يكلفونه. وقال: ليس هي منسوخة، الذين يطيقونه: يصومونه، والذين يطوّقونه عليهم الفدية (1).
في حين كانت قراءة الحسن: (وعلى الذين يطيقونه طعام مساكين) (2).
وقرأ ابن عباس {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيََانِ} (3)، قال عطاء: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما (4)!
ولما قرأ مجاهد قوله تعالى: {بِمََا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتََابَ} (5) بتشديد تعلمون، وكان كثير من القراء يقرءونها (تعلمون) بالتخفيف (6)، أراد مجاهد أن يبين وجه اختياره فقال: ما علّموه حتى علموه (7)، وكان مجاهد يقرأ {يَقُصُّ الْحَقَّ} (8)، وينتصر لقراءته بقوله: لو كان (يقض) لكانت (يقضي بالحق) (9).
وهذا سعيد بن جبير لما سئل عن توجيه قراءة قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} (10) بقراءة التخفيف، كيف توجه فأجاب بقوله: نعم، حتى إذا استيأس
__________
(1) تفسير الطبري (3/ 430، 433) 2769، 2774، وتفسير عبد الرزاق (1/ 70).
(2) تفسير الطبري (3/ 440) 2794.
(3) سورة المائدة: آية (107)، قرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم (الأولين)، وقرأ الباقون (الأوليان)، ينظر الكشف (1/ 402)، والسبعة (248)، والنشر (2/ 256).
(4) تفسير الطبري (11/ 202) 12977.
(5) سورة آل عمران: آية (79).
(6) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، ينظر الكشف (1/ 351)، وسراج القاري المبتدئ (181)، والنشر (2/ 240).
(7) حجة القراءات (167)، عن رسالة اتجاهات المفسرين في توجيهه القراءات (1/ 132).
(8) سورة الأنعام: آية (57).
(9) حجة القراءات (254)، عن رسالة اتجاهات المفسرين (1/ 133).
(10) سورة يوسف: آية (110).(2/764)
الرسل من تصديق قومهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم (1).
3 - الترجيح بين القراءات:
لم يقتصر منهج التابعين على توجيه القراءة التي تلقوها، بل تعدى ذلك إلى الاختيار والترجيح بين القراءات. وكان بعضهم يرجح العرضة الأخيرة على غيرها من القراءات.
فعن ابن سيرين قال: كانوا يرون أن قراءتنا هي هذه العرضة الأخيرة (2).
وربما رجح بعضهم بالرجوع إلى الصحابة وسؤالهم أي القراءة أرجح، فعن عطاء قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية (وابتغوا) أو (اتبعوا) (3) قال: أيتهما شئت، قال: عليك بالقراءة الأولى (4).
وقد يكون الترجيح كذلك بالمعنى.
فقد سأل خصيفا ابن جبير: كيف تقرأ هذه الآية {وَمََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أو (يغل) قال: لا، بل (يغل) (5)، فقد كان النبي والله (يغل) و (يقتل) (6).
4 - معرفة المنسوخ من القراءات:
اهتم التابعون بمعرفة المنسوخ من القراءات، ولذا لم يرد عنهم في أمر القراءة
__________
(1) تفسير الطبري (13/ 83)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، وأبي الشيخ، عن سعيد بلفظ مقارب (4/ 597).
(2) أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن الأنباري، وابن أشتة في المصاحف عن ابن سيرين به (1/ 259)، وذكره ابن حجر في الفتح (9/ 44) بلفظ فيرون أن قراءتنا أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة، وينظر مختصر تفسير ابن زمنين (1/ 179).
(3) أي في قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} سورة الزمر: آية (55).
(4) تفسير الطبري (3/ 508) 2981.
(5) سورة آل عمران: آية (161).
(6) تفسير الطبري (7/ 349) 8137، وتفسير ابن كثير (1/ 150)، والسبعة (218)، والكشف(2/765)
المنسوخة كبير أثر، وهذا كله بعد ضبط مصاحف الأمصار، في حين كان أبي بن كعب لا يدع قراءة سمعها، فربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ، مثل السورتين اللتين أطلق عليهما سورتا أبيّ (1). (اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد) والثانية (اللهم إنا نستعينك ونستهديك)، ولأجل ذا قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أبيّ، وأقضانا عليّ، وإنا لندع من قول أبيّ، وذلك أن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} (2)، وفي رواية قال عمر: إنا لندع من لحن أبي، وأبيّ يقول: أخذته من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء (3).
5 - الترجيح في الأحكام بالقراءة:
اختلاف القراءات قد يؤدي إلى اختلاف الأحكام، ولذلك فإننا نجد أن التابعين ربما اتخذوا منهجا ترجيحيا بالقراءة في مجال الأحكام، ولا سيما الكوفيون الذي اعتمدوا قراءة ابن مسعود، وفيها كثير من التوجيهات الحكمية، حتى إن مجاهدا لما سمعها ذكر أنها لو كانت عنده لما احتاج أن يسأل ابن عباس عن كثير من التفسير.
فمن ذلك ما ورد عن إبراهيم النخعي في مسألة كفارة اليمين حيث قال: في قراءتنا فصيام ثلاثة أيّام متتابعات (4)، وهي قراءة ابن مسعود (5).
__________
1/ 363، والوافي (239).
(1) الإتقان (1/ 33).
(2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قول: (ما ننسخ من آية أو ننسأها)، ينظر الفتح (8/ 167) 4481.
(3) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ينظر الفتح (9/ 47) 5005.
(4) سورة المائدة: آية (89) والذي في المصحف بدون لفظ (متتابعات).
(5) تفسير الطبري (10/ 561) 12500، والبحر المحيط (4/ 12)، وتفسير القرطبي (6/ 183)، وكتاب مقدمتان في علوم القرآن (233).(2/766)
ولما تذاكر الشعبي، وسعيد بن أبي بردة، العمرة، فقال الشعبي: تطوع، واستدل على ذلك بأن قرأ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (1)، برفع (العمرة) على الابتداء بها (2).
وعن عكرمة قال: كانت تقرأ هذه الآية: وليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج (3).
وعن إبراهيم النخعي أنه استدل على حكم قطع يمين السارق بقوله: في قراءتنا، وربما قال: في قراءة عبد الله: والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم (4).
وكان عطاء يفتي بأنه لو أن حاجا أفاض، ولم يسع، فأصابها يعني امرأته، لم يكن عليه شيء لا حج ولا عمرة، واستدل على ذلك بقوله: إن السعي تطوع، وذلك لقراءة ابن مسعود: فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ألا يطوف بهما (5)، قال ابن جريج له: فعاودته فقلت: إنه قد ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ألا تسمعه يقول: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} فأبى أن يجعل عليه شيئا (6).
__________
(1) سورة البقرة: آية (196).
(2) تفسير الطبري (4/ 10) 3203، مختصر في شواذ القرآن (12)، والمصاحف لابن أبي داود (18)، وإعراب القرآن للنحاس (1/ 292)، والبحر المحيط (2/ 72).
(3) تفسير الطبري (4/ 165) 3766، والمصاحف لابن أبي داود (64، 65)، والبحر المحيط (2/ 94)، وليس في مصحفنا (في مواسم الحج)، وهي قراءة ابن عباس.
(4) آية المائدة: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} رقم (38)، ينظر تفسير الطبري (10/ 294) 11907، 11908، ومختصر في شواذ القرآن (33)، والبحر المحيط (3/ 476)، وتفسير القرطبي (6/ 109).
(5) وفي قراءتنا {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} سورة البقرة: آية (158) بالإثبات، ينظر المحتسب (1/ 115).
(6) تفسير الطبري (3/ 241) 2356، وأورده السيوطي في الدر، عن عطاء بلفظ: في مصحف ابن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير (1/ 387).(2/767)
6 - الإفادة من القراءة في التفسير:
لا شك أن القراءات مجال واسع للفهم في كتاب الله، ولا سيما الصحيح منها، فهي تعطي معنى الآيات من باب تفسير القرآن بالقرآن، فما قرئ به في آية قد يكون تفسيرا لآية أخرى.
وقد سبق جملة أمثلة توضح ذلك، بل لا أدلّ على ذلك من منهج كثير من المفسرين، فالإمام الطبري لا يبدأ بالتفسير حتى يذكر ما في الآية من قراءات واردة، ويعتمد عند ذكره الأقوال التفسيرية في الآية على ما ورد من قراءات، ثم يرجح بينها، وهذا كله يدلنا على أهمية هذا المنهج في التفسير.
قال أبو عبيد: فأما ما جاء من هذه الحروف التي لم يؤخذ علمها إلا بالإسناد، والروايات التي يعرضها الخاصة من العلماء دون عوام الناس، فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين وتكون دلالة على معرفة معانيه، وعلم وجوهه (1).
وقال أيضا: فهذه الحروف، وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروي مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن (2).
وعموما فهذه المسألة تابعة لما قبلها، بل هي أعم منها، فإن التي قبلها تتعلق بالإفادة من القراءة أعني الترجيح في الأحكام الفقهية، وهي جزء من التفسير، ولقد توسع التابعون في هذا الجانب، ولا أدل على ذلك من قول مجاهد: لو كنت قرأت على قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن (3).
__________
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد رسالة ماجستير للباحث محمد تيجاني (293).
(2) الإتقان (1/ 108).
(3) تاريخ دمشق (16/ 127)، والسير (4/ 454)، والتهذيب (10/ 43)، وطبقات المفسرين (2/ 306).(2/768)
ويقول مجاهد: لم أكن أحسن ما (الزخرف) (1)، حتى سمعتها في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيتا من ذهب (2).
وقال أيضا: كنا نرى أن قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا} (3)، هين، حتى وجدناه في قراءة ابن مسعود: (فقد زاغت قلوبكما) (4).
ولما أراد مجاهد أن يبين معنى قوله تعالى: {وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ} (5) أسند عن ابن عباس أنه قرأها: ورجلا سالما لرجل (6).
وكذلك كان حال بقية التابعين، فعند تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ} (7)، قال أبو العالية: ذكر نور المؤمن فقال: مثل نوره يقول: مثل نور المؤمن، ثم قال: وكان أبيّ ابن كعب يقرؤها كذلك مثل المؤمن (8).
وعند تفسير قوله تعالى: {كََانَ النََّاسُ أُمَّةً وََاحِدَةً فَبَعَثَ اللََّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ} (9)، قال عكرمة: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة الحق. فاختلفوا فبعث الله النبيين، وكذلك هي في قراءة عبد الله: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا (10).
__________
(1) أي في قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوََاباً وَسُرُراً عَلَيْهََا يَتَّكِؤُنَ (34) وَزُخْرُفاً} سورة الزخرف: آية (24، 25).
(2) تفسير الطبري (15/ 163)، وفتح الباري (8/ 568)، والبداية (9/ 227)، وتفسير الثوري (233).
(3) سورة التحريم: آية (4).
(4) تفسير الطبري (28/ 161)، شواذ القراءات للكرماني (245)، والبحر المحيط (8/ 290)، وزاد المسير (8/ 310).
(5) سورة الزمر: آية (29).
(6) تفسير الطبري (23/ 213)، والبحر المحيط (7/ 424).
(7) سورة النور: آية (35).
(8) تفسير الطبري (18/ 136)، وزاد المسير (6/ 40)، وفتح القدير (4/ 36).
(9) سورة البقرة: آية (213).
(10) تفسير الطبري (4/ 275) 4048، وتفسير القرطبي (3/ 23).(2/769)
وعند تفسير قوله جل وعلا {فَهَدَى اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (1) يقول:
اختلف الكفار فيه فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك، وهي قراءة ابن مسعود:
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا عنه عن الإسلام (2).
وعن الربيع بن أنس قال: يقول: يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه (3).
قال: وكذلك كان يقرؤها ابن مسعود: عن قتال فيه (4).
وعن مجاهد: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا (5) يقول مدادا، يقرؤها كذلك يقول: فإن لم تجدوا مدادا فعند ذلك تكون الرهون (6)، وكذا قرأها أبو العالية (7).
وعند قوله تعالى: {قََالَ رَجُلََانِ مِنَ الَّذِينَ يَخََافُونَ أَنْعَمَ اللََّهُ عَلَيْهِمَا} (8)، قال قتادة في بعض الحروف: يخافون الله أنعم الله عليهما (9).
وعند قوله سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبََا لََا يَقُومُونَ إِلََّا كَمََا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطََانُ مِنَ الْمَسِّ} (10).
__________
(1) سورة البقرة: آية (213).
(2) تفسير الطبري (4/ 285) 4063، وتفسير القرطبي (3/ 24)، والدر المنثور (1/ 584).
(3) سورة البقرة: آية (217)، وليس فيها (عن).
(4) تفسير الطبري (4/ 300) 4080، المصاحف لابن أبي داود (69)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 141)، وإعراب القرآن للنحاس (1/ 307)، والبحر المحيط (2/ 145).
(5) سورة البقرة: (283) وهي {وَلَمْ تَجِدُوا كََاتِباً}.
(6) تفسير الطبري (6/ 95) 6441، ومختصر في شواذ القرآن (18).
(7) المرجع السابق (6/ 96) 6442، ومختصر في شواذ القرآن (18)، وإعراب القرآن للنحاس (1/ 348).
(8) سورة المائدة: آية (23).
(9) تفسير الطبري (10/ 179) 11674، 11675، وتفسير عبد الرزاق (1/ 186).
(10) سورة البقرة: آية (275).(2/770)
قال الربيع: وهي في بعض القراءة (لا يقومون يوم القيامة) (1).
ولما تعرض قتادة لقوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمََنِ صَوْماً} (2) قال: وكانت تقرأ في الحرف الأول: (صمتا) (3).
وعنه أيضا في قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمََا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} (4).
قال: هي في مصحف عبد الله (وما يعبدون من دون الله) هذا تفسيرها (5).
فاكتفى رحمه الله بالقراءة عن التفسير مما يؤكد هذا المنهج عندهم.
وقرأ عكرمة: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) (6)، ونسبها لعمر (7).
وهي قراءة ابن مسعود أيضا، كما جاء عن الضحاك (8).
وكان مجاهد يقرؤها كذلك (9).
7 - منهج التصويب والتخطئة:
لم يكن منهج التصويب أو التخطئة في مجال القراءات ظاهرا عند التابعين، وإنما ظهر هذا المنهج في العصور المتأخرة عنهم بعد استقرار القراءة والرسم العثمانيين، حتى
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 10) 6245، والبحر المحيط (2/ 333)، وتفسير القرطبي (3/ 229).
(2) سورة مريم: آية (26).
(3) تفسير الطبري (16/ 75)، والبحر المحيط (6/ 185).
(4) سورة الكهف: آية (16).
(5) تفسير الطبري (15/ 209)، وتفسير القرطبي (10/ 239).
(6) سورة البقرة: آية (282) وهي في مصحفنا بإدغام الرائين.
(7) تفسير الطبري (6/ 88) 6418، والبحر المحيط (2/ 354).
(8) تفسير الطبري (6/ 88) 6419، والبحر المحيط (2/ 354)، وتفسير القرطبي (3/ 262).
(9) تفسير الطبري (6/ 88) 6420.(2/771)
صارت القراءات التي تخالف الرسم شاذة لفقدها شرط التلقي بالتواتر، وموافقة الرسم إلا أنه قد وردت الروايات عن شيوخ مدارس التابعين من الصحابة فيها شيء من الترجيح، والتخطئة لبعض القراءات، وهذه الروايات اعتمد عليها بعض المستشرقين في طعنهم في القرآن، وقبل مناقشة هذه الروايات أود أن ألفت النظر إلى عدة قضايا هامة:
القضية الأولى: أن توثيق القرآن جاء بأعلى درجات التوثيق التي عرفها الناس، فالصحابة مع أنهم كانوا حفاظا، إلا أنهم كانوا يعتمدون في التوثيق ما كان مكتوبا، وشهد على كتابته في عهد النبي رجلان فأكثر، ولما شعر عمر بن الخطاب أن هشاما يقرأ بحروف غير التي أقرأها له رسول الله صلى الله عليه وسلم ساوره ولببه خشية على القرآن أن يحرفه أحد، هذا بخلاف حفظ الله سبحانه ووعده بذلك {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (1).
ومما يشهد لدقة الكتابة أنهم كتبوا (قال) بالألف في مواضعها من القرآن إلا في آخر الأنبياء فقد رسمت (قل) (2) بدون ألف، ليتمكن من قراءتها على القراءة الأخرى بفعل الأمر، وله نظائر (3).
القضية الثانية: ليس ثبوت صحة الرواية فرع عن ثبوت سندها فقط، فقد يصح السند، والحديث شاذ، أو منكر (4)، ولذا فإن الروايات التي فيها القول بخطإ الكاتب، أو سيلان المواد، أو أن الكاتب كتبها وهو ناعس، وهي قليلة، لا يكفي ثبوت سندها أن تكون صحيحة، بل هي منكرة شاذة لمخالفتها ما هو أوثق، وأدق، وأصح.
__________
(1) سورة الحجر: آية (9).
(2) في قوله تعالى: {قََالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمََنُ الْمُسْتَعََانُ عَلى ََ مََا تَصِفُونَ} الأنبياء (112).
(3) يراجع في ذلك كتب الرسم العثماني، مثل كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان لابن الأنباري، وينظر بعض الأمثلة لدقة الكتابة وإصلاحها في الإتقان (2/ 240).
(4) تدريب الراوي (1/ 238).(2/772)
قال السيوطي بعد أن ذكرها: وهذه الآثار مشكلة جدا، وكيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام، فضلا عن القرآن، وهم الفصحاء ثم كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل، وحفظوه وضبطوه، وأتقنوه (1) ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ، وكتمانه، ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبيههم، ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره، ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف (2) هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة (3) اه.
وقد جنح ابن الأنباري إلى تضعيف كل ما ورد من ذلك عن ابن عباس وغيره، ومعارضتها بروايات صحيحة عن ابن عباس فيها ثبوت هذه الأحرف في القراءة (4).
وتكلم أبو حيان على شيء من ذلك فقال: إن قول من قاله زنديق ملحد (5).
وجعلها الزمخشري من القراءات التفسيرية، ورد على من قال بخطإ الكاتب (6).
وقال الخازن عن بعض هذه الروايات: وفي هذه الرواية نظر لأن القرآن ثبت بالتواتر (7).
وقال أبو شهبة، في بعض هذه الروايات عن ابن عباس: ولا يخلو إسناده من مدلس، أو ضعيف (8).
__________
(1) إشارة إلى أن الكاتب كان صحابيا فكيف يخطئ في اللغة، فضلا عن القرآن.
(2) أي لو كان الخطأ من الكاتب فلم لا تتواتر القراءة غير الخطأ عن الصحابي ويتواتر الخطأ!
(3) الإتقان (1/ 239).
(4) الإتقان (1/ 243).
(5) البحر المحيط (5/ 293)، (6/ 445).
(6) تفسير الكشاف (2/ 360، 361).
(7) تفسير الخازن (5/ 66).
(8) المدخل لدراسة القرآن الكريم (371).(2/773)
فلو كانت الروايات أسانيدها ضعيفة فلا إشكال، وإن كانت صحيحة فلا إشكال لمخالفتها المتواتر فهي روايات منكرة يجب طرحها، وعدم الاعتماد عليها، وهذه طريقة من رأى الترجيح.
القضية الثالثة: أن الصحابة كان لهم اجتهاد في القراءات، ولم تكن لديهم حساسية تمنع من ترجيح قراءة على أخرى، ولذا فيحتمل أن ما جاء عنهم من آثار فيها إشارة إلى خطأ الكاتب في كتابة بعض الآيات، فإن المراد به أن الكاتب كتبها بما يحفظه، ولم يتنبه لاختيار القراءة الأسهل، عند من قال ذلك، ولذا فكل ما ورد من هذه الآثار هي عبارة عن قراءات أخرى أراد الصحابي أن يرجح إحداها على الأخرى.
قال ابن أشتة: أخطئوا أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، وقال: والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بالإجماع وإن طالت مدة وقوعه (1).
وقال عنه السيوطي: (إنه أولى وأقعد) (2)، أي من طريقة تضعيف الآثار الواردة عن الصحابة وهذه هي طريقة الجمع، وقد ذكرا في الجمع بين هذه الروايات أوجها أقربها ما سبق.
فمنها أن هذه الروايات محمولة على الحروف المحذوفة، ومواضع الرمز والإشارة، أو الكلمات التي خالف رسمها لفظها مثل لأذبحنه (3).
وبعد استعراض هذه القضايا الثلاث، أورد هنا الروايات التي وقفت عليها مبينا أنها كلها تعود لقراءات أخرى، وإن الروايات إن اعتمدنا صحتها تعود إلى الترجيح بين
__________
(1) الإتقان (1/ 241).
(2) الإتقان (1/ 243).
(3) ينظر في هذه الأوجه الإتقان (1/ 239، 240).(2/774)
القراءات لا إبطال بعضها.
فمن ذلك ما أخرجه ابن جرير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عند قوله تعالى: {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} (1)، قال:
وإنما (تستأنسوا) وهم من الكتّاب، وفي رواية خطأ من الكاتب: حتى تستأذنوا، وتسلموا (2).
وعن ابن المسيب، وابن جبير مثله، وعن ابن عباس أنه كان يقرؤها على قراءة أبي (2).
وأخرج عن إبراهيم أنها في مصحف ابن مسعود (حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا).
قال ابن كثير في هذا الموضع من تفسيره: وهو غريب جدا عن ابن عباس (3).
وعلى كل فقد ثبت القراءة عند ابن عباس بالوجهين، فالظاهر أراد الترجيح لا الرد، والله أعلم.
وجاء عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ النَّبِيِّينَ لَمََا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتََابٍ وَحِكْمَةٍ} (4).
قال: هي خطأ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعود (5) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) وعن الربيع {وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ النَّبِيِّينَ} يقول: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين
__________
(1) سورة النور: آية (27).
(2) تفسير الطبري (18/ 109)، وفتح القدير (4/ 21).
(3) تفسير ابن كثير (6/ 38).
(4) سورة آل عمران: آية (79).
(5) تفسير الطبري (6/ 553) 7323، والبحر المحيط (2/ 508)، وزاد المسير (1/ 415).(2/775)
أوتوا الكتاب) وكذلك كان يقرؤها الربيع: {وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ} إنما هم أهل الكتاب، قال: وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب، قال الربيع:
ألا ترى أنه يقول: {ثُمَّ جََاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمََا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}، يقول:
لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولتنصرنه قال: هم أهل الكتاب (1).
قال الطبري: وأما ما استشهد به الربيع بن أنس على أن المعنى بذلك أهل الكتاب من قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال لأن الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعض، وتصديق بعضها بعضا نصرة من بعضها بعضا (2).
ومن ذلك ما ورد عن التابعي الكبير أبان بن عثمان بن عفان أنه سئل عن قوله تعالى: {لََكِنِ الرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ} (3) ما شأنها كتبت يعني هكذا (المقيمين)، فقال: إن الكاتب لما كتب {لََكِنِ الرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} حتى إذا بلغ قال: ما أكتب قيل له: اكتب {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ}، فكتب ما قيل له (4).
وفي قراءة ابن جبير: والمقيمون الصلاة (5).
قال ابن جرير الطبري بعد أن ذكر أنها هكذا في مصحف أبي بن كعب وقراءته:
{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ} قال: فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه، بخلاف ما هو في
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 554) 7325، والدر المنثور (2/ 252).
(2) تفسير الطبري (6/ 557).
(3) سورة النساء: آية (162).
(4) تفسير الطبري (9/ 394) 10837، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن عائشة، ينظر الإتقان (2398)، وفتح القدير (1/ 537).
(5) إعراب القرآن للنحاس (1/ 505)، وزاد المسير (2/ 251).(2/776)
مصحفنا، وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبي في ذلك، ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ، مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمون من علّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقنوه الأمة تعليما على وجه الصواب.
وفي نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة على ما هو به في الخط مرسوما، أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأنه لا صنع في ذلك للكاتب (1).
حول قراءة ابن مسعود:
سبق في كثير من ثنايا البحث ذكر اعتماد التابعين في التفسير على قراءة ابن مسعود، وجاء في كثير من الروايات ذكر هذه القراءة، وهي مما تخالف رسم المصحف، فأحببت أن أبين شيئا عن هذه القراءة في هذا المبحث، حتى يسهل فهم منهج التابعين في اعتمادهم على هذه القراءة الصحيحة، ولماذا نعتبرها الآن شاذة.
لقد سبق أن القراءة الشاذة هي ما خالفت الضابط المتفق عليه، ولا سيما مخالفتها لرسم المصحف، ويزيد الأمر الآن أنه ليس لها إسناد صحيح يمكن أن تتلقى مشافهة به، وقد أثير حول ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجوز القراءة بالمعنى لما روي عنه أنه كان يقول: إياكم والتنطع في الاختلاف، إنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلم (2).
وجاء عنه أيضا: ليس الخطأ أن تجعل خاتمة آية خاتمة آية أخرى (3).
فلقد فهم بعض الناس منه أنه يجوز القراءة بالمعنى مطلقا، وهذا غلط عليه.
__________
(1) تفسير الطبري (9/ 396).
(2) تفسير الطبري (2/ 420)، 2270، 2268، 1269.
(3) سنن سعيد بن منصور، كتاب التفسير (1/ 430، 431).(2/777)
قال الحموي: حكي عن ابن مسعود رضي الله عنه تجويز القراءة بالمعنى ولا يصح (1).
وقال ابن تيمية: وأن من قال عن ابن مسعود إنه يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه (2).
وإنما مراد ابن مسعود في الأثر الأول هو اختلاف القراءة فيما يقرءونه، وأنه كله يرجع إلى معان متقاربة متشابهة، ولذلك أشار في أول كلامه إلى النهي عن الاختلاف في القراءة، ويؤيد ذلك ما جاء عنه أنه قال: نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم هلم، وأقبل، وتعال، فاقرءوا كما علّمتم (3).
وأما الأثر الثاني فقد وجهه أبو عبيد بأن مراده أنك لا تقول أخطأت لمن نعت الله بهذه النعوت لأنها كلها حق، وليس وجهه أن يضع كل حرف من هذا في موضع الآخر، وهو عامد لذلك (4).
فإن قيل: فما وجه إنكار عمر على ابن مسعود عند ما قرأ (عتى حين) أي {حَتََّى حِينٍ} وكتب إليه: إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل (5).
فالجواب: أنه ليس هذا يمنع أن تكون قراءة ابن مسعود ثابتة، ويكون هذا من عمر رضي الله عنه على سبيل الاختيار، لا أن الذي قرأ به ابن مسعود لا يجوز، ويحتمل أن يكون قول عمر، وعثمان، من بعده نزل بلسان قريش، وأن ذلك كان أول نزوله،
__________
(1) القواعد والإشارات في أصول علم القراءات (40/ 41).
(2) مجموع الفتاوى (13/ 197).
(3) شرح العقيدة الطحاوية (353)، وتاريخ المدينة (3/ 1007).
(4) فضائل القرآن (214).
(5) فتح الباري (9/ 27).(2/778)
ثم إن الله تعالى سهله على الناس فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم، على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين.
فأما من أراد قراءته من غير العرب فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش، لأنه الأولى، وعلى هذا يحمل ما كتب به عمر إلى ابن مسعود لأن جميع اللغات بالنسبة إلى غير العربي مستوية في التعبير، فلا بد إذا من واحدة، فلتكن بلغة النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وإذا حققنا النظر وجدنا أن المخالفة للرسم العثماني أكثر ما جاءت عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، فأما أبي فلربما قرأ ما نسخت تلاوته، ولم يبلغه النسخ، وأما ابن مسعود فإنه بقي على الحرف الذي أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ بالرسم العثماني، فلم يوافق على حرق مصحفه بل أخفاه، وأمرهم بأن يغلوا مصاحفهم، أي: يخفونها، ويكتمونها فلا تخرج فتعدم (2).
وهذا يحتمل أن يكون ابن مسعود رضي الله عنه رأى خلاف ما رأى عثمان ومن وافقه في الاقتصار على قراءة واحدة، وإلغاء ما عدا ذلك. ويحتمل أنه لا ينكر الاقتصار على قراءة واحدة، فإن فيه الاجتماع، وفي عدمه الخلاف، وأراد أن يكون الاقتصار على قراءته هو فيعوّل عليها دون غيرها لما له من المزية في ذلك مما ليس لغيره.
فقد جاء عنه أنه قال: غلوا مصاحفكم، كيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله (3).
وقد شق عليه أيضا أنه لم يكتب المصحف فقال: يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل، والله لقد أسلمت، وإنه لفي صلب رجل كافر يعني زيد بن ثابت (4).
__________
(1) ينظر في ذلك فتح الباري (9/ 27).
(2) الفتح (9/ 49).
(3) الفتح (9/ 49).
(4) رواه الترمذي كتاب التفسير، في تفسير سورة التوبة (5/ 266) 3104.(2/779)
وقال أيضا: لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان (1).
ويعتذر لعثمان في ذلك أنه لم يؤخر ما عزم عليه، وفي هذا الوقت كان ابن مسعود بالكوفة، ثم إن زيد بن ثابت كان هو الذي جمع القرآن بمشورة وأمر أبي بكر الصديق، وعثمان إنما نسخ من هذا المصحف، فكان لزيد أولية لذلك ليست لغيره (2).
وقد بوب ابن أبي داود بابا بعنوان (رضى ابن مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان) إلا أن الحافظ تعقب ذلك بقوله: (لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به) (3).
__________
(1) سبق تخريجه ص (466).
(2) الفتح (9/ 19).
(3) الفتح (9/ 49)، ينظر كتاب قراءة ابن مسعود ص (64، 66، 68).(2/780)
المبحث الثاني منهجهم في آيات الاعتقاد
يعد عصر التابعين من أقل العصور اختلافا وفرقا بالنسبة لما بعده.
ولم تكن الفرق قد تشعبت التشعب الكبير، الذي رأيناه بعد ذلك، بل إن عامة الفرق التي ظهرت آنذاك هي: القدرية، والخوارج، والرافضة، والمرجئة وهذا لا يمنع وجود آراء أخرى مخالفة، لكنها لم تكن بمثل هذه في الوضوح، والتأثير (1).
ولقد أدى انتشار هذه الفرق الأربع إلى التأثير على اتجاه التابعين في التفسير، فإن أئمتهم كانوا مخالطين للناس مطلعين على أمورهم، يسألهم القاصي والداني عن الآيات المشتبهة، التي تعلقت بها هذه الطائفة أو تلك.
كما أن تأثير الفرق تعدى إلى تفسير التابعين للكلمة القرآنية بغير الأوجه التي ظهرت عند الصحابة تبعا لحاجة الناس، وهو ظاهر مثلا في تفسيرهم لقوله تعالى:
{يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (2).
فقد كان الوارد فيها عن ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما كانا يفسران الإيمان بالتصديق (3).
فلما ظهرت بدع الإرجاء والقدر وجدنا أن الربيع والزهري كانا يفسران الإيمان
__________
(1) بل قال السدي: في الجنة شيعة وقدرية ومرجئة، العلل لأحمد (2/ 417) 2863.
(2) سورة البقرة: آية (2).
(3) تفسير الطبري (1/ 236) 273، والدر المنثور (1/ 64).(2/781)
بالخشية، والعمل (1).
والناظر في أحوال الأئمة من التابعين يرى أنهم كانوا شديدين على أهل البدع في مخالفاتهم، في حين كانوا يوجهون كبير عتب إلى من أخطأ من الناس، ولم يكن معروفا ببدعة، يظهر ذلك مثلا في عدم النكير الشديد على مجاهد، وكانت له آراء تخالف الظاهر القرآني، في حين اشتد نكير الأئمة على عكرمة، وطال عتبهم عليه، بل ربما وصم بالكذب لما رمي به من رأي الخوارج.
وعند دراسة منهج التابعين في تناول آيات الاعتقاد نجد أنفسنا مضطرين إلى استعراض أماكن الفرق الموجودة في عصرهم لنستكشف تأثر أو تأثير ذلك في التفسير، فبادئ ذي بدء نجد أن المدينة سلمت من الأهواء، واستقام أهلها على طريقة أئمتهم الخالية من الانحرافات العقدية بسبب كثرة الآثار النبوية، والصحابة، وقلة الفلسفة ولذا كانوا من أشد الناس على أهل البدع، يتبين ذلك من موقفهم الشديد من عكرمة لتلبسه ببعض أقوال الخوارج (2).
وكذلك كان حال مكة، إلا ما كان من بعض اجتهادات مجاهد التي كانت تخالف الظاهر من الآيات، وهي قليلة. وبالجملة فقد سلمت مدرستا الحجاز من الوقوع في أقوال أهل الأهواء، في حين وقع ذلك في مدرستي العراق، وهما وإن كانتا في أرض واحدة إلا أنهما تباينا في ذلك أيضا، فالكوفة وقع بها الإرجاء، والتشيع، في حين كانت البصرة تعاني من فكر الخوارج، وبدعة القدرية، ولم يكن فيها شيء من الرفض، حتى إن بعضهم شبههم بأهل الشام الذين كان فيهم عداوة شديدة للشيعة، فها هو حماد بن أبي سليمان لما رجع إلى الكوفة وكان قد زار البصرة، يسأله الناس:
__________
(1) تفسير الطبري (1/ 224) 267، 268، 270، 271.
(2) ينظر ترجمة عكرمة ص (162).(2/782)
كيف رأيت أهل البصرة، فقال: قطعة من الشام نزلوا بين أظهرنا، يعني ليسوا هم في أمر عليّ مثلنا (1).
وتبعا لهذا التقسيم قد كانت أقوال الأئمة في التفسير، أي أنها تابعة للأمصار، فالمدرسة التي كثر فيها التشيع والإرجاء كالكوفة نجد كلاما شديدا للشعبي في ذم التشيع، وكان قد تشيع ثم رجع عنه، ونجد ذم الإرجاء عن إبراهيم النخعي.
والمدرسة التي نبغ فيها القدر كالبصرة نجد كلاما لابن سيرين يبين هذا الانحراف ويرده (2).
ومن وجه آخر نجد أنه ربما تلبس إمام المصر ببعض ما يقوله أهل المصر ذاته إلا أن الغالب عليهم الرجوع لأن الحق ضالتهم يأخذونها أنى وجدوها.
كما نسب الحسن للقدر ولا يصح عنه، وكما كان الشعبي، والنخعي، والسدي، ينسبون إلى شيء من التشيع، وإن كان رجوع بعضهم محققا إلا أن الأقوال التي كانت في هذه المدرسة أو تلك، قد أثرت في الجملة سلبا وإيجابا على اعتقادات أهلها مما أدى إلى ظهور أثر ذلك في التفسير نفسه.
هذا كله والأئمة متفقون على ذم الأهواء، والإنكار على أصحابها، ومن وقع في كلامه شيء من ذلك، فلا يخلو إما أن يكون قد رجع عنه، كحال الشعبي، وإما أن يكون كلامه لم يفهم على الوجه الصحيح، كما في بعض مقالات الحسن ومجاهد، وإما أن يكون قد ظن أن ذلك هو الحق فأخطأ، كمقالة قتادة في القدر على قول برجوعه أيضا.
وليس أدل على تجنب عامة أئمة التابعين للأهواء من قول أبي العالية: قرأت
__________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 333).
(2) المرجع السابق (7/ 199)، ومختصر تاريخ دمشق (22/ 227)، والمعرفة (2/ 47).(2/783)
المحكم بعد وفاة نبيكم بعشر سنين، فقد أنعم الله عليّ بنعمتين لا أدري أيهما أفضل أن هداني للإسلام، ولم يجعلني حروريا (1).
وكان رحمه الله يقول: تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الإسلام يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنة نبيكم، والذي كان عليه أصحابكم، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء.
قال عاصم راوي الأثر: فحدثت الحسن، فقال: صدق ونصح، فحدثت به حفصة بنت سيرين: فقالت: يا باهلي أأنت حدثت محمدا (2) بهذا قلت: لا، قالت: فحدثه إذا (3).
ولذا كان محمد بن سيرين يقول: كانوا يرون أنهم على الطريق ما كانوا على الأثر (4).
ويقول: لو خرج الدجال لرأيت أنه سيتبعه أهل الأهواء (5).
وكذلك كان أيضا قول الأئمة الكوفيين، فهذا الشعبي يبين لنا سبب تسمية أهل البدع بأهل الأهواء فيقول: إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار (6).
ولما عوتب مسروق على عدم مشاركته في الاقتتال في الفتن احتج بقوله سبحانه: {وَلََا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (7).
__________
(1) السير (4/ 212)، طبقات ابن سعد (7/ 113).
(2) تعني محمد بن سيرين أخاها.
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 56) 17.
(4) المصدر السابق (1/ 87) 109، 110، وسنن الدارمي (142).
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 131) 235.
(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 130) 229.
(7) سورة النساء: آية (29).
وينظر الأثر في السير (4/ 68)، ومختصر تاريخ دمشق (24/ 251).(2/784)
وأما مدرستا الحجاز فقد كانتا أبعد المدارس عن الأهواء التي كانت بالعراق كما تقدم، ولذا نقلت عنهم العبارات الشديدة في التحذير من تلك الأهواء.
فمجاهد المكي يروي عنه مقالة قريبة من مقالة أبي العالية المتقدمة، فيقول: ما أدري أي النعمتين عليّ أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء (1).
ويقول سعيد بن المسيب: إذا تكلم الناس في ربهم وفي الملائكة، ظهر لهم الشيطان فقدمهم إلى عبادة الأوثان (2).
وعن عطاء أنه قال لقائده: أمسكوا واحفظوا عني خمسا: القدر خيره وشره، حلوه ومرّه من الله، وأهل قبلتنا مؤمنون، حرام دماؤهم، وقتال الفئة الباغية بالأيدي والنعال لا بالسلاح، والشهادة على الخوارج بالضلالة (3).
وفيما يلي دراسة لما وقع فيه الاختلاف في بعض مسائل الاعتقاد، مع بيان موقف أئمة التفسير من التابعين من ذلك، وأثر ذلك في مناهجهم في التفسير.
وقد اعتمدت كثيرا على كتابي شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، والأسماء والصفات للبيهقي، وذلك بعد ما تبين لي أنهما من أوسع الكتب اشتمالا على نقل أقوال الأئمة، وتفاسيرهم لآيات الاعتقاد.
أولا: منهجهم في تناول آيات الصفات:
لم تنتشر البدع المتعلقة بالصفات في عهد التابعين، وإنما أظهر الجهم مقالة التعطيل في آخر عهد التابعين، ثم تلقفت الطوائف بعد ذلك أقواله.
__________
(1) سنن الدارمي (1/ 92).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 121) 197.
(3) الحلية (3/ 312)، والبداية (9/ 346)، والعقد الثمين (6/ 91).(2/785)
كان السلف يرون متابعة الصحابة والتابعين، الذين لم يختلفوا في مسائل الأسماء والصفات، وإنما وقع الخلاف بينهم في الأحكام والعبادات، ولذا كثرت الأسئلة في هذا الباب عنه في باب الأسماء والصفات (1).
ويخطئ بعض من يتوهم أن السلف لم يتكلموا في الاعتقاد وإنما كانوا يفوضون ذلك، وهذه مقولة من لم يعرف السلف وعلمهم، فإن القوم ما تكلموا فيما تكلموا فيه إلا عن اجتهاد، وما سكتوا عما سكتوا عنه إلا عن علم، ولكن لم تكن البدع قد فشت، فكلما ظهرت بدعة، تصدى العلماء للرد عليها، ومن أراد التأكد من ذلك فلينظر إلى تلاميذ التابعين ومن بعدهم، وموقفهم من الجهمية لما ظهرت في زمانهم، وكيف كان اشتدادهم عليهم، حتى قال ابن المبارك عنهم: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى، ولا نحكي أقوال الجهمية وجعلهم ليسوا من أئمة محمد من الثنتين والسبعين فرقة.
فالمقصود أن السلف ما توقفوا عن الخوض إلا عن علم (2) وما زال أهل الحديث والأثر يرون متابعة الصحابة والتابعين في هذا الباب لأنهم كما يقول ابن خلدون في مقدمته: غلّبوا أدلة التنزيه لكثرتها، ووضوح دلالتها، وعلموا استحالة التشبيه، وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها، ولم يتعرضوا لمعناها ببحث (3) ولا تأويل.
وهذا كلام سديد باعتبار أن السلف لم يبحثوا في الكيفية، ولم يصرفوا المعنى الظاهر من الآيات عن ظاهره، مع اعتقادهم التنزيه.
فها هو سعيد بن جبير يبين معاني التنزيه في قوله: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (4) فيقول:
__________
(1) يراجع كلام المقريزي في الخطط (4/ 181180).
(2) يراجع في ذلك مقدمة كتاب مختصر العلو للشيخ الألباني (103).
(3) التعرض بالبحث للمعني هو تعرض للكيفية، وإلا فالسلف كانوا يثبتون المعاني كما سيأتي.
(4) سورة الصمد: آية (1).(2/786)
هو الكامل في جميع صفاته (1).
ويسند قتادة عن الحسن أنه قال: الصمد: الباقي بعد خلقه (2).
وعن أبي الرجاء أن الحسن قال: الصمد الذي لا يخرج منه شيء (3).
وعن الشعبي قال: أخبرني أنه الذي لا يأكل ولا يشرب (4).
وكلها معان متقاربة تدل على منهج واحد في إثبات الكمال المطلق لله تعالى.
وفي باب التنزيه نجد أن الحسن لما سأله رجل فقال: يا أبا سعيد هل تصف لنا ربك، قال: نعم أصفه بغير مثال (5).
فالحسن نظر إلى أن الله موصوف بصفات، لكن مع نفي المماثلة كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (6).
ولما فسّر ابن عباس قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ} (7)، قال: {ثُمَّ اسْتَوى ََ}: صعد (8).
وها هو أبو العالية يفسّر الاستواء بقوله: استوى: ارتفع (9).
__________
(1) تفسير البغوي (7/ 265).
(2) الأسماء والصفات (1/ 110).
(3) الأسماء والصفات (1/ 109، 110).
(4) الأسماء والصفات (1/ 110)، والتفسير الكبير (32/ 181).
(5) المرجع السابق (1/ 421).
(6) سورة الشورى: آية (11).
(7) سورة البقرة: آية (29).
(8) الأسماء والصفات (2/ 154)، وفتح القدير (1/ 62).
(9) تفسير ابن أبي حاتم (105) 309، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن أبي العالية به (1/ 107).(2/787)
ولما ورد حديث النزول، نجد الزهري ومكحولا يقولان: أمضوا الأحاديث على ما جاءت (1).
فالحاصل أن الأئمة كانوا متفقين في هذا الباب في جانبي الإثبات والتنزيه.
ولهذا يقول الأوزاعي رحمه الله: كنا نقول والتابعون متوافرون: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جلّ وعلا (2).
وإذا استعرضنا المنقول عنهم في هذا الباب وجدناه متفقا غير مختلف.
ففي باب الأسماء:
يثبت الصحابة والتابعون الأسماء والصفات ويفسرونها، وأكثر من عرف عنه التعرض لذلك المدرسة المكية، ومع ذلك لم يقع منهم المخالفة لأن التعرض لتفسير الأسماء يبنى على منهج التلقي، ولذلك كان إثباتها صحيحا عندهم متبعين لشيخهم، فقد كان ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير قوله سبحانه: {اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (3)، يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض (4).
وعند قوله تبارك وتعالى: {ذِي الطَّوْلِ} (5)، قال: يعني ذا السعة والغنى (6).
__________
(1) الأسماء والصفات (2/ 198).
والمقصود كما جاءت يعني لها معنى معروف في اللغة ولا كيف نعلمه.
(2) الأسماء والصفات (2/ 150).
(3) سورة النور: آية (35).
(4) الأسماء والصفات (1/ 143، 144)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس بنحوه (6/ 197)، وفتح القدير (4/ 36).
(5) سورة غافر: آية (3).
(6) الأسماء والصفات (1/ 86)، وبمثله جاء عن مجاهد، ينظر فتح القدير (4/ 481)، وجاء عن عكرمة: ذي المن. ينظر الدر المنثور (7/ 271).(2/788)
ويفسّر اسم (الرحمن) بقوله: هو الرفيق (1).
واسم (الودود) بقوله: الحبيب، وفي رواية الرحيم (2).
واسم (البر) بقوله: اللطيف (3)، و (المتين) يفسره بقوله: الشديد (4).
ويفسّر {ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} بقوله: ذو العظمة والكبرياء (5).
ويفسّر تلميذه مجاهد اسم (القيوم) بقوله: القائم على كل شيء (6).
وكذلك ينحو سعيد بن جبير نحوهم فيقول: (القيوم): الدائم الوجود (7). ويفسر {عَلِيمٌ} بقوله: عالم (8).
وعند قوله جل وعلا: {إِنَّ اللََّهَ كََانَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} (9)، يقول سعيد بن جبير: شهيدا (10).
وكذلك كان حال المفسرين في المدارس الأخرى، وإن كانوا دونهم في ذلك، فقد نقل عن قتادة أنه فسر اسمه تعالى (القدوس) بأنه: المبارك (11).
__________
(1) الأسماء والصفات (1/ 97).
(2) الأسماء والصفات (1/ 141).
(3) الأسماء والصفات (1/ 129).
(4) الأسماء والصفات (1/ 86).
(5) الأسماء والصفات (1/ 161)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، عن ابن عباس به (7/ 698).
(6) الأسماء والصفات (1/ 93)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي إياس، وابن جرير، والبيهقي في الأسماء عن مجاهد به (2/ 15)، وفتح القدير (1/ 273).
(7) روح المعاني (3/ 7).
(8) الدر المنثور (1/ 268).
(9) سورة النساء: آية (86).
(10) الدر المنثور (2/ 608)، وفسره مجاهد بقوله (حسيبا): حفيظا، ينظر معاني القرآن للنحاس (2/ 150).
(11) تفسير الطبري (28/ 54)، وأورده في الدر، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة به (8/ 123).(2/789)
والأمثلة كثيرة، وإن كانت تقل في الكوفة، والمدينة، وتزيد في البصرة، وتكثر في مكة، تبعا لاختلاف المدارس في الإقدام على الاجتهاد في التفسير عموما، أو تركه كما سبق تقريره (1).
وكذلك كان الحال في باب الصفات:
ففي صفة العين جاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} (2)، قال: بعين الله تبارك وتعالى (3).
وجاء إثبات (اليد) لله، عن مجاهد فقد قال في قوله تعالى: {وَالسَّمََاوََاتُ مَطْوِيََّاتٌ بِيَمِينِهِ} (4): وكلتا يديه يمين (5).
ولما قرأها قتادة لم يفسرها (6)، وهذا يؤكد ما سبق من أن منهج المكيين أدخل في تفسير آيات الصفات من غيرهم، على أننا نجد قتادة يفسر قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبََادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقََاتِ} (7)، قال معتمدا على الأثر النبوي:
ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «والذي نفس محمد بيده لا يتصدق رجل بصدقة فتقع في يد السائل حتى تقع في يد الله» (8).
__________
(1) يراجع مبحث الاجتهاد ص (719).
(2) سورة هود: آية (37).
(3) الأسماء والصفات (2/ 41)، وأورده السيوطي في الدر عن ابن عباس بلفظ، بعين الله ووحيه (4/ 418)، وفتح القدير (2/ 501).
(4) سورة الزمر: آية (67).
(5) الأسماء والصفات (2/ 56).
(6) الأسماء والصفات (2/ 62)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه البيهقي في الأسماء (7/ 248).
(7) سورة التوبة: آية (104).
(8) تفسير الطبري (14/ 462) 17171.(2/790)
فذكر الحديث وفيه ذكر اليد، ولم يتعقبها بشيء، مما يؤكد منهج البصريين في التورع عن تفسير آيات الصفات.
ولما أنكر شريح قراءة من قرأ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (1)، بضم التاء من (عجبت) قال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ بل عجبت (2).
وكذلك كان منهجهم في تناول الآيات التي تتحدث عن القرآن:
فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} (3)، أنه قال: غير مخلوق (4).
وروى لنا الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن القرآن كلام الله تعالى، فمن كذب على القرآن فإنما يكذب على الله عز وجل (5).
قال ابن المديني في حديث جعفر بن محمد المدني، قال: ليس القرآن بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى (6).
__________
(1) سورة الصافات: آية (12).
(2) مجموع الفتاوى (3/ 230229)، وزاد المسير (7/ 50)، وفتح القدير (4/ 390).
(3) سورة الزمر: آية (28).
(4) الأسماء والصفات (1/ 377)، وكتاب الشريعة للآجري (77)، وزاد المسير (7/ 179)، وفتح القدير (4634)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن مردويه، والآجري، والبيهقي (7/ 223).
(5) الأسماء والصفات (1/ 377).
(6) الأسماء والصفات (1/ 181)، وقال علي بن المديني: لا أعلم أنه تكلم بهذا الكلام في زمان أقدم من هذا. اهـ، وقد يكون أثر ابن عباس السابق لم يثبت عنده، أو لم يطلع عليه، والله أعلم، وينظر مسائل الإمام أحمد لأبي داود (265)، ومنهاج السنة (2/ 187).(2/791)
ومثله أيضا عن الحسن أنه قال في القرآن: ما هو بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله (1).
يعني أنه صفة لله لا يقال هي الله، حتى يقال: (خالق)، ولا يقال هي غير الله حتى يقال: (مخلوق)، فالصفات قائمة بالذات لا يطلق أنها هي الذات، ولا هي غير الذات، والله أعلم (2).
وعن الحسن أيضا قال: القرآن كلام الله تعالى إلى القوة والصفاء، وأعمال بني آدم إلى الضعف والتقصير (3).
وكذلك نقل عن علماء المدينة قولهم: (القرآن كلام الله غير مخلوق) (4).
وعن الزهري قال: سألت عليّ بن الحسين رضي الله عنهما عن القرآن فقال:
كتاب الله وكلامه (5).
وهكذا نجد التابعين ما بين مفسر للأسماء والصفات، وما بين مثبت لا يدخل في التفسير، ولم ينقل عن واحد منهم تأويل صفة من صفات الله، أو إنكار اسم من أسمائه تعالى.
إلا أنه قد وردت بعض الآثار فهم منها البعض التأويل، وليس هذا صحيحا، ولذلك أحببت أن أبينها في هذا المبحث:
1 - عند تفسير قوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ} (6).
قال مجاهد: أي إلا ما أريد به وجهه (7).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 238) 391.
(2) يراجع مبحث الصفة والموصوف من شرح الطحاوية (129).
(3) الأسماء والصفات (1/ 381)، وكتاب الاعتقاد (64).
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 274) 479.
(5) الأسماء والصفات (1/ 382).
(6) سورة القصص: آية (88).
(7) تفسير ابن كثير (6/ 272)، والدر المنثور (6/ 447).(2/792)
أورده البخاري معلقا في صحيحه كالمقر له (1).
فهذا وأمثاله مما قد يفهم منه تأويل الصفة، لا يدل في حقيقته على التأويل المذموم الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل يوجبه.
يوضح ذلك أن الأئمة كانوا يثبتون الصفات، إلا أنهم ربما وقع في أقوالهم التفسير باللازم مراعاة لسياق الآية، أو كان يرى أن (الوجه) هنا هو (الجهة) ففسّر على ذلك.
ولربما فسروا باللازم أيضا مراعاة للنصوص الأخرى، وعلى كل، فليس فيما روي عن مجاهد رحمه الله ما يدلّ على أنه لا يثبت الوجه لله، وإنما نشأ الإشكال من ثبوت بقاء بعض المخلوقات غير الله سبحانه، وعدم تعرضها للهلاك كالجنة والنار، لذا فسّر السلف هذه الآية بما لا يتعارض مع ذلك.
قال شارح الطحاوية عند تعرضه لهذه الآية: وإنما قالوا ذلك توفيقا بينها وبين النصوص المحكمة الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضا (2).
وبهذا يتضح أن تفسير مجاهد باللازم لو سلمنا أنه (تأويل)، فهو مما اقترن به الدليل الصحيح الدالّ على المراد، ولا إشكال في ذلك عند أهل السنة، والله أعلم.
2 - في قوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (3).
جاء عن مجاهد في تفسيرها قال: قبلة الله (4).
وهذا أيضا مما قد يوهم أنه تأويل لصفة الوجه لأنه جعل الوجه القبلة، وهذا قد
__________
(1) فتح الباري (8/ 505) وذكر ابن حجر أن ابن أبي حاتم وصله.
(2) شرح الطحاوية (480).
(3) سورة البقرة: آية (115).
(4) الأسماء والصفات (2/ 35)، أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي، والبيهقي في سننه، عن مجاهد بنحوه (1/ 267).(2/793)
يكون إذا كانت هذه الآية من آيات الصفات، إلا أن هذا ليس محل اتفاق، ولذلك لما احتج فقهاء عصر ابن تيمية عليه بذلك أجابهم بقوله: وليست هذه الآية من آيات الصفات، ومن عدّها في الصفات فقد غلط، كما فعل طائفة، فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال: {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ}، والمشرق والمغرب: الجهات، والوجه هو الجهة، يقال: أي وجه تريده أي: أي جهة، وأنا أريد هذا الوجه، أي هذه الجهة، كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهََا} (1)، ولهذا قال: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} أي تستقبلوا وتتوجهوا، والله أعلم (2).
3 - ما ذكر في قوله تعالى: {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ} (3).
جاء عن مجاهد قال: يعني بقوة، مثل ما جاء عن ابن عباس (4).
فهذا أيضا مما قد فهم منه بعض الناس التأويل، وهذا غير صحيح لأن (الأيد) هنا ليست جمع (يد)، بل هي مصدر آد يئيد، إذا قوى، ومنه قوله تعالى: واذكر عبدنا داود ذا الأيد (5).
والإدة: الداهية والأمر العظمي، ومنه قوله تعالى: {شَيْئاً إِدًّا} (6).
ولو فرض أن هذه من آيات الصفات فإن هذا تفسير باللازم لأنها جاءت مجموعة كما في قوله تعالى: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصََارِ} (7)، فإن حملها على القوة من
__________
(1) سورة البقرة: آية (148).
(2) ينظر المناظرة حول العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى (3/ 93)، (6/ 17).
(3) سورة الذاريات: آية (47).
(4) الأسماء والصفات (1/ 215)، وزاد المسير (8/ 40)، والدر المنثور (7/ 623).
(5) سورة ص: آية (17).
(6) سورة مريم: آية (89)، ينظر مختار الصحاح (9)، وقد نقله البخاري كما في الفتح (1/ 199).
(7) سورة ص: آية (45).(2/794)
باب اللازم لأنه لا يعرف إطلاق الأيدي بمعنى النعمة أو القوة إلا في حق من اتصف باليدين على الحقيقة، ولذلك لا يقال للريح يد، ولا للماء يد، ولهذا جاء عن العرب أنها تقول: ما لهم بذلك أيد: أي قوة، ولا يعرف عن العرب أنها تقول يد الهواء ويد الماء، فهب أن قوله: {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ} (1)، يراد به الصفة، فإنه لا يتجوز عنها بالقدرة والقوة إلا لمن له يد حقيقية (2).
فبذلك ثبت أن هذه الآية ليست دليلا لأهل التأويل، والله تعالى أعلم.
4 - تفسير الكرسي:
ومما جاء كذلك عن مفسري التابعين مما يتوهم فيه التأويل ما روي عن سعيد بن جبير أنه قال: كرسيّه علمه (3).
وورد أنه أسنده عن ابن عباس، قد أخرجه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم من وجه آخر، عن سعيد بن جبير فزاد فيه (عن ابن عباس)، بل وروي مرفوعا، قال العقيلي:
إن رفعه خطأ (4).
وتأويل الكرسي بالعلم اعتمده ابن جرير (5) في حين قال عنه ابن حجر في الفتح:
هذا التفسير غريب (6).
وقد ثبت عن ابن عباس ما يخالف ذلك، فقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن
__________
(1) سورة الذاريات: آية (47).
(2) انظر مجموع الفتاوى (6/ 370).
(3) علقه البخاري (8/ 199)، وذكر ابن حجر أن سفيان الثوري وصله بإسناد صحيح عن أبي حذيفة عنه، وينظر معاني القرآن للنحاس (1/ 263)، وزاد المسير (1/ 304).
(4) الفتح (8/ 199)، والأسماء والصفات (1/ 153)، والتغليق (4/ 185).
(5) تفسير الطبري (5/ 402).
(6) فتح الباري (8/ 199).(2/795)
الكرسي موضع القدمين، قال ابن حجر: وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أبي موسى مثله، وأخرجا عن السدي أن الكرسي بين يدي العرش، وليس ذلك مغايرا لما قبله، والله أعلم (1).
بل قد جاء هذا من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} (2)، قال: موضع القدمين (3).
وجاء عن ابن عباس أن الكرسي يحمله أربعة من الملائكة (4)، وهذا يقتضي أنه ليس هو العلم.
قال شيخ الإسلام: وقد نقل عن بعضهم أن (كرسيه) علمه، وهو قول ضعيف، فإن علم الله وسع كل شيء، كما قال: {رَبَّنََا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} (5)، والله يعلم نفسه، ويعلم ما كان وما لم يكن، فلو قيل: وسع علمه السموات والأرض، لم يكن هذا المعنى مناسبا، وقد قال تعالى: {وَلََا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمََا} (6): أي لا يثقله ولا يكرثه، وهذا يناسب القدرة لا العلم، والآثار المأثورة تقتضي ذلك (7).
وجاء عن مجاهد أنه قال: ما السموات والأرض في الكرسي إلا بمنزلة حلقة ملقاة في الأرض الفلاة (8).
__________
(1) المرجع السابق (8/ 199).
(2) سورة البقرة: آية (255).
(3) الأسماء والصفات (2/ 89)، وقريب منه عن وهب وغيره كما نقله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/ 75)، وينظر معاني القرآن للنحاس (1/ 265)، وزاد المسير (1/ 304).
(4) الأسماء والصفات (2/ 96).
(5) سورة غافر: آية (7).
(6) سورة البقرة: آية (255).
(7) مجموع الفتاوى (6/ 584).
(8) الأسماء والصفات (2/ 149)، وتفسير القرطبي (3/ 180)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وأبي الشيخ، والبيهقي عن مجاهد بنحوه (2/ 18).(2/796)
فهذا المروي عن سعيد، وابن عباس من أن الكرسي العلم، قد روي عنهما ما يخالفه، بل والأسانيد في كونه موضع القدمين أصح وأظهر (1)، لذا فليس أحدهما بأولى من الآخر، فإن سلكنا سبيل الترجيح لم يكن تأويل الكرسي هو الراجح، لا من جهة أرجحية إسناده، ولا من جهة أرجحية معناه.
قال شارح الطحاوية: وقيل: كرسيه: علمه، وينسب إلى ابن عباس، والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش، وإنما هو كما قال غير واحد من السلف، بين يدي العرش كالمرقاة إليه (2).
5 - تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ} (3).
اختلف أهل التأويل في تفسير هذه الآية: فجاء عن ابن مسعود مرفوعا: يكشف عن ساقه فيسجد كل مؤمن، ويقسو ظهر الكافر (4).
وكذا جاء عن أبي سعيد أنها من الصفات، أي للحديث الذي في الصحيحين وفيه: يكشف ربنا عن ساقه إلخ (5).
وجاء عن قتادة أن المراد عن شدة (6).
__________
(1) ينظر تفصيل ذلك في رد أبي سعيد الدارمي على بشر المريسي، في كتاب عقائد السلف ص (428). ويراجع أيضا كلام أحمد شاكر في حاشية تفسير الطبري (5/ 400).
(2) شرح الطحاوية (312، 313).
(3) سورة القلم: آية (42).
(4) الأسماء والصفات (2/ 82).
(5) رواه البخاري (8/ 664)، وأشار الحافظ إلى أن الإسماعيلي لمز رواية سعيد بن أبي هلال هذه، وأن الأصح رواية صفر بن ميسرة وفيها (عن ساق).
(6) تفسير الطبري (29/ 138) وينظر البرهان (2/ 84)، والدر المنثور (8/ 256).(2/797)
وعن إبراهيم: أي عن أمر عظيم (1).
أما المدرسة المكية فقد ورد عن كثير منهم تفسير الآية بالكشف عن أمر شديد، جاء ذلك عن ابن عباس (2) وعن مجاهد (3) وعن عكرمة (4) وسعيد بن جبير (5).
قال ابن القيم: والصحابة متنازعون في تفسير الآية هل المراد الكشف عن الشدة، أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه، لا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيها يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة الله لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه (6).
وعلى هذا التقرير فمن قال: إن المراد بها الشدة، لا يكون قوله تأويلا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ} نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله، ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل: صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف، ولكن كثير من هؤلاء يجعلون اللفظ على ما ليس مدلولا له، ثم يريدون صرفه عنه، ويجعلون هذا تأويلا، وهذا خطأ» (7).
__________
(1) تفسير الطبري (29/ 138)، والدر المنثور (8/ 256).
(2) الأسماء والصفات (2/ 8380)، وتفسير الطبري (29/ 38)، وفتح القدير (5/ 278).
(3) تفسير الطبري (29/ 39)، والدر المنثور (8/ 255).
(4) الأسماء والصفات (2/ 83)، والدر المنثور (8/ 254).
(5) تفسير الطبري (29/ 39)، والدر المنثور (8/ 255).
(6) الصواعق المرسلة (1/ 252).
وينظر الرد على الجهمية (35)، ومجموع الفتاوى (6/ 394).
(7) مجموع الفتاوى (6/ 395).(2/798)
6 - الرؤية:
ومما أشكل أيضا فيما ورد عنهم في مجال الأسماء والصفات مسألة رؤية الله في الآخرة، فهل يوصف الرب تعالى بأنه يراه المؤمنون في الآخرة!
فذهب السلف إلى إثباتها، وروي عن مجاهد روايات مشكلة في تفسير قوله تعالى: {إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} (1) قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء، ويقول: يرى ولا يراه شيء (2).
بل وفي تفسير قوله تعالى: {تُبْتُ إِلَيْكَ} (3)، قال: أي من أن أسألك الرؤية (4)، وقيد بقية التابعين ذلك بالرؤية في الدنيا (5)، وأما سائر التابعين فقد ورد عنهم خلاف ذلك، فهم يثبتون رؤية الرب سبحانه في الآخرة، فها هو عكرمة المكي جاء عنه إثباتها بقوله مثلا في تفسير آية: {إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} (6) قال: تنظر إلى ربها نظرا، وكذلك قال الحسن وأشياخ من أهل الكوفة (7).
وجاء عن طاوس أنه قال: أصحاب المراء والمقاييس لا يزال بهم المراء والمقاييس حتى يجحدوا الرؤية ويخالفوا السنة (8).
__________
(1) سورة القيامة: آية (23).
(2) تنظر هذه الروايات في تفسير الطبري (29/ 192، 193)، وعارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي (12/ 168، 169).
وقد سبق تفصيل ذلك في ترجمة مجاهد.
(3) سورة الأعراف: آية (143).
(4) تفسير الطبري (13/ 103) 15096، وتفسير عبد الرزاق (2/ 238)، وزاد المسير (3/ 257).
(5) تفسير الطبري (13/ 103)، وزاد المسير (3/ 257).
(6) سورة القيامة: آية (23).
(7) تفسير الطبري (29/ 192).
(8) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 500) 868، وزاد المسير (8/ 422)، والدر المنثور (8/ 349).(2/799)
وعن الحسن: لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم لذابت أنفسهم (1).
بل من التابعين من أثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا، كما قال عكرمة في قوله تعالى: {مََا كَذَبَ الْفُؤََادُ مََا رَأى ََ} (2) قال: أتريد أن أقول لك قد رآه، نعم قد رآه، ثم قد رآه، ثم قد رآه حتى ينقطع النفس (3).
وقد وجدت عدة روايات عن مجاهد فيها إثبات الرؤية أيضا، رواها اللالكائي، منها ما أسنده عن حماد بن سلمة عن ليث عن مجاهد {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى ََ} (4)، قال: الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى الرب (5).
ومن طريق سفيان عن منصور عن مجاهد، في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ} (6).
قال: نظرت إلى ربها ناظرة (7).
ومن طريق الوليد بن عبد الله بن أبي المغيث، عن مجاهد، في قوله عز وجل:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ} قال: حسنة، {إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} قال: تنظر إلى ربها تبارك وتعالى (8).
وهذه الروايات عن مجاهد تخالف الروايات الأول، وإن كانت تلك أكثر وأشهر وأصح، إلا أن وجود هذه مما يقوي قول ابن حزم رحمه الله حين اعتذر عنه أنه لم تبلغه الآثار في ذلك (9).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 501) 869.
(2) سورة النجم: آية (11).
(3) تفسير الطبري (27/ 48).
(4) سورة يونس: آية (26).
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 9463) 797.
(6) سورة القيامة: آية (22).
(7) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 465) 801.
(8) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 465) 802، تفسير مجاهد (2/ 706).
(9) الفصل (3/ 2).(2/800)
فلربما لم تبلغه فقال ما قال من إنكارها، ثم بلغته فقال بإثباتها وهذا اللائق به رحمه الله، وإن لم يكن ذلك فقد أخطأ، وأبعد النجعة كما سبق تقريره (1).
وقد يقال بالجمع فتحمل روايات نفي الرؤية على أن مجاهدا أراد بذلك الرؤية في الدنيا، بينما تحمل روايات الإثبات على الرؤية في الآخرة. والله تعالى أعلم.
ثانيا: منهج مفسري التابعين في تفسير الآيات المتعلقة (بالإيمان):
لقد كانت بدعتا الخوارج والمرجئة من أول البدع ظهورا كما سبق تقريره، وتفرع من ذلك اختلاف الناس في مسمى الإيمان، واتفق أهل السنة على إثبات حقيقة الإيمان بأنه قول وعمل يزيد وينقص، وما تفرع من ذلك من مسائل الاستثناء في الإيمان، ولقد كان أئمة المفسرين والتابعين في طليعة هؤلاء فاهتموا ببيان ذلك.
ولعل المدرسة البصرية من أكثر المدارس بروزا في هذا الجانب (2).
وقد يعزى ذلك لسببين:
السبب الأول: انتشار فكر الإرجاء في الكوفة.
السبب الثاني: المنهج الوعظي الذي سلكه أئمتها، فهو يتفق مع قبول العمل في الإيمان، وإخراج العمل عن مسمى الإيمان يجعل الناس في فتور عن العمل، في حين كانت مواعظ الحسن وقتادة تحث الناس على التخلق بالأخلاق الفاضلة، والزجر عن الأعمال الباطلة.
ولأجل ذلك كانت أكثر الأقوال في هذا المجال منقولة عن التابعين من المدرسة البصرية، يضاف إلى ذلك أن المدرسة الكوفية تلبس بعض من كان بها برأي المرجئة،
__________
(1) وقد سبق تفصيل ذلك في ترجمته ص (107).
(2) ينظر كتاب تفسير الحسن البصري، د. محمد عبد الرحيم (2/ 510، 511).(2/801)
في حين كان ينسب عكرمة المكي لرأي الخوارج.
الإيمان: قول وعمل:
ففي تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}
{أُولََئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} (1).
قال الربيع: تكلموا بكلام الإيمان، فكانت حقيقته العمل، صدقوا الله، قال:
وكان الحسن يقول: هذا كلام الإيمان، وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء (2).
وعن الحسن أيضا قال: لا يصح القول إلا بعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة (3).
وعنه أيضا: الإيمان قول وعمل (4).
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما كذلك أن الإيمان قول وعمل (5).
ودرج على ذلك أصحابه، فقال مجاهد: الإيمان قول وعمل (6).
وربما أكثر مجاهد من هذه المقولة بعد أن رحل إلى الكوفة، ورأى وعايش الإرجاء بها.
__________
(1) سورة البقرة: آية (177).
(2) تفسير الطبري (3/ 356) 2556، وفتح القدير (1/ 174).
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 57) 18.
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 832) 1541، (4/ 845) 1577، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير، وابن المنذر عن السدي بلفظ مختصر (2/ 704).
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 961) 1747، وكتاب الشريعة للآجري (132)، ومسائل الإمام أحمد لأبي داود (113).
(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 952) 1728.(2/802)
فعنه قال: سألت ابن عباس عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل ولا يحضر جمعة ولا جماعة، قال: هو من أهل النار (1).
وعن سعيد بن جبير أنه قال: لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل عمل إلا بقول، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة (2).
وكذلك جاء عن السدي في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ََ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (3)، قال: قال: أبي أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان (4).
ونجد كذلك في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (5) فسره الزهري بالعمل (6).
وعن ابن مجاهد قال: كنت عند عطاء بن أبي رباح فجاء ابنه يعقوب فقال: يا أبتاه إن أصحابا لنا يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل، فقال: يا بني ليس إيمان من أطاع الله كإيمان من عصى الله (7).
فهذه الآثار تترادف، وتتوارد لتثبت أن العمل داخل في مسمى الإيمان، وليس الإيمان هو التصديق فقط بالقلب، أو باللسان فقط، كما تقوله بعض الطوائف، والأدلة على ذلك كثيرة وليس هذا مجال سردها، وبيان خطأ المخالف، والله أعلم.
الإيمان يزيد وينقص:
تكلم الأئمة في زيادة الإيمان ونقصه وذلك لأنهم أدخلوا العمل في الإيمان لأن
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1456) 2808.
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 57) 20، والميزان (1/ 90).
(3) سورة النساء: آية (124).
(4) تفسير الطبري (9/ 248) 10535.
(5) سورة البقرة: آية (3).
(6) تفسير الطبري (1/ 235) 270.
(7) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 956) 1734، والسنة لعبد الله بن أحمد (88).(2/803)
الأعمال تتفاوت، فيزيد الإيمان بزيادة العمل القلبي، وعمل الجوارح، وينقص بنقص واحد منهما، أو نقصهما معا.
فجاء عن مجاهد: الإيمان يزيد وينقص (1).
وعن إبراهيم عن علقمة أنه كان يقول لأصحابه: امشوا بنا نزداد إيمانا (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (3).
قال جمع من التابعين: إن المقصود زيادة اليقين، قال به سعيد بن جبير، وقتادة والربيع (4).
وقال آخرون: لأزداد إيمانا مع إيماني، قاله مجاهد، وإبراهيم، وابن جبير (5).
وعند تفسير قوله تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (6). قال سعيد بن جبير: لقد علمت أن أناسا سيدخلون النار، وهم يستغفرون الله بألسنتهم ممن يدعي الإسلام، وسائر الملل (7).
وأدى هذا المفهوم الدقيق الذي يربط العمل بالإيمان إلى أن نحا التابعون منحى واضحا في مسألة الشهادة بالإيمان وما يتبعه من الاستثناء، فالأئمة متفقون على أنه إن أراد المستثنى الشك في أصل الإيمان، منع من الاستثناء، وإنما يجوز الاستثناء إذا أراد به
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 952) 1728، والسنة لعبد الله بن أحمد (83).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 952) 1730، وكتاب الإيمان لابن أبي شيبة (41).
(3) سورة البقرة: آية (260).
(4) تفسير الطبري (5/ 492) 5976، 5977، 5979، 5980، 5981، 5982، وزاد المسير (1/ 313).
(5) تفسير الطبري (5/ 493) 5984، 5985، ومعاني القرآن للنحاس (1/ 284).
(6) سورة الأنفال: آية (33).
(7) أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد به (4/ 56).(2/804)
شيئا من الآتي:
1 - أنه مؤمن من المؤمنين الموصوفين بالصفات الكاملة في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذََا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيََاتُهُ زََادَتْهُمْ إِيمََاناً وَعَلى ََ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلََاةَ وَمِمََّا رَزَقْنََاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجََاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (1).
وفي قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتََابُوا وَجََاهَدُوا بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ أُولََئِكَ هُمُ الصََّادِقُونَ} (2).
2 - أنه يستثنى، لعدم علمه بالعاقبة، وعلى أي شيء يختم له به.
3 - وكذلك من استثنى تعليقا للأمر بمشيئة الله لا شكا في إيمانه (3).
من هذا المنطلق كانت أقوالهم في مسألة الاستثناء.
فمن ذلك ما رواه اللالكائي بسنده عن علقمة أن رجلا قال عند عبد الله بن مسعود: أنا مؤمن، قال: قل: إني في الجنة، ولكنا نؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله (4).
وعن طاوس أنه إذا قيل لك أمؤمن أنت فقل: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله (5).
__________
(1) سورة الأنفال: الآيات (42).
(2) سورة الحجرات: آية (15).
(3) شرح العقيدة الطحاوية (398).
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 976) 1780، وكتاب الإيمان لابن أبي شيبة (21) 22، والسنة لعبد الله بن أحمد (78)، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (67) 11.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 979) 1788، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (68) 13.(2/805)
وعن إبراهيم أنه إذا قيل لك أمؤمن أنت فقل: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله (1).
وعن ابن سيرين أنه إذا قيل لك أمؤمن أنت فقل: آمنا بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم، وإسماعيل وإسحاق (2).
ثالثا: الإرجاء وأثره على المدارس التفسيرية في عصر التابعين:
هذه المسألة متعلقة بمسألة الإيمان قبلها، وإنما أفردتها لوضوح المخالفات فيها، والأثر القوي الذي تأثر به تفسير التابعين من جرائها.
لقد اعتقد المرجئة أن الإيمان قول بلا عمل، وحاولوا الاستدلال على ذلك ببعض النصوص القرآنية التي قد يتوهم منها ذلك، وبالتالي كان لا بد للمفسرين أن يتعرضوا لهذا الزيغ الجديد الذي تطاول على تفسير كتاب الله تعالى بما لا يصح شرعا.
بل نجدهم أيضا يتعرضون للمرجئة بالتحذير والتنبيه على أخطائهم، وفيما يلي بيان بعض أقوالهم، وأترك الحديث عن أثر ذلك على التفسير فيما يأتي من هذا المبحث، وأكتفي هنا ببيان موقف التابعين من هذه البدع والأهواء:
إن الناظر في عصر التابعين، يجد أن الكوفة قد جمعت مقالات كثيرة من الفكر الإرجائي، واشتهر ذلك عنها وذاع، وعمت هذه الصورة عنهم البلاد حتى وصلت إلى الحجاز، وأهل الحجاز أثريون لا يحبون الدخيل من الأهواء، ولذا تصدوا لهذه الأفكار بقوة، يدلنا على ذلك المقابلة التي تمت بين أبي حنيفة وعطاء.
يقول أبو حنيفة: لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء، فقال: من أين أنت قلت:
من أهل الكوفة، قال: أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا قلت:
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 979) 1787، وكتاب الشريعة للآجري (141)، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (68) 12.
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 980) 1790، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (68) 14.(2/806)
نعم، قال: فمن أي الأصناف أنت قلت: ممن لا يسب السلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، فقال عطاء: عرفت فالزم (1).
ومما ينبغي التفريق فيه في هذا المقام أن المرجئة قسمان:
الأول: وهم الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان، ولا يجعلونه شرطا في الإيمان، فيجعلون إيمان أفسق الناس وأعبد الناس سواء ويقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، وهذا باطل، وهؤلاء الذين ذمهم التابعون بقوة وحذروا منهم.
والثاني: وهم مرجئة أهل السنة وهم الذين يوجبون العمل ويجعلونه شرطا للإيمان لا شطرا، وبعضه شرط صحة كالعمل بالتوحيد، وغيره شرط كمال، فهم وإن كانوا وافقوا المرجئة على أن العمل ليس من الإيمان، إلا أنهم خالفوهم في إيجابه، وتوقف صحة الإيمان أو كماله عليه، ولهذا يرى بعض أهل العلم أن الخلاف بين هذا القسم وبين أهل السنة خلاف لفظي لأن مرجئة الفقهاء نظروا إلى حقيقة الإيمان لغة مع أدلة من كلام الشارع، وبقية الأئمة رحمهم الله نظروا إلى حقيقة في عرف الشارع، فإن الشارع ضم إلى التصديق أوصافا وشرائط كما في الصلاة، والصوم، والحج، ونحو ذلك (2).
وينسب لهذا القسم الإمام أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وسعيد ابن جبير، ومقاتل بن سليمان، وحماد بن أبي سليمان (3).
وهؤلاء كوفيون، ومن تتبع طبقات ابن سعد في الجزء الذي أفرده للكوفيين يستطيع أن يلمس بوضوح مدى الانتشار الواسع لمذهب الإرجاء فيها (4).
__________
(1) الحلية (3/ 314)، والبداية (9/ 345)، والعقد الثمين (6/ 91).
(2) شرح العقيدة الطحاوية (379).
(3) الملل والنحل للشهرستاني (1/ 141)، والسير (5/ 233)، وينظر تاريخ المذاهب الإسلامية (1/ 146).
(4) الطبقات (6/ 274)، الملل والنحل (1/ 141)، والسنة لعبد الله بن أحمد (130)، والإبانة(2/807)
وقد تضافرت أقوال أهل العلم في الرد على المرجئة، فجاء عن مجاهد أن الإرجاء أول سلم الزندقة إذ يقول: يبدءون فيكونون مرجئة، ثم يكونون قدرية، ثم يصيرون مجوسا (1).
في حين يجعلهم سعيد يهود أهل القبلة فيقول: المرجئة يهود القبلة (2).
ويقول قتادة: إنما حدث هذا الإرجاء لما وقعت فتنة ابن الأشعث (3).
يشير إلى أن الإرجاء رد فعل فحسب على مذهب الخوارج.
ويقول قتادة: ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على هذه الأمة من الإرجاء (4).
وقال أبو وائل: إن حائكا من المرجئة بلغه قول عبد الله في الإيمان فقال: زلة من عالم (5).
ولم يقف الأمر عند حد بيان خطأ المرجئة فحسب، بل تعدى ذلك إلى التحذير منهم ومن مجالستهم.
فعن أيوب قال: ما رأيت أحدا أعبد من طلق بن حبيب، فرآني سعيد بن جبير معه فقال: لا تجالس طلقا، وكان يرى الإرجاء (6).
__________
(2/ 191190).
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 645) 1168، (5/ 988) 1803.
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 989) 1809، والسنة لعبد الله بن أحمد (86).
وهذا يؤكد تقسيم المرجئة السابق، وأن سعيدا كان من مرجئة الفقهاء لأنه يقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله.
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 1002) 1841.
(4) المرجع السابق (5/ 992) 1816، وكتاب الشريعة (144).
(5) المرجع السابق (5/ 978) 1783.
(6) التاريخ الصغير (1/ 226).(2/808)
وعن سعيد بن جبير قال: مثل المرجئة مثل الصابئين (1).
وأكثر الأئمة تحذيرا من المرجئة هم الكوفيون: إبراهيم، وعامر، وابن جبير، فقد كانوا يشنعون على المرجئة، وكان النخعي لا يسمح للمرجئة بحضور مجلسه (2).
وكان رحمه الله يقول: الإرجاء بدعة، ويقول أيضا: إياكم وأهل هذا الرأي المحدث يعني المرجئة (3).
ويقول: لأنا على هذه الأمة من المرجئة أخوف عليهم من عدتهم من الأزارقة (4)، ويقول: تركت المرجئة الدين أرق من ثوب سابري (5).
ومن شدة إبراهيم النخعي على المرجئة أنه لما مرّ بالسدي يفسر قال: إنه ليفسر تفسير القوم، قال شريك راوي هذا الأثر: وكان إبراهيم شديد القول في المرجئة (6).
وأيا كان الأمر فلقد كانت الكوفة من أكثر الأمصار قولا بالإرجاء، وكان أئمة الكوفة من التابعين أكثر الأئمة ردا على المرجئة، وهذا يؤكد ما سبق تقريره من أن الإمام القريب من مكان انتشار البدعة يكون قوله فيها أشد لشعوره بخطورها أكثر ممن كان بعيدا عنها.
رابعا: موقف التابعين من التكفير، وأثر ذلك في تفسيرهم:
والحديث هنا له تعلق بما قبله لأن المنحرفين في الإيمان إما قوم قالوا: إن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، ولا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، كما لا ينفع مع الكفر
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 990) 1813، والسنة لعبد الله بن أحمد (74، 85).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 988) 1805.
(3) الطبقات لابن سعد (6/ 275273).
(4) طبقات ابن سعد (6/ 274)، والحلية (4/ 223) والسير (4/ 523)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 988) 1806.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 989) 1807، والسنة لعبد الله بن أحمد (71).
(6) العلل لأحمد (1/ 201) 200، (1/ 321) 561، والجرح (2/ 184)، وتاريخ أصبهان (205)، والكامل (1/ 274).(2/809)
طاعة، وهؤلاء في طرف وهم المرجئة، وإما قوم غالوا في الطرف النقيض فكفّروا بالعمل، وقالوا: يخرج الإنسان من الإيمان بترك العمل الصالح، أو بفعل الكبائر، ويدخل في الكفر كما قالت الخوارج، أو يبقى في منزلة بين المنزلتين لا هو مؤمن ولا كافر، كما قالت المعتزلة ومن وافقهم من الإباضية، مع اتفاق كل من الخوارج والمعتزلة والإباضية على أنه لا يدخل الجنة، بل يخلد في النار.
وقد اتخذ التابعون منهجا واضح المعالم في بيان هذه القضية، فبينوا في تفسيرهم القول الحق الذي يرد على هؤلاء الخوارج والمعتزلة.
فقد ثبت عنهم القول بأن أهل التوحيد لا يخلدون في النار، فعند تفسير قوله تعالى: {قََالُوا وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ} (1)، قال سعيد بن جبير: لما أمر بإخراج رجال من النار من أهل التوحيد قال من فيها من المشركين: تعالوا نقول لا إله إلا الله لعلنا نخرج مع هؤلاء قال: فحلفوا: والله ربنا ما كنا مشركين، قال: فقال الله:
{انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مََا كََانُوا يَفْتَرُونَ} (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّهََا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (3). قال سعيد: في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام: يا حنان يا منان، فيقول رب العزة لجبريل: أخرج عبدي من النار، فيجدها مطبقة، فيرجع فيقول: يا رب {إِنَّهََا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ}، فيقول: يا جبريل فكها وأخرج عبدي من النار، فيفكها، ويخرج مثل الخيال، فيطرح على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما ودما (4).
__________
(1) سورة الأنعام: آية (23).
(2) زاد المسير (3/ 17).
(3) سورة الهمزة: آية (8).
(4) تفسير الطبري (30/ 295)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير وابن المنذر، عن سعيد به (8/ 625).(2/810)
ويستنبط الحسن من القرآن مغفرة الذنوب للمؤمن، وبأنه لو جازاه الله على ذنوبه لما أدخله الجنة. فعند قوله سبحانه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (1)، قال: الكافر، ثم قرأ: {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (2)، قال: يعني بذلك الكفار، لا يعني بذلك أهل الصلاة (3).
وعنه قال: والله ما جازى الله عبدا بالخير والشر إلا عذبه {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسََاؤُا بِمََا عَمِلُوا} (4)، قال: أما والله لقد كانت لهم ذنوب ولكنه غفرها لهم، ولم يجازهم بها، إن الله لا يجازي عبده المؤمن بذنب، إذا توبقه ذنوبه (5).
ومن الأمثلة أيضا التي تؤكد ابتعادهم في تفسيرهم عن بدعة الخوارج، ما جاء عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} (6)، قال: كفر لا ينقل عن الملة (7).
وبمثله جاء عن طاوس، وقال عطاء: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق (8).
ولقد تأثر التابعون بالصحابة في مسألة الابتعاد عن أهل الأهواء والأقوال الغريبة، فها هو مجاهد يقول: قيل لابن عمر: إن نجدة يقول: كذا وكذا فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع منه شيء (9)، وكان نجدة حروريا.
__________
(1) سورة النساء: آية (23).
(2) سورة سبأ: آية (17).
(3) تفسير الطبري (9/ 238) 10513.
(4) سورة النجم: آية (31).
(5) تفسير الطبري (9/ 238) 10514.
(6) سورة المائدة: آية (44).
(7) كتاب الإيمان لابن تيمية (264).
(8) تفسير عبد الرزاق (1/ 191).
(9) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 122) 199.(2/811)
ولذا فإن مجاهدا كان يقول: لقاتل المؤمن توبة، مخالفا بذلك رأي شيخه ابن عباس رضي الله عنهما، فعن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ} (1)، قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم، ولا توبة له، قال سعيد فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم (2).
وجاء عن مجاهد أيضا في تفسير قوله سبحانه {فَكَأَنَّمََا قَتَلَ النََّاسَ جَمِيعاً} (3)، قال: هي كالتي في النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ}، في جزائه (4).
ومن المعلوم أن الخلاف في توبة القاتل هل تقبل أو لا، ليس معناه أن أصحاب المعاصي المصرين عليها مخلدون في النار لأن من يقول بأن توبة القاتل لا تقبل يجعل هذا خاصا بهذا الذنب العظيم لخصوص الدليل ولا يتعداه إلى غيره، فليس لأحد من أهل الباطل الاحتجاج به على خلود أصحاب المعاصي في النار، كما هو مذهب أهل الباطل من خوارج وإباضية ومعتزلة.
ومما يؤكد ذلك ما ورد عن أئمة السلف في تفسير قوله تعالى: {بَلى ََ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحََاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} (5).
فقد فسرها ابن عباس وتبعه على ذلك أبو العالية، ومجاهد، وقتادة، وأبو وائل، والربيع، وعكرمة قالوا: إنها الشرك (6).
__________
(1) سورة النساء: آية (93).
(2) تفسير الطبري (9/ 62) 10187.
(3) سورة المائدة: آية (32).
(4) تفسير الطبري (10/ 236) 11784، 11785، وفتح القدير (2/ 33).
(5) سورة البقرة: آية (81).
(6) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 251)، يراجع تفسير الطبري الآثار (14281421)، وزاد المسير (1/ 108)، وفتح القدير (1/ 106).(2/812)
وجاء عن السدي من رواية أسباط عنه: أما السيئة فهي الذنوب التي وعد عليها النار (1).
وهذا إن صح فقد يكون مراده الخطيئة، كما قال بذلك الحسن، فقد سأله رجل عن قوله: {وَأَحََاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}، فقال: ما ندري ما الخطيئة، فقال: يا بني اتل القرآن، فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة (2)، وبمثله جاء من مجاهد (3).
فتبين أن الأئمة لم يجعلوا شيئا من الذنوب يخلد صاحبه في النار إلا الشرك، والخلاف واقع في قاتل المؤمن كما سبق، ولكن مما ينبغي التنبيه عليه أن الأئمة من التابعين عند ما كانوا يتحاشون قول الخوارج، لم يكونوا ليقعوا في الإرجاء، بل استمسكوا بالسنة. ولذلك لما صح عند سعيد بن جبير كفر تارك الصلاة أفتى بذلك، فقد روي عنه أنه قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر (4).
وعن الحسن قال: بلغني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة من غير عذر.
قال اللالكائي: وبه قال من التابعين مجاهد وسعيد، وجابر بن زيد، وإبراهيم النخعي، والقاسم بن مخيمرة (5).
ولما تكلم قتادة عن استحلال المحرم ضرورة أفتى بكفر فاعله، فقد جاء عنه أنه قال: إذا أكل لحم الخنزير عرضت عليه التوبة، فإن تاب وإلا قتل (6).
__________
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 251).
(2) تفسير الطبري (2/ 285) 1435.
(3) تفسير الطبري (2/ 285) 1436، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى وكيع، وابن جرير، عن الحسن بلفظ متقارب (1/ 209)، وفتح القدير (1/ 107).
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 829) 1540.
(5) المرجع السابق (4/ 816) 1503.
(6) الدر المنثور (3/ 4) ط. الأولى.(2/813)
فاشتراطه عرض التوبة يدل على قيام الحجة، فمن أصر بعد ذلك فقد استحق العقوبة، ولذا فإنه يقتل لأنه لا يحل دم المسلم إلا بثلاث: قاتل النفس والزاني المحصن والمرتد كما جاء في الحديث (1).
بل كان يطلقون الكفر على بعض المكفرات العملية إذا ثبتت عندهم الآثار بإطلاق هذا اللفظ فيها.
وعلى سبيل المثال فقد كان عبد الله بن مسعود يزجر عن أخذ الرشا على الحكم، ويجعله من الكفر، فتأثر به مسروق، فعند ما قيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم، قال: الأخذ على الحكم كفر (2).
بل كان بعضهم يكفر الحجاج، كما نقل ذلك عن طاوس قال: عجبت لإخواننا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنا!!
وليس المقصود هنا إقرارهم على ذلك أو خلافهم، فإن هذا بحث آخر، وإنما المقصود أنهم كانوا لا يقولون بقول الخوارج ولا يقولون بقول المرجئة، والله أعلم.
خامسا: القدر:
حرص الأئمة على إثبات القدر وبيانه في تفسيرهم، متبعين في ذلك نهج الصحابة رضوان الله عليهم، ولقد علم الصحابة أن الله سبحانه قدر كل شيء خيرا كان أو شرا، فدفعهم هذا الإيمان بالقدر إلى المزيد من العمل، فخلف خلوف من المعتزلة أنكروا القدر السابق، فمنهم من قال: لم يقدر شيئا، ومنهم من قال: لم يقدر المعصية
__________
(1) الحديث رواه الشافعي في مسنده (2/ 96) 318، والطيالسي في مسنده (13) 72 (216) 1543، وأحمد في مسنده (1/ 61)، والنسائي في سننه (7/ 103)، وابن ماجة في سننه (2/ 847) 2533.
(2) تفسير الطبري (1/ 322) 11961.(2/814)
بخصوصها، وقد اشتد نكير الأئمة من التابعين على هؤلاء المخالفين، وجاءت النقول عنهم في ذلك أكثر مما جاء عنهم في مسائل الإرجاء، وفي مسائل الرد على بدع الخوارج، والأزارقة.
ولقد اشتهرت البصرة بالخوض في مسائل القدر، ولذا نجد الإمام أحمد يقول:
لو تركنا الرواية عن القدرية لتركنا أكثر أهل البصرة (1).
وعن حماد بن زيد عن ابن عون قال: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان حتى نشأ هاهنا حقير يقال له: سنسويه البقال، قال: فكان أول من تكلم في القدر (2).
وسنسويه هذا من الذين ارتدوا عن الإسلام لدينه الأول النصرانية كما قال الأوزاعي: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني (3).
وعن أيوب قال: أدركت الناس وما كلامهم إلا أن قضى وأن قدر (4).
وهذا يؤكد انطلاق بدعة القدرية من البصرة، وأنها قبل ذلك لم تكن تعرف، لا في البصرة، ولا في غيرها.
ولاشتهار هذه المدرسة بذلك قال وهيب بن خالد أبو بكر: جلست إلى ابن طاوس فقال: ممن أنتم قلنا: من أهل البصرة، قال: لعلكم من هذه القدرية قال: قلنا: نحن أصحاب أيوب، قال رحم الله أيوب لم يكن بقدري. فقلت له: ما كان أبوك يقول في
__________
(1) كتاب الإيمان لابن تيمية (369).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 748) 1396، والإبانة (2/ 414).
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 750)، وكتاب الشريعة (242)، والإبانة (2/ 414 415).
(4) المرجع السابق (4/ 747) 1389، 1390.(2/815)
القدرية فقال: كان يقول هو أمر، من تكلم فيه سئل عنه، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه (1).
ولأجل هذا نقل عن أئمة هذه المدرسة ولا سيما قتادة والحسن الخوض في مسائل القضاء والقدر، والجبر والاختيار (2).
وقد تصدت المدارس لهذه الأهواء والبدع، وأكثر الحجازيون مدرستا المدينة ومكة من تقرير عقيدة الصحابة في الإيمان بالقدر، والرد على المخالفين.
فأما المدرسة المدنية فقد اتبعت في ذلك شيخها ابن عمر رضي الله عنهما حيث كان يتبرأ علانية ممن لم يؤمن بالقدر، فقد قال الشعبي: سمعت ابن عمر يقول: أنا بريء ممن لم يؤمن بالقدر (3).
بل كان يوصي أصحابه بإبلاغ القدرية هذا البراء، فعن مجاهد قال: قال ابن عمر:
من رأى أحدا منهم فليقل إن ابن عمر منكم بريء (4).
وعليه تفقه نافع مولاه فكان يشنع بالقدرية، حتى لقد حدث عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيه أنه كان عند نافع مولى ابن عمر، فجاء رجل يسأل عن شيء، فقال له: أنا أفتيك يا قدري (5).
بل كان نافع يرى ضرب أعناق القدرية.
فعن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال: سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول
__________
(1) العلل لأحمد (1/ 519) 1220.
(2) دراسات في القرآن والحديث (119).
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 644) 1164، والإبانة (2/ 228).
(4) المرجع السابق (4/ 644) 1163، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد (123).
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 645) 1169.(2/816)
لأمير كان على المدينة: أصلحك الله اضرب أعناقهم، يعني القدرية (1).
وهو في ذلك مقتد بابن عمر الذي جاء عنه: لو برزت لي القدرية في صعيد واحد فلم يرجعوا لضربت أعناقهم (2).
ونجد كذلك الزهري يحذر من القدرية فيقول: القدر رياض الزندقة فمن دخل فيه هملج (3).
ويبين زيد بن أسلم مخالفة القدرية الصريحة فيقول: والله ما قالت القدرية كما قال الله عز وجل، ولا كما قال أهل الجنة، ولا كما قال أهل النار، ولا كما قال أخوهم إبليس.
قال الله عز وجل: {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ رَبُّ الْعََالَمِينَ} (4).
وقالت الملائكة: {لََا عِلْمَ لَنََا إِلََّا مََا عَلَّمْتَنََا} (5).
وقال شعيب: {وَمََا يَكُونُ لَنََا أَنْ نَعُودَ فِيهََا إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ رَبُّنََا} (6)
وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي هَدََانََا لِهََذََا وَمََا كُنََّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلََا أَنْ هَدََانَا اللََّهُ} (7).
وقال أهل النار: {رَبَّنََا غَلَبَتْ عَلَيْنََا شِقْوَتُنََا} (8).
__________
(1) المرجع السابق (4/ 708) 1312.
(2) المرجع السابق (4/ 708) 1311.
(3) المرجع السابق (4/ 709) 1314، وهملج: أي أسرع، لسان العرب (2/ 393).
(4) سورة التكوير: آية (29).
(5) سورة البقرة: آية (32).
(6) سورة الأعراف: آية (89).
(7) سورة الأعراف: آية (43).
(8) سورة المؤمنون: آية (106).(2/817)
وقال أخوهم إبليس: {قََالَ رَبِّ بِمََا أَغْوَيْتَنِي} (1)، اه.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: قاتل الله القدرية، لإبليس أعلم بالله منهم (2).
ومراده أن إبليس أثبت القدر بقوله: {رَبِّ بِمََا أَغْوَيْتَنِي}، وإنما ضلّ عند ما دفع الأمر بالقدر، واحتج بالقدر على معصيته، فالقدر إنما يحتج به في المصائب لا في المعايب (3).
وعن محمد بن كعب أيضا قال: إنما يسمى (الجبار) لأنه يجبر الخلق على ما أراد (4).
وقال القاسم لقوم يذكرون القدر: كفوا عما كفّ الله عنه، وكان هو وسالم يلعنان القدرية (5).
وكان سالم يلعن القدرية الذين يكذبون بالقدر حتى يؤمنوا بخيره وشره (6).
وطاوس اليماني قد تأثر بمذهب المدنيين، ولذا كان يحذر من القدرية، فعن عمرو ابن دينار قال: قال لنا طاوس: احذروا معبدا الجهني فإنه قدري (7).
وسيأتي في موقفه مع قتادة أنه كان يفر منه لما بلغه عنه من القدر.
__________
(1) سورة الحجر: آية (39)، وينظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 563) 1012، وكتاب الشريعة (162، 163)، والإبانة (2/ 312).
(2) تفسير الطبري (12/ 334) 14363.
(3) شرح الطحاوية (155).
(4) الأسماء والصفات (1/ 67).
(5) طبقات ابن سعد (5/ 188)، والسير (5/ 95).
(6) طبقات ابن سعد (5/ 200).
(7) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 689) 1273، كتاب الشريعة (241).(2/818)
وأما وهب فقد جاء عنه: ما كتبت كتبا ولا تكلمت في القدر (1).
ومع ذلك فقد جاء أنه اتهم به، ولكنه رجع عنه كما قال الإمام أحمد (2).
وأخرج البيهقي بسنده عن أبي سنان أنه قال: سمعت وهب بن منبه يقول: كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعا وسبعين كتابا من كتب الأنبياء، في كلها: من جعل شيئا من المشيئة إلى نفسه فقد كفر، فتركت قولي (3).
ولم يختلف حال المدرسة المكية عن حال المدرسة المدنية في الابتعاد عن هذه الزلة، وتلكم الأهواء.
فها هو شيخها ابن عباس ينكر على المتكلمين في القدر، فعن وهب ابن منبه قال:
صحبت ابن عباس قبل أن يصاب بصره، فسئل عن القدر، فقال: وجدت أصوب الناس فيه حديثا أجهلهم به، وأضعفهم فيه حديثا أعلمهم به، ووجدت الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس، كلما ازداد فيه نظرا ازداد بصره فيه تحيرا (4).
وجاء عنه أيضا: ما غلا أحد في القدر إلا خرج من الإسلام (5).
وسمع رضي الله عنه رجلا يقول: الشر ليس بقدر، فقال: بيننا وبين أهل القدر، {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شََاءَ اللََّهُ مََا أَشْرَكْنََا وَلََا آبََاؤُنََا} (6)، حتى بلغ: {فَلَوْ شََاءَ لَهَدََاكُمْ أَجْمَعِينَ} (7)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: العجز والكيس من القدر (8).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 683) 1258.
(2) السير (4/ 548).
(3) الأسماء والصفات (1/ 283).
(4) المعجم الكبير للطبراني (10/ 318) 10607.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 632) 1131.
(6) سورة الأنعام: آية (148).
(7) سورة الأنعام: آية (149).
(8) الأسماء والصفات (1/ 287)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن(2/819)
وعن مجاهد في قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} (1).
قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها (2).
وقال سعيد بن جبير: القدرية يهود (3).
ودرج على هذا المنهج أهل الكوفة أيضا. فعن الشعبي قال: لا تجالسوا القدرية، فو الذي يحلف به إنهم لنصارى (4).
وعن إبراهيم: بيني وبين القدرية هذه الآية {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنََا إِنَّهََا لَمِنَ الْغََابِرِينَ} (5).
أما المدرسة البصرية، فقد جاء عن بعضهم ما يحمد، وعن بعضهم ما ينكر، فمن الأول ما جاء عن عاصم الأحول أنه قال: لما خاض الناس في القدر، اجتمع رفيع أبو العالية، ومسلم بن يسار، فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى ننظر فيما خاض الناس فيه، قال: اجتمع رأيهما أنهما قالا: يكفيك من هذا الأمر أن تعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، وأنك مجزي بعملك (6).
ودخل رجل على ابن سيرين، ففتح بابا من أبواب القدر، فتكلم فيه: فقال له ابن سيرين: إمّا أن تقوم، وإما أن أقوم (7).
__________
حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس به (3/ 380)، وفتح القدير (2/ 176).
(1) سورة البقرة: آية (30).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 546) 960، وزاد المسير (1/ 61)، وفتح القدير (1/ 64).
(3) المرجع السابق (4/ 687) 1267.
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 687) 1268.
(5) سورة الحجر: آية (60)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، عن إبراهيم به (5/ 88).
(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 687) 1269وهو مذهب أهل السنة في إثبات القدر والشرع.
(7) مختصر تاريخ دمشق (22/ 227).(2/820)
وعن عثمان البتّي قال: دخلت على ابن سيرين فقال: يا عثمان ما يقول الناس في القدر فقلت: منهم من يثبته، ومنهم من يقول: ما قد بلغك، فقال: لم تردّ القدر عليّ إنّه من يرد الله به خيرا يوفّقه لطاعته، ومحابّه من الأعمال، ومن يرد به غير ذلك يعذّبه غير ظالم (1).
وكان رحمه الله من شدته على القدرية أنه كان يكره أكل ذبائحهم (2).
وأما الحسن البصري رحمه الله فقد تضاربت فيه الأقوال فنسبه بعضهم للقدرية، ونفاه آخرون، فعن يونس بن عبيد قال: ما استخف الحسن شيء ما استخفه القدر (3).
وروى قتادة عن الحسن أنه قال: الخير بقدر، والشر ليس بقدر، قال أيوب السختياني: فناظرته في هذه الكلمة فقال: لا أعود (4).
وقال بعضهم: إنه كان يقول بذلك فخوفه أيوب السختياني وحميد الطويل، خوفاه بالسلطان، فرجع عن قوله (5).
والظاهر أن الحسن رحمه الله دخل في كلامه شيء من نفي القدر لا يعتقده، فقد أخرج ابن بطة عن حمزة بن دينار قال: عوتب الحسن في شيء من القدر، فقال: كانت موعظة فجعلوها دينا (6).
ولأجل ذلك قال ابن عون: لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ الذي بلغت لكتبنا برجوعه كتابا، وأشهدنا عليه شهودا، ولكن قلنا كلمة خرجت لا تحمل (7).
__________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 199).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 733) 1360.
(3) أخبار القضاة (2/ 13)، والسير (4/ 580).
(4) التهذيب (2/ 270).
(5) طبقات ابن سعد (7/ 167)، والسير (4/ 580).
(6) الإبانة (2/ 267).
(7) رواه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة، ينظر عون المعبود (12/ 379) 4600.(2/821)
ولذا لما تكلم أيوب مع الحسن في ذلك قال: قال لي الحسن: ما أنا بعائد إلى شيء منه أبدا (1).
قال صاحب عون المعبود: أي من الكلام الذي يوهم إلى نفي القدر (2).
ولهذا نجد أيوب يقسم على ذلك فيقول: أدركت الحسن والله ما يقوله يعني القدر (3).
ويقول أيضا: كذب على الحسن ضربان من الناس: قوم القدر رأيهم، وهم يريدون أن ينفقوا (4) بذلك رأيهم، وقوم له في قلوبهم شنآن وبغض، وهو كما قال أيوب: يقولون: أليس من قوله كذا، أليس من قوله كذا (5).
وعن ابن عون قال: كنت أسير بالشام فناداني رجل من خلفي فالتفت، فإذا رجاء ابن حيوة، فقال: يا أبا عون: ما هذا الذي يذكرون عن الحسن قال: قلت: إنهم يكذبون على الحسن كثيرا (6).
وعن ابن سيرين أنه قيل له في الحسن وما كان ينحل إليه أهل القدر، فقال: كانوا يأتون الشيخ بكلام مجمل لو فسروه له لساءهم (7).
__________
(1) رواه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب لزوم السنة، ينظر العون (12/ 379) 4601، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 681) 1252، والإبانة (2/ 268).
(2) عون المعبود (12/ 379).
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 133) 241.
(4) عن سفيان بن عيينة قال: سئل عمر بن عبيد عن مسألة فأجاب فيها وقال: هو من رأيي الحسن، فقال له رجل: إنهم يروون عن الحسن خلاف هذا، فقال: إنما قلت لك (هذا من رأيي الحسن) يريد نفسه، ينظر كتاب الاعتصام (1/ 169).
(5) رواه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة، ينظر عون المعبود (12/ 378) 4598.
(6) المرجع السابق (12/ 378) 4597.
(7) المعرفة (2/ 47).(2/822)
ولقد كان الحسن رحمه الله حريصا على نفي التهمة عنه.
فعن تمام بن نجيح قال: سمعت الحسن وأتاه رجل، فأخذ بعنان دابته فقال: أيها الضال المضل حتى متى تضل الناس، قال: وما ذاك قال: تزعم أن من قتل مظلوما فقد قتل في غير أجله. قال: فمن يأكل بقية رزقه يا لكع، خل الدابة، قتل في أجله، قال:
فقال الرجل: والله ما أحب أن لي بما سمعت منك اليوم ما طلعت عليه الشمس (1).
ولذلك قال عثمان البتي: قرأت القرآن كله على الحسن، وهو متوار في بيت أبي خليفة، ففسره على الإثبات (2).
وكان قرة بن خالد يقول: يا فتيان لا تغلبوا على الحسن، فإنه كان رأيه السنة والصواب (3).
وعن حميد الطويل قال: كان الحسن يقول: لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول: الأمر بيدي (4).
وعن حميد أيضا قال: قدم علينا الحسن مكة، فكلمني فقهاء أهل مكة أن أكلمه في أن يجلس لهم يوما يعظهم فيه، فقال: نعم، فاجتمعوا فخطبهم فما رأيت أخطب منه، فقال رجل: يا أبا سعيد من خلق الشيطان، فقال: سبحان الله هل من خالق غير الله، خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشر، قال الرجل: قاتلهم الله كيف يكذبون على هذا الشيخ (5).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 681) 1250.
(2) سنن أبي داود، وكتاب السنة، باب لزوم السنة، ينظر عون المعبود (12/ 379) 4602، والمعرفة (2/ 40)، والسير (4/ 581)، وكتاب المتوارين عن الحجاج (46)، وتفسير الطبري (14/ 9).
(3) رواه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب لزوم السنة ينظر عون المعبود (12/ 379) 4599.
(4) المرجع السابق (12/ 376) 4593.
(5) المرجع السابق (12/ 376) 4594.(2/823)
فالحسن تفطن لسؤال الرجل مما يدل على علمه باشتهار ذلك عنه فبادر إلى نفيه.
ومما يدل على أن الإثبات آخر ما جاء عن الحسن، ما رواه عاصم قال: سمعت الحسن يقول في مرضه الذي مات فيه: إن الله قدر أجلا، وقدر معه مرضا، وقدر معه معافاة، فمن كذب بالقدر فقد كذب بالقرآن، ومن كذب بالقرآن فقد كذب بالحق (1)، وفي رواية عنه: من كذب بالقدر فقد كفر (2).
ولذا كان يقول ابن سيرين لما قيل له في الحسن وما كان ينحل إليه أهل القدر
قال: كانوا يأتون الشيخ بكلام مجمل لو فسروه له لساءهم (3).
يقول أبو سعيد بن الأعرابي: كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء، فيتكلم في الخصوص، حتى نسبته القدرية إلى الجبر، وتكلم في الاكتساب حتى نسبته السنة إلى القدر، كل ذلك لافتنانه، وتفاوت الناس عنده، وتفاوتهم في الأخذ عنه وهو بريء من القدر ومن كل بدعة (4).
