهما 18060.
لو وقف على الأكبر من أولاد أبيه أو الأفقه وكان هو الأكبر 18060.
لو وقف على بني زيد لم يدخل الإناث، ولو وقف على بني هاشم ونحوه دخلن 18462.
لو وقف على أولاده وأولادهم المحتاجين هل تكون الحاجة شرطا في الجميع 20774.
ومثله وقفت على أولادي وأولاد أولادي إلى أن يستغنوا 20774.
لو وقف على بعض أولاده ثمّ على أولاد أولاده هل يختص بالبطن الأول أو يعم؟ 21276.
لو وقف أو أوصى للفقراء انصرف إلى فقراء ملة الموصي والواقف 21376.
لو استفاض أن الملك الفلاني وقف على المسجد وفي البلد عدة مساجد كيف الحكم؟ 353114.
لو وقف على سكان محل معين فغاب بعضهم ولم يبع داره لم يبطل حقه 355115.
لو شرط الواقف النّظر للأرشد 360119.
لو قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي بطنا بعد بطن اقتضى التّرتيب 378127.
ولو اقتصر على أولادي وأولاد أولادي وأضاف الباقي هل يقتضيه أم لا؟ 379127.(1/568)
لو قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي بطنا بعد بطن اقتضى التّرتيب 378127.
ولو اقتصر على أولادي وأولاد أولادي وأضاف الباقي هل يقتضيه أم لا؟ 379127.
لو وقف على زيد ثم عمرو اقتضى التّرتيب 455159.
لو قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي محتاجين هل يكون حالا منهما أو من أحدهما؟ 502180.
لو قال وقفت على زيد ثم عمرو ثم على الفقراء فمات أحدهما هل يصرف نصيبه إلى صاحبه أم إلى الفقراء؟ 508186.
لو وقف على أولاده لم يدخل أولادهم، ولو ذكرهم دخلوا وإن كانوا معدومين 511188.
لو وقف على مسجد سيبنيه لم يصح ولو قال علي هذا وما سأبنيه صح 511188
الوصايا
لو أوصى في الكفارة المخيرة بخصلة معينة تزيد على غيرها من الخصال 529.
لو أوصى بإخراج أزيد من خصلة فيها هل يحسب الزّائد من الثّلث أم لا؟ 6012.
لو أوصى بعين ثم قال هي حرام على الموصى له هل يكون رجوعا أم لا؟ 10623.
لو قال أوصيت لزيد بمائة ثم قال أوصيت له بخمسين أو عكس 11627.
لو أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو فهو رجوع 29و 28411897.
لو أوصى له بدينار حمل على الذهب 9622.
لو أوصى له بدابة على ما يحمل 10422.
لو أوصى لزيد والفقراء بثلث ماله وزيد فقير معه ما يكون نصيبه 12836.
لو أوصى بأكثر من الثلث وقف على الإجازة 13941.
لو قال لجماعة أوصيت إليكم اقتضى الاجتماع 15147.
لو أوصى بما تحمله هذه الشّجرة أو الجارية ولم يبين المدة حمل على المتجدد، لكن هل يدخل الجميع أم الأول خاصة 15515449.
ولو أوصى للفقراء هل يجب التّعميم أم لا؟ 15851.
لو أوصى بجمع غير مضاف ولا معرف هل يفيد العموم أم لا؟ 390133.
لو قال إن ولدت ذكرا فله ألف أو أنثى فمائة فولدت ذكرين أو أنثيين 16454.(1/569)
لو أوصى بجمع غير مضاف ولا معرف هل يفيد العموم أم لا؟ 390133.
لو قال إن ولدت ذكرا فله ألف أو أنثى فمائة فولدت ذكرين أو أنثيين 16454.
لو قال أوصيت لزيد بمثل ما أوصيت لعمرو كان وصية بمقداره 17858.
ولو حذف الباء هل يتغير الحكم أم لا؟ 17858.
وكذا لو قال أوصيت لعمرو كما أوصيت لزيد 17858.
اشتراط عدالة الوصي 17768.
لو قال أعطوه ثلث مالي إلّا كثيرا منه أو إلّا قليلا أو إلّا شيئا 20372.
لو أوصى لزيد بعشرة دنانير وبثلثه للفقراء وزيد فقير هل يعطى مع الدنانير شيء من الثلث أم لا؟ 22182.
لو قال أوصيت لزيد بهذه المائة ثم قال أوصيت له بمائة أو بالعكس هل يحمل المطلق على المقيد أم لا؟ 22683.
لو اختلف الموهوب له والوارث في وقوع التّبرعات في الصّحة أو المرض كيف الحكم؟ 27696.
لو أوصى بحمل فلانة أعطي ما تيقن وجوده حال الوصية 27696.
لو قال أوصيت لعمر وبالذي أوصيت به لزيد ونحوه كان رجوعا 28497.
لو أوصى أو نذر أو وقف للأتقى أو الأزهد أو الأعلم أو الأعقل أو الأجهل أو الأحمق ونحو ذلك 359119.
لو أوصى لأقرب النّاس إليه أو لأقرب أقاربه أو وقف عليهم 360119.
لو قال أعطوه أكثر مالي على ما يحمل 365119.
لو أوصى أو نذر بأوّل ما يكسبه فلم يكسب سوى مرّة 368119.
لو قال أوصيت إليك بأن تسكن هذه الدّار أو بأن يخدمك هذا العبد 369120 لو أوصى لقوم زيد لم يدخل الإناث 390132.
لو أوصى له بدراهم على ما يحمل؟ 391133.
لو أوصى له بأقل عدد الدراهم مثلا على ما يحمل؟ 393135.
لو أوصى بما تحمله الدّابة أو الشّجرة حمل على الحادث دون الموجود 404141.
لو قال لا أقبل هذه الوصية هل يكون ردا أم لا؟ 406142.
لو قال إن كان في بطنها ذكر فدرهمان أو أنثى فدرهم، أو قال إن كان الّذي في بطنها 430154.
لو أوصى بعتق سالم وغانم وضاق الثلث عنهما كيف يصنع؟ 446157.
لو قال أوصيت إلى فلان ثم فلان اقتضى التّرتيب 455159.
لو قال أعطوه عشرا أو عشرة من الإبل ما يعطى؟ 468164.(1/570)
لو قال أوصيت إلى فلان ثم فلان اقتضى التّرتيب 455159.
لو قال أعطوه عشرا أو عشرة من الإبل ما يعطى؟ 468164.
لو أوصى بصرف المال على خمسة أو خمس مثلا أو وقف كذلك هل يعم الذكور والإناث أم لا؟ 468164.
لو أوصى بشاة أو بقرة هل يدخل الذّكر أم لا؟ 469166.
لو أوصى لزيد والفقراء وزيد فقير هل يدخل معهم أم لا؟ 12836.
لو أوصى لأولاده وأولاد أولاده المحتاجين هل يعود النّعت إلى الأخير أم إلى الجميع؟ وكذا الوقف 517192.
الوصية تقبل الشّرط والتّعليق على الشرط 532198
النّكاح
إذا وطئ زوجة غيره ظانا أنها زوجته هل يوصف بالحل أم الحرمة؟ 301.
النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء وقيل بالعكس. 10122.
يجوز النّظر إلى امرأة يريد نكاحها وهل يستحب أم يباح؟ 12432.
هل يجب النكاح على القادر أم لا من حيث إطلاق الأمر؟ 12533.
إذا زوجت السكرى نفسها ثم أفاقت ورضيت هل يصح أم لا؟ 6915.
لو قال الولي للزّوج زوّجتك بفتح التاء هل يصح أم لا؟ 338107.
لو قال الولي زوّجت منك أو زوّجت لك أو إليك ونحو ذلك هل يصح أم لا؟ 425152.
لو أكرهت على الإرضاع نشر، وفي وجوب المهر حيث ينفسخ النكاح وجهان 7617.
إذا ملك أختين فوطئ إحداهما حرمت الأخرى. 5310.
لو وطئ الأخرى هل تحرم الأولى أم لا؟ 5310.
لو أسلم على خمس نسوة فوطئ إحداهن هل يكون معينا أم لا؟ 541.
لو وطئ ثلاثا منهن تخيّر إحدى الباقيتين 5410.
إذا اشتبهت زوجته بأجنبية وجب الكف عن الجميع مع الحصر 5611.
لو اشتبهت في غير منحصرة حل الجميع. 5611.
لو أكره المحلل على الوطء تحقق التحليل. 7617.
لو تزوجها بألف واصطلحا على إرادة ألفين منها هل يصح أم لا؟ 8218.
لو دبت الصغيرة فارتضعت من أم الزوج. 25493.
هل يجوز تزويج الفاسق بغيره؟ 17758.(1/571)
لو دبت الصغيرة فارتضعت من أم الزوج. 25493.
هل يجوز تزويج الفاسق بغيره؟ 17758.
لا يقسم للكافرة بقدر المسلمة. 17758.
لو أذنت له في تزويجها من شاء هل يزوجها من نفسه أم لا؟ 18260.
هل يشترط في الرّضاع أخذه من الثدي أم لا؟ 18964.
لو قال زوجتك بنتي وله بنات ونوى معينة. 21577.
لو استؤذنت البكر فسكتت كفى دون غيرها. 25493.
لو ارتضعت الزّوجة الصغيرة من الكبيرة من غير مباشرتها هل يجب عليها المهر أم لا؟ 25593.
لو شك هل المنظور ممّن يجوز النّظر إليه أم لا جاز النّظر. 27096.
لو شكت المرضعة في عدد الرّضعات أو ابتداء الرّضاع فالأصل بقاء ما كان من حل. 27596.
لو شك في وقوعه في الحولين أو بعدهما. 29698.
لو ضرب للعنين الأجل واختلفا في الإصابة والمرأة ثيب 29698.
لو أسلم الزوجان بعد الدخول واختلفا في وقوعه في العدة وعدمه 29898 لو أسلما قبل الدّخول فقال الزّوج أسلمنا معا وقالت الزّوجة بل على التّعاقب 31399.
لو قال أسلمت قبلك فلا نفقة لك وأنكرت 29798.
لو اختلفا في مدة النشوز لأجل النّفقة 29798.
لو ادعت النّفقة مع صحبتها له هل يقبل أم لا؟ 30499.
لو ثبت عقدان بمهرين فقالت نكاحان وقال واحد مكرر قدمت الزّوجة 30799.
لو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته 30799.
اختلاف الزّوجين في المهر ولا بينة 31299.
لو أسلم عن خمس نسوة وقال لواحدة أنت مختارة رجع إليه في البيان 358118.
لو أسلم على ثمان نسوة فقال لأربع أريد كن ولأربع لا أريد كن هل يحصل به التعيين أم لا؟ 404141.
لو قال لولد يلحق به ليس قد تولدت مني هل يكون نفيا؟ 410146.
تحقيق قوله صلى اللََّه عليه وآله (يحرم من الرّضاع ما يحرم من
النّسب) وتفريع تحريم الزوجة بإرضاع بنت أخيها، وحكم ما لو أرضعت ولد ولدها ونحو ذلك 422151.(1/572)
تحقيق قوله صلى اللََّه عليه وآله (يحرم من الرّضاع ما يحرم من
النّسب) وتفريع تحريم الزوجة بإرضاع بنت أخيها، وحكم ما لو أرضعت ولد ولدها ونحو ذلك 422151.
هل تحرم أمهات النّساء عند عدم الدخول بالأزواج أم لا؟ وتحقيق الخلاف 518192.
لو كان له بنت واحدة اسمها زينب فقال زوجتك بنتي حفصة هل يصح أم لا؟ 527197.
لو كان له بنتان وأراد تزويج إحداهما فلا بدّ من تمييزها عن الأخرى 528197
الطلاق
لو قال الطّلاق لازم لي أو واجب عليّ 404.
لو طلق واحدة لا بعينها حرم وطء زوجاته 5410.
لو وطئ واحدة قبل التّعيين هل يكون تعيينا أم لا؟ 5410.
لو عزل عن القضاء فقال امرأة القاضي طالق وقع 19و 35586115.
لو قال أنت طلاق أو الطّلاق لم يقع 10022.
لو قال إحداكما طالق ونواهما جميعا هل تطلقان 10222.
لو قال زوجتي فاطمة بنت محمد طالق ثم قال أردت بنت الّذي يدعونه زيدا هل تطلق أم لا؟ 10422.
لو طلق الحامل فولدت توأمين 11930.
لو قال نساء المسلمين طوالق هل تطلق زوجته أم لا؟ ومثله نساء العالمين 18060.
لو قال أنتنّ طوالق ونوى إخراج واحدة لم يقع عليها 18864.
لو قال نسائي طوالق ثم قال كنت أخرجت فلانة هل يقبل أم لا؟ 19064.
ولو قال عزلت واحدة أو اثنتين فوجهان 19064.
ولو قال نسائي طوالق ونوى إخراج واحدة قبل 19064.
لو قال أربعتكن إلّا فلانة لم يقع عليها 19364.
لو قال كل امرأة لي طالق إلّا عمرة ولم يكن له غيرها هل يقع الطلاق عليها أم لا؟ 70و 517200191.
ولو أتى بغير ونحوها لم يقع 20070.
لو التمست فاطمة منه الطلاق فقال فاطمة طالق هل تقبل دعوى إرادة غيرها أم لا؟ 26395.
لو قالت له زوجته إذا سألتك الطلاق ما تقول فقال أقول أنت طالق هل تطلق بذلك أم لا؟ 26395.(1/573)
لو التمست فاطمة منه الطلاق فقال فاطمة طالق هل تقبل دعوى إرادة غيرها أم لا؟ 26395.
لو قالت له زوجته إذا سألتك الطلاق ما تقول فقال أقول أنت طالق هل تطلق بذلك أم لا؟ 26395.
لو قالت طلقني على ألف ثم اختلفا فادعى تعقبه للسؤال وادعت التراخي فالقول قولها 27896.
لو طلقت الأمة طلقتين وأعتقت وشك في السّابق 29798.
لو اتّفقا على الرجعة وانقضاء العدة ثم اختلفا في السّابق 29829798.
لو ادعى المطلق الرّجعة والعدة باقية وأنكرت 29898.
يقبل قول المعتدة في انقضاء العدة حيث يمكن 30299.
لو ادعت المطلقة ثلاثا التحليل أو إصابة المحلل 30399.
امرأة المفقودة تتزوج بعد البحث عنه أربع سنين عملا بالظاهر 30699.
لو كان له زوجتان فقال إحداهما طالق وأشار إلى واحدة هل يقع بها أم لا؟ 332103.
لو كتب صيغة الطّلاق مع قدرته على النّطق هل يقع أم لا؟ 332103.
لو قال لامرأته أنت بفتح التاء طالق 337105.
لو قال امرأته طالق وعنى نفسه هل يصح أم لا؟ 338106.
لو قيل لرجل اسمه زيد يا زيد فقال امرأة زيد طالق هل يصح أم لا؟ 339108 لو قال أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة كم تطلق عند من اعتبره؟ 371122.
لو قال أنت طلاق أو الطلاق فهو كناية 372123.
لو قال أنت طالق إذ قام زيد أو إذ فعلت كذا وقع، كما لو قال إن فعلت بالفتح 380128.
لو قال لزوجته بالشّام أنت طالق في مكة هل يقع أم لا؟ 430154.
لو قال أنت طالق كالثّلج أو كالنّار أو أحسن طلاق أو أقبحه أو بارد أو حار أو نحو ذلك طلقت في الحال 435155.
لو أكره على طلاق حفصة فقال لها ولعمرة أنتما طالقتان هل تطلقان أم لا؟ 448157.
وكذا لو قال حفصة طالق وعمرة طالق 448157.
لو قال أنت طالق وهذه أو هذه أو عكس وتحقيق الحال في حكمها 459458160.
لو قال أنت طالق لو أن يدل لولا دخلت الدّار ونحوه 467163.(1/574)
لو قال أنت طالق وهذه أو هذه أو عكس وتحقيق الحال في حكمها 459458160.
لو قال أنت طالق لو أن يدل لولا دخلت الدّار ونحوه 467163.
ولو قال أنت طالق إن دخلت الدّار وإن كلمت زيدا وتحقيق حكمه 483170.
لو قال إن هند لطالق هل يقع أم لا؟ 483170.
لو قال أنت طالق أن دخلت الدار بالفتح وقع منجزا 485171.
وقال أنت طالق أن طلقتك وقع في الحال وكذا إذ طلقتك 486171.
لو قال أنت أن دخلت الدّار طالقا بالفتح وتحقيق حاله وكذا بكسر إن أو أنت طالق مريضة 499498179.
لو قال زوجاتي كلهن طوالق وأخرج بعضهن بالنية هل يصح أم لا؟ 523194.
لو قال أنت طال بالترخيم هل يقع أم لا؟ 540200.
لو قال أنت طالك بالكاف هل يصح أم لا؟ 541200
الخلع
جواز مخالعة الزوجين عند الأمن من إقامة حدود الله 11326.
لو قال لزوجته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فزادته 11527.
لو قال خلعتك على ألف في ذمتك فقالت بل في ذمة زيد 29898
الظهار
لو علق الظهار على تمييزها نوى ما أكلت عما أكل أو على إخبارها بعدد حب الرمانة 22و 2469990.
لو قال إن ظاهرت من فلانة الأجنبيّة فأنت عليّ كظهر أمي فتزوجها وظاهرها هل يصير مظاهرا أم لا؟ 11326.
لو قال لزوجته إن أعطتني فلانة مائة فأنت عليّ كظهر أمي فأعطته أزيد منها 11527.
لو قال لامرأته إن خالفت أمري فأنت عليّ كظهر أمي ثم قال لا تكلمي زيدا فكلمته هل يقع أم لا؟ 13640.
لو قال إن خالفت نهيي ثم قال قومي فقعدت 13740.
لو قال إن فعلت ما ليس لله فيه رضا فأنت عليّ كظهر أمي فتركت صوما مثلا هل يقع أم لا؟ 14343.
ولو سرقت أو زنت وقع 14343.
لو علّقه على أكل رغيف لم يقع بأكل بعضه 14444.(1/575)
ولو سرقت أو زنت وقع 14343.
لو علّقه على أكل رغيف لم يقع بأكل بعضه 14444.
لو وقع حجر من سطح فقال إن لم تخبريني الساعة من رماه فأنت عليّ كظهر أمي 15449.
لو قال إن كان الله يعذب الموحدين فأنت عليّ كظهر أمي 15651.
لو قال من لم تخبرني منكن بعدد ركعات الصلاة المفروضة فهي علي كظهر أمي فقالت واحدة سبع عشرة وأخرى خمس عشرة وثالثة إحدى عشرة 56و 24616790.
لو رأى امرأته تنحت خشبة فقال إن عدت إلى مثل هذا فأنت علي كظهر أمي فنحتت أخرى هل يقع أم لا؟ 17858.
لو قال إن كلّمت رجلا فأنت علي كظهر أمي فكلمت الزّوج هل يقع أم لا؟ 18160.
لو قال إن جعت يوما في بيتي فأنت علي كظهر أمي لم تدخل أيام الصوم 19164.
لو قال إن علمت من أختي شيئا لم تقوليه لي فأنت علي كظهر أمي فرأت ما يوجب ريبة 19164.
لو قال أنت علي كظهر أمي استغفر الله إن دخلت الدار وقع منجزا. 19565
لو قال إن رأيتك تدخلين هذه الدار فأنت علي كظهر أمي فدخلت ولم يرها هل يقع أم لا؟ 21477.
لو قال إن لبست الثوب الفلاني فأنت علي كظهر أمي ونوى وقتا معيّنا اختص به 21577.
لو قال إن دخلت الدار فيمينك عليّ كظهر أمي فقطعت يمينها ثم دخلت هل يقع أم لا؟ 23586.
لو قال من أخبرتني بقدوم زيد فهي علي كظهر أمي فأخبرته كاذبة وقع الظّهار 24590.
لو قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرّمانة قبل كسرها فأنت علي كظهر أمي وكيفية الخلاص منه 44690.
لو قال لزوجته إن كنت حاملا فأنت عليّ كظهر أمي هل يجب التّفريق إلى أن يستبين بها أم لا؟ 26495.
لو قال إن كان أوّل ما تلدينه أنثى فأنت علي كظهر أمي فلم تلد غيرها 368119.
لو قال لامرأتيه إن ولدتما معا أو دخلتما فأنتما علي كظهر أمي هل يتوقف دخولهما على وقت واحد أم لا؟ وكذا إن دخلتما جميعا 376125.(1/576)
لو قال إن كان أوّل ما تلدينه أنثى فأنت علي كظهر أمي فلم تلد غيرها 368119.
لو قال لامرأتيه إن ولدتما معا أو دخلتما فأنتما علي كظهر أمي هل يتوقف دخولهما على وقت واحد أم لا؟ وكذا إن دخلتما جميعا 376125.
لو قال إذا دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وقع بدخولها، ولو قال إذا لم تدخلي وقع مع مضي زمن يمكن فيه الدّخول بخلاف ما لو علقه بأن 382129.
لو قال إن قمت فأنت علي كظهر أمي لم يحمل على القيام الماضي 406143.
لو قال إن أكرمت الّذي أهنته ونحوه فأنت علي كظهر أمي هل يحمل على ما بعد الظهار أم الأعم؟ 407144.
لو قال إن عصيت بسفرك فأنت علي كظهر أمي ينظر في معنى الباء 419150.
لو قال أنت كأمي وقصد الظهار هل يقع أم لا؟ 430155.
لو قال إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي اعتبر اجتماعهما 446157.
لو قال إن دخلت الدّار أو كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي هل يعتبر تقديم الدّخول على الكلام أم لا؟ 451158.
لو قال إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي وقع بأيهما وجد 458160.
لو قال أنت علي كظهر أمي لو دخلت الدار رجع إليه في التفسير 464162.
لو قال لا تفعلي اليوم إلّا كذا ثم قال إن خالفت شرطي فأنت علي كظهر أمي هل يقع بفعلها غير ما عينه أم لا؟ 480169.
لو قال إن دخلت على فلان وفلان فأنت علي كظهر أمي لم يقع إلّا مع دخولها عليهما 487172.
لو قال إن كلمت زيدا في المسجد فأنت علي كظهر أمي فما المعتبر من الحضور فيه 501180.
لو قال إن ظاهرت من فلانة الأجنبيّة فأنت علي كظهر أمي هل يصحّ أم لا؟ 516191.
لو كرر الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي فهل يفيد التأكيد أو التأسيس؟ 520193.
لو كرر الجملة الشّرطية دون الجزاء كقوله إن دخلت الدار مرتين فأنت علي كظهر أمي هل يكون تأسيسا أم لا 521193.
لو قال إن دخلت الدار إن كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي ففي انعقاده بحث 530197.(1/577)
لو كرر الجملة الشّرطية دون الجزاء كقوله إن دخلت الدار مرتين فأنت علي كظهر أمي هل يكون تأسيسا أم لا 521193.