قال الذهبي معلقا على هذا: وقد مرّ إثبات الحسن للأقدار من غير وجه عنه، سوى حكاية أيوب عنه، فلعلها هفوة منه ورجع عنها. ولله الحمد. اه (5).
أما شيخ البصرة الثاني، وهو قتادة، فقد كان أدخل في نفي القدر من غيره.
فقد جاء عنه أنه قال: كل شيء بقدر إلا المعاصي (6).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 682) 1254، والإبانة (2/ 277276).
(2) الزهد لأحمد (285)، والمعرفة (2/ 44).
(3) المعرفة (2/ 47)، والسير (4/ 582).
(4) السير (4/ 582).
(5) المرجع السابق (4/ 583).
(6) التذكرة (1/ 224)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 699) 1296.(2/824)
فهذا هو المنقول عنه في نفي القدر، قال ابن سعد: كان يقول بشيء من القدر (1)، وكذا قال الذهبي (2).
بل أشد ما وجدته عنه هو ما رواه الفسوي بسنده عن عبد الله بن شوذب قال: ما كان قتادة يرضى حتى يصيح به صياحا (يعني القدر) (3).
فهذا المنقول عنه، إلا أنه ذكر يحيى بن معين أن مشايخ من البصريين كانوا يرمون بالقدر إلا أنهم لا يدعون إليه، ولا يأتون في حديثهم بشيء منكر، منهم قتادة، وهشام الدستوائي (4).
ولقد كان طاوس يقول: أدركت ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، ولأجل هذا هجر قتادة لما بلغه أنه يقول بالقدر، فكان يفر منه (5).
وقد وقفت على بعض الآثار تخالف ما تقدم من رمي قتادة بالقدر، منها أنه حدث عن سعيد بن المسيب فقال: سألت سعيد بن المسيب عن القدر، فقال: ما قدر فقد قدر، وما لم يقدر فلم يقدر (6)، فهذا كالإقرار له، وإلا لتعقبه.
وجاء عنه أيضا أنه قال: ما زالت العرب تثبت القدر في الجاهلية (7).
وعند تفسير قوله تعالى: {وَمََا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفََاسِقِينَ} (8)، قال: فسقوا
__________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 229).
(2) التذكرة (224)، وهدي الساري (436)، والميزان (3/ 385)، وفيات الأعيان (4/ 85) وتاريخ الثقات للعجلي (389).
(3) المعرفة (2/ 280، 281).
(4) رسالة صغيرة ليحيى بن معين، مخطوطة بالجامعة الإسلامية رقم عام 134خاص 215.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 637) 1143، (4/ 661) 1200.
(6) المصدر السابق (4/ 699) 1295، ورواه عبد الرزاق عن معمر عنه في المصنف (11/ 126) 20101.
(7) كتاب خلق أفعال العباد (99) 313، وتأويل مشكل القرآن (127).
(8) سورة البقرة: آية (26).(2/825)
فأضلهم الله على فسقهم (1).
ولما تعرض قتادة لتفسير اسم (الجبار)، قال: جبر خلقه على ما يشاء (2).
وعن الحكم بن عمر قال: أرسلني خالد بن عبد الله إلى قتادة وهو بالجيزة أسأله عن مسائل فكان فيما سألت قلت: أخبرني عن قول الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالصََّابِئِينَ وَالنَّصََارى ََ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (3) هم مشركو العرب، قال: لا، ولكنهم الزنادقة المباينة الذين جعلوا لله شركاء في خلقه، فقالوا: إن الله يخلق الخير، وإن الشيطان يخلق الشر، وليس لله على الشيطان قدرة (4).
وهذا الأثر يخالف ما تقدم من قوله إن الأشياء كلها بقدر إلا المعاصي.
وقد يكون هذا آخر أمره، فإنه كان بين الأئمة الذين كانوا يثبتون القدر، ولربما اتفق معهم، غفر الله له ورحمه (5).
سادسا: التشيع:
لم ينتشر التشيع في عهد التابعين في مصر، كما انتشر في الكوفة (6)، ولذلك
__________
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 97) 286، وفتح القدير (1/ 59).
(2) تفسير الطبري (28/ 55)، وتفسير عبد الرزاق (3/ 285)، وزاد المسير (8/ 227).
(3) سورة الحج: آية (17).
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 699) 1297.
(5) قال الإمام الذهبي في ترجمة قتادة: وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو. ومع هذا فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعلّ الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل، ثم إنّ الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه. نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك، ينظر السير (5/ 271).
(6) المعرفة (3/ 134).(2/826)
أسبابه المعروفة التي منها وجود أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بها، واتخاذه لها عاصمة لخلافته، يضاف إلى ذلك كثرة السبئية فيها والذين كانوا يغالون في علي رضي الله عنه، ثم بعد ذلك فتنة المختار بن عبيد الثقفي الذي أظهر التشيع.
وقد تأثر بعض التابعين بهذا الوسط المحيط، لكن لم يتعد هذا التأثير إلا في تفضيل عليّ على عثمان وتقديمه وحبه، فلم يكن منهم رافضي أو سبئي، بل ظهر منهم النكير أيضا على التشيع والشيعة.
كما مال بعضهم إلى التشيع أول أمره ثم رجع عنه، وصار حربا على الشيعة والرافضة كالشعبي.
وفي الجملة، لقد كان تشيع الأوائل من أهل الكوفة يدور حول المناصرة لعليّ دون غلو فيه، أو تنقيص لغيره.
قال الإمام أحمد: أهل الكوفة يفضلون عليا على عثمان إلا رجلين: طلحة بن مصرف، وعبد الله بن إدريس (1).
ولم يكن التشيع محصورا في الكوفة، فلقد وجد في غيرهم شيعة، فطاوس كان يتشيع (2) وهو يمني، ولعل عبد الرزاق تأثر به في ذلك.
والغالب أن تشيعه يسير لا يضر، فإنه قد ورد عنه أنه قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة (3).
إلا أنه لما كثر التشيع في الكوفة انتشر عنهم حتى صار علما على الكوفيين (4).
__________
(1) العلل لأحمد (2/ 535) 3532.
(2) السير (5/ 43) وقال الذهبي: إن كان فيه تشيع فهو يسير لا يضر إن شاء الله، ينظر السير (5/ 45).
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1239) 2323.
(4) وقد قمت بمراجعة تقريب التهذيب فوجدت أن الكوفة من أكثر المدن التي وجد بها من نسب(2/827)
فعن مالك بن مغول عن أبي الوليد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: سألني: ممن أنت قال: فقلت: من أهل الكوفة، فقال: بئس القوم بين سبئي وحروري (1).
وكان نتيجة لهذا الأمر أن تشدد المحدثون من أهل الكوفة في الرواية وذلك لكثرة الكذب من الرافضة عندهم، ولا سيما على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ولذا عدت مراسيل الكوفة أقوى من مراسيل غيرها كالبصرة أو مكة (2).
وقد كان بعض الأئمة من الكوفة يقدمون عليا على عثمان كما وقع ذلك من إبراهيم النخعي (3)، وهما قولان لأهل السنة، لكن الصحيح منهما والذي استقر عليه قولهم تقديم عثمان (4) لما كان من أهل الشورى الستة، قال أيوب: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار (5).
جاء عن إبراهيم قوله: عليّ أحب إليّ من عثمان، ولأن أخر من السماء أحب إليّ من أتناول عثمان بسوء (6).
وهذا التشيع اليسير مع حبه لعثمان لا يؤثر في عقيدة الرجل كما هو معروف (7).
ونحو ذلك ما نقل عن زر بن حبيش، فلقد كان زر يحب عليا ويقدمه (8).
__________
إلى التشيع حيث بلغوا (81) راويا، في حين كان عددهم في البصرة أربعة رواة فقط، وفي المدينة ثلاثة، وغيرها من الأمصار أقل منهم في ذلك.
(1) المعرفة (2/ 758).
(2) العلل لأحمد (3/ 380) 5673.
(3) ينظر موسوعة إبراهيم النخعي (46، 47، 49).
(4) العقيدة الواسطية (108).
(5) شرح العقيدة الطحاوية (548).
(6) الحلية (4/ 224).
(7) العلل لأحمد (21325226).
(8) المعرفة (3/ 134).(2/828)
أما الشعبي فكان شيعيا، فرأى منهم أمورا، وسمع كلامهم وإفراطهم فترك رأيهم وكان يعيبهم (1). وكان الشعبي يحدد موقف المسلم من الشيخين بقوله: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة (2). وساعد الشعبي على معرفة السنة وصحيح الاعتقاد أنه أدرك عددا كثيرا من الصحابة والأئمة وسألهم وسمع منهم.
فلقد قال: أدركت خمسمائة كلهم يقولون: أبو بكر، عمر، عثمان، عليّ (3).
ويقول أيضا: أدركت خمسمائة من الصحابة كلهم يقولون: علي والزبير وطلحة في الجنة (4).
ويبين الشعبي كذب الشيعة على عليّ بقوله: ما كذب على هذه الأمة ما كذب على عليّ (5).
ويعيب الشيعة بقوله: لو كانت الشيعة من الطير كانوا رخما، ولو كانوا من الدواب كانوا حميرا (6).
وقال وهو يقسم الأمة في مسألة التشيع: أصبحت الأمة على أربعة فرق: محب لعلي مبغض لعثمان، ومحب لعثمان مبغض لعلي، ومحب لهما، ومبغض لهما. قيل له: من أيهما أنت قال: مبغض لباغضهما (7).
ويبين الشعبي المنهج الصحيح الواضع في مسائل الخلاف ويوضح سبيل الخروج
__________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 248).
(2) السير (4/ 310).
(3) السير (4/ 301)، وأخبار القضاة (2/ 426).
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 1409) 2713، تاريخ دمشق (8/ 690).
(5) السير (4/ 307).
(6) طبقات ابن سعد (6/ 248)، وتاريخ دمشق (8/ 703).
(7) السير (4/ 308)، والتذكرة (1/ 82)، والحلية (4/ 321).(2/829)
من الأهواء فيقول:
أحب أهل بيت نبيك ولا تكن رافضيا، واعلم أن ما أصابك من حسنة فمن الله، ولا تكن قدريا، وأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا (1).
وقال أيضا: أحب صالح المؤمنين، وصالح بني هاشم، ولا تكن شيعيا، وارج ما لم تعلم ولا تكن مرجئا، واعلم أن الحسنة من الله، والسيئة من نفسك ولا تكن قدريا، وأحبب من رأيته يعمل بالخير، وإن كان أخرم سندريا (2).
أما السدي، فهو أكثر من رمي بالتشيع من مفسري التابعين في الكوفة (3)، وقد بالغ الجوزجاني (4) وقال عنه: كذاب شتام (5).
وقال أيضا: كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي (6)، وقال حسين بن واقد المروزي: سمعت من السدي فما قمت حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر، فلم أعد إليه (7).
قال الذهبي معلقا على ما قاله حسين: وهو السدي الكبير، فأما الصغير فهو محمد بن مروان، يروي عن الأعمش واه بمرة (8).
__________
(1) تاريخ دمشق (8/ 702).
(2) طبقات ابن سعد (6/ 248).
(3) الخلاصة (35)، والميزان (1/ 237)، والتقريب (108)، وتهذيب الكمال (3/ 135)، والتهذيب (1/ 314).
(4) قال ابن حجر: تعصب الجوزجاني على أصحاب علي معروف، ينظر تهذيب التهذيب (5/ 46).
(5) كتاب أحوال الرجال للجوزجاني (48)، وتهذيب الكمال (3/ 135).
(6) الميزان (1/ 237).
(7) المرجع السابق (1/ 237).
(8) المرجع السابق (1/ 237).(2/830)
ومع ذا فقد أثنى عليه بعض الأئمة، فعن ابن المدني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما رأيت أحدا يذكر السدي إلا بخير، ما تركه أحد (1)، ووثقه الإمام أحمد (2).
والناظر في تفسيره يجد بعضا من التأثر بالمذهب الشيعي في تفسيره، فنجده عند تفسير قوله تعالى: {فَمََا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمََاءُ} (3)، قال السدي: لما قتل الحسين بن عليّ رضوان الله عليهما بكت السماء عليه وبكاؤها حمرتها (4).
وكان يرجح القول بجواز نكاح المتعة، فعند تفسيره لقوله سبحانه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِيمََا تَرََاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (5)، قال:
فهذه المتعة: الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح بإذن وليها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه (6).
ومما يؤكد هذا ما نجده من اهتمام الشيعة بتقديمه وإيراد العديد من أقواله في كتب تفسيرهم (7) وتوثيقه (8).
وأما سائر التابعين فقد كانوا معظمين لقدر الصحابة مقدمين للشيخين ثم عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.
__________
(1) المرجع السابق (1/ 236).
(2) تهذيب الكمال (3/ 134)، والجرح (2/ 184).
(3) سورة الدخان: آية (29).
(4) تفسير الطبري (25/ 124).
(5) سورة النساء: آية (24)، وهي قراءة شاذة.
(6) تفسير الطبري (8/ 176) 9033، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير، عن السدي به (2/ 484).
(7) سيأتي مزيد بسط لهذه المسألة في أثرهم في كتب التفسير عند الشيعة.
(8) ينظر روضات الجنات (2/ 9)، وأعيان الشيعة (12/ 7)، ومعجم الرجال للخوئي (3/ 148).(2/831)
فها هو إمام أهل المدينة سعيد بن المسيب يقول: الخلفاء الراشدون المهديون:
أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (1).
وقال الحسن: حب أبي بكر وعمر فريضة (2).
وقال قتادة: ما سب أحد عثمان إلا افتقر (3).
ولما سئل سعد بن جبير عن الحكمين، لم يرسل لسانه عليهما، إنما قال رحمه الله:
لم أولد إذ ذاك (4).
سابعا: الفرق وأثرها في تفسير التابعين:
ليس هذا المطلب تكرارا لما سبق ذكره، وإنما أردت هنا أن أبين مدى تلبس بعض الأئمة بشيء من مقالة بعض المذاهب التي كانت منتشرة آنذاك، وأثره في عدم قبول المروي عنهم، أو قلته.
لقد سبق أن بينت أن الفرق التي اشتد عليها نكير الأئمة كثيرا هي الخوارج في الدرجة الأولى، ثم القدرية، ثم الشيعة.
أما مخالفة مفسري التابعين في باب الأسماء والصفات فلم تكن منتشرة آنذاك مثلما ظهرت بعدهم، وأما الإرجاء فهو مرتبط بالقدر لأنه نوع انحراف فيه، ويؤكد ذلك قول مجاهد في أهل الأهواء: يبدءون فيكم مرجئة، ثم يكونون قدرية، ثم يصيرون مجوسا (5).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1389) 2661.
(2) المرجع السابق (7/ 1239) 2321.
(3) المرجع السابق (7/ 1268) 2397.
(4) تفسير الطبري (8/ 326) 9420.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 988) 1803.(2/832)
وقد ظهر لي أن أكثر الفرق التي دار الحديث عنها في تفسير التابعين هم الخوارج، وخاصة الحرورية، ثم الصفرية والإباضية، ثم القدرية والمرجئة، ثم الشيعة.
فأما الخوارج:
فقد بلغ الأمر بالتابعين إلى أنهم لم يحملوا عنهم العلم والتفسير لانحرافهم في هذا الباب، مع أن حديثهم من أصدق الأحاديث، وأضبطها لأنهم كانوا يرون الكذب كفرا فتركوه، ولذا نجد الأئمة من الشاميين يقول أحدهم: متى كان علماء الشام يحملون العلم عن خوارج أهل العراق (1).
ولقد تأثر كما أسلفنا عكرمة ببعض مقولة الخوارج، وكان يحدث برأي نجدة الحروري، فقد أتاه وأقام عنده ستة أشهر (2).
يقول يحيى بن بكير: قدم عكرمة مصر ونزل بها، وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا (3)، وبسبب تلبسه ببعض هذا الرأي لم يكتب عنه أهل مصر (4)، ولم يرض عنه أهل المدينة عند ما استقر عندهم، بل لما توفي بها لم يصل عليه إلا القليل من أهلها (5).
وانتقل أثر هذا إلى التفسير، فصار المفسرون كلما مروا بآية ذم في أقوام زاغوا عن الحق حملوها على فرقة من تلك الفرق الضالة فقالوا: إنهم الخوارج، أو الشيعة، أو
__________
(1) المعرفة (2/ 757).
(2) السير (5/ 20)، وهدي الساري (426).
(3) السير (5/ 21)، والمعرفة (2/ 7)، والتهذيب (7/ 237).
(4) طبقات ابن سعد (5/ 16)، والتذكرة (1/ 84).
(5) سبق تفصيل ذلك في ترجمته.
وبعد مراجعتي لكتاب اللالكائي وجدته لم يعن بالنقل عن عكرمة، كما نقل عن غيره من التابعين، ولعله لم يرتض إدخال قوله لما رمي به من رأي الخوارج.(2/833)
غيرهم، فمن ذلك أن قتادة كان إذا قرأ هذه الآية: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ} (1)، قال: إن لم يكونوا الحرورية والسبائية، فلا أدري من هم! ولعمري لقد كان في أهل بدر والحديبية الذي شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار خبر لمن استخبر، وعبرة لمن استعبر، لمن كان يعقل أو يبصر.
إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير بالمدينة، والشام، والعراق، وأزواجه يومئذ أحياء. والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حروريا قط، ولا رضوا الذي هم عليه، ولا مالئوهم فيه، بل كانوا يحدّثون بعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، ونعته الذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم، ويعادونهم بألسنتهم، وتشتد والله عليهم أيديهم إذا لقوهم. ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع، ولكنه كان ضلالا فتفرّق. وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافا كثيرا. فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل (2).
فهل أفلحوا فيه يوما أو أنجحوا يا سبحان الله! كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم لو كانوا على هدى، قد أظهره الله وأفلجه ونصره. ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه. فهم كما رأيتهم كلما خرج لهم قرن أدحض الله حجتهم، وأكذب أحدوثتهم، وأهراق دماءهم. إن كتموا كان قرحا في قلوبهم، وغما عليهم.
وإن أظهروه أهراق الله دماءهم. ذاكم والله دين سوء فاجتنبوه. والله إنّ اليهودية لبدعة، وإن النصرانية لبدعة، وإن الحرورية لبدعة، وإن السبائية لبدعة، ما نزل بهن كتاب، ولا سنّهن نبي (3).
وقتادة متأثر في ذلك بالصحابة، فهذا سعد بن أبي وقاص يفسر قوله تعالى:
__________
(1) سورة آل عمران: آية (7).
(2) ألاص فلانا على هذا الأمر: أداره على الشيء الذي يريده.
(3) تفسير الطبري (6/ 187) 6603.(2/834)
{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً}، إن المراد بهم الخوارج (1)، ويتأول قوله عز وجل: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثََاقِهِ} أنهم الحرورية، فعن مصعب بن سعد قال: سألت أبي فقلت:
عن قوله: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثََاقِهِ} فقال: هم الحرورية (2).
ولذا نجد قتادة عند قوله سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللََّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (3)، قال: منّ الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، قوله:
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتََابَ وَالْحِكْمَةَ}، الحكمة السنة، {وَإِنْ كََانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} (4)، ليس والله كما يقول أهل حروراء: محنة غالبة، من أخطأها أهريق دمه ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلّمون فعلمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدبهم (5).
فهذه الآيات وأشباهها تدل على وصف أقوام معينين، فلما رأى الأئمة صدق هذا الوصف على بعض الناس حكموا به عليهم، وليس معناه أن الآية تصدق على هؤلاء ولا تصدق على غيرهم ممن اتصف بهذا الوصف.
وقد يكون التأثير من وجه آخر، وهو أن الأفكار التي كان يعتقدها الخوارج كانوا يستدلون عليها ببعض آيات الكتاب، وبالتالي نجد المفسرين يفصلون فيها ويذكرون الاحترازات، وينبهون على الخطأ في الفهم الذي يتداوله هؤلاء أو أولئك.
ومن ذلك ما جاء عند تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النََّارِ لَهُمْ فِيهََا زَفِيرٌ}
__________
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 96) 282، وفتح القدير (1/ 59).
(2) المرجع السابق (1/ 97) 288، 293.
(3) سورة آل عمران: آية (164).
(4) سورة آل عمران: آية (164).
(5) تفسير الطبري (7/ 370) 8177، وأورده السيوطي، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة بلفظ مختصر (2/ 367).(2/835)
{وَشَهِيقٌ} (1). قال قتادة: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار»، ثم قال: ولا نقول مثل ما يقول أهل حروراء» (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (3) وكان الخوارج يستدلون بها على قتال من خالفهم من أهل القبلة، قال قتادة في تفسيرها: أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة وليس والله كما تأول أهل الشبهات والبدع والفرى على الله وكتابه (4).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} (5).
قال مجاهد: كفر لا ينقل عن الملة (6).
وأما قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} (7)، فقد جاء عن السدي قول شيبة بقول الخوارج إذ قال فيها: من يجتنب الكبائر من المسلمين (8). وإن كان ليس صريحا في ذلك، ولكن مما يؤيده ما جاء عنه في تفسير قوله تعالى: {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللََّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعََالَمِينَ} (9)، قال: {وَمَنْ كَفَرَ} من وجد ما يحج به ثم لم يحج فهو كافر (10).
__________
(1) سورة هود: آية (106، 107).
(2) تفسير الطبري (15/ 842) 18575، ومعاني القرآن للنحاس (3/ 383)، وفتح القدير (2/ 526).
(3) سورة التوبة: آية (12).
(4) تفسير الطبري (14/ 155) 16526، وتفسير عبد الرزاق (2/ 268).
(5) سورة المائدة: آية (44).
(6) الإيمان لابن تيمية (264).
(7) سورة النساء: آية (48).
(8) تفسير الطبري (9/ 206) 10429.
(9) سورة آل عمران: آية (97).
(10) تفسير الطبري (7/ 51) 7521.(2/836)
وقد يكون مراده الكفر الذي لا ينقل عن الملة، فيكون قد خرج مخرج الزجر، إلا أننا نجد مجاهدا عند ما تعرض لهذه الآية قال: {وَمَنْ كَفَرَ}: من كفر بالله واليوم الآخر.
وفي رواية: {وَمَنْ كَفَرَ} من كفر بالحج فلم ير حجه برا، ولا تركه مأثما (1).
وأما القدرية:
فلقد كان تأثيرهم كبيرا في اتجاه بعض التابعين في تفسير الآيات، وإن كان تأثر الروايات بهم أقل من غيره لأن الأئمة احتملوا في الجملة الرواية عن القدرية.
قال أحمد: لو تركنا الرواية عن القدرية لتركنا أكثر أهل البصرة (2).
وقال الجوزجاني: وكان قوم يتكلمون في القدر منهم، احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين، وصدق ألسنتهم وأمانتهم (3).
ولقد كان معاذ بن معاذ قاضيا على البصرة، فأبى أن يجيز شهادة القدرية، قال عبد الله بن أحمد: فكلمه أبي، وخالد بن الحارث، وقالا له: لقد عرفت أهل هذا المصر، فكأنه تساهل بعد (4).
وهذا يدل على قلة تأثر الرواية بمذاهب القدرية، ولكن حصل التأثير في التفسير، إما بتنزيل بعض الآيات عليهم، أو بتفسير آيات أخرى مع الاحتراز عن أقوالهم.
فمن النوع الأول:
ما جاء في قوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النََّارِ عَلى ََ وُجُوهِهِمْ} (5)، قال مجاهد:
__________
(1) تفسير الطبري (7/ 48)، وسنن البيهقي (4/ 324).
(2) الإيمان لابن تيمية (369).
(3) أحوال الرجال للجوزجاني، وذكر منهم قتادة (181).
(4) العلل لأحمد (2/ 360) 2595.
(5) سورة القمر: آية (48).(2/837)
هم المكذبون بالقدر (1).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَإِذََا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيََاتِنََا} (2)،
قال ابن سيرين: إن لم يكن أهل القدر من الذين يخوضون في آيات الله فلا أدري من هم (3).
ومن النوع الثاني:
ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلََا يَزََالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلََّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذََلِكَ خَلَقَهُمْ} (4).
قال الحسن: خلق هؤلاء لجنته وهؤلاء للنار، وخلق هؤلاء لرحمته وهؤلاء لعذابه (5).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَمََا أَصََابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (6).
قال طاوس: وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا قدرتها (7).
وفي تفسير قوله تعالى: {يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ} (8).
__________
(1) الحلية (3/ 299)، وزاد المسير (8/ 101).
(2) سورة الأنعام: آية (68).
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 630) 1125، والسنة لعبد الله بن أحمد (130129).
(4) سورة هود: الآيتان (118، 119).
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 549) 967، والآجري في الشريعة (160)، وتفسير الطبري (12/ 141)، ومعاني القرآن للنحاس (3/ 389).
(6) سورة النساء: آية (79).
(7) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 554) 979، وجاء عن مجاهد مثله، ينظر معاني القرآن للنحاس (2/ 136).
(8) سورة الرعد: آية (39).(2/838)
قال سعيد بن جبير: يثبت في البطن الشقاء، والسعادة، وكل شيء (1).
وقال مجاهد: يمحو الله ما يشاء إلا الحياة، والموت، والشقاء، والسعادة، فإنهما لا يتغيران (2).
وهذا الحسن البصري وقد قال ببعض مقالة القدرية، ولكنه رجع عنها، نجد الأئمة ينقلون الكثير من أقواله المثبتة للقدر، ويردون بها على من زعم أنه قدري، فمن ذلك ما جاء عن خالد الحذاء: أن رجلا من أهل الكوفة كان يقدم البصرة، فكان لا يأتي الحسن من أجل القدر، فلقيه يوما في الطريق فسأله فقال: يا أبا سعيد {وَلََا يَزََالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلََّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (3) قال: نعم أهل رحمته لا يختلفون. قال: فقوله: {وَلِذََلِكَ خَلَقَهُمْ} (4)، قال: خلق هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار. قال: فقال الرجل: لا أسأل عن الحسن بعد اليوم (5).
وعن خالد الحذاء قال: غبت غيبة فقدمت فأخبروني أن الحسن تكلم في القدر، فأتيته فقلت: يا أبا سعيد آدم خلق للجنة أم للأرض قال: فقال: يا أبا منازل ما كان هذا من مسائلك. قال: قلت: إني أحببت أن أعلم. قال: لا، بل للأرض. قلت:
أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة قال: لم يكن ليعتصم فلا يأكل من الشجرة، إنما خلق للأرض. أرأيت قول الله عز وجل: {مََا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفََاتِنِينَ (162) إِلََّا مَنْ هُوَ صََالِ الْجَحِيمِ} (6) الشياطين لم يكونوا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله له أن
__________
(1) تفسير الطبري (13/ 170)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير عن سعيد به (4/ 665).
(2) تفسير الطبري (13/ 111)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير عن مجاهد به (4/ 663).
(3) سورة هود: الآيتان (118، 119).
(4) سورة هود: الآيتان (118، 119).
(5) المعرفة (2/ 38).
(6) سورة الصافات: الآيتان (162، 163).(2/839)
يصلى الجحيم (1).
وعن أبي الأشهب عن الحسن في قوله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مََا يَشْتَهُونَ} (2)، قال: الإيمان (3).
وعن حبيب بن الشهيد، ومنصور بن زاذان قالا: سألنا الحسن عما بين {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (4) إلى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} (5)، ففسره على الإثبات (6).
وعن حميد الطويل: قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة، ففسره لي أجمع على الإثبات. فسألته عن قوله: {كَذََلِكَ سَلَكْنََاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} (7)، قال: الشرك سلكه الله في قلوبهم.
وسألته عن قوله: {وَلَهُمْ أَعْمََالٌ مِنْ دُونِ ذََلِكَ هُمْ لَهََا عََامِلُونَ} (8)، قال: أعمال سيعملوها (9).
وأما التشيع:
فلم يكن تأثيره في تفسير التابعين مغايرا لتأثير الخوارج والقدرية إلا في باب الرواية، فقد أثر التشيع في الرواية فردت روايات الرافضة، في حين احتمل الأئمة
__________
(1) المعرفة (2/ 38)، (2/ 41)، والسير (4/ 581).
(2) سورة سبأ: آية (54).
(3) المعرفة (2/ 39)، وزاد المسير (6/ 470)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن به (6/ 715).
(4) سورة الفاتحة: آية (1).
(5) سورة الناس: آية (1).
(6) المعرفة (2/ 39).
(7) سورة الشعراء: آية (200).
(8) سورة المؤمنون: آية (63).
(9) المعرفة (2/ 41)، وزاد المسير (5/ 482)، وفتح القدير (3/ 491).(2/840)
مرويات من تشيعهم يسير.
قال شريك: أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة (1)، وقال الأعمش:
أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين (2).
وأما التشيع اليسير:
فقد قال ابن المديني: لو تركت أهل البصرة للقدر، وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب (3).
وقد أدى انتشار الكذب بسبب التشيع إلى التشديد في الإسناد، كما سبق بيانه، قال إبراهيم: إنما سئل عن الإسناد أيام المختار (4).
ومن أثاره في التفسير ما جاء في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} (5)، يعني هل هي خطاب خاص بآل البيت، أو هي أعم من ذلك، فقد روى سعيد بن منصور عن طريق الشعبي قال: أكثروا علينا في هذه الآية فكتبت إلى ابن عباس أسأله عنها، فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش، لم يكن حي من أحياء قريش إلا ولده، فقال الله: {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} تودوني بقرابتي منكم، وتحفظوني في ذلك (6).
ولما انتشر عند الناس بعض البدع المتعلقة بالتشيع وجدنا الأئمة يوضحون ذلك في
__________
(1) الميزان (1/ 28)، ومنهاج السنة (1/ 16).
(2) منهاج السنة (1/ 16)، والكفاية (126).
(3) شرح علل الترمذي لابن رجب (64).
(4) العلل لأحمد (3/ 380) 5673.
(5) سورة الشورى: آية (23).
(6) أورده ابن حجر في الفتح، وعزاه إلى سعيد بن منصور (8/ 565)، وزاد المسير (7/ 284)، وفتح القدير (4/ 536).(2/841)
تفسيرهم للآيات، فمن ذلك ما روي عن عطاء عند قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1)، قال: لم أر أحدا يمسح على القدمين (2).
أثر التوحيد في تفسير التابعين:
لا شك أن التوحيد يؤثر في قلب كل من قال: (لا إله إلا الله)، وينعكس ذلك على أفعاله وأقواله، فإذا جئنا لمفسري التابعين وجدنا هذا الأمر قد انعكس فعلا على تناولهم لتفسير آيات القرآن الكريم.
ولذا فإنهم لما تعرضوا للآيات الجوامع، التي عليها مدار الدين حملوها على أنها (لا إله إلا الله).
وأذكر هنا شيئا مما جمعه الإمام الطبراني في كتابه الدعاء.
وقبل البدء في استعراض ذلك أحب أن أنبه على أن أكثر المنقول في هذا جاء عن المدرسة المكية، وذلك يتوافق مع ما سبق تقريره من تميز هذه المدرسة في مبحث الاجتهاد في التفسير لأن حمل هذه الآيات على أن المراد بها (لا إله إلا الله) مما لا نص فيه، وإنما يعرف بالنظر وإعمال الفكر والاجتهاد، والله أعلم.
فقد فسر مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، قوله سبحانه: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ} (3) ب (لا إله إلا الله) (4).
__________
(1) سورة المائدة: آية (6).
(2) تفسير الطبري (10/ 57) 11469، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير عن عطاء به (3/ 29).
(3) سورة الأنعام: آية (160)، سورة النمل: آية (89)، سورة القصص: آية (84).
(4) كتاب الدعاء (3/ 1498) 1509: 1512، 1513، 1518، 1519: 1523، 1526.(2/842)
وفسر مجاهد وعكرمة الكلمة في قول الله تعالى: {وَجَعَلَهََا كَلِمَةً بََاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} (1)، ب (لا إله إلا الله) (2).
كما فسّر مجاهد وعكرمة الإحسان في قوله تعالى: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (3)، ب (لا إله إلا الله) (4).
وفسر عكرمة قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعََا إِلَى اللََّهِ} (5)، قال: المؤذن حين يقول: لا إله إلا الله (6).
كما فسر عكرمة قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى} (7) قال: من قال: لا إله إلا الله (8)، وأيضا قوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى ََ أَنْ تَزَكََّى} (9)، قال: هل لك إلى أن تقول: لا إله إلا الله (10).
وفسر الحسن قوله سبحانه: {وَأَنَّهُ لَمََّا قََامَ عَبْدُ اللََّهِ يَدْعُوهُ} (11) قال: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه قال: يقول: لا إله إلا الله ويدعو الناس إليها (12).
__________
(1) سورة الزخرف: آية (28).
(2) كتاب الدعاء (3/ 1506)، 1541، 1542، وفتح القدير (4/ 553).
(3) سورة الرحمن: آية (60).
(4) كتاب الدعاء (3/ 1508) 1546، 1547، وفتح القدير (5/ 142).
(5) سورة فصلت: آية (33).
(6) كتاب الدعاء (3/ 1509) 1549.
(7) سورة الأعلى آية: (14).
(8) كتاب الدعاء (3/ 1510) 1552، والدر المنثور (8/ 484).
(9) سورة النازعات: آية (18).
(10) كتاب الدعاء (3/ 1511) 1553، والدر المنثور (8/ 410).
(11) سورة الجن: آية (19).
(12) كتاب الدعاء (3/ 1511) 1554، والدر المنثور (8/ 308).(2/843)
فسر عكرمة الرجل الرشيد في قوله تعالى: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} (1) قال:
أليس منكم رجل يقول: لا إله إلا الله (2).
كما فسر قوله تعالى: {فَلََا عُدْوََانَ إِلََّا عَلَى الظََّالِمِينَ} (3)، قال: على من لا يقول لا إله إلا الله (4).
وفسر قتادة قوله تعالى: {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلََّهِ} (5)، قال قول: لا إله إلا الله (6).
وفسر أبو العالية قوله تعالى: {تَعََالَوْا إِلى ََ كَلِمَةٍ سَوََاءٍ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمْ} (7)، قال: لا إله إلا الله (8).
وفسر عكرمة القول اللين من قوله تعالى: {فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً} (9)، ب (لا إله إلا الله) (10).
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي ساقها الطبراني في كتابه الدعاء في بيان فضل لا إله إلا الله (11).
__________
(1) سورة هود: آية (78).
(2) كتاب الدعاء (3/ 1512) 1555، والدر المنثور (4/ 458)، وفتح القدير (2/ 516).
(3) سورة البقرة: آية (193).
(4) كتاب الدعاء (3/ 1512) 1556، والدر المنثور (1/ 496)، وفتح القدير (1/ 192).
(5) سورة البقرة: آية (193).
(6) كتاب الدعاء (3/ 1513) 1558، والدر المنثور (1/ 495).
(7) سورة آل عمران: آية (64).
(8) كتاب الدعاء (3/ 1514) 1560، والدر المنثور (2/ 235).
(9) سورة طه: آية (44).
(10) كتاب الدعاء (3/ 1515) 1562.
(11) للمزيد من الأمثلة تراجع الآثار التالية في كتاب الدعاء للطبراني: 1563، 1564، 1566، 1567، 1569، 1573، 1578، 1579، 1585، 1587، 1589، 1593، 1595، 1599، 1601، 1603، 1604، 1614، 1615، 1617، 1620، 1621، 1622، 1623، 1624، 1625، 1626، 1627، 1628.(2/844)
المبحث الثالث منهجهم في استنباط آيات الأحكام
يعتبر هذا المبحث من أدق المباحث، وأغمضها مسلكا، وهذا لم ينتج من عدم توافر المادة العلمية، فهي كثيرة في هذا الموضوع وإنما السبب في ذلك يرجع إلى صعوبة تحديد منهج عام يشمل التابعين، أو جماعة منهم.
إن تحديد مفهوم دقيق لمنهج التابعين في استنباط آيات الأحكام يحتاج إلى دراسة مقارنة متوسعة في فقه كل تابعي تشمل آراءه الفقهية، واستنباطاته لاستخلاص منهجه الذي يبني الفتوى عليه، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة المقارنة، ويمكن اعتبار التابعين جميعهم قد اشتركوا في أصول عامة في الاستدلال كاعتمادهم على الكتاب والسنة في الفتوى، وبناء الحكم الفقهي على ذلك، وتقديم أدلة الوحي على غيره، والاجتهاد فيما سوى ذلك، وعدم القطع باجتهاد ليس له دليل واضح، وكذلك اعتماد اتفاق الصحابة وهديهم إلخ، مما يظهر جليا في تفاسيرهم، وكل هذه العمومات لا تصلح لدراسة استنباط مناهجهم لأنها تكاد تكون متفقة مع ما ينهجه كل الفقهاء وعامة العلماء، وإنما وقع الخلاف نتيجة أمور أخص من ذلك.
فمثلا وقع الخلاف في دلالات القرآن وترتيبها، وتقديم العموم وظاهر النصوص، وكذلك ما بين المفهوم والمنطوق، وإلحاق المسكوت عنه بما ورد النص به.
ثم بعد ذلك الموقف من تعارض النصوص، ومقاييس الموازنة بين المتعارضين، سواء كانا دليلين من الكتاب، أو من السنة، أو أحدهما من الكتاب والآخر من السنة،
وكيفية الترجيح والتأويل والجمع، وكذلك تعارض ظاهر النصوص فيما ظاهره مصلحة إلخ.(2/845)
ثم بعد ذلك الموقف من تعارض النصوص، ومقاييس الموازنة بين المتعارضين، سواء كانا دليلين من الكتاب، أو من السنة، أو أحدهما من الكتاب والآخر من السنة،
وكيفية الترجيح والتأويل والجمع، وكذلك تعارض ظاهر النصوص فيما ظاهره مصلحة إلخ.
إن منهج الاستنباط والاستدلال يعني حصيلة الفقيه أو العالم العلمية وطرق الثبوت وعناصر الدلالة، وتطبيق الأحكام على المشكلات الاجتماعية التي تقذف بها الحياة كل يوم، والموقف منها، فمن هذه الآراء التي يقدمها لنا الفقيه يمكن أن نعرف منهجه الفقهي (1).
ومن المؤكد أن دراسة هذه الأمور عند التابعين تحتاج إلى جمع الأقوال الفقهية الواردة عن كل إمام من أئمة التابعين في التفسير، ثم دراستها، وذلك يخرج عن نطاق هذا البحث، بل ويحتاج إلى عدة رسائل متخصصة لدراسته (2).
لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله
ومن هنا ومن هذا المنطلق يمكن أن أعطي فكرة عامة عن مناهجهم بحسب ما يبدو لي من خلال النصوص التي جمعتها عنهم، والله المستعان.
مدارس التفسير وأئمتها:
أول ما يمكن أن نلمحه في مدارس التفسير هو تميز المدرستين المدنية والكوفية في ذلك، ولا غرو فإن ابن عمر شيخ المدنيين، وابن مسعود شيخ الكوفيين قد اعتنيا بتفسير آيات الأحكام، والاستنباط الفقهي منها أكثر من باقي التفسير فتأثر أصحابهما بذلك،
__________
(1) يراجع في ذلك كتاب مناهج التشريع الإسلامي في القرن الثاني (1/ 85).
(2) ظهرت بعض الرسائل في بحث وجمع الحصيلة الفقهية لفقهاء القرن الثاني والثالث، وقد اطلعت عليها وأخذت منها، إلا أنني لم أجد دراسة مقارنة يمكن أن أستفيد منها في بحثي هذا غيرها، فإن كثيرا منها لم يهتم إلا بأقوال فقهاء الصحابة ولم يستوعب التابعين ولا سيما أن بعضهم ليس معدودا في فقهائهم كمجاهد وعكرمة لغلبة التفسير عليهم.(2/846)
في حين كانت المدرسة البصرية تعج بالفتاوى الفقهية، وإن كان المنقول عنها في التفسير أقل نسبة، إلا أن الحسن لأنه إمام عامة فقد تصدر للوعظ والإرشاد فنقل عنه في ذلك جملة كبيرة من تفسير آيات الأحكام، وكذلك كانت حال قتادة.
أما المدرسة المكية فهي أقل المدارس اعتناء بذلك، اللهم إلا في مسائل الحج التي فرضت نفسها بحكم البيئة على النتاج المكي.
ولا عجب حينئذ أن نسمع مقولة ابن عيينة، وهو يصف حال التابعين فيذكر أن أهل مكة أعلم بالمناسك، في حين جعل أعلمهم بالحلال والحرام أهل الكوفة (1).
وكانت قبل ذلك عائشة ترى أن أعلم من بقي بالمناسك هم أهل مكة (2)، ولأجل تقدم المكيين في ذلك نجد أئمة الكوفة يسألون أصحاب ابن عباس عن مسائل الحج، والآيات المتعلقة به، كما في مراجعة إبراهيم النخعي لسعيد بن جبير في مسائل الحج التي كان يفتي فيها علقمة (3).
وكان الثوري الكوفي يقول: خذوا المناسك عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة (4).
ومعلوم أنهم من المدرسة المكية. وقد لاحظ بعض الباحثين تقاربا فقهيا بين مدرسة العراق ومدرسة مكة (5)، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أنه عدّ سعيد بن جبير عراقيا كوفيا، أما أنا فقد أدرجته كما سبق في المدرسة المكية، ولذا فسؤالات إبراهيم له كانت من باب سؤال الكوفي للمكي.
__________
(1) معجم البلدان (4/ 493).
(2) العلل لأحمد (1/ 495) 5885، وكتاب الاجتهاد (43).
(3) تفسير الطبري (4/ 7، 28، 55، 74) 3185، 3204، 3376.
(4) البداية والنهاية (9/ 276).
(5) تاريخ المذاهب الفقهية لأبي زهرة (36).(2/847)
وربما توسعت المدرسة المكية في تفسير الآيات المتعلقة بالحج توسعا خرج عن الظاهر، كما في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقََامِ إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى} (1) فقد فسروا المقام بأنه الحج كله، أو عرفة والمزدلفة والجمار، أو الحرم (2)، في حين فسرها قتادة (3)، والربيع (4)، والسدي (5)، بالمقام الذي في المسجد الحرام، وفيه أثر عقب إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
وكأني ألمس من خلال تتبع بعض الآيات الواردة في ذكر طرف من أحكام الحج أن المدرسة المكية تميل إلى التسهيل في أحكامه فيما لم يرد فيه نص قاطع، فعند تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ} (6)، يفتي أكثر التابعين في العشر إلى يوم عرفة (7).
في حين ينقل عن عطاء، وعن مجاهد، وطاوس: أنه إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه (8).
بل إن عطاء نفسه لا يجزم بأنها في العشر، بل يقول: من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم (9).
__________
(1) سورة البقرة: آية (125).
(2) تفسير الطبري (3/ 33، 34) 19951990، وزاد المسير (1/ 141)، وفتح القدير (1/ 138).
(3) تفسير الطبري (3/ 35) 2.
(4) تفسير الطبري (3/ 35) 2001.
(5) تفسير الطبري (3/ 35) 2002، وذكر فيه أثرا إسرائيليا.
(6) سورة البقرة: آية (196).
(7) وعلى ذلك عطاء، وإبراهيم، والشعبي، وقتادة، والربيع، وغيرهم. ينظر تفسير الطبري (4/ 9795)، ومعاني القرآن للنحاس (1/ 125)، والدر المنثور (1/ 517).
(8) تفسير الطبري (4/ 95) 3446، والدر المنثور (1/ 518).
(9) تفسير الطبري (4/ 102)، 3477، ووردت رواية بالجزم (3480)، إلا أن الأكثر باللفظ السابق، وزاد المسير (1/ 206).(2/848)
وفيما كان ابن عمر وغيره يفتي بأنها لا تصام إلا بعد الإحرام بالحج (1).
نجد عطاء يقول: ولا بأس أن يصوم المتمتع في العشر، وهو حلال (2)، ويفتي عكرمة من خشى أن لا يدرك الصوم بمكة أن يصوم بالطريق يوما أو يومين (3)، وفي مسألة الرمي يرى عطاء وطاوس جواز الرمي قبل الزوال نهارا مطلقا، في حين يرى جمهور أهل العلم وجوبه بعد الزوال إلا في يوم النحر (4).
وعن عكرمة جوازه في اليوم الثالث (5)، والأمثلة في ذلك كثيرة (6).
في حين كان المدنيون أكثر أخذا بالشدة، والاحتياط، ولا سيما سعيد بن المسيب، وربما كان السبب في ذلك هو ورعهم العام لأن هذه المسائل ينبني عليها الحل والحرمة اللذان هما من أحكام الرب لا من وضع العباد، ثم إن المدينة لم يكن قد غلبها الوافدون نحو مكة، ولا كانت ملتقى حضارات كالعراق، ولذا كانت المسائل الفقهية محدودة في الجملة، وأكثرها أفتى فيه الصحابة، فلم يكن هناك كبير حاجة إلى استنباط جديد من آيات الأحكام.
وأما أئمة المفسرين من التابعين فقد جاءت شهادات العلماء لهم بالتقدم في الفقه والتخصص في بعض فروعه.
__________
(1) تفسير الطبري (4/ 103، 104) 3483، 3485.
(2) تفسير الطبري (4/ 102) 3478، 3482، ومعاني القرآن للنحاس (1/ 126).
(3) تفسير الطبري (4/ 103) 3481.
(4) فتح الباري (3/ 580).
(5) المغني (1/ 328).
(6) ينظر في ذلك المغني (5/ 320) في عدم وجوب الترتيب في أفعال النحر، و (5/ 322) في عدم وجوب من حلق عمدا بعد الرمي وقبل التحلل، وجواز الرجوع من الطائف للوداع لأنه قريب (5/ 339)، وغير ذلك.(2/849)
وقد وجدت أن أكثر من شهد له بذلك هو سعيد بن المسيب، فقد عدوه أفقه الفقهاء، وسيد العلماء، وأفقه التابعين، وعالم العلماء (1).
وكان المقدم في مسائل الطلاق لانشغاله بالقضاء، فحفظ مسائل القضاء المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر (2).
ويعتبر إبراهيم النخعي من أكثرهم فقها، ومروياته في تفسير آيات الأحكام غلبت على سائر ما نقل عنه في التفسير جملة (3).
وقد انشغل إبراهيم بالفقه لقلة الرواية عنده، وكثرة الكذب الذي كان بالكوفة، لذا استعمل المقاييس على ما صح عنده من النصوص حتى لقد قال: إني أسمع الحديث الواحد فأقيس به مائة حديث (4).
ويقول: فقست ما لم أسمع بما قد سمعته (5).
فإذا كان هذا في شأن الحديث واحتياجه إلى سماعه والتثبت منه فلا عجب حينئذ أن تكثر أقواله في آيات الأحكام لعدم احتياجه إلى التثبت لأن القرآن تواتر عنده وعرفه كله، فكثرت اجتهاداته وأقيسته حتى قال حماد بن أبي سليمان: ما رأيت أحدا قط كان أحضر قياسا من إبراهيم (6)، وقد اختص إبراهيم بعلمه في مسائل الصلاة، كما اختص عطاء بالمناسك، فقيل: كان علم عطاء في المناسك، وإبراهيم في الصلاة،
__________
(1) يراجع ذلك في ترجمته ص (383).
(2) تاريخ أبي زرعة (1/ 515).
(3) بلغت نسبة الآثار الواردة عنه في آيات الأحكام (38، 0) من جملة ما نقل عنه، في حين كانت (34، 0) عن سعيد بن المسيب، و (33، 0) عن عطاء، و (23، 0) عن الشعبي.
(4) الفتاوى الكبرى (3/ 227).
(5) المعرفة (2/ 609).
(6) العلل لأحمد (1/ 253) 355.(2/850)
والحسن في كل (1).
أما مجاهد فمع أنه كان من المكثرين إلا أنه لم ينصرف إلى الفقه، بل ربما كان ضعيفا في بعض فروعه كالفرائض (2)، ولذا فهو أكثر موافقة في مسائل الأحكام لابن عباس أكثر من عطاء وسعيد وسائر المكيين.
وبالنظر في المنقول عن التابعين رأيت أن الشعبي يعتبر من أكثرهم اتباعا للظاهر من النص، فقد ورد عنه في تفسير قوله تعالى: {لََا يُؤََاخِذُكُمُ اللََّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمََانِكُمْ} (3)، أن ذلك في الرجل يحلف على المعصية قال: يترك المعصية ولا يكفر، ولو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتم على قوله (4).
وعنه أيضا في الصيام قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال من شعبان (5).
ونلحظ ورعه في تفسير آيات الأحكام، فعند تفسيره لقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ} (6).
قال: إنما ذلك في قتال عمية إذا أصيب من هؤلاء عبد، ومن هؤلاء عبد، تكافئا، وفي المرأتين كذلك، وفي الحرين كذلك، ثم يعقب فيقول: هذا معناه إن شاء الله (7).
__________
(1) تاريخ أبي زرعة (2/ 683)، وتاريخ دمشق (11/ 638).
(2) العلل لأحمد (3/ 85) 4292.
(3) سورة البقرة: آية (225).
(4) تفسير الطبري (4/ 442)، 4449، 4450.
(5) المرجع السابق (3/ 410) 2720في تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} البقرة (183).
(6) سورة البقرة: آية (178).
(7) تفسير الطبري (3/ 360) 2561، وفتح القدير (1/ 176).(2/851)
وأبلغ من ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ََ أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ} (1)، فقد سئل الشعبي عن المجدور تصيبه الجنابة، فقال: ذهب فرسان هذه الآية (2).
وقد رأيت أن الكوفيين تغلب عليهم مدرسة الرأي، فهم يراعون فيما يفسرونه علة الحكم، ويبنون الحكم عليها، فمن ذلك، ما جاء عن النخعي في تفسير قوله تعالى:
{إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)، فقد سأله الشعبي لم لا تقبل شهادته فقال: لأني لا أدري تاب أم لا (4).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (5)، قال إبراهيم: إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرة، حتى أخلط طعامه بطعامي، وشرابه بشرابي (6).
ويعتبر البصريون أكثر التزاما في اعتماد الآثار في تفسير آيات الأحكام، ولا سيما قتادة لحافظته، والغالب أنهم لا يسندونها بل يرسلونها كما هي عادتهم، والملاحظ أن الحسن أجرأ على فتيا الناس في مسائل النكاح والطلاق لتصدره للعامة، في حين قلّ أن يتعرض قتادة لذلك، أو لغيره من دقيق الفقه.
جاء في تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرََاءِ الْمُهََاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَأَمْوََالِهِمْ} (7)، قال قتادة: هؤلاء المهاجرين تركوا الديار، والأموال، والعشائر، وخرجوا حبا لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدة حتى لقد ذكر لنا أن
__________
(1) سورة النساء: آية (43).
(2) تفسير الطبري (8/ 387) 9578.
(3) سورة النور: آية (5).
(4) تفسير الطبري (18/ 77).
(5) سورة البقرة: آية (220).
(6) تفسير الطبري (4/ 355) 4199، 4200، والعرة: القذر وما يتجنبه الناس.
(7) سورة الحشر: آية (8).(2/852)
الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها (1).
فعند ما أراد قتادة أن يبين مصارف الفيء غلبه حبه للأثر والوعظ، فأخرجه بهذه الصورة (2).
ويأتي الحسن في المرتبة الثانية بعد قتادة، فيخرج الكلام في آيات الأحكام مصحوبا بالآثار، إما صراحة، وإما موافقا في تفسيره للأثر النبوي، فمن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: {وَلََا تَتَّخِذُوا آيََاتِ اللََّهِ هُزُواً} (3)، عن سليمان بن أرقم أن الحسن حدثهم: أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق الرجل أو يعتق، فيقال:
ما صنعت فيقول: إنما كنت لاعبا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلق لاعبا، أو أعتق لاعبا فقد جاز عليه»، قال الحسن: وفيه نزلت: {وَلََا تَتَّخِذُوا آيََاتِ اللََّهِ هُزُواً} (4).
وفي تفسير قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ} (5)، قال الحسن: يبيتان في لحاف واحد يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوب (6)، ومعلوم أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما (7)، وهكذا كان غالب كلام الحسن في آيات
__________
(1) تفسير الطبري (28/ 40)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة بنحوه (8/ 105).
(2) ولمزيد من الأمثلة يراجع تفسير الطبري الآثار ذوات الأرقام 2063، 2984، 4354، 5547، 8779، 9383، 9385، 11422، 12367، 12619، 13973، 14087، 16476، (28/ 76)، (28/ 130)، (15/ 83)، (16/ 75)، وقد سبق تفصيل في ترجمته ص (290).
(3) سورة البقرة: آية (231).
(4) تفسير الطبري (5/ 13) 4923، وزاد المسير (1/ 267)، وفتح القدير (1/ 243).
(5) سورة البقرة: آية (222).
(6) تفسير الطبري (4/ 380) 4254.
(7) صحيح البخاري (1/ 620)، وصحيح مسلم (1/ 95)، وسنن أبي داود (12/ 113).(2/853)
الأحكام (1).
طرق الاستنباط عند مفسري التابعين:
لقد تعددت طرق الاستدلال والاستنباط عند التابعين، وفيما يلي بيان لأشهرها، وأوضحها، مما استخرجته من الأقوال المنقولة عنهم، فمن ذلك:
1 - ملاحظة النسخ:
يلاحظ التابعون الناسخ والمنسوخ، فيعملون المتأخر من الآيات (2)، وقد توسعت المدرسة المدنية ثم البصرية في النسخ، في حين لم تتوسع المدرستان الكوفية، والمكية، ومن أمثلة ذلك ما جاء عن ابن المسيب في الذي يطلق امرأته، وقد فرض لها أنه قال في المتاع: قد كان لها المتاع في الآية التي في الأحزاب، فلما نزلت الآية التي في البقرة جعل لها النصف من صداقها إذا سمي، ولا متاع لها، وإذا لم يسم فلها المتاع (3).
وكذلك رأى بكر بن عبد الله المزني (4) تحريم مخالفة الزوجة لزوجها مخالفا بذلك جميع الفقهاء الذين يجوزون خلع المرأة من زوجها إذا أبغضته (5).
__________
(1) ولمزيد من الأمثلة عن الحسن تنظر الآثار: 2846، 2855، 3324، 3374، 4854، 4855، 4923، 5209، 5540، (28/ 130).
وقد سبق بيان إمامة الحسن في الفقه في ترجمته ص (257).
(2) وسيأتي زيادة بيان لهذه المسألة في الباب الرابع عند بحث أثرهم في أصول التفسير ص (1084).
(3) تفسير الطبري (5/ 126) 5217، والمقصود بآية الأحزاب قوله تعالى: {فَتَعََالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرََاحاً جَمِيلًا} آية رقم (28)، والمقصود بآية البقرة: {فَنِصْفُ مََا فَرَضْتُمْ إِلََّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} آية رقم (237).
(4) هو بكر بن عبد الله المزني البصري أحد الأئمة الأعلام، يذكر مع الحسن، وابن سيرين، وقال سليمان التيمي: الحسن شيخ البصرة، وبكر المزني فتاها، ينظر السير (4/ 532)، وطبقات ابن سعد (7/ 209).
(5) المغني (10/ 268).(2/854)
قال ابن قدامة: قال ابن عبد البر: بعد ذكر حديث الخلع: ولا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني، فإنه لم يجزه، وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدََالَ زَوْجٍ مَكََانَ زَوْجٍ} (1).
ومن ذلك أيضا اختلافهم في نسخ الوصية بالمواريث، وسيأتي تفصيله آخر هذا المبحث.
ومن ذلك أيضا استدلال ابن المسيب، وجابر بن زيد، وعطاء، وطاوس، على جواز نكاح الزانية في تفسير قوله تعالى: {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} (2) لأنها منسوخة بالآية التي بعدها {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ} (3).
وعن الحسن أنه قال: الآية محكمة غير منسوخة، ومعناها: أن المجلود على الزنا لا ينكح إلا زانية مجلودة على الزنا (4).
وكذلك استدلال بعض التابعين على عدم وجوب الوصية في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (5)، وقالوا:
إن الآية منسوخة على خلاف بينهم فيما نسخ منها على ثلاثة أقوال: الأول: إن الآية كلها منسوخة، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير (6).
__________
(1) سورة النساء: آية: (20)، وينظر المغني (10/ 268).
(2) سورة النور: آية (3).
(3) سورة النور: آية (32)، وينظر الناسخ والمنسوخ للنحاس (229)، والإيضاح لناسخ القرآن المكي (359)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (404)، والدر (6/ 130).
(4) الإيضاح لناسخ القرآن (359)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (230).
(5) سورة البقرة: آية (180).
(6) نواسخ القرآن (159)، والناسخ للنحاس (23)، والإيضاح لناسخ القرآن (143).(2/855)
الثاني: أن الآية نسخ منها الوصية للوالدين بآية المواريث، وهو قول مجاهد، والنخعي، وطاوس (1).
الثالث: إن المنسوخ من الآية الوصية لمن يرث دون من سواهم، وهو قول قتادة، وقول للحسن (2).
2 - الاستدلال بالقراءة غير المتواترة:
قد يستدل بعض التابعين على الحكم في الآية بما ورد في القراءات الشاذة من بيان أو مزيد إيضاح.
فمن ذلك استدلال عطاء، ومجاهد، وعكرمة، على وجوب التتابع في كفارة اليمين بقراءة ابن مسعود، وأبي بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعات، ولفظة (متتابعات) ليست في رسم المصحف فهي قراءة شاذة على ما سبق تقريره (3).
ووجه الاستدلال بهذه القراءة بينه ابن قدامة في المغني فقال: وهذا إن كان قرآنا فهو حجة لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن لم يكن قرآنا فهو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يحتمل أن يكونا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فظناه قرآنا، فثبت له مرتبة الخبر، ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية، وعلى كلا التقديرين فهو حجة يجب المصير إليه (4).
ومن ذلك استدلال بعضهم كسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين على عدم وجوب السعي بين الصفا والمروة بقراءة ابن مسعود، وابن عباس، وأبي (فلا جناح عليه أن لا
__________
(1) نواسخ القرآن (158).
(2) الإيضاح لناسخ القرآن (143).
(3) ينظر منهجهم في القراءات ص (768)، وتراجع الآثار في تفسير الطبري (10/ 560).
(4) المغني (14/ 529)، القواعد والفوائد لابن اللحام (155).(2/856)
يطوف بهما) (1).
وكذلك اختلف التابعون في حكم العمرة على قولين:
الأول: الوجوب: وبه قال الشعبي، ومسروق، وابن جبير، وعطاء.
الثاني: الاستحباب: وبه قال إبراهيم، والشعبي في رواية، وقد كان لنظرهم في القراءة غير المتواترة أثر في وجه الاستدلال لكل فريق، فمن أدلة أصحاب القول الأول قراءة ابن مسعود (وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت) وهذه القراءة صريحة في الوجوب.
وفي المقابل استدل الآخرون على عدم الوجوب بقراءة الشعبي (وأتموا الحج والعمرة لله) برفع العمرة على الاستئناف، وأنها تطوع (2).
3 - الاستدلال بظاهر الآية:
وفي هذا الاستدلال ينظر التابعي إلى ظاهر النص، ولا يعدوه إلى غيره، وقد يرتبط بذلك لفتة فقهية دقيقة.
فمن ذلك ما رواه قتادة عن أبي العالية قال: سافرت إلى مكة، فكنت أصلي ركعتين، فلقيني قرّاء من أهل هذه الناحية، فقالوا: كيف تصلي قلت: ركعتين.
قالوا: أسنة أو قرآن قلت: كل سنة وقرآن. فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، قالوا:
إنه كان في حرب! قلت: قال الله: {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيََا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لََا تَخََافُونَ} (3)، وقال:
{وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ} فقرأ حتى بلغ:
__________
(1) أحكام القرآن لابن العربي (1/ 48)، وأحكام القرآن للجصاص (1/ 96)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 182)، وبداية المجتهد (1/ 358).
(2) تفسير الطبري (4/ 148).
(3) سورة الفتح: آية (27).(2/857)
{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} (1).
ومن ذلك ما قاله سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} (2)، قال: الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامرأة أجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح، لا يقع الطلاق (3).
ويذهب سعيد بن المسيب إلى حل المطلقة ثلاثا إذا نكحت ولم توطأ، عملا بظاهر قوله تعالى: {حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (4)، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه: {حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (5).
ومن تمسكهم بظاهر النص أيضا، ما أفتى به ابن سيرين، وأبو قلابة من تحريم الخلع إلا أن يجد على بطنها رجلا، تمسكا بظاهر قوله تعالى: {وَلََا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مََا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلََّا أَنْ يَأْتِينَ بِفََاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (6).
ومنه قول بعض التابعين كابن المسيب، وعطاء، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعلي بن الحسين، والشعبي، بتحريم الصيام في السفر، وأن من صام عليه القضاء.
__________
(1) سورة النساء: آية (101)، والأثر أخرجه الطبري في تفسيره (9/ 125) 10313.
(2) سورة الأحزاب: آية (49).
(3) تفسير البغوي (3/ 535).
(4) سورة البقرة: آية (230).
(5) المغني (10/ 549)، والجمهور على وجوب وقوع الوطء لحديث امرأة رفاعة «حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها»، المغني (1/ 548).
(6) سورة النساء: آية (19).(2/858)
قال الجصاص: واحتج من أبي الصوم على المسافر، وأوجب عليه القضاء بظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ كََانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} (1) قالوا: العدة واجبة في الحالين، إذ ليس في الآية فرق بين الصائم، والمفطر (2).
ويرى بعض التابعين وجوب عين الطعام والكسوة في الكفارة عملا بظاهر قوله تعالى: {فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (3)، وإليه ذهب مجاهد، وسعيد بن جبير، والنخعي إعمالا لظاهر النص (4).
وقد يجمع التابعي بين الأخذ بظاهر النص مع القراءة غير المتواترة، كما في قولهم بأن السعي بين الصفا والمروة ليس واجبا، وقد سبق بيان هذه المسألة قبل ورقات.
4 - الأخذ بالعمومات وإطلاق الآيات إلا أن يرد تخصيص أو تقييد لها:
وظهر في منهج التابعين أيضا التوسع في الأخذ بالعام، وتقديم عموم الآية على غيره من الأدلة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما جاء عن ابن سيرين من جواز الإفطار للصائم إذا ألمّ به أدنى مرض كوجع الإصبع (5) لعموم قوله تعالى: {وَمَنْ كََانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} (6) إذ لفظة (مريض) نكرة في سياق الشرط فتعم (7).
قال ابن قدامة: وحكي عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض حتى من وجع
__________
(1) سورة البقرة: آية (185).
(2) أحكام القرآن (1/ 214)، وينظر أحكام القرآن لابن العربي (1/ 78)، والمحلى (6/ 381)، 389، 390)، وتفسير الطبري (3/ 462).
(3) سورة المائدة: آية (89).
(4) المغني (13/ 511).
(5) تفسير الطبري (3/ 458) 2856.
(6) سورة البقرة: آية (185).
(7) يراجع في ذلك شرح الكوكب المنير (3/ 140).(2/859)
الإصبع والضرس: لعموم الآية (1).
ومن أمثلة ذلك أيضا استدلال الحسن البصري على عدم انقطاع متعة المتمتع، وإن عاد إلى بلده لعموم قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (2)، وهذا أوسع ما قيل في المسألة (3).
ويدخل في ذلك أيضا ما أثبته الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز من تسوية الدية في الحل والحرم، والأشهر الحرم أنها اثنا عشر ألف درهم أخذا بعموم قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} (4)، فإن لفظة (مؤمن) نكرة في سياق الشرط فتعم (5).
ومن عمل التابعين بإطلاق الآية، استدلال ابن المسيب، والحسن، وطاوس، على جواز عتق ولد الزنا في الكفارة.
قال ابن قدامة: ولنا دخوله في مطلق قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (6)، وكذلك استدل طاوس بجواز عتق المدبر في الكفارة للإطلاق في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (7).
وكذلك استدل عطاء، وطاوس، وعكرمة، والقاسم، والحسن، وجابر بن زيد، والنخعي، وقتادة، على أن النذر إذا خرج مخرج اليمين بمنع نفسه أو غيره، أو حث به
__________
(1) المغني (4/ 404).
(2) سورة البقرة: آية (196).
(3) وفي المسألة أقوال أخرى: أنه ينقطع بسفره، وينقطع برجوعه إلى بلده خاصة وينظر في ذلك أحكام القرآن للجصاص (1/ 288)، والمغني (5/ 354).
(4) سورة النساء: آية (92).
(5) يراجع في ذلك المغني (12/ 25، 26).
(6) سورة النساء: آية (92)، وسورة المجادلة: آية (3)، وينظر المغني (13/ 527).
(7) المغني (13/ 526).(2/860)
على شيء كقوله: إن كلمت زيدا فلله علي الحج أو الصدقة أو الصوم، فهذا يمين.
قال ابن قدامة: فهذا يمين حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة اليمين، ويسمى نذر اللجاج، والغضب، ولا يتعين عليه الوفاء به، وإنما يلزم نذر التبرر، وهذا قول عمر، وابن عباس لأنه لا مخالف لهم في عصرهم ولأنه يمين، فيدخل في عموم قوله تعالى:
{وَلََكِنْ يُؤََاخِذُكُمْ بِمََا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمََانَ فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ} (1).
وكاستدلال عطاء بن أبي رباح على أن من حلف على طلاق، أو عتاق، ثم فعله ناسيا فلا يحنث لعموم قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ فِيمََا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلََكِنْ مََا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (2).
ومن ذلك أيضا استدلال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعمر ابن عبد العزيز، على جواز الهدي بذكران الإبل، وأنها كإناثها في الإجزاء، خلافا لمن كرهه واستدلالا بعموم الآية.
قال ابن قدامة: لأن الله تعالى قال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنََاهََا لَكُمْ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ} (3)، ولم يذكر ذكرا، أو أنثى (4).
ومنه أيضا استدلال عطاء، والنخعي، بأن الإحصار يكون من المرض والعرج، أو ذهاب النفقة، وكل ما صد عن البيت كالإحصار من العدو، وعليه فله التحلل
__________
(1) سورة المائدة: آية (89)، وينظر المغني (13/ 462).
(2) سورة الأحزاب: آية (5)، وينظر المغني (13/ 447).
(3) سورة الحج: آية (36).
(4) المغني (5/ 457).(2/861)
بذلك، وهذا خلاف من قصر الإحصار على إحصار العدو، وحجة هؤلاء التمسك بعموم النص.
قال ابن قدامة: ولأنه يدخل في عموم قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) يحققه أن لفظ الإحصار إنما هو للمرض ونحوه، يقال: أحصره المرض إحصارا، فهو محصر، وحصره العدو حصرا فهو محصور (2).
5 - تخصيص العام:
فمع أن أكثر ما وقفت عليه من الآثار عن التابعين كانت في الأخذ بالعمومات، إلا أنه في المقابل جاء عنهم تخصيص للعموم بالمعنى والنظر العقلي (3).
فمن ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} (4)، فقد قال جمع من المفسرين بتحريم الجدال في الحج، ورأى آخرون أن الجدال بالحق جائز في الحج وغيره، والجدال المحرم حرام في الحج وغيره، لذا فإن الآية وإن كانت عامة فإن النظر الصحيح يقتضي تخصيصها وتوجيه المصدر إلى غير ذلك المعنى الذي ذهبوا إليه، فيكون هذا الأسلوب خبرا من الله تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدمه، ولا يتأخره (5).
فعن مجاهد في قوله: {وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} قال: قد استقام الحج، ولا جدال
__________
(1) سورة البقرة: آية (196).
(2) المغني (5/ 203).
(3) ينظر في التخصيص بالمخصص المنفصل (العقل النظري)، شرح الكوكب المنير (3/ 280).
(4) سورة البقرة: آية (197).
(5) العموم مأخوذ من كون لفظة (جدال) نكرة في سياق النفي وهي تعم، ينظر شرح الكوكب المنير (3/ 137).(2/862)
فيه (1)، وعن السدي نحوه (2)، ورجحه الطبري، وضعف خلافه (3).
6 - حمل المطلق على المقيد:
ومن طرق الاستدلال عند التابعين حمل المطلق على المقيد، وقد ظهر ذلك عندهم في غير ما موضع.
ومن أبرز هذه المواضع حملهم الدم الوارد ذكره في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} (4)، على أن المراد به الدم المسفوح دون غيره، فعن قتادة قال: حرّم الدم ما كان مسفوحا، وأما لحم خالطه دم فلا بأس به (5).
وعن عكرمة في قوله: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً}، قال: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبعت اليهود (6).
7 - الاستدلال بالمفهوم:
أالاستدلال بمفهوم الموافقة:
مفهوم الموافقة، وهو ما يسمى بفحوى الخطاب إذا كان أوليا، وبلحن الخطاب إذا كان مساويا (7)، هو من الحجج عند الجمهور، ونقل في ذلك الإجماع (8)، وقد ورد عن التابعين الاستدلال به على الأحكام.
__________
(1) تفسير الطبري (4/ 146) 3704، 3705، 3707، 3711، 3713، 3715.
(2) تفسير الطبري (4/ 174) 3709.
(3) تفسير الطبري (4/ 149).
(4) سورة المائدة: آية (3).
(5) تفسير الطبري (12/ 193) 14087.
(6) تفسير الطبري (12/ 193، 194) 14082، 14089.
(7) شرح الكوكب المنير (3/ 482).
(8) المرجع السابق (3/ 483).(2/863)
فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1).
فقد استدل بذلك المفهوم: الزهري، فجعل الكفارة واجبة في قتل العمد لأنها إذا وجبت في قتل الخطأ ففي العمد أولى، لأن المأثم منه أعظم (2).
ب الاستدلال بمفهوم المخالفة:
مفهوم المخالفة وهو دليل الخطاب، وهو ما يخالف منظوم الخطاب، وهو مختلف في حجيته وشروطه عند أهل العلم بالأصول (3).
وقد ورد الاستدلال به عن التابعين، ففي تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (4).
استدل بذلك طاوس والقاسم، وسالم، وعطاء، ومجاهد، بمفهوم المخالفة لكلمة (متعمدا) فأسقطوا الجزاء على من قتل صيد الحرم خطأ لأن الله تعالى أوجبه على المتعمد (5).
وقريب من ذلك ما جاء أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلََّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (6). فذكر سبحانه المحارم، ولم تذكر الآية الأعمام، والأخوال، والأجانب، فمفهوم الآية احتجاب المرأة عن غير المذكورين، وهذا مسلم في الأجانب، أما الأعمام، والأخوال، فلا يسلم هذا المفهوم.
__________
(1) سورة النساء: آية (92).
(2) المغني (12/ 228).
(3) شرح الكوكب المنير (3/ 498489).
(4) سورة المائدة: آية (95).
(5) المحلى (7/ 322، 323).
(6) سورة النور: آية (31).(2/864)
فبين الشعبي سبب ذلك فقال: لئلا يضعها العم عند ابنه، وهو ليس بمحرم لها، وكذا الخال، فيفضي إلى الفتنة (1).
8 - بيان المجمل:
قد يختلف التابعون في حكم مسألة بسبب اختلافهم في بيان المجمل.
فيحمله بعضهم على شيء، والآخرون على شيء آخر، فمن ذلك اختلافهم في القرء الذي تحسب به عدة المطلقة، هل هو الحيض أو هو الطهر على قولين:
1 - أنها تكون بالحيض، وبه قال مجاهد، وقتادة، وعكرمة، والنخعي، والسدي والحسن، وهو قول عمر، وابن مسعود، والأشعري.
2 - أنها تكون بالطهر، وبه قالت عائشة، وابن عمر، ورواه سعيد عن زيد بن ثابت (2).
أدلة أصحاب القول الأول: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (3)، قالوا: إن القرء هنا هو الحيض.
فعن همام بن يحيى قال: سمعت قتادة في قوله: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} يقول: جعل عدة المطلقات ثلاث حيض، ثم نسخ منها المطلقة التي طلقت قبل أن يدخل بها زوجها، واللائي يئسن من الحيض، واللائي لم يحضن، والحامل.
وعن عطاء الخراساني، عن ابن عباس {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ}
__________
(1) البرهان (2/ 182)، وعنوان له الزركشي بقوله: (قد يستنبط الحكم من المسكوت عن الشيء).
(2) تفسير الطبري (4/ 506500).
(3) سورة البقرة: آية (238).(2/865)
{قُرُوءٍ} قال: ثلاث حيض (1).
عن معمر عن رجل سمع عكرمة قال: الأقراء الحيض، وليس بالطهر، قال تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ولم يقل: «لقرئهن» (2).
عن إبراهيم النخعي أنه رفع إلى عمر فقال لعبد الله بن مسعود: لتقولن فيها، فقال: أنت أحق أن تقول! قال: لتقولن، قال: أقول: إن زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. قال: ذاك رأيي وافقت ما في نفسي. فقضى بذلك عمر (3).
عن النخعي عن قتادة: أن عمر بن الخطاب، قال لابن مسعود فذكر نحوه (4).
وعن الحسن قال: قال عمر: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة (5).
وعن الحسن: أن رجلا طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، ثم وكل بها بعض أهله، فغفل الإنسان حتى دخلت مغتسلها، وقربت غسلها، فأتاه فآذنه، فجاء فقال: إني قد راجعتك فقالت: كلا والله! قال: بلى والله! قالت: كلا والله! قال: بلى والله! قال:
فتخالفا، فارتفعا إلى الأشعري، واستحلفها بالله: لقد كنت اغتسلت، وحلّت لك الصلاة، فأبت أن تحلف فردّها عليه (6).
وعن أبي قلابة قال: أخبرنا معمر عن قتادة قالا: راجع امرأته حين وضعت ثيابها تريد الاغتسال فقال: قد راجعتك. فقالت: كلا! فاغتسلت، ثم خاصمها إلى الأشعري فردها عليه.
__________
(1) تفسير الطبري (4/ 500) 4670.
(2) تفسير الطبري (4/ 501) 4672.
(3) تفسير الطبري (4/ 501) 4675.
(4) تفسير الطبري (4/ 501) 4677.
(5) تفسير الطبري (4/ 502) 4680.
(6) تفسير الطبري (4/ 503) 4687.(2/866)
وعن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، ويحل لها الصوم (1).
أدلة أصحاب القول الثاني: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} قالوا: إن القرء هنا الطهر، وليس الحيض.
وعن عائشة قالت: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها، وحلت للأزواج. قال الزهري: قالت عمرة: كانت عائشة تقول: القرء الطهر، وليس بالحيضة.
عن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار: أن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها، وحلت للأزواج. قال معمر: كان الزهري يفتي بقول زيد.
عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
وفي رواية: عن ابن المسيب في رجل طلق امرأته واحدة، أو اثنتين قال زيد بن ثابت: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها وزاد ابن أبي عدي قال: قال علي بن أبي طالب: هو أحق بها ما لم تغتسل.
وعن ابن عمر، وزيد بن ثابت، أنهما كانا يقولان: إذا دخلت المرأة في الدم من الحيضة الثالثة فإنها لا ترثه، ولا يرثها، وقد برئت منه، وبرئ منها.
وعن نافع أن معاوية بعث إلى زيد بن ثابت فكتب إليه زيد «إذا دخلت في الحيضة
__________
(1) تفسير الطبري (4/ 505) 4695.(2/867)
الثالثة فقد بانت» وكان ابن عمر يقوله (1).
9 - دلالات الأمر والنهي:
للأمر والنهي دلالات عدة، ومن ذلك دلالة الأمر على الوجوب، ودلالة النهي على التحريم والفساد.
وقد جاء عن التابعين شيء من ذلك، فمما وقفت عليه مما يفهم منه ذهاب بعضهم إلى أن الأمر المجرد عن القرينة يفيد الوجوب ما جاء في تفسير قوله تعالى: {فَإِذََا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (2)، استدل بذلك سعيد بن المسيب، والحسن، وجابر بن زيد على وجوب الإشهاد في الرجعة، قال ابن قدامة، وظاهر الأمر الوجوب (3).
ومن ذلك أيضا ما ورد عنهم في الاستدلال على وجوب العمرة بالأمر الوارد في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (4).
ومن باب دلالة النهي على الفساد: ما جاء عن القاسم بن محمد أنه فسخ بيعا وقع في وقت الجمعة لقوله تعالى:
{فَاسْعَوْا إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (5).
وكذلك استدلال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والقاسم، وغيرهم على بطلان الخلع، وتحريم أخذ العوض إذا أكرهت المرأة عليه بسبب عضل الزوج، ومضارتها بالضرب، والتضييق، لقوله تعالى: {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ}
__________
(1) تنظر الآثار في تفسير الطبري (4/ 510506).
(2) سورة الطلاق: آية (2).
(3) المغني (10/ 559)، والمحلى (11/ 167).
(4) سورة البقرة: آية (196).
(5) سورة الجمعة: آية (9) وينظر في ذلك المحلى (5/ 119).(2/868)
{شَيْئاً إِلََّا أَنْ يَخََافََا أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (1)، وقوله تعالى: {لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً وَلََا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مََا آتَيْتُمُوهُنَّ} (2).
والنهي هنا يقتضي التحريم، وفساد المنهي عنه (3).
10 - الاستدلال بالعرف:
الاستدلال العرف أمر درج عليه الأصوليون، وإن كانوا اختلفوا في جعله دليلا مستقلا، وفي تفسير قوله تعالى: {فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (4).
لاحظ التابعون أن الآية أحالت في تقدير ذلك إلى العرف، ولذا ذهبوا في تفسيرها إلى مذاهب شتى:
فجاء عن عبيدة أنه الخبز والسمن.
وعن ابن سيرين: أفضله الخبز، واللحم، وأوسطه الخبز والسمن، وأخسه الخبز والتمر.
وعن الحسن قال: خبز ولحم، أو خبز وسمن، أو خبز ولبن.
واختلفوا في مقدار ذلك، هل هو معين من حنطة، أو صاع من سائر الحبوب، أو من واحد من تمر ومن بر، أو غير ذلك.
وكذلك في مقدار الكسوة هل هي ثوب أو ثوبان، أو قميص، أو رداء، أو إزار، أو عباءة، أو شيء من ذلك مع عمامة إلخ (5).
__________
(1) سورة البقرة: آية (229).
(2) سورة النساء: آية (19).
(3) المغني (10/ 272).
(4) سورة المائدة: آية (89).
(5) المغني (13/ 510).(2/869)
وهذا كله منهم مراعاة للعرف في وقتهم، مما دلّ على اعتمادهم عليه حجة في مثل هذا، والله أعلم.
11 - الاستنباط من اللغة وعادات العرب وأسباب النزول:
لم يغفل التابعون اللغة عند استنباطهم الأحكام الشرعية من القرآن، وهذا أمر بدهي، لأن القرآن نزل بلغة العرب، فمن لم يعرفها فكيف يمكن أن يفهم المراد من الأوامر والنواهي (1)
إلا أنني رأيت أنهم لم يغفلوا أيضا أسباب النزول، وعادات العرب في الجاهلية، فوضعوها نصب أعينهم حتى يتعرفوا على الأحكام من خلالها (2).
فمن ذلك ما جاء في آيات الحج في سورة البقرة قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (3)، وأنه لما كان الله تعالى قد منع الجدال في الحج، وكانت المعاملات التجارية تفضي إلى الجدال والمخاصمة، كانت التجارة مظنة المنع، وأيضا لما حظر لبس المخيط والإنسان قد يكون شديد الحاجة، وكانت التجارة مظنة الحظر، فمن أجل ذلك قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (4) فإذا قيل:
فإن الفعل المذكور في الآية نكرة يمكن أن يحمل على الفعل الشرعي، كالاستزادة من الصلاة، أو الصيام، وقراءة القرآن في الحج، فما الذي يجعلنا نقصره على التجارة ونحوها علما أن هذا خروج بالعموم من عمومه (5).
__________
(1) ومن ذلك ما مرّ من اختلافهم في معنى القرء في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ}.
(2) مرّ بيان ذلك ص (773).
(3) سورة البقرة: آية (198).
(4) تفسير آيات الأحكام لمحمد علي السائس (1/ 108).
(5) سبق أن الراجح عند الأصوليين أن النكرة في سياق النفي تعم.(2/870)
فالجواب ما نجده عند مجاهد، وقتادة، والربيع، فقد بينوا لنا سبب نزول الآيات وذلك أن العرب كانوا يحجون، ولا يتجرون، ويتحرجون من التجارة في الحج، فنزلت هذه الآية (1)، فصار سبب النزول معينا على فهم معنى الآية، وكما يظهر فلا معرفة لنا به إلا إذا كنا على علم بعادات العرب في الجاهلية.
وفي قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفََاضَ النََّاسُ} (2)، نجد أنفسنا بين أمرين:
الأول: أن تكون الإفاضة المذكورة من عرفات.
الثاني: أن تكون الإفاضة هي الإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس، وقد استشكل كل من الأمرين.
أما بالنسبة للأول فلأن الله قال قبل ذلك: {فَإِذََا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفََاتٍ} وهنا قال:
{ثُمَّ أَفِيضُوا}، والمعروف أن الإفاضة واحدة.
وأما بالنسبة للثاني فلأن (حيث) للظرفية المكانية، والقول الثاني يدور حول الإفاضة قبل طلوع الشمس أي الزمانية، ثم لفظ (الناس) من أسماء الأجناس التي تدل على العموم.
وبسبب هذا الإشكال في فهم الآية نجد أئمة التابعين يرجعون في فهمها إلى عادات العرب، فيوردون سبب ذلك وهو أن قريشا كانت تقول: نحن الحمس، أهل الحرم، ولا نخلف الحرم، ويبقون في مزدلفة، فأمروا أن يبلغوا عرفة، جاء هذا عن مجاهد، وقتادة، والسدي، والربيع، وغيرهم (3).
وبذلك عرفنا أن المراد هو الإفاضة من عرفات، ثم بعد ذلك يسهل توجيه
__________
(1) تفسير الطبري (4/ 169162) 3787378137773762.
(2) سورة البقرة: آية (198).
(3) تفسير الطبري (4/ 187) 38393835.(2/871)
الإشكال بأن تكون (ثم) بمعنى الواو، أو أن (ثم) للترتيب الذكري، أو أن (ثم أفيضوا) معطوف على قوله: (واتقون)، وقد أجاز بعضهم أن تكون هذه الآية متقدمة على تلك، ولكنه مجرد احتمال (1).
وفي قوله تعالى: {فَإِذََا قَضَيْتُمْ مَنََاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللََّهَ كَذِكْرِكُمْ آبََاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} (2).
نجد في هذه الآية الأمر بالذكر، والذكر قد يكون عاما فيشمل كل ما دل عليه اسم الجنس هذا، وقد يخصص فيكون المراد التكبير بعد الصلاة في يوم النحر، وأيام التشريق، لأنه لم يعرف في هذه الأيام ذكر خاص إلا هذا الذكر، وقد يكون المراد غير ذلك. ولذا نجد أئمة التفسير يرجعون في استنباط الحكم من الآية إلى عادات العرب التي أشارت الآية إليها {كَذِكْرِكُمْ آبََاءَكُمْ}.
وهي أن القوم في جاهليتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم كانوا يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم، فأمرهم الله في الإسلام أن يكون ذكرهم بالثناء، والشكر والتعظيم لربهم، وقوله: {أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} أي (بل) أشد ذكرا، وجاء هذا المعنى عن مجاهد، وقتادة، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وغيرهم (3).
فتكون الآية تربية لهم لتحويلهم عن هذه العادة القبيحة، فإن الأرضى بكم وقد أنعم الله عليكم بشهود الحج أن تشغلوا بذكر الله لا بذكر آبائكم، يعني توافروا على ذكره، كما كنتم تتوافرون على ذكرهم، بل هذا أولى، لأن ذكركم وثناءكم على آبائكم قد يكون كذبا (4).
__________
(1) انظر هذه الأجوبة في تفسير آيات الأحكام للسايس (1/ 110)، وقد أجاب على الإشكال الثاني بأن (حيث) يمكن أن تكون للتوقيت بالمكان، كما أنها للتوقيت بالزمان.
(2) سورة البقرة: آية (200).
(3) تفسير آيات الأحكام للسايس (1/ 111).
(4) تفسير الطبري (4/ 187)، الآثار 38393835.(2/872)
ولذا فلما أمر الله بالذكر عقبه ما يكون من الناس في الدعاء، ليأخذوا بأحسن الأحوال، ويتركوا غيره: فقال: {فَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنََا آتِنََا فِي الدُّنْيََا وَمََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنََا آتِنََا فِي الدُّنْيََا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنََا عَذََابَ النََّارِ (201) أُولََئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمََّا كَسَبُوا وَاللََّهُ سَرِيعُ الْحِسََابِ} (1).
12 - موقف التابعين من إطلاق الأحكام التكليفية:
المقصود بالأحكام التكليفية: الأحكام الخمسة التي هي الفرض، والمستحب، والمباح، والمكروه، والحرام.
وذهب بعض أهل العلم إلى زيادة الواجب، وهم الحنفية الذين جعلوا الفرض ما يثبت بالقرآن والمتواتر، والواجب ما ثبت بخلاف ذلك (2) وإلا فإن الصحابة، وأئمة التابعين، لم يكونوا يفرقون بينهما، وعلى ذلك الجمهور، وإليه ذهب الحنفية أيضا أي: التفريق بين المكروه تحريما، والمكروه تنزيها، وجعلوا كراهة التحريم أقل مرتبة من الحرام (3).
وأما كراهة التنزيه فهي لا تنافي الإباحة، هذا ما استقر عليه القول في الأحكام التكليفية (4).
وقد لاحظت أن أئمة التابعين لم يكونوا يطلقون الأحكام التكليفية (الحرام) أو (الوجوب) إلا فيما كان فيه الدليل قطعيا، ولذا فمع استقرائي لاستنباطاتهم الحكم من آيات الأحكام لم ألحظ لهم قولا شاذا يطلق التحريم أو الإيجاب في مسائل الاجتهاد، بل كانت أقوالهم وفتاواهم تدور حول أمري (يعجبني)، (لا ينبغي) ونحو ذلك،
__________
(1) سورة البقرة: آية (202201).
(2) يراجع في ذلك فواتح الرحموت (1/ 58)، وشرح الكوكب المنير (1/ 345).
(3) ينظر فتح الباري (2/ 363) 559 (3/ 318).
(4) فواتح الرحموت (1/ 58).(2/873)
حتى المدرسة البصرية التي كانت تميل لمنهج الوعظ، وكانت عباراتها شديدة لم تكن تطلق الأحكام القطعية في موارد الاجتهاد، وقد تبين لي ذلك من خلال استقراء ما ورد عنهم من اجتهادات في التفسير والاستنباط، وهم في هذا كله متأدبون بأدب القرآن الكريم (1).
{وَلََا تَقُولُوا لِمََا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هََذََا حَلََالٌ وَهََذََا حَرََامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ لََا يُفْلِحُونَ} (2)، وقوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدََاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللََّهَ حَرَّمَ هََذََا فَإِنْ شَهِدُوا فَلََا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} (3).
__________
(1) فتح الباري (4/ 150).
(2) سورة النحل: آية (116).
(3) سورة الأنعام: آية (150).(2/874)
المبحث الرابع منهجهم في تلقي ورواية الإسرائيليات
إن التفسير ثروة ضخمة، وعلم لا ساحل له، فهو علم يحتاج من الإنسان علوما ومعارف عظيمة متنوعة، من لغة، وإعراب، وبلاغة، وفقه، واطلاع على الخلافات، والفرق، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم.
وكان من المتوقع أن يصطدم المفسرون بروايات أهل الكتاب عن كتبهم، ويحدث عند المسلمين رد فعل لذلك، إلا أنه مما سهل خطب هذا الأمر وجود الآثار النبوية التي توضح لنا الموقف من مرويات أهل الكتاب، فإن الآثار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم منها ما قد نسخ بغيره، وهي آثار المنع المطلق، ولم يبلغ النسخ بعضهم فتشدد في منع الرواية عنهم مطلقا، ومنهم من فهم من الرخصة أمرا أوسع مما جاءت به، فانطلق في روايته عنهم.
وأحاول في هذا البحث أن أبين منهج التابعين في تلقي الإسرائيليات وأدائها في التفسير خاصة، ولا سيما أن الرواية عن بني إسرائيل كثرت في عصر متأخري التابعين من مثل السدي، وغيره، وإن كان قبله قد ظهر كعب الأحبار، ووهب بن منبه إلا أنهم أقل منه في هذا الباب، ثم إنهم ليسوا من مشاهير مفسري التابعين (1).
سبب التسمية:
إسرائيل: اسم أعجمي مركب من «إسرا» وهو العبد، و «إيل» من أسماء الله، فكأنه عبد الله (2)، وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام،
__________
(1) ومرادي بذلك أنهم ليسوا ممن صارت لهم شهرة بالمعنى الذي ذكرته في مقدمة فصل أشهر رجال المدارس ص (80).
(2) وفيه أقوال أخرى تنظر في البحر المحيط (1/ 171).(2/875)
ومن ذريته كانت اليهود، والإسرائيليات الموجودة في كتب التفسير ليست كلها من اليهود، بل منها ما هو عن النصارى، فكان المتوقع أن تكون التسمية تشمل ما ورد عن أهل الكتاب يهودا كانوا أو نصارى، إلا أن الذي درج هو تسميتها بالإسرائيليات نسبة لليهود ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذه التسمية تسمية أغلبية لعدة أسباب:
1 - وجود النص النبوي (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
2 - كثرة اليهود في المدينة، وقلة النصارى بها (1).
3 - الرواية عن اليهود أكثر عددا، فبالنظر إلى المروي عن موسى وعيسى، نجد المروي عن موسى أكثر عددا (2)، حتى عند أهل الكتاب، وقد يرجع السبب إلى أن عيسى عليه السلام لم ينسخ كل شريعة موسى وإنما بعضها، {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (3) و {وَمُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرََاةِ} (4).
كل هذه الأسباب وغيرها، كانت الباعث على تسمية المروي عن أهل الكتاب بالإسرائيليات، وإن كان منه ما هو ليس عن بني إسرائيل.
الإسرائيليات بين القبول والرد:
ورد في شأن الحديث عن أهل الكتاب أخبار صحيحة، منها ما يمنع ومنها ما يبيح، ولهذا اختلف أهل العلم في المراد بها.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى
__________
(1) علوم القرآن والتفسير، لعبد الله شحاتة (245).
(2) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير (14).
(3) سورة آل عمران: آية (50).
(4) سورة آل عمران: آية (50).(2/876)
النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال:
«أمتهوكون (1) فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا» (3).
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (4).
فهذه بعض الأحاديث التي رويت في هذا الباب، والظاهر أن الحديث الأخير هو الرخصة المتأخرة، لما تقرر من أن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، يؤيده فهم الراوي لحديث الإباحة منه ذلك، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان أكثر الصحابة حديثا عن أهل الكتاب.
قال ابن حجر: قوله: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي: لا ضيق عليكم
__________
(1) التهوك: التحير، وفي الحديث: «أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى»، قال الحسن: معناه متحيرون، ينظر مختار الصحاح (618).
(2) رواه أحمد في مسنده (3/ 387) 15164، ط شاكر.
(3) رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير، باب (قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا)، ينظر الفتح (8/ 170) 4485.
(4) رواه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ينظر الفتح (6/ 496) 3461، ورواه الترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (5/ 39) 2669.(2/877)
في الحديث عنهم لأنه تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور، وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار (1).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر حديث الإباحة: ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد (2).
وقد ورد في معنى الحديث أقوال أخر، يقول ابن حجر: وقيل: لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولا: (حدثوا) صيغة أمر تقتضي الوجوب، فأشار إلى عدم الوجوب، وأن الأمر فيه للإباحة بقوله: (ولا حرج) أي: في ترك التحدث عنهم.
وقيل: المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة، نحو قولهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقََاتِلََا} (3)، وقولهم: {اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً} (4).
وقيل: المراد ببني إسرائيل: أولاد إسرائيل نفسه، وهم أولاد يعقوب، والمراد حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف، وهذا أبعد الأوجه.
وقال مالك: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا.
__________
(1) فتح الباري (6/ 498).
(2) مجموع الفتاوى (13/ 366).
(3) سورة المائدة: آية (24).
(4) سورة الأعراف: آية (138).(2/878)
وقيل: المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن، والحديث الصحيح، وقيل:
المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع، أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحدث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية، فإن الأصل في التحدث بها الاتصال، ولا يتعذر ذلك لقرب العهد.
وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى:
حدثوا عن بني إسرائيل مما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم، وهو نظير قوله: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم»، ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث بما يقطع بصدقه (1).
ثم ذكر ابن حجر بعض أحاديث المنع فقال: قال ابن بطال عن المهلب: هذا النهي إنما هو في سؤالهم عما لا نص فيه لأن شرعنا مكتف بنفسه، فإذا لم يوجد فيه نص، ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم، ولا يدخل في النهي سؤالهم من الأخبار المصدقة لشرعنا، والأخبار عن الأمم السالفة، وأما قوله تعالى: {فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكَ}، المراد به: من آمن منهم، والنهي إنما هو عن سؤال من لم يؤمن منهم، ويحتمل أن يكون الأمر مختصا بما يتعلق بالتوحيد والرسالة المحمدية، وما أشبه ذلك، والنهي عما سوى ذلك (2).
تقرر من ذلك أن الإذن بالتحديث هو الرافع المبيح، فالمعلوم أن أحاديث أهل الكتاب فيها كذب كثير، وهذا كما جاء في كلام مالك والشافعي، مما لا تحل روايته.
وكذلك عندهم ما لا يتوقف ثبوت ديننا عليه مما جازت روايته، فهل تكفي الرواية دون التمحيص! والجواب أن ما لم يعلم كذبه، ولا صدقه، فالأصل فيه الإباحة
__________
(1) فتح الباري (6/ 499498).
(2) الفتح (13/ 334).(2/879)
للحديث المبيح، لكن قد يكون البحث ناقصا.
يقول شيخ الإسلام بعد أن ذكر أن الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد: فإنها على ثلاثة أقسام:
«أحدها» ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
و «الثاني» ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
و «الثالث» ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك.
كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلََاثَةٌ رََابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سََادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثََامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مََا يَعْلَمُهُمْ إِلََّا قَلِيلٌ فَلََا تُمََارِ فِيهِمْ إِلََّا مِرََاءً ظََاهِراً وَلََا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} (1).
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته: إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على
__________
(1) سورة الكهف: آية (22).(2/880)
عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه فلهذا قال: {فَلََا تُمََارِ فِيهِمْ إِلََّا مِرََاءً ظََاهِراً} أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب (1).
وقد نقل الإمام ابن كثير كلام شيخ الإسلام بطوله في مقدمة تفسيره واعتمده عند تعرضه للتفسير (2)، فنقل عن التابعين وأتباعهم، بعض ما رووه من الإسرائيليات، وإن كان غالبا ما يعلق على المنكر منها.
وأما الشيخ أحمد شاكر فقد خالف هذا المسلك في اختصاره لابن كثير فقال: إن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه ولا كذبه شيء، وذكر ذلك في تفسير القرآن، وجعله قولا أو رواية في معنى الآيات، أو في تعيين ما لم يتعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل فيها شيء آخر!! لأن في إثبات مثل ذلك بجوار كلام الله ما يوهم
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/ 368366).
(2) تفسير ابن كثير (1/ 8).(2/881)
أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه مبين لمعنى قول الله سبحانه، ومفصل لما أجمل فيه، وحاشا الله وكتابه من ذلك (1).
أما حال التابعين فقد اختلف في هذا المسلك، فمنهم من اعتمد هذه الروايات المبينة، واعتمدوا فعل الصحب الكرام في الجواز، وأكثر منها مستأنسا، في حين أننا نجد البعض الآخر قد ترك الاعتماد على هذا المصدر، وأعرض عن هذا المنهج إعراضا كليا بناء على قناعته وعدم رضاه، ولم تختص بذلك مدرسة دون أخرى.
فها هو عطاء كان من المدرسة المكية التي تعد من أكثر المدارس تساهلا في الرواية عن أهل الكتاب، ومع ذلك فإنه يعتبر من أقل التابعين في هذا الجانب، فالمروي عنه قليل جدا (2).
ومما تجدر الإشارة إليه أن التابعين الذين اعتمدوا منهج الأخذ عن بني إسرائيل، واعتبروا ذلك أحد مصادر تفسيرهم، لم يكثروا في هذا الجانب، بل بقيت النسبة في حدود مقبولة في سائر عصر التابعين، وإن كان بعض المتأخرين منهم كالسدي قد خالف هذا المنهج، وانفرد بالإكثار من الرواية، أما بقيتهم بل جميعهم، فلم ينقل عنهم إلا القليل (3).
ثم إن هؤلاء لم يدخلوا في كثير من التفاصيل، وتبقى روايتهم للمنكر من القصص قليلة أيضا بالنسبة لما رووه عن بني إسرائيل، والله أعلم (4).
__________
(1) عمدة التفاسير (1/ 15).
(2) وقد سبق أن فصلت هذه المسألة في ترجمة عطاء ص (195).
(3) باستثناء السدي، فإن مشاهير مفسري التابعين لم يعتمدوا تلك الأخبار في تفاسيرهم، فإن المروي عنهم في التفسير (17172) أثرا، منها (355) في الإسرائيليات، أي أن نسبة المروي عنهم لا تزيد على (02، 0) من مجموع تفسيرهم.
(4) ظهر لي أنه يمكن أن تكون كل الأحاديث معمولا بها لا نسخ فيها، وأن تحمل رواية المنع على من لا علم له، أو ما زال دينه رقيقا لأن المنع جاء في بداية الدعوة قبل انتشارها، وتمكنها من القلوب خشية تسرب الشك للمؤمنين، وأما من كان قويا في دينه ومعتقده فلا عليه أن يحدث(2/882)
جماع أعذار المفسرين في النقل عن بني إسرائيل:
سبق بيان أقوال أهل العلم في جواز الرواية عن بني إسرائيل فيما لا يعلم كذبه، وذلك للاستشهاد لا للاعتقاد، ومع ذلك فقد وجدنا في بعض ما نقل إلينا ما لا يصلح أن يعتمد عليه ولو في الاستشهاد.
والمطالع لأحوال التابعين يجدهم يروون الآثار دون حرج يذكر ممن يرويها، وأعتقد أن الحساسية الموجودة اليوم من مجرد الرواية للإسرائيليات لم تكن موجودة بمثل هذا التحرج الموجود اليوم، فالتابعون كانوا يوردون الإسرائيليات للاستشهاد لا للاعتقاد، ولذلك فإن القصة التي تنقلها هذه الرواية لا يعتمدون عليها، بل يذكرونها لكونها حدثا تاريخيا مثلا يوضح شيئا من المراد من تلك القصة، ولا يؤدي هذا بهم إلى تصديقها مع الأثر الوارد: «لا تصدقوا أهل الكتاب».
وثمة عذر آخر، وهو أنهم تركوا لمن بعدهم فرصة التعرف عليها وبيان سقيمها من صحيحها.
قال الطوخي: إنهم دونوا كثيرا من الإسرائيليات لما يظنون به أن له نفعا لتبيين بعض النواحي في أنباء القرآن الكريم من معارف عصرهم المتوارثة من اليهود وغيرهم، تاركين أمر غربلتها لمن بعدهم من النقاد حرصا على إيصال تلك المعارف إلى من بعدهم لاحتمال أن يكون فيها بعض فائدة من إيضاح مجمل، لا لتكون حقائق يراد اعتقادها، والأخذ بها على علاتها دون تمحيص، فلا تثريب على من دون الإسرائيليات بهذا القصد.
__________
عنهم بالشرط المذكور وهو عدم التصديق، أو التكذيب فيما لا يعلم كذبه، وسيأتي أن ابن عباس كان ينهى عن الحديث عنهم، في حين حدث عنهم مما يبلغ قرابة الثلاثمائة وخمسين رواية. والله أعلم.(2/883)
ثم مثل ذلك بصنيع رواة الحديث حين عنوا بادئ ذي بدء بجمع الروايات كلها، تاركين أمر التمييز بين صحاحها وضعافها لمن بعدهم من النقاد (1).
موقف المدارس التفسيرية من الإسرائيليات:
لم تكن المدارس المختلفة على نهج واحد في تلقي الإسرائيليات، بل لم يكن أتباع المدرسة الواحدة على منهج واحد في قبول أو رواية الإسرائيليات، ولكننا يمكن أن نلحظ عاملا مشتركا أغلبيا في كل مدرسة على حدة كما سيأتي، كما يمكن أن ندرك على سبيل عموم التابعين خمسة أقسام رئيسة:
1 - معرض عنها كالحسن، والنخعي، والشعبي، وعطاء، ويعد النخعي من أشدهم على الإطلاق في قبول ورواية الإسرائيليات.
2 - متورع في روايتها مع الاختصار والاحتياط نحو قتادة.
3 - مورد لها باختصار مع الحرص على رواية المقبول كعكرمة، ومجاهد.
4 - متردد في المنهج كالربيع بن أنس، فإننا نجده ينقله بطوله، وتارة نجده يحتاط كسائر البصريين.
5 - متساهل مكثر كالسدي في المقام الأول، ومحمد بن كعب، وأبي العالية، وابن جبير في المقام الثاني (2).
وبعد هذا أستعرض المدارس الرئيسة للتفسير لبيان موقفها من الإسرائيليات:
__________
(1) مقالات الكوثري (34).
(2) بلغت نسبة الإسرائيليات في عموم روايات السدي (16، 0)، يليه في ذلك محمد بن كعب القرظي (07، 0)، ثم أبو العالية (65، 0)، فابن جبير (06، 0).(2/884)
المدرسة المكية:
تعد المدرسة المكية من أكثر المدارس توسعا في الاعتماد على روايات أهل الكتاب، وأسباب ذلك ترجع إلى:
1 - شيخ المدرسة ابن عباس رضي الله عنهما:
لقد كان ابن عباس ينعي على المسلمين سؤال أهل الكتاب، كما أخرج البخاري عنه أنه قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلّى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا، فكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنا قليلا، أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم (1).
ومع هذا فقد كان ابن عباس يكثر من سؤال كعب الأحبار، فعن عبد الرحمن بن الأعرج قال: كان ابن عباس يقرأ {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ثم فسرها ذات حمأة، قال لنافع:
واسأل عنها كعب فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني، ولكني أجدها في الكتاب: تغيب في طينة سوداء (2).
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه كتاب الشهادات، باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة، ينظر الفتح (5/ 291) 2685، ورواه أيضا في كتاب الاعتصام باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء»، ينظر الفتح (13/ 333)، ورواه أيضا في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، ينظر الفتح (13/ 496) 7523.
(2) تفسير نافع بن أبي نعيم (42)، وتفسير الطبري (16/ 11)، وتفسير ابن كثير (5/ 189)، وأورده السيوطي بذكر قصة في أوله، وفيه فقال: فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة وذكر بقية الأثر بلفظ مقارب، وعزى السيوطي هذا الأثر إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (5/ 450).(2/885)
ولعل السبب في هذا الاختلاف عن ابن عباس أنه كان يحذر لئلا يسأل من ليس بأهل فيقع في شك، أو حيرة، في حين أن العالم المتمكن الذي لا يخشى عليه من ذلك له أن يسأل مستفيدا من الرخصة، ثم إن ظاهر كلامه أنه يخاطب غير أهل مكة لأن مكة لا يدخلها غير مسلم، وهو يقول: (والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم).
والحاصل أن ابن عباس توسع في الرواية عن بني إسرائيل فتبعه أصحابه في ذلك، ولا سيما مجاهد.
ومن الأدلة الواضحة على توسع المدرسة المكية أننا نرى القادمين إليها قد تأثروا بها، وتوسعوا في الرواية عن بني إسرائيل تبعا لتوسع أئمة المدرسة المكية، فعلى سبيل المثال نرى أبا العالية الذي تأثر بالمنهج المكي من أكثر البصريين رواية لها، وبدا هذا واضحا في سلوك تلميذه الربيع
وكذلك من الكوفيين سعيد بن جبير والسدي، أكثروا من الروايات تأثّرا بمكة. في حين كانت المدرستان العراقيتان تتقيان هذا النمط، حتى إن الكوفيين قد انتقدوا تفسير مجاهد بسبب كثرة أخذه عن أهل الكتاب.
2 - لقاؤهم كعب الأحبار:
لا شك أن وجود رجل مثل كعب بين ظهراني تابعي المدرسة المكية، وسؤال ابن عباس له، كان له الأثر القوي في كثرة الرواية عن أهل الكتاب في هذه المدرسة.
3 - الوسط المكي الذي لا يوجد به يهود، فمكة لا يدخلها اليهود، لذا لم تكن ثمة حساسية في الرواية عن أهل الكتاب، في حين كان الحذر والحيطة في المدينة شديدين.
وقبل أن أختم الحديث عن المدرسة المكية أقف وقفة مع عكرمة، وعطاء، فمع حرصهما على الرواية عن شيخ المدرسة ابن عباس فقد كانت رواياتهم بعامة عن بني
إسرائيل قليلة.(2/886)
وقبل أن أختم الحديث عن المدرسة المكية أقف وقفة مع عكرمة، وعطاء، فمع حرصهما على الرواية عن شيخ المدرسة ابن عباس فقد كانت رواياتهم بعامة عن بني
إسرائيل قليلة.
فعكرمة وإن كان محبا لأسباب النزول، ومن المكثرين من الرواية عن ابن عباس فإنه أعرض عن كثير من الإسرائيليات، ولم يرو عن ابن عباس منها إلا القليل، وغالبها كان في بيان المبهمات (1).
وأما عطاء فمما يحمد له أيضا أنه مع انتمائه إلى مدرسة أكثرت من الرواية عن بني إسرائيل، فقد خالفها في ذلك، وأعرض عن تلك الروايات.
وبعد استعراض منهج المدرسة المكية في الأخذ عن بني إسرائيل، أود أن ألفت النظر أن المشتهرين من الصحابة بالرواية عن بني إسرائيل كان أكثرهم من الصحابة الذين عاشوا بالمدينة ومكة (2)، مما يؤكد منهج المدرسة المكية في الإكثار من هذه الروايات.