لو قال إن دخلت الدار إن كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي ففي انعقاده بحث 530197.
ولو عطف شرط على شرط بالواو نحو إن فعلت وإن فعلت فأنت علي كظهر أمي هل يكفي وجود أحدهما في الوقوع أم لا؟ وكذا في النّذر وغيره من التعاليق 531198.
لو قال إن دخلت الدار أنت عليّ كظهر أمّي بدون الفاء هل يصحّ أم لا؟ 536535199.
وكذا لو دخلت الدار وأنت عليّ كظهر أمّي 536199.
لو قال إن دخلت الدار فعليّ كظهر أمّي هل يقع أم لا؟ 537199
الإيلاء
لو قال والله لا أجامع واحدة منكنّ ثبت الحكم لكلّ واحدة 15348.
السّابقة بعينها إلّا أنّ فيها تفصيلا 16253.
لو استدخلت المولى منها ذكره لم تنحل يمينه وهل تحصل الفيئة أم لا؟ 25493.
لو علق الإيلاء على شرط هل يصحّ أم لا؟ وعلى تقديره لو علقه على أحد الأمرين إلى آخره 458160.
لو كرر الصّيغة هل يفيد التأكيد أو التّأسيس 520193
العتق
لو أعتق إحدى أمتيه من غير تعيين ثمّ وطئ إحداهما هل يكون تعيينا أم لا؟ 5410.
إذا أعتق العبد المأذون هل ينعزل أم لا؟ 6513.
لو قال السّيد إن رأيت عينا فأنت حرّ على وجه النّذر انعتق عند رؤية أوّل عين 9121.
لو قال بنو آدم كلهم أحرار لم يعتق عبيده بخلاف ما لو قال عبيد الدّنيا 10523.
لو قال لعبده أنت حرّ مثل هذا العبد 17758.
لو قال أنتم أحرار ونوى إخراج بعضهم لم يقع على المخرج 19164.
لو قال لعبديه أحدكما حر أمر بالتعيين إلى آخره. 23486.
لو قال للمذكر أنت حر بكسر التاء أو للأنثى بالفتح صح 337105.
لو قال لعبده أنت حر مثل هذا العبد هل يعتقان معا أم لا؟ 436155.
وكذا لو قال أنت حر مثل هذا 58و 436177155.
لو قال لعبد الغير قد أعتقتك منشئا لغا أو مقرا صح وحكم عليه إذا ملكه ولو قال أعتقتك بغير قد احتمل الأمرين 477168.
لو قال لعبده أنت حرّ أن فعلت كذا بالفتح وقع منجزا 486171.(1/578)
لو قال لعبد الغير قد أعتقتك منشئا لغا أو مقرا صح وحكم عليه إذا ملكه ولو قال أعتقتك بغير قد احتمل الأمرين 477168.
لو قال لعبده أنت حرّ أن فعلت كذا بالفتح وقع منجزا 486171.
لو قال العبد حر ثم أخبر بإرادة عبده قبل 488173.
لو قال عبيدي كلهم أحرار وأخرج بعضهم بالنّيّة هل يصح أم لا؟ 523194.
العتق يقبل الشرط والتعليق على الشّرط 532198
المكاتبة
تفسير الخير المأمور بالكتابة معه 9121.
هل هي مستحبة أم مباحة؟ 12532.
يستحب للمولى إعانة المكاتب إن لم يجب عليه زكاة وإلّا وجبت 18964.
لو قتل عبدا قيمته أزيد من دية الحر لم يجب الزائد عندنا 26595.
لو اختلف المكاتب ومولاه في قدر المال أو النجوم 29898.
لو قال ضعوا عن المكاتب أكثر نجومه أو أكثر ما عليه أو أكثره ومثله أو ونصفه ونحو ذلك 365119.
لو قال ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة على ما يحمل؟ 422151
الإقرار
لو قال أنا مقر بما يدعيه أو لست منكرا له كان إقرارا بخلاف أنا مقر أو أقر به. 19و 86115و 355.
لو قال لغيره أنت تعلم أن العبد الّذي في يدي حر عتق ولو قال تظن لم يعتق ولو قال ترى رجع إليه في تفسيره 21و 41490149.
لو أقر له بدينار حمل على الذهب إلا أن يدل العرف على غيره ولو تعدد حمل على الأغلب فإن تساوت اقتصر على أقله 9622.
لو قال عبدي أو ثوبي أو داري لزيد هل يصح أم لا؟ 23و 415106149.
لو قال له عليّ ألف إذا جاء رأس الشهر لم يلزمه شيء 10723.
لو ادعى عليه عشرة فأجاب بأنّه لا يلزمني تسليم هذا المال اليوم هل يكون إقرارا أم لا؟ 11728.
لو قال اعلم أني طلقت زوجتي هل يكون إقرارا أم لا؟ 12735.
لو أقر لجمع غير مضاف ولا معرف هل يفيد العموم أم لا؟ 16015952.
لو قال لعمرو عليّ كما لزيد له أو كالذي له هل يتعين القدر أم لا؟ 17858.
لو قال هذه الدار لورثة أبي هل يدخل معهم أم لا؟ وكذا الإقرار بدين 18160.
لو قال هذه الدار لزيد وهذا البيت لي أو الخاتم له وفصه لي قبل 19364.(1/579)
لو قال هذه الدار لورثة أبي هل يدخل معهم أم لا؟ وكذا الإقرار بدين 18160.
لو قال هذه الدار لزيد وهذا البيت لي أو الخاتم له وفصه لي قبل 19364.
لو قال له عليّ ألف أحط منها مائة أو أستثنيه قبل. 19364.
لو قال له عليّ عشرة إلا تسعة لزمه واحد. 20372.
لو قال له ألف استغفر الله إلا مائة أو ألف يا فلان إلا مائة لم يقبل الاستثناء. 19565.
لو قال له عليّ إلا عشرة دنانير مائة دينار صح الاستثناء. 19666.
لو قال له عليّ ألف إلا ثوبا ونحوه صحّ ورجع إليه في التّفسير 19767.
لو قال له عليّ ألف إلا ثلاثة دراهم رجع إليه في الألف 19768.
لو قال له عليّ عشرة إلا خمسة أو ما له عليّ إلا خمسة لزمه خمسة 19869.
لو قال ما له عليّ عشرة إلا خمسة لزمه خمسة أيضا 19969.
لو قال له عليّ ثلاثة دراهم إلا درهمين ودرهما أو له عليّ درهمان ودرهم إلا درهما أو له عليّ ثلاثة إلّا درهما ودرهما ودرهما هل يبطل الجميع أو الأخير؟ 20170.
لو قال له نخلي إلا نخلة لم يصح الاستثناء 20171.
لو قال له عليّ عشرة إلّا تسعة إلى الواحد فهو إقرار بخمسة ولو قال بعده إلا اثنين إلى التسعة فواحدة 20372.
إذا تعدد الاستثناء وكان الثاني بقدر الأول أو أزيد أو معطوفا رجع الجميع إلى المستثنى منه ما لم يستغرق فيبطل ما حصل به الاستغراق 20473 الاستثناء عقيب الجمل يعود إلى الجميع إلّا مع القرينة 20574.
لو قال عليّ خمسة وعشرون درهما أو مائة وخمسة وعشرون درهما فالجميع دراهم بخلاف ألف درهم أو ألف وثوب 20874.
الاستثناء المجهول كله درهم إلا شيئا جائز 21980.
لو قال له عليّ عشرة إلا خمسة أو ستة هل يلزمه أربعة أو خمسة؟ 22080.
لو قال لزيد عندي ألف ثم أحضرها وقال هذه الّتي أقررت بها كانت وديعة هل يقبل أم لا؟ ومثله ما لو قال عليّ ألف ثمّ أحضرها وقال هذه له وكنت قد تعديت فيها 22683.
لو قال له عليّ عشرة إلا ثوبا ثمّ فسر الثوب بما لا يستغرق العشرة قبل وإن استغرقت بطل الاستثناء وقبل التّفسير 23486.
لو قال إن شهد عليّ شاهدان بكذا فهما صادقان لزمه في الحال ومثله
إن شهد عليّ شاهد بخلاف إن شهد عليّ فلان فهو صادق 24791.(1/580)
لو قال إن شهد عليّ شاهدان بكذا فهما صادقان لزمه في الحال ومثله
إن شهد عليّ شاهد بخلاف إن شهد عليّ فلان فهو صادق 24791.
لو قال المقر كان ملكك بالأمس أو قاله المدعى عليه هل يؤاخذ به أم لا؟ 27496.
لو أقر بجميع ما في يده ونحوه لغيره وتنازعا في بعض ما في يده هل كان موجودا أم لا؟ قدم المقر 27696.
لو قال له عليّ ألف درهم ودرهم ودرهم ما يلزمه 30999.
لو أقر لحمل فولد لأقصى الحمل فما دون هل يحكم له أم لا؟ 31299.
لو قال له عليّ شيء أو حق وفسرهما برد السّلام ونحوه هل يقبل أم لا؟ 31399.
لو قال له عليّ أكثر ممّا لفلان ثمّ تأوله بأن ماله حرام أو شبهة هل يقبل أم لا؟ 31499.
لو قال لي عليك ألف فقال المدعى عليه إلا عشرة ونحوه هل يكون مقرا أم لا؟ 330101.
لو قال له عليّ درهم ونصفه لزمه ألف وخمسمائة وكذا غيره من البيوع والوصايا ونحوها 335104.
لو قال له درهم ونصفه لزمه درهم كامل ونصف 337106.
لو قال أنا قاتل زيد بالحركات هل يكون إقرارا؟ 356116.
لو قال له عليّ أكثر الدراهم ما يلزمه 365119.
لو قال له عليّ أكثر مما لفلان أو من الذهب أكثر مما لفلان أو أكثر مما يشهد به الشهود عليه وأكثر مما يحكم به الحاكم ونحوه 366119.
لو قال له عليّ درهم مع درهم لزمه واحد 375124.
لو قال له عليّ دراهم على ما يحمل؟ 391133.
لو قال له عليّ أقل عدد الدراهم لزمه درهمان 393135.
لو قال له عليّ مائة عدد من الدراهم على ما يحمل؟ 393135.
لو قال له كذا درهما أو كذا كذا أو كذا وكذا بالحركات ماذا يلزمه 396137.
لو قال له مائة ونيف ونحو ذلك 397138.
لو قال له مائة وبضع ونحوه 398139.
لو قال له زهاء ألف 398140.
لو قال أنا أقر بما يدعيه هل يكون إقرارا أم لا؟ 404141.
لو قال أنا لا أنكر ما يدعيه هل يكون إقرارا أم لا؟ 405142.
لو قال لغريمه استوفيت منك هل يكون إقرارا أم لا؟ 413148.
لو قال جاريتي هذه استولدتها هل هو إقرار بالاستيلاد أم لا؟ 413148.(1/581)
لو قال لغريمه استوفيت منك هل يكون إقرارا أم لا؟ 413148.
لو قال جاريتي هذه استولدتها هل هو إقرار بالاستيلاد أم لا؟ 413148.
لو قال له في هذا العبد ألف على ما يحمل؟ 431154.
لو قال له عندي شيء ثم فسّره بالخمر ونحوه هل يقبل أم لا؟ 440156.
لو قال له عليّ ألف من ثمن خمر أو ثمن مبيع هلك قبل قبضه أو مبيع فاسد لم يقبل 441156.
لو قال ما له عليّ حق بفتح اللام أو ضمها هل يكون منكرا أو مقرا؟ 442156.
لو قال ما لك عندي بفتح اللام أو ضمها أو قال في يدي أو في ذمتي 442156.