المدرستان العراقيتان (البصرية والكوفية):
انفردت مدرستا العراق، وخاصة مدرسة الكوفة بقلة المروي عنها في الجانب الإسرائيلي، فلا نكاد نجد فيها الكثرة التي كانت في المدرسة المكية، وقد تعود أسباب ذلك إلى ما يلي:
1 - تأثر المدرستين بالمدرسة المدنية التي قلّ فيها هذا النتاج، ولا سيما أن عمر رضي الله عنه كان شديدا على كعب الأحبار، لئلا يحدث الناس بما يفتنهم (3).
وتأثرت المدرسة الكوفية أيضا بابن مسعود شيخها، الذي كان بعيدا عن الرواية في
__________
(1) بلغ المروي عن ابن عباس في الإسرائيليات من طريق أصحابه (346) رواية انفرد سعيد بن جبير فيها بنسبة (26، 0)، بينما لم يزد ما ورد عن عكرمة عنه على (10، 0)، في حين لم تتعد نسبة المروي عن عطاء (003، 0) أي: رواية واحدة فقط.
(2) الإسرائيليات في التفسير والحديث (56)، (76).
(3) السير (3/ 490).(2/887)
هذا الجانب، يحذو حذو عمر في أعماله، وأقواله.
2 - كثرة الأهواء والفتن بالعراق، فقد حذر العلماء من هذه الروايات من قبل عهد التابعين، فقد جاء علي رضي الله عنه وأخرج القصّاص من مسجد الكوفة، وكانوا قد انتشروا في العراق، فكان رضي الله عنه يمنعهم. ومما يروى عنه رضي الله عنه أنه أخرج كل من فيه من القصّاص، ووقف عند الحسن البصري فرآه لم يخرج في قصصه عن القرآن، والدعوة إلى هدايته فتركه (1).
ومما يحمد للمدرسة البصرية أيضا أنها مع تساهلها في الجانب الروائي لحديث المصطفى صلّى الله عليه وسلم، وتجويز روايته بالمعنى، وكثرة الأحاديث المرسلة عندهم، وميلها للوعظ والقص فقد كانت بضاعة الإسرائيليات عندها قليلة.
ومما يدل على ذلك، ما نلحظه من تفسير الحسن، وتفسير غيره، والتفاوت بينهم، فعند قوله تعالى: {فَلَمََّا آتََاهُمََا صََالِحاً} (2)، ذكروا في ذلك الأثر المنكر في تسمية عبد الحارث لولد حواء، وإشراكهما في التسمية، قال ابن كثير: وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومن الطبقة الثانية قتادة، والسدي، وغير واحد من السلف (3)، في حين قد روي عن الحسن فقط المخالفة، ورجحه ابن كثير (4).
المدرسة المدنية:
يعد أبيّ بن كعب رضي الله عنه من أقل الصحابة اعتمادا على الإسرائيليات،
__________
(1) القرآن المعجزة الكبرى لأبي زهرة (564).
(2) سورة الأعراف: آية (190).
(3) تفسير ابن كثير (3/ 531).
(4) المرجع السابق (3/ 531).(2/888)
فلم يرو عنه إلا خبران، وفي إسنادهما مقال (1).
ومع عناية المدنيين، واهتمامهم بالمغازي، والسير، وتقدمهم فيها إلا أنه مما يلفت النظر إعراضهم عن قصص بني إسرائيل، وشدة تحرجهم من روايتها، واتضح هذا في طبقة كبار التابعين، ومتوسطيهم، وإن كثرت عند صغارهم كمحمد بن كعب، وبعده من أتباعهم محمد بن إسحاق.
الفرق بين الصحابة والتابعين في تناول الإسرائيليات:
لقد قمت بحمد الله باستعراض جل الآيات التي تكلم فيها التابعون وغيرهم في مجال الإسرائيليات، وقد بلغت نحوا من اثنين وأربعين موضعا.
ثم قمت بدراسة هذه المواضع كلها، فتبين لي من خلالها أن هناك فروقات بين تناول الصحابة لبعض الآيات، وتناول التابعين لها.
وجماع هذه الفروقات فيما ظهر لي كما يلي:
1 - عدد المرويات:
كان المنقول عن الصحابة من الإسرائيليات أقل من المنقول عن التابعين (2).
2 - كيفية إيراد المرويات:
الغالب على عموم الصحابة من المفسرين الإقلال من الرواية عن بني إسرائيل، إلا ما كان من حال ابن عباس رضي الله عنهما فإنه توسع في سرد قصص بني إسرائيل، ومن أهم الفروق بينه، وبين غيره من مشاهير مفسري التابعين أنه غلب عليه الإطالة،
__________
(1) ينظر رسالة أبي بن كعب وتفسير القرآن (371).
(2) وجدت أن ما روي عن ابن عباس بلغ (346) رواية، في حين كان المروي عن السدي (277) رواية، ومجاهد (193) رواية، وعن قتادة (169)، أي أن مجموع ما روي عن التابعين أكثر من مجموع ما روي عن الصحابة.(2/889)
والتفصيل في رواية تلك القصص، مع تساهله في إيراد بعض القصص المخالفة، والمنكرة، ويتضح لنا هذا جليا بذكر بعض الأمثلة:
فقد جاء عنه عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظََالِمُونَ} (1)، قال: لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان، فلما هجم على البحر، هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق، فلما رآها الحصان تقحّم خلفها. قال: وعرف السامري جبريل لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه، فيجد في بعض أصابعه لبنا، وفي الأخرى عسلا، وفي الأخرى سمنا، فلم يزل يغذوه حتى نشأ. فلما عاينه في البحر عرفه، فقبض قبضة من أثر فرسه، وألقي في روع السامري: أنك لا تلقيها على شيء فتقول: «كن كذا وكذا» إلا كان. فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر.
فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر، وأغرق الله آل فرعون، قال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي وأصلح. ومضى موسى لموعد ربه، قال: وكان مع بني إسرائيل حليّ من حليّ آل فرعون قد تعوروه، فكأنهم تأثموا منه، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله. فلما جمعوه، قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا، فقذفها فيه وقال: كن عجلا جسدا له خوار، فصار عجلا جسدا له خوار، وكان تدخل الريح في دبره وتخرج من فيه، يسمع له صوت، فقال: هذا إلهكم وإله موسى. فعكفوا على العجل يعبدونه، فقال هارون: يا قوم، إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري! قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى (2).
وعند ما نقارن هذا بما جاء عن مجاهد، حيث اقتصر واختصر، فقال: العجل حسيل البقرة، ثم قال: حلي استعاروه من آل فرعون، فقال لهم هارون: أخرجوه
__________
(1) سورة البقرة: آية (51).
(2) تفسير الطبري (2/ 63) 918، وينظر الأثر (921) فقد أطال في سرد، وتفصيل القصة.(2/890)
فتطهروا منه وأحرقوه. وكان السامري أخذ قبضة من أثر فرس جبريل فطرحه فيه، فانسبك، فكان له كالجوف تهوي فيه الرياح (1).
وقال أبو العالية عند هذه الآية: إنما سمي العجل لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى (2).
والأمثلة غير هذا كثيرة (3).
كما أن ابن عباس رضي الله عنهما تساهل في رواية بعض القصص الغريب والمنكر، فمن ذلك:
ما جاء عنه في تفسير قوله تعالى: {وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النََّاسَ السِّحْرَ} (4)، حيث قال: كان الذي أصاب سليمان بن داود، في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه. قال: فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضى لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا. قال:
وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من نسائه، أعطى الجرادة خاتمه. فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان، في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي! فأخذه فلبسه. فلما لبسه دانت له الشياطين، والجن والإنس. قال: فجاءها سليمان فقال: هاتي خاتمي! فقالت: كذبت، لست بسليمان! قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به. قال: فانطلقت
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 68) 923، 925، 926.
(2) تفسير الطبري (2/ 68) 924.
(3) لملاحظة الفرق تراجع الآثار التالية في تفسير الطبري (1138، 1139، 1142) و (5660، 5662، 5663)، و (11657، 11658، 11660)، و (18138، 18141، 18134، 18135)، و (15/ 201، 15/ 204).
(4) سورة البقرة: آية (102).(2/891)
الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرءوها على الناس وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب! قال: فبرئ الناس من سليمان وأكفروه، حتى بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم، فأنزل جل ثناؤه:
{وَاتَّبَعُوا مََا تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ} يعني الذي كتب الشياطين من السحر والكفر {وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا}، فأنزل الله جل وعز عذره (1).
وعند ما نقارن هذا بالمروي عن التابعين نجد قتادة يقول عند تفسير هذه الآية: كتبت الشياطين كتبا فيها سحر وشرك، ثم دفنت تلك الكتب تحت كرسي سليمان، فلما مات سليمان استخرج الناس تلك الكتب، فقالوا: هذا علم كتمناه سليمان! فقال الله جل وعز: {وَاتَّبَعُوا مََا تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النََّاسَ السِّحْرَ} (2).
ونجد مجاهدا يفسرها بقوله: كانت الشياطين تستمع الوحي من السماء، فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مثلها، وإن سليمان أخذ ما كتبوا من ذلك فدفنه تحت كرسيه، فلما توفي وجدته الشياطين فعلمته الناس (3).
ومن ذلك أيضا ما جاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنََّا سُلَيْمََانَ وَأَلْقَيْنََا عَلى ََ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنََابَ} (4).
قال: أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء، فأعطى الجرادة خاتمه وكانت جرادة امرأته أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأعطته، فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين، فلما خرج سليمان عليه
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 414) 1660.
(2) تفسير الطبري (2/ 416) 1664.
(3) تفسير الطبري (2/ 416) 1665، وتفسير عبد الرزاق (1/ 53)، وزاد المسير (1/ 121).
(4) سورة (ص): آية (34).(2/892)
السلام من الخلاء قال لها: هاتي خاتمي فقالت: قد أعطيته سليمان، قال: أنا سليمان قالت: كذبت لست سليمان. فجعل لا يأتي أحدا يقول: أنا سليمان إلا كذبه، حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله عز وجل، وقام الشيطان يحكم بين الناس.
فلما أراد الله تعالى أن يرد على سليمان عليه السلام سلطانه، ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء سليمان عليه السلام فقالوا لهن: أيكون من سليمان شيء قلنا: نعم، إنه يأتينا ونحن حيض، وما كان يأتينا قبل ذلك.
فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له، ظن أن أمره قد انقطع، فكتبوا كتبا فيها سحر ومكر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها وقرءوها على الناس قالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم، فأكفر الناس سليمان، فلم يزالوا يكفرونه، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم، فطرحه في البحر، فتلقته سمكة فأخذته، وكان سليمان عليه السلام يعمل على شط البحر بالأجر، فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فدعا سليمان عليه السلام فقال: تحمل لي هذه السمك ثم انطلق إلى منزله، فلما انتهى الرجل إلى باب داره أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فأخذها سليمان عليه السلام، فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه، وكان شيطانا مريدا يطلبونه ولا يقدرون عليه، حتى وجدوه يوما نائما، فجاءوا فنقبوا على بنيانا من رصاص، فاستيقظ، فوثب، فجعل لا يثبت في مكان من البيت إلا أن دار معه الرصاص، فأخذوه وأوثقوه، وجاءوا به إلى سليمان عليه السلام، فأمر به فنقر له في رخام، ثم أدخل في جوفه، ثم سد بالنحاس، ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله:(2/893)
{وَلَقَدْ فَتَنََّا سُلَيْمََانَ وَأَلْقَيْنََا عَلى ََ كُرْسِيِّهِ جَسَداً} يعني الشيطان الذي كان تسلط عليه (1).
وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية عن ابن عباس، وقوى إسنادها، وقال: في هذا السياق منكرات من أشدها ذكر النساء، فإن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان، بل عصمهن الله منه، تشريفا وتكريما لنبيه صلى الله عليه وسلم (2).
وهذه القصة رويت عن بعض التابعين كمجاهد وقتادة (3) وغيرهما، ومع هذا فلم يرو عنهم مسألة التسليط على النساء، بل إن قتادة فيما رواه ابن جرير عنه صرح بذلك فقال: سلط على ملك سليمان كله غير نسائه (4).
3 - ما انفرد به التابعون:
ومع هذا التميز في منهج التابعين، فإنهم قد انفردوا بعدد من المواضع (5) التي لم أجد فيها رواية لأحد من الصحابة، ومنها ما جاء عند تفسير قوله تعالى: {إِذْ قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنََا مَلِكاً نُقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ} (6)، حيث اختلفوا في السبب الذي من أجله سأل الملأ من بني إسرائيل نبيهم ذلك، فروى قصة ذلك وهب بن منبه (7)، والربيع بن أنس (8) والسدي (9).
__________
(1) أورده السيوطي في الدر وقوى إسناده، وعزاه إلى النسائي، وابن أبي حاتم عن ابن عباس به (7/ 179).
(2) تفسير ابن كثير (7/ 60).
(3) تفسير الطبري (23/ 157).
(4) تفسير الطبري (23/ 158).
(5) كما سبق أن ذكرت أني قمت بتتبع أشهر مواضع الإسرائيليات، فوجدتها تروى في اثنين وأربعين موضعا كما جاء ذلك عند الطبري، وانفرد التابعون باثني عشر موضعا منها.
(6) سورة البقرة: آية (246).
(7) تفسير الطبري (5/ 297294) 5631.
(8) تفسير الطبري (5/ 297) 5632.
(9) تفسير الطبري (5/ 298) 5635.(2/894)
وعند تفسير قوله تبارك وتعالى: {وَقََالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللََّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طََالُوتَ مَلِكاً} (1)، قص وهب بن منبه (2)، والسدي (3) السبب الذي كان وراءه تمليك الله طالوت على بني إسرائيل، وقولهم لنبيهم: {أَنََّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنََا}، وعند تأويل قوله سبحانه: {إِذْ قََالَتِ امْرَأَتُ عِمْرََانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مََا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (4)، فصل عكرمة (5)، ووهب (6) القول في سبب نذر امرأة عمران.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي ذكرها ابن جرير الطبري (7).
أسباب رواية الإسرائيليات في كتب التفسير:
سبق وأن بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن النظر في كتب اليهود، ونهى عن سؤال أهل الكتاب، ثم لما استقرت الشريعة أباح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر، بشرط ألا نكذبهم، وألا نصدقهم فيما لا نعلم كذبه يقينا، ولكن بعد التتبع والاستقرار وجدت أن ثمة أسبابا أخرى دفعت إلى الرواية عن بني إسرائيل في كتب الإسرائيليات غير الرخصة المذكورة، ومن ذلك.
1 - عنصر التشويق:
يذكر ابن خلدون في مقدمته أن العرب غلبت عليهم البداوة والأمية، وتشوقوا
__________
(1) سورة البقرة: آية (247).
(2) تفسير الطبري (5/ 306) 5636، 5637.
(3) تفسير الطبري (5/ 309) 5638.
(4) سورة آل عمران: آية (35).
(5) تفسير الطبري (6/ 332) 6875.
(6) تفسير الطبري (6/ 341) 6894.
(7) تراجع الآثار التالية في تفسير الطبري (7001، 7002) و (7098، 7107، 7122)، و (7137، 7142)، و (15/ 216)، (15/ 222) و (16/ 21) و (19/ 168، 19/ 169)، و (19/ 156) و (23/ 82) و (23/ 9392).(2/895)
لمعرفة ما تشوقت إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات والكونيات، وبدء الخليقة (1)، والمعروف أن التوراة في أسفارها بخاصة في سفر التكوين تميل إلى الإطناب والإفاضة، ورواية كل ما يتعلق بتكوين الخليقة (2).
فنحن نرى مجاهدا على جلالة قدره، وهو شيخ المفسرين من التابعين بعامة، وإمام المدرسة المكية بخاصة كان شغوفا بمعرفة العجائب والغرائب حتى إنه كان ليسافر لرؤية الأماكن التي جاء ذكرها في القرآن كبئر هاروت وماروت وغيرها (3).
2 - عدم وجود النص المرفوع:
وقد يدخل التابعي إلى التفسير عن بني إسرائيل من باب أنه لا يجد غير ذلك من النصوص في هذه الآية، فيجذبه النص الإسرائيلي حتى يرويه في التفسير، ولذا نجد أن جل الإسرائيليات جاءت فيما لا أثر صحيح فيه، وهذا من أكثرها، فمن ذلك ما ورد في السبب الذي من أجله قالوا لموسى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى اللََّهَ جَهْرَةً} (4)، حيث قال السدي: لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل، وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به، أمر الله تعالى موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدا. فاختار موسى من قومه سبعين رجلا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلما أتوا ذلك المكان قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى اللََّهَ جَهْرَةً}، فإنك قد كلمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم، وقد أهلكت خيارهم، رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا فأوحى الله إلى موسى: إن
__________
(1) مقدمة ابن خلدون (383)، وكتاب علوم القرآن والتفسير للدكتور عبد الله شحاتة (265263).
(2) دراسات في القرآن (113).
(3) سبق بيان ذلك في ترجمة مجاهد ص (130).
(4) سورة البقرة: آية (55).(2/896)
هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجل. فذلك حين يقول موسى: {إِنْ هِيَ إِلََّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهََا مَنْ تَشََاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشََاءُ} [إلى قوله]: {إِنََّا هُدْنََا إِلَيْكَ} (1) [يقول: تبنا إليك] وذلك قوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يََا مُوسى ََ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى اللََّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصََّاعِقَةُ}.
ثم إن الله جل ثناؤه أحياهم، فقاموا وعاشوا رجلا رجلا، ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون، فقالوا: يا موسى أنت تدعو لله فلا تسأله شيئا إلا أعطاك، فادعه يجعلنا أنبياء، فدعا الله تعالى فجعلهم أنبياء. فذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْنََاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ}، ولكنه قدّم حرفا وأخر حرفا (2).
وقد علق على ذلك ابن جرير بقوله: فهذا ما روي في السبب الذي من أجله قالوا لموسى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى اللََّهَ جَهْرَةً}، ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم ذلك لموسى، تقوم به حجة فيسلم لهم (3).
3 - الجمع بين ما ورد في القرآن والكتب السابقة:
وهذا باب واسع للدعوة، فإن الكتب السابقة كتب صحيحة منزلة من عند الله، إلا أنها قد دخل فيها التحريف، ولكن الذي يظهر أن التحريف في المعاني كان أكثر من التحريف في المباني، وربما جاء التحريف من الترجمات ونحوها، يدل على ذلك أن التوراة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأت بين يديه قصة الزانيين اليهوديين بمشورة ابن سلام (4)، والحق سبحانه قال في القرآن: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرََاةِ فَاتْلُوهََا إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} (5)، فلو كانت محرفة كلها فهي ليست التوراة، وأصرح من ذلك قوله
__________
(1) سورة الأعراف: آية (156155).
(2) تفسير الطبري (2/ 87) 958.
(3) تفسير الطبري (2/ 89).
(4) الحديث رواه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في رجم اليهوديين (4/ 153) 4446.
(5) سورة آل عمران: آية (93).(2/897)
تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرََاةُ فِيهََا حُكْمُ اللََّهِ} (1)، والمخاطبون هم اليهود في المدينة (2)، وقال تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فِيهِ} (3)، ولما أخبر سبحانه عن تحريف اليهود قال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوََاضِعِهِ} (4) وفي الآية الأخرى: {مِنْ بَعْدِ مَوََاضِعِهِ} (5).
فهذا يدل على أن التحريف في المواضع كان هو الأكثر والأغلب، وكذلك في التأويل، والتعطيل (6).
ومما يؤكد أيضا هذه النظرة للمنهج الدعوي أن الله سبحانه لما ذكر عدة ملائكة النار أنهم تسعة عشر ملكا قال سبحانه: {وَمََا جَعَلْنََا أَصْحََابَ النََّارِ إِلََّا مَلََائِكَةً وَمََا جَعَلْنََا عِدَّتَهُمْ إِلََّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ وَيَزْدََادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمََاناً وَلََا يَرْتََابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} (7)، أي ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أن النبي حق وذلك لأنه في كتبهم موجود العدد نفسه (تسعة عشر)، ويزداد الذين آمنوا، أي من أهل الكتاب إيمانا لما يجدوا أن القرآن مصدق للتوراة والإنجيل في هذا العدد (8).
وقد سلك التابعون هذا المنهج، فلما تعرض مجاهد لقوله سبحانه: {اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} (9)، قال: من كل سبط من بني إسرائيل رجل، أرسلهم موسى إلى الجبارين، فوجدوهم يدخل في كمّ أحدهم اثنان منهم يلقونهم إلقاء، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا
__________
(1) سورة المائدة: آية (43).
(2) تفسير الطبري (10/ 337) 12004، 12005.
(3) سورة المائدة: آية (47).
(4) سورة المائدة: آية (13).
(5) سورة المائدة: آية (41).
(6) ينظر في ذلك كتاب الجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 9).
(7) سورة المدثر: آية (31).
(8) تفسير الطبري (29/ 161).
(9) سورة المائدة: آية (12).(2/898)
خمسة أنفس منهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبّها خمسة أنفس أو أربع. فرجع النقباء كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم، إلا يوشع بن نون، وكلاب بن يافنة، يأمران الأسباط بقتال الجبابرة وبجهادهم، فعصوا هذين وأطاعوا الآخرين (1).
وساق هذا الأثر السيوطي وزاد فيه: منهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما، فتاهت بنو إسرائيل أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في تيههم ذلك، فضرب موسى الحجر لكل سبط عينا حجر لهم يحملونه معهم، فقال لهم موسى: اشربوا يا حمير. فنهاه الله عن سبهم، وقال: هم خلقي فلا تجعلهم حميرا، والسبط كل بطن بني فلان (2).
4 - توضيح المبهم:
وذلك بأن يرد في القرآن إبهام اسم رجل، أو شجرة، أو غير ذلك، ويكون هذا مما تكلم فيه بنو إسرائيل، فيرويها عنهم التابعون، وهذا لا يكون فيه كبير فائدة، فإنه لو تعلق به حكم شرعي لبينه الله، ولكن هذا نوع من التشوق لمعرفة المبهمات، ولذا فهو قريب من السبب الأول وهو عنصر التشويق.
ومن أمثلة ذلك ما ورد في قصة آدم فإنها جاءت في القرآن، ولم يتعرض فيها إلى نوع الشجرة، ولا الحيوان الذي تقمصه الشيطان ليزلهما عنها، ولا ما كان من تفصيل الحوار بينهما، ولا البقعة التي طرد إليها آدم بعد خروجه من الجنة (3).
__________
(1) تفسير الطبري (10/ 112) 11573، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد بنحوه (3/ 39)، وفتح القدير (2/ 22).
(2) أورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير، وابن المنذر، وعبد بن حميد عن مجاهد بنحوه (3/ 39).
(3) قصة آدم وردت في القرآن في عدة مواضع، منها سورة البقرة: آية (34)، وما بعدها، وسورة آل عمران: آية (33)، وسورة الأعراف: آية (20) وما بعدها، وسورة الإسراء: آية (61)، وسورة طه: آية (122115)، إلى غير ذلك من المواضع.(2/899)
وقد تعرضت التوراة لكل ذلك، وأكثرت منه، فأبانت أن الجنة في عدن شرقا، وأن مكان الشجرة في وسط الجنة، وأن الشجرة كانت التينة (1)، وأن الحيوان الذي تقمص فيه إبليس هي الحية، وعوقبت بأن جعلها تمشي على بطنه وتأكل التراب (2).
ومن ذلك أيضا الخلاف في المن، والسلوى، وغيره.
5 - عدم ظهور الإنكار الشديد في عصرهم:
لم يكن التابعون يرون كبير غضاضة في الأخذ عن أهل الكتاب، كيف وهم يجدون ابن عباس على جلالة قدره في العلم والدين كان كثيرا ما يجلس إلى كعب الأحبار، وينقل عنه الإسرائيليات، وغيرها.
بل إن السدي لما عيب عليه كثرة الرواية عن بني إسرائيل احتج بابن عباس.
على أنه ظهر بعض الإنكار في العهد الأول على القصاص الذين تساهلوا في القص عن بني إسرائيل كما أنكر عمر على كعب، إلا أن هذا الإنكار لم يكن شديدا بحيث يعطي طابعا عاما لاجتناب هذه الروايات، كما حدث هذا في العصور التي أعقبت عصر التابعين ولأجل هذا تنوعت مآخذهم، فمنهم من ينقل الخبر بطوله، ومنهم من يختصر، ومنهم من يفصل ويذكر الغرائب، ومنهم من يعرض عن ذلك كما سبق بيانه، ومع هذا كله فإنهم أقل نقلا ورواية للإسرائيليات من أتباع التابعين.
نتائج وآثار الإسرائيليات في التفسير:
لقد أدى دخول الإسرائيليات في التفسير إلى عدة آثار نتجت من هذا الزخم الهائل الوافد على الثقافة الإسلامية.
__________
(1) وقيل: السنبلة، وقيل: الكرمة، وقيل: النخلة، ينظر تفسير ابن أبي حاتم (1/ 127126).
(2) العهد القديم الإصحاح الأول من سفر التكوين ص (54)، ينظر كتاب علوم القرآن والتفسير د. عبد الله شحاتة (250).(2/900)
وقد تنوعت هذه النتائج، فمنها ما كان إيجابيا، ومنها ما كان سلبيا.
وفيما يلي بعض ما ظهر لي من تلك النتائج:
1 - مخالفة الظاهر:
أدى وجود الإسرائيليات إلى مخالفة الظواهر من بعض الآيات، ذلك أن التابعي قد يتأثر بالأثر الإسرائيلي فيوجه الآية على وفاقه ولو كان مخالفا للظاهر من اللفظ القرآني، كما يتأثر التابعي فيحمل الآية على غير الظاهر المتبادر من اللفظ لئلا يوافق الأثر الإسرائيلي، فمن الأول ما ورد عن سعيد بن المسيب في قصة آدم قال: وهو يحلف بالله ما يستثني فيقول: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل (1). فهنا نجد تأثر سعيد بالرواية الإسرائيلية التي وردت.
ومن الضرب الثاني: ما ورد في تفسير قوله سبحانه: {وَنََادى ََ نُوحٌ ابْنَهُ} (2)، أن الحسن البصري كان يحلف أنه ليس من ابنه لصلبه، قال قتادة: فقلت له: إن الله حكى عنه {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (3) وأنت تقول: لم يكن ابنه، ثم قال له: وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه، فقال الحسن: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب (4).
2 - الجرح والرد لما جاء عن بعضهم:
إن رواية الإسرائيليات كانت علامة للجرح عند بعض أهل العلم فكان الأئمة يجرحون من التبس بذلك من المفسرين، لما بلوه من كذب على من التبس بذلك، وأدى هذا الأمر بهم إلى رد رواية من اعتمد في كل نقله على أهل الكتاب.
__________
(1) تفسير الطبري (1/ 530) 749، وتفسير ابن عطية (1/ 188)، (1/ 237)، وتفسير البغوي (1/ 94).
(2) سورة هود: آية (42).
(3) سورة هود: آية (45).
(4) تفسير عبد الرزاق (2/ 306).(2/901)
وهذا يرد قول من قال: إن الإسرائيليات من مصادر الصحابة والتابعين، فقد عد بعضهم منها (التوراة، والإنجيل) وكأنه يشير بذلك إلى أن من مصادر الفكر الإسلامي، أو المتمم له على الأقل: التوراة والإنجيل، وهذا غير صحيح لأن الناقلين لهذه الروايات من الأئمة لا يقصدون في روايتها الاعتماد عليها في التفسير، أو غيره، بل غاية الأمر أنهم أخذوا بالرخصة، وكان في الإسرائيليات بعض الأمور المشوقة، إلى غير ما تقدم من الأسباب.
ومما يؤكد حرص الأئمة، وبالأخص أهل الكوفة والبصرة على عدم التلبس بشيء من ذلك: ما جاء عن الأعمش أنه قيل له: ما بالهم يتقون تفسير مجاهد قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.
فمع أنه شيخ المفسرين إلا أنهم اتقوا تفسيره لهذا.
3 - التوسع فيما لا طائل تحته مما اعتمده من جاء بعدهم:
ومن الآثار السلبية للإسرائيليات التوسع فيما لا طائل تحته، كلون كلب أهل الكهف، واسم الشجرة التي أكل منها آدم، ونحو ذلك مما لا فائدة في معرفته، ونقل أئمة التفسير عنهم في هذا أقاويل كثيرة، وصارت كالأقوال المعتمدة عند من بعدهم، يوردها الآخر عن الأول، والخلف عن السلف.
فمن ذلك ما جاء في اختلاف التابعين، تبعا للنقل عن أهل الكتاب، فقد اختلفوا في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، وأي عضو كان ذلك منها: فقال مجاهد:
ضرب بفخذ البقرة فقام حيا، وبنحوه عن عكرمة، وعبيدة السلماني، وقتادة (1)، وقال آخرون: ضرب بالبضعة التي بين الكتفين، قاله السدي (2)، وقال أبو العالية:
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 229) 1305، 1306، 1307، 1308، 1309، 1310.
(2) تفسير الطبري (2/ 230) 1311، وزاد المسير (1/ 101)، وفتح القدير (1/ 101).(2/902)
أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل (1).
قال ابن جرير بعد إيراد هذه الأقوال: والصواب من القول عندنا في تأويل قوله:
{فَقُلْنََا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهََا} (2) أن يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب، ولا أدلة في الآية، ولا في خبر تقوم به حجة على أن أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به (إلى أن قال) ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم (3).
4 - غلبة الضعف على التفسير بالمأثور:
التفسير بالمأثور يراد به ما كان مأخوذا من طريق الرواية والأكثر، وهو ينقسم إلى أقسام:
1 - ما كان مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم.
2 - ما كان موقوفا على صحابي.
3 - ما كان من اجتهاد علماء التفسير المتقدمين، ولا سيما علماء التابعين.
4 - ما كان من رواية المفسرين للإسرائيليات.
أما الأول فما صح منه فلا يقدم عليه شيء، لكنه قليل جدا بالنسبة لغيره، ويدخل فيه ما قاله الصحابة مما لا يقال بالرأي، ولا يعرف إلا بالنقل، ولم يكن الصحابي معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب.
والثاني: لا يتقدمه غيره ما لم يكن في الآية نص مرفوع، وهذا مما يتعلق بالمعاني اللغوية، أو عمل عصرهم.
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 231) 1312، وزاد المسير (1/ 101)، وفتح القدير (1/ 101).
(2) سورة البقرة: آية (73).
(3) تفسير الطبري (2/ 231).(2/903)
أما الثالث: فهو أيضا ضروري لأن الأئمة حصلوا شروط الاجتهاد وكانت لهم وقفات لطيفة، ولكن هذا أبعد ما يكون عن أهل الكتاب ومروياتهم (1)، والمنقول في هذا الضرب أكثر من سابقيه.
أما الروايات عن أهل الكتاب فالوقف إنما يكون فيما ينقل نقلا صحيحا عن كتب الأنبياء، كالتوراة والإنجيل التي عندهم، لا نصدقهم فيه لاحتمال أنه مما حرفوا فيه، ولا نكذبهم، لاحتمال أنه مما حفظوا منها، فقد قال تعالى فيهم: {أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتََابِ} (2).
ولكننا نجزم أن المنقول عن بني إسرائيل في التفسير ليس كله من المنقول من كتبهم المعتمدة كالتوراة، والإنجيل، بل منه ما يظهر عليه أنه من زيادة أحبارهم، وعلماء السوء فيهم، بل ومن زنادقة اليهود، والفرس أيضا.
قال محمد رشيد رضا: وجل ذلك في قصص الرسل مع أقوامهم، وما يتعلق بكتبهم، ومعجزاتهم، وفي تاريخ غيره كأصحاب الكهف، ومدينة إرم ذات العماد، وسحر بابل، وعوج بن عنق، وفي أمور الغيب ومفتريات صدقهم فيها الرواة (2).
ولذا قال بعد ذلك عن التفسير المأثور: إن أكثر ما روي فيه أو كثيره حجاب على القرآن لشغله عن مقاصده العالية المزكية للأنفس المنورة للعقول، فالمفضلون للتفسير المأثور لهم مشاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات، التي لا قيمة لها سندا، ولا موضوعا (3).
5 - الاستدلال بالقرآن والسنة لتأييد الرواية عن بني إسرائيل:
ومن الآثار للرواية عن بني إسرائيل وما كان يحتاجه المفسّر من النظر والاجتهاد في
__________
(1) تفسير المنار (1/ 9).
(2) سورة آل عمران: آية (23)، وينظر تفسير المنار (1/ 9).
(3) تفسير المنار (1/ 10)، وينظر الإسرائيليات لأبي شهبة (84، 85، 111، 114).(2/904)
تعضيد موقفه بالآيات أو الأحاديث، أو أقوال الصحابة إذا أنكر عليه بعض أصحابه، وممن سار على هذا المنهج: السدي (1) فقد شعر بعدم الرضى ممن حوله، ولا سيما من الشعبي الذي كان يغضب عليه، ويصفه بجهل القرآن، فاتجه السدي إلى سرد الروايات الإسرائيلية فيسرد القصة بطولها، وتفاصيلها، ثم يذكر الآيات الدالة على صحة هذه القصة في ثناياها حتى يقبل خبره، ويقل النكير عليه (2).
6 - الاطلاع على أحوال أهل الكتاب:
لا شك أن الرواية عن بني إسرائيل تعطي فكرة واضحة عن المجتمع الإسرائيلي إبان ظهور الأنبياء فيهم، وهذا بدوره يمكن من معرفة تفسير الآيات التي تتحدث عن ذلك، ففي تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ََ} (3)، يحتاج القارئ إلى معرفة علة قول امرأة عمران ذلك بعد أن جعلت ما في بطنها محررا، ويحدثنا قتادة مبينا ذلك فيقول: كانت المرأة لا يستطاع أن يصنع بها ذلك يعني أن تحرر للكنيسة فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى، فعند ذلك قالت: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ََ} (4)، وفي رواية قال قتادة: {قََالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهََا أُنْثى ََ}، وإنما كانوا يحررون الغلمان (5). وبنحوه قال الربيع، والسدي، وعكرمة (6).
وعند تفسير قوله تعالى: {يُلْقُونَ أَقْلََامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (7) فما هذه الأقلام، وأين يلقونها ولماذا، يحدثنا السدي عن ذلك فيقول: فانطلقت بها أمها في خرقها حين ولدتها إلى المحراب، وقال بعضهم: انطلقت حين بلغت إلى المحراب، وكان
__________
(1) وكان ابن زيد وابن إسحاق من أتباع التابعين قريبين من هذا المنهج.
(2) وقد سبق تفصيل ذلك، وذكر بعض الأمثلة في ترجمة السدي فتراجع ص (312).
(3) سورة آل عمران: آية (36).
(4) تفسير الطبري (6/ 335) 6879.
(5) تفسير الطبري (6/ 335) 6880، وتفسير عبد الرزاق (1/ 118).
(6) تفسير الطبري (6/ 335) 6881، 6882، 6883.
(7) سورة آل عمران: آية (44).(2/905)
الذين يكتبون التوراة إذا جاءوا إليهم بإنسان يجربونه، اقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ، وكان بينهم، وكانت خالة مريم تحته، فلما أتوا بها اقترعوا عليها، قال لهم زكريا: أنا أحقكم بها، تحتي أختها! فأبوا، فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام، وقام قلم زكريا على قرنته كأنه في طين فأخذ الجارية، وذلك قول الله عز وجل: {وَكَفَّلَهََا زَكَرِيََّا} (1) فجعلها زكريا معه في بيته، وهو المحراب (2)، وبنحوه جاء الأثر عن عكرمة (3).
7 - الترجيح:
ومن النتائج التي ترتبت على الأخذ عن أهل الكتاب أن صار بعض المفسرين يرجح بين الأقوال المحتملة بما روي من الإسرائيليات، فمن ذلك ما ورد في المحاورة بين الحسن وتلميذه قتادة في قوله تعالى: {وَنََادى ََ نُوحٌ ابْنَهُ} (4).
وكان الحسن يرى أنه ليس ولده لصلبه، فاحتج عليه قتادة بأن أهل الكتاب لا يختلفون في أنه ولده لصلبه، فكأنه يرى ذلك مرجحا، ولم يرتض ذلك الحسن، وأنكر قائلا: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب (5).
ومن الترجيح ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {قََالَ اللََّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهََا عَلَيْكُمْ} (6)، فقد أنكر مجاهد نزول المائدة حقيقة مخالفا ظاهر الآية، وجعل سبب الترجيح أن أهل الكتاب لم يرد عندهم فيها شيء، وهذا مما تقوم الدواعي على نقله، فلما لم ينقل عنهم، رأى مجاهد أن القول بعدم نزولها هو الأولى بالقبول (7).
__________
(1) سورة آل عمران: آية (37).
(2) تفسير الطبري (6/ 349) 6904، وسنن البيهقي (10/ 286)، وزاد المسير (1/ 379).
(3) تفسير الطبري (6/ 351) 6909.
(4) سورة هود: آية (42).
(5) انظر ص (232) من هذا البحث.
(6) أي المائدة، وانظر سورة المائدة: آية (115).
(7) سبق في ترجمة مجاهد ص (94).(2/906)
أشهر من أسلم من أهل الكتاب:
وفيما يلي أحاول أن أستعرض ترجمة بعض من أسلم من أهل الكتاب مركّزا على مروياتهم الإسرائيلية، وأثر ذلك في التفسير، وأخذت من هؤلاء ثلاثة دار عليهم الحديث غالبا وهم:
1 - عبد الله بن سلام.
2 - كعب الأحبار.
3 - وهب بن منبه.
أولا: عبد الله بن سلام:
هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، أبو يوسف حليف الأنصار (1)، قيل:
كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وهو من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن سعد: هو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام (3)، وكان رضي الله عنه ممن شهد له رسول الله بالجنة، قال ابن كثير: وهو ممن يقطع له بدخولها (4).
لقد أسلم عبد الله بن سلام بعد أن عرف النبي صلى الله عليه وسلم بعلاماته، وكان اليهود يحبونه ويثنون عليه، فلما أسلم وقعوا فيه، وقد حدث ابن سلام رضي الله عنه عن كتب اليهود، وروي عنه في ذلك جملة أحاديث، إلا أنها ليست بالكثرة التي جاءت عن كعب، أو وهب.
ولعل السبب في قلة ما حمل عنه تقدم وفاته رحمه الله تعالى فقد توفي سنة
__________
(1) طبقات ابن سعد (2/ 352)، والمعرفة (1/ 264)، وأسد الغابة (3/ 264).
(2) السير (2/ 414).
(3) المستدرك (3/ 412).
(4) البداية (8/ 129).(2/907)
ثلاث وأربعين بالمدينة (1).
ثانيا: كعب الأحبار:
هو أبو إسحاق كعب بن ماتع الحميري اليماني (2)، كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على عهد عمر (3).
وقدم المدينة من اليمن، فحدث بها بالإسرائيليات، ثم انتقل إلى الشام وحدث بها أيضا.
وقد جالس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحدثهم من الكتب الإسرائيلية، ويحفظ العجائب (4).
وقد أخذ عنه ابن عمر قصة الزهرة كما ورد ذلك عند ابن جرير (5)، وروى عنه ابن عباس في مواضع كثيرة، منها ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنهن كعب الأحبار رضي الله عنه قوله: {قَوْمُ تُبَّعٍ} في القرآن، ولم يذكر (تبع) فقال: إن تبعا كان ملكا، وكان قومه كهانا، وكان في قومه قوم من أهل الكتاب، وكان الكهان يبغون على أهل الكتاب ويقتلون تابعهم، فقال أهل الكتاب لتبع: إنهم يكذبون علينا. فقال تبع:
إن كنتم صادقين فقربوا قربانا فأيكم كان أفضل أكلت النار قربانه، فقرب أهل الكتاب والكهان، نزلت نار من السماء، فأكلت قربان أهل الكتاب، فأتبعه تبع فأسلم، فلهذا ذكر الله قومه في القرآن ولم يذكره.
__________
(1) السير (2/ 424).
(2) العلل لأحمد (1/ 242) 319.
(3) العلل لأحمد (2/ 521) 3432، والسير (3/ 289).
(4) السير (3/ 389).
(5) ينظر ذلك في تفسير الطبري (2/ 429) 1684، 1685.(2/908)
قال ابن عباس رضي الله عنه: وسألته عن قوله: {وَلَقَدْ فَتَنََّا سُلَيْمََانَ وَأَلْقَيْنََا عَلى ََ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنََابَ} قال: الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه، فقذف به في البحر، فوقع في بطن سمكة، فانطلق سليمان يطوف إذ تصدق عليه بتلك السمكة، فاشتواها فأكلها، فإذا فيها خاتمه، فرجع إليه ملكه (1).
ومع وجود أحاديث الإباحة التي أعطت الرخصة في الرواية عن بني إسرائيل إلا أن الصحابة لم يكونوا دائما يأخذون، إلا أننا نجد كعبا له وضع آخر، فهو وإن كان أنكر عليه عمر مرة، وقال له: لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة (2).
إلا أنه في مرة أخرى نجده يسأله يقول له: ما أول شيء ابتدأه من خلقه فقال كعب: كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكن كتبه بإصبعه (3).
وكان من أشد الناس خبرة بالتوراة، ذكر كعب التوراة مرة فقال: فاتحة التوراة فاتحة الأنعام {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمََاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (4)، ثم زاد: وخاتمة التوراة خاتمة هود (5).
قال عنه الذهبي: وكان خبيرا بكتب اليهود، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة (6).
__________
(1) الدر المنثور (7/ 180).
(2) تاريخ أبي زرعة (1/ 544)، والبداية (8/ 110).
(3) تفسير الطبري (11/ 277) 13108.
(4) سورة الأنعام: آية (1).
(5) تفسير الطبري (11/ 252) 13042، 13043، وزاد المسير (3/ 2)، الواضح بعد مراجعتي لتفسير الطبري، لاحظت هذا الفرق بين وهب، وكعب، ويمكن ملاحظة ذلك بمتابعة أشهر الروايات الواردة في تفسير الطبري من أهمهما:
أولا: ما جاء عن وهب: 995، 5598، 5606، 5631، 5636، 5637، 5658، 5659، 5664، 5677، 5680، 5681، 5697، 5698، 5740، 5741، 5742، 6894، 7098، 7142، (15/ 205)، (15/ 216)، (16/ 17)، (19/ 168)، (23/ 92)، (13/ 149).
ثانيا: ما جاء عن كعب: 1684، 1685، 2050، 7137، (23/ 82).
(6) السير (3/ 490).(2/909)
والحق أن هذا الكلام نفيس ودقيق لأن كعبا كما قال الذهبي: له تلك الروح في رواياته.
ولأجل ذلك نجد أهل مكة ومفسريها تأثروا به تأثرا واضحا، وخاصة أن شيخهم تساهل في النقل عنه، فكان المكيون من أكثر مفسري التابعين رواية للإسرائيليات، ومع تقدم كعب وكونه أدق وأحسن إيرادا للروايات من وهب وغيره، إلا أن مما يعكر على ذلك ما رواه البخاري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (1).
وقوله: (لنبلو) أن نختبر، قال الحافظ في الفتح: «أي يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به، ثم نقل عن ابن العتيق قوله: قال: والمراد بالمحدثين أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم فكان يحدث عنهم، وكذا من نظر في كتبهم فحدث عما فيها.
قال: ولعلهم كانوا مثل كعب، إلا أن كعبا كان أشد منهم بصيرة وأعرف بما يتوقاه، وقال ابن حبان: أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به، ولم يرد أنه كان كذابا.
وقال غيره: الضمير في قوله: (لنبلو عليه) للكتاب لا لكعب، وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه، وحرفوه.
وقال عياض: يصح عوده على الكتاب، ويصح عوده على كعب، وعلى حديثه،
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء. (3/ 334)، وينظر تاريخ أبي زرعة (1/ 545).(2/910)
وإن لم يقصد الكذب ويتعمده، على أنه لا يشترط في مسمى الكذب التعمد، بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب.
وقال ابن الجوزي: المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا، لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار (1).
سكن كعب الشام في آخر عمره، وتوفي سنة (35هـ) بحمص في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه (2).
وهب بن منبه
أما وهب فهو: وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار، العلامة الأخباري القصصي (3).
يشبه بكعب الأحبار، وله صلاح وعبادة، أدرك عدة من الصحابة، وأسند عن ابن عباس، وجابر، والنعمان بن بشير (4).
كان رحمه الله صاحب أقوال حسنة ومواعظ بليغة (5)، ولعل هذا من الأسباب الرئيسة في إكثاره من إيراد قصص بني إسرائيل.
ولقد بلغ علم وهب بالإسرائيليات شأوا كبيرا، وذلك لكثرة ما قرأ من كتب بني إسرائيل، فقد جاء عنه: لقد قرأت ثلاثين كتابا نزلت على ثلاثين نبيا (6)، وفي رواية
__________
(1) ينظر الفتح (13/ 335334).
(2) السير (4/ 490)، والشذرات (1/ 52)، والتذكرة (1/ 52).
(3) السير (4/ 544)، وطبقات ابن سعد (5/ 543)، والتاريخ الكبير (8/ 164).
(4) السير (4/ 545).
(5) ينظر البداية (9/ 313288).
(6) طبقات ابن سعد (5/ 543)، وتاريخ دمشق (17/ 477).(2/911)
عنه: قرأت سبعين كتابا (1)، وفي رواية: قرأت نيفا وتسعين كتابا من كتب الله، منها سبعون ظاهرة في الكنائس، ومنها عشرون لا يعلمها إلا القليل (2).
وقد كان من أكثر الثلاثة رواية عن بني إسرائيل، وكان أقل هؤلاء ابن سلام، ويليه كعب، الذي لم يبلغ مجموع ما رواه ربع ما جاء عن وهب (3).
كما أن مما يؤخذ على وهب روايته للعديد من الآثار الغريبة والمنكرة (4).
__________
(1) السير (4/ 551).
(2) الشذرات (1/ 150)، وطبقات ابن سعد (5/ 543)، والحلية (4/ 24).
(3) كما سبق الإشارة إليه ص 1001.
(4) ينظر في ذلك الآثار التالية في تفسير الطبري: 5658، 5742 (16/ 17)، و (19/ 168)، وغيرها.(2/912)
الباب الرابع قيمة تفسير التابعين وأثره
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: قيمة تفسير التابعين رواية.
الفصل الثاني: قيمة تفسير التابعين دراية، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: نوع الاختلاف بين مفسري التابعين.
المبحث الثاني: مميزات تفسير التابعين.
المبحث الثالث: منزلة تفسير التابعين عند العلماء.
الفصل الثالث: أثر التابعين في التفسير وأصوله، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أثر التابعين في كتب التفسير عند أهل السنة، وغيرهم.
المبحث الثاني: أثر التابعين في كتب أصول التفسير.(2/913)
بين يدي الباب:
لا شك أن المفسرين من التابعين قد أثروا في علم التفسير رواية ودراية، وكان لتفسيرهم قيمة رفيعة، ومنزلة عظيمة في نفوس العلماء، والمصنفين.
وفي هذا الباب أحاول أن أوضح هذه القيمة لتفسيرهم، متجنبا قدر الإمكان التكرار، أو الإطالة، مبرزا مكانة تفسيرهم رواية ودراية، مبينا نوع الاختلاف الواقع بينهم، ومميزات تفسيرهم.
ثم أتكلم عن منزلة تفسيرهم من خلال نصوص أهل العلم، الذين خبروا العلوم، وعرفوا موقع أئمة التفسير من التابعين فيها.
وأما الفصل الأخير فقد خصصته لبيان أثر التابعين في كتب التفسير، وكتب علوم القرآن.
ولم أقتصر فيه على التفسير المنسوب لأهل السنة، بل ذهبت أبحث عن تفاسير أخرى للفرق المختلفة، إلا أنني لم أظفر بتراث تفسيري نقلي إلا عند الشيعة، وقد حرصت على استعراض جملة من كتبهم، وركزت في دراستها على أثر التابعين فيها، كما أنني عرجت على بعض كتب الخوارج، وحاولت معرفة مدى تأثرهم بتفسير التابعين.
وبعد هذا كله ختمت هذا الباب ببيان أثر التابعين في علوم القرآن، فتبين لي الأثر الواضح للتابعين في كثير من الفنون المتعلقة بأصول التفسير، وإن كان الأثر يختلف كثرة وقلة من فن لآخر، كما اتضح لي من خلال تتبع الكتب المؤلفة في علوم القرآن مدى إجلال أهل العلم لأقوالهم، فإنهم يقدمونها في الجملة، وربما صدروا الباب بقولهم، وجعلوها الأساس في تأصيل أقوالهم، ولعل فيما يأتي ما يوضح ما ذكرته.(2/915)
الفصل الأول قيمة تفسير التابعين رواية(2/917)
قيمة تفسير التابعين رواية: هذا الفصل يعد من أدق الفصول مسلكا، وأكثرها أهمية لأنه يتعلق بصحة، أو ضعف تفسير التابعين، فهل أكثره صحيح أو ضعيف وقبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن ألفت الانتباه إلى ما يلي:
أولا: إن الإسناد الصحيح يعطي إشارة إلى صحة القول المنقول بهذا الإسناد غالبا، لكن ليس بالضرورة أن يكون الإسناد الذي لم يصل إلى درجة الصحة أو الحسن، دليلا قاطعا على عدم صحة القول المنقول بهذا الإسناد، فعلى سبيل المثال تكرر عند أهل العلم قولهم: إن طاوسا أعلم الناس بأحكام معاذ، وسعيد بن المسيب أعلم الناس بقضاء عمر، وعلي بن أبي طلحة أعلم الناس بتفسير ابن عباس، وهؤلاء التابعون لم يتحملوا عن أولئك الصحابة، ولذا فلا بد من النظر الشامل للروايات، لا الحكم على رواية بمفردها.
ثانيا: نبهت في المقدمة إلى أن أغلب اعتمادي كان على تفسير ابن جرير الطبري، فقد أكثر النقل عن التابعين، وانتقى الأسانيد حتى زادت على نصف الكتاب، فهي غالب مادة تفسيره، واعتمدها في الترجيح والموازنة، ولم ينبه إلا في مواطن يسيرة جدا على ضعف إسناد أو نكارة آخر، وكذا كان غالب فعل المحقق الشيخ أحمد شاكر، مع أن بعض الأسانيد بمفردها لا تخلو مما يفت في عضدها، وليس الكثير منها في فضائل الأعمال، وكذا كان اعتماد العلماء ممن جاء بعد التابعين في مختلف الفنون، كما تجيء الإشارة إليه في الفصل القادم، فكان لي أسوة بهؤلاء.
ثالثا: إن هذه الرسالة قد أخذت مني جهدا كبيرا مضنيا في الجمع والاستقراء، والبحث، والترتيب، استمر خمس سنوات، فلو انشغلت بتتبع إسناد كل أثر مع تتبع شواهده ومتابعاته لاحتجت عدة سنوات أخرى، وأظن أن النتيجة الكلية للبحث لن تختلف عن النتائج التي توصلت إليها.(2/918)
رابعا: لقد حظي تفسير التابعين بميزة (روائية) لم أرها لغيرهم، ألا وهي كثرة الأسانيد في تفسير الآية عند أحدهم، وكثرة الشواهد والمتابعات للرواية الواحدة، مما يجبر ضعف أحدها إن كان ضعيفا، وخاصة المروي عن مجاهد، والحسن، وقتادة، وهذا ما سيأتي بيانه قريبا في هذا الفصل.
خامسا: لقد تتبعت الأسانيد الواردة عن التابعين من طريق تابع التابعين، فوجدت أغلبها أسانيد مستقيمة وهي أعلى في الجملة من الأسانيد المروية عن غيرهم من الصحابة، بل المروية في التفسير النبوي، وهذا ما سيأتي بيانه.
فهذه الأسباب وغيرها كانت وراء اكتفائي في الاعتماد في هذه الدراسة على المنقول عنهم دون التحقق من صحة أو ضعف الإسناد (1).
وفيما يلي دراسة لقيمة المروي عنهم رواية فيما ظهر لي من تتبع الروايات والآثار من خلال عدة نقاط:
1 - الحجم الكبير للآثار المنقولة عن التابعين:
لقد حظي التفسير بالمأثور بميزة ميزته عن غيره، وهي كثرة الأسانيد الواردة فيه، فلا تكاد تمر بتفسير كلمة من آية إلا وتجد معها إسنادها، وهذا بدوره يعطينا صورة واضحة للجهود التي بذلت لحفظ كتاب الله وحفظ تفسيره، وإن كان بعض هذه المؤلفات في التفسير قد حوى أقوالا مختلفة، وآثارا متفاوتة لأن أصحابها كانت همتهم مدفوعة إلى التدوين والجمع أكثر من النقد (2)، إلا أن منهم من اهتم بنقدها وتمييز ما يصح منها مما لا يصح، ورجح بينها واختار كابن جرير الطبري، وابن
__________
(1) أما المسائل التي ينبني عليها اعتقاد، أو حكم، يتوقف على صحة الإسناد، فإنني لا أغفل دراسة الإسناد، وقد لا أسجل ذلك في البحث إن كانت دراسة الإسناد لم تعط نتيجة مغايرة لما توصلت إليه، وسبق شيء من هذا في مبحث منهجهم في آيات الاعتقاد، والقراءات، وغيرها.
(2) ينظر دراسات في التفسير وأصوله لبلتاجي ص (36).(2/919)
أبي حاتم، وغيرهما.
والمراجع لكتب التفسير بالمأثور، يتبين له كبير الاهتمام الذي عني به تفسير التابعين إذا ما قورن بغيره من المروي عن غيرهم، فقد بلغ حجم المروي عن التابعين ما يزيد على نصف ما ورد في التفسير، وعلى سبيل المثال: فمن خلال تفسير الطبري، بلغت الروايات الواردة في التفسير عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يقارب ثلاثة آلاف حديث، وعن الصحابة ما يقارب تسعة آلاف أثر (1)، وأكثر المروي كان عن ابن عباس (1)، وعن تابع التابعين بلغ خمسة آلاف أثر، وباقي الروايات جاءت عن التابعين، وهي تربو عن واحد وعشرين ألف قول.
2 - أسباب تفاوت المروي عن أئمة التابعين:
ومع وجود هذا القدر الكبير من الآثار عن التابعين في التفسير، فإنها لم تكن موزعة على أئمة التابعين بنسب متقاربة، بل هي نسب متفاوتة، فمنهم من نقل عنه بكثرة، وتعددت طرق النقل عنه، ومنهم من نقل عنه بقلة، ويرجع سبب ذلك إلى ما يلي:
أأثر المكان:
للمكان أثر في قلة تداول تفسير إمام أو كثرته، وعلى سبيل المثال نجد مدرسة المدنيين اشتهر فيها مفسرون، ولكن لغلبة الجانب الروائي على المدرسة، واهتمامها بالحديث والفقه، وتعظيمها شأن التفسير، قلّ المنقول عنهم في التفسير، في حين أن المدارس التي يكون جل حديثها، وحلقاتها وعلمها منصبا على التفسير، نجد احتفاء التلاميذ متجها لنقل التفسير، كما أن وجود التابعي في مكان يكثر فيه الصحابة، يجعل همة التلاميذ تتوجه للنقل عن الصحابي طلبا لعلو السند.
__________
(1) وأكثر المروي كان عن ابن عباس حيث بلغ مجموع ما روي عنه كما جاء في تفسير الطبري (5809) روايات، وعن ابن مسعود (856) رواية، وغيرهم من الصحابة دونهم في ذلك.(2/920)
ب حال الشيخ:
لا شك أن لحال الشيخ تأثيرا بينا فيما يروى عنه من حيث القلة أو الكثرة، فإذا تقدمت وفاته، قل المروي عنه بالنسبة لمن تأخرت وفاته، ولذا نجد المنقول عن مجاهد، وقد تأخرت وفاته نسبيا أعظم مما نقل عن سعيد بن جبير، أو حتى عن أصحاب ابن مسعود كعلقمة ومسروق ومرة.
ومن جانب آخر فإذا كان الشيخ ممن يكثر الترحال، والأسفار والتنقل، فإن هذا يؤثر سلبا على ملازمة الطلاب له، واستمرارهم معه، كحال عكرمة الذي كان كثير التنقل، والجولان في البلدان.
كما أن لعبارة الشيخ الأثر الواضح في نقلها، فعبارات الحسن الوعظية البليغة، كان لها الأثر في نفوس الناس، فحملوها عنه أكثر مما حملوا عبارات غيره.
ج حال التلاميذ:
من أسباب انتشار الآثار، وجود التلاميذ، والأصحاب الذين يحملون الآثار والعلوم وينشرونها، ولا أدلّ على ذلك من أن هناك مفسرين تورعوا عن الفتوى بعامة، وعن التفسير خاصة، ومع ذلك وصل إلينا قطعة من تفاسيرهم، وهذا يفسّر بوجود أحد التلاميذ الحريصين على السؤال والنقل والرواية، وهذا مثل المنقول عن عطاء مثلا، فلولا وجود أمثال ابن جريج، وحرصهم، لضاع كثير من تفسير ذلك الإمام.
وكذلك كان حال الزهري الذي نشر علم ابن المسيب وعروة المدنيين.
ومن العوامل التي أدت إلى قلة المروي عن التابعي أيضا: قلة التلاميذ، فإذا قارنا أبا العالية بالحسن وقتادة، نجد أن قلة تلاميذ أبي العالية وعدم شهودهم مجلسه أدى إلى ضياع كثير من علمه.(2/921)
ولأجل ذلك فقد يتعاصر شيخان في مدرسة واحدة، ولكل منهما جهوده، وأثره، ثم نجد أن المنقول عن الأدنى يفوق ما نقل عن الأعلى لأن التلاميذ كانت همتهم في نشر علم شيخهم.
ومن أمثلة ذلك الشعبي والنخعي، فلقد كان النخعي يجل الشعبي ويسكت عنده لعلمه، ولكن كان تلاميذ إبراهيم أكثر حتى قال الشعبي له: أما إني أفقه منك يا إبراهيم حيا، وأنت أفقه مني ميتا، وذلك أن لك أصحابا (1).
وللتلاميذ أثر في نقل العلم غير ما تقدم، وهو وجود متخصصين منهم في رواية التفسير، وتفرغهم لذلك، مما أدى إلى كثرة المنقول (2).
فقد كان لتفرغ ابن أبي نجيح الأثر البالغ في نشر تراث إمام المدرسة المكية مجاهد، وهذه مفارقة رئيسة، وميزة ميزت تفسير بعض التابعين.
ولذا نجد أن المجتهدين من المفسرين ظهروا في عصر التابعين بوضوح أكثر من عصر أتباع التابعين الذين كانت همتهم للنقل أعلى، ودوافعهم للرواية أقوى.
ومن آثار التلاميذ أيضا السلبية، والتي أدت إلى عدم الاعتماد على تفسير تابعي ما، هو تخصص أحد التلاميذ الضعفاء في نقل آثاره (3)، كما هو الحال في رواية أبي معشر عن محمد بن كعب (4)، ورواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس كما سيأتي بيانه.
__________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 284)، والسير (4/ 526).
(2) اعتنى بعضهم بروايات شيخه أكثر من غيره، فتفسير السدي مثلا، نقل أكثر من (95، 0) منه عن أسباط بن نصر، فقلّ أن نجد له رواية إلا عن السدي ولذا قال عنه ابن سعد: راوية السدي.
(3) ينظر في ذلك شرح علل الترمذي لابن رجب (351350).
(4) وإن كان بعض الأئمة رضي عن رواية أبي معشر عن محمد بن كعب في التفسير خاصة، فقد(2/922)
3 - كثرة الطرق والشواهد لتفسيرهم:
ومما يميز تفسير التابعين أيضا: كثرة الطرق والشواهد الواردة في تفسير الآية عن أحد أئمة التابعين، وقد اهتم المفسرون بنقل أقوالهم بطرقها وشواهدها، بل إن بعض تلاميذهم أنفسهم كان له أثر كثير اشتغال بذلك، فابن جريج مثلا لا يكتفي في تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلى ََ إِبْرََاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمََاتٍ} (1)، بالأثر الذي أخبره به ابن أبي نجيح، عن عكرمة، بل يذهب فيعرضه على مجاهد، فلم ينكره، قال ابن جريج:
فاجتمع على هذا القول مجاهد وعكرمة جميعا (2).
ويروى كذلك عن مجاهد في قوله: {لََا يَنََالُ عَهْدِي الظََّالِمِينَ} (3)، قال: لا يكون إماما ظالما، قال ابن جريج: وأما عطاء فإنه قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} فأبى أن يجعل من ذريته إماما ظالما (4).
فها هو ابن جريج يجمع شواهد التفسير من أكثر من إمام.
وجاء بعد ذلك الطبقات المتأخرة من أتباع التابعين فاشتد حرصهم على جمع الطرق والأسانيد ولو عن إمام واحد، وبلغ من عنايتهم بذلك أننا نجد مثل مجاهد، والنخعي، وغيرهما، يروى عنهم العديد من الروايات بعبارات مختلفة، أو متقاربة، بل وباللفظ نفسه بالعديد من الطرق، والأسانيد، مما يعطي قوة لذلك القول والتفسير.
وقد اهتم إمام المفسرين بالأثر ابن جرير الطبري بإيراد العديد من الأسانيد وجمعها
__________
قال ابن معين: اكتبوا عن أبي معشر حديث محمد بن كعب في التفسير، ينظر شرح علل الترمذي (350).
(1) سورة البقرة: آية (124).
(2) تفسير الطبري (3/ 11) 1919، 1920.
(3) سورة البقرة: آية (124).
(4) تفسير الطبري (3/ 21) 1953، وفتح القدير (1/ 140).(2/923)
لأئمة التابعين، خاصة مجاهد، الذي حظي تفسيره بعناية فائقة في إيراد العديد من الطرق والأسانيد له، وفي بيان اختلاف ألفاظه، مما يدل على أهميته عند ابن جرير وقيمته، بل لا نبعد إذا قلنا: إن تفسير مجاهد جاء في المرتبة الثانية بعد تفسير ابن عباس في عناية الطبري به، من حيث جمع الطرق والشواهد، حتى إننا نجده يروي المعنى الواحد عنه بخمسة أو ستة طرق، وأكثر، بل جاء عنه في تفسير قوله: {فُرْقََاناً} (1)، أنه قال: مخرجا، وقد رواه ابن جرير بعشرة أسانيد مع أنه تفسير لكلمة واحدة (2)، ومثل ذلك ما جاء عنه أيضا في تفسير قوله: {قََالَ إِنِّي أَعْلَمُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} (3)، حيث قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها، وقد ساقها ابن جرير بعشرة أسانيد (4)، والأمثلة عن مجاهد في هذا كثيرة (5).
وقريبا من ذلك ما جاء عن الحسن، حيث جاء عنه عند تفسير قوله تعالى: {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (6)، فسّر السر: بالزنا، فرواه عنه ابن جرير بخمسة أسانيد (7).
وعند تفسيره للذي بيده عقدة النكاح (8)، ساق ابن جرير ستة أسانيد عن الحسن في
__________
(1) سورة الأنفال: آية (29).
(2) تفسير الطبري (13/ 488) 15936، 15937، 15938، 15939، 15940، 15941، 15943، 15944، 15947، 15950.
(3) سورة البقرة: آية (30).
(4) تفسير الطبري (1/ 476) 6280، 629، 630، 631، 632، 633، 634، 635، 636، 637.
(5) من ذلك يراجع تفسير الطبري عند الآثار: (540، 541، 542، 543، 544، 545، 549) (23842379) (24222417) وغيرها.
(6) سورة البقرة: آية (235).
(7) تفسير الطبري (5/ 106) 5141، 5142، 5143، 5147، 5148.
(8) عند قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} سورة البقرة: آية (237).(2/924)
أن المراد به الولي (1).
ومن ذلك ما جاء عن قتادة، حيث روى عنه ابن جرير بعض الآثار التفسيرية من خمسة طرق، كما في تفسيره لقوله سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمََاءَ كُلَّهََا} (2)، قال:
فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه، وألجأه إلى جنسه (3).
ولم يقتصر ابن جرير في تكراره الأسانيد على مجاهد، والحسن وقتادة، بل كان الحال كذلك في ابن المسيب، والنخعي، وابن جبير، وعكرمة، في حين قلّت الروايات المكررة عن أبي العالية والسدي (4).
ومما ينبغي التنبه له أنه مع تكرار أسانيد القول الواحد عن بعض المفسرين، فإن كل الأسانيد تأتي لمتن واحد، وبمعنى واحد، أو متقارب، وقلّ أن تجد روايتين متعارضتين، بل لا تكاد ترى روايتين مختلفتين من باب اختلاف التنوع فضلا عن اختلاف التضاد (5).
وكثرة الطرق، والشواهد، واتفاقها، زادت من قيمة تفسير التابعين رواية لأن
__________
(1) تفسير الطبري (5/ 148) 5290، 5291، 5292، 5293، 5294، 5302، ولمزيد من الأمثلة تراجع الآثار (3878، 3879، 3880)، (4406، 4407، 4408)، (4854، 4855، 4856).
(2) سورة البقرة: آية (31).
(3) تفسير الطبري (1/ 484) 655، 656، 657، 664، 667، ولمزيد من الأمثلة تراجع الآثار (546، 547، 548)، (1065، 1066، 1070)، (1342، 1343، 1344)، (1835، 1836، 1837).
(4) بلغ المكرر من الروايات عن مجاهد في تفسير الطبري (45، 0) من مجموع تفسيره وعن ابن المسيب (42، 0)، وعن النخعي (40، 0)، وعن ابن جرير (31، 0)، وعن الحسن والشعبي (26، 0)، وعن عكرمة (23، 0)، وعن عطاء وقتادة (17، 0)، وعن محمد بن كعب (16، 0)، وعن أبي عالية (14، 0)، وعن السدي (03، 0)، وذلك نسبة لمجموع المروي عن كل واحد منهم في تفسير الطبري.
(5) بخلاف المروي عن الصحابة، وخاصة ابن عباس الذي نجد فيه الكثير من الاختلاف.(2/925)
الشواهد ترفع الحكم على الأثر من حسن لصحيح، أو من صحيح لأصح منه، بل تجبر الضعيف إذا توبع بما هو أقوى منه.
ولذا فلا نعجب عند ما نجد الأئمة أمثال البخاري، والشافعي، وأحمد، قد اعتمدوا تفسير مجاهد، ولم يذكروا في الكثير مما ورد عنه علة، أو ضعفا (1).
4 - التفسير بالمأثور بين الضعف والقوة:
قال الإمام أحمد: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي.
وهذه المقولة هي من الأسباب التي دعتني إلى التعرض لهذه النقطة لإيضاح مراده رحمه الله، فمقصوده والله أعلم من ذلك هو المروي من الأحاديث المرفوعة دون الموقوفة والمقطوعة، ولذا قال الزركشي في البرهان بعد أن ذكر كلام أحمد: قال المحققون من أصحابه: مراده أنّ الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإلا فقد صح من ذلك كثير كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي، وغيره (2).
قال السيوطي: الذي صح من ذلك قليل جدا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة، وسأسردها كلها آخر الكتاب (3).
وذكر الشيخ الذهبي أيضا أن المراد بكلام الإمام أحمد الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير، قال: أما الأحاديث المنقولة عن الصحابة والتابعين، فلا وجه لإنكارها،
__________
(1) سيأتي بحث ذلك في قيمة المروي عن التابعين دراية ص (1061)، وينظر كتاب مقدمة في أصول التفسير (37).
(2) البرهان (2/ 156)، مقدمة في أصول التفسير (59) والإتقان (2/ 228)، وتذكرة الموضوعات (82).
(3) الإتقان (2/ 228)، وقد سردها فيما لا يزيد على عشرين صفحة، المرجع السابق (2/ 245 265).(2/926)
وقد اعترف هو بنفسه ببعضها (1)، والظاهر أن الإمام أحمد أراد النقولات التي تساهل فيها المفسرون، سواء كانت أحاديث مرفوعة لا تصح، أو كانت من المرويات عن أهل الكتاب وغيرهم، فإن المفسرين كما قال ابن خلدون قد تساهلوا في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات (2).
ويدخل في ذلك أيضا المرفوع الذي ليس له أصل، أي إسناد لأن الغالب على ذلك المراسيل، إلا أن المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا، أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا (3).
فالتابعون إذا أرسلوا الحديث، وجاء من عدة أوجه، لم يكن هذا من المردود.
وبهذا نعلم أن الاعتماد في التفسير على المرفوع لا يفيد إلا فيما صح فيه النقل، وهو قليل جدا كما تقدم، وهذا مما يبرز قيمة تفسير التابعين الذي صح منه أضعاف ما صح من المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما المنقول عن الصحابة وأتباع التابعين، فهو أقل عددا من المنقول عن التابعين (4)، ثم إن أسانيده ليست بقوة وصحة أسانيد التابعين، ولأجل أن تتضح هذه النقطة أعقد مقارنة بين علمين من أعلام التفسير في عصر الصحابة، وهما ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، وأقارن الأسانيد التي وردت عنهما، بما ورد عن مجاهد، وقتادة، اللذين روي عنهما أكثر من نصف التفسير المروي عن التابعين، ثم أبين حال أسانيد أتباع التابعين ممثلة في أسانيد رجلين من أكثر الأتباع إنتاجا في التفسير وهما ابن زيد،
__________
(1) التفسير والمفسرون (1/ 47).
(2) مقدمة ابن خلدون تحقيق د. علي عبد الواحد وافي (3/ 1132)، وينظر دراسات في القرآن لأحمد خليل (112)، وعلوم القرآن د. عدنان زرزور (408).
(3) مجموع الفتاوى (13/ 347)، ومقدمة في أصول التفسير (59).
(4) وسيأتي تفصيل ذلك في أثر التابعين في كتب التفسير ص (1076).(2/927)
والضحاك.
طرق التفسير عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم:
لقد أعطى ابن عباس تلاميذه أسس الاجتهاد وأصوله، وأذن لهم فيه، ودرّبهم عليه، فانطلقوا يعملون الفكر، ويشغلون النظر في استخراج المعاني، فاجتهدوا وانشغلوا بذلك عن نقل تفسير شيخهم، فيما نشط لذلك آخرون، لما رأوا أن الناس تميل إلى ما كان منسوبا للصحابة أكثر من غيرهم، ولذلك كثر الوضع على الصحابة أكثر من التابعين.
لقد نقل التفسير عن ابن عباس أصحابه، عكرمة، ومجاهد، وسعيد، والسدي، وطاوس، إلا أن أصحابه لم يكثروا، في حين أكثر من الرواية عنه كل من عطية العوفي، وعلي بن أبي طلحة، والضحاك بن مزاحم، وأبو صالح باذام مولى أم هاني.
أما العوفي: فهو عطية بن سعد بن جنادة العوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وكان شيعيا مدلسا (1).
وقد أخرج ابن جرير للعوفي هذا في مواضع من تفسيره (2).
فالعوفي الغالب عليه الضعف، وقد أكثر الرواية عن ابن عباس (3).
__________
(1) تقريب التهذيب (2/ 24)، والميزان (3/ 79)، قال عنه ابن حجر في طبقات المدلسين: تابعي ضعيف الحفظ، مشهور بالتدليس القبيح (50)، وينظر إتحاف ذوي الرسوخ (39).
(2) بإسناده عن شيخه محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه، يراجع لسان الميزان (5/ 174)، وتاريخ بغداد (5/ 332) والجرح والتعديل (3/ 48).
(3) جاء من رواية العوفي عند ابن جرير (1439) رواية أي (25، 0) من مجموع المروي عنه في التفسير.(2/928)
وأما علي بن أبي طلحة: فهو صدوق، ولكنه لم يلق ابن عباس، وإنما أخذ تفسيره عن مجاهد، أو سعيد بن جبير (1).
وأما الضحاك بن مزاحم: فطريقه عن ابن عباس منقطعة، فإن الضحاك لم يلقه، فإذا انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة عن أبي روق فضعيفة لضعف بشر، وإن كانت من رواية جويبر عن الضحاك فأشد ضعفا لأن جويبرا شديد الضعف متروك (2).
وأوهى الطرق عن ابن عباس طريق الكلبي عن أبي صالح، فإذا انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب (3).
وأما أبو مالك غزوان الغفاري: فهو ثقة، إلا أن روايته جاءت عن أبي صالح عن ابن عباس.
قال الخليلي في الإرشاد: وهذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن عباس غير مرضية، ورواتها مجاهيل.
ثم ذكر من ذلك أسانيد عن ابن جريج والسدي لا تصح (4).
وبالجملة فإن الأسانيد إلى ابن عباس في النفس من بعضها شيء، وهذا ما دعا الشافعي إلى أن يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث (5).
__________
(1) التقريب (402)، وقد جاء من طريق علي (1404) روايات، أي (24، 0) من مجموع المروي عنه في التفسير، قال ابن حجر: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك، ينظر الإتقان (2/ 241).
(2) الإتقان (2/ 242).
(3) الإتقان (2/ 242).
(4) الإتقان (2/ 241).
(5) الإتقان (2/ 242)، ولعله أراد الأسانيد الصحيحة التي لا مطعن فيها، وإلا فقد روى عنه من الحسن وشبهه شيء كثير.(2/929)
وأما الأسانيد عن ابن مسعود: فلم تكن بأحسن حالا على قلتها، فلقد كان التفسير المنقول عنه قليلا وذلك لأن أصحابه النقاد كانوا على رهبة من التفسير فلم ينقلوا عنه كثيرا، وجاء أكثر تفسيره من طريق مرة عنه، ومرة تابعي ثقة من كبار التابعين، إلا أن أكثر من روى عنه هو السدي، وتفسير السدي يرويه لنا أسباط بن نصر، وأسباط وإن كان من رجال مسلم إلا أنه متكلم فيه من جهة حفظه، ولذا لا نعجب أن يقول ابن كثير على هذا الإسناد: إن هذا الإسناد يروي به السدي أشياء فيها غرابة (1).
وقال الإمام أحمد عن السدي: إنه ليحسن الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسنادا واستكلفه (2).
ولذا فإن النفس تطمئن لصحة الروايات التي جاءت عن السدي من قوله، أكثر من اطمئنانها إلى ما رواه بإسناده عن ابن مسعود، أو غيره، والله أعلم.
الطرق التي رويت بها آثار التابعين:
وإذا نظرنا إلى الطرق والآثار التي نقلت إلينا بها أسانيد التابعين، فإننا لا نجدها كذلك على قدر واحد من القوة والضعف، إلا أننا نجدها في مجموعها أقوى وأصح من تلك التي رويت عن الصحابة، وفيما يلي بيان لأشهرها:
__________
(1) ينظر تعليق الأستاذ أحمد شاكر على تفسير الطبري (1/ 158) حيث قال: ثم إن جلّ المروي عن الطبري من طريق مرة جاء من طريق أسباط عن السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جرير: لست أعلمه صحيحا، إذ كنت بإسناده مرتابا، قال شاكر معلقا على ما قاله ابن جرير: وحق لأبي جعفر أن يرتاب في إسناده، فإن هذا الإسناد فيه تساهل كثير، من جهة جمع مفرق التفاسير عن الصحابة في سياق واحد إلخ ما قال، ينظر تفسير الطبري (1/ 348) (1/ 354).
(2) شرح علل الترمذي لابن رجب (351)، وتهذيب التهذيب (1/ 314).(2/930)
1 - طرق وأسانيد تفسير مجاهد:
لقد تعددت الأسانيد التي حملت لنا تفسير مجاهد، إلا أن إسناد ابن أبي نجيح عن مجاهد يعدّ أكثرها ورودا، فقد نقل إلينا ما يقارب (56، 0) من تفسيره جاء من طريق ابن أبي نجيح، الذي قال عنه ابن المديني: أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه قد قفز القنطرة (1).
وهذا الطريق قد اعتمده الأئمة في التفسير، وقد وقع بعض الاختلاف عليه، فقال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد، في حين قال وكيع: كان سفيان الثوري يصحح تفسير ابن أبي نجيح، وقال الذهبي معلقا على قول يحيى بن سعيد: وهو من أخص الناس بمجاهد (2).
وليس بين القولين تعارض، فكونه لم يسمع التفسير من مجاهد لا يقدح في صحته كما قدمت ذلك آنفا، وبيانه أنه حمل التفسير عن القاسم بن أبي بزّة بفتح الموحدة وتشديد الزاي المكي المخزومي مولاهم أبو عبد الله، والقاسم هذا ثقة، قد روى له الجماعة، ووثقه ابن معين، والعجلي، وابن سعد، والنسائي، وغيرهم (3)، وقال ابن حبان: لم يسمع التفسير من مجاهد غير القاسم، وكل من يروي عن مجاهد التفسير فإنما أخذه من كتاب القاسم (4).
وقال أيضا: ابن أبي نجيح نظير ابن جريج في كتاب القاسم بن أبي بزّة عن مجاهد في التفسير، رويا عن مجاهد عن غير سماع (5).
__________
(1) السير (6/ 126).
(2) السير (6/ 126).
(3) تاريخ الثقات (368)، تهذيب الكمال (23/ 339)، والتقريب (449)، وطبقات ابن سعد (5/ 479).
(4) الثقات (7/ 331)، والتهذيب (8/ 310).
(5) تهذيب الكمال (23/ 339).(2/931)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث عن تلاميذ ابن عباس في التفسير: وأخص أصحابه بالتفسير مجاهد، وعلى تفسير مجاهد يعتمد أكثر الأئمة كالثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، قال الثوري: إذا جاء التفسير عن مجاهد فحسبك به، والشافعي في كتبه أكثر الذي ينقله عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وكذلك البخاري في صحيحه يعتمد على هذا التفسير، وقول القائل: لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد، جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير، بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد، إلا أن يكون نظيره في الصحة (1).
وبهذا يتضح صحة هذا الطريق عن مجاهد في التفسير، فإذا انتقلنا إلى الطريق الثانية، وهي طريق ابن جريج عن مجاهد، نجد أن ابن جريج قد احتل المرتبة الثانية، فروى عن مجاهد نحوا من (15، 0) من التفسير عن مجاهد، والغالب أنه لم يحمله عنه مباشرة، ففي سؤالات ابن الجنيد لابن معين، سأله عن ابن جريج: هل سمع من مجاهد شيئا قال: حرفا أو حرفين. قلت: فمن بينهما قال: لا أدري (2)، ولهذا فإن الغالب أن الواسطة بينهما هو القاسم بن أبي بزة كما تقدم في كلام ابن حبان قريبا
فالقول فيهما واحد.
وبهذا يكون قريب ثلاثة أرباع التفسير المنقول عن مجاهد جاء بإسناد ابن أبي نجيح، وابن جريج عن القاسم عن مجاهد، وهو في الصحة كما ترى.
2 - طرق وأسانيد الآثار المنقولة عن قتادة في التفسير:
فإذا انتقلنا إلى الطرق والأسانيد التي روي بها تفسير قتادة نجدها تدور على
__________
(1) مجموع الفتاوى (17/ 409408)، وتفسير سورة الإخلاص (94) ط 1323هـ، ومقدمة تفسير مجاهد للشيخ عبد الرحمن السورتي (1/ 6058).
(2) سؤالات ابن الجنيد (364)، (415).(2/932)
رجلين:
الأول: سعيد بن أبي عروبة، فقد روى عن قتادة ما يقرب من ثلثي تفسيره.
والثاني: معمر بن راشد، فقد روى عنه نحوا من ثلث تفسيره (1)، وسعيد بن أبي عروبة عده النسائي من أثبت أصحاب قتادة فيه (2).
وسئل ابن معين: أيهما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة، أو تفسير شيبان عن قتادة فقال: سعيد (3).
وأما معمر بن راشد، فقد صاحب قتادة وهو في مبدأ الطلب فوعى عنه وحفظ، قال معمر: جالست قتادة، وأنا ابن أربع عشرة سنة، وما سمعته من تلك السنن إلا كأنه مكتوب في صدري (4).
وقد تكلم بعض أهل العلم في رواية معمر هذه، إلا أن التفسير إنما جاء من رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وهذا الإسناد ليس مما تكلم فيه لأن رواية عبد الرزاق عن معمر صحيحة عندهم.
قال الإمام أحمد: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق (5).
وبهذا تتضح صحة الطرق والأسانيد التي روي بها تفسير قتادة رحمه الله (6). بل هي من أصح الطرق الواردة في التفسير.
__________
(1) بلغت مرويات التفسير عن قتادة عند الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة (62، 0)، و (30، 0) من طريق معمر بن راشد.
(2) نصب الراية (3/ 282).
(3) تاريخ ابن معين (2/ 205).
(4) المعرفة (2/ 141).
(5) السير (9/ 566).
(6) وغالب أسانيد ابن جرير عن قتادة بإسنادين، الأول: بشر بن معاذ، عن يزيد بن زريع، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، والثاني: الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة.(2/933)
3 - طرق وأسانيد تفسير سائر التابعين:
لقد مرّ بنا فيما سبق دراسة الطرق والأسانيد للآثار المروية عن مجاهد وقتادة، فإذا علمنا أن أكثر من نصف الآثار المنقولة عن التابعين في التفسير هي من رواية قتادة ومجاهد (1)، أدركنا بذلك قيمة دراسة الأسانيد التي روي بها تفسيرهما.
إلا أنني لم أغفل دراسة باقي الأسانيد التي روي بها التفسير عن غيرهم، وقد وجدت فيها ما يضعّف إلا أنه في الغالب ممن لم ينقل عنهم في التفسير كبير شيء، أو كان الضعف ليس شديدا، فمن ذلك السديّ، فقد جاء عنه روايات كثيرة في التفسير (2)، ويعد أسباط بن نصر راوية لتفسيره، فلم يفته إلا القليل، وجاء غالب تفسيره من طريقه (3)، وأسباط من رجال مسلم، وفيه كلام معروف من جهة حفظه، وسبق الإشارة لذلك (4).
وأما الحسن البصري: وهو من المكثرين أيضا، فقد روي عنه في التفسير آثار تقارب ما روي عن السدي عددا (5)، إلا أنني لم أجد له طريقا يمكن جعله أساس الطرق والأسانيد التي روي بها تفسيره، اللهم إلا طريق قتادة، ومعمر عنه، وقد بلغت ثلث الطرق التي روي بها تفسيره عند الطبري (6).
__________
(1) بعد استخراج روايات أئمة التفسير من التابعين الذين اعتمدت على أقوالهم وترجمت لهم في بحثي هذا وجدت أن مجموع ما ورد من تفسيرهم في تفسير الطبري (18854) رواية، انفرد مجاهد وقتادة ب (11488) رواية، أي ما يزيد على (60، 0) من جملة تفسيرهم.
(2) بلغت رواياته في تفسير الطبري (1682) رواية، أي بنسبة (09، 0) من مجموع تفسير التابعين في تفسير الطبري.
(3) بلغ مرويات أسباط (95، 0) من مجموع روايات السدي في التفسير عند الطبري.
(4) ينظر قيمة المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ص (930).
(5) بلغت في مجموعها (1487) أثرا، أي ما نسبته (8، 0) من مجموع تفسير التابعين عند الطبري.
(6) بلغت نسبة ما رواه قتادة عن الحسن (12، 0) من مجموع ما نقل عن الحسن في الطبري، وأما ما رواه معمر عنه فقد بلغ (5، 11، 0) منه.(2/934)
فإذا انتقلنا إلى مرويات عطاء على قلتها، وجدنا الكثير منها جاء من طريق ابن جريج، فقد انفرد بنصف المروي عن عطاء (1)، فإنه لازم شيخه عطاء سبع عشرة سنة، وفي رواية عشرين سنة (2)، حتى سئل عطاء: من نسأل بعدك يا أبا محمد، قال: هذا الفتى يعني ابن جريج (3).
وقال أحمد بن حنبل: أثبت الناس في عطاء: عمرو بن دينار، وابن جريج (4).
وقال ابن المديني: لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج (5).
ولقد كان ابن جريج من التلاميذ الذين حفظوا لنا علم عطاء الذي كان يميل إلى ترك الفتوى، والورع من التفسير، فأخرج علمه سؤالات ابن جريج له، قال ابن جريج: كنت أسأل عطاء عن كل شيء يعجبني، فلما سألته عن البقرة وآل عمران قال:
اعفني من هذا يعني تفسيره (6).
وأما سعيد بن المسيب: فعلى قلة المروي عنه في التفسير إلا أن أكثره جاء من رواية قتادة، ومعلوم إتقان قتادة وحفظه (7).
ويليه في الرواية عن سعيد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري، الذي قاله عنه ابن المديني: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من يحيى (8)، وهذان الإمامان نقلا ما
__________
(1) بلغت مرويات التفسير عن عطاء عند الطبري من طريق ابن جريج (50، 0) من مجموع تفسيره.
(2) السير (6/ 332).
(3) السير (6/ 328).
(4) العلل لأحمد (2/ 496) 3272.
(5) السير (6/ 330).
(6) العلل لأحمد (3/ 268) 5188.
(7) جاء من طريق قتادة (37، 0) من مجموع المروي عن ابن المسيب.
(8) تهذيب الكمال (31/ 353)، والتقريب (591)، والتذكرة (1/ 137).(2/935)
يزيد على نصف المروي عن سعيد (1).
وأما إبراهيم النخعي: فقد جاء ما يزيد على ثلثي تفسيره من طريق المغيرة بن مقسم.
والمغيرة بن مقسم الضبي روى وأكثر عن إبراهيم (2)، وقد وثقه أبو حاتم والعجلي والنسائي (3).
وأما الناقل الثاني لتفسير إبراهيم فهو منصور بن المعتمر أحد الأئمة الأعلام والثقات الأثبات، قال يحيى بن سعيد القطان: ما أحد أثبت من منصور بن المعتمر في إبراهيم (4).
وأما الشعبي فقد جاءت الروايات عنه من طرق متعددة، وثلث ما روي عنه جاء عن طريق داود بن أبي هند، والمغيرة بن مقسم (5)، وداود هو القشيري مولاهم البصري، قال عنه ابن حجر: ثقة متقن (6).
ومرويات أبي العالية على قلتها فإنما جاء أكثرها من طريق الربيع بن أنس، إلا أن فيها ما لا يفرح به لأنه من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع، والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر لأن فيها اضطرابا كثيرا (6)، إلا أن المروي عن
__________
(1) جاء من طريق يحيى (16، 0) من مجموع المروي عن سعيد و (37، 0) منه من طريق قتادة، أي أن ما مجموع نسبته (53، 0) من المروي عنه كان من طريق قتادة، ويحيى.
(2) روى (36، 0) من تفسير إبراهيم.
(3) تهذيب الكمال (28/ 400، 401)، وينظر في ترجمته، طبقات ابن سعد (6/ 337)، والجرح (8/ 228)، وتاريخ الثقات للعجلي (437)، وثقات ابن شاهين (219).
(4) شرح علل ابن رجب (294)، والمعرفة (3/ 13، 112).
(5) روى داود بن أبي هند (23، 0) من الروايات التي جاءت عن الشعبي، وأما المغيرة فكانت نسبة مروياته عنه (11، 0) من مجموع تفسيره.
(6) الثقات (4/ 228)، ومشاهير علماء الأمصار (126).(2/936)
أبي العالية ليس كثيرا (1).
وأما عكرمة وسعيد بن جبير فلم أجد من تلاميذهم من تخصص في الرواية عنهما، وإن كان جعفر بن أبي المغيرة روى ما يزيد قليلا عن عشر مرويات سعيد (2)، وقاربه جعفر بن أبي وحشية أبو بشر (3)، وكذا سالم الأفطس (4) وجميعهم ممن روى عنه الأئمة، فجعفر بن أبي المغيرة صدوق يهم (5)، وجعفر بن أبي وحشية ثقة من أثبت الناس في سعيد (6)، وسالم الأفطس ثقة (7)، أي أن ثلث تفسيره جاء من تلك الطرق.
وهذا عكرمة جاء تفسيره في أشهر طرقه عن يزيد النحوي، وابن جريج، والحكم ابن أبان، وقتادة، فقد جاء ما يقارب من ربع تفسيره من طريقهم (8)، ولكنهم من الأئمة الثقات، باستثناء الحكم بن أبان وهو صدوق (9).
وأما محمد بن كعب القرظي، فقد روى أبو معشر المدني ما يزيد قليلا عن ربع تفسيره، وروى موسى بن عبيدة نحوا من خمسها، وكلا منهما ضعيف (10).
__________
(1) روى الربيع (78، 0) من مجموع مرويات أبي العالية، أي نحوا من (190) رواية.
(2) جاء من طريقه (114) رواية، أي ما يقارب (11، 0) من مجموع تفسير سعيد.
(3) جاء من طريقه (98) رواية، أي ما يقارب (097، 0) من مجموع تفسير سعيد.
(4) جاء من طريقه (96) رواية، أي ما يقارب (095، 0) من مجموع تفسير سعيد.
(5) التقريب (141).
(6) التقريب (139).
(7) التقريب (227).
(8) جاء من طريق ابن جريج (75) رواية، وعن يزيد النحوي (69) رواية، وعن الحكم بن أبان (45) رواية، وعن قتادة (30) رواية.
(9) ينظر التقريب (174، 601).
(10) روى أبو معشر (28، 0) من مجموع تفسيره، وروى موسى (19، 0) من جملة الروايات، وينظر التقريب (559) و (552).(2/937)
إلا أن مما يهون الأمر أن المروي عن محمد بن كعب في التفسير قليلا (1).
مما تقدم نجد أن أشهر الروايات عن التابعين قد تنوعت بين القوة والضعف، إلا أن المكثرين منهم في التفسير جاءت الأسانيد عنهم في غاية القوة لا سيما قتادة، وبعده مجاهد، ثم عطاء، فالحسن، وسعيد، وعكرمة، وأما الأسانيد الضعيفة فقد ظهرت في المقلين، فيكون حاصل ذلك أنه جلّ تفسير التابعين جاء صحيحا، بخلاف غيره من التفسير المأثور.
وتمتد هذه الميزة لأسانيد التابعين، حتى نجدها كذلك أصح وأنظف من كثير من الأسانيد التي جاءت عن مفسري تابعي التابعين، أمثال الضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن زيد، فإن أسانيد تفسيره جاءت جلّها من طريق جويبر بن سعيد الأزدي قال عنه ابن حجر: راوي التفسير ضعيف جدا (2).
وأما عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وإن كان الراوي لكثير من تفسيره هو عبد الله بن وهب بن مسلم المصري قال فيه ابن حجر: الحافظ الثقة (3)، إلا أن صاحب التفسير عبد الرحمن بن زيد ضعيف جدا كما قاله علي بن المديني وابن سعد وغيرهم (4)، وكثير من تفسير عبد الرحمن إنما أخذه عن أبيه زيد، يقول ابن خزيمة: عبد الرحمن ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه، هو رجل صناعته العبادة والتقشف ليس من أحلاس الحديث (5).
__________
(1) لم تزد الروايات عنه في التفسير كما عند ابن جرير عن (153) رواية.
(2) التقريب (143).
(3) التقريب (328).
(4) طبقات ابن سعد (5/ 413)، والضعفاء الصغير (71)، والضعفاء الكبير (2/ 331).
(5) التهذيب (6/ 179).(2/938)
ولذا فعبد الرحمن ما كان من تفسير اعتمد فيه على النقل من أسباب نزول عن غيره فهو ضعيف غير مقبول، وما كان من اجتهاده فالأمر في ذلك أسهل، والله أعلم.
ومما سبق يتضح لنا قيمة تفسير التابعين رواية.(2/939)
الفصل الثاني قيمة تفسير التابعين دراية(2/941)
المبحث الأول نوع الخلاف بين مفسري التابعين
بعد أن استعرضنا قيمة تفسير التابعين رواية، وتبين لنا الأثر الواضح الذي تركه تفسيرهم في هذا الجانب كان لزاما أن أوضح هنا أن الأمر لم يقتصر على مجرد الروايات فحسب، بل أن لتفسيرهم قيمة علمية سامية، ومنزلة عالية، فإذا علمنا أن الاختلاف بين التابعين لم يكن ذلك الاختلاف الموجود عند من جاء بعدهم من التنازع والتشاحن، واتضح لنا أن تفسيرهم تميز بميزات ليست لغيره من أنواع التفاسير بعد ذلك لبيان منزلتهم، وقيمة تفسيرهم عند أهل العلم، رحم الله الجميع.
الأصل في تفسير القرآن الكريم أنه يرجع كله إلى قول واحد (1)، وإن بدا في أول الأمر خلاف ذلك، ويدل لذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} (2).
فنفى الله عز وجل أن يقع فيه اختلاف البتة، ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق هذا الكلام بحال.
وأيضا فإن قوله سبحانه: {فَإِنْ تَنََازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللََّهِ وَالرَّسُولِ} (3)
صريح في رفع التنازع، والاختلاف. ولا يرتفع الخلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد، إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلاف لم يكن في الرجوع إليه رفع تنازع، وهذا باطل (4).
__________
(1) أي فليس من مقاصد الشرع وضع حكمين متخالفين في موضوع واحد.
(2) سورة النساء: آية (82).
(3) سورة النساء: آية (59).
(4) الموافقات (4/ 118).(2/943)
والآيات في ذلك كثيرة، وأنه لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد.
وعن عبد الله بن أبي رباح الأنصاري: أن عبد الله بن عمرو قال: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فسمعت أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب» (1).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم. أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكر هنا أن نفرق بينهم. فجلسنا حجرة. إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها، حتى ارتفعت أصواتهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب، ويقول: «مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم. وضربهم الكتب بعضها ببعض. إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، وإنما نزل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» (2).
وعن سفيان قال: ليس في تفسير القرآن اختلاف، إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا (3).
ومن هنا فإن جمعا من أهل العلم نبه على مسألة اختلاف المفسرين، وأبان عن نوع الخلاف بينهم، منهم المقل في ذلك، والمستكثر (4).
__________
(1) مسند أحمد (2/ 192)، وشرح السنة للبغوي (1/ 261).
(2) مسند أحمد (2/ 181، 185).
(3) فتح القدير (1/ 12).
(4) عقد ابن قتيبة مبحثا في اختلاف التنوع واختلاف التضاد في كتابه: «تأويل مشكل القرآن»(2/944)
وابتداء ينبغي أن نقرر أن اختلاف التابعين رحمهم الله إنما هو من قبيل اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد، ومرد ذلك إلى معاصرة التابعين وقربهم، بل وتلقيهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عاصروا التنزيل، وشاهدوا الأحوال، وأدركوا نصوص القرآن الكريم، ومدلولاته الدقيقة من خلال السياق. بخلاف الذين جاءوا من بعدهم
أنواع الاختلاف:
رد شيخ الإسلام أنواع الاختلاف إلى قسمين رئيسين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد.
أولا: اختلاف التنوع:
وهو أن يكون كل واحد من القولين حقا مشروعا، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف، وقال: «كل منكما محسن».
ومنه ما يكون كل من القولين هو في الواقع في معنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان. ومنه ما يكون المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان، فهذا قول صحيح، وذلك قول صحيح، وإن لم يكن أحدهما هو معنى الآخر.
ثانيا: اختلاف التضاد:
فهو القولان المتنافيان، واللذان لا يمكن القول بهما جميعا (1). انتهى.
__________
(65، 85)، وفصل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الموضوع أيضا في مجموع الفتاوى (13/ 333)، وأفرد الإمام الشاطبي في «الموافقات» مبحثا كاملا في ذلك (4/ 214)، وللبطليوسي رسالة سماها «التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين». وهناك رسالة لشيخنا الدكتور سعود الفنيسان أسماها «اختلاف المفسرين أسبابه وآثاره».
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 130).(2/945)
وقريبا من هذا التقسيم ما ذكره الإمام الشاطبي، قال: من الخلاف ما لا يعتد به في الخلاف، وهو ضربان:
أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفا لمقطوع به في الشريعة.
والثاني: ما كان ظاهره الخلاف، وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالا مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد.
والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه (1).
ولتوضيح ذلك أعرضه فيما يلي بشيء من التفصيل:
انواع
اختلاف التنوع:
وهذا النوع هو أكثر ما وجدته بين المفسرين من التابعين، وقد قسم شيخ الإسلام هذا الخلاف إلى أربعة أنواع:
الأول: أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى.
الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه.
قلت: وهذان النوعان من أكثر الأنواع التي ظهرت لي في تفسير التابعين.
الثالث: أن يكون اللفظ المختلف فيه محتملا للأمرين، إما لكونه مشتركا في
__________
(1) الموافقات (4/ 214).(2/946)
اللفظ، وإما لكونه متواطئا في الأصل، لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين.
الرابع: أن يتم التعبير عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة (1).
ومثال ما جاء عن التابعين من النوع الأول، وهو أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (2).
قال بعضهم: إنه كتاب الله، وقال الحسن، وأبو العالية: هو دين الإسلام، وقال مجاهد: الطريق الهادي إلى دين الله (3).
فهذه الأقوال متفقة، ولكن كل واحد منهم نبه على وصف غير الوصف الآخر.
ومثال ذلك أيضا ما جاء عنهم عند قوله تعالى: {وَظَلَّلْنََا عَلَيْكُمُ الْغَمََامَ وَأَنْزَلْنََا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ََ} (4).
فقال عامر الشعبي: إنه الذي يقع على الشجر فيأكله الناس، وقال مجاهد:
صمغه، وقال قتادة: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج. وقال السدي: إنه الزنجبيل.
وعند قوله تعالى: {السَّلْوى ََ} قال بعضهم: إنه طير يشبه السمان، وقال قتادة، ومجاهد: طائر كانت تحشرها عليهم الريح الجنوب، وقال عامر الشعبي: إنه السّماني (5).
قال الشاطبي بعد أن ذكر هذا المثال: فمثل هذا يصح حمله على الموافقة، وهو
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/ 333).
وزاد الذهبي في (التفسير والمفسرون) نوعا خامسا فقال: أن يكون في الآية الواحدة قراءتان أو قراءات، فيفسر كل منهم على حسب قراءة مخصوصة (1/ 137).
(2) سورة الفاتحة: آية (5).
(3) تفسير الطبري (1/ 171).
(4) سورة البقرة: آية (57).
(5) تفسير الطبري (2/ 91).(2/947)
الظاهر فيها (1).
ومثال النوع الثاني: وهو أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه ما جاء عند تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سََابِقٌ بِالْخَيْرََاتِ} (2).
فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للحرمات. والمقتصد يتناول فاعل الواجبات، وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون هم أصحاب اليمين، {وَالسََّابِقُونَ السََّابِقُونَ (10) أُولََئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} (3).
ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. ويقول (الآخر): السابق، والمقتصد والظالم قد ذكرهم في آخر سورة البقرة، فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع، والناس في الأموال إما محسن، وإما عادل، وإما ظالم، فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات، والظالم آكل الربا، أو مانع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، وأمثال هذه الأقاويل.
فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له، وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطلق (4).
__________
(1) الموافقات (4/ 215).
(2) سورة فاطر: آية (32).
(3) سورة الواقعة: آية (10، 11).
(4) مجموع الفتاوى (13/ 337).(2/948)
ومثال ذلك أيضا: ما ورد عند قوله تعالى: {خُذُوا مََا آتَيْنََاكُمْ بِقُوَّةٍ} (1).
حيث فسر قتادة والسدي القوة: بالجد والاجتهاد، وقال أبو العالية: الطاعة، وقال مجاهد: العمل بما فيه (2).
وعند قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالنَّصََارى ََ وَالصََّابِئِينَ} (3) ورد في معنى {الصََّابِئِينَ} أنهم قوم بين النصارى والمجوس ليس لهم دين، وبه قال مجاهد، وقيل: إنهم قوم بين اليهود والنصارى، وبه قال سعيد بن جبير، وقال الحسن: إنهم قوم كالمجوس (4).
ويدخل ضمن هذا النوع ما يذكره المفسرون من أسباب فهي كالمثال، فإذا قيل:
نزلت هذه الآية في كذا، أو قيل: نزلت في غيرها من الأسباب، فإنها كالأمثلة تدخل في حكم الآية.
وأما النوع الثالث: وهو أن يكون اللفظ محتملا للأمرين، إما لكونه مشتركا في اللفظ، وإما لكونه متواطئا في الأصل، لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين.
فمثال الأول وهو الاشتراك اللفظي: كلفظة (النكاح) فهي تطلق على العقد كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ} (5) وتطلق على الوطء كقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهََا فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (6).
وكلفظ {قَسْوَرَةٍ} قال مجاهد، وعكرمة: الرماة، وقال غيرهما:
__________
(1) سورة البقرة: آية (63).
(2) تفسير الطبري (2/ 160)، وزاد المسير (1/ 93).
(3) سورة البقرة: آية (62).
(4) تفسير الطبري (2/ 145)، وزاد المسير (1/ 91).
(5) سورة الأحزاب: آية (49).
(6) سورة البقرة: آية (230)، وينظر رسالة اختلاف المفسرين للدكتور سعود الفنيسان (72).(2/949)
الأسد (1) وكلفظ {عَسْعَسَ} قال مجاهد، وقتادة: إذا أدبر، وقال الحسن: أقبل وغشي الناس بظلامه (2).
ومثال الثاني: كالضمائر في قوله سبحانه: {ثُمَّ دَنََا فَتَدَلََّى (8) فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ََ} (3) أي: جبريل عليه السلام، قاله الحسن، ومجاهد، وقال غيرهم: دنا الرب من محمد صلى الله عليه وسلم (4).
والشفع والوتر في قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيََالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (5)
فقال قتادة، وعكرمة: الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة، وقال الحسن، ومجاهد:
الشفع: كل الخلائق، والوتر: الله (6).
ولفظ {النََّازِعََاتِ} حيث قيل: هم الملائكة تنزع نفوس بني آدم، وبه قال سعيد ابن جبير، وقال غيره: بل هو الموت ينزع النفوس، وبه قال مجاهد، وقال الحسن:
النجوم، وقال عطاء: القسي تنزع بالسهم، وقال السدي: النفس حين تغرق في الصدر (7).
ولا شك أن هذه الأقوال يمكن أن تكون داخلة ضمن معاني الآية، فتحمل عليها جميعا. ويمكن أن يكون أحدها راجحا على الآخر، فيؤخذ به، ويترك ما سواه.
وأما النوع الرابع: فهو أن يعبر المفسر عن المعنى بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فهو
__________
(1) تفسير الطبري (29/ 169).
(2) تفسير الطبري (30/ 78).
(3) سورة النجم: الآيتان (8، 9).
(4) تفسير الطبري (27/ 44).
(5) سورة الفجر: الآيات (31).
(6) تفسير الطبري (30/ 170).
(7) تفسير الطبري (30/ 28).(2/950)
مثل قوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمََا كَسَبَتْ} (1) قال الحسن، ومجاهد، والسدي: أن تسلم، وقال قتادة: تحبس وتؤخذ، وقال غيرهم: ترتهن (2).
فجميع هذه العبارات متقاربة، وليست من اختلاف التضاد.
وكذلك قوله: {وَمََا مَسَّنََا مِنْ لُغُوبٍ} (3) قال مجاهد: أي نصب، وقال غيره:
عناء، وقال آخر: سآمة (4).
وأيضا قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (5) قال مجاهد: إنها عهود الله التي أخذها على عباده فيما أحل وحرم، وقال الحسن: إنها عهود الدين كلها (6).
وهناك نوع خامس: وهو أن يكون في الآية الواحدة قراءتان أو قراءات، فيفسر كل منهم على حسب قراءة مخصوصة، فيظن ذلك اختلافا، وليس ذلك باختلاف، فمثاله قوله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} (7) فقد قرأها مجاهد، وقتادة، والحسن: {نُنْسِهََا} بمعنى النسيان والرفع، قال قتادة: كان الله تعالى ذكره ينسي نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء، وينسخ ما شاء، أو بمعنى الترك، كما ورد عن السدي قال: نتركها لا ننسخها، وقرأها عطاء وغيره: (أو ننسأها) بفتح النون وهمزة بعد السين، بمعنى نرجئها ونؤخرها، من قولك: «نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأ ونساء إذا أخرته» (8).
__________
(1) سورة الأنعام: آية (70).
(2) تفسير الطبري (11/ 443)، وزاد المسير (3/ 65).
(3) سورة (ق): آية (38).
(4) تفسير الطبري (26/ 178).
(5) سورة المائدة: آية (1).
(6) تفسير الطبري (9/ 449)، وزاد المسير (2/ 267).
(7) سورة البقرة: آية (106).
(8) تفسير الطبري (2/ 473)، وفتح القدير (1/ 126)، وتفسير عبد الرزاق (1/ 55).(2/951)
ومثاله أيضا قوله سبحانه حكاية عن امرأة العزيز: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوََابَ وَقََالَتْ هَيْتَ لَكَ} (1).
فقرأها جماعة منهم الحسن، وعكرمة، وقتادة، والسدي: «هيت» بفتح الهاء والتاء، بمعنى هلم لك، وادن وتقرب. وقرأها آخرون: «هئت» لك بكسر الهاء، وضم التاء والهمزة، بمعنى: تهيأت لك، من قول القائل: هئت لأمر أهيء هيئة (2).
ومثال ذلك أيضا قوله تعالى: {وَلََا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتََّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيََاطِ} (3).
فقد قرأها الحسن وغيره: الجمل، أي: البعير زوج الناقة. وقرأها عكرمة ومجاهد وغيرهما: الجمّل، يعني: قلوس السفن، يعني: الحبال الغلاظ (4).
__________
(1) سورة يوسف: آية (23).
(2) تفسير الطبري (16/ 26)، وزاد المسير (4/ 202)، وفتح القدير (3/ 16).
(3) سورة الأعراف: آية (40).
(4) تفسير الطبري (12/ 428).(2/952)
المبحث الثاني مميزات تفسير التابعين
اتضح لنا فيما سبق دراسته قيمة تفسير التابعين من خلال النصوص والآثار الواردة عنهم، ومعرفة مصادرهم، ومناهجهم التي اعتمدوها، وساروا عليها.
وهذا المبحث مخصص لإبراز المميزات الموضوعية التي اختص بها التابعون.