لو قال له درهم ودرهم ودرهم رجع إليه في التفسير بسبب التأكيد وعدمه 447157.
لو قال له درهم ودرهم ودرهم إلا درهما على ما يحمل؟ 448157.
لو قال له درهم فدرهم لزمه درهمان 452158.
لو قال درهم أو دينار طولب بالبيان 460160.
لو قال هذه الدّار لزيد أم عمرو طولب بالبيان ولو قال هي لزيد أو للحائط هل يصحّ الإقرار أم لا؟ 460160.
لو قال له درهم بل درهمان أو بالعكس أو هذا بل هذا أو قفيز حنطة بل شعير أو قفيز بل قفيزان أو درهم بل درهم أو بل هذا الدرهم أو درهم بل دينار أو ماله درهم بل درهمان أو ماله هذا بل هذا أو بالعكس أو نحو ذلك 462161.
لو قال لي عليك ألف فقال نعم أو بلى أو أجل أو بجل أو أي أو إن أو قال أليس لي عليك أو ما لي عليك كذا؟ فقال كذلك إلخ 475167.
لو قال له عليّ عشرة ما ثلاثة هل يصحّ الاستثناء أم لا؟ 492174.
له عليّ عشرة إلا درهما فتسعة وإلا درهم عشرة وما له عشرة إلا درهم درهم وإلا درهما لا شيء وما له إلا عشرة أو إلا درهم فما بعد إلا، وبالنصب لحن وفي كونه إقرارا نظر 494175.
له درهم غير دانق بالنّصب أو الرّفع وتحقيق ماله بذلك 495176.
ما له ألف إلا مائة بالنّصب أو ليس له عشرة إلا خمسة لا يلزمه شيء 497177.
له اثني عشر درهما ودانقا بالنّصب والرّفع والجرّ ما يلزمه؟ 504182.
له عشرة إلا ثلاثة وثلاثة عاد إلى الأولى 512189.
كلّ دابة تحت يدي لفلان سوى هذه الفرس أو كل دار سوى هذه لم
يتناولها الإقرار ومثله البيع والإجارة 517191.(1/582)
كلّ دابة تحت يدي لفلان سوى هذه الفرس أو كل دار سوى هذه لم
يتناولها الإقرار ومثله البيع والإجارة 517191.
لو كرر ما النّافية فقال ما ما له عندي شيء ونحوه لم يكن إقرارا 193و 524522195.
له درهم ودرهم. وقال أردت بالرّابع تأكيد الثاني أو الثالث أو بالثالث تأكيد الثاني وبالرّابع تأكيد الثاني أيضا هل يقبل أم لا؟ 526196.
له عليّ درهم له عليّ درهم ثمّ قال أردت بالثاني تأكيد الأوّل قبل وكذا ما زاد 526196.
له عليّ درهم له عليّ درهم ونصف أو مائة درهم ونصف فالجميع درهم بخلاف ما لو عكس 540200.
لو استلحق بالغا بنفسه وهو ساكت لم يلحق بدون التّصديق 25393.
لو أقر أحد الولدين بثالث ثمّ مات المنكر ولم يخلّف غير الأخ شاركه المقر بالنّصف 25693
اليمين
لو فعل المحلوف عليه مكرها لم يحنث وهل تنحل اليمين بذلك كالعمد وجهان 7517.
إذا حلف لا يتكلم أو لا يذكر لم يحنث بحديث القلب 18و 33180102.
لو حلف عليّ الأكل وأراد به المشي 9622.
لو حلف لا يبني بيتا حنث بتحصيله مطلقا 9822.
لو حلف السّلطان أن يضرب عبده بر بالأمر به مع وقوعه 9822.
لو حلف لا يطأ غائطا أو لا يشتري راوية أو دابة حمل على العرف 9822.
لو حلف على النكاح وأطلق هل يحمل على العقد أو الوطء؟ 10222.
لو حلف أن يصوم نصف يوم ونوى جميعه لزمه ما نواه وكذا لو تلفظ بالرّكوع والسّجود ونوى الرّكعة 10222.
لو حلف لا يشرب ماء من عطش ونوى جميع الانتفاعات سرى إلى الجميع 22و 2189879.
حلف لا يشربن من هذا النهر هل يحمل على الكرع أو الأعم؟ 10422.
حلف لا يأكل من هذه الشجرة حمل على ثمرها دون غيره من ورقها ونحوه 22و 21210476.
حلف لا يأكل من هذه الشاة حمل على لحمها وفي لبنها وجهان 10422.
حلف لا يشرب ماء النهر فشرب بعضه هل يحنث أم لا؟ 10723.(1/583)
حلف لا يأكل من هذه الشاة حمل على لحمها وفي لبنها وجهان 10422.
حلف لا يشرب ماء النهر فشرب بعضه هل يحنث أم لا؟ 10723.
حلف لا يأكل رغيفا لم يحنث بأكل بعضه 14444.
حلف على أكل رمان برّ بأكل واحدة ولو حلف على تركه لم يبر إلّا بترك الجميع 14444.
حلف على معدود كالمساكين هل يعتبر الجميع أم لا؟ وكذا في النّفي 15851 حلف ليصومن الأيام هل يحمل على العمر أو على ثلاثة 15851.
حلف لا يشرب الماء حمل على المعهود 15951.
حلف لا يأكل البطيخ حمل على المعهود 51و 352159113.
حلف لا يأكل الجوز لم يحنث بالهندي 51و 351159113.
حلف على جمع غير مضاف ولا معرّف هل يفيد العموم أم لا؟ 15952.
حلف لا يكلم أحدهما أو أحدهم أو أحدا منهم حنث بالواحد ولو جعله إثباتا أو زاد كلا هل يبر بالواحد أم لا؟ 16253.
حلف لا يرى منكرا إلا رفعه إلى القاضي هل يعم أو يختص بالمنصوب حالة اليمين؟ 16756.
قال لعبيدة والله من يعمل منكم كذا ضربته هل يبرّ بضرب أحدهم؟ 17657.
قال والله لا أكلم أحدا ونوى زيدا أم لا آكل طعاما ونوى معينا ونحوه هل يختصّ؟ 19064.
حلف على الصّلاة ونحوها حمل عليّ المعنى الشرعي 19164.
حلف على أكل الرّءوس لم تدخل رءوس العصافير 64و 21219176.
هل المعتبر بلد الحالف أم ما هو فيه؟ 19164.
حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بالنيّة لم يحنث خلاف ما لو حلف لا يدخل عليه فدخل على قوم هو فيهم 19164.
حلف لا يشرب من الماء حنث بماء البحر 19264.
حلف ليخدمنه بالليل والنّهار لم يدخل زمن الأكل ونحوه وكذا لو حلف ليضربنّه بالليل والنّهار 19264.
حلف لا يأكل هذا الرّغيف أو لا يعطيه إلّا درهما أو لا يطأ في هذه السّنة إلا مرة ونحوه ولم يفعل هل يحنث أم لا؟ 19969.
قال والله لي إلّا مائة درهم وهو للملك إلا خمسين هل يحنث أم لا؟ 19969 حلف لا لبست ثوبا إلا الكتان فقعد عاريا هل يحنث أم لا؟ 19969.
حليف لا يأكل البيض لم يحنث ببيض السّمك ونحوه 21276.(1/584)
قال والله لي إلّا مائة درهم وهو للملك إلا خمسين هل يحنث أم لا؟ 19969 حلف لا لبست ثوبا إلا الكتان فقعد عاريا هل يحنث أم لا؟ 19969.
حليف لا يأكل البيض لم يحنث ببيض السّمك ونحوه 21276.
حلف لا يأكل اللّحم فكذلك 21276.
حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما لم يحنث 21276.
حلف لا يأكل لحم بقر انصرف إلى الأهليّ 21276.
حلف لا يتكلم فقرأ أو سبّح لم يحنث 21276.
حلف لا يأكل لحما لم يتناول المحرم 21376.
حلف لا يدخل هذا البيت وأراد هجران قوم فدخل عليهم بيتا آخر هل يحنث أم لا؟ 21477.
حلف لا يضربه ونوى أن لا يؤلمه حنث بكل ما يؤلمه 21477.
حلفت المرأة لا تخرج في تهنئة ولا تعزية ونوت أن لا تخرج أصلا حنثت بخروجها مطلقا 21477.
دعي إلى موضع فيه منكر فحلف لا يدخل ذلك الموضع هل يختص بزمان المنكر أو يستمر؟ 21778.
حلف ليضربن زيدا مائة خشبة فيضربه بالعثكال برّ بشرطه 23989.
حلف لا يدخل الدّار فحمل مختارا هل يحنث أم لا؟ 25593.
حلف لا يضربه ونوى أن لا يؤلمه حنث بكل ما يؤلمه 21477.
قيل له كلم زيدا اليوم فقال والله لا كلمته هل يحمل على اليوم أم الإطلاق؟ 26395.
حلفت لا تغتسل من الجنابة في وقت معيّن فجامعها الحيض واغتسلت له في ذلك الوقت هل تحنث أم لا؟ 26895.
تحقيق الكلام لو حلف لا يتكلّم فقال النار حارة مثلا هل يحنث أم لا؟ 331102.
حلف لا يكلم زيدا فكلمه ساهيا لم يحنث وهل تنحل اليمين أم لا؟ 331101 حلف لا يكلمه فكاتبه أو أشار إليه لم يحنث 332103.
لو قال والله إن زيدا هو الّذي أبيعه اليوم كذا هل يحنث إذا باعه غيره أم لا؟ 343110.
حلف لا يأكل مستلذا حنث بما يستلذه هو وغيره بخلاف قوله لذيذا فإنّه مختصّ به 357117.
حلف لا يخرج من البلد إلا مع فلان برّ بخروجهما معا فلو تقدّم قليلا هل يحنث أم لا؟ 374124.
حلف ليخبرنه أني زيد على ما يحمل؟ 387130.(1/585)
حلف لا يخرج من البلد إلا مع فلان برّ بخروجهما معا فلو تقدّم قليلا هل يحنث أم لا؟ 374124.
حلف ليخبرنه أني زيد على ما يحمل؟ 387130.
حلف ليضربنه هل يتعيّن الحال أم لا؟ 403141.
حلف لا يلبس مما غزلته هل يحنث بما غزلته قبل اليمين أم لا؟ 407144.
حلف لا يخرج امرأته إلى العرس فأخرجها إليه ولم تصل هل يحنث أم لا؟ 428153.
حلف ليقضينه حقّه إلى رأس الشهر يدخل الرّأس أم لا؟ 428153.
حلف لا دخل هذه أم هذه أو لأدخلن هذه أو هذه أو لا أدخل كلّ واحد منهما أو لا يطأ واحدة منهما أو لا يأكل لحما أو خبزا أو نحو ذلك وتحقيق حكمه 457160.
حلف لا يفعل اليوم إلا كذا حنث بغيره 480169.
حلف لا يأكل هذا الرّغيف وهذا الرّغيف هل يحنث بأحدهما أم بهما؟ 508186.
حلف لا يكلم زيدا ولا عمرا حنث بكل منهما ولا تنحل اليمين بأحدهما بخلاف ما إذا لا يكرر لا. 510187.
حلف لا يكلم هذا الصبي فصار شيخا أو لا يأكل لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا يركب دابّة هذا العبد فانعتق هل ينحل اليمين أم لا؟ 516191.
اليمين يقبل التعليق على الشّرط ولا يقبل الشرط 533198.
حلف لا يكلم زيدا ما دام عمرو قائما فقعد ثمّ قام هل ينحل اليمين أم لا؟ 540200
النّذر
لو أفسد المنذور المطلق هل يكون فعله ثانيا قضاء أم لا؟ 436.
ولو ظنّ النّاذر مطلقا الوفاة قبل الفعل لو أخّره تعين عليه 446.
ولو كذب ظنّه وأمكن فعله ثانيا بعد أن أهمل هل يكون قضاء أم لا؟ 446 لو نذر أضحيّة في وقت فخرج قبل الفعل 456.
ولو نذر صوم بعض يوم هل يجب عليه يوم أم لا؟ 5811.
لو نذر الصّلاة في وقت له فضيلة تعيّن ولو خلا منها هل يتعين أم لا؟ 5911.
لو نذر الصّلاة ليلة القدر أينحصر الوقت في العشر الأخير من رمضان؟ 5911.
لو زاد في النّذر عن الواجب هل يوصف الزائد بالوجوب أم لا؟ 6012.
لو نذر الكافر لم ينعقد 7717.
لو نذر الصّلاة ونحوها من الألفاظ المنقولة شرعا حمل على الشرعيّ 9922.
لو قال لله على رقبتي أن أحج ماشيا لزم وكذا الوجه والرّأس ونحوهما 10322.(1/586)
لو نذر الصّلاة ونحوها من الألفاظ المنقولة شرعا حمل على الشرعيّ 9922.
لو قال لله على رقبتي أن أحج ماشيا لزم وكذا الوجه والرّأس ونحوهما 10322.
لو نذر عتق الكافر فأعتق مؤمنا، أو معيبا فأعتق سليما، أو الصّدقة بحنطة رديئة فتصدّق بجيّدة 11326.
لو نذر الصّوم يوم تلد امرأته فولدت توأمين كل واحد في يوم 12030.
نذر لا يكلم الزيدين أو لا يلبس هذه الثياب ونحوه لم يحنث إلا بالجميع 15147.
وكذا لا أكلم زيدا وعمراً ولا آكل اللحم والعنب ولو كرر لا فهما يمينان وكذا أحدهما 15147.
نذر لا يأكل بسرا ورطبا فأكل منصفا هل يحنث أم لا؟ 15147.
نذر لا يلبس حليّا فلبس فردا منه 15247.
نذر أنّ من دخل الدار من عبيده يعتقه 15449.
كان له رقيق كفار فقال لله عليّ أن أعتق كل من آمن منكم لم تدخل الإناث ولا الخناثى إلّا مع قصده 18462.
نذر الحج ماشيا متى يكون مبدأه ومنتهاه 20774.
نذر صوم الدهر لم يدخل العيد ونحوه مما يحرم ويدخل رمضان 21376.
نذر الصدقة بماله ونوى قدرا معينا اختصّ به 21577.
لو نذر صيام سنة معينة لم يجب قضاء العيدين وأيّام التشريق ورمضان إن قلنا بعدم دخوله 21075.
لو لزمه صوم شهرين متتابعين عن كفارة قتل أو ظهار ونحوهما ونذر صوم الأيّام دائما قدم صوم الكفّارة 21075.
لو قال من حج لله عليّ أن أحجّ ثمّ قال لله عليّ أن أحج في هذا العام كفاه واحدة وكذا ما أشبهه من الصدقة ونحوها 22683.
لو نذر لمن أخبره بكذا فأخبر به كاذب هل يستحقّ أم لا؟ 24590.
لو نذر صوم ثاني قدوم زيد ويوم الخميس إن قدم عمرو فقدما معا يوم الأربعاء أجزأ الخميس عنهما 26795.
لو نذر أن يكون ما يولد له من مملوكاته صدقة وله حيوان صامت وإماء دخل الجميع ولو قال كلّ من يولد لم يدخل غير الإنسان 346111.
لو قال علي وجه النّذر أوّل ما تلدينه فهو حر فلم تلد غير واحد أو نذر
الصّدقة بأوّل ما يكسبه فلم يكسب سوى هذه 368119.(1/587)
لو قال علي وجه النّذر أوّل ما تلدينه فهو حر فلم تلد غير واحد أو نذر
الصّدقة بأوّل ما يكسبه فلم يكسب سوى هذه 368119.
لو قال لعبيدة من سبق منكم فهو حر على وجه النذر فسبق اثنان ثم جاء ثالث أو لم يجئ 368119.
لو قال من سبق إلى كذا فله عندي كذا نذرا 368119.
لو نذر صوم أوّل الأسبوع أو آخره على ما يحمل؟ 377126.
لو علق نذره أو أجله على أوّل أشهر الحرم على ما يحمل؟ 378126.
لو قال إذا فعلت كذا فلك عليّ درهم ففعله مرّة بعد أخرى هل يتكرر أم لا؟ 381129.
لو قال إذا ولدت امرأة من نسائي فعبد من عبيدي حر فولدت أربع بالتوالي هل يعتق أزيد من واحد أم لا؟ 382129.
لو قال إذا جاء زيد اليوم فلله عليّ أن أتصدّق بكذا 382129.
لو قال لولده إن حفظت القرآن فلك عليّ كذا أو قال إن دخلت الدّار ونحوه حمل على ما يتجدد لا على الماضي 406143.
لو قال لعبده إن صمت يوما ثمّ يوما آخر فأنت حر على وجه النّذر فوقف عليهما 456179.
لو نذر الصّلاة قائما لزمه حيث يلزمه في اليوميّة وهل يجب في جميع الصّلاة أم لا؟ 499179.
لو نذر أن يصلي فريضة جماعة هل يجزي البعض أم لا وهل يجزئ حضور جماعة أهل الخلاف أم لا؟ 500179.
لو نذر الحج ماشيا فما حد أوّله وآخره 500179.
لو قال من يدخل الدّار من عبيدي ويكلّم فلانا وهو راكب فهو حر على جهة النّذر فالحال من العبد المتكلّم لا من فلان 502180.
لو نذر أن لا يأكل متكئا أو وهو متكئ وتحقيق حكمه ومثله اليمين ونحوه من التّعليقات 502181.
النّذر يقبل التّعليق على الشرط ولا يقبل الشرط 533198.
الفرق بين قوله أيّ عبيدي ضربك فهو حر وأي عبيدي ضربته فهو حر على وجه النّذر وتحقيق الحال فيه 53398.(1/588)
الكفارات
هل الكفارة واجبة عليّ الفور أم لا 13439.
إذا أتى بجميع الخصال المخيرة هل يثاب أم لا؟ 529.
لو ترك جميعها عوقب على الأقل؟ 529.
لو أتى الكافر بما يوجب الكفارة على المسلم وجبت عليه 7717.
تجب الكفّارة على القاتل عمدا كالخاطئ المنصوص 25995.
وإيجابها بالأكل قياسا على الوقاع وبقتل الصيد عمدا قياسا علي الخطأ 25995.
لو فعل أحد الخصال المخيرة ثمّ نوى الثانية الكفّارة هل يصح أم لا؟ 457160
الصيد والأطعمة
أكل المضطر هل يوصف بالإباحة أم لا؟ 301.
لو أكره على الذبح حلّت ذبيحته 7417.
هل يجوز التداوي بغير أبوال الإبل من المحرمات أم لا؟ 25995.
لو سقطت تمرة نجسة بين تمر كثير طاهر وجب اجتناب الجميع مع انحصاره لا مع عدمه 5611.
لو جرح الصيد وغاب ثمّ وجد ميّتا 29898.
تحقيق ذكاة الجنين ذكاة أمّه 400140
الميراث
في إرث القاتل مكرها وجهان كالقاتل خطأ 7617.
لو تزوج رقيقة أو كافرة فمات الزوج واختلفوا في تقديم العتق والإسلام على الموت وتأخره مع اتفاقهما عليهما 29998
القضاء
لو أكره علي القضاء مع تعينه عليه نفذ قضاؤه 7517.
القضاء واجب وليس على الفور 13439.
لو قال وليتك الحكم يوم السبت عمّ الأوّل وما بعده 16756.
لو كان في يد شخص عين وقال وهبنيها فلان وأقام بيّنة فأقام الورثة بيّنة بأنّه رجع فيما وهبه هل تنتزع العين من يده أم لا؟ 15549.
لو قال المدعي ليس لي بيّنة حاضرة فحلف المدعى عليه ثمّ جاء ببيّنة سمعت منه، بخلاف ليس لي بيّنة مطلقا 11653.(1/589)
لو كان في يد شخص عين وقال وهبنيها فلان وأقام بيّنة فأقام الورثة بيّنة بأنّه رجع فيما وهبه هل تنتزع العين من يده أم لا؟ 15549.
لو قال المدعي ليس لي بيّنة حاضرة فحلف المدعى عليه ثمّ جاء ببيّنة سمعت منه، بخلاف ليس لي بيّنة مطلقا 11653.
لو تعارضت البيّنات في مال تساقطتا 23085.
هل تتوقف المقاصّة علي إذن الحاكم أم لا؟ 24289.
لو ادعى عينا فشهدت له بيّنة بالملك سابقا هل تقبل أم لا؟ 27496.
لو تعارض الملك القديم واليد الحادثة فما المرجع 27596.
لو ادعى عينا وأقام بيّنة لم يستحقّ نتاجها وثمرتها قبل البيّنة 27796.
لو قامت البيّنة بأنّ جميع الدّار لزيد وأخرى أنّ جميعها لعمرو قسمت بينهما 28497.
لو ادعى على الحاكم المعزول القضاء بشهادة فاسقين هل يسمع أم لا؟ 31599.
لو حاسب وكيل الحاكم أمناء المعزول فادعى أحدهم أنه أخذ شيئا أجرة هل يقبل أم لا؟ 31599.
هل يجوز إنفاذ مجتهد حكم مجتهد آخر يخالفه في مأخذ الحكم أم لا؟ 323100.
لو قال لست أملك وكذا ثمّ ادعاه هو هل يسمع أم لا؟ 410146
الشهادات
لو زكى واحدا أمام النّاس ولم ينكر عليه لم يكف ذلك في عدالته عندنا 25393.
لو شهدت البيّنة لأحدهما بالملك وللآخر باليد في الحال قدم الملك 30199.
لو أتى الشّاهد بصيغة أشهد بكذا قبل وإن احتمل الاستقبال 404141.
لو شهدت البيّنة بأنّه كان ملكه في الماضي هل يقبل قوله أم لا؟ وكذا لو قال المدعي كان ملكك بالأمس 408145
الحدود
إقامة الحدود واجبة على الفور 13439.
يجوز إظهار كلمة الكفر عند الإكراه 7617.
يجب الحد على الزاني سكران والقاذف كذلك 6915.
الإكراه على الزنا يسقط الحد مطلقا 7617.
إذا زنا الذمي وجب الحد وتخير فيه الإمام 7717.
إذا زنا المجنون بعاقلة يحد أم لا؟ 6915.(1/590)
إذا زنا الذمي وجب الحد وتخير فيه الإمام 7717.
إذا زنا المجنون بعاقلة يحد أم لا؟ 6915.
إذا أكره الذمّي على الشهادتين لم يكن إسلاما بخلاف الحربي والمرتد عن ملّة والمرأة 7517.
لو أكره على كلمة الكفر جاز 7617.
لو أكره على السرقة وشرب الخمر فلا حدّ 7617.
لو قال يا حلال وابن الحلال ونوى الزنا عزر 838218.
لو قال الكافر أحمد أبو القاسم رسول اللََّه صلى اللََّه عليه وآله يكفي أم لا؟ 8820.
لو قال الكافر لا إله إلا اللََّه بالفتح هل يحكم بإسلامه أم لا؟ 16153.
لو كرر القذف الموجب للحد وغيره كالشرب والسّرقة هل يتكرر الحد؟ 521193.