ودراسة هذه المميزات تستلزم عقد مقارنة بين بعض الجوانب التفسيرية بين التابعين والمفسرين من الصحابة من جهة، وبين التابعين وأتباعهم من جهة أخرى ولذا فإن هذا المبحث يحتوي على شيء من ذلك لإبراز المميزات التي تميز بها تفسيرهم:
1 - ظهور الاجتهاد في التفسير، ونشأة المدارس التفسيرية:
ازدادت الحاجة للتفسير في عصر التابعين لأن ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير كان موجزا يقصد إلى بيان موطن الهداية في الآية، وكذلك ما نقل عن خواص أصحابه، وعلمائهم من مأثور التفسير فإنه ذهب هذا المذهب (1)، مع ورع الكثيرين من الدخول في التفسير خشية الخطأ، فاحتاج الناس إلى إيضاح دلالات القرآن، ولا سيما بعد دخول العجمة على اللسان، واختلاط الثقافات، وانشغال الناس بعلم الفقه، والرواية الحديثة تبعا لاهتمام الأصحاب بذلك، فخشي الصالحون أن يعزل القرآن عن أن يأخذ مكانته في الحياة بوضعه كتاب هداية، وحكمة، فتصدر التابعون إلى تفسير القرآن والاجتهاد في فهم الآيات، بحيث سدّوا هذه الخلة، بل ربما لم
__________
(1) القرآن العظيم هدايته وإعجازه، ص (184)، وضحى الإسلام (2/ 143).(2/953)
يتركوا كبير مجال لأتباع التابعين للاجتهاد فيه (1) ولأجل اختلاف النزعات، والمشارب، والشيوخ، والأماكن، اختلفت الأنظار والمناهج، مما أدى إلى قيام المدارس التفسيرية المختلفة التي سبق الكلام عنها (2)، ومما تجد الإشارة إليه، أن الطابع الروائي ظل موجودا في عهد التابعين بطرفيه، فمنهم من كان يتورع من الرواية خشية الوقوع في مغبة الكذب على رسول الله، ومنهم من اختار الوقوف على الأثر، وترك الاجتهاد، إلا أن الفرجة بين هذين المنهجين اتسعت في عصر التابعين، فصار الذين يؤثرون الرواية يزيدون في الاستمساك بطريقتهم، ويرون فيها عصمة من الفتن، والآخرون يرون كثرة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم مانعا من الرواية، كما أن الأحداث والمستجدات الجديدة جعلت الاجتهاد والإفتاء ضرورة يمليها الواقع، وهكذا اتسعت المسافة بين الطريقين.
ومما يدل على تميز التابعين في علم التفسير أن المكثرين المشتهرين بالتفسير من التابعين أكثر عددا ونتاجا من المشهورين من الصحابة، وكذا الحال بالنسبة للمقلين في الجانبين.
كما تميز بعض المفسرين من التابعين بالنبوغ في علم التفسير رواية، ودراية، بل إن من كان الجانب الروائي أغلب على حاله، كان يوصف أيضا بالاجتهاد، والدراية بالتفسير، ولذا فلا نعجب عند ما يقول العجلي عن السدي: إنه عالم بتفسير القرآن
__________
(1) كما تقدم تقريره في غلبة النقل على تفسير ابن زيد، والضحاك، وغيرهم من أتباع التابعين، وكذلك كان ابن أبي نجيح، وسعيد بن أبي عروبة، وانشغل الكثير منهم بالقراءات، وتحريرها.
(2) دراسات في التفسير ص (73).(2/954)
راوية له (1).
2 - كثرة اعتمادهم على المأثور من التفسير:
تميز تفسيرهم بكثرة ووفرة مادته، وكان الغالب على مكثريهم العناية والاهتمام بالمنقول عن الصحابة، فهذا المصدر يعد من أهم المصادر التي اعتمد عليها مفسرو التابعين، فقتادة كان يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا (2).
وعن مجاهد قال: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود، لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت (3).
3 - الاستقلالية:
مع أن أئمة التفسير في عصر التابعين كانوا مجتهدين، إلا أنهم يعتبرون وسطاء نقلوا إلينا الكثير من تفسير الصحابة مسندا، مع دقة النقل، وتفسير ما أشكل منه أحيانا، وسبق نقل مواضع من ذلك في هذه الرسالة.
وممن اهتم بنقل تفسير ابن عباس مثلا سعيد، وعكرمة، ومن بعدهم الضحاك، واهتم مرة بنقل تفسير ابن مسعود، كما حفظ لنا مجاهد جملة كبيرة من تفسير ابن عباس، وقتادة نقل إلينا عن هذين وغيرهما أيضا روايات عديدة، إلا أنه يلاحظ أن المنقول في التفسير عن الصحابة أكثره في تفسير آيات الأحكام، وعموما فقد كان التفسير قليلا بين الصحابة، بل يعد من أقل العلوم المروية عنهم، ففروع العلم الأخرى من فقه، وحديث، وسيرة، وقراءة، كان لها النصيب الأكبر في المنقول عنهم، يدل على ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري وقد ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان هذا
__________
(1) مرّ في ترجمة السدي ص (329).
(2) سبق بيانه في ترجمته ص (274).
(3) سبق بيانه في ترجمته ص (127).(2/955)
حديثهم (يعني الفقه) إلا أن يقرأ رجل سورة من القرآن (1).
ولولا ما ورد عن ابن عباس في التفسير لكانت نسبة المروي عن الصحابة في التفسير أقل من القليل (2).
وابن عباس رضي الله عنهما معدود في صغار الصحابة الذين كان أكثر عهدهم بين التابعين، وكثير من رواياته، ولا سيما المطولة منها كان مما أخذه عن مسلمة اليهود، أو ممن تتلمذ عليهم، كالروايات عن كعب، وغيره (3)، وكثير من المروي عنه لا يصح سنده إليه (4).
لقد نقل التابعون هذا التفسير لنا، ولم يقفوا عنده، بل اجتهدوا، وظهر أثر ذلك الاجتهاد في اتجاهين:
الأول: مخالفة المنقول عن الصاحب.
الثاني: التطرق لآيات ليس فيها نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وهذا الاتجاه الثاني سيأتي بحثه عند الحديث عن أثر التابعين في التفسير عند أهل السنة (5).
وأما مخالفاتهم للصحابة فكثيرة، ولأجل أن تتضح معالم هذه الاستقلالية في التفسير أستعرض شيئا من ذلك مبرزا إياه في المنقول عن اثنين من كبار المفسرين،
__________
(1) تاريخ أبي زرعة (1/ 553).
(2) المروي عن ابن عباس عند ابن جرير بلغ نحو من (5809) روايات، وكان الذي يليه من الصحابة في كم المروي ابن مسعود، حيث بلغ (856)، وعن عمر بن الخطاب بلغ ما يقارب (300) رواية، وغيرهم من الصحابة أقل منهم في ذلك.
(3) القرآن العظيم هدايته وإعجازه لمحمد الصادق عرجون، ص (184) ط.
(4) يراجع في ذلك قيمة المنقول عن الصحابة رواية، ص (1018).
(5) ينظر ص (1076).(2/956)
أحدهما ابن عباس، والآخر تلميذه مجاهد بن جبر.
فمع أن مجاهدا كان من أكثر تلاميذ ابن عباس تلقيا وأخذا عنه، فإنه كان ذا شخصية متميزة في التفسير، كما حدث هو عن نفسه، فقال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقفه عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف نزلت وكان من حرصه رحمه الله أن كان يكتب ما يأخذه عنه، يقول ابن أبي مليكة: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب، قال:
حتى سأله عن التفسير كله.
والمفترض والحالة هذه أن يكون الاتباع، والاقتداء بمنهج شيخه وتفسيره هو الغالب عليه، وأن يحذو حذوه، إلا أننا وجدنا شخصيته المتميزة، وتفرده المستقل، واضحا بينا في تفسيره، فنجد أن له العديد من الأمثلة التي أورد فيها معاني مخالفة لما قاله شيخه (1)، فمن ذلك ما ورد عنه في قوله تعالى: {مُسَلَّمَةٌ لََا شِيَةَ فِيهََا} (2)، قال:
مسلمة من الشية، لا بياض فيها، ولا سواد (3).
في حين قال شيخه ابن عباس: لا عوار فيها (4).
وعند قوله تعالى: {قََالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمََا فَتَحَ اللََّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ}
__________
(1) المراد اختلاف التنوع، وليس اختلاف التضاد، وإن كان ورد عنه هذا النوع أي اختلاف التضاد، لكنه كان من القليل النادر، فمن ذلك ما ورد عنه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنََا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خََاسِئِينَ} سورة البقرة: آية (65)، قال: مسخت قلوبهم، في حين قال ابن عباس: إنهم مسخوا. سبق بيان ذلك في ترجمة مجاهد ص (93).
(2) سورة البقرة: آية (71).
(3) تفسير الطبري (2/ 213) 1255، 1256، 1257، والدر المنثور (1/ 191)، وفتح القدير (1/ 99).
(4) تفسير الطبري (2/ 214) 1262.(2/957)
{رَبِّكُمْ} (1) قال مجاهد: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال: «يا إخوان القردة، ويا إخوان الخنازير، ويا عبدة الطاغوت». فقالوا: من أخبر هذا محمدا ما خرج هذا إلا منكم! {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمََا فَتَحَ اللََّهُ عَلَيْكُمْ} بما حكم الله، للفتح، ليكون لهم حجة عليكم (2).
في حين قال ابن عباس: {وَإِذََا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قََالُوا آمَنََّا} أي بصاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم (3).
وكذلك ما ورد عنه في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} (4) قال مجاهد: أناس من يهود. وقال ابن عباس: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله. وقال:
وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله (5).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (6)، قال ابن عباس: الممتلئ، وقال مجاهد: الموقد (7).
وفي تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي كَبَدٍ} (8) قال ابن عباس: الكبد
__________
(1) سورة البقرة: آية (76).
(2) تفسير الطبري (2/ 252) 1347، والدر المنثور (1/ 199)، وفتح القدير (1/ 103).
(3) تفسير الطبري (2/ 251) 1340.
(4) سورة البقرة: آية (78).
(5) تفسير الطبري (2/ 257) 1354، وزاد المسير (1/ 105)، والدر المنثور (1/ 200)، وفتح القدير (1/ 105).
(6) سورة الطور: آية (6).
(7) أقسام القرآن لابن القيم (168)، وزاد المسير (8/ 48)، والدر المنثور (7/ 629).
(8) سورة البلد: آية (4).(2/958)
المنتصب على قدميه، وقال مجاهد: النصب (1).
وفسر ابن عباس (العفو) في قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (2)
بأنه العفو عن الغنى، في حين قال مجاهد: الصدقة المفروضة (3).
وفسر ابن عباس (الفوم) بأنه الحنطة، وقال مجاهد: الخبز (4).
وفسر ابن عباس (الأسر) في قوله: {وَشَدَدْنََا أَسْرَهُمْ} (5) بمعنى الخلق: شددنا خلقهم، وقال مجاهد: موضع البول (6).
وفي مرجع الضمير في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ يَعْرِفُونَهُ} (7)، قال ابن عباس: إنه عائد على الحق، وقال مجاهد: إنه عائد على محمد (8).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنََا فِي السَّمََاءِ بُرُوجاً} (9)، قال ابن عباس البروج: مواقع الشمس، وقال مجاهد: الكواكب (10).
وفي قوله تعالى: {وَالنََّازِعََاتِ غَرْقاً} (11) قال ابن عباس: الملائكة تنزع نفوس الكفار بشدة وعنف، وقال مجاهد: هي شدائد الموت، وأهواله (12).
__________
(1) الدر المنثور (8/ 519، 520)، وفتح القدير (5/ 446).
(2) سورة البقرة: آية (219).
(3) زاد المسير (1/ 242)، ومعاني القرآن للنحاس (1/ 175)، والدر المنثور (1/ 608).
(4) أقسام القرآن ص (30).
(5) سورة الإنسان: آية (28).
(6) أقسام القرآن ص (24)، زاد المسير (8/ 441)، والدر المنثور (8/ 378)، وفتح القدير (5/ 354).
(7) سورة البقرة: آية (146).
(8) المحرر الوجيز (1/ 448)، وزاد المسير (1/ 158)، والدر المنثور (1/ 356).
(9) سورة الحجر: آية (17).
(10) زاد المسير (4/ 387)، وأضواء البيان (3/ 109).
(11) سورة النازعات: آية (1).
(12) أقسام القرآن ص (84)، وزاد المسير (9/ 14)، وفتح القدير (5/ 3727)، والدر المنثور (8/ 405).(2/959)
وأحيانا يكون اجتهاد مجاهد أقرب للمراد من عبارة شيخه التفسيرية.
ففي قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (1) فسرها ابن عباس ب (الناظرين)، إلا أن مجاهدا لم يتابعه على ذلك، وفسرها ب (المتفرسين)، وهو معنى أخص وأدق، تؤيده اللغة، يقال: توسمت في فلان حتى إني رأيت فيه أثرا منه (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} (3)، قال مجاهد: عتيا، يعني نحول العظم، في حين قال ابن عباس: عتيا يعني الكبر (4).
قال ابن كثير: والظاهر أنه أخص (5).
وقد يكون الخلاف في تفسير الآية أكثر تباينا بين الصاحب، والتابعي، وقد يكون قول التابعي أصوب فيها، فمن ذلك في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنََاهُ أَسْفَلَ سََافِلِينَ} (6)
قال ابن عباس: أرذل العمر، وقال مجاهد: إنه النار، وصوبه ابن القيم (7). والأمثلة على ذلك كثيرة، ومتنوعة.
4 - بدء عصر التدوين للتفسير، وعلومه:
يعد عصر التابعين بداية عصر التدوين إذ لم يدون التفسير في عصر الصحابة، وقد ظهر ذلك في كتابات سعيد بن جبير، كما كان مجاهد يسأل ابن عباس، ومعه
__________
(1) سورة الحجر: آية (75).
(2) معاني القرآن للنحاس (4/ 35)، وزاد المسير (4/ 409)، والدر المنثور (5/ 90)، وفتح القدير (3/ 139).
(3) سورة مريم: آية (8).
(4) معاني القرآن للنحاس (4/ 310)، وزاد المسير (5/ 211)، والدر المنثور (5/ 479، 482).
(5) تفسير ابن كثير (2/ 112).
(6) سورة التين: آية (5).
(7) أقسام القرآن لابن القيم (29)، والدر المنثور (8/ 554)، وفتح القدير (5/ 465).(2/960)
ألواحه، فيقول ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله، وكذلك كان السدي قد جمع التفسير، ورواه عنه أسباط بن نصر (1).
ولم يقتصر الأمر على تدوين التفسير، بل دونت كثير من العلوم التي لها تعلق بالتفسير، واعتمد هذا التدوين على أقوال التابعين، وآرائهم في التفسير.
فالنحاة أخذوا أقوال التابعين، وكذلك فعل الفقهاء، والمتكلمون، وغيرهم، فصارت التفاسير المنسوبة للتابعين مادة لكل هؤلاء (2).
مما جعل تفسير التابعين مميزا عن التفاسير التي جاءت بعده.
وسيأتي مزيد بيان لذلك عند عرض أثر التابعين في أصول التفسير (3)، وبيان منزلتهم عند أهل العلم (4).
5 - منهج التلقي والرواية:
ظل التفسير قائما على الرواية حتى نهاية عصر التابعين، وبالتالي فإن المحدثين كانوا هم أصحاب الشأن فيه، وظل منهج التلقي هو المنهج السائد في هذا العصر (5)، إلا أنه قد تجرد ما ورد في الحديث المرفوع والموقوف من التفسير (6)، وعني بذلك جماعة من التابعين اختص كل جماعة منهم بجمع تفسير عالم مصرهم، فعني المكيون برواية ما ورد عن ابن عباس ومجاهد، وأضرابه، والكوفيون بما ورد عن ابن مسعود،
__________
(1) مقدمة تفسير مقاتل (16)، ومناهج التجديد لأمين الخولي (279)، ويراجع تعليق أحمد شاكر على تفسير الطبري (1/ 158)، وتاريخ التراث (1/ 77).
(2) ضحى الإسلام (2/ 146).
(3) ينظر ص (1134).
(4) ينظر ص (1064).
(5) التفسير والمفسرون (1/ 130)، والاتجاهات الفكرية في التفسير (161)، ودراسات في التفسير (73).
(6) ضحى الإسلام (2/ 139).(2/961)
والشعبي، ونحوهم، وهكذا (1)، وتبعا لهذا المنهج صار المفسّر يذكر سبب النزول في الآية، وما ورد فيها من آثار ينقلها غير ما يظهر له من اجتهاد، أو استنباط. مما جعل التفسير يزداد حجمه ويتضخم، وشمل كل آيات القرآن (2)، بل كل ألفاظه وكلماته، بعد أن كان في عهد الصحابة يكتفى فيه بالمعاني الإجمالية، ولم يشمل كل الآيات، وبالتالي صار النقل فيه يشوبه الحذر من اختلاطه بالدخيل لكثرته، ولا سيما رواية الضعفاء تفسير الصحابة، ولذا دخلت الروايات التفسيرية في حيز النقد الحديثي، واختبرت وشملها قواعد النقد.
وأدى هذا المنهج الحديثي في سبر مرويات التفسير إلى تحرير أقوال المفسرين من التابعين أكثر من تحرير أقوال الصحابة، وصارت الروايات عنهم متفقة رغم تعدد طرقها، في حين كانت الروايات عن الصحابة متناقضة، ويصعب في كثير من الأحيان ترجيح بعضها على بعض، أو التمييز بين ما صح منها، وما لم يصح.
كما أدى تعدد طرق الرواية عن التابعين واتفاقها إلى قوة الآثار وصحتها، وإمكانية الاعتماد عليها، والركون لصحتها بدرجة أعلى من الآثار الواردة عن الصحابة (3).
6 - نواة الخلاف:
لقد كان الخلاف بين السلف قليلا، ولعل أكثره كان يتركز على الخلاف الفقهي، ولم يختلف الصحابة في أصول مسائل الاعتقاد بحمد الله تعالى.
وقد عدّ بعض الباحثين أن نواة الخلاف الذهبي العقدي نشأت في عصر التابعين (4)، وأحسب أن هذه المقولة يشوبها بعض المبالغة فإن كثيرا من التهم التي وجهت إلى أئمة
__________
(1) ضحى الإسلام (2/ 139).
(2) المرجع السابق (2/ 139).
(3) يراجع قيمة المروي عن التابعين رواية في ص (918).
(4) ضحى الإسلام (2/ 143)، اللآلئ الحسان في علوم القرآن (338336).(2/962)
التابعين لم تكن تهما صحيحة مثل ما رمي به الحسن من أنه كان يفسر القرآن على مذهب القدرية، وما رمي به عكرمة ومجاهد وغيرهم، وقد سبق دراسة هذه التهم، والحكم عليها (1).
بل إن بعض الروايات التي نقل عنهم فيها شيء من ذلك كانت روايات محدودة لا يمكن عدها خلافا عاما بين التابعين.
نعم، قد ورد من ذلك شيء مبثوت في أقوالهم، إلا أنه كان نتيجة لظهور الفرق، وتشعبها في هذا العصر، إلا أن المنهج السلفي، والاتجاه الحديثي كان هو الأغلب على أئمة التابعين.
ومما يؤكد ذلك ما ذكره ابن المديني عن جعفر بن محمد من قوله: ليس القرآن بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى.
قال علي بن المديني: لا أعلم أنه تكلم بهذا الكلام في زمان أقدم من هذا (2).
ويدل عليه أيضا أن اعتماد الأئمة على الأقوال في تقرير الاعتقاد كان يشمل أقوال الصحابة والتابعين دون تمييز بينهم، ويلحظ ذلك كل من طالع كتب الاعتقاد التي تذكر الآثار فيها (3) بل لم نجد على سبيل المثال أثرا لأقوال ومذهب جابر بن زيد في البصرة بسبب وجود ابن عباس أميرا عليها، بينما انتشر مذهبه أكثر بعد موته، وبقيت البصرة في عهد التابعين من الناحية التفسيرية أقرب إلى المدينة من حيث الرواية والأثر.
أما ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من أن النزاع في التابعين كان أكثر منه في
__________
(1) ينظر منهج التابعين في آيات الاعتقاد والصفات ص (781).
(2) الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 383).
(3) نحو كتاب اللالكائي والبيهقي، وغيرهما.(2/963)
الصحابة فقد بين أنه أراد اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد (1)، وإن كان وجد شيء من اختلاف التضاد إلا أنه قليل، وغالبه ليس من الاختلاف العقدي والمذهبي (2).
7 - التابعون بين عصرين:
وإذا أردنا أن نعرف موقع التابعين بين جيلي الصحابة وأتباع التابعين، كان لزاما أن نعقد مقارنة في بعض المسائل الواردة في هذه العصور، وقد سبق في المميزات المذكورة آنفا شيء من ذلك، وأعرض هنا لبعض المسائل التي ظهر فيها الخلاف بينهم على وجه الإيجاز.
أالإسرائيليات:
من أبرز المميزات التي تعرف فتذكر، وتشكر ولا تنكر، أن المشاهير من مفسري التابعين والكبار منهم، وكذلك الطبقة الوسطى، لم يكثروا من الرواية عن بني إسرائيل بخلاف المتأخرين (3)، وخاصة السدي، وما انفرد به الربيع، وكان منهج الصحابة في الجملة إيراد هذه الروايات كما كان شأن ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وابن سلام، وكذلك كان منهج أتباع الأتباع، كابن إسحاق، وابن زيد، وابن جريج، والضحاك، وهذا مما يؤكد أن جل الإسرائيليات إنما كثرت في التفسير عن طريق نقل أتباع التابعين لها بخلاف التابعين، وذلك خلافا لمن رأى أن دخول الإسرائيليات وأخذها بدون تحر، وبدون نقد، وبدون تمييز بين المعقول وغير المعقول، كان في عهد التابعين (4).
وهذه مقولة غير دقيقة، فحتى ما روي من الإسرائيليات عن أئمة التابعين، كان
__________
(1) المقدمة ص (1160)، زرزور.
(2) الثقافة الإسلامية لمحمد راغب الطباخ ص 100.
(3) يلاحظ أن وهب بن منبه وكعبا الأحبار لم يكونا من مشاهير مفسري التابعين.
(4) ذهب إلى ذلك د. موسى لاشين في كتابه اللآلئ الحسان ص 338، ولعله نظر إلى مرويات السدي، وغفل عن منهج الحسن، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم.(2/964)
أصل الكثير منه مرويا من طريق الأصحاب رضي الله عنهم وكانوا يروونها بصيغة التمريض تعبيرا عن عدم الرضا التام عنها. والله أعلم.
ب أسباب النزول:
يعد التابعون عموما من المقلين في أسباب النزول، فأما الصحابة فقد تميزت رواياتهم بغزارة ما جاء فيها من أسباب النزول، والعناية به، ولا سيما ابن عباس الذي جاء عنه عدد كبير من الروايات في ذلك مقارنة بالتابعين (1).
أما أتباع التابعين فقد توسعوا في أسباب النزول توسعهم في الإسرائيليات إذ الجميع يدور على الجانب القصصي والروائي الذي شغف به أتباع التابعين، وبالتالي نجد أن لهم توسعا آخر في سياق سبب النزول بأحداثه العديدة مما حدا بهم إلى التفصيل في السيرة، والتاريخ، كما كان حال ابن إسحاق وغيره.
ج اللغة:
يعد التابعون أكثر تعرضا للغة، وبيانا لمفرداتها، وشكلها من الصحابة، إلا أن الاعتماد في كتب الغريب كان على أقوال الصحابة والتابعين معا، ولا سيما غريب الحديث، وكان الاعتماد الأكبر على أقوال الصحابة.
أما أتباع التابعين فلم يكتفوا بعبارة التابعين المختصرة، بل ذهبوا إلى توضيح العبارات بمزيد شرح، وبيان عود للضمير المعلوم، وبالجملة كان استعمالهم للغة أكثر
__________
(1) وقفت علي العديد من المرويات عنه في أسباب النزول، ويمكن مراجعة كتب أسباب النزول ككتابي الواحدي والسيوطي لمعرفتها.
وقد بلغ عدد المرويات عن ابن عباس في أسباب النزول (485) رواية، في حين كان نصيب عكرمة، وهو أكثر التابعين اهتماما بذلك (121) رواية.
وما جاء عن سعيد كان (93) رواية، وعن عطاء (10) روايات، وعن مجاهد (7) روايات.(2/965)
من التابعين (1).
ويمكن ملاحظة أن الإطالة في العبارة، وزيادة الشرح والبيان بدأ يزيد كلما زاد البعد عن العصر النبوي، ولعله كان يزيد لازدياد الحاجة، وكثرة العجمة، ونحو ذلك.
د الاجتهاد في التفسير:
لقد تميز التابعون عن الطبقة التي تليهم من تبع الأتباع بأن المجتهدين من المفسرين في التابعين كانوا أكثر، في حين غلبت على أتباعهم الرواية والنقل، ويمكن بعبارة أخرى أن نلمح أثر التربية والدعوة في الجيلين، فلقد كان أثر الصحابة واضحا في تخريج المفسرين من التابعين، وحثهم على الاجتهاد، ولا سيما المدرسة المكية، في حين كان أثر التابعين على من يليهم أقل في ذلك.
ولعل وضوح الجانب الوعظي في تفسير التابعين، ولا سيما في مدرستي العراق، كان له الأثر في إحجام تابعي التابعين تماما، كما كان أثر المدرسة الكوفية على أبنائها التابعين، والذي سبق الإشارة إليه.
إلا أن هذا لا يمنع من وجود أمثال الثوري، وابن جريج، وابن زيد، ممن كانت له اجتهاداته التفسيرية، إلا أنها كانت في مباحث محددة من أهمها:
أولا: القراءة:
اجتهد تابعوا التابعين في بيان القراءة، واعتنوا بالأداء، ومن ثم نقلوه إلى الأئمة بعدهم من القراء الذين عمت قراءتهم الأمصار، ومنهم السبعة المعروفون، وهذه العناية كانت أعلى بكثير من عناية التابعين الذين كانوا يقرءون بقراءة أصحابهم، ويرون في الأمر سعة، حتى في مخالفة رسم المصحف، كقراءة ابن مسعود (2)، وإنما كانوا
__________
(1) راجع على سبيل المثال أثر الطبري (6/ 549) 7322.
(2) سبق توجيه ذلك في مبحث منهج التابعين في القراءات ص (840، 851).(2/966)
يتعرضون أكثر للقراءة التفسيرية.
ثانيا: النسخ:
من المباحث التي اجتهد فيها تابعو الأتباع التوسع في النسخ، وهذا يتفق مع المنهج الروائي الذي سلكوه فهو أقرب إلى ذكر النسخ منه إلى الاجتهاد في إعمال النصوص، وبالتالي لم يكن اجتهادهم هنا يوازي اجتهاد التابعين في الفنون التي طرقوها في التفسير.
ثالثا: ترابط الآيات:
هذا الفن هو الذي شمر فيه فعلا تابعو الأتباع عن ساق الاجتهاد، وهو وإن كان أصله موجودا عند التابعين، وقبلهم الصحابة، إلا أن الآثار عن تابعي الأتباع، وخاصة ابن زيد، وابن إسحق أكثر وأشهر من تلك التي وردت عن الجليلين قبلهما (1).
وإذا تجاوزنا ما تقدم لم نجد لأتباع التابعين كبير حظ في الاجتهاد التفسيري الذي تميز به جيل التابعين
* * * __________
(1) ينظر على سبيل المثال تفسيرهم لسورة آل عمران من الآية 100إلى الآية 150من تفسير الطبري.(2/967)
المبحث الثالث منزلة تفسير التابعين عند العلماء
من المعلوم بداهة أن العلوم حلقات متماسكة، يشد بعضها بعضا، وهذا الصرح العلمي يكمّل بعضه بعضا، وتندمج فيه الاتجاهات، ويكون الفضل فيه للسابق.
ومع وجود هذا التكامل، وذلكم الاندماج في علم التفسير، فقد كان للتابعين في علم التفسير، أبرزت عطاءات متجددة متلاحقة فكانت معينا لا ينضب نهل منه العلماء والدعاة ممن جاء بعدهم، وأثمرت شجرة التفسير وأورقت، وامتد ظلها الوارف فشمل كل جوانب الحياة لأن القرآن موضوع التفسير هو منهج حياة.
ولم يقتصر دور التابعين في نقل تفسير الصحابة والرسول إلى من بعدهم، فهم وإن كانوا قد فعلوا، إلا أنهم لم يكونوا وسيطا ثقافيا بين جيلين فحسب، بل كانوا أعمدة علم وفهم، أثرت فيمن جاء بعدهم، وأسسوا علوما ومعارف آتت أكلها في الأيام التي تلت وجودهم، وسيأتي شيء من ذلك عند بيان أثرهم في التفسير وأصوله، والمقصود هنا معرفة منزلتهم عند أهل العلم.
لقد وجد أهل كل فن مطلبهم عند التابعين، فأهل اللغة والغريب اتخذوا الحسن والشعبي وغيرهما منارات لهم، وأهل الفقه تتلمذوا على ابن المسيب، وعطاء، والنخعي، وأهل التفسير كان لمجاهد، وعكرمة، وقتادة والحسن، قدم السبق، والصدق فيه، كذلك فقد ظهر أثر التابعين في الرواية كما، وكيفا، أما الكم فيكفي أن نعلم أن بعض العلوم كان للآثار عن التابعين فيها النصيب الأوفى، ومن ذلك ما سيأتي
تفصيله من أن نحوا من ثلثي التفسير بالمأثور كان عن التابعين.(2/968)
لقد وجد أهل كل فن مطلبهم عند التابعين، فأهل اللغة والغريب اتخذوا الحسن والشعبي وغيرهما منارات لهم، وأهل الفقه تتلمذوا على ابن المسيب، وعطاء، والنخعي، وأهل التفسير كان لمجاهد، وعكرمة، وقتادة والحسن، قدم السبق، والصدق فيه، كذلك فقد ظهر أثر التابعين في الرواية كما، وكيفا، أما الكم فيكفي أن نعلم أن بعض العلوم كان للآثار عن التابعين فيها النصيب الأوفى، ومن ذلك ما سيأتي
تفصيله من أن نحوا من ثلثي التفسير بالمأثور كان عن التابعين.
وأما كيفا، فإن المطالع لحال أتباع التابعين يجد أن دورهم في الغالب اقتصر على الرواية، والنقل، وليس عندهم إلا قليل من الدراية، بل بدأ هذا التراجع في الدراية عند صغار التابعين كالربيع، والسدي، إلا أن دورهم أخذ صبغة أخرى، وهي أن صغارهم جمعوا الآثار وصنفوها، ويعد السدي من أوائل من جمع التفسير، وكتبه وجعله في مصنف واحد (1).
منزلتهم في التفسير:
صار الأئمة من المفسرين الذين اهتموا بالتفسير يعتمدون مرويات التابعين ويرجحون بها، ولذا نجد الإمام الطبري كثيرا ما يرجح بأقوالهم فيقول: (وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة، والتابعين)، بل أثر تفسيرهم على الطابع العام لبعض التفاسير المتأخرة، فقد قلت الإسرائيليات مثلا عند مفسري المغاربة لاعتمادهم تفسير الحسن، وقتادة (2).
وأيضا مما قلل القبول لبعض الكتب من التفاسير المشهورة مع تقدم مؤلفيها في علم التفسير، قلة عنايتها بتفسير الصحابة، والتابعين، كتفسير ابن عطية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وتفسير ابن عطية وأمثاله، أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا، ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن
__________
(1) ينظر حاشية الشيخ أحمد شاكر على تفسير الطبري (1/ 158)، وتاريخ التراث (1/ 77).
(2) لما رحل يحيى بن سلام، واستقر في المغرب، انتشر تفسير الحسن وقتادة، فكان تفسيرهم من أهم المأثور الذي وصل إليهم، وكان مما ميّز الحسن وقتادة قلة روايتهم للإسرائيليات، مما أثر بدوره على مفسري المغرب الإسلامي، بخلاف مفسري المشرق.(2/969)
السلف لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام (إلى أن قال): وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة، والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك بل مبتدعا، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه (1).
وقد لخص السيوطي كلام شيخ الإسلام هذا وأعقبه بقوله: وهذا كلام نفيس جدا (2).
منزلتهم في أصول التفسير:
ولم تكن منزلة التابعين عند من اعتنى بأصول التفسير وعلوم القرآن بأقل من منزلتهم عند المفسرين، كيف لا وقد كان للتابعين قدم السبق، ولسان الصدق، والقول الفصل الذي انتهى بعده بحث مثل هذه المسائل، وقد وضعوا ضوابط وإشارات كانت أساس فتح باب الاجتهاد في هذه العلوم.
منزلة التابعين عند الصحابة:
أما الصحابة فقد نقل عنهم عبارات المدح لأئمة التابعين، والإشارة بعلمهم، وهذا مما أعطى اتساعا في الأخذ عن التابعين، ولا سيما أن فقهاء الصحابة ومفسريهم كانوا في مقدمة من يثني على أئمة التابعين.
فها هو ابن عمر يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن مسائل وقضايا عمر وغيره، ويقول: لو رأى هذا الرسول صلّى الله عليه وسلم لسره (3).
ويقول رضي الله عنه أيضا لأهل مكة لما اجتمعوا يسألونه: تجتمعون إلي يا أهل
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/ 361)، ومقدمة في أصول التفسير ص (90).
(2) الإتقان (2/ 228).
(3) التهذيب (4/ 86).(2/970)
مكة، وعندكم عطاء (1).
ومثل ذلك يروى عن ابن عباس (2)، وكان رضي الله عنهما يقدم عكرمة في الفتوى ويقول له: انطلق وأفت الناس، وأنا لك عون (3).
منزلة التابعين عند تابع التابعين:
سبق الإشارة إلى أن أتباع التابعين اعتنوا بالرواية عن التابعين وقلّ فيهم الاجتهاد، ومما يؤكد ذلك أيضا أنه قلّ أن يوجد خلاف بين المتأخرين إلا وأصله وبذرته كانت بين الأوائل من التابعين وغيرهم، ولقد عرفت الطبقة التي تلي التابعين قيمة كبار مفسري التابعين، فأعطوهم حقهم من الإجلال والتبجيل، قال الزهري: العلماء أربعة: ابن المسيب بالمدينة، والحسن بالبصرة، والشعبي بالكوفة، ومكحول بالشام (4).
ويوضح لنا ابن عيينة شغف الناس بأقوال التابعين، فيقول: كنت أقول لهم:
هاتوا، إيش عندكم، فيجيئونني بإبراهيم، قال سفيان: فنغلبهم يعني بالإسناد (5).
لقد تأثر أتباع التابعين بشيوخهم حتى في المنهج التفسيري، فعلى سبيل المثال لما كان سفيان الثوري ممن تربى في الكوفة، وكانت المدرسة الكوفية قد اشتهرت بالورع، وقلة المروي، واختصار العبارة في التفسير، نجد سفيان قد تأثر بهم في تفسيره الذي جمعه، وصار ذلك من مميزاته.
__________
(1) التهذيب (7/ 200).
(2) التذكرة (1/ 98).
(3) الجرح (7/ 8)، وتاريخ دمشق (11/ 768)، والبداية (9/ 275).
(4) مرآة الجنان (1/ 216)، طبقات فقهاء الشافعية (ص 58)، ويلاحظ أن جميعهم من أئمة التفسير.
(5) العلل لأحمد (3/ 69) 4208.(2/971)
وعلى الجانب الآخر نجد ابن زيد قد تأثر بقتادة والمدرسة الأثرية، فصارت عباراته التفسيرية فيها شيء من الطول وجمال العبارة.
منزلة التابعين عند أصحاب المذاهب الفقهية المتبوعة:
1 - عند الإمام أبي حنيفة:
تتلمذ أبو حنيفة على أئمة التابعين، وجمع آثارهم، فصارت له ملكة فقهية عظيمة، والذي يخصنا في بحثنا هو تتلمذه على المفسرين منهم، وقد ظهر ذلك في فقهه، ولا سيما فيما يتعلق بآيات الأحكام، ولا غرو في ذلك لأن شيوخه الذين تلقى علمهم كانوا ممن اهتم بتفسير آيات الأحكام مثل إبراهيم وعطاء.
ولقد كان حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة قد جمع علم الكوفيين، ولا سيما فقهاء الرأي منهم، فأخذه عنه أبو حنيفة
لقد كانت فتاوى إبراهيم أحق بالأخذ عند أهل الكوفة (4)، فشغف بها أبو حنيفة حتى قال: إبراهيم أفقه من سالم، ولولا فضل الصحبة لقلت علقمة أفقه من ابن عمر (5).
بل يذهب الدهلوي إلى أن أقوال إبراهيم وأقرانه في كتب الآثار كجامع عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة هي مادة مذهب أبي حنيفة، لا تجده يفارقها إلا في (1) التهذيب (4/ 453).
(2) ينظر تفسير الطبري (13/ 230) 15352.
(3) التهذيب (4/ 453)، والبرهان (2/ 158).
__________
(4) قواعد التحديث للقاسمي (332).
(5) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (8)، قواعد التحديث (343)، الرأي وأثره في المدينة (136).(2/972)
مواضع يسيرة، وهو في تلك المواضع أيضا لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة (1).
وقد حج أبو حنيفة مرارا، فروي أنه حج خمسا وخمسين حجة، وفي موسم الحج كان يأخذ من عطاء بن أبي رباح، ويلازمه ما دام مجاورا في بيت الله الحرام (2).
وفيه يقول: ما رأيت أفضل من عطاء، وعامة ما أحدثكم به عن عطاء (3).
وبهذا يتضح لنا مدى أثر أقوال مفسري التابعين في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمهم الله تعالى.
2 - عند الإمام مالك بن أنس:
لقد نشأ مالك في بيئة الأثر في المدينة، حتى قال عن موطئه: إن ما في كتابي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين رأيا هو إجماع أهل المدينة لم أخرج عنهم (4).
وتأثر مالك أيضا بابن وهب، فهو وإن كان لم يسمع منه، إلا أنه حفظ علمه، وأموره (5).
أما سعيد بن المسيب فكان من أبرز التابعين تأثيرا في مالك لأنهما من مدرسة واحدة، وقد أكثر الإمام مالك من النقل عنه في موطّئه.
ويعد زيد بن أسلم من الشيوخ الذين تلقى عنهم مالك التفسير، يقول شيخ
__________
(1) حجة الله البالغة (1/ 146)، ويراجع مقال أحمد عبد الغفور عطار في المنهل بعنوان مذهب أبي حنيفة ومصادر فقهه، ص (3)، عدد (12)، سنة (1389هـ).
(2) أبو حنيفة، لأبي زهرة (69).
(3) تاريخ دمشق (11/ 641).
(4) مالك لأمين الخولي (3/ 546).
(5) تاريخ أبي زرعة (1/ 405).(2/973)
الإسلام: زيد بن أسلم كان إماما في التفسير، وأخذ التفسير عنه مالك، وعبد الله بن وهب (1).
3 - عند الإمام الشافعي:
قال الإمام الذهبي: كان ابن جريج شيخ الحرم بعد الصحابة، وعطاء ومجاهد، وخلفهما قيس بن سعد، وابن جريج، ثم تفرد بالإمامة ابن جريج فدون العلم، وحمل عنه الناس، وعليه تفقه مسلم الزنجي، وتفقه بالزنجي الشافعي، وكان الشافعي بصيرا بعلم ابن جريج عالما بدقائقه (2).
فهذا يبين سلسلة إسناد علم الشافعي، ولذا فلا غرو أن نجد النووي يذكر عطاء من شيوخ الشافعية (3).
وبلغ تأثر الشافعي رحمه الله بالتابعين أنه كان يقدم أقوال أئمتهم على غيرهم، فجاء عنه رحمه الله قوله: وإذا رأيت قول سعيد بن المسيب في حكم أو سنة فلا تعدل عنه إلى غيره (4).
ولكن الظاهر أن الشافعي أكثر الذين تأثر بهم في التفسير، إنما كان بمجاهد في المرتبة الأولى، ولذا كان يعتمد أقواله في التفسير، ويقدمها على أقوال غيره.
يقول شيخ الإسلام: الأئمة كالشافعي، وأحمد، والبخاري، ونحوهم يعتمدون على تفسيره (5).
__________
(1) مجموع الفتاوى (15/ 67، 68)، وينظر في ذلك مفتاح السعادة (2/ 590)، والتفسير والمفسرون (1/ 117116).
(2) السير (6/ 332).
(3) تهذيب الأسماء (1/ 333).
(4) الإرشاد (1/ 316).
(5) مجموع الفتاوى (15/ 201).(2/974)
وقد تتلمذ الشافعي على سفيان بن عيينة، ويعتبر ابن عيينة من المكثرين عن مجاهد في التفسير، وكان الشافعي من أكبر الصحابة المكثرين عنه، ولذا فلا نعجب عند ما يقول: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز (1) (يعني على ما أبقوه من علم مجاهد وأضرابه).
وقد كثرت موافقات الشافعي لمجاهد في التفسير، فعند قوله تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (2)، قال مجاهد: قبلة الله، ولم نجد من وافقه على ذلك إلا الشافعي، فقال بنحو ما قال (3).
ولما فسّر مجاهد الرعد والبرق فقال: الرعد ملك، والبرق أجنحته يسقن السحاب، قال الشافعي: ما أشبهه بظاهر القرآن، يعني قوله: {فَالْمُدَبِّرََاتِ أَمْراً} (4).
وقد وافقه في كثير من المواطن غير ما تقدم (5).
4 - عند الإمام أحمد:
أما منزلة التابعين عند الإمام أحمد فهي لا تدانيها منزلة لأن الإمام أحمد كان من منهجه أنه لا يخرج عن الآثار المرفوعة والموقوفة، فإذا لم يكن ثمّ شيء من ذلك فإنه يرجع إلى أقوال التابعين، وغالبا ما يحكيها، ولا يتعداها، فإن كان هناك اختلاف في الحكم عن التابعين، انعكس ذلك على آرائه، واتضح جليا في تعدد أقواله (6).
__________
(1) السير (8/ 402).
(2) سورة البقرة: آية (115).
(3) الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 35)، وكتاب التوحيد لابن خزيمة (1/ 25)، وقد سبق بحث ذلك في مبحث منهجهم في آيات الاعتقاد ص (793) وبيان أن ذلك ليس من التأويل المذموم.
(4) سورة النازعات: آية (3)، ويراجع حاشية ابن القاسم على الروض المربع (2/ 563).
(5) يراجع الرسالة للإمام الشافعي ص (14، 16)، وأحكام القرآن للشافعي (1/ 112)، (2/ 135)، والسنن الكبرى للبيهقي (8/ 51)، (10/ 313).
(6) ابن حنبل لأبي زهرة (270)، وقد سبق التفصيل في حكم تفسير التابعي ص (49).(2/975)
أما التفسير، فقد سبق عن شيخ الإسلام النقل أن الإمام أحمد اعتمد تفسير مجاهد (1)، ويوجد كذلك جملة من اعتماده على آثار التابعين مبثوثة في فتاويه، ومسائله.
فمن ذلك ما جاء عنه رحمه الله أنه قال: لا ينظر العبد إلى شعر مولاته، واستدل في ذلك بتفسير سعيد بن المسيب، وقدمه على قول ابن عباس رضي الله عنهما (2).
ومثله عند ما قدم قول سعيد بن المسيب على قول ابن عباس عند ما قال في جراح العبد: هو فيها بمنزلة الحر في ديته (3).
منزلة التابعين في كتب الزهد والرقائق:
اهتم بعض التابعين بجوانب من العلم، لم يعتن غيرهم بها كاعتنائهم، وكان هناك آيات في كتاب الله لم تتضح معالم المنهج التفسيري فيها، ولم يتوسع في التعرض لها، وكان للتابعين قدم السبق في تناولها والإكثار من توضيحها، ولا سيما آيات الوعد، والوعيد، والتوجيه الوعظي لها، ورسم كثير من المعالم الدعوية من خلال استنباط الفوائد منها، وعلى رأس من عني بذلك الحسن الذي كان لكلماته وأخباره القدح المعلى في تأثيرها في كتب الزهد والعناية بها، حتى فاقت بذلك عنايتهم بأقوال الصحابة الزهاد، ولا سيما ابن مسعود، وعمر، وابن عباس، وأنس رضي الله عنهم (4).
__________
(1) مجموع الفتاوى (15/ 201).
(2) المسائل الأصولية في كتاب الروايتين والوجهين (55).
(3) المرجع السابق (56).
(4) بعد مراجعة كتب الزهد للإمام أحمد وابن المبارك كان ما روي عن الحسن (464) رواية، في حين كان المروي عن ابن مسعود (367) رواية، وعن عمر (148) رواية، وعن ابن عباس (121) رواية، وعن أنس (120) رواية.(2/976)
وإذا أردنا أن نستعرض منزلة أقوال أئمة التابعين في باقي الفنون والعلوم، فإننا نستزيد تأكيدا على علو هذه المنزلة، فالقرّاء المشاهير تخرجوا وقرءوا عليهم، وعلماء السير والتاريخ استفادوا من أقوالهم، ولا سيما في أسباب النزول، وهذا واضح في كتب المغازي كمغازي الواقدي، والفتوح، وأنساب الأشراف للبلاذري، وكتب الذهبي كالتاريخ، والعبر، والسير، وغيرها.
وكتب ابن خلدون، وابن كثير، وابن الأثير، وغيرهم، كلهم استفاد من علوم التابعين، واعتمدوا أقوالهم.
وكذلك في علوم اللغة والغريب، وقد سبق في هذه الرسالة بحث شيء من ذلك، أما منزلتهم وأثرهم في التفسير وعلومه فسأفرد لها مبحثا خاصا حتى تظهر منزلتهم جلية واضحة، رحمة الله عليهم أجمعين.(2/977)
الفصل الثالث أثر التابعين في التفسير وأصوله(2/979)
المبحث الاول: اثر التابعين فى كتب التفسير عند اهل السنة وغيرهم
الفصل الثالث
مقدمة:
التفسير في أصله علم يستند إلى الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، والتابعين، لكن التفسير تطور بعد تدوين علوم العربية من بلاغة، ونحو، وأدب، وغير ذلك، فقام لون من التفسير يعتمد على الدراية، إلا أنه لم يخل من التفسير الأثري.
هذا هو الاتجاه السائد في النظرة لنوعي التفسير رواية، ودراية، إلا أن ما ينبغي التأكيد عليه وبيانه، هو أن ما يسمى بالتفسير الأثري الروائي كانت فيه الأصول الثابتة التي اعتمد عليها من جاء بعدهم في التفسير سواء أكان رواية، أم دراية.
ولا أدل على ذلك من أن كتب التفسير بالأثر اعتمدت في نقولاتها، وتحليلاتها على التراث المنقول عن التابعين، بل وكتب أصول التفسير، كانت أكثر مادتها منقولة عنهم، كما أن كثيرا من أنواع علوم القرآن، وضع لبنتها الأولى الأئمة من مفسري التابعين وفي هذا الفصل سأبين أثر التابعين في كتب التفسير، وأثرهم في علم أصول التفسير، فأقول وبالله التوفيق:
لا شك أن التابعين قد أثروا في علم التفسير تأثيرا واضحا، ليس في التفسير بالمأثور فحسب، بل امتد تأثيرهم إلى التفاسير التي اعتمدت على الرأي، بل ربما اعتمد على أقوالهم كذلك بعض أصحاب الأهواء في تفاسيرهم التي وضعوها.
ولقد وضح الجانب العلمي في تفسير التابعين في مختلف جوانبه، فإذا أردنا أن نشير إلى مراحل تطور علم التفسير، فإننا لا نجده يبدأ في مراحله الأولى بمستوى يزيد
مع الزمن شأن كثير من العلوم الأخرى، بل نجد عصر التابعين في كثير من مباحث هذا العلم يعتبر العصر الذهبي للتفسير، ولا سيما أن المنقول من التفسير النبوي، وتفسير الصحابي قليل بالنسبة لآيات القرآن الحكيم.(2/981)
ولقد وضح الجانب العلمي في تفسير التابعين في مختلف جوانبه، فإذا أردنا أن نشير إلى مراحل تطور علم التفسير، فإننا لا نجده يبدأ في مراحله الأولى بمستوى يزيد
مع الزمن شأن كثير من العلوم الأخرى، بل نجد عصر التابعين في كثير من مباحث هذا العلم يعتبر العصر الذهبي للتفسير، ولا سيما أن المنقول من التفسير النبوي، وتفسير الصحابي قليل بالنسبة لآيات القرآن الحكيم.
إننا إذا طالعنا كتب التفسير فإننا قلما نجد آية لا يكون للتابعين فيها قول، أو أثر.
وإذا أردنا إعمال الفكر، والاجتهاد في آية، توصلنا بذلك إلى قضية صحيحة تقوم الأدلة على صحتها، فإننا في الحقيقة نكون قد وافقنا قولا لتابعي، أو اجتهادا لتابعي آخر.
ولا أدل على صحة هذه الدعوى من أن علماء التفسير الجهابذة إذا اجتهدوا في التفسير، وأمعنوا النظر في استخراج المعاني من الآيات فإنهم لا يعدمون أن يجدوا أثرا عن تابعي يوافق اجتهادهم الصحيح وقولهم المستقيم.
بل وأكثر من ذلك ما نجد في كتب الاعتقاد من اعتماد الأئمة في ردودهم على منتحل نحلة باطلة، قد استدل على بدعته بآية من كتاب الله، فإن قول التابعي هو من أهم الأدلة التي يعتمدها أئمة السنة في هدم هذا القول، وتلكم البدعة.
فإذا عرجنا على الفقه فإننا نجد الفقهاء قد درجوا على الاستدلال بالكتاب، ثم بالسنة، والآثار عن الصحابة، والتابعين، فإذا أرادوا إقامة الشرح، والبيان، وطرق الاستدلال، فإننا نجدهم يعتمدون أقوال المفسرين من التابعين في بيان معنى أدلة الكتاب، وفقه الآيات، ولا يكادون يتجاوزونها.
وإذا علمنا أن القرآن الكريم حوى أسس الفقه كلها عرفنا قيمة تفسير التابعين للقرآن، ولا سيما لآيات الأحكام، وكذلك الأمر في القراءات، واللغة، والأصول، وغيرها.
إن علم التفسير كان الأساس لكثير من العلوم لأنه يتعلق بكتاب الله الذي هو
أصل كل العلوم، ومدار دين الإسلام، وتفسير التابعين يعتبر أساس هذا العلم ولبه، ويمكن معرفة ذلك، واستنباطه من المباحث التي مرت معنا.(2/982)
إن علم التفسير كان الأساس لكثير من العلوم لأنه يتعلق بكتاب الله الذي هو
أصل كل العلوم، ومدار دين الإسلام، وتفسير التابعين يعتبر أساس هذا العلم ولبه، ويمكن معرفة ذلك، واستنباطه من المباحث التي مرت معنا.
وفيما يلي بيان لأثر التابعين في التفسير بالمأثور، يتبين لنا منه قيمة مروياتهم في هذه الكتب، وسأكتفي بذلك، نظرا لأن ما سوى ذلك من المؤلفات في التفسير بالرأي أو الاجتهاد، أو كتب العلوم الأخرى من قراءات، وفقه، وغير ذلك، ما استفادته في كثير مما نقلته، إنما هو مما أخذته عن التابعين، لا سيما ما نقل عنهم في كتب التفسير بالمأثور، وبعضه من كتب السنن، والآثار.
أثر التابعين في كتب التفسير بالمأثور:
التفسير بالمأثور كما مرّ معنا في الباب الأول هو التفسير الذي يقوم على الرواية، والآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.
وإذا أمعنا النظر في الروايات الواردة عن أتباع التابعين نجد أن أكثر هذه الروايات منقول عن التابعين، أو اجتهادات هي في الواقع أثر ونتاج لأقوال التابعين، فلم يكن تفسير الثوري وعبد الرزاق وآدم بن أبي إياس إلا نقولا وآثارا في الجملة.
وأما الطبقة التي تلي أتباع التابعين من جاء بعدهم من المفسرين كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وأضرابهم، فلقد كانت لهم أقوال واجتهادات، واختيارات في التفسير، إلا أنهم في الأعم الأغلب لم يخرجوا عن تفسير التابعين، فكان اجتهادهم في ترجيح قول تابعي على آخر، وكان اختيارهم من بين آثار التابعين، وقد يخرج الاختيار للمروي عن غير التابعين (صحابة، أو تابع الأتباع)، إلا أنه غالبا ما يكون هو قول أحد التابعين في الجملة ولا سيما أننا نجد ما انفرد به التابعون في تفسير بعض الآيات، ولم يشاركهم في تفسيرها آثار عن الصحابة، أكثر بكثير من الآيات التي لا نجد فيها أقوالا للتابعين، وبها أقوال لغيرهم. بل إن شئت أن أقول: إنني لم أجد
بهذه الصفة الأخيرة شيئا فيما اطلعت عليه من كتب التفسير، لما أبعدت النجعة في ذلك، إذ لم أجد آية انفرد بتفسيرها صحابي، ولا يوجد عن التابعين فيها نقل وأثر!! في حين، وجدت الكثير من الروايات عن التابعين في تفسير آيات لم ينقل فيها عن الصحابة تفسير لها.(2/983)
وأما الطبقة التي تلي أتباع التابعين من جاء بعدهم من المفسرين كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وأضرابهم، فلقد كانت لهم أقوال واجتهادات، واختيارات في التفسير، إلا أنهم في الأعم الأغلب لم يخرجوا عن تفسير التابعين، فكان اجتهادهم في ترجيح قول تابعي على آخر، وكان اختيارهم من بين آثار التابعين، وقد يخرج الاختيار للمروي عن غير التابعين (صحابة، أو تابع الأتباع)، إلا أنه غالبا ما يكون هو قول أحد التابعين في الجملة ولا سيما أننا نجد ما انفرد به التابعون في تفسير بعض الآيات، ولم يشاركهم في تفسيرها آثار عن الصحابة، أكثر بكثير من الآيات التي لا نجد فيها أقوالا للتابعين، وبها أقوال لغيرهم. بل إن شئت أن أقول: إنني لم أجد
بهذه الصفة الأخيرة شيئا فيما اطلعت عليه من كتب التفسير، لما أبعدت النجعة في ذلك، إذ لم أجد آية انفرد بتفسيرها صحابي، ولا يوجد عن التابعين فيها نقل وأثر!! في حين، وجدت الكثير من الروايات عن التابعين في تفسير آيات لم ينقل فيها عن الصحابة تفسير لها.
وإذا أردنا أن نستعرض كتب التفسير بالمأثور نجد أنها اختلفت في عدد الآثار التي حوتها ونوعيتها، فاتجه كل مفسر إلى تفسير أحد التابعين فأكثر منه بالنسبة لغيره، فكانت كتب المغاربة مثلا تكثر من التفسير المنقول عن المدرسة البصرية، ولا سيما الحسن وقتادة، فتفسير يحيى بن سلام وتفسير ابن عطية، لم يكن فيه عن الصحابة إلا شيء يسير، بينما كان الاعتماد في هذه التفاسير على تفسير التابعين، ولا سيما الحسن، وقتادة.
وها هو ذا عبد الرزاق يكثر في نقله عن قتادة، حتى بلغ المروي فيه عنه نحو ثلثي المرويات الواردة في تفسيره.
وقريب من الثلثين من تفسير الطبري كان عن التابعين، ويعد تفسير مجاهد الأكثر شيوعا، فقد بلغ نحوا من سدس مجموع روايات الكتاب، وقريب من هذا كانت حال تفسير ابن أبي حاتم.
ولقد اعتمد السفيانان الثوري وابن عيينة، على تفسير التابعين في كتابيهما في التفسير، ولا سيما الآثار الواردة عن مجاهد، في حين كانت المرويات عن أبي العالية هي الأكثر في تفسير آدم بن أبي إياس.
ولم يختلف الحال بالنسبة للماوردي، والبغوي، وابن الجوزي في تفاسيرهم، فقد قاربت المرويات فيها عن التابعين ثلثي حجم كتبهم.
وتفسير عبد بن حميد وهو من التفاسير المفقودة يعتبر كذلك من التفاسير التي
اعتمدت على أقوال التابعين أكثر من غيرهم، وذلك إذا رجعنا إلى تفسير الدر المنثور فيما ينقله عنه، وقد سبق بيان ذلك.(2/984)
وتفسير عبد بن حميد وهو من التفاسير المفقودة يعتبر كذلك من التفاسير التي
اعتمدت على أقوال التابعين أكثر من غيرهم، وذلك إذا رجعنا إلى تفسير الدر المنثور فيما ينقله عنه، وقد سبق بيان ذلك.
وهكذا نجد أن كل كتب التفسير بالمأثور التي وصلت إلينا كان لتفسير التابعين فيها القدح المعلى، والحظ الأسمى من جملة المنقول في التفسير (1).
وهذا كله يعطينا صورة عامة، ولمحة قوية عن أثر التابعين في التفسير عموما، وفي التفاسير التي عنيت بالمأثور خصوصا، ومن ثم الأثر الشامل لكل ما يتعلق بالتفسير في كتب علوم الإسلام الأخرى.
وفيما يلي بيان لبعض المواطن التي وقفت عليها، وفيها نقول عن التابعين، ولم يرد فيها نقل عن الصحابة وغيرهم، مما يؤكد منزلة التابعين في التفسير بعامة، وأثرهم في كتب التفسير بخاصة.
من الآيات التي انفردوا بتفسيرها في سورة البقرة:
فقد انفرد مجاهد ببيان المراد بقوله تعالى: {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسََارى ََ تُفََادُوهُمْ} (2)
فقال: هو أن تفديه في يد غيرك، وتقتله أنت بيدك (3).
وفي قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ بَغْياً} (4).
__________
(1) سبق في الباب الأول في بيان المصادر التي يستقى منها تفسير التابعين ترجمة لكل هذه التفاسير المذكورة هنا (8255).
ومما ينبغي الإشارة إليه أن تفسير ابن المنذر، اعتمد على الموقوف على الصحابة أكثر من نقله للمقطوعات من تفسير التابعين، لكن هذا لم يكن مسلك إلا القليل من المفسرين.
(2) سورة البقرة: آية (85).
(3) زاد المسير (1/ 112)، وتفسير الطبري (2/ 310).
(4) سورة البقرة: آية (90).(2/985)
قال قتادة: إن المراد بقوله «بغيا»: حسدا (1).
وفي بيان المراد من المناسك في قوله تعالى: {فَإِذََا قَضَيْتُمْ مَنََاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللََّهَ} (2) قولان:
أحدهما: أنها جميع أفعال الحج، قاله الحسن.
والثاني: أنها إراقة الدماء، قاله مجاهد (3).
وعند قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرََائِيلَ كَمْ آتَيْنََاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} (4).
ذكر قتادة في بيان المراد بالآية البينة: أنها الآيات التي جاءت بني إسرائيل كالعصا، والغمام، والمن، والسلوى، والبحر (5).
وفي بيان المراد ب {الْمُتَطَهِّرِينَ} في قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ التَّوََّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (6) ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم المتطهرون من الذنوب، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو العالية.
والثاني: أنهم المتطهرون بالماء، قاله عطاء.
والثالث: أنهم المتطهرون من إتيان أدبار النساء، روي عن مجاهد (7).
وانفرد طاوس ببيان تأويل قوله تعالى: {إِنْ ظَنََّا أَنْ يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (8)، فقال:
__________
(1) زاد المسير (1/ 114)، وتفسير الطبري (2/ 342).
(2) سورة البقرة: آية (200).
(3) زاد المسير (1/ 215)، وتفسير الطبري (4/ 195).
(4) سورة البقرة: آية (211).
(5) زاد المسير (1/ 227)، وتفسير الطبري (4/ 273).
(6) سورة البقرة: آية (222).
(7) زاد المسير (1/ 249)، وتفسير الطبري (4/ 395).
(8) سورة البقرة: آية (230).(2/986)
هو ما فرض الله على كل واحد منهما من حسن العشرة والصحبة (1).
وعند قوله تعالى: {فَإِنْ أَرََادََا فِصََالًا عَنْ تَرََاضٍ} (2).
ذكر مجاهد أن المراد بذلك: التشاور فيما دون الحولين، فإن أرادت أن تفطم وأبى فليس لها، وإن أراد هو ولم ترض فليس له ذلك حتى يقع عن تراض منهما وتشاور، غير مسيئين إلى أنفسهما وإلى صبيهما (3).
وعند قوله تعالى: {وَلََا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (4).
ذكر مجاهد أن المراد بذلك: هو إتمام الرجل الصداق، وترك المرأة شطرها (5).
وعند قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ} (6) انفرد الحسن بتفسير قوله: {بِإِذْنِ اللََّهِ} فقال: بنصر الله (7).
وانفرد مجاهد بتفسير قوله تعالى: {فَإِنَّ اللََّهَ يَعْلَمُهُ} (8). فقال: يحصيه (9).
وعند قوله تعالى: {وَمَنْ عََادَ فَأُولََئِكَ أَصْحََابُ النََّارِ هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} (10).
قال ابن جبير: إن المراد بقوله: {وَمَنْ عََادَ} أي: من عاد إلى الربا مستحلا محتجا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبََا} (11).
__________
(1) زاد المسير (1/ 266)، وتفسير الطبري (4/ 598).
(2) سورة البقرة: آية (233).
(3) زاد المسير (1/ 273)، وتفسير الطبري (5/ 68).
(4) سورة البقرة: آية (237).
(5) زاد المسير (1/ 281)، وتفسير الطبري (5/ 165).
(6) سورة البقرة: آية (249).
(7) زاد المسير (1/ 299)، وتفسير الطبري (5/ 354).
(8) سورة البقرة: آية (270).
(9) زاد المسير (1/ 324)، وتفسير الطبري (5/ 581).
(10) سورة البقرة: آية (275).
(11) زاد المسير (1/ 331)، وتفسير الطبري (6/ 13).(2/987)
وعند قوله تعالى: {وَلََا يَأْبَ كََاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمََا عَلَّمَهُ اللََّهُ} (1).
قال سعيد بن جبير: إن المراد بقوله: {كَمََا عَلَّمَهُ اللََّهُ} أي كما علمه الله الكتابة (2).
وقال سعيد بن جبير أيضا في بيان المراد بقوله: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} (3)، يعني: المطلوب (4).
ومن أمثلة ما جاء عنهم في سورة آل عمران: ما ورد عند قوله تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (5).
ذكر قتادة أن المراد بذلك: أنه كان قد حرم عليهم موسى الإبل والثروب (6)، وأشياء من الطير، فأحلها عيسى (7).
وقال قتادة في بيان المراد بقوله تعالى: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيََاتِ اللََّهِ} (8) يعني:
محمدا، والإسلام (9).
ومما انفردوا به عند تأويل سورة النساء: جاء عنهم في بيان المراد بالقول المعروف في قوله تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا}
__________
(1) سورة البقرة: آية (282).
(2) زاد المسير (1/ 337)، وتفسير الطبري (6/ 52).
(3) سورة البقرة: آية (282).
(4) زاد المسير (1/ 337)، وتفسير الطبري (6/ 56).
(5) سورة آل عمران: آية (50).
(6) الثروب: جمع ثرب، وهي الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء والمصارين من الذبائح والأنعام.
(7) زاد المسير (1/ 393)، وتفسير الطبري (6/ 436).
(8) سورة آل عمران: آية (70).
(9) زاد المسير (1/ 404)، وتفسير الطبري (6/ 502).(2/988)
{لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} (1) أربعة أقوال:
أحدها: أن يقول لهم الولي حين يعطيهم: خذ بارك الله فيك. رواه سالم الأفطس عن ابن جبير.
والثاني: أن يقول الولي: إنه مال يتامى، ومالي فيه شيء. رواه أبو بشر عن ابن جبير.
وفي رواية أخرى عن ابن جبير قال: إن كان الميت أوصى لهم بشيء أنفذت لهم وصيتهم، وإن كان الورثة كبارا رضخوا لهم، وإن كانوا صغارا قال وليهم: إني لست أملك هذا المال، إنما هو للصغار فذلك القول المعروف.
والثالث: أنه العدة الحسنة، وهو أن يقول لهم أولياء الورثة: إن هؤلاء الورثة صغار فإذا بلغوا أمرناهم أن يعرفوا حقكم. رواه عطاء بن دينار عن ابن جبير.
والرابع: أنهم يعطون من المال، ويقال لهم عند قسمة الأرضين والرقيق: بورك فيكم، وهذا القول المعروف قال الحسن والنخعي: أدركنا الناس يفعلون هذا (2).
وعند قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكََاءُ فِي الثُّلُثِ} (3).
بين قتادة المراد بالشركة في الثلث بأن: ذكرهم وأنثاهم فيه سواء (4).
وعند قوله تعالى: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلََابِكُمْ} (5).
ذكر عطاء السبب في تقييد ذلك بذكر {أَصْلََابِكُمْ} فقال: إنما ذكر الأصلاب
__________
(1) سورة النساء: آية (8).
(2) زاد المسير (2/ 2019)، تفسير الطبري (8/ 18).
(3) سورة النساء: آية (12).
(4) زاد المسير (2/ 33)، وتفسير الطبري (8/ 62).
(5) سورة النساء: آية (23).(2/989)
لأجل الأدعياء (1).
وفي تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} (2).
ورد عن عطاء والسدي أن المراد بقوله: {إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} ما قد سلف من أمر يعقوب عليه السلام لأنه جمع بين أم يوسف وأختها (3).
وجاء تأويل قوله تعالى: {إِلََّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (4) عن سعيد بن جبير بأن المراد: إلا أن يتصدق أولياء المقتول بالدية على القاتل (5).
وعند قوله تعالى: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذََانَ الْأَنْعََامِ} (6).
ذكر قتادة، وعكرمة، والسدي، أن المراد بذلك هو: شق أذن البحيرة (7).
وعند قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ} (8) ورد عنهم في بيان المراد بالذين آمنوا هاهنا قولان:
الأول: أنهم المسلمون، قاله الحسن.
والثاني: المنافقون، قاله مجاهد (9).
__________
(1) زاد المسير (2/ 48)، وتفسير الطبري (8/ 149).
(2) سورة النساء: آية (23).
(3) زاد المسير (2/ 48)، وتفسير الطبري (8/ 149).
(4) سورة النساء: آية (92).
(5) زاد المسير (2/ 164)، وتفسير الطبري (9/ 37).
(6) سورة النساء: آية (119).
(7) زاد المسير (2/ 205)، وتفسير الطبري (9/ 214).
(8) سورة النساء: آية (136).
(9) زاد المسير (2/ 224)، وتفسير الطبري (9/ 313).(2/990)
ومما انفردوا به في سورة المائدة: عند قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللََّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللََّهَ} (1).
ذكر سعيد بن جبير بأن المراد ب {وَاتَّقُوا اللََّهَ}: لا تستحلوا ما لم يذكر اسم الله عليه (2).
وفي بيان المراد بقوله تعالى: {وَاللََّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3). قال سعيد بن جبير:
شديد في انتقامه، حكيم إذ حكم بالقطع (4).
وذكر المفسرون في معنى قوله تعالى: {وَلََكِنْ يُؤََاخِذُكُمْ بِمََا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمََانَ} (5)
قولين:
أحدهما: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم عليه قلوبكم في التعمد لليمين، قاله مجاهد.
والثاني: بما عقدتم عليه قلوبكم أنه كذب، قاله سعيد بن جبير (6).
ومن الأمثلة الواردة عنهم في سورة الأنعام: ما جاء في بيان المراد بالموتى من قوله تعالى: {وَالْمَوْتى ََ يَبْعَثُهُمُ اللََّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (7)، فقد ورد أنهم الكفار، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة (8).
ومن ذلك أيضا ما جاء في بيان المراد بشياطين الإنس والجن في قوله تعالى:
__________
(1) سورة المائدة: آية (4).
(2) زاد المسير (2/ 294)، وتفسير الطبري (9/ 572).
(3) سورة المائدة: آية (38).
(4) زاد المسير (21/ 354)، وتفسير الطبري (10/ 298).
(5) سورة المائدة: آية (89).
(6) زاد المسير (2/ 413)، وتفسير الطبري (10/ 525).
(7) سورة الأنعام: آية (36).
(8) زاد المسير (3/ 33)، وتفسير الطبري (11/ 342).(2/991)
{وَكَذََلِكَ جَعَلْنََا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيََاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (1). فقد ورد في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم مردة الإنس والجن، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: أن شياطين الإنس، الذين مع الإنس، وشياطين الجن: الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي.
والثالث: أن شياطين الإنس، والجن: كفارهم، قاله مجاهد (2).
ما جاء عنهم عند قوله تعالى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3).
فقد بين الحسن وقتادة المراد بذلك بأنه: أول المسلمين من هذه الأمة (4).
ومن أبرز ما انفردوا به في سورة الأعراف ما يأتي: وما جاء عند تأويل قوله سبحانه: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كََانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشََارِقَ الْأَرْضِ وَمَغََارِبَهَا} (5).
قال الحسن: إن المراد بذلك: مشارق الشام ومغاربها (6).
وقد بين الحسن المراد ب {تَأَذَّنَ} في قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} (7).
فقال: أعلم، وقال عطاء: إن المراد بذلك حتم (8).
__________
(1) سورة الأنعام: آية (112).
(2) زاد المسير (3/ 108)، وتفسير الطبري (12/ 51).
(3) سورة الأنعام: آية (163).
(4) زاد المسير (3/ 161)، وتفسير الطبري (12/ 285).
(5) سورة الأعراف: آية (137).
(6) زاد المسير (3/ 253)، وتفسير الطبري (13/ 76).
(7) سورة الأعراف: آية (167).
(8) زاد المسير (3/ 279)، وتفسير الطبري (13/ 204).(2/992)
وعند قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مََا بِصََاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} (1) ذكر الحسن وقتادة في سبب نزولها: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم علا على الصفا ليلة ودعا قريشا فخذا فخذا: يا بني فلان، يا بني فلان، فحذّرهم بأس الله وعقابه فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت حتى الصباح، فنزلت هذه الآية (2).
وفي تأويل قوله تعالى: {تَذَكَّرُوا فَإِذََا هُمْ مُبْصِرُونَ} (3).
ذكر مجاهد أن المراد ب «تذكروا» هاهنا: تذكروا الله إذا هموا بالمعاصي فتركوها (4).
ومن أبرز الأمثلة التي انفردوا بتفسيرها من سورة التوبة: ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} (5)، فقد جاء في المراد بالحج الأكبر، وسبب تسميته ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سماه بذلك لأنه اتفق في سنة حج فيها المسلمون والمشركون، ووافق ذلك عيد اليهود، والنصارى، قاله الحسن.
والثاني: أن الحج الأكبر هو الحج، والأصغر هو العمرة، قاله عطاء، والشعبي.
والثالث: أن الحج الأكبر القران، والأصغر الإفراد، قاله مجاهد (6).
وعند قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآيََاتِ اللََّهِ ثَمَناً قَلِيلًا} (7). المراد بالمشار إليهم هنا قولان:
__________
(1) سورة الأعراف: آية (184).
(2) زاد المسير (3/ 296)، وتفسير الطبري (13/ 289).
(3) سورة الأعراف: آية (201).
(4) زاد المسير (3/ 310)، وتفسير الطبري (13/ 337).
(5) سورة التوبة: آية (3).
(6) زاد المسير (3/ 396)، وتفسير الطبري (14/ 128).
(7) سورة التوبة: آية (9).(2/993)
أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم قوم من اليهود، قاله أبو صالح السمان (1).
وجاء في بيان المراد ب {بِأَمْرِهِ} في قوله تعالى: {حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} (2) قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله مجاهد.
والثاني: أنه العقاب، قاله الحسن (3).
وفي سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ اشْتَرى ََ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} (4)، ذكر محمد بن كعب القرظي أن الأنصار لما بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا سبعين رجلا، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال:
«أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا قال: الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل»، فنزلت: {إِنَّ اللََّهَ اشْتَرى ََ} (5).
ومن ذلك تفسير قوله تعالى: {الْحََامِدُونَ} (6).
فقد قال قتادة في ذلك: يحمدون الله على كل حال (7).
وفي معنى قوله تعالى: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} (8).
__________
(1) زاد المسير (3/ 403)، وتفسير الطبري (14/ 151).
(2) سورة التوبة: آية (24).
(3) زاد المسير (3/ 413)، وتفسير الطبري (14/ 178).
(4) سورة التوبة: آية (111).
(5) زاد المسير (3/ 504)، وتفسير الطبري (14/ 499).
(6) سورة التوبة: آية (112).
(7) زاد المسير (3/ 505)، وتفسير الطبري (14/ 502).
(8) سورة التوبة: آية (128).(2/994)
قال الحسن: أي حريص عليكم أن تؤمنوا (1).
ومن أبرز الأمثلة الواردة في سورة يونس: ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} (2)، فقد بين مجاهد أن معنى ذلك: ثم اقضوا إليّ ما في أنفسكم (3).
وعند قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} (4). جاء في المراد بالحنيف ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه المتبع، قاله مجاهد.
الثاني: المخلص، قاله عطاء.
والثالث: المستقيم، قاله القرظي (5).
ومن أمثلة ما جاء في تفسير سورة يوسف: ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {آوى ََ إِلَيْهِ أَخََاهُ} (6).
فقد بين قتادة من المقصود بهذا الأخ، فذكر أنه بنيامين، وكان أخاه لأبيه وأمه (7).
وعند قوله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ إِلََّا رِجََالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} (8).
__________
(1) زاد المسير (3/ 521)، وتفسير الطبري (14/ 587).
(2) سورة يونس: آية (71).
(3) زاد المسير (4/ 48)، وتفسير الطبري (15/ 150).
(4) سورة يونس: آية (105).
(5) زاد المسير (4/ 70)، وتفسير الطبري (15/ 218).
(6) سورة يوسف: آية (69).
(7) زاد المسير (4/ 255)، وتفسير الطبري (16/ 170).
(8) سورة يوسف: آية (109).(2/995)
قال الحسن: لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ولا من الجن، ولا من النساء (1).
ومن أبرز ما جاء عنهم في تفسير سورة الرعد: ما جاء في بيان المراد بالأكل في قوله تعالى: {أُكُلُهََا دََائِمٌ} (2).
فقد بين الحسن ذلك بقوله: يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا (3).
ومما جاء في سورة الحجر: ما ورد في بيان المراد بقوله تعالى: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرََازِقِينَ} (4).
فقد روي عن مجاهد في ذلك قولان:
أولهما: أنه الدواب والأنعام، رواه عنه ابن أبي نجيح.
والثاني: أنه الوحوش، رواه عنه منصور (5).
ومن الأمثلة الواردة في تفسير سورة النحل: ما جاء في معنى قوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} (6).
فقد بين قتادة أن المراد بذلك: جميع الناس (7).
وجاء في بيان المراد ب «الدين» في قوله تعالى: {وَلَهُ الدِّينُ وََاصِباً} (8)، ثلاثة
__________
(1) زاد المسير (4/ 295)، وتفسير الطبري (16/ 293).
(2) سورة الرعد: آية (35).
(3) زاد المسير (4/ 334)، وتفسير الطبري (16/ 472).
(4) سورة الحجر: آية (20).
(5) زاد المسير (4/ 391)، وتفسير الطبري (14/ 17).
(6) سورة النحل (39).
(7) زاد المسير (4/ 447)، وتفسير الطبري (14/ 106).
(8) سورة النحل: آية (52).(2/996)
أقوال:
أحدها: أنه الإخلاص، قاله مجاهد.
والثاني: العبادة، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الحدود، والفرائض، قاله عكرمة (1).
وعند تفسير قوله تعالى: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكََافِرُونَ} (2).
قال الحسن في ذلك: وجميعهم كفار، فذكر الأكثر، والمراد به الجميع (3).
معنى {كَفِيلًا} في قوله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللََّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (4).
فقد قال سعيد بن جبير: معناه شهيدا، وقال مجاهد: معناه وكيلا (5).
ومن الأمثلة الواردة في سورة الإسراء: ما جاء عند تفسير كلمة {وَكِيلًا} في قوله تعالى: {أَلََّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} (6).
فقد فسرها مجاهد فقال: شريكا (7).
وعند تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتََابَكَ} (8).
__________
(1) زاد المسير (4/ 455)، وتفسير الطبري (14/ 118).
(2) سورة النحل: آية (83).
(3) زاد المسير (4/ 479)، وتفسير الطبري (14/ 158).
(4) سورة النحل: آية (91).
(5) زاد المسير (4/ 485)، وتفسير الطبري (14/ 165).
(6) سورة الإسراء: آية (2).
(7) زاد المسير (5/ 6)، وتفسير الطبري (15/ 18).
(8) سورة الإسراء: آية (14).(2/997)
فقد فسر ذلك الحسن بقوله: يقرؤه أميا كان أو غير أمي (1).
وعند تفسير قوله تعالى: {وَلََا تَنْهَرْهُمََا} (2).
فقد قال عطاء في معناه: لا تنفض يدك عليهما (3).
وعند تفسير قوله تعالى: {إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ََ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} (4).
فقد ورد فيه قولان:
أحدهما: لابتغوا سبيلا إلى مما نعته وإزالة ملكه، قاله الحسن وسعيد بن جبير.
والثاني: لابتغوا سبيلا إلى رضاه لأنهم دونه، قاله قتادة (5).
جاء في بيان المراد ب {بِالْآيََاتِ} في قوله تعالى: {وَمََا نُرْسِلُ بِالْآيََاتِ إِلََّا تَخْوِيفاً} (6) أربعة أقوال:
أحدها: أنها الموت الذريع، قاله الحسن.
والثاني: معجزات الرسل، جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين.
والثالث: آيات الانتقام تخويفا من المعاصي.
والرابع: تقلب أحوال الإنسان من صغر إلى شباب، ثم إلى كهولة، ثم إلى مشيب، ليعتبر بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره. ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي،
__________
(1) زاد المسير (5/ 16)، وتفسير الطبري (15/ 53).
(2) سورة الإسراء: آية (23).
(3) زاد المسير (5/ 25)، وتفسير الطبري (15/ 65).
(4) سورة الإسراء: آية (42).
(5) زاد المسير (5/ 38)، وتفسير الطبري (15/ 91).
(6) سورة الإسراء: آية (59).(2/998)
ونسب القول الأخير منها إلى الإمام أحمد رضي الله عنه (1).
وعند تأويل {سُلْطََاناً} في قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطََاناً} (2) ورد عنهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه التسلط على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين بإقامة الحدود، وهو قول الحسن (3).
والثاني: أنه الحجة البينة، وهو لمجاهد.
والثالث: الملك العزيز الذي يقهر به العصاة، قاله قتادة.
ومن الأمثلة التي انفردوا بها في سورة الكهف: ما ورد عند تفسير قوله: {وَمََا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} (4)، فقد جاء في ذلك أثران:
أحدهما: واعتزلتم ما يعبدون إلا الله، فإن القوم كانوا يعبدون الله، ويعبدون معه آلهة، فاعتزل الفتية عبادة الآلهة، ولم يعتزلوا عبادة الله، وهذا قول عطاء.
والثاني: وما يعبدون غير الله، قال قتادة: هي في مصحف عبد الله: «وما يعبدون من دون الله»، وهذا تفسيرها (5).
وعند تأويل {إِمْراً} في قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} (6).
قال مجاهد: منكرا، وقال قتادة: عجبا (7).
__________
(1) زاد المسير (5/ 52)، وتفسير الطبري (15/ 109).
(2) سورة الإسراء: آية (80).
(3) زاد المسير (5/ 78)، وتفسير الطبري (15/ 150).
(4) سورة الكهف: آية (16).
(5) زاد المسير (5/ 116)، وتفسير الطبري (15/ 209).
(6) سورة الكهف: آية (71).
(7) زاد المسير (5/ 17) وتفسير الطبري (15/ 284).(2/999)
ومما جاء في سورة طه: ما جاء عند قوله تعالى: {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} (1).
فقد جاء ذكر عدد هؤلاء السحرة، وعدد صفوفهم عن الحسن حيث قال: كانوا خمسة وعشرين صفا، كل ألف ساحر صف (2).
ومما جاء من ذلك في سورة الأنبياء: بيان المراد بالنكس في قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلى ََ رُؤُسِهِمْ} (3). فعن قتادة:
أدركت الناس حيرة سوء، وعن السدي: نكسوا في الفتنة على رءوسهم (4).
وعند قوله تعالى: {وَذِكْرى ََ لِلْعََابِدِينَ} (5).
قال محمد بن كعب: من أصابه بلاء فليذكر ما أصاب أيوب فليقل: إنه قد أصاب من هو خير مني (6).
ومن أمثلة ذلك في سورة الحج: ما جاء عند بيان المراد بالتشبيه في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَكَأَنَّمََا خَرَّ مِنَ السَّمََاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكََانٍ سَحِيقٍ} (7).
حيث ذكر قتادة ذلك فقال: إنه شبه المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه بالذي يخر من السماء (8).
__________
(1) سورة طه: آية (64).
(2) زاد المسير (5/ 300)، وتفسير الطبري (16/ 184).
(3) سورة الأنبياء: آية (65).
(4) تفسير الطبري (1/ 41) ط. دار الكتب العلمية.
(5) سورة الأنبياء: آية (84).
(6) زاد المسير (5/ 379)، وتفسير الطبري (17/ 73).
(7) سورة الحج: آية (31).
(8) زاد المسير (5/ 429)، وتفسير الطبري (17/ 155).(2/1000)
ومن سورة المؤمنون: ما ورد في بيان المراد ب {الْعََادِّينَ} في قوله تعالى: {فَسْئَلِ الْعََادِّينَ} (1) وفي ذلك أثران:
أحدهما: الملائكة، قاله مجاهد.
والثاني: الحسّاب، قاله قتادة (2).
ومما جاء في سورة النور: عند بيان مرجع الضمير في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (3)
ورد قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الله عز وجل، قاله مجاهد.
والثاني: إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قاله قتادة (4).
ومما جاء في سورة الفرقان: ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {فَلََا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} (5) ورد في بيان المراد بالسبيل قولان:
أحدهما: لا يستطيعون مخرجا من الأمثال التي ضربوها، قاله مجاهد.
والثاني: سبيلا إلى الطاعة، قاله السدي (6).
__________
(1) سورة المؤمنون: آية (113).
(2) زاد المسير (5/ 495)، وتفسير الطبري (18/ 63).
(3) سورة النور: آية (63).
(4) زاد المسير (6/ 69) وتفسير الطبري (18/ 178).
(5) سورة الفرقان: آية (9).
(6) زاد المسير (6/ 74)، وتفسير الطبري (18/ 185).(2/1001)
ومما جاء في سورة الشعراء: فقد ذكر الحسن السبب في عدم ذكر إبراهيم عليه السلام أمه في دعائه عند قوله تعالى: {وَاغْفِرْ لِأَبِي} (1).
فقال: بلغني أن أمه كانت مسلمة على دينه، فلذلك لم يذكرها (2).
وفي بيان المراد بالمصانع في قوله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصََانِعَ} (3) ثلاثة أقوال:
أحدها: قصور مشيدة، قاله مجاهد.
والثاني: مصانع الماء تحت الأرض، قاله قتادة.
والثالث: بروج الحمام، قاله السدي (4).
ومما جاء في سورة النمل: ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {قََالَ يََا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} (5)
قال مجاهد: السيئة: العذاب، والحسنة: الرحمة (6).
ومما جاء عنهم في سورة القصص: ما جاء عند تفسير قوله تعالى: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} (7).
فقد بين قتادة المراد باب {أَئِمَّةً} هنا فقال: ولاة وملوكا (8).
__________
(1) سورة الشعراء: آية (86).
(2) زاد المسير (6/ 130)، وتفسير الطبري (19/ 86).
(3) سورة الشعراء: آية (129).
(4) زاد المسير (6/ 136)، وتفسير الطبري (19/ 95).
(5) سورة النمل: آية (46).
(6) زاد المسير (6/ 180)، وتفسير الطبري (19/ 171).
(7) سورة القصص: آية (5).
(8) زاد المسير (6/ 201)، وتفسير الطبري (20/ 28).(2/1002)
ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسى ََ} (1). ذكر المفسرون فيما وكزه به قولين:
أحدهما: كفه، قاله مجاهد.
والثاني: عصاه، قاله قتادة (2).
وعند قوله تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنََاهُ وَعْداً حَسَناً} (3). اختلف فيمن نزلت الآية فيه على أربعة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.
والثاني: في علي وحمزة عليهما السلام وأبي جهل. والقولان مرويان عن مجاهد.
والثالث: في المؤمن والكافر، قاله قتادة.
والرابع: في عمار، والوليد بن المغيرة، قاله السدي (4).
وفي المراد ب {الْمُحْضَرِينَ} في قوله تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيََامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (5).
قال قتادة: من المحضرين في عذاب الله (6).
وفي بيان المراد بقوله تعالى: {وَلََا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (7) وردت ثلاثة
__________
(1) سورة القصص: آية (15).
(2) زاد المسير (6/ 208)، وتفسير الطبري (20/ 46).
(3) سورة القصص: آية (61).
(4) زاد المسير (6/ 234)، وتفسير الطبري (20/ 97).
(5) سورة القصص: آية (61).
(6) زاد المسير (6/ 235)، وتفسير الطبري (20/ 97).
(7) سورة القصص: آية (78).(2/1003)
أقوال:
أحدها: لا يسألون ليعلم ذلك من قبلهم، وإن سئلوا سؤال توبيخ، قاله الحسن.
والثاني: أن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسألهم عن ذنوبهم، قاله مجاهد.
والثالث: يدخلون النار بغير حساب، قاله قتادة.
وقال السدي: يعذبون ولا يسألون عن ذنوبهم (1).
ومن الأمثلة الواردة عنهم في تفسير سورة العنكبوت: ما ورد في تأويل قوله تعالى: {وَهُمْ لََا يُفْتَنُونَ} (2) فقد فسر مجاهد ذلك بقوله:
لا يفتنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب (3).
ومن الأمثلة الواردة عنهم في تفسير سورة لقمان: ما جاء في قوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} (4).
قال عطاء في المراد بذلك: امش بالوقار والسكينة (5).
ما جاء في سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السََّاعَةِ} (6).
فقد ذكر مجاهد أن رجلا من أهل البادية جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي حبلى، فأخبرني ماذا تلد وبلدنا مجدب، فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى
__________
(1) زاد المسير (6/ 243)، وتفسير الطبري (20/ 114).
(2) سورة العنكبوت: آية (2).
(3) زاد المسير (6/ 255)، وتفسير الطبري (20/ 128).
(4) سورة لقمان: آية (19).
(5) زاد المسير (6/ 323)، وتفسير الطبري (21/ 76).
(6) سورة لقمان: آية (34).(2/1004)
ولدت، فأخبرني متى أموت. فنزلت هذه الآية (1).
ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك في سورة السجدة: ما جاء عند بيان المراد بالذي جعل هدى لبني إسرائيل في قوله تعالى: {وَجَعَلْنََاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرََائِيلَ} (2) قولان:
أحدهما: الكتاب، قاله الحسن.
والثاني: موسى، قاله قتادة (3).
ومن سورة الأحزاب: ما جاء عنهم في بيان المراد بقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ فِيمََا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} (4)
ثلاثة أقوال:
أحدها: فيما أخطأتم به قبل النهي، قاله مجاهد.
والثاني: في دعائكم من تدعونه إلى غير أبيه، وأنتم ترونه كذلك، قاله قتادة.
والثالث: فيما سهوتم فيه، قاله حبيب بن أبي ثابت (5).
وعند تأويل قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} (6).
قال مجاهد فيما شح به هؤلاء المنافقون: أشحة بالخير.
وروي عن قتادة قولان:
__________
(1) زاد المسير (6/ 330329)، وتفسير الطبري (21/ 87).
(2) سورة السجدة: آية (23).
(3) زاد المسير (6/ 344)، وتفسير الطبري (21/ 112).
(4) سورة الأحزاب: آية (5).
(5) زاد المسير (6/ 352)، وتفسير الطبري (21/ 121).
(6) سورة الأحزاب: آية (19).(2/1005)
أحدهما: بالنفقة في سبيل الله.
والثاني: بالغنيمة (1).
وقول قتادة في تأويل قوله تعالى: {مََا كََانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمََا فَرَضَ اللََّهُ لَهُ} (2).
حيث بين المراد بما فرض الله له بقوله: فيما أحل الله له من النساء (3).
وقد ورد قولان في بيان المراد بقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنََا مََا فَرَضْنََا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوََاجِهِمْ} (4).
أحدهما: ألا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد.
والثاني: ألا يتزوج الرجل المرأة إلا بولي وشاهدين وصداق، قاله قتادة (5).
ومما جاء في سورة سبأ: عند تأويل قوله تعالى: {وَقَدَّرْنََا فِيهَا السَّيْرَ} (6).
ذكر الحسن وقتادة المراد بتقدير السير فقالا: إنهم كانوا يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية (7).
ورد في بيان المراد بالواحدة في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمََا أَعِظُكُمْ بِوََاحِدَةٍ} (8) ثلاثة
__________
(1) زاد المسير (6/ 365)، وتفسير الطبري (21/ 140).
(2) سورة الأحزاب: آية (38).
(3) زاد المسير (6/ 392)، وتفسير الطبري (22/ 14).
(4) سورة الأحزاب: آية (50).
(5) زاد المسير (6/ 406)، وتفسير الطبري (22/ 24).
(6) سورة سبأ: آية (18).
(7) زاد المسير (6/ 448)، وتفسير الطبري (22/ 84).
(8) سورة سبأ: آية (46).(2/1006)
أقوال:
أحدها: أنها «لا إله إلا الله» رواه ليث عن مجاهد.
والثاني: طاعة الله، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثالث: أنها قوله: {أَنْ تَقُومُوا لِلََّهِ مَثْنى ََ وَفُرََادى ََ}، قاله قتادة (1).
ومما جاء في سورة فاطر: تأويل قوله تعالى: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} (2).
فقد قال مجاهد في تفسير ذلك: من كان يريد العزة بعبادة الأوثان {فَلِلََّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}.
وقال قتادة: من كان يريد العزة فليعتز بطاعة الله (3).
ومما جاء في سورة الصافات: ورد في بيان المراد بال {رِزْقٌ} في قوله تعالى: {أُولََئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} (4)
قولان:
أحدهما: أنه الجنة، قاله قتادة، والثاني: أنه الرزق في الجنة، قاله السدي (5).
عند بيان المراد ب {فِتْنَةً} في قوله تعالى: {إِنََّا جَعَلْنََاهََا فِتْنَةً لِلظََّالِمِينَ} (6).
__________
(1) زاد المسير (6/ 464)، وتفسير الطبري (22/ 104).
(2) سورة فاطر: آية (10).
(3) زاد المسير (6/ 476)، وتفسير الطبري (22/ 120).
(4) سورة الصافات: آية (41).
(5) زاد المسير (7/ 55)، وتفسير الطبري (23/ 52).
(6) سورة الصافات: آية (63).(2/1007)
قال قتادة: إنه لما ذكر أنها في النار، افتتنوا وكذبوا، فقالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فنزلت هذه الآية. وقال السدي: فتنة لأبي جهل وأصحابه (1).
وأمثلة ذلك في تفسير سورة ص: عند تأويل قوله تعالى: {بِمََا نَسُوا يَوْمَ الْحِسََابِ} (2). ورد في ذلك قولان:
أحدهما: بما تركوا العمل ليوم الحساب، قاله السدي.
والثاني: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا، أي: تركوا القضاء بالعدل، وهو قول عكرمة (3).
وقد بين الحسن المراد بقوله تعالى: {بِغَيْرِ حِسََابٍ} (4) عند قوله: {هََذََا عَطََاؤُنََا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسََابٍ}.
بقوله: لا تبعة عليك في الدنيا، ولا في الآخرة.
وقال سعيد بن جبير: ليس عليك حساب يوم القيامة (5).
وعند قوله تعالى: {مََا لَنََا لََا نَرى ََ رِجََالًا كُنََّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرََارِ} (6).
قال مجاهد في تأويل ذلك وبيان المراد به: يقول أبو جهل في النار: أين صهيب، أين عمار، أين خبّاب، أين بلال! (7).
__________
(1) زاد المسير (7/ 62)، وتفسير الطبري (23/ 63).
(2) سورة (ص): آية (26).
(3) زاد المسير (7/ 124)، وتفسير الطبري (23/ 152).
(4) سورة (ص): آية (39).
(5) زاد المسير (7/ 141)، وتفسير الطبري (23/ 163).
(6) سورة (ص): آية (62).
(7) زاد المسير (7/ 152)، وتفسير الطبري (23/ 181).(2/1008)
ومن أبرز الأمثلة لذلك عند تفسير سورة غافر: فقد ورد في بيان المراد ب {مُسْرِفٌ} في قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} (1) قولان:
أحدهما: أنه المشرك، قاله قتادة.
والثاني: أنه السفاك للدم، قاله مجاهد (2).
وفي معنى قوله تعالى: {فَرِحُوا بِمََا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (3).
قال مجاهد: إنهم قالوا: نحن أعلم منهم، لن نبعث ولن نحاسب.
وقال السدي: فرحوا بما كان عندهم أنه علم (4).
ومن الأمثلة على ذلك في سورة فصلت: في بيان المراد ب {الْبََاطِلُ} في قوله تعالى: {لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ} (5) ثلاثة أقوال:
أحدهما: التكذيب، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: الشيطان، والثالث: التبديل، رويا عن مجاهد.
قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن ينقص منه حقّا، ولا يزيد فيه باطلا. وقال مجاهد: لا يدخل فيه ما ليس منه (6).
__________
(1) سورة غافر: آية (28).
(2) زاد المسير (7/ 219)، وتفسير الطبري (24/ 59).
(3) سورة غافر: آية (83).
(4) زاد المسير (7/ 238)، وتفسير الطبري (24/ 89).
(5) سورة فصلت: آية (42).
(6) زاد المسير (7/ 262)، وتفسير الطبري (24/ 125).(2/1009)
وعند بيان المراد بما يقال للرسول صلّى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {مََا يُقََالُ لَكَ إِلََّا مََا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} (1).
قال الحسن وقتادة: إنه قد قيل فيمن أرسل قبلك: ساحر وكاهن ومجنون، وكذبوا كما كذبت (2).
ومن ذلك في سورة الشورى: عند تفسير الاستجابة في قوله: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} (3).
روى قتادة عن إبراهيم النخعي قال: يشفّعون في إخوانهم {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}
قال: يشفّعون في إخوان إخوانهم (4).
ومن أمثلة ذلك في تفسير سورة الزخرف: عند تأويل قوله تعالى: {أَوْ جََاءَ مَعَهُ الْمَلََائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} (5).
بين قتادة معنى {مُقْتَرِنِينَ} بقوله: متتابعين (6).
وقد ذكر مجاهد وقتادة تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمََاءِ إِلََهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلََهٌ} (7).
بقولهما: يعبد في السماء، ويعبد في الأرض (8).
__________
(1) سورة فصلت: آية (43).
(2) زاد المسير (7/ 263)، وتفسير الطبري (24/ 126).
(3) سورة الشورى: آية (26).
(4) زاد المسير (7/ 287)، وتفسير الطبري (25/ 29).
(5) سورة الزخرف: آية (53).
(6) زاد المسير (7/ 322).
(7) سورة الزخرف: آية (84).
(8) زاد المسير (7/ 333)، وتفسير الطبري (25/ 104).(2/1010)
ومن الأمثلة الدالة على ذلك في سورة القمر: عند بيان المشار إليها في قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنََاهََا} (1).
ذكر قتادة أنها السفينة، قال: أبقاها الله على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة (2).
ومما جاء في سورة الرحمن: في تفسير قوله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمََاهُمْ} (3) بين الحسن المراد بالسيما بقوله: بسواد الوجوه وزرق الأعين (4).
ومن الأمثلة على ذلك في سورة الواقعة: عند بيان المراد بالسابقين في قوله تعالى: {وَالسََّابِقُونَ السََّابِقُونَ} (5). وردت خمسة أقوال:
أحدها: أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.
والثالث: أهل القرآن، قاله كعب.
والرابع: الأنبياء، قاله محمد بن كعب.
والخامس: السابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي
__________
(1) سورة القمر: آية (15).
(2) زاد المسير (8/ 94)، وتفسير الطبري (27/ 95).
(3) سورة الرحمن: آية (41).
(4) زاد المسير (8/ 118)، وتفسير الطبري (27/ 143).
(5) سورة الواقعة: آية (10).(2/1011)
سودة (1).
وعند تأويل قوله تعالى: {فَلََا أُقْسِمُ} (2).
ذكر الزجاج أن مذهب سعيد بن جبير أن «لا» دخلت توكيدا، والمعنى: فأقسم كما في قوله تعالى: {لِئَلََّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتََابِ} (3).
ومن الأمثلة على ذلك في تفسير سورة المجادلة: عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمََا قََالُوا} (4).
بين سعيد بن جبير المراد بالعود هنا فقال: المعنى: يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي قد حرموه على أنفسهم، وقال الحسن وطاوس والزهري: العود: هو الوطء (5).
ومما جاء في سورة الحشر ما يأتي: ذكر قتادة معنى {الْمُتَكَبِّرُ} في قوله تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبََّارُ الْمُتَكَبِّرُ} (6) أنه:
الذي تكبر عن كل سوء (7).
ومما جاء في سورة القلم: فقد ذكر قتادة الأمر الذي نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكون كصاحب الحوت فيه في
__________
(1) زاد المسير (8/ 133)، وتفسير الطبري (27/ 171).
(2) سورة الواقعة: آية (75).
(3) سورة الحديد: آية (29)، وينظر زاد المسير (8/ 150)، وتفسير الطبري (27/ 203).
(4) سورة المجادلة: آية (3).
(5) زاد المسير (8/ 184183)، وتفسير الطبري (28/ 8).
(6) سورة الحشر: آية (23).
(7) زاد المسير (8/ 227)، وتفسير الطبري (29/ 56).(2/1012)
قوله تعالى: {وَلََا تَكُنْ كَصََاحِبِ الْحُوتِ} (1): أنه العجلة والغضب (2).
ومن الأمثلة الواردة في سورة الدهر: عند بيان المراد بالأسير في قوله تعالى: {مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} (3).
قال عطاء، ومجاهد، وابن جبير: إنه المسجون من أهل القبلة.
وقال الحسن وقتادة: إنه الأسير المشترك (4).
ومن سورة عبس: عند بيان المراد بقوله تعالى: {لَمََّا يَقْضِ مََا أَمَرَهُ} (5).
قال مجاهد: لا يقضي أحد أبدا كل ما افترض الله عليه (6).
ومن سورة الشمس: عند بيان معنى «ما» في قوله تعالى: {وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا} (7).
ورد في ذلك قولان:
أحدهما: بمعنى «من» تقديره «ومن بناها»، قاله الحسن ومجاهد.
والثاني: أنها بمعنى المصدر، تقديره: وبنائها، وهذا مذهب قتادة (8).
__________
(1) سورة القلم: آية (48).
(2) زاد المسير (8/ 342)، وتفسير الطبري (29/ 45).
(3) سورة الدهر: آية (8).
(4) زاد المسير (8/ 434433)، وتفسير الطبري (29/ 209).
(5) سورة عبس: آية (23).
(6) زاد المسير (9/ 32)، وتفسير الطبري (30/ 56).
(7) سورة الشمس: آية (5).
(8) زاد المسير (9/ 139)، وتفسير الطبري (30/ 209).(2/1013)
وفي المراد ب {نَفْسٍ} في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمََا سَوََّاهََا} (1) قولان:
أحدهما: آدم، قاله الحسن.
والثاني: جميع النفوس، قاله عطاء (2).
ومن سورة الضحى: المراد بالقهر في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} (3).
فقد قال مجاهد في ذلك: لا تحقر (4).
ومن سورة الهمزة: المراد بقوله: {وَعَدَّدَهُ} في قوله تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مََالًا وَعَدَّدَهُ} (5)، فللمفسرين في معنى الكلام قولان:
أحدهما: أحصى عدده، قاله السدي.
والثاني: أعده لما يكفيه في السنين، قاله عكرمة (6).
هذا بعض مما جاء عنهم وانفردوا بتأويله وقد ذكرته، واستطردت في ذكر الأمثلة من أكثر سور القرآن للدلالة على بيان أهمية تفسيرهم ومدى اعتماد الأئمة عليه.
أثر التابعين في التفسير عند غير أهل السنة
يعد هذا المبحث من المباحث الصعبة لأنه يستلزم استعراض كتب التفسير عند
__________
(1) سورة الضحى: آية (7).
(2) زاد المسير (9/ 139).
(3) سورة الضحى: آية (9).
(4) زاد المسير (9/ 160)، وتفسير الطبري (30/ 233).
(5) سورة الهمزة: آية (2).
(6) زاد المسير (9/ 228)، وتفسير الطبري (30/ 293).(2/1014)
الفرق المخالفة لأهل السنة، وكثير منها عزيز المنال، نادر الوجود، كما أن أكثر الفرق لم أجد لهم تراثا تفسيريا اعتمدوا فيه على الآثار، لا سيما الآثار عن التابعين.
ويعتبر الشيعة على اختلاف فرقهم من الطوائف التي وجدت لهم تراثا تفسيريا أثريا، وقد اجتهدت حتى حصلت على العديد منها.
أثر التابعين في تفاسير الشيعة:
قبل بيان أثر التابعين في تفاسير الشيعة لا بد أن نستعرض أولا كيفية تقبل النصوص عند الشيعة إجمالا، وطريقة تلقيهم للمنقول، ومدى اعتمادهم عليها، حتى يمكن بذلك فهم أثر التابعين في تفسيرهم سلبا وإيجابا.
طبيعة الروايات والآثار في تفسير الشيعة:
الروايات في تفسير الشيعة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: النصوص الواردة بأسانيدهم، والمعزوة لأئمتهم.
القسم الثاني: النصوص الواردة بأسانيد لأهل السنة، أو المعزوة لأئمتهم.
أما القسم الأول: فهو المعتمد عندهم عموما، وعليه المعوّل في تفسيرهم، إلا أن هذا القسم كثير منه في الفضائل والقصص والأخبار، والقليل منه في التفسير.
ولذا نجد بعض علمائهم كالكاشاني يهتم بدراسة بعض هذه المرويات دراسة موضعية، وربما بين خللا فيها إلا أنه في نهاية الأمر يقبل الكثير منها.
فمن ذلك ما أورده في تفسيره أن قتادة دخل على أبي جعفر فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر: بلغني أنك تفسر القرآن قال له قتادة: نعم، فقال أبو جعفر بعلم تفسره أم بجهل قال: لا، بل بعلم. فقال له أبو جعفر: فإن كنت تفسيره بعلم فأنت أنت، وأنا أسألك قال قتادة: سل، قال:
أخبرني عن قول الله تعالى: {وَقَدَّرْنََا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَأَيََّاماً آمِنِينَ} (1)، فقال
__________
(1) سورة سبأ: آية (18).(2/1015)
قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفر: نشدتك بالله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يريد هذا البيت، فيقطع عليه الطريق، فتذهب نفقته، ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه قال قتادة: اللهم نعم. فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يؤم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النََّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} ولم يعن البيت فنحن والله دعوة إبراهيم «عليه السلام» التي من هو انا قلبه قبلت حجته وإلا فلا، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة، قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلا كذلك، فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة، إنما يعرف القرآن من خوطب به (1).
فبعد أن ذكر الرواية قال: هكذا وجدنا هذا الحديث في نسخ الكافي ويشبه أن يكون قد سقط منه شيء وذلك لأن ما ذكره قتادة لا تعلق له بقوله تعالى: {سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَأَيََّاماً آمِنِينَ} (2) وذلك لأن ما ذكر فيه أين هي من الأرض، وإنما يتعلق بقوله:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً} (3)، ثم ذكر رواية أخرى عن أبي جعفر وأبي حنيفة بنحو ذلك، وفيها السقط الذي أشار إليه (4).
__________
(1) تفسير الصافي (1/ 22).
(2) سورة سبأ: آية (18).
(3) سورة آل عمران: آية (97).
(4) تفسير الصافي (1/ 22، 23)، ولم يزد على ذلك، وليته ناقش الرواية نفسها مناقشة موضوعية مثلما ناقش سقطها، ولكن أحسب التعصب هو رائد هؤلاء، والله المستعان.(2/1016)
ويلاحظ في هذا القسم أنهم أكثروا من الرواية عن (أبي جعفر الباقر) وعن أبي عبد الله الصادق أكثر من غيرهما، بل كادت تفاسيرهم أن تكون عن هذين الإمامين (1).
وكلاهما يعتبره أهل السنة إماما، وكان الباقر ثقة، وتتلمذ الصادق على جابر بن عبد الله، إلا أن أكثر الآثار المروية عنهم في كتب الشيعة لا تصح ولا يمكن قبولها بأي مقياس علمي، بل وأحيانا بالمقاييس العقلية العادية، فجلها أساطير حول معتقدات العصمة، والقائم المنتظر، وبعضها فيه شرك صريح وغلو في آل البيت قد يصل إلى تأليههم (2).
وهناك بعض الآثار صحيحة المعنى ترد عن بعض آل البيت، والتي يؤولونها بهواهم، مثل الأثر الوارد في قوله تعالى: {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (3).
فقد استنبط منها الصادق أن من طعن في الدين فقد كفر، فيجعلون ذلك من طعن في التشيع (4).
وهناك بعض الآثار التفسيرية المعقولة واردة عنهم بغض النظر عن أسانيدها (5).
__________
(1) ينظر مجموع الفتاوى (13/ 244)، يقول شريك بن عبد الله: أحمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا. ويقول الإمام الشافعي: لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة. ينظر المنتقى من منهاج الاعتدال (21، 22).
(2) مثل ما كذبوا عليهما في: طواف الملائكة بالأئمة في ليلة القدر، ينظر تفسير القمي (2/ 432)، وذبح الرسول لإبليس، ينظر تفسير القمي (2/ 245)، وأنهم السبع المثاني، ويدور الفلك حولهم، ينظر البرهان (2/ 354)، ونور الثقلين (3/ 28)، وجعل الناس كلهم أولاد بغايا إلا الشيعة، ينظر البرهان (2/ 36)، وقولهم في تفسير قوله تعالى: {أَنَّمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} أي علي بن أبي طالب، ينظر البرهان (2/ 287)، وكونهم أهل الذكر دون غيرهم، ينظر البرهان (2/ 372)، ونزول الأمر من السماء إلى الوصي، البرهان (4/ 350).
(3) سورة التوبة: آية (12).
(4) البرهان في تفسير القرآن (2/ 107).
(5) مثل تفسير السبع المثاني بفاتحة الكتاب، ينظر تفسير نور الثقلين (3/ 28). وتفسير الويل بأنه بئر في جهنم، ينظر تفسير القمي (2/ 410).(2/1017)
وأما القسم الثاني: فهو محل النظر في هذا البحث، وقد رأيت أنهم يوردونه إما لبيان مخالفته لهم، وهو قليل في هذا القسم، وإما يوردون منه ما كان صحيحا ثابتا ولا سيما ما جاء في فضل عليّ رضي الله عنه، ويفرحون به فيكثرون منه ويعتمدونه (1)، وإما أن يكذبوا على أهل السنة ويفترون على أئمتهم بالوضع عليهم تعصبا لمذاهبهم الردية، وعلى هذا مدار أكثر الآثار التي يوردونها عن أهل السنة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد لاحظت أن نقلهم عن الصحابة غير عليّ رضي الله عنه قليل جدا، وقد أوردوا بعضا من الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما (2).
ولقد كانت هذه الروايات الواردة عن ابن عباس في كتبهم، وهي قليلة، روايات مطلقة بلا إسناد، وبعضها كان من طريق التابعين، وأكثرها عن مجاهد عنه، ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عنه (3)، وهي طريق موضوعة، بل هي أوهى طرق تفسير
__________
(1) ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: {هََذََانِ خَصْمََانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]، أن المراد عليّ وحمزة وعبيدة وخصماؤهم (تفسير فرات / 271، 1، 272)، عن السدي وابن سيرين، وكما ورد في آية المباهلة (تفسير فرات 1/ 86، 88)، وتصدق علي قبل المناجاة قبل أن تنسخ (تفسير فرات 2/ 470)، وأكثر اعتمادهم في هذا الباب على السدي لميله لهم، والغالب عليهم الفرح بما يرد عن أهل السنة مما يتوافق معهم، ولذا يكثر في كتاب البرهان أن يقول:
(ومن طريق المخالفين) ثم يذكر آثارا عن أهل السنة غالبها الوضع، وكثير منه من تفسير الثعلبي والكلبي وآخرين، ينظر على سبيل المثال البرهان (1/ 166)، (1/ 275)، (1/ 272)، (2/ 53)، (2/ 104)، (2/ 315)، (2/ 415)، (3/ 27)، (3/ 29)، (3/ 129)، (3/ 145)، (3/ 171)، (3/ 338)، (4/ 76)، (4/ 89)، (4/ 168)، (4/ 202)، (4/ 378)، (4/ 441).
(2) بلغت الروايات الواردة عن ابن عباس في تفسير البرهان (105) روايات، في حين بلغت عن ابن مسعود (5) روايات فقط، وعن أنس (3) روايات.
(3) بلغت الطرق الواردة عن ابن عباس من طريق مجاهد (13) رواية، ومن طريق أبي صالح (13) رواية، ومن طريق عكرمة (28) رواية، وعن طريق ابن جبير (9) روايات، وعن السدي (4) روايات، وعن عطاء (4) روايات، وعن أبي العالية وقتادة روايتان، وعن الشعبي رواية(2/1018)
ابن عباس كما قاله السيوطي وغيره (1).
كما أوردت هذه التفاسير قليلا من أقوال التابعين صدقا وكذبا، وأكثرها كان عن السدي، وعن ابن المسيب (2).
النصوص القرآنية في تفسير الشيعة:
عامة النصوص القرآنية الدالة على مدح فهي في عليّ وشيعته، والدالة على ذم فهي في مخالفيه.
وهذه طريقة من طرقهم في التفسير وسمة بارزة في مناهجهم، ومعناه بتطبيق الآيات القرآنية على أئمتهم إن كان في مدح، وعلى أعدائهم إن كان في ذم.
وفي ذلك يقول الطباطبائي في تفسيره: وأعلم أن الجري وكثيرا ما نستعمله في هذا الكتاب اصطلاح مأخوذ من قول أئمة البيت عليهم السلام (3).
ويقول أيضا: الروايات في تطبيق الآيات القرآنية عليهم (عليهم السلام)، أو على أعدائهم أعني روايات الجري كثيرة في الأبواب المختلفة وربما تبلغ المائتين (4).
__________
واحدة، وعن النخعي رواية واحدة، والروايات المطلقة بلا إسناد (38) رواية، وذلك بعد مراجعة كتاب البرهان في تفسير القرآن.
(1) الإتقان (2/ 242).
(2) بلغت الروايات الواردة عن السدي (9) روايات، وعن ابن المسيب (9) روايات، وعن مجاهد (5) روايات، وعن قتادة (5) روايات، وعن سعيد (4) روايات، وعن الحسن (3) روايات، وابن سيرين روايتان، وعن الشعبي (3) روايات، وعن النخعي روايتان، وعن الزهري رواية واحدة، ويكون بذلك مجموع الروايات عن التابعين (44) رواية، وذلك بعد مراجعة كتاب البرهان في تفسير القرآن.
(3) الميزان في تفسير القرآن (1/ 41).
(4) المرجع السابق (1/ 42).(2/1019)
ومن أمثلة ذلك وهي كثيرة جدا ما رواه فرات بسنده عن علي بن أبي طالب (ع) قال: القرآن أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع فرائض وأحكام، وربع حلال وحرام، ولنا كرائم القرآن (1).
وأصرح منه ما أورده البحراني في مقدمة تفسيره، باب ما عني به الأئمة (ع) في القرآن ثم قال: روى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى الفضل ابن شاذان، عن داود بن فرقد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل، وأنتم الزكاة، وأنتم الحج فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل، ونحن الزكاة ونحن الصيام، ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، ونحن الآيات، ونحن البينات، وعدونا في كتاب الله الفحشاء، والمنكر، والبغي، والخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والأصنام، والأوثان، والجبت، والطاغوت، والميتة، والدم، ولحم الخنزير، يا داود إن الله خلقنا، وأكرم خلقنا، وفضلنا، وجعلنا أمناءه، وحفظته، وخزانة على ما في السموات، وما في الأرض، وجعل لنا أضدادا وأعداء فسمانا في كتابه، وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه تكنية عن العدو، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه، وكنى عن أسمائهم، وضرب لهم الأمثال في كتابه (2).
وهذا الأسلوب يسمى عندهم أسلوب الجري، وليس هذا فحسب بل صار للقرآن عندهم ظهر وبطن، فظاهر القرآن في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والرسالة، وجعل باطنه في الدعوة إلى الإمامة والولاية، وما يتعلق بهما (3).
وهذا ما يفهم من قول عبد اللطيف الكازراني أحد علمائهم في مقدمة تفسيره:
__________
(1) تفسير فرات الكوفي (1/ 2)، والبرهان (1/ 22).
(2) البرهان (1/ 22).
(3) التفسير والمفسرون (2/ 28).(2/1020)
القرآن له ظهر وبطن، بل كل فقرة من كتاب الله لها سبعة وسبعون بطنا، وجملة باطن الكتاب في الدعوة إلى الإمامة والولاية، وجملة ظاهره في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والرسالة، وكل ما ورد من الآيات المشتملة على التهديد، والوعيد، والتوبيخ، والتقريع ففي المخالفين (1).
وفي تفسير العياشي، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرواية: ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، وما فيه حرف إلا وله حد، ولكل حد مطلع، قلت: ما تعني بقوله: ظهر وبطن قال: ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما مضى، ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما تجري الشمس، والقمر، كلما جاء منه شيء وقع، قال الله: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (2)، نحن نعلمه (3).
وفي تفسير الصافي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن للقرآن ظهرا وبطنا، ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن (4).
هذا هو المنهج الشيعي في استقراء آيات القرآن الكريم، ولذلك فهم في غير حاجة إلى تراث منقول في ذلك، فالقرآن يمدح عليا، ويذم مخالفيه، فكل آية فيها مدح أو ذم، فتفسيرها قد عرف مسبقا، بل كثير من الآيات لا تدل على مدح أشخاص، ومع ذلك تلوى حتى تتوافق مع المنهج السابق، بل ما كان من الآيات في القرون السابقة فإنه يصنع لها قصة حتى ينزل مدحها على عليّ رضي الله عنه، ولم يقتصر كذبهم وروايتهم على أئمة البيت بل تعدى ذلك للنقل عن بعض الصحابة، والتابعين، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
__________
(1) تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، عن كتاب التفسير والمفسرون (2/ 76).
(2) سورة آل عمران: آية (7).
(3) تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، عن كتاب التفسير والمفسرون (2/ 76).
(4) الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي (3/ 72).(2/1021)
فعند تفسير قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلََاةِ إِنَّ اللََّهَ مَعَ الصََّابِرِينَ} (1).
ينقل صاحب كتاب البرهان في تفسير القرآن عن صحيفة الرضا: ليس في القرآن آية: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا في حقنا (2).
ثم يقول: ومن طريق المخالفين (3) روى الموفق بن أحمد وهو من أعيان المخالفين بإسناده، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين ءامنوا إلا علي رأسها، وأميرها وقال بعدها: وعنه أيضا بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما أنزل الله تعالى في القرآن آية يقول فيها: يأيها الذين آمنوا إلا كان علي بن أبي طالب شريفها وأميرها (4).
وينقل فرات في تفسيره بسنده عن مجاهد أنه قال: كل شيء في القرآن {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإن لعلي سابقته وفضيلته لأنه سبقهم إلى الإسلام (5).
وفي تفسيره أيضا لقوله سبحانه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} (6) عن أبي صالح، عن ابن عباس: أنها نزلت في علي، وحمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحارث (7).
وفي كلمات آدم التي تاب الله بها عليه، يسند فرات عن أبي صالح: أنها رب أسألك بحق محمد نبيك وبحق علي وصي نبيك وبحق فاطمة بنت نبيك (8).
__________
(1) سورة البقرة: آية (153).
(2) البرهان (2/ 166).
(3) يقصد غير الشيعة.
(4) البرهان (2/ 166، 167).
(5) تفسير فرات (1/ 49) 5.
(6) تفسير البقرة: آية (25).
(7) تفسير فرات (1/ 51) 11.
(8) تفسير فرات (1/ 57) 38.(2/1022)
وقوله سبحانه: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغََاءَ مَرْضََاتِ اللََّهِ} (1).
أسند عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس قال: نزلت في علي (2).
وعند قوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ سِرًّا وَعَلََانِيَةً} (3) قال ابن عباس: نزلت في علي (4).
وفي تفسير قوله: {قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذََلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ} (5) نزلت في علي وحمزة وعبيد الله بن الحارث (6).
وفي تفسير قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقََايَةَ الْحََاجِّ وَعِمََارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (7) قال ابن سيرين: نزلت في عليّ (8).
وعند قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثََّابِتِ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَفِي الْآخِرَةِ} (9) عن أبي صالح عن ابن عباس قال: بولاية علي بن أبي طالب (10). وعند قوله تعالى: {قُلْ رَبِّ إِمََّا تُرِيَنِّي مََا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلََا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظََّالِمِينَ} (11)
__________
(1) سورة البقرة: آية (207).
(2) تفسير فرات (1/ 65) 31، 32.
(3) سورة البقرة: آية (274).
(4) أسنده فرات عن ابن عباس ومجاهد وأبي عبد الرحمن السلمي وغيرهم، ينظر تفسير فرات (1/ 71، 72) 4643.
(5) سورة آل عمران: آية (15، 16).
(6) تفسير فرات (1/ 70) 42.
(7) سورة التوبة: آية (19).
(8) تفسير فرات (1/ 166، 167).
(9) سورة إبراهيم: آية (27).
(10) تفسير فرات (1/ 221).
(11) سورة المؤمنون: الآيتان (93، 94).(2/1023)
أسندوا عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن الظالمين هم أصحاب الجمل (1).
وعند قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللََّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} (2) أسندوا عن السدي أنه قال: عليّ وأصحابه (3).
وعند قوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} (4)، أسندوا عن الشعبي، عن ابن عباس أنه قال: عن ولاية عليّ بن أبي طالب (5).
وعند قوله: {فَإِمََّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنََّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} (6) أسندوا عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس، أي بعلي عليه السلام (7).
وعند قوله: {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ مَوْلََاهُ وَجِبْرِيلُ وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} (8) زعموا أن مجاهدا قال: علي بن أبي طالب (9).
وعند قوله: {وَتَعِيَهََا أُذُنٌ وََاعِيَةٌ} (10) زعموا أن قتادة ومكحول قالا: أذن عليّ (11).
وهناك جملة كبيرة من ذلك في تفسير فرات واردة عن التابعين أو منقولة بواسطتهم.
__________
(1) تفسير فرات (1/ 279).
(2) سورة العنكبوت: آية (2).
(3) تفسير فرات (1/ 318).
(4) سورة الصافات: آية (24).
(5) تفسير فرات (1/ 355).
(6) سورة الزخرف: آية (41).
(7) تفسير فرات (2/ 403).
(8) سورة التحريم: آية (4).
(9) تفسير فرات (2/ 490).
(10) سورة الحاقة: آية (12).
(11) تفسير فرات (2/ 501).(2/1024)
ولم تكن التفاسير الأخرى غير فرات بأحسن حالا منه.
ففي تفسير القمي عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} (1) عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: ذكر ربه ولاية علي بن أبي طالب (2).
وفي سياق حجة الوداع يورد القمي رواية عن ابن مسعود أن النبي سأله من بعده، فعدّ رجالا فقال له: ثكلتك الثواكل، فأين أنت من علي بن أبي طالب لم لا تقدمه على الخلق أجمعين، يا ابن مسعود إنه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمة أعلام، فأول الأعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب، والناس أجمعين تحت لوائه ينادي مناد:
هذا الفضل يا بن أبي طالب، ثم نزل كتاب الله يخبر عن أصحاب رسول الله فقال:
{وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (3) أي لا يكون اختبار ولا يمتحنهم الله بأمير المؤمنين عليه السلام {فَعَمُوا وَصَمُّوا} حيث كان رسول الله بين أظهرهم {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أمير المؤمنين عليه السلام عليهم (4).
وفي تفسير نور الثقلين عند قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى ََ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (5) نقل عن كتاب الاحتجاج حديثا طويلا وفيه قول مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: معاشر الناس أنا الصراط المستقيم الذي أمركم باتباعه ثم عليّ عليه السلام من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون، ثم ذكر عن ابن عباس والسدي والربيع والضحاك أن من قوم موسى قوما لم يبدلوا ولم يحرفوا من وراء الحسين (6).
__________
(1) سورة الجن: آية (17).
(2) تفسير القمي (2/ 390).
(3) سورة المائدة: آية (71).
(4) تفسير القمي (1/ 175).
(5) سورة الأعراف: آية (159).
(6) نور الثقلين (2/ 86).(2/1025)
وفي تفسير قوله تعالى: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (1) أي أنه علي بن أبي طالب (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} (3) أسندوا، عن أبي صالح، عن ابن عباس أنه قال (ذكر به): ولاية علي بن أبي طالب (4).
وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلََالٍ وَعُيُونٍ} (5) أسندوا عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: (من اتقى الذنوب) علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين (6).
وعند قوله: {وَأَمََّا مَنْ خََافَ مَقََامَ رَبِّهِ} (7) علي بن أبي طالب {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ََ} (8) خاصا لعلي، ومن كان على منهاج علي (9).
ومن النصوص الواردة في تفسير الآيات في كتب تفاسير الشيعة نصوص فيها تكلف وتعسف لحمل الآية على عليّ بن أبي طالب، وشيعته، أذكر منها بعضها لمعرفة مدى تعصبهم، وتوجيههم للنصوص والآيات القرآنية:
فعند قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} (10) هو في سياق قصة طالوت كما هو ظاهر الآية، إلا أن فراتا يورد من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس (أن
__________
(1) سورة هود: آية (3).
(2) نور الثقلين (2/ 344).
(3) سورة الجن: آية (17).
(4) البرهان (4/ 394).
(5) سورة المرسلات: آية (41).
(6) البرهان (4/ 418).
(7) سورة النازعات: آية (40).
(8) سورة النازعات: آية (41).
(9) البرهان (4/ 426).
(10) سورة البقرة: آية (249).(2/1026)
المراد به): علي بن أبي طالب، ابتليتم بولايته لمعرفة الناجح، والمقصر (1).
وعند قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ} (2) يورد فرات أثرين عن ابن مسعود، وأبي ذر، يفسر (البحرين بعلي، وفاطمة)، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ}
الحسن، والحسين (3).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَمََّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذََا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} (4)
يورد فرات أثرا عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: فيّ نزلت هذه الآية (5).
وفي تفسير قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ} (6) يورد أثرا عن سعيد بن جبير أنه فسرها بقوله: إلى ولاية علي بن أبي طالب (7).
ويورد في تفسير قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا} (8) أثرا عن عكرمة أن المراد به:
علي (9).
وفي تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلََهَهُ هَوََاهُ} (10) يورد القمي في تفسيره أثرا عن علي بن إبراهيم: أن المراد بهم من أحال الخلافة والإمامة عن أمير المؤمنين بعد أخذ الميثاق عليهم مرتين له (11).
__________
(1) تفسير فرات (1/ 69).
(2) سورة الرحمن: آية (19).
(3) تفسير فرات (2/ 461).
(4) سورة الزخرف: آية (57).
(5) تفسير فرات (2/ 403).
(6) سورة الجمعة: آية (10).
(7) تفسير فرات (2/ 484).
(8) سورة الشمس: آية (2).
(9) تفسير فرات (2/ 561).
(10) سورة الجاثية: آية (23).
(11) تفسير القمي (2/ 294).(2/1027)
وفي تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسََاجِدَ لِلََّهِ} (1) يورد القمي في تفسيره عن أبي الحسن الرضا أن المراد بها الأئمة عليهم السلام (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (3) جاء في نور الثقلين عن أبي جعفر أن المراد سبعة أئمة والقائم (4).
وأغرب من ذلك كله ما جاء في تفسير البرهان في قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوََالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنََاتِ} (5) أن نوحا أراد (عليا وفاطمة) لأنه حمل قبره في السفينة، ثم تركها خارج الكوفة (6).
نظرة الشيعة لأئمة التفسير من التابعين:
الظاهر من الروايات الواردة في كتب الشيعة، أنهم كانوا يعرفون فضل أئمة التفسير من أهل السنة، وإن حاولوا إخفاء ذلك.
ولعل أبرز ما يمكن أن يوضح هذا الأمر هو اختلاقهم المحاورة التي تمت بين قتادة ابن دعامة وأبي جعفر، والتي نقلتها كثير من كتبهم، وفيها يقول أبو جعفر لقتادة:
بلغني أنك تفسر القرآن قال له قتادة: نعم، فقال أبو جعفر: بعلم أم بجهل قال: لا، بل بعلم، فقال له أبو جعفر: فإن كنت تفسيره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك، قال قتادة:
سل، فسأله عن تفسير آية: {وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بََارَكْنََا فِيهََا قُرىً ظََاهِرَةً وَقَدَّرْنََا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَأَيََّاماً آمِنِينَ} (7) وأنه لما أخبره قتادة بذلك قال له
__________
(1) سورة الجن: آية (18).
(2) تفسير القمي (2/ 390).
(3) سورة الحجر: آية (87).
(4) نور الثقلين (3/ 28).
(5) سورة نوح: آية (28).
(6) البرهان (4/ 390) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(7) سورة سبأ: آية (18).(2/1028)
أبو جعفر: ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ثم ذكر له أن تفسير الآية هو أنهم البيت الذي تهوى إليه أفئدة الناس، ولا يقبل حجهم إلا بذلك، ثم قال له:
ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به (1).
فهذه المحاورة يمكن أن نلحظ منها أمورا:
الأول: التأكيد على إمامة قتادة في التفسير، وشهرة ذلك عند واضعي هذه القصة (2).
الثاني: إلفات النظر إلى أن قتادة وأنه مع علمه بالتفسير فإنه يخطئ لأنه لم يتلقه عن أئمة الشيعة.
الثالث: التأكيد على عدم قبول العمل إذا لم يكن حب الشيعة في قلب العامل، وقد أورد في البرهان نحو هذه القصة عن الحسن البصري أنه دخل على أبي جعفر فقال له الباقر: يا أخا أهل البصرة، بلغني أنك فسرت آية من كتاب الله على غير ما أنزلت، فإن كنت فعلت فقد هلكت واستهلكت، ثم ذكر له نفس آية سبأ الواردة في الأثر عن قتادة السابق، وبين له أن المراد بالقرى الظاهرة العلماء من الشيعة (3).
ومن وجه آخر أورد القصة، وفيها أن أبا جعفر قال له: بلغني عنك أمر فما أدري أكذلك أنت أم يكذب عليك قال: ما هو قال: زعموا أنك تقول: إن الله خلق العباد وفوّض إليهم أمورهم. قال: فسكت الحسن (4) ثم سأله عن آية سبأ بنحو الرواية عن
__________
(1) تفسير الصافي (1/ 21، 22)، والبرهان (3/ 347)، وقد سبق الأثر بطوله ص (1016).
(2) سندها في البرهان فيه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، فالإسناد لا يصح من أجل هؤلاء المبهمين، ثم مداره على زيد الشحام، وهو مجهول.
(3) البرهان (3/ 438).
(4) البرهان (3/ 348).(2/1029)
قتادة (1).
وقد أورد الرواية من طريق آخر لم يصرح باسم الحسن أو قتادة، بل قال الصادق:
دخل على أبي بعض من يفسر القرآن فقال له وذكر القصة بنحو ما سبق (2).
وهذه الرواية المضطربة تدل على شيوع شهرة الحسن البصري بين الشيعة على أنه مفسر للقرآن حتى غلبهم الحسد فوضعوا هذه القصة ليؤكدوا على إمامتهم في التفسير دون غيرهم.
ولعمر الله فإن الصادق والباقر لا يحتاجان إلى أن يكذب لهم، فهم من أئمة المسلمين المعروفين بالفضل، إلا أنه لا يلزم من ذلك تقدمهم على غيرهم في التفسير، ولا في غيره من العلوم، وقد يكون لهما تراث تفسيري، إلا أن الرافضة أفسدوه بكثرة ما أدخلوا عليهم من الكذب وأضافوا لهما ما لم يعرفاه.
ومن آثار التابعين في تفسير الشيعة ما كان من تفسير دقيق لم يجدوا في تراثهم مثله فاضطروا لقبوله.
فقد أورد في البرهان أثر عكرمة في سبب نزول سورة الفتح واعتمده (3).
وينقلون عن مجاهد أن العذاب الأدنى هو العذاب في القبر (4).
ويورد القمي في تفسيره أثرا طويلا عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في سورة البروج، لم يعكروه ببدعتهم (5).
__________
(1) البرهان (3/ 347).
(2) هذا لمز للحسن أنه كان يقول بنفي القدر، وسبق تبرئته من ذلك، في مبحث منهجهم في آيات الاعتقاد ص (821).
(3) تفسير البرهان (1/ 216).
(4) البرهان (3/ 288).
(5) تفسير القمي (2/ 414).(2/1030)
ومن الملاحظ أن الشيعة أكثروا من الآثار عن سعيد بن المسيب، وقد توقفت طويلا في سبب ذلك، فإن سعيدا من الأثريين من أئمة السنة، ثم زال العجب لما رأيت أن أكثره موضوع ظاهر الوضع، أراد صاحبه أن يرفع شأن المرويات عن أئمتهم بوضع عالم العلماء وسيد التابعين في إسنادها.
ومن أدلة ذلك أنه يأتي الأثر هو هو، يرويه سعيد مرة عن علي بن الحسين، ومرة عن جده علي بن أبي طالب بنفس الإسناد كما هو، فقد أورد صاحب البرهان أثرا عن سعيد يقول فيه: كان علي بن الحسين يعظ الناس، ويزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه وكتب ثم ذكر الموعظة وفيها كما هو متوقع أن الإنسان يسأل عن إمامه الذي كان يتولاه إلخ (1).
وفي موضع آخر وبنفس السند الذي هو للأثر المتقدم، يقول سعيد بن المسيب:
كان علي بن أبي طالب يعظ الناس، ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه، وكتب، وذكر الحديث بغير القصة الأولى (2).
ولا ندري متى كان علي بن أبي طالب يحدث الناس في كل جمعة في مسجد رسول الله، لئن كان هذا لكانت الدواعي متوفرة لنقله، ولا سيما أن الأثر الذي أوردوه أشبه بكلام الوعاظ والقصّاص، لا بكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كان ينهى عن القصص مما يدل على وضعه، وافترائه، والله أعلم (3).
__________
(1) البرهان (1/ 275).
(2) البرهان (3/ 53).
(3) قد يقال: إن الأثرين عن علي بن الحسين، ولكن صحّف في المطبعة، وهذا وإن كان محتملا إلا أن القصتين مختلفتان، ثم فيهما ما لا يقبل لا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا عن(2/1031)
ومما يدل على إيرادهم الموضوعات وتساهلهم في الكذب ما ورد في تفسير البرهان عند قوله تعالى: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمََا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفََائِزُونَ} (1).
فقد نقل صاحب البرهان عن ابن شهرآشوب، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود: يعني لصبر علي بن أبي طالب، وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، في الدنيا، إنهم هم الفائزون (2).
فهذا الأثر ركيك الألفاظ، وأراد واضعه أن يكسب الصحة بأن جعل له أصح أسانيد ابن مسعود، ولكن الحمل فيه على ما دون سفيان، وابن شهرآشوب هذا روى لهم عدة موضوعات، بل كل ما ورد في تفسير البرهان منسوبا لابن مسعود على قلته فهو ضعيف أو موضوع (3)، منه ما جاء عنه أن الرسول أمره أن يدخل للمخدع، قال:
فولجت فرأيت أمير المؤمنين راكعا، وساجدا، ثم ذكر توسله بالنبي، وتوسل النبي به لغفران الخطايا للأمة، وللشيعة (4).
وإننا لنتساءل: إذا كان ابن مسعود رضي الله عنه توفي سنة (32) هـ، قبل ولاية علي بن أبي طالب، فكيف يقول عنه أمير المؤمنين! (5) هذا غير ركاكة اللفظ، والتوسل المحرم الذي فيه، ثم في آخره أن الله خلق محمدا، وعليا، والحسن، والحسين، من نور عظمته قبل الخلق بألفي عام، وخلق السموات من محمد، والعرش من علي إلخ هذا الافتراء.
__________
علي بن الحسين، وهذا الاضطراب في الأسماء كثير في كتبهم مما يدل على أنه لا قيمة للمرويات عندهم في غالبه.
(1) سورة المؤمنون: آية (111).
(2) البرهان (3/ 122).
(3) إلا الأثر الواحد في قراءة (فامضوا إلى ذكر الله) تفسير البرهان (4/ 334).
(4) تفسير البرهان (4/ 226).
(5) وورد أيضا عن ابن مسعود مثل هذا في البرهان (4/ 421).(2/1032)
ومن جملة ما تقدم يتبين لنا أن أثر التابعين في تفسير الشيعة كان أثرا معاكسا، فلم يوردوا أقوالهم إلا اعتضادا، وانتهزوا إمامتهم وشهرتهم بالتفسير ليلفقوا الأحاديث التي تدل على أنهم كانوا يتعلمون من آل البيت.
وفي الجملة لم أشعر أن للرواية قيمة عند هؤلاء لأن الرواية الموضوعة مقبولة إذا كانت في مدحهم، والصحيحة مرفوضة إذا كانت ضدهم، أيا كان قائلها فالله المستعان.
أثر التابعين في تفاسير الخوارج:
لقد وقفت على تفسير للإباضية الذي صنفه هود الهواري، وإذ هو مختصر من تفسير يحيى بن سلام، والذي اعتمد أقوال البصريين: الحسن وقتادة في تفسيره (1).
ولما كان منهج الوعظ غلب على المدرسة البصرية لذا كانت لهم أقوال شديدة على العصاة مما أعجب الإباضية الذين يقولون بخلود أهل المعاصي في النار، وينكرون الشفاعة في أهل الكبائر، ولذا فلا غرو أن ينقل الكثير من آثاره عن الحسن وقتادة.
وفيما عدا ذلك لم أجد تفسيرا للإباضية، ولكني وقفت أيضا على نقولات لأئمة التابعين في كتب الإباضية الأخرى، ومن أشهر من وجدت أقواله جابر بن زيد تلميذ ابن عباس، فقد جمع الربيع بن حبيب الفراهيدي وهو من أئمتهم مروياته في مسند، قام بعض متأخريهم بشرحه (2).
إلا أنني لم أظفر فيها بشيء عن التفسير كبير ولا قليل، اللهم إلا بضعة أبواب في فضائل القرآن وآدابه، والمكي والمدني، جعلها في أول المسند (3).
__________
(1) يراجع الكلام على تفسير يحيى بن سلام ص (67).
(2) وهو نور الدين السالمي.
(3) مسند الربيع بن حبيب (1/ 4115) وغالب أسانيد هذا الكتاب من طريق الربيع عن أبي عبيدة(2/1033)
واهتم الإباضيون كذلك بإيراد الآثار عن التابعين التي تؤيد مذهبهم العقدي في مسائل إنكار رؤية الباري في الآخرة (1)، والقول بخلود عصاة الموحدين في النار (2)، وغير ذلك، وبالجملة فلم أطلع على تراث نقلي لهم في التفسير (3)، وأما سائر الخوارج فلم أجد عنهم كذلك تراثا تفسيريا نقليا.
__________
مسلم بن أبي كريمة، عن جابر بن زيد، عن الصحابي الذي هو في الأغلب ابن عباس، ويكفي أن يعلم أنه أورد بهذا السند حديث (اطلبوا العلم ولو بالصين) الذي درج الحفاظ على تضعيفه، بل والحكم عليه بالوضع كما قال ابن الجوزي، وابن حبان، وغيرهما.
(1) يراجع في ذلك مشارق أنوار العقول لنور الدين السالمي، بتحقيق أحمد الخليلي (192)، والحق الدامغ للخليلي (47).
(2) ينظر في ذلك الحق الدامغ لأحمد الخليلي (205203)، وغالبه منقول من تفسير الطبري.
(3) لمفتي عمان الحالي أحمد بن حمد الخليلي تفسير ينشر في بعض المجلات التي تصدر هناك، وما وجد منه إنما كان يعتمد فيه على الاستنباطات العقلية أكثر من اعتماده على النصوص المنقولة.(2/1034)
المبحث الثاني أثر التابعين في علم أصول التفسير
مرّ في المبحث السابق أثر التابعين في كتب التفسير، وتبين كيف أن كتب التفسير بالمأثور قد اعتمدت في جلّ رواياتها على تفسير التابعين، وأن كتب التفاسير الأخرى لم تخل من ذلك أيضا.
وفي هذا المبحث أحاول أن أبين أثر التابعين في كتب أصول التفسير، وكيف أن أقوالهم صارت النواة الأولى التي اعتمد عليها المصنفون في هذا العلم، وما تفرع منه.
لقد عني التابعون بجملة من علوم القرآن، وقد كان لعلم نزول القرآن، وأسبابه، ومكيه، ومدنيه، وناسخه، ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، النصيب الأوفى من هذا الاهتمام.
وإن المراجع لكتب التفسير وأصوله، ليجد هذا الأثر واضحا عنهم، وهذا لا يعني أنهم أغفلوا ما سوى ذلك، فإن كلامهم مبثوث في التفسير في كل فروع علم أصول التفسير غالبا، فقد تكلموا في الكليات وفي أول ما نزل وآخر ما نزل، وأقسام القرآن، والأمثال، والمصاحف، وما يتعلق بها من الأحرف السبعة، وأسماء السور، وعدّ الآي، ومناسبات الآيات وأسرار ختمها، والنطق والأداء، وما يتعلق به من الوقف والابتداء، وغير ذلك مما سيأتي تفصيله في هذا المبحث إن شاء الله تعالى.
ومع أن كتب علوم القرآن وأصول التفسير، قد اعتمدت كثيرا على المنقول عن التابعين، إلا أنني وجدت أنه من الأفضل دراسة الروايات المنقولة عنهم دراسة مقارنة ما
أمكن، واستخلاص النتائج من ذلك، فلم يكونوا رحمهم الله على درجة واحدة في فروع أصول التفسير، بل تفوق في كل فرع بعضهم دون الآخر، كما أن طريقتهم في العرض لم تكن واحدة فمنهم من يعرض عرضا مفصلا، في حين أن منهم من يعرض عن هذا المطلب أو ذاك، ومنهم من يذكر شواهد كثيرة، ومنهم من لا يذكر شاهدا وهكذا(2/1035)
ومع أن كتب علوم القرآن وأصول التفسير، قد اعتمدت كثيرا على المنقول عن التابعين، إلا أنني وجدت أنه من الأفضل دراسة الروايات المنقولة عنهم دراسة مقارنة ما
أمكن، واستخلاص النتائج من ذلك، فلم يكونوا رحمهم الله على درجة واحدة في فروع أصول التفسير، بل تفوق في كل فرع بعضهم دون الآخر، كما أن طريقتهم في العرض لم تكن واحدة فمنهم من يعرض عرضا مفصلا، في حين أن منهم من يعرض عن هذا المطلب أو ذاك، ومنهم من يذكر شواهد كثيرة، ومنهم من لا يذكر شاهدا وهكذا
وبذلك الكم الوافر المروي عنهم في مختلف فروع هذا العلم تابعت الدراسة والتحقيق مما جعلني أكتفي بكتب علوم القرآن، وإن كنت لم أغفل كتب التفسير.
وفيما يلي دراسة لأهم العلوم التي تعرضوا لها.
1 - كليات القرآن (الوجوه والنظائر):
المقصود بكليات القرآن، أو الوجوه والنظائر: هو معرفة الألفاظ المشتركة التي تستخدم في أكثر من معنى، أو ما كان منها متواطئا مع غيره (1).
وإنما أطلق عليها كليات لكثرة استخدامهم لفظة «كل كذا» في القرآن فهو بمعنى كذا.
وقد يرتبط البحث في كليات القرآن والوجوه والنظائر، بما اصطلح عليه حديثا باسم التفسير الموضوعى للقرآن، والذي يقصد منه استقراء الآيات المتعلقة بموضوع واحد، وتفسيرها جميعا في سياق واحد، وهذا اللون من التفسير يشمل كليات القرآن كما أنه يشمل مناسبات الآيات، وتعلقها بموضوع السورة نفسها (2).
وعلم جمع الوجوه والنظائر ليس من العلوم المستحدثة، وإنما وجد مع بداية نشأة التفسير في عهد الصحابة، بل جاء ما يدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بشيء من هذا، فقد
__________
(1) يراجع في ذلك البرهان (1/ 201)، والإتقان (1/ 581).
(2) ينظر تفسير مجاهد جمع الدكتور عبد الرحمن السورتي (1/ 533).(2/1036)
أورد مقاتل حديثا رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم: «لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة (1).
ولعل الصحيح أنه موقوف على أبي الدرداء (2)، قال السيوطي: وقد فسره بعضهم بأن المراد أن يرى اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة، ولا يقتصر به على معنى واحد (3).
وقد أخرج ابن عساكر من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء قال: إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها، قال حماد: فقلت لأيوب: أرأيت قوله: حتى ترى للقرآن وجوها، أهو أن ترى له وجوها فتهاب الإقدام عليه قال: نعم هو ذا (4).
وأخرج ابن سعد من طريق عكرمة، عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال: اذهب إليهم فخاطبهم، ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة، وفي رواية قال له: يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل، قال: صدقت، ولكن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصهم بالسنن فإنهم لم يجدوا عنها محيصا، فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة (5).
وهذه الآثار تدلّ على أن الصحابة كانوا يدركون أن القرآن يشمل الوجوه
__________
(1) جامع بيان العلم (2/ 45)، والمصنف لابن أبي شيبة (11/ 255)، والحلية (1/ 281).
(2) الإتقان (1/ 185).
(3) الإتقان (1/ 185).
(4) مختصر تاريخ دمشق (20/ 32).
(5) الإتقان (1/ 185).(2/1037)
والنظائر، وتدل أيضا أن هذا العلم لم يكن مقاتل أول من قال به (1)، بل سبقه الصحابة في ذلك، وورد عن ابن عباس خصوصا في هذا الباب كثير من الأمثلة التي تدلّ على اضطلاعه به (2)، وفهمه له، إلا أن أريد بالأوليّة التوسع في استعمالها، فهو مسلم بأنه لم يكن مثل ذلك في الصحابة، إلا أن شيخ مقاتل وهو مجاهد قد توسع في استعمالها أيضا قبل مقاتل، والله أعلم.
ولقد تقدم التابعون في هذا النوع من أنواع علوم القرآن، وكثرت عباراتهم فيه، وتنوعت استنباطاتهم، ولا سيما المكيون، وفيما يلي بيان لبعض الأمثلة بكليات الحروف، والأسماء، والأفعال، والأحكام الواردة عنهم.
فمن كليات الحروف:
ما جاء عن مجاهد: كل شيء في القرآن (أو أو) نحو قوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيََامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (3)، فهو فيه يخير، وما كان: (فمن لم يجد) فهو على الأول ثم يخير فيه، وجاء ذلك عنه بروايات متعددة (4).
وجاء ذلك عن عكرمة (5)، وعطاء (6)، بل عن شيخ المدرسة ابن عباس رضي الله عنهما (7)، وهو مروي أيضا عن الحسن وإبراهيم (8).
__________
(1) ذكر ذلك د. عبد الله شحاتة في مقدمة تحقيق تفسير مقاتل (72).
(2) يراجع في ذلك الإتقان (1/ 188/ 189).
(3) سورة البقرة: آية (196).
(4) تفسير الطبري (4/ 75) 33903378، و (11/ 35) 12614، وتفسير الثوري (12)، والدر المنثور (1/ 214)، وسنن البيهقي (10/ 60).
(5) تفسير الطبري (4/ 75) 3386، 12612.
(6) تفسير الطبري (4/ 75) 33873383، (11/ 35) 12610.
(7) تفسير الطبري (11/ 35) 12617.
(8) تفسير الطبري (11/ 35) 12616.(2/1038)
وعن السدي عن أبي مالك قال: ما كان في القرآن (إن) بكسر الألف فلم يكن، وما كان (إذ) فقد كان (1).
وجاء عن السدي عن أبي مالك قال: (لعلكم) في القرآن بمعنى (كي) غير آية في الشعراء {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (2)، يعني كأنكم تخلدون (3).
وعن قتادة قال: كان في بعض القراءة وتتخذون مصانع كأنكم تخلدون (4).
ومن كليات الأسماء:
ما جاء في تفسير قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (5).
قال عطاء: الجماع وكل شيء من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه (6)، وعن مجاهد نحوه (7).
وعن السدي قال: ما كان في القرآن من {حُنَفََاءَ}، قال: مسلمين، وما كان من {حَنِيفاً مُسْلِماً} قال: حجاج (8).
وفي تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلََاقُوا رَبِّهِمْ} (9).
قال مجاهد: كل (ظن) في القرآن فهو علم (10).
__________
(1) الإتقان (1/ 192).
(2) سورة الشعراء: آية (129).
(3) الإتقان (1/ 225).
(4) الإتقان (1/ 225).
(5) سورة البقرة: آية (187).
(6) تفسير الطبري (3/ 504) 2957.
(7) تفسير الطبري (3/ 505) 2964.
(8) غريب الحديث للحربي (1/ 293).
(9) سورة البقرة: آية (46).
(10) تفسير الطبري (2/ 19) 862، 863، وتفسير الثوري (45)، وتفسير ابن كثير (1/ 88).(2/1039)
وفي رواية: كل ظن في القرآن يقين (1).
وهذا غير مسلّم لأنه قد ورد الظن بمعنى الشك كما في قوله تعالى: {وَمََا لَهُمْ بِذََلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلََّا يَظُنُّونَ} (2)، وفي قوله: {يَظُنُّونَ بِاللََّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجََاهِلِيَّةِ} (3)، وفي قوله: {إِنْ نَظُنُّ إِلََّا ظَنًّا وَمََا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (4)، وفي قوله:
{وَتَظُنُّونَ بِاللََّهِ الظُّنُونَا} (5)، وغيرها من الآيات.
ولذا فإن أبا العالية لما تعرض لهذه الآية لم يجزم بالكلية، وإنما قال: إن الظن هاهنا يقين (6).
ولعل الكلية مقيدة بمجيء (إن) المخففة، أو المثقلة بعد (الظن) كالآية التي فسرها مجاهد، وأبو العالية.
وعن عكرمة قال: ما كان في القرآن من (سلطان) فهو حجة (7).
وعن سعيد أيضا قال: (الشجر) كل شيء قام على ساق (8).
وعنه قال: كل شيء في القرآن (إفك) فهو كذب (9).
وقال أيضا: (الأليم): الموجع في القرآن كله (10).
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 19) 862، 863.
(2) سورة الجاثية: آية (24).
(3) سورة آل عمران: آية (154).
(4) سورة الجاثية: آية (32).
(5) سورة الأحزاب: آية (10).
(6) تفسير الطبري (2/ 19) 861، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 157) 497.
(7) تفسير الطبري (9/ 30) 10086، (9/ 337) 10738.
(8) تفسير الطبري (27/ 69).
(9) الدر المنثور (5/ 63).
(10) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 50).(2/1040)
وعنه أيضا (النجم) كل شيء ذهب مع الأرض فراشا (1).
وقال في شأن الكبيرة: كل ذنب نسبه الله إلى النار في الكبائر (2).
وقال أيضا: كل موجبة في القرآن كبيرة (3).
وعن مجاهد قال: كل شيء في القرآن (قتل) (لعن)، فإنما عني بها الكافر (4).
وعنه قال: كل شيء في القرآن (إن الإنسان كفور) يعني به الكفار (5).
وربما استدل المفسر على الكلية بعدة أمثلة، كما صنع مجاهد في تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} (6)، قال: (الخير) في القرآن كله: المال، {لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (7)، الخير: المال، {أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} (8)،: المال، {فَكََاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} (9): المال، {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} المال، (10).
ومن كليات الأفعال:
ما جاء عن مجاهد: كل شيء في القرآن (عسى) فإن عسى من الله واجب (11).
__________
(1) تفسير الطبري (27/ 268)، والدر المنثور (6/ 140).
(2) تفسير الطبري (8/ 247) 9214، والدر المنثور (2/ 499)، وزاد المسير (2/ 66).
(3) تفسير الطبري (8/ 246)، 9213.
(4) الإتقان (1/ 189).
(5) الإتقان (1/ 189).
(6) سورة البقرة: آية (180).
(7) سورة العاديات: آية (8).
(8) سورة (ص): آية (23).
(9) سورة النور: آية (33).
(10) تفسير الطبري (3/ 393) 2667، وفتح القدير (1/ 178)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير، عن مجاهد به (1/ 422).
(11) أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن المنذر عن مجاهد به (1/ 587).(2/1041)
وعن أبي العالية قال: كل ما ذكره الله في القرآن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف: دعاء من الشرك إلى الإسلام، والنهي عن المنكر: النهي عن عبادة الأوثان والشياطين (1).
وتناول التابعون أيضا بيان الرخصة من العزيمة، وذكروا في تفسيرهم كل الآيات التي تتناول الرخص في موضع واحد، فعن مجاهد قال: خمس آيات في كتاب الله رخصة وليست بعزيمة: {وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا} (2)، إن شاء اصطاد وإن شاء لم يصطد، {فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا} (3)، {أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} (4)، {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا} (5).
وعن عطاء قال: خمس آيات من كتاب الله رخصة، وليست بعزيمة {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا} (6)، فمن شاء أكل، ومن شاء لم يأكل، {وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا} (7)، من شاء فعل، ومن شاء لم يفعل، {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ} (8) فمن شاء صام ومن شاء أفطر، {فَكََاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ} (9)، إن شاء كاتب، وإن شاء لم يفعل، {فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا} (10)، إن شاء انتشر، وإن شاء لم ينتشر (11).
__________
(1) تفسير الطبري (14/ 348) 16938، (14/ 507) 17317.
(2) سورة المائدة: آية (2).
(3) سورة الجمعة: آية (10).
(4)، سورة البقرة: آية (184).
(5) سورة الحج: آية (28)، والأثر أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد به (3/ 10)، ويلاحظ أنه لم يورد الآية الخامسة فيه.
(6) سورة الحج: آية (28)، والأثر أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد به (3/ 10)، ويلاحظ أنه لم يورد الآية الخامسة فيه.
(7) سورة المائدة: آية (2).
(8) سورة البقرة: آية (184).
(9) سورة النور: آية (33).
(10) سورة الجمعة: آية (10).
(11) أورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي حاتم عن عطاء به (3/ 11).(2/1042)
ومن كليات الأفعال أيضا قال أبو العالية: كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنى، إلا هذه الآية: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنََاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (1)، أن لا يراها أحد (2).
كليات الأحكام:
وهذا النوع هو جزء مما قبله، إلا أنني أفردته لبيان أن التابعين كانوا يهتمون بالكليات لا لبيان التفسير اللغوي فحسب، بل أحيانا لما يترتب عليها من بيان الأحكام.
فمن ذلك ما جاء عن مجاهد قال: كل طعام في القرآن فهو نصف صاع (3).
وعنه قال: كل صوم في القرآن فهو متتابع إلا قضاء رمضان (4).
زاد في رواية: فإنه عدة من أيام أخر (5).
وعن إبراهيم قال: ما كان في القرآن من (رقبة مؤمنة) فلا يجزئ إلا من صام وصلّى، وما كان في القرآن من (رقبة) ليست مؤمنة، فالصبي يجزئ (6).
وقد استفاد تابع التابعين من هذه الكليات، فأعملوا النظر والفكر متابعة لشيوخهم، واستخرجوا كليات غير ما ذكرها التابعون.
فمن ذلك ما جاء عن الضحاك قال: القنوت الذي ذكره الله في القرآن إنما يعني به الطاعة (7).
__________
(1) سورة النور: آية (31).
(2) تفسير ابن كثير (6/ 47)، والإتقان (1/ 189).
(3) الإتقان (1/ 189).
(4) تفسير مجاهد (1/ 203) وهي مسألة خلافية، فكفارة اليمين مثلا لا يشترط لها التتابع، والتتابع ظاهر مذهب أحمد، ينظر المغني (13/ 528، 529).
(5) تفسير الطبري (10/ 559) 12496.
(6) تفسير الطبري (9/ 35) 10096، 10097، (10/ 554) 12487.
(7) تفسير الطبري (5/ 229) 5504.(2/1043)
وعن ابن زيد: الزجر العذاب، وكل شيء في القرآن زجر فهو عذاب (1).
وعنه أيضا: كل فسق في القرآن فمعناه الكذب (2).
وعنه أيضا: كل شيء في القرآن فاسق فهو كاذب إلا قليلا، وقرأ قول الله: {إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ} (3).
وعن ابن جريج قال: كل شيء في القرآن فيه (أو) للتخيير، إلا قوله تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (4) ليس بمخير فيها (5).
2 - نزول القرآن:
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (6)، وقال تعالى: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبََارَكَةٍ} (7) فهذه الآيات دلت على أن القرآن نزل في شهر رمضان وبالتحديد في ليلة القدر، وهذا واضح من دلالة الآيات، إلا أنه ورد أيضا في القرآن قوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنََاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النََّاسِ عَلى ََ مُكْثٍ وَنَزَّلْنََاهُ تَنْزِيلًا} (8)، وقوله تعالى: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلََا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وََاحِدَةً كَذََلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤََادَكَ وَرَتَّلْنََاهُ تَرْتِيلًا} (9).
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 117) 1041.
(2) تفسير الطبري (11/ 370) 13521.
(3) سورة الحجرات: آية (6)، والأثر أخرجه الطبري (10/ 376) 12103.
(4) سورة المائدة: آية (33).
(5) البرهان (4/ 213).
(6) سورة البقرة: آية (185).
(7) سورة الدخان: آية (3).
(8) سورة الإسراء: آية (106).
(9) سورة الفرقان: آية (32).(2/1044)
فهذه الآيات تقتضي أن القرآن نزل مفرقا منجما، ولذلك اختلف أهل العلم في التنزل الأول هل المقصود به نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا أو المراد ابتداء نزوله.
ولقد ظهر هذان الرأيان في تفسير التابعين، فأخذ بالقول الأول، سعيد بن جبير، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والسدي.
فعن سعيد قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، في شهر رمضان، فجعل في سماء الدنيا (1).
وفي رواية: نزل القرآن جملة من السماء العليا إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل مفصلا (2).
وأما أثر عكرمة فقد رواه عن ابن عباس قال: نزل القرآن إلى سماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر، ثم نزل بعد في عشرين سنة (3).
وأما أثر إبراهيم فقد أخرجه سعيد بن منصور عن إبراهيم في قوله تعالى: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبََارَكَةٍ} (4)، قال: نزل القرآن جملة على جبريل عليه السلام وكان جبريل يجيء بعد إلى محمد صلى الله عليه وسلم (5).
وكذلك كان قول السدي، فقد رواه عن ابن عباس (6).
وأما القول الثاني: وهو أن المراد أن ابتداء نزوله كان في ليلة القدر، ثم نزل بعد
__________
(1) تفسير الطبري (3/ 445) 2813، ونحوه في (30/ 228).
(2) سنن سعيد، كتاب فضائل القرآن (2/ 293)، والمرشد الوجيز (16)، والدر (7/ 399).
(3) فضائل القرآن للنسائي (59)، وتحفة الأشراف (5/ 33)، وكتاب جزء فيه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (121).
(4) سورة الدخان: آية (3).
(5) سنن سعيد، كتاب فضائل القرآن (2/ 292)، والدر (7/ 339).
(6) تفسير الطبري (3/ 448) 2822.(2/1045)
ذلك منجما فقد قال به الشعبي (1).
إلا أنني وجدت له رواية أخرى فيها غير ذلك. فقد روي عنه أنه قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا (2).
وهناك أقوال أخرى في المسألة (3)، والمقصود أن التابعين اختلفوا في كيفية إنزاله، ثم تبعهم على ذلك العلماء والمصنفون في علوم القرآن، ولعل المعتمد من هذه الأقوال هو قول ابن عباس وهو أن له نزولين (4).
وقد ذكر بعض المصنفين في علوم القرآن كلاما مضطربا في النزول على النبي صلى الله عليه وسلم هل هو اللفظ، أو المعنى، أو كلاهما، وجعل قوله: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (5) من جملة القرآن المنزل جملة واحدة أولا، وغير ذلك (6) من الأمور المبنية على المذاهب غير الصحيحة في كلام الله سبحانه، فإن نزول القرآن جملة هو نزوله مكتوبا والوجود الرسمي لا يعارض الوجود العيني، فليس ثمة معارضة أن يكون الله كتبه وأنزله جملة واحدة ثم تكلم به بعد ذلك فقد خلق الله السموات والأرض، وكتب ذلك قبل أن يخلقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الكلام على نزول القرآن من الله:
وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي}
__________
(1) البرهان (1/ 228، 229).
(2) تفسير الطبري (3/ 447) 2820.
(3) البرهان (1/ 229)، والإتقان (1/ 53، 54)، وفتح الباري (9/ 4، 5).
(4) ينظر في وجوه ترجيح هذا القول: البرهان (1/ 228)، والإتقان (1/ 53، 54)، وفتح الباري (9/ 4)، والزيادة والإحسان (1/ 216)، النوع (7)، تحقيق محمد صفا.
(5) سورة القدر: آية (1).
(6) يراجع في ذلك الاضطراب البرهان (1/ 230، 231)، والإتقان (1/ 54، 55).(2/1046)
{لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (1): أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك منجما مفرقا بحسب الحوادث، ولا ينافي أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (2) وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتََابٍ مَكْنُونٍ (78) لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (3)، وقال تعالى: {كَلََّا إِنَّهََا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شََاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرََامٍ بَرَرَةٍ} (4)، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتََابِ لَدَيْنََا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (5)، فإن كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيد الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله مثل أن يرسل به جبريل، أو بعد ذلك، وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر، فقد كتبه كله قبل أن ينزله.
والله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وهو سبحانه قد قدر مقادير الخلائق، وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها، كما ثبت ذلك في صريح الكتاب، والسنة، وآثار السلف، ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعد ما يعلمونها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه، فلا يكون بينهما تفاوت، هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف وهو حق، فإذا كان ما يخلقه بائنا عنه قد كتبه قبل أن يخلقه، فكيف يستبعد أن يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أن يرسلهم به (6).
ولاهتمام التابعين بنزول القرآن نجد أن منهم من ألف في ذلك.
__________
(1) سورة القدر: آية (1).
(2) سورة البروج: آية (21، 22).
(3) سورة الواقعة: آية (7977).
(4) سورة عبس: الآيات (1611).
(5) سورة الزخرف: آية (4).
(6) مجموع الفتاوى (12/ 126، 127)، (15/ 23، 225).(2/1047)
فقد ذكر في الفهرست أن الحسن وسعيد بن جبير، وعكرمة، ممن ألف في نزول القرآن (1).
وعند ما نبحث عن الحكمة في نزول القرآن منجما نجد التابعين قد ذكروا ذلك.
فقد جاء عن الشعبي أنه سئل عن قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (2)، أما كان ينزل عليه في سائر السنة قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله (3)، وفيه زيادة فيحكم الله ما يشاء، ويثبت ما يشاء (4).
قال ابن حجر: ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم، والمنسوخ (4).
وتكلم قتادة في الحكمة أيضا فذكر أن في ذلك ميزة انفرد بها القرآن من بين الكتب السماوية (5) يعني تعظيما لشأنه، وكل ذلك يرجع إلى ما ذكره ربنا في القرآن ردا على المشركين: {كَذََلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤََادَكَ وَرَتَّلْنََاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلََا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلََّا جِئْنََاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (6).
وقوله: {وَقُرْآناً فَرَقْنََاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النََّاسِ عَلى ََ مُكْثٍ وَنَزَّلْنََاهُ تَنْزِيلًا} (7).
__________
(1) الفهرست ص (40، 51).
(2) سورة البقرة: آية (185).
(3) فضائل القرآن لأبي عبيد ص (223)، وفتح الباري (9/ 45)، والزيادة من الفتح ولم أجدها في كتاب أبي عبيد.
(4) فتح الباري (9/ 45).
(5) مفتاح السعادة (395).
(6) سورة الفرقان: آية (32، 33).
(7) المرشد الوجيز ص (16)، والآية من سورة الإسراء: آية (106).(2/1048)
فعن قتادة قال: كان بين أوله وآخره عشرين سنة، ولهذا قال: لتقرأه على الناس على مكث (1).
وقد ذكر أهل العلم من المصالح أيضا في ذلك تكريم القرآن بنزوله منجما، ومراعاة مصلحة الأمة بتنجيمه حسب الحاجات (2).
وقد تعرض التابعون أيضا للكلام على مكان وزمان نزول بعض الآيات، وإن لم يتوسعوا في هذا الجانب.
ففي تفسير قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (3)، قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، يوم جمعة (4).
وعن الشعبي (5)، والسدي بنحوه (6).
3 - أسباب النزول:
يعد علم أسباب النزول من العلوم النقلية الروائية، وبالتالي فإننا نجد أن التابعين الذين كان لهم عناية بهذا الجانب هم الذين كانت لهم دراية وحب رواية الآثار، والأخبار، والسير، في حين أن من كان يميل للاجتهاد والرأي، أو التفسير الجزئي، فإن هذا العلم يقل اعتماده عليه نسبيا.
ومن ثم كان مجاهد من أقل التابعين اهتماما بذلك، في حين كان من أكثرهم قولا
__________
(1) البرهان (1/ 230)، الإتقان (1/ 55).
(2) البرهان (1/ 230)، الإتقان (1/ 55).
(3) سورة المائدة: آية (3).
(4) الدر المنثور (3/ 17)، وفتح القدير (2/ 12).
(5) تفسير الطبري (9/ 522) 11090، 11091، والدر المنثور (3/ 17).
(6) تفسير الطبري (9/ 518) 11081.(2/1049)
بعموم اللفظ (1)، جاء عنه رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (2)، قال: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكذلك الخلق كلهم (3)، وعند قوله عز وجل: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (4)، قال: ليست بخاصة لأحد (5).
وإذا نظرنا إلى المكثرين منهم في ذلك نجد أن عكرمة يعد من أغزرهم رواية لأسباب النزول، يليه الشعبي، ثم السدي (6).
ومما ينبغي ملاحظته أن من عادة التابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا وكذا أنه لا يقصد الحصر في تلك الرواية، بل يريد أن الآية تتضمن هذا الحكم، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع (7).
ولذا لاحظ التابعون أن العبرة إنما تكون بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا ما دلّ الدليل على خصوصيته، ولهذا كثر الاستدلال بالعمومات عندهم فيما نزل في أسباب مخصوصة، وقد أكثر مجاهد من ذلك كما سبق، وكان محمد بن كعب القرظي يقول: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد (8)، قال ابن كثير: وهذا الذي قاله القرظي حسن صحيح (9).
__________
(1) يراجع ذلك في ترجمته ص (113).
(2) سورة المدثر: آية (11).
(3) تفسير الطبري (29/ 52)، وزاد المسير (8/ 403)، والدر المنثور (8/ 329).
(4) سورة الهمزة: آية (1).
(5) تفسير الطبري (30/ 293)، وزاد المسير (9/ 227).
(6) بلغت مرويات عكرمة في أسباب النزول ما نسبته (14، 0) من مجموع تفسيره، وقريب منه الشعبي حيث بلغ (13، 0) من مجموع تفسيره، ثم السدي حيث بلغ (11، 0) من مجموع تفسيره.
(7) تفسير القاسمي (1/ 2726).
(8) تفسير الطبري (4/ 232) 3964.
(9) تفسير ابن كثير (1/ 359).(2/1050)
ومن ذلك ما جاء عن زيد بن أسلم عند تفسير قوله سبحانه: {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً} (1)، حيث اختلف الصحابة فيها، فذهب علي وابن مسعود أن المراد بها: الإبل، بناء على ما ورد في سبب نزولها، وقال ابن عباس، وأصحابه:
الخيل، وقال ابن جرير: وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الأحرف ويأباها، ويقول: إنما هو قسم أقسم الله به، قال ابن زيد في بيان مراد أبيه: لم يكن أبي ينظر فيه إذا سئل عنه ولا يذكره (2) يعني أنه يفسر الآية بالعموم.
ومن أمثلة ما جاء عنهم في أسباب النزول:
ففي تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (3)، قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو حليف لبني زهرة، وأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأظهر له الإسلام، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الإسلام، والله يعلم أني صادق، وذلك قوله: {وَيُشْهِدُ اللََّهَ عَلى ََ مََا فِي قَلْبِهِ}، ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع، وعقر الحمر، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذََا تَوَلََّى سَعى ََ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهََا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}، وأما {أَلَدُّ الْخِصََامِ} فأعوج الخصام، وفيه نزلت: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (4)، ونزلت: {وَلََا تُطِعْ كُلَّ حَلََّافٍ مَهِينٍ} إلى {عُتُلٍّ بَعْدَ ذََلِكَ زَنِيمٍ} (5).
4 - ما نزل أولا وما نزل آخرا:
يعد هذا المبحث من المباحث التي تناولها التابعون، وتنوعت عباراتهم بل
__________
(1) سورة العاديات (1، 2).
(2) تفسير الطبري (30/ 275).
(3) سورة البقرة: آية (204).
(4) سورة الهمزة: آية (1).
(5) سورة القلم: الآيات (1310)، والأثر أخرجه الطبري في التفسير (4/ 229، 230) 3961.(2/1051)
تعارضت أحيانا، وقد شملت أول ما نزل مطلقا، أو من بين السور، أو أول آية من السورة، أو أول ما نزل بالمدينة، وأول ما نزل في قصة، أو حكم ما، وكذلك الأمر بالنسبة لآخر ما نزل.
فمما قيل: إنه أول ما نزل مطلقا:
ما جاء عن مجاهد أنه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1)، وعن ابن جبير مثله (2)، وقيل: أول ما نزل {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}، جاء عن الحسن وعكرمة (3).
وبالنسبة لأول ما نزل من سورة معينة:
جاء عن مجاهد: أول ما نزل من براءة: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ فِي مَوََاطِنَ كَثِيرَةٍ} (4).
ولقد اهتم التابعون كذلك بأوائل القضايا الخاصة، ولا سيما الجهاد والقتال، لما يترتب عليه من معرفة الناسخ والمنسوخ في هذه القضية الهامة.
فعن قتادة قال: إنها قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللََّهَ عَلى ََ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (5)، وعن زيد بن أسلم نحوه (6)، وخالف الربيع فقال: هي قوله:
__________
(1) سورة العلق: آية (1).
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد (220)، والمصنف لابن أبي شيبة (1/ 541)، وأنساب الأشراف (108)، ودلائل النبوة (7/ 144)، والإتقان (1/ 23).
(3) وأسباب النزول ص (6)، وزاد المسير (1/ 5)، والزيادة والإحسان (1/ 240) النوع التاسع، تحقيق محمد صفا.
(4) سورة التوبة: آية (25)، والأثر أخرجه الطبري (14/ 270) 16759، وينظر زاد المسير (3/ 388)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وسنيد، وابن حرب، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد به (4/ 158).
(5) سورة الحج: آية (39)، والأثر أخرجه الطبري في التفسير (17/ 173)، وينظر زاد المسير (5/ 436).
(6) تفسير ابن كثير (3/ 218)، وفتح القدير (3/ 457).(2/1052)
{وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1)، ومثله ما جاء عن سعيد بن جبير (2)، وخالفه مسلم بن صبيح فقال: أول ما نزل من براءة {انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا} (3)، وعن أبي الضحى مثله (4).
وعن سعيد بن جبير قال: أول ما نزل من سورة آل عمران {هََذََا بَيََانٌ لِلنََّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (5)، ثم أنزل بقيتها يوم أحد (6).
وأما أول ما نزل بالمدينة: فقد جاء عن جمهور التابعين أنها سورة البقرة، جاء ذلك عن الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وغيرهم (7)، وذكر الحافظ في الفتح الاتفاق على ذلك (8).
وقد اهتم مجاهد بمعرفة ترتيب السور فقال: أول ما أنزل (اقرأ)، ثم (نون) (9)، وفي رواية عنه قال: (تبّت)، ثم (التكوير)، ثم (سبح)، ثم (ألم نشرح)، ثم (العصر) ثم (الفجر) ثم (الضحى) (10).
ومعرفة أول ما نزل وترتيب نزول السور يعطي كذلك تصورا واضحا عن المنهج
__________
(1) سورة البقرة: آية (190). وينظر الأثر في تفسير الطبري (3/ 561) 3089، وتفسير البغوي (1/ 161).
(2) أحكام القرآن للجصاص (1/ 257)، وزاد المسير (1/ 197)، وفتح القدير (1/ 191).
(3) سورة التوبة: آية (41).
(4) تفسير الطبري (14/ 269) 16757، 16758، وزاد المسير (3/ 389).
(5) سورة آل عمران: آية (138).
(6) الإتقان (1/ 16)، وفتح القدير (1/ 387).
(7) زاد المسير (1/ 20)، والدر المنثور (1/ 46)، وفتح القدير (1/ 27).
(8) فتح الباري (8/ 160).
(9) أنساب الأشراف (108)، والكشاف (4/ 270)، والمصنف لابن أبي شيبة (1/ 541)، وفتح الباري (10/ 343).
(10) الفهرست (36)، ومن الغريب أن ابن النديم لم يذكر سورة العلق في أوائل ما نزل.(2/1053)
الدعوي الذي نزل به القرآن الكريم، وفي ذلك تقول أمنّا عائشة رضي الله عنها: إنه نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا، لقد نزلت بمكة وإني لجارية ألعب {وَالسََّاعَةُ أَدْهى ََ وَأَمَرُّ} (1).
وأما آخر ما نزل: فقد وقع فيه اختلاف كثير بين الصحابة لعل سببه أن كل واحد ذكر آخر آية سمعها، أو آخر ما كتب من الآيات، أو السور، ونحو ذلك.
وتبعا لذلك اختلف التابعون، فقال بعضهم: آخر آية نزلت مطلقا هي قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ} (2).
جاء هذا عن سعيد بن جبير (3)، والسدي (4)، وأسنده عكرمة عن ابن عباس (5).
وعن سعيد بن المسيب أنه بلغه: أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين (6)، وقيل:
آخر ما نزل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (7)، قال السدي: هذا نزل يوم عرفة فلم ينزل
__________
(1) سورة القمر: آية (46). والحديث رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، ينظر الفتح (9/ 38) 4993، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (7/ 145) وزاد في آخره (على محمد صلى الله عليه وسلم)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (220).
(2) سورة البقرة: آية (281).
(3) زاد المسير (1/ 6)، والإتقان (1/ 27)، والدر (1/ 370).
(4) تفسير الطبري (6/ 41) 6316، 6414، والمصنف لابن أبي شيبة (10/ 540).
(5) دلائل النبوة (7/ 137)، والمعجم الكبير للطبراني (11/ 371)، والدر المنثور (1/ 369 370)، والزيادة والإحسان (1/ 242) النوع العاشر، تحقيق محمد صفا.
(6) العلل لابن أبي حاتم (2/ 86)، وتفسير الطبري (6/ 41) 6316.
(7) سورة المائدة: آية (3).(2/1054)
بعدها حرام، ولا حلال، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات (1).
ولعل المراد به معظم الفرائض، وإلا فآيات الدين، والربا، والكلالة، مما نزل بالمدينة بعد ذلك، وهي في الأحكام (2).
وقيل: آخر ما نزل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (3).
جاء هذا عن السدي أيضا، ولعله أراد آخر ما نزل من سورة براءة.
وعن الحسن: إن أحدث القرآن عهدا بالله وفي لفظ بالسماء هاتان الآيتان:
{لَقَدْ جََاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (4) إلى آخر السورة (5).
وجاء عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللََّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلََالَةِ} (6)، وقد يكون هذا باعتبار ما بلغه أو آخر آيات الميراث.
وأما آخر السور التي نزلت: فقد جاء عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة نزلت من القرآن، نزلت جميعا قلت: نعم {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ} (7) قال:
صدقت (8).
__________
(1) تفسير الطبري (9/ 518)، وتفسير القرطبي (3/ 2058).
(2) الإتقان (1/ 106).
(3) سورة التوبة: آية (129).
(4) ينظر البرهان (1/ 209).
(5) سورة التوبة: آية (128، 129).
(6) سورة النساء: آية (176)، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفرائض، باب آخر آية أنزلت آية الكلالة (3/ 1236).
(7) سورة النصر: آية (1).
(8) صحيح مسلم، كتاب التفسير (4/ 2319) 3024، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 369)(2/1055)
قال الزرقاني: تستطيع أن تحمل هذا الخبر على أن هذه السورة آخر ما نزل، وأنها مشعرة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنها آخر ما نزل من السور، يدل عليه رواية ابن عباس (1).
وجاء عن عطاء أنها (المؤمنون) (2).
وقيل: بل آخر ما نزل (ويل للمطففين) جاء ذلك عن مجاهد (3)، ويحمل أن هذا على آخر ما نزل في مكة.
وموضوع آخر ما نزل يدلنا أيضا على معرفة التدرج في التشريع، ومعرفة الناسخ والمنسوخ كما سيأتي بيانه إن شاء الله في مبحث الناسخ والمنسوخ (4).
5 - معرفة المكي والمدني:
معرفة المكي والمدني من الفروع التي عني بها التابعون، ولم يأت عليها مزيد بحث، أو بيان لمن جاء بعدهم غالبا، بل صار المفسرون يتناقلون هذا العلم رواية عن هؤلاء الأعلام من التابعين خاصة، وإن لم تكن بعض ضوابطه قد تحددت معالمها في هذا العصر، كضوابط التعريف والسياق، إلا أن هذا لا يمنع أن من قام بتحديدها ممن جاء بعدهم قد استفاد من أقوالهم في ذلك.
وعند الحديث على المكي والمدني، لا بد أن نعرف أنه لا طريق لمعرفة المكي والمدني إلا بما ورد من روايات إذ لا مجال للعقل في تحديده، ولا دخل له في ذلك، ولذا فإننا نجد أن الاتفاق على أسس هذه الأمور هو الأمر السائد عند التابعين، والاختلاف فيه
__________
10736، ودلائل النبوة للبيهقي (7/ 134).
(1) مناهل العرفان (1/ 93).
(2) البرهان (1/ 194).
(3) المرجع السابق (1/ 194).
(4) ينظر ص (1081).(2/1056)
عندهم قليل إذا ما قيس بالكم الكبير المتفق عليه (1).
وباستعراض أقوال التابعين في ذلك، نجد أن المدرسة البصرية أكثر من روي عنها الكلام في هذا الفرع، وأخص منها قتادة، ثم الحسن، ثم جابر بن زيد.
أما قتادة فلغلبة الصبغة الروائية على تفسيره لكونه من الحفاظ، صار من أكثرهم عناية به.
وأما الحسن فلأن هذا العلم يعرف به التدرج التشريعي، والوعظ المتفق مع منهج الحسن رحمه الله، ويليهما في ذلك عكرمة، وسبب تقدمه في ذلك معرفته الواسعة بنوع أسباب النزول الذي مكنه من التقدم في معرفة المكي، والمدني (2).
ويلاحظ في المروي عن قتادة أنه ربما استثنى بعض آيات من السورة فيعطيها حكما غير حكم السورة، فيقول مثلا: السورة مدنية إلا آية كذا وكذا، أو بالعكس (3).
وأما تحديد المكي والمدني:
فقد اختلف المنقول عن التابعين في ذلك على أقوال:
1 - النظر باعتبار حال المخاطبين بالآيات:
فما كان خطابا لأهل المدينة فهو مدني، وما كان خطابا لأهل مكة فهو مكي، واستدلوا بالخطاب ب (يا أيها الناس)، و (يا بني آدم) على الخطاب المكي، وب (يا أيها الذين آمنوا) على الخطاب المدني، فقد جاء عن علقمة والحسن أنهما قالا: كل شيء في
__________
(1) ظهر لي أن الخلاف بينهم روي في (12) سورة، كما سيأتي تفصيله في آخر هذا المبحث.
(2) بلغ المنقول عن قتادة فيما اطلعت عليه (40) نقلا، وعن الحسن (34) نقلا، وعن عكرمة (26) نقلا، في حين كان المروي عن مجاهد (19) نقلا، وعن عطاء (14) نقلا، وليس هناك كبير روايات عن غير هؤلاء، فلم أجد عن ابن جبير مثلا إلا روايتين فقط.
(3) ظهر هذا في (15) نقلا عنه، من أصل (40) نقلا، وقد سبق تفصيل ذلك في ترجمته ص (277).(2/1057)
القرآن: «يا أيها الناس» فإنه مكي، وما كان «يا أيها الذين آمنوا» فبالمدينة (1).
وعن إبراهيم قال: كل شيء في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) أنزل بالمدينة، وكل شيء في القرآن (يا أيها الناس) أنزل بمكة (2).
وعن علقمة قال: كل ما نزل فيه: (يا أيها الناس)، فهو مكي، وما نزل فيه (يا أيها الذين آمنوا) فمدني (3).
وهذا في الأصل منقول عن ابن مسعود رضي الله عنه فقد قال: قرأنا المفصل بمكة حججا ليس فيه (يا أيها الذين ءامنوا) (4).
قال ابن عطية، وغيره: هو في (يا أيها الذين ءامنوا) صحيح، وأما (يا أيها الناس) فقد يأتي في المدني (5)، وأيضا فهذا غير مضطرد.
فقد استدرك العلماء على ذلك سورة النساء فهي مدنية بالاتفاق، وأولها: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} (6)، وسورة الحج فهي مكية وفيها: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (7)، وسورة البقرة مدنية وفيها {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (8) وفيها
__________
(1) فضائل القرآن لابن الضريس (79)، وفضائل القرآن لأبي عبيد (1/ 222)، والمصنف لابن أبي شيبة (1/ 189)، فضائل القرآن لابن كثير (7)، والدر المنثور (1/ 84)، والتفسير الكبير للرازي (2/ 82)، والبرهان (1/ 191).
(2) المصنف لابن أبي شيبة (10/ 522) 10191وبنحوه جاء، عن عكرمة، وعروة، ينظر المصنف الآثار 10193، 10196.
(3) أورده الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف، وعزاه لابن أبي شيبة، والواحدي في أسباب النزول، ينظر تخريج أحاديث وآثار الكشاف (1/ 49).
(4) مستدرك الحاكم (2/ 224)، والمصنف لابن أبي شيبة (1/ 522) 10192، وأشار السيوطي في الإتقان إلى ضعفه (1/ 22)، وينظر البرهان (1/ 187).
(5) تفسير ابن عطية (4/ 5)، والإتقان (1/ 22).
(6) سورة النساء: آية (1).
(7) سورة الحج: آية (77)، وأورده ابن العربي في أحكام القرآن (2/ 523)، وينظر الزيادة والإحسان (1/ 279) النوع الخامس عشر، تحقيق محمد صفا.
(8) سورة البقرة: آية (21).(2/1058)
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ كُلُوا مِمََّا فِي الْأَرْضِ حَلََالًا طَيِّباً} (1)، ولذا فالأقرب حمله على الأمر الأغلبي لا الاستيعاب (2)، وبهذا لا يمكن الجزم بهذا الضابط لتحديد المكي من المدني.
2 - النظر باعتبار مكان النزول:
فالمكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة.
وهذا هو الغالب على تطبيقاتهم للمكي والمدني، ولذا فما نزل في السفر فإنهم يحددونه كأنه قسم مستقل.
فعن قتادة قال: نزلت سورة القصص بين مكة والمدينة (3).
وفي تحديدهم لسورة محمد صلى الله عليه وسلم، جاء عن قتادة أنه قال عنها: مدنية إلا آية منها نزلت بعد حجة الوداع حين خرج من مكة (4).
وفي سورة المطففين، جاء عن جابر بن زيد أنها نزلت بين مكة والمدينة (5).
3 - النظر باعتبار زمان النزول:
فما كان قبل الهجرة فهو مكي وإلا فهو مدني، وقد يرى البعض أن هذا الاصطلاح لم يكن من لدن التابعين وإنما جاء بعدهم، لكن ذهب آخرون إلى أن هذا الضابط إنما عرف عن التابعين (6).
ويدل عليه أنهم عدّوا عدة سور من السور التي نزلت بعد الهجرة في غير المدينة
__________
(1) سورة البقرة: آية (168).
(2) الإتقان (1/ 23).
(3) فتح القدير (4/ 157).
(4) فتح القدير (5/ 51).
(5) زاد المسير (9/ 51)، تفسير القرطبي (19/ 250)، وفتح القدير (5/ 397)، ومصاعد النظر (2/ 485).
(6) التبيان في علوم القرآن (37).(2/1059)
أنها مدنية، ومن ذلك سور: براءة، والفتح، والمنافقون، فقد عدها الحسن وعكرمة مدنية (1)، ولم أعثر على ما يخالف ذلك عنهما (2).
وعن عبد الله بن عوف قال: ذكروا عند الشعبي قوله: {وَشَهِدَ شََاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ} (3) فقيل: عبد الله بن سلام، فقال: كيف يكون ابن سلام، وهذه السورة مكية (4).
ومع ذلك فقد يكون حكمهم بأنها مدنية من باب الأغلب، وعليه فلا يمكن الجزم بأن هذا الاصطلاح درج عليه التابعون.
فوائد معرفة المكي والمدني:
لقد درج المصنفون في كتب علوم القرآن، وأصول التفسير على ذكر فائدة معرفة الناسخ والمنسوخ، فائدة مأخوذة من معرفة المكي، والمدني، وربما اقتصروا على ذلك (5).
وقد سبق الإشارة إلى فائدة ثانية، وهي المنهج الدعوي بمعرفة حال المخاطبين، والتدرج في دعوتهم، غير ما يمكن استنباطه من حكم التدرج في التشريع.
وقد تبين لي فائدة ثالثة من خلال المطالعة في المنقول عن التابعين في هذا الباب، ألا وهي: الترجيح بين الأقوال.
فمثلا جاء عن أبي بشر أنه قال لسعيد بن جبير، في قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ}
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي (7/ 142، 143).
(2) زاد المسير (3/ 316).
(3) سورة الأحقاف: آية (10).
(4) المصنف لابن أبي شيبة (10/ 523) 10197.
(5) البرهان (1/ 187)، والإتقان (1/ 11)، والزيادة والإحسان (1/ 262) النوع الرابع عشر، تحقيق محمد صفا.(2/1060)
{الْكِتََابِ} (1): أهو عبد الله بن سلام، ولما كان سعيد يرى أن هذه السورة مكية (2)، استدل بذلك على عدم صحة هذا القول، فقال لأبي بشر: هذه السورة مكية فكيف يكون عبد الله (3)، وسبق نحوه عن الشعبي في آية الأحقاف قريبا.
وقد اهتم التابعون كذلك بوضع بعض القواعد التي يمكن من خلالها معرفة المكي من المدني، فمن ذلك ما جاء عن عروة قال: كل شيء نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون، وما يثبت به الرسول، فإنما نزل بمكة، وما كان من الفرائض والسنن نزل بالمدينة (4).
وعنه أيضا قال: إني لأعلم ما نزل من القرآن بمكة، وما نزل بالمدينة، فأما ما نزل بمكة فضرب الأمثال، وذكر القرون، وأما ما نزل بالمدينة فالفرائض، والحدود، والجهاد (5).
وقد تلقف العلماء هذه الضوابط والقواعد، وأعملوا النظر لاستخراج مثيلاتها.
قال الجعبري: لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي وقياسي، فالسماعي: ما وصل إلينا نزوله بأحدهما، والقياسي: كل سورة فيها (يا أيها الناس) فقط، أو كلا، أو أولها حرف تهجّ سوى الزهراوين، والرعد، وفيها قصة آدم وإبليس سوى البقرة فهي مكية، وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية (6)، اه، وقال مكي: كل سورة فيها ذكر المنافقين فمدنية، وزاد غيره
__________
(1) سورة الرعد: آية (43).
(2) وقع الخلاف فيها، فذهب ابن عباس، وجابر بن زيد إلى أنها مدنية، وذهب الباقون ومنهم الحسن، وابن جبير، وعطاء، وقتادة، إلى أنها مكية، ينظر زاد المسير (4/ 299).
(3) تفسير الطبري (16/ 505) 20555، والدر المنثور (4/ 669)، وفتح القدير (3/ 92).
(4) دلائل النبوة (7/ 144)، والإتقان (1/ 23)، ومصاعد النظر (1/ 161).
(5) المصنف لابن أبي شيبة (10/ 523) 10198.
(6) الإتقان (1/ 23)، والزيادة والإحسان (1/ 280)، النوع الخامس عشر تحقيق محمد صفا(2/1061)
سوى العنكبوت (1).
وقيل أيضا: كل سورة فيها سجدة فهي مكية (2).
وقد يكون الترجيح بين كون هذه الآية مكية، أو مدنية بمرجح خارجي من معرفة الزمان الذي فرض فيه الصلاة والزكاة مثلا.
فعن الحسن في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (3)، قال عنها: مدنية لأن الصلوات نزلت بالمدينة (4)، وفي سورة لقمان المكية استثنى الحسن أيضا قوله تعالى:
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلََاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكََاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (5)، فقال عنها:
مدنية لأن الصلاة والزكاة مدنيتان (6).
المكي والمدني من السور:
أحاول هنا أن أستعرض على سبيل الاختصار والإجمال، ما ورد في ذلك عن التابعين. فقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن عكرمة والحسن قالا: أنزل الله من القرآن بمكة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، {ن، وَالْقَلَمِ}، والمزمل، والمدثر، و {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ}، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ}، والفجر، والضحى، والانشراح {أَلَمْ نَشْرَحْ}، والعصر، والعاديات، والكوثر، و {أَلْهََاكُمُ}، و {أَرَأَيْتَ}
__________
ومصاعد النظر (1/ 161).
(1) الإتقان (1/ 23).
(2) الإتقان (1/ 23).
(3) سورة (ق): آية (39)، وسورة غافر: آية (55)، وسورة النجم: آية (48).
(4) فتح القدير (4/ 479)، زاد المسير (8/ 205).
(5) سورة لقمان: آية (4).
(6) فتح القدير (4/ 233)، وزاد المسير (6/ 314).
(7) دلائل النبوة للبيهقي (7/ 142، 143)، والإتقان (1/ 40، 41).(2/1062)
و {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ}، و {بِأَصْحََابِ الْفِيلِ}، والفلق، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ}، و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} والنجم، و {عَبَسَ وَتَوَلََّى}، و {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ}، و {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا}، و {وَالسَّمََاءِ ذََاتِ الْبُرُوجِ}،
و {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، و {لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ}، والقارعة، و {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ}، والهمزة، والمرسلات، و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، و {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ}، و {وَالسَّمََاءِ وَالطََّارِقِ}، و {اقْتَرَبَتِ السََّاعَةُ}، و {ص وَالْقُرْآنِ}، والجن، ويس، والفرقان، والملائكة، طه، والواقعة، طسم، طس وطسم، وبني إسرائيل، وهود، ويوسف، وأصحاب الحجر، والأنعام، والصافات، ولقمان، وسبأ، والزّمر، وحم المؤمن، وحم الدخان، وحم السجدة، وحمعسق، وحم الزخرف، والجاثية، والأحقاف، والذاريات، والغاشية، وأصحاب الكهف، والنحل، ونوح، وإبراهيم، والأنبياء، والمؤمنون، والم السجدة، والطور، و {تَبََارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، والحاقة، و {سَأَلَ سََائِلٌ}، و {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ}،
والنازعات، و {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ}، و {إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ}، والروم، والعنكبوت (1).
وما نزل بالمدينة:
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}، والبقرة، وآل عمران، والأنفال، والأحزاب، والمائدة، والممتحنة، والنساء، و {إِذََا زُلْزِلَتِ}، والحديد، ومحمد، والرعد، والرحمن، و {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ}، والطلاق، و {لَمْ يَكُنِ}، والحشر، و {الْحُجُرََاتِ}، و {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ}، والصف، والجمعة، والتغابن، والفتح، وبراءة.
__________
(1) فضائل القرآن لابن الضريس (33) 17، وجمال القراء (1/ 7)، ولطائف الإشارات (1/ 28)، وفنون الأفنان (338)، وبصائر ذوي التمييز (1/ 98).(2/1063)
وعن قتادة قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، وبراءة، والرعد، والنحل، والحجر، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد إلى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ} (1) عشر متواليات، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله والفتح، قال: هذا مدني وسائر القرآن مكي (2).
وقد ذكر الزهري في كتابه الناسخ والمنسوخ المكي والمدني مرتبا لجميع سور المصحف حسب ترتيب النزول، مبتدئا بالعلق ومنتهيا بالمطففين فيما أنزل بمكة وعدته (85) سورة.
ثم ذكر المدني من السور فابتدأ بالفاتحة فالبقرة، وانتهى بالتوبة، وعدتها (29) سورة، ثم قال: وآخر ما نزلت هذه الآية قوله تعالى: {لَقَدْ جََاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مََا عَنِتُّمْ} (3) الآيتين.
وأما على سبيل التفصيل، فقد راجعت عدة تفاسير كابن عطية والبغوي، وابن كثير، وابن أبي حاتم، فلم أرهم يهتمون كثيرا بتحديد المكي والمدني، ورأيت القرطبي، وابن الجوزي، والشوكاني، يهتمون بذلك أكثر منهم، ولا سيما في نقلهم لاختلاف التابعين، وفيما يلي بيان السور المختلف فيها ومدى عناية المفسرين بنقل أقوالهم في ذلك (4):
سورة الفاتحة: اختلفوا فقيل أنها مكية قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وأبو العالية، وقتادة.
__________
(1) سورة التحريم: آية (1).
(2) الناسخ والمنسوخ لقتادة (52)، والبرهان (1/ 193)، والإتقان (1/ 28)، ودلائل النبوة (7/ 143)، والزيادة والإحسان، النوع الرابع عشر، (1/ 265) تحقيق محمد صفا.
(3) سورة البقرة: آية (128، 129)، وينظر الأثر في كتاب الناسخ والمنسوخ للزهري ص (37 42).
(4) وغالبه راجعت فيه زاد المسير.(2/1064)
وقال أبو هريرة، ومجاهد، وعطاء الخرساني: إنها مدنية (1).
سورة البقرة: مدنية، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وقتادة (2).
سورة النساء: مكية، قاله الحسن، ومجاهد، وجابر بن زيد، وقتادة (3).
سورة المائدة: قال ابن عباس: إنها مدنية، وتبعه على ذلك قتادة (4).
سورة الأنعام: روى مجاهد، عن ابن عباس: أنها مكية، وهو قول الحسن، وقتادة، وجابر بن زيد.
وروى أبو صالح، عن ابن عباس أنها مكية، نزلت جملة واحدة ونزلت ليلا، وكذبوها من ليلتهم غير ست آيات {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} (5).
سورة الأعراف: روى أبو صالح، عن ابن عباس أنها من المكي، وهو المروي عن الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، وجابر بن زيد، وقتادة، وروي عن ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا خمس آيات، أولها قوله تعالى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} (6).
سورة يونس: مكية، وعن قتادة فيها من المدني قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ}
__________
(1) زاد المسير (1/ 10)، وتفسير الخازن (1/ 15)، وجمال القراء (1/ 11).
(2) زاد المسير (1/ 19).
(3) زاد المسير (2/ 1)، والمحرر الوجيز (4/ 5).
(4) زاد المسير (2/ 267)، وفتح القدير (2/ 3).
(5) زاد المسير (3/ 1)، والزيادة والإحسان (1/ 283) النوع الخامس عشر، تحقيق محمد صفا، والآيات من سورة الأنعام (157151).
(6) زاد المسير (3/ 164)، وفتح القدير (3/ 187)، ومصاعد النظر (2/ 128)، والآيات من سورة الأعراف (168163).(2/1065)
{مَنْ لََا يُؤْمِنُ بِهِ} (1).
سورة هود: مكية، واستثنى قتادة قوله: {وَأَقِمِ الصَّلََاةَ طَرَفَيِ النَّهََارِ} (2).
سورة الرعد: اختلفوا فقيل: إنها مكية، وهو مروي عن الحسن، وابن جبير، وقتادة، وابن أبي طلحة، عن ابن عباس.
وقيل مدنية: وهو مروي عن عطاء، وابن عباس، وبه قال جابر بن زيد (3).
سورة النحل: مكية، قاله ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وعطاء، وخالف جابر ابن زيد فجعل من أولها أربعين آية مكية، وبقيتها نزلت بالمدينة (4).
سورة الإسراء: مكية، واستثنى ابن عباس ثمان آيات، وبه قال قتادة (5).
سورة الكهف: مكية في رواية عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، وروي عن ابن عباس استثناء قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدََاةِ وَالْعَشِيِّ} (6).
سورة الفرقان: مكية، قال بذلك ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة،
__________
(1) سورة يونس: آية (40)، وينظر زاد المسير (4/ 3)، وجمال القراء (1/ 12)، ومصاعد النظر (2/ 162)، والبحر (5/ 121).
(2) سورة هود: آية (114)، وينظر زاد المسير (4/ 72)، ومصاعد النظر (2/ 170)، والبحر (5/ 200).
(3) زاد المسير (4/ 299)، ودلائل النبوة لأبي نعيم (1/ 66)، ومصاعد النظر (2/ 189).
(4) زاد المسير (4/ 426)، وفتح القدير (3/ 146)، والبرهان (1/ 200)، ومصاعد النظر (2/ 209).
(5) زاد المسير (5/ 69)، وفتح القدير (3/ 249)، وجمال القراء (1/ 13)، ومصاعد النظر (2/ 282).
(6) سورة الكهف: آية (28)، وينظر زاد المسير (5/)، ومصاعد النظر (2/ 240).(2/1066)
وقتادة، وحكي عن ابن عباس وقتادة استثناء ثلاث آيات (1).
سورة الشعراء: مكية، واستثنى ابن عباس، وقتادة أربع آيات (2).
سورة القصص: مكية، قال به الحسن، وعطاء، وعكرمة، واستثنى ابن عباس منها آية (3).
سورة العنكبوت: مكية، وبه قال الحسن، وقتادة، وعطاء، وجابر بن زيد.
وقيل مدنية: جاء في رواية عن ابن عباس، وقتادة (4).
سورة لقمان: مكية، قاله عطاء، والحسن، واستثنى قتادة منها قوله سبحانه:
{وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ} (5).
سورة الزمر: مكية، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وجابر بن زيد.
واستثنى ابن عباس ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة (6).
سورة المؤمنون: مكية، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة (7).
وحكي عن ابن عباس وقتادة استثناء آيتين منها نزلتا بالمدينة (8).
__________
(1) زاد المسير (6/ 271)، والبحر المحيط (6/ 480).
(2) زاد المسير (6/ 114)، وجمال القراء (1/ 151)، ومصاعد النظر (2/ 324).
(3) زاد المسير (6/ 200)، وفتح القدير (4/ 179)، وجمال القراء (1/ 15).
(4) زاد المسير (6/ 253)، وفتح القدير (4/ 191)، وجمال القراء (1/ 15).
(5) زاد المسير (6/ 314)، وفتح القدير (4/ 233)، وجمال القراء (1/ 15)، والبحر المحيط (7/ 183).
(6) زاد المسير (7/ 161)، وفتح القدير (4/ 358)، والمعجم الكبير للطبراني (11/ 197)، ومصاعد النظر (2/ 421)، وجمال القراء (1/ 16).
(7) فتح القدير (4/ 147)، وجمال القراء (1/ 16)، وزاد المسير (7/ 204).
(8) زاد المسير (7/ 208)، وفتح القدير (4/ 479).(2/1067)
سورة الشورى: مكية، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وعطاء، وجابر بن زيد.
واستثنى ابن عباس وقتادة أربع آيات منها أنزلت بالمدينة (1).
سورة الجاثية: مكية، وبه قال ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وجابر، ومجاهد، وقتادة، واستثنى ابن عباس وقتادة آية منها (2).
سورة محمد: مدنية، قاله الجمهور، واستثنى ابن عباس وقتادة آية نزلت عليه بعد حجة الوداع.
مكية، قاله الضحاك، والسدي (3).
سورة ق: مكية، وبه قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، وقتادة، وعامر، وحكي عن ابن عباس وقتادة الاستثناء (4).
سورة النجم: مكية، وروي الاستثناء عن ابن عباس، وقتادة (5).
سورة الرحمن: مكية، وبه قال ابن عباس، والحسن، وعطاء.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن مسعود، ورواه العوفي عن ابن عباس (6).
__________
(1) زاد المسير (7/ 271)، وفتح القدير (4/ 537)، ومصاعد النظر (2/ 449)، والبحر المحيط (7/ 507).
(2) زاد المسير (7/ 354)، فتح القدير (5/ 3)، وجمال القراء (1/ 17)، والزيادة والإحسان (1/ 304) النوع الخامس عشر، تحقيق محمد صفا.
(3) زاد المسير (7/ 395)، فتح القدير (5/ 28).
وهذا يؤكد أن الضابط الزمني بالهجرة لم يكن مشهورا عندهم.
(4) زاد المسير (8/ 30)، وجمال القراء (11/ 17)، وفتح القدير (5/ 70).
(5) زاد المسير (8/ 62)، وفتح القدير (5/ 103)، وجمال القراء (1/ 17).
(6) زاد المسير (8/ 105)، وفتح القدير (5/ 130)، وجمال القراء (1/ 18).(2/1068)
سورة الواقعة: مكية، وبه قال ابن عباس، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، وجابر، وجاء عن ابن عباس استثناء آية منها (1).
سورة الحديد: مدنية، وبه قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وجابر ابن زيد، وقتادة.
وقيل: مكية، وبه قال عطاء بن السائب (2).
سورة المجادلة: مدنية، وبه قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، واستثنى ابن السائب آية.
مكية إلا عشر آيات فمدنية، وبه قال عطاء (3).
سورة الصف: مدنية، وبه قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة.
وقيل: مكية، وبه قال عطاء بن يسار (4).
سورة التغابن: مدنية، وبه قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة.
وقيل: مكية، وبه قال عطاء بن يسار (5).
سورة التحريم: مدنية، وخالف قتادة، وقال: إن المدني منها إلى رأس العشر الآيات، والباقي مكي (6).
__________
(1) زاد المسير (8/ 130)، وفتح القدير (5/ 146)، ومصاعد النظر (3/ 50)، وجمال القراء (1/ 18).
(2) زاد المسير (8/ 160)، والإتقان (1/ 46).
(3) زاد المسير (8/ 180)، وفتح القدير (5/ 181)، ومصاعد النظر (3/ 67).
(4) زاد المسير (8/ 249)، وفتح القدير (5/ 218).
(5) زاد المسير (8/ 279)، وفتح القدير (5/ 234).
(6) الزيادة والإحسان (1/ 307)، النوع الخامس عشر، تحقيق محمد صفا.(2/1069)
سورة الدهر: مدنية، وبه قال مجاهد، وقتادة، والجمهور، والحسن، وعكرمة، واستثنى الحسن، وعكرمة آية منها.
وقيل: مكية، حكي عن ابن عباس (1).
سورة المرسلات: مكية، واستثنى ابن عباس، وقتادة، آية منها (2).
سورة المطففين: مكية، وبه قال ابن مسعود.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وقتادة، واستثنى ابن عباس، وقتادة ثمان آيات، وقال جابر بن زيد: إنها نزلت بين مكة والمدينة (3).
سورة التين: مكية، وبه قال ابن عباس في رواية، والحسن، وعطاء.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن عباس، وقتادة (4).
سورة الزلزلة: مكية في رواية عن ابن عباس، وابن مسعود، وعطاء، وجابر بن زيد.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن عباس، وقتادة، والجمهور (5).
سورة العاديات: مكية، وبه قال ابن مسعود، وعطاء، وعكرمة، وجابر بن زيد.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن عباس، وأنس، وقتادة (6).
__________
(1) زاد المسير (8/ 427)، ومصاعد النظر (3/ 143)، وتفسير الماوردي (4/ 365)، مقدمة تفسير عين المعاني في تفسير الكتاب العزيز (1/ 16).
(2) زاد المسير (8/ 443)، وفتح القدير (5/ 355).
(3) زاد المسير (9/ 51)، وفتح القدير (5/ 397)، وجمال القراء (1/ 19).
(4) زاد المسير (9/ 168)، وفتح القدير (5/ 464).
(5) زاد المسير (9/ 201)، وفتح القدير (5/ 478)، ومصاعد النظر (3/ 230).
(6) زاد المسير (9/ 206)، وفتح القدير (5/ 481)، وجمال القراء (1/ 19)، ومصاعد النظر (3/ 237).(2/1070)
سورة العصر مكية، وبه قال الجمهور، وابن عباس وابن الزبير.
وقيل مدنية، وبه قال مجاهد، وقتادة (1).
سورة الماعون: مكية، قاله الجمهور، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، وابن عباس في رواية.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن عباس، وقتادة (2).
سورة الكوثر: مكية، وبه قال ابن عباس، والجمهور.
وقيل: مدنية، وبه قال الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة (3).
سورة الكافرون: مكية، وبه قال ابن مسعود، والحسن.
وقيل: مدنية، قال به قتادة (4).
سورة الإخلاص: مكية، وبه قال ابن مسعود، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر.
وقيل: مدنية، وبه قال ابن عباس، وقتادة، والسدي (5).
سورة العلق: مكية في رواية عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر بن زيد.
وقيل: مدنية، في رواية عن ابن عباس، وبه قال قتادة (6).
__________
(1) زاد المسير (9/ 224)، وفتح القدير (5/ 491).
(2) زاد المسير (9/ 243)، وفتح القدير (5/ 499)، وجمال القراء (1/ 19)، ومصاعد النظر (3/ 252).
(3) زاد المسير (9/ 247)، ومصاعد النظر (3/ 255).
(4) المرجع السابق (9/ 252)، وفتح القدير (5/ 505).
(5) زاد المسير (9/ 264)، وجمال القراء (1/ 19)، ومصاعد النظر (3/ 279).
(6) زاد المسير (9/ 270)، ومصاعد النظر (3/ 298).(2/1071)
سورة الناس: مكية في رواية عن ابن عباس.
وقيل: مدنية، في رواية أخرى عنه (1).
ومن مجموع الآيات تبين لي أن أكثرهم عناية بذلك قتادة بدليل كثرة المروي عنه، مع ما امتاز به من الدقة في هذا الباب، يدل عليه كثرة تفصيله في الآيات، وبيان الآيات المستثناة من السور، كما يعد جابر بن زيد أكثرهم مخالفة للجمهور، وسعيد بن جبير أقلهم رواية في ذلك (2).
6 - المحكم والمتشابه:
قال الله تعالى: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً مَثََانِيَ} (3)، فوصف القرآن كله بأنه متشابه، وقال تعالى: {كِتََابٌ أُحْكِمَتْ آيََاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} (4) فوصف القرآن كله بأنه محكم، وقال سبحانه: {مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتََابِ وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} (5)، فوصف القرآن بأن منه المتشابه، ومنه المحكم، وليس بينها تعارض، فالمتشابه الذي يعم القرآن كله هو أن آياته يشبه بعضها بعضا في القوة والإحكام، والبيان، والفصاحة، والتحدي بها، وإجزائها في القراءة في الصلاة، وكونها هدى وشفاء، ونحو ذلك، فكلها متشابهة بهذا الاعتبار، والإحكام في القرآن كله أن آياته كلها معجزة، ولا ينقض بعضها بعضا، وليس بينها تعارض، وهذا لا يرد عليه النسخ لأن الآيات المنسوخة محكمة من وجه الإعجاز، والفصاحة، ونحو ذلك (6).
__________
(1) زاد المسير (9/ 277)، وفتح القدير (5/ 522).
(2) بلغ مجموع ما جاء عن قتادة (54) رواية، منها (14) قال فيها بالاستثناء، وبلغت عن الحسن (34)، وعن عكرمة (26)، وعن جابر بن زيد (20). وعن مجاهد (19)، وعن عطاء (14) حين كانت المرويات عن سعيد بن جبير بلغت روايتين فقط.
(3) سورة الزمر: آية (23).
(4) سورة هود: آية (1).
(5) سورة آل عمران: آية (7).
(6) الإتقان (2/ 3)، وتفسير المنار (3/ 163)، والزيادة والإحسان (3/ 702) النوع (96)(2/1072)
وأما كون بعض الآيات محكما، والبعض الآخر متشابها، فهذا ليس بمعنى التشابه، أو الإحكام الذي يعم كل منهما القرآن كله، بل له معنى آخر.
وهنا وقع الاختلاف والاشتباه في المراد بالإحكام والتشابه الذي لا يعم كل آيات القرآن.
وقد اختلف العلماء حول معنى هذا الإحكام، والتشابه الخاص، وتنوعت عبارات المفسرين في ذلك تنوعا واضحا، فقيل المحكم: ما عرف المراد منه، إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور (1).
وقيل المحكم: ما وضح معناه، والمتشابه نقيضه، وقيل: المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه ما احتمل أوجها، وقيل: المحكم ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان، وقيل المحكم: ما استقل بنفسه، والمتشابه ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره، وقيل المحكم: ما تأويله تنزيله، والمتشابه: ما لا يدرك إلا بالتأويل، وقيل: المحكم: ما لم تكرر ألفاظه، ومقابله المتشابه، وقيل المحكم: الفرائض، والوعد، والوعيد.
والمتشابه: القصص، والأمثال (2).
وبعض هذه الأقوال مأخوذ عن السلف، وأما سائرها فمختلف، ولم يقتصر الأمر على هذا الاختلاف فحسب، بل تعداه إلى القول بأن المتشابه لا حيلة لأحد إلى
__________
تحقيق: إبراهيم المحمود.
(1) قال الشعبي في تفسير الحروف المقطعة: إنها من المتشابه نؤمن بظاهرها، ونكل العلم فيها إلى الله عز وجل، ينظر البرهان (1/ 173).
(2) الإتقان (2/ 3).(2/1073)
معرفته، ومعرفة معانيه لأن الله يقول: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ} (1)، على قراءة الوقف على لفظ الجلالة، بل صاروا ينكرون على من قرأ بالوصل {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (2).
قال ابن السمعاني: لم يذهب إلى القول الأول (أي الوصل) إلا شرذمة قليلة، واختاره العتبي، وقال: وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة، لكنه سها في هذه المسألة، قال: ولا غرو فإن لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة (3).
والقول بالوصل الذي بالغ ابن السمعاني في رده هو المروي عن ابن عباس، ومجاهد، وصححه النووي، واستظهره ابن الحاجب، فكيف يعرّض بمن قاله بأنه ليس على مذهب السنة!!، ومن هذا الاختلاف، وذلك التناقض نشأ من يقول: إن في القرآن ما لا يدرك معناه، فحجب القرآن عن هدايته للناس، وصار المتشابه لا يحل لأحد أن يفسره، أو يتكلم في معانيه، بل تعدى ذلك إلى آيات الصفات، فعطلت معانيها، وصار التأويل هو الغالب، واضطرابهم في تأويلها أعظم من اختلافهم في معنى المتشابه (4).
ويوضح لنا محمد رشيد رضا رحمه الله ما وجده في كتب التفسير من الاختلاف فيقول عند تفسير آية آل عمران: اعلم أنه ليس في كتب التفسير المتداولة ما يروي الغليل في هذه المسألة، وما ذكرناه آنفا هو صفوة ما قالوه، وخيره كلام الأستاذ الإمام (5)، وقد رأينا أن نرجع بعد كتابته إلى كلام في المتشابه والتأويل لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، كنا قرأنا بعضه من قبل في تفسيره لسورة الإخلاص، فرجعنا إليه، وقرأناه بإمعان،
__________
(1) سورة آل عمران: آية (7).
(2) سورة آل عمران: آية (7).
(3) الإتقان (2/ 4).
(4) الإتقان (2/ 4)، والزيادة والإحسان (3/ 756) النوع (96)، تحقيق إبراهيم المحمود.
(5) أي محمد عبده رحمه الله.(2/1074)
فإذا هو منتهى التحقيق والعرفان والبيان الذي ليس وراءه بيان، أثبت فيه أنه ليس في القرآن كلام لا يفهم معناه، وأن المتشابه إضافي إذا اشتبه فيه الضعيف لا يشتبه فيه الراسخ، وأن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى هو ما تؤول إليه تلك الآيات في الواقع ككيفية صفات الله تعالى، وكيفية عالم الغيب من الجنة، والنار، وما فيهما، فلا يعلم أحد غيره تعالى كيفية قدرته، وتعلقها بالإيجاد، والإعدام، وكيفية استوائه على العرش، مع أن العرش مخلوق له، وقائم بقدرته، ولا كيفية عذاب أهل النار، ولا نعيم أهل الجنة كما قال تعالى في هؤلاء: {فَلََا تَعْلَمُ نَفْسٌ مََا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (1).
فليست نار الآخرة كنار الدنيا، وإنما هي شيء آخر، وليست ثمرات الجنة، ولبنها وعسلها من جنس المعهود لنا في هذا العالم، وإنما هو شيء آخر يليق بذلك العالم إلى أن قال: إنما غلط المفسرون في تفسير التأويل في الآية لأنهم جعلوه بالمعنى الاصطلاحي، وإن تفسير كلمات القرآن بالمواصفات الاصطلاحية قد كان منشأ غلط يصعب حصره (2).
وهذا الكلام من السيد رشيد رضا سديد، وقامت الأدلة عليه، ويأتي بعضها.
والمقصود هنا بيان المحكم من المتشابه، ثم تقرير أن المتشابه يدرك منه معنى، وأن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله غير هذا المعنى الذي يدرك من المتشابه، وليس المنقول عن السلف، والتابعين مما يخالف هذا.
فقد سئل سعيد بن جبير: ما المحكم قال: المفصل (3).
وأكثر السلف على أن المتشابه هو المنسوخ، وهو المأثور عن ابن عباس (4)، وابن
__________
(1) سورة السجدة: آية (17).
(2) تفسير المنار (3/ 172).
(3) المعرفة (1/ 241، 515).
(4) تفسير الطبري (6/ 174) 65756573.(2/1075)
مسعود (1)، وقتادة (2)، والربيع (3)، والضحاك (4)، والسدي (5).
ومعلوم أن القول بأن هذا هو المتشابه لا ينفي علمنا بمعناه، فإنه من المعلوم قطعا باتفاق المسلمين أن الراسخين يعلمون معنى المنسوخ، وعليه فيكون المتواتر عنهم أن الراسخين يعلمون معنى المتشابه (6).
ونقل عن السلف أيضا في معنى المحكم، والمتشابه، أن المحكم: ما أحكم الله فيه بيان حلاله وحرامه، والمتشابه من الآيات: ما أشبه بعضه بعضا من المعاني، وإن اختلفت ألفاظه. وهذا قول مجاهد (7)، وهو لا يعني أن المتشابه لا يعلمه إلا الله.
وقريب منه المنقول عن السدي أن المحكم هو: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} (8).
قال ابن عباس عنها: أجمعت عليها شرائع الخلق، ولم تنسخ قط في مكة (9)، وقال آخرون: المحكمات ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد، والمتشابه منها ما
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 175) 6576.
(2) تفسير الطبري (6/ 175) 6577، 6578.
(3) المرجع السابق (6/ 176) 6579.
(4) المرجع السابق (6/ 176) 65846580.
(5) المرجع السابق (6/ 186) 6601.
(6) تفسير المنار (3/ 191).
(7) تفسير الطبري (6/ 177) 6585، وقد روى البخاري في صحيحه معلقا تفسير هذه الآية عن مجاهد: منه آيات محكمات، قال مجاهد: الحلال، والحرام {وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} يصدق بعضها بعضا، كقوله تعالى: {وَمََا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفََاسِقِينَ}، وكقوله جل ذكره: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لََا يَعْقِلُونَ}، وكقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زََادَهُمْ هُدىً وَآتََاهُمْ تَقْوََاهُمْ}، وينظر صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب منه آيات محكمات، الفتح (8/ 209)، والبخاري رحمه الله ساق قول مجاهد، ولم يسق قول غيره في هذه الآية.
(8) سورة الأنعام: آية (152)، والأثر أخرجه الطبري في تفسيره (12/ 228) 14161.