المرأة لا تقتل بالارتداد مطلقا عندنا 21879.
لو قذفه قاذف وادعى وقوعه حال الجنون 29998.
لو ادعى الجهل بتحريم الزنا وتحريم الخمر أو وجوب الصّلاة ونحوه قبل مع الإمكان لا بدونه 30799.
لو قذف مجهول النّسب وادعى رقه هل يحد أم لا؟ 31699.
لو قال لامرأة زنيت بفتح التاء أو لرجل بكسرها كان قذفا وكذا لو قال زانية للرّجل وزان للمرأة 337105.
لو قال يا زاني فقال أنت أزنى مني أو أنت أزنى النّاس ونحوه 360119 لو قال زنيت مع فلان هل يكون قذفا لفلان أم لا؟ 375124.
لو قال الكافر أشهد أن لا إله إلا اللََّه حكم بإسلامه في الحال وإن احتمل الاستقبال 404141.
استتابة المرتد هل هي واجبة أم لا؟ 453158.
لو قال الرّجل يا زانية وجب الحد 337105.
لو قال الكافر آمنت بمحمد النّبي قبل بخلاف محمّد الرّسول 489173
الجنايات
ضمان الصبي والمجنون ما يتلفانه من الأموال وقتل الخطأ هل يوصف بالإباحة أم لا؟ 301.
لو اقتص من الجاني فسرت إلى نفسه لو أكره على القتل لم يجز 7617.
يتحقق الإكراه في غير القتل 7617.
لو أكره على إتلاف مال الغير فلا ضمان 7617.(1/591)
يتحقق الإكراه في غير القتل 7617.
لو أكره على إتلاف مال الغير فلا ضمان 7617.
لو ألقاه في نار لا يمكنه الخلوص منها فمات 14343.
هل يقتل المسلم بالكافر أم لا؟ 17758.
لو قتل من لا يعرف ثمّ ادعى رقه أو كفره وأنكر الولي 29998.
لو جنى على بطن حامل فألقت الولد واختلفا في حياته عند الوضع 29998.
لو قد ملفوفا فادعى أنّه كان ميتا وادعى الولي حياته 29998.
لو زاد في القصاص واختلفا في حصول الزيادة باضطراب المقتص منه وعدمه 30098
فوائد مباحث متفرقة لا تدخل في أبواب الفقه
إذا وقعت واقعة ولم يوجد من يفتي فيها 6714.
إذا قرر النبي صلى اللََّه عليه وآله غيره على فعل من الأفعال هل يدل على الجواز من جهة الشرع أم من جهة البراءة 6814.
ثواب الواجب أفضل من ثواب المندوب 6012.
فرض الكفاية أفضل من فرض العين 498.
معنى قول النّبي صلى اللََّه عليه وآله فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم هل يقوله بقلبه أم بلسانه 7918.
الغيبة تحصل باللّسان والقلب 331102.
رواية الحديث بالمعنى 8820.
معنى قوله صلى اللََّه عليه وآله أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا اللََّه 8820.
تفسير قوله صلى اللََّه عليه وآله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولا نكاح إلا بولي ولا يمين لولد مع والده إلى آخره ونحوه 9622.
تفسير قوله صلى اللََّه عليه وآله لا سبق إلا في خف إلى آخره 9722.
لو قال أبرأتك في الدنيا دون الأخرى هل يصحّ أم لا؟ 10924.
لو قال لمن تجب عليه طاعته افعل ولم يصرح بما يقتضي الوجوب هل يدل عليه أم لا؟ 12431.
تجب الصّلاة على النّبي صلى اللََّه عليه وآله كلما ذكر أم لا 13138.
لو أشار السّيد إلى شيء من المباحات وقال لعبده لا تفعله أو أذن في التصرف ثمّ ذكر هذا اللفظ أو أذن لشخص في ملكه ثمّ نهى بالصّيغة
المذكورة هل يفيد التحريم أم لا؟ 13841.(1/592)
لو أشار السّيد إلى شيء من المباحات وقال لعبده لا تفعله أو أذن في التصرف ثمّ ذكر هذا اللفظ أو أذن لشخص في ملكه ثمّ نهى بالصّيغة
المذكورة هل يفيد التحريم أم لا؟ 13841.
التلقيب بملك الملوك هل يصح أم لا؟ 15651.
الدعاء للمؤمنين بمغفرة جميع الذنوب هل يصح أم لا؟ 15751.
جعل الله تعالى أزواج النّبي صلى اللََّه عليه وآله أمهات المؤمنين فهل يطلق على بناتهن الإخوة وعلى أخواتهن الخئولة أم لا؟ 18562.
لو قال السيد يا عبيدي ليحمل كل واحد منكم حجرا مثلا واشترى عبدا هل يدخل في الأمر أم لا؟ 18663.
هل يجب ختان الخنثى المشكل أم لا؟ 23788.
يجوز أكل الضّيف بمجرد التقديم وكذا التصرف في الهدية من غير لفظ والرّجوع إلى المميز في قبولها ودخول الدار 24992.
إذا روى الصحابي حديثا ثم لقي النبي صلى اللََّه عليه وآله هل يلزمه سؤاله أم لا؟ 318100.
هل يجوز للعامي التقليد أم لا؟ 319100.
الكلام على قوله صلى اللََّه عليه وآله نية المؤمن خير من عمله 361119 تحريم وسم الدواب على وجهها ولعن النّبي صلى اللََّه عليه وآله من فعله 407144.
تحقيق من قوله تعالى ليس كمثله شيء ومعنى الكاف في قوله تعالى كذلك الله ربّي 436155.(1/593)
مصادر التحقيق
1 «الابتهاج في تخريج أحاديث المنهاج»، القاضي البيضاوي (658هـ). تحقيق: الغماري، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ)
2 «الإبهاج في شرح المنهاج»، 3مجلدات. علي بن عبد الكافي السبكي (756هـ) دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1404هـ).
3 «إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء العلوم»، 10مجلدات. السيد محمد زبيدي المرتضى (1205هـ) دار الفكر، بيروت.
4 «الإتقان في علوم القرآن»، مجلدان. جلال الدين السيوطي (911هـ). منشورات الرضي، قم، بالأوفست عن طبعة دار إحياء التراث، بيروت.
5 «الإحتجاج على أهل اللجاج»، مجلدان. أبو منصور الطبرسي (588هـ). مؤسسة الأعلمي، دار النعمان، بيروت.
6 «الأحكام السلطانية». علي بن محمد الماوردي الشافعي (450هـ). مكتب الإعلام الإسلامي، قم (1406هـ).
7 «الأحكام السلطانية». الفراء الحنبلي (458هـ). مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الثانية (1406هـ).
8 «الإحكام في أصول الأحكام»، 4مجلدات. الإمام علي بن محمد الآمدي (631هـ). تحقيق: دار الجميلي. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1406هـ).
9 «الإحكام في أصول الأحكام»، 8مجلدات. ابن حزم الأندلسي (456هـ). تحقيق: لجنة من العلماء، دار الجميل، بيروت، الطبعة الثانية (1407هـ).
10 «أحكام القرآن»، 3مجلدات. أحمد بن علي الجصّاص (370هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت.(1/637)
11 «إحياء علوم الدين»، 4مجلدات. أبو حامد الغزالي (505هـ). دار المعرفة، بيروت (1402هـ).
12 «إدرار الشروق»، 4مجلدات. (الفروق) ابن الشاط (723هـ). دار المعرفة، بيروت.
13 «إرشاد الأذهان»، مجلدان. العلامة الحلّي (726هـ). تحقيق: الفارس الحسون، مؤسسة النشر الإسلامي، قم (1410هـ).
14 «إرشاد الساري» «شرح صحيح المسلم.
15 «إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم»، 9مجلدات. أبو السعود الهادي (951هـ) دار إحياء العربي، بيروت.
16 «الإستبصار» 4مجلدات. الشيخ الطوسي (460هـ). دار المعرفة، بيروت.
17 «الأسرار المرفوعة»، ملا علي القاري (1014هـ).، تحقيق: محمد سعيد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ).
18 «الأصول السرخسي»، مجلدان. محمد بن أحمد السرخسي (490هـ). تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، دار المعرفة، بيروت.
19 «الأغاني»، 24مجلدا. أبو الفرج الأصفهانيّ (356هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت.
20 «أقرب الموارد»، 4مجلدات. الشرتوني اللبناني السعيد الخوري (1912م). أوفست، إيران.
21 «الألفية»، ابن مالك (672هـ). المطبوع مع شرح ابن عقيل والسيوطي.
22 «الأم»، 8مجلدات. محمد بن إدريس الشافعي (204هـ). دار المعرفة، بيروت.
23 «أمالي السهيلي»، عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي (581هـ). مكتبة السعادة، القاهرة.
24 «الأمان من أخطار الأسفار والزمان»، رضي الدين بن طاوس (664هـ). مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم (1409هـ).
25 «إملاء ما منّ به الرحمن»، مجلدان. أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (616هـ). دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1399هـ).
26 «الإنتصار»، الشريف المرتضى (436هـ). منشورات الشريف الرضي، بالأوفست عن طبعة الحيدرية، نجف (1391هـ).
27 «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل»، 12مجلدا.
المرداوي (885هـ). تحقيق: محمد حامد الفقهي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1406هـ).
28 «إيضاح الفوائد»، 4مجلدات. فخر المحققين (771هـ). إسماعيليان، قم.
29 «بحار الأنوار»، 110مجلدا. علامة المجلسي (1111هـ). دار الوفاء، بيروت.
30 «البحر المحيط»، 8مجلدات. أبو حيان الأندلسي (745هـ). دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية.(1/638)
31 «بدائع الصنائع»، 7مجلدات. الكاشاني الحنفي (578هـ). دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية.
32 «بداية المجتهد ونهاية المعتقد»، مجلدان. ابن رشد القرطبي (595هـ). دار المعرفة، بيروت، الطبعة السادسة (1402هـ).
33 «البرهان في علوم القرآن»، 4مجلدات. بدر الدين محمد بن عبد الله الزّركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت.
34 «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» في شرح كتاب فتح الرباني، كلاهما للمؤلف، 28مجلدا.
أحمد عبد الرحمن البناء الشهير بالساعاتي، بعد (1371هـ). فتح الرباني، مصر، الطبعة الأولى (1356هـ).
35 «البهجة المرضية»، مجلدان. جلال الدين السيوطي، بتعليقة: مصطفى الحسني الدشتي، مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثالثة (1408هـ).
36 «البيان»، الشهيد الأول (786هـ). تحقيق: محمد الحسّون، مطبعة صدر، قم، الطبعة الأولى (1412هـ).
37 «تأسيس النّظر»، أبو زيد عبد الله بن عمر الدبوسي (430هـ). مطبعة الإمام، القاهرة.
38 «التبيان في تفسير القرآن»، 10مجلدات. الشيخ الطوسي (786هـ). تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.
39 «التجريد لنفع البعيد»، 4مجلدات. سليمان بن عمر بن محمد البجيري الشافعي (1221هـ).
مصر، القاهرة (1369هـ).
40 «تحرير الأحكام»، مجلدان. العلامة الحلي (726هـ). مؤسسة آل البيت عليهم السلام، مشهد.
41 «التحصيل من المحصول»، مجلدان. سراج الدين محمد بن أبي بكر الأرموي الشافعي (682هـ). تحقيق: الدكتور عبد الحميد علي أبو زنيد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى.
42 «تحفة الغريب»، الدماميني (828هـ). نشر أدب الحوزة، قم.