(9) تفسير القرطبي (4/ 2567، 2568).(2/1076)
احتمل من التأويل أوجها.
جاء هذا عن محمد بن جعفر بن الزبير (1)، ونقل عن الشافعي، وأحمد (2)، وقال غيرهم: المحكم ما أحكم الله فيه من آي القرآن، وقصص الأمم ورسلهم الذين أرسلوا إليهم مفصلة ببيان ذلك لمحمد وأمته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور، بقصه باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبقصّة باختلاف الألفاظ، واتفاق المعاني، وجاء هذا عن ابن زيد (3).
وقال آخرون: بل المحكم من آي القرآن ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وهو مروي عن جابر بن عبد الله بن رئاب (4)، ورجحه الطبري فقال: وهذا القول الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويل الآية، وذلك أن جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما أنزله عليه بيانا له، ولأمته، وهدى للعالمين، وغير جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجة، ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل
ثم ذكر مثالا للمتشابه، وهو عدد سنين هذه الأمة حتى الآيات، إلى أن قال: فإذا كان المتشابه هو ما وصفنا، فكل ما عداه محكم لأنه لن يخلو من أن يكون محكما بأنه بمعنى واحد لا تأويل له غير تأويل واحد، وقد استغنى بسماعه عن بيان يبينه، أو يكون محكما، وإذا كان ذا وجوه وتأويلات وتصرف في معان كثيرة، فالدلالة على المعنى المراد منه إما من بيان الله تعالى ذكره عنه، أو بيان رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته، ولن يذهب علم ذلك من علماء الأمة لما قد بينا (5).
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 177) 6587.
(2) تفسير المنار (3/ 193).
(3) تفسير الطبري (6/ 178) 6588.
(4) تفسير الطبري (6/ 180)، (1/ 217) 246.
(5) تفسير الطبري (6/ 182180)، والبرهان (2/ 73).(2/1077)
وهذا الذي قاله الطبري جيد، إلا أن المتشابه لا ينحصر في التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه الراسخون، أي في قوله: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ} بالوقف، وهو العاقبة، وما يؤول إليه الأمر، فإنه إذا أريد به التفسير فالراسخون في العلم يعلمونه أيضا، وهي قراءة من وصل وقرأ {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، وبهذا يوفق بين قراءتي الوقف على لفظ الجلالة، والوصل بما بعدها. وهذا ظاهر المنقول عن التابعين، ولهذا قال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم في ماذا أنزلت وماذا عني بها (1)، ولم يستثن الحسن متشابها ولا غيره.
وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره ثلاث مرات أقفه عند كل آية، وأساله عنها.
قال شيخ الإسلام: فهذا ابن عباس حبر الأمة، وهو أحد من كان يقول: لا يعلم تأويله إلا الله، يجيب مجاهدا عن كل آية في القرآن، وهذا هو الذي حمل مجاهدا ومن وافقه كابن قتيبة على ان جعلوا الوقف عند قوله: {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
فجعلوا الراسخين يعلمون التأويل لأن مجاهدا تعلم من ابن عباس تفسير القرآن كله، وبيان معانيه، فظن أن هذا هو التأويل المنفي عن غير الله إلى أن قال: ومجاهد إمام التفسير، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وأما التأويل فشأن آخر، ويبين ذلك أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها، ولا فهمها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه (2).
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/ 284).
(2) مجموع الفتاوى (13/ 284، 285).(2/1078)
وبناء على ما تقدم يمكن القول بأن الراسخين في العلم يعلمون تفسير المحكم، والمتشابه، إلا أنهم لا يعلمون الكيفيات التي لم يحبر بها في المحكم والمتشابه معا، وهو التأويل المنفي علمه عن غير الله (1)، فالتشابه أمر إضافي، فما تشابه على إنسان فلا يتشابه على آخر، أما عاقبة الأخبار والأوامر فلا يعلمها إلا الله (2).
وبهذا يعلم أن آيات الصفات محكمه من جهة معرفة معناها، ومتشابهة من جهة عدم علمنا بكيفيتها، على القول بأن المتشابه هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.
وعلى الرأي الآخر، وهو أن المتشابه يعرفه الراسخون في العلم فتكون آيات الصفات معلومة أيضا من جهة معناها، ولذا فنحن نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه، فنعلمه من وجه الإحكام والمعنى، ولا نعرفه من وجه الكيفية التي لم نخبر بها، وبناء على ما تقدم يتضح الحق في هذه المسألة التي غلطت فيها طوائف كثيرة، والله تعالى أعلم.
* * * __________
(1) وينظر في ذلك أيضا تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية (17/ 429359) من مجموع الفتاوى، وتفسير المنار (3/ 195).
(2) وبعد ذلك لا يضر أن يختار أحد التعريفات السابقة للمحكم والمتشابه التي للسلف، فأكثرها يدور حول أن المحكم ما وضح معناه، والمتشابه بخلافه.(2/1079)
7 - الناسخ والمنسوخ:
من العلوم التي اشتغل التابعون ببيانها الناسخ والمنسوخ، وقد اختلفت أقوالهم في بيان الناسخ من المنسوخ، إلا أن تعريفهم للنسخ كان في الجملة قريبا من بعضه، وربما عبروا عنه مرة بلفظ المحو، وربما بلفظ التبديل، إلا أن أكثر عباراتهم كانت بلفظ النسخ.
فمما جاء عنهم أن النسخ بمعنى المحو ما جاء عن الحسن في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ} (1)، قال: محتها: {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} (2)، وعن مجاهد في قوله: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (3)، قال:
نثبت خطها، ونبدل حكمها (4)، وعليه فيمكن أن نقول: إن تعريف النسخ بالمحو أو الإزالة لحكم شرعي متقدم بآخر متأخر عنه، هو مما ورد عليه كلام التابعين في العمل بالنسخ (5).
قال الحازمي: غير أن المعروف أن النسخ في القرآن الكريم هو إبطال الحكم، مع إثبات الخط (6).
__________
(1) سورة البقرة: آية (284).
(2) سورة البقرة: آية (286)، والأثر أخرجه الطبري (6/ 111) 6474.
(3) سورة البقرة: آية (106).
(4) تفسير الطبري (2/ 2473) 1749، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 322) 1062، والناسخ لأبي عبيد (7) 5.
(5) راجع في تعريف النسخ: الإيضاح لمكي (ص 4947)، والمستصفى للغزالي (108107)، والأحكام للآمدي (2/ 236)، والأحكام لابن حزم (4/ 440)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (29).
(6) الاعتبار للحازمي (7).(2/1080)
اتساع مفهوم النسخ عند التابعين:
مما ينبغي الانتباه إليه أن مفهوم النسخ عند التابعين كان أوسع من مفهومه الذي استقر في أصول الحديث، والفقه، والتفسير، وعلوم القرآن، فإن السلف ربما أطلقوا لفظ النسخ على التخصيص، أو التقييد (1)، بل وبيان ما أبهم أولا أي بعبارة أخرى:
كانوا يرون كل ما أثبت حكما في مسألة جديدا مخالفا ولو من بعض الوجوه لحكم المسألة المتقدم فإنهم يجعلونه نسخا.
قال شيخ الإسلام: والنسخ عندهم اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية على معنى باطل، وإن كان ذلك المعنى لم يرد بها، وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية بل قد لا يفهم منها، وقد فهمه منها قوم، فيسمون ما رفع ذلك الإبهام والإفهام نسخا (2).
وبهذا يزول كثير من الإشكال حول كثرة المنقول عنهم في باب النسخ، وتضاده أحيانا، فهو إنما كان بسبب اتساع بعضهم في مفهوم معنى النسخ وشموله لغيره، ولذا نجد في عباراتهم كثيرا جملة: ثم نسخ واستثنى.
فمن ذلك ما جاء عن عكرمة والحسن في تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقََاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمََا جَعَلَ اللََّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (3)، قالا بعد أن ذكرا آيات القتل، ومنها: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (4) قالا: فجعل لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض وأبطل ما كان قبل ذلك، وقال في التي تليها: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ}
__________
(1) يراجع في الفرق بين النسخ والتخصيص: الاعتبار للحازمي (23، 24)، ومناهل العرفان للزرقاني (2/ 186184).
(2) مجموع الفتاوى (13/ 29، 30)، ويراجع تيسير العزيز الحميد (535).
(3) سورة النساء: آية (90).
(4) سورة التوبة: آية (2).(2/1081)
{مَرْصَدٍ} (1)، ثم نسخ، واستثنى، فقال: {فَإِنْ تََابُوا وَأَقََامُوا الصَّلََاةَ وَآتَوُا الزَّكََاةَ} إلى قوله: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (2).
وعن عكرمة والحسن أيضا قالا في سورة النحل: {مَنْ كَفَرَ بِاللََّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِهِ إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ وَلََكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللََّهِ وَلَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ} (3)، ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هََاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا فُتِنُوا ثُمَّ جََاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهََا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (4).
وعن عكرمة والحسن قالا في قوله تعالى: {وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلََّا مََا يُوحى ََ إِلَيَّ وَمََا أَنَا إِلََّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (5): فنسختها الآية التي في سورة الفتح: {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} (6)، ثم ذكرا آيات سورة الأحزاب، ثم قالا: فبين الله ما يفعل به وبهم (7).
وعن الزهري في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} (8) الآية، نسخت بالاستثناء بعدها في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (9)، يقول: فلا سبيل لكم عليهم بعد التوبة (10).
__________
(1) سورة التوبة: آية (5، 6).
(2) تفسير الطبري (9/ 25) 10074.
(3) سورة النحل: آية (106).
(4) سورة النحل: آية (110)، والأثر في تفسير الطبري (14/ 184)، والدر المنثور (5/ 171).
(5) سورة الأحقاف: آية (9).
(6) سورة الفتح: آية (1).
(7) تفسير الطبري (26/ 7)، وزاد المسير (7/ 373)، والدر المنثور (7/ 736).
(8) سورة المائدة: آية (33).
(9) سورة المائدة: آية (34).
(10) الناسخ والمنسوخ، لابن شهاب الزهري (36).(2/1082)
أنواع النسخ عند التابعين:
لقد أثبت التابعون أنواع النسخ الثلاثة، وهي نسخ التلاوة والحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم.
إلا أن النوع الأخير لم يظهر كثيرا في رواياتهم، فقلّ النقل عنهم فيه، وأكثر الأنواع التي نقلت عنهم هو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ولعل سبب ما تقدم هو اتساع معنى النسخ عند التابعين.
فمما جاء عنهم في بيان نسخ التلاوة والحكم معا: ما جاء عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (1)، قال: كان عبيد بن عمير يقول: (ننسها): نرفعها من عندكم (2).
وعن السدي: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}، أما نسخها فقبضها (3).
وعن قتادة قال: كان ينسخ الآية بالآية بعدها، ويقرأ نبي الله صلّى الله عليه وسلم الآية، أو أكثر من ذلك، ثم تنسى وترفع (4).
وعن الحسن قال فيها: إن نبيكم صلّى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا، ثم نسيه (5).
ومما جاء في إثبات نسخ الحكم دون التلاوة: ما جاء عن الحسن أنه قال في الآية السابقة: ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم
__________
(1) سورة البقرة: آية (106).
(2) تفسير الطبري (2/ 474) 1753، والناسخ والمنسوخ لأبي عبيد (9) 10، والدر المنثور (1/ 255).
(3) تفسير الطبري (2/ 473) 1746.
(4) تفسير الطبري (2/ 474) 1751، 1752.
(5) تفسير الطبري (2/ 475) 1754.(2/1083)
تقرءونه (1).
وعن مجاهد أيضا قال: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}، قال: نثبت خطها، ونبدل حكمها (2).
وعن ابن أبي نجيح، عن أصحاب ابن مسعود في قوله: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}: أي نثبت خطها، ونبدل حكمها (3).
ومما جاء عنهم في بيان نسخ التلاوة دون الحكم: ما أسنده قتادة عن أنس قال: إن أولئك السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة، قرأنا بهم وفيهم كتابا: (بلّغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا)، ثم إنّ ذلك رفع (4).
وعن سعيد بن المسيب، عن عمر قال: إياكم أن تهلكوا عند آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى، لكتبتها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فإنا قد قرأناها (5).
وقد اشتغل التابعون بطرق النسخ أيضا، إلا أن أكثر الطرق ورودا في تفسيرهم هو نسخ القرآن بالقرآن.
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 472) 1745، 1749.
(2) تفسير الطبري (2/ 473) 1749، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 322) 1062.
(3) تفسير الطبري (2/ 473) 1748، وتفسير مجاهد (1/ 85).
(4) تفسير الطبري (2/ 478) 1769، والحديث أصله في الصحيحين من رواية إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، ينظر فتح الباري (7/ 445، 450).
(5) رواه مالك في الموطأ في كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم (2/ 824).(2/1084)
وقد جاء عنهم أيضا نسخ السنة بالقرآن، فمن ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: {أَيََّاماً مَعْدُودََاتٍ} (1)، فعن عطاء: كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يسمّ الشهر أياما معدودات، قال: وكان هذا صيام الناس قبل، ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان (2).
وعن قتادة قال: قد كتب الله تعالى ذكره على الناس قبل أن ينزل رمضان: صوم ثلاثة أيام من كل شهر (3).
وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} (4)، قال ابن سيرين: إنها ناسخة لفعل النبي بالعرنيين (5).
أما مسألة نسخ الكتاب بالسنة فلم أجد آثارا كثيرة تدل عليها صراحة، ولكن جاء عن قتادة في قوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (6)، قال: فجعلت الوصية للوالدين والأقربين، ثم نسخ ذلك بعد ذلك، فجعل لهما نصيب مفروض، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون، وجعل للوالدين نصيب معلوم، ولا تجوز وصية لوارث (7).
فآخر الأثر هو معنى الحديث المشهور «لا وصية لوارث» (8)، فكأنه أشار إلى النسخ
__________
(1) سورة البقرة: آية (184).
(2) تفسير الطبري 3/ 414 (2727).
(3) تفسير الطبري (3/ 415) 2730.
(4) سورة المائدة: آية (33).
(5) وقريب من ذلك قول الحسن، ينظر الإيضاح لمكي (270)، وفتح القدير (2/ 34).
(6) سورة البقرة: آية (180).
(7) تفسير الطبري (3/ 388) 2640.
(8) مسند الطيالسي (169) 1317، وسنن الدارمي (2/ 419)، وسنن الترمذي (4/ 434) 2121، وسنن ابن ماجة (2/ 905) 2712.(2/1085)
بذلك، إلا أنه قد وردت عنه رواية أخرى قال فيها: فأمر أن يوصي لوالديه وأقربيه، ثم نسخ بعد ذلك في سورة النساء، فجعل للوالدين نصيبا معلوما، فألحق لكل ذي ميراث نصيبه منه (1).
فدلّ هذا الأثر الأخير صراحة على أن الناسخ عنده هو القرآن لا السنة (2).
وقد وجدت في تفسير قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ} (3)، قال عطاء:
منسوخ بقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها» الحديث (4).
على أي شيء يقع النسخ:
قال هبة الله بن سلامة: قال مجاهد، وسعيد بن جبير: لا يدخل النسخ إلا على الأمر والنهي فقط، افعلوا ولا تفعلوا (5).
يعني أن الأخبار غير قابلة للنسخ لأنها حق ثابت لا يتغير، ويخرج من ذلك الأوامر والنواهي التي جاءت بصيغة الخبر لأنها في حقيقتها أوامر لا أخبار، وإنما خرجت مخرج الخبر تأكيدا للأمر، وتثبيتا له.
المدارس التفسيرية والنسخ:
مع أن ابن عباس رضي الله عنهما يعد من أكثر الصحابة توسعا في القول
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لقتادة (35).
(2) يراجع في مسألة نسخ القرآن بالسنة مجموع فتاوى شيخ الإسلام (17/ 199197)، (20/ 399396).
(3) سورة النساء: آية (24).
(4) صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، ينظر: الفتح (9/ 160) 5109، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها (2/ 1028)، وسنن النسائي (6/ 96)، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 165)، وسنن الدارمي (2/ 136).
(5) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (8)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (3)، والنسخ في القرآن لمصطفى زيد (1/ 359).(2/1086)
بالنسخ، إلا أن الغريب أن تلاميذ المدرسة المكية لم يتابعوه في توسعه هذا، ولا سيما مجاهد، وعطاء (1)، وقد يرجع سبب عدم توسع مجاهد إلى تأثره بالمدرسة الكوفية التي ضيقت دائرة النسخ، وقالت بإحكام الكثير من الآيات التي عدّها البعض منسوخة، ولا سيما ما كان من الشعبي، والنخعي (2).
أما المدرسة البصرية فقد توسع قتادة في القول بالنسخ، وكذلك المدرسة المدنية، توسع سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، ولعل السبب في ذلك هو أن القول بالنسخ يعتمد كثيرا على الرواية، ومعرفة التاريخ، وكان قتادة وكذلك سعيد بن المسيب من الحفاظ الذين لا يخفى عليهم ذلك، يضاف كذلك إلى قتادة أنه كان يميل للمنهج الوعظي، فتوسع في القول بالنسخ لكثير من آيات العفو، والصفح، ويعد المتأخرون من التابعين من المتوسعين في مسألة النسخ كما يظهر ذلك من مرويات السدي، وقتادة، والزهري، حتى إن ابن الجوزي عاب السدي على هذا التوسع (3).
ولأجل توسع قتادة في مسألة الناسخ والمنسوخ، لا نعجب حين نعلم أنه أول من ألف فيه كتابا مستقلا (4).
وكذلك لا غرو أنه يجعل بعض الآيات ناسخة منسوخة، فمن ذلك تفسيره لقوله تعالى: {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} (5)، قال: قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ}
__________
(1) النسخ لمصطفى زيد (1/ 359).
(2) يراجع في جعل النخعي الكثير من الآيات محكمة ما جاء في تفسير الطبري في الآثار ذوات الرقم (8660، 8663، 8666).
(3) نواسخ القرآن لابن الجوزي (76).
(4) البرهان (2/ 28).
(5) سورة البقرة: آية (191).(2/1087)
{ثَقِفْتُمُوهُمْ} (1)، قال: أي حيث أدركتموهم في الحل والحرم، صارت هذه الآية منسوخة بقوله: {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} (2)، ثم نسختها آية السيف في براءة، فهي ناسخة منسوخة (3).
وربما تمر الآية ولا يصرح بنسخها إلا قتادة، كما في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (4)، قال قتادة: جعل عدة المطلقات ثلاث حيض، ثم نسخ منها المطلقة التي طلّقت قبل أن يدخل بها زوجها، واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن، والحامل (5).
كيفية تناول التابعين للنسخ:
ليس المقصود هنا تكرار نقول عن التابعين في مسألة النسخ، وإنما المقصود هنا بيان ملامح ونكات في معرفتهم بالناسخ والمنسوخ.
فمن ذلك معرفتهم بأول الآيات التي نسخت في القرآن، فعن عكرمة والحسن قالا: أول ما نسخ من القرآن: القبلة (6).
ومن ذلك دقتهم في معرفة المنسوخ من الآيات من بين آيات السورة كلها.
فعن مجاهد قال: لم ينسخ من (المائدة) إلا هاتان الآيتان: {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (7)، نسختها: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} (8)،
__________
(1) سورة البقرة: آية (191).
(2) سورة البقرة: آية (191).
(3) تفسير عبد الرزاق (1/ 73)، وزاد المسير (1/ 199)، وتفسير البغوي (1/ 162).
(4) سورة البقرة: آية (228).
(5) تفسير الطبري (4/ 500) 4668، والدر المنثور (1/ 657).
(6) تفسير الطبري (3/ 138) 2158، والدر المنثور (1/ 343).
(7) سورة المائدة: آية (42).
(8) سورة المائدة: آية (49).(2/1088)
وقوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (1)، نسختها: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2).
وفي المقابل نجد الشعبي يقول: لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية: {لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ} (3)، ويحدد قتادة الناسخ فيقول: {آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ}
نسختها براءة (4)، ويراها أبو ميسرة محكمة كلها فيقول: آخر سورة أنزلت سورة المائدة، وإن فيها لسبع عشرة فريضة، وفي رواية: فيها ثمان عشرة فريضة ليس في سورة من القرآن غيرها، وليس فيها منسوخ (5).
ومن ذلك أيضا تناول مسألة النسخ مقرونة بالحكمة، ففي قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (6)، ينبه قتادة على حكمة النسخ فيقول: فيها تخفيف، وفيها رحمة، وفي رواية: فيها تخفيف وفيها رخصة (7)، ويعبر عن الحكمة في موضع آخر بعبارات لطيفة، فيقول في قوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (8): قال: ثم أنزل التخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه، فقال: {فَاتَّقُوا}
__________
(1) سورة المائدة: آية (2).
(2) سورة التوبة: آية (5)، والأثر أخرجه الطبري (10/ 331) 11989، ومعاني القرآن للنحاس (2/ 310)، وزاد المسير (2/ 361).
(3) سورة المائدة: آية (2)، والأثر أخرجه الطبري (9/ 475) 10964، وينظر زاد المسير (2/ 278)، ومعاني القرآن للنحاس (2/ 251).
(4) تفسير الطبري (9/ 477) 10972، وزاد المسير (2/ 278)، والدر المنثور (3/ 8).
(5) فضائل القرآن لأبي عبيد (129)، وكذا فيه عن الحسن، الدر المنثور (3/ 4).
(6) سورة البقرة: آية (106).
(7) تفسير الطبري (2/ 481) 1772، تفسير ابن كثير (1/ 375)، وتفسير عبد الرزاق (1/ 55).
(8) سورة آل عمران: آية (102).(2/1089)
{اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)، فجاءت هذه الآية فيها تخفيف وعافية ويسر (2).
الآيات التي ورد عنهم القول فيها بالنسخ:
وفيما يلي سرد سريع للآيات التي وقفت على قول للتابعين، أو لشيوخهم، أو لتلاميذهم بأنها منسوخة، مرتبة حسب ترتيب السور.
سورة البقرة
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا} (3)، الجمهور على أنها محكمة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها منسوخة بقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ دِيناً} (4).
وقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} (5)، هي محكمة عند عطاء (6)، ومنسوخة عند قتادة.
والناسخ آية السيف (7).
وقوله تعالى: {لََا تَقُولُوا رََاعِنََا وَقُولُوا انْظُرْنََا} (8).
ناسخة لما كان يقول الأنصار في الجاهلية، وفي أول الإسلام، حيث كانوا يقولون
__________
(1) سورة التغابن: آية (16).
(2) تفسير الطبري (7/ 68) 7556، ومعاني القرآن للنحاس (1/ 451)، وزاد المسير (1/ 432).
(3) سورة البقرة: آية (62).
(4) سورة آل عمران: آية (85)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي بن أبي طالب (123).
(5) سورة البقرة: آية (83).
(6) الناسخ والمنسوخ لمكي (124)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (30).
(7) الناسخ والمنسوخ لمكي (124)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (20).
(8) سورة البقرة: آية (104).(2/1090)
للنبي صلّى الله عليه وسلم: راعنا سمعك، وكانت الكلمة عند اليهود سبا، وبه قال عطاء ومجاهد (1).
وقوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} (2).
منسوخة بالقتال عند السدي (3).
وقوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (4).
محكمة: ونسخت التوجه لبيت المقدس، وهو قول مجاهد، أو هي مخصوصة فيمن جهل القبلة، وهو قول النخعي.
ومنسوخة: وبه قال قتادة، ورواية عن ابن عباس (5).
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ} (6).
محكمة: وهي مخصوصة في قوم بأعيانهم، وبه قال الشعبي، والسدي.
منسوخة: والناسخ آية المائدة، وهو مروي عن ابن عباس (7).
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (8).
محكمة: وبه قال الشعبي، والنخعي، ومجاهد، والوصية مندوبة.
منسوخة: والناسخ آية المواريث، وبه قال الحسن، وعطاء، ومجاهد، وزيد بن
__________
(1) الناسخ لمكي (125)، والناسخ للنحاس (31) قال مكي: وقد كان حق هذا ألا يذكر في الناسخ لأنه لم ينسخ قرآنا إنما نسخ ما كانوا عليه، وأكثر القرآن على ذلك.
(2) سورة البقرة: آية (109).
(3) الناسخ لمكي (125)، والناسخ للنحاس (32).
(4) سورة البقرة: آية (115).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (131)، والناسخ للنحاس (16).
(6) سورة البقرة: آية (178).
(7) الناسخ لمكي (134، 135)، والناسخ للنحاس (20).
(8) سورة البقرة: آية (180).(2/1091)
أسلم (1).
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2).
محكمة: وناسخة لما فرض على من كان قبلنا، وهو ثلاثة أيام، وبه قال عطاء، وقتادة.
منسوخة: بشهر رمضان، وبه قال أبو العالية، والسدي (3).
قوله تعالى: {عَلِمَ اللََّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتََانُونَ أَنْفُسَكُمْ} (4).
محكمة: وبه قال الشعبي، والحسن، ومجاهد (5).
وعن ابن عباس {تَخْتََانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يعني بذلك الذي فعل عمر، فأنزل الله عفوه فقال: {فَتََابَ عَلَيْكُمْ} إلى قوله تعالى: {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} اه. فكأنه رآها منسوخة (6).
قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} (7).
محكمة: على قراءة (يطوقونه)، وبه قال مجاهد، وابن جبير، وعطاء، وعكرمة.
منسوخة: والناسخ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (8)، وبه قال عكرمة، والحسن، وعطاء، وقتادة (9).
قوله تعالى: {وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (10).
__________
(1) الناسخ لمكي (142)، والناسخ للنحاس (23).
(2) سورة البقرة: آية (183).
(3) الناسخ لمكي (147)، والناسخ للنحاس (25).
(4) سورة البقرة: آية (187).
(5) الناسخ لمكي (148).
(6) الدر المنثور (1/ 476).
(7) سورة البقرة: آية (184).
(8) سورة البقرة: آية (185).
(9) الناسخ لمكي (152150).
(10) سورة البقرة: آية (190).(2/1092)
محكمة: ومخصوصة في النهي عن قتال الصبيان، وبالإحكام قال ابن عباس، ومجاهد.
منسوخة: والناسخ الأمر بالقتال، وبه قال ابن زيد (1).
قوله تعالى: {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ} (2).
محكمة: وبه قال مجاهد، وطاوس، وقال: إنها مخصوصة في النهي عن القتال في الحرم.
منسوخة: والناسخ قوله تعالى: {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (3)، وبه قال قتادة (4).
قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} (5).
محكمة: وبه قال عطاء، ومجاهد.
منسوخة: لأنها للسلطان، ولا يجوز لأحد أن يقتص ممن اعتدى عليه، وبه قال ابن عباس (6).
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ} (7).
محكمة، وبه قال عطاء، ومجاهد.
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وقتادة، وابن المسيب (8).
__________
(1) الناسخ لمكي (155)، والناسخ للنحاس (33).
(2) سورة البقرة: آية (191).
(3) سورة البقرة: آية (193).
(4) الناسخ لمكي (157)، والناسخ للنحاس (34).
(5) سورة البقرة: آية (194).
(6) الناسخ لمكي (158، 159)، والناسخ للنحاس (36).
(7) سورة البقرة: آية (217).
(8) الناسخ لمكي (160)، والناسخ للنحاس (39).(2/1093)
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (1).
محكمة: ومخصصة في التطوع، وبه قال الحسن، وعطاء، ومجاهد، والربيع، وقتادة.
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وقال الضحاك: نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن (2).
قوله تعالى: {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (3).
محكمة: مبينة آية المائدة في جواز نكاح الكتابيات، وبه قال قتادة، وابن جبير.
منسوخة: نسخ منها نساء أهل الكتاب، وبه قال الحسن، وعكرمة (4).
قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (5).
محكمة: واستثنى ابن عباس التي لم يدخل بها، واليائسة، والحامل، وعبر عن ذلك قتادة بالنسخ (6).
قوله تعالى: {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ فَإِمْسََاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسََانٍ} (7).
ناسخة: وبه قال قتادة، وبه قال: نسخت ما كان قبل، وجعل الله حد الطلاق ثلاثا (8).
__________
(1) سورة البقرة: آية (219).
(2) الناسخ لمكي (168، 169)، والناسخ للنحاس (67).
(3) سورة البقرة: آية (221).
(4) الناسخ لمكي (165، 172).
(5) سورة البقرة: آية (228).
(6) الناسخ لمكي (176)، والناسخ للنحاس (76).
(7) سورة البقرة: آية (229).
(8) الناسخ والمنسوخ للنحاس (81).(2/1094)
قوله تعالى: {إِلََّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً} (1).
أكثر الناس على أنه محكم أباح به التعريض بالنكاح للمعتدة.
منسوخة: وبه قال ابن زيد، والناسخ قوله: {وَلََا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكََاحِ حَتََّى يَبْلُغَ الْكِتََابُ أَجَلَهُ} (2).
قوله تعالى: {لََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ مََا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (3).
محكمة: قال ابن المسيب: كانت المتعة واجبة لمن لم يدخل بها من النساء، بقوله في الأحزاب: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرََاحاً جَمِيلًا}، فنسخ بقوله: {فَنِصْفُ مََا فَرَضْتُمْ} (4).
قوله تعالى: {لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ} (5).
محكمة: وبه قال الشعبي، وذكر أنها نزلت في قوم بأعيانهم (6).
سورة النساء
قوله تعالى: {حَتََّى يَتَوَفََّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللََّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (7).
منسوخة بالحدود في سورة النور، وبه قال قتادة (8).
__________
(1) سورة البقرة: آية (235).
(2) الناسخ لمكي (184، 185)، والناسخ للنحاس (88).
(3) سورة البقرة: آية (236).
(4) سورة البقرة: آية (237)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (186).
(5) سورة البقرة: آية (256).
(6) الناسخ والمنسوخ لمكي (194).
(7) سورة النساء: آية (15).
(8) الناسخ والمنسوخ لمكي (215).(2/1095)
قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ} (1).
منسوخة: وبه قال عطاء، والناسخ قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها» (2).
قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (3).
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وعائشة، والقاسم، وعروة، وابن المسيب، والسدي (4).
قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ} (5).
محكمة: ونسخت التوارث بالأخوة، وبه قال ابن جبير، ومجاهد، وقتادة.
منسوخة: وبه قال ابن المسيب، والناسخ قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} (6).
قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} (7).
منسوخة بتحريم الخمر، قاله عكرمة (8).
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} (9).
__________
(1) سورة النساء: آية (24).
(2) الناسخ والمنسوخ لمكي (218).
(3) سورة النساء: آية (24).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (221).
(5) سورة النساء: آية (33).
(6) سورة الأنفال: آية (75)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (227).
(7) سورة النساء: آية (43).
(8) الناسخ والمنسوخ لمكي (229).
(9) سورة النساء: آية (90).(2/1096)
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وقتادة، والناسخ آية السيف (1).
قوله تعالى: {وَإِنْ كََانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} (2).
منسوخة: وبه قال عطاء (3).
سورة المائدة
قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (4).
منسوخ بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وبه قال مجاهد، وابن زيد، والسدي، والشعبي، وقتادة.
محكمة: وبه قال مجاهد، وقال: لم ينسخ من المائدة إلا القلائد.
وقال الشعبي: نسخ من هذه السورة خمسة أحكام: {لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} (5).
قوله تعالى: {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (6).
محكمة: وبه قال الجمهور، وهي مخصوصة في مطالبة المسلمين بعدم الاعتداء على المشركين لأجل بغضهم لهم يوم ردوهم عام الحديبية.
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (230).
(2) سورة النساء: آية (92).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (231).
(4) سورة المائدة: آية (2).
(5) والآية من سورة المائدة (2)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (255).
(6) سورة المائدة: آية (2).(2/1097)
منسوخة: وبه قال ابن زيد (1).
قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} (2).
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وقتادة، والناسخ آية السيف: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3).
قوله تعالى: {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} (4).
محكمة: وناسخة لفعل النبي صلّى الله عليه وسلم بالعرنيين، وبه قال ابن سيرين، وقريب منه قول الحسن (5).
قوله تعالى: {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (6).
محكمة: وبه قال عطاء، والحسن، والشعبي، والنخعي.
منسوخة: وبه قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، والناسخ قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} (7).
قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (8).
محكمة: وبه قال ابن مسعود (9).
وقيل: بأن آية السيف ناسخة لمثل هذا، وأن حكم المسايفة ناسخ لحكم المسالمة (10).
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (260).
(2) سورة المائدة: آية (13).
(3) الآية من سورة التوبة (29)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (269).
(4) سورة المائدة: آية (33).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (270).
(6) سورة المائدة: آية (42).
(7) والآية من سورة المائدة (48)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (272).
(8) سورة المائدة: آية (105).
(9) الناسخ والمنسوخ لمكي (274).
(10) البرهان (2/ 43، 44).(2/1098)
سورة الأنعام
قوله تعالى: {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (1).
منسوخة بآية السيف، وبه قال ابن عباس (2).
قوله تعالى: {وَمََا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (3).
منسوخة: وبه قال ابن عباس، والناسخ قوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتََابِ} (4).
قوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} (5).
منسوخة: وبه قال قتادة، والناسخ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (6).
قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} (7).
منسوخة بآية الزكاة، وبه قال ابن جبير، وعكرمة، ومن أتباعهم الضحاك، وقال:
نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن.
منسوخة: بالسنة في إيجاب العشر، وبه قال ابن عباس.
محكمة: والمراد بها الزكاة، وبه قال أنس، والحسن، وابن المسيب، وجابر
__________
(1) سورة الأنعام: آية (66).
(2) الناسخ والمنسوخ لمكي (281).
(3) سورة الأنعام: آية (69).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (282)، والآية من سورة النساء (140).
(5) سورة الأنعام: آية (70).
(6) الناسخ والمنسوخ لمكي (282)، والآية من سورة التوبة (5).
(7) سورة الأنعام: آية (141).(2/1099)
ابن زيد، وعطاء، وقتادة، وزيد بن أسلم، ومجاهد (1).
قوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (2).
منسوخة بآية السيف، وبه قال ابن عباس (3).
قوله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (4).
محكمة: وبه قال الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وابن جبير.
منسوخة: وبه قال عكرمة، وعطاء، ومكحول، والناسخ قوله: {وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ} (5).
قوله تعالى: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (6).
محكمة: وبه قال الشعبي، وابن جبير.
منسوخة: وبه قال الزهري، والناسخ تحريم الحمر، وكل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير (7).
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (283).
(2) سورة الأنعام: آية (106).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (286).
(4) سورة الأنعام: آية (121).
(5) سورة المائدة: آية (5)، الناسخ والمنسوخ لمكي (287).
(6) سورة الأنعام: آية (145).
(7) الناسخ والمنسوخ لمكي (288).(2/1100)
قوله تعالى: {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1).
منسوخة: وبه قال قتادة، والناسخ: {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (2).
سورة الأعراف
قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ} (3).
منسوخة بالقتال، وبه قال ابن زيد (4).
قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (5).
محكمة: وبه قال مجاهد، والقاسم، وسالم، وعروة بن الزبير.
منسوخة: والناسخ الزكاة، وبه قال ابن عباس.
وقيل: والناسخ الغلظة، وبه قال ابن زيد.
وقيل: الناسخ القتال، وهو مروي عن ابن زيد أيضا (6).
سورة الأنفال
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ} (7).
محكمة: وبه قال عطاء، والحسن، ومجاهد.
__________
(1) سورة الأنعام: آية (152).
(2) الناسخ والمنسوخ لمكي (289)، والآية من سورة البقرة رقم (220).
(3) سورة الأعراف: آية (180).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (291).
(5) سورة الأعراف: آية (199).
(6) الناسخ والمنسوخ لمكي (291، 292، 293).
(7) سورة الأنفال: آية (1).(2/1101)
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والناسخ قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} (1).
قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ} (2).
محكمة: وبه قال ابن عباس.
منسوخة: وبه قال عطاء (3).
قوله تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (4).
محكمة، وبه قال مجاهد، والضحاك.
منسوخة: وبه قال الحسن، والناسخ قوله: {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} (5).
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} (6).
محكمة: وناسخة لقوله: {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ}، وبه قال قتادة (7).
قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهََا} (8).
منسوخة بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وبه قال قتادة.
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (295).
(2) سورة الأنفال: آية (16).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (297).
(4) سورة الأنفال: آية (33).
(5) سورة الأنفال: آية (34)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (298، 299).
(6) سورة الأنفال: آية (41).
(7) سورة الحشر: آية (7)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (299).
(8) سورة الأنفال: آية (61).(2/1102)
وقيل: منسوخة بقوله: {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ}، وبه قال ابن عباس (1).
قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ} (2).
منسوخ بالتخفيف، وبه قال ابن عباس (3).
قوله تعالى: {مََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ حَتََّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (4).
منسوخ بقوله: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً}، وبه قال ابن عباس (5).
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا} (6).
منسوخة: وبه قال قتادة، والناسخ قوله: {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} (7).
سورة التوبة
قوله تعالى: {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} (8).
محكمة: وناسخة للعهود بعيدة الأجل، وبه قال مجاهد، والسدي (9).
__________
(1) سورة محمد: آية (35)، والناسخ والمنسوخ لمكي (300).
(2) سورة الأنفال: آية (65).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (300).
(4) سورة الأنفال: آية (67).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (301).
(6) سورة الأنفال: آية (72).
(7) سورة الأنفال: آية (75)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (304).
(8) سورة التوبة: آية (1).
(9) الناسخ والمنسوخ لمكي (307).(2/1103)
قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (1).
محكمة: وبه قال قتادة.
منسوخة بقوله: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً.}
وبه قال الحسن، وعطاء، والسدي، والضحاك (2).
قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا} (3).
منسوخة بقوله: {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً.}
وبه قال ابن عباس، وعكرمة (4).
قوله تعالى: {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (5).
منسوخة: وبه قال ابن عباس، والحسن، وعكرمة.
والناسخ قوله: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} (6).
قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} (7).
محكمة: نسخت كل صدقة في القرآن، وبه قال عكرمة، والقاسم، وسالم (8).
__________
(1) سورة التوبة: آية (5).
(2) سورة محمد: آية (4)، والناسخ والمنسوخ لمكي (309).
(3) سورة التوبة: آية (41).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (310).
(5) سورة التوبة: آية (43).
(6) سورة النور: آية (62)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (316).
(7) سورة التوبة: آية (60).
(8) الناسخ والمنسوخ لمكي (317).(2/1104)
قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (1).
منسوخة بقوله: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ}، وبه قال ابن عباس (2).
سورة يونس
قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} (3).
منسوخ: بالأمر بالقتال في براءة، وبه قال ابن زيد (4).
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ} (5).
منسوخ: بالأمر بالقتال، وبه قال ابن زيد (6).
سورة هود
قوله تعالى: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا} (7).
منسوخة بقوله: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ}، وبه قال ابن عباس، والضحاك (8).
سورة الحجر
قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (9).
__________
(1) سورة التوبة: آية (80).
(2) سورة المنافقون: آية (6)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (319).
(3) سورة يونس: آية (41).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (323).
(5) سورة يونس: آية (109).
(6) الناسخ والمنسوخ لمكي (323).
(7) سورة هود: آية (15).
(8) سورة الإسراء: آية (18)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (325).
(9) سورة الحجر: آية (85).(2/1105)
منسوخة بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، وبه قال قتادة، وابن جبير (1).
سورة الإسراء
قوله تعالى: {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتََّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (2).
منسوخة: وبه قال مجاهد، قال: كانوا في مشقة وجهد حتى نزل قوله: {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (3). يريد أنه نسخ بذلك.
قوله تعالى: {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} (4).
منسوخة بقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً}.
وبه قال ابن عباس (5).
سورة طه
قوله تعالى: {مََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ََ} (6).
محكمة: وناسخ لفرض قيام الليل، ونسختها الفرائض، وبه قال مجاهد (7).
سورة الحج
قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (8).
منسوخة بقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ}، وبه قال ابن زيد (9).
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (329).
(2) سورة الإسراء: آية (34).
(3) سورة البقرة: آية (220)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (339).
(4) سورة الإسراء: آية (110).
(5) سورة الأعراف: آية (205)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (340).
(6) سورة طه: آية (2).
(7) الناسخ والمنسوخ لمكي (347).
(8) سورة الحج: آية (39).
(9) سورة الأعراف: آية (180)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (355).(2/1106)
سورة النور
قوله تعالى: {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (1).
محكمة: وبه قال الحسن، ومجاهد.
منسوخة: وبه قال ابن المسيب، والناسخ قوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ}، فدخلت الزانية في الأيامى (2).
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} (3).
منسوخة بقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ}، وبه قال ابن عباس (4).
قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} (5).
منسوخة بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} (6).
قوله تعالى: {وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلََّا مََا ظَهَرَ مِنْهََا} (7).
منسوخة بقوله: {وَالْقَوََاعِدُ مِنَ النِّسََاءِ}، وبه قال ابن عباس (8).
__________
(1) سورة النور: آية (3).
(2) سورة النور: آية (32)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (359، 360).
(3) سورة النور: آية (4).
(4) سورة النور: آية (6)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (363).
(5) سورة النور: آية (27).
(6) سورة النور: آية (29)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (365).
(7) سورة النور: آية (31).
(8) الناسخ والمنسوخ لمكي (366).(2/1107)
قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (1).
محكمة: وبه قال الشعبي، قيل له: إن الناس لا يعملون به. قال: الله المستعان.
منسوخة: وبه قال ابن عباس، وابن المسيب، قال ابن عباس: نسخه بأن البيوت أصبح لها ستور (2).
سورة الشعراء
قوله تعالى: {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} (3).
منسوخ بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ}، قاله ابن عباس رضي الله عنهما (4).
سورة القصص
قوله تعالى: {سَلََامٌ عَلَيْكُمْ} (5).
محكمة: وبه قال مجاهد (6).
وقيل: هذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال، ذكره البغوي في تفسيره (7).
سورة العنكبوت
قوله تعالى: {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (8).
محكمة: وبه قال مجاهد، وبه ابن زيد، وقال: يجاهد ذوو العهد.
__________
(1) سورة النور: آية (58).
(2) الناسخ والمنسوخ لمكي (367، 368).
(3) سورة الشعراء: آية (224).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (373).
(5) سورة القصص: آية (55).
(6) الناسخ والمنسوخ لمكي (375).
(7) تفسير البغوي (6/ 215).
(8) سورة العنكبوت: آية (46).(2/1108)
منسوخة: وبه قال قتادة، والناسخ قوله: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ} (1).
سورة الأحزاب
قوله تعالى: {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ} (2).
محكمة: وبه قال الحسن، وابن سيرين.
منسوخة: وبه قال علي، وابن عباس، والضحاك (3).
سورة ص
قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ} (4).
محكمة: وبه قال مجاهد، وعطاء (5).
وعن ابن عباس: «ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام» (6).
سورة الزمر
قوله تعالى: {إِنِّي عََامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (7).
منسوخة بآية السيف، وبه قال ابن عباس (8).
سورة الشورى
قوله تعالى: {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} (9).
__________
(1) سورة التوبة: آية (29)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (377).
(2) سورة الأحزاب: آية (52).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (386).
(4) سورة ص: آية (44).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (393).
(6) الدر المنثور (7/ 196).
(7) سورة الزمر: آية (39).
(8) الناسخ والمنسوخ لمكي (397).
(9) سورة الشورى: آية (15).(2/1109)
منسوخ: وبه قال ابن عباس، ومجاهد.
والناسخ قوله: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ} (1).
قوله تعالى: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} (2).
منسوخة بقوله: {عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (3).
وبه قال ابن عباس، وهو نسخ المكي بالمكي (4).
قوله تعالى: {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} (5).
منسوخة بقوله: {قُلْ مََا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا عَلَى اللََّهِ} (6)، وبه قال ابن عباس، وزيد بن أسلم، وهو من نسخ المكي بالمكي (7).
قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النََّاسَ} (8).
منسوخة: وبه قال ابن زيد (9).
سورة الزخرف
قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ} (10).
__________
(1) سورة التوبة: آية (29)، وينظر الناسخ والمنسوخ لمكي (403).
(2) سورة الشورى: آية (20).
(3) سورة الإسراء: آية (18).
(4) الناسخ والمنسوخ لمكي (404).
(5) سورة الشورى: آية (23).
(6) سورة سبأ: آية (47).
(7) الناسخ والمنسوخ لمكي (405).
(8) سورة الشورى: آية (42).
(9) الناسخ والمنسوخ لمكي (406).
(10) سورة الزخرف: آية (89).(2/1110)
منسوخة بالأمر بالقتال، وبه قال ابن عباس، وقتادة (1).
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} (2).
منسوخة: وبه قال قتادة (3).
سورة الأحقاف
قوله تعالى: {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} (4).
محكمة: وبه قال الحسن.
منسوخة بقوله: {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}، وبه قال ابن عباس (5).
سورة محمد
قوله تعالى: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (6).
محكمة: وبه قال عطاء، والضحاك.
منسوخة بقتل الأسارى، وبه قال السدي (7).
سورة الذاريات
قوله تعالى: {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (8).
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (407).
(2) سورة الجاثية: آية (14).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (409).
(4) سورة الأحقاف: آية (9).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (411).
(6) سورة محمد: آية (4).
(7) الناسخ والمنسوخ لمكي (414).
(8) سورة الذاريات: آية (19).(2/1111)
محكمة: وبه قال النخعي، والحسن لحديث: «وفي المال حق سوى الزكاة».
منسوخة بالزكاة، وبه قال الضحاك (1).
قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (2).
منسوخ، وبه قال الضحاك (3).
سورة الحشر
قوله تعالى: {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} (4).
منسوخة: وبه قال قتادة.
والناسخ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} (5).
سورة الممتحنة
قوله تعالى: {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} (6).
محكمة: وبه قال مجاهد، والحسن.
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (419).
(2) سورة الذاريات: آية (54).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (419).
(4) سورة الحشر: آية (7).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (429)، والآية في سورة الأنفال رقم (41).
(6) سورة الممتحنة: آية (8).(2/1112)
منسوخة بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، وبه قال قتادة، وابن زيد، وقالا متوسعين في النسخ: نسخت هذه الأحكام التي في هذه السورة براءة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنبذ عهودهم (1).
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} (2).
منسوخة: وبه قال قتادة، قال: كان أول الإسلام (3).
قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} (4).
منسوخة: وبه قال ابن زيد (5).
وباستعراض الأقوال السابقة يتضح لنا أن من جملة الآيات التي قيل فيها النسخ، كان ابن عباس أكثر من روي عنه نسخ الآيات، ولعل المراد عنده التخصيص لا النسخ الذي هو رفع الحكم كما هو ظاهر، وكانت نسبة القول بالنسخ عند عكرمة وابن المسيب وابن زيد وقتادة هي أعلى النسب، في حين لم يقل النخعي بنسخ شيء منها، وكانت نسبة النسخ عند مجاهد قليلة نسبيا (6).
__________
(1) الناسخ والمنسوخ لمكي (437).
(2) سورة المزمل: آية (10).
(3) الناسخ والمنسوخ لمكي (444).
(4) سورة الإنسان: آية (26).
(5) الناسخ والمنسوخ لمكي (444).
(6) يمكن معرفة ذلك من الجدول الآتي في الصفحة القادمة.(2/1113)
المفسّر: مجموع ما جاء عنه: ما قال فيه بإحكامه: نسبته: ما قال فيه بنسخه: نسبته
ابن عباس: 42: 3: 07، 0: 38: 93، 0
ابن مسعود: 2::: 2: 100، 0
قتادة: 33: 8: 24، 0: 25: 76، 0
مجاهد: 31: 26: 84، 0: 5: 16، 0
عطاء: 22: 16: 73، 0: 6: 27، 0
الحسن: 22: 15: 68، 0: 7: 32، 0
ابن زيد: 20: 3: 15، 0: 17: 85، 0
الشعبي: 14: 12: 86، 0: 2: 14، 0
النخعي: 5: 5: 100، 0:::
الضحاك: 10: 5: 50، 0: 5: 50، 0
ابن المسيب: 10: 4: 40، 0: 6: 60، 0
ابن جبير: 10: 6: 60، 0: 4: 40، 0
عكرمة: 10: 2: 20، 0: 8: 80،.(2/1114)
8 - أمثال القرآن:
امتن الله تعالى علينا بأن ضرب لنا الأمثال، فقال: {وَضَرَبْنََا لَكُمُ الْأَمْثََالَ} (1)، وبين تعدد الأمثال في القرآن في كل وجه فقال سبحانه: {وَلَقَدْ ضَرَبْنََا لِلنََّاسِ فِي هََذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} (2)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنََا لِلنََّاسِ فِي هََذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} (3).
وليس المراد بالأمثال هو فقط ما جاء فيه لفظ المثل فإن أمثال القرآن منها ما يصرح فيه بتسميته مثلا، ومنها ما لم يصرح بذلك، وقد يكون على صيغة الخبر، أو صيغة الإنشاء (4).
ولأجل كثرة الأمثال القرآنية، وشمولها، وتنوعها، ودقة معانيها، وكذلك الأوامر الربانية بتدبرها، لأجل كل ذلك كانت همة التابعين منصرفة إلى استخراج المعاني من هذه الأمثال في عبارات وعظية بليغة، أو جمل علمية دقيقة، ومما لاحظته على منهج التابعين في تناول الأمثال ما يلي:
1 - قلّ أن يتعرض التابعون للتفصيل في بيان المثل إذا ورد في الآية آثار مرفوعة، سيرا على طريقتهم في تقديم المرفوع على الرأي دائما.
فمن ذلك تفسيرهم لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهََا ثََابِتٌ وَفَرْعُهََا فِي السَّمََاءِ} (5)، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الشجرة هي
__________
(1) سورة إبراهيم: آية (45).
(2) سورة الروم: آية (58).
(3) سورة الإسراء: آية (89).
(4) يراجع في أمثال القرآن: مجموع الفتاوى (14/ 6754)، والبرهان (1/ 486)، والإتقان (2/ 167)، والزيادة والإحسان (2/ 832)، النوع (138)، تحقيق: مصلح السامدي.
(5) سورة إبراهيم: آية (24).(2/1115)
(النخلة) (1).
ولذا فإننا نجد التابعين لا يزيدون عند ما يتعرضون لتفسيرهم على قولهم: (هي النخلة)، ورد ذلك عن أبي العالية (2)، ومسروق (3)، ومجاهد (4)، وعكرمة (5)، وقتادة (6)، وغيرهم.
2 - وإذا ورد شرح المثل عن الصحابة، فإن التابعين كذلك لا يستفيضون في شرحه غالبا، مكتفين بما ورد عن الصحابي في ذلك.
ففي قوله تعالى: {اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (7)، وردت عدة روايات عن ابن عباس في شرحه مفردات المثل، وورد عن أبيّ بن كعب شرحا مطولا له (8)، ولذا اقتصر مجاهد (9)، والحسن (10)، وقتادة، على بيان المفردات، اللهم إلا أن قتادة ربطه بقضية وعظية (11).
__________
(1) رواه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب ومن سورة إبراهيم عليه السلام (5/ 295)، والحاكم في مستدركه (2/ 352)، وابن جرير في تفسيره (16/ 574) 20696، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبي يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه (5/ 22).
(2) تفسير الطبري (16/ 570) 20681.
(3) تفسير الطبري (16/ 571) 20683.
(4) تفسير الطبري (16/ 571) 20684، 20685، وزاد المسير (4/ 358)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير عن مجاهد به (5/ 23).
(5) تفسير الطبري (16/ 572) 20687، وزاد المسير (4/ 358)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي حاتم عن عكرمة بنحوه (5/ 23).
(6) تفسير الطبري (16/ 572) 20689، 26890، وتفسير عبد الرزاق (2/ 342).
(7) سورة النور: آية (35).
(8) الدر المنثور (6/ 197، 198).
(9) المرجع السابق (6/ 197).
(10) المرجع السابق (6/ 200).
(11) المرجع السابق (6/ 200).(2/1116)
3 - كثير من الأمثال اقتصر التابعون على بيان سبب النزول، ولم يتوسعوا في شرحه.
كما في تفسير قوله تعالى: {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (1)، فقد ورد عن عكرمة أنها نزلت في الأصنام، موافقا بذلك ما ورد عن ابن عباس (2)، ولم أر من شرح هذا المثل إلا السدي، بعد أن ذكر أيضا أن المراد به الصنم (3).
4 - ربما تعرض التابعون إلى تعميم بعض الأمثال التي وردت في أسباب خاصة، بالنظر إلى أن الأمثال القرآنية إنما وردت للعظة والقياس، والاعتبار، ففي تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ} (4).
فقد جاء عن عكرمة بيان أن خيانة المرأتين كانت في الدين (5).
وأما قتادة فإنه ذكر ذلك، وأشار إلى العبرة بضرب المثل، فقال: يقول: لن يغني صلاح هذين عن هاتين شيئا، وامرأة فرعون لم يضرها كفر فرعون (6).
5 - ومما يلاحظ أيضا أنهم قد تعرضوا لبيان الأمثال القرآنية وتناولوها بالشرح، وبعض هذه الأمثال لم أجد عن الصحابة أحدا تعرض لتأويلها، من ذلك الأمثال التي
__________
(1) سورة الحج: آية (73).
(2) أورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر (6/ 75).
(3) زاد المسير، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن أبي حاتم (6/ 75)، وفتح القدير (3/ 471).
(4) سورة التحريم: آية (10).
(5) تفسير الطبري (28/ 150)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، عن عكرمة به (8/ 228)، وفتح القدير (5/ 255).
(6) أورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة به (8/ 228).(2/1117)
جاءت في قوله تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (1)، وفي قوله: {وَكُنْتُمْ عَلى ََ شَفََا حُفْرَةٍ مِنَ النََّارِ} (2)، وفي قوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَكَأَنَّمََا خَرَّ مِنَ السَّمََاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} (3)، وقوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (4)، ويلاحظ أيضا أن من المفارقات بينهم وبين التابعين أن الصحابة قلّ أن يتعرضوا لتوضيح البيّن من الأمثال، وإنما تأتي الروايات عنهم إذا جاء المثل فيه نوع غموض، فعند قوله سبحانه: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنََابٍ} (5).
لما كان هذا المثل غامضا، نجد أن الصحابة تعرضوا له، فوردت روايات عن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى المثل (6)، وأنه مثل لمن عمل بعمل أهل الخير، ثم ختم له في آخر عمره، فعمل بعمل أهل الشقاء فأفسده كله، وتتابعت أقوال مجاهد، وقتادة، والربيع، على ذلك بعبارة وعظية جميلة (7).
وذهب السدي إلى أن المراد بالآية نفقة الرياء لا يجدها صاحبها يوم القيامة (8)، واختاره الطبري (9).
__________
(1) سورة البقرة: آية (265)، وينظر تفسير الطبري (5/ 539) 6087، 6088، 6089، 6090.
(2) سورة آل عمران: آية (103)، وينظر تفسير الطبري (7/ 87) 7591، 7592، 7593.
(3) سورة الحج: آية (3)، وينظر تفسير الطبري (17/ 155)، والدر (6/ 46).
(4) سورة الروم: آية (28)، وينظر تفسير الطبري (21/ 38)، والدر (6/ 492).
(5) سورة البقرة: آية (266).
(6) تفسير الطبري (5/ 544) 6094، 6097، 6101، والدر (2/ 47)، وفتح القدير (1/ 288).
(7) تفسير الطبري (5/ 546) 6098، 6099، 6102، 6103، 6104، وتفسير عبد الرزاق (1/ 108)، والدر (2/ 48).
(8) تفسير الطبري (5/ 543) 6091.
(9) تفسير الطبري (5/ 543، 550).(2/1118)
ومن أمثلة ما تعرض الصحابة له لغموضه أيضا، ما جاء في قوله تعالى: {إِلََّا كَبََاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمََاءِ} (1)، فقد ورد عن علي بن أبي طالب وابن عباس روايات في ذلك، ثم تبعهم على ذلك مجاهد، وقتادة (2).
6 - وعند استعراض الروايات في بيان الأمثال التي جاءت عن التابعين، نلحظ أن أكثرهم تعرضا للأمثال بالبيان، والشرح، واستنباط الفائدة، هو قتادة، الذي غلب عليه المنهج الوعظي في ذلك، ففاق أقرانه في عدد الأمثال التي تعرض لها بالتأويل (3).
كما تميز أسلوبه بالبيان البليغ لمفردات، وتوضيح المفردات، والسر في ضرب المثل، فتميزت مروياته كمّا، وكيفا (4).
في حين كان مجاهد قد غلب عليه البيان المجمل لغامض المثل، مما جعل شرحه للمثل مختصرا.
وأما عطاء، وسعيد، وعكرمة، ومحمد بن كعب، فكان نتاجهم في باب الأمثال قليلا.
المقارنة بين تناول التابعين للأمثال، وبين تناول الصحابة أو أتباع التابعين لها:
وفيما يلي عرض لبعض الأمثلة للروايات الواردة عن التابعين في بيان بعض
__________
(1) سورة الرعد: آية (14).
(2) تفسير الطبري (16/ 400) 2029720286.
(3) بعد مراجعتي لأربعة وعشرين موضعا من أمثال القرآن، وجدت أن قتادة تكلم في (21) موضعا، ومجاهد في (14) موضعا، وغيرهم من التابعين دونهم في ذلك.
(4) يتضح هذا بمراجعة الآثار التالية في تفسير الطبري: 458، 459، 6040، 6088، 7591، 20293، 20219، (14/ 149)، ويتضح الفرق عند مقارنة بيانه ببيان غيره رحمه الله، وقد سبق تفصيل منهجه، واهتمامه بالأمثال في ترجمته ص (270).(2/1119)
الأمثال القرآنية، ومقارنتها بما جاء عن الصحابة وأتباع التابعين، والإحالة لمصادرها، علما أنني بحمد الله جمعت جلّ ما يتعلق بهذا البحث من تفسيري الطبري، والسيوطي، ومما يلاحظ أن الطبري رحمه الله لم يستوف كل الروايات عن التابعين في ذلك، وقد أتى السيوطي في الدر المنثور على جملة صالحة من ذلك، وطلبا للاختصار سأكتفي بعرض بعض الأمثلة، التي يظهر من خلالها الفرق بين شرح التابعين للمثل، وشرح غيرهم.
فعند تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمََاءِ فِيهِ ظُلُمََاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصََابِعَهُمْ فِي آذََانِهِمْ مِنَ الصَّوََاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللََّهُ مُحِيطٌ بِالْكََافِرِينَ (19) يَكََادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصََارَهُمْ} (1)، جاء تفسير هذا المثل عن أئمة التابعين بطرق مختلفة في كيفية تناولهم للمثل، فجاء تفسير المثل عن مجاهد بعبارة قصيرة، اقتصر فيها على شرح المفردات، مع تعدد الروايات عنه، ومنها أنه قال: إضاءة البرق، وإظلامه على نحو ذلك المثل (2).
وبنحو هذا الاختصار قال عطاء: مثل ضرب للكفار (3).
ومع طول الرواية الواردة عن ابن عباس فيه (4)، فقد جاءت عبارة صغار التابعين أطول، وأجمل، فعن الربيع أنه قال: مثلهم كقوم ساروا ليلة مظلمة، ولها مطر، ورعد، وبرق، على جادة، فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها، وإذا ذهب البرق تحيّروا، وكذلك المنافق، كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك تحيّر ووقع في
__________
(1) سورة البقرة: آية (19، 20).
(2) تفسير الطبري (1/ 349) 455، 456، 457.
(3) تفسير الطبري (1/ 351) 464.
(4) تفسير الطبري (1/ 348، 349) 453، 454.(2/1120)
الظلمة، فكذلك قوله: {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذََا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قََامُوا}، ثم قال في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس: {وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصََارِهِمْ} (1).
وأما قتادة فكانت عبارته أيضا طويلة، وهي أفصح، وأبلغ أثرا في نفوس السامعين من عبارة غيره، فقد ورد عنه أنه قال في المنافق إذا رأى الإسلام رخاء، أو طمأنينة، أو سلوة من عيش قال: أنا معكم، وأنا منكم، وإذا أصابته شديدة حقحق والله عنها، فانقطع به، فلم يصبر على بلائها، ولم يحتسب أجرها، ولم يرج عاقبتها (2).
وفي رواية عنه قال: أجبن قوم، لا يسمعون شيئا إلا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت، والله محيط بالكافرين.
ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال: {يَكََادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصََارَهُمْ كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}، يقول: هذا المنافق إذا كثر ماله، وكثرت ماشيته، وأصابته عافية قال: لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير، {وَإِذََا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قََامُوا}، يقول: وإذا ذهبت أموالهم، وهلكت مواشيهم، وأصابهم البلاء قاموا متحيرين (3).
وإذا أردنا أن نتعرف على كيفية تناول أتباع التابعين للمثل نجدها لا تختلف عن حال التابعين، فأكثرهم فسره بعبارة قصيرة، مثل الضحاك الذي قال: أما الظلمات
__________
(1) تفسير الطبري (1/ 350) 460.
(2) تفسير الطبري (1/ 350) 458.
والحقحقة: أرفع السير وأتبعه للظهر، ينظر: مختار الصحاح (147)، وغريب الحديث لابن عبيد القاسم بن سلام (4/ 388).
(3) تفسير الطبري (1/ 350) 459.(2/1121)
فالضلالة، والبرق الإيمان (1).
وجاء عن ابن زيد حيث قال: هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين، كانوا قد استناروا بالإسلام، كما استنار هذا بنور هذا البرق (2).
وأما ابن جريج فقال في بيان هذا المثل: ليس في الأرض شيء سمعه المنافق إلا ظن أنه يراد به، وأنه الموت كراهية له، والمنافق أكره خلق الله للموت، كما إذا كانوا بالبراز في المطر فرّوا من الصواعق (3).
وأما ما ورد عن الصحابة، فكان أميل للطول، فمن ذلك ما جاء من طريق السدي، عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قصة سبب نزول هذا المثل، وفيها طول وغرابة (4).
وجاء عن ابن عباس بيان المثل أنه: مثل للكافر (5)، وجاء عنه أنه: مثل للمنافق (6)، ومن ذلك رواية علي بن أبي طلحة عنه أنه قال: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمََاءِ} وهو المطر، ضرب مثله في القرآن {فِيهِ ظُلُمََاتٌ} يقول: ابتلاء، {وَرَعْدٌ} فيه تخويف، {وَبَرْقٌ}، {يَكََادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصََارَهُمْ} يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين، {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}، يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا، وإذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفار، يقول: {وَإِذََا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قََامُوا}، قاموا كقوله: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ}
__________
(1) تفسير الطبري (1/ 351) 461.
(2) تفسير الطبري (1/ 351) 462.
(3) تفسير الطبري (1/ 351) 463.
(4) تفسير الطبري (1/ 347) 452.
(5) تفسير الطبري (1/ 346) 451.
(6) تفسير الطبري (1/ 348) 452، 454.(2/1122)
{فَإِنْ أَصََابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصََابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى ََ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيََا وَالْآخِرَةَ ذََلِكَ هُوَ الْخُسْرََانُ الْمُبِينُ} (1)، وفي تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنََاهُ مِنََّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلََّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لََا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمََا أَبْكَمُ لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى ََ مَوْلََاهُ أَيْنَمََا يُوَجِّهْهُ لََا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2).
فقد ضرب الله في الآيات مثلين، وقد اختلف المفسرون في ذلك، فقيل: كلاهما مثل لله والآلهة التي تعبد من دونه، وهو قول مجاهد حيث قال: ضرب الله هذا المثل، والمثل الآخر بعده لنفسه، والآلهة التي تعبد من دونه (3).
وقيل: بل كلاهما مثل للمؤمن والكافر، وهو قول ابن عباس، فقد جاء عنه في المثل الأول: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ} يعني الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله، {وَمَنْ رَزَقْنََاهُ مِنََّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً} يعني المؤمن، وهذا المثل في النفقة (4)، وجاء عن ابن عباس في المثل الثاني: {وَضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمََا أَبْكَمُ لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى ََ مَوْلََاهُ} يعني بالأبكم الذي هو كلّ على مولاه الكافر، وبقوله: {وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}: المؤمن، وهذا المثل في الأعمال (5)، وفي رواية: أنه في مولى عثمان بن عفان الكافر (6).
وأما قتادة فقد جاءت عنه الرواية في المثل الأول بعبارة لطيفة، فقال: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ} هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه مالا فلم يقدم فيه
__________
(1) سورة الحج: آية (11)، والأثر أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 349) 454.
(2) سورة النحل: آية (7675).
(3) تفسير الطبري (14/ 199، 150)، والأمثال لابن القيم (205)، والدر المنثور (5/ 150).
(4) تفسير الطبري (14/ 149)، والأمثال لابن القيم (205).
(5) تفسير الطبري (14/ 151).
(6) تفسير الطبري (14/ 151).(2/1123)
خيرا، ولم يعمل فيه بطاعة الله، قال الله تعالى ذكره: {وَمَنْ رَزَقْنََاهُ مِنََّا رِزْقاً حَسَناً}
فهذا المؤمن أعطاه الله مالا، فعمل فيه بطاعة الله، وأخذ بالشكر، ومعرفة حق الله، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة، قال الله تعالى ذكره: {هَلْ يَسْتَوُونَ}، لا والله ما يستويان {الْحَمْدُ لِلََّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لََا يَعْلَمُونَ} (1).
ولم يرد عن قتادة في المثل الآخر شيء في تفسير الطبري.
وفي تفسير قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلى ََ شَفََا حُفْرَةٍ مِنَ النََّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهََا} (2)، شرحه السدي باختصار فقال: وكنتم على شفا حفرة من النار وأنقذكم منها محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: كنتم على طرف النار من مات منكم أو بقي في النار، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فاستنقذكم من تلك الحفرة (3).
واختصر الربيع في شرحه أيضا فقال: كنتم على الكفر بالله فأنقذكم منها، من ذلك، وهداكم إلى الإسلام (4).
وأما قتادة فقد توسع في شرحه مع عبارة بليغة، وعظيمة فصيحة، فقال: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودا، وأجوعه بطونا، مكعومين (5) على رأس حجر بين الأسدين، فارس والروم، لا والله ما في بلائهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات ردي في
__________
(1) تفسير الطبري (14/ 149)، وتفسير عبد الرزاق (2/ 359)، ومعاني القرآن للنحاس (4/ 91)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة بنحوه (5/ 150).
(2) سورة آل عمران: آية (103).
(3) تفسير الطبري (7/ 88) 7593، وفتح القدير (1/ 369).
(4) تفسير الطبري (7/ 88) 7592.
(5) كعمه الخوف فهو مكعوم: أمسك فاه، ومنعه من النطق، ينظر مجمل اللغة (3/ 786).(2/1124)
النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظا، أو أدق فيهم شأنا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك (1).
وفيما يلي عرض موجز لسائر الأمثلة القرآنية التي تتبعت فيها أقوال التابعين، مقارنا لها بما جاء عن الصحابة وأتباع التابعين، مقتصرا على وصف العبارة والإحالة لمرجعها خشية الإطالة، والله المستعان.
فعند قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} (2)، جاء شرحه مفصلا عن قتادة، في حين كان بيان مجاهد له مختصرا، وقد شرحه ابن عباس بشيء مفصل، واختصره الضحاك، ثم ابن زيد من أتباع التابعين (3).
وعند قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مََا بَعُوضَةً فَمََا فَوْقَهََا} (4)، جاء عن ابن عباس وابن مسعود شرح هذا المثل مع إيراد السبب، وشرحه مجاهد بالسياق، وشرحه قتادة بإيراد السبب، وكان شرح الربيع بعبارة سهلة جميلة (5).
وعند قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنََابِلَ} (6)، شرحه السدي بعبارة موجزة، والربيع بأطول منها، ثم من أتباعهم ابن زيد
__________
(1) تفسير الطبري (7/ 87، 88) 7591، وزاد المسير (1/ 433)، والدر المنثور (2/ 287).
(2) سورة البقرة: آية (17).
(3) تفسير الطبري (1/ 31243118) 397386.
(4) سورة البقرة: آية (26).
(5) تفسير الطبري (1/ 401398) 561504.
(6) سورة البقرة: آية (261).(2/1125)
والضحاك (1).
وعند قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوََانٍ عَلَيْهِ تُرََابٌ فَأَصََابَهُ وََابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً} (2).
وضحه ابن عباس باختصار، وكانت عبارة قتادة جميلة على اختصارها، وشابهتها عبارة الربيع، بينما فصّل السدي فيها القول بعبارة مليحة، ومن أتباعهم شرحها الضحاك باختصار، وكذلك ابن جريج، وشرحها ابن زيد بآية من القرآن (3).
وعند قوله تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصََابَهََا وََابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهََا ضِعْفَيْنِ} (4)، لم أجد فيها تفسيرا منقولا عن الصحابة، وقد فسرها السدي بعبارة مختصرة، في حين أطال قتادة في تفسيرها بعبارة جميلة، واختصر الربيع القول فيها جدا، وكذا من أتباعهم الضحاك (5).
وعند قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنََابٍ} (6)، جاء في شرح هذا المثل عبارات كثيرة عن الصحابة، وفيها طول، فجاء شرحه عن عمر رضي الله عنه، وقد أطال مجاهد النفس فيها على غير عادته، وكذلك السدي، وكانت عبارة قتادة وعظية فيها خطاب للسامعين، وقريب منها عبارة الربيع، وبنحو ذلك كانت عبارة أتباع التابعين كابن زيد، والضحاك (7).
__________
(1) تفسير الطبري (5/ 515512) 60316028.
(2) سورة البقرة: آية (264).
(3) تفسير الطبري (5/ 528526) 60466040.
(4) سورة البقرة: آية (265).
(5) تفسير الطبري (5/ 540539) 60906087.
(6) سورة البقرة: آية (266).
(7) تفسير الطبري (5/ 550543) 61046091.(2/1126)
وعند قوله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيََاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرََانَ لَهُ أَصْحََابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنََا} (1).
جاء شرحه مفصلا عن ابن عباس، وبنحوه السدي، في حين كانت عبارة مجاهد مختصرة، وذكر قتادة سبب النزول مقتصرا عليه (2).
وعند قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (3)، شرحه ابن عباس شرحا فيه شيء من التفصيل، في حين اختصر العبارة كل من قتادة، ومجاهد، والحسن، ومن أتباعهم شرحه ابن جريج بعبارة مختصرة جدا (4).
وعند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لََا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلََّا كَبََاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمََاءِ لِيَبْلُغَ فََاهُ وَمََا هُوَ بِبََالِغِهِ} (5)، جاء شرح هذا المثل عن علي بن أبي طالب، وابن عباس مختصرا، وجاء بيان مجاهد مختصرا، وبعبارة مخالفة، وشرحه قتادة شرحا مطولا جميلا، ووافقه ابن زيد (6).
وعند قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَسََالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهََا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رََابِياً وَمِمََّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النََّارِ ابْتِغََاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتََاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} (7)، جاء بيانه عن ابن عباس باختصار من طريق علي بن أبي طلحة، وبطول من طريق العوفي، واختصر شرحه مجاهد والحسن وعطاء، وأطال قتادة الشرح، والتفصيل، مبينا وجه الأمثال
__________
(1) سورة الأنعام: آية (71).
(2) تفسير الطبري (11/ 453452) 1342913422.
(3) سورة الأعراف: آية (176).
(4) تفسير الطبري (13/ 273272) 1544015435.
(5) سورة الرعد: آية (14).
(6) تفسير الطبري (16/ 402400) 2029720286.
(7) سورة الرعد: آية (17).(2/1127)
الثلاثة في الآية: زبد السيل، وزبد الحلية، وزبد المتاع، وما ينفع الناس من الثلاثة (1).
وعند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} (2)، فسر ابن عباس المثل ببيان غريب ألفاظه فحسب (3)، بينما فصّل الربيع المراد تفصيلا جميلا، واختصر بيانه ابن جريج من تابعيهم (4).
وعند قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كََانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} (5)، اكتفى المفسرون من الصحابة: كابن عباس، ومن التابعين: مجاهد، وقتادة، ومن أتباعهم كابن زيد، بأن فسروها أنها مكة، ولم يزيدوا على ذلك (6).
وعند قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَكَأَنَّمََا خَرَّ مِنَ السَّمََاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} (7)، لم أجد من تعرض له بالشرح إلا قتادة (8).
وعند قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (9)، لم يورد الطبري فيه روايات عن المفسرين، إلا رواية عن ابن عباس في شرح كلمتين من المثل، ورواية عن ابن زيد في بيانه باختصار (10).
__________
(1) تفسير الطبري (16/ 414410) 2032420311، والزيادة والإحسان (2/ 835)، النوع (138) تحقيق مصلح السامدي.
(2) سورة إبراهيم: آية (24).
(3) تفسير الطبري (16/ 566، 568) 2067320658.
(4) تفسير الطبري (16/ 568) 2069520677، وأخرج الطبري بعد ذلك (24) أثرا عن الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، لم تخرج عن بيان كون المراد به النخلة.
(5) سورة النحل: آية (112).
(6) تفسير الطبري: (14/ 185، 186).
(7) سورة الحج: آية (31).
(8) تفسير الطبري (17/ 155)، والدر المنثور (6/ 46).
(9) سورة الحج: آية (73).
(10) تفسير الطبري (17/ 203، 204).(2/1128)
بينما نجد في المقابل أن السيوطي قد نقل فيه عن ابن عباس، وعكرمة سبب نزوله، وعن السدي شرحا له (1).
وفي تفسير قوله تعالى: {اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ الْمِصْبََاحُ} (2).
جاءت روايات عديدة عن ابن عباس، في بيان مفردات المثل، وجاء شرحه عن أبيّ بن كعب شرحا مطولا، واقتصر مجاهد والحسن على عبارة مختصرة تدور حول بيان مفردات المثل، في حين شرحه قتادة بعبارة وعظية (3).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمََالُهُمْ كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مََاءً} (4)، اهتم ابن عباس بشرح هذا المثل، وكذلك أبيّ بن كعب، في حين اختصر مجاهد الشرح، والبيان، وفصّل قتادة تفصيلا يسيرا، بينما امتاز ابن زيد من أتباعهم بالشرح، والتفصيل (5).
وفي تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمََاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشََاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحََابٌ} (6)، شرحه أبيّ بن كعب شرحا جميلا، وجاء بعده قتادة، ثم ابن زيد، فتناولوه بالشرح أيضا بعبارات جزلة واضحة (7).
وفي تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللََّهِ أَوْلِيََاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ}
__________
(1) الدر المنثور (6/ 75).
(2) سورة النور: آية (35).
(3) الدر المنثور (6/ 200196).
(4) سورة النور: آية (39).
(5) تفسير الطبري (18/ 150149)، والدر المنثور (6/ 210209).
(6) سورة النور: آية (40).
(7) تفسير الطبري (18/ 150).(2/1129)
{اتَّخَذَتْ بَيْتاً} (1).
اختصر ابن عباس شرح المثل، وتبعه على هذا الاختصار قتادة، وابن زيد (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ مِنْ شُرَكََاءَ فِي مََا رَزَقْنََاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوََاءٌ تَخََافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (3).
لم أجد في تفسير هذه الآية إلا أثرا عن قتادة شرح شرحا مختصرا، في حين بينه ابن زيد تبيينا فيه شيء من التفصيل (4).
وجاء في تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكََاءُ مُتَشََاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ} (5).
جاء شرحه مطولا عن ابن عباس، في حين شرحه مجاهد باختصار، وجرى قتادة على عادته في العبارة الطويلة الماتعة، ومثله السدي (6).
وفي تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} (7).
جاء عن المفسرين في هذا المثل بيانه بذكر سبب النزول، أو بإيضاح المشكل، في حين انفرد قتادة بالعبارة التي فيها تعظيم للمثل (8).
__________
(1) سورة العنكبوت: آية (41).
(2) تفسير الطبري (20/ 152، 153)، والدر المنثور (6/ 463).
(3) سورة الروم: آية (28).
(4) تفسير الطبري (21/ 38، 48)، والدر المنثور (6/ 492).
(5) سورة الزمر: آية (29).
(6) تفسير الطبري (23/ 214)، الدر المنثور (7/ 224).
(7) سورة التحريم: آية (10).
(8) تفسير الطبري (28/ 170)، الدر المنثور (8/ 248).(2/1130)
9 - إقسام القرآن:
الأصل أن القسم بالشيء تعظيم له، ولذا فليس للإنسان أن يقسم بأحد إلا بالله سبحانه، والله سبحانه يقسم بمن يشاء من خلقه، ليبين لنا بذلك عظم المقسم به (1).
قال الحسن: إن الله يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله (2).
والأقسام التي في القرآن عامتها بالذوات الفاعلة، وغير الفاعلة، يقسم بنفس الفعل كقوله: {وَالصَّافََّاتِ صَفًّا (1) فَالزََّاجِرََاتِ زَجْراً (2) فَالتََّالِيََاتِ ذِكْراً} (3)، وكقوله: {وَالنََّازِعََاتِ} (4)، {وَالْمُرْسَلََاتِ} (5)، ونحو ذلك، وهو سبحانه تارة يقسم بنفس المخلوقات، وتارة بربها وخالقها، كقوله: {فَوَ رَبِّ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ} (6)، وكقوله: {وَمََا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ََ} (7)، وتارة يقسم بها وبربها (8).
فأما الأمور المشهودة الظاهرة كالشمس، والقمر، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها، وما أقسم عليه الرب عز وجل فهو من آياته، فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس (9).
وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب، وتارة يحذفه لظهوره ووضوحه، أو لتهويله وتعظيمه، وقد اعتنى التابعون بتفسير إقسام القرآن وبيان المراد
__________
(1) ينظر تيسير العزيز الحميد ص (461).
(2) الإتقان (2/ 170).
(3) سورة الصافات: الآيات (31).
(4) سورة النازعات: آية (1).
(5) سورة المرسلات: آية (1).
(6) سورة الذاريات: آية (23).
(7) سورة الليل: آية (3).
(8) مجموع الفتاوى (16/ 228، 229).
(9) مجموع الفتاوى (13/ 315).(2/1131)
به، وتوجيهه.
ففي قسم ربنا سبحانه: {وَهََذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (1).
جاء عن كعب، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وإبراهيم: أنها مكة البلد الحرام (2).
وعند قوله تعالى: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} (3)، فسرها مجاهد، وقتادة، وعطاء، بأنها مكة (4).
واهتم التابعون كذلك بالقسم المتقدمة عليه (لا) (5) إذا تتابع، نحو قوله تعالى: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ (1) وَلََا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوََّامَةِ} (6) فهل هو قسم في الموضعين!
فعن الحسن قال: أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوامة، وخالفه قتادة فقال: أقسم بهما جميعا، ورجحه الطبري (7).
وربما اشتبه القسم فوقع الاختلاف أيضا، نحو ما جاء في قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} (8).
فقد وقع الاشتباه: هل أقسم ربنا ب (ن)، أو (ن) حرف هجاء، أو اسم من أسماء
__________
(1) سورة التين: آية (3).
(2) تفسير الطبري (30/ 242)، وتفسير عبد الرزاق (3/ 373)، والدر المنثور (8/ 517، 518)، وفتح القدير (5/ 446).
(3) سورة البلد: آية (1).
(4) تفسير الطبري (30/ 196).
(5) باعتبار (لا) صلة، أو توكيدا، أورد لكلامهم، يراجع تفسير الطبري (29/ 172، 173).
(6) سورة القيامة: آية (1، 2).
(7) تفسير الطبري (29/ 173)، وينظر: زاد المسير (8/ 416)، وفتح القدير (5/ 235).
(8) سورة القلم: آية (1).(2/1132)
السورة، على أقوال، فممن فسرها بالقسم قتادة رحمه الله، فعنه في قوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} (1) قال: يقسم الله بما شاء (2).
أما موقع القسم وجوابه فقد يكون ظاهرا في القرآن، وقد يكون موضع اجتهاد، وأكثر من رأيت تعرضا لذلك من التابعين قتادة، ومن أمثلة ما جاء عنه ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمََاءِ ذََاتِ الْبُرُوجِ} (3)، اختلف المفسرون هل ذكر جواب القسم، أو لا (أي هل حذف وترك)، فاختار قتادة ذكره، فقال: وقع القسم هاهنا:
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (4).
وفي تفسير قوله سبحانه: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} (5)، يشير قتادة إلى جوابه في قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي كَبَدٍ}، فيقول: وقع القسم هاهنا (6).
وفي أقسام سورة الشمس المتتالية: {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا} (7)، يبين قتادة جواب القسم فيقول: قد وقع القسم هاهنا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} (8).
__________
(1) سورة القلم: آية (1).
(2) تفسير الطبري (29/ 16)، والدر المنثور (8/ 342).
(3) سورة البروج: آية (1).
(4) سورة البروج: آية (12)، والأثر في تفسير الطبري (30/ 135).
(5) سورة البلد: آية (1).
(6) سورة البلد: آية (4)، والأثر في تفسير الطبري (30/ 196)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة بزيادة في آخره (8/ 519).
(7) سورة الشمس: آية (1).
(8) سورة الشمس: آية (9)، والأثر في تفسير الطبري (30/ 212)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، بزيادة في أوله (8/ 529).(2/1133)
وفي جواب قسم قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ} (1)، وما بعده من الأقسام، قال قتادة: وقع القسم هاهنا: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتََّى} (2).
وفي جواب قسم قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ} (3)، وما بعدها، قال قتادة: وقع القسم هاهنا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (4).
10 - علم المناسبات:
المقصود بعلم المناسبات، هو الفن الذي يبحث في تناسب آي القرآن بعضها لبعض، وتناسب السور، ومناسبة الآية لموضوع السورة، ونحو ذلك، وقد أكثر المفسّر فخر الدين من ذلك، فقال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات، والروابط (5).
وقد قال ابن العربي في سراج المريدين: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى يكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني، منتظمة المباني، علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله لنا فيه، فلم نجد له حملة، ورأينا الخلق بأوصاف البطلة، ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله، ورددناه إليه (6).
فقد ذكر هنا ابن العربي ما معناه أن هذا العلم لم يتكلم فيه المفسرون الأوائل، فإن كان المقصد جمعه لكل الآيات في سورة، وبيان مناسبة هذه لتلك فمسلّم، وإن كان المقصود أنه لم يشر إليه أحد من السلف، فغير صحيح، فقد وجدت عدة روايات عن
__________
(1) سورة الليل: آية (1).
(2) سورة الليل: آية (4)، والأثر في تفسير الطبري (30/ 218)، وينظر الدر المنثور (8/ 534).
(3) سورة التين: الآيتان (1، 2).
(4) سورة التين: آية (4)، والأثر في تفسير الطبري (30/ 242)، والدر المنثور (8/ 554).
(5) الإتقان (2/ 138).
(6) البرهان (1/ 36)، والإتقان (2/ 138).(2/1134)
التابعين فيها كلام على ترتيب النظم، وأسرار ذلك، ووجدت روايات أكثر في أسرار ختم الآيات، ومناسبة الختم لأول الآية، وغير ذلك مما يأتي ذكره.
ولعل السبب في عدم إكثار التابعين من هذا الفن، أن بعضه يجيء تكلفا، وكان القوم من أبعد الناس عن التكلف، قال عز الدين بن عبد السلام (1): المناسبة علم حسن، ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر، قال: ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا برباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه (2).
والمقصود أن التابعين لم يغفلوا هذا الفن بلا كان كلامهم فيه من أرق ما يكون، وهو بمثابة القاعدة التي قام عليها بنيانه فيما بعد.
فمما جاء عنهم في ربط الآية بما قبلها من الآيات، ما جاء عن التابعين في تفسيرهم لقوله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهََا هََؤُلََاءِ فَقَدْ وَكَّلْنََا بِهََا قَوْماً لَيْسُوا بِهََا بِكََافِرِينَ} (3)، فقد فسروها بأن القوم الآخرين هم الأنصار، ولكن لم يرتض قتادة رحمه الله هذا القول نظرا لسياق الآيات، فسياقها في ذكر بعض النبيين، ولحاقها في الأمر بالاقتداء بهم، فتكون الآية في أهل مكة، والنبيين.
__________
(1) هو عبد العزيز بن عبد السلام المشهور بالعز، ولد سنة (577هـ)، وتوفي سنة (660هـ)، ينظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي (5/ 10780).
(2) البرهان (1/ 37)، وقد أشار بعده إلى أنه يمكن الرباط بين الآيات المختلفة النزول على حسب الوقائع، وينظر الإتقان (2/ 138).
(3) سورة الأنعام: آية (89).(2/1135)
قال قتادة: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهََا هََؤُلََاءِ} يعني: قوم محمد، ثم قال: {فَقَدْ وَكَّلْنََا بِهََا قَوْماً لَيْسُوا بِهََا بِكََافِرِينَ}، يعني النبيين الذي قصّ قبل هذه الآية قصصهم، ثم قال: {أُولََئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللََّهُ فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} (1).
ولما كان هذا تفسيرا للآية مع ملاحظة ترابطها بما قبلها، وما بعدها يعني في ذكر النبيين نجد أن الطبري رجح قول قتادة هذا، وقال معللا: وذلك أن الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى، وفي التي بعدها عنهم ذكر، فما بينها أن يكون خبرا عنهم أولى وأحق من أن يكون خبرا عن غيرهم (2).
ومن ملاحظة السياق في التفسير ما جاء في قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} (3) الآيات، فقد ورد عن ابن عباس، ومجاهد، والسدي أنها نزلت في قوم آمنوا بالنبي، ثم ارتدوا (4)، ولكن الحسن رحمه الله لاحظ أن الآيات قبلها في أهل الكتاب، وميثاق النبيين وغير ذلك، فربط هذه بتلك، فقال في تفسيرها: هم أهل الكتاب، كانوا يجحدون محمدا صلّى الله عليه وسلم في كتابهم، ويستفتحون به، فكفروا بعد إيمانهم.
ومال الطبري إليه، إلا أنه هاب مخالفة الأكثر الأعلم بتأويل القرآن، فاستجاز أن تكون الآيات نزلت في القوم المرتدين، فجمع الله قصتهم وقصة من كان سبيله مثلهم، فتكون الآية عامة (5).
__________
(1) سورة الأنعام: آية (90)، والأثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 213)، وذكره النحاس في معاني القرآن (2/ 455).
(2) تفسير الطبري (11/ 518).
(3) سورة آل عمران: الآيات (8986).
(4) تفسير الطبري (6/ 575) 7371، والدر المنثور (2/ 257)، وفتح القدير (1/ 359، 360).
(5) تفسير الطبري (6/ 575، 576)، والدر المنثور (2/ 258)، وفتح القدير (1/ 359).(2/1136)
وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللََّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهََالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولََئِكَ يَتُوبُ اللََّهُ عَلَيْهِمْ وَكََانَ اللََّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئََاتِ حَتََّى إِذََا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قََالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفََّارٌ أُولََئِكَ أَعْتَدْنََا لَهُمْ عَذََاباً أَلِيماً} (1).
قال الربيع: نزلت الأولى في المؤمنين، ونزلت الوسطى في المنافقين، يعني:
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئََاتِ}، والأخرى في الكفار، يعني: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفََّارٌ} (2).
فهنا ربط الربيع بين الآيات، ولاحظ أن ثمة معنى يجمع بينها وهو من تقبل توبته ومن لا تقبل، فلم يفسر كل جملة مستقلة عن الأخرى، بل جمع بين الآيتين، وبين ما فيهما من تقسيم وحصر شامل لكل هؤلاء.
وجاء أيضا عن أبي العالية في تفسير آيات المحرمات من النساء، وما قبلها وما بعدها في سورة النساء، أنه قال: يقول: انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وثلاث، ورباع، ثم حرم ما حرم من النسب والصهر، ثم قال: {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ}، فرجع إلى أول السورة، إلى أربع، فقال: هن حرام أيضا إلا بصداق وسنة وشهود (3)، فأبو العالية هنا أراد أن يربط قوله: {وَالْمُحْصَنََاتُ}
بما قبلها يعني أن النساء المحصنات اللائي يبحن، لا بد من استيفاء شروط العقد لئلا يعتل رجل بالآية الأولى فلا يشترط ذلك (4).
__________
(1) سورة النساء: آية (1817).
(2) تفسير الطبري (8/ 100) 8865، وفتح القدير (1/ 439).
(3) تفسير الطبري (8/ 159) 8899.
(4) وهذا إذا كان معنى (المحصنات) أي العفيفات، وأما إن كان معناه المتزوجات فلا يتأتى هذا التفسير، ويكون سياق الآيات أنه ذكر المحرمات بالنسب، والصهر، ثم ذكر تحريم المتزوجة، والله أعلم.(2/1137)
ومما جاء عن التابعين في ربط الآية بما جاء بعدها، ما جاء عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: {فَعَسَى اللََّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} (1).
فقال حينئذ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهََؤُلََاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللََّهِ جَهْدَ أَيْمََانِهِمْ} (2).
ويلاحظ أن مجاهدا ربط بين الآيات بكلمة واحدة، وهذا عهدنا به في اختصار جمل التفسير مع غزارة المعاني رحمه الله.
ومما ورد عن التابعين في ربط كلمات الآية الواحدة بعضها ببعض ما جاء عن يعلى ابن مسلم، قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية {لََا يُؤََاخِذُكُمُ اللََّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمََانِكُمْ وَلََكِنْ يُؤََاخِذُكُمْ بِمََا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمََانَ} قال: اقرأ ما قبلها، فقرأت: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحَرِّمُوا طَيِّبََاتِ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكُمْ} إلى قوله: {لََا يُؤََاخِذُكُمُ اللََّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمََانِكُمْ} (3)، قال: اللغو أن تحرم هذا الذي أحل الله لك، وأشباهه تكفر عن يمينك، ولا تحرمهم، فهذا اللغو الذي لا يؤاخذكم به، {وَلََكِنْ يُؤََاخِذُكُمْ بِمََا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمََانَ}، فإن مت عليه أخذت به (4).
وفي تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطََانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشََاءِ وَاللََّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} (5).
يربط قتادة بين الفحشاء والفقر، وبين المغفرة والفضل، فيقول: مغفرة
__________
(1) سورة المائدة: آية (52).
(2) سورة المائدة: آية (53)، وقراءة ترك الواو التي قرأها مجاهد: (يقول الذين آمنوا) هي قراءة أهل المدينة، كما نبه عليه الطبري، ينظر الأثر والتنبيه في تفسير الطبري (10/ 407) 12176.
(3) سورة المائدة: آية (89).
(4) أورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى أبي الشيخ (3/ 150).
(5) سورة البقرة: آية (268).(2/1138)
لفحشائكم، وفضلا لفقركم (1).
وفي سر ترتيب قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمََاتِ وَالنُّورَ} (2)، قال قتادة: فإنه خلق السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار (3).
وأما أسرار ختم الآيات، وائتلاف الفواصل، فقد أكثر التابعون منه، وإن كان جلّ ما جاء عنهم هو من باب التمكين (4).
فمما جاء عنهم ما ورد عند تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بََاغٍ وَلََا عََادٍ فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5)، قال سعيد بن جبير: غفور لما أكل إذ أحل له الحرام في الاضطرار (6).
ويفسّر الحسن البصري قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللََّهُ نَفْسَهُ وَاللََّهُ رَؤُفٌ}
__________
(1) تفسير الطبري (5/ 571) 6169، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، عن قتادة به (2/ 65).
(2) سورة الأنعام: آية (1).
(3) تفسير الطبري (11/ 250) 13041، وزاد المسير (3/ 2)، ومعاني القرآن للنحاس (2/ 398).
(4) قسّم العلماء فواصل القرآن إلى أربعة أشياء: التمكين، وهو أن يمهد قبل الفاصلة تمهيدا بحيث تأتي الفاصلة متعلقة بالكلام تعلقا تاما بدونه يضطرب المعنى، وإن كان قد تقدم لفظها بعينه في أول الآية سميت تصديرا، وإن كان في أثناء الصدر سميت توشيحا، وإن أفادت معنى زائدا بعد تمام معنى الكلام سمي إيغالا، ينظر البرهان (1/ 78، 79)، والإتقان (2/ 129).
(5) سورة البقرة: آية (173).
(6) تفسير ابن كثير (1/ 394)، وفتح القدير (1/ 170)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، عن سعيد بلفظ متقارب (1/ 408).(2/1139)
{بِالْعِبََادِ} (1)، فيقول: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه (2).
وجاء عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ فَتََابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوََّابُ الرَّحِيمُ} (3)، قال: (الرحيم): رحيم بهم بعد التوبة (4).
وحكي أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ: (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم)، ولم يكن يقرأ القرآن فقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه (5).
ولأجل ذا لما تعرض الربيع إلى تفسير هذه الآية: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَتْكُمُ الْبَيِّنََاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (6)، قال: عزيز في نقمته، حكيم في أمره (7).
فقد لاحظ الربيع ارتباط العزة والحكمة بما وقع منهم من الزلل.
ومن ذلك ما جاء عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله تعالى: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (8)، قال: العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء، والحكيم في عذره وحجته إلى عباده (9).
ويبين عطاء بن دينار فرقا دقيقا من أساليب الحصر والقصر في تفسير قوله
__________
(1) سورة آل عمران: آية (30).
(2) تفسير الطبري (6/ 321) 6844، وفتح القدير (1/ 333).
(3) سورة البقرة: آية (37).
(4) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 137) 419.
(5) الإتقان (2/ 129).
(6) سورة البقرة: آية (209).
(7) تفسير الطبري (4/ 260) 4031، وأورد هذا المعنى بلفظه السيوطي في الدر عن أبي العالية، وعزاه إلى ابن أبي حاتم به، وينظر الدر في الصفحات (1/ 335)، و (1/ 579)، و (2/ 144).
(8) سورة آل عمران: آية (6).
(9) تفسير الطبري (6/ 169) 6571.(2/1140)
تعالى: {وَالْكََافِرُونَ هُمُ الظََّالِمُونَ} (1)، فيقول: الحمد لله الذي قال: {وَالْكََافِرُونَ هُمُ الظََّالِمُونَ}، ولم يقل: (الظالمون هم الكافرون) (2).
فهذا الفهم الدقيق يبين أنه لو كانت الآية: والظالمون هم الكافرون لكان أكثر الناس قد كفروا لأن أكثر الناس قد ظلموا.
11 - المصاحف والأداء:
سبق في مبحث منهج التابعين في القراءات أن جمع المصحف في كتاب واحد كان في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه، أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر (3).
وقد أخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، وأمر بجمع القرآن، فكان أول من جمعه في المصحف (4).
وهذا يحمل على أنه أشار بجمعه، ولما وقع الاختلاف بين الناس، وفق الله عثمان رضي الله عنه أن يأمر بتحويله إلى المصاحف، على القراءة الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك (5).
وأما من جمع القرآن في صدره في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت روايات عن التابعين تسمية أربعة منهم، أو ستة، ففي صحيح البخاري عن قتادة قال: سألت أنس ابن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة كلهم من الأنصار:
__________
(1) سورة البقرة: آية (254).
(2) تفسير الطبري (5/ 385) 5762.
(3) البرهان (1/ 235)، والإتقان (1/ 76).
(4) الإتقان (1/ 77).
(5) البرهان (1/ 235)، والإتقان (1/ 79).(2/1141)
أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وفي رواية مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد (1)، قال البيهقي: الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد، وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبو الدرداء، وعثمان، وقيل عثمان، وتميم الداري (2).
وعن الشعبي: جمعه ستة نفر: أبي، وزيد، ومعاذ، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد، وأبو زيد، ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين، أو ثلاثة، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد غير عثمان (3).
وقد وجه الذهبي أثر الشعبي هذا بأن المراد الذين عرضوه على النبي صلى الله عليه وسلم واتصلت بنا أسانيدهم. وأما من جمعه منهم ولم يتصل بنا فكثير (4).
وقد ذكر ابن حجر ثماني طرق للتوجيه غير هذا، وزاد عليها وجهين آخرين (5).
وقد استمر الحال بالمسلمين على الحفظ حتى استحرّ القتل بالقراء فأشار عمر على أبي بكر فجمعه الجمع الأول المشار إليه سابقا، ثم خاف حذيفة اختلاف الناس فأشار على عثمان بالجمع الثاني وكان بمحضر من الصحابة، إلا أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يرتض ذلك المصحف واستمر على مصحفه، بل كان يقول: يا أهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها فإن الله يقول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمََا غَلَّ يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (6)،
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (9/ 46) 5003، 5004.
(2) البرهان (1/ 241)، والفتح (9/ 52).
(3) المعرفة (1/ 487)، والبرهان (1/ 241).
(4) البرهان (1/ 242).
(5) تراجع في الفتح (9/ 51).
(6) سورة آل عمران: آية (161).(2/1142)
فالقوا الله بالمصاحف. قال الزهري: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة ابن مسعود رجال أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (1).
ثم صار المسلمون ينتسخون المصاحف من المصاحف العثمانية التي وجّه بها عثمان إلى الأمصار.
وكانت المصاحف أول الأمر خالية من التنقيط والإعراب (الشكل) حتى تشتمل القراءات بالأحرف المختلفة، وما اختلف في الرسم بزيادة واو أو لام ونحو ذلك، كتب في أحد المصاحف بوجه وفي آخر بوجه آخر، ولأجل ألّا يختلط القرآن بغيره كره الصحابة وضع أي كتابة في المصاحف غير الآيات، فعن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كره التعشير في المصحف (2)، والتعشير هو وضع العلامات بعد كل عشر آيات، وقد استمر التابعون على هذا المنهج، فورد كراهة التعشير عن عطاء، وإبراهيم، ومجاهد، وابن سيرين، وغيرهم (3).
وكان إبراهيم يقول: جردوا القرآن ولا تخلطوا عليه ما ليس منه (4)، ومعنى جردوا أي من النقط والإعراب وما أشبههما (5).
واستمر هذا الحال بالتابعين حتى رأوا مصلحة التنقيط، فمنهم من أجازه بعد
__________
(1) رواه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن (5/ 285) 3104.
(2) المصنف لابن أبي شيبة (10/ 548) 10290، والمصنف لعبد الرزاق (4/ 322)، والمحكم في نقط المصاحف (14)، وفضائل القرآن لابن الضريس (84).
(3) مصنف ابن أبي شيبة (10/ 548، 549)، وإحياء علوم الدين (1/ 283)، وفضائل القرآن لابن الضريس (84).
(4) المصنف لابن أبي شيبة (2/ 489)، والمصاحف (156)، وشعب الإيمان (5/ 598) 2424، وفضائل القرآن لأبي عبيد (39).
(5) النهاية في غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 256).(2/1143)
كالحسن، وابن سيرين (1).
وكذلك كانوا يكرهون بيع المصاحف للآثار الواردة عن الصحابة في كراهة ذلك، ثم رأوا أن المصلحة اقتضت ذلك، فتغير اجتهاد بعضهم تبعا لذلك، فأجاز الحسن بيعها بعد كراهته لذلك (2).
وقد بلغ اهتمام التابعين أن شرعوا بأمر الحجاج في عدّ حروف القرآن.
عدد السور:
وأما عدد سوره فكانت عند جمهورهم (114) سورة، وقد ورد عن مجاهد أنها (113) سورة (3) لأنه كان يجعل الأنفال والتوبة سورة واحدة لعدم البسملة فيهما، وقريب من ذلك سعيد بن جبير، فإنه لما كان يعد السبع الطوال كان يعد منها يونس، فكأنه جعل الأنفال مع براءة سورة واحدة، ويرده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم كلا منها (4).
عدد الحروف:
وقد بعث الحجاج بن يوسف إلى قراء البصرة فجمعهم، واختار منهم الحسن البصري، وأبا العالية، وآخرين، وقال: عدّوا حروف القرآن، فبقوا أربعة أشهر يعدّون بالشعير، فأجمعوا على أن كلماته (77439) كلمة، وأجمعوا على أن عدد حروفه (323015) حرفا (5)، وعن مجاهد (323021) حرفا، وفي رواية (340740) حرفا (6)، وسبب هذا الاختلاف أن الكلمة لها حقيقة ورسم، والقراءات
__________
(1) المحكم في نقط المصاحف (21)، وفضائل القرآن لأبي عبيد (240).
(2) المصاحف (177).
(3) البرهان (1/ 251)، وإحياء علوم الدين (1/ 283).
(4) البرهان (1/ 251)، و (1/ 244).
(5) البرهان (1/ 249).
(6) البرهان (1/ 249).(2/1144)
تختلف في زيادة بعض الحروف ونقصانها، فأدى إلى هذا الاختلاف (1).
تحزيب القرآن:
وأما تحزيب القرآن، فإن القرآن قد نزل سورا عديدة منها الطويل ومنها القصير، وكان ذلك لتيسير الحفظ والتلاوة.
ويشير قتادة إلى أن حكمة ذلك أيضا تحقيق كون السورة بمفردها معجزة، وآية من آيات الله، وغير ذلك من الحكم (2).
ولذا فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقسمون تلاوتهم بحسب السور بترتيب المصحف لأن ترتيبه محكم، قال الحسن عن الفاتحة: إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن، ثم أودع القرآن في المفصّل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن تعلم تفسير جميع الكتب المنزلة.
ولذا قال السيوطي: افتتح سبحانه كتابه بهذه لأنها جمعت مقاصد القرآن، ولذلك كان من أسمائها أم القرآن وأم الكتاب (3).
ولهذا فإن تقسيم الصحابة كان بالسور، فعن أوس بن حذيفة أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحزّب القرآن، قال: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده (4).
ولما ظهر عد الآيات والكلمات في عهد الصحابة، ظهر تحزيب جديد بالعواشر
__________
(1) البرهان (1/ 255)، وفنون الأفنان لابن الجوزي (236، 237).
(2) مفتاح السعادة (3295).
(3) أسرار ترتيب القرآن (73).
(4) رواه ابن ماجة في كتاب الإقامة، باب في كم يستحب أن يختم (1/ 427، 428).(2/1145)
والأسباع، فكان من المهتمين بذلك قتادة، فكان له عواشر، وأسباع، فعن همام قال:
جاءني سعيد بن أبي عروبة فطلب مني عواشر القرآن عن قتادة، فقلت له: أنا أنسخه لك وأرفعه إليك (1).
وعن قتادة قال: إن أسباع القرآن سبع: الأول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطََانِ كََانَ ضَعِيفاً} (2)، والثاني: {إِلى ََ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (3)، والثالث: {نَبِّئْ عِبََادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذََابِي هُوَ الْعَذََابُ الْأَلِيمُ} (4)، والرابع: خاتمة المؤمنين، والخامس:
خاتمة سبأ، والسادس: خاتمة الحجرات، والسابع: ما بقي (5)، ولا شك أن تحزيب الصحابة أولى وأبعد عن قطع صلة الآيات بعضها ببعض، والله تعالى أعلم (6).
معرفة أسماء السور:
وقد اهتم التابعون كذلك بمعرفة أسماء السور، ولبعض السور عدة أسماء، حتى قيل: إن للفاتحة نيفا وعشرين اسما، وقد ورد عن ابن سيرين أنه كان يكره أن يقول:
(أم الكتاب)، قال: ويقرأ قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتََابِ} (7)، ولكن يقول: فاتحة الكتاب، والجمهور على الجواز (8).
__________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 273).
(2) سورة النساء: آية (76).
(3) سورة الأنفال: آية (36).
(4) سورة الحجر: آية (49، 50).
(5) الناسخ والمنسوخ لقتادة (51)، وفنون الأفنان (45).
(6) يراجع في أفضلية تحزيب الصحابة، وبيان أحسن التحزيب: مجموع الفتاوى (13/ 405 417).
(7) سورة الرعد: آية (39).
(8) وبنحوه عن الحسن، ذكر ذلك القرطبي في تفسيره (1/ 111).(2/1146)
وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال، قال: تلك سورة بدر (1).
وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة، قال: التوبة! بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل: وفيهم، ومنهم، حتى ظننا أن لا يبقى منا أحد إلا سينزل فيه (2).
وعن زيد بن أسلم أن رجلا قال لابن عمر: سورة التوبة، فقال: وأيتهنّ سورة التوبة فقال: براءة، فقال: وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هي ما كنا ندعوها إلا المقشقشة (3).
وعن قتادة قال: كانت تسمى هذه السورة (أي التوبة) الفاضحة، فاضحة المنافقين (4).
وعن قتادة في سورة النحل قال: (تسمى سورة النّعم) (5).
وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال: قل: سورة بني النضير (6).
قال ابن حجر: كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة، وإنما المراد هاهنا إخراج بني النضير (7).
__________
(1) الإتقان (1/ 72)، وأسئلة ابن جبير مجموعة في حديث واحد في فضائل القرآن لأبي عبيد (135).
(2) زاد المسير (3/ 389)، والدر المنثور (4/ 160)، وفتح القدير (2/ 332).
(3) الإتقان (1/ 72).
(4) تفسير الطبري (14/ 332) 16909.
(5) الإتقان (1/ 72).
(6) زاد المسير (8/ 201)، والدر المنثور (8/ 88).
(7) الإتقان (1/ 73).(2/1147)
وكان ابن سيرين يكره تسمية (الحواميم)، ويقول: إنما هي (آل حم) (1).
الأداء:
ولم تقتصر همة التابعين على إتقان الرسم، ومعرفته، بل هدى ذلك إلى الأداء، فكان الحسن يكره القراءة بالألحان.
واهتموا كذلك بالوقف والابتداء، فعن الشعبي قال: إذا قرأت: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ} (3) فلا تسكت حتى تقرأ: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} (4).
وفي قوله تعالى: {لََا فََارِضٌ وَلََا بِكْرٌ عَوََانٌ بَيْنَ ذََلِكَ} (5)، جاء أن سعيد بن جبير كان يستحب أن يسكت على {بِكْرٌ}، ثم يقول: {عَوََانٌ بَيْنَ ذََلِكَ} (6).
وعن عبد الله بن أبي الهذيل (تابعي كبير) قال: كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآيات، ويدعوا بعضها (7).
يريد أنهم كانوا يقفون على كل آية (8).
ولشدة حرصهم على التلقي كانوا يتحرون في لفظ القراءة ألا تنسب لرجل لأن القرآن كلام الله، قال النخعي: كانوا يكرهون أن يقولوا: قراءة عبد الله، وقراءة سالم، وقراءة أبي، وقراءة زيد، بل يقال: فلان كان يقرأ بوجه كذا، وفلان كان يقرأ بوجه
__________
(1) البرهان (1/ 444).
(2) زاد المعاد (1/ 134).
(3) سورة الرحمن: آية (26).
(4) الدر المنثور (7/ 698)، وصحح إسناده في الإتقان (1/ 110).
(5) سورة البقرة: آية (68).
(6) الدر المنثور (1/ 190).
(7) الإتقان (1/ 115).
(8) الإتقان (1/ 115).(2/1148)
كذا (1).
وفي أوجه الأداء أيضا حدث الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء، قال: يعني بالألف والياء: التفخيم والإمالة (2).
وجاء في باب الإدغام بعض نقل عن الحسن، والأعمش (3).
وبعد هذا كله، فقد حاولت فيما سبق إبراز جهود التابعين في بيان أصول التفسير، والتي اعتمد عليها من جاء بعدهم في تأسيس الكثير من علوم القرآن، وقد بقي من ذلك جملة كبيرة في أنواع أخرى غير ما تقدم ذكره، وإن كانت النقول عنهم أقل مما سبق في الجملة، ولكن لإتمام الفائدة أذكر بعض الأنواع التي لم يتقدم لها ذكر، مع إشارة لبعض الآثار عن التابعين فيها، فمن ذلك:
معرفة الحضري والسفري مما نزل:
ففي قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا} (4).
فعن الزهري أنها نزلت في عمرة الحديبية (5)، وعن السدي: أنها نزلت في حجة الوداع (6).
وعن محمد بن كعب القرظي قال: نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة، والمدينة (7).
__________
(1) الإتقان (1/ 109)، ونقل عن النووي أن الصحيح أنه لا يكره.
(2) الإتقان (1/ 120).
(3) ينظر في الإتقان (1/ 123).
(4) سورة البقرة: آية (189).
(5) الإتقان (1/ 24).
(6) الإتقان (1/ 24).
(7) فضائل القرآن لأبي عبيد (128)، والإتقان (1/ 25)، والدر المنثور (3/ 3)، وفتح القدير (2/ 3).(2/1149)
وعن قتادة في قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} (1) الآية، قال: ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة السابعة، حين أراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به فأطلعه الله على ذلك (2).
ما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة:
عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال: سبحانك هذا بهتان عظيم، فنزلت كذلك (3).
وعن سعيد بن المسيب قال: كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئا من ذلك قالا: سبحانك هذا بهتان عظيم، زيد بن حارثة، وأبو أيوب، فنزلت كذلك (4).
وعن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في أحد خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حي، قالت:
فلا أبالي أن يتخذ الله من عباده الشهداء، فنزل القرآن على ما قالت: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدََاءَ} (5).
ما تأخر حكمه عن نزوله:
عن قتادة في قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (6) قال: وعده الله، وهو يومئذ بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر (7).
__________
(1) سورة المائدة: آية (11).
(2) الدر المنثور (3/ 38)، والإتقان (1/ 20).
(3) الإتقان (1/ 46).
(4) الإتقان (1/ 46).
(5) سورة آل عمران: آية (140)، وينظر الدر المنثور (2/ 333)، والإتقان (1/ 47).
(6) سورة القمر: آية (45).
(7) الإتقان (1/ 48)، والدر المنثور (7/ 682).(2/1150)
وفي قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعََا إِلَى اللََّهِ وَعَمِلَ صََالِحاً} (1).
قال عكرمة: نزلت في المؤذنين (2).
ما نزل مفرقا، وما نزل جمعا:
عن مجاهد قال: نزلت الأنعام كلها جملة واحدة، معها خمسمائة ملك (3).
وعن عطاء قال: أنزلت الأنعام جميعا، ومعها سبعون ألف ملك (4).
ما نزل مشيعا:
ومنها سورة الأنعام كما تقدم فيما نزل جمعا، وعن سعيد بن جبير قال: ما جاء جبريل بالقرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة (5).
ما أنزل من القرآن على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن السدي في سورة (والنجم) قال: إن هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى مثل ما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم (6).
وقد جاء عن كعب في هذا الباب عدة روايات وآثار لعلمه بالتوراة.
فمن ذلك أنه قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطي أربع آيات لم يعطهن موسى، وإن موسى أعطي آية لم يعطها محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر من الآيات التي أعطيت لمحمد خواتيم سورة
__________
(1) سورة فصلت: آية (33).
(2) الإتقان (1/ 49)، والدر المنثور (7/ 325)، وفتح القدير (4/ 515).
(3) الإتقان (1/ 50)، والدر المنثور (3/ 244).
(4) الإتقان (1/ 50)، والدر المنثور (3/ 245).
(5) أورده السيوطي في الإتقان، وصحح إسناده (1/ 51).
(6) الإتقان (1/ 52).(2/1151)
البقرة (1).
وعنه أيضا مما نزل على موسى في التوراة عشر آيات من سورة الأنعام: بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ} الآيات (2).
ومن آداب تلاوته وتأليفه:
جاء عن مكحول في وقت القراءة قوله: كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرءون القرآن في سبع، وبعضهم في شهر، وبعضهم في شهرين، وبعضهم في أكثر من ذلك (3).
وكره الشعبي القراءة في الحش، وبيت الرحا، وهي تدور (4).
وكان إبراهيم النخعي إذا قرأ: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} (5)، و {وَقََالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللََّهِ مَغْلُولَةٌ} (6)، كان يخفض بها صوته (7).
وإذا ارتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فلا يسأل كيف كذا وكذا، فعن إبراهيم النخعي قال: إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول: كيف كذا أو كذا فإنه يلبس عليه (8).
__________
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد (123)، والإتقان (1/ 52).
(2) الآيات (154151) من سورة الأنعام، والأثر أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (147)، وينظر الإتقان (1/ 52).
(3) الإتقان (1/ 138).
(4) الإتقان (1/ 138).
(5) سورة التوبة: آية (30).
(6) سورة المائدة: آية (64).
(7) الإتقان (1/ 141).
(8) الإتقان (1/ 143).(2/1152)
وينبغي أن يقرأ المصحف على الترتيب، فعن ابن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها، ويأخذ في غيرها، قال: ليتق أحدكم أن يأثم إثما كبيرا، وهو لا يشعر (1).
وعن ابن عون قال: كان ابن سيرين يكره أن يقرأ الرجل القرآن إلا كما أنزل، يكره أن يقرأ ثم يتكلم ثم يقرأ (2).
وكانوا يجتمعون على ختم القرآن، فعن مجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، ويقول: عنده تنزل الرحمة (3).
وعن الحكم به عتيبة قال: أرسل إليّ مجاهد، وعنده ابن أبي أمامة وقالا: إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن (4).
معاني بعض الأدوات التي يحتاج إليها المفسر:
جاء عن السدي، عن أبي مالك قال: ما كان في القرآن (إن) بكسر الألف فلم يكن، وما كان (إذ) فقد كان (5).
وعن مجاهد قال: كل شيء في القرآن (إن) فهو إنكار (6).
وعن مجاهد: كل (ظن) في القرآن يقين (7).
__________
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد (96)، والإتقان (1/ 144).
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد (97).
(3) الإتقان (1/ 145).
(4) الإتقان (1/ 145)، والزيادة والإحسان (3/ 209) النوع (42)، تحقيق: محمد صفا.
(5) الإتقان (1/ 192)، والزيادة والإحسان (1/ 121) النوع (144) تحقيق: خالد اللاحم.
(6) الإتقان: (1/ 202)، والزيادة والإحسان (1/ 173) النوع (144) تحقيق: خالد اللاحم.
(7) الإتقان (1/ 213)، ورد بنحو قوله: {إِنْ ظَنََّا أَنْ يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} ونحوها، والظاهر أنه يفيد اليقين إذا جاء بعده (أن) المثقلة، ينظر الزيادة والإحسان (1/ 247) النوع (144) تحقيق: خالد اللاحم.(2/1153)
وعن السدي، عن أبي مالك قال: كل ما في القرآن (فلولا)، فهو فهلّا، إلا حرفين في يونس: {فَلَوْلََا كََانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهََا إِيمََانُهََا} (1)، يقول: فما كانت قرية، وقوله: {فَلَوْلََا أَنَّهُ كََانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (2).
وفي فهم التابعين للتبعيض من (من) جاء عن مجاهد أنه قال: لو قال إبراهيم:
فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لزاحمتكم عليه الروم وفارس (3).
ومن معرفة إعراب القرآن:
جاء عن الحسن أنه قيل له: يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته، قال: يا ابن أخي تعلمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعي بوجهها فيهلك فيها (4).
وجاء عنهم ترجيح بعض القراءات، وسبق بيانه (5).
ومن موهم الاختلاف في القرآن:
ما جاء عن السدي في الجمع بين نفي المسألة يوم القيامة في قوله: {فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلََا يَتَسََاءَلُونَ} (6)، وإثباتها في قوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ}
__________
(1) سورة يونس: آية (98)، وينظر الإتقان (1/ 228)، والزيادة والإحسان (1/ 327) النوع (144) تحقيق: خالد اللاحم، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن أبي حاتم، عن أبي مالك بنحوه (4/ 391).
(2) سورة الصافات: آية (143).
(3) الإتقان (1/ 231)، والزيادة والإحسان (1/ 343) النوع (144) تحقيق: خالد اللاحم.
(4) الإتقان (1/ 235)، والزيادة والإحسان (2/ 456) النوع (33) تحقيق: محمد صفا.
(5) في مبحث منهجهم في القراءات ص (748) من هذه الرسالة.
(6) سورة المؤمنون: آية (101).(2/1154)
{يَتَسََاءَلُونَ} (1)، فقد جاء عنه أن نفي المسألة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط، وإثباتها فيما عدا ذلك (2).
ومن دلالة المنطوق:
ما حكي عن محمد بن كعب القرظي: في إباحة صوم الجنب استدلالا بالإشارة في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} (3) إذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبا في جزء من النهار (4).
وفي بيان كنايات القرآن:
جاء عن مجاهد في قوله تعالى: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبََارَهُمْ} (5).
قال: يعني أستاههم، ولكن الله يكني (6).
وفي معرفة إيجاز القرآن والإطناب:
جاء عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} (7)، ثم وقف فقال: إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من
__________
(1) سورة الصافات: آية (50).
(2) الإتقان (2/ 36)، والزيادة والإحسان (ق / 138/ أ) النوع (105)، والدر المنثور (6/ 116)، وفتح القدير (3/ 501).
(3) سورة البقرة: آية (187).
(4) الإتقان (2/ 42)، والزيادة والإحسان (ق / 136/ أ) النوع (102).
(5) سورة الأنفال: آية (50).
(6) الإتقان (2/ 62)، الدر المنثور (4/ 81)، وفتح القدير (2/ 318).
(7) سورة النحل: آية (90).(2/1155)
معصية الله شيئا إلا جمعه (1).
ويوضح ابن شهاب ذلك في معنى حديث الشيخين: «بعثت بجوامع الكلم» (2)
قال: بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد، والأمرين ونحو ذلك (3).
ومن بدائع القرآن:
في معرفة اللف والنشر بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد ثم يذكر أشياء على عدد ذلك، كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم، ويفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به (4).
جاء عن مجاهد في {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ} (5)، {وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ} (6)، فسّر السائل بالسائل عن العلم، فناسب أن يرجع إلى قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} (7).
ومن العلوم المستنبطة من القرآن:
جاء عن الحسن أنه قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، وأودع علومها أربعة منها:
التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان، ثم أودع علوم القرآن المفصل، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم
__________
(1) شعب الإتقان (2/ 71)، والدر المنثور (5/ 160)، وفتح القدير (3/ 189).
(2) رواه البخاري في كتاب التعبير، باب المفاتيح في اليد، ينظر الفتح (12/ 400) 7013، ورواه مسلم في كتاب المساجد (1/ 371) 523.
(3) الإتقان (2/ 71).
(4) الإتقان (2/ 120).
(5) سورة الضحى: آية (7).
(6) سورة الضحى: آية (10).
(7) الإتقان (2/ 120)، وزاد المسير (9/ 160).(2/1156)
تفسير جميع الكتب المنزلة (1).
وقد وجه ذلك بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن، وقامت بها الأديان أربعة:
علم الأصول، ومداره على معرفة الله تعالى وصفاته، وإليه الإشارة ب {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}، ومعرفة النبوات، وإليه الإشارة ب {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ومعرفة المعاد، وإليه الإشارة ب {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيََّاكَ نَعْبُدُ}، وعلم السلوك، وهو حمل النفس على الآداب الشرعية، والانقياد لرب البرية، وإليه الإشارة ب {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، وعلم القصص، وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية، ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه، وإليه الإشارة بقوله:
{صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ}. فنبه في الفاتحة على مقاصد القرآن، وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال، مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة، والمقاطع المستحسنة، وأنواع البلاغة (2).
وعن سعيد بن جبير قال: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله (3).
وفي معرفة ما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب: فمن أخبار الأنبياء:
ما جاء عن الحسن أن يوسف عليه السلام ألقي في الجب وهو ابن ثنتي عشرة سنة، ولقي أباه بعد الثمانين، وتوفي وله مائة وعشرون (4).
__________
(1) شعب الإيمان (2/ 681)، والإتقان (2/ 136، 160)، والزيادة والإحسان (3/ 819) النوع (41)، تحقيق: محمد صفا.
(2) الإتقان (2/ 136)، وروح المعاني (1/ 36)، والزيادة والإحسان (3/ 820) النوع (41) تحقيق: محمد صفا.
(3) الإتقان (2/ 160).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك، في كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين (2/ 571).(2/1157)
وفي شعيب عليه السلام: جاء عن السدي وعكرمة قالا: ما بعث الله نبيا مرتين إلا شعيبا مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة، ومرة إلى أصحاب الأيكة، فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة. ويصف كعب داود عليه السلام فيقول: كان أحمر الوجه، سبط الرأس، أبيض الجسم، طويل اللحية فيها جعودة، حسن الصوت والخلق، وجمع له النبوة والملك (1).
وفي مدة لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت قال قتادة: ثلاثة، وقال الشعبي:
التقمه ضحى، ولفظه عشية (2).
وينسب سعيد بن جبير اليسع، فيقول: هو ابن أخطوب بن العجوز، قال: والعامة تقرؤه بلام واحدة مخففة (3).
ومن أسماء غير الأنبياء التي جاءت في القرآن:
قال السدي: إن بشرى هو الاسم الوارد المذكور في قوله تعالى: {يََا بُشْرى ََ هََذََا غُلََامٌ} (4).
وعن السدي في قوله: {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} (5)، قال: السجل: ملك موكل بالصحف (6).
__________
(1) الإتقان (2/ 178)، والزيادة والإحسان (ق / 194/ أ) النوع (133).
(2) الإتقان (2/ 178)، والزيادة والإحسان (ق / 194/ أ) النوع (133).
(3) وقرأ بعضهم والبيّع بلامين وبالتشديد، ينظر الإتقان (2/ 179).
(4) سورة يوسف: آية (19)، وينظر معاني القرآن للنحاس (3/ 405).
(5) سورة الأنبياء: آية (104).
(6) الإتقان (2/ 180)، والزيادة والإحسان (ق / 133/ ب) النوع (133)، وزاد المسير (5/ 395).(2/1158)
وعن مجاهد في قوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ} (1)، قال: قعيد: اسم كاتب السيئات (2).
وجاء عن مجاهد أن (آزر) ليس أبا إبراهيم (3).
وفي أسماء إبليس، جاء عن سعيد بن جبير: أن اسم إبليس كان الحارث، وكذا قال السدي (4).
ومن أسماء القبائل والأقوام:
أصحاب الرس: قال عكرمة: هم أصحاب ياسين، وقال قتادة: هم قوم شعيب (5).
ومن أسماء الأصنام:
الجبت والطاغوت: قال عكرمة عنهما: إنهما صنمان (6).
واللات: قال مجاهد عنه: إنه كان رجلا يلتّ السويق للحاج (7).
وفي معرفة الأماكن والبقاع والجبال:
جاء عن الحسن في طوى: أنه واد بفلسطين قيل له: طوى لأنه قد مدّ مرتين (8).
والرقيم: جاء عن سعيد بن جبير أنه واد، وعن قتادة، هو اسم الوادي الذي في
__________
(1) سورة (ق): آية (17).
(2) الإتقان (2/ 180)، والزيادة والإحسان (ق / 133/ ب) النوع (133).
(3) الإتقان (2/ 181)، والزيادة والإحسان (ق / 133/ ب) النوع (133).
(4) الطبري (13/ 307، 313) 15511، 15525، والإتقان (2/ 181).
(5) الإتقان (2/ 181)، والزيادة والإحسان (ق / 133/ ب) النوع (133).
(6) الإتقان (2/ 181)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133).
(7) الإتقان (2/ 181)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133).
(8) الإتقان (2/ 182)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133).(2/1159)
الكهف (1).
وفي قوله تعالى: {سَيْلَ الْعَرِمِ} (2)، جاء عن عطاء أنه اسم الوادي (3)، وفي قوله: {وَغَدَوْا عَلى ََ حَرْدٍ قََادِرِينَ} (4)، جاء عن السدي بلاغا أن اسم القرية حرد (5).
وفي قوله: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (6)، جاء عن ابن جبير أنها: أرض باليمن تسمى بذلك (7).
ومن الأسماء الأخروية:
موبقا: المذكور في قوله: {وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً} (8)، قال عكرمة: هو نهر في النار (9).
وعن كعب قال: في النار أربعة أودية يعذب الله بها أهلها: غليظ وموبق، وأثام وغي (10).
__________
(1) الإتقان (2/ 182)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133).
(2) سورة سبأ: آية (16).
(3) الإتقان (2/ 182)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133)، الدر المنثور (6/ 690)، وفتح القدير (4/ 320).
(4) سورة القلم: آية (25).
(5) الإتقان (2/ 182)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133)، وفتح القدير (5/ 272).
(6) سورة القلم: آية (20).
(7) تفسير الطبري (29/ 31)، والإتقان (2/ 182)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ أ) النوع (133).
(8) سورة الكهف: آية (52).
(9) الإتقان (2/ 183)، والدر المنثور (5/ 405)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(10) الإتقان (2/ 183)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).(2/1160)
والسعير: قال ابن جبير: واد من قيح جهنم (1).
وفي معرفة المبهمات:
قال السيوطي: وكان من السلف من يعتني به كثيرا، قال عكرمة: طلبت الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة (2).
وفي تفسير قوله تعالى: {إِذْ قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} (3)، قال مجاهد: هو موسى (4).
وعند تفسير قوله تعالى: {فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (5)، قال قتادة: هم: أبو سفيان، وأبو جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن ربيعة (6).
وفي قوله: {وَفِيكُمْ سَمََّاعُونَ لَهُمْ} (7)، قال مجاهد: هم عبد الله بن أبي بن سلول، ورفاعة بن التابوت، وأوس بن قيظي (8).
وفي قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} (9)، قال قتادة: سبعة من الأنصار، وذكرهم (10).
__________
(1) الإتقان (2/ 183)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(2) الإتقان (2/ 184)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(3) سورة البقرة: آية (246).
(4) الإتقان (2/ 186)، والزيادة والإحسان (ق / 13/ ب) النوع (133).
(5) سورة براءة: آية (12).
(6) الإتقان (2/ 186)، وتفسير عبد الرزاق (2/ 268)، وفتح القدير (2/ 342)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(7) سورة براءة: آية (47).
(8) الإتقان (2/ 186)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(9) سورة براءة: آية (102).
(10) الإتقان (2/ 186)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).(2/1161)
وقوله: {أَفَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً لََا يَسْتَوُونَ} (1)، قال كعب: نزلت في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة (2).
وقوله: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} (3)، قال السدي: هما رجلان من بني حارثة، وذكرهما (4).
وقوله: {قُلْ لِأَزْوََاجِكَ وَبَنََاتِكَ} (5)، قال عكرمة: كان تحته تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة، وصفية، وميمونة، وزينب بنت جحش، وجويرية. وبناته: فاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم (6).
وفي قوله: {طَعََامُ الْأَثِيمِ} (7)، قال ابن جبير: هو أبو جهل (8).
وفي قوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلََامٍ عَلِيمٍ} (9)، قال الكرماني: أجمع المفسرون على أنه إسحق، إلا مجاهدا فإنه قال: إسماعيل (10).
__________
(1) سورة السجدة: آية (18).
(2) الإتقان (2/ 188)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(3) سورة الأحزاب: آية (13).
(4) الإتقان (2/ 188)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133)، وزاد المسير (6/ 360).
(5) سورة الأحزاب: آية (59).
(6) الإتقان (2/ 188)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(7) سورة الدخان: آية (44).
(8) الإتقان (2/ 188)، والدر المنثور (7/ 418)، والزيادة والإحسان (ق / 134/ ب) النوع (133).
(9) سورة الذاريات: آية (28).
(10) الإتقان (2/ 189)، وفتح القدير (5/ 88)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد به (7/ 620).(2/1162)
وفي قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتََابِ يَشْتَرُونَ الضَّلََالَةَ} (1)، قال عكرمة: نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت، وذكر آخرين (2).
وفي قوله: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ} (3).
قال السدي: نزلت في جماعة منهم نعيم بن مسعود الأشجعي (4).
وفي قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللََّهُ عَلَيْهِمْ} (5).
قال السدي: نزلت في عبد الله بن نبتل من المنافقين (6).
ومن مفردات القرآن:
أشد الآيات على النبي: قال الحسن: ما أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية كانت أشد عليه من قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللََّهُ مُبْدِيهِ} (7).
أخوف آية: عن ابن سيرين قال: لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية:
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنََّا بِاللََّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (8).
وعن أبي العالية قال: آيتان في كتاب الله ما أشدهما على من يجادل فيه: {مََا}
__________
(1) سورة النساء: آية (44).
(2) الإتقان (2/ 189)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، عن عكرمة به (2/ 553).
(3) سورة النساء: آية (91).
(4) الإتقان (2/ 190)، وفتح القدير (1/ 497)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي بنحوه (2/ 614).
(5) سورة المجادلة: آية (14).
(6) الإتقان (2/ 192)، وزاد المسير (8/ 196).
(7) سورة الأحزاب: آية (37)، والأثر أخرجه ابن أبي حاتم، ينظر الإتقان (2/ 207).
(8) سورة البقرة: آية (8)، والأثر أخرجه ابن المنذر، ينظر الإتقان (2/ 207).(2/1163)
{يُجََادِلُ فِي آيََاتِ اللََّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} (1)، {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتََابِ لَفِي شِقََاقٍ بَعِيدٍ} (2).
ومن خواص القرآن:
عن سعيد بن جبير أنه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرئ (3).
وأجاز الحسن ومجاهد كتابة القرآن في إناء، ثم يغسل، ويسقى المريض به، وكرهه النخعي لأجل تعظيم القرآن (4).
وبلغ من تعظيم ابن سيرين للخط أن كان يكره أن تمد الباء إلى الميم حتى نكتب السين (5).
وكان ابن المسيب يقول: لا يقول أحدكم: مصيحف، ولا مسيجد، ما كان لله تعالى فهو عظيم (6).
ومن بيان شرف التفسير والحاجة إليه:
استدل مجاهد، وأبو العالية، وقتادة، على شرف التفسير بأنه الحكمة التي قال الله
__________
(1) سورة غافر: آية (4).
(2) سورة البقرة: آية (176)، والأثر أخرجه ابن أبي حاتم، ينظر الإتقان (2/ 207).
(3) فضائل القرآن لابن الضريس (168)، والإتقان (2/ 210)، والزيادة والإحسان (3/ 766) النوع (40) تحقيق: محمد صفا.
(4) المجموع للنووي (1/ 476)، والبرهان (2/ 171)، والإتقان (2/ 212)، والزيادة والإحسان (3/ 1024) النوع (45) تحقيق: محمد صفا، ومفتاح السعادة (2/ 572).
(5) أخرجه ابن أشتة في المصاحف، ينظر الإتقان (2/ 218)، والزيادة والإحسان (2/ 423) النوع (51)، تحقيق: عبد الرحمن العندس.
(6) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، ينظر الإتقان (2/ 221).(2/1164)
تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشََاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (1)، قال:
فالحكمة قراءة القرآن، والتفكر فيه (2).
__________
(1) سورة البقرة: آية (269).
(2) تفسير الطبري (5/ 576، 577) 61816178، وينظر الإتقان (2/ 224)، والزيادة والإحسان (2/ 935) النوع (142) تحقيق: مصلح عبد الكريم السامدي، وزاد المسير (1/ 324)، وفتح القدير (1/ 291).(2/1165)
الخاتمة
والآن وبعد هذا العيش مع عصر التابعين، وبعد هذه الجولة في تفسيرهم، ومعرفة أشهر رجاله، والاطلاع على مناهجهم واتجاهاتهم، ومدارسهم، وخصائصها، يحسن بي أن ألخص أهم الثمار التي جنيتها وأبرز النتائج التي توصلت إليها.
إن طبيعة البحث في مثل هذا الموضوع أمر ليس بالهين، وإن جمع شتات عصر كامل من بين أوراق ومجلدات جهد غير سهل، وأحسب أن مثل هذا العمل، وهذه الدراسة المقارنة تحتاج إلى جهود علمية كبيرة، وأشعر أن بحثي هذا أس في بناء، ونبتة تستوجب العناية للنماء، وبداية تستوجب الرعاية.
إنه محاولة لبيان منهج وأسلوب، ليس جديدا، وإنما هو عميق ومفيد، ألا وهو منهج المقارنة، والذي لم يخض غماره وخاصة في التفسير إلا القليل من الباحثين.
وحسبي أني شاركت وسرت خلف ركاب النجب ذا عرج، سائلا الله أن يقوّم ما بي من عوج، لأتشبه بالكرام لعلي أفلح، وأحب الصالحين وأسأل الله أن يجعلني منهم، ويرزقني الإخلاص في القول والعمل.
لقد عشت في بحثي هذا خمس سنين، لم أكلّ، ولم أملّ، جمعت ورتبت، وأضفت وحذفت، ودرست وقارنت، اطلعت على علوم كثيرة، وبحوث عديدة، وعشت بوجداني مع هذا البحث، حتى لازمني ليلا ونهارا، وحضرا وسفرا، بل لا أكون قد بالغت إن قلت: ويقظة ونوما.
وإنني أحمد الله وحده الذي بفضله تتم الصالحات، فإني ما مررت بمبحث إلا وقد
طالعت فيه ما أكسبني علما جديدا، ومعرفة أخرى، وهذا من مزايا هذه البحوث العلمية المتخصصة، والمراجع لهذه الرسالة يجد بحمد الله جملة أحسبها طيبة من النتائج التي لم أعثر عليها عند من سبقني إليها، ويعلم الله وحده كم كلفني ذلك من جهد ووقت وكدّ ذهن، ومقارنة ونظر وتأمل، ومتابعة وتدقيق، أسأل الله عز وجل أن تكون خالصة صوابا.(2/1167)
وإنني أحمد الله وحده الذي بفضله تتم الصالحات، فإني ما مررت بمبحث إلا وقد
طالعت فيه ما أكسبني علما جديدا، ومعرفة أخرى، وهذا من مزايا هذه البحوث العلمية المتخصصة، والمراجع لهذه الرسالة يجد بحمد الله جملة أحسبها طيبة من النتائج التي لم أعثر عليها عند من سبقني إليها، ويعلم الله وحده كم كلفني ذلك من جهد ووقت وكدّ ذهن، ومقارنة ونظر وتأمل، ومتابعة وتدقيق، أسأل الله عز وجل أن تكون خالصة صوابا.
وقد وصلت في هذا البحث بتوفيق الله وعونه وتسديده إلى عدة نتائج وفوائد أستخلص منها بعضا، من أهمها:
1 - مدارس التفسير:
لقد خلصت من خلال الدراسة لأعلام المفسرين من التابعين إلى أن هناك مدارس، جمعت اتجاهات فكرية محددة، ومناهج واحدة في التفسير، وهي المكية، والبصرية، والكوفية، والمدنية، وأيضا المصرية والشامية واليمنية، وكان ظني لأول وهلة أن المكان هو العامل الرئيس لتحديد هوية المدرسة، ولكن ما لبثت أن استبعدت ذلك لما رأيت تقاربا بين مدارس البصرة والمدينة واليمن والشام، في حين تقاربت مدرستا مكة والكوفة ومصر، فلو كان عامل المكان هو العامل الأساسي لكانت المدرستان العراقيتان أولى بالتقارب كما ظنه من ظنه من الباحثين.
واقتضى مني ذلك أن أبحث عن عوامل أخرى لذلك، وتوصلت إلى أن عدة عوامل تؤثر في الاتجاه الفكري للمدرسة، منها المكان وإن لم يكن العامل الأساسي كما أسلفت، ومنها والله أعلم ولعله الأهم عامل شخصية الشيخ، وقرب التلاميذ منه، وكثرة أخذهم عنه، لقد كان أثر شخصية ابن عباس مثلا أثرا قويا تعدى نطاق الحجاز، فأثر في كثير من مفسري العراق، فالسدي وإن كان كوفيا فإنه بسبب كثرة اشتغاله بتفسير ابن عباس وروايته نجده قد تأثر بالمنهج المكي أكثر، وكذلك الحال بالنسبة
لسعيد بن جبير الكوفي، ونلحظ ذلك التأثر في كثرة مروياته وموافقاته لابن عباس، في حين قلّت مروياته عن شيخ الكوفة ابن مسعود.(2/1168)
واقتضى مني ذلك أن أبحث عن عوامل أخرى لذلك، وتوصلت إلى أن عدة عوامل تؤثر في الاتجاه الفكري للمدرسة، منها المكان وإن لم يكن العامل الأساسي كما أسلفت، ومنها والله أعلم ولعله الأهم عامل شخصية الشيخ، وقرب التلاميذ منه، وكثرة أخذهم عنه، لقد كان أثر شخصية ابن عباس مثلا أثرا قويا تعدى نطاق الحجاز، فأثر في كثير من مفسري العراق، فالسدي وإن كان كوفيا فإنه بسبب كثرة اشتغاله بتفسير ابن عباس وروايته نجده قد تأثر بالمنهج المكي أكثر، وكذلك الحال بالنسبة
لسعيد بن جبير الكوفي، ونلحظ ذلك التأثر في كثرة مروياته وموافقاته لابن عباس، في حين قلّت مروياته عن شيخ الكوفة ابن مسعود.
فإذا انتقلنا إلى البصرة فإننا نجد أن أبا العالية أقرب إلى منهج المدرسة المكية منه إلى المدرسة البصرية.
وقد لا يكون التأثر بشخصية الشيخ، وإنما يكون بالمنهج نفسه، فعطاء وإن كان من المدرسة المكية إلا أنه أقرب إلى المنهج المدني وأهل الأثر، وابن سيرين البصري كان يؤثر منهج الشعبي الكوفي ويرضى عنه، ولم يكن هذا حاله مع أهل بلده كالحسن، ولا مع كوفي آخر كإبراهيم.
* ومن جهة أخرى رأيت أنه مع قلة الاتصال بين ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وعدم رواية ابن عباس عنه، فإن التقارب كان كبيرا بين أصحاب المدرستين، بل يمكن أن يقال: أن المدرسة المكية أكثر المدارس تأثيرا في عموم مفسري التابعين، من نشأ بها ومن لم ينشأ بها، فأبو العالية البصري مثلا أقرب فيما ظهر لي من عطاء إلى المدرسة المكية، وجابر بن زيد، والسدي، وسعيد بن جبير كما سبق مكيو المشرب والتصنيف.
* ولقد بدا لي أن يكون تصنيف المدارس على أسس الاتجاهات الفكرية في التفسير، لا على المكان، فتكون هناك مدرسة المجتهدين وتشمل: مجاهدا، والحسن، وعكرمة.
وهناك المدرسة الأثرية، ويكون من أصحابها أهل المدينة كسعيد بن المسيب، وعروة، وكذلك قتادة، وعطاء، والشعبي، وسعيد بن جبير.
* ومن النتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة أيضا مما يتعلق بالمدارس: إبراز مدرسة البصرة بوصفها مدرسة مستقلة لها نتاجها المتميز في التفسير، وقد دأب
الباحثون فيما اطلعت عليه أن يدمجوها مع الكوفة، ويتحدثون عن المدرستين باسم المدرسة العراقية، مما ترتب عنه إغفال إفرادها بالحديث، وإهمال النظر في منهجها، مع أنها لا تقل شأنا عن مدرسة الكوفة، بل هي في نظري أهم منها لأن نتاجها التفسيري أكثر وأعمق، ناهيك عن أن من الكوفيين المكثرين من هو مكي الاتجاه كسعيد بن جبير، والسدي.(2/1169)
* ومن النتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة أيضا مما يتعلق بالمدارس: إبراز مدرسة البصرة بوصفها مدرسة مستقلة لها نتاجها المتميز في التفسير، وقد دأب
الباحثون فيما اطلعت عليه أن يدمجوها مع الكوفة، ويتحدثون عن المدرستين باسم المدرسة العراقية، مما ترتب عنه إغفال إفرادها بالحديث، وإهمال النظر في منهجها، مع أنها لا تقل شأنا عن مدرسة الكوفة، بل هي في نظري أهم منها لأن نتاجها التفسيري أكثر وأعمق، ناهيك عن أن من الكوفيين المكثرين من هو مكي الاتجاه كسعيد بن جبير، والسدي.
* ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أنني لم أجد نتاجا واضحا متميزا للمدارس المصرية والشامية واليمنية، بل كان ما ورد عنها مع قلته جدا إنما هو اقتداء واتباع لإحدى المدارس الأربع الأخرى، ولذا رأيت أن لا أتكلف لها مميزات، وتجنبا للإطالة أو الحشو.
* ومما يستفاد من دراسة هذه المناهج، معرفة الطرق والمسالك التي سار فيها سلفنا الأبرار، للسير على خطاهم، والنسج على منوالهم من جهة، ومن جهة أخرى لإعطاء أفق واسع لطلاب هذا العلم، لمعرفة مدارس التفسير السابقة ومناهجها التي درج الناس على دربهم، فالمدرسة المكية اعتنت بالجانب الحرفي المعرفي فغلب على تفسيرهم إيضاح الغامض وبيان المبهم إلخ، وكان لهذا المنهج أثر فيما تلا عصر التابعين من عصور، فوجدنا من كتب التفسير كتبا اعتنت باللغة والبلاغة وإيضاح المشكل، أكثر من عنايتها بالجوانب الأخرى، كتفسير أبي حيان، والزمخشري، وغيرهما، في حين جاءت مدرسة البصرة لتعتني بجانب الدعوة والوعظ، ففصلت القول في آيات الوعد والوعيد، والقصص والأمثال لتبين للناس المراد من الآية وكيف توجه، وما حال الناس معها، من اتبع وآمن، ومن خالف واعرض!
ودرج على ذلك كثير من المفسرين كتفسير الثعلبي الكشف والبيان، وما كتب الزهد والوعظ عن ذلك ببعيد، بل وكتب التفسير المتأخرة ككتاب سيد قطب، وغيره.(2/1170)
وأما المدرسة الكوفية فقد غلب عليها التفسير الفقهي إن صحت التسمية، فاهتمت بآيات الأحكام وما يتعلق بها من حلال، وحرام، وفرض، وأمر، ونهي، ونحو ذلك، وكان من المتأخرين من جمع في تفسيره جملة كبيرة من هذا، بل إن القرطبي سمى تفسيره بالجامع لأحكام القرآن. وأحجمت ثالثة، وتركت هذا كله، وانشغلت بالرواية المسندة المرفوعة، أو الموقوفة، ولم تتعداها إلا في القليل والذي يكاد يكون كله في آيات الأحكام، كالمدرسة المدنية، ومن المفسرين المتأخرين من جمع شيئا من ذلك كالسيوطي في خاتمة كتابه الإتقان.
فليست مناهج اليوم واتجاهاته بدعا جديدا من المناهج، بل هي في أصولها ترجع لمدارس التابعين، فمناهج مدارس التابعين تجاوزت زمانهم وامتدت بظلالها إلى أزمنة كثيرة جاءت بعد ذلك، فالمشرب واحد، والمناهج متأصلة، والدراسة متقاربة.
* بقيت بعض النتائج المتعلقة بالمدارس كالخصائص العامة لكل مدرسة، رأيت أن أذكرها عند ذكر أئمة كل مدرسة في عرض النتائج المتعلقة بأئمة التفسير من التابعين.
2 - أئمة التفسير:
لقد خرجت من بحثي هذا بنتائج عامة وخاصة فيما يتعلق بأئمة التفسير.
فأما النتائج العامة، فقد لاحظت مدى التأثير البيئي على المفسرين من التابعين.
* فالبيئة أو البقعة التي كان فيها قليل من الصحابة، كان هذا له أثر معاكس في انتشار علم المفسرين من التابعين، فالتابعون في المدرسة المكية والمدرسة البصرية كان نتاجهم التفسيري أكثر من التابعين المنتسبين للمدرسة الكوفية والمدنية.
ولا يرد على هذا قلة المروي عن أصحاب ابن مسعود الملازمين له إذ يعتبرون من أقل التابعين آثارا في العلم عامة، وفي التفسير خاصة لأن سبب ذلك يرجع إلى تقدم وفاتهم، فقد عاشوا في طبقة متقدمة، وماتوا بين الستين والسبعين، لذا نسب علمهم
إلى من حمله عنهم كإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وغيرهما.(2/1171)
ولا يرد على هذا قلة المروي عن أصحاب ابن مسعود الملازمين له إذ يعتبرون من أقل التابعين آثارا في العلم عامة، وفي التفسير خاصة لأن سبب ذلك يرجع إلى تقدم وفاتهم، فقد عاشوا في طبقة متقدمة، وماتوا بين الستين والسبعين، لذا نسب علمهم
إلى من حمله عنهم كإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وغيرهما.
* ومن آثار التأثير البيئي أيضا: انشغال أهل كل ناحية بما يتردد عندهم، وينشغل به عامة أهلها، فأهل المدينة كان أثرهم في الجانب الروائي واضحا، ولا سيما في القراءة حيث قلت عندهم القراءة الشاذة لأن المصاحف كتبت بالمدينة، وكذلك في السير لأنها كانت عندهم.
وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد، فكان لهم من العلم بمسائل وآيات الجهاد ما ليس لغيرهم.
وتميز المكيون بالعلم بمسائل الحج والمناسك، ولا سيما عطاء.
وقد أثرت البيئة أيضا في بعض الاتجاهات، فرمي قتادة والحسن بالقدر، وكان الانحراف في مسائله متفشيا في البصرة، وكان السدي عنده شيء من التشيع، وهو مذهب الشعبي، قبل أن يرجع عنه، بل فشا التشيع في الكوفة حتى عم بعضا من رواة الأحاديث كما سبق بيانه.
وأما النتائج الخاصة التي تتعلق بأئمة التفسير، فيمكن إجمالها في النقاط الآتية:
أالتأثر بالشيوخ:
* كلما كانت مصادر التلميذ كثيرة، وتعدد شيوخه، كان تقيده بمنهج مدرسته أقل.
فمجاهد وعكرمة كان أخذهم وعنايتهم بابن عباس أكثر، ولذا التزموا بمنهجه في التفسير.
بخلاف سعيد بن جبير، وعطاء، وهما من نفس المدرسة لأنهما أخذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر رضي الله عن الجميع، وعن المدنيين، ولذا تأثروا بهم فكان
اتباعهم للمنهج المكي أقل.(2/1172)
بخلاف سعيد بن جبير، وعطاء، وهما من نفس المدرسة لأنهما أخذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر رضي الله عن الجميع، وعن المدنيين، ولذا تأثروا بهم فكان
اتباعهم للمنهج المكي أقل.
* ومن جهة أخرى فإنه كلما كان الشيخ أميل للاجتهاد وتربية أصحابه عليه، برز فيهم ذلك، وهذا حال ابن عباس مع تلاميذه مجاهد وعكرمة.
أما تلاميذ عبد الله فقد حذوا نهجه في التورع وعدم الانطلاق في هذا الجانب، فلم يكن الاجتهاد واضحا في أئمة المدرسة الكوفية حتى جاءت طبقة صغار التابعين، والطبقة التي تليها من أتباع التابعين، فكثر عندهم الاجتهاد في التفسير، بينما كانت الطبقة الصغرى في مكة راوية فحسب للمجتهدين من أئمة التفسير المكيين.
* ومن جانب آخر افترق التابعون في نشر علم شيوخهم، فاختص عكرمة مثلا بأن كان أكثر من نقل علم ابن عباس من المدرسة المكية، لكن عكّر عليه ما رمي به من الأهواء، فصار سعيد بن جبير أضبط منه، في حين كان مجاهد من أقلّهم رواية عن شيخه ابن عباس.
وكان الشعبي أبرز من اعتمد أقوال الصحابة في التفسير.
ب الرواية:
لقد اختلفت مناهج التابعين في الاعتناء بالرواية في التفسير، فكان أكثرهم عناية بتفسير القرآن بالسنة قتادة الذي استغنى بمحفوظه عن مجهوده، والذي ضرب به المثل في الحفظ والإتقان، وكذا الحسن الذي عاش في المدينة في بداية عمره فتأثر بالمنهج الأثري فيها.
ومنهم من نقل تفسير غيره حرفيا، ولم يزد عليه شيئا كبيرا، كالربيع بن أنس، والسدي، وكان اعتمادهما على ما أخذاه عن الصحابة أو عن كبار التابعين.
وكان أبو العالية أيضا يميل للرواية، وسبق أن عكرمة أكثر من الرواية عن ابن
عباس، واشتغل بذلك، وإن كان سعيد بن جبير أكثر قبولا وضبطا منه، إلا أن عناية عكرمة بأسباب النزول كانت أكثر، ويعد إبراهيم أقلهم اعتناء بالأثر والرواية فيما ظهر لي، ومن أكثرهم اشتغالا بفقه الرأي.(2/1173)
وكان أبو العالية أيضا يميل للرواية، وسبق أن عكرمة أكثر من الرواية عن ابن
عباس، واشتغل بذلك، وإن كان سعيد بن جبير أكثر قبولا وضبطا منه، إلا أن عناية عكرمة بأسباب النزول كانت أكثر، ويعد إبراهيم أقلهم اعتناء بالأثر والرواية فيما ظهر لي، ومن أكثرهم اشتغالا بفقه الرأي.
ومع ميل الحسن وقتادة للرواية فإنهما أهملا عمدا رواية الإسرائيليات، ولا سيما الحسن الذي كان يرى أنه لا ينبغي لمؤمن أن يأخذ دينه من أهل الكتاب، مع أنه من الوعّاظ الذين يجدون غالبا مجالا للرواية القصصية في الإسرائيليات.
وفي المقابل نجد السدي من أكثرهم توسعا وتساهلا في روايتها والتفسير بها.
ج التفسير بين الاجتهاد والورع:
يعد مجاهد من أكثرهم اجتهادا في التفسير، ومن أكثرهم تفرغا وانقطاعا له، يليه عكرمة مولى ابن عباس الذي اشتغل بنقل تفسير شيخه وروايته، مع إعمال عقله وفكره في التفسير، وكثرة اشتغاله به.
ويأتي بعدهم الحسن الذي مع جمعه وحفظه لكثير من النصوص، إلا أنه اجتهد فيما لم يجد فيه نصا.
وجاء رابعهم فيما ظهر لي سعيد بن جبير، إلا أن مروره بالكوفة وسماعه من أهلها من أسباب قلة اجتهاده في هذا، وأما قتادة فقد كان النصيب الأوفى للأثر والرواية وحفظ ما سمعه من حديث وأثر، فأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصحابة، وروى عن كثير من التابعين، لا سيما ما سمعه من شيخه الحسن، فأعانه كل هذا على التقدم في هذا الباب وكثرة الآثار والروايات عنه.
أما بقية مفسري التابعين من الكوفيين والمدنيين خاصة فقد تشددوا في هذا الباب، فقلّ نتاجهم فيه.(2/1174)
د التخصص:
من النتائج التي ظهرت لي في بحثي هذا، أن مفهوم التخصص كان موجودا في عصر التابعين، وإن كان في أفراد منهم، فقد وجدت أن الذين تفرغوا للتفسير وانقطعوا له هم: مجاهد، وقتادة، والحسن، والسدي، وعكرمة، وابن جبير.
وغلب على غيرهم الفقه وغيره من العلوم.
ويعد مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ممن فرغوا أنفسهم للتفسير، ولازموا شيخهم، وأكثروا من النقل عنه في هذا الباب خاصة، وتميز مجاهد بأنه استفرغ علمه القرآن، فكان أكثرهم استخداما لتفسير القرآن بالقرآن، وعني به أيما عناية، ولذا نجد له ما يزيد على ستة آلاف رواية في التفسير، في حين لا نجد له في الحديث أو الفقه إلا قليلا.
ويقترب عكرمة من مجاهد في تفرغه للتفسير، إلا أن مجاهدا تميز بوجود تلاميذ تخصصوا في رواية التفسير عنه، كما تميز ببعده عن التلبس بالأهواء والآراء التي كانت من الأسباب الرئيسة في تجنب بعضهم تفسير عكرمة.
ولم يكن التفسير هو العلم الذي ظهر فيه تخصصهم فحسب، بل ظهر تخصص بعضهم في علوم شتى.
فقد ذهب عليهم الحسن بالمواعظ، وذهب عطاء بالمناسك (1)، وأعلمهم بالطلاق وآيات الأحكام ابن المسيب، ولا سيما أنه كان قاضيا، ويقرب منه إبراهيم، وأثر هذا التخصص في تفسيرهم.
وقد ظهر لي من آثار التخصص خروج بعضهم عن الظاهر، فكان أكثرهم مخالفة للظاهر مجاهد، ثم الحسن، فعكرمة، إلا أن مجاهدا وعكرمة إنما خالفوا الظاهر بحكم
__________
(1) هذه عبارة العلل لأحمد (1/ 942) 140.(2/1175)
إقدامهم على الاجتهاد، في حين كانت مخالفة الحسن بسبب غلبة الوعظ عليه، وحرصه على تنزيه الأنبياء والملائكة، لذا لم يكن يرى أن ابن نوح هو ابنه لصلبه، وكذا والد إبراهيم، وأنكر أن يكون إبليس من الملائكة، ونحو ذلك كما تقدم تفصيله، وفي المقابل فإننا نجد من لم يتخصص في التفسير، أقلهم مخالفة للظاهر، وتعرضا للمشكل، كما اتضح ذلك عند الشعبي وعطاء.
هـ اللغة وعبارة التفسير:
لقد لاحظت كذلك اختلاف عبارات التفسير بين المفسرين، واختلاف تناولهم للغة، فقد فاق البصريون ولا سيما الحسن وقتادة التابعين في ذلك، وكان قتادة أقدرهم على استعمال اللغة، ولا سيما أنه عربي قحّ، وأما الحسن فقد اعتنى بالغريب والفصيح أكثر من غيره، وهو أحسنهم وأجملهم عبارة في التفسير، وأبلغهم في التأثير بها لأجل غلبة الوعظ عليه.
في حين كانت عبارات مجاهد متميزة بأنها أخصر عباراتهم على كثرة ما يروى عنه في التفسير.
والعناية بتفسيرهم ونشره:
لقد لاحظت كذلك أن من أسباب نشر علم التابعين أو عدم نشره، هو أن منهم من كان إمام عامة وخاصة، يتصدر ويستفتى وحلقته عامرة، فكثر النقل عنه، ولذا كانت روايات مجاهد أكثر ما ورد في التفسير، وبعده قتادة (بدون المكرر)، ثم الحسن، ثم سعيد، ثم عكرمة.
في حين لم يكن لأبي العالية أصحاب ينقلون علمه لكراهيته التصدر والحضور، فكان من يحضر مجلسه قليلا.
وهناك عدة أسباب أخرى سبق بحثها بالتفصيل فيما سبق.(2/1176)
ولعل هذه أبرز النتائج الخاصة والعامة التي خرجت بها فيما يتعلق بأئمة التفسير، والله أعلم.
3 - المصادر والمناهج:
أما المصادر فقد سبق ذكر النتائج المتعلقة بها عند سرد النتائج الخاصة المتعلقة بأئمة التفسير، وكذا منهجهم في الإسرائيليات. وأما سائر المناهج فقد اختلفت مناهجهم بالنسبة لتحملهم القراءة وضبطها، والاعتماد على القراءات التفسيرية الشاذة، فقد لاحظت اهتمام أهل المدينة عموما بإقامة حرف القراءة، وكذلك كان الكوفيون.
وقد اشتهر الحسن البصري بالقراءات التفسيرية، وهو أكثر من ورد عنه ذلك، يليه في ذلك مجاهد ولا سيما بعد ما رحل إلى العراق، في حين لم يرد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه في ذلك إلا سبع روايات فقط، ولذا قلّ المنقول من القراءات في التفسير عن المدنيين.
وقد لاحظت أيضا أن الحرج بالنسبة للقراءات الشاذة كان قليلا عند الصحابة، وأن ذلك زاد في عصر التابعين، ولا سيما المتأخرون منهم.
وكان التابعون يوجهون القراءات ويرجحون بينها، مما يدل على عنايتهم بها، وكذلك يفرقون بين ناسخها ومنسوخها، ويبنون على ذلك الأحكام كما تقدم تفصيله.
أما منهجهم في آيات الاعتقاد والصفات، فقد تبين لي أن السلف كانوا على قول واحد في ذلك، وأن أئمة التفسير من التابعين لم تظهر منهم مخالفات واضحة لهذا المنهج السلفي العام الذي كان في جيل الصحابة والأئمة بعدهم، ولذا كثر إنكارهم على أهل البدع والأهواء، ونقلت نصوصهم في ذلك.
فأما الأسماء والصفات فلم يكن عند السلف تأويل في ذلك، والحمد لله، وكذا
كان حال أئمة التفسير من التابعين، وقد بحثت الآثار التي احتج بها أهل التحريف والتأويل، وبينت أنها لا تدل على ما ادعاه المبطلون.(2/1177)
فأما الأسماء والصفات فلم يكن عند السلف تأويل في ذلك، والحمد لله، وكذا
كان حال أئمة التفسير من التابعين، وقد بحثت الآثار التي احتج بها أهل التحريف والتأويل، وبينت أنها لا تدل على ما ادعاه المبطلون.
وأما مسألة رؤية الله في الآخرة، فمع أنني وجدت عن مجاهد روايات تثبتها إلا أن الروايات التي جاءت عنه في إنكارها أكثر وأشهر وأصح، لذا فلا غضاضة أن نقول بخطئه فيها، ونستغفر له في ذلك، علما أن النصوص عن غيره من الأئمة كلها متفقة على إثباتها، والحمد لله.
وفي باب الإيمان رأيت اتفاقهم على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، إلا أن الفكر الإرجائي كان قد انتشر في البلاد، ولا سيما الكوفة، ولذا كثر تحذير الأئمة الكوفيين منه، وكذلك كان موقفهم من بدعة التكفير.
وأما القدر فقد اختصت به البصرة، وقد لاحظت روايات عديدة عن قتادة تتهمه بالقدر، إلا أنني وجدت ما يخالفها، فبحثت المسألة وأثبت الروايات كلها، وخلصت إلى أنه ربما كان آخر أمره إثبات القدر على مذهب أهل السنة.
وأما الحسن فقد توصلت إلى أن ما رمي به من ذلك إفك ليس بصحيح، فلم يكن على مذهب القدرية، بل هو في ذلك من أئمة السنة.
وبحثت بعد ذلك موقفهم من التشيع، وبينت تأثر السدي به في بعض تفسيراته، وبينت أن كثيرا ممن قيل عنه بالتشيع كان معناه حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو تقديمه على عثمان، ولم يكن التشيع الوارد عنهم بمعنى الرفض.
ثم بينت بعد ذلك أثر بعض الفرق في تفسير التابعين، وكيف أن التابعين لم يحملوا عن الخوارج، حاشا عكرمة الذي اتهم بذلك.
وقد لاحظت بعد ذلك أثر التوحيد في تفسير التابعين، وأنه وردت روايات كثيرة في تفسير الآيات الجوامع بأنها كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).(2/1178)
أما منهج التابعين في آيات الأحكام، فقد تبين لي فيه أن التابعين لم يكونوا على منهج واحد في تناوله، فمنهم مكثر ومنهم مقلّ، كما أن منهم من كان يرى إعمال المنطوق والمفهوم، ومنهم من كان يعتمد على ظاهر القرآن وعموم الآية.
وعموما قد لاحظت التساهل عند المكيين، واهتمام سعيد بن المسيب بمسائل الطلاق، واهتمام إبراهيم بالآيات المتعلقة بالصلاة، وتقارب مدرستي الكوفة ومكة في تلك التفاسير.
4 - قيمة وأثر تفسير التابعين:
* مما أسفرت عنه دراستي هذه أن التفسير المأثور والذي يعد الركيزة الأولى الأساسية لما جاء بعد من تفاسير كان جله عن التابعين، بل إن مجموع ما روي عن مشهوري المفسرين منهم فاق المروي عن مشهوري المفسرين الصحابة.
كما أن أكثر مدارس التابعين إنتاجا هي المدرسة المكية، ويليها في الأثر الواقعي المدرسة البصرية، لا الكوفية.
وقد اهتم المفسرون بهاتين المدرستين، فجمع ابن عيينة تفسير المكيين، وكذلك فعل الثوري، في حين جمع عبد الرزاق تفسير البصريين.
* وقد ظهر لي أهمية كتاب فتح الباري كمصدر من مصادر التفسير الذي أحسب أنه يضاهي الدر المنثور، بل ويفوقه في بعض الجوانب، فكم من مسألة حققها الحافظ، وكم من تفاسير قد فقدت جمع أقوالها ورتبها رحمه الله رحمه واسعة.
* كما تبين لي أن تفسير التابعين كان في جملته أصح وأكثر طرقا وأقوى إسنادا، وقد بحثت طرق تفسير كل إمام، وبينت حكم المشهور من تلك الطرق.
* بينت أن الاختلاف بين التابعين كان من باب اختلاف التنوع، وأن ما كان منه من
اختلاف التضاد كان قليلا، ومع قلته وندرته لم يكن من باب الاختلاف العقدي والمذهبي.(2/1179)
* بينت أن الاختلاف بين التابعين كان من باب اختلاف التنوع، وأن ما كان منه من
اختلاف التضاد كان قليلا، ومع قلته وندرته لم يكن من باب الاختلاف العقدي والمذهبي.
* تجلت لي عدة مميزات ميزت تفسير التابعين، لعل أبرزها الاستقلالية التي ظهرت في تفاسيرهم، فليسوا مقلدة لشيوخهم، بل كانوا يتبعون ما يظهر لهم أنه الحق، ومن هنا استفيدت منزلة تفسير التابعين عن أهل العلم.
* وبالنسبة لأثر تفسير التابعين في كتب التفسير عند أهل السنة، فقد خرجت بنتائج عدة، لعل أهمها هو: خلو كثير من الآيات القرآنية عن التفسير بالمأثور عن النبي، أو الصحابة، أو تابع التابعين، ولم يكن هناك إلا تفسير التابعين فقط، مما يدل على أهميته في كتب التفسير.
* أما كتب التفسير عن غير أهل السنة، فكان كثير من الأقوال ينسبونها للتابعين، وهي موضوعة عليهم لا شك في ذلك، وربما اعتمدوا أقوالهم ووجهوها توجيها يقلب معانيها، لا سيما ما جاء في كتب الشيعة.
* وأما أثر التابعين في كتب أصول التفسير فقد ظهر لي فيها عدة نتائج أن أقوال التابعين كانت الأساس لوضع نواة هذه العلوم، ولا سيما في معرفة المكي والمدني والنسخ والأمثال، وقد بحثت ذلك بحثا مستفيضا، مبينا أثرهم في جل علوم القرآن، وأصول التفسير.
وبعد: فإني أحمد الله، وأشكره على ما أنعم به عليّ من إتمام بحثي هذا، وأرجو أن أكون قد وضعت فيه لبنة في الطريق، مع اعترافي بقلة البضاعة والعجز، وحسبي أني بذلت غاية جهدي، فإن وفقت إلى الصواب، وتحقق من بحثي ما أرجو، فذلك بفضل الله ومنّه، وإن جانبت الصواب، وحصل الزلل في كله أو بعضه، فعزائي أني لم أكن لهذا
الفعل قاصدا، وما هو إلا من نفسي والشيطان، وأبي الله العصمة إلا لكتابه.(2/1180)
وبعد: فإني أحمد الله، وأشكره على ما أنعم به عليّ من إتمام بحثي هذا، وأرجو أن أكون قد وضعت فيه لبنة في الطريق، مع اعترافي بقلة البضاعة والعجز، وحسبي أني بذلت غاية جهدي، فإن وفقت إلى الصواب، وتحقق من بحثي ما أرجو، فذلك بفضل الله ومنّه، وإن جانبت الصواب، وحصل الزلل في كله أو بعضه، فعزائي أني لم أكن لهذا
الفعل قاصدا، وما هو إلا من نفسي والشيطان، وأبي الله العصمة إلا لكتابه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/1181)
الفهارس
فهرس أهم النتائج والفوائد مرتبة على حروف المعجم
الاجتهاد أسبابه وآثاره:
لقد كان هناك فرق بين شيوخ التابعين من الصحابة، فقد كان لمنهج ابن عباس في تدريب أصحابه على التقدم في باب الاجتهاد الأثر في كثرة اجتهادهم بخلاف حال ابن مسعود رضي الله عن الجميع «723».
كان للنفس الوعظي والميل الدعوي الأثر في حرص بعضهم على توجيه آيات القرآن تلك الوجهة مما أثرى في كثرة اجتهادهم في استنباط الفوائد الدعوية، كما اتضح ذلك عند الحسن وقتادة «727».
لقد كان الورع من أهم أسباب إحجام بعضهم في التفسير «739».
هناك أثر للمكان في توجيه الاجتهاد فالمكيون مثلا اهتموا بتفسير آيات أحكام الحج «742».
أعلام المفسرين:
يعتبر التابعون إجمالا أكثر اجتهادا في التفسير من الصحابة باستثناء ابن عباس رضي الله عنه «966».
غالب اجتهاد التابعين كان فيما لا نص مرفوع فيه أو موقوف، وسكت عنه الصحابة «710».
برز الحسن في طليعة البصريين في جانب الاجتهاد في التفسير يليه أبو العالية «722».
أقل البصريين اجتهادا الربيع فغالب تفسيره روائي ص 444.
يعد عطاء أقل المكيين اجتهادا في التفسير، إلا أنه لم ينكره «722».
اجتهاد النخعي والشعبي كان جله في آيات الأحكام «726».
يعد مجاهد أكثر المكيين اجتهادا في التفسير عامة، يليه عكرمة ثم سعيد بن جبير «721».
أكثر المشتغلين بالرواية قلّ الاجتهاد عندهم، فقتادة لأنه أكثر رواية من شيخه الحسن، فقلّ
اجتهاده، وكذا الحال بالنسبة للشعبي مقارنة بالنخعي، ويعد السدي من المكثرين رواية لا اجتهادا، وكانت هذه حال غالب أهل المدينة «735».(2/1183)
أكثر المشتغلين بالرواية قلّ الاجتهاد عندهم، فقتادة لأنه أكثر رواية من شيخه الحسن، فقلّ
اجتهاده، وكذا الحال بالنسبة للشعبي مقارنة بالنخعي، ويعد السدي من المكثرين رواية لا اجتهادا، وكانت هذه حال غالب أهل المدينة «735».
مدارس التفسير:
المدرسة البصرية: كان اجتهادها مرتبطا بالجانب الدعوي «721».
المدرسة الكوفية والمدرسة المدنية: أحجمت المدرستان عن الاجتهاد في التفسير «720، 722».
المدرسة المكية: اختصت المدرسة المكية بكثرة اجتهادها في التفسير «548، 721».
الأحكام في التفسير
أعلام المفسرين:
اعتمد التابعون القراءة غير المتواترة في معرفة الحكم من آيات الأحكام «856».
تفوق سعيد بن جبير في معرفة آيات الأحكام على عكرمة، وعلى عموم المكيين «405».
الشعبي نهج منهج اتباع الظاهر في آيات الأحكام «851».
كان اجتهاد الشعبي، والنخعي في آيات الأحكام واضحا «720».
عطاء أعلم بتفسير آيات الحج والمناسك من غيره «848».
تميز منهج عطاء باليسر والسهولة عند تناول آيات الحج «848».
النخعي من المكثرين في تناول آيات الأحكام بل هو أكثر التابعين على الإطلاق «850».
سعيد بن المسيب برز في تفسيره الاهتمام بآيات الأحكام، وتوليه القضاء «850».
مدارس التفسير:
* المدرسة البصرية: توسعت في باب النسخ بالنسبة لآيات الأحكام «854».
تعد المدرسة البصرية أكثر التزاما للآثار في تفسير آيات الأحكام «852».
* المدرسة الكوفية: كان الكوفيون يراعون علة الحكم في تفسير آيات الأحكام «852».
اعتنت المدرسة الكوفية بتناول آيات الأحكام بالشرح والتفصيل «641، 846».
* المدرسة المدنية: توسعت المدرسة المدنية في القول بالنسخ في آيات الأحكام «854».
واعتنت بتناول آيات الأحكام «846».
* المدرسة المكية: يعد المكيون أعلم التابعين بتفسير آيات الحج والمناسك «847».
تميز منهج المكيين بالسهولة واليسر في تناولهم لآيات الحج ومساءلة «848».(2/1184)
أسباب النزول
التابعون في الجملة مقلون بالنسبة للصحابة في إيراد أسباب النزول «965».
إذا كان سبب النزول معلوما في الأمثال القرآنية فإن التابعين لا يتوسعون في شرح المثال «1116».
الحسن له اهتمام بأسباب النزول وإن كان من المقلين «226».
عكرمة تقدم في معرفة أسباب النزول بإطلاق «157، 398».
تفوق عكرمة على مجاهد في معرفة أسباب النزول وكلاهما مكي «398».
اعتمد محمد بن كعب القرظي على أسباب النزول في تفسيره وقل الاجتهاد عنده «358».
جاء ترتيبهم في العناية بأسباب النزول على النحو التالي عكرمة أكثرهم، يليه زيد بن أسلم، فالشعبي ثم السدي «1050».
الإسرائيليات أعلام المفسرين:
الحسن: له روايات بالرأي قليلة، إلا أنه كان يختصر ولا يتوسع فيها «248246232».
ابن جبير: من أكثر المكيين رواية للإسرائيليات «146» بل إن جلّ ما جاء عن ابن عباس هو من روايته «147».
السدي: هو أكثر التابعين على الإطلاق رواية عن أهل الكتاب «305».
عطاء: من أقل المكيين رواية لها «195، 406، 882».
مع أن عطاء كان من أخص تلاميذه ابن جريج، وهو من المكثرين من الرواية عن بني إسرائيل «196».
عكرمة: مع معرفته وتقدمه في علم أسباب النزول والسير، إلا أنه أقل من مجاهد وابن جبير في التحديث عن بني إسرائيل «405».
قتادة: يعد من المقلين في الرواية عن أهل الكتاب مع أنه من أكثر مفسري التابعين أثرا في التفسير «257».
مجاهد: أكثر من الرواية عن بني إسرائيل، وجاء عنه ما ينكر، بل إن بعض المدارس اتقى تفسيره بسبب روايته عنهم «127».
كان مجاهد أكثر من عكرمة في هذا الشأن «399».
النخعي: أعرض عنها بالكلية «343».
أبو العالية: تساهل فيها مع أنه بصري تأثرا بالمكيين «295».(2/1185)
مدارس التفسير:
البصرية: مع ميلها للقصص والوعظ غلب عليها البعد عن الرواية عن بني إسرائيل بل أصبح من أهم خصائصها «575، 887».
الكوفية: نسبة الرواية عن أهل الكتاب قليلة جدا «887، 888».
المدنية: أعرضت في زمن التابعين عن التحديث عن بني إسرائيل، وأما في عصر متأخريهم فقد تساهلت وخاصة ما كان من حال محمد بن كعب «888».
المكية: توسعت في الرواية عنهم «558، 885».
من أهم أسباب توسعها لقاء ابن عباس بكعب، وتساهله في الأخذ عنه «885».
مقارنة بين مناهج الصحابة والتابعين في روايتها:
لم ترد عن مفسري التابعين روايات منكرة وغريبة مثلما جاء عن الصحابة «889».
أصول التفسير عند التابعين
أمثال القرآن:
أكثرهم اهتماما بها وأحسنهم بيانا لها: قتادة «270».
كان من منهجهم أنه إذا ورد في تفسير المثل حديث مرفوع، وقفوا عنده ولم يجاوزوا هذا البيان «1116».
الغالب على حالهم في تفسير المثل وشرحه هو الاختصار «1116».
انفردوا عن الصحابة ببيان وشرح بعض الأمثال «1120».
كليات القرآن:
كان لهم عناية بهذا العلم سواء معرفة كليات الحروف أو الأسماء أو الأحكام «1036، 1043».
المكي والمدني:
كان منهجهم في تحديد المكي والمدني يدور حول حال المخاطبين، أو مكان النزول، أو زمان النزول «1057، 1059».
اهتم الحسن ببيان المكي من الآيات في السور المدنية والعكس «244».
تقدم عكرمة على سعيد بن جبير في معرفة المكي والمدني «403».
أكثر التابعين على الإطلاق تعرضا للمكي والمدني قتادة «277».
علم المناسبات وترابط الآيات:
يعد قتادة أكثر التابعين عناية بعلم المناسبات «272».
تعددت الأمثلة الواردة عنهم والتي تبين عنايتهم بعلم المناسبات ومعرفة ترابط الآيات وظهور
ذلك في تفسيرهم «11401135».(2/1186)
تعددت الأمثلة الواردة عنهم والتي تبين عنايتهم بعلم المناسبات ومعرفة ترابط الآيات وظهور
ذلك في تفسيرهم «11401135».
النسخ:
اختلف مناهجهم في الناسخ والمنسوخ (ينظر النسخ في تفسير التابعين).
الأسماء والصفات:
لم تثبت التأويلات عن التابعين في باب الأسماء والصفات، وبيان توجيه ما ورد عنهم في تفسير الوجه «105، 793»، والساق «797»، والكرسي «795»، واليد «794».
آيات الصفات ليست من المتشابه «1079».
تميز منهج التابعين بالاتباع في تناولهم آيات الصفات «785».
الإرجاء:
جل التابعين كان بعيدا عن فكر التكفير الناشئ من بدعة الخوارج «809».
موقف التابعين من الإرجاء كان شديدا «808».
بيانهم أن الإيمان قول وعمل «802».
وتفسيرهم أنه يزيد وينقص «803».
أعلام المفسرين:
اختلاف الأقوال في نسبة الحسن للقدر، والصحيح أنه لم يثبت بقاؤه على ذلك كما اتضح ذلك في تفسيره «821، 824».
ابن سيرين البصري كان شديدا على القدرية «820، 821».
كان الشعبي شيعيا فرجع فصار أشدهم قولا في بدعة التشيع «827».
ابتلي عكرمة ببعض مقالة الخوارج «173، 278، 833».
قتادة جاء عنه ما يدل على أنه كان يرى القدر، وجاء عنه ما يرده «284، 826824».
أخطأ مجاهد وأبعد النجعة في تأويل رؤية الرب تعالى في الآخرة «110، 799».
أبو العالية كان بعيدا عن الأهواء والقدرية مع سكناه البصرة «295».
التشيع:
التشيع اليسير كان في تقديم عليّ على عثمان كان موجودا عند القليل منهم «827».
بيان أثر التشيع في تفسير بعضهم «740».
القدر:
ظهر تأثير القدرية في التفسير سلبا وإيجابا «837».
انتشرت بدعة القدرية في المدرسة البصرية أكثر «820».(2/1187)
مدارس التفسير:
عارضت المدرسة الكوفية الفكر القدري بشدة «820».
ظهر الإرجاء في الكوفة في عصر التابعين، لكنه ليس إرجاء يؤدي إلى ترك العمل «806».
المدرسة المدنية كانت شديدة القول في بدعة القدرية «816».
المدرسة المكية من أشد المدارس إنكارا على القدرية «839».
اختصت المدرسة المكية بكثرة تعرضها لتفسير آيات الصفات أكثر من غيرها «553».
أعلام المفسرين وما امتازوا به
الحسن البصري:
عوامل السبق عنده كانت الفصاحة، وعدم اللحن، والتقدم في معرفة الغريب، والإمامة في الوعظ «218201».
يعد الحسن من أوائل من أدخل المنهج الوعظي في التفسير «209».
كثر المروي عنه لتساهله في الرواية مع حرصه على نشر العلم، والكتابة، واهتمامه بمعرفة أسباب النزول، وكثرة اجتهاده، وعدم دخوله في الفتن، وتقدمه في فروع عديدة لا سيما علم القراءات، وكثرة وعظه «237201».
الأسباب التي أدت إلى تقليل روايته مقارنة بغيره من المكثرين كمجاهد وقتادة ما ترجع إلى عدم تخصص أحد من تلاميذه في رواية تفسيره، أو كون بعض الرواة عنه من المعتزلة، واشتغاله بالفقه، وتصدره للفتوى، وإحراقه لكتبه، وقلة أسفاره ورحلاته، وهيبته في قلوب تلاميذه، وقلة اهتمام المشارقة بتفسيره «243238».
قال الحسن بإحكام كثير من الآيات «243».
اهتم الحسن بالمكي والمدني، وببيان المدني في السور المكية وعكسه «244».
لم يتوسع في بيان المعرّب من الآيات «245».
السدي:
خالف منهجه منهج الكوفيين المتورعين عن التفسير فأكثر منه «300».
الرواية عنده في التفسير غلبت الدراية «300، 301».
تعددت مصادره وخاصة أخذه عن ابن عباس رغم أنه كوفي «301».
انقطع السدي وتخصص في التفسير وكان اشتغاله بالعلوم الأخرى قليلا «303».
يعد من أكثر التابعين على الإطلاق نقلا ورواية للإسرائيليات «305».
من المتقدمين في طبقة صغار التابعين في القراءة «315».
سعيد بن جبير:
تأثر بالمدرسة المكية وإن نسبه الأكثر للكوفة، إلا أنه مكيّ المشرب والمنهج «137».
أكثر من الرواية عن ابن عباس، بل صار من أكثر مفسري مكة نقلا لتفسير شيخه «138».(2/1188)
تميز من دون المكيين باهتمامه بآيات الأحكام، وذلك بسبب تأثره بالكوفة التي عنيت بهذا الجانب «144».
قدم سفيان الثوري فقهه على فقه النخعي بسبب ميله للأثر «146».
يعد من أكثر المكيين توسعا في الإسرائيليات وله غرائب «148146».
أكثر ما جاء عن ابن عباس من الإسرائيليات كان من طريقه «147».
أسباب تقدمه في التفسير تتلمذه على ابن عباس، وحرصه على نشر العلم، وقربه من عكرمة، وكتابته للتفسير «150148».
من أسباب تفوق مجاهد وعكرمة على سعيد، عدم تخصصه في التفسير واشتغاله بالرواية عن ابن عباس، وقلة المعتنين بتفسيره، وما وقع له من الفتن «154150».
يعد من أثبت تلاميذ ابن عباس وأتقنهم في حفظ تراث ابن عباس ومروياته في التفسير «152».
سعيد بن المسيب:
يعد من أكثر التابعين أثرا في مفسري التابعين «351».
ومع هذا فهو من أقلهم اشتغالا بالتفسير، ومن أسباب ذلك، ورعه، واشتغاله بالفقه، وهيبته، وما تعرض له من الفتن «350346».
الشعبي:
أكثر الكوفيين إفتاء بالأثر، وأبعدهم عن القياس «320».
قلة المروي من تفسيره كان بسبب كراهيته للرأي والقياس، وتورعه في التفسير خاصة، واشتغاله بالسنن والآثار، وقلة تلاميذه، وتعرضه للفتن «327317».
من خصائص تفسيره غلبة الجانب الأثري «327».
عطاء:
يعد من أقل المكيين تعرضا للتفسير «198».
يرجع ذلك إلى: تحرجه من تفسير القرآن برأيه، واشتغاله بالفقه، وقلة تلاميذه، وضعفه نسبيا في علوم اللغة «195184».
يعد أعلم التابعين بالمناسك واتضح هذا في كثرة تعرضه لآيات أحكام الحج «190، 348، 848».
عكرمة:
يعد أعلم المكيين بالتفسير بعد مجاهد «168».
أسباب تفوقه ترجع إلى: ملازمته لابن عباس، وحبه له، وتقدمه في معرفة أسباب النزول، وقدرته على الاجتهاد، وتفرغه لعلم التفسير، ومعرفته بلغات العرب وأشعارها، وكثرة
رحلاته، وحرصه على نشر العلم «160156».(2/1189)
أسباب تفوقه ترجع إلى: ملازمته لابن عباس، وحبه له، وتقدمه في معرفة أسباب النزول، وقدرته على الاجتهاد، وتفرغه لعلم التفسير، ومعرفته بلغات العرب وأشعارها، وكثرة
رحلاته، وحرصه على نشر العلم «160156».
من المتقدمين بين التابعين في معرفة أسباب النزول «157».
فاق المكيين في معرفة المكي والمدني «158».
فاق المكيين في معرفة السير «158».
يعد من المتقدمين في معرفة مبهمات القرآن «159».
المروي عنه في الفقه قليل «160».
المروي عنه في القراءات قليل «160».
له معرفة بالاشتقاق والمعرّب والمشكل «164163».
فاق غيره من التابعين في كثرة الاستشهاد بالشعر في التفسير «164».
ترجع أسباب عدم انتشار تفسيره إلى اتهامه بالكذب ولم يصح عنه، وقوله ببعض مقولة الخوارج، وقلة تلاميذه «181168».
قتادة:
اعتمد أسلوب الحوار والقسم في إيضاح وشرح تفسيره الوعظي «265263».
نجد أثر وعظه واضح في الشدة على المخالفين «266».
اهتم بالفوائد الدعوية، وكان دقيقا في استنباط الفوائد الدعوية منها «269».
بسبب ميله للوعظ والتذكير كان أكثر التابعين اهتماما بأمثال القرآن «270».
يعد تفسيره من أقوى المروي سندا عن الصحابة والتابعين «280».
كان يحض على الكتابة «281».
تميز بكثرة رحلاته «281»، وتعدد مصادره «282».
أسباب كثرة المروي عنه ترجع إلى: حافظته التي لم يساوه أحد من التابعين فيها «283»، ولذا صار من أكثرهم تفسيرا بالأثر، مع فصاحته «283»، ثم كثرة تعرضه لتفسير آيات الوعد والوعيد «286»، وعدم تعرضه للفتن «287»، وتأخر وفاته «287».
أكثر من الرواية عن الحسن، وتأثر به في منهجه وقال بقوله في كثير من الآيات «251».
تميز تفسيره ب: قوة حافظته وكثرة محفوظه، وكان ذلك من أسباب قلة اجتهاده ورأيه وعدم مخالفته للظاهر من القرآن «254».
اهتمامه برواية أسباب النزول «256».
مع كثرة تفسيره إلا أنه تميز بالإقلال من الإسرائيليات «256».
أكثر من الوعظ في تفسيره «263».
لمنهجه الوعظي وشدته على الكافرين، مال إلى القول بنسخ آيات العفو والصفح «276».
يعد من أكثر التابعين توسعا في النسخ «276».(2/1190)
مجاهد:
أخذ التفسير عن ابن عباس في ثلاث عرضات، والقرآن في (19) ختمة، مما أدى إلى نبوغه فيه «90، 91».
يعد من أكثر التابعين على الإطلاق توسعا في باب النظر والاجتهاد حتى خالف الظاهر أحيانا «9793».
أدى توسعه في باب النظر إلى خروج التفسير الدقيق منه والذي وصف بأنه كالدرر وأدى في الباب الآخر إلى التوسع في التأويل بإنكار الرؤية «110».
إنكاره الرؤية يحتمل أنه في أول الأمر ثم رجع عنه، أو أراد أن عموم الرؤية تشمل الكافر، أو في الدنيا فنفاها «113110».
لم يعتن مجاهد بأسباب النزول كعناية عكرمة «115».
اهتم كثيرا بتأويل المشكل في التفسير ويعد أكثرهم تعرضا له «116، 117».
من أكثر التابعين تضييقا لدائرة النسخ في القرآن «118».
عوامل السبق عنده ترجع إلى: تتلمذه على ابن عباس، وتعدد مصادره، وتحفظه في التفسير، وسبقه في القراءة، وشغفه بالسفر والترحال، وكتابته التفسير، وكثرة تلاميذه، وتوسعه في الاجتهاد، وتأخر وفاته «136125».
أكثر من الإسرائيليات وأتى فيها بما ينكر «127».
محمد بن كعب القرظي:
له بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بالتقدم في التفسير «356».
وكان محبا للوعظ «357».
اهتم بأسباب النزول «358».
النخعي:
أسباب قلة المروي عنه ترجع إلى: هيبته من التفسير «333»، واشتغاله بالفقه «337»، وكراهيته للكتابة «338»، وعدم عنايته باللغة «339»، وما وقع له من الفتن وتقدم وفاته «339».
ومع قلة تفسيره فإني وجدت هذا القليل تميز عنده بما يلي:
جمعه بين الرواية والدراية «340»، وتفوقه في باب الاجتهاد «341»، وحرص أصحابه وتلاميذه على نشر علمه بعد موته «342».
يعد من أقل التابعين على الإطلاق رواية للإسرائيليات «343».
هو من أكثرهم على الإطلاق عناية بآيات الأحكام «338».(2/1191)
أبو العالية:
اهتم بمنطوق القراءة، وتفوق في هذا الشأن «290».
نشأ بالبصرة وعاش فيها، ومنهجه مكي «291».
لم يرض عن منهج البصريين بل خالفهم وأنكر عليهم وخاصة الحسن «292».
من أقل مفسري البصرة رواية في التفسير «296».
من أهم أسباب قلة مروياته: قلة تلاميذه، ومجيء كثير من تفسيره منسوبا للربيع بن أنس، وحبه للخفاء، وكراهيته للكتابة، وتشدده في الرواية «298296».
التخصص والمميزات
أعلام المفسرين:
* الحسن: تميز بالمنهج الوعظي «20»، وبالتفسير بالآثار «40».
* السدي: تميز بكثرة الرواية للإسرائيليات، وتخصص في التفسير «305».
* سعيد بن جبير: أكثر مفسري المدرسة المكية عناية بتفسير ابن عباس «148».
* سعيد بن المسيب: تميز بالاهتمام بتأويل آيات الأحكام ولا سيما ما جاء في أحكام الطلاق «20، 21».
* الشعبي: تقدم في التفسير بأقوال الصحابة «22».
* عطاء: تميز بفقه المناسك، والبعد عن الإسرائيليات «21».
* عكرمة: تميز بالتقدم في معرفة أسباب النزول، وتخصص في التفسير «21».
* قتادة: تميز بتفسير القرآن بالسنة «256»، والتفسير الوعظي «263».
* مجاهد: من أكثر التابعين تفرغا وتخصصا في التفسير «20»، وتميز بالاهتمام بكثرة التعرض للمشكل «21».
* محمد بن كعب القرظي: تميز عن أهل المدينة بإقدامه على التفسير «355، 359».
* النخعي: تميز بكثرة التعرض لآيات الأحكام فهو من أكثرهم على الإطلاق في هذا الباب «22».
* أبو العالية: تميز بالتقدم في القراءة «290».
المدارس:
* البصرية: تميزت بالفصاحة، والمنهج الوعظي في التفسير «20».
* الكوفية: تميزت بالاهتمام بآيات الأحكام «20».
* المدنية: تميزت بالعلم بالسير والأخبار «20».
* المكية: تميزت بالتفرغ للتفسير، وبكونها من أكثر المدارس رواية للإسرائيليات، تعد من أعلم المدارس بأحكام الحج «20».(2/1192)
التدوين والكتابة
بدأ عصر التدوين في أيام التابعين «960»، وإن اختلف التابعون في الكتابة قبولا وردا «36».
أعلام المفسرين:
* جابر بن زيد: كان ينهى عن الكتابة «443».
* ابن جريج: أول من صنف الكتب، وله كتاب في التفسير، ولذلك كان له الأثر الواضح في نشر التراث المكي «39».
* الحسن: كتب عمرو بن عبيد تفسيرا له، لكن ابن جرير لم يروه من طريقة في التفسير شيء «37، 38».
كتب سعيد بن جبير كتابا في تفسير القرآن «37».
سعيد بن أبي عروبة، يعتبر أول من صنف بالعراق وله تفسير القرآن «39».
كان ابن سيرين يكره الكتابة «438».
كان الشعبي يكره التدوين «498».
أمر عبيدة السلماني بحرق كتبه «479».
كان عطاء يأمر بالكتابة «38».
حض قتادة على التدوين والكتابة «281».
مجاهد أول من دوّن أقوال ابن عباس «36».
كره النخعي الكتابة «338».
كره أبو العالية الكتابة «297».
مدارس التفسير:
دونت آثار المدرسة البصرية مبكرا في الجملة «452».
قلت الكتابة عند المدرسة الكوفية (لاحظ ما سبق من حال النخعي والشعبي) «498».
كره المدنيون الكتابة فكان ذلك من أسباب فقد بعض آثارها «519».
تعد المدرسة المكية من أكثر المدارس نتاجا في التفسير وقد يكون من أسباب ذلك أنها أكثر المدارس تقدما في الكتابة، وكان تدوينها للتفسير مبكرا «411، 414».
التفسير وأثرهم فيه
اعتمدت أكثر كتب التفسير بالمأثور على تفسير التابعين كتفسير عبد الرزاق، والطبري، وابن أبي حاتم، والماوردي، والبغوي، وابن الجوزي «984».
في تفسير عبد الرزاق ما يقارب (70) من تفسيره عن التابعين «70»، وعند ابن جرير «75» وابن أبي حاتم «77» ما يزيد على (60) من مجموع التفسير كان للتابعين، ولمزيد من الفوائد ينظر مبحث المصادر.(2/1193)
انفرد التابعون بتفسير عدة آيات لم ينقل عن الصحابة فيها شيء «1014985».
تأثرت الخوارج بالمدرسة البصرية في التفسير «1033».
مع عدم جدوى الروايات في تفسير الشيعة إلا أنهم حاولوا أن يقحموا أسماء أئمة التابعين في تفسيرهم ليرفعوا شأن كتبهم «10191015».
التلاميذ وأثرهم في التفسير
تعددت تلاميذ الحسن ولم ينقطع أحد لنقل تفسيره، فكان ذلك من أسباب قلة المروي عنه «238».
تخصص أسباط بن نصر في نقل تفسير السدي «303».
من أسباب تفوق النخعي على الشعبي اهتمام تلاميذ النخعي بنشر علمه بعد موته «342».
ابن جريج نشر علم عطاء، وكان من أسباب كثرة المروي عنه «194».
تأثر النخعي بعلقمة والأسود وكان اتبع لابن مسعود من الشعبي «487».
أبو العالية لم يعن تلاميذه بنقل تفسيره، وإنما نقل الربيع كثيرا منها، ونسبت له «297، 444 446».
تخصص سعيد بن أبي عروبة، ومعمر، في نقل علم، وتفسير قتادة «278».
اختصت المدرسة الكوفية بالإكثار من نقل آثار ابن مسعود «579».
شخصية التابعي تؤثر في تفاوت الأخذ عن الصحابة» «668».
الرحلة
أثرت الرحلة في تفاوت التابعين في الأخذ عن الصحابة «670».
يعتبر المكيون كثيرو الرحلات والأسفار مما ميزهم عن بقية أصحاب المدارس «409».
عكرمة من أكثر مفسري التابعين رحلة «404».
كثرت رحلات قتادة «166».
الرواية
أكثر التفسير بالمأثور جاء عن التابعين «23».
أصح التفاسير إسنادا تفسير التابعين «23».
طرق أسانيد تفسير التابعين أصح من الطرق التي نقل بها تفسير الصحابة «939930».
كثرت الطرق والشواهد لتفسير التابعين مما قوي إسنادها «923».
حجم الطرق والشواهد لتفسير التابعين مما قوي إسنادها «923».
حجم الآثار المنقولة عن التابعين في التفسير كبير «919».
أسباب قلة أو كثرة الرواية عن أئمة التفسير من التابعين ترجع إلى حال الشيخ، وحال التلاميذ، وظرف المكان «922920».
للرواية أثر عكسي في تفاوت اجتهاد التابعين «734».(2/1194)
سعيد أكثر عناية بالآثار والبعد عن الآراء من عكرمة «404».
سعيد أكثر أصحاب ابن عباس رواية عنه «402، 405».
قتادة: أكثر اعتمادا للآثار في التفسير من مجاهد «634، 635».
قتادة: أكثر التزاما بالروايات من الحسن «665».
طرق التفسير الواردة عن قتادة من أصح الطرق «933».
يعتبر الشعبي أكثر التابعين التزاما بالرواية عن الصحابة في التفسير «328».
الصحابة وأثرهم في تفسير التابعين
تبين لي أن أسباب تفاوت حال التابعين في الأخذ عن الصحابة ترجع إلى كثرتهم أو قلتهم في الأمصار مع اختلاف شخصية الصحابي وشخصية التابعي «670666».
ظهرت لي عدة نتائج نتجت من تلقي التابعين عن الصحابة لعل من أهمها حفظ أخبار الصحابة وأقوالهم، وتبني مناهجهم ومذاهبهم «678672».
ولذا نجد الصحابي المكثر من علم يتبعه أصحابه من التابعين، فابن مسعود عني بالفقه، وتورع في التفسير، فسار أصحابه على منواله، في حين توسع ابن عباس في التفسير وأكثر منه، وكانت هذه حال تلاميذه «677676».
أثر الصحابة كان واضحا في اختلاف توجه المدارس للاجتهاد تبعا لاختلاف الصحابة في ذلك «723».
يعد الصحابة أكثر رواية للإسرائيليات من مشاهير مفسري التابعين كقتادة ومجاهد، والحسن «889».
مدارس التفسير:
المدرسة البصرية: نظرا لقلة الصحابة بالبصرة، فإن المدرسة البصرية أقل المدارس اعتمادا لقول الصحابي في التفسير «666».
أكثر رواية أهل البصرة ولا سيما الحسن عن الصحابة مرسلات لا مسندات «665».
كان تأثير ابن عباس في البصرة واضحا إبان إمرته لها «453».
التفسير بالشام: لقد أثر أبو الدرداء في الشام في جهة الفقه وكذلك الإقراء «525».
المدرسة الكوفية: تعد أكثر المدارس تعظيما لأقوال شيخها ابن مسعود وتقديما له «663».
المدرسة المدنية: اختصت المدرسة المدنية بأنها أعلم بقضايا عمر «664».
المدرسة المكية: تعد المدرسة المكية أكثر المدارس اهتماما بقول ابن عباس «663».
التفسير في اليمن: يعد اليمن من أقل الجهات تابعا لأنه لم ينزل به كثير من الصحابة «536».(2/1195)
كبار الصحابة:
كان زيد بن ثابت من المقلين في رواية التفسير «515».
اختص زيد بن ثابت بالقراءة، وحملها عنه التابعون «508».
ظهر لي أن من أسباب كون ابن عباس من أكثرهم علما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحكمة ثم منزلته من عمر، وحرصه على الأخذ عن كبار الصحابة، مع ما وهبه الله من مقدرة على الاجتهاد وقدرة على الاستنباط «387374».
يمكن أن يعزي سبب انتشار علم ابن عباس إلى حرصه على نشر علمه ورحلاته، وتأخر وفاته «395393».
يعد ابن عباس من أكثر الصحابة توسعا في مجال نسخ الآيات «1087».
امتد أثر ابن عباس على المكيين حتى بعد رحيله «371».
عقبة بن عامر رضي الله عنه مقرئ مصر «540».
كانت قراءة ابن مسعود واضحة التأثير في جل مدارس التابعين «468، 469».
يعد الشعبي الكوفي أكثر التزاما في الأخذ بأقوال الصحابة من قتادة البصري مع أن كلا منهما اتصف بالإكثار في جانب الرواية «665».
الفقه والإفتاء
ما روي عن الحسن في الفقه والإفتاء كان أكثر من قتادة «429».
اهتم سعيد بن المسيب بالفقه والإفتاء أكثر من التفسير.
عطاء أكثرهم عناية بالفقه والإفتاء، ولا سيما ما كان منها في المناسك «406».
اعتنت المدرسة الكوفية بالفقه، وفاقوا غيرهم في تفسير آيات الأحكام «499».
برز ابن مسعود في تفسير آيات الأحكام أكثر من غيره وكان لذلك الأثر في مدرسة الكوفة «469».
القراءة
كان الاستدلال بالقراءة غير المتواترة في آيات الأحكام مشتهرا عند التابعين «856».
لم تكن الآثار المروية في تخطئة بعض القراء تعني إبطال شيء من القراءة «771».
اعتمد مفسرو التابعين على القراءة في الترجيح بين الأحكام الفقهية «766».
اهتم التابعون بمعرفة المنسوخ من القراءات أكثر من غيرهم «765، 767».
تورع أئمة مفسري التابعين عن تخطئة القراء «762».
قراءة ابن مسعود صحيحة منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يقع الاختيار عليها، وليس هناك من
يقرئها لنا بالإسناد فهي الآن شاذة «756، 780777».(2/1196)
قراءة ابن مسعود صحيحة منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يقع الاختيار عليها، وليس هناك من
يقرئها لنا بالإسناد فهي الآن شاذة «756، 780777».
أكثر التابعون من استخدام القراءة في التفسير «760، 768».
وقع الخلاف مبكرا بين الشام والعراق في القراءة «532».
استفاد قتادة من قراءة ابن مسعود مع قلة استفادته من تفسيره «760».
استفاد مجاهد في التفسير من قراءة ابن مسعود «760».
تأثر مجاهد بالمدرسة الكوفية في القراءة «501».
تقدم أبو العالية في القراءة «760».
يعد أبو العالية أعلم البصريين بالقراءة «760».
عناية ابن مسعود بالقراءة كانت كبيرة ولذا تأثرت مكة والبصرة بقراءته «465».
تأثر سعيد بن جبير بالمدرسة الكوفية في القراءة «501».
تفوق مجاهد في القراءة على عكرمة «405».
أخذ المصريون القراءة عن عقبة بن عامر «540».
اعتنت المدرسة الكوفية بالقراءة والاشتغال بها أكثر من التفسير «582».
أثر الكوفة على البصرة قليل إلا في جانب القراءة «503».
اهتمت المدرسة المدنية بضبط حروف القراءة أكثر من عنايتها برواية الشاذ من القراءة «507، 599، 761».
اللغة
يعد التابعون أكثر تعرضا للغة في تفسيرهم من الصحابة «965».
أثرت اللغة على التفسير «683681».
الاعتماد على الشعر واضح في تفسيرهم «695».
كان من الأسباب التي ساعدت التابعين على الاستفادة من اللغة في التفسير معرفتهم بلسان العرب، وعاداتهم، وأخبارهم، ومعرفتهم بفقه اللغة والشعر «692، 698».
كليات القرآن
مجاهد من أكثر التابعين اهتماما بها «122».
اهتم التابعون بكليات الحروف «1038»، وبكليات الأسماء «1039»، وبكليات الأحكام «1043».
المشكل
اهتم به المكيون أكثر من غيرهم «552».
اهتم به أبو العالية تبعا لتأثره بابن عباس «293».(2/1197)
مجاهد أكثرهم تعرضا للمشكل «397».
تفوق عكرمة على سعيد في معرفة المشكل «403».
اهتم الحسن بالمشكل في آيات الوعد والوعيد تبعا لمذهبه الوعظي «732728».
المعرب
لم يتوسع فيه الحسن «245».
اهتم به عكرمة فتوسع فيه «688».
اهتمت به المدرسة المكية وفاقت غيرها «704».
مدارس التفسير واللغة
عنيت المدرسة البصرية باللغة لاستخدامها في مجال الوعظ «564، 684».
تميزت البصرة بموقعها القريب من البادية فنبغت في اللغة «560، 450».
اختصت المدرسة المكية بالدقة اللغوية «551».
برز الحسن وقتادة في استخدام اللغة في التفسير في جانب الفصاحة «683».
الحسن إمام في معرفة غريب اللغة «202».
تقدم الشعبي على النخعي في معرفة اللغة «490».
عطاء كان ضعيفا في اللغة «194».
تقدم عكرمة على سعيد بن جبير في اللغة «403».
قتادة إمام في اللغة «267».
تقدم مجاهد في معرفة الاشتقاق «121»، والمعرب «123».
كان النخعي لحانا «339».
مدارس التفسير في عصر التابعين
المدرسة المكية:
كان لموقع مكة الأثر الواضح عليها «408».
العلم كان قليلا في مكة زمن كبار الصحابة ثم كثر بعد نزول ابن عباس بمكة «412».
تعد المدرسة المكية أكثر المدارس تأثيرا في مفسري التابعين «416».
استفادت من إمامة ابن عباس «408».
صنفت ودونت آثارها مبكرا «414».
أكثر المدارس كتابة للتفسير «414».
تميز المكيون بكثرة الاجتهاد والقدرة على الاستنباط «413».
غلب علم التفسير على المكيين فبرزوا فيه أكثر من غيره «413».
يعد المكيون كثيري الرحلات والأسفار «409».(2/1198)
يعد سعيد بن جبير من أهم حلقات الاتصال بين المدرسة المكية والكوفية «417».
طاوس بن كيسان نشر المنهج المكي في اليمن «538».
المدرسة البصرية:
أثرت المدرسة البصرية في تفاسير أهل المغرب بسبب انتقال يحيى ابن سلام إليها «455».
تأثرت البصرة بالمنهج المدني «424».
أثرت المدرسة المكية في البصرية إبان إمرة ابن عباس لها «420، 453».
أثرت المدرسة البصرية على التفسير في اليمن أكثر من المكية بسبب نزول معمر بن راشد البصري باليمن «455، 539».
الفقه والإفتاء ظهرا بوضوح عند الحسن أكثر من قتادة «429».
كره ابن سيرين الرأي وتورع عن التفسير واشتغل بالحديث «436».
مع تأثر أبي العالية بالمدرسة المكية إلا أنه لم ينقل علم المدرسة المكية للبصرة «424».
ترجع أسباب كثرة المروي عن البصريين إلى: كثرة تحديثهم، وتقدمهم في اللغة وبعدهم عن الفتن، وتدوين آثارهم مبكرا «453448».
تقدمت المدرسة البصرية في باب الاجتهاد في التفسير، وكان لها حرصها على إبلاغ العلم «454».
المدرسة الكوفية:
مع أن الكوفة لم تؤثر بوضوح في المدرسة البصرية إلا أن البصريين تأثروا بالمدرسة الكوفية في جانب القراءة «503».
أثرت المدرسة الكوفية على مجاهد في جانب القراءة «502».
أثرت المدرسة الكوفية على ابن جبير المكي في جانب توجهه للفقه والإقراء «501».
يعد مرة الهمداني من أكثر التابعين نقلا لروايات التفسير عن ابن مسعود «484، 485».
أئمة الكوفة من أصحاب ابن مسعود كانوا من أقل التابعين على الإطلاق رواية في التفسير وهم علقمة بن قيس، ومسروق، وعبيدة، وأبو ميسرة، والأسود بن يزيد والحارث الجعفي «472، 485».
أسباب قلة المروي عن الكوفيين في التفسير ترجع إلى: الهيبة والورع «492»، كراهية الكتابة «498»، والاهتمام بالفقه والإفتاء أكثر من التفسير «499»، وتعد الكوفية من أكثر المدارس تعرضا للفتن «500».
المدرسة المدنية:
أثرت المدرسة المدنية على الشام عن طريق قبيصة بن ذؤيب وعمر بن عبد العزيز والزهري
وغيرهم «523، 528، 532».(2/1199)
أثرت المدرسة المدنية على الشام عن طريق قبيصة بن ذؤيب وعمر بن عبد العزيز والزهري
وغيرهم «523، 528، 532».
أثرت المدرسة المدنية في البصريين فقد تأثر الحسن بابن المسيب وكذا قتادة «521».
برز زيد بن ثابت إمام المدينة في الفقه والإفتاء فتبعه أصحابه على ذلك «509، 510».
سليمان بن يسار المدني برز في الفقه «513».
كبار التابعين في المدرسة المدنية قليلو التفسير كعروة، وسليمان بن يسار «512، 515».
مع أن الحركة العلمية في التفسير قد نشطت زمن صغار التابعين عند محمد بن كعب وزيد بن أسلم إلا أن المنقول عنهم قليل بسبب أن الجو العام للمدينة كان متورعا عن رواية التفسير «515».
أسباب قلة المروي عن المدنيين ترجع إلى: الورع «516»، والاشتغال بالأثر «518»، وقلة الكتابة «519».
تأثر عطاء بالمنهج الحديثي المدني فهو من أكثر المكيين أثرية «524».
تأثر مكحول الشامي بالمنهج المدني «529، 530».
المصادر كتب التفسير:
تفسير آدم بن أبي إياس: من أهم مصادر تفسير أبي العالية «72».
تفسير البغوي: هو مختصر لتفسير الثعلبي، وذكر أسانيده في أول الكتاب، واهتم بإيراد ما روي عن مجاهد، وقتادة ويليهما الحسن، وعطاء، وابن جبير «79»، ويكاد يكون ثلثي الآثار فيه عن التابعين «984».
تفسير ابن جرير: أضخم التفاسير، ولم يؤلف مثله، وقد اهتم بإسناد جميع الآثار، وأكثر عن مجاهد وقتادة، ثم السدي والحسن، فابن جبير وعكرمة، ويعدّ أكثر من (60، 0) من المروي فيه هو من تفسير التابعين 7574.
تفسير ابن أبي حاتم: لم يذكر الأسانيد في كل الآثار، وإن كان قد دونها في أول الكتاب، وأكثر المأثور فيه عن التابعين «77».
تفسير الدر المنثور: اعتنى بالمروي عن المدرسة البصرية أكثر من عناية ابن جرير بها «81».
تفسير الدر المنثور: اعتنى بالمروي عن المدرسة البصرية أثر من عناية ابن جرير بها «81».
تفسير زاد المسير: عني بنقل تفسير ابن عباس ثم مجاهد فقتادة فأبي العالية فالحسن «80» ويكاد يكون ثلثاه من تفسير التابعين «984».
تفسير سفيان الثوري: غالبه عن المكيين وأكثر من نصفه عن التابعين ولا سيما مجاهد «69».
تفسير سفيان ابن عيينة: وهو مفقود وأكثره عن ابن عباس «70».
تفسير عبد بن حميد: مفقود كذلك، وأكثر مروياته عن قتادة ومجاهد ثم ابن عباس والحسن «73».(2/1200)
تفسير عبد الرزاق: جله عن قتادة، وهو من أصح التفاسير «70، 71».
تفسير ابن عطية: نقل كثيرا عن ابن جرير، وتأثر بالمدرسة البصرية وبتفسير يحيى بن سلام، ولم يتوسع في الجملة في النقل عن السلف «78».
تفسير الماوردي: نقل كثيرا عن ابن جرير، وقد عني بالتفسير المنقول عن ابن عباس وأصحابه، وقد أكثر من تفسير التابعين ولا سيما المدرسة البصرية «78، 984».
تفسير مجاهد: وهو، أقدم المصادر التفسيرية «68».
تفسير ابن المنذر: مفقود وأكثره عن ابن عباس ثم مجاهد فقتادة ثم عكرمة «76».
تفسير يحيى بن سلام: وهو مفقود أكثره عن الحسن وقتادة وبعدهما ابن عباس ومجاهد «72»، وقد تأثر بالمدرسة البصرية «455».
يمكن معرفة لمحه عن التفاسير المفقودة كتفسير ابن المنذر وعبد بن حميد وابن مردويه من خلال النقول التي في الدر المنثور للسيوطي «76، 73».
كتب السنة والآثار:
تغليق التعليق: أكثر ابن حجر فيه من ذكر أقوال التابعين «59».
سنن الترمذي على سعة كتاب التفسير فيه إلا أن ما نقله عن التابعين كان قليلا «63».
سنن الدارمي، ما جاء فيه عن التابعين قليل «63».
سنن سعيد بن منصور يكثر النقل عن مجاهد وابن عباس ثم الحسن والنخعي «63».
الزهد لابن المبارك: أكثر من النقول عن الحسن ثم مجاهد «64».
الزهد لهناد: أكثر من النقول عن الحسن ثم مجاهد «65».
الزهد لوكيع: أكثر من النقول عن الحسن ثم مجاهد «65».
مصنف ابن أبي شيبة: كثير من أسانيده من تفسير وكيع عن سفيان الثوري، وينقل ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقة شيئا كثيرا «65».
غريب الحديث للحربي: وهو مصدر يغفله كثير من الباحثين وقد نقل كثيرا عن مجاهد ثم الحسن فقتادة والسدي «66».
فتح الباري شرح صحيح البخاري: وهو مصدر مهم أغفله كثير من الباحثين، وقد يفوق أو يقارب الدر المنثور في كثرة المنقول من التفسير بالمأثور «61».
المكان وأثره في التفسير
اتضح لي أن أثر البيئة في التفسير مهم «742».
مع بعد المكان البصرية أقرب للمدينة من الكوفة «23، 24».
كان لموقع مكة الأثر على توجه المكيين «408».(2/1201)
بسبب كثرة تردد الإمامين: أبو العالية وسعيد بن جبير على مكة أثر في توجههما للمدرسة المكية «409».
المقارنات خصائص المكية:
اختصت المدرسة المكية بأن كانت من أكثر المدارس اجتهادا «550»، واهتماما بالمشكل «552»، وقد تعرضت لآيات الصفات «553»، واتسعت فيها دائرة الاجتهاد في التفسير «554»، وانقطع كثير من أئمتها لعلم التفسير وتخصصوا فيه مع قلة الاهتمام بالعلوم الأخرى غير التفسير «557555»، وكان من منهجهم التوسع في رواية الإسرائيليات «558».
يعد مجاهد أعلمهم بالتفسير «396»، في حين كان أقلهم رواية له هو عطاء «406».
تعد المكية من أبعد المدارس عن الفتن «416».
خصائص البصرية:
اختصت بالاهتمام باللغة «560» ويعد البصريون من أوائل من أدخل الوعظ في التفسير «566»، وتجنب جل البصريين الإسرائيليات «575» وكان لهم اهتمام بالتفسير بالسنة «577».
خصائص الكوفية:
الاهتمام بآيات الأحكام فلم يدانهم في ذلك أحد «579».
واختصت أيضا بكثرة الاشتغال بالقراءة «582»، وبقلة الإسرائيليات «589»، واهتمامها بأسباب النزول «649».
خصائص المدنية:
هيبة التفسير «592»، وكثرة التحديث والانشغال به «595»، والعناية بمنطوق وأداء القراءة «599»، والتوسع في النسخ «894».
مقارنة بين التابعين
كان الحسن يجل عكرمة ويقدمه في التفسير «420».
تشابه منهج الحسن وقتادة في الوعظ وقلة الاشتغال بالمعرب، والكليات، وندرة الإسرائيليات في تفسيرهما «427».
الحسن أكثر إعمالا للرأى من قتادة «430».
تقدم الحسن في أنواع من العلوم على قتادة «429».(2/1202)
ما روي عن الحسن في الفقه أكثر من قتادة «429».
تفوق الحسن في الوعظ علي قتادة «428».
كثر تلاميذ الحسن وقلّ تلاميذ أبي العالية «447».
كان الحسن إمام عامة وأبو العالية يؤثر الخفاء «447».
كان الحسن يجيء للسلاطين ويعيبهم، وابن سيرين لا يجيء ولا يعيب «440».
كان الحسن يكتب وابن سيرين لا يكتب «438».
تساهل الحسن في الحديث بالنسبة لابن سيرين «437».
الربيع بن أنس، تأثر الربيع بأبي العالية، وهو راوية للتفسير أكثر منه مفسر «445444».
ابن سيرين، تورع عن الشهرة وسكت احتسابا، وتصدر الحسن الحسن وتكلم احتسابا «434».
الشعبي: الشعبي أعلم باللغة من النخعي «490».
اهتمام الشعبي بالتفسير أكثر من اهتمام النخعي «492».
اهتمام الشعبي بالأحكام أقل من النخعي «491».
الشعبي أكثر إعمالا للآثار من النخعي «486».
عكرمة:
عكرمة أكثر رحلات من سعيد بن جبير «404».
عكرمة أكثر توسعا في التفسير من سعيد بن جبير «402».
فاق عكرمة مجاهدا في معرفة أسباب النزول «398».
انقطع عكرمة للتفسير ولم ينقطع له ابن جبير «403».
عكرمة أكثر تساهلا من ابن جبير في الاجتهاد «403».
أكثر عكرمة من الاستشهاد بالشعر عن ابن جبير «403».
تقدم عكرمة على ابن جبير في معرفة المكي والمدني، وأكثر من القول بالنسخ «403».
تفوق عكرمة على عموم التابعين في كثرة الاعتماد على أسباب النزول «402».
قتادة:
قتادة أقرب للأثر من الحسن «430».
تعددت مصادر قتادة مقارنة بالحسن «431».
توسع قتادة في القول بالنسخ أكثر من الحسن «431».
تخصص تلاميذ قتادة في نقل تفسيره، ولم تكن كذلك حال الحسن «431».(2/1203)
مجاهد:
سبق مجاهد عكرمة في علم القراءات «399».
مجاهد أكثر تفسيرا من عكرمة «399».
مجاهد أكثر تساهلا في الرواية عن بني إسرائيل من عكرمة «399».
مجاهد أكثر توسعا في باب المشكل من عكرمة «397».
أبو العالية:
تقدم أبو العالية على الحسن في القراءات «446».
لم يرتض أبو العالية منهج الحسن في الوعظ «448».
النسخ
مفهوم النسخ عند التابعين يدخل فيه التخصيص «1082».
أنواع النسخ ثلاثة عند التابعين «1084».
ربط النسخ بالحكمة ورد في كلام التابعين «1090».
اهتم التابعون بتحقيق المنسوخ من القراءات «765».
يعتبر ابن عباس من أكثر الصحابة توسعا في مجال النسخ «1087».
ترادف النسخ والاستثناء عند الحسن «243».
قال الحسن بإحكام كثير من الآيات «243».
الحسن تأثر بابن المسيب، وبعده قتادة ولا سيما في النسخ «522، 523».