43 «تخريج الفروع على الأصول»، محمود بن أحمد الزنجاني (656هـ). مطبعة جامعة دمشق.
44 «تذكرة الفقهاء»، مجلدان. العلامة الحلي (726هـ). مطبعة المرتضوية، طهران.
45 «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد»، ابن مالك (672هـ). دار الكتاب العربي، القاهرة (1387هـ).
46 «تفسير أبي السعود» «إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم».
47 «تفسير أبو الفتوح الرازي» «روح الجنان وروح الجنان» أو «روض الجنان وروح الجنان».
48 «تفسير البحر المحيط» «البحر المحيط».(1/639)
49 «تفسير التبيان» «التبيان في تفسير القرآن».
50 «تفسير روح البيان» «روح البيان».
51 «تفسير الكشّاف» «الكشّاف».
52 «تفسير الطبري» «جامع البيان في تفسير القرآن».
53 «تفسير الكبير»، 30مجلدا. الفخر الرازي (606هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة.
54 «تفسير القاسمي» «محاسن التأويل».
55 «تفسير القرآن العظيم»، 4مجلدات. ابن كثير (774هـ). قدّم له الدكتور يوسف عبد الرحمن، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية (1407هـ).
56 «تفسير النيشابوري» «غرائب القرآن ورغائب الفرقان».
57 «التلويح في كشف حقائق التنقيح»، مجلدان. التفتازاني (793791هـ). مطبعة سنده، طبعة اولنمشدر، إستانبول.
58 «التمهيد في تخريج الفروع على الأصول»، الأسنوي الشافعي (772هـ). مؤسسة الرسالة، بيروت.
59 «التنقيح الرائع»، 4مجلدات. الفاضل المقداد (826هـ). تحقيق: عبد اللطيف الكوه كمري، مكتبة المرعشي، قم، الطبعة الأولى (1404هـ).
60 «تهذيب الأحكام»، 10مجلدات. الشيخ الطوسي (460هـ). دار الصعب دار التعارف، بيروت.
61 «تهذيب الفروق»، المطبوع مع الفروق، 4مجلدات. محمد علي بن الحسين المكي المالكي، دار المعرفة، بيروت.
62 «تهذيب الوصول إلى علم الأصول»، العلامة الحلي (726هـ). الطبعة الحجرية، طهران (1308هـ).
63 «التوحيد»، الشيخ الصدوق (381هـ). تعليق: السيد هاشم الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
64 «جامع البيان في تفسير القرآن»، 30مجلدا. محمد بن جرير الطبري (310هـ). دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى (1406هـ).
65 «الجامع الصحيح»، 4مجلدات. محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279هـ). تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة الإسلامية، القاهرة.
66 «الجامع الصغير»، جلال الدين السيوطي (911هـ). دار الفكر، بيروت.
67 «الجامع لأحكام القرآن»، 20مجلدا. القرطبي (671هـ). أوفست دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1372هـ).(1/640)
68 «الجامع للشرائع»، يحيى بن سعيد الحلي (690هـ). تحقيق: ثلّة من الفضلاء، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، قم (1405هـ).
69 «جامع المقاصد»»، 13مجلدا. المحقق الكركي (940هـ). مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الأولى (1408هـ).
70 «جمل العلم والعمل»، السيد المرتضى (436هـ). مطبعة الآداب في النجف الأشرف، ذكر في التمهيد كتاب الجمل ضمن رسائل السيد.
71 «الجمل في النحو»، أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي (340هـ). تحقيق: الدكتور علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، دار الأهل، الطبعة الثالثة (1407هـ).
72 «حاشية التفتازاني على شرح المختصر»، سعد الدين التفتازاني (793791هـ). مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، قم.
73 «حاشية الجرجاني على شرح الكافية»، علي بن محمد الجرجاني (816هـ). المكتبة المرتضوية.
74 «حاشية الصبّان على شرح الأشموني»، 4مجلدات. محمد بن علي الصبّان (1026هـ).
منشورات الرضي، قم، الطبعة الثانية (1363هـ. ش).
75 «حلية العلماء»، 8مجلدات. القفّال (507هـ). تحقيق: ياسين أحمد، دار الباز، مكة، الطبعة الأولى (1988م).
76 «خزانة الأدب»، 13مجلدا. عبد القادر البغدادي (1093هـ). دار الكتاب العربي، القاهرة.
77 «الخصائص»، 3مجلدات. ابن جني (392هـ). تحقيق: محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، الطبعة الثانية.
78 «الخصال»، مجلدان. الشيخ الصدوق (381هـ). تعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم (1403هـ).
79 «الخلاف»، خرج منه 4مجلدات. الشيخ الطوسي (460هـ). مؤسسة النشر الإسلامي (1411هـ).
80 «الدر المنثور» 8مجلدات. جلال الدين السيوطي (911هـ). دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1403).
81 «الدر المنثور»، 6مجلدات. جلال الدين السيوطي (911هـ). مكتبة المرعشي، قم.
82 «دعائم الإسلام»، مجلدان. أبو حنيفة الإمامي (363هـ). تحقيق: آصف بن علي، أوفست مؤسسة آل البيت عليهم السلام عن طبعته الأولى، قم.
83 «ديوان أبي نواس»، أبو نواس (197195هـ). تحقيق: أحمد عبد المجيد الغزالي، دار الكتاب العربي، القاهرة.
84 «ديوان عبيد اللََّه بن قيس»، عبيد اللََّه بن قيس الرقيّات (75هـ). تحقيق: الدكتور محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت.(1/641)
85 «الذريعة إلى أصول الشريعة»، مجلدان. السيد المرتضى (436هـ). تعليق: أبو القاسم گرجى، مطبعة جامعة طهران، طهران (1363هـ. ش).
86 «ذكرى الشيعة»، الشهيد الأول (786هـ). أوفست انتشارات مكتبة بصيرتي، قم.
87 «رجال الشيخ الطوسي»، الشيخ الطوسي (460هـ). بالأوفست من طبعته الأولى، منشورات الرضي، قم.
88 «رجال النجاشي»، أبو العباس أحمد النجاشي (450هـ). تحقيق: السيد موسى الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم (1407هـ).
89 «ردّ المختار»، 5مجلدات. محمد أمين بن عابدين (1252هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت.
90 «رسائل الشريف المرتضى»، مجموعة 4مجلدات. السيد المرتضى علم الهدى (436هـ). دار القرآن الكريم، قم (1405هـ).
91 «الرسالة»، الشافعي (204هـ). طبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.
92 «رفع الحاجب»، ابن السبكي (771هـ).
93 «روح البيان»، 10مجلدات. بروسول (1137هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت.
94 «روح الجنان وروح الجنان»، أبو الفتوح الرازي (القرن السادس) مكتبة المرعشي، قم (1404هـ).
95 «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية»، 10مجلدات. الشهيد الثاني (965هـ). مطبعة جامعة النجف الدينية.
96 «روضة الطالبين وعمدة المفتين»، 12مجلدا. أبو زكريا يحيى بن شرف النوويّ (676هـ). المكتب الإسلامي، بيروت.
97 «السرائر»، 3مجلدات. ابن إدريس الحلي (598هـ). مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية (1411هـ). والحجري.
98 «سنن ابن ماجة»، مجلدان. الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد (275هـ). تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
99 «سنن أبي داود»، 4مجلدات. الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ). إعداد:
محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السّنّة النبوية.
100 «سنن الترمذي» «الجامع الصحيح»، 4مجلدات. محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، المكتبة الإسلامية، مصر.
101 «سنن الدارقطني»، 4مجلدات. علي بن عمر الدارقطني (385هـ). عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة (1406هـ).
102 «سنن الدارمي»، مجلدان. عبد اللََّه بن بهرام الدارمي (255هـ). دار الفكر، بيروت (1398هـ).
103 «السنن الكبرى»، 10مجلدات. الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ). دار المعرفة، بيروت.(1/642)
104 «سنن النسائي»، 7مجلدات. أحمد بن علي بن شعيب النسائي (303هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت.
105 «شذور الذهب»، ابن هشام (762هـ). دار الهجرة.
106 «شرائع الإسلام»، 4مجلدات. المحقق الحلي (676هـ). تحقيق: عبد الحسين البقال، إسماعيليان، قم، الطبعة الثانية (1408هـ).
107 «شرح ابن عقيل»، مجلدان. بهاء الدين عبد الله بن عقيل. تحقيق: محمد محيي الدين، انتشارات ناصر خسرو، طهران، عن طبعة مصر.
108 «شرح التصريح على التوضيح»، مجلدان. خالد بن عبد الله الأزهري (905هـ). دار إحياء الكتب العربية، مصر.
109 «شرح تنقيح الفصول»، القرافي (769هـ). انتشارات ناصر خسرو، طهران.
110 «شرح السيوطي» «البهجة المرضية».
111 «شرح صحيح مسلم، 10مجلدات. يحيى بن شرف النوويّ الشافعي (676هـ). مطبوع مع إرشاد الساري، دار الفكر بالأوفست، بيروت (1410هـ).
112 «شرح العوامل» (ضمن جامع المقدمات ج 1)، الجرجاني (471هـ). دار الهجرة، قم، الطبعة الأولى (1365هـ. ش).
113 «شرح فتح القدير»، 9مجلدات. ابن عبد الواحد (681هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت (1406هـ).
114 «شرح قطر الندى»، ابن هشام (762هـ). انتشارات فيروزآبادي.
115 «شرح الكافية»، مجلدان. رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي (688هـ). المكتبة المرتضوية، طهران.
116 «شرح الكافية»، عبد الرحمن المعروف بملاّ جامي (898هـ).، قسطنطنية (1314هـ).
117 «الشرح الكبير»، 12مجلدا. شمس الدين ابن قدامة الصغير (682هـ). دار الفكر، الطبعة الأولى (1404هـ).
118 «شرح الكرماني لصحيح البخاري»، 25مجلدا. محمد بن يوسف الكرماني (796هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1401هـ).
119 «شرح المختصر»، عضد الدين اللاهيجي (756هـ). الطبعة الحروفية المطبوعة عام (1307هـ).
120 «شرح المعلّقات»، الحسين بن أحمد الزوزني (486هـ). دار القاموس، بيروت.
121 «شرح المفصل»، 10مجلدات. ابن يعيش (643هـ). انتشارات ناصر خسرو، طهران، الطبعة الأولى.
122 «الصحاح»، 6مجلدات. إسماعيل بن حماد الجوهري (393هـ). تحقيق: أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة (1404هـ).(1/643)
123 «صحيح البخاري»، 9مجلدات. محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (256هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت.
124 «صحيح مسلم، 4مجلدات. مسلم بن حجاج القشيري النيشابوري (261هـ). تحقيق:
محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت (1398هـ).
125 «الطراز»، 3مجلدات. يحيى بن حمزة العلوي (745هـ). مصر (1332هـ).
126 «عدة الأصول»، الشيخ الطوسي (460هـ). الطبعة الحجرية، هند، بمبئي (1312هـ).
127 «عدة الأصول»، الشيخ الطوسي (460هـ). تحقيق: محمد مهدي نجف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الطبعة الأولى (1403هـ).
128 «عقاب الأعمال»، الشيخ الصدوق (381هـ). تعليق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، طهران.
129 «علل الشرائع»، الشيخ الصدوق (381هـ). طبع نجف.
130 «عوالي اللئالي»، 4مجلدات. ابن أبي جمهور الأحسائي (940هـ). تحقيق: مجتبى العراقي، سيد الشهداء عليه السلام، قم، الطبعة الأولى (1403هـ).