توسع السدي في النسخ وتساهل فيه، وربما أتى بما ينكر «313».
فاق عكرمة سعيدا في القول بالنسخ «403».
من أكثر التابعين توسعا في النسخ قتادة 275.
مجاهد وعطاء أقل المكيين قولا بالنسخ تأثرا بالكوفية «1088».
توسعت المدنية في النسخ ولا سيما ابن المسيب 600.
توسعت المدرستان المدنية والبصرية في القول بالنسخ «854».
المدينة اختصت بكثرة القول بالنسخ «600».
الوعظ
اختصت المدرسة البصرية بالاهتمام بالجانب الوعظي «566».
بروز الجانب الوعظي عند محمد بن كعب القرظي «357».
اهتم قتادة بالوعظ حتى في آيات الأحكام «268».(2/1204)
كثر الوعظ في تفسير قتادة «263»، والحسن «209».
كانت عبارات المدرسة البصرية فيها شدة مع العصاة لأجل المنهج الوعظي «574».
المدرسة البصرية استخدمت الأسلوب القصصي في الوعظ «566».
المنهج الوعظي أدى إلى حسن استعمال اللغة والاستزادة منها «568، 684».
اجتهاد المدرسة البصرية وثيق الصلة بالمنهج الوعظي والجانب الدعوي «722».
تقدمت المدرسة في علم المناسبات «572».
خالف الحسن بعض المعاني القريبة والظاهرة تأثرا بالمنهج الوعظي «574».(2/1205)
فهرس المراجع والمصادر
1 - الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح الحنبلي، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض.
2 - الإبانة على أصول السنة والديانة، لعبيد الله محمد بن بطة العكبري، تحقيق د. رضا بن نعسان معطي، المكتبة الفيصلية مكة، 1404هـ.
3 - إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع، لأبي شامة الدمشقي، تحقيق إبراهيم عطوة، ط مصطفى الحلبي، القاهرة.
4 - إبراهيم النخعي وآثاره الواردة في تفسير سورة الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، للباحثة نوال اللهيبي، رسالة ماجستير في جامعة أم القرى.
5 - ابن حنبل، حياته وعصره، وآراؤه، وفقهه، لمحمد أبو زهرة دار الفكر العربي، القاهرة.
6 - أبو حنيفة، حياته، عصره، وآراؤه، وفقهه، لمحمد أبو زهرة دار الفكر العربي، القاهرة.
7 - أبي بن كعب وتفسير القرآن، رسالة ماجستير جامعة أم القرى، للباحث أحمد منجي.
8 - الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث، د. عبد المجيد محمود عبد المجيد، 1399هـ، دار الوفاء، القاهرة.
9 - الاتجاهات الفكرية في التفسير، د. الشحات زغلول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط الثانية 1397هـ.
10 - اتجاهات المفسرين في توجيه القراءات، رسالة دكتوراه، إعداد الباحث أحمد جبريل سيسي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1412هـ.
11 - إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ، تأليف حماد الأنصاري، مكتبة المعلى الكويت، ط الأولى 1406هـ.
12 - إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر لأحمد البنا، تحقيق د. شعبان إسماعيل، عالم الكتب، بيروت ط الأولى 1407هـ.
13 - الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، تصوير المكتبة الثقافية، بيروت.
14 - الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه 1396هـ، طبع جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1401هـ.(2/1207)
14 - الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه 1396هـ، طبع جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1401هـ.
15 - الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر، تأليف سيد محمد موسى، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
16 - الأحرف السبعة للقرآن، لأبي عمرو الداني، تحقيق عبد المهيمن طحان، مكتبة المنارة، مكة المكرمة، ط الأولى 1408هـ.
17 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، ترتيب الفارسي، ضبط كمال الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت 1407هـ.
18 - الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ط الأولى مؤسسة النور، الرياض.
19 - الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، مقابلة على نسخة أحمد شاكر، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت.
20 - أحكام القرآن، للتهانوى، ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية كراتشي، الأولى 1407هـ.
21 - أحكام القرآن، للجصاص، الناشر سهيل أكيديمي، لاهور، باكستان، ط الأولى 1400هـ.
22 - أحكام القرآن، للإمام الشافعي، تعليق عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت.
23 - أحكام القرآن، لابن العربي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر، بيروت.
24 - أحوال الرجال، للجوزجاني، إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب، تحقيق صبحي السامرائي، ط الأولى 1405هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
25 - إحياء علوم الدين، للغزالي، المكتبة التجارية، القاهرة.
26 - أخبار أصبهان، لأبي نعيم الأصبهاني، طبع في مدينة ليدن بمطبعة بريل 1941م.
27 - أخبار القضاة لوكيع، محمد بن خلف بن حيان، عالم الكتب، بيروت.
28 - أخبار النحويين، لعبد الواحد بن أبي هاشم.
29 - أخبار النحويين البصريين لأبي سعيد السيرافي، ط دار الاعتصام، القاهرة.
30 - اختلاف المفسرين، رسالة دكتوراه، مقدمة من الشيخ. سعود بن عبد الله الفنيسان، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
31 - آداب الشافعي، لابن أبي حاتم، تحقيق د. عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت.(2/1208)
32 - الأدب المفرد للإمام البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت.
33 - آراء إبراهيم النخعي التفسيرية من سورة النساء إلى آخر القرآن، للباحث عبد الرحمن الخريصي، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى.
34 - آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، د. عمر رضوان، دار طيبة، الرياض، ط الأولى 1413هـ.
35 - الإرشاد في معرفة علماء الحديث، لأبي يعلى الخليلي، تحقيق د. محمد إدريس، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى 1409هـ.
36 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني، المكتب الإسلامي، ط الأولى 1399هـ.
37 - أساس البلاغة للزمخشري، تحقيق عبد الرحيم محمود، ط 1399هـ.
38 - أسباب النزول، للواحدي، ط 1953م، دار الكتب العلمية، بيروت.
39 - الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى، لابن عبد البر، تحقيق د. عبد الله السوالمة الطبعة الأولى 1405هـ دار ابن تيمية للنشر، الرياض.
40 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، مصور بحاشية الإصابة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
41 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين بن الأثير ط الشعب 1399هـ، القاهرة.
42 - الإسرائيليات في التفسير والحديث، د. محمد حسين الذهبي ط الثانية 1406هـ مكتبة وهبة، القاهرة.
43 - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة القاهرة، ط: الرابعة 1408هـ.
44 - أسماء الثقات لأبي جعفر عمر بن شاهين، تحقيق د. صبحي السامرائي، ط الأولى 1404هـ، الدار السلفية، الكويت.
45 - الأسماء والصفات للبيهقي، تحقيق عماد الدين حيدر، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الأولى 1405هـ.
46 - إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، لعبد الباقي اليماني، تحقيق د. عبد المجيد دياب، شركة الطباعة العربية السعودية، ط الأولى 1406هـ.
47 - الإصابة في معرفة الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، عن الطبعة الأولى 1328هـ، مطبعة السعادة، القاهرة.
48 - أصول التفسير وقواعده، لخالد عبد الرحمن العك، دار النفائس، بيروت ط الثانية 1406هـ.(2/1209)
49 - أصول السرخسي، لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، دار الكتاب العربي، القاهرة 1372هـ.
50 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي، طبع وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 1403هـ، الرياض.
51 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، للحازمي، المطبعة العثمانية، حيدرآباد الدكن الهند 1359هـ.
52 - الاعتصام للشاطبي، دار المعرفة، بيروت.
53 - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، للبيهقي، تحقيق كمال الحوت، مركز الخدمات والأبحاث، بيروت.
54 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه، طبع دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند.
55 - إعراب القرآن لأحمد بن محمد النحاس، تحقيق د. زهير زاهد، عالم الكتب طبعة ثانية 1405هـ بيروت.
56 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، راجعه طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت.
57 - الأعلام للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط الخامسة 1980م.
58 - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ، للسخاوي، تحقيق د. صالح العلي، مؤسسة الرسالة، بيروت ط الأولى 1407هـ.
59 - أعيان الشيعة، للعاملي، مطبعة ابن زيدون، دمشق، ط الأولى 1358هـ.
60 - الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، طبعة الساسي، دار الكتب المصرية، 1973م.
61 - الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاف لسبط بن العجمي، مكتبة المعارف، الطائف، ضمن مجموعة الرسائل الكمالية.
62 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، تحقيق د. ناصر العقل ط الأولى 1404هـ.
63 - أقسام القرآن، لابن القيم الجوزية، دار المعرفة، بيروت.
64 - الإقناع في القراءات السبع، لأبي جعفر بن علي بن الباذش، تحقيق د. عبد المجيد قطامش، دار الفكر، دمشق ط الأولى 1403هـ.
65 - الإكمال، لابن ماكولا، تعليق عبد الرحمن المعلمي، الناشر محمد أمين ومج، بيروت.(2/1210)
66 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية، للقاضي عياض، تحقيق أحمد صقرط الثانية، دار التراث، القاهرة 1398هـ.
67 - الأم للإمام الشافعي، طبعة الشعب، القاهرة.
68 - أمالي المرتضى.
69 - الإمام عبد الرزاق مفسرا، رسالة ماجستير للباحث حمد بن عبده بن هادي، جامعة أم القرى.
70 - الأمثال في القرآن، لابن القيم، دار المعرفة، بيروت 1981م.
71 - الأمصار ذوات الآثار للذهبي، تحقيق قاسم علي سعد، دار البشائر ط الأولى 1406هـ، بيروت.
72 - إنباء الغمر، لابن حجر، المطبعة العثمانية حيدرآباد، الدكن، الهند.
73 - إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط الأولى 1406هـ.
74 - الإنباه على قبائل الرواة، لابن عبد البر، تحقيق إبراهيم الأبياري، الناشر، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الأولى 1405هـ.
75 - الأنساب للسمعاني، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، طبعة ثانية 1400هـ، الناشر محمد أمين دوج بيروت.
76 - أنساب الأشراف، لأحمد بن يحيى المعروف بالبلاذري، تحقيق محمد حميد الله دار المعارف، نشر معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.
77 - أنساب القرشيين.
78 - الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، للدهلوي، مصور دار الفكر، بيروت.
79 - أنوار العقول، لنور الدين السالمي، تحقيق أحمد الخليلي، عمان.
80 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لأبي بكر بن المنذر، تحقيق د. صغير أحمد ابن محمد حنيف، دار طيبة، الطبعة الأولى 1405هـ، الرياض.
81 - الإيثار بمعرفة رواة الآثار، لابن حجر العسقلاني، تحقيق سيد كسردي، دار الكتب العلمية، بيروت ط الأولى 1413هـ.
82 - الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ومعرفة أصوله واختلاف الناس فيه، لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق أحمد حسن فرحات، دار المنارة، الطبعة الأولى 1406هـ.
83 - إيضاح الوقف والابتداء، لابن الأنباري، تحقيق د. محيي الدين رمضان، دمشق، مجمع اللغة العربية، ط الأولى 1390هـ.(2/1211)
84 - الإيمان لابن تيمية، المكتب الإسلامي، دمشق ط الثالثة 1399هـ.
85 - الإيمان لابن أبي شيبة، تحقيق الألباني، نشر دار الأرقم، الكويت.
86 - الإيمان لابن عبيد القاسم بن سلام، تحقيق الألباني، نشر دار الأرقم، الكويت.
87 - الإيمان لابن منده، تحقيق د. علي الفقيهي، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1406هـ، بيروت.
88 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، تأليف أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، طبعة ثانية، بيروت.
89 - بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم لأبي المحاسن بن عبد الهادي، تحقيق د. روحية السويفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1413هـ.
90 - البدء والتاريخ، لليعقوبي، أحمد بن سهل، مؤسسة مختار، مصر.
91 - البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير، تحقيق محمد عبد العزيز النجار، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة.
92 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد بن رشد القرطبي، الطبعة الخامسة 1401هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.
93 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني، توزيع دار الباز، مكة.
94 - برنامج ابن جابر الوادي آشي، تأليف محمد بن جابر الوادي التونسي، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، الناشر مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى.
95 - البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر، دار المعرفة، بيروت.
96 - بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم، تحقيق د. سهيل زكار، دار الفكر، بيروت.
97 - بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبي، دار الكاتب العربي القاهرة 1967م.
98 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى الحلبي، ط الأولى 1384هـ.
99 - البلغة في تاريخ أئمة اللغة، للفيروزآبادي، تحقيق محمد المصري، دمشق 1972م.
100 - بهجة المجالس وأنس المجالس لابن عبد البر، دار الكتب العلمية، بيروت.
101 - البيان والتبيين للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت 1410هـ.
102 - بين السنة والشيعة دراسة مقارنة في التفسير وأصوله د. علي السالوس، دار الاعتصام.
103 - تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي، تحقيق عبد العليم
الطحاوي 1404هـ، مطبعة حكومة الكويت.(2/1212)
103 - تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي، تحقيق عبد العليم
الطحاوي 1404هـ، مطبعة حكومة الكويت.
104 - تاريخ أبي زرعة الدمشقي، تحقيق شكر الله بن نعمة القوجاني، مجمع اللغة العربية، دمشق.
105 - تاريخ آداب اللغة العربية، لجرجي زيدان، مكتبة الحياة، مصورة عن الطبعة الأولى 1387هـ، بيروت.
106 - تاريخ أسماء الثقات، لابن شاهين، تحقيق صبحي السامرائي، الدار السلفية، الكويت، ط الأولى، 1404هـ.
107 - تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق د. عمر تدمري، الناشر دار الكتاب العربي.
108 - تاريخ الأمم والملوك للطبري، تصوير دار الفكر، طبعة 1399هـ، بيروت.
109 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت.
110 - تاريخ ابن معين، دراسة وتحقيق د. أحمد نور سيف، طبعة أولى 1399هـ، مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، جدة.
111 - تاريخ جرجان، للسهمي، عني به د. محمد عبد المعيد خان، ط الثالثة، الناشر عالم الكتب، بيروت 1401هـ.
112 - تاريخ الخلفاء، للسيوطي، مطبعة المدني، القاهرة، 1969م، تصوير دار الفكر، بيروت.
113 - تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين، طبعة 1403هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
114 - تاريخ التمدن الإسلامي، لجرجي زيدان، مكتبة دار الحياة، لبنان.
115 - تاريخ الثقات لأحمد بن عبد الله العجلي، بترتيب نور الدين الهيثمي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، طبعة أولى 1405هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
116 - تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، طبعة ثانية 1405هـ، دار طيبة، الرياض.
117 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، لحسين بن محمد الديار بكري، تصوير مؤسسة شعبان، بيروت.
118 - تاريخ دمشق لابن عساكر، مخطوط في مكتبة الأخ الشيخ سعد الحميد.
119 - تاريخ الصحابة الذين روي عنهم الأخبار لابن حبان، دار الكتب العلمية بيروت، تحقيق بوران الضناوي، ط الأولى 1408هـ.
120 - التاريخ الصغير، للإمام البخاري، تحقيق محمود زائد، طبعة أولى 1397هـ، دار الوعي
بحلب، ومكتبة التراث، القاهرة.(2/1213)
120 - التاريخ الصغير، للإمام البخاري، تحقيق محمود زائد، طبعة أولى 1397هـ، دار الوعي
بحلب، ومكتبة التراث، القاهرة.
121 - تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين، لأبي المحاسن المعري، تحقيق د. عبد الفتاح الحلو، ط جامعة الإمام، 1401هـ.
122 - تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لابن الفرضي، تصحيح عزت العطار، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الثانية 1408هـ.
123 - تاريخ الفقه الإسلامي، محمد علي السائس، ط محمد علي صبيح، القاهرة.
124 - التاريخ الكبير، للإمام البخاري، طبعة ثانية 1402هـ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، الدكن، الهند.
125 - تاريخ المدينة لابن شبه، حققه فهيم شلتوت، دار التراث، القاهرة، ط الأولى 1410هـ.
126 - تاريخ المذاهب الفقهية، لأبي زهرة، دار الفكر العربي.
127 - تاريخ مصر وولاتها، للكندي، دار العاصمة، الرياض.
128 - تاريخ واسط، لأسلم بن سهل، تحقيق كوركيس عواد، عالم الكتب، بيروت، ط الأولى 1406هـ.
129 - تاريخ وفاة الشيوخ، للبغوي، تحقيق محمد عزيز شمس، الدار السلفية، بومباي، الهند، 1409هـ.
130 - تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة، تحقيق عبد القادر أحمد عطاء، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، ط الأولى 1402هـ.
131 - تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، شرح أحمد صقر دار التراث، ط الثانية، القاهرة.
132 - تبصرة المنتبه بتحرير المشتبه، لابن حجر العسقلاني، تحقيق علي البجاوي، المكتبة العلمية، بيروت.
133 - التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي، دار الباز للنشر، مكة المكرمة.
134 - التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، دار القرآن الكريم، بيروت.
135 - التبيين في أنساب القرشيين، لابن قدامة المقدسي، تحقيق محمد الدليمي، عالم الكتب، ط الثانية 1408هـ.
136 - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لابن عساكر الدمشقي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت 1399هـ.
137 - تجريد أسماء الصحابة، للذهبي، نشر دار المعرفة، بيروت.
138 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري، تصحيح عبد الوهاب
عبد اللطيف، مطبعة المعرفة، القاهرة، نشر محمد عبد المحسن الكتبي، ط الثانية 1383هـ.(2/1214)
138 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري، تصحيح عبد الوهاب
عبد اللطيف، مطبعة المعرفة، القاهرة، نشر محمد عبد المحسن الكتبي، ط الثانية 1383هـ.
139 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، لأبي الحجاج يوسف المزي، نشر دار القيمة، بمباي، الهند، 1396هـ.
140 - التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، للسخاوي، دار نشر الثقافة، القاهرة، 1399هـ.
141 - تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف، للزيلعي، عناية سلطان الطبيشي، دار ابن خزيمة، الرياض، ط الأولى 1414هـ.
142 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للسيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط الثانية 1385هـ.
143 - التدوين في أخبار قزوين، لعبد الكريم القزويني، ضبط عزيز الله العطاردي، المطبعة العزيزية، حيدرآباد، الهند 1405هـ.
144 - التذكار في أفضل الأذكار، للقرطبي، تحقيق أحمد الغماري، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1936هـ.
145 - تذكرة الحفاظ للذهبي، تصوير دار إحياء التراث العربي عن الطبعة الأولى الهندية، بيروت.
146 - تذكرة الموضوعات لمحمد طاهر الهندي، المطبعة العثمانية، حيدرآباد، الدكن، الهند.
147 - تذكرة النحاة، لأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي، تحقيق عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406هـ.
148 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض، تحقيق د. أحمد محمود، نشر دار مكتبة الحياة، بيروت.
149 - تسمية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، للترمذي، تحقيق عماد حيدر، دار الجنان ط الأولى 1406هـ.
150 - تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق عبد الله الجديح، دار العاصمة.
151 - التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي، طبعة ثانية 1393هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
152 - التشريع والفقه في الإسلام تاريخا ومنهجا، د. مناع القطان، مكتبة وهبة، ط الأولى 1396هـ.(2/1215)
153 - التصاريف ليحيى بن سلام، تحقيق هند شلبي، الشركة التونسية للتوزيع 1979م، تونس.
154 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، لابن حجر العسقلاني، عناية عبد الله هاشم المدني، دار المحاسن مصر، 1386هـ.
155 - التعديل والتجريح، لأبي الوليد الباجي، طبعة أولى 1406هـ، تحقيق د. أبو لبابة حسين، دار اللواء، الرياض.
156 - التعريف بالقرآن والحديث، لمحمد الزفزاف، ط الأولى، القاهرة.
157 - تغليق التعليق على صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، تحقيق سعيد القزقي، طبع المكتب الإسلامي، طبعة أولى 1405هـ.
158 - التفسير، ورجاله لابن عاشور، دار الكتب الشرقية، تونس، ط الثانية، 1392هـ.
159 - التفسير والمفسرون، تأليف د. محمد حسين الذهبي، طبعة ثانية 1396هـ، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
160 - تفسير ابن مسعود، جمع د. محمد أحمد عيسوي، طبع على نفقة مؤسسة الملك فيصل الخيرية، شركة الطباعة العربية، الرياض، ط الأولى 1405هـ.
161 - تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، طبعة ثانية 1403هـ، تصوير دار الفكر، بيروت.
162 - تفسير البرهان، لهاشم البحراني، طبعة ثانية، طهران.
163 - تفسير البغوي، المسمى معالم التنزيل مطبوع بحاشية الخازن، طبعة ثانية 1375هـ، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.
164 - تفسير ابن أبي حاتم، الجزء الأول من سورة البقرة، تحقيق د. أحمد الزهراني، ط مكتبة الدار، المدينة.
165 - تفسير ابن أبي حاتم سورة آل عمران، تحقيق د. حكمت بشير ياسين، مكتبة الدار، المدينة.
166 - تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير، من كتب السنة، تأليف د. عبد العزيز الحميدي، ط جامعة أم القرى مركز البحث العلمي.
167 - تفسير الحسن البصري، جمع وتوثيق د. محمد عبد الرحيم، دار الحديث، القاهرة.
168 - تفسير الخازن، المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل، طبعة ثانية 1375هـ مصطفى البابي الحلبي القاهرة.
169 - تفسير سعيد بن جبير، لمحمد أيوب يوسف، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(2/1216)
170 - تفسير سفيان بن عيينة، جمع وتحقيق أحمد محايري، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1403هـ.
171 - تفسير سفيان الثوري رواية أبي جعفر محمد بن أبي حذيفة الهندي، دار الكتب العلمية، طبعة أولى 1403هـ، بيروت.
172 - تفسير سورة الإخلاص، لابن تيمية، القاهرة، ط الأولى، 1323هـ.
173 - تفسير الصافي للفيض الكاشاني، تصحيح حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت.
174 - تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر وأحمد شاكر، دار المعارف، القاهرة.
175 - تفسير الطبري، ط مصطفى البابي الحلبي، ط الثالثة، القاهرة.
176 - تفسير ابن عطية المسمى المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق المجلس العلمي بفاس، طبعة ثانية 1403هـ، مطابع فضالة المحمدية، المغرب.
177 - تفسير عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق د. مصطفى مسلم، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى 1410هـ.
178 - تفسير غريب الحديث، لابن حجر العسقلاني، الناشر دار المعرفة، بيروت.
179 - تفسير فرات الكوفي، طبع مؤسسة النعمان، تحقيق محمد الكاظم، بيروت، 1412هـ.
180 - التفسير في عهد الصحابة، رسالة ماجستير، لناصر بن محمد الحميد، جامعة الإمام.
181 - تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، طبعة ثانية 1398هـ.
182 - تفسير قتادة، دراسة للمفسر ومنهج تفسيره، لعبد الله أبو السعود، الناشر عالم الكتب، القاهرة، 1399هـ.
183 - التفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم الخطيب، طبعة دار الفكر العربي، القاهرة.
184 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير، تحقيق عبد العزيز غنيم، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد البنا، ط الشعب، القاهرة.
185 - تفسير القرطبي المسمى الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1408هـ.
186 - تفسير القمي لأبي الحسن علي القمي، صححه طيب الموسوي الجزائري، مطبعة النجف، 1389هـ.
187 - التفسير الكبير للفخر الرازي، طبعة ثانية، دار الكتب العلمية، طهران.
188 - التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب، جمع إبراهيم بن حسن، الدار العربية للكتاب 1983م.(2/1217)
189 - تفسير الماوردي المسمى النكت والعيون، لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي، تحقيق خضر محمد خضر، طبعة أولى 1402هـ، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت.
190 - تفسير مجاهد، تحقيق عبد الرحمن السورتي، دار المنشورات العلمية، بيروت.
191 - تفسير محمد بن كعب القرظي، من أول الفاتحة إلى نهاية القرآن لعبيد بن عبد الله الجابري، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية.
192 - تفسير مقاتل، تحقيق د. عبد الله شحاتة.
193 - تفسير المنار لمحمد رشيد رضا، طبعة الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1972م.
194 - تفسير نافع بن أبي نعيم ضمن مجموع، تحقيق د. حكمت بشير ياسين، مكتبة الدار بالمدينة، ط الأولى 1408هـ.
195 - تفسير النسائي، تحقيق صبري الشافعي وسيد بن عباس، مؤسسة الكتب الثقافية، ط الأولى 1410هـ.
196 - تفسير هور الهواري المسمى تفسير كتاب الله العزيز لهور الهواري، تحقيق بالحاج شريفي، ط الأولى 1990م، دار الغرب الإسلامي.
197 - تفسير نور الثقلين لعبد علي الحويزي، مؤسسة إسماعليان، إيران.
198 - تقريب التهذيب، لابن حجر، تحقيق محمد عوامة، دار الرشد، حلب، سوريا.
199 - تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، ط الأولى، دار الرشيد.
200 - تقريب النشر في القراءات، لابن الجزري، تحقيق إبراهيم عطوة، ط مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.
201 - تقييد العلم للخطيب البغدادي، تحقيق يوسف العش، نشر دار إحياء السنة النبوية، القاهر، ط الثانية 1395هـ.
202 - التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للعراقي، تحقيق عبد الرحمن عثمان، دار الفكر العربي، القاهرة.
203 - التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد لابن نقطة، تحقيق كمال الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1408هـ.
204 - التكملة لوفيات النقلة، للمنذري، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة بيروت، ط الثانية 1405هـ.
205 - تلخيص البيان في مجازات القرآن، للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار إحياء التراث للكتب العربية، القاهرة.(2/1218)
206 - التلخيص الجيد في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني، تحقيق د. شعبان إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية 1399هـ.
207 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر، طبع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في المملكة المغربية.
208 - التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم، للبطليوسي، تحقيق د. أحمد كحيل، د. حمزة عبد الله، دار الاعتصام ط الأولى 1398هـ.
209 - تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت عن الطبعة المنيرية.
210 - تهذيب تاريخ دمشق الكبير، لعبد القادر بدران، ط الثانية 1399هـ، دار المسيرة، بيروت.
211 - تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، مصورة عن الطبعة الأولى 1320هـ بمطبعة دائرة المعارف، حيدرآباد، الهند، دار صادر، بيروت.
212 - تهذيب الصحاح، لمحمود بن أحمد الزنجاني، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة.
213 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت.
214 - تهذيب اللغة، للأزهري، تحقيق عبد السلام هارون، الطبعة الأولى 1396هـ، الناشر مكتبة الخانجي، القاهرة.
215 - التوحيد، لابن خزيمة، تحقيق د. عبد العزيز الشهوان، دار الرشد، الرياض، ط الأولى 1408هـ.
216 - تيسير العزيز الحميد، شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت 1409هـ.
217 - الثبات عند الممات، لابن الجوزي، تحقيق عبد الله الليثي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط الأولى 1406هـ.
218 - الثقات، لابن حبان البستي، ط الأولى 1398هـ، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الدكن، الهند.
219 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض 1403هـ.(2/1219)
220 - جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير الجزري، تحقيق عبد القادر الأرناءوط، نشر مكتبة الحلواني، 1389هـ.
221 - جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، تصوير دار الكتب العلمية 1398هـ، بيروت.
222 - جامع التحصيل من أحكام المراسيل، للعلائي، طبعة مكتبة الإرشاد، بغداد.
223 - جامع النقول في أسباب النزول، لابن خليفة عليوي، ط الأولى 1404هـ.
224 - جذوة المقتبس، للحميدي، تحقيق محمد الطبخي، نشر مكتبة الثقافة الإسلامية، مصر، ط الأولى 1372هـ.
225 - الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، مصورة عن الطبعة الأولى 1371هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
226 - جمال القراء، وكمال الإقراء، للسخاوي، تحقيق د. علي البواب، مكتبة التراث، مكة المكرمة، ط الأولى 1408هـ.
227 - الجمع بين رجال الصحيحين، الطبعة الأولى، حيدرآباد، الدكن، الهند، جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، دار الكتب العلمية، ط الأولى 1403هـ، بيروت.
228 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، تحقيق علي حسن ناصر وعبد العزيز العسكر، ط دار العاصمة، الرياض.
229 - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر للسخاوي، تحقيق د. حامد عبد المجيد، ود. طه الزيني، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1406هـ.
230 - حاشية الروض المربع، لابن قاسم، المطابع الأهلية للأفست الرياض، ط الأولى 1397هـ.
231 - الحافظ البغدادي، وأثره في علوم الحديث، د. محمود الطحان، الناشر دار القرآن الكريم، 1401هـ، بيروت.
232 - حبر الأمة عبد الله بن عباس، ومدرسته في التفسير بمكة المكرمة د. عبد الله سلقيني، دار السلام، ط الأولى 1407هـ.
233 - الحث على الحفظ وذكر كبار الحفاظ لابن الجوزي، دار الخلفاء.
234 - الحجة للقراء السبعة، للفارسي، تحقيق بدر الدين قهوجي، وبشر حويجاتي، دار المأمون للتراث، ط الأولى 1404هـ.
235 - حجة القراءات لابن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، ط الرابعة 1404هـ.
236 - حجة الله البالغة للدهلوي، ط المطبعة الخيرية، 1322هـ، القاهرة.(2/1220)
237 - الحسن البصري لإحسان عباس، دار الفكر العربي، 1952م، القاهرة.
238 - الحسن البصري لابن الجوزي، مكتبة الخانجي، ط الأولى 1350هـ.
239 - الحسن البصري من عمالقة الفكر والدعوة، د. مصلح سيد بيومي، مكتبة النهضة المصرية 1980م
240 - الحسن البصري مفسرا، لأحمد إسماعيل البسيط، دار الفرقان 1985م.
241 - الحسن البصري وحديثه المرسل، د. عمر الجغيبر، دار البشير، الأردن، ط الأولى 1412هـ.
242 - حسن المحاضرة في أخبار من دخل مصر والقاهرة، للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، عيسى الحلبي، القاهرة، ط الأولى 1967م.
243 - الحق الدافع لأحمد بن حمد الخليلي، مطابع النهضة، مسقط، 1409هـ.
244 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم، مطبعة السعادة، ط الأولى 1394هـ.
245 - حلياء الفقهاء لأبي الحسن بن فارس، تحقيق د. عبد الله التركي، ط الأولى 1403هـ، الشركة المتحدة، بيروت.
246 - خزانة الأدب، لعبد القادر البغدادي، القاهرة 1299هـ.
247 - خطط المقريزي، دار التحرير للطبع والنشر، عن طبعة بولاق 1270هـ، مصر.
248 - خلاصة تهذيب تهذيب الكمال للخزرجي، تعليق عبد الفتاح أبو غدة، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا.
249 - خلاصة صفة الصفوة، دار الكتب الحديثة، بيروت.
250 - خلق أفعال العباد للإمام البخاري، تحقيق بدر البدر، الدار السلفية، الكويت، ط الأولى 1405هـ.
251 - دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة إبراهيم زكي خورشيد وآخرين، ط القاهرة.
252 - الدارس في تاريخ المدارس، لعبد القادر النعيمي، دار الكتب العلمية بيروت، ط الأولى 1410هـ، توزيع دار الباز بمكة.
253 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ط الأولى 1403هـ، دار الفكر، بيروت.
254 - الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، للعليمي، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة التوبة، الرياض.
255 - دراسات إسلامية في علوم القرآن، تأليف د. شكر محمد أحمد، ود. محمد مصطفى النجار، ط الأولى 1386هـ، دار التأليف، ليبيا.
256 - دراسات في التفسير وأصوله، د. محمد محيي الدين بلتاجي، دار الثقافة، الدوحة، ط الأولى 1987م.(2/1221)
257 - دراسات في الحديث النبوي للأعظمي، شركة الطباعة العربية، السعودية، الرياض، ط الثالثة 1401هـ.
258 - دراسات في القرآن لأحمد خليل، دار المعارف، القاهرة، 1972.
259 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر، تحقيق محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، مطبعة المدني.
260 - الدعاء للطبراني، تحقيق د. محمد سعيد البخاري، دار البشائر الإسلامية، ط الأولى 1407هـ، بيروت.
261 - دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، خرج أحاديثه عبد البر عباس، حققه محمد رواس قلعه جي، الطبعة الأولى 1392هـ، المكتبة العربية، حلب، سوريا.
262 - دلائل النبوة للبيهقي، توثيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1405هـ.
263 - دول الإسلام للذهبي، تحقيق فهيم شلتوت، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974م.
264 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث للطبع، القاهرة.
265 - ديوان الإمام الشافعي، جمع، زهدي يكن، دار الرحاني للطباعة والنشر، بيروت.
266 - ديوان الأعشى، تحقيق د. محمد محمد حسين، القاهرة.
267 - ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي، تحقيق حماد بن محمد الأنصاري، نشر مطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.
268 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للمحب الطبري، نشر مكتبة القدسي، القاهرة، 1387هـ.
269 - ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم للدارقطني، تحقيق بوران الضناوي، وكمال الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط الأولى 1406هـ.
270 - ذكر من تكلم فيه وهو موثق للذهبي، تحقيق محمد مشكور المياديني، مكتبة المنار، الأردن الزرقاء.
271 - ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، للذهبي، تحقيق عبد الفتاح أبو عزة، ط الثالثة، 1400هـ، دار القرآن الكريم، بيروت.
272 - ذيل ابن عبد الهادي على طبقات ابن رجب، مراجعة محمود الحداد، دار العاصمة، الرياض، ط الأولى 1408هـ.
273 - ذيل تاريخ بغداد، لابن النجار، صححه قيصر بن فرح، الطبعة الأولى 1398هـ، دائرة
المعارف، الهند.(2/1222)
273 - ذيل تاريخ بغداد، لابن النجار، صححه قيصر بن فرح، الطبعة الأولى 1398هـ، دائرة
المعارف، الهند.
274 - ذيل تذكرة الحفاظ لأبي المحاسن الحسين الدمشقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تصور عن الطبعة الهندية.
275 - ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين، في آخر كتابه الطبري تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر 1399هـ.
276 - الرأي وأثره في مدرسة المدينة، د. أبو بكر ميقا، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1405هـ.
277 - رجال صحيح البخاري للكلاباذي، تحقيق عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت، ط الأولى 1407هـ.
278 - رجال صحيح مسلم لابن منجويه الأصبهاني، تحقيق عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت، ط الأولى 1407هـ.
279 - الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي، تحقيق د. نور عنتر، طبعة دار الكتب العلمية، طبعة أولى 1395هـ.
280 - رد الدارمي عثمان بن سعيد على المريسي العنيد، ضمن مجموع كتاب عقائد السلف، عناية د. علي النشار، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية 1971هـ.
281 - الرد على الجهمية، للدارمي، المكتب الإسلامي، ط الثانية، 1381هـ.
282 - الرد على من خالف مصحف عثمان لابن الأنباري.
283 - الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق وشرح أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة.
284 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة للكتاني، ط ثانية 1400هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
285 - رسالة ليحيى بن معين في القدر (مخطوطة) في مكتبة الجامعة الإسلامية رقم (134) خاص، عام 215هـ.
286 - الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، للكنوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ط الثالثة، 1407هـ.
287 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي، إدارة الطباعة المصطفائية، ديوبند، الهند.
288 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات للخوانساري، ط الثانية 1362هـ، طهران.
289 - رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية لأبي بكر المالكي، تحقيق بشير البكوش، دار الغرب الإسلامي، لبنان 1403هـ.
290 - زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج بن الجوزي، طبعة أولى، المكتب الإسلامي.(2/1223)
291 - زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، تحقيق شعيب الأرناءوط وعبد القادر الأرناءوط، ط أولى 1399هـ، لجنة إحياء التراث.
292 - الزهد للإمام أحمد، بيروت، دار الكتب العلمية، ط الأولى 1403هـ.
293 - زهد الثمانية من التابعين لعلقمة بن مرثد، تحقيق د. عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط الثانية 1408هـ.
294 - الزهد والرقائق لابن المبارك، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت.
295 - الزهد لهناد بن السري، تحقيق د. عبد الرحمن الفريوائي، دار الخلفاء، الكويت، ط الأولى 1406هـ.
296 - الزهد لوكيع بن الجراح، تحقيق د. عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار، بالمدينة المنورة، ط 1404هـ.
297 - الزهري من تاريخ لابن عساكر، تحقيق د. شكر الله بن نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة 1403هـ، بيروت.
298 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة المكي، مخطوط في مكتبة حكيم أوغلو، تركيا، عند الأخ محمد صفا حقي صورة منها.
299 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة، من النوع الأول إلى نهاية النوع (45)، دراسة وتحقيق محمد صفا حقي، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1141هـ.
300 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة، من النوع (46) إلى نهاية النوع (90)، دراسة وتحقيق فهد بن علي العندس، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1141هـ.
301 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة، من النوع (91) إلى نهاية النوع (119) دراسة وتحقيق إبراهيم بن محمد المعمود، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1410هـ.
302 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة، من النوع (120) إلى نهاية النوع (143)، دراسة وتحقيق مصلح عبد الكريم السامدي، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1410هـ.
303 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة، من النوع (143) إلى نهاية الكتاب، دراسة وتحقيق خالد بن عبد الكريم اللاحم، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن
سعود الإسلامية عام 1411هـ.(2/1224)
303 - الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة، من النوع (143) إلى نهاية الكتاب، دراسة وتحقيق خالد بن عبد الكريم اللاحم، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن
سعود الإسلامية عام 1411هـ.
304 - السابق واللاحق، للخطيب البغدادي، تحقيق محمد الزهراني، دار طيبة، الرياض، ط الأولى 1402هـ.
305 - السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، ط الثانية، دار المعارف، القاهرة.
306 - سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي، للبغدادي، دار الفكر، ط الرابعة 1398هـ.
307 - سفيان الثوري وأثره في التفسير، تأليف هاشم المشهداني، دار الكتاب للطباعة، بغداد، ط الأولى 1401هـ.
308 - سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، طبعة ثانية 1404هـ.
309 - سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الأولى 1356هـ.
310 - سنن الدارقطني، تصحيح السيد عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن، القاهرة.
311 - سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، توزيع دار الباز للنشر، مكة المكرمة.
312 - سنن أبي داود، تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر دار إحياء السنة المحمدية.
313 - سنن سعيد بن منصور، تحقيق د. سعد الحميد، الناشر دار الصميعي، ط الأولى 1414هـ.
314 - السنن الكبرى للبيهقي، تصوير دار الفكر، بيروت.
315 - سنن ابن ماجة، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة عيسى البابي الحلبي.
316 - سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.
317 - السنة لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال، تحقيق د. عطية الزهراني، دار الراية، ط الأولى 1410هـ، الرياض.
318 - السنة لأبي بكر عمرو بن أبي عاصم، المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية 1405هـ.
319 - السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، المطبعة السلفية، مكة 1349هـ.
320 - سؤالات ابن الجنيد لابن معين، تحقيق د. أحمد محمد نور سيف، مكتبة الدار بالمدينة، ط الأولى 1408هـ.(2/1225)
321 - سؤالات البرقاني للدارقطني، رواية الكرجي، تحقيق د. عبد الرحيم القشقري، ط الأولى، باكستان.
322 - سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، إشراف شعيب الأرناءوط، طبعة أولى 1401هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
323 - الشافعي، حياته وعصره، لأبي زهرة، الناشر دار الفكر العربي، 1978م، القاهرة.
324 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، طبعة ثانية، 1399هـ، دار المسيرة، بيروت.
325 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لأبي القاسم اللالكائي، تحقيق د. أحمد حمدان، الناشر دار طيبة، الرياض.
326 - شرح السنة للبغوي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق.
327 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، ط السابعة، المكتب الإسلامي، بيروت.
328 - شرح علل الترمذي، لابن رجب الحنبلي، حققه صبحي السامرائي، طبعة ثانية 1405هـ، عالم الكتب، بيروت.
329 - شرح قصب السكر نظم نخبة الفكر، لملا قاري، مطبعة المدني، القاهرة، ط الأولى 1405هـ.
330 - شرح الكوكب المنير، لابن النجار الفتوحي، تحقيق د. محمد الزحيلي، دار الفكر دمشق 1400هـ، توزيع جامعة الملك عبد العزيز.
331 - شرح معاني الآثار، للطحاوي، تحقيق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1399هـ.
332 - شرف أصحاب الحديث، للخطيب البغدادي، تحقيق د. محمد سعيدأوغلى، الناشر دار إحياء السنة النبوية، أنقرة، تركيا.
333 - الشريعة للآجري، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب الجامعية، بيروت 1983م.
334 - شعب الإيمان للبيهقي، تحقيق محمد السعيد زغلول، توزيع دار الباز، مكة المكرمة.
335 - صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، للقشقلندي، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1331هـ.
336 - صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا.
337 - صحيح سنن ابن ماجة، للألباني، ط مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى 1407هـ.
338 - صحيح مسلم، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت 1400هـ.
339 - صفة الصفوة، لابن الجوزي، حققه محمود فاخوري، خرّج أحاديثه د. محمد رواس قلعه جي، طبعة ثانية 1399هـ، الناشر دار المعرفة، بيروت.(2/1226)
340 - الصلة لابن بشكوال، ط الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966م.
341 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم الجوزية، تحقيق د. علي الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، ط الأولى 1408هـ.
342 - ضبط القرآن لمحمد رواس قلعه جي، مكتبة الأزهر الإسلامية، القاهرة، 1986م.
343 - ضحى الإسلام لأحمد أمين، دار الكتاب العربي، بيروت، ط العاشرة.
344 - الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق د. فاروق حمادة، دار الثقافة، الدار البيضاء ط الأولى 1405هـ.
345 - الضعفاء الصغير للبخاري، تحقيق محمود إبراهيم زائد، دار الوعي بحلب 1396هـ، ط الأولى.
346 - الضعفاء الكبير للعقيلي، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعه جي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى.
347 - الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي، تحقيق عبد الله القاضي، ط أولى 1406هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
348 - الضعفاء والمتروكين، للدارقطني، تحقيق موفق عبد الله، طبعة أولى 1404هـ، مكتب المعارف، الرياض.
349 - الضعفاء والمتروكين، للنسائي، تحقيق بوران الضناوي، ط الأولى 1405هـ.
350 - ضعيف الجامع الصغير للألباني، طبعة ثانية 1399هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، ودمشق.
351 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي، مكتبة الحياة، بيروت.
352 - طبقات الحفاظ، للسيوطي، تحقيق علي محمد عمر، الناشر مكتبة وهبة، القاهرة، ط الأولى 1393هـ.
353 - طبقات الحنابلة، لمحمد بن أبي يعلى، دار المعرفة، بيروت.
354 - طبقات خليفة بن خياط، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية 1402هـ، دار طيبة، الرياض.
355 - طبقات الشافعية للأسنوي، تحقيق كمال الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1407هـ.
356 - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
357 - طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، تصحيح د. عبد العليم خان، طبعة أولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، الهند 1399هـ.(2/1227)
358 - طبقات الشافعية، لابن هداية الله، تحقيق، عادل نويهض، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط الثانية 1979م.
359 - طبقات علماء إفريقية وتونس، لأبي العرب القيرواني، تحقيق: علي الشابي، الدار التونسية للنشر، 1968م، تونس.
360 - طبقات علماء الحديث للصالحي، تحقيق أكرم البوشي، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1409هـ.
361 - طبقات فحول الشعراء، لمحمد بن سلام الجمحي، شرح محمود شاكر، مطبعة المدني القاهرة.
362 - طبقات الفقهاء، للشيرازي، تحقيق د. إحسان عباس، دار الرائد العربي، لبنان، ط الثانية 1401هـ.
363 - طبقات فقهاء اليمن، لعمر الجعدي، تحقيق، فؤاد سيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية 1981م.
364 - الطبقات الكبرى لابن سعد، طبعة دار صادر، بيروت.
365 - الطبقات الكبرى لابن سعد، القسم المتمم لتابعي أهل المدينة، تحقيق د. زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، ط الثانية 1408هـ، المدينة المنورة.
366 - طبقات المحدثين بأصبهان، لأبي الشيخ الأنصاري، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1407هـ.
367 - طبقات المدلسين لابن حجر، تحقيق د. عاصم القريوتي، مكتبة المنار، الأردن، ط الأولى.
368 - طبقات المفسرين للداودي، تحقيق علي محمد عمر، طبعة أولى 1392هـ نشر مكتبة وهبة، القاهرة.
369 - طبقات المفسرين للسيوطي، تحقيق علي محمد عمر، طبعة أولى 1396هـ، نشر مكتبة وهبة، القاهرة.
370 - طبقات النحويين واللغويين للزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1954م.
371 - طرح التثريب في شرح التقريب، لزيد الدين أبي الفضل العراقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
372 - عارضة الأحوذي، لابن العربي المالكي، الناشر مكتبة المعارف، بيروت، ط دار العلم للجميع، بيروت.(2/1228)
373 - العبر في خبر من غبر للذهبي، تحقيق محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية، طبعة أولى 1405هـ بيروت.
374 - عجائب علوم القرآن، لابن الجوزي، تحقيق د. عبد الفتاح عاشور، الناشر الزهراء للإعلام العربي، ط الأولى 1407هـ.
375 - عطاء بن أبي رباح وجهوده في التفسير، رسالة ماجستير لعبد الواحد بكر إبراهيم العابد، جامعة أم القرى 1412هـ.
376 - العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، للفاسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثانية 1406هـ.
377 - العقد الفريد لابن عبد ربه، تحقيق أحمد أمين، القاهرة، 1948م.
378 - العقيدة الواسطية لابن تيمية، تحقيق محمد خليل هراس، دار الثقافة.
379 - العلل لابن أبي حاتم، مصورة عن طبعة محمد نصيف، 1343هـ، مكتبة دار السلام، حلب.
380 - العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل، تحقيق وصي الله عباس، المكتب الإسلامي.
381 - العلل لابن المديني، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، طبعة ثانية 1980م، المكتب الإسلامي، دمشق.
382 - العلل للدارقطني، تحقيق د. محفوظ الرحمن السلفي، طبعة أولى 1405هـ، دار طيبة، الرياض.
383 - العلم لأبي خثيمة، تحقيق الألباني، دار الأرقم، الكويت.
384 - علوم القرآن مدخل إلى تفسير القرآن وبيان إعجازه، دار الكتب الحديثة، بيروت.
385 - علوم القرآن والتفسير، د. عبد الله شحاتة، دار الاعتصام، القاهرة.
386 - علوم القرآن، لعدنان زرزور، المكتب الإسلامي، ط الأولى 1401هـ، بيروت.
387 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني، تصوير دار الفكر، بيروت.
388 - عمل اليوم والليلة للنسائي، تحقيق فاروق بن حمادة، الطبعة الأولى 1401هـ، نشر وتوزيع الرئاسة العامة لإدارة البحوث.
389 - عيون الأخبار لابن قتيبة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، القاهرة.
390 - عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم آبادي، تحقيق عبد الرحمن عثمان، طبعة ثانية 1388هـ، الناشر محمد عبد المحسن، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
391 - غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجوزي، عني بنشره، براجستر، طبعة ثانية 1400هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.(2/1229)
392 - غريب الحديث للخطابي، تحقيق عبد الكريم العزباوي، دار الفكر، دمشق 1402هـ، توزيع جامعة أم القرى.
393 - غريب الحديث لابن قتيبة، تحقيق د. عبد الله الجبوري، العراق، ط الأولى 1397هـ.
394 - غريب الحديث لابن الجوزي، تعليق د. عبد المعطي أمين قلعه جي، طبعة أولى 1405هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
395 - غريب الحديث للحربي، تحقيق د. سليمان العائد، دار المدني للطباعة والنشر، جدة، ط الأولى 1405هـ.
396 - غريب الحديث، لأبي عبد القاسم بن سلام، دار الكتاب العربي، بيروت، مصورة عن الطبعة الأولى من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية 1396هـ.
397 - الفائق في غريب الحديث، لمحمود الزمخشري، طبعة أولى 1396هـ، عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
398 - الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
399 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، المطبعة السلفية.
400 - فتح الباقي على ألفية العراقي، لزيد الدين زكريا السنكي، دار الكتب العلمية، بيروت.
401 - الفتح الرباني، ترتيب مسند الإمام أحمد، للساعاتي، دار الشهاب بالقاهرة.
402 - الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير البيضاوي للمناوي، تحقيق أحمد مجتبى بن نذر السلفي، دار العاصمة، الرياض، ط الأولى، 1409هـ.
403 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، نشر دار المعرفة، بيروت.
404 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، نشر دار الكتب العلمية، ط الأولى 1403هـ.
405 - فجر الإسلام، تأليف أحمد أمين، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الحادية عشرة 1975م.
406 - فرائد القلائد.
407 - الفرق بين الفرق، لعبد القاهر البغدادي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر دار المعرفة، بيروت.
408 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، لأبي محمد بن حزم، طبعة ثانية 1395هـ، دار المعرفة، بيروت.
409 - فضائل الصحابة، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق وحي الله بن محمد عباس، طبعة أولى 1403هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، توزيع جامعة أم القرى، مكة المكرمة.(2/1230)
410 - فضائل الصحابة، للنسائي، تحقيق د. فاروق حمادة، طبعة أولى 1404هـ، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب.
411 - فضائل القرآن لابن الضريس، تحقيق د. مسفر دماس الغامدي، دار حافظ، ط الأولى، 1408هـ.
412 - فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق وهبي غاوجي، دار الكتب العلمية، بيروت.
413 - فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد تيجاني، رسالة ماجستير.
414 - فضائل القرآن للفريابي، تحقيق يوسف جبريل، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى 1409هـ.
415 - فضائل القرآن لابن كثير، دار الأندلس، بيروت.
416 - فضائل القرآن للنسائي، دار الثقافة، الدار البيضاء.
417 - فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد، للحيدرآبادي، المطبعة السلفية، القاهرة 1388هـ.
418 - فقه أهل العراق وحديثهم للكوثري، دار القلم، بيروت، 1390هـ.
419 - الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، تصحيح إسماعيل الأنصاري، طبعة ثانية 1389هـ، مطابع القصيم، الرياض.
420 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، للفاسي، ط الأولى، المدينة المنورة.
421 - فنون الأفنان، لابن الجوزي، تحقيق حسن عتر، ط دار البشائر الإسلامية.
422 - فهرس ابن عطية، للأندلسي، تحقيق محمد أبو الأجفان، دار الغرب الإسلامي، ط الثانية 1983م.
423 - فهارس تهذيب اللغة للأزهري، عبد السلام هارون، ط الأولى، 1396هـ، القاهرة.
424 - فهارس لسان العرب، صنفه د. خليل أحمد عمائرة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى 1407هـ.
425 - الفهرست لابن النديم أبو الفرج بن أبي يعقوب الوراق، تحقيق رضا تجدّد بن علي زين العابدين.
426 - فهرست ابن خير، فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير الإشبيلي، ط الثانية، 1382هـ، بعناية: فرنشكه قدارة زيدين، منشورات مكتبة المثنى ببغداد.
427 - فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، الطبعة الأولى 1905م، القاهرة.
428 - فوات الوفيات لمحمد شاكر الكتبي، تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت.
429 - الفوز الكبير في أصول التفسير، عربه من الفارسية سلمان الحسيني الندوي، ط الثانية،
دار الصحوة 1407هـ.(2/1231)
429 - الفوز الكبير في أصول التفسير، عربه من الفارسية سلمان الحسيني الندوي، ط الثانية،
دار الصحوة 1407هـ.
430 - في علوم القرآن، دراسات ومحاضرات، دار النهضة.
431 - فيض الباري بشرح صحيح البخاري للكشميري، مطبعة حجازي، 1357هـ، القاهرة.
432 - فيض القدير لترتيب وشرح الجامع الصغير، لمحمد حسن ضيف الله، مصطفى الحلبي، ط الأولى 1383هـ، القاهرة.
433 - القاموس المحيط للفيروزآبادي، تصوير المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت.
434 - قتادة السدوسي وتفسيره، من أول سورة الفاتحة، إلى نهاية النحل، للباحث عمر يوسف كمال، الجامعة الإسلامية.
435 - القرآن العظيم هدايته وإعجازه، لمحمد الصادق عرجون، ط الكليات الأزهرية 1386هـ.
436 - القرآن المعجزة الكبرى، لأبي زهرة، ط دار الفكر العربي، القاهرة.
437 - القرآن وعلومه في مصر، د. عبد الله خورشيد البري، دار المعارف، القاهرة.
438 - قراءة عبد الله بن مسعود، مكانتها، مصادرها، إحصاؤها، د. محمد خاطر، دار الاعتصام، القاهرة.
439 - القراءات القرآنية في بلاد الشام، تأليف د. حسين عطوان، دار الجيل بيروت، ط 1983م.
440 - قراءات النبي، لأبي عمر حفص بن عمر الدوري، تحقيق د. حكمت بشير ياسين، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط الأولى 1408هـ.
441 - القصاص والمذكرين، لابن الجوزي، تحقيق د. محمد الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى 1403هـ.
442 - القطع والائتناف للنحاس، تحقيق د. أحمد خطاب، بغداد، 1398هـ.
443 - قنعة الأديب في تفسير الغريب، لابن قدامة، تحقيق د. علي البواب، دار أمية للنشر والتوزيع، الرياض.
444 - القواعد والإشارات في أصول القراءات، تأليف أحمد الحموي، تحقيق د. عبد الكريم بكار، دار القلم دمشق، ط الأولى 1406هـ.
445 - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، للقاسمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1399هـ.
446 - قواعد في علوم الحديث، لظفر التهانوي، تعليق عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الخامسة 1404هـ، شركة العبيكان، الرياض.
447 - الكاشف لمن له رواية في الكتب الستة، للذهبي، تحقيق د. عزت عطية، طبعة أولى 1392هـ، دار النصر للطباعة، القاهرة.(2/1232)
448 - الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري، طبعة ثانية 1387هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
449 - الكامل في الضعفاء لابن عدي الجرجاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ.
450 - كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط الأولى 1399هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
451 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، طبعة دار العلوم الحديثة، بيروت.
452 - الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، ط البابي الحلبي، مصر 1392هـ.
453 - الكشف عن وجوه القراءات السبع، لمكي بن أبي طالب، تحقيق د. محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1401هـ، بيروت.
454 - كعب الأحبار: مروياته وأقواله في التفسير، رسالة ماجستير إعداد يوسف العامري، جامعة أم القرى 1412هـ.
455 - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، تصوير المكتبة العلمية، بيروت.
456 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، للبرهان فوري الهندي، ضبط وتصحيح صفوة السقا، 1399هـ، طبعة مؤسسة الرسالة، دمشق، منشورات دار اللواء، الرياض.
457 - الكنى للإمام أحمد، رواية ابنه صالح، تحقيق عبد الله الجديع، مكتبة دار الأقصى، الكويت، ط الأولى 1406هـ.
458 - الكنى للدولابي، مصورة عن الطبعة الأولى 1403هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
459 - الكنى والأسماء لمسلم (مخطوط)، صورة عن النسخة المحفوظة بخزانة المكتبة الظاهرية بدمشق.
460 - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات، لابن الكيال، تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي، طبعة أولى 1401هـ، دار المأمون للتراث، دمشق.
461 - اللآلئ الحسان في علوم القرآن، د. موسى لاشين، مطبعة الفجر الجديد، القاهرة.
462 - اللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير الجزري، طبعة 1400هـ، دار صادر، بيروت.
463 - لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي، دار إحياء العلوم، بيروت، ط الأولى 1978م.
464 - لب اللباب في تحرير الأنساب، للسيوطي، تحقيق محمد عبد العزيز وأشرف عبد العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1411هـ.(2/1233)
465 - لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت.
466 - لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني، نشر مؤسسة الأعلمي، طبعة ثانية 1390هـ، بيروت.
467 - لمحات في أصول الحديث، تأليف محمد أديب صالح، المكتب الإسلامي، ط الثانية 1393هـ، بيروت.
468 - لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير، تأليف د. محمد لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي 1394هـ.
469 - المأثور في تفسير الفاتحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، جمع د. عبد الإله الأحمدي، دار طيبة، الرياض، ط الأولى 1413هـ.
470 - مالك: حياته وعصره، لأبي زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.
471 - مباحث في علوم القرآن، تأليف مناع القطان، طبعة ثامنة، 1401هـ، مكتبة المعارف، الرياض.
472 - المبسوط في القراءات العشر، لأبي بكر الأصبهاني، تحقيق سبيع حاكمي، دار القبلة للثقافة، جدة، ط الثانية 1408هـ.
473 - المبسوط للسرخسي، دار المعرفة، بيروت.
474 - المتوارين الذين اختفوا خوفا من الحجاج، لعبد الغني بن سعيد، تحقيق مشهور حسن، دار القلم، دمشق، ط الأولى 1410هـ.
475 - مجاهد بن جبر، ومنهجه في التفسير، رسالة ماجستير إعداد الباحثة جميلة محمد الغزاني، جامعة أم القرى 1404هـ.
476 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، لابن حبان، تحقيق محمود إبراهيم زائد، دار الوعي بحلب، ط الأولى 1396هـ.
477 - مجلة الأزهر، عدد (1) محرم 1366هـ، مقال بعنوان بيئة البصرة وأثرها في النحو العربي.
478 - مجلة المنهل، العدد (13) ذو الحجة 1389هـ، مقال بعنوان مذهب أبي حنيفة ومصادر فقهه.
479 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين، الأوسط والصغير، لنور الدين الهيثمي، تحقيق عبد القدوس نذير، مكتبة الرشد، الرياض.
480 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين الهيثمي، طبعة ثالثة 1402هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
481 - مجمل اللغة لابن فارس، تحقيق زهير سلطان، طبعة مؤسسة الرسالة، طبعة أولى
1404 - هـ.(2/1234)
481 - مجمل اللغة لابن فارس، تحقيق زهير سلطان، طبعة مؤسسة الرسالة، طبعة أولى
1404 - هـ.
482 - المجموع شرح المهذب.
483 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن القاسم وابنه محمد، تصوير عن الطبعة الأولى 1398هـ.
484 - المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، لأبي عيسى المديني الأصفهاني، تحقيق عبد الكريم الغرباوي، الناشر مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط الأولى 1410هـ.
485 - مجموعة الرسالة الكمالية في المصاحف والقرآن والتفسير، الناشر مكتبة المعارف، الطائف.
486 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، تأليف أبي الفتح عثمان بن جني، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، 1386هـ.
487 - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي، تحقيق محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، ط الأولى، بيروت، 1391هـ.
488 - المحكم في نقط المصحف، لأبي عمرو الداني.
489 - المحلى لابن حزم، تصحيح زيدان أبو المكارم، الناشر مكتبة الجمهورية العربية، القاهرة، 1387هـ.
490 - مختار الصحاح للرازي، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
491 - المختارة للضياء المقدسي، تحقيق د. عبد الملك بن دهيش، الرياض.
492 - مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم لابن الملقن، تحقيق سعد الحميد، دار العاصمة، ط الأولى 1411هـ، الرياض.
493 - مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، دار الفكر، بيروت، ط الأولى 1404هـ.
494 - مختصر تفسير يحيى بن سلام لابن أبي زمنيين، رسالة ماجستير، إعداد الباحث عبد الله المديميغ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
495 - مختصر سنن أبي داود للمنذري، ومعه معالم السنن للخطابي، ومعه تهذيب الإمام ابن القيم، تحقيق أحمد شاكر، دار المعرفة، بيروت.
496 - مختصر طبقات الحنابلة، لابن الشطبي، دراسة فواز زمرلي، دار الكتاب العربي، بيروت.
497 - مختصر العلو للعلي الغفار، اختصار الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1401هـ.
498 - مختصر علوم الحديث، للحاكم النيسابوري، دار المعرفة، بيروت.
499 - المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء، القاهرة، 1328هـ.(2/1235)
500 - مختصر قيام الليل وقيام رمضان، للمقريزي، مصورة عن المخطوطة، تصوير دار الفكر، عالم الكتب، بيروت، ط الثانية 1403هـ.
501 - مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه، عني بنشره ج برجشترسر، مكتبة المتنبي، القاهرة.
502 - مختصر طبقات الحنابلة لابن شطي، دراسة فواز زمرلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الأولى 1406هـ.
503 - المدخل إلى السنن الكبرى، للبيهقي، تحقيق الأعظمي، نشر دار الخلفاء، الكويت.
504 - المدخل إلى الفقه الإسلامي د. محمود محمد الطنطاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط الأولى 1408هـ.
505 - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، تأليف د. عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثامنة 1405هـ.
506 - المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، تأليف حسين حامد حسان، شركة الطوبجي للطباعة والنشر، القاهرة 1981م.
507 - المدخل لدراسة القرآن الكريم والسنة، تأليف شعبان محمد إسماعيل، دار الأنصار، القاهرة.
508 - المدخل للفقه الإسلامي، تأليف د. عبد الله الدرعان، مكتبة التوبة، الرياض، ط الأولى 1413هـ.
509 - المدخل لدراسة القرآن والسنة، لمحمد أبو شهبة، دار الجيل للنشر، لبنان.
510 - مدرسة التفسير في الأندلس، لمصطفى المشني، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1406هـ.
511 - مدرسة الحديث في الكوفة، لعبد العزيز الجاسم، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد ابن سعود.
512 - مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو، د. مهدي المخزومي، ط مصطفى البابي الحلبي، ط الثانية 1377هـ.
513 - المدارس الكلامية بإفريقية إلى ظهور الأشعري، تأليف د. عبد المجيد بن حمده، مطبعة دار العرب، تونس، 1406هـ.
514 - مذاهب التفسير الإسلامي، لجولد تسهر، دار اقرأ، بيروت، ط الثانية 1403هـ.
515 - المراسيل لابن أبي حاتم، اعتنى به شكر الله بن نعمة الله، مؤسسة الرسالة، طبعة أولى 1397هـ، دمشق.
516 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لليافعي، تحقيق عبد الله الجيوري، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1405هـ، بيروت.(2/1236)
517 - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، حيدرآباد، الهند، 1370هـ.
518 - المرشد الوجيز لابن شامة، حققه طيار آلتي قولاج، دار صادر، بيروت.
519 - مروج الذهب للمسعودي، ط الأولى 1346هـ، القاهرة.
520 - مرويات الحسن البصري في القرآن من أول سورة الإسراء إلى آخر سورة الناس، للباحث شير علي شاه، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
521 - المزهر للسيوطي، تحقيق علي البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط الأولى 1958م.
522 - المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين، للقاضي أبي يعلى، تحقيق د.
عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف، الرياض.
523 - مسائل الإمام أحمد، لأبي داود السجستاني، دار المعرفة، بيروت، توزيع دار الباز، مكة المكرمة.
524 - مستدرك الحاكم، تصوير دار الكتاب العربي، بيروت.
525 - المستصفى من علم الأصول للغزالي، دار العلوم الحديثة، بيروت.
526 - المستطرف في كل مستظرف للأبشيهي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
527 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، المطبعة الميمنية، ط الأولى 1313هـ، القاهرة.
528 - مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد محمد شاكر، طبعة دار المعارف 1373هـ القاهرة، الطبعة الرابعة
529 - مسند الحميدي، لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، طبع عالم الكتب، بيروت، نشر مكتبة المتنبي.
530 - مسند الربيع بن حبيب الفراهيدي الإباضي مع شرحه لنور الدين السالمي، نشر مكتبة الاستقامة، سلطنة عمان، طبع مطابع النهضة بمسقط.
531 - مسند الشافعي ترتيب محمد عابد السندي، دار الكتب العلمية.
532 - مسند الطيالسي، الناشر دار الكتاب اللبناني، مصور عن الطبعة الأولى الهندية 1321هـ.
533 - المسودة في أصول الفقه، حققه محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة.
534 - مشارق أنوار العقول للسالمي نور الدين عبد الله بن حميد سالمي، علق عليه أحمد الخليلي، مطابع العقيدة، سلطنة عمان 1978م.
535 - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان، الناشر مكتبة التوعية الإسلامية، القاهرة.
536 - مشكاة المصابيح، للتبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق.
537 - مشكل الآثار للطحاوي، مصورة عن الطبعة الأولى الهندية، مؤسسة قرطبة، القاهرة.(2/1237)
538 - المصاحف لابن أبي داود السجستاني أبو بكر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
539 - مصاعد النظر في تناسب السور للبقاعي، تحقيق د. عبد السميع حسنين، مكتبة المعارف، الرياض، ط الأولى 1408هـ.
540 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي، للفيومي، دار الكتب العلمية، بيروت 1398هـ.
541 - المصنف لابن أبي شيبة، طبعة إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، باكستان، الطبعة الأولى 1406هـ.
542 - المصنف، لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، طبعة أولى 1390هـ المكتب الإسلامي.
543 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الأولى، المطبعة العصرية بالكويت، 1392هـ، نشر الشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف بدولة الكويت.
544 - مطمح الأنفس، لابن خاقان القيسي الإشبيلي، دراسة محمد علي شوايكة، مؤسسة الرسالة، ط الأولى، بيروت 1403هـ.
545 - المعارف لابن قتيبة، تصحيح محمد الصاوي، طبعة أصح المطابع، كراتشي 1396هـ.
546 - معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، للدباغ، تصحيح إبراهيم شبوح، الناشر مكتبة الخانجي، القاهرة 1968م.
547 - معالم القربة في أحكام الحسبة، لابن الأخوة القرشي، تحقيق د. محمد شعبان، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب.
548 - معاني القرآن للأخفش، تحقيق د. عبد الأمير الورد، عالم الكتب بيروت، ط الأولى 1405هـ.
549 - معاني القرآن للفراء، تحقيق محمد النجار، وأحمد نجاتي، دار الكتب المصرية 1375هـ، القاهرة.
550 - معاني القرآن للنحاس، تحقيق د. محمد الصابوني، ط مركز إحياء التراث بجامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط الأولى 1408هـ.
551 - المعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي، للقضاعي المعروف بابن الأبار، دار صادر بيروت.
552 - معجم الأدباء لياقوت الحموي، دار صادر، بيروت.(2/1238)
553 - المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، ط الأولى 1405هـ.
554 - معجم الرجال للخوئي، مؤسسة الأعلمي، بيروت.
555 - المعجم الصغير للطبراني، ضبط كمال الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط الأولى 1406هـ.
556 - المعجم الكبير للطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، طبعة أولى 1400هـ، الدار العربي للطباعة، بغداد
557 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، للبكري الأندلسي، حققه مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت.
558 - المعجم المختص بالمحدثين، للذهبي، تحقيق د. محمد الهيلة، مكتبة الصديق، الطائف.
559 - المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل، لابن عساكر، تحقيق سكينة الشهابي، دار الفكر، بيروت.
560 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، فنسنك، ليدن، هولانده، مصورة بتركيا، استانبول، المكتبة الإسلامية.
561 - معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية، لعمر رضا كحالة، الناشر، مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
562 - المعرب للجواليقي، تحقيق أحمد شاكر، ط الثانية 1389هـ.
563 - معرفة الصحابة، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق د. محمد راضي عثمان، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط الأولى 1408هـ.
564 - معرفة الرجال، لابن معين، تحقيق محمد كمال القصار، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1405هـ.
565 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للذهبي، تحقيق محمد سيد جاد الحق، طبعة أولى، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
566 - المعرفة والتاريخ، لأبي يوسف الفسوي، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد، بغداد 1394هـ.
567 - المعين في طبقات المحدثين، للذهبي، تحقيق د. همام سعيد، دار الفرقان، ط الأولى 1404هـ، الأردن.
568 - المغازي للواقدي، تحقيق د. مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت.
569 - المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي، الشركة العربية للطباعة والنشر، 1380هـ.(2/1239)
570 - المغني لابن قدامة، تحقيق د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، ط الأولى 1406هـ.
571 - المغني في الضعفاء، للذهبي، تحقيق د. نور الدين عتر.
572 - مفتاح السعادة، لأحمد بن مصطفى كبرى زاده، ط مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الدكن، الهند، ط الثانية 1400هـ.
573 - مفحمات الأقران في مبهمات القرآن، للسيوطي، تعليق د. مصطفى البغا، الناشر مؤسسة علوم القرآن، دمشق.
574 - المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق محمد كيلاني، طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة 1381هـ.
575 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للسخاوي، تصحيح عبد الله الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1399هـ.
576 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، طبعة ثانية 1400هـ، دار النشر فراتر شتانير بقيسبادن.
577 - مقالات الكوثري، لمحمد زاهد الكوثري، مطبعة الأنوار، القاهرة.
578 - مقدمة ابن خلدون، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي.
579 - مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت.
580 - مقدمتان في علوم القرآن، أوثر جفري، دار المصادي، ط الثانية 1392هـ.
581 - مقدمة الدر، مخطوطة موجودة في مكتبة الشيخ حكمت بشير ياسين، المدينة المنورة.
582 - مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الإصلاح، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن، مطبعة دار الكتب، القاهرة 1974م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
583 - مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية، تحقيق د. عدنان زرزور، دار القرآن الكريم، طبعة أولى 1391هـ.
584 - مقدمة مسند بقي بن مخلد، تحقيق د. أكرم العمري، ط الأولى 1404هـ.
585 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لابن مفلح، تحقيق د. عبد الرحمن بن عثيمين، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى 1410هـ.
586 - المكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني، تحقيق يوسف المرعشلي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
587 - الملل والنحل للشهرستاني، مصور بهامش كتاب الفضل، دار المعرفة للطباعة، بيروت، طبعة ثانية 1395هـ.
588 - مناهج التجديد لأمين الخولي.(2/1240)
589 - مناهج المفسرين، تأليف د. منيع عبد الحليم محمود، دار الكتاب المصري 1987م.
590 - مناهج المفسرين، تأليف د. مساعد مسلم آل جعفر، محيي هلال السرحان، دار المعرفة، طبعة أولى 1980م
591 - مناهج التشريع في القرن الثاني الهجري، تأليف د. محمد بلتاجي، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1397هـ.
592 - مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه.
593 - المنتخب من ذيل المذيل.
594 - المنتخب من مسند عبد بن حميد، الطبعة الأولى، دار الأرقم، الكويت.
595 - المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لابن الجوزي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت ط الأولى 1412هـ.
596 - المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق، للخرائطي، انتقاء السلفي الأصبهاني، تحقيق محمد مطيع، وغزوة بدير، دار الفكر، دمشق، ط الأولى 1406هـ.
597 - المنتقى من منهاج الاعتدال، للذهبي، تحقيق محب الدين الخطيب، ط المطبعة السلفية.
598 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د.
محمد رشاد سالم، توزيع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
599 - منهج النقد في علوم الحديث، بقلم د. نور الدين عتر، دار الفكر، ط الثالثة 1406هـ، دمشق.
600 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين، لابن الجزري، دار الكتب العلمية، بيروت 1400هـ.
601 - المذهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، للأتابكي، تحقيق د. نبيل محمد عبد العزيز، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985م.
602 - المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب للسيوطي، تحقيق د. التهامي الهاشمي، طبع تحت إشراف لجنة إحياء التراث الإسلامي بين حكومة المغرب والإمارات.
603 - الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي، عني به د. محمد عبد الله دراز، يطلب من المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.
604 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لنور الدين الهيثمي، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية بيروت.
605 - المواقف في علم الكلام للإيجي، دار الباز، مكة المكرمة.
606 - موسوعة إبراهيم النخعي، بقلم د. محمد رواس قلعه جي، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، نشر مركز البحث العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، ط الأولى 1399هـ.(2/1241)
607 - موسوعة فقه ابن مسعود، بقلم د. محمد رواس قلعه جي، نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة.
608 - موطأ مالك، تصحيح وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
609 - الميزان في تفسير القرآن، للطباطبائي، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الثالثة 1393هـ.
610 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، تحقيق علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت.
611 - الناسخ والمنسوخ، لابن سلامة هبة الله، ط البابي الحلبي مصر 1967م.
612 - الناسخ والمنسوخ، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد المديفر، مكتبة الرشد، الرياض، ط الأولى 1411هـ.
613 - الناسخ والمنسوخ لقتادة، تحقيق حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة.
614 - الناسخ والمنسوخ، محمد با شهاب الزهري، تحقيق حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة.
615 - الناسخ والمنسوخ للنحاس، تحقيق د. شعبان محمد إسماعيل، مكتبة عالم الفكر، القاهرة، ط الأولى 1407هـ.
616 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين الأتابكي، مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.
617 - نزهة الألباء لابن الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة.
618 - النسب لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق مريم محمد خير الدرع، دار الفكر، ط الأولى 1410هـ، بيروت.
619 - نسب عدنان وقحطان للمبرد، ضمن مجموعة الرسائل الكمالية في الأنساب، الناشر مكتبة المعارف، الطائف، ط دار الشعب، القاهرة.
620 - نسب قريش للزبيري، تصحيح ليفي بروفنال، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة.
621 - النسخ في القرآن تأليف مصطفى زيد، دار الوفاء، المنصورة، ط الثالثة 1408هـ.
622 - النشر في القراءات العشر لابن الجزري، دار الكتب العلمية، بيروت، نشر عباس الباز، مكة المكرمة.
623 - نصب الراية الأحاديث الهداية للزيلعي، طبعة ثانية 1393هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
624 - نظم العقيان في أعيان الأعيان، للسيوطي، تصوير المكتبة العلمية، بيروت، توزيع دار الباز، مكة المكرمة.
625 - النكت على ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني، تحقيق د. ربيع بن هادي عمير، دار
الراية ط الثانية 1408هـ، الرياض.(2/1242)
625 - النكت على ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني، تحقيق د. ربيع بن هادي عمير، دار
الراية ط الثانية 1408هـ، الرياض.
626 - نكت الانتصار لنقل القرآن، للباقلاني، تحقيق د. محمد زغلول سلام، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية.
627 - نكت الهميان في نكت العميان، للصفدي، تحقيق أحمد زكي باشا، القاهرة 1910م.
628 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق طاهر الزواوي ومحمود الطناحي، الناشر المكتبة الإسلامية، ط الأولى 1383هـ.
629 - نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، للقلقشندي، تعليق على الخاقاني، مطبعة النجاح، بغداد 1378هـ.
630 - نهاية الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط، لعلاء الدين علي رضا، دار المعرفة، بيروت، ط الأولى 1408هـ.
631 - نواسخ القرآن، لابن الجوزي، تحقيق محمد الملباري، الطبعة الأولى 1404هـ، طبع الجامعة الإسلامية.
632 - الهداية في تخريج أحاديث البداية، لأحمد الغماري، تحقيق عدنان علي شلاق، عالم الكتب، بيروت، ط الأولى 1407هـ.
633 - هدي الساري مقدمة فتح الباري، لابن حجر، تصحيح الشيخ ابن باز الطبعة السلفية.
634 - هدية العارفين، للبغدادي، مصورة عن الطبعة التركية.
635 - الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع، للشيخ عبد الفتاح القاضي، توزيع مكتبة السوادي بجدة، ط 1411هـ.
636 - الوافي بالوفيات، للصفدي، باعتناء، دير رينغ ط الثانية 1394هـ.
637 - الوجيز في فضائل الكتاب العزيز، للقرطبي، تحقيق د. علاء الدين علي رضا، دار الحديث، القاهرة.
638 - الوفيات، لابن قنفذ، تحقيق عادل نويهض، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط الرابعة 1403هـ.
639 - وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق د. إحسان عباس 1397هـ، دار صادر، بيروت.
640 - يتيمة الدهر للثعالبي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة 1956م.(2/1243)
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
المقدمة 9
أهمية الموضوع 10
دواعي اختيار الموضوع 12
منهج البحث 13
تنبيهات متممة للمنهج 24
التمهيد 27
أولا: مفهوم التفسير بالمأثور 29
تعريف الأثر في اللغة 29
معناه في الاصطلاح 31
معناه في اصطلاح كتب أصول التفسير 31
ثانيا: التفسير في مراحله الأولى 34
الباب الأول مدخل إلى تفسير التابعين الفصل الأول: المراد بالتابعي، وحكم تفسيره 43
المبحث الأول: المراد بالتابعين 45
اختلاف العلماء في حده، وتعريفه 45
المبحث الثاني: حكم تفسير التابعي 49
الفصل الثاني: مصادر تفسير التابعي 53
المبحث الأول: كتب السنن، والآثار 57
صحيح البخاري 57
تغليق التعليق 59
فتح الباري شرح صحيح البخاري 60(2/1245)
سنن سعيد بن منصور 62
سنن الترمذي 63
سنن الدارمي 63
كتب الزهد والرقائق 64
الزهد لابن المبارك 64
الزهد لهناد 65
الزهد لوكيع 65
المصنف لابن أبي شيبة 65
غريب الحديث للحربي 66
المبحث الثاني: كتب التفسير بالمأثور 68
تفسير مجاهد 68
تفسير سفيان الثوري 69
تفسير سفيان بن عيينة 70
تفسير عبد الرزاق الصنعاني 70
تفسير آدم بن أبي إياس 71
تفسير يحيى بن سلام 72
تفسير عبد بن حميد 73
تفسير ابن جرير الطبري 74
تفسير ابن المنذر 76
تفسير ابن أبي حاتم 77
تفسير الماوردي 78
تفسير ابن عطية 78
تفسير البغوي 79
زاد المسير 80
تفسير ابن كثير 80
الدر المنثور 81(2/1246)
الباب الثاني مدارس التفسير في عصر التابعين وخصائصها الفصل الأول: أشهر رجال التفسير في عصر التابعين 87
مجاهد بن جبر 90
مكانة مجاهد بين أصحاب ابن عباس 90
خصائص تفسير مجاهد 92
أولا: توسعه في باب النظر، والاجتهاد 93
1 - تأويله للمسخ الواقع على اليهود 93
2 - تأويله لمعنى المائدة المنزلة علي عيسى 94
3 - تأويله لمعنى الورود على النار 95
4 - تأويله لمعنى قوله: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلى ََ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} 95
5 - ما روي عنه في تأويل معنى اهتزاز العرش 96
ثانيا: الدقة في التفريق بين الكلمات المتشابهة 97
ثالثا: تفسير بعض الألفاظ بما يخالف المعنى القريب 98
رابعا: اهتمامه بالمبهمات 99
الرأي، والتأويل، وأثرهما على المنهج العقدي عند مجاهد 101
1 - تفسيره لقوله: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} 105
2 - تفسيره للمقام المحمود بأنه الإجلاس على العرش 107
3 - تأويله لرؤية الله في الآخرة 110
أثره في علوم القرآن 114
أولا: معرفة أول ما نزل من القرآن 114
ثانيا: أسباب النزول 115
ثالثا: تأويله لمشكل القرآن 116
رابعا: موقفه من النسخ 118
خامسا: رأيه في المحكم، والمتشابه 119
سادسا: كليات القرآن 120(2/1247)
سابعا: الاشتقاق عند مجاهد 121
ثامنا: الاعتماد على لغة العرب 122
تاسعا: معرفة ما وقع في القرآن من المعرب 123
عوامل السبق عند مجاهد 125
1 - ملازمته وصحبته لابن عباس رضي الله عنهما 125
2 - تعدد مصادره 126
3 - تخصصه وانقطاعه لعلم التفسير 128
4 - سبقه في علم القراءات 129
5 - شغفه بالسفر والترحال، وحبه لرؤية العجائب والغرائب 130
6 - كتابته للتفسير 132
7 - عناية أصحابه بنقل تفسيره 132
8 - التوسع في الاجتهاد والقدرة على الاستنباط 133
9 - حافظته 134
10 - عدم دخوله في الفتن 135
11 - تأخر وفاته 135
سعيد بن جبير 137
تأثره بالمنهج الكلي
1 - كثرة روايته لتفسير ابن عباس 138
2 - محبته لابن عباس، وحرصه على كتابة حديثه 139
3 - كثرة تردده على مكة 140
4 - الأثر المكي على منهجه في التفسير 140
أبرز المعالم المنهجية في تفسيره
1 - تقدمه في معرفة القراءة 142
2 - الاهتمام بتفسير آيات الأحكام 144
3 - تساهله في الرواية عن بني إسرائيل 146
أسباب تقدمه في التأويل
1 - قربه من ابن عباس 148
2 - حرصه على نشر علمه 148
3 - قربه من عكرمة 149
4 - كتابته للتفسير 149(2/1248)
أسباب تقدم أصحاب ابن عباس عليه في التفسير
1 - عدم تخصصه في التفسير 150
2 - انشغاله بالرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما 151
3 - قلة المعتنين برواية تفسيره 153
4 - ما وقع له من الفتن 153
عكرمة أسباب تفوقه في التفسير
1 - طول ملازمته لابن عباس رضي الله عنه، وحبه له 156
2 - تقدمه في معرفة أسباب النزول 157
3 - قدرته على الاجتهاد، والفهم، والاستنباط 159
4 - تفرغه لعلم التفسير 160
5 - معرفته الواسعة بلغات قبائل العرب، وأشعارها 161
6 - كثرة رحلاته 166
7 - حرصه على نشر علمه 167
أهم أسباب نقصان تفسيره عن مجاهد 168
أولا: اتهامه بالكذب 169
ثانيا: اتهامه بالميل لرأي الخوارج 173
ثالثا: إكثاره من الرواية عن شيخه 179
رابعا: قلة المختصين في نقل تفسيره 181
عطاء بن أبي رباح 184
أسباب قلة الرواية عند عطاء 1تحرجه من تفسير القرآن 185
2 - اشتغاله بالفقه، والإفتاء 189
3 - قلة الناقلين لتفسيره 193
4 - ضعف اعتماده على اللغة في تفسيره 194
ما انفرد به من أمور في منهجه 195
1 - قلة اعتماده على روايات بني إسرائيل 195
2 - قلة الملازمة لابن عباس رضي الله عنهما 197
3 - توسعه في الفقه، والإفتاء 198(2/1249)
الحسن البصري عوامل السبق عند الحسن 200
أولا: تقدمه في علوم اللغة العربية 201
أفصاحته 201
ب تقدمه في النحو وعدم اللحن في كلامه 203
ج سبقه في معرفة الغريب من اللغة 205
ثانيا: إمامته في الوعظ، والتذكير 209
أسباب كثرة المروي عنه 220
1 - التساهل في الرواية 220
2 - حرصه على نشر العلم، وتأثمه من كتمانه 225
3 - حرصه على الكتابة 225
4 - اهتمامه بمعرفة أسباب النزول، وتقدمه في هذا 226
5 - كثرة الاجتهاد وقوة الاستنباط 227
6 - عدم دخوله في الفتن 232
7 - تقدمه وجمعه لفروع عديدة من العلم 235
8 - تقدمه في القراءة 236
9 - إكثاره في باب الوعظ والتذكير 237
العوامل التي أدت إلى تقليل نتاجه مقارنة بغيره 238
1 - عدم تخصص أحد من تلاميذه لرواية تفسيره 238
2 - اشتغاله بالفقه، وتصدره للفتوى 239
3 - ضعف حافظته 241
4 - قلة أسفاره ورحلاته 242
5 - هيبته في قلوب تلاميذه 243
6 - قلة اهتمام المشارقة بتفسيره 243
أثره في بعض علوم القرآن 243
أولا: موقفه من النسخ 243
ثانيا: معرفة المكي والمدني 244
ثالثا: المعرب في التفسير 245
رابعا: موقفه من الإسرائيليات 246(2/1250)
قتادة ما تميز به قتادة مما أثر في تفسيره 252
أولا: قوة حافظته 252
أثر حافظته على تفسيره 254
أبعده عن مخالفة الظاهر وقلة الاجتهاد والرأي في تفسيره 255
ب اهتمامه برواية أسباب النزول 256
ثانيا: إقلاله من الرواية عن بني إسرائيل 256
أقلة تعرضه للرواية عن أهل الكتاب 257
ب مخالفته لمن فسّر بالإسرائيليات 257
ج تحرجه من رواية الإسرائيليات 258
ثالثا: الوعظ في تفسيره 263
خصائص تفسيره 263
1 - أسلوب المخاطبة والحوار في تفسيره 263
2 - أسلوب القسم لتأكيد المعنى المراد 265
3 - شدة عباراته على المخالفين 265
4 - جمال العبارة وصدقها وتأثيرها في وعظه 267
5 - الوعظ في آيات الأحكام 268
6 - الدقة في استنباط الفوائد الدعوية 269
7 - اهتمامه بأمثال القرآن 270
8 - عنايته بعلم المناسبات 272
رابعا: أثره في بعض علوم القرآن 274
أتوسعه في النسخ 275
ب أسباب النزول 277
ج المكي والمدني 277
أسباب كثرة المنقول عنه في التفسير 278
1 - عناية تلاميذه بنقل تفسيره 278
2 - حضه على الكتابة 281
3 - كثرة رحلاته 281
4 - تعدد مصادره 282(2/1251)
5 - حافظته 283
6 - سبقه في علوم اللغة 283
7 - عنايته وحرصه على بيان وتفسير آيات الوعد والوعيد 286
8 - عدم دخوله في الفتن 287
9 - تأخر وفاته 287
أبو العالية إمامته في القراءة 288
تأثره بالمنهج المكي 291
جوانب تأثره بالمنهج المكي 293
1 - اهتمامه بتأويل مشكل الآيات 293
2 - عنايته ومتابعته لأشباه القرآن وكلياته 294
3 - قلة تعرضه لتفسير آيات الأحكام 294
4 - تساهله في رواية الإسرائيليات 295
5 - بعده عن الأهواء 295
أسباب قلة المروي عنه في التفسير 296
1 - قلة الرواة عنه 296
2 - جل تفسيره جاء من رواية الربيع 297
3 - حب للخفاء 297
4 - كراهيته لكتابة العلم 297
5 - تشدده في قبول الرواية 298
إسماعيل السدي مميزات تفسيره التي أدت إلى انتشاره 300
1 - إكثاره في باب التفسير 300
2 - تعدد مصادره 301
3 - الاهتمام بالتفسير الروائي 302
4 - عناية تلاميذه بنقل آثاره 303
5 - انقطاعه للتفسير واشتغاله به 303
6 - اهتمام بنقل أسباب النزول 304
7 - إكثاره من الرواية عن أهل الكتاب 305(2/1252)
8 - توسعه في القول بالنسخ 313
9 - عنايته بعلم القراءات 315
10 - تأخر وفاته 315
عامر الشعبي أسباب قلة المروي عنه في التفسير 317
1 - شدة ورعة وكراهيته من التحديث والفتيا 317
2 - كراهيته للرأي والقياس 320
3 - ورعه في التفسير 323
4 - اشتغاله بالآثار والسنن والأحكام الفقهية 324
5 - قلة الرواة عنه 326
6 - ما تعرض له من الفتن 326
خصائص تفسيره 327
1 - غلبة الجانب الأثري على أقواله 327
2 - تقدمه في علوم اللغة 329
إبراهيم النخعي أسباب قلة المروي عنه في التفسير 333
1 - هيبته وتورعه عن القول في تفسير القرآن 333
2 - تشدده في قبول الرواية 335
3 - انصرافه للفقه، وعنايته بالأحكام الفقهية 337
4 - كراهيته للكتابة 338
5 - ورود اللحن في كلامه 339
6 - ما وقع له من الفتن، وتقدم وفاته 339
خصائص تفسيره 340
1 - جمعه بين الرواية، والدراية 340
2 - تفوقه في الاجتهاد، والقدرة على الاستنباط 341
3 - حرص أصحابه على نشر علمه 342
4 - إعراضه عن الرواية عن أهل الكتاب 343
سعيد بن المسيب أسباب قلة المروي عنه في التفسير 346(2/1253)
1 - تعظيمه للتفسير وشدة ورعه فيه 346
2 - اشتغاله بالفقه والإفتاء 347
3 - قلة تحديثه وهيبة الناس له 349
4 - عدم تركه كتبا 350
5 - النهي عن مجالسته 350
الجانب الأثري الروائي عند سعيد وتأثيره في التابعين 350
وفاته 353
محمد بن كعب القرظي مميزات تفسيره 357
الفصل الثاني: عرض لمدارس التفسير في عصر التابعين 365
المبحث الأول: المدرسة المكية 371
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما 372
أسباب تقدم ابن عباس في التفسير 374
1 - دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالفقه في الدين، والعلم بالتأويل 374
2 - قرب منزلته من عمر 375
3 - الأخذ عن كبار الصحابة 381
4 - قوة اجتهاده وقدرته على الاستنباط 383
5 - اهتمامه بالتفسير 387
6 - منهج ابن عباس رضي الله عنهما 390
7 - حرصه رضي الله عنه على نشر علمه 393
8 - رحلاته وأسفاره 394
9 - تأخر وفاته 395
مقارنته بين أصحاب ابن عباس 396
بين مجاهد وعكرمة 396
أولا: أوجه الشبه والاتفاق 396
ثانيا: بعض أوجه التباين والاختلاف 397(2/1254)
بين عكرمة وسعيد 402
بين عطاء بن أبي رباح وأصحاب ابن عباس 406
أسباب كثرة المروي عنهم 407
1 - إمامة ابن عباس رضي الله عنهما للمدرسة 408
2 - الأثر المكاني على المدرسة 408
3 - كثرة رحلاتهم وأسفارهم 409
4 - حرصهم على نشر علمهم 410
5 - التصنيف والتدوين المبكر لآثار المدرسة 411
6 - قلة العلم في مكة زمن كبار الصحابة 412
7 - كثرة اشتغالهم بالتفسير 412
8 - الاجتهاد والقدرة على الاستنباط 413
9 - كتابة التفسير 414
10 - البعد عن الفتن 416
أثرها 416
أثرها على المدرسة الكوفية 417
أثرها على المدرسة البصرية 420
المبحث الثاني: المدرسة البصرية 422
مقارنة بين البصريين 427
بين الحسن وقتادة 427
بين الحسن وابن سيرين 432
جابر بن زيد والبصريون 441
الربيع بن أنس البكري 443
بين الربيع وأبي العالية 444
بين الحسن وأبي العالية 446
أسباب كثرة المروي عنهم 448
1 - كثرة روايتهم وتساهلهم في ذلك 448
2 - تقدمهم في معرفة اللغة 450(2/1255)
3 - بعد المدرسة عن الفتن 451
4 - التدوين المبكر لآثار المدرسة 452
5 - إقدام المدرسة على اقتحام باب التفسير 452
6 - أثر ابن عباس عليها 453
7 - قلة الصحابة فيها 453
8 - الحرص على إبلاغ العلم ونشره 454
أثرها 454
المبحث الثالث: المدرسة الكوفية 457
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 458
أسباب قلة نتاج ابن مسعود 462
1 - التحرج والورع عن ابن مسعود رضي الله عنه 462
2 - الاشتغال بالقراءة 465
3 - اشتغاله بالفقه، والافتاء 469
4 - تقدم وفاته رضي الله عنه 469
أصحاب عبد الله 470
1 - علقمة بن قيس 472
2 - مسروق 474
3 - بين مسروق وعلقمة 475
4 - عبيدة السلماني 479
5 - أبو ميسرة بن شرحبيل 480
6 - الأسود بن زيد 481
7 - الحارثي الجعفي 483
8 - مرة الهمداني 484
مقارنة بين الشعبي والنخعي 485
أسباب قلة المروي عن المدرسة في التفسير 492
1 - الهيبة والورع في التفسير 492
2 - التشدد في نقل الأحاديث والسنن 496
3 - كراهية الكتابة 498(2/1256)
4 - اشتغال المدرسة بالفقه والإفتاء 499
5 - الفتن وأثرها على المدرسة 500
6 - تقدم وفاة أصحاب عبد الله 500
أثرها 501
أثرها على المدرسة المكية 501
أثرها على المدرسة البصرية 503
المبحث الرابع: المدرسة المدنية 505
زيد بن ثابت 506
وفاته 510
أصحاب زيد بن ثابت 510
عروة بن الزبير 511
سليمان بن يسار 512
بين أصحاب زيد 514
أسباب قلة المروي عنهم 516
1 - الورع من التعرض لتأويل القرآن 516
2 - الاشتغال برواية السنن والآثار والسير 518
3 - قلة الكتابة 519
أثرها 520
أثرها على البصرة 521
أثرها على التفسير في الشام 523
أثرها على المدرسة المكية 524
المبحث الخامس: التفسير في الشام، واليمن، ومصر 525
التفسير في الشام 525
بين الشام والمدينة 528
بين الشام والعراق 532
التفسير في اليمن 536
التفسير في مصر 540(2/1257)
الفصل الثالث: خصائص مدارس التفسير 547
المبحث الأول: خصائص المدرسة المكية 548
الخصيصة الأولى: كثرة الاجتهاد والاستنباط 548
مجالات اجتهاد المدرسة المكية
1 - الدقة اللغوية 551
2 - معالجة مشكل القرآن 552
3 - تفسير آيات الصفات 553
4 - اتساع دائرة التفسير 554
الخصيصة الثانية: التخصص في علم التفسير 555
الخصيصة الثالثة: قلة اهتمامهم بالعلوم الأخرى 557
الخصيصة الرابعة: التوسع في الإسرائيليات 558
المبحث الثاني: خصائص مدرسة البصرة 560
الخصيصة الأولى: الجوانب اللغوية 560
الخصيصة الثانية: الجانب الوعظي في التفسير 566
الخصيصة الثالثة: اجتناب الإسرائيليات 575
الخصيصة الرابعة: بروز التفسير بالسنة في المروي عنهم 577
المبحث الثالث: خصائص المدرسة الكوفية 579
الخصيصة الأولى: الاهتمام بتفسير آيات الأحكام 579
الخصيصة الثانية: كثرة الاشتغال بالقراءة 582
الخصيصة الثالثة: الهيبة، والورع في التفسير 584
الخصيصة الرابعة: الاهتمام بنقل آثار ابن مسعود 585
الخصيصة الخامسة: قلة الإسرائيليات في تفسيرها 589
المبحث الرابع: خصائص المدرسة المدنية 592
الخصيصة الأولى: هيبة التفسير والإقلال من التعرض له 592
الخصيصة الثانية: الانشغال عن التفسير بالحديث والمغازي والسير 595
الخصيصة الثالثة: السلامة من الأهواء والفتن 597
الخصيصة الرابعة: الاهتمام بالقراءات 599
الخصيصة الخامسة: الاهتمام بالنسخ والتوسع فيه 600(2/1258)
الباب الثالث مصادر ومناهج التابعين في التفسير الفصل الأول: مصادر التابعين في التفسير 607
المبحث الأول: القرآن الكريم 608
مسالك التابعين في تفسير القرآن بالقرآن 609
طرق التابعين وأساليبهم في تفسير القرآن بالقرآن 611
1 - نظائر القرآن 611
2 - الأشباه 615
3 - الدلالة على التفسير بالسياق 617
4 - بيان المجمل 618
5 - تفسير العام بالخاص 621
6 - التفسير باللازم 623
7 - توضيح المبهم 624
8 - بيان المعنى لفظ أو إيضاح مشكلة 626
المبحث الثاني: السنة النبوية 628
أسباب قلة المروي عنهم في هذا الباب عموما 632
اختلاف التابعين في الاعتماد على المصدر 633
منزلة هذا المصدر عند التابعين 636
مسالك التابعين في تفسيرهم للقرآن بالسنة 642
المبحث الثالث: التفسير بأقوال الصحابة 651
منهج التابعين في الأخذ عن الصحابة 657
اختلاف مناهج التابعين في الأخذ عن الصحابة 662
المدرسة الكوفية 663
المدرسة المكية 663
المدرسة المدنية 664
المدرسة البصرية 664(2/1259)
أسباب تفاوت التابعين في الأخذ عن الصحابة 666
1 - كثرة أو قلة الصحابة في الأمصار 666
2 - حال الصحابي 666
3 - شخصية التابعي 668
4 - الرحلات والكتابة 270
نتائج الأخذ عن الصحابة وآثارها 672
1 - حفظ أخبار الصحابة، ومعرفة دقيق أحوالهم، والتمييز بينهم 672
2 - حفظ أقوال الصحابة 673
3 - الالتزام بمناهج الصحابة، والإفادة منها 675
4 - تبني أقوال الصحابة 677
5 - الرواية عن كبار التابعين والأقران 678
المبحث الرابع: اللغة العربية 681
اختلاف التابعين في مدى اعتمادهم اللغة مصدرا من مصادر التفسير 683
أهم الأسباب التي ساعدت التابعين على الاستفادة من اللغة 689
1 - معرفة لسان العرب 689
2 - معرفة عادات العرب، وأخبارهم 692
3 - الإمام بأشعار العرب 695
4 - معرفة فقه اللغة 698
5 - معرفة اشتراك اللغات (المعرب) 702
المبحث الخامس: الاجتهاد 708
اجتهاد التابعين في التفسير 709
مواطن الاجتهاد في تفسيرهم 710
قيمة اجتهادهم 711
أدوات الاجتهاد عندهم 712
مميزات اجتهاد التابعين 712
1 - تنوع عبارات الاجتهاد 713
2 - الإيجاز غير المخل 714
3 - عمق التأمل ودقة التفسير 715
4 - قوة الاستنباط 716(2/1260)
5 - الدقة في التفريق بين الألفاظ ذات المعاني المتقاربة 717
اختلاف مدارس التابعين، في تناول الاجتهاد في التفسير 719
المدرسة المكية 721
المدرسة البصرية 722
المدرسة الكوفية 722
المدرسة المدنية 723
أسباب تفاوتهم في باب الاجتهاد 723
1 - أثر الشيوخ في تلاميذهم 723
2 - الميول والاهتمامات 726
3 - أثر الرواية في تفاوت الاجتهاد عند التابعين 734
4 - المواهب الإلهية 737
5 - الورع 739
6 - أثر البيئة 742
الفصل الثاني: منهجهم في التفسير 747
المبحث الأول: منهجهم في القراءات 748
منهج المدرسة الكوفية 756
منهج المدرسة المكية 758
منهج المدرسة البصرية 760
منهج المدرسة المدنية 761
مناهج التابعين في الاستفادة من القراءات 762
منهجهم في قبول القراءة أو ردها 762
توجيه القراءة 762
الترجيح بين القراءات 765
معرفة المنسوخ من القراءات 765
الترجيح في الأحكام بالقراءة 766
الإفادة من القراءات في التفسير 768
منهج التصويب والتخطئة 771(2/1261)
المبحث الثاني: منهجهم في آيات الاعتقاد 781
أولا: منهجهم في تناول آيات الصفات 785
باب الأسماء 788
باب الصفات 790
الوجه 793
اليد 794
تفسير الكرسي 795
الساق 797
الرؤية 799
ثانيا: منهج التابعين في تفسير الآيات المتعلقة بالإيمان 801
الإيمان قول، وعمل 802
الإيمان يزيد وينقص 803
ثالثا: الإرجاء، وأثره على المدارس التفسيرية في عصر التابعين 806
رابعا: موقف التابعين من التكفير، وأثر ذلك في تفسيرهم 809
خامسا: القدر 814
سادسا: التشيع 826
سابعا: الفرق، وأثرها في تفسير التابعين 832
الخوارج 833
القدرية 837
التشيع 840
المبحث الثالث: منهجهم في استنباط آيات الأحكام 845
مدارس التفسير وأئمتها 846
طرق الاستنباط عند مفسري التابعين 854
1 - ملاحظة النسخ 854
2 - الاستدلال بالقراءة غير المتواترة 856
3 - الاستدلال بظاهر الآية 857
4 - الأخذ بالعمومات 859
5 - تخصيص العام 862
6 - حمل المطلق على المقيد 863
7 - الاستدلال بالمفهوم 863
8 - بيان المجمل 865(2/1262)
9 - دلالات الأمر والنهي 868
10 - الاستدلال بالعرف 869
الاستنباط من اللغة، وعادات العرب 870
موقف التابعين من إطلاق الأحكام التكليفية 873
المبحث الرابع: منهجهم في تلقي الإسرائيليات وروايتها 875
الإسرائيليات بين القبول والرد 876
جماع أعذار المفسرين في النقل عن بني إسرائيل 883
موقف المدارس التفسيرية من الإسرائيليات 884
المدرسة المكية 885
المدرستان العراقيتان 887
المدرسة المدنية 888
الفرق بين الصحابة والتابعين في تناول الإسرائيليات 889
1 - عدد المرويات 889
2 - كيفية إيراد المرويات 889
3 - ما انفرد به التابعون 894
أسباب رواية الإسرائيليات في كتب التفسير 895
1 - عنصر التشويق 895
2 - عدم وجود النص المرفوع 896
3 - الجمع بين ما ورد في القرآن والكتب السابقة 897
4 - توضيح المبهم 899
5 - عدم ظهور الإنكار الشديد في عصرهم 900
نتائج وآثار الإسرائيليات في التفسير 900
1 - مخالفة الظاهر 901
2 - الجرح والرد لما جاء عن بعضهم 901
3 - التوسع فيما لا طائل تحته مما اعتمده من جاء بعدهم 902
4 - غلبة الضعف على التفسير بالمأثور 903
5 - الاستدلال بالقرآن والسنة لتأييد الرواية عن بني إسرائيل 904
6 - الاطلاع على أحوال أهل الكتاب 905
7 - الترجيح 906(2/1263)
أشهر من أسلم من أهل الكتاب 907
الباب الرابع قيمة وأثر تفسير التابعين الفصل الأول: قيمة تفسير التابعين رواية 918
1 - الحجم الكبير للآثار المنقولة عن التابعين 919
2 - أسباب تفاوت المروي عن أئمة التابعين 920
1 - أثر المكان 920
2 - حال الشيخ 921
3 - حال التلاميذ 921
3 - كثرة الطرق والشواهد لتفسيرهم 923
4 - التفسير بالمأثور بين الضعف والقوة 926
5 - طرق التفسير عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم 928
6 - الطرق التي رويت بها آثار التابعين 930
1 - طرق وأسانيد تفسير مجاهد 931
2 - طرق وأسانيد الآثار عن قتادة في التفسير 932
3 - طرق وأسانيد تفسير سائر التابعين 934
الفصل الثاني: قيمة تفسير التابعين دراية 941
المبحث الأول: نوع الخلاف بين مفسري التابعين 943
أنواع الاختلاف 945
اختلاف التنوع 945
اختلاف التضاد 945
أنواع اختلاف التنوع 946
المبحث الثاني: مميزات تفسير التابعين 953
1 - ظهور الاجتهاد في التفسير، ونشأة المدارس التفسيرية 953
2 - كثرة الاعتماد على المأثور في تفسيرهم 955
3 - الاستقلالية 955(2/1264)
4 - بدء عصر التدوين للتفسير وعلومه 960
5 - منهج التلقي والرواية 961
6 - نواة الخلاف 962
7 - التابعون بين عصرين 964
المبحث الثالث: منزلة تفسير التابعين عند العلماء 968
منزلتهم في التفسير 969
منزلتهم في أصول التفسير 970
منزلتهم عند تابع التابعين 971
منزلتهم عند أصحاب المذاهب الفقهية المتبوعة 972
1 - عند الإمام أبي حنيفة 972
2 - عند الإمام مالك 973
3 - عند الإمام الشافعي 974
4 - عند الإمام أحمد 975
منزلتهم في كتب الزهد والرقائق 976
الفصل الثالث: أثر التابعين في التفسير وأصوله 979
المبحث الأول: أثر التابعين في كتب التفسير عند أهل السنة وغيرهم 979
أثر التابعين في كتب التفسير بالمأثور 983
من الآيات التي انفردوا بتفسيرها 985
أثرهم في التفسير عند غير أهل السنة 1014
أثرهم في تفاسير الشيعة 1015
طبيعة الروايات والآثار في تفسير الشيعة 1015
النصوص القرآنية في تفسير الشيعة 1019
نظرة الشيعة لأئمة التفسير من التابعين 1028
أثرهم في تفاسير الخوارج 1033
المبحث الثاني: أثر التابعين في كتب أصول التفسير 1035
1 - كليات القرآن (الوجوه والنظائر) 1036
كليات الحروف 1038
كليات الأسماء 1039(2/1265)
كليات الأفعال 1041
كليات الأحكام 1043
2 - نزول القرآن 1044
3 - أسباب النزول 1049
4 - ما نزل أولا وما نزل آخرا 1051
5 - معرفة المكي والمدني 1056
6 - المحكم والمتشابه 1072
7 - الناسخ والمنسوخ 1080
اتساع مفهوم النسخ عند التابعين 1081
أنواع النسخ عند التابعين 1083
على أي شيء يقع النسخ 1086
المدارس التفسيرية والنسخ 1086
كيفية تناول التابعين للنسخ 1088
الآيات التي ورد عنهم القول فيها بالنسخ 1090
8 - أمثال القرآن 1115
المقارنة بين تناول التابعين للأمثال، وبين تناول الصحابة 1119
9 - إقسام القرآن 1131
10 - علم المناسبات 1134
11 - المصاحف والأداء 1141
تحزيب القرآن 1145
معرفة أسماء السور 1146
الأداء 1148
معرفة الحضري والسفري مما نزل 1149
ما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة 1150
ما تأخر حكمه عن نزوله 1150
ما نزل مفرقا، وما نزل جمعا 1151
ما نزل مشيعا 1151
ما أنزل من القرآن على بعض الأنبياء 1151
من آداب تلاوته وتأليفه 1152(2/1266)
معاني بعض الأدوات التي يحتاج إليها المفسر 1153
معرفة إعراب القرآن 1154
موهم الاختلاف في القرآن 1154
دلالة المنطوق 1155
بيان كنايات القرآن 1155
معرفة الإيجاز في القرآن والإطناب 1155
بدائع القرآن 1156
من العلوم المستنبطة من القرآن 1156
وفي معرفة ما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب 1157
من أخبار الأنبياء 1157
من أسماء غير الأنبياء التي جاءت في القرآن 1158
من أسماء القبائل والأقوام 1159
معرفة الأماكن والبقاع والجبال 1159
من الأسماء الأخروية 1160
معرفة المبهمات 1161
مفردات القرآن 1163
خواص القرآن 1164
بيان شرف التفسير والحاجة إليه 1164
الخاتمة 1167
الفهارس فهرس النتائج والفوائد 1183
فهرس المصادر والمراجع 1207
فهرس الموضوعات 1245(2/1267)