131 «العين»، 8مجلدات. الخليل الفراهيدي (175هـ). إعداد: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار الهجرة، قم، الطبعة الأولى (1405هـ).
132 «غاية المراد»، الشهيد الأول (786هـ). الطبعة الحجرية، طهران (1271هـ).
133 «غرائب القرآن ورغائب الفرقان»، 30مجلدا. حسن بن محمد القمي النيشابوري (728هـ).
مطبعة البابي الحلبي، مصر.
134 «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»، 13مجلدا. ابن حجر العسقلاني (852هـ). دار المعرفة، بيروت (1390هـ).
135 «فتح العزيز»، 12مجلدا. (المجموع) الرافعي الشافعي (623هـ). دار الفكر، بيروت.
136 «الفروع في الفقه الحنبلي»، مجلدان. شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح (763هـ). عالم الكتب.
137 «الفروق»، 4مجلدات. القرافي (684هـ). دار المعرفة، بيروت.
138 «الفقه على المذاهب الأربعة»، 5مجلدات. عبد الرحمن الجزيري (1361هـ). دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السابعة (1406هـ).
139 «الفقيه» «من لا يحضره الفقيه».
140 «الفوائد الضيائية»، عبد الرحمن المعروف بملاّ جامي (898هـ). الطبعة الحجرية، طهران.
141 «فواتح الرحموت»، مجلدان. المطبوع مع المستصفى للغزالي، عبد العلي محمد بن نظام، دار صادر، مصر، الطبعة الأولى (1322هـ).(1/644)
142 «القاموس المحيط»، 4مجلدات. الفيروزآبادي (816هـ). دار الجيل، بيروت.
143 «قواعد الأحكام»، جزءان في مجلد واحد. العلامة الحلي (726هـ). انتشارات الرضي، قم.
144 «القواعد والفوائد»، مجلدان. الشهيد الأول (786هـ). تحقيق: عبد الهادي الحكيم، مكتبة المفيد، قم، الطبعة الثانية.
145 «الكافي»، 8مجلدات. ثقة الإسلام الكليني (329هـ). تصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة (1388هـ).
146 «الكتاب»، ابن درستويه عبد الرحمن بن جعفر أبو محمد البغدادي، طبع بيروت.
147 «الكتاب»، مجلدان. سيبويه (180هـ). طبع أدب الحوزة، قم (1404هـ).
148 «الكشّاف»، 4مجلدات. جار الله الزمخشري (528هـ). دار الكتاب العربي، بيروت (1366هـ).
149 «كشف الأسرار»، أبو البركات عبد الله بن أحمد النسفي، (710هـ). المطبعة الأميرية، بولاق، مصر.
150 «كشف الخفاء»، مجلدان. إسماعيل العجلوني (1162هـ). تعليق: أحمد القلاّش، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة (1408هـ).
151 «كشف الرموز»، مجلدان. الفاضل الآبي (م بعد 672) إعداد: الشيخ علي پناه الإشتهاردي وآقا حسين اليزدي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى (1408هـ).
152 «كنز العرفان»، مجلدان. الفاضل المقداد (826هـ). المكتبة المرتضوي، طهران، الطبعة الثالثة (1365هـ).
153 «لسان العرب»، ابن منظور (711هـ). دار الفكر، بيروت (1376هـ).
154 «مبادئ الوصول إلى علم الأصول»، العلامة الحلي (726هـ). تحقيق: عبد الحسين البقال، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية (1406هـ).
155 «المبسوط»، 8مجلدات. الشيخ الطوسي (460هـ). تعليق: محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية، طهران، الطبعة الثانية (1387هـ).
156 «المبسوط»، 30مجلدا والفهرس. السرخسي الحنفي (482هـ). دار المعرفة، بيروت (1406هـ).
157 «محاسن التأويل»، 17مجلدا. محمد جمال الدين القاسمي (1332هـ). دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية (1398هـ).
158 «المجالس» أمالي الشيخ الصدوق. الشيخ الصدوق (381هـ). المكتبة الإسلامية، طهران.
159 «مجمع البحرين»، 6مجلدات. فخر الدين الطريحي (1085هـ). تحقيق: السيد أحمد الحسيني، المكتبة المرتضوية، طهران، الطبعة الثانية (1365هـ).(1/645)
160 «مجمع البيان لعلوم القرآن»، 10أجزاء في 5مجلدات. أمين الإسلام الطبرسي (548هـ). المكتبة الإسلامية، طهران (1395هـ).
161 «مجمل اللغة»، ابن فارس (395هـ). معهد المخطوطات العربية، الكويت.
162 «المجموع شرح المهذب»، 20مجلدا. يحيى بن شرف النوويّ الشافعي (676هـ). دار الفكر، بيروت.
163 «المحاسن»، أحمد بن محمد بن خالد البرقي (280274هـ). دار الكتب الإسلامية، قم، الطبعة الثانية.
164 «المحصول في أصول الفقه»، مجلدان. فخر الدين محمد بن عمر الرازي (606هـ). دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1408هـ).
165 «المختصر»، ابن حاجب (646هـ)
166 «مختصر سنن أبي داود»، 8مجلدات. الحافظ المنذري (656هـ). تحقيق: أحمد محمد شاكر ومحمد الفقي، دار المعرفة، بيروت (1367و 1369هـ)
167 «مختصر المعاني مع الشرح»، التفتازاني (791هـ). الطبعة الحجرية، انتشارات وفا، الطبعة الثانية.
168 «المختصر النافع»، المحقق الحلّي (676هـ). دار الكتاب العربي، مصر (1376هـ).
169 «مختلف الشيعة»، العلامة الحلّي (726هـ). مكتبة نينوى الحديثة، طهران، (1322 1324هـ).
170 «المدونة الكبرى»، 6مجلدات. عبد الرحيم بن القاسم المالكي فقه الإمام مالك بن أنس (191هـ). دار الباز.
171 «المراسم»، سلار بن عبد العزيز الديلمي (463هـ). تحقيق: محمود البستاني، انتشارات الحرمين، قم (1404هـ).
172 «المرتجل، ابن خشاب عبد الله بن أحمد بن الخشاب البغدادي (567هـ). دار الحكمة، دمشق.
173 «المستدرك على الصحيحين»، 4مجلدات. الحاكم النيسابوري (405هـ). دار الفكر، بيروت (1398هـ).
174 «مستدرك الوسائل»، 18مجلدا. المحدث النوري (1320هـ). تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الطبعة الأولى (1407هـ).
175 «المستصفى»، مجلدان. أبو حامد الغزالي (505هـ). دار صادر، مصر، الطبعة الأولى (1322هـ).
176 «مسلّم الثبوت»، مجلدان. المطبوع مع المستصفى للغزالي، محب الله بن عبد الشكور (1119هـ). دار صادر، مصر، الطبعة الأولى (1322هـ).(1/646)
177 «مسند أحمد بن حنبل»، 6مجلدات. الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (241هـ). دار صادر، بيروت.
178 «المصباح المنير»، الفيومي (770هـ). دار الهجرة، الطبعة الأولى (1405هـ).
179 «المطول»، التفتازاني، (791هـ). مكتبة الداوري، قم.
180 «معارج الأصول»، المحقق الحلي (676هـ). مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى (1403هـ).
181 «معالم السنن»، 6مجلدات. (مختصر سنن أبي داود)، أبو سليمان الخطابي (388هـ). تحقيق:
أحمد شاكر ومحمد الفقي، دار المعرفة، بيروت.
182 «معاني الأخبار»، الشيخ الصدوق (381هـ). تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار المعرفة، بيروت (1399هـ).
183 «معاني القرآن»، 5مجلدات. الزجّاج (311هـ). تحقيق: عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى (1408هـ).
184 «المعتبر في شرح المختصر»، مجلدان. المحقق الحلي (676هـ). حققه عدة من الأفاضل، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، قم، الطبعة الأولى (1364هـ).
185 «المعتمد في أصول الفقه»، مجلدان. أبو الحسين البصري (436هـ). دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ).
186 «معجم مقاييس اللغة»، 6مجلدات. أحمد بن فارس (395هـ). تحقيق: عبد السلام هارون، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، (1404هـ) بالأوفست عن طبعة مصر.
187 «المعجم الوسيط»، مجلدان. مجمع اللغة العربية، انتشارات ناصر خسرو، طهران.
188 «المغني»، 14مجلدا. موفق الدين ابن قدامة المقدسي الجنيلي (620هـ). دار الكتاب العربي، بيروت.
189 «مغني اللّبيب»، مجلدان. ابن هشام (761هـ). مطبعة أمير.
190 «مغني المحتاج»، 4مجلدات. محمد الشربيني الخطيب (977هـ).، دار إحياء التراث العربي.
191 «مفتاح الكرامة»، 10مجلدات. السيد جواد العاملي (1226هـ). مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الطبعة الثانية.
192 «المقتضب»، 4مجلدات. أبو العباس المبرد (285هـ).، تحقيق: محمد عبد الخالق، عالم الكتب، بيروت.
193 «المقنعة»، الشيخ المفيد (413هـ). مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية (1410هـ).
194 «مكارم الأخلاق»، الطبرسي (القرن السادس) انتشارات الرضي.
195 «المنخول»، الغزالي (505هـ). طبع دمشق.
196 «منتهى السؤل في الأصول»، سيف الدين ابن الحسن علي بن أبي بكر الآمدي (631هـ). طبعة مصر.(1/647)
197 «منتهى المطلب»، مجلدان. العلامة الحلّي (726). الطبعة الحجرية، إيران (1333هـ).
198 «منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل» ابن حاجب المالكي (646هـ). مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
199 «من لا يحضره الفقيه»، 4مجلدات. الشيخ الصدوق (381هـ). تعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية.
200 «منهاج الأصول»، البيضاوي (658هـ). مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
201 «المهذب في الفروع»، مجلدان. أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الشيرازي (476هـ). مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر.
202 «المهذب»، مجلدان. القاضي ابن البرّاج (481هـ). مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
203 «الموافقات»، الغرناطي الشاطبي (790هـ). المكتبة التجارية، قاهرة.
204 «الموطأ»، مجلدان. مالك بن أنس (179هـ). تعليق: محمد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (1406هـ).
205 «النحو الوافي»، 4مجلدات. عباس حسن، دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة.
206 «نضد القواعد الفقهية»، الفاضل المقداد (826هـ). تحقيق: عبد اللطيف الكوه كمري، مكتبة المرعشي، قم (1403هـ).
207 «النهاية في غريب الحديث والأثر»، 5مجلدات. ابن أثير (606هـ). تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، إسماعيليان، بالأوفست عن طبعة المكتبة العلمية، بيروت.
208 «النهاية في مجرد الفقه والفتاوي»، الشيخ الطوسي (460هـ). انتشارات قدس، محمدي، قم.
209 «نهاية الأحكام»، العلامة الحلّي (726هـ). إسماعيليان، قم.
210 «نهاية السؤل»، 4مجلدات. الأسنوي الشافعي (772هـ). عالم الكتب، بيروت.
211 «نهاية المحتاج في شرح المنهاج»، محمد بن أحمد شمس الدين الرملي (1004هـ). مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.
212 «الهداية في النحو»، (جامع المقدمات)، أبو حيان الأندلسي (745هـ). انتشارات جاويدان، طهران.
213 «همع الهوامع»، السيوطي (911هـ). انتشارات الرضي.
214 «وسائل الشيعة»، 20مجلدا. الحرّ العاملي (1104هـ). تحقيق: عبد الرحيم الرباني، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة (1395هـ).(1/648